كتاب : إيقاظ الهمم شرح متن الحكم
المؤلف : ابن عجيبة


بسم الله الرحمن الرحيميقول العبد الفقير إلى مولاه الغني به عما سواه أحمد بن محمد بن عجيبة الحسنى لطف الله به وحباه أن أولى ما عقد عليه الجنان. ونطقت به ألسنة الفصاحة والبيان. وخطت به أقلام البنان. حمد الفتاح العليم الكريم المنان الحمد لله الذي ملأ قلوب أوليائه بمحبته. واختص أرواحهم بشهود عظمته. وهيأ أسرارهم لحمل أعباء معرفته. فقلوبهم في روضات جنات معرفته يحبرون. وأرواحهم في رياض ملكوته يتنزهون. وأسرارهم في بحار جبروته يسبحون. فاستخرجت أفكارهم يواقيت العلوم. ونطقت ألسنتهم بجواهر الحكم ونتائج الفهوم. فسبحان من اصطفاهم لحضرته. واختصهم بمحبته. فهم بين سالك ومجذوب. ومحب ومحبوب. أفناهم في محبة ذاته. وأبقاهم بشهود آثار صفاته. والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد منبع العلوم والأنوار. ومعدن المعارف والأسرار. ورضى الله تعالى عن أصحابه الأبرار. وأهل بيته الأطهار أما بعد كل شيء وقبله ومعه. فعلم التصوف من أجل العلوم قدراً. وأعظمها محلاً وفخراً. وأسناها شمساً وبدراً. وكيف لا وهو لباب الشريعة. ومنهاج الطريقة. ومن تشرق أنوار الحقيقة. وكان أعظم ما صنف فيه الحكم العطائية. التي هي مواهب لدنية. وأسرار ربانية. نطقت بها أفكار قدوسية. وأسرار جبروتية. ولقد سمعت شيخ شيخنا مولاي العربي رضي الله عنه يقول سمعت الفقيه البناني يقول كادت حكم ابن عطاء الله أن تكون وحياً ولو كانت الصلاة تجوز بغير القرآن لجازت بكلام الحكم أو كما قال ولقد طلب مني شيخناً العارف الواصل المحقق الكامل سيدي محمد البوزيدي الحسنى أن أضع عليها شرحاً متوسطاً يبين المعنى ويحقق المبنى معتمداً في ذلك على حول الله وقوته. وما يفتح الله به من خزائن علمه وحكمته. أو ما كان مناسباً لتلك الحكمة من كلام القوم فأجبت طلبته وأسعفت رغبته. رجاء أن يقع به الأمناع ويعم به الانتفاع. وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وسميته أيقاظ الهمم في شرح الحكم جعله الله خالصا لوجهه العظيم بجاه نبينا المصطفى الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم ولنقدم بين يدي الكتاب مقدمتين احداهما في حد التصوف وموضوعه وواضعه واسمه واستمداده وحكم الشارع فيه وتصور مسائله وفضيلته ونسبته وثمرته والمقدمة الثانية في ترجمة الشيخ وذكر محاسنه أما حده فقال الجنيد هو أن يميتك الحق عنك ويحييك به وقال أيضاً أن يكون مع الله بلا علاقة وقيل الدخول في كل خلق سني والخروج من كل خلق دني وقيل هو أخلاق كريمة ظهرت في زمان كريم مع قوم كرام وقيل أن لا تملك شيئاً ولا يملكك شيء وقيل أسترسال النفس مع الله على ما يريد وقيل التصوف مبني على ثلاث خصال التمسك بالفقر والافتقار. والتحقق بالبذل والإيثار وترك التدبير والاختيار وقيل الاخذ بالحقائق. والا ياس مما في أيدى الخلائق. وقيل ذكر مع اجتماع. ووجد مع استماع. وعمل مع اتباع وقيل الأنافة على باب الحبيب وأن طرد. وقيل صفوة القرب. بعد كدرة البعد. وقيل الجلوس مع الله بلاهم وقيل هو العصمة عن رؤية الكون والصوفى الصادق علامته ان يفتقر بعد الغني ويذل بعد العز ويخفي بعد الشهرة وعلامة الصوفي الكاذب أن يستغني بعد الفقر ويعز بعد الذل ويشتهر بعد الخفاء قاله أبو حمزة البغدادي وقال الحسن بن منصور الصوفي واحد في الذات لا يقبله أحد ولا يقبل أحداً وقيل الصوفي كالأرض يطرح عليه كل قبيح ولا يخرج منه الا كل مليح ويطؤه البر والفاجر وقالوا من أقبح كل قبيح صوفي شحيح وقال الشبلي الصوفي منقطع عن الخلق متصل بالحق لقوله تعالى واصطنعتك لنفسي ثم قال أيضا الصوفية أطفال في حجر الحق وقيل الصوفي لا تقله الأرض ولا تظله السماء يعني لا يحصره الكون وقال الشيخ زروق رضى الله عنه قد حد التصوف ورسم وفسر بوجوه تبلغ نحو الالفين ترجع كلها لصدق التوجه إلى الله تعالى وإنما هي وجوه فيه والله اعلم ثم قال والاختلاف في الحقيقة الواحدة أن كثر دل على بعد ادراك جملتها ثم هو أن رجع لأصل واحد يتضمن جملة ما قيل فيها كانت العبارة عنه بحسب ما فهم منه وجملة الأقوال واقعة على تفاصيله وأعتبار كل واحد على حسب مثاله علماً وعملاً وحالاً وذوقاً وغير ذلك والاختلاف في التصوف من ذلك فمن أجل ذلك الحق الحافظ أبو نعيم رحمه الله بغالب أهل حليته عند تحلية كل شخص قولاً من أقوالهم يناسب حاله قائلاً وقيل أن التصوف كذا فأقتضى أن كل من له نصيب من صدق التوجه له نصيب من التصوف وأن تصوف كل أحد صدق توجهه

فأفهم اه وقال أيضاً قاعدة صدق التوجه مشروط بكونه من حيث يرضاه الحق تعالى وبما يرضاه ولا يصح مشروط بدون شرطه ولا يرضى لعباده الكفر فلزم تحقيق الايمان وأن تشكروا يرضه لكم فلزم العمل بالاسلام فلا تصوف الا بفقه اذ لا تعرف أحكام الله تعالى الظاهرة إلا منه ولا فقه ألا بتصوف اذ لا عمل الا بصدق توجه ولاهما ألا بايمان أذ لا يصح واحد منهما بدونه فلزم الجمع لتلازمهما في الحكم كتلازم الأرواح للأجساد أذ لا وجود لها ألا فيها كما لا كمال لها أي للأشباح ألا بها ومنه قول مالك رحمه الله من تصوف ولم يتفقه فقد تزندق. ومن تفقه ولم يتصوف فقد تفسق. ومن جمع بينهما فقد تحقق قلت تزندق الأول لأنه قائل بالجبر الموجب لنفي الحكمة والأحكام وتفسق الثاني لخلو علمه عن صدق التوجه الحاجز عن معصية الله وعن الأخلاص المشروط في الأعمال وتحقق الثالث لقيامه بالحقيقة في عين تمسكه بالحق فاعرف ذلك اذ لا وجود لها إلا فيها كما لا كمال له الا به فأفهم اه وأما موضوعه فهو الذات العلية لأنه يبحت عنها باعتبار معرفتها أما بالبرهان أو بالشهود والعيان فالأول للطالبين والثاني للواصلين وقيل موضوعه النفوس والقلوب والأرواح لأنه يبحث عن تصفيتها وتهذيبها وهو قريب من الأول لأن من عرف نفسه عرف ربه وأما واضع هذا العلم فهو النبي صلى الله عليه وسلم علمه الله له بالوحي والإلهام فنزل جبريل عليه السلام أولاً بالشريعة فلما تقررت نزل ثانياً بالحقيقة فخص بها بعضاً دون بعض وأول من تكلم فيه وأظهره سيدنا على كرم الله وجهه وأخذه عنه الحسن البصري وأمه أسمها خيرة مولاة لأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأبوه مولى زيد بن ثابت توفي الحسن سنة عشر ومائة وأخذه عن الحسن حبيب العجمي وأخذه عن حبيب أبو سليمان داوود الطائي توفي سنة ستين ومائة وأخذه عن داوود أبو محفوظ معروف بن فيروز الكرخي رضي الله عنه وأخذه عن معروف الكرخي أبو الحسن سري بن مغلس السقطي توفي سنة إحدى وخمسين ومائة وأخذه عن السري أمام هذه الطريقة ومظهر أعلام الحقيقة أبو القاسم محمد بن الجنيد الخزار أصله من نهاوند ومنشؤه العراق تفقه على أبي ثور وصحب الشافعي فكان يفتى على مذهب أبي ثور ثم صحب خاله السري وأبا الحارث المحاسبي وغيرهما وكلامه وحقائقه مدون في الكتب توفي رضي الله عنه سنة سبع وتسعين ومائتين وقبره ببغداد مشهور يزار ثم انتشر التصوف في أصحابه وهلم جرا ولا ينقطع حتى ينقطع الدين ومن رواية أخرى أخذه عن سيدنا علي رضي الله عنه أول الاقطاب سيدنا الحسن ولده ثم عنه أبو محمد جابر ثم القطب سعيد الغزواني ثم القطب فتح السعود ثم القطب سعد ثم القطب سعيد ثم القطب سيدي أحمد المرواني ثم إبراهيم البصري ثم زين الدين القزويني ثم القطب شمس الدين ثم القطب تاج الدين ثم القطب نور الدين أبو الحسن ثم القطب فخر الدين ثم القطب تقى الدين الفقير بالتصغير فيهما ثم القطب سيدي عبد الرحمن المدني ثم القطب الكبير مولاى عبد السلام بن مشيش ثم القطب الشهير أبو الحسن الشاذلي ثم خليفته أبو العباس المرسى ثم العارف الكبير سيدي أحمد بن عطاء الله ثم العارف الكبير سيدي داوود الباخلي ثم العارف سيدي محمد بحر الصفا ثم العارف ولده سيدي على ابن وفا ثم الولي الشهير سيدي يحيى القادري ثم الولي الشهير سيدي أحمد بن عقبه الحضرمي ثم الولي الكبير سيدي أحمد زروق ثم سيدي ابرهيم أفحام ثم سيدي على الصنهاجي المشهور بالدوار ثم العارف الكبير سيدي عبد الرحمن المجذوب ثم الولي الشهير سيدي يوسف الفاسي ثم العارف سيدي عبد الرحمن الفاسي ثم العارف سيدي محمد بن عبد الله ثم العارف سيدي قاسم الخصاصي ثم العارف سيدي أحمد بن عبد الله ثم العارف سيدي العربي بن عبد الله ثم العارف الكبير سيدي على بن عبد الرحمن العمراني الحسني ثم العارف الشهير شيخ المشايخ سيدي ومولاي العربي الدرقاوي الحسني ثم العارف الكامل المحقق الواصل شيخنا سيدي محمد بن أحمد البوزيدي الحسني ثم عبد ربه وأقل عبيده أحمد ابن محمد بن عجيبة الحسني ثم عنه خلق كثير والمنة لله العلي الكبير وأما اسمه فهو علم التصرف واختلف في اشتقاقه على أقوال كثيرة ومرجعها إلى خمس أولها أنه من الصوفة لأنه مع الله كالصوفة المطروحة لا تدبير له الثاني من صوفة القفاللينها فالصوفي هين لين كهي

الثالث أنه من الصفة أذ جملته اتصاف بالمحامد وترك الاوصاف المذمومة الرابع أنه من الصفاء وصحح هذا القول حتى قال أبو الفتح البستي رحمه الله في الصوفيه من الصفة أذ جملته اتصاف بالمحامد وترك الاوصاف المذمومة الرابع أنه من الصفاء وصحح هذا القول حتى قال أبو الفتح البستي رحمه الله في الصوفي
تخالف الناس في الصوفي واختلفوا ... جهلا وظنوا أنه مشتق من الصوف
ولست أمنح هذا الأسم الافتى ... صافي فصوفي حتى سمى الصوفي
الخامس أنه منقول من صفة المسجد النبوي الذي كان منزلاً لأهل الصفة لأن الصوفي تابع لهم فيما أثبت الله لهم من الوصف حيث قال واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه وهو الأصل الذي يرجع إليه كل قول فيه قاله الشيخ زروق رحمه الله وأما استمداده فهو مستمد من الكتاب والسنة والهامات الصالحين وفتوحات العارفين وقد أدخلوا فيه أشياء من علم الفقه لمس الحاجة إليه في علم التصوف حررها الغزالي في الإحياء في أربعة كتب كتاب العبادات وكتاب العادات وكتاب المهلكات وكتاب المنجيات وهو فيه كمال لا شرط إلا ما لا بد منه في باب العبادات والله تعالى أعلم وأما حكم الشارع فيه فقال الغزالي إنه فرض عين إذا لا يخلو أحد من عيب أو مرض إلا الأنبياء عليهم السلام وقال الشاذلي من لم يتغلغل في علمنا هذا مات مصراً على الكبائر وهو لا يشعر وحيث كان فرض عين يجب السفر إلى من يأخذه عنه إذا عرف بالتربية واشتهر الدواء على يده وأن خالف والديه حسبما نص عليه غير واحد كالبلالي والسنوسي وغيرهما قال الشيخ السنوسي النفس إذا غلبت كالعدو إذا فجأ تجب مجاهدتها والاستعانة عليها وان خالف الوالدين كما في العدو أذا برز قاله في شرح الجزيري وما أحسن قول القائل
أخاطر في محبتكم بروحي ... وأركب بحركم أما وأما
وأسلك كل فج في هواكم ... وأشرب كأسكم لو كان سماً
ولا أصغى إلى من قد نهاني ... ولي أذن عن العذال صما
أخاطر بالخواطر في هواكم ... وأترك في رضاكم أبا وأما

وأما تصور مسائله فهي معرفة اصطلاحاته والكلمات التي تتداول بين القوم كالأخلاص. والصدق. والتوكل والزهد. والورع. والرضى. والتسليم. والمحبة. والفناء. والبقاء. وكالذات. والصفات. والقدرة. والحكمة. والروحانية. والبشرية وكمعرفة حقية الحال والوارد والمقام وغير ذلك وقد ذكر القشيري في أول رسالته جملة شافية وقد كنت جمعت كتاباً فيه مائة حقيقة من حقائق التصوف سميته معراج التشوف إلى حقائق التصوف فليطالعه من أراده ليستعين به على فهم كلام القوم ثم قلت بل التحقيق في مسائل هذا العلم أنها القضايا التي يبحث عنها السالك في حال سيره ليعمل بمقتضاها ككون الأخلاص شرطاً في العمل وكون الزهد ركناً في الطريق وكون الخلوة والصمت مطلوبين وأمثال هذه القضايا فهي مسائل هذا الفن فينبغي تصورها قبل الشروع في الخوض فيه علماً وعملاً والله تعالى أعلم وأما فضيلته فقد تقدم أن موضوعه الذات العالية وهي أفضل على الاطلاق فالعلم الذي يتعلق بها أفضل على الاطلاق اذ هو دال بأوله على خشية الله تعالى وبوسطه على معاملته وبآخره على معرفته والأنقطاع إليه ولذلك قال الجنيد لو نعلم أن تحت أديم السماء أشرف من هذا العلم الذي نتكلم فيه مع أصحابنا لسعيت إليه وقال الشيخ الصقلي رضي الله عنه في كتابه المسمى بأنوار القلوب في العلم الموهوب قال وكل من صدق بهذا العلم فهو من الخاصة وكل من فهمه فهو من خاصة الخاصة وكل من عبر عنه وتكلم فيه فهو النجم الذي لا يدرك والبحر الذي لا ينزف وقال آخر اذا رأيت من فتح له في التصديق بهذه الطريقة فبشره وإذا رأيت من فتح له في الفهم فيه فاغتبطه واذا رأيت من فتح له في النطق فيه فعظمه واذا رأيت منتقدا عليه ففر منه فرارك من الاسد واهجره وما من علم الا وقد يقع الاستغناء عنه في وقت ما الا علم التصوف فلا يستغنى عنه أحد في وقت من الأوقات وأما نسبته من العلوم فهو كلي لها وشرط فيها إذ لا علم ولا عمل الا بصدق التوجه الى الله تعالى فالأخلاص شرط في الجميع هذا باعتبار الصحة الشرعية والجزاء والثواب وأما باعتبار الوجود الخارجي فالعلوم توجد في الخارج بدون التصوف لكنها ناقصة أو ساقطة ولذلك قال السيوطي نسبة التصوف من العلوم كعلم البيان مع النحو يعني هو كمال فيها ومحسن لها وقال الشيخ زروق رضي الله عنه نسبة التصوف من الدين نسبة الروح من الجسد لأنه مقام الاحسان الذي فسره رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل أن تعبد الله كأنك تراه الحديث اذ لا معنى له سوى ذلك إذ مدراه على مراقبة بعد مشاهدة أو مشاهدة بعد مراقبة والا لم يقم له وجود ولم يظهر موجود فافهم اه ولعله أراد بالمراقبة بعد المشاهدة الرجوع للبقاء بشهود الاثر بالله وأما فائدته فتهذيب القلوب ومعرفة علام الغيوب أو تقول ثمرته سخاوة النفوس وسلامة الصدور وحسن الخلق مع كل مخلوق وأعلم أن هذا العلم الذي ذكرنا ليس هو اللقلقة باللسان وإنما هو أذواق ووجدان ولا يؤخذ من الأوراق وإنما يؤخذ من أهل الأذواق وليس ينال بالقيل والقال وإنما يؤخذ من خدمة الرجال وصحبة أهل الكمال والله ما أفلح من أفلح إلا بصحبة من أفلح وبالله التوفيق وأما ترجمة الشيخ فهو الشيخ الامام تاج الدين وترجمان العارفين أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد ابن عيسى بن الحسين بن عطاء الله الجذامي نسباً المالكي مذهباً الأسكندري داراً القرافي مزاراً الصوفي حقيقة الشاذلي طريقة أعجوبة زمانه ونخبه عصره وأوانه المتوفي في جمادى الآخر سنة تسع بتقديم التاء وسبعمائة قاله الشيخ زروق وقال في الديبلج المرهب كان جامعاً لأنواع العلوم من تفسير وحديث وفقه ونحو وأصول وغير ذلك كان رحمه الله متكلماً على طريق أهل التصوف واعظا انتفع به خلق كثير وسلكوا طريقه قلت وقد شهد له شيخه أبو العباس المرسي بالتقديم قال في لطايف المنن قال لي الشيخ الزم فو الله لئن لزمت لتكونن مفتياً في المذهبين يريد مذهب أهل الشريعة أهل العلم الظاهر ومذهب أهل الحقيقة أهل العلم الباطن وقال فيه أيضاً والله لا يموت هذا الشاب حتى يكون داعياً يدعو إلى الله وقال فيه أيضاً والله ليكونن لك شأن عظيم والله ليكونن لك شأن عظيم قال فكان بحمد الله مالا أنكره وله من التأليف خمسة التنوير في اسقاط التدبير ولطائف المنن في مناقب

شيخه أبي العباس وشيخه أبي الحسن وتاج العروس وهو مؤلف منا ومفتاح الفلاح في الذكر وكيفية السلوك وله أيضاً القول المجرد في الاسم المفرد والحكم الذي أردنا أن نتكلم عليه ومضمنه من علوم القوم أربعة الأول علم التذكير والوعظ وقد حاز منه أوفر نصيب وهو لمقام العوام وتستفاد مواده من كتب ابن الجوزي وبعض تأليف المحاسبي وصدور كتب الأحياء والقوت وتحبير القشيري وما جرى مجراها والله أعلم الثاني تصفية الأعمال وتصحيح الأحوال بتحلية الباطن بالأخلاق المحمودة وتطهيره من الأوصاف المذمومة وهذا حظ المتوجهين من الصادقين والمبتدئين من السالكين وقد حاز منها جملة صالحة ومادتها من كتب الغزالي والسهر وردي ونحوهما الثالث تحقيق الأحوال والمقامات وأحكام لا ذواق والمنازلات وهو نصيب المستشرفين من المريدين والمبتدئين من العارفين وهذا النوع من أكثر ما وقع فيه ومادته من مثل كتب الحاتمي في المعلاملات والبوني في النازلات إلى غير ذلك الرابع المعارف والعلوم الالهامية وفيه منها ما لا يخفى لكن كتبه ملئت بشرحها لا سيما التنوير ولطائف المنن اللذان هما كالشرح لجملة هذا الكتاب وبالجملة فهو جامع لما في كتب الصوفية المطلولة والمختصرة مع زيادة البيان واختصار الألفاظ والمسلك الذي سلك فيه مسلك توحيدي لا يسع أحداً أنكاره ولا الطعن فيه ولا يدع للمعتنى به صفة حميدة الاكساه أياها ولا صفة ذميمة الا أزالها عنه بأذن الله كما قال الشيخ ابن عباد في وصف التنوير وهما أخوان من أب واحد وأم واحدة قاله سيدي أحمد زروق في بعض شروحه ولما كان علم التصوف إنما هو نتائج الأعمال الصحيحة وثمرات الأحوال الصافية من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم بدأ بالكلام على العمل فقال من علامة الاعتماد على العمل نقصان الرجاء عند وجود الزلل الاعتماد على الشيء هو الأستناد عليه والركون إليه والعمل حركة الجسم أو القلب فان تحرك بما يوافق الشريعة سمى طاعة وان تحرك بما يخالف الشريعة الشريعة سمى معصية والأعمال عند أهل الفن على ثلاثة أقسام عمل الشريعة وعمل الطريقة وعمل الحقيقة أو تقول عمل الاسلام وعمل الإيمان وعمل الأحسان أو تقول عمل العبادة وعمل العبوديه وعمل العبودة أي الحرية أو تقول عمل أهل البداية وعمل أهل الوسط وعمل أهل النهاية فالشريعة أن تعبده والطريقة أن تقصده والحقيقة أن تشهده أو تقول الشريعة لاصلاح الظواهر والطريقة لاصلاح الضمائر والحقيقة لاصلاح السرائر، واصلاح الجوارح بثلاثة أمور بالتوبة والتقوى والاستقامة، واصلاح القلوب بثلاثة أمور بالاخلاص والصدق والطمأنينة، واصلاح السرائر بثلاثة أمور بالمراقبة والمشاهدة والمعرفة أو تقول أصلاح الظواهر باجتناب النواهي وامتثال الأوامر، واصلاح الضمائر بالتخلية من الرذائل والتحلية بأنواع الفضائل، واصلاح السرائر وهي هنا الأرواح بذلها وانكسارها حتى تتهذب وترتاض الأدب والتواضع وحسن الخلق، وأعلم أن الكلام هنا إنما هو في الأعمال التي توجب تصفية الجوارح أو القلوب أو الأرواح وهي ما تقدم تعيينها لكل قسم وأما العلوم والمعارف فأنما هي ثمرات التصفية والتطهير فإذا تطهرت الأسرار ملئت بالعلوم والمعارف والأنوار ولا يصح الانتقال إلى مقام حتي يحقق ما قبله فمن أشرقت بدايته أشرقت نهايته فلا ينتقل إلى عمل الطريقة حتى يحقق عمل الشريعة وترتاض جوارحه معها بأن يحقق التوبة بشروطها ويحقق التقوي بأركانها ويحقق الاستقامة بأقسامها وهي متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله فإذا تزكي الظاهر وتنور بالشريعة انتقل من عمل الشريعة الظاهرة إلى عمل الطريقة الباطنة وهي التصفية من أوصاف البشرية على ما يأتي فإذا تطهر من أوصاف البشرية تحلى بأوصاف الروحانية وهي الأدب مع الله في تجلياته التي هي مظاهره فحينئذ ترتاح الجوارح من التعب وما بقي ألا حسن الأدب قال بعض المحققين من بلغ إلى حقيقة الاسلام لم يقدر أن يفتر عن العمل ومن بلغ إلى حقيقة الإيمان لم يقدر أن يلتفت إلى العمل بسوى الله ومن بلغ إلى الحقيقة الاحسان لم يقدر أن يلتفت إلى أحد سوى الله اه ولا يعتمد المريد في سلوك هذه المقامات على نفسه ولا على عمله ولا على حوله وقوته وإنما يعتمد على فضل ربه وتوفيقه وهدايته وتسديده قال تعالى وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان

لهم الخيرة وقال تعالى ولو شاء ربك ما فعلوه ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك وقال صلى الله عليه وسلم لن يدخل أحدكم الجنة بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته فالاعتماد على النفوس من علامة الشقاء والبؤس. والأعتماد على الأعمال من عدم التحقق بالزوال، والاعتماد على الكرامة والاحوال، من عدم صحبة الرجال، والاعتماد على الله من تحقق المعرفة بالله، وعلامة الاعتماد على الله أنه لا ينقص رجاؤه إذا وقع في العصيان، ولا يزيد رجاؤه إذا صدر منه احسان، أو تقول لا يعظم خوفه إذا صدرت منه غفلة كما لا يزيد رجاؤه اذا وقعت منه يقظة قد استوى خوفه ورجاؤه على الدوام لأن خوفه ناشيء عن شهود الجلال ورجاؤه ناشيء عن شهود الجمال وجلال الحق وجماله لا يتغيران بزيادة ولا نقصان فكذا ما يتشأ عنهما بخلاف المعتمد على الأعمال إذا قل عمله قل رجاؤه وأذا كثر عمله كثر رجاؤه لشركه مع ربه وتحققه بجهله ولو فني عن نفسه وبقي بربه لاستراح من تعبه وتحقق بمعرفة ربه ولا بد من شيخ كامل يخرجك من تعب نفسك إلى راحتك بشهود ربك فالشيخ الكامل هو الذي يريحك من التعب لا الذي يدلك على التعب من دلك على العمل فقد أتعبك ومن دلك على الدنيا فقد غشك ومن دلك على الله فقد نصحك كما قال الشيخ ابن مشيش رضي الله عنه والدلالة على الله هي الدلالة على نسيان النفس فإذا نسيت نفسك ذكرت ربك قال تعالى وأذكر ربك اذا نسيت أي ما سواه وسبب التعب هو ذكر النفس والاعتناء بشؤنها وحظوظها وأما من غاب عنها فلا يلقى إلا الراحة وأما قوله تعالى لقد خلقنا الأنسان في كبد أي في تعب فهو خاص بأهلي الحجاب أو تقول خاص بأحياء النفوس وأما من مات فقد قال تعالى فيه " فأما أن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم " أي فروح الوصال وريحان الجمال وجنة الكمال وقال تعالى لا يمسهم فيها نصب أي تعب ولكن لا تدرك الراحة إلا بعد التعب ولا يحصل الظفر إلا بالطلب حفت الجنة بالمكارهلهم الخيرة وقال تعالى ولو شاء ربك ما فعلوه ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك وقال صلى الله عليه وسلم لن يدخل أحدكم الجنة بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته فالاعتماد على النفوس من علامة الشقاء والبؤس. والأعتماد على الأعمال من عدم التحقق بالزوال، والاعتماد على الكرامة والاحوال، من عدم صحبة الرجال، والاعتماد على الله من تحقق المعرفة بالله، وعلامة الاعتماد على الله أنه لا ينقص رجاؤه إذا وقع في العصيان، ولا يزيد رجاؤه إذا صدر منه احسان، أو تقول لا يعظم خوفه إذا صدرت منه غفلة كما لا يزيد رجاؤه اذا وقعت منه يقظة قد استوى خوفه ورجاؤه على الدوام لأن خوفه ناشيء عن شهود الجلال ورجاؤه ناشيء عن شهود الجمال وجلال الحق وجماله لا يتغيران بزيادة ولا نقصان فكذا ما يتشأ عنهما بخلاف المعتمد على الأعمال إذا قل عمله قل رجاؤه وأذا كثر عمله كثر رجاؤه لشركه مع ربه وتحققه بجهله ولو فني عن نفسه وبقي بربه لاستراح من تعبه وتحقق بمعرفة ربه ولا بد من شيخ كامل يخرجك من تعب نفسك إلى راحتك بشهود ربك فالشيخ الكامل هو الذي يريحك من التعب لا الذي يدلك على التعب من دلك على العمل فقد أتعبك ومن دلك على الدنيا فقد غشك ومن دلك على الله فقد نصحك كما قال الشيخ ابن مشيش رضي الله عنه والدلالة على الله هي الدلالة على نسيان النفس فإذا نسيت نفسك ذكرت ربك قال تعالى وأذكر ربك اذا نسيت أي ما سواه وسبب التعب هو ذكر النفس والاعتناء بشؤنها وحظوظها وأما من غاب عنها فلا يلقى إلا الراحة وأما قوله تعالى لقد خلقنا الأنسان في كبد أي في تعب فهو خاص بأهلي الحجاب أو تقول خاص بأحياء النفوس وأما من مات فقد قال تعالى فيه " فأما أن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم " أي فروح الوصال وريحان الجمال وجنة الكمال وقال تعالى لا يمسهم فيها نصب أي تعب ولكن لا تدرك الراحة إلا بعد التعب ولا يحصل الظفر إلا بالطلب حفت الجنة بالمكاره
أيها العاشق معنى حسننا ... مهرنا غال لمن يخطبنا
جسد مضني وروح في العنا ... وجفون لا تذوق الوسنا

وفؤاد ليس فيه غيرنا ... وإذا ما شئت اد الثمنا
فافن أن شئت فناء سرمدا ... فالفنا يدني إلى ذاك الفنا
واخلع النعلين أن جئت إلى ... ذلك الحي ففيه قد سنا
وعن الكونين كن منخلعا ... وازل ما بيننا من بيننا
واذا قيل من تهوى فقل ... أنا من أهوى ومن أهوى أنا

وقال في حل الرموز ثم اعلم أنك لا تصل إلى منازل القربات، حتى تقطع ست عقبات، العقبة الأولى فطم الجوارح عن المخالفات الشرعية، العقبة الثانية فطم النفس عن المألوفات العادية، العقبة الثالثة فطم القلب عن الرعونات البشرية، العقبة الرابعة فطم النفس عن الكدورات الطبيعية، العقبة الخامسة فطم الروح عن البخورات الحسية، العقبة السادسة فطم العقل عن الخيالات الوهمية، فتشرف من العقبة الأولى على ينابيع الحكم القلبية وتطلع من العقبة الثانية على أسرار العلوم اللدنية وتلوح لك في العقبة الثالثة أعلام المناجات الملكوتية ويلمع لك في العقبة الرابعة أنوار المنازلات القربية وتطلع لك في العقبة الخامسة أنوار المشاهدات الحبية وتهبط من العقبة السادسة على رياض الحضرة القدسية فهنالك تغيب بما تشاهده من اللطائف الأنسية عن الكثائف الحسية فإذا أرادك لخصوصيته الإصطفائية سقاك بكأس محبته شربة تزداد بتلك الشربة ظمأ وبالذوق شوقاً وبالقرب طلباً وبالسكر قلقاً اه المراد منه تتميم اشكل على بعض الفضلاء قوله تعالى ادخلوا الجنة بما كنتم تعلمون مع قوله صلى الله عليه وسلم لن يدخل أحدكم الجنة بعمله الحديث والجواب أن الكتاب والسنة وردا بين شريعة وحقيقة أو تقول بين تشريع وتحقيق فقد يشرعان في موضع ويحققان في آخر في ذلك الشيء بعينه وقد يحققان في موضع ويشرعان فيه في آخر وقد يشرع القرآن في موضع وتحققه السنة وقد تشرع السنة في موضع ويحققه القرآن فالرسول عليه السلام مبين لما أنزل الله قال تعالى " وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم فقوله تعالى ادخلوا الجنة بما كنتم تعلمون هذا تشريع لأهل الحكمة وهم أهل الشريعة وقوله صلى الله عليه وسلم لن يدخل أحدكم الجنة بعمله هذا تحقيق لأهل القدرة وهم أهل الحقيقة كما أن قوله تعالى وما تشاؤن إلا أن يشاء الله تحقيق وقوله صلى الله عليه وسلم إذا هم أحدكم بحسنة كتبت له حسنة تشريع والحاصل أن القرآن تقيده السنة والسنة يقيدها القرآن فالواجب على الإنسان أن تكون له عينان أحداهما تنظر إلى الحقيقة والأخرى تنظر إلى الشريعة فإذا وجد القرآن قد شرع في موضع فلا بد أن يكون قد حقق في موضع آخر أو تحققه السنة وأذا وجد السنة قد شرعت في موضع فلا بد أن تكون قد حققت في موضع آخر أو حققها القرآن ولا تعارض حينئذ بين الآية والحديث ولا أشكال وهنا جواب آخر وهو أن الله تعالى لما دعا الناس إلى التوحيد والطاعة على أنهم لا يدخلون فيه من غير طمع فوعدهم بالجزاء على العمل فلما رسخت أقدامهم في الإسلام أخرجهم عليه السلام من ذلك الحرف ورقاهم إلى إخلاص العبودية والتحقق بمقام الأخلاص فقال لهم لن يدخل أحدكم الجنة بعمله والله تعالى أعلم وهنا أجوبة لأهل الظاهر لا تجدي شيئاً ولما كان الإنتقال من عمل الظاهر إلى عمل الباطن لا بد أن يظهر أثره على الجوارح قال تعالى أن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها الآية وظهور الأثر هو التجريد أشار إليه بقوله إرادتك التجريد مع إقامة الله إياك في الأسباب من الشهوة الخفية، وإرادتك الأسباب مع إقامة الله إياك في التجريد انحطاط عن الهمة العلية قلت التجريد في اللغة هو التكشيط والإزالة تقول جردت الثوب أزلته عني وتجرد فلان أزال ثوبه وجردت الجلد أزلت شعره وأما عند الصوفية فهو على ثلاثة أقسام تجرد الظاهر فقط أو الباطن فقط أو هما معاً فتجريد الظاهر هو ترك الأسباب الدنيوية وخرق العوائد الجسمانية والتجريد الباطني هو ترك العلائق النفسانية والعوائق الوهمية وتجريدهما معاً هو ترك العلائق الباطنية والعوائد الجسمانية أو تقول تجريد الظاهر هو ترك كل ما يشغل الجوارح عن طاعة الله وتجريد الباطن هو ترك كل ما يشغل القلب عن الحضور مع الله وتجريدهما هو أفراد القلب والقالب لله والتجريد الكامل في الظاهر هو ترك الأسباب وتعرية البدن من معتاد الثياب وفي الباطن هو تجريد القلب من كل وصف ذميم وتحليته بكل وصف كريم وهو أي التجريد الكامل الذي أشار إليه شيخ شيوخنا سيدي عبد الرحمن المجذوب بقوله
اقارئين علم التوحيد ... هنا البحور إلى تغبي
هذا مقام أهل التجريد ... الواقفين مع ربي

وأما من جرد ظاهره دون باطنه فهو كذاب كمن كسى النحاس بالفضة باطنه قبيح وظاهره مليح ومن جرد باطنه دون ظاهره أن تأتي ذلك فهو حسن كمن كسى الفضة بالنحاس وهو قليل إذ الغالب أن من تنشب ظاهره تنشب باطنه ومن اشتغل ظاهره بالحس أشتغل باطنه به والقوة لا تكون في الجهتين ومن جمع بين تجريدي الظاهر والباطن فهو الصديق الكامل وهو الذهب المشحر الصافي الذي يصلح لخزانة الملوك قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي اله عنه آداب الفقير المتجرد أربعة الحرمة للأكابر والرحمة للأصاغر والإنصاف من نفسك وعدم الإنتصار لها وآداب الفقير المتسبب أربعة موالاة الأبرار ومجانية الفجار وإيقاع الصلاة في الجماعة ومواساة الفقراء والمساكين بما يفتح عليه وينبغي له أيضاً أن يتأدب بآداب المتجردين إذ هو كمال في حقه ومن آداب المتسبب إقامته فيما أقامه الحق تعالى فيه من فعل الأسباب حتى يكون الحق تعالى هو الذي ينقله منها على لسان شيخه إن كان أو بإشارة واضحة كتعذرها من كل وجه فحينئذ ينتقل للتجريد فأرادته التجريد مع أقامته تعالى له في الأسباب من الشهوة الخفية لأن النفس قد تقصد بذلك الراحة ولم يكن لها من اليقين ما تحمل به مشاق الفاقة فإذا نزلت بها الفاقة تزلزلت واضطربت ورجعت إلى الأسباب فيكون أقبح لها من الإقامة فيها فهذا وجه كونها شهوة وإنما كانت خفية لأنها في الظاهر أظهرت الإنقطاع والتبتل وهو مقام شريف وحال منيف لكنها في الباطن أخفت حظها من قصد الراحة أو الكرامة أو الولاية أو غير ذلك من الحروف ولم تقصد تحقيق العبودية وتربية اليقين وفاتها أيضاً الأدب مع الحق حيث أرادت الخروج بنفسها ولم تصبر حتى يؤذن لها وعلامة إقامتها فيها دوامها له مع حصول النتائج وعدم العوائق القاطعة له عن الدين وحصول الكفاية بحيث أذا تركها حصل له التشوف إلى الخلق والإهتمام بالرزق فإذا انخرمت هذه الشروط انتقل إلى التجريد قال في التنوير والذي يقتضيه الحق منك أن تمكث حيث أقامك حتى يكون الحق تعالى هو الذي يتولى أخراجك كما تولى إدخالك وليس الشأن أن تترك السبب بل الشأن أن يتركك السبب قال بعضهم تركت السبب كذا وكذا مرة فعدت إليه فتركني السبب فلم أعد إليه قال ودخلت على الشيخ أبي العباس المرسي وفي نفسي العزم على التجريد قائلاً في نفسي أن الوصال إلى الله تعالى على هذه الحالة التي أنا عليها بعيد من الأشتغال بالعلم الظاهر ووجود المخالطة للناس فقال لي من غير أن أسئله صحبني إنسان مشتغل بالعلوم الظاهرة ومتصدر فيها فذاق من هذا الطريق شيئاً فجاء إلى فقال لي يا سيدي أخرج عما أنا فيه وأتفرغ لصحبتك فقلت له ليس الشأن ذا ولكن امكث فيما أنت فيه وما قسم الله لك على أيدينا فهو لك واصل ثم قال الشيخ ونظر إلى وهكذا شأن الصديقين لا يخرجون من شيء حتى يكون الحق سبحانه هو الذي يتولى إخراجهم فخرجت من عنده وقد غسل الله تلك الخواطر من قلبي ووجدت الراحة بالتسليم إلى الله تعالى ولكنهم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هم القوم لا يشقى بهم جليسهم اه قال رضي الله عنه إنما منعه من التجريد لشره نفسه إليه والنفس إذا شرهت للشيء كان خفيفاً عليها والخفيف عليها لا خير فيه وما خف عليها إلا لحظ لها فيه ثم قال فلا يتجرد المريد في حال القوة حتى تفوت إن أراد أن يستفيد نفسه فإن جردها في حال القوة أتاه الضعف فيعقبه الخصمان ويشوشونه ويفتنونه وربما إذا لم يدركه المولى بلطفه سامح في الخلطة ويرجع إلى ما خرج منه حتى يسيء ظنه بأهل التجريد ويقول ليسوا على شيء كلنا دخلنا البلد وما رأينا شيئاً والذي يثقل عليه التجريد أولاً هو الذي ينبغي له أن يتجرد لأنه ما ثقل عليها إلا حيث تحققت إن عنقها تحت السيف مهما حرك يده قطع أوداجها انتهى المقصود منه وأما المتجرد إذا أراد الرجوع إلى الأسباب من غير إذن صريح فهو إنحطاط من الهمة العلية إلى الهمة الدنية أو سقوط من الولاية الكبرى إلى الولاية الصغرى قال شيخ شيوخنا سيدي علي رضي الله عنه قال لي شيخي سيدي العربي يا ولدي لو رأيت شيئاً على من التجريد وأقرب وأنفع لأخبرتك به ولكن هو عند أهل هذه الطريقة بمنزلة الأكسير الذي قيراط منه يغلب ما بين الخافقين ذهبا كذلك التجريد في هذه الطريق اه وسمعت شيخ شيخنا رضي الله عنه يقول معرفة المتجرد أفضل وفكرته أنصع

لأن الصفا من الصفاء والكدر من الكدر صفاء الباطن من صفاء الظاهر وكدر الباطن من كدر الظاهر وكلما زاد في الحس نقص في المعنى وفي بعض الأخبار إذا أخذ العالم شيئاً من الدنيا نقصت درجته عند الله وإن كان كريماً على الله وأما من إذن له في السبب فهو كالمتجرد إذ صار حينئذ سببه عبودية والحاصل أن التجريد من غير أذن سبب والسبب مع الإذن تجريد وبالله التوفيق تنبيه هذا الكلام كله مع السائرين وأما الواصلون المتمكنون فلا كلامة عليهم إذ هم رضي الله عنهم مأخوذون عن أنفسهم يقبضون من الله ويدفعون بالله قد تولى الحق تعالى أمورهم وحفظ أسرارهم وحرس قلوبهم بجنود الأنوار فلا تؤثر فيها ظلم الأغيار وعليه يحمل حال الصحابة في الأسباب رضي اله عنهم ونفعنا ببركاتهم آمين وأعلم أن المتسبب والمتجرد عاملان لله إذ كل واحد منهما حصل له صدق التوجه إلى الله تعالى حتى قال بعضهم مثل المتجرد والمتسبب كعبدين للملك قال لأحدهما أعمل وكل وقال للآخر إلزم أنت حضرتي وأنا أقوم لك بقسمتي ولكن صدق التوجه في المتجرد أقوي لقلة عوائقه وقطع علائقه كما هو معلوم ولما كانت همة الفقير المتجرد لا تخطيء في الغالب لقوله عليه السلام أن لله رجالاً لو أقسموا على الله لا برهم في قسمهم قال شيخنا ولله رجال إذا إهتموا بالشيء كان بإذن الله وقال أيضاً عليه السلام أتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله خشى الشيخ أن يتوهم أحد أن الهمة تخرق سور القدر وتفعل ما لم يجر به القضاء والقدر فرفع ذلك بقوله سوابق الهمم لا تخرق أسوار الأقدار قلت السوابق جمع سابقة وهي المتقدمة والهمم جمع همة والهمة قوة انبعاث القلب في طلب الشيء والإهتمام به فإن كان ذلك الأمر رفيعاً كمعرفة الله وطلب رضاه سميت همة عالية وإن أمراً خسيساً كطلب الدنيا وحظوظها سميت همة ذنية وسوابق الهمم من إضافة الموصوف إلى الصفة أي الهمم السوابق لا تخرق أسوار الأقدار أي إذا اهتم العارف أو المريد بشيء وقويت همته بذلك فإن الله تعالى يكون ذلك بقدرته في ساعة واحدة حتى يكون أمره بأمر الله وكان شيخ شيخنا مولاي العربي رضي الله عنه يقول المريد الصادق إذا كان فانياً في الإسم مهما اهتم بالشيء كان وإن كان فانيا في الذات تكون الشيء الذي يحتاجه قبل أن يهتم به أو كلام هذا معناه وهو صحيح وفي بعض الأخبار أيضاً فإذا أحببته كنت له سمعاً وبصراً ويداً ومؤيداً إن سألني أعطيته الحديث ومع ذلك لا ينفصل بذلك ولا يتكون إلا ما أحاط به قدر الله وقضاؤه فهمة العارف تتوجه للشيء فإن وجدت القضاء سبق به كان ذلك بإذن الله وإن وجدت سور القدر مضروباً عليه لا تخرقه بل تتأدب معه وترجع لوصفها وهي العبودية فلا تتأسف ولا تحزن بل ربما تفرح لرجوعها لمحلها وتحققها بوصفها وقد كان شيخ شيوخنا سيدي علي رضي الله عنه يقول نحن إذا قلنا شيئاً فخرج فرحنا مرة واحدة وإذا لم يخرج فرحنا عشر مرات وذلك لتحققه بمعرفة الله قيل لبعضهم بماذا عرفت ربك قال بنقض العزائم وقد يحصل هذا التأثير للهمة القوية وإن كان صاحبها ناقصاً كما يقع للعاين والساحر عن خبثهما أو لخاصية جعلها الله فيها إذا نظرا لشيء بقصد انفعل ذلك بإذن الله وهذا كله أيضاً لا يخرق أسوار الأقدار بل لا يكون إلا ما أراد الواحد القهار قال تعالى " وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله " وقال تعالى " إنا كل شيء خلقناه بقدر " وقال تعالى " وما تشاؤن إلا أن يشاء الله " وقال صلى الله عليه وسلم كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس أي النشاط للفعل وأشعر قوله سوابق أن الهمم الضعيفة لا ينفعل لها شيء وهو كذلك في الخير والشر وفي أستعارته الخرق والأسوار ما يشعر بالقوة في الجانبين لكن الحاصر قاهر فلا عبرة بقوة العبد القاصر وإذا كانت الهمة لا تخرق أسوار الأقدار فما بالك بالتدبير والإختيار الذي أشار إليه بقوله أرح نفسك من التدبير فما قام به غيرك عنك لا تقم به أنت لنفسك قلت التدبير في اللغة هو النظر في الأمور وأواخرها وفي الإصلاح هو كما قال الشيخ زروق رضي الله عنه تقدير شؤون يكون عليها في المستقبل بما يخاف أو يرجى بالحكم لا بالتفويض فإن كان مع تفويض وهو أخروي فنية خير أو طبيعي فشهوة أو ديوي فأمنية اه فأقتضى كلامه أن التدبير على ثلاثة أقسام مذموم وقسم مطلوب وقسم مباح فأما القسم المذموم فهو الذي

يصحبه الجزم والتصميم سواء كان دينياً أو دنيوياً لما فيه من قلة الأدب وما يتعجله لنفسه من التعب إذ ما قام به الحي القيوم عنك لا تقوم به أنت عن نفسك وغالب ما تدبره لنفسك لا تساعده رياح الأقدار، وتعقبه الهموم والأكدار، ولذلك قال أحمد بن مسروق من ترك التدبير فهو في راحة وقال سهل ابن عبد الله ذروا التدبير والإختيار فإنهما يكدران على الناس عيشهم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله جعل الروح والراحة في الرضى واليقين وقال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه لا تختر من أمرك شيئاً وأختر أن لا تختار وفر من ذلك المختار ومن فرارك ومن كل شيء إلى الله تعالى وربك يخلق ما يشاء ويختار اه وقال أيضاً إن كان ولا بد من التدبير فدبر إن لا تدبر وقيل من لم يدبر دبر له وقال شيخ شيوخنا سيدي علي رضي الله عنه من أوصاف الولي الكامل أن لا يكون محتاجاً إلا إلى الحال الذي يقيمه مولاه في الوقت يعني ماله مراد إلا ما يبرز من عنصر القدرة اه فكلام هؤلاء السادات محمول على ما إذا كان بالنفس مع الجزم وإما ما كان مع التفويض فليس بمذموم ما لم يطل وأما القسم المطلوب فهو تدبير ما كلفت به من الواجبات وما ندبت إليه من الطاعات مع تفويض المشيئة والنظر إلى القدرة وهذا يسمى النية الصالحة وقد قال عليه السلام نية المؤمن خير من عمله وقال أيضاً حاكياً عن الله سبحانه إذا هم عبدي بحسنة فلم يعملها كسبت له حسنة كاملة الحديث وهذا مفهوم قول الشيخ فما قام به غيرك إذ مفهومه إن ما لم يقم به عنك وهو الطاعة لا يضرك تدبير ولذلك قال إبراهيم الخواص رضي الله عنه العلم كله في كلمتين لا تتكلف ما كفيت ولا تضيع ما استكفيت فقوله لا تتكلف ما كفيت هو القسم الأول المذموم وقوله ولا تضيع ما استكفيت هو القسم الثاني المطلوب وقال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه وكل مختارات الشرع وترتيباته ليس لك منه شيء إنما هو مختار الله لك وأسمع وأطع وهذا محل الفقه الرباني والعلم الألهامي وهو أرض لتنزل علم الحقيقة المأخوذة عن الله تعالى لمن استوى اه وقوله لمن استوى أي كمل عقله وتمت معرفته واستوت حقيقته مع شريعته لكن لا ينبغي الإسترسال معه فيشغله عن الله وأما القسم المباح فهو التدبير في أمر دنيوي أو طبيعي مع التفويض للمشيئة والنظر لما يبرز من القدرة غير معول على شيء من ذلك وعليه يحمل قوله صلى الله عليه وسلم التدبير نصف العيش بشرط أن لا يردده المرة بعد المرة فالقدر المباح منه هو مروره على القلب كالريح يدخل من طبق ويخرج من أخرى وهذا هو التدبير بالله وهو شأن العارفين المحققين وعلامة كونه بالله أنه إذا برز من القدرة عكس ما دبر لم ينقبض ولم يضطرب بل يكون كما قال الشاعره الجزم والتصميم سواء كان دينياً أو دنيوياً لما فيه من قلة الأدب وما يتعجله لنفسه من التعب إذ ما قام به الحي القيوم عنك لا تقوم به أنت عن نفسك وغالب ما تدبره لنفسك لا تساعده رياح الأقدار، وتعقبه الهموم والأكدار، ولذلك قال أحمد بن مسروق من ترك التدبير فهو في راحة وقال سهل ابن عبد الله ذروا التدبير والإختيار فإنهما يكدران على الناس عيشهم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله جعل الروح والراحة في الرضى واليقين وقال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه لا تختر من أمرك شيئاً وأختر أن لا تختار وفر من ذلك المختار ومن فرارك ومن كل شيء إلى الله تعالى وربك يخلق ما يشاء ويختار اه وقال أيضاً إن كان ولا بد من التدبير فدبر إن لا تدبر وقيل من لم يدبر دبر له وقال شيخ شيوخنا سيدي علي رضي الله عنه من أوصاف الولي الكامل أن لا يكون محتاجاً إلا إلى الحال الذي يقيمه مولاه في الوقت يعني ماله مراد إلا ما يبرز من عنصر القدرة اه فكلام هؤلاء السادات محمول على ما إذا كان بالنفس مع الجزم وإما ما كان مع التفويض فليس بمذموم ما لم يطل وأما القسم المطلوب فهو تدبير ما كلفت به من الواجبات وما ندبت إليه من الطاعات مع تفويض المشيئة والنظر إلى القدرة وهذا يسمى النية الصالحة وقد قال عليه السلام نية المؤمن خير من عمله وقال أيضاً حاكياً عن الله سبحانه إذا هم عبدي بحسنة فلم يعملها كسبت له حسنة كاملة الحديث وهذا مفهوم قول الشيخ فما قام به غيرك إذ مفهومه إن ما لم يقم به عنك وهو الطاعة لا يضرك تدبير ولذلك قال إبراهيم الخواص رضي الله عنه العلم كله في كلمتين لا تتكلف ما كفيت ولا تضيع ما استكفيت فقوله لا تتكلف ما كفيت هو القسم الأول المذموم وقوله ولا تضيع ما استكفيت هو القسم الثاني المطلوب وقال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه وكل مختارات الشرع وترتيباته ليس لك منه شيء إنما هو مختار الله لك وأسمع وأطع وهذا محل الفقه الرباني والعلم الألهامي وهو أرض لتنزل علم الحقيقة المأخوذة عن الله تعالى لمن استوى اه وقوله لمن استوى أي كمل عقله وتمت معرفته واستوت حقيقته مع شريعته لكن لا ينبغي الإسترسال معه فيشغله عن الله وأما القسم المباح فهو التدبير في أمر دنيوي أو طبيعي مع التفويض للمشيئة والنظر لما يبرز من القدرة غير معول على شيء من ذلك وعليه يحمل قوله صلى الله عليه وسلم التدبير نصف العيش بشرط أن لا يردده المرة بعد المرة فالقدر المباح منه هو مروره على القلب كالريح يدخل من طبق ويخرج من أخرى وهذا هو التدبير بالله وهو شأن العارفين المحققين وعلامة كونه بالله أنه إذا برز من القدرة عكس ما دبر لم ينقبض ولم يضطرب بل يكون كما قال الشاعر

سلم لسلمي وسر حيث سارت ... وأتبع رياح القضاء در حيث دارت
وقال في التنوير فائدة إعلم أن الأشياء إنما تذم وتمدح بما تؤدي إليه فالتدبير المذموم ما شغلك عن الله وعطلك عن القيام بخدمة الله وصدك عن معاملة الله والتدبير المحمود هو الذي يؤديك إلى القرب من الله ويوصلك إلى مرضاة الله إنظر بقية كلامه فهذا تحرير ما ظهر لي في شأن التدبير وقد ألف الشيخ رضي الله عنه فيه كتاباً سماه التنوير في أسقاط التدبير أحسن فيه وأجاد ومرجعه إلى ما ذكرنا والله تعالى أعلم ولما كمله أطلع عليه الولي الكامل سيدي ياقوت العرشي فلما طالعه قال له جميع ما قلت مجموع في بيتين وهما هاتان
ما ثم إلا ما أراد ... فأترك همومك وأنطرح
وأترك شواغلك التي ... شغلت بها تسترح
ولما كان الإنهماك في التدبير والإختيار يدل على إنطماس البصيرة وتركهما أو فعلهما بالله يدل على فتح البصيرة ذكر علامة أخرى أظهر وأشهر منهما على فتح البصيرة أو طمسها فقال إجتهادك فيما ضمن لك وتقصيرك فيما طلب منك دليل على إنطماس البصيرة منك قلت الإجتهاد في الشيء إستفراغ الجهد والطاقة في طلبه والتقصير هو التفريط ولتضييع والبصيرة ناظر القلب كما أن البصر ناظر القالب فالبصيرة لا ترى إلا المعاني والبصر لا يرى إلا المحسوسات أو تقول البصيرة لا ترى إلا اللطيف والبصر لا يرى إلا الكثيف أو تقول البصيرة لا ترى إلا القديم والبصر لا يرى إلا الحادث أو تقول البصيرة لا ترى إلا المكون والبصر لا يرى إلا الكون فإذا أراد الله فتح بصيرة العبد أشغله في الظاهر بخدمته وفي الباطن بمحبته فكلما عظمت المحبة في الباطن والخدمة في الظاهر قوي نور البصيرة حتى يستولى على البصر فيغيب نور البصر في نور البصيرة فلا يرى إلا ما تراه البصيرة من المعاني اللطيفة والأنوار القديمة وهذا معنى قول شيخ شيوخنا المجذوب
غيبت نظري في نظر ... وأفنيت عن كل فاني
حققت ما وجدت غير ... وأمسيت في الحال هاني

وإذا أراد الله خذلان عبده أشغله في الظاهر بخدمة الأكوان وفي الباطن بمحبتها فلا يزال كذلك حتى ينطمس نور بصيرته فيستولى نور بصره على نور بصيرته فلا يرى إلا الحس ولا يخدم إلا الحس فيجتهد في طلب ما هو مضمون من الرزق المقسوم ويقصر فيما هو مطلوب منه من الفرض المحتوم ولو كان بدل الإجتهاد استغراقاً وبدل التقصير تركاً لكن بدل الطمس عمي وهو الكفر والعياذ بالله لأن الدنيا كنهر طالوت لا ينجو منها إلا من لم يشرب أو اغترف غرفة بيده لا من شرب على قدر عطشه فافهم قاله الشيخ زروق رضي الله عنه وقال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه البصيرة كالبصر أدني شيء يقع فيه يمنع النظر وإن لم ينته إلى العمى فالخطرة من الشيء تشوش النظر وتكدر الفكر والأرادة له تذهب بالخير رأساً والعمل به يذهب عن صاحبه سهماً من الأسلام فيما هو فيه ويأتي بضده فإذا أستمر على الشر تفلت منه الإسلام فإذا أنتهى إلى الوقيعة في الأمة وموالاة الظلمة حباً في الجاه والمنزلة وحباً للدنيا على الآخرة فقد تفلت منه الإسلام كله ولا يغرنك ما توسم به ظاهراً فإنه لا روح له إذ الإسلام حب الله وحب الصالحين من عباده انتهى ولما كان الإجتهاد في المضون كله مذموم كان بالفعل كما تقدم أو بالقول وهو الإستعجال في تحصيله قبل إبانه بالدعاء أو بغيره أشار إلى ذلك بقوله لا يكن تأخر أمد العطاء مع الإلحاح في الدعاء موجباً ليأسك فهو ضمن لك الإجابة فيما يختار لك لا فيما تختار لنفسك وفي الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي تريد قلت الإلحاح في الشيء هو تكرره من وجه واحد والدعاء طلب مصحوب بأدب في بساط العبودية لجناب الربوبية والموجب للشيء ما كان أصلاً في وجوده واليأس قطع المطامع أعلم أن من أسمائه تعالى القيوم وهو مبالغة في القيام فقد قام تعالى بأمر خلقه من عرشه إلى فرشه وعين لكل مظهر وقتاً محدوداً وأجلاً معلوماً ولكل واحد شكلاً معلوماً ورزقاً مقسوماً فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون فإذا تعلق قلبك بحاجة من حوائج الدنيا والآخرة فأرجع إلى وعد الله واقنع بعلم الله ولا تحرص ففي الحرص تعب ومذلة قال شيخ شيخنا مولاي العربي رضي الله عنه الناس تقضي حوائجهم بالحرص فيها والجري عليها ونحن تقضي حوائجنا بالزهد فيها والإشتغال بالله عنها اه وإن كان ولا بد من الدعاء فليكن دعاؤك عبودية لا طلباً للحظ فإن تركت الحظوظ صبت عليك الحظوظ وإن غلب عليك وارد الطلب وطلبت شيئاً ثم تأخر عنك وقت العطاء فيه فلا تتهم الله في وعده حيث قال " أدعوني أستجب لكم " ولا تيأس من نواله ورفده فإن الله قد ضمن لك الإجابة فيما يريد من خير الدنيا وخير الآخرة وقد يمنعك لطفاً بك لكون ذلك المطلب لا يليق بك كما قال الشيخ أبو الحسن اللهم إنا قد عجزنا عن دفع الضر عن أنفسنا من حيث نعلم بما علم فكيف لا نعجز عن ذلك من حيث لا نعلم بما لا نعلم وقد قال بعض المفسرين في قوله تعالى " وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة ما موصولة أي ويختار الأمر الذي لهم فيه خيرتهم وقد يكون أجابك وعين لذلك وقتاً هو أصلح لك وأنفع فيعطيك ذلك في الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي تريد وقد يؤخر لك ذلك لدار الكرامة والبقاء وهو خير لك وأبقى وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من داع إلا وهو بين إحدى ثلاث إما أن تعجل له طلبته وإما أن يدخر له ثوابها وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها الحديث وقال الشيخ عبد العزيز المهدوي رضي الله عنه من لم يكن في دعائه تاركاً لإختياره راضياً بإختيار الحق تعالى له فهو مستدرج ممن قيل له أقضوا حاجته فإني أكره أن أسمع صوته فإن كان مع اختيار الحق تعالى لا مع إختياره لنفسه كان مجاباً وإن لم يعط والأعمال بخواتهما اه ثم حقق لك ما تقدم من إنجاز الوعد ونفوذ الموعود ولكن على الوجه الذي يريد وفي الوقت الذي يريد وأمرك في ذلك بالصدق والتصديق ونهاك عن الشك والترديد ليكمل بذلك فتح بصيرتك وتبهج أنوار سريرتك فقال لا يشككك في الوعد عدم وقوع الموعود وإن تعين زمنه لئلا يكون ذلك قدحاً في بصيرتك وإخماداً لنور سريريك التشكيك في الشيء هو التردد في الوقوع وعدمه والوعد الأخبار بوقوع الشيء في محله والموعود المخبر به والقدح في الشيء التنقيص له والغض من مرتبته والبصيرة القوة المهيئة لأدرك المعاني

والسريرة القوة المستعدة لتمكن العلم والمعرفة وأعلم أن النفس والعقل والروح والسر شيء واحد لكن تختلف التسامي بإختلاف المدراك فما كان من مدارك الشهوات فمدركه النفس وما كان من مدارك الأحكام الشرعية فمدركه العقل وما كان من مدراك التجليات والواردات فمدركه الروح وما كان من مدارك التحقيقات والتمكنات فمدركه السر والمحل واحد وإخماد الشيء خفاؤه بعد ظهوره قلت إذا وعدك الحق تعالى بشيء على لسان الوحي أو الإلهام من نبي أو ولي أو تجل قوى فلا تشك أيها المريد في ذلك الوعد إن كنت صديقاً فإن لم يتعين زمنه فالأمر واسع وقد يطول الزمان وقد يقصر فلا تشك في وقوعه وإن طال زمنه وقد كان بين دعاء سيدنا موسى وهارون على فرعون بقوله ربنا أطمس على أموالهم الآية أربعون سنة على ما قيل وأن تعين زمنه ولم يقع ذلك عند حلوله فلا تشك في صدق ذلك الوعد فقد يكون ذلك مترتباً على أسباب وشروط غيبية أخفاها الله تعالى عن ذلك النبي أو الولي لتظهر قهريته وعزته وحكمته وتأمل قضية سيدنا يونس عليه السلام حيث أخبر قومه بالعذاب لما أخبر به وفر عنهم وكان ذلك متوقفاً على عدم إسلامهم فلما أسلموا تأخر عنهم العذاب وكذلك قضية سيدنا نوح عليه السلام حيث قال إن النبي من أهلي وإن وعدك الحق فوقف مع ظاهر العموم فقال له تعالى إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح ونحن إنما وعدناك بنجاة الصالح من أهلك وإن فهمت العموم فعلمنا متسع ولهذا السر الخفي كان الرسل عليهم السلام وأكابر الصديقين لا يقفون مع ظاهر الوعد فلا يزول أضطرارهم ولا يكون مع غير الله قرارهم بل ينظرون لسعة علمه تعالى ونفوذ قهه ومنه قول سيدنا إبراهيم الخليل ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئاً وسع ربي كل شيء علماً وقول سيدنا شعيب عليه السلام وما يكون لنا أن نعود فيها أي في ملة الكفر إلا أن يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شيء وقضية نبينا صلى الله عليه وسلم يوم بدر حيث دعا حتى سقط رداؤه وقال اللهم عهدك ووعدك اللهم إن تهلك هذه العصابة لم تعبد بعد اليوم فقال له الصديق حسبك يا رسول الله فإن الله منجز لك ما وعدك فنظر المصطفى أوسع لعدم وقوفه مع ظاهر الوعد ووقف الصديق مع الظاهر فكل على صواب والنبي صلى الله عليه وسلم أوسع نظراً وأكمل علماً وأما قضية الحديبية فلم يتعين فيها زمن الوعد لقوله تعالى فعلم ما لم تعلموا وقد قال عليه السلام لعمر حين قال له ألم تخبرنا أنا ندخل مكة فقال له أقلت لك هذا العام فقال لا فقال إنك داخلها ومطوف بها فشد يدك يا أخي على تصديق ما وعدك الله به وحسن ظنك به وبأوليائه ولا سيما شيخك فإياك أن تضمر التكذيب أو الشك فيكون ذلك قدحاً في بصيرتك وقد يكون سبباً في طمسها ويكون أيضاً إخماداً أي أخفاء وأطفاء لنور سريرتك فترجع من حيث جئت وتهدم كل ما بنيت فانظر أحس التأويلات والتمس أحسن المخارج وقد تقدم قول شيخ شيوخنا سيدي علي رضي الله عنه نحن إذا قلنا شيئاً فخرج فرحنا مرة وإذا لم يخرج فرحنا عشر مرات وما ذاك إلا لوسع نظره وتمكنه في معرفة ربه وأيضاً قد يطلع الله أولياءه على نزول القضاء ولا يطلعهم على نزول اللطف فينزل ذلك القضاء مصحوباً باللطف فينزل خفيفاً سهلاً حتى يظن أنه لم ينزل وقد شهدنا هذا وما قبله من أنفسنا ومن أشياخنا رضي الله عنهم فلم ينقص صدقنا ولم يخمد نور سريرتنا فلله الحمد ربنا تنبيه كان شيخناً الفقيه العلامة سيدي التأودي بن سودة يستشكل هذه الحكمة ويقول كيف يتصور تعيين الزمان إن كان بالوحي فقد انقطع وإن كان بالإلهام فلا يلزم من الشك فيه القدح في البصيرة إذ لا يجب الإيمان به قلنا كلامنا مع المريدين الصديقين السائرين أو الواصلين وهم مطالبون بالتصديق للأشياخ في كل ما نطقوا به إذ هم ورثة الأنبياء فهم على قدمهم فللإنبياء وحي الأحكام وللإولياء وحي الإلهام لأن القلوب إذا صفت من الأكدار والأغيار وملئت بالأنوار والأسرار لا يتجلى فيها إلا الحق فإذا نطقوا بشيء من وعد أو وعيد يجب على المريد تصديقه فإذا دخله تشكيك أو تردد فيما وعده الله على لسان نبيه أو شيخه قدح ذلك في نور بصيرته وأخمد سريرته فإذا لم يعين زمنه أنتظر وقوعه وإن طال وإن عين زمنه ولم يقع تأول فيه ما تقدم في حق الرسل من توقفه على أسباب وشروط خفية وبهذا فرقوا بين الصديق والمصادق لأن

الصديق لا يتردد ولا يتعجب والصادق يتردد ثم يجزم وأن رأى خرق عادة تعجب وأستغرب والله تعالى أعلم ولما كانت التعرفات القهرية ظاهرها جلال وباطنها جمال لما يعقبها من أوصاف الكمال وربما يشك المريد فيما وعد الحق عليها من الخيرات وما رتب عليها من الفتوحات نبه الشيخ على ذلك فقال إذ فتح لك وجهة من للتعرف فلا تبال معها أن قل عملك فإنه ما فتحها عليك إلا وهو يريد أن يتعرف إليك ألم تعلم أن التعرف هو مورده عليك والأعمال أنت مهديها إليه وأين ما تهديه إليه مما هو مورده عليك فتح هنا بمعنى هيأ ويسر والغالب إستعماله في الخير فأشع الإتيان به هنا أن جهة التعريف من الأمور الجميلة والوجهة هي الجهة والمراد هنا الباب والمدخل والتعرف طلب المعرفة تقول تعرف لي فلان إذا طلب مني معرفته والمعرفة تمكن حقيقة العلم بالمعروف من القلب حتى لا يمكن الإنفكاك عنه بحل والمبالاة التهمم بفوات الشيء قلت إذا تجلى لك الحق تعالى بإسمه الجليل أو بإسمه القهار وفتح لك منها باباً ووجهة لتعرفه منها فإعلم أن الله تعالى قد أعتنى بك وأراد أن يجتبيك لقربه ويصطفيك لحضرته فإلتزم الأدب معه بالرضي ولتسليم وقابله بالفرح والسرور ولا تبال بما يفوتك بها معها من الأعمال البدنية فإنما هي وسيلة للأعمال القلبية فإنه ما فتح هذا الباب إلا وهو يريد أن يرفع بينك وبينه الحجاب ألم تعلم أن التعرفات الجلالية هو الذي أوردها عليك لتكون عليه وارداً والأعمال البدنية أنت مهديها إليه لتكون إليه بها وأصلاً وفرق كبير بين ما تهديه أنت من الأعمال المدخولة والأحوال المعلولة وبين ما يورده عليك الحق تعالى من تحف المعارف الربانية والعلوم اللدنية فطب نفساً أيها المريد بما ينزل عليك من هذه التعرفات الجلالية والنوازل القهرية ومثل ذلك كالأمراض والأوجاع والشدائد والأهوال وكل ما يثقل على النفس ويؤلمها كالفقر والذل وأذية الخلق وغير ذلك مما تكرهه النفوس فكل ما ينزل بك من هذه الأمور فهي نعم كبيرة ومواهب غزيرة تدل على قوة صدقك إذ بقدر ما يعظم الصدق يعظم التعرف أشدكم بلاء الأنبياء فالأمثل فالأمثل والصدق متبوع وإذا أراد الله أن يطوي مسافة البعد بينه وبين عبده سلط عليه البلاء حتى إذا تخلص وتشحر صلح للحضرة كما تصفي الفضة والذهب بالنار لتصلح لخزانة الملك وما زالت الشيوخ والعارفون يفرحون بهذه النوازل ويستعدون لها في كسب المواهب كان شيخ شيوخنا سيدي على العمراني رضي الله عنه يسميها ليلة القدر ويقول أل الحيزة هي ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر وذلك لأجل ما يجتنيه العبد منها من أعمال القلوب التي الذرة منها أفضل من أمثال الجبال من أعمال الجوارح وقد قلت في ذلك بيتين وهماا يتردد ولا يتعجب والصادق يتردد ثم يجزم وأن رأى خرق عادة تعجب وأستغرب والله تعالى أعلم ولما كانت التعرفات القهرية ظاهرها جلال وباطنها جمال لما يعقبها من أوصاف الكمال وربما يشك المريد فيما وعد الحق عليها من الخيرات وما رتب عليها من الفتوحات نبه الشيخ على ذلك فقال إذ فتح لك وجهة من للتعرف فلا تبال معها أن قل عملك فإنه ما فتحها عليك إلا وهو يريد أن يتعرف إليك ألم تعلم أن التعرف هو مورده عليك والأعمال أنت مهديها إليه وأين ما تهديه إليه مما هو مورده عليك فتح هنا بمعنى هيأ ويسر والغالب إستعماله في الخير فأشع الإتيان به هنا أن جهة التعريف من الأمور الجميلة والوجهة هي الجهة والمراد هنا الباب والمدخل والتعرف طلب المعرفة تقول تعرف لي فلان إذا طلب مني معرفته والمعرفة تمكن حقيقة العلم بالمعروف من القلب حتى لا يمكن الإنفكاك عنه بحل والمبالاة التهمم بفوات الشيء قلت إذا تجلى لك الحق تعالى بإسمه الجليل أو بإسمه القهار وفتح لك منها باباً ووجهة لتعرفه منها فإعلم أن الله تعالى قد أعتنى بك وأراد أن يجتبيك لقربه ويصطفيك لحضرته فإلتزم الأدب معه بالرضي ولتسليم وقابله بالفرح والسرور ولا تبال بما يفوتك بها معها من الأعمال البدنية فإنما هي وسيلة للأعمال القلبية فإنه ما فتح هذا الباب إلا وهو يريد أن يرفع بينك وبينه الحجاب ألم تعلم أن التعرفات الجلالية هو الذي أوردها عليك لتكون عليه وارداً والأعمال البدنية أنت مهديها إليه لتكون إليه بها وأصلاً وفرق كبير بين ما تهديه أنت من الأعمال المدخولة والأحوال المعلولة وبين ما يورده عليك الحق تعالى من تحف المعارف الربانية والعلوم اللدنية فطب نفساً أيها المريد بما ينزل عليك من هذه التعرفات الجلالية والنوازل القهرية ومثل ذلك كالأمراض والأوجاع والشدائد والأهوال وكل ما يثقل على النفس ويؤلمها كالفقر والذل وأذية الخلق وغير ذلك مما تكرهه النفوس فكل ما ينزل بك من هذه الأمور فهي نعم كبيرة ومواهب غزيرة تدل على قوة صدقك إذ بقدر ما يعظم الصدق يعظم التعرف أشدكم بلاء الأنبياء فالأمثل فالأمثل والصدق متبوع وإذا أراد الله أن يطوي مسافة البعد بينه وبين عبده سلط عليه البلاء حتى إذا تخلص وتشحر صلح للحضرة كما تصفي الفضة والذهب بالنار لتصلح لخزانة الملك وما زالت الشيوخ والعارفون يفرحون بهذه النوازل ويستعدون لها في كسب المواهب كان شيخ شيوخنا سيدي على العمراني رضي الله عنه يسميها ليلة القدر ويقول أل الحيزة هي ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر وذلك لأجل ما يجتنيه العبد منها من أعمال القلوب التي الذرة منها أفضل من أمثال الجبال من أعمال الجوارح وقد قلت في ذلك بيتين وهما

إذا طرقت بابي من الدهر فاقة ... فتحت لها باب المسرة والبشر
وقلت لها أهلاً وسهلاً ومرحباً ... فوقتك عندي أحظى من ليلة القدر

وأعلم أن هذه التعرفات الجلالية هي أختبار من الحق ومعيار للناس وبها تعرف الفضة والذهب من النحاس فكثير من المدعين يظهرون على ألسنتهم المعرفة واليقين فإذا وردت عليهم عواصف رباح الأقدار ألقتهم في مهاوي القنط والإنكار من أدعى ما ليس فيه فضحته شواهد الإمتحان وكان شيخ شيخنا مولاي العربي رضي الله عنه يقول العجب كل العجب ممن يطلب معرفة الله ويحرص عليها فإذا تعرف له الحق تعالى هرب منه وأنكر وقال شيخنا البزيدي رضي الله عنه هذه التعرفات الجلالية على ثلاثة أقسام قسم عقوبة وطرد وقسم تأديب وقسم زيادة وترق أما الذي هو عقوبة وطرد فهو الذي يسيء لأدب فيعاقبه الحق تعالى ويجهل فيها فيسخط ويقنط وينكر فيزداد من الله طرداً وبعداً وأما القسم الذي هو تأديب فهو الذي يسيء الأدب فيؤدبه الحق تعالى فيعرفه فيها وينتبه لسوء أدبه وينهض من غفلته فهي في حقه نعمة في مظهر النقمة وأما الذي هي في حقه زيادة وترق فهو الذي تنزل به هذه التعرفات من غير سبب فيعرف فيها ويتأدب معها ويترقى بها إلى مقام الرسوخ والتمكين اه بالمعنى قلت ولذلك قال بعضهم بقدر الأمتحان يكون الإمتكان وقال أيضاً أختبار الباقي يقطع التباقي فائدة إذا أردت أن يسهل عليك الجلال فقابله بضده وهو الجمال فإنه ينقلب جمالاً في ساعته وكيفية ذلك أنه إذا تجلى بإسمه القابض في الظاهر فقابله أنت بالبسط في الباطن فإنه ينقلب بسطاً وإذا تجلى لك بإسمه القوي فقابله أنت بالضعف أو تجلي بإسمه العزيز فقابله بالذل في الباطن وهكذا يقابل الشيء بضده قياماً بالقدرة والحكمة وكان شيخ شيخنا مولاي العربي رضي الله عنه يقول ما هي إلا حقيقة واحدة أن شربتها عسلاً وجدتها عسلاً وأن شربتها لبناً وجدتها لبناً وأن شربتها حنظلاً وجدتها حنظلاً فأشرب يا أخي المليح ولا تشرب القبيح اه ومعنى كلامه رضي الله عنه هو كما تقابله يقابلك والله تعالى أعلم ولما تكلم على الأعمال وثمراتها وهو الأدب ومرجعه إلى السكون تحت مجاري الأقدار من غير تدبير ولا أختيار ولا تعجيل لما تأخر ولا تأخر لما تعجل بل يكون مخط نظره إلى ما يبرز من عنصر القدرة فيتلقاه بالمعرفة تكلم على تنويعها وتهذيبها بتهذيب عاملها فقال تنوعت أجناس الأعمال بتنوع واردات الأحوال تنويع الشيء تكثيره والأعمال هنا عبارة عن حركة الجسم والواردات والأحوال عبارة عن حركة القلب فالخاطر والوارد والحال محلها واحد وهو القلب لكن ما دام القلب تخطر فيه الخواطر الظلمانية والنورانية سمى ما يخطر فيه خاطراً وأن أنقطعت عنه الخواطر الظلمانية سمى ما يخطر فيه وارداً أو حالاً فإضافة أحدهما إلى الآخر أضافة بيانية وكلاهما يتحولان فإن دام ذلك سمي مقاماً قلت قد تنوعت أجناس الأعمال الظاهرة بتنوع الأحوال الباطنة أو تقول أعمال الجوارح تابعة لأحوال القلوب فإن ورد على القلب قبض ظهر على الجوارح أثره من السكون وإن ورد عليه بسط ظهر على الجوارح أثره من الخفة والحركة وإن ورد على القلب زهد وورع ظهر على الجوارح أثره وهو ترك وإحجام أي تأخر وأن ورد على القلب رغبة وحرص ظهر على الجوارح أثره وهو كد وتعب وأن ورد على القلب محبة وشوق ظهر على الجوارح أثره وهو شطح ورقص وأن ورد على القلب معرفة وشهود ظهر على الجوارح أثره وهو راحة وركود إلى غير ذلك من الأحوال وما ينشأ عنها من الأعمال وقد تختلف هذه الأحوال على قلب واحد فيتلون الظاهر في أعماله وقد يغلب على قلب واحد حال واحد فيظهر عليه أثر واحد فقد يغلب على الشخص القبض فيكون مقبوضاً في الغالب وقد يغلب عليه البسط كذلك إلى غير ذلك من الأحوال والله تعالى أعلم وفي الحديث أن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله إلا وهي القلب قلت ولأجل هذا المعنى إختلفت أحوال الصوفية فمنهم عباد ومنهم زهاد ومنهم الورعون والمريدون والعارفون قال الشيخ زروق رضي الله عنه في قواعده قاعدة النسك الأخذ بكل مسلك من الفضائل من غير مراعاة لغير ذلك فإن رام التحقيق في ذلك أي النسك فهو العابد وإن مال للأخذ بالإحوال فهو الورع وإن آثر جانب الترك طالباً للسلامة فهو الزاهد وأن أرسل نفسه في مراد الحق فهو العارف وإن أخذ بالتخلق والتعلق فهو المريد اه المراد منه وقال في قاعدة أخرى لا يلزم من إختلاف المسالك إختلاف المقاصد بل يكون

