كتاب : غرائب التنبيهات على عجائب التشبيهات
المؤلف : ابن ظافر الأزدي

المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد
قال علي بن ظافر الأزدي ثم الخزرجي: لم أزل في كل أوان وزمان أسمع من أوصاف المآثر الملكية الأفضلية، والمناقب النورية السلطانية، ما تتأرج بذكره المحاضر، ويفتتن به البادي والحاضر، وأشاهد من آثاره ما تثنى عليه الخناصر، ويعجب من صدوره من شخص تألفت عليه العناصر، فأكاد أطير إلى تلك الحضرة من الشوق، ويهم عمرو للتوق أن يشب عن الوطوق. حتى اتفق لي أن مثلت الحضرة الناصرية، خلد الله لمالكها الملك، وملكه الخلد، وأمده العلو، وأعلى له الأمر، لعزمة كانت من مهمات القلب أمضاها، وحاجة في نفس يعقوب قضاها، فحللت بمقامه الأسمى مادحاً، ونزلت على دوحة فضله الباسقة صادحاً، فرأيت مجداً تقصر دونه مدى بلاغتي النظم والإنشاء، وجوداً خضرماً لا يحتاج وارده إلى تطويل الرشاء، وحلماً لا تجلجله رياح الغضب، وعزماً لا تدعيه على صولتها القبض، فاخضرت لما حللت بجنابه سنى الغبر، ولما التقينا صدق الخبر الخبر: وأهديت إلى جانبه الأسمى - نصر الله عزه وأعز نصره وقدر علوه، وأعلى قدره - تحف مدائحي الغر، وقصائدي المزرية ببهجة الزهر، وغمرت النجوم الزهر. وخدمت مقامه بهذا الكتاب، الذي ما أظن قريحة أتت بمثاله فيما سلف من الزمن، ولا أظن أن أحداً يجمع مثله فيما بعد. وأين من بعد أن قدمت قبله هذه القصيدة، وأودعتها نوعاً من جنس ما أودعته فيه من غريب التشبيه، ورفعتها صحبته يوم الأحد لخمس خلون من شهر جمادى الآخرة سنة سبع وثمانين وخمسمائة بالعسكر المنصور على تل الحجل بمرج عكا وهي في صفة العسكر:
طربتُ إلى المعسكر بالشآم ... ومشيي بين أطنابِ الخيام
لدى بيضٍ قوادمهنَّ تهفو ... تلوحُ لناظري مثلَ الحمام
كأن الأرض أدحيُّ إذا ما ... حكتْ بخيامها بيضَ النعام
ولاحت خيمةُ السلطانِ فيها ... بحرمتها كبرقٍ في غمام
حكتْ وسطى من الياقوتِ لما ... بدوا مثل اللآلئ في انتظام
فتحكي ربوةً سترتْ بنبتِ الش ... قائقِ حين لاح من الكمام
عجبتُ لها ترى الآسادَ تبدي ال ... خضوعَ بها لوافرةِ السنام
إذا اصطفت ظباءُ الترك فيها ... جفوتَ لحسنهمْ كل الأنام
وإن شبهتَ مالكها بليثٍ ... عجبتَ لأنس غزلانٍ قيام
وكم بدرٍ بأفقِ قباهُ يسري ... يجررُ ذيلَ شعرٍ كالظلام
ويطعنُ كل قلبٍ من هواهُ ... سنانٌ جاء من رمحِ القوامِ
ولونُ عذاره المخضر أضحى ... لحمرةِ خده مثل الفدام
يخط لعاشقيه لا وصالٌ ... ألم تنظر إلى ألف ولامِ
وإن جاءَ القتالُ رأيتَ يوم ال ... ركوب من الأعاجيب العظام
فكم شمسٍ تجر هلالَ قوسٍ ... فترسلُ محرقاً شهب السهامِ
وكم في النقع ظبي فوق طرف ... كبدر فوقَ برق في ظلامِ
وكم من مغفر من فوقِ خدٍّ ... بهى كالحبابِ على المدامِ
وكم يهتز فيه غديرُ درعٍ ... يسقى غضنَ بانٍ من قوام
وصفتُ الكوس لا تنساهُ رعدٌ ... له قطرٌ من النشابِ هام
ويقطعُ مرج عكا كل طلبٍ ... كرضوى حينَ يطلعُ أو شمامِ
ويبدو المرجُ والرايات صفرٌ ... تحاكي لونه غبَّ الغمامِ
ترى حمر البيارق فيه تبدي ... عجاجاً كالدخانِ على الضرامِ
وإن صفرٌ بدتْ لك في عجاجٍ ... رأيت التبر يسكنُ في الرغام
ووقتَ الزحفِ تنظرُ كل ليثٍ ... لديه سيفه كالنابِ دام
إذا ما قالَ كم حطمت ألفاً ... فإن القولَ ما قالتْ حذامِ
ويعذر رمحه إن ماسَ سكراً ... ألم يكرع من الدم في مدام
وعكا قد حكتْ بكراً شموساً ... تسدُّ ففتحها صعبُ المرامِ
وخندق عسكرِ الإفرنجِ يحكي ... عليه الخيلُ دراً في نظام
تراه خلفه الكومانُ يبدو ... كمنطقة علت ردفى غلام
وخيلُ الشركِ تركضُ خلفه في ... ذيولِ خيامهنَّ على الدوامِ
يثرن إذا ركضنَ عليه نقعاً ... بلا فعل حكى سحبَ الجهامِ
وكم مستأمن قذْ فرَّ منهمْ ... لأجلِ الجوعِ أو طولِ المقامِ
وكمْ من فارس منهم قتيلاً ... ولا قبرٌ له غيرُ القتام

إذا قصفُ الرماح عليه لاحتْ ... بدا مثلَ الحريص على الحطام
أظنُّ الله ما أفناهُ إلا ... بسيفِ عليٍّ الملكِ الهمام
هو الملكُ الجسيمُ البأسِ أضحى ... يقارنه مع النعم الجسام
هو البدرُ الذي ما زال يدني ... شهاب الرمحِ أو برق الحسام
تراه سافراً في الحربِ لكن ... يلوحُ من العجاجةِ في لثام
إذا زفتْ إليه عروسُ حربٍ ... جفا في وصلها طيبَ المنام
وسؤددُ نفسه ما زال يزري ... بما قد جازَ منه على عصامِ
أيا ملكَ الملوك ولا أحاشي ... ويا خير الأنام ولا أحامي
عجبتُ لنار عزمكَ كيف تبقى ... ولا تطفى وبحرُ نداكَ طامي
وأعجبُ منه أمنُ الناسِ لما ... رأوكَ وأنت كالليثِ المحامي
يحلُّ الدرُّ في الحصباءِ قدراً ... محلك إذا تضافُ إلى الكرام
ومن سواكَ فضلاً مع مليكٍ ... كمنْ سوى الحسام مع الكهام
وهل نجمُ السها في الجو نوراً ... يقاس ببهجة البدر التمام
وقد سيرتُ نحوكَ بنتَ فكري ... عروساً ما تزفُّ إلى اللئام
لقد وشحتها بحلى المعاني ... كما ألبستها حلل الكلام
وقد أبتعها أيضاً كتاباً ... بعثتُ به إلى الهمم السوامي
أتى ليسوق لي سحبَ العطايا ... كفعل الريح بالغيثِ الرهام
فعجلْ لي بجودكَ يا مليكَ ال ... أنامِ فقد أطلتُ له مقامي
ودونك فاستمع سحراً حلالاً ... أتى يلهي عن السحر الحرام
فخيرُ الشعر أكرمه رجالاً ... وشر الشعر أقوالُ الطغام
وعش لا زلتَ مجتنب الرزايا ... ودمْ لا زلتَ مرعيَّ الذمام
بسم الله الرحمن الرحيم. عونك اللهم.
أما بعد حمداً لله العزيز القهار، عالم خفايا الأسرار، وبوادي الأجهار المنزه غيبه عن الإشهار والإظهار، مقدر كل ما يحدث في سواد الليل وبياض النهار المتكفل للإسلام بأعلى المنار، المؤلف بين قلوب أهله فأصبحوا بنعمته إخواناً، بعد أن كانوا على شفا جرف من النار، الذي لا ينجو مما قدره دان ولا عال، ولا يحصن مما يريده سهول الظباءِ ولا أوعار الأوعال. أشهد أنه لا إله إلا هو الكبير المتعال، والصلاة على محمد نبيه وعبده، وعلى أصحابه الذين هم أفضل الخلق من بعده، فإن الأرض لما أخذت زخرفها وازينت، وظهرت علامات سعدها وتبينت، وتسلمت من الخطوب كتاب أمانها، وعاد ربيعاً كل زمانها، وتحلت بعقود من جواهر زهرها النضر، وطال عمر ربيعا الخضر، وأصبحت لأهلها بعد أن طالت شراستها، ولانت لأربابها لما حسنت سياستها، ووصلت لأرباب الفضائل وكانت هجرت، وهب عليهم نسيم أصائلها بعد أن هجرت، ويسرت عليهم أمورهم وكانت عسرت، وأطلقتهم من وثاق الفقر بعد أن قسرت وأسرت، وجبرتهم من صدع النوائب حين حطمت وكسرت، وسكنت عنهم بحار الخطوب بعد أن طمت، وأوقفت دونهم رياح الفتن بعد أن حطمت. وعادت محجتها بيضاء من الحق وكانت سوداء من الباطل، وأوفت أهلَ الفضلِ ديونهم، وكم أوفت على الغرير المماطل بما شملها من أيام مولانا السلطان العادل، الملك الناصر صلاح الدنيا والدين، منقذ بيت الله المقدس من الكفرة المشركين، أبى المظفر يوسف ابن أيوب، محيي دولة أمير المؤمنين، الذي ملكها فما جار بل عدل، وسلكها فما حاد عن طريق الحق ولا عدل. وأثارت رياح عزائمه سحاب جوده وسرت الدنيا وسائر أهلا بوجوده، وأحيا طلل المجد بعد أن كان دائراً، وشعر بفضله فأضحى بسيفه ورمحه للبرود والرءوس من الكماة ناظماً وناثراً. ونجله الملك الأفضل العالم العادل، المجاهد المرابط. المؤيد المظفر، المنصور، نور الدنيا والدين، سلطان الإسلام والمسلمين، محيي العدل في العالمين، منصف المظلوم من الظالمين، قامع الكفرة والمشركين، قاهر الخوارج والمتمردين قسيم الدولة، فخر الأمة مجير الملة، ناصر أمير المؤمنين، الذي سرت مآثره شهباً في ظلمات الخطوب، وظهرت مكارمه بشراً في وجه الزمان بعد كثرة القطوب، وأدلجت بنات الأفكار في ليل الغرائب إليه؛ فحمدت عند الصباح وجه السرى، وأقسم الزمان بأن نظير مجده ما رآه، ولا يرى.
وإذا نظرتَ إليه قلتَ كأنهُ ... بدرُ الدجى إن لاحَ أو ليثُ الشرى

فلله هو من ملك ما أوسع صدره وأفسحه، وأعذب لفظه وأفصحه، وأمنع جاهه وأحصنه، وأجمل أدبه وأحسنه، وأسح جوده وأمطره، وأطيب ذكره وأعطره. إن ذكرتَ الكرم فهو أوسه وخاتمه، وإن ذكرت المجد فهو فاتحه وخاتمه، أو وصف البأس فعنترة فيه خادمه. قد اختالت به الأندية والمحافل، وزهت به الكتائب والجحافل، وازدانت به الطروس والأقلام، وارتاحت له البنود والأعلام، فوجب على من شملته حاشيتا دولته، وضمته حسن إيالته؛ أن يبذل جهده في الخدمة بما تصل قدرته إليه، ويرجو به حسن الزلفى لديه.
ولما كان المملوك ممن يشرف بوطء البساط الكريم، ويميز بانتسابه إلى المقام العظيم تأكد الوجوب عليه في توالي ما يخدم به من خدمه، وتعين له ذلك لأن يلتحق بمن اشتهر بأوليته في الخدمة وقدمه، فنظر فيما يخدم به الجناب الأسمى - زاده الله سمواً وعلواً - فوجد فن التشبيه بين الأشعار عالي القدر، نابه الذكر، لا يمكن كل الناس سلوك جادته، ولا يقدر إلا اليسير منهم على إجادته، حتى استهوله أكثر الشعراء واستصعبه، وأبى بعضهم أن يجهد بأن يروض مصعبه، وقالوا إذا قال الشاعر كأن فقد ظهر فضله أو جهله، ولم يجد أحداً من المؤلفين ولا مصنفاً من المصنفين اشتغل بتمييز ذهبه عن مدره، ولا خاض في بحاره لاستخراج درره، ولا انتقى خلاصةً من خبثه ولا فصل جده من عبثه، فاختار هذا المجموع شهد الله من أكثر من خمس عشرة ألف ورقة، وجمع فيه جملاً من غرائب أبياته، ومعجزات آياته، ليكون أنساً للمجلس الأسمى في هذا الوقت وأمثاله، وطليعةً لما بعده مما يرد عليه الأمر باقتفاء مثاله، واختصره غاية الاختصار، واقتصر على المحاسن أشد الاقتصار لمعرفته باشتغال المجلس الأسمى بتدبير الكتائب، وتجهيز العساكر والمقانب، وحسن القيام بإيالة الخلائق، وتعلقه من أمر الحروب بأشد العلائق. والمملوك يستعين بالله تعالى ويسأله أن يرزقه من المجلس موافقة الغرض ويقويه من الخدمة على أداء المفترض.
وهذا حين نبتدئ مستعيناً بالله، ومتوكلاً عليه، راغباً في العصمة من الغلط إليه، بعد تسمية الكتاب وتبويبه، وتنميق مقصده وترتيبه.
أما الاسم: فغرائب التنبيهات على عجائب التشبيهات، ومقصود الكتاب ينحصر في ستة أبواب: الباب الأول: في تشبيه الأجرام العلوية.
الباب الثاني: في تشبيه المياه والأنهار.
الباب الثالث: في تشبيه الأنوار والأثمار والنبات.
الباب الرابع: في التشبيه الواقع في الخمريات.
الباب الخامس: في التشبيه الواقع في الغزل.
الباب السادس: في تشبيهات مختلفة.

الباب الأول
تشبيه الأجرام العلوية
وفيه عشرة فصول
الفصل الأول
في ذكر التشبيه الواقع في الهلال
من أحسن ما قيل فيه قول ابن المعتز من مزدوجته:
وقد بدت فوقَ الهلالِ كرتهُ ... كهامةِ الأسودِ شابتْ لحيتهْ
وكذلك قوله:
أهلاً بفطرٍ قد أنار هلالهُ ... الآنَ فاغدُ على الشرابِ وبكرِ
وانظر إليهِ كزورقٍ من فضة ... قد أثقلتهُ حمولةٌ من عنبرِ
وأخذ هذا المعنى ظافر الحداد فقال من قطعة:
والجو من شفقِ الغروبِ مفروزٌ ... كحديقةٍ حفتْ بوردٍ أحمر
وبدا الهلالُ لليلتينِ كأنهُ ... فترٌ حوى تفاحةً من عنبرِ
وأخذ ابن قلاقس قول ابن المعتز وزاد عليه زيادة من قبل الصنعة فقال:
أنظرْ إلى الشمسِ فوقَ النيلِ غاربةً ... وانظرْ لما بعدها من حمرةِ الشفقِ
غابتْ وأبقتْ شعاعاً منه يخلفها ... كأنما احترقتْ بالماءِ في الغرقِ
وللهلالِ فهل وافى لينقذها ... في إثرها زورقٌ قد صيغَ من ورق
ومن هذا الإعجاز قول أبي منصور الديلمي أنشده الثعالبي في تتمة اليتيمة:
وحاكى هلال الأفقِ في أعين الورى ... مراةً تبدى بعضها من إهابها
ومما ينسب إلى ابن المعتز هذه الأبيات:
قم فاسقني الخمرَ يا نديمي ... فإنه آفةُ الهمومِ
فقد تبدى هلالُ شهر ... قدومه أيمنُ القدوم
كأنهُ في السماءِ فخٌّ ... ينتظر الصيدَ للنجوم
وزاد عليه القاضي التنوخي فقال:
اسقني واسقِ صاحبي ... بأكفِّ الكواعبِ
من مدامٍ مزجتها ... بدموعِ السحائبِ
والهلالُ الذي يلو ... حُ خلالَ السحائبِ

مثل فخٍّ من اللج ... ينِ لصيدِ الكواكبِ
وقال أبو بكر الخالدي وقصر:
ربَّ ليل فضحتهُ بضياءِ ال ... راح حتى تركتهُ كالنهارِ
ذي سماءٍ كخرم ونجم ... مشرقات كنرجس وبهارِ
وهلالٍ يلوحُ في ساعدِ الغر ... بِ كدبوس فضة أو سوارِ
وأجود منه قول الأمير تميم، وإن كان مأخوذاً منه:
ربَّ صفراءَ عللتني بصفرا ... ء وجنح الدجى خليعُ الإزارِ
وكأنَّ الدجى غدائرُ شعرٍ ... وكأنَّ النجومَ فيه مداري
وانجلى الغيمُ عنْ هلالٍ تبدى ... في يدِ الأفقِ مثلَ نصفِ سوارِ
وأخذه علي بن محمد بن حبيب التميمي من قصيدة:
ولا ضوء إلا من هلال كأنما ... تفرق منه الغيم عن نصف دملجِ
وأخذه الشريف أبو الحسن علي بن إسماعيل الزيدي القيرواني فقال من قصيدة:
كأنَّ طلوعَ أنجمهِ كؤوسٌ ... سقى الشرقُ الغروبَ بها عقارا
وفي ذيلِ الغروبِ سليلُ شمسِ ... كما شطرت منعمةٌ سوارا
وأخذه نشو الملك بن المنجم وزاد عليه، وذكر غروب الشمس فقال:
وعشي كأنما الأفق فيه ... لازوردٌ مرصعٌ بنضارِ
قلتُ لما دنتْ لمغربها الشم ... سُ ولاحَ الهلالُ للنظارِ
أقرضَ الشرقُ صنوهُ الغرب دينا ... راً فأعطاهُ الرهنَ نصف سوارِ
ومن الشعر الذي تظهر عليه الشطارةُ قول مؤيد الدين الطغرائي أبي إسماعيل:
قوموا إلى لذاتكم يا نيام ... وأترعوا الكاس بصفو المدام
هذا هلالُ الشهرِ قد جاءنا ... بمنجلٍ يحصدُ شهرَ الصيام
وقال ابن وكيع من قصيدة:
ولاح لي هلالها ... كقوسِ رامٍ إذْ يغطْ
أو حاجبٍ ذي شمطٍ ... ظلَّ من التيه يمطْ
وزاد المملوك على هذا زيادة من طريق الصنعة فقال:
انظر لحسن هلال الجو كيف سرى ... إلى منازله في غايةِ الصغرِ
كأنما قوسه ما بينَ جبهتهِ ... وطرفهِ حاجبٌ قد شابَ في كبر
وقال ابن حمديس في طلوع الهلال، عند السحر في أواخر الشهر وأجاد:
وربَّ ليلٍ سهرناهُ وقد طلعتْ ... بقيةُ البدرِ في أولىَ بشائرهِ
كأنما أدهمُ الإظلامِ حين نجا ... من أشهبِ الصبحِ ألقَى نعل حافرهِ
ومما ينسب إلى ابن المعتز:
قم يا غلامُ فهاتها كرخيةً ... حمراءَ تحكي حمرة المارينجِ
وانظر إلى حسنِ الهلالِ كأنهُ ... نونٌ مذهبةٌ على فيروزج
وقال السري من قطعة:
ضحكتْ أوجه اللذاذةِ بالفط ... رِ ولاحتْ طوالعُ السراءِ
وكأنَّ الهلالَ نونُ لجينٍ ... غرقت في صحيفةٍ زرقاء
وأخذه الوأواءُ فقال:
هلالها من خلل السحابِ ... كمذهبِ النونِ من الكتابِ
أو طرفِ السيفِ من القرابِ
وأخذه أبو عبد الله بن الحدادِ الأندلسي أخذاً عجيباً فقال:
وبدا هلالُ الفطر فيها سائراً ... وسطَ السماءِ كأنهُ العرجون
فكأنَّ بانَ الصومُ خط بجوهِ ... خطاً دقيقاً بانَ منه النونُ
وأخذه ظافر الحداد فقال:
لما تجلى هلالُ العيد عادَ ... بما قد كنتُ آنسُ من لهوٍ ومن طربِ
يلوحُ في الأفق الغربيِّ من شفق ... كالنونِ خطتْ على لوحٍ من الذهبِ
وللسري الموصلي، وأجاد:
ألا عد لي بباطية وكاس ... ورع همي بإبريق وطاس
وذكرني بشعر أبي نواس ... على روض كشعرِ أبي فراس
وغيمٍ مرهفات البرق فيه ... عوارٍ والرياضُ به كواسي
وقد سلتْ جيوشُ الفطرِ فيهِ ... على شهرِ الصيامِ سيوفَ باسِ
ولاحَ لنا الهلالُ كشطرِ طوقٍ ... على لبابِ زرقاءِ اللباس
وقد أربى هذا على قول ابن المعتز:
وكأنَّ الهلالَ طوقُ عروسٍ ... بات يجلى على غلائلَ سود
وقال ظافر الحداد وأجاد:
أما ترونَ هلالَ العيدِ حين بدا ... للعين منه بقايا جرم دائره
كحرف جامٍ من البللورِ قابله ... ضوءٌ وأخفى الدجى إشراقَ سائرهِ
أو درهمٌ فوق دينارٍ تجللهُ ... ستراً وضاقَ عن استيعابِ آخرهِ
وقال ابن المعتز من قصيدة:
ولاحَ ضوءُ هلالٍ كادَ يفضحنا ... مثل القلامةِ قد قدتْ من الظفرُ
وقال علي بن محمد بن حبيب التميمي من قصيدة:

في ليلةٍ أنفٍ كأنَّ هلالها ... صدعٌ تبين في إناء زجاج
كفل الزمانُ لأختها بزيادةٍ ... من نورهِ فأتى كوقف العاج
وقال من أخرى:
فلما قضى منه السحابُ قضاءه ... وأنفقَ في تحديقهِ كل ناظرِ
بدا مستدقَّ الجانبينِ كأنهُ ... على الأفقِ الغربيِّ مخلبُ طائر
وهو من قول ابن وكيع:
طاف بها يجلو ظلام الغيهبِ ... كالبدرِ يمشي في الدجى بكوكبِ
وقد بدا ضوءُ هلالٍ أحدبِ ... يلوح في الجو كقرني عقربِ
كمنسرٍ من طائرٍ أو مخلبِ
وقال التميمي أيضاً من قصيدة:
إذا استثبتته العينُ لاحَ كأنه ... وقد كادَ يخفى في الدجى خطُّ مفرقِ
وأضمره الإسهادُ حتى كأنهُ ... على الأفقِ الغربي قوسُ مفوقِ
وقال ابن وكيع من قطعة:
يلوحُ لي هلالها ... كمثل نصفِ الزردهْ

