كتاب : دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه
المؤلف :أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي

بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
اعلم وفقك الله تعالى أني لما تتبعت مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى رأيته رجلا كبير القدر في العلوم قد بالغ رحمة الله عليه في النظر في علوم الفقه ومذاهب القدماء حتى لا تأتي مسألة إلا وله فيها نص أو تنبيه إلا أنه على طريق السلف فلم يصنف إلا المنقول فرأيت مذهبه خاليا من التصانيف التي كثر جنسها عند الخصوم
فصنفت تفاسير مطولة منها المغنى مجلدات وزاد المسير وتذكرة الأريب وغير ذلك
وفي الحديث كتبا منها جامع المسانيد والحدائق ونفي النقل وكتبا كثيرة في الجرح والتعديل وما رأيت لهم تعليقة في الخلاف إلا أن القاضي أبا يعلى قال كنت أقول ما لأهل المذاهب يذكرون الخلاف مع خصومهم ولا يذكرون أحمد ثم عذرتهم إذ ليس لنا تعليقة في الفقه
قال فصنفت لهم تعليقة
قلت وتعليقته لم يحقق فيها بيان الصحة والطعن في المردود وذكر فيها أقيسة طردية ورأيت من يلقي الدرس من أصحابنا من يفزع إلى تعليقة الإصطلام أو تعليقة أسعد أو تعليقة العاملي أو تعليقة الشريفة ويستعير منها استعارات فصنفت لهم تعاليق منها كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف ومنها جنة النظر وجنة الفطر ومنها عمدة الدلائل في مشهور المسائل ثم رأيت جمع أحاديث التعليق التي يحتج بها أهل المذاهب وبينت تصحيح الصحيح وطعن المطعون فيه وعملت كتابا في المذاهب أدخلتها فيه وسميته الباز الأشهب المنقض على مخالفي المذهب وصنفت في الفروع كتاب المذهب في المذهب وكتاب مسبوك الذهب وكتاب البلغة وكتاب منهاج الوصول إلى علم الأصول وقد بلغت مصنفاتي مائتين وخمسين مصنفا
ورأيت من أصحابنا من تكلم في الأصول بما لا يصلح وانتدب

للتصنيف ثلاثة أبو عبد الله بن حامد وصاحبه القاضي وابن

الزاغوني فصنفوا كتبا شانوا بها المذهب ورأيتهم قد نزلوا إلى مرتبة العوام فحملوا الصفات على مقتضى الحس فسمعوا أن الله تعالى خلق آدم على صورته فأثبتوا له صورة ووجها زائدا على الذات وعينين وفما ولهوات وأضراسا وأضواء لوجهه هي السبحات ويدين

وأصابع وكفا وخنصرا وإبهاما وصدرا وفخذا وساقين ورجلين
وقالوا ما سمعنا بذكر الرأس
وقالوا يجوز أن يمس ويمس ويدني العبد من ذاته
وقال بعضهم ويتنفس
ثم يرضون العوام بقولهم لا كما يعقل
وقد أخذوا بالظاهر في الأسماء والصفات فسموها بالصفات تسمية مبتدعة لا دليل لهم في ذلك من النقل ولا من العقل ولم يلتفتوا إلى النصوص الصارفة عن الظواهر إلى المعاني الواجبة لله تعالى ولا إلى إلغاء ما يوجبه الظاهر من سمات الحدوث ولم يقنعوا بأن يقولوا صفة فعل حتى قالوا صفة ذات ثم لما أثبتوا أنها صفات ذات قالوا لا نحملها على توجيه اللغة مثل يد على نعمة وقدرة ومجيء وإتيان على معنى بر ولطف وساق على شدة بل قالوا نحملها على

ظواهرها المتعارفة والظاهر هو المعهود من نعوت الآدميين والشيء إنما يحمل على حقيقته إذا أمكن ثم يتحرجون من التشبيه ويأنفون من إضافته إليهم ويقولون نحن أهل السنة وكلامهم صريح في التشبيه وقد تبعهم خلق من العوام
فقد نصحت التابع والمتبوع فقلت لهم يا أصحابنا أنتم أصحاب نقل وإمامكم الأكبر أحمد بن حنبل يقول وهو تحت السياط كيف أقول ما لم يقل
فإياكم أن تبتدعوا في مذهبه ما ليس منه ثم قلتم في الأحاديث تحمل على ظاهرها وظاهر القدم الجارحة فإنه لما قيل في عيسى

روح الله اعتقدت النصارى أن لله صفة هي روح ولجت في مريم ومن قال استوى بذاته فقد أجراه مجرى الحسيات وينبغي أن لا يهمل ما يثبت به الأصل وهو العقل فإنا به عرفنا الله تعالى وحكمنا له بالقدم فلو أنكم قلتم نقرأ الأحاديث ونسكت ما أنكر عليكم أحد إنما حملكم إياها على الظاهر قبيح فلا تدخلوا في مذهب هذا الرجل الصالح السلفي ما ليس منه ولقد كسيتم هذا المذهب شينا قبيحا حتى صار لا يقال حنبلي إلا مجسم ثم زينتم مذهبكم أيضا بالعصبية ليزيد بن معاوية ولقد علمتم أن صاحب المذهب أجاز لعنته وقد كان أبو محمد التميمي يقول في بعض أئمتكم لقد شان المذهب شينا قبيحا لا يغسل إلى يوم القيامة

فصل
قلت وقد وقع غلط المصنفين الذين ذكرتهم في سبعة أوجه
أحدها أنهم سموا الأخبار أخبار صفات وإنما هي إضافات وليس كل مضاف صفة فإنه قال سبحانه وتعالى ( ونفخت فيه من روحي ) الحجر 29
وليس لله صفة تسمى روحا فقد ابتدع من سمى المضاف صفة
الثاني أنهم قالوا إن هذه الأحاديث من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله تعالى ثم قالوا نحملها على ظواهرها فواعجبا ما لا يعلمه إلا الله أي ظاهر له فهل ظاهر الإستواء إلا القعود وظاهر النزول إلا الإنتقال
الثالث أنهم أثبتوا لله تعالى صفات وصفات الحق لا تثبت إلا بما يثبت به الذات من الأدلة القطعية
وقال ابن حامد المجسم من رد ما يتعلق به بالأخبار الثابتة فهل يكفر على وجهين وقال غالب أصحابنا على تكفير من خالف الأخبار في الساق والقدم والأصابع والكف ونظائر ذلك وإن كانت أخبار آحاد لأنها عندنا توجب العلم
قلت هذا قول من لا يفهم الفقه ولا العقل
الرابع أنهم لم يفرقوا في الأحاديث بين خبر مشهور كقوله ينزل إلى السماء الدنيا وبين حديث لا يصح كقوله رأيت ربي في أحسن صورة بل أثبتوا بهذا صفة وبهذا صفة
الخامس أنهم لم يفرقوا بين حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبين حديث موقوف على صحابي أو تابعي فأثبتوا بهذا ما أثبتوا بهذا
السادس أنهم تأولوا بعض الألفاظ في موضع ولم يتأولوها في موضع آخر كقوله من أتاني يمشي أتيته هرولة
قالوا هذا ضرب مثل للإنعام
وروي عن عمر بن عبد العزيز أنه قال إذا كان يوم القيامة جاء الله يمشي فقالوا نحمله على ظاهره
قلت فواعجبا ممن تأول حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يتأول كلام عمر بن عبد العزيز
السابع أنهم حملوا الأحاديث على مقتضى الحس فقالوا ينزل بذاته وينتقل ويتحرك ثم قالوا لا كما يعقل فغالطوا من يسمع

فكابروا الحس والعقل فحملوا الأحاديث على الحسيات فرأيت الرد عليهم لازما لئلا ينسب الإمام إلى ذلك وإذا سكت نسبت إلى اعتقاد ذلك ولا يهولني أمر عظيم في النفوس لأن العمل على الدليل وخصوصا في معرفة الحق لا يجوز فيه التقليد

فصل
فإن قال قائل ما الذي دعى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتكلم بألفاظ موهمة للتشبيه
قلنا إن الخلق غلب عليهم الحس فلا يكادون يعرفون غيره وسببه المجانسة لهم في الحديث فعبد قوم النجوم وأضافوا إليها المنافع والمضار وعبد قوم النوم وأضافوا إليه الخير وأضافوا الشر إلى الظلمة وعبد قوم الملائكة وقوم الشمس وقوم عيسى وقوم عزير وعبد قوم البقر والأكثرون الأصنام فآنست نفوسهم بالحس المقطوع بوجوده ولذلك قال قوم سيدنا موسى عليه السلام ( اجعل لنا إلها ) الأعراف 137 فلو جاءت الشرائع بالتنزيه المحض جاءت بما يطابق النفي فلما قالوا صف لنا ربك نزلت ( قل هو الله أحد ) الأخلاص 1 ولو قال لهم ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض ولا طويل ولا عريض ولا يشغل الأمكنة ولا يحويه مكان ولا جهة من الجهات الست وليس بمتحرك ولا ساكن ولا يدركه الإحساس لقالوا حد لنا النفي بأن تميز ما تدعونا إلى عبادته عن النفي وإلا فأنت تدعو إلى عدم
فلما علم الحق سبحانه ذلك جاءهم بأسماء يعقلونها من السمع والبصر والحلم والغضب وبنى البيت وجعل الحجر بمثابة اليمين المصافحة وجاء بذكر الوجه واليدين والقدم والإستواء والنزول لأن المقصود الإثبات فهو أهم عند الشرع من التنزيه وإن كان التنزيه منها ولهذا قال للجارية أين الله وقيل له أيضحك ربنا قال نعم فلما أثبت وجوده بذكر صور الحسيات نفى خيال التشبيه بقوله ^ ليس كمثله شيء ^ الشورى 11 ثم لم يذكر الرسول الأحاديث جملة وإنما كان يذكر الكلمة في الأحيان فقد غلط من ألفها أبوابا على ترتيب صورة غلطا قبيحا ثم هي بمجموعها يسيرة والصحيح منها

يسير ثم هو عربي وله التجوز أليس هو القائل تأتي البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان أو فرقان من طير صاف ويؤتى بالموت في صورة كبش أملح فيذبح
فإن قيل لم سكت السلف عن تفسير الأحاديث وقالوا أمروها كما جاءت


قلت لثلاثة أوجه
أحدها أنها ذكرت للإيناس بموجود فإذا فسرت لم يحصل الإيناس مع أن فيها ما لا بد من تأويله كقوله تعالى ( وجاء ربك ) الفجر 22 أي جاء أمره
وقال أحمد بن حنبل وإنما صرفه إلى ذلك أدلة العقل فإنه لا يجوز عليه الإنتقال
والوجه الثاني أنه لو تأولت اليد بمعنى القدرة جاز أن يتأول بمعنى القوة فيحصل الخطر بالصرف عما يحتمل
والثالث أنهم لو أطلقوا في التأويل اتسع الخرق فخلط المتأول فإذا سأل العامي عن قوله تعالى ( ثم استوى على العرش ) الأعراف 53 قيل له الإستواء معلوم والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وإنما فعلنا هذا لأن العوام لا يدركون الغوامض
فصل
وكان الإمام أحمد يقول أمروا الأحاديث كما جاءت وعلى هذا كبار أصحابه كإبراهيم الحربي ومن كبار أصحابنا أبو الحسن التميمي وأبو محمد رزق الله بن عبد الوهاب وأبو الوفاء ابن عقيل فنبغ الثلاثة الذين ذكرناهم ابن حامد والقاضي أبو يعلى والزاغوني
وقد سئل الإمام أحمد عن مسألة فأفتى فيها فقيل له هذا لا يقول به ابن المبارك فقال ابن المبارك لم ينزل من السماء
وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه استخرت الله تعالى في الرد على الإمام مالك
ولما صنف هؤلاء الثلاث كتبا وانفرد القاضي أبو يعلي فصنف الأحاديث التي ذكرتها على ترتيبه وقدم عليها الآيات التي وردت في ذلك رأيت أن أرد كلامه في تلك الأحاديث والآثار مقدما الآيات الشريفة التي وردت في ذلك

 باب ما جاء في القرآن العظيم من ذلك 
1 قال الله تعالى ( ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) الرحمن 27
قال المفسرون معناه يبقى ربك وكذا قالوا في قوله ( يريدون وجهه ) الأنعام 52 أي يريدونه
وقال الضحاك وأبو عبيدة في قوله ^ كل شيء هالك إلا وجهه ^ القصص 88 أي إلا هو وقد ذهب الذين أنكرنا عليهم إلى أن الوجه صفة تختص باسم زائد على الذات
قلت فمن أين قالوا هذا وليس لهم دليل إلا ما عرفوه من الحسيات وذلك يوجب التبعيض ولو كان كما قالوا كان المعنى أن ذاته تهلك إلا وجهه وقال ابن حامد المجسم أثبتنا لله وجها ولا نجوز إثبات رأس
قلت ولقد اقشعر بدني من جراءته على ذكر هذا فما أعوزه في التشبيه غير الرأس
2 قلت ومن ذلك قوله ( ولتصنع على عيني ) طه 39 ( واصنع الفلك بأعيننا ) هود 37
قال المفسرون بأمرنا أي بمرأى منا قال أبو بكر بن الأنباري أما جمع العين على مذهب العرب في إيقاعها الجمع على الواحد


يقال خرجنا في السفر إلى البصرة وإنما جمع لأن عادة الملك أن يقول أمرنا ونهينا
وقد ذهب القاضي أبو يعلى المجسم إلى أن العين صفة زائدة على الذات وقد سبقه أبو بكر بن خزيمة فقال في الآية لربنا عينان ينظر بهما
قلت وهذا ابتداع لا دليل لهم عليه وإنما أثبتوا عينين من دليل الخطاب في قوله عليه صلى الله عليه وسلم وإن الله ليس بأعور
وإنما أراد نفي النقص عنه تعالى ومتى ثبت أنه لا يتجزأ لم يكن لما يتخيل من الصفات وجه
3 ومنها قوله تعالى ( لما خلقت بيدي ) ص 75
اليد في اللغة بمعنى النعمة والإحسان
قال الشاعر
( متى تناخي عند باب بني هاشم ** تريحي فتلقي من فواضله يدا )
ومعنى قول اليهود ( يد الله مغلولة ) المائدة 64 أي محبوسة عن النفقة واليد القوة يقولون ما لنا بهذا الأمر من يد وقوله تعالى

( بل يداه مبسوطتان ) المائدة 64 أي نعمته وقدرته
وقوله لما خلقت بيدي أي بقدرتي ونعمتي وقال الحسن في قوله تعالى ( يد الله فوق أيديهم ) الفتح 10 أي منته وإحسانه
قلت هذا كلام المحققين
وقال القاضي أبو يعلى المجسم اليدان صفتان ذاتيتان تسميان باليدين ا هـ
قلت وهذا تصرف بالرأي لا دليل عليه وقال ابن عقيل معنى الآية لما خلقت أنا فهو كقوله ( ذلك بما قدمت يداك ) الحج 10 أي بما قدمت أنت
وقد قال بعض البله لو لم يكن لآدم عليه السلام مزية على سائر الحيوانات بخلقه باليد التي هي صفة لما عظمه بذكرها وأجله فقال ( بيدي ) ولو كانت القدرة لما كانت له مزية فإن قالوا القدرة لا تثنى وقد قال ( بيدي )
قلنا بلى قالت العرب ليس لي بهذا الأمر يدان أي ليس لي به قدرة وقال عروة بن حزام في شعره
( فقالا شفاك الله والله مالنا ** بما ضمنت منك الضلوع يدان )
وقولهم ميزه بذلك عن الحيوان نفاه قوله عز وجل ( خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما ) يس 71 ولم يدل هذا على تمييز الأنعام على

بقية الحيوان قال الله تعالى ( والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون ) الذاريات 47 أي بقوة
ثم قد أخبر أنه نفخ فيه من روحه ولم يرد إلا الوضع بالفعل والتكوين والمعنى نفخت أنا ويكفي شرف الإضافة إذ لا يليق بالخالق جل جلاله سوى ذلك لأنه لا يحتاج أن يفعل بواسطة فلا له أعضاء وجوارح يفعل بها لأنه الغني بذاته فلا ينبغي أن يتشاغل بطلب تعظيم آدم مع الغفلة عما يستحقه الباري سبحانه من التعظيم والتنزيه بنفي الأبعاض والآلات في الأفعال لأن هذه الأشياء صفة الأجسام وقد ظن بعض البله أن الله يمس حتى توهموا أنه مس طينة

آدم بيد هي بعض ذاته وما فطنوا أنه من جملة مخلوقاته جسما يقابل جسما فيتحد به ويفعل فيه ومن السحر من يعقد عقدا فيتغير به الشيء حالا وصفة أفتراه سبحانه جعل أفعال الأشخاص والأجسام تتعدى إلى الأجسام البعيدة ثم يحتاج هو في أفعاله إلى معاناة الطين
وقد ورد قول من قال هذا بقوله تعالى ( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ) آل عمران 59
4 ومنها قوله تعالى ( ويحذركم الله نفسه ) آل عمران 28 وقوله تعالى على لسان عيسى ( تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ) المائدة 116
قال المفسرون ويحذركم الله إياه
وقالوا تعلم ما عندي ولا أعلم ما عندك
قال المحققون المراد بالنفس ها هنا الذات ونفس الشيء ذاته وقد ذهب القاضي أبو يعلى المجسم إلى أن لله نفسا وهي صفة زائدة على ذاته
قلت وقوله هذا لا يستند إلا إلى التشبيه لأنه يوجب أن الذات شيء والنفس غيرها وحكى ابن حامد المجسم أعظم من هذا فقال ذهبت طائفة في قوله تعالى ( ونفخت فيه من روحي ) الحجر 29 إلى إن تلك الروح صفة من ذاته وأنها إذا خرجت رجعت إلى الله تعالى
قلت وهذا أقبح من كلام النصارى فما أبقى هذا من التشبيه بقية


5 ومنها قوله تعالى ^ ليس كمثله شيء ^ الشورى 11
ظاهر الكلام أن له مثلا فليس كمثله شيء وليس كذلك وإنما معناه عند أهل اللغة أن يقام المثل مقام الشيء نفسه
يقول الرجل مثلي لا يكلم مثلك وإنما المعنى ليس كهو شيء
6 ومنها قوله تعالى ( يوم يكشف عن ساق ) القلم 42
قال ابن عباس ومجاهد وإبراهيم النخعي وقتادة وجمهور العلماء يكشف عن شدة وأنشدوا
( وقامت الحرب بنا على ساق ** )
وقال آخرون إذا شمرت عن ساقها الحرب شمرا
قال ابن قتيبة وأصل هذا أن الرجل إذا وقع في أمر عظيم يحتاج

إلى معاناة الجد فيه شمر عن ساقه فاستعيرت الساق في موضع الشدة
وبهذا قال الفراء وأبو عبيد وثعلب واللغويون
وروى البخاري ومسلم في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل يكشف عن ساقه
هذه إضافة إليه معناها يكشف عن شدته وأفعاله المضافة إليه ومعنى يكشف عنها يزيلها
وقال عاصم بن كليب رأيت سعيد بن جبير غضب وقال يقولون يكشف عن ساقه وإنما ذلك عن أمر شديد وقد ذكر أبو عمر الزاهد

إن الساق بمعنى النفس وقال ومنه قول علي رضي الله عنه لما قالت البغاة لا حكم إلا لله فقال لا بد من محاربتهم ولو تلفت ساقي فعلى هذا يكون المعنى يتجلى لهم وفي حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
يكشف لهم الحجاب فينظرون إلى الله تعالى فيخرون لله سجدا ويبقى أقوام في ظهورهم مثل صياصي البقر يريدون السجود فلا يستطيعون
فذلك قوله تعالى ( يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون ) القلم 42 وقد ذهب القاضي أبو يعلى المجسم إلى أن الساق صفة ذاتية وقال مثله في يضع قدمه في النار وحكى عن ابن مسعود ويكشف عن ساقه اليمنى فتضيء من نور ساقه الأرض
قلت وذكر الساق مع القدم تشبيه محض وما ذكر عن ابن مسعود محال ولا تثبت لله صفة بمثل هذه الخرافات ولا توصف ذاته سبحانه بنور شعاع تضيء به الأرض واحتجاجه بالإضافة ليس بشيء لأنه إذا كشف عن شدته فقد كشف عن ساقه وهؤلاء وقع لهم أن معنى يكشف يظهر وإنما المعنى يزيل ويرفع
قال ابن حامد المجسم يجب الإيمان بأن لله تعالى ساقا صفة لذاته فمن جحد ذلك كفر


قلت ولو تكلم بهذا عامي جلف كان قبيحا فكيف بمن ينسب إلى العلم فإن المتأولين أعذر منهم لأنهم ردوا الأمر إلى اللغة وهؤلاء أثبتوا ساقا للذات وقدما حتى يتحقق التجسيم والصورة
7 ومنها قوله تعالى ( ثم استوى على العرش ) الأعراف 54
قال الخليل بن أحمد العرش السرير فكل سرير ملك يسمى عرشا والعرش مشهور عند العرب في الجاهلية والإسلام قال الله تعالى ( ورفع أبويه على العرش ) يوسف 100 وقال تعالى ( أيكم يأتيني بعرشها ) النحل 38
واعلم أن الإستواء في اللغة على وجوه منها الإعتدال قال بعض بني تميم فاستوى ظالم العشيرة والمظلوم أي اعتدلا والإستواء تمام الشيء قال الله تعالى ( ولما بلغ أشده واستوى ) القصص 14 أي تم
والإستواء القصد إلى الشيء قال تعالى ( ثم استوى إلى السماء ) البقرة 29 أي قصد خلقها والإستواء الإستيلاء على الشيء قال الشاعر
( قد استوى بشر على العراق ** من غير سيف ودم مهراق )
وقال الآخر
( إذا ما غزى قوما أباح حريمهم ** وأضحى على ما ملكوه قد استوى )
وروى إسماعيل بن أبي خالد الطائي قال العرش ياقوتة حمراء
قلت وجميع السلف على امرار هذه الآية كما جاءت من غير تفسير ولا تأويل
قال عبدالله بن وهب كنا عند مالك بن أنس فدخل رجل فقال يا أبا عبد الله ( الرحمن على العرش استوى ) كيف استوى فأطرق مالك وأخذته الرحضاء ثم رفع رأسه فقال الرحمن على العرش استوى كما وصف نفسه ولا يقال له كيف وكيف عنه مرفوع وأنت رجل سوء صاحب بدعة فأخرجوه فأخرج
وقد حمل قوم من المتأخرين هذه الصفة على مقتضى الحس فقالوا استوى على العرش بذاته وهي زيادة لم تنقل إنما فهموها من إحساسهم وهو أن المستوي على الشيء إنما تستوي عليه

ذاته قال أبو حامد المجسم الإستواء مماسته وصفة لذاته والمراد به القعود قال وقد ذهبت طائفة من أصحابنا إلى أن الله سبحانه وتعالى على عرشه قد ملأه وأنه يقعد ويقعد نبيه صلى الله عليه وسلم معه على

العرش يوم القيامة
قال أبو حامد والنزول هو انتقال
قلت وعلى ما حكى تكون ذاته أصغر من العرش فالعجب من قول هذا ما نحن مجسمة
وقيل لإبن الزاغوني المجسم هل تجددت له صفة لم تكن له بعد خلق العرش قال لا إنما خلق العالم بصفة التحت فصار العالم بالإضافة إليه أسفل فإذا ثبت لإحدى الذاتين صفة التحت تثبت للأخرى صفة استحقاق الفوق قال وقد ثبت أن الأماكن ليست في ذاته ولا ذاته فيها فثبت انفصاله عنها ولا بد من شيء يحصل به الفصل فلما قال ( ثم استوى ) علمنا اختصاصه بتلك الجهة
قل ابن الزاغوني المجسم ولا بد أن تكون لذاته نهاية وغاية يعلمها
قلت وهذا رجل لا يدري ما يقول لأنه إذا قدر غاية وفصلا بين الخالق والمخلوق فقد حدده وأقر بأنه جسم وهو يقول في كتابه إنه ليس بجوهر لأن الجوهر ما تحيز ثم يثبت له مكانا يتحيز فيه
قلت وهذا كلام جهل من قائله وتشبيه محض فما عرف هذا الشيخ ما يجب للخالق وما يستحيل عليه فإن وجوده تعالى ليس كوجود الجواهر والأجسام التي لا بد لها من حيز والتحت والفوق إنما

يكون فيما يقابل ويحاذي ومن ضرورة المحاذي أن يكون أكبر من المحاذى أو أصغر أو مثله وان هذا ومثله إنما يكون في الأجسام وكل ما يحاذي الأجسام يجوز أن يمسها وما جاز عليه مماسة الأجسام ومباينتها فهو حادث إذ قد ثبت أن الدليل على حدوث الجواهر قبولها للمباينة والمماسة فإذا أجازوا هذا عليه قالوا بجواز حدوثه وإن منعوا جواز هذا عليه لم يبق لنا طريق لإثبات حدوث الجواهر ومتى قدرناه مستغنيا عن المحل والحيز ومحتاجا إلى الحيز ثم قلنا إما أن يكونا متجاورين أو متباينين كان ذلك محالا
فإن التجاور والتباين من لوازم التحيز في المتحيزات وقد ثبت أن الإجتماع والإفتراق من لوازم المتحيز والحق سبحانه وتعالى لا يوصف بالتحيز لأنه إن كان متحيزا لم يخل إما أن يكون ساكنا في حيزه أو متحركا عنه ولا يجوز أن يوصف بحركة ولا سكون ولا اجتماع و لا افتراق وما جاور أو باين فقد تناهى ذاتا والمتناهي إذا خص بمقدار استدعى مخصصا وكذا ينبغي أن يقال ليس بداخل في العالم وليس بخارج منه لأن الدخول والخروج من لوازم المتحيزات وهما كالحركة والسكون وسائر الأعراض التي تختص بالأجرام وأما قولهم خلق الأماكن لا في ذاته فثبت انفصاله عنها
قلنا ذاته تعالى لا تقبل أن يخلق فيها شيء ولا أن يحل فيها شيء والفصل من حيث الحس يوجب عليه ما يوجب على الجواهر ومعنى الحيز أن الذي يختص به يمنع مثله أن يوجد وكلام هؤلاء كله مبني على الحس وقد حملهم الحس على التشبيه والتخليط حتى قال بعضهم
إنما ذكر الإستواء على العرش لأنه أقرب الموجودات إليه

وهذا جهل أيضا لأن قرب المسافة لا يتصور إلا في حق الجسم
وقال بعضهم جهة العرش تحاذي ما يقابله من الذات و لا تحاذي جميع الذات وهذا صريح في التجسيم والتبعيض ويعز علينا كيف ينسب هذا القائل إلى مذهبنا
واحتج بعضهم بأنه على العرش بقوله تعالى ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) فاطر 10 وبقوله ^ وهو القاهر فوق

عباده ) الأنعام 18 وجعلوا ذلك فوقية حسية ونسوا أن الفوقية الحسية إنما تكون لجسم أو جوهر وأن الفوقية قد تطلق لعلو المرتبة فيقال فلان فوق فلان ثم إنه كما قال فوق عباده قال وهو معكم
فمن حملها على العلم حمل خصمه الإستواء على القهر أخبرنا علي بن محمد بن عمر الدباس قال أنبأنا رزق الله بن عبد الوهاب التميمي قال كان أحمد بن حنبل يقول الإستواء صفة مسلمة وليست بمعنى القصد ولا الإستعلاء قال وكان أحمد لا يقول بالجهة للباري لأن الجهات تخلى عما سواها وقال ابن حامد الحق يختص بمكان دون مكان ومكانه الذي هو فيه وجود ذاته على عرشه
وقال وذهبت طائفة إلى أن الله تعالى على عرشه قد ملأه والأشبه أنه مماس للعرش والكرسي موضع قدميه
قلت المماسة إنما تقع بين جسمين وما أبقى هذا في التجسيم بقية

فصل
واعلم أن كل من يتصور وجود الحق سبحانه وجودا مكانيا طلب له جهة كما أن من تخيل أن وجوده وجودا زمانيا طلب له مدة في تقدمه على العالم بأزمنة وكلا التخيلين باطل وقد ثبت أن جميع الجهات تتساوى بالإضافة إلى القائل بالجهة فاختصاصه ببعضها ليس بواجب لذاته بل هو جائز فيحتاج إلى مخصص يخصصه ويكون الإختصاص بذلك المعنى زائدا على ذاته وما تطرق الجواز إليه استحال قدمه لأن القديم هو الواجب الوجود من جميع الجهات ثم إن كل من هو في جهة يكون مقدرا محدودا وهو يتعالى عن ذلك وإنما الجهات للجواهر والأجسام لأنها أجرام تحتاج إلى جهة والجهة ليست في جهة وإذا ثبت بطلان الجهة ثبت بطلان المكان ويوضحه أن المكان يحيط بمن فيه والخالق لا يحويه شيء ولا تحدث له صفة
فإن قيل فقد أخرج في الصحيحين عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه ذكر المعراج فقال فيه
فعلا به إلى الجبار تعالى فقال وهو في مكانه يا رب خفف عنا
فالجواب أن أبا سليمان الخطابي قال هذه لفظة تفرد بها

شريك ولم يذكرها غيره وهو كثير التفرد بمناكير الألفاظ والمكان لا يضاف إلى الله عز وجل إنما هو مكان النبي صلى الله عليه وسلم ومعناه مقامه الأول الذي أقيم فيه
قال الخطابي وفي هذا الحديث فاستأذنت على ربي وهو في داره
يوهم مكانا وإنما المعنى في داره التي دورها لأوليائه وقد قال القاضي أبو يعلى في كتابه المعتمد إن الله عز وجل لا يوصف

بالمكان فإن قيل نفي الجهات يحيل وجوده قلنا إن كان الموجود يقبل الإتصال والإنفصال فقد صدقت فأما إذا لم يقبلهما فليس خلوه من طرف النقيض بمحال
فإن قيل أنتم تلزموننا أن نقر بما لا يدخل تحت الفهم
قلنا إن أردت بالفهم التخيل والتصور فإن الخالق لا يدخل تحت ذلك إذ ليس يحس ولا يدخل تحت ذلك إلا جسم له لون وقدر فإن الخيال قد أنس بالمبصرات فهو لا يتوهم شيئا إلا على وفق ما رآه لأن الوهم من نتائج الحس وإن أردت أنه لا يعلم بالعقل فقد دللنا أنه ثابت بالعقل لأن العقل مضطر إلى التصديق بموجب الدليل
واعلم أنك لما لم تجد إلا حسا أو عرضا وعلمت تنزيه الخالق عن ذلك بدليل العقل الذي صرفك عن ذلك فينبغي أن يصرفك عن كونه متحيزا أو متحركا أو متنقلا ولما كان مثل هذا الكلام لا يفهمه

العامي قلنا لا تسمعوه ما لا يفهمه ودعوا اعتقاده ولا تحركوه ويقال إن الله تعالى استوى على عرشه كما يليق به
8 ومن الآيات قوله تعالى ^ ءأمنتم من في السماء ^ الملك 16
قلت وقد ثبت قطعا أنها ليست على ظاهرها لأن لفظة في للظرفية والحق سبحانه غير مظروف وإذا منع الحس أن يتصرف في مثل هذا بقي وصف العظيم بما هو عظيم عند الخلق
9 ومنها قوله تعالى ( يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله ) الزمر 56


أي في طاعته وأمره أي لأن التفريط لا يقع إلا في ذلك وأما الجنب المعهود من ذي الجوارح فلا يقع فيه تفريط
وقال ابن حامد المجسم نؤمن بأن لله تعالى جنبا بهذه الآية
قلت وآعجبا من عدم العقول إذا لم يتهيأ التفريط في جنب مخلوق كيف يتهيأ في صفة الخالق
وأنشد ثعلب وفسره
خليلي كفا فاذكرا الله في جنبي أي في أمري
10 ومنها قوله تعالى ( فنفخنا فيه من روحنا ) التحريم 12
قال المفسرون أي من رحمتنا
وإنما نسب الروح إليه لأنه بأمره كان
11 ومنها قوله تعالى ( يؤذون الله ) الأحزاب 57
قلت أي يؤذون أولياءه كقوله تعالى ( واسأل القرية ) يوسف 81

أي أهلها
وقال النبي صلى الله عليه وسلم أحد جبل يحبنا ونحبه
قال الشاعر
( أنبئت أن النار بعدك أوقدت ** واستب بعدك يا كليب المجلس )
12 ومنها قوله تعالى ( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام ) البقرة 210 أي بظلل
وكذلك قوله تعالى ( وجاء ربك ) الفجر 22
قلت قال القاضي أبو يعلى عن أحمد بن حنبل إنه قال في قوله تعالى ( يأتيهم ) قال المراد به قدرته وأمره قال وقد بينه في قوله تعالى ( أو يأتي أمر ربك ) ومثل هذا في القرآن ( وجاء ربك ) قال إنما هو قدرته
قال ابن حامد المجسم هذا خطأ إنما ينزل بذاته بانتقال
قلت وهذا الكلام في ذاته تعالى بمقتضى الحس كما يتكلم في الأجسام قال ابن عقيل في قوله تعالى ( قل الروح من أمر ربي ) الإسراء 85


قال الله كف خلقه عن السؤال عن مخلوق فكفهم عن الخالق وصفاته أولى وأنشدوا
( حقيقة المرء ليس المرء يدركها ** فكيف يدرك كنه الخالق الأزلي )
فصل
ذكر الأحاديث التي سموها أخبار الصفات
اعلم أن للأحاديث دقائق وآفات لا يعرفهما إلا العلماء الفقهاء تارة في نظمها وتارة في كشف معناها وسنوضح بعض ذلك إن شاء الله تعالى
الحديث الأول
روى البخاري ( فتح 11 / 3 ) ومسلم ( 4 / 2017 برقم 115 ) في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
خلق الله آدم على صورته
قلت للناس في هذا مذهبان أحدهما السكوت عن تفسيره والثاني الكلام في معناه واختلف أرباب هذا المذهب في الهاء على من تعود على ثلاثة أقوال
أحدها تعود على بعض بني آدم وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم مر برجل يضرب رجلا وهو يقول
قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك فقال
إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه فإن الله تعالى خلق آدم على صورته
قالوا وإنما اقتصر بعض الرواة على بعض الحديث فيحمل المقتصر على المفسر قالوا فوجه من أشبه وجهك يتضمن سب الأنبياء والمؤمنين
وإنما خص آدم بالذكر لأنه هو الذي ابتدأت خلقة وجهه على هذه الصورة التي احتذي عليها من بعده وكأنه نبه على أنك سببت آدم وأنت من أولاده وذلك مبالغة في زجره فعلى هذا تكون الهاء كناية عن المضروب ومن الخطأ الفاحش أن ترجع إلى الله عز وجل بقوله ووجه من أشبه وجهك فإنه إذا نسب إليه شبه سبحانه وتعالى كان تشبيها صريحا
وفي صحيح مسلم ( 4 / 2017 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
إذا قاتل أحدكم فليتق الوجه فإن الله تعالى خلق آدم على صورته
القول الثاني إن الهاء كناية عن إسمين ظاهرين فلا يصح أن يضاف إلى الله عز وجل لقيام الدليل على أنه ليس بذي صورة فعادت إلى آدم ومعنى الحديث إن الله خلق آدم على صورته التي

خلقه عليها تاما لم ينقله من نطفة إلى علقة كبنيه هذا مذهب أبي سليمان الخطابي وقد ذكره ثعلب في أماليه
القول الثالث إنها تعود إلى الله تعالى وفي معنى ذلك قولان
أحدهما أن تكون صورة ملك لأنها فعله فتكون إضافتها إليه من وجهين
أحدهما التشريف بالإضافة كقوله تعالى ( أن طهرا بيتي للطائفين ) الحج 26
والثاني لأنه ابتدعها على غير مثال سابق وقد روي هذا الحديث من طريق ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تقبح الوجه فإن آدم خلق على صورة الرحمن
قلت هذا الحديث فيه ثلاثة علل
أحدها أن الثوري والأعمش اختلفا فيه فأرسله الثوري ورفعه الأعمش
والثاني أن الأعمش كان يدلس فلم يذكر أنه سمعه من حبيب بن أبي ثابت
والثالثة أن حبيبا كان يدلس فلم يعلم أنه سمعه من عطاء
قلت وهذه أدلة توجب وهنا في الحديث ثم هو محمول على

إضافة الصورة إليه ملكا
والقول الثاني أن تكون صورة بمعنى الصفة تقول هذا صورة هذا الأمر أي صفته ويكون المعنى خلق آدم على صفته من الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والإرادة والكلام فميزه بذلك على جميع الحيوانات ثم ميزه على الملائكة بصفة التعالي حين أسجدهم له وقال ابن عقيل إنما خص آدم بإضافة صورته إليه لتخصيصه وهي السلطنة التي تشاكلها الربوبية استعبادا وسجودا وأمرا نافذا وسياسات تعمر بها البلاد ويصلح به العباد وليس في الملائكة والجن من تجمع على طاعة نوعه وقبيلته سوى الآدمي
وإن الصورة ها هنا معنوية لا صورة تخاطيط وقد ذهب أبو محمد بن قتيبة في هذا الحديث إلى مذهب قبيح فقال لله صورة لا كالصور فخلق آدم عليها وهذا تخليط وتهافت لأن معنى كلامه إن صورة آدم كصورة الحق
وقال القاضي أبو يعلى المجسم يطلق على الحق تسمية الصورة لا كالصور كما أطلقنا اسم ذاته
قلت وهذا تخليط لأن الذات بمعنى الشيء وأما الصورة فهي هيئة وتخاطيط وتأليف وتفتقر إلى مصور ومؤلف وقول القائل لا كالصور نقض لما قاله وصار بمثابة من يقول جسم لا كالأجسام فإن الجسم ما كان مؤلفا فإذا قال لا كالأجسام نقض ما قال

الحديث الثاني
روى عبد الرحمن بن عائش رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
رأيت ربي في أحسن صورة فقال لي فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد قلت أنت أعلم يا رب فوضع كفه بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثديي فعلمت ما في السموات والأرض
قال أحمد رضي الله عنه أصل هذا الحديث وطرقه مضطربة يرويه معاذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل أسانيده مضطربة ليس فيها صحيح ورواه قتادة عن أنس واختلف على قتادة فرواه يوسف بن عطية عن قتادة ووهم فيه ورواه هشام عن قتادة عن أبي قلابة عن خالد بن اللجلاج عن ابن عباس ووهم في قوله عن ابن عباس وإنما رواه خالد عن عبد الرحمن بن عائش وعبد الرحمن لم يسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما رواه عن مالك بن يخامر عن معاذ
قلت قد ذكرنا أنه لا يصح وقال أبو بكر البيهقي فقد روي من أوجه كلها ضعيفة وأحسن طرقه تدل على أن ذلك كان في النوم
وقد روي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاني آت في أحسن صورة
فقال فيم يختصم الملأ الأعلى فقلت لا أدري فوضع كفه بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي فعرفت كل شيء يسألني عنه
وروي من حديث ثوبان قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الصبح فقال إن ربي أتاني الليلة في أحسن صورة فقال لي يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى قلت لا أدري يارب فوضع كفه بين كتفي حتى وجدت برد أنامله في صدري فتجلى لي ما بين السماء والأرض
وروي عن أبي عبيدة بن الجراح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لما كنت ليلة أسري بي رأيت ربي في أحسن صورة
قلت وهذه أحاديث مختلفة وليس فيها ما يثبت وفي بعضها أتاني آت وذلك يرفع الأشكال وأحسن طرقها يدل على أن ذلك كان في النوم ورؤيا المنام وهم والأوهام لا تكون حقائق وأن الإنسان يرى كأنه يطير أو كأنه قد صار بهيمة وقد رأى أقوام في منامهم الحق سبحانه على ما ذكرنا وإن قلنا إنه رأه في اليقظة فالصورة إن قلنا ترجع إلى الله تعالى فالمعنى رأيته على أحسن صفاته من الإقبال علي والرضى عني وإن قلنا ترجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فالمعنى رأيته وأنا على أحسن صورة
قلت والعجب مع اضطراب هذه الأحاديث وكون مثلها لا يثبت به حكم في الوضوء كيف يحتجون بها في أصول الدين والعقائد وروى ابن حامد المجسم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
ولما أسرى بي رأيت الرحمن تعالى في صورة شاب أمرد له نور يتلألأ وقد نهيت عن وصفه لكم فسألت ربي أن يكرمني برؤيته وإذا هو كأنه عروس حين كشف عن حجابه مستو على عرشه
قلت هذا الحديث كذب قبيح ما روي قط لا في صحيح ولا في كذب فأبعد الله من عمله فقد كنا نقول ذلك في المنام فذكر الوضاع هذا في ليلة الإسراء كافأهم الله وجزاهم النار يشبهون الله سبحانه بعروس لا يقول هذا مسلم
وأما ذكر البرد في الحديث الماضي فإن البرد عرض لايجوز أن ينسب إلى الله تعالى وقد ذكر القاضي أبو يعلى في كتاب الكفاية عن أحمد رأيت ربي في أحسن صورة أي في أحسن موضع
الحديث الثالث
روت أم طفيل امرأة أبي بن كعب رضي الله عنهما أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر أنه رأى ربه عز وجل في المنام في أحسن صورة شابا موفرا رجلاه في خضرة عليه نعلان من ذهب على وجهه فراش من ذهب
قلت هذا الحديث يرويه نعيم بن حماد بن معاوية المروزي قال ابن عدي كان يضع الحديث وقال يحيى بن معين ليس نعيم بشيء في الحديث وفي إسناده مروان بن عثمان عن عمارة بن عامر قال أبو عبد الرحمن النسائي ومن مروان حتى يصدق على الله عز وجل وقال مهنى بن يحيى سألت أحمد عن هذا الحديث فأعرض بوجهه وقال هذا حديث منكر مجهول يعني مروان بن عثمان قال ولا يعرف أيضا عمارة
وقد روى عبيد الله بن أبي سلمة قال بعث ابن عمر إلى عبد الله بن عباس يسأله هل رأى محمد ربه فأرسل إليه أن نعم قد رآه فرد الرسول إليه كيف رآه قال رآه على كرسي من ذهب يحمله أربعة من الملائكة في صورة رجل
قلت وهذا الحديث تفرد به ابن إسحاق وكذبه جماعة من العلماء
وفي رواية عن ابن عباس رآه كأن قدميه على خضرة دونه ستر من لؤلؤ
قلت وهذا يرويه إبراهيم بن الحكم بن ابان وقد ضعفه يحيى بن معين وغيره وفي رواية ابن عباس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رأيت ربي أجعد أمرد عليه حلة خضراء
قلت وهذا يروى من طريق حماد بن سلمة وكان ابن أبي العوجاء الزنديق ربيب حماد يدس في كتبه هذه الأحاديث على أن هذا كان مناما والمنام خيال
ومثل هذه الأحاديث لا ثبوت لها ولا يحسن أن يحتج بمثلها في الوضوء وقد أثبت بها القاضي أبو يعلى المجسم لله تعالى صفات فقال قوله شاب وأمرد وجعد وقطط والفراش والنعلان والتاج قال ثبت ذلك تسمية لا يعقل معناها وليس في إثباتها أكثر من تقريب المحدث من القديم وذلك جائز كما روي يدني عبده إليه يعني يقربه إلى ذاته
قلت ومن يثبت بالمنام وبما لا يصح نقله صفات
وقد عرفنا معنى الشاب والأمرد ما هو
ثم يقول ما هو كما نعلم كمن يقول قام فلان وما هو قائم وقعد وليس بقاعد
قال ابن عقيل هذا الحديث مقطوع بأنه كذب
ثم لا تنفع ثقة الرواة إذا كان المتن مستحيلا وصار هذا كما لو

أخبرنا جماعة من المعدلين بأن جمل البزاز دخل في خرم إبرة الخياط فإنه لا حكم لصدق الرواة مع استحالة خبرهم

الحديث الرابع
روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهيت ليلة أسري بي إلى السماء فرأيت ربي فرأيت كل شيء من ربي حتى لقد رأيت تاجا مخوصا من لؤلؤ
قلت هذا يرويه أبو القاسم عبد الله بن محمد بن اليسع عن القاسم بن إبراهيم قال الأزهري كنت أقعد مع ابن اليسع ساعة فيقول
قد ختمت الختمة منذ قعدت وقاسم ليس بشيء
قال الدارقطني هو كذاب
قلت كافأ الله من عمل مثل هذا الحديث
الحديث الخامس
روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
يجمع الله الناس فيقول من كان يعبد شيئا فليتبعه فيتبعون ما كانوا يعبدون وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله عز وجل في غير الصورة التي كانوا يعرفون فيقول أنا ربكم
فيقولون نعوذ بالله منك هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا جاء ربنا عرفناه فيأتيهم في الصورة التي يعرفون فيقول أنا ربكم
فيقولون أنت ربنا
وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فيأتيهم الجبار في غير الصورة التي رأوه فيها أول مرة
فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فلا يكلمه إلا الأنبياء فيقال هل بينكم وبينه آية تعرفونها
فيقولون الساق فيكشف عن ساقه فيسجد له كل

مؤمن
قلت إعلم أنه يجب على كل مسلم أن يعتقد أن الله سبحانه وتعالى لا تجوز عليه الصورة التي هي هيئة وتأليف
قال أبو سليمان الخطابي معنى فيأتيهم الله أي يكشف الحجاب لهم حتى يرونه عيانا كما كانوا عرفوه في الدنيا استدلالا فرؤيته بعد أن لم يكونوا رأوه بمنزلة إتيان الآتي ولم يكن شوهد من قبل
وأما الصورة فتتأول على وجهين أحدهما أنها بمعنى الصفة يقال صورة الأمر كذا
والثاني أن المذكورات من المعبودات في أول الحديث صور يخرج الكلام على نوعين من المطابقة وقوله في غير الصورة التي رأوه فيها دليل على أن المراد بالصورة الصفة لأنهم ما رأوه قبلها فعلم أن المراد الصفة التي عرفوه فيها
وقال غيره من العلماء يأتيهم بأهوال القيامة وصور الملائكة مما لم يعهدوا مثله في الدنيا فيستعيذون من تلك الحال ويقولون إذا جاء ربنا عرفناه أي أتى بما يعرفونه من لطفه وهي الصورة التي يعرفون فيكشف عن ساق أي عن شدة كأنه يرفع تلك الشدائد المهولة فيسجدون شكرا وقال بعضهم صورة يمتحن إيمانهم بها كما يبعث الدجال فيقولون نعوذ بالله منك


وفي حديث أبي موسى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن الناس يقولون إن لنا ربا كنا نعبده في الدنيا فيقال أوتعرفونه إذا رأيتموه
فيقولون نعم
فيقال كيف تعرفونه ولم تروه
فيقولون إنه لا شبيه له فيكشف الحجاب فينظرون إلى الله عز وجل فيخرون سجدا
قال ابن عقيل الصورة على الحقيقة تقع على الأشكال والتخاطيط وذلك من صفات الأجسام والذي صرفنا عن كونه جسما الأدلة القطعية كقوله ^ ليس كمثله شيء ^ الشورى 11
ومن الأدلة العقلية أنه لو كان جسما لكان صورة وعرضا ولو كان حاملا الأعراض جاز عليه ما يجوز على الأجسام وافتقر إلى صانع ولو كان جسما مع قدمه جاز قدم أحدنا فأحوجتنا الأدلة إلى تأويل صورة تليق أضافتها إليه وما ذاك إلا الحال الذي يوقع عليه أهل اللغة اسم صورة فيقولون كيف صورتك مع فلان وفلان على صورة من الفقر والحال التي أنكروها الغضب والتي يعرفونها اللطف فيكشف عن الشدة والتغيرات أليق بفعله فأما ذاته فتعالى عن التغير نعوذ بالله أن يحمل الحديث على ما قالته المجسمة إن الصورة ترجع إلى ذاته فإن في ذلك تجويز التغير على صفاته فخرجوه في صورة إن كانت حقيقية فذلك استحالة وإن كانت تخيلا فليس ذلك هو إنما يريهم غيره
الحديث السادس
روى مسلم في صحيحه ( 2 \ 1136 برقم 17 ) من حديث المغيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا شخص أغير من الله ولا شخص أحب إليه العذر من الله ولا شخص أحب إليه المدحة من الله
قلت لفظة الشخص يرويها بعض الرواة ويروي بعضهم لا شيء أغير من الله
والرواة يروون بما يظنون به المعنى فيكون لفظ شخص من تغيير الرواة والشخص لا يكون إلا جسما مؤلفا وسمي شخصا لأن له شخوصا وارتفاعا والصواب أنه يرجع ذكر الشخص إلى المخلوقين لا أن الخالق يقال له شخص ويكون المعنى ليس منكم أيها الأشخاص أغير من الله لأنه لما اجتمع الكل بالذكر سمى بأسمائهم ومثل هذا قول ابن مسعود ما خلق الله من جنة ولا نار أعظم من آية الكرسي
قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى الخلق يرجع إلى

الجنة والنار لا إلى القرآن ومن هذا الجنس قوله تعالى ( الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا ) الفرقان 24 ومعلوم أن أهل النار لا مستقر لهم ولا مقيل ويمكن أن يكون هذا من باب المستثنى من غير الجنس كقوله تعالى ( ما لهم به من علم إلا اتباع الظن ) النساء 157 وقد أجاز بعضهم إطلاق الشخص على الله تعالى وذلك غلط لما بيناه
وأما الغيرة فقد قال العلماء كل من غار من شيء اشتدت كراهيته له فلما حرم الفواحش وتوعد عليها وصفه رسوله صلى الله عليه وسلم بالغيرة

الحديث السابع
روى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض المعنى مقدار قبضته وليست على ما يتصور من قبضات المخلوقين فإن الحق منزه عن ذلك
وإنما أضيفت القبضة إليه لأن أفعال المملوك تنسب إلى المالك وذلك أنه بعث من قبض كقوله تعالى ( فطمسنا أعينهم ) القمر 37
وقد روى محمد بن سعد في كتاب الطبقات أن الله تعالى بعث إبليس فأخذ من أديم الأرض فخلق منه آدم فمن ثم قال ( أأسجد لمن خلقت طينا ) الإسراء 61
قال القاضي أبو يعلى المجسم لا يمتنع إطلاق اسم القبض إليه وإضافة القبضة لا على معنى الجارحة ولا على المعالجة والممارسة
قلت فيقال له أطلقت وما تدري
الحديث الثامن
روى سليمان قال إن الله تعالى لما خمر طينة آدم ضرب بيده فيه فخرج كل طيب في يمينه وكل خبيث في يده الأخرى ثم خلط بينهما فمن ثم يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي
قلت وهذا مرسل وقد ثبت بالدليل أن الله سبحانه وتعالى لا يوصف بمس شيء فإن صح فضرب مثل لما جرت به الأقدار
وقال القاضي أبو يعلى المجسم تخمير الطين وخلط بعضه ببعض مضاف إلى اليد التي خلق بها آدم
قلت وهذا التشبيه المحض
الحديث التاسع
روى عبيد بن حنين قال بينما أنا جالس في المسجد إذ جاء قتادة بن النعمان فجلس يتحدث ثم قال
انطلق بنا إلى أبي سعيد الخدري فإني قد أخبرت أنه قد اشتكى فانطلقنا حتى دخلنا على أبي سعيد فوجدناه مستلقيا واضعا رجله اليمنى على اليسرى فسلمنا عليه وجلسنا فرفع قتادة يده إلى رجل أبي سعيد فقرصها قرصة شديدة فقال أبو سعيد سبحان الله يا ابن أم أوجعتني
فقال ذلك أردت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
إن الله لما قضى خلقه استلقى ثم وضع إحدى رجليه على الأخرى ثم قال لا ينبغي لأحد من خلقي أن يفعل هذا
قال أبو سعيد لا جرم لا أفعله أبدا
قلت وقد رواه عبد الله بن أحمد عن أبي بكر محمد بن إسحاق الصاغاني قال حدثني إبراهيم بن المنذر قال حدثنا محمد بن فليح عن سعيد بن الحارث عن عبيد الله بن حنين
قلت قال عبد الله بن أحمد بن حنبل ما رأيت هذا الحديث في ديوان من دواوين الشريعة المعتمد عليها وكان أحمد بن حنبل يذم إبراهيم بن المنذر ويتكلم فيه وقال زكريا الساجي عنده مناكير وقال يحيى بن معين فليح ليس حديثه بالجائز وقال مرة هو ضعيف وقال النسائي ليس بالقوي
وأما عبيد بن حنين فقال البخاري لا يصح حديثه في أهل المدينة وقال أبو بكر البيهقي إذا كان فليح مختلفا في جواز

الإحتجاج عند الحفاظ به لم يثبت بروايته مثل هذا الأمر العظيم
قال وفي الحديث علة أخرى وهي أن قتادة بن النعمان مات في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعبيد بن حنين مات سنة خمس ومائة وله خمس وسبعون سنة في قول الواقدي فتكون روايته عن قتادة بن النعمان منقطعة وقول الراوي فانطلقنا حتى دخلنا على أبي سعيد لا يرجع إلى عبيد بن حنين وإنما يرجع إلى من أرسله عنه ونحن لا نعرفه قال ولا نقبل المراسيل في الأحكام فكيف في هذا الأمر العظيم
قال الإمام أحمد ثم لو صح طريقه احتمل أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم حدث به عن بعض أهل الكتاب على طريق الإنكار عليهم فلم يفهم قتادة إنكاره عليهم
قلت ومن هذا الفن حديث رويناه أن الزبير سمع رجلا يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمع له الزبير حتى إذا قضى الرجل حديثه قال له الزبير
أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم قال هذا وأشباهه يمنعنا أن نحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال لعمري سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا يومئذ حاضر ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدأ بهذا الحديث فحدثناه عن رجل من أهل الكتاب حدثه إياه فجئت أنت يومئذ بعد انقضاء صدر الحديث وذكر الرجل الذي من أهل الكتاب فظننت أنه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم


قلت وغالب الظن أن الإشارة في حديث الزبير إلى حديث قتادة فإن أهل الكتاب قالوا إن الله تعالى لما خلق السموات والأرض استراح فنزل قوله تعالى ( وما مسنا من لغوب ) ق 38
فيمكن أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم حكى ذلك عنهم ولم يسمع قتادة أول الكلام
وقد روى أبو عبد الرحمن ابن أحمد في كتاب السنة عن أبي سفيان قال
رأيت الحسن قد وضع رجله اليمنى على شماله وهو قاعد فقلت يا أبا سعيد تكره هذه القعدة
فقال قاتل الله اليهود ثم قرأ ( ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب ) ق 38 فعرفت ما عنى فامسكت
قلت إنما أشار الحسن إلى ما ذكرناه عن اليهود
وروينا عن العوام بن حوشب قال سألت أبا مجلز عن رجل يجلس فوضع أحدى رجليه على الأخرى قال لا بأس وإنما ذكر ذاك اليهود زعموا أن الله عز وجل خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام
قلت وقد تأول بعض العلماء الحديث الذي نحن فيه على تقدير الصحة فقال معنى استلقى أتم خلقه وفرغ يقال فلان بنى لفلان

داره واستلقى على ظهره أي لم يبق له فيها عمل وقوله وضع رجلا على رجل أي وضع بعض المخلوقات على بعض
وذهب القاضي أبو يعلى المجسم إلى جعل الإستلقاء صفة وأنه وضع رجلا على رجل ثم قال لا على وجه يعقل معنا قال ويفيد الحديث إثبات رجلين
قلت ولو لم يعقله ما أثبت رجلين ولا نثبت صفات بمثل هذا الحديث المعلول ولو لم يكن معلولا لم نثبت صفة بأخبار آحاد
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر أنهم كانوا يستلقون ويضعون رجلا على رجل وإنما يكره هذا لمن لا سراويل له

الحديث العاشر
روى القاضي أبو يعلى المجسم عن ابن عطية أن رجلا من المشركين سب رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمل عليه رجل من المسلمين فقاتله وقتل الرجل
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تعجبون من نصر الله ورسوله لقي الله متكئا فقعد له
قلت هذا حديث مقطوع بعيد الصحة ولو كان له وجه كان المعنى فأقبل عليه وأنعم
الحديث الحادي عشر
روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض فتمتلئ
قلت الواجب علينا أن نعتقد أن ذات الله تعالى لا تتبعض ولا يحويها مكان ولا توصف بالتغير ولا بالإنتقال
وقد حكى أبو عبيد الهروي عن الحسن البصري أنه قال القدم هم الذين قدمهم الله تعالى من شرار خلقه وأثبتهم لها
وقال الإمام ابن الأعرابي القدم المتقدم وروى أبو بكر البيهقي عن النضر بن شميل أنه قال القدم ههنا الكفار الذين سبق في علم الله أنهم من أهل النار
وقال أبو منصور الأزهري القدم هم الذين قدم الله بتخليدهم في النار فعلى هذا يكون في المعنى وجهين أحدهما كل شيء قدمه
يقال لما قدم قدم ولما هدم هدم ويؤيد هذا قوله في تمام الحديث وأما الجنة فينشئ لها خلقا
ووجه ثان إن كل قادم عليها سمي قادما فالقدم جمع قادم
فبعض الرواة رواه بما يظنه المعنى من أن المقدم الرجل وقد رواه الطبراني من طرق فقال لقدمه ورجله قلت وهذا دليل على تغير الرواة بما يظنونه على أن الرجل في اللغة جماعة
ومن يرويه بلفظ الرجل فإنه يقول رجل من جراد فيكون المراد يدخلها جماعة يشبهون في كثرتهم الجراد فيسرعون التهافت فيها
قال القاضي أبو يعلى المجسم القدم صفة ذاتية
وقال ابن الزاغوني المجسم نقول إنما وضع قدمه في النار ليخبرهم أن أصنافهم تحترق وأنا لا أحترق
قلت وهذا إثبات تبعيض وهو من أقبح الإعتقادات
قلت ورأيت أبا بكر بن خزيمة قد جمع كتابا في الصفات وبوبه فقال باب إثبات اليد باب إمساك السموات على أصابعه

باب إثبات الرجل وإن رغمت أنوف المعتزلة ثم قال قال الله تعالى ( ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها ) الأعراف 69
فأعلمنا أن من لا يد له ولا رجل فهو كالأنعام
قلت وأني لأعجب من هذا الرجل مع علو قدره في علم النقل

يقول هذا ويثبت لله ما ذم الأصنام بعدمه من اليد الباطشة والرجل الماشية ويلزمه أن يثبت الأذن ولو رزق الفهم ما تكلم بهذا ولفهم أن الله تعالى عاب الأصنام عند عابديها والمعنى لكم أيد وأرجل فكيف عبدتم ناقصا لا يد له يبطش ولا رجل يمشي بها
قال ابن عقيل تعالى الله أن يكون له صفة تشغل الأمكنة هذا عين التجسيم وليس الحق بذي أجزاء وأبعاض يعالج بها ثم أليس يعمل في النار أمره وتكوينه فكيف يستعين بشيء من ذاته ويعالجها بصفة من صفاته وهو القائل ( كوني بردا وسلاما ) الأنبياء 69
فما أسخف هذا الإعتقاد وأبعده عن مكون الأملاك والأفلاك فقد كذبهم الله تعالى في كتابه إذ قال ( لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها ) الأنبياء 99
فكيف يظن بالخالق أنه يردها تعالى الله عن تجاهل المجسمة

الحديث الثاني عشر
روي أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ضرس الكافر مثل أحد وكثافة جلده إثنان وأربعون ذراعا بذراع الجبار
قال أبو عمر الزاهد الجبار هاهنا الطويل يقال نخلة جبارة
قال ابن قتيبة الجبار ههنا الملك والجبابرة الملوك
قال القاضي أبو يعلى المجسم نحمله على ظاهره والجبار هو الله تعالى
قلت واعجبا أذهبت العقول إلى هذا الحد أيجوز أن يقال إن ذراع الله سبحانه إثنان وأربعون مرة تبلغ جلد الكافر ويضاف الذراع إلى ذات القديم سبحانه ثم قال ليس بجارحة فإذا لم يكن جارحة كيف ينشئ اثنين وأربعين مرة تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا
الحديث الثالث عشر
روى القاضي أبو يعلى المجسم عن مجاهد أنه قال إذا كان يوم القيامة يذكر داود عليه السلام ذنبه فيقول الله كن أمامي فيقول يا رب ذنبي فيقول كن خلفي فيقول يارب ذنبي فيقول خذ بقدمي
قال وفي لفظ عن ابن سيرين أن الله تعالى ليقرب داود حتى يضع يده على فخذه
قلت والعجب من إثبات صفات الحق سبحانه وتعالى بأقوال التابعين وما تصح عنهم ولو صحت فإنما يذكرونها عن أهل الكتاب كما يذكر وهب بن منبه
قال القاضي أبو يعلى المجسم نحمله على ظاهره لأنا لا نثبت قدما ولا فخذا هو جارحة وكذلك لا نثبت الإمام
قلت واعجبا لقد كملوا هيئة البدن بإثبات فخذ وساق وقدم ووجه ويدين وأصابع وخنصر وإبهام وجنب وحقو وصعود

ونزول ويقولون تحمل على ظاهرها وليست جوارح وهل يجوز لعاقل أن يثبت لله تعالى خلفا وإماما وفخذا ما ينبغي أن يحدث هؤلاء
ولأنا قد عرفنا الفخذ فيقال ليس بفخذ والخلف ليس بخلف ومثل هؤلاء لا يحدثون فإنهم يكابرون العقول وكأنهم يحدثون الأطفال

الحديث الرابع عشر
روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يضحك الله من رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة
وفي أفراد مسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر عن آخر من يدخل الجنة وضحك فقيل مم تضحك فقال من ضحك رب العالمين حين قال أتستهزئ مني
قلت اعلم أن الضحك له معان ترجع إلى معنى البيان والظهور وكل من أبدى عن أمر كان مستورا قيل قد ضحك يقال ضحكت الأرض بالنبات إذا ظهر ما فيها وانفتق عن زهره كما يقال بكت السماء
قال الشاعر
( كل يوم بالأقحوان جديد ** تضحك الأرض من بكاء السماء )
وكذلك الضحك الذي يعتري البشر إنما هو انفتاح الفم عند الإنسان وهذا يستحيل على الله تعالى فوجب حمله على ابداء كرم الله وإبانة فضله
ومعنى ضحكت لضحك ربي أبديت عن أسناني بفتح فمي لإظهار فضله وكرمه وقول الآخر لن نعدم من رب يضحك خيرا أي يكشف الكرب فرق بينه وبين الأجسام التي لا يرجى خيرها
قلت وهذا تأويل جماعة من العلماء وقال الخطابي معنى ضحك الجبار عز وجل المراد به الرضى وحسن المجازاة
وقد روي في حديث موقوف فضحك حتى بدت لهواته وأضراسه ذكره الخلال في كتاب السنة وقال المروزي قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل ما تقول في هذا الحديث قال هذا بشع
قال ثم على تقدير الصحة يحتمل أمرين
أحدها أن يكون ذلك راجعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم كأنه ضحك حين أخبر بضحك الرب حتى بدت لهواته وأضراسه صلى الله عليه وسلم كما روي أنه ضحك حتى بدت نواجذه وهذا هو الصحيح لو ثبت الحديث وإنما هو مقطوع
الثاني أن يكون تجوزا عن كثرة الكرم وسعة الرضا كما جوز

بقوله ومن أتاني يمشي أتيته هرولة
قال القاضي أبو يعلى المجسم لا يمتنع الأخذ بظاهر الأحاديث في إمرارها على ظواهرها من غير تأويل
قلت واعجبا قد أثبت لله صفات بأحاديث وألفاظ لا تصح
وإذا لم يثبت ضحكا معقولا فقد تأول ولا يدري وواعجبا قد عرف أن الضحك يشار به إلى الفضل والإنعام فالأضراس ما وجهها والله لو رويت في الصحيحين وجب ردها فكيف وما ثبتت أصلا وقد روى أحمد لو أن الناس أعتزلوهم يعني الأمراء فقال اضرب على هذا وهذا الحديث في الصحيحين فكيف بحديث لا يثبت يخالف

المنقول والمعقول
قلت ومن أثبت الأضراس صفة فما عنده من الإسلام خبر

الحديث الخامس عشر
روى القاضي أبو يعلى المجسم عن عبد الله بن عمرو موقوفا أنه قال خلق الله الملائكة من نور الذارعين والصدر
قلت وقد أثبت به القاضي أبو يعلى المجسم ذارعين وصدرا لله عز وجل
قلت وهذا قبيح لأنه حديث ليس بمرفوع ولا يصح وهل يجوز أن يخلق مخلوق من ذات الله القديم هذا أقبح مما ادعاه النصارى
الحديث السادس عشر
روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله يدني عبده المؤمن فيضع عليه كنفه ويقول أتعرف ذنب كذا
قال العلماء يدنيه من رحمته ولطفه وقال ابن الأنباري وكنفه حياطته وستره يقال قد كنف فلان فلانا إذا أحاطه وستره وكل شيء

ستر شيئا فقد كنفه ويقال للترس كنيف لأنه يستر صاحبه
قال القاضي أبو يعلى المجسم يدنيه من ذاته
وهذا قول من لم يعرف الله عز وجل ولا يعلم أنه لا يجوز عليه الدنو الذي هو بالمسافة وكذلك قوله أنه ليدنو به يوم عرفة أي يقرب بلطفه وعفوه

الحديث السابع عشر
روى مسلم في أفراده من حديث معاوية بن الحكم قال كانت لي جارية ترعى غنما لي فانطلقت ذات يوم فإذا الذئب قد ذهب بشاة وأنا من بني آدم آسف كما يأسفون فصككتها صكة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظم ذلك علي فقلت ألا أعتقها
قال أئتني بها
فأتيته بها فقال لها أين الله
قالت في السماء
قال من أنا قالت أنت رسول الله
قال اعتقها فإنها مؤمنة
قلت قد ثبت عند العلماء أن الله تعالى لا يحويه السماء والأرض ولا تضمه الأقطار وإنما عرف بإشارتها تعظيم الخالق عندها
الحديث الثامن عشر
رواه أبو رزين العقيلي قال قلت يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق الخلق قال كان من عماء ما تحته هواء وما فوقه هواء ثم خلق عرشه على الماء
قلت هذا حديث تفرد به يعلى بن عطاء عن وكيع بن عدس وليس لوكيع راو غير يعلى والعماء السحاب
إعلم أن الفوق والتحت يرجعان إلى السحاب لا إلى الله تعالى وفي معنى فوق فالمعنى كان فوق السحاب بالتدبير والقهر ولما كان القوم يأنسون بالمخلوقات سألوا عنها والسحاب من جملة خلقه ولو سئل عما قبل السحاب لأخبر أن الله تعالى كان ولا شيء معه كذلك روي عن عمران بن حصين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال
كان الله ولا شيء معه
وقال أبو الحسين ابن المنادى ونقلته من خطه
وصف الهواء بالفوقية والتحتية مكروه عند أهل العلم لما في ذلك من الجعل كالوعاء لمن ليس كالأشياء جل وتعالى قال ولسنا نختلف أن الجبار لا يعلوه شيء من خلقه بحال وأنه لا يحل بالأشياء بنفسه ولا يزول عنها لأنه لو حل بها لكان منها ولو زال عنها لنأى عنها فاتفاقنا على هذا أكثر من هذا الخبر على المعنى المكروه والتأويل المألوف
الحديث التاسع عشر
روى البخاري ( 3 \ 29 فتح ) ومسلم ( 1 \ 522 ) في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا حتى يبقى ثلث الليل الأخير يقول من يدعوني فاستجيب له
قلت وقد روى حديث النزول عشرون صحابيا وقد سبق القول أنه يستحيل على الله عز وجل الحركة والنقلة والتغير فيبقى الناس رجلين أحدهما المتأول له بمعنى أنه يقرب رحمته وقد ذكر أشياء بالنزول فقال تعالى ( وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ) الحديد 25
وإن كان معدنه بالأرض وقال ^ وأنزلنا لكم من الأنعام ثمانية أزواج ^ الزمر 6
ومن لم يعرف كيف نزول الجمل كيف يتكلم في تفصيل هذه الجمل
والثاني الساكت عن الكلام في ذلك مع اعتقاد التنزيه روى أبو عيسى الترمذي عن مالك بن أنس وسفيان بن عيينة وابن المبارك أنهم

قالوا أمروا هذه الأحاديث بلا كيف
قلت والواجب على الخلق اعتقاد التنزيه وامتناع تجويز النقلة وأن النزول الذي هو انتقال من مكان إلى مكان يفتقر إلى ثلاثة أجسام جسم عالي وهو مكان الساكن وجسم سافل وجسم ينتقل من علو إلى أسفل وهذا لا يجوز على الله تعالى قطعا
فإن قال العامي فما الذي أراد بالنزول قيل أراد به معنى يليق بجلاله لا يلزمك التفتيش عنه فإن قال كيف حدث بما لا أفهمه قلنا قد علمت أن النازل إليك قريب منك فاقتنع بالقرب ولا تظنه كقرب الأجسام


قال ابن حامد المجسم هو على العرش بذاته مماس له وينزل من مكانه الذي هو فيه فيزول وينتقل
قلت وهذا رجل لا يعرف ما يجوز على الله تعالى
وقال القاضي أبو يعلى المجسم النزول صفة ذاتية ولا نقول نزوله انتقال
قلت وهذه مغالطة ومنهم من قال يتحرك إذا نزل ولا يدري أن الحركة لا تجوز على الخالق
وقد حكوا عن أحمد ذلك وهو كذب عليه ولو كان النزول صفة لذاته لكانت صفاته كل ليلة تتجدد وصفاته قديمة كذاته
الحديث العشرون
روى البخاري ( 7 \ 119 فتح ) ومسلم ( 3 \ 1624 ) في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني مجهود فقال من يضيف هذا هذه الليلة
فقام رجل من الأنصار فقال أنا يا رسول الله فانطلق به فقال لأمرأته هل عندك شيء
قالت لا إلا قوت صبياني
قال فعلليهم بشيء وإذا أراد الصبية العشاء فنوميهم فإذا دخل ضيفنا فأفطفئي السراج وأريه أنا نأكل فقعدوا وأكل الضيف فلما أصبح غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
لقد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة
وفي أفراد البخاري ( 6 \ 145 فتح ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال عجب ربك من قوم جيء بهم في السلاسل حتى يدخلهم الجنة
قال العلماء العجب إنما يكون من شيء يدهم الإنسان مما لا يعلمه فيستعظمه وهذا لا يليق بالخالق سبحانه لكن معناه عظم قدر ذلك الشيء عند الله لأن المتعجب من شيء يعظم قدره عنده ومعنى في السلاسل أكرهوا على الطاعة التي بها يدخلون الجنة وقال ابن الأنباري معنى عجب ربك زادهم إنعاما وإحسانا فعبر بعجب عن هذا
وقال ابن عقيل العجب في الأصل استغراب الشيء وذلك يكون من علم ما لم يعلم وإلا فكل شيء أنس به لا يتصور العجب منه فإن الإنسان إذا رأى حجر المغناطيس يجذب الحديد ولم يكن رآه قبل ذلك عجب والباري سبحانه لا يعزب عن علمه شيء فأين العجب منه فلم يبق للحديث معنى إلا أن يكون فعل شيء أعجبه فعله وكذلك الضحك لا يصدر إلا عن راض ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لله أفرح بتوبة عبده أي رضي ومنه قوله تعالى ( كل حزب بما لديهم فرحون ) المؤمنون 54 أي راضون
وقال القاضي أبو يعلى المجسم لا نثبت عجبا هو تعظيم الأمر بل نثبت ذلك صفة
قلت وهذا ليس بشيء
الحديث الحادي والعشرون
روى البخاري ( 11 \ 102 فتح ) ومسلم ( 4 \ 2102 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
لله أشد فرحا بتوبة عبده إذا تاب من أحدكم براحلته إذا وجدها
قلت من كان مسرورا بشيء راضيا به قيل له فرح والمراد الرضا بتوبة التائب ولا يجوز أن يعتقد في الله تعالى التأثر الذي يوجد في المخلوقين فإن صفات الحق قديمة فلا تحدث له صفة
الحديث الثاني والعشرون
روى مسلم ( 1 \ 162 ) في أفراده من حديث أبي موسى قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات فقال
إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه إلى قوله حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إلى بصره من خلقه
قلت معنى يخفض القسط ويرفعه أي يخفض بعدل ويرفع بعدل
وقوله حجابه النور ينبغي أن يعلم أن هذا الحجاب للخلق عنه لأنه لا يجوز أن يكون محجوبا لأن الحجاب يكون أكبر مما يستره ويستحيل أن يكون جسما أو جوهرا أو متناهيا محاذيا إذ جميع ذلك من أمارات الحدث وإنما عرف الناس حدوث الأجسام من حيث وجودها متناهية محدودة محلا للحوادث
وكما أنه لا يجوز أن يكون لوجوده ابتداء ولا انتهاء لا يصح أن يكون لذاته انتهاء وإنما المراد أن الخلق محجوبون عنه كما قال سبحانه وتعالى ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) المطففين 15
وقد روى سهل بن سعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال دون الله سبعون ألف حجاب من نور وظلمة
قلت وهذا حديث لا يصح ولوكان صحيحا كانت الحجب للخلق لا للحق وأما السبحات فجمع سبحة قال أبو عبيدة لم نسمع هذا إلا في هذا الحديث قال ويقول أن السبحة جلال وجهه ومنه قوله سبحان الله وإنما هو تعظيم له وتنزيه
وقال ابن خزيمة باب صفة وجه ربنا ثم ذكر حديث السبحات متوهما النور المعروف والخالق منزه عن النور الجسماني
وروى أبو بكر الخلال في كتاب السنة قال سألت أحمد بن يحيى عن قوله لأحرقت سبحات وجهه فقال السبحات الموضع الذي يسجد عليه
قلت فعلى هذا يكون الخطاب بما يعرفون كما قال قلوب العباد بين أصبعين
وقال القاضي أبو يعلى المجسم لا يمنع إطلاق حجاب من دون الله تعالى لا على وجه الحد والمحاذاة
قلت وهذا كلام مختلط لا ترضى به العوام
الحديث الثالث والعشرون
روى ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أهل الجنة يرون ربهم تعالى في كل جمعة في رمال الكافور وأقربهم منه مجلسا أسرعهم إليه يوم الجمعة
قوله في رمال الكافور إشارة إلى الحاضرين ثم في رمال الكافور وأقربهم منه أي أحظاهم عنده
وفي حديث آخر المقسطون يوم القيامة على منابر من نور على يمين الرحمن
وقال بعضهم يمين العرش
وفي حديث سوق الجنة فلا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره الله محاضرة ويروى خاصرة بالخاء المعجمعة ومثل هذا لايثبت والمخاصرة المصافحة
وقال القاضي أبو يعلى المجسم لا يمتنع أن يكون الحق في رمال الكافور
قلت فقد أقر بالحصر ثم قال لا على وجه الإنتقال وهذا تلاعب ثم قال ولا يمتنع قربهم من الذات وهذا يضيع معه الحديث واستدل بقوله
ما منكم من أحد إلا سيخلو به ربه
وقال الخلوة عبارة عن القرب ويجوز القرب من الذات
قلت وقد سبق رد هذا
الحديث الرابع والعشرون
روى البخاري ( 13 \ 438 فتح ) ومسلم ( 4 \ 2148 ) في الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال جاء رجل من اليهود إلى رسول صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد إن الله يضع السموات على إصبع والأرضين على إصبع والجبال على إصبع والشجر والأنهار على اصبع وفي لفظ الماء والثرى على اصبع ثم يهزهن فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ( وما قدروا الله حق قدره ) الزمر 67
وفي بعض الألفاظ فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبا وتصديقا له
قال أبو سليمان الخطابي لا تثبت لله صفة إلا بالكتاب أو خبر مقطوع بصحته يستند إلى أصل في الكتاب أو في السنة المقطوع على صحتها وما بخلاف ذلك فالواجب التوقف عن إطلاق ذلك ويتأول على ما يليق بمعاني الأصول المتفق عليها من أقوال أهل العلم من نفي التشبيه
قال وذكر الأصابع لم يوجد في الكتاب ولا في السنة التي شرطها في الثبوت ما وصفنا فليس معنى اليد في الصفات معنى اليد حتى يتوهم بثبوتها ثبوت الأصابع بل هو توقيف شرعي أطلقنا الإسم فيه على ما جاء به الكتاب من غير تكييف ولا تشبيه
قلت ظاهر ضحك النبي صلى الله عليه وسلم الإنكار واليهود مشبهة ونزول الآية دليل على إنكار الرسول صلى الله عليه وسلم
وقال ابن عقيل ما قدروا الله حق قدره حيث جعلوا صفاته تتساعد وتتعاضد على حمل مخلوقاته وإنما ذكر الشرك في الآية ردا عليهم
وفي معنى هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء
ولما كان القلب بين إصبعين ذليلا مقهورا دل بهذا على أن القلوب مقهورة لمقلبها
وقال القاضي أبو يعلى المجسم غير ممتنع حمل الخبر على ظاهره في الإثبات والإصبع صفة راجعة إلى الذات لأنا لا نثبت أصابعا هي جارحة ولا أبعاضا
قلت وهذا كلام مخبط لأنه إما أن يثبت جوارحا وإما أن يتأولها فأما حملها على ظواهرها فظواهرها الجوارح
ثم يقول ليست أبعاضا فهذا كلام قائم قاعد ويضيع الخطاب لمن يقول هذا
الحديث الخامس والعشرون
روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
يطوي الله عز وجل السموات يوم القيامة بيده ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون ثم يطوي الأرض بشماله ثم يقول أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون
هكذا رواه مسلم وهي أتم الروايات
وفي لفظ أخرجه مسلم ( 4 \ 2648 برقم 25 ) حديث عبيد الله بن مقسم أنه نظر إلى عبد الله بن عمر كيف يحكي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال يأخذ الله عز وجل سمواته وأرضه بيديه فيقوله أنا الله ويقبض أصابعه ويبسطها أنا الملك
قلت وقد ثبت بالدليل القاطع أن يد الحق سبحانه وتعالى ليست بجارحة وأن قبضه للأشياء ليس مباشرة ولا له كف
وإنما قرب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأفهام ما يدركه الحس فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه وبسطها فوقوع الشبه بين القبضتين من حيث ملكه المقبوض كما وقع الشبه في رؤية الحق سبحانه برؤية القمر في إيضاح الرؤية لا في تشبيه المرئي فأما لفظ الشمال فهي في رواية مسلم وهي مما انفرد به عن عمر بن حمزة عن سالم عن ابن عمر وقد روى الحديث نافع وغيره عن ابن عمر فلم يذكروا لفظة الشمال ورواه أبو هريرة وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم فلم يذكر أحد منهم فيه الشمال وقدر روي ذكر الشمال في حديث آخر في غير هذه القصة إلا أنه ضعيف بالمرة ورواه بعض المتروكين
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال وكلتا يديه يمين مباركة
وهذا يوهن ذكر الشمال وقال أبو بكر البيهقي وكأن الذي ذكر الشمال رواه على العادة في أن الشمال يقابل اليمين
قال القاضي أبو يعلى المجسم غير مستحيل إضافة القبض والبسط إلى ذاته
قلت وقد سبق إنكار هذا
الحديث السادس والعشرون
روى أحمد في مسنده ( 3 \ 125 ) من حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى ( فلما تجلى ربه للجبل ) الأعراف 143
قال قال هكذا يعني أنه أخرج طرف الخنصر فقال حميد الطويل لثابت ما تريد إلى هذا يا أبا محمد قال فضرب صدره ضربة شديدة فقال من أنت يا حميد وما أنت يا حميد فحدثني به أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي لفظ فأومأ بخنصره فساخ الجبل وخر موسى صعقا
وروى ابن حامد المجسم فلما تجلى ربه للجبل قال خرج منه أول مفصل من خنصره
قلت هذا الحديث تكلم فيه علماء الحديث وقالوا لم يروه عن ثابت غير حماد بن سلمة وكان ابن أبي العوجاء الزنديق قد أدخل على حماد أشياء فرواها في آخر عمره ولذلك تجافى أصحاب الصحيح الإخراج عنه ومخرج الحديث سهل وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرب إلى الإفهام بذكر الحسيات فوضع يده على خنصره إشارة إلى أن الله تعالى أظهر اليسير من آياته
قال ابن عقيل كشف من أنواره التي يملكها بقدر طرف الخنصر وهذا تقدير لنا بحسب ما نفهم من القلة لا نحكم أنه يتقدر فإن قيل كيف أنكر حميد على ثابت قلنا يحتمل أن يكون توهم أن هذا يرجع إلى الصفات
وقد أثبت القاضي أبو يعلى المجسم لله سبحانه خنصرا بهذا الحديث المعلول
الحديث السابع والعشرون
روى القاضي أبو يعلى المجسم عن عكرمة أنه قال إذا أراد الله عز وجل أن يخوف عباده أبدى عن بعضه إلى الأرض فعند ذلك تتزلزل وإذا أراد أن يدمدم على قوم تجلى لها
قال القاضي أبو يعلى المجسم أبدى عن بعضه هو على

ظاهره وهو راجع إلى الذات على وجه لا يفضي إلى التبعيض
قلت ومن يقول أبدى عن بعض ذاته وما هو بعض لا يكلم ثم إثبات البعض بكلام تابعي لو صح يخالف إجماع المسلمين فإنهم أجمعوا أن الخالق لا يتبعض وإنما المراد أبدى عن آياته

الحديث الثامن والعشرون
روى أبو الأحوص الجشمي رضي الله عنه عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له لعلك تأخذ موساك فتقطع أذن بعضها فتقول هذه بحر وتشق الأذن الأخرى وتقول حرم
قال نعم قال فلا تفعل فإن موسى الله أحد من موساك وساعد الله أشد من ساعدك
قال القاضي أبو يعلى المجسم لا يمتنع حمل الخبر على ظاهرة في إثبات الساعد صفة لذاته
قلت وهذا منه غفلة عامية وخروج عن مقتضى الفهم وكان ينبغي أن يثبت الموسى
قلت إثبات صفة الله بهذا الخبر الذي لا يكاد يثبت مع الإعراض عن فهم خطاب العرب وأنها تريد بمثل هذا التجوز والإستعارة قبيح جدا
والمراد بالساعد القوة لأن قوة الإنسان في ساعده
الحديث التاسع والعشرون
روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن العبد إذا قام إلى الصلاة فإنه بين عيني الرحمن
قلت قد ذكرنا صفة العين في الآيات المذكورة قبل الأحاديث والمراد بالحديث أن الله تعالى يشاهد المصلي فليتأدب وكذلك قوله فإن الله قبل وجهه أي أنه يراه
الحديث الثلاثون
روى البخاري ( 1 \ 101 فتح ) ومسلم ( 1 \ 542 برقم 221 ) في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها امرأة فقال من هذه
قالت فلانة تذكر من صلاتها
فقال مه عليكم ما تطيقون فوالله لا يمل الله حتى تملوا
وفي لفظ لا يسأم الله حتى تسأموا ( مسلم 1 \ 542 برقم 220 ) قال العلماء معنى الحديث لا يمل الله تعالى وإن مللتم
كما قال الشاعر
( صليت مني هذيل بخرق ** لا يمل الشر حتى يملوا )
المعنى لا يمل وإن ملوا وإلا لم يكن له فضل عليهم وقال قوم من مل من شيء تركه والمعنى لا يترك الثواب ما لم يتركوا العمل وأما الملل الذي هو كراهة الشيء والإستثقال له ونفور النفس عنه والسآمة منه فمحال في حقه تعالى لأنه يقتضي تغيره وحلول الحوادث
وقال القاضي أبو يعلى المجسم لا يمتنع إطلاق الملل عليه لا بمعنى السآمة
قلت وهذا بعيد عن معرفة اللغة وما يجوز عليه وما لا يجوز عليه
الحديث الحادي والثلاثون
روت خولة بنت حكيم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال آخر وطأة وطئها الرحمن بوج ووج واد بالطائف وهي آخر وقعة أوقعها الله بالمشركين على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومنه قوله اللهم اشدد وطأتك على مضر
والوطأة مأخوذة من القدم وإلى هذا ذهب ابن قتيبة وغيره وقال سفيان بن عيينة في تفسير هذا الحديث آخر غزاة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطائف
وقال القاضي أبو يعلى المجسم غير ممتنع على أصولنا حمل هذا الخبر على ظاهره وإن ذلك المعنى بالذات دون الفعل لأنا حملنا قوله ينزل ويضع قدمه في النار على الذات
قلت وهذا الرجل يشير بأصولهم إلى ما يوجب التجسيم والإنتقال والحركة وهذا مع التشبيه بعيد عن اللغة ومعرفة التواريخ وأدلة العقول وإنما اغتر بحديث روي عن كعب أنه قال ووج مقدس منه عرج الرب إلى السماء ثم قضى خلق الأرض
وهذا لو صح عن كعب احتمل أن يكون حاكيا عن أهل الكتاب وكان يحكي عنهم كثيرا ولو قدرناه من قوله كان معناه أن ذلك المكان آخر ما استوى من الأرض لما خلقت ثم عرج الرب أي عمد إلى خلق السماء وهو قوله ( ثم استوى إلى السماء وهي دخان ) فصلت 11
ويروى عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما أسري بي مر بي جبريل عليه السلام حتى أتى بي إلى الصخرة

فقال يا محمد من ها هنا عرج ربك إلى السماء
قلت وهذا يرويه بكر بن زياد وكان يضع الحديث على الثقات فإن قيل قال ابن عباس استوى إلى السماء صعد قلنا صعد أمره إذ لا يجوز عليه الإنتقال والتغير
واعلم أن الناس في أخبار الصفات على ثلاث مراتب
أحداها إمرارها على ما جاءت من غير تفسير ولا تأويل إلا أن تقع ضرورة كقوله ( جاء ربك ) أي جاء أمره وهذا مذهب السلف
المرتبة الثانية التأويل وهو مقام خطر على ما سبق بيانه
والمرتبة الثالثة القول فيها بمقتضى الحس وقد عم جهلة الناقلين إذ ليس لهم حظ من علوم المعقولات التي بها يعرف ما يجوز على الله وما يستحيل فإن علم المعقولات يصرف ظواهر المنقولات عن التشبيه فإذا عدموها تصرفوا في النقل بمقتضى الحس وإليه أشار القاضي أبو يعلى المجسم بقوله
لا يمتنع أن تحمل الوطأة التي وطئها الحق على أصولنا وأنه معنى يتعلق بالذات
قلت وأصولهم على زعمه ترجع إلى الحس ولو فهموا أن الله

تعالى لا يوصف بحركة ولا انتقال ولا تغير ما بنوا على الحسيات
والعجب أن يقر بهذا القول ثم يقول
من غير نقلة ولا حركة فينقض ما يبني
ومن أعجب ما رأيت لهم ما انبأنا أبو العز أحمد بن عبيد الله بن كادش قال أنبأنا أبو طالب العشاري قال أنبأنا البنا قال انبأنا أبو الفتح ابن أبي الفوارس قال انبأنا أبو علي بن الصواف قال انبأنا أبو جعفر محمد بن عثمان بن أبي شيبة أنه قال في كتاب العرش


إن الله تعالى قد أخبرنا أنه صار من الأرض إلى السماء ومن السماء إلى العرش فاستوى على العرش
قلت ونحن نحمد الله إذ لم يبخس حظنا من المنقولات ولا من المعقولات ونبرأ من أقوام شانوا مذهبنا فعاب الناس كلامهم
الحديث الثاني والثلاثون
روى أبو إمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما تقرب العباد إلى الله تعالى بمثل ما خرج منه وهو القرآن
وفي حديث عثمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فضيلة القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه إن القرآن منه خرج وإليه يعود
قلت والمعنى إنه وصل إلينا من عنده وإليه يعود فيرفع
الحديث الثالث والثلاثون
روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله قرأ طه ويس قبل أن يخلق آدم بألف سنة فلما سمعت الملائكة القرآن قالوا طوبى لأمة ينزل عليهم وطوبى لأجواف تحمل هذا وطوبى لألسن تتكلم بهذا
وهذا حديث موضوع يرويه إبراهيم بن مهاجر عن عمر بن حفص وأما عمر بن حفص فقال أحمد بن حنبل حرقنا حديثه وقال يحيى بن معين ليس بشيء وقال أبو حاتم بن حبان الحافظ وهذا متن موضوع
الحديث الرابع والثلاثون
روى البخاري ( فتح 8 \ 579 ) ومسلم ( 4 \ 198 برقم 2554 ) في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله عز وجل خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت هذا مقام العائذ بك من القطيعة
قال نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك
وفي لفظ أخرجه البخاري ( فتح 10 \ 417 ) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الرحم شجنة من الرحمن
قال أبو عبيدة الشجنة كالغصن من الشجرة ومعنى شجنة أي قرابة مشتبكة كاشتباك العروق والشجر تشجن إذا إلتف بعضها ببعض
قلت ولا يخلو هذا الحديث من أحد أمرين
إما أن يراد أن الله تعالى يراعي الرحم فيصل من وصلها ويقطع من قطعها ويأخذ لها حقا كما يراعي القريب قرابته كأنه يزيد في المراعاة على الأجانب أو أن يراد أن الرحم بعض حروف الرحمن فكأنه عظم قدرها بهذا الإسم ويؤيد هذا حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال قال الله تعالى أنا الله وأنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته
أو قال بتته
وقد روي هذا الحديث بلفظ لم يخرج في الصحاح الرحم شجنة من الرحمن تعلقت بحقوي الرحمن تقول
اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني
وفي لفظ الرحم شجنة آخذة بحقو الرحمن وفي لفظ
لما خلق الله الخلق قامت الرحم فأخذت بحقو الرحمن فقالت هذا مقام العائذ بك من القطيعة
قلت وهذه الأمثال كلها ترجع إلى ما بينا ومعنى تعلقها بحقو الرحمن الإستجارة والإعتصام
وفي صحيح مسلم من حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله
قال أبو بكر البيهقي الحقو الإزار والمعنى يتعلق بعزه
قال ابن حامد المجسم يجب التصديق بأن لله تعالى حقوا فتأخذ الرحم بحقوه
قال وكذلك نؤمن بأن لله جنبا لقوله تعالى ( على ما فرطت في جنب الله ) الزمر 56
قلت وهذا لا فهم له أصلا كيف يقع التفريط في جنب الذات
قال ابن حامد المجسم والمراد بالتعلق القرب والمماسة بالحقو كما روي أن الله تعالى يدني إليه داود حتى يمس بعضه
قلت قد طم القاضي أبو يعلى المجسم على هذا فقال لا على وجه الجارحة والتبعيض والرحم أخذه بها لا على وجه الجارحة والتبعيض والرحم أخذه بها لا على وجه الإتصال والمماسة ثم نقض هذا التخليط وقال في الخبر إضمار تقديره ذو الرحم يأخذ بحقو الرحمن فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه قال لأن الرحم لا يصح عليها التعلق فالمراد ذو الرحم يتعلق بالحقو
قلت فقد زاد على التشبيه التجسيم والكلام مع هؤلاء ضائع كما يقال لا عقل ولا قرآن وإذا تعلق ذو الرحم وهو جسم فبماذا يتعلق نعوذ بالله من سوء الفهم
الحديث الخامس والثلاثون
روى مسلم في صحيحه ( 4 \ 2023 برقم 136 ) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يقول الله عز وجل الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني في شيء منهما عذبته
قال أبو سليمان الخطابي معنى الكلام إن الكبرياء والعظمة صفتان لله تعالى اختص بهما لا يشاركه فيهما أحد ولا ينبغي لمخلوق أن يتعاطاهما لأن صفة المخلوق التواضع والتذلل وضرب الإزار والرداء مثلا يقول والله اعلم كما لا يشارك الإنسان في إزاره وردائه أحد كذلك لا يشاركني في الكبرياء والعظمة مخلوق
الحديث السادس والثلاثون
روى البخاري ( 13 \ 384 فتح ) ومسلم ( 4 \ 4102 رقم 1 ) في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يقول الله تعالى أنا عند ظن عبدي وأنا معه حيث يذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا وإن تقرب إلي ذراعا اقتربت إليه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة
قلت ذهب القاضي أبو يعلى المجسم إلى أن لله نفسا هي صفة زائدة على الذات وهذا قول مبتدع بنوع التشبيه لأنه لا يفرق بين الذات والنفس وما المانع أن يكون المعنى ذكرته أنا وقد سبق هذا في الكلام على الآيات والتقرب والهرولة توسع في الكلام كقوله تعالى ( سعوا في آياتنا ) الحج 50 لا يراد به المشي
الحديث السابع والثلاثون
روى أبو سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله جميل يحب الجمال
قال العلماء الجميل المجمل بتحسين الصور والأخلاق والإحسان والذي أراه أن الجميل الذي أوصافه تامة مستحسنة
وقد فسره القاضي أبو يعلى المجسم بما لا يليق بالحق سبحانه فقال غير ممتنع وصفه بالجمال وإن ذلك صفة راجعة إلى الذات لأن الجمال في معنى الحسن
قال وقد تقدم قوله رأيت ربي في أحسن صورة
قلت وهذا تشبيه محض
الحديث الثامن والثلاثون
روى القاضي أبو يعلى المجسم عن عمر بن عبدالعزيز إذا فرغ الله من أهل الجنة والنار أقبل يمشي في ظلل من الغمام والملائكة فيقف على أول درجة فيسلم عليهم فيردون عليه السلام فيقول سلوني
فيقولون وماذا نسألك وعزتك وجلالك وارتفاعك في مكانك لو أنك قسمت علينا رزق الثقلين لأطعمناهم وأسقيناهم ولم ينقص ما عندنا
فيقول بلى سلوني
فيقولون نسألك رضاك فيقول رضاي أحللكم دار كرامتي فيفعل هذا بأهل كل درجة حتى ينتهي إلى مجلسه
قلت هذا حديث مكذوب به على عمر بن عبدالعزيز
وبعد كيف يثبت لله صفة بقول عمر بن عبدالعزيز
قال ابن حامد المجسم يأتي يوم القيامة إلى المحشر لقوله تعالى ( يأتي ربك ) وقت نزوله إلى السماء
وقال القاضي أبو يعلى المجسم الآية تشهد لحديث عمر وهي قوله تعالى ( يأتيهم الله في ظلل من الغمام ) البقرة 210
قلت ولا يدري أن المعنى يأتيهم الله بظلل
قال أبو حامد المجسم ولا يمتنع إمراره على ظاهره لأنه لا بد من مشيه وإنتهائه إلى مجلسه لا عن انتقال
قلت من يقول يحمل هذا على ظاهره كيف يقول بلا انتقال وإنما يقول هذا إرضاء للجهال وهل المشي إلا انتقال
الحديث التاسع والثلاثون
روي عن عائشة رضي الله عنها قالت سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المقام المحمود قال وعدني ربي بالقعود على العرش
قلت هذا حديث مكذوب لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ابن حامد المجسم يجب الإيمان بما ورد من المماسة والقرب من الحق لنبيه في إقعاده على العرش قال وقال ابن عمر ( وإن له عندنا لزلفى ) ص 40 قال ذكر الله الدنو منه حتى يمس بعضه
قلت وهذا كذب على ابن عمر ومن ذكر تبعيض الذات كفر بالإجماع
قال القاضي أبو يعلى المجسم يقعد نبيه على عرشه بمعنى يدنيه من ذاته ويقربه منها ويشهد له قوله ( فكان قاب قوسين أو أدنى ) وقال ابن عباس كان بينه وبينه مقدار قوسين
قلت هذا عن جبريل لا عن الله سبحانه ومن أجاز القرب من الذات أجاز الملاصقة وما ذهب إليه القاضي أبو يعلى صريح في التجسيم
الحديث الأربعون
روى الدارقطني من حديث أبي اسحاق عن عبدالله بن خليفة عن عمر أن أمرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت ادع الله أن يدخلني الجنة فعظم الرب عز وجل فقال
إن كرسيه وسع السموات والأرض وإن له أطيطا كأطيط الرحل الجديد إذا ركب من ثقله
هذا حديث مختلف جدا فتارة يروى عن عبدالله بن خليفة عن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتارة عن عمر موقوفا عليه وقد رواه أبو اسحاق عن ابن خليفة عن ابن عمر قال إذا جلس تبارك وتعالى على الكرسي سمع له أطيط كأطيط الرحل ورواه ابن جرير عن عبدالله بن خليفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كرسيه وسع السموات والأرض وإنه

ليقعد عليه فما يفضل منه مقدار أربع أصابع ثم قال بأصبعه فجمعها وإن له أطيطا كأطيط الرحل إذا ركب من ثقله
وروى أبو بكر المروزي أن ابن خليفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الكرسي الذي يجلس عليه الرب ما يفضل منه إلا مقدار أربعة أصابع
قلت هذا على ضد اللفظ الأول وكل ذلك من تخليط الرواة وسوء الحفظ والأليق فما يفضل منه مقدار أربع أصابع والمعنى أنه قد ملأه بهيبته وعظمته ويكون هذا ضرب مثل يقرب عظمة الخالق وقول الرواة إذا قعد وإذا جلس من تغييرهم أو من تعبيرهم بما يظنونه من المعنى كما قال القائل ثم استوى على العرش قعد وإنما قلنا هذا لأن الخالق سبحانه وتعالى لا يجوز أن يوصف بالجلوس على شيء فيفضل من ذلك الشيء لأن هذه صفة الأجسام
وقال الزاغوني المجسم معنى الحديث خرج عن صفة الإستواء أربعة أصابع


قلت وهذا قد قصد به مغالطة العوام وهل لما قاله معنى إلا أن يقال إن هذه الأربعة لم تحاذ ولم تماس وكل هذا صريح في التشبيه ظاهر في التجسيم ثم هو إثبات صفات بما لا يحسن إثباته من الأحاديث المعلولة وقد روينا عن أبي بكر بن مسلم العائدي قال هذا الموضع الذي يفضل لمحمد ليجلس عليه قال وقد كان الأليق بهذا المتعبد أن يتشاغل بعبادته عن الكلام في هذا الفن
وقد روى القاضي أبو يعلى المجسم عن الشعبي أنه قال أن الله تعالى قد ملأ العرش حتى أن له أطيطا كأطيط الرحل
قلت هذا كذب على الشعبي
قال القاضي أبو يعلى المجسم وغير ممتنع حمل الخبر على ظاهره في أن ذاته تملأ العرش ثم قال لا على شغل مكان
قلت ومن يخلط هذا التخليط لا يكلم واعجبا من يملأ مكانا يشغله
روى القاضي أبو يعلى المجسم عن خالد بن معدان أنه قال إن الرحمن ليثقل على حملة العرش وقال غير ممتنع حمل هذا على ظاهره وإن ثقله يحصل على وجه المماسة
الحديث الحادي والأربعون
روى البخاري ( فتح 13 \ 453 ) ومسلم ( 1 \ 201 برقم 379 ) في الصحيحين من حديث أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يقول الله عز وجل يوم القيامة يا آدم فيقول لبيك وسعديك فينادى بصوت إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار
قلت انفرد بلفظ الصوت حفص بن غياث وخالفه وكيع وجرير وغيرهما من أصحاب الأعمش فلم يذكروا الصوت
وسئل أحمد عن حفص قال كان يخلط في حديثه وفي الحديث الصحيح إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماء للسماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا فرواه بعضهم بالمعنى الذي يظنه فقال سمع صوته أهل السماء
وفي حديث ابن مسعود إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا
وهذا مع اللفظ الأول أليق وليس في الصحيح سمع صوته أهل السماء
الحديث الثاني والأربعون
روى جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لما كلم الله موسى عليه السلام يوم الطور كلمه بغير الكلام الذي به ناداه فقال له يا موسى إني كلمتك بقوة عشرة آلاف لسان ولي قوة الألسنة كلها وأنا أقوى من ذلك فلما سمع رجع إلى بني اسرائيل قالوا صف لنا كلام الرحمن قال لا أستطيع قالوا قربه لنا قال ألم تسمعوا صوت الصواعق التي تقبل بأجلى كلام سمعتموه قط
قلت هذا حديث لا يصح يرويه علي بن عاصم عن الفضل بن عيسى قال يحيى كذاب ليس بشيء
وقال النسائي علي بن عاصم متروك الحديث وقال يزيد بن

هارون ما زلنا نعرفه بالكذب
وأما الفضل بن عيسى فقال أيوب السختياني لو خلق أخرس كان خيرا له وقال ابن عيينة الفضل بن عيسى لاشيء وقال يحيى هو رجل سوء

الحديث الثالث والأربعون
روى القاضي أبو يعلى المجسم عن حسان بن عطية أنه قال الساجد يسجد على قدم الرحمن
قلت هذا قول تابعي وهو مثل المقرب من فضل الله تعالى وأثبت القاضي أبو يعلى المجسم بهذا وصف قدم وأنه يسجد على قدم حقيقة لا على وجه المماسة
الحديث الرابع والأربعون
روى البخاري ( فتح 13 \ 423 ) ومسلم ( 1 \ 163 برقم 296 ) في الصحيحين من حديث أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وليس بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن
قلت الرائي هو الذي في جنة عدن لا المرئي لأنه لا تحيط به الأمكنة سبحانه
قال القاضي أبو يعلى المجسم ظاهر الحديث أنه المرئي في جنة عدن
قلت وهذا هو التجسيم المحض ورداء الكبرياء ما له من الكبرياء والعظمة فكأنه إن منعهم فلعظمته وإن شاء كشف لهم
وقد تكلمنا على الوجه في الآيات وقلنا المراد بالوجه هو ذات الله سبحانه
الحديث الخامس والأربعون
روى البخاري ( فتح 13 \ 404 ) ومسلم ( 4 \ 2107 ) في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لما قضى الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش إن رحمتي غلبت غضبي وفي لفظ سبقت
قال القاضي أبو يعلى المجسم ظاهر قوله عنده القرب من الذات واعلم أن القرب من الحق لا يكون بمسافة وإنما ذلك من صفة الأجسام وقد قال سبحانه وتعالى ^ مسومة عند ربك ^ هود 83
الحديث السادس والأربعون
روي عن بعض التابعين أنه قال خلق الله آدم بيده وكتب التوراة بيده وغرس الفردوس بيده
قلت هذا حديث لا يثبت عن قائله وقد تكلمنا عليه عند قوله تعالى ( لما خلقت بيدي ) ص 75
الحديث السابع والأربعون
روى ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى ( وسع كرسيه السماوات والأرض ) البقرة 255 قال كرسيه موضع قدميه والعرش لا يقدر قدره
قلت رواه جماعة من الأثبات فوقفوه على ابن عباس ورفعه منهم شجاع بن مخلد فعلم بمخالفته الكبار المتقنين أنه قد غلط
ومعنى الحديث أن الكرسي صغير بالإضافة إلى العرش كمقدار كرسي يكون عنده سرير قد وضع لقدمي القاعد على السرير
قال الضحاك الكرسي الذي تجعل الملوك أرجلهم عليه وقال القاضي أبو يعلى المجسم القدم قدم الذات وهي التي يضعها في النار
الحديث الثامن والأربعون
حديث العباس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال فوق السماء السابعة بحر بين أعلاه وأسفله كما بين السماء والأرض والله تعالى فوق ذلك
هذا حديث لا يصح تفرد به يحيى بن العلاء
قال أحمد هو كذاب يضع الحديث وقال يحيى بن معين ليس بثقة وقال ابن عدي أحاديثه موضوعة وقد تكلمنا على الفوقية عند قوله تعالى ( وهو القاهر فوق عباده ) الأنعام 18
قال القاضي أبو يعلى المجسم المراد من الفوقية استواء الذات على العرش وقال هو على العرش ما حاذى العرش من ذاته فهو حد له وما عدا الجهة المحاذية للعرش وهو الفوق والخلف والأمام واليسرة لا يحد
قلت هذا الكلام أصل التجسيم لأن المحاذي يكون أكبر أو أصغر والمقادير لا تكون إلا في الأجسام
قال القاضي أبو يعلى المجسم إذا ثبت أنه مستو على العرش فهل يجوز أن نطلق عليه الجلوس والقيام وما وجدت عن إمامنا في هذا شيئا
قلت وكلا الشيئين لا يصح أما لفظة القعود فقد رواها عن ابن عباس ولا يصح وأما القيام فيرويها عيسى عن جابر عن عمر بن الصبح
قال البخاري قال عمر بن الصبح أنا وضعت خطبة رسول الله
وقال ابن حبان وكان يضع الحديث على الثقات لا يصح كتب حديثه إلا على التعجب وقال الدارقطني متروك وقال الأزدي كذاب ذاهل
قلت وبمثل هذه يثبت لله صفة أين العقول تعالى الحق أن يوصف بقيام وهو انتصاب القامة إنما هو قائم بالقسط ولا يوصف بقعود ولأنها حالة الجسماني
الحديث التاسع والأربعون
روي في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا طيبا فإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل
وفي لفظ أخرجه مسلم فتربوا في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل
قال العلماء هذا خطاب للناس بما يعلمونه ويفهمونه من الأخذ والتربية والنمو لما كان التناول باليد والقبض بالكف خاطبهم بما يعقلون وإنما جرى ذكر اليمين لأنها مرصدة لما عز من الأمور ومعنى التربية المضاعفة
الحديث الخمسون
روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الدجال فقال ألا أنه أعور وإن ربكم ليس بأعور
قال العلماء إنما أراد تحقيق وصفه بأنه لا يجوز عليه النقص والعور نقص ولم يرد إثبات جارحة لأنه لا مدح في إثبات جارحة
قال ابن عقيل يحسب بعض الجهلة أنه لما نفى العور عن الله

عز وجل أثبت من دليل الخطاب أنه ذو عينين وهذا بعيد من الفهم إنما نفى عنه العور من حيث نفي النقائص كأنه قال ربكم ليس بذي جوارح تتسلط عليه النقائص وهذا مثل نفي الولد عنه لأنه يستحيل عليه التجزئ ولو كانت الإشارة إلى صورة كاملة لم يكن في ذلك دليل على الألوهية ولا القدم فإن الكامل في الصورة كثير قال ومن قال بدليل الخطاب فأثبت عينين قيل له دليل الخطاب مختلف في كونه دليلا في أحكام الفقه وفروع الدين فكيف بأصوله ثم هو عند من اعتقده حجة يقضي عليه معنى النطق وهو القياس المظنون فكيف يكون له حكم الدليل وقد قضى عليه دليل العقل بالرد

الحديث الحادي والخمسون
روى البخاري في أفراده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يقول الله عز وجل
ما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصره به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأكره مساءته
قلت قوله كنت سمعه وبصره فهو مثل وله ثلاثة أوجه
أحدها كنت كسمعه وبصره فهو يحب طاعتي كما يحب هذه الجوارح
والثاني أن جوارحه مشغولة بي فلا يصغي إلى غير ما يرضيني ولا يبصر إلا عن أمري
والثالث أني أحصل له مقاصده كما ينالها بسمعه وبصره ويديه اللواتي تعينه على عدوه
والحق منزه عن حقيقته فهو كقوله ومن أتاني يمشي أتيته هرولة وقال بعض العلماء لما كان المؤمن يمرض فيسأل العافية فيعافى كان ذلك كالتردد في إماتته وأما التردد فخطاب لنا بما نعقل
الحديث الثاني والخمسون
روى جبير بن مطعم قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابي فقال يا رسول الله جهدت الأنفس وجاعت العيال ونهكت الأموال وهلكت الأنعام فاستسق الله لنا فانا نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحك أتدري ما تقول وسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجه أصحابه فقال إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه
شأن الله أعظم من ذلك ويحك أتدري ما الله إن عرشه على سمواته هكذا وقال بأصابعه مثل القبة وإنه ليئط به كأطيط الرحل بالراكب
قلت هذا الحديث تفرد بروايته محمد بن اسحق عن يعقوب بن عتبة وكلاهما لا يحتج به أرباب الصحاح قال أبو سليمان الخطابي هذا الحديث إذ أجري على ظاهره كان فيه نوع من الكيفية وهي عن

الله وصفاته منفية فعلم أنه كلام تقريب أريد به تقرير عظمة الله من حيث يدركه فهم السامع إذ كان أعرابيا جلفا لا علم له بمعاني ما دق من الكلام
ومعنى قوله أتدري ما الله أتدري ما عظمة الله وجلاله ومعنى يئط به أي يعجز عن جلاله وعظمته إذ كان معلوما أن أطيط الرحل بالراكب معلوما لقوة ما فوقه أو لعجزه عن احتماله فقرب بهذا النوع من التمثيل عنده معنى عظمة الله وجلاله ليعلمه أن الموصوف بعلو الشأن لا يجعل شفيعا لمن هو دونه في القدر وقد ذكرنا فيما تقدم عن القاضي أبي يعلى المجسم أنه قال يئط من ثقل الذات وهذا صريح في التجسيم

الحديث الثالث والخمسون
روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ ( إن الله كان سميعا بصيرا ) النساء 58 فوضع إصبع الدعاء وإبهامه على عينيه وأذنيه
قال العلماء أراد بهذا تحقيق السمع والبصر لله تعالى فأشار إلى الجارحتين اللتين هما محل السمع والبصر لا أن لله سبحانه جارحة
الحديث الرابع والخمسون
روى أبو الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله عز وجل ينزل في ثلاث ساعات يبقين من الليل فيفتح الذكر في الساعة الأولى فيمحو ما يشاء ويثبت ثم ينزل في الساعة الثانية إلى جنة عدن وهي داره التي لم يسكنها غيره وهي مسكنه ثم يقول طوبى لمن يسكنك ثم ينزل في الساعة الثالثة إلى السماء الدنيا بروحه وملائكته ثم ينتفض فيقول قومي بعزتي
قلت هذا الحديث يرويه زياده الأنصاري قال البخاري هو منكر الحديث وذكر له أهل الحديث هذا الحديث وقال أبو حاتم بن حبان يروي المناكير عن المشاهير واستحق الترك
وقد رواه أبو جعفر بن أبي شيبة فقال فيه زائدة وهو غلط إنما هو زيادة
ونقول على تقدير الصحة إنها مضافة إليه كما أضيف البيت إليه يقال هذا بيته وهذا مسكنه وإنما قلنا هذا لأن السكنى مستحيلة في حقه
الحديث الخامس والخمسون
روى أبو إمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا وثلاث حثيات من حثياته
قلت الحثية ملئ الكف
والمراد التقريب بما يعقل لا حقيقة الحثية
الحديث السادس والخمسون
روى أبو أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله يجلس يوم القيامة على القنطرة الوسطى بين الجنة والنار
يرويه عثمان بن أبي عاتكة وقال يحيى ليس بشيء
الحديث السابع والخمسون
روى القاضي أبو يعلى المجسم عن محمد بن كعب القرظي قال إن الناس إذا سمعوا القرآن من في الرحمن كأنهم لم يسمعوه قط
قال القاضي أبو يعلى المجسم ولا يمتنع أن يطلق الفم عليه
قلت وآعجبا يعني أن للرحمن فم فيثبت لله صفة بقول تابعي لا تصح الرواية عنه هذا من أقبح الأشياء فأما الحديث الذي سبق عن أبي أمامه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ما تقرب إلي بمثل ما خرج مني
فالمعنى خرج عنه ولا يجوز أن يظن أنه كخروج جسم من جسم لأن الله عز وجل ليس بجسم ولا كلامه جسم
الحديث الثامن والخمسون
روينا عن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال دون الله سبعون ألف حجاب من نور وظلمة وما تسمع من نفس شيئا من حس تلك الحجب إلا زهقت
قلت هذا حديث لا أصل له يرويه موسى بن عبيدة قال أحمد لا يحل عندي الرواية عنه قال يحيى ليس بشيء وموسى يرويه عن عمر بن الحكم قال البخاري عمر ذاهب الحديث
الحديث التاسع والخمسون
رواه أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن لله للوحا أحد وجهيه درة والآخر ياقوته قلمه النور فبه يخلق وبه يرزق وبه يحيى وبه يميت ويعز ويذل ويفعل ما يشاء في يوم وليلة
قلت هذا الحديث موضوع يرويه محمد بن عثمان وهو متروك
الحديث الستون
روى جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا رأيتم الريح فلا تسبوها فإنها من نفس الرحمن تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب فاسألوا الله خيرها واستعيذوا بالله من شرها
قلت النفس بمعنى التنفيس عن المكروب ومثله ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إني لأجد نفس ربكم من قبل اليمن
يعني تنفيسه عن المكروب بنصرة أهل المدينة إياي والمدينة من جانب اليمن وهذا شيء لا يختلف فيه المسلمون
وقال ابن حامد المجسم رأيت بعض أصحابنا يثبتون لله وصفا في ذاته بأنه يتنفس قال وقالوا الرياح الهابة مثل الرياح العاصفة والعقيم والجنوب والشمال والصبا والدبور مخلوقة إلا ريحا من صفاته هي ذات نسيم حياتي وهي من نفس الرحمن
قلت على من يعتقد هذا اللعنة لأنه يثبت جسدا مخلوقا وما هؤلاء بمسلمين
خاتمة
قال المصنف ولما علم بكتابي هذا جماعة من الجهال لم يعجبهم لأنهم ألفوا كلام رؤسائهم المجسمة فقالوا ليس هذا المذهب
قلت ليس بمذهبكم ولا مذهب من قلدتم من أشياخكم فقد نزهت مذهب الإمام أحمد رحمه الله ونفيت عنه كذب المنقولات وهذيان المقولات غير مقلد لهم فيما اعتقدوه وكيف أعتقد بهرجا وأنا أنتقده
قلت
( سبقت بحمد الله من كان من قبلي ** فقل للذي يرجو لحاقي على مهل )
( وإنكم لو تنقصون عتابكم ** لعز على التفتيش أن تجدوا مثلي )
وقلت قصيدة مطولة وهي هذه
( حمدت إلهي كيف لا وله الفضل ** كما قد تولاني فذلت لي السبل )
( وأخرجني من بين أهلي مفهما ** وعلمني حتى غدت قيمتي تعلو )
( وحركني للمكرمات أحوزها ** فهمة نفسي دائما أبدا تعلو )
( وألهمني للعمل حتى ملكته ** فصار مرير الصبر عند فمي يحلو )
( وشغلي كسب العلم قوتا لقوتي ** وقد نسي المطعوم والشرب والأكل )
( وقد زاد عشقي للعلوم فأصبحت ** كتمثال ليلى عند قيس فما يسلو )
( فما من علوم بثها الله في الورى ** إلى خلقه الألى إلا ولي معها وصل )
( وصنفت ما قد صنف الناس جنسه ** فيا قاصدي الإنصاف لي ميزوا وابلوا )
( ولي من بديهات الكلام عجائب ** تكر عليهم كلما كررت تحلو )
( وقد قادني علمي إلى الزهد في الدنا ** وما جمعا إلا لعبد له فضل )
( نعم وتقاة الله أشرف خلقه ** ولا خير في قول إذا ضيع الفعل )
( قنوعي بما يكفي يقيني من الأذى ** وبعد يقيني بالمقادير لا ذلوا )
( وأحسن من علم تراما بأهله ** إلي بمخلوق يماثله الجهل )
( وأسكن قلبي حب كل محقق ** يعشق كما قد تعشق الأعين البخل )
( وبغداد داري ليس يغبن أهلها ** وماجهم إلا لمن ما له شكل )
( وكل النواحي أشحنتها فضائلي ** أقر بفضلي الريف والحزن والسهل )
( وذكري وراء النهر بالفضل وافد ** وفي المغرب الأقصى وما بلغت ابل )
( ولما تأملت المذاهب كلها ** طلبت الأسد في الصواب وما أغلو )
( فألفيت عند السير قول ابن حنبل ** يزيد على كل المذاهب بل يعلو )
( وكل الذي قد قاله فمشيد ** بنقل صحيح والحديث هو الأصل )
( وكان بنقل العلم أعرف من روى ** بقوم من السادات ما شأنهم عظم )
( ومذهبه ألا يشبه ربه ** ويتبع في التسليم من قد مضى قبل )
( فقام له الحساد من كل جانب ** فقام على رجل الثبات وهم زلوا )
( وكان له أتباع صدق تتابعوا ** فكم أرشدوا نحو الهدى وكم دلوا )
( وجاءك قوم يدعون تمذهبا ** بمذهبه ما كل زرع له أكل )
( فلا في فروع يثبتون لنصرة ** وعندهم من فهم ما قاله شغل )
( إذا ناظروا قاموا مقام مقاتل ** فواعجبا والقوم كلهم عزل )
( قياسهم طردا إذا ما تصدروا ** وهم من علوم النقل أجمعها عطل )
( إذا لم يكن في النقل صاحب فطنة ** تشابهت الحياة وانقطع الحبل )
( ومالوا إلى التشبيه أخذا بصورة ** لما نقلوه في الصفات وهم غفل )
( وقالوا الذي قلناه مذهب أحمد ** فمال إلى تصديقهم من به جهل )
( وصار الأعادي قائلين لكلنا ** مشبهة قد ضرنا الصحب والخل )
( فقد فضحوا ذاك الإمام بجهلهم ** ومذهبه التنزيه لكن هم اختلو )
( لعمري لقد أدركت منهم مشايخا ** وأكثر من أدركتهم ما له عقل )
( وما زلت أجلوا عندهم كل خصلة ** من الإعتقاد الرذل كي يجمع الشمل )
( تسموا بألقاب ولا علم عندهم ** موائدهم لا حرم فيها ولا حل )
( موائدهم لا يلحق الخل بقلها ** وإن شئت لا خل لديهم ولا بقل )
( وأكثر حساد لنا أهل مذهبي ** فلو قدروا أفتوا بأن دمي حل )
( تمنوا بجهل أن تزل بي الهوى ** ولم تمش في مجد بمثلي لهم رجل )
( ومنذ مضى شيخ الجماعة أحمد ** إلى الآن لم يوجد لعالمكم مثل )
( لقد بات عندي ألف ألف تقدموا ** سحابة وغطى كلهم صيب وبل )
( وروضة علمي كلها ممرع الحبا ** وبستانهم إذا ما تاملته أثل )
( وما زالت الحاسد تحسد كاملا ** ينقصهم والغل لو فهموا غل )
( وكيف ترى بر الحسود وداؤه ** إذا سئل الطب الخبير به سل )
( تفرد بالبغض القبيح مخالف ** أليس اجتماع الناس لي شاهد عدل )
تم الكتاب بعون الملك الوهاب والحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلى على الظالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليما كثيرا