متحداً مع إختلاف مسالكه كالعبادة والزهادة والمعرفة مسالك لقرب الحق على سبيل الكرامة وكلها متداخلة فلا بد للعارف من عبادة وإلا فلا عبرة بمعرفته إذ لم يعبد معروفه ولا بد له من زهادة وإلا فلا حقيقة عنده إذ لم يعرض عما سواه ولا بد للعابد منهما إذ لا عبادة إلا بمعرفة أي في الجملة وإلا فراغ للعبادة إلا بزهد والزاهد كذلك إذ لا زهد إلا بمعرفة أي في الجملة ولا زهد إلا بعبادة والأعاد بطالة نعم من غلب عليه العمل فعابد أو الترك فزاهد أو النظر لتصريف الحق فعارف والكل صوفية والله أعلم اه ولما كان الإخلاص شرطاً في كل عمل ذكره بأثره فقال الأعمال صور قائمة وأرواحها وجود سر الإخلاص فيها الأعمال هنا عبارة عن الحركة الجسمانية أو القلبية والصور جمع صورة وهو ما يتشخص في الذهن من الكيفيات والروح السر المودع في الحيوانات وهو هنا عبارة عما يقع به الكمال المعتبر في الأعمال والأخلاص أفراد القلب لعبادة الرب وسره لبه وهو الصد مع إختلاف مسالكه كالعبادة والزهادة والمعرفة مسالك لقرب الحق على سبيل الكرامة وكلها متداخلة فلا بد للعارف من عبادة وإلا فلا عبرة بمعرفته إذ لم يعبد معروفه ولا بد له من زهادة وإلا فلا حقيقة عنده إذ لم يعرض عما سواه ولا بد للعابد منهما إذ لا عبادة إلا بمعرفة أي في الجملة وإلا فراغ للعبادة إلا بزهد والزاهد كذلك إذ لا زهد إلا بمعرفة أي في الجملة ولا زهد إلا بعبادة والأعاد بطالة نعم من غلب عليه العمل فعابد أو الترك فزاهد أو النظر لتصريف الحق فعارف والكل صوفية والله أعلم اه ولما كان الإخلاص شرطاً في كل عمل ذكره بأثره فقال الأعمال صور قائمة وأرواحها وجود سر الإخلاص فيها الأعمال هنا عبارة عن الحركة الجسمانية أو القلبية والصور جمع صورة وهو ما يتشخص في الذهن من الكيفيات والروح السر المودع في الحيوانات وهو هنا عبارة عما يقع به الكمال المعتبر في الأعمال والأخلاص أفراد القلب لعبادة الرب وسره لبه وهو الصد ق المعبر عنه بالتبري من الحول والقوة إذ لا يتم إلا به وأن صح دونه إذ الإخلاص نفي الرياء والشرك الخفي وسره نفي العجب وملاحظة النفس والرياء قادحة في صحة العمل والعجب قادح في كماله فقط قلت الأعمال كلها أشباح وأجساد وأرواحها وجود الإخلاص فيها فكما لا قيام للأشباح إلا بالأرواح وإلا كانت ميتة ساقطة كذلك لا قيام للأعمال البدنية والقلبية إلا بوجود الأخلاص فيها وإلا كانت صوراً قائمة وأشباحاً خاوية لا عبرة بها قال تعالى وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء وقال تعالى فاعبد الله مخلصاً له الدين وقال صلى الله عليه وسلم حاكياً عن الله تعالى يقول أنا أغني الشركاء من أشرك معي غيري تزكته وشريكه وقال صلى الله عليه وسلم أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي وهو الرياء وفي رواية اتقوا هذا الشرك الخفي فإنه يدب دبيب النمل قيل وما الشرك الخفي قال الرياء اه بالمعنى لطول العهد به وفي حديث مسلسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الأخلاص فقال حتى أسأل جبريل فلما سأله قال حتى أسأل رب العزة فلما سأله قال له هو سر من أسراري أودعه قلب من أحببت من عبادي لا يطلع عليه ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده قال بعضهم هو مقام الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه والإخلاص على ثلاث درجات درجة العوام والخواص وخواص الخواص، فإخلاص العوام هو إخراج الخلق من معاملة الحق مع طلب الحظوظ الدنيوية والأخروية كحفظ البدن والمال وسعة الرزق والقصور والحور، وإخلاص الخواص طلب الحظوظ الأخروية دون الدنيوية، وإخلاص خواص الخواص أخراج الحظوظ بالكلية فعبادتهم تحقيق العبودية والقيام بوظائف الربوبية أو محبة وشوقاً إلى رؤيته كما قال ابن الفارض
ليس سؤلي من الجنان نعيماً ... غير أني أحبها لأراكاً
وقال آخر
كلهم يعبدون من خوف نار ... ويرون النجاة حظاً جزيلاً
أو بأن يسكنوا الجنان فيضحوا ... في رياض ويشربوا السلسبيلاً
ليس لي في الجنان والنار رأى ... أنا لا أبتغي بحبي بديلاً

قال الشيخ أبو طالب رضي الله عنه الإخلاص عند المخلصين إخراج الخلق من معاملة الحق وأول الخلق النفس والإخلاص عند المحبين أن لا يعملوا عملاً لأجل النفس وإلا دخل عليها مطالعة العوض أو الميل إلى حظ النفس والإخلاص عند الموحدين خروج الخلق من النظر إليهم في الأفعال وعدم السكون والإستراحة إليهم في الأحوال وقال بعض المشايخ صحح عملك بالإخلاص وصحح إخلاصك بالتبري من الحول والقوة اه كلامه وقال بعض العارفين لا يتحقق الإخلاص حتى يسقط من عين الناس ويسقط الناس من عينه ولذلك قال آخر كلما سقطت من عين الخلق عظمت في عين الحق وكلما عظمت في عين الخلق سقطت من عين الحق يعني مع ملاحظتهم ومراقبتم وسمعت شيخناً يقول ما دام العبد يراقب الناس ويهابهم لا يتحقق إخلاصه أبداً وقال أيضاً لا تجتمع مراقبة الحق مع مراقبة الخلق أبداً إذ محال أن تشهده وتشهد معه سواه اه والحاصل لا يمكن الخروج من النفس والتخلص من دقائق الرياء من غير شيخ أبداً والله تعالى أعلم ولما كان الخمول من مضامن الإخلاص بل لا يتحقق في الغالب إلا به إذ لاحظ فيه للنفس ذكره بعده فقال أدفن وجودك في أرض الخمول فما نبت مما لم يدفن لا يتم نتاجه الدفن هو التغطية والستر والخمول سقوط المنزلة عند الناس ونتائج الشجرة ثمرتها أستعير هنا للحكم والمواهب والعلوم التي يجتنيها العبد من المعرفة بالله وذلك عند موت نفسه وحياة روحه قلت استر نفسك أيها المريد وأدفنها في أرض الخمول حتى تستأنس به وتستحليه ويكون عندها أحلى من العسل ويصير الظهور عندها أمر من الحنظل فإذا دفنتها في أرض الخمول وأمتدت عروقها فيه فحينئذ تجني ثمرتها ويتم لك نتاجها وهو سر الإخلاص والتحقق بمقام خواص الخواص وأما إذا لم تدفنها في أرض الخمول وتركتها على ظهر الشهرة تجول ماتت شجرتها أو أسقطت ثمرتها فإذا جني العارفون ما غرسوه من جنات معارفهم من العلوم وما دفنوه من كنوز الحكم ومخازن الفهوم بقيت أنت فقيراً سائلاً أو سارقاً صائلاً قال سيدنا عيسى عليه السلام لأصحابه أين تنبت الحبة قالوا في الأرض قال كذلك الحكمة لا تنبت إلا في قلب كالأرض اه وقال بعض العارفين كلما دفنت نفسك أرضاً أرضاً سماً قلبك سماء سماء وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رب أشعث أغبر ذي طمرين تنبوا عنه أعين الناس لو أقسم على الله لأبره في قسمه وكان عليه الصلاة والسلام جالساً مع الأقرع بن حابس كبير بني تميم فمر عليه رجل من فقراء المسلمين فقال عليه السلام للأقرع بن حابس ما تقول في هذا فقال هذا يا رسول الله من فقراء المسلمين حقيق أن خطب أن لا يزوج وإن استأذن أن لا يؤذن له وإن قال أن لا يسمع له ثم مر بهما رجل من المترفين فقال له عليه السلام وما تقول في هذا فقال هذا حقيق أن خطب أن يزوج وإن استأذن أن يؤذن له وأن قال أن يسمع له فقال له صلى الله عليه وسلم هذا يعني الفقير خير من مل الأرض من هذا وفي مدح الخمول أحاديث كثيرة وفضائل مشهورة ولو لم يكن فيه إلا الراحة وفراغ القلب لكان كافياً وأنشد بعضهم وهو الحضرمي
عش خامل الذكر بين الناس وأرض به ... فذاك أسلم للدنيا وللدين
من عاشر الناس لم تسلم ديانته ... ولم يزل بين تحريك وتسكين

وقال بعض الحكماء الخمول نعمة والنفس تأباه والظهور نقمة والنفس تهواه وقال آخر طريقتنا هذه لا تصلح إلا بقوم كنست بأرواحهم المزابل قلت ويجب على من أبتلى بالجاه والرياسة أن يستعمل من الخراب ما يسقط به جاهه وأن كان مكروهاً دون الحرام المتفق عليه بقصد الدواء كالسؤال في الحوانيت أو الديار والأكل في السوق وحيث يراه الناس وكالرقاد فيه وكالسقي بالقربة وحمل الزبل على الرأس بوقاية وكالمشي بالحفا وإظهار الحرص والبخل والشح وكلبس المرقعة وتعليق السبحة الكبيرة وكل ما يثقل على النفس من المباح أو المكروه دون الحرام قال الشيخ زروق رضي الله عنه وكما لا يصلح دفن الزرع في أرض رديئة لا يجوز الخمول بحالة غير مرضية وقياس ذلك بالغصة لا يصح لأن فوت الحياة الحسية مانع من كل خير واجباً ومندوباً وتفويتها مع أمكان إبقائها محرم إجماعاً لقوله تعالى ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة بخلاف الخمول لا يفوت به شيء من ذلك إنما يفوت به الكمال وهو نفي الجاه والمنزلة وأصله الإباحة اه وأجاب بعضهم بأنه إذا حاز لفوت الحياة الفانية فأولى أن يجوز لفوت الحياة الدائمة وهي المعرفة فتأمله وقصة لص الحمام تشهد له والله تعالى أعلم ولقد سمعت شيخناً رضي الله عنه يقول الفقير الصديق يقتل نفسه بأدنى شيء من المباح والفقير الكذاب يقع في المحرم ولا يقتلها وكان كثيراً ما ينهي عن الأحوال الظلمانية ويقول عندنا من المباح ما يغنينا عن المحرم والمكروه وأما السؤال فإنما هو مكروه أو حرام لقصد قوت الأشباح مع الكفاية وأما لقصد قوت الأرواح فليس بحرام وقد ذكر القسطلاني في شرح البخاري عن ابن العربي الفقير أنه واجب على الفقير في بدايته فأنظره وقد ذكره في المباحث الأصلية مستوفي فأنظره وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله عند قوله لا تمدن يدك إلى الأخذ من الخلائق ألخ فإن قلت هذا الخراب الذي ذكرت فيه شهرة أيضاً إذ الخمول هو الخفاء عن أعين الناس وهذا فيه ظهور كبير قلت الخمول هو إسقاط المنزلة عند الناس وكتمان السر الولاية وكل ما يسقط المنزلة عندهم وينفي تهمة الولاية فهو خمول وإن كان في الحس ظهوراً ولذلك كان شيخناً رضي الله عنه يقول طريقتنا منها الخمول في الظهور والظهور في الخمول وقال النجيبي في الأنالة ما نصه ومن يقل من الصوفية أن المرقعة شهرة فجوابه أن سلمان الفارسي سافر في زيارة أبي الدرداء من العراق إلى الشام راجلاً وعليه كساء غليظ غير مضموم فقيل له أشهرت نفسك فقال الخير خير الآخرة وإنما أنا عبد ألبس كما يلبس العبد فإذا أعتقت لبست حلة لا تبلى حواشيها اه ومن ذلك قصة الغزالي رضي الله عنه من حمله جلد الثور على ظهره حين ملاقاة شيخه الخراز وكنسه السوق واستعماله القربة ليسقي الناس كذا سمعتها من الشيخ مراراً ولم أقف عليها عند أحد ممن عرف به وأنظر ما جرى له مع ابن العربي عند قوله رب عمر أتسعت آماده وقلت أمداده وكذلك قصة الششتري رضي الله عنه مع شيخه ابن سبعين لأن الششتري كان وزيراً وعالماً وأبوه كان أميراً فلما أراد الدخول في طريق القوم قال له شيخه لا تنال منها شيئاً حتى تبيع متاعك وتلبس قشابة وتأخذ بنديراً وتدخل السوق ففعل جميع ذلك فقال له ما تقول في السوق فقال قل بدأت بذكر الحبيب فدخل السوق يضرب بنديره ويقول بدأت بذكر الحبيب فبقي ثلاثة أيام وخرقت له الحجب فجعل يغني في الأسواق بعلوم الأذواق ومن كلامه رضي الله عنه
شويخ من أرض مكناس ... في وسط الأسواق يغني
اش علي من الناس ... واش على الناس مني
ثم قال
اش حد من حد ... أفهموا ذي الأشاره
وأنظروا كبر سني ... والعصا والغراره
هكذا عشت بفاس ... وكدهان هوني
آش علي من الناس ... وآش على الناس مني
وما أحسن كلامه ... إذا يخطر في الأسواق
وترى أهل الحوانت ... تلتفت لو بالأعناق
بالغرارة في عنقو ... بعكيكز وبغراف
شيخ يبني على ساس ... كأنشاء الله يبني
اش علي من الناس ... واش على الناس مني

وكذا قصة الرجل الذي كان مع أبي يزيد البسطامي بقي معه ثلاثين سنة فكان لا ينقطع عن مجلسه ولا يفارقه فقال له يوماً يا أستاذ أنا منذ ثلاثين سنة أصوم النهار وأقوم الليل وقد تركت الشهوات ولست أجد في قلبي شيئاً من هذا الذي تذكر البتة وأنا أو من بكل ما تقول وأصدقه فقال له أبو يزيد رضي الله عنه لو صليت ثلاثمائة سنة وأنت على ما أراك عليه لا تجد منه ذرة قال فلم يا أستاذ قال لأنك محجوب بنفسك قال أفلهذا دواء حتى ينكشف هذا الحجاب قال نعم ولكنك لا تقبل ولا تعمل قال بل أقبل وأعمل ما تقول قال له أبو يزيد إذهب الساعة إلى الحجام وأحلق رأسك ولحيتك وأنزع هذا اللباس وأتزر بعباءة وعلق في عنقك مخلاة وأملأها جوزاً وأجمع حولك صبياناً وقل بأعلى صوتك يا صبيان من تصفعني صفعة أعطه جوزة وأدخل سوقك الذي تعظم فيه وأنت على هذه الحالة حتى ينظر إليك كل من عرفك فقال يا أبا يزيد سبحان اله أيقال لمثلي هذا وتحسب أني أفعله فقال له قولك سبحان الله شرك فقال له وكيف فقال أبو يزيد لأنك عظمت نفسك فسبحتها قال يا أبا يزيد لست أقدر على هذا ولا أفعله ولكن دلني على غير هذا حتى أفعله فقال له أبو يزيد إبدأ بهذا قبل كل شيء حتى تسقط جاهك وتذل نفسك ثم بعد ذلك أعرفك بما يصلح لك قال لا أطيق هذا قال أنك قد قلت أنك تقبل وتعمل وأنا أعلم أن لا مطمع لعبد فيما حجب عن العامة من أسرار الغيب حتى يموت نفسه ويخرق عوائد العامة فح تحرق له العوائد وتظهر له الفوائد اه وكذلك قصة أبي عمران البردعي مع شيخه أبي عبد الله التاودي بفاس من حلق رأسه ولبسه جلابية وأخذه خبزة ينادي عليها من يخلصها ففعل جميع ذلك وكذلك قصة شيخ شيوخنا سيدي عبد الرحمن المجذوب من أكله التين عند أشجار الناس وغنائه بالأسواق وخرابه بالقصر مشهور حتى طوف بها مراراً وكذلك قصة سيدي علي العمراني فخرابه بفاس مشهور كنار على علم سكن السفليات حتى مات رضي الله عنه وكذلك قصة شيخ شيخنا مولاي العربي من لبسه الغرارة وسقيه بالقربة وغير ذلك مما هو معلوم فهذه الحكايات تدل على أن الخمول ليس هو ما يفهمه العوام من لزوم البيوت والفرار إلى الجبال فذلك هو عين الظهور عند المحققين وإنما الخمول هو كما قال الشيخ زروق رضي الله عنه تحقق النفس بوصفها الأدنى وشعورها به أبداً ووصفها الأدنى هو الذل وكل ما يثقل عليها فمرجعه للتحقق بوصف التواضع وفائدته تحصيل العمل وكمال الحقيقة اه فإن قلت في فعل هذه الأحوال التعرض لكلام الناس وإيقاعهم في الغيبة قلت هذا مبني على القصدوالية وكل من فعل شيئاً من ذلك فإنما قصده قتل نفسه وتحقيق إخلاصه ودواء قلبه وهم مسامحون لمن قال فيهم عاذرون له قال سيدي على في كتابه نحن نعذر من عذرنا ونعذر من لم يعذرنا وقال الشيخ زروق في قواعده قاعدة حكم الفقه عام في العموم لأن مقصوده إقامة رسم الدين ورفع مناره وإظهار كلماته وحكم التصوف خاص في الخصوص لأنه معاملة بين العبد وربه من غير زائد على ذلك فمن ثم صح أنكار الفقيه على الصوفي ولم يصح إنكار الصوفي على الفقيه ولزم الرجوع من التصوف إلى الفقه في الأحكام لا في الحقائق اه تنبيه هذه الأدوية التي ذكرنا إنما هي في حالة المرض وأما من تحقق شفاؤه وكمل فناؤه فهو عبد الله سواء أظهره أو أخفاه وفي هذا قال أبو العباس المرسي رضي الله عنه من أحب الظهور فهو عبد الظهور ومن أحب الخفاء فهو عبد الحفاء وعبد الله سواء عليه أظهره أم أخفاه اه ولما كان التخلص من دقائق الرياء ومخادع النفوس لا يكون في الغالب إلا بالفكرة ولا تتم الفكرة إلا بالعزلة ذكرها فقال ما نفع القلب شيء مثل عزلة يدخل بها ميدان فكرة النفع إيصال الفائدة والقلب القوة المستعدة لقبول العلم والعزلة أنفراد القلب بالله وقد يراد بها الخلوة التي هي أنفراد القالب عن الناس وهو المراد هنا إذ لا ينفرد القلب في الغالب إلا إذا إنفرد القالب وميدان بالفتح والكسر في الميم مجال الخيل إستعير هنا للأفكار إذ ترددها في مواقعها كتردد الخيل في مجالها والفكرة سير القلب إلى حضرة الرب وهي على قسمين فكرة تصديق وإيمان وفكرة شهود وعيان على ما يأتي قلت لا شيء أنفع للقلب من عزلة مصحوبة بفكرة لأن العزلة كالحمية والفكرة كالدواء فلا ينفع الدواء من غير حمية ولا فائدة في الحمية من غير دواء فلا خير في عزلة

لا فكرة فيها ولا نهوض لفكرة لا عزلة معها إذ المقصود من العزلة هو تفرغ القلب والمقصود من التفرغ هو جولان القلب وإشتغال الفكرة والمقصود من إشتعال الفكرة تحصيل العلم وتمكنه من القلب وتمكن العلم بالله من القلب هو دواؤه وغاية صحته وهو الذي سماه الله القلب السليم قال الله تعالى في شأن القيامة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم أي صحيح وقد قالوا إن القلب كالمعدة إذا قويت عليها الأخلاط مرضت ولا ينفعها إلا الحمية وهي قلة موادها ومنعها من كثرة الأخلاط وفي الحديث المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء وكذلك القلب إذا قويت عليه الخواطر وأستحوذ عليه الحس مرض وربما مات ولا ينفعه إلا الحمية منها والفرار من مواطنها وهي الخلطة فإذا إعتزل عن الناس وإستعمل الفكرة نجح دواؤه وإسقام قلبه وإلا بقي سقيماً حتى يلقى الله بقلب سقيم بالشك والخواطر الرديئة نسأل الله العافية قال الجنيد رضي الله عنه أشرف المجالس الجلوس مع الفكرة في ميدان التوحيد وقال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه ثمار العزلة الظفر بمواهب المنة وهي أربعة كشف الغطاء وتنزل الرحمة وتحقق المحبة ولسان الصدق في الكلمة قال الله تعالى فلما إعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له الآية اه وأعلم أن في الخلوة عشر فوائد الأولى السلامة من آفات اللسان فإن من كان وحده لا يجد معه من يتكلم وقد قال عليه السلام رحم الله عبداً سكت فسلم أو تكلم فغنم ولا يسلم في الغالب من آفاته إلا من آثر الخلوة على الإجتماع وقال شيخ شيوخنا سيدي علي رضي الله عنه إذا رأيت الفقير يؤثر الخلوة على الإجتماع والصمت على الكلام والصيام على الشبع فأعلم أن حبجه قد عسل وإذا رأيته يؤثر الخلطة والكلام والشبع على ضدها فأعلم أن حبجه خاوي وقال في القوت وفي كثرة الكلام قلة الورع وعدم التقوى وطول الحساب ونشر الكتاب وكثرة الطالبين وتعلق المظلومين بالظالمين وكثرة الإشهاد من الكرام الكاتبين ودوام الإعراض عن الملك الكريم لأن الكلام مفتاح كبائر اللسان وفيه الكذب وفيه الغيبة والنميمة والزور والبهتان ثم قال وفي الخبر أكثر خطاياً ابن آدم في لسانه وأكثر الناس ذنوباً يوم القيامة أكثرهم خوضاً في مالاً يعني اه الفائدة الثانية حفظ البصر والسلامة من آفات النظر فإن من كان معتزلاً عن الناس سلم من النظر إليهم وإلى ما هم منكبون عليه من زهرة الدنيا وزخرفها قال تعالى ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه فتمنع بذلك النفس من التطلع إليها والإستشراف لها ومنافسة أهلها وقال محمد بن سيرين رضي الله عنه إياك وفضول النظر فإنها تؤدي إلى فضول الشهوة وقال بعض الأدباء من كثرت لحظاته دامت حسراته وقالوا أن العين سبب الحين أي الهلاك ومن أرسل طرفه أقتنص حتفه وأن النظر بالبصر إلى الأشياء يوجب تفرقة القلب اه الفائدة الثالثة حفظ القلب وصوته عن الرياء والمداهنة وغيرهما من الأمراض قال بعض الحكماء من خالط الناس داراهم ومن داراهم راءاهم ومن راءاهم وقع فيما وقعوا فهلك كما هلكوا وقال بعض الصوفية قلت لبعض الأبدال المنقطعين إلى الله كيف الطريق إلى التحقيق قال لا تنظر إلى الخلق فإن النظر إليهم ظلمة قلت لا بد لي قال فلا تسمع كلامهم فإن كلامهم قسوة قلت لا بد لي قال فلا تعاملهم فإن معاملتهم خسران وحسرة ووحشة قلت أنا بين أظهرهم لا بد لي من معاملتهم قال فلا تسكن إليهم فإن السكون إليهم هلكة قلت هذا لعله يكون قال يا هذا تنظر إلى الاعبين وتسمع كلام الجاهلين وتعامل البطالين وتسكن إلى الهالكين وتريد أن تجد حلاوة الطاعة وقلبك مع غير الله هيهات هذا لا يكون أبداً ثم غاب عني وقال القشيري رضي الله عنه فأرباب المجاهدة إذا أرادوا صون قلوبهم عن الخواطر الرديئة لم ينظروا إلى المستحسنات أي من الدنيا قال وهذا أصل كبير لهم في المجاهدات في أحوال الرياضة الفائدة الرابعة حصول الزهد في الدنيا والقناعة منها وفي ذلك شرف العبد وكماله وسبب محبته عند مولاه لقوله صلى الله عليه وسلم أزهد في الدنيا يحبك الله أزهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس اه ولا شك أن من انفرد عن الناس ولم ينظر إلى ما هم فيه من الرغبة في الدنيا والإنكباب عليها يسلم من متابعتهم في ذلك ويسلم من متابعة الطباع الرديئة

والأخلاق الدنيئة وقل من يخالطهم أن يسلم من ما هم فيه وقد روي عن عيسى عليه السلام لا تجالسوا الموتي فتموت قلوبكم قالوا من الموتى يا روح الله قال المحبون في الدنيا الراغبون فيها الفائدة الخامسة السلامة من صحبة الأشرار ومخالطة الأرذال وفي مخالطتهم فساد عظيم وخطر جسيم ففي بعض الأخبار مثل الجليس السوء كمثل الكير إذا لم يحرقك بشرره علق بك من ريحه وقال سيدي عبد الرحمن المجذوب رضي الله عنه الجلسة مع غير الأخيار ترذل ولو تكون صافياً أوحى الله تعالى إلى داوود عليه السلام يا داوود مالي أراك منتبذاً وحدانياً فقال إلهي قلبت الخلق من أجلك فقال يا داوود كن يقظان وأرتد لنفسك أخواناً وكل أخ لا يوافقك على مسرتي فلا تصحبه فإنه لك عدو نفسي قلبك ويباعدك مني اه فإن أردت الصحبة فعليك بصحبة الصوفية فإن صحبتهم كنز لأنفاد له قال الجنيد رضي الله عنه إذا أراد الله تعبد خيراً أوقعه إلى الصوفية ومنعه صحبة القراء وقال آخر والله ما أفلح من أفلح إلا بصحبة من أفلح الفائدة السادسة التفرغ للعبادة والذكر والعزم على التقوى والبر ولا شك أن العبد إذا كان وحده تفرغ لعبادة ربه وأنجمع عليها بجوارحه وقلبه لقلة من يشغله عن ذلك قال في القوت وأما الخلوة فأنها تفرغ القلب من الخلق وتجمع الهم بالخالق وتقوي العزم على الثبات ألخ كلامه الفائدة السابعة وجدان حلاوة الطاعات وتمكن لذيذ المناجات لفراغ سره وهذا مجرب صحيح قال أبو طالب ولا يكون المريد صادقاً حتى يحد في الخلوة من الحلاوة والنشاط والقوة ما لا يجده في العلانية وحتى يكون أنسه في الوحدة وروحه في الخلوة وأحسن أعماله في السر اه الفائدة الثامنة راحة القلب والبدن فإن في مخالطة الناس ما يوجب تعب القلب بالإهتمام بأمرهم وتعب البدن بالسعي في أغراضهم وتكميل مرادهم وإن كان في ذلك الثواب فقد يفوته ما هو أعظم وأهم وهو جمع القلب في حضرة الرب الفائدة التاسعة صيانة نفسه ودينه من التعرض لشرور والخصومات التي توجبها الخلطة فإن للنفس تولعاً وتسارعاً للخوض في مثل هذا إذا اجتمعت بأرباب الدنيا وزاحمتهم فيها وللشافعي رضي الله عنهلاق الدنيئة وقل من يخالطهم أن يسلم من ما هم فيه وقد روي عن عيسى عليه السلام لا تجالسوا الموتي فتموت قلوبكم قالوا من الموتى يا روح الله قال المحبون في الدنيا الراغبون فيها الفائدة الخامسة السلامة من صحبة الأشرار ومخالطة الأرذال وفي مخالطتهم فساد عظيم وخطر جسيم ففي بعض الأخبار مثل الجليس السوء كمثل الكير إذا لم يحرقك بشرره علق بك من ريحه وقال سيدي عبد الرحمن المجذوب رضي الله عنه الجلسة مع غير الأخيار ترذل ولو تكون صافياً أوحى الله تعالى إلى داوود عليه السلام يا داوود مالي أراك منتبذاً وحدانياً فقال إلهي قلبت الخلق من أجلك فقال يا داوود كن يقظان وأرتد لنفسك أخواناً وكل أخ لا يوافقك على مسرتي فلا تصحبه فإنه لك عدو نفسي قلبك ويباعدك مني اه فإن أردت الصحبة فعليك بصحبة الصوفية فإن صحبتهم كنز لأنفاد له قال الجنيد رضي الله عنه إذا أراد الله تعبد خيراً أوقعه إلى الصوفية ومنعه صحبة القراء وقال آخر والله ما أفلح من أفلح إلا بصحبة من أفلح الفائدة السادسة التفرغ للعبادة والذكر والعزم على التقوى والبر ولا شك أن العبد إذا كان وحده تفرغ لعبادة ربه وأنجمع عليها بجوارحه وقلبه لقلة من يشغله عن ذلك قال في القوت وأما الخلوة فأنها تفرغ القلب من الخلق وتجمع الهم بالخالق وتقوي العزم على الثبات ألخ كلامه الفائدة السابعة وجدان حلاوة الطاعات وتمكن لذيذ المناجات لفراغ سره وهذا مجرب صحيح قال أبو طالب ولا يكون المريد صادقاً حتى يحد في الخلوة من الحلاوة والنشاط والقوة ما لا يجده في العلانية وحتى يكون أنسه في الوحدة وروحه في الخلوة وأحسن أعماله في السر اه الفائدة الثامنة راحة القلب والبدن فإن في مخالطة الناس ما يوجب تعب القلب بالإهتمام بأمرهم وتعب البدن بالسعي في أغراضهم وتكميل مرادهم وإن كان في ذلك الثواب فقد يفوته ما هو أعظم وأهم وهو جمع القلب في حضرة الرب الفائدة التاسعة صيانة نفسه ودينه من التعرض لشرور والخصومات التي توجبها الخلطة فإن للنفس تولعاً وتسارعاً للخوض في مثل هذا إذا اجتمعت بأرباب الدنيا وزاحمتهم فيها وللشافعي رضي الله عنه

ومن يذق الدنيا فإني طعمتها ... وسيق إلى عذبها وعذابها
فلم أرها إلا غروراً وباطلاً ... كما لاح في ظهر الفلاة سرابها
وما هي إلا جيفة مستحيلة ... عليها كلاب همهن أجتذابها
فإن تجتنبها عشت سلماً لأهلها ... وأن تجتذبها ناهشتك كلابها
فطوبي لنفس أوطأت قعر بيتها ... مغلقة الأبواب مرخي حجابها
الفائدة العاشرة التمكن من عبادة التفكر والإعتبار وهو المقصود الأعظم من الخلوة وفي الخبر تفكر ساعة خير من عبادة سبعين سنة وكان عيسى عليه السلام يقول طوبي لمن كان كلامه ذكراً وصمته تفكراً ونظره عبرة، وأن أكيس الناس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، وقال كعب من أراد شرف الآخرة فليكثر من التفكر وكان أفضل عبادة أبي الدرداء التفكر وذلك لأنه يصل به إلى حقائق الأشياء وتبيين الحق من الباطل ويطلع بها أيضاً على خفايا آفات النفوس ومكائدها وغرور الدنيا ويتعرف بها وجوه الحيل في التحرز عنها والطهارة منها قال الحسن رضي الله عنه الفكرة مرآة تريك حسنك من سيئك ويطلع بها أيضاً على عظمة الله وجلاله إذا تفكر في آياته ومصنوعاته ويطلع بها أيضاً على آلائه ونعمائه الجلية والخفية فيستفيد بذلك أحوالاً سنية يزول بها مرض قلبه ويستقيم بها على طاعة ربه قاله الشيخ ابن عباد رضي الله عنه فهذه ثمرات عزلة أهل البداية وأما أهل النهاية فعزلتهم مصحوبة معهم ولو كانوا وسط الخلق لأنهم أقوياء رضي الله عنهم محجوبون بالجمع عن الفرق وبالمعنى عن الحس استوي عندهم الخلوة والخلطة لأنهم يأخذون النصيب من كل شيء ولا يأخذ النصيب منهم شيئاً وفي هذا المعنى قال شيخ شيوخنا المجذوب رضي الله عنه
الخلق نوار وأنا أرعيت فيهم ... هم الحجب الأكبر والمدخل فيهم

فإن أضاف المريد إلى العزلة الصمت والجوع والسهر فقد كملت ولايته وظهرت عنايته وأشرقت عليه الأنوار وأنمحت من مرآة قلبه صور الأغيار وقد أشار الشيخ إلى بعض ذلك متعجباً من ضده فقال كيف يشرق قلب صور الأكوان منطبعة في مرآته يشرق بضم الياء أي يستنير ويضيء وصور الأكوان أشخاصها وتماثيلها الحسية والمعنوية والأكوان أنواع المخلوقات دقت أو حلت ومنطبعة أي ثابتة وأنطبع الشيء في الشيء ظهر أثره فيه والمرآة بكسر الميم آلة صقيلة ينطبع فيها ما يقابلها فكلما قوى صقلها قوى ظهور ما يقابلها فيها وأستعيرت هنا للبصيرة التي هي عين القلب التي تتجلى فيها الأشياء حسنها وقبيحها قلت جعل الله قلب الإنسان كالمرآة الصقيلة ينطبع فيها كا ما يقابلها وليس لها إلا وجهة واحدة فإذا أراد الله عنايته عبد شغل فكرته بأنوار ملكوته وأسرار جبروته ولم يعلق قلبه بمحبة شيء من الأكوان الظلمانية والخيالات الوهمية فأنطبعت في مرآة قلبه أنوار الإيمان والإحسان وأشرقت فيها أقمار التوحيد وشموس العرفان وإلى ذلك أشار الششتري في بعض أزجاله بقوله، أغمض الطرف ترى، وتلوح أخبارك، وأفن عن ذي الورى، تبدو لك أسرارك، وبصقل المري، به يزول إنكارك، ثم قال، الفلك فيك يدور، ويضيء ويلمع، والشموس والبدور، فيك تغيب وتطلع، أي وبصقل مرآة قلبك يزول إنكارك للحق فتعرفه في كل شيء فيصير قلبك قطب فلك الأنوار فيه تبدو أقمار التوحيد وشموس العرفان، وإذا أراد الله تعالى خذلان عبد بعدله وحكمته أشغل فكرته بالأكوان الظلمانية والشهوات الجسمانية فأنطبعت تلك الأكوان في مرآة قلبه فأنحجب بظلماتها الكونية وصورها الخيالية عن أشراق شموس العرفان وأنوار الإيمان فكلما تراكمت فيها صور الأشياء إنطمس نورها وأشتد حجابها فلا ترى إلا الحس ولا تتفكر إلا في الحس فمنها ما يشتد حجابها وينطمس نورها بالكلية فتنكر وجود النور من أصله وهو مقام الكفر والعياذ بالله ومنها ما يقل صداها ويرق حجابها فتقر بالنور ولا يشاهده وهو مقام عوام المسلمين وهم متفاوتون في القرب والبعد وقوة الدليل وضعفه كل على قدر يقينه وقلة تعلقاته الدنيوية وعوائقه الشهوانية وخيالاته الوهمية وفي الحديث أن القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد وأن الإيمان يخلق أي يبلى كما يخلق الثوب الجديد الحديث وفي حديث آخر لكل شيء مصقلة ومصقلة القلوب ذكر الله وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم أن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء فإن هو نزع وأستغفر صقلت وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه فذلك الران الذي ذكر الله، كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون أو كما قال عليه السلام وإذا علمت أن القلب ليس له إلا وجهة واحدة إذا قابلها النور أشرقت وإذا قابلتها الظلمة أظلمت ولا تجتمع الظلمة والنور أبداً علمت وجه تعجب الشيخ بقوله كيف يشرق قلب بنور الإيمان والإحسان وصور الأكوان الظلمانية منطبعة في مرآة قلبه فالضدان لا يجتمعان قال الله تعالى " ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه " فمالك أيها الفقير إلا قلب واحد إذا أقبلت على الخلق أدبرت عن الحق وإذا أقبلت على الحق أدبرت عن الخلق فترحل من عالم الملك إلى الملكوت ومن الملكوت إلى الجبروت وما دمت مقيداً في هذا العالم بشهواتك وعوائدك فلا يمكنك الرحيل إلى ربك وإلى ذلك أشار بقوله أم كيف يرجل إلى الله وهو مكبل بشهواته الرحيل هو النهوض والإنتقال من وطن إلى وطن وهو هنا من نظر الكون إلى شهود المكون أو من الملك إلى الملكوت أو من الوقوف مع الأسباب إلى رؤية مسبب الأسباب أو من وطن الغفلة إلى اليقظة أو من حظوظ النفس إلى حقوق الله أو من عالم الأكدار إلى عالم الصفا أو من رؤية الحس إلى شهود المعنى أو من الجهل إلى المعرفة أو من علم اليقين إلى عين اليقين أو من عين اليقين إلى حق اليقين أو من المراقبة إلى المشاهدة أو من مقام السائرين إلى وطن المتمكنين والمكبل هو المقيد والمراد بالشهوات كل ما تشتهيه النفس وتميل إليه قلت الرحيل مع التكبيل لا يجتمعان فما دام القلب محبوساً بالميل إلى شيء من هذا العرض الفاني ولو كان مباحاً في الشرع فهو مقيد به ومكبل في وطنه فلا يرحل إلى الملكوت ولا تشرق عليه أنوار الجبروت فتعلق القلب بالشهوات مانع له من النهوض إلى الله لإشتغاله بالإلتفات إليها وعلى تقدير النهوض معها تكون

مثبطة له عن الإسراع بالميل إليها وعلى تقدير الإسراع فلا يأمن العثار معها لإنس النفس بها ولذلك ترك الأكابر لذتها حتى قال بعضهم لدغ الزنابير على الأجسام المقرحة أيسر من لدغ الشهوات على القلوب المتوجهة اه قال الشيخ زروق رضي الله عنه قلت هذا إن تعلق القلب بطلبها قبل حصولها وإلا فلا لعدم تعلق القلب بها وقد تقدم في حقيقة التصوف أن تكون مع الله بلا علاقة وكان شيخناً رضي الله عنه يقول إن شئتم أن نقسم لكم لا يدخل عالم الملكوت من في قلبه علقة اه فأقطع عنك يا أخي عروق العلائق وفر من وطن العوائق تشرق عليك أنوار الحقائق ولهذا كانت السياحة والهجرة من الأمور المؤكدة على المريد إذ الإقامة في وطنه الحسي لا يخلو معها من التعلقات الحسية وقد قالوا الفقير كالماء إذا طال في موطن واحد تغير وإذا جرى عذب وبقدر ما يسير في الحس يسير في المعنى وبقدر ما يسير القالب يسير القلب والهجرة سنة نبوية ومنذ هاجر النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن له راحة إلا في السفر للجهاد حتى فتح الله عليه البلاد وكذلك الصحابة رضوان الله عليهم لم يستقر في وطنه إلا القليل منهم حتى فتح الله على أيديهم سائر البلاد وهدى الله بهم العباد نفعنا الله ببركاتهم آمين وإذا رحل القلب من وطن شهواته وتطهر من لوث غفلاته وصل إلى حضرة ربه وتنعم بشهود قربه ولذلك أشار بقوله أم كيف يطمع أن يدخل حضرة الله وهو لم يتطهر من جنابة غفلاته الحضرة هي حضور القلب مع الرب وهي على ثلاثة أقسام حضرة القلوب وحضرة الأرواح وحضرة الأسرار فحضرة القلوب للسائرين وحضرة الأرواح للمستشرفين وحضرة الأسرار للمتمكنين أو تقول حضرة القلوب لأهل المراقبة وحضرة الأرواح لأهل المشاهدة وحضرة الأسرار لأهل المكالمة وسر ذلك أن الروح ما دامت تتقلب بين الغفلة والحضرة كانت في حضرة القلوب فإذا إستراحت بالوصال سميت روحاً وكانت في حضرة الأرواح وإذا تمكنت وتصفت وصارت سراً من أسرار الله سميت سراً وكانت في حضرة الأسرار والله تعالى أعلم قلت الحضرة مقدسة منزهة مرفعة لا يدخلها إلا المطهرون فحرام على القلب الجنب أن يدخل مسجداً الحضرة وجنابة القلب غفلته عن ربه قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا " أي لا تقربوا صلاة الحضرة وأنتم سكارى بحب الدنيا وشهود السوي حتى تتيقظوا وتتدبروا ما تقولون في حضرة الملك ولا جنباً من جماع الغفلة وشهود السوى حتى تتطهروا بماء الغيب الذي أشار إليه الحاتمي رضي الله عنه كما في الطبقات الشعرانية في ترجمة أبي المواهب بقولهطة له عن الإسراع بالميل إليها وعلى تقدير الإسراع فلا يأمن العثار معها لإنس النفس بها ولذلك ترك الأكابر لذتها حتى قال بعضهم لدغ الزنابير على الأجسام المقرحة أيسر من لدغ الشهوات على القلوب المتوجهة اه قال الشيخ زروق رضي الله عنه قلت هذا إن تعلق القلب بطلبها قبل حصولها وإلا فلا لعدم تعلق القلب بها وقد تقدم في حقيقة التصوف أن تكون مع الله بلا علاقة وكان شيخناً رضي الله عنه يقول إن شئتم أن نقسم لكم لا يدخل عالم الملكوت من في قلبه علقة اه فأقطع عنك يا أخي عروق العلائق وفر من وطن العوائق تشرق عليك أنوار الحقائق ولهذا كانت السياحة والهجرة من الأمور المؤكدة على المريد إذ الإقامة في وطنه الحسي لا يخلو معها من التعلقات الحسية وقد قالوا الفقير كالماء إذا طال في موطن واحد تغير وإذا جرى عذب وبقدر ما يسير في الحس يسير في المعنى وبقدر ما يسير القالب يسير القلب والهجرة سنة نبوية ومنذ هاجر النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن له راحة إلا في السفر للجهاد حتى فتح الله عليه البلاد وكذلك الصحابة رضوان الله عليهم لم يستقر في وطنه إلا القليل منهم حتى فتح الله على أيديهم سائر البلاد وهدى الله بهم العباد نفعنا الله ببركاتهم آمين وإذا رحل القلب من وطن شهواته وتطهر من لوث غفلاته وصل إلى حضرة ربه وتنعم بشهود قربه ولذلك أشار بقوله أم كيف يطمع أن يدخل حضرة الله وهو لم يتطهر من جنابة غفلاته الحضرة هي حضور القلب مع الرب وهي على ثلاثة أقسام حضرة القلوب وحضرة الأرواح وحضرة الأسرار فحضرة القلوب للسائرين وحضرة الأرواح للمستشرفين وحضرة الأسرار للمتمكنين أو تقول حضرة القلوب لأهل المراقبة وحضرة الأرواح لأهل المشاهدة وحضرة الأسرار لأهل المكالمة وسر ذلك أن الروح ما دامت تتقلب بين الغفلة والحضرة كانت في حضرة القلوب فإذا إستراحت بالوصال سميت روحاً وكانت في حضرة الأرواح وإذا تمكنت وتصفت وصارت سراً من أسرار الله سميت سراً وكانت في حضرة الأسرار والله تعالى أعلم قلت الحضرة مقدسة منزهة مرفعة لا يدخلها إلا المطهرون فحرام على القلب الجنب أن يدخل مسجداً الحضرة وجنابة القلب غفلته عن ربه قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا " أي لا تقربوا صلاة الحضرة وأنتم سكارى بحب الدنيا وشهود السوي حتى تتيقظوا وتتدبروا ما تقولون في حضرة الملك ولا جنباً من جماع الغفلة وشهود السوى حتى تتطهروا بماء الغيب الذي أشار إليه الحاتمي رضي الله عنه كما في الطبقات الشعرانية في ترجمة أبي المواهب بقوله

توضأ بماء الغيب إن كنت ذا سر ... وإلا تيمم بالصعيد أو الصخر
وقدم إما ما كنت أنت إمامه ... وصل صلاة الظهر في أول العصر
فهذي صلاة العارفين بربهم ... فإن كنت منهم فانضح البر بالبحر
يعني تطهر من شهود نفسك بماء الغيبة عنها بشهود ربك أو تطهر من شهود الحس بشهود المعنى أو تطهر من شهود عالم الشهادة بماء شهود عالم الغيب أو تطهر من شهود السوى بماء العلم بالله فإنه بغيب عنك كل ما سواه وإذا تطهرت من شهود السوى تطهرت من العيوب كلها وإلى ذلك أشار الششتري رضي الله عنه بقوله
طهر العين بالمدامع سكباً ... من شهود السوي تزل كل عله

وهذا الماء الذي هو ماء الغيب هو النازل من صفاء بحار الجبروت إلى حياض رياض الملكوت فتغرقه سحائب الرحمة وتثيره رياح الهداية فتسوقه إلى أرض النفوس الطيبة فتملأ منه أودية القلوب المنورة وخلجان الأرواح المطهرة وإليه الإشارة بقوله تعالى أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فأحتمل السيل زبداً رابياً الآية شبه الحق تعالى العلم النافع بالمطر النازل من السماء فكما أن المطر تعمر منه الأودي والغدران وتجري منه العيون والأنهار كل على قدر سعته وكبره كذلك العلم النافع نزل من سماء عالم الغيب إلى أرض عالم الشهادة فسالت به أودية القلوب كل على قدر طاقته وحسب استعداده وكما أن المطر يطهر الأرض من الأوساخ وهو معنى قوله تعالى فأحتمل السيل زبداً رابياً أي مرتفعاً على وجه الماء كذلك العلم النافع يطهر النفوس من الأدناس والقلوب من الأغيار والأرواح من الأكدار والأسرار من لوث الأنوار وهذا الماء هو الذي أشار إليه بقوله توضأ بماء الغيب أن كنت ذا سر أي كنت صاحب سر والشهود شهود الوحدة ونفي الكثرة أو شهود العظمة بالعظمة ومن لم يتحقق بهذا فلا يمكنه التطهير بماء الغيب بالكلية لفقده ذلك الماء أو لعدم قدرته عليه فينتقل للتيمم الذي هو رخصة للضعفاء وطهارة المرضى وإلى ذلك أشار بقوله وإلا تيمم بالصعيد أو بالصخر أي وإن لم تقدر على الطهارة الأصلية وهي الغيبة عن السوى لمرض قلبك مع عدم صدقك فأنتقل للطهارة الفرعية التي هي العبادة الظاهرية أو تقول وإن لم تقدر على الطهارة الحقيقية التي هي الطهارة الباطنية فأنتقل للطهارة المجازية التي هي الطهارة الظاهرية أو تقول وإن لم تقدر على طهارة المقربين فأنتقل لطهارة أهل اليمين أو تقول وإن لم تقدر على طهارة أهل المحبة فأنتقل لطهارة أهل الخدمة قوم أقامهم الله لخدمته وقوم إختصهم بمحبته كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظوراً فطهارة أهل المحبة الفكرة والنظرة وطهارة أهل الخدمة بالمجاهدة والمكابدة بين عبادة ظاهرة كصلاة وصيام وذكر وتلاوة وتعليم وغير ذلك وبين عبادة خفية كخوف ورجاء وزهد وصبر وورع ورضى وتسليم ورحمة وشفقة وغير ذلك مما لا يظهر للعيان وهذا هو تصوف أهل الظاهر وأما تصوف أهل الباطن فهو الغيبة عن الأكوان بشهود المكون أو الغيبة عن الخلق بشهود الملك الحق وهو الذي عبر عنه الناظم بماء الغيب فكل من لم يدرك تصوف أهل الباطن فهو من أهل التيمم فإن كان مشغولاً بالعمل الظاهر كالصلاة والصيام ونحوهما فهو كالمتيمم بالصعيد لظهورها كظهور أثر التراب على الجوارح وإن كان مشغولاً بالعبادة الخفية كالزهد والورع ونحوهما فهو كالمتيمم بالصخر لعدم ظهورها في الغالب كعدم ظهور أثر الصخر ولما أمرك بالغيبة عن السوى خاف عليك إنكار الواسطة وإسقاط الحكمة فتقع في الزندقة فقال وقدم إماماً كنت أنت إمامه والمراد بالأمام هو النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان على قدمه ممن جمع بين الحقيقة والشريعة فأمرك بإتباع الشريعة المحمدية في حال غيبتك عن السوى فيكون ظاهرك سلوكاً وباطنك جذباً ظاهرك مع الحكمة وباطنك مع القدرة ولا بد أن تقتدي بإمام كامل سلك الطريقة على يد شيخ كامل يعلمك كيفية العمل بالشريعة ويدلك على الحقيقة وإلا بقيت مريضاً على الدوام تستعمل طهارة المرضى على الدوام وأنظر قول القرافي رضي الله عنه لما سقط على شيخ التربية قال تيممت بالصعيد زماناً والآن سقطت على الماء إذ لا تجد ماء الغيب ولا تقدر على إستعماله إلا بصحبة أهل هذا الماء الذين شربوه وسكروا به ثم صحوا من سكرتهم وسلكوا من جذبتهم فتملكهم زمام أمرك وتنقاد إليهم بكليتك بعد أن أطلعك الله على خصوصيتهم وكشف لك عن أسرارهم فشهدت لهم روحك بالتقديم وسرك بالتعظيم فتقدمهم أمامك بعد إن كنت أنت أمامهم وهم يطلبونك للحضرة وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو الناس إلى الله وهم فارون إمامه فلما عرفوا الحق قدموه أمامهم وهذا معنى قوله كنت أنت إمامه وقوله وصل صلاة الفجر في أول العصر وفي بعض النسخ وصل صلاة الظهر في أول العصر أي اجمع ظهر الشريعة لعصر الحقيقة وفي أكثر النسخ وصل صلاة الفجر في أول العصر أي إرجع إلى البقاء بعد كمال الفناء أو إلى السلوك بعد الجذب إذ الغالب على المريد أن يتقدمه السلوك ثم يأتيه الجذب فأوله سلوك

وآخره جذب كما أن أول النهار صلاة الفجر وآخره صلاة العصر أي إرجع إلى صلاة الفجر التي كانت في أول نهارك فصلها في آخر نهارك فأرجع إلى السلوك الذي كان في أول أمرك فأجعله في آخر أمرك وهو معنى قولهم منتهى الكمال مبدأ الشرائع وقالوا أيضاً نهاية السالكين بداية المجذوبين ونهاية المجذوبين بداية السالكين وقالوا أيضاً علامة النهاية الرجوع إلى البداية وسيأتي الكلام على هذا في محله إن شاء الله وقوله فهذي صلاة العارفين بربهم لأنهم تطهروا الطهارة الأصلية وصلوا الصلاة الدائمة قال الله تعالى، " الذين هم على صلاتهم دائمون " فالعوام حد صلاتهم أوقاتهم والعارفون في الصلاة على الدوام قيل لبعضهم هل للقلوب صلاة فقال نعم إذا سجد لا يرفع رأسه أبداً أي إذا سجدت الروح لهيبة الجلال والجمال لا ترفع رأسها أبداً وإليه أشار الششتري بقوله فأسجد لهيبة الجلال عند التدانيء ولتقرأ آية الكمال سبع المثاني، وقوله فإن كنت منهم فأنضح البر بالبحر أي فإن كنت من العارفين المحققين فأنضح بر شريعتك ببحر حقيقتك بحيث ترش على شريعتك من بحر حقيقتك حتى تغمرها وتغطيها فتصير الشريعة عين الحقيقة والحقيقة عين الشريعة حتى يصير عملك كله بالله والله تعالى أعلم وبالله التوفيق ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وإذا دخل القلب حضرة القدس ومحل الأنس فهم دقائق الأسرار وملئ بالمواهب والأنوار وإلى ذلك أشار بقوله أم كيف يرجو أن يفهم دقائق الأسرار وهو لم يتب من هفواته الرجاء تمنى الشيء مع السعي في أسبابه وإلا فهو أمنية والفهم حصول العلم بالمطلوب ودقائق الأسرار غوامض التوحيد والتوبة الرجوع عن كل وصف ذميم إلى كل وصف حميد وهذه توبة الخواص والهفوات جمع هفوة وهي الزلة والسقطة قلت فهم دقائق الأسرار لا يكون أبداً مع وجود الإصرار أو تقول فهم غوامض التوحيد لا يكون إلا بقلب فريد فمن لم يتب من هفواته ويتحرر من رق شهواته فلا يطمع في فهم غوامض التوحيد ولا يذوق أسرار أهل التغريد قال أحمد بن أبي الحواري وسمعت شيخي أبا سليمان الداراني رضي الله عنه يقول إذا أعتادت النفوس ترك الآثام جالت في الملكوت ورجعت إلى صاحبها بطرائف الحكمة من غير أن يؤدي إليها عالم علماً قال أحمد بن حنبل صدقت يا أحمد وصدق شيخك ما سمعت في الإسلام بحكاية أعجب إلى من هذه من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم وقيل للجنيد رضي الله عنه كيف الطريق إلى التحقيق قال بتوبة تزيل الإصرار وخوف يقطع التسويف ورجاء يبعث على مسالك العمل وإهانة النفس بقربها من الأجل وبعدها من الأمل فقيل له بماذا يصل إلى هذا فقال بقلب مفرد فيه توحيد مجرد اه فإذا إنفرد القلب بالله وتخلص مما سواه فهم دقائق التوحيد وغوامضه التي لا يمكن التعبير عنها وإنما هي رموز وإشارات لا يفهمها إلا أهلها ولا تفشى إلا لهم وقليل ومن أفشى شيئاً من أسرارها مع غير أهلها فقد أباح دمه وتعرض لقتل نفسه كما قال أبو مدين رضي الله عنه جذب كما أن أول النهار صلاة الفجر وآخره صلاة العصر أي إرجع إلى صلاة الفجر التي كانت في أول نهارك فصلها في آخر نهارك فأرجع إلى السلوك الذي كان في أول أمرك فأجعله في آخر أمرك وهو معنى قولهم منتهى الكمال مبدأ الشرائع وقالوا أيضاً نهاية السالكين بداية المجذوبين ونهاية المجذوبين بداية السالكين وقالوا أيضاً علامة النهاية الرجوع إلى البداية وسيأتي الكلام على هذا في محله إن شاء الله وقوله فهذي صلاة العارفين بربهم لأنهم تطهروا الطهارة الأصلية وصلوا الصلاة الدائمة قال الله تعالى، " الذين هم على صلاتهم دائمون " فالعوام حد صلاتهم أوقاتهم والعارفون في الصلاة على الدوام قيل لبعضهم هل للقلوب صلاة فقال نعم إذا سجد لا يرفع رأسه أبداً أي إذا سجدت الروح لهيبة الجلال والجمال لا ترفع رأسها أبداً وإليه أشار الششتري بقوله فأسجد لهيبة الجلال عند التدانيء ولتقرأ آية الكمال سبع المثاني، وقوله فإن كنت منهم فأنضح البر بالبحر أي فإن كنت من العارفين المحققين فأنضح بر شريعتك ببحر حقيقتك بحيث ترش على شريعتك من بحر حقيقتك حتى تغمرها وتغطيها فتصير الشريعة عين الحقيقة والحقيقة عين الشريعة حتى يصير عملك كله بالله والله تعالى أعلم وبالله التوفيق ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وإذا دخل القلب حضرة القدس ومحل الأنس فهم دقائق الأسرار وملئ بالمواهب والأنوار وإلى ذلك أشار بقوله أم كيف يرجو أن يفهم دقائق الأسرار وهو لم يتب من هفواته الرجاء تمنى الشيء مع السعي في أسبابه وإلا فهو أمنية والفهم حصول العلم بالمطلوب ودقائق الأسرار غوامض التوحيد والتوبة الرجوع عن كل وصف ذميم إلى كل وصف حميد وهذه توبة الخواص والهفوات جمع هفوة وهي الزلة والسقطة قلت فهم دقائق الأسرار لا يكون أبداً مع وجود الإصرار أو تقول فهم غوامض التوحيد لا يكون إلا بقلب فريد فمن لم يتب من هفواته ويتحرر من رق شهواته فلا يطمع في فهم غوامض التوحيد ولا يذوق أسرار أهل التغريد قال أحمد بن أبي الحواري وسمعت شيخي أبا سليمان الداراني رضي الله عنه يقول إذا أعتادت النفوس ترك الآثام جالت في الملكوت ورجعت إلى صاحبها بطرائف الحكمة من غير أن يؤدي إليها عالم علماً قال أحمد بن حنبل صدقت يا أحمد وصدق شيخك ما سمعت في الإسلام بحكاية أعجب إلى من هذه من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم وقيل للجنيد رضي الله عنه كيف الطريق إلى التحقيق قال بتوبة تزيل الإصرار وخوف يقطع التسويف ورجاء يبعث على مسالك العمل وإهانة النفس بقربها من الأجل وبعدها من الأمل فقيل له بماذا يصل إلى هذا فقال بقلب مفرد فيه توحيد مجرد اه فإذا إنفرد القلب بالله وتخلص مما سواه فهم دقائق التوحيد وغوامضه التي لا يمكن التعبير عنها وإنما هي رموز وإشارات لا يفهمها إلا أهلها ولا تفشى إلا لهم وقليل ومن أفشى شيئاً من أسرارها مع غير أهلها فقد أباح دمه وتعرض لقتل نفسه كما قال أبو مدين رضي الله عنه

وفي السر أسرار دقاق لطيفة ... تراق دمانا جهرة لو بها بحنا
وقال آخر
ولي حبيب عزيز لا أبوح به ... أخشى فضيحة وجهي يوم ألقاه
وهذه الأسرار هي أسرار الذات وأنوار الصفات التي تجلى الحق بها في مظهر الأكوان وإلى ذلك أشار بقوله الكون كله ظلمة وإنما أناره ظهور الحق فيه الكون ما كونته القدرة وأظهرته للعيان والظلمة ضد النور وهي عدمية والنور وجودي وأناره أي صيره نوراً وظهور الحق تجليه قلت الكون من حيث كونيته وظهور حسه كله ظلمة لأنه حجاب لمن وقف مع ظاهره عن شهود ربه ولأنه سحاب يغطي شمس المعاني لمن وقف مع ظاهر حس الأواني وإليه أشار الششتري بقوله لا تنظر إلى الأواني، وخض بحر المعاني، لعلك تراني، فصار الكون بهذا الإعتبار كله ظلمة وإنما أناره تجلي الحق به وظهوره فيه فمن نظر إلى ظاهر حسه رآه حساً ظلمانياً ومن نقد إلى باطنه رآه نوراً ملكوتياً قال الله تعالى " الله نور السموات والأرض " فتحمل أن قول الشيخ الكون كله ظلمة إنما هو في حق أهل الحجاب لإنطباع ظاهر صور الأكوان في مرآة قلوبهم وأما أهل العرفان فقد نفذت بصيرتهم إلى شهود الحق فرأوا الكون نوراً فائضاً من بحر الجبروت فصار الكون عندهم كله نوراً قال الله تعالى " قل أنظروا ماذا في السموات والأرض " أي من نور ملكوته وأسرار جبروته أو من أسرار المعاني القائمة بالأواني وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله أحتجب عن أهل السماء كما أحتجب عن أهل الأرض وأن أهل الملأ الأعلى ليطلبونه كما تطلبونه أنتم وأنه ما حل في شيء ولا غاب عن شيء اه وهذه المعاني إنما هي أذواق لا تدرك بالعقل ولا بنقل الأوراق وإنما تدرك بصحبة أهل الأذواق فسلم ولا تنتقد، إن لم تر الهلال فسلم، لأناس رواه بالأبصار، ثم قسم الناس في شهود الحق على ثلاثة أقسام عموم وخصوص وخصوص الخصوص فقال فمن رأى الكون ولم يشهده فيه أو عنده أو قبله أو بعده فقد أعوزه وجود الأنوار وحجبت عنه شموس المعارف بسحب الآثار فأهل مقام البقاء يشهدون الحق بمجرد وقوع بصرهم على الكون فهم يثبتون الأثر بالله ولا يشهدون بسواه إلا أنهم لكما لهم يثبتون الواسطة والموسوطة فهم يشهدون الحق بمجرد شهود الواسطة أو عندها بلا تقديم ولا تأخير ولا ظرفية ولا مظروف
مذ عرفت الإله لم أر غيراً ... وكذا الغير عندنا ممنوع
وقال الشيخ مولاي عبد السلام بن مشيش رضي الله عنه لأبي الحسن رضي الله عنه يا أبا الحسن حدد بصر الإيمان تجد الله في كل شيء وعند كل شيء ومع كل شيء وقبل كل شيء وبعد كل شيء وفوق كل شيء وتحت كل شيء وقريباً من كل شيء ومحيطاً بكل شيء بقرب هو وصفه وبحيطة هي نعته وعد عن الظرفية والحدود وعن الأماكن والجهات وعن الصحبة والقرب بالمسافات وعن الدور بالمخلوقات وأمحق الكل بوصفه الأول والآخر والظاهر والباطن وهو هو هو كان الله ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه كان اه وقال بعضهم ما رأيت شيئاً إلا رأيت الله فيه ولم أره حديثاً وإنما هو من قول بعض العارفين فأهل السير من المريدين يشهدون الكون ثم يشهدون المكون عنده وبأثره فيمتحق الكون من نظرهم بمجرد نظرهم إليه وهذا حال المستشرفين وأهل مقام الفناء يشهدون الحق قبل شهود الخلق بمعنى أنهم لا يرون الخلق أصلاً إذ لا ثبوت له عندهم لأنهم لسكرتهم غائبون عن الواسطة فانون عن الحكمة غرقي في بحر الأنوار مطموس عليهم الآثار وفي هذا المقام قال بعضهم ما رأيت شيئاً إلا رأيت الله قبله وأهل الحجاب من أهل الدليل والبرهان إنما يشهدون الكون ولا يشهدون المكون لا قبله ولا بعده إنما يستدلون على وجوده بوجود الكون وهذا لعامة المسلمين من أهل اليمين قد أعوزهم أي فاتهم وجود الأنوار ومنعوا منها وحجبت عنهم شموس المعارف بسحب الآثار بعد طلوعها وأشراق نورها لكن لا بد للشمس من سحاب وللحسناء من نقاب ولله در القائل
وما أحتجبت إلا برفع حجابها ... ومن عجب أن الظهور تستر
وقال آخر
لقد ظهرت فلا تخفي على أحد ... إلا على أكمه لا يبصر القمرا
لكن بطنت بما أظهرت محتجباً ... وكيف يعرف من بالعزة أستترا

ثم إحتجابه تعالى في حال ظهوره مما يدلك على وجود قهره كما أشار إليه بقوله مما يدلك على وجود قهره سبحانه إن حجبك عنه بما ليس بموجود معه قلت من أسمائه تعالى القهار ومن مظاهر قهره إحتجابه في ظهوره وظهوره في بطونه وبطونه في ظهوره ومما يدلك أيضاً على وجود قهره إن إحتجب بلا حجاب وقرب بلا إقتراب بعيد في قربه قريب في بعده إحتجب عن خلقه في حال ظهوره لهم وظهر لهم في حال إحتجابه عنهم فاحتجب عنهم بشيء ليس بموجود وهو الوهم والوهم أمر عدمي مفقود فما حجبه إلا شدة ظهوره وما منع الأبصار من رؤيته إلا قهارية نوره فتحصل إنفراد الحق بالوجود وليس مع الله موجود قال تعالى كل شيء هالك إلا وجهه وأسم الفاعل حقيقة في الحال وقال تعالى هو الأول والآخر والظاهر والباطن وقال تعالى فأينما تولوا فثم وجه الله وقال تعالى وهو معكم أينما كنتم وقال تعالى وإذ قلنا لك أن ربك أحاط بالناس وقال تعالى " وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى " وقال تعالى " أن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله " الآية وقال صلى الله عليه وسلم أفضل كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد، ألا كل شيء ما خلا الله باطل، وكل نعيم لا محالة زائل، وقال صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى يا عبدي مرضت فلم تعدني فيقول يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين فيقول الله إما أنه مرض عبدي فلان فلم تعده فلو عدته لوجدتني عنده ثم يقول يا عبدي إستطعمتك فلم تطعمني ثم يقول أستسقيتك فلم تسقني الحديث فدل الحديث على أن هذه الهياكل والأشخاص خيالات لا حقيقة لها فهي أشبه شيء بالظلال قال الششتري رضي الله عنه
الخلق خلقكم والأمر أمركم ... فأي شيء أنا لكنت من ظلل
ما للحجاب مكان في وجودكم ... إلا بسر حروف أنظر إلى الجبل
أنتم دللتم عليكم منكم ولكم ... ديمومة عبرت عن غامض الأزل
عرفتم بكم هذا الخبير بكم ... أنتم هم يا حياة القلب يا أملي
قوله الخلق خلقكم ألخ المراد بالخلق صور الأشباح وبالأمر سر الأرواح أي الأشباح حكمتكم والأرواح سر من أسراركم فأنا لا وجود لي أصلاً فأي شيء قدرت نفسي وجدتها لكم ومظهراً من مظاهركم وإنما أنا ظلل من ظلل وجودكم ثم قال ما للحجاب مكان في وجودكم أي لا موضع للحجاب الحسي في وجودكم إذ لو كان للحجاب مكان في وجودكم لكان أقرب إلينا منكم وهو محال لأنك قلت ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد وقوله إلا بسر حروف إلخ الإستثناء منقطع أي موضعه للحجاب الحسي بيننا وبينكم لكن حجاب القهرية ورداء العزة والكبرياء هو الذي منع الأبصار من رؤية نوركم الأصلي الجبروتي إذ لو ظهر ذلك النور لأضمحلت المكونات ولا أحترقت من نور السبحات ولهذا السر أمر الله سيدنا موسى عليه السلام حين طلب الرؤية بالنظر إلى الجبل لما أراد الله تعالى أن يتجلى له بشيء من ذلك النور فلما لم يثبت الجبل لشيء قليل منه علمناً أنه لا طاقة للعبد الضعيف في هذه الدار على الرؤية الواحد القهار إلا بواسطة الأكوان الكثيفة بعد أن نشر عليها الأردية المعنوية وهذا معنى قوله إلا بسر حروف أنظر إلى الجبل أي الأبحجاب القهرية المفهوم من سر قوله تعالى أنظر إلى الجبل أو إلا حجاباً ملتبساً بسر الحكمة المفهوم من قوله تعالى أنظر إلى الجبل وكأنه تعالى يقول يا موسى لن تقدر أن تراني من غير حجاب الحكمة ولكن أنظر إلى الجبل فإن أطاق ذلك فسوف تراني أنت فلما تجلى له الحق تعالى من غير واسطة الحس جعله دكاء والله تعالى أعلم وقال أيضاً في هذا المعنى
لقد أنا شيء عجيب ... لمن رآني
أنا المحب والحبيب ... ليس ثم ثاني
يا قاصداً عين الخبر ... غطاه أينك
الخمر منك والخبر ... والسر عندك
أرجع لذاتك وأعتبر ... ما ثم غيرك

فقوله يا قاصداً عين الخبر أي عين خبر التحقيق وقوله غطاه أينك أي مكان وجودك الوهمي إذ لو غبت عن وجودك لوقعت على عين التحقيق وقوله الخمر منك أي شربة خمرة المحبة منك وهذا كما قال، مني علي دارت كؤسي، وقوله والخبر أي والخبر عن عين التحقيق منك أيضاً وسر الربوبية عندك لأنك كنز مطلسم فإذا أردت أن تعرفه فأرجع لذاتك وأعتبر تجد الوجود كله واحداً وأنت ذلك الواحد قال الشاعر
هذا الوجود وإن تعدد ظاهراً ... وحياتكم ما فيه إلا أنتم
وقال أيضاً رضي الله عنه، لقد فشي سري بلا مقال، وقد ظهر عني في ذا المثال، نرى وجود غيري من المحال، وكلما دوني خيال في، متحد في كل شيء، أنا هو المحبوب وأنا الحبيب، والحب لي مني شيء عجيب، وحدي أنا فافهم سري غريب، فمن نظر ذاتي رآني شيء، وفي حلا ذات طواني طي، صفاتي لا تخفي لمن نظر، وذاتي معلومة تلك الصور أفن عن الإحساس تري عبر، في السر والمعنى خفيت كي، لأنه مني ستر على، وقد أتفقت على هذا المعني وهو سر الوحدة مقالات العارفين ومواجيد المحبين وأشعارهم كل على قدر ذوقه وشربه جزاهم الله عنا وعن المسلمين خيراً ولا يفهم هذه العبارات إلا أهل الأذواق والإشارات وحسب من لم يبلغ لها فهمه ولم يحط بها علمه أن يسلم ويكل فهمها إلى أربابها وليعتقد كمال التنزيه وبطلان التشبيه لأن هذه المعاني أذواق لا تنال إلا بصحبة أهل الأذواق ثم أستدل على بطلان وجود الحجاب في حقه تعالى بعشرة أمور متعجباً من كل واحد لظهوره مع خفائه أي لشدة ظهوره عند العارفين وشدة خفائه عند الغافلين الجاهلين فأشار إلى الأول بقوله كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي أظهر كل شيء والظاهر هو الباطن ما بطن في عالم الغيب هو الذي ظهر في عالم الشهادة فحياض الجبروت متدفقة بأنوار الملكوت، أنظر جمالي شاهداً في كل إنسان، الماء يجري نافداً، في أس الأغصان، تجده ماء واحداً، والزهر ألوان، يا عجباً كيف يعرف بالمعارف من به عرفت المعارف، عجبت لمن يبغي عليك شهادة، وأنت الذي أشهدته كل شاهد، ثم ذكر الثاني فقال كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي ظهر بكل شيء بباء الجر أي تجلي بكل شيء فلا وجود لشيء مع وجوده فكيف يحجبه شيء والغرض أن لاشيء قال صاحب العينية رضي الله عنه
تجليت في الأشياء حين خلقتها ... فها هي ميطت عنك فيها البراقع
ثم ذكر الثالث فقال كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي ظهر في كل شيء بقدرته وحكمته القدرة باطنة والحكمة ظاهرة فالوجود كله بين قدرة وحكمة وبين جمع وفرق وقد تقدم قول بعضهم ما رأيت شيئاً إلا رأيت الله فيه أي بقدرته وحكمته فلولا ظهور أنوار الصفات ما عرفت الذات ولا الحس ما قبضت المعني ولولا الكثيف ما عرفت اللطيف وللششتري رحمه الله، محبوبي قد عم الوجود، وقد ظهر في بيض وسود، وفي النصاري مع اليهود، وفي الخنازير مع القرود، وفي الحروف مع النقط، أفهمني قط أفهمني قط، ثم قال، عرفته طول الزمان، ظهر لي في كل أوان، وفي المياه وفي الدلوان، وفي الطلوع وفي الهبوط، أفهمني قط أفهمني قط، ثم ذكر الرابع فقال كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الظاهر لكل شيء بلام الجر أي المتجلي لكل شيء بأسرار ذاته وأنوار صفاته ولما تجلى لكل شيء وعرفه في الباطن كل شيء وسبح بحمده كل شيء فلم يجبه شيء عن شيء قال الله تعالى " وأن من شيء إلا يسبح بحمده " يقول بلسان حاله سبحان المتجلي لكل شيء الظاهر بكل شيء يفقهه العارفون ويجهله الغافلون ثم ذكر الخامس فقال كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الظاهر قبل وجود كل شيء فكل ما ظهر فمنه وإليه فكان في أزله ظاهراً بنفسه ثم تجلى لنفسه بنفسه فهو الغني بذاته عن أن يظهر بغيره أو يحتاج إلى من يعرفه غيره فالكون كله مجموع والغير عندنا ممنوع ثم ذكر السادس فقال كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو أظهر من كل شيء إذ لا وجود للأشياء مع وجوده ولا ظهور لها مع ظهوره وعلى تقدير ظهورها فلا وجود لها من ذاتها فلولا ظهوره في الأشياء ما وقع عليها أبصار
من لا وجود لذاته من ذاته ... فوجوده لولاه عين محال

فالعبد في حالة الحجاب تكون نفسه وجودها عنده ضرورياً ووجود الحق تعالى عنده نظرياً فإذا عرف الحق وفني عن نفسه وتحقق بزوالها صار عنده وجود الحق ضرورياً ووجود نفسه نظرياً بل محال ضروري قال أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه أنا لننظر إلى الله ببصر الإيمان والإيقان فأغنانا عن الدليل والبرهان وأنا لا نري أحداً من الخلق فهل في الوجود أحد سوي الملك الحق وأن كان ولا بد فكالهباء في الهواء إن فتشتهم لم تجدهم شيئاً اه زاد في لطائف المنن ومن أعجب العجب أن تكون الكائنات موصلة إلى الله فليت شعري هل لها وجود معه حتي توصل إليه أو هل لها من الوضوح ما ليس له حتى تكون هي المظهرة له وإن كانت الكائنات موصلة له فليس ذلك لها من حيث ذاتها لكن هو الذي ولاها رتبة التوصيل فوصلت فما وصل إليه غير إلهيته ولكن الحكيم هو واضع الأسباب وهي لمن وقف معها ولا ينفذ إلى قدرته عين الحجاب فظهور الحق أجلي من كل ما ظهر إذ هو السبب في ظهور كل ما ظهر وما أختفى إلا من شدة ما ظهر ومن شدة الظهور الخفاء وإلى هذا المعني أشار الرفاعي بقوله
يا من تعاظم حتى رق معناه ... ولا تردى رداء الكبر إلا هو
أي يا من تعاظم في ظهوره حتى خفي معناه ثم ذكر السابع فقال كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الواحد الذي ليس معه شيء لتحقق وحدانيته أزلاً وأبداً كان الله ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه كان أإله مع الله تعالى الله عما يشركون أفي الله شك فكل ما ظهر للعيان فإنما هو مظاهر الرحمن قال صاحب العينية رضي الله عنه
تجلى حبيبي في مرائي جماله ... ففي كل مرءاً للحبيب طلائع
فلما تجلى حسنه متنوعاً ... تسمى بإسماء فهن مطالع