الفصل الثاني
تشبيهه مع الثريا وسائر النجوم
ومن أحسن ما سمع المملوك في ذلك هذان البيتان، وهما منسوبان إلى ابن المعتز:
كأنما الليلُ والهلالُ وقد ... بدتْ نجومُ السماء منقضهْ
رامٍ من الزنجِ قوسه ذهبٌ ... ينثر منه بنادقَ الفضهْ
وقال ابن قلاقس فيه وفي النجم من قصيدة:
ألمَّ وقلبُ البرقِ في الجو خافقٌ ... حذاراً وطرفُ النجم في الجو ساهدُ
وفي جيد زنجيِّ الدجى من هلالهِ ... وأنجمهِ طوقٌ له وقلائدُ
وقال أيضاً فيه وفي الثريا:
يا ربَّ ليلٍ قد نضى لباسه ... لم يلبث النجمُ به أنْ جاسهُ
دع امرأَ القيْس ودعْ أمراسهُ ... فترُ الهلال سرعةً قد قاسهْ
منكساً نحوَ الثريا راسهُ ... هل تعرف العرجونَ والكباسهُ
وهذا غاية في الجودة.
وقال مؤيد الدين الطغرائي فيه وفي الثريا:
وترى الثريا والهلالَ مظاهراً ... بمعنبرٍ في حلةٍ ومجسدِ
كالدر فصلَ في وشاحِ خريدةٍ ... حسناءَ تجلى في نقابٍ أسودِ
وكأنهُ وكأنها من فوقهِ ... عنقودةٌ في زورقٍ من عسجد
ولأبي عصام البصري فيه وفي الثريا والزهرةِ وأحسن:
رأيتُ الهلالَ وقد أحدقت ... هُ نجومُ الثريا لكي تسبقهْ
فشبهتهُ وهو في إثرها وبين ... هما الزهرةُ المشرقهْ
بقوسٍ لرامٍ رمَى طائراً ... فأتبعَ في إثره بندقهْ
وله فيه وفي الزهرة:
قارنَ الزهرَ الهلالُ وكانَا ... في افتراقِ منْ غير صدٍّ وهجرهْ
وإذا ما تقارنا قلتُ طوقٌ ... من لجينٍ قد ركبتْ فيه درهْ
وقال الوأواء من قطعة:
ما ترى الصبح كيف قد غلب اللي ... لَ وقد أقبلَ النسيمُ العليلُ
وكأنَّ الهلالَ تحتَ الثريا ... ملكٌ فوق رأسه إكليلُ
وللأمير أبي الفضل الميكالي فيه وفي الزهرة:
أما ترى الزهرةَ قد لاحتْ لنا ... تحتَ هلالٍ ضوؤه يحكي اللهبُ
ككرةٍ مجلوةٍ من فضةٍ ... أوفَى عليها صولجانٌ من ذهب
وقال ابن المعتز فيه وفي الثريا:
زارني زائري وقد هرمَ الليْ ... لُ ودبَّ المشيبُ في عارضيهِ
وكأنَّ الهلالَ نصفُ سوارٍ ... والثريَّا كفٌّ تشيرُ إليهِ
وينسب إليه من قطعة فيها:
يتلو الثريا كفاغرٍ شرهٍ ... يفتحُ فاهُ لأكلِ عنقود
وقال المملوك فيه وفيها من قطعة:
والليلُ قد أبدى الثريا جنحه ... فكأنه موسى يضمُّ يمينهُ
وكأنَّ بحرَ الليلِ درجٌ أسودٌ ... خطَّ الهلالُ به بتبرٍ نونهُ
وقال أيضاً فيه وفيها وفي الليل من قطعة:
ولاح ظلامُ الليلِ فيه هلاله ... ونجمُ الثريا للغروبِ قد اقتربْ
كأدهم نهد ذي هلالٍ مفضضٍ ... على ظهره قد شد سرجٌ من الذهبْ
وقال أيضاً في صباهُ فيه وفي الليل والنجوم:
انظرْ إلى جو السماءِ وقد بدا ... فيه الهلالُ لدى نجم كاللهبْ
وكأنَّ جنحَ الليلِ ثورٌ أبلقٌ ... وهلاله فيه قرونٌ من ذهبْ
وقال أيضاً من قطعة:
ولاحَ في الغربِ هلالٌ حكى ... مع الثريا في الدجى حينَ لاحْ
فخَّ نضارٍ قد رأى شخصهُ ... طيرٌ فأهوى نحوهُ بالجناحْ
والبيت الثاني فيه زيادة على قول ابن المعتز:
كأنهُ في السماءِ فخٌ ... ينتظرُ الصيدَ للنجوم
الفصل الثالث
تشبيهه عند انتصافه، وكماله، وفي حالات مختلفة
قال أبو بكر الخالدي فيه عند تستره بالغيم، وأجاد:
والبدرُ منتقبٌ بغيم أبيضٍ ... هو فيه بينَ تخفرٍ وتبرجِ
كتنفسِ الحسناءِ في المرآة قدْ ... نظرتْ محاسنها ولم تتزوجِ
وأخذه ابنُ برد الأندلسي فقال من قطعة:
والبدرُ كالمرآة غيرَ صقلهُ ... عبثُ العذارى فيه بالأنفاسِ
وقال إبراهيم بن محمد المرادي القيرواني يلغز فيه ويشبهه في حالات مختلفة، ويمدح المعز بن باديس ملك القيروان:
دع ذا وقلْ للناسِ ما طارقٌ ... يطرقهم جهلاً ولا يتقي
ليس لهُ روحٌ على أنهُ ... يركبُ ظهرَ الفرسِ الأبلقِ
شيخٌ رأى آدمَ في عصرهِ ... وهو إلى الآن بخدٍّ نقي
هذا ويمشي الأرض في ليلةٍ ... أعجبْ به من موثقٍ مطلقِ
وتارةً يوجد في مغربٍ ... وتارةً يوجدُ في مشرقِ
وتارة تبصرهُ عائماً ... يسري بشاطئ البحرِ كالزورقِ
وتارةً تلقاهُ في لجةٍ ... من فوقهِ الماءُ ولم يغرقِ
وتارة تحسبه وهو في ... سترتهِ والبعضُ منهُ بقي
ذبابةً من صارمٍ مرهفٍ ... بارزةً من جفنهِ المطبقِ
ذو زوجةٍ أضحى له حسنها ... يختطفُ الأبصارَ بالرونقِ
حتى إذا جامعها يرتدي ... بحلةٍ كالورقِ المحرقِ
وهو على عادته دائماً ... يجامع الأنثى ولا يلتقي
ثم يجوبُ القفرَ من أجلها ... مشتملاً في مطرفٍ أزرقِ
وجسمهُ من ذهبٍ جامدٍ ... وجلده صيغَ من الزئبق
ثم يرى في حينِ إتمامه ... مثلَ مجنِّ الحرب للمتقي
وهو إذا أبصرته هكذا ... أحسنُ من صاحبةِ القرطقِ
كأنه وجهُ المعزِّ الذي ... تاهَ به الغربُ على المشرقِ
وينسب إلى ابن الرومي في مثله:
يا من كغرته الهلالُ أما ترى ... قمرَ السماءِ وقد بدا في المشرقِ
كخريدةٍ نظرت إلى إلفٍ لها ... فتنقبت خجلا بكمٍّ أزرقِ
وقال الوأواء:
والبدرُ أول ما بدا متلثماً ... يبدي الضياءَ لنا بخدٍّ مسفرِ
فكأنما هو خوذةٌ من فضةٍ ... قد ركبتْ في هامةٍ من عنبرِ
وقال الطغراني مؤيد الدين في مقابلة النيرين:
فكأنما الشمسُ المنيرةُ إذا بدتْ ... والبدرُ يجنحُ للمغيب ويغربُ
متحاربان مجنُّ ذا قد صاغهُ ... من فضةٍ ولذا مجنٌّ مذهبُ
وقال ابن مكنسة الإسكندري:
أما ترى البدرَ وقد ... شقَّ قميصَ الغسقِ
كأنه وجهُ السما ... ءِ في قناعِ أزرقِ
ومن قصيدة للشريف أبي الحسن علي بن إسماعيل الزيدي:
ألمَّ وفوق رأسِ الليل تاجٌ ... مكللةٌ جوانبهُ بدرِّ
وقد حملتْ به كفُّ الثريا ... جني الوردِ أبيضَ غبَّ قطرِ
كأن الزهرةَ الغراءَ فيه ... وقد طلعت يتيمةُ درِّ بحرِ
وقد ولى الظلامُ ببدرِ تمٍّ ... كأسودَ حاملٍ مرآةَ تبرِ
ويقرب من هذا قول سليمان بن محمد الطرابلسي من قطعة:
الويحَ لي من طولِ ليلٍ ... كدتُ أنفدُ قبلَ ينفدْ
سامرتُ فيه كواكباً ... كمصابحِ الرهبانِ ركدْ
فكأنها در تنا ... ثرَ فوقَ أرضٍ من زبرجدْ
والبدرُ في وسطِ السما ... ءِ كدرهم في كفِّ أسودْ
وقال ابن وكيع في الجوزاء وفيه:
وليلةٍ أحييتها ... ما بين عجبٍ وعجبْ
طار بنا في جنحها ... جناحُ لهوٍ وطربْ
والبدرُ قد أهدى لنا ... في ظلمةِ الليل شهبْ
وقد دنتْ جوزاؤهُ ... إليه تسعى من كثبْ
كأنها روميةٌ ... في أذنها شنفُ ذهبْ
وقال ابن رشيق فيه وفي الثريا:
يا ربَّ ليلٍ بته ... مثل مبيتِ لنابغهْ
ولم يساورني سوى ... عقربِ صدغ لادغهْ
وقد بدا البدرُ المني ... رُ والثريا بازغهْ
كأنهُ ترسُ لجينٍ ... حولَ درعٍ سابغهْ
وقال أيضاً من قطعة:
والثريا قبالةَ البدرِ تحكي ... باسطاً كفهُ ليأخذَ جاما
وقال ابن بابك في أرجوزة:
والبدرُ كالمرآةِ واللألاءِ ... حليتها كواكبُ الجوزاءِ
كأنه في كبدِ السماءِ ... حديقةٌ فيها غديرُ ماءِ
وقال في المعنى من قصيدة:

والليل درعٌ قد تسمر ظلُّه ... والنجمُ في لحظاته إغضاءُ
والبدرُ يضحكُ كالغدير تكشفت ... عن جانبيه حديقة خضراءُ
ولأبي نصر سهل بن المرزبان فيه وفي الثريا:
كم ليلةٍ أحييتها ومؤانسي ... طرفُ الحديثِ وطيبُ حثِّ الأكؤسِ
سميتُ بدرَ سمائها لما دنتْ ... منه الثريا في ملاءَةِ حندس
ملكاً مهيباً قاعداً في روضةٍ ... حياهُ بعضُ الزائرين بنرجسِ
وقال أبو محمد عبد العزيز الحاكم المعافر الصقلي:
وكأنَّ البدرَ والمريخُ إذا وافى إليه ... ملكٌ يوقدُ ليلاً شمعةً بين يديه
وقال علي بن محمد بن حبيب التميمي من قصيدة:
ورأيتُ العشرى كجذوة نارٍ ... والثريا كالجوشنِ المزرورِ
وترى أنجم المجرةِ منها ... في مسيل كالجدولِ الممطورِ
وكأنَّ النجومَ زهرُ رياضٍ ... قد أحاطتْ من بدرها بغديرِ
بمنير قد استدار به التم ... مُ فأضحى كجامةِ البلورِ
وقال ابن المعتز في تشبيهه عند انتصافه:
ما ذقتُ طعم النوم لو يدري ... كأنَّ جنبيَّ على الجمرِ
في قمرٍ مستبرقٍ نصفه ... كأنهُ مجرفةُ العطرِ

الفصل الرابع
وصف الخمر
ومما يتعلق بوصف القمر ووصف ضوئه على الماء
ومن أحسن ما قيل في ذلك قول القاضي التنوخي:
لم أنسَ دجلة والدجى متصوب ... والبدرُ في أفقِ السماءِ مغربُ
فكأنها فيه رداءٌ أزرقٌ ... وكأنه فيها طرازٌ مذهبُ
وقال المملوك من قطعة يظن أنه زاد فيها على هذا المعنى:
والليلُ فرعٌ بالكواكبِ شائبٌ ... فيه مجرته كمثلِ المفرقِ
ولربما يأتي الهلالُ ببحرهِ ... متصيداً حوتَ النجوم بزورقِ
حتى إذا هبتْ على الماءِ الصبا ... وألاحَ نورُ تمامه بالمشرقِ
أبدى لنا علماً بهيجاً مذهباً ... قد لاحَ من تجعيدِ كم أزرقِ
وحكى برادةَ عسجدٍ قد رامَ صا ... ئغها يؤلفُ بينها بالزئبق
وهذا معنى غريبٌ لا يظنُّ المملوكُ أنه سبق إليه.
ومن أحسن ذلك أيضاً قولُ ابن التمار الواسطي:
قم فانتصفْ من صروفِ الدهرِ والنوبِ ... واجمعْ بكأسكَ شملَ اللهوِ والطربِ
أما ترى الليلَ قد ولتْ عساكرهُ ... مهزومةً وجيوشُ الصبح في الطبِ
البدرُ في الأفق الغربي تحسبهُ ... قد مد جسراً على الشطينِ من ذهبِ
وقد قالَ المملوك من قطعة زاد فيها على هذا المعنى من قبل الصنعة وهي:
بشاطئ نهرٍ كالسماءِ نجومه ال ... حصى فوقه مثل الهلالِ سماري
فلما أتانا عسكرُ الليلِ راكباً ... على الشهبِ في نقعِ الدياجرِ ساري
ألاحَ عليه البدرُ في الغربِ نورهُ ... فسارتْ خفايا فوقهُ ودراري
كأنَّ جيوشَ الليلِ حاولنَ قطعهُ ... فمدَّ عليهِ البدرُ جسر نضار
ومن أطرف ذلك قول منصور بن كيغلغ:
قام الغلامُ يديرها في كفهِ ... فحسبتُ بدرَ التمِّ يلثمُ كوكبا
والبدرُ يجنحُ للأفولِ كأنهُ ... قد سلَّ فوقَ الماءِ سيفاً مذهبا
ومثله في الحسنِ قول ابن وكيع:
قم يا غلامُ أدرْ عليَّ بسحرةٍ ... كأساً كطعم العيشِ بل هي أطيبُ
لا سيما والنيلُ يلمعُ فوقهُ ... بدرٌ لوقتِ مغيبه متصوبُ
وكأنَّ صفحَ الماءِ درجٌ أبيض ... فيه لضوءِ البدرِ سطرٌ مذهبُ
ويلحقه في الجودة قول الأمير تميم:
يا رب ليلٍ بته ناعماً ... بينَ ربى المختارِ والجسرِ
أخرجُ فيه لصباً من صباً ... وأستحثُّ الخمرَ بالخمرِ
والبدرُ قد شدَّ على نيلهِ ... منطقةً من خالصِ التبرِ
وقال كشاجم:
ما زلتُ أسقاها على ... وجهِ غزالٍ موفقِ
مختمٍ بختمٍ ... بمثلهِ ممنطقِ
والبدرُ فوق دجلة ... والصبحُ لما يشرقِ
كحلةٍ من ذهبٍ ... فوقَ رداءٍ أزرقِ
وقال علي بن محمد التميمي من قصيدة:
وتخال مطردَ الحباب بنوره ... في حيثُ ما استقبلتَ معدنَ زئبقِ
يختالُ فوق الماءِ من لألائهِ ... في مثل منطقةِ اللجين المطرقِ
ومن أخرى له:
وكأنَّ السحابَ تذرو على الأرْ ... ضِ إذا قابلته مسكاً فتيقا

تتلقى أضواءه حبكُ الما ... ءِ كما لاعبَ الحبابُ الغريقا
كلما ارتجتْ الرياحُ عليه ... خلتَ منه بالماءِ قلباً خفوقا
وقال السلامي من قصيدة:
على نهر سلِّ في دجى الليل من رأى ... كواكبه زهراً تكاملنَ أم زهرا
إذا طلعتْ فيه النجومُ فما ترى ... به العينُ إلا الثلجَ مستودعاً خمرا
يرى قد أعادَ الليلُ مسكاً ثرى له ... وماءً أعاد البدرُ فضتهُ تبرا
وأنشدني القاضي النفيسُ عبد الغني بن الفطرسي الكاتب لنفسه وأجاد فيه:
يا حبذا النيل وحس ... نُ موجهِ المطردِ
والبدرُ يحكي فوقهُ ... من أفقهِ على يدِ
كجوشنٍ من فضة ... عليه ترسُ عسجدِ
وقال المملوك بديهاً على شاطئ النيل:
جلستُ بشاطئ النيل ليلاً وقد بدا ... به ضوءُ بدرِ التم والماءُ مهتدي
فخلنا له من مائهِ سيفَ فضةٍ ... موشى من البدرِ المنيرِ بعسجدِ
وقال أيضاً:
تأملْ مياهَ الخليج الذي ... أتى لكَ من أمره بالعجبْ
وقد درجتهُ الصبا سحرةً ... وقابلهُ البدرُ لما غربْ
حكى زرداً صيغَ من فضةٍ ... وقد موهوا بعضهُ بالذهبْ
ولابن رشيق من قصيدة:
وجرى شعاعُ البدر فيه فانثنى ... كاللازورد المذهبِ الأثناءِ

الفصل الخامس
تشبيه ضوء البدر على الماء
ومما يتعلق بذكر تشبيه ضوء البدر على الماء
ذكر التشبيه المستحسن في ضوء الشمس والسرج
ومن أحسن ما قيل في تشبيه ضوء الشمس على الماء قول ابن المعتز ووصف إبلا:
فتبدى لهنَّ بالنجفِ المقفى ... ماءٌ صافي الجمام غريُّ
يتمشى على حصًى يسلبُ ... الماءُ قذاهُ فمتنه مجليُّ
فإذا قابلتهُ ذرةُ شمسٍ ... خلته كسرتْ عليهِ الحلى
وقال ابن قلاقس من قطعة:
وللنيلِ تحتَ ثيابِ الأصي ... لِ لجينٌ توشحَ بالعسجدِ
فأشبهَ إذْ درجتهُ الصبا ... برادةَ تبرٍ على مبردِ
وقال مؤيد الدين الطغرائي في تشبيه الشمس قابلت غديرا:
حولَ غديرٍ ماؤه دارعٌ ... والأرضُ من رقته حاسرهْ
قد ركب َالخضراء فيه فمنْ ... حصبائه أنجمها الزاهره
والشمسُ إذ حاذته وقت الضحى ... حسناءُ في مرآتها ناظرهْ
وهذا من قولِ ابن المعتز يصف غديراً:
ما إن يزالُ عليه ظبيٌ كارعُ ... كتطلع الحسناءِ في المرآةِ
وقال ابن وكيع:
غديرٌ تدرجُ أمواجهُ ... هبوبُ الرياح ومرُّ الصبا
إذا الشمسُ من فوقهِ أشرقتْ ... توهمتهُ زرداً مذهبا
وقال السلامي من قطعة:
ونهرٌ تمرحُ الأمواجُ فيه ... مراحَ الخيل في رهجِ الغبارِ
إذا اصفرتْ عليه الشمسُ خلنا ... نميرَ الماءِ يمزج بالعقارِ
كأنَّ الماءَ أرضٌ من لجينٍ ... مغشاةٌ صفائحَ من نضارِ
وقال أيضاً من قصيدة:
ولم تر بحراً جرى بالعقارْ ... ولا ذهباً صيغ منه جبل
إلى أن جرتْ دجلةٌ بالشعاعِ ... وطنبَ بالنورِ أعلا القلل
وكنا نرى الموجَ من فضةٍ ... فذهبهُ النورْ لما اشتعلْ
وقال البحتري في بركة الجعفري:
إذا علتها الصبا أبدتْ لها حبكاً ... مثلَ الجواشن مصقولٌ حواشيها
إذا النجومُ تراءتْ في جوانبها ... ليلاً حسبتَ سماءً ركبت فيها
وقد أخذ هذا الصنوبري فقال:
ولما تعالى البدرُ واشتدَّ ضوؤهُ ... بدجلة في تشرينَ بالطولِ والعرضِ
وقد قابل الماءُ المفضضُ نوره ... وبعض نجوم الليلِ يطفي سنا بعضِ
توهم ذو العينِ البصيرة أنه ... يرى باطنَ الأفلاكِ في ظاهر الأرض
ولأبي الحسن الصقلي في تشبيه ضوء السراج على الماء، وأحسن:
شربنا مع غروب الشمس شمساً ... مشعشعةً إلى وقتِ الطلوعِ
وضوء السرج فوقَ الليلِ بادٍ ... كأطرافِ الأسنةِ في الدروعِ
وذكر أبو الصلت أميةُ في يوم المهرجان إلى الأفضل:
أبدعت للناس منظراً حسناً ... لا زلت تحيى السرورَ والطربا
ألفت بين الضدينِ مقتدراً ... فمن رأى الماءَ خالطَ اللهبا
كأنما الماءُ والشموع به ... أفقُ سماءٍ تألقتْ شهبا

قد كان من فضةٍ فصيره ... توقدُ النارِ فوقهُ ذهبا
وأنشدني الفقيه همام بن راجي الله لنفسه:
رأيتُ الماءَ قابلهُ سراجٌ ... ولاحَ الضوءُ من فوقِ الحبابِ
فقلتُ لصاحبي لما اجتمعنا ... هدى البرق من خللِ السحابِ
وهذا مأخوذ من قول غلام البكري الأندلسي:
أعجبْ بمنظر ليلةٍ ليلاءِ ... تحيى بها اللذاتُ فوقَ الماءِ
في منظرٍ يزهى بغرةِ أغيدٍ ... يختالُ مثل البانةِ الغناءِ
قرنت يداهُ الشمعتين بوجههِ ... كالبدرِ بينَ النسرِ والجوزاءِ
والتاحَ تحتَ الماءِ ضوءٌ منهما ... كالبرقِ يخفقُ في غمام سماءِ
وأخذه غلام البكري من قول إبراهيم بن غانم القيرواني في البحر:
يأتيكَ من كدرِ الزواخرِ متنهُ ... بممسكٍ من مائهِ ومصندلٍ
وكأنَّ ضوءَ البدرِ في تمويجهِ ... برقٌ تموج في سحابٍ مقبل
وقال المملوك من مزدوجة:
والشمسُ قدْ مالتْ لنحوِ المغربِ ... فموهتْ لجينهُ بالذهبِ
وفتحتْ في ساعةِ الأصيلِ ... وردتها في خدهِ الأسبلِ
كأنما النورُ وتدرجُ الصبا ... ينشرُ فوقَ الماءِ درعاً مذهبا

الفصل السادس
تشبيه الثريا
ففيما قيل في تشبيه الثريا
أحسن ما قيل فيها قول الحاتمي:
وليلٍ أقمنا فيه نعملُ كأسنا ... إلى أن بدا للصبح في الجوِّ عسكرُ
ونجمُ الثريا في السماءِ كأنهُ ... على حلةٍ زرقاءَ جيبٌ مدنرُ
وقال ابن حمديس:
وليل رسونا في عُبابِ ظلامهِ ... إلى أن طفا للصبحِ في أفقه نجمُ
وكأنَّ الثريا فيه سبعُ جواهرٍ ... يفصلها جزعٌ به فصل النظمُ
وتحسبها في جحفل الليل سريةً ... عمائمهم بيضٌ وخيلهم دهمُ
كأنَّ السها مضنًى أتوهُ بنعشه ... ذووه فظنوا أن موتتهُ حتمُ
وأجمع ما قيل في تشبيهها قول السلامي:
والثريا كرايةٍ أو كجامٍ ... أو بنانٍ أو طائرٍ أو وشاحِ
ويقرب منه قول الصنوبري، وقيل إنه لابن المعتز، وذكره الصولي:
قم فاسقني والظلامُ منهزمٌ ... والصبحُ بادٍ كأنهُ علمُ
والطيرُ قدْ طربتْ وأعربتْ الأ ... لحانَ طراً لكنها عجمُ
وميلت رأسها الثريا بأس ... رارٍ إلى الغربِ وهي تحتشمُ
في الشرقِ كأسٌ وفي مغاربها ... قرطٌ وفي أوسطِ السما قدمُ
وأخذ أبو علي ابن رشيق بعض هذا المعنى فقال:
وليلٍ بعيدُ الجانبينِ سهرته ... مع النجم حتى مقلتي ليس تطبقُ
وقد جنحتْ فيه الثريا كأنها ... على عاتقِ الجوزاءِ قرطٌ معلقُ
وقال السريُّ الموصلي:
كأنَّ الثريا راحةٌ تشبر الدجى ... لتعلمَ طالَ الليلُ لي أم تعرضا
فاعجبْ بليلٍ بين شرقٍ ومغربٍ ... يقاسُ بشبرٍ كيفَ يرجى له انقضا
وأخذه أبو الوليد ابن زيدون، ونقص منه فقال:
زارني بعد هجعة والثريا ... راحةٌ تقدرُ الظلامَ بشبرِ
وقال ابن وكيع:
ومشمولةٍ من بنات الكروم ... تميتُ الهمومَ وتحيى الجذلْ
تناولتها وشبابُ الظلامِ ... قد شابَ من فجره واكتهلْ
وقد شاكلتْ في أديم المساءِ ... نجومُ الثريا للحظِ المقلْ
دنانيرَ أعطتكها راحةٌ ... سوادُ الخضابِ بها قد نصلْ
وقال عبد الوهاب الأزدي القيرواني، المنعوت بالمشعل فيها وفي المريخ والمشتري:
كأنها راحةٌ أشارتْ ... لأخذِ تفاحةٍ وكاسِ
وقال ابن رشيق فيها وفي المريخ والمشتري:
رأيت جهرامَ والثريا ... والمشتري في العيانِ كرهْ
كراحةٍ خيرتْ فحارتْ ... ما بينَ ياقوتةٍ ودرهْ
وقال ابن الرومي:
والثريا كأنها ... في بروجِ المطالعِ
كفُّ خودٍ تختمت ... في رءوس الأصابعِ
وأخذه الوأواءُ فقال:
كأنما الفرقدانِ فيهِ ... على الثريا مراقبينِ
كأنها كفُّ لازوردٍ ... فيها تطاريفُ من لجينِ
وأخذه ابن هانئ الأندلسي، وزاد عليه فقال:
وولتْ نجوم للثريا كأنها ... خواتم تبدو في بنانٍ وتختفي
وقال ابن خفاجة:
وكأنما نجمُ الثريا سحرةً ... كفٌّ تمسحُ عن معاطفِ أشهب
ولمنصور بن كيغلغ:

ربَّ ليلٍ سهرتُ حتى تجلى ... مغرماً في ظلامه أتملى
والثريا كأنها رأسُ طرفٍ ... أدهمٍ زين باللجام المحلى
وقال تميم بن المعز:
ألا سقياني درة ذهبيةً ... فقد ألبسَ الآفاق جنحُ الدجى دعج
كأنَّ الثريا والظلامُ يحفها ... فصوصُ لجينٍ قد أحاطَ بها سبج
ومما ينسب إلى ابن المعتز هذان البيتان:
ألا سقنيها والظلامُ مقوضٌ ... وطرفُ الدجى نحو المغارب يركضُ
كأنَّ الثريا في أواخرِ ليلها ... تفتحُ نونٍ أو لجامٌ مفضضُ
ولأبي العباس الضبي:
خلتُ الثريا إذ بدتْ ... طالعةً في الحندس
مرسلةً من لؤلؤٍ ... أو باقةٍ من نرجس
وقال حسين بن المهذب:
كأنما الليلُ والثريا ... تسبحُ في جوه وتجري
زنجيةٌ جردتْ فأبدت ... في صفحةِ الصدرِ عقدَ درِّ
وقال ولده القاسم من قطعة:
وكأنها لما دنتْ لغروبها ... نارٌ تصوبُ هابطاً من مرقبِ
وقال ابن صردر من قصيدة فيها:
وكأنها والشمل يجمعها ... رهطٌ قد اجتمعوا على سر
مثل العذارى من تعففها ... تستصحبُ الدبرانَ كالخدر
وقال ابن حمديس من قصيدة:
والثريا رجحَ الجو بها ... كابن ماءٍ ضم للجو جناح
وكأن الشرق منها ناشقٌ ... باقةً من ياسمين أو أقاحْ
وقال التهامي من قصيدة:
وللثريا ركودٌ فوقَ أرحلنا ... كأنها قطعةٌ من فروةِ النمر
ومن قطعة للوأواء:
فتخيرتُ لها التشبي ... هَ بالقول المصيبْ
وهي كأسٌ في شروقٍ ... وهي قرطٌ في المغيبْ
وقال ابن وكيع فيها:
أقولُ لبدرِي والخمارُ يكدني ... ولي طرق مجنونٍ وإطراقُ مرعش
ألا سقنيها والثريا كأنما ... كواكبها في جوها غصنُ مشمش
ولعبد المحسن الصوري من قطعة:
والثريا خفاقةٌ بجناح الغ ... ربِ تهوى كأنها رأسُ فهدِ
وللوأواء:
وكأنَّ الذراعَ تحتَ الثريا ... رايةٌ ركبتْ بغيرِ سنانِ
ولأبي الحسنْ البديهي:
ربَّ ليلٍ قطعتُه باجتماعٍ ... مع بيضٍ من الأخلاءِ غرِّ
وكأنَّ الكؤوس زهرُ نجومٍ ... والثريا كأنها عقدُ درِّ
وقال ظافر الحداد:
كأنَّ أنجمها في الليلِ زاهرةً ... دراهمٌ والثريا كفُّ منتقدِ
وليوسف بن حمويه القزويني:
زارني في الدجى فنم عليه ... طيب أردانه لدى الرقباءِ
والثريا كأنها كفُّ خودٍ ... أبرزتْ من غلالةٍ زرقاءِ
وأخذه المملوك فقالَ من مزدوجة:
والنجمُ قد لاحَ لنا بالمشرقِ ... ككف خودٍ في قميصٍ أزرقِ
وقال ظافر الحداد:
كأن الثريا تقدمُ الفجر والدجى ... يضم حواشي سجفه للمغاربِ
أخو سطوةٍ وافى فأومى بكفه ... على حنقٍ منه لتهديدِ هاربِ
وقال المملوك من قطعة:
يا نديمي بادر لشرب المدامِ ... واعصَ قولَ اللحاةِ واللوام
فانظرُ الجوَّ كيفَ يضحك لما ... كسر النورُ عسكرَ الإظلام
وجيوشُ الصباح تتبع جيش الل ... يلِ لما ألحَّ في الانهزامِ
وكأنَّ السماءَ بندُ حريرٍ ... أسودٌ جاءَ مذهب الأعلام
والثريا كمثل قرطٍ تبدى ... في يدِ الفجرِ من نهابِ الظلامِ

الفصل السابع
ما قيل في سائر النجوم من التشبيه
قال ظافر الحداد من قصيدة:
كأنَّ نجومَ الليلِ لما تبلجتْ ... توقدُ جمرٍ في سوادِ رمادِ
حكى فوقَ ممتدِّ المجرةِ شكلها ... قواقعَ تطفو فوقَ لجة وادِ
وقد سبحتْ فيه الثريا كأنها ... بنيقاتُ وشى في قميصِ حدادِ
ولاحت بنو نعشٍ كتنقيطِ كاتبٍ ... بيسراهُ للتعليم أحرفَ صادِ
إلى أنْ بدا ضوءُ الصباحِ كأنهُ ... رداءُ عروسٍ فيه صبغُ مدادِ
وقال ابن شرف القيرواني من قطعة:
تحت الظلام الذي مثلَ الظليم جثا ... والبدرُ بيضته والأفق أدحى
حنى على واقع النسرين ذروتهُ ... كأنه بيدقٌ باثنين محميُّ
وقد تولت بناتُ النعشِ هابطةً ... كأنما هي في بحرٍ سماريُّ
وقيصرُ الشرقِ قد أبدى طلائعه ... وانهدَّ بالمغربِ الجيشُ النجاشيُّ
وقال القاضي التنوخي:

كأنما المريخُ والمشتري ... قدامه في شامخ الرفعهْ
منصرفٌ بالليلِ عن دعوةٍ ... قد أوقدوا قدامه شمعهْ
وقال ابن المعتز في وصف سحابة:
كأنَّ سماءها لما تجلتْ ... خلالَ نجومها عند الصباحِ
رياضُ بنفسجٍ خضلٍ نداهُ ... تفتح فيه نوارُ الأقاحِي
وأخذ أبو بكر الخالدي هذا المعنى فقال وقصر:
أرعَى النجوم كأنها في أفقها ... زهرُ الأقاحي في رياض بنفسجِ
وقال الوأواءُ في المعنى:
ربَّ نجومٍ في ظلامٍ أزرقِ ... راعيتها في مغربٍ ومشرقِ
كأعينٍ من خجل لم تطرقِ ... أو نرجسٍ في روضةٍ مفرقِ
وأخذه العرقلةُ الدمشقي فقال:
كأنَّ السماءَ وقد أشرقتْ ... كواكبها في دجى الحندس
رياضُ البنفسجِ محميةً ... تفتح فيها جنى النرجسِ
وأخذه المملوك فقال:
والليلُ والأنجمُ فيه حكى ... بنفسجاً أزهرَ فيه الأقاحْ
وينسب إلى ابن المعتز من قطعة:
وتوقدُ المريخ بين نجومهِ ... كبهارةٍ في روضة من نرجسِ
وقال هاشم بن العباس المصري من قطعة:
وكأنما المريخُ بينَ نجومه ... ياقوتةٌ في جوهرٍ متبددِ
وقال ابن حمديس من قطعة:
فكأنما عقدُ الحنادِسِ بوكرتْ ... بيدٍ من الصبح المنير فحلتِ
وكأنَّ أنجمها على أعجازها ... درقٌ على أعجاز دهم ولتِ
وقال ابن وكيع من قصيدة:
وللسماء وشحٌ ... من النجوم وسمطْ
تحكي بساطاً أزرقاً ... فيه من التبرِ نقطْ
وقال في الجوزاءِ وأجاد:
قم فاسقني صافيةً ... تهتكُ سترَ الغسقِ
أما ترى الصبحَ بدا ... في ثوبِ ليلٍ خلقِ
أما ترى جوزاءهُ ... كأنها في الأفقِ
منطقةٌ من ذهبٍ ... فوقَ قباءٍ أزرقِ
وقال أيضاً:
ما زلتُ أشر بها وأسقي صاحبي ... والصبحُ في سربالِ تبرٍ مشرقِ
حتى بدتْ زهرُ النجومِ كأنها ... دررٌ نثرنَ على بساطٍ أزرقِ
وشاركه أبو عثمان الخالدي فقال:
وليلةٍ ليلاءَ في ال ... لونِ كلون المفرقِ
كأنما نجومها ... في مغربٍ ومشرقِ
دراهمٌ منثورةٌ ... فوقَ رداءٍ أزرقِ
ولابن وكيع أيضاً في المعنى:
أما ترى أنجمَ الدياجي ... تزهرُ في جوها النقيِّ
تحكي لنا لؤلؤاً نثيراً ... على بساطٍ بنفسجيِّ
ولابن مكنسة السكندري من قصيدةٍ:
والزهر قد حفت به ... مثلُ عيونِ الرمقِ
كأنما أشكالها ... لامعةً في الأفقِ
مداهنٌ من ذهبٍ ... قد ملئت بالزئبقِ
وقال مؤيد الدين الطغرائي في أنجم الرجم، وإن كانت القافية لينة:
وليلٍ ترى الشهبُ منقضةً ... به نحو مسترق سمعهْ
تراها إذا انتثرت في السماء ... ولم تخلُ من ضوئها بقعه
مزاريقَ تبرٍ ترامتْ بها ... بنو الحبشِ في حومةِ الوقعهْ
وقال ابن زيدون من قصيدة:
والدجى من نجومه في عقودٍ ... يتلألأنَ من سماكٍ ونسرِ
تحسبُ الأفقَ تحتها لازورداً ... نثرتْ فوقهُ دنانيرُ تبرِ
ومن جيد الشعر المجهول في تشبيه السماء والنجوم:
سبحان من رفعَ السماءَ بأمرهِ ... من غيرِ أعمدةٍ تكونُ عمادا
وكأنما هي خيمةٌ مضروبةٌ ... جعلَ الكواكبُ حولها أوتادا
وقال المملوك:
وليلٍ زارني فيهِ حبيبٌ ... مليحُ الشكلَ ساجي المقلتينِ
وقد بدت النجومُ على سماءٍ ... تكاملَ صحوها في كل عينِ
كسقفٍ أزرقٍ من لازوردِ ... بدتْ فيه مسامرُ من لجين

الفصل الثامن
ما قيل في تشبيه قوس قزح والثلج والبرق والغيم
ومن أحسن ما قيل في قوس قزح قول سيف الدولة بن حمدان، وينسب إلى ابن الرومي، وهو الصحيح:
وساقٍ صبيحٍ للصبوحِ دعوته ... فقامَ وفي أجفانهِ سنةُ الغمضِ
يطوفُ بكاساتِ العقارِ كأنجمٍ ... فمنْ بينِ منقضٍّ علينا ومنفضِّ
وقد نشرت أيدي الجنوبِ مطارفا ... على الجودُ كناً والحواشي على الأرض
يطرزها قوس الغمام بأصفرٍ ... على أحمرٍ في أخضرٍ تحت مبيضِّ
كأذيالِ خودٍ أقبلتْ في غلائلٍ ... مصبغةٍ والبعضُ أقصرُ من بعضِ
وللوأواء، وأجاد:

سقياً ليومٍ بدا قوسُ الغمامِ بهِ ... والشمسُ طالعةٌ والبرقُ خلاسُ
كأنهُ قوسُ رامٍ والبروقُ لهُ ... رشقُ السهامِ وعينُ الشمسِ برجاسُ
وقال ابن بليطة الأندلسي من قطعة:
ولاح في الجو قوسُ الجوِّ مكتسياً ... من كل لونٍ بأذنابِ الطواويسِ
وقال السري الموصلي في قطعةٍ
والجوُّ في ممسكٍ ... طرازهُ قوسُ قزحْ
يبكي بلا حزنٍ كما ... يضحكُ من غيرِ فرحْ
وقال الصاحبُ بن عباد في الثلج وأجاد:
أقبلَ الثلجُ فانبسطْ للسرورِ ... ولشربِ الصغيرِ بعدَ الكبيرِ
فكأنَّ السماءَ صاهرتْ الأرْ ... ضَ فصارَ النثارُ من كافور
ولأحمد بن علي العلوي فيه، واستدعى صديقاً:
هواكَ من الدنيا نصيبي وإنني ... إليكَ لمشتاقٌ كجفني إلى الغمضِ
فزرني وبادر يوم ثلجٍ كأنهُ ... شمائمُ كافورٍ نثرن على الأرض
وقال أبو الفتح البستي، وأجاد:
قد نظمنا السرورَ في عقدِ أنسٍ ... وجعلنا الزمانَ للهو سلكا
وشربنا المدامَ في يومِ ثلجٍ ... عزلَ الغيُّ فيه رشداً ونسكا
فكأنَّ السحابَ تنحلُّ كافو ... راً علينا ونحنُ نفتقُ مسكا
وقال ظافر الحداد:
ويومٍ ضاحكٍ يبكي ... ضعيفِ معاقدِ السلكِ
أشوبُ ببرده برداً ... كمبسمِ من حوى ملكي
كأنَّ الريحَ تنثرهُ ... على الأرضينِ في وشكِ
تغربل من خلال الن ... د كافوراً على مسكِ
وقال كشاجم فيه من قصيدة:
الثلج يسقطُ أم لجينٌ يسبكُ ... أمْ ذا حصى الكافور ظلَّ يفركُ
ولعتْ به الأرضُ الفضاءُ كأنها ... من كلِّ ناحيةٍ بثغرٍ تضحكُ
شابت ذوائبها فبينَ ضحكها ... طرباً وعهدي بالمشيبِ ينسكُ
ومن قطعة له أيضاً:
فكأنَّ ما ينهلُّ من سيلِ الندى ... أيدٍ نثرنَ من الجمانِ عقودا
وقال أيضاً فيه وفي السحاب:
غيثٌ أتانا مؤذن بخفضِ ... متصلُ النوِّ حثيثُ الركض
كالجيش يتلو بعضه بالبعض ... يضحكُ عن برقٍ خفى الومضِ
كالكفِّ في انبساطها والقبضِ ... دنا فخلناهُ دوينَ الأرضِ
إلفاً إلى إلفٍ بسرٍّ يفضِي ... ثم هوى كاللؤلؤ المنفض
وقال ابن التمار في البرق من قطعة:
فاشرب على طيبِ الزمانِ فيومنا ... يومُ التذاذٍ قد أتى برذاذِ
وانظرْ إلى لمعِ البروقِ كأنها ... يومَ الضرابِ صفائحُ الفولاذِ
وقال ابن المعتز في البروق من قصيدة:
أرقتُ لبرقٍ كثير الوميض ... ترامى غواربه في الشهبْ
كأنَّ تألقه في السماءِ ... سطورٌ كتبن بماءِ الذهبْ
وقال أيضاً من قصيدة:
إذا تعرى البرقُ فيها خلته ... بطنَ شجاع في كثيبٍ يضطرب
وتارةً تبصرهُ كأنهُ ... أبلقُ مالَ جلهُ حينَ وثبْ
وتارةً تخاله إذا بدا ... سلاسلاً مصقولةً من الذهبْ
ولأبي بكر الخالدي في الرعد والبرق والسحاب، وأجاد:
وسحابٍ يجرُّ في الأرضِ ذيلي ... مطرفٍ زره على الأرض زراً
برقه لمحةٌ ولكنْ له رع ... دٌ بطيءٌ يكسو المسامع وقرا
كخليٍّ منافقٍ تهواهُ يب ... كي جهراً ويضحكُ سراً
وقال ابن قلاقس في مثله، وإن كانت التوطئة ليست جيدة:
كأنما الرعدُ والسحابُ وقدْ ... جدَّ ذهاباً والبرقُ إذ لاحا
ثلاثةٌ من عدوهم نفروا ... إليهمُ قد غدا وقدْ راحا
فسل هذا سيفاً لهُ وبكى ... هذا وهذا من خيفةٍ صاحا
وقال أبو عثمان الخالدي:
كأنَّ الرعودَ خلال البرو ... قِ والريحُ تكثرُ تحريضها
زنوجٌ إذا خفقتْ بينها ... دبادبها جردتْ بيضها
وقال أيضاً في الطل والسحاب والبرق من قطعة:
أما ترى الطلَّ كيفَ يلمعُ في ... عيونِ نور تدعو إلى الطربِ
في كلِّ عينٍ للطلِّ لؤلؤةٌ ... كدمعةٍ في جفون منتحبِ
والجوُّ في حلةٍ ممسكةٍ ... قد طرزتها البروقُ بالذهبِ
وقال السري من قطعةٍ:
والجوُّ يختالُ في حجبٍ ممسكةٍ ... كأنما البرقُ فيها كفُّ ذي رعبِ
وللوزير المهلبي:
يومٌ كأنَّ سماءهُ ... شبهُ الحصانِ الأبرش
وكأنَّ زهرةَ أرضه ... فرشتْ بأحسنِ مفرش

فسماؤه دكنُ الخزو ... زِ وأرضهُ خضرُ الوشي
وهو من قول ابن الورمي:
يومنا للنديم يومُ سرورٍ ... والتذاذٍ ونعمةٍ وابتهاجِ
ذو سماءٍ كأدكن الخزغيمت ... فوقَ أرضٍ كأخضرِ الديباجِ
وللناشئ الصغير:
خليلي هلْ للمزنِ مقلةُ عاشقٍ ... أم النارُ في أحشائها وهي لا تدري
أشارتْ إلى أرضِ العراقِ فأصبحتْ ... وكاللؤلؤِ المنثورِ أدمعها تجري
تسربلُ وشياً من خزوزٍ تطرزتْ ... مطارفها طرزاً من الوشي كالتبر
وقال يوسف بن هارون الرمادي الأندلسي من قطعة:
والغيث من سحابه ... طلٌّ ضعيفٌ ينزلُ
كأنهُ برادةٌ ... من فضة تغربلُ
وقال المملوك من مزدوجة في البرق:
والبرقُ مذ أرهفَ من شفارهِ ... لاحتْ دماءُ المحل في غراره
كأنه والنورُ منه قد طفا ... نشوانُ رش في حديقٍ قرقفا
وتارةً يبدو كبندٍ من ذهبْ ... يخفضُ طوراً ثم طورا ينتصبْ
وتارةً تحسبه إذ يعرضُ ... كأرقش لسانهُ ينضنضُ
وربما ترى به تداخلا ... تخالهُ من ذهبٍ سلاسلا
وتارةً يخفقُ غيرَ شارقٍ ... كأنه خفقُ فؤادِ العاشقِ
وتارةُ خفقاً شديدَ القصرِ ... لمحاً ضعيفاً كاختلاجِ البصر

الفصل التاسع
تشبيه المجرة
قال ابن المعتز من قطعةٍ، وينسب إلى الخباز البلدي:
وكأن المجر جدولُ ماءِ ... نور الأقحوانُ من جانبيهِ
وأخذه ابن حجاج فقال من قطعة:
يا صاحبيَّ استيقظا من رقدةٍ ... تزري على عقلِ اللبيبِ الأكيسِ
هذي المجرةُ والنجومُ كنها ... نهرٌ تدفقَ في حديقةِ نرجسِ
وأخذه المهذب بن الزبير وزاد عليه شيئاً من الصناعة، فقال:
وترى المجرةَ في النجومِ كأنها ... تسقي الرياضَ بجدولٍ ملآنِ
لو لم تكنْ نهراً لما عامت بهِ ... أبداً نجومُ الحوتِ والسرطانِ
وقال ابن صردر من قصيدة:
وعلى المجرةِ أنجمٌ نظمتْ ... مثل الفقارِ تلوحُ في الظهرِ
هذا حبابٌ فوقَ صفحتها ... طافٍ، وهذا جدولٌ يجري
وقال ابن خفاجة:
لبس المجرَّ على السوادِ فخلتهُ ... مترهباً قد شدَّ من زنار
وقال المملوك من قطعة وقد تقدمت:
والليلُ فرعٌ بالكواكبِ شائبٌ ... فيه مجرته كمثل المفرق
الفصل العاشر
تشبيه الصبح
قال أبو بكر الخالدي من قصيدةٍ ووصف ديكاً:
مطربُ الصبحِ هيج الطربا ... لما قضى الليلُ نحبهُ انتحبا
مفردٌ تابع الصياحَ فما ... يدري رضًى كانَ ذاكَ أم غضبا
ما تنكرُ الطيرُ أنهُ ملكٌ ... لها فبالتاج راحَ معتصبا
طوى الظلامُ البنودَ منصرفاً ... لما رأى الصبحَ ينشرُ العذبا
والليلُ من فتكةِ الصباح بهِ ... كراهبٍ شقَّ جيبه طربا
وشاركه السريُّ الموصلي فقال من قطعة:
كراهب جنَّ للهوى طرباً ... فشقَّ جلبابهُ من الطربِ
وقال أبو بكر أيضاً من قصيدة:
ما عذرنا في حبسنا الأكوابا ... سقط الندى فصفا الهواءُ وطابا
وكأنما الصبحُ المنيرُ وقد بدا ... بازٍ أطارَ من الظلام غرابا
وقال ظافر الحداد:
وصبيحةٍ باكرتها في فتية ... أضحوا لكل نفيسةٍ كالأنفسِ
والليلُ قد ولى بعبسةِ راحل ... والصبحُ قد وافى ببشرِ معرس
والفجرُ قد أخفى النجوم كأنهُ ... سيلٌ يفيضُ على حديقةِ نرجسِ
وقال محمد بن عطية بن حيان القيرواني الكاتب:
فكأنما الصبحُ المطلُّ على الدجى ... ونجومه المتأخراتُ تقوضا
نهرٌ تعرضَ في السماءِ وحولهُ ... أشجارُ وردٍ قد تفتح أبيضا
وقال ابن وكيع من قصيدةٍ:
حتى إذا الليلُ بدا ... فيه من الصبح وخطْ
وخلتَ ذا في جسم ذا ... حين تعرى وانكشطْ
غلالةً فضيةً ... عن جسم زنجي تعط
وأخذه أبو الفتوح ابن قلاقس فقال من قصيدة:
حتى تبدى الصبح من جنباته ... فكأنه الزنجيُّ شقَّ قباؤُهُ
وقال ابن المعتز، وهو أحسن ما قيل في الفجر المعترض:
والليلُ قد رقَّ وأصغى نجمه ... واستوفز الصبحُ ولما ينتصبْ
معترضاً بفجره في ليلةٍ ... كفرسٍ بيضاءَ دهماءِ اللببْ

وله أيضاً من قطعة:
والصبحُ يتلو المشتري فكأنه ... عريانُ يمشي في الدجى بسراج
وقال القاضي التنوخي فيه من قطعةٍ:
كأنَّ عيونَ الساهراتِ لطولِها ... إذا شخصتْ في الأنجم الزهر أنجمُ
كأنَّ سوادَ الليل والفجرُ ضاحكٌ ... يلوحُ ويخفى أسودٌ يتبسمُ
وأخذه ابن وكيع فقال:
والفجرُ قد خالط بالنور الغسقْ ... فجاءَ في هيئة طرفٍ ذي بلقْ
تبسمَ الزنجي عن ثغر يقق

الباب الثاني
التشبيه الواقع في صفات المياه والأنهار والغدران
وفيه خمسة فصول الفصل الأول: فيما قيل في الأنهار عند تجعيدها بمر الريح عليها.
الفصل الثاني: في تشبيه الأنهار الهادئة والغدران الساكنة.
الفصل الثالث: في ذكر التشبيه الواقع في تغير ماء الأنهار بالمدود.
الفصل الرابع: فيما يتعلق بوصف الأنهار وذكر ما قيل من التشبيه في المراكب.
الفصل الخامس: في تشبيه الفوارات وما شابها.
الفصل الأول:
فيما قيل في الأنهار عند تجعيدها بمر الريح عليها
ومن أحسن ما قيل في ذلك قول الأمير تميم بن المعز:
يومٌ لنا بالنيلِ مختصرٌ ... ولكلِّ وقتِ مسرةٍ قصرُ
والسفنُ تصعدُ كالخيول بنا ... فيه وجيشُ الماءِ ينحدرُ
وكأنما أمواجه عكنٌ ... وكأنما داراته سررُ
وقال ابن وكيع في تشبيهه بالعكن:
خذها بكفنْ فاترِ الجفونِ ... على خليجٍ أملسِ المتونِ
أمواجه كعكنِ البطونِ ... ذي زردٍ كالزردِ الموضونِ
كسلخِ أيمٍ أو كسلخ نونِ
وله أيضاً:
سقاني كأسَ الراحِ شاطئُ جدولٍ ... تداريجه يحكينَ بطناً معكنا
إذا صافحتهُ راحةُ الريحِ خلتها ... بتكسيرها إياهُ ثوباً مغبنا
وإنما أخذ الأمير تميم أبياته من قول الصنوبري:
طربتُ إلى شطِّ الفراتِ عشيةً ... بكلِّ فتًى كالسيفِ أروعَ صنديدِ
وقد عبثتْ فيه الصبا فتخالهُ ... طريقُ لجينٍ ذا ربى وأخاديدِ
تروقكُ داراتٌ عليه كأنها ... خواتمُ حسنٍ في خدود مهاً غيدِ
وقال الرصافي الأندلسي:
وجدولٍ كاللجينِ سائلْ ... صافي الحشى أزرقِ الغلائلْ
عليه شكلٌ صنوبريٌ ... تفتلُ مِنْ مائهِ خلاخلْ
ووجدت منسوباً إلى الوأواء:
شربنا على النيل لما بدا ... بمدهِ يزيدُ ولا ينقصُ
فخلنا تحركَ أمواجه ... كأعطافِ جاريةٍ ترقصُ
وأخذه الحسن بن رشيق فقال من قصيدة:
خليليَّ هل أعطيتما اللحظَ حقهُ ... من البركةِ الحسناءِ شكلاً ومنظرا
إذا باشرتْ أولى النسيم حسبتها ... من الرنجِ المفروكِ ثوباً منشرا
كأنَّ شباكاً ألقيتْ في متونها ... فأبقتْ مثالاً فوقها قد تسطرا
ويتركها مرُّ القبول كما انثنت ... معاطفُ ثوبي راقصٍ قد تكسرا
وقال أيضاً وزاد وأجاد:
لدينا بركةٌ كالبدر حسناً ... وليس يصيبها كالبدرْ نقصُ
كأنَّ الريحَ تأتيها برياً ... حبيٍب قد تباعد منه شخصُ
فيطرِبها إلى أن يعتريها ... من الإطرابِ تصفيقٌ ورقصُ
وهذا المعنى مأخوذ من أبياتٍ وجدتها منسوبةً إلى ابن المعتز، ولستُ أظنها له:
كأنما النيلُ إذا ... نسيمُ ريحٍ حركهْ
بنيةٌ ترقصُ في ... غلالةٍ ممسكهْ
تريكَ من تخليعها ... في كلِّ عضوٍ حركهْ
وأخذ ابن رشيق البيت الثالث من قول ابن وكيع:
قم فاسقني قهوةً إذا انبعثتْ ... في باخلٍ جادَ بالذي ملكهْ
لو خامرتْ صخرةً بسورتها ... لأحدثت في سكونها حركهْ
على غدير إذا الصبا درجتْ ... في متنه أظهرتْ لنا حبكهْ
كأن أيدي الرياح قد بسطتْ ... لنا على وجهِ مائهِ شبكهْ
والأصل قول الصنوبري:
سقى حلباً سافكٌ دمعه ... بطيءُ الرقو إذا ما سفكْ
ميادينها بسطهن الرياض ... وأنهارها وسطهنَّ البرَكْ
ترى الريحَ تنسجُ من مائها ... دروعاً مضعفةً أو شبكْ
كأنَّ الزجاجَ عليها أذيبَ ... وماءَ اللجينِ بها قدْ سبكْ
وقال ظافرُ الحداد من قصيدة:
وطوراً على ماءِ الخليج وقد جلا ... عليه نسيمُ الريحِ كشحاً معكنَا

