كتاب : المفضليات
المؤلف : المفضل الضبي

فلَم تَنْجُ إِلاَّ شِطْبَةٌ بِلِجامِهَا ... وإِلاَّ طِمِرٌّ كالقَنَاةِ نَجِيبُ
وإِلاَّ كَمِيٌّ ذُو حِفَاظِ كأَنَّهُ ... بما أَبْتَلَّ منْ حَدِّ الظبَاتِ خَضِيبُ
وأَنتَ أَزَلْتَ الخُنْزُوَانَةَ عنهمُ ... بِضَرْبٍ له فَوقَ الشُّؤُونَ دَبِيبُ
وأَنتَ الذي آثارُهُ في عَدُوِّهِ ... منَ البُؤْسِ والنُّعْمَى لَهُنَّ نُدُوبُ
وفي كُلِّ حيٍّ قد خَبَطْتَ بِنِعْمَةٍ ... فَحُقَّ لِشَأس من نَدَاكَ ذَنُوبُ
وما مِثلُهُ في الناسِ إِلاَّ أَسِيرُهُ ... مُدَانٍ، ولا دَانٍ لِذَاكَ قَرِيبُ

قال علقمة بن عبدة أيضا
ً
هل ما عَلِمْتَ وما اسْتَودِعْتَ مَكْتُومُ ... أَم حَبْلُها إِذْ نَأَتْكَ اليومَ مَصْرُومُ
أَمْ هل كَبِيرٌ بَكَى لم يَقْضِ عَبْرَتَهُ ... إِثْرَ الأَحِبَّةِ يومَ البَيْنِ مَشْكُومُ
لم أَدْرِ بالبيْنِ حتَّى أَزْمَعُوا ظَعَناًكُلُّ الجِمَالِ قُبَيْلَ الصُّبْحِ مَزْمُومُ
رَدَّ الإِماءُ جِمَالَ الحَيِّ فاحْتَمَلُوا ... فَكُلُّها بالتَّزِيدِيَّاتِ مَعْكُومُ
عَقْلاً ورَقْماً تَظَلُّ الطَّيْرُ تَخْطَفُه ... كأَنَّهُ من دَمِ الأَجْوافِ مَدْمومُ
يَحْمِلْنَ أُتْرُجَّةً نَضْجُ العَبيرِ بها ... كأَنَّ تَطْيابَها في الأَنْفِ مَشْمُومُ
كأَنَّ فَأَرَةَ مِسْكٍ في مَفَارِقِها ... لِلْباسِطِ المُتَعَاطِي وهْوَ مَزْكُومُ
فالعَيْنُ مِنِّي كأَنْ غَرْبٌ تَحُطُّ بهِ ... دَهْمَاءُ حَارِكُها بالقِتْبِ مَحْزُومُ
قد عُرِّيَتْ زَمناً حتَّى اسْتَطَفَّ لها ... كِتْرٌ كَحَافَةِ كِيرِ القَيْنِ مَلْمُومُ
قد أَدْبرَ العَرُّ عنها وهْيَ شَامِلُها ... من ناصِع القَطِرانِ الصِّرْفِ تَدْسِيمُ
تَسْقِي مَذَانِبَ قد زَالَتْ عَصِيفَتُها ... حَدُورُها مِنْ أَتِيِّ الماءِ مَطْمُومُ
من ذِكْرِ سَلْمَى وما ذِكْرِى الأَوَانَ بهاإِلاَّ السَّفَاهُ، وظَنُّ الغَيْبِ تَرْجِيمُ
صِفْرُ الوِشَاحَيْنِ مِلْءُ الدِّرْعِ خَرْعبَةٌ ... كأَنَّها رَشَأُ في البَيْتِ مَلْزُومُ
هل تُلْحِقَنِّي بأُخْرَى الحَيّ إِذْ شَحِطُوا ... جُلْذِيَّةٌ كأَتَان الضَّحْل عُلْكُومُ
كأَنَّ غِسْلَةً خَطْمِيٍّ بِمِشْفَرِها ... في الخَدِّ منها وفي اللَّحْيَينِ تَلْغِيمُ
بِمِثْلِها تُقْطَعُ المُوْماةُ عنْ عُرُضٍ ... إِذَا تَبَغَّمَ في ظَلْمَائِهِ البُومُ
تُلاحِظُ السَّوْط شَزْراً وهْيَ ضَامِرَةٌ ... كما تَوَجَّسَ طَاوِي الكَشْحِ مَوْشُومُ
كأَنَّها خاصِبٌ زُعْرٌ قَوَادِمُهُ ... أَجْنَى لهُ بِاللِّوَى شَرْيٌ وتَنُّومُ
يَظَلُّ في الحَنْظَلِ الخُطْبَانِ يَنْفُقُهُ ... وما اسْتَطَفَّ منَ التَّنُّومِ مَخْذُومُ
فُوهُ كَشَقِّ العَصَا لأَياً تَبَيَّنُهُ ... أَسَكُّ ما يَسْمَعُ الأَصْوَاتَ مَصْلُومُ
حتَّى تَذَكَّرَ بَيْضَاتٍ وهَيَّجَهُ ... يَوْمُ رَذَاذٍ عليهِ الرِّيحُ مَغْيُومُ
فَلا تَزَيُّدُهُ في مَشْيِهِ نَفِقٌ ... وَلا الزَّفِيفُ دُوَيْنَ الشَّدِّ مَسْؤُومُ
يَكَادُ مَنْسِمُهُ يَخْتَلُّ مَقْتَلَهُ ... كأَنَّهُ حاذِرٌ لِلنَّخْسِ مَشْهُومُ
وَضَّاعةٌ كَعِصِيِّ الِّشْرِع جُؤْجُؤُهُ ... كأَنَّهُ بِتَنَاهِي الرَّوْضِ عُلْجُومُ
يَأْوِي إِلى حِسْكِلٍ زُعْرٍ حَوَاصِلُهُ ... كأَنَّهُنَّ إِذَا بَرَّكْنَ جُرْثُومُ
فَطَافَ طَوْفَيْنِ بالأُدْحِىِّ يَقْفُرُهُ ... كأَنَّهُ حاذِرٌ لِلنَّخْسِ مَشْهُومُ

حتَّى تَلافى وقَرْنُ الشمسِ مُرْتَفِعٌ ... أُدْحِيَّ عِرْسَيْنِ فِيهِ البيْضُ مُرْكُومُ
يُوحِي إِليها بِإِنْقَاضٍ ونَقْنَقَةٍ ... كما تَرَاطَنُ في أَفْدَانِها الرُّومُ
صَعْلٌ كأَنَّ جنَاحَيْهِ وجُؤْجُؤَهُ ... بْيٌت أَطافَتْ به خَرْقاءُ، مَهْجُومُ
تَحُفُّهُ هِقْلَةٌ سَطْعَاءُ خاضِعَةٌ ... تُجيبُهُ بِزِمَارٍ فيه تَرْنِيمُ
بَلْ كلُّ قَوْمٍ وإِنْ عزُّوا وإِنْ كثُرُوا ... عَرِيفُهُمْ بأَثَافِي الشَّرِّ مَرْجُومُ
والحمْدُ لا يُشْتَرَى إِلاَّ لهُ ثَمَنٌ ... ممَّا يَضِنُّ به الأَقوامُ مَعْلُومُ
والجودُ نافِيةٌ لِلْمَالِ مَهْلِكَةٌ ... والبُخْلُ باقٍ لأَِهْلِيهِ ومذْمومُ
والمالُ صُوفُ قَرارٍ يَلْعَبُونَ بهِ ... عل نِقَادَتِه وَافٍ ومَجْلُومُ
ومُطْعَمُ الغُنْمِ يومَ الغُنْم مُطْعَمُهُ ... أَنَّى تَوَجَّهَ، والمحْرومُ مَحْرُومُ
والجهلُ ذُو عَرَضٍ لا يُسْتَرادُ لهُ ... والْحِلْمُ آوِنَةً في الناسِ مَعْدُومُ
ومَنْ تَعَرَّضَ لِلْغِرْبانِ يَزْجُرُها ... على سلاَمَتهِ لا بُدَّ مَشْؤُومُ
قد أَشْهَدُ الشَّرْبَ فيهمْ مِزْهَرٌ رَنِمٌ ... والقومُ تَصْرَعُهُمْ صَهْباءُ خُرْطُومُ
كأْسُ الصُّدَاعَ ولا يُؤْذِيكَ صالبُها ... ولا يُخالِطُها في الرأَسِ تَدْويمُ
عَانِيَّهٌ قَرْقَفٌ لم تُطَّلَعْ سَنَةً ... يُجُنُّها مُدْمَجٌ بالطِّينِ مَخْتُومُ
ظَلَّتْ تَرَقْرَقُ في النَّاجُودِ يَصْفِقُها ... وَليدُ أَعْجَمَ بالكَتَّانِ مَفْدُومُ
كأَنَّ إِبْريقَهُمْ ظَبْيٌ علَى شَرَفٍ ... مُفَدَّمٌ بِسَبَا الكَتَّانِ مَرْثُومُ
أَبْيَضُ أَبْرَزَهُ لِلضِّحِّ رَاقِبُهُ ... مُقَلَّدٌ قُضُبَ الرَّيْحَانِ مَفْغُومُ
وقد غَدوْتُ على قِرْنِي يُشيِّعُنِي ... ماضٍ أَخُو ثِقَةٍ بِالخَيْرِ مَوْسُومُ
وقد يَسَرْتُ إِذَا ما الْجُوعُ كَلَّفَهُ ... مُعَقَّبٌ مِنْ قِدَاحِ النَّبْعِ مَقْرُومُ
لو يَيْسِرُونَ بِخَيْلٍ قد يَسَرْتُ بها ... وكلُّ ما يَسَرَ الأَقْوَامُ مَغْرُومُ
وقد أُصاحِبُ فِتْيَاناً طعامُهُمُ ... خُضْرُ المَزَادِ ولَحْمٌ فِيهِ تَنْشِيمُ
وقد عَلَوْتُ قُتُودُ الرَّحْلِ يَسْفَعُنِي ... يومٌ تَجِيءُ به الجَوْزَاءُ مَسْمُومُ
حَامٍ كأَنَّ أُوَارض النَّارِ شَامِلُهُ ... دُونَ الثِّيابِ ورَأْسُ المَرْءِ مَعْمُومُ
وقد أَقُودُ أَمامَ الحَيِّ سَلْهَبَةً ... يَهْدِي بها نَسَبٌ في الحَيِّ مَعْلُومُ
لا فِي شَظَاها ولا أَرْساغِها عَتَبٌ ... ولا السَّنابِكُ أَفْنَاهُنَّ تَقْلِيمُ
سُلاَّءَةٌ كَعَصَا النَّهْدِيِّ غُلَّ لها ... ذُو فَيْئَةٍ من نَوَى قُرَّانَ مَعْجُومُ
تَتْبَعُ جُوناً إِذَا ما هُيِّجَتْ زَجِلَتْ ... كأَنَّ دُفًّا على العَلْيَاءِ مَهْزُومُ
إِذَا تَزَغَّمَ مِنْ حَافاتِها رُبَعٌ ... حَنَّتْ شَغَامِيمُ في حَافَاتِها كُومُ
يَهْدِي بها أَكْلَفُ الخَدَّيْنِ مُخْتَبَرٌ ... مِنَ الجِمَالِ كَثيرُ اللَّحْم عَيْثُومُ