فالحق تعالى واحد في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله فلا شيء قبله ولا شيء بعده ولا شيء معه ثم ذكر الثامن فقال كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو أقرب إليك من كل شيء قال تعالى " ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد " وقال تعالى " ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون " وقال تعالى " وكان الله على كل شيء رقيباً وأن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى " وقربه تعالى قرب علم وإحاطة وشهود لأقرب مسافة إذ لا مسافة بينك وبينه وتقدم في الحديث وأن الله ما حل في شيء ولا غاب عن شيء وقال سيدنا علي كرم الله وجهه الحق تعالى ليس من شيء ولا في شيء ولا فرق شيء ولا تحت شيء إذ لو كان من شيء لكان مخلوقاً ولو كان فوق شيء لكان محمولاً ولو كان في شيء لكان محصوراً ولو كان تحت شيء لكان مقهوراً اه وقيل له يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أين كان ربنا أو هل له مكان فتغير وجهه وسكت ساعة ثم قال قولكم أين الله سؤال عن مكان وكان الله ولا مكان ثم خلق الزمان والمكان وهو الآن كما كان دون مكان ولا زمان اه وقال أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه قيل لي يا علي بي قل وعلى دل وأنا الكل اه هذا كما في حديث البخاري يقول الله تعالى بسب ابن آدم الدهر وأنا الدهر بيدي الليل والنهار وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر وتفسيره ما في الحديث قبله والله تعالى أعلم ثم ذكر التاسع فقال كيف يتصور أن يحجبه شيء ولولاه لما ظهر وجود كل شيء قال تعالى " وخلق كل شيء فقدره تقديراً " وقال تعالى " إنا كل شيء خلقناه بقدر " فكل ما ظهر في عالم الشهادة فهو فائض من عالم الغيب وكل ما برز في عالم الملكوت فهو فائض من بحر الجبروت فلا وجود للأشياء إلا منه ولا قيام لها إلا به ولا نسبة لها معه إذ هي عدم محض وعلى توهم وجودها فهي حادثة فانية ولا نسبة للعدم مع الوجود ولا للحادث مع القديم ولذلك تعجب الشيخ من إجتماعهما فقال يا عجباً كيف يظهر الوجود في العدم أم كيف يثبت الحادث مع من له وصف القدم قلت وهذا هو العاشر فالوجود والعدم ضدان لا يجتمعان والحادث والقديم متنافيان لا يلتقيان وقد تقرر أن الحق واجب الوجود وكل ما سواه عدم على التحقيق فإذا ظهر الوجود أنتفي ضده وهو العدم فكيف يتصور أن يحجبه وهو عدم فالحق لا يحجبه الباطل قال تعالى " فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال " فلا وجود للأشياء مع وجوده فأنتفي القول بالحلول إذ الحلول يقتضي وجود السوي حتى يحل فيه معنى الربوبية والفرض أن السوي عدم محض فلا يتصور الحلول وإلى هذا أشار في العينية بقوله
ونزهه في حكم الحلول فما له ... سوى وإلى توحيده الأمر راجع
والقديم والحادث لا يلتقيان فإذا قرن الحادث بالقديم تلاشي الحادث وبقي القديم قال رجل بين يدي الجنيد رضي الله عنه الحمد لله ولم يقل رب العالمين فقال له الجنيد كمله يا أخي فقال له الرجل وأي قدر للعالمين حتى يذكروا معه فقال الجنيد قله يا أخي فإن الحادث إذا قرن بالقديم تلاشي الحادث وبقي القديم اه فقد تقرر أن الأشياء كلها في حيز العدم إذ لا يثبت الحادث مع من له وصف القدم فأنتفى القول بالإتحاد إذ معنى الإتحاد هو إقتران القديم مع الحادث فيتحدان حتى يكونا شيئاً واحداً وهو محال إذ هو مبني أيضاً على وجود السوي ولا سوي وقد يطلقون الإتحاد على الوحدة كقول ابن الفارض
وهامت بها روحي بحيث تمازجا ... إتحاداً ولا جرم تخلله جرم
فأطلق الإتحاد على إتصال الروح بأصلها بعد صفائها ولذلك قال بعده ولا جرم تخلله إلخ فتحصل أن الحق سبحانه واحد في ملكه قديم أزلي باق أبدي منزه عن الحلول والإتحاد مقدس عن الشركاء والأضداد كان ولا أين ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان ومما ينسب لسيدنا علي كرم الله وجهه
رأيت ربي بين قلبي ... فقلت لا شك أنت أنت
أنت الذي حزت كل أين ... بحيث لا أيبن ثم أنت
فليس للأين منك أين ... فيعلم الأين أين أنت
وليس للوهم فيك وهم ... فيعلم الوهم كيف أنت
أحطت علماً بكل شيء ... فكل شيء أراه أنت
وفي فنائي فنا فنائي ... وفي فنائي وجدت أنت

وسئل أبو الحسن النوري رضي الله عنه أين الله من مخلوقاته فقال كان الله ولا أين والمخلوقات في عدم فكان حيث هو وهو الآن حيث كان إذ لا أين ولا مكان فقال له السائل وهو علي بن ثور القاضي في قصة محنة الصوفية فما هذه الأماكن والمخلوقات الظاهرة فقال عز ظاهر وملك قاهر ومخلوقات ظاهرة به وصادرة عنه لا هي متصلة به ولا منفصلة عنه فرغ من الأشياء ولم تفرغ منه لأنها تحتاج إليه وهو لا يحتاج إليها قال له صدقت فأخبرني ماذا أراد الله بخلقها قال ظهور عزته وملكه وسلطانه قال صدقت فأخبرني ما مراده من خلقه قال ما هم عليه قال أو يريد من الكفرة الكفر قال أفيكفرون به وهو كاره ثم قال أخبرني ماذا أراد الله بإختلاف الشيع وتفريق الملل قال أراد إبلاغ قدرته وبيان حكمته وإيجاب لطفه وظهور عدله وإحسانه اه المراد منه وفيه إشارة إلى أن تجليات الحق على ثلاثة أقسام قسم أظهرهم ليظهر فيهم كرمه وإحسانه وهم أهل الطاعة والإحسان وقسم أظهرهم ليظهر فيهم عفوه وحلمه وهم أهل العصيان من أهل الإيمان وقسم أظهرهم ليظهر فيهم نقمته وغضبه وهم أهل الكفر والطغيان فهذا سر تجليه تعالى في الجملة والله تعالى أعلم فذلكة حاصل ما اشتمل عليه هذا الباب من أول الكتاب ثلاثة أمور عمل الشريعة والطريقة والحقيقة أو تقول عمل الإسلام والإيمان والإحسان وهي البداية والوسط والنهاية ومن علامة النجح في النهاية الرجوع إلى الله في البداية فأمرك بالرجوع إليه والإعتماد عليه دون الأعتماد على العمل مع وجود العمل ثم ذلك على الأدب في حال التجريد والأسباب ثم نهاك في حالة المسير عن شغل باطنك بكد التدبير فإنه سبب التكدير ثم أنهضك إلى الإجتهاد في الأعمال المطلوبة منك مع التقصير فيما هو مضمون لك ليكون سبباً في فتح بصيرتك ومن جملة ما هو مضمون ما تطلبه بدعائك فلا تستعجل ما تأخر عن وقته ولا تيأس من رحمته وإذا وعدك بشيء فلا تشك في وعده ولا تتهمه فيما ينزل بك من تعرفاته وقهره فهذه أعمال أهل البدايات أختلفت أجناسها بإختلاف أحوالهم فقوله من علامة الإعتماد على العمل إلى قوله الأعمال صور قائمة كله من عمل الشريعة الذي هو مقام الإسلام وقوله الأعمال صور قائمة إلى قوله الكون كله ظلمة هو من عمل الطريقة الذي هو مقام الإيمان ومداره على تخليص الباطن وتهذبيه فأمرك بالإخلاص والصدق وهو سر الإخلاص والخمول لأنه محله ومظهره والعزلة لتتمكن من الفكرة وتصفية مرآة القلب من صور الأكوان لتتهيأ لأشراق شموس العرفان ثم فتح لك الباب ورفع عنك الحجاب وقال لك ها أنت وربك وهو قوله الكون كله ظلمة إلى آخر الباب فقد قطع لك توهم الحجاب من جميع الوجوه فجزاه الله أحسن جزائه ومتعه برضوانه مع أنبيائه وأحبائه وخرطنا في سلكهم مع كافة الأحباب أمين ولما أدخلك الحضرة دلك على آدابها فقال في أول الباب الثاني مترجماً عنها من بعض التلامذة بقوله وقال رضي الله عنه وجملة أبوابه خمسة وعشرون باباً وثلاث رسائل وجواب ثم مناجات فلما فرع من الباب الأول أشار إلى الباب الثاني فقال وقال رضي الله عنه ما ترك من الجهل شيئاً من أراد أن يظهر في الوقت غير ما أظهره الله فيه الجهل هو ضد العلم وقيل هو عدم العلم بالمقصود وهو على قسمين بسيط ومركب فالبسيط أن يجهل ويعلم أنه جاهل والمركب أن يجهل جهله وأقبح الجهل الجهل بالله وإنكاره بعد طلب معرفته قلت من آداب العارف الحقيقي أن يقر الأشياء في محلها ويسير معها على سيرها فكلما أبرزته القدرة للعيان فهو في غاية الكمال والإتقان وفي ذلك قال صاحب العينية رضي الله عنه
وكل قبيح إن نسبت لحسنه ... أتتك معاني الحسن فيه تسارع
يكمل نقصان القبيح جماله ... فما ثم نقصان ولا ثم باشع

وقال أبو الحسن النوري رضي الله عنه مراد الله من خلقه ما هم عليه فإذا أقام الله عبداً في مقام من المقامات فالواجب على العارف أن يقره فيه بقلبه كائناً ما كان فإن كان لا تسلمه الشريعة رغبة في الخروج عنه بالسياسة وينظر ما يفعل الله قال بعضهم من عامل الخلق بالشريعة طال خصمه معهم ومن عاملهم بالحقيقة عذرهم والواجب أن يعاملهم في الظاهر بالشريعة فيذكرهم وفي الباطن بالحقيقة فيعذرهم ومن أراد أن يظهر في الوقت غير ما أظهره الله تعالى في نفسه أو في غيره فقد جمع الجهل كله ولم يترك منه شيئاً حيث عارض القدر ونازع القادر وقد قال تعالى إن ربك فعال لما يريد ولو شاء ربك ما فعلوه ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين وفي بعض الأخبار يقول الله تبارك وتعالى من لم يرض بقضائي ولم يصبر على بلايي فليخرج من تحت سمائي وليتخذ رباً سواي وقال عبد الله بن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما لأن الحس جمرة أحرقت ما أحرقت وأبقت ما أبقت أحب إلى من أن أقول لشيء كان ليته لم يكن أو لشيء لم يكن ليته كان وقال أبو عثمان رضي الله عنه منذ أربعين سنة ما أقامني الله تعالى في حال فكرهته ولا نقلني إلي غيره فسخطته وقال شيخ شيوخنا سيدي علي رضي الله عنه في كتابه من عرف أهل حقائق الظاهر ولم ينكر عليهم شيئاً من أحوالهم يظفر بما في أيديهم ولا يمنع خيرهم قطعاً ومن عرف أهل حقلئق الباطن ولم ينكر عليهم شيئاً من أحوالهم يظفر بما في إأيديهم على كل حال العارف بالله يجمع بين خير الفرقتين يصطحب معهما جميعاً وكل فرقة يتلون على لونها كشيخ شيوخنا رضي الله عنهم سيدي أحمد اليماني نفعنا الله به كان رضي الله عنه ممن لا ينكر حالاً من أحوال الخلق أهل الظاهر يتلمذهم في ظواهرهم ويدفعهم إليها ويقرهم فيها وأهل البواطن يتلمذهم في بواطنهم ويدفعهم إليها ويقرهم فيها فحصل له خير الفرقتين بما رزقه الله من المعرفة والحكمة قيل أن الولي الكامل يتطور بجميع الأطوار يقضي جميع الأوطار اه قلت ومن تأمل الأحاديث النبوية وجدها على هذا المنوال لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان سيد العارفين وقدوة المربين فكان يقر الناس على ما أقامهم الله في حكمتهم ويرغبهم فيها فلذلك تجد الأحاديث متعارضة ولا تعارض في الحقيقة فإذا نظرت في أحاديث الذكر قلت لا أفضل منه وإذا نظرت في أحاديث الجهاد قلت لا أفضل منه وإذا نظرت في أحاديث فضل العلم قلت لا أفضل منه وإذا نظرت في أحاديث الزهد والتجريد من أسباب الدنيا قلت أفضل منه وإذا نظرت في أحاديث الكسب والخدمة على العيال كذلك فكل حكمة رغب النبي صلى الله عليه وسلم فيها حتى تقول لا أفضل منها تطييباً لخاطر أهلها ليكونوا فيها على بينة من ربهم ولم يأمرهم عليه السلام بالإنتقال عنها إذ مراد الله منهم هو تلك الحكمة فأقرهم عليه السلام عليها ورغبهم فيها حتى يظن من يسمع أحاديثها أنه لا أفضل منها وهو كذلك إذ لا أفضل منها في حق أهلها والحاصل أن العارف لا ينكر شيئاً ولا يجهل شيئاً وقد قال بعض العارفين ليس في الإمكان أبدع مما كان وتأويله أن ما سبق في علم الله يكون لا يمكن غيره فلا أبدع منه وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله والله تعالى أعلم ثم ذكر الأدب الثاني من آداب الحضرة القدسية وهي ترك الرعونات البشرية فقال أحالتك الأعمال على وجود الفراغ من رعونات النفوس الإحالة على الشيء هو تسليطه وإغراؤه عليه والمراد هنا توقف الأمر عليه بحيث لا يتوجه له حتى يتيسر وجوده والفراغ من الشيء خلوه منه وفراغ القلب خلوه مما يشغله وفراغ الجوارح خلوها من الأشغال والرعونة نوع من الحمق قلت من آداب العارف أن يكون كامل العقل ثاقب الذهن ومن علامة العقل إنتهاز الفرصة في العمل ومبادرة العمر من غير تسويف ولا أمل إذ ما فات منه لا عوض له وما حصل لا قيمة له وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ألا وأن من علامة العقل التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والتزود لسكني القبور والتأهب ليوم النشور وقال صلى الله عليه وسلم الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والأحمق من أتبع نفسه هواها وتمني على الله الأماني اه والكيس هو العاقل ودان نفسه حاسبها وفي صحف إبراهيم عليه السلام وعلى العاقل ما لم يكن مغلوباً على

عقله أن تكون له ساعات ساعة يناجي فيها ربه عز وجل وساعة يحاسب فيها نفسه وساعة يتفكر فيها في صنع الله عز وجل وساعة يخلو فيها بحاجته من المطعم والمشرب وعلى العاقل أن لا يكون ظاعناً إلا لثلاث تزود لمعاد أو مرمة لمعاش أو لذة من غير محرم وعلى العاقل أن يكون بصيراً بزمانه مقبلاً على شأنه حافظاً للسانه ومن حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه اه فاحالتك الأعمال وتأخيرها إلى وقت آخر تكون فيه فارغ القلب أو القالب من علامة الرعونة والحمق وهو غرور ومن أين لك أن تصل إلى ذلك الوقت والموت هاجم عليك من حيث لا تشعر وعلى تقدير وصولك إليه لا تأمن من شغل آخر يعرض لك وفراغ الأشغال من حيث هو نادر لقوله عليه السلام نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ أي كثير من الناس فقدوهما وغبنوا فيهما إذ كثير منهم لا تجده إلا مشغولاً بدنياً أو مفتوناً بهوى أو مريضاً مبتلى ومفهوم الكثير أن القليل من الناس رزقهم الله الصحة والفراغ فإن عمر وهما بطاعة مولاهم فقد شكروا وربحوا ربحاً عظيماً وإن ضيعوهما فقد خسروا خسراناً مبيناً وكفروا بهاتين النعمتين فجدير أن تسلبا عنهم وهو أيضاً من علامة الخذلان وسيأتي من كلام الشيخ الخذلان كل الخذلان أن تقل عوائقك ثم لا تقبل عليه فالواجب على الإنسان أن يقطع علائقه وعوائقه ويخالف هواه ويبادر إلى خدمة مولاه ولا ينتظر وقتاً آخر إذ الفقير ابن وقته فلا تجده مشغولاً إلا بفكرة أو نظرة أو ذكر أو مذاكرة أو خدمة شيخ يوصله إلى مولاه وقد قلت لبعض الإخوان الفقير الصديق ليس له فكرة ولا هدرة إلا في الحضرة أو ما يوصله للحضرة والله تعالى أعلم ثم ذكر الأدب الثالث وهو إقامته حيث أقامه الله فقال لا تطلب منه أن يخرجك من حالة ليستعملك فيما سواها فلو أرادك لأستعملك من غير إخراج قلت من آداب العارف الإكتفاء بعلم الله والإستغناء به عما سواه فإذا أقامه الله تعالى في حالة من الأحوال فلا يستحقرها ويطلب الخروج منها إلى حالة أخرى فلو أراد الحق تعالى أن يخرجه من تلك الحالة ويستعمله فيما سواها لأستعمله من غير أن يطلب منه أن يخرجه بل يمكث على ما أقامه فيه الحق تعالى حتى يكون هو الذي يتولى أخراجه كما تولى أدخاله وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق فالمدخل الصدق هو أن تدخل فيه بالله والمخرج الصدق هو أن تخرج منه بالله وهذا هو الفهم عن الله وهو من علامة تحقق المعرفة بالله فالعارف بالله إذا كان أعزب لا يتمني التزويج وإذا كان متزوجاً لا يتمنى الفراق وإذا كان فقيراً لا يتمنى الغني وإذا كان غنياً لا يتمنى الفقر وإذا كان صحيحاً لا يتمنى المرض، وإذا كان مريضاً لا يتمنى الصحة، وإذا كان عزيزاً لا يتمنى الذل وإذا كان ذليلاً لا يتنى العز. وإذا كان مقبوضاً لا يتمنى البسط وإذا كان مبسوطاً لا يتمني القبض وإذا كان قوياً لا يتمنى الضعف وإذا كان ضعيفاً لا يتمني القوة وإذا كان مقيماً لا يتمنى السفر وإذا كان مسافر لا يتمنى الأقامة وهكذا باقي الأحوال ينظر ما يفعل الله به ولا ينظر ما يفعل بنفسه لتحقق زواله بل يكون كالميت بين يدي الغاسل أو كالقلم بين الأصابع كما قال الصاحب العينية رضي الله عنه أن تكون له ساعات ساعة يناجي فيها ربه عز وجل وساعة يحاسب فيها نفسه وساعة يتفكر فيها في صنع الله عز وجل وساعة يخلو فيها بحاجته من المطعم والمشرب وعلى العاقل أن لا يكون ظاعناً إلا لثلاث تزود لمعاد أو مرمة لمعاش أو لذة من غير محرم وعلى العاقل أن يكون بصيراً بزمانه مقبلاً على شأنه حافظاً للسانه ومن حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه اه فاحالتك الأعمال وتأخيرها إلى وقت آخر تكون فيه فارغ القلب أو القالب من علامة الرعونة والحمق وهو غرور ومن أين لك أن تصل إلى ذلك الوقت والموت هاجم عليك من حيث لا تشعر وعلى تقدير وصولك إليه لا تأمن من شغل آخر يعرض لك وفراغ الأشغال من حيث هو نادر لقوله عليه السلام نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ أي كثير من الناس فقدوهما وغبنوا فيهما إذ كثير منهم لا تجده إلا مشغولاً بدنياً أو مفتوناً بهوى أو مريضاً مبتلى ومفهوم الكثير أن القليل من الناس رزقهم الله الصحة والفراغ فإن عمر وهما بطاعة مولاهم فقد شكروا وربحوا ربحاً عظيماً وإن ضيعوهما فقد خسروا خسراناً مبيناً وكفروا بهاتين النعمتين فجدير أن تسلبا عنهم وهو أيضاً من علامة الخذلان وسيأتي من كلام الشيخ الخذلان كل الخذلان أن تقل عوائقك ثم لا تقبل عليه فالواجب على الإنسان أن يقطع علائقه وعوائقه ويخالف هواه ويبادر إلى خدمة مولاه ولا ينتظر وقتاً آخر إذ الفقير ابن وقته فلا تجده مشغولاً إلا بفكرة أو نظرة أو ذكر أو مذاكرة أو خدمة شيخ يوصله إلى مولاه وقد قلت لبعض الإخوان الفقير الصديق ليس له فكرة ولا هدرة إلا في الحضرة أو ما يوصله للحضرة والله تعالى أعلم ثم ذكر الأدب الثالث وهو إقامته حيث أقامه الله فقال لا تطلب منه أن يخرجك من حالة ليستعملك فيما سواها فلو أرادك لأستعملك من غير إخراج قلت من آداب العارف الإكتفاء بعلم الله والإستغناء به عما سواه فإذا أقامه الله تعالى في حالة من الأحوال فلا يستحقرها ويطلب الخروج منها إلى حالة أخرى فلو أراد الحق تعالى أن يخرجه من تلك الحالة ويستعمله فيما سواها لأستعمله من غير أن يطلب منه أن يخرجه بل يمكث على ما أقامه فيه الحق تعالى حتى يكون هو الذي يتولى أخراجه كما تولى أدخاله وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق فالمدخل الصدق هو أن تدخل فيه بالله والمخرج الصدق هو أن تخرج منه بالله وهذا هو الفهم عن الله وهو من علامة تحقق المعرفة بالله فالعارف بالله إذا كان أعزب لا يتمني التزويج وإذا كان متزوجاً لا يتمنى الفراق وإذا كان فقيراً لا يتمنى الغني وإذا كان غنياً لا يتمنى الفقر وإذا كان صحيحاً لا يتمنى المرض، وإذا كان مريضاً لا يتمنى الصحة، وإذا كان عزيزاً لا يتمنى الذل وإذا كان ذليلاً لا يتنى العز. وإذا كان مقبوضاً لا يتمنى البسط وإذا كان مبسوطاً لا يتمني القبض وإذا كان قوياً لا يتمنى الضعف وإذا كان ضعيفاً لا يتمني القوة وإذا كان مقيماً لا يتمنى السفر وإذا كان مسافر لا يتمنى الأقامة وهكذا باقي الأحوال ينظر ما يفعل الله به ولا ينظر ما يفعل بنفسه لتحقق زواله بل يكون كالميت بين يدي الغاسل أو كالقلم بين الأصابع كما قال الصاحب العينية رضي الله عنه

أراني كالآلات وهو محركي ... أنا قلم والأقتدار أصابع

قال تعالى وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة وقال تعالى وما تشاؤون إلا أن يشاء الله وأوحى الله تعالى إلى داوود عليه السلام فقال يا داوود تريد وأريد ولا يكون إلا ما أريد فإن سلمت لي ما أريد أتيتك بما تريد وإن لم تسلم لي ما أريد أتعبتك فيما تريد ولا يكون ألا ما أريد وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة جف القلم بما أنت لاق وفي حديث آخر جفت الأقلام وطويت الصحف وقال شيخ شيوخنا سيدي أحمد اليماني رضي الله عنه حين سأله وأصحابه عن حقيقة الولاية فقال لهم حقيقة الولاية هو إذا كان صاحبها جالساً في الظل لا تشتهي نفسه الجلوس في الشمس وإذا كان جالساً في الشمس لا تشتهي نفسه الجلوس في الظل اه وهذا كله مع الإختيار دون الأمر الضروري وقد تقدم قول شيخ شيوخنا سيدي علي رضي الله عنه من أوصاف الولي الكامل أن لا يكون محتاجاً إلا على الحال الذي يقيمه مولاه فيه في الوقت يعني ماله مراد إلا ما يبرز من عنصر القدرة لا تشتهي نفسه غيره اه قلت فإذا تجلى في العارف شيء من هذه الأمور أعني الإنتقال من حال إلى حال فليتأن وليصبر حتى يفهم أنه من الله بإشارة ظاهرة أو باطنة أو هاتف حسي أو معنوي ولينصت إلى الهواتف فإن الله تعالى يخاطبه بما يفعل وهذا أمر مجرب صحيح عند العارفين حتى أنهم لا يتصرفون إلا بإذن من الله ورسوله إذ لا فرق عند أهل الجمع جعلنا الله منهم آمين وهذا كله إذا كان الحال الذي هو فيه موافقاً للشريعة وإلا فليطلب الخروج منه بما يمكن. ثم ذكر الأدب الرابع وهو رفع الهمة عن الأكوان ودوام الترقي في مقامات العرفان فقال ما أرادت همة سالك أن تقف عند ما كشف لها إلا ونادته هواتف الحقيقة الذي تطلب أمامك ولا تبرجت ظواهر المكونات إلا ونادته حقائقها إنما نحن فتنة فلا تكفر همة السالك هي القوة الباعثة له على السيرو وقوفها مع الشيء هو إعتقادها أن ما وصلت إليه هو الغاية أو فيه كفاية وهواتف الحقيقة هي لسان حال الكشف عن عين التحقيق وتبرج الشيء ظهوره في حال الزينة لقصد الإمالة وظواهر المكونات هو ما كساها من الحسن والحكمة وتزيينها هو خرق عوائدها له وأنقيادها لحكمه وحقائقها نورها الباطني وهو تجلي المعنى فيها قلت السالك هو الذي يشهد الأثر فإن كان يشهده في نفسه سالك فقط وهو في حالة السير وإن كان يشهده بالله فهو سالك مجذوب والمقامات التي يقطعها ثلاث فناء في الأفعال وفناء في الصفات وفناء في الذات أو تقول فناء في الإسم وفناء في الذات وفناء في الفناء وهو مقام البقاء ثم الترقي ما لا نهاية له فإذا كشف للسالك عن سر توحيد الأفعال وذاق حلاوته وأرادت همته أن تقف مع ذلك المقام نادته هواتف حقيقة الفناء في الصفات الذي تطلب أمامك وإذا ترقي إلى مقام الفناء في الصفات وكشف له عن سر توحيد الصفات وأستشرف على الفناء في الذات وأرادات همته أن تقف مع ذلك المقام نادته هواتف حقيقة الفناء في الذات الذي تطلب أمامك وإذا ترقي إلى الفناء في الذات وكشف له عن سر توحيد الذات وأرادت همته أن تقف مع ذلك المقام نادته هواتف حقيقة فناء الفناء أو حقيقة البقاء الذي تطلب أمامك وإذا وصل إلى البقاء نادته هواتف العلوم الغيبية وقل رب زدني علماً وقد قال عليه السلام لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك أو تقول إذا كشف للمريد عن الفناء في الإسم وذاق حلاوة العمل والذكر وأرادت همته أن تقف معها نادته هواتف حقائق الفناء في الذات الذي تطلب أمامك فإذا ترقي إلى مقام الفناء في الذات وذاق حلاوته ولم يتمكن وقنع بذلك وأرادت همته أن تقف مع ذلك نادته هواتف حقيقة التمكين الذي تطلب أمامك وإذا تمكن ولم يطلب زيادة الترقي نادته هواتف الترقي الذي تطلب أمامك وهكذا كل مقام ينادي على ما قبله يا أهل يثرب لا مقام لكم وإذا تبرجت أي ظهرت بزينتها وحللها للسالك أو للعارف ظواهر المكونات بخرق عوائدها وأنقيادها له وتصرفه فيها بهمته كالمشي على الماء والطيران في الهواء ونبع الماء وجلب الطعام وغير ذلك من الكرامات الحسية وأرادت همة السالك أن تقف مع ظواهرها وتشتغل بحلاوة حسها نادته هواتف المعاني الباطنة إنما نحن فتنة لك نختبرك هل تقنع بها دون معرفة مالكها ومنشيها المتجلي فيها أو تعرض عنها وتنفذ إلى نور معانيها وشهود مالكها ومجريها فلا تكفر وتجحد

المتجلي بها فتنكره فتكون من الجاهلين وقد ضرب الساحلي في البغية مثلاً لهذه المقامات والسير فيها فقال مثل ذلك كملك ظهر بالمشرق مثلاً وأرسل لنا رسلاً بكتاب من عنده فقرؤا علينا كتاب الملك وشوقوناً إليه غاية التشويق بذكر كرمه ومحاسنه فمن الناس من أعرض عن طاعته والأنقياد إليه وهم الكفار ومن الناس من قبل وآمن ولم يقدر على النهوض إلى حضرة الملك وهم عوام المسلمين ضعفاء المحبة واليقين ومن الناس من تشوق للملك ونهض إلى حضرته فقالت له الرسل نحن نسيرك ونعرفك الطريق فتقدموا أمامهم يسيرون بهم ثم أن الملك بني دياراً ومنازل ينزلونها كل منزل أعظم من الذي قبله هكذا إلى حضرته فإذا نزلوا أول المنازل ورأوا حسنه وبهجته أرادوا أن يقيموا فيه فتقول لهم الرسل الذين جاؤا من عند الملك الذي تطلبون أمامكم فينهضونهم من ذلك المنزل فإذا نزلوا الثاني وجدوه أعظم من الأول فيريدون أن يقيموا فيه فترحلهم الرسل إلى ما بعده هكذا يقطعون بهم المنازل منزلاً منزلاً حتي يوقفونهم على الملك فيقولون لهم ها أنتم وربكم فيستريحون من تعب ويتمتعون بالمجالسة والنظر والمراد بالرسل هنا الأنبياء الذين بعثهم الله وخلفاؤهم ممن كان على قدمهم ممن جمع بين الحقيقة والشريعة وهذه المنازل هي المقامات التي يقطعها المريد اه بالمعني مع الأختصار لطول العهد به وقد أشار الششتري إلى التنبيه على عدم الوقوف مع هذه المقامات والكرامات فقال بها فتنكره فتكون من الجاهلين وقد ضرب الساحلي في البغية مثلاً لهذه المقامات والسير فيها فقال مثل ذلك كملك ظهر بالمشرق مثلاً وأرسل لنا رسلاً بكتاب من عنده فقرؤا علينا كتاب الملك وشوقوناً إليه غاية التشويق بذكر كرمه ومحاسنه فمن الناس من أعرض عن طاعته والأنقياد إليه وهم الكفار ومن الناس من قبل وآمن ولم يقدر على النهوض إلى حضرة الملك وهم عوام المسلمين ضعفاء المحبة واليقين ومن الناس من تشوق للملك ونهض إلى حضرته فقالت له الرسل نحن نسيرك ونعرفك الطريق فتقدموا أمامهم يسيرون بهم ثم أن الملك بني دياراً ومنازل ينزلونها كل منزل أعظم من الذي قبله هكذا إلى حضرته فإذا نزلوا أول المنازل ورأوا حسنه وبهجته أرادوا أن يقيموا فيه فتقول لهم الرسل الذين جاؤا من عند الملك الذي تطلبون أمامكم فينهضونهم من ذلك المنزل فإذا نزلوا الثاني وجدوه أعظم من الأول فيريدون أن يقيموا فيه فترحلهم الرسل إلى ما بعده هكذا يقطعون بهم المنازل منزلاً منزلاً حتي يوقفونهم على الملك فيقولون لهم ها أنتم وربكم فيستريحون من تعب ويتمتعون بالمجالسة والنظر والمراد بالرسل هنا الأنبياء الذين بعثهم الله وخلفاؤهم ممن كان على قدمهم ممن جمع بين الحقيقة والشريعة وهذه المنازل هي المقامات التي يقطعها المريد اه بالمعني مع الأختصار لطول العهد به وقد أشار الششتري إلى التنبيه على عدم الوقوف مع هذه المقامات والكرامات فقال
فلا تلتفت في السير غيرا وكل ما ... سوي الله غير فإتخذ ذكره حصناً
وكل مقام لا تقم فيه أنه ... حجاب فجد السير وأستنجد العونا
ومهما ترى كل المراتب تجتلي ... عليك فحل عنها فعن مثلها حلنا
وقل ليس لي في غير ذاتك مطلب ... فلا صورة تجلي ولا طرفة تجني

وأعلم أن هذه الآداب التي ذكرها الشيخ في هذا الباب قد تكون خاصة بالعارف وقد يشاركه فيها غيره فلذلك يعبر بعبارة واسعة لتكون عامة لأن المريد قد يترقي إلى مقام وقد بقيت عليه بقية مما قبله فيكملها فيه والله تعالى أعلم ثم ذكر الأدب الخامس وهو ترك الطلب من حيث هو قال فيما يأتي ربما دلهم الأدب على ترك الطلب فقال طلبك منه أتهام له وطلبك له غيبة منك عنه وطلبك لغيره لقلة حيائك منه وطلبك من غيره لوجود بعدك منه قلت طلبك منه يكون بالتضرع والأبتهال وطلبك له يكون بالبحث والأستدلال وطلبك لغيره يكون بالتعرف والأقبال وطلبك من غيره يكون بالتملق والسؤال وحاصلها أربعة طلب الحق ومنه طلب الباطل ومنه وكلها مدخولة عند المحققين أما طلبك منه فلوجود تهمتك له لأنك إنما طلبته مخافة أن يهملك أو يغفل عنك فإنما ينبه من يجوز منه الأغفاء وإنما يذكر من يمكن منه الأهمال وما الله بغافل عما تعلمون أليس الله بكاف عبده وقال صلى الله عليه وسلم من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين فالسكون تحت مجاري الأقدار أفضل عند العارفين من التضرع والأبتهال وكان شيخ شيوخنا مولاي العربي رضي الله عنه يقول الفقير الصادق لم تبق له حالة يطلبها وأن كان ولا بد من الطلب فليطلب المعرفة اه قلت وإذا ورد منهم الدعاء فإنما هو عبودية وحكمة لا طلباً للقسمة إذا ما قسم لك واصل إليك ولو سألته أن يمنعكه ما أجابك وفي المسألة خلاف بين الصوفية هل السكوت أولى أو الدعاء والتحقيق أن ينظر ما يتجلى فيه وينشرح له الصدر فهو المراد منه وأما طلبك له فهو دليل على غيبتك عنه بوجود نفسك فلو حضر قلبك وغبت عن نفسك ووهمك لما وجدت غيره
أراك تسأل عن نجد وأنت بها ... وعن تهامة هذا فعل متهم
وقال ابن المرحل السبتي رضي الله عنه
ومن عجب أني أحن إليهم ... وأسأل شوقاً عنهم وهم معي
وتبكيهم عيني وهم بسوادها ... ويشكو النوى قلبي وهم بين أضلعي
وللرفاعي رضي الله عنه
قالوا أتنسى الذي تهوى فقلت لهم ... يا قوم من هو روحي كيف أنساه
وكيف أنساه والأشياء به حسنت ... من العجائب ينسي العبد مولاه
ما غاب عني ولكن لست أبصره ... إلا وقلت جهاراً قل هو الله

وأما طلبك لغيره أي لمعرفة غيره فلقلة حيائك منه وعدم أنسك به أما وجه قلة حيائك منه فلأنه يناديك إلى الحضرة وأنت تفر منه إلى الغفلة ومثال ذلك كمن كان في حضرة الملك والملك مقبل عليه ثم يجعل هو يريد الخروج منها ويلتفت إلى غيره فهذا يدل على قلة حيائه وعدم أعتنائه بالملك فهو حقيق بأن يطرد إلى الباب أو إلى الباب أو إلى سياسة الدواب وقد قالوا أنكر من تعرف ولا تتعرف لمن لا تعرف وأما وجه عدم أنسك به فلأنك لو أنست به لأستوحشت من خلقه فلا يتصور منك طلب معرفتهم وأنت تفر منهم فإذا آنسك به أوحشك من خلقه وبالعكس والأستئناس بالناس من علامة الأفلاس إقبالك على الحق أدبارك عن الخلق وإقبالك على الخلق إدبارك عن الحق وقد عدوا من أصول الطريق الأعراض عن الخلق في الأقبال والأدبار وأمتا طلبك من غيره فلوجود بعدك عنه إذ لو تحققت بقربه منك وهو كريم ما أحتجت إلى سؤال غيره وهو لئيم وسيأتي في المناجاة أم كيف يطلب من غيرك وأنت ما قطعت عادة الأمتنان وفي بعض الكتب المنزلة يقول الله تبارك وتعالى إذا أنزلت بعبدي حاجة فرفعها إلى أعلم ذلك من نيته لو كادته السموات السبع والأرضون السبع لجعلت من أمره فرجاً ومخرجاً وإذا أنزلت بعبدي حاجة فرفعها إلى غيري أضحت الأرض من تحته وأسقطت السماء من فوقه وقطعت الأسباب فيما بيني وبينه أو كما قال لطول العهد به فتحصل أن الأدب هو الأكتفاء بعلم الله والتحقق بمعرفة الله والأستغناء به عما سواه والله تعالى أعلم ثم ذكر الأدب السادس وهو التسليم والرضى بما يجري به القدر والقضاء فقال ما من نفس تبديه ألا وله قدر فيك يمضيه قلت النفس بفتح الفاء عبارة عن دقيقة من الزمان قدر ما يخرج النفس ويرجع وهو أوسع من الطرفة والطرفة أوسع من اللحظة وهي رمق البصر ورده والقدر هو العلم السابق للأشياء قبل أن تظهر وهو أعلم أوقاتها وأماكنها ومقاديرها وعدد أفرادها وما يعرض لها من الكيفيات وما ينزل بها من الآفات فإذا علمت أيها الأنسان أن أنفاسك قد عمها القدر ولا يصدر منك ولا من غيرك إلا ما سبق به علمه وجرى به قلمه لزمك أن ترضى بكل ما يجري به القضاء فأنفاسك معدودة وطرفاتك ولحظاتك محصورة فإذا أنتهى آخر أنفاسك رحلت إلى آخرتك وإذا كانت الأنفاس معدودة فما بالك بالخطوات والخطوات وغير ذلك من التصرفات ولله در القائل
مشيناها خطى كتبت علينا ... ومن كتبت عليه خطى مشاها
ومن قسمت منيته بأرض ... فليس يموت في أرض سواها

وحقيقة الرضى هو تلقي المهالك بوجه ضاحك وحقيقة التسليم أستواء النقمة والنعيم بحيث لا يختار في أيهما يقيم وهذا هو مقام أهل الكمال الذين تحققوا بالزوال نفعنا الله بذكرهم وخرطنا في سلكهم أمين ثم ذكر الأدب السابع وهو دوام المراقبة ومواصلة المشاهدة فقال لا تترقب فراغ الأغيار فإن ذلك يقطعك عن وجود المراقبة له فيما هو مقيمك فيه الترقب هو الأنتظار والأغيار جمع غير بكسر الغين وهو ما يغير القلب عن حاله والغالب أستعماله فيما يغيره من حالة الكمال إلى حالة النقص وعند الصوفية كل ما يشغل عن الحضرة ويغير القلب عنها فهو غير والمراقبة هي العسة على القلب لئلا يخرج من حضرة الرب والمراد بها في كلام الشيخ مطلق العسة فتصدق بمراقبة القلب كما تقدم وتصدق بمراقبة الروح وهي عسها على دوام الشهود وبمراقبة السر وهي عسته على دوام الترقي والأدب قلت إذا أقامك الحق تعالى في حال يغلب فيها وجود الأغيار لغلبة الحس فيها كما إذا أقامك في شغل دنيوي في الظاهر لا محيد لك عنه فجاهد قلبك في العسة عليه في الحضور لئلا تسرقك الغفلة أو جاهد روحك في العسة عليها في دوام الشهود لئلا يسرقك الحس أو جاهد سرك في أستمداد الموهب والعلوم لئلا يحصل ذلك فتور ولا تترقب أي تنتظر فراغ شغل يدك من تلك الأغيار فتؤخر حضور قلبك إلى تمام شغل يدك فيفوتك وجود المراقبة في تلك الحال التي أقامك الحق فيها فيكون في حقك سوء أدب وفيه أيضاً تضييع ذلك الوقت وخلوه من معاملة الحق وصرف الأوقات لا يمكن قضاؤها ولقد بلغني أن شيخ شيخنا مولاي العربي رضي الله عنه كان إذا رأى أصحابه في شغل وخاف عليهم أن يسرقهم الحس نادي عليهم بأعلى صوته أنت أنت تنبيهاً لهم وأيقاظاً من شهود الحس وقد ذكر الشعراني في العهود عن بعض أشياخه أنه كان لا يغيب عن الله ولو في حالة الجماع وهذا شأن أهل الأعتناء من العارفين وهذا هو جمع الجمع والله تعالى أعلم تنبيه ليس هذا تكراراً مع ما تقدم في قوله أحالتك الأعمال على وجود الفراغ الخ لأن ذلك في عمل الجوارح وهذا في عمل القلوب يدلك على ذلك تعبيره هنا بالمراقبة وتعبيره ثم الأعمال والأفادة خير من الأعادة وبالله التوفيق وإذا حصلت لك المراقبة أو المشاهدة في حال الأغيار فلا تستغرب ما تراه من الأكدار لئلا يحصل لك الأنكار وإلى هذا أشار بقوله لا تستغرب وقوع الأكدار ما دمت في هذه الدار فإنها ما أبرزت إلا ما هو مستحق وصفها وواجب نعتها الأستغراب تصيير الشيء غريباً حتى يتعجب منه والأكدار كل ما يكدر على النفس ويؤلمها ومستحق وصفها ما تستحق أن توصف به وواجب نعتها ما يجب أن تنعت به قال بعضهم الوصف يكون بالأمور اللازمة والنعت يكون بالعوارض الطارئة فالأمور اللازمة كالبياض والسواد والطول والقصر والعوارض كالمرض والصحة والفرح والحزن وغير ذلك والمراد هنا بالأوصاف ما يتكرر وقوعه كالموت والأمراض وما يقع كثيراً وبالنعوت ما يقل وقوعه في العادة كالفتن والهرج والزلازل لأنهم يقولون الأوصاف لوازم والنعوت عوارض وقيل شيء واحد وهو الأصح قلت من آداب العارف أن لا يستغرب شيئاً من تجليات الحق ولا يتعجب من شيء منها كائنة ما كانت جلالية أو جمالية فإن نزلت به نوازل قهرية أوة وقعت في هذه الدار أكدار وأغيار جلالية فلا يستغرب وقوع ذلك لأن تجليات هذه الدار جلها جلالية لأنها دار أهوال ومنزل فرقة وأنتقال وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في بعض خطبه أيها الناس إن هذه الدار دار التواء أي هلاك لا دار أستواء ومنزل ترح أي حزن لا منزل فرح فمن عرفها لم يفرح لرخائها ولم يحزن لشقائها إلا وأن الله خلق الدنيا دار بلوى والآخرة دار عقبي فجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة سبباً وثواب الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي وأنها لسريعة التوي وشيكة الأنقلاب فأحذروا حلاوة رضاعها لمرارة فطامها وأهجروا لذيذ عاجلها لكربة آجلها ولا تسعوا في عمران دار قد قضي الله خرابها ولا تواصلوها وقد أراد لله منكم أجتنابها فتكونوا لسخطه متعرضين ولعقوبته مستحقين وقال الجنيد رضي اله عنه ليس أستبشع مما يرد على من العالم لأني أصلت أصلاً وهو أن الدار دارهم وغم وبلاء وفتنة وأن العالم كله شر ومن حكمه أنه يتلقاني بكل ما أكره فإن تلقاني بما أحب فهو فضل وإلا فالأصل هو الأول وفي

ذلك قيللك قيل
يمثل ذو اللب في لبه ... شدائده قبل أن تنزلاً
فإن نزلت بغتة لم ترعه ... لما كان في نفسه مثلاً
رآى الأمر يفضي إلى آخر ... فصير آخره أولاً
وذو الجهل يأمن أيامه ... وينسى مصارع من قد خلا
فإن دهمته صروف الزما ... ن ببعض مصائبه أعولاً
ولو قدم الحزم من نفسه ... لعلمه الصبر عند البلا
قال أبو سليمان الداراني لأحمد بن أبي الحواري يا أحمد جوع قليل وعري قليل وذل قليل وصبر قليل وقد أنقضت عنك أيام الدنيا اه فلا تستغرب أيها العارف ما يقع بك أو لغيرك من الأكدار ما دمت مقيماً في هذه الدار لأنها ما برز فيها من التجليات الجلالية إلا ما هو مستحق أن تتصف به وواجب أن تنعت به فلا تستغرب شيئاً ولا تتعجب من شيء بل الواجب عليك أن تعرف الله في الجلال والجمال والحلوة والمرة وأما أن كنت لا تعرفه إلا في الجمال فهذا هو مقام العوام والمعرفة في الجلال هو السكون والأدب والرضى والتسليم فينبغي للفقير أن يكون كعشب السمار إذا جاءت حملة الوادي حني رأسه وإذا ذهبت رفع رأسه وكما لا تستغرب وقوع الأكدار بحيث لا تحزن ولا تخف ولا تجزع كذلك لا تتعجب من وقوع المسار وهو الجمال بحيث لا تفرح ولا تبطر فإن الجلال مقرون بالجمال والجمال مقرون بالجلال يتعاقبان تعاقب الليل والنهار.
والعارف يتلون مع كل واحد منهما لا يستغرب شيئاً ولا يتعجب من شيء إذ كل ما يبرز من عنصر القدرة كله واحد وبهذا وقع التفريق بين الصادق والصديق لأن الصديق لا يتعجب من شيء ولا يتردد في شيء وعد به بخلاف الصادق فقط فإنه مهما رأى شيئاً مستغرباً تعجب منه وإذا وعد بشيء قد يتردد في أمتثاله وقد وصف الله تعالى السيدة مريم بالصديقية ولم يصف السيدة سارة بها لأنها لما بشرت بالولد على وجه خرق العادة أستغربت وقالت أن هذا لشيء عجيب فلذلك قالت لها الملائكة أتعجبين من أمر الله بخلاف مريم فلم تتعجب وإنما سألت سؤال أستفهام فقط أو سألت عن وقت ذلك أو كيفيته هل بالتزوج أو بغيره والله تعالى أعلم، ثم ذكر الأدب الثامن وهو أن يكون تصرفه بالله ولله ومن الله وإلى الله وهو مقام الصدق الذي هو لب الأخلاص وأخلاص خواص الخواص فقال ما توقف مطلب أنت طالبه بربك ولا تيسر مطلب أنت طالبه بنفسك التوقف الحبس والتعذر والمطلب ما يطلب قضاؤه والتيسر التسهيل قلت إذا عرضت لك حاجة من حوائج الدنيا والآخرة وأردت أن تقضي لك سريعاً فأطلبها بالله ولا تطلبها بنفسك فإنك إذا طلبتها بالله تيسر أمرها وسهل قضاؤها وإن طلبتها بنفسك صعب قضاؤها وتعسر أمرها ولا يتوقف ويحبس أمر طلبته بربك ولا يتيسر ويسهل أمر طلبته بنفسك قال تعالى حاكياً عن سيدنا موسى عليه السلام وقال موسى لقومه " أستعينوا بالله وأصبروا أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين " فكل من أستعان بالله وصبر في طلب حاجته كانت العاقبة له وكان من المتقين وقال تعالى " ومن يتوكل على الله فهو حسبه " أي كافيه كل ما أهمه وقال صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه وهو سويد بن غفلة لا تطلب الإمارة فإنك أن طلبتها وكلت إليها وأن أتتك من غير مسألة أعنت عليها وعلامة الطلب بالله هو الزهد في ذلك الأمر والاشتغال بالله عنه فإذا جاء وقته تكون بإذن الله وعلامة الطلب بالنفس هو الحرص والبطش إليه فإذا تعذر عليه أنقبض وتغير عليه فهذا ميزان من كان طلبه بالله وطلبه بنفسه فمن طلب حوائجه بالله قضيت معنى وأن لم تقض حساً ومن طلب حوائجه بنفسه خاب سعيه وضاع وقته وأن قضيت تهمته وحاجته وها هنا ضابط يعرف به أهل العناية من أهل الخذلان وأهل الولاية من أهل الخسران ذكره الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه فقال:

إذا أكرم الله عبداً في حركاته وسكناته نصب له العبودية لله وستر عنه حظوظ نفسه وجعله يتقلب في عبوديته والحظوظ عنه مستورة مع جري ما قدر له ولا يلتفت إليها كأنه في معزل عنها وإذا أهان الله عبداً في حركاته وسكناته نصب له حظوظ نفسه وستر عنه عبوديته فهو يتقلب في شهواته وعبودية الله عنه بمعزل وأن كان يجري عليه شيء منها في الظاهر قال وهذا باب من الولاية والأهانة وأما الصديقية العظمي والولاية الكبرى فالحظوظ والحقوق كلها سواء عند ذوي البصيرة لأنه بالله فيما يأخذ ويترك اه نقله الشيخ زروق في بعض شروحه والحاصل أن تصرفات العارف كلها بالله وتصرفات غيره كلها بالنفس ولو كانت بالله فالعمل بالله يوجب القربة والعمل لله يوجب المثوبة العمل بالله صاحبه داخل الحجاب في مشاهدة الأحباب والعمل لله يوجب الثواب من وراء الباب العمل بالله من أهل التحقيق والعمل لله من أهل التشريع العمل لله من أهل قوله تعالى إياك نعبد والعمل بالله من أهل قوله تعالى وإياك نستعين.
وقال شيخ شيوخنا سيدي علي رضي الله عنه بين العمل بالله والعمل لله ما بين الدينار والدرهم اه وبالله التوفيق ومن كان علمه بالله كان راجعاً إليه في كل شيء ومعتمداً عليه في كل حال وإليه أشار بقوله من علامة النجح في النهايات الرجوع إلى الله في البدايات النجح في الشيء هو بلوغ القصد والمراد فيه ونجحت مطالبه إذا قضيت وبلغ منها ما أحب ونهاية الشيء تمامه وبدايته أوله قلت إذا توجهت همتك أيها المريد إلى طلب شيء أي شيء كان وأردت أن ينجح أمره وتبلغ مرادك فيه وتكون نهايته حسنة وعاقبته محمودة فأرجع إلى الله في بداية طلبه وأنسلخ من حولك وقوتك وقل كما قال عليه السلام إن يكن من عند الله يمضه فلا تحرص عليه ولا تهتم بشأنه فما شاء الله كان وما لم يشأ ربنا لم يكن فلو إجمعت الأنس والجن على أن ينفعوك بشيء لم يقدره الله لك لم يقدروا على ذلك ولو أجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يقدره الله عليك لم يقدروا على ذلك جفت الأقلام وطويت الصحف كما في الحديث فإذا طلبت شيئاً وكنت فيه معتمداً على الله ومفوضاً أمرك إلى الله تنظر ما سبق في علم الله كان ذلك علامة نجح نهايتك وحصول مطلبك قضيت في الحس أو لم تقض لأن مرادك مع مراد الله لا مع مراد نفسك.
قد إنقلبت حظوظك حقوقاً لا تشتهي إلا ما قضي الله ولا تنظر إلا ما يبرز من عند الله قد فنيت عن حظوظك وشهواتك وإن طلبت شيئاً بنفسك معتمداً على حولك وقوتك حريصاً على قضائها جاهداً في طلبها كان ذلك علامة على عدم قضائها وخيبة الرجاء فيها وعدم نجح نهايتها وإن قضيت في الحس وكلت إليها فتعبت بسببها ولم تعن على شؤونها ومآربها وهذا كله مجرب صحيح عند العام والخاص وهذه الحكمة تتميم لما قبلها وشرح لها والله تعالى أعلم، ثم كمل هذه المسئلة بقاعدة كلية تصدق بما تقدم وبغيره فقال من أشرقت بدايته أشرقت نهايته قلت إشراق البداية هو الدخول فيها بالله وطلبها بالله والأعتماد فيها على الله مع السعي في أسبابها والأعتناء في طلبها قياماً بحق الحكمة وأدباً مع القدرة ويعظم السعي في السبب بقدر عظمة المطلب فبقدر المجاهدة تكون بعدها المشاهدة والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين إن رحمة الله قريب من المحسنين.
وقال شيخ شيوخنا سيدي عبد الرحمن المجذوب رضي الله عنه لا تحسبوها رخيصة، رآه وأكل المعشوق غالي، ما تنحصد صابت الصيف، إلا ببرد الليالي، فمن رأيناه في بدايته جاداً في طلب الحق معرضاً عن الأنس بالخلق مستغرقاً في خدمة مولاه ناسياً لحظوظه وهواه علمنا أن نهايته مشرقة وعاقبته محمودة ومآربه مقضية ومن رأيناه مقصراً في طلب مولاه لم يخرج عن نفسه وهواه علمنا أنه كاذب في دعواه فنهايته الحرمان وعاقبته الخذلان إلا أن يتداركه الكريم المنان هذا في طريق الوصول إلى حضرة الحق وأما إشراق البداية في طلب حوائج الدنيا أو المقامات أو المراتب أو الخصوصية مثلاً فهو بالزهد فيها والأعراض عنها والأشتغال بالله عنها قال بعضهم لا تدرك المراتب إلا بالزهد فيها.

قال الشيخ أبو الحسن كنت أنا وصاحب لي نعبد الله في مغارة ونقول في هذا الشهر يفتح الله علينا في هذه الجمعة يفتح الله علينا فوقف علي باب المغارة رجل عليه سماء الخير فقال السلام عليكم فرددنا عليه السلام وقلنا له كيف أنت فنهض علينا وقال كيف يكون حال من يقول في هذا الشهر يفتح الله في هذه الجمعة يفتح الله لا فتح ولا فلاح هلا عبدنا الله كما أمرنا ثم غاب عنا ففهمنا من أين أخذنا فرجعنا على أنفسنا باللوم ففتح الله علينا اه بالمعنى ذكره في التنوير فمن طلب الخصوصية كان عبد الخصوصية وفاته حظه من الله حتى يتوب ومن كان عبد الله نال حظه من العبودية وأدركته الخصوصية من غير التفات إليها ولا طلب والله تعالى أعلم ثم إن هذه الأمور التي تشرق بها البداية وتكون علامة على إشراق النهاية هي أمور باطنية كالأعتماد على الله والرجوع إليه أو كثرة الشوق والأشتياق إليه لكن لا بد من ظهور أثرها على الظاهر وإليه أشار بقوله ما أستودع من غيب السرائر ظهر في شهادة الظاهر إستودع أي وضع فالأستيداع هو وضع الشيء في محل ليحفظ وغيب السرائر هو باطنها والمراد بالسرائر هو القلوب والأرواح وشهادة الظواهر هي ظاهر الجوارج قلت ما أستودع الله سبحانه في القلوب وجعله فيها من خير أو شر من نور أو ظلمة من علم أو جهل من رحمة أو قسوة من بخل أو شح أو كرم وسخاء وقبض وبسط ويقظة أو غفلة ومعرفة أو نكران أو غير ذلك من الأخلاق المحمودة أو المذمومة لا بد أن يظهر آثار ذلك على الجوارح من أدب وتهذيب وسكون وطمأنينة ورزانة وبذل وعفو أو طيش وقلق وغضب وغير ذلك من الأحوال القلبية والأعمال القالبية قال تعالى " تعرفهم بسيماهم " وقال " سيماهم في وجوههم " وقال صلى الله عليه وسلم من سر سريرة كساه الله رداءها فأفعال الجوارح تابعة لا حوال القلوب فمن أودع في سر غيبه معرفة مولاه لم يطلب من سواه ومن أودع في سر غيبه الجهل بمولاه تعلق بما سواه وهكذا أحوال الظاهر تابعة لأحوال الباطن كما تقدم في قوله تنوعت أجناس الأعمال لتنوع وارادات الأحوال فالأسرة تدل على السريرة والكلام صفة المتكلم وما فيك ظهر على فيك وكل إناء بالذي فيه يرشح وما خامر القلوب فعلى الوجوه أثره والله تعالى أعلم وأعظم ما أستودع في غيب السرائر معرفة الله وهي على قسمين معرفة البرهان ومعرفة العيان أشار إلى الفرق بينهما فقال شتان بين من يستدل به أو يستدل عليه المستدل به

عرف الحق لأهله وأثبت الأمر من وجود أصله والأستدلال عليه من عدم الوصول إليه وإلا فمتي غاب حتى يستدل عليه ومتي بعد حتى تكون الآثار هي التي توصل إليه شتان بمعنى بعد وأفترق ولا تكون إلا في إفتراق المعاني دون الحسيات قلت أعلم أن الحق سبحانه لما أراد أن يتجلى بأسرار ذاته وأنوار صفاته أظهر بقدرته قبضة من نوره الأزلي فأقتضت القدرة ظهور آثارها وشهود أنوارها وأقتضت الحكمة إسدال حجابها وإظهار أستارها فلما فرغت القدرة نورها في مظاهر الكون أسدلت عليها الحكمة رداء الصون فصارت الأكوان كلها نوراً في حجاب مستور ثم إن الحق سبحانه قسم الخلق على قسمين وفرقهم فرقتين قسم أختصهم بمحبته وجعلهم من أهل ولايته ففتح لهم الباب وكشف لهم الحجاب فأشهدهم أسرار ذاته ولم يحجبهم عنه بأثار قدرته وقسم أقامهم لخدمته وجعلهم من أهل حكمته أسدل عليهم حجاب الوهم وغيب عنهم نور العلم والفهم فوقفوا مع ظواهر القشور ولم يشهدوا بواطن النور مع شدة الظهور فسبحان من أخفي سره بحكمته وأظهر نوره بقدرته فأما أهل المحبة وهم أهل الولاية والعرفان من أهل الشهود والعيان فهم يستدلون بالنور على وجود الستور فلا يرون إلا النور وبالحق على وجود الخلق فلا يجدون إلا الحق وبقدرته على حكمته فوجدوا قدرته عين حكمته وحكمته عين قدرته فغابوا بشهود الحق عن رؤية الخلق إذ محال أن تشهده وتشهد معه سواه وأما أهل الخدمة من أهل الحكمة فهم يستدلون بظهور الستور على وجود النور وبالخلق على وجود الحق غابوا عنه في حال حضوره وحجبوا عنه بشدة ظهوره قال بعض العارفين أثبت الله تعالى للعامة المخلوق فأثبتوا به الخالق وأثبت للخاصة نفسه فأثبتوا به المخلوق اه فشتان أي فرق كبير بين من يستدل به على ظهور أثره وبين من يستدل بظهور أثره على وجوده لأن من يستدل به عرف الحق وهو الوجود الحقيقي لأهله أي لمن هو أهل له ويستحقه وهو الله الواجب الوجود الملك المعبود وأثبت الأمر وهو القدم للوجود الحقيقي من وجود أصله وهو الجبروت الأصلي القديم الأزلي يعني أن من عرف الله حتى صار عنده صرورياً عرف الوجود إنما هو الله وأنتقى عنه وجود ما سواه وأثبت القدم لأوله ومنتهاه أو تقول عرف الحق وهو الوجود الأصلي لأهله وهو الله تعالى.
وأثبت الأمر وهو الوجود الفرعي من وجود أصله أي الحقه بأصله فإذا ألتحق الفرع بالأصل صار الجميع جبروتياً أصلياً ويحتمل أن يكون معناهما واحداً ويكون التقدير عرف الوجود الحقيقي لأهله وأثبت ذلك الأمر من أصله كقولك عرفت هذا الحكم وأثبت به من أصله والله تعالى أعلم وأما من يستدل عليه فلعبده عنه في حال قربه منه ولغيبته عنه في حال حضوره معه بعده الوهم وغيبه عدم الفهم وإلا فمتى غاب حتى يستدل عليه إذ هو أقرب إليك من حبل الوريد ومتى بعد حتى تكون الآثار الوهمية هي التي توصل إليه وهو معكم أينما كنتم إذ أثر القدرة هو عينها فالصفة لا تفارق الموصوف إذ لا قيام لها إلا به ولا ظهور لها إلا منه وسيأتي له في المناجاة ألهي كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك أيكون لغيرك ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك والله تعالى أعلم ولما كان المستدلون بالله قد وسع الله عليهم دائرة العلوم وفتحت لهم مخازن الفهوم بخلاف المستدلين عليه قد قتر الله عليهم أرزاق العلم بوجود حجاب الوهم أشار إلى ذلك بقوله لينفق ذو سعة من سعته الواصلون إليه ومن قدر عليه رزقه السائرون إليه السعة هي الغني وقدر عليه ضيق عليه قلت أما الواصلون إليه فلأنهم لما نفذت أرواحهم من ضيق الأكوان إلى قضاء الشهود والعيان.

أو تقول لما عرجت أرواحهم من عالم الأشباح إلى عالم الأرواح أو من عالم الملك إلى عالم الملكوت أتسعت عليها دائرة أرزاق العلوم وفتحت لها مخازن الفهوم فأنفقوا من سعة غناهم جواهر العلم المكنون ومن مخازن كنوزهم يواقيت السر المصون فأتسع لهم ميدان المجال وركبوا أجياد البلاغة وفصاحة المقال فما أسرع الغنى لمن واجهته منهم العناية وما أعظم فتح من لحظته منهم الرعاية إن لله رجالاً من نظر إليهم سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً وهم أهل السر والحال وأما السائرون إلى الله فلأنهم باقون في ضيق الأكوان وفي عالم الأشباح مسجونون في سجن الوهم لم يفتح لهم شيء من مخازن الفهم مشغولون بجهاد نفوسهم ومعاناة تصفية قلوبهم مضيق عليهم في العلوم ومقتر عليهم في سائر الفهوم فإن جدوا في السير وصلوا وأنتقلوا من ضيق الأكوان ورحلوا وتبختروا في رياض العلوم ورفلوا فظفروا بما أملوا وإستغنوا بعدها أن ملوا وإن رجعوا من الطريق أو قصروا فقد خابوا وخسروا تنبيه أن أردت أن يتسع عليك علم الأذواق فأقطع عنك مادة الأوراق فما دمت متكلاً على كنز غيرك لا تحفر على كنزك أبداً فأقطع عنك المادة وإفتقر إلى الله تفيض عليك المواهب من الله إنما الصدقات للفقراء والمساكين إن أردت بسط المواهب عليك صحح الفقر والفاقة لديك وقد قال الشيخ الدباس لتلميذه ابن ميمونة حين تأخر عنه الفتح فرصده فوجده يطالع رسالة القشيري أطرح كتابك وأحفر في أرض نفسك يخرج لك ينبوع وإلا فإذهب عني اه وبالله التوفيق ثم ذكر سبب أتساع العلوم على الواصلين دون السائرين وهو أن الواصلين لم يفقوا مع شهود الأنوار بل نفذوا إلى نور الأنوار بخلاف السائرين فإنهم واقفون مع الأنوار مفتقرون إليها مملوكون في يدها فقال أهتدى الراحلون إليه بأنوار التوجه والواصلون لهم أنوار المواجهة فالأولون للأنوار.
وهؤلاء الأنوار لهم لأنهم لله لا لشيء دونه قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون قلت أنوار التوجيه هي أنوار الإسلام والإيمان وأنوار المواجهة هي أنوار الأحسان أو تقول أنوار التوجيه أنوار الطاعة الظاهرة والباطنة وأنوار المواجهة هي أنوار الفكرة والنظرة أو تقول أنوار التوجه أنوار الشريعة والطريقة وأنوار المواجهة أنوار الحقيقة أو تقول أنوار التوجه أنوار المجاهدة والمكابدة وأنوار المواجهة هي أنوار المشاهدة والمكالمة وبيان ذلك أن الحق سبحانه إذا أراد أن يوصل عبده إليه توجه إليه أو لا بنور حلاوة العمل الظاهر وهو مقام الأسلام فيهتدي إلى العمل ويفني فيه ويذوق حلاوته ثم يتوجه إليه بنور حلاوة العمل الباطن وهو مقام الإيمان من الأخلاص والصدق والطمأنينة والأنس بالله والتوحش مما سواه فيهتدي إليه ويفني فيه ويذوق حلاوته ويتمكن من المراقبة وهذا النور أعظم من الأول وأكمل ثم يتوجه إليه بنور حلاوة المشاهدة وهو عمل الروح وهو أول نور المواجهة فتأخذه الدهشة والحيرة والسكرة فإذا أفاق من سكرته وصحا من جذبته وتمكن من الشهود وعرف الملك المعبود ورجع إلى البقاء كان الله وبالله فأستغني عن النور بمشاهد نور النور لأنه صار عين النور فصار مالكاً للأنوار بعد أن كانت مالكة له لأفتقاره لها قبل وصوله إلى أصلها فلما وصل صار عبداً لله حراً مما سواه ظاهره عبودية وباطنه حرية والحاصل أن المريد ما دام في السير فهو يهتدي بأنوار التوجه مفتقراً إليها لسيره بها فإذا وصل إلى مقام المشاهدة حصلت له أنوار المواجهة فلم يفتقر إلى شيء لأنه لله لا لشيء دونه.

فالراحلون وهم السائرون للأنوار لأفتقارهم إليها وفرحهم بها وهؤلاء الواصلون الأنوار لهم لأستغنائهم عنها بالله فهم لله وبالله لا لشيء دونه ثم تلي الشيخ هذه الآية على طريق أهل الأشارة قل الله بقلبك وروحك وغب عما سواه ثم ذر الناس أي أتركهم في خوضهم يلعبون أي يخوضون في السوي لاعبين في الهوى وقد أعترض بعض المفسرين على الصوفية أستشهادهم بهذه الآية ولم يفهم مرادهم قد علم كل أناس مشربهم وكان الشيخ ابن عباد يقول لا تجعلوا أهل الظاهر حجة على أهل الباطن اه أي لأن أهل الباطن نظرهم دقيق وغزلهم رقيق لا يفهم أشارتهم غيرهم نفعنا الله بهم وخرطنا في سلكهم آمين هذا آخر الباب الثاني وحاصلها آداب العرف وعلاماته فالآداب ثمانية والعلامات أربع الرجوع إليه في كل شيء والأعتماد عليه في كل حال والغيبة فيه عن كل شيء والأستدلال به على كل شيء وأتساع أرزاق العلوم وفتح مخازن الفهوم والوصل إلى مواجهة الأنوار والغيبة عنها بشهود الواحد القهار ثم أفتتح الباب الثالث بذكر التخلية والتحلية فقال وقال رضي الله عنه تشوفك إلى ما بطن فيك من العيوب خير من تشوفك إلى ما حجب عنك من الغيوب التشوف إلى الشيء الأهتمام به والتطلع له قلت تشوفك أيها الأنسان إلى ما بطن فيك من العيوب كالحسد والكبر وحب الجاه والرياسة وهم الرزق وخوف الفقر وطلب الخصوصية وغير ذلك من العيوب والبحث عنها والسعي في التخلص منها أفضل من تشوفك إلى ما حجب عنك من الغيوب كالأطلاع على أسرار العباد وما يأتي به القدر من الوقائع المستقبلة وكالأطلاع على أسرار غوامض التوحيد قبل الأهلية له لأن تشوفك إلى ما بطن من العيوب سبب في حياة قلبك وحياة قلبك سبب في الحياة الدائمة والنعيم المقيم والأطلاع على الغيوب إنما هو فضول وقد يكون سبباً في هلاك النفس كأتصافها بالكبر ورؤية المزية على الناس وسيأتي للشيخ من أطلع على أسرار العباد ولم يتخلق بالرحمة الألهية كان إطلاعه فتنة عليه وسبباً يجر الوبال إليه وأعلم أن العيوب ثلاثة عيوب النفس وعيوب القلب وعيوب الروح فعيوب النفس تعلقها بالشهوات الجسمانية كطيب المآكل والمشارب والملابس والمراكب والمساكن والمناكح وشبه ذلك وعيوب القلب تعلقه بالشهوات القلبية كحب الجاه الرياسة والعز والكبر والحسد والحقد وحب المنزلة والخصوصية وشبه ذلك مما يأتي أن شاء الله في أوصاف البشرية وعيوب الروح تعلقها بالحظوظ الباطنية كطلب الكرامات والمقامات والقصور والحور وغير ذلك من الحروف فتشوف المريد إلى شيء من ذلك كله قادح في عبوديته مانع له من القيام بحقوق ربوبيته فأشتغاله بالبحث عن عيوبه النفسانية والقلبية والروحانية وسعيه في التطهير من جميع ذلك أولى من تشوفه إلى ما حجب عنه من علم الغيوب كما تقدم وبالله التوفيق ولما ذكر التخلية ذكر ثمرتها وهي التحلية بالمعرفة إذ ما منع منها إلا تشوف النفس أو القلب أو الروح إلى حظوظها الوهمية فقال الحق ليس بمحجوب عنك إنما المحجوب أنت عن النظر إليه إذ لو حجبه شيء لستره ما حجبه ولو كان له ساتر لكان لوجوده حاصر وكل حاصر لشيء فهو له قاهر وهو القاهر فوق عباده قلت الحق تعالى محال في حقه الحجاب فلا يحجبه شيء لأنه ظهر بكل شيء وقبل كل شيء وبعد كل شيء فلا ظاهر معه ولا موجود في الحقيقة سواه فهو ليس بمحجوب عنك وإنما المحجوب أنت عن النظر إليه لأعتقادك الغيرية وتعلق قلبك بالأمور الحسية فلو تعلق قلبك بطلب المولى وأعرضت بالكلية عن رؤية السوى لنظرت إلى نور الحق ساطعاً في مظاهر الأكوان وصار ما كان محجوباً عنك بالوهم في معد الشهود والعيان ولله در القائل
لقد تجلى ما كان مخبي ... والكون كله طويت طي
مني على دارت كؤسي ... من بعد موتي تراني حي

فالناس كلهم يشاهدون ولا يعرفون وكلهم في البحر ولا يشعرون وسمعت شيخناً رضي الله عنه يقول والله ما حجب الناس عن الله إلا الوهم والوهم أمر عدمي لا حقيقة له اه وسيأتي للشيخ ما حجبك عن الحق وجود موجود معه إذ لا شيء معه وإنما حجبك عنه توهم موجود معه اه إد لو حجبه تعالى شيء حسي لستره ذلك الحجاب ولو كان له ساتر حسي لكان لوجوده حاصر إذ محال أن يستره من جميع الوجوه ولا يحصره وكل حاصر لشيء فهو له قاهر كيف والله تعالى يقول وهو القاهر فوق عباده أي لأنهم في قبضته وتحت تصريف قدرته وتخصيص إرادته ومشيئته والفوقية عبارة عن رفعة الجلال والمكانة لا المكان كما يقال السلطان فوق الوزير والسيد فوق عبده والمالك فوق المملوك وغير ذلك مما يثبت الكبرياء وينفي سماة الحدوث والله تعالى أعلم ولما كان حجاب الروح عن المعرفة أمراً وهمياً عدمياً لا حقيقة له وهو مرضها بأوصاف البشرية فلو صحت لعرفت أشار إلى ذلك بقوله أخرج من أوصاف بشريتك عن كل وصف مناقض لعبوديتك لتكون لنداء الحق مجيباً ومن حضرته قريباً قلت أوصاف البشرية هي الأخلاق التي تناقض خلوص العبودية ومرجعها إلى أمرين الأول تعلق القلب بأخلاق البهائم وهي شهوة البطن والفرج وما يتبعهما من حب الدنيا وشهواتها الفانية قال الله تعالى " زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث " الآية الثاني تخلقه بأخلاق الشياطين كالكبر والحسد والحقد والغضب والحدة وهي القلق والبطر وهي خفة العقل والأشر وهو التكبر وحب الجاه والرياسة والمدح والقسوة والعطاء والفظاظة والغلظة وتعظيم الأغنياء وأحتقار الفقراء وكخوف الفقر وهم الرزق والبخل والشح والرياء والعجب وغير ذلك مما لا يحصي حتى قال بعضهم للنفس من النقائص مالله من الكمالات وقد ألف الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي كتاباً في عيوب النفس وأدويتها ونظمه الشيخ زروق في نحو ثمانمائة بيت ومن ألقاه الله إلى شيخ التربية فلا يحتاج إلى شيء سوى الأستماع والأتباع فإذا خرج المريد من أخلاق البهائم تخلق بأخلاق الروحانيين كالزهد والورع والقناعة والعفة والغنى بالله والأنس به وإذا خرج من أخلاق الشياطين تخلق بأخلاق المؤمنين أو بأخلاق الملائكة كالتواضع وسلامة الصدور والحلم والسكينة والرزانة والطمأنينة والسهولة والليونة والخمول والأكتفاء بعلم الله والشفقة والرحمة وتعظيم الفقراء والمساكين وأهل النسبة وجميع الأمة والكرم والسخاء والجود والأخلاص والصدق والمراقبة والمشاهدة والمعرفة فإذا تخلق العبد بهذه الأخلاق وتحقق بها ذوقاً بعد أن تخلص من أضدادها كان عبداً خالصاً لمولاه حراً مما سواه وكان لندائه مجيباً ومن حضرته قريباً فإذا قال له ربه يا عبدي قال له يا رب فكان صادقاً في أجابته لصدق عبوديته بخلاف ما إذا كان منهمكا في شهواته الظاهرة والباطنة كان عبداً لنفسه وشهواته فإذا قال يا رب كان كاذباً إذ من أحب شيئاً فهو عبد له وهو لا يحب أن تكون عبداً لغيره وإذا تخلص من رق الشهوات والحظوظ كان أيضاً قريباً من حضرة الحق بل عاطفاً فيها إذ ما أخرجنا عن الحضرة إلا حب هذه الخيالات الوهمية فإذا تحررنا منها وتحققنا بالعبودية وجدنا أنفسنا في الحضرة وأعلم أن هذه الأوصاف البشرية التي أحتجبت بها الحضرة إنما جعلها الله منديلاً لمسح أقذار القدر كالنفس والشيطان والدنيا فجعل الله النفس والشيطان منديلاً للأفعال المذمومة وجعل البشرية منديلاً للأخلاق الدنيئة وما ثم إلا مظاهر الحق وتجليات الحق وما ثم سواه ولا حول ولا قوة إلا بالله ثم إن هذه العيوب سبب بقائها في الأنسان بإعتبار الحكمة هي الغفلة عن البحث عنها وسبب الغفلة عن البحث عنها هو الرضى عن النفس إذ لو أساء ظنه بها لبحث عن مساويها فأستخرجها وتطهر منها فلذلك قال أصل كل معصية وغفلة وشهوة الرضى عن النفس قلت إذ كل من رضي عن نفسه أستحسن أحوالها وغطي مساويها لقول الشاعر، وعين الرضى عن كل عيب كليلة، وأصل كل طاعة ويقظة وعفة عدم الرضى منك عنها قلت لأن من أتهم نفسه وأساء ظنه بها ونظر إليها بعين السخط بحث عن عيوبها وأستخرج مساويها لقول الشاعر، ولكن عين السخط تبدي المساويا، فأبحث أيها المريد عن مساويك وأتهم نفسك ولا تستحسن شيئاً من أحوالها فإنك إذا رضيت

عنها وأستحسنت أحوالها لدغتك وأنت لا تشعر وحجبتك عن الحضرة وأنت تنظر قال أبو حفص الحداد من لم يتهم نفسه على دوام الأوقات ولم يخالفها في جميع الأحوال ولم يجرها إلي مكروهها في سائر أيامه مغروراً ومن نظر إلى نفسه بإستحسان شيء منها فقد أهلكها وكيف يصح لعاقل الرضى عن نفسه والكريم ابن الكريم إبن الكريم يقول وما أبريء نفسي أن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي اه وفي معنى ذلك أنشدواها وأستحسنت أحوالها لدغتك وأنت لا تشعر وحجبتك عن الحضرة وأنت تنظر قال أبو حفص الحداد من لم يتهم نفسه على دوام الأوقات ولم يخالفها في جميع الأحوال ولم يجرها إلي مكروهها في سائر أيامه مغروراً ومن نظر إلى نفسه بإستحسان شيء منها فقد أهلكها وكيف يصح لعاقل الرضى عن نفسه والكريم ابن الكريم إبن الكريم يقول وما أبريء نفسي أن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي اه وفي معنى ذلك أنشدوا
توق نفسك لا تأمن غوائلها ... فالنفس أخبث من سبعين شيطاناً
وقال السري من عرف الله عاش، ومن مال إلى الدنيا طاش، والأحمق يروح ويغدو في لاش، والعاقل عن عيوبه فتاش، اه فإبحث يا أخي عن عيوبك أن أردت نصح نفسك فإذا بحثت عن عيوبها وفضحت عوراتها تخلصت وتحررت وتحققت ودخلت الحضرة وأتسعت لك النظرة وأشتكت لك الفكرة وكان شيخ شيخنا يقول لعنة الله على من ظهرت له عورة فلم يفضحها وكان أيضاً كثيراً ما يوصي بعدم المراقبة للناس وعدم المبالاة بهم إذ لا يتخلص من دقائق الرياء إلا بإسقاطهم من عينه وسقوطه هو من عينهم ومن أراد أن يتخلص فليصحب من تخلص ولذلك قال ولأن تصحب جاهلاً لا يرضي عن نفسه خير من أن تصحب عالماً يرضي عن نفسه قلت إذ صحبة من لا يرضي عن نفسه خير محض لتحققه بالأخلاص فيسري ذلك في الصاحب حتى يتحلى بالأخلاص ويصير من جملة الخواص وصحبة من يرضي عن نفسه شر محض ولو كان أعلم أهل الأرض لأن الطباع تسرق الطباع إذ الجهل الذي يقرب للحضرة أحسن من العلم الذي يبعد عن الحضرة ولذلك قال بعض العارفين أشد الناس حجاباً عن الله العلماء ثم العباد ثم الزهاد لوقوفهم مع علمهم وعبادتهم وزهدهم والجهل الذي يوصل إلى الله علم على الحقيقة والعلم الذي يحجب عن الله جهل على الحقيقة ولذلك قال فأي علم لعالم يرضي عن نفسه قلت لأنه صار حجاباً له عن ربه وأي جهل لجاهل لا يرضى عن نفسه قلت إذ بعدم الرضى عن نفسه بحث عنها وتخلص من رقها فصار عبداً حقيقة لله فحينئذ أحبه سيده وأصطفاه لحضرته وإجتباه لمحبته وأطلعه على مكنون علمه فكان أعلم خلقه والله تعالى أعلم وإذا تخلص العبد من حظوظه وأوصاف بشريته قرب من حضرة ربه لصحة قلبه وأشراقه بنور ربه ثم أمتحى وجوده في وجود محبوبه وشهوده في شهود معبوده وإلى ذلك أشار بقوله شعاع البصيرة يشهدك قربه منك وعين البصيرة تشهدك عدمك لوجوده وحق البصيرة يشهدك وجوده لأعدمك ولا وجودك كان الله ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه كان قلت البصيرة ناظر القلب كما أن البصر ناظر القالب فالبصيرة ترى المعاني اللطيفة النورانية والبصر يرى المحسوسات الكثيفة الظلمانية الوهمية ثم البصيرة بإعتبار أدراك نور المعاني اللطيفة على خمسة أقسام قسم فسد ناظرها فعميت فأنكرت نور الحق من أصله قال سيدي البوصيري
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد ... وينكر الفم طعم الماء من سم