كأنَّ حبابَ الماءِ ثوبٌ مرايشٌ ... وقد شابه لونُ الضحى فتلونا
وكانَ كأحناكِ الظباءِ تثاءَبتْ ... فأظهرنَ تدريجاً هناكَ مغضنا
إذا برم التيارُ داراتهِ حكى ... أناملَ خراط تجرد مدهنا
ولحمد بن الحسن فيها، وذكر تغيره بالمد:
والنهرُ مكسوٌّ غلالةَ فضةٍ ... وإذا جرى سيلٌ فثوبُ نضارِ
وإذا استقامَ رأيتَ صفحةَ منصلٍ ... وإذا استدار رأيتَ عطفَ سوارِ
وقال الأمير أبو فراس:
أنظرْ إلى زهرِ الربيع ... والماءِ في بركِ البديعْ
وإذا الرياحُ جرتْ علي ... هِ في الذهابِ وفي الرجوعْ
نثرتْ على بيض الصفا ... ئح بيننا حلق الدروعْ
وقال أبو الصلت من قطعة:
للهِ يومي ببركةِ الحبش ... والجو بينَ الضياءِ والغبش
والنيلُ بينَ الرياحِ مضطرب ... كصارمٍ في يمين مرتعش
وقال ابن حمديس يصفُ نهراً من قطعة:
له رعدةٌ تعتادهُ في انحداره ... كما تبسط الكفُّ البنان وتقبضُ
وتحسبهُ إن حبكتْ متنهُ الصبا ... عموداً علاهُ النقشُ وهو مفضضُ
وقال ظافر الحدادُ من قصيدةٍ يصفُ نهراً:
ترى منهُ تحتَ الماءِ درعاً وجوشناً ... وسيفاً بلا غمد إذا كانَ راكدا
كأن الصبا لما أدارت حبابه ... تمرُّ على سيفٍ صقيلٍ مباردا
وقال ابن رشيق من قصيدة:
والماءُ ساجٍ مستكينٌ هيبةً ... لمعزِّ دين الله ذي الآلاءِ
ذوبٌ من البلور عاد لوقته ... في هيئة الياقوتةِ الزرقاء
يحكي المباردَ بالمتونِ وتارةً ... كبطونِ حياتٍ على رمضاء
وقال ابن المعتز من قصيدة:
وكأن درعاً مفرغاً من فضةٍ ... ماءُ الغديرِ جرتْ عليه صباك
وقال ابن التمار الواسطي:
أما ترى اليومَ في أثوابه الجددِ ... يحكيكَ يا غرةَ الأيام والأبدِ
فاشربْ وسقِّ الندامى من مشعشعة ... كلونِ خدكَ لم تنقصْ ولم تزدِ
على خليج إذا هبَّ النسيمُ به ... أبصرتهُ من حبيك الريح كالزرد
ومن أحسن ما قيل ومن أطرفه قول المعرى من قصيدة:
وكم تصيدتُ والصبا شركي ... سربَ ظباءٍ ألحاظهنَّ ظبا
على غديرٍ بروضةٍ نظمتْ ... نوارها حولَ بدرهِ شهبا
يدق فيه الغمام أسهمهُ ... فيكتسي من نصالها حببا
ويعجمُ الطلُّ ما تخطُّ على ... صفحتيه مر شمألِ وصبا
ضروبُ وشي كأنما خلع الأي ... م عليهنَّ بردهُ طربا
وقال الرصافي الأندلسي في نهر عليه شجرة:
ومهلهلِ الشطين تحسبُ أنهُ ... متسيلٌ من درةٍ لصفائهِ
فاءَتْ عليه مع الهجيرة سرحةٌ ... صدئتْ لفيئتها صفيحةُ مائهِ
فتراهُ أزرق في غلائلِ سمرةٍ ... كالدارِعِ استلقَى لظلِّ لوائهِ
وقال ابن قلاقس من قطعة:
ومجلسٍ أشقَّ تعاريجهُ ... نهرٌ كما شقَّ الطروبُ الردا
كأنه والماءُ في متنه ... صرحُ سليمانَ الذي مردا
يلمعُ كالسيفِ فإنْ درجتْ ... منه الصبا أبصرته مبرداً
وقال أيضاً في بركة:
قد صفتَ واعتلى الحبابُ عليها ... فهي سيان مع كؤوسِ الراح
يا لها أنصلاً بواطنَ لولاَ ... زردٌ ظاهرٌ بأيدي الرياحِ
أيُّ درعٍ موضونةِ النسجِ تمتدْ ... دُ السواقي منها ببيضِ الصفاحِ
وللمولى تاج الملوك، نور الله ضريحه:
أنظرْ إلى النيلِ الذي ... ظهرتْ به آياتُ ربي
فكأنه في جريه ... دمعي وفي الخفقانِ قلبِي

الفصل الثاني
في تشبيه الأنهار الهادئة والغدران الساكنة
من أحسن ما قيل في ذلك قول الأمير أبي فراس:
وكأنما البركُ الملاءُ يحفها ... أنواعُ ذاك النبتِ والزهرِ
بسطٌ من الديباج بيضٌ فروزتْ ... أطرافها بفراوزٍ خضرِ
وقال الأمير تميمُ في بركة الحبش وخليج بني وائل:
كأنَّ البركةَ الغناءَ لما ... غدتْ بالماءِ مفعمةً تموجُ
وقد لاحَ الضحى مرآة قَيْنٍ ... قد انصقلتْ ومقبضها الخليجُ
وشاركه ابن وكيع فقال:
وقد حكى غديره ... في زهره حينَ اغتمطْ
مرآةَ جالٍ ماهرٍ ... موضوعةً فوقَ نمطْ
وقال ابن خفاجة:

لله نهرٌ سالَ في بطحاءِ ... أشهى وروداً من لمى الحسناءِ
وغدتْ تحفُّ به الغصونُ كأنها ... هدبٌ تحفُّ بمقلة سوداءِ
وقال أبو مطرف بن الدباغ في مثله:
ومطردٍ صيغَ من لؤلؤٍ ... وقد أعشبَ النبتُ في جانبيهِ
كأن ينابيعهُ محجرٌ ... وقضبُ الرياحينِ هدبٌ عليهِ
وقال ظافرُ الحداد في بحر النيل وبركة الحبش وشبيههما من أوضاع أهل مصر:
تأملتُ بحر النيل طولاً وخلفه ... من البركةِ الغناءِ شكلٌ مقعر
فكانَ وقدْ لاحتْ بشطيهِ خضرةٌ ... وكانتْ وفيها الماءُ باقٍ موقرُ
عمامةَ شربٍ ذي حواشٍ بخضرةٍ ... أضيفَ إليها طيلسانٌ مقورُ
وقال أيضاً وأجاد:
لله يومٌ أناله النيلُ ... لحسنه جملةٌ وتفصيلُ
في منظرٍ مشرفٍ على خضرٍ ... كأنه في السماءِ قنديلُ
كأنما البحرُ عند مفترق ال ... ماءِ أبِنَّ من رأسها سراويلُ
وقال في معناه:
نظرْ إلى الروضةِ الغناءِ والنيلِ ... واسمعْ بدائع تشبيهي وتمثيلي
وانظرْ إلى البحرِ مجموعاً ومفترقاً ... هناكَ أشبهَ شيءٍ بالسراويل
وقال أيضاً في المعنى:
والنيلُ مثل عمامةٍ ... نشرتْ محشاةً بأخضر
والجسرُ فيها كالطرازِ ... ومنْ به رقمٌ مصورْ
والبحرُ من رأسِ الجزي ... رةِ كالسراويل المجدرْ
وقال ابن حمديس في بركة شقها نهر:
وزرقاءَ في ليلِ الشباب تنبهتْ ... لتحبيكها ريحٌ تهبُّ مع الفجرِ
يشقُّ حشاها جدولٌ متكفلٌ ... بسقي رياض النبتِ في حللِ الزهرِ
كما ضربَ المقدامُ بالسيفِ دارعاً ... بدرعٍ فشقَّ الصدرَ منهُ إلى الخصرِ

الفصل الثالث
في ذكر التشبيه الواقع في تغير ماء النهار بالمدود
وقال أبو بكر الصنوبري فيه:
ولقد ظمئتُ إلى الفرا ... تِ بكلِّ ذي كرم ومجدِ
والشمسُ عند غروبها ... صفراءُ مذهبةُ الفرندِ
والماءُ حاشيتاهُ خضرا ... وانِ من آسٍ ورندِ
تحبوه أيدي الريحِ إنْ ... ولتْ على قربٍ وبعدِ
بطرائقٍ من فضةٍ ... وطرائقٍ من لازوردِ
والسفنُ كالطيرِ انبرتْ ... في الجو من مثنًى وفردِ
حتى إذا جزرُ الفرا ... تِ مضى وأعقبه بمدِّ
ألفيته وكأنهُ ... ملقًى عليه رداءُ وردِ
متململاً كالصبِّ أو ... ذِنَ من أحبته بصدِّ
وكأنما بحشاهُ ما ... بحشاي من قلقٍ ووجدِ
وقال الأمير تميم:
أما ترى الرعدَ بكى واشتكى ... والبرقَ قد أومض واستضحكا
وانظر إلى غيم كصبغ الدجى ... أضحك وجه الأرضِ لما بكى
وانظرْ لماءِ النيلِ في مدهِ ... كأنما صندلَ أو مسكا
وقال عبد الله بن شرية وأجاد:
راقني النيلُ صفاءً ... بعدَ تكديرِ صفائهْ
كانَ مثلَ الوردِ غضاً ... فهوَ الآنَ كمائهْ
وأخذه أبو الصلت وزاد عليه، فقال في نيل مصر:
ولله مجرى النيلِ فيها إذا الصبا ... أرتنابه من مرها عسكراً مجرى
إذا مد حاكى الوردَ غضاً وإن صفا ... حكى ماءه لوناً ولم يعده نشرا
الفصل الرابع
فيما يتعلق بوصف الأنهار وذكر ما قيل من التشبيه في المراكب
ومن جيد ما قيل في ذلك قول بعضهم:
تجولُ على لجِّ تيارها ... من الخيل دهمٌ بلا أبلقِ
زبازبُ تحكي إذا ميزتْ ... عقاربَ تسعى على زئبقِ
وأحسن منه قول من قال:
كأنها في غامرِ الأمواج ... عقاربٌ دبتْ على زجاج
وأخذتُ من هذا المعنى وزدتُ عليه فقتل في صفة نيل مصر:
فكم حاكةٍ تجري عليه ورومسٍ ... وكم من عشارِيّ عليه وقارب
كفرخِ زجاجٍ أزرقٍ متجعدٍ ... جرتْ فوقه للخوفِ سودُ عقاربِ
وقال ابن حمديس يصف سفينةً:
طيارةٌ ولها فرخانِ وا عَجَبا ... إذا لا تزقهما حتى يزقاها
كأنهما البحرُ عينٌ وهي أسودها ... بسبحها فيه والعبرانِ جفناها
وهو مأخوذ من قول السلامي:
وميدانٍ تجولُ به خيولٌ ... تقودُ الدارعينَ ولا تقادُ
ركبتُ به إلى اللذاتِ طرفاً ... له جسمٌ وليسَ له فؤادُ

جرى فظننتُ أنَّ الأرضَ وجهٌ ... ودجلةَ ناظرٌ وهو السوادُ

الفصل الخامس
في تشبيه الفوارات وما شابهها
ومن جيد ما قيل في الفوارات قول السري من قصيدة:
رفعتْ إلى الجوزاءِ فواراتها ... عمداً تصابُ بوثبها الجوزاءُ
كادتْ تردُّ على الحيا ألطافهُ ... لو لمْ يملْ أطرافهنَّ حياءُ
مثلُ القنا الخطيِّ قوم ميلهَ ... وجرتْ عليهِ الفضةُ البيضاءُ
وقال من أخرى في المعنى:
وسهم فوارةٍ ما ارتدَّ رائده ... حتى أصابَ من العيوقِ ما طلبا
كأنَّ بركتهُ درعٌ مضاعفةٌ ... تقلُّ رمحَ لجينٍ منه منتصبا
وقال ابن قلاقس وأحسن:
منارةٌ للرخام قائمةٌ ... عنها شرارُ المياه منفضهْ
كأنها فازةٌ مكللةٌ ... عمودها من سبائكِ الفضهْ
ومن جيد الشعر المجهول فيها:
وفوارةٍ ردتْ على السحبِ ماءَها ... وزادَ على الإخبارِ عنها عيانها
إذا ما تراءتها العيونُ حسبتها ... قناةً من البلورِ فيها سناتها
وقال الأعمى التطيلي في أسد نحاس يغدق الماء من قطعة:
فكأنه أسدُ السما ... ءِ يمجُّ من فيه المجرهْ
وقال يعلى بن إبراهيم الإدريسي في صور نحاسٍ تقذفُ الماء من أفواهها:
وتنبذُ الماءَ من أفواهها صورٌ ... منها وتحسبها والماءُ مرتدفُ
تثاءبتْ في أوانِ القرِّ واحتفلتْ ... أنفاسها والهوى في جسمها كثفُ
الباب الثالث
تشبيه الأزهار والأثمار والنبات
وفي ثلاثة فصول
الفصل الأول
في تشبيه الأزهار
من أحسن ما قيل في النرجس قولُ ابن وكيع:
اشربْ فلستَ على صحوٍ بمعذورِ ... واطربْ على صوتِ ناياتٍ وطنبورِ
أما ترى النرجسَ الريان يلحظنا ... كأنَّ أجفانه أجفانُ مخمورِ
كأنَّ أصفرهُ في وسطِ أبيضهِ ... قراضةٌ أودعتْ أحشاءَ بلورِ
أما تراهُ ومرُّ الريح يعطفه ... كأنهُ زعفرانٌ وسطَ كافورِ
إذا بدا في اختلافٍ من تلونهِ ... أراكَ كيف امتزاجُ النارِ بالنورِ
وينسب إلى المأموني من قطعةٍ، وإن لم يكن فيها حرف تشبيه:
وياقوتة صفراءَ في رأس درةٍ ... مركبةٍ في قائمٍ من زبرجدِ
كأنَّ جمانَ الطلِّ في جنباتها ... بقيةُ دمعٍ فوقَ خدٍّ موردِ
ولابن المعتز:
وعجنا إلى الروضِ الذي طله الندى ... وللفجرِ في ثوبِ الظلامِ حريقُ
كأنَّ عيونَ النرجس الغضِّ بينه ... مداهنُ درٍّ حشوهنَّ عقيقُ
كأنَّ جمانَ الطلِّ في جنباتِها ... بكاءُ جفونٍ دمعهن خلوقُ
وقال أبو الفرج الببغاء وأحسن:
ونرجسٍ لم يعدُ مبيضه ال ... كاسَ ولا أصفره الراحا
تخالُ أقحافَ لجينٍ حوتْ ... من أصفرِ العسجدِ أقداحا
وينسبُ إلى العكربل:
كأنما النرجسُ لما بدا ... لناظري في ساحةِ المازمينْ
زبرجدٌ قد جعلوا فوقهُ ... أقداح تبرٍ في صواني لجين
وقال ظافر الحداد:
كأنما النرجسُ الطافي حين بدا ... قعابُ تبرٍ على حافاتِ بلورِ
كأنما أوراقهُ والشمسُ تقصرها ... أوراقُ شمعٍ فمن خامٍ ومقصورِ
وقال أبو العلاء السروي فيه، وأجاد:
حيِّ الربيع فقد حيا بباكورِ ... من نرجسٍ ببهاءِ الحسنِ مذكورِ
كأنما جفنه بالغنج منفحتاً ... كأسٌ من التبِرِ في منديلِ كافور
ولأبي عبد الله الحداد الأندلسي وأجاد:
أنظر إلى النرجس الوضاحِ حين بدا ... كأنه ناظرٌ من جفنِ مبهوتِ
كأذرعِ الغيدِ في خضر البرود جلت ... على أناملها صفرَ اليواقيتِ
ولابن مكنسة الإسكندري من قصيدة:
ونرجسٍ إلى حدائ ... قِ الربا محدقِ
كأنما صفرتهُ ... على بياضِ يققِ
أعشارُ جزءِ ذهبتْ ... من رقٍ في ورقِ
ولعبد القاهر بن طاهر التميمي:
سقتني لتروي الروحَ راحاً وحققتْ ... مواعيدها ذاتُ الوشاح بإنجازِ
على نرجسٍ حيتْ به وكأنما ... أناملها انضمت إلى حدقِ البازِي
وللعرقلة:
ناولني من أحبُّ نرجسةً ... أحسن في ناظرِي من الوردِ
كأنما بيضها مرصعةٌ ... من خده والصفارُ من خدي

وكتب ابن الرومي إلى عبد الله بن المسيب من قطعة:
أدرك ثقاتك إنهم وقعوا ... في نرجسٍ معه ابنةُ العنبِ
وهم بحالٍ لو بصرتَ بها ... سبحتَ من عجبٍ ومن عجبِ
ريحانهمْ ذهبٌ على دررٍ ... وشرابهم دررٌ على ذهبِ
وينسب إليه أيضاً:
أبصرتُ طاقةَ نرجسٍ ... من كفِّ من أهواهُ غضهْ
فكأنها قضبُ الزبرْ ... جدِ أنبتتْ ذهباً وفضهْ
وينسب إلى ابن المعتز:
نرجسةٌ لاحظني طرفها ... تلوحُ في بحرْ دجىً مظلمِ
كأنما صفرتها في الدجى صفرةُ دينارٍ على درهم
وقال المملوك من مزدوجة:
ونرجسٍ ينظرُ من أجفانِ ... مختلفاتِ الشكلِ والألوانِ
من أبيضٍ من تحتِ لونٍ أصفرِ ... له نسيمٌ كنسيم العنبرِ
ينظرُ إذ جلَّ عن النعوت ... دراً خليطَ أصفرِ الياقوتِ
ومن جيد الشعر قول ابن قادوس يهجوه:
ونرجسٍ أهديته فلم يكنْ ... مستملحاً وإنما تهدى الملحْ
يزور عنه ناظرٌ وناشقٌ ... كأنه ثغرٌ تغشاه قلحْ
ومن أحسن ما قيل في الورد قول محمد بن عبد الله بن طاهر:
أما ترى شجراتِ الوردِ مظهرةً ... لنا بدائع قد ركبنَ في قضبِ
كأنهنّ يواقيتٌ يطيفُ بها ... زمردٌ وسطه شذرٌ من الذهبِ
وقال إسماعيل الأصبهاني وأحسن:
الوردُ في حللٍ وحليٍ ما يرى ... في مثلها إلا الكعابُ الرودُ
والوردُ فيه كأنما أوراقه ... نزعتْ وردَّ مكانهنَّ خدودُ
وقال السري أيضاً في تشبيهه بالخدود:
لو رحبتْ كأسٌ بذي زورةٍ ... لرحبتْ بالوردِ إذ زارها
جاءَ فخلناهُ خدوداً بدتْ ... مضرمةً من خجلٍ نارها
وقال الطغرائي في الوردِ الأصفر وأحسن:
ألم تر أن جند الوردِ وافى ... بخضرٍ من مطارده وصفرِ
أتى مستلئماً بالشوكِ يحكي ... نصال زبرجدٍ وتراس تبرِ
وقال فيه قبل انفتاحه وبعده:
شجراتُ وردٍ أصفرٍ بعثتْ ... في قلبِ كلِّ متيم طربا
خطرت بنود زبرجدٍ حملتْ ... أجوافها من عسجدٍ أهبا
فإذا الصبا فتقتْ كمائمها ... سحراً ومالَ الغصنُ وانتصبا
شبهتها بخريدةٍ وضعتْ ... في الخضرِ من أثوابها لهبا
سبكتْ يدُ الغيم اللجين لها ... وكسته صبغاً مونقاً عجبا
يا من رأى من قبلها شجراً ... سقى اللجين وأثمر الذهبا
وقال الخالدي في الأحمر:
وردةُ بستانٍ بخابيةٍ ... زينتْ من الحسنِ بنوعينِ
باطنها من قشر ياقوتةٍ ... وظهرها من ذهبٍ عينِ
قبلتها حباً لها إذْ بها ... حياني البدرُ على عيني
كأنها خدٌّ على خدهِ ... يومَ اجتمعنا غدوةَ البين
ولسعد بن حميد:
أتاك الوردُ مبيضاً مصونا ... كمعشوقٍ تكنفهُ صدودُ
كأنَّ عيونهُ لما توافت ... نجومٌ في مطالعها سعودً
بياضٌ في جوانبه احمرارٌ ... كما احمرتْ من الخجلِ الخدودُ
ومما ينسب إلى ابن المعتز:
أهدتْ إليَّ يدٌ نفسي الفداءُ لها ... الوردَ نوعين مجموعين في طبق
كأنَّ أبيضه وسط أحمرهِ ... كواكبٌ أشرقتْ في حمرةِ الشفق
وينسب إليه أيضاً:
ووردةٍ في بنانِ معطارِ ... حيى بها في خفي أسرارِ
كأنها وجنةُ الحبيبِ وقدْ ... نقطها عاشقٌ بدينارِ
وأنشدني القاضي النفيسُ أبو العباس أحمدُ بن عبد الغني الفطرسيُّ، وأجاد:
وشادنٍ غرني مخادعةً ... منهُ وكلُّ الملاحِ غرارُ
ناولني وردةً منعمةً ... كأنَّ بها عن رضاهُ إشعارُ
وقال خذ وجنتي مضاعفةُ ... وفوقها للقبولِ دينارُ
وقال صاعد اللغوي الأندلسي في وردةٍ مطبوقةٍ:
أتتكَ أبا عامرٍ وردةٌ ... يذكرك المسكُ أنفاسها
كعذراءَ أبصرها مبصرٌ ... فغطتْ بأكمامها راسها
وقال ابن بابك من قصيدة:
وردٌ تفتح ثم انضمَّ منطبقاً ... كما تجمعتنْ الأفواهُ للقبل
ولأبي حفص المطوعي فيه وفي النرجس:
ألستَ ترى أطباقَ وردٍ وحولها ... من النرجسِ الغض الطريّ قدودُ
فتلكَ خدودٌ ما عليهن أعينٌ ... وهذي عيونٌ مال هنَّ خدودُ
وقال المملوك من مزدوجةٍ:

والوردُ والطلُّ عليه في الورقِ ... كخدِّ خجلانَ بدا فيه عرقْ
ومن أعجب الشعر قول ابن الرومي:
يا مادحَ الوردِ ما ينفكُّ في غلطه ... ألستَ تنظره في كف ملتقطه
كأنه سرمُ بغلٍ حينَ يبرزهُ ... عندَ الخراءِ وباقي الروثِ في وسطهْ
ومن أحسن ما قيل في الجلنار قولُ الأمير أبي فراس:
وجلنارٍ مشرف ... على أعالي شجرهْ
كأنَّ في رءوسهِ ... أحمره وأصفره
قراضةً من ذهبٍ ... في خرقٍ معصفره
وله أيضاً:
ويوم جلا عنهُ الربيعُ رياضهُ ... بأنواع حليٍ فوقَ أثوابه الخضرِ
كأنَّ ذيولَ الجلنارِ مطلةً ... فضولُ ذيولِ الغانياتِ من الأزرِ
وقال ابن وكيع فيه:
وجلنارٍ بهيٍّ ... ضرامه يتوقدْ
بدا لنا في غصونٍ ... خضرٍ من الريِّ ميدْ
يحكي فصوصًَ عقيقٍ ... في قبةٍ من زبرجدْ
وقال القاضي ابن سناء الملك:
وجلنارٍ على غصونٍ ... وكلُّ غصنٍ بهنَّ مائسْ
يحكي الشراريبَ وهي خضرٌ ... وهو بأطرافها كبائس
ومن أحسن ما قيل في البنفسج قولُ ابن المعتز:
يحكي البنفسجُ في أوقاتِ زرقته ... أوائلَ النارِ في أطرافِ كبريتِ
ولبعضهم في هذا المعنى والزيادة عليه:
بنفسجٌ بذكيِّ الريحِ مخصوص ... ما في زمانك إذ وافاكَ تنغيصُ
كأنه شعلُ الكبريتِ مضرمةً ... أو خدُّ أعيدَ بالتجميشِ مقروصُ
وقال ابنُ المعتز من قصيدة:
وكأن البنفسج الغضَّ يحكي ... أثرَ القرصِ في خدود الجواري
وقال أبو الحسن العقيلي في الزيادة عليه:
اشربْ على زهرِ البنفسجِ قهوةً ... تنفي الأسى عن كلِّ صبٍّ مكمدِ
فكأنه قرصٌ بخدِّ غريرةٍ ... أو أعينٌ زرقٌ كحلنَ بإثمدِ
وينسب إلى ابن المعتز من قطعة:
تراهُ فتحسبُ ألوانهُ ... فصوصاً من الفضةِ المحرقة
وللصنوبري:
وكأنَّ خرمها البديعَ إذا بدا ... منها رءوسٌ قد بدرنَ رقابها
ولبعضهم في هذا المعنى:
ماسَ البنفسجُ في أغصانهِ فحكى ... زرقَ الفصوصِ على خضرِ القراطيس
كأنه وهبوبُ الريحٍ تعطفه ... بينَ الحدائقِ أعرافُ الطواويسِ
وينسب إلى ابن الرومي فيه:
بنفسجاً هاتِ فإني متى ... شاهدته أشربُ ماشيتا
ليس من الزهر ولكنه ... زبرجدٌ يحملُ ياقوتا
وقال منصور الهروي فيه وفي النرجس:
قرنَ الزمانُ إلى البنفسجِ نرجساً ... متبرجاً في حلةِ الإعجابِ
كخدودِ عشاقٍ غدت ملطومةً ... نظرتْ إليها أعينُ الأحبابِ
ومن أحسن ما قيل في السوسن قول ابن المعتز في مزدوجته، في الأبيض منه:
والسوسنُ الأبيضُ منشورُ الحللْ ... كقطنٍ قد مسه بعضُ البللْ
وقال الأخيطل الأهوازي وقصر:
سقياً لروض إذا ما نمتُ نبهني ... بعد الهدوء به قرعُ النواقيس
كأنَّ سوسنه في كلِّ شارقةٍ ... على الميادينِ أذنابُ الطواويسِ
ومن أحسن ما قيلَ في الآذريون قول ابن المعتز:
سقياً لأيامٍ مضتْ ... وللعصورِ الخاليهْ
ما بين روضاتٍ لنا ... بكلِّ حسنٍ حاليهْ
كأنما أنهارها ... من ماءِ وردٍ جاريهْ
كأنَّ آذريونها ... تحتَ السماءِ الصافيهْ
مداهنٌ منْ ذهبٍ ... فيها بقايا الغاليهْ
ولأبي الحسن العقيلي فيه:
تاه الربيعُ بآذريونه وزها ... لما بدا منه نشرٌ في الربا أرجُ
كأنَّ أغصانه فيروزجٌ بهجٌ ... من فوقه ذهبٌ في وسطه سبجُ
وقال ابن وكيع فيه:
قم فاسقني صافيةً ... تسلبُ قلبي فكرهْ
في روضةٍ كأنها ... خريدةٌ في حبرهْ
كأنَّ آذريونها ... أصفره وأحمرهْ
سحيقُ مسكٍ مودعٌ ... في خرقٍ معصفرهْ
ومن جيد ما قيل في المنشور السندي قولُ ابن المعتز:
ومنثورةٍ نثرتْ في القلوب ... سروراً على بهجةٍ مشرقهْ
تراها فتحسبها في العيان ... صليباً من الفضةِ المحرقهْ
وقال ظافر الحداد في الأصفر منه من قطعةٍ وأحسن:
والأصفرُ الخيريُّ صلبانٌ زهتْ ... بصحيح قسمتها على الصناعِ
كقراضةِ الدينارِ قسم خمسةً ... وأعيدَ مصفوفاً على أرباعِ

وقال الملك عضد الدولة بن بويه الديلمي:
يا طيبَ رائحةٍ من نفحةِ الخيريِّ ... إذا تمزقَ جلبابُ الدياجيرِ
كأنها في أوانِ القرِّ أجنحةٌ ... بيضٌ وحمرٌ وصفرٌ من زنانيرِ
وتنسب إلى البحتري:
لما رأيتُ المنثورَ منتظماً ... ظللتُ فيما رأيتُ مبهوتا
كأنما أشربُ المدام على أر ... ضٍ بها تنبتُ اليواقيتا
وللعرقلة:
قد أقبلَ المنثور يا سيدي ... كالدرِّ والياقوتِ في نظمهِ
ثناكَ لا زالَ كأنفاسه ... ومخُّ من يشناكَ مثلُ اسمهِ
ولبعضهم فيه:
أنظر إلى المنثورِ ما بيننا ... وقد كساهُ الطلُّ قمصانا
كأنما صاغتهُ أيدي الحيا ... من أحمرِ الياقوتِ صلبانا
وقال ابن وكيع فيه من قصيدة:
وانظر إلى المنثورِ في ميدانه ... يرنو إلى الناظرِ من حيثُ نظرْ
كجوهرٍ مختلفٍ ألوانهُ ... أسلمهُ سلكُ نظامٍ فانتثرْ
وقال ابن المعتز في مزدوجته في الياسمين الأصفر:
والياسمينُ في ذرى الأغصانِ ... منتظماً كقطع العقيانِ
ولبعضهم من قطعة قبل انفتاحه وأجاد:
خليلي هبا ينقضي عنكما الهوى ... وقوما إلى روضٍ وكأسِ رحيقِ
فقد لاحَ زهرُ الياسمين منوراً ... كأقراطِ در قمعتْ بعقيقِ
ومن أحسن ما قيل في النيلوفر قول ابن حمديس الصقلي:
ونيلوفرٍ أوراقهُ مستديرةٌ ... يفتحُ فيما بينهنَّ له زهرُ
كما اعترضتْ خضرُ التراسِ وبينها ... عواملُ أرماحٍ أسنتها حمرُ
وقال أيضاً وأجاد:
اشربْ على بركةِ نيلوفرٍ ... محمرةِ الأوراقِ خضراءِ
كأنما أزهارها أخرجت ... ألسنةَ النارِ من الماءِ
وقال الصالح بن رزيك فيه من قطعة:
وبدتْ أوراقُ نوفرها ... كنصالٍ خضبتْ بدم
وقال ظافر الحداد فيه:
ونيلوفرٍ يحكي لنا المسكَ بشره ... تراه على اللذاتِ أفضل مسعدِ
تلبسُ لوناً يشغلُ اللحظ حسنه ... كما عبثتْ كفٌّ بخدٍّ موردِ
وقال فيه يخاطب رئيساً:
يا سيداً عمتْ الدنيا نوافله ... وفات سبقاً فما تحصى فضائله
أنظر إلى نيلوفر في نرجسيته ... كأنه ساعدٌ ضمتْ أناملهُ
ولبعضهم:
لا تغفلنَّ عن الصبوح وقم بنا ... ننعم بأطيبِ لذةٍ للأنفسِ
في بركةٍ تبدي لنا نيلوفراً ... خضلاً تضاحكه عيونُ النرجسِ
كأسنة من فضةٍ قد خضبتْ ... بدمٍ ولفتْ في عصائب سندس
ولبعضهم فيه:
نيلوفرٌ جاءتْ به ... أيدي الربيعِ الحاليهْ
كأناملٍ من فضةٍ ... مسحت بقيةَ غاليهْ
ولغيره في النيلوفر الأصفر:
حياً بنيلوفر براحته ... تخاله خلقةً وتصويرا
منائراتً من زمردٍ حملتْ ... من ذهبٍ أصفرٍ طيافيرا
وقال المملوك فيه:
أرى بكرة تزهو بنيلوفر ندٍ ... كجو سماءٍ زين بالأنجم الزهرِ
تلوحُ بوجه الماء في حسنِ لونه ... فمنْ أزرقٍ صاف وآخرَ محمرِّ
كأحقاقِ ياقوتٍ بهنَّ قراضةٌ ... وقد غشيت صونا بأغشيةٍ خضر
وقال السري الموصلي في حوض ريحان:
وبساطٍ ريحانٍ كماءِ زبرجدٍ ... عبثت بصفحته النسيم فأرعدا
يشتاقه الشربُ الكرامُ فكلما ... مرضَ النسيمُ أتوا إليه عودا
وقال الأمير أبو الفضل الميكالي:
أعددتُ محتفلا ليوم فراغي ... روضاً غدا إنسان عين الباغِ
روضاً يروضُ هموم قلبي حسنه ... فيه لكأسِ اللهوِ أيُّ مساغِ
وإذا أتت قضبانُ ريحانٍ بهِ ... حيتْ بمثلِ سلاسلِ الأصداغ
ولأبي سعيد الأصبهاني:
وشمامة مخضرةِ اللونِ غضة ... حوتْ منظراً للناظرينَ أنيقا
إذا شمها المعشوقُ خلتَ اخضرارها ... ووجنته فيروزجاً وعقيقا
ولأبي الحسن الصقلي في الحماحم منه وأحسن:
أنا بالريحانِ مفت ... ونٌ ولا مثلُ الحماحمْ
فتأملنهُ تجدهُ عذ ... راً لصبِّ القلبِ هائمْ
لامةُ الجندِ بخض ... رِ القمصِ في حمرِ العمائمْ
وقال ابن قادوس فيه:
هذي الحماحمُ زهرٌ ... تزهو بكلِّ النفوسِ
كأنه حينَ يبدو ... برايةُ الأبنوسِ
ولبعضهم فيه:

وريحانٍ تميسُ به غصونٌ ... يطيبُ بشمه شربُ الكؤوس
كسودانٍ لبسنَ ثيابَ خزٍّ ... وقد تركوا مكاشيفَ الرءوس
ولغيره:
أما ترى الريحانَ أبدى لنا ... حماحماً منه فأحيانا
تحسبه في ظله والندى ... زمرداً يحملُ مرجانا
ومن أحسن ما قيل في الأقحوان قول ظافر الحداد:
والأقحوانةُ تحكي ثغرَ غانيةٍ ... تبسمتْ فيه من عجبٍ ومن عجبِ
في القدِّ والبردِ والريقِ الشهي وطي ... بِ الريح واللونِ والتفليج والشنبِ
كشمسةٍ من لجينٍ في زبرجدةٍ ... قد شرفتْ تحت مسمارٍ من الذهبِ
وقال ابن عباد الإسكندري في المعنى، وشاركه في كثير من اللفظ:
والأقحوانة تحكي وهي ضاحكةٌ ... عن واضحٍ غير ذي ظلمٍ ولا شنب
كأنها شمسةٌ من فضةٍ حرستْ ... خوفَ الوقوع بمسمارٍ من الذهبِ
ومن جيد الشعر قول ظافر فيه من قطعةٍ:
والأقحوانةُ في الرياضِ تخالها ... ثغراً يعضُّ على حروفِ رباعي
ومن جيد الشعر المجهول فيه:
يا ربَّ ربع مقفرٍ موحش ... خالٍ نزلناهُ قبيلَ العشي
كأنما نورُ الأقاحي به ... ثغرُ فمٍ عضَّ على مشمش
وقال المملوك فيه بديهاً:
انظر فقد أبدى الأقاحُ مباسماً ... ضحكتْ إلينا في قدود زبرجدِ
كفصوص درٍّ لطفت أجرامها ... قد نظمتْ من حولِ شمسةِ عسجدِ
وقال ابن المعتز في البهارِ من مزوجة:
وحلق البهار بين الكاس ... جمجمة كهامةِ الشماسِ
ومن أحسن ما قيل في الآس قولُ سليمانَ بن محمد الطرابلسي:
أحسنْ بقضبانِ آسٍ ... في سائر الدهر توجدْ
كأنها حينَ تبدو ... سلاسلٌ من زبرجدْ
وقال الأخيطل الأهوازي فيه:
للآس فضلُ بقائه ووفائهِ ... ودوام منظره على الأوقاتِ
قامتْ على أغصانهِ ورقاته ... كنصولِ نبل جد مؤتلفاتِ
ومن أحسن ما قيل في الشقائق قول كشاجم:
أما الظلامُ فقد لفت غلالته ... والصبحُ حين بدا بالنورِ يختالُ
فانظر بعينكِ أغصانَ الشقائقِ في ... فروعها زهرٌ في الحسنِ أمثالُ
من كلِّ مشرقةِ الأوراقِ ناضرةٍ ... لها على الغصنِ إيقادٌ وإشعالُ
كأنها وجناتٌ أربعٌ جمعتْ ... وكلُّ واحدةٍ في صحنها خالُ
وقال بعض آل حمدان:
شقيقةٌ شقَّ على الورد ما ... قد اكتسبتْ من بهجة الصبغِ
كأنها من حسنها وجنةٌ ... يلوحُ فيها طرفُ الصدغِ
وأخذه الأمير مجد الدين أسامة بن منقذ رحمه الله فقال:
لأعجبُ ما صاغَ الربيعُ من الزهر ... مداهنُ تبرٍ ما يصغن من التبر
شقائقُ في أغصانِ تبر كأنها ... خدودٌ بدت فيها عوارضُ من شعر
وقال ابن وكيع:
شقيقةٌ جاءتك من روضةٍ ... يقصر عنها كل مشمومِ
سوادها في صبغ محمرها ... كشامةٍ في خد ملطوم
وقال أبو الفضل الميكالي:
سل الربيعُ على الشتاء صوارماً ... تركتهُ مجروحاً بلا أغمادِ
وبكت له عينُ السماءِ بأدمعٍ ... ضحكتْ لساجمها ربى الأنجادِ
وبدتْ شقائقها خلال رياضها ... تزهى بثوبي حمرةٍ وسوادِ
فقنو حمرتها خضابُ نجيعه ... وسوادُ كسوتها لباسُ حدادِ
وله أيضاً:
كأنَّ الشقائقَ إذا أبرزتْ ... غلالةُ لاذٍ وثوبٌ أحمْ
قطاعٌ من الجمرِ مشبوبةٌ ... بأطرافها لمعٌ من حَمَمْ
أخذه الطغرائي فقال:
وبين الرياض الجونِ زهرُ شقائقٍ ... تطاردها حمرٌ أسافلُها سخام
كما طرحتْ في الفحم نارٌ ضعيفةٌ ... فمن جانبٍ جمرٌ ومن جانبٍ فحم
وأخذهُ ظافرُ الحداد فقال:
والشقائقُ جمرٌ في جوانبهِ ... بقيةُ الفحم لم تستره باللهبِ
وقال الأمير الميكالي أيضاً:
تصوغُ لنا كفُّ الربيع حدائقاً ... كعقد عقيقٍ بينَ سمطِ لآلي
ويهنَّ أنوارُ الشقائقِ قد حكتْ ... خدودَ عذارى زينتْ بغوالي
وقال ابن رشيق القيرواني:
رأيتُ شقيقةً حمراءَ بادٍ ... على أطرافها لطخُ السوادِ
تلوحُ بها كأحسنَ ما تراهُ ... على شفةِ الصبيِّ من المدادِ
وقال ابن الزقاق من قصيدة:
والغصنُ فوقَ الماءِ تحتَ شقائقٍ ... مثل الأسنة خضبتْ بدماءِ

كالصعدة السمراءِ تحت الراية ... الحمراءِ فوقَ اللأمةِ الخضراءِ
وللخباز البلدي:
هاتِ المدامةَ يا شقيقي ... نشربْ على زهر الشقيقِ
كاسَ العقيق نديرها ... ما بينَ كاساتِ العقيقِ
وقال الطغرائي:
وترى شقائقه خلال رياضها ... أوفتْ مطاردها على أزهارها
وكأنها والريحُ تصقلُ خدها ... والسحبُ تملؤها بصفو قطارها
أقداحُ ياقوتٍ لطافٌ أترعتْ ... راحاً فباتَ المسكُ حشو قرارها
وكأنها وجناتُ غيدٍ أحدقتْ ... بخدودها حمراً خطوطُ عذارها
وقال البحتري فيه وفي الطل:
يذكرنا ريحَ الأحبة كلما ... تنفس في جنح من الليلِ باردِ
شقائقُ يحملنَ الندى فكأنها ... دموعُ التصابي في خدودِ الخرائدِ
ولابن وكيع في مثله:
قمْ فاسقني يا رفيقي ... من السلافِ الرحيقِ
أما ترى الطلَّ يحكي ... على احمرارِ الشقيقِ
لآلئاً ضمنتها ... مداهنٌ منْ عقيقِ
وقال ابن حمديس:
ولم تر عيني بينها كشقائقٍ ... تبلبلها الأرواحُ في الورقِ الخضر
كما مشطتْ غيدُ القيانِ شعورها ... وقامتْ لرقصٍ في غلائلها الحمرِ
وقال المملوك فيه، وما يظنُّ أنه سبقَ إلى مثل هذه القطعة:
يا صاحبي قمْ فانظر الدنيا فقدْ ... جاءتْ لبهجتها بأحسنِ منظرِ
أوما ترى جيشَ الشتا لما مضى ... لقتال جيش ربيعنا لم ينصرِ
بلْ فرَّ منهزماً وطبلُ رعودهِ ... عطلٌ وبيضُ بروقهِ لم تشهرِ
وأتى بعسكرهِ الربيعُ ففرقتْ ... فوقَ البسيطِ جندَ ذاكَ العسكرِ
وغدتْ له خضرُ الزروع كأنها ... قدْ ألبستْ حلقَ الحديدِ الأخضرِ
فبكلِّ خضراءِ النباتِ كتيبةٌ ... فيها شقائقه كبندٍ أحمرِ
وقال في المعنى قطعة، وهو يسردها على كمالها لإعجابه بها:
ألا حرستْ من روضةٍ قد حللتها ... وقد رقَّ فيها ماؤها وهواؤها
وقد أشرعتْ فيها الجداولُ جريها ... إلى شجر منها يجيءُ نماؤها
ولاح لنا زهرُ الشقائقِ يانعاً ... كمثل زنوجٍ ضرجتها دماؤها
فمنْ كل قاعٍ أخضرٍ وشقيقةٍ ... كتيبةُ حسنٍ وهي فيها لواؤها
وغنتْ على الأوراقِ ورقٌ كأنها ... لإطرابنا قد طال منها غناؤها
تعجبتُ منها ألبستْ من سوادها ... حداداً وقد أسجى القلوبَ بكاؤها
وأعجبُ من رقش المياهِ وقصدها ... زمرد أشجارِ الربا وهواؤها
وقال بالشام وقدْ رأى منها مروجاً كثيرة:
انظر إلى حسنِ شقيقِ الربا ... تنظرْ إلى ما يجملُ الزهرا
من كلِّ حمراءَ بها نقطةٌ ... سوداءُ طابت بيننا نشرا
كمثلِ خدٍّ فوقهُ شامةٌ ... مسودةٌ قد أنبتت شعرا
أو قطعةِ المسك إذا ألقيتْ ... في وسطِ كأسٍ ملئت خمرا
وقال بديها بطريق الشام:
إني لأبغضُ للشقائقِ منظراً ... سمجاً لأن أديمهُ لون الدم
فكأنما هي جرحُ طعنةِ أسمرٍ ... قد سد أوسطها بقطعة مرهم
ومن أحسن ما قيل في تشبيه ورد الباقلاء قول الصنوبري:
ونباتِ باقلاءَ يشبهُ زهره ... بلقَ الحمام مقيمةً أذنابها
وقال كشاجم في المعنى وقصر عنه.
تخالُ فيه النورَ جزعاً من ذهبْ ... أو بلقَ طيرٍ وقعٍ على القصبْ
ولأبي عامر محمد بن فرح الأندلسي:
كلفتُ بنورِ باقلا سبتني ... كمائمه فسرى فيه فاشِ
إذا نزل الفراشُ عليه يوماً ... حسبتَ النورَ أفراخَ الفراشِ
ولابن وكيع فيه:
طرفَ الباقلاءُ فيه بوردٍ ... ناظرِ اللحظِ من عيونِ الحورِ
بياضٍ سواده فيه يحكي ... سبجاً نابتاً على بلورِ
وقال فيه أيضاً:
كأنَّ أوراق وردٍ ... للباقلاءِ بهيه
خواتمٌ من لجينٍ ... فصوصها حبشيهْ
وقال أيضاً:
نور الباقلاءُ نوراً طريفا ... جلَّ في حسنهِ عن الأشكال
قد حكى وردهَ لنا إذ تبدى ... سررَ الرومِ ضمخت بالغوالي
وقال فيه من قصيدة:
كأنَّ وردَ الباقلاءِ إذا بدا ... لناظريهِ أعينٌ فيها حورْ
كمثل ألحاظِ اليعافيرِ إذا ... روعها من قانصٍ فرطُ الحذرْ

كأنه مداهنٌ من فضةٍ ... أوساطُها فيها من المسك أثرْ
كأنها سوالفٌ من خردٍ ... قد زينتْ سوادها بيضُ الطررْ
وله فيه:
لي نحو وردِ الباقلا ... ءِ إدمانُ لحظٍ ولهجْ
كأنما مبيضهُ ... يلوحُ في ذاكَ الدعجْ
خواتمٌ من فضةٍ ... فيها فصوصٌ من سبجْ
وله أيضاً:
ألا سقنيها برغمِ العذولِ ... تحاكي لنا الذهب الأحمرا
فقد نور الروضَ منثوره ... وأحسنْ بجوهره جوهرا
ونور وردٌ من الباقلاءِ ... يحاكي لنا الناظر الأحورا
أشبهُ أسودهُ في البياضِ ... دارهمَ قد ضمختْ عنبرا

الفصل الثاني
في ذكر التشبيه الواقع في الأثمار
من أحسن ما قيل في الأترج قول أبي طالب الرقي:
مصفرةُ الظاهر بيضاءُ الحشا ... أبدعَ في صنعتها ربُّ السما
كأنها كفُّ محبٍّ دنفٍ ... مبعد يحسبُ أيامَ الجفا
وأنشد أبو علي بن رشيق لبعض أهل القيروان:
ما أحسن الأترجَّ في الجنانِ ... لبعضه فوقَ ذرى الأغصان
إشارةُ التسليم بالبنانِ
وقال ابن المغيرة من قصيدة:
وكأنَّ الأترج كفُّ كعابٍ ... جمعتْ لضمها بسوارِ
وقال ابن رشيق بديها:
أترجةٌ سبطةُ الأطرافِ ناعمةٌ ... نلقى النفوس بحظٍّ غيرِ منحوس
كأنما بسطت كفاً لخالقها ... تدعو بطولِ بقاءٍ لابن باديسِ
وقال كشاجم:
يا حبذا يومنا ونحنُ على ... رؤوسنا نعقدُ الأكاليلا
في جنةٍ ذللتْ لقاطفها ... قطوفها الدانياتُ تذليلا
كأنَّ أترجها تميل به ... أغصانها حاملاً ومحمولا
سلاسلٌ من زبرجدٍ حملتْ ... من ذهبٍ أصفرٍ قناديلا
وقال الزاهي في أترجة:
وذاتِ جسم من الكافور في ذهبٍ ... دارتْ عليه حواشيه بمقدارِ
كأنها وهي قدامي ممثلةً ... في رأس دوحتها تاجٌ من النارِ
وقال أحمد المزدقاني:
فديتُ أترجةً أتتنا ... رقةُ جلبابها تسرُّ
كعسجدٍ تحته لجينٌ ... بينهما جوهرٌ ودرُّ
وقال ابن مؤمن وقصر:
كأنما أترجهُ المصبعُ ... أيدي جناةٍ من زنودٍ تقطعُ
وكتب المفجع البصري إلى غلامه أبي سعيد، وقد أهدى له طبقاً فيه أترج ونارنج وقصب سكر:
إنَّ شيطانك في الظر ... فِ لشيطانٌ مريدُ
فلهذا أنتَ فيه ... تبتدي ثمَّ تعيدُ
قد أتتنا تحفةٌ من ... كَ على الحسنِ تزيدُ
طبق فيه نهودٌ ... وخدودٌ وقدودُ
ومثل هذه القطعة قول أبي عبد الله بن الطوبى الصقلي:
جاءني من عند سعدِ ... طبقٌ لي فيه سعدُ
فيه راحٌ حولها آ ... سٌ وتفاحٌ ووردُ
قلتُ أهدى لي فيهِ ... ملحاً ليستْ تحدُّ
ذي رضابٌ ونهودٌ ... وعذارانِ وخدُّ
ومن أحسن ما قيل في النارنجِ قول ابن وكيع:
ألا سقني الراحَ في جنةٍ ... طرائفُ أثمارها تزهرُ
كأنَّ تماثيلَ نارنجها ... إذا ما تأملهُ المبصرُ
دبابيسُ من ذهبٍ زانها ... مقابضُ كيمختها أخضرُ
وقال الصاحب بن عباد:
بعثنا من النارنجِ ما طابَ عرفهُ ... ونمتْ على الأغصانِ منه نوافجُ
كراتٌ من العقيانِ أحمَ خرطُها ... وأيدي الندامى حولهنَّ صوالجُ
وقال أبو الحسن العقيلي، فشاركه في المعنى وزاد عليه:
ونارنجةٍ بين الرياضِ نظرتها ... على غصنٍ رطبٍ كقامةِ أغيدِ
إذا ميلتها الريحُ مالت كأكرة ... بدتْ ذهباً في صولجانِ زبرجدِ
وقال أبو الحسن الصقلي:
تنعم بنار نجك المجتنى ... فقد حضر السعدُ لما حضرْ
فيما مرحباً بقدودِ الغصونِ ... ويا مرحباً بخدودِ الشجرْ
كأنَّ السماءَ همتْ بالنضارِ ... فصاغتْ لنا الأرضُ منه أكرْ
وقال كشاجم، وأحسن:
كأنما النارنجُ لما بدتْ ... أغصانهُ في الورقِ الخضر
زمردٌ أهدى لنا أنجماً ... مصوغةً من خالصِ التبرِ
إذا تحيينا بها خلتنا ... نستنشقُ المسك من الخمرِ
وشبهه المملوك في أشجاره فقال من قطعةٍ:
ترى حمرةَ النارنج بينَ اخضرارها ... كحمرةِ خدٍّ واخضرار عذارِ

إذا لاحَ في كفِّ الندامى عجبتَ منْ ... جنان تحايا ساكنوهُ بنارِ
وكان السلامي شاعراً مجيداً فسافر في صباه من مدينة السلام إلى الموصل وبها جماعة من كبار الشعراء، مهم السريّ الرفاء، والخالديان، والتلعفري، وأبو الفرج الببغاء؛ فأنكروا ما سمعوا من شعره، فقال لهم أبو بكر الخالدي: أنا أكفيكم أمره. ثم صنع دعوة وجمعهم فيها، وأخذوا في التفتيش عن مقدارِ بضاعته، واتفق أن وقع بردٌ ستر الأرض كثرة، فقام الخالدي عجلاً، وألقى عليه نارنجاً كثيرة، وقال: يا أصحابنا اصنعوا في هذا شيئاً. فارتجل السلامي على العجل، فقال:
للهِ درُّ الخالديِّ ... الأوحدِ الندبِ الخيطرْ
أهدى لماءِ المزنِ عن ... د جمودِهِ نارَ السعيرْ
حتى إذا صدر العتا ... بُ إليهِ عن حنقِ الصدورْ
بعثتْ إليه بعذرهِ ... مع خاطرِي أيدي السرورْ
لا تعذلوهُ فإنه ... أهدى الخدودَ إلى الثغورْ
وقال أبو الفرج الوأواء:
ونارنج تميلُ بهِ غصونٌ ... ومنها ما يرى كالصولجانِ
أشبههُ ثدياً ناهداتٍ ... غلائلها صبغنَ بزعفرانِ
وهذا معنى قد تداولته الشعراء وليس بالبديع: ومما قاله فيه بعضهم:
إذا ما تبدى في الغصونِ حسبته ... نهودَ عذارى مسهنَّ خلوقُ
ولآخر أيضاً:
تطالعنا بينَ الغصون كأنها ... نهودُ عذارى في ملاحفها الصفرِ
ولآخر أيضاً:
سقاها الندى والطلُّ حتى كأنها ... شبيهةُ نهدٍ في غلالةِ لاذِ
وقال ظافر الحداد يشبهه في أشجاره، وذكر تحدر القطر عليه:
تأملْ فدتك النفسُ يا صاحِ منظراً ... يبيتُ به القلبُ الكئيبُ على فكر
حيا وابلٍ يجري على شجرٍ بدا ... به ثمرُ النارنج كالأكرِ التبرِ
دموعٌ حداها الشوقُ فانهملتْ على ... خدودٍ تراءتْ تحتَ أنقبةٍ خضر
وقال المملوك في طبق فيه نارنج عليه طلع مفرطٌ:
انظر إلى النارنج والطلعِ الذي ... جاءَ الغلامُ بجمعهمْ متمايلاَ
وكأنما النارنجُ قد صاغوهُ منْ ... ذهبٍ قناديلاً وذاكَ سلاسلاَ
وأحسن ما قيل في التفاح قولُ ابن دريد.
وتفاحة من سوسنٍ صيغَ نصفها ... ومن جلنارٍ نصفها أو شقائق
كأن الكرى قد ضم من بعد فرقةٍ ... بها خد معشوقٍ إلى خدِّ عاشقِ
وقال الصاحب بن عباد وأجادَ:
ولما بدا التفاحُ أحمرَ مشرقاً ... دعوتُ بكأسي وهي ملأى من الشفقْ
وقلتُ لساقيها أدرها فإنها ... خدودُ عذارى قد جمعنْ على طبقْ
وقال المملوك في تفاحةٍ:
تفاحةٌ محمرةٌ قد بدتْ ... تميلها الريحُ على غصنِ
كأنها خدان قد جمعا ... يلوحُ فيهما طابعا حسنِ
وينسب إلى ابن المعتز في اللفاحِ، ولست أظنه له:
ودوحة لفاحٍ جنيناً ظلالها ... وأوراقها تحكي لنا ريش طاووس
شربتُ بها روح الحميا مواصلاً ... إلى الصبح حتى رحتُ في زي قسيس
وقد أشرفَ اللفاحُ فيها كأنه ... نهودُ عذارى في مرائش تنيسي
وينسب إليه أيضاً:
انظر إلى اللفاح في شكله ... وحسنه المبتدع النقش
مثل عروسٍ خضبتْ كفها ... لم يعلقِ الحناءُ بالغش
وقال كشاجم الأصغر:
وجاء المضيفُ بلفاحةٍ ... فطابَ ولو فاتهُ لم يطبْ
نجومٌ بلا فلكٍ دائرٍ ... ولكنَّ أوراقهُ من ذهبْ
روائحها من شذا مسكةٍ ... وأجسامها أكرٌ من لهبْ
ولبعضهم:
فديتُ من حيا بلفاحةٍ ... أحيا بها قلبي وأوصابي
كأنها في كفهِ أكرةٌ ... ملفوفةٌ في ثوبِ عنابِ
ومن أحسن ما قيل في المشمش قول ابن وكيع:
بدا مشمش الأشجار يذكو شهابه ... على خضرِ أغصانٍ من الريِّ ميدِ
حكى وحكتْ أشجارهُ في اخضرارها ... جلاجل تبرٍ في قبابِ زبرجدِ
ولغيره في هذا المعنى:
بدا مشمشُ الأشجارِ فيها كأنهُ ... يلوحُ على تلكَ الغصونِ الموائلِ
قبابٌ بمخضرِّ الدبابيج غشيتْ ... وقد زينتْ من عسجدٍ بجلاجلِ
وقال محمد بن عطية بن حيان الكاتب القيرواني:
ومشمش ما بدا يوماً لذي بصرٍ ... إلا وأصبح بين العجبِ والعجبِ
كأنَّ مخبره وصفاً ومنظره ... شهدٌ تكنفهُ قشرٌ من الذهبِ

وقال ابن رشيق في هذا المعنى:
كأنما المشمش لما بدتْ ... أشجارهُ وهو بها يلتهبُ
خضرُ قبابِ الملكِ حفتْ بها ... جلاجلٌ مصقولةٌ من ذهب
ومن أحسن ما قيل في العنب قول ابن الرومي:
كأنَّ الرازقي وقد تناهى ... وتاهتْ بالعناقيدِ الكرومُ
قواريرٌ بماءِ الوردِ ملأى ... تشفُّ ولؤلؤٌ فيها يعومُ
وتحسبهُ من الشهدِ المصفى ... إذا اختلفتْ عليكَ به الطعومُ
فكل مجمع منه ثريا ... وكل مفرقٍ منه نجومُ
وقال الصاحب بن عباد في حبة عنب:
وحبةٍ من عنبٍ قطفتها ... تحسدها العقودُ في الترائبِ
كأنها من بعدِ تمييزي لها ... لؤلؤةٌ مثقوبةٌ من جانبِ
ومن الشعرِ المجهول:
وحبةٍ من عنبِ ... من المنى متخذهْ
كأنها لؤلؤةٌ ... في وسطها زمردهْ
وقال ابن وكيع في كرم عنبِ:
شربتُ مجاجَ الكرم تحت ظلاله ... على وجهِ معشوقِ الشمائلِ أغيدِ
كأنَّ عناقيدَ الكرومِ وظلها ... كواكبُ درٍّ في سماءِ زبرجدِ
ولمحمد بن عبد المحسن الكفر طابي يشكر صديقاً له، وقد أهدى إليه طبق عنب أسود ومغطى بورق أخضر:
جاءنا منك تحفةٌ نحنُ منها ... أبداً في تضاعف السراء
عنبٌ أسودٌ كأنَّ عليهِ ... حلالاً من حنادسِ الظلماءِ
خلتهُ في خلالِ أوراقهِ الخض ... رِ ولونِ اسودادهِ والصفاءِ
كقموعٍ على أناملِ خودٍ ... لحنَ من كمِّ لاذةٍ خضراءِ
وقال الطغرائي في كرمة:
ترى الثريا من عناقيدها ... تلوحُ في أخضرها كالغيهبِ
كم درةٍ فيها وكمْ جزعةٍ ... صحيحةِ التدويرِ لم تثقبِ
كأنما الحالكُ منها لدى ... أبيضها اللامع كالكوكبِ
خيلانِ من رومٍ وزنجٍ عدتْ ... في حسنِ خضرتها تختبي
ومن أحسن ما قيل في الخوخ المشعر بيتان ينسبانِ إلى ابن المعتز:
وبنتِ ندًى مخططةِ الأعالي ... بمحمرٍّ كلونِ الأرجوانِ
كوجنةِ غادةٍ خافت رقيباً ... فغطتها بمحمرِّ البنانِ
ومن قطعة لبعض الشعراء في خوخةٍ زهرية، وأحسن التشبيه:
فخلتها في يديهِ حين ناولني ... نصفينِ من ذهبٍ صيغا ومرجانِ
وقال الموفقُ بن كامل في الخوخ وإن كان بيت التوطئة ليس بالجيد:
في الخوخِ يأخذني جنس ... فكأنه نظرٌ ولمس
شقٌّ تواصل غورهُ ... فكأنه دبر وكنس
ومن أحسن ما قيل في الطلع قول ابن المعتز:
أفدى الذي أهدى إلينا طلعةً ... أهدتْ إلى قلبي المشوقِ بلابلا
فانظر إليه كزورقٍ من فضةٍ ... قد أودعوهُ من اللجينِ سلاسلا
وينسب إليه في المعنى:
كأنما الطلعُ يحكي ... لناظري حين أقبلْ
سلاسلاً من لجينٍ ... يضمها تحت صندلْ
وقال ابن وكيع فيه:
طلعٌ هتكنا عنهُ أثوابه ... من بعدِ ما قدْ كان مستورا
كأنهُ لما بدا ضاحكاً ... في العينِ تشبيهاً وتقديرا
درجٌ من الصندلِ قد أودعتْ ... فيه يدُ العطارِ كافورا
وقال أيضاً:
وطلع هتكنا عنه جيبَ قميصه ... في حسنهُ من منظرٍ حين هتكا
حكى صدرَ خودٍ من بني الروم هزها ... سماعٌ فشقتْ عنه ثوباً ممسكا
وقال كشاجم وأجاد:
قد أتانا الذي بعثتَ إلينا ... وهو شيءٌ في وقتنا معدومُ
طلعةٌ غضةٌ أتتنا تحاكي ... سقطاً فيه لؤلؤٌ منظومُ
ولابن رشيق:
وكم بيضاءَ مسكيٍّ قناها ... من الإغرِيضِ حسناءِ الجميعِ
هتكتُ حجابها عنها فأبدتْ ... لسانَ البحرِ في يبسِ الضريعِ
أو العضدَ الطريةَ حينَ أبقتْ ... بها آثارها حلقُ الدروعِ
وقال ابن المعتز من قطعة في تشبيهها في نخيلها:
يحاكي في رءوسِ النخلِ لما ... بدا للعينَ آذانَ الحميرِ
ومن الشعر المجهول:
ومريضةِ الأجفانِ تف ... تنُ كلَّ ذي عقلٍ وناسكْ
أهدتْ إلينا طلعةً ... والشوقُ للإحسانِ ناهكْ
وكأنها لما بدتْ ... في كفها مكوكُ حائكْ
حتى إذا فضتْ رأي ... تَ من اللجين بها سبائكْ
ومن أحسن ما قيل في البلح قول ابن وكيع:
أما ترى النخل حملتْ بلحاً ... جاءَ بشيراً بدولةِ الرطبِ

مخازنٌ من زبرجدٍ خرطتْ ... مقمعاتِ الرءوس بالذهبِ
وقال المملوك من قطعةٍ:
قطعُ الزبرجدِ غشيتْ بخرائطٍ ... مخضرةٍ قد لطفتْ من لاذِ
وقال ابن وكيع في البسر الأحمر:
أما ترى النخلَ حاملاتٍ ... بسراً حكى لونهُ الشقيقا
كأنما خوصهُ عليه ... زبرجدٌ مثمرٌ عقيقا
ولبعض شعراء اليتيمة العراقيين:
أما ترى التمرَ يحكي ... في الحسنِ للنظارِ
مخازناً من عقيقٍ ... قد قمعتْ بنضارِ
كأنما زعفرانٌ ... فيه معَ الشهدِ جارِ
يشفُّ مثل كؤوسٍ ... مملوءةٍ بعقارِ
ولابن وكيع في البسرِ الأصفر:
أما ترى البسرَ الذي ... قد حازَ كلَّ العجبِ
كيف غدا في لونه ... كعاشقٍ مكتئبِ
مكاحلٌ من فضة ... قد طليتْ بالذهبِ
وقال ابن القطاع في البسر الأحمر:
أنظر إلى البسر إن صورتهُ ... أحسنُ ما صورة رأى الرائي
كأنما شكله لمبصره ... أناملٌ قمعتْ بحناءِ
ومما يتعلق بما ذكرناه قول بعض الشعراء في الجمار:
أهدى لنا جمارةً ... من لستُ أخلو من عذابهْ
فكأنما هي جسمهُ ... لما تجردَ من ثيابهْ
ومن الشعر المجهول أيضاً فيه:
جمارةٌ كالماءِ لكنها ... ما بين أطمارٍ من الليفِ
كأنها جسمٌ رطيبٌ وقدْ ... لففَ في ثوبٍ من الصوفِ
ومما يتعلق بتشبيه الطلع وما ذكرناهُ قولُ بعضِ الشعراءِ في تشبيهِ النخلِ:
أنظرْ إلى الظل والضبابِ ... وحجبةِ الشمسِ في السحابِ
وانظرْ إلى النخلةِ الفرادى ... كأنها محوضُ الترابِ
وقال ظافر الحداد من قطعة:
والنخلُ كالهيفِ الحسانِ تزينتْ ... فلبسنَ من أثمارهنَّ قلائدا
وقال ابن نفطويه في النخل:
كأنما النخلُ وقدْ نكستْ ... رؤوسها الريحُ بأذيالها
أحبةٌ فارقها إلفها ... فأطرقتْ تنظر في حالها
وكان المملوكُ قد صنعَ في الموز:
كأنما الموزُ الذي ... قد جاءَنا بالعجبِ
أنيابُ أفيالٍ صِغا ... ر طليتْ بالذهبِ
فسمع قطعة في المقشر منه:
يحكي إذا قشرتهُ ... أنيابَ أفيلة صغارْ
ولم يكن المملوكُ وقف عليها، فصدق توافق الخواطر، ووقوع الحافر على الحافر. وقال أيضاً فيه:
انظرْ إلى الموز تفزْ ... منهُ بلونٍ بهجِ
أصفرَ مثلَ التبرِ في ... هِ أسودٌ كالسبجِ
كسكرٍ أوعىَ في ... خرائطٍ ممزج
ومن أحسن ما قيل في الرمان قول كشاجم:
ولاحَ رمانها فزينها ... بين صحيحٍ وبينَ مفتوتِ
من كلِّ مصفرةٍ مزعفرةٍ ... تفوقُ في الحسن كل منعوتِ
كأنها حقةٌ فإن فتحتْ ... فصرةٌ من فصوص ياقوتِ
ولبعض الكتاب العراقيين من شعراء اليتيمة:
ورمانٍ رقيقِ القشرِ يحكي ... نهودَ الغيدِ في أثوابِ لاذِ
إذا قشرتهُ طلعتْ علينا ... فصوصٌ من عقيقٍ أو نجاذِ
وقال المأموني في رمانة مفتوتة:
رمانةٌ ما زلتُ مستخرجاً ... في الجام من حقتها جوهرا
فالجامُ أرضٌ وبنانى حيا ... يمطرُ ياقوتاً بها أحمرا
وقال أبو القاسم بن القطاع:
رمانةٌ مثلُ نهدِ العاتقِ الريم ... تزهي بلونِ شكلٍ غيرِ مذمومِ
كأنها حقةٌ من عسجدٍ ملئتْ ... من اليواقيتِ نثراً غيرَ منظوم
ومن قطعة مجهولة:
والقشرُ حقُّ نضار ضمَّ داخلها ... والشحمُ قطنٌ بها والحبُّ ياقوتُ
وقال أبو الحسن الجوهري:
وحباتِ رمان ليطاف كأنها ... شواردُ ياقوت لطفنَ عن الثقبِ
أشبهها في لونها وصفائها ... بقطرات دمعٍ وردتْ من دم القلبِ
ومن أحسن ما قيل في السفرجلِ، قول الصنوبري:
لك في السفرجلِ منظرٌ تحظى بهِ ... وتفوزُ منه بشمه ومذاقه
يحكي لك الذهبَ المصفى لونه ... وتزيدُ بهجته على إشراقهِ
والشكلُ في أعلاهُ يحكي سفلهُ ... ثديَ الكعابِ إلى مدارِ نطاقهِ
وقال أبو محمد الداوودي الهروي فيه:
غصونُ السفرجلِ ملتفةٌ ... فمعتدلُ القدِّ أو منثني
وقد لاحَ في زئبر شامل ... كصفراءَ في معجر أدكنِ
ولأبي بكر بن نعيم الدمشقي فيه وقصر

قم فاسقني يا نديمي ... ما بتلكَ الدنان
أما ترى ما أراهُ ... من بهجةِ البستان
ومن سفرجلِ دوحٍ ... حوى جميع المعاني
كأنهُ حينَ يبدو ... على ذرى الأغصان
رءوسُ أطفالِ رومٍ ... لطخنَ بالزعفران
وقال ابنُ رشيق في الكمثرى وفيه، وهو أحسن ما قيل، وإن كان معنى الصنوبري بعينه. إلا أنه جمعه في بيت واحد:
نظرت من البستان أحسن منظر ... وقد حجبَ الأغصانُ شمسَ المشارق
إلى دوح كمثرى يلوحُ كأنه ... قناديلُ تبر محكماتُ العلائقِ
وسافرة عن أوجهٍ من سفرجلٍ ... يحيل على معنًى من الحسن فائقِ
حكت سرر الغاداتِ منها أسافلٌ ... وتحكي أعاليها نهود العواتقِ
ومنه قول الطغرائي فيه وزاد زيادة بينة:
وسفرجل عني المضيفُ بحفظه ... فكساهُ قبل البردِ خزاً أغبرا
يحكي نهودَ الغانياتِ وتحته ... سررٌ لهنَّ حشينَ مسكاً أذفرا
ومن جيد الشعر المجهول في الكمثرى وهو نص هذه المعاني:
حيا بكمثرايةٍ لونها ... لونُ محبٍّ زائدِ الصفرهْ
تشبهُ نهدَ البكر إنْ أقعدتْ ... وهي لها إنْ قلبتْ سرهْ
ومن أحسن ما قيل في التين قولُ كشاجم من قطعة:
يشبهُ في اللون وطيبِ الأرجِ ... نوافجَ المسكِ وطعمَ الثلجِ
مثل رءوسِ الغلف سودِ الدعجِ ... أو كثدايا ناهداتِ الزنجِ
وأخذهُ ابن خفاجة الأندلسي وحسنه فقال:
وسودِ الوجوهِ كلونِ الصدودِ ... تبسمنَ تحتَ عبوسِ الغبشْ
إذا ما تجلى بياضُ الضحى ... تطلعنَ في وجههِ كالنمش
كأني أقطفُ مها ضحى ... ثديَّ صغارِ بناتِ الحبشْ
ووجدت منسوباً إلى الأمير مجد الدين أسامة بن منقذ في المعنى:
أما ترى التينَ في الغصون بدا ... ممزق الجلدِ مائلَ العنقِ
كأنه ربُّ نعمةٍ سلبتْ ... أصبح بعد الجديد في خلقِ
أو كأخي شرةٍ أغيظَ فقدْ ... مزقَ جلبابهُ من الحنقِ
مثل نهودِ الأبكارِ صورتهُ ... لولا ينادي عليهِ في الطرق
يا لهفَ قلبي على زيارته ... قبلَ جفافِ الندى على الورق
وقال ابن خفاجة فيه من قطعة:
وقد كنتُ أغرى بلعسِ الشفاه ... فكيفَ به وهو كلٌّ لعس
وهاهو يبسمُ تخطيطهُ ... وقد كان بالأمس يتلو عبسْ
وقد سالَ من فمهِ شهده ... كما سالَ ريقُ حبيبٍ نعس
وقال أكشاجم في الأصفر منه، من قطعة، وأحسن ما شاء:
قم قد أتى ضوءُ الصباحِ المسفر ... يا صاح نغتنم الحياةَ وبكرِ
نلمُّ بتينٍ لذ طعماً واكتسى ... حسناً وقارب منظراً في مخبر
كالثلجِ طعماً في صفاءِ الدر في ... ريحِ العبير وفوق طعم السكرِ
لطفتْ معانيهِ لطافةَ عاشقٍ ... في لونِ مشتاقٍ حليفِ تفكرِ
يحكي إذا ما صفَّ في أطباقهِ ... ختما يلوحُ من الحريرِ الأصفَر
وقال أيضاً فيه وفي الأسود، وأجاد:
أهلا بتينٍ جاءنا ... مشتملاً على طبقْ
يحكي الصباحَ بعضه ... وبعضه يحكي الغسقْ
كسفرةٍ مضمومةٍ ... مجموعة بلا حلقْ
وقال كشاجم في النبق، وأجاد:
وظل سدرٍ مثمرٍ وافي الهدبْ ... فيه لأنواع من الطيرِ صخبْ
إذا الرياحُ زعزعتْ منه الشعبْ ... أبدى لنا بنادقاً من الذهبْ
ومن الشعر المجهول:
وسدرةٍ كلَّ يومٍ ... من حسنها في فنون
كأنما النبقُ فيها ... إذا بدا للعيون
جلاجلٌ من نضارٍ ... قد علقتْ في الغصون
ومن جيد الشعر قولُ المستهام في توت:
قوموا غل التوتِ سراعاً وانشطوا ... فإنه على الأذى مسلطُ
كأنه إذ لاحَ في أطباقهِ ... خماهن بعندمِ منقطُ
وقال ظافر الحدادِ في اللوزِ الأخضر، وأحسن:
جاءَ بلوزٍ أخضرٍ ... أصغره ملءُ اليدِ
كأنما زئبرهُ ... نبتُ عذارِ الأمردِ
كأنما قلوبه ... من توأمٍ ومفردِ
جواهرٌ لكنما ال ... أصدافُ من زبرجدِ
ومن الشعر الجيد في اليربوجِ قول بعض الشعراء:
الأنفُ والعينانِ في يربوجهِ ... لونُ المحبِّ وعطرةُ المعشوقِ
صفراءُ طيبةُ النسيم كأنها ... بلورةٌ محشوةٌ بخلوق