قال
خراشة بن عمرو العبسي
أَبَى الرَّسْمُ بالجَوْنَيْنِ أَنْ يَتَحَوَّلاَوَقد زَادَ بَعْدَ الحَوْلِ حَوْلا مُكَمَّلاَ
وبُدِّلَ منْ لَيْلَي بما قد تحُلُّهُ ... نِعاجَ المَلاَ تَرْعَى الدَّخُولَ فَحَوْمَلاَ
مُلَمَّعَةً بِالشَّأْمِ سُفعاً خُدُودُها ... كأَنَّ عليها سَابِرِيًّا مُذَيَّلاَ

كأَنَّ جُنُوداً رَكَّزَتْ حَيْثُ أَصْبَحَت ... رِمَاحاً تَعَالَى مُسْتَقِيماً وأَعْصَلاَ
فلا قَوْمَ إِلاَّ نَحْنُ خَيْرٌ سياسةً ... وخَيْرٌ بِقِيَّاتٍ بَقِينَ وأَوَّلاَ
وأَطْوَلُ في دَارِ الحِفَاظِ إِقامَةً ... وأَرْبَطُ أَحْلاَماً إِذا البقْلُ أَجْهَلاَ
وأَكْثَرُ مِنَّا سَيِّداً وابْنَ سَيِّدٍ ... وأَجْدَرُ مِنَّا أَنْ يَقُولَ فَيَفْعَلا
قُرُومٌ نَمَتْنَا في فُرُوعٍ قديمةٍ ... بِحَيْثُ امْتنَاعُ المَجْدِ أَنْ يَنَتَقَّلاَ
حُماةٌ غَدَاةَ الرَّوْعِ يَأْمَنُ سَرْبُنَاإِذا دَهِمَ الوِرْدُ الضَّعِيفَ المَذَلَّلاَ
مَصَالِيتُ ضَرَّابُونَ في حَوْمَةِ الوَغَاإِذَا الصَّارخُ المَكْرُوبُ عَمَّ وخَلَّلاَ
ونَحْنُ تَرَكْنَا عَنْوَةً أُمَّ حاجِبٍ ... تُجاوِبُ نَوْحاً ساهِرَ اللَّيْلِ ثُكَّلاَ
وجَمْعَ بَنِي غَنْمٍ غَدَاةَ حُبَالَةٍ ... صَبَحْنَ مَعَ الإِشْرَاقِ مَوْتاً مُعَجَّلاَ
بِكُلِّ سُرَيْجِيٍّ جَلاَ القَيْنُ مَتْنَهُرَقِيقِ الحَواشِي يتْرُكُ الجُرْحَ أَنْجَلاَ
وعُذْرَةَ قد حَكَّتْ بها الْحَربُ بَرْكَهَاوأَلْقَتْ عَلَى كَلْبٍ جِرَاناً وكَلْكَلاَ

قال
بشامة بن الغدير
لِمَنِ الدِّيَارُ عَفَوْنَ بالجَزْعِ ... بالدَّوْمِ بَيْنَ بُحارَ فالشِّرْعِ
دَرَسَتْ وقد بَقِيَتْ على حِجَجٍ، ... بَعْدَ الأَنيسِ عَفَوْنَها، سَبْعِ
إِلاَّ بَقايا خَيْمَةٍ دَرَسَتْ ... دارَتْ قواعِدُها على الرَّبْعِ
فَوَقَفْتُ في دارِ الْجَمِيعِ وقد ... جالَتْ شُؤُون الرَّأسِ بالدَّمْعِ
كعُرُوضِ فَيَّاضٍ على فَلَجٍ ... تَجْرِى جَدَاوِلُهُ على الزَّرْعِ
فَوَقَفَتُ فيها كَيْ أُسائِلَها ... غَوْجَ اللَّبَانِ كَمِطْرَقِ النَّبْعِ
أُنْضِي الرِّكابَ على مَكارِهِها ... بِزَفِيفِ بَيْنَ المَشْيِ والوَضْعِ
بِزفِيفِ نَقْنَقَةٍ مُصَلَّمَةٍ ... قَرْعاءَ بَيْنَ نَقانِقٍ قُرْعِ
وبَقاءِ مَطْرُورٍ تَخَيَّرَهُ ... صَنَعٌ لِطُولِ السَّنِّ والوَقْعِ
ويَدَيْ أَصَمَّ مُبادِرٍ نَهَلاً ... قَلِقَتْ مَحَالَتُهُ منَ النَّزْعِ
مِنْ جَمِّ بِئْرٍ كان فُرْصَتُهُ ... منها صَبِيحَةَ ليلةِ الرِّبْعِ
فأَقامَ هَوْذَلَةَ الرِّشاءِ وإِنْ ... تُخْطِىءْ يَدَاهُ يَمُدُّ بالضَّبْعِ
أَبْلِغْ بَنِي سَهْمٍ لَدَيْكَ فَهَلْ ... فِيكُمْ مِنَ الحَدَثَانِ مِنْ بِدْعِ
أَمْ هل تَرَوْنَ اليومَ منْ أَحَدٍ ... حَصَلَتْ حَصاةُ أَخٍ له يُرْعِي
فَلَئِنْ ظَفِرْتُمْ بالخِصامِ لِمَوْ ... لاَكُمْ فكانَ كَشَحْمَةِ القَلْعِ
وبَدَأتُمُ للناسِ سُنَّتَها ... وقَعَدْتُمُ لِلرِّيحِ في رَجْعِ
لَتَلاَوَمُنَّ على المَوَاطِنَ أَنْ ... لا تَخْلِطُوا الإِعْطاءَ بالمَنْعِ
قال
عمرو بن الأهتم
أَجِدَّكَ لا تُلِمُّ ولا تزُورُ ... وقد بانَتْ بِرُهْنِكُمُ الخُدُورُ
كأَنَّ على الجِمالِ نِعاجَ قَوٍّ ... كَوَانِسَ حُسَّراً عنها السُّتُورُ
وأَبْكارٌ نَوَاعِمُ أَلْحَقَتْنِي ... بِهِنَّ جُلاَلةٌ أُجُدٌ عَسِيرُ
فَلمَّا أَنْ تَسايَرْنا قَلِيلاً ... أَذِنَّ إِلى الحديثِ فَهُنَّ صُورُ
لقد أَوْصَيْتُ رِبْعِيَّ بنَ عَمْرٍو: ... إِذا حَزَبَتْ عَشِيرتَكَ الأُمُورُ
بأَنْ لا تُفْسِدَنْ ما قد سَعَينا ... وحِفْظُ السُّورَةِ العُلْيا كبِيرُ
وإِنَّ المجدَ أَوَّلُهُ وُعُورٌ ... ومَصْدَرُ غِبَّهِ كَرَمٌ وخِيرُ

وإِنَّكَ لَنْ تَنالَ المجدَ حتَّى ... تَجُودَ بما يَضَنُّ به الضَّميرُ
بِنفْسِكَ أَو بمالِك في أُمورٍ ... يَهابُ رُكوبَها الوَرِع الدَّثُورُ
وجَارِي لا تُهِينَنْهُ، وضَيْفِي ... إِذا أَمْسَى وَراءَ البَيْتِ كُورُ
يَؤُوبُ إِليكَ أَشْعَثَ جَرَّفتْهُ ... عَوَانٌ لا ينهنِهُهَا الفُتورُ
أَصِبْهُ بالكرامةِ واحْتَفِظْهُ ... عليكَ، فإِنَّ منطِقَهُ يَسِيرُ
وإِنْ منَ الصَّديقِِ عَليكَ ضِغْنَاً ... بَدَا لي، إِنَّنِي رَجُلٌ بَصِيرُ
بأَدْوَاءِ الرجال إِذا الْتَقَيْنا ... وما تُخْفِي منَ الحَسَكِ الصُّدُورُ
فإِنْ رَفَعُوا الأَعِنَّةَ فارْفَعَنْها ... إِلى العُلْيا، وأَنتَ بها جديرُ
وإِنْ جَهَدُوا عليكَ فلا تَهَبْهُمْ ... وجاهِدْهُمْ إِذا حَمِيَ الفَتِيرُ
فإِنْ قَصَدُوا لِمُرِّ الحَقِّ فاقْصِدْ ... وإِنْ جارُوا فَجُرْ حتَّى يَصِيرُوا
وقَوْمٍ يَنْظُرُونَ إِليَّ شَزْراً ... عُيُونُهُمُ مِنَ البَغْضَاءِ عُورُ
قَصَدْتُ لَهُمْ بِمُخْزيةٍ إِذا ما ... أَصاخَ القومُ واستمِعَ النَّقِيرُ
وكائِنْ مِنْ مَصِيفٍ لا تَرَانِي ... أُعَرِّسُ فيه تَسْفَعُنِي الحَرُورُ
علَى أَقْتادِ ذِعْلِبَةٍ إِذا ما ... أُدِيثَتْ مُيَّثَتْ أُخْرَى حَسِيرُ
ولو أَنِّي أَشاءُ كَنَنْتُ جسْمِي ... وغادَانِي شِواءٌ أَو قَدِيرُ
ولاعَبَنِي علَى الأَنْماطِ لُعْسٌ ... عليهنَّ المَجاسِدُ والحريرُ
ولكِنِّي إِلى تَرِكاتِ قومٍ ... هُمُ الرُّؤَساءُ والنَّبَلُ البُحُورُ
سُمَيٌّ والأَشَدُّ فَشَرَّفانِي ... وعَلَّى الأَهْتَمُ المُوفي المُجيرُ
تَميمٌ يومَ هَمَّتْ أَنْ تَفانَى ... ودانَي بَيْنَ جَمْعَيْها المسيرُ
بِوادٍ مِنْ ضَرِيَّةَ كانَ فيهِ ... لهُ يومٌ كَوَاكِبُهُ تَسِيرُ
فأَصْلَحَ بينَها في الحربِ مِمَّا ... أَلَمَّ بها أَخُو ثِقَةٍ جَسُورُ

قال
عوف بن عطية
بن الخرع الربابي من تيم الرباب
أَمِنْ آلِ مَيٍّ عَرَفتْ َالدِّيارَا ... بحيثُ الشَّقِيقُ خَلاءً قِفاراً
تَبَدَّلَتِ الوَحْشَ من أَهلها ... وكانَ بِها قَبْلُ حَيٌّ فَسارَا
كأَنَّ الظِّباءَ بها والنِّعا ... جَ أُلْبِسْنَ مِن رازِقِيٍّ شِعارَا
وَقَفْتُ بها أُصُلاً ما تُبِينُ ... لِسائلِها القولَ إِلاَّ سِرارَا
كأَنِي اصْطَبَحْتُ عُقارِيَّةً ... تَصَعَّدُ بالمَرْءِ صِرْفاً عُقارَا
سَلاَفَةَ صَهْباءَ ماذِيَّةً ... يَفُضُّ المُسابِئُ عنها الجِرَارَا
وقالتْ كُبَيْشَةُ مِنْ جَهْلِهاً: ... أَشَيْباً قديماً وحِلْماً مُعارَا
فما زَادَنِي الشَّيْبُ إِلاَّ نَدىً ... إِذا اسْتَرْوَحَ المُرْضِعاتُ القُتَارَا
أُحَيِّي الخَلِيلَ وأُعْطي الجَزِيلَ ... حَيَاءً وأَفْعلُ فيه اليَسَارَا
وأَمْنَعُ جَارِي منَ المُجْحِفا ... تِ، والجَارُ مُمْتَنِعٌ حيثُ صَارَا
وأَعْدَدْتُ للحربِ مَلْبُونَةً ... تَرُدُّ على سائِسِيها الحِمَارَا
كُمَيْتاً كحاشِيَةِ الأَتْحَمِيِّ ... لَمْ يَدَعِ الصُّنْعُ فيها عُوَارَا
رُوَاعَ الفُؤَادِ يَكادُ العَنِيفُ ... إِذَا جَرَتِ الْخَيِلُ أَنْ يُسْتَطارَا
لها شُعَبٌ كإِيَادِ الغَبِي ... طِ فَضَّضَ عنها البُنَاةُ الشِّجارَا
لها رُسُغٌ مُكْرَبٌ أَيِّدٌ ... فلاَ العَظْمُ وَاهٍ ولا العِرْقُ فارَا

لها حافِرٌ مثلُ قَعْبِ الوَلِي ... دِ يَتَّخِذُ الفَأْرُ فيه مَغارَا
لها كَفَلٌ مثلُ مَتْنِ الطِّرَا ... فِ مَدَّدَ فيه البُناةُ الحِتارَا
فأَبْلِغْ رِياحاً علَى نَأْيِها ... وأَبْلِغْ بَنِي دَارِمٍ والجِمَارَا
وأَبْلِغْ قبائِلَ لم يَشْهَدُوا ... طَحَا بِهِمُ الأَمْرُ ثمَّ اسْتَدَارَا
غَزَوْنا العَدُوَّ بأَبْياتِنا ... ورَاعِي حَنِيفةَ يَرْعَي الصَّفارَا
فَشَتَّانَ مُخْتَلِفٌ بَالُنَا ... يُرَعِّي الخَلاَءَ ونَبْغِي الغِوَارَا
بِعَوْفِ بنِ كَعْبٍ وجَمْعِ الرِّبا ... بِ أَمْراً قَوِيًّا وجَمْعاً كُثارَا
فيا طَعْنَةً ما تَسُوءُ العَدُوَّ وتَبْلَغُ منْ ذَاكَ أَمْراً قَرَارَا
فَلَوْلاَ عُلاَلَةُ أَفْرَاسِنَا ... لَزَادَكُمُ القومُ خِزْياً وعارَا
إذَا ما اجْتبْيَنا جَبَى مَنْهَلٍ ... شَبَبْنَا لِحربٍ بِعَلْياءَ نارَا
نَؤُمُّ البِلاَدَ لِحُبِّ اللِّقاءِ ... ولا نَتَّقِي طائِراً حيثُ طَارَا
سَنَيحاً ولا جارِياً بارِحاً ... على كلِّ حالٍ نُلاقِى اليَسَارَا
نَقُودُ الجِيادَ بأرْسانِها ... يَضَعْنَ بِبَطن الرُّشِاء المِهارَا
تَشُقُّ الحَزَابِيَّ سُلاَّفُنا ... كما شَقَّقَ الهاجِرِيُّ الدّبِارَا
شَرِبْنا بِحَوَّاءَ في ناجِرٍ ... فَسِرْنا ثلاثاً فأُبْنا الجِفَارَا
وجلَّلْنَ دَمْخاً قِناعَ العَرُو ... سِ أَدْنَتْ على حَاجبَيْها الخِمَارَا
فكادَتْ فَزَارَةُ تَصْلَى بِنَا ... فأَوْلَى فَزَارَةُ أوْلَى فَزَارَا
ولو أَدْرَكَتْهُمْ أَمَرَّتُ لَهُمْ ... من الشَّرِّ يوماً مُمَراًّ مُغارَا
أَبَرْنَ نُمَيْراً وحَيَّ الحَرِيشِ ... وحَيّ كِلاَبٍ أَبَارَتْ بَوَارَا
وكُنَّا بها أسَداً زَائِراً ... أَبَى لا يُحاوِلُ إِلاَّ سِوَارَا
وفَرَّ ابنُ كُوزٍ بأَذْوادِهِ ... ولَيْتَ ابنَ كُوزٍ رآنا نَهارَا
بِجُمْرَانَ أو بِقَفَا ناعِتينَ ... أَوِ المُسْتَوَى إذْ عَلَوْنَ النِّسارَا
ولكِنَّهُ لَجَّ في رَوْعِهِ ... فكانَ ابنُ كُوزٍ مَهَاةً نَوَارَا
ولكِنَّها لَقِيَتْ غُدْوَةً ... سُوَاءَةَ سَعْدٍ ونَصْراً جِهارَا
وحَيَّ سُوَيْدٍ فما أَخْطأَتْ ... وغَنْماً فكانتْ لِغَنْمٍ دَمارَا
فَكُلُّ قبائِلِهِمْ أُتْبِعَتْ ... كما أَتْبَعَ العَرُّ مِلْحاً وقارَا
بِكُلِّ مكانٍ تَرَى منهمُ ... أَرَامِلَ شَتَّى ورَجْلَى حِرَارَا

قال
الأسود بن يعفر
قد أَصبَحَ الحَبْلُ منْ أَسماءَ مَصْرُومَا ... بَعْدَ ائْتِلاَفٍ وحُبٍّ كانَ مَكْتُومَا
واسْتَبْدَلَتْ خُلَّةً مِنِّي وقد عَلِمَتْ ... أَن لَنْ أَبِيتَ بوادِي الخَسْفِ مَذْمُوما
عَفٌّ صَليبٌ إذا ما جُلْبَةٌ أَزَمَتْ ... مَنْ خيْرِ قَوْمِكَ موجوداً ومعدُومَا
لَمَّا رَأَتْ أَنَّ شَيْبَ المَرْءِ شامِلُهُبَعْدَ الشَّباب، وكان الشَّيْبُ مَسْؤومَا
صَدَّتْ وقال: أرى شَيْباً تفَرَّعَهُ ... إنَّ الشبابَ الَّذِي يَعْلو الجَراثِيمَا
كأَنَّ رِيقَتَها بَعْدَ الكَرَى اغْتَبَقَتْ ... صِرْفاً تَخَيَّرَها الحانُونَ خُرْطومَا
سُلاَفَةَ الدَّنِّ مَرْفوعاً نَصائِبُهُ ... مُقَلَّدَ الفَغْوِ والرَّيْحَانَ مَلْثُومَا
وقد ثَوَى نِصْفَ حَوْلٍ أَشْهُراً جُدُدُاً ... بِبابِ أَفَّانَ يَبْتارُ السَّلالِيمَا
حتَّى تَناوَلَها صَهْباءَ صافِيةً ... يَرْشُو التِّجارَ عليها والتَّرَاجِيمَا

وسَمْسحَة المَشْيِ شِمْلالٍ قَطَعْتُ بها ... أَرْضاً يَحارُ بها الهادُونَ دَيْمُومَا
مَهامهاً وخُروقاً لا أنِيسَ بها ... إلاَّ الضَّوابحَ والأَصْداءَ والبُومَا

قال
أبو ذؤيب
أَمِنَ المَنُونِ ورَيْبِها تَتَوَجَّعُ ... والدَّهْرُ ليسَ بِمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ
قالتْ أُمَيْمَةُ: ما لِجِسْمِكَ شاحِباً ... مُنْذُ ابْتُذِلْتَ ومثلُ مالِكَ يَنْفَعُ
أَمْ ما لِجَنْبِكَ لا يُلائِمُ مضْجَعاً ... إِلاَّ أَقَضَّ عَليكَ ذَاكَ المضْجَعُ
فأَجَبْتُها: أَمَّا لجِسْمي أَنَّهُ ... أَوْدَى بَنِيَّ منَ البلادِ فَوَدَّعُوا
أَوْدَى بَنِيَّ وأَعْقَبونِي غُصَّةً ... بَعْدَ الرُّقَادِ وعَبْرَةً لا تُقْلِعُ
سَبَقوا هَوَيَّ وأَعْنقُوا لِهَواهُمُ ... فَتُخُرِّموا، ولُكلِّ جَنْبٍ مَصْرَعُ
فَغَبَرْتُ بَعْدَهُمُ بِعَيش ٍناصِبٍ ... وأَخالُ أَنِّي لاَحِقٌ مُسْتَتْبَعُ
ولقد حَرَصْتُ بأَنْ أُدافِعُ عنهمُ ... فإِذا المَنيَّةُ أَقْبَلَتْ لا تُدْفَعُ
وإِذَا المَنِيَّةُ أَنْشَبَتْ أَظفارَها ... أَلْفَيْتَ كلَّ تَمِيمةٍ لا تَنْفَعُ
فالعَيْنُ بعدَهُمُ كأَنَّ حِدَاقَها ... سُلِمَتْ بِشَوْكٍ فَهْيَ عُورٌ تَدْمَعُ
حتى كأَنِّي للحَوادِثِ مَرْوَةٌ ... بِصَفا المُشَرَّقِ كُلًّ يوم تُقْرَعُ
وتَجَلُّدِى لِلشَّامِتِينَ أُرِيهِمُ ... أَنِّي لِرَيْبِ الدَّهْرِ لا أَتضَعْضَعُ
والنَّفْسُ راغِبَةٌ إِذَا رَغَّبْتَها ... وإِذَا تُرَدُّ إِلى قَليلٍ تَقْنَعُ
ولَئِنْ بِهِمْ فَجَعَ الزَّمانُ ورَيْبُهُ ... إِنِّي بِأَهْلِ مَوَدَّتِي لَمُفْجَّعُ
كَمْ مِنْ جَمِيعِ الشمْلِ مُلْتَئِم القُوَى ... كانوا بعَيْشٍ قَبْلَنا فَتَصدَّعُوا
والدَّهْرُ لا يَبْقَى عَلَى حَدَثانِهِ ... جَوْنُ السَّرَاةِ لهُ جَدَائِدُ أَرْبَعُ
صَخِبُ الشَّوارِبِ لايَزَالُ كأَنَّهُ ... عَبْدٌ لآِلِ أَبي رَبيعَةَ مُسْبَعُ
أَكَلَ الجَمِيمَ وطاوَعَتْهُ سَمْحَجٌ ... مِثْلُ القَناةِ وأَزْعَلَته الأَمْرُعُ
بِقَرَارِ قِيعانٍ سَقاها وَابِلٌ ... وَاهٍ، فَأَثْجَمَ بُرْهَةً لا يُقْلِعُ
فَلَبِثْنَ حِيناً يَعْتَلِجْنَ بِرَوْضِهِ ... فَيُجِدُّ حِيناً في العِلاَجِ ويَشْمَعُ
حتَّى إِذَا جَزَرَتْ مِياهُ رُزُونِهِ ... وبأَيِّ حِينِ مَلاوَةٍ تَتقَطَّعُ
ذكَرَ الْوُرُودَ بها وشَاقَى أَمْرَهُ ... شُؤْمٌ وأَقْبَلَ حَيْنُهُ يَتَتَبَّعُ
فَافْتَنَّهُنَّ مِنَ السوَاءِ وماؤُهُ ... بَثْرٌ، وعانَدَهُ طرِيقٌ مَهْيَعُ
فكأَنَّها بالجِزْعِ بَيْنَ نُبايعٍ ... وأُولاَتِ ذِي العَرْجاءِ نَهْبٌ مُجْمَعُ
وكأَنَّهُنَّ رِبابةٌ وكأَنَّهُ ... يَسَرٌ يُفِيضُ على القِدَاحِ ويَصْدَعُ
وكأَنَّما هُو مِدْوَسٌ مُتقَلِّبٌ ... في الكَفِّ إِلاَّ أَنَّهُ هُوَ أَضْلَعُ
فَوَرَدْنَ والعَيُّوقُ مَقْعَدَ رَابىءِ ال ... ضُّرَباءِ فَوقَ النَّظْمِ لا يَتَتَلَّعُ
فَشَرَعْنَ في حَجَرَات عَذْبٍ بارِدٍ ... حَصِبِ البِطاحِ تَغِيبُ فيه الأَكرُعُ
فَشَرِبْنَ ثمَّ سَمِعْنَ حِسًّا دُونَهُ ... شَرَفُ الحِجابِ ورَيْبَ قَرْعٍ يُقْرَعُ
ونَمِيمَةً مِنْ قانِصٍ مُتلَبَّبٍ ... في كَفِّهِ جَشْءٌ أَجَشُّ وأَقْطَعُ

فَنَكِرْتَهُ ونَفَرْنَ وامْتَرَسَتْ بهِ ... سَطعَاءُ هَادِيةٌ وهادٍ جُرْشَعُ
فَرَمَى فأَنْفَذ مِنْ نَجُودٍ عائِطٍ ... سَهْماً، فَخَرَّ ورِيشُهُ مُتَصَمِّعُ
فَبَدَا لَهُ أَقْرَابُ هَذَا رَائغاً ... عَجِلاً، فَعَيَّثَ في الكِنانة يُرْجِعُ
فَرَمَى فأَلْحَقَ صاعِدِيًّا مِطْحَراً ... بالكَشْحِ فاشْتَمَلَتْ عليهِ الأَضْلُعُ
فأَبَدَّهُنْ حُتُوفَهُنَّ فَهارِبٌ ... بِذَمائِهِ أَو بارِكٌ مُتَجَعْجَعُ
يَعْثُرْنَ في حَدِّ الظُّباتِ كأَنَّما ... كُسِيَتْ بُرُودُ بَنِي تَزِيدَ الأَذْرُعُ
والدَّهْرُ لاَ يَبْقَي على حَدَثانِهِ ... شَبَبٌ أَفَزَّتْهُ الكِلاَبُ مُرَوَّعُ
شَعَفَ الكلاَبُ الضَّارِياتُ فُؤَادَهُ ... فإِذَا رأَى الصٌّبْحَ المُصَدَّقَ يَفْزَعُ
ويُعوذُ بالأَرْطَى إِذَا ما شَفَّهُ ... قَطْرٌ ورَاحَتْهُ بَلِيلٌ زَعْزَعُ
يَرْمِي بِعَيْنَيْهِ الغُيُوبَ وطَرْفُهُ ... مُغْضٍ يُصَدقُ طَرْفُهُ ما يَسْمَعُ
فَغَدَا يَشرِّق مَتْنَهُ فَبدَا لهُ ... أُولَى سَوَابِقِها قَرِيباً تُوزَعُ
فاهْتاجَ منْ فَزَعٍ وسَدَّ فُرُوجَهُ ... غُبْرٌ ضَوَارٍ وَافيانِ وأَجْدَعُ
يَنْهَشْنَهُ ويذُبُّهُنَ ويَحْتَمِي ... عَبْلُ الشَّوَى بالطُّرَّتيْنِ مُوَلَّعُ
فَنَحا لها بِمُذَلَّقَيْنِ كأَنَّما ... بِهِما منَ النَّضْجِ المُجَدَّحِ أَيْدعُ
فكأَنَّ سَفُّودَيْن لمَّا يُقْتِرَا ... عجِلاَ لهُ بِشِوَاءِ شَرْبٍ يُنْزَعُ
فصَرَعْنَهُ تحتَ الغُبارِ وجَنْبُهُ ... مُتتَرِّبٌ، ولكلِّ جَنْبٍ مَصْرَعُ
حتَّى إِذا ارتَدَّتْ وأَقْصَدَ عُصْبَةً ... منها، وقامَ شرِيدُها يَتضَوَّعُ
فَبدَا لهُ رَبُّ الكِلاَبِ بِكَفِّهِ ... بِيضٌ رِهابٌ ريشُهُنَّ مُقَزَّعُ
فَرَمَى لِيُنْقِذَ فَرَّها فَهَوَى لهُ ... سَهْمٌ، فأَنْفَذَ طُرَّتَيْهِ المِنْزَعُ
فَكبَا كما يَكْبُو فَنيقٌ تارِزٌ ... بالخَبْثِ إِلاَّ أَنَّهُ هُوَ أَبْرَعُ
والدَّهْرُ لا يَبْقَى على حدَثانِهِ ... مُسْتَشْعِرٌ حَلَقَ الحديدِ مُقنَّعُ
حَمِيَتْ عليه الدِّرْعُ، حتَّى وَجْهُهُ ... منْ حَرِّها يومَ الكرِيهَةِ أَسْفَعُ
تَعدُو بهِ خَوْصاءُ يَفْصِمُ جَرْيُها ... حَلَقَ الرِّحَالَةِ فَهْيَ رِخْوٌ تَمْزَعُ
قَصَرَ الصَّبُوحَ لها فَشُرِّجَ لَحْمُها ... بالنَّيِّ فَهْيَ تَثُوخُ فيها الإِصْبَعُ
مُتفَلِّقٌ أَنْسَاؤُها عنْ قانِىءٍ ... كالقُرْطِ صَاوٍ غُبْرُهُ لاَ بُرْضَعُ
تَأَبَى بِدِرَّتِها إِذا ما اسْتُغْضِبَتْ ... إِلاَّ الحَمِيمَ فإِنَّهُ يَتَبَضَّعُ
بَيْنَا تَعَنُّقِهِ الكُماةَ ورَوْغِهِ ... يَوْماً أُتِيحَ لهُ جَريءٌ سَلْفَعُ
يَعْدُو بهِ نَهْشُ المُشَاشِ كأَنَّهُ ... صَدَعٌ سَلِيمٌ رَجْعُةْ لاَ يَظْلَعُ
فَتناديَا وتَوَافَقَتْ خَيْلاَهُما ... وكِلاَهُما بَطَلُ اللِّقاءِ مُخَدَّعُ
متَحامِيَيْنِ المَجْدَ، كلُّ وَاثِقٌ ... بِبلائِهِ، والْيَوْمُ يَوْمٌ أَشْنَعُ
وعليهما مَسْرُودَتانِ قَضَاهُما ... دَاوُودُ أَو صَنَعُ السَّوَابِغ تُبَّعُ
وكِلاَهُما في كَفِّهِ يَزَنِيَّةٌ ... فيها سِنانٌ كالمنارَةِ أَصْلَعُ
وكِلاَهُما مُتَوَشِّحٌ ذَا رَوْنَقٍ ... عَضْباً إِذَا مَسَّ الضَّرِيبَةَ يَقْطَعُ

فَتَحَالَسَا َنْفسَيْهِما بِنَوَافِذِ ... كَنَوَافِذِ العُبُطِ الَّتي لاَ تُرْقَعُ
وكِلاهُما قد عاشَ عِيشَةَ ماجِدٍ ... وجَنَى العَلاَءَ، لَوَ أنَّ شيْئاً يَنْفَعُ

قال
الحرث بن حلزة
قُلْتُ لعَمْرٍو حِينَ أَبْصَرْتُه ... وقد حَبا مِنْ دُونِها عالِجُ
لا تَكْسَعِ الشَّوْلَ بأَغْبارِها ... إِنَّكَ لا تَدْرِى مَنِ النَّاتِجُ
واحْلُبْ لأَضيافكَ أَلْبانَها ... فإِنَّ شَرَّ اللَّبَنِ الوَالِجُ
رُبَّ عِشَارٍ سوفَ يَغْتَالُها ... لا مُبْطِيءٍ الشَّدِّ ولا عائِجُ
يَسُوقُها شَلًّا إِلى أَهلِه ... كما يَسُوقُ البَكْرَةَ الفالِجُ
قد كُنْتَ يوماً تَرْتَجي رِسْلَها ... فأُطْرِدَ الحائِلُ والدَّالِجُ
بَيْنَا الفتَى يَسْعَى ويُسْعَى له ... تاحَ له مِنْ أَمْرِهِ خَالِجُ
يَتْرُكُ ما رَقَّحَ من عَيْشِه ... يَعِيثُ فِيهِ هَمَجٌ هامِجُ
قال
المرقش الاكبر
يا ذاتَ أَجْوَارِنا قُومِي فَحَيِّينَا ... وإِنْ سَقَيْتِ كِرَامَ النَّاسِ فاسْقيِناَ
وإِنْ دَعَوْتِ إِلى جُلَّى ومَكْرُمَةٍ ... يوماً سَرَاةَ خِيارِ الناسِ فادْعِينَا
شُعْثٌ مَقادِمُنا نُهْبَى مَرَاجِلُنا ... نَأْسُو بأَموالِنا آثارَ أَيْدِينَا
الْمُطْعِمُونَ إِذَا هبَّتْ شَآمِيَةً ... وخَيْرُ نادٍ رَآهُ النَّاسُ نادِينَا
قال المرقش أيضاً:
قُلْ لأَسماءَ أَنْجِزي الميعادَا ... وانْظُرِي أَنْ تُزوّدِي منكِ زَادَا
أَينَما كنتِ أَو حَلَلتِ بأَرضٍ ... أَو بلاٍد أُحْيَيْتِ تلكَ البلادَا
إِن تَكُونِي تَرَكْتِ رَبْعُكِ بالشَّأ ... م وجاوَزْتِ حِمْيَراً ومُرَادَا
فارْتَجِي أَن أَكونَ منكِ قريباً ... فاسْأَلِى الصَّادِرِين والوُرَّاذا
وإِذَا ما رَأَيْتِ رَكْباً مُخِبِّي ... نَ يَقُودونَ مُقْرَباتٍ جِيادَا
فَهُمُ صُحْبتِي على أَرْحُلِ المَيْ ... سِ يُزَجُّونَ أَيْنُقاً أَفْرَادَا
وإِذَا ما سَمعتِ من نحوِ أَرضٍ ... بِمُحِبٍّ قد ماتَ أَو قِيلَ كادَا
فاعْلَمِي غيرَ عِلْمِ شَكٍّ بأَنِّي ... ذاكِ، وابْكِي لِمُصْفَدٍ أَنْ يُفادَى
قال
الممزق العبدي
صَحا عن تَصَابِيهِ الفُؤَادُ المُشَوَّقُ ... وحانَ من الحَيّ الجَميعِ تَفَرُّقُ
وأَصبَحض لا يَشْفِي غَليلَ فؤَادِه ... قِطارُ السَّحابِ والرَّحِيقُ المُرَوَّقُ
لَدُنْ شَالَ أَحْدَاجُ القَطِينِ غُدَيَّةًعلى جَلْهَةِ الوَادِي معَ الصُّبْحِ تُوسَقُ
تَطَالَعُ ما بَيْنَ الرَّجَى فَقُرَاقِرٍ
وقد جَاوَزَتْها ذاتُ نِيرَيْنِ شارِفٌ
بِجَأْوَاءَ جُمْهُورٍ كأّنَّ طَرِيقَها
يَشُولُ على أَقْطارها القَوْمُ بالقَنا
وقال جميع الناس: أين مصيرنا
فلمَّا أتَى منْ دُونِها الرِّمْثُ والغَضَا
فوَجَّهها غَرْبِيَّةً عن بلادِنا
فجالَتْ على أجْوازِها الخيلُ بالقنا
فَمنْ مُبْلِغُ النُّعمانَ أنَّ أُسَيِّداً
وأَنَّ لُكَيْزاً لم تَكُنْ رَبَّ عُكَّةٍ
قَضَى لجميعِ الناسِ إذْ جاءَ أَمْرُهُمْ
لِتُبْلِغَنِي مَنْ لا يُكَدِّرُ نِعْمَةً
يَؤُمُّ بهنَّ الحَزْمَ خِرْقٌ سَمَيْدَعٌ
أقسام الكتاب
1 2