وهذه بصيرة الكفار قال تعالى فإنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور وقسم صح ناظرها لكنها مسدودة لضعف ناظرها لمرض أصابه فهي تقر بالنور لكنها لا تقوى على مشاهدته ولا تشهد قربه منها ولا بعده عنها وهي لعامة المسلمين وقسم صح ناظرها وقوي شيئاً ما حتى قرب أن يفتح عينه لكن لشدة الشعاع لم يطق أن يفتح عينه فأدرك شعاع النور قريباً منه وهو العامة المتوجهين ويسمى هذا المقام شعاع البصيرة وقسم قوي ناظرها ففتح عين بصيرته فأدرك النور محيطاً به حتى غاب عن نفسه بمشاهدة النور وهذا لخاصة المتوجهين ويسمى هذا المقام عين البصيرة وقسم صحت بصيرته وإشتد نورها فأتصل نورها بنور أصلها فلم تر إلا النور الأصلي وأنكرت أن يكون ثم شيء زائد على نور الأصل كان اله ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه كان ويسمى هذا حق البصيرة ووجه تسميته بشعاع البصيرة أن صاحبها لما كان يرى وجود الأكوان أنطبعت في مرآة بصيرته فحجبته عن شهود النور من أصله لكن لما رقت كثافتها وتنورت دلائلها رأي شعاع النور من ورائها قريباً منه فأدرك الشعاع ولم يدرك النور وهذا هو نور الإيمان وهو مقام علم اليقين ووجه تسمية عين البصيرة أن البصيرة لما صحت وقويت أنفتحت عينها فرأت النور محيطاً ومتصلاً بها فسميت عين البصيرة لأنفتاحها وإدراكها ما خفي على غيرها وهذا مقام عين اليقين ووجه تسمية حق البصيرة أن البصيرة لما أدركت الحق من أصله وغابت عن نور الفروع بنور الأصول سميت حق البصيرة لما أدركته من الحق وغابت عن شهود الخلق وهذا مقام حق اليقين فشعاع البصيرة هو نور الإيمان لأهل المراقبة وعين البصيرة هو نور الأحسان لأهل المشاهدة وحق البصيرة هو نور الرسوخ والتمكين لأهل المكالمة أو تقول شعاع البصيرة نور علم اليقين وعين البصيرة هو نور عين اليقين وحق البصيرة هو نور حق اليقين فعلم اليقين لأهل الدليل والبرهان وعين اليقين لأهل الكشف والبيان وحق اليقين لأهل الشهود والعيان مثال ذلك كمن سمع بمكة مثلاً ولم يرها فهذا عنده علم اليقين فإذا أستشرف عليها ورآها ولم يدخلها فهو عين اليقين فإذا دخلها وتمكن فيها فهو حق اليقين وكذلك طالب الحق فما زال من وراء الحجاب فانياً في الأعمال فهو في علم اليقين فإذا أستشرف على الفناء في الذات ولم يتمكن من الفناء فهو عين اليقين فإذا رسخ وتمكن فهو في حق اليقين أو تقول شعاع البصيرة لأهل عالم الملك وعين البصيرة لأهل عالم الملكوت وحق البصيرة لأهل عالم الجبروت أو تقول شعاع البصيرة لأهل الفناء في الأعمال وعين البصيرة لأهل الفناء في الذات وحق البصيرة لأهل الفناء في الفناء فشعاع البصيرة يشهدك قرب الحق منك أي يوجب لك شهود قرب نور الحق منك قال تعالى ولقد خلقنا الأنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد وقال تعالى " وهو معكم أينا كنتم " وعين البصيرة يشهدك عدمك أي زوالك بزوال وهمك لوجوده أي وجود الحق إذ محال أن تشهده وتشهد معه سواه فإذا زال عنك الوهم وفنيت عن وجودك شهدت ربك بربك وهو علامة فتح البصيرة وعلاج السريرة كما قال شيخ شيوخنا سيدي عبد الرحمن المجذوب
من رأي المكون بالكون ... عزه في عمي البصيرة
ومن رأى الكون بالمكون ... صادف علاج السريرة
فظاهره أن عامة المسلمين عميت بصيرتهم والتحقيق هو ما تقدم من التفصيل وأنها مسدودة فقط مع صحة ناظرها بخلاف بصيرة الكفار فإنها عمياء وحق البصيرة يشهدك وجود الحق وحده لا وجودك لأنك مفقود من أصلك ولا عدمك إذ لا يعدم إلا ما ثبت له وجود ولم يكن مع الله موجود كان الله ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه كان وهذه الزيادة وإن لم تكن في الحديث لكن معناها صحيح إذا لتغير عليه تعالى محال قال محيى الدين بن محمد بن علي بن العربي الحاتمي رضي الله عنه من شهد الخلق لأفعل لهم فقد فاز ومن شهدهم لا حياة لهم فقد جاز ومن شهدهم عين العدم فقد وصل اه قلت ومن شهدهم بعين العدم فقد تمكن وصاله وأنشدوا
من أبصر الخلق كالسراب ... فقد ترقي عن الحجاب
إلى وجود تراه رتقا ... بلا أبتعاد ولا أقتراب
فلا خطاب به إليه ... ولا مشير إلى الخطاب

والله تعالى أعلم ثم إذا تقرر أنفراد الحق بالوجود فلا تتعد همتك إلى غيره إذ هو مفقود وإلى ذلك أشار بقوله في أول الباب الرابع وقال رضي الله عنه لا تتعد نية همتك إلى غيره فالكريم لا تتخطاه الآمال قلت لا تتعد أي لا تتجاوز ونية الهمة قصدها الذي تتوجه به والهمة القوة المنبعثة في طلب المقاصد والآمال قصود القاصدين ومعنى لا تتخطاه أي لا تتجاوز إلى غيره قلت إذا تعلقت همتك أيها المريد بشيء تريد تحصيله فردها إلى الله ولا تتعلق بشيء سواه لأنه سبحانه كريم على الدوام ونعمه سحاء على مر الليالي والأيام والكريم لا تتخطاه الآمال وهو يحب أن يسئل فيجيب السؤال وقد قالوا في تفسير أسمه تعالى الكريم هو الذي إذا سئل أعطي ولا يبالي كم أعطي ولا لمن أعطي وإذا رفعت حاجة إلى غيره لا يرضى وإذا جفى عفا وإذا عاتب ما أستقصي فهذا من كمال كرمه وتمام أحسانه وأنعامه وفي ذلك يقول سيدي إبراهيم التازي في قصيدة له
كمال الله أكمل كل حسن ... فلله الكمال ولا مماري
وحب الله أشرف كل أنس ... فلا تنس التخلق بالوقار
وذكر الله مرهم كل جرح ... وأنفع من زلال للأوار
ولا موجود إلا الله حقاً ... فدع عنك التعلق بالفشار

وإذا علمت كرمه وجوده وكماله وإحسانه فلا ترفع إلى غيره ما هو مورده عليك كما قال لا ترفعن إلى غيره حاجة هو موردها عليك قلت قد علمت أن ما سوى الحق خيال وهمي لا حقيقة لوجوده فإذا أنزل الله بك حاجة كفاقة أو شدة أو غير ذلك من العوارض فإنزلها بالله وأجعلها تحت مشيئة الله وغب عنها في ذكر الله ولا تلتفت إلى ما سواه تعلقاً ولا تملقاً ففي الحديث من لم يسئل الله يغضب عليه وقال أبو علي الدقاق من علامة المعرفة أن لا تسأل حوائجك كلها إلا من الله قلت أو جلت مثل موسى عليه السلام أشتاق إلى رؤيته فقال رب أرني أنظر إليك وأحتاج يوماً إلى رغيف فقال رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير اه ثم تعجب ممن رفع أحكام الحق إلى غيره معى عجزه وضعفه فقال فكيف يرفع إلى غيره ما كان هو له واضعاً قلت من قلة حياء الأنسان أن يرفع إلى غيره ما أنزله عليه الحق تعالى من أحكام قهره مع علمه تعالى بإحسانه وبره وعدم أنفكاك لطفه عن قدره قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه أيست من نفع نفسي لنفسي فكيف لا أيأس من نفع غيري لها ورجوت الله لغيري فكيف لا أرجوه لنفسي وقال بعض العارفين من المكاشفين رضي الله عنهم قيل لي في نوم كاليقظة أو يقظة كالنوم لا تبدين فاقة فإضاعفها عليك مكافأة لسوء أدبك وخروجك إلى حد عبوديتك إنما أبتليتك بالفاقة لتفزع إلى منها وتتضرع بها لدي وتتوكل فيها على سبكتك بالفاقة لتصير بها ذهباً خالصاً فلا تزيغن بعد السبك وسمتك بالفاقة وحكمت لنفسي بالغني فإن وصلتها بي وصلتك بالغنى وأن وصلتها بغيري قطعت عنك مواد معونتي وحسمت أسبابك من أسبابي طرداً لك عن بابي فمن وكلته إلى ملك ومن وكلته إليه هلك اه ثم بين وجه التعجب فقال من لا يستطيع أن يرفع حاجة عن نفسه فكيف يستطيع أن يكون لها عن غيره رافعاً قلت من عجز عن أصلاح نفسه فكيف يقدر أن يصلح غيره ضعف الطالب والمطلوب قال بعضهم من أعتمد على غير الله فهو في غرور لأن الغرور ما لا يدوم ولا يدوم شيء سواه وهو الدائم القديم الذي لم يزل ولا يزال وعطاؤه وفضله دائمان فلا تعتمد إلا على من يدوم لك منه العطاء والفضل اه ثم أن الأعتماد على الله ورفع الحوائج إليه والرجوع في كل النوازل إليه سببه حسن الظن به كما أشار إليه بقوله أن لم تحسن ظنك به لأجل وصفه حسن ظنك به لأجل معاملته معك فهل عودك إلا حسناً وهل أسدي إليك إلا منناً قلت الناس في حسن الظن بالله على قسمين خواص وعوام أما الخواص فحسن ظنهم بالله تعالى ناشيء عن شهود جماله ورؤية كماله فحسن ظنهم بالله لا ينقطع سواء واجههم بجماله أو بجلاله لأن أتصافه تعالى بالرحمة والرأفة والكرم والجود لا ينقطع فإذا تجلى لهم بجلاله أو قهريته علموا ما في طي ذلك من تمام نعمته وشمول رحمته فغلب عليهم شهود الرحمة والجمال فدام حسن ظنهم على كل حال وأما العوام فحسن ظنهم بالله ناشيء عن شهود أحسانه وحسن معاملته وأمتنانه فإذا نزلت بهم قهرية أو شدة نظروا إلى سالف أحسانه وحسن ما أسدي إليهم من حسن لطفه وأمتنانه فقاسوا ما يأتي على ما مضى فتلقوا ما يرد عليهم بالقبول والرضى وقد يضعف هذا الظن بضعف النظر والتفكر ويقوي بقوتهما بخلاف الأول فإنه ناشيء عن شهود الوصف والوصف لا يتخلف والثاني ناشيء عن شهود الفعل وهو يتخلف فإن لم تقدر أيها المريد أن تحسن ظنك بالله لشهود وصفه بالرأفة والرحمة التي لا تتخلف فحسن ظنك به لوجود معاملته معك بلطفه ومننه فهل عودك الحق تعالى الأبرا حسناً ولطفاً جميلاً وهل أسدي إليك أي أوصل إليك إلا مننا كبيرة ونعماً غزيرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبوا الله لما يغذيكم به من نعمه وأحبوني بحب الله وقال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه إنا لا نحب إلا الله فقال رجل أبي ذلك جدك يا سيدي بقوله جبلت القلوب على حب من أحسن إليها فقال الشيخ أبو الحسن إنا لما لم نر محسناً غير الله لم نحب سواه اه وقال أيضاً رضي الله عنه قرأت ليلة قل أعوذ برب الناس إلى أن بلغت فيها من شر الوسواس فقيل لي شر الوسواس وسواس يدخل بينك وبين حبيبك يذكرك أفعالك السيئة وينسيك أفعالك الحسنة ويكثر عندك ذات الشمال ويقلل عندك ذات اليمين ليعدل بك عن حسن الظن بالله وكرمه إلى سوء الظن بالله ورسوله فإحذروا هذا الباب فقد أخذ منه خلق كثير من العباد والزهاد وأهل

الطاعة والسداد اه وقال رضي الله عنه أيضاً العارف من عرف شدائد الزمان في الألطاف الحارية من الله عليه وعرف إساءته في إحسان الله إليه فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون اه وإذا كان الحق تعالى ما عودك إلا الأحسان وما أسدي إليك إلا الأمتنان فمن العجب أن تتركه وتطلب ما سواه وإلى ذلك أشار بقوله العجب كل العجب ممن يهرب مما لا أنفكاك له منه ويطلب مالا بقاء له معه فإنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور قلت ما لا أنفكاك منه هو الحق تعالى وقضاؤه وقدره وما لا بقاء له هو الدنيا أو ما تدبره النفس وتقدره فمن أعجب العجائب أن يفر العبد من مولاه ويتوجه بالطلب لما سواه مع أنه لا أنفكاك له منه ولا محيد له عنه إذ لا وجود له إلا منه ولا قيام له إلا به فكيف يهرب منه بترك طلب معرفته وبالتقرب به بأمتثال أمره وأجتناب نهيه ويطلب مالا بقاء له من حظوظ الدنيا الفانية التي أن لم تزل عنها في الحياة زالت عنك بالممات فأطلب ما يبقي دون ما يفني ولله در القائل والسداد اه وقال رضي الله عنه أيضاً العارف من عرف شدائد الزمان في الألطاف الحارية من الله عليه وعرف إساءته في إحسان الله إليه فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون اه وإذا كان الحق تعالى ما عودك إلا الأحسان وما أسدي إليك إلا الأمتنان فمن العجب أن تتركه وتطلب ما سواه وإلى ذلك أشار بقوله العجب كل العجب ممن يهرب مما لا أنفكاك له منه ويطلب مالا بقاء له معه فإنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور قلت ما لا أنفكاك منه هو الحق تعالى وقضاؤه وقدره وما لا بقاء له هو الدنيا أو ما تدبره النفس وتقدره فمن أعجب العجائب أن يفر العبد من مولاه ويتوجه بالطلب لما سواه مع أنه لا أنفكاك له منه ولا محيد له عنه إذ لا وجود له إلا منه ولا قيام له إلا به فكيف يهرب منه بترك طلب معرفته وبالتقرب به بأمتثال أمره وأجتناب نهيه ويطلب مالا بقاء له من حظوظ الدنيا الفانية التي أن لم تزل عنها في الحياة زالت عنك بالممات فأطلب ما يبقي دون ما يفني ولله در القائل
هب الدنيا تساق إليك عفواً ... أليس مصير ذاك إلى زوال
وما دنياك إلا مثل ظل ... أظلك ثم آذن بأرتحال
أو تقول من العجب كل العجب أن يهرب العبد مما لا أنفكاك له عن قدر الله وقضائه ويطلب مالا بقاء له من حظوظ تدبيره وأختياره إذ كل ما تدبره وأبرمه فسخه القضاء وهدمه،
متى يبلغ البنيان يوماً تمامه ... إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم

وهذا كله من عدم فتح البصيرة أو عماها ولذلك قال فإنها لا تعمى الأبصار عن أدراك الحس لأنها أدركته وحجبت به ولكن تعمي القلوب عن أدراك المعنى فلا ترى إلا الحس ولا تحب إلا أياه ولا تطلب شيئاً سواه نسأل الله عافيته وهداه قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه عمي البصيرة في ثلاث أرسال الجوارح في معاصي الله والطمع في خلق الله والتصنع بطاعة الله اه ثم إذا طلبت الحق الذي لا أنفكاك لك عنه ورحلت إليه فأطلب معرفة ذاته لا زخارف جناته إذ هي كون من مكوناته ولذلك قال لا ترحل من كون إلى كون فتكون كحمار الرحى يسير والذي أرتحل إليه هو الذي أرتحل عنه ولكن أرحل من الأكوان إلى المكون وأن ربك المنتهي قلت الرحيل من الكون إلى الكون هو الرحيل من السوى إلى طلب السوى وذلك كمن زهد في الدنيا وأنقطع إلى الله بطلب بذلك راحة بدنه وأقبال الدنيا عليه لقوله صلى الله عليه وسلم من أنقطع إلى الله كفاه الله كل مؤنة ورزقه من حيث لا يحتسب ولقوله أيضاً من كانت الآخرة نيته جمع الله عليه أمره وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي صاغرة وكمن زهد فيها يطلب الخصوصية كأقبال الخلق والعز وتربية المهابة في قلوب الناس أو زهد فيها يطلب الكرامة وخوارق العادات أو زهد فيها يطلب القصور والحور فهذا كله رحيل من كون إلى كون فمثله كحمار الطاحونة يسير الليل والنهار وهو في موضعه فالذي أرتحل منه هو الذي أرتحل إليه فمن كانت همته الحظوظ النفسانية فحاله حال حمار الساقية في السير دائم وهو في موضعه قائم يظن أنه قطع مسافة مما طلب. وما زاد إلا نقصاً مع تعب، قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه قف بباب واحد لا لتفتح لك الأبواب تفتح لك الأبواب وأخضع لسيد واحد لا لتخضع لك الرقاب تنخضع لك الرقاب قال تعالى " وأن من شيء إلا عندنا خزائنه " اه فينبغي لك أيها المريد أن ترفع همتك إلى الملك المجيد فترحل من رؤية الأكوان إلى طلب شهود الملك الديان أو ترحل من الدليل والبرهان إلى رتبة الشهود والعيان وهو غاية القصد وبلوغ المنتهي وأن إلى ربك المنتهي ولا ترحل من كون إلى كون بأن تترك حظاً من حظوظ نفسك طلباً لخطأ آخر فتكون كحمار الرحى الذي سار منه هو الذي عاد إليه وتشبيهه بالحمار دليل على بلادته وقلة فهمه إذ لو فهم عن الله لرحل عن حظوظ نفسه وهواه قاصداً الوصول إلى حضرة مولاه فلا ترحل أيها المريد من كون مخلوق إلى كون مخلوق مثلك ولكن أرحل من الكون إلى المكون وأن إلى ربك المنتهي والرحيل إلى المكون يكون بثلاثة أمور الأول قصر همتك عليه دون ما سواه حتى يطلع على قلبك فلا يجده محباً لسواه الثاني الرجعي إليه بإقامة الحقوق والفرار من الحظوظ الثالث دوام اللجاء إليه والأستعانة به والتوكل عليه والأستسلام لما يورده عليك قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه أربعة من كن فيه أحتاج الخلق إليه وهو غني عن كل شيء المحبة لله والغنا بالله والصدق واليقين الصدق في العبودية واليقين في أحكام الربوبية من أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون اه قاله الشيخ زروق رضي الله عنه ثم أستدل على طلب رفع الهمة إلى الله مع الأعراض عما سواه بحديث الهجرة الذي في الصحيح فقال وأنظر إلى قوله صلى الله عليه وسلم فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو أمرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه فأفهم قوله عليه السلام فهجرته إلى ما هاجر إليه وتأمل هذا الأمر أن كنت ذا فهم والسلام قلت الهجرة هي الأنتقال من وطن إلى وطن آخر بحيث يهجر الوطن الذي خرج منه ويسكن الوطن الذي أنتقل إليه وهي هنا من ثلاثة أمور من وطن المعصية الطاعة ومن وطن الغفلة إلى وطن اليقظة ومن وطن عالم الأشباح إلى وطن عالم الأرواح أو تقول من وطن الملك إلى وطن الملكوت أو من وطن الحس إلى وطن المعنى أو من وطن علم اليقين إلى وطن عين اليقين أو حق اليقين فمن هاجر من هذه المواطن قاصداً بهجرته الوصول إلى رضي الله ورسوله أو الوصول إلى معرفة الله ورسوله فهجرته موصلة له إلى الله ورسوله على حسب قصده وهمته ومن كانت هجرته إلى حظوظ نفسه وهواه فقد خاب قصده ومسعاه وغاية هجرته ما هاجر إليه وكانت هجرته زيادة في جر الوبال إليه فأفهم أيها السامع قوله عليه السلام فهجرته إلى ما هاجر إليه وتدبره وأعرضه على قلبك

ونفسك وأنظر هل فيك بقية من الألتفات إلى ما هاجرت منه أو فيك حظ سوى ما هاجرت إليه من رضوان الله ورسوله أو معرفة الله ورسوله فإن الله غيور لا يحب لمن طلبه أن يطلب معه سواه ولن يوصل إليه من بقي فيه بقية من حظه وهواه قال الششترينفسك وأنظر هل فيك بقية من الألتفات إلى ما هاجرت منه أو فيك حظ سوى ما هاجرت إليه من رضوان الله ورسوله أو معرفة الله ورسوله فإن الله غيور لا يحب لمن طلبه أن يطلب معه سواه ولن يوصل إليه من بقي فيه بقية من حظه وهواه قال الششتري
أن ترد وصلنا فموتك شرط ... لا ينال الوصال من فيه فضله
وقال أيضاً
ليس يدرك وصالي ... كل من فيه بقيا
وسمعت شيخنا اليزيدي رضي الله عنه يقول أن أردتم أن تعرفوا هل رحلت أنفسكم من هذا العالم إلى عالم الملكوت أو لم ترحل فأعرضوا عليها الأمور التي كانت تشتهيها وتميل إليها واحداً بعد واحد فإن وجدتموها رحلت عنها وخرجت محبتها من قلبها ولم تركن إلى واحد منها فأستبشروا فقد رحلت أرواحكم إلى عالم الملكوت وأن وجدتموها ركنت أو مالت بالمحبة إلى شيء من هذا العالم فجاهدوها وأخرجوها عنه بالكلية حتى ترحل إلى ربها اه بالمعنى وختم هذا الباب بالسلام لما أشتملت عليه من الرحيل والمقام فكلها تدل على سفر القلب من شهود الخلق إلى شهود الخالق فناسب ختمها بالسلام لما فيه من ذكر السلامة ولما كان السفر لا بد فيه من دليل وإلا ضل عن سواء السبيل أفتتح الباب الخامس بذكر الصحبة وشروط المصحوب وآدابها فقال لا تصحب من لا ينهضك حاله ولا يدلك على الله مقاله قلت الذي ينهضك حاله هو الذي ذا رأيته ذكرت الله فقد كنت في حال الغفلة فلما رأيته نهض حالك إلى اليقظة أو كنت في حالة الرغبة.
فلما رأيته نهض حالك إلى الزهد أو كنت في حالة الأشتغال بالمعصية فلما رأيته نهض حالك إلى التوبة أو كنت في حالة الجهل بمولاك فنهضت إلى معرفة من تولاك وهكذا والذي يدلك على الله مقاله هو الذي يتكلم بالله ويدل على الله ويغيب عما سواه إذا تكلم أخذ بمجامع القلوب وإذا سكت أنهضك حاله إلى علام الغيوب فحاله يصدق مقاله ومقاله موافق لعلمه فصحبة مثل هذا أكسير يقلب الأعيان وهو مفهوم من قول الشيخ لا تصحب من لا ينهضك حاله إلخ أي بل أصحب من ينهضك حاله ويدلك على الله مقاله والصحة في طريق التصوف أمر كبير في السير إلى الله تعالى حسبما جرت به عادة الله تعالى وحكمته حتى قال بعضهم من لا شيخ له فالشيطان شيخه وقال آخر الأنسان كالشجرة النابتة في الخلاء فإن لم تقطع وتلقم كانت دكارة وقال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه كل من لا شيخ له في هذا الشأن لا يفرح به ومن شروط الشيخ أربعة علم صحيح وذوق صريح وهمة عالية وحالة مرضية فالعلم الصحيح هو ما يتقن به فرضه ولا بد أن يكون عالماً بالمقامات والمنازل التي يقطعها المريد وبغرور النفس ومكايدها قد سلك ذلك على يد شيخ كامل وذاق ذلك ذوقاً لا تقليداً وهو المراد بالذوق الصريح والهمة العالية هي المتعلقة بالله دون ما سواه والحالة المرضية هي الأستقامة بقدر الأستطاعة ولا بد أن يكون جامعاً بين حقيقة وشريعة وبين جذب وسلوك فيجذبه بجذب القلوب وبسلوكه يخرجها من حالة الحذب إلى البقاء فالسالك فقط ظاهري لا يجذب ولا يحقق المجذوب فقط لا يسير ولا يوصل وفساد صحبته أكثر من نفعها قال في أصول الطريقة ومن فيه خمس لا تصح مشيخته الجهل بالدين وأسقاط حرمة المسلمين ودخول ما لا يعني وأتباع الهوى في كل شيء وسوء الخلق من غير مبالات اه فصحبة مثل هذا ضرر محض وإليه أشار بقوله ربما كنت مسيأ فأراك الأحسان منك صحبتك إلى من هو أسوأ حالاً منك قلت رب هنا للتكثير وصحبتك فاعل بأراك والأحسان مفعول مقدم والتقدير ربما تكون مسيئاً في حالك مقصراً في عملك فإذا صحبت من هو أسوأ حالاً منك أراك أي أبصرتك صحبتك إلى من هو أسوأ حالاً منك الأحسان منك لما ترى ما يصدر منها من الأحسان ومن المصحوب من التقصير والنقصان فتعتقد المزية عليه لأن النفس مجبولة على رؤية الفضل لها ومشاهدة التقصير من غيرها علماً أو عملاً أو حالاً.

بخلاف ما إذا صحبت من هو أحسن حالاً منها فإنها لا ترى من نفسها إلا التقصير وفي ذلك خير كثير قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي أوصاني حبيبي فقال لا تنقل قدميك إلا حيث ترجو ثواب الله ولا تجلس إلا حيث تأمن غالباً من معصية الله ولا تصطف لنفسك إلا من تزداد به يقيناً وقليل ما هم وقال له أيضاً لا تصحب من يؤثر نفسه عليك فإنه لئم ولا من يؤثرك على نفسه فإنه قل ما يدوم وأصحب من إذا ذكر ذكر الله فالله يغني به إذا شهد وينوب عنه إذا فقد ذكره نور القلوب ومشاهدته مفاتيح الغيوب اه وحاصله لا تصحب من تتكلف له فوق جهدك ولا من يتكلف لك كذلك وخير الأمور أوساطها وهذا والله أعلم في صحبة الأخوة وأما صحبة الشيخوخة فكل ما أمر به الشيخ أو أشار إليه أو فهمت أنه يحب ذلك فلا بد أن تبادر إليه بقدر الأمكان ولو كان محالاً عادة لأخذت في التهيئ للفعل قال شيخ شيوخنا سيدي العربي بن أحمد ابن عبد الله الفقير الصديق هو الذي إذا قال له شيخه أدخل في عين المخياط لا يتردد ويقوم يبادر في أمتثال ما أمر ولو كان لا يتأتي منه ذلك وقال أيضاً صاحبي هو الذي نفتله بشعره اه وقال سيدي علي رضي الله عنه في كتابه أعلم أنه لا يقرب طالب الله إلى الله شيء مثل جلوسه مع عارف بالله أن وجده وإن لم يجده فعليه بذكر الله ليلاً ونهاراً قائماً وقاعداً مع العزلة عن أبناء الدنيا بعدم الجلوس معهم وعدم الكلام كذلك وعدم النظر فيهم لأنهم سم خارق ولا يبعد من الله شيء مثل جلوسه مع فقي جاهل الفقير الجاهل أقبح من العامي الغافل بألف ضعف الجلوس مع العارف بالله أفضل من العزلة والعزلة أفضل من الجلوس مع العوام الغافلين والجلوس مع العامي الغافل.
أفضل من الجلوس مع الفقير الجاهل لا شيء في الوجود يسود قلب المريد مثل جلسة مع الفقير الجاهل كما أن العارف بالله يجمع بين العبد ومولاه بنظرة أو بكلمة كذلك الفقير الجاهل بالله ربما أتلف المريد عن مولاه بنظرة أو بكلمة فما فوقها يرحم الله المجذوب حيث يقول في بعض كلامه، الجلسة مع غير الأخيار، ترذل ولو تكون صافي اه وقال سهل بن عبد الله رضي الله عنه أحذر صحبة ثلاث من أصناف الناس الجبابرة الغافلين والقراء المداهنين والمتصوفة الجاهلين اه وزاد الشيخ زروق علماء الظاهر قال لأن نفوسهم غالبة عليهم اه قلت الجلوس معهم اليوم أقبح من سبعين عامياً غافلاً وفقيراً جاهلاً لأنهم لا يعرفون إلا ظاهر الشريعة ويرون أن من خالفهم في هذا الظاهر خاطيء أو ضال فيجهدون في رد من خالفهم يعتقدون أنهم ينصحون وهم يغشون فليحذر المريد من صحبتهم والقرب منهم ما أستطاع فإن توقف في مسئلة ولم يجد من يسئل عنها من أهل الباطن فليسأله على حذر ويكون معه كالجالس مع القرب والحية والله ما رأيت أحداً قط من الفقراء قرب منهم وصحبهم فأفلح أبداً في طريق الخصوص ويرحم الله أباذر الغفاري رضي الله عنه حيث قال والله لا أسألهم دنيا ولا أستفتيهم عن دين اه قال هذا في علماء الصحابة الأخيار رضي الله عنهم فما بالك اليوم حين أشتغلوا بجمع الدنيا وتزيين الملابس وتكبير العمائم وتحسين المأكل والمساكن والمراكب ورأوا ذلك سنة نبوية فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وكان يحيى بن معاذ الرازي رضي الله عنه يقول لعلماء وقته يا معشر العلماء دياركم هامانية ومراكبكم قاونية وأطعمتكم فرعونية وولأئمكم جالوتية ومواسمكم جاهلية وقد صيرتم مذاهبكم شيطانية فأين الملة المحمدية ومما يتأكد النظر إليه في المصحوب الزهد في الدنيا ورفع الهمة عنها ولو قل عمله في الظاهر وإلى ذلك أشار بقوله ما قل عمل برز من قلب زاهد ولا كثر عمل برز من قلب راغب قلت الزهد في الشيء هو خروج محبته من القلب وبرودته منه وعند القوم بغض كل ما يشغل عن الله ويحبس عن حضرة الله ويكون أولاً في المال وعلامته أن يستوي عنده الذهب والتراب والفضة والحجر والغني والفقر والمنع والعطاء ويكون ثانياً في الجاه والمراتب.

وعلامته أن يستوي عنده العز والذل والظهور والخمول والمدح والذم والرفعة والسقوط ويكون ثالثاً في المقامات والكرامات والخصوصيات وعلامته أن يستوي عنده الرجاء والخوف والقوة والضعف والبسط والقبض يسير بهذا كما يسير بهذا أو يعرف في هذا كما يعرف في هذا ثم يكون الزهد في الكون بأسره بشهود المكون وأمره فإذا تحقق المريد بهذه المقامات في الزهد أو جلها كان عمله كله عظيماً كبيراً في المعني عند الله وإن كان قليلاً في الحس عند الناس وهذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام عمل قليل في سنة خير من عمل كثير في بدعة وأي بدعة أعظم ولا أشنع من حب الدنيا والأنكباب عليها بالقلب والقالب الذي لم يكن في زمنه صلى الله عليه وسلم ولا في زمن الصحابة حتي ظهرت الفراعنة فبنوا وشيدوا وزخرفوا فهذه هي البدعة الحقيقة فعمل هؤلاء قليل في المعنى وإن كان كثيراً في الحس إذ لا عبرة بحركة الأشباح وإنما العبرة بخضوع الأرواح عبادة الزاهد بالله لله وعبادة الراغب بالنفس للنفس عبادة الزاهد حية باقية وعبادة الراغب ميتة فانية عبادة الزاهد متصلة على الدوام وعبادة الراغب منقطعة بلا تمام عبادة الزاهد في مساجد الحضرة التي أذن الله أن ترفع وعبادة الراغب في مزابل القذرات التي أذن الله أن توضع ولذلك قال بعضهم عبادة الغني كالمصلي على المزبلة وما مثل عبادة الزاهد مع قلتها في الحس وكثرتها في المعنى وعبادة الراغب مع كثرتها في الحس وقلتها في المعنى إلا كرجلين أهديا للملك أحدهما أهدى يا قوتة صافية صغيرة قيمتها ستون قنطاراً والآخر أهدى ستين صندوقاً خاوية فارغة فلا شك أن الملك يقبل الياقوتة ويكرم صاحبها ويرد الصناديق ويهين صاحبها ويغضب عليه لكونه أستهزأ بالملك حيث أهدي له خشباً خاوية شهرتها أعظم من منفعتها وسمعت شيخناً رضي الله عنه يقول الراغب في الدنيا غافل ولو كان يقول الله الله بلسانه على الدوام إذ لا عبرة باللسان والزاهد في الدنيا ذاكر على الدوام ولو قل ذكره باللسان اه قلت وبهذا فسر بعضهم قوله تعالى لا يذكرون الله إلا قليلاً أي مع الغفلة والرغبة ولو كثر في الحس اه وقال سيدنا على كرم الله وجهه كونوا لقبول العمل أشد منكم أهتماماً للعمل فإنه لم يقل عمل مع التقوي وكيف يقل عمل يتقبل اه وقال ابن مسعود رضي الله عنه ركعتان من زاهد عالم خير وأحب عند الله من عبادة المتعبدين المجتهدين إلى آخر الدهر أبداً سرمداً وقال بعض السلف لم يفتكم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بكثرة صلاة ولا صيام إلا أنهم كانوا أزهد في الدنيا اه.

وفي بعض الأخبار أن سيدنا عيسى عليه السلام مر برجل نائم والناس يتعبدون فقال له عيسي عليه السلام قم تتعبد مع الناس فقال تعبدت يا روح الله فقال له وما عبادتك قال تركت الدنيا لأهلها فقال له نم نعمت العبادة هذه أو كما قال عليه السلام وقال رجل للشيخ أبي الحسن رضي الله عنه مالي أرى الناس يعظمونك ولم أر لك كبير عمل فقال بسنة واحدة أفترضها الله على رسوله تمسكت بها فقال له وما هي قال الأعراض عنكم وعن دنياكم اه قال الشيخ زروق رضي الله عنه وإنما كانت للزهاد هذه الفضلية لثلاثة أوجه أحدها ما فيه من فراغ القلب عن الشواغل والشواغب الثاني لأنه شاهد بوجود الصدق في المحبة إذ الدنيا محبوبة لا تترك إلا بما هو أحب قال عليه السلام الصدقة برهان قيل على حب العبد ربه الثالث لأنه دليل على المعرفة بالله والثقة به لأن بذل الموجود من الثقة بالمعبود ومنع الموجود من سوء الظن بالمعبود اه ولما كان حسن العمل الظاهر وأتقانه الذي يكون به كماله ونقصانه إنما هو نتائج حسن الباطن وأحواله أشار إلى ذلك بقوله حسن الأعمال نتائج حسن الأحوال وحسن الأحوال من التحقق في مقامات الأنزال قلت الأعمال حركة الجسم بالمجاهدة والأحوال حركة القلب بالمكابدة والمقامات سكون القلب بالطمأنينة مثال ذلك مقام الزهد مثلاً فإنه يكون أولاً عمله مجاهدة بترك الدنيا وأسبابها ثم يكون مكابدة بالصبر على الفاقة حتى يصير حالاً ثم يسكن القلب ويذوق حلاوته فيصير مقاماً وكذلك التوكل يكون مجاهدة بترك الأسباب ثم يكون مكابدة بالصبر على مرارة تصرفات الأقدار ثم يصير حالاً ثم يسكن القلب فيه ويذوقه فيصير مقاماً وكذلك المعرفة تكون مجاهدة بالعمل في الظاهر كخرق العوائد من نفسه ثم تكون مكابدة بالمعرفة والأقرار عند التعرفات ثم تصير حالاً فإذا سكنت الروح في الشهود وتمكنت صارت مقاماً فالأحوال مواهب والمقامات مكاسب يعني أن الأحوال مواهب من الله جزاء لثواب الأعمال فإذا دام العمل وأتصل الحال صار مقاماً فالأحوال تتحول تذهب وتجيء فإذا سكن القلب في ذلك المعنى صار مقاماً وهو مكتسب من دوام العمل وأعلم أن المقام والحال لكل واحد علم وعمل فالمقام يتعلق به العلم أولاً ثم يسعي في عمله حتى يكون حالاً ثم يصير مقاماً وكذلك الحال يتعلق به العلم أولاً ثم العمل ثم يصير مقاماً حالاً والله تعالى أعلم فعلامة التحقق بمقامات الأنزال هو حسن الحال وعلامة حسن الحال هو حسن العمل فأتقان الأعمال وحسنها هو ثمرة ونتيجة حسن الأحوال وحسن الأحوال وأتقانها هو نتيجة التحقق بمقامات الأنزال أي التحقق بالأنزال في المقامات أو تقول حسن الأحوال دليل على التحقق بالمقامات التي ينزل الله عبده فيها وحسن الأعمال دليل على حسن الأحوال والتحقق بالحال والسكون في المقام أمر باطني ويظهر أثره في عمل الجوارح والحاصل أن حركة القالب تدل على صلاح القلب أو فساده لقوله صلى الله عليه وسلم أن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله إلا وهي القلب فإذا تحقق القلب بالزهد مثلاً وصار له حالاً أو مقاماً ظهر ذلك على جوارحه من الثقة بالله والأعتماد عليه وقلة الحركة عند الأسباب المحركة لقوله عليه السلام ليس الزهد بتحريم الحلال ولا بأضاعة المال إنما الزهد أن تكون بما في يد الله أوثق مما في يدك وقال الصديق رضي الله عنه لأبي الحسن الشاذلي في النوم علامة خروج حب الدنيا من القلب بذلها عند الوجدو وجود الراحة منها عند الفقد، وعلامة التحقق بالأنزال في مقام التوكل السكون والطمأنينة عند محركات الأسباب وعلامة التحقق بالأنزال في مقام المعرفة هو الأدب ظاهراً وباطناً وحسن الخلق مع كل مخلوق ولذلك قال أبو حفص الحداد رضي الله عنه حسن أدب الظاهر عنوان حسن أدب الباطن فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه اه وراجع ما تقدم من شرح قوله تنوعت أجناس الأعمال بتنوع واردات الأحوال ففيه زيادة شرح على هذا المحل والله تعالى أعلم وأفضل الأعمال التي يقطع بها المريد المقامات وأقربها هو ذكر الله ولذلك ذكره بأثره فقال لا تترك الذكر لعدم حضور قلبك مع الله فيه لأن غفلتك عن وجود ذكره أشد من غفلتك في وجود ذكره فعسى أن يرفعك من ذكر مع وجود غفلة إلى ذكر مع وجود يقظة ومن ذكر مع وجود يقظة إلى ذكر

مع وجود حضور ومن ذكر مع وجود حضور إلى ذكر مع غيبة عن ما سوى المذكور وما ذلك على الله بعزيز قلت الذكر ركن قوي في طريق القوم وهو أفضل الأعمال قال الله تعالى أذكروني أذكركمع وجود حضور ومن ذكر مع وجود حضور إلى ذكر مع غيبة عن ما سوى المذكور وما ذلك على الله بعزيز قلت الذكر ركن قوي في طريق القوم وهو أفضل الأعمال قال الله تعالى أذكروني أذكركم وقال تعالى " يا أيها الذين آمنوا أذكروا الله ذكراً كثيراً " والذكر الكثير أن لا ينساه أبداً قال ابن عباس رضي الله عنهما كل عبادة فرضها الله تعالى جعل لها وقتاً مخصوصاً وعذر العباد في غير أوقاتها إلا الذكر لم يجعل الله له وقتاً مخصوصاً قال تعالى " أذكروا الله ذكراً كثيراً " وقال تعالى " فإذا قضيتم الصلاة فإذكروا الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبكم " وقال رجل يا رسول الله كثرت على شعائر الأسلام فأوصني بأمر أدرك به ما فاتني وأوجز فقال لا يزال لسانك رطباً بذكر الله وقال عليه السلام لو أن رجلاً في حجره دراهم يقسمها وآخر يذكر الله لكان الذاكر لله أفضل وقال صلى الله عليه وسلم ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من أنفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا وما ذاك يا رسول الله قال ذكر الله وعن علي كرم الله وجهه قلت يا رسول الله أي الطرق أقرب إلى الله وأسهلها على عباد الله وأفضلها عند الله تعالى فقال يا علي عليك بمداومة ذكر الله فقال على كل الناس يذكرون الله فقال صلى الله عليه وسلم يا علي لا تقوم الساعة حتى لا يبقي على وجه الأرض من يقول الله فقال له على كيف أذكر يا رسول الله فقال له صلى الله عليه وسلم غمض عينيك وأسمع مني ثلاث مرات ثم قل مثلها وأنا أسمع فقال صلى الله عليه وسلم لا إله إلا الله ثلاث مرات مغمضاً عينيه ثم قالها على كذلك ثم لقنها علي للحسن البصري ثم الحسن لحبيب العجمي ثم حبيب لداوود الطائي ثم داوود لمعروف الكرخي ثم معروف للسري ثم السري للجنيد ثم أنتقلت إلي أرباب التربية فلا مدخل على الله إلا من باب الذكر فالواجب على العبد أن يستغرق فيه أوقاته ويبذل فيه جهده فإن الذكر منشور الولاية ولا بد منه في البداية والنهاية فمن أعطي الذكر فقد أعطي المنشور ومن ترك الذكر فقد عزل وأنشدوا
والذكر أعظم باب أنت داخله ... لله فأجعل له الأنفاس حراساً
فبقدر ما يفني في الأسم يفني في الذات وبقدر ما يتفتر في الفناء في الأسم يكون متفتراً في الفناء في الذات فليلتزم المريد الذكر على كل حال ولا يترك الذكر باللسان لعدم حضور قلبه فيه بل يذكره بلسانه ولو كان غافلاً بقلبه فإن غفلتك عن وجود ذكره أشد من غفلتك في وجود ذكره لأن غفلتك عن ذكره أعراض عنه بالكلية وفي وجود ذكره أقبال بوجه ما وفي شغل اللسان بذكر الله تزيين جارحة بطاعة الله وفي فقده تعرض لأشتغالها بالمعصية قبل لبعضهم ما لنا نذكر الله باللسان والقلب غافل فقال أشكر الله على ما وفق من ذكر اللسان ولو أشغله بالغيبة ما كنت تفعل فليلزم الأنسان ذكر اللسان حتى يفتح الله في ذكر الجنان فعسى أن ينقلك الحق تعالى من ذكر مع وجود غفلة إلى ذكر مع وجود يقظة أي أنتباه لمعاني الذكر عند الأشتغال به ومن ذكر مع يقظة إلى ذكر مع وجود حضور المذكور وأرتسامه في الخيال حتى يطمئن القلب بذكر الله ويكون حاضراً بقلبه مع دوام ذكره وهذا هو ذكر الخواص والأول ذكر العوام فإن دمت على ذكر الحضور رفعك إلى ذكر مع الغيبة عما سوي المذكور لما يغمر قلبك من النور وربما يعظم قرب نور المذكور فيغرق في النور حتي يغيب عما سوي المذكور حتي يصير الذاكر مذكوراً والطالب مطلوباً والواصل موصولاً وما ذلك على الله بعزيز أي بممتنع فقد يرفع في أعلى الدرجات من كان في أسفل الدركات وها هنا يسكت اللسان وينتقل الذكر للجنان فيصير ذكر اللسان غفلة في حق أهل هذا المقام كما قال الشاعر
ما أن ذكرتك إلا هم يلعنني ... سري وقلبي وروحي عند ذكراك
حتى كان رقيباً منك يهتف بي ... إياك ويحك والتذكار إياك
أما ترى الحق قد لاحت شواهده ... وواصل الكل من معناه معناك

وقال الواسطي مشيراً إلى هذا المقام الذاكرون في ذكره أكثر غفلة من الناسين لذكره لأن ذكره سواه اه يعني أن الذاكرين الله بالقلوب هم في حال ذكرهم لله بلسانهم أكثر غفلة من التاركين لذكره لأن ذكره باللسان وتكلفه يقتضي وجود النفس وهو شرك والشرك أقبح من الغفلة هذا معنى قوله لأن ذكره سواه أي لأن ذكر اللسان يقتضي أستقلال الذاكر والفرض أن الذاكر محو في مقام العيان قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه حقيقة الذكر الأنقطاع عن الذكر إلى المذكور وعن كل شيء سواه لقوله وأذكر أسم ربك وتبتل إليه تبتيلاً وقال القشيري رضي الله عنه الذكر أندراج الذاكر في مذكوره وأستظلام السر عند ظهوره وفي معني ذلك أنشدوا
ذكرتك لا أني نسيتك لمحة ... وأيسر ما في الذكر ذكر لساني
وصرت بلا وجد أهيم من الهوى ... وهام على القلب بالخفقان
فلما أراني الوجد أنك حاضري ... شهدتك موجوداً بكل مكان
فخاطبت موجوداً بغير تكلم ... وشاهدت موجوداً بغير عيان
وفي هذا المقام يتحقق المريد بعبادة الفكرة أو النظرة وفكرة ساعة خير من عبادة سبعين سنة ولذلك قال الشيخ أبو العباس رضي الله عنه أوقاتنا كلها ليلة القدر أي عبادتنا كلها مضاعفة مع خفائها وتحقيق الأخلاص فيها إذ لا يطلع عليها ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده وفي ذلك قال بعضهم قيل هو الحلاج
قلوب العارفين لها عيون ... ترى ما لا يرى للناظرين
والسنة بأسرار تناجي ... تغيب عن الكرام الكاتبين
وأجنحة تطير بغير ريش ... إلى ملكوت رب العالمين
وقد ذيلتها ببيتين فقلت
وأفئدة تهيم بعشق وجد ... إلى جبروت ذي حق يقينا
فإن تردن تباكر ذي المعاني ... فبذل الروح منك يقل فينا

ولما كان الذكر هو سبب حياة القلب وتركه سبب موته وفي الحديث مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه كمثل الحي والميت ذكر علامة حياته وموته في أول الباب السادس فقال وقال رضي الله عنه من علامات موت القلب عدم الحزن على ما فاتك من الموافقات وترك الندم على ما فعلت من وجود الزلات قلت موت القلب سببه ثلاثة أشياء حب الدنيا والغفلة عن ذكر الله وأرسال الجوارح في معاصي الله وسبب حياته ثلاثة أشياء الزهد في الدنيا والأشتغال بذكر الله وصحبة أولياء الله وعلامة موته ثلاثة أشياء عدم الحزن على ما فات من الطابعات وترك الندم على ما فعلت من الزلات وصحبتك للغافلين الأموات وذلك لأن صدور الطاعة من العبد عنوان السعادة وصدور المعصية علامة الشقاوة فإن كان القلب حياً بالمعرفة والإيمان آلمه ما يوجب شقاوته وأفرحه ما يوجب سعادته أو تقول صدور الطاعة من العبد علامة على رضي مولاه وصدور المعصية علامة على غضبه فالقلب الحي يحس بما يرضيه عند مولاه فيفرح وما يسخطه عليه فيحزن والقلب الميت لا يحس بشيء قد أستوى عنده وجود الطاعة والمعصية لا يفرح بطاعة وموافقة ولا يحزن على زلة ولا معصية كما هو شأن الميت في الحس وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من سرته حسناته وساءته فهو مؤمن وقال عبد الله بن مسعود المؤمن يرى ذنوبه كأنه في أصل جبل يخاف أن يقع عليه والفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا فأطاره اه لكن لا ينبغي للعبد أن يغلب النظر إلى جانب الذنب فيقل رجاؤه ويسئ الظن بسيده كما أشار إليه بقوله لا يعظم الذنب عندك عظمة تصدك عن حسن الظن بالله قلت الناس في الخوف والرجا على ثلاثة أقسام أهل البداية ينبغي لهم تغليب جانب الخوف وأهل الوسط ينبغي لهم أن يعتدل خوفهم ورجاؤهم وأهل النهاية يغلبون جانب الرجاء أما أهل البداية فلأنهم إذا غلبوا جانب الخوف جدوا في العمل وأنكفوا عن الزلل فبذلك تشرق نهايتهم والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وأما أهل الوسط فلأنهم قد أنتقلت عبادتهم إلى تصفية بواطنهم فعبادتهم قلبية فلو غلبوا جانب الخوف لرجعوا إلى عبادة الجوارح والمطلوب منهم عبادة البواطن على رجاء الوصول وخوف الفظيعة فيعتدل خوفهم ورجاؤهم وأما الواصلون فلا يرون لأنفسهم فعلاً ولا تركا فهم ينظرون إلى تصريف الحق وما يجري به سابق القدر فيتلقونه بالقبول والرضاء فإن كان طاعة شكروا وشهدوا منة الله وأن كان معصية أعتذروا وتأدبوا ولم يقفوا مع أنفسهم إذ لا وجود لها عندهم وإنما ينظرون إلى ما يبرز من عنصر القدرة فنظرهم إلى حمله وعفوه وأحسانه وبره أكثر من نظرهم إلى بطشه وقهره ويرحم الله الشافعي حيث قال
فلما قسي قلبي وضاقت مذاهبي ... جعلت الرجا مني لعفوك سلماً
تعاظمني ذنبي فلما قرنته ... بعفوك ربي كان عفوك أعظماً
فما زلت ذا جود وفضل ومنة ... تجود وتعفوا منة وتكرماً
فياليت شعري هل أصير لجنة ... أهنا وإما للسعير فأندما

قال تعالى " قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله أن الله يغفر الذنوب جميعاً أنه هو الغفور الرحيم " وتأمل قضية الذي قتل تسعاً وتسعين نفساً ثم سأل راهباً فقال له هل لي من توبة فقال له لا توبة لك فكمل به المائة ثم أتى عالماً فسأله فقال له من يحول بينك وبينها ولكن أذهب إلى قرية كذا ففيها قوم يعبدون الله فكن فيهم حتي تموت فلما توسط الطريق أدركه الموت فأختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فأوحي الله إليهم أن قيسوا القرية التي خرج إليها والقرية التي خرج منها فألى أيهما كان أقرب فهو من أهلها فأوحي الله إلى القرية التي يريد أن تقاربي وإلى القرية التي خرج منها أن تباعدي فوجد أقرب إلى القرية التي يريد بشبر فأخذته ملائكة الرحمة والحديث في الصحيحين نقلته بالمعني وقال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه العامة إذا خوفوا خافوا وإذا رجوا رجوا والخاصة متى خوفوا رجوا وتى رجوا خافوا قال في لطائف المنن ومعنى كلام الشيخ هذا أن العامة واقفون مع ظواهر الأمر فإذا خوفوا خافوا إذ ليس لهم نفوذ إلى ما وراء العبارة بنور الفهم كما لأهل الله وأهل الله إذا خوفوا رجوا عالمين أن من وراء خوفهم وما خوفوا به أوصاف المرجو الذي لا ينبغي أن يقنط من رحمته ولا أن ييئس من منته فأحتالوا على أوصاف كرمه علماً منهم ما خوفهم إلا ليجمعهم عليه وليردهم بذلك إليه وإذا رجوا يخافون غيب مشيئته الذي هو من وراء رجائهم وخافوا أن يكون ما ظهر من الرجاء أختباراً لعقولهم هل تقف مع الرجاء أو تنفذ إلى ما بطن في مشيئته فلذلك أثار الرجاء خوفهم اه ودخل الجنيد رضي الله عنه على شيخه السري فوجده مقبوضاً فقال له مالك أيها الشيخ مقبوضاً فقال دخل علي شاب فقال لي ما حقيقة التوبة فقلت له أن لا تنسي ذنبك فقال الشاب بل التوبة أن تنسي ذنبك ثم خرج عني قال الجنيد فقلت الصواب ما قاله الشاب لأني إذا كنت في حالة الجفاء ثم نقلني إلى شهود الصفاء فذكر الجفاء في حال الصفاء جفاء اه قلت نظر السري إلى أهل البداية ونظر الجنيد إلي أهل النهاية والكل صواب والله تعالى أعلم ثم ذكر موجب تصغير الذنب فقال فإن من عرف ربه أستصغر في جنب كرمه ذنبه قلت بل من عرف ربه غاب عن رؤية ذنبه لفنائه عن نفسه بشهود ربه فإن صدر منه فعل يخالف الحكمة غلب عليه شهود النعمة قال تعالى نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأما قوله تعالى " وأن عذابي هو العذاب الأليم " فإنما هو لمن لم يتب وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أذنبتم حتى تبلغ خطاياً كم عنان السماء ثم تبتم لتاب الله عليكم ولو أن العباد لم يذنبو لذهب الله بهم ثم جاء بقوم آخرين يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم وهو الغفور الرحيم والله أفرح بتوبة عبده من الظمآن الوارد ومن العقيم الوالد ومن الضال الواحد لكن لا ينبغي أن يصغر عنده ذنبه حتى يغتر بحلم الله وقد أوحى الله إلى داوود عليه السلام يا داوود قل لعبادي الصديقين لا يغتروا فأني أن أقم عليهم عدلي وقسطي أعذبهم غير ظالم لهم وقل لعبادي المذنبين لا يقنطوا فإنه لا يعظم على ذنب أغفره لهم اه وقال الجنيد رضي الله عنه إذا بدت عين من الكريم ألحقت المشيء بالمحسن وقال الشيخ أبو العباس رضي الله عنه في حزبه ألهي معصيتك نادتني بالطاعة وطاعتك نادتني بالمعصية ففي أيهما أخاف وفي أيهما أرجو أن قلت بالمعصية قابلتني بفضلك فلم تدع لي خوفاً وأن قلت بالطاعة قابليني بعدلك فلم تدع لي رجاء فليت شعري كيف أرى أحساني مع أحسانك أم كيف أجهل فضلك مع عصيانك اه ومعنى كلام الشيخ رضي الله عنه أن العبد إذا كان في المعصية شهد قهرية الحق وعظمته وضعف نفسه وعجزه أكتسب من المعصية أنكساراً وذلاً لنفسه وتعظيماً وأجلالاً لربه وهذا أفضل الطابعات فقد نادته معصيته التي هو فيها بالطاعة التي يجتنيها منها وإذا كان في الطاعة ربما شهد فيها نفسه وقصد متعته وحظه فأشرك بربه وأخل بأدبه وهذه معصية فإذا كان في الطاعة نادته بهذه المعصية التي يجتنيها منها فلا يدري من أيهما يخاف وأيهما يرجو وقوله أن قلت بالمعصية إلخ أي أن نظرت إلى صورة المعصية قابلتني بفضلك فأمتحي أسمها وأندرس رسمها وأن نظرت إلى صورة الطاعة قابلتني بعدلك فأضمحلت وأمتحت وبقي محض الرجاء من الكريم الوهاب الذي يعطي بلا سبب ويغطي

بحلمه المناقشة والعتاب والله تعالى أعلم فتحصل أن العارف لا يقف مع معصية وأن جلت ولا مع طاعة وأن عظمت وهو معنى قوله لا صغيرة إذا قابلك عدله ولا كبيرة إذا واجهك فضله قلت الصغيرة هي الجريمة التي لا وعيد فيها من القرآن ولا من الحديث والكبيرة هي التي توعد عليها بالعذاب أو الحد في القرآن أو في السنة وقيل غير ذلك هذا كله بالنظر لظاهر الأمر وأما بإعتبار ما عند الله من أمر غيبه وبالنظر إلى حلمه وعدله فقد يبرز خلاف ما يظن قال تعالى وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون فمن سبقت له العناية لا تضره الجناية فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وأن كانت الأعمال علامات فقد تختلف في بعض المقامات فوجب أستواء الرجاء والخوف في بعض المقامات والتسليم لله في كل الأوقات إذ قد تمت كلمات ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته فإذا قابلك الحق سبحانه وتعالى بعدله وجلاله لم تبق لك صغيرة وعادت صغائرك كبائر وإذا واجهك الحق تعالى بفضله وكرمه وأحسانه وجماله لم تبق لك كبيرة وعادت كبائرك صغائر قال يحيى بن معاذ الرازي رضي الله عنه إذا أنالهم فضله لم تبق لهم سيئة وإذا وضع عليهم عدله لم تبق لهم حسنة اه وقيل لو وزن رجاء المؤمن وخوفه ما رجح أحدهما على الآخر بل المؤمن كالطائر بين جناحين أو كما قيل قاله الشيخ زروق رضي الله عنه قلت وحديث الرجل الذي تمد له تسع وتسعون سجلاً كل سجل مد البصر ثم تخرج له بطاقة قدر الأنملة فيها شهادة أن لا إله إلا الله فتطيش تلك السجلات يدل على عظيم حمله ورحمته وشمول كرمه ومنته ولما ذكر رضي الله عنه علامة موت القلب ذكر الأعمال التي توجب حياته فقال لا عمل أرجي للقلوب من عمل يغيب عنك شهوده ويتحقر عندك وجوده قلت هكذا هي نسخة الشيخ بلفظ القلوب وهي أوفق بالسياق إذ الكلام كله في موت القلوب وحياتها يعني أنه لا عمل أرجي لحياة القلوب من عمل يكون بالله ولله غائباً فيه عما سواه غير ملاحظ فيه حظوظه وهواه متبرءاً فيه من حوله وقواه فإذا أظهرته عليه القدرة غاب عن شهوده وصغر في عينه صورة وجوده لما تجلى في قلبه من عظمة مولاه فصغر عنده كل ما سواه فمثل هذا العمل تحيي به القلوب وتحظي بمشاهدة علام الغيوب وهو روح اليقين وهو حياة قلوب العارفين فإذا أراد الله أن يتولى عبده أنهضه للعمل وصغره في عينه فلا يزال جاداً في عمل الجوارح حتى ينقله إلى عمل القلوب فتستريح الجوارح من التعب ولا يبقي إلا شهود العظمة مع الأدب قال النهر جوري رحمه الله من علامات من تولاه الله في أحواله أن يشهد التقصير في أخلاصه والغفلة في أذكاره والنقصان في صدقه والفتور في مجاهدته وقلة المراعاة في فقره فتكون جميع أحواله عنده مرضية ويزداد فقراً إلى الله في قصده وسيره حتي يغني عن كل شيء دونه اه وإذا حيي القلب بمعرفة الله كان محلاً لتجلي الواردات الألهية وإلى ذلك أشار بقوله إنما أورد عليك الوارد لتكون به عليه وارداً قلت الوارد نور إلهي يقذفه الله في قلب من أحب من عباده وهو على ثلاثة أقسام على حسب البداية والوسط والنهاية أو تقول على حسب الطالبين والسائرين والواصلين القسم الأول وارد الأنتباه وهو نور يخرجك من ظلمة لغفلة إلى نور اليقظة وهو لأهل البداية من الطالبين فإذا تيقظ من نومه وأنتبه من غفلته أستوى على قدمه طالباً لربه فيقبل عليه بقلبه وبقالبه وينجمع عليه بكليته القسم الثاني وارد الأقبال وهو نور يقذفه الله في قلب عبده فيحركه لذكر مولاه ويغيبه عما سواه فلا يزال مشتغلاً بذكره غائباً عن غيره حتى يمتلأ القلب بالنور ويغيب عما سوى المذكور فلا يرى إلا النور فيخرج من سجن الأغيار ويتحرر من رق الآثار القسم الثالث وارد الوصال وهو نور يستولي على قلب العبد ثم يستولي على ظاهره وباطنه فيخرجه من سجن نفسه ويغيبه عن شهود حسه وقد أشار إلى القسم الأول وهو وارد الأنتباه بقوله إنما أورد عليك إلخ أي إنما أشرق عليك نور اليقظة والأنتباه وهو الوارد لتكون بسببه وارداً عليه وسائراً إليه ولو لم يورد عليك هذا الوارد لبقيت في وطن غفلتك نائماً في سكرتك دائماً في حسرتك ثم أشار إلى القسم الثاني وهو وارد الأقبال فقال أورد عليك الوارد ليتسلمك من يد الأغيار وليحررك من رق الآثار أي إنما أورد عليك وارد الأقبال ليؤنسك بذكر الكبير المتعال فإذا إشتغلت بذكره وغبت

عن غيره تسلمك أي أنقذك من يد لصوص الأغيار بعد أن شدوا أوثاقك بحبل هواك وسجنوك في سجن حظوظك ومناك وليحررك ويعتقك أيضاً من رق الآثار بعد أن ملكتك بما أظهرته لك من زخرف الأغترار فإذا تسلمت من بد الأغيار أفضيت إلى شهود الأنوار وإذا تحررت من رق الآثار ترقيت إلى شهود الأسرار فالأنوار أنوار الصفات والأسرار أسرار الذات فالأنوار لأهل الفناء في الصفات والأسرار لأهل الفناء في الذات ثم أشار إلى القسم الثالث وهو وارد الوصال فقال أورد عليك الوارد ليخرجك من سجن وجودك إلى فضاء شهودك أي إنما أورد عليك وارد الوصال بعد أن أهب عليك نفحات الأقبال ليخرجك من سجن رؤية وجودك إلى فضاء أي أتساع شهودك لربك فرؤيتك وجودك مانعة لك من شهود ربك إذ محال أن تشهده وتشهد معه سواه وجودك ذنب لا يقاس به ذنب وأنشد الجنيده تسلمك أي أنقذك من يد لصوص الأغيار بعد أن شدوا أوثاقك بحبل هواك وسجنوك في سجن حظوظك ومناك وليحررك ويعتقك أيضاً من رق الآثار بعد أن ملكتك بما أظهرته لك من زخرف الأغترار فإذا تسلمت من بد الأغيار أفضيت إلى شهود الأنوار وإذا تحررت من رق الآثار ترقيت إلى شهود الأسرار فالأنوار أنوار الصفات والأسرار أسرار الذات فالأنوار لأهل الفناء في الصفات والأسرار لأهل الفناء في الذات ثم أشار إلى القسم الثالث وهو وارد الوصال فقال أورد عليك الوارد ليخرجك من سجن وجودك إلى فضاء شهودك أي إنما أورد عليك وارد الوصال بعد أن أهب عليك نفحات الأقبال ليخرجك من سجن رؤية وجودك إلى فضاء أي أتساع شهودك لربك فرؤيتك وجودك مانعة لك من شهود ربك إذ محال أن تشهده وتشهد معه سواه وجودك ذنب لا يقاس به ذنب وأنشد الجنيد
وجودي أن أغيب عن الوجود ... بما يبدو على من الشهود
فالفناء عن النفس وزوالها أصعب من الفناء عن الكون وهدمه فمهما زالت النفس وهدمت أنهدم الكون ولم يبق له أثر وقد يهدم الكون وتبقي في النفس بقية فلذلك قدم الشيخ رق الأكوان على سجن وجود الأنسان والله تعالى أعلم ثم فسر تلك الواردات فقال الأنوار مطايا القلوب والأسرار قلت النور نكتة تقع في قلب العبد من معنى أسم أو صفة يسري معناها في كليته حتى يبصر الحق والباطل أبصاراً لا يمكنه التخلف معه عن موجبه قاله الشيخ زروق والمطايا جمع مطية وهي الناقة المهيئة للركوب والقلوب جمع قلب وهو الحقيقة القابلة للمفهومات والأسرار جمع سر وهو الحقيقة القابلة للتجليات والسر أدق وأصفي من القلب والكل أسم للروح فإن الروح ما دامت متظلمة بالمعاصي والذنوب والشهوات والعيوب سميت نفساً فإذا أنزجرت وأنعقلت أنعقال البعير سميت عقلاً فما زالت تتقلب في الغفلة والحضور سميت قلباً فإذا أطمأنت وسكنت وأستراحت من تعب البشرية

سميت روحاً فإذا تصفت من غبش الحس سميت سراً لكونها صارت سراً من أسرار الله حين رجعت إلى أصلها وهو سر الجبروت فإذا أراد الله تعالى أن يوصل عبده إلى حضرة قدسه ويحمله إلى محل أنسه أمده بواردات الأنوار كالمطايا فيحمل عليها في محفة العناية مروحاً عليه بنسيم الهداية محفوفاً بنصرة الرعاية فترحل الروح من عوالم البشرية إلى عوالم الروحانية حتى تصير سراً من أسرار الله لا يعلمها إلا الله قل الروح من أمر ربي فالأنوار التي هي الواردات مطايا القلوب تحملها إلى حضرة علام الغيوب وهي أيضاً مطايا الأسرار تحملها إلى جبروت العزيز الجبار فالسلوك هداية والجذب عناية فوارد الأنتباه والأقبال حمله سلوك ووارد الوصال حمله جذب فالأنوار التي هي مطايا القلوب تحملهم على وجهة السلوك إلا أنهم محمولون فيه بحلاوة نور الأنتباه والأقبال فصار سلوكهم كأنه جذب وأما الأنوار التي تحملهم على مطايا الأسرار فأنها تحملهم على جهة الجذب ممزوجاً بسلوك فيكونون بين جذب وسلوك وهذا الحمل أعظم والله تعالى أعلم ثم بين كيفية السير على هذه المطايا وما يعوقها عن السير فقال النور جند القلب كما أن الظلمة جند النفس فإذا أراد الله أن ينصر عبده أمده بجنود الأنوار وقطع عنه مدد الظلم والأغيار قلت الظلمة نكتة تقع من الهوى في النفس عن عوارض الوهم فتوجب العمى عن الحق لتمكن الباطل من الحقيقة فيأتي العبد ويذر على غير بصيرة قاله الشيخ زورق قلت قد تقدم أن النفس والعقل والقلب والروح والسر أسماء لمسمى واحد وهو اللطيفة الربانية النورانية المودعة في هذا القالب الجسماني الظلماني وإنما أختلفت أسماؤها بأختلاف أحوالها وتنقل أطوارها ومثال ذلك كماء المطر النازل في أصل الشجر ثم يصعد في فروعها فيظهر ورقاً ثم نوراً وأزهاراً ثم يعقد ثمرة ثم ينمو حتى يكمل فالماء واحد وأختلفت أسماؤه بإختلاف أطواره هكذا قال الساحلي في بغيته وقد نظمت في ذلك قصيدة ذكرت في غير هذا الكتاب فعلى هذا يكون تقابل القلب مع النفس بالمحاربة كناية عن صعوبة أنتقال الروح من وطن الظلمة التي هي محل النفس إلى وطن النور الذي هو القلب وما بعده فالقلب يحاربها لينقلها إلى أصلها وهي تتقاعد وتسقط إلى أرض البشرية وشهواتها فالقلب له أنوار الواردات تقربه وتنصره حتى يترقي إلى الحضرة التي هي أصله وفيها كان وطنه وكأنها جنود له من حيث أنه يتقوى بها وينتصر على ظلمة النفس.

وهذه الأنوار هي الواردات المتقدمة والنفس لمار كنت إلى الشهوات وأستحلتها صارت كأنها جنود لها وهي ظلمة من حيث أنها حجبتها عن الحق ومنعتها من شهود شموس العرفان فإذا هاجت النفس بجنود ظلماتها وشهواتها إلى معصية أو شهوة رحل إليها القلب بجنود أنواره فيلتحم بينهما القتال فإذا أراد الله عناية عبده ونصره أمد قلبه بجنود الأنوار وقطع عنه من جهة النفس مدد الأغيار فيستولي النور على الظلمة وتولي النفس منهزمة وإذا أراد الله خذلان عبده أمد نفسه بالأغيار وقطع عن قلبه شوارق الأنوار فيأتي المنصور بالأمر على وجهه والمخذول بالشيء على عكسه قال الشيخ زروق رضي الله عنه وأمداد الأنوار ثلاثة أولها يقين لا يخالطه شك ولا ريب الثاني علم تصحبه بصيرة وبيان الثالث الهام يجري معد العيان وإمداد الظلم ثلاثة أولها ضعف اليقين الثاني غلبة الجهل على النفس الثالث والشفقة على النفس وذلك كله أصله الرضي عن النفس وعدمه ومظهره الثلاث المرتبة عليه وهي المعاصي والشهوات والغفلات وأضدادها المتقدمة في الباب الثالث فأفهم اه ولما كان النور هو جند القلب لأنه يكشف عن حقائق الأشياء فيتميز الحق من الباطل فيحق الحق ويبطل الباطل فينتصر القلب بإقباله على الحق على بينة واضحة وتنهزم النفس بأنهزام جند ظلماتها إذ لابقاء للظلمة مع وضوح النور كما أشار إلى ذلك بقوله النور له الكشف والبصيرة لها الحكم والقلب له الأقبال والأدبار قلت النور من حيث هو من شأنه أن يكشف الأمور ويوضحها حتى حسنها من قبيحها ومن شأن البصيرة المفتوحة أن تحكم على الحسن بحسنه وعلى القبيح بقبحه والقلب يقبل على ما يثبت حسنه ويدبر عن ما يثبت قبحه أو تقول يقبل على ما فيه نفعه ويدبر عما فيه ضرره ومثال ذلك رجل دخل بيتاً مظلماً فيه عقارب وحيات وفيه سبائك ذهب وفضة فلا يدري ما يأخذ ولا ما يذر ولا ما فيه نفع ولا ضرر فإذا أدخل فيه مصباحاً رأى ما ينفعه وما يضره وما يأمنه وما يحذره كذلك قلب المؤمن العاصي لا يفرق بين مرارة المعصية وحلاوة الطاعة فإذا استضاء بنور التقوى عرف ما يضره وما ينفعه وفرق بين الحق والباطل قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا أن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً " أي نوراً يفرق بين الحق والباطل وقال تعالى أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس وقال تعالى أفمن شرح الله صدره للأسلام فهو على نور من ربه وهذا النور الذي يكشف الأمور هو نور الواردات المتقدمة الذي هو مطايا القلوب إلى علام الغيوب أولها نور وارد الأنتباه ومن شأنه أن يكشف ظلمة الغفلة ويظهر نور اليقظة فتحكم البصيرة بقبح الغفلة وحسن اليقظة فيقبل القلب حينئذ على ذكر ربه ويدبر عما يغفله عن ربه وهذا هو نور الطالبين الثاني نور وارد الأقبال ومن شأنه أن يكشف ظلمة الأغيار ويظهر بهجة المعارف والأسرار فتحكم البصيرة بضرر الأغيار وحسن الأسرار فيقبل القلب على بهجة الأسرار.

ويدبر عن ظلمة الأغيار وهذا هو نور السائرين الثالث نور وارد الوصال ومن شأنه أن يكشف ظلمة الكون ورداء الصون ويظهر نور تجليات المكون فيقبل القلب على مشاهدة مولاه ويدبر عن الألتفات إلى ما سواه وهذا هو نور الواصلين وهو نور المواجهة ونور ما قبله نور التوجه وأن شئت قلت هو نور الأسلام والإيمان والأحسان فنور الأسلام يكشف ظلمة الكفر والعصيان ويظهر نور الأنقياد والأذعان فتحكم البصيرة بقبح الكفر والعصيان وحسن نور الأسلام والأذعان فيقبل القلب على طاعة ربه ويعرض عما يبعده من ربه ونور الإيمان يكشف ظلمات الشرك الخفي ويظهر بهجة الأخلاص والصدق الوفي فتحكم البصيرة بقبح الشرك وضرره وحسن الأخلاص وخيره فيقبل القلب على توحيد ربه ويعرض عن الشرك وشره ونور الأحسان يكشف ظلمة السوي ويظهر نور وجود المولى فتحكم البصيرة بقبح ظلمة الأثر وحسن نور المؤثر فيقبل القلب على معرفة مولاه ويغيب بالكلية عما سواه وأن شئت قلت هذا النور هو نور الشريعة والطريقة والحقيقة فنور الشريعة يكشف ظلمة البطالة والتقصير ويظهر نور المجاهدة والتشمير فتحكم البصيرة بقبح البطالة وحسن المجاهدة فيقبل القلب على مجاهدة الجوارح في طاعة مولاه ويدبر عن متابعة حظوظه وهواه ونور الطريقة يكشف ظلمة المساوي والعيوب ويظهر بهجة الصفاء وما يثمره من علم الغيوب فتحكم البصيرة بقبح العيوب وحسن الصفا وعلم الغيوب فيقبل القلب على ما يوجب التصفية ويدبر عما يمنعه من التخلية والتحلية ونور الحقيقة يكشف ظلمة الحجاب ويظهر له محاسن الأحباب أو تقول نور الحقيقة يكشف له ظلمة الأكوان ويظهر نور الشهود والعيان فيقبل القلب على مشاهدة الأحباب داخل الحجاب ويدبرعما يقطعه عن الأدب مع الأحباب جعلنا الله معهم على الدوام في هذه الدار وفي دار السلام آمين.
ولما كان أصل كل نور وسر وخير هو طاعة الله وأصل كل ظلمة وحجاب وبعد هو معصية الله ومن علامة حياة القلب فرحه بالطاعة وحزنه على صدور المعصية نبهك الشيخ على وجه الفرح بالطاعة التي هي سبب نور القلوب ومفاتيح الغيوب فقال لا تفرحك الطاعة لأنها برزت منك وأفرح بها لأنها برزت من الله إليك قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون قلت قد تقدم في الحديث من سرته وحسناته وساءته وسيئاته فهو مؤمن والناس في الفرح بالطاعة على ثلاثة أقسام قسم فرحوا بها لما يرجون عليها من النعيم ويدفعون بها من عذابه الأليم فهم يرون صدورها من أنفسهم لأنفسهم لم يتبرؤا فيها من حولهم وقوتهم وهم من أهل قوله تعالى إياك نعبد وقسم فرحوا بها من حيث أنها عنوان الرضي والقبول وسبب في القرب والوصول فهي هدايا من الملك الكريم ومطايا تحملهم إلى حضرة النعيم لا يرون لأنفسهم تركاً ولا فعلاً ولا قوة ولا حولاً يرون أنهم محمولون بالقدرة الأزلية مصرفون عن المشيئة الأصلية وهم من أهل قوله تعالى إياك نستعين فأهل القسم الأول عبادتهم لله وأهل القسم الثاني عبادتهم بالله وبقدرة الله وبينهما فرق كبير وقسم ثالث فرحهم بالله دون شيء سواه فانون عن أنفسهم باقون بربهم فإن ظهرت منهم طاعة فالمنة لله وأن ظهرت منهم معصية أعتذروا لله أدباً مع الله لا ينقص فرحهم أن ظهرت منهم زلة ولا يزيد أن ظهرت منهم طاعة أو يقظة لأنهم بالله ولله من أهل لا حول ولا قوة إلا بالله وهم العارفون بالله فإن ظهرت منك أيها المريد طاعة أو أحسان فلا تفرح بها من حيث أنها برزت منك فتكون مشركاً بربك فإن الله تعالى غني عنك وعن طاعتك وغنى عن أن يحتاج إلى من يطيعه سواه قال الله تعالى ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه أن الله لغني عن العالمين وقال صلى الله عليه وسلم حاكياً عن ربه عز وجل يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وأنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد ما زاد ذلك في ملكي شيئاً الحديث.

