كتاب : التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع
المؤلف : أبي الحسين محمد بن أحمد بن عبدالرحمن الملطي الشافعي

بسم الله الرحمن الرحيم

قال أخبرنا الحصري يونس بن الخضر أنا محمد بن إبراهيم الحصري البغراسي حدثني أبو علي الحسن بن هبة الله الرملي قال قرأت على أبي الحسين محمد بن أحمد الملطي رضي الله عنه
الحمد لله أول كل مقال ومبدأ كل سؤال وله المن والإفضال وصلى الله على محمد النبي المختار وعلى آله الطيبين الأخيار وسلم تسليما وبالله نستعين وهو حسبنا ونعم الوكيل
قال أبو الحسين محمد بن أحمد الملطى المعروف بالطرائفي رسمت لكم في كتابنا هذا الملقب بكتاب التنبيه ما فيه دليل يغنى وكفة تقنع متدبرها إن شاء الله وشرطي فيه الاختيار وليس تكراري للبيان بمخرجي فيه إلى تطويل فلا تنسبني فيه إلى ذلك وإنما تكراري للبيان وجمعي له في موضع وتلويحي به في آخر لألفاظ ترد مختلفة وأشياء لا وجة لتركي لها ملقاة على سبيل الحذر من التطويل وقد أثبت في هذا الجزء الثالث بعد حمد الله والثناء عليه والصلاة على نبيه واستعانتي به ومسألتي إياه التوفيق ما يسر المتعلم والعالم وينفع الجاهل سماعه ويزيد البصير بصيرة وأردفته برابع فيه الحجاج والدليل على الخلافة التي ينكرها الغالون وشرحت نصا من المحكم وأيضا من الخبر

فمن الدليل أيضا على خلاف الشراة ما قال على عليه السلام إن الله عز و جل عاتب من حول المدينة من الأعراب عام الحديبية فقال قل للمخلفين من الأعراب عنك في الحديبية ستدعون إلى قوم أولى بأس شديد إلى أهل الردة في خلافة أبي بكر عليه السلام وإلى فارس والروم في خلافة عمر عليه السلام أولى بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا الخليفتين في حروبهما يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعني يوم الحديبية يعذبكم عذابا أليما قال علي رضي الله عنه فأوجب الله عز و جل طاعة الخليفتين في حروبهما بعده
قال أبو الحسين المطلى البيعة التي كانت تحت الشجرة أعنى بيعة الرضوان كانت الشجرة مثمرة وكان ذلك عام الحديبية والسكينة في اللغة الطمأنينة ويقال الرحمة ويقال السكينة ريح لها رأس كرأس الهرة وقال الضحاك الرحمة وأثابهم فتحا قريبا وهي خيبر وكذلك قال مقسم وقتادة والأول قول ابن عباس
وعن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قالا خرج رسول الله عام الحديبية وبضع عشر ومائة من أصحابه حتى إذا كانوا بذي

الحليفة قلد رسول الله الهدى وأشعره وأحرم بالعمرة وبعث بين يديه عينا له من خزاعة يخبره عن قريش وسار رسول الله حتى إذا كان بغدير الأشطاط قريبا من عسفان أتاه الخزاعي فقال إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي قد جمعوا لك الأحابيش وجمعوا لك جموعا وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت فقال النبي أشيروا على أترون أن أميل على ذراري هؤلاء الذين أعانوهم فنصيبهم فإن قعدوا قعدوا موتورين وإن نجوا تكون عنقا قطعها الله أم ترون أن نؤم البيت فمن صدنا عنه قاتلناه قال أبو بكر رضي الله عنه الله ورسوله أعلم إعلم يا بني الله إنما جئنا معتمرين ولم نجىء لقتال أحد ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه قال النبي فروحوا فراحوا حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال النبي إن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة فخذوا ذات اليمين قال فوالله ما شعر بهم خالد حتى إذا هو بقترة الجيش فانطلق يركض يريد العرب وسار رسول الله حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت به راحلته فقال الناس حل حل فألحت فقالوا خلأت النصواء خلأت القصواء فقال النبي

ما خلأت وما ذاك لها بخلق لكن حبسها حابس الفيل ثم قال والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها ثم زجرها فوثبت به قال فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء يتبرضه الناس تبرضا فلم يلبثه الناس حتى نزحوه فشكى إلى رسول الله العطش فانتزع سهما من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيه فوالله ما زال يجيش لهم بالرى حتى صدروا عنه فبينما هم على ذلك إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة فقال إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا أعداد مياه الحديبية معهم العوذ المطافيل وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت فقال النبي إنا لم نجىء لقتال أحد ولكن جئنا معتمرين وإن قريشا قد نهكتهم الحرب وأضرت بهم فإن شاءوا ماددتهم مدة ويخلوا بيني وبين الناس فإن أظهر فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا وإلا فقد جموا وإن هم أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي ولينفذن

الله أمره فقال بديل سأبلغهم ما تقول وانطلق حتى أتى قريشا فقال إنا قد جئناكم من عند هذا الرجل وسمعته يقول قولا فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا فقال سفهاؤهم لا حاجة لنا في أن تحدثنا عنه بشيء وقال ذووا الرأي منهم هات ما سمعته يقول سمعته يقول كذا وكذا فحدثهم بما قال النبي فقال عروة بن مسعود الثقفي ألستم بالوالد قالوا بلى قال أو لست بالولد قالوا بلى قال فهل تتهموني قالوا لا قال ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ فلما بلحوا على جئتكم بأهلى وولدي ومن أطاعني قالوا بلى قال فإنه عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها ودعوني آته قالوا ائته فأتاه فجعل يكلم النبي فقال له النبي نحو قوله لبديل فقال عروة عند ذلك أي محمد أرأيت إن استأصلت قومك هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك وإن تكن الأخرى فوالله إني لأرى وجوها وأرى أشوابا من الناس خلقاء أن يفروا عنك ويدعوك فقال أبو بكر رضي الله عنه امصص بظر اللات والعزى أنحن نفر عنه وندعه فقال من ذا قالوا أبو بكر فقال أما والذي نفسي بيده لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك قال وجعل يكلم النبي فكلما كلمه مد يده إلى لحيته والمغيرة بن شعبة قائم على رأس رسول الله ومعه السيف وعليه المغفر فكلما أهوى عروة

بيده إلى لحية رسول الله ضرب يده بنعل السيف وقال أخر يدك عن لحية رسول الله فرفع عروة رأسه فقال من هذا قالوا المغيرة بن شعبة فقال أي غدر ألست أسعى في غدرتك وكان المغيرة رحمه الله صحب قوما في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ثم أسلم فقال النبي أما الإسلام فأقبل وأما المال فلست منه في شيء ثم إن عروة جعل يرمق صحابة النبي بعينه قال فوالله ما تنخم رسول الله نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فذلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم ابتدروا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون النظر إليه تعظيما له فرجع عروة إلى أصحابه فقال أي قومي والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على كسرى وقيصر والنجاشي والله إن رأيت ملكا يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم ابتدروا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوءه وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون النظر إليه تعظيما له وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها قال ثم قال رجل من بني كنانة دعوني آته فلما أشرف على النبي وأصحابه رحمة الله عليهم قال النبي إنه من قوم يعظمون البدن فابعثوها له فبعثت له واستقبله الناس يلبون فلما رأى

ذلك قال سبحان الله ما ينبغي لهم أن يصدوا عن البيت فلما رجع إلى أصحابه قال رأيت البدن قد قلدت وأشعرت فما أرى أن يصدوا عن البيت
فقال رجل منهم يقال له مكرز بن حفص دعوني آته قالوا ائته فلما أشرف عليهم قال النبي هذا مكرز بن حفص وهو رجل فاجر فجعل يكلم النبي فبينما هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو فقال هات اكتب بيننا وبينكم كتابا فدعا الكاتب فقال رسول الله اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل أما الرحمن فوالله ما أدرى ما هو ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب فقال النبي باسمك اللهم ثم قال هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله فقال سهيل والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ولكن اكتب محمد بن عبد الله فقال النبي والله إني لرسول الله وإن كذبتموني اكتب محمد بن عبد الله قال الزهري وذلك لقوله والله لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها فقال رسول الله على أن تخلوا بيننا وبين البيت نطوف به فقال سهيل والله لا تتحدث العرب أنا اخذنا ضغطة ولكن لك من العام المقبل فكتب فقال سهيل وعلى أن لا يأيتك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا فقال المسلمون سبحان الله كيف نرده إلى المشركين وقد جاء مسلما

فبينما هو كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده قد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين فقال سهيل يا محمد هذا أول ما أقاضيك عليه ترده إلى فقال النبي إنا لم نمض الكتاب بعد قال فوالله إذا لا أصالحك على شيء أبدا قال النبي فأجزه لي قال ما أنا بمجيزه لك قال بلى فافعل قال ما أنا بفاعل فقال مكرز بلى قد أجزناه لك فقال أبو جندل أي معشر المسلمين أرد إلى المشركين وقد جئت مسلما أما ترون ما قد لقيت في الله وكان قد عذب عذابا شديدا
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ألست نبيا حقا فقال بلى فقال ألسنا على الحق وعدونا على الباطل قال بلى قال فلم نعطى الدنية في ديننا إذا قال إني رسول الله وليست أعصيه وهو ناصري قال أو لست كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به قال بلى أفحدثنك أنك تأتيه العام قال لا قال فإنك آتيه ومطوف به قال الزهري قال عمر بن الخطاب فعملت لذلك أعمالا
قال فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله لأصحابه قوموا فانحروا ثم احلقوا فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات قال فلما لم يقم منهم أحد قام فدخل على أم سلمة رضي الله عنها فذكر لها ما لقى من الناس فقالت أم سلمة يا نبي الله أتحب ذلك اخرج ثم لا تكلم

أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنتك وتدعو حالقك فيحلقك فقام فخرج فلم يكلم أحدا منهم بكلمة حتى فعل ذلك نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد يقتل بعضهم بعضا
ثم جاء نسوة مؤمنات فأنزل الله عز و جل يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن حتى بلغ بعصم الكوافر فطلق عمر امرأتين كانتا له في الشرك فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان والأخرى صفوان بن أمية
ثم رجع رسول الله إلى المدنية فجاءه أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم فأرسلوا في طلبه رجلين فقالا العهد الذي جعلت لنا فدفعه النبي إلى الرجلين فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة فنزلوا يأكلون من تمر لهم تزودوه فقال أبو نصير لأحد الرجلين والله إني لأرى سيفك يا فلان هذا جيدا فاستله الآخر فقال أجل والله إنه لجيد لقد جربته ثم جربته فقال أبو نصير أرني أنظر إليه فأمكنه منه فضربه حتى برد وفر الآخر حتى أتى المدينة فدخل المسجد يعدو فقال رسول الله لقد رأى هذا ذعرا فلما انتهى إلى النبي قال قتل والله صاحبي وإني لمقتول فجاء أبو بصير فقال يا رسول الله قد والله أوفى الله ذمتك قد رددتني إليهم ثم أنجاني الله منهم فقال النبي

ويل أمه إنه مسعر حرب لو كان له أحد فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم فخرج حتى أتى سيف البحر قال وينفلت منهم أبو جندل بن سهيل فلحق بأبي بصير فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير حتى اجتمعت منهم عصابة قال فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشأم إلا اعترضوا لهم نقتلوهم وأخذوا أموالهم فأرسلت قريش إلى النبي تناشده الله والرحم لما أرسل إليهم فمنعهم فمن أتى منهم فهو آمن فأرسل النبي إليهم فأنزل الله عز و جل وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدى معكوفا أن يبلغ محله ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعملوهم أن تطؤهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فكانت حميتهم أنهم لم يقولوا إنه نبي ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم وحالوا بينه وبين البيت
قال ابو الحسين الملطى رحمه الله إنما سقت هذا الحديث وما أشبهه لتعرف كيف كان بدء هذا الدين وتعلم المشقة فيه وما لقى رسول الله من جهال قومه وكيف كانت قلوب المؤمنين من التعزيز والتوقير وكيف لم يلوهم عن الحق أحد ولم يؤثروا على الله شيئا وبلغ المكروه منهم ما قد تسمع بعضه

فأين أنت يا بطال من هؤلاء السابقين وأين عملك من أعمالهم وهل بقي عمل لعامل في عصرنا هذا بوقت أو لحظة من أوقاتهم وسبقهم وإنما نالوا الشرف بسبقهم إلى الإسلام وبذلهم النفوس والكل في الله حتى أيد الله بهم نبيه وأظهر بهم دينه وأعلن بهم الحق وأظهر بهم الصدق فكيف يجسر على الطعن عليهم من عرف الله ساعة في عمره أم كيف يجترىء على سبهم من يزعم أنه مسلم والله سبحانه وتعالى يقول للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نقسه فأولئك هم المفلحون والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك غفور رحيم
فأين أنت وأين لك وأهل عصرك من هؤلاء هيهات أن تدرك بعض شأنهم أو أن تبلغ مد أحدهم أو نصيفه فكيف وأنت ترجع في أمرك كله إلى عقلك الفاسد ورأيك الأعرج فتقول قد فعل فلان ولم كان ومم كان وأنت يا جاهل قد ضارع قولك قول إبليس حين قاس فقال خلقتني من نار وخلقته من طين فأنت تعارض كما عارض وليك الشيطان ثم من أدل الأدلة أنك لو تقطعت واجتهدت لم يصح لك أصل تعتمد عليه إلا أن تكذب وتنقل الكذب لتستريح إليه ولا راحة لكذاب والله عز و جل يقول قتل الخراصون أي لعن الكذابون وقال النبي من كذب على معتمدا فليتبوأ مقعده من النار

وأيضا فتأويلك القرآن على غير تأويله وقولك فيه برأيك الفقير ومخالفتك للسلف وخروجك من العلم ورجوعك إلى الجهل الذي هو أولى بك وقولك في حجتك روى سديف الصيرفي وفلان وفلان كذا وكذا وأهل العلم في الآفاق يردون ذلك ويكذبونك من لدن رسول الله إلى أن تقوم الساعة فأنت ضال مضل تركت السواد الأعظم وتركت الطريق الواضحة والله تعالى يقول وإن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم بع لعلكم تتقون
فهل عقلت هذا عن الله عز و جل أم أنت من الأخسرين الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض واعلم أن من كفر بآية من الكتاب فقد كفر بجميعه ومن كفر بحديث واحد فهو كافر بصاحب الشريعة ولن ينفعه عمل ولا له مصير إلا إلى النار
فالله الله في نفسك انتبه ودع ما يريبك لما لا يريبك ولا تتبع هواك فليس على وجه الأرض شخص يعدل عن السنة والجماعة والألفة إلا كان متبعا لهواه ناقصا عقله خارجا من العلم والتعارف فالزم الحق ترشد إن شاء الله
وأنا أذكر لك في هذا الجزء الثالث الفرق الأثنتين والسبعين فرقة ومن هي بأسمائها وما تنتحل من كفرها وعدوانها وأنها بانتحالها وفعالها في النار كما قال النبي عند ذكره الأمم فقال افترقت اليهود على إحدى وسبعين

فرقة فرقة ناجية وسبعون في النار وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة فرقة ناجية وإحدى وسبعون في النار نذكر ناجية اليهود من أصحاب موسى عليه السلام والحواريين من المسلمين من أصحاب عيسى عليه السلام وقال بعد ذلك وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة واحدة ناجية واثنتان وسبعون في النار فقيل من الناجية يا رسول الله قال ما أنا وأصحابي عليه اليوم وقال عليكم بالسواد الأعظم وأنت أيها المبتدع لا ترضى بذلك ولا تقبل أمره عليه السلام وقال أيضا لا تجتمع أمتي على ضلالة وسماهم الصادقين وأنت تكفر الصحابة كلهم إلا سلمان وعمارا والمقداد وابا ذر رحمهم الله فمن دلك على هذا وأي علم نطق به وأي سبيل إلى هذا غير الهوى والكفر المحض وإنا لله وإنا إليه راجعوان
وأنا أذكر في هذا الجزء الفرق على ما انبأتك إن شاء الله وأختم الكتاب بجزء رابع فيه الحجاج على الجميع وأختصر في الحجاج في هذا الجزء وقدمت في الجزء الأول والثاني من الذكر وسقت النسب ودللتك على منهج السلامة وجعلت كتابي هذا معقلا للمسلمين إن شاء الله تعالى فمن نظر فيه متفهما لمعانيه محتفظا لأصوله ومحتجا بفصوله وناظر فيه ازداد بصيرة إذ الاجتهاد منى في ذلك قد انتهى وإذ الأصول التي تكلم فيها الأفاضل من المسلمين قد سقتها ومنها ما قد أوضحته شرحا ومنها ما قد اكتفيت عن شرحه بما اعدت من ذكره فجاء في موضعه على كماله وفي موضع على التلويح به بدليل فيه قائم أردت بذلك أن يأخذ بحظ منه من كتبه عن آخره ومن كتب

بعضه أن يدرك بعض ما فاته من كماله فإلى هذا عزوت وإليه أشرت فلا يقولن أحد ينظر في كتابنا هذا إنه قد كرر فيه ما قد أتى به في موضع قد كفى ذلك عن تكراره فأعلمتك ما قصدت ودللتك على ما أردت لتزيل ببياني شيئا إن خامرك شيء من ذلك ولتعلم أنه لم يخف على ذلك وإني لعمرك أحب الإيجاز في الأمر كله ولكن رأيت من صعوبة الزمان تجرد قوم في بغض أهل السنة وبحثهم عليهم وقصدهم ما ساءهم من قول وفعل فجعلت ذلك على ما قدرت عليه بمعونة الله والله ممد لأهل السنة بالمعونة الدائمة والكفاية الشاملة والعز المتصل والجلالة في أعين عباده والكلاءة في الأنفس والأهل والأولاد والأموال وحسن العاقبة في المعاد ومبلغهم ما هو أهله من لطائفه وإحسانه فهم في عصرنا هذا هم الأطواد الشامخة والبدور الزاهرة والسادة الذين شملهم الله بعونه وستره فوجوههم بالعون زاهرة وألسنتهم بالصدق ناطقة إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون

باب ما شرح من بيان السنة

قال أبو الحسين رحمه الله والذي ثبت عن محمد بن عكاشة أن أصول السنة مما اجتمع عليه الفقهاء والعلماء منهم علي بن عاصم وسفيان بن عيينة

ومحمد بن يوسف الفريابي وشعيب ومحمد بن عمر الواقدي وشابة بن سوار والفضل بن دكين الكوفي وعبد العزيز بن ابان الكوفي وعبد الله بن داود ويعلى بن قبيصة وسعيد بن عثمان وازهر وابو عبد الرحمن المقرى وزهير ابن نعيم والنضر بن شميل وأحمد بن خالد الدمشقي والوليد بن مسلم القرشي والرواد بن الجراح العسقلاني ويحيى بن يحيى وإسحاق بن راهويه ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي وأبو معاوية الضرير كلهم يقولون رأينا أصحاب رسول الله كانوا يقولون
الرضا بقضاء الله والتسليم لأمر الله والصبر على حكم الله والأخذ بما أمر الله النهي عما نهى الله عنه والإخلاص بالعمل لله والإيمان بالقدر خيره وشره من الله وترك المراء والجدال والخصومات في الدين والمسح على الخفين والجهاد مع أهل القبلة والصلاة على من مات من أهل القبلة سنة والإيمان يزيد وينقص قول وعمل والقرآن كلام الله والصبر تحت لواء السلطان على ما كان منهم من عدل أو جور ولا يخرج على الأمراء بالسيف وإن جاروا ولا ينزل أحد من أهل التوحيد جنة ولا نارا ولا يكفر أحد من أهل التوحيد بذنب وإن عملوا الكبائر والكف عن اصحاب محمد وأفضل الناس بعد رسول الله أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم أجمعين

باب فيمن أراد أن يرى النبي في منامه

قال محمد بن عكاشة رحمه الله أخبرني معاوية بن حماد الكرماني عن

الزهري قال من اغتسل ليلة الجمعة وصلى ركعتين يقرأ فيهما قل هو الله أحد ألف مرة رأى النبي في منامه قال محمد بن عكاشة قدمت عليه كل ليلة جمعة أصلى الركعتين أقرأ فيهما قل هو الله أحد ألف مرة طمعا أن ارى النبي في منامي فأعرض عليه هذه الأصول فأتت على ليلة باردة فاغتسلت وصليت ركعتين ثم اخذت مضجعي فأصابني حلم فقمت ثانية فاغتسلت وصليت ركعتين وفرغت منهما قريبا من الفجر فاستندت إلى الحائط ووجهي إلى القبلة إذ دخل على النبي ووجهه كالقمر ليلة البدر وعنقه كإبريق فضة فيه قضبان الذهب على النعت والصفة وعليه بردتان من هذه البرود اليمانية قد اتزر بواحدة وارتدى بأخرى فجاء واستوفز على رجله اليمنى وأقام اليسرى فأردت أن أقول حياك الله فبادرني وقال حياك الله وكنت أحب أن أرى رباعيته المكسورة فتبسم فنظرت إلى رباعيته فقلت يا رسول الله إن الفقهاء والعلماء قد اختلفوا على وعندي أصول من السنة اعرضها عليك فقال نعم فقلت
الرضا بقضاء الله والتسليم لأمر الله والصبر على حكم الله والأخذ بما أمر الله والنهي عما نهى الله عنه والإخلاص بالعمل لله والإيمان بالقدر خيره وشره من الله وترك المراء والجدال والخصومات في الدين والمسح على الخفين والجهاد مع أهل القبلة والصلاة على من مات من أهل القبلة سنة والإيمان يزيد وينقص قول وعمل والقرآن كلام الله والصبر تحت لواء السلطان على ما كان فيه من

جور وعدل ولا يخرج على الامراء بالسيف وإن جاروا ولا ينزل أحد من أهل التوحيد جنة ولا نارا ولا يكفر أحد من أهل التوحيد بذنب وان عملوا الكبائر والكف عن أصحاب محمد فلما أتيت والكف عن أصحاب محمد بكى حتى علا صوته وأفضل الناس بعد رسول أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي قال محمد بن عكاشة فقلت في نفسي في علي ابن عمه وختنه فتبسم عليه السلام كأنه قد علم ما في نفسي قال محمد فدمت ثلاث ليال متواليات أعرض عليه هذه الأصول كل ذلك أقف عند عثمان وعلي فيقول لي عليه السلام ثم عثمان ثم علي ثم عثمان ثم علي ثلاث مرات قال وكنت أعرض عليه هذه الأصول وعيناه تهملان بالدموع قال فوجدت حلاوة في قلبي وفمي فمكثت ثمانية أيام لا آكل طعاما ولا أشرب شرابا حتى ضعفت عن صلاة الفريضة فلما أكلت ذهبت تلك الحلاوة واللذة والله شاهد على وكفى بالله شهيدا
وقال أمير المؤمنين المتوكل رحمه الله لأحمد بن حنبل رضى الله عنه يا أحمد إني أريد أن أجعلك بينى وبين الله حجة فأظهرني على السنة والجماعة وما كتبته عن أصحابك عما كتبوه عن التابعين مما كتبوه عن أصحاب رسول الله فحدثه بهذا الحديث

باب ذكر الرافضة وأصناف اعتقادهم

قال أبو الحسين الملطى رحمه الله إن أهل الضلال الرافضة ثمانى عشرة فرقة يتلقبون بالإمامية وأنا أذكرها إن شاء الله على رتبها
فأولهم الفرقة الغالية من السبئية وغيرهم وهم أصحاب عبد الله بن سبأ قالوا لعلي عليه السلام أنت أنت قال ومن أنا قالوا الخالق البارئ فاستتابهم فلم يرجعوا فأوقد لهم نارا ضخمة وأحرقهم وقال مرتجزا
لما رأيت الأمر أمرا منكرا ... أججت نارى ودعوت قنبرا
في أبيات له عليه السلام وقد بقي منهم إلى اليوم طوائف يقولون ذلك ويتلون من القرآن إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه وهم يقولون إن عليا ما مات ولا يجوز عليه الموت وهو حي لا يموت ويقال لما جاءهم نعى على إلى الكوفة رحمة الله عليه قالوا لو أتيتمونا بدماغه في سبعين قارورة لم نصدق بموته فبلغ ذلك الحسن بن علي رضي الله عنهما فقال فلم ورثنا ماله وتزوج نساؤه
والفرقة الثانية من السبئية يقولون إن عليا لم يمت وإنه في السحاب وإذا نشأت سحابة بيضاء صافية منيرة مبرقة مرعدة قاموا إليها يبتهلون ويتضرعون ويقولون قد مر علي بنا في السحاب
والفرقة الثالثة من السبئية هم الذين يقولون إن عليا قد مات ولكن

يبعث قبل القيامة ويبعث معه أهل القبور حتى يقاتل الدجال ويقيم العدل والقسط في العباد والبلاد وهؤلاء لا يقولون إن عليا هو الله ولكن يقولون بالرجعة
والفرقة الرابعة من السبئية يقولون بإمامة محمد بن علي ويقولون هو في جبال رضوى حتى لم يمت ويحرسه على باب الغار الذي هو فيه تنين وأسد وإنه صاحب الزمان يخرج ويقتل الدجال ويهدي الناس من الضلالة ويصلح الأرض بعد فسادها
وهؤلاء الفرق كلهم يقولون بالبداء إن الله تبدو له البداوات وكلاما لا استجيز شرحه في كتاب ولا أقدم النطق به وهؤلاء كلهم أحزاب الكفر وفرق الجهل فمتى لم يقروا بموت محمد وعلي عليهما السلام فالضرورة إلى المكابرة وأينما كانوا لا حجة لهم وأما قولهم إن عليا هو الإله القديم فقد ضاهوا بذلك قول النصارى وقد تقدم بالرد على النسطورية من النصارى أن ذا جسم وكيفية لا يكون إلها فكذلك قولهم في الرجعة أكذبهم فيه قول الله تبارك وتعالى ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون يخبر أن أهل القبور لا يبعثون إلى يوم النشور فمن خالف لحكم القرآن فقد كفر
وقولهم علي في السحاب فإنما ذلك قول النبي لعلي أقبل وهو معتم بعمامة النبي كانت تدعى السحاب فقال قد أقبل علي في السحاب يعني في تلك العمامة التي تسمى السحاب

فتأولوه هؤلاء على غير تأويله
الفرقة الخامسة هم القرامطة والديلم وهم يقولون إن الله نور علوى لا تشبهه الأنوار ولا يمازجه الظلام وإنه تولد من النور العلوى النور الشعشاني فكان منه الأنبياء والأئمة فهم بخلاف طبائع الناس وهم يعلمون الغيب ويقدرون على كل شيء ولا يعجزهم شيء ويقهرون ولا يقهرون ويعلمون ولا يعلمون ولهم علامات معجزات وأمارات ومقدمات قبل مجيئهم وظهورهم وبعد ظهورهم يعرفون بها وهم مباينون لسائر الناس في صورهم وأطباعهم وأخلاقهم وأعمالهم وزعموا أنه تولد من النور الشعشعاني نور ظلامي وهو النور الذي تراه في الشمس والقمر والكواكب والنار والجواهر الذي يخالطه الظلام وتجوز عليه الآفات والنقصان وتحل عليه الآلام والأوصاب ويجوز عليه السهو والغفلات والنسيان والسيئات والشهوات والمنكرات غير أن الخلق كله تولد من القديم البارىء وهو النور العلوى الذي لم يزل ولا يزال ولا يزول سبق الحوادث وأبدع الخلق من غير شيء كان قبله قدره نافذ وعلمه سابق وإنه حي لا بحياة وقادر لا بقدرة وسميع بصير لا يسمع ولا يبصر ومدبر لا بجوارح ولا آلة فيصفون الإله جل وعز كما يصفه الموحدون مع قولهم إنه نور لا يشبه الأنوار ثم يزعمون أن الصلاة والزكاة والصيام والحج وسائر الفرائض نافلة لا فرض وإنما هو شكر للمنعم وأن الرب لا يحتاج إلى عبادة خلقه وإنما ذلك شكرهم فمن شاء فعل ومن شاء لم يفعل والاختيار في ذلك إليهم وزعموا أنه لا جنة ولا نار ولا بعث ولا نشور أن من مات بلى جسده ولحق روحه بالنور الذي تولد منه حتى يرجع كما كان

وقوم منهم يقولون بتناسخ الروح ونذكره إذا أتينا عليهم وزعموا أن كل ما ذكر الله عز و جل في كتابه من جنة ونار وحساب وميزان وعذاب ونعيم فإنما هو في الحياة الدنيا فقط من الأبدان الصحيحة والألوان الحسنة والطعوم اللذيذة والروائح الطيبة والأشياء المبهجة التي تنعم فيها النفوس
والعذاب هو الأمراض والفقر والآلام والأوصاب وما تتأذى به النفوس وهذا عندهم الثواب والعقاب على الأعمال وهو يقولون بالناسوت في اللاهوت على قول النصارى سواء يزعمون أن الإنسان هو الروح فقط وأن البدن هو مثل الثوب الذي هو لابسه فقط ويزعمون أن كل ما يخرج من جوف واحد منهم من مخاط ونخاع ورجيع وبول ونطفة ومذى ودم وقيح وصديد وعرق فهو طاهر نظيف حتى ربما أخذ بعضهم من رجيع بعض فأكله لعلمه أنه طاهر نظيف
وزعموا أن من قال بهذا قول واعتقد هذا المذهب فهو مؤمن ونساؤهم مؤمنات محقنو الدماء محقنو الأموال ومن خالفهم في قولهم واعتقادهم فهو كافر مشرك حلال الدم والمال والسبى ويسمى بعضهم بعضا المؤمنين والمؤمنات وزعموا أن نساء بعضهم حلال لبعض وكذلك أولادهم وأبدانهم مباحة من بعضهم لبعض لا تحظير بينهم ولا منع فهذا عندهم محض الإيمان حتى لو طلب رجل منهم من امرأة نفسها أو من رجل أو من غلام فامتنع عليه فهو كافر عندهم خارج من شريعتهم وإذا أمكن من نفسه فهو مؤمن مواس

فاضل والمفعول به من الرجال والنساء أفضل عندهم من الفاعل حتى يقوم الواحد منهم من فوق المرأة التي لها زوج وليست بمحرم فيقول لها طوباك يا مؤمنة وهكذا يقولون للرجل والغلام إذا أمكن من نفسه وكذلك أموالهم وأملاكهم لا يحظرونها من بعض على بعض مباحة بينهم وهم في الحرب لا يدبرون حتى يقتلوا ويقولون حياة بعد القتل والموت إنا نخلص أرواحنا من قذر الأبدان وشهواتها ونلحق بالنور وهم يرون قتل من خالفهم لا يتحاشون من قتل الناس وليس عندهم في ذلك شيء يكرهونه
فأما شرب الخمور والمنكر والملاهي وسائر ما يفعله العصاة فهو عندهم شهوات إن شاء فعلها وإن شاء تركها ولا يرون فيها وعيدا ولا في تركها ثوابا وهؤلاء قوم سبيلهم سبيل المانية سواء والرد عليهم في النور كالرد على المانية وهم ظاهرو الجهل والعماء
والفرقة السادسة هم اصحاب التناسخ وهم فرقة من هؤلاء الحلولية يقولون إن الله عز و جل نور على الأبدان والأماكن زعموا أن أرواحهم متولدة من الله القديم وأن البدن لباس لا روح فيه ولا ألم عليه ولا لذة له وأن الإنسان إذا فعل الخير ومات صار روحه إلى حيوان ناعم مثل فرس وطير وثور مودع يتنعم فيه ثم يرجع إلى بدن الإنسان بعد مدة وإذا كان نفسا خبيثة شريرة ومات صار روحه في بدن حمار دبر أو كلب جرب يعذب فيه بمقدار أيام عصيانه ثم يرد إلى بدن الإنسان لم تزل الدنيا هكذا ولا تزال تكون هكذا
وهذا مذهب الخرمية سواء وسنذكر الحجة على الجميع في موضعها إن شاء الله
وأما الفرقة السابعة من الحلولية فهم الذين يقولون إن الله تبارك وتعالى بعث

جبريل إلى علي فغلط جبريل وصار إلى محمد عليه السلام فاستحيا الرب وترك النبوة في محمد وجعل عليا وزيره والخليفة بعده
والفرقة الثامنة من الحلولية زعموا أن عليا ومحمدا عليهما السلام شريكان في النبوة وأن الرسالة إليهما وأن طاعتهما ومعصيتهما واحد لا فرق بينهما وأن عليا نبي بعد محمد واحتجوا بقول النبي عليه السلام أنت منى بمنزلة هارون من موسى وهؤلاء جهال وقد خالفوا الأمة والكتاب والسنة والعقل والحجة عليهم آخر كتابنا هذا في باب الحجاج
والفرقة التاسعة هم المختارية الذين يقولون بنبوة المختار بن أبي عبيد وينحون نحو التناسخية من الحلولية
والفرقة العاشرة هم السمعانية الذين يقولون بنبوة ابن سمعان وينحون نحو التناسخ أيضا وقد ذكرت مذاهبهم أولا وآخرا لتعرفوا ذلك وتحذروا إن شاء الله
الفرقة الحادية عشرة هم الجارودية وهم بين الغالية والتناسخية لا يفصحون بالغلو ويقولون إن الله عز و جل نور وأرواح الأئمة والأنبياء منه متولدة وينحون نحو التناسخ ولا يقولون بانتقال الروح من جسد إنسان إلى جسد غير إنسان بل يقولون بانتقال الروح من جسد إنسان ردىء إلى جسد إنسان مؤلم ممرض فتعذب فيه مدة بما عمل من الشر والفساد ثم تنقل إلى جسد إنسان متنعم فتتنعم فيه طول ما بقيت في الجسد الأول
وزعموا أن هذا يسمى الكور فيكون معذبا أو مقيدا في جسد هرم أو ممرض أو مسقم أو يكون منعما في جسد شاب حسن متلذذ واحتجوا في ذلك بقول الله أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد

وهؤلاء قد غلطوا في تأويل هذه الآية وإنما تأويلها أن قريشا ومشركي العرب كانوا يشكون في النشأة الآخرة ويوقنون بالنشأة الأولى ولا يجيزون قدرة الله عز و جل على إحياء الموتى فقال الله عز و جل يحتج عليهم بالنشأة الأولى قوله أفعيينا أي عجزنا بالخلق الأول يعني أن ابتدعته من غير شيء وهم لا يشكون فيه بل هم في لبس أي شك من خلق جديد أي ابتداع الشيء أقرب في الوهم من إعادته وهؤلاء تأولوه على الأكوار
واعلم أن هؤلاء الفرق من الإمامية الذين ذكرناهم ونذكرهم أيضا كفار غالية قد خرجوا من التوحيد والإسلام وسأذكر الحجة عليهم في الحجاج على أصناف الملحدين
الفرقة الثانية عشرة من الإمامية هم أصحاب هشام بن الحكم يعرفون بالهشامية وهم الرافضة الذين روى فيهم الخبر عن رسول الله أنهم يرفضون الدين وهم مشتهرون بحب علي رضي الله عنه فيما يزعمون وكذب أعداء الله وأعداء رسوله وأصحابه وإنما يحب عليا من يحب غيره وهم أيضا ملحدون لأن هشاما كان ملحدا دهريا ثم انتقل إلى الثنوية والمانية ثم غلبه الإسلام فدخل في الإسلام كارها فكان قوله في الإسلام بالتشبيه والرفض وسأذكر الرد على المشبهة إن شاء الله
وأما قوله بالامامة فلم نعلم أن أحدا نسب إلى على رضى الله عنه وولده عيبا مثل هشام لعنه الله و الله نحمده قد نزع عن على وولده عليهم السلام العيوب والأرجاس وطهرهم تطهيرا
وما قصد هشام بقوله في الإمامة قصد التشيع ولا محبة أهل البيت ولكن طلب بذلك هد أركان الإسلام والتوحيد والنبوة فأراد هدمه وانتحل في

التوحيد التشبيه فهدم ركن التوحيد وساوى بين الخالق والمخلوق ثم انتحل محبة أهل البيت ونشر عنهم وطعن على الكتاب والسنة وكفر الأمة التي هي حجة الله على خلقه بعد وفاة رسول الله فكفرهم ونسب إليهم الردة والنفاق فعمل على هدم الإسلام العمل الذي لم يقدم عليه أحد من أعداء الإسلام فالله يحكم فيه يوم القيامة بسوء كيده
فزعم هشام لعنه الله أن النبي عليه الصلاة و السلام نص على إمامة على إمامة على في حياته بقوله من كنت مولاه فعلى مولاه وبقوله لعلى أنت منى بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي وبقوله أنا مدينة العلم وعلى بابها وبقوله لعلى تقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله وأنه وصى رسول الله وخليفته في ذريته وهو خليفة الله في أمته وأنه أفضل الأمة وأعلمهم وأنه لا يجوز عليه السهو ولا الغفلة ولا الجهل ولا العجز وأنه معصوم وأن الله عز و جل نصبه للخلق إماما لكى لا يهملهم وأن المنصوص على إمامته كالمنصوص على القبلة وسائر الفرائض وأن الأمة بأسرها من الطبقة الأولى بايعوا أبا بكر الصديق رضى الله عنه فكفروا وارتدوا وزاغوا عن الدين وأن القرآن نسخ وصعد به إلى السماء لردتهم وأن السنة لا تثبت بنقلهم إذ هم كفار وأن القرآن الذي في أيدي الناس قد انتقل ووضع أيام عثمان وأحرق المصاحف التي كانت قبل وأن الأمة قد داهنت وغيرت وبدلت ونافقت لأحقاد كانت لعلى فيهم من قتله آباءهم وعشيرتهم مع النبي في غزواته وأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه وعمر وعثمان وطلحة والزبير وعائشة رضي الله عنهم أجمعين عندهم من شر الأمة وأكفرها يلعنوهم ويتبرؤن منهم وأنه ما بقي مع على على الإسلام إلا أربعة سلمان وعمار وأبو ذر والمقداد بن الأسود وأن أبا بكر مر بفاطمة عليها السلام فرفس في بطنها فأسقطت

وكان سبب علتها وموتها وأنه غصبها فدك فذكر أشياء كثيرة مما كاذ بها الإسلام من المخاريق والأباطيل والزور التي لا تجوز عند العلماء ولا تخفى إلا على أهل العمى والغباء
وأنه ليس لله حجة على خلقه في الدين والشريعة في كتاب ولاسنة ولا إجماع إلا من قبل الإمام الذي اختصه الله لدينه على كتمان وتقية وإخفاء لا يتكلم لله بحق ولا يقوم لله بحجة مخافة على نفسه أن تقتل وخشية على الإسلام أن يهتك
فأباح بهذا القول المحارم وأطلق كل محذور إذ لا حجة لأحد بزعمه في حلال ولا حرام مع أشياء كثيرة يطول ذكرها من نحو هذا الكلام الذي فيه هدم الدين
يقال لهم أخبرونا عن قول الله تعالى وتبارك اليوم أكملت لكم دينكم هل أكمل الله دينه في حياة رسول الله أو بعده أو اليوم الذي أنزل هذه الآية فيه
فإن قالوا لا ما أكمل الله دينه قط ظهر جهلهم وكفرهم وإن قالوا بل أكمل الله لهم الدين وأتم عليهم النعمة في حياة النبي عليه الصلاة و السلام فلما مات النبي عليه الصلاة و السلام غيروا وبدلوا وخذلهم الله ونسخ القرآن منهم وسلبهم الدين
يقال لهم هذا دعوى منكم بلا حجة ما غير ولا بدل من الدين والكتاب والسنة شيء بل هو على ما كان عليه رسول الله في حياته

المنصوصات كالقبلة والصوم والصلاة وغير ذلك من منصوصات الدين فمن أين قلت إنه غير وبدل بعد تمامه وكماله فإن حاول حجة على دعواه لم يجد
ويقال لهم قال الله عز و جل والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين أتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم
فمن أين قلتم أنتم إنهم غيروا وبدلوا وكفروا والله يمدحهم بهذا المديح ويصفهم بوصف الإيمان وقال عز و جل يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم فكان أبو بكر الصديق والذين معه قاتلوا أهل الردة حتى رجعوا إلى الدين بعد وفاة النبي وقال الله عز و جل وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني ولا يشركون بي شيئا
فمكن بحمده بعد وفاة رسول الله خلفاءه وأمته في أرضه يعبدونه لا يشركون به شيئا
وقال عز و جل هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون

فكيف قلتم إن الأمة كفرت بعد رسولها وارتدت وغيرت وبدلت والله أظهر بهم حجته على الأديان كلها فما من دين إلى يوم القيامة إلا والإسلام ظاهر عليه وقد ظهر عليه وأكد حجته عليه كما قال عز و جل
فيقال لهم هذا محكم القرآن لا متشابه فيه فكيف تقولون أنتم فيه فإن قالوا هو صدق وهو قرآن تركوا قولهم الخبيث ورجعوا إلى الحق وإن قالوا ليس هذا بقرآن بل هو شيء وضعوه وافتعلوه فإنهم قوم يطعنون على القرآن وحينئذ لا يكلمون إلا في القرآن ولا يكلمون في الإمامة لأن الإمامة فرع والقرآن أصل فمن طعن في الأصل لا يكلم في الفرع
يقال لهم أخبرونا عن القرآن الذي هو اليوم بين الدفتين وفي صدور الأمة ويتلونه في صلواتهم وأيامهم وأوقاتهم يحفظون حروفه وحدوده ومتشابهه ومحكمه وتأويله وتنزيله ولا يسقط عليهم منه شيء وهو مائة وأربع عشرة سورة معلومة محفوظة أهو القرآن الذي أنزله الله على رسوله أم لا فإن قالوا لا بل ذلك القرآن صعد به إلى السماء ونسخ من قلوبهم حين ارتدوا يقال لهم فإذا كان القرآن مع نقل الأمة طبقة عن طبقة وجماعة عن جماعة لا يصح نقله فمن أين لكم هذه الأخبار التي تدعونها حجة لكم في إثبات الإمامة ومن أين علمتم أن النبي عليه الصلاة و السلام نص على إمامة علي وكيف خالفت الأمة أعلمكم من جهة سمع أم من جهة عقل فإن قالوا من جهة عقل غلطوا وأخطأوا فإن هذا لا يعرف من جهة العقل لأنه خبر عما كان في القديم وإن قالوا من جهة سمع ونقل عرفناه قيل لهم فكيف يكون قولكم صحيحا وقول غيركم خطأ أسرفتم فيما تجيزون لأنفسكم ولا تجيزون مثله لغيركم هذا ظلم في الجدال لا يجوز لكم
وإن قالوا نقلكم صحيح بطل قولهم في القرآن بالطعن عليه بأنه نسخ وغير وبدل والقرآن معجز قد تحدى به العرب ثلاثا وعشرين سنة أن

يأتوا بسورة منه فلم يقدروا وعجزوا وبان عجزهم إلى اليوم وأبدا ظاهر عجز الخلق عن القرآن
وكيف يكون القرآن مفتعلا وهو القرآن الذي عجز عنه الخلق وأيضا فإن المصاحف لم يكتب فيها إلا ما كان نص القرآن لأن القرآن كان محفوظا معلوما وإنما المصاحف لمن لا يحفظ وكان أصحاب النبي الجماعات الكثيرة يحفظون القرآن وكذلك من جاء بعدهم من التابعين وأتباع التابعين حفظوا القرآن وأدوه إلى من بعدهم ولم يزل القرآن محفوظا معلوما إلى يومنا هذا لم ينسخ منه شيء ولا زال منه شيء وفيه حجة الله على خلقه
ويقال لهم قال الله عز و جل إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون هل صدق الله في قوله أم لا فإن قالوا لا كذبوا الله وكفروا بتكذيبهم ربهم
وإن قالوا صدق الله هو أنزله وهو حفظه علينا تركوا قولهم وإن قالوا حفظه النبي فأما بعد النبي فقد نسخه وعرج به فقد ادعوا شيئا بلا حجة وسبيلهم من تعدى بلا حجة ولا بيان
ويقال لهم أخبرونا عن القرآن أهو كلام الله عز و جل أم كلام البشر فإن قالوا كلام الله ما فيه كلام البشر قالوا بالحق وتركوا الطعن على القرآن
ويقال لهم أيضا الإجماع أن هذا القرآن الذي أنزل على محمد رسول الله لم يغير ولم يبدل ولم ينسخ منه شيء فمن أين خالفتم الإجماع وقلتم إن القرآن غير وبدل ونسخ ومن خالف الإجماع ضل لأن النبي

عليه السلام قال أمتي لا تجتمع على ضلالة وإجماع الأمة أصل من أصول الدين وطعنكم على جماعة الأمة وقولكم إنهم ضلوا وارتدوا بلا حجة ولا بينة لا يقبل منكم ولا يجوز قبوله في عقل ولا سمع وأيضا فإن القرآن فيه الحلال والحرام والدين والشريعة وهو حجة الله في الأرض إلى أن تقوم الساعة والإسلام ظاهر على كل الأديان إلى يوم القيامة لقوله عز و جل ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون
فمن أين قلتم أنتم خلاف ما قال الله عز و جل وأيضا فإن معالم الدين ومنصوصات الفرائض في القرآن والسنة ومنهما يعلم ذلك فإذا أبطلتم القرآن والسنة يجب أيضا أن تبطلوا منصوصات السنة بنقل القبلة في القرآن الذي يخرج به إلى غير الكعبة والصوم في شهر رمضان والزكاة من ربع العشر في الذهب والفضة فلا تدرون أنتم فإن قالوا ذلك يجوز شكوا في فرائض الله وخرجوا من دين الإسلام وإن قالوا بل ذلك هو القرآن لا تكذيب له أقروا بصحة القرآن وتركوا قولهم ونقضوا أصلهم والكلام عليهم كثير غير أن كلامهم يذهب على جاهل وعم فأما العلماء وأهل التمييز من الفقهاء فليس يذهب عليهم خطؤهم وضلالتهم
وزعموا أن الناس لو لم ينص لهم على بن أبي طالب رضي الله عنه تاهوا وضلوا وكان الله قد أهملهم
يقال لهم فتقولون إن عليا رضي الله عنه دعا الناس إلى الهدى وبين لهم ردتهم وأنهم تركوا بيعته فضلوا وأضلوا وكفروا وإن الدين قد ذهب من أيديهم بكفرهم وردتهم وإن طريق الهدى إليه فقط وإن بيعة أبي بكر ضلالة

وكذلك بيعة عمر وعثمان رضي الله عنهم وإن ترك بيعته ظلم وكفر ولم يبين ذلك ولم يحتج به عليهم فإن قالوا قد بين وأظهر ذلك قالوا الجهل الذي لا يعلم والكذب الذي لا يصدق والبهتان الذي لا يحقق ومتى قال علي ذلك وأتى به وأظهره
والظاهر من فعله رضي الله عنه بيعة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم والصلاة خلفهم وأخذ العطاء منهم والرد للخلاف عليهم والقول بفضلهم والمشورة عليهم في أمرهم ومشاركتهم فيما هم فيه وتصويب رأيهم
فإن قالوا فعل ذلك على تقية منه وخوف من القتل وهكذا يقولون وربما قالوا فعل ذلك خوفا على الأمة أن تقع في اختلاف
يقال لهم قد نقضتم أصلكم إن الله أقام عليا ليظهر به الدين وكيف يكون ذلك كذلك وعلى كاتم دينه ومتق على نفسه وعلى الأمة لم يظهر الله حجته في أيام أبي بكر وعمر وعثمان ولا في أيام خلافته فكيف يكون هذا حجة ولم يظهر به حجة اصلا
فإن قالوا أظهر ذلك في خفية عند خاصته وفي معاني كلامه من حيث لا يفهم كل الناس
يقال لهم ادعيتم مجهولا وقلتم منكرا من القول وزورا ما كان علي رضي الله عنه عاجزا ولا جبانا ولا واهنا ولا كتوما ولا خائنا ولا جاهلا وإنما ألزمتموه أنتم هذه الأشياء لبغضكم له إنما تظهرون محبته وتكتمون بغضه ولا يجوز ذلك على عالم وأي شيء لكم في علي وأنتم على خلافه وخلاف الإسلام
ويقال لهم في قولهم إن عليا ظلم وبويع أبو بكر في الإمامة فهذا قول

مجهول لا يعرف وكذلك قولهم إن عليا أقامه الله نصا أماما للمسلمين يقول النبي من كنت مولاه وأنا اذكر الحجاج في الجزء الأخير في هذا كله موجودا واضحا فالتمسه هنالك إن شاء الله واعلموا رحمكم الله أن في الرافضة اللواط والأبنة والحمق والزنا وشرب الخمر وقذف المؤمنين والمؤمنات والزور والبهت وكل قاذورة ليس لهم شريعة ولا دين
والفرقة الثالثة عشرة من الإمامية هم الإسماعيلية يتبرؤون ويتولون ويقولون بكفر من خالف عليا ويقولون بإمامة الإثنى عشر ويصلون الخمس ويظهرون التنسك والتأله والتجهد والورع ولهم سجادات وصفرة في الوجوه وعمش في أعينهم من طول البكاء والتأوه على المفتول بكربلاء الحسين بن علي ورهطه رضي الله عنهم ويدفعون زكاتهم وصدقاتهم إلى أئمتهم ويتحنئون بالحناء ويلبسون خواتيمهم في أيمانهم ويشمرون قمصهم وأرديتهم كما تصنع اليهود ويتحذون بالنعال الصفر وينوحون على الحسين عليه السلام واعتقادهم العدل والتوحيد والوعيد وإحباط الحسنات مع السيئات ويكبرون على جنائزهم خمسا ويأمرون بزيارة قبور السادة
والفرقة الرابعة عشرة من الأمامية هم أهل قم قولهم قريب من قول الأسماعيلية غير أنهم يقولون بالجبر والتشبيه يجمعون بين الظهر والعصر في أول الزوال وبين المغرب والعشاء في جوف الليل آخر وقت المغرب عندهم ويصلون

صلاة الفجر بين طلوع الفجر الأول الذي يسمى ذنب السرحان ويمسحون في الوضوء بالماء على ظهور أقدامهم وأسفلها ولهم طعن على السلف وشتم عظيم حتى يبلغ الواحد منهم أن يأخذ شيئا أو مثالا يحشوه تبنا أو صوفا يسميه أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ويضربه بالعصى حتى يهريه ليشفي بذلك ما في قلبه في الغل للذين آمنوا مع أشياء يقبح ذكرها من مذاهبهم مذاهب السفلة العمى أخوة القردة بل أخوة القردة أفضل منهم
والفرقة الخامسة عشرة هم الجعفرية يشبه قولهم قول الإسماعيلية
والفرقة السادسة عشرة القطعية العظمى الذين يقطعون على محمد وعلي عليهما السلام ويقولون قول الجعفرية ويتبرءون ويتولون
والفرقة السابعة عشرة القطعية القصرى الذين يقطعون على الرضا ويقولون لا إمام بعده رضي الله عنه ويقتدون بمن قبلهم من إخوانهم القطعية العظمى في جميع مذاهبهم
والفرقة الثامنة عشرة هم الزيدية أصحاب زيد بن علي رضي الله عنهما وهم أربع فرق
فالأولى من الزيدية أعظمهم قولا وهم الذين يكفرون الصدر الأول وسائر من ينشؤا أبدا إذا خالفهم ويرون السيف والسبى واستهلاك الأموال وقتل الأطفال واستحلال الفروج وليس في الإمامية أكثر ضررا منهم في الناس إنما هو بقدر ما يخرج الواحد منهم يضع السيف والحريق والنهب

والسبى ولا يقصدون ولا يرعون وكان منهم علي بن محمد صاحب البصرة سبي العلويات والهاشميات والعربيات وباعهن مكشفات الرؤوس بدرهم ودرهمين وأفرشهن الزنوج والعلوج واستباح دماء المسلمين وأموالهم واهراق الدماء وقتل الأطفال وأحرق المصاحف والمساجد تأول أنهم مشركون وكان يقول لا يلدوا إلا فاجرا كفارا وكان يستحل كل ما حرم الله
والفرقة الثانية من الزيدية يكفرون السلف ويتبرؤن ويتولون ولا يرون السيف ولا السبي ولا استحلال الفروج ولا الأموال
والفرقة الثالثة من الزيدية يقولون إن الأمة ولت أبا بكر رضي الله عنه اجتهادا لا عنادا وقصدوا فأخطأوا في الاجتهاد وولوا مفضولا على فاضل فلا شيء عليهم وإنما أخطأوا في ذلك ولم يتعمدوا فقالوا بالنص ولم يتبرؤا ولم يكفروا أحدا وتولوا وهم اصحاب سمت يظهرون زهدا وعبادة وخيرا ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقولون بالعدل والتوحيد والوعيد
والفرقة الرابعة من الزيدية هم معتزلة بغداد يقولون بقول الجعفرية جعفر ابن مبشر الثقفي وجعفر بن حرب الهمداني ومحمد بن عبد الله الإسكافي وهؤلاء أئمة معتزلة بغداد وهم زيدية يقولون بإمامة المفضول على الفاضل ويقولون إن عليا عليه السلام أفضل الناس بعد رسول الله لا يسبقه بالفضل أحد من الأمة وزعموا أن إمامة المفضول على الفاضل جائز لما ولى النبي عمرو بن العاص على فضلاء المهاجرين والأنصار في غزوة ذات السلاسل

وقالوا لو أن رجلا عالما قارئا وآخر دونه في العلم والقراءة قدم فصلى المفضول بهم وصلى الفاضل خلفه جاز ذلك بعد أن يكون هذا الدون يعلم معالم الصلاة والقراءة قالوا فكذلك يبايع المفضول على الفاضل إذا علم أنه يقوم بالإمامة ويؤدي حقها ويعلم علمها قالوا فكذلك فعل أصحاب رسول الله رأوا أبا بكر وإن كان علي أفضل منه يصلح لهم فولوه ورضي بهم علي وتابعهم وأخذ العطاء منهم وضرب بين أيديهم بالسوط وصلى خلفهم وتزوج من سبيهم أم محمد بن الحنفية فأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وعائشة وسعد وسعيد وعبد الرحمن ابن عوف وأبو عبيدة وأزواج النبي كلهم في الجنة لا شك فيهم وإن عليا أفضلهم ويتولونهم وجميع الصحابة إلا أن هؤلاء الذين شهدوا لهم بالجنة لقول النبي عشرة في الجنة وقوله عليه السلام أزواجي في الدنيا أزواجي في الآخرة ويتبرؤون من أبي موسى الأشعري والمغيرة بن شعبة والوليد بن عقبة وطوائف زعموا أنهم مالئوا على عداوة علي مع معاوية رضي الله عنهم وركنوا إلى الدنيا وآثروها على الآخرة ويتبرؤن ممن يتبرأ من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وهؤلاء العشرة الذين بشروا بالجنة ويقولون من تبرأ منهم فهو فاسق عاص ويقولون على أفضل الأمة بعد رسول الله ويعتدون بشهادته ويأخذون بقوله في العدل والتوحيد والوعيد والمنزلة بين المنزلتين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقول بإحباط الأعمال والقول بالفرض ويقتدون به في قتال أهل الصلاة ويقولون هو إمامنا ومعلمنا وحجة الله علينا بعد رسوله الله وهؤلاء هم الشيعة الخلص عندهم
والطائفة السادسة من مخالفي أهل القبلة هم المعتزلة وهم أرباب الكلام

وأصحاب الجدل والتمييز والنظر والاستنباط والحجج على من خالفهم وأنواع الكلام والمفرقون بين علم السمع وعلم العقل والمنصفون في مناظرة الخصوم وهم عشرون فرقة يجتمعون على أصل واحد لا يفارقونه وعليه يتولون وبه يتعادون وإنما اختلفوا في الفروع وهم سموا أنفسهم معتزلة وذلك عندما بايع الحسن بن علي عليه السلام معاوية وسلم إليه الأمر اعتزلوا الحسن ومعاوية وجميع الناس وذلك أنهم كانوا من أصحاب علي ولزموا منازلهم ومساجدهم وقالوا نشتغل بالعلم والعبادة فسموا بذلك معتزلة والأصول التي هم عليها خمسة وهي العدل والتوحيد والوعيد والمنزلة بين المنزلتين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا أنهم يعدلون إلى ما هم به يجزون ويطالبون لأن أهل الصلاة من أهل السنة والجماعة يقولون إن الله واحد قديم صمد فرد ليس كمثله شيء لا شبيه له ولا نظير ولا ند ولا عديل وإنه عدل لا يجوز وصادق لا يكذب ولا يخلف الميعاد

باب المنزلة بين المنزلتين

وأنه من آمن بالله ورسله وكتبه ودينه وأحل الحلال وحرم الحرام ثم أصاب في إيمانه كبيرة فإنه فاسق لا يخرجه ذنبه من الإيمان إلى الكفر ولا يدخله في الإيمان على التفرد وإنما هو فاسق لا كافر ولا مؤمن ولا مسلم وإن كان أقر بالله واسلم له فإن اسم الإيمان والإسلام لا يعود له كما يعود للذين آمنوا وعملوا الصالحات وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على جميع الناس وهكذا جميع الأمم فرض

قال أبو الحسين يقولون إن الله عدل لا يجوز ثم ينقضون ذلك بما لا أحب ذكره وكذلك أيضا قول المرجئة من أمتنا وغيرها يقولون الله صادق في أخباره ثم ينقضون ذلك فتقول المعتزلة بالمنزلة بين المنزلتين وتقول المرجئة الفاسق مع فسقه مؤمن مسلم إيمانه كإيمان جبريل وميكال والرسل وقالت الخوارج والرافضة هو مع فسقه كافر مشرك وقال آخرون هو مع فسقه منافق
قال ابو الحسين الملطى رحمه الله الأمة مجمعة على أنه من رأى منكرا وجب عليه أن ينكره كما مضت به السنة وقد اختلف أيضا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال قوم لا ينكر على أهل الصلاة إلا بالنعال والأيدي وقال آخرون بالنعال والأيدي والكلام وقال آخرون بالقبض والسلاح وقال آخرون لا ينكر أحدا منكرا حتى يجتمع له عشرة آلاف رجل يقيمون إماما يقاتل معهم وإلا لم يلزمه فرض الإنكار فنقضوا بقولهم هذا عروة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فاحذر ذلك كله
واعلم أن المعتزلة التي تحب أن تعرف ما هي عليه كما سألتني أن أشرح لك ذلك لتعلمه فاعلم أنها بنيت على الأصول الخمسة التي ذكرتها ذلك فالمعتزلة كلها متمسكون بالقول بذلك ويجادلون عليه وقد وضعوا في ذلك الكتب الكثيرة على من خالفهم ويتبرؤن ممن خالفهم فيها ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم وقالوا إن فاعل الكبائر بعد إيمانه المقيم على إيمانه فاسق لا مؤمن ولا كافر ولا مؤمن ولا مسلم ولا منافق كما سماه الله فقط وسموه المنزلة بين المنزلتين أي منزلة بين الكفر والإيمان وقالوا في إنكار المنكر الذي يجب على الرجل إذا رأى المنكر الذي يجب فرض رده عليه أن ينكره بما قدر عليه فإن لم يقدر على إنكاره بأشد الأمور وإلا

أنكره فبقلبه ولا شئ عليه إذا لم يقدر على تغييره
وهذه الأصول الخمسة ملجأهم وأصل مذهبهم مع اختلافهم في الفروع وهم يتوالون عليها ويعادون عليها ويردون الفروع بها وهم معتزلة بغداد ومعتزلة البصرة
وبالبصرة أول ظهور الاعتزال لأن أبا حذيفة واصل بن عطاء جاء به من المدينة ويقال معتزلة بغداد أخذوا الاعتزال من معتزلة البصرة أو لهم بشر بن المعتمر خرج إلى البصرة فلقى بشر بن سعيد وأبا عثمان الزعفراني فأخذ عنهما الاعتزال وهما صاحبا واصل بن عطاء فحمل الاعتزال والأصول الخمسة إلى بغداد ودعا إليه الناس ففشى قوله فأخذه الرشيد وحبسه في السجن فجعل يقول في السجن رجزا مزاوجا في العدل والتوحيد والوعيد حتى قال أربعين ألف بيت لم يسمع الناس بشعر مثل ذلك فألهج الناس بنشدها في كل مجلس ومحفل فقيل الرشيد ما يقوله في السجن من الشعر أضر على الناس من الكلام الذي بينه ثم أخذ الكلام من بشر ببغداد أبو موسى بن صبيح الملقب بمردار فكان المجلس له والكلام وخرج بعده الجعفران جعفر بن حرب وجعفر ابن مبشر وخرج بعد الجعفرين محمد بن عبد الله الإسكافي فوضعوا من الكتب وصنفوا في الفقه والكلام والجدال أكثر من ان يحد وردوا على جميع المخالفين من أهل الصلاة وغيرها
وأما معتزلة البصرة فكان أبو الهذيل العلاف أخذ الكلام من بشر بن

سعيد وأبي عثمان الزعفراني صاحبي واصل بن عطاء فوضع من الكتب ألفا ومائتي صنف يرد فيها على المخالفين وينقض كتبهم إلا كتاب الحجة فإنه وضعه في الأصول وكان المجلس قبل أبي الهذيل بالبصرة والكلام لضرار بن عمرو أظهر الخلاف والتبس عليه العدل والتوحيد والوعيد ونص رسالة إلى العامة ما سبقه إليها أحد في حسن الكلام ونظامه يذكر فيها العدل والتوحيد والوعيد ثم كان في آخر أيامه أبو بكر الأصم عبد الرحمن بن كيسان فالتبس عليه أيضا العدل والتوحيد وله كتب كثيرة ما سبقه بها أحد وكان ابو الهذيل يلقبه بخربان لأن الخر بالفارسية هو الحمار والخربان المكارى فجرى عليه هذا اللقب ثم أخرج أبو الهذيل إبراهيم النظام وهشاما الفوطي فعابا عليه وخالفاه في الفرع لأن الأصل الذي خالفه عليه هشام الفوطي يكون في مائة وعشرين مسألة فوضع عليه فيها كتابا وكان آخر أيام أبي الهذيل وكان كف بصره فتقدم إلى بعض تلامذته فنقضها عليه ثم خالفه إبراهيم النظام أيضا في مائة وعشرين مسألة فوضع فيها نقضا ونقضها عليه أبو الهذيل وكانت المناظرات بينهم في المجالس لا تنقطع وأبو الهذيل هذا لم يدرك في أهل الجدل مثله وهو أبوهم وأستاذهم وكان الخلفاء الثلاثة المأمون والمعتصم والواثق يقدمونه ويعظمونه وكان الوزير ابن أبي داود من تلامذته وكان لا يقوم له في الكلام خصم يصوغ الكلام صياغة ثم خرج من تحت يد النظام بعد أن صنف كتبا كثيرة الجاحظ وصنف كتبا وكان صاحب تصنيف ولم يكن صاحب جدل وأخرج هشام عباد بن سليمان وكان أحد المتكلمين فملأ الأرض كتبا وخلافا وخرج عن حد الاعتزال إلى الكفر والزندقة لحدة نظره وكثرة تفتيشه ثم لم يقم للمعتزلة إمام مذكور بالبصرة ولا بغداد إلى أن خرج أبو علي محمد بن عبد الوهاب بكور جبى بين البصرة والأهواز وكان لقي الشحام بالبصرة قبل خروج علي بن محمد الشحام صاحب أبي الهذيل

فتعلم منه فخرج لا شبه له ووضع أربعين ألف ورقة في الكلام ووضع تفسير القرآن في مائة جزء وشيئا لم يسبقه أحد بمثله وسهل الجدال على الناس ثم خرج ابنه أبو هاشم فوضع مائة وستين كتابا في الجدل في أيام قلائل شيء ما وصل إلى مثله أحد قبله ولا أبوه وخالف أباه في تسعة وعشرين مسألة وكان أبوه يخالف أبا الهذيل في تسع عشرة مسألة وبين معتزلة بغداد ومعتزلة البصرة اختلاف كثير فاحش يكفر بعضهم بعضا في بعض ذلك الاختلاف أكثر من ألف مسألة نعوذ بالله من الريب كله ونسأله السلامة ومن لزم السواد الأعظم وترك الشك نجا إن شاء الله ولا قوة إلا بالله
واعلم أن للمعتزلة سوى من ذكرناهم جماعة كثيرة قد وضعوا من الكتب والهوس ما لا يحصى ولا يبلغ جمعه وهي في كل بلد وقرية لا تخلو منهم الأرض فأما البلدان التي غلب عليها الاعتزال حتى لا يظهر فيها غير الاعتزال فعسكر مكرم من أرض الأهواز والصيمرة ومدينة بأرض فارس يقال لها جهرم وهراة واصطخر من أرض كرمان نصفهم خوارج ونصفهم معتزلة إلا أن الاعتزال أغلب عليهم
فأما الذي يكفر فيه معتزلة بغداد معتزلة البصرة فالقول في الشاك والشاك في الشاك ومعنى ذلك أن معتزلة بغداد والبصرة وجميع أهل القبلة لا اختلاف بينهم أن من شك في كافر فهو كافر لأن الشاك في الكفر لا إيمان له لأنه لا يعرف كفرا من إيمان فليس بين الأمة كلها المعتزلة ومن دونهم خلاف أن الشاك في الكافر كافر ثم زاد معتزلة بغداد على معتزلة البصرة أن الشاك في الشاك

والشاك في الشاك إلى الأبد إلى ما لا نهاية له كلهم كفار وسبيلهم سبيل الشاك الأول وقال معتزلة البصرة الشاك الأول كافر لأنه شك في الكفر والشاك الثاني الذي هو شاك في الشك ليس بكافر بل هو فاسق لأنه لم يشك في الكفر إنما شك في هذا الشاك أيكفر بشكه أم لا فليس سبيله في الكفر سبيل الشاك الأول وكذلك عندهم الشاك في الشاك والشاك في الشاك إلى ما لا نهاية له كلهم فساق إلا الشاك الأول فإنه كافر وقولهم أحسن من قول أهل بغداد وتقول معتزلة بغداد الجعفران والإسكافي إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أفضل الناس بعد رسول الله ثم إن ابا بكر أفضل من عمر ثم إن عمر أفضل من عثمان رضي الله عنهم ومعتزلة البصرة أبو الهذيل يقول أبو بكر وعلي في الفضل سواء لا فضل بينهما ثم ابو بكر أفضل عمر ثم عمر أفضل من عثمان وقولهم هذا كلهم في التفضيل على ما ذكرت لك فافهم
واعلم أن للمعتزلة من الكلام مالا أستجيز ذكره لأنهم قد خرجوا عن أصول الإسلام إلى فروع الكفر فمن بعض قولهم إن اطفال المشركين عندهم في الجنة وقال هشام منهم لا أقول إن الله شيء ولكن هو منشىء الأشياء وكيف تدبرت قولهم عرفت جهلهم ووسواسهم وهو سهم لأنهم يختلفون في الأجساد والأرواح من الخلق كلهم إنسهم وجانهم ولا يدعون ذكر بهيمة ولا طائر ولا شيء خلقه الله عز و جل إلا تكلموا عليه ووضعوا قياسا ثم عدلوا عن ذلك كله فلم يرضوا به وهم لا يعلمون فقالت طائفة بظاهر التنزيل ورد المتشابه إلى المحكم والترك وهم أهل العراق وبينهم في ذلك خلاف ومنازعات وأشياء تخرج إلى الكفر والتعطيل والتخليط
والذي عندي من ذلك أن تلزم المنهج المستقيم وما نزل به التنزيل وسنة الرسول وما مضى عليه السلف الصالح فعليك بالسنة والجماعة ترشد إن شاء الله

وإنما تركت البيان في ذكر اختلافهم لبشاعة ما يقولون وفظيع ما به ينطقون والله للظالم بالمرصاد فعليك يا أخي بالتضرع إلى الله أن يحميك له فما الدين ما يقول المخلطون ولا أرى للبيب ما هو أفضل من لزوم ما بين الدفتين والإكثار من النظر في تأويله ولزوم السنة والجماعة ودع عنك العوج ولم وكيف فما أمرت به وإنما خلقك الله لعبادته وأنزل إليك نورا مبينا وأرسل إليك رسولا كريما فاتبع نوره وما سن لك نبيه عليه الصلاة و السلام فما عدا هذين فهو ضلال واستقم كما أمرت وكن لله مطيعا إن الأهواء مالت بأهلها فأوردتهم عذابا أليما
ومن بعض ما أدلك عليه أن تعلم أن الله عز و جل أرسل محمدا فبلغ الرسالة ولم يكتم شيئا وبين وأرشد وقد نهاك القرآن والرسول عن الشبهات والجدال ولا تتأول القرآن على رأيك والله عز و جل يقول في كتابه منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله ثم قال والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب ثم علمنا الاستعاذة كيف يقول فقال ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد ثم الصديق أبو بكر رضي الله عنه بعد الرسول عليه الصلاة و السلام ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم وأرضاهم وهم القدوة والسادة والأعلام والحجة فهل سمعت عنهم إلا التحذير عن البدع والمحدثات ونقل عنهم أن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة فهذا محدث ووسواس

فاحذر يا أخي واعلم أنك بمنظر من اللطيف الخبير ولم أضع كتابي هذا إلا ليكون إماما وأصلا أرجع إليه ومعقلا لي وللمؤمنين إن شاء الله فخذ ما آتيتك فيه وتمسك بجميعه فإنه وما فيه من أصل وحجة مذهب من سلف من مصابيح الهدى والصدر الأول وأهل البصائر والعلم والكتاب والسنة ولم أترك من جهد جهدي شيئا إلا قد أثبته ودللت عليه وفي بعض وصاتي لكم بلاغ إن شاء الله وبه أعوذ وبه ألوذ من الحور بعد الكور ولا قوة إلا بالله

باب ذكر المرجئة

وقد ذكرت المرجئة في كتابنا هذا أولا وآخرا إذ قولها خارج من التعارف والعقل ألا ترى أن منهم من يقول من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله وحرم ما حرم الله وأحل ما أحل الله دخل الجنة إذا مات وإن زنى وإن سرق وقتل وشرب الخمر وقذف المحصنات وترك الصلاة والزكاة والصيام إذا كان مقرا بها يسوف التوبة لم يضره وقوعه على الكبائر وتركه للفرائض وركوبه الفواحش وإن فعل ذلك استحلالا كان كافرا بالله مشركا وخرج من إيمانه وصار من أهل النار وأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص وإيمان الملائكة والأنبياء والأمم وعلماء الناس وجهالهم واحد لا يزيد منه شيء على شيء أصلا
واحتجوا بقول الله عز و جل إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فقالوا الكافر وحده لا يغفر له وما دون الكفر مغفور لأهله ورووا عن النبي أنه قال من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى وسرق وقتل وأنا أذكر دليل هذا في جزء الحجاج إن شاء الله

وينبغي أن يقول لهم أخبرونا عن الإيمان ما هو فإن قالوا لا ندرى سقطت مواربة كلامهم وصاروا بمنزلة من يقول الشيء على الجهل والجاهل لا حجة له
وإن قالوا الإيمان هو الإقرار فقد صدقوا يقال لهم فالإقرار يكون باللسان أو بالقلب فإن قالوا باللسان فقط يقال لهم فالمنافقون الذين أقروا بألسنتهم وأسروا الشرك أهو شيء صح لهم الإيمان إذا أقروا بألسنتهم والإيمان عندكم الإقرار باللسان
فإن قالوا هؤلاء أقروا بألسنتهم وأسروا هذه فلم يصح إيمانهم نقضوا قولهم لأنهم قد اعترفوا أن القول باللسان لا يصح إلا مع إقرار بالقلب وإن شك القلب ببعض إقرار اللسان فيجب عليهم حينئذ أن يقولوا الإيمان قول باللسان وإقرار بالقلب والإقرار بالقلب عمل بل هو أصل كل الأعمال التي بالجوارح لأن الجوارح عن القلب تصدر وإذا كان كذلك فقد وجب أن يقولوا إن الإيمان قول باللسان وينقضوا أصلهم إن الإيمان قول بلا عمل وأيضا إذا أقروا أن الإيمان قول وعمل وينقضوا أصلهم إن الإيمان قول بلا عمل وأيضا إذا أقروا أن الإيمان قول باللسان وتصديق بالقلب لزمتهم أن يقولوا وعمل بالجوارح فإن أبوا أن يقولوا ذلك ردوا إلى الكلام الأول فبان جهلهم وإن أجازوا ذلك تركوا قولهم وقالوا الإيمان قول باللسان وتصديق بالقلب وعمل بالجوارح يزيد وينقص وهذا هو الحق لا يجوز غيره
ويقال لهم أيضا أخبرونا افترض الله على عباده فرائض فيها أمر ونهى فإن قالوا لا جهلوا وكابروا

وإن قالوا نعم قيل لهم فما تقولون فيمن أدى إلى الله ما امر به وانتهى عما نهاه أهو كمن عصاه في أمره ونهيه فإن قالوا هما سواء عند الله وعندنا جعلوا المعصية كالطاعة والطاعة كالمعصية وهذا جهل وكفر ممن قاله
وإن قالوا الطاعة غير المعصية وليس من أطاع الله في أمره ونهيه كمن عصاه تركوا قولهم وقالوا بالحق
ويقال لهم أخبرونا عن قول الله تبارك وتعالى أم حسب الذين يعملون السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون وقال تعالى أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون أهذا شيء قاله على حقيقة القول أم على المجاز فإن قالوا على المجاز جعلوا إخبار الله عن وعده على المجاز وهذا كفر ممن قاله لأن أحدا لا يتيقن حينئذ بخبره إذا لم يكن له حقيقة وصحة وإن قالوا على حقيقة يقال لهم أخبر الله عز و جل أنه لا يستوي عنده الولي والعدو
ويقال لهم أخبرونا عمن زنا وأتى شيئا من الكبائر أترون عليه التوبة أم لا فإن قالوا لا بأن جهلهم وإن قالوا نعم قيل لهم لأي شيء يتوب فإن قالوا يقبل الله توبته ويغفر ذنبه تركوا قولهم وجعلوا لأهل المعاصي توبة وغفرانا مما اجترموا
وإن قالوا لا يحتاجون إلى غفران ولا توبة عليهم خرجوا من دين الإسلام وخالفوا الجماعة

ويقال لهم فلم قلتم إن الله يغفر للمصرين بلا توبة أمن سمع أو عقل فإن في العقل شواهد دالة أن الحكيم لا يستوي عنده وليه الذي أطاعه وعدوه الذي عصاه ولا يجوز ذلك في الحكمة
ويقال لهم في قولهم إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص ما تقولون فيمن آمن وهو بالله وبدينه عارف ومن آمن وهو بالله وبدينه جاهل فإن قالوا هما سواء تجاهلوا وإن قالوا المؤمن العارف بالله وبدينه أفضل تركوا قولهم وقالوا بالحق إن الإيمان يزيد بالعمل والعلم وينقص بنقص العلم والعمل
ويقال لهم هل تجعلون بين أهل المعصية وأهل الطاعة فضلا فإن قالوا لا فضل بينهم تجاهلوا وإن قالوا نعم قيل لهم ما الذي تجعلونه بينهم فإن قالوا لأهل الطاعة الوعد والثواب ولأهل المعصية الوعيد والعقاب تركوا قولهم الخبيث وقالوا بالحق وإن قالوا لا ندرى تجاهلوا
ويقال لهم ما تقولون في قول الله تبارك وتعالى من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزي إلا مثلها وهم لا يظلمون أليس عندكم من تصدق بدرهم فله عشر من الحسنات ومن سرق درهما فعليه وزر درهم واحد فإذا قالوا نعم يقال لهم فرجل سرق عشرة دراهم وتصدق منها بدرهم أليس له تسع حسنات وعنده تسع الدراهم
فإن قالوا لا تجزئه صدقة من سرقة لأن السرقة تحبط أجره تركوا قولهم وإن قالوا تجزئه زعموا أن من سرق عشرة دراهم وتصدق بدرهم منها فله تسع حسنات وعنده تسع الدراهم لأن الحسنة بعشرة أمثالها والسيئة بمثلها وهذا

ربح لا ربح بعده مع أن على السارق لأموال الناس بسبب سرقته ذنوبا يعاقب عليها

باب ذكر الشراة والخوارج

قال أبو الحسين وأنا اذكر الشراة والخوارج وعددهم في هذا الجزء وعند تفسيري قوله عليه السلام تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة وأبينهم باسمائهم إن شاء الله
فأما الفرقة الأولى من الخوارج فهم المحكمة الذين كانوا يخرجون بسيوفهم في الأسواق فيجتمع الناس على غفلة فينادون لا حكم إلا لله ويضعون سيوفهم فيمن يلحقون من الناس فلا يزالون يقتلون حتى يقتلوا وكان الواحد منهم إذا خرج للتحكيم لا يرجع أو يقتل فكان الناس منهم على وجل وفتنة ولم يبق منهم اليوم أحد على وجه الأرض بحمد الله فمتى تعرضت هذه الفرقة من الشراة يقال لهم أخبرونا عن قولكم لا حكم إلا لله ماذا تريدون فإنهم يقولون لا تحكيم في دين الله لأحد من الناس إلا لله وهم لا يحكمون بينهم حكم فلما حكم أبو موسى الأشعري بين علي ومعاوية رضي الله عنهم وخلع عليا رضي الله عنه قال هؤلاء على كفر بجعل الحكم إلى أبي موسى الأشعري ولا حكم إلا لله
والشراة كلهم يكفرون أصحاب المعاصي ومن خالفهم في مذهبهم مع اختلاف أقاويلهم ومذاهبهم
يقال لهم من اين قلتم لا حكم إلا لله وقد حكم الله الناس في كتابه في غير

موضع قال عز و جل في جزاء الصيد يحكم به ذوا عدل منكم وقال تعالى وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعرضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما وقال وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما ومن أهله وحكما من أهلها يعني الزوج والزوجة وقال وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله وأيضا فردوه إلى الله وإلى الرسول وقال ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لا تبعتم الشيطان إلا قليلا فهذا محكم القرآن قد جعل أحكاما كثيرة إلى العلماء وإلى الأمراء من الناس ينظرون فيه مما لم ينزل بيانه من عند الله فكيف قلتم لا حكم إلا لله فإن أبوا هذا الشرح ومحكم الكتاب ظهر جهلهم وإن قالوا به تركوا قولهم ورجعوا إلى الحق
ويقال لهم لا يحل دم مؤمن يهرق إلا بثلاثة خلال إما زنى بعد إحصان أو ارتداد بعد إيمان أو أن يقتل نفسا عمدا فيقتل به ثم لم يطلق قتل أحد من أهل القبلة فبم استحللتم قتل الناس فإن حاولوا حجة لم يجدوها وإن مروا على جهلهم بغير حجة بان خطؤهم
ويقال لهم في تكفير الناس لم كفرتم من أقر بالله ورسوله ودينه ثم أتى كبيرة فإن قالوا قياسا على قول الله عز و جل ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله ثم قال عز و جل إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما

كفورا وقال وهو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن فلم يجعل الله بين الكفر والإيمان منزلة ثالثة ومن كفر وحبط عمله فهو مشرك والإيمان رأس الأعمال وأول الفرائض في عمل ومن ترك ما أمره الله به فقد حبط عمله وإيمانه ومن حبط عمله فهو بلا إيمان والذي لا إيمان له مشرك كافر
يقال لهم أخطأتم القياس وتركتم طريق العلم وذلك أن الله عز و جل بين في كتابه المحكم أن الفاسق له منزلة بين الإيمان والكفر بقوله والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون ولم يقل إنهم مع فسقهم مؤمنون كما قالت المرجئة ولا قال إنهم مع فسقهم كفار كما قلتم أنتم وأثبت لهم اسم الفسق فقط فهم فساق لا مؤمنون ولا كافرون كما قال الله عز و جل وأجمعت عليه الأمة والأمة مجمعة على اسم الفسق لأهل الكبائر وإنما هو اسم ومنزلة بين الكفر والإيمان أجمعت الأمة على ذلك وإنما ذهب من ذهب إلى تكفير أهل الكبائر من أهل القبلة بعد القول بفسقهم وكذلك المرجئة إنما سموا أهل الكبائر مؤمنين بعد ما سموهم فاسقين لأن الله عز و جل سماهم فاسقين ولم يتهيأ لهم أن يزيلوا اسم الفسق عنهم فاجتمعوا على فسقهم ثم افترقوا إلى غير ذلك
ويقال لهم أيضا لما صيرتم الكبائر والصغائر شيئا واحدا والله عز و جل

قد فرق بين الصغائر والكبائر بقوله إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما يعنى من لم يعمل الكبائر فإن حاولوا حجة في تكفير الأمة لم يجدوا وإن جعلوا الذنوب كلها كبائر لم يجدوا إلى الحجة سبيلا من عقل ولا سمع
وقالوا بولاية الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وعداوة الختنين عثمان وعلي رضي الله عنهما قالوا كفر عثمان وكذلك علي
يقال لهم بماذا كفرتموهما فإن قالوا لأن عليا حكم الحكمين وخلع نفسه عن إمرة المؤمنين وحكم في دين الله فكفر وعثمان ولى رقاب المؤمنين ولاة جور فحكم بغير ما حكم الله فكفر
يقال لهم قد بينا أن الله عز و جل قد جعل في كثير من دينه الحكم إلى عباده فلا حاجة لنا إلى إعادته
أخبرونا الآن عن عثمان وعلي رضي الله عنهما أليسا كانا وليين للمسلمين في الأصل بإجماع لا اختلاف فيه عندكم وعند كل الناس فإن قالوا لا ما كانا وليين للمؤمنين تجاهلوا وردوا الإجماع وإن قالوا نعم قد كانا مؤمنين وليين للمؤمنين بإجماع ثم كفرا
يقال لهم فالإجماع على إيمانهما وولايتهما ثابت حتى يجئ إجماع مثله فيزيل ولايتهما وإيمانهما ويثبت كفرهما فلا حجة لهم بعد هذا البيان في تكفيرهما
ويقال لهم قد روى عن النبي بإجماع الأمة لا يختلف فيه

ناقل ولا راو أنه سماكم مارقة وأخبر عنكم وذكركم أنكم كلاب أهل النار فقيل يا رسول الله ما معنى مارقة قال يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية يعنى يخرجون من الدين وأنتم بإجماع الأمة مارقون خارجون من دين الله لا اختلاف بين الأمة في ذلك مع أن أفعالكم من إهراق دماء المسلمين وتكفيركم السلف والخلف واستحلاكم لما حرم الله عليكم ظاهرة شاهدة عليكم بأنكم خارجون من الدين داخلون في البغى والفسق ومنهم فرق تبلغ بهم أعمالهم وأقاويلهم الكفر سنذكركم إذا أتينا على ذكرهم إن شاء الله
وإما الثانية من الخوارج فهم الأزارقة والعمرية أصحاب عبد الله بن الأزرق وعمر بن قتادة وهؤلاء أقل الخوارج شرا لأنهم لا يرون إهراق دماء المسلمين ولا غنم أموالهم ولا سبى ذراريهم ولكن يقولون المعاصى كفر ويتبرؤن من عثمان وعلي ويتولون أبا بكر وعمر وهم أصحاب ليل وورع واجتهاد وقد فقد هؤلاء بحمد الله لم يبق منهم أحد
وإما الثالثة فهم أصحاب شبيب الخارجي خرج على الحجاج بن يوسف في خمسة وسبعين رجلا من قومه من جبال عمان فهزم للحجاج أربعة جيوش حتى دخل الكوفة وصعدت امرأته منبر الكوفة وخطبت ولعنت الحجاج وبنى مروان على المنبر وكانت جعلت ذلك عليها نذرا فوفت بنذرها ثم خرج إلى الأهواز ونواحيها فكان لا يقوم له جيش وكان أشجع الناس و أقرسهم وذلك أن أمه ماتت وأرضع بلبن أتان لهم فخرج شديد البدن وكان لا يقتل أحدا ولا يسبى ولا يستحل شيئا مما حرم الله إلا ما يستحله من الحجاج

وأصحابه غير أنه كان يكفر السلف والخلف ويتبرأ من الختنين ويتولى الشيخين وكان آخر أمره أن جنح به فرسه فرمى به في دجله فغرق فشق بطنه وأخرج فؤاده أسود كالحجر فكانوا يضربون به الأرض فيرتفع قامة الرجل من صلابته وغلظه وقد تفرق أصحابه بعد هلاكه فلم ير منهم أحد إلى اليوم
وأما الفرقة الرابعة فهم النجدية النجدات أصحاب نجدة الحرورى خرج من جبال عمان فقتل الأطفال وسبى النساء وأهرق الدماء واستحل الفروج والأموال وكان يكفر السلف والخلف ويتولى ويتبرأ وكان رديا مرديا حتى قتل وكان يقول الاستطاعة مع الفعل
والفرقة الخامسة من الخوارج هم الإباضية أصحاب إباض بن عمرو خرجوا من سواد الكوفة فقتلوا الناس وسبوا الذرية وقتلوا الأطفال وكفروا الأمة وأفسدوا في العباد والبلاد فمنهم اليوم بقايا بسواد الكوفة
والفرقة السادسة الصفرية وهم أصحاب المهلب بن أبي صفرة خرجوا على الحجاج مع يزيد بن المهلب فقاتلوا الحجاج ولم يؤذوا الناس ولا كفروا الأمة ولا قالوا بشئ من قول الخوارج الذين تقدم ذكرهم حتى هزمهم الحجاج وأبادهم ودخل يزيد في طاعته بعد ذلك

والفرقة السابعة الحرورية يقولون بتكفير الأمة ويتبرؤن من الختنين ويتولون الشيخين ويسبون ويستحلون الأموال والفروج ويأخذون بالقرآن ولا يقولون بالسنة أصلا وإذا تطهر منهم الرجل أو المرأة للصلاة لا يبرح ولا يمشى أصلا حتى يصلى في المكان الذي تطهر فيه وزعموا أنه إذا مشى الرجل تحرك شرجه وانتقضت طهارته ويستنجون بالماء وإذا خرجت منهم الريح لم يتطهروا للصلاة خلافا لجميع الأمة ولا يصلون في السراويل ويقولون السراويل جب الفقاح وتقاتل نساؤهم على الخيل مضمرات كما يقاتل رجالهم وهم بناحية سجستان وهراة وخراسان وهم عالم كثير لا يعرف عددهم إلا الله وهم أصحاب خيل وشجاعة
وأما الفرقة الثامنة فهم الحمزية يقولون بكل قول الحرورية غير أنهم لا يستحلون أخذ مال أحد حتى يقتلوه فإن لم يجدوا صاحب المال لم يتناولوا من ذلك المال شيئا دون أن يظهر صاحبه فيقتلوه فإذا قتلوه حينئذ استحلوا ماله قد جعلوا هذا شريعة لهم
والفرقة التاسعة الصليدية من الحمزية أيضا يقولون بقول الحرورية والحمزية ويقتلون ويستحلون الأموال على الأحوال كلها وهم أشر الخوارج وأقذرهم وأكثرهم فسادا ولهم عدد وجمع بناحية سجستان ونواحيها
والفرقة العاشرة من الخوارج هم الشراة الذين يكفرون أصحاب المعاصى

في الصغائر والكبائر ويتبرؤن من الختنين عثمان وعلي ويتولون الشيخين أبا بكر وعمر وهم لا يستحلون أموال الناس ولا يسبون النساء ولا يخالفون في دين ولا سنة وهم يقولون العصاة كفار نعمة لا كفار شرك وهم في ناحية هراة واصطخر بين دارابجرد وكرمان ولهم كتب وضعوها على تصحيح مذهبهم فيها حجج وكلام صعب وفيهم علماء وفقهاء ولهم مروءة ظاهرة ودنيا واسعة وخصب وقد ظهر فيهم اليوم مذاهب المعتزلة فمنهم من ترك مذهبه وقال بالاعتزال فنغوذ بالله من الضلال كله وقد ذكرت جملا أشرحها لك على النسق بعد ذكرى لمتشابه القرآن وما أشبه ذلك إن شاء الله نفعنا الله وإياكم ونسأله الزيادة في العلم والعمل

باب ذكر متشابه القرآن

قال أبو الحسين هلكت الزنادقة وشكوا في القرآن حتى زعموا أن بعضه ينقض بعضا في تفسير الآى المتشابه كذبا وافتراء على الله جل اسمه من جهلهم بالتفسير للآى المحكم الذي زاد الله المؤمنين به إيمانا وتصديقا فقال المؤمنون آمنا به ونحن به مؤمنون مقرون أن بعضه يصدق بعضا واعلم أحسن الله توفيقنا وإياك أن للقرآن وجوها كثيرة ومواطن ومواضع منه خاص وعام لا يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون أمنا به وما يذكر إلا أولوا الألباب وأيضا فمن طلب علم ما أشكل عليه من ذلك عند أهل العلم به من ثقات العلماء وجد مطلبه ولعمرى إن أهل الأهواء في مثل ذلك اختلفوا وضلوا وهذه جملة جاءت

بها الرواية وأخذناها عن الثقات عن مقاتل بن سليمان إن تدبرت ذلك نفعك إن شاء الله
قال مقاتل أما ما شكت فيه الزنادقة في مثل هذه الآية ونحوها من قوله جل ثناؤه هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون ثم قال في آية أخرى ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون فهذا عند من يجهل التفسير ينقض بعضه بعضا وليس بمنتقض ولكنهما في تفسير الخواص في المواطن المختلفة
أما تفسير هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون فأول ما يجتمع الخلائق بعد البعث فهم لا ينطقون في ذلك الموطن ولا يؤذن لهم فيعتذرون قال مقدار ستين سنة ثم يؤذن لهم في الكلام فيكلم بعضهم بعضا ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون عند الحساب ثم يقال لهم قال لا تختصموا لدى وقد قدمت إليكم بالوعيد بعد الحساب
وأما قوله جل ثناؤه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما وقال في أية أخرى ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة فكان هذا عند من يجهل التفسير ينقض بعضه بعضا يقول هم بكم ونادى أصحاب النار وليس بمنتقض ولكنها في تفسير الخواص في المواطن المختلفة

وأما قوله ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة فإنهم أول ما يدخلون النار ينادون أهل النار ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون وينادون أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء ويقولون ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون فيتركهم مقدار سبعة آلاف سنة أو ما شاء الله من ذلك ثم يقول عز و جل سبحانه في آخر ذلك اخسئوا فيها ولا تكلمون فعند ذلك صاروا عميا وبكما وصما لا يستطيعون الكلام ولا يسمعون ولا يبصرون فهذا تفسيرها
وأما قوله عز و جل فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون فكان هذا عند من يجهل التفسير ينقض بعضه بعضا حين قال ولا يتساءلون وقال في آية أخرى وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون وليس بمنتقض ولكنهما في تفسير الخواص في المواطن المختلفة
فأما تفسير فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون فإذا نفخ في الصور النفخة الثانية قام الخلائق من قبورهم فلا أنساب بينهم في ذلك الموطن ولا يعطف بعضهم على بعض قريب لقرابته حتى ينجو من الحساب إلى الجنة ولا يسأل بعضهم بعضا فذلك قوله جل ثناؤه ولا يسأل حميم حميما وذلك قوله يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم

يومئذ شأن يغنيه فإذا صاروا إلى الجنة أقبل بعضهم على بعض يتساءلون إذا رأى بعضهم بعضا فهذا تفسيرها
وأما قوله جل ثناؤه ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين وقال في آية أخرى يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا فكان هذا عند من يجهل التفسير ينقض بعضه بعضا حيث قالوا والله ربنا ما كنا مشركين وليس بمنتقض ولكنهما في تفسير الخواص في المواطن المختلفة
فأما تفسير قول المشركين حيث قالوا والله ربنا ما كنا مشركين فإنهم لما انظروا يوم القيامة إلى ما يصنع الله بأهل التوحيد من الكرامة وكيف يتجاوز عن مساويهم ويشفع فيهم الملائكة والنبيون والمؤمنون بعضهم في بعض قال المشركون عند ذلك تعالوا نكتم الشرك فلما سئلوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون قالوا والله ربنا ما كنا مشركين فلما كتموا الشرك ختم الله على ألسنتهم واستنطق جوارحهم وأيديهم وأرجلهم فذلك قوله اليوم نختم على أفواههم يعني بعد ما كتمت الألسن الشرك وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بالشرك بما كانوا يكسبون يعني بما كانوا يعملون وقال في حم السجدة وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله

لا يعلم كثيرا مما تعملون يعني بما كنتم تعملون من الشرك فذلك قوله في سورة النساء يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا يعني يودون حين شهدت عليهم الجوارح بالشرك لو سويت بهم الأرض فدخلوا فيها ثم ذكر الجوارح فقال ولا يكتمون الله حديثا يعني بالجوارح الأيدي والأرجل والأسماع والأبصار والجلود ولا يكتمون الله الشرك فيشهدون به عليهم عند الله فذلك قوله ولا يكتمون الله حديثا يعني بالجوارح وذلك قوله بل الإنسان على نفسه بصيرة يقول بل جوارح الكافر على نفسه شاهدة بالشرك فلما شهدت الجوارح بما كتمت الألسن من الشرك أطلق الله الألسن فنطقت بعد ذلك فقالت للجوارح وبيان ذلك في حم السجدة وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون في الدنيا ثم اعترفت الألسن بعد ذلك بالشرك فلما سألتهم الخزنة عند دخول النار في سورة الزمر قالوا ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين وذلك قوله في تبارك الملك ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير فلما أقروا على أنفسهم بالشرك والتكذيب بقول الله عز و جل للنبي فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير يعني تكذيبهم الرسل فيما جاءت به من التوحيد وغيره فهذا تفسيرهما

وأما قوله جل ثناؤه ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة وقوله يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا وقوله إن لبثتم إلا يوما فكان هذا عند من يجهل التفسير ينقض بعضه بعضا وليس بمنتقض ولكنهما في تفسير الخواص في المواطن المختلفة
فأما تفسير إن لبثتم إلا عشرا فإنهم من أول ما بعثوا من القبور نظروا إلى ما كانوا يكذبون به في الدنيا من البعث استقلوا مكثهم في القبور فتشاوروا بينهم وقالوا إن لبثتم إلا عشرا يعني ما لبثتم إلا عشر ليال ثم استكثروا عن افعال أمثالهم وأبوا في أنفسهم إن لبثتم يعني ما لبثتم إلا يوما واحدا من أيام الدنيا ثم استكثروا أيضا يوما فاتفق رأيهم على أنهم لم يلبثوا إلا ساعة من نهار من أيام الدنيا وذلك قوله ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة يقول الله عز و جل كذلك كانوا يؤفكون يعني هكذا كانوا يكذبون في الدنيا كما كذبوا في الآخرة حين بعثهم فهذا تفسيرهما
وأما قوله جل ثناؤه يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا وقال في آية أخرى ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم فكان هذا عند من يجهل التفسير ينقض بعضه بعضا وليس بمنتقض ولكنهما في تفسير الخواص في المواطن المختلفة

فأما تفسير يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا فإنه أول ما يبعث الخلائق قاموا مبهوتين فسئلت الرسل ماذا أجبتم في التوحيد قالوا لا علم لنا ثم رجعت إليهم عقولهم بعد ذلك فلما سئلوا أخبروا بماذا أجيبوا فذلك قوله ويقول الأشهاد يعني الرسل يوم القيامة هؤلاء الذين كذبوا على ربهم فزعموا أن له شريكا فهذا تفسيرهما
وأما قوله جل ثناؤه لا تدركه الأبصار وقال في آية أخرى وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة فكان هذا عند من يجهل التفسير ينقض بعضه بعضا وليس بمنتقض ولكنهما في تفسير الخواص في المواطن المختلفة
فأما تفسير لا تدركه الأبصار يعني لا يراه الخلق في الدنيا دون الآخرة ولا في السموات دون الجنة وقوله وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة يعني يوم القيامة ناضرة يعني الحسن والبياض يعلوها النور إلى ربها ناظرة ينظرون إلى الله عز و جل يومئذ معاينة فهذا تفسيرهما
وأما قوله حيث قال موسى صلى الله عليه و سلم لربه عز و جل رب أرني أنظر إليك قال لن تراني وقال في آية أخرى لمحمد ولقد رآه نزلة أخرى فكان هذا عند من يجهل التفسير ينقض بعضه بعضا وليس بمنتقض ولكنهما في تفسير الخواص في المواطن المختلفة
فأما تفسير قوله جل اسمه لموسى عليه السلام لن تراني قال موسى لما

سمع كلام ربه بأرض القدس اشتاق إلى رؤيته فقال رب أرني أنظر إليك فقال الله عز و جل لن تراني يعني في الدنيا فأما في الجنة فإن موسى وغيره يرونه في الجنة معانية
وأما تفسير قوله لمحمد ولقد رآه نزلة أخرى فقال رآه في الجنة ليلة أسرى به تصديق ذلك قوله ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى فذلك قوله ما زاغ البصر وما طغى يقول ما مال بصر محمد عن رؤية ربه حين رآه نظر إليه في جنة المأوى وما ظلم كما قال موسى تبت إليك وأنا أول المؤمنين فقد كان إبراهيم ونوح وآدم صلى الله عليهم وغيرهم مؤمنين قبل موسى عليه السلام ولكن قول موسى وأنا أول المؤمنين يعني أنا اول المصدقين بأنك لن ترى في الدنيا وكما قال في سحرة فرعون أن كنا أول المؤمنين يعني أول المصدقين من أهل مصر من بني إسرائيل بما جاء به موسى عليه السلام من التوحيد وكما قال النبي وأنا أول المسلمين يعني من أهل مكة خاصة وقد كان قبله مسلمون في الأمم الخالية فهذا تفسيرهما في المواطن
وأما قوله جل ثناؤه وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحى بإذنه ما يشاء إنه على حكيم وقال في آية أخرى ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق

قالوا بلى وربنا فكان هذا عند من يجهل التفسير ينقض بعضه بعضا وليس بمنتقض ولكنهما في تفسير الخواص في المواطن المختلفة
فأما تفسير وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب كما كلم موسى عليه السلام تكليما من وراء حجاب وأما في الآخرة فإنه يقف البار والفاجر على ربه يكلمونه بغير حجاب وذلك يوم القيامة كما قال عز و جل في كتابه يكلمهم ويسأل عن أعمالهم عند الحساب فذلك قوله جل ذكره فوربك لنسئلنهم أجمعين عما كانوا يعملون فإذا صاروا إلى الجنة أهل الجنة وأهل النار فإنه يكلم أهل الجنة ولا يحتجب عنهم وأما الكفار فإنه ولا يكلمهم الله يعني بعد الحساب ولا ينظر إليهم يوم القيامة بعد الحساب ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم

باب في تفسير اختلاف المواضع

وأما قوله عز و جل أدخلوا آل فرعون أشد العذاب وقال في آية أخرى إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار فكان هذا عند من يجهل التفسير ينقض بعضه بعضا وليس بمنتقض ولكنهما في تفسير الخواص في المواطن المختلفة
فأما تفسير قوله أدخلوا آل فرعون أشد العذاب يعني في الباب الذي هم فيه وأما تفسير إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار فهم في أسفل درك من جهنم فهذا تفسيرهما

وأما قوله جل ذكره لأهل النار ليس لهم طعام إلا من ضريع وقال في آية أخرى ولا طعام إلا من غسلين وقال في آية أخرى إن شجرة الزقوم طعام الأثيم فكان هذا عند من يجهل التفسير ينقض بعضه بعضا وليس بمنتقض ولكن تفسيرهن عند الخواص في المواضع المختلفة
أما تفسير ليس لهم طعام إلا من ضريع يعني في الباب الذي هم فيه وقوله ولا طعام إلا من غسلين يعني في الباب الذي هم فيه وقال إن شجرة الزقوم طعام الأثيم يعني طعام أهل الجحيم
وأما قوله وأن الكافرين لا مولى لهم وقوله في آية أخرى ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون فكان هذا عند من يجهل التفسير ينقض بعضه بعضا وليس بمنتقض ولكنهما من تفسير الوجوه المختلفة
فأما تفسير وأن الكافرين لا مولى لهم يعني لا يتولاهم إلا الله سبحانه في العون مثل قوله للنبي فإن الله هو مولاه في العون له وأما تفسير قوله للكافرين ثم ردوا إلى مولاهم الحق يعني ثم ردوا إلى الله في الآخرة ربهم ومولاهم الحق لأنهم اتخذوا في الدنيا أربابا باطلا أولياء من دون الله فلذلك قال ثم ردوا إلى مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون وهذا تفسيرهما

وأما قوله جل ثناؤه وأقسطوا إن الله يحب المقسطين وقوله وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا فكان هذا عند من يجهل التفسير ينقض بعضه بعضا وليس بمنتقض ولكن تفسيرهما في الوجوه مختلف
فأما تفسير وأقسطوا إن فإنه يقول واعدلوا إن الله يحب المقسطين يعني يحب الذين يعدلون في القول والفعل وأما تفسير وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا يعني وأما العادلون به يعني الذين يشركون معه غيره فكانوا لجهنم حطبا فهذا تفسيرهما
وأما قوله جل ثناؤه والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض وقال في آية أخرى والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولا يتهم من شيء فكان هذا عند من يجهل التفسير ينقض بعضه بعضا وليس بمنتقض ولكن تفسيرهما في الوجوه مختلف
فأما تفسير والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يعني في دين الإسلام وتفسير الذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا في المواريث حتى يهاجروا ثم نسختها وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض فأشرك جميع المؤمنين والإخوان في المواريث ومن لم يهاجر فهذا تفسيرهما

وأما قوله جل اسمه لإبليس إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وقال في آية أخرى قول موسى عليه السلام حين قتل النفس هذا من عمل الشيطان يعني من تزيين الشيطان من غير كفر كما زين لآدم عليه السلام ولإخوة يوسف وغيرهم فأزلهم وكانوا من افاضل عباد الله المخلصين فهذا تفسيرهما
وأما قوله لإبليس إنما سلطانه على الذين يتولونه يعني المشركين وقول إبليس في آية أخرى وما كان لي عليكم من سلطان فكان هذا عند من يجهل التفسير ينقض بعضه بعضا وليس بمنتقض ولكنهما في تفسير الوجوه المختلفة
فأما قوله عز و جل لإبليس إن عبادي ليس لك عليهم سلطان يعني عباد الله المخلصين خاصة لمن استثنى عز و جل أنهم في علمه مؤمنون فإنه ليس لإبليس عليهم سلطان أن يستزلهم عن التوحيد إلى الشرك خاصة بدعايته وتزيينه ووسوسته فأما الذنوب دون الشرك فهو يستزلهم وذلك قول موسى عليه السلام حين قتل النفس هذا من عمل الشيطان يعني من تزيين الشيطان من غير كفر كما زين لآدم عليه السلام ولإخوة يوسف عليه السلام وغيرهم فأزلهم وكانوا من أفاضل عباد الله المخلصين فهذا تفسيرهما
فأما تفسير قوله سبحانه لإبليس إنما سلطانه على الذين يتولونه يعني سلطانه في الدعاء إلى الشرك والتزيين والوسوسة في أمر الشرك على الذين

يتولونه إبليس والذين هم بالله مشركون فذلك قوله واستفزز من استطعت منهم بصوتك يعني بدعائك وكذلك هي في قراءة إبن مسعود وقال في آية اخرى ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا يعني تغريهم إغراء وتزعجهم في الكفر إزعاجا بالدعاء والتزيين
وأما تفسير قول إبليس وما كان لي عليكم من سلطان يقول ولم يكن لي عليكم من الملك ما أقهركم على الشرك وتصديق ذلك قوله إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فهذا تفسيرهما
وأما قوله عز و جل للكفار إنا نسيناكم وقال في آية أخرى لا يضل ربي ولا ينسى فكان هذا عند من يجهل التفسير ينقض بعضه بعضا وليس بمنتقض ولكنهما في تفسير الوجوه المختلفة
فأما تفسير الوجوه قول الله تبارك وتعالى إنا نسيناكم فإنه يقول للكفار حين أدخلهم النار إنا تركناكم في العذاب ولا ينسى الرب تبارك وتعالى شيئا أبدا ولا يذهب من حفظه ولكنه كما قال أيضا نسوا الله فنسيهم يقول تركوا الإيمان بالله فتركهم الله سبحانه من ذكره وكما قال ما ننسخ من آية أو ننسها يعني نتركها كما هي فلا ننسخها وأما قوله عز و جل لا يضل ربي ولا ينسى يعني لا يخطيء ما في الكتاب ولا ينسى يعني ولا يذهب من حفظه أبدا فهذا تفسيرهما

وأما قوله ونحشره يوم القيامة أعمى وقال في آية أخرى فبصرك اليوم حديد فكان هذا عند من يجهل التفسير ينقض بعضه بعضا وليس بمنتقض ولكنهما في تفسير الوجوه المختلفة
وأما قوله ونحشره يوم القيامة أعمى عن حجته وأما قوله فبصرك اليوم حديد فإذا بعث الله عز و جل الكافر من قبره فنظر إلى البعث الذي كان يكذب به في دار الدنيا وذلك كشف الغطاء عنه فبصره عند ذلك حديد أي شاخص بصره لا يطرف فهذا تفسيرهما

باب تفسير متشابه صلات الكلام

أما قوله عز و جل لموسى عليه السلام إنا معكم مستمعون وقال في آية أخرى إنني معكما أسمع وأرى وقال في آية أخرى إنا نحن نحيى ونميت وقال في آية أخرى أليس ذلك بقادر على أن يحيى الموتى ونحو ذلك مما ذكر في نفسه جل ذكره مما يشبه كلام الجماعة والفرد فكان هذا عند من يجهل التفسير ينقض بعضه بعضا وليس بمنتقض ولكن تفسيرهما في صلات الكلام مشتبه
أما قوله يخبر عن نفسه من نحو قوله إنا نحن نحيى ونميت وقلنا وفعلنا وأشباه ذلك من الكلام فهو صلة في الكلام وهو من كلام الله وحده وهذا كلام الملوك يقول الملك وحده قد أمرنا لك بكذا وكذا ونحن نعطيك

كذا وكذا ولا يحسن هذا القول لغير الملوك وأن الله سبحانه ملك الملوك وهذا من قوله وهو واحد لا شريك له في الملك ولا في شيء من الأشياء فهذا تفسيرهما
وأما قوله لآدم عليه السلام خلقه من تراب وقال في آية أخرى خلق الإنسان من صلصال كالفخار وقال في آية أخرى ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون فكان هذا عند من يجهل التفسير ينقض بعضه بعضا وليس بمنتقض ولكن تفسيرهن في اختلاف الحالات مشتبه
أما قوله لآدم خلقه من تراب فإن بدء خلقه كان من تراب من أديم الأرض فذلك قوله خلقه من تراب فحول التراب بالماء إلى الطين فذلك قوله وبدأ خلق الإنسان من طين فصار طينا إذا قبض عليه انسل فذلك قوله ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين فترك حتى تغير ريحه فذلك قوله من حمإ مسنون يعني من حمإ متغير الريح وكان طينا لاصقا جيدا فذلك قوله طين لازب يعني لاصقا جيدا ثم صوره فتركه مصورا حتى جف فإذا حرك صار له قعقعة بمنزلة الطين الجيد إذا ذهب عنه الماء تشقق وصار له صوت كصوت الفخار فذلك قوله خلق الإنسان من صلصال كالفخار ثم نفخ فيه الروح فصار لحما ودما فأراد أن ينهض قبل أن تتم الروح فيه فذلك قوله خلق الإنسان من عجل ثم جعل نسله

من ماء مهين يعني خلق ذريته من النطفة التي تنسل من الإنسان والمهين الضعيف
وأما قوله جل ثناؤه قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين وقوله في آية أخرى لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى فكان هذا عند من يجهل التفسير ينقض بعضه بعضا وليس بمنتقض ولكن تفسيرهما في وجوه الحالات مشتبه
أما قوله أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين يعني كنا نطفا ميتة ليست فيها أرواح فخلقتنا من تلك النطفة فجعلت فينا أرواحا فهذه موتة وحياة يعني بالموتة والحياة الحياة الثانية حين أماتهم في الدنيا عند آجالهم ثم يحييهم يوم القيامة فهذه موتة وحياة أخرى تصديق ذلك في سورة البقرة حيث يقول للكفار وهم أحياء في الدينا كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم يقول كنتم نطفا ميتة ليست فيها أرواح فخلقكم وجعل فيكم أرواحا ثم يميتكم عند آجالكم في الدنيا ثم يحييكم في الآخرة فهاتان موتتان وحياتان فهذا تفسيرهما

باب تفسير اشتباه التقديم في الكلام

أما قوله عز و جل وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام

وكان عرشه على الماء فكان هذا عند من يجهل التفسير ينقض بعضه بعضا وليس بمنتقض ولكن تفسيرهما في وجوه تقديم الكلام مشتبه
أما تفسير قوله إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشى الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين فيها تقديم يقول كان استواؤه على العرش قبل خلق السموات والأرض والله تعالى فوق العرش فهذا تفسيرهما
وأما قوله عز و جل قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوى إلى السماء وهي دحاها
وقال في آية أخرى أم السماء بناها رفع سمكها فسواها إلى قوله والأرض بعد ذلك دحاها فكان هذا عند من يجهل التفسير ينقض بعضه بعضا وليس بمنتقض ولكن تفسيرهما في وجوه تقديم الكلام مشتبه
أما قوله أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين إلى

قوله ثم استوى إلى السماء وهي دخان فيها تقديم وكان استوى إلى السماء قبل ذلك والسماء خلقت قبل الأرض وذلك أو لم ير الذين كفروا أن السماء والأرض كانتا رتقا ففتقناهما كلاهما كانتا ماء ففتقهما فأبان بعضها من بعض وخرج البخار من الماء كشبه الدخان فخلق سبع سموات منه في يومين قبل خلق الأرض وكان موضع الكعبة زبدة على ظهر الماء فخلق الأرض بعد ذلك فبسطها من تحت الكعبة فذلك قوله والأرض بعد ذلك دحاها يعني بعد خلق السموات دحاها يعني بسطها من تحت الكعبة
وقال مقاتل كل شيء في القرآن كذلك يعني هكذا وكل شيء في القرآن ذلك يعني هذا وكل شيء في القرآن تلك يعني هذه وكل شيء في القرآن لعلهم يعني لكي وكل شيء فيه طبع يعني ختم وكل شيء في القرآن فراشا يعني بساطا وكل شيء في القرآن بساطا يعني فراشا وكل شيء في القرآن لا يفقهون يعني يتردون في الضلالة وكل شيء في القرآن جنات تجري من تحتها الأنهار يعني البساتين تجري من تحتها الأنهار في أسفل أشجارها وكل شيء في القرآن تجري من تحتهم الأنهار يعني تحت منازلهم وغرفهم وكل شيء في القرآن أحبارهم يعني علماءهم ولا تغنى نفس عن نفس شيئا يعني لا تغنى نفس كافر عن نفس كافرة شيئا من المنفعة وكل شيء في القرآن لا يغنى مولى عن مولى شيئا يعني قريب عن قرابته شيئا من المنفعة وكل شيء في القرآن لا يؤخذ منها عدل يعني فداء وكل شيء في القرآن يوم لا ينفع يعني لا فداء فيه وكل شيء في القرآن خاسئا يعني صاغرا وكل شيء في القرآن احسئوا اصغروا وكل شيء في القرآن خاسئين يعني صاغرين وكل شيء في القرآن وقفينا يعني تبعنا على آثارهم وكل شيء في

القرآن إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فهو أمر تخليق والقيامة وكل شيء في القرآن خطوات الشيطان يعني تزيين الشيطان وكل شيء في القرآن حبطت أعمالهم يعني بطلت أعمالهم وكل شيء في القرآن لا تأس يعني لا تحزن وكل شيء في القرآن فادرؤا عن أنفسكم يعني فادفعوا وكل شيء في القرآن ويدرؤن يعني ويدفعون وكل شيء في القرآن فإن آنستم يعني رأيتم وكل شيء في القرآن قولا سديدا يعني عدلا وكل شيء في القرآن غليظا يعني شديدا وكل شيء في القرآن ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يعني حظا من التوراة وكل شيء في القرآن لعنة الله يعني عذاب الله وكل شيء في القرآن سعيرا يعني وقودا وكل شيء في القرآن عسى فهو من الله واجب وكل شيء فيه الحمد لله يعني الشكر لله وكل شيء في القرآن ويذرهم في طغيانهم يعمهون يعني يدعهم في ضلالتهم فلا يخرجهم وكل شيء في القرآن ذرهم في خوضهم يعني خل عنهم في باطلهم يترددون وكل شيء في القرآن قد فصلنا الآيات وكذلك نفصل الآيات وكل شيء في القرآن اعملوا على مكانتكم يعني جديلتكم وناحيتكم وكل شيء في القرآن يعمل على شاكلته يعني على جديلته وكل شيء في القرآن وصدف عنها يعني اعرض سنجزي الذين يصدفون يعني عن الحق وكل شيء في القرآن نقطع دابر القوم الذين ظلموا يعني أصل القوم الذين كفروا وكل شيء في القرآن ولا تعثوا في الأرض مفسدين يعني لا تسعوا بالمعاصي وكل شيء في القرآن يبغونها عوجا يعني يريدون ملة الإسلام وكل شيء في

القرآن كأن لم يغنوا فيها يعني كأن لم يكونوا فيها وكل شيء في القرآن وإذ تأذن ربك يعني وإذ قال ربك وكل شيء في القرآن زعم الذين كفروا يعني قال الذين كفروا قولا كذبا وكل شيء في القران تالله يعنى والله وكل شيء فيه لا جرم يعنى حقا وكل شيء فيه وجلت قلوبهم يعنى خافت وكذلك وقلوبهم وجلة وكل شيء في القران مردفين و تترى و مدرارا و أبابيل فهو متتابع وكل شيء فيه عذاب مقيم يعنى دائما لا ينقطع وكل شيء فيه عذاب أليم يعنى و جيعا وكل شيء فيه إفكا يعنى كذبا وكذلك المؤتفكات يعنى المكذبات وكل شيء فيه أولو الطول يعنى السعة وكل شيء في القران الخوالف يعنى النساء وكل شيء فيه الخالفين يعني من تخلف من الرجال عن الغزو وكل شيء في القرآن الفلك المشحون يعني السفن الموقرة وكل شيء فيه في فلك يسبحون يعني في دوران يجرون وكل شيء فيه يرتدوا يرتدد يعني الرجوع وكل شيء في القرآن الطمس يعني التحويل وكل شيء فيه المغفرة يعني التجاوز وكل شيء فيه غل يعني الغش وكل شيء فيه كظيم و مكظوم يعني مكروبا وكل شيء فيه دمرنا تدميرا يعني أهلكنا بالعذاب هلاكا وكل شيء فيه انفطرت و منفطر يعني انفجرت ومنفجر وكل شيء فيه فطركم و فاطر السموات والأرض يعني خلقكم خالق السموات والأرض وكل شيء في القرآن مسطورا يعني مكتوبا وكل شيء في القرآن الشيطان الرجيم يعني الملعون وكل شيء في القرآن على الأرائك يعني السرر في الحجال وكل شيء في القرآن قال الملأ من قومه يعني الأشراف وكل شيء في القرآن بل قلوبهم في غمرة يعني في غفلة وكل شيء في القرآن مبلسون يعني آيسون و إبليس يعني آيسا

من الجنة وكل شيء في القرآن أندادا يعنى شركاء وكل شيء في القرآن يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر يعنى يوسع الرزق على من يشاء ويقتر على من يشاء وكل شيء في القرآن كتب يدرسونها و ما كنتم تدرسون يعنى تقرأونها ودرسوا يعنى القرآن وكل شيء في القرآن عذب فرات يعنى طيبا وكل شيء في القرآن دار البوار وقوما بورا وتجارة لن تبور يعنى به الهلاك وكل شيء في القرآن نصب يعنى المشقة وكل شيء في القرآن لغوب يعنى عناء وكل شيء في القرآن يصطرخون يعنى يستغيثون و الصريخ يعنى غياثا وكل شيء في القرآن ما زادهم إلا نفورا يعنى تباعدا وكل شيء في القرآن لدينا يعنى عندنا وكل شيء في القرآن وما أمرنا إلا واحدة يعنى إذا شاء أمره في البعث وكل شيء في القرآن زجرة يعنى نفخة من إسرافيل في البعث وكل شيء في القرآن مهطعين يعنى مقبلين وكل شيء في القرآن يهرعون يعنى يسعون وكل شيء في القرآن الكرب العظيم يعنى الهول الشديد وكل شيء في القرآن الجحيم يعنى ما عظم النار وكل شيء في القرآن نبأ يعنى حديثا وكل شيء في القرآن أفواجا يعنى زمرا وكل شيء في القرآن خلقكم من نفس واحدة يعنى آدم وكل شيء في القرآن يشرح صدره للإسلام يعنى يوسع صدره للإيمان وكل شيء في القرآن وما قدروا الله حق قدره يعنى ما عظموه سبحانه وتعالى حق عظمته وكل شيء في القرآن شططا يعنى جورا وكل شيء في القرآن بحمد ربهم يعنى بأمر ربهم وكل شيء في القرآن كدأب آل فرعون يعنى كأشباه آل فرعون وكفعلهم أيضا وكذلك مثل دأب قوم نوح يعنى مثل أشباه ونظراء وكل شيء في القرآن ما لكم من الله من عاصم يعنى من مانع وكل شيء في القرآن مانعا يعنى عاصما وكل شيء في القرآن

صرحا يعنى قصرا وكل شيء فيه داخرين يعنى صاغرين وكل شيء فيه صاغرين يعنى مذلين وكل شيء فيه تبارك يعنى افتعل البركة وكل شيء فيه الأنعام يعنى الإبل والبقر والغنم وكل شيء فيه وفي آذانهم وقرا يعنى ثقلا وكل شيء فيه في أكنة يعنى على القلوب الغطاء وكذلك قلوبنا غلف و الرواسي الجبال لئلا تزول بكم الأرض و السماء الدنيا أدنى السموات إلى الأرض والنحس و النحسات الشداد و ويستحبون الحياة الدنيا و استحبوا أيضا اختاروا وكل شيء في القرآن خروا يعنى وقعوا وكل شيء فيه الذين خلوا من قبلكم يعنى الأمم الذين مضوا قبلكم وكذلك قد خلت قد مضت وقوله في روضة يحبرون يعنى بالروضة بساتين الجنة يكرمون فيها وينعمون عزم الأمور يعنى حق الأمور و ظل وجهه مسودا يعنى متغيرا وقوله اصطفى يعنى اختار وقوله اجتبى يعنى استخلص وقوله الخراصون يعنى الذين يتخرصون الكذب فيتقولونه وقوله الطوفان يعنى الغرق ولما طغى الماء يعنى على كل شيء والأ والأكواب يعنى أكوابا ليست لها عرى مدورة الرؤس وقوله عربا يعني عاشقات لأزواجهن وقوله ولدان يعنى لا يكبرون مخلدون يعنى لا يموتون و الأتراب يعنى مستويات في الملاذ بنات ثلاث وثلاثين سنة وكل شيء في القرآن متقابلين يعنى في الزيارة وكل شيء في القرآن رحيق يعنى الخمر وقوله معين يعنى خمرا جاريا وكل شيء في القرآن بلغ أشده يعنى ثمانية عشر سنة وهو إلى أربعين سنة في أشده وكل شيء في القرآن واستوى أي ابن اثنتين وثلاثين سنة واستقر

وقوله أف لكم أي الردى من الكلام وكل شيء في القرآن يعرض الذين كفروا على النار و عرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا أي كشفنا الغطاء عنها وقوله وكأين أي وكم وقوله سول لهم أي زين لهم وكذلك سولت لهم زينت وقوله سيماهم أي علامتهم وقوله لو تزيلوا أي الاعتزال ومثله فزيلنا بينهم ومثله وامتازوا اليوم أي اعتزلوا وقوله قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم يعنى يخفضوا أبصارهم عن المحارم وكذلك كل غض وقوله الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين و يلمزك و لمزة يعنى الطعن على الإنسان في الشيء بعينه وقوله همزة و هماز يعنى المغتاب وقوله بهيج و ذات بهجة يعنى ذات حسن وقوله طلعها و لها طلع يعنى الثمر وقوله عنيد يعنى معرضا وقوله أزلفت يعنى قربت وقوله من قرن يعنى أمة وقوله قاتلهم الله يعنى لعنهم الله وقوله لا أبرح يعنى لا أزال وقوله فاكهين يعنى معجبين وقوله فبأي آلاء ربكما تكذبان يعنى نعماء ربكما و آلاء الله يعنى نعماء الله وقوله بلاء من ربكم يعنى نقما و إن هذا لهو البلاء المبين يعنى النقم وقوله اقذفيه يعنى الإلقاء وقوله فنبذناه بالعراء يعنى ألقيناه وقوله الأجداث يعنى القبور وقوله فهل من مدكر يعنى متذكر وكذلك وادكر بعد أمة يعنى وذكر وقوله أساطير الأولين يعنى أحاديث الأولين و كأنهن الياقوت والمرجان الدرر العظام وقوله لم يطمثهن يعنى لم يطأهن وهو الجماع وقوله زرابى و عبقرى يعنى الطنافس وقوله رفرف خضر يعنى المجالس على الفرش وقوله من استبرق يعنى الديباج وقوله غير متجانف لإثم يعنى غير متعمد وكذلك جنفا يعنى عمدا و المقت

البغض وكذلك الفالين و ما قلى يعنى المقت وقوله سفرة يعنى الكتبة و أسفارا يعنى كتبا وقوله فالق يعنى خالق و الفلق يعنى الخلق وقوله شعائر يعنى المناسك وقوله لا أقسم يعنى أقسم وقوله وما أدراك كل شيء منه في القرآن أي قد أخبرك ما هو وكل شيء في القرآن وما يدريك فلم يخبره ما هو وقوله جبلا كثيرا و الجبلة يعنى الخلق وقوله ريب يعنى شكا في القرآن كله إلا الذي في الطور ريب المنون يعنى حوادث الموت وكل شيء في القرآن لعلكم يعنى لكي إلا الذي في الشعراء لعلكم تخلدون يعنى كأنكم تخلدون وكل شيء في القرآن رجز يعنى عذابا غير واحد في المدثر والرجز فاهجر يعنى والصنم فاجتنب عبادته وكل شيء في القرآن شياطين يعنى إبليس وذريته غير واحد في البقرة وإذا خلوا إلى شياطينهم يعنى رؤسائهم من اليهود كعب بن الأشرف وأصحابه وكل شيء في القرآن شهداء يعنى يشهدون على كل شيء غير واحد في البقرة وادعوا شهداءكم يعنى شركاءكم وكل شيء في القرآن يسخرون و سخريا يعنى الاستهزاء غير واحد في الزخرف ليتخذ بعضهم بعضا سخريا يعنى السخرة في الخدمة وكل شيء في القرآن السكينة يعنى الطمأنينة في القلب إلا واحدا في البقرة سكينة من ربكم يعنى شيئا كرأس الهر لها جناحان وكل شيء في القرآن واقسطوا إن الله يحب

المقسطين واعدلوا إن الله يحب المعدلين يقول الذين يعدلون في القول والفعل غير واحد في قل أوحى وأما القاسطون يعنى العادلون الذين يعدلون بالله سبحانه غيره فكانوا لجهنم حطبا وكل شيء في القرآن يا أسفا فهو الحزن غير واحد في الزخرف فلما آسفونا يعنى أغضبونا وكل شيء في القرآن يئس ولا تيأسوا يعنى القنوط غير واحد في الرعد أفلم ييأس الذين آمنوا يعنى أفلم يتبين الذين آمنوا وكل شيء في القرآن بروج يعنى الكواكب غير واحد في النساء ولو كنتم في بروج مشيدة يعنى القصور الطوال في السماء الحصينة وكل شيء في القرآن النكاح يعنى التزويج غير واحد في النساء وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح يعنى الحلم وكل شيء في القرآن البر والبحر يعنى اليابس والماء غير واحد في الروم ظهر الفساد في البر والبحر يعنى البرية والقرى وكل شيء في القرآن إخباتا يعنى إخلاصا غير واحد في بنى إسرائيل كلما خبت زدناهم سعيرا يعنى كلما سكتت إذ أكلت لحومهم زدناهم سعيرا وكل شيء في القرآن بخس يعنى نقصا غير واحد في يوسف وشروه بثمن بخس يعنى حراما دراهم معدودة وكل شيء في القرآن واردون يعنى داخلون غير واحد في القصص ولما ورد ماء مدين يعنى ولما هجم على

الماء ولم يدخل الماء وكل شيء في القرآن لنرجمنكم و يرجموكم يعنى القتل غير واحد في مريم لئن لم تنته لأرجمنك يعنى لأشتمنك وكل شيء في القرآن حسبانا و يحسبون يعنى حسابا غير واحد في الكهف حسبانا يعنى عذابا من السماء وكل شيء في القرآن بعل يعنى الزوج غير واحد في الصافات أتدعون بعلا يعنى ربا وكل شيء في القرآن كسفا يعنى جانبا من السماء غير واحد في الروم ويجعله كسفا يعنى يجعل السحاب قطعا وكل شيء في القرآن الأنباء يعنى الأحاديث غير واحد في سورة القصص فعميت عليهم الأنباء يومئذ يعنى الحجج وكل شيء في القرآن ماء معين يعنى جاريا غير الذي في تبارك فمن يأتيكم بماء معين يعنى ماء طاهرا تناله الدلاء وكل شيء في القرآن كلا فهو لا غير واحد في المطففين كلا بل ران على قلوبهم يعنى طبع على قلوبهم
وأما شبه الاستثناء في قوله في البقرة لئلا يكون للناس عليكم حجة يعنى اليهود يعلمون أن الكعبة هي القبلة ثم استثنى إلا الذين ظلموا يعنى المشركين من أهل مكة فإنهم لا يعلمون أن الكعبة هي القبلة فهذه حجة لهم وفي البقرة في أمر الدين إلى أجل مسمى فاكتبوه فإنه أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا يقول وأحرى

ألا تشكوا في المال والأجل ثم استثنى فقال إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها وقال في آل عمران فليس من الله في شيء ثم استثنى فقال إلا أن تتقوا منهم تقاة فلا بأس أن يرضيهم بلسانه وقال في النساء ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ثم استثنى إلا ما قد سلف قبل التحريم وقال أيضا وأن تجمعوا بين الأختين ثم استثنى إلا ما قد سلف قبل التحريم فلا بأس
قال أبو الحسين فهذه جملة مختصرة من تفسير المتشابه بينة كافية نافعة لمن عقل وتدبر وخاف وأناب وترك الهوى والفساد ولزم الحق وقال به وآمن به وكان حذرا على شأنه وما أمر به والإقبال على الجماعة والله يقول ولا تفرقوا وإذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وأمر رسول الله بالاتباع وترك التنطع والابتداع وسمى البدعة ضلالة والجماعة هداية فرحم الله امرءا لزم ما أمر به واتبع سبيل ربه فإن الله لهادى الذين آمنوا إلى صراط مستقيم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدى القوم الظالمين وقال فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وإما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي الماوى وكل هوى رحمكم الله

فهو يطغى ويردى فعلى العبد محاسبة نفسه وزجرها عن الفضول الموبق وأن يحذر أن يقول قولا مال به إليه هواه فيحبط ذلك عمله وإن الله عز و جل قال واتبع هواه وكان أمره فرطا وقال رسول الله من سب أصحابي فعليه لعنة الله فليحذر الساب صحابة النبي أن تلحقه لعنة رسول الله وأيضا فإنما أمرنا أن نستغفر للذين سبقونا بالإيمان وعلمنا أن نقول ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤف رحيم
قال أبو الحسين لما قص الله عز و جل شأن آدم وأمره للملائكة بالسجود لآدم ونبهنا على جملة الخبر وقصة إبليس وكيف استكبر لما سبق فيه من الشقاء وكيف قاس فقال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين فقال الله عز و جل فاخرج منها فإنك رجيم إلى آخر السورة وكان بقياسه الفاسد وتركه أمر ربه كافرا ملعونا فسأل التأخير إلى يوم القيامة فأخره كما قص الله شأنه
وقال جماعة من التابعين رحمهم الله أن أول من قاس إبليس وذلك أنهم يريدون أنه قاس ليدفع بقياسه ما أمر به نصا لأن الله عز و جل أمره بالسجود لآدم فقال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين

يريد أن قوة النار على الطين دليل على أن الأضعف حكمه أن يخضع الأقوى وأن آدم أولى بالسجود فوضع إبليس القياس في غير موضعه لأن ذلك القياس من إبليس إنما يستعمل مثله إذا لم يقع أمر ولا نص فلما استعمل إبليس هذا مع وجود النص والأمر اللازم كان مخطئا في قياسه فصار قياسه الفاسد كافرا ملعونا وكان قبل من خيار الملائكة فنعوذ بالله من مكره وسوء ما سبق من الكتاب الأول
قال أبو الحسين وأهل البدع وافقوا إبليس في مجال القياس وتركوا النص من التنزيل وتأولوا تأويلا فاسدا فعدلوا عن نص الخبر إلى القياس الفاسد وهذه جملة عددهم واختصار أخبارهم
وعن أنس بن مالك قال قال رسول الله إن بنى إسرائيل افترقت على ثلاث وسبعين فرقة كلهم في النار إلا واحدة فقيل يا رسول الله ما هذه الواحدة فقبض يده وقال الجماعة وقال واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقدكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون

باب ذكر الجماعة والنصيحة في الدين

قال النبي من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه وقال عليه السلام يد الله على الجماعة فمن شذ منها شذ مع الشيطان وعصى الله ورسوله وقال حذيفة يد الله على الجماعة شذ من شذ عنها وعن تميم الدارى عن رسول الله قال إنما الدين النصيحة قالوا لمن يا رسول الله قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين ولعامتهم وعن أبي هريرة قال قال رسول الله إن الدين النصيحة قالوا لمن يا رسول الله قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين ولعامتهم
واعلموا رحمكم الله أن أفضل ما تمسك به العباد ما جاء به رسول الله وهو هذا الدين وبالنصيحة لله جاءت المرسلون قال نوح صلى الله عليه و سلم وأنصح لكم وقال هود وأنا لكم ناصح أمين وقال صالح عليه السلام ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين
وبلغنا أن الله عز و جل قال ما تعبدني عبد بمثل النصح وقال الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت

العزيز الحكيم وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم فهذا نصح الملائكة لله في عباده فأنصح عباد الله لعباد الله الملائكة وأغشهم لعباده الشيطان
وقال أبو العالية الرياحى تعلموا الإسلام فإذا علمتموه فلا ترغبوا عنه وعليكم بالصراط المستقيم فإن الصراط المستقيم الإسلام ولا تحرفوه يمينا ولا شمالا وعليكم بسنة نبيكم وأصحابه
وقال حذيفة اتقوا الله يا معشر القراء وخذوا طريق من كان قبلكم فوالله لئن استقمتم لقد سبقتم سبقا بعيدا ولئن تركتموه يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا أو قال مبينا
وقال العرباض بن سارية صلى بنا رسول الله ثم وعظنا فكان فيما وعظنا أنه قال من يعش منكم بعدى فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بستني وسنة الخلفاء من بعدى الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة
وقال ابن مسعود إنما هما اثنتان الهدى والكلام فأحسن الكلام كلام الله وأحسن الهدى هدى محمد ألا وإياكم والمحدثات فإن شر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة
وقالت عائشة رحمة الله عليها قال رسول الله من صنع أمرا ليس على أمرنا فهو مردود
وقال ابن مسعود سألت حذيفة الوصية فقال إياك والتلون في أمر الله وإياك وما تنكر وعليك بما تعرف

وقال ابن مسعود ستجدون قوما يدعونكم إلى كتاب الله وقد نبذوه وراء ظهورهم عليكم بالعلم وإياكم والتبدع والتنطع والتعمق وعليكم بالعتيق
وقال معاذ بن جبل إياكم والتنطع والتبدع وعليكم بالعتيق
وقال عبد الله إن الله عز و جل لم يخلق شيئا في الدنيا والآخرة إلا جعل له نهاية ينتهي إليها وينقص ويزيد فالإسلام اليوم مقبل وله ثبات ويوشك أن يبلغ نهايته ثم ينقص الدين ولا يزيد إلى يوم القيامة وآية ذلك أن تفشو الفاقة وتقطع الأرحام حتى لا يخاف الغنى إلا الفقر ولا يجد الفقير من يعطف عليه
ومن أبي هريرة قال قال رسول الله لتتبعن سنن من كان قبلكم باعا كباع وذراعا كذراع وشبرا كشبر حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتم قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى قال فمن
وقال هشام بن عروة عن أبيه إنما هلك بنو إسرائيل حين نشأ فيهم أولاد سبايا الأمم قبلهم فوضعوا فيهم الرأي فهلكوا وقال ابن مسعود القصد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة
وقال خالد الربعي بلغني أنه كان في بنى إسرائيل شاب قد قرأ كتابا وعلم علما وأنه كان مغمورا فيهم وأنه طلب بقراءته الشرف والمال فابتدع بدعا أدرك الشرف والمال في الدنيا حتى أمن به وهو كذلك قال فتفكر ليلة وهو على فراشه فقال في نفسه هب هؤلاء الناس لا يعلمون ما ابتدعت أليس

الله يعلم وقد اقترب أجلى فلو أنى تبت فبلغ من اجتهاده في التوبة أن خرق ترقوته فجعل فيها سلسلة ثم أوثقها إلى آسية من أواسى المسجد وقال لا يزال هذا مكاني حتى ينزل الله لي توبة أو أموت مكاني ها هنا قال فأوحى الله عز و جل في شأنه إنك لو أصبت ذنبا فيما بيني وبينك بالغا ما بلغ تبت عليك ولكن كيف بعبادي الذين أضللت ماتوا فدخلوا جهنم ولا أتوب عليك
وقال عليه السلام غداة العقبة لابن عباس هات اللقط لي فلقط له ثلاث حصيات من حصا الخذف وقال بأمثال هؤلاء وإياكم والغلو في الدين إنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين
وقال يحيى بن كثير السنة تقضى على القرآن ولا يقضى القرآن على السنة وقال مجاهد لا تجالسوا أهل الأهواء فإن لهم غرة كغرة الجرب وقال خصيف أشهد أن في التوراة أن يا موسى لا تخاصم أهل الأهواء فيقع في قلبك شيء فيدخلك النار
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه سمعت رسول الله يقول لا تجالسوا أهل القدر ولا تفاتحوهم الكلام وقيل لابن عمر إن نجدة يقول كذا وكذا فجعل لا يستمع منه كراهية ان يقع في قلبه منه شيء

وقال عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه في المكذبة بالقدر ينبغي أن يستتابوا فإن تابوا وإلا نفوا من دار المسلمين وقال أيضا أرى أيضا أن يجاهدوا على وجه البغي ونرى أيضا قتلهم إلا أن يتوبوا
وجاء رجل إلى حذيفة فقال يا أبا عبد الله أكفرت بنو إسرائيل في يوم واحد قال لا ولكن كانت تعرض عليهم الفتنة فيأبونها فيكرهون عليها حتى يدخلوا فيها ثم تعرض عليهم أكبر منها فيأبونها فيضربون عليها حتى يدخلوا فيها ثم تعرض عليهم أكبر منها فيأبونها فيضربون عليها ويقولون والله لا ندخل في هذه أبدا فيضربون عليها حتى يدخلوا فيها حتى انسلخوا من دينهم كما ينسلخ أحدكم من قميصه
وقال ابن مسعود سلوا الله العافية فلستم بأصحاب بلاء إذ كان الرجل من قبلكم يوضع المنشار على رأسه بالكلمة يقولها فلا يقولها فيشق باثنين وأخذ مسيلمة رجلين من النبي فقال لأحدهما أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد ا رسول الله قال نعم قال فتشهد أنى رسول الله قال إني أصم فقتله فقال للآخر أتشهد أن محمد ا رسول الله قال نعم قال فتشهد أني رسول الله قال نعم فخلاه فذكر ذلك للنبي فقال أما الأول فأخذ بالفضل فآتاه الله إياه وأما الآخر فأخذ برخصة الله فلا تبعة عليه وقال مجاهد اجعل مالك جنة دون دينك ولا تجعل دنياك جنة دون مالك
وكان في بنى إسرائيل ملك يفتن الناس على أكل لحم الخنزير فأتى بامرأة يقال لها سارة وبسبع بنين لها فدعا أكبرهم فقرب إليه خنزيرا فقال ما كنت لآكل شيئا حرمه الله على أبدا فأمر به فقطع يده ورجله عضوا عضوا حتى قتله

ثم دعا بالذي يليه فقال كل فقال ما كنت لآكل شيئا حرمه الله على أبدا فأمر بقدر نحاس فملئت زيتا ثم أغليت حتى إذا غلت ألقاه فيها حتى قتله ودعا بالذي يليه فقال له كل فقال أنت أذل وأقل وأهون على الله من أن آكل شيئا حرمه الله على أبدا فضحك الملك وقال تعلمون ما أراد بشتمه إياي أراد أن يغضبني فأعجل عليه في قتله وليخطئنه ذلك فأمر بحز جلد عنقه ثم أمر به أن يسلخ جلد رأسه فسلخوه سلخا
فلم يزل يقتل كل واحد منهم بقتل غير قتل أخيه حتى أبقى أصغرهم فالتفت إليه وإلى أمه فقال لها الملك لقد رأيت ما رأيت فانطلقي بابنك هذا فاخلى به وراوديه أن يأكل لقمة واحدة فيعيش لك قالت نعم فخلت به فقالت له اعلم ابني أنه كان لي على كل رجل من إخوتك حق ولى عليك حقان وذلك أني أرضعت كل أخ من إخوتك حولين فأرضعتك أنت أربعة أحوال لأن أباك مات وأنا حبلى بك فنفست بك وخرجت ضعيفا فرحمتك لضعفك فأسألك بالله وبحقي عليك ألا ما صبرت ولم تأكل شيئا حرمه الله عليك ولا ألقى إخوتك يوم القيامة ولست معهم فقال الحمد الذي أسمعني هذا منك فإنما كنت أخاف أن تراوديني على أكله
ثم جاءت به إلى الملك فقالت قد راودته وعزمت عليه فأمره الملك أن يأكل فقال ما كنت لآكل شيئا حرمه الله على فقتله وألحقه بإخوانه ثم قال لأمهم إني قد رثيت لك ما رأيت اليوم كلى لقمة واحدة وأنا أصنع بك ما أحببت وأفوض إليك ما تعيشين به بقية عمرك فقال أجمع ثكل أولادي ومعصية الله تبارك وتعالى فلا أبالي أن أعيش بعدهم فراودها فلم تجبه فقتلها
ومن عثمان رضي الله عنه قال انطلقت مع رسول الله وهو آخذ بيدي فسرنا بالبطحاء حتى انتهينا إلى عمار وأمه وأبيه وهم يعذبون

في الله فقال عمار يا رسول الله الدنيا هكذا الدنيا فقال النبي اللهم اغفر لآل ياسر وقد فعلت
وقال مجاهد أول من أظهر الإسلام النبي وأبو بكر وعمار بن ياسر وخباب بن الأرت وصهيب وبلال وسمية أم عمار فأما النبي فمنعه الله بعمه وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه وأما الآخرون فأخذوهم فصهروهم في الشمس وألبسوهم أدراع الحديد فكل أعطى الذي دعي إليه من الفتنة إلا بلالا هانت عليه نفسه لله وهان على قومه فجعل يقول أحد أحد إله محمد فلما أعياهم جعلوا في عنقه حبلا وجعلوا يطوفون به مكة وجاء أبو جهل إلى سمية فجعل يعنفها ووجأ في قلبها بحربة فهي أول من استشهد في الإسلام
وعن أنس عن النبي قال ثلاثة من كن فيه وجد حلاوة الإيمان من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما والعبد يحب العبد لا يحبه إلا لله والرجل يلقى في النار أحب إليه من أن يرجع يهوديا أو نصرانيا
وقال خباب شكونا إلى رسول الله وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا له ألا تستنصر الله لنا يا رسول الله قال فجلس محمرا وجهه فقال والذي نفسي بيده لقد كان من قبلكم يؤخذ الرجل منهم فيحفر له في الأرض ثم يؤتى بالمناشير فيجعل فوق رأسه فيجعل فرقين ما يصرفه ذلك عن دينه وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه
وأسر أهل الأهواز رجلا فقالوا له اكفر فأبى فأسخنوا له ماء فألقوه فيه فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فقال يC وما عليه لو تابعهم

وجاء عمار بن ياسر إلى النبي فقال له النبي أفلح الوجه فقال ما أفلح الوجه ولا أنجح فقال عليه السلام إن عادوا فعد فأنزل الله تبارك وتعالى إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم
قال إبراهيم في امرأة يأسرها العدو فيريدون أن يواقعوها أتقتل نفسها قال لا لتصبر
ولما قال النبي لعمار قالوا لك فقلت نعم فجعل يبكي وقال قلت نعم فقال له إن عادوا فعد يعني بالشرك
وقالت رقيقة دخل على النبي حيث جاء يبتغي النصر من ثقيف بالطائف فأمرت له بالسويق فشرب فقالت ثم قال لي رسول الله لا تعبدي طاغوتهم ولا تصلي لها قلت إذا يقتلوني قال فإذا قالوا لك فقولي ربي هذه الطاغية فإذا صليت فوليها ظهرك قالت ثم خرج
وقالت ابنة رقيقة أخبرني أخواي وهب وسفيان ابنا قيس قالا فلما أسلمت ثقيف أتينا رسول الله أو خرجنا إلى رسول الله فقال ما فعلت أمكما قالوا ماتت على الحال الذي تركتها عليه قال لقد أسلمت أمكما إذا
وقال الحسن كل شيء أعطى الرجل بلسانه إذا خاف على نفسه الشرك فمات دونه من طلاق أو عتاق أو غيره فليس عليه فيه شيء بعد أن يخاف على نفسه وذكر أن رجلا دخل الجنة في ذباب وآخر دخل النار في ذباب وذلك أنهما كانا مسلمين

فمرا على قوم يعكفون على أصنام لهم فقالوا لهما قربا لصنمنا قربانا قالا لا نشرك بالله شيئا قالوا قربا ما شئتما ولو ذبابا قال أحدهما لصاحبه ما ترى قال لا نشرك بالله شيئا فقتل فدخل الجنة ومال الآخر بيده على وجهه فأخذ ذبابة فألقاها على الصنم فدخل النار
وعن أم الدراء عن رسول الله أنه قال الله عز و جل لا يؤاخذ بالنسيان والخطأ وما استكره عليه قال فذكرت ذلك للحسن فقال نعم ما تقرأ القرآن ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا وأخطأنا

باب الفرق وذكرها وشرحها ومذهب كل فرقة وبالله التوفيق

قال أبو الحسين الملطى رحمه الله أنا اسوق هذه المذاهب بصحة البيان إن شاء الله واعلموا رحمكم الله أن أول من افترق من هذه المذاهب الزنادقة وهم خمس فرق والجهمية ثماني فرق والقدرية سبع فرق والمرجئة اثنتا عشرة فرقة والرافضة خمس عشرة فرقة والحرورية خمس وعشرون فرقة فذلك اثنتان وسبعون فرقة فهذه جملتهم
قال أبو عاصم خشيش بن أصرم الإسناد عنه في أول الكتاب ثم تشعبت كل فرقة من هذه الفرق على فرق كان جماعها الأصل ثم اختلفوا في الفروع فكفر بعضهم بعضا فافترقت الزنادقة على خمس فرق وافترقت منها فرقة على ست فرق فمنهم
المعطلة الدين يزعمون أن الأشياء كائنة من غير تكوين وأنه ليس لها

مكون ولا مدير وأن هذا الخلق بمنزلة النبات في الفيافي والقفار يموت سنة شيء ويحيى سنة شيء وينبت شيء وأنها تغلب عليها الطبائع الأربعة في أبدانها فإذا غلبت إحداهن قتلته لأنه يموت الصغير ويحيى الكبير وإن أباه خلقه وخلق الأب أبوه لا يعرفون آدم وإن آدم له آباء تعالى الله عما يقولون
ومنهم المانوية يزعمون أن إلهين وخالقين خالق للخير والنور والضياء وخالق للشر والظلمة والبلاء نزهو الله وزعموا أنه لم يخلق الظلمة والبلاء والهوام والسباع فجعلوا معه لما نزهوه شريكا خلق هذه الأشياء وزعموا أن الله تعالى خلق الروح الجاري في الجسد فقالوا ألا ترى الروح إذا فارق الجسد أنتن وأن الخالق الآخر عندهم خلق الجسد والله لا يخلق نتنا ولا قذرا فجعلوا للخلق كلهم خالقين تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا وإنما سموا مانية لأن رجلا كان يقال له ماني زعموا أنه نبيهم وكان في زمن الأكاسرة فقتله بعضهم وقد قال الله عز و جل في كتابه ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون فهذان شاهدان
ومنهم المزدكية وهم صنف من الزنادقة وذلك أنهم زعموا أن الدنيا خلقها الله خلقا واحدا وخلق لها خلقا واحدا وهو آدم جعلها له يأكل من طعامها ويشرب من شرابها ويتلذذ بلذائذها وينكح نساءها فلما مات آدم جعلها ميراثا بين ولده بالسوية ليس لأحد فضل في مال ولا أهل فمن قدر على ما في أيدي الناس وتناول نساءهم بسرقة أو خيانة أو مكر أو خلابة أو بمعنى من المعاني فهو له مباح سائغ وفضول ما في أيدي ذوي الفضل محرم عليهم حتى يصير بالسوية بين العباد سواء وإنما سموا مزدكية لأنه ظهر في زمن الأكاسرة رجل يقال له مزدك فقال هذه المقالة

كذب أعداء الله والله يقول نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون وقال يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا
ومنهم العبدكية زعموا أن الدنيا كلها حرام محرم لا يحل الأخذ منها إلا القوت من حين ذهب أئمة العدل ولا تحل الدنيا إلا بإمام عادل وإلا فهي حرام ومعاملة أهلها حرام فحل لك أن تأخذ القوت من الحرام من حيث كان وإنما سمو العبدكية لأن عبدك وضع لهم هذا ودعاهم إليه وأمرهم بتصديقه
كذب أعداء الله قال الله عز و جل وأحل الله البيع وحرم الربا وما أحل الله القوت إلا للمضطرين ولم تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوى كذا رواه عبد الله بن عمر وقال رسول الله لغني ولا لذي مرة سوى
ومنهم الروحانية وهم أصناف وإنما سموا الروحانية لأنهم زعموا أن أرواحهم تنظر إلى ملكوت السموات وبها يعاينون الجنان ويجامعون الحور العين وتسرح في الجنة وسموا أيضا الفكرية لأنهم يتفكرون زعموا في هذا حتى يصيرون إليه فجعلوا الفكر بهذا غاية عبادتهم ومنتهى إرادتهم ينظرون بأرواحهم في تلك الفكرة إلى هذه الغاية فيتلذذون بمخاطبة الله لهم ومصافحته

إياهم ونظرهم إليه زعموا ويتمتعون بمجامعة الحور العين ومفاكهة الأبكار على الأرائك متكئين ويسعى عليهم الولدان المخلدون بأصناف الطعام وألوان الشراب وطرائف الثمار ولو كانت الفكرة في ذنوبهم الندم عليها والتوبة منها والاستغفار لكان مستقيما وأما هذه الفكرة فبوبها لهم الشيطان لأنه لا يتلذذ بلذات الجنة إلا من صار إليها يوم القيامة وهكذا وعد الله عباده المؤمنين والمؤمنات
ومنهم صنف من الروحانية زعموا أن حب الله يغلب على قلوبهم وأهوائهم وإرادتهم حتى يكون حبه اغلب الأشياء عليهم فإذا كان كذلك عندهم كانوا عنده بهذه المنزلة ووقعت عليهم الخلة من الله فجعل لهم السرقة والزنا وشرب الخمر والفواحش كلها على وجه لخلة التي بينهم وبين الله لا على وجه الحلال ولكن على وجه الخلة كما يحل للخليل الأخذ من مال جليله بغير إذنه منهم رباح وكليب كانا يقولان بهذه المقالة ويدعوان إليها
كذب أعداء الله وكيف يكون ذلك إبراهيم الخليل خليل الرحمن عليه السلام يسئل يوم القيامة أن يشفع للناس إلى ربهم ليحكم بينهم فيقول لست هناك ويذكر ثلاث كذبات كذا روى عن النبي عليه السلام أنه قال
ومنهم صنف من الروحانية زعموا أنه ينبغي للعباد أن يدخلوا في مضمار الميدان حتى يبلغوا إلى غاية السبقة من تضمير أنفسهم وحملها على المكروه فإذا بلغت تلك الغاية أعطى نفسه كل ما تشتهى وتتمنى وإن أكل الطيبات

كأكل الأراذلة من الأطعمة وكان الصبر والخبيص عنده بمنزلة وكان العسل والخل عنده بمنزلة فإذا كان كذلك فقد بلغ غاية السبقة وسقط عنه تضمير الميدان واتبع نفسه ما اشتهت منهم ابن حبان كان يقول هذه المقالة
ومنهم صنف يقولون إن ترك الدنيا إشغال للقلوب وتعظيم للدنيا ومحبة لها ولما عظمت الدنيا عندهم تركوا طيب طعامها ولذيذ شرابها ولين لباسها وطيب رائحتها فأشغلوا قلوبهم بالتعلق بتركها وكان من إهانتها مؤاتاة الشهوات عند اعتراضها حتى لا يشتغل القلب بذكرها ويعظم عنده ما ترك منها ورباح وكليب كانا يقولان هذه المقالة
ومنهم صنف زعموا أن الزهد في الدنيا هو الزهد في الحرام فأما الحلال فمباح لهذه الأمة من أطايب الطعام وغرايب الألوان وكفاية الخدم ولين الرياش وسعة المنازل ووطاءة المهاد وتشييد القصور وكفاية الحاجات وترك الطلبات وقطن الأوطان وإن الأغنياء أفضل منزلة عند الله من الفقراء لما أعطوا من فضل أموالهم وفضول من نوائب حقوقهم وأدركوا من منتهى رغباتهم
لقد قالوا خلاف ما قال رسول الله ورواه أبو هريرة عنه عليه السلام أنه قال يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم خمسمائة عام وروى عبد الله بن عمر قال سمعت رسول الله يقول إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة بأربعين خريفا

ومهم الجهمية وهم ثماني فرق
منهم صنف من المعطلة يقولون إن الله لا شيء وما من شيء ولا في شيء ولا يقع عليه صفة شيء ولا معرفة شيء ولا توهم شيء ولا يعرفون الله فيما زعموا إلا بالتخمين فوقعوا عليه اسم الألوهية ولا يصفونه بصفة يقع عليه الألوهية
وقال الله عز و جل في كتابه قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيدا بيني وبينكم فأخبر أنه شيء وقال أيضا من أشد منا قوة أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون
وأما ما جاءت به الآثار فهو ما روى أبو هريرة قال قال رسول الله ليسئلنكم الناس عن كل شيء حتى يسئلونكم هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله فقولوا الله خالق كل شيء وقبل كل شيء وهو بعد كل شيء
وعن ابن عباس قال قال رجل يا رسول الله إنه يعرض في نفسي الأمر لأن أكون حممة أحب إلى من أن أتكلم به فقال رسول الله الله أكبر الحمد لله الذي رد أمره إلى الوسوسة وعن أبي هريرة قال قال رسول الله لا تزالون تسئلون حتى يقول أحدكم هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله وذكره
ومنهم صنف زعموا أن الله شيء وليس كالأشياء لا يقع عليه صفة

ولا معرفة ولا توهم ولا نور ولا سمع ولا بصر ولا كلام ولا تكلم وإن القرآن مخلوق وإنه لم يكلم موسى ولا يكلم قط وإن الله خلق قولا وكلاما فوقع ذاك القول والكلام في مسامع من شاء الله من خلقه فبلغه السامع عن الله بعد ما سمعه فسمى ذلك قولا وكلاما تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا
ومنهم صنف زعموا أنه ليس بين الله وبين خلقه حجاب ولا خلل وأنه لا يتخلص من خلقه ولا يتخلص الخلق منه إلا أن يفنيهم أجمع فلا يبقى من خلقه شيء وهو مع الآخر في آخر خلقه ممتزج به فإذا أمات خلقه تخلص منهم وتخلصوا منه وأنه لا يخلو منه شيء من خلقه ولا يخلو هو منهم
ومنهم صنف أنكروا أن يكون الله سبحانه في السماء وأنكروا الكرسي وأنكروا العرش أن يكون الله فوقه وفوق السموات من قبل هذا وقالوا إن الله في كل مكان حتى في الأمكنة القذرة تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا
ومنهم صنف قالوا لا نقول إن الله بائن من الخلق ولا غير بائن ولا فوقهم ولا تحتهم ولا بين أيمانهم ولا عن شمائلهم ولا هو أعظم من بعوض ولا قراد ولا أصغر منها ولا نقول هذا ولا نقول إن الله قوي ولا شديد ولا حي ولا ميت ولا يغضب ولا يرضى ولا يسخط

ولا يحب ولا يعجب ولا يرحم ولا يفرح ولا يسمع ولا يبصر ولا يقبض ولا يبسط ولا يضع ولا يرفع تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا
ومنهم صنف زعموا أن العباد لا يرون الله ولا ينظرون إليه في الجنة ولا غيرها زعموا أنه ليس بينهم وبين الله خلل ينظرون إليه منها وإنه لا حجاب لله وإن موسى عليه السلام كفر حين سأل ربه ولأنه سأل ما لم يكن وإن عيسى عليه السلام كفر حين قال تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب لأنهم زعموا أنه حين زعم أن لله نفسا فقد كفر بلغ بهم الغلو إلى تكفير الأنبياء عليهم السلام تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا
ومنهم صنف زعموا أن الجنة والنار لم يخلقهما الله بعد وأنهما تفنيان بعد خلقهما فيخرج أهل الطاعة من الجنة بعد دخولها إلى الحزن بعد الفرح والغم بعد السرور والشقاء بعد الرخاء جميع أهل الجنان من الملائكة والأنبياء والمؤمنين وإن الجنة تخرب بعد عمارتها حتى تصير رميما لا أحد فيها
ويخرج أهل النار بعد دخولها فيصير إلى الفرح بعد الحزن وإلى السرور بعد الغم وإلى الرخاء بعد الشقاء جميع أهل النار من الأبالسة والفراعنة والكافرين وإن النار تخرب بعد عمارتها حتى تخفق أبوابها وليس فيها أحد فيصرف ثواب الله عن أوليائه وعقاب الله عن أعدائه تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا
ومنهم صنف أنكروا الميزان أنكروا أن يكون لله ميزان يزن فيه الخلق أعمالهم وأنكروا الصراط أن يكون الله عز و جل يجيز على الصراط أحدا وأنكروا الكرام الكاتبين أن يكون الله عز و جل يجعل على عباده حفظة

يحفظون أعمالهم وأنكروا الشفاعة أن يشفع رسول الله لأحد من أمته وأن يخرج الناس من النار بعد ما دخلوها وأنكروا عذاب القبر ومنكرا ونكيرا وزعموا أن الروح تموت كما يموت البدن وأن ليس عند الله أرواح ترزق شهداء ولا غيرهم وأنكروا الإسراء أن يكون رسول الله أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وأنكروا الرؤيا وزعموا أنها أضغاث أحلام وأنكروا أن يكون ملك الموت يقبض الأرواح تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا
وهذا إجماع كلام الجهمية وإنما سموا جهمية لأن الجهم بن صفوان كان أول من اشتق هذا الكلام من كلام السمنية صنف من العجم بناحية خراسان وكانوا شككوه في دينه حتى ترك الصلاة أربعين يوما وقال لا أصلي لمن لا أعرفه ثم اشتق هذا الكلام وبنى عليه من بعده
قال أبو عاصم خشيش بن أصرم وقد أنكر جهم أن يكون الله على العرش وقال الله تبارك وتعالى وهو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات وهو بكل شيء عليم وقال الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون وقال الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع وقال إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة

أيام ثم استوى على العرش وكان عرشه على الماء وقال الرحمن على العرش استوى وقوله الذين يحملون العرش ومن حوله وقوله ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية وقال حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضى بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين وقال ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا وقال رب العرش العظيم
وقال أبو عاصم من كفر بآية من كتاب الله فقد كفر به أجمع فمن أنكر العرش فقد كفر به أجمع ومن أنكر العرش فقد كفر بالله وجاءت الآثار بأن لله عرشا وأنه على عرشه
وعن أبي هريرة قال قال رسول الله الحق كتب كتابا فوضعه عنده فوق العرش إن رحمتي سبقت غضبي وفي حديث آخر أيضا لما خلق الله الخلق كتب كتابا على نفسه فهو مرفوع فوق العرش إن رحمتي تغلب غضبي
وعن سعيد بن جبير قوله وكان عرشه على الماء قال على متن الريح وعن وائل قال رأيت النبي سمع رجلا يقول الحمد لله حمدا طيبا مباركا فيه فلما سلم قال من صاحب الكلمة آنفا قال الرجل أنا وما أردت بها بأسا قال لقد رأيتها قد ابتدرها اثنا عشر ملكا ورأيتها

فتحت لها أبواب السماء فما ينهنها شيء دون العرش
وعن العباس بن عبد المطلب قال كنا مع رسول الله جلوسا بالبطحاء إذ مرت سحابة فقال أتدرون ما هذه قلنا سحاب قال والمزن قلنا والمزن قال والقتار قال فسكتنا قال أتدرون كم بين السماء والأرض قلنا الله ورسوله أعلم قال بينهما مسيرة خمسمائة عام إلى أن ذكر السموات السبع ثم قال وفوق السماء السابعة بحر بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض وفوق ذلك ثمانية أوعال ما بين ركبهم وأظلافهم كما بين السماء والأرض وفوق ذلك العرش وما بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض والله عز و جل فوق ذلك ولا يخفى عليه شيء من أعمال بنى آدم
وعن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله اهتز العرش لموت سعد بن معاذ وعن أبي ذر قال قال رسول الله حين غربت الشمس أتدرى أين تذهب قلت الله ورسوله أعلم قال فإنها تذهب فتسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها
ومن كعب الحبر قال أقرب الخلق إلى الله تعالى جبريل وميكائيل

وإسرافيل عليهم السلام وهم تحت زوايا العرش وبينهم وبين رب العالمين خمسون ألف سنة
وعن وهب بن منبه قال أربع أملاك يحملون العرش على أكتافهم لكل واحد منهم أربع وجوه وجه ثور ووجه أسد ووجه نسر ووجه إنسان ولكل واحد منهم أربع أجنحة أما جناحان فعلى وجهه ليحفظاه من أن ينظر إلى العرش فيصعق فيهفو بهما ليس له كلام إلا أن يقول قدوس الملك القوي ملأت عظمته السموات والأرض
وعن أبي هريرة قال قال رسول الله ينزل الجبار في ظلل من الغمام والملائكة ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية وهم اليوم أربعة أقدامهم على تخوم الأرض السفلى والسموات إلى حجزهم والعرش على مناكبهم فيضع الله تبارك وتعالى كرسيه حيث شاء من أرضه
وقال أبو هريرة قال رسول الله إن الله تبارك وتعالى لما فرغ من خلق السموات والأرض خلق الصور فأعطاه إسرافيل فهو واضعه على فيه شاخص بصره إلى السماء ينظر متى يؤمر وعن ابن عمر قال خلق الله تبارك وتعالى أربعة أشياء بيده العرش وجنات عدن وآدم والقلم

وقال أبو أمامة قال رسول الله سلوا الله الفردوس فإنها سرة الجنة وأهل الجنة يسمعون أطيط العرش
وعن علي رضي الله عنه قال أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام وهو عن يمين العرش قبطيتين ثم يكسى النبي عليه الصلاة و السلام وهو عن يمين العرش حلة حبرة
وعن ابن عباس قال إن الله جل اسمه كان على عرشه قبل أن يخلق شيئا فأول شيء خلق القلم فأمره أن يكتب ما هو كائن
قال أبو عاصم وأنكر جهم أن يكون لله كرسي وقد قال الله تبارك وتعالى وسع كرسيه السموات والأرض وعن ابن عباس في قوله وسع كرسيه السموات والأرض قال الكرسي موضع القدمين ولا يقدر أحد قدره غير أن أبا عاصم يعنى النبيل قال الكرسي موضع القدمين ولا يقدر قدر عرشه وعن مجاهد قوله وسع كرسيه السموات والأرض قال ما السموات والأرض في الكرسي إلا مثل حلقة بأرض فلاة
وعن ابن مسعود قال قال رسول الله إني لقائم المقام المحمود قيل وما المقام المحمود قال ذاك يوم ينزل الله تبارك وتعالى على كرسيه يئط كما يئط الرحل الجديد من تضايقه وهو كسعة ما بين السموات والأرض
وعن عبد الرحمن بن البيلماني قال ما من ليلة إلا وينزل ربكم إلى السماء

وإذا نزل إلى السماء خر أهلها سجودا حتى يرجع وذكر وهب عن عظمة الله فقال إن السموات السبع والأرضين السبع والبحار السبع لفي الهيكل قيل لفي الكرسي وإن قدميه لعلى الكرسي فهو يحمل الكرسي وقد عاد الكرسي كالنعل في قدمها فسئل وهب ما الهيكل قال شيء من أطراف السماء إلى الأرض محدق بالأرضين والبحار كالأطناب كالفسطاط
وعن أنس بن مالك قال يقول جبريل إذا كان يوم القيامة نزل عن عرشه إلى كرسيه وحف الكرسي بالمنابر وحفت المنابر بالكراسي فجاء النبيون فقعدوا عليها ثم يتجلى لهم الرب تبارك وتعالى
وقال أنس بن مالك عن النبي قال يأتوني فأمشى بين أيديهم حتى آتى باب الجنة وللباب مصراعان من ذهب مسيرة ما بينهما خمسمائة عام وعلى الباب حلقة من ياقوتة حمراء فأستفتح فيؤذن لي فأدخل على ربي تبارك وتعالى فأجده قاعدا على كرسي العز فأخر له ساجدا
قال أبو عاصم وأنكر جهم أن يكون الله في السماء دون الأرض وقد دل في كتابه أنه في السماء دون الأرض بقوله حين قال لعيسى عليه السلام إني متوفيك ورافعك إلى ومطهرك من الذين كفروا وقوله وما قتلوه يقينا وقوله بل رفعه الله إليه وقال يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه وقوله إليه يصعد الكلم الطيب

وقال وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو وقال جل اسمه وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير وقال وردوا إلى الله مولاهم الحق وقال ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وقال أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير وقال ثم إلى ربكم مرجعكم وقال إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته وقال وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وقال وله من في السموات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته وقال وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون وقال ثم أنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون وقال ثم استوى إلى السماء وهي دخان وقال إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر وقال وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا وقال في التنزيل وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا أنؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين وقال من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين وقال ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وقال إن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من

فضله على من يشاء من عباده فباؤا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين وقال ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم وقال والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون وقال نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان وقال هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات وقال وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا وقال قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وقال هذا كتاب أنزلناه مبارك وقال ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون وقال المص كتاب أنزل إليك وقال إن وليي الله الذي نزل الكتاب وقال فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وقال فأنزل الله سكينته عليه وقال يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما

في قلوبهم قل استهزؤا إن الله مخرج ما تحذرون وقال وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله وقال وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون وقال وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وقال كتاب أنزلناه إليك وأنزلناه في ليلة مباركة وقال يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وقال حتى يقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليك من ربك وقال هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء وقال ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين وقال وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضى الأمر ثم لا ينظرون وقالوا لولا أنزل عليه آية من ربه وقال إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله وقال

آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل وقال إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور وقال ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون وقال وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين وماذا أنزل ربكم قالوا خيرا وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل وقال قل نزله روح القدس من ربك بالحق وقال نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين وينزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين وقال لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وقال الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب وقال وهذا ذكر مبارك أنزلناه وقال تبارك

الذي نزل الفرقان على عبده وقال وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين وقال وإنه لتنزيل من حكيم حميد وقال إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى وقال تنزيل من رب العالمين
وكان ابو عاصم يقول لو كان في الأرض كما هو في السماء لم ينزل من السماء إلى الأرض شيئا ولكان يصعد من الأرض إلى السماء كما ينزل من السماء إلى الأرض وقد جاءت الآثار عن النبي أن الله عز و جل في السماء دون الأرض وعن البراء بن عازب قال إن رسول الله قال المؤمن إذا خرج روحه صلى عليه كل ملك بين السماء والأرض وكل ملك في السماء وفتحت له أبواب السماء ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله أن يصعد بروحه قبلهم فإذا عرج بروحه قالوا ربنا عبدك فلان فيقول ارجعوه فإني عهدت إليهم أن منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى
وقال ابن مسعود ما من عبد يقول سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر إلا أخذهن ملك فجعلهن تحت جناحه فيعرج بهن إلى السموات فلا يمر بسماء إلا دعوا لصاحبهن حتى يجيء بهن وجه الله تبارك وتعالى

والآثار جاءت بتكذيب جهم في إنكاره أن الله يجيز على الصراط عباده روى أبو هريرة قال قال رسول الله يضرب الجسر على جهنم فأكون أول من يجيز ودعاء الرسل اللهم سلم سلم وعن أبي سعيد عنه مثله
وعن ابن مسعود قال يأمر الله عز و جل بالصراط فيضرب على جهنم فيمر الناس على قدر أعمالهم كلمح البرق ثم كمر الريح ثم كمر الطير ثم كأسرع البهائم كذلك حتى يمر الرجل سعيا ثم حفى الرجل مشيا حتى يكون آخرهم رجلا يتلبط على بطنه فيقول يا رب أبطأت فيقول إنما أبطأك عملك
وقال أبو هريرة يضرب الله الصراط بين ظهراني جهنم كحد السيف عليه خطاطيف وكلاليب وحسك كحسك السعدان دونه جسر دحض مزلة فيمرون كطرف العين أو كملح البرق أو كمر الريح أو كجياد الخيل أو كجياد الركبان أو كجياد الرجال فناج سالم وناج مخدوش أو مكدوس على وجهه في جهنم
وأنكر جهم الميزان والله عز و جل يقول ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين وقالت أم المؤمنين رحمة الله عليها ورضوانه كان رسول الله في حجري فرأيت قربه مني في الدنيا وتباعدهم

في الآخرة بأعمالهم وذكرت النار فبكيت فقطر من دموعي على لحيته فقال ما لعائشة قالت يا رسول الله صلى الله عليك ذكرت النار فبكيت هل تذكرون أهليكم يوم القيامة قال أما في ثلاث مواطن فلا حين يقال في الصحف هاؤم فإن أحدا لا يذكر أحدا حتى ينظر بيمينه يعطى كتابه أم بشماله وحين توضع الأعمال في الموازين فإن أحدا لا يذكر أحدا حتى يثقل ميزانه أو يخف وحين يؤخذ الناس على الصراط بين ظهراني جهنم جنبتاه كلاليب وحسك فإن أحدا لا يذكر أحدا عند ذلك حتى ينظر ينجو أم يقع وقال النبي إن الموازين بيد الله يرفع أقواما ويضع آخرين وقال عكرمة أشد الناس حسرة يوم القيامة رجل أبصر ماله في ميزان غيره إنه يأكل كفيه إلى إبطيه ثم ينبتان ثم يأكلهما حسرة وندامة حتى يقضي الله في أمره ما أراد
وأنكر جهم وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين وقد رأى النبي رجلا يغتسل في صحن داره فقال اتقوا الله واستحيوا من الكرام الكاتبين إذا اغتسل أحدكم فليتوار
ودخل يعلى بن عبيد على محمد بن سوقة قال أحدثكم بحديث لعل الله ينفعك فإنه قد نفعنا قال لنا عطاء بن أبي رباح إن من كان قبلكم يكره فضول الكلام ما عدا كتاب الله يقرءونه أو أمر بمعروف أو نهى عن منكر أو تنطق بحاجتك لمعيشتك التي لا بد لك منها أتنكرون إن عليكم لحافظين كراما كاتبين وإن عن اليمين وعن الشمال قعيد أما يستحيى أحدكم لو نشرت عليه صحيفته التي أملي صدر نهاره أكثر ما فيها ليس من أمر دينه ولا دنياه

وأنكر جهم أن يكون لله جل وعلا حجاب ومما يدل على أن الله تبارك وتعالى في السماء بائن من خلقه ودونه الحجب التي احتجب بها قال النبي إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه يرفع إليه عمل النهار قبل الليل وعمل الليل قبل النهار حجابه النور ولو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره
وقال كعب الحبر أقرب الخلق إلى الله تعالى جبريل وميكائيل وإسرافيل وهم تحت زوايا العرش وبينهم وبينه مسيرة خمسين ألف سنة
وقال ابن عمر احتجب الله من الخلق بأربعة بنار وظلمة ونور وظلمة وعن وهب بن منبه قال إن إبليس على عرشه في لجة خضراء يتمثل بالعرش يوم كان على الماء ويحتجب بالحجب دون الرحمن تبارك تعالى
وأنكر جهم أن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا في النصف من شعبان روى أبو هريرة عن النبي قال ينزل الله تبارك وتعالى كل ليلة حين يبقي ثلث الليل الآخر إلى السماء الدنيا من يدعوني فأستجب له من يستغفرني فأغفر له من يسألني فأعطيه
وعن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري قالا إن رسول الله قال إن الله يمهل حتى إذا كان ثلث الليل الآخر نزل إلى هذه السماء

فنادى يقول هل من مذنب يتوب هل من مستغفر هل من داع هل من سائل
وعن عثمان بن أبي العاص عن رسول الله قال إن في الليل ساعة تفتح فيها أبواب السماء فينادي مناد هل من داع فأستجيب له هل من سائل فأعطيه هل من مستغفر فأغفر له
وعن ابن عباس في قوله يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب قال ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا في شهر رمضان فيدبر أمر السنة فيمحو ما يشاء من الشقاء والسعادة والموت والحياة
وعن كعب قال إن الله جل اسمه يطلع في النصف من شعبان إلى أهل الأرض فيغفر لكل أحد إلا لمشرك أو مشاحن
ومما يدل على أن الله تبارك وتعالى ينزل كيف يشاء إذا شاء صعوده إلى السماء واستواؤه على العرش فزعمت الجهمية وقالت من يخلفه إذا نزل قيل لهم فمن خلفه في الأرض حين صعد علمه بما في الأرض كعلمه بما في السماء وعلمه بما في السماء كعلمه بما في الأرض سواء لا يختلف
ومما يدل على ذلك قوله عز و جل هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات

ربك وقوله وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا وقوله ويوم يعرض الذين كفروا على النار وقوله وجاء ربك والملك صفا صفا
وجاءت الآثار روى عن ابن مسعود أنه قال قال رسول الله إني لقائم المقام المحمود قيل وما المقام المحمود قال ذاك يوم ينزل الله عز و جل على كرسيه يئط كما يئط الرحل الجديد من تضايقه وهم كسعة ما بين السماء والأرض وقال ابن عباس في قوله هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام قال يأتي يوم القيامة في ظلل من السحاب قد قطعت طاقات طاقات
وعن الضحاك بن مزاحم قال إذا كان يوم القيامة أمر الله السماء الدنيا فتشققت ونزل ما فيها من الملائكة فأحاطوا بالأرض ومن عليها ثم الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة ثم الخامسة ثم السادسة ثم السابعة فيصفون صفا دون صف ثم ينزل الملك الأعلى وأتى بجهنم فإذا رآها أهل الأرض فروا فلا يأتون قطرا من أقطار الأرض إلا وجدوا سبع صفوف من الملائكة فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه للحساب فذلك قوله إني أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين وقوله ويوم تشقق السماء بالغمام

ونزل الملائكة تنزيلا وقوله وجاء ربك والملك صفا صفا وقوله يا معشر الجن والأنس إن استطعتم أن تنفدوا من أقطار السموات والأرض فانفدوا لا تنفدون إلا بسلطان وقوله وانشقت السماء فهي يومئذ واهية والملك على أرجائها وأرجاؤها أطرافها وحافتها
وعن ابن مسعود قال يقومون لرب العالمين وقرأ عبد الله وقفوهم إنهم مسئولون حتى يمر المسلمون فيتمثل الله عز و جل للخلق فيقول لهم من كنتم تعبدون فيقولون الله فعند ذلك يكشف عن ساق ولا يبقى مؤمن إلا خر ساجدا ويبقى المنافقون ظهورهم طبقا واحدا
وقال صفوان بن محرز كنت أماشي ابن عمر فعرض له رجل فقال يا ابن عمر ما تقول في النجوى قال سمعت رسول الله يقول يدنو المؤمن من ربه يوم القيامة حتى يضع كتفه عليه فيقرره بذنوبه فيقول هل تعرف فيقول أعرف فيقول هل تعرف فيقول أعرف فيقول بأني سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم قال ويعطي صحيفة حسناته وأما الكافر والمنافق فينادي بهم على رءوس الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين وإنما سموا الملائكة المقربين لقربهم من الله دون جميع خلقه
وإنما تحيرت الجهمية وضلت عقولهم حين قالوا إن الله لا يخلو منه شيء

ولا يزول عن موضعه فأسرع إلى الجهال قولهم وكذلك ربنا جل وعز ولكن ليس بمنزلة الخلق في نزوله وليس أحد من الخلق يصير عن مكانه وموضع كان فيه إلى مكان غيره إلا وهو زائل عن موضعه ومكانه الأول لنفسه وعلمه لجهله بما يحدث بعده على مكانه وموضعه الأول وإن الله تبارك وتعالى لما استوى من الأرض إلى السماء أو نزل من سماء إلى سماء أو إلى الأرض لا يعزب عن علمه شيء في السموات ولا في الأرض علمه بما فيهن بعد الاستواء وبعد النزول كعلمه بهن قبل ذلك لم ينقص الاستواء في النزول من علمه ولا زاد تركه في علمه فمن كان هذا حاله فليس بزائل عن خلقه ولا خلقه بخال من علمه تبارك الله رب العالمين
وأنكر جهم النظر إلى الله جل وD والله يقول وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة وقال تحيتهم يوم يلقونه سلام وقال في مقعد صدق عند مليك مقتدر وقال كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون
واعلموا رحمكم الله أن أعظم ما يرجو أهل الجنة من الثواب النظر إلى الله عز و جل وقد روى أبو هريرة قال قال الناس يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة قال هل تضارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب قالوا لا يا رسول الله قال فهل تضارون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب قالوا لا يا رسول الله قال فأنتم ترونه يوم القيامة كذلك

وقال جرير بن عبد الله البجلي كنا جلوسا عند رسول الله فرأى القمر ليلة البدر قال فإنكم ترون ربكم كما ترون هذا لا تضارون في رؤيته
وعن صهيب عن النبي في قوله للذين أحسنوا الحسنى وزيادة قال النظر إلى وجه الله عز و جل وعن عكرمة في قوله للذين أحسنوا الحسنى وزيادة قالوا لا إله إلا الله و الحسنى الجنة وزيادة قال النظر إلى وجه الله الكريم
وسئل ابن عباس قال عن كل من دخل الجنة نظر إلى الله قال نعم وكان عليه السلام يقول في دعائه اللهم إني أسالك برد العيش ولذة النظر إلى وجهك وشوقا إلى لقاءك
وعن أنس بن مالك قال ذكر المزيد فقلت وما المزيد فقال رسول الله إن أهل الجنة يغدون إلى ربهم كل جمعة فتوضع لهم مجالس فمنهم على منابر ومنهم على كراسي ونحو ذلك فيقول أطعموا عبادي فيطعمون ثم يقول اسقوا عبادي فيسقون ثم يقول اكسوا عبادي فيكسون قال وذكر النظر قال فينظرون إلى الله تبارك وتعالى
وسئل ابن عباس هل رأى محمد ربه قال نعم رآه قال عكرمة فقيل لابن عباس أليس الله يقول لا تدركه الأبصار

قال ابن عباس لا أم لك ذلك نوره الذي هو نوره إذا تجلى به لم يستقم له شيء
وقال عكرمة ماذا أعطى الله عبده من النور في عينيه أن لو جعل نور أعين جميع خلقه من الجن والإنس والدواب وكل شيء خلق الله فجعل نور أعينهم في عين عبد من عباده ثم كشف عن الشمس سترا واحدا ودونها سبعون سترا إذا ما قدر أن ينظر إلى الشمس والشمس جزء من سبعين جزءا من نور الستر قال عكرمة فانظر ماذا أعطى الله عبده من النور أن ينظر إلى وجه ربه الكريم عيانا في الجنة
وعن عكرمة أن الله يرسل إلى أوليائه في الجنة براذين من ياقوت سرجها ولجمها من ذهب ألين من الحرير يخرجون زائرين إلى رب العالمين وقال يظلهم الغمام وتحفهم الملائكة قال ثم يقول الله عز و جل يا ملائكتي عبادي وزواري وجيراني أطعموهم من لحم طير خضر ليس في الجنة مثلها ثم يكسون ويطيبون ثم يتجلى لهم الرب تبارك وتعالى
وقد قال أبو عاصم إذا كان المؤمن يحجب عن ربه ولا يراه والكافر محجوب عن ربه فما فضل المؤمن على الكافر وقول الله عز و جل ورسوله وأصحاب رسوله أحق أن يتبع من قول جهم في النظر إلى الله عز و جل
وأنكر جهم أن يكون لله عز و جل وجه وهو يقول ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام وقال كل شيء هالك إلا وجهه

وقال والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وقال إنما نطعمكم لوجه الله وقال فأينما تولوا فثم وجه الله وقال ذلك خير للذين يريدون وجه الله وقال وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله
وروى أنس بن مالك قال قال رسول الله في قوله فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين قال هكذا بأصابعه فقال ثابت لحميد لا تحدث بهذا يا أبا محمد فزبره حميد وانتهره وقال حدث به أنس وزعم أنس أن رسول الله حدث به وأنا أكتمه
وقال ابن مسعود إن ربكم ليس عنده ليل ولا نهار ونور السموات والأرض من نور وجهه
وعن ابن عمر أن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه ونعمه وخدمه وسرره مسيرة ألف عام وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه بكرة وعشيا ثم تلى هذه الآية وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة
وكان علي عليه السلام يقول في دعائه وجهك أكرم الوجوه وجاهك خير الجاه

وروى أبو هريرة قال قال رسول الله لا يقولن أحدكم قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك فإن الله خلق آدم على صورته وعن أبي هريرة قال قال رسول الله إذا ضرب أحدكم فليتجنب الوجه فإن الله عز و جل خلق آدم على صورته
وقال أبو رزين سمعت رسول الله يقول ضحك ربنا تبارك وتعالى من قنوط عباده وقرب غيره قال ابو رزين فقلت يا رسول الله ويضحك الرب فقال نعم يا أبا رزين لن نعدم من رب يضحك خيرا وقال عليه الصلاة و السلام يأتينا ربنا يوم القيامة ونحن على مكان رفيع فيتجلى لنا ضاحكا
وقال أبو موسى الأشعري قال رسول الله يجمع الله عز و جل المؤمنين في صعيد واحد فإذا أراد أن يصدع بين خلقه مثل لكل قوم ما كانوا يعبدون فيتبعونهم حتى يدخلوهم النار ثم يأتينا ربنا ونحن على مكان مرتفع فيقول من انتم فيقولون نحن مسلمون فيقول من تنتظرون فيقولون ننتظر ربنا فيقول من اين تعرفون ربكم وهل تعرفونه إذا رأيتموه فيقولون جاءتنا الرسل فصدقنا واتبعنا فيقول لهم وكيف تعرفونه ولم تروه فيقولون نعم فيتجلى لهم ضاحكا
وعن عبد الله بن عمر قال يضحك الله إلى صاحب البحر ثلاث مرات حين يركبه ويتخلى عن أهله وحين يميد متشحطا وحين يرى البر
وعن ابن مسعود قال رجلان يضحك الله إليهما رجل تحته فرس من أمثل خيل أصحابه فانهزموا وثبت إلى أن قتل شهيدا وإن بقى فتح الله عليه فذلك يضحك إليه ورجل قام من الليل لا يعلم به أحد فأسبغ الوضوء وصلى على النبي

واستفتح القراءة فيضحك الله سبحانه وتعالى إليه ويقول انظروا إلى عبدي لا يراه غيري
وعن أبي هريرة قال قال رسول الله يضحك الله لرجلين يقتتلان كلاهما يدخل الجنة قالوا كيف يا رسول الله قال يقتل هذا فيلج الجنة ثم يتوب الله على الآخر فيهديه إلى الإسلام ثم يجاهد في سبيل الله فيستشهد
وعن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله يضحك الله إلى ثلاثة القوم إذا صفوا في الصلاة والرجل يقاتل من وراء أصحابه والرجل يقوم في سواد الليل
وأنكر جهم أن يكون لله سمع وبصر وقد أخبرنا الله عز و جل في كتابه ووصف نفسه في كتابه قال الله تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ثم أخبر عن خلقه قال عز و جل فجعلناه سميعا بصيرا فهذه صفة من صفات الله أخبرنا أنها في خلقه غير أنا لا نقول إن سمعه كسمع الآدميين ولا بصره كأبصارهم وقال لقد سمع الله قول الذين قالوا أن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق وقال فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون وقال أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم وقوله يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر

وقال إني معكما اسمع وأرى وقال وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني وقال كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إنك كنت بنا بصيرا وقال الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين وقال فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وقال لما خلقت بيدي وقال ذلك بما قدمت يداك وقال ويبقى وجه ربك وقال فولوا وجوهكم وقال وتوكل على الحي الذي لا يموت وقال أحياء عند ربهم يرزقون ثم قال لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى فقد وصف الله من نفسه أشياء جعلها في خلقه والذي يقول ليس كمثله شيء وإنما أوجب الله على المؤمنين اتباع كتابه وسنة رسوله
وقال أبو موسى كنا مع رسول الله في سفر أو غزاة فإذا أشرفنا على واد هللنا وكبرنا فارتفعت أصواتنا فقال يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنه معكم سميع قريب
وقال وهب قال الله تبارك وتعالى لموسى عليه السلام انطلق برسالتي فإنك بعيني وسمعي ومعك يدي ونصري وعن وهب قال الرب تبارك وتعالى لآدم اخترت مكانه يعني الكعبة يوم خلقت السموات والأرض

وقبل ذلك كان بعيني وهو صفوتي من البيوت وعن ابن عمر قال قام رسول الله في الناس فأثنى على الله جل اسمه بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال إني لأنذركموه وما من نبي إلا وقد أنذر قومه ولقد أنذر نوح قومه ولكني سأقول لكم قولا لم يقله نبي لقومه تعلمون أنه أعور وأن الله ليس بأعور
وأنكر جهم أن ملك الموت يقبض الأرواح والله عز و جل يقول قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم
ولقي سماك ابن عباس في المدينة فقال ما تقول في أمر غمني واهتممت به قال ما هو قلت نفسان اتفق موتهما في طرفة عين واحد في المشرق وآخر في المغرب كيف قدر عليهما ملك الموت قال والذي نفسي بيده ما قدرة ملك الموت على أهل المشارق والمغارب والظلمات والنور والهواء إلا كقعدة الرجل على مائدة يتناول من أيها شاء
وقد ذكر أيضا أن الدنيا يدبرها أربعة أملاك فجبريل على الريح والجنود وميكائيل على القطر والنبات وملك الأنفس على الأنفس وكل هؤلاء يوفع إلى إسرافيل
وقال مجاهد ما على الرض بيت شعر ولا مدر إلا وملك الموت يطوف فيه كل يوم مرتين وقوله توفته رسلنا قال تتوفاه الرسل وملك الموت يقبض منهم الأنفس
قال الحسن بن عبيد الله هم أعوان ملك الموت وقال سليمان بن داود لملك

الموت عليهما السلام ألا تعدل بين هؤلاء الناس قال أنا أعلم بذلك منك إنما هي كتاب أو صحيفة تلقى
وأنكر جهم عذاب القبر ومنكرا ونكيرا وقال أليس يقول لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى
وقد أخبرنا بأمر منكر ونكير فمن أولى أن يتبع النبي أم جهم ثم يقال لهم أخبرونا عن عزير حين أماتة الله عز و جل مائة عام ثم بعثه بعد موته كم موتة أماته وكم حياة أحياه ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون والسبعون الذين قالوا لموسى أرنا الله جهرة فأماتهم الله ثم أحياهم وذلك قوله تعالى ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون كم موتة أماتهم وكم حياة أحياهم
وفيما يخبر عن منكر ونكير قوله تعالى يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة روى عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله قال كيف بك يا عمر وبفتاني القبر إذا اتياك يحفران الأرض بأنيابهما ويطآن أشعارهما أعينهما كالبرق الخاطف وأصواتهما كالرعد القاصف معهما مرزبة لو اجتمع عليها أهل من لم يقلوها قال عمر وأنا على مثل ما أنا عليه اليوم يا رسول الله قال وأنت على مثل ما أنت عليه اليوم قال إذا كفيكهما إن شاء الله قال وعبيد بن عمير يقول ذلك منكر ونكير
وعن ابن مسعود قال يجلس العبد في قبره إجلاسا فيقال له ما أنت فإن

كان من أهل الجنة قال أنا عبد الله حيا وميتا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله فيفسح له في قبره ما شاء الله وينزل عليه من كسوة الجنة ويرى مكانه في الجنة ويقال للآخر ما أنت فيقول لا أدرى ثلاث مرات فيقال له لا دريت ثلاثا فيضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه ويرى مكانه من النار فيرسل عليه حيات من جوانب قبره فتنهشه وتأكله فإن جزع وصاح ضرب بمقمعة من نار أو حديد
وعن عائشة رحمة الله عليها أن النبي كان يقول اللهم إنى أعوذ بك من عذاب القبر وقالت دخلت على امرأة من اليهود فقالت إن عذاب القبر من البول فقلت كذبت قالت بلى إنا لنقرض منه الجلود والثوب فدخل رسول الله وقد ارتفعت أصواتنا فقال ما هذا فأخبرناه بما قالت قال صدقت فما صلى رسول الله من يومئذ إلا قال في دبر كل صلاة اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل أعذنى من حر النار وعذاب القبر
وأنكر جهم أن الله يتكلم والله يقول أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما علقوه وهم يعملون وقال لا تبديل لكلمات الله وقال وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون وقال ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين وقال وأتل ما أوحى إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته وقال لو كان البحر مدادا لكلمات ربى لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربى ولو جئنا بمثله مددا وقال لو أن ما الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله وقال أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله

يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم وقال وتمت كلمة ربك لأملان جهنم وقال وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إنى أعلم ما لا تعلمون وقال إذ قال ربك للملائكة إنى خالق بشرا من طين وقال شهد الله إنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم وقال كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون وقال وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون وقال ومن أصدق من الله قيلا وقال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون وقال إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون وقال وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين وقال يوم يجمع الله الرسل وقال إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتى عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة و الأنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذنى فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذنى وتبرئ الأكمه والأبرص بإذنى وإذ تخرج الموتى بإذنى وإذ كففت بنى إسرائيل عنك إذ جئتهم

بالبينات فقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين وقال إني متوفيك ورافعك إلى ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين أتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلى مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون وقال هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم وقال وإذ قال ربك للملائكة إنى خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون وقال والله يقول الحق وهو يهدى السبيل وقال فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين وفي القرآن مثل هذا كثير
فأما الآثار فإن ابن مسعود قال إنما هي اثنتان الهدى والكلام فأحسن الكلام كلام الله وأحسن الهدى هدى محمد وشر الأمور محدثاتها
وعن أبي أمامة قال قال رسول الله ما تقرب العباد إلى الله عز و جل بمثل ما خرج منه يعنى القرآن
وعن ابن عباس قال خلق الله لوحا محفوظا من درة بيضاء دفتاه ياقوتة كلامه بر وكتابه نور وعرضه ما بين السماء والأرض ينظر فيه كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة يخلق بكل نظرة ويحيى ويميت ويعز ويذل ويفعل ما يشاء
وقال جابر بن عبد الله كان رسول الله يعرض نفسه

في الموسم على الناس في الموقف يقول هل من رجل يحملنى إلى قومه فإن قريشا منعونى أن أبلغ كلام ربى عز و جل فأتاه رجل من بنى همدان فقال أنا فقال أو عند قومك لي منعة وسأله من هو قال من همدان ثم إن الهمدانى خشى إن يجفوه قومه فقال يا رسول الله آتيهم فأخبرهم ثم ألقاك من قابل فانطلق وجاءت وفود الأنصار في رجب
وينبغى أن يقال للجهمية من يحاسب الناس يوم القيامة إن كان لم يكلم ولا يتكلم أليس هو المخبر فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسئلن المرسلين وقوله لعيسى عليه السلام أأنت قلت للناس أتخذونى وأمى إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لى أن أقول ما ليس لى بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب فقال عيسى عليه السلام الحق ولم يدع كذبا وما قلت لهم إلا ما أمرتنى به
ويقال للجهمية أيضا خلق السموات والأرض و خلق من الماء بشرا وقال في كتابه خلق الموت والحياة وقال خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن فهل وجدتم في كتاب الله عز و جل أنه يخبر عن القرآن أنه خلقه كما خلق هذه الأشياء أليس الله عز و جل يقول رب المشارق والمغارب و رب هذه البلدة الذي حرمها وقال ربكم ورب آبائكم الأولين فهل قال في القرآن رب القرآن كما قال لهذه الأشياء إنه

ربها أو هل تجد شيئا في سنن رسول الله أن الله خلق القرآن وهو ربه بل قال دعوا كل شيء مبتدع إذا أتى آت بشيء ليس في كتاب الله ولا في سنة رسوله فدعواه باطل ألا ترى أن الجهمية ينبغي أن يقال لهم في دعواهم إنا جعلناه قرآنا عربيا و وجعلناه نورا نهدى به إن جعل في القرآن على معنيين على خلق وعلى غير خلق فالذي على خلق لا يكون إلا على خلق ولا يقوم إلا على مقام خلق ولا يزول عنه المعنى والذي على غير الخلق لا يكون خلق ولا يقوم إلا مقام الخلق ولا يزول عنه المعنى وقد ذكر الله عز و جل جعل المخلوقين ولكل جعل في القرآن طريق ومذهب فالذي ذكر الله من جعل المخلوقين قوله وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم سنكتب شهادتهم ويسألون وذلك أنهم وصفوا الملائكة أنهم إناث وقوله وجعلوا لله شركاء ووصفوا أن لله شركاء وقال جعلوا القرآن عضين وذلك أنهم قالوا إن القرآن شعر و أساطير الأولين يقول سموه بأشياء وقال جعلوا أصابعهم في آذانهم فهذا خبر عن فعل من أفعالهم وقال حتى إذا جعله نارا فهذا أيضا خبر عن فعل
ثم ذكر حعل منه على معنى الخلق فقال الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور يقول خلق الظلمات والنور فأوقع اسم الخلق على الظلمات والنور وقال وجعل لكم السمع والأبصار فأوقع

اسم الخلق على الأسماع والأبصار وقال وجعلت له مالا ممدودا وجعلنا الليل والنهار آيتين وجعل الشمس سراجا يقول وخلق الشمس سراجا ومثله في القرآن كثير أذكره في آخر الكتاب إن شاء الله في باب الحجاج
واعلم أن كل ما وقع عليه اسم الخلق هو موجود في ذاته ثم ذكر الجعل على غير معنى الخلق فقال ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون لا يعنى ما خلق الله من بحيرة وقال لإبراهيم عليه السلام إنى جاعلك للناس أماما لا يعنى بذلك خالقك لأن خلق إبراهيم عليه السلام قد تقدم وقول إبراهيم عليه السلام رب إجعلنى مقيم الصلاة لا يعنى اخلقنى وكذلك قال الله عز و جل لأم موسى عليه السلام إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين فمعناه التصبير وقوله لا تجعلنا فتنة لا يعنون لا تخلقنا فتنة وقوله ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم وقوله لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم وقوله ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ومثله في القرآن كثير وما يكون على مثاله لا يكون الجعل على معنى الخلق

وأما قوله ولكن جعلناه نورا فمعناه أنزلناه نورا ومصداق ذلك قوله عز و جل فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا وقال يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا وقال فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون وقال قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس والجعل في القرآن على وجوه يعلم ذلك أهل العلم والمعرفة بالله وبكتابه ويجهله من جهل عن الله وكتابه
فأما قوله إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل بعد ما خلقهم وقال والله جعل لكم مما خلق ظلالا بعد ما خلق لهم جعل لهم ظلالا وقال الرحمن علم القرآن ثم قال خلق الإنسان ولو شاء لقال الرحمن خلق القرآن غير أن الله عز و جل لا يسمى الأسماء إلا باسم الحق والصدق وقال ومن أصدق من الله قيلا ألا ترى إلى قوله الرحمن علم القرآن خلق الإنسان يخبر بخلق غير خلق القرآن فلا حجة لجهم المارق ولا لمن تبعه فافهم
وأنكر جهم أن الله كلم موسى تكليما والله يقول ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن ترانى ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف ترانى وقال لموسى عليه السلام إنى اصطفيتك

على الناس برسالاتى وبكلامى فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين وقال فلما أتاها نودى يا موسى إنى أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادى المقدس طوى وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى إنى أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدنى و أقم الصلاة لذكرى إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى وقال وما أعجلك عن قومك يا موسى وقال وإذ نادى ربك موسى وقال فلما جاءها نودى أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم وقال فلما أتاها نودى من شاطئ الوادى الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إنى أنا الله رب العالمين وقال وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا وقال وما كنت بجانب الطور أذ نادينا
فأما الأثر فإن كعبا قال لما كلم الله موسى كلمه بالألسن كلها قبل أن يكلمه بكلامه قال له موسى أى رب أهذا كلامك قال لا ولو كلمتك بكلامى لم تستقم أو لم تك شيئا قال رب فهل من خلقك من يشبه كلامه كلامك قال أشد خلقى شبها بكلامى ما تسمعون من هذه الصواعق
وقال وهب نودى من الشجرة فقيل يا موسى فأجاب سريعا وما يدرى

من دعاه وما سرعة إجابته إلا أنسا بالأنس فقال لبيك إنى لأسمع صوتك ولا أرى مكانك فأين أنت قال أنا فوقك ومعك وأمامك وخلفك وأقرب إليك من نفسك فلما سمع موسى عليه السلام علم أنه لا ينبغى ذلك إلا لربه عز و جل فأيقن به فقال كذلك أنت يا إلهى فكلامك أسمع أم رسولك قال بل أنا الذي أكلمك ثم قال الرب جل وعز إنى أقمتك اليوم مقاما لا ينبغى لبشر بعدك أن يقومه أدنيتك وقربتك حتى سمعت كلامى وكنت بأقرب الأمكنة منى فانطلق برسالتى فإنك بعينى وسمعى ومعك أيدى ونصرى وقد ألبستك جنة من سلطانى تستكمل بها القوة في أمرى
وقال مجاهد فمنهم من كلم الله قال كلم موسى وأرسل محمدا عليهما السلام وقال كعب كلم الله عز و جل موسى مرتين
وعن أبي سعيد الخدرى قال قال رسول الله قال آدم لموسى أنت الذي اصطفاك الله بكلامه وذكر الحديث
وأنكر جهم أن الله استوى إلى السماء والله تبارك وتعالى يقول هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات وهو بكل شيء عليم
وعن عكرمة قال إن الله تعالى خلق آدم بيده كرامة لابن آدم و غرس الجنة بيده كرامة لابن آدم وكتب التوراة بيده وخلق السموات والأرضين وكل شيء خلقه في ستة أيام فبدأ في خلقهم يوم الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة ثم استوى على العرش في ثلاث ساعات بقين من يوم الجمعة فخلق في ساعة فيها النتن الذي ألقاه على ابن آدم كى لا يعبدوه وفي ساعة منها السوس الذي

يقع في الطعام لكى يرغب العباد إلى الله وقال مجاهد قوله هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات وهو بكل شيء عليم يقول خلق سبع سموات بعضها فوق بعض وسبع أرضين بعضها تحت بعض
وأنكر جهم الشفاعة وأن قوما يخرجون من النار وأبو هريرة يقول قال رسول الله إن لكل نبى دعوة مستجابة وأنى اختبأت دعوتى شفاعة لأمتى وهى نائلة لكم إن شاء الله ولمن مات لا يشرك بالله شيئا
وعن أنس أن رسول الله قال إن قوما يخرجون من النار قد أصابهم سفع من النار عقوبة بذنوب عملوها ثم يخرجهم الله من النار بفضل رحمته فيدخلهم الجنة
وقال جابر بن عبد الله سمعت رسول الله يقول يخرج قوم بالشفاعة وعن علي عليه السلام قال سمعت رسول الله يقول يدخل أناس من أمتى النار فيحرقون حتى يعودوا فحما فأستشفع لهم فيدخلون الجنة وقال عمر رضي الله عنه سيخرج بعدكم قوم يكذبون بالرجم ويكذبون بالدجال ويكذبون بعذاب القبر ويكذبون بقوم يخرجون من النار
وعن أنس قال قال رسول الله إن الرجل ليشفع في مثل ربيعة ومضر وقال عليه السلام ليدخلن بشفاعة رجل من أمتى أكثر من بنى تميم قال أبو ذر سواك يا رسول الله قال سواى وعنه عليه السلام أنه قال إن من أمتى لمن يشفع في أكثر من ربيعة ومضر
وعن الحسن بن علي قال قال رسول الله إن أصحاب الكبائر من موحدى الأمم الذين ماتوا على كبائرهم غير نادمين تأخذهم النار على قدر أعمالهم ثم يخرجهم الله من النار فيدخلهم الجنة

قال أبو عاصم وأنكر جهم أن يكون لله تعالى يد وكذب على الله عز و جل والله يقول وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين وقال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدى استكبرت أم كنت من العالمين وقال والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون وقال إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما
وعن ابن عباس قال إنما سمى آدم لأنه من أديم الأرض قبضه من تربة الأرض فخلقه منها وفي الأرض البياض والحمرة والسواد وكذلك ألوان الناس مختلفة
وعن ابن عباس في قوله عز و جل وقربناه نجيا قال سمع صريف القلم حين كتب في اللوح وعن ابن مسعود قال قال رسول الله

أول من يكسى يوم القيامة يقول الله عز و جل أكسوا خليلى إبراهيم ثم أكسى على أثره ثم أقوم عن يمين الله مقاما يغبطنى به الأولون والآخرون وفي حديث آخر ساعد الله أشد وموسى الله أحد وقال عليه السلام ما التقى فئتان إلا وكف الله بينهما فإذا أراد الله أن يهزم إحدى الطائفتين أمال كفه بينهما وعن أم سلمة أن رسول الله قال ما من خلق من بنى آدم إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الله إن شاء أقامه وإن شاء أزاغه قال جابر بن عبد الله كان النبي يكثر من القول يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك قال له رجل من أصحابه تخاف علينا وقد آمنا بك وما جئت به قال القلب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقول بها هكذا وقلب بأصبعيه السبابة و الوسطى
وعن ابن مسعود في قوله يكشف عن ساق قال عن ساق عرشه تبارك وتعالى وقال أيضا يقومون يوم القيامة لرب العالمين فعند ذلك يكشف عن ساق فلا يبقى مؤمن إلا خر ساجدا ويبقى المنافقون ظهورهم طبقا واحدا وقال عليه السلام أيفرح أحدكم براحلته إذا ضلت ثم وجدها قالوا نعم قال والذي نفسى بيده الله أشد فرحا بتوبة عبده إذا تاب من أحدكم براحلته رواه أبو هريرة وروى أيضا عن رسول الله قال تحاجت الجنة والنار فقال الله عز و جل للجنة إنما أنت رحمتى أرحم بك من أشاء من عبادى وقال للنار إنما أنت عذابى أعذب بك من أشاء من عبادى ولكل واحدة منكما ملؤها فأما أهل النار فيلقون فيها وتقول هل من مزيد ولا تمتلئ حتى يضع رجله أو قال قدمه فتقول قط قط قط فهناك تمتلئ

وتنزوى وأما الجنة فإن الله ينشئ لها ما شاء
وأنكر جهم أن الله جل اسمه خلق الجنة والنار والله عز و جل يقول اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين
وقال ابن مسعود خلق الله آدم مما وصفه في كتابه ثم أسكنه الجنة وإبليس إنما خلقه ريحا يدخل في فم الشيء ويخرج من دبره وقال ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم
وعن أبي هريرة قال قال رسول الله إن العبد إذا تصدق من طيب يتقبلها الله منه ويربيها كما يربي أحدكم مهره أو فصيله وأن الرجل ليتصدق باللقمة فتربو في يد الله أو في كف الله حتى تكون مثل جبل فتصدقوا
وعن أبي موسى الأشعرى قال قال رسول الله إن الله يوم خلق آدم قبض من صلبه قبضة فوقع كل طيب في يمينه وكل خبيث في يده الآخرى فقال لأصحاب اليمين هؤلاء في الجنة وهؤلاء في النار ولا أبالى وسئل عمر بن الخطاب رحمة الله عليه عن هذه الآية وإذ أخذ ربك من بنى آدم فقال عمر رضي الله عنه سمعت رسول الله يقول

لما خلق الله عز و جل آدم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للجنة ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للنار
وعن أبي هريرة قال قال رسول الله لما خلق الله آدم كتب بيده إن رحمتى تغلب غضبى وقال عليه السلام يمين الله ملأى لا يقبضها سخاء الليل والنهار أرأيتم ما أنفق منذ يوم خلق السموات والأرض فإنه لم ينقص مما في يمينه وكان عرشه على الماء ويده الآخرى ترفع وتخفض وعن ابن عباس قال أخذ الله عز و جل ذرية آدم من صلبه كهيئة الذر ثم قال يا فلان اعمل كذا وكذا وقال يا فلان امسك كذا وكذا ثم قبض يمينه وقبض بيده الآخرى وقال لمن في يمينه ادخلوا الجنة بسلام وقال لمن في يده الآخرى أدخلوا النار ولا أبالى وعن ابن عمر عن النبي قال إن أول شيء خلقه الله جل اسمه القلم وأخذ بيمينه وكلتا يديه يمين فكتب الدنيا وما يكون فيها
وعن ابن عباس قال قال رسول الله أتاني الليلة ربي في أحسن صورة قال أحسبه قال في المنام قال يا محمد تدري فيم الملأ الأعلى قلت لا فوضع يده بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثديي أو نحري فعلمت ما في السموات والأرض
وقال ابن عمر قرأ رسول الله هذه الآية على منبره وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات

مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ونفخ في الصور فصعق من في السموات والأرض إلا من شاء الله فقال عليه السلام بيده يخبر عن ربه عز و جل والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه قال يقول أنا الجبار المتكبر ما زال عليه السلام يكررها حتى رجفت به المنبر قال قلت لتقعن به وعن أبي موسى عن النبي قال إن الله تبارك وتعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسىء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسىء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها وإبليس لا يقدر أن يتحول عن خلقه إلا بسحر فعرض نفسه على الدواب والبهائم والطير أيما يقبله فلم يقبله شيء إلا الحية فدخل في جوفها فأوحى الله إلى آدم وحواء ما أوحى
وعن أسامة بن زيد قال قال رسول الله فقمت على باب الجنة فرأيت أكثر ما يدخلها الفقراء وإذا أصحاب الجد محبوسون ثم قمت على باب النار فرأيت أكثر أهلها النساء وعن أنس بن مالك قال قال رسول الله دخلت الجنة فإذا أنا بنهر يجري حافتاه خيام اللؤلؤ فضربت بيدي إلى ما يجري فيه فإذا مسك أذفر قلت يا جبريل ما هذا قال هذا الكوثر الذي أعطاك الله أو قال ربك
وعن رافع بن خديج قال قلت يا رسول الله قل لي كيف الإيمان بالقدر قال تؤمن بالله وحده وأنه لا شريك له وأنه لا يملك معه أحد ضرا ولا نفعا وتؤمن بالجنة والنار وتعلم أن الله خلقهما قبل الخلق ثم خلق الخلق فجعل من شاء منهم إلى الجنة وجعل منهم من شاء إلى النار عدلا ذلك منه

وعن أبي هريرة قال قلنا يا رسول الله أخبرنا عن الجنة ما بناؤها قال لبنة من ذهب ولبنة من فضة وملاطها المسك الأذفر وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وترابها الزعفران من يدخلها يخلد ولا يموت وينعم لا يبؤس ولا تبلى ثيابهم ولا يفنى شبابهم
وسئل مجاهد أين الجنة قال في أعلى عليين وعن النار فقال في أسفل السافلين وعن أبي سعيد الخدري عن النبي عليه السلام قال إن النار قالت لربها وعزتك وكرامتك لتنفسني أو لأخرجن على عبادك فقال لها تنفسى في كل عام فنفسها في الشتاء الزمهرير ونفسها في الصيف الحر الذي يقتل البهائم والماشية وإنه ليغلي الماء وعن أبي هريرة قال قال النبي إن ناركم التي توقدونها لتتعوذ بالله من نار جهنم فقالوا والله إن كانت لكافية قال فإنها فضلت عليها بتسع وستين جزأ كلهن مثل حرها وعن عبد الله بن سلام أنه قال الجنة في السماء والنار في الأرض
وزعم جهم أن الجنة والنار تفنيان بعد خلقهما فيخرج أهل الطاعة من الجنة بعد دخولهم ويخرج أهل النار بعد دخولهم وإن أهل الجنة إذ دخلوها لبثوا فيها دهرا طويلا فتبيد الجنة وأهلها ويبيد نعيمها وتهلك النار ويبيد عذابها وأخذ ذلك من قوله عز و جل هو الأول والآخر فشكك الناس ولبس على على الجاهل تأويل القرآن من غير تأويله وقد أكذبه الله عز و جل بكتابه والمأثور عن النبي
قال الله عز و جل يخبر عن أهل الجنة لهم فيها نعيم مقيم خالدين

فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم وقال ما عندكم ينفد وما عند الله باق وقال لا يذوقون فيها الموت وقال وإن الآخرة هي دار القرار وقال ماكثين فيها أبدا وقال فادخلوها خالدين وقال وما هم منها بمخرجين وأخبر عن أهل النار فقال لا يقضى عليهم فيموتوا وقال لا يموت فيها ولا يحيى يقول لا يموت فيها فيستريح ولا يحيى حياة تنفعه الحياة وقال يا ليتها كانت القاضية وقال يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم وقال كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما وقال كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقال كلما خبت زدناهم سعيرا وقال فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا وقال أولئك يئسوا من رحمتي وقال لا ينالهم الله برحمته فليردوا الأشياء إلى كتاب الله وسنة نبيه كما أمروا وإن تنازعتم في شيء

فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا
وعن ابي سعيد الخدري قال قال رسول الله إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار يجاء بالموت كأنه كبش أملح فينادي مناد يا اهل الجنة فيشرفون وينظرون وكلهم قد رآه فيقولون هذا الموت فينادي مناد يا أهل النار هل تعرفون هذا فيشرفون وينظرون وكلهم قد رآه فيقولون نعم هذا الموت ثم يؤخذ فيذبح فيقال يا أهل الجنة خلود بلا موت ويا اهل النار خلود بلا موت وذلك قوله وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضى الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون وعن ابن عباس في قوله تبارك وتعالى لأهل الجنة كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون فعندها قالوا أفما نحن بميتين فالذي نقول إن الجنة وأهلها لا فناء عليها وكذلك النار وأهلها فإنه إنما تعبدنا الله عز و جل أن نأخذ بالتقليد لا بالرأي والقياس فنحن نتبع الأثر لا بالرأي والقياس
وقال كعب ما من يوم إلا ينظر الله تبارك وتعالى إلى جنات عدن فيقول طيبي فتضعف طيبة على ما كانت حتى يدخلها أهلها
وعن ابي هريرة قال قال رسول الله يقول الله عز و جل أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر

على قلب بشر اقرؤا إن شئتم فلا تعلم نفس ما اخفى لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ولموضع سوط في الجنة خير من الدنيا جميعا اقرءوا إن شئتم فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور وإن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام اقرءوا إن شئتم وظل ممدود
وعن ابن عباس قال كان عرش الله تعالى على الماء فاتخذ جنة لنفسه ثم اتخذ أخرى فأطبقها بلؤلؤة واحدة ثم قال ومن دونهما جنتان لا يعلم خلق ما فيهما إلا الله ثم قرأ فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ما يأتيهم كل يوم من تحفة وعن عبد الله ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون قال إن أرواح الشهداء في طيور خضر تسرح في الجنة ثم تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش قال فاطلع الله عز و جل إليهم اطلاعة فقال هل تشتهون من شيء فأزيدكموه قالوا السنا في الجنة نسرح في أيها شئنا قال فسكت عنهم ثم اطلع إليهم اطلاعة فقال هل تشتهون من شيء فأزيدكموه فقالوا كأول مرة ثم اطلع إليهم الثالثة والرابعة فقالوا كذلك قالوا تعد أرواحنا في أجسادنا فنقاتل في سبيلك مرة أخرى فسكت عنهم

وعن سعيد بن جبير قال لما أصيب حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير وعبد الله بن جحش فرأوا ما أصابوا من الخير والرزق تمنوا أن أصحابهم يعلمون ما اصابوا من الخير فيزدادوا رغبة في الجهاد قال الله تبارك وتعالى أنا ابلغهم عنكم فأنزل ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلقهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين وقال الله عز و جل ويحذركم الله نفسه وقال كتب على نفسه الرحمة وقال ثم جئت على قدر يا موسى واصطنعتك لنفسي اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكرى وقال تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب
وقال أنس قال رسول الله قال الله تبارك وتعالى إن ذكرتني في نفسك ذكرتك في نفسي وإن ذكرتني في ملأ ذكرتك في ملأ الملائكة أو قال ملأ خير منهم وإن دنوت مني شبرا دنوت منك ذراعا وإن دنوت مني ذراعا دنوت منك باعا وإن أتيتني تمشي أتيتك أهرول قال قتادة الله أسرع بالمغفرة
وعن أبي هريرة قال قال رسول الله يقول الله تعالى إذا تلقاني عبدي شبرا تلقيته ذراعا وإن تلقاني بذراع تلقيته بباع أو قال أتيته أسرع

وعن مجاهد إن الساعة آتية أكاد أخفيها قال من نفسي
وقال أبو هريرة أخذ الناس الريح في طريق مكة وعمر بن الخطاب رضي الله عنه حاج فاشتد عليهم فقال عمر لمن حوله من يحدثنا عن الريح فلم يرجعوا إليه شيئا فبلغني الذي سأل عنه عمر من ذلك فاستحثثت راحلتي حتى أدركته فقلت يا أمير المؤمنين بلغني انك سألت عن الريح وإني سمعت رسول الله يقول الريح من روح الله تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب فإذا رأيتموها فلا تسبوها واسألوا الله من خيرها واستعيذوا بالله من شرها
قال وهب في الكتاب في آخر الزمان قوم يتفقهون بغير العمل ويتزينون ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من الصبر قال الرب عز و جل إياي يخادعون أم على يجترءون فبحقي حلفت يعني الرب نفسه لأتيحن لهم فتنة أدع فيها الحليم حيران
وعن أبي البختري قال لا يقولن أحدكم اللهم أدخلني في مستقر رحمتك فإن مستقر رحمته نفسه
وقال سلمة بن كهيل اجتمع هؤلاء الأربعة بكير الطائي وابو البختري ومسبرة والضحاك المشرقي في أيام الجماجم على أن الإرجاء بدعة والشهادة والولاية بدعة والبراءة بدعة وهو قول أبي سعيد الخدري وإبراهيم
وقال الشعبي أرجيء ما لا تعلم إلى الله ولا تكن مرجئا وقال ذر قد شرعت شيئا أو قال دينا أخاف أن يتخذ سنة وقال إبراهيم إذا لقيت ذرا فتنصل إلى منه

باب المرجئة وفرقها ومذاهبها

والمرجئة أثنتا عشرة فرقة
صنف منهم زعموا أن من شهد شهادة الحق دخل الجنة وإن عمل أي عمل كما لا ينفع مع الشرك حسنة كذلك لا يضر مع التوحيد سيئة وزعموا أنه لا يدخل النار أبدا وإن ركب العظائم وترك الفرائض وعمل الكبائر
كذب من قال هذا والله عز و جل يقول وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة وقال قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم على صلواتهم يحافظون أولئك هم الوارثون وقال ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون
وعن انس قال قال رسول الله بين العبد والكفر

ترك الصلاة ورواه جابر أيضا وسئل ابن مسعود أي الدرجات في الإسلام أفضل قال الصلاة ومن لم يصل فلا دين له
وعن أبي قلابة قال قال رسول الله من ترك الصلاة عامدا أحبط عمله
وقال المسور بن مخرمة دخلت أنا وابن عباس رضي الله عنهما على عمر رضي الله عنه حين طعن فقلت الصلاة قال أجل ولا حظ في الإسلام لمن أضاع الصلاة
وقيل لابن عمر رضي الله عنهما ألا تجاهد فقال بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وإقام الصلاة وأيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان هكذا حدثنا رسول الله ثم الجهاد بعد حسن
وقال حذيفة إني لأعرف أهل دينين أهل ذينك الدينين في النار قوم يقولون الإيمان كلام وإن زنى وقتل وقوم يقولون وإذ كانوا أولياء الضلال لا نرى خمس صلوات في كل يوم وإنما هما صلاتان صلاة الفجر وصلاة المغرب
وقال عبد الله اليشكري انطلقت إلى الكوفة لأجلب بغالا فدخلت المسجد فإذا رجل من قيس يقال له ابن المنتفق وهو يقول وصف لي رسول الله وحلالي قال فطلبته بمكة فقيل إنه بمنى فطلبته بمنى فقيل بعرفات فانتهيت إليه فزاحمت عليه حتى حصلت إليه فأخذت بخطام راحلة رسول الله أو قال بزمامها حتى اختلفت أعناق راحلتينا قال ثنتان أسألك عنهما ما ينجيني من النار وما يدخلني الجنة قال فنظر إلى السماء

ثم أقبل علي بوجهه فقال لئن أوجزت في المسألة لقد أعظمت وطولت اعقل عني اعبد الله ولا تشرك به شيئا وأقم الصلاة المفروضة وصم شهر رمضان وما تحب أن يفعله الناس بك فافعله معهم وما تكره أن يأتي الناس إليك فذر الناس منه خل عن زمام الراحلة
وعن الحسن قال يا ابن آدم إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولست تصلي
وعن ابن عباس إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه قال الكلم الطيب ذكر الله والعمل الصالح أداء فرائضه فمن ذكر الله سبحانه في أداء فرائضه حمل عليه ذكر الله عز و جل وصعد به إلى السماء ومن ذكر الله ولم يؤذ فرائضه رد كلامه على عمله فكان أولى به
وقال رسول الله أول ما يحاسب به العبد الفرائض فإن وجدوا فيها نقصا قال انظروا هل لعبدي من تطوع فإن وجد له تطوع قال أكملوا الفرائض من التطوع
وعن كعب قال من أقام الصلاة وآتى الزكاة وسمع وأطاع فقد توسط الإيمان ومن أحب لله وبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان
وقال عليه السلام لوفد عبد القيس آمركم بأربع الإيمان بالله هل تدرون ما الإيمان بالله قالوا الله ورسوله أعلم قال شهادة أن لا إله إلا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن تعطوا من الغنائم الخمس

وقال ابن عمر ثلاث من كان فيه اثنتان منها ولم يأت بالثالثة لم تقبل منه الصلاة والصيام والغسل من الجنابة
وقيل لابن عمر إنا نسير في هذه الآفاق فيلقانا قوم يقولون لا قدر فقال ابن عمر إذا لقيتموهم فأخبروهم أن عبد الله منهم بريء ثم أنشأ يقول بينا نحن عند رسول الله فجاء رجل فقال أدنو فقال ادن فدنا مرارا حتى كادت ركبتاه تمسان ركبتيه فقال ما الإيمان وذكر الحديث وقوله هذا جبريل جاءكم يعلمكم أمر دينكم فذكره
وعن ابن عباس رضي الله عنهما حب في الله وأبغض في الله ووال في الله وعاد في الله فإنه لا تنال ولاية الله إلا بذلك ولا يجد رجل طعم الإيمان حتى يكون كذلك
ومن المرجئة صنف زعموا أن الإيمان معرفة بالقلب لا فعل باللسان ولا عمل بالبدن ومن عرف الله بقلبه أنه لا شيء كمثله فهو مؤمن وإن صلى نحو المشرق أو المغرب وربط في سطه زنارا
وقالوا لو أوجبنا عليه الإقرار باللسان أوحينا عليه عمل البدن حتى قال بعضهم الصلاة من ضعف الإيمان من صلى فقد ضعف إيمانه
نقول كيف تجوز له الصلاة نحو المشرق وقد قال الله عز و جل فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون

وكيف يجوز ربط الزنار في وسطه وقد قال عليه السلام من تشبه بقوم فهو منهم
وكيف تجوز المعرفة بالقلب دون القول والله عز و جل يقول أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ولا تكون هذه الطاعة إلا بالقول والعمل وقد قال الأوزاعي رحمه الله أدركت الناس وهم يقولون الإيمان قول وعمل وقد ذكرنا هذا في آخر الكتاب مجردا إن شاء الله تعالى
ألا ترى أنه لما صلى نحو بيت المقدس سبعة عشر شهرا أو ستة عشر شهرا وكان يحب أن يوجه إلى الكعبة فأنزل الله عز و جل قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما تعملون
وقال السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم وهم اليهود فأنزل الله تبارك وتعالى قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم فصلى مع النبي رجل ثم خرج بعد ما صلى فمر على قوم من الأنصار وهم في صلاة العصر نحو بيت المقدس فقال هو يشهد أنه صلى مع النبي نحو الكعبة فانحرف القوم حتى توجهوا نحو الكعبة
وكتب النبي إلى أهل اليمن من صلى صلاتنا

واستقبل قبلتنا واجاب دعوتنا وآكل ذبيحتنا فذلكم المسلم له ما للمسلم وعليه ما على المسلم
ومنهم صنف زعموا أنه لابد من الإقرار باللسان بالشهادة بأن لا إله إلا الله وبالأنبياء عليهم السلام وبما جاء من عند الله ثم ترك من العمل فهو مؤمن لا ينقصه التنزيل شيئا
يقال لهم كيف لا ينقصه التنزيل وقد روى عن النبي أنه قال الإيمان بضع وسبعون بابا أفضلها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى من الطريق والحياء شعبة من الإيمان
وسأل أبو ذر النبي عن الإيمان فقرأ هذه الآية ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في الباساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون
وعن عطاء بن يسار في هذه الآية وعمل صالحا ثم اهتدى يعني ثم أصاب بقوله وعمله السنة
ومنهم صنف زعموا أنه لا بد من الإقرار بالتنزيل وإن جحدوا من التأويل ما شاءوا وقالوا نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ثم قالوا لا ندري محمد هو الذي بمكة والمدينة أو نبي بخراسان فهو مؤمن وقالوا نقر بالحج ولا ندرى هو الذي بمكة أو بيت بخراسان فهو مؤمن وأقروا بالخنزير

أنه حرام ولا ندرى هو هذا الخنزير أو الحمار فهو مؤمن فقيل لبعضهم إن إبليس قد أقر بلسانه فقال إنما كان ذلك هذيانا لم يعرف ما أقر به
نقول له نحن كيف يجوز له الجحود وقد روى من جحد منه آية فقد كفر به أجمع وكيف يكون مؤمنا إذا قال لا أدرى أي محمد رسول الله وقد قال رسول الله
أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب
وقد عرف أهل المعرفة بالله أنه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب فمن شك في ذلك فقد خرج من الإسلام وليس بمؤمن ومن لم يشهد أنه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بعثه الله إلى الناس كافة وأوحى إليه بمكة ثم هاجر إلى المدينة ولم يزل يأتيه الوحي حتى قبضه الله إليه والله عز و جل يقول هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم قاتلهم الله أي نبي بعث بخراسان
وعن أبي هريرة قال قال رسول الله والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمم يهودي أو نصراني فمات ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار
وعن سعد بن زرارة أنه أخذ بيد رسول الله وقال يا أيها الناس هل تدرون علام تبايعون محمدا تبايعونه على أن تحاربوا العرب والعجم والجن والإنس فقالوا نحن حرب لمن حارب وسلم لمن سالم فقال له سعد

يا رسول الله اشترط فقال تبايعوني على ان تشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وتقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة والسمع والطاعة ولا تنازعون الأمر أهله وأن تمنعوني مما تمنعون منه نفوسكم وأهليكم قالوا نعم فقال قائل من الأنصار هذا لك فما لنا قال النصر والجنة
وقال عليه الصلاة و السلام للحارث بن مالك ما أنت يا حارث قال مؤمن يا رسول الله حقا قال إن لكل قول حقيقة فما حقيقة إيمانك قال عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلى واظمأت نهاري ولكأني أنظر إلى عرش ربي قد أبرز حين يجاء به للحساب وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها وكأني أسمع عواء أهل النار فقال النبي مؤمن نور الله قلبه وذكر زيد الأنصاري عنه مثله أو نحوه وقال فضيل بن غزوان أغير على سرح المدينة فخرج الحارث بن مالك فقتل منهم ثمانية ثم قتل وهو الذي قال له رسول الله كيف أصبحت
ومنهم صنف زعموا أن إيمانهم كإيمان جبريل وميكائيل والملائكة المقربين والأنبياء
قلنا نحن كيف يمكنهم هذه الدعوى والملائكة لم يعصوا الله والأنبياء صفوة الله
ومنهم صنف زعموا أنهم مؤمنون مستكملون للإيمان ليس في إيمانهم نقص ولا لبس إن زنى أحدهم بأمه أو بأخته وارتكب العظائم وأتى الكبائر والفواحش وشرب الخمر وقتل النفس وأكل الحرام والربا وترك الصلاة والزكاة والفرائض كلها واغتاب وهمز ولمز وتحدث وهذا هو الجهل القوى كيف يستكمل الإيمان من خالف شروطه وخصاله وشرائعه ألا ترى أن في كتاب الله إيمانا مقبولا وإيمانا مردودا

فمن أدى حقيقته فقد ادعى علم ما لم يعلم فكيف بمن خالفه أجمع وأبو هريرة وأبو سعيد الخدري يقولان قال النبي لا يزنى الزاني حين يزنى وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ولا يقتل حين يقتل وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن وقال أبو هريرة إنما الإيمان بزة فمن زنى فارق الإيمان فإن لام نفسه راجعه الإيمان وقال ابن عباس رضي الله عنهما أيما عبد زنى نزع الله منه الإيمان فإن شاء رده عليه وإن شاء منعه منه
ومنهم صنف زعموا أنهم مؤمنون حقا كحقيقة أهل الجنة الذين وصف الله تحقيقهم أولئك هم المؤمنون حقا ومن زعم أنه في الجنة فهو في النار ومن زعم أنه عالم فهو جاهل ومن زعم أنه صادق يعني في إيمانه فهو كاذب
ومنهم صنف زعموا أن إيمانهم قائم أبدا لا يزيد وإن عمل الحسنات العظام وورع في الدين وترك الحرام وحج البيت دائما وصلى أبدا أو صام ولا ينقص وإن عمل السيئات والكبائر والفواحش وركب الحرام جاهرا أو ترك الصلاة ولم يصم ولم يحج أبدا

قال أهل العلم أجمع هؤلاء مخالفون للقرآن يقول الله عز و جل ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم وقال يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون
ومنهم صنف زعموا أن الإيمان يزيد بزيادة الأعمال دائما لا منتهى له ولا غاية ولا ينقص بعمل من أعمال المجرمين ولا بترك الفرائض وركوب ما يركب الظالمون
وقد قال ابن عباس الإيمان يزيد وينقص وقال عليه السلام الإيمان يبدو لمعة بيضاء في القلب كلما ازداد الإيمان ازداد ذلك البياض حتى إذا استكمل الإيمان ابيض القلب كله وإن النفاق يبدو لمعة سوداء في القلب فكلما ازداد النفاق ازداد ذلك السواد فإذا استكمل النفاق القلب كله وأيم الله لو شققتم عن قلب مؤمن لوجدتموه أبيض ولوشققتم عن قلب منافق لوجدتموه أسود
وعن أبي هريرة قال بينما المسيح عليه السلام في رهط من الحواريين إذا بنهر جار وحمأة منتنة أقبل طائر حسن اللون يتلون كأنما هو الذهب فوقع قريبا منه فانتفض فسلخ عنه مسكه فبقى أحيمش فانطلق إلى حمأة منتنة فتمعك فيها فازداد بمسحها قبحا إلى قبحه ونتنا إلى نتنه ثم انطلق إلى نهر عجاج صاف فاغتسل فيه حتى رجع مكانه كأنه بيضة مقشورة ثم انطلق يدب إلى مسكه فتتدرعه كما كان أول مرة فكذلك عامل الخطيئة حتى يخرج من ذنبه ويكون في الخطايا

فكذا التوبة كمثل اغتساله في النهر العجاج ثم يرجع دينه حتى يتدرع مسك وتلك الأمثال
ومنهم صنف زعموا أن ليس في هذه الأمة نفاق وسئل حذيفة عن النفاق فقال أن تتكلم باللسان ولا تعمل به
ومنهم صنف زعموا أن الإيمان والإسلام اسم واحد ليس للإيمان على الإسلام فضيلة في الدرجة وهذا سعد بن أبي وقاص يقول إن رسول الله أعطى رجالا ولم يعط رجلا منهم شيئا فقلت يا رسول الله أعطيت فلانا ولم تعط فلانا وهو مؤمن فقال عليه السلام أو مسلم قالها ثلاثا قال الزهرى فزى الإيمان الكلمة والإسلام العمل فهذا إجماع كلام المرجئة

باب ذكر الروافض وأجناسهم ومذاهبهم

قال أبو الحسين الملطى رحمة الله عليه قد ذكرت الإمامية والرد عليها إلا أن أبا عاصم قال الرافضة خمسة عشر صنفا ثم تفترق على ما يمقتهم الله فروعا كثيرة
فمنهم صنف زعموا أن عليا إله من دون الله تعالى وإنما هو روح رمى في الجسد كقول النصارى في عيسى ابن مريم عليه السلام زعموا أنه إله تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا
قال أبو الحسين قد ذكرت في هذا الكتاب حديث الشعبى وما قال هؤلاء فيه فلما نفاهم علي عليه السلام عن البلاد فمنهم عبد الله بن سبأ يهودى من يهود صنعاء نفاه إلى ساباط وأبو الكردوس نفاه إلى الجابية
ومنهم صنف يقال لهم البيانية وإنما سموا البيانية ببيان قالوا إن عليا يعلم

الغيب ويعلم ما في الغد وما تشتمل عليه الأرحام من الأولاد وما يغيب الناس في بيوتهم والأئمة يعلمون ذلك كما علمه علي عليه السلام كذب أعداء الله وكيف يكون ذلك والله تعالى يقول قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله وقال عمر قال النبي عليه الصلاة و السلام مفاتيح الغيب خمس إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا وما تدرى نفس بأى أرض تموت إن الله عليم خبير وقال ابن عمر قال رسول الله مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله لا يعلم متى الساعة إلا الله ولا يعلم متى ينزل الغيث إلا الله الحديث
وقال ابن مسعود أوتى نبيكم مفاتيح كل شيء إلا الخمس وقرأ هذه الآية إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا وما تدرى نفس بأى أرض تموت إن الله عليم خبير
وقال علقمة بن قيس مثل علي عليه السلام في هذه الأمة كمثل عيسى بن مريم عليه السلام يهلك فيه رجلان محب مفرط ومبغض مفرط وقال علي رضي الله عنه ليحبنى أقوام حتى يدخلهم حبى النار وليبغضنى أقوام حتى يدخلهم بغضى النار وقال أيضا يهلك في رجلان محب مفرط ومبغض مفتر وقال أيضا يقتل في آخر الزمان كل علي وأبي علي وكل حسن وأبي حسن وذلك إذا أفرطوا في حبى كما أفرطت النصارى في عيسى عليه السلام فانتابوا ولدى وأطاعوهم طلبا للدنيا وقال الشعبى لقد غلت هذه الشيعة في علي كما غلت في النصارى في عيسى لقد بغضوا إلينا حديثه

وقال أبو الحسين رحمه الله ألا ترى أن الله عز و جل أنزل على نبيه قل لا أقول لكم عندى خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إنى ملك إن اتبع إلا ما يوحى إلى قل هل يستوى الأعمى والبصير أفلا يتفكرون فكيف يعلم الغيب من هذا قوله
ومنهم صنف زعموا أن عليا نبى مبعوث يقال لهم الجمهورية وزعموا أن جبريل عليه السلام إنما بعث إلى علي فغلط بمحمد فأمر بتنفيذ غلطه كذب أعداء الله لو كان أرسل إلى علي لكان سبق جبريل وجبريل عليه السلام لا يغلط لأن الكون سبق في أم الكتاب ولم تزل الدلالات بائنة في محمد منذ ولد وقبل أن يولد في التوراة والأنجيل والآثار يقول إنى ليوحى إلى الأمر لأمضيه فآتيه فأجد الكون قد سبقنى إليه وكيف يتوهم على جبريل الغلط وهو رسول رب العالمين وقيل لابن عباس إن ناسا يزعمون أن عليا مبعوث قبل يوم القيامة فسكت ساعة ثم قال بئس القوم على نكحنا نساءه وقسمنا ميراثه أما يقرؤن ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون وقد ذكرت حديث محمد بن الحنفية لما سأل أباه عليا عليهما السلام أى الناس خير فقال أبو بكر قلت ثم قال ثم عمر ثم خشيت ان أساله فيقول عثمان فقلت يا أبة فأنت فقال أنا رجل من المسلمين
والصنف الذي يقال لهم السبائية يزعمون أن عليا شريك النبي في النبوة وأن النبي مقدم عليه إذ كان حيا فلما مات ورث النبوة فكان نبيا يوحى إليه ويأتيه جبريل عليه السلام بالرسالة كذب أعداء الله محمد خاتم النبيين

والصنف الذي يقال لهم المنصورية يزعمون أن عليا في السحاب وأنه لم يمت وأنه مبعوث قبل يوم القيامة فيرجع هو وأصحابه أجمعون إلى الدنيا بعد الموت قبل يوم القيامة ويرون قتل الناس بالحق كذب أعداء الله كيف وهو القائل للحسن إن مت من هذا فالنفس بالنفس وإن عشت فالجروح قصاص فمات رضي الله عنه وما وعد الله النبيين في كتبهم ولا فيما أوحى إليهم أن يرجع منهم أحد بعد الموت إلى الدنيا فكيف رجل من أصحاب رسول الله لقد أحب علي رضي الله عنه ان يلقى الله بصحيفة عمر رضي الله عنه ألا ترون أنه مات على صعد الحسن المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إنه أصيب الليلة فيكم رجل ولقد صعد بروحه في الليلة التى صعد فيها بروح يحيى بن زكريا ما ترك صفراء ولا بيضاء إلا سبع مائة درهم
وقال ابن عباس لما وضعت جنازة عمر وقمنا حوله ندعو فوضع رجل يده من ورائى على منكبى فالتفت فإذا هو على بن أبي طالب فأوسعت له فقال علي لعمر وهو موضوع رحمة الله عليك فوالله ما خلفت أحدا أحنن إلي من أن ألقى الله بما في صحيفته منك وإن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك محمد وأبو بكر رضي الله عنه لأنى أسمع رسول الله يقول ذهبت أنا وأبو بكر وعمر ورجعت انا وأبو بكر وعمر وكنت أظن ليجعلنك الله معهما
وعن أبي جعفر محمد بن علي قال قال علي ما على الأرض رجل أحب إلى من أن ألقى الله بصحيفته من هذا المسجى يعنى عمر رضي الله عنهما
ومنهم صنف زعموا أن عليا قد علم ما علمه رسول الله من علم الدنيا والآخرة وما كان وما هو كائن وعلم علي بعد رسول الله علما لم لم يكن رسول الله يعلمه وأن عليا أعلم من رسول الله وجعلوا الأئمة بعده يرثون ذلك منه إلى يومنا هذا الأكبر فالأكبر وأن العلم يولد معه

لا يحتاج إلى تعليم نقول هذا جهل عظيم وكيف يعلم علي أو أحد كل هذا وهو يقول إن رسول الله لم يعهد إلى شيئا إلا عهدته إلى الناس
وعلى القائل لعبد الله بن عوف إن أخطئك فأرجو أن لا تخطئنى فلو كان كما يقولون لعلم أنها تخطئه وأن عثمان له الخلافة
ولو علم الغيب لم يجب معاوية رضي الله عنه إلى الحكمين ولعلم أن عمرو بن العاص يفلح على أبي موسى
كذب أعداء الله ما قال علي من هذا شيئا ولا رضيه ولا أراده رحمة الله عليه هذا والنبي قد سئل عن أشياء فقال لم يأتنى فيها شيء قال ثوبان جاء رجل يهودى إلى النبي فسأله عن أشياء فنكت الأرض ساعة ثم أخبره ثم قال والذي نفسى بيده ما كان عندى شيء مما سألتنى حتى أيدانى الله عز و جل في مجلسى هذا
وأما المختارية الذين سموا بالمختار فيزعمون أن عليا إمام من أطاعه فقد أطاع الله ومن عصاه فقد عصى الله والأئمة من ولده يقومون مقامه في ذلك
فالدليل على بطلان دعواهم أن الحسن والحسين رضي الله عنهما كانا يبتدران الصلاة خلف مروان وقد كان الحسن أعرف بالله من أن يقول هذا القول ولو رأى لنفسه حقا ما تركه ومعه أربعون ألفا ولكن كان موفقا كما أن عليا لو رأى لنفسه حقا أيام أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم لطلبه
قال بسام الصيرفى ما ترى في الصلاة خلف هؤلاء يعنى بنى مروان

قال صل خلفهم قالت قلت قد قال النبي إن الناس يكثرون وإن أصحابي يقلون فلا تسبوا أصحابي لعن الله من سبهم وقالت عائشة رحمها الله أمروا بالاستغفار لهم فسبوهم وقال عليه السلام لو أنفق أحدكم مثل أحد ما أدرك مد أحد ولا نصيفه وأوتى عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه برجل سب عثمان رضي الله عنه فقال لم سببته قال أبغضته قال أو كلما أبغضت أحدا سببته قال فضربه عمر ثلاثين سوطا
ومنهم صنف يقال لهم المغيرية زعموا أنه من ظلم نفسه من عترة على فلا حساب عليه ولا عذاب ولا وقوف عليه ولا سؤال وإن ترك الفرائض وركب العظائم وأشرك بالله وزعموا أن أبا طالب في الجنة كذب أعداء الله لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه النبي وعنده أبو جهل بن هشام وعبد الله بن أمية فقالا يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب فقال النبي لأستغفرن لك ما لم أنه عنك فأنزل الله عز و جل إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء وهو أعلم بالمهتدين ونزلت أيضا ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لاواه حليم
وعن عكرمة قال جاء رجل إلى النبي فقال إن أبي كان يعتق الرقاب ويكرم الضيف ويعرف حق ابن السبيل فقال النبي فهل قال مرة اللهم قنى عذاب النار قال لا قال فلا شيء قال

فبكى الرجل فقال لا تبك فإن أبي وأباك وأبا إبراهيم في النار قال الرجل فأين يذهب الإحسان الذي كان قال عليه السلام يخفف عنه من العذاب
وقال العباس يا رسول الله ماذا أغنيت عن عمك وقد كان يحوطك ويغضب لك قال هو في ضحضاح من نار ولولا مكانى لكان في الدرك الأسفل من النار
وقال أبو هريرة قال رسول الله يا بنى عبد المطلب يا فاطمة ابنة محمد يا صفية عمة محمد اشتروا أنفسكم من الله إنى لا أغنى عنكم من الله شيئا سلونى من مالى ما شئتم اعلموا أنه أولى الناس بى يوم القيامة المتقون لا يأتينى الناس إلا بالأعمال وتأتونى بالدنيا تحملونها على أعناقكم فتقولون يا محمد فأقول هكذا وعطف رأسه يمينا وشمالا
وقد ذكرت الخطابية وهم يزعمون أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما الجبت والطاغوت وكذلك الخمر والميسر عليهم لعنة الله وقد فسروا في كتاب الله أشياء كثيرة ما يشبه هذا كذب أعداء الله الأنجاس الأرجاس فلمن قال الله عز و جل ثانى اثنين إذ هما في الغار ومن كان صاحبه في الغار ومن أعز الله بهما الدين ولمن قال الله عز و جل فسوف يأتى الله بقوم يحبهم

ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم قال أنس قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه نظرت إلى أقدام المشركين ونحن في الغار وهم على رؤوسنا فقلت يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه قال يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما وحلف أبو هريرة والله الذي لا إله إلا هو لولا أبا بكر استخلف ما عبد الله وكما قال عليه السلام لو كان بعدى نبى لكان عمر بن الخطاب وكما قال عبد الله كان إسلام عمر فتحا وكانت هجرته نصرا وكانت إمارته رحمة ولقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلى عند البيت حتى أسلم عمر فقاتلهم حتى تركونا فصلينا
ومنهم صنف يزعمون أن المتعة حلال والتزويج بلا ولى ولا شهود ولا صداق قالوا الله وليها والملائكة شهودها والإسلام صداقها ويكسرون يد الميت إذا مات لئلا يأخذ كتابه بشماله يوم النشور وأنكروا أن الله يعيد الخلق كما بدأهم وقالوا إذا طلق المطلق ثلاثا فلا شيء عليه لأنه خالف السنة وهى امرأته على حالها وحرموا صيد البحر الذي أحله الله ما لم يكن عليه قشر اتبعوا في ذلك اليهود وقالوا بقولهم وتركوا المسح على الخفين خلافا للأثر والسنة وشهدوا شهادة الزور
وزعموا أنهم يقبلون منه الدين إذا علمهم بأعلامهم فكيف يعرض الدنيا في أشياء من قولهم خالفوا بها كتاب الله عز و جل وآثار رسول الله

هذا رسول الله يقول أيما امرأة تزوجت بغير أذن وليها فنكاحها باطل فإن تشاجروا فالسلطان ولى من لا ولى له
ومنهم صنف قالوا إن عليا أفضل الناس كلهم وطعنوا على أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وقدموا عليا في الخلافة فصار هؤلاء بطعنهم وتقديمهم رافضة يقال لهم الخشبية كذب أعداء الله أدعوا على على ما لم يدع ولم يقل وقال قيس سمعت عليا يقول سبق رسول الله وصلى أبو بكر وثلث عمر ثم خبطتنا فتنة فهو ما شاء الله قال أبو جحيفة خيرنا بعد نبينا أبو بكر ثم عمر
قال أبو الحسين والذي أجمع عليه أهل العلم ان عليا كان داخلا وخارجا وأقام رسول الله مريضا أياما ولو قال يصلى بالناس علي لكان الناس تبعا لعلي في الصلاة وفي أمر دنياهم كما أن رسول الله حين قدم أبا بكر للصلاة ةالصلاة عمود الدين قدمه الصحابة لدينهم ودنياهم وأمر رسول الله طاعة مفترضة
ومنهم صنف زعموا أن عليا أفضل الناس كلهم ويقولون لا نطعن على أبي بكر وعمر ويطعنون على عثمان ويزعمون أنه نكث وغير فصاروا بطعنهم على عثمان وتقديمهم عليا رافضة يقال لهم الزيدية
والذي أجمع عليه كل مؤمن أن الصحابة أصحاب رسول الله اجتمعوا على بيعة عثمان رضي الله عنه وقدموه وعلي معهم فلو علم علي أن له حقا لم يبايعه وبيعة عثمان أوكد من بيعة أبي بكر فإن زعموا أنهم اختلفوا

فقد كانوا يوم اجتمعوا أصوب رأيا منهم يوم اختلفوا لا شك في ذلك وقد بان حظ من اختلف عليه لهذه الأمة إلى يوم الناس هذا ولا سيما لأهل المعرفة منهم
قال سعد بن أبي وقاص لما ولى عثمان لبث زمانا لا ينكرون عليه شيئا ثم أنكروا عليه شيئا وركبوا منه ما هو أعظم منه والذي قال أهل العلم إنه لا بيعة أجمع ولا أوفق ولا أوكد من بيعة عثمان رضي الله عنه وأن عبد الرحمن بن عوف بالغ في النصيحة لأهل الإسلام ووفق وإذا قال لكم قائل من أهل الشيعة إن أبا بكر الصديق أفضل الناس بعد رسول الله وعلي أحب إلى منه فألحقوه بأهل البدع فإنه قد خالف ببدعته من مضى
فهذا إجماع كلام الرافضة والشيعة فأما ما وصفوا به ونعتوا به أيضا فقد تقدم ذكر الحديث بطوله في الجزء الأول من حديث مالك بن مغول لما قال قلت للشعبى ما ردك عن هؤلاء القوم وقد قال سفيان إن قوما يقولون لا نعلم في أبي بكر وعمر إلا خيرا ولكن على أحق بالولاية منهما فمن قال ذلك فقد خطأ أبا بكر وعمر والمهاجرين والأنصار وما أرى يرتفع له عمل مع هذا إلى السماء
وقد شرحت أيضا ذكر الإمامية في هذا الجزء وهم ثمانى عشرة فرقة ليظهر لكم البيان إن شاء الله وبالله التوفيق

باب ذكر القدرية ونعتهم ومذاهبهم واعتقادهم

وأما القدرية فهم سبع فرق وهم أصناف
فصنف منهم يزعمون أن الحسنات والخير من الله والشر والسيئات من

أنفسهم لكى لا ينسبوا إلى الله شيئا من السيئات والمعاصى ويتكلمون بأشياء لا أستجيز ذكرها تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا
هذا والله تعالى يقول سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين وقال ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها وقال وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين وقال وقضينا إلى بنى إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا وقال إن المجرمين في ضلال وسعر يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر وقوله ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين وقوله إن هى إلا فتنتك وقال وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا وقال إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون

وقال فالتقى الماء على أمر قد قدر أي قد كان قدر قبل البلاء وقال وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين وقال وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا وقال يحول بين المرء وقلبه وقال هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن وقال كما بدأكم تعودون وفي القرآن مثل هذا كثير
وقد قدمت قبل هذا شيئا عند ذكر خلافة عثمان رضي الله عنه وقد خرج النبي وبيده مخصرة والمخصرة هي ما أمسك الإنسان بيده من عصاة أو عكاز أو غيره ومنه أن يمسك الرجل بيد صاحبه فيقال فلان مخاصر فلان يعني آخذ بيده والرجل يصلى مختصرا ليس من هذا إنما ذلك أن يصلي وهو واضع يده على خصره
وقد تقدم ذكر الحديث لما غشى على عبد الرحمن بن عوف ظنوا أن نفسه قد خرجت فلما أفاق قال غشى على قالوا نعم قال صدقتم إنه أتاني ملكان في غشيتي هذه فقالوا انطلق نخاصمك إلى العزيز الأمين قال فلقيهما ملك فقال ردوه فإن هذا ممن كتبت لهم السعادة وهم في بطون أمهاتهم وسيمتع الله به نبيه فعاش شهرا ثم مات
وقال الحسن من كذب بالقدر فقد كذب بالقرآن وقال ابن عباس العجز والكيس بالقدر

وجاء رجل إلى ابن عمر رضي الله عنهما فقال إن فلانا يقرأ عليك السلام قال بلغني أنه قد أحدث فإن كان قد احدث فلا تقرأ عليه السلام فإن رسول الله قال يكون في هذه الأمة خسف وقذف وذلك في أهل القدر
ولما دخل غيلان إلى عمر بن عبد العزيز سأله عن أمر الناس فأخبره صلاحا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال ويحك يا غيلان ما هذا الذي بلغني عنك قال يا أمير المؤمنين أتكلم فتسمع قال تكلم فقرأ هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا فقال عمر ويحك من ههنا تأخذ الأمر وتدع بدء خلق آدم عليه السلام وإذ قال ربك للملائكة إني عاجل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنباهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما تكتمون فقال غيلان والله يا أمير المؤمنين لقد جئتك ضالا فهديتني وأعمى فبصرتني وجاهلا فعلمتني والله لا أتكلم في شيء من هذا الأمر أبدا فقال عمر والله لئن بلغني أنك تكلمت في شيء منه لأجعلنك للناس أو للعالمين نكالا فلم يتكلم في شيء حتى مات عمر رحمه الله فلما مات عمر سال فيه سيل الماء أو سيل البحر

ونهى الصالحون أن يقول الرجل لولا كذا لفعلت كذا فافهموا فإنه من الخفي الذي يغلط فيه الناس
وقال عبد الله بن مسعود والله لقد قسم الله هذا الفيء لهذه الأمة على لسان نبيه قبل أن يفتح فارس والروم وقال أيضا رضي الله عنه ما كان كفر بعد نبوة إلا كان مفتاحه تكذيبا بالقدر
وذكر عند سعيد بن المسيب أن أقواما يقولون إن الله قدر كل شيء ما خلا الأعمال فغضب سعيد غضبا شديدا حتى هم بالقيام ثم سكن فقال تكلموا به أما والله لقد سمعت فيهم حديثا كفاهم به شرا ويحهم لو يعلمون قيل له يا أبا محمد ما هو فقال حدثني رافع بن خديج أنه سمع رسول الله يقول يكون قوم من أمتي يكفرون بالله وبالقرآن وهم لا يشعرون كما كفرت اليهود والنصارى قال قلت جعلت فداك يا رسول الله وكيف ذلك قال يقرون ببعض القدر ويكفرون ببعضه قلت وما يقولون قال يجعلون إبليس عدو الله شريكا لله في خلقه وقوته ورزقه يقولون إن الخير من الله والشر من إبليس فيقرءون على ذلك كتاب الله فيكفرون بالقرآن بعد الإيمان والمعرفة فماذا تلقى أمتي منهم من العداوة والبغضاء والجدل أولئك زنادقة هذه الأمة في زمانهم ثم يكون ظلم السلطان فياله من ظلم وحيف وأثرة ثم يبعث الله عز و جل عليهم طاعونا فيفنى عامتهم ثم يكون الخسف فما أقل من ينجو منهم المؤمن يومئذ قليل فرحه شديد غمه ثم يكون المسخ فيمسخ الله عامة أولئك قردة وخنازير ثم يخرج الدجال على أثر ذلك قريبا
ثم بكى رسول الله فبكينا لبكائه وقلنا ما يبكيك يا رسول الله قال رحمة لهم الأشقياء لأن فيهم المتعبد وفيهم المتهجد مع أنهم ليسوا بأول من سبق إلى هذا القول وضاق بحمله ذرعا إن عامة من هلك من بني إسرائيل بالتكذيب بالقدر

قلت جعلت فداك يا رسول الله قل لي كيف الإيمان بالقدر قال تؤمن بالله وحده وإنه لا يملك أحدا معه ضرا ولا نفعا وتؤمن بالجنة والنار وتعلم أن الله خلقهما قبل خلق الخلق ثم خلق الخلق فجعل من شاء منهم إلى الجنة ومن شاء منهم إلى النار عدلا ذلك منه وكل يعمل لما قد فرغ له منه وهو صائر إلى ما قد خلق له قلت صدق الله ورسوله
وعن ابن عباس إن الله عز و جل أول ما خلق القلم ثم خلق النون وهي الدواة ثم خلق اللوح ثم قال للقلم اكتب فقال وما اكتب يا رب قال اكتب القدر وخلق الدنيا وما فيها وما يكون في الدنيا من خلق مخلوق أو عمل معمول من بر أو فجور أو رزق حلال أو حرام أو رطب أو يابس ثم ألزم كل شيء من ذلك شأنه وما بقاؤه وما فناؤه حتى تفنى الدنيا ثم جعل لذلك الكتاب ملائكة وجعل للخلق ملائكة فينطلق ملائكة الخلق إلى ملائكة الكتاب فيقولون اللهم انسخ بما هو كائن في الليل والنهار وبما وكلوا به فيهبط ملائكة الخلق إلى الخلق فيحفظونهم بأمر الله ويسوقونهم إلى ما في أيديهم من تلك النسخ فإذا فنيت تلك النسخ لم يكن لهذا الخلق بقاء ولا مقام وذلك قول الله عز و جل إنا كلنا نستنسخ ما كنتم تعملون فقال رجل لابن عباس والله ما كنا نرى ذلك إلا نسخ أعمالنا قال ابن عباس ألا تستحيون ألستم قوما عربا هل كانت النسخ قط إلا من كتاب مكتوب فوالله إن الله عز و جل ليبعث الملك فيدفع إليه صحيفتان إن إحداهما لمختومة والأخرى المنشورة فيقال له اكتب في هذه ولا تفتح المختومة ولا تكسر لها

خاتما فإذا صمد فك الخاتم ثم عارض فلا يغادر صغيرة ولا كبيرة وذلك قوله عز و جل ما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله يقول لا تجالسوا أهل القدر ولا تفاتحوهم وقالت عائشة رضي الله عنهما أوتى رسول الله بصبي من الأنصار ليصلي عليه قالت فقلت طوبى له عصفور من عصافير الجنة لم يعمل شرا ولا يدره قال أو غير ذلك يا عائشة إن الله خلق الجنة وجعل لها أهلا وهم في أصلاب آبائهم
وعن ابن عباس يمحو الله ما يشاء ويثبت قال الشقاء والسعادة والحياة والموت وعن الحسن بن علي قال رفع الكتاب وجف القلم وأمور تقضي في كتاب قد خلا
وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه خلق الله تعالى الخلق فكانوا في قبضته فقال لمن في يمينه أدخلوا الجنة بسلام وقال لمن في يده الأخرى أدخلوا النار ولا أبالي قال فذهبت إلى يوم القيامة
قال عمر بن ذر دخلت على عمر بن عبد العزيز وسألنا عن قبائلنا ثم تكلم رجل منا فحمد الله وأثنى عليه وشهد شهادة الحق فقال عمر إن الله كما شهدت وكما عظمت ولكن لو حمل خلقه من حقه بقدر عظمته لم يحمل ذلك سماء ولا ارض ولا جبل ولكن أراد بعباده اليسر ورضي منهم بالتخفيف ففرض عليهم في كل يوم وليلة خمس صلوات وفي كل عام صيام شهر وذكر ما شاء الله من الفرائض وقال ذلك في آية من كتاب الله عقلها

من عقلها وجهلها من جهلها ثم قرأ فإنكم وما تعبدون أي من دون الله ما أنتم عليه بفاتنين إلا من هو صال الجحيم وكان منا رجل يرى رأى القدر بخلاف ما تكلم به
وقال ابن مسعود لا يرى رجل طعم الإيمان حتى يؤمن بالقدر أنه ميت ومبعوث من بعد الموت قال ابن عباس قال رسول الله إذا كان يوم القيامة أمر الله مناديا فنادى أين خصماء الله فيقومون مسودة وجوههم مزرقة أعينهم ما يلي شفاههم يسيل لعابهم ويقذرهم من يراهم فيقولون ربنا والله ما عبدنا شمسا ولا قمرا ولا حجرا ولا وثنا قال ابن عباس صدقوا والله لقد أتاهم الشرك من حيث لا يعلمون ثم تلا ابن عباس يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون قال ابن عباس هم والله القدريون ثلاث مرات
وعن بجير بن عبيد الله عن رسول الله قال يكون في آخر أمتي قوم يكذبون بالقدر عليهم مسوك الكباش قلوبهم قلوب الذئاب الضوارى وبعزة ربي وجلاله لو أن لكل واحد منهم مثل أحد ذهبا وفضة منقطعة فأنفقها في سبيل الله ما تقبل منه حتى يؤمن بالقدر خيره وشره حلوه ومره إلا فلا تجالسوهم فيشركون بالله فتشركوا معهم فيسبوا الله عدوا بغير علم هكذا قرأها ابن سلام وإن غابوا فلا تفتقدونهم وإن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تشيعوهم شيعة الدجال حق على الله أن يلحقهم به وهو مجوس هذه الأمة

وقال ابن مسعود يجتمع الناس في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر إلا وإن الشقي من شقي في بطن أمه وأحسبه قال والسعيد من وعظ بغيره قالوا يا أبا وائل ما تقول في الحجاج قال سبحان الله أنحن نحكم على الله
وعن ابن عباس قوله وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص قال ما قدر لهم من خير وشر قال علي بن شداد دخلت مع ابن عمر إلى السوق فكان أكثر كلامه مع من لقي سلام عليكم نعوذ بالله من قدر السوء قال رسول الله لن يؤمن من لم يؤمن بالقدر خيره وشره وقال عبد الله بن عمر سمعت رسول الله يقول من شرب الخمر لم يقبل له أربعين صباحا فإن تاب تاب الله عليه فلا أدرى في الثالثة أو الرابعة قال حقا على الله أن يسقيه من ردغة الخبال يوم القيامة قال وسمعته يقول عليه السلام إن الله خلق خلقه في ظلمة فألقى عليهم من نوره فمن أصابه من النور يومئذ اهتدى ومن أخطأه ضل فلذلك أقول جف القلم على علم الله قال وسمعته عليه السلام يقول إن سليمان بن داود سأل الله تبارك وتعالى ثلاثا فأعطاه اثنتين وأنا أرجو أن يكون قد أعطاه الثالثة سأل الله حكما يصادف حكمه فأعطاه وسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه إياه وسأله أيما رجل خرج من بيته لا يريد إلا الصلاة في هذا المسجد يعني بيت المقدس إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه فقال النبي ونحن نرجو أن يكون الله قد أعطاه إياه وقال ابن عباس لا يفتنون إلا من هو صال الجحيم وقال محمد ما بعث الله نبيا قط إلا كان في أمته من بعده قدرية ومرجئة يشوشون عليه أمر أمته ألا إن الله لعن القدرية والمرجئة

وقال عبادة بن الصامت قال رسول الله يكون في أمتي رجلان أحدهما وهب وهب الله له الحكمة والآخر غيلان فتنة على هذه الأمة أشد من فتنة الشيطان وسألت عائشة رحمة الله عليها النبي عن ولدان المسلمين أين هم يوم القيامة قال في الجنة يا عائشة فقالت له مجيبة يا رسول الله لم يدركوا الأعمال ولم تجر عليهم الأقلام قال ربك اعلم بما كانوا عاملين والذي نفسي بيده لئن شئت لأسمعتك تضاغينهم في النار
ومن القدرية صنف يقال لهم المفوضة زعموا أنهم موكلون إلى أنفسهم إنهم إنهم يقدرون على الخير كله بالتفويض الذي يذكرون دون توفيق الله وهداه تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا والله جل من قائل يقول وما تشاؤن إلا أن يشاء الله رب العالمين معناه من خير إلا أن يشاء الله لكم وقول جبريل عليه السلام إني لأرسل في الأمر فاجد الكون قد سبقني إليه
ومنهم صنف زعموا أن الله عز و جل جعل إليهم الاستطاعة تاما كاملا لا يحتاجون إلى أن يزدادوا فيه فاستطاعوا أن يؤمنوا وأن يكفروا ويأكلوا ويشربوا ويقوموا ويقعدوا ويرقدوا ويستيقظوا وأن يعملوا ما أرادوا وزعموا أن العباد كانوا يستطيعون أن يؤمنوا ولولا ذلك ما عذبهم على مالا يستطيعون إليه
وعن ابن عباس في قوله إكذابا لهم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر يقول من شاء له الإيمان آمن ومن شاء له الكفر كفر وهو

قوله وما تشاءون إلا ان يشاء الله رب العالمين وقال ابن عباس في قوله قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها قد افلح من زكى الله نفسه وقد خاب من دسى الله نفسه فأضله
وقال أيضا في قوله يحول بين المرء وقلبه يقول بين المؤمن والكفر ويحول بين الكافر والإيمان
وعن ابن عباس في قوله كما بدأكم تعودون قال إن الله سبحانه بدأ يخلق ابن آدم مؤمنا وكافرا كما قال عز و جل هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن ثم يعيدهم سبحانه يوم القيامة كما بدأ خلقهم مؤمنا وكافرا
ومنهم صنف شبيبية فهؤلاء أيضا أنكروا أن يكون العلم سابقا على ما به العباد عاملون وما هم إليه صائرون
كذب أعداء الله قال ابن مسعود حدثنا رسول الله الصادق الصدق إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يؤمر الملك بأربع فيكتب رزقه وأجله وشقي أو سعيد وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يكون بينه وبينها غير ذراع فيغلب عليه الكتاب الذي قد سبق فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار وإن احدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى لا يكون بينه بينها غير ذراع فيغلب عليه الكتاب الذي سبق فيعمل بعمل أهل الجنة فيكون من أهل الجنة

ومنهم صنف أنكروا أن الله عز و جل خلق ولد الزنا أو قدره أو شاءه أو علمه تعالى الله عما قالوا وأنكروا أن يكون الرجل الذي سرق في عمره كله أو يأكل الحرام أن يكون ذلك رزق الله عز و جل وقالوا لم يرزقه الله رزقا قط إلا حلالا تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا
هذا وابن عباس رضي الله عنهما قال الزنا بقدر والسرقة بقدر وشرب الخمر بقدر وقال مطرف بن عبيد الله بن الشخير يا ابن آدم لم توكل إلى القدر وإليه تصيرون
ومنهم صنف زعموا أن الله عز و جل وقت لهم الأرزاق والآجال لوقت معلوم فمن قتل قتيلا فقد أعجله عن أجله ورزقه لغير أجله وبقي له من الرزق ما لم يستوفه ولم يستكمله تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا
فهذا إجماع كلام القدرية
قال يزيد الرقاشي قلت للحسن إنك تقول من قتل فقد أعجل فقال إن كنت قلت فأستغفر الله
وعن ابن عباس قال قال رسول الله صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب المرجئة والقدرية
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه سمعت رسول الله يقول لا تجالسوا أهل البدع ولا تصافحوهم وقال لأن أصلى خلف جيفة حمار أحب إلى من أن اصلى خلف قدري ما هو إلا جنون يعتريهم
وقال طاوس كنت جالسا عند ابن عباس ومعنا رجل من القدرية فقلت

إن ناسا يقولون لا قدر فقال أههنا منهم أحد قلت لو كان فيهم ما كنت تصنع به قال لو كان فيهم أحد لأخذت برأسه فقرأت عليه آية كذا وآية كذا وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كيبرا
وقال رسول الله ستة لعنتهم لعنهم الله وكل بني مجاب الزائد في كتاب الله عز و جل والمكذب بالقدر والمتسلط بالجبروت ليذل من أعزه الله ويعز ومن أذله الله والتارك لسنتى والمستحيل من عترتى ما حرم الله
قال ابو هريرة قال رسول الله لعن الله أهل القدر الذين يكذبون بقدر ولا يؤمنون بقدر ألا له الخلق والأمر وقال عز و جل وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا وقوله ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول منى لأملان جهنم من الجنة والناس أجمعين ولا أخذوا بقول أهل النار حين دخلوها فقالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين ولا أخذوا بقول إبليس أجارنا الله منه إذ يقول فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين يقول من اخلصه الله فلا سبيل لي عليه وإن الله عز و جل نهى آدم عن أكل الشجرة وأعانه عليها وأمر إبليس بالسجود وحال بينه وبين ذلك

باب الحرورية

وهم خمس وعشرون فرقة
فصنف منهم يقال لهم الأزارقة وهم أصعب الخوارج وأشرهم فعلا وأسوأهم حالا فسموا الأزارقة بنافع بن الأزرق صاحب الأسئلة عن ابن عباس
ومنهم صنف يقال لهم الصفرية سمو بعبيد بن الأصفر
ومنهم الإباضية سموا بعبد الله بن إباض
ومنهم النجدية سموا بنجدة بن عامر
ومنهم الشمراخية سموا بشمراخ رأسهم
ومنهم السرية هكذا بالأصل
ومنهم العزرية سموا براسهم ابن عزرة
ومنهم العجردية نسبة إلى عبد الكريم بن عجرد
ومنهم التغلبية سموا بتغلب رأسهم كانوا يقولون الغلام مسلم أبدا حتى يبدو لنا منه خروج من الإسلام وكيف نشهد بالكفر على من يعلم من الدين مثل ما نعلم ويؤدي من الفرائض مثل ما نؤدي ويتولى من نتولى ويتبرأ مما

نتبرأ منه ويحتج على من خالفنا بمثل حجتنا وهو معنا في مجلس يخاصم خصماءنا إذا غلبته عينه نام ثم استيقظ فقال إني قد احتلمت ثم حدث حديثا غير ذلك نكفره ونستحل دمه إنا إذا لمن الظالمين
ومنهم فرقة التغلبية خالفتهم في زكاة العبد وميراثه قالوا إن عليه الزكاة إذا كان منهم وكان مولاه من قومه وإنه ليس لمولاه من ميراثه شيء ثم فارقتهم وكفرت من خالفهم
ومنهم الشكية وكان قولهم إن أصحاب الحدود من أصحابهم مسلمون سرقوا أو زنوا أو قذفوا وقالوا في القتلى نستغفر لهم ونتولاهم ولا نشهد لهم بالنجاة لأن الله أعلم بسرائرهم فلم نكلف الشهادة فسموا أهل الشك وكفروا من خالفهم
ومنهم الفضلية وإنما سموا بفضل رأسهم وذلك أنه فارقهم في الذنوب فزعم أن كل ذنب صغيرا أو كبيرا أو قطرة أو كذبة شرك بالله سموا بذلك الفضلية وكفروا من خالفهم
ومنهم فرقة خالفتهم في تزويج الصغار
ومنهم فرقة خالفتهم في الهدى والقلائد واستحلوها وكفروا من خالفهم وكان سائرهم يحرمها
ومنهم النجرانية افترقوا في امرأة يقال لها أم نجران هاجرت إلى بعض خوارجهم فتزوجت رجلا في الهجرة بالبصرة من قومها ثم استخفت فتزوجت رجلا من أصحابها سرا ثم ظهر عليها زوجها الأول من قومها فقربها إليه فتبرأ منها بعضهم وتولاها بعضهم وكفروا من خالفهم بعضهم بعضا

ومنهم البيهسية سموا بهيصم أبي بيهس بن عامر رأسهم فزعم أن حكم الإمام بالكوفة حكما يستحق به الكفر ففي تلك الساعة يكفر من كان في حكم ذلك الإمام بخراسان والأندلس وعلى الإمام إذا أبصر كفره فتاب منه أرسل إلى أهل حكمه كلهم يستتيبهم من الكفر وإن لم يشعروا به فإن أبى أن يتوب منه وقال مالى أن أتوب مما لا شك فيه ولم أعلم به ضربت عنقه وكفروا من خالفهم ومن قولهم أيضا لو أن رجلا قطر قطرة خمر في جب فلا يشرب من ذلك الجب أحد إلا كفر وإن لم يشعر لأن الله عز و جل يوفق المؤمنين وزعموا لو أن رجلا ضرب أباه ألف سوطا كل يوم كان مسلما من شك في ذلك فقد كفر عندهم
ومنهم فرقة فارقتهم في شراب السكر والنبيذ إذا سكر فلا حد عليه يشهد بعضهم على بعض في ذلك بالشرك وكفروا من خالفهم
ومنهم فرقة خالفتهم في النكاح بغير شهود فقالوا ننكح بشهادة الكرام الكاتبين
ومنهم الفديكية وإنما سموا بأبي فديك وهو اليوم بالبحرين واليمامة وليس بالبصرة ولا الكوفة ولا الجزيرة منهم أحد وكان أبو فديك من أصحاب نجدة ثم خالفه وفارقه وكفر من خالفه
ومنهم العطوية وإنما سموا بعطية
ومنهم الجعدية وإنما سموا بمسلم بن الجعد وكان من أهل الكوفة

والذي جاء في الخوارج وإذا التقى المسلمان بسيفيهما وأتى رجل الحسن فقال يا أبا سعيد إن هؤلاء استنفرونى لأقاتل الخوارج فما ترى فقال إن هؤلاء أخرجتهم ذنوب هؤلاء وأن هؤلاء يرسلونك تقاتل ذنوبهم فلا تكن القتيل منهم فإن القوم أهل خصومة يوم القيامة وقال خريم
ولست بقاتل رجل يصلى ... على سلطان آخر من قريش
له سلطانه وعلى ذنبى ... معاذ الله من سفه وطيش
أأقتل مسلما في غير ذنب ... فلست بنافعى ما عشت عيشى
وقال مروان بن الحكم لأيمن بن خريم ألا تخرج تقاتل فقال إن أبي وعمى شهدا بدرا مع رسول الله وإنهما عهدا إلى أن لا أقاتل أحدا يقول لا إله إلا الله فإن جئتنى ببراءة من النار قال أخرج فلا حاجة لنا فيك وأوصى أبو بكر الصديق رضي الله عنه ابن سلمان العبدى فقال أعلم أنه من صلى الخمس صلوات فإنه يصبح في ذمة الله ويمسى فلا تقتلن أحدا من أهل ذمة الله فتخفره في ذمته فيكبك الله على منخرك في النار وقال محمد بن سيرين أريد سعيد بن مالك على الخلافة فأهوى بيده إلى قميصه فقال ما أنا بأحق بالخلافة منى بكلمة ذكرها وما أنا بالذي أقاتل حتى تأتونى بسيف يتكلم يعرف المسلم والكافر يقول للمسلم هذا مسلم فلا تقتله وهذا كافر فاقتله ولا أبخع نفسى إن كان رجل هو أفضل منى وخير قد جاهدت وأنا أعرف الجهاد
وقال الزهرى لما خرجت الحرورية قيل لصبيغ قد خرج قوم يقولون كذا وكذا قال هيهات قد نفعنى الله بموعظة الرجل الصالح وكان عمر رضي الله عنه ضربه حتى سالت الدماء على رجليه أو قال على عقبيه وقال طاوس جاء صبيغ إلى عمر فقال من أنت فقال أنا عبد الله صبيغ قال فسأله عن أشياء فعاقبه وخرق كتبه وكتب إلى أهل البصرة لا تجالسوه

وعن الفرزدق قال قلت لأبي سعيد الخدرى قبلنا قوم يصلون صلاة لا يصليها أحد ويقرؤن قراءة لا يقرؤها أحد قال فكان متكئا فاستوى جالسا وقال سمعت رسول الله يقول إن قبل المشرق قوما يقرؤن قراءة لا تجاوز حلوقهم وقال علي إذا حدثتكم فيما بينى وبينكم فإن الحرب خدعة وإذا حدثتكم عن رسول الله فوالله لأن آخر من السماء أحب إلى من أن أكذب عليه وإنى سمعته يقول يخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فأينما لقيتهم فاقتلهم فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة
وقال أبو سعيد الخدرى يخرج أقوام يقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون حتى يعود السهم إلى فوقة التسبيد فيهم فاش قلت وما التسبيد قال لا أعلمه إلا نحوا من رأسك فوق الجلد ودون الوفرة
وقال أبو بكرة قال رسول الله إذا التقى المسلمان بسيفيها فقتل احدهما صاحبه فالقاتل والمقتول في النار قيل يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال إنه أراد قتل صاحبه وقال سلمة قال رسول الله من حمل علينا السلاح فليس منا وقد تقدم حديث ابن عباس وحجاجه على الخوارج في باب منهم
ولما خرج زريق الحرورى استعرض الناس هو ومن معه وجاء رجل إلى طاوس من أهل الجند فقال له يا أبا عبد الرحمن على غزوة في سبيل الله فقال

عندك هؤلاء فاحمل على هؤلاء الخبثاء فإن ذلك يؤدي عنك
وقال أبو هريرة قال رسول الله يخرج في آخر الزمان قوم يقرؤون القرآن فاتحته إلى خاتمته لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية وقال مزاحم بن زفر كنا بسمرقند وعليها محمد بن المهلب فخرج علينا يوم الجمعة رجلى حرورى فضرب رجلا من بني عجل بالسيف فأخذ فدعا محمد بن المهلب الضحاك بن مزاحم فسأله فقال أرى أن تحبسه حتى ينظر ما يصنع المضروب ثم نقصه منه فحبسه وكتب إلى يزيد بن المهلب فكتب يزيد إلى سليمان بن عبد الملك فوافق الكتاب موت سليمان بن عبد الملك واستخلاف عمر بن عبد العزيز فعرض عليه الكتاب فكتب أما بعد فانظر الحرورى فإن المضروب مات من ضربته فدعه لأوليائه يقتلونه وإن كان بريئا فقصه منه ثم احبسه محبسا قريبا من أهله حتى يموت من هواه الخبيث الذي خرج عليه
وسأل وبرة الحسن عن رجل يرى رأى الخوارج ولم يخرج قال العمل أملك بالناس من الرأى وإنما يجزى الناس بالأعمال وقال حبيب بن ثابت أتيت أبا وائل في مسجد أهله أسأله عن هؤلاء الذين قتلهم علي رضي الله عنه بالنهروان فيم استجابوا له وفيم قارقوه عليه وفيم استحق قتالهم فقال كنا بصفين فلما استمر القتال بأهل الشام اعتصموا بتل فقال عمرو بن العاص لمعاوية رحمهما الله أرسل إلى علي رضي الله عنه بالمصحف وادعه إلى كتاب الله عز و جل فإنه لن يأبى عليك فأجابه رجل فقال بيننا وبينكم كتاب الله عز و جل ألم تر إلى الذين أتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون فقال علي نعم أنا أولى بذلك بيننا

وبينكم كتاب الله فجاءته الخوارج ونحن ندعوهم يومئذ وألقوا سيوفهم على عواتقهم فقالوا يا أمير المؤمنين ما ننتظر بهؤلاء الذين على التل لا نمشى إليهم بسيوفنا حتى يحكم الله بيننا وبينهم فتكلم سهل بن جنيف فقال أيها الناس اتهموا أنفسكم فلقد رأيتنا يوم الحدييية يعني الصلح الذي كان بين رسول الله وبين المشركين ولو نرى قتالا لقاتلنا فجاء عمر إلى رسول الله فقال ألسنا على الحق وهم على الباطل فقال نعم قال أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار قال بلى قال فلم نعط الدنية في دينننا ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم فقال يا ابن الخطاب إني رسول الله ولن يضيعني أبدا قال فرجع وهو مغيظ فلم يصبر حتى اتى أبا بكر رضي الله عنه فقال ألسنا على الحق فذكر مثل ذلك سواء فقال أبو بكر يا ابن الخطاب إنه رسول الله ولن يضيعه أبدا قال فنزلت سورة الفتح فأرسل عليه السلام إلى عمر فأقرأه إياها فقال يا رسول الله أو فتح هو قال نعم
قال ابن عباس ليس الحرورية بأشد اجتهادا من اليهود والنصارى وهم يضلون
كتاب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه
من عبد الله بن عمر أمير المؤمنين إلى يحيى بن يحيى والعاصية الذين خرجوا سلام الله عليكم أما بعد فإن الله عز و جل يقول ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين
وإني أذكركم أن تفعلوا كفعل آبائكم ولا تكونوا كالذين خرجوا

من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما تعملون محيط فبذا تخرجون من دينكم وتسفكون الدماء وتستحلون المحارم فلو كانت ذنوب أبي بكر وعمر تخرج رعيتهما من دينهم كانت لها ذنوب فقد كانت آباؤكم في جماعتهم فما شركتكم على المسلمين وأنتم بضعة وأربعون رجلا وإني أقسم بالله لو كنتم أبكارا من ولدي وتوليتم عما دعوكم إليه ولم تجيبوا لدفعت دماءكم ألتمس بذلك وجه الله عز و جل والدار الآخرة فهذا النصح إن أجبتم وإن استغششتم فقديما استغش الناصحون
ولما خرجت خارجة من الحرورية كتب إليهم عمر بن عبد العزيز رحمه الله عليه أن يأتيني منكم رجلان وبيني وبينكم كتاب الله عز و جل فأتياه فخاصمهما وقالا نرجع على أنا نسيح في الأرض فأقسموا على أن لا يخيفوا سبيلا ولا يهريقوا دماء فإن فعلتم فقد آذنتم بالحرب
فساح أحدهما فأهراق دماء وأخاف السبيل فبعث إليه سعيدا الجرشي في أهل الكوفة فقتلوه وقتلوا أصحابه
وقال حسان بن فروخ سألني عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه عما تقول الأزارقة فأخبرته فقال ما يقولون في الرجم فقلت يكفرون به فقال الله أكبر كفروا بالله ورسوله
وحدث أن رسول الله لما رجم ماعز بن مالك فلما أصابته الحجارة صرخ فقال بعض القوم أبعده الله فزجره عليه السلام وقال إنها كفارة له