كتاب : البديع
المؤلف : ابن المعتز

بسم الله الرحمن الرحيم
قال عبد الله بن المعتز رحمه الله. قد قدمنا في أبواب كتابنا هذا بعض ما وجدنا في القرآن واللغة وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وكلام الصحابة والأعراب وغيرهم وأشعار المتقدمين من الكلام الذي سماه المحدثون البديع ليعلم أن بشاراً ومسلماً وأبا نواس ومن تقيّلهم وسلك سبيلهم لم يسبقوا إلى هذا الفن ولكنه كثر في أشعارهم فعرف في زمانهم حتى سمى بهذا الاسم فأعرب عنه ودلّ عليه. ثم إن حبيب بن أوس الطائي من بعدهم شُعفَ به حتى غلب عليه وتفرغ فيه وأكثر منه فأحسن في بعض ذلك وأساء في بعض وتلك عقبى الإفراط وثمرة الإسراف وإنما كان يقول الشاعر من هذا الفنّ البيت والبيتين في القصيدة وربما قُرئت من شعر أحدهم قصائد من غير أن يوجد فيها بيت بديع وكان يُستحسنُ ذلك منهم إذا أتى نادراً ويزداد حظوة بين الكلام المرسل وقد كان بعض العلماء يشبه الطائيّ في البديع بصالح بن عبد القدوس في الأمثال ويقول لو أن صالحاً نثر أمثاله في شعره وجعل بينها فصولاً من كلامه لسبق أهل زمانه وغلب على مدّ ميدانه وهذا أعدل كلام سمعته في هذا المعنى.
بسم الله
من الكلام البديع قول الله تعالى وإنهُ في أُم الكتاب لدينا لعليُُّ حكيمُُ ومن الشعر البديع قوله من البسيط
... والصُبحُ بالكوكب الدُّرىِّ منْحورُ
وإنما هو استعارة الكلمة لشيء لم يعرف بها من شيء قد عرف بها مثل أم الكتاب ومثل جناح الذل ومثل قول القائل الفكرة مخ العمل فلو كان قال لبّ العمل لم يكن بديعاً.
ومن البديع أيضاً التجنيس والمطابقة وقد سبق إليهما المتقدمون ولم يبتكرهما المحدثون وكذلك الباب الرابع والخامس من البديع.
وقد أسقطنا من كتابنا هذا أسانيد الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وعن أصحابه إذا كان ذلك من التكثير ولم نذكر إلا حديثاً مشهوراً. ولعل بعض من قصر عن السبق إلى تأليف هذا الكتاب ستحدثه نفسه وتمنّيه مشاركَتنا في فضيلته فيسمى فناً من فنون البديع بغير ما سميناه به أو يزيد في الباب من أبوابه كلاماً منثوراً أو يفسر شعراً لم نفسره أو يذكر شعراً قد تركناه ولم نذكره إما لأن بعض ذلك لم يبلغ في الباب مبلغ غيره فألقيناه أو لأن فيما ذكرنا كافياً ومغنياً. وليس من كتاب إلا وهذا ممكن فيه لمن أراده وإنما غرضنا في هذا الكتاب تعريف الناس أنّ المحدثين لم يسبقوا المتقدمين إلى شيء من أبواب البديع وفي دون ما ذكرنا مبلغ الغاية التي قصدناها وبالله التوفيق.
الباب الأول من البديع وهو الاستعارة
قال الله تعالى هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب. وقال واخفض لهما جناح الذل من الرحمة. وقال واشتعل الرأس شيباً. وقال أو يأتيهم عذاب يوم عقيم. وقال وآية لهم الليل نسلخ منه النهار.
الأحاديث. فأما أحاديث النبي صلى الله عليه فقوله خير الناس رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله كلما سمع هيعة طار إليها. وقوله ضموا ماشيتكم حتى تذهب فحمة العشاء. وقوله إنا لا نقبل زبد المشركين أي رفدهم. وقال صلى الله عليه رب تقبل توبتي واغسل حوبتي. وقال صلى الله عليه غلب عليكم داء الأمم الذين من قبلكم الحسد والبغضاء وهي الحالقة حالقة الدين لا حالقة الشعر.

كلام الصحابة. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في كتابه إلى ابن عباس وهو عامله على البصرة في بعض كلامه أرغِب راغبهم واحلل عُقد الخوف عنهم. وسُئل عن تغيير الشيب وما روى في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله غيّروا الشيب ولا تشبهوا باليهود فقال علي رضي الله عنه إنما قال ذلك والدين في قُلٍ فأما وقد اتسع نطاق الإسلام فكل امرء وما اختار لنفسه. وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه وذكر الملوك فقال إن الملوك إذا ملك أحدهم زهّده الله في ماله ورغّبه في مال غيره وأشرب قلبه الإشفاق وهو يحسد على القليل ويتسخط الكثير جذلُ الظاهر حزين الباطن فإذا وجبت نفسهُ ونضب عمره وضحاً ظلّه " حاسبه الله عز وجل " فأشد حسابه وأقل غفره أراد من هذا نضب عمره وهو من الاستعارة ورووا أن علياً رضي الله عنه سأل كبير فارس عن أحمد سير ملوكهم عندهم فقال لأردشير فضيلة السبق غير أن أحمدهم سيرة أنوشروان قال فأي أخلاقه كان أغلب عليه قال الحلم والأناة قال علي رضي الله عنه هما توأمان ينتجهما علو الهمة. وقال علي رضي الله عنه العلم قفلُُمفتاحه السؤال. ورووا أن علياً رضي الله عنه قال لبعض الخوارج في حديث طويل والله ما عُرفْتَ حتى نعرَ الباطل فنجمت نجوم قرْنِ الماعزة. أردنا قوله نعر الباطل. وروا أن عمر رضي الله عنه لما حصّب المسجد قال له رجل لم فعلت ذلك فقال هو أغفرُ للنخامة. وقال الشعبيّ كتب خالد بن الوليد إلى مرازبة فارس عند مقدمه العراق أما بعد فالحمد لله الذي فض خدمتكم وفرق كلمتكم. الخدمة الحلقة المستديرة ومنه قيل للخلاخيل خِدامُ. قال الشاعر:
وتُبْدي لذاك العذارى الخِداما
وسئلت عائشة رضي الله عنها هل كان النبي صلى الله عليه يفضل بعض الأيام على بعض قالت كان عمله ديمة أي دائماً. ولما قتل عثمان رضي الله عنه قال أبو موسى هذه حيصة من حيصات الفتن بقيت المثقلة الرداح. وقال الحجاج يوماً في حديث ذكره الشعبي دلوني على رجل سمين الأمانة. ولما عقدت الخوارج الرياسة لعبد الله بن وهب الراسبي أرادوه على الكلام فقال لا خير في الرأي الفطير والكلام القضيب فلما فرغوا من البيعة له قال دعوا الرأي يغب فإن غبوبه يكشف لكم عن فصة. وقال بعض الصالحين في ذمة الدنيا دار غرست فيها الأحزان وسكنها الشيطان وذمها الرحمن وعوقب بها الإنسان. وكان يقال رأس المآثم الكذب وعمود الكذب البهتان. وقال ابراهيم النخعي الفكر مخ العمل. وقيل لأعرابي إنك لحسن الكدنة قال ذاك عنوان نعمة الله عندي. ووصف أعرابي قوماً فقال كانوا إذا اصطفوا سفرت بينهم السهام وإذا تصافحوا بالسيوف فغر الحمام. وقال أكثم الحلم دعامة العقل. وسئل آخر عن البلاغة فقال دنو المآخذ ونزع الحجة وقليل من كثير. وقال خالد ابن صفوان لرجل رحم الله أباك فإنه كان يقرى العين جمالاً والأذن بياناً. وسئل أعرابي عن صديق له فقال صفرت عياب الود بيني وبينه بعد امتلائها واكفهرت وجوه كانت بمائها. وذكر أعرابي رجلاً فقال إن الناس يأكلون أماناتهم لقماً وفلان يحسوها حسواً. وقيل لأعرابية أين بلغتْ قِدْرك فقالت حين قام خطيبها. وقال بعضهم من ركب ظهر الباطل نزل دار الندامة. وقيل لأعرابي كم أهلك قال أب وأم وثلثة أولاد أنا سبيل عيشهم. وقيل لرؤبة كيف خلفت ما وراءك قال المراد يابس والمال عابس. ومن الاستعارة قول امرء القيس من الطويل
وليل كموج البحر مرخ سدوله ... على بأنواع الهموم ليبتلي
فقلت له لما تمطى بصلبه ... وأردف أعجازاً وناء بكلكل
هذا كله من الاستعارة لأن الليل لا صلب له ولا عجز وقال من الطويل
يضيىء سناه أو مصابيح راهب ... أمال السليط بالذبال المفتل
أردنا من هذا البيت قوله أمال السليط. وقال زهير من الطويل
إذا لقحت حرب عوان مضرة ... ضروس تهر الناس أنيابها عصل
تهر أي تحملهم على أن يكرهوا يقال هرّ فلان كذا إذا كرهه وأهررته أنا حملته عليه وهرير الكلب صوت يردده إلى جوفه إذا كره الشيء أو الشتاء لشدّة البرد أو لغيره وقال أبو سعيد القول تهر ومن قال تهر الناس أراد أنها أساءت أخلاقهم لشدتها وتهر كأنها تنبح في وجوههم وقال أيضاً من الطويل
صحا القلب عن سلمى واقصر باطله ... وعرى أفراس الصبى ورواحله