الفصل الثالث
فيما وقع من التشبيه في سائر النبات والأبقال
ومن أحسن ما قيلَ في البطيخ الخراساني قول المأموني من قطعة:
مخططةٌ ملءُ الأكفِّ كأنها ... من الجزع كبرى لم ترعْ بنظامِ
إذا فصلتْ للأكلِ كانتْ أهلةً ... وإنْ لم تفصلْ فهي بدرُ تمام
وأخذ هذا المعنى أبو الفتوح ابن قلاقس وزادَ عليه فقال:
أتانا الغلامُ ببطيخةٍ ... وسكينةٍ جودوها صقالا
فقطع بالبرقِ بدر الدجا ... وناول كلَّ هلالٍ هلالا
وقال المأموني أيضاً:
ومصفرةٍ فيها طرائقُ خضرةٍ ... كما اخضرَّ مجرى السيلِ في صببِ الحزن
كحقةِ عاجٍ زينتْ بزبرجدِ ... حوتْ قطعَ الياقوتِ في عطبِ القطن
ومن جيد الشعر المجهول قول بعض الشعراء من قطعة:
فمالَ إلى بطيخةٍ ثم شقها ... وقسمها ما بينَ كلِّ صديق
فشبهتها لما بدتْ في أكفهم ... وقدْ أخذتْ منهم كئوس رحيقِ
صفائح بلورٍ أتتْ في زبرجدٍ ... مرصعةً فيها فصوصُ عقيقِ
ولغيره فيها وأجاد:
وذاتِ ريقٍ إنْ ترشفتهُ ... وجدته أحلى من الأمنِ
إذا بدتْ في كفِّ جلابها ... رأيتها في غايةِ الحسنِ
كسلةٍ خضراءَ مختومةٍ ... على الفصوص الحمر في القطنِ
وقال المأموني في العنابِ:
يروقني العنابُ ... فلي إليهِ انصبابُ
إذْ لاحَ لي منهُ أطرا ... فُ من أحبُّ الرطابُ
يحكي فرائدَ درٍّ ... لها العقيقُ إهابُ
ومن الشعر المجهول في الطريِّ منه:
هاتِ اسقني القهوةَ في سبتنا ... فإنَّ يومَ السبتِ يومُ السرورْ
أما ترى العنابَ في دوحهِ ... كأنه رطبُ قلوبِ الطيورْ
ومن قطعة أخرى:
لدى عناب بستانٍ يحاكي ... أناملَ غادةٍ كسيتْ خضابا
ومن أحسن ما قيل في الصنوبر:
صنوبرٌ ظلتُ به مولعاً ... لأنه أطيبُ موجودِ
كأنه الكافورُ في لونه ... تحويهِ أدراجٌ من العودِ
ومن أحسن ما قيل في الفستق قول أبي إسحاق الصابي من قطعةٍ:
والنقلُ من فستقٍ حديثٍ ... رطبٍ تبدى فيه الجفافُ
لي فيه تشبيهُ فيلسوفٍ ... ألفاظه عذبةٌ خفافُ
زمردٌ صانه حريرٌ ... في حقِّ عاج له غلافُ
وينسب إلى ابن المعتز:
وحظى من قلٍ إذا ما نعتهُ ... نعتُّ لعمري منه أحسن منعوتِ
من الفستقِ الشاميِّ كلُّ مصونةٍ ... تصانُ من الأحداقِ في بطونِ تابوتِ
زبرجدةٌ ملفوفةٌ في حريرةٍ ... مضمنةٌ داراً مغشي بياقوتِ
وله فيه أيضاً:
وفستقٌ مستلذٌّ ... منْ بعدِ شربِ الرحيقِ
كأنه حينَ ترنو ... إليه عينُ الرموقِ
حقٌّ من العاج يحوي ... زمرداً في عقيق
وللمأموني في اللوز:
ووافتْ بخضرٍ في ثلاثِ مدارع ... حذاهنَّ في شكل النواظرِ حاذِ
توابيتُ في خضرِ الخزوزِ تضمنتْ ... مكفنَ عاجٍ في مصندل لاذِ
ومن الشعر المجهول في الجوزِ:
جاءَ بجوزٍ ياب ... سٍ مقشر مكسرِ
كأنما أرباعه ... ممضوغُ حبِّ الكندرِ
ولابن المعتز في القسطل، وهو مليحٌ جداً:
انظُر إلى القسطلِ المقشرِ منْ ... قشرتهِ بعد الجفافِ في الشجرِ
كأنهُ أوجهُ الصقالبة ال ... بيضِ وقدْ كرمشتْ من الكبرِ
ومن الشعر المجهول في الفستق:
انظر إلى الفستقِ المجلوبِ حين أتى ... مشققاً في لطيفاتِ الطيافيرِ
والقلبُ ما بين قشرتهِ يلوحُ لنا ... كألسن الطير ما بينَ المناقيرِ
ومن الشعر المجهول في الفول المسلوق:
وقدرٍ بها تسلقُ الباقلا ... قبيلَ الصباحِ لمنْ قد خمرْ
أتينا به وسطَ زبديةٍ ... فكانَ كأحسن شيءٍ حضرْ
فصوصٌ من العاجِ مطبوقةٌ ... لها غلفٌ من أديم بشرْ
ومن جيد الشعر في الباذنجان قول ابن المعتز:
وابذنج بستانٍ أنيقٍ رأيته ... على طبقٍ يحكي لمقلةِ رامقِ
قلوبَ ظباءٍ أفردتْ عن كبودها ... على كلِّ قلب منه مخلبُ باشق
وقول ابن الرومي من قطعة
إذا حكاه الذي يشبههُ ... وجازَ فيه محاسنَ النعتِ
قالَ كراتُ العقيقِ قد حشيتْ ... بسمسم قمعتْ بكيمختِ
وله فيه أيضاً:

أتانا بإبذنج بورانةٍ ... وشيرازةٍ من لبانِ الغنمْ
وقد شجَّ للقلي منهُ الجلودَ ... كتشجيجِ أوجهِ بعضِ الخدمْ
ومن الشعر المجهول فيه:
وكأنما الإبذنجُ سودُ حمائمٍ ... بكرتْ إلى خيم الربيع المبكرِ
لقطتْ مناقرها الزبرجد سمسماً ... واستودعتهُ حواصلٌ من عنبرِ
وقال أبو الفضل بن شرف الأندلسي يخاطب صديقاً له وأحسن:
وإذا صنعتَ غذاءَنا ... فاصنعهُ غيرَ مبذنج
إياكَ هامةَ أسودٍ ... عريانَ أصلعَ كوسجِ
وقال ابن المعتز في الخشخاش من مزدوجة:
وقد بدا الخشخاشُ بين الرندِ ... مثلَ الدبابيس بأيدي الجندِ
وقال ابن وكيع، وليس بالجيد:
وخشخاشٍ كأنا منه نفرِي ... قميصَ زبرجدٍ عن جسم درِّ
كأقداحٍ من البلورِ صينت ... بأغشيةٍ من الديباجِ خضرِ
وقال كشاجم في قصب السكر، وأجاد:
أعددتُ عندي لنداماى العجبْ
أبيضَ في ثوبِ حريرٍ منتخبْ
كأنما ذوباً من التبرِ شربْ
كأنه أعمدةٌ من الذهبْ
شدَّ إلى أطرافها خضر العذابِ
وقال أيضاً في زهر الكتان:
ما أبصرتْ عيني ولا عينُ أحدْ ... أحسنَ من روضٍ أنيقٍ منتضدْ
كأنما الكتانُ فيه إذ عقدْ ... ونشر الأوراقَ زرقاً في الجددْ
آثارُ قرصٍ من محبٍّ في جسدْ
ولابن وكيع في السلجم الأصفر النابت في الكتان، وأخطأ في نسبته إليه:
ذوائبُ كتانٍ تمايلنَ في الضحى ... على خضر أغصان من الري ميدِ
كأنَّ اصفرارَ الزهرِ فوقَ اخضرارِها ... مداهنُ تبرٍ ركبتْ في زبرجد
وقال في مثله:
اشربْ فقد زالتْ المعاذيرُ ... وساعفتْ بالمنى المقاديرُ
وجاءَ فصلُ الربيع ملتمساً ... أن ينطقَ البمُّ فيه والزيرُ
وهزَّ كتانهُ ذوائبه ... ففيه جهد الصفاتِ تقصيرُ
كأنهُ بسطُ سندسٍ بهجٍ ... قد نثرتْ فوقهُ دنانيرُ
وقال حبيب البصري في العصفر، ووقع في عيب التضمين:
ريحانةٌ في احمرارِ مهديها ... كأنها بعد فكرتي فيها
أحبةٌ لم تصخْ لعاذِ لها ... تسدُّ آذانها بأيديها
وقال ظافر الحداد في سنابل القمح:
كأنَّ سنابلَ حبِّ الحصيدْ ... وقد شارفتْ حين إبانها
كبائسُ مضفورةٌ ربعتْ ... وأرخى فضائلُ خيطانها
وقال يشبه حبَّ البر:
بوركَ في برنا ومن زرعهْ ... والحمدُ والشكرُ للذي صنعهْ
كأنما كلُّ حبةٍ منه في الش ... كلِ وفي اللون والخبا ودعهْ

الباب الرابع
التشبيه الواقع في الخمريات
وفيه خمسة فصول
الفصل الأول
في تشبيه الكأس بعد المزج
ومن أحسن ذلك قول ابن المعتز، وإن لم يكن فيه حرف تشبيه:
وأمطرَ الكأسُ ماءً من أبارقه ... فأنبت الدرَّ في أرضٍ من الذهبِ
وسبح القومُ لما أنْ رأوا عجباً ... نوراً من الماءِ في نارٍ من العنبِ
وقال أبو الفرج الوأواء من قطعة:
هي الحياةُ فلو تأوي إلى حجرٍ ... لولدتْ فه منها نشوة الطربِ
كأنها ولسانُ الماءِ يقرعها ... دمعٌ ترقرقَ في أجفان منتخبِ
إذا علاها حبابٌ خلته شبكاً ... من اللجين على ماء من الذهبِ
وقال أبو بكر الخالدي:
قامَ مثلَ الغصنِ الميادِ في لينِ الشبابِ
يمزجُ الخمرَ لنا بالصفوِ من ماءِ السحابِ
فكأنَّ الراحَ لما ضحكتْ تحتَ الحبابِ
وجنةٌ حمراءُ لاحتْ لك من تحتِ نقابِ
وللسري في مثله من قطعة:
وكأنَّ كأسَ عقارِها ... لما ارتدتْ بحبابها
توريدُ وجنتها إذا ... ما لاح تحتَ نقابها
وقال أبو بكر الخالدي أيضاً:
ألا سقني والليلُ قد غابَ نوره ... لغيبةِ بدرٍ في السماءِ غريقِ
وقد فضح الظلماءَ برقٌ كأنهُ ... فؤادُ مشوقٍ مولعٌ بخفوقِ
نعاينهُا نوراً جلاه مجسدً ... ونلمسُ ناراً بغير حريقِ
كأنَّ حبابَ الماءِ في جنباتها ... كواكبُ درٍّ في سماء عقيقِ
وأورده ابن وكيع على هذا البيت فقال من قطعة:
وحمراءَ منْ ماءِ الكروم كأنها ... فراقُ عدوٍّ أو لقاءُ صديق

كأنَّ الحباب المستدير بطوقها ... كواكبُ درٍّ في سماء عقيقِ
صببتُ عليها الماءَ حتى تعوضتْ ... قميصَ بهارٍ من قميصِ شقيقِ
وخذهُ عبد الجليل بن وهبون المرسي فقال:
ومشمولةٍ في الكأسِ تحسبُ أنها ... سماء عقيقٍ زينتْ بكواكبِ
بنتْ كعبةَ اللذاتِ في حرم الصبا ... فحجَّ إليها اللهوُ من كلِّ جانبِ
وقال أبو نواس من قطعة:
كأنَّ كبرى وصغرى من فقاقعها ... درٌّ نثيرٌ على أرضٍ من الذهبِ
وقال أبو عثمان الخالدي من قطعة:
فهاتها كالعروسِ محمرةَ ال ... خدينِ في معجرٍ من الحببِ
كادتْ تكونُ الهواءَ في أرج ال ... عنبرِ لو لمْ تكنْ من العنبِ
من كفٍّ راضٍ من الصدودِ وقدْ ... غضبتْ في حبه على الغضبِ
فلو ترى الكأسَ حين يمزجها ... رأيتَ شيئاً من أعجبِ العجبِ
ناراً حواها الزجاجُ يلهبها ال ... ماءُ ودراً يدورُ في ذهبِ
وقال الوأواء:
عذبتها بالمزاجِ فابتسمتْ ... عن بردٍ نابتٍ على لهبِ
كأن أيدي المزاجِ قد سكبتْ ... في كأسها فضةً على ذهبِ
وقال ابن بابك وأجادَ:
عقارٌ عليها من دمِ الصبِّ لبسةٌ ... ومن عبراتِ المستهامِ فواقعُ
معودة غصبَ العقولِ كأنما ... لها عندَ ألبابِ الرجالِ ودائعُ
تحير ماءُ المزنِ في كأسها ... كما تحير في وردِ الخدودِ المدامعُ
وقال ابن وكيع من قطعة:
وافتْ بكأسِ الراح تحملُ نارها ... تحتَ الظلام براحةٍ من ماءِ
راحٌ حكتْ بحبابها شمسَ الضحى ... قد قلدت بكواكبِ الجوزاءِ
وقال أيضاً من قصيدة:
اشرب فقدْ طابت العقارُ ... وابتسم الورد والبهارُ
من قهوةٍ من انبرتْ لهمٍّ ... إلا وولى له انشمار
لها جيوشٌ من الملاهي ... لهم قدامها فرارُ
كأنها تحته كميتٌ ... عليه من فضةٍ عذارُ
وقال المطوعي:
ومعشوقِ الشمائلِ عسكريٍّ ... له قتلَى وليسَ له جراحُ
كأنَّ الكأس في يده عروسٌ ... لها من لؤلؤٍ رطبٍ وشاحُ
وقال أبو بكر الخالدي من قطعة:
حمراءُ حين جلتها الكأْس نقطها ... مزاجُها بدنانيرٍ من الحببِ
وهذا فصل لو تقصى لطال، فالوجه الاختصار والاقتصار.

الفصل الثاني
في تشبيه الساقي
قال المطوعي، أو أبو الأسعد الأصفهاني، وأجاد:
ومحبوبٍ يطوفُ بكأسِ راحٍ ... وباقةِ نرجس فسقى وحيا
هلموا فانظروا مراً منيراً ... سقى شمساً وحيا بالثريا
وقال ابن المعتز:
أباح عيني لطولِ الليلِ والأرق ... وصاح إنسانها في الدمعْ بالغرق
كأنه وكأنَّ الكأس في يده ... هلال أولِ شهرٍ عبَّ في شفقٍ
وقال أبو الأسعد الأصفهاني:
هذي المدامُ وهذه التحفُ ... والكأسُ بين الشربِ تختلف
فكأنهم وكأنَّ ساقيهم ... سينٌ ترى قدامها ألفُ
وقال ابن خفاجة الأندلسي في ساق أسود أحدب، وأحسن:
وكأسِ أنسٍ قد جلتها المنى ... فباتتْ النفس بها معرسهْ
طافَ بها أسودٌ محدودبٌ ... أطرب من لهوٍ به مجلسهْ
فخلته من سبج ربوةً ... قد أنبتتْ من ذهبٍ نرجسهْ
وقال أيضاً فيه وأجاد:
وخمرةٍ تضرم من جمرةٍ ... يصلى بها أسودُ محدودبُ
أدمج في أكتفهِ عنقهُ ... فغار رأسٌ وانحنى منكبُ
وافتر عنْ ضوءِ هلالٍ بدا ... مطلعهُ من وجهه مغربُ
واعتقلت لحمةَ أطرافهِ ... شرارة من كأسه تلهبُ
فجاءَنا يلبس من جلدهِ ... ثوب حدادٍ كمهُ مذهبُ
كأنه والكأسُ في كفهِ ... قطعٌ من الليلِ به كوكبُ
وقال الأسعد بن إبراهيم الأندلسي:
يا ربَّ زنجيٍّ خلوتُ به ... الشمس عند سناهُ ممقوتهْ
قد راكم التجعيدُ لمته ... فتراكمت فكأنها توتهْ
وإذا سعى بالكأْس تحسبه ... جعلاً يدحرج فصَّ ياقوتهْ
الفصل الثالث
في تشبيه الإبريق والكأس
من أحسن ما قل في الإبريق قول الصابي:
عروس دنٍّ صفتْ وطابتْ ... لوناً وطعماً فما تعافُ
كأنَّ إبريقها لدينا ... ناكسُ رأسٍ به رعافُ
وقال ابن برد الأندلسي، وأجاد:

وقهوة من فم الإبريقِ ساكبةٍ ... كدمعْ مفجوعةٍ بالإلف مغيارِ
كأنَّ إبريقنا والراح في فمه ... طيرٌ تناول ياقوتاً بمنقارِ
وقال ابن مكنسة، وأحسن:
إبريقنا عاكفٌ على قدح ... كأنه الأمُّ ترضعُ الولدا
أو عابد من بني المجوس إذا ... توهم الكأسَ شعلةً سجداءْ
وقال محمد بن أحمد بن حبيب في الكأس، وأحسن:
ليس منا إلا مديم مدامٍ ... راكع الكأسِ ساجدِ الإبريقِ
وكأنَّ الساقِي يشيرُ إلى الندْ ... مانِ من كاسهِ بتاجِ عقيقِ
وقال السري في تشبيه كأسٍ ناقصة:
وصفراءَ من ماءِ الكرومِ شربتها ... على وجه صفراءِ الترائب غضةِ
تبدت وفضل الكأسِ يلمعُ فوقها ... كأترجةٍ زينتْ بإكليل فضةِ
وقال في مثله:
دعانا إلى اللهوِ داعي السرورِ ... فبتنا نبوحُ بما في الصدورْ
وطافتْ علينا بشمس الدنانِ ... في غسق الليلِ شمسُ الخدورْ
كأنَّ الكؤوس وقدْ كللت ... بفضلاتهن أكاليلُ نورْ
جيوبٌ من الوشي مزورةٌ ... يلوحُ عليها بياضُ النحورْ
وقال ابن القيسراني في الإبريق:
ترى الإبريق يحملُه أخوهُ ... كلا الظبيين يلثمه ارتشافا
تراه كمطرقٍ في القومِ يبكي ... دماً أو ناكس يشكو الرعافا
وقال ابن الخازن:
إذا بزلت من دنها قلتَ بارقٌ ... تألق أو ثغرٌ تبسمَ أو فجرُ
كأنَّ القناني والكؤوس حمائمٌ ... تزقُّ فراخاً في الأكلِّ لها وكرُ
وقال ابن حمديس في قناني الخمر:
وكأنما صورُ القناني إذا ... ملئت إلى لهواتها خمرا
بيضُ الحسانِ وقفنَ في عرسٍ ... لما لبسن غلائلا حمرا

الفصل الرابع
في تشبيه الشراب الأسود
من أحسن ما قيل فيه قول البحتري من قطعة:
لو تراني وفي يدي قدحُ الأو ... شاب أبصرت بازياً وغرابا
وقال أيضاً:
شربتُ مشمس قطرُ بلٍ ... وجرعتنا دقل الدسكرهْ
إذا صبَّ في الكأسِ مسودهُ ... فكأس النديمِ بهِ محبرهْ
وقال أبو الطيب المتنبي من قطعة:
هجرتُ الخمر كالذهبِ المصفَّى ... فخمرِي ماءُ مزنٍ كاللجينِ
كأنَّ بياضها والراحُ فيها ... بياضٌ محدقٌ بسوادِ عينِ
وأنشدني القاضي النفيس أحمد بن عبد الغني الفطرسي في هذا لنفسه وزاد عليه زيادة بينة:
وافى بكأسِ لجين بها سبجٌ ... قد رصع الماءُ في حافاتِها دررا
كأنها مقلةٌ حوراءُ باهتةٌ ... قد جفَّ مدمعها فيها وما قطرا
الفصل الخامس
في تشبيه ضوء الخمر
ومن أحسن ما قيل في ذلك قول القاضي التنوخي:
وراحٍ من الشمسِ مخلوقةٌ ... بدت لكَ في قدحٍ من نهارْ
هواءٌ ولكنه جامدٌ ... وماءٌ ولكنه غيرُ جار
كأنَّ المدير لها باليمين ... إذا قامَ للسقي أو باليسارْ
تدرع ثوباً من الياسمينِ ... لهُ فردُ كمٍّ من الجلنارْ
وقال السري في هذا المعنى:
وبكرٍ شربناها على الوردِ بكرة ... فكانتْ لنا ورداً إلى ضحوةِ الغدِ
إذا قام مبيضُّ اللباسِ يديرها ... توهمته يسعى بكٍّ موردِ
وقال ابن خفاجة من قطعةٍ، وقد تقدمتْ:
فجاءَنا يلبسُ من ثوبهِ ... ثوبَ حدادٍ كمه مذهبُ
وقال ابن مكنسة في ذلك، وهو أحسن ما قيل فيه، وإن لم يكن من فن التشبيه:
وعروس دسكرةٍ تقلد جيدها ... عقداً توقدُ تحته وتوقدا
بكرٍ إذا افترعت أخذتُ شعاعها ... بيدي وقلتُ لأهلها هذا الردا
وقال ابن حمديس:
وورديةٌ في اللونِ والريحِ شعشعتْ ... فأبدتْ نجوماً في شعاعٍ من الشمسِ
كأنَّ يدي من فضةٍ فإذا حوتْ ... زجاجتها عادتْ مذهبةَ الخمسِ
وقال ابن قلاقس من مزدوجة:
شمسٌ لها من الدنانِ مشرقٌ ... كالنارِ إلا أنها لا تحرقُ
كأننا من ضوءِ تلك النار ... نشربُ في بيتٍ من النضار
الباب الخامس
التشبيه الواقع في الغزل
وفيه ستة فصول
الفصل الأول
في تشبيه الثغور والشفاه والشوارب
وأجمع ما قيل في تشبيه الثغر قول الحريري:
نفسي الفداءُ لصغرٍ راق مبسمه ... وزانه شنبٌ ناهيكَ من شنبِ

يفترُّ عنْ لؤلؤ رطبٍ وعن بردٍ ... وعن أقاحٍ وعن طلعٍ وعن حببِ
وللبحتري:
كأنما تبسم عن لؤلؤٍ ... منضدٍ أو بردٍ أو أقاحْ
وقال الصابي وأحسن:
قبلتُ منه فماً مجاجته ... تجمع بين المدامِ والشهدِ
كأنَّ مجرى سواكه بردٌ ... وريقه ذوب ذلك البردِ
وقال ابن سكرة الهاشمي:
يا ضاحكاً يستهلُّ مضحكه ... عن بردٍ واضحٍ وعنْ شنبِ
أعطيتني قبلة رشفتُ بها الش ... هد مشبوباً بعبرةِ العنبِ
كأنني إذا لثمت فاكَ بها ... لثمتُ تفاحةً من الذهبِ

الباب السادس
تشبيهات مختلفة
وفيه عشرة فصول
صغار لها سمنٌ ظاهرٌ ... يدلُّ على حذقِ علافِها
حكتْ قطع القطن مندوفةً ... إذا فارقتْ يدَ ندافها
كأنَّ تماثيلَ أجسامها ... وأفواهها تحت آنافِها
خليعُ الطراطير بيضاً وقدْ ... تفتق ما فوق أطرافِها
وله فيها أيضاً:
غدونا للغداءِ غداةَ قرٍّ ... لأكل رءوسِ أبناءِ النعاجِ
صغارِ السنِّ وافرةٍ سمانٍ ... تريكَ صغار ناعمةٍ نضاجِ
كأغشيةٍ مبطنةٍ بقطنٍ ... مقدرةٍ على أدراج عاجِ
وقال ابن الرومي فيها وفي أرغفة الخبز، وأحسن:
ما إن رأينا من طعام حاضرِ ... نعتده لفجاءة الزوارِ
كمهيئينِ من المطاعمِ أصبحا ... شبهينِ للأبرارِ والفجارِ
روسٌ وأرغفةٌ ضخامٌ فخمةٌ ... قد أخرجا من جاحم فوارِ
كوجوهِ أهلِ الجنةِ ابتسمت لنا ... مقرونةً بوجوهِ أهلِ النارِ
ومن جيد الشعر المجهول في الملح والسماق:
رأيتُ الملح والسماق لما ... أتانا يومَ تفسيخ الرءوسِ
كدرٍّ مع عقيقٍ كسرته ... مفجعةٌ بإبنتها العروس
ومن جيد الشعر في الفقاع وكيزانه قول محمد بن علي التميمي، وأحسن:
تعتنق الكفُّ منه محتضناً ... كأنه ثديُّ غادةٍ ناهد
تنفس المسكُ من مراشفهِ ... بين لآلي حبابهِ الصاعدِ
كأن كافور مائهِ أبداً ... يفورُ من أرضِ مسكه الجامد
وقال ظافر الحداد:
عندنا كيزانُ فقا ... عٍ لهُ خبرٌ ومنظرْ
من رآنا تورد الأيْ ... دي إليها ثمَّ تصدرْ
ظنَّ في أنملنا للث ... مِ تفاحاتِ عنبرْ
وله فيه أيضاً:
جاءنا بعدَ أكلنا فقاعُ ... قد أجادتْ إحكامه الصناعُ
فكأنَّ الكيزانَ سود البنا ... نِ ولكن عيدانها الأقماعُ
وقال السري الموصلي:
لست بنافٍ خمارَ مخمورِ ... إلا بصافي الشرابِ مقرورِ
يطيرُ عن رأسه القناعُ إذا ... نفستَ عنهُ خناقَ مزرور
رامٍ بسهم كأنه خصرٌ ... أو طيب نشرٍ نسيمُ كافورِ
يميلُ أعلاه وهو منتصبٌ ... كأنه صولجانُ بلورِ
الفصل الخامس
فيما قيل في الراي الطري من الشبيه
من أجمع وأجود ما قيل قول ظافر الحداد يستدعي صديقاً له:
أيا سيداً فاق أعلى الرتب ... وحاز الكمالَ بأوفى سببْ
أما لك في الراي رأيٌ فإنّ ... لهُ صفة أوجبت أن يحبْ
تربى مع النيلِ حتى ربا ... وصار من الشحم ضخماً خدبْ
يروقك نيئاً وفي قليه ... فتبصرُ من حالتيهِ العجبْ
نصول السكاكين من فضةٍ ... وفي القلْي تمويهها بالذهبْ
كأنَّ اللجينَ الذي قد علاهُ ... وذاكَ النضار الذي في الذنب
لفائفُ قطنٍ صغارٌ وقدْ ... تبدى بأطرافهنَّ اللهبْ
ويا حسنهُ وهو بين الشباكِ ... وقد ظلَّ مشتبكاً يضطربْ
كزرقِ الأسنةِ بين الدروعِ ... تميدُ بهنَّ العوالِي السلب
وقال أبو العباس لكمال يستدعي صديقاً له:
لا تدخرْ لغدٍ مالاً ولا سبدا ... فليس يعلمُ خلقٌ هل يعيشُ غدا
خذ من زمانك ما جاد الزمانُ به ... فليس يرجعُ وقتٌ فائتٌ أبدا
وعند عَبدكَ شيءٌ إن نشطت له ... وجئتَ زادتْ أياديكَ الجسامُ يدا
رايٌ طريٌّ كبارُ القدِّ تحسبه ... في لونهِ فضةً بيضاءَ أو بردا
كأن كفاً عليه زرتْ قطعا ... من اللجين صغار النظم أو زردا
كأنَّ قاليه قدْ بالقلى ألبسهُ ... من الشقائق أثواباً له جددا

كأنَّه في سعير القلي منقلياً ... صبٌّ تقلبهُ كفُّ الهوى كمدا
كأنَّ ياقوتةً حمراءَ هللها ... صواغُها ذهباً بالحسنِ متحدا
كأنه كانَ في نهر الحياةِ فما ... يكادُ يسلمُ منه روحه الجسدا
ولا تضيعْ سرورا جاءَ من كثبٍ ... عجزاً فتكتسبَ التوبيخَ والفندا
وقال الأمير تميم:
كأن الأبرميس وقد أتانا ... بأذنابٍ كمحمرِّ العقيقِ
بلسقياتُ بلورٍ لطافٌ ... بأسفلها بقايا من رحيق
وقال سليمان بن حسان النصيبي:
ما رأينا مثل هذا ال ... رأي حسناً ما رأينا
صار تبراً بعد أنْ كا ... ن عقيقاً ولجينا
وقال ابن وكيع:
بدا لنا الرايُ الذي ... تلذُّ عيني منظره
في قمصٍ قضية ... أذيالُها معصفرهْ
عوضهُ القالي بها ... غلائلاً مزعفره
وافى بهِ فما رأت ... هُ العين حتى لم تره
ومن جيد الشعر المجهول فيه:
كأنما الرايُ والصيادُ يخرجهِ ... بحسنِ صنعتهِ من خالصِ اللجج
أسنةٌ من لجينٍ عندما صقلت ... مخضباتُ الأعالي من دمِ المهج
وقال المملوك فيه:
انظر إلى الراي الطريّ ... وحسنِ منظره البديعْ
حازتهُ أشباكٌ غدتْ ... في الكفِّ محكمةَ الصنيعْ
يحكي إذا أبصرتهُ ... زرق الأسِنةِ في الدروعْ

الفصل السادس
فيما قيل من التشبيه في أنواع من المآكل
لأبي نصر بن كشاجم من مزدوجة يصف جفنة طعام، وأحسن في تشبيه جميعها:
ومن فراريج بماءِ الحصرم ... تصلح للمحمومِ أو للمحتمي
قد سويتْ أكبادها ببيضِ ... وهي كمثلِ نرجسٍ في روض
وجاءنا فيها ببيضٍ أحمرِ ... كأنه العقيقُ ما لمْ يقشر
حتى إذا أتى به مقشرا ... أبرزَ من تحتِ العقيق الدررا
كأنه إذْ حاز أصنافَ الملحْ ... أعارهُ تلوينه قوسُ قزح
وجاءنا براضع لم يعتلف ... كأنّ َقطناً فوق جنبيه ندف
وجاءنا فيها بباذنجانِ ... مثل قدودِ أكرِ الميدانِ
قد قارب الهليونُ بالممازجهْ ... تقاربَ الكراتِ بالصوالجهْ
وقال الطغرائي من قصيدة يصف خرفاناً واردة:
وأخرجن منها إلينا يسق ... ن سوق العصاةِ إلى المحشرِ
كأن تماثيل كافورهِ ... تضمخُ بالمسكِ والعنبرِ
لجين إذا قشرتها الأكفُّ ... وتبرٌ إذا هي لمْ تقشرِ
وقدم طباخنا أرزةً ... عليها لثامٌ من السكرِ
كما احتجب البدرُ تحت الغما ... مِ فلمْ يتجلَّ ولم يسترِ
ترى للدهانِ على وجهها ... عيوناً تدور بلا محجرِ
منها يصف قطائفاً:
شربن من الحلوِ حتى روين ... وغرقنَ في لجهِ الأصفرِ
كأنَّ الكواعب قد أبرزتْ ... من الخلدِ تسبحُ في الكوثرِ
وقال ابن قلاقس في القطائف:
أحسنُ من وصفِ ديارِ الطائفِ ... ومن خليطٍ سارَ في متالفِ
بديعُ مرأى هذهِ القطائفِ ... كأنها في عينِ كلِّ واصفِ
قد صورت من أبيضِ المناشفِ
وقال ابن مكنسة من قصيدة:
اسفندباج نصلي ... لحسنها ونصومُ
صفت فعادت سماءً ... والبيضُ منها نجوم
ومن جيد الشعر المجهول في البسندود:
أقرصةٌ هشةٌ مدورةٌ ... كأنها في النقاءِ كافورُ
أحلى من الوصف ناله كلفٌ ... معذبٌ بالصدودِ مهجورُ
كأنها في الصحاف مطبقةً ... دراهمٌ وسطها دنانيرُ
وقال ابن قلاقس من قطعة، يصف هدية عيد الفطر:
كأن بسندودهُ درقٌ ... قربتْ لتمنع يوم مقتحمكْ
والخشكنانك كالأسنةِ قد ... ثنيتْ بطعنك ظهر منهزمك
وكأنما الحلواءُ قد عقدتْ ... من ذلك المعقودِ من شيمك
وقال أبو القاسم القطاع في البيض:
اسمع عن البيض وصف مضطلع ... بالوصفِ ماضِي الجنان نحريرِ
بنادقُ التبرِ غشيتْ ورقاً ... أو مشمشٌ في صحاف كافورِ
وقال ابن وكيع من قطعة في خروف:
خروفاً لو أشار إليه وهمٌ ... تقطر جلده بالشحم يجري
لباطنه قميصٌ من لجينٍ ... تسربل فوقهُ بقميصِ تبرِ
ومن جيد الشعر المجهول القائل في الدلينس هجاء:
دلينساً لا كنت منْ مطعم ... يا قذراً في الطعم والريحِ

كأنما آكله قالعٌ ... بثغره لصقة مجروحِ

الفصل السابع
في جملة من التشبيهات قيلت في أرباب صنائع مختلفة
ذكر ابن رشيق صاحب العمدة أن لائماً لام ابن الرومي وقال له: لم لا تشبه كتشبيه ابن المعتز، وأنت أشعر منه؟ قال: أنشدني شيئاً من شعره الذي استعجزتني في مثله: فأنشده في صفة الهلال:
فانظرْ إليه كزورق من فضةٍ ... قد أثقلته حمولةٌ من عنبر
قال: زدني، فأنشده:
كأنَّ آذريونها ... والشمس فيه كاليهْ
مداهنٌ من ذهبٍ ... فيها بقايا غاليهْ
فصاح: وا غوثاه، يا لله، لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ذاك إنما يصف ماعون بيته، لأنه ابن الخلفاء، وأنا أي شيء أصف، ولكن انظر إذا وصفت ما أعرف أين يقع الناس مني؟ هل قال أحد قط أملح من قولي في قوس الغمام. وأنشده القطعة الضادية المذكورة في باب تشبيه قوس قزح التي أولها:
وساقٍ صبيحٍ للصبوحِ دعوته ... فقامَ وفي أجفانهِ سنةُ الغمضِ
وقولي في صفةِ صانع الرقاق:
ما أنسَ لا أنس خبازاً مررتُ بهِ ... يدحو الرقاقة مثل اللمح بالبصر
ما بين رؤيتها في كفه كرةً ... وبينَ رؤيتها زهراءَ كالقمر
إلا بمقدارِ ما تنداحُ دائرةٌ ... في صفحةِ الماءِ يرمى فيه بالحجر
وزاد أبو بكر النحوي أنه أنشد في قالي الزلابية:
ومستقر على كرسيه تعبٌ ... روحي الفداءُ له من عاملٍ نصبِ
رأيته سحراً يقلى زلابية ... في رقةِ القشر والتجويفِ كالقصبِ
كأنما زيته المغليُّ حينَ بدا ... الكيمياءُ التي قالوا ولم تصبِ
يلقي اللجينَ نفاراً من أناملهِ ... فيستحيلُ شبابيكاً من الذهبِ
وقال ابن قلاقس في صياد:
وأشعثَ مثلِ أهلِ النارِ ثاوٍ ... بأخضر كل شط منه جنه
على يمناه أحدقٌ صغارٌ ... ترى ما الماءُ عنها قد أجنهْ
فيرسلها إليه وهي درعٌ ... فتأتيه وقد ملئت أسنهْ
وقال ظافر الحداد في فقاعي:
وافى بفقاعٍ لهُ ... تحيى بنكهته المهجْ
شيخٌ مضتْ من عمرهِ ... في ذلك المعنى حجج
مزجتْ يداهُ الطيب في ... هِ فكان أظرف من مزجْ
وحشا قلوب سذابهِ ... منه بكلِّ فم خرجْ
فكأنه يحشو بهِ ... قطع الزمرد في السبجْ
وقال في مزين:
مزينٌ قد تناهى في صناعتهِ ... إلى لطافةِ معنًى فاقتْ الحكمَا
خفت مواقعُ موساهُ فلو حلقتْ ... في كفه شعر جلدِ الجسم ما علمَا
كأنما هي نورٌ في أنامله ... يومي فيجلو بها عن هامنا ظلما
الفصل الثامن
في تشبيه أنواع من الحيوانات
قال ابن خفاجة في فرس:
فوق وردٍ محجلٍ مزجَ الح ... سنُ بمرآهُ ماءهُ بنضارهْ
يضحكُ الحليُ فوقهُ عن أقاحٍ ... نثرتها الصبا على جلناره
وقال أيضاً:
ومغارٍ ركبت أدهم معطا ... لاً إليه وظهر أشهبَ حالِ
جالَ في أنجم من الحلى بيضٍ ... وقميصٍ من الصباحِ مذالِ
فبدا الصبح ملجما بالثريا ... وجرى البرقُ مسرجاً بالهلالِ
وقال يصف خيلاً من قطعة:
من أشهب شقَّ عنه الركبُ هبوتهُ ... كما تفرى أديمُ الليلِ عن فلقِ
وأدهمٍ فضض التحجيل أكرعهُ ... كما تفلقَ بدرُ الصبح بالغسقِ
وأشقر سائلٍ في وجهه وضحٌ ... كما تصوبَ نجم الرجم في الشفقِ
وقال من قطعة:
وحنَّ إليهِ كل وردٍ محجلٍ ... كأنَّ لجيناً سالَ منه على تبر
وقال من أخرى:
يطلع للغرة في شقرة ... حبابةً تطلع في كاس
وقال من قصيدة:
فلم ألقَ إلاَّ صعدة فوقَ لأمةٍ ... فقلتُ قضيبٌ قد أطال على نهرِ
ولا شمتُ إلا غرة فوقَ شقرة ... فقلتُ حباب يستديرُ على خمر
وقال ابن نباتة في أدهم من قطعة:
وكأنما لطم الصباحَ جبينه ... فاقتصَّ منه فخاض في أحشائهِ
وقال ابن قلاقس في مثله، وإن لم يكن تشبيهاً:
وأدهمَ كالغراب سوادَ لون ... يطيرُ من الرياح بلا جناحْ
كساه الليلُ شملتهُ وولى ... وقبلَ بين عينيهِ الصباحْ
وقال من قصيدة:
أدهمٌ كالليلِ وفي غرتهِ ... لناظرٍ ينظرهُ بدر الدجى
وقال المملوك من مزدوجة يصف خيلاً:

من أدهم كالليل فيه شره ... للصبحِ تحجيل له وغرهْ
أو أشهبٍ مثل الغراب الأشيب ... نهاره مختلطٌ بالغيهبِ
كالماءِ لكنْ ليسَ فيهِ من كدرْ ... يحملُ من حافره مثلَ الحجرْ
أو أشقر ذي منظر براق ... كالبرق في اللونِ وكالبراقِ
أو أحمر لو سابقَ الليلَ سبقْ ... كأنما قد جللُوهُ بالشفقْ
وقد صفتْ أوصافه في حمرهْ ... وابيضَّ تحجيلٌ له وغرهْ
كياسمين حلَّ في شقيقِ ... أو مثلِ درٍّ لاح في عقيقِ
ومن هذه المزدوجة في صفة ظباء:
وقد بدتْ قطائع الغزلانِ ... متفقاتِ الشكلِ والألوان
كأنما العطارُ إذْ صندلها ... ضمخ من كافوره أسفلها
كأنما الأرواق واسودادها ... أقلام كتاب بها مدادها
وهذا مأخوذ من قول عدي بن الرقاع:
تزجي أغن كأنَّ إبرة روقه ... قلمٌ أصابَ من الدواةِ مدادها
وفي البيت الذي قبله زيادة على قول المتنبي في صفة الظبي:
كأنهُ مضمخٌ بصندل
وقال ابن حمديس في زرافة من قطعة:
كأن الخطوط البيض والصفر أشبهتْ ... على جسمها ترصيعَ عاجٍ بصندلِ
وعرفٌ رقيق الشعر تحسبُ نبته ... إذا الريحُ هزته ذوائبَ سنبلِ
وينسب إلى ابن المعتز في الفيل:
انظر لحسنِ الفيل في خلقهِ ... تعجز أنَّى شيت في شِبههِ
سبهتهُ إذ لاحَ في شخصهِ ... بمركبٍ كبَّ على وجهه
ومن قطعة مجهول قائلها في طاووس:
تبدِي اليواقيتَ في ريش وآخرها ... أهلةٌ مثلُ أنصافِ الدنانير
وقال السري الموصلي من قصيدة يصف إوزاً في بركة:
قد كللتْ بنجوم للحبابِ ضحى ... فإن دجا الليلُ عادت أنجماً شهبا
ترى الإوزَّ سروباً في ملاعبها ... كما تأملت في ديباجها اللعبا
وقال من قصيدة أخرى فيها:
هي الروضُ لم تنش الخمائلُ زهره ... ولا اخضلَّ عنْ دمع من المزنِ ساكبِ
إذا انبعثتْ بينَ الملاعب خلتها ... زرابيَّ كسرى بثها في الملاعبِ
وينسب إلى ابن المعتز في بنات وردان:
بناتُ وردانَ خلق ما يشبهه ... خلقٌ بأحسن من وصفي وتشبيهي
كمثل أنصافِ بسرٍ أحمرٍ جعلتْ ... من بعدِ تشقيقهِ أقماعه فيه
وقال ابن حمديس في البق من قطعة:
عساكرُ البقِّ تجري فيه زاحفةً ... كما تبددَ وسطَ البيتِ سماقُ
وأخذه ظافر الحداد وزاد على ذلك تشبيه البراغيث فقال:
ألا لا أعادَ الله ليلى بحجرةٍ ... وقفتُ بها حتى الصباحِ على ساقِ
وللبقِّ فيها بالبراغيثِ خلطةٌ ... كبذرِ قطونٍ ذر في حب سماق
وأخذه المملوك وزاد عليه وصف القمل فقال:
ومنزلٍ لا كان منْ منزلِ ... ولا سقاه الله صوب الولي
قد صارَ بالقمل وبالبقِّ وال ... برغوثِ من كربهم ممتلي
كأنما قد فرشتْ أرضه ... بالأرزِ والسماق والخردلِ

الفصل التاسع
في تشبيهات مختارة من آلات الحرب
من جيد ما قيل في السيف قول الشريف أبي الحسن علي بن إسماعيل الربذي القيرواني:
ومهندٍ عضب الغرارِ كأنَّه ... تحت العجاجةِ لجةٌ خضراء
نقش الفرند ذبابه فكأنما ... سلخت عليه الحية الرقشاء
وقال ابن قلاقس من قطعة:
فابعث بدرع كجلدِ الصل يصحبها ... مهندٌ كلسانِ الصارِم الذكر
وجنةٍ شبهتُ فيها كواكبها ... شكلَ الثريا بدتْ في دارةِ القمرِ
وقال على لسان سيف الدين:
ربَّ يوم لهُ من النقع سحبٌ ... ما لها غيرَ مائر الدم ودقُ
قد جلتهُ يمنى بلالٍ بحدٍّ ... فكأني في راحةِ الشمس برقُ
وقال من قصيدة:
خفقت من خلفهِ راياتهُ ... وهي أمثال الحمام الحومِ
عذبٌ يلعبُ فيها ذهبٌ ... لعب البرقِ بذيل الديم
وقال من قصيدة:
في حيثُ أذكى السمهريُّ شرارة ... رفعَ العجاجُ لها مثال دخانِ
وقال ابن خفاجة يصف سيفاً:
ومرقرقِ الإفرندِ يمضي في العدا ... أبدا فيفتك ما أراد وينسكُ
فكأنه والماءُ يضحكُ فوقهُ ... جذلانُ يبكي للسرورِ ويضحك
وقال في لابس درع:
زر الحديدُ عليهِ جيبَ غمامة ... زرقاءَ في غبش الظلامِ الأقتم

وكأنَّ جلدةَ حيةٍ خلعتْ بهِ ... يومَ الكريهةِ فوقَ عطفَي ضيغم
وقال في قتيل من قصيدة:
موسدا فوق نصلِ السيفِ تحسبه ... مستلقياً فوق شاطئِ جدولٍ ثملا
وقال ابن قلاقس:
تصطفُّ في الجنبينِ أرماحهمْ ... تمطى البازي بريش الجناحْ
وقال ابن رشيق من قصيدة:
فالجيش ينفض حوليه أسنتهُ ... نفض العقاب جناحيها من البلل

الفصل العاشر
في تشبيهات في أشياء مختلفة
قال ابن المعتز في تشبيه زامرة سوداء وأحسن:
وزامرة بالناي قلتُ لها ازمري ... فعاينتُ منها منظراً أيَّ منظر
أناملها تحكي عليه خنافساً ... تدبُّ على أعلى خيارةِ شنبرِ
وقال عبد العزيز بن حسين بن مهذب في سفرةٍ خضراء مفروزة بأزرق:
للهِ درُّ غلامٍ جاءَ يخدمنا ... بسفرةٍ من رفيع الصوف قوراءِ
بفروزٍ أزرقٍ من حول دارتها ... نحارُ فيه وفيها مقلةُ الرائي
كأنها روضةٌ خضراءُ مزهرةٌ ... وحولها جدولٌ من أزرقِ الماءِ
وقال عمر بن الخراط البجائي في مصلوب:
أنظر إليه كأنه في جذعهِ ... متظلمٌ لحظ السماءَ بطرفهِ
رفعَ اليدين كأنهُ يدعو على ... من قدْ أشار على الأميرِ بحتفه
وقال ابن حمديس فيه:
ومرتفع في الجذع إذ حطَّ قدره ... أساءَ إليه ظالمٌ وهو محسنُ
كذي غرقٍ مدَّ الذراعينِ سابحاً ... من الجو بحراً سبحةً ليسَ تمكنُ
وتحسبهُ من جنةِ الخلدِ دانياً ... يعانقُ حوراً ما تراهنَّ أعينُ
وينسب إلى ابن المعتز فيه:
أنظر إليهِ كأنه في جذعهِ ... إذ وشحوهُ بالحبال ودرعا
رامٍ رمى عن قوسه بمفوق ... وأرادَ صحةَ وقعه فتسمعا
ومن جيد العشر المجهول قائله في المصاليب:
أنظرْ إليهمْ في الجذع كأنهمْ ... قد فوقوا يرمونَ بالنشابِ
أو عصبة عزموا الرحيل فنكسوا ... أعناقهمْ أسفاً على الأحباب
وينسب إلى ابن المعتز في مباضع الفصادِ من قطعة:
كأنما الدستُ إذ حواها ... وقد أعدتْ ليوم فصدِ
أقلامُ تبرٍ مخرقاتٌ ... قد استمدتْ بلازوردِ
وقال ابن حمديس يشبه الشيب:
ولى شبابي وراع شيبي ... مني سربَ المها وفضه
كأنما المشط في يميني ... أجرُّ منهُ خيوط فضهْ
وقال ابن اللبانة:
بلدٌ أعارته الحمامةُ طوقها ... وكساهُ حلةَ ريشه الطاووس
فكأنَّ أنهارَ المياهِ سلافةٌ ... وكأنَّ ساحاتِ الديارِ كؤوسُ
وقال من قطعةٍ في منارة:
إذا نظرتْ منها النواظرُ دوحةً ... بدا زرقُ أعلاها من النارِ نورها
وقال أبو الصلت أميةُ بن عبد العزيز في الهرمين:
بعيشك هلْ أبصرتَ أحسنَ منظراً ... على ما رأتْ عيناكَ من هرَمي مصر
أنافا بأعنانِ السماءِ وأشرفا ... على الأرض إشرافَا السماكِ أو النسر
وقدْ وافيا نشزاً من الأرض عالياً ... كأنهما نهدانِ قاما على صدرْ
وقال ظافرُ الحداد من قطعةٍ فيهما:
تأمل هيئةَ الهرمينِ وانظرْ ... وبينهما أبو الهول العجيبُ
كعماريتينِ على رحيلٍ ... لمحبوبينِ بينهما رقيبُ
وقال السري الموصلي يصف دولاباً:
الماءُ يلعبُ كالأراقم موجه ... والسفن بالأحداقِ فيه عقاربُ
والصوتُ من دولابِ كل متوجِ ... أطفالُ زنجٍ للرضاعِ نوادبُ
فانظر إليه كأنه وكأنها ... كيزانه للماءِ منه سواكب
فلكٌ يدورُ بأنجم جعلت لهُ ... كالعقدِ فهيَ شوارق وغواربُ
وقال ابن سعيد الخير البلنسي فيه من قطعة:
وكأنه صبٌّ يطوفُ بمعهدٍ ... يبكي ويسألُ فيه عمنْ بانا
ضاقتْ مجارِي جفنهِ عن دمعهِ ... فتفتحت أضلاعه أجفانا
وقال ابن خفاجة الأندلسي من قصيدة:
ترجحَ في موشيةٍ ذهبية ... كما اشتبكت زهرُ النجومِ على البدرِ
تم الفصل وبتمامه:
نجزَ الكتابُ وجاءَ يلهى من رأى ... حسناً ويطرب بالملاحةِ من قرا
جمع المحاسن كلها فأتى بها ... مصداق: كلُّ الصيدِ في جوفِ الفرا
إن كان نحوَ الغيث يذهب إنه ... قد جاءَ روضاً بالمعاني أزهرا
أهديتُ جوهره إلى بحرٍ وذا ... عجب لأن البحر يهدي الجوهرا

وأتى حسن المقاصد، مليح المصادر والموارد، هذا على ما يعانيه الملوكُ من قريحة كانت ماضية فعادت كليلة، وبضاعة من الحفظ كانت كثيرة، فعادت قليلة، ثم عدم تعليقاته التي أفنى في جمعها عمره، وقطع في طلبها دهره، وهو يرجو بموافقتهِ الغرض أن يبعث إليه المجلس من عواطفه عاطفةً، ويسكنه من جاهه في ظلال النعيم الوارفة، ويجيره من كل آزفة، ليس لها من دون الله كاشفة، إن شاء الله تعالى.
وله الحمد والمنة، والصلاة والسلام على محمد نبيه، وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.