كتاب : نعمة الذريعة في نصرة الشريعة
المؤلف : إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الحلبي ثم القسطنطيني

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
الحمد لله رب العالمين وصلاته وسلامه على خير خلقه أجمعين محمد سيد المرسلين وخاتم النبيين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين وعلى آله وأصحابه أعلام الهدى وأئمة الدين وعلى سائر عباد الله الصالحين صلاة وسلاما دائمين متصلين إلى يوم جمع الأولين والآخرين وبعد فهذه أبحاث ظهرت للخاطر الفاتر على مواضع من كتاب الفصوص قصدت بها نصرة الشريعة وأهلها وبينت ضلال فرقة الوجودية وجهلها وسميتها نعمة الذريعة في نصرة الشريعة والله المطلع على النيات وما تشتمل عليه الطويات وهو حسبي ونعم الوكيل
قال في الديباجة أما بعد فإني رأيت رسول اللهفي مبشرة أريتها في العشر الآخر من محرم سنة سبع وعشرين وستمائة بمحروسة دمشق وبيدهكتاب فقال لي خذه هذا كتاب فصوص الحكم خذه واخرج به إلى الناس ينتفعون به فقلت السمع والطاعة لله ولرسوله ولأولي الأمر منا كما أمرنا إلى آخر ما ذكر

أقول هذه الرؤيا لا يكاد يمكن صحتها عن النبيفإن الكتاب المذكور مشتمل على أشياء مناقضة للشرائع منها قاعدة أن العالم هو صور الحق سبحانه وأن من عبد شيئا فإنما عبد الله تعالى ومنها ذم أهل الشرع ومدح الكفار وتمهيد أعذارهم ومنها القدح في بعض الأنبياء كقوله في الكلمة النوحية الدعوة إلى الله تعالى مكر بالمدعو أدعو إلى الله فهذا عين المكر فما عبد غير الله تعالى في كل معبود وفي الكلمة الإدريسية فهو عين ما ظهر وعين ما بطن في حال ظهوره وما ثم من يراه غيره وما ثم من يبطن عنه فهو ظاهر لنفسه باطن عنه وهو المسمى أبا سعيد الخراز وغير ذلك من أسماء المحدثات وفي الكلمة الإسماعلية وما لوعيد الحق عين تعاين وفي الكلمة الإسحاقية اعلم أيدنا الله تعالى وإياك أن إبراهيم الخليل قال لابنه إني أرى في المنام أني أذبحك والمنام حضرة الخيال فلم يعبرها
وكان كبش ظهر في صورة ابن إبراهيم في المنام فصدق إبراهيم الرؤيا ففداه ربه من وهم إبراهيم بالذبح العظيم الذي هو تعبير رؤياه عند الله تعالى وهو لا يشعر لأنه يعلم أن موطن الخيال يطلب التعبير فغفل فما وفى الموطن حقه
وفي الكلمة الهودية أنه تعالى عين الأشياء والأشياء محدودة وإن اختلفت حدودها فهو محدود بحد كل محدود فما يحد شيء إلا وهو حد الحق
فهو الساري في مسمى المخلوقات والمبدعات

فالعالم صورته وهو روح العالم المدبر له فهو الإنسان الكبير
فإياك أن تتقيد بعقد وتكفر بما سواه فيفوتك خير كثير بل يفوتك العلم بالأمر على ما هو عليه فكن في نفسك هيولى لصور المعتقدات كلها
وفي الكلمة الشعيبية فلهذا قال لمن كان له قلب فعلم تقلب الحق في الصور بتقلبه في الأشكال فمن نفسه عرف نفسه وليست نفسه بغير لهوية الحق
ولا شيء من الكون مما هو كائن ويكون بغير لهوية الحق بل هو عين الهوية وفي الهارونية وكان موسى أعلم بالأمر من هارون لأنه علم ما عبده أصحاب العجل
لعلمه بأن الله تعالى قد قضى أن لا يعبد إلا إياه
وما حكم الله تعالى بشيء إلا وقع فكان عتب موسى أخاه هارون لما وقع الأمر في إنكاره وعدم اتساعه فإن العارف من يرى الحق في كل شيء بل يراه عين كل شيء
إلى غير ذلك من الكفريات والهذيانات التي أودعها في الكتاب المذكور
فكيف يجوز إسنادها إلى النبيبل ذلك من أبطل المحال أما على ما هو المفهوم من التراكيب الوضعية فظاهر
وكذا إن فرض فرضا أن المراد غير ما يفهم من ظاهر تركيبه إذ من المحال أن يأمر النبيبعد مضى ستمائة سنة من زمن تقرير شريعته التي مهدها هو وأصحابه بكلام ظاهرها إبطالها ومخالفتها وباطنه موافقتها وتحقيقها سيما عند فساد الزمان وظهور الاعتقادات الفاسدة

والبدع وغلبة الشهوات والمعاصي على ما لا يخفى والله سبحانه وتعالى هو المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
قال في الكلمة الشيثية وليس هذا العلم إلا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء وما يراه أحد من الأنبياء والرسل إلا من مشكاة الرسول الخاتم ولا يراه أحد من الأولياء إلا من مشكاة الولي الخاتم حتى أن الرسل لا يرونه متى رأوه إلا من مشكاة خاتم الأولياء فإن الرسالة والنبوة أعني نبوة التشريع ورسالته ينقطعان والولاية لا تنقطع أبدا
فالمرسلون من كونهم أولياء لا يرون ما ذكرناه إلا من مشكاة خاتم الأولياء
فكيف من دونهم من الأولياء
أقول انظر إلى هذا التصلف والتمدح فإنه يزعم أنه هو خاتم الأولياء كما قال في أول الباب الثالث والأربعين من الفتوحات أنا ختم الولاية دون شك لو رئي الهاشمي مع المسيح وذكر في موضع آخر من الفتوحات على ما نقله شارحه القيصري أنه رأى حائطا من ذهب وفضة وكمل إلا موضع لبنتين

إحداهما من ذهب والأخرى من فضة فانطبع موضع تلك اللبنتين وأنه قال وأنا لا أشك أني أنا الرائي وأني أنا المنطبع موضعهما وبي كمل الحائط
ثم عبرت الرؤيا بختام الولاية
وذكر المنام للمشائخ الذين كنت في عصرهم وما قلت من الرائي فعبروا بما عبرت به
ثم إنه مع هذا نفى هذا العلم الذي مدحه عن غيره وعن غير خاتم الأنبياء ففضل نفسه على من سوى الخاتم من الأنبياء جميعا بطريق الاستقلال
وادعى أنهم إذا رأوه فإنما يرونه من مشكاة خاتم الأنبياء من حيث النبوة
ومن مشكاة الأولياء من حيث الولاية ثم فضل نفسه على خاتم الأنبياء أيضا بأن عمم جميع الرسل أنهم لا يرونه من حيث ولايتهم إلا من مشكاته وخاتم الأنبياء داخل في هذا العموم ثم صرح بذلك حيث قال وإن كان خاتم الأولياء في الحكم تابعا لما جاء به خاتم الرسل من التشريع فذلك لا يقدح في مقامه ولا يناقض ما ذهبنا إليه فإنه من وجه يكون أنزل كما أنه من وجه يكون أعلى
وقد ظهر في ظاهر شرعنا ما يؤيد ما ذهبنا إليه في فضل عمر في أسارى بدر بالحكم فيهم وفي تأبير النخل فما يلزم الكامل

أن يكون له التقدم في كل شيء وفي كل مرتبة وإنما نظر الرجال إلى التقدم في رتب العلم بالله هنا مطلبهم
وأما حوادث الأكوان فلا تعلق لخواطرهم بها
فتحقق ما ذكرناه
أقول انظر إلى دعواه أنه أعلى من خاتم الرسل من وجه وانظر إلى استدلاله وتناقضه فيه حيث استدل بقصة عمر رضي الله تعالى عنه في أسارى بدر وبقصة تأبير النخل على ادعائه أن الأدنى يكون أعلى من وجه ثم ناقض نفسه وهو لا يشعر بقوله وإنما نظر الرجال الخ
وهل أمور الحرب التي تضمنتها قصة عمر وتأبير النخل إلا من حوادث الأكوان التي لا تعلق لنظر الرجال بها وأي تعلق لهاتين القصتين بالعلم بالله تعالى ثم لا يتم أن العلم الذي ذكره ومدحه هو العلم بالله المقتضي للأفضلية بل هو علم حوادث الأكوان أيضا فإن العلم بأن المنح والهبات والعطايا الذاتية لا تكون إلا عن محل ذاتي وأن ذلك التجلي لا يكون إلا بصورة استعداد المتجلى له إنما يرجع إلى معرفة حقائق المكونات ووقوعها على الوجه الذي وجدت عليه وليس ذلك من العلم بالله تعالى في شيء إنما العلم بالله تعالى ما يقتضى خشيته كما قال سبحانه وتعالى إنما يخشى الله من عباده العلمؤا
وذلك هو العلم بعظمته وجلاله وكبريائه وسائر صفاته المفضي إلى امتثال أوامره ونواهيه واقتفاء ما يقرب إليه

فهذا هو العلم المقتضي للأفضلية فإن الأفضلية إنما هي بكثرة الثواب وزيادة الدرجات في القرب إلى الله تعالى لا معرفة حقائق الأشياء كما ذهبت إليه الفلاسفة وهذه الطائفة فإن الله تعالى قد نفى العلم عن مثل هؤلاء فقال سبحانه وتعالى ولكن أكثر الناس لا يعلمون
يعلمون ظاهرا من الحيوة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون
وأي فضيلة في معرفة أن الله تعالى هو الظاهر في صور الأشياء وهي الظاهرة فيه فهو مرآة له إلى آخر ما ذكره هذا الشخص في مثل هذا الموضع وكيف ينسب ويسند مثل هذه الخرافات إلى النبيوما هي إلا تضييع أوقات في غير طائل
والله سبحانه وتعالى هو الهادي المضل وإليه يرجع الأمر كله
ثم قال عقيب هذا ولما مثل النبيالنبوة بالحائط من اللبن وقد كمل سوى موضع لبنة فكان تلك اللبنة غير أنه لا يراها إلا كما قال لبنة واحدة
وأما خاتم الأولياء فلا بد له من هذه الرؤيا فيرى ما مثله به رسول الله ويرى في الحائط موضع لبنتين
واللبنتين من ذهب وفضة
فيرى اللبنتين اللتين ينقص الحائط عنهما وتكمل بهما لبنة فضة ولبنة ذهب
فلا بد أن يرى نفسه تنطبع في موضع تينك اللبنتين
فيكون خاتم الأولياء تينك اللبنتين فيكمل الحائط إلى آخر ما ذكره
أقول هذا الكلام فيه اختلاف من وجوه منها أن الممثل على ما ذكر هو النبوة فأي دخل لغير النبي فيه حتى يكون موضع لبنتين أو لبنة

ومنها أنا لو سلمنا دخل الولاية في ذلك لاقتضى أن يكون موضع كل نبي لبنتان فضية وذهبية ويرى خاتم الأولياء النقصان موضع لبنة لا العكس
ومنها قوله يرى نفسه تنطبع موضع تينك اللبنتين يقتضي أن يكون للولاية وحدها موضع لبنتين فيكون للنبي موضع أربع لبنات فانظر إلى هذا الاختلال والتناقض الذي يدعي فيه الكشف والكشف الصحيح لا يحتمل التناقض بوجه ما ومنها أنه فضل مقام الولاية المجددة عن النبوة على مقام النبوة واستدل عليه بالأخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الموحي إلى الرسول فيقال له لا نسلم أن الأخذ من المعدن مختص بالولاية المجردة بل هو في الولاية المقترنة بالنبوة أتم
فالرسول لا شك أنه يأخذ من المعدن من حيث ولايته ومن الملك من حيث رسالته
فهو أفضل من الولي غير النبي بلا شك
فكيف جعل الولي المجرد موضع لبنتين إحداهما ذهب ولم يجعل النبي كذلك والأمر يقتضي العكس على تقدير تسليمه إلا أننا نراك جاهدا كل الجهد في مدح نفسك وتفضيلها فلما لم يمكنك ادعاء النبوة عدلت إلى ادعاء رتبة تفضل فيها نفسك من وجه على جميع الأنبياء حتى على سيد الأولين والآخرين ولن تعدو قدرك ولن تتجاوز طورك عند من فهم تلبيسك من عباد الله المؤمنين
ومن هذا القبيل ما قال بعد ذلك وهذا العلم كان علم شيث

عليه السلام وروحه هو الممد لكل من يتكلم في مثل هذا من الأرواح بل من روحه تكون المادة لجميع الأرواح وإن كان لا يعقل ذلك من نفسه في زمان تركيب جسده العنصري إلى آخر ما ذكر
أقول هذا مع كونه كذبا وخيالا لا حقيقة له فيه تورية وإيهام أنه يريد بالختم ختم النبوة
ولكن ظاهر دينه من مدح نفسه وتفضيلها أن مراده ختم الولاية يعني نفسه
فتأمل وأنصف واعلم أن دعواه ختمية الولاية لما أخذت بخناق الحمقى من أتباعه الذين ألقوا إليه قياد التصديق والإذعان لدعاويه لم يبق لهم مجال ولا طريق لادعاء الولاية إلا أن خصصوا دعواه بالولاية المحمدية فقالوا هو ختم الولاية المحمدية دون غيرها من الموسوية والعيسوية ونحوهما وأنت ترى أن كلامه واقع على الحائط المذكور في الحديث الذي ذكره النبي وسلم وهو حائط النبوة
ومفهومه أن كل نبي بمنزلة لبنة حتى كان موضع اللبنة الأخيرة التي كان الحائط ناقصا منها
وأن هذا الشخص ادعى ما ذكره وأنه انطبع موضع اللبنتين ولم يبق في الحائط موضع
ولم يذكر هو ولا غيره أن ثم حيطانا أخرى فذممهم باطلة بعد ما أقروا له بصحة دعواه كما قال الشيخ شرف الدين ابن المقري في قصيدته

فلا يدعوا من صدقوه ولاية ... وقد ختمت فليؤخذوا بالأقادر
وأما من لم يصدقه وعلم أن دعواه كذب وخيال فلم تلزمه هذه العهدة
وقد وجد بعده أولياء لا يحصون كثرة
وقال الشيخ زين الدين الخوافي في وصيته والذي يدعي أني خاتم الولاية فهو دائر حوالي عالم الشطح فخاتم النبوة هو محمد رسول الله الولاية هو محمد المهدي رضي الله تعالى عنه
ثم قال بعيد ذلك فما في أحد من الله شيء وما في أحد من سوى نفسه شيء الخ
أقول هذا المعنى يكرره كثيرا
وهو قاعدة من قواعده وقواعد طائفته
وهو يؤل إلى الشرك مع ادعائهم التوحيد ويناقض قوله تعالى قل كل من عند الله ونحوها من الآيات والأحاديث
ومنه ما قال بعد هذا فمن عرف استعداده عرف قبوله
وما كل من

عرف قبوله عرف استعداده إلا بعد القبول
وإن كان يعرفه مجملا إلا أن بعض أهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة يرون أن الله تعالى لما ثبت عندهم أنه فعال لما يشاء جوزوا على الله تعالى ما يناقض الحكمة وما هو الأمر عليه في نفسه إلى آخر ما قال
أقول هذا طعن في أهل السنة وافتراء عليهم أنهم جوزوا على الله تعالى سبحانه فعل ما يناقض الحكمة لقولهم بأن الله تعالى فعال لما يشاء وأنه مخترع الأشياء كما أراد لما أراد وليس للأشياء دخل ولا اقتضاء لما وجدت عليه من الأحوال المختلفة والمتفقة
بل ذلك بمحض إرادته سبحانه وتعالى وأنت خبير بأنهم لا يلزمهم من ذلك تجويز فعل ما يناقض الحكمة عليه سبحانه بل هم القائلون بأنه سبحانه وتعالى حكيم
وأن أفعاله جميعا على مقتضى الحكمة وإن لم تدركها عقولنا في بعض الأشياء وهم الموحدون القائلون لا تأثير في الحقيقة لغير فعل الله سبحانه وتعالى في شيء من الموجودات
على أن الإستعداد ومعرفته لا ينافي الإسناد إليه سبحانه فإن الاستعداد أيضا بخلقه تعالى
وقد صرح به هو نفسه في الكلمة العزيرية حيث قال إن الله تعالى أعطى كل شيء خلقه ولم يعطك هذا الاستعداد الخاص فما هو خلقك ولو كان خلقك لأعطاكه الحق الذي أخبر أنه أعطى كل شيء خلقه قال في الكلمة النوحية اعلم أن التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين

التحديد والتقييد
فالمنزه إما جاهل وإما صاحب سوء أدب
ولكن إذا أطلقاه وقالا به فالقائل بالشرائع المؤمن إذا نزه ووقف عند التنزيه ولم ير غير ذلك فقد أساء الأدب وأكذب الحق والرسل صلوات الله تعالى عليهم وهو لا يشعر ويتخيل أنه في الحاصل وهو في الغاية
وهو كمن آمن ببعض وكفر ببعض إلى آخر ما ذكر
أقول الله تعالى أعلم بالذي أساء الأدب في حقه وكذبه وكذب رسوله وشرائعه
ومن يتشبث بالمتشابه الذي قال تعالى فيه فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشبه منه وقال النبي لعائشة رضي الله تعالى عنها فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم
ثم نقول لهذا الملبس الضال إنك تعلم أن الكلام له حقيقة ومجاز وصريح وكناية وأن حمل الكلام على المجاز أو الكناية عند نصب القرائن الحالية أو القالية أو العقلية ليس بإكذاب ولا إساءة أدب
فمن أين حكمت على المؤمن بذلك عند ذلك بادعائك أن العالم بصورة الحق وهويته فالله تعالى يقابلك بما ابتدعت أنت وطائفتك إنه عزيز ذو انتقام
ثم قال ولذلك ربط النبي الحق بمعرفة النفس

فقال من عرف نفسه فقد عرف ربه
أقول هذا كذب وإلحاد في معنى الحديث في تقدير صحته
وإنما معناه أن من عرف نفسه بالحدوث عرف ربه بالقدم
ومن عرفها بالفناء عرفه بالبقاء
ومن عرفها بالعجز عرفه بالقدرة
إلى آخر ما تتصف النفس مما هو محال في جانب الحق
وقيل إنه تعليق محال بمحال فإن معرفة هوية النفس وحقيقتها محال
وكذلك معرفة هويته تعالى
على أن أئمة الحديث لم يثبتوه حديثا
وإنما يحكى عن ابن معاذ الرازي
ثم قال سنريهم ءايتنا في الأفاق وهو ما خرج عنك وفي أنفسهم وهو عينك
حتى يتبين لهم أي للناظرين أنه الحق من حيث أنك صورته وهو روحك
فأنت له كالصورة الجسمية لك
وهو لك كالروح المدبر لصورة جسمك أقول هذا إلحاد من جملة الإلحادات في آيات الله تعالى
وسيأتي كثير مثل هذا الإلحاد
وقد قال تعالى إن الذين يلحدون في ءاياتنا لا يخفون علينا أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي ءامنا يوم القيامة ومع هذا يسند مثل

هذا إلى أمر رسول الله وإذنه في ذلك
ثم قال قال الله تعالى ليس كمثله شيء
فنزه وهو السميع البصير فشبه قال تعالى ليس كمثله شيء فشبه وثنى وهو السميع البصير فنزه وأفرد
أقول هذا بناء منه على أن اللام في السميع البصير للجنس بمقتضى قاعدته الخبيثة
وإنما هي عند أهل الحق لكمال الحقيقة فإنه سبحانه هو الكامل في أوصافه التي وصف بها نفسه مما يوصف بها غيره فهي في غيره كلا شيء بنسبتها إليه
كما أن وجودهم كلا شيء بالنسبة إلى وجوده حيث قال سبحانه كل شيء هالك إلا وجهه
ومراده بالتنزيه والتشبيه في كلامه الأول من حيث المعنى
وفي كلامه الثاني من حيث اللفظ حيث أثبت المثل في كمثله وأفرد بإدخال الحصر المستفاد من اللام في السميع البصير وهو من الإلحاد
وسيأتي لرده تحقيق إن شاء الله تعالى
ثم قال لو أن نوحا جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه إلى آخر ما قال
أقول كأن نوحا عليه السلام كان جاهلا بطريق الدعوة إلى الله تعالى وعلمتها أنت أيها الضال المضل والله أعلم حيث يجعل رسالته
فالله تعالى يجازيك على ما قدحت في أنبيائه ورسله الراجع إلى القدح فيه بمقتضى الآية المذكورة

ثم قال فعلم العلماء بالله ما أشار إليه نوح في حق قومه من الثناء عليهم بلسان الذم وعلم أنهم إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان والأمر قرآن لا فرقان إلخ
أقول انظر كيف يمهد أعذار الكفار ويمدحهم والله سبحانه قد ملأ كتبه بذمهم ويسند ذلك إلى رسول الله
ثم قال ولهذا ما اختص بالقرآن إلا محمد وهذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس ليس كمثله شيء
فجمع الأمر في أمر واحد
فلو أن نوحا عليه السلام يأتي بمثل هذه الآية لفظا لأجابوه إلخ
فلأي شيء ما أجابوا محمدا أتى بها لفظا فعلم أن شرطيته هذه كذب والحق شرطية الله تعالى
قال تعالى ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون
قال ثم قال عن نفسه أنه دعاهم ليغفر لهم لا ليكشف لهم وفهموا ذلك منه
لذلك جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وهذه كلها صورة الستر التي

دعاهم إليها فأجابوا دعوته بالفعل لا بلبيك
أقول أنظر إلى هذا الإلحاد الذي هو من هذيانات المجانين فإن المغفرة في الآية إنما هي للذنوب كما تقدم قبلها من قوله ليغفر لكم من ذنوبكم لا لأجسادهم التي ستروها بثيابهم ولا للمعنى الذي أراده هذا الضال بناء على قاعدته الخبيثة أنه دعاهم ليستر عنهم كونهم صورة الحق لا لينكشف لهم ذلك على أنه يناقض ما قال بعد ذلك فقال نوح عليه السلام في حكمته لقومه يرسل السماء عليكم مدرارا وهي المعارف العقلية في المعاني والنظر الإعتباري ويمددكم بأموال
أي بما يميل بكم إليه فإذا مال بكم إليه رأيتم صورتكم فيه إلى أخر ما هذى
أقول هذا من جملة الإلحاد الذي هو كهذيان المجانين وإلا فأين الأموال من الميل فإن الأول واوي والثاني يائي وغير ذلك أظهر في الهذيان
وكأن القرآن نزل على اصطلاحاتهم الخبيثة ولم ينزل على الموضوعات العربية التي يفهمها القوم المبعوث إليهم وقال والأمر موقوف إلخ يقال له فلأي شيء تتكلف هذه التكلفات الباردة وتضيع زمانك بها في غير فائدة
وقوله وفي نوح ألا تتخذوا من دوني وكيلا خطأ

إنما الخطاب فيه لبني إسرائيل لا لقوم نوح
ثم قال ومكروا مكرا كبارا
لأن الدعوة إلى الله تعالى مكر بالمدعو لأنه ما عدم من البداية فيدعى إلى الغاية أدعوا إلى الله تعالى فهذا عين المكر على بصيرة فنبه أن الأمر له كله فأجابوه مكرا كما دعاهم
أقول انظر إلى هذا الكفر ما أقبحه وانظر إلى هذا الإجتراء ما أخبثه وهل هذا إلا قصد إبطال الشرائع وانظر إلى هذا الهذيان في قوله لأنه ما عدم من البداية فيدعى إلى الغاية والدعوة إنما هي إلى عبادة الله تعالى وتوحيده والخروج من الكفر والمعاصي لا إلى ذاته سبحانه وتعالى حتى يتأتى على مذهبه الخبيث أن الحق عين الأشياء القول بأنه ما عدم من البداية إلخ
ومثل هذه المقالة في الضلال ما ذكر النفري في موقف ما يبدو
حيث قال فرأيت ما ينزل إلى الأرض مكرا وما يصعد منها شركا قال شارحه العفيف التلمساني في شرحه من ما

ينزل من السماء من الأصوار يقتضي الغيرية وهي مكر وما يصعد هو العمل بمقتضى ذلك المعين وهو شرك لرؤية العامل أنه صاحب القدرة في العمل وأنه هو العامل حقيقة وهذا شرك
وهذا الشرك إنما هو مما ينزل لاقتضائه الثنوية بقول قال لكم انتهى
فأجبته بقولي إن قولكم مكر وشرك شرك منكم على مقتضى زعمكم حيث يلزم منه إثبات ماكر وممكور به ومكر ومشرك ومشرك به وشرك بل جميع قولكم قال لي من هذا القبيل
فأنتم في الثنوية وتذمونها وفي الحجاب وتذمونه
وقولكم لرؤية العامل إلخ
باطل إذ ليس كل عامل يرى أنه هو صاحب القدرة وإنما ذلك في بعض أهل البدع كالمعتزلة فالتعميم خطأ وافتراء
ثم قال فقالوا في مكرهم لا تذرن ءالهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء فإن للحق في كل معبود وجها يعرفه من عرفه ويجهله من جهله في المحمدين وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه أي حكم

أقول هذا بناء منه على قاعدته الخبيثة أن العالم صور الحق وهو على تقدير تسليمه أيضا خطأ فاحش بيانه على ذلك التقدير أن الحق سبحانه وتعالى أمر أن يعبد من حيث اطلاقه لتشتمل العبادة جميع الصور
ونهى أن يعبد مقيدا ببعض الصور لأن فيها ترك ما سوى ذلك البعض مما لا يتناهى كثرة
فظهر أن فوت الخير الكثير إنما هو في التقيد لا في الإطلاق والله تعالى هو الحكيم الخبير فيما أمر ونهى على لسان أنبيائه
ونوح وغيره من الرسل عليهم السلام إنما نهوا عن عبادة الصور والأشخاص وأمروا بعبادة الحق من حيث هو الحق ومن يضلل الله فما له من هاد
وقوله أي حكم إن أراد الحكم بمعنى الأمر فمسلم لكن لا يناسب مراده ما قبله وما بعده وإن أراد القطع والجزم وأن لا يقع غيره بقرينة ما قبله وما بعده فهو كذب إذ لو كان كذلك لما صح قوله تعالى أمر ألا تعبدوا إلا إياه بل قضى بمعنى أمر لئلا يتناقض الإتيان
ثم قال فما عبد غير الله في كل معبود أقول لو كان كذلك لما نهى عن عبادة غير الله تعالى ولما صدق قوله ولا أنتم عابدون ما أعبد فتأمل والله تعالى الهادي
وما بعد ذلك ظاهر على قاعدته الخبيثة

وقوله وبشر المخبتين الذين خبت نار طبيعتهم إلخ خطأ لأن المخبتين من الإخبات لامه تاء لا من الخبو الذي لامه واو كما حرفه وبدله
ثم قال ولا تزد الظالمين لأنفسهم المصطفين الذين أورثوا الكتاب أول الثلاثة فقدمه على المقتصد والسابق إلى آخر ما ألحد
أقول هذا من جملة الإلحاد في آيات الله تعالى فإن المراد بالظالمين في سورة نوح عليه السلام غير المراد بالظالم في سورة فاطر فإن الأول الكافر والثاني العاصي وتقديمه على المقتصد والسابق ليس لتقدمه في الرتبة بل لمعنيين آخرين لم يدركهما هذا الملحد أو أدرك ولكن لبس كما هي عادته أحدهما أن لا ييأس العاصي من الرحمة والكرم
والثاني إبعاده عن الوعد ليخاف أن يكون الضمير فيه مختصا بالذي يليه وهو السابق ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور
وقوله صاحب الطريق المستطيل مائل خارج إلخ
كذب بل صاحب الطريق المستطيل هو المتوجه إلى ما أمر يه
وصاحب الحركة الدورية سعيه غير موصل إلى مقصود حائر كالحمار يدود بالرحى وما بعد هذا أظهر من أن ينبه عليه
بل يقال له جعلك الله تعالى في تلك النار التي مدحتها ومدحت داخليها إن لم يكن تاب قبل موته

عن هذه الضلالات و الترهات هذا ثم انظر إلى ما ألحد بعد ذلك و حرف و بدل و الله المستعان
قال في الكلمة الإدرسية بعد ما قرر قاعدته الخبيثة قال الخراز وهو وجه من وجوه الحق ولسان من ألسنته ينطق عن نفسه بأن الله تعالى لا يعرف إلا بجمعه بين الأضداد في الحكم عليه بها فهو الأول والآخر والظاهر والباطن فهو عين ما ظهر وهو عين ما بطن في حال ظهوره وما ثم من يراه غيره وما ثم من يبطن عنه فهو ظاهر لنفسه باطن عنه وهو المسمى أبا سعيد الخراز وغير ذلك من أسماء المحدثات إلى آخر ما هذى
أقول لقد كذب على أبي سعيد الخراز في ادعاء أن مراده ما أراده من قاعدته الخبيثة وهذا دأبه في كذبه على مثل هؤلاء لترويج باطله وإذا كان قد كذب على رسول الله إسناد هذه الأباطيل القبيحة إليه فالكذب على من دونه أسهل بل الطامة الكبرى كذبه على رب العالمين على ما لا يخفى على من له أدنى بصيرة من نسبته إليه ما لا يجوز وتحريف كلامه عما أرداه وكفى به حسيبا
ثم إنه أصل وفرع على قاعدته الخبيثة في هذا المحل إلى أن قال فالعلي لنفسه هو الذي يكون له الكمال الذي يستغرق به جميع الأمور الوجودية والنسب العدمية بحيث لا يمكن أن يفوته نعت منها وسواء كانت محمودة عرفا وعقلا وشرعا أو مذمومة عرفا وعقلا وشرعا

وليس ذلك إلا لمسمى الله خاصة وأما غير مسمى الله تعالى خاصة مما هو مجلى له أو صورة فيه إلخ
أقول هذا ادعاء أن الله سبحانه يتصف بصفات الذم تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا ونظير هذا ما ذكر في الكلمة الإبراهيمية حيث قال بعد ما ألحد في معنى الخليل إلى أن قال ألا تر الحق يظهر بصفات المحدثات وأخبر بذلك عن نفسه وبصفات النقص وبصفات الذم إلى أن قال فإن كان الحق هو الظاهر فالخلق مستور فيه فيكون الخلق جميع أسماء الحق سمعه وبصره وجميع نسبه وإدراكاته وإن كان الخلق هو الظاهر فالحق مستور باطن فيه فالحق سمع الخلق وبصره ويده ورجله وجميع قواه كما ورد في الخبر الصحيح
أقول هذا إلحاد في تأويل معنى الخبر الصحيح
وتمسك بظاهر المتشابه
وكأنه عميت بصيرته عن الشرطية في الخبر المذكور حيث قال الله فيه فإذا أحببته كنت سمعه وبصره إلخ
ولو كان كما قال هذا الضال المضل ما كان لاشتراط المحبة معنى ثم حرف على قاعدته الخبيثة إلى أن قال فإن قلت فما فائدة قوله فلو شاء لهداكم أجمعين قلنا لو شاء لو حرف امتناع لامتناع فما شاء إلا ما هو الأمر عليه ولكن عين الممكن قابل

للشيء ونقيضه في حكم دليل العقل وأي الحكمين المعقولين وقع ذلك هو الذي كان عليه الممكن في حال ثبوته ومعنى لهداكم لبين لكم وما كل ممكن من العالم فتح الله تعالى عين بصيرته لإدراك الأمر في نفسه على ما هو عليه فمنهم العالم والجاهل
فما شاء الله فما هداهم أجمعين ولا يشاء وكذلك إن يشأ فهل يشاء هذا ما لا يكون
فمشيئته أحدية التعلق وهي نسبة تابعة للعلم والعلم نسبة تابعة للمعلوم والمعلوم أنت وأحوالك
فليس للعلم أثر لمعلوم بل للمعلوم أثر في العالم فيعطيه من نفسه ما هو عليه في عينه
وإنما ورد الخطاب الإلهي بحسب ما تواطأ عليه المخاطبون وما أعطاه النظر العقلي ما ورد الخطاب على ما يعطيه الكشف إلى آخر ما ذكر
أقول محصله أنه سبحانه إنما يشاء ما يمكن وقوعه ووجوده في الخارج وذلك دائر على استعداد الممكن وقابليته في حال ثبوته في العلم لا على إمكانه من حيث هو ممكن
فإذا علم الله تعالى من المعلوم الذي يريد إيجاده عدم استعداده وقابليته للهدى لا يشاء هدايته ولو شاء لهداه
أو فمشيئته الهداية معلقة على العلم بقابلية استعداده لها
فإذا انتفى العلم بالقابلية انتفت المشيئة للهداية فانتفت الهداية
مع أن الممكن من حيث هو ممكن قابل للهداية ونقيضها فورد الخطاب الإلهي على هذا الإمكان لأنه هو الذي تواطأ عليه أهل اللغة المخاطبون بالقرآن
ولم يرد الخطاب بحسب ما يعطيه الكشف من أنه لا يشاء إلا ما عليه الشيء من القابلية
هذا ولكن المخاطبون كما تواطؤا على ما ذكرت فهم متواطئون على أن التمدح إنما يصح بالأمر الذي

للمتمدح عليه قدرة حتى لو قال القائل لو شئت لطرت لكني لا أشاء مع علمه بعدم قدرته على الطيران لكان كاذبا عند نفسه وعند كل من عدم قدرته على ذلك بل مطلقا لآن خبره غير مطابق للواقع تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا
ثم إنه بنى على ما سبق إلى أن قال وإن ثبت أنك الموجود فالحكم لك بلا شك وإن كان الحاكم الحق فليس له إلا إفاضة الوجود عليك والحكم لك عليك
فلا تحمد إلا نفسك ولا تذم إلا نفسك وما يبقى للحق إلا حمد إفاضة الوجود لأن ذلك له لا لك
أقول انظر إلى سوء أدبه مع الله تعالى المخالف لقوله فمن وجد خيرا فليحمد الله تعالى ما أصابك من حسنة فمن الله وغير ذلك من الآيات والأحاديث ثم زاد في إساءة الأدب وأظهر الشرك حيث قال فأنت غذاؤه بالأحكام وهو غذاؤك بالوجود فتعين عليه ما تعين عليك
فالأمر منه إليك ومنك إليه
غير أنك تسمى مكلفا وما كلفك إلا بما قلت له كلفني بحالك وبما أنت عليه ولا يسمى مكلفا اسم مفعول
أقول يعني إنما سميت مكلفا لأنك قلت له اقتضاء حالك كلفني
فأنت الذي طلبت التكليف منه اقتضاء حالك فلم تكن مكلفا

بمعنى أنه كلفك حكما منه عليك حتى تكون اسم مفعول بل أنت الذي حكمت على نفسك بل عليه
بما اقتضاه حالك فانظر إلى هذه التكلفات التي أردت بها الإشراك بين العبد والرب ثم تمم ذلك بالأبيات حيث قال
فيحمدني وأحمده ... ويعبدني فأعبده
ففي حال أقربه ... وفي الأعيان أجحده
فيعرفني وأنكره ... وأعرفه فأشهده
فأني بالغني وأنا ... أساعده وأسعده
لذاك الحق أوجدني ... فأعلمه فأوجده
بذا جاء الحديث لنا ... وحقق في مقصده
أقول قال شارحه أي يحمدني بإيجادي على صورته وتكميلي بنفسي ويعبدني بخلقي وإيجادي فإن ذلك نوع خدمة وعبادة فأعبده بالفاء للنتيجة أي تترتب عبادتي على عبادته لي بالإيجاد والإظهار ثم اعتذر عنه بأن إطلاق العبادة على الحق وإن كان تشنيعا ونوعا من سوء الأدب في الظاهر لكن أحكام التجليات الإلهية إذا غلبت على القلب بحيث يخرجه عن دائرة التكليف وطور العقل لا يقدر القلب على مراعاة الأدب أصلا وترك الأدب أدب انتهى

وهذا غير مسلم أنه في حال الغلبات لأن ذلك لا يودع في كتاب ولا يقترن بسؤال وجواب ثم انظر إلى اجترائه في قوله فأني بالغنى المخالف لقوله تعالى يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغنى الحميد
ونحوها من الآيات حيث حصر الفقر فيهم والغنى فيه سبحانه
ولئن سلم أنه سبحانه وتعالى لا بد له من مظهر فهو غني عن كل فرد المظاهر بغيره فكيف يكون محتاجا إلى معين منها
وقوله أساعده أي في ظهور أسمائه وتجلياته وجميع كمالاته فينا لأن القابل مساعد للفاعل في فعله بقبوله ذلك الفعل وأسعده بظهور جماله وجلاله في مرائي ذواتنا ومظاهر أعياننا فإن الإسعاد عبارة عن إخراج الكمالات التي في الباطن إلى الظاهر وكمالات الأسماء وظهوراتها كانت بأعياننا كما جاء في الحديث لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم كذا في شرح القيصري وهو غير مسلم فإن المادة لا تظهر كمال الفاعل بل هو الذي يظهر كمال نفسه فيها
قال

ومعنى فأعلمه فأوجده أي أعلمه في جميع المظاهر وأظهره فيها للمحجوبين ثم كمل بالأبيات الأخيرة حيث قال
فنحن له كما ثبتت ... أدلتنا ونحن لنا
وليس له سوى كوني ... فنحن له كنحن بنا
فلي وجهان هو وأنا ... وليس له أنابأنا
ولكن في مظهره ... فنحن له كمثل إنا
أقول قال شارحه أي فنحن له غذاء كما نحن مرايا إذ بنا ظهور كمالاته وصفاته كما مر ونحن لنا غذاء باعتبار اختفاء أعياننا الثابتة وطابعنا الكلية في صورنا الخارجية أو نحن له ملك ونحن لنا ملك أيضا إذ أعياننا حاكمة علينا كما مر ومثله البيت بعده
وقوله فلي وجهان أي وجه الهوية ووجه الأنانية
فمن الوجه الأول

ليس بيننا امتياز فلا ربوبية ولا عبودية ومن الوجه الثاني يكون التميز وتظهر العبودية والربوبية وليس له أنا بأنا أي ليس للحق أنانية بسبب أنانيتي بل أنانيته بذاته وهي غنية عما سواها وأنانيتي مفتقرة إليها انتهى
أقول فيه من مناقضة قوله فأني بالغنى إلخ فاعلم أنه قد قدر العزيز القدير بحكمته الباهرة أن من ادعى تعمقا في شيء زل في ادعاء تعمقه فوقع في ضد ما ادعاه فهاتان طائفتان ادعى كل منهما المبالغة في التوحيد فوقعت في الشرك إحداهما المعتزلة سموا أنفسهم أهل العدل والتوحيد وقد أشركوا مع الله تعالى في خلق الأفعال ما لا يتناهى كثرة والأخرى هي هذه الطائفة سموا أنفسهم أهل الوحدة المطلقة وقد نزعوا إلى مثل هذا الشرك فنسأل الله تعالى هداية الصراط المستقيم والثبات عليه
قال في الكلمة الإسحاقية
فداء نبي ذبح ذبح لقربان ... وأين ثواج الكبش من نوس إنسان
وعظمه الله العظيم عناية ... بنا أو به لا أدر من أي ميزان
ولا شك أن البدن أعظم قيمة ... وقد نزلت عن ذبح كبش لقربان

فيا ليت شعري كيف ناب بذاته ... شخيص كبيش عن خليفة رحمان
ألم تدر أن الأمر فيه مرتب ... وفاء لأرباح ونقص لخسران
فلا خلق أعلى من جماد وبعده ... نبات على قدر يكون وأوزان
وذو الحسن بعد النبت والكل عارف ... بخلافه كشفا وإيضاح برهان
وأما المسمى آدما فمقيد ... بعقل وفكر مع قلادة إيمان
بذا قال سهل والمحق مثلنا ... لأنا وإياهم بمنزل إحسان
فمن شهد الأمر الذي قد شهدته ... يقول بقولي في خفاء وإعلان
فلا تلتفت قولا يخالف قولنا ... ولا تبذر السمراء في أرض عميان
هم الصم والبكم الذين أتى بهم ... لأسماعنا المعصوم في نص قرآن
أقول قال شارحه القيصري واعلم أن غرض الشيخ في هذه الأبيات بيان سر التوحيد الظاهر في كل من الصور الوجودية في صورة التعجب نفيا لزعم المحجوبين وإثباتا لقول الموحدين المحققين
وذلك أن الوجود الحق هو الظاهر في صورة الكبش كما أنه هو الظاهر في صورة إسحاق
فما ناب عن نفسه وما فدى منها إلا بنفسه الظاهر في الصورة الكبشية فحصلت المساواة في المفادات

انتهى وهذا أشد سفها وحمقا من شيخه كما لا يخفى ثم أقول قوله وعظمه الله تعالى إلخ
لا شك أن المراد بمثل قول تعالى بذبح عظيم في كلام العقلاء هو العظيم بالنسبة إلى نوعه لا بالنسبة إلى كل ما عداه ولا بالنسبة إلى الفدى ولو كان أعظم بالنسبة إلى المفدي وإلا لم يكن فداء وإنما يدفع الفادي في الفداء ما هو دون المفدي عنده
فبطل ما أسس عليه قاعدة كون الجماد أفضل من النبات ثم الحيوان ثم الإنسان على أنه ناقض فيها نفسه في التمدح ومدح الإنسان في أكثر كلامه وذلك كله من وساوسه التي قصد بها تحسين ما يقبح وتقبيح ما هو حسن
قصد قاعدة قول من قال خالف تعرف فلم تزل به تلك القاعدة حتى فضل عذرته على نفسه التي يمدحها ويترفع حتى على الأنبياء على أنه لم يحصل من كلامه الجواب عن قوله ولا شك أن البدن أعظم قيمة ثم انظر إلى جعل تقيد الإنسان بالعقل والفكر وتقلد الإيمان سببا لتأخره عن الجميع مع أنها هي مناط العلو وهل هذا إلا من فرط الحمق والعناد والمكابرة وإلى كذبه على سهل بن عبد الله التستري في أنه قائل بقوله وهو بريء منه وكذبه على الله تعالى في أن المراد بقوله تعالى صم بكم عمى
هم المخالفون لهذه الخرافات الباطلة الصادرة عن الوساوس الشيطانية فيدخل فيه أهل الحق من الأنبياء والصحابة فمن دونهم وسائر العقلاء والعجب كل العجب من عاقل

يدعي الإسلام يطلع على أقواله التي أودعها هذا الكتاب ثم يحبه مع أن الحب والبغض في الله من الإيمان ومن يضلل الله فلا هادي له والله المستعان
قال اعلم أيدنا الله تعالى وإياك أن إبراهيم الخليل عليه الصلاة و السلام قال لابنه إني أرى في المنام أني أذبحك والمنام حضرة الخيال فلم يعبرها
وكان كبش ظهر في صورة ابن إبراهيم في المنام فصدق إبراهيم الرؤيا ففداه ربه من وهم إبراهيم بالذبح العظيم الذي هو تأويل رؤياه عند الله تعالى وهو لا يشعر فالتجلي الصوري في حضرة الخيال يحتاج إلى علم آخر يدرك به ما أراد الله تعالى بتلك الصورة
ثم قال وقال الله تعالى لإبراهيم قد صدقت الرؤيا
وما قال له صدقت في الرؤيا أنه ابنك لأنه ما عبرها بل أخذ بظاهر ما رأى فلو صدق في الرؤيا لذبح ابنه وإنما صدق الرؤيا في أن ذلك عين ولده وما كان عند الله تعالى إلا الذبح العظيم في ولده ففداه لما وقع في ذهن إبراهيم عليه الصلاة و السلام ما هو فداء في نفس الأمر عند الله تعالى فصور الحس الذبح وصور الخيال ابن إبراهيم عليه السلام فلو رأى الكبش في الخيال لعبره بابنه أو بأمر آخر

ثم قال إن هذا لهو البلاؤا المبين أي الاختبار الظاهر يعني الإختبار في العلم هل يعلم ما تقتضيه الرؤيا أم لا لأنه يعلم أن موطن الخيال يطلب التعبير فغفل فما وفى الموطن حقه وصدق الرؤيا لهذا السبب
أقول انظر إلى هذا الإجتراء العظيم وإساءة الأدب المشعر بتفضيل نفسه على خليل الله تعالى الذي هو أفضل الأنبياء بعد نبينا على الجميع وعليه فنسبه إلى الغفلة وعدم الشعور والوهم فنقول له كأنك أيها المسيء الأدب أعلم بتأويل رؤيا إبراهيم عليه السلام منه وهذه هي الوقاحة التي ليس بعدها وقاحة ومن المعلوم أن رؤيا الأنبياء وحي فإذا قال الله له في المنام اذبح ابنك كان كقوله ذلك وحيا في اليقظة على أنه يجوز أن يكون رأى ما تعبيره ذلك ولا شك أنه أعلم برؤياه منك ومن أمثالك ومن أين لك أنه رأى في المنام أنه ذبح ابنه حتى تزعم أنه كبش ظهر في صورة ابنه والقرآن يكذبك بقوله يا أبت افعل ما تؤمر
ولم يقل افعل ما رأيت أنك تفعله والله تعالى يجازيك على إساءة أدبك مع أنبيائه وخلاصته وخاصة خاصة عباده وإسنادك ذلك إلى إذن رسول اللهوترفعك بقولك يحتاج إلى علم آخر يدرك به ما أراد الله تعالى بتلك الصورة فكأنك تزعم أنك أدركت ذلك العلم

ونبي الله تعالى لم يدركه ثم إن دعواك أن الرؤيا تحتاج إلى التعبير ليست صادقة في كل موضع فقد ورد عن نبيناحملها على ظاهرها وعدم تعبيرها في بعض المواضع
روي أن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه رأى أنه سجد على جبهة النبي فاضطجع له وقال صدق رؤياك فسجد على جبهته
وروي أنهسئل عن ورقة بن نوفل فقال أريته في المنام وعليه ثياب بيض ولو كان من أهل النار لكان عليه لباس غير ذلك
وقولك إن الإختبار في العلم هل يعلم إلخ
من جملة إساءة الأدب والكذب على الله تعالى فإن اختبارات الله تعالى إنما وردت للصبر والشكر لا للعلم وعدمه فالإختبار الظاهر في الآية إنما هو في كون المأمور به ذبح الولد الذي هو ثمرة الفؤاد والثبات والصبر في ذلك والتسليم والإنقياد التام في ذلك الموطن الذي لا يقدم عليه إلا مثل هذا السيد الجليل والصادق الخليل
فما أغفلك عن

إعطاء كل ذي حق حقه وقدر كل ذي قدر قدره لتصلفك وتمدحك وإعجابك بذكائك وعلمك الذي أوردك ما أوردك والله تعالى أعلم بحالك وغاية محالك
وقولك لو صدق في الرؤيا لذبح ابنه
قلنا إنهقد أتى بالفعل الذي يحصل به الذبح من إمرار الشفرة على الحلق على ما ورد في القصة ولكن الله تعالى منع وجود المسبب مع وجود السبب كما منع إحراق النار عند مماستها وجعلها بردا وسلاما وما ذلك من الله تعالى بعزيز كرامة لأنبيائه وأحبائه
وقولك ما كان عند الله تعالى إلا الذبح العظيم إلخ
قلنا إن أردت المذبوح حسا فمسلم لكن كلامنا في المأمور به بذبحه في المنام ابتلاء وإن أردت المأمور بذبحه فغير مسلم فإنه لو كان هو الكبش لم يكن فيه ابتلاء مبين
وقولك فلو رأى الكبش في الخيال لعبره بابنه في غاية البعد في التعبير وأي مناسبة بين الكبش والابن فما أحقك بالوهم والغفلة وأنت لا تشعر لاستيلاء سلطان محبة التعلي
والروس والمخالفة عليك والله تعالى المستعان
قال في الكلمة الإسماعيلية والسعيد من كان عند ربه مرضيا وما ثم إلا من هو مرضي عند ربه لأنه الذي يبقي عليه ربوبيته فهو عنده مرضي فهو سعيد

أقول هذا غير مسلم لما قدمنا في الإبراهيمية أنه غير مفتقر إلى معين من الأفراد وقد كان ربا قبل وجود نوع الإنسان
وتبقى ربوبيته بعد انعدامه على أنه يلزم على قاعدته الخبيثة التي يكررها أن لا يكون الحق سبحانه في الأزل ربا ولا رحمانا قبل خلق المربوب والمرحوم وقس على ذلك غيره من الصفات والأسماء لكنهم يلتزمون ذلك ولا يبالون ثم إنه كذب على سهل حيث قال ولهذا قال سهل إن للربوبية سرا وهو أنت يخاطب كل عين لو ظهر لبطلت الربوبية فأدخل عليه حرف لو وهو حرف امتناع لامتناع وهو لا يظهر فلا تبطل الربوبية لأنه لا وجود لعين إلا بربه
والعين موجودة دائما فالربوبية لا تبطل دائما وكل مرضي محبوب وكل ما يفعل المحبوب محبوب فكله مرضي لأنه لا فعل للعين بل الفعل لربها فيها فاطمأنت العين أن يضاف إليها فعل فكانت راضية بما يظهر فيها وعنها من أفعال ربها مرضية تلك الأفعال لأن كل فاعل وصانع راض عن فعله وصنعته فإن وفى فعله وصنعته حق ما هي عليه أعطى كل شيء خلقه ثم هدى أي بين أنه أعطى كل شيء خلقه
أقول إذا كان الخطاب لكل عين تكون كل عين هو السر

الذي للربوبية
وإذ قد علق الربوبية على ظهور السر الذي هو كل عين مخاطبة وكل مخاطبة لا شك أنها ظاهرة فيلزم بطلان الربوبية لكن قال شراحه إن ظهر هنا بمعنى زال
والظاهر أن مراده بناء على قاعدته ظهور كل عين أنه هو الله تعالى فهي تبطل الربوبية وما لم يظهر ذلك فلا بطلان وهذا المراد لا يريده سهل رح ولا غيره من المسلمين فضلا عمن هو من أولياء الله تعالى
وقوله كل فاعل وصانع راض عن فعله وصنعته كذب
بل كثيرا ما يفعل الفاعل فعلا لا يرتضيه بل يكرهه خصوصا على قاعدته الفاسدة أنه تعالى إنما يفعل بحسب استعداد الأعيان
وقوله وفي صنعته حق ما هي عليه إلخ
يؤيد هذا
وقوله أي بين أنه أعطى كل شيء خلقه
فيه دليل على الرضا والكتاب والسنة ناطقان بأنه تعالى كاره وغير راض لكثير من أفعال العباد وهو الذي خلقها وأوجدها
قال فكان إسماعيل بعثوره على ما ذكرناه عند ربه مرضيا وكذا كل موجود عند ربه مرضي
ولا يلزم إذا كان كل موجود عند ربه مرضيا على ما بيناه أن يكون مرضيا عند رب عبد آخر لأنه ما أخذ الربوبية إلا من كل لا من واحد فما تعين من الكل إلا ما يناسبه فهو ربه خاصة ولا يأخذ أحد من حيث أحديته ولهذا منع أهل الله تعالى التجلي في الأحدية إلى آخر ما ذكر

أقول قوله بعثوره ينافي كون الرضا لأجل كونه فعله وصنعته أي لأجل أنه يبقي عليه ربوبيته
وقوله عند رب عبد آخر يشير إلى تعدد الأرباب بالنظر إلى تعدد مفاهيم الأسماء فيسند الربوبية إلى مفهوم الصفة لا إلى ذات الموصوف فيلزم أن لا يكون الذليل عبد العزيز وبالعكس لأن الذليل ما أخذ من العزيز شيئا وبالعكس وكذا الكلام في المرحوم والمنتقم منه وغير ذلك فانظر إلى هذا الخرف الذي يسنده إلى النبي
وقوله ولا يأخذه أحد من حيث أحديته
نقول له فما تقول في قوله تعالى ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه
هل الذي أعطى كل شيء خلقه إلا الله الأحد الصمد وكونهم منعوا التجلي في الأحدية لا يستلزم امتناع إسناد الربوبية إليها ولئن سلم على ما هو اصطلاحه من الفرق بين الأحدية والواحدية فلأي شيء لا تؤخذ الربوبية من الواحدية مع أن الأدلة ناطقة بذلك صرائح ودلالات فمن أين يكون كل أحد مرضيا عند الرب الواحد وهل هذا إلا انسلاخ من الدين وإبطال لشرائع المرسلين
ثم نقول كون الذليل مرضيا عند ربه المذل على زعمك الفاسد والمنتقم منه مرضيا عند ربه المنتقم من أين يكون سببا لسعادته عنده والفرض أنه ذليل ومنتقم منه وربه مذل أو منتقم

وليس عند المذل والمنتقم من حيث أنه مذل أو منتقم سعادة بل لو قصد سعادته لما ربه بل تركه ليربه المعز والرحيم
فإن قلت إسعاده إنما قبل ذلك
قلنا لك فمن أين يلزم الرضا وإن لزم لأجل إبقاء ربوبيته على زعمك الفاسد فلا نسلم لزوم السعادة لئلا تزيل الربوبية
والرضا لا يزيل الشقاوة بل يحققها
ثم قال فرضي الله تعالى عن عبيده فهم مرضيون ورضوا عنه فهو مرضي إلخ
أقول إن أراد بالعبيد الموصوفين بالعبودية المطيعين لربهم المذكورين في قوله تعالى وعباد الرحمن
إلى آخر الآيات فمسلم وإن أراد العموم فهو كذب على الله سبحانه وتعالى لثبوت المغضوب عليهم بالنصوص القطعية والأدلة اليقينية
قال الثناء بصدق الوعد لا بصدق الوعيد والحضرة الإلهية تطلب الثناء المحمود بالذات فيثنى عليها بصدق الوعد لا بصدق الوعيد بل بالتجاوز فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله
لم يقل ووعيده بل قال ونتجاوز عن سيئاتهم مع أنه توعد على ذلك
فأثنى على إسماعيل بأنه كان صادق الوعد وقد زال الإمكان

في حق الحق لما فيه من طلب المرجح
أقول الثناء من الله سبحانه قد ورد بصدق الوعد وبصدق الوعيد معا فإن الخلف كذب وهو تعالى منزه عن الكذب وإنما حسن الكذب في الوعيد من الخلق لأنهم جاهلون بالعواقب قابلون للتغير والبداء
يحملهم على الوعيد سورة الغضب بخلاف الحق سبحانه فلا يقاس عليهم
وتمدحه تعالى بصدق الوعد في الآية المذكورة عين تمدحه بصدق الوعيد فإنه سبحانه قال فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم
ثم قال سبحانه فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله
ووعده رسله هو إهلاك الظالمين وهو وعيد لهم فلم يخلف الوعد ولم يخلف الوعيد استلزاما هذا في الدنيا
وقال تعالى في الآية الأخرى التي هي في الأخرى قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد قال لا تختصموا لدى وقد قدمت إليكم بالوعيد ما يبدل القول لدى وما أنا بظلام للعبيد
فقد نفى سبحانه عن ذاته المقدسة تبديل القول وهو عام متناول للوعيد تناولا أوليا لقربه منه وإردافه بقوله وما أنا بظلام للعبيد
على أن الحق أن اللام عهدية مختصة بالوعيد المذكور
وقوله تعالى ونتجاوز عن سيئاتهم الآية في حق المؤمنين القائل كل منهم

رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت على وعلى والدي
الآيه في حق الكفار المتمردين المكذبين لله ورسله القائل كل منهم لوالديه أف لكما
الآية فإن أولئك قد قال في حقهم أصدق القائلين أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين
وقوله وقد زال الإمكان إلخ
كذب
قوله لما فيه من طلب المرجح
قلنا المرجح في حقه تعالى ليس أمرا خارجيا بل هو إرادته ومشيئته لا يسأل عما يفعل بل أسماؤه وصفاته التي اقتضت ذلك كالمنتقم لئلا تزول ربوبيته على زعمك ثم ذكر الأبيات التي هي من أخزى الأبيات
فقال والصدق إثبات
فلم يبق إلا صادق الوعد وحده ... وما لوعيد الحق عين تعاين
وإن دخلوا دار الشقاء فإنهم ... على لذة فيها نعيم مباين
نعيم جنان الخلد فالأمر واحد ... وبينهما عند التجلي تباين

يسمى عذابا من عذوبة طعمه ... وذاك له كالقشر والقشر صائن
أقول هذا مخالفته للشرائع ظاهر بلا خفاء وإلا فلأي شيء يقولون ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون إلى غير ذلك من الآيات
فهل من يكون في اللذة يتمنى الخروج منها والموت ثم نقول له جعلك الله تعالى في تلك اللذة إن كنت مت على هذا الاعتقاد
قال في الكلمة اليعقوبية وبيانه أن المكلف إما منقاد بالموافقة وإما مخالف فالموافق المطيع لا كلام فيه لبيانه وأما المخالف فإنه يطلب بخلافه الحاكم عليه من الله تعالى أحد أمرين إما التجاوز والعفو وإما الأخذ على ذلك ولا بد من أحدهما لأن الأمر حق في نفسه فعلى كل حال قد صح انقياد الحق إلى عبده لأفعاله وما هو عليه من الحال فالحال هو المؤثر فمن هنا كان الدين
أقول انظر إلى قبح قوله فالحال هو المؤثر فإنه يستلزم أن الحال مؤثر فيما يفعله الله تعالى بعبده وهي قاعدته الخبيثة
فيقال له من أوجد ذلك الحال فإن قال وجد بنفسه فقد أشرك وناقض نفسه في أن الاستعداد عطائي كما ذكره في الكلمة العزيرية

وإن قال هو عطاء من الله تعالى كما ذكره هناك فكيف تثبت له المؤثرية وهل يؤثر المخلوق في فعل الخالق وقوله قد صح انقياد الخالق إلى عبده لأفعاله باطل لأنه مبني على ما ذكر من الباطل
وقوله إن المخالف يطلب بخلافه إما العفو وإما الأخذ أيضا كذب إذ ليس كل مخالف كذلك بل أكثرهم منكر للجزاء بالكلية وكذلك المعترف به لا يطلب الأخذ وإنما يجوزه ويخاف منه ثم بنى على هذه القاعدة الخبيثة ما قال هذا لسان الظاهر في هذا الباب وأما سره وباطنه فإنه تجل في مرآة وجود الحق فلا يعود على الممكنات من الحق إلا ما تعطيه ذواتهم في أحوالها فإن لهم في كل حق صورة فتختلف صورهم لاختلاف أحوالهم فيختلف التجلي لاختلاف الحال فيقع الأثر في العبد بحسب ما يكون فما أعطاه الخير سواه ولا أعطاه ضد الخير غيره بل هو منعم ذاته ومعذبها فلا يذمن إلا نفسه ولا يحمدن إلا نفسه فالله الحجة البالغة في علمه بهم إذ العلم يتبع المعلوم
أقول نعيد عليه السؤال السابق هل اختلاف الأحوال صادر عن أنفسها أو لاختلاف الأزمنة أو بفعل الحق سبحانه
فإن قال بفعل الحق فقد أبطل قاعدته وبنى عليها
وإن قال بغير ذلك فقد أشرك وناقض نفسه على ما سبق

على ما فيه من إساءة الأدب في قوله فلا يحمدن إلا نفسه والنبييقول عن الله تعالى في الحديث القدسي فمن وجد خيرا فليحمد الله تعالى
قال ثم السر الذي فوق هذا في مثل هذه المسألة أن الممكنات على أصلها من العدم وليس وجود إلا وجود الحق بصور أحوال ما هي عليه الممكنات في أنفسها وأعيانها فقد علمت من يلتذ ومن يتألم إلى آخر ما خرف من الهذيان
أقول السؤال السابق على حاله في الأحوال وانظر إلى قبح ما بنى على ذلك من قوله فقد علمت من يلتذ ومن يتألم فانظر إلى هذه الهذيانات التي أسندها إلى النبيثم جميع ما قال إن الرسل خادموا الأمر الإلهي وهم في نفس الأمر خادموا أحوال الممكنات إلى آخره وتشبيهه ذلك بخدمة الطبيب للطبيعة إلى آخره كله بناء على القاعدة المذكورة الباطلة
والمبني على الباطل باطل ثم إنه ختم هذه المقالات الباطلة بما قال فالرسول مبلغ ولهذا قال شيبتني هود وأخواتها لما تحتوي عليه من قوله تعالى فاستقم كما أمرت
فشيبه قوله تعالى

كما أمرت فإنه لا يدري هل أمر بما يوافق الإرادة فيقع أو بما يخالف الإرادة فلا يقع
ولا يعرف أحد حكم الإرادة إلا بعد وقوع المراد إلا من كشف الله تعالى عن عين بصيرته فأدرك أعيان الممكنات في حال ثبوتها على ما هي عليه إلخ
أقول إن أراد معنى الأمر فهو غير مختص بسورة هود فلا يناسب تخصيصها بالذكر أن يقول شيبتني الأوامر والنواهي فأراد الأمر المقترن بقوله فاستقم
أو نفس استقم فليس لسورة هود أخوات في ذلك إنما ذكر فيها وفي الشورى وهي أخت واحدة على أن الحديث مع اضطرابه قد وردت الأخوات فيه مفسرة بغير ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه يا رسول الله قد شبت فقال شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت
صححه الحاكم كذلك مرفوعا
وقال الترمذي حسن غريب
وأكثر رواياته مرسلا ومسندا مفسرة بذلك ولم يرد تفسير الأخوات قط بما فيه لفظ الاستقامة في شيء من رواياته
وقوله فأدرك أعيان الممكنات إلخ من جملة ترهاتهه وربما

قصد الإشارة إلى ادعاء ذلك لنفسه بتخيلاته الباطلة وفيه تفضيل نفسه على أشرف المرسلين حيث شيبه ذلك لأنه لا يدري هل أمر بما يوافق الإرادة أم لا ولم يطلع على الموافقة وعدمها إذ لو اطلع لما شيبه وقد كشف تعالى عن بصيرة غيره فأدرك ذلك بإدراك أعيان الممكنات في حال ثبوتها فانظر إلى هذا الاجتراء
قال في الكلمة اليوسفية تقول عائشة رضي الله تعالى عنها أول ما بديء به رسول اللهمن الوحي الرؤيا الصادقة فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح تقول لا خفاء بها
وإلى هنا بلغ علمها لا غير وكانت المدة له في ذلك ستة أشهر ثم جاءه الملك وما علمت أن رسول اللهقد قال الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا وكل ما يرى في حال النوم فهو من ذلك القبيل وإن اختلفت الأحوال فمضى قولها ستة أشهر بل عمره كله في الدنيا بتلك المثابة إنما هو منام في منام
وكل ما ورد من هذا القبيل فهو المسمى عالم الخيال إلى آخر ما هذى في خياله

أقول الحديث لا أصل له عن النبيوإنما ذكر في كلمات علي والمراد به أنهم في غفلة كالنوم لا أنهم نيام حقيقة وأن أحوالهم خيالات كما تخيله هذا ثم بنى على خياله الكاسد الرد على نبي الله تعالى يوسف الكريم بن الكريم بن الكريم صلوات الله تعالى عليه وعلى آبائه
حيث قال ثم قال يوسف بعد ذلك في آخر الأمر هذا تأويل رءياي من قبل قد جعلها ربي حقا أي أظهرها في الحس بعد ما كانت في صورة الخيال فقال له محمد الناس نيام فكان قول يوسف عليه السلام قد جعلها ربي حقا بمنزلة من رأى في نومه أنه قد استيقظ من رؤيا رآها ثم عبرها ولم يعلم أنه في النوم عينه ما برح فإذا استيقظ يقول رأيت كذا ورأيت كأني استيقظت وأولتها بكذا هذا مثل ذلك
فانظر كم بين إدراك محمدوبين إدراك يوسف عليه السلام في آخر أمره حين قال قد جعلها ربي حقا معناه حسا أي محسوسا وما كان إلا محسوسا فإن الخيال لا يعطي أبدا إلا المحسوسات غير ذلك ليس له
فانظر ما أشرف

علم ورثة محمد
أقول انظر إلى هذه التخيلات التي تخيلها في منامه على زعمه كيف كذب بها على النبيوطعن بها في إدراك يوسف الصديقوأشار بها إلى تفضيل نفسه عليه والله سبحانه وتعالى هو المستعان
ثم بنى على ذلك تكلمه في الظل إلى أن قال وإذا كان الأمر على ما قررناه فاعلم أنك خيال وجميع ما تدركه مما تقول فيه ليس أنا خيال فالوجود كله خيال في خيال إلى آخر ما ذكر
أقول فيقال له فتؤاخذ أنت بإقرارك ويقال لك أنت خيال وكلامك خيال ومحال فلا اعتبار به فلا يفيد فيك كما في حزبك السوفسطائية إلا الحرق بالنار ونحوه
ثم إنه في الكلمة الهودية بعد ما تكلم على قاعدته الخبيثة قال فلا ينتج هذا الشهود في أخذ النواصي بيد من هو على صراط مستقيم إلا هذا الفن الخاص من علوم الأذواق فيسوق المجرمين وهم الذين استحقوا المقام الذي ساقهم إليه بريح الدبور التي أهلكهم عن نفوسهم بها فهو يأخذ بنواصيهم والريح الذي تسوقهم وهو عين الأهواء التي كانوا عليها إلى جهنم وهي البعد الذي كانوا يتوهمونه
فلما ساقهم إلى ذلك الموطن حصلوا في عين القرب فزال

البعد فزال مسمى جهنم في حقهم ففازوا بنعيم القرب من جهة الاستحقاق لأنهم مجرمون فما أعطاهم هذا المقام الذوقي اللذيذ من جهة المنة وإنما أخذوه بما استحقته حقائقهم من أعمالهم التي كانوا عليها
أقول انظر إلى هذا التحريف والإلحاد في آيات الله تعالى وقلب معاني ما أراده الله تعالى بها من الذم والتحريف إلى المدح والأمن فما تحريف اليهود التوراة في جنب هذا التحريف مع اعتقادهم بطلانه إلا كذرة في الصحراء لا ترى أطرافها
ثم يقال له جعلك الله تعالى في ذلك المقام الذي مدحته إن كنت مت على هذا الاعتقاد لأنك مستحقه
قال وكانوا في السعي في أعمالهم على صراط الرب المستقيم لأن نواصيهم كانت بيد من له هذه الصفة
أقول كأنك عميت وصممت عن قوله تعالى وإن الذين لا يؤمنون بالأخرة عن الصراط لناكبون وقوله تعالى اهدنا الصراط المستقيم
صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين
وإذا لم يكن قوم هود مغضوبا عليهم ولا ضالين فمن المغضوب عليهم والضالون وهم الذين قال سبحانه وتعالى في حقهم وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا

أمر كل جبار
وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ألا إن عادا كفروا ربهم ألا بعدا لعاد قوم هود
لكن الكلام مع من يؤمن بالقرآن ولا يجعله خيالا ومناما والله المستعان
ثم تمم ما تقدم حيث قال
فيقال له أوصلك الله تعالى إلى ما وصلوا وأما تناقضه في قوله هنا بالجبر وفي غير موضع بأنهم المتصرفون فيه سبحانه بحسب ما يقتضيه استعدادهم فهو لا يتحاشى منه وسيأتي التزامه جميع العقائد
ثم قال فالقرب الإلهي من العبد لا خفاء به في الإخبار الإلهي فلا قرب أقرب من أن تكون هويته عين أعضاء العبد وقواه وليس العبد سوى هذه الأعضاء والقوى فهو حق مشهود في خلق متوهم فالخلق معقول والحق محسوس مشهود عند المؤمنين وأهل الكشف والوجود
وما عدا هذين الصنفين فالحق عندهم معقول والخلق مشهود فهم بمنزلة الماء الملح الأجاج والطائفة الأولى بمنزلة الماء العذب الفرات السائغ لشاربه
أقول سيعلمون غدا من الكذاب الأشر وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون وقد

علمت وتحققت من الملح الأجاج ومن العذب الفرات عند هلاكك ولكنك منعت النطق كما منعه أهل القليب والله تعالى يقابلك بما قلت والحديث في آياته سبحانه وتعالى وإخباراته على ألسنة أنبيائه فإذا قال سبحانه وتعالى ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه وبصره . . . إلخ مجاز عن إعانته في جميع أحواله مشروطا بالمحبة المسببة عن التقرب بالنوافل جعلته أنت أيها الضال المضل عين الكفار والفساق وغير ذلك من المخلوقات مستدلا بهذا الحديث غير الدال في ذلك إذ لو سلم أنه سبحانه أراد الحقيقة على زعمك الباطل لدل على انتفائها عند انتفاء الشرط الذي هو المحبة المرتبة على التقرب بالنوافل ثم زاد في الهذيان إلى أن قال ألا ترى عادا قوم هود كيف قالوا هذا عارض ممطرنا
فظنوا خيرا بالله وهو عند ظن عبده به فأضرب لهم الحق عن هذا القول فأخبرهم بما هو أتم وأعلى في القرب فإنه إذا أمطرهم فذلك

حظ الأرض وسقي الحبة فما يصلون إلى نتيجة ذلك الظن إلا عن بعد فقال لهم بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم فجعل الريح إشارة إلى ما فيها من الراحة لهم فإن بهذه الريح أراحهم من هذه الهياكل المظلمة والمسالك الوعرة والسدف المدلهمة وفي هذه الريح عذاب أي أمر يستعذبونه إذا ذاقوه إلا أنه يوجعهم لفرقة المألوف إلى آخر ما خرف
أقول جعلك الله تعالى في تلك الراحة التي حصلت لهم كيف تقلب مراد الله تعالى من كلامه وتحرفه وتلحد في آياته وإخباراته ومن أين عرف أولئك الكفرة الفجرة الله تعالى حتى ظنوا به خيرا وهل كان نظرهم إلا إلى محض الحياة الدنيا أو عرفوا غيرها وهل يفهم من كلامك هذا إلا تكذيب الشرائع فالله تعالى يقابلك ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون
ثم تمادى على هذا الباطل إلى أن قال واعلم أنه لما أطلعني الحق وأشهدني على أعيان رسله وأنبيائه كلهم عليهم السلام من آدم إلى محمد عليهما السلام في مشهد قمت فيه بقرطبة سنة ست وثمانين وخمسمائة ما

كلمني أحد من تلك الطائفة إلا هود عليه الصلاة و السلام فإنه أخبرني بسبب جمعيتهم ورأيته رجلا ضخما في الرجال حسن الصورة لطيف المحاورة عارفا بالأمور كاشفا لها
ودليلي على كشفه لها قوله ما من دابة إلا هو ءاخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم
وأي بشارة للخلق أعظم من هذه ثم من امتنان الله تعالى علينا أن أوصل إلينا هذه المقالة عنه في القرآن ثم تممها الجامع للكل محمدبما أخبر به عن الحق بأنه عين السمع والبصر
أقول هذا أيضا من جملة الخيالات والكذبات التي حرف فيها كلام رب العالمين وألحد فيه وفي معنى حديث سيد المرسلين فإنهلم يخبر عن الحق سبحانه وتعالى أنه عين السمع والبصر واليد والرجل لجميع الخلق حتى مثل قوم هود الذين ذمهم الله تعالى بما ذم وعاقبهم بما عاقب بل ولا أراد ذلك قط
وإنما كنى به عن معونته سبحانه وتعالى لعبده على ما لا يخفى لمن كان مسلما
والله تعالى هو الهادي المضل وإليه يرجع الأمر كله
قال قابله الله تعالى وما رأينا قط من عند الله تعالى في حقه تعالى في آية أنزلها أو إخبار عنه أوصله إلينا فيما يرجع إليه إلا بالتحديد تنزيها كان أو غير تنزيه
أوله العماء الذي ما فوقه هواء

وما تحته هواء
فكان الحق فيه قبل أن يخلق الخلق
ثم ذكر أنه استوى على العرش فهذا أيضا تحديد ثم ذكر أنه ينزل إلى السماء الدنيا فهذا تحديد ثم ذكر أنه في السماء وأنه في الأرض وأنه أينما كنا إلى أن أخبرنا أنه عيننا ونحن محدودون فما وصف نفسه إلا بالحد
أقول انظر كيف يفتري على الله سبحانه وتعالى الكذب ويتمسك في المتشابه فلا شك أنه من الذين أخبر عنهم الله تعالى بقوله فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة
وأي فتنة أعظم من اعتقاد أن الله تعالى محدود ووصفه بما لم يصف به نفسه ولم يأذن به وقال النبيلعائشة رضي الله تعالى عنها وعن أبيها فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله تعالى فاحذروهم
ثم نقول إن المراد بالعماء لا يمكن أن يكون حقيقته وهو السحاب رقيقا أو كثيفا أو غير ذلك مما فسر به في اللغة لأنه يناقض قوله قبل أن يخلق الخلق وكذلك لا يمكن أن يراد بما الموصولة للزوم ذلك بل المراد بالعماء ما لا يدرك بشيء من

المدارك ويكون ما للنفي حق يصح به المعنى ولا يناقض الجواب السؤال في الحديث المذكور عن أبي رزين رضي الله عنه أنه قال قلت يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه قال كان في عماء ما تحته هواء وما فوقه هواء وخلق عرشه على الماء ولهذا قال يزيد بن هارون أي ليس معه شيء وأما بقية المتشابهات فمعلوم أمرها عند أهل السنة من التسليم أو التأويل وأما قوله إلى أن أخبر أنه عيننا فإنه كذب على ما قدمناه آنفا
قال وقوله ليس كمثله شيء
حد أيضا إن أخذنا الكاف زائدة لغير الصفة ومن تميز عن المحدود فهو محدود بكونه

ليس عين هذا المحدود فالإطلاق عن التقيد تقييد والمطلق مقيد بالإطلاق لمن فهم إلى آخره
أقول لا يتم أن الإطلاق تقيد للتناقض وإنما الإطلاق عدم التقيد والمطلق ما ليس مقيدا لأن القيد ما يغير أول الكلام وذكر الإطلاق لا يغيره بل يقرره على ما فهم منه ولا يتم أن غير المحدود محدود للتناقض أيضا يوضحه أنا إذا فرضنا أشياء لها أعداد معينة فهي محدودة بها وأشياء ليس لها أعداد معينة لا تكون محدودة إذ لا تعين فلا حد
مثاله أنفاس أهل الدنيا محدودة للتعين وأنفاس أهل الجنة غير محدودة لعدم التعين
فعلم أن قوله لمن فهم إنما هو مغلطة منه وتلبيس وإيهام
وقوله وإن جعلنا الكاف للصفة فقد حددناه يعني إن جعلناها بمعنى المثل فقد حددناه بإثباتنا المثل له
وهذه أيضا مغلطة إذ لو أثبتنا المثل لما صح النفي إذ هو مثل مثله ضرورة
قال وإن أخذنا ليس كمثله شيء على نفي المثل تحققنا بالمفهوم وبالإخبار الصحيح أنه عين الأشياء والأشياء محدودة وإن اختلفت حدودها
فهو محدود بحد كل محدود فما يحد شيء إلا وهو حد الحق إلخ
أقول أما كون الكلام لنفي المثل فهو الحق الذي ما عداه باطل وضلال
وأما قوله تحققنا بالمفهوم أي بمفهوم أنه مميز عن المحدود والمميز عن المحدود محدود بتميزه عن المحدود فهو مغلطة وكذب كما تقدم

وقوله وبالإخبار الصحيح أي وتحققنا بالإخبار الصحيح إلخ
فهو غير صحيح بل هو كذب صريح وبهتان قبيح كما تقدم تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا حيث يصفونه بالسفه لكونه يسفه نفسه ويكذبها ويجهلها ويذمها بأنواع الذم ويعذبها بأنواع العذاب في الدنيا وفي الآخرة والله تعالى عزيز ذو انتقام
ثم قال فلما أوجد الصور في النفس وظهر سلطان النسب المعبر عنها بالأسماء صح النسب الإلهي للعالم فانتسبوا إليه تعالى فقال اليوم أضع نسبكم وأرفع نسبي
أي آخذ عنكم انتسابكم إلى

أنفسكم وأردكم إلى انتسابكم إلي
أين المتقون أي الذين اتخذوا الله وقاية فكان الحق ظاهرهم أي عين صورهم الظاهرة وهو أعظم الناس وأحقهم وأقواهم عند الجميع
وقد يكون المتقي من جعل نفسه وقاية للحق بصورته إذ هوية الحق قوى العبد
فجعل مسمى العبد وقاية لمسمى الحق على الشهود حتى يتميز العالم من غير العالم إلى آخر ما ذكر
أقول انظر إلى هذا التناقض فإنه إذا كان الكل حدوده وهويته وصوره فمن هو الجاعل نفسه أو ربه وقاية ومن هو غير الجاعل ومن جملة ذلك قوله إنما يتذكر أولوا الألباب وهم الناظرون في لب الشيء الذي هو المطلوب من الشيء فما سبق مقصر مجدا ولا يماثل أجير عبدا وفي نسخة كذلك لا يماثل أجير عبدا
قال شارحه القيصري فإن الأجير لا يزال نظره إلى الأجرة والعبد لا يعمل للأجرة بل للعبودية
ثم قال وإذا كان الحق وقاية للعبد بوجه والعبد وقاية للحق

بوجه فقل في الكون ما شئت إن شئت قلت هو الخلق وإن شئت قلت هو الحق وإن شئت قلت هو الحق الخلق وإن شئت قلت لا حق من كل وجه ولا خلق من كل وجه وإن شئت قلت بالحيرة في ذلك فقد بانت المطالب بتعيينك المراتب
أقول إن العالم من حيث تعدد صوره غير الحق ومن حيث حقيقته وهويته هو عين الحق فصحت الإطلاقات التي ذكرها ولكن المبني على الفاسد فاسد وأما ما ذكر من تحول الصورة وخلعها فهو من المتشابه الذي لا يتبعه إلا من في قلبه زيغ وقد حذرنا منه رسول الله على ما تقدم
ثم قال وبالجملة فلا بد لكل شخص من عقيدة في ربه يرجع بها إليه ويطلبه فيها عرفه وأقربه
وإن تجلى له في غيرها نكره وتعوذ منه وأساء الأدب عليه في نفس الأمر وهو عند نفسه أنه قد تأدب معه
فلا يعتقد معتقد إلها بما جعل في نفسه فالإله في الإعتقاديات بالجعل فما رأوا إلا نفوسهم وما جعلوا فيها
فانظر مراتب الناس في العلم بالله تعالى هو عين مراتبهم في

الرؤية يوم القيامة وقد أعلمتك بالسبب الموجب لذلك فإياك أن تتقيد بعقد مخصوص وتكفر بما سواه فيفوتك خير كثير بل يفوتك العلم بالأمر على ما هو عليه
فكن في نفسك هيولى لصور المعتقدات آخر ما قال
أقول هذا هو الغاية في الإنسلاخ من الدين والشرائع كلها ومخالفة جميع كتب الله تعالى ورسله عليهم الصلوات والسلام وسائر أهل الأديان والتزام كفر كل كافر وجمع بين الأضداد فإن اعتقاد أن الإله واحد يضاد اعتقاد أنه اثنان واعتقاد كونه اثنين يضاد اعتقاد كونه ثلاثة أو أكثر واعتقاد وجوده يضاد اعتقاد عدم وجوده واعتقاد الإحياء بعد الموت وأن القيامة تقوم وأنه يقع ما أخبر الله تعالى ورسله من الجنة والنار والحساب والثواب والعقاب ونحوها يضاد اعتقاد عدم ذلك
ثم يقال لهذا الضال هب أنك اعتقدت هذه المتضادات فجمعت بينها في اعتقادك الذي هو مجعول نفسك فكيف يمكنك الجمع بينها يوم القيامة بمقتضى الحديث الذي استدللت به على تحول الصور وخلعها وهو قولهفي إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن لتتبع كل أمة ما كانت تعبد فلا يبقى أحد كان يعبد غير الله تعالى من الأنصاب والأصنام إلا يتساقطون في النار حتى لم يبق إلا من كان يعبد الله تعالى . . الحديث

فإذا اعتقدت صحة عبادة الأصنام فتبعتها وسقطت في النار فكيف تتبع بعد ذلك الصورة المعروفة أو المنكرة في دخول الجنة حال ما أنت في النار بمقتضى عبادتك الأصنام ومعلوم أن من دخل النار بسبب عبادة الأصنام فإنه لا يخرج منها أبدا على أن الحديث المذكور قد فرق بين من عبد غير الله تعالى وبين من عبد الله تعالى ثم بعد ذلك قال وما ثم إلا الاعتقادات فالكل مصيب وكل مصيب مأجور سعيد وكل سعيد مرضي عنه وإن شقي زمانا في الدار الآخرة فقد مرض وتألم أهل العناية إلخ
أقول هذا مخالف لقوله تعالى فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون
وأي ضلال أعظم من جعل عباد الأصنام والثنوية والمثلثة والمعطلة مصيبين
ثم قال ومع هذا لا يقطع أهل العلم الذين كشفوا الأمر على ما هو عليه أنه لا يكون لهم في تلك الدار يعني جهنم نعيم خاص بهم إما بفقد ألم كانوا يجدونه فارتفع عنهم فيكون نعيمهم راحتهم من وجدان ذلك الألم أو يكون له نعيم مستقل زائد كنعيم أهل الجنان في الجنان
أقول هذا مخالف لقوله تعالى ولا يخفف عنهم من

عذابها
فإن زعم أنه من العذوبة رددناه بآيات التضجر والاستغاثة كما تقدم فإن كابر وقال قد يستغاث ويتضجر من زيادة اللذة قلنا له ولم يتضجر أهل الجنة من ذلك فإن زعم أن لذتهم أعظم من لذة أهل الجنة قلنا له خلدك الله تعالى في ذلك أبد الآبدين حيث كنت له من المعتقدين
قال في الكلمة الصالحية اعلم وفقك الله تعالى أن الأمر مبني في نفسه على الفردية ولها التثليث فهي من الثلاثة فصاعدا
فالثلاثة أول الإفراد
وعن هذه الحضرة الإلهية وجد العالم فقال تعالى إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون
فهذه ذات ذات إرادة وقول
فلولا هذه الذات وإرادتها وهي نسبة التوجه بالتخصيص لتكوين أمر ما ثم قوله عند هذا التوجه كن كذلك الشيء ما كان ذلك الشيء ثم ظهرت الفردية الثلاثية أيضا في ذلك الشيء وبها من جهته صح تكوينه واتصافه بالوجود وهي شيئيته وسماعه وامتثاله أمر مكونه بالإيجاد
فقابل ثلاثة بثلاثة ذاته الثابتة في حال عدمها في موازنة ذات موجدها وسماعه في موازنة إرادة موجده وقبوله بالامتثال لما أمره به من التكوين في موازنة قوله كن فكان هو فنسب التكوين إليه فلولا أنه في قوة التكوين عند هذا القول ما تكون فما أوجد هذا الشيء بعد أن لم يكن عند الأمر

بالتكوين إلا نفسه
فأثبت الحق التكوين للشيء نفسه لا للحق والذي للحق فيه أمره خاصة إلى آخر ما خرف
أقول غير مسلم أن المعدوم حال عدمه شيء وإنما سماه سبحانه شيئا باعتبار ما يؤل لقوله تعالى أعصر خمرا
وقوله عليه الصلاة و السلام من قتل قتيلا ثم أشد من ذلك حماقة وسفها إثباته للمعدوم سماعا وامتثالا ثم أظهر من ذلك بطلانا وشركا نسبة الإيجاد إليه وجعل الكون المطاوع للتكوين تكوينا ونفيه عن الحق سبحانه وتعالى أقبح وأقبح تعالى سبحانه عما يقول الملحدون علوا كبيرا
ثم قياسه على الموجود حيث قال كما يقول الآمر الذي يخاف ولا يعصى لعبده قم فيقوم العبد امتثالا إلخ من مغاليطه وتلبيساته التي لا يقبلها عاقل ثم غاية مراده بهذه المقدمات الباطلة ما بنى عليها حيث قال في آخر الكلمة فمن فهم هذه الحكمة وقررها في نفسه وجعلها مشهودة له أراح نفسه من التعلق بغيره وعلم أنه لا يؤتى عليه بخير ولا بشر إلا منه
ثم قال ويقيم صاحب هذا الشهود معاذير الموجودات

كلها عنهم وإن لم يعتذروا ويعلم أنه منه كان كل ما هو فيه
أقول هذه القاعدة الخبيثة التي يكررها و بطلانها أظهر من الشمس و كذا ما بنى عليها من إقامة الأعذار وقد قدمنا أنه مخالف لقوله تعالى قل كل من عند الله وما بكم من نعمة فمن الله وأنه مناقض نفسه لما يذكره قريبا في الكلمة الشعيبية من أن الاستعداد من عطاء الله تعالى على أنه لو سلم لاقتضى عكس ما ذهب إليه وأن ليس لهم عذر إذ كان الشر الحاصل لهم من عند أنفسهم
و إنما يتوجه إقامة المعاذير إذا كان الكل من الله تعالى و كانوا مجبورين على ذلك كما ذهب إليه المجبرة فإن قيل إنما لا يعذرون إذا كان من أنفسهم أن لو كان باختيارهم
أما إذا لم يكن عذروا قلنا إذا لم يكن باختيارهم إلخ
إما أن يكون بجعل الله تعالى فيقع فيما هرب منه وإما أن لا يكون بجعل أحد وهو باطل وتناقض على ما ذكر ولقوله فيقول لنفسه إذا جاءه ما لا يخالف غرضه يداك أوكتا وفوك نفخ إذ يفهم منه الاختيار
قال في الكلمة الشعيبيه و ليست الحقائق التي تطلبها الأسماء

إلا العالم فالألوهية تطلب المألوه والربوبية تطلب المربوب وإلا فلا عين لها إلا به وجودا أو تقديرا
والحق من حيث ذاته غني عن العالمين
والربوبية مالها هذا الحكم
فبقي الأمر بين ما تطلبه الربوبية وبين ما تستحقه الذات من الغنى عن العالم وليست الربوبية على الحقيقة والإنصاف إلا عين هذه الذات
أقول آل أمره إلى أن جعل الذات محتاجة ثم أنها عين الذات تعالى الله عن زعمه علوا كبيرا
ثم ساق الهذيان إلى أن قال وإذا كان الحق يتنوع تجليه في الصور فبالضرورة يتسع القلب ويضيق
بحسب الصورة التي يقع فيها التجلي الإلهي فإن القلب من العارف أو الإنسان الكامل
بمنزلة محل فص الخاتم من الخاتم لا يفضل بل يكون على قدره وشكله
ثم قال وهذا عكس ما تشير إليه الطائفة من أن الحق يتجلى على قدر استعداد العبد
وليس كذلك فإن العبد يظهر للحق على قدر الصورة التي يتجلى له فيها الحق
وتحرير هذه المسألة أن لله تجليين تجلي غيب وتجلي شهادة فمن تجلي الغيب يعطي الاستعداد الذي يكون على القلب وهو التجلي الذاتي الذي الغيب حقيقته وهو

الهوية التي يستحقها بقوله هو
فلا يزال هو له دائما أبدا
فإذا حصل له أعني للقلب هذا الاستعداد تجلى له التجلي الشهودي في الشهادة فرآه فظهر بصورة ما تجلى له كما ذكرناه
فهو تعالى أعطاه الاستعداد بقوله أعطى كل شيء خلقه
أقول هذا اعتراف بأن الاستعداد عطاء من الله تعالى
قال ثم هدى ثم رفع الحجاب بينه وبين عبده فرآه في صورة معتقده فهو عين اعتقاده
فلا يشهد القلب ولا العين أبدا إلا صورة معتقده في الحق
فالحق الذي في المعتقد هو الذي وسع القلب صورته وهو الذي يتجلى له فيعرفه فلا ترى العين إلا الحق الاعتقادي
ولا خفاء بتنوع الإعتقادات فمن قيده أنكره في غير ما قيد به وأقر به فيما قيد به إذا تجلى
ومن أطلقه عن التقييد لم ينكره وأقر به في كل صورة يتحول فيها ويعطيه من نفسه قدر صورة ما تجلى له فيها إلى ما لا يتناهى إلى آخر ما خرف
أقول انظر إلى هذه الأباطيل التي ينسبها إلى النبيأنه أمره بأن يخرج بها إلى أمته وهي أن أي شيء اعتقده الإنسان فهو صورة الحق وأن الحق متعدد إلى ما لا يتناهى والله سبحانه وتعالى يقول فماذا بعد الحق إلا الضلال وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن

سبيله
ثم أنهى هذيانه إلى أن قال قال تعالى إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب
لتقلبه في أنواع الصور والصفات ولم يقل لمن كان له عقل فإن العقل قيد فيحصر الأمر في نعت واحد والحقيقة تأبى الحصر في نفس الأمر فما هو ذكرى لمن كان له عقل وهم أصحاب الإعتقادات الذين يكفر بعضهم بعضا ويلعن بعضهم بعضا وما لهم من ناصرين
أقول أخذ القلب والعقل بالمعنى المصدري من قلب يقلب وعقل يعقل أي قيد وربط وهذا خلاف المراد من الآية
فقد قلب معنى الآية وربطه وقيده باعتقاده الخبيث وإنما المراد فيها بالقلب العقل من المحل وإرادة الحال فإن القلب وهو العضو المعروف محل العقد وهو النور الذي خص الله تعالى به نوع الإنسان وشرفه به وجعله مناط توجيه الأمر والنهي والإبانة والعقوبة
وبه تقع الذكرى قال تعالى إن في ذلك لذكرى لأولى الألباب
أي أصحاب العقول فقلب هذا الزنديق معنى القلب ومعنى العقل عن ما أراد الله تعالى بهما وقلب محل الذكرى وهو العقلاء إلى القلابين وقلب معنى آية اللعن المذكورة في حق الكفار المقول لهم إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين

فجعلها في حق أهل الإسلام الذين يعتقدون أن الحق عند الله تعالى واحد وما عداه ضلال وكفر لقوله تعالى فماذا بعد الحق إلا الضلال
وقوله تعالى إن الدين عند الله الإسلام ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين
إلى غير ذلك من الأدلة والبراهين
فانظر إلى هذا التحريف والزندقة التي نسبها إلى رسول اللهفالله تعالى يجازيه على ذلك ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون
ثم تمم هذيانه بناء على ما قبله من المراد بالآية المذكورة إلىأن قال فلهذا قال لمن كان له قلب فعلم تقلب الحق في الصور بتقليبه في الأشكال
فمن نفسه عرف نفسه وليست نفسه بغير لهوية الحق ولا شيء من الكون مما هو كائن ويكون بغير لهوية الحق بل هو عين الهوية فهو العارف والعالم والمقر في هذه الصورة وهو الذي لا عارف ولا عالم وهو المنكر في هذه الصورة الأخرى هذا حظ من عرف الحق من التجلي والشهود في عين الجمع وهو قوله لمن كان له قلب يتنوع في تقليبه
أقول هذه قاعدته المشهورة الخبيثة القبيحة الشنعاء المقتضية

لكون القردة والخنازير والكلاب وسائر الخبائث والقاذورات ليست مغايرة لهوية الحق وهذا كفر أقبح من كل كفر كفر به كافر مخالف لقوله ولا أنتم عابدون ما أعبد
بل مخالف لجميع الكتب المنزلة والرسل المرسلة
ثم قال وأما أهل الإيمان وهم المقلدون الذين قلدوا الأنبياء والرسل فيما أخبروا به عن الحق لا من قلد أصحاب الأفكار والمتأولين الأخبار الواردة بحملها على أدلتهم العقلية فهؤلاء الذين قلدوا الرسل المرادون بقوله ألقى السمع لما وردت به الأخبار الإلهية على ألسنة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
أقول في هذا الكلام إشارة ظاهرة إلى أنه وطائفته مستقلون بالوصول إلى الحق بدون تقليد الأنبياء والرسل ولقد عرض لي في بعض الأيام التفكر في كلام هذا الزنديق وما يقتضيه تمدحه و اعتراضه على بعض الأنبياء وإعجابه بما هو عليه فقلت في نفسي لو كان هذا الشخص في زمن نبي من الأنبياء لما اتبعه وترفع عن اتباعه كما روي عن سقراط الحكيم أنه سمع بموسى عليه السلام و قيل له لو هاجرت إليه فقال نحن قوم مهديون فلا حاجة بنا إلى من يهدينا فلم يمض ذلك اليوم الذي عرض فيه هذا الفكر حتى نظرت إلى هذا المحل من هذه الكلمة فعلمت أن ذلك الفكر حق فإنه من جانب الله تعالى
ثم تأكد ذلك بما اطلعت من كلام بعض طائفته وهو العفيف التلمساني في شرح مواقف النفري حيث قال فيه

وذلك أن السالكين إما بالعبادة وهم أهل التقليد و إما بالفكر وهم الفلاسفة والمتكلمون وإما بالمعرفة وهم أهل الأذواق من الصوفية إلى أن قال والتعرف بالكرم على نوعين نوع يتلقونه بالتقليد فيما نقلت الأنبياء عليهم الصلاة والسلام انتهى
ففهم من كلامه هذا أن أهل الأذواق من الصوفية ليسوا ممن يقلد الأنبياء لجعلهم قسيما لهم وكفى بهذا الزعم و الاعتقاد ضلالا مبينا
ثم إنه خص مقلدي الأنبياء بالذين يحملون ما ورد من الأنبياء من المتشابهات على ظاهرها كما يفعل هو وأتباعه بناء على قاعدته الخبيثة دون الذين قلدوا الأنبياء في تنزيه الله تعالى عن مماثلة المحدثات و حملوا المتشابه على محامل تليق بالله سبحانه وتعالى أو آمنوا بها مسلمين من غير اعتقاد ظواهرها كفريقي أهل السنة من المسلمة و المؤلة و هذا كله دعوى منه من غير دليل إلا اتباع ما تشابه الدال على زيغ القلب و الله تعالى الموفق
ثم بناء على ما أس
قال ومن قلد صاحب نظر فكري وتقيد به فليس هو الذي

ألقى السمع فإن هذا الذي ألقى السمع لابد أن يكون شهيدا لما ذكرناه
ومتى لم يكن شهيدا لما ذكرناه فما هو المراد بهذه الآية
فأولئك الذين قال الله تعالى فيهم إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا والرسل لا يتبرءون من أتباعهم الذين اتبعوهم
أقول هذا من جملة إلحاده في آيات الله تعالى وتقليبه مراد الله تعالى فإن المراد بالمتبعين والمتبعين في الآية الكفار لا كل من قلد وقلد فإن أهل السنة هم المقلدون للأنبياء عليهم الصلوات والسلام حقا فلا يتبرءون من أتباعهم كما لا يتبرأ الأنبياء منهم
قوله لابد أن يكون شهيدا لما ذكرناه إلخ
دعوى منه كاذبة دل على بطلانها براهين الكتاب والسنة والمعقول
قال فحقق يا ولي ما ذكرته لك في هذه الحكمة القلبية
وأما اختصاصها بشعيب فلما فيها من التشعب أي شعبها لا تنحصر لأن كل اعتقاد شعبة فهي شعب كلها أعني الاعتقادات فإذا انكشف الغطاء انكشف لكل أحد بحسب معتقده وقد ينكشف بخلاف معتقده في الحكم وهو قوله وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون
فأكثرها في الحكم كالمعتزلي يعتقد في الله نفوذ الوعيد في العاصي إذا مات على غير توبة
فإذا مات وكان مرحوما عند الله تعالى

قد سبقت له عناية بأنه لا يعاقب وجد الله غفورا رحيما فبدا له من الله ما لم يكن يحتسبه
أقول هذا أيضا من جملة تحريف الآيات افتراء على الله تعالى فإن الآية سيقت في حق الكفار قال الله تعالى وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون قل اللهم فاطر السمواتوالأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون وبدا لهم سيئات ما كسبوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون
فالآية نزلت تخويفا للكفار الآمنين من الآخرة وعذابها لا تأمينا للخائفين الذين قال الله تعالى مادحا لهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد
وما أحقه وطائفته بهذه الآية فإنهم أولى بها من الكفار الذين نزلت في حقهم فإنهم أشد الناس أمنا من عذاب الله تعالى ووعيده على ما لا يخفى
فإذا ماتوا بدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون من خلف الوعيد وجعل العذاب عذبا ونعيما وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار
ثم بنى على ما أسلف من قاعدته الخبيثة إلى أن قال غير أن

صاحب التحقيق يرى الكثرة في الواحد كما يعلم أن مدلول الأسماء الإلهية وإن اختلفت حقائقها و كثرت أنها عين واحدة
فهذه كثرة معقولة في واحد العين
فيكون في التجلي كثرة مشهودة في عين واحدة كما أن الهيلولي تؤخذ في حد كل صورة وهي مع كثرة الصور و اختلافها ترجع في الحقيقة إلى جوهر واحد وهو هيولاها
فمن عرف نفسه بهذه المعرفة فقد عرف ربه فإنه على صورته خلقه بل هو عين هويته وحقيقته
ولهذا ما عثر أحد من العلماء على معرفة النفس و حقيقتها إلا الإلهيون من الرسل والصوفية
أقول انظر كيف يفتري على الرسل عليهم الصلاة والسلام أنهم عرفوا النفس كمعرفته المبنية على قاعدته الخبيثة أن الحق سبحانه وتعالى كالهيولي يؤخذ في حد كل صورة من صور العالم تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا
قال وأما أصحاب النظر وأرباب الفكر من القدماء والمتكلمين في كلامهم في النفس وماهيتها فما منهم من عثر على حقيقتها ولا يعطيها النظر الفكري أبدا
فمن طلب العلم بها من طريق النظر الفكري فقد استسمن ذا ورم ونفخ في غير ضرم ولا جرم أنهم من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا فمن

طلب الأمر من غير طريقه فما ظفر بتحقيقه
أقول أما قوله ولا جرم أنهم من الذين ضل سعيهم إلخ
فمسلم لأنهم أضاعوا زمانهم في غير طاعة الله تعالى فإنه سبحانه وتعالى ما أمرهم بمعرفتها والتفحص عنها ولكنه هو أيضا منهم بخوضه في ذلك وتضييع وقته فيه بل أشد بأضعاف مضاعفة لبنائه ذلك على القاعدة الخبيثة المباينة لما أرسل الله تعالى به رسله وأنزل به كتبه وأشنع من ذلك إسناده إلى رسول اللهأنه أمره به
قال وما أحسن ما قال الله تعالى في حق العالم وتبدله مع الأنفاس لفي خلق جديد في عين واحدة فقال في حق طائفة بل أكثر العالم بل هم في لبس من خلق جديد
فلا يعرفون تجديد الأمر مع الأنفاس
أقول هذا أيضا من الإلحاد في آيات الله تعالى والكذب علىالله تعالى فإنه سبحانه وتعالى ما قاله إلا في حق الكفار المنكرين للمعاد بعد الموت بقولهم أءذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد
فإن تجديد الخلق في الدنيا لم ينكره أحد لما يشاهد من توالد الحيوان وتجدد النبات وغير ذلك
ولم يرد به تعالى قط تجدد الأعيان ولا الأعراض كما قصده هذا الضال فقال لكن قد عثرت عليه الأشاعرة في بعض الموجودات وهي الأعراض وعثرت

عليه الحسبانية في العالم كله
وجهلهم أهل النظر بأجمعهم
أقول الحسبانية نسبة إلى الحسبان بكسر الحاء بمعنى الظن وأراد بهم السوفسطائية فإن مذهبهم ومذهب النظام أن الأعيان لا تبقى زمانين بل بقاؤها بتجدد الأمثال كما قاله الأشاعرة في الأعراض وهو مردود بأنه لو كان كذلك لم يتصور الموت والحياة ولكان المعاقب غير العاصي والمنعم غير الطائع وفساده ظاهر غاية الظهور فالعجب كيف يكون المكابر فيه وليا
ثم قال ولكن أخطأ الفريقان أما خطأ الحسبانية فبكونهم ما عثروا مع قولهم بالتبدل في العالم بأسره على أحدية الجوهر المعقول الذي قبل هذه الصورة ولا يوجد إلا بها كما لا تعقل إلا به
فلو قالوا بذلك فازوا بدرجة التحقيق في الأمر
أقول هذا تلويح بل تصريح بأنه تعالى جوهر معقول لا يوجد إلا بالصورة ولا تعقل الصورة إلا به وصرح به شارحه الجامي

فقال وذلك الجوهر هو عين الحق الذي بتجليه وجد العالم وأي كفر أقبح من هذا على أنه ناقض فيه نفسه في قوله في الكلمة الهودية فهو حق مشهود في خلق متوهم فالخلق معقول والحق محسوس مشهود عند المؤمنين وأهل الكشف والوجود وما عدا هذين الصنفين فالحق عندهم معقول والخلق مشهود وانظر إلى ما بعده ترى العجب حيث قال وأما الأشاعرة فما علموا أن العالم كله مجموع أعراض فهو يتبدل في كل زمان إذ العرض لا يبقى زمانين
أقول فيقال يا أيها السفيه الضال فإذا كان العالم جميعه أعراضا والعرض لا قيام له بنفسه ولا يبقى زمانين فقيامه بماذا وبقاؤه بماذا فالأول لا جواب لك عنه والثاني إن قلت بقاؤه بتجدد الأمثال
يقال لك ما المجدد والمؤثر لذلك التجدد
فإن قلت كل سابق يؤثر في لاحقه نتكلم في الذي لا سابق له فيرجع السؤال إلى الأول ولا جواب لك عنه لأن المفروض أنه عرض وأنه لا قيام له بنفسه على أن الكلام معك ضائع لاعترافك بالخروج عن دائرة العقل ولا يفيد معك إلا الضرب الوجيع أو الحرق بالنار كالسوفسطائية
هذا وقد كابر وحاول الجواب عنهما حيث قال ويظهر ذلك في الحدود للأشياء فإنهم إذا حدوا الشيء تبين في حدهم كونه الأعراض وأن هذه الأعراض المذكورة في حده عين هذا الجوهر

وحقيقته القائم بنفسه
ومن حيث هو عرض لا يقوم بنفسه فقد جاء من مجموع ما لا يقوم بنفسه من يقوم بنفسه
أقول هذه من جملة مغاليطه فإن الحد لفظ وهو عرض والمحدود الشخص وهو جوهر وحصوله من حيث الموجود ليس من الحد وإنما الحد للإطلاع على حقيقته لا حقيقته وإلا لاحترق من حد النار فقوله إن الأعراض المذكورة في حد عينه وحقيقته مغلطة وكذب ثم إنه ناقض نفسه حيث اعترف أنه قد جاء من مجموع ما لا يقوم بنفسه من يقوم بنفسه مع أن الحاصل من المجموع لا شك أنه من جملة العالم
فقد ناقض قوله إن العالم كله مجموع أعراض فتأمل
ثم قال وليس التحيز والقبول بأمر زائد على عين الجوهر المحدود لأن الحدود الذاتية هي عين المحدود وهويته فقد صار ما لا يقوم بنفسه يقوم بنفسه
أقول هذه أيضا مغلطة من جنس ما تقدم وتناقض بعين ما تقدم كما لا يخفى على من له أدنى مسكة وإنصاف
ثم قال ولا يشعرون لما هم عليه وهؤلاء هم في لبس من خلق جديد
أقول هذا كذب على الله سبحانه وتعالى في مراده
وإنما أراد به سبحانه الكفار الذين لا يعترفون بالخلق الجديد بعد الموت لا المؤمنين الذين لا يعترفون بالمحال وهو تجدد الأعيان وجعلها

أعراضا فإنه سفسطة ومحال ببديهة العقل
قال وأما أهل الكشف فإنهم يرون أن الله تعالى يتجلى في كل نفس ولا يكرر التجلي ويرون أيضا شهودا أن كل تجل يعطي خلقا جديدا ويذهب بخلق فذهابه هو الفناء عند التجلي والبقاء لما يعطيه التجلي الآخر فافهم
أقول هذا نفر عنهم في زندقتهم إذ يدعون ما يحيله العقل فيستدلون عليه بالكشف والشهود والشهود إنما يدرك ما لا يدركه العقل كالوجدانيات المعقولة التي يقبلها العقل عند وجودها لا ما يحيله العقل ولا وجود له أصلا ويترتب عليه عند فرضه محال كما زعمه هذا القائل من أن كل تجل يذهب بخلق ويأتي بغيره إذ يلزم منه ما قدمناه من عدم تصور الموت والحياة بعده وتعذيب غير المذنب وإثابة غير المطيع وغير ذلك من المفاسد
قال في الكلمة اللوطية وزاد في سورة القصص وهو أعلم بالمهتدين
أي بالذين أعطوه العلم بهدايتهم في حال عدمهم بأعيانهم الثابتة
فأثبت أن العلم تابع للمعلوم
فمن كان مؤمنا في ثبوت عينه وحال عدمه ظهر بتلك الصورة في حال وجوده
وقد علم الله تعالى ذلك منه أنه هكذا يكون فلذلك قال وهو أعلم بالمهتدين

فلما قال مثل هذا أيضا ما يبدل القول لدى
لأن قولي على حد علمي في خلقي وما أنا بظلام للعبيد أي ما قدرت عليهم الكفر الذي يشقيهم ثم طلبتهم بما ليس في وسعهم أن يأتوا به
بل ما عاملناهم إلا بحسب ما علمناهم وما علمناهم إلا بما أعطونا من نفوسهم مما هم عليه فإن كان ظلم فهم الظالمون إلخ
أقول قد تكررت منه هذه القاعدة ويزعم أنها سر القدر لكن يقال له الحال الذي هم عليه حال عدمهم هل هو بجعل جاعل أم لا بجعل فإن قال لا بجعل
فهو باطل لأنه وجود شيء بغير علة
على أنه لا تصح نسبة الظلم إليهم ولا تكليفهم بالأمر والنهي لعدم القدرة والإختيار
وإن قال بجعل جاعل نقلنا الكلام إلى الجاعل فإن زعم أنه غير الحق سبحانه وتعالى فقد أثبت معه شريكا في الإيجاد مع ادعائه التوحيد ويتأتى عليه أيضا ما تقدم من عدم صحة نسبة الظلم إليهم وإن قال هو الحق فقد وقع فيما هرب منه
فعلم من هذا أن ما ذكره ليس سر القدر الذي ادعى علمه وأن الحكم لله تعالى وحده لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون ومن هذه القاعدة أيضا ما ذكر في الكلمة العزيرية حيث قال اعلم أن القضاء حكم الله تعالى في الأشياء على حد علمه بها وفيها

وعلم الله تعالى في الأشياء على ما أعطته المعلومات مما هي عليه في نفسها
والقدر توقيت ما هي عليه الأشياء في عينها من غير مزيد فما حكم القضاء على الأشياء إلا بها وهذا هو عين سر القدر لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد
فلله الحجة البالغة فالحاكم في التحقيق تابع لعين المسألة التي يحكم فيها بما تقتضيه ذاتها فالمحكوم عليه بما هو فيه حاكم على الحاكم أن يحكم عليه بذلك
فكل حاكم محكوم عليه بما حكم به وفيه كان الحاكم من كان فتحقق هذه المسألة فإن القدر ما جهل إلا لشدة ظهوره فلم يعرف وكثر فيه الطلب والإلحاح
أقول يتأتى عليه الكلام السابق آنفا
وأما قوله فالحاكم في التحقيق إلخ
قلنا هذا في الحاكم الذي يتصور أن يكون محكوما عليه كالمخلوق المأمور بالحكم بما أمر به فإنه محكوم عليه بحكم المسألة التي طلب منه الحكم فيها
ولا يتم ذلك في حقه تعالى فإنه لا حكم عليه ولا جبر فقوله كان الحاكم من كان خطأ وإن سلمنا فرضا ما قال من أن ذوات الأشياء تقتضي ذواتها حال عدمها ما توجد عليه من الأحوال
فعلمه سبحانه وتعالى بذلك لا يقتضي أن يكون مجبورا على إيجادها بل يوجدها باختياره فيتأتى السؤال الذي

أورده الأشعري على الجبائي حيث قال فلو قال الفاسق فلأي شيء لم تمتني قبل البلوغ كيلا أعصيك بعد البلوغ كما أمت أخانا الصغير لذلك فها هنا أيضا لو قال الشقي حيث علمت أن ذاتي تقتضي الشقاء إذا أفيض عليهما الوجود فلأي شيء أوجدتني ولم تتركني في العدم فيقف حمار الشيخ النجدي ولا يبقى له إلا أن يقول له إنه تعالى مجبور على إيجاده ولا يمكنه أن يتركه في العدم فيكفر بل يشرك أو يقول كما يقول المسلمون إنه سبحانه فعال لما يريد لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون
وتبطل دعواه الوصول الى سر القدر والاطلاع عليه ومن يضلل الله فما له من هاد
ثم إنه مشى وفرع على ما ذكر من هذه القاعدة الفاسدة وتمدح بها إلى أن قال ولما كانت الأنبياء صلوات الله تعالى عليهم

وسلامه لا تأخذ علومها إلا من الوحي الخاص الإلهي فقلوبهم ساذجة من النظر العقلي لقصور العقل من حيث نظره الفكري عن إدراك الأمور على ما هي عليه
والإخبار أيضا يقصر عن إدراك ما لا ينال إلا بالذوق
فلم يبق العلم الكامل إلا في التجلي الإلهي وما يكشف الحق عن أعين البصائر والأبصار من الأغطية فتدرك الأمور قديمها وحديثها وعدمها ووجودها ومحالها وواجبها وجائزها على ما هي عليه في حقائقها وأعيانها
فلما كان مطلب العزير على الطريقة الخاصة لذلك وقع العتب عليه كما ورد في الخبر
فلو طلب الكشف الذي ذكرناه ربما كان لا يقع عليه العتب في ذلك
والدليل على سذاجة قلبه قوله في بعض الوجوه أنى يحيى هذه الله بعد موتها أما عندنا فصورته عليه الصلاة و السلام في قوله هذا كصورة قول إبراهيم عليه السلام أرني كيف تحى الموتى ويقتضي ذلك الجواب بالفعل الذي أظهره الحق فيه في قوله فأماته الله مائة عام ثم بعثه فقال له وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما
فعاين كيف تنبت الأجسام معاينة تحقيق فأراه الكيفية فسأل عن القدر الذي لا يدرك إلا بالكشف للأشياء في حال ثبوتها في عدمها فما أعطي ذلك فإن ذلك من خصائص الإطلاع الإلهي فمن المحال

أن يعلمه إلا هو فإنها المفاتح الأول أعني مفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا هو
أقول هذا من جملة المواضع التي يشير فيها إلى تفضيل نفسه الخبيثة وطواغيته على الأنبياء ظلما وعلوا ومجرد دعوى كاذبة وتوهمات فاسدة
أولها قوله وقع العتب عليه كما ورد في الخبر إلخ
وثانيها قوله إنه كقول إبراهيم عليه السلام أرني كيف تحي الموتى وليس كذلك فإن العزير عليه السلام لم يسأل بقوله أنى يحي هذه الله بعد موتها شيئا
وإنما كلامه تعجب وتفكر في قدرة الله تعالى واستعظام لها وثالثها قوله فسأل عن القدر إلخ
وهذا أبعد شيء عن مراده عليه السلام
وأين كيفية الإحياء من معنى القدر ورابعها ما يشير إليه من تفضيل نفسه في قوله فأماته الله مائة عام ثم بعثه إلخ
ثم قال في آخره وقد يطلع الله من يشاء من عباده على بعض الأمور من ذلك وخامسها قوله بعد ذلك فلما رأينا عتب الحق له عليه السلام في سؤاله في القدر أنه طلب هذا الإطلاع أن يكون له قدرة تتعلق بالمقدور وما يقتضي ذلك إلا من له الوجود المطلق إلخ
أقول انظر إلى هذا البهتان العظيم على أنبياء الله تعالى أن العزير عليه السلام طلب بقوله أنى يحي هذه الله بعد موتها
قدرة تتعلق بالمقدور وليس في كلامه هذا ما يشعر بذلك بوجه من الوجوه

بل دأبه الإفتراء على خواص عباد الله تعالى ليعترض عليهم ويتمدح بذلك فالله تعالى يقابله بذلك
وسادسها ما قال وأما ما رويناه مما أوحى الله تعالى به إليه لئن لم تنته لأمحون اسمك من ديوان النبوة
أي أرفع عنك طريق الخبر وأعطيك الأمور على التجلي والتجلي لا يكون إلا بما أنت عليه من الاستعداد الذي به يقع الإدراك الذوقي فتعلم أنك ما أدركت إلا بحسب استعدادك إلخ
أقول هذا افتراء على الله سبحانه وتعالى أنه أوحى للعزير عليه السلام ذلك ثم تحريف المعنى إلى ما لايدل عليه الكلام لو ثبت فإن مثل هذا الكلام لا يقال إلا للتخويف من حط المرتبة وكيف يكون إعطاء الأمور على التجلي أحط رتبة من إعطائها بالإخبار والإخبار يوجب علم اليقين والكشف بالتجلي يوجب علم اليقين بل حق اليقين ومن جملة زعم هذه الطائفة الفاسد أن النبوة مقتصرة على الإخبار بالوحي دون الذوق الكشفي
وهذا من أعظم البهتان وأقبح الحسبان بل النبي له الحظ الأوفر من كل من الأمرين والورد الأصفى من كل من المشربين ولكن عين الحسد في غشاء وغطاء من ذلك
ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ثم اعترف في هذه الكلمة أيضا بما اعترف به في الشعيبية من أن الاستعداد عطائي

فقال عقيب ذلك فتنظر في هذا الأمر الذي طلبت فإذا لم تره تعلم أنه ليس عندك الاستعداد الذي تطلبه وأن ذلك من خصائص الذات الإلهية وقد علمت أن الله تعالى أعطى كل شيء خلقه ولم يعطك هذا الاستعداد الخاص فما هو خلقك ولو كان خلقك لأعطاكه الحق الذي أعطى كل شيء خلقه
فتكون أنت الذي تنتهي عن مثل هذا السؤال من نفسك لا تحتاج فيه إلى نهي إلهي إلخ
أقول هذا يناقض ما قدمه أن الأشياء حاكمة بما هي عليه على الحاكم عليها أن يحكم عليها به فانظر إلى كثرة تناقضاته مع ادعائه الكشف المنافي للتناقض وإلى هذه الترهات التي أسند الأمر بها إلى النبيفي ديباجة الكتاب العاري عن الصواب الموجب للشك والإرتياب
قال واعلم أن الولاية هي الفلك المحيط العام ولهذا لم تنقطع ولها الإنباء العام
وأما نبوة التشريع والرسالة فمنقطعة
وفي محمدقد انقطعت فلا نبي بعده يعني مشرعا أو مشرعا له ولا رسول وهو المشرع
وهذا الحديث قصم ظهور أولياء الله تعالى لأنه يتضمن انقطاع ذوق العبودية الكاملة التامة فلا ينطلق عليه

اسمها الخاص بها فإن العبد يريد أن لا يشارك سيده وهو الله تعالى في اسم والله تعالى لم يتسم بنبي ولا رسول وتسمى بالولي إلخ
أقول انظر إلى ما يشير إليه في هذا الكلام ويصرح بغيره والله ولي النيات العالم بذات الصدور
ثم قوله إن انقطاع النبوة والرسالة يتضمن انقطاع ذوق العبودية الكاملة غير مسلم أن ذلك لانقطاع الاسم بل لانقطاع المحل في غير النبي والرسول فالله تعالى أعلم حيث يجعل رسالته
فقد علم سبحانه وتعالى أنه لم يبق لها محل فلذلك قطعها لانقطاع محلها
فلو علم سبحانه أنه قد بقي لها محل لما قطعها كما لم يقطعها قبل محمد عليه الصلاة و السلام
وانقطاع الاسم وعدمه لا مدخل له في ذلك
وأما قوله فإن العبد يريد أن لا يشارك سيده في اسم إلى آخره فإن أراد به أن لا يطلق على العبد اسم صفة تطلق على السيد فغير مسلم فإنه قد أطلق على العبد أسماء صفات كثيرة مما يطلق على الله تعالى لكن بإذنه سبحانه وتعالى وعدم منعه من ذلك
وإن أراد أن العبد يريد أن يختص باسم لا يطلق على سيده كالنبي والرسول وهو الظاهر وقد صرح به بعد هذا في قوله فلم يبق اسم يختص به العبد دون الحق
فذلك لم ينقطع بانقطاع النبي والرسول بل للعبد أسماء كثيرة يختص بها كالعبد والفقير والذليل

ونحو ذلك مما لا يحصى كثرة نعم قصم ظهور مثل هذا المتصلف وطائفته حيث صاروا لا يقدرون على ادعاء النبوة كما روي عن بعضهم وهو ابن سبعين أنه قال لقد حجر ابن آمنة واسعا حيث قال لا نبي بعدي
قال إلا أن الله تعالى لطيف لطف بعباده فأبقى لهم النبوة العامة التي لا تشريع فيها إلى أن قال فإذا رأيت النبي يتكلم بكلام خارج عن التشريع فمن حيث هو ولي عارف ولهذا مقامه من حيث هو عالم أتم أكمل من حيث هو رسول الله أو ذو تشريع وشرع
فإذا سمعت أحدا من أهل الله تعالى يقول أو ينقل إليك عنه أنه قال الولاية أعلى من النبوة فليس يريد ذلك القائل إلا ما ذكرناه
أو يقول إن الولي فوق النبي والرسول فإنه يعني بذلك في شخص واحد
وهو أن الرسول عليه السلام من حيث هو ولي أتم منه من حيث هو نبي ورسول إلى آخر ما قال
أقول له لا دليل لك على ذلك بل الأمر معكوس عليك

وهو أنه من حيث هو نبي ورسول أتم في العلم والحال من كونه وليا إذ هما خصوصيتان عطاء من الله تعالى لا ينالهما أحد باجتهاده بخلاف الولاية فإنه قد تنال بالإجتهاد كما ورد في الصحيح ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه الحديث
وإن انقطعت الرسالة في الآخرة لعدم التكليف فلا يتم انقطاع النبوة إذ النبي فعيل بمعنى مفعول أي المنبأ من الفيض الإلهي بالعلوم فهو أولى باستلزام العلم من الولي بالنظر إلى المعنى
ولكونه بمعنى المفعول لم يطلق على الله تعالى ولو كان بمعنى الفاعل لأطلق عليه سبحانه بخلاف الولي فإنه بمعنى القريب فلذلك أطلق عليه تعالى
وأما قوله فإذا رأيت النبي يتكلم بكلام خارج عن التشريع الخ فكلام لا طائل تحته إذ غير مسلم أنه يتكلم بما هو خارج عن التشريع بل جميع أقواله وأفعاله حركاته وسكناته تشريع
قال لا أن الولي التابع له أعلى منه فإن التابع لا يدرك المتبوع أبدا فيما هو تابع له فيه إذ لو أدركه لم يكن تابعا فافهم
أقول انظر إلى قوله فافهم وافهم أن مراده أن التابع قد يكون

أعلى في غير ما هو تابع فيه كما صرح به في غير هذا الموضع وجل مراده الإشارة إلى ترفعه وتفضله
ثم قال فقوله للعزير لئن لم تنته عن السؤال عن ماهية القدر لأمحون اسمك من ديوان النبوة فيأتيك الأمر على الكشف بالتجلي ويزول عنك اسم النبي والرسول وتبقى له ولايته
أقول كأنه يزعم بهذا التأويل أن النبي عليه الصلاة و السلام ما دام نبيا لا يمكن أن يطلعه الله تعالى على سر القدر على الكشف بالتجلي بخلاف الولي وهو زعم فاسد لا دليل عليه بل الدليل يدل على فساده فإن النبي له الولاية التامة فمن أي جهة يمنع عن الكشف ومن أين يقتضي وجود النبوة عدم الكشف بالتجلي وحصوله بالولاية العارية عن النبوة وهل هذا إلا إشارة إلى حط رتبة النبوة مطلقا عن الولاية الصرفة وأن تصريحه بخلاف ذلك إنما هو للستر على أن الذي روي في ذلك ما ذكره أبو الفرج بن الجوزي في تاريخه المسمى بالمنتظم عن داود بن أبي هند قال سأل عزير عيه السلام ربه عن القدر فأوحى إليه سألتني عن علمي فعقوبتك

أن لا أسميك في الأنبياء فلم يذكر مع الأنبياء انتهى فهذا يدل على استبشاره تعالى بذلك فكيف يناله الولي بالكشف مع ذلك
ثم إنه حاول الجواب عن ما اعترض على قوله ذلك أنه وعيد وما ذكرت لا يصلح أن يكون وعيدا حيث قال إلا أنه لما دلت قرينة الحال أن هذا الخطاب جرى مجرى الوعيد علم من اقترنت عنده هذه الحالة مع الخطاب أنه وعيد بانقطاع خصوص بعض مراتب الولاية في هذه الدار إذ النبوة والرسالة خصوص مرتبة في الولاية على بعض ما تجري عليه الولاية من المراتب
فيعلم أنه أعطي أعلى من الولي الذي لا نبوة تشريع عنده ولا رسالة
ومن اقترنت عنده حالة أخرى تقتضيها أيضا مرتبة النبوة يثبت عنده أن هذا وعد لا وعيد
فإن سؤاله عليه السلام مقبول إذ النبي هو الولي الخاص ويعرف بقرينة الحال أن النبي من حيث له ولاية هذا الاختصاص محال أن يقدم على ما يعلم أن الله تعالى يكرهه منه أو يقدم على ما يعلم أن حصوله محال فإذا اقترنت هذه الأحوال عند من اقترنت عنده وتقررت عنده أخرج هذا الخطاب الإلهي عنده في قوله لأمحون اسمك من ديوان النبوة مخرج

الوعد وصار يدل على علو مرتبة باقية وهي المرتبة الباقية على الأنبياء والرسل في الدار الآخرة التي ليست بمحل لشرع يكون عليه أحد من خلق الله تعالى في جنة ولا نار بعد الدخول فيهما
أقول حاصله أن ثم حالتين حالة تقتضي أن هذا الخطاب وعيد وهي انقطاع مرتبة خاصة في هذه الدار وهي نبوة التشريع
وحالة تقتضي انه وعد
وهي أن النبي عليه السلام من حيث أنه له هذا الاختصاص في الولاية عالم بما يكرهه الله سبحانه وبما هو عليه محال فلا يسأل ذلك ولا يقدم
وحيث سأله لقد علم أنه غير مكروه له تعالى ولا محال عليه وأن سؤاله قد قبل
وأن الله تعالى قد وعده بإبقاء المرتبة الباقية على الأنبياء والرسل عند انقطاع الرتبة الخاصة بهذه الدار وهي النبوة والرسالة
ومراده إثبات كون الولاية المجردة لو فرضت لأن النبوة مانعة مما خصوصياته الولاية وهو الإطلاع على سر القدر على الكشف بالتجلي لكن هذا المراد لا تشتم له رائحة ما من ذلك التركيب الخطابي
ثم يقال لا يخرج أن العزير عليه السلام لم ينته وأنه محي من ديوان النبوة وأنه خلاف الإجماع أو أنه انتهى ولم يسأل بعده

وهو ينافي كونه وعدا على أن كونه وعدا على ما قدره إنما يتأتى على تقدير أن بعض الأنبياء لا تبقى له تلك المرتبة الباقية المشار إليها وذلك غير مسلم بل هو ممنوع كالمحال
وقوله محال أن يقدم على ما يعلم أن الله تعالى يكرهه مسلم ولكن لا يتم أن الولي أو النبي يعلم جميع ما يكرهه الله سبحانه لورود سؤال مثل ذلك من بعض أكابر الأنبياء كنوح عليه السلام في حق ابنه فبطل ما حاوله من الجواب واضمحل والله تعالى الموفق للصواب
قال في الكلمة العيسوية وخرج عيسى عليه الصلاة و السلام من التواضع إلى أن شرع لأمته أن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون أقول انظر إلى هذا البله والسفه وهل يكون إعطاء الجزية شريعة من الشرائع قط مع أنه إنما هو عوض في مقابلة عدم القتل مع البقاء على الكفر
فهل شرع لهم عليه الصلاة و السلام أن يصيروا على الكفر بمحمدويعطوا الجزية فانظر أي حماقة وبطلان ينسبه إلى النبيأنه أمره أن يخرج به إلى أمته
قال وإن أحدهم أي وشرع لأمته أن أحدهم إذا لطم في خده وضع الخد الآخر لمن لطمه ولا يرتفع عليه ولا يطلب القصاص منه
هذا له من جهة أمه إذ المرأة لها السفل إلخ
أقول أما كون التواضع شريعة فمسلم لأنه من الأخلاق الحسنة المندوب إليها في كل الشرائع

وأما قوله إنه من جهة أمه إلخ
فغير مسلم لعدم الاختصاص به بل سائر الأنبياء مع أن لهم جهات الآباء أيضا قد شرعوا ذلك قال من تواضع لله رفعه الله والأدلة على ذلك لا تحصر كثرة
ثم ساق الكلام في كون عيسى عليه السلام روحا من الله تعالى وكلمته إلى أن قال فالموجودات كلها كلمات الله التي لا تنفد فإنها عن كن وكن كلمة الله
فهل تنسب الكلمة إليه بحسب ما هو عليه فلا تعلم ما هيتها أو ينزل هو تعالى إلى صورة من يقول كن فيكون قول كن حقيقة لتلك الصورة التي نزل إليها وظهر فيها فبعض العارفين يذهب إلى الطرف الواحد وبعضهم إلى الطرف الآخر وبعضهم يحار في الأمر ولا يدري وهذه مسألة لا تعرف إلا ذوقا كأبي يزيد حين نفخ في النملة التي قتلها فحييت فعلم عند ذلك بمن ينفخ فنفخ فكان عيسوي المشرب
أقول قد اعترف ها هنا أن الحق سبحانه وتعالى من حيث ما

هو عليه لا تعلم ماهيته مع ادعائه في غير هذا الموضع أن العالم هويته وماهيته فلينظر وزعم أن التكوين قد يصدر من صورة ينزل الحق إليها ثم بنى على قاعدته المعلومة ما ذكر بعده إلى أن قال
فلولاه ولولانا ... لما كان الذي كانا
فإنا أعبد حقا ... وإن الله مولانا
وإنا عينه حقا ... إذا ما قلت إنسانا
فلا تحجب بإنسان ... فقد أعطاك برهانا
فكن حقا وكن خلقا ... تكن بالله رحمانا
وعد خلقه منه ... تكن روحا وريحانا
فأعطيناه ما يبدو ... به فينا وأعطانا
فصار الأمر مقسوما ... بإياه وإيانا
فأحياه الذي يدري ... بقلبي حين أحيانا
فكنا فيه أكوانا ... وأعيانا وأزمانا
وليس بدائم فينا ... ولكن ذاك أحيانا
أقول هذا كله شرك ظاهر على قواعده المتكررة في الكتاب الذي أسند الأمر بإخراجه للأمة إلى رسول اللهالذي هو أحرص الخلق على أمته عن موجبات الشك والشبه في دينهم
ثم قال ومما يدل على ما ذكرناه في أمر النفخ الروحاني مع

صورة البشر العنصري هو أن الحق وصف نفسه بالنفس الرحماني ولا بد لكل موصوف بصفة أن يتبع الصفة جميع ما تستلزمه تلك الصفة وقد عرفت أن النفس في المتنفس ما يستلزمه
فلذلك قبل النفس الرحماني صورة العالم فهو لها كالجوهر الهيولاني وليس إلا عين الطبيعة
فالعناصر صورة من صور الطبيعة
وما فوق العناصر وما تولد عنها فهو أيضا من صور الطبيعة وهي الأرواح العلوية التي فوق السمواتالسبع
وأما أرواح السموات وأعيانها فهي عنصرية وما تكون عن كل سماء من الملائكة فهو منها فهم عنصريون ومن فوقهم طبيعيون ثم ساق أنواعا من الخرافات إلى أن قال فما فضل الإنسان غيره من الأنواع العنصرية إلا بكونه بشرا من طين فهو أفضل نوع من كل ما خلق من العناصر من غير مباشرة
فالإنسان في الرتبة فوق الملائكة الأرضية والسماوية والملائكة العالون خير من هذا النوع بالنص الإلهي
أقول انظر كيف ناقض نفسه فيما قال في الكلمة الإسحاقية حيث جعل الجماد هناك أعلى الكل والإنسان أدنى الكل وجعله هنا أعلى من جميع العنصريات وهل هذا إلا وساوس وخيالات

تعتريه تارات أو في حالات مختلفة فما أبعده عن الكشف الذي يدعيه وقوله بالنص الإلهي أراد به ما قرره في قوله فقال لمن أبى عن السجود له ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدى أستكبرت
على من هو مثلك يعني عنصريا أم كنت من العالين عن العنصر ولست كذلك
ويعني بالعالين من علا بذاته عن أن يكون في نشأته النورية عنصريا وإن كان طبيعيا انتهى
ثم إنه ساق الهذيان بناء على قواعده الباطلة في تحريف تفسير قوله تعالى ءأنت قلت للناس
إلى آخر السورة حتى قال فلما توفيتنى أي رفعتني إليك وحجبتهم عني وحجبتني عنهم كنت أنت الرقيب عليهم في غير مادتي بل في موادهم إذ كنت بصرهم الذي يقتضي المراقبة
فشهود الإنسان نفسه شهود الحق إياه
أقول انظر إلى هذا الكفر الصريح والإلحاد الذي هو أقبح من كل قبيح حيث يجعل الحق سبحانه بصر الكفار الذين اتخذوا عيسى وأمه إلهين ثم ساق الهذيان إلى أن قال ثم قال كلمة عيسوية ومحمدية أما كونها عيسوية فإنها قول عيسى عليه السلام بإخبار الله تعالى عنه في كتابه وأما كونها محمدية فلموقعها من محمدبالمكان الذي وقعت منه فقام بها ليلة كاملة يرددها لم يعدل إلى غيرها حتى طلع الفجر إن تعذبهم فإنهم

عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم وهم ضمير الغائب كما أن هو ضمير الغائب كما قال هم الذين كفروا بضمير الغائب فكان الغيب سترا لهم عما يراد بالمشهود الحاضر
فقال إن تعذبهم بضمير الغائب وهو عين الحجاب الذي هم فيه عن الحق
فذكرهم الله تعالى قبل حضورهم حتى إذا حضروا تكون الخميرة قد تحكمت في العجين فصيرته مثلها فإنهم عبادك فأفرد الخطاب للتوحيد الذي كانوا عليه
ولا ذلة أعظم من ذلة العبيد لأنهم لا تصرف لهم في أنفسهم
فهم بحكم ما يريده منهم سيدهم ولا شريك له فيهم فإنه قال عبادك فأفرد والمراد بالعذاب إذلالهم ولا ذل أذل منهم لكونهم عبادا
فذواتهم تقتضي أنهم أذلاء فلا تذلهم فإنك لا تذلهم بأدون مما هم فيه من كونهم عبيدا
وإن تغفر لهم أي تسترهم عن إيقاع العذاب الذي يستحقونه بمخالفتهم أي تجعل لهم غفرا يسترهم عن ذلك ويمنعهم منه
فإنك أنت العزيز أي المنيع الحمى
إلى آخر ما خرف

أقول انظر إلى هذا الإلحاد في آيات الله تعالى والتعصب للكفار وإلى هذه التأويلات الركيكة في قوله هم ضمير الغائب فيقال له يا أيها الأحمق فهل كان المقام يقتضي تكلما أو خطابا وكذا في قوله فإنهم عبادك فأفرد الخطاب هل المقام يقتضي غير الإفراد وانظر إلى الكذب وبعد المناسبة في قوله للتوحيد الذي كانوا عليه وهم الذين اتخذوا عيسى عليه السلام وأمه إلهين وانظر إلى بعده عن الحق والحقائق في قوله ولا ذلة أعظم من ذلة العبيد وقوله المراد بالعذاب إذلالهم ولا ذل أذل منهم لكونهم عبادا فيقال له يا أيها المتصلف بالتصوف والدعاوى العريضة فيه متى كانت عبودية الله ذلا بل هي كمال العزة وعينها بها افتخر من افتخر قال إني عبد الله وأنه لما قام عبد الله فهل جعل الله تعالى أنبياءه وخواصه في العذاب والذل مع أنه أنكر وعذب من كذب من هو عبده فقال تعالى فكذبوا عبدنا إلخ إنما الذل في عبودية المخلوق
بل إذا كان السيد من المخلوقين من الأغنياء تعزز به عبيده بقدر ارتفاعه في الغناء
وهذا أمر ظاهر لا ينكره إلا معاند مثلك دأبه المغالطة والبهتان

وأما عدم التصرف في أنفسهم فليس ذلة كيف ومؤنتهم وكفايتهم على سيدهم الغني القادر الجواد الكريم فانظر أيها المنصف إلى مثل هذه الأباطيل التي أتى بها في هذا الكتاب فالويل كل الويل لمن اطلع هذا الإلحاد ثم يعتقده مسلما فضلا عن اعتقاده وليا
ثم كذب على النبيحيث قال فكان سؤالا من النبيوإلحاحا منه على ربه في المسألة ليلته الكاملة إلى طلوع الفجر يرددها طلبا للإجابة أقول لا شك أن الضمير في تعذبهم وتغفر لهم راجع إلى الناس الذين اتخذوا عيسى وأمه إلهين من دون الله فكيف يدعو لهم رسول اللهويلح وقد نهاه الله تعالى عن الاستغفار للمشركين وأخبره أنه لا يغفر أن يشرك به نعم إن قصدعصاة أمته فلا حاجة
قال في الكلمة السليمانية بناء على قاعدته الخبيثة والعمل مقسم على ثمانية أعضاء من الإنسان
وقد أخبر الحق أنه تعالى هوية كل عضو منها فلم يكن العامل غير الحق والصورة للعبد والهوية مدرجة فيه أي في اسمه لا غير لأنه تعالى عين ما ظهر وسمي خلقا
ثم قال بعد ذلك فقيد رحمة الوجوب وأطلق رحمة الامتنان في قوله ورحمتي وسعت كل شيء
حتى الأسماء الإلهية

أعني حقائق النسب
فامتن عليها بنا
فنحن نتيجة رحمة الامتنان بالأسماء الإلهية والنسب الربانية
ثم أوجبها على نفسه بظهورنا لنا وأعلمنا أنه هويتنا لنعلم أنه ما أوجبها على نفسه إلا لنفسه
فما خرجت الرحمة عنه
فعلى من امتن وما ثم هو إلا أنه لا بد من حكم لبيان التفصيل لما ظهر من تفاضل الخلق في العلوم حتى يقال إن هذا أعلم من هذا مع أحدية العين ومعناه معنى نقص تعلق الإرادة عن تعلق العلم فهذه مفاضلة في الصفات الإلهية وكمال تعلق الإرادة وفضلها وزيادتها على تعلق القدرة إلخ
أقول أما قاعدته المذكورة فمعلومة وأما قوله بنقص تعلق الإرادة عن تعلق العلم فصحيح
وأما قوله بتفضيل تعلق الإرادة وزيادتها على تعلق القدرة فغير صحيح بل كذب قبيح فإنه سبحانه وتعالى قادر على كل ما يريد
قال تعالى فعال لما يريد
فلا يمكن أن يريد شيئا وهو غير قادر عليه فإن ذلك من صفات المحدثات بل السفهاء تعالى الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا
بل الأمر عكس ما قاله فإن القدرة أزيد من الإرادة فإنه قادر على كل ما يريد ولا يريد كل ما يقدر عليه كما لا يخفى على أنه مناتقض نفسه فيما قال في الكلمة الإبراهيمية فما شاء فما هداهم فهل

يشاء هذا ما لا يكون
فمشيئته أحدية التعلق وهي نسبة تابعة للعلم والعلم نسبة تابعة للمعلوم فإنه صريح في أنه لا يريد ما لا يكون وهو كثير التناقضات مع ادعائه الكشف المنافي لها
قال وكذلك السمع الإلهي والبصر وجميع الأسماء الإلهية على درجات في تفاضل بعضها على بعض
كذلك تفاضل ما ظهر في الخلق من أن يقال هذا أعلم من هذا مع أحدية العين
وكما أن كل اسم إلهي إذا قدمته سميته بجميع الأسماء ونعته بها كذلك فيما ظهر من الخلق فيه أهلية كل ما فوضل به
فكل جزء من العالم هو مجموع العالم أي هو قابل لحقائق مفردات العالم كله
أقول هذا مناقض لما يكرره كثيرا أن الأشياء لها استعدادات حال عدمها فكل منها يقبل من فيض وجود الحق على حسب استعداده فتنبه لتناقضه
ثم قال فلا يقدح قولنا إن زيدا دون عمرو في العلم أن تكون هوية الحق عين زيد وعمرو وتكون في عمرو أكمل وأعلم منه في زيد كما تفاضلت الأسماء الإلهية وليست غير الحق فهو تعالى من حيث هو عالم أعم منه من حيث ما هو مريد وقادر وهو هو ليس غيره
فلا تعلمه هنا يا ولي الله وتجهله هنا وتثبته هنا وتنفيه هنا إلا إن أثبته بالوجه الذي أثبت نفسه ونفيته عن كذا بالوجه

الذي نفى نفسه كالآية الجامعة للنفي والإثبات في حقه حين قال ليس كمثله شيء فنفى وهو السميع البصير فأثبت بصفة تعم كل سميع وبصير من حيوان وما ثم إلا حيوان إلخ
أقول أما القاعدة المعلومة فلا حاجة للكلام فيها
وأما قوله أثبت نفسه ونفى نفسه فغير صحيح فإنه في الآية المذكورة إنما نفى المثل ولم ينف نفسه وإنما أثبت السمع والبصر أي كمالهما لنفسه
ونفسه لم تكن منتفية قط ليثبتها تعالى وكذلك سمعه وبصره إلا أنه حصرهما فيه لأنهما في غيره كالعدم وهو من قبيل كل شيء هالك إلا وجهه لا أنه كما زعم عين كل من يسمع ويبصر حتى الجماد على ما تكلف من التأويل على تقدير تسليمه أيضا
ثم قال ثم كيف يقدم سليمان اسمه على اسم الله تعالى كما زعموا وهو من جملة من أوجدته الرحمة فلا بد أن يتقدم الرحمن الرحيم ليصح استناد المرحوم
هذا عكس الحقائق تقديم من يستحق التأخير وتأخير من يستحق التقديم في الموضع الذي يستحقه
أقول هذا اعتراض على سليمان عليه الصلاة و السلام لكن

قوله كما زعموا إشارة إلى أنه إنما يتوجه على زعم من زعم أنه غير هوية الحق لا على قول من زعم أنه عينها إذ لا يتصور التقديم المذكور على ذلك التقدير إذ هو كقوله إنه من الله والذات متقدمة على الصفة بالرتبة
ولقائل أن يقول إن اعتبرت جهة الكثرة فالإعتراض بحاله على زعمك أيضا وهو من جملة إساءتك الأدب مع أنبياء الله تعالى عليهم الصلوات والسلام
وإن اعتبر جهة الوحدة فالكاتب والمكتوب إليه وما إلى ذلك واحد فلا يتصور تقديم ولا تأخير إذ سليمان والرحمن وغيرهما واحد
قال فكان عين قول آصف بن برخيا عين الفعل في الزمن الواحد
فرأى في ذلك الزمان بعينه سليمان عرش بلقيس مستقرا عنده لئلا يتخيل أنه أدركه وهو في مكانه من غير انتقال ولم يكن عندنا باتحاد الزمان انتقال وإنما كان إعدام وإيجاد من حيث لا يشعر أحد بذلك إلا من عرفه وهو قوله تعالى بل هم في لبس من

خلق جديد إلى آخر ما ذكر إلى أن قال فلم يكن لآصف من الفضل إلا حصول التجديد في مجلس سليمان عليه السلام
فما قطع العرش مسافة ولا زويت له أرض ولا خرقها لمن فهم ما ذكرناه
أقول هذا إعادة لما ذكر في الكلمة الشعيبية من القول بتجدد الأعيان ولو صح هذا لما كان الرائي للعرش هو القائل أيكم يأتينى بعرشها
ولا الآتي به هو القائل أنا ءاتيك به بل ولا هو آت به إلى ما لا يخفى من المحالات على أنه يقال له هل ما زعمت من الإعدام والإيحاد باقتضاء ذات الشيء أم بالغير والأول محال
والثاني إما أن يكون الحق سبحانه أو غيره والثاني محال لأنه شرك
والأول يقتضي الغيرية ولست تقول بها إلا باعتبار الوجود والأعيان التي تزعم أن لها ثبوتا في العدم فما المخصص بزمان دون زمان ومكان دون مكان إما نفس الأعيان أو نفس الوجود
وعلى كلا التقديرين لا يصح أن يسند الشخص ذلك التخصيص إلى نفسه
وكذا إن أريد المركب منهما على ما زعمت من التجديد
وإذا تأملت كلامه ظهر لك أنه ليس إلا خيالات لا حقيقة
واستدلاله بالآية كذب صريح على ما ذكرناه فيما سبق

قال وسبب ذلك كون سليمان عليه الصلاة هبة الله تعالى لداود عليه الصلاة إلخ
أقول ليس لفظ الهبة مختصا بسليمان عليه السلام لداود عليه الصلاة بل عام قال تعالى ووهبنا له إسحاق ويعقوب
وقال سبحانه وتعالى ووهبنا له يحيى
وقال تعالى يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور
قال ولما رأت بلقيس عرشها مع علمها ببعد المسافة واستحالة انتقاله في تلك المدة عندها قالت كأنه هو وصدقت بما ذكرناه من تجديد الخلق بالأمثال وهو هو
وصدق الأمر كما أنك في زمان التجدبد عين ما أنت في الزمان الماضي
أقول كأنه يحاول بهذا الجواب عما يرد عليه من الاعتراضات التي ذكرنا بعضها
ولا يخفى ما فيه من التناقض في قوله بالأمثال
وقوله عين ما أنت في الزمان الماضي فإن المثل غير العين لا يقال يريد بالخلق المعنى المصدري لا المخلوق فالمتجدد أمثال المصدر لا ما وقع عليه المصدر بل ما وقع عليه المصدر عين واحدة يتجدد أمثال الخلق عليها فلا تناقض لأنا نقول هذا أيضا

محال إذ هو خلق المخلوق وتحصيل الحاصل ومناقض لقوله هنا وإنما كان إيجاد وإعدام ولقوله في الشعيبية إن كله مجموع أعراض فهو يتبدل في كل زمان إلخ
ثم إنه خبط العشواء تابعا قواعده الباطلة إلى أن قال فكان إسلام بلقيس إسلام سليمان إذ قالت مع سليمان فتبعته
فما يمر بشيء من العقائد إلا مرت به معتقدة ذلك
كما نحن على الصراط المستقيم الذي الرب عليه لكون نواصينا في يده ويستحيل مفارقتنا إياه
فنحن معه بالتضمين وهو معنا بالتصريح فإنه قال وهو معكم أين ما كنتم
ونحن معه بكونه آخذا بنواصينا فهو تعالى مع نفسه حيث ما مشى بنا من صراطه
فما بقي من العالم إلا على صراط مستقيم وهو صراط الرب تعالى
أقول هذا إعادة لما ذكره في الكلمة الهودية
أما قوله فما يمر بشيء من العقائد إلخ فصحيح من حيث أن

سليمان عليه الصلاة لا يمر إلا على العقائد الصحيحة لا من حيث ما قصده من عموم جميع العقائد ومن أين يدل رب العالمين على أن جميع عقائد العالمين حق والله سبحانه يقول فماذا بعد الحق إلا الضلال وقال تعالى وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون
وقياس العقائد على المشي الحسي من مغاليطه الباطلة وإلا فلا خفاء في مخالفة المنافقين ونحوهم وإن مشوا مع المؤمنين بأقدامهم في طريق على أن المراد بالآية أنه مالكهم ومتصرف فيهم كيف شاء لا أنه مجبرهم على اتباع الحق
ولو كان كما زعم فمن هم الضالون المذكورون في القرآن
قال في الكلمة الداودية بعد ما ذكر أمر الخلافة إلى أن قال ولله تعالى في الأرض خلائف عن الله وهم الرسل
وأما الخلافة اليوم فعن الرسل لا عن الله فإنهم ما يحكمون إلا بما شرع لهم الرسول لا يخرجون عن ذلك
غير أن هنا دقيقة لا يعلمها إلا أمثالنا وذلك في أخذ ما يحكمون به مما هو شرع للرسول عليه السلام فالخليفة عن الرسول من يأخذ الحكم بالنقل عنهأو الإجتهاد الذي أصله أيضا منقول عنهوفينا من

يأخذه عن الله تعالى فيكون خليفة عن الله تعالى بعين ذلك الحكم إلخ
أقول لا بد له حيث لا يجد مخالفة ولا اعتراضا من ترفع وتمدح دعوى مجردة عن البرهان
ثم قال ولهذا مات رسول اللهوما نص بخلافة عنه إلى أحد
ولا عينه لعلمه أن في أمته من يأخذ الخلافة عن ربه فيكون خليفة عن الله تعالى مع الموافقة في الحكم المشروع إلى آخر ما قاله
أقول هذا غير صحيح بل إنما لم ينص لعلمه أن الله تعالى يؤلف قلوب المؤمنين حتى يجمعوا على خلافة أبي بكر رضي الله تعالى عنه ونبه على ذلكبقوله يأبى الله تعالى ويدفع المؤمنون إلا أبا بكر
ولم يدع أبو بكر ولا غيره له أنه أخذ الخلافة عن ربه بالمعنى الذي تزعم ولا ضرورة إلى ذلك ولا دليل على وقوعه حيث حصلت الموافقة والمخالفة مردودة
قال وإنما تنقص أو تزيد على الشرع الذي تقرر بالإجتهاد

لا على الشرع الذي شوفه به محمدفقد يظهر من الخليفة ما يخالف حديثا ما في الحكم فيتخيل أنه من الإجتهاد وليس كذلك وإنما هذا الإمام لم يثبت عنده من جهة الكشف ذلك الخبر عن النبيولو ثبت لحكم به
وإن كان الطريق فيه العدل عن العدل فما هو معصوم من الوهم ولا من النقل بالمعنى فمثل هذا يقع من الخليفة اليوم
أقول انظر ما أمكره في ترويج باطله بادعائه أن الأحاديث الصحيحة قد تكون غير ثابتة في نفس الأمر فيطلع على ذلك هو وأمثاله كشفا فيخالفوننا وأنت خبير بأن هذه دعوى مجردة لا دليل عليها إذ الكشف ليس دليلا وإلا لفسد نظام الشرع إذ لا يعجز أحد عن ادعاء مثل ذلك فيعمل كل ذي هوى بمقتضى هواه ويدعي فيه الكشف وأي فساد أعظم من ذلك والله الموفق
ثم بعد ما قرر أنه لا ينفذ حكم إلا لله تعالى سواء كان على وفق الشرع أو لم يكن موافقا للأمر أم لا إذ الكل بمشيئته وصدق في ذلك
قال فلما كان الأمر في نفسه على ما قررناه كان مآل الخلق إلى السعادة على اختلاف أنواعها فعبر عن هذا المقام بأن الرحمة وسعت كل شيء

أقول هذا كذب باطل فإن السعادة متعلقة بموافقة الأمر لا بموافقة مطلق المشيئة
وقد صرح سبحانه بأنه يكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة ويتبعون النبي الأمي إلى آخر ما ذكر تعالى فعلم أن من ليس كذلك لم يكتب له
قال في الكلمة اليونسية وأما أهل النار فمآلهم إلى النعيم ولكن في النار إذ لابد لصورة النار بعد انتهاء مدة العذاب أن تكون بردا وسلاما على من فيها فنعيم أهل النار بعد استيفاء الحقوق نعيم خليل الله تعالى حين ألقي في النار فإنه عليه الصلاة و السلام تعذب برؤيتها وبما تعود في علمه وتقرر من أنها صورة تؤلم من جاورها من الحيوان
وما علم مراد الله تعالى فيها ومنها في حقه فبعد وجود هذه الآلام وجدها بردا وسلاما مع شهود الصورة اللونية في حقه وهي نار في عيون الناس
أقول هذا مذهبه على ما تقدم ولا دليل عليه إلا ما قرره قبله من سبق الرحمة ومن مراعاة الإبقاء على هذه النشأة إلى آخر ما ذكر
وهو مخالف لمذهب أهل السنة ولقوله تعالى فلا يخفف

عنهم العذاب و ولا يخفف عنهم من عذابها لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون كلما خبت زدناهم سعيرا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب
فيكون ما ذهب إليه قياسا لمقابلة النص
فإن استدل بقوله تعالى أحقابا
قلنا هو محتمل لكونه جمع حقب بسكون القاف ظرفا
ولكونه جمع حقبة بكسرها حالا فلا يعارض النصوص الصريحة القطعية الدالة
ولا يمكنه أن يخصصه بالقياس الذي ذكره وإن أخذ العذاب من العذوبة عنادا كما ذكره في الإسماعلية ورد عليه السعير
قال في الكلمة الأيوبية قال تعالى لأيوب عليه الصلاة و السلام اركض برجلك هذا مغتسل يعني ماء بارد لما كان عليه من إفراط حرارة الألم فسكنه الله تعالى ببرد الماء
ولهذا كان الطب النقص من الزائد والزيادة في الناقص فالمقصود طلب الإعتدال ولا سبيل إليه إلا أنه يقاربه وإنما قلنا لا سبيل إليه أعني إلى الإعتدال من أجل أن الحقائق والشهود يعطي التكوين مع الأنفاس على الدوام

ولا يكون التكوين إلا عن ميل يسمى في الطبيعة انحرافا أو تعفينا أو في حق الحق إرادة وهي ميل إلى المراد الخاص دون غيره والإعتدال يوزن بالسواء في الجميع وهذا ليس بواقع فلهذا منعنا من حكم الإعتدال
أقول إطلاق الميل على إرادة الحق ونفي الإعتدال عنه سبحانه غير جائز ولا يتم أن ترجيح الفاعل المختار أحد الجائزين يسمى انحرافا في حق الطبيعة ولا ميلا في حق الحق ولا أن الإعتدال يوزن بالسواء وإنما ذلك إذا لم يكن مقتضى ما قد علمه الحكيم الخبير
فالتكوين من العليم الحكيم بجهة التخصيص كيف يسمى ميلا إنما الميل العمل على خلاف مقتضى الحكمة فإذا تأملت كلام هذا الشخص وجدت أكثره مغالطات مموهة بمناسبات تغر ناظرها ولا حقيقة لها عند التأمل والتحقيق ومن هذا القبيل ما قال وقد ورد في العلم الإلهي النبوي إتصاف الحق بالرضا والغضب وبالصفات
والرضا مزيل للغضب والغضب مزيل للرضا عن المرضي عنه والإعتدال أن يتساوى الرضا والغضب فما غضب الغاضب على من غضب عليه وهو عنه راض فقد اتصف بأحد الحكمين في حقه وهو ميل وما رضي الراضي عمن رضي عنه وهو غاضب عليه فقد اتصف بأحد الحكمين في حقه وهو ميل

أقول هذا أيضا من قبيل ما تقدم وهو غلط ومغلطة فإنه غير صحيح إذ تساوي الرضا والغضب مطلقا ليس باعتدال والرضا عمن يستحقه والغضب على من يستحقه ليس بميل بل هو عين الإعتدال وهو الإتصاف بأحد الحكمين في محله ومستحقه فانظر إلى هذه المغاليط التي بنى عليها مذهبه حيث قال وإنما قلنا هذا من أجل ما يرى أن أهل النار لا يزال غضب الله تعالى عليهم دائما أبدا في زعمه
فما لهم حكم الرضا من الله تعالى فصح المقصود
فإن كان كما قلنا مآل أهل النار إلى إزالة الآلام وإن سكنوا النار فذلك رضا فزال الغضب لزوال الآلام إذ عين الألم عين الغضب إن فهمت
فمن غضب فقد تأذى فلا يسع في انتقام المغضوب عليه بإيلامه إلا ليجد الغاضب الراحة بذلك فينتقل الألم الذي كان عنده إلى المغضوب عليه
والحق إذا أفردته عن العالم يتعالى علوا كبيرا عن هذه الصفة على هذا الحد
أقول انظر كيف يأتي بالدليل على نفسه بنفسه مع ادعائه الكشف والدعاوى العريضة فإن الحق سبحانه حيث كان منزها عن الألم والراحة المقتضيتين للغضب الذي هما سببه ثبت أن غضبه تعالى ليس إلا لحكمة اقتضته فيلزم منه عدم زوال الغضب لعدم زوال الحكمة المقتضية له فافهم راشدا والله الموفق
ثم عاد إلى قاعدته الخبيثة حيث قال وإذا كان الحق هوية العالم فما ظهرت الأحكام كلها إلا فيه ومنه إلى آخر ما ذكر

وألحد إلى أن قال فهو على كل شيء شهيد ليعلم عن شهود لا عن فكر فكذلك علم الأذواق لا عن فكر وهو العلم الصحيح وما عداه فحدس وتخمين ليس بعلم أصلا
أقول هذه دعوى ظاهرة البطلان بل ما يدعيه من علوم الأذواق ليس إلا تخيلات فاسدة ظاهرة الفساد وآثارها تدل عليها من المناقضات ونحوها كما نبهنا عليه في أماكنه
والمذكور هنا أيضا من جملتها فإنه إذا كانت الأحكام ما ظهرت إلا فيه فالشاهدية والمشهودية والذائقية والمفكرية جميع ذلك أحكام ظاهرية فيه فمن أين حصل التعين على أنه يلزم من كلامه إنكار حصول العلم بالتواتر ولا يخفى فساده
قال فعمل أيوب بحكمة الله إذ كان نبيا لما علم أن الصبر الذي هو حبس النفس عن الشكوى عند الطائفة وليس كذلك يحد الصبر عندنا وإنما حده حبس النفس عن الشكوى لغير الله إلى أن قال وعلم أيوب أن في حبس النفس عن الشكوى إلى الله تعالى في دفع الضر مقاومة القهر الإلهي وهو جهل

بالشخص إذ ابتلاه الله تعالى بما تتألم منه نفسه فلا يدعو الله تعالى في إزالة ذلك الأمر المؤلم بل ينبغي له عند المحقق أن يتضرع ويسأل الله في إزالة ذلك عنه فإن ذلك إزالة عن جناب الله تعالى عند العارف صاحب الكشف فإن الله تعالى قد وصف نفسه بأنه يؤذى فقال إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله
وأي أذى أعظم من أن يبتليك ببلاء عند غفلتك عنه أو عن مقام إلهي لا تعلمه لترجع إليه بالشكوى فيرفعه عنك فيصح الإفتقار الذي هو حقيقتك فيرتفع عن الحق الأذى بسؤالك إياه في رفعه عنك إذ أنت صورته الظاهرة إلى أن قال
فعلمنا أن الصبر إنما هو حبس النفس عن الشكوى إلى غير الله تعالى وأعني بالغير وجها خاصا من وجوه الله تعالى وهو المسمى وجه الهوية فتدعوه من ذلك الوجه في رفع الضر عنه لا من الوجوه الأخر المسماة أسبابا وليست إلا هو من حيث

تفضيل الأمر في نفسه
فالعارف لا يحجبه سؤاله هوية الحق في رفع الضر عنه عن أن تكون جميع الأسباب عينه من حيثية خاصة إلخ
أقول قوله وهو جهل بالشخص إلخ
سوء أدب واجتراء على من وقع منه عدم الشكوى في بعض الأوقات من الأكابر كإبراهيم عليه الصلاة في قوله حسبي عن سؤالي علمه بحالي وكأيوب عليه الصلاة في ابتداء أمره فإنه لم يسأل إلا بعد مدة مديدة وغيرهما ممن لا يحصى كثرة في حكاياتهم
وهذا الكلام منه غلط أو مغلطة وإنما العارف الذي يعرف ويراعي الأوقات والأحوال ويعلم أي حال أريد منه فيه ترك الشكوى والصبر وأي حال أريد منه الشكوى إلى جناب الرب وغير ذلك
وقوله بناء على قاعدته الخبيثة فإن ذلك إزالة عن جناب الله تعالى إلخ يقال له أولا أي ضرورة دعته إلى وضعه والتأذي به

وطلب سؤال الكشف إذا كان هوية الواضع والمؤذى والسائل والكاشف إلى غير ذلك
ولا يدفع الإعتراض قوله وأعني بالغير وجها خاصا إلخ لأنه صرح بأن كل فرد من العالم عين الهوية وليس غيرا لها واستدلاله بالآية من جملة إلحاده في آيات الله تعالى في استدلاله بالمتشابه واتباعه الدال على زيغ القلب بالنص
قال في الكلمة اليحياوية عن عيسى عليه السلام أنه أحد الشاهدين على براءة أمه والشاهد الآخر هو الجذع إلخ
أقول هز الجذع لم يكن بحضرة الربانيين الذين قالوا ما قالوا ولم يروا هزه ولا تساقط الرطب فكل هذه عنديات عن خيالات لا عن رواية
قال في الكلمة الزكرياوية في أثناء هذيانات وقد ذكرنا في

الفتوحات أن الأثر لا يكون إلا للمعدوم لا للموجود وإن كان للموجود فبحكم المعدوم وهو علم غريب ومسألة نادرة لا يعلم تحقيقها إلا أصحاب الأوهام فذلك بالذوق عندهم
وأما من لا يؤثر الوهم فيه فهو بعيد عن هذه المسألة
أقول قد أقر بأنه من أصحاب الأوهام الذين أثر الوهم فيهم فصدقنا في نسبة التخيلات إليه والتوهمات وأمنا من مطالبة الإثبات وإن كان ظاهر الثبوت لغير المكابر
ثم انظر إلى قبح قوله إن الأثر لا يكون إلا للمعدوم إلخ
فإنه يستلزم أن لا يكون لله سبحانه تأثير أو يكون معدوما أو محتاجا إلى المعدوم على ما لا يخفى تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا
فانظر إلى هذه الترهات التي نسبها وأسند الأمر بإظهارها إلى رسول اللهولا حول ولا قوة إلا بالله
قال في آخرها ثم إن الرحمة تنال على طريقين طريق الوجوب وهو قوله تعالى فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة
وما قيدهم به من الصفات العلمية والعملية
والطريق الآخر الذي تنال به هذه

الرحمة طريق الإمتنان الإلهي الذي لا يقترن به عمل وهو قوله ورحمتي وسعت كل شيء
ومنه قيل ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر
ومنها قوله اعمل ما شئت فقد غفرت لك فاعلم ذلك
أقول كتابته سبحانه الرحمة لمن كتبها له امتنان منه إذ لا يجب عليه شيء إلا بما أوجبه بوعده منه
وأما الرحمة التي وسعت كل شيء فقد قرر هو نفسه أنها الوجود وهو أيضا امتنان منه لا افتقار كما زعمه في غير هذا الموضع تعالى الله عن ذلك
قال في الكلمة الإلياسية إلياس هو إدريس عليه السلام كان نبيا قبل نوح عليه السلام ورفعه الله تعالى مكانا عليا فهو في قلب الأفلاك ساكن وهو فلك الشمس ثم بعث إلى قرية بعلبك وبعل اسم صنم وبك هو سلطان تلك القرية
وكان هذا الصنم المسمى بعلا مخصوصا بالملك
وكان إلياس الذي هو إدريس عليه السلام قد مثل له انفلاق الجبل المسمى لبنان من اللبانة وهي الحاجة عن

فرس من نار وجميع آلاته من نار
فلما رآه ركب عليه فسقطت عنه الشهوة فكان عقلا بلا شهوة فلم يبق له تعلق بما تتعلق به الأغراض النفسية
فكان الحق فيه منزها فكان على النصف من المعرفة بالله تعالى
أقول انظر إلى هذه الجرأة القبيحة في حق إدريس عليه الصلاة و السلام فيما زعم أما كون إدريس عليه الصلاة و السلام في السماء الرابعة فحق قد أخبر به النبيإذ رآه فيها ليلة المعراج
وأما كونه هو إلياس الذي أرسل إلى بعلبك فكذب فإن إدريس عليه السلام أخنوخ بينه وبين آدم عليه الصلاة

والسلام خمسة آباء واسم أبيه يرد بالراء والدال رويت معجمة ومهملة
وإلياس من بني إسرائيل من ذرية هارون عليه الصلاة و السلام بينه وبين هارون عليه الصلاة و السلام أبوان أو ثلاثة على اختلاف في العدد والأسماء وهو الذي بعث إلى بعلبك
وذكر في قصته أن قومه لما أصروا على كفرهم دعا ربه أن يقبضه إليه فيريحه منهم فقيل له انظر إلى يوم كذا فاخرج فيه إلى بلد كذا فما جاءك من شيء فاركبه ولا تهبه
فخرج وخرج معه أليسع حتى إذا كان بالبلد الذي أمر به أقبل فرس من نار فوقف بين يديه فوثب عليه فانطلق فكساه الله تعالى الريش وألبسه النور وقطع عنه لذة المطعم والمشرب فطار مع الملائكة فكان إنسيا ملكيا سماويا أيضا ذكره ابن الجوزي رحمه الله في تاريخه المسمى بالمنتظم وذكر فيه أنه يقال له إدراس أيضا وإدراسين
وكأن هذا هو الذي غر بعض الحمقى فظنوا إدراس بالألف إدريس بالياء وأنه هو إدريس الذي قبل نوح عليه الصلاة و السلام ومن آبائه
وغفلوا عن عد إلياس في ذرية نوح في قوله تعالى وعيسى وإلياس
وأن الذرية لا تطلق على الآباء إلا بطريق المجاز
وها هنا مانع عن إرادته وهو إرادة الحقيقة قطعا في ما عدا إلياس فلا يراد فيه المجاز على أنه لا قرينة أصلا كيف والمعروف المشهور هو الذي من بني إسرائيل
والأصل عدم الإشتراك
ثم إن جعل سقوط

الشهوة سببا لنقصان المعرفة بالله تعالى من أقطع الحماقات فإن الشهوة هي الحجاب الأعظم عن المعرفة عند أهل الله تعالى ولكن هذا من ديدن هذا المعاند وقاعدته التي أوردته الموارد وهي قاعدة خالف تعرف على ما مر كثيرا ويأتي كثيرا فإنه لشدة ذكائه قصد تحسين ما أجمع على قبحه وتقبيح ما أجمع على حسنه وكل شيء أفرط في نوعه خرج عن حد الإعتدال حتى أنه قد يباين نوعه
ومن هذا ما قال فإن العقل إذا تجرد لنفسه من حيث أخذه العلوم عن نظره كانت معرفته بالله تعالى على التنزيه لا على التشبيه فإذا أعطاه الله تعالى المعرفة بالتجلي كملت معرفته بالله تعالى فنزه في موضع وشبه في موضع ورأى سريان الحق في الصور الطبيعية والعنصرية
وما بقيت له صورة إلا ويرى عين الحق عينها
أقول العقل إذا تجرد عن دواعي الشهوة فأخذ العلوم أخذها عن نظره الصحيح فحصل بذلك لصاحبه علم اليقين فإذا أعطاه الله تعالى المعرفة بالتجلي حصل بذلك عين اليقين ثم حق اليقين ووجود الشهوة لا يمكن قط أن يكون سببا أو شرطا لتجلي الحق بل هو مانع له بإجماع أهل الشريعة والحقيقة
فكيف يكون سقوطها

سببا لنقصان المعرفة الحاصلة بالتجلي فانظر كيف يأتي بالدليل المنافي لمدعاه وذلك نتيجة تحكيم سلطان الوهم عليه حيث قال وهذه هي المعرفة التامة التي جاءت بها الشرائع المنزلة من عند الله تعالى وحكمت بهذه المعرفة الأوهام كلها
أقول لقد كذب والله في جعله ذلك معرفة فضلا عن أن تكون تامة وفي قوله التي جاءت بها الشرائع
وصدق في قوله حكمت بها الأوهام فإنما يحكم بمثل هذا الأوهام الباطلة والخيالات الفاسدة ثم زاد في الحماقة حيث قال ولذلك كانت الأوهام أقوى سلطانا في هذه النشأة من العقول لأن العقل ولو بلغ ما بلغ في عقله لم يخل من حكم الوهم عليه والتصور فيما عقل
فالوهم هو السلطان الأعظم في هذه الصورة الكاملة الإنسانية
أقول هذا سبب خبطه خبط عشواء بل عمياء فيما يأتي به من الدلائل الدالة على خلاف مدعاه
وهو كونه حكم الوهم على نفسه وجعله السلطان الأعظم
والوهم من الخواص الحيوانية والعقل من الخواص الإنسانية
فمن حكم حيوانيته على إنسانيته فماذا يرجى منه غير ذلك

ثم زاد في الكذب بالمكابرة والعناد حيث قال وبه جاءت الشرائع المنزلة فشبهت ونزهت شبهت في التنزيه بالوهم ونزهت في التشبيه بالعقل فارتبط الكل بالكل فلم يتمكن أن يخلو تنزيه عن تشبيه ولا تشبيه عن تنزيه
أقول هذا نتيجة تحكيم الوهم واعتباره وأهل الشرائع من الرسل وأتباعهم بريئون من ذلك فإن الوهم عندهم ساقط الاعتبار ولم يرد له اعتبار أصلا في كتاب ولا سنة ولكن أهل الزيغ دأبهم التقول والبهت
قال قال تعالى ليس كمثله شيء فنزه وشبه وهو السميع البصير فشبه وهي أعظم آية تنزيه نزلت ومع ذلك لم تخل عن تشبيه بالكاف فهو أعلم العلماء بنفسه وما عبر عن نفسه إلا بما ذكرناه
أقول هذا إما جهل عظيم بما يعطيه التركيب الجاري على القوانين العربية الفصحى وإما تجاهل ومغلطة وخداع فإنه لا يفهم من الآية إلا التنزيه المحض على أبلغ وجه على تقدير عدم زيادة الكاف أيضا إذ معناه ليس مثل مثله شيء وهو نفي للمثل بطريق الكناية التي أجمع البلغاء على أنها أبلغ من الصريح إذ لو كان له مثل لم يصدق الكلام لأنه سبحانه يكون مثل ذلك المثل ضرورة كقولنا ليس لأخي زيد أخ فإنه نفى الأخ عن زيد إذ لو كان له أخ لكان

هو أخا فلا يصدق الكلام مع القطع بأن الكلام صادق في الآية فكان نفيا محضا للمثل لا شائبة فيه لثبوت مثل ما أصلا إذ وجوده سبحانه قطعي
وأما قوله إن وهو السميع البصير تشبيه فهو مبني على قاعدته الخبيثة أن الموجودات كلها هي تعالى على زعمه وهو غلط أيضا أو مغلطة فإنه إذا حكم عليه سبحانه بأنه جنس ما يسمع وما يبصر كان كل واحد يشبه الآخر من حيث السمع والبصر لأنا نقول ليس المحكوم عليه كل فرد بل الفرد الجامع لكل فرد
ولا نظير له ولا مثل على تقدير صحة قاعدته أيضا فتأمل نعم قد يدعي بطريق الوهم الذي حكمه أن كل فرد جامع لكل فرد لكن يناقضه قوله في موضع آخر بعد هذا ولا نشك أن عمرا ما هو زيد ولا خالد ولا جعفر على أن الكلام مع من يحكم الوهم ويجعله السلطان الأعظم ضائع بل المفيد في الرد عليه كما في السوفسطائية أن يحرق بالنار ويقال له توهم أنها نور بارد معتدل فيه اللذة العظمى
قال ثم قال سبحان ربك رب العزة عما يصفون وما يصونه إلا بما تعطيه عقولهم
فنزه نفسه عن تنزيههم إذ حددوه بذلك التنزيه وذلك لقصور العقول عن إدراك مثل هذا أقول هذا أيضا من جملة إلحاده في آيات الله تعالى والعدول بها

عما أريد بها وهو ظاهر البطلان إذ الضمير فيه لا يصح أن يعود إلى أرباب العقول الصحيحة الذين نزهوه لعدم ذكرهم
بل هو راجع إلى أصحاب الأوهام الفاسدة الذين تقدم ذكرهم في قوله تعالى ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون
وأنت منهم أيها الملحد لأنك تزعم أنه الوالد والمولود فقد صححت قولهم بوهمك الذي حكمته فإنما نزه نفسه سبحانه عن وصفهم ووصفك إياه بالأوصاف الباطلة
وقولك إنهم حددوه بذلك التنزيه كذب إذ الوصف بالكمال المطلق ليس بتحديد لأنه جنس له ليخرج بفصل
قال ثم جاءت الشرائع كلها بما تحكم به الأوهام
فلم تخل الحق عن صفة يظهر فيها كذا قالت وبذا جاءت
فعملت الأمم على ذلك فأعطاها الحق التجلي فلحقت بالرسل وراثه فنطقت بما نطقت به رسل الله تعالى الله أعلم حيث يجعل رسالته
أقول هو كذب باطل والمبني على الباطل باطل وهو إلحاق طائفته المبتدعين للمتشابه بالرسل من حيث الوراثة
وقوله الله أعلم حيث يجعل رسالته كلام حق أراد به باطلا ثم بنى على ما أسس حيث قال وأن المتجلي في صورة

بحكم استعداد تلك الصورة فينسب إليه ما تعطيه حقيقتها ولوازمها لا بد من ذلك مثل من يرى الحق في النوم ولا ينكر هذا وأنه لا شك الحق عينه فتتبعه لوازم تلك الصورة وحقائقها التي تجلى فيها في النوم ثم بعد ذلك يعبر أي يجاز عنها إلى أمر آخر يقتضي التنزيه عقلا فإن كان الذي يعبرها ذا كشف وإيمان فلا يجوز عنها إلى تنزيه فقط بل يعطيها حقها من التنزيه ومما ظهرت فيه
فالله على التحقيق عبارة لمن فهم الإشارة
أقول انظر إلى هذا الكلام وقبح ما آل إليه وهو الحكم بأن الله تعالى عبارة لا ذات ويلزم منه كونه غير قائم بنفسه بل قيامه بصور العالم وقد قرر في موضع آخر أن الصور صوره والعالم فيه معقول ومتوهم وقد قررنا مرارا أن تناقضاته لا تنحصر كثرة أنه يلتزم ذلك لأنه التزم جميع الاعتقادات وأن العالم كله أعراض وغير ذلك مما يتخلص به من مثل هذه الاعتراضات وإن كان أصله فاسدا فلا يفيد معه إلا ما يفيد مع السوفسطائية كما ذكرناه غير مرة ثم ساق الهذيان إلى أن قال ومن ذلك قوله تعالى ادعوني أستجب لكم
وقال تعالى وإذا سألك عبادي عنى فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان إذ لا يكون مجيبا إلا إذا كان من يدعوه غيره وإن

كان عين الداعي عين المجيب
فلا خلاف في اختلاف الصور فهما صورتان بلا شك
وتلك الصور كلها كالأعضاء لزيد فمعلوم أن زيدا حقيقة واحدة شخصية وأن يده ليست صورة رجله ولا رأسه ولا عينه ولا حاجبه فهو الكثير الواحد الكثير بالصور الواحد بالعين كالإنسان بالعين واحد بلا شك ولا نشك أن عمرا ما هو زيد ولا خالد ولا جعفر إلخ
أقول هذا ما قررناه فيما سبق قريبا
والقاعدة معلومة إلا أن التمثيل الأول غير صحيح إذ لا يقال ليد زيد زيد وكذا الثاني إذ الإنسان الذي هو واحد في الكل ليس بعين فتأمل ثم إنه استوضح على تحول الحق في الصور بما ورد في الصحيح من تجليه سبحانه يوم القيامة في الصورة التي تنكر ثم في الصورة التي تعرف وهو هو في الصورتين وقرر ما قرر من التشبيه برؤية الصور في المرآة
وهذا الاستيضاح السفل الجواب عنه عسر جدا إلا أن يقال إن له سبحانه صفات عرفنا إياها وصفات استأثر بها لم يعرفنا إياها
وأحوال الآخرة وما فيها من الوجدانيات التي لا عين رأت ولا

إذن سمعت ولا خطر على قلب بشر لا يمكن القياس عليها
فكيف يصح الاستدلال بها على ما قرر من الأباطيل المباينة للشرع والعقل المؤدية إلى وصفه تعالى بالصفات القبيحة المضادة لما عليه إجماع أهل الشرع والحقائق من المسلمين والكفار فلعنة الله تعالى والملائكة والناس أجمعين على هذه الطائفة بما ابتدعت من هذه الخبائث وسمتها حقائق
ثم أتبع ذلك بما قال والدليل على ذلك وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى والعين ما أدركت إلا الصورة المحمدية التي ثبت لها الرمي في الحس وهي التي نفى الله الرمي عنها أولا ثم أثبته لها وسطا ثم عاد بالاستدراك أن الله هو الرامي في صورة محمدية إلخ
أقول هو سبحانه المقدر على كسب العبد للفعل والخالق للفعل فبذلك قال وما رميت إذ رميت ولو كان كما زعم هذا المحرف من القاعدة لما صح النفي ولا الاستدراك فإن الصورة المحمدية ليست غيره على ما قرره من قاعدته الخبيثة وإذا كانت الصورة إنما هي الحق بزعمه الباطل يكون تقدير الكلام وما رميت أنا في صورتك إذ رميت أنا في صورتك ولكني رميت وهذا كما ترى كلام لا طائل تحته بل المعنى عند أهل الحق والإيمان الصحيح وما رميت حقيقة خلقا وإيجادا إذ رميت

مجازا وكسبا ولكن الله هو الذي رمى حقيقة بخلقه ذلك الرمي وإيجاده إياه
وهكذا جميع الأفعال المضافة إلى العباد
وقوله سبحانه حق وخبره صدق كما علمه العلماء وآمن به المؤمنون على الوجه الحق الصحيح الخالص من الشوائب الجامع بين الحقيقة والشريعة قال ومما يدلك على ضعف النظر العقلي من حيث فكره كون العقل يحكم على العلة أنها لا تكون معلولة لمن هي علة له هذا حكم العقل لا خفاء به وما في علم التجلي إلا هذا وهو أن العلة تكون معلولة لمن هي علة له
والذي حكم به العقل صحيح مع التحرير في النظر وغايته في ذلك أنه يقول إذا رأى الأمر على خلاف ما أعطاه الدليل النظري أن العين بعد أن ثبت أنها واحدة في هذا الكثير فمن حيث هي علة في صورة من هذه الصور لمعلول ما فلا تكون معلولة لمعلولها في حال كونها علة بل ينتقل الحكم بانتقالها في الصور فتكون معلولة لمعلولها فيصير معلولها علة لها

هذا غايته إذا كان قد رأى الأمر على ما هو عليه ولم يقف مع نظره الفكري
أقول انظر إلى استدلاله بما لا يصلح دليلا وهو الكشف ثم الاعتراف بصحة حكم العقل وتأويل ما يرى حال التجلي مما يخالف حكم العقل بما لا يرده العقل من اختلاف الحيثية
ثم كيف بنى على ذلك حيث قال وإذا كان الأمر في العلية بهذه المثابة فما ظنك باتساع النظر العقلي في غير هذا المضيق فلا أعقل من الرسل صلوات الله تعالى عليهم وسلامه وقد جاءوا بما جاءوا به في الخبر عن الجناب الإلهي فأثبتوا ما أثبته العقل وزادوا ما لا يستقل العقل بإدراكه وما يحيله العقل رأسا ويقر به في التجلي
فإذا خلا بعد التجلي بنفسه حار فيما رآه فإن كان عبد رب رد العقل إليه وإن كان عبد نظر رد الحق إلى حكمه
أقول كون الرسل قد جاءت بما يحيله العقل رأسا غير مسلم ولا يتم أن المتشابهات التي هي مراده بقوله هذا مما يحيله العقل إلا إذا أريد بها حقائق ظواهرها كما يدعيه هو وطائفته لأجل إثبات قاعدتهم الخبيثة من أنه تعالى عين صور العالم
أما إذا أريد بها أن له سبحانه صفات تطلق عليها هذه الألفاظ فهي ليست مما يحيله

العقل فإن العقل كما لا يحيل كون ذاته تعالى شيئا لا كالأشياء التي ندركها كذلك لا يحيل أن كل صفة من صفاته صفة لا كالصفة التي نألفها ونعرفها
وكذلك ما يسمى به من أسماء ويذكر عنه من أفعال على هذه الوتيرة
وادعائهم أن التجلي يعطي أن ذلك كله على ما هو المعهود والمألوف عندنا دعوى بلا دليل فإن الكشف كالإلهام لا يصلح دليلا لأنه يعارض بمثله
ولا يمكن إثبات الأولوية
ثم إنه انتقل إلى دعوى أخرى فقال وهذا لا يكون إلا ما دام في هذه النشأة الدنياوية محجوبا عن نشأته الأخراوية في الدنيا
فإن العارفين يظهرون هنا كأنهم في الصورة الدنياوية لما يجري عليهم من أحكامها والله تعالى قد حولهم في بواطنهم في النشأة الأخراوية لا بد من ذلك
فهم بالصورة مجهولون إلا لمن كشف الله تعالى عن بصيرته فأدرك فما من عارف بالله تعالى من حيث التجلي الإلهي إلا وهو على النشأة الآخرة قد حشر

في دنياه وينشر في قبره فهو يرى ما لا ترون ويشهد ما لا تشهدون عناية من الله تعالى ببعض عباده في ذلك أقول هذه كلها دعاوى مجردة لا تفيد فليت شعري ما الفائدة في ذكرها وإيداعها في الكتب
وإسناد ذلك إلى أمر النبيبه حيث كانت لا تفيد علما ولا حالا إلا أن يقولوا إنها تفيد شوقا وهميا وما أقل جدواه وما أعظم خطره وبلواه فإن تصديقه والانقياد له يورث الزندقة والانسلاخ من الشرائع على ما تقتضيه قواعده المقررة المتكررة
فكيف يأمر بذلك النبيوهو أخوف الناس من إدخال الشبه على أمته في دينهم
ثم انظر إلى ما قال قال فمن أراد العثور على هذه الحكمة الإلياسية الإدريسية الذي أنشأه الله تعالى بنشأتين وكان نبيا قبل نوح عليه السلام ثم رفع ونزل رسولا بعد ذلك فجمع الله تعالى له منزلتين فلينزل عن حكم عقله إلى شهوته ويكون حيوانا مطلقا

حتى يكشف ما تكشفه كل دابة ما عدا الثقلين فحينئذ يعلم أنه قد تحقق بحيوانيته
وعلامته علامتان الواحدة هذا الكشف فيرى من يعذب في قبره ومن ينعم ويرى الميت حيا والصامت والقاعد ماشيا
أقول انظر إلى هذه الحماقات والخرافات أولا الكذب على إدريس عليه الصلاة و السلام كما قدمنا وثانيا أنه لم يذكر أن إلياس نزل عن حكم عقله إلى شهوته وثالثا أمره بالنزول عن حكم العقل إلى الشهوة ليكون حيوانا مطلقا ولم يعهد مثله قط في شريعة ولا طريقة بل ترك مقتضى العقل إلى الشهوة مذموم مطلقا والله سبحانه حين بالغ في ذم الكفار شبههم بالحيوانات إن هم إلا كالأنعام ويأكلون كما تأكل الأنعام فمثله كمثل الكلب
ولكن هذا جار من هذا الشخص على قاعدة خالف تعرف
ثم انظر إلى ما ذكره من فائدة الكون حيوانا وهو أن يكشف له عن سماع عذاب الميت كما ورد أنه يسمع ضربة الكافر أو المنافق عند سؤاله في القبر غير الثقلين فليت شعري ماذا يحصل

له من المراتب الدنياوية أو الأخراوية
بهذا الكشف وقد حجبه الله تعالى عنا رحمة بنا ولم يحجبه من الحيوان لعدم تضرره به لعدم عقله لا لكرامته عليه
قال والعلامة الثانية الخرس بحيث لو أراد أن ينطق بما رآه لم يقدر فحينئذ يتحقق بحيوانيته وكان لنا تلميذ قد حصل له هذا الكشف غير أنه لم يحفظ عليه الخرس فلم يتحقق بحيوانيته ولما أقامني الله تعالى في هذا المقام تحققت بحيوانيتي تحققا كليا فكنت أرى وأريد النطق بما أشاهد فلا أستطيع فكنت لا أفرق بيني وبين الخرس الذين لا يتكلمون
أقول لوددنا أن لو كان تم لك الخرس ودام وانضم إليه الشلل فلا كنت تكلمت بما تكلمت ولا كتبته ولكن الله تعالى يفعل ما يريد ولو شاء ما خلق الشيطان ولا أمهله ولكن اقتضت حكمته ذلك ليتبين من يثبت على الهدى بالتوفيق ممن هو على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم ومن يظلل الله فما له من هاد
ثم يقال له إذا كنت قد أسلخت من عقلك والتحقت بمطلق الحيوان فمن أين لك إرادة النطق وهذه الإرادة لا توجد في الحيوان وكيف شعرت بها والحيوان لا يشعر بذلك على أنه يلزم من

ذلك فعل ما لا يقبح من الحيوان من كشف السوءة والسفاد جهارا وعدم وجوب الأحكام الشرعية وسائر القبائح التي حرم السكوت من أجلها فلعن الله مذهبا أصوله هكذا
ثم انساب إلى ما هو أصل مراده من هذه المقدمات فقال فإذا تحقق بما ذكرناه انتقل إلى أن يكون عقلا مجردا في غير مادة طبيعية فيشهد أمورا هي أصول لما يظهر في الصورة الطبيعية فيعلم من أين ظهر هذا الحكم في صور الطبيعة علما ذوقيا
فإن كوشف على أن الطبيعة عين نفس الرحمن فقد أوتي خيرا كثيرا وإن اقتصر معه على ما ذكرناه فهذا القدر يكفيه من المعرفة الحاكمة على عقله فيلحق بالعارفين ويعرف عند ذلك ذوقا فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم
وما قتلهم إلا الحديد والضارب والذي خلف هذه الصور فبالمجموع وقع القتل والرمي فيشاهد الأمور بأصولها وصورها فيكون تاما
فإن شهد النفس كان مع التمام كاملا فلا يرى إلا الله تعالى عين ما يرى
فيرى الرائي عين المرئي
أقول قال شارحه القيصري فيعلم ذوقا أن الأمور الكلية كيف تنزل وتصير جزئيته محسوسة مصورة بصورة الطبيعة العنصرية من

عين تنزل روحه المجردة إلى هذه الصورة الإنسانية والمقام الحيوانية ويزحزحها إلى مقامها الأصلي ويحققها بالعهد الإلهي ليعرف كيفية تنزيلات الذات الإلهية من مقام الأحدية والواحدية إلى المرآة الكونية وظهورها في جميع مراتب العوالم السفلية والعلوية
شريفها وخسيسها عظيمها وحقيرها فيشاهد الحق في جميع مراتب الوجود شهودا حاليا فيفوز بالسعادة العظمى والمرتبة الكبرى انتهى
فهذا ونحوه من كلام هذه الطائفة يدلك على أن تصوفهم كتصوف الفلاسفة نهايته الابتهاج بالعلم بحقائق مباديء الأشياء ونهاياتها
والعارف والسعيد من حصل له ذلك وليس كتصوف المسلمين الذي نهايته الاستغراق بمشاهدة الحق والابتهاج بها
والعارف والسعيد من جاهد في الله أو جذبته منه عناية حتى أوصلته إلى ذلك
قال القشيري رحمة الله تعالى عليه في الرسالة وعند هؤلاء

القوم المعرفة صفة من عرف الحق تعالى بأسمائه وصفاته ثم صدق الله في معاملاته ثم تنقى عن أخلاقه الردية وآفاته ثم طال بالباب وقوفه ودام بالقلب اعتكافه فحظي من الله تعالى بجميل إقباله وصدق الله تعالى في جميع أحواله وانقطع عنه هواجس نفسه ولم يصغ بقلبه إلى خاطر يدعوه إلى غيره
فإذا صار من الخلق أجنبيا ومن آفات نفسه بريئا ومن المشكلات والملاحظات نقيا ودام في السر مع الله تعالى مناجاته وحق في كل لحظة إليه رجوعه وصار محدثا من قبل الحق بتعريف أسراره فيما يجريه من تصريف أقداره سمي عند ذلك عارفا وتسمى حالته معرفة
ولقد ذكر في الرسالة فوق أربعين قولا في نعت المعرفة والعارف عن المشايخ المجمع عليهم علما وعملا وحالا ليس فيها ما يخرج عن ما قاله القشيري رحمة الله تعالى عليه ولا ما يوافق قول هذه الطائفة إلا أن يلحدوا في تأويله على غير مراد قائله كما يلحدون في آيات الله تعالى وكلام رسول اللهمكابرة وعنادا
فهؤلاء والفلاسفة تقشفوا واجتهدوا في الرياضات والتصفية طلبا لما تصوروه فحصل لهم نتيحة ذلك في الدنيا ما حصل للفلاسفة من تحرير الحدسيات التي وضعوها وحرروها فانتفع بها الناس بعض الانتفاع وإن كان بناؤها على ما زعموه غير

مسلم
فحصل لهم في الدنيا ما نووه وقصدوه من اجتهادهم
وأما هذه الطائفة فخيل لهم الشيطان ما خيل وسول لهم ما سول فجدوا واجتهدوا في الرياضات والتصفية والخلوة بنية الوصول إلى أن يظهر الحق فيهم فيكونوا مباديء للتصرف وما هو من خصائص الألوهية فحصل لهم من جهدهم في الدنيا بعض الخوارق المبنية على التصفية لا على صحة الطريق حكمة من العزيز الحكيم فاغتروا بذلك وحكموا بصحة ما كانوا تخيلوه فضلوا وأضلوا وكلا الطائفتين داخل تحت قوله تعالى قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا الآية
وقوله تعالى وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا وقوله تعالى وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون فإن جزاء سعيهم قد حصل لهم في الدنيا إذ الأعمال بالنيات
وكلامهم دال على ما قلناه دلالة جلية لمن فهم وأنصف ولم يعاند بلاياهم ولكنه غير ظاهر فنسأل الله تعالى أن يثبتنا على صراطه المستقيم الذي قال فيه وأن هذا صرطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله وأن يعيذنا من الفتن ما ظهر منها وما

بطن فإنه حسبنا ونعم الوكيل
قال في الكلمة اللقمانية فنبه لقمان بما تكلم به وبما سكت عنه أن الحق عين كل معلوم إلخ
أقول هذا من جملة الإلحاد في كلام أولياء الله تعالى كما ألحد في كلام الله تعالى وأنبيائه ومنه قوله تعالى إن الله لطيف ومن لطافته ولطفه أنه في الشيء المسمى كذا المحدود بكذا عين ذلك الشيء إلخ
إلى أن قال كما تقول الاشاعرة إن العالم كله متماثل الجوهر فهو جوهر واحد فهو عين قولنا العين واحدة
ثم قالت ويختلف بالأعراض وهو قولنا ويختلف ويتكثر بالصور والنسب حتى يتميز فيقال هذا ليس هذا من حيث صورته أو عرضه أو مزاجه كيف شئت فقل وهذا عين هذا من حيث جوهره ولهذا يؤخذ عين الجوهر في حد كل صورة ومزاج فنقول نحن إنه ليس سوى الحق ويظن المتكلم أن مسمى الجوهر وإن كان حقا ما هو عين الحق الذي يطلقه أهل الكشف والتجلي
أقول انظر كيف يصرح بأن الجوهر الذي يؤخذ في الحدود مثل النار جوهر محرق والماء جوهر سيال ونحو ذلك هو عين الحق وصاحب علم الكلام يظنه غيره ثم انساب في الهذيان إلى أن قال

وأما حكمة وصيته في نهيه إياه يعني ابنه أن لا يشرك بالله فإن الشرك لظلم عظيم
أقول قال شارحه الجامي جواب أما حذف تقديره فتنبيهه لابنه على أن حقيقة الشرك منتفية في نفس الأمر
وإنما حذفه لقرينة المقام حيث قال والمظلوم المقام حيث نعته بالانقسام وهو عين واحدة فإنه لا يشرك معه إلا عينه وهذا غاية الجهل
وسبب ذلك أن الشخص الذي لا معرفة له بالأمر على ما هو عليه ولا بحقيقة الشيء إذا اختلفت عليه الصور في العين الواحدة وهو لا يعرف أن ذلك الاختلاف في عين واحدة جعل الصورة مشاركة للأخرى في ذلك المقام فجعل لكل صورة جزءا من ذلك المقام
ومعلوم في الشريك أن الأمر الذي يخصه مما وقعت فيه المشاركة ليس عين الآخر الذي شاركه إذ هو للآخر فإذن ما ثم شريك على الحقيقة فإن كل واحد على حظه مما قيل فيه إن بينهما مشاركة فيه
وهو سبب ذلك الشركة المشاعة وإن

كانت مشاعة فإن التصريف من أحدهما يزيل الإشاعة قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمان هذا روح المسألة
أقول قال شارحه الجامي ولما أبطل الشركة التي يشقى صاحبها بوجهيه أي التجزئة والإشاعة أشار إلى شركة يسعد صاحبها باعتقادها والقول بها بقوله قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن
وقال شارحه القيصري عنه أنه ذكر في فتوحاته في فصل الأولياء المشرك بالله
فلا تجزع من أجل الشريك الذي يشقى صاحبه فإن ذلك ليس بمشرك حقيقة وأنت هو المشرك على الحقيقة لأنه من شأن الشركة اتحاد العين المشترك فيها فيكون لكل واحد الحكم فيه على السواء وإلا فليس بشريك مطلق وهو الشريك الذي اشتبه الشقي من لم يتوارد مع الله تعالى على أمر يقع فيه الاشتراك
فليس بمشرك على الحقيقة بخلاف السعيد فإنه أشرك الاسم الرحمن بالاسم الله وبالأسماء كلها في الدلالة على الذات وفي الجامعية للأسماء والصفات
فهو أقوى في الشرك من هذا فإن الأول شريك من دعوى كاذبة وهذا أثبت شريكا بدعوى صادقة فغفر لهذا المشرك لصدقه ولم يغفر لذلك المشرك لكذبه فهذا أولى باسم المشرك من الآخر والله هو الغفور الرحيم
انتهى
فانظر إلى هذه المقالات والروغان عن الحق والإلحاد
أما أولا فبالميل بالألفاظ الشرعية الخاصة إلى اللغوية العامة ومعلوم عند كل غير معاند أن الشرك في الآية ليس مطلق الشرك

بل هو اعتقاد الإشتراك بين ذاتين في استحقاقهما العبادة
وثانيا أن الأمر الذي وقع فيه الاشتراك المنهي عنه ليس هو الجزء المسلم إلى كل شريك على ما زعم بقوله ليس عين الآخر الذي شاركه إذ هو للآخر إلخ
بل الذي وقع فيه الاشتراك هو نفس استحقاق العبادة الذي اعتقده المشرك وهو باق على شيوعه
وثالثا أن المعنى المذكور الذي هو اعتقاد استحقاق العبادة ليس مشتركا بين لفظي الله والرحمن فإن الأسماء من حيث هي أسماء لا تعبد وإن عاند من عاند وإنما يعبد المسمى سبحانه وتعالى وهو واحد أحد فرد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد
وفي هذا كفاية لمن له دراية والله تعالى ولي التوفيق والهداية
قال في الكلمة الهارونية وسبب ذلك عدم التثبت في النظر فيما كان في يديه إلخ
أقول هذا من جملة إساءته الأدب مع الأنبياء صلوات الله تعالى عليهم وسلامه
قال وكان موسى عليه السلام أعلم بالأمر من هارون عليه السلام لأنه علم ما عبده أصحاب العجل لعلمه أن الله تعالى

قضى أن لا يعبد إلا إياه
وما حكم الله تعالى بشيء إلا وقع
فكان عتب موسى أخاه هارون لما وقع الأمر في إنكاره وعدم اتساعه
فإن العارف من يرى الحق في كل شيء بل يراه عين كل شيء
فكان موسى عليه السلام يربي هارون عليه السلام تربية علم وإن كان أصغر منه في السن
أقول لقد كذب على نبي الله تعالى وألحد وعاند حتى أن شارحه القيصري أنكر عليه ذلك من وجه حيث قال واعلم أن هذا الكلام وإن كان حقا من حيث الولاية والباطن لكن لا يصح من حيث النبوة والظاهر فإن النبي يجب عليه إنكار العبادة للأرباب الجزئية كما يجب عليه إرشاد الأمة إلى الحق المطلق لذلك أنكر جميع الأنبياء عبادة الأصنام وإن كانت مظاهر للهوية الإلهيه وإنكار هارون عبادة العجل من حيث كونه نبيا حق إلا أن يكون محمولا على أن موسى عليه السلام علم بالكشف أنه ذهل عن شهود الحق الظاهر في صورة العجل فأراد أن ينبهه على ذلك وهو عين التربية والإرشاد منه
وإنكاره عليه السلام على السامري وعجله على بصيرة
فإن إنكار الأنبياء والأولياء لعبادة الأصنام التي هي المظاهر ليس كإنكار المحجوبين فإنهم يرون الحق مع كل شيء بخلاف غيرهم
بل ذلك لتخليصهم عند التقيد بصورة خاصة ومجلى معين إذ فيه إنكار باقي المجالي وهو عين الضلال انتهى
فهؤلاء كما ترى هذه قاعدتهم الخبيثة التي بنوا عليها مذهبهم الخبيث الباطل وزعموا أن الولاية

تدرك على غير ما جاءت به النبوة
وأن النبوة باعتبار الظاهر والباطن
والذي يحصل بالولاية يخالفه وهو الحقيقة وهذا كله كذب وإلحاد وزندقة
فإن الحقيقة مكملة للشريعة لا مبطلة لها
ولكن الكلام معهم لا يفيد وإلا فكلام الصوفية المسلمين فيه الكفاية لغير المعاند
قال القشيري رحمه الله في الرسالة الشريعة أمر بالتزام العبودية
والحقيقة مشاهدة الربوبية وكل شريعة غير مؤيدة بالحقيقة فغير مقبولة وكل حقيقة غير مقيدة بالشريعة فغير محصولة
فالشريعة جاءت بتكليف الخلق والحقيقة إنباء عن تصريف الحق فالشريعة أن تعبده والحقيقة أن تشهده
والشريعة قيام بما أمر والحقيقة شهود لما قضى وقدر وأخفى وأظهر سمعت الأستاذ أبا علي رحمه الله قوله تعالى إياك نعبد حفظ للشريعة وإياك نستعين إقرار بالحقيقة واعلم أن الشريعة

حقيقة من حيث أنها وجبت بأمره والحقيقة أيضا شريعة من حيث أن المعارف به سبحانه أيضا وجبت بأمره انتهى
فانظر إلى هذا الكلام الذي لا غبار عليه ولا دخان ولا تلبيس يخالطه ولا بهتان ولله در القائل
ويا أيها الصوفي خف من فصوصه ... خواتم سوء غيرها بالخناصر
وخذ نهج سهل والجنيد وصالح ... وقوم مضوا مثل النجوم الزواهر
على الحق كانوا ليس فيهم لوحدة ... ولا لحول الحق ذكر لذاكر
رجال رأوا ما الدار دار إقامة ... لقوم ولكن بلغة للمسافر

أولئك أهل الله فالزم طريقهم ... وعد عن دواعي الابتداع الكوافر
فلاسفة باسم التصوف أظهروا ... عقائد كفر بالمهيمن ظاهر
وقالوا اطمئنوا أيها الناس وآمنوا ... قدر وعيد ليس بأمر
والله يهدي من يشاء
قال ولذا لما قال هارون ما قال رجع إلى السامري فقال له فما خطبك يا سامري يعني فيما صنعت من عدولك إلى صورة العجل على الاختصاص وصنعك هذا الشبح من حلي القوم حتى أخذت بقلوبهم من أجل أموالهم
فإن عيسى عليه السلام يقول لبني إسرائيل يا بني إسرائيل قلب كل إنسان حيث ماله فاجعلوا أموالكم في السماء تكن قلوبكم في السماء
أقول الأموال لم تكن لهم وإنما كانت للقبط كانوا قد استعاروها منهم ولم يملكوها لأن الغنائم لم تحل لغير هذه الأمة

قال وقال له وانظر إلى إلهك فسماه إلها بطريق التنبيه للتعليم لما علم أنه بعض المجالي الإلهية
أقول كذب عدو الله وإنما سماه إلها نظرا إلى اعتقاده ولهذا أضافه إليه
وتهكما به حيث يتخذ إلها يحرق
ثم ذكر أمر التسخير إلى أن عاد إلى قاعدته الخبيثة المكروهة فقال ولذلك تسمى الحق لنا برفيع الدرجات ولم يقل رفيع الدرجة
فكثر الدرجات في عين واحدة
فإنه قضى أن لا يعبد إلا إياه في درجات كثيرة مختلفة أعطت كل درجة مجلى إلهيا عبد فيها
وأعظم مجلى عبد فيه وأعلاه الهوى كما قال أفرءيت من اتخذ إلاهه هواه فهو أعظم معبود فإنه لا يعبد شيء إلا به ولا يعبد هو إلا بذاته إلى آخر ما ذكر
أقول هذا هو الضلال البعيد المخالف للحق السديد وهو أن العبادة على عدم مخالفة هوى النفس المذكور في الآية فإنه ما ذكر على سبيل المدح بل على سبيل الذم البليغ ولكن دأب ذلك

الضال قلب الموضوع بمدح المذموم وذم الممدوح فالله تعالى يقابله على ما انتحل
وقوله حتى إن عبادة الله تعالى كانت هوى أيضا إلخ
تلبيس ومغلطة فإن كون عبادة الله تعالى عن الهوى ليس المراد هوى المذكور في الآية المذكورة بل المراد به الهوى الذي هو بمعنى المحبة
ثم كل ما بناه على قاعدته الفاسدة فلا شك في فساده لمن وفقه الله تعالى
ثم تمادى على ذلك إلى أن قال وأما العارفون بالأمر على ما هو عليه فيظهرون بصورة الإنكار لما عبد من الصور لأن مرتبتهم في العلم تعطيهم أن يكونوا بحكم الوقت حكم الرسول الذي آمنوا به عليهم الذي به سموا مؤمنين
فهم عباد الوقت مع علمهم بأنهم ما عبدوا من تلك الصور أعيانها وإنما عبدوا الله فيها لحكم سلطان التجلي الذي عرفوه منهم وجهله المنكر الذي لا علم له بما تجلى ويستره العارف المكمل من نبي ورسول ووارث عنهم
فأمرهم بالانتزاح عن تلك

الصور لما انتزح عنها رسول الوقت اتباعا للرسول طمعا في محبة الله تعالى إياهم بقوله قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله
أقول فيقال له فلأي شيء لم تسترهم مع زعمك أنك وارث وعارف ولأي شيء ما اتبعت الرسول في ستره ولم تطمع في محبة الله تعالى باتباعه كما طمع العارفون على زعمك وليت شعري ما الفائدة في ذكره وإفشائه إلا الاعتقاد والانسلاخ من الشرائع
فإن كانت معارف وحقائق كما تزعم فهي لا تنال بالتعليم والتعلم وإنما تنال بالذوق والكشف كما تدعيه فمن ذاقها كفاه ذوقها ولا حاجة إلى تعليمك وإن كان إفشاؤها وذكرها وإثباتها بالأدلة التي تشينها بها لأجل أن لا ينكر على من يعمل بمقتضاها ففي ذلك كما عرفت به مخالفة الرسل عليهم الصلاة والسلام وحرمان محبة الله تعالى بعدم اتباعهم فقد أتيت بما يرد به عليك كما هو شأن المتحير فإن الله لا يهدى من يضل وما لهم من ناصرين
ولا ينفعك إسناد ذلك إلى أمر الرسولفي الواقعة فإنها لا تعارض ما صح وتواتر عنه وعن جميع

الأنبياء والرسل والعارفين الطامعين في محبة الله تعالى على أنه لو كان كما زعمت لكان ذلك الإنكار من الرسل ومتابعيهم على سبيل الاستحباب والأولوية ولم يكن على أبلغ وجوه الوجوب بحيث أمروا بالقتال والتفاني وتحمل الأذى البليغ في الدعوة إلى ترك ذلك على ما لا يخفى عند من له أدنى بصيرة ومن يضلل الله فما له من هاد
قال في الكلمة الموسوية حكمة قتل الأبناء ليعود إليه بالإمداد حياة كل من قتل من أجله لأنه قتل على أنه موسى
أقول هذا هذيان لا يضر ولا ينفع وأشده هذيانا قوله إن الصغير يفعل في الكبير واستدلاله على ذلك بما استدل سيما قوله إن الصغير حديث بربه لأنه حديث التكوين والكبير أبعد إلخ
فإنه يقال له إذا كانت صورة الكبير والصغير والمطر عين الحق كما زعمت فكيف يتأتى أو يتصور القرب والبعد

فإن قلت بالنظر إلى الصور
يقال لك صورة الصغير ليس لها قرب إلا بالعدم فهل سمي العدم ربا على أنك تزعم أن الأعيان دائما في التجدد فلا يمكن أن تكون صورة أقرب من صورة في التكوين أصلا وإنما هذه هذيانات ومغاليط تخيل بها على الحمقى الذين ألقوا إليك العنان قائلين صدق والأمر على من أمد الله بصيرته بالتنوير
ثم أستمر على ذلك الهذيان إلى قال كذلك تدبير الحق العالم ما دبره إلا به أو بصورته فما دبره إلا به كتوقف الولد على إيجاد الوالد والمسببات على أسبابها والمشروطات على شروطها والمعلولات على عللها والمدلولات على أدلتها والمحققات على حقائقها
وكل ذلك من العالم وهو تدبير الحق فيه
فما دبره إلا به
وأما قولنا أو بصورته أعني صورة العالم فأعني به الأسماء الحسنى والصفات العلى التي تسمى الحق بها أو اتصف بها
فما وصل إلينا من اسم تسمى به إلا وجدنا معنى ذلك الاسم وروحه في العالم
فما دبر العالم أيضا إلا بصورة العالم
أقول انظر إلى هذه الجرأة في حصره تدبير الحق سبحانه العالم على العالم وهو يؤدي إلى افتقاره سبحانه إلى العالم في إيجاده

وإلى توقف الشيء على نفسه أو إلى قدم العالم وعدم افتقاره إلى الصانع وذلك هو الضلال المبين بل الأسباب ومسبباتها وجميع ما ذكر بمحض قدرته سبحانه الذاتية لم يحتج في تدبير ذرة من العالم إلى شيء من المحدثات تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا
قال كذلك ليس شيء في هذا العالم إلا وهو مسخر لهذا الإنسان لما تعطيه حقيقة صورته
فقال تعالى وسخر لكم ما في السمواتوما في الأرض جميعا منه
فكل ما في العالم تحت تسخير الإنسان علم ذلك من علمه وهو الإنسان الكامل وجهل ذلك من جهله وهو الإنسان الحيوان
أقول قوله تحت تسخير الإنسان غير صحيح فإن الإنسان ليس فاعل التسخير ولا مفعوله يرد الأول قوله سخر لكم
والثاني ظاهر
ثم ساح في الهذيان إلى أن قال فالهدى هو أن يهتدي الإنسان إلى الحيرة فيعلم أن الأمر حيرة والحيرة قلق وحركة والحركة حياة فلا سكون ولا موت ووجود فلا عدم
أقول انظر إلى هذه الخرافات والهذيانات التي لا نفع لها في دين ولا دنيا وهو يتمدح بها ويدعي الكمال
وقد أضاع طرفا من عمره في هذا البحث وليس ذلك إلا حرصا على أن يتبع على مذهبه

الباطل وقاعدته الخبيثة بما فتنه الله به من زخارف الكلام التي هي كالسراب تغر ولا طائل تحتها
ثم انساب في هذيانه إلى أن رجع إلى قاعدته بحسن تخلص فقال فكانت الزوجية التي هي الشفعية لها يعني للأرض بما تولد منها وظهر عنها كذلك وجود الحق كانت الكثرة له وتعداد الأسماء أنه كذا وكذا بما ظهر عنه من العالم الذي يطلب بنشأته حقائق الأسماء الإلهية فثبت به وبخالقه أحدية الكثرة وقد كان أحدي العين من حيث ذاته كالجوهر الهيولاني أحدي العين من حيث ذاته كثير بالصور الظاهرة فيه التي هو حامل لها بذاته
كذلك الحق بما ظهر منه من صور التجلي فكان مجلى صور العالم مع الأحدية المعقولة
فانظر ما أحسن هذا التعليم الإلهي الذي خص الله تعالى به من شاء من عباده
أقول انظر كيف يتبجح بهذا العلم الخبيث المخالف لجميع الشرائع التي أتت بها الرسل عليهم الصلوات والسلام وأنزلت بها الكتب
فلا قدس الرحمن شخصا يحبه ... على ما يرى من قبح هذي المخابر

قال وكان قرة عين لفرعون بالإيمان الذي أعطاه الله تعالى عند الغرق فقبضه طاهرا مطهرا ليس فيه شيء من الخبث لأنه قبضه عند إيمانه قبل أن يكتسب شيئا من الآثام والإسلام يجب ما قبله إلى آخر ما قال
أقول هذا من جملة قاعدته التي هي خالف تعرف
فإن هذا القول لم يقله أحد قبله
وقلده فيه من ألقى إليه القياد من الحمقى وهو مخالف للكتاب والسنة وإجماع الأمة
وليس له فيه شبهة يتشبث بها إلا هاتان الآيتان
ولا يتم التعلق بواحدة منهما أما هذه الآية فإن الكاف ليس بمتعين لفرعون ألبتة بل على الإحتمال وكفره وتمرده قطعي الثبوت يقينا فلا يحكم بزواله مع الإحتمال لأن اليقين لا يزول بالشك
وعلى تقدير عوده إليه فقد ورد عن النبيأنه قال لما قالت قرت عين لي ولك قال لها اللعين يكون لك قرة عين فأما أنا فلا حاجة لي فيه
قال رسول الله والذي يحلف به لو أقر فرعون أن يكون قرة عين له كما أقرت لهداه الله تعالى كما هداها

ولكن حرمه الله تعالى ذلك وأما آية سورة يونس فليس فيها أنه آمن وإنما فيها أنه قال آمنت كما قال قالت الأعراب ءامنا
وإذا لقوا الذين ءامنوا قالوا ءامنا فلما رأوا بأسنا قالوا ءامنا
ولو علم سبحانه وتعالى منه صدق الإيمان لكان مقتضى بلاغة القرآن أن يقال حتى إذا أدركه الغرق آمن
كما

قال في حق قوم يونس لما ءامنوا وفي حق أصحاب الكهف إنهم فتية ءامنوا بربهم
فلم يسند سبحانه الإيمان إلى القول إلا في حق من لم يعلم منه التصديق القلبي اللهم إلا أن يقرنه بمؤكد يدل على التصديق كما في حق السحرة
وقوله الإسلام يجب ما قبله دليل على ما قلناه إذ لو آمن إيمانا صحيحا مقبولا لجب ما قبله من مفاسده ولم يؤاخذ بها
ومؤاخذته بها ثابتة بالدلائل القطعية
قال الله تعالى فأخذه الله نكال الآخرة والأولى
وقال تعالى فكلا أخذنا بذنبه
إلى قوله ومنهم من أغرقنا
وقال تعالى ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد وثمود الذين جابوا الصخر بالواد وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب إن ربك لبالمرصاد وقال تعالى وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين فتولى بركنه وقال ساحر أو مجنون فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم وهو مليم
فلو كان إيمانه إيمانالجب ما قبله ولم يؤاخذ

لقوله تعالى قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف بل كأنه قصد بجهله أن يخدع ربه تعالى كما كان يخدع موسى بقوله لإن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل
حتى إذا كشف عنه نكث
ثم إنه بعد ما حرف قوله تعالى لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا
وانساب في الهذيان
قال في هذيانه فأمه على الحقيقة من أرضعته لا من ولدته فإن أم الولادة حملته على جهة الأمانة فتكون فيها وتغذى بدم طمثها من غير إرادة لها في ذلك حتى لا يكون لها عليه امتنان فإنه ما تغذى إلا بما لو لم يتغذ به ولم يخرج عنها ذلك الدم لأهلكها وأمرضها
فللجنين المنة على أمه بكونه تغذى بذلك الدم فوقاها بنفسه إلى آخر ما قال
أقول انظر إلى هذه الخرافات التي ضيع العمر فيها وانظر إلى قوله فللجنين المنة إلخ
ما أكذبه وإذا لم يكن إرادة في تلك التغذية فمن يوجد للجنين إرادة حتى يكون له منة أو وقاية منه بنفسه أو

بغيرها وهل هذا إلا غفلة عن فعل القادر الحكيم أو مغلطة فليت شعري كيف نسبت مثل هذه الترهات إلى النبي
ثم خلط غثا بسمين وجدد في أثناء ذلك ذكر قاعدته تارات وأساء الأدب في بعض ذلك بإطلاق الغفلة على موسى عليه الصلاة و السلام إلى أن قال وأما حكمة سؤال فرعون عن الماهية الإلهية فلم يكن عن جهل وإنما كان عن اختبار حتى يرى جوابه مع دعواه الرسالة عن ربه وقد علم فرعون مرتبة المرسلين في العلم فيستدل بجوابه على صدق دعواه
أقول محصل كلامه في هذا المحل أن فرعون كان من طائفته وأهل مذهبه الكمل على زعمه الفاسد وأنه من المستبدين بالمعرفة غير المحتاجين إلى الأنبياء وإلى تقليدهم كما تقدم في الكلمة الشعيبية
وإنما كالم موسى ليختبر صدق دعواه ومع هذا يموه على قومه بعدم صدقه في دعواه الرسالة وعدم علمه بما سأله عنه إبقاء لمنصبه فلهذا قال وسأل سؤال إيهام لأجل الحاضرين حتى يعرفهم من حيث لا يشعرون بما شعر هو في نفسه في سؤاله فإذا أجابه جواب العلماء بالأمر أظهر فرعون إبقاء لمنصبه أن موسى ما أجابه على سؤاله
فيتبين عند الحاضرين لقصور فهمهم أن فرعون

أعلم من موسى عليه الصلاة و السلام
أقول قوله على سؤاله أي على مقتضى سؤاله
قال ولهذا لما قال له في الجواب ما ينبغي وهو في الظاهر غير جواب ما سئل عنه وقد علم فرعون أنه لا يجيبه إلا بذلك فقال لأصحابه إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون أي مستور عنه علم ما سألته عنه إذ لا يتصور أن يعلم أصلا
فالسؤال صحيح فإن السؤال عن الماهية سؤال عن حقيقة المطلوب ولا بد أن يكون على حقيقة في نفسه
وأما الذين جعلوا الحدود مركبة من جنس وفصل فذلك في كل ما يقع فيه الإشتراك ومن لا جنس له لا يلزم أن لا يكون على حقيقة في نفسه لا تكون لغيره
فالسؤال صحيح على مذهب أهل الحق والعلم الصحيح والعقل السليم فالجواب عنه لا يكون إلا بما أجاب به موسى عليه الصلاة و السلام
أقول له اهتمام عظيم بتوجيه أمور فرعون وليس ذلك إلا لمناسبة بين الأرواح فإنها جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف والمرء مع من أحب

فجد كل الجد في تصحيح سؤاله الذي هو محض تعنت وعناد وتمويه وتخييل ومغلطة على ما هو دأب هذه الطائفة كما ترى كلام هذا الملبس وإلا فرب العالمين أظهر من أن يخفى فيسأل عنه بماهيته أو غيرها
ثم استطرد إلى الشروع في قاعدته الخبيثة التي هي جل مقعده ومطمح نظره فقال وهنا سر كبير فإنه أجاب بالفعل لمن سأل عن الحد الذاتي فجعل الحد الذاتي عين إضافته إلى ما ظهر عنه من صور العالم أو ما ظهر فيه من صور العالم
فكأنه قال له في جواب قوله وما رب العالمين قال الذي يظهر فيه صور العالمين من علو وهو السماء وسفل وهو الأرض إن كنتم موقنين أو يظهر هو بها
أقول انظر إلى هذا التلبيس والإلحاد في آيات الله تعالى وهل يفهم أحد له أدنى لب من إضافة الرب إلى شيء ظهوره بصورة ذلك الشيء أو ظهور الشيء بصورته غاية ما يقال إنه ظهر وعرف بإضافته إلى الشيء وعرف الشيء بإضافته إليه
وكذلك سائر الاضافات فإنها من أسباب التعريف لا أن أحدهما صار عين الآخر
ثم قال فلما قال فرعون لأصحابه إنه لمجنون كما قلنا

في معنى كونه مجنونا زاد موسى في البيان ليعلم فرعون رتبته في العلم الإلهي لعلمه بأن فرعون يعلم ذلك
فقال رب المشرق والمغرب فجاء بما يظهر ويستر وهو الظاهر والباطن وما بينهما وهو قوله وهو بكل شيء عليم
أقول في نسخة بما تظهر وتستر أي الشمس فإنها تظهر في المشرق وتستر في المغرب فكنى بها عن كل ما يظهر ويستتر وفي بعضها بما يظهر ويستر فيمكن أن يكون مبنيا للمفعول ويراد الشمس
أو مبنيا للفاعل ويراد نفس موضع الشروق وموضع الغروب وعلى كل تقدير قوله وهو الظاهر والباطن بناء على قاعدته الخبيثة المقررة المتكررة
ثم قال إن كنتم تعقلون أي إن كنتم أصحاب تقييد فإن العقل تقييد فالجواب الأول جواب الموقنين وهم أهل الكشف والوجود
فقال له إن كنتم أهل كشف ووجود فقد أعلمتكم بما تيقنتموه في شهودكم ووجودكم فإن لم تكونوا من هذا الصنف فقد أجبتكم في الجواب الثاني إن كنتم أهل عقل وتقييد وحصر ثم الحق فيما تعطيه أدلة عقولكم
أقول على تقدير تسليم قاعدته لم أدر ما وجه تخصيص الأول

بالأول والثاني وبالثاني مع أن الأمر يقتضي العكس على مقتضى تفسيره فإن الأول مقيد بالصور محصور فيها والثاني يشمل الصور والمعاني ولا يخرج منه شيء
وليس في حصر بأدلة العقول على ما فسره به فانظر إلى سقطاته في مواطن جريه ما أشدها مع ادعائه الكمال والكشف
قال فظهر موسى عليه السلام بالوجهين ليعلم فرعون فضله وصدقه
وعلم موسى عليه السلام أن فرعون علم ذلك أو يعلم ذلك لكونه سأل عن الماهية فعلم أنه ليس سؤاله على اصطلاح القدماء في السؤال بما لكونهم لا يجيزون السؤال عن ماهية ما لا حد له بجنس وفصل فلما علم موسى ذلك أجاب فلو علم منه غير ذلك لخطأه في السؤال
أقول كيف يخطئه مع علمه بعناده وتعنته وتمرده وتجبره وهل كان يفيد قوله له إن سؤالك خطأ إنه سبحانه ليس بذي ماهية فيسأل عنها فلأجل ذلك جاراه في ميدان السؤال والجواب وأشار بتخطئته إشارة واضحة لئلا تشمئز نفسه الخبيثة من التصريح بالتخطئة على ما عليه أمثاله من أهل التجبر والعناد

قال فلما جعل موسى عليه السلام المسؤول عنه عين العالم خاطبه فرعون بهذا اللسان الكشفي والقوم لا يشعرون
فقال له لإن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين
والسين في السجن من حروف الزوائد أي لأسترنك فإنك أجبت بما أيدتني به أن أقول لك مثل هذا القول
أقول انظر إلى هذا الحمق أو المغلطة وهل يسوغ ذو لب أن حروف الزيادة إذا وقعت في موضع الحروف الأصلية من الفاء أو العين أو اللام يحكم بزيادتها على أنه تختل الكلمة بذلك وتخرج عن الأوزان العربية ببقاء الكلمة على حرفين وإن ادعى زيادة نون أخرى ليصير من المضاعف على ما يفيده قوله لأسترنك فهو خبط عشواء وركوب عمياء وأخذ على غير جادة كما لا يخفى على من له أدنى مسكة
ولا يفيده الكشف في مثل ذلك فإنه مكشوف
قال فإن قلت لي فقد جهلت يا فرعون بوعيدك إياي والعين واحدة فكيف فرقت فيقول فرعون إنما فرقت المراتب العين ما تفرقت العين ولا انقسمت في ذاتها
ومرتبتي الآن التحكم فيك يا موسى بالفعل وأنا أنت بالعين وغيرك بالرتبة

فلما فهم ذلك موسى منه أعطاه حقه في كونه يقول له لا تقدر على ذلك والرتبة تشهد له بالقدرة عليه وإظهار الأثر فيه لأن الحق في رتبة فرعون من الصورة الظاهرة لها التحكم على الرتبة التي كان فيها ظهور موسى عليه السلام في ذلك المجلس
أقول انظر ما أبعده عن الحقيقة مع ادعائه إياها حيث يقول إن الحق في رتبة فرعون في ذلك المجلس والله سبحانه وتعالى قد قال لهما إنني معكما أسمع وأرى
ويقول إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون
إلى غير ذلك مما يدل على عكس ما عليه هذا الضال
ثم قال فقال له يظهر له المانع من تعديه عليه أولو جئتك بشيء مبين
فلم يسع فرعون إلا أن يقول له فأت به إن كنت من الصادقين حتى لا يظهر فرعون عند ضعفاء الرأي من قومه بعدم الإنصاف فكانوا يرتابون فيه وهي الطائفة التي استخفها فرعون فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين أي خارجين عما تعطيه العقول الصحيحة من إنكار ما ادعاه فرعون باللسان الظاهر في العقل فإن له حدا يقف عنده إذا جاوزه صاحب الكشف واليقين
أقول كأنه يزعم أن من قومه طائفة غير ضعيفة الرأي لا يرتابون

فيه ولو لم يقل ذلك القول بل أوقع به ما هدده به وهم أصحاب الكشف المطلعون على رتبة فرعون على زعم هذا الخبيث
ثم قال ولهذا جاء موسى عليه الصلاة و السلام بالجواب بما يقبله الموقن والعاقل خاصة
أقول أي لأجل أن قومه فيهم صاحب الكشف وصاحب العقل أتى موسى عليه السلام بالجواب الأول المقرون بالموقنين والجواب الثاني المقرون بالتعقل فالأول يفيد الموقن والثاني يقبله العاقل خاصة على ما مر
قال فألقى عصاه وهي صورة ما عصى به فرعون موسى عليه السلام في إبائه عن إجابة دعوته فإذا هي ثعبان مبين أي حية ظاهرة فانقلبت المعصية التي هي السيئة طاعة أي حسنة كما قال يبدل الله سيئاتهم حسنات
يعنى في الحكم
فظهر الحكم هنا عينا مميزة في جوهر واحد
فهي العصا وهي الحية والثعبان الظاهر
أقول انظر إلى هذا الإلحاد في آيات الله تعالى وهذا التحريف الذي لا يوافق عقلا ولا نقلا بل خرافات مثل كلام المجانين وأين كان فرعون ومعصيته حين سميت العصا عصا على أن العصا من الواوي والمعصية من اليائي ثم أي معصية انقلبت طاعة فإن

معصية فرعون لم تنقلب ذلك الوقت ولم يطع بل هو إذ ذاك على تمام تمرده وعناده وإن فرض أنه أطاع عند إدراك الغرق على زعمه الفاسد ثم ما معنى انقلابها عند قوله تعالى وألق عصاك
قال هي عصاى قال ألقها
الآيه
وعند قوله بعصاك الحجر
اضرب بعصاك البحر
فانظر إلى هذه الخرافات التي يسندها إلى رسول اللهوانظر إلى الذين يرون منه مثل هذا ومع ذلك يتعامون ويتغابون ويحامون ويذبون عنه ومن يضلل الله فما له من هاد وانظر إلى قوله حيث قال فالتقم أمثاله من الحيات من كونها حية والعصي من كونها عصا
فظهرت حجة موسى عليه الصلاة و السلام على حجج فرعون في صورة عصي وحيات وحبال
أقول حين المحاورة المذكورة وهي قوله أولو جئتكم بشيء

مبين إلخ
لم تكن حيات ولا حبال ولا سحرة ولم يكن إذ ذاك لفرعون حجج ولا محاجة إنما طلب من موسى عليه السلام الإتيان بما ادعاه من الشيء المبين فألقى العصا فانقلبت حية عظيمة ما بين لحييها ثمانون ذراعا فوضعت إحدى لحييها بالأرض والآخر على سور القصر فهرب فرعون فأحدث ولم يكن أحدث قبل ذلك على ما قيل
وقضيته مع السحرة بعد ذلك بزمان
قال كانت للسحرة الحبال ولم يكن لموسى عليه السلام حبل
والحبل التل الصغير أي مقاديرهم بالنسبة إلى قدر موسى بمنزلة الحبال من الجبال الشامخة
أقول هذا أيضا من الترهات والمغاليط فإن الله تعالى قال فألقوا حبالهم وعصيهم فهل كانوا حملوا معهم تلالا أو لهم قدرة على ذلك أم كانت التلال ذواتهم فألقوها مع العصا فانظر إلى هذه الحماقات والأباطيل والإلحاد في آيات الله تعالى على أنه لا يطابق ما ذكر بعده حيث قال فلما رأت السحرة ذلك علموا رتبة

موسى عليه السلام في العلم وأن الذي رأوه ليس من مقدور البشر وإن كان من مقدور البشر فلا يكون إلا ممن له تميز في العلم المحقق عن التخيل والإيهام فآمنوا برب العالمين رب موسى وهارون أي الرب الذي يدعو إليه موسى وهارون لعلمهم بأن القوم يعلمون أنه ما دعا لفرعون
أقول أي أن القوم يعلمون أن موسى وهارون لم يدعوا إلى فرعون إنما دعوا إلى رب آخر
قال ولما كان فرعون في منصب التحكم صاحب الوقت وأنه الخليفة بالسيف وإن جار في العرف الناموسي لذلك قال أنا ربكم الأعلى
أي وإن كان الكل أربابا بنسبة ما وإضافة لمن يربه فأنا الأعلى منهم بما أعطيته من التحكم فيكم
أقول مراده توجيه قول فرعون محاماة له لما له من النسبة إليه على ما تقدم وإلا فمراد الخبيث إنكار ربوبية غيره حين قال

له موسى عليه السلام و أهديك إلى ربك فتخشى
ولو كان مراده ما قاله هذا الملحد لما أخذه الله تعالى بسبب هذه الكلمة حيث قال تعالى فأخذه الله نكال الآخرة و الأولى
ثم قال ولما علمت السحرة صدقه فيما قاله لم ينكروه وأقروا له بذلك فقالوا إنما تقضى هذه الحياة الدنيا فاقض ما أنت قاض فالدولة لك فصح قوله أنا ربكم الأعلى
أقول كذب والله على السحرة وكذب في قوله فصح قوله أنا ربكم الأعلى وإنما استسلموا وقالوا فاقض ما أنت قاض لعجزهم عن دفعه لقيامه في مقام الظلم و التجبر و العدوان والطغيان كما أخبر الله سبحانه عنه بقوله الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد بل استحقروا فعله و استهانوا به لما فتح الله تعالى عليهم من خزائن الإيمان و المعرفة و ثبتهم و أجاب دعاءهم في قولهم ربنا افرغ علينا صبرا و توفنا مسلمين
عكس ما يفهم من حالك في محاماتك له فإن الظاهر منها أنك لو كنت هناك لحسنت فعله و أعنته عليهم و قبحت فعلهم ووبختهم عليه وكنت بمنزلة

هامان والله تعالى رب النيات
ثم قال وإن كان عين الحق فالصورة لفرعون
أقول قال شارحه القيصري إن هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره إنك جعلت الحق عين الأعيان في الكتاب كله فيصح إطلاق الربوبية المطلقة عليه لأنه عينه فأجاب بأنه وإن كان عينه عين الحق من حيث الأحدية لكن الصورة الفرعونية تعينه وتجعله متميزا عنه باعتبار فلا يصح ذلك الإطلاق انتهى هذا مع أنه صرح أن الصورة للحق وأن الخلق معقول والحق هو المحسوس
قال فقطع الأيدي والأرجل وصلب بعين حق في صورة باطل لنيل مراتب لا تنال إلا بذلك
أقول هذا أيضا مناقض لقوله إن الصورة للحق وإن الخلق باطل
قال فإن الأسباب لا سبيل إلى تعطيلها لأن الأعيان الثابتة اقتضتها فلا تظهر في الوجود إلا بصورة ما هي عليه في الثبوت إذ لا تبديل لكلمات الله تعالى
وليست كلمات الله تعالى سوى أعيان الموجودات فينسب إليها القدم من حيث ثبوتها وينسب إليها الحدوث من حيث وجودها وظهورها
كما تقول حدث اليوم عندنا إنسان أو ضيف ولا يلزم من حدوثه أنه ما كان له وجود قبل هذا الحدوث

أقول كأنه ذهل عن ما قرره من أن الأعيان دائما في التجدد على أن الحركات لا شك ولا نزاع في تجددها فباعتبارها يقال حدث إنسان أو ضيف ونحو ذلك
ومن ذلك ما قال لذلك قال الله تعالى في كلامه العزيز أي في إتيانه مع قدم كلامه ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين
والرحمة لا تأتي إلا بالرحمة
ومن أعرض عن الرحمة استقبل العذاب الذي هو عدم الرحمة
أقول كأنه قصد بهذا التخلص إلى كون فرعون لم يعرض عن الرحمة في آخر أمره فشرع في تمهيد ذلك حيث قال وأما قوله تعالى فلم يك ينفعهم إيمنهم لما رأوا بأسنا سنت الله التى قد خلت في عباده إلا قوم يونس فلم يدل ذلك على أنه لم ينفعهم في الآخرة بقوله في الاستثناء إلا قوم يونس
أقول لاشك أن النفي يستغرق الزمان الذي يقع فيه فنفي

الفعل في الزمن الماضي لابد أن يستغرق الزمن وإلا يكون كذبا
ونفي الفعل في الزمن المستقبل لابد أن يستغرقه إلا لقرينة فيهما
ولا قرينة هنا تدل على التخصيص
وقوله بقوله في الاستثناء إلا قوم يونس عليه الصلاة و السلام كذب فإن استثناء قوم يونس لم يقع في هذه الآية ولا في ما هو بمعناها أي فهلا كانت قرية واحدة من القرى التي أهلكناها ثابت عن الكفر وأخلصت الإيمان قبل المعاينة ولم يؤخروا كما أخر فرعون إلى أن أخذ بمخنقه
ومعناه لم يقع ذلك من أهل قرية إلا قوم يونس فإنهم فعلوا ذلك
فإنهم آمنوا قبل نزول العذاب عند رؤية علامته وهي فقد يونس عليه السلام وكان أوعدهم أنه متى غاب عنهم يأتيهم العذاب بعد ثلاث
فأيقنوا به بعد يومين من فقده فلبسوا المسوح وبرزوا إلى الصعيد وفرقوا بين الأطفال وأمهاتهم وبين الدواب وأولادها فحن بعضهم إلى بعض وأخلصوا الإيمان والتوبة وترادوا المظالم حتى أن أحدهم كان يقتلع الحجر وقد وضع عليه أساس بنائه
فرحمهم الله تعالى وكشف عنهم بعدما غشيتهم بوادره وهو دخان غشي سطوحهم
وما أبعد حال فرعون وأضرابه من حالهم حيث

كان ينزل بهم العذاب كالطوفان ونحوه فيضجون إلى موسى عليه الصلاة و السلام لإن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ثم ينكثون عند كشفه في كل مرة
قال فلذلك أخذ فرعون مع وجود الإيمان منه
أقول لا دليل على وجود الإيمان منه على ما قدمناه
ثم قال هذا إن كان أمره أمر من تيقن بالإنتقال في تلك الساعة
وقرينة الحال تعطي أنه ما كان على يقين من الإنتقال لأنه عاين المؤمنين يمشون في الطريق اليبس الذي ظهر بضرب موسى عليه السلام بعصاه البحر
فلم يتيقن فرعون الهلاك إذ آمن بخلاف المحتضر حتى لا يلحق به
أقول انظر إلى هذا السفه والعمى في الإستدلال لغلبة حب فرعون وحبك الشيء يعمي ويصم
فالله سبحانه يقول حتى إذا أدركه الغرق
وهذا الضال يقول إنه ما تيقن بالإنتقال
وجعله مشي المؤمنين في الطريق ليس قرينة على ذلك أشد عمى فإن ذلك إنما يصلح قرينة عند دخول البحر لا عند إدراك الغرق على أن

قياس نفسه على المؤمنين عند الدخول أيضا من الجهل والقياس الفاسد فإنه كثيرا ما رأى أنواع العذاب من الطوفان وما عطف عليه يصيبه وطائفته ولا يصيب بني إسرائيل فقياس نفسه عليهم في هذه الحالة من أقبح الجهل والمكابرة
ثم قال فآمن بالذي آمنت به بنو إسرائيل على التيقن بالنجاة فكان كما تيقن لكن على غير الصورة التي أراد فنجاه الله تعالى من عذاب الآخرة في نفسه ونجى بدنه كما قال فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك ءاية
أقول لقد افترى على الله الكذب في زعمه أنه نجاه من عذاب الآخرة حكم عليه سبحانه بما ينزل به سلطانا
فإن الله تعالى لم ينج المنافقين من عذاب الآخرة بمجرد قولهم آمنا بل قال سبحانه وتعالى إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار مع اعتبار قولهم في أحكام الدنيا حيث نجاهم من القتل والأسر وأداء الجزية
فكيف بمن لم يعتبر قوله في أحكام الدنيا ولم ينج من الغرق وإنما قال له فاليوم ننجيك ببدنك أي حين كان إيمانك بظاهرك فالجزاء من جنس العمل ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين

فإنه قصد أن يمكر كما كان ديدنه في المرات الأول فقابله بمكره لما علمه سبحانه من المصلحة
ومنها ما قاله لأنه لو غاب بصورته ربما قال قومه احتجب فظهر في الصورة المعهودة ميتا ليعلم أنه هو
أقول يعني من بقي من قومه ولم يتبعه في الدخول وهم الأتباع والعجزة
قال فقد عمته النجاة حسا ومعنى
ومن حقت عليه كلمة العذاب الأخروي لا يؤمن ولو جاءته كل آية حتى يروا العذاب الأليم
أي يذوقوا العذاب الأخروي فخرج فرعون من هذا الصنف
أقول هذه الآية دليل واضح على عدم إيمان فرعون على تقدير تسليم أن المراد رؤية العذاب الأخروي لأن موسى وهارون عليهما الصلوات والسلام دعيا على فرعون وملئه بقوله واشدد على

قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم
وقد قال تعالى لهما قد أجيبت دعوتكما فإن كان المراد العذاب الأخروي فقد صدق أنه لم يؤمن وإن كان المراد الدنيوي فقد كذب قولك
وليس لك أن تقول المراد به في دعائهما العذاب الدنيوي وفي تلك الآية الأخروي لأنه تحكم وقول بالشيء بلا دليل وإن ادعيت أن ذلك حصل لك بالكشف فهو كذلك دعوى بلا دليل على أنه يكون دعائهما عبثا لا فائدة فيه سوى امتداد التعب والتعني عليهما وتماد الظلم والفساد على عباد الله تعالى
وإنما أراد بالدعاء عليهم بعدم الإيمان النافع لما اطلعا عليه من حالهم الغير القابلة للصلاح ليحصل لهما التشفي بموتهم على الكفر وانتقام الله تعالى منهم
ليس لذلك الدعاء فائدة غير ذلك بإجماع المسلمين وذوي العقول الصحيحة
قال هذا هو الظاهر الذي ورد به القرآن
أقول كذب وافترى على القرآن فإنه لم يرد بأن المراد من العذاب الأليم هو الأخروي ولا بأن فرعون خارج من هذا الصنف على ما قررناه لمن تأمل وأنصف
قال ثم إنا نقول بعد ذلك والأمر فيه إلى الله تعالى لما استقر في نفوس عامة الخلق من شقائه وما لهم نص في ذلك يستندون إليه

أقول انظر إلى هذه المكابرة والمغلطة في قوله ما لهم نص مع وجود آية الدعاء وظهور دلالتها على ختمه بالشقاء
وكذلك قوله تعالى فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين
وإخراج فرعون من بعض الضمائر بعد دخوله فيما قبل قطعا تحكم بلا دليل ولم يدل دليل واحد على صحة إيمانه ليطلب بذلك التوفيق بين الأدلة ومن يضلل الله فما له من هاد
هذا مع أن سنته أنه إذا قبل توبة عبد لا يذكر ذنبه ولا يذمه إلا باتباع ذكر توبته ومدحه كما في حق آدم عليه الصلاة و السلام والسحرة رضي الله تعالى عنهم
فأما هذا فكرر الله تعالى ذكره على وجه الذم ما لم يكرر لغيره مع التصريح لئلا يذهب الوهم إلى غيره
ولقد كرر سبحانه وتعالى ذم الوليد بن المغيرة وكان شديد الكفر والعناد
لكنه بالنسبة إلى ذكر هذا اللعين أقل القليل مع عدم التصريح باسمه
فعلم أن غضب الله على هذا الخبيث أشد من غضبه على سائر المعنيين من متمردة الكفرة
وسماه عدوا له ولرسوله ووصفه بجميع صفات الذم من الكفر والعلو والفساد والإسراف
ولم يذكر في موضع ما عنه اعتذارا
وإنما ذكر في هذه الآية نفاقه

وخداعه ورد عليه ذلك وعدم اعتباره لانقضاء زمن إمهاله فإنه سبحانه وتعالى يملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد
ولله در القائل
إن اللعين لشدة تكبره وشكيمته في كفره وعناده لم يطاوع لسانه عند غاية اضطراره ولم يذعن قلبه أن يقول آمنت أنه لا إله إلا الله فيجري الاسم الكريم على لسانه ويخطره بباله بل قال إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل كأنه مجهول عنده
وإنما قلدهم فيه تقليدا للضرر منه لعله يتخلص مما هو فيه كما تخلص مما قبله من الطوفان وإخوانه
قال ابن برجان في تفسيره فمعنى قول الله جل ذكره على هذا الآن أي أعلى حالتك هذه لا تحمل ذكري ولا تفوه باسمي ولا باسم رسولي فجمعت هذا إلى ما عصيت قبل وكنت من المفسدين أي أنك أضفت إلى حالتك تلك هذا كما قال القائل أكيدا وأنت في الحديد
فلو كنت قبل على غير ذلك من شأنك لاحتمل ذلك منك

وخرجت كلمتك هذه على معهود إيمانك وصحيح ودك ثم يقول الله جل من قائل فاليوم ننجيك ببدنك لو كانت شهادته تلك في وقتها على حقيقة المحبة وحسن النية وصحيح التوبة من قرار نفسه لأنجاه هو وأتباعه من عذابه
ولما كانت في غير وقتها وعلى علاتها نجاه ببدنه فقط ليجعله لمن خلفه آية على أن الشهادة بهذه الكلمة المباركة عنده في غاية القبول
فانظر إليها لما كانت شهادته ميتة نجاه الله تعالى بها ميتا ولو كانت حية لنجاه بها حيا انتهى
ثم نقول نحن قال رسول الله أنت مع من أحببت المرء مع من أحب فجعل الله تعالى من أحب فرعون معه في دار خلوده وباعد بيننا وبينهم وحشرنا مع من نحب إنه ولي ذلك والقادر عليه والمطلع على النيات والطويات
ثم إن هذا الزنديق ما اكتفى بدعوى موت فرعون على الإيمان حتى قال وأما آله فلهم حكم آخر ليس هذا موضعه ثم لتعلم أنه ما يقبض الله تعالى أحدا إلا وهو مؤمن أي مصدق بما جاءت به

الأخبار الإلهية لأنه يعاين ما أخبر به الأنبياء عليهم السلام من الوعد والوعيد وأعني من المحتضرين ولهذا يكره موت الفجاءة وقتل الغفلة
فأما موت الفجاءة فحده أن يخرج النفس الداخل ولا يدخل النفس الخارج
فهذا موت الفجاءة وهذا غير المحتضر
وكذلك قتل الغفلة بضرب عنقه من ورائه وهو لا يشعر فيقبض على ما كان عليه من إيمان وكفر
أقول أولا إن هذه الدعوى تناقض قوله إن من حقت عليه كلمة العذاب الأخروي لا يؤمن حتى يرى العذاب الأخروي
وثانيا حده موت الفجاءة بما يخرج فيه النفس الداخل ولا يدخل الخارج غير صحيح لأن كل موت الفجاءة فهوهكذا
ولا يمكن موت يدخل فيه النفس الخارج ولا يخرج الداخل وثالثا إن ما قاله من موت الفجاءة وقتل الغفلة في غاية القلة فكيف بقوله تعالى لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين
وكون بعث النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين على ما جاء في الحديث الصحيح

ورابعا لأي شيء أتعب نفسه وتكلف التكلفات في دعوى إيمان فرعون مع أنه لم يمت فجأة ولا قتل غفلة فكان يكفيه دخوله في هذه الكلية
وبالجملة لما لزم قضية خالف تعرف في أموره ألتى بالطامات والخرافات وما لا يعقل كهذيان المجانين
والله تعالى أعلم بحاله وصدقه ومحاله
قال ولذلك قال عليه الصلاة و السلام يحشر على ما مات عليه
كما أنه يقبض على ما كان عليه
والمحتضر ما يكون إلا صاحب شهود فهو صاحب إيمان بما ثمة
فلا يقبض إلا ما على كان عليه لأن كان حرف وجودي لا ينجر معه الزمان إلا بقرائن الأحوال
فيفرق بين الكافر المحتضر في الموت وبين الكافر المقتول غفلة أو الميت فجأة كما قلنا في حد الفجاءة
أقول قوله لأن كان حرف وجودي أي كلمة تدل على

مطلق الوجود ولا تدل على استصحاب صفة إلا بقرينة حالية فإذا قيل كان زيد غنيا يفهم أنه الآن فقير
وإذا قيل كان شابا قويا أنه الآن شيخ ضعيف
وأما إذا كان ثم قرينة تدل على استصحاب الصفة كما في صفات الله تعالى فلا يفهم الإنقطاع كما في وكان الله عليما حكيما ونحوه
قال وأما حكمة التجلي في صورة النار فلأنها كانت بغية موسى عليه السلام
فتجلى له في مطلوبه ليقبل عليه ولا يعرض عنه
فإنه لو تجلى في غير صورة مطلوبه أعرض لاجتماع همه على مطلوب خاص
ولو أعرض لعاد عمله عليه وأعرض عنه الحق وهو مصطفى مقرب
فمن قربه أنه تجلى له في مطلوبه وهو لا يعلم
كنار موسى رآها عين حاجته ... وهو الإله ولكن ليس يدريه
قلت هذا من جملة القاعدة المعلومة
والله تعالى الهادي

ثم نقول لهذا الضال إن كانت قاعدتك هذه لها تحقق في نفس الأمر كما تزعمون فكيف لا يدريها مثل موسى عليه السلام من الأنبياء وأنتم دريتموها
قال في الكلمة الخالدية فكان غرض خالدإيمان العالم كله بما جاءت به الرسل ليكون رحمة للجميع
فإنه تشرف بقرب نبوته من نبوة محمد
أقول اختلف في نبوته والصحيح أنه ليس بنبي لما في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال قال رسول الله أنا أولى الناس بعيسى بن مريم
في الأولى والآخرة الأنبياء إخوة من علات أمهاتهم شتى ودينهم واحد فليس بيننا نبي انتهى

قال في الكلمة المحمدية قال في باب المحبة التي هي أصل الوجود حبب إلي من دنياكم ثلاث إلخ
أقول ليس لفظ الثلاث في الروايات الصحيحة بل ولا في شيء من كتب الحديث
وقد قدمنا أن قوله من عرف نفسه فقد عرف ربه ليس بحديث ولم يصح له طريق عن النبي
ثم تمادى على ما أسس من قواعده الباطلة إلى أن قال فبطن نفس الحق فيما كان به الإنسان إنسانا
ثم اشتق له شخصا على صورته سماه امرأة فظهرت بصورته فحن إليها حنين الشيء إلى نفسه وحنت إليه حنين الشيء إلى وطنه
فحببت إليه النساء

فإن الله تعالى أحب من خلقه على صورته وأسجد له ملائكته النوريين إلخ
أقول ليس للحق صورة مخصوصة على زعمك فكيف خلقه على صورته وما وجه تخصيصه مع أن في زعمك الباطل أن جميع الموجودات صور فما أكثر تناقضك وما أشده وأقبحه وكذا قوله حيث قال والصورة أعظم مناسبة وأجلها وأكملها فإنها زوج أي شفعت وجود الحق كما كانت المرأة شفعت بوجودها الرجل فصيرته زوجا
أقول ألم يكن وجود الحق قد شفعه وجود شيء من الموجودات قبل ذلك من الملائكة والعرش والكرسي والسموات والأرض وغير ذلك لا يقال أراد الصورة من حيث هي صورة لأنا نقول فلا وجه لتخصيصه بالإنسان
ولا يقال الأشياء المذكورة ليس شيء منها على صورة الرحمن إلا الإنسان لأنا نقول معنى هذا على زعمك أن أول ظهور الحق من العماء ظهوره في صورة

الإنسان ثم ظهر في الصور الأخر ثم ظهر بصورة الإنسان في آدم فأظهره على صورته التي كان أول ظهوره فيها
فمحصل هذا أنه ظهر بالصورة المذكورة مرتين فشفعت الثانية الأولى
فحق العبارة أن يقال شفعت صورة الحق لا وجود الحق وإلا لا يصح التشبيه بالمرأة فإنها شفعت بوجودها الرجل
وأن لا يصح قوله فصيرته زوجا لأنه كان زوجا قبل وجود المرأة بشفعة الحق
فوجدت الزوجية لا بوجود المرأة بل حصل بوجودها الفردية
فإن قيل المراد بخلقه على صورة خلقه على صورة العالم الذي هو صورة الحق لأن الإنسان مستجمع لما في العالم قلنا وعلى هذا التقدير أيضا مع ما فيه من التكلف والتجمد يرد قولنا فحق العبارة أن يقال إلى قولنا حصل بوجودها الفردية
كما قال فظهرت الثلاثة حق ورجل وامرأة
إلى أن قال في هذيانه فإذا شاهد الرجل الحق في المرأة كان شهودا في منفعل وإذا شاهده في نفسه من حيث ظهور المرأة عنه شاهده في فاعل وإذا شاهده من غير استحضار صورة ما تكون عنه كان شهوده في منفعل عن الحق بلا واسطة
فشهوده

للحق في المرأة أتم وأكمل لأنه يشاهد الحق من حيث هو فاعل منفعل ومن نفسه من حيث هو منفعل خاصة
فلهذا أحبالنساء لكمال شهود الحق فيهن إلى آخر ما هبل
أقول أولا ظهور المرأة عن الرجل لا يقتضي صيرورته فاعلا إذ لا فعل له أصلا إذ العلة المادية غير الفاعلية
ثانيا أنه إذا كان في جماعة مشاهدا للحق من حيثية أو حيثيتين فكيف يصح قوله قبل ذلك فإن الحق غيور على عبده أن يعتقد أنه يلتذ بغيره فطهره بالغسل
وثالثا أنه لو كان كما قال إن شهود الحق في فاعل منفعل أتم وأكمل لما اختص ذلك بالملك ولا بالشروط المقيدة في الشرع بل كان شهوده ذلك في بنته وابنه أظهر إذ له فعل في وجودهما ولهذا قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام عن هذا المص أنه لا يحرم فرجا وكذا ذكروا عن العفيف التلمساني لأنه لما قرئ عليه

الفصوص قيل له كلامك يخالف القرآن فقال القرآن كله شرك والتوحيد في كلامنا فقيل فلم تحلون الزوجة وتحرمون الأخت فقال من حرم الأخت حرمها هؤلاء المحجوبون فقلنا لهم هي حرام عليكم
ورابعا أنه لو كان كما قال لم يكن ذلك لأنه ليس من التعلقات النفسانية بل من التعلقات الإلهية
وكذا هبل وأتى بأشياء ساقها مساق المعارف والحقائق وبناها على قواعده الفاسدة
والمبني علىالفاسد فاسد من جملتها ذكر لفظ الثلاث في الحديث بنى عليه أشياء مثل قوله إنه عليه الصلاة و السلام غلب في هذا الخبر التأنيث على التذكير فقال ثلاث ولم يقل ثلاثة إلى آخر ما ذكر وقد قدمنا أن لفظ الثلاث لم يوجد في شيء من كتب الحديث
ثم شرح ألفاظ الحديث إلى ذكر الصلاة فعاد فيها إلى قاعدته الخبيثة حيث قال ثم إن مسمى الصلاة له قسمة أخرى فإنه تعالى أمرنا أن نصلي له وأخبرنا أنه يصلي علينا فالصلاة منا ومنه فإذا كان هو المصلي فإنما يصلي باسمه الآخر فيتأخر عن وجود العبد

وهو عين الحق الذي يخلقه العبد في قلبه بنظره الفكري أو بتقليده وهو الإله المعتقد
ويتنوع بحسب ما قام بذلك المحل من الإعتقاد كما قال الجنيد رحمه الله حين سئل عن المعرفة بالله والعارف فقال لون الماء لون إنائه
وهو جواب ساد أخبر عن الأمر بما هو عليه
أقول قال شارحه القيصري أي تتنوع صور إله الاعتقادات بحسب الاستعدادات القائمة بمحالها وأعيانها فإن الحق المطلق لا تعين له ولا تقيد أصلا
بل لا اسم له ولا نعت ولا صفة من هذه الحيثية
وكل ما ينسب ويضاف إليه فهو عينه
وعند التجلي يتجلى بحسب استعداد المتجلى له على صورة عقيدته إلى آخر
ما ذكر
فانظر إلى هذا الإلحاد المؤدي إلى التعطيل
فيقال لهؤلاء الملاحدة إذا لم يكن له صفة فكيف يتجلى في المظهر والتجلي يقتضي قدرة وإرادة وعلما وانظر إلى تحريفهم كلام السادات كما يحرفون كلام الله تعالى ورسوله عليه الصلاة و السلام وقد فسر القشيري رحمه الله تعالى عليه كلام الجنيد رحمه الله بأن العارف بحكم وقته أي هو بما يصادفه من تصريف

الحق في وقته الذي هو فيه لا اختيار له ولا نظر إلى ماض ولا آت فكأنه ماء والوقت أي حكمه إناء
ولا يصح أصلا ما أرادوه من كلام الجنيد أن الحق المطلق بمنزلة الماء والإعتقاد بمنزلة الإناء ويقال لهم يا أيها الحمقى إذا كان كلام الجنيد رحمه الله جوابا للسؤال عن المعرفة بالله والعارف وكان المراد ما زعمتموه فمن أين تخصون أنفسكم وأمثالكم باسم العارف ومن عداكم بالمحجوب قاتلكم الله أنى تؤفكون ما أقبح تناقضاتكم وأكثرها
ثم إن العارف في اصطلاح القوم هو الكامل في معرفة الله تعالى فهو المسؤول عنه عن الجنيد رحمه الله فكيف يكون الجواب بالإطلاق مطابقا له
ثم قال فهذا هو الله الذي يصلي علينا
أقول هذا الحمق الشديد والضلال البعيد فيقال له يا أيها الملحد في آيات الله تعالى فقوله تعالى إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم
ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم هذه الدونية والغيرية إما أن تكون في الحقيقة ونفس الأمر أو في الإعتقاد وأيا كان فإنه يكذبك فيما تزعم فإنك لا تقول بالغيرية في نفس الأمر وكذلك تقول ها هنا إن الذي يخلقه العبد باعتقاده هو الله الذي يصلي علينا فهل أنت أصدق أم الله تعالى

فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس
ثم قال وإذا صلينا نحن كان لنا الاسم الآخر فكنا فيه كما ذكرنا في حال من له هذا الاسم فنكون عنده بحسب حالنا فلا ينظر إلينا إلا بصورة ما جئناه بها
أقول قال شارحه القيصري فكنا فيه أي في هذا المقام والتجلي آخر كما ذكرناه في حال من له هذا الاسم في أنه يتأخر عن وجود العبد فيكون عنده أي عند الحق بحسب حالنا وصفاتنا التي فينا فلا ينظر إلينا ولا يتجلى لنا إلا بصورة ما جئناه بها كمالا ونقصا انتهى
فيا لله ويا للمسلمين أين معنى قوله تعالى يا أيها الذين ءامنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما من ما ذكره هذا الملحد الضال من الخرافات وأين للصنم الذي اعتقده معتقده إلها ملائكة وأي صلاة يصلي على عابده فإن قال من حيث أنه الله قلنا قد كذبك الله بقوله من دون الله حيث أثبت الغيرية سواء كانت في الحقيقة أو في الاعتقاد

وكذلك في قوله تعالى يخرجهم من الظلمات إلى النور
ثم إنه استدل على التأخر في الطرفين بما قال فإن المصلي هو المتأخر عن السابق في الحلبة
أقول هذا من جملة المغاليط فإنه لم يقل أحد أن المصلي في الحلبة هو المتأخر لا لغة ولا عرفا
ولو كان كذلك لكان كل متأخر فيها يسمى مصليا وليس كذلك وإنما يقال المصلي في الحلبة للفرس الذي رأسه عند صلا السابق أي أصل ذنبه
ولم يقل أحد من أهل اللغة ولا الشرع إن الصلاة التأخر وإنما هي في اللغة الدعاء
ومن الله الرحمة
وفي الشرع العبادة المعرفة
ولكن شأن هذا الشخص التلبيس بإظهار المعارف التي هي في الحقيقة خيالات لا حقيقة لها
ثم قال وقال تعالى كل قد علم صلاته وتسبيحه
أي رتبته في التأخر في عبادته ربه وتسبيحه الذي يعطيه من التنزيه استعداده

أقول قال شارحه إن كلا من الأعيان الموجودة قد علم رتبته في عبادة ربه وتسبيحه الذي يعطيه استعداده وهو تنزيه كل من الأعيان ربه على حسب استعداده من النقائص اللازمة لعينه
وعلم أن رتبة عبادته متأخرة من صلاة ربه فإنه لولا صلاته ورحمته الوجودية وإخراجه للأعيان من ظلمات العدم إلى نور الوجود وظلمات الضلال إلى نور الهداية ما كان أحد منهم يصلي
فقوله في عبادة ربه متعلق برتبته لا بالتأخر
وضمير يعطيه عائد إلى الكل وفاعله استعداده
وفي بعض النسخ عن عبادة ربه فيكون متعلقا بالتأخر فمعناه كل قد علم صلاته أي رتبته في عبادته أنها متأخرة عن صلاة ربه له وعبادة ربه إياه بالإيجاد والإيصال إلى الكمال والرحمة والمغفرة
كما قال في موضع آخر فيعبدني وأعبده ولكن الأول أنسب إلى الأدب بين يدي الله تعالى انتهى لكن الصلاة بمعنى التأخر لم تستعمل لا في اللغة ولا في الشرع على ما قدمناه
ثم قال وثم مرتبة يعود الضمير على العبد المسبح فيها في قوله تعالى وإن من شئ إلا يسبح بحمده أي بحمد ذلك الشيء
فالضمير الذي في قوله تعالى بحمده يعود على الشيء أي بالثناء الذي يكون عليه كما قلنا في المعتقد أنه إنما يثني على الإله الذي في معتقده وربط به نفسه
وما كان من عمله فهو راجع إليه فما

أثنى إلا على نفسه فإنه من مدح الصنعة فإنما مدح الصانع بلا شك فإن حسنها وعدم حسنها راجع إلى صانعها
وإله المعتقد مصنوع للناظر فيه فهو صنعه فثناؤه على ما اعتقده ثناؤه على نفسه
ولهذا يذم معتقد غيره ولو أنصف لم يكن له ذلك
أقول هذا ظاهر على ما أصله من قاعدته المتقدمة الباطلة
وعلى ما قرره وقدره من أن الضمير راجع إلىالشيء والمصدر مضاف إلى فاعله
ومفعوله محذوف
أي بحمده إلهه أي سبح نفسه بحمده إلهه الذي صنعه باعتقاده
والمبني على الباطل باطل
وتالله إن لمرجع الضمير إلى العبد المسبح لوجهين وجيهين صحيحين لا غبار عليها أحدهما إن المصدر مضاف إلى فاعله ومفعوله محذوف
كما قال أي وإن من شيء إلا يسبح الله بحمده إياه
فإن الحمد يستلزم تنزيه المحمود عن النقائص التي تقتضي عدم الحمد
فالحمد والتسبيح كلاهما لله تعالى أحدهما بالذات والآخر بالواسطة
وثانيهما أن يكون المعنى وإن من شيء إلا يسبح الله تعالى بحمده نفسه لأن مدح الصنعة مدح صانعها كما ذكر لا على ما ذكر لكن في ذلك كله إخراج للآية عن عمومها المتأول للصامت والناطق والعاقل وغيره والمكلف
وقوله ولو أنصف لم يكن له ذلك يقال له فقد ذم الحق بعض صوره على اعتقادكم الباطل من المعتقدات وغيرها قاتلكم الله

تعالى بما وصفتموه به مما هو متعال عنه علوا كبيرا
قال إلا أن صاحب هذا المعبود الخاص جاهل بلا شك في ذلك لاعتراضه على غيره فيما اعتقده في الله تعالى ولو عرف ما قال الجنيد رحمه الله لون الماء لون إنائه
لسلم لكل ذي اعتقاد ما اعتقده وعرف الله تعالى في كل صورة وكل معتقد
أقول قدمنا أن هذا غير مطابق لكلام الجنيد وإنما هو تحريف لمراده عن مراده ومعرفة الله تعالى في كل صورة وكل معتقد له معنى صحيح غير ما أراده بأن يرى أن الكل منه وبه سبحانه لا أنه عين الصور والإعتقادات سبحانه وتعالى عما يقول الملحدون علوا كبيرا
ثم قال فهو ظان غير عالم فلذلك قال أنا عند ظن عبدي بي أي لا أظهر له إلا في صورة معتقده فإن شاء أطلق وإن شاء قيد
أقول انظر إلى تحريفه الحديث برأيه الخبيث المخالف لقوله تعالى في حق الكفار وبدا لهم من الله مالم يكونوا يحتسبون
قال فإله المعتقدات تأخذه الحدود وهو الذي وسعه قلب

عبده فإن الإله المطلق لا يسعه شيء لأنه عين الأشياء وعين نفسه والشيء لا يقال فيه يسع نفسه ولا لا يسعها فافهم والله تعالى يقول الحق وهو يهدي السبيل
أقول لقد كذب والله فإن الإله الذي هو معتقد أهل الإسلام وهو الله الموصوف بصفات الكمال المنزه عن صفات النقص بأخذه الحد وما ورد أن الله تعالى قال لم يسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن مع أنه ليس بحيث ثابت عن النبيفمعناه أنه وسع الإيمان به وبصفاته ومعرفته ومحبته تعالى عن تجلي ذاته في شيء
تم بهذا الكتاب بعون الله الملك الوهاب بيد عبده الضعيف محمد بن رسول عفى عنهما العفو العلي