وقال أيضاً من الوافر
إذا سدت به لهوات ثغر ... يشار إليه جانبه سقيم
وقال النابغة من الطويل
وصدر أراح الليل عازب همه ... تضاعف فيه الحزن من كل جانب
أراد قوله أراح الليل عازب همه هذا مستعار من إراحة الراعي الإبل إلى مباءتها أي موضع تأوي إليه. وقال أيضاً من الطويل
على أن حجليها إذا قلت أوسعا ... صموتان من ملء وقلة منطق
وقال الأعشى من الكامل
إذا لمتى سوداء أتبع ظلها ... غزلاً قعود بطالة أمشى ددا
وقال أيضاً من الطويل
سما لابن هر في العثار بطعنة ... تفور على سرباله نعراتها
وقال أيضاً من الوافر
فإن الحرب أمسى فخ ... لها في الناس مغتلما
وقال أوس بن حجر من الطويل
وإني امرء أعددت للحرب بعدما ... رأيت لها ناباً من الشر أعصلا
وقال عنترة بن معاوية العبسي من الكامل
جادت عليه كل بكر حرة ... فتركن كل قرارة كالدرهم
البكر أول السحاب أراد أنها لم تمطر قبل ذلك. وقال مهلهل من الكامل
تلقى فوارس تغلب ابنة وائل ... يستطعمون الموت كل همام
وقال الأفوه الأودى من الرمل
ملكنا ملك لقاح أول ... وأبونا من بني أود خيار
قال أبو سعيد اللقاح من العرب الذين لا يدينون للملوك وهو مأخوذ من لقاح الإبل أي هم مستغنون بما عندهم من العز عن غيرهم. وقال علقمة بن عبدة من البسيط
بل كل قوم وإن عزوا وإن كرموا ... عريفهم بأثافي الشر مرجوم
وقال المسيب بن علس من المتقارب
وإنهم قد دعوا دعوة ... سيتبعها ذنب أهلب
وقال الأسود بن يعفر من الوافر
فأد حقوق قومك واجتنبهم ... ولا يطمح بك العز الفطير
قال أبو سعيد أراد عزاً ليس بالمحكم كما أن الفطير من العجين ليس بمستحكم والفطير في غير ذا الجلد الذي لم يدبغ وقال طفيل من الكامل
وجعلت كورى فوق ناجية ... يقتات لحم سنامها الرحل
وقال أيضاً من الطويل
جذت حول أطناب البيوت وسوفت ... مراداً فإن تقرع عصا الحرب تركب
سوفت شمت مرادها الموضع الذي ترود فيه. وقال الحرث ابن حلزة من الكامل
حتى إذا التفع الظباء بأطر ... اف الظلال وقلن في الكنس
قال أبو سعيد التفع من اللفاع وهو اللحاف الذي يلتفع به ثم صار كل ثوب يجلل به الإنسان لفاعاً. وقال عمرو ابن كلثوم من الطويل
ألا ابلغ النعمان عني رسالة ... فمجدك حولي ولؤمك قارح
وقال النابغة الجعدي من المتقارب
إذا أغلق الأمر أبوابه ... وعىّ ذوو الحزم بالمذهب
علا بهم لجة مهلكاً ... وإن يطف أصحابه يرسب
وقال الحطيئة من الطويل
ألا من لقلب عارم النظرات ... يقطع طول الليل بالزفرات
وقال أبو ذؤيب الهذلي من الكامل
وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تميمة لا تنفع
وقال أبو خراش الهذلي من الطويل
أرد شجاع البطن قد تعلمينه ... وأوثر غيري من عيالك بالطعم
وقال لبيد من الكامل
فبتلك إذ رقص اللوامع بالضحى ... واجناب أردية السراب إكامها
وقال أيضاً من الكامل
وغداة ريح قد كشفت وقرة ... إذ أصبحت بيد الشمال زمامها
وقال أوس بن مغراء يهجو بني عامر من الطويل
يشيب على لوم الفعال كبيرها ... ويغذي بثدى اللوم فيها وليدها
وقال مزرد من الطويل
عسوف السرى خبازة في عشائها ... رؤوس الأفاعي بين خف ومنسم
هو ضربها بيدها ومنه أخذ الخبز لإلصاقه بالتنور. وقال الأخطل من الطويل
وأهجر هجراناً جميلاً وينتحى ... لنا من ليالينا الأوائل أول
وقال جرير من الطويل
لحقت وأصحابي على كل حرة ... مروح تباري الأخنسي المكاريا
وقال المرار الفقعسي من البسيط
والقوم قد طلحوا والعيس رازحة ... كأن أعينها نزح القوارير
وقال الفرزدق من الطويل
ليغمز عزاً قد عسا عظم رأسه ... قراسية كالفحل يصرف بازله

ومن البديع والاستعارة من كلام المحدثين وأشعارهم قول مالك بن دينار القلب إذا لم يكن فيه فكرة خرب. ورأى المأمون بعض ولده وفي يده دفتر فقال ما هذا يا بني فقال بعض ما يشحذ الفطنة ويؤنس في الوحدة. فقال المأمون الحمد لله الذي أراني من ذريتي من ينظر بعين عقله. وقال المنصور لمحمد بن عمران التيمي قاضي المدينة بلغني أنك بخيل قال والله ما أجمد في حق ولا أذوب في باطل. وقال اسحق بن ابراهيم الموصلي حدثني أبو دلف قال دخلت على الرشيد وهو في طارمة وإذا بباب الطارمة شيخ جليل على طنفسة فلما سلمت قال لي الرشيد كيف أرضك قلت خراب يباب خربها الأعراب والأكراد فقال قائل هذا آفة الجبل هو أفسده فقلت فأنا أصلحه فقال الرشيد وكيف ذاك قلت أفسدته وأنت علي فأصلحه وأنت معي فقال الشيخ إن همته لترمى به من وراء سنه مرمى بعيداً فسألت عنه فقيل لي العباس بن الحسن العلوي. ووقع بين أحمد بن يوسف وبين رجل شر بين يدي المأمون فقال أحمد للمأمون قد والله رأيته يا أمير المؤمنين يستملي من عينيك ما تلقاني به. وقال الرشيد وقد أنشده النمري من البسيط
ما كنت أوفي شبابي كنه غرته ... حتى انقضى فإذا الدنيا له تبع
وما خير الدنيا لا يخطر فيها برداء الشباب. وكتب خالد بن برمك إلى ابنه يحيى لعمرو بن عثمان التيمي عافانا الله وإياك من السوء برحمته قد عرفت حال عمرو بن عثمان التيمي وتقادم وده وانخراطه في سلكنا فتول من أمره ما يشبهك أو يشبهه فأمر له يحيى بألف ألف درهم. وقال إسحق قلت للعباس بن الحسن إني لأحبك فقال رائد ذاك معي وذكرت له رجلاً فقال دعني أتذوق طعم فراقه فهو والله لا تشجي به النفس ولا تكثر في أثره الالتفات. وكتبت إلى بعضهم إنما قلبي نجى ذكرك ولساني خادم شكرك. وكتبت في بعض الكتاب قد طالت علتك أو تعاللك واشتد شوقنا إليك فعافاك الله مما بك من مرض في بدنك أو إخائك ولا أعدمناك. وقال عبد الله بن إدريس قال كان لي جار معتوه فقلت له يوماً ما أجود الشعر فقال ما لم يحجبه عن القلب شيء انظر إلى قوله من الطويل
ألا أيها النوام ويحكم هبوا ...
وأنشده بصوت جهير ثم قال أعرابي استأذن على القلب فلم يؤذن له ثم أنشد من الطويل
... أسائلكم هل يقتل الرجل الحب
بصوت لين ثم قال هذا مخنث استأذن على القلب فأذن له وقال أبو عبد الله الزبيري ما سمع النبي صلى الله عليه أحداً يحمد الله إلا جاذبه الحمد. وقال عمر بن عبد العزيز وجبت حجة الله على ابن الأربعين وأنشد من الطويل
إذا المرء وفى الأربعين ولم يكن ... له دون ما يأتي حياء ولا ستر
فدعه ولا تنفس عليه الذي مضى ... وإن مد أسباب الحياة له العمر

يقال نفست بالشيء على فلان أنفس إذا بخلت به عليه. وكان رجل من أهل الأدب له أصحاب يشرب معهم وينادمهم فدعوه فلم يحبهم فقالوا ما منعك قال دخلت البارحة في الأربعين وأنا استحي من سني. وحج المهدي فمر ببلاد بني جعفر فقالت امرأة منهم أي شرف وجمال لو أن الله دعمه بأم جعفرية. وقال يحيى ابن خالد العقل خادم للجهل. وقال بعضهم في رسالة وحصن الله وليه وأوقع بأسه بجرثومة الضلال ومناخ الشرك ومركز الظلم بعد طول الإملاء وقلة المراقبة والارعواء. وقال آخر الاستطالة لسان الجهالة. وقال ذو الرياستين الطب استدامة الصحة ومرمة السقم. وكتب ابن مكرم في تعزيته أحمد بن دينار بأخيه ليس لأهله وولده مرجع إلى غيرك ولا مقيل إلا في ظلك فأنشدك الله فيهم فإنه خربهم بعمارة مروّته. ولإبراهيم ابن العباس في بعض كتبه إن أحق من أشاد بنعمة ناطقاً بلسان شكرها من ألبس من نعمة أعز ملابسها وحبى أفضل مواهبها كتبت إليك وأمير المؤمنين من لين الطاعة واتساق الكلمة ممن في بلدانه وحواشي سلطانه على ما يحمد الله عليه ويستزيده منه. وقال يحيى بن خالد الشكر كفاء النعمة. ولبعضهم فأتيتك حين أنفذ الصبر مدته وبلغ المكروه غايته ولم يبق من الستر إلا ما يشف دونه. ولبعضهم في رسالة إن شدة الحجاب تنغل أديم المودة. ودخل أبو سعيد المخزومي على اسحق بن ابراهيم المصعبي فأنشده قصيدة وكان حسن الإنشاد ثم دخل بعده الطائي فأنشده وكان رديء الإنشاد فقال المصعبي للطائي لو رأيت المخزومي وقد أنشدنا آنفاً فقال الطائي أيها الأمير نشيد المخزومي يطرق بين يدي نشيدي. وحدثني أبو عبد الله قال قال الحسن بن سهل خرير الماء لحن العمارة ولأعرابي في البرق من الطويل.
إذا شيم أنف الليل أو مضى وسطه ... سناً كابتسام العامرية شاعف
وقال أبو نواس من الكامل
صهباء تفترس العقول فما ترى ... منها بهنّ سوى السبات جراحا
وقال آخر من الكامل
أما الطلول فمخبر ... ات أنهم ظعنوا قريباً
أحذتني الأحزان ح ... ين وقفت فيها والكروبا
فتركن في قلبي الندوبا ... وزرعن في رأسي المشيبا
وقال أبو الشيص من الخفيف
ربع دار مدرس العرصات ... وطلول ممحوة الآيات
خفق الدهر فوقها بجناح ... ين مريشين بالبلى والشتات
وقال سليمان بن أبي الجنوب بن مروان بن أبي حفصة من الكامل
يتبعن جاهلة الزمام كأنها ... إحدى القناطر وهي حرف ضامر
وقال أبو نواس من الكامل
في مجلس ضحك السرور به ... عن ناجذيه وحلت الخمر
وقال مسلم من الطويل
فأقسمت أنسى الداعيات إلى الصبى ... وقد فاجأتها العين والستر واقع
قطفت بأيديها ثمار نحورها ... كأيدي الأسارى أثقلتها الجوامع
وقال أشجع من الطويل
وجارية لم تسرق الشمس نظرة ... إليها ولم يعبث بأيامها الدهر
وقال العتابي من الطويل
ومعضلة قام الربيع إزاءها ... ليعمد ركن الدين لما تهدما
غداة عداة الملك شاحذة المدى ... عليه وغول الحرب فاغرة فما
وقال من البسيط
إن البرامك لا تنفك أنجية ... بصفحة الدين من نجواهم ندب
تجرمت حجج عشر ومنصلهم ... مضرج بدم الإسلام مختضب
وقال من الطويل
ومن فوق أكوار المطايا لبانة ... أحل لها أكل الذرى والغوارب
فتى ظفرت منه الليالي بزلة ... فأقلعن عنه داميات المخالب
وقال من الكامل
ناهضتُّ بالحسنِ بن عِمران العُلى ... وتنبهت لذكائه آمالي
سكتاته عدة وفي نطقاته ... تفريق بين قرائن الأموال
لما لجأت إلى ذراك وأشرفت ... عنق من الحدثان قلت نزال
وقال النمري للرشيد من الوافر
مننت علي ابن عبد الله يحيى ... وكان من الحتوف على شفير
وقد سخطت بسخطتك المنايا ... فظلت فهي حائمة النسور
لهم رحم تصوركم عليهم ... وتكسر عنكم حمة النكير
وقال يصف بغداد من البسيط

تحيا النفوس إذا أرواحها نفحت ... وحرشت بين أوراق الرياحين
وقال العباس بن الأحنف من البسيط
قد سحب الناس أذيال الظنون بنا ... وفرق الناس فينا قولهم فرقا
فكاذب قد رمى بالظن غيركم ... وصادق ليس يدري أنه صدقاً
وقال محمود الوراق من الوافر
أ إن ناصى سواد الرأس شيب ... فزعت إلى التعلل بالخضاب
ألم تعلم وفرط الجهل أولى ... بمثلك أنه كفن الشباب
وقال أشجع من الطويل
تعض بأنياب المنايا سيوفه ... وتشرب من أخلاف كل وريد
وقال بشار من الكامل
تبعت عطاياه مواهبه ... كالسيل متبعاً قفا مطره
وقال من المتقارب
صببت هواك على قلبه ... فضاق وأعلن ما قد كُتم
وبيضاء يضحك ماء الشب ... اب في وجهها لك أو يبتسم
ألا أيها السائلي جاهلاً ... ليعرفني أنا أنف الكرم
نمت في الكرام بني عامر ... فروعي وأصلي قريش العجم
وقال من الوافر
شربنا من فؤاد الدن حتى ... تركنا الدن ليس له فؤاد
وقال محمد بن احمد من ولد طباطبا العلوي الإصفهاني من المنسرح
رب نهار أمست أصائله ... ترشف من شمسه صبابات
وقال محمد بن يزيد من ولد مسلمة بن عبد الملك يصف فرسه من الكامل
عوته فيما أزور حبائبي ... إهماله وكذاك كل مخاطر
فإذا احتبى قربوسه بعنانه ... علك الشكيم إلى انصراف الزائر
وقال أبو العتاهية من المديد
راكب الأيام يجري عليها ... وله منهن يوم حرون
وقال أبو نواس السابق في ميدان الشعراء من الرجز
يغتال خزان الصحارى الرقطا ... يلقين منه حاكماً مُشتطا
للعظم حطماً والأديم عطا
وقال:
عرم الزمان على الذين عهدتهم ... بك قاطنين وللزمان عُرام
وقلت:
إسقني الراح في شباب النهار ... وانف همي بالخندريس العقار
فكأن الربيع يجلو عروساً ... وكأنا من قطره في نثار
وقال أبو الشيص:
سقاني بها والليل قد شاب رأسه ... غزال بحناء الزجاجة مختضب
وقال الخريمي يذكر الإبل:
وكم خبطت من فحمة لدُجُنة ... وحمرة وهاج عن الصيف جاحم
وقال أبو نواس من الكامل
عين الخليفة بي موكلة ... عقد الحذار بطرفها طرفي
صحت علانيتي له وأرى ... دين الضمير له على حرف
فلئن وعدتك تركها عدة ... إني عليك لخائف خلفي
سلبوا قناع الطين عن رمق ... حي الحياة مشارف الحتف
فتنفست في البيت إذ مُزجت ... كتنفس الريحان في الأنف
وقال في الفرس من الكامل
يبني العجاج على مفارقه ... بمعقب لم يعد أن وقحا
وقال العلوي الإصفهاني ابن طباطبا من الخفيف
صدف شق عن لآليء در ... أم كتاب قد فض عن نظم شعر
وقواف مقومات لدى الأبيات موزونة بقسطاس فكر وقال الطائي من الكامل
مطر يذوب الصحو منه وبعده ... صحو يكاد من النضارة يمطر
وقال من البسيط
أمطرتهم عزمات لو رميت بها ... يوم الكريهة ركن الدهر لانهدما
حتى انتهكت بحد السيف هامهم ... جزاء ما انتهكوا من قبلك الحرما
وقال يخاطب منزلاً من الكامل
يا منزلاً أعطى الحوادث حكمها ... لا مطل في عدة ولا تسويفا
أرسى بناديك الندى وتنفست ... نفساً بعقوتك الرياح ضعيفاً
ولئن ثوى بك مُلقياً بحرانه ... ضيف الخطوب لقد أصاب مضيفا
المعنى أنه أصاب موضعاً يضيف إليه فيه أي يميل إليه لأن أهله قد فارقوه ومضيف محال لأن البلد لا يضيف ولأن الزمان لا يحتاج وإنما المعنى أن الزمان مال عليك فأصاب موضع محل ومنزل.وقال من الكامل
يا سهم كيف يفيق من سكر الهوى ... حران يصبح بالفراق ويغبق
عمري لقد نصح الزمان وإنه ... لمن العجائب ناصح لا يُشفق

نصح الزمان أي أدبك بما يريك من غيره واختلافه والزمان لا يشفق على أحد لأنه يأتي على الإنسان بما يُقضى عليه فقال من العجائب أن يضحك الدهر وهو لا يشفق وقال من الطويل
كلوا الصبر غضاً واشربوه فإنكم ... أثرتم بعير الظلم والظلم بارك
متى يأتك المقدار لا تك هالكاً ... ولكن زمان غال مثلك هالك
وقال العباس بن الأحنف من البسيط
ولي جفون جفاها النوم فاتصلت ... أعجاز دمع بأعناق الدم السرب
هذا وأمثاله من الاستعارة مما عُيب من الشعر والكلام وإنما نخبر بالقليل ليُعرف فيتُجنب. قال المهلب لرجل من الأزد متى أنت قال أكلت من حيوة رسول الله صلى الله عليه سنتين فقال أطعمك الله لحمك. وقال عبيد الله بن زياد يوماً وكانت فيه لُكنه افتحوا سيفي يريد سلوه فقال يزيد بن مفرغ من الوافر
ويوم فتحت سيفك من بعيد ... أضعت وكل أمرك للضياع
وقال عبيد الله أيضاً لسويد بن منجوف اقعُد على است الأرض فقال سويد ما أعلم للأرض استاً. وقال الجاحظ رأى قوم مع رجل خُفّا فقال ما هذا فقال قلنسوة فضحكوا منه فقال عياض صدق هذه قلنسوة الرجل. وقال بعضهم في يوم مطر شديد قد انقطع شريان الغمام. وقال بعض أهل زماننا في مخاطبته لصاحبه يا إمام الخطباء ويا عنصر الخلصاء ومولى الأدباء. ولعلي بن عاصم العبدي الإصفهاني من الكامل
زُم العزاء غداة زم جِمالهم ... فحدا الحداةُ به مع الأجمال
والحادثات متى فغرن بغُصتي ... لقمتهنّ شجاً بوخد جمال
وقال آخر من الطويل
خطوب المنايا صرحت عن مواهب ... مواهب أجر من نتاج المصائب
وقال الطائي من الخفيف
فضربت الشتاء في أخدعيه ... ضربة غادرته عوداً ركوباً
ومن عجيب هذا الباب قول الكميت من الطويل
ولما رأيت الدهر يقلب ظهره ... على بطنه فعل الممعك في الرمل
كما طعنت عنا قضاعة طعنة ... هي الجد مأدوم النحيزة بالهزل

الباب الثاني من البديع وهو التجنيس
وهو أن تجيء الكلمة تُجانس أُخرى في بيت شعر وكلام ومجانستها لها أن تشبهها في تأليف حروفها على السبيل الذي ألف الأصمعي كتاب الأجناس عليها. وقال الخليل الجنسُ لكل ضرب من الناس والطير والعروض والنحو فمنه ما تكون الكلمة تُجانس أخرى في تأليف حروفها ومعناها ويشتق منها مثل قول الشاعر من الكامل
يومٌ خلجت على الخليج نفوسهم ...
أو يكون تُجانِسها في تأليف الحروف دون المعنى مثل قول الشاعر من البسيط
... إن لوم العاشق اللُّوم
قال الله تعالى وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين. وقال سبحانه فأقم وجهك للدين القيم. وقال رسول الله صلى الله عليه عصية عصت الله وغفار غفر الله له. وقال الظلم ظلمات. وقال معاوية لابن عباس رحمه الله ما لكم يا بني هاشم تصابون في أبصاركم كما تصابون في بصائركم. ويقال ان عقيل بن أبي طالب تكلم بذاك. وقال أبو تمام من الطويل
جلا ظلمات الظلم عن وجه أمة ... أضاء لها من كوكب الحق آفله
وسرقه من قول النبي صلى الله عليه الذي تقدم. وقال القطامي من الوافر
ولما ردها في الشول شالت ... بذيال يكون لها لفاعا
ويروى في بعض الحديث عن عمر رضي الله عنه أنه قال هاجروا ولا تهجروا. وقال محمد بن كناسة من الطويل
وسميته يحيى ليحيى ولم يكن ... إلى رد أمر الله فيه سبيل
تيممت فيه الفأل حين رزقته ... ولم أدر أن الفأل فيه يفيل
وقال جرير من الطويل
فما زال معقولاً عقال عن الندى ... وما زال محبوساً عن المجد حابس
وقال ذو الرمة من الطويل
كأن البرى والعاج عيجت متونه ... على عشر يرمى به السيل أبطح
وقال زياد الأعجم من الطويل
ونبئتهم يستنصرون بكاهل ... وللوم منهم كاهل وسنام
وفي هذا البيت تجنيس واستعارة. وقال رجل من بني عبس من البسيط
أبلغ لديك بني سعد مغلغلة ... إن الذي بيننا قد مات أو دنفا
وذاكم أن ذل الجار حالفكم ... وأن أنفكم لا يعرف الأنفا
وقال مسكين الدارمي من البسيط

وأقطع الخرق بالخرقاء لاهية ... إذا الكواكب كانت في الدجى سرجا
وقال حيان بن ربيعة الطائي من الوافر
لقد علم القبائل أن قومي ... لهم حد إذا لبس الحديد
وقال النعمان بن بشير لمعاوية من الطويل
ألم تبتدركم يوم بدر سيوفنا ... وليلك عما ناب قومك نائم
وقال الكميت من الطويل
ونحن طمحنا لامرء القيس بعد ما ... رجا الملك بالطماح نكباً على نكب
وأخذه من قول امرء القيس من الطويل
لقد طمح الطماح من بعد أرضه ... ليلبسني من دائه ما تلبسا
وقال الفرزدق من الطويل
خفاف أخف الله عنه سحابة ... وأوسعه من كل ساف وحاصب
وقال أوس بن حجر يصف وادياً وموضعاً من البسيط
لكن بفرتاج فالخلصاء أنت بها ... فحنبل فعلى سراء مسرور
وقال زهير بن أبي سلمى من البسيط
كأن عيني وقد سال السليل بهم ... وجيرة ماهم لو أنهم أمم
وقال الكميت من الطويل
فقل لجذام قد جذمتم وسيلة ... إلينا كمختار الرداف على الرحل
وقال الأرقط من الرجز
مرتجز في عارض عريض
وحدثني العنزي قال حدثني عمر بن عبيدة قال حدثني الوليد بن هشام قال مر عامر بن عبد الله بن الزبير بحسن بن حسن وهو نازل بمر قال نزلت بمر فمرر عليك عيشك فقال بل نزلت في مر في حال طاب لي أكله إذ أنت متلوث في أدناس بني أمية . وقال أعرابي وذكر عباداً ما تراهم إلا في وجه وجيه.
المحدثون. كتب أبو العيناء إلى ابن مكرم في بعض ما يذمه وأخاه وكيف أظهرتم حب النساء وبكم عرق النسا وكيف تقدمتم المهور مع حاجتكم إلى الذكور. قال الطائي من البسيط
ويوم أرشق والهيجاء قد رشقت ... من المنية رشقاً وابلاً قصفا
وقال من الطويل
إذا ألجمت يوماً لجيم وحولها ... بنو الحصن نجل المحصنات النجائب
فإن المنايا والصوارم والقنا ... أقاربكم في الروع دون الأقارب
وقال من الخفيف
فاض فيض الأتى حتى غذا الموسم من فضل سيبه موسوماً
وقال من الخفيف
سعدت غربة النوى بسعاد ... فهي طوع الاتهام والإنجاد
وهذا من الأبيات الملاح. ثم مدح فيها فقال من الخفيف
عاتق معتق من الهون إلا ... من مقاساة مغرم أو نجاد
للحمالات والحمائل فيه ... كلحوب الموارد الأعداد
كادت المكرمات تنهد لولا ... أنها أيدت بحي إياد
ملأتك الأحساب أي حياة ... وحيا أزمة وحية وادي
وقال سعيد بن حميد من الكامل
طلعت أوائل للرياض فبشرت ... نور الربيع بجدة وشباب
وغدا السحاب يكاد يسحب في الربا ... أذيال أسحم حالك الجلباب
وترى السماء إذا أسف ربابها ... وكأنها كسيت جناح غراب
وترى الغصون إذا الرياح تنفست ... ملتفة كتعانق الأحباب
تبكي لتضحك نورهن فيا له ... ضحكاً تكشف عن بكاء سحاب
أردنا قوله وغدا السحاب يكاد يسحب. وقال مسلم بن الوليد من الكامل
دار الغواني بدلت أطلالها ... حور المها وشودان الغزلان
لعبت بها حتى محت آثارها ... ريحان رائحتان باكرتان
وقال عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير في المطر من الكامل
وعلا لغاط فبات يلغط سيله ... ويعج في لبب الرغام ويصخب
جمع في هذا البيت التجنيس والاستعارة. وقال الطائي من الكامل
راحت لأربعك الرياح مريضة ... وأصاب مغناك الغمام الصيب
وقدم في بعض المجالس إلى صديق لنا بخور فقال له غلام صاحب المنزل تبخر فإنه ند فلما ألقاه على النار لم يستطبه فقال هذا ند عن الند. وقال بعضهم من البسيط
لا تضع للوم إن اللوم تضليل ... واشرب ففي الشرب للإخوان تعليل
فقد مضى القيظ واحتثت رواحله ... وطابت الراح لما آل أيلول
لم يبق في الأرض نبت يشتكي مرهاً ... إلا وناظره بالطل مكحول
وقال أبو محمد اليزيدي للأصمعي من المتقارب

وما أنت هل أنت إلا امرء ... إذا صح أصلك من باهله
وللباهلي على خبزه ... كتاب لآكله الآكله
وقال أبو العباس وكتب إلى بعض الإخوان قد رخصت الضرورة في الإلحاح وأرجو أن تحسن النظر كما أحسنت الانتظار. وقال اسحق بن ابراهيم الموصلي نزل بأبي دلامة أضياف له فغداهم ثم بعث إلى سندية نباذة يقال لها دوم وأرسل إليها بجرة فوجهت إليه فشربوها ثم أعاد فبعثت بأخرى وجاءت تقتضيه الثمن فقال ليس عندي ما أعطيك ولكن أدعو لك فقال من الوافر
ألا يا دوم دام لك النعيم ... وأحمر ملء كفك مستقيم
شديد الأصل ينبض حالباه ... قوى فوقه فهر عظيم
يقويه الشباب ويزدهيه ... وينفخ فيه شيطان رجيم
وقال مسلم بن الوليد من البسيط
يا صاح إن أخاك الصب مهموم ... فارفق به إن لوم العاشق اللوم
وقال أيضاً من البسيط
تورى بزندك أو تسعى بجدك أو ... تفرى بحدك كل غير محدود
وقال بعضهم يصف السحاب من الخفيف
نسجته الجنوب وهي صناع ... وترقى كأنه حبشي
وقرى كل قرية كان يقروه - ا قرىً لا يجف منه القرى وقال آخر من الكامل
قالت فراسة من يطور بمشبل ... ورد وتزعم أنه لا يفرس
وقال أبو يعقوب اسحق بن حسان الخريمي من الكامل
يوم خلجت على الخليج نفوسهم ... غضباً وأنت بمثلها مستام
وقلت من الكامل
يا دار أين ظباءك اللعس ... قد كان لي في إنسها أنس
أين البدور على غصون نقا ... من تحتهن خلاخل خرس
وقال أبو نواس من الكامل
تدع المطي أمامها وكأنها ... صف تقدمهن وهي إمام
وقال والبة بن الحباب يرثي أخاً له من المنسرح
أمسيت في حفرة ببلقعة ... جاورها في محلها حفر
وكنت لي مألفاً إذا نفر ... من بعض إخوان ودهم نفروا
وقال البحتري من البسيط
لولا علي بن مر لاستمر بنا ... خلق من العيش فيه الصاب والصبر
برد الحشا وهجير الروع محتفل ... ومسعر وشهاب الحرب مستعر
ألوي إذا شابك الأعداء كدهم ... حتى يروح وفي أظفاره ظفر
جافى المضاجع ما ينفك في لجب ... يكاد يقمر من لألائه القمر
وقال أيضاً من الكامل
ورمى بثغرته الثغور فسدها ... طلق اليدين مؤملاً مرهوباً
وقال أيضاً من الطويل
حيا الأرض ألقت فوقه الأرض ثقلها ... وهول الأعادي حوله الترب هائل
ستبكيه عين لا ترى الجود بعده ... إذا فاض منها هامل عاد هامل
وقال أبو تمام من الكامل
وله إذا خلق التخلق أو نبا ... خلق كروض الحزن أو هو أخصب
وأنشد العتبي من الكامل
دنس القميص غليظه ... من غير لحمته سداه
وشعاره من شعره ... فكأنه من مسك شاه
ويقال إن عبد الله بن إدريس سئل عن النبيذ فقال جل أمره عن المسئلة أجمع أهل الحرمين على تحريمه ولم يقصده فيما أظن ولكن كما تهيأ له في الكلام.
ومن التجنيس المعيب في الكلام والشعر قول بعض المحدثين وهو منصور بن الفرج من المتقارب
أكابد منك أليم الألم ... فقد أنحل الجسم بعد الجسم
وقال أيضاً من الكامل
إن كان يوم صائراً لمنية ... إلفاً فيوم تفرق الإلفين
وقال آخر من البسيط
كم رأس راس بكى من غير مقلته ... دماً وتحسبه بالقاع مبتسماً
وهذا أيضاً يدخل في باب المطابقة. وقال أيضاً بعض المحدثين يعرف بالبندنيجي يمدح عبيد الله بن عبد الله بن طاهر من البسيط
هي الجآذر إلا أنها حور ... كأنها صور لكنها صور
نور الحجال ولكن من معايبها ... إذا طلبت هواها إنها نور
غيداء لو بل طرف البابلي بها ... لارتد وهو بغير السحر مسحور
إن الرواح حكى روح العراق لنا ... أصلاً وقد فصلت من مكة العير

تشكي العقوق وقد عق العقيق لها ... وأرض عروة من بطحان فالنير
يحتثها كل زول دأبه دأب ... من طول شوق وهجيراه تهجير
مقورة الآل من حوض الفلاة إذا ... ما اعتم بالآل من أرْجائها القور
وقال أبو تمام من الكامل
ذهبت بمذهبه السماحة فالتوت ... فيه الظنون أمذهب أم مذهب
وقال من البسيط
أحطت بالحزم حيزوماً أخا همم ... كشاف طخياء لا ضيقاً ولا حرجا
وقال البهروي في ظاهر بن الحسين من البسيط
ولو رأى هرم معشار نائله ... لقيل في هرم قد جن أو هرما

الباب الثالث من البديع وهو المطابقة
قال الخليل رحمه الله يقال طابقت بين الشيئين إذا جمعتهما على حذو واحد وكذلك قال أبو سعيد فالقائل لصاحبه أتيناك لتسلك بنا سبيل التوسع فأدخلتنا في ضيق الضمان قد طابق بين السعة والضيق في هذا الخطاب. وقال الله تعالى ولكم في القصاص حيوة يا أولي الألباب. وقال رسول الله صلى الله عليه للأنصار إنكم لتكثرون عند الفزع وتقلون عند الطمع وهذا مثل الأول. وقال عيسى بن طلحة لعروة بن الزبير حين ابتلى في رجله ان ذهب أهونك علينا فقد بقى أعزك علينا فطابق كما ترى بين العز والهوان. وقال أدد بن مالك بن زيد بن كهلان وهو طيىء في وصيته لولده لا تكونوا كالجراد أكل ما وجد وأكله من وجده. وقيل لابن عمر رضي الله عنه ترك فلان مائة ألف قال لكنها لا تتركه. وقال الحجاج في خطبته إن الله كفانا مؤونة الدنيا وأمرنا بطلب الآخرة فليت الله كفانا مؤونة الآخرة وأمرنا بطلب الدنيا وقال آخر من العمل ما هو ترك العمل ومن ترك للعمل ما هو عمل. ومن المطابقة قول الحسن المشهور ما رأيت يقيناً لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه من الموت. وقال الوليد بن عتبة بن أبي سفيان للحسين وهو والي المدينة في بعض منازعاتهم ليت طول حلمنا عنك لا يدعو جهل غيرنا إليك. وقال أبو الدرداء معروف زماننا منكر زمان قد فات ومنكره معروف زمان لم يأت. وقال الحسن رضي الله وقد أنكر عليه الإفراط في تخويف الناس إن من خوفك حتى تبلغ الأمن خير ممن آمنك حتى تبلغ الخوف. ولما حضر بشر بن منصور الموت فرح فقيل له أتفرح بالموت فقال أتجعلون قدومي على خالق أرجوه كمقامي مع مخلوق أخافه. وقال عمر إذا أنا لم أعلم ما لم أر فلا علمت ما رأيت. وقال مسلمة بن عبد الملك ما حمدت نفسي على ظفر ابتدأته بعجز ولا لمتها على مكروه ابتدأته بحزم. وقال الغنى في الغربة وطن والفقر في الوطن غربة. وقال ابن عباس كم من أذنب وهو يضحك دخل النار وهو يبكي وكم من أذنب وهو يبكي دخل الجنة وهو يضحك. وقال أعرابي لرجل إن فلاناً وإن ضحك لك فإنه يضحك منك فإن لم تتخذه عدواً في علانيتك فلا تجعله صديقاً في سريرتك. وقال علي رضي الله عنه إن أعظم الذنوب ما صغر عند صاحبه. وقال الحسن كثرة النظر إلى الباطل تذهب بمعرفة الحق من القلب. وشتم رجل الشعبي فقال له إن كنت كاذباً فغفر الله لك وإن كنت صادقاً فغفر الله لي. وأوصى يزيد بن معاوية غلاماً فقال اعلم أن الظن إذا أخلف فيك أخلف منك. وقال الحسن أما تستحيون من طول ما لا تستحيون. وقال من خاف الله أخاف الله منه كل شيء ومن خاف الناس أخافه من كل شيء. وقال علي بن عبد الله بن عباس وذكرت عنده بلاغة بعض أهله إني لأكره أن يكون مقدار لساني فاضلا على مقدار علمي كما أكره أن يكون مقدار علمي فاضلاً على مقدار عقلي. وقال لقمان لابنه إياك والكسل والضجر فإنك إذا كسلت لم تؤد حقاً وإذا ضجرت لم تصبر على حق. وقال بعض الواعظين كان الناس ورقاً بلا شوك فصاروا شوكاً بلا ورق. وحدثني الأسدي قال قيل لأبي دؤاد الإيادي وبنته تسوس دابته أهنتها يا أبا دؤاد فقال أهنتها بكرامتي كما أكرمتها بهواني. وقال زهير من البسيط
ليث بعثر يصطاد الرجال إذا ... ما الليث كذب عن أقرانه صدقا
وقال عبد الله بن الزبير الأسدي من الوافر
رمى الحدثان نسوة آل حرب ... بمقدار سمدن له سمودا
فرد شعورهن السود بيضاً ... ورد وجوهن البيض سودا
وقال حسين بن مطير من الطويل
مبتلة الأرداف زانت عقودها ... بأحسن مما زينتها عقودها
وقال طفيل الغنوى من البسيط

بساهم الوجه لم يقطع أباجله ... يصان وهو ليوم الروع مبذول
وقال الأخطل من الكامل
المهديات لمن هوين مسبة ... والمحسنات لمن قلين مقالا
وقال الطائي من الطويل
إذا ذاقها وهي الحيوة رأيته ... يقطب تقطيب المقدم للقتل
وقال كثير من الطويل
تشنى إلى الأعداء حتى إذا أتوا ... لمرضاته طوعاً وكرهاً تحبباً
وقال الفرزدق من الكامل
قبح الإله بني كليب إنهم ... لا يغدرون ولا يفون لجار
وقال آخر من الطويل
ألا يا نسيم الريح إن كنت هابطاً ... بلاد سليمى فالتمس أن تكلما
وبلغ سليمى حاجة لي مهمة ... وكن بعدها عن سائر الناس أعجما
وقال بعضهم إذا شربت النبيذ فاشربه مع من يفتضح هو لا مع من يفتضح به.
المحدثون. سعى علي بن عيسى بن ماهان إلى الرشيد بالفضل بن يحيى فرمى بكتابه إلى جعفر وقال أجبه فكتب على ظهره حفظك الله يا أخي وحبب إليك الوفاء فقد أبغضته وبغض إليك الغدر فقد أحببته إن حسن الظن بالأيام داعية الغير والله المستعان. وقال محمد بن إسرائيل بن محمد بن إسرائيل القاضي قال لي مجنون كان يكون في الخربات يا إسرائيل خف الله خوفاً يشغلك عن الرجاء فإن الرجاء يشغلك عن الخوف وفر إلى الله ولا تفر منه. وقال ابن السماك لأن أكون في السوق وقلبي في المسجد أحب إلي من أن أكون في المسجد وقلبي في السوق. وباع أبو العيناء دابة كان عبيد الله بن يحيى حمله عليها من ابن لعبيد الله فدافعه بثمنه ثم لقيه فقال ايش خبرك يا أبا العيناء فقال بخير يا من أبوه يحمل وهو يرجل. وقال ذو الرياستين احذروا اجتماع المضار وافتراق المسار. وكتب عبد الصمد بن على إلى مروان وقد ذكر له أمر الحرم الحق لنا في دمك وعلينا في حرمك. وقال عبيد الله بن عبد الحميد في تعزية ما أشبه الباقي الذي ينتظر الفناء بالماضي الذي قد أتى الفناء عليه. وقلت لبعض فقهائنا وأنا عليل قد سألني عائد لي بحضرته كيف أنت أتراني ان قلت في عافية كاذباً فقال لي لا. قال بعض الصالحين إن أعلك الله من جسمك فقد أصحّك من ذنوبك. وكتب يحيى بن خالد إلى الرشيد يا أمير المؤمنين إن كان الذنب لي خاصاً فلا تعمن بالعقوبة فإن الله يقول ولا تزر وازرة وزر أخرى. ولبعضهم الكريم واسع المغفرة إذا ضاقت المعذرة. وقال ابو تمام من الطويل
لهم منزل قد كان بالبيض كالمها ... فصيح المعاني ثم اصبح أعجما
ورد عيون الناظرين مهانة ... وقد كان مما يرجع الطرف مكرما
وقال في الإبل من البسيط
ألمرضياتك ما أرغمت آنفها ... والهادياتك وهي الشرد الضلل
إذا تضللت من أرض فصلت بها ... كانت هي العز إلا أنها ذلل
وقال في الشيب من الخفيف
غرة مرة ألا إنما كن ... ت أغراً أيام كنت بهيماً
دقة في الحياة تدعى جلالاً ... مثل ما سمى اللديغ سليماً
وقال ابن السماك للرشيد يا أمير المؤمنين تواضعك فيشرفك أشرف من شرفك. وقال الطائي من الطويل
وضل بك المرتاد من حيث يهتدي ... وضرت بك الأيام من حيث تنفع
وقد كان يدعى لابس الصبر حازماً ... فأصبح يدعى حازماً حين يجزع
وقال آخر من الكامل
أما القبور فإنها مأنوسة ... بجوار قبرك والديار قبور
وقال أبو العتاهية من الكامل
يا حسرتا من يوم يج ... مع شرتى كفن ولحد
ضيعت ما لا بد لي ... منه بما لي منه بد
وقال سديف من الكامل
واصح ما رأت العيون جوارحاً ... منهن أمرض ما رأيت عيوناً
وقال عمارة بن عقيل من الخفيف
وأرى الوحش في يميني إذا ما ... كان يوماً عنانه في شمالي
وقال أبو تمام من البسيط
فيم الشماتة إعلاناً بأسد وغى ... أفناهم الصبر إن بقاكم الجزع
وقال البحتري من الخفيف
إن أيّامَه من البيض بيضٌ ... ما رأينا المفارقَ السودَ سودا
وقال النميريّ من الكامل
ومجالس لك بالحمى ... وبها الخليط نزول
أيامهنّ قصيرة ... وسرورهن طويل

وسعودهنّ طوالع ... ونحوسهن أفول
والمالكية والشبا ... ب وقينة وشمول
وقال بشار من البسيط
حتّام قلبي مشغول بذكركمُ ... يهذي وقلبُك مربوط بنسياني
لهفي عليها ولهفي من تذكرها ... يدنو تذكرها مني وتنآني
إني لمنتظر أقصى الزمان بها ... إن كان أدناه لا يصفو لحران
وقال أبو العتاهية من الطويل
غنيت عن الوصل القديم غنيتا ... وضيعت قلباً كان لي ونسيتا
تجاهلت عما كنت تحسن وصفه ... ومت عن الإحسان حين حييتا
وقال إبراهيم بن العباس من الوافر
غنى عنك ما استغنيت عنه ... وطلاع عليك مع الخطوب
وقال ابو العتاهية من الخفيف
عاذلى في المدام غير نصيح ... لا تلمني على شقيقة روحي
لا تلمني على التي فتنتني ... وأرتني القبيح غير قبيح
إن بذلي لها لبذل جواد ... واقتنائي لها اقتناء شحيح
وقال أيضاً من الخفيف
يا بني النقص والغير ... وبني الضعف والخور
وبني البعد في الطباع ... على القرب في الصور
وقال أيضاً من الرمل
قل لذي الوجه الطرير ... ولذي الردف الوثير
ولمغلاق همومي ... ولمفتاح سروري
يا قليلاً في التلاقي ... وكثيراً في ضميري
وقال البحتري يصف بركة المتوكل من البسيط
إذا علتها الصبا أبدت لنا حبكاً ... مثل الجواشن مصقولاً حواشيها
فحاجب الشمس أحياناً يضاحكها ... وريق الغيث أحياناً يباكيها
وقال أيضاً من الكامل
حالت بك الأشياء عن حالاتها ... فالحزن حلّ والعزاء حرام
وبرغم أنفي أن أراك موسداً ... يد هالك والشامتون قيام
وشرب بعض الناس عند الحسن بن وهب قدحاً فلما استوفاه عبس فقال والله ما أنصفتها تضحك في وجهك وتعبس في وجهها فأخذ بعض المحدثين من الكامل
ما أنصف الندمان كأس مدامة ... ضحكت إليه فشمّها بتعبس
ودخل ابن شبابة على قوم يشربون الخمر ومعه صديق له فقال الرجل الويل لنا إن كان ما يشربون خمراً.فقال ابن شبابة الويل لنا إن لم يكن ما يشربون خمراً. وقال سعيد بن سلم تركنا كثير النبيذ لله وقليله للناس. ويقال اشرب من النبيذ ما لا يشربك. ولأعرابي في البراغيث من الطويل
إذا درج البرغوث منها رأيته ... على الجلد ضخم الجسم وهو صغير
وقال الطائي من الطويل
لقد ضاقتِ الدنيا علي بأسرها ... لهجرانه حتى كأني في حبس
أسكن قلباً هائماً فيه مأتم ... من الشوق إلا أن عيني في عرس
وقال سهل بن هارون من طلب الآخرة طلبته الدنيا حتى توفر رزقه منها ومن طلب الدنيا طلبه الموت حتى يخرجه منها. وقال بعضهم يهجو قوماً من المتقارب
فيا قبحهم بالذي خولوا ... ويا حسنهم في زوال النعم
وقال عبد الله بن أبي عيينة في عيسى بن سليمان من الطويل
أفاطم قد زوجت من غير خبرة ... فتى من بني العّباس ليس بطائل
فإن قلت من آل النبي فإنه ... وإن كان حر الأصل عبد الشمائل
وقلت في الفصول الصغار القصار طلاق الدنيا مهر الجنة. غضب الجاهل في قوله وغضب العاقل في فعله. ومن المعيب من المطابقة في الكلام والشعر قول الأُخيطل من الكامل
قلت المقام وناعب قال النوى ... فعصيت أمري والمطاع غراب
وهذا من غث الكلام وبارده. وقال أيضاً من الكامل
كم جحفل طارت قدامى خيله ... خلفته يوم الردى منتوفا
أعلمت بابك وهو رأس أنه ... سيكون بعدك حافراً ووظيفا
وقال أيضاً في الخمر من الكامل
ورمى النديم بماء مزن رأسها ... فرمته من أضغانها في الراس
وحسا مصونتها فأرخت نفسها ... حتى احتست بالسكر نفس الحاسى
وقال بعض الشعراء في القاسم بن عبيد الله من الكامل
من كان يعلم كيف رقة طبعه ... هو مقسم أن الهواء ثخين
وقال الطائي من الوافر

فيا ثلج الفؤاد وكان رضفاً ... ويا شبعى برؤيته وريى
وقال من الخفيف
فإذا الصنع كان وحشاً فمل ... يت برغم الزمان صنعاً ربيبا
ولبعض المحدثين وهو من عجيب هذا الباب في الردآة من الكامل
وجعلت مالك دون عرضك جنة ... إذ عرض غيرك لا يقيه بقوة
وقال كاتب تامش واسمه شجاع في دعائه يا رب ارحم ترحم.
الباب الرابع من البديع وهو رد أعجاز الكلام على ما تقدمها وهذا الباب ينقسم على ثلثة أقسام فمن الباب ما يوافق آخر كلمة فيه أخر كلمة في نصفه الأول مثل قول الشاعر من الكامل
تلقى إذا ما الأمر كان عرمرماً ... في جيش رأى لا يفل عرمرم
ومنه ما يوافق آخر كلمة منه أول كلمة في نصفه الأول كقوله من الطويل
سريع إلى ابن العم يشتم عرضه ... وليس إلى داعى الندى بسريع
ومنه ما يوافق آخر كلمة فيه بعض ما فيه كقول الشاعر من الوافر
عميد بني سليم أقصدته ... سهام الموت وهي له سهام
وقال الله تعالى أنظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا. وقال عز وجل لا تفتروا على الله كذباً فسيحتكم بعذاب وقد خاب من افترى. وقال تقدست أسماؤه ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون. وفي الحديث من مقت نفسه فقد آمنه الله من مقته. وقال طفيل من الطويل
محارمك أمنعها من القوم إنني ... أرى حقبة قد ضاع فيها المحارم
وقال عمرو بن أحمر من الطويل
تغمرت منها بعد ما نفد الصبى ... ولم يرو من ذي حاجة من تغمرا
وقال الحطيئة من الطويل
تدرون إن شد العصاب عليكم ... ونأبى إذا شد العصاب فلا ندر
وقال الفرزدق من البسيط
أصدر همومك لا يقتلك واردها ... فكل واردة يوماً لها صدر
وقال الأعشى ميمون بن قيس من المتقارب
كتوم الرغاء إذا هجرت ... وكانت بقية ذود كتم
وقال جرير من الطويل
سقى الرمل جون مستهل ربابه ... وما ذاك إلا حب من حل بالرمل
المحدثون. قال أبو نواس من المديد
ظن بي من قد كلفت به ... فهو يجفوني على الظنن
وقال في الخمر من الكامل
رقت ورقت مذقة من مائها ... والعيش بين رقيقتين رقيق
وقال مسلم من الطويل
تبسم عن مثل الأقاحى تبسمت ... له مزنة صيفية فتبسما
وليلة مات اللهو إلا بقية ... تداركها طيف ألم فسلما
مزيدك عندي أن أقيك من الردى ... وإن كان شجواً أن أكون المقدما
أردنا من هذه الأبيات البيت الأول. وقال محمد بن أبي أمية الكاتب من المديد
حسن ذاك الوجه لا يسلمني ... أبداً منه إلا غير حسن
وقال بشار الأعمى من الطويل
طلوب ومطلوب إليه إذا غدا ... وخير خليليك الطلوب المطلب.
وقال منصور بن الفرج من الوافر
مفيد إن تزوره وأنت مقوٍ ... تكن من فضل نعمته مفيدا
حميد حين تكثر ذم صرف ... لدهر لا ترى فيه حميدا
وإن فقد الربيع وكل خصب ... فليس ربيع كفيه فقيدا
وفود أملوك أبا عليٍ ... ولولا أنت ما كانوا وفودا
وقال في صفة الشيب من الخفيف
يا بياضاً أذرى دموعي حتى ... عاد منها سواد عيني بياضا
وقال أيضاً من الوافر
شريف لا ترى قولاً وفعلاً ... ولا خلقاً له إلا شريفا
وقال أبو الغمر الطهوي من الخفيف
ما لجنية المحاسن لا تأ ... وى لخرقٍ كأنه جنى
وقال أحمد بن يوسف في بعض كتبه فشكر الله لك ما أصبحت مشكوراً به. وكتب بعضهم إن الشكر من الله بأحسن المواضع فازدد منه تزدد به وحافظ عليه تحفظ به. وقال بعض المحدثين وهو إبراهيم بن الفرج البندنيجي من البسيط
تقاصرت همم الأملاك عن ملكٍ ... أمسى الرجاء عليه وهو مقصور
فوفره بين أهل العرف منتهب ... وعرضه عن لسان الذم موفور
وقال أبو نواس من السريع
من لم يطب في الناس يومئذ ... من ريحه إن مر لم يطب
وقال البحتُري من الطويل

أنائل جاوزت الأحَص وأهله ... وما جدت للصبّ المشوق بنائل
وقال الطائي في الربيع من الطويل
أسائلكم ما باله حكم البلى ... عليه وإلا فاتركوني أسائله
وقال أيضاً من الطويل
ومن كان بالبيض الكواعب مغرما ... فما زلت بالبيض القواطع مغرما
ومن تيمت سمر الحسان فؤاده ... فما زلت في السمر العوالي متيما
تجشم حمل الفادحات وقلما ... أقيمت صدور المجد إلا تجشما
وقال أيضاً من الطويل
إلى سالم الأخلاق من كل عائب ... وليس له مال على الجود سالم
إذا سيفه أضحى على الهام حاكماً ... غدا العفو منه وهو في السيف حاكم
وقال من البسيط
إن ينج منها أبو نصرٍ فعن قدرٍ ... ينجى الرجال ولكن سله كيف نجا
وقال آخر وأظنه متقدماً لسلمة بن عباس من الطويل
سمين قريش مانع منك غثه ... وغث قريش حيث كان سمين
وقال البحتري من الكامل
سلبوا وأشرقت الدماء عليهم ... محمرةً فكأنهم لم يسلبوا
وقلت من البسيط
يا دائم الهجر والتجني ... دعني من الهجر أو فدعني
فر فؤادي إليك مني ... فسله عما أردت مني
ومن المعيب منه في الكلام أو الشعر قول ذي نواس البجلي من الطويل
يتيمني برق المباسم بالحمى ... ولا بارق إلا الكريم يتيمه
وهذا قد جمع على غثاثته بابين من بديع الكلام وهما هذا الباب وباب الاستعارة. وقال منصور بن الفرج من البسيط
زرناك شوقاً ولو أن النوى نشرت ... بسط الملا بيننا بعداً لزرناك
وهذا أيضاً قد جمع معنيين من البديع وليس بشيء.
الباب الخامس من البديع وهو مذهب سماه عمرو الجاحظ المذهب الكلاميّ. وهذا باب ما أعلم أني وجدت في القرآن منه شيئاً وهو ينسب إلى التكلف تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
المتقدمون. قال أبو الدرداء إن أخوف ما أخاف عليكم أن يقال علمت فماذا علمت. وقال الفرزدق من الطويل
لكل امرءٍ نفسان نفس كريمةٌ ... وأخرى يعاصيها الفتى ويطيعها
ونفسك من نفسيك تشفع للندى ... إذا قل من أحرارهن شفيعها
وقال عمر لعبد الله بن عباس من ترى أن نوليه حمص فال رجلاً صحيحاً منك صحيحاً لك قال كن أنت ذلك الرجل قال لا ينتفع بي مع سوء ظني في سوء ظنك بي.
المحدثون. قال أبو عبد الرحمن العطوي من الخفيف
فوحق البيان يعضده البر ... هان في مأقط ألد الخصام
ما رأينا سوى الحبيبة شيئاً ... جمع الحسن كله في نظام
هي تجري مجرى الأصالة في الرأ ... ي ومجرى الأرواح في الأجسام
وقال إبراهيم بن المهدي للمأمون من البسيط
ألبر بي منك وطا العذر عندك لي ... فيما فعلت فلم تعذل ولم تلم
وقام علمك بي فاحتج عندك لي ... مقام شاهد عدلٍ غير متهم
وقال إبراهيم بن العباس من الطويل
وعلمتني كيف الهوى وجهلته ... وعلمكم صبري على ظلمكم ظلمي
وأعلم ما لي عندكم فيميل بي ... هواي إلى جهلي فأعرض عن حلمي
وقال أبو نواس من الخفيف
إن هذا يرى ولا رأى للأح ... مق أني أعده إنسانا
ذاك في الظن عنده وهو عندي ... كالذي لم يكن وإن كان كانا
وقال الطائي من الكامل
ألمجد لا يرضى بأن ترضى بأن ... يرضى المؤمل منك إلا بالرضى
وبلغنا أن إسحاق بن إبراهيم رأى حبيب الطائي ينشد هذا وأمثاله عند الحسن بن وهب فقال يا هذا شددت على نفسك. ولما ودع المأمون الحسن بن سهل مخرجه إلى بغداد فقال له المأمون يا أبا محمد ألك حاجة قال نعم يحفظ على قلبك ما لا أستعين على حفظه إلا بك. وكتب أحمد بن يوسف إسحاق بن إبراهيم الموصلي وقد زاره إبراهيم بن المهدي عندي من أنا عنده وحجتنا عليك إعلامنا ذلك إياك والسلام. وقال إبراهيم بن العباس من المتقارب
ولما نأت كيف كنا لها ... ولما دنت كيف كنا بها
وكتب بعضهم إلى صاحب له ارض بما حكم به الحق في أمرك أكن بالمكان الذي أنزلني به الحق بيني وبينك. وقلت في هذا الباب من المجتث

أسرفت في الكتمان ... وذاك مني دهاني
كتمت حبك حتى ... كتمته كتماني
ولم يكن لي بد ... من ذكره بلساني
ما عيب من ذلك. كتب إلى بعض أهل زماننا أطال الله بقاءك منشئاً لك ريح عز لا يعدم هبوبها ومطلعاً لنعمتك شمس نصرة يؤمن غروبها وأراك أمنيتك ببلوغكهما قد جعل الله إبداءك وإعادتك في الجود أذاناً وإقامةً يدلان العفاة إلى مباءتك للري من ساحتك ولما رأيت ذكرك عطراً ولمن رجاك ستراً جئتك ظامئاً مستسقياً ماء أنعمك وغير غرو أن أكون ممن يمدحك بمبلغ طاقته وفرط محبته فإن رأيت أعزك الله أن تقرأ رقعة وليكن شعره فعلت إن شاء الله وصلى الله على محمد نبيه والسلام كثيراً. وفي هذا الباب استعارة وتعقيد أيضاً على بغضه كما ترى. وكتب الحسن بن وهب إلى صديق له استزاره لما أذن الله في النهوض إليك أحدث القدر ما لم أكن أحتسبه من شغل يعم قلبي فلا أجد بقية تتذوقك فكرهت أن آتيك على هذه الحال فيكون نظري إليك حسرة يلجلجها الضمير إذا كان الشغل حاجباً عن استقصائك بكنهك. وللحكم بن قنبر من البسيط
فلا تسدوا فمالي غيركم أمل ... علي بالصد مجرى ريح آمالي
وقلت لسليمان الطبيب كما أكل من الرطب فقال سبعين يعني أربعة عشرة رطبة. وممن أساء في هذا المعنى العلوي الكوفي حيث يقول من البسيط
أشكو إلى الله قلباً لو كحلت به ... عينيك لاكتحلت من حره بدم
وقال آخر من الطويل
نعم منك كانت مثل لا إذ بلوتها ... فما لنعم عندي على لاء من فضل
قد قدمنا أبواب البديع الخمسة وكمل عندنا وكأنى بالمعاند المغرم بالاعتراض على الفضائل قد قال البديع أكثر من هذا وقال البديع باب أو بابان من الفنون الخمسة التي قدمناها فيقل من يحكم عليه لأن البديع اسم موضوع لفنون من الشعر يذكرها الشعراء ونقاد المتأدبين منهم فأما العلماء باللغة والشعر القديم فلا يعرفون هذا الاسم ولا يدرون ما هو وما جمع فنون البديع ولا سبقني إليه أحد وألفته سنة أربع وسبعين ومائتين وأول من نسخه مني علي بن هرون بن يحيى بن أبي المنصور المنجم ونحن الآن نذكر بعض محاسن الكلام والشعر ومحاسنها كثيرة لا ينبغي للعالم أن يدعى الإحاطة بها حتى يتبرأ من شذوذ بعضها عن علمه وذكره وأحببنا لذلك أن تكثر فوائد كتابنا للمتأدبين ويعلم الناظر أنا اقتصرنا بالبديع على الفنون الخمسة اختباراً من غير جهل بمحاسن الكلام ولا ضيق في المعرفة فمن أحب أن يقتدي بنا ويقتصر بالبديع على تلك الخمسة فليفعل ومن أضاف من هذه المحاسن أو غيرها شيئاً إلى البديع ولم يأتي غير رأينا فله اختياره.
باب الالتفات. وهو انصراف المتكلم عن المخاطبة إلى الإخبار وعن الإخبار إلى المخاطبة وما يشبه ذلك من الالتفات الانصراف عن معنى يكون فيه إلى معنى آخر. قال الله جل ثناءه حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة. وقال إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد ثم قال وبرزوا لله جميعاً. وقال جرير من الوافر
متى كان الخيام بذي طلوحٍ ... سقيت الغيث أيتها الخيام
أتنسى يوم تصقل عارضيها ... بعود بشامة سقى البشام
قال من الكامل
ودعا الزبير فما تحركت الحبى..
ثم رجع إلى المخاطبة فقال ...لو سمتهم أكل الخزير لطاروا وقال الطائي من الطويل
وأنجدتم من بعد إتهام داركم ... فيا دمع أنجدني على ساكني نجد
وقال جرير من الكامل
طرب الحمام بذي الأراك فشاقني ... لا زلت في غلل وأيك ناضر
ومن محاسن الكلام أيضاً والشعر اعتراض كلام في كلام لم يتمم معناه ثم يعود إليه فيتممه في بيت واحد كقول بعضهم من الطويل
فظلوا بيوم دع أخاك بمثله ... على مشرع يروى ولما يصرد
وقال كثير من الوافر
لو أن الباخلين وأنت منهم ... رأوك تعلموا منك المطالا
وقال النابغة الجعدي من الوافر
ألا زعمت بنو سعد بأني ... ألا كذبوا كبير السن فان
ومنها الرجوع وهو أن يقول شيئاً ويرجع عنه كقول بشار من الكامل
نبئت فاضح أمه يغتابني ... عند الأمير وهل عليه أمير
وقال أبو نواس من الرجز
يا خير من كان ومن يكون ... إلا النبي الطاهر الأمين

إمام عدل ما له قرين ... أستغفر الله بلى هرون
وقال آخر من الطويل
أليس قليلاً نظرةً إن نظرتها ... إليك وكلا ليس منك قليل
وقال بعضهم ما معك من العقل شيء بلى مقدار ما تجب الحجة به عليك والنار لك.ومنها حسن الخروج من معنى إلى معنى قال بعضهم من الطويل
إذا ما اتقى الله الفتى وأطاعه ... فليس به بأس وإن كان من جرم
وقال بشار من الطويل
خليلى من جرم أعينا أخاكما ... على دهره إن الكريم معين
ولا تبخلا بخل ابن قرعة إنه ... مخافة أن يرجى نداه حزين
إذا جئته في الحق أغلق بابه ... فلم تلفه إلا وأنت كمين
وقال آخر ويقال أنه السموءل بن عاديا اليهودي من الطويل
وإنا لقوم ما نرى القتل سبة ... إذا ما رأته عامر وسلول
وقال زهير من البسيط
إن البخيل ملوم حيث كان و ل ... كن الجواد على علاّته هرم
ومنه قول حسان من الكامل
إن كنت كاذبة التي حدثتنا ... فنجوت منجى الحارث بن هشام
وقال الطائي من الكامل
لا والذي هو عالم أن النوى ... صبر وأن أبا الحسين كريم
وقال أبو العتاهية من المتقارب
وأحببت من حبها الباخلين ... حتى ومقت ابن سلم سعيدا
إذا سيل عرفاً كسا وجهه ... ثياباً من المنع صفراً وسودا
يغير على المال فعل الجواد ... وتأبى خلائقه أن تجودا
وقال إسحق الموصليّ يصف السكر من الطويل
فما ذر قرن الشمس حتى كأننا ... من العي نحكي أحمد بن هشام
ومنها تأكيد مدح بما يشبه الذم كقول الذبياني من الطويل
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب
وكقول الجعدي من الطويل
فتى كملت أخلاقه غير أنه ... جواد فما يبقى من المال باقيا
ومنها تجاهل العارف كقول زهير من الوافر
وما أدري وسوف إخال أدري ... أقوم آل حصن أم نساء
وقال ابن أبي أمية من الطويل
فديتك لم تشبع ولم ترو من هجري ... أتستحسن الهجران أكثر من شهر
أراني سأسلو عنك إن دام ما ترى ... بلا ثقةٍ لكن أظن ولا أدري
وقال آخر من البسيط
إن لم يكن لبن الدايات غيره ... عن فعل آبائه الغر الميامين
فربما غاب بعل عن حليلته ... فناكها بعض سواس البرازين
ومنها هزل يراد به الجد. قال أبو العتاهية من البسيط
أرقيك أرقيك بسم لله أرقيكا ... من بخل نفس لعل لله يشفيكا
ما سلم نفسك إلا من يتاركها ... وما عدوك إلا من يرجيكا
وقال أبو نواس من الطويل
إذا ما تميمي أتاك مفاخراً ... فقل عد عن ذا كيف أكلك للضب
وقال أيضاً للفضل بن الربيع من الوافر
ولى حرم فلا تتغط عنها ... لتدفع حقها دفع الغريم
تغافل لى كأنك واسطي ... وبيتك بين زمزم والحطيم
وقال آخر من المديد
من رأى فيما رأى رجلاً ... تيهه مرب على جدته
يتباهى راجلاً وله ... شاكري في قلنسوته
ومنها حسن التضمين. قال الأخيطل من الكامل
ولقد سما للخرمى فلم يقل ... بعد الوغا لكن تضايق مقدمى
وقال من الطويل
إذا دله عزم على الجود لم يقل ... غدا عودها إن لم تعقها العوائق
ولكنه ماضٍ على عزم يومه ... فيفعل ما يرضاه خلق وخالق
وقال آخر من السريع
عوذ لما بت ضيفاً له ... أقراصه بخلاً بياسين
فبت والأرض فراشي وقد ... غنت قفا نبك مصاريني

ومنها التعريض والكناية. قال علي رضى لله عنه لعقيل ومعه كبش له أحد الثلثة أحمق فقال عقيل أما أنا وكبشي فعاقلان. وكان عروة بن الزبير إذا أسرع إليه إنسان بسوء لم يحببه ويقول أنى لأتركك رفعاً لنفسي عنك فجرى بينه وبين على بن عبد لله بن عباس كلام فأسرع إليه عروة بسوء فقال إنى أتركك لما تترك الناس له فاشتد ذلك على عروة . وقال بعض ولد العباس بن محمد لابنه يا بن الزانية فقال الزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك. وقال بشار من الخفيف
وإذا ما التقى ابن أعيا وبكر ... زاد في ذا شبر وفي ذاك شبر
أراد أنهما يتبادلان. وقال عباس بن الفضل يهجو رجلاً من السريع
يلوط من خلف على أربع ... بخاندان من بنى آدم
وقال أبو نواس في جلد عميرة من الطويل
إذا أنت أنكحت الكريمة كفؤها ... فأنكح حبيشاً راحة ابنة ساعد
وقل بالرفا ما نلت من وصل حرة ... لها راحة حفت بخمس ولائد
وقال آخر في حجام من الطويل
أبوك أب ما زال للناس موجعاً ... لأعناقهم نقر كما ينقر الصقر
إذا عوج الكتاب يوماً سطورهم ... فليس بمعوج له أبداً سطر
ومنها الإفراط في الصفة. فممن ملح في هذا المعنى إبراهيم ابن العباس الصولى في قوله من المديد
يا أخاً لم أرفى الناس خلاً ... مثله أسرع هجراً و وصلا
كنت لى فى صدر يومى صديقاً ... فعلى عهدك أمسيت أم لا
وقال أبو نواس من الكامل
ملك أغر إذا احتبى بنجاده ... غمر الجماجم والسماط قيام
ثم أسرف الخثعمي حتى خرج عن حد الإنسان فقال من الكامل
يدلي يديه إلى القليب فيستقى ... في سرجه بدل الرشاء المكرب
وقال آخر يهجو رجلاً من السريع
تبكى السموات إذا ما دعاه ... وتستعيذ الأرض من سجدته
إذا اشتهى يوماً لحوم القطا ... صرعها في الجو من نكهته
وقال آخر من الطويل
وأقسم لو خرت من أستك بيضة ... لما انكسرت من قرب بعض إلى بعض
وقيل في كثير وكان قصيراً من الطويل
قصير القميص فاحش عند بيته ... يعض القراد باسته وهو قائم
وقال آخر من البسيط
يا حابس الروث في أعفاج بغلته ... خوفاً على الحب من العصافير
وقال أبو نواس يصف قدراً صغيرة من الطويل
يغص بحيزوم الجرادة صدرها ... وينضج ما فيها بعود خلال
وتغلى بذكر النار من غير حرها ... وتنزلها عفواً بغير جعال
هي القدر قدر الشيخ بكر بن وائل ... ربيع اليتامى عام كل هزال
وقال اسحاق بن إبراهيم الموصلي قالت سعدة بنت عبد الله بن سالم لقيت سكينة بنت الحسين صلوات لله عليه بين مكة والمدينة فقالت قفى يا بنت عبد الله ثم سفرت عن وجه ابنتها وإذا هي قد أثقلتها بالدر وقالت ما ألبستها إياه إلا لتفضحه . وكانت امرأة من العجم حسناء فكانت لا تظهر في بيتها إذا طلع القمر والشمس فقيل لها في ذلك فقالت أخاف أن تكسفانى. وقال الفرزدق يصف إبلهم من الطويل
ألم تعلما يا بن المجشر انها ... إلى السيف تستبكي إذا لم تعقر
وقال هدبة العذري من الطويل
بإجانة لو أنه خر بازل ... من البخت فيها ظل للجنب يسبح
وصف أعرابي فرساً فقال إن الوابل ليصب عجزه فما يبلغ معرفته حتى أبلغ ما أريد. وقال المؤمل من الخفيف
من رأى مثل حبتى ... تشبه البدر إذ بدا
تدخل اليوم ثم تد ... خل أردافها غدا
وقال عباس الخياط من الرمل
لأبي عيسى رغيف ... فيه خمسون علامة
فعلى جانبه الوا ... حد لقيت الكرامة
ثم لا ذاقك لي ضيف ... إلى يوم القيامة
وعلى الآخر سطر ... تسئل الله السلامة
وقال أيضاً يهجو إماماً بطيء القراءة من المنسرح
إن قرأ العاديات في رجب ... لم يقر آياتها إلى رجب
بل هو لا يستطيع في سنة ... يختم تبت يدا أبي لهب

وقال أعرابي في وصف امرأة ما يمس ثوبها منها إلا مشاش منكبيها وحلمتي ثدييها ورانفتى أليتيها. ومنها حسن التشبيه. نبدأ بإمام الشعراء قال امرء القيس من المتقارب
ومسرودة السك موضونة ... تضآل في الطِىّ كالمبرد
تفيض على المرء أردانها ... كفيض الأتي على الجدجد
وقال من الطويل
كأن قلوب الطير رطباً ويابساً ... لدى وكرها العناب والحشف البالي
وقال يصف الناقة من الطويل
كأن حصى المعزاء بين فروجها ... إذا أخذفته رجلها خذف أعسرا
كأن صليل المرو حين تشذه ... صليل زيوف ينتقدن بعبقرا
وقال الراعي من الكامل
في مهمهٍ قلقت به هاماتها ... قلق الفؤوس إذا أردن نصولا
وقال ابن مقبل من الطويل
تقلقل من ضغم اللجام لهاته ... تقلقل عود المرخ في الجعبة الصفر
وقال النابغة الذبياني من الطويل
تراهن خلف القوم زوروا عيونها ... جلوس الشيوخ في مسوك الأرانب
وقال زهير من الطويل
بكرن بكوراً واستحرن بسحرةٍ ... فهن بوادي الرس كاليد في الفم
ومن التشبيهات العجيبة قول ابن مقبل من البسيط
وللفؤاد وجيب تحت أبهره ... لدم الغلام وراء الغيب بالحجر
وقال رؤبة من الرجز
حتى رأين هامتي كالطس ... جلحاء جلهاء كظهر العس
وقال زهير في الحمار والأتن من المتقارب
تبادرن جرياً يبادرنه ... كقرع القليب حصى القاذفينا
وتحسب بالفجر تعشيره ... تغرد أهوج في منتشينا
وقال الأعشى من الطويل
وعريت من ملك وخير جمعته ... كما عريت مما تمر المغازل
وقال أبو دؤاد في الفرس من الكامل
يمشي كمشىٍ نعامتي ... ن تتابعان أشق شاخص
ومن تشبيهات عنترة بن شداد العبسي من الكامل
جادت عليه كل بكرٍ حرةٍ ... فتركن كل قرارةٍ كالدرهمِ
وفي الذباب من الكامل
هزجاً يحك ذراعه بذراعه ... قدح المكب على الزناد الأجذم
وفي الغراب من الكامل
حرق الجناح كأن لحيى رأسه ... جلمان بالأخبار هش مولعُ
إن الذين نعبت لي بفراقهم ... هم أسهروا ليلى التمام وأوجعوا
وقال الفرزدق من الطويل
بني دارم ما تأمرون بشاعرٍ ... برود الثنايا ما يزال مزعفرا
إذا ما هو استلقى رأيت سلاحه ... كمقطع عنق الناب أسود احمرا
وقال الطرماح في الثور من الكامل
يبدو وتضمره البلاد كأنه ... سيف على شرف يسل ويغمد
وكتب مروان إلى بعض الخوارج إني وإياك كالزجاجة والحجر إن وقع عليها رضها وإن وقعت عليه فضها. وقال آخر يصف السيل من الرجز
يكب في دوحه للأذقان ... شحذ المواسي حجام الرهبان
ومن عجائب التشبيه قول عدي بن الرقاع من الكامل
تزجى أغن كأن إبرة روقه ... قلم أصاب من الدواة مدادها
وقال آخر يصف صوت شخب الضرع من الرجز
كأن صوت شخبها غديه ... حفيف ريح أو كشيش حية
وقال حسان من الكامل
بزجاجةٍ رقصت بما في قعرها ... رقص القلوص براكبٍ مستعجل
وقال جرير من الوافر
لها برص بأسفل إسكتيها ... كعنفقة الفرزدق حين شابا
وقال عبد الله بن الزبير الأسدي من الطويل
وأنتم بني حام بن نوح أرى لكم ... شفاهاً كآذان المشاجر ورما
المحدثون. ومن أحسن التشبيه قول بشار من الوافر
كأن فؤاده كرة تنزى ... حذار البين لو نفع الحذار
وقال عبد الله الصمد يصف ذنب العقرب من الرجز
أسود كالمسحاة فيه مبضعه ... ينطف منها صابه وسلعه
وقال منصور بن الفرج من الكامل
تأته يك منه ربعك مخصباً ... والأرض مجدبة كخد الأمرد
طلب المحامد جاهداً وهي التي ... لا يحتويها طالب لم يجهد
وقال العلوي الإصفهاني من الطويل
كأن انتصار البدر من تحت غيمه ... نجاء من البأساء بعد وقوع
ومما يستحسن من التشبيه قول أبي نواس من الرجز

لما تبدى الصبح من حجابه ... كطلعة الأشمط من جلبابه
وقال في الطير من الرجز
كأنما يصفر من ملاعق ... صرصرة الأقلام في المهارق
وقال يصف الطير إذا أحست بالبازى من السريع
وهن يرفعن صراخاً كما ... يصوت في الشعب الملبونا
ومن التشبيه الحسن قول البحتري من الكامل
تخفى الزجاجة نورها فكأنها ... في الكف قائمة بغير إناء
وقال أبو نواس في ناقة من المنسرح
كأنما رجليها قفا يدها ... رجل غلام يلهو بدبوق
وأنشد الأسدي من الطويل
إذا نحن رمنا هجرها ضم حبها ... صميم الحشا ضم الجناح الخوافيا
وقال آخر من الطويل
عشىّ وداعٍ قبحت من عشية ... ولكنها لا قبحت من مودع
كأن انحدار الدمع منها تعده ... لها ذات عقد قيل عدي فأسرعي
وقال آخر من الخفيف
لعن الله لا فلا ... خلقت خلقة الجلم
إنها تقرض الجميل ... وتأبى على الكرم
وقال أبو نواس من الكامل
وإذا قصرت لها الزمام سما لها ... فوق المقدم ملطم حر
وكأنها مصغٍ لتسمعه ... بعض الحديث بأذنه وقر
ومن عجائب التشبيه قوله أيضاً من السريع
تبكي فتذرى الدر من نرجسٍ ... وتلطم الورد بعنابِ
وقال آخر من الكامل
عظمت روادفها فآدت خصرها ... ووشاحها قلق كقلبٍ مغرم
وقال آخر في البرق من الرجز
وتارةً ينبض باستخفاء ... كلمحة من ذي هوىً مرائي
أسرها خوفاً من الأعداء
ومن إعنات الشاعر نفسه في القوافي وتكلفه من ذلك ما ليس له قول رافع بن هريم اليربوعي من الطويل
فإلا تحاموني تصبكم بعرةٍ ... مفارقتي أو تقبسوا من شراريا
إذا صار لوني كل لون وبدلت ... نضارة وجهي مخضباً باصفراريا
فسرى كإعلاني وتلك سجيتي ... وظلمة ليلي مثل ضوء نهاريا
بني عاصم من ترسلون ... ... مع الخيل يجري مثل ما كنت جاريا
له مثل طرفي سامياً عند غايتي ... وطول عناني وارتفاع عذاريا
ونحسي ورائي من عرام جماعة ... شياطين ......بشهبان ناريا
وقال آخر من الطويل
يقولون في البستان للعين لذةٌ ... وفي الخمر والماء الذي غير آسن
فإن شئت أن تلقى المحاسن كلها ... ففي وجه من تهوى جميع المحاسن
وقال آخر وأظنه قديماً من الطويل
عصاني قومي والرشاد الذي به ... أمرت ومن يعص المجرب يندم
فصبراً بني بكرٍ على الموت إنني ... أرى عارضاً ينهل بالموت والدم
وأنشد إسحق بن إبراهيم الموصلي من الوافر
إذا ما كنت يوماً مستضافاً ... فقل للعبد يسقِى القوم برّا
فحسن البر مكرمة ومجد ... ومدفأةٌ إذا ما خفت قُرّا
ومنها حسن الابتدآت. قال النابغة من الطويل
كليني لهمٍ يا أُميمةَ ناصب ... وليلٍ أقاسيه بطئ الكواكبِ
وقال الأعشى من الطويل
كفى بالذي تولينه لو تحببا
وقال بعض المحدثين من الطويل
كأن اللواتي قلن لي أتسير ... غُصون رمالٍ فوقهن بدور
وقال أبو تمام من الطويل
أجل أيها الربع الذي خف آهله ... لقد أدركت فيك النوى ما تحاوله
وقال أيضاً من الكامل
يا ربع لو ربعوا على ابن هموم
وقال أيضاً من البسيط
يا بعد غاية دمع العين إذ بعدوا ... هي الصبابة طول الدهر والكمدُ
وقال أيضاً من الكامل
بأبي وغير أبي وذاك قليلُ ... ثاوٍ عليه ثَرَى النِبّاح مَهيلُ
وقال أبو حية من الطويل
ألا حَىِّ من أجل الحبيب المغانيا ... لبسن البلى ممّا لبسن اللياليا
وهذا أيضاً يدخل في باب اعتراض كلام في كلام ثمّ يعود الشاعر فيتمم الكلام. وقال عبد الله بن محمد بن أبي عيينة المهلبي من البسيط
من أقعدته صروف الدهر لم ينمِ
أعاذنا الله تعالى من جميع الآفات ووفقنا وجميع أصدقائنا للخيرات بمنه ولطفه ...... على محمد وآله