وأفرح بها من حيث أنها هدية من الله إليك تدل على إنك من مظاهر كرمه وفضله وإحسانه فالفرح إنما هو بفضل الله وبرحمته قال تعالى قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا ففضل الله هو هدايته وتوفيقه ورحمته هو إجتباؤه وتقريبه وقيل فضل الله الأسلام ورحمته القرآن وقيل فضل الله هداية الدين ورحمته جنة النعيم وقيل فضل الله توحيد الدليل والبرهان ورحمته توحيد الشهود والعيان وقيل غير ذلك والله تعالى أعلم ولما كان الفرح بالطاعة قد يتوهم أنه فرع رؤيتها والنظر إليها رفع ذلك بقوله قطع السائرين له والواصلين إليه عن رؤية أعمالهم وشهود أحوالهم أما السائرون فلأنهم لم يتحققوا الصدق مع الله فيها وأما الواصلون فلأنه غيبهم بشهوده عنها قلت قطع هنا بمعنى عيب ولو عبر به لكان أظهر وأسهل لما في التعبير بالقطع من الشؤمة وفي عبارته شيء من النقص فلو قال غيب السائرين له عن رؤية أعمالهم وأحوالهم والواصلين إليه عن رؤية وجودهم أما السائرون فلأنهم لم يتحققوا فيها الصدق مع الله وأما الواصلون فلأنهم لم يشهدوا مع الله سواه يعني أن الحق تعالى غيب السائرين له والواصلين إليه عن رؤية أعمالهم الظاهرة وشهود أحوالهم الباطنية أما السائرون فلأنهم يتهمون أنفسهم على الدوام فمهما صدر منهم إحسان ولاح لهم يقظة أو وجدان رأوها في غاية الخلل والنقصان فأستحيوا من الله أن يعتمدوا عليها أو يعتدوا بها فغابوا عن أعمالهم وأحوالهم وأعتمدوا على فضل ربهم فالصدق هو لب الأخلاص وسره أي لم يتحققوا بسر الأخلاص فيها فلم يروها ولم يركنوا إليها سئل بعض العارفين ما علامة قبول العمل قال نسيانك إياه وأنقطاع نظرك عنه بالكلية بدلالة قوله تعالى إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه وقال زين العابدين رضي الله عنه كل شيء من أفعالك إذا أتصلت به رؤيتك فذلك دليل على أنه لم يقبل لأن المقبول مرفوع مغيب عنك وما أنقطعت عنه رؤيتك فذاك دليل على القبول اه وأما الواصلون فلأنهم فانون عن أنفسهم غائبون في شهود معبودهم فحركاتهم وسكناتهم كلها بالله ومن الله وإلى الله إذ محال أن تشهده وتشهد معه سواه فإن ظهرت عليهم طاعة أو صدر منهم إحسان شهدوا في ذلك الواحد المنان حكي عن الواسطي رحمه الله أنه لما دخل نيسابور سأل أصحاب أبي عثمان بماذا كان يأمركم شيخكم فقالوا كان يأمرنا بإلتزام الطاعة ورؤية التقصير فيها فقال أمركم بالمجوسية المحضة هلا أمركم بالغيبة عنها بشهود مجريها ومنشيها اه قال القشيري أراد صيانتهم عن الأعجاب ودلالتهم على الآداب اه فضمير قطع يعود إلى الحق سبحانه وتعالى والسائرين والواصلين مفعول به وأعلم أن السائرين في كلام الشيخ هم القسم الثاني الذين فرحهم بالطاعة من حيث أنها عنوان القبول ولا يلزم من الفرح بها رؤيتها إذ قد يفرح بها من حيث أنها منة من الله ويقطع رؤيته عنها من حيث أعتماده على الله والواصلون هنا هم القسم الثالث الذين هم فرحهم بالله دون شيء سواه والله تعالى أعلم هذا آخر الباب السادس وبه أنتهي ربع الكتاب وحاصلها علاج القلوب وعلامة موتها ومرضها وصحتها وأستمداد أنوارها وأتصال وارداتها حتي تغيب عن شهود أعمالها وأحوالها وتفني عن دائرة حسها بأتساع فضاء شهودها وفي ذلك شرفها وعزها وفي ضد ذلك وهو رؤية المخلوق والركون إليه ذلها وهوانها وبذلك أفتتح الباب السابع فقال وقال رضي الله عنه ما بسقت أغصان ذل إلا على بذر طمع قلت ألبسوق هو الطول قال تعالى " والنخل باسقات " أي طويلات والبذر الذريعة والطمع تعلق القلب بما في أيدي الخلق وتشوف القلب إلى غير الرب وهو أصل شجرة الذل فما بسقت أغصان شجرة الذل إلا على زريعة الطمع ولذلك قال الشيخ أبو العباس المرسي والله ما رأيت العز إلا في رفع الهمة عن الخلق وإنما كان الطمع هو أصل الذل لأن صاحب الطمع ترك رباً عزيزاً وتعلق بعبد حقير فأحتقر مثله ترك رباً كريماً وتعلق بعبد فقير فأفتقر مثله ترك رفع همته إلى الغنى الكريم وأسقط همته إلى الدني اللئيم إن الله يرزق العبد على قدر همته وأيضاً كان عبد الله حراً مما سواه صار عبداً للمخلوق وعبداً لنفسه وهواه لأنك مهماً أحببت شيئاً وطمعت فيه إلا كنت عبداً له ومهما أيست من شيء ورفعت همتك عنه إلا كنت حراً منه وفي ذلك يقول الشاعر

أبت المطامع أن تهشمني ... إني لمعولها صفا صلد
العبد حر ما عصي طمعاً ... والحر مهما طاعه عبد
قال في التنوير وكن أيها العبد إبراهيمياً فقد قال أبوك إبراهيم صلوات الله عليه وسلامه لا أحب الآفلين وكل ما سوى الله آفل إما وجوداً وإما إمكاناً وقد قال سبحانه ملة أبيكم إبراهيم فواجب على المؤمن أن يتبع ملة إبراهيم ومن ملة إبراهيم رفع الهمة عن الخلق فإنه يوم زج به في المنجنيق تعرض له جبريل عليه السلام فقال ألك حاجة فقال أما إليك فلا وأما إلى الله فبلى قال فأسئله قال حسبي من سؤالي عمله بحالي فأنظر كيف رفع إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه همته عن الخلق ووجهها إلى الملك الحق فلم يستغث بجبريل ولا أحتال على السؤال من الله بل رأى الحق سبحانه أقرب إليه من جبريل ومن سؤله فلذلك سلمه من نمروذ ونكاله وأنعم عليه بنواله وأفضاله وخصه بوجود إقباله ومن ملة إبراهيم معاداة كل ما شغل عن الله وصرف الهمة بالود إلى الله لقوله تعالى " فأنهم عدو لي إلا رب العالمين " والغني إن أردت الدلالة عليه فهو في اليأس وقد قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه أيست من نفع نفسي لنفسي فكيف لا أيأس من نفع غيري لها ورجوت الله لغيري فكيف لا أرجوه لنفسي وهذا هو الكيمياء والأكسير الذي من حصل له حصل له غني لا فاقة فيه وعز لاذل معه وأنفاق لأنفاد له وهو كيميا أهل الفهم عن الله تعالى قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه صحبني أنسان وكان ثقيلاً على فباسطته فأنبسط وقلت يا ولدي ما حاجتك ولم صحبتني قال يا سيدي قيل لي أنك تعلم الكيمياء فصحبتك لأتعلم منك فقلت له صدقت وصدق من حدثك ولكن أخالك أي أظنك لا تقبل فقال بل أقبل فقلت نظرت إلى الخلق فوجدتهم على قسمين أعداء وأحباء فنظرت إلى الأعداء فعلمت أنهم لا يستطيعون أن يشوكوني بشوكة لم يردني الله بها فقطعت نظري عنهم ثم تعلقت بالأحباء فرأيتهم لا يستطيعون أن ينفعوني بشيء لم يردني الله به فقطعت يأسي منهم وتعلقت بالله فقيل لي إنك لا تصل إلى حقيقة هذا الأمر حتى تقطع يأسك منا كما قطعته من غيرنا أن نعطيك غير ما قسمنا لك في الأزل وقال مرة أخرى لما سئل عن الكيمياء قال أخرج الخلق من قلبك وأقطع يأسك من ربك أن يعطيك غير ما قسم لك وليس يدل على فهم العبد كثرة علمه ولا مداومته على ورده إنما يدل على نوره وفهمه غباه بربه وأنحياشه إليه بقلبه وتحرزه من رق الطمع وتحليه بحلية الورع وبذلك تحسن الأعمال وتزكوا الأحوال قال تعالى " أنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملاً " فحسن الأعمال إنما هو الفهم عن الله والفهم هو ما ذكرناه من الأغتناء بالله والأكتفاء به والأعتماد عليه ورفع الحوائج إليه والدوام بين يديه وكل ذلك من ثمرة الفهم عن الله وتفقد وجود الورع من نفسك أكثر مما تتفقد ما سواه وتطهر من الطمع في الخلق فلو تطهر الطامع فيهم بسبعة أبحر ما طهره إلا اليأس منهم ورفع الهمة عنهم وقدم علي رضي الله عنه البصرة فدخل جامعاً فوجد القصاص يقصون فأقامهم حتى وجد الحسن البصري فقال يا فتى أني سائلك عن أمر فإن أجبت عنه أبقينك وإلا أقمنك كما أقمت أصحابك وكان قد رأى عليه سمتاً وهدياً فقال الحسن سل عما شئت فقال ما ملاك الدين قال قال الورع قال فما فساد الدين قال الطمع قال أجلس فمثلك يتكلم على الناس قال وسمعت شيخناً أبا العباس المرسي رضي الله عنه يقول كنت في أبتداء أمري بالأسكندرية فجئت إلى بعض من يعرفني منه حاجة بنصف درهم فقلبت في نفسي لعله لا يأخذه مني فهتف بي هاتف السلامة في الدين بترك الطمع في المخلوقين وسمعته يقول صاحب الطمع لا يشبع أبداً ألا ترى أن حروفه كلها مجوفة الطاء والميم والعين فعليك أيها المريد برفع همتك عن الخلق ولا تذل لهم شأن الرزق فقد سبقت قسمته وجودك وتقدم ثبوته ظهورك وأسمع ما قال بعض المشايخ أيها الرجل ما قدر لما ضغيك أن يمضغاه فلا بد أن يمضغاه فكله ويحك بعز ولا تأكله بذل اه وقال أبو الحسن الوراق رحمه الله من أشعر نفسه محبة شيء من الدنيا فقد قتلها بسيف الطمع ومن طمع في شيء ذل له وبذله هلك وقال أبو بكر الوراق لو قيل للطمع من أبوك لقال الشك في المقدور فلو قيل له ما حرفتك لقال أكتساب الذل فلو قيل له ما غايتك لقال الحرمان اه وفي معنى هذا أنشدوا

أضرع إلى الله لا تضرع إلى الناس ... وأقنع بعز فإن العز في اليأس
وأستغن عن كل ذي قربي وذي رحم ... أن الغني من أستغني عن الناس

ولما كان سبب وجود الطمع هو الوهم والجزع ذكره بأثره فقال ما قادك شيء مثل الوهم قلت يقال قاد الشيء يقوده جره إليه وقدت البهيمة جررتها إليك والوهم أول الخاطر وهو أضعف من الشك والمراد هنا ما خالف اليقين فيصدق بالظن والشك يقول رضي الله عنه ما جرك شيء وقادك إلى الطمع في الخلق والتملق لهم والتذلل لما في أيديهم شيء مثل الوهم يعني أنك لما توهمت أن بيدهم نفعاً أو ضراً أو عطاء أو منعاً طمعت فيهم وتذللت لهم وأعتمدت عليهم وخفت منهم ولو حصل لك اليقين أن أمرهم بيد الله وأنفسهم في قبضة الله عاجزين عن نفع أنفسهم فكيف يقدرون على نفع غيرهم لقطعت يأسك منهم ولرفعت همتك عنهم ولتعلقت همتك برب الأرباب ولنبذت الأصحاب والأحباب أو تقول ما قادك شيء عن حضرة الشهود والعيان إلا توهمك وجود الأكوان ولو أنهتك عنك حجاب الوهم لوقع العيان على فقد الأعيان ولو أشرق نور الأيقان لغطي وجود الأكوان قال في التنوير وإنما منع العباد من السبق إلى الله جواذب التعلق بغير الله فكلما همت قلوبهم أن ترحل إلى الله جذبها ذلك التعلق إلي ما به تعلقت فكرت راجعة إليه ومقبلة عليه فالحضرة محرمة على من هذا وصفه وممنوعة على من هذا نعته قال بعض العارفين لا تظن أن تدخل الحضرة الألهية وشيء من ورائك يجذبك وافهم هنا قوله سبحانه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم والقلب السليم هو الذي لا تعلق له بشيء دون الله وقوله تعالى ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة يفهم منه أيضاً أنه لا يصح مجيئك إلى الله بالوصول إليه إلا إذا كنت فرداً مما سواه وقوله تعالى " ألم يجدك يتيماً فآوى " يفهم أنه لا يأويك إليه إلا إذا صح يتمك مما سواه وقوله عليه السلام أن الله وتر يحب الوتر أي يحب القلب الذي لا يشفع بثنوية الآثار ثم قال وقال بعضهم لو كلفت أن أرى غيره لم أستطع فإنه لا غير معه حتى أشهده معه اه فتحصل أن الوهم حجب عن الله العوام والخواص وأما خواص الخواص فلم يحجبهم عن الله شيء أما العوام فقادهم إلى التعلق بالخلق ومنعهم عن السير إلي الملك الحق فأشتغلوا بمراقبة الأحباب وعداوة من عاداهم من الأصحاب ففاتهم محبة الحبيب ومراقبة الرقيب وأما الخواص فقادهم الوهم إلى ثبوت الآثار والوقوف مع الأنوار فقنعوا بذلك ولم يتشوفوا إلى ما وراء ذلك فالقناعة من الله حرمان وليس الخبر كالعيان وسمعت شيخناً رضي الله عنه يقول والله ما حجب الناس عن الله إلا الوهم والوهم أمر عدمي لا حقيقة له اه وأما خواص الخواص فلم يحجبهم عن الله شيء قطعوا حجاب الوهم وحصل لهم من الله العلم والفهم فلم يتعلقوا بشيء ولم يحجبهم عن الله شيء جعلنا الله منهم بمنه وكرمه ولما كان الوهم ينشأ عنه الطمع والطمع ينشأ عنه الذل والعبودية واليقين ينشأ عنه الورع والورع ينشأ عنه العز والحرية نبه عليه بقوله أنت حر مما أنت عنه آيس وعبد لما أنت فيه طامع قلت إنما كان الأنسان حراً مما أيس منه لأنه لما أيس من ذلك الشيء رفع همته عنه وعلقها بالملك الحق فلما علق همته بالملك الحق سخر الحق له تعالي له سائر الخلق فكانت الأشياء كلها عبيداً له ومسخرة لأمره أنت مع الأكوان ما لم تشهد المكون فإذا شهدت المكون كانت الأكوان معك فمن كان عبداً لله كان حراً مما سواه وإنما كان الأنسان عبداً لما طمع فيه لأن الطمع في الشيء يقتضي المحبة له والخضوع والأنقياد إليه فيكون عند أمره ونهيه لأنك حبك لشيء يعمي ويصم وهذه حقيقة لعبودية وفي هذا المعنى قيل العبد حر ما قنع، والحر عبد ما طمع، وما أقبح الأنسان الذي يريد سيده منه أن يكون ملكاً وهو يريد أن يكون مملوكاً يريد سيده أن يجعله حراً وهو يريد أن يكون عبداً خلق له سيده الكون بأسره خادماً له عند نهيه وأمره فجعل هو يخدم الكون بنفسه ويتعبد لأقل شيء وأخسه يقول المصنف في التنوير في مناجاة الحق تعالى على ألسنة الهواتف أنا أجللنا قدرك أيها العبد أن نشغلك بأمر نفسك فلا تضعن قدرك يا من رفعناه ولا تذلن بحوالتك على غيري يا من أعززناه ويحك أنت أجل عندنا من أن تشتغل بغيرنا لحضرتي خلقتك وإليها طلبتك وبجواذب عنايتي لها جذبتك فإن أشتغلت بنفسك حجبتك وأن أتبعت هواها طردتك وأن أخرجت عنها قربتك وأن توددت لي بإعراضك عما سواي أحببتك اه فتحصل أن محبة الأشياء والطمع فيها هو سبب

الذل والهوان والتعبد لسائر الأكوان وأن الأياس من الأشياء ورفع الهمة عنها هو سبب العز والحرية والتيه على الأقران ولله در القائل حيث قالذل والهوان والتعبد لسائر الأكوان وأن الأياس من الأشياء ورفع الهمة عنها هو سبب العز والحرية والتيه على الأقران ولله در القائل حيث قال
رأيت القناعة رأس الغنى ... فصرت بأذيالها ممتسك
فألبسني عزها حلة ... يمر الزمان ولا تنهتك
فصرت غنياً بلا درهم ... أتيه على الناس تيه الملك
قلت وهذا هو الغنى الأكبر والأكسير عند الأكياس ويسمى في أصطلاح الصوفية الورع أعني الورع الخاص وهو رفع الهمة عن السوي قال في لطائف المنن وأعلم رحمك الله أن ورع الخصوص لا يفهمه إلا قليل فإن من جملة ورعهم تورعهم أن يسكنوا لغيره أو يميلوا بالحب لغيره أو تمتد أطماعهم بالطمع في غير فضله وخيره ومن ورعهم عن الخوف مع الوسائط والأسباب وخلع الأنداد والأرباب ومن ورعهم ورعهم عن الوقوف مع العادرات والأعتماد على الطاعات والسكون إلى أنوار التجليات ومن ورعهم ورعهم عن أن تفتنهم الدنيا أو توقفهم الآخرة تورعوا عن الدنيا وفاء وعن الآخرة صفاء قال الشيخ عثمان بن عاشوراء خرجت من بغداد أريد الموصل فأنا أسير وإذا بالدنيا قد عرضت علي بعزها وجاهها ورفعتها ومراكبها وملابسها ومزيناتها ومشتهياتها فأعرضت عنها فعرضت علي الجنة بحورها وقصورها وأنهارها وثمارها فلم أشتغل بها فقيل لي يا عثمان لو وقفت مع الأولى لحجبناك عن الثانية ولو وقفت مع الثانية لحجبناك عنا فها نحن لك وقسطك من الدارين يأتيك قال الشيخ عبد الرحمن المغربي.
وكان مقيماً بشرقي الأسكندرية حججت سنة من السنين فلما قضيت الحج عزمت على الرجوع إلى الأسكندرية فإذا النداء على أنك العام القابل عندنا فقلت في نفسي إذا كنت العام القابل ها هنا فلا أعود إلى الأسكندرية فخطر على الذهاب إلى اليمن فأتيت إلى عدن فأنا يوماً على ساحلها أمشي وإذا بالتجار قد أخرجوا بضائعهم ومتاجرهم ثم نظرت فإذا رجل قد فرش سجادة على البحر ومشى على الماء فقلت في نفسي لم أصلح للدنيا ولا للآخرة فإذا على يقال من لم يصلح للدنيا ولا للآخرة يصلح لنا وقال أبو الحسن الورع نعم الطريق لمن عجل ميراثه وأجل ثوابه فقد أنتهى بهم الورع إلى الأخذ من الله وعن الله والقول بالله والعمل لله وبالله على البينة الواضحة والبصيرة الفائقة فهم في عموم أوقاتهم وسائر أحوالهم لا يدبرون ولا يختارون ولا يريدون ولا يتفكرون ولا ينظرون ولا ينطقون ولا يبطشون ولا يمشون ولا يتحركون إلا بالله ولله من حيث يعلمون هجم بهم العلم على حقيقة الأمر فهم مجموعون في عين الجمع لا يفترقون فيما هو أعلى ولا فيما هو أدنى وأما أدني الأدني فالله يورعهم عنه ثواباً لورعهم مع الحفظ لمنازلات الشرع عليهم ومن لم يكن لعلمه وعمله ميراث فهو محجوب بدنيا أو مصروف بدعوى وميرائه التعزز لخلقه والاستكبار على مثله والدلالة على الله بعلمه فهذا هو الخسران المبين والعياذ بالله العظيم من ذلك والأكياس يتورعون عن هذا الورع ويستعيذون بالله منه ومن لم يزدد بعلمه وعمله افتقاراً لربه واحتقاراً لنفسه وتواضعاً لخلقه فهو هالك فسبحان من قطع كثيراً من الصالحين بصلاحهم عن مصلحهم كما قطع كثيراً من المفسدين بفسادهم عن موجدهم فأستعذ بالله أنه هو السميع البصير اه.

فانظر فهمك الله سبيل أوليائه ومن عليك بمتابعة أحبائه هذا الورع الذي ذكره هذا الشيخ رضي الله عنه هل كان فهمك يصل إلى هذا النوع من الورع ألا ترى قوله قد أنتهى بهم الورع إلى الأخذ من الله وعن الله والقول بالله والعمل لله وبالله على البينة الواضحة والبصيرة الفائقة فهذا هو ورع الأبدال والصديقين لا ورع المتنطعين الذي ينشأ عن سوء الظن وغلبة الواهم اه قلت هذا الورع الذي ذكره الشيخ هو ورع الخواص أو خواص الخواص وهو الذي يقابل الطمع كما تقدم في قول الحسن البصري صلاح الدين الورع وفساد الدين الطمع لا ورع العوام الذي هو ترك المتشابه والحرام فإنه لا يقابل الطمع كل المقابلة وحاصله صحة اليقين وكمال التعلق برب العالمين ووجود السكون إليه وعكوف الهم عليه وطمأنينة القلب به حتى لا يكون له ركون إلى شيء من السوى فهذا هو الورع الذي يقابل الطمع المفسد وبه يصلح كل عمل مقرب وحال مسعد قال يحيى بن معاذ رضي الله عنه الورع على وجهين ورع في الظاهر وهو إلا تتحرك إلا لله وورع في الباطن وهو أن لا يدخل قلبك إلا الله ذكران بعضهم كان حريصاً على أن يرى أحداً ممن صفته فجعل يجتهد في طلبه ويحتال على التوصل إليه بأن يأخذ الشيء بعد الشيء من ماله ويقصد به الفقراء والمساكين ويقول لمن يعطيه خذلا لك فكانوا يأخذون ولا يسمع من أحد منهم جواباً مطابقاً لما أراده إلى أن ظفر ذات يوم ببغيته وحصل على مقصوده ومنيته وذلك أنه قال لأحدهم خذلا لك فقال له آخذه لا منك فإن كان للعبد أستشراف إلى الخلق أو سبقية نظر إليهم قبل مجيء الرزق أو بعده فمقتضي هذا الورع والواجب في حق الأدب إلا ينيل نفسه شيئاً مما يأتيه على هذا الحال عقوبة لنفسه في نظره إلى أبناء جنسه.
كقصة أيوب الحمال مع أحمد بن حنبل رضي الله عنهما وهي معروفة وكما روي عن الشيخ أبي مدين رضي الله عنه أنه أتاه حمال بقمح فنازعته نفسه وقالت يا ترى من أين هذا فقال أنا أعرف من أين هو يا عدوة الله وأمر بعض أصحابه أن يدفعه لبعض الفقراء عقوبة لها لكونها رأت الخلق قبل رؤية الحق تعالى وقد قيل أن أحل الحلال ما لم يخطر على بال ولا سألت فيه أحداً من النساء والرجال قال الشيخ عبد العزيز المهدوي رضي الله عنه الورع إلا تتحرك ولا تسكن إلا وترى الله في الحركات والسكون فإذا رأى الله ذهبت الحركة والسكون وبقي مع الله فالحركة ظرف لما فيها كما قال ما رأيت شيئاً إلا رأيت الله فيه فإذا رأيت الله ذهبت وقال أيضاً أجمع العلماء على أن الحلال المطلق ما أخذ من يد الله بسقوط الوسائط وهذا مقام التوكل ولهذا قال بعضهم الحلال هو الذي لا ينسي الله فيه اه علي نقل ابن عباد رضي الله عنه وإذا أراد الله تعالى أن يعز عبده ويرفعه إلى هذا المقام قطع عنه زمام الوهم والجزع وحرره من رق الطمع فقاده إليه بملاطفة الإحسان أو بسلاسل الامتحان كما أشار إلى ذلك بقوله من لم يقبل على الله بملاطفات الأحسان قيد إليه بسلاسل الامتحان قلت قد قسم الله تعالى عباده ثلاثة أقسام أهل الشمال وأهل اليمين والسابقون أما أهل الشمال فلا كلام عليهم إذ لا إقبال لهم على الله أصلاً وأما أهل اليمين فلهم أقبال بوجه ما لكن لا خصوصية لهم لأنهم قنعوا بظاهر الشريعة ولم يلتفتوا إلى سلوك طريقة ولا حقيقة وقفوا مع الدليل والبرهان ولم ينهضوا إلى مقام الشهود والعيان ولا كلام معهم أيضاً وأما السابقون فقد أقبلوا على الله متوجهين إليه طالبين الوصول إلى معرفته وهم في ذلك على قسمين قسم أقبل على الله بملاطفة إحسانه وقياماً بشكر إنعامه وأمتنانه وهم أهل مقام الشكر وقسم أقبل على الله بسلاسل الأمتحان وضروب البلايا والمحن وهم أهل مقام الصبر أهل المقام الأول فأقبلوا على الله طوعاً وأهل المقام الثاني أقبلوا على الله كرهاً قال تعالى " ولله يسجد من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً " قال أبو مدين رضي الله عنه سنة الله استدعاء العباد لطاعته بسعة الأرزاق ودوام المعافاة ليرجعوا إليه بنعمته فإن لم يفعلوا أبتلاهم بالسراء والضراء لعلهم يرجعون لأن مراده عز وجل رجوع العباد إليه طوعاً وكراهاً اه.

فقوم بسط الله عليهم النعم وصرف عنهم البلايا والنقم ورزقهم الصحة وأمدهم بالأموال والعافية فأدوا حقها وقاموا بشكرها وتشوقوا إلى معرفة المنعم بها فكانت مطية لهم على السير إليه ومعونة لهم على القدوم عليه أخرجوها من قلوبهم وجعلوها في أيديهم وقليل ما هم قال تعالى وقليل من عبادي الشكور وفي مثل هؤلاء ورد الحديث نعمت الدنيا مطية المؤمن عليها يبلغ الخير وبها ينجو من الشر أو كما قال عليه السلام قال بعض أصحابنا جعل عليه السلام الدنيا مطية للمؤمن حاملة له ولم يجعل المؤمن مطية لها حتى يتكلف حملها فهذا يدل على أنها في يده يستعين بها على السير إلى ربه لا أنها في قلبه حتى يرتكب المشقة في طلبها والله تعالى أعلم وقوم أمدهم الله بالنعم وبسط لهم في المال والعافية وصرف عنهم النقم فشغلهم ذلك عن النهوض إليه ومنعهم من المسير إلى حضرته فسلب ذلك عنهم وضربهم بالبلايا والمحن فأقبلوا على الله بسلاسل الأمتحان عجب ربك من قوم يساقون إلى الجنة بالسلاسل وقد مدح الله الغني الشاكر والفقير الصابر بمدح واحد فقال تعالى في حق سليمان عليه السلام ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب وقال في حق أيوب عليه السلام إنا وجدناه صابراً نعم العبد أنه أواب وقال بعضهم لأن أعطي فأشكر أحب إلى من أن أبتلي فأصبر وكان الشيخ أبو العباس المرسي يرجح الغني الشاكر على الفقير الصابر وهو مذهب ابن عطاء ومذهب أبي عبد الله الترمذي الحكيم.
ويقول الشكر صفة أهل الجنة والفقر ليس كذلك قاله في لطائف المنن والتحقيق أن الفقير الصابر هو الغني الشاكر وبالعكس لأن الغني أنتا هو بالله فإذا أستغنى القلب بالله فصاحبه هو الغني الشاكر ولا عبرة بما في اليد فقد تكون اليد معمورة والقلب فقير وقد يكون القلب غنياً بالله واليد فقيرة وقد تكون اليد معمورة والقلب مع الله غنياً به عما سواه قال بعض المشايخ كان رجل بالمغرب من الزاهدين في الدنيا ومن أهل الجد والأجتهاد وكان عيشه مما يصيده من البحر وكان الذي يصيده يتصدق ببعضه ويتقوت ببعضه فأراد بعض أصحاب هذا الشيخ أن يسافر إلى بلد من بلاد المغرب فقال له هذا الزاهد إذا دخلت على بلدة كذا فأذهب إلى أخي فلان فأقرئه مني السلام وأطلب منه الدعاء فإنه ولي من أولياء الله تعالى قال فسافرت حتي قدمت تلك البلدة فسألت عن ذلك الرجل فدللت على دار لا تصلح إلا للملوك فتعجبت من ذلك وطلبته قيل لي هو عند السلطان فأزداد تعجبي فبعد ساعة وإذا هو قد أتى في أفخر مركب وملبس وكأنما هو ملك في مركبه قال فأزداد تعجبي أكثر من الأولين فهممت بالرجوع وعدم الأجتماع به ثم قلت لا يمكنني مخالفة الشيخ فأستأذنت فأذن لي فلما دخلت رأيت ما هالني من العبيد والخدم والشارة الحسنة فقلت له أخوك فلان يسلم عليك قال لي جئت من عنده قلت نعم قال إذا رجعت إليه فقل له إلى كم اشتغالك بالدنيا وإلى كم إقبالك عليها وإلى متى لا تنقطع رغبتك فيها فقلت والله هذا أعجب من الأولى فلما رجعت إلى الشيخ قال أجتمعت بأخي فلان قلت نعم قال فما الذي قال لك قلت لا شيء قال لا بد أن تقول لي فأعدت عليه ما قال فبكي طويلاً وقال صدق أخي فلان هو غسل الله قلبه من الدنيا وجعلها في يده وعلى ظاهره وأنا أخذها من يدي ولي إليها بقايا التطلع اه.

من لطائف المنن للمؤلف رحمه الله ورضي عنه فأحوال الأولياء لا تنضبط بفقر ولا غني لأن الولاية أمر قلبي لا يعلمها إلا من خصهم بها وبالله التوفيق ومن أقبل على الله بملاطفة إحسانه وجب عليه شكر ما أسدي إليه من لطائف كرمه وأمتنانه وإلا زالت عنه بسبب كفره وعصيانه وإلى ذلك أشار بقوله من لم يشكر النعم فقد تعرض لزوالها ومن شكرها فقد قيدها بعقالها قلت أتفقت مقالات الحكماء على هذا المعني وأن الشكر قيد الموجود وصيد المفقود وقالوا أيضاً من أعطي ولم يشكر سلب منها ولم يشعر فمن شكر النعمة فقد قيدها بعقالها ومن كفرها فقد تعرض لزوالها قال تعالى " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم أي أن الله لا يغير ما بقوم من النعم حتي يغيروا ما بأنفسهم من الشكر وتغييرهم الشكر هو أشتغالهم بالمعاصي والكفر ولذلك قال الجنيد رضي الله عنه الشكر أن لا يعصي الله بنعمه وقيل الشكر فرح القلب بالمنعم لأجل نعمته حتي يتعدي ذلك إلى الجوارح فتنبسط بالأوامر وتنكف عن الزواجر وقال ف لطائف المنن الشكر على ثلاثة أقسام شكر اللسان وشكر الأركان وشكر الجنان فشكر اللسان التحدث بنعم الله قال تعالى " وأما بنعمة ربك فحدث " وشكر الأركان العمل بالطاعة لله تعالى قال تعالى " أعملوا آل داوود شكراً " وشكر الجنان بالأعتراف بأن كل نعمة بك أو يأحد من العباد هي من الله تعالى قال الله تعالى " وما بكم من نعمة فمن الله " ومن القسم الأول قول النبي صلى الله عليه وسلم التحدث بالنعم شكر ومن الثاني أنه صلى الله عليه وسلم قام حتى تورمت قدماه فقيل له أتتكلف كل ذلك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال أفلا أكون عبداً شكوراً اه وسئل أبو حازم رضي الله عنه ما شكر العينين قال إذا رأيت بهما خيراً أعلنته وإذا رأيت بهما شراً سترته قال فما شكر الأذنين قال إذا سمعت بهما خيراً وعيته وإذا سمعت بهما شراً دفنته قال فما شكر اليدين قال لا تأخذ بهما ما ليس لك ولا تمنع حقاً هو الله فيهما قال فما شكر البطن قال أن يكون أسفله صبراً وأعلاه علماً قال شكر الفرج قل كما قال الله تعالى " والذين هم لفروجهم حافظون " إلى قوله غير ملومين قال فما شكر الرجلين قال أن رأيت شيئاً غبطته أستعملتهما وأن رأيت شيئاً مقته كففتهما اه وأعلم أن الناس في الشكر على ثلاث درجات عوام وخواص وخواص الخواص فشكر العوام على النعم فقط وشكر الخواص على النعم والنقم وشكر خواص الخواص الغيبة في المنعم عن شهود النعم والنقم، والنعم التي يقع الشكر عليها ثلاثة أقسام دنيوية كالصحة والعافية والمال الحلال ودينية كالعلم والعمل والتقوى والمعرفة وأخروية كالثواب على العمل القليل بالعطاء الجزيل وأجل النعم الدينية التي يتأكد الشكر عليها نعمة الأسلام والإيمان والمعرفة وشكرها هو أعتقاد أنها منة من الله تعالي بلا واسطة ولا حول ولا قوة قال الله تعالى " ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان " ثم قال " فضلاً من الله ونعمة " قال أبو طالب المكي رضي الله عنه بعد كلام فلو قلب قلوبنا في الشك والضلال كما يقلب نياتنا في الأعمال أي شيء كنا نصنع وعلى أي شيء نعول وبأي شيء كنا نطمئن ونرجو فهذا من كبائر النعم ومعرفته هو شكر نعمة الإيمان والجهل بهذا غفلة عن نعمة الإيمان توجب العقوبة وأدعاء الإيمان أنه عن كسب معقول أو أستطاعة بقوة وحول هو كفر نعمة الإيمان وأخاف على من توهم ذلك أن يسلب الإيمان لأنه بدل شكر نعمة الإيمان كفرا اه فإن غفل العبد عن شكر هذه النعم ثم دامت صورتها عنده فلا يغتر فقد يكون ذلك أستدراجاً كما أشار إلى ذلك بقوله خف من وجود أحسانه إليك ودوام إساءتك معه أن يكون ذلك أستدراجاً سنستدرجهم من حيث لا يعلمون الأستدراج هو كمون المحنة في عين المنة وهو مأخوذ من درج الصبي أي أخذ في المشي شيئاً بعد شيء ومنه الدرج الذي يرتقي عليه إلى العلو كذلك المستدرج هو الذي تؤخذ منه النعمة شيئاً بعد شيء وهو لا يشعر قال الله تعالى سنستدرجهم من حيث لا يعلمون أي نأخذهم بالنعم حتى نجرهم إلى النقم وهم لا يشعرون قاله الشيخ زروق رضي الله عنه فخف أيها المريد من دوام إحسان الحق إليك بالصحة والفراغ وسعة الأرزاق ودوام الأمداد الحسية أو المعنوية مع دوام أساءتك معه بالغفلة والتقصير

وعدم شكرك للملك الكبير أن يكون ذلك أستدراجاً منه تعالى قال تعالى سنستدرجهم من حيث لا يعلمون قال سهل بن عبد الله رضي الله عنه نمدهم بالنعم وننسيهم الشكر عليها شكرك للملك الكبير أن يكون ذلك أستدراجاً منه تعالى قال تعالى سنستدرجهم من حيث لا يعلمون قال سهل بن عبد الله رضي الله عنه نمدهم بالنعم وننسيهم الشكر عليها

فإذا ركنوا إلى النعمة وحجبوا عن المنعم أخذوا وقال ابن عطاء رضي الله عنه كلما أحدثوا خطيئة جددنا لهم نعمة ونسيناهم الأستغفار من تلك الخطيئة ثم قال الحق تعالى وأملي لهم أي نمدهم بالعوافي والنعم حتى نأخذهم بغتة قال تعالى فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون أي فلما غفلوا عما ذكروا به من العقوبة والعذاب فتحنا عليهم أبواب النعم وبسطنا عليهم الأرزاق الحسية حتى إذا فرحوا بما أوتوا من النعم وتمكنوا منها أخذناهم بالهلاك بغتة أي فجأة فإذا هم مبلسون آيسون من كل خير وهكذا عادة الله في خلقه أن يرسل إليهم من يذكرهم بالله ويدلهم على الله فإذا أعرضوا عنه وردوا عليه قوله بسط عليهم النعم الحسية حتى إذا أطمأنوا وفرحوا بها دمرهم الله وأخذهم بغتة ليكون ذلك أشد في العقوبة قال الشاعر، وأعظم شيء حين يفجؤك البغت، وقال تعالى ولا تحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا أثماً ولهم عذاب مهين فالواجب على الأنسان إذا أحس بنعمة ظاهرة أو باطنة حسية أو معنوية أن يعرف حقها ويبادر إلى شكرها نطقاً وأعتقاداً وعملاً فالنطق الحمد والشكر باللسان والأعتقاد شهود المنعم في النعمة وأسنادها إليه والغيبة عن الواسطة بالقلب مع شكرها باللسان من لم يشكر الناس لم يشكر الله أشكركم لناس أشكركم لله فإذا قال له جزاك الله خيراً فقد أدى شكرها والشكر بالعمل صرفها في طاعة الله كما تقدم فإن لم يقم بهذا الواجب خيف عليه السلب والأستدراج وهو أقبح والحاصل أن الشكر هو الأدب مع المنعم ومن جاءت على يديه فإن أساء الأدب أدب وقد يؤدب في الباطن وهو لا يشعر كما أشار إلى ذلك بقوله من جهل المريد أن يسييء الأدب فتؤخر العقوبة عنه فيقول لو كان هذا سوء أدب لقطع الأمداد وأوجب البعاد فقد يقطع المدد عنه من حيث لا يشعر ولو لم يكن إلا منع المزيد وقد تقام مقام البعد وأنت لا تدري ولو لم يكن إلا أن يخليك وما تريد قلت من الأمور المؤكدة على المريد الصادق أن برعي الأدب مع الله في كل شيء ويلتزم التعظيم لكل شيء ويحفظ الحرمة في كل شيء فإن أخل بشيء من هذه الأمور وأساء الأدب مع ربه فليبادر بالتوبة والأعتذار مع الذلة والأنكسار فإن أخر التوبة إلى وقت آخر أنقطعت عنه الأمداد وأستوجب الطرد والبعاد وقد لا يشعر بذلك في الحين فيحتج لنفسه ويقول لو كان هذا سوء أدب لا نقطع عني المدد وهذا منه جهل قبيح يفضي إلى العطب أن لم تدركه العناية من رب الأرباب وإنما كان هذا جهلاً من المريد لأنتصاره لنفسه وقت سوء أدبه وعدم شعوره بنقصان قلبه إذ لو كان عالماً بمخادع النفس لأتهمها وما أنتصر لها ولو كان عارفاً بربه لشعر بنقصان قلبه فقد جمع بين جهالة وجهل فالجهالة هي سوء الأدب الذي صدر منه والجهل هو مخاصمته عن نفسه وأنكاره أن يكون ما صدر منه سوء أدب وما أحتج به من كونه لم يحس بالعقوبة ولو كان ذلك سوء أدب لأحس بقطع الأمداد ولأوجب الطرد والبعاد لا ينهض فقد يقطع عنه المدد وهو لا يشعر ومثال ذلك الأشجار التي على الماء فإذا قطع عنها الماء لا يظهر أثر العطش عليها إلا بعد حين فإذا طال الأمر يبست شيئاً فشيئاً كذلك قلب المريد قد لا يحس بقطع المدد في القرب حتى يغرق في الوهم ويحترق بالحس فإن كانت له سابقة خير تاب وأصلح ما أفسد فيرجع إليه المدد وأن لم تكن له سابقة رجع إلى وطنه وأقام في بعده نسأل الله السلامة من سلب نعمته بعد عفائه ولو لم يكن من العقوبة إلا منع المزيد من السير أو الترقي لكان كافياً لأن من لم يكن في زيادة فهو في نقصان ومن كان يومه شراً من أمسه فهو في الخسران وقوله في الأحتجاج أيضاً لو كان هذا سوء أدب لا وجب البعاد فقد يقام مقام البعد وهو يظن أنه في محل القرب لأن مراتب القرب والبعد لا نهاية لها وما من مقام في القرب إلا وما بعده أعظم منه حتى يكون ذلك القرب بالنسبة إلى ما بعده بعداً ولو لم يكن ذلك البعد إلا أن يتركك مع ما تريد لكان كافياً في الطرد والبعد إذ ترك البعد مع هواه وشهواته من علامة الأهمال وأخراج العبد عن هواه وما تركن إليه نفسه من علامة الأعتناء والأقبال فإذا أعتني الله تعالى بعبد وأراد أن يوصله إلى حضرته شوش عليه كل ما تركن إليه نفسه وأزعجه طوعاً أو كرهاً

حتى يوئسه من هذا العالم ولم يبق له ركون إلى شيء منه فحينئذ يصطفيه لحضرته ويجتبيه لمحبته فليس له حينئذ عن نفسه أخبار ولا مع غير الله قرار وأصل ذلك قضية سيدنا موسى عليه السلام لما علم الله تعالى محبته لعصاه وركونه إليها قال له الحق تعالى " وما تلك بيمينك يا موسى قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآارب أخرى " أي حوائج أخر قال له ألقها يا موسى فألقاها فإذا هي حية تسعى فلما فرعنها وقطع يأسه منها قال له خذها ولا تخف لأنها لا تضرك حيث رجعت إليها بالله ويقال للفقير وما تلك بيمينك أيها الفقير فيقول هي دنياي أعتمد عليها وأقضي بها مأربي فيقال له ألقها من يدك فإذا هي حية تسعى كانت تلدغه وهو لا يشعر فإذا أيس منها وأستأنس بالله وأطمأن به قيل له خذها ولا تخف لأنك تأخذها بالله لا بنفسك والله تعالى أعلم ومواطن الآداب التي يخل بها المريد فيعاقب عليها ثلاثة آداب مع الله ورسوله وآداب مع الشيخ وآداب مع الأخوان فأما الآداب مع الله بأعتبار العوام فبأمتثال أمره وأجتناب نهيه ومع رسوله بأتباع السنة ومجانبة أهل البدعة فإذا قصروا في الأمر أو خالفوا في النهي عوقبوا عاجلاً في الحس أو آجلاً في المعنى والحس وبإعتبار الخواص مع الله بالأكثار من ذكره ومراقبة حضوره وإيثار محبته زاد الشيخ زروق وحفظ الحدود والوفاء بالعهود والتعلق بالملك الودود والرضى بالموجود وبذل الطاقة والمجهود اه ومع رسوله صلى الله عليه وسلم بإيثار محبته والأهتداء بهديه والتخلق بأخلاقه فإذا قصروا في ذكره أو جالت قلوبهم في غير حضرته أو مالت محبتهم إلى شيء سواه أو قصروا في شيء مما تقدم أو حلوا عقدة عقدوها مع الله عوقبوا في الحس بالضرب أو السجن أو الأذاية باللسان أو في المعني وهو أشد كقطع المدد وإيجاب الطرد والأقامة مقام البعد وبإعتبار خواص الخواص وهم الواصلون يكون مع الله بالتواضع معه في كل شيء والتعظيم لكل شيء ودوام معرفته في تجليات الجلال والجمال أو مع أختلاف الآثار وتنقلات الأطوار ومع رسوله صلى الله عليه وسلم بالتحقق بحسبه وتعظيم أمته وشهود نوره كما قال أبو العباس المرسي لي ثلاثون سنة ما غاب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفة عين ولو غاب عني ما أعددت نفسي من المسلمين فإذا قصر العارف فيما تقدم في حقه أو في حق غيره من الآداب عوقب في الحس أو في المعنى والغالب تيقظه في الحين فيستدرك ما فات أن الذين أتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون فهذه جملة الآداب التي تكون مع الله من العوام والخواص وخواص الخواص أو تقول من الطالبين والسائرين والواصلين والله تعالى أعلم وأما الآداب التي تكون مع الشيخ فمرجعها إلى ثمانية أمور أربعة ظاهرة وأربعة باطنة فأما الظاهرة فأولها أمتثال أمره وإن ظهر له خلافه وأجتناب نهيه وأن كان فيه حتفه فخطأ الشيخ أحسن من صواب المريد وثانيها السكينة والوقار في الجلوس بين يديه فلا يضحك بين يديه ولا يرفع صوته عليه ولا يتكلم حتى يستدعيه للكلام أو يفهم عنه بقرائن الأحوال كحال المذاكرة بخفض صوت ورفق ولين ولا يأكل معه ولا بين يديه ولا ينام معه أو قريباً منه قال شيخ شيوخنا سيدي علي رضي الله عنه في كتابه ومن آداب المريد مع الشيخ أن لا يأكل معه ولا ينام معه ولا يضحك بين يديه ولا ينام في فراشه ولا يجلس في موضع جلوسه ولا يتكلم في مجلس الشيخ ولو كلمة واحدة والكلام فيه سوء الأدب أكثر من كل شيء وكل ما يشبه هذه الأوصاف يؤدي لعدم التعظيم والأزدراء بجانب الشيخ وذلك هو الخسران المبين والعياذ بالله من السلب بعد العطاء والطرد بعد الأقبال قالوا أجعل عملك ملحاً وأدبك دقيقاً وقال الشاعر، أدب العبد تذلل، والعبد لا يدع الأدب، فإذا تكامل ذله، نال المودة وأقترب، وثالثها المبادرة إلى خدمته بقدر الأمكان بنفسه أو بماله أو بقوله، فخدمة الرجال، سبب الوصال، لمولي الموالي، وقال سيدي عبد الله الهبطي الزجلي رضي الله عنه في منظومة له في السلوكتى يوئسه من هذا العالم ولم يبق له ركون إلى شيء منه فحينئذ يصطفيه لحضرته ويجتبيه لمحبته فليس له حينئذ عن نفسه أخبار ولا مع غير الله قرار وأصل ذلك قضية سيدنا موسى عليه السلام لما علم الله تعالى محبته لعصاه وركونه إليها قال له الحق تعالى " وما تلك بيمينك يا موسى قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآارب أخرى " أي حوائج أخر قال له ألقها يا موسى فألقاها فإذا هي حية تسعى فلما فرعنها وقطع يأسه منها قال له خذها ولا تخف لأنها لا تضرك حيث رجعت إليها بالله ويقال للفقير وما تلك بيمينك أيها الفقير فيقول هي دنياي أعتمد عليها وأقضي بها مأربي فيقال له ألقها من يدك فإذا هي حية تسعى كانت تلدغه وهو لا يشعر فإذا أيس منها وأستأنس بالله وأطمأن به قيل له خذها ولا تخف لأنك تأخذها بالله لا بنفسك والله تعالى أعلم ومواطن الآداب التي يخل بها المريد فيعاقب عليها ثلاثة آداب مع الله ورسوله وآداب مع الشيخ وآداب مع الأخوان فأما الآداب مع الله بأعتبار العوام فبأمتثال أمره وأجتناب نهيه ومع رسوله بأتباع السنة ومجانبة أهل البدعة فإذا قصروا في الأمر أو خالفوا في النهي عوقبوا عاجلاً في الحس أو آجلاً في المعنى والحس وبإعتبار الخواص مع الله بالأكثار من ذكره ومراقبة حضوره وإيثار محبته زاد الشيخ زروق وحفظ الحدود والوفاء بالعهود والتعلق بالملك الودود والرضى بالموجود وبذل الطاقة والمجهود اه ومع رسوله صلى الله عليه وسلم بإيثار محبته والأهتداء بهديه والتخلق بأخلاقه فإذا قصروا في ذكره أو جالت قلوبهم في غير حضرته أو مالت محبتهم إلى شيء سواه أو قصروا في شيء مما تقدم أو حلوا عقدة عقدوها مع الله عوقبوا في الحس بالضرب أو السجن أو الأذاية باللسان أو في المعني وهو أشد كقطع المدد وإيجاب الطرد والأقامة مقام البعد وبإعتبار خواص الخواص وهم الواصلون يكون مع الله بالتواضع معه في كل شيء والتعظيم لكل شيء ودوام معرفته في تجليات الجلال والجمال أو مع أختلاف الآثار وتنقلات الأطوار ومع رسوله صلى الله عليه وسلم بالتحقق بحسبه وتعظيم أمته وشهود نوره كما قال أبو العباس المرسي لي ثلاثون سنة ما غاب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفة عين ولو غاب عني ما أعددت نفسي من المسلمين فإذا قصر العارف فيما تقدم في حقه أو في حق غيره من الآداب عوقب في الحس أو في المعنى والغالب تيقظه في الحين فيستدرك ما فات أن الذين أتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون فهذه جملة الآداب التي تكون مع الله من العوام والخواص وخواص الخواص أو تقول من الطالبين والسائرين والواصلين والله تعالى أعلم وأما الآداب التي تكون مع الشيخ فمرجعها إلى ثمانية أمور أربعة ظاهرة وأربعة باطنة فأما الظاهرة فأولها أمتثال أمره وإن ظهر له خلافه وأجتناب نهيه وأن كان فيه حتفه فخطأ الشيخ أحسن من صواب المريد وثانيها السكينة والوقار في الجلوس بين يديه فلا يضحك بين يديه ولا يرفع صوته عليه ولا يتكلم حتى يستدعيه للكلام أو يفهم عنه بقرائن الأحوال كحال المذاكرة بخفض صوت ورفق ولين ولا يأكل معه ولا بين يديه ولا ينام معه أو قريباً منه قال شيخ شيوخنا سيدي علي رضي الله عنه في كتابه ومن آداب المريد مع الشيخ أن لا يأكل معه ولا ينام معه ولا يضحك بين يديه ولا ينام في فراشه ولا يجلس في موضع جلوسه ولا يتكلم في مجلس الشيخ ولو كلمة واحدة والكلام فيه سوء الأدب أكثر من كل شيء وكل ما يشبه هذه الأوصاف يؤدي لعدم التعظيم والأزدراء بجانب الشيخ وذلك هو الخسران المبين والعياذ بالله من السلب بعد العطاء والطرد بعد الأقبال قالوا أجعل عملك ملحاً وأدبك دقيقاً وقال الشاعر، أدب العبد تذلل، والعبد لا يدع الأدب، فإذا تكامل ذله، نال المودة وأقترب، وثالثها المبادرة إلى خدمته بقدر الأمكان بنفسه أو بماله أو بقوله، فخدمة الرجال، سبب الوصال، لمولي الموالي، وقال سيدي عبد الله الهبطي الزجلي رضي الله عنه في منظومة له في السلوك

أن الخديم ظنه جميل ... دل على فلاحه دليل
أهل نفسه لخدمة الرجال ... لكي ينال من حبيبه الوصال
ذل المحب في طلب القرب ... عز عزيز عند أهل الحب
ابن بيوت القرب من أبوابها ... ففتحت له إذا بأسرها
طوبى له بشرى له أستفاد ... ونال خير قربة وساد
ثم قال
مقامك أعرف أيها الخديم ... فإنه مفخم عظيم
أمسيت للمخدوم في جواره ... مشاركاً كذلك في أسراره
لا تغتبط سوي مقامك الرفيع ... فالخير كله لديك مجتمع
ورابعها دوام حضور مجلسه فإن لم يكن فتكرير الوصول إليه إذ بقدر تكرير الوصال إليه يقرب الوصال فمدد الشيخ جار كالساقية أو القادوس فإذا غفل عن الساقية أو القادوس تحزم وأنقطع الماء إلى غيره وأيضاً تكرير الوصول يدل على شدة المحبة وبقدر المحبة تكون الشربة وفي هذا المعنى قال شيخ شيوخنا المجذوب رضي الله عنه
لا محبة إلا بأصول ... ولا وصول الأغالي
ولا شراب إلا مختوم ... ولا مقام الأعالي

وقال شيخ شيوخنا سيدي علي الجمل رضي الله عنه في كتابه أعلم أنه لا يقرب طالب الوصول إلى الله تعالى شيء مثل جلوسه مع عارف بالله أن وجده ثم قال الجلوس مع العارف بالله أفضل من العزلة والعزلة أفضل من الجلوس مع العوام الغافلين والجلوس مع العامي الغافل أفضل من الجلوس مع الفقير الجاهل كما إن العارف بالله يجمع بين المريد ومولاه بنظرة أو بكلمة كذلك الفقير الجاهل بالله ربما أتلف المريد عن مولاه بنظرة أو بكلمة فما فوقها يرحم الله سيدي المجذوب حيث بقول، الجلسة مع غير الأخيار، ترذل ولو تكون صافي اه المراد منه وأما الآداب الباطنية فأولها أعتقاد كما له وأنه أهل للشيخوخة والتربية لجمعه بين شريعة وحقيقة وبين جذب وسلوك وأنه على قدم النبي صلى الله عليه وسلم وثانيها تعظيمه وحفظ حرمته غائباً وحاضراً وتربية محبته في قلبه وهو دليل صدقه وبقدر التصديق يكون فمن لا صدق له لا سير له ولو بقي مع الشيخ ألف سنة ويرحم الله سيدي محمداً الشرقي حيث قال من لا صدق، ما عند باش ينفق من لا حقق ما جاب إيمارايا بابا وثالثها أنعزاله عن عقله ورياسته وعمله وعمله إلا ما يرد عليه من قبل شيخه كما فعل شيخ طريقتنا الشاذلي رضي الله عنه عند ملاقاته بشيخه فهي سنة في طريقه فكل من أتى شيخه في هذه الطريقة الشاذلية فلا بد أن يغتسل من عمله وعمله قبل أن يصل إلى شيخه لينال الشراب الصافي من بحر مدده الوافي ورابعها عند الأنتقال عنه إلى غيره وهذا عندهم من أقبح كل قبيح وأشنع كل شنيع وهو سبب تسويس بذرة الأرادة فتفسد شجرة الأرادة لفساد أصلها وهذا كله مع شيوخ التربية كما تقدم وأما شيوخ أهل الظاهر فلا بأس أن ينتقل عنهم إلى أهل الباطن أن وجدهم ولا يحتاج إلى إذن والله تعالى أعلم وأما الآداب مع الأخوان فأربعة أولها حفظ حرمتهم غائبين أو حاضرين فلا يغتاب أحداً ولا ينقص أحداً فلا يقول أصحاب سيدي فلان كمال وأصحاب سيدي فلان نقص أو فلان عارف أو فلان ليس بعارف أو فلان ضعيف وفلان قوي أو غير ذلك فهذه عين الغيبة وهي حرام بالأجماع لا سيما في حق الأولياء فإن لحومهم سموم قاتلة كلحوم العلماء والصالحين فليحذر المريد جهده من هذه الخصلة الذميمة وليفر ممن هذا طبعه فراره من الأسد فمن أولع بهذا فلا يفلح أبداً فالأولياء كالأنبياء فمن فرق بينهم حرم خيرهم وكفر نعمتهم وقد قال بعض الصوفية من كسره الفقراء لا يجبره الشيخ ومن كسره الشيخ فقد يجبره الفقراء وهو صحيح مجرب لأن أذاية ولي واحد ليس كأذاية أولياء كثيرة ومن كسره الشيخ يشفع فيه الأخوان فيجبر قلب الشيخ بخلاف قلوب الفقراء إذا تغيرت قل أن تتفق على الجبر والله تعالى أعلم وثانيها نصيحتهم بتعليم جاهلهم وأرشاد ضالهم وتقوية ضعيفهم ولو بالسفر إليه فإن فيهم أهل بدايات ونهايات والقوى والضعيف فكل واحد يذكره بما يليق بمقامه خاطبوا الناس بقدر ما يفهمون كما في الحديث وثالثها التواضع لهم والأستنصاف من نفسك معهم وخدمتهم بقدر الأمكان فخديم القوم سيدهم فمن عرض له شغل لا ينفك عنه فالواجب أعانته ليتفرغ منه إلى ذكر الله أن كان خفيفاً قال تعالى " وتعاونوا على البر والتقوى " فكل ما يشغل قلب الفقير فدفعه جهاد وبر ورابعها شهود الصفا فيهم وأعتقاد كما لهم فلا ينقص أحداً ولو رأى منه ما يوجب النقص في الظاهر فالمؤمن يلتمس المعاذر فليلتمس له سبعين عذراً فإن لم يزل عنه موجب نقصه فليشهده في نفسه فالمؤمن مرآة أخيه ما كان في الناظر يظهر فيه فأهل الصفا لا يشهدون إلا الصفا وأهل التخليط لا يشهدون إلا التخليط أهل الكمال لا يشهدون إلا الكمال وأهل النقص لا يشهدون إلا النقص وتقدم في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم خصلتان ليس فوقهما شيء من الخير حسن الظن بالله وحسن الظن بعباد الله وخصلتان ليس فوقهما شيء من الشر سوء الظن بالله وسوء الظن بعباد الله وبالله التوفيق فهذه من جملة الآداب التي يجب على الفقير مراعاتها والتحفظ عليها سواء كان طالباً أو سائراً أو واصلاً وقد تقدمت في أول الباب الأول ثمانية آداب بعضها في حق العارف وبعضها في حق السائر فليراجعها وليعمل بمقتضاها فإن الطريق كلها آداب حتى قال بعضهم أجعل عملك ملحاً وأدبك دقيقاً وقال أبو حفص رضي الله عنه التصوف كله آداب لكل وقت آداب ولكل حال آداب ولكل مقام آداب فمن لزم الأدب

بلغ مبلغ الرجال ومن حرم الأدب فهو بعيد من حيث يظن القرب مردود من حيث يظن القبول وقال بعضهم ألزم الأدب ظاهراً وباطناً فما أساء أحد الأدب ظاهراً إلا عوقب في الظاهر وما أساء أحد الأدب باطناً إلا عوقب في الباطن وقال في المباحث الأصلية مبلغ الرجال ومن حرم الأدب فهو بعيد من حيث يظن القرب مردود من حيث يظن القبول وقال بعضهم ألزم الأدب ظاهراً وباطناً فما أساء أحد الأدب ظاهراً إلا عوقب في الظاهر وما أساء أحد الأدب باطناً إلا عوقب في الباطن وقال في المباحث الأصلية
والأدب الظاهر للعيان ... دلالة في الأنسان
وهو أيضاً للفقير سند ... وللغني زينة وسؤدد
وقيل من يحرم الأدب ... فهو بعيد ما تداني وأقترب
وقيل من تحبسه الأنساب ... فإنما تطلقه الآداب
فالقوم بالآداب حقاً سادوا ... منه إستفاد القوم ما أستفادوا
وقال أبو حفص السراج رحمه الله والناس في الآداب على ثلاث طبقات أهل الدنيا وأهل الدين وأهل الخصوصية من أهل الدين، فأما أهل الدنيا فأكثر آدابهم في البلاغة وأخبار الملوك وأشعار العرب، وأما أهل الدين فأكثر آدابهم حفظ العلوم ورياضة النفوس وتأديب الجوارح وتهذيب الطباع وحفظ الحدود وترك الشهوات وأجتناب الشبهات والمسارعة إلى الخيرات، وأما أهل الخصوصية من أهل الدين فآدابهم حفظ القلوب ومراعاة الأسرار وإستواء السر والعلانية، فالمريدون يتفاضلون بالعلم، والمتوسطون بالآداب، والعارفون بالهمم اه ثم ما ذكره الشيخ من لزوم الجهل للمريد مقيد بما ذكره من إحتجاجه لنفسه ومدافعته عنها لأنه في هذه الحالة صاحب جدل لتركيبه المقدمة والنتيجة وعليه يفهم قولهم ما ألهم قوم الجدل إلا حرموا العمل وأما لو إعترف بإساءته وأنصف من نفسه لم يكن ذلك في حقه جهلاً ولا جهالة وقد قالوا عدم الأدب أن كان يجر إلى الأدب فهو أدب والله تعالى أعلم ومن جملة الآداب ألا يستحقر مقاماً أقام الحق تعالى فيه عبداً من عباده كائناً ما كان كما أشار إليه بقوله إذا رأيت عبداً أقامه الله بوجود الأوراد، وأدامه عليها مع طول الأمداد، فلا تستحقون ما منحه مولاه، لأنك لم تر عليه سيما العارفين، ولا بهجة المحبين، فلولا وارد ما كان ورد قلت ما ذكره الشيخ هنا من مؤكدات هذه الباب كلها في الآداب وهو أن لا يستحقر شيئاً من تجليات الحق على أي حال كانت فلا ينبغي أن ينازع مقتدر ولا أن يضاد قهار ولا أن يعترض على حكيم فإذا رأيت عبداً أقامه الحق تعالى بوجود الأوراد ككثرة صلاة وصيام وذكر وتلاوة وإجتهاد وأدامه عليها مع طول الأمداد بكسر الهمزة أي إستمراره معه وهو تقويته في البطن وصرف الشوغل والشواغب في الظاهر لكنه لم يفتح عليه في علم الأذواق وعمل القلوب فلا تستحقرن حاله وما منحه مولاه لأجل أنك لم تر عليه سيما العارفين من السكينة والطمأنينة وراحة الجوارح والقلب بسبب هبوب نسيم الرضى والتسليم على أرواحهم وقال الشيخ زروق سيما العارفين ثلاث أولها الأعراض عما سوى معروفهم بكل حال وعلى كل وجه الثاني الأقبال عليه بترك الحظوظ وأقامة الحقوق الثالث الرضى عنه في مجاري أقداره اه ولا تستحقر حاله أيضاً لأجل إنك لم تر عليه بهجة المحبين وهي الفرح بمحبوبه والأكثار من ذكره والقيام بشكره والأغتباط بمحبته والمسارعة إلى محابه وطلب مرضاته والخضوع لعظمته والتذلل لقهره وعزته
تذلل لمن تهوي فليس الهوى سهل ... إذا رضي المحبوب صح لك الوصل
تذلل له تحظى برؤيا جماله ... ففي وجه من تهوي الفرائض والنفل

فكيف تستحقر من دامت خدمته وأتصلت أوراده فلولا وجود الوارد الألهي في باطنه ما قدر على أدامة أوراده فلولا وارد ما كان ورد فالوارد ما منه إليك والورد ما منك إليه فلو لا فضل الله عليكم ورحمته ما زكي منكم من أحد أبداً ولولا فضل الله عليكم ورحمته لأتبعتم الشيطان إلا قليلاً يحبهم ويحبونه ثم تاب عليهم ليتوبوا فالعناية سابقة والهداية لاحقة والأمر كله بيده وفي التحقيق ما ثم إلا سابقة التوفيق ولا حول ولا قوة إلا بالله قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه أكرم المؤمنين وإن كانوا عصاة فاسقين وأقم عليهم الحدود وأهجرهم رحمة بهم لا تقذرا لهم وقال الشيخ زروق رضي الله عنه فالمنتسب لجانب الحق يتعين إكرامه مراعاة لنسبته ثم إن كان كاذباً فالأمر بينه وبين من إنتسب إليه فإن أمرنا بإقامة حقه عليه بحيث يتعين عليه كنا معه كعبد السيد يضرب ولد سيده بإذنه يؤدبه ولا يحتقره ولأبي الحسن الحراني رحمه الله
إرحم بني جميع الخلق كلهم ... وأنظر إليهم بعين اللطف والشفقه
وقر كبيرهم وإرحم صغيرهم ... وراع في كل خلق حق من خلقه

ثم إن الإقامة على دوام الأوراد وهي خدمة الجوارح من شأن أهل الخدمة وهم العباد والزهاد والأنتقال منها إلى عمد القلوب من شأن أهل المحبة والمعرفة وهم العارفون وكلهم عباد الله ومن أهل عنايته فلا يستحقرهم إلا جاهل أو مطرود كما بين ذلك بقوله قوم أقامهم الحق لخدمته وقوم أختصهم بمحبته كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظوراً قلت العباد المخصوصون بالعناية على قسمين قسم وجههم الحق لخدمته وإقامهم فيها وهم أنواع فمنهم من أنقطع في الفيافي والقفار لقيام الليل وصيام النهار وهم العباد والزهاد ومنهم من وجهه الحق لأقامة الدين وحفظ شرائع المسلمين وهم العلماء والصلحاء ومنهم من أقامه الحق لنصرة الدين وإعلاء كلماته وهم المجاهدون في سبيل رب العالمين ومنهم من أقامه الحق لتمهيد البلاد وتسكين العباد وهم الأمراء والسلاطين وقسم أقامهم الحق لمحبته وأختصهم بمعرفته وهم العارفون الكاملون سلكوا سواء الطريق ووصلوا إلى عين التحقيق وبينهما فرق كبير لأن أهل الخدمة طالبون الأجور وأهل المحبة رفعت عنهم الستور أهل الخدمة يأخذون أجورهم وراء الباب وأهل المحبة في مناجاة الأحباب أهل الخدمة مسدول بينهم وبينه الحجاب وأهل المحبة مرفوع بينهم وبينه الحجاب أهل الخدمة من أهل الدليل والبرهان وأهل المحبة من أهل الشهود والعيان أهل الخدمة لا تنفك عنهم الحظوظ وأهل المحبة تصب عليهم الحظوظ أهل الخدمة محبتهم مقسومة وأهل المحبة محبتهم مجموعة فلذلك دام أهل الخدمة في خدمتهم ونفذ المحبون إلى شهود محبوبهم فلو تركوا الحظوظ وحصروا محبتهم في محبوب واحد لنفذوا إلى محبوبهم وشهدوه ببصر إيقانهم وأستراحوا من تعب خدمتهم ولكن حكمة الحكيم أقامتهم في خدمتهم فوجب تعظيمهم في الجملة ولا يلزم منه عدم تفضيل أهل المعرفة والمحبة عليهم أنظر كيف قال تعالى بعد ذلك، أنظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً، فدل على تفضيل بعضهم على بعض لكن عبيد الملك كلهم معظمون في الجملة ولا يحب الملك أن تحقر له عبداً من عباده وأن كانوا متفاوتين عنده والله تعالى أعلم وقال أبو يزيد رضي الله عنه أطلع الله على قلوب أوليائه فمنهم من لم يصلح لحمل المعرفة صرفاً فشغلهم بالعبادة وقال أبو العباس الدينوري رضي الله عنه أن لله عباداً لم يستصلحهم لمعرفته فشغلهم بخدمته وله عباد لم يستصلحهم لخدمته فأهلهم لمحبته وقال يحيى بن معاذ رضي الله عنه الزاهد صيد الحق من الدنيا والعارف صيد الحق من الجنة اه يعني أن الزاهد أصطاده الله من الدنيا فقبضه وأدخله الجنة والعارف أصطاده الحق من الجنة فأدخله الحضرة أصطاده من جنة الحس وجعله في جنة المعنى وهي جنة المعارف وقال شيخ شيوخنا سيدي علي رضي الله عنه في كتابه، سبحان من هيأ أقواماً لخدمته وأقامهم فيها، وهيأ أقواماً لمحبته وأقامهم فيها أهل الخدمة تجلى لهم الحق بصفة الجلال والهيبة فصاروا مستوحشين من الخلق قلوبهم شاخصة لما يرد عليها من حضرة الحق قد نحلت أجسادهم وأصفرت ألوانهم وخمصت بطونهم وبالشوق دابت أكبادهم وقطعوا الدياجي بالبكاء والنحيب وأستبدلوا الدنيا بالمجاهدة في الدين ورغبوا في جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين وأهل المحبة تجلي لهم الحق تعالى بصفة الجمال والمحبة وسكروا بخمر لذيذ القربة شغلهم المعبود عن أن يكونوا من العباد ولا من الزهاد أشتغلوا بالظاهر والباطن وهو الله فحجبوا عن كل ظاهر وباطن زهدوا في التنعم والأنعام وأشتغلوا بمشاهدة الملك العلام اه كلامه رضي الله عنه هذا آخر الباب السابع وحاصلها رفع الهمة وشكر النعمة وحسن الأدب في الخدمة ونفوذ العزيمة بالأنتقال من دوام الخدمة إلى المحبة والمعرفة وإذا أراد الله أن يصطفي عبداً لحمل معرفته وينقله من تعب خدمته قوي عليه الواردات الألهية فجذبته إلى الحضرة الربانية وهي مواهب لا مكاسب تنال بأعمال ولا بحيل وقل أن تأتي إلا بغتة كما أشار إلى ذلك في أول الباب الثامن فقال وقال رضي الله عنه قل ما تأتي الواردات الألهية إلا بغتة صيانة لها أن يدعها العباد بوجوب الأستعداد قال القشيري الوارد هو ما يرد على القلوب من الخواطر المحمودة مما لا يكون للعبد فيه تحمل والواردات أعم من الخواطر لأن الخواطر تختص بنوع خطاب أو ما تضمن معناه والواردات تكون

وارد سرور ووارد حزن ووارد قبض ووارد بسط إلى غير ذلك من المعاني وهو قريب من الحال وسئل الشيخ عبد القادر الجيلاني نفعنا الله بذكره عن صفات الواردات الألهية والطوارق الشيطانية فقال الوارد الألهي لا يأتي بإستعداد ولا يذهب بسبب ولا يأتي على نمط واحد ولا في وقت واحد، والطوارق الشيطانية بخلاف ذلك غالباً اه قلت والمراد به هنا نوع خاص وهو نفحات إلهية يهب نسيمها على القلوب والأرواح أو الأسرار فتغيب القلوب في حضرة علام الغيوب وتغيب الأرواح والأسرار في جبروت العزيز الجبار فتطيش فرحاً وسروراً وترقص شوقاً وحبوراً. إذا إهتزت الأرواح شوقاً إلى اللقا، ترقصت الأشباح يا جاهل المعنى، وقل ما تكون هذه الواردات الألهية إلا بغتة لأنها لا تنال بأكتساب وإنما هي فتح من الكريم الوهاب ولو كانت تنال بجد وأجتهاد لا دعاها العباد والزهاد بوجوب التأهب والأستعداد فتصير حينئذ مكاسب والأحوال والواردات إنما هي مواهب، يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم، ونسخة الشيخ زروق العباد بالتخفيف جمع عبد وهي أعم قال والحكمة في إتيانها بغتة ثلاثة أمور أحدها ليعرف منة الله فيها الثاني ليقدر قدرها ويعظم الفرح بها الثالث الغيرة عليها وتعزيزها لأن ما كان من العزيز لا يكون إلا عزيزاً اه ثم إن هذه الواردات الألهية والمواهب الأختصاصية أسرار من الكريم الغفار لا يمنحها إلا لأهل الصيانة والأمانة لا لأهل الأفشاء والخيانة كما أشار إلى ذلك بقوله من رأيته مجيباً عن كل ما يسئل ومعبرا عن كل ما شهد وذاكراً لكل ما علم فأستدل بذلك على وجود جهله قلت أما وجه جهله في كونه مجيباً عن كل ما سئل فلما يقتضيه حاله من الأحاطة بالعلوم وقد قال تعالى وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً فأي جهل أعظم ممن يعارض كلام الله ولما فيه أيضاً من التكلف وقد قال تعالى قل لا أسألكم عليه أجراً وما أنا من المتكلفين وقال عليه الصلاة والسلام أنا وأتقياء أمتي برآء من التكلف ولا يخلو صاحب التكلف من التصنع والتزين وهو من شأن الجهل بالله إذ لو كان عالماً به لأكتفى بعلمه وعرف قدره ففي بعض الأخبار عاش من عرف قدره وسئل بعضهم عن العلم النافع فقال أن تعرف قدرك ولا تتعدي طورك وقال بعض المحققين إذا قال العالم لا أدري أصيبت مقاتله وقال في الأحياء كان السلف الصالح يسئل أحدهم عن المسئلة الواحدة فيدفع السائل إلى غيره ثم يدفعه الثاني إلى آخر ثم كذلك حتى يرجع إلى الأول وكان بعضهم إذا سئل عن مسئلة يقول للسائل أذهب بها إلى القاضي فقلدها في عنقه وقد سئل مالك رحمه الله عن أثنتين وثلاثين مسئلة فأجاب عن ثلاث وقال في الباقي لا أدري فقال له السائل وما نقول للناس فقال قل لهم قال مالك لا أدري وأيضاً أجابة كل سائل جهل وضرر إذ قد يكون السائل متعنتا لا يستحق جواباً وقد تكون المسئلة التي سأل عنها لا تليق به لأنه لا يفهمها ولا يطيق معرفتها فتوقعه في الحيرة أو الأنكار وقد قال عليه الصلاة والسلام لا تؤتوا الحكمة غير أهلها فتظلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم وفي ذلك يقول الشاعررد سرور ووارد حزن ووارد قبض ووارد بسط إلى غير ذلك من المعاني وهو قريب من الحال وسئل الشيخ عبد القادر الجيلاني نفعنا الله بذكره عن صفات الواردات الألهية والطوارق الشيطانية فقال الوارد الألهي لا يأتي بإستعداد ولا يذهب بسبب ولا يأتي على نمط واحد ولا في وقت واحد، والطوارق الشيطانية بخلاف ذلك غالباً اه قلت والمراد به هنا نوع خاص وهو نفحات إلهية يهب نسيمها على القلوب والأرواح أو الأسرار فتغيب القلوب في حضرة علام الغيوب وتغيب الأرواح والأسرار في جبروت العزيز الجبار فتطيش فرحاً وسروراً وترقص شوقاً وحبوراً. إذا إهتزت الأرواح شوقاً إلى اللقا، ترقصت الأشباح يا جاهل المعنى، وقل ما تكون هذه الواردات الألهية إلا بغتة لأنها لا تنال بأكتساب وإنما هي فتح من الكريم الوهاب ولو كانت تنال بجد وأجتهاد لا دعاها العباد والزهاد بوجوب التأهب والأستعداد فتصير حينئذ مكاسب والأحوال والواردات إنما هي مواهب، يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم، ونسخة الشيخ زروق العباد بالتخفيف جمع عبد وهي أعم قال والحكمة في إتيانها بغتة ثلاثة أمور أحدها ليعرف منة الله فيها الثاني ليقدر قدرها ويعظم الفرح بها الثالث الغيرة عليها وتعزيزها لأن ما كان من العزيز لا يكون إلا عزيزاً اه ثم إن هذه الواردات الألهية والمواهب الأختصاصية أسرار من الكريم الغفار لا يمنحها إلا لأهل الصيانة والأمانة لا لأهل الأفشاء والخيانة كما أشار إلى ذلك بقوله من رأيته مجيباً عن كل ما يسئل ومعبرا عن كل ما شهد وذاكراً لكل ما علم فأستدل بذلك على وجود جهله قلت أما وجه جهله في كونه مجيباً عن كل ما سئل فلما يقتضيه حاله من الأحاطة بالعلوم وقد قال تعالى وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً فأي جهل أعظم ممن يعارض كلام الله ولما فيه أيضاً من التكلف وقد قال تعالى قل لا أسألكم عليه أجراً وما أنا من المتكلفين وقال عليه الصلاة والسلام أنا وأتقياء أمتي برآء من التكلف ولا يخلو صاحب التكلف من التصنع والتزين وهو من شأن الجهل بالله إذ لو كان عالماً به لأكتفى بعلمه وعرف قدره ففي بعض الأخبار عاش من عرف قدره وسئل بعضهم عن العلم النافع فقال أن تعرف قدرك ولا تتعدي طورك وقال بعض المحققين إذا قال العالم لا أدري أصيبت مقاتله وقال في الأحياء كان السلف الصالح يسئل أحدهم عن المسئلة الواحدة فيدفع السائل إلى غيره ثم يدفعه الثاني إلى آخر ثم كذلك حتى يرجع إلى الأول وكان بعضهم إذا سئل عن مسئلة يقول للسائل أذهب بها إلى القاضي فقلدها في عنقه وقد سئل مالك رحمه الله عن أثنتين وثلاثين مسئلة فأجاب عن ثلاث وقال في الباقي لا أدري فقال له السائل وما نقول للناس فقال قل لهم قال مالك لا أدري وأيضاً أجابة كل سائل جهل وضرر إذ قد يكون السائل متعنتا لا يستحق جواباً وقد تكون المسئلة التي سأل عنها لا تليق به لأنه لا يفهمها ولا يطيق معرفتها فتوقعه في الحيرة أو الأنكار وقد قال عليه الصلاة والسلام لا تؤتوا الحكمة غير أهلها فتظلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم وفي ذلك يقول الشاعر

سأكتم علمي عن ذوي الجهل طاقتي ... ولا أنثر الدر النفيس على البهم
فإن قدر الله الكريم بلطفه ... ولاقيت أهلاً للعلوم وللحكم
بذلت علومي وأستفدت علومهم ... وإلا فمخزون لدي ومكتتم
فمن منح الجهال علماً أضاعه ... ومن منع المستوجبين فقد ظلم
وقال على كرم الله وجهه حدث الناس بقدر ما يفهمون أتريدون أن يكذب الله ورسوله وقد قيل للجنيد رضي الله عنه يسألك الرجلان فتجيب هذا بخلاف ما تجيب به هذا فقال الجواب على قدر السائل قال عليه الصلاة والسلام أمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم اه وقال رجل لبعض العلماء وقد سأله فلم يجبه أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من كتم علماً نافعاً ألجم يوم القيامة بلجام من النار فقال له العالم أترك اللجام وأذهب فإن جاء من يستحقه وكتمته فليلجمني به اه وأما وجه جهله في كونه معبراً عن كل ما شهد من الكرامات وما وصل إليه من المقامات وما ذاقه من الأنوار والأسرار فلأن هذه الأمور أذواق باطنية وأسرار ربانية لا يفهمها إلا أربابها فذكرها لمن لا يفهمها ولا يذوقها جهل بقدرها وأيضاً هي أمانات وسر من أسرار الملك وسر الملك لا يحل أفشاؤه فمن أفشاه كان خائناً وأستحق الطرد والعقوبة ولا يصلح أن يكون أميناً بعد ذلك، فكتم الأسرار من شأن الأخيار، وهتك الأسرار من شأن الأشرار، وقد قالوا قلوب الأحرار قبور الأسرار وقال الشاعر
لا يكتم السر إلا كل ذي ثقة ... فالسر عند خيار الناس مكتوم
وفي أفشائها قلة عملها ونفعها في الباطن ففائدة هذه الأحوال والواردات الألهية هي محو الحسي وأظهار المعنى أو محو الشك وتقوية اليقين فإذا أفشاها ضعف أعمالها وقلت نتيجتها والخير كله في الكتمان في الحديث أستعينوا على قضاء حوائجكم بكتمانها أو كما قال عليه السلام وينخرط في سلك الأحوال التي يجب كتمانها خرق عوائد النفوس فمن خرق عادة في نفسه فلا يفشي ذلك لغيره فإن في ذلك دسيسة لها لأنها تحب أن تذكر بالقوة والنجدة فيكون كلما قتل منها أحياه في ساعته وفيه أيضاً نقص الأخلاص وأدخال الرباء وهو سبب الهلاك والعياذ بالله وأما وجه جهله في كونه ذكراً لكل ما علم من الحقائق والعلوم والمعارف فلأنه جهل قدرها وأستخف شأنها فلو كانت عنده رفيعة عزيزة ما أفشاها لغيره إذ صاحب الكنز لا يبوح به وإلا سلبه من ساعته وأنظر قول شيخ شيوخنا المجذوب رضي الله عنه
أحفر لسرك ودكو ... في الأرض سبعين قامه
وخل الخلائق يشكو ... إلى يوم القيامه
وإذا كان الله تعالى يقول " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم " فكيف بالعلم الذي هو لؤلؤ مكنون قال عليه الصلاة والسلام إن من العلم كهيئة المكنون لا يعرفه إلا العلماء بالله فإذا أظهروه أنكره أهل الغرة بالله اه وقال أبو هريرة رضي الله عنه حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم جرابين من علم أما أحدهما فبثثته في الناس وأما الآخر فلو بثثته لقطع مني هذا البلعوم اه ولله در زين العابدين سيدنا علي بن الحسين بن علي كرم الله وجهه حيث يقول
يا رب جوهر علم لو أبوح به ... لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا
ولا ستحل رجال مسلمون دمي ... يرون أقبح ما يأتونه حسناً
أني لأكتم من علمي جواهره ... كي لا يرى الحق ذو جهل فيفتتنا

وقال الروذابادي رحمه الله علمنا هذا أشارة فإذا صار عبارة خفي وقال الأمام الغزالي قد تضر الحقائق بأقوام كما يتضرر الجعل بالود والمسك قلت قد يرخص للعارف الماهر ألقاء الحقائق مع من لا يعرفها بعبارة رقيقة وأشارة لطيفة وغزل رقيق بحيث لا يأخذ السامع منها شيأ فقد كان الجنيد رضي الله عنه يلقي الحقائق على رؤس الأشهاد فقيل له في ذلك فقال جانب العلم أحمى من أن يأخذه غير أهله أو علمنا محفوظ من أن يأخذه غير أهله والله تعالى أعلم ثم أن الأجابة عن كل ما سئل والتعبير عن كل ما شهد وذكر كل ما علم يوجب أقبال الخلق عليهم وتعظيمهم وأكرامهم في هذه الدار لأن من ظهرت مزيته وجبت خدمته، ومن شأن العامة تعظيم صاحب الكرامة فيجني ثمرة علمه وعمله في هذه الدار الفانية وتفوته درجات الصديقين في تلك الدار الباقية فأمره بكتمها ويقنع بعلم الله ويدخر الجزاء عليها ليوم لقاء الله وعلى ذلك نبه بقوله إنما جعل الدار الآخرة محلاً لجزاء عباده المؤمنين لأن هذه الدار لا تسع ما يريد أن يعطيهم، ولأنه أجل أقدارهم عن أن يجازيهم في دار لا بقاء لها قلت لا شك أن الله تعالى وسم هذه الدار بدار الغرور، وحكم عليها بالهلاك والثبور، فهي دار دنية دانية زائلة فانية فلذلك سميت الدنيا أما لدنوها وإما لدناءتها فهي ضيقة الزمان والمكان ووسم الآخرة بدار القرار ومحل ظهور الأنوار، وأنكشاف الأسرار، محل النظرة والحبور، ودوام النعمة والسرور، محل شهود الأحباب، ورفع الحجاب، نعيمها دائم، ووجودها على الدوام قائم، فلذلك جعلها الحق تعالى محلاً لجزاء عباده المؤمنين، ومقعد صدق للنبيين والصديقين، ولم يرض سبحانه أن يجازيهم في دار لا بقاء لها ضيقة الزمان والمكان ومحل الأكدار والأغيار والذل والهوان، لأنها ضيقة لا تسع ما يريد أن يعطيهم أي لا يسع فيها ما يريد أن يكرمهم به تعالى زماناً ولا مكاناً لأن أدنى أهل الجنة يملك قدر الدنيا عشر مرات فكيف بأعلاهم قال تعالى " فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعلمون " وقال صلى الله عليه وسلم يقول الله تبارك وتعالى أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ولأنه جل وعلا أجل أي عظم أقدار عباده المؤمنين والمقربين أن يجازيهم في دار لا بقاء لها فعمارتها خراب، ووجودها سراب، ففي بعض الأخبار لو كانت الدنيا من ذهب يفني والأخرة من خزف يبقي لأختار العاقل الذي يبقي على الذي لا يبقي اه لا سيما بالعكس فالآخرة من ذهب يبقي والدنيا من خزف يفني فلا يختارها إلا من حكم الله عليه بالشقاء والعناء والخزف بالخاء والزاي والفاء المحركات الطين المصنوع للبناء وهو الآجر وفي حديث آخر الأوأن السعيد من أختار باقية يدوم نعيمها على فانية لا ينفك عذابها وقدم لما يقدم عليه مما هو الآن في يده قبل أن يخلفه لمن يسعد بأنفاقه وقد شقي هو بجمعه وأحتكاره اه وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حلوا أنفسكم بالطاعة وألبسوها قناع المخافة وأجعلوا آخرتكم لأنفسكم وسعيكم لمستقركم وأعلموا أنكم عن قليل راحلون وإلى الله سائرون ولا يغني عنكم هنالك إلا صالح عمل قدمتوه أو حسن ثواب جزيتموه أنكم إنما تقدمون على ما قدمتم وتجازون على ما أسلفتم فلا تخدعنكم زخارف دنيا دنية عن مراتب جنات عالية فكأن قد كسف القناع وأرتفع الأرتياب ولاقي كل أمرء مستقره وعرف مثواه ومنقلبه اه ثم أن الجزاء في تلك الدار إنما يكون على العمل في هذه الدار بشرط كونه مقبولاً وقبوله مغيب لكن له علامات يعرف بها هنا أشار إليها بقوله من وجد ثمرة عمله عاجلاً فهو دليل على وجود القبول قلت ثمرة العمل هي لذيذ الطاعة وحلاوة المناجاة وأنس القلب بالمراقبة وفرح الروح بالمشاهدة والسر بالمكالمة قد علم كل أناس مشربهم ودليل وجود هذه الثمرة النشاط في النهوض إليها والأغتباط بها والمداومة عليها وزيادة المدد فيها وهي علامة حلول الهداية في القلب قال تعالى ويزيد الله الذين أهتدوا هدى وللبوصيري في همزيته
وإذا حلت الهداية قلباً ... نشطت للعبادة الأعضاء

فمن رأيناه في زيادة الأعمال والترقي في الأحوال علمنا أنه وجد لعمله ثمرة فهي بشارة له على قبولها ومن رأيناه أنقطع عن عمله أو نقص من أحواله خفنا عليه عدم قبول أعماله ومن ثمرة العمل أيضاً الأستيحاش من الخلق والأنس بالملك الحق ومن ثمرة العمل أيضاً الأكتفاء بعلم الله والأستغناء به عما سواه زاد الشيخ زروق رضي الله عنه الحياة الطيبة ونفوذ الكلمة وأنتفاء الحزن للفرح بالمنة اه فدليل الأول قوله تعالى من عمل صالحاً من ذكر أو أنثي وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة قيل هي القناعة وقيل هي الرضى والتسليم والتحقيق أنها المعرفة ودليل الثاني وهو نفوذ الكلمة قوله تعالى وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض فنفوذ الكلمة هي الخلافة وقال أيضاً وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وأما الثالث وهو أنتفاء الحزن فدليله في نفسه لأن حلاوة العمل تنسي الحزن والغم لأنها شبيهة بنعم الجنة قال تعالى في شأن أهل الجنة وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن والله تعالى أعلم وسيأتي التحذير من الوقوف مع حلاوة الطاعة وأنها سموم قاتلة ولما ذكر ميزان مقادير الأعمال ذكر ميزان مقادير الرجال أو تقول لما ذكر ميزان العمل المقبول من المردود ذكر ميزان العامل المحبوب من المطرود فقال أن أردت أن تعرف قدرك عنده فأنظر فيماذا يقيمك قلت جعل الله تعالى بحكمته خلقه على قسمين أشقياء وسعداء وجعل السعداء قسمين أهل قرب وأهل بعد أو تقول أهل يمين ومقربين وهم السابقون فإن أردت أن تعرف نفسك هل أنت من أهل الشقاوة أو من أهل السعادة فأنظر في قلبك فإن كنت تصدق بوجود ربك وتوحده في ملكه وتنقاد لمن عرفك به وهو رسوله عليه السلام فأنت ممن سبقت له الحسني وإن كنت تنكر أو تشك في ربك أو تشرك به غيره في أعتقادك أو لم تذعن لمن عرفك به فأنت من أهل الشقاء ثم إن وجدت نفسك من أهل السعادة وأردت أن تعرف هل أنت من أهل القرب أو من أهل البعد فأنظر فإن كنت ممن يستدل بأثره عليه فأنت من أهل البعد من أصحاب اليمين وإن كنت ممن يستدل به على غيره فأنت من أهل القرب من المقربين ثم أن عرفت أنك من أهل اليمين وأردت أن تعرف قدرك عنده هل أنت من المكرمين أو من المهانين فأنظر فإن كنت تمتثل أمره وتجتنب نهيه وتسارع في مرضاته وتحبب إلى أوليائه وأحبائه فأنت من المكرمين المعظمين وأن كنت تتهاون في أمره وتتساهل في نواهيه وتتكاسل عن طاعته وتهتك حرمانه وتعادي أوليائه فأنت والله عنده من المهانين المحرومين المطرودين إلا أن تتداركك عناية من رب العالمين.

وأن تحققت أنك من أهل القرب وإنك بلغت مقام الشهود تستدل به على غيره فلا تري سواه فإن كنت تقرباً لواسطه وتثبت الحكمة وتعطي كل ذي حق حقه فأنت من المقربين الكاملين وأن كنت تنكر الحكمة وتغيب عن الواسطة فإن كنت مجذوباً مغلوباً فأنت في هذا المحل ناقص وإن كنت صاحياً فأنت ساقط إلا أن يأخذ بيدك شيخ واصل أو عارف كامل وهنا ميزان آخر تعرف به نفسك في القرب والبعد فإن وجدت شيخاً مريباً كشف الله لك عن أنواره وأطلعك على خصائص أسراره فأنت قطعاً من أهل القرب بالفعل أو بالأمكان لقول الشيخ رضي الله عنه سبحان من لم يجعل الدليل على أوليائه إلا من حيث الدليل عليه ولم يوصل إليهم إلا من أراد أن يوصله إليه وإن لم تجد شيخاً مريباً وغرك قول من قال أنه أنقطع وجوده فأنت قطعاً من أهل اليمين من عوام المسلمين هذا الغالب والنادر لا حكم له والله تعالى أعلم وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم يقول الله تبارك وتعالى أنا الله لا إله إلا أنا خلقت الخير والشر فطوبي لمن خلقته للخير وأجريت الخير على يده وويل لمن خلقته للشر وأجريت الشر على يده وفي حديث آخر من أراد أن يعلم ماله عند الله فلينظر ما لله عنده وفي رواية من أراد أن يعلم منزلته عند الله فلينظر كيف منزلة الله تعالى من قلبه فإن الله تعالى ينزل العبد حيث أنزله العبد من نفسه قال الله تعالى فأما من أعطي وأتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى الآية والله تعالى أعلم ثم ذكر ميزاناً آخر تعرف به المقربين والأغنياء الشاكرين فقال متى رزقك الطاعة والغنى به عنها فأعلم أنه قد أسبغ عليك نعمه ظاهرة وباطنة قلت الطاعة في الظاهر هي رسوم الشريعة والغنى به في الباطن هو شواهد الحقيقة فإذا جمع لك بين الطاعة في جوارحك والغني به عنها في باطنها فقد أسبغ عليك أي أكمل وأطال عليك نعمه ظاهرة وباطنة وهذه سيما العارفين المقربين الأغنياء بالله الفقراء مما سواه أستغنوا بمعبودهم عن رؤية عبادتهم وبمعلومهم عن علمهم وبمصلحهم عن صلاحهم قال الشيخ أبو الحسن في حزبه الكبير نسئلك الفقر مما سواك، والغني بك حتى لا نشهد إلا إياك، فهؤلاء الأغنياء بالله الغائبون فيه عما سواه عبادتهم بالله ولله ومن الله قياماً بشكر النعمة وأتماماً لوظائف الحكمة وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أحب العباد إلى الله الأغنياء الأخفياء الأتقياء أو كما قال عليه الصلاة والسلام وفي حديث آخر ليس الغني بكثرة العرض إنما الغني غني النفس اه وهو الغني بالله وهذه هي النعمة الحقيقية فالنعم الظاهرة هي تزيين الجوارح بالشريعة والنعم الباطنة هي إشراق الأسرار بالحقيقة وقيل النعم الظاهرة هي الكفاية والعافية والنعم الباطنة هي الهداية والمعرفة وقيل النعم الظاهرة راحة البدن من مخالفة أمره والباطنة سلامته من منازعة حكمه وحقيقة النعمة من حيث هي مالا يوجب ألماً ولا يعقب ندماً وقيل النعمة العظمي الخروج من رؤية النفس وقيل النعمة ما وصلك بالحقائق وطهرك من العلائق وقطعك عن الخلائق وبالله التوفيق هذا آخر الباب الثامن وحاصلها تحقيق الأداب مع الواردات الألهية لأنها مواهب أختصاصية فمن أراد مدد أنوارها فعليه بكتمان أسرارها وليؤخر جزاء ثوابها لدار يدوم بقاؤها فحينئذ يتحقق أخلاصه ويظهر أختصاصه فيذوق حلاوة الطاعة والإيمان ويعظم قدره عند الملك الديان فيغيبه به عما سواه ويسبغ عليه مننه ومهما أغاك به أستغنيت به عن طلبه وأن كان ولا بد من الطلب منه ما هو طالبه منك كما أشار إليه في أول الباب التاسع فقال وقال رضي الله عنه خير ما تطلبه منه ما هو طالبه منك قلت والذي طالبه منا هي الأستقامة ظاهراً وباطناً ومرجعها إلى تحقيق العبودية في الظاهر وكمال المعرفة في الباطن أو تقول الذي هو طالبه منا أصلاح الجوارح الظاهرة بالشريعة قياماً برسم الحكمة وأصلاح القلوب والأسرار الباطنة بالحقيقة قياماً بوظائف القدرة.

أو تقول الذي طلبه منا أمتثال أمره وأجتناب نهيه والأكثار من ذكره والأستسلام لقهره فالأكمل في حق العارف أن يستغني بعلم الله ويكتفي بسؤال الحال عن طلب المقال فإن تجلى فيه وارد الطلب فخير ما يطلبه من سيده ما هو طالبه منه وهو ما تقدم ذكره ففي بعض الأحاديث أن الله لا يسئل الخلق عن ذاته وصفاته ولا عن قضائه وقدره ولكن عن أمره ونهيه قلت لأن الأمر والنهي في كسبه ومكلف به ومعرفة الذات والصفات والرضى والتسليم إنما هي مواهب جزاء الأعمال ونتائج الأمتثال فإذا فعل ما أمره به سيده رزقه المعرفة به المعرفة العامة وهي معرفة الدليل فإذا أشتد عطشه قبض له من يأخذ بيده حتى يعرفه به المعرفة الخاصة وقال بعضهم إذا عرضت لك حاجة فأنزلها بالله يعني من غير طلب ما لم يكن لك فيها حظ فتحجب عن الله اه قال تعالى ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما أكتسبوا وللنساء نصيب مما أكتسبن وأسئلوا الله من فضله، وفضله هو الغني به ومن دعاء الجنيد رضي الله عنه اللهم وكل سؤال فعن أمرك لي بالسؤال فأجعل سؤالي لك سؤال محابك ولا تجعلني ممن بسؤاله مواضع الحظوظ بل يسئل القيام بواجب حقك ثم إذا طلبت منه فاطلب منه ما طلبه منك وهو الطاعة والاستقامة ولم تساعفك الأقدار ومنعت منها قبل أن تسئل فإن لم تنهض إليها بقلبك وتأسفت عليها بنفسك فذلك علامة الاغترار كما أشار إلى ذلك بقوله الحزن على فقدان الطاعة مع عدم النهوض إليها من علامة الاغترار قلت الحزن هو التحسر علي شيء فإن لم تحصله وندمت على تحصيله أو التوجع على شيء منعت منه ولم تقدر على تحصيله فإن كان حزنك على شيء منعت منه ونهضت إلى أسبابه الموصلة إليه فهو حزن الصادقين وفيه قال أبو علي الدقاق يقطع صاحب الحزن في شهر ما لا يقطعه غيره في سنين وأن لم تنهض إلى أسبابه فهو حزن الكاذبين وأن كان على ما فات ونهضت إلى إستدراك ما يمكن إستدراكه فهو حزن الصادقين وأن لم تنهض إلى إستدراكه فهو حزن الكاذبين وقد سمعت رابعة العدوية رجلاً يقول وأحزناه فقالت له قل واقلة حزناه فلو كان حزنك صادقاً لم يتهيأ لك أن تتنفس اه.
وقال أبو سليمان الداراني رضي الله عنه ليس البكاء بتعصير العيون إنما البكاء أن تترك الأمر الذي تبكي عليه وقيل لا يغرنك بكاء الرجل فإن إخوة يوسف جاؤا أباهم عشاء يبكون وقد فعلوا ما فعلوا اه فالحزن على فقدان الطاعة مع عدم النهوض إلى إستدراك ما فات منها أو إلى تحصيل ما حضر منها من علامة الأغترار أي الغرور وهو الركون إلى ما لا حقيقة له فالأغترار قبول الغار والأنقياد إلى غروره وخدعه فالحزن ينقسم إلى ثلاثة أقسام حزن الكاذبين والصادقين والصديقين السائرين فحزن الكاذبين هو ما تقدم من عدم النهوض والأستدراك لما فات، وحزن الصادقين هو الحزن المصحوب بالجد والأجتهاد والتوسط في العمل والأقتصاد مع أغتنام ما بقي من الأوقات لأستدراك ما فات، وحزن الصديقين من السائرين هو الحزن على فوات الأوقات أو حصول شيء من الغفلات أو وقوع ميل أو ركون إلى الحظوظ والشهوات إلا أن حزنهم لا يدوم إذ لا يقفون مع شيء ولا يقبضهم شيء وأما الواصلون فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون قال تعالى " إلا أن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، " إذ الحزن إنما يكون على فقد شيء أو فوات غرض وماذا فقد من وجد الله وقالوا الحمد الله الذي أذهب عنا الحزن وفي هذا المقام ينقطع البكاء إذ لا بكاء في الجنة وقدر أي الصديق قوماً يقرؤن ويبكون فقال كذلك كنا ثم قست القلوب فعبر بالقسوة عن التمكين أدباً وتستراً لأن القلب في بدايته رطب يتأثر بالمواعظ وتحركه الأحوال فإذا أستمر معها وتصلب لم يتأثر بشيء ويكون كالجبل الراسي، وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب تنبيه قال السيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه من لم تطاوعه نفسه على النهوض إلى الطاعات وأخلدت إلى أرض الشهوات فدواؤه في حرفين الأول أن يعلم منة الله عليه بالهداية للأسلام ومحبة الإيمان فيشكر الله عليها ليحصن بقائها عنده الثاني دوام تضرعه وإبتهاله في مطان الأجابة قائلاً يا رب سلم سلم.

وأن أهمل هذين الأمرين فالشقاوة لازمة له اه بالمعنى وبالله التوفيق ثم إذا أعطاك ما طلبت من كمال الأستقامة ونهضت إليه نادماً على ما فاتك من الطاعة كانت نهايتك الوصول إلى الحبيب ومناجات القريب هناك تكل الألسن عن العبارة وتنقطع الأشارة كما أبان ذلك بقوله ما العارف من إذا أشار وجد الحق أقرب إليه من إشارته بل العارف من لا إشارة له لفنائه في وجوده وأنطوائه في شهوده قلت الأشارة أرق وأدق من العبارة والرمز أدق من الأشارة فالأمور ثلاثة عبارات وأشارات ورموز وكل واحدة أدق مما قبلها فالعبارة توضح والأشارة تلوح والرمز يفرح أي يفرح القلوب بإقبال المحبوب وقالوا علمنا كله إشارة فإذا صار عبارة خفي أي خفي سره أي فإذا صار عبارة بأفصاح اللسان لم يظهر سره على الجنان فأشارة الصوفية هي تغزلاتهم وتلويحاتهم بالمحبوب كذكر سلمي وليلي وذكر الخمرة والكيسان والنديم وغير ذلك مما هو مذكور في أشعارهم وتغزلاتهم وكذكر الأقمار والنجوم والشموس والبدور واللوائح والطوالع وكذكر البحار والأغراق وغير ذلك مما هو مذكور في أصطلاحاتهم وأما الرموز فهي إيماء وأسرار بين المحبوب وحبيبه لا يفهمها غيرهم.
ومنها في القرآن فواتح السور ومنها في الحديث كقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر أريد أن أدعوك لأمر قال وما هو يا رسول الله قال هو ذاك فرمز لأمر بينهما لا يعرفه غيرهما وقال له أيضاً يا أبا بكر أتعلم يوم يوم بتكرير لفظ يوم قال نعم يا رسول الله سألتني عن يوم المقادير فهذه رموز بين الصديق وحبيبه قال الشيخ زروق رضي الله عنه في شرح الحزب الكبير وقد حارت العقول في رموز الحكماء فكيف بالعلماء فكيف بالأنبياء فكيف بالمرسلين فكيف يطمع في حقائق رب العالمين اه وأما الأشارات فيدركها أربابها من أهل الفن والناس في أدراكها وعدمه على أقسام فمنهم من لا يفهم منها شيئاً ولا يعرف إلا ظاهر العبارة وهم الجهال من عموم الناس ومنهم من يفهم المقصود ويجد الحق بعد الأشارة أي بعد سماع الأشارة وهم أهل البداية من السائرين، ومنهم من يفهم الأشارة ويجد المشار إليه وهو الحق أقرب إليه من ؟أشارته وهم أهل الفناء في الذات قب التمكين، ولهذا تجدهم يتواجدون عند السماع ويتحركون وتطيب أوقاتهم وتهيم أرواحهم أكثر مما يتواجدون عند الذكر لأن الأشارة تهيج أكثر من العبارة بخلاف المتمكنين قد رسخت أقدامهم وأطمأنت قلوبهم وتحقق وصولهم فاستغنوا عن الإشارة والمشير ولذلك قيل للجنيد مالك كنت تتحرك عند السماع وتتواجد واليوم لا نراك تتحرك بشيء قال وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب اه وهذا هو العارف الذي لا إشارة له لفنائه في وجود الحق وأنطوائه في شهوده أو تقول لتحقق وصوله وتمكنه في شهوده فصار المشير عين المشار إليه لفناء وجوده في وجود محبوبه وأنطواء ذاته في ذات مشهوده أو تقول لزوال وهمه وثبوت علمه فتحققت الوحدة وأمتحت الغيرية
رق الزجاج ورقت الخمر ... فتشابها وتشاكل الأمر
فكأنما خمر ولا قدح ... وكأنما قدح ولا خمر
فالأقداح أشباح والخمور أرواح أو تقول لذهاب حسه وأنطماس رسمه فأنكسرت الأواني وسطعت المعاني،
وطاح مقامي في الرواسم كلها ... فلست أرى في الوقت قرباً ولا بعداً
فنيت به عني فبان به غيبي ... فهذا ظهور الحق عند الفنا قصدا
أحاط بنا التعظيم من كل جانب ... وعادت صفات الحق مما يلي العبدا

قال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه أن لله عباداً محق أفعالهم بأفعاله وأوصافهم بأوصافه وذاتهم بذاته وحملهم من أسراره ما تعجز عنه الأولياء وقال القطب الشيخ ابن مشيش رضي الله عنه ونفعنا ببركاته وشراب المحبة مزج الأوصاف بالأوصاف والأخلاق بالأخلاق والأنوار بالأنوار والأسماء بالأسماء والنعوت بالنعوت والأفعال بالأفعال اه وأطلق المزج على التبديل مناسبة للشراب وقال إمام الطريقة أبو القاسم الجنيد رضي الله عنه في وصف العارف عبد ذاهب عن نفسه متصل بذكر ربه قائم بأداء حقه ناظر إليه بقلبه أحرقت قلبه أنوار هدايته وصفاً شرابه من كأس وده تجلى له الجبار عن أستار غيبه فإن تكلم فبالله وأن سكت فمن الله وأن تحرك فبأذن الله وأن سكن فمع الله فهو بالله ولله ومع الله ومن الله والي الله اه فهذه صفات العارف الحقيقي الراسخ المتمكن قد كل لسانه عن التعبير، وأستغنى عن الأشارة والمشير، فإذا صدرت منه أشارة أو تعبير، فإنما ذلك لفيضان وجد أو هداية فقير، وقد صدرت إشارات من المتمكنين فتحمل على هذا القصد كقول الشيخ أبي العباس رضي الله عنه
أعنك عن ليلى حديث محرر ... بإيراده يحيى الرميم وينشر
فعهدي بها العهد القديم وأنني ... على كل حال في هواها مقصر
وقد كان عنها الطيف قد ما يزورني ... ولما برز ما باله يتعذر
وهل بخلت حتى بطيف خيالها ... أم اعتل حتى لا يصح التصور
ومن وجه ليلى طلعة الشمس تستضي ... وفي الشمس أبصار الوري يتحير
وما إحتجبت إلا برفع حجابها ... ومن عجب أن الظهور تستر

هكذا وجدت بخط الشيخ وكان كثيراً ما يتمثل بها قاله المصنف في لطائف المنن فقول الشيخ ما العارف إلخ أي ليس العارف الكامل وهو الراسخ المتمكن وأما السائر فيحتاج إلى الأشارة ويجد الحق أقرب إليه من الأشارة أو معها وهي إعانة له وقوته كالعبارة للمتوجهين وسيأتي العبارة قوت لعائلة المستمعين وليس لك إلا ما أنت له آكل وقوله من إذا أشار أي أشير له وقوله بل العارف من لا أشارة له أي لا يحتاج إليها في نفسه وقد يشير لأجل غيره كما تقدم وأنما أستغني عن الأشارة لأن الأشارة والعبارة قوت الجائع وهو قد شبع وأستغنى أو تقول لأن الأشارة تقتضي البينونة والفرق وهو مجموع في فرقه ولذلك قال الشيخ أبو يزيد رضي الله عنه أبعدهم من الله أكثرهم أشارة إليه وقال ابن العريف في محاسنه الأشارة نداء على رأس البعد وبوح بعين العلة اه أي تصريح بعين علته وهي بعده وقال الروذبادي الأشارة إلا بانة عما يتضمنه الوجد من المشار إليه وفي الحقيقة الأشارة تصحبها العلل والعلل بعيدة من الحقائق وقال الشبلي رضي الله عنه كل أشارة أشار بهما والبينونة بدليل قوله حتى يشيروا إلى الحق بالحق وأنما نفي الطريق إلى ذلك لأستغناء الحق عن الأشارة والمشير والله تعالى أعلم ويحتمل أن يريد بالأشارة أشارة القلب أو الفكرة إلى الوجود فإن القلب إذا أشار إلى الكون بأسره فني وتلاشي ووجد الحق أقرب إليه من أشارته لكونه كان فانياً قبل أشارته وهذا حال السائرين وأما الواصل فلا يحتاج إلى أشارة لكونه قد تحقق فناؤه وأنطوى وجوده في وجود محبوبه فلم يحتج إلى أشارة لتمكن حاله وتحقق مقامه والله تعالى أعلم وسئل أبو سعيد بن الأعرابي عن الفناء فقال هو أن تبدو العظمة والأجلال على البعد فتنسيه الدنيا والآخرة والأحوال والدرجات والمقامات والأذكار تفنيه عن كل شيء وعن عقله وعن نفسه وفنائه عن الأشياء وعن فنائه عن الفناء لأنه يغرق في التعظيم اه ولما كان المطلوب من العبد القيام بوظائف العبودية ومعرفة عظمةالربوبية تشوقت القلوب إلى نيلها وطمعوا في أدراكها ورجوا بلوغ آمالهم فيها فبين الشيخ علامة الرجاء الصادق من الكاذب فقال الرجاء ما قارنه عمل وإلا فهو أمنية قال بعض العلماء الرجاء تعلق القلب بمطموع يحصل في المستقبل مع الأخذ في العمل المحصل له وأقرب منه طمع يصحبه عمل في سبب المطموع فيه لأجل تحصيله اه والأمنية أشتهاء وتمني لا يصحبه عمل فإن كان مع الحكم والجزم فهو تدبير وهو أتم قبحاً قاله الشيخ زروق قلت فمن رجا أن يدرك النعيم الحسي كالقصور والحور فعليه بالجد والطاعة والمسارعة إلى نوافل الخيرات وإلا كان رجاؤه حمقاً وغروراً وقد قال معروف الكرخي رضي الله عنه طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب وأرتجاء الشفاعة بلا سبب نوع من الغرور وأرتجاء رحمة من لا يطاع جهل وحمق وقيل من زعم أن الرجاء مع الأصرار صحيح فكذلك فليزعم أن الربح مع الفقير ووقد النار من البحر صحيح ومن كان رجاؤه تحقيق العلوم وفتح مخازن الفهوم فعليه بالمدارسة والمطالعة ومجالسة أهل العلم المحققين العاملين مع تحليته بالتقوى والورع قال تعالى " وأتقوا الله ويعلمكم الله فإن فعل هذا كان طالباً صادقاً وإلى مارجاً وأصلاً وإلا كان باطلاً وبقي جاهلاً وقد قال بعض المحققين من أعطي كليته في العلم أخذ كليته ومن لم يعط كليته لم يأخذ بعضه ولا كليته وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم من يطلب الخير يؤته ومن يتق الشر يوقه اه والذي تفيده التقوى أنما هو فهم يوافق الأصول ويشرح الصدور ويوسع المعقول ومن كان رجاؤه الوصول إلى أدراك المقامات وتحقيق المنازلات ومواجيد المحبين وأذواق العارفين فعليه بصحبة الفحول من الرجال أهل السر والحال بحط رأسه وذبح نفسه والأخذ فيما كلفوه به من الأعمال مع الذل والأفتقار والخضوع والأنكسار فإن زعم أنه لم يجدهم فليصدق في الطلب فسر الله كله في صدق الطلب وليستغرق أوقاته في ذكر الله وليلتزم الصمت والعرلة وليحسن ظنه بالله وبعباد الله فإن الله يقيض له من يأخذ بيده، إن يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً مما أخذ منكم قال في القواعد قاعدة طلب الشيء من وجهه وقصده أقرب لتحصيله وقد ثبت أن حقائق علوم الصوفية منح إلهية ومواهب إختصاصية لا تنال بمعتاد الطلب فلزم مراعاة

وجه ذلك وهو ثلاث أولها العمل بما علم قدر الأستطاعة الثاني اللجاء إلى الله على قدر الهمة الثالث أطلاق النظر في المعاني حال الرجوع لأصل السنة فيجري الفهم وينتفي الخطأ ويتيسر الفتح وقد أشار الجنيد رحمه الله تعالى إلى ذلك بقوله ما أخذنا التصوف عن القيل والقال والمراء والجدال إنما أخذناه عن الجوع والسهر وملازمة الأعمال أو كما قال وفي الخبر عنه عليه الصلاة والسلام من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم وقال أبو سليمان الداراني رضي الله عنه إذا أعتقدت النفوس على ترك الآثام جالت في الملكوت ورجعت إلى صاحبها بطرائف العلوم من غير أن يؤدي إليها عالم علماً اه فمن رجا أن يدرك هذه الأمور المتقدمة وشرع في أسبابها وتحصيل مباديها كان علامة على نجح مطلبه وكان رجاؤه صادقاً ومن طمع فيها من غير أن يأخذ بالجد في أسباب تحصيلها كان أمنية أي غروراً وحمقاً وكان الحسن رضي الله عنه يقول يا عباد الله أتقوا هذه الأماني فأنها أودية النوكي يحلون فيها فو الله ما أتى الله عبداً بأمنية خيراً في الدنيا والآخرة اه والنوكي بفتح النون جمع أنوك وهو الأحمق ولما كان من رجا شيئاً وطمع فيه الغالب أنه يطلبه بين الشيخ خير ما يطلبه العبد ويرجوه فقال مطلب العارفين من الله الصدق في العبودية والقيام بحقوق الربوبية قلت المطلب مصدر بمعنى المفعول أو أسم مكان أي مطلوب العارفين ومقصودهم أو محل قصدهم ومحل نظرهم إنما هو تحقق الصدق في العبودية بحيث لا تبقي فيهم بقية إذ المكاتب عبد ما بقي عليه درهم فما دام العبد مسجوناً بمحيطاته محصوراً في هيكل ذاته لا تنفك عنه الحظوظ إما دنيوية أو أخروية فلا تتحقق عبوديته لله وفيه عبودية لحظوظه وهواه فلا يكون صادقاً في عبوديته وهو مملوك لحظ نفسه فإذا قال أنا عبد الله نازعته حظوظه وهواه فلا تتحقق عبوديته لله حتى يتحرر من رق الأكوان ويتحقق بمقام الأحرار من أهل العرفان فحينئذ يكون سالماً لله حراً مما سواه قال الله تعالى ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون أي متخاصمون ورجلاً سلماً لرجل هل يستويان مثلاً أي لا يستويان أبداً إذ العبد الخالص لسيد واحد يكون أحظي وأعز وأقرب من العبد المشترك وكذلك العبد الخالص لله أحظي بمحبة مولاه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تعس أي خاب وخسر عبد الدينار والدرهم والخميصة إذا أعطي رضي وإذا لم يعط سخط تحس وأنتكس وإذا شيك فلا أنتقش أي إذا أصابته شوكة فالله لا يخرجها منه بالنقش عليها وهو دعاء على من حظه هواه بالتنكيس وعدم الخروج مما يقع فيه وقال أبو سليمان الداراني رضي الله عنه شتان بين من همه الحور والقصور وبين من همه الحضور ورفع الستور اه ولأجل هذا كان مطلب العارفين إنما هو التحقق بالهبودية لمولاهم بالتحرر من رق هواهم والقيام بوظائف الربوبية بالأدب والتعظيم والأجلال لمولاهم وهما متلازمان فمهما تحقق الصدق في العبودية إلا حصل القيام بوظائف الربوبية فإن النفس إذا ماتت بترك حظوظها حييت الروح وإذا حييت الروح عرفت وإذا عرفت أذعنت وخضعت لهيبة الجلال وهذا هو القيام بحقوق الربوبية وهو مراد العارفين ومقصود السائرين ومحط نظر القاصدين والطالبين قيل لبعضهم ما مراد العارف قال مراد معروفه اه أي لا يريد إلا ما أراد سيده ولا يتمنى إلا ما يقضيه عليه مولاه وقيل لبعضهم ما تشتهي قال ما يقضي الله فهذا يتحقق للعارف فناؤه وبتحقيق فنائه يتحقق بقاؤه وأنشدواوجه ذلك وهو ثلاث أولها العمل بما علم قدر الأستطاعة الثاني اللجاء إلى الله على قدر الهمة الثالث أطلاق النظر في المعاني حال الرجوع لأصل السنة فيجري الفهم وينتفي الخطأ ويتيسر الفتح وقد أشار الجنيد رحمه الله تعالى إلى ذلك بقوله ما أخذنا التصوف عن القيل والقال والمراء والجدال إنما أخذناه عن الجوع والسهر وملازمة الأعمال أو كما قال وفي الخبر عنه عليه الصلاة والسلام من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم وقال أبو سليمان الداراني رضي الله عنه إذا أعتقدت النفوس على ترك الآثام جالت في الملكوت ورجعت إلى صاحبها بطرائف العلوم من غير أن يؤدي إليها عالم علماً اه فمن رجا أن يدرك هذه الأمور المتقدمة وشرع في أسبابها وتحصيل مباديها كان علامة على نجح مطلبه وكان رجاؤه صادقاً ومن طمع فيها من غير أن يأخذ بالجد في أسباب تحصيلها كان أمنية أي غروراً وحمقاً وكان الحسن رضي الله عنه يقول يا عباد الله أتقوا هذه الأماني فأنها أودية النوكي يحلون فيها فو الله ما أتى الله عبداً بأمنية خيراً في الدنيا والآخرة اه والنوكي بفتح النون جمع أنوك وهو الأحمق ولما كان من رجا شيئاً وطمع فيه الغالب أنه يطلبه بين الشيخ خير ما يطلبه العبد ويرجوه فقال مطلب العارفين من الله الصدق في العبودية والقيام بحقوق الربوبية قلت المطلب مصدر بمعنى المفعول أو أسم مكان أي مطلوب العارفين ومقصودهم أو محل قصدهم ومحل نظرهم إنما هو تحقق الصدق في العبودية بحيث لا تبقي فيهم بقية إذ المكاتب عبد ما بقي عليه درهم فما دام العبد مسجوناً بمحيطاته محصوراً في هيكل ذاته لا تنفك عنه الحظوظ إما دنيوية أو أخروية فلا تتحقق عبوديته لله وفيه عبودية لحظوظه وهواه فلا يكون صادقاً في عبوديته وهو مملوك لحظ نفسه فإذا قال أنا عبد الله نازعته حظوظه وهواه فلا تتحقق عبوديته لله حتى يتحرر من رق الأكوان ويتحقق بمقام الأحرار من أهل العرفان فحينئذ يكون سالماً لله حراً مما سواه قال الله تعالى ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون أي متخاصمون ورجلاً سلماً لرجل هل يستويان مثلاً أي لا يستويان أبداً إذ العبد الخالص لسيد واحد يكون أحظي وأعز وأقرب من العبد المشترك وكذلك العبد الخالص لله أحظي بمحبة مولاه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تعس أي خاب وخسر عبد الدينار والدرهم والخميصة إذا أعطي رضي وإذا لم يعط سخط تحس وأنتكس وإذا شيك فلا أنتقش أي إذا أصابته شوكة فالله لا يخرجها منه بالنقش عليها وهو دعاء على من حظه هواه بالتنكيس وعدم الخروج مما يقع فيه وقال أبو سليمان الداراني رضي الله عنه شتان بين من همه الحور والقصور وبين من همه الحضور ورفع الستور اه ولأجل هذا كان مطلب العارفين إنما هو التحقق بالهبودية لمولاهم بالتحرر من رق هواهم والقيام بوظائف الربوبية بالأدب والتعظيم والأجلال لمولاهم وهما متلازمان فمهما تحقق الصدق في العبودية إلا حصل القيام بوظائف الربوبية فإن النفس إذا ماتت بترك حظوظها حييت الروح وإذا حييت الروح عرفت وإذا عرفت أذعنت وخضعت لهيبة الجلال وهذا هو القيام بحقوق الربوبية وهو مراد العارفين ومقصود السائرين ومحط نظر القاصدين والطالبين قيل لبعضهم ما مراد العارف قال مراد معروفه اه أي لا يريد إلا ما أراد سيده ولا يتمنى إلا ما يقضيه عليه مولاه وقيل لبعضهم ما تشتهي قال ما يقضي الله فهذا يتحقق للعارف فناؤه وبتحقيق فنائه يتحقق بقاؤه وأنشدوا

لو قيل ما تمنى والعبد يعطي مناه ... لقلت منية قلبي في بقاه
أي بقائه مع مولاه والله تعالى أعلم فإذا طلب العبد من مولاه ما هو طالبه منه من أستقامة ظاهره بالنهوض إلى كمال الطاعات والحزن على ما سلف من الغفلات وأستقامة باطنه بمعرفة معبوده والفناء في شهوده فيكون ظاهره قائماً بوظائف العبودية وباطنه متحققاً بحقوق الربوبية ثم إذا أحس بإجابة المطلب وحصول المني والمرغب فرح قلبه وأنبسطت روحه حيث شمت نسيم الأقبال وروح الوصال فربما يقبضها البسط عن شهود مولاها فيخرجها منه إلى القبض ثم يرحلها عنهما إليه كما أشار الشيخ إلى ذلك بقوله بسطك كي لا يبقيك مع القبض وقبضك كي لا يتركك مع البسط وأخرجك عنهما كي لا تكون لشيء دونه قلت البسط فرح يعتري القلوب أو الأرواح إما بسبب قرب شهود الحبيب أو شهود جماله أو بكشف الحجاب عن أوصاف كماله وتجلى ذاته أو بغير سبب والقبض حزن وضيق يعتري القلب إما بسبب فوات مرغوب أو عدم حصول مطلوب أو بغير سبب وهما يتعاقبان على السالك تعاقب الليل والنهار فالعوام إذا غلب عليهم الخوف أنقبضوا وإذا غلب عليهم الرجاء أنبسطوا والخواص إذا تجلى لهم بوصف الجمال أنبسطوا وإذا تجلى لهم بوصف الجلال أنقبضوا وخواص الخواص أستوى عندهم الجلال والجمال فلا تغيرهم واردات الأحوال لأنهم بالله ولله لا لشيء سواه فالأولون ملكتهم الأحوال وخواص الخواص مالكون الأحوال فمن لطفه بك أيها السالك أخرجك من الأغيار ودفعك إلى حضرة الأسرار فإذا أخذك القبض وتمكن منك الخوف وسكنت تحت قهره وأنست بأمره أخرجك إلى البسط لءلا يحترق قلبك ويذوب جسمك فإذا حبسك البسط وفرحت به وأنست بجماله قبضك لئلا يتركك مع البسط فتسيء الأدب وتجر إلى العطب إذ لا يقف مع الأدب في البسط إلا القليل هكذا يسيرك بين شهود جلاله وجماله فإذا شهدت أثر وصف الجلال أنقبضت وإذا شهدت أثر وصف الجمال أنبسطت ثم يفتح لك الباب ويرفع بينك وبينه الحجاب فتتنزه في كمال الذات وشهود الصفات فتغيب عن أثر الجلال والجمال بشهود الكبير المتعال فلا جلاله يحجبك عن جماله ولا جماله يحجبك عن جلاله ولا ذاته تحبسك عن صفاته ولا صفاته تحبسك عن ذاته تشهد جماله في جلاله في جماله وتشهد ذاته في صفاته وصفاته في ذاته أخرجك عن شهود أثر الجلال والجمال لتمون عبد الله في كل حال أخرجك عن كل شيء لتكون حراً من كل شيء وعبداً له في كل شيء وأنشدوا
حرام على من وحد الله ربه ... وأفرده أن يحتذي أحداً رفداً
فيا صاحبي قف بي على الحق وقفة ... أموت بها وجداً وأحيا بها وجداً
وقل لملوك الأرض تجهد جهدها ... فذا الملك ملك لا يباح ولا يهدا

قال فارس رضي الله عنه القبض أولاً ثم البسط ثانياً ثم لا قبض ولا بسط لأن القبض والبسط لمعان في الوجود وأما مع الفناء والبقاء فلا اه وأعلم أن القبض والبسط لهما آداب فإذا أساء فيهما الأدب طرد إلى الباب أو إلى سياسة الدواب فمن آداب القبض الطمأنينة والوقار والسكون تحت مجاري الأقدار والرجوع إلى الواحد القهار فإن القبض شبيه بالليل والبسط شبيه بالنهار ومن شأن الليل الرقاد والهدو والسكون والحنو فأصبر أيها المريد وأسكن تحت ظلمة ليل القبض حتى تشرق عليك شموس نهار البسط إذ لا بد لليل من تعاقب النهار ولا بد للنهار من تعاقب الليل، يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل هذا آداب القبض الذي لا تعرف له سبباً وأما أن عرفت له سبباً فأرجع فيه إلى مسبب الأسباب ولذا بجانب الكريم الوهاب فهل عودك إلا حسناً وهل أسدي إليك إلا منناً فالذي واجهتك منه الأقدار هو الذي عودك حسن الأختيار فالذي أنزل الداء هو الذي بيده الشفاء يا مهموم بنفسه لو ألقيتها إلى الله لأسترحت فما تجده القلوب من الأحزان فلا جل ما منعته من الشهود والعيان والحاصل أن سبب القبض أنما هو النظر للسوي والغفلة عن المولي وأما أهل الصفا فلا يشهدون إلا الصفا ولذلك كان عليه الصلاة السلام يقول من أصابه هم أو غم فليقل الله الله لا أشرك به شيئاً فإن الله يذهب همه وغمه أو كما قال عليه السلام والحديث صحيح فأنظر كيف دل عليه الصلاة والسلام المقبوض إلى الدواء وهو شهود التوحيد والغيبة عن الشرك فدلنا صلى الله عليه وسلم على القول والمراد منه المعنى فكأنه قال أعرفوا الله ووحدوه ينقلب قبضكم بسطاً ونقمتكم نعمة وكذلك في حديث آخر قال ما قال أحد اللهم أني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل أسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو أستأثرت به في علم الغيوب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور بصري وجلاء حزني وذهاب همي إلا أذهب الله همه وغمه وأبدل مكان همه فرحاً وسروراً فدلهم أولاً في الحديث الأول على شهود الربوبية وفي الحديث الثاني على القيام بوظائف العبودية وهو الصبر والرضي إذ من شأن العبد أن يصبر على أحكام سيده ويسلم ويرضي لما يجريه عليه من أوصاف قهره ومن آداب البسط كف الجوارح عن الطغيان وخصوصاً جارحة اللسان فإن النفس إذا فرحت بطرت وخفت ونشطت فربما تنطق بكلمة لا تلقي لها بالأ فتسقط في مهاوي القطيعة بسبب سوء أدبها ولذلك كان يبسط مزلة أقدام فإذا أحس المريد بالبسط فليلجم نفسه بلجام الصمت وليتحل بحلية السكينة والوقار وليدخل خلوته وليلتزم بيته فمثل الفقير في حالة البسط والقوة كقدر على وفار فإن تركه يغلي أهراق أدامه وبقي شاحتاً وأن كفه وأخمد ناره بقي أدامه تاماً كذلك الفقير في حالة القوة والبسط يكون نوره قوياً وقلبه مجموعاً فإذا تحرك وبطش وتتبع قوته برد ورجع لضعفه وما ذلك إلا لسوء أدبه والله تعالى أعلم ولأجل هذا كان العارفون يخافون من البسط أكثر من القبض كما نبه عليه بقوله العارفون إذا بسطوا أخوف منهم إذا قبضوا قلت كل من فتح عليه في شهود المعاني فهو عارف فأن تمكن من شهود المعني على الدوام فهو واصل متمكن وإلا فهو سائر وأنما كان العارف إذا أنبسط أخوف منه إذا انقبض لأن القبض من شأنه أن يقبض النفس عن حظوظها ومن شأنه أيضاً السكون والسكون كله أدب ومن شأن البسط أن يبسط النفس وينشطها فربما تبطش لما فيه حظها فتزل قدم بعد ثبوتها بسبب قلة آدابها ولذلك قال ولا يقف على حدود الأدب في البسط إلا قليل قلت وهم أهل الطمأنينة والتمكين لأنهم كالجبال الرواسي لا يحركهم قبض ولا بسط فهم مالكون الأحوال لا يخرجهم القبض ولا البسط عن حالة الأعتدال بخلاف السائرين وأن كانوا عارفين فإنهم ربما تؤثر فيهم الواردات فيرد عليهم وارد البسط فيخرجهم عن حد الأدب وقد قيل قف على البساط وإياك والأنبساط وقال رجل لأبي محمد الحريري رضي الله عنه كنت على بساط الأنس وفتح على طريق البسط فزللت زلة فحجبت عن مقامي فكيف السبيل إليه دلني على الوصول إلى ما كنت عليه فبكي أبو محمد وقال يا أخي الكل في قهر هذه الخطة لكني أنشدك أبياتاً لبعضهم وأنشد يقول

قف بالديار فهذه آثارهم ... تبكي الأحبة حسرة وتشوقاً
كم قد وقفت بربعها مستخبراً ... عن أهلها أو سائلاً أو مشفقاً
فأجابني داعي الهوى في رسمها ... فارقت من تهوى فعز الملتقا
ثم علل عدم الوقوف على حدود الأدب في البسط فقال البسط تأخذ النفس منه حظها بوجود الفرح، والقبض لاحظ للنفس فيه قلت لأن البسط جمال والقبض جلال ومن شأن الجمال أن يأتي بكل جمال وأين هو الجمال ثم هو عيد الجلال أين هو حبيبك ثم هو عدوك أين هو الربح ثم هو الخسارة ومعنى ذلك أن الموضع الذي يلائم النفس ويليق بها ثم هو خسارة القلب وحجاب الروح لأن الموضع الذي تحيى به النفس يموت فيه القلب والموضع الذي تموت فيه النفس يحيى به القلب والروح ولذلك قال إبن الفارض رضي الله عنه
الموت فيه حياتي ... وفي حياتي قتلي
وقال الششتري رضي الله عنه
أن ترد وصلنا فموتك شرط ... لا ينال الوصال من فيه فضله

وكتب يوسف بن الحسين الرازي رحمه الله إلى الجنيد رضي الله عنه لا أذاقك الله طعم نفسك فإنك أن ذقتها لا تذق بعدها خيراً أبداً اه وقال أبو علي الدقاق رضي الله عنه القبض حق الحق منك والبسط حقك منه ولأن تكون بحق ربك أولى من أن تكون بحظ نفسط اه وهذا كله في حق السائرين وأما الواصلون المتمكنون فلا يؤثر فيهم جلال ولا جمال ولا يحركهم قبض ولا بسط كما تقدم لأنهم بالله ولله ومن الله وإلى الله بالله تصرفهم ولله عبوديتهم ومن الله ورودهم وإلى الله صدورهم لأنهم للله لا لشيء دونه قال الجنيد رضي الله عنه الخوف يقبضني والرجاء يبسطني والحقيقة تجمعني والحق يفرقني إذا قبضني بالخوف أفناني عني وإذا بسطني بالرجاء ردني على وإذا أجمعني بالحقيقة أحضرني وإذا فرقني بالحق أشهدني غيري فغطاني عنه فهو في كل ذلك محركي غير مسكني وموحشي غير مؤنسي بحضوري لذوق طعم وجودي فليته أفناني عني فمتعني أو غيبني عني فروحني اه قوله رضي الله عنه الخوف يقبضني لأن العبد في حالة الخوف يشهد ما منه إلى الله من الأساءة فينفتح له باب الحزن وفي حالة الرجاء يشهد ما من الله إليه من الأحسان فينفتح له باب الرجاء والبسط وقوله والحقيقة تجمعني أن تغنيني عن نفسي وتجمعني به فلا نشهد إلا ما من الله إلى الله فلا قبض ولا بسط وقوله والحق يفرقني المراد بالحق الحقوق اللازمة للعبودية فلا ينهض إليها إلا بشهود نوع من الفرق وأن كان نهوضه بالله وقوله إذا قبضني بالخوف أفناني عني أي تجلى لي بأسمه الجليل ذاب جسمي من هيبة المتجلي وإذا بسطني بالرجاء بأن تجلى لي بأسمه الجميل أو الرحيم رد نفسي ووجودي علي وإذا جمعني إليه بشهود الحقيقة أحضرني معه بزوال وهمي وإذا فرقني بالحق الذي أوجبه علي للقيام بوظائف حكمته أشهدني غيري حتى يظهر الأدب مني معه وقد يقوي الشهود فلا يشهد الأدب إلا منه إليه وقوله فغطاني عنه لأن العبد في حالة النزول إلى سماء الحقوق أو أرض الحظوظ قد يرجع لمقام المراقبة لكنه غير لازم وسيأتي للمؤلف بل نزلوا في ذلك بالله ومن الله وإلى الله فعلى هذا لا تغطية للعبد في حالة النزول للحق أصلاً وقوله فهو في كل ذلك محركي غير مسكني يعني أن الحق تعالى حين يقبضه بالخوف أو يبسطه بالرجاء أو يجمعه بالحقيقة أو يفرقه بالحق هو محرك له ليسيره إليه ويحوشه إليه غير مسكن له في مقام واحد وموحشه عن عالم نفسه غير مؤنس له بها بسبب حضوره مع عوالمه البشرية فيذوق طعم وجودها فإذا غيبه عنه عرف قدر ما من به عليه ولذلك قال فليته أفناني عني أي عن رؤية وجودي فمتعني بشهوده أو غيبني عن حسي فروحني من الحقوق التي تفرقني عنه بإسقاطها عني في حالة الغيبة وكأنه مال إلى طلب السلامة خوفاً من الوقوع فيما يجب الملامة وأن كان الكمال هو الجمع بين العبودية وشهود الربوبية والله تعالى أعلم ثم ذكر أسباب القبض والبسط وهو العطاء والمنع في الغالب فقال ربما أعطاك فمنعك وربما منعك فأعطاك قلت الغالب على النفس الأمارة واللوامة أن تنبسط بالعطاء تنقبض بالمنع لأن في العطاء متعتها وشهوتها فلا جرم أنها تنبسط بذلك وفي المنع قطع موادها وترك حظوظها ولا شك أنها تنقبض بذلك وذلك لجهلها بربها وعدم فهمها فلو فهمت عن الله لعلمت أن المنع عين العطاء والعطاء عين المنع كما يأتي فأفهم أيها الفقير عن مولاك ولا تتهمه فيما به أولاك فربما أعطاك ما تشتهيه النفوس فمنعك بذلك حضرة القدوس وربما منعك ما تشتهيه نفسك فيتم بذلك حضورك وأنسك ربما أعطاك متعة الدنيا وزهرتها فمنعك جمال الحضرة وبهجتها وربما منعك زينة الدنيا وبهجتها فأعطاك شهود الحضرة ونظرتها ربما أعطاك قوت الأشباح فمنعك قوت الأرواح وربما منعك من قوت الأشباح فمتعك بقوت الأرواح ربما أعطاك أقبال الخلق فمنعك من أقبال الحق وربما منعك من أقبال الخلق فأعطاك الأنس بالملك الحق ربما أعطاك العلوم وفتح لك مخازن الفهوم فحجبك بذلك عن شهود المعلوم ومعرفة الحي القيوم وربما منعك من كثرة العلوم وأعطاك الأنس بالحي القيوم فأحطت بكل مجهول ومعلوم ربما أعطاك عز الدنيا ومنعك عز الآخرة وربما منعك من عز الدنيا وأعطاك عز الآخرة ربما أعطاك التعزز بالخلق ومنعك من التعزز بالحق وربما منعك من التعزز بالخلق وأعطاك التعزر بالملك الحق ربما أعطاك خدمة الكون فمنعك من شهود

المكون وربما منعك من خدمة الكون وأعطاك شهود المكون ربما أعطاك التصرف في الملك ومنعك دخول الملكوت وربما منعك من التصرف في الملك ومنحك شهود الملكوت ربما أعطاك أنوار الملكوت فمنعك الترقي إلى بحر الجبروت وربما حجب عنك أنوار الملكوت فأعطاك الدخول إلى حضرة الجبروت ربما أعطاك القطبانية ومنعك التمتع بشهود الفردانية وربما منعك القطبانية ومتعك بشهود سر الوحدانية إلى غير ذلك مما لا يحصيه ألا علام الغيوب قال ابن العربي الحاتمي رضي الله عنه إذا منعت فذاك عطاؤه وإذا أعطيت فذاك منعه فأختر الترك على الأخذ اه وشاهده قوله تعالى وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم الآية فإذا فهمت هذا علمت أن المنع هو العطاء كما بينه بقوله متى فتح لك باب الفهم في المنع عاد المنع هو عين العطاء قلت إذا فهمت أيها العبد عن الله بعد تحققك برحمته ورأفته وكرمه وجوده ونفوذ قدرته وأحاطة علمه علمت أنك إذا سألته شيئاً أو هممت بشيئ أو أحتجبت إلى شيء فمنعك منه فإنما منعك ذلك رحمة بك وأحساناً إليك إذ لم يمنعك من بخل ولا عجز ولا جهل ولا غفلة وإنما ذلك حسن نظر إليك وأتمام لنعمته عليك لكونه أتم نظر وأحمد عاقبة فعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون فربما دبرنا أمراً ظننا أنه لنا فكان علينا وربما أتت الفوائد من وجوده الشدائد والشدائد من وجوه الفوائد وربما كمنت المنن في المحن والمحن في المنن وربما أنتفعنا على أيدي الأعداء وأوذينا على أيدي الأحباء وربما تأتي المسار من حيث المضار وقد تأتي المضار من حيث المسار ولأبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه في حزبه اللهم أنا قد عجزنا عن دفع الضر عن أنفسنا من حيث نعلم بما نعلم فكيف لا نعجز عن ذلك من حيث لا نعلم بما لا نعلم فمتي فتح لك أيها المريد باب الفهم عنه في المنع وعلمت ما فيه من الشر والخير وحسن النظر لك عاد المنع في حقك هو عين العطاء ومثال ذلك كصبي رأى طعاماً حسناً أو حلواء أو عسلاً وفيه سم وأبوه عالم بما فيه فكلما بطش الصبي لذلك الطعام رده أبوه فالصبي يبكي عليه لعدم علمه وأبوه يرده بالقهر لوجود علمه فلو عقل الصبي ما فيه ما بطش إليه ولعلم نصح أبيه وشدة رأفته به ومثال آخر كرجل صنع طعاماً جيداً وعمل فيه بصاقاً ومخاطاً أو قذراً وأتي به لمن لا يعرفه فكل من رآه ولم يعرف ما فيه بطشت نفسه إليه فلو علم ما فيه ما بطشت نفسه فإذا نهاه عنه من علم ما فيه أتهمه لعدم فهمه كذلك العبد يبطش للدنيا أو الرياسة أو غير ذلك مما فيه ضرره فيمنعه الحق تعالى منه رحمة به وشفقة عليه وأعتناء به فإذا فهم عن الله سلم الأمر إلى مولاه ولم يتهمه فيما أبرمه وقضاه وإذا لم يفهم عن الله تحسر وربما سخط فإذا إنكشف له سر ذلك بعد علم ما كان في ذلك من الخير لكن فاتته درجة الصبر لقوله عليه السلام إنما الصبر عند الصدمة الأولى وأنظر قضية الرجل الذي كان يسكن في البادية وكان من العارفين فأتفق له ذات يوم أن مات حماره وكلبه وديكه فأتي إليه أهله فقالوا له حين مات الحمار مات حمارنا فقال خير ثم قالوا مات الكلب فقال خير ثم قالوا مات الديك فقال خير فغضب أهل الدار وقالوا أي خير في هذا متاعنا ذهب ونحن ننظر فأتفق أن بعض العرب ضربوا على ذلك الحي في تلك الليلة فأحتاحوا كل ما فيه وكانوا يستدلون على الخيام بنهيق الحمار ونباح الكلاب وصراخ الديكة فأصبحت خيمته سالمة إذ لم يكن بقي من يفضحها فأنظر كيف كان حسن نظر الحق لأوليائه وحسن تدبيره لهم وكيف فهم الرجل العارف ما في ذلك من السر في أول مرة فهذا هو الفهم عن الله رزقنا الله من ذلك الحظ الأوفر أمين قال الشبلي الصوفية أطفال في حجر الحق تعالى اه يعني أنه يتولى حفظهم وتدبيرهم على ما فيه صلاحهم ولا يكلهم إلى أنفسهم والله تعالى أعلم وسبب عدم الفهم عن الله هو الوقوف مع ظواهر الأشياء دون النظر إلى بواطنها كما أبان ذلك بقوله الأكوان ظاهرا غرة وباطنها عبرة قلت الغرة بكسر الغين وقوع الغرور وإنما كانت الأكوان ظاهرها غرة لوجهين أحدهما ما جعل الله سبحانه على ظاهر حسها من البهجة وحسن المنظر وما تشتهيه النفوس من أنواع المآكل والمشارب والملابس والمراكب وشهوة المناكح والمساكن والبساتين والرياضات وكثرة الأموال والبنين وكثرة الأصحاب

والعشائر والأجناد والعساكر وغير ذلك من بهجتها وزهرتها وزخرفها فأنكب جل الناس على الأشتغال بجمعها وتحصيلها والجري عليها الليل والنهار والشهور والأعوام حتى هجم عليهم هادم اللذات فأعقبهم الندم والحسرات ولم ينفع الندم وقد جف القلم سافروا بلا زاد، وقدموا على الملك بلا تأهب ولا إستعداد، فأستوجبوا من الله الطرد والبعاد ولأجل، هذا حذر الله سبحانه من غرورها وزخرفها والوقوف مع ظاهرها قال تعالى " زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين " الآية ثم قال " قل أأنبؤكم بخير من ذلكم للذين أتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد " وقال تعالى " أنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملاً " أي لنختبرهم أيهم أزهد فيها وقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم أي أصنافاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون فقال الذين نظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناس إلى ظاهرها وأهتموا بآجل الدنيا حين أهتم الناس بعاجلها فأماتوا منها ما خشوا أن يميتهم وتركوا منها ما علموا أن سيتركهم فما عارضهم من نائلها عارض إلا رفضوه ولا خادعهم من رفعتها خادع إلا وضعوه خلقت الدنيا في قلوبهم فلم يجددوها وخرجت بنيانهم فما يعمرونها وماتت في صدورهم فما يحيونها بل يهدمونها فيبنون بها آخرتهم ويبيعونها ليشتروا بها ما يبقي لهم ونظروا إلى أهلها صرعي قد خلت بهم المثلاث فما يرون أماناً دون ما يرجون ولا خوفاً دون ما يجدون اه وقال على كرم الله وجهه فيما كتبه إلى سلمان الفارسي رضي الله عنه إنما مثل الدنيا كمثل الحية لين مسها قاتل سمها فأعرض عنها وعما يعجبك منها لقلة ما يصحبك منها ودع عنك همومها لما تيقنت من فراقها وكن أسر ما تكون فيها أحذر ما تكون منها فإن صاحبها كلما أطمأن فيها إلى سرور أشخص منها إلى مكروه اه فقد جعل الحق سبحانه هذه الأكوان وهي الدنيا وما أشتملت عليه ظاهرها فتنة وباطنها عبرة فمن وقف مع ظاهرها كان مغروراً ومن نفذ إلى باطنها كان عند الله مبروراً فأهل الغفلة والبطالة وقفوا مع متعة عاجلها وبهجة ظاهرها فغرتهم بزخرفها وخدعتهم بغرورها حتى أخذتهم بغتة وأهل اليقظة والحرم نفذوا إلى باطنها فعرفوا سرعة ذهابها وقلة بقائها فأشتغلوا بجمع الزاد وتأهبوا ليوم المعاد أولئك الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون وكان السلف الصالح إذا أقبلت الدنيا قالوا ذنب عجلت عقوبته وإذا أقبل الفقر قالوا مرحباً بشعار الصالحين الوجه الثاني إنما جعل الله سبحانه الأكوان ظاهرها غرة تغطية لسره وإظهاراً لحمكته وذلك أن الحق سبحانه لما تجلى في مظاهر خلقه غطى سره بظهور حكمته أو تقول الأكوان ظاهرها ظلمة وباطنها نور فمن وقف مع الظلمة كان محجوباً ومن نفذ إلى شهود النور كان عارفاً محبوباً أو تقول الأكوان ظاهرها حس وباطنها معنى فمن وقف نع الحس كان جاهلاً ومن نفذ إلى المعنى كان عارفاً أو تقول الأكوان ظاهرها ملك وباطنها ملكوت فمن وقف مع الملك كان من عوام أهل اليمين ومن نفذ إلى شهود الملكوت كان من خواص المقربين وقد أشرت إلى ذلك في قصيدتي التائية حيث قلتجناد والعساكر وغير ذلك من بهجتها وزهرتها وزخرفها فأنكب جل الناس على الأشتغال بجمعها وتحصيلها والجري عليها الليل والنهار والشهور والأعوام حتى هجم عليهم هادم اللذات فأعقبهم الندم والحسرات ولم ينفع الندم وقد جف القلم سافروا بلا زاد، وقدموا على الملك بلا تأهب ولا إستعداد، فأستوجبوا من الله الطرد والبعاد ولأجل، هذا حذر الله سبحانه من غرورها وزخرفها والوقوف مع ظاهرها قال تعالى " زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين " الآية ثم قال " قل أأنبؤكم بخير من ذلكم للذين أتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد " وقال تعالى " أنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملاً " أي لنختبرهم أيهم أزهد فيها وقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم أي أصنافاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون فقال الذين نظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناس إلى ظاهرها وأهتموا بآجل الدنيا حين أهتم الناس بعاجلها فأماتوا منها ما خشوا أن يميتهم وتركوا منها ما علموا أن سيتركهم فما عارضهم من نائلها عارض إلا رفضوه ولا خادعهم من رفعتها خادع إلا وضعوه خلقت الدنيا في قلوبهم فلم يجددوها وخرجت بنيانهم فما يعمرونها وماتت في صدورهم فما يحيونها بل يهدمونها فيبنون بها آخرتهم ويبيعونها ليشتروا بها ما يبقي لهم ونظروا إلى أهلها صرعي قد خلت بهم المثلاث فما يرون أماناً دون ما يرجون ولا خوفاً دون ما يجدون اه وقال على كرم الله وجهه فيما كتبه إلى سلمان الفارسي رضي الله عنه إنما مثل الدنيا كمثل الحية لين مسها قاتل سمها فأعرض عنها وعما يعجبك منها لقلة ما يصحبك منها ودع عنك همومها لما تيقنت من فراقها وكن أسر ما تكون فيها أحذر ما تكون منها فإن صاحبها كلما أطمأن فيها إلى سرور أشخص منها إلى مكروه اه فقد جعل الحق سبحانه هذه الأكوان وهي الدنيا وما أشتملت عليه ظاهرها فتنة وباطنها عبرة فمن وقف مع ظاهرها كان مغروراً ومن نفذ إلى باطنها كان عند الله مبروراً فأهل الغفلة والبطالة وقفوا مع متعة عاجلها وبهجة ظاهرها فغرتهم بزخرفها وخدعتهم بغرورها حتى أخذتهم بغتة وأهل اليقظة والحرم نفذوا إلى باطنها فعرفوا سرعة ذهابها وقلة بقائها فأشتغلوا بجمع الزاد وتأهبوا ليوم المعاد أولئك الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون وكان السلف الصالح إذا أقبلت الدنيا قالوا ذنب عجلت عقوبته وإذا أقبل الفقر قالوا مرحباً بشعار الصالحين الوجه الثاني إنما جعل الله سبحانه الأكوان ظاهرها غرة تغطية لسره وإظهاراً لحمكته وذلك أن الحق سبحانه لما تجلى في مظاهر خلقه غطى سره بظهور حكمته أو تقول الأكوان ظاهرها ظلمة وباطنها نور فمن وقف مع الظلمة كان محجوباً ومن نفذ إلى شهود النور كان عارفاً محبوباً أو تقول الأكوان ظاهرها حس وباطنها معنى فمن وقف نع الحس كان جاهلاً ومن نفذ إلى المعنى كان عارفاً أو تقول الأكوان ظاهرها ملك وباطنها ملكوت فمن وقف مع الملك كان من عوام أهل اليمين ومن نفذ إلى شهود الملكوت كان من خواص المقربين وقد أشرت إلى ذلك في قصيدتي التائية حيث قلت

إذا حبست نفس في سجن الهوى الذي ... تقيد به العقل في قهر قبضة
وأشغلها علم الصوان لحكمة ... فلم تر إلا الكون في كل وجهة
فذلك عين الملك وهم ثبوته ... وناظره محجوب في سجن ظلمة
وأن نفذت روح المقدس سره ... إل درك نور الحق فاض بقدرة
فذا ملكوت الله يسمى لوسعه ... وعارفه يحظى بفتح بصيرة
والله تعالى أعلم ثم بين الشيخ الواقف مع الظواهر والنافذ إلى البواطن فقال فالنفس تنظر إلى ظاهر غرتها والقلب ينظر إلى باطن عبرتها قلت إنما كانت النفس تنظر عبرتها إلى ظاهر غرتها لما فيها من متعة شهوتها وحظوظها فلا يخرجها عن ذلك الأشوق مقلق أو خوف مزعج أو عناية ربانية أما بواسطة شيخ كامل له أكسير يقلب به الأعيان أو بغير واسطة والله ذو الفضل العظيم وإنما كان القلب ينظر إلى باطن عبرتها لما فيه من نور العرفان الذي يفرق بين الحق والباطل ويميز بين النافع والضار وهو ثمرة التقوى والتصفية أو تقول لما فيه من عين البصيرة التي لا ترى إلا المعاني بخلاف عين البصر لا ترى إلا الحس فتحصل أن أهل النفوس وقفوا مع ظواهر الأشياء وأغتروا بعاجلها ولم يهتموا بآجلها فحجبوا عن العمل وغرهم الأماني وطول الأمل وفي مثلهم ورد الخبر عن سيدنا عيسى عليه السلام كان يقول ويلكم علماء السوء مثلكم كمثل قناة حش، ظاهرها جص، وباطنها نتن اه والحش هو بيت الخلاء وأهل القلوب لم يقفوا مع ظواهر الأشياء بل نفذوا إلى بواطنها وأهتموا بآجلها ولم يغتروا بعاحلها فأشتغلوا بالجد والأجتهاد وأخذوا في الأهبة والأستعداد وهم العباد والزهاد وأهل الأرواح والأسرار لم يقفوا مع الأكوان لا ظاهرها العاجل ولا باطنها الآجل بل نفذوا إلى نور الملكوت فأشتغلوا بتطهير القلوب والتأهب لحضرة علام الغيوب حتى صلحوا للحضرة وتنزهوا في رياض الفكرة والنظرة، أولئك حزب الله إلا أن حزب الله هم المفلحون، أولئك المقربون في جنات النعيم، في مقعد صدق عند مليك مقتدر، جعلنا الله منهم بمنه وكرمه وهؤلاء ومن تعلق بهم هم الأعزاء عند الله تعززوا بطاعة العزيز فعزهم العزيز كما أشار إلى ذلك بقوله أن أردت أن يكون لك عز لا يفني فلا تستعزز بعزيفني قلت العز الذي لا يفني هو العز بالله والغنى بطاعة الله أو بالقرب ممن تحقق عزه بالله يكون بتعظيمه وأجلاله وهيبته ومحبته ومعرفته وحسن الأدب معه في كل شيء وعلى كل حال ويكون بالرضى بأحكامه والخضوع تحت قهر جلاله وكبريائه وبالحياء والخوف منه ويكون بالذل والأنكسار كما قال الشاعر
تذلل لمن تهوي لتكسب عزة ... فكم عزة قد نالها المرء بالذل
إذا كان من تهوى عزيزاً ولم تكن ... ذليلاً له فأقر السلام على الوصل

وسمعت شيخنا رضي الله عنه يقول قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه والله ما رأيت العز إلا في الذل وقال شيخ شيخنا مولاي العربي وأنا أقول والله ما رأيت الذل إلا في الفقر يعني أن الشيخ فسر الذل بالفقر إذ لا يتحقق ذل الأنسان إلا بالفقر فهو ذل الذل لأن النفس تموت بالفقر ولا يبقي لها عرق أصلاً والله أعلم وأما العز بطاعة الله فهو بالمبادرة لأمتثال أمره وإجتناب نهيه والأكثار من ذكره وبذل المجهود في تحصيل بره وأما العز بالقرب ممن تحقق عزه بالله فيكون بصحبتهم وتعظيمهم وخدمتهم وحسن الأدب معهم وهذا في التحقيق يرجع إلى التعزز بالله لكونه وسيلة إليه فإذا تحقق عزه بالله أستغنى بعز الله عن عز غيره فمن حصل هذا العز وتحقق به فقد تعزز بعز لا يفني أبداً ينسحب عليه وعلى أولاده وأولاد أولاده إلى يوم القيامة قال تعالى " من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً " وقال تعالى " ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون " والمراد بالذين آمنوا هم الأولياء أهل الإيمان الكامل وقال تعالى ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون وقال سيدنا على كرم الله وجهه من أراد الغنى بغير مال والكثيرة بغير عشيرة فلينتقل من ذل المعصية إلى عز الطاعة اه فمن تحقق عزه بالله لم يقدر أحد أن يذله وأنظر قضية الرجل الذي أمر هارون الرشيد بالمعروف فحنق عليه فقال أربطوه مع بغلة سيئة الخلق لتقتله فلم تقض فيه شيئاً ثم قال أسحنوه وطينوا عليه البيتة ففعلوا فرؤى في بستان فأتى به فقال له من أخرجك من السجن فقال الذي أدخلني البستان فقال ومن أدخلك البستان فقال الذي أخرجني من السجن فعلم هارون أنه لم يقدر على ذله فأمر هارون أن يركب على دابة وينادي عليه ألا أن هارون أراد أن يذل عبداً أعزه الله فلم يقدر اه وأما التعزز بالعز الذي يفني فهو التعزز بالمخلوق كتعزز ملوك الجور ومن أنتسب إليهم بكثرة الأتباع والأجناد وبالعصي والقهر وكالتعزز بالأموال والجاه في غير محله والرياسة وغير ذلك مما ينقطع ويبيد فمن تعزز بهذا مات عزه وأتصل ذله فإن التعزز بالمخلوق قطعاً يعقبه الذل عاجلاً وآجلاً وأنظر قضية الرجل الذي تكبر في الحرم فصار بعد ذلك يتكفف الناس وقال أني تكبرت في موضع يتواضع فيه الناس فوضعني في موضع ترتفع فيه الناس ذكر القضيتين في التنبيه ويقال لمن بالمخلوق أنظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفاً لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفاً ودخل عارف على رجل يبكي فقال له وما يبكيك فقال له مات أستاذي فقال له ولم جعلت أستاذك من يموت فنبهه على رفع همته وأنفاذ بصيرته وقد مات شيخه قبل أن يرشد والله تعالى أعلم فأن أردت أيها المريد أن يكون لك عز لا يفني فأستعز بالله وبطاعة الله وبالقرب من أولياء الله ولا تسعزن بعز مخلوق يفنى فإن من تعزز بمن يموت مات عزه قال الله تعالى أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعاً وقال أبو العباس المرسي رضي الله عنه والله ما رأيت العز إلا في رفع الهمة عن الخلق تنبيه وإرشاد إعلم أن سبب العز الذي يعطيه الله لأوليائه هو حبه لهم فالعز نتيجة الحب ففي الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا أحب الله عبداً نادي جبريل إن الله يحب فلاناً فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادي جبريل في السموات أن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض فيحبه أهل الأرض وفي رواية يلقي له القبول في الماء فيشربه الناس فيحبونه جميعاً أو كما قال عليه السلام وسبب حب الله للعبد هو هو زهده في الدنيا ففي حديث الترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال أزهد في الدنيا يحبك الله وأزهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس ثم أعلم أن هذا العز الذي يعطيه الله لأوليائه لا يكون في بدايتهم ولا في أول أمرهم لئلا يفتنهم الخلق عن الوصول إلى الحق بل من لطف الله بهم وأغارته عليهم أن ينفر عنهم الخلق أو يسلط عليهم حتى يتخلصوا من رق الأشياء ويتحققوا بالوصول والتمكين فحينئذ أن شاء أظهر عزهم لينفع بهم عباده ويهدي بهم من شاء من خلقه وإن شاء أخفاهم وأستأثر بعزهم حتى يقدموا عليه فينشر عزهم ويظهر مكانتهم في دار لا فناء لها وسيأتي الكلام على هذا في محله إن شاء الله ثم ذكر الشيخ سبب العز الذي لا يفني وهو الزهد في الدنيا

كما ذكرنا فقال الطي الحقيقي أن تطوي مسافة الدنيا عنك حتى ترى الآخرة أقرب إليك منك قلت الطي هو اللف والضم بحيث يصير الطويل قصيراً والكبير صغيراً يقال طويت الثوب أي ضممته وينقسم عند الصوفية إلى أربعة أقسام طي الزمان وطي المكان وطي الدنيا وطي النفوس فأما طي الزمان فهو أن يقصر في موضع ويطول في موضع آخر كمن مر عليه سنون في موضع وفي موضع آخر ساعة أو يوم كالرجل الذي خرج يغتسل في الفرات يوم الجمعة قرب الزوال فلما فرغ من غسله لم يجد ثيابه فسلك طريقاً حتى دخل مصر فتزوج فيها وولد له أولاد وبقي سبع سنين ثم ذهب يغتسل يوم الجمعة بنيل مصر فلما فرغ فإذا ثيابه الأولى فسلك طريقاً فإذا هو ببغداد قبل صلاة الجمعة من ذلك اليوم الذي خرج فيه والحكاية مطولة للفرغاني في شرح التائبة وأما طي المكان فمثاله أن يكون بمكة مثلاً فإذا هو بغيرها من البلدان وهذا مشهور لأولياء الله قال الشيخ أبو العباس رضي الله عنه والله ما صار الأولياء من قاف إلى قاف حتى يلقوا رجلاً مثلنا فإذا لا قوه كان بغيتهم وأما طي الدنيا فهو أن تطوي عنك مسافتها بالزهد فيها والغيبة عنها وحصول اليقين التام في قلبك حتى يكون الآتي عندك واقعاً أو كالواقع وسيأتي للشيخ لو أشرق نور اليقين في قلبك لرأيت الآخرة أقرب من أن ترحل إليها ولرأيت الدنيا وكسفة الفناء ظاهرة عليها وسيأتي تتمة الكلام على هذه الحكمة ثم أن شاء الله وأما طي النفوس فهو بالغيبة في الله عنها ولذلك يتحقق الزوال وتمام الوصال وقد ذكره الشيخ بقوله فيما يأتي ليس الشأن أن تطوي لك الأرض فإذا أنت بمكة أو غيرها من البلدان إنما الشأن أن تطوي عنك أوصاف نفسك فإذا أنت عند ربك اه وهذا هو الطي الحقيقي المعتبر عند المحققين لاطي الزمان أو المكان إذ قد يكون أستدراجاً أو مكراً أو تخيلاً وسحراً فالطي الحقيقي هو أن تطوي عنك مسافة الدنيا كلها حتى يكون الموت أقرب إليك من نفسك التي بين جنبيك وكما قال الصديق رضي الله عنه ذكرنا فقال الطي الحقيقي أن تطوي مسافة الدنيا عنك حتى ترى الآخرة أقرب إليك منك قلت الطي هو اللف والضم بحيث يصير الطويل قصيراً والكبير صغيراً يقال طويت الثوب أي ضممته وينقسم عند الصوفية إلى أربعة أقسام طي الزمان وطي المكان وطي الدنيا وطي النفوس فأما طي الزمان فهو أن يقصر في موضع ويطول في موضع آخر كمن مر عليه سنون في موضع وفي موضع آخر ساعة أو يوم كالرجل الذي خرج يغتسل في الفرات يوم الجمعة قرب الزوال فلما فرغ من غسله لم يجد ثيابه فسلك طريقاً حتى دخل مصر فتزوج فيها وولد له أولاد وبقي سبع سنين ثم ذهب يغتسل يوم الجمعة بنيل مصر فلما فرغ فإذا ثيابه الأولى فسلك طريقاً فإذا هو ببغداد قبل صلاة الجمعة من ذلك اليوم الذي خرج فيه والحكاية مطولة للفرغاني في شرح التائبة وأما طي المكان فمثاله أن يكون بمكة مثلاً فإذا هو بغيرها من البلدان وهذا مشهور لأولياء الله قال الشيخ أبو العباس رضي الله عنه والله ما صار الأولياء من قاف إلى قاف حتى يلقوا رجلاً مثلنا فإذا لا قوه كان بغيتهم وأما طي الدنيا فهو أن تطوي عنك مسافتها بالزهد فيها والغيبة عنها وحصول اليقين التام في قلبك حتى يكون الآتي عندك واقعاً أو كالواقع وسيأتي للشيخ لو أشرق نور اليقين في قلبك لرأيت الآخرة أقرب من أن ترحل إليها ولرأيت الدنيا وكسفة الفناء ظاهرة عليها وسيأتي تتمة الكلام على هذه الحكمة ثم أن شاء الله وأما طي النفوس فهو بالغيبة في الله عنها ولذلك يتحقق الزوال وتمام الوصال وقد ذكره الشيخ بقوله فيما يأتي ليس الشأن أن تطوي لك الأرض فإذا أنت بمكة أو غيرها من البلدان إنما الشأن أن تطوي عنك أوصاف نفسك فإذا أنت عند ربك اه وهذا هو الطي الحقيقي المعتبر عند المحققين لاطي الزمان أو المكان إذ قد يكون أستدراجاً أو مكراً أو تخيلاً وسحراً فالطي الحقيقي هو أن تطوي عنك مسافة الدنيا كلها حتى يكون الموت أقرب إليك من نفسك التي بين جنبيك وكما قال الصديق رضي الله عنه
كل أمرء مصبح في أهله ... والموت أدنى من شراك نعله

وحتى ترحل عنها بالكلية فلا تبقي فيك منها بقية هنالك ترحل إلى عالم الملكوت وتكشف لك أسرار الجبروت وقد قيل في قوله عليه السلام الدنيا خطوة مؤمن بمعنى أنه يتخطاها بالزهد فيها وفال بعضهم لا تتعجبوا ممن يدخل يده في جيبه فيخرج ما يريد ولكن تعجبوا ممن يضع يده في جيبه ولم يجد شيئاً ولم يتغير وقيل لأبي محمد المرتعش أن فلاناً يمشي على الماء قال عندي من مكنه الله من مخالفة هواه فهو أعظم من المشي على الماء وفي الهواء اه ومخالفة الهوى أنما تكون بالزهد في كل شيء والغيبة عن كل شيء وكان شيخ شيخنا رضي الله عنه يقول لا تفرحوا للفقير إذا رأيتموه يصلي كثيراً أو يذكر كثيراً أو يصوم كثيراً أ يعتزل كثيراً حتى تروه زهد في الدنيا ورحل عنها ولم يبق له التفات إليها فحينئذ يفرح به ولو قلت صلاته وصيامه وذكره وعزلته قلت ومثل هذا تقدم في قوله ما قل عمل برز من قلب زاهد وكذلك قال في التنوير لا تدل على فهم العبد كثرة عمله ولا مداومته على ورده وإنما يدل على نوره وفهمه غناه بربه وأنحياشه إليه بقلبه وتحرره من رق الطمع وتحليه بحلية الورع وبذلك تحسن الأعمال وتزكوا الأحوال اه فما قاله شيخ شيخنا صحيح لكن لا يفهمه إلا أهل الفن من أهل الذوق إذ لا يجتمع مجاهدة ومشاهدة وإنما تكون المجاهدة أولاً فإذا حصلت المشاهدة في الباطن ركدت الجوارح في الظاهر وما بقي إلا فكرة أو نظرة والأدب مع الحضرة وربما يعترض على الشيخ من لم يعرف مقصوده من جهلة علم الطريق وبالله التوفيق وإنما يتحقق طي مسافة الدنيا بتحقق الزهد فيها ولا يتحقق الزهد فيها إلا برفع الهمة عن الخلق والتعلق بالملك الحق وبالأياس مما في أيدي الناس كما أبان ذلك بقوله العطاء من الخلق حرمان والمنع من الله أحسان قلت إنما كان العطاء من الخلق حرماناً لثلاثة أوجه أحدها ما في ذلك من حظها وفرحها والتوصل إلى شهواتها وحظوظها وفي ذلك موت القلب وقسوته الوجه الثاني ما في ذلك من نقص الدرجات والغض عن كمال المراتب والمقامات ولذلك ترك الأكابر التمتع بالشهوات لقوله تعالى أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا وقد يتعرض المريد للسؤال لأجل موت نفسه وحياة روحه فإذا كثر عليه العطاء من الخلق فرحت النفس وأنست فلا تموت به سريعاً بخلاف ما إذا واجهه المنع فأنها تموت سريعاً إذ لاحظ لها فيه فالجهاد الذي لاغنيمة فيه أعظم من الجهاد الذي فيه الغنيمة فقد ورد في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا خرجت طائفة للغزو فجاهدوا وغنموا فقد تعجلوا ثلثي أجرهم وإذا لم يغنموا رجعوا بأجرهم كاملاً أو كما قال صلى الله عليه وسلم الوجه الثالث ما في ذلك من الركون إليهم وميل القلب بالمحبة لهم إذ النفس مجبولة على حب من أحسن إليها فتسترق لهم وتكون أسيرة في أيديهم وفي وصية سيدنا على كرم الله وجهه لا تجعل بينك وبين الله منعماً وعد نعمة غيره عليك مغرماً وأنشد رضي الله عنه
لعمرك من أوليته منك نعمة ... ومد لها كفاً فأنت أميره
ومن كنت محتاجاً إليه فإنه ... أميرك تحقيقاً وأنت أسيره
ومن كنت عنه ذا غني وهو مالك ... أزمةأهل الدهر أنت نظيره
فعش قانعاً أن القناعة للفتى ... غناء وهذا مقتضى ما أشيره
وقال آخر
فلا ألبس النعما وغيرك ملبسي ... ولا أملك الدنيا وغيرك واهبي

وقال شيخ شيوخنا ومادة طريقنا بعد نبينا مولاي عبد السلام بن مشيش رضي الله عنه لأبي الحسن رضي الله عنه يا أبا الحسن أهرب من خير الناس أكثر من أن تهرب من شرهم فإن خيرهم يصيبك في قلبك وشرهم يصيبك في بدنك ولأن تصاب في بدنك خير من أن تصاب في قلبك ولعدو تصل به إلى ربك خير من حبيب يقطعك عن ربك اه وقال بعضهم عز النزاهة أكمل من سرور الفائدة ولأجل هذا المعنى قال عليه السلام إذا أسدي إليكم أحد معروفاً فكافئوه أي لتسقطوا منته عليكم وتقطعوا رقبته لكم والله تعالى أعلم وإنما كان المنع من الله أحساناً لوجهين أحدهما ما تقدم من أن الله سبحانه ما منعك بخلا ولا عجزاً وإنما هو حسن نظر لك إذ لعل ما طلبته لا يليق بحالك في الوقت وأخره لوقت هو أولى لك وأحسن أو أدخر لك ذلك ليوم فقرك الثاني ما في ذلك من دوام الوقوف ببابه واللياذ بجنابه وفي ذلك غاية شرفك ورفع لقدرك وفي الحديث إذا دعا العبد الصالح يقول الله تعالى للملائكة أخرجوا حاجته فإني أحب أن أسمع صوته وإذا دعا الفاجر قال للملائكة أقضوا حاجته فأني أكره صوته أو كما قال عليه السلام لطول العهد به تنبيه ما ذكره الشيخ من كون العطاء من الخلق حرماناً إنما هو بأعتبار السائرين أو بإعتبار الزهاد والعباد وأما الواصلون إلى الله المتمكنون مع الله فقد تولاهم الحق وغيبهم عن شهود الخلق فهم يتصرفون بالله يأخذون من الله ويدفعون بالله ولا يرون في الوجود إلا الله
مذ عرفت الأله لم أر غيراً ... وكذا الغير عندنا ممنوع
مذ تجمعت ما خشيت أفتراقاً ... فأنا اليوم واصل مجموع
فلا يرون العطاء إلا من الله ولا يرون الخلق البتة إلا ما يشهدون فيهم من واسطة الحكمة كما قال القائل
أذا ما رأيت الله في الكل فاعلاً ... رأيت جميع الكائنات ملاحاً

وبالله التوفيق ولا حول ولا قوة إلا بالله هذا آخر الباب التاسع وحاصلها علامة كمال العارف وآدابه ف الطلب وفي البسط والقبض وفي المنع والعطاء ومن جملة العطاء ما يعطيه الحق سبحانه عباده من الخيرات في مقابلة أعمالهم الصالحات كما أشار إلى ذلك في أول الباب العاشر بقوله وقال رضي الله عنه جل ربنا أن يعامله العبد نقداً فيجازيه نسيئة قلت النقد ما كان معجلاً والنسيئة ما كان مؤخراً ومن شأن الكريم إذا أشترى شيئاً أن ينجز نقده ويزيد أحسانه ورفده وقد أشترى الحق تعالى منا أنفسنا وأموالنا فعوضنا بها الجنة فمن باع نفسه وماله ونقدهما وسلمهما إليه عوضه الله جنة المعارف عاجلاً وزاده جنة الزخارف آجلاً مع ما يتحفه به من أنواع النعيم ودوام الشهود والنظر إلى وجهه الكريم فجل ربنا أي تنزه وترفع أن يعامله العبد نقداً أي معجلاً فيجازيه نسيئة أي مؤخراً بل لا بد أن يعجل له ما يليق به في هذه الدار ويدخر له ما يليق به في تلك الدار والذي عجل له سبحانه في هذه الدار أمور منها ما يدفع عنه من المضار ويجلب له من المنافع والمسار لقوله تعالى وهو يتولى الصالحين وقال تعالى " ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب " وقال تعالى " ألا أن أولياء الله لاخوف عليهم ولا هم يحزنون وقد يتعدى ذلك إلى عقبه كما تقدم ومنها ما يشرق عليه من الأنوار ويكشف لقلبه من الأسرار وهي أنوا ر التوجه وأنوار المواجهة قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا أن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً " وهو نور يفرق بين الحق والباطل وقال تعالى وأتقوا الله ويعلمكم الله وقال تعالى الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور يخرجهم من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان ومن ظلمة المعصية إلى نور الطاعة ومن ظلمة الغفلة إلى نور اليقظة ومن ظلمة الحس إلى نور المعنى أو من ظلمة الكون إلى نور المكون ومنها التوفيق والهداية لها قبل عملها حتى جعلك أهلاً للوقوف بين يديه وهو الذي أبانه بقوله كفى من جزائه إياك على الطاعة أن رضيك لها أهلا قلت لأن الملك لا يدعو لخدمته إلا من يريد أن يكرمه ولا يدخل لحضرته إلا من يريد أن يعظمه ولا ينسب له إلا أهل الفضل والتكرمة، فلولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكي منكم من أحد أبداً، فالتوفيق لها أعظم منة وأكبر جزاء على وجودها لأنها تحقق للعبد ثلاثاً أولها تصحيح النسبة لمولاه بوجه ما الثاني وجود الأقبال عليه بصورة ما الثالث أقامة رسم العبودية في الجملة والله أعلم قاله الشيخ زروق رضي الله عنه ومنها ما يرد على قلبه حال عملها من المؤانسة به والقرب له وهو الذي ذكره بقوله كفى العاملين جزاء ما هو فاتحه على قلوبهم في طاعته قلت والذي فتحه على قلوبهم في حالة العمل ثلاث محاضرة أو مراقبة أو مشاهدة فالمحاضرة للطالبين والمراقبة للسائرين والمشاهدة للواصلين فالمحاضرة للعموم والمراقبة للخصوص والمشاهدة لخصوص الخصوص والكل يسمى خشوعاً قال بعضهم الخشوع أطراق السر على بساط النجوى بأستكمال نعت الهيبة والذوبان تحت سلطان الكشف والأمحاء عند غلبات التجلي اه ويختص المقام الثالث بقرة العين وقال الشيخ زروق ما يجده في حالة الطاعة ثلاث أولها وجود الأنس به فيها بروح أقباله ومنه ما يقع من الرقة والخشوع، الثاني وجود التملق بين يديه وله حلاوة ينسي بها كل شيء، الثالث حصول الفهم والفوائد العلمية والألهامات اللدنية التي بها يترك كل شيء قال بعضهم في الدنيا جنة من دخلها لم يشتق إلى جنة الآخرة ولا إلى شيء ولم يستوحش أبداً قيل وما هي قال معرفة الله وقال بعض العلماء ليس في الدنيا ما يشبه نعيم الجنة إلا ما يجده أهل التملق في قلوبهم بالليل من حلاوة المناجاة وكان بعضهم يقول التملق للحبيب والمناجاة للقريب في الدنيا ليس من الدنيا هو من الجنة أظهره الله في الدنيا لا يعرفه إلا هم ولا يجده سواهم روحاً لقلوبهم اه ومنها ما يجده من الثمرات بعد عملها وهو الذي أشار إليه بقوله وما هو مورده عليهم من وجود مؤانسته قلت هذه المؤانسة التي يجدها العامل بعد العمل على ثلاثة أقسام مؤانسة ذكر وهو لأهل الفناء في الأفعال ومؤانسة قرب وهو لأهل الفناء في الصفات وهم أهل الأستشراف، ومؤانسة شهود وهو لأهل الفناء في الذات فالأول لأهل الأسلام والثاني لأهل الإيمان والثالث لأهل الأحسان

فمؤانسة الأول توجب له الفرار من الناس والوحشة منهم ومؤانسة الثاني توجب القرب لهم على حذر منهم ومؤانسة الثالث توجب الصحبة لهم ومخالظتهم لأنه يأخذ منهم ولا يأخذون منه فالأول لا تليق به إلا العزلة لضعفه والثاني تليق به الصحبة مع العسة ليتعلم القوة فهو يشرب منهم ولا يشربون منه لبعده منهم بقلبه والثالث لا تليق به إلا الصحبة لتحققه بالقوة فو يأخذ النصيب من كل شيء ولا يأخذ النصيب منه شيء يصفو به كدر كل شيء ولا يكدر صفوه شيء ومؤانسة الذكر توصل لمؤانسة القرب ومؤانسة القرب توصل لمؤانسة الشهود فمن صعد عقبة أفضت به إلى راحة ما بعدها قال بعض العارفين ليس شيء من الطاعات إلا ودونه عقبة كؤود يحتاج فيها إلى الصبر فمن صبر على شدتها أفضى إلى الاحة والسهولة وأنما هي مجاهدة النفس ومخالفة الهوى ثم والله مكابدة في ترك الدنيا ثم اللذة والتنعم أي ثم تكون لذة الطاعة وتنعم المعرفة ثم ينبغي لك أيها المريد ألا تقصد شيئاً من هذه الأمور التي يجازيك الحق تعالى بها كانت معجلة أومؤجلة فإن ذلك نقص في أخلاصك وناقض لصدق عبوديتك كما أشار إليه بقوله من عبده لشيء يرجوه منه أو ليدفع بطاعته ورود العقوبة عنه فما قام بحق أوصافه قلت الناس في عبادة الله بإعتبار أخلاصهم على ثلاثة أقسام فمنهم من يعبد الله خوفاً من عقوبته معجلة أو مؤجلة أو طمعاً في رحمته وحفظه عاجلاً وآجلاً وهم عوام المسلمين وفيهم قال عليه السلام لولا النار ما سجد لله ساجد ومنهم من يعبد الله محبة في ذاته وشوقاً إلى لقائه لا طمعاً في جنته ولا خوفاً من ناره ونكاله وهم المحبون العاشقون من السائرين ومنهم من يعبد الله قياماً بوظائف العبودية وأدباً مع عظمة الربوبية أو تقول صدقاً في العبودية وقياماً بوظائف الربوبية وهم المحون العارفون فالقسم الأول عبادته بنفسه لنفسه والثاني عبادته بنفسه لله والثالث عبادته بالله لله ومن الله إلى الله فمن عبد الله تعالى لشيء يرجوه منه في الدنيا أو في الآخرة أو ليدفع عنه بطاعته ورود العقوبة في الدنيا أو في الآخرة فما قام بحق أوصاف الربوبية التي هي العظمة والكبرياء والعزة والغني وجميع أوصاف الكمال ونعوت الجلال والجمال إذ نعوت الربوبية من العظمة والجلال تقتضي خضوع العبودية بالأنكسار والأذلال أرأيت أن لم تكن جنة ولا نار ألم يكن أهلاً لأن يعبد الواحد القهار أرأيت من أنعم بنعمة الإيجاد والأمداد أليس أهلاً لأن يشكره جميع العباد فمن كان عبداً مملوكاً لسيده لا يخدمه في مقابلة نواله ورفده بل يخدمه لأجل عبوديته ورقه وسيده لا محالة يقوم بمؤونته ورزقه أيبرزك لوجوده ويمنعك من جوده أيدخلك داره ويمنعك أبراره لقد أسأت الظن بالرب الكريم أن أعتقدت أنك أن لم تعبده منعك من جوده العظيم لقد أجري عليك منته ورزقه وأنت في ظلمة الأحشاء ثم حين أظهرك لوجوده وبسط لك من جوده جعلك تتصرف فيه كيف تشاء وتصنع به ما تشاء ومما وجد مكتوباً بقلم القدرة في حجر في الكعبة الأول توجب له الفرار من الناس والوحشة منهم ومؤانسة الثاني توجب القرب لهم على حذر منهم ومؤانسة الثالث توجب الصحبة لهم ومخالظتهم لأنه يأخذ منهم ولا يأخذون منه فالأول لا تليق به إلا العزلة لضعفه والثاني تليق به الصحبة مع العسة ليتعلم القوة فهو يشرب منهم ولا يشربون منه لبعده منهم بقلبه والثالث لا تليق به إلا الصحبة لتحققه بالقوة فو يأخذ النصيب من كل شيء ولا يأخذ النصيب منه شيء يصفو به كدر كل شيء ولا يكدر صفوه شيء ومؤانسة الذكر توصل لمؤانسة القرب ومؤانسة القرب توصل لمؤانسة الشهود فمن صعد عقبة أفضت به إلى راحة ما بعدها قال بعض العارفين ليس شيء من الطاعات إلا ودونه عقبة كؤود يحتاج فيها إلى الصبر فمن صبر على شدتها أفضى إلى الاحة والسهولة وأنما هي مجاهدة النفس ومخالفة الهوى ثم والله مكابدة في ترك الدنيا ثم اللذة والتنعم أي ثم تكون لذة الطاعة وتنعم المعرفة ثم ينبغي لك أيها المريد ألا تقصد شيئاً من هذه الأمور التي يجازيك الحق تعالى بها كانت معجلة أومؤجلة فإن ذلك نقص في أخلاصك وناقض لصدق عبوديتك كما أشار إليه بقوله من عبده لشيء يرجوه منه أو ليدفع بطاعته ورود العقوبة عنه فما قام بحق أوصافه قلت الناس في عبادة الله بإعتبار أخلاصهم على ثلاثة أقسام فمنهم من يعبد الله خوفاً من عقوبته معجلة أو مؤجلة أو طمعاً في رحمته وحفظه عاجلاً وآجلاً وهم عوام المسلمين وفيهم قال عليه السلام لولا النار ما سجد لله ساجد ومنهم من يعبد الله محبة في ذاته وشوقاً إلى لقائه لا طمعاً في جنته ولا خوفاً من ناره ونكاله وهم المحبون العاشقون من السائرين ومنهم من يعبد الله قياماً بوظائف العبودية وأدباً مع عظمة الربوبية أو تقول صدقاً في العبودية وقياماً بوظائف الربوبية وهم المحون العارفون فالقسم الأول عبادته بنفسه لنفسه والثاني عبادته بنفسه لله والثالث عبادته بالله لله ومن الله إلى الله فمن عبد الله تعالى لشيء يرجوه منه في الدنيا أو في الآخرة أو ليدفع عنه بطاعته ورود العقوبة في الدنيا أو في الآخرة فما قام بحق أوصاف الربوبية التي هي العظمة والكبرياء والعزة والغني وجميع أوصاف الكمال ونعوت الجلال والجمال إذ نعوت الربوبية من العظمة والجلال تقتضي خضوع العبودية بالأنكسار والأذلال أرأيت أن لم تكن جنة ولا نار ألم يكن أهلاً لأن يعبد الواحد القهار أرأيت من أنعم بنعمة الإيجاد والأمداد أليس أهلاً لأن يشكره جميع العباد فمن كان عبداً مملوكاً لسيده لا يخدمه في مقابلة نواله ورفده بل يخدمه لأجل عبوديته ورقه وسيده لا محالة يقوم بمؤونته ورزقه أيبرزك لوجوده ويمنعك من جوده أيدخلك داره ويمنعك أبراره لقد أسأت الظن بالرب الكريم أن أعتقدت أنك أن لم تعبده منعك من جوده العظيم لقد أجري عليك منته ورزقه وأنت في ظلمة الأحشاء ثم حين أظهرك لوجوده وبسط لك من جوده جعلك تتصرف فيه كيف تشاء وتصنع به ما تشاء ومما وجد مكتوباً بقلم القدرة في حجر في الكعبة

تذكر جميلي فيك إذ كنت نطفة ... ولا تنس تصويري لشخصك في الحشا
وكن واثقاً بي في أمورك كلها ... سأكفيك منها ما يخاف ويختشي
وسلم إلى الأمر وأعلم بأنني ... أصرف أحكامي وأفعل ما أشا

فأستحي من الله أيها الأنسان أن تطلب أجراً على عبادة أجراها عليك الواحد المنان وأذكر قوله تعالى الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله وقوله تعالى وربك يخلق ما يشاء ويختار وقوله تعالى وما تشاؤون إلا أن يشاء الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكن أحدكم كالعبد السوء أن خاف عمل ولا كالأجير السوء أن لم يعط الأجرة لم يعمل وقال سيدنا عمر رضي الله عنه نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه وقال وهب بن منبه في زبور داوود عليه السلام يقول الله تعالى ومن أظلم ممن عبدني لجنة أو نار لو لم أخلق جنة ولا ناراً ألم أكن أهلاً أن أطاع اه وفي أخبار داوود أيضاً عليه السلام أن الله أوحى إليه أن أود الأوداء إلى من عبدني لغير نوال لكن ليعطي الربوبية حقها اه ثم أن رفعت همتك عن طلب الحظوظ صبت عليك الحظوظ فقد ورد في بعض الأخبار أن الله يحفظ الأولاد وأولاد الأولاد بطاعة الأجداد لقوله تعالى وكان أبوهما صالحاً فقد حفظ الحق تعالى كنزهما بصلاح أبيهما فقد صبت الحظوظ على الأولاد وهو حفظهم بترك الآباء الحظوظ وكان سعيد بن المسيب يقول لولده أني لأطيل الصلاة من أجلك اه ومعناه أني أعبده مخلصاً لعله يحفظك ثم أن مدد الحق وهو لطفه وإبراره جار على الطائعين في كل وقت وحين سواء أعطاهم في الحس أو منعهم وسواء بسطهم أو قبضهم وهو ظاهر لمن يفهم عن الله كما أشار إليه بقوله متى أعطاك أشهدك بره ومتى منعك أشهدك قهره فهو في كل ذلك متعرف إليك ومقبل بوجود لطفه عليك قلت من أسمائه تعالى اللطيف والرحيم فهو تعالى لطيف بعباده رحيم بخلقه في كل وقت وعلى كل حال سواء أعطاهم أو منعهم وسواء بسطهم أو قبضهم فإن أعطاهم أو بسطهم أشهدهم بره وأحسانه فعرفوا أنه سبحانه بار بعباده لطيف بخلقه رحيم كريم جواد محسن فتعظم محبتهم فيه ويكثر شوقهم وأشتياقهم إليه ويكثر شكرهم فيزداد نعيمهم وفي هذا مالا مزيد عليه من البر والأحسان والجود والأمتنان وأن منعهم أو قبضهم أشهدهم قهره وكبرياءه فعلموا أنه تعالى قهار كبير عظيم جليل فخافوا من سطوته وذابوا من خشيته وخضعوا تحت قهره فدامت عبادتهم وقلت ذنوبهم ومحيت مساويهم وأضمحلت خطيئتهم فوردوا يوم القيامة خفافاً مطهرين فرحين مبهجين إذ لا يجمع الله على عبده خوفين ولا أمنين فمن أخافه في الدنيا أمنه يوم القيامة ومن أمنه في الدنيا فأغتر أخافه يوم القيمة كما في الحديث فلا تتهم ربك أيها العبد في المنع ولا في العطاء فإنه متى أعطاك أشهدك بره ورحمته وكرمه فعرفت بذلك أنه بر كريم رؤوف رحيم فتتعلق بكرمه وجوده دون غيره فتتحرر من رق الطمع ويذهب عنك الغم والجزع وتتخلق أيضاً بوصف الكرم والرحمة والأحسان فإن الله يحب أن يتخلق عبده بخلقه وفي الحديث تخلقوا بأخلاق الرحمن وقالت عائشة رضي الله عنها كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن والقرآن فيه أوصاف الرحمن فكأنها قالت كان خلقه خلق الرحمن إلا أنها أحتشمت الحضرة وتأدبت مع الربوبية ومتى منعك أو قبضك أشهدك قهره وكبرياءه فعرفت أنه قهار جبار فيعظم خوفك وتشتد هيبتك وحياؤك منه فلا جرم أن الله يعظمك ويكرمك ويحفظك ويستحيي منك كما أستحييت منه فإن الله ينزل عبده على قدر منزلته منه وإنما يطيع العبد ربه على قدر معرفته به وخوفه منه فهو سبحانه في كل ذلك من أعطاء ومنع وقبض وبسط متعرف إليك أي طالب منك أن تعرفه بصفاته وأسمائه وما من أسم من أسمائه تعالى إلا أقتضى ظهور ما يطلبه فأسمه الكريم أقتضى الأعطاء والأحسان وهو ظاهر في خلقه وأسمه المانع أقتضي ظهور المنع فظهر في عباده أيضاً وأسمه المنتقم أقتضي ظهوره في قوم وجههم لمخالفته وأسمه القهار أقتضي ظهوره في قوم يقهرهم على ما يريد من منع أو غيره وظهر قهره أيضاً في عباده بالموت فهو من مقتضي أسمه القهار وهكذا كل أسم يقتضي ظهوره في الوجود وكلها في بني آدم فإذا تحققت هذا في حالة الأعطاء والمنع علمت أيضاً أنه تعالى مقبل بوجود لطفه وإبراره عليك إذ هو متعرف إليك في كل شيء ومقبل عليك في كل وجه فأطلب أيضاً أنت معرفته في كل حال وأعرف منته عليك في الجمال والجلال وأقبل عليه بكليتك وأستسلم لقهره بروحك وبشريتك تكن عبده حقاً وهو ربك حقاً وصدقاً والله تعالى أعلم ويؤخذ من هذه الحكمة أن المدار أنما هو على قوة

الروحانية التي هي المعرفة في الجلال والجمال لا على قوة البشرية لأن بمنعه يحصل للعبد الكمال وبالله التوفيق ثم هذا كله إنما يذوقه من يفهم عن الله كما تقدم وإليه أشار بقوله إنما يؤلمك المنع لعدم فهمك عن الله فيه قلت لأن الفهم عن الله يقتضي وجود المعرفة به ولا تكون المعرفة كاملة حتي يكون صاحبها يعرفه في الجلال والجمال والمنع والعطاء والقبض والبسط وأما إن كان لا يعرفه إلا في الجمال فهذه معرفة العوام الذين هم عبيد أنفسهم فإن أعطوا رضواً وإن لم يعطوا إذا هم يسخطون وأيضاً من ثمرات المعرفة التسليم والرضى لما يجري به القضاء ومن ثمرات المحبة والهوى الصبر عند الشدائد والبلوىوحانية التي هي المعرفة في الجلال والجمال لا على قوة البشرية لأن بمنعه يحصل للعبد الكمال وبالله التوفيق ثم هذا كله إنما يذوقه من يفهم عن الله كما تقدم وإليه أشار بقوله إنما يؤلمك المنع لعدم فهمك عن الله فيه قلت لأن الفهم عن الله يقتضي وجود المعرفة به ولا تكون المعرفة كاملة حتي يكون صاحبها يعرفه في الجلال والجمال والمنع والعطاء والقبض والبسط وأما إن كان لا يعرفه إلا في الجمال فهذه معرفة العوام الذين هم عبيد أنفسهم فإن أعطوا رضواً وإن لم يعطوا إذا هم يسخطون وأيضاً من ثمرات المعرفة التسليم والرضى لما يجري به القضاء ومن ثمرات المحبة والهوى الصبر عند الشدائد والبلوى
تدعى مذهب الهوى ثم تشكوا ... أي دعواك في الهوي قل لي أينا
لو وجدناك صابراً لهواناً ... لأعطيناك كل ما تتمنا
فلا يكون المحب صادقاً في محبته ولا العارف صادقاً في معرفته حتى يستوي عنده المنع والعطاء والقبض والبسط والفقر والغنى والعز والذل والمدح والذم والفقد والوجد والحزن والفرح فيعرف محبوبه في الجميع كما قال القائل حبيبي ومحبوبي على كل حالة، ويرضي ويسلم له في الجميع فإن لم يجد ذلك عنده سواء فلا يدعي مرتبة العشق والهوى فيعرف قدره ولا يتعدى طوره ولا يترامى على مراتب الرجال من أدعي ما ليس فيه فضحته شواهد الأمتحان ولأبن الفارض رضي الله عنه
فإن شئت أن تحيا سعيداً فمت به ... شهيداً وإلا فالغرام له أهل

وقال إبراهيم الخواص رضي الله عنه لا يصح الفقر للفقير حتى تكون فيه خصلتان إحداهما الثقة بالله والأخرى الشكر لله فيما زوي عنه مما أبتلي به غيره من الدنيا وقيل لبعضهم ما الزهد عندكم قال إذا وجدنا شكرنا وإذا فقدنا صبرنا فقال هذه حالة الكلاب عندنا ببلخ فقال وما الزهد عندكم أنتم قال إذا فقدنا شكرنا وإذا وجدنا آثرنا فهذا هو الفهم عن الله حيث شكر حين الفقد فقد عد الفقد نعمة والفاقة غني لما يجد فيها من المواهب والأسرار ولما يترقب بعدها من ورود الواردات والأنوار ولو لم يكن إلا التفرغ من الشواغل والأغيار وبهذا تزكوا الأحوال وتعظم الأعمال ويتأهل صاحبها للقبول والأقبال وإلا فلا عبرة بصور وجودها مع عدم قبولها كما نبه على ذلك بقوله ربما فتح لك باب الطاعة وما فتح لك باب القبول قلت لا عبرة بالطاعة إذا لم يصحبها قبول كما لا عبرة بالسؤال حيث لم يحصل به مأمول إذ الطاعة إنما هي وسيلة لمحبة المطاع وأقباله على المطيع بحيث يفتح في وجهه الباب ويرفع عن قلبه وجود الحجاب ويجلسه على بساط الأحباب فإذا فتح لك باب العمل وبلغت في تحصيله غاية الأمل غير أنك لم تجد له ثمرة ولم تذق له حلاوة من الأنس بالله والوحشة مما سواه ومن الغنى به والأنحياش إليه والأكتفاء بعلمه والقناعة بقسمته فلا تغتر بذلك أيها المريد فربما فتح لك باب طاعته وأنهضك إلى خدمته ولم يفتح لك باب القبول ومنعك بها من الوصول حيث أعتمدت عليها وركنت إليها وأنست بها وأشغلتك حلاوتها عن الترقي إلى حلاوة شهود المنعم بها ولذلك قال بعضهم أحذروا حلاوة الطاعات فإنها سموم قاتلة لأنها تقبض صاحبها في مقام الخدمة ويحرم من مقام المحبة وفرق كبير بين من شغله بخدمته وبين من أصطفاه لمحبته وأجتباه لحضرته فإجراء الذنب على العبد أحسن من مثل هذه الطاعة التي تكون سبب الحجاب كما نبه عليه بقوله وقضي عليك الذنب فكان سبباً في الوصول قلت وذلك أن العبد إذا كان سائراً لمولاه قاصداً لوصول حضرة حبيبه ورضاه قد يحصل له كلل أو يصيبه ملل أو يركبه كسل فسلط الحق عليه ذنباً أو تغلبه نفسه فيسقط فإذا قام من سقطته جد في سيره ونهض من غفلته ونشط من كسله فلا يزال جاداً في طلب مولاه غائباً عما سواه حتى يدخل حضرته ويشاهد طلعته وهي الحضرة التي هي تجليات الحق وأسرار ذاته ومثال ذلك رجل مسافر أصابه في الطريق نوم أو كسل فيسقط فيضربه حجر فإذا قام ذهب كسله وجد في سيره وفي الحديث رب ذنب أدخل صاحبه الجنة قالوا وكيف ذلك يا رسول الله قال لا يزال تائباً فاراً منه خائفاً من ربه حتى يموت فيدخل الجنة أو كما قال عليه السلام وفي حديث آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم اه قال صلى الله عليه وسلم في شأن الطاعة التي لم تقبل رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع وقائم ليس له من قيامه إلا السهر فمثل هذه الطاعة المعصية التي يصحبها الأنكسار أحسن منها بكثير كما أبان ذلك بقوله معصية أورثت ذلاً وأفتقاراً خير من طاعة أورثت عزاً وأستكباراً قلت أنما كانت المعصية التي توجب الأنكسار أفضل من الطاعة التي توجب الأستكبار لأن المقصود من الطاعة هو الخضوع والخشوع والأنقياد والتذلل والأنكسار أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي فإذا خلت الطاعة من هذه المعاني وأتصفت بأضدادها فالمعصية التي توجب هذه المعاني وتجلب هذه المحاسن أفضل منها إذ لا عبرة بصورة الطاعة ولا بصورة المعصية وإنما العبرة بما ينتج عنهما أن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أعمالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم فثمرة الطاعة هي الذل والأنكسار وثمرة المعصية هي القسوة والأستكبار فإذا أنقلبت الثمرات أنقلبت الحقائق صارت الطاعة معصية والمعصية طاعة ولذلك قال المحاسبي رضي الله عنه إنما مراد الله سبحانه من عباده قلوبهم فإذا تكبر العالم أو العابد وتواضع الجاهل والعاصي وذل هيبة لله عز وجل وخوفاً منه فهو أطوع لله عز وجل من العالم والعابد بقلبه اه وقال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه كل أساءة أدب تثمر أدباً فليست بإساءة أدب وكان رضي الله عنه كثير الرجاء لعباد الله الغالب عليه شهود وسع الرحمة وكان رضي الله عنه يكرم الناس على نحو رتبتهم عند الله حتى

أنه ربما يدخل عليه مطيع فلا يبالي به وربما دخل عليه عاص فأكرمه لأن ذلك الطائع أتى وهو متكبر بعمله وناظر لفعله وذلك العاصي دخل بكثرة معصيته وذلته ومخالفته قاله المصنف في لطائفه وقال أبو يزيد رضي الله عنه نوديت في سري خزائني مملوءة بالخدمة فإن أردتنا فعليك بالذلة والأفتقار وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أشد من ذلك العجب كذا في الصحيحين وقال عليه السلام لولا أن الذنب خير من العجب ما خلا الله بين مؤمن وذنب أبداً وقال الشيخ أبو مدين رضي الله عنه أنكسار العاصي خير من صولة المطيع وقال شيخ شيوخنا رضي الله عنه معصية بالله خير من ألف طاعة بالنفس اه ومعنى كلام الشيخ أن العبد إذا أجريت عليه زلة لم يقصدها بقلبه وإنما جرته القدرة إليها رغماً على أنفه ثم ندم وأنكسر فهي في حقه خير من ألف طاعة يشهد فيها نفسه ويتبجح بها على عباد الله ولله در صاحب العينية حيث يقولأنه ربما يدخل عليه مطيع فلا يبالي به وربما دخل عليه عاص فأكرمه لأن ذلك الطائع أتى وهو متكبر بعمله وناظر لفعله وذلك العاصي دخل بكثرة معصيته وذلته ومخالفته قاله المصنف في لطائفه وقال أبو يزيد رضي الله عنه نوديت في سري خزائني مملوءة بالخدمة فإن أردتنا فعليك بالذلة والأفتقار وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أشد من ذلك العجب كذا في الصحيحين وقال عليه السلام لولا أن الذنب خير من العجب ما خلا الله بين مؤمن وذنب أبداً وقال الشيخ أبو مدين رضي الله عنه أنكسار العاصي خير من صولة المطيع وقال شيخ شيوخنا رضي الله عنه معصية بالله خير من ألف طاعة بالنفس اه ومعنى كلام الشيخ أن العبد إذا أجريت عليه زلة لم يقصدها بقلبه وإنما جرته القدرة إليها رغماً على أنفه ثم ندم وأنكسر فهي في حقه خير من ألف طاعة يشهد فيها نفسه ويتبجح بها على عباد الله ولله در صاحب العينية حيث يقول
وأسلمت نفسي حيث أسلمني الهوى ... ومالي عن حكم الحبيب تنازع
فطوراً تراني في المساجد راكعاً ... وإني طوراً في الكنائس رائع
أراني كالآلات وهو محركي ... أنا قلم والأقتدار أصابع
ولست بحبري ولكن مشاهد ... فعال مريد ماله من يدافع
فآونة يقضي على بطاعة ... وحيناً بما عنه نهتنا الشرائع
لذاك تراني كنت أترك أمره ... وآتى الذي أنهاه والجفن دامع
ولي نكتة غراء سوف أقولها ... وحق لها أن ترعويها المسامع
هي الفرق ما بين الولي وفاسق ... تنبه لها فالأمر فيه فظائع
وما هو إلا أنه قبل وقعه ... يخبر قلبي بالذي هو واقع
فأجني الذي يقضيه في مرادها ... وعيني له قبل الفعال تطالع
فكنت أرى منها الأرادة قبل ما ... أرى الفعل مني والأسير مطاوع
فأتى الذي تهواه نفسي ومهجتي ... لذلك في نار حوتها الأضالع
إذا كنت في حكم الشريعة عاصياً ... فإني في علم الحقيقة طائع

فأشار إلى الفرق بين معصية الولي ومعصية الفاسق وذلك من ثلاثة أوجه الولي لا يقصدها ولا يفرح بها ولا يصر عليها والفاسق بالعكس في الجميع وقيل للجنيد أيزني العارف فقال وكان أمر الله قدراً مقدوراً لكن معصية الولي حدها الظاهر ولذلك قال ابن عطاء الله ليت شعري لو قيل له أتتعلق همة العارف بغير الله لقال لا اه ولما كانت النعم تقتضي من العبد شكرها وشكرها هو العمل بطاعة الله فيها قال الجنيد الشكر ألا يعصي الله بنعمة بين الشيخ أصول النعم وفروعها فقال نعمتان ما خرج موجود عنهما ولا بد لكل مكون منهما نعمة الأيجاد ونعمة الأمداد قلت أما نعمة الأيجاد فهي الأظهار من عالم الغيب إلى عالم الشهادة أو من عالم الأمر إلى عالم الخلق أو من عالم الأرواح إلى عالم الأشباح أو من عالم القدرة إلى عالم الحكمة أو من عالم التقدير إلى عالم التكوين وأما نعمة الأمداد فهي قيامه تعالى بالأشياء بعد وجودها وإمداده إياها بما تقوم به بنيتها وهاتان النعمتان عامتان وأختص الأنسان بما أجتمع فيه من الضدين وهما النور والظلمة واللطافة والكثافة فلو بقيت أيها الأنسان على ما كنت عليه من العدم في عالم القدم لم تتمتع بنعمتين نعمة الأشباح ونعمة الأرواح ولو تجلى فيك بوجهة واحدة لكنت ناقصاً في شهود المعرفة لأن مزية الآدمي في المعرفة أعظم إذ بقدر المجاهدة يكون الترقي في المشاهدة لما فيه من الكثافة واللطافة فكلما لطف من كثافة ترقي في مشاهدة ربه ولما فيه من النور والظلمة فكلما أنتفت الظلمة قوي النور بخلاف غيره من الجن والملائكة غير المقربين قال الله تعالى في حق الملائكة وما منا الأله مقام معلوم فما مثل الآدمي إلا كياقوتة سوداء وهي أعظم اليواقيت كلما صقلتها أشرقت وزاد نورها وجمالها ومثل الملائكة كالزجاج إذا صقل مرة كفاه ولا يزيد نوره على أصله فلو بقيت أيها الأنسان على ما كنت عليه من العدم أو من اللطافة بعد قبضة القدم لم يكن لك مزية على غيرك ومما يدلك على أن تجلي الآدمي أعظم أختصاصه بالجنة والنظر قال تعالى وترى الملائكة حافين من حول العرش والكلام إنما هو مع الخواص فخواص الآدمي أعني الأنبياء أعظم من خواص الملائكة وخواص الملائكة أعني المقربين أعظم من خواص الآدمي أعني العارفين والعارفون أعظم من عوام الملائكة وعوام الملائكة أعظم من عوام بني آدم والله تعالى أعلم فأنعم الحق سبحانه عليك أيها الأنسان أولاً بنعمة الإيجاد وأصحبك الرأفة والوداد لتظهر مزيتك وتكمل نعمتك ثم أنعم عليك ثانياً بنعمة الأمداد حسية ومعنوية أما المدد الحسي فغذاء البشرية من أول النشأة إلى منتهاها وأما المدد المعنوي فغذاء الروح من قوت اليقين والعلوم والمعارف والأسرار ثم أن هذا المدد المعنوي من حيث هو ينقسم على ثلاثة أقسام منه ما لا يزيد ولا ينقص وهو مدد الملائكة قال تعالى فيهم وما منا إلا له مقام معلوم ومنه ما يزيد وينقص

وهو مدد عوام بني آدم ومنه ما يزيد ولا ينقص وهو مدد خواصهم كالرسل والأنبياء وأكابر الأولياء ومن تعلق بهم ممن دخل تحت حضانتهم ولزم عشهم من الفقراء والمريدين السائرين فمددهم في الزيادة على الدوام وهذا المدد ثابت للروح قبل أتصالها بالبشرية فلذلك أقرب بالربوبية في عالم الذر قال في التنوير أعلم أن الحق سبحانه تولاك بتدبيره على جميع أطوارك وقام لك في كل ذلك بوجود أبرارك فقام لك بحسن التدبير يوم المقادير يوم الست بربكم قالوا بلى ومن حسن تدبيره لك أن عرفك به فعرفته وتجلى لك فشهدته وأستنطقك وألهمك الأقرار بربوبيته فوحدته ثم أنه جعلك نطفة مستودعة في الأصلاب تولاك بتدبيره هنالك حافظاً لك وحافظاً لما أنت فيه موصلاً لك المدد بواسطة ما أنت فيه من الأباء إلى أبيك آدم ثم قذفك في رحم الأم فتولاك بحسن التدبير وجعل الرحم قابلة لك أرضاً يكون نباتك ومستودعاً تعطي فيها حياتك ثم جمع بين النطفتين وألف بينهما فكنت عنهما لما بنيت عليه الحكمة الألهية من أن الوجود كله مبني على سر الأزدواج ثم جعلك بعد النطفة علقة مهيئة لما يريد سبحانه أن ينقلها إليه ثم بعد العلقة مضغة ثم فتق سبحانه في المضغة صورتك وأقام فيها بنيتك ثم نفخ فيك الروح بعد ذلك ثم غذاك بدم الحيض في رحم الأم فأجري عليك رزقه من قبل أن يخرجك إلى الوجود ثم أبقاك في رحم الأم حتى قويت أعضاؤك وأشتدت أركانك ليهيئك إلى البروز إلى ما قسم لك أو عليك وليبرزك إلى دار يتعرف فيها بفضله وعدله إليك ثم لما أنزلت إلى الأرض علم سبحانه أنك لا تستطيع أن تتناول خشونات المطاعم وليس لك أسنان ولا أرحى تستعين بها على ما أنت طاعم فأجري الثديين بالغذاء اللطيف ووكل بهما مستحث الرحمة التي جعلها في قلب الأم فكلما وقف اللبن على البروز أستحثته الرحمة التي جعلها لك في الأم مستحثاً لا يفتر ومستنهضاً لا يقصر ثم أنه شغل الأب والأم بتحصيل مصالحك والرأفة عليك والرحمة والنظر بعين المودة منهما إليك وما هي إلا رأفته ساقها للعباد في مظاهر الآباء والأمهات تعريفاً بالوداد وفي حقيقة الأمر ما كفلتك إلا ربوبيته وما حضنتك إلا الوهيته ثم ألزم الأب القيام بك إلى حين البلوغ.

وأوجب عليه ذلك رأفة منه بك ثم رفع قلم التكليف عنك إلى أوان تكمل الأفهام وذلك عند الأحتلام ثم إلى أن صرت كهلاً لم يقطع عنك نوالاً ولا فضلا ثم إذا أنتهيت إلى الشيخوخة ثم إذا قدمت عليه ثم إذا حشرت إليه ثم إذا أقامك بين يديه ثم إذا سلمك من عقابه ثم إذا أدخلك دار ثوابه ثم إذا كشف عنك وجود حجابه وأجلسك مجالس أوليائه وأحبابه قال سبحانه أن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر فلاى أحسانه تشكر ولاي أياديه تذكر وأسمع قوله سبحانه، وما بكم من نعمة فمن الله: تعلم أنك لم تخرج عن أحسانه ولن يعدوك وجود فضله وأمتنانه اه كلامه في التنوير وهو شرح لهذه الحكمة لأشتماله على النعمتين إيجاداً وأمداداً ومن نعمة الأمداد المعنوي نعمة الأسلام والأحسان وحفظ ذلك وأدامته علينا في كل وقت وحين وزيادة الترقي في المعرفة واليقين إلى يوم الدين فالحمد لله رب العالمين ثم المقصود بالنظر إلى هاتين النعمتين هو الأنسان وأن كانتا عامتين في جميع الأكوان إذ هو المطلوب بشكرها والتحدث بذكرها ولذلك خصه بالخطاب أنعم عليك أولاً بالإيجاد وثانياً بتوالي الإمداد قلت توالي الأمداد هو تتابعه وأتصاله سواء كان حسياً أو معنوياً ففي كل ساعة ولحظة أنت مفتقر إلى أمداده قلباً وقالباً كما أبان ذلك بقوله فاقتك لك ذاتية وورود الأسباب مذكرة لك بما خفي عليك منها والفاقة الذاتية لا ترفعها العوارض قلت الفاقة الذاتية هي الأصلية الحقيقة والأسباب المحركة لها هي العوارض الجلالية وهي كل ما يقهر النفس ويزعجها عن حظوظها وتصرفاتها العادية وإنما كانت فاقتناً ذاتية لا تفارقنا ساعة واحدة لأن نشأتنا مركبة من حس ومعنى ولا يقوم الحس إلا بالمعنى والمعني هو أسرار الربوبية القائمة بالأشياء فأشباحنا مفتقرة في كل لحظة إلى نعمة الأمداد بعد نعمة الإيجاد ولا الحكمة إلا بالقدرة ولا البشرية إلا بالروحانية والروح سر من أسرار الله قال تعالى قل الروح من أمر ربي فالبدن قائم بالروح والروح أمر من أمر الله وكل شيء قائم بأمر الله فأفتقار البشرية للروحانية حاصل على الدوام قال تعالى في نعمة الأيجاد يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد، فهذا هو الأفتقار إلى نعمة الإيجاد ثم قال في نعمة الأمداد أن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وهذا هو افتقارنا إلى النعمة الأمداد وقال تعالى في أفتقار بقية العالم أن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا فالكون كله قائم بأمر الربوبية مظهر من مظاهرها لا قيام له بدونها قال الشيخ أبو مدين رضي الله عنه الحق سبحانه مستبد والوجود مستمد والمادة من عين الجود فإذا أنقطعت المادة أنهد الوجود اه والمراد بالوجود ظهور الحس وعين الجود هو المعاني اللطيفة القديمة يعني أن الحق تعالى مستبد أي قائم بنفسه وظهور تجلياته مستمدة من باطن صفاته ومادة الأشياء كلها من عين الجود وهي نعمة الإيجاد والأمداد فإذا أنقطعت المادة أي مادة المعنى من الحس أضمحل الحس واضمحلت الأكوان فلو ظهرت صفاته أضمحلت مكوناته ففاقتك أي أفتقارك أيها الأنسان لك ذاتية أي أصلية حقيقية لكنها خفية وورود الأسباب المحركة لظهور تلك الفاقة وهي الشدة والحيرة وكل ما يلجئك إلي مولاك مذكرة لك ما خفي عنك منها يعني أن فاقتك لا تفارقك إذ كل لحظة تفتقر إلى من يمدك بالوجود في الساعة الثانية إلا أنها خفية لا تذكرها حتى يتحرك عليك أسباب ظهورها كالفتن والمرض وغيرهما والفاقة الأصلية الذاتية لا ترفعها العوارض وهي الصحة والعافية فما دام العبد في العافية ففاقته خفية لا يتفطن لها إلا العارفون لأنه لا يزول أضطرارهم فإذا قام عليه جلال أو محرك ظهر أفتقاره وتحقق أضطراره مع أنه دائم في الفاقة حسه ومعناه والله تعالى أعلم ثم أن رجوع الشيء إلى أصله مرغب فيه وخروجه عن أصله لا خير فيه وأصلك أيها الأنسان هو الفاقة والأضطرار والذلة والأنكسار فكل ما يردك إلى أصلك فهو لك في غاية الحسن والأختيار كما أبان ذلك بقوله خير أوقاتك وقت تشهد فيه وجود فاقتك وترد فيه إلى وجود ذلتك قلت إنما كان شهود الفاقة هو خير أوقاتك لوجهين أحدهما ما في ذلك من تحقيق العبودية وتعظيم شأن الربوبية وفي ذلك شرف العبد وكماله إذ بقدر تحقيق العبودية في الظاهر يعظم شهود الربوبية في الباطن أو تقول بقدر العبودية

في الظاهر تكون الحرية في الباطن أو تقول بقدر الذل في الظاهر يكون العز في الباطن أو تقول بقدر وضع الظاهر يكون رفع الباطن من تواضع دون قدره رفعه الله فوق قدره وأنظر أشرف خلق الله وهم الأنبياء بماذا خاطبهم الله تعالى فما خاطبهم إلا بالعبودية قال الله تعالى سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً وأذكر عبادنا إبراهيم وأسحق ويعقوب وأذكر عبدنا داوود ذا الأيد وأذكر عبدنا أيوب.ي الظاهر تكون الحرية في الباطن أو تقول بقدر الذل في الظاهر يكون العز في الباطن أو تقول بقدر وضع الظاهر يكون رفع الباطن من تواضع دون قدره رفعه الله فوق قدره وأنظر أشرف خلق الله وهم الأنبياء بماذا خاطبهم الله تعالى فما خاطبهم إلا بالعبودية قال الله تعالى سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً وأذكر عبادنا إبراهيم وأسحق ويعقوب وأذكر عبدنا داوود ذا الأيد وأذكر عبدنا أيوب.
وقد أختارها نبينا صلى الله عليه وسلم حين خير بين أن يكون نبياً ملكاً أو نبياً عبداً فأختار أن يكون نبياً عبداً فدل على أن أشرف حال الأنسان هو العبودية فبقدر ما يتحقق بها في الظاهر يعظم قدره في الباطن ومهما خرج منها في الظاهر بإظهار الحرية أدبته القدرة وردته القهرية حتى يرجع إلى أصله ويعرف ماله وعليه الوجه الثاني ما في الفاقة من مزيد المدد وطلب الأستمداد إنما الصدقات للفقراء والمساكين أن أردت بسط المواهب عليك صحح الفقر والفاقة لديك كما يأتي أن شاء الله وقد جعل الله النصر والفتح مقرونين بالفاقة والذلة وتحقيق الضعف والقلة قال الله تعالى ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة وقال تعالى وأذكروا إذ كنتم قليلاً فكثركم وجعل الخذلان وعدم النصر والمعونة في أظهار الحرية والقوة قال تعالى ويوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين وذلك لما وقع من بعض الصحابة الذين كانوا حديثي عهد بإسلام فأدبهم الله بإظهار الحرية لكن عمت الفتنة قال تعالى وأتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة وهذا وجه ذكر الآية قبل ذكر القضية والله تعالى أعلم فإذاً خير أوقاتك أيها المريد وقت تشهد فيه وجود فاقتك أي ظهورها وإلا فهي كامنة فيك كما تقدم وتسمى عند المتأخرين الحيزة وهي الشدة فهي خير لك من ألف شهر أن عرفت فيها ربك والمعرفة فيها أن تسكن عن التحرك والأضطراب وتقطع النظر عن التعلق بالأسباب وترجع فيها إلى مسبب الأسباب وتعلق همتك برب الأرباب وتكتفي بعلم الله الكريم الوهاب ولقد سمعت شيخنا اليزيدي رضي الله عنه يقول العجب من الأنسان يرى الخير أو الفتح واصلاً إليه وقادماً عليه ثم يقوم يبادر بسد الباب في وجهه وهو أن يرى الفاقة قادمة عليه فيبادر إلى الأسباب التي تقطعها عنه قبل وصولها فقد كان الربح واصلاً إليه فقام فرده أو ما هذا معناه وخير أوقاتك أيضاً وقت تشهد فيه وجود ذلتك كما تقدم لأنه سبب عزك ونصرك إذ الأشياء كامنة في أضدادها العز في الذل والغنى في الفقر والقوة في الضعف والعلم في الجهل أي في إظهار الجهل إلى غير ذلك قال تعالى ونريد أن نمن على الذين أستضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين وقال تعالى في حق الصحابة رضي الله عنهم حين كانوا في حالة الأستضعاف والأذاية تسلية لهم وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما أستخلف الذين من قبلهم الآية ومما جرت به العادة الألهية أن الفرج علي قدر الضيق فبقدر الفقر يكون الغنى وبقدر الذل يكون العز وبقدر العسر يكون اليسر والحاصل بقدر الجلال يكون الجمال عاجلاً وآجلاً قال تعالى، فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا، ولن يغلب عسر يسرين كما في الحديث حيث قال عليه السلام لأبن عباس رضي الله عنه وأعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا اه.

ثم إذا صح فقرك إليه وتحققت ذلتك بين يديه أتحفك بأنسه وزج بك في حضرة قدسه كما أشار إلى ذلك بقوله متى أوحشك من خلقه فأعلم أنه يريد أن يفتح لك باب الأنس به قلت هذه سنة الله تعالى في خلقه إذا أراد أن يؤنس عبده بذكره ويتحفه بمعرفته أوحشه من خلقه وشغله بخدمته وألهمه ذكره حتى إذا أمتلأ قلبه بالأنوار وتمكن من حلاوة الشهود والأستبصار رده إليهم رحمة لهم لأنه حينئذ لقوته يأخذ منهم ولا يأخذون منه ومثاله في الحس كفتيلة شعلتها فما دامت ضعيفة لا بد أن تحفظها من الريح وتقصد بها المواضع الخفية فإذا أشتد نورها وأشعلتها في الحطب صعدت بها إلى ظهور الجبال فبقدر ما يصيبها الريح يعظم أشتعالها كذلك الفقير ما دام في البداية لا يليق به إلا الوحشة من الخلق والفرار منهم فإذا تمكن في الشهود فلا يليق به حينئذ إلا الخلطة معهم لأنهم لا يضرونه فمتي أوحشك أيها الفقير من خلقه وعزلك عنهم في قلبك فأعلم أنه تعالى أراد أن يؤنسك به ويغنيك بمعرفته فقد كان عليه السلام حين قرب أوان النبوة والرسالة حبب إليه الخلوة فكان يخلو بغار حراء وحكمة ذلك تصفية البواطن من الشواغل والشواغب لتتهيأ لقبول ما تتحمله من الأسرار والمواهب فإذا تطهر من الأكدار ملئ بالأنوار فأشرقت فيه شموس العرفان وتمكن من حضرة الشهود والعيان فهذه سنة الله في أوليائه وأصفيائه يفرون أولاً من الناس حتى يحصل لهم منهم الأياس ثم يردهم الحق إليهم رغماً على أنفهم لمقام الدلالة والأرشاد فينتفع بهم العباد وتحيا بوجودهم البلاد وفي مثلهم قال الشاعر
تحيا بكم كل أرض تنزلون بها ... كأنكم في بقاع الأرض أمطار
وتشتهي العين فيكم منظراً حسناً ... كأنكم في عيون الناس أزهار
ونوركم يهتدي الساري برؤيته ... كأنكم في ظلام الليل أقمار
لا أوحش الله ربعاً من زيارتكم ... يا من لهم في الحشا والقلب تذكار
نفعنا الله بهم وحققنا بمعرفتهم آمين ثم إذا فتح لك باب الأنس وتشوقت إلى حضرة القدس ثم أطلق لسانك بطلبها فأعلم أنه يريد أن يفتح لك بابها كما أشار إلى ذلك بقوله متى أطلق لسانك بالطلب فأعلم أنه يريد أن يعطيك قلت لأن الحق تعالى جعل الطلب سبباً من الأسباب فإذا أراد أن ينجز للعبد ما سبق له فتح له فيه باب الطلب فإذا حصل منه الطلب حصل ذلك الذي قسم له في الأزل أظهاراً لحكمته وأخفاء لقدرته وتغطية لسره فالدعاء من جملة الأسباب العادية كالحرث والدواء والزوج في الولد وغير ذلك وكل ذلك سبقت به المشيئة ونفذ به القضاء والقدر فما بقي الدعاء إلا أظهاراً للفاقة وإبقاء لرسم العبودية لا طلباً لحصول ما لم يكن جل حكم الأزل أن يضاف للأسباب والعلل فمتى أطلق لسانك أيها المريد بالطلب لشيء تجلى في قلبك أو إحتجت إليه فأعلم أن الحق تعالى أراد أن يعطيك ما طلبت منه فلا تحرص ولا تستعجل فكل شيء عنده بمقدار فإن أطلق لسانك في الدعاء من غير سبب فخير ما تطلبه منه ما هو طالبه منك كما تقدم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعطي الدعاء لم يحرم الإجابة وقال أيضاً عليه السلام من أذن له في الدعاء منكم فقد فتحت له أبواب الرحمة وما سئل الله شيئاً أحب إليه من العفو والعافية وقال الكتاني رضي الله عنه لم يفتح الله لسان المؤمن بالمعذرة إلا وقد فتح له بالمغفرة اه وقال الخفاف رحمه الله وكيف لا يجيبه وهو يحب صوته ولولا ذاك ما منح الدعاء وفي ذلك قيل
لو لم ترد نيل ما أرجوا وأطلبه ... من فيض جودك ما علمتني الطلبا
ثم هذا كله قبل فتح باب المعرفة وإذا فتح لك الباب فلا تحتاج إلى طلب لغناك بمسبب الأسباب فيكون دعاؤك إنما هو إظهار للفاقة والأضطرار اللازمتين لك مع كل نفس وفي كل وقت وحال كما أشار إليه بقوله العارف لا يزول أضطراره ولا يكون مع غير الله قراره قلت أما وجه كونه لا يزول أضطراره فلتحقق قيومية الحق به إذ الحس لا يقوم إلا بالمعنى فحس العبودية لا يقوم إلا بمعنى الربوبية فبقدر تحقق العبد بقيومية الربوبية يشتد أضطراره في ظاهر العبودية وأيضاً العارف لا يزال في الترقي فهو متعطش للزيادة على الدوام كما قال النقشبندي رحمه الله
وذو الصبابة لو يسقي على عدد الأن ... فاس والكون كأس ليس يرويه

وقال آخر
سقاني الحب كأساً بعد كأسفما نفذ الشراب ولا رويت وقال بعضهم لو شربت في كل لحظة ألف بحر لا ترى ذلك إلا قليلاً وتشهد شفتيك يابسة وكل ذلك كناية عن عدم النهاية وأن المقصود غير منضبط فالعارف لا يزال مفتقراً للزيادة على الدوام فلا يزول أضطراره على الدوام وقد قال الله تعالى لسيد العارفين وقل رب زدني علماً فالأضطرار إلى زيادة العلم لا ينقطع ولو جمع علوم أهل السموات والأرض قال تعالى مخاطباً للكل وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً وأما وجه كونه لا يكون مع غير الله قراره فلأن قلب العارف رحل إلى الله من الكون بأسره فلم تبق له حاجة إلى غيره فقراره إنما هو شهود الذات الأقدس فإن نزل إلى سماء الحقوق أو أرض الحظوظ فبالأذن والتمكن والرسوخ في اليقين فالعارف ليس له عن نفسه أخبار ولا مع غير الله قرار وأيضاً سابق العناية لا يتركه يركن إلى غير مولاه فمهما ركن قلبه إلى شيء شوشته عليه العناية وأكتنفته الرعاية فهو محفوظ من الأغيار محفوف من كل جهة بمدد الأنوار إذا كان الله حرس السماء من أستراق السمع فكيف لا يحرس قلوب أوليائه من الأغيار وما تولاهم بمحبته حتى حفظهم من شهود غيره فكيف بالركون فكيف بالسكون هيهات هيهات هذا لا يكون من كان ظاهره محفوفاً بالأنوار وباطنه محشواً بالأسرار فكيف يركن إلى شهود الأغيار كما أبان ذلك بقوله أنار الظواهر بأنوار آثاره وأنار السرائر بأنوار أوصافه قلت أنوار الظواهر هي ما ظهر على تجليات الأكوان من تأثير قدرته وأبداع حكمته كتزيين السماء بالكواكب والقمر والشمس وما فيها من أبداع الصنع وتمام الأتقان وكتزيين الأرض بالأزهار والثمار والنبات وسائر الفواكه وكتزيين الأنسان بالبصر والسمع والكلام وسائر ما فيه من عجائب الصنعة قال تعالى لقد خلقنا الأنسان في أحسن تقويم وقال تعالى أنا جعلنا ما على الأرض زينة لها فهذه أنوار الظواهر وأنوار الأوصاف هي العلوم والمعارف والأسرار والمراد بالأوصاف أوصاف البوبية كالعظمة والعزة والجلال والجمال والكبرياء والكمال وغير ذلك من أوصاف الذات العلية والذات لا تفارق الصفات فإذا أشرقت السرائر بأنوار معرفة الصفات فقد أشرقت بأنوار معرفة الذات للتلازم الذي بين الصفات والذات ثم الناس في شهود هذه الأنوار الباطنة التي هي أنوار الأوصاف على ثلاثة أقسام قسم يشهدونها على البعد وهم أهل مقام الأسلام وقسم يشهدونها على القرب وهم أهل المراقبة من مقام الإيمان وقسم يشهدونها على الأتصال وهم أهل المعرفة من مقام الأحسان فأهل مقام الأسلام أنوارهم ضعيفة كأنوار النجوم وأهل مقام الإيمان أنوارهم متوسطة كنور القمر وأهل مقام الأحسان أنوارهم ساطعة كأنوار الشمس فتحصل أن أنوار الباطن ثلاثة نجوم الأسلام وقمر التوحيد وشمس المعرفة وإلى هذا المعنى أشار ابن الفارض بقوله
لها البدر كأس وهي شمس يديرها ... هلال وكم يبدو إذا مزجت نجم
فالضمير لخمرة المحبة وهي أيضاً شمس المعرفة فإذا مزجت لتشرب ظهر نجم الأسلام وإذا وضعت في الكأس طلع قمر التوحيد وهو الإيمان وإذا شربت أشرقت شمس المعرفة والذي يديرها على الشاريين هلال الهداية هذا معنى كلامه في الجملة وتشبيه الأنوار المعنوية بالأنوار الحسية إنما هو تقريب وإلا فأنوار القلوب كلها عظيمة حتى قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه لو كشف عن نور المؤمن العاصي لطبق ما بين السماء والأرض فما ظنك بنور المؤمن المطيع وقال الشيخ أبو العباس رضي الله عنه لو كشف عن حقيقة الولي لعبد من دون الله وقال في لطائف المنن ولو كشف الحق عن مشرقات قلوب أنوار أوليائه لا نطوي نور الشمس والقمر في مشرقات أنوار قلوبهم وأين نور الشمس والقمر من أنوارهم الشمس والقمر يطرأ عليهما الكسوف والغروب وأنوار قلوب أوليائه لا كسوف لها ولا غروب لذلك قال قائلهم
هذه الشمس قابلتنا بنور ... ولشمس اليقين أبهرنوراً
فرأينا بهذه النور لكن ... بهاتيك قد رأينا المنيرا

فأنار الحق سبحانه ظواهر الكائنات بأنوار الظواهر وهي النجوم والقمر والشمس في الحسن وتزيين الخلق وأبداعه وتخصيصه وتقييده عن شكل معلوم في الأنوار الخفية وتهذيب الجوارح وتطهيرها من الأنوار المعنوية وأنار سبحانه القلوب والسرائر بأنوار أوصافه وهي عظيمة الربوبية وأوصافها فإذا أشرقت في سماء القلوب الصحية والأسرار الصافية غاب العبد عن شهود الأغيار وغرق في بحر الأنوار فتفني الأشكال والرسوم ولا يبقي إلا الحي القيوم ثم ذكر الفرق بين أنوار الظواهر وأنوار السرائر فقال لأجل ذلك أفلت أنوار الظواهر ولم تأفل أنوار القلوب والسرائر أي لأجل أن أنوار الظواهر إنما هي أنوار الأثر ومن شأن الأثر أن يتأثر ويتغير بالطلوع والغروب فأفلت أي غريب أنوار الظواهر أما بالغروب المعلوم أو بالعدم المحتوم ولم تأفل أي تغرب أنوار القلوب وهي أنوار الأسلام والإيمان وأنوار السرائر وهي أنوار الأحسان فأنوار الأسلام والإيمان هي أنوار التوجه وأنوار الأحسان هي أنوار المواجهة فالنور عبارة عن اليقين الذي يحصل في القلب يثمر حلاوة العمل فإذا قوي اليقين قوي النور وأشتدت الحلاوة حتى يتصل بحلاوة الشهود فيغطي حلاوة العمل فلذلك يقل عمل الجوارح عند العارف إذ حلاوة الشهود تغني عن كل شيء ليس الخبر كالعيان وفي بعض الأحاديث سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل قل العلم بالله قالوا يا رسول الله سألناك عن العمل قال العلم بالله ثم قال في الثالثة عمل قليل كاف مع العلم بالله وحقيقة النور في الأصل كيفية تنبسط من النيرين على سطح الجسم فينكشف ما عليه بواسطة البصر ثم شبه به العلم واليقين والمعرفة لما بينهما من الشبه في كشف حقيقة الأشياء وتمييزها فالنور الحسي ينقطع بأنقطاع أصله والنور المعنوي الذي هو نور القلوب لا ينقطع أبداً فلذلك أنشد الشيخ هذا البيت فقاله ولذلك قيل
أن شمس النهار تغرب بليل ... وشمس القلوب ليست تغيب
وليس هو من عند المؤلف بل هو لغيره وسيأتي في المناجاة بتمامه أن شاء الله قال الشيخ زروق رضي الله عنه فشمس القوب لا تغيب أبداً بل هي دائمة لا تنقطع وباقية لا تنصرم لبقاء مددها وهي معاني الأوصاف الربانية ودوام محالها وهي الأفاق الروحانية فالمتعلق بها متعلق بحقيقة لا تنصرم ومن هذا الوجه كان غني القوم بالله لا بالأسباب وتعلقهم به لا بشيء دونه اه هذا آخر الباب العاشر وحاصلها ذكر كيفية الجزاء على الأعمال والزجر على طلبه وتحقيق معرفته في عطائه ومنعه والأعتناء بأقباله وقبوله لا بخدمته ودوام الأضطرار بين يديه والأفتقار إلى نعمته والأستيحاش من خلقه بدوام أنسه ثم أشراق أنواره على قلوب أوليائه وأسرار أصفيائه جزاء لأقبالهم عليه وأنحياشهم إليه فإذا أتحفهم بذلك وهيأهم لما هنالك تلي عليهم قوله أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم الآية كما نبه عليه في أول الباب الحادي عشر بقوله وقال رضي الله عنه ليخفف ألم البلاء عنك علمك بأنه سبحانه هو المبلي لك فالذي واجهتك منه الأقدار هو الذي عودك حسن الأختيار قلت إذا أصابتك أيها الأنسان مصيبة أو نزلت بك بلية في بدن أو أهل أو مال فأذكر من أنزل ذلك عليك وما هو متصف به من الرحمة والرأفة بك والمحبة والعطف عليك لعلك تفهم ما في طي ذلك من النعم وما يعقبه من سوابغ الفضل والكرم ولو لم يكن ألا تطهيرك من الذنوب وتمحيصك من الغيوب وتقريبك من حضرة علام الغيوب فهل تعودت منه إلا الأحسان وهل رأيت منه إلا غاية المبرة والأمتنان فالذي واجهتك منه الأقدار هو الذي عودك حسن الأختيار فالذي واجهتك منه أحكام قهره هو الذي عودك تمام أحسانه وبره فالذي واجهتك منه ظواهر المحن هو الذي أسبغ عليك بواطن المنن فالذي واجهتك من حضرة قهاريته الرزايا هو الذي أتحفك بأنواع الكرامات والهدايا ولله در صاحب العينية حيث يقول
تلذ لي الآلام إذ أنت مسقمي ... وأن تمتحني فهي عندي صنائع
تحكم بما تهواه في فانني ... فقير لسلطان المحبة طائع

قال الجنيد رضي الله عنه كنت نائماً بين يدي السري فأيقظني وقال لي يا جنيد رأيت كأني وقفت بين يديه فقال لي يا سري خلقت الخلق فكلهم أدعوا محبتي فخلقت الدنيا فهرب مني تسعة أعشارهم وبقي معي العشر فخلقت الجنة فهرب مني تسعة أعشار العشر وبقي معي عشر العشر فسلطت عليهم ذرة من البلاء فهرب مني تسعة أعشار عشر العشر فقلت للباقين معي لا الدنيا أردتم ولا الجنة أخذتم ولا من النار هربتم فما تريدن قالوا إنك تعلم ما نريد فقلت أني مسلط عليكم من البلاء بعدد أنفاسكم ما لا تقوم له الجبال الرواسي أتصبرون قالوا أن كنت أنت المبتلي فافعل ما شئت هؤلاء عبادي حقاً اه وقال في التنوير وإنما يعينهم على حمل الأحكام فتح باب الأفهام وأن شئت قلت وأنما يقويهم على حمل أقداره شهود حسن أختياره وأن شئت قلت وإنما يصبرهم على وجود حكمه علمهم بوجود علمه وأن شئت قلت إنما يصبرهم على أفعاله ظهوره عليهم بوجود إجماله وأن شئت قلت إنما صبرهم على القضاء علمهم بأن الصبر يورث الرضى وأن شئت قلت إنما صبرهم على الأقدار كشف الحجب والأستار وإن شئت قلت إنما صبرهم على أقداره علمهم بما أودع فيها من لطفه وأبراره اه وإلى هذا الأخير أشار بقوله من ظن الفكاك لطفه عن قدره فذلك لقصور نظره قلت من أعظم أحسان الله وبره كون لطفه لا ينفك عن قدره فما نزل القدر إلا سبقه الطف وصحبه وبهذا حكم النقل والعقل أما العقل فما من مصيبة تنزل بالعبد إلا وفي قدرة الله ما هو أعظم منها وقد وجد ذلك فإذا نزلت بك أيها الأنسان مصيبة فأذكر من هو أعظم منك بلاء فكم من أنسان يتقطع بالأوجاع وكم من أنسان مبتلي بالجذام والبرص والجنون والعمى وكم من أنسان مطروح في الفنادق لا يجد من يبريه إلا من أبتلاه وكم من أنسان أعمي أو مقعداً أو محموم إلى ما لا يتناهي نسأل الله عافيته الدائمة في الدارين وأما من جهة النقل فقد ورد في ثواب الأمراض والأوجاع أحاديث كثيرة وآيات قرآنية في مدح الصابرين منها قوله تعالى إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب وقوله تعالى بشر الصابرين الآية أن الله مع الصابرين إلى غير ذلك وقوله صلى الله عليه وسلم ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الشوكة يشاكها وحتىالهم يهمه إلا كفر به سيأته وورد في الحمى أحاديث كثيرة وأن حمى ساعة تكفر سنة إلى غير ذلك وقد ذكر الشيخ ابن عباد رضي الله عنه منها جملة شافية فليطالعه من أراد تكثير الأجور ورفع الستور والرضى بالمقدور وما ذكرناه كاف أن شاء الله وكان شيخ شيخنا رضي الله عنه يقول كلام النية قصير وبالله التوفيق فالأمر واضح لمن هو لنفسه ناصح فلا يخاف عليك من الجهل بالحق وإنما يخاف عليك من غلبة الهوى وجهلة الخلق كما أشار إلى ذلك بقوله لا يخاف عليك أن تلتبس الطرق عليك وإنما يخاف عليك من غلبة الهوى عليك قلت لا شك أن الله سبحانه بين لنا طريق الوصول على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم فبين لنا أعلام الشريعة ومنار الطريقة وأنوار الحقيقة فقرر لنا شرائع الأسلام وقواعد الإيمان ومقام الأحسان فما ترك صلى الله عليه وسلم شيئاً يقربنا إلى الله إلا دلنا عليه ولا شيئاً يبعدنا عنه إلا حذرنا منه لم يأل جهداً في أرشاد العباد وإظهار طريق السداد فما رحل إلى الله تعالى حتى ترك الناس على الدين القويم والمنهاج المستقيم على طريق بيضاء لا يضل عنها إلا من كان أعمى قال تعالى " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الأسلام ديناً " وقال تعالى " لا أكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي " وقال عليه السلام لقد تركتكم على الحنيفية السمحة وفي رواية على الملة البيضاء نهارها كليلها أو كما قال عليه السلام وقال أحمد بن حضرويه البلخي رضي الله عنه الطريق واضح والدليل لا ئح والداعي قد أسمع فما التحير بعد هذا إلا من العمى وسمعت رابعة العدوية صالحاً المري يقول من أدمن قرع الباب يوشك أن يفتح له فقالت له الباب مفتوح وأنت تفر منه كيف تصل إلى مقصد أخطأت الطريق إليه في أول قدم اه كلامها رضي الله عنها فلا يخاف عليك أيها المريد أن تلتبس الطرق الموصلة إلى الله تعالى عليك لأنها في غاية الوضوح وإنما يخاف عليك من غلبة الهوى عليك فيصمك ويعميك، أن الهوى ما تولى يصم أو يصم، فلا يخاف عليك التباس الهدى إنما يخاف عليك أتباع الهوى فلا

يخاف عليك التباس الحق وإنما يخاف عليك جهلة الخلق وأن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله فلا يخاف عليك عدم وجود أهل التحقيق وإنما يخاف عليك قطاع الطريق لا يخاف عليك من خفاء أهل الحق إنما يخاف عليك من قلة الصدق فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم والله ما حجبهم عنك إلا من عدم صدقك فلو حسنت ظنك بالله وبأولياء الله لرفع الله الحجاب بينك وبينهم ووجدتهم أقرب إليك من أن ترحل إليهم فسبحان من سترهم في حال ظهورهم وأظهرهم في حال خفائهم كما نبه عليه الشيخ بقوله سبحان من ستر سر الخصوصية بظهور وصف البشرية وظهر بعظمة الربوبية في أظهار العبودية قلت الخصوصية هي نور الحق يشرقه الله في قلوب خواص عباده امقربين بعد تطهيرها من الأكدار وتنزيهها عن المساوي والأغيار بغيبون به عن شهود أنفسهم بشهود محبوبهم وسرها هو ما أحتوى عليه ذلك النور من الكمالات العلية والنعوت القدسية والصفات السنية التي تليق بالمتحلى به كالكبرياء والعز والقوة والعظمة والأجلال وكالأتصاف بالقدرة التامة والعلم المحيط وسائر أوصاف الكمال ثم أن الحق سبحانه من عظيم حكمته وباهر قدرته أن ستر تلك الأوصاف اللازمة لذلك النور بظهور أضدادها التي هي أوصاف العبودية فستر كبرياءه وعظمته بظهور الذل والفقر والضعف على العبد وستر قدرته وأراداته بظهور العجز والقهرية عليه وستر علمه المحيط بظهور الجهل والسهو إلى غير ذلك من أوصاف العبودية المقابلة لأوصاف الربوبية فسبحان من جعل الأشياء كامنة في أضدادها ستر كمالات الربوبية بنقائص العبودية ولولا ذلك لكان السر غير مصون والكنز غير مدفون وسيأتي قوله ستر أنوار السرائر بكثائف الظواهر أجلالاً لها أن تبتذل بالأظهار وأن ينادي عليها بلسان الأشتهار اه ولذلك قال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه لو كشف عن نور الولي لعبد من دون الله وثبت عن الشيخ أبي يزيد رضي الله عنه أنه لما تجلى له هذا النور قال سبحاني ما أعظم شأني وقال الحلاج رضي الله عنهاف عليك التباس الحق وإنما يخاف عليك جهلة الخلق وأن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله فلا يخاف عليك عدم وجود أهل التحقيق وإنما يخاف عليك قطاع الطريق لا يخاف عليك من خفاء أهل الحق إنما يخاف عليك من قلة الصدق فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم والله ما حجبهم عنك إلا من عدم صدقك فلو حسنت ظنك بالله وبأولياء الله لرفع الله الحجاب بينك وبينهم ووجدتهم أقرب إليك من أن ترحل إليهم فسبحان من سترهم في حال ظهورهم وأظهرهم في حال خفائهم كما نبه عليه الشيخ بقوله سبحان من ستر سر الخصوصية بظهور وصف البشرية وظهر بعظمة الربوبية في أظهار العبودية قلت الخصوصية هي نور الحق يشرقه الله في قلوب خواص عباده امقربين بعد تطهيرها من الأكدار وتنزيهها عن المساوي والأغيار بغيبون به عن شهود أنفسهم بشهود محبوبهم وسرها هو ما أحتوى عليه ذلك النور من الكمالات العلية والنعوت القدسية والصفات السنية التي تليق بالمتحلى به كالكبرياء والعز والقوة والعظمة والأجلال وكالأتصاف بالقدرة التامة والعلم المحيط وسائر أوصاف الكمال ثم أن الحق سبحانه من عظيم حكمته وباهر قدرته أن ستر تلك الأوصاف اللازمة لذلك النور بظهور أضدادها التي هي أوصاف العبودية فستر كبرياءه وعظمته بظهور الذل والفقر والضعف على العبد وستر قدرته وأراداته بظهور العجز والقهرية عليه وستر علمه المحيط بظهور الجهل والسهو إلى غير ذلك من أوصاف العبودية المقابلة لأوصاف الربوبية فسبحان من جعل الأشياء كامنة في أضدادها ستر كمالات الربوبية بنقائص العبودية ولولا ذلك لكان السر غير مصون والكنز غير مدفون وسيأتي قوله ستر أنوار السرائر بكثائف الظواهر أجلالاً لها أن تبتذل بالأظهار وأن ينادي عليها بلسان الأشتهار اه ولذلك قال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه لو كشف عن نور الولي لعبد من دون الله وثبت عن الشيخ أبي يزيد رضي الله عنه أنه لما تجلى له هذا النور قال سبحاني ما أعظم شأني وقال الحلاج رضي الله عنه
أنا أنت بلا شك ... سبحانك سبحاني
توحيدك توحيدي ... وعصيانك عصياني
وقال أيضاً
سبحان من أظهر ناسوته ... سر سناء لاهوته الثاقب
ثم بدا في خلقه ظاهراً ... في صورة الآكل والشارب

حتى لقد عاينه خلقه ... كلحظة الحاجب بالحاجب
وبإظهار هذا وأمثاله قتل رضي الله عنه فمن لطف الله تعالى ورحمته أن ستر ذلك السر بظهور نقائصه صوتاً لذلك السر أن يظهر لغير أهله ومن أفشاه لغير أهله قتل كما فعل بالحلاج وكما ستر سر الخصوصية بظهور أضدادها ظهر بعظمة الربوبية في مظاهر العبودية قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه العبودية جوهرة أظهر بها الربوبية اه إذ الربوبية تقتضي مربوباً موصوفاً بضد ما أتصف به ربه من الكمالات الألهية والنعوت القدسية فما ظهرت أوصاف الربوبية التي هي الغنى والعز والقدرة وغير ذلك من الكمالات إلا في أضدادها من الفقر والذل والضعف وغير ذلك فالفقر الحقيقي شامل لسائر الموجودات والغنى المطلق واجب لمن تجلى في الأرض والسموات يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد فإذا تقرر هذا علمت أن الأضافة في سر الخصوصية ليست هي للبيان بل هي للتخصيص فسر الخصوصية غيرها إذا الخصوصية هي النور الذي يقذفه الله سبحانه في قلوب أوليائه وسرها هو الكمالات التي تلازم ذلك النور كما تقدم وأعلم أن سر الخصوصية الذي جعله الله في بواطن أوليائه وستره بظهور وصف بشريتهم قد يظهره عليهم على وجه خرق العادة فقد يظهر على وليه من قدرته وعلمه وسائر كمالاته ما تحار فيه العقول وتذهل فيه الأذهان لكن لا يدوم ذلك لهم بل يكون على سبيل الكرامات وخرق العادات يشرق عليهم شموس أوصافه فيتصفون بصفاته ثم يقبض ذلك عنهم فيردهم إلى حدودهم فنور الخصوصية وهي المعرفة ثابت لا يزول ساكن لا يحول وسرها وهو كمالاته تعالى تارة يشرق على أفق بشريتهم فيستنير بأوصاف الربوبيه وتارة ينقبض عنهم فيردون إلى حدودهم وشهود عبوديتهم فالمعرفة ثابته والواردات مختلفة والله تعالىأعلم وأعلم أيضاً أن أوصاف البشرية التي ستر الله بها سر الخصوصية إنما هي الأوصاف الذاتية اللازمة للبشر كالأكل والشرب والنوم والنكاح لا الأوصاف المذمومة المناقضة للعبودية كالكبر والعجب والحسد والغضب وغير ذلك فإن تلك أوصاف ذهبت بظهور نور العناية وسابق الهداية إذ لا تثبت الخصوصية إلا بعد محوها بخلاف الأوصاف الذاتية فإنها تجامع الخصوصية كما سيأتي أن شاء الله بل هي حجابها وصوانها وبوجودها وقع الستر والخلفاء لأولياء الله تعالى غيرة عليهم أن يعرفهم من لا يعرف قدرهم قال في لطائف المنن فأولياء الله أهل كهف الأيواء فقليل من يعرفهم وسمعت الشيخ أبا العباس رضي الله عنه يقول معرفة الولي أصعب من معرفة الله فإن الله معروف بكماله وجماله ومتى تعرف مخلوق مثلك يأكل كما تأكل ويشرب كما تشرب وإذا أراد الله أن يعرفك بولي من أوليائه طوى عنك وجود بشريته وأشهدك وجود خصوصيته اه تنبيه هذا النور الذي أشرقه الله في قلوب أوليائه كان كامناً في الروح في أصل بروزها فأصلها نورانية عالمة بأسرار الغيب دراكة للأشياء على حقيقتها وإنما حجبها عن ذلك سجنها في هذا البدن الطيني وأشتغالها بحظوظه وشهواته فمن أدبها وريضها على يد شيخ كامل رجعت إلى أصلها قال في المباحث
ولم تزل كل نفوس الأحيا ... علامة دراكة للأشيا
وإنما تعوقها الأبدان ... والأنفس النزع والشيطان
فكل من أذاقهم جهاده ... أظهر للقاعد خرق العاده
فإذا كمل تطهير الروح من الأغيار وأشرقت عليها شموس الأنوار كوشفت بأسرار الذات وأنوار الصفات فغرقت في بحر التوحيد الذي تكل عنه العبارة ولا تلحقه الأشارة وهو التوحيد الخاص الذي أشار إليه الهروي بقوله
ما وحد الواحد من واحد ... إذ كل من وحده جاحد
توحيد من ينطق عن نعته ... عارية أبطلها الواحد
توحيده أياه توحيده ... ونعت من ينعته لأحد

ومضمنه أن الحق سبحانه تولي توحيد نفسه بنفسه فكل من أدعي أنه وحده بنفسه فهو جاحد لوحدانيته حيث أشرك معه نفسه وكل من ينعته بنفسه فهو لأحد أي مائل عن الصواب والله تعالى أعلم فإذا طلبت ربك في تطهيرك من وصف البشرية ليكشف لك سر الخصوصية ثم تأخر مطلبك فإنما ذلك من سوء أدبك كما نبه عليه بقوله لا تطالب ربك بتأخر مطلبك ولكن طالب نفسك بتأخر أدبك قلت هذه قاعدة عامة وأن كانت مناسبتها خاصة فإذا طلبت شيئاً ثم تأخر ظهور ذلك المطلب فإنما ذلك لما فاتك من حسن الأدب ولو لم يكن إلا قصد خصوص ذلك الطلب فلا تطالب ربك أن يعجل مطلبك بسبب تأخره عنك ولكن طالب نفسك بتأخر أدبك فلو أحسنت الأدب في الطلب لقضيت حاجتك معنى وأن لم تقض حساً وحسن الأدب هنا هو أكتفاؤك بعلمه ورضاك بحكمه وأعتمادك على ما أختاره لك دون ما أخترته لنفسك لقلة علمك فقد ضمن لك الأجابة فيما يريد لا فيما تريد وفي الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي تريد ولله در القائل
وكم رمت أمراً خرت لي في أنصرافه ... فلا زلت لي مني أبر وأرحماً
عزمت علي إلا أحس بخاطر ... على القلب إلا كنت أنت المقدماً
وإلا تراني عند ما قد نهيتني ... لأنك في نفسي كبيراً معظماً

قال وهب بن منبه رضي الله عنه قرأت في بعض الكتب يا أبن آدم أطعني فيما أمرتك ولا تعلمني بما يصلحك أني عالم بخلقي إنما أكرم من أكرمني وأهين من هان عليه أمري ولست بناظر في حق عبدي حتى ينظر عبدي في حقي وأعظم الآداب وأكملها أمتثال أمره والأستسلام لقهره كما نبه عليه بقوله متى جعلك في الظاهر ممتثلاً لأمره وفي الباطن مستسلماً لقهره فقد أعظم المنة عليك قلت إنما كان من أعظم المنة لأنه شاهد المعرفة التي هي منتهي الهمم وأقصي غاية النعم فأمتثال الأمر في الظاهر يدل على كمال الشريعة وتحقيق العبودية والأستسلام للقهر في الباطن يدل على كمال الطريقة ونهاية الحقيقة والجمع بينهما هو غاية الكمال إذ منتهي الكمالات الشرائع فمتي جعلك أيها الأنسان في الظاهر ممتثلاً لأمره ومجتنباً لنهيه وفي الباطن مستسلماً لقهره فقد أعظم المنة عليك حيث أراح ظاهرك من عنت المخالفة وأراح باطنك من تعب المنازعة أو تقول حيث زين ظاهرك بالطاعة وزين باطنك بالمعرفة فالواجب عليك أن تشكر هذه النعمة وتعرف قدرها حتى تعظم محبة الله في قلبك وذلك أقصى مرادك وقصدك والله ذو الفضل العظيم ومتى أثبت لك هذا الأمر فقد خلصك من نفسك وحررك من رق حظك فلا تبال معها ما فاتك من تخصيص الكرامات الحسية لأنها أمور وهمية كما أشار إلى ذلك ليس كل من ثبت تخصيصه كمل تخليصه قلت المراد هنا بالتخصيص تخصيصه بالكرامات الحسية والمراد بالتخليص تخليصه من رق الحظوظ ومن بقية السوى فليس كل من ثبت تخصيصه بالكرامات الحسية كمل تخليصه من حظوظه النفسية ليس كل من ثبت تخصيصه بالكرامات كمل تخليصه من العوائد والشهوات بل قد يعطي الكرامة الحسية بعض من لم يتخلص من حظوظه النفسية وحكمة ظهورها عليه ثلاثة أمور أحدها أنهاضه في العمل لحصول فترة أو وقعة الثاني أختبار له هل يقف معها فيحجب أو يأنف عنها فيقرب الثالث زيادة في يقينه أو يقين الغير فيه لينتفع به فهي مقصودة بالتكميل على كل حال قال سهل رضي الله عنه لرجل قال له أني أتوضأ فأجد الماء يسقط من يدي قضبان ذهب وفضة فأجابه بقوله أما علمت أن الصبيان إذا بكوا أعطوا خشخاشة يشتغلون بها قال بعض العلماء ما رأيت هذه الكرامات إلا على أيدي اليله من الصادقين اه قلت الكرامة العظمى هي المعرفة والأستقامة ورفع الحجاب وفتح الباب فلا كرامة أعظم من هذا وسيأتي الكلام على هذا المعنى بعد أن شاء الله ويحتمل أن يريد بالتخصيص تخصيص التقريب والهداية فليس كل من ثبت تخصيصه بالهداية وشروق الأنوار كمل تخليصه من رؤية الأغيار فقد يخصص بالمجاهدة والمكابدة ولا يتحف بالمعرفة والمشاهدة قوم أقامهم لخدمته وقوم أختصهم بمحبته كما تقدم فالعباد والزهاد ثبت تخصيصهم فهم من عوام المقربين ولم يكمل تخليصهم من شهود السوى حتى يكونوا من خواص العارفين وبالله التوفيق هذا آخر الباب الحادي عشر وحاصلها تحقيق الأدب في التعرفات الجلالية بدوام معرفته وشهود نعمته في نعمته وجريان لطفه وبره في حال قضائه وقدره حتى لا يغلبك الهوى فتلتبس عليك سبل الهدى أو تقف مع ظاهر الأشياء التي هي محل الجلال فتحجب عن البواطن التي هي مستقر الجمال فالذات جلال والصفات جمال فمن وقف مع ظواهر الجلال حجب عن شهود الجمال وحرم من معرفة الرجال وكان محجوباًعن ذي العظمة والجلال فيسيء الأدب ويحرم حصول المطلب فإذا أستدركته العناية وهبت عليه ريح الهداية شغل ظاهره بوظائف العبودية وباطنه بشهود الربوبية فكان في الظاهر ممتثلاً لأمره وفي الباطن مستسلماً لقهره فتمت عليه نعمة مولاه وكمل تخليصه من رق حظوظه وهواه فح يعظم ما عظم مولاه ولا يستحقر شيئاً من أسباب محبته ورضاه كما أبان ذلك في أول الباب الثاني عشر بقوله وقال رضي الله عنه لا يستحقر الورد إلا جهول الوارد يوجد في الدار الآخرة والورد ينطوي بأنطواء هذه الدار وأولى ما يعتني به ما لا يخلف وجوده الورد هو طالبه منك والوارد أنت تطلبه منه وأين ما هو طالبه منك مما هو مطلبك منه قلت الورد في اللغة هو الشرب قال تعالى بئس الورد المورود وفي الأصطلاح ما يرتبه العبد على نفسه أو الشيخ على تلميذه من الأذكار والعبادات والوارد في اللغة هو الطارق والقادم يقال ورد علينا فلان أي قدم وفي الأصطلاح ما يتحفه الحق تعالى قلوب أوليائه من النفحات الألهية فيكسبه قوة

محركة وربما يدهشه أو يغيبه عن حسه ولا يكون إلا بغتة ولا يدوم على صاحبه ثم أن الورد ينقسم على ثلاثة أقسام ورد العباد والزهاد من المجتهدين وورد أهل السلوك من السائرين وورد أهل الوصول من العارفين فأما ورد المجتهدين فهو أستغراق الأوقات في أنواع العبادات وعبادتهم بين ذكر ودعاء وصلاة وصيام وقد ذكر في الأحياء والقوت أوراد النهار وأوراد الليل وعين لكل وقت وردا معلوما وأما ورد السائرين فهو الخروج من الشواغل والشواغب وترك العلائق والعوائق وتطهير القلوب من المساوي والعيوب وتحليتها بالفضائل بعد تخليتها من الرذائل وعبادتهم ذكر واحد وهو ما يعينه له الشيخ لا يزيد عليه مع جمع القلب وحضوره مع الرب وأما ورد الواصلين فهو أسقاط الهوى ومحبة المولى وعبادتهم فكرة أو نظرة مع العكوف في الحضرة فكل من أقامه مولاه في ورد فليلتزمه ولا يتعدى طوره ولا يستحقر غيره إذ العارف لا يستحقر شيئاً بل يصير مع كل واحد في مقامه ويقرر كل شيء في محله فلا يستحقر الورد ويطلب الوارد إلا جهول أو معاند وكيف يستحقر الورد وبه يكون الورود على الملك المعبود الورد يوجد ثوابه وثمرته في الدار الآخرة والوارد الذي تطلبه ينطوي بأنطواء هذه الدار قال تعالى وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعلمون وجاء في الأثر أن الله يقول أدخلوا الجنة برحمتي وتقاسموها بأعمالكم وأيضاً المراد من الواردات ثمراتها ونتائجها وهو ما يعقبها من اليقين والطمأنينة والرضى والتسليم وغير ذلك من المحاسن فإذا أعطتك نتائجها وجنيت ثمراتها فلك في الله غني عنها فلا يستحقر الورد ويطلب الوارد إلا من كان عبد الوارد وأما من كان عبد الله فلا يلتفت إلى ما سواه بل يلزم ما هو مكلف به من وظائف العبودية قياماً بحق عظمة الربوبية فهو الذي يدوم وبه يتوصل إلى رضى الحي القيوم وأولى ما يعتني به الأنسان ما ينقطع وجوده بأنقطاع موته وهو ورده فيغتنم وجوده ما دام في هذه الدار فليس في تلك الدار عمل وإنما هي دار جزاء وحصول أمل فالدنيا دار عمل لا جزاء فيها والآخرة دار جزاء لا عمل فيه فلغتنم الأنسان عمره قبل الفوات فما من زمن يخلو عنه إلا وهو فائت منه وقد جاء في الحديث لا تأتي على العبد ساعة لا يذكر الله فيها إلا كانت عليه حسرة يوم القيامة اه والذكر متنوع كل بحسب حاله وقال الحسن رضي الله عنه أدركت أقواماً كانوا على ساعاتهم أشفق منكم على دنانيركم ودراهمكم وفي معنى ذلك قيل وربما يدهشه أو يغيبه عن حسه ولا يكون إلا بغتة ولا يدوم على صاحبه ثم أن الورد ينقسم على ثلاثة أقسام ورد العباد والزهاد من المجتهدين وورد أهل السلوك من السائرين وورد أهل الوصول من العارفين فأما ورد المجتهدين فهو أستغراق الأوقات في أنواع العبادات وعبادتهم بين ذكر ودعاء وصلاة وصيام وقد ذكر في الأحياء والقوت أوراد النهار وأوراد الليل وعين لكل وقت وردا معلوما وأما ورد السائرين فهو الخروج من الشواغل والشواغب وترك العلائق والعوائق وتطهير القلوب من المساوي والعيوب وتحليتها بالفضائل بعد تخليتها من الرذائل وعبادتهم ذكر واحد وهو ما يعينه له الشيخ لا يزيد عليه مع جمع القلب وحضوره مع الرب وأما ورد الواصلين فهو أسقاط الهوى ومحبة المولى وعبادتهم فكرة أو نظرة مع العكوف في الحضرة فكل من أقامه مولاه في ورد فليلتزمه ولا يتعدى طوره ولا يستحقر غيره إذ العارف لا يستحقر شيئاً بل يصير مع كل واحد في مقامه ويقرر كل شيء في محله فلا يستحقر الورد ويطلب الوارد إلا جهول أو معاند وكيف يستحقر الورد وبه يكون الورود على الملك المعبود الورد يوجد ثوابه وثمرته في الدار الآخرة والوارد الذي تطلبه ينطوي بأنطواء هذه الدار قال تعالى وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعلمون وجاء في الأثر أن الله يقول أدخلوا الجنة برحمتي وتقاسموها بأعمالكم وأيضاً المراد من الواردات ثمراتها ونتائجها وهو ما يعقبها من اليقين والطمأنينة والرضى والتسليم وغير ذلك من المحاسن فإذا أعطتك نتائجها وجنيت ثمراتها فلك في الله غني عنها فلا يستحقر الورد ويطلب الوارد إلا من كان عبد الوارد وأما من كان عبد الله فلا يلتفت إلى ما سواه بل يلزم ما هو مكلف به من وظائف العبودية قياماً بحق عظمة الربوبية فهو الذي يدوم وبه يتوصل إلى رضى الحي القيوم وأولى ما يعتني به الأنسان ما ينقطع وجوده بأنقطاع موته وهو ورده فيغتنم وجوده ما دام في هذه الدار فليس في تلك الدار عمل وإنما هي دار جزاء وحصول أمل فالدنيا دار عمل لا جزاء فيها والآخرة دار جزاء لا عمل فيه فلغتنم الأنسان عمره قبل الفوات فما من زمن يخلو عنه إلا وهو فائت منه وقد جاء في الحديث لا تأتي على العبد ساعة لا يذكر الله فيها إلا كانت عليه حسرة يوم القيامة اه والذكر متنوع كل بحسب حاله وقال الحسن رضي الله عنه أدركت أقواماً كانوا على ساعاتهم أشفق منكم على دنانيركم ودراهمكم وفي معنى ذلك قيل

السباق السباق قولاً وفعلاً ... حذر النفس حسرة المسبوق
وفي بعض الأحاديث عنه عليه السلام من أستوى يوماه فهو مغبون ومن كان يومه شراً من أمسه فهو محروم ومن لم يكن في الزيادة فهو في النقصان ومن كان في النقصان فالموت خير له وأولى ما يعتني به العبد أيضاً ما هو طالبه منه الحق تعالى وهو الورد دون ما يطلبه هو منه وهو المراد فالورد من وظائف العبودية وهو الذي طلبه منا الحق تعالى والوارد من وظائف الحرية ولذلك تطلبه النفس وتتعشق إليه وأين ما هو طالبه منا مما هو مطلبنا منه بينهما فرق كبير قال الشيخ زروق رضي الله عنه بينهما في القدر ما بينهما في الوصف قضاء الله أحق وشرط الله أوثق وإنما الولاء لمن أعتق اه فتحصل أن الأعتناء بالورد أفضل وأكمل من الأعتناء بالوارد لأن الورد من وظائف العبودية وهي لا تنقطع ما دام العبد في هذه الدار كما أن حقوق الربوبية لا تنقطع كذلك حقوق العبودية لا تنقطع قال النقشبندي رحمه الله ولهذا لم يترك العبادة سيد هذا المقام صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه فقيل له كيف تفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال أفلا أكون عبداً شكوراً فأفاد صلى الله عليه وسلم أن شكر النعمة تمام الخدمة وهو موجب المزيد قال تعالى لئن شكرتم لأزيدنكم وهذا سبيل طائفة الجنيد رضي الله عنه لم يترك أوراده في حال نزاعه فقيل له في ذلك فقال ومن أولى مني بذلك وهذه صحائفي تطوي فلم يترك الخدمة رضي الله عنه في مثل هذه الحالة فكيف بسواها قيل له أن جماعة يزعمون أنهم يصلون إلى حالة يسقط عنهم التكليف قال وصلوا ولكن إلى سقر وقال في كلام آخر هذا كلام من يقول بالأباحة والسرقة والزنى عندنا أهون حالاً ممن يقول بهذه المقالة ولقد صدق رضي الله عنه في قوله هذا فإن الزاني والسارق عاص بزناه وسرقته ولا يصل إلى حد الكفر وأما القائل بسقوط الفرائض المعتقد لذلك فقد أنسل من الدين كأنسلال الشعرة من العجين فعض على هذا الأصل بالنواجذ يا أخي ولا تسمع كلام من أخذ الحقائق من الكتب وصار يتكلم بالزندقة والألحاد وأسقاط الأعمال على حسب فهمه وهواه قال صلى الله عليه وسلم لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تابعاً لما جئت به وقال تعالى قل أن كنتم تحبون الله فأتبعوني يحببكم الله فعليك بمتابعته صلى الله عليه وسلم ومتابعة السلف الصالح في الأقوال والأفعال والأحوال تحز مقامهم وتكن معهم فالمرء مع من أحب اه كلام النقشبندي وهو حسن لأن من أخذ الحقائق من الكتب لاذوق عنده وإنما يترامى على الحقيقة بالعلم فيتبع الرخص ويسقط في مهاوي الهوى وأما من كان من أهل الأذواق فسره مكتوم وأمره محزوم عبادته أدب وشكر وهو أحق بدوام الشكر وكيف ينكر الواسطة ولولا الواسطة لذهب الموسوط قال أبو الحسن الدراج رضي الله عنه ذكر الجنيد أهل المعرفة بالله وما يراعونه من الأوراد والعبادات بعدما أتحفهم الله به من الكرامات فقال الجنيد رضي الله عنه العبادة على العارفين أحسن من التيجان على رؤوس الملوك اه وقد رأى رجل الجنيد رضي الله عنه وفي يده سبحة فقال له أنت مع شرفك تأخذ في يدك سبحة فقال نعم سبب وصلنا إلى ما وصلنا فلا نتركه أبداً اه فالشريعة باب والحقيقة بيت الحضرة قال تعالى " وأتوا البيوت من أبوابها " ثم قال " فلا دخول للحقيقة إلا من باب الشريعة ولله در سيدي عبد الله الهبطي الزجلي رضي الله عنه حيث يقول في منظومته
وثالث الفصول في الشريعه ... لأنها إلى الهدى ذريعه
فكل باب دونها مسدود ... ومن أتى من غيرها مردود
قد أصطفاها ربنا عز وجل ... بفضله وجوده على الملل
طريقة العدنان للرحمن ... محفوفة بالنور والرضوان
طوبى لمن أتى بها للعرض ... والويل للذي بها لم يقض
يا أيها المريد أن أردت ... وصال من بحبه شغفت
فشد منك الكف يا ولي ... على شريعة النبي الأمي
حصل جميع ماله الشرع أرتضى ... وكن لكل ما سواه رافضاً
ترى الفؤاد صافياً وشارقاً ... وعن سوي المولي إلى المولي أرتقى
ثم قال

فبالشريعة الوصال للمنا ... كالفوز بالبقاء من بعد الفنا
ومن يظن الخير في سواها ... فإنه والله ما دراها
قلت وقد رأيت كثيراً من الفقراء قصروا من الشريعة فخرجوا من الطريقة وسلبوا نوراً الحقيقة ورأيت آخرين طال أمدهم في صحبة القوم ولم يظهر عليهم بهجة المحبين ولا سيما العارفين وما ذلك إلا لعدم التحفظ على مراسم الشريعة وكان شيخنا اليزيدي رضي الله عنه يقول كل من ترك الشريعة من غير جذب ولا عذر سلكوط كبير اه قلت والله ما رأينا الخير إلا فيها وما ربحنا إلا منها فالله يرزقنا الأدب معها إلى يوم الفصل والقضاء آمين ثم ذكر ثمرة الورد ونتيجته وهو المدد الألهي إذ بقدر الأستعداد تحصل الأمداد ولا أستعداد لها إلا بدوام الأوراد وتفرغ الفؤاد فقال ورود الأمداد بحسب الأستعداد قلت المراد بالأمداد أنوار التوجه للسائرين وأنوار المواجهة للواصلين فهي تتوالى على قلوب العباد بحسب التأهب والأستعداد فبقدر المجاهدة تكون المشاهدة وبقدر التخلية تكون التحلية وفائدة هذه الأمداد تطهير القلوب من الأغيار وتقديس الأسرار من غبش الحس والأكدار والوقوف مع الأنوار فلا تزال أمطار المدد تنزل على أرض النفوس الطيبة والقلوب المطهرة والأرواح المنورة والأسرار المقدسة حتى تمتلأ بأنوار المعاني فح تنشق لها أسرار الذات وتتعلق لها أنوار الصفات فتغيب بشهود الذات عن أثر الصفات ثم ترد إلى شهود الصفات بالذت والذات بالصفات لا يحجبها جمعها عن فرقها ولا فرقها عن جمعها تعطي كل ذي حق حقه وتوفي كل ذي قسط قسطه قال شيخ شيخنا مولاي العربي رضي الله عنه في بعض رسائله فإن قلتم أي وقت نكون كالجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب قلنا إذا زهدتم في الدنيا بالكلية وقطعتم الأياس من الرجوع إليها بالكلية ثم أعتقدتم في شيوخكم أنهم كمل وأنهم على قدم الأنبياء عليهم السلام من ورثة النبي صلى الله عليه وسلم فو الله العظيم لينزل عليكم المدد الليل والنهار والشهر والعام وفي كل وقت وساعة ولحظة حتي تمتلئ قلوبكم بمعرفة الله وتطمئن قلوبكم بذكر الله وتكونوا كالجبال الراسية هذا معنى كلامه بإختصار رضي الله عنه وهو كما قال لأن الزاهد في الدنيا تفرغ قلبه وتجلى من الأكدار وتهيأ للأنوار فإذا نزل المدد وجد القلب متسعاً مطهراً منظفاً فملأه من أنواره وحلاه بحلية أسراره بخلاف ما إذا كان القلب معموراً بأغيار الدنيا لم يجد المدد موضعاً ينزل فيه فيرجع من حيث جاء وأعتقاد كمال الشيوخ هو عين الصدق وبقدر الصدق ينبغ المدد ولا يمكن أن ينقطع الوهم أو يذهب الحس إلا بالصدق مع الزهد فبالزهد يتهيأ للمدد وبالصدق يفيض عليه المدد فكلما فاض ماء المدد غسل أوساخ الوهم فإذا لم يبق للوهم أثر حصل الغرق في البحر والله تعالى أعلم ثم فسر الأمداد وكيفية الأستعداد فقال شروق الأنوار على حسب صفاء الأسرار قلت شروق أنوار المعارف في أفق سماء القلوب يكون على قدر صحوها من سحب الآثار وغيم الأغيار وغين الأنوار كما قال الشاعر
أن تلاشي الكون عن عين قلبي ... شاهد السر غيبه في بيان
فأطرح الكون عن عيانك وأمح ... نقطة الغبن أن أردت تراني
فبقدر صفائها ومحوها يكون تمام أشراق نورها فإذا انجلى عن سماء القلوب سحب الآثار وغيم الأغيار أشرق فيها نور الفنا فيغيب القلب والروح عن الرسوم ولم يبق إلا الحي القيوم وإذا أنجلت عن الأسرار غين الأنوار أشرق فيها نور البقاء فيفنى من لم يكن ويبقى من لم يزل ولصاحب العينية رضي الله عنه
فنيت بها عيني فما لي أنية ... هوية ليلى للأنية قاطع
وكنت كما أن لم أكن وهو أنه ... كما لم يزل فرداً وللكل جامع
فشمسي في أفق الألوهة مشرق ... وبدري في شرق الربوبية طالع
فأفنيتها حتى فنت وهي لم تكن ... ولكنني بالوهم كنت أطالع

فعلامة شروق هذه الأنوار ترك التدبير والأختيار والأكتفاء بنظر الوااحد القهار كما أشار إليه بقوله الغافل إذا أصبح نظر في ماذا يفعل والعاقل ينظر ماذا يفعل الله به قلت الغافل هو الجاهل بالله ولو كثر ذكره باللسان والعاقل هو العارف بالله ولو قل له ذكر اللسان إذ المعتبر هو ذكر الجنان فالغافل نفسه موجودة وآماله ممدودة إذا أصبح نظر ماذا يفعل بنفسه فيدبر شؤنه ومأربه بعقله وحدسه فهو ناظر لفعله معتمد على حوله وقوته فإذا أفسخ القضاء ما أبرمه وهدم له ما أمله غضب وسخط وحزن وقنط فنازع ربه وأساء أدبه فلا جرم أنه يستحق من الله البعد ويستوجب في قلبه الوحشة والطرد إلا أن حصل له إياب وأذام الوقوف بالباب حتى يرفع عنه الحجاب فحينئذ يلتحق بالأحباب وأما العاقل وهو العارف فقد تحققت في قلبه عظمة ربه وأنجمع إليه بكلية قلبه فأشرقت في قلبه شموس العرفان وطوى من نظره وجود الأكوان فليس له عن نفسه أخبار ولا مع غير الله قرار تصرفه بالله ومن الله وإلى الله فقد فني عن نفسه وبقي بربه فلم ير لها تركاً ولا فعلاً ولا قوة ولا حولاً فإذا أصبح نظر ماذا يفعل الله به فيتلقى كل ما يرد عليه بالفرح والسرور والبهجة والحبور لما هجم عليه من حق اليقين والغنى برب العالمين قال سيدنا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أصبحت وما لي سرور إلا مواقع القدر وقال أبو عثمان رضي الله عنه منذ أربعين سنة ما أقامني الله في حال فكرهته ولا نقلني إلى غيره فسخطته اه فإذا أراد الفقير أن يكون تصرفه بالله فلينعزل عن حظوظه وهواه فإذا أراد أن يفعل أمراً فليتأن ويصبر ويستمع إلى الهاتف فإن الله سبحانه يسمعه ما يريد أن يتوجه إليه فعلاً أو تركاً وقد جربنا هذا في سفرنا وأقامتنا فكنا لا نتصرف إلا بإذن خاص والحمد لله وصاحب الأعتناء كله هكذا مع التأني فإن التأني من الله والعجلة من الشيطان وكثيراً ما كان الشيخ المجذوب الولي العارف سيدي أحمد أبو سلهام ينشدني هذا البيت
تأن ولا تعجل لأمر تريده ... وكن راحماً بالخلق تبلى براحم
فعليك أيها المريد بالأعتناء بهذا الأمر وافهم عن الله في أمورك كلها وأنشد على نفسك
أتبع رياح القضا ودر حيث دارت ... وسلم لسلمى وسر حيث سارت

وأستعن على هذا الأمر بأدعيته عليه السلام في هذا المقام كقوله اللهم أني أصبحت لا أملك لنفسي ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً ولا أستطيع أن آخذ إلا ما أعطيتني ولا أن أتقي إلا ما وقيتني فوفقني اللهم لما ترضاه مني من القول والفعل وفي عافية وسترانك على كل شيء قير وكقوله أيضاً عليه السلام اللهم إني أصبحت لا أستطيع دفع ما أكره ولا أملك نفع ما أرجو وأصبح الأمر بيد غيري وأصبحت مرتهنا بعملي فلا فقير أفقر مني اللهم لا تشمت بي عدوي ولا تسيء بي صديقي ولا تجعل مصيبتي في ديني ولا تجعل الدنيا أكبر همي ولا مبلغ علمي ولا تسلط على من لا يرحمني إلى غير ذلك من الأدعية التي تكسب الرضى والتسليم والمقصود من دعائه عليه السلام فهم معانيها لا مجرد ألفاظها فالمراد المعاني لا الأواني والله تعالى أعلم ويجمع هذه المعاني وصية شيخ طريقتنا القطب ابن مشيش للرجل الذي قال له وظف على وظائف وأوراد فغضب وقال له أرسول أنا فأوجب الواجبات الفرائض معلومة والمعاصي مشهورة فكن للفرائض حافظاً وللمعاصي رافضاً وأحفظ قلبك من أرادة الدنيا وحب النساء ومن الجاه وأيثار الشهوات وأقنع في ذلك كله بما قسم الله لك إذا خرج لك مخرج الرضى وهو جماله تعالى فكن لله فيه شاكراً وإذا خرج لك مخرج السخط وهو جلاله فكن عليه صابراً وحب الله قطب تدور عليه الخيرات واصل جامع لجميع الكرامات وحصن ذلك كله أربعة صدق الورع وحسن النية وأخلاص العمل ومحبة العلم ولا يتم ذلك إلا بصحبة أخ صالح أو شيخ ناصح اه وقال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه أحرص أن تصبح وتمسي مفوضاً مستسلماً لعله ينظر إليك فيرحمك اه وقال بعضهم من أهتدى إلى الحق لم يهتد إلى نفسه ومن أهتدى إلى نفسه لم يهتد إلى الله أي من رأى الحق غاب عن نفسه ومن رأى نفسه حجب عن الله ثم أن العاقل الذي ينظر ما يفعل الله هو العارف كما تقدم لأنه هو الذي يتحقق فيه ذلك ومن علامته أنه لا يستوحش من شيء لمعرفته في كل شيء وفهمه عن الله في كل شيء بخلاف غيره من العباد والزهاد وهو الذي أشار إليه بقوله إنما أستوحش العباد والزهاد من كل شيء لغيبتهم عن الله في كل شيء فلو شهدوه في كل شيء ما أستوحشوا من شيء قلت العباد هم الذين غلب عليهم الفعل فهم مستغرقون في العبادة الحسية يقومون الليل ويصومون النهار شغلهم حلاوة العبادة عن حلاوة شهود المعبود فحجبوا بعبادتهم عن معبودهم والزهاد هم الذين غلب عليهم الترك فهم يفرون من الدنيا وأهلها ذاقوا حلاوة الزهد فوقفوا معه وحجبوا عن الله فهم يستوحشون من الأشياء لغيبتهم عن الله فيها ولو عرفوا الله في كل شيء ما أستوحشوا من شيء ولأنسوا بكل شيء وتأدبوا مع كل شيء والعارفون لنفوذ بصيرتهم شهدوا الخلق مظاهر من مظاهر الحق فحجبوا أولاً بالحق عن الخلق وبالمعنى عن الحس وبالقدرة عن الحكمة ثم ردوا إلى شهود الحق في الخلق والقدرة في الحكمة فحين عرفوه في كل شيء أنسوا بكل شيء وتأدبوا مع كل شيء وعظموا كل شيء وفي هذا المقام قال المجذوب رضي الله عنه
الخلق نوار وأنا رعيت فيهم ... هم الحجب الأكبر والمدخل فيهم
وقال سيدي علي رضي الله عنه على قول الشيخ أبي الحسن الشاذلي في شأن الخلق أراهم كالهباء في الهواء أن فتشتهم لم تجدهم شيئاً قال بل أن فتشتهم وجدتهم شيئاً وذلك الشيء ليس كمثله شيء يعني وجدتهم مظاهر من مظاهر الحق أنواراً من أنوار الملكوت فائضة من بحر الجبروت كما قال صاحب العينية رضي الله عنه
تجليت في الأشياء حين خلقتها ... فها هي ميطت عنك فيها البراقع
قطعت الورى من ذات نفسك قطعة ... ولم يك موصول ولا فصل قاطع
وقال شيخ شيوخنا المجذوب رضي الله عنه
طلع النهار على قلبي حتى نظرت بعينيا ... أنت دليلي يا ربي أنت أولى مني بيا

والحاصل أن العارفين بالله غابوا عن شهود الخلق بشهود الحق فهم مع الخلق بالأشباح ومع الحق بالأرواح ماتوا وبعثوا وقامت قيامتهم وتبدلت في حقهم الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار فهم يرون الأنوار والناس في ظلمة الأغيار كشف لهم في هذه الدار عن أسرار مكنوناته مسدولة عليها قهارية أستاره وسيكشف لهم في تلك الدار عن أسرار ذاته من غير حجاب الحكمة التي هي أثر صفاته كما أشار إلى ذلك بقوله أمرك في هذه الدار بالنظر في مكوناته وسيكشف لك في تلك الدار عن كمال ذاته قلت إنما أمرك في هذه الدار أن تنظر إليه بواسطة مكوناته لأنك لا تقدر هنا أن تنظر إلى حقيقة ذاته المقدسة في عظمة الجبروت الأصلي بلا واسطة لضعف نشأتك وأن كان ذلك جائزاً عقلاً ولذلك طلبه سيدنا موسى عليه السلام لكن حكمة الحكيم أقتضت تغطية أسرار الربوبية بأنوار سبحات الألوهية إذ لا بد للحسناء من تقارب وللشمس من سحاب ولو ظهر من غير رداء الكبرياء لوقع الأدراك ولم يبق حينئذ ترقي فالترقي في أسرار الذات إنما هو بالنظر إلى أنوار الصفات وهو لا ينقطع أبداً في الدراين فلا تنال الذات من غير مظهر أصلاً فالمعنى لا تقبض إلا بالحس هذا مذهب أهل التحقيق من أهل المعاني فإن قلت كيف فرق الشيخ بين الرؤيتين بأعتبار الدارين والتحقيق أنها رؤية واحدة لأن المظهر متحد فالجواب أنه لما كان مظهر هذه الدار الحس فيه غالب على المعني والحكمة ظاهرة والقدرة باطنة ومظهر الدار الآخرة بالعكس المعنى فيه غالب على الحس والقدرة ظاهرة أنكشف ثم عن حقيقة الذات أكثر مما أنكشف هنا فبهذا المعنى وقع التفريق بين الرؤيتين ومثله قول الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه في حزبه الكبير عز الدنيا بالأيمان والمعرفة وعز الآخرة باللقاء والمشاهدة اه هذا بإعتبار الخواص وأما العوام فلا يرون إلا الحس في هذه الدار وفي تلك الدار وأما الرؤية التي تحصل لهم يوم المزيد فيحتمل أن يظهر لهم نوراً من أنوار قدسه ويلهمهم المعرفة فيه وهو ظاهر الحديث أو يفنيهم عن حسهم في ذلك لوقت حتى يشدوا معاني الذات ويتلذذوا برؤيتها ثم يردهم إلى حسهم والحاصل أن تجلي الذات على قسمين قسم يكون بوسائط كثيفة ظاهرها ظلمة وباطنها نور ظاهرها حكمة وباطنها قدرة ظاهرها حس وباطنها معنى وهو تجلي هذه الدار وقسم يكون بوسائط لطيفة نورانية ظاهرها نور وباطنها نور ظاهرها قدرة وباطنها حكمة ظاهرها معنى وباطنها حس وهو تجلي دار الآخرة فالعارفون لما حصل لهم الشهود والمعرفة في هذه الدار وفي تلك الدار لا يحجبهم عن الله حور ولا قصور بل دائماً في النظرة والسرور والنضرة والحبور وذلك أنهم لما عرفهم به هنا لم يحجبهم هنالك يكوت المرء على ما عاش عليه ويبعث على مامات عليه بخلاف العامة فأنهم لما حجبهم هنا بشهود أنفسهم أنحجبوا هنالك عن رؤية معبودهم إلا في وقت مخصوص على وجه نخصوص ولذلك كتب ابن العربي الحاتمي إلى الأمام الرازي فقال له تعال نعرفك بالله اليوم قبل أن تموت فإذا تجلى الله لعباده أنكرته ولم تعرفه وسئل الشيخ أبو محمد عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه عن رجل يدعي أنه يرى الله ببصره فأستدعاه فسأله عن ذلك فقال نعم فأنتهره ونهاه عن هذا القول ثم قيل له أمحق هوام مبطل فقال هو محق ملبس عليه وذلك أنه شهد ببصيرته نور الجمال ثم خرق من بصيرته إلى بصره فنفذ فرأى بصره بصيرته وبصيرته يتصل شعاعها بنور شهوده فظن أن بصره رأي ما شاهدته بصيرته وإنما رأى بصره بصيرته فحسب اه والحاصل أنه أنعكس بصره في بصيرته فرآه ببصيرته وظن أنه رآه ببصره ومعني ذلك أن الروح ما دامت محجوبة بالبشرية كان النظر إنما هو للبصر الحسي فلا يرى إلا الحس فإذا أستولت الروحانية على البشرية أنعكس نظر البصر إلى البصيرة فلا يرى البصر إلا المعاني التي كانت تراها البصيرة وهو معنى قول شيخ شيوخنا المجذوب
غيبت نظري في نظر ... وأفنيت عن كل فاتي
حققت ما وجدت غير ... وأمسيت في الحال هاني

والله تعالى أعلم وإنما أمرك في هذه الدار أن تنظر إليه في مكوناته تسلية لك عن شهود ذاته والنظر إليه إذ لا صبر للمحب عن محبوبه كما أبان ذلك بقوله لما علم إنك لا تصبر عنه أشهدك ما برز منه قلت لما فصل الحق سبحانه هذه الروح التي هي لطيفة نورانية من أصلها وتغربت عن وطنها تعشقت إلى أصلها وتعطشت إلى محبة سيدها فلما علم الحق سبحانه أنها لا تصبر عنه ولا تقدر أن تراه على ما هو عليه من كمال جلاله ونور بهاء جماله ما دامت في هذا السجن الذي هو قفص البدن أشهدها الحق تعالى ما برز منه من تجلياته في مظاهر مكوناته وآثار صفاته لكن لا بد للحسناء من نقاب وللشمس من سحاب فبرزت أنوار الجبروت إلى رياض الملكوت فغطتها سحائب الحكمة وآثار القدرة فبقيت الروح تتعشق إلى أصلها من وراء سحاب الأثر فإذا أنقشع السحاب ورفع الحجاب لقي كل حبيب حبيبه وعرف كل أنسان مثواه ومستقره فقنعت الروح بشهود المعاني خلف رقة الأواني وإليه أشار الشيخ الغوث أبو مدين رضي الله عنه بقوله
فلولا معانيكم تراها قلوبنا ... إذا نحن أيقاظ وفي النوم أن غبنا
لمتنا أسى من بعدكم وصبابة ... ولكن في المعني معانيكم معنا
أي فلولا معاني ذاتكم تراها قلوبنا في مظاهر صفاتكم لمتنا عشقاً أو فلولا معاني ربوبيتكم تراها قلوبنا في مظاهر مكوناتكم أو فلولا معاني الجبروت تراها قلوبنا في عالم الملكوت لمتنا أسى أي حزناً على فراقكم وشوقاً إلى لقائكم وقوله ولكن في المعنى معانيكم معنا أي ولكن معانيكم التي تشاهدها قلوبنا في المعنى معنى عظيم فأستأنسنا بمشاهدتها وأنست أرواحنا بها فلم تمت عشقاً وشوقاً والله تعالى أعلم ومما تستأنس به الروح عن صدمات المحبة أشتغالها بالخدمة كما أشار إلى ذلك بقوله لما علم منك وجود الملل لون لك الطاعات قلت من كرمه تعالى وحسن أختياره لك أيها العبد أنه لما علم أنك لا تقدر أن تصبر عنه أشهدك ما برز منه ولما علم الحق سبحانه أن من عباده من لا يقدر أن يشهده فيما برز منه أشغله بخدمته ولما علم منه أنه ربما يمل من خدمة واحدة لون له طاعته لأن من شأن النفس أن تمل من تكرر الشيء الواحد وفي ذلك يقول الشاعر
لا يصلح النفس إذ كانت مدبرة ... إلا التنقل من حال إلى حال

فلون لك طاعته فإذا مللت من الصلاة مثلاً أنتقلت إلى ذكره وإذا مللت من ذكره أنتقلت إلى قراءة كتابه وهكذا وأنواع الذكر كثيرة والتنقل من موجبات النشاط فالعبادة مع النشاط ولو قلت أعظم من العبادة مع الكسل وأن كثرت ليس العبرة بكثرة الحس وإنما العبرة بوجود المعنى وقال الشيخ زروق رضي الله عنه فلونت له الطاعة لثلاثة أوجه أحدها رحمة به ليستريح من لون إلى لون الثاني إقامة للمحجة عليه إذ لا عذر له في الترك الثالث ليثبت له النسبة في العمل بوجود التخيير في الجملة فتكمل الكرامة وتسهل الطاعة فقد قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إذا وافق الحق الهوى فذلك الشهد بالزبد ومن سار إلى الله بطبعه كان الوصول أقرب إليه من طبعه ومن سار إلى الله بمخالفة طبعه كان الوصول إليه بقدر بعده عن طبعه ومتى يصح بعده عن طبعه والمقصود إنما هو موافقة الحق لا مخالفة النفس وشواهد السنة لا تخفي فأفهم ومن دواعي الملل وجود الشره وهو الحرص وموجبه هو الأطلاق في العمل فلذلك قيدت الطاعة بأعيان الأوقات كما أبان ذلك بقوله وعلم ما فيك من وجود الشره فحجرها عليك في بعض الأوقات الشره خفة في النفس توجب المسارعة للعمل والأسراع فيه وينتج آفات ثلاثاً أولها الترك عند الدوام لتروي النفس وضيقها الثاني الملل وهو التثاقل أن لم يكن ترك الثالث الأخلال بالحقوق لوجود العجلة والحجر بالوقت فيه فوائد ثلاث أولها منع الشره إذ لو كانت مرسلة لوقعت النفس فيها على وجه الشره الثاني نفي التسويف لولا الوقت لكانت تعده من زمن إلى زمن فيؤدي إلى التفريط الثالث التمكين من العمل والتمكن فيه إذ لولا الوقت لا همل العمل ولم يحافظ عليه لغلبة الهوى ولم يحفظه أستعمالاً للحظوظ اه ثم بين وجه التحجير وهو الأتقان والأقامة فقال ليكون همك أقامة الصلاة لا وجود الصلاة قلت السر في تحجير الصلاة في بعض الأوقات لتشتاق النفس إليها وترتاح بها فيحصل فيها الخشوع والحضور وقرة العين بخلاف ما إذا كانت دائمة فيها فلا تتعشق إليها بل ربما تمل فتوقعها على غير تمام والمقصود منك حركه قلبك لا حركة جسمك أن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أعمالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم ليس الشأن حركة الأشباح إنما الشأن خضوع الأرواح فالسر في تحجر الصلاة عنك في بعض الأوقات أن يكون همك أقامة الصلاة وهو أتقانها والقيام بحقوقها الظاهرة والباطنة لا وجود الصلاة من غير إقامة فهي ميتة خاوية فهي إلى العقوبة أقرب قال الأمام القشيري رضي الله عنه إقامة الصلاة هو القيام بأركانها وسننها ثم الغيبة عن شهودها برؤية من يصلي له فتحفظ عليه أحكام الأمر بما يجري عليه منه وهو عن ملاحظتها محو فنفوسهم منه مستقبلة إلى القبلة وقلوبهم مستقرة في حقائق الوصلة اه وقال المؤلف رضي الله عنه إقامة الصلاة حفظ حدودها مع حفظ السر مع الله عز وجل لا يختلج بسرك سواه اه وكتب عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه إلى عماله أن أهم أموركم عندي الصلاة فمن حفظها وحافظ عليها فهو لما سواها أحفظ ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع اه من الشيخ زروق ثم ذكر وجه كون المطلوب هو الأقامة دون الوجود من حيث هو فقال فما كل مصل مقيم قلت لأن الأقامة في اللغة هو الأكمال والأتقان يقال أقام فلان داره داره إذا أكملها وجعل فيها كل ما يحتاج إليه فأقامة الصلاة أتقانها كما تقدم وضد الأقامة هو الأخلال والتفريط فليس كل مصل مقيماً فكم من مصل ليس له من صلاته إلا التعب وفي بعض الأحاديث من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم تزده من الله إلا بعداً وفي حديث آخر عنه صلى الله عليه وسلم إذا صلى العبد فلم يتم ركوعها ولا سجودها ولا خشوعها لفت كما يلف الثوب الخلق ثم يضرب بها وجهه أو كما قال عليه السلام فالمصلون كثير والمقيمون قليل فأهل الأشباح كثير وأهل القلوب قليل قال أبو بكر بن العربي المعافري رحمه الله ولقد رأيت ممن يحافظ عليها آلافا لا أحصيها فأما من يحافظها بالخشوع والأقبال فما أستوفي منهم خمسة وقال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه كل موضع ذكر فيه المصلون في موضع المدح فإنما جاء لمن أقام الصلاة أما بلفظ الأقامة أو بمعنى يرجع إليها قال الله سبحانه الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة رب إجعلني مقيم الصلاة وأقام الصلاة والمقيمي الصلاة ولما ذكر المصلين بالفغلة قال

فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ولم يقل فويل للمقيمين الصلاة اه وأعلم أن الخشوع في الصلاة على ثلاث مراتب المرتبة الأولى خشوع خوف وأنكسار وأذلال وهو للعباد والزهاد المرتبة الثانية خشوع تعظيم وهيبة وأجلال وهو للمريدين السالكين المرتبة الثالثة خشوع فرح وسرور وأقبال وهو للواصلين من العارفين ويسمى هذا المقام قرة العين كما يأتي أن شاء الله ثم أعلم أن الصلاة التي لا يصحبها خشوع ولا حضور هي باطلة عند الصوفية غير مقبولة عند العلماء وقالوا ليس للعبد من صلاته إلا ما حضر فيها قلبه فقد يكون له ربع صلاته أو نصفها بقدر ما حضر فيها ويعين على الخشوع الزهد في الدنيا وهذا هو الدواء الكبير إذ محال أن تكون عندك بنت إبليس ولا يزورها أبوها فلا يتأتى الخلوص من الخواطر ما دامت في القلب وقليلها هو كثيرها فمن بقيت فيه بقية منها فأنه تأتيه الخواطر على حسبها فمحال أن تكون شجرة الدنيا في قلبك وتسلم من الخواطر ومثال ذلك كشجرة عندك في بستان يجتمع عليها الطيور ويهولونك بأصواتهم فكلما شوشتهم رجعوا فلا ينقطعون عنك أبداً حتى تقطع تلك الشجرة فإذا قطعتها أسترحت من أصواتهم فكذلك الدنيا ما دامت في اليد وهو معمور بها لا يسلم القلب من خواطرها حتي يخرج عنها وحينئذ يستريح من مساويها والله تعالى أعلم و مما يعين أيضاً على الخشوع الأكثار من ذكر الله بالقلب والقالب وأدمان الطهارة لأن الظاهرة له تعلق بالباطن إذا طهر هذا طهر هذا وبالله التوفيق ثم ذكر نتائج الصلاة وثمراتها ومرجعها إلى ست كل واحدة توصل إلى ما بعدها وإن إلى ربك المنتهي فأشار إلى الأولى بقوله الصلاة مطهرة للقلوب قلت إنما كانت الصلاة طهرة للقلوب من المساوي والعيوب لما فيها من الخضوع والأنكسار والذل والأفتقار والتذلل والأضطرار فإذا خضع القلب لهيبة الجلال طهر من سائر العلل لأن طلب العلو والرفعة هو أصل العلل وعنصرها ومن شأن النفس وطبيعتها طلب العلو والأستكبار والتعزز والأفتخار لأنها جاءت من عالم العز فلا ترضى إلا بالعز وإلى هذا أشار شيخ شيوخنا المجذوب بقولهفويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ولم يقل فويل للمقيمين الصلاة اه وأعلم أن الخشوع في الصلاة على ثلاث مراتب المرتبة الأولى خشوع خوف وأنكسار وأذلال وهو للعباد والزهاد المرتبة الثانية خشوع تعظيم وهيبة وأجلال وهو للمريدين السالكين المرتبة الثالثة خشوع فرح وسرور وأقبال وهو للواصلين من العارفين ويسمى هذا المقام قرة العين كما يأتي أن شاء الله ثم أعلم أن الصلاة التي لا يصحبها خشوع ولا حضور هي باطلة عند الصوفية غير مقبولة عند العلماء وقالوا ليس للعبد من صلاته إلا ما حضر فيها قلبه فقد يكون له ربع صلاته أو نصفها بقدر ما حضر فيها ويعين على الخشوع الزهد في الدنيا وهذا هو الدواء الكبير إذ محال أن تكون عندك بنت إبليس ولا يزورها أبوها فلا يتأتى الخلوص من الخواطر ما دامت في القلب وقليلها هو كثيرها فمن بقيت فيه بقية منها فأنه تأتيه الخواطر على حسبها فمحال أن تكون شجرة الدنيا في قلبك وتسلم من الخواطر ومثال ذلك كشجرة عندك في بستان يجتمع عليها الطيور ويهولونك بأصواتهم فكلما شوشتهم رجعوا فلا ينقطعون عنك أبداً حتى تقطع تلك الشجرة فإذا قطعتها أسترحت من أصواتهم فكذلك الدنيا ما دامت في اليد وهو معمور بها لا يسلم القلب من خواطرها حتي يخرج عنها وحينئذ يستريح من مساويها والله تعالى أعلم و مما يعين أيضاً على الخشوع الأكثار من ذكر الله بالقلب والقالب وأدمان الطهارة لأن الظاهرة له تعلق بالباطن إذا طهر هذا طهر هذا وبالله التوفيق ثم ذكر نتائج الصلاة وثمراتها ومرجعها إلى ست كل واحدة توصل إلى ما بعدها وإن إلى ربك المنتهي فأشار إلى الأولى بقوله الصلاة مطهرة للقلوب قلت إنما كانت الصلاة طهرة للقلوب من المساوي والعيوب لما فيها من الخضوع والأنكسار والذل والأفتقار والتذلل والأضطرار فإذا خضع القلب لهيبة الجلال طهر من سائر العلل لأن طلب العلو والرفعة هو أصل العلل وعنصرها ومن شأن النفس وطبيعتها طلب العلو والأستكبار والتعزز والأفتخار لأنها جاءت من عالم العز فلا ترضى إلا بالعز وإلى هذا أشار شيخ شيوخنا المجذوب بقوله
من أين جئتي يا ذي الروح ... الهايما روحانيا

مقامها بساط العز ... أحوالها ربانيا
فلما ركبت في هذا القالب الجسماني ردتها القهرية إلى العبودية وجعلتها لها باباً للوصول إلى حضرة الربوبية فلا يطمع لها في الرجوع إلى أصلها إلا بإنكسارها وذلها ولذلك قال الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه أتيت الأبواب كلها فوجدت عليها أزدحاماً فأتيت باب الذل والأنكسار فوجدته خالياً فدخلت منه وقلت هلموا إلى ربكم هكذا أسمعته من أشياخنا فإذا أنكسرت وذلت رجعت لأصلها ووصلت وإذا تعززت وأستكبرت حجبت وطردت وإذا طردت بعدت وكلما بعدت عن الحضرة الربانية أستحكمت فيها الشهوات الجسمانية والأخلاق الشيطانية فأتصفت حينئذ بكل خلق دني وبعدت من كل خلق سني فإذا أراد الله تعالى أن يرحمها بالقرب من جنابه والوقوف ببابه ألهمها الصلاة وحببها إليها حتى إذا تطهرت من الذنوب ومحيت عنها المساوي والعيوب قربت من حضرة الحبيب ومناجاة القريب فقرعت الباب وطلبت رفع الحجاب وهذا معنى قوله وأستفتاح لباب الغيوب وهي النتيجة الثانية من نتائج الصلاة قلت المراد بالغيوب أسرار الملكوت وأسرار الجبروت وإنما كانت الصلاة أستفتاحاً لباب الغيوب لما أشتملت عليه من تطهير الظاهر والباطن قال محمد بن علي الترمذي الحكيم رضي الله عنه دعا الله الموحدين إلى هذه الصلوات الخمس رحمة منه عليهم وهيأ لهم فيها أنواع الضيافة لينال العبد من كل قول وفعل شيئاً من عطاياه فالأفعال كالأطعمة والأقوال كالأشربة وهي عرش الموحدين هيأها رب العالمين لأهل رحمته في كل يوم خمس مرات حتى لا يبقى عليهم دنس من الأغيار اه فإذا تطهر الظاهر بالطهارة الحسية والباطن بالطهارة المعنوية أستحق الدخول إلى الحضرة القدسية فأول ما يتحف به قربه إلى الباب وسماع خطاب الأحباب من وراء حجاب فيتمتع بمناجاة الأحباب ولذيذ الخطاب وهو معنى قوله الصلاة محل المناجاة وهي النتيجة الثالثة قلت المناجاة هي المساررة والمكالمة مع الأحباب فمناجاة العبد ربه بالتلاوة والأذكار ومناجاة الرب لعبده بالتفهم والفتح ورفع الأستار وفي الحديث الصحيح المصلى يناجي ربه وقال أيضاً عليه السلام يقول الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين قال تعالى حمدني عبدي وإذا قال الرحمن الرحيم قال الله تعالى مجدني عبدي فإذا قال مالك يوم الدين قال الله تعالى فوض إلى عبدي فإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين قال الله تعالى هذه بيني وبين عبدي فإذا قال أهدنا الصراط المستقيم الآية قال الله هذه لعبدي ولعبدي ما سأل الحديث.
فلا يزال المصلي يناجي ربه ويطلب قربه حتى تتمكن المحبة من القلب والأقبال من الرب فتصفو المحبة من كدر الجفا ويتصل المحب مع حبيبه في محل الصفا وهو معنى قوله ومعدن المصافاة وهي النتيجة الرابعة قلت المعدن هو محل الذهب والفضة أستعير هنا لصفاء القلوب والأرواح لتصفيتها من لوث صلصال الأشباح فالمصافاة خلوص المناجاة من تشويش الحس وكدر الهواجس فهي أرق وأصفى من المناجاة كما قال ابن الفارض رضي الله عنه، ولقد خلوت مع الحبيب وبيننا، سر أرق من النسيم إذا سرا، وهذه مصافاة العبد لربه ومصافاة الرب لعبده بالأقبال عليه حتى لا يدعه لغيره وفي الخبران العبد إذا قام إلى الصلاة رفع الله الحجاب بينه وبينه وواجهه بوجهه وقامت الملائكة من لدن منكبيه إلى الهوى يصلون بصلاته اه فإذا تمت التصفية وعظمت المحبة وكثر العطش وظهر الدهش أستحقت الروح رفع الحجاب وفتح الباب فتدخل إلى حضرة الأحباب ويرتفع بينها وبينهم الحجاب فتخرج من ضيق الأشباح إلى فضاء عالم الأرواح أو من ضيق الملك إلى سعة عالم الملكوت وهو معنى قوله فيها تتسع ميادين الأسرار وهي النتيجة الخامسة قلت الميادين جمع ميدان وهو مجال الخيل أستعير هنا لفضاء عالم الملكوت فإذا تنزهت الروح في عالم الملكوت وجالت بفكرتها في سعة أنوارها أشرقت عليها أنوار سنا الجبروت وهو معنى قوله وتشرق فيها شوارق الأنوار وهي النتيجة السادسة قلت أراد بالأسرار أسرار الذات وهو لأهل الفناء وبالأنوار أنوار الصفات وهو لأهل البقاء والله أعلم.

وأراد الشيخ بهذه الصلاة التي تنقله من حال إلى حال ومن مقام إلى مقام صلاة أهل الأعتناء وهم أهل السلوك على يد الشيوخ لا صلاة أهل الغفلة وصلاة أهل المجاهدة من العباد والزهاد فليس لهم هذا السير والله تعالى أعلم قال أبو طالب حدثنا أن المؤمن إذا توضأ للصلاة تباعدت عنه الشياطين في أقطار الأرضين خوفاً منه لأنه تأهب للدخول على الملك فإذا كبر حجب عنه أبليس وضرب بينه وبينه بسرادق لا ينظر إليه وواجهه الجبار بوجهه فإذا قال الله أكبر أطلع الملك في قلبه فإذا ليس في قلبه أكبر من الله فيقول الملك صدقت الله أكبر في قلبك كما تقول فيتشعشع في قلبه نور يلحق ملكوت العرش فينكشف له بذلك ملكوت السموات والأرض ويكتب له حشو ذلك النور حسنات قال وأن الغافل الجاهل إذا قام إلى الوضوء أحتوشته الشياطين كما تحتوش الذباب على نقطة العسل فإذا كبر أطلع الملك في قلبه فإذا كل شيء في قلبه أكبر من الله عنده فيقول الملك كذبت ليس الله في قلبك كما تقول فيثور من قلبه دخان يلحق بعنان السماء فيكون حجاباً لقلبه عن الملكوت قال فيرد ذلك الحجاب صلاته وتلتقم الشياطين قلبه ولا يزال تنفخ فيه وتنفث وتوسوس وتزين له حتى ينصرف من صلاته ولا يعقل ما فعل ثم ذكر حكمة حصرها في عدد معلوم وهو خمسة فقال علم وجود الضعف منك فقلل أعدادها وهي خمس بعدان كانت خمسين فمن لطفه سبحانه بك أيها الأنسان قلل أعدادها مع سعة الزمان فجعل عليك صلاة في أول نهاره شكراً لما أظهره لك من باهر أنوراه وليكون نهوضك إليه في أول قيامك جبراً لما حصل من غفلتك في طول منامك وجعل عليك صلاة في وسط نهاره أخماداً عنك لما أظهره في ذلك الوقت من وقود ناره وجعل عليك صلاة قرب أنصراف النهار ليكون شاهداً لك بوجود طاعتك عند الملك الغفار ولتشهد عليك ملائكة الرحمن بالصلاة عند الملك الديان.

وأوجب عليك صلاة في أول زمان الليل أستفتاحاً لذلك الزمان بوجود طاعتك كما أستفتحت أول نهارك وأستحفاظاً لما يتوقع من عجائب الليل ثم لما أردت أن تنام عن سيدك وتغفل عن ربك وتتمع بفراشك أمرك أن تودعه بحضورك معه وأن يكون آخر عهدك به وجود طاعتك فهذا كله جذب منه لك لحضرته وأستخراج منك لشكر منته عجب ربك من قوم يساقون إلى الجنة بالسلاسل وحين قلل أعدادها لما علم أحتياجك إلى منته كثر أمدادها وإليه أشار بقوله وعلم أحتياجك إلى فضله فكثر أمدادها المراد بالأمداد الجزاء الذي رتب عليها فجعل كل صلاة بعشر فهي خمس وهي خمسون خمس في الحس وخمسون في المعنى أي الثواب وإذا فعلت في الجماعة كانت كل واحدة بخمس وعشرين وكل درجة بعشر فكان عدد صلاة الجماعة مائتين وخمسين في كل صلاة واله ذو الفضل العظيم وتتفاوت الدرجة أيضاً بكثرة الجماعة وكمالها وبقدر الحضور والخشوع والغيبة ورفع الستور فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون وتتفاوت أيضاً بقدر البقع كبيت الله الحرام والمسجد النبوي وبيت المقدس وبقدر رتبة الأمام من صلى خلف مغفور غفر الله له والله تعالى أعلم لكن لا ينبغي لك أيها الفقير أن تلتفت إلى هذا الحظ فإن فضل الله كثير لمن رفع همته إلي العلي الكبير كما أبان ذلك بقوله متى طلبت عوضاً عن عمل طولبت بوجود الصدق فيه ويكفي المريب وجدان السلامة قلت متى صدر منك عمل من أعمال البر وطلبت الحق سبحانه أن يجازيك عليه طلبك الحق تعالى بوجود الصدق فيه وهو سر الأخلاص ولبه الذي هو التبري من الحول والقوة وأنعزال النفس عن رؤية العمل لها بالكلية بعد تحقيق الحضور والسلامة من الوساوس والخواطر والهواجس حتي تكون صلاتك بالله ولله غائباً فيها عما سواه قد ملأ قلبك عظمة الله فغبت في الله بالله فإن تحققت فيك هذه الأمور صح لك أن تطلب ما رتب الحق سبحانه على العمل من أنواع الجزاء والأجور وأن لم تتحقق من نفسك هذه الأمور فأعلم أن عملك مدخول فأستحي من الله أن تطلب الجزاء على عمل مدخول فيكفيك من الجزاء وحصول المطلب السلامة من الهلاك والعطب يكفيك من طلب حسن نواله السلامة من عقابه ونكاله يكفي المريب وهو المتهم وجدان السلامة من العقوبة فيما أتهم فيه فمن كان عند الملك متهماً وهو محبوس للعقوبة على ما أتهم فيه ثم قيل له إن الملك يمنحك ويعطيك كذا وكذا فيقول لهم يكفيني في العطاء وجدان السلامة من عقوبته وأنت أيها الأنسان طولبت بالأعمال والأخلاص فيها وأتقانها وأتمام أقامتها فأتيت بطاعة مشوبة بالخواطر والوساوس وعلى تقدير سلامتها من ذلك فطلبك الجزاء يقتضي رؤية نفسك ووجود الفعل منك وهو شرك تستحق عليه العقوبة فيكفيك من عطائه وجود السلامة من عقابه قال الواسطي رضي الله عنه العبادة إلي طلب العفو عنها أقرب منها إلى طلب الأعواض اه وقال خير النساج رضي الله عنه ميراث أعمالك ما يليق بأفعالك فأطلب ميراث فضله فإنه أتم وأحسن وقال الله تعالى قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ومعني كلامه رضي الله عنه أن جزاء أعمالك ما يليق بأفعالك الناقصة وجزاء الناقص ناقص فأطلب منه ثمرة فضله فإنه كامل من كل وجه فهو أتم وأكمل والله تعالى أعلم وكيف تطلب الجزاء على عمل لست له فاعلاً ولا علمت كون القبول له حاصلاً كما أشار إليه بقوله لا تطلب عوضاً عن عمل لست له فاعلاً يكفي من الجزاء لك على العمل أن كان له قابلاً قلت قد تقرر عند أهل الحق أن العبد مجبور في قالب مختار فليس له فعل ولا أختيار وإنما الفاعل هو الواحد القهار قال تعالى وربك يخلق ما يشاء ويختار وقال تعالى والله خلقكم وما تعملون وقال تعالى وما تشاؤن إلا أن يشاء الله رب العالمين وقال صلى الله عليه وسلم كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس أي النشاط وقال عليه السلام كل ميسر لما خلق له فأما من كان من أهل السعادة فسييسر لعمل أهل السعادة وأما من كان من أهل الشقاوة فسييسر لعمل الشقاوة ثم قرأ فأما من أعطي وأتقى الآية فإذا تقرر هذا فكيف يطلب العبد الأجر على عمل ليس هو فاعله وعلى تقدير نسبته إليه فالجزاء متوقف عى القبول فمن أين تدري هل يكون مقبولاً أم لا وإذا تفضل عليك بالقبول على ما هو عليه من النقص والخلل فهذا يكفيك في جزائك على العمل فلولا جميل ستره لم يكن عمل

أهلاً للقبول فلولا أن الله سبحانه تفضل على عباده بالعفو والحلم ما قبل عملاً قط إذ تصفية الأعمال كاد أن تكون من المحال قال الله تعالى وما قدروا الله حق قدره أي عظموه حق تعظيمه وقال تعالى كلا لما يقض ما أمره أي لم يقض الأنسان ما أمره سيده على الوجه الذي أمر به وأنظر قوله تعالى أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا لم يقل الحق تعالى نتقبل منهم لأه يقتضي أنه كامل بل عداه بعن المفيدة للتجاوز كأنه قال أولئك الذين يتجاوز عنهم في أحسن ما عملوا فنتقبلها منهم ولو لم بتجاوز عنهم فيها ما تقبلت منهم ولكن الكريم لا ينتقد بل يقبل كل ما يعطاه لعظيم كرمه وغناه فالحمد دائماً لله حيث خلق فينا العمل وأعطانا عليه غاية المنى والأمل كما أشار إلى ذلك بقوله إذا أراد أن يظهر فضله عليك خلق فيك ونسب إليك قلت الحق تعالى فاعل بالمشيئة والأختيار لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون أي لا يسئل عما يفعل حقيقة وهم يسئلون شريعة ثم وأن الحق سبحانه وتعالى قسم عباده على ثلاثة أقسام قسم أعدهم للأنتقام فأظهر فيهم إسمه المنتقم وإسمه القهار أجرى عليهم صورة العصيان بحكمته ونسبها إليهم بعدله وقهره ولو شاء ربك ما فعلوه ولو شاء الله ما أشركوا فقامت الحجة عليهم بإعتبار النسبة وإظهار الحكمة وما ربك بظلام للعبيد وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون وقسم أعدهم الله للحلم ليظهر فيه إسمه الحليم وإسمه الرحيم أجري عليهم العصيان وحلاهم بالإيمان فأستحقوا العقوبة على العصيان ثم أن الحق تعالى حلم عليهم وعفا عنهم وأدخلهم الجنان وقسم أعدهم الله للكرم ليظهر فيهم إسمه الكريم وإسمه الرحيم خلق فيهم الطاعة والأحسان وحلاهم بالإسلام والإيمان وربما زادهم التجلي بالأحسان فأدخلهم فسيح الجنان ومتعهم بالنظر إلى وجه الرحمن فإذا أراد الله تعالى أن يلحقك بهؤلاء السادات هيأك لأنواع الطاعات وخلق فيك القوة على فعل الخيرات ثم نسب إليك ذلك الفعل فقال يا عبدي فعلت كذا كذا من الخير فأنا أجازيك عليه أدخل الجنة برحمتي وترق إلى مقامك بعملك فمقامك حيث أنتهى عملك قال تعالى كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظوراً أنظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا وقال تعالى أدخلوا الجنة بما كنتم تعملون ثم ينبغي لك أيها الأنسان أن تتأدب مع الملك الديان فلا تنسب إليه النقص والعصيان وإنما أغوتك نفسك والشيطان قال تعالى فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور أي الشيطان فما كان من الكمال فأنسبه إلى الكبير المتعال وما كان من النقصان فأمسحه في منديل النفس والشيطان قال سهل بن عبد الله رضي الله عنه إذا عمل العبد حسنة وقال يا رب بفضلك أستعملت وأنت أعنت وأنت سهلت شكر الله ذلك له وقال عبدي بل أنت أطعت وأنت تقربت وإذا نظر إلى نفسه وقال أنا عملت وأنا أطعت وأنا تقربت أعرض الله عنه وقال له يا عبدي أنا وفقت وأنا أعنت وأنا سهلت وإذا عمل سيئة وقال يا رب أنت قدرت وأنت قضيت وأنت حكمت غضب المولي جلت قدرته عليه وقال يا عبدي بل أنت أسأت وأنت جهلت وأنت عصيت وإذا قال يا رب أنا ظلمت وأنا أسأت وأنا جهلت أقبل المولي جلت قدرته عليه وقال يا عبدي أنا قضيت وأنا قدرت وقد غفرت وقد حلمت وقد سترت اه ثم أن هذه النسبة التي نسب الله لعبده بما خلق فيه بها يستحق المدح والذم فإذا خلق فيه الطاعة ونسبها إليه أستحق المدح بلسان الشرع وإذا أجرى عليه المعصية وقضاها عليه إستحق الذم بلسان الشرع أيضاً كما أشار إليه بقوله لا نهاية لمذامك أن أرجعك إليك ولا تفرغ مدائحك أن أظهر جوده عليك قلت إذا أراد الله أهانة عبد وأذلاله رده إلى نفسه وهواه فأحيل عليها ووكل إليها فيوليه ما تولي فإذا أستولى عليه الهوى أعماه وأصمه وفي مهاوي الردى أسقطه كما قال الشاعر للقبول فلولا أن الله سبحانه تفضل على عباده بالعفو والحلم ما قبل عملاً قط إذ تصفية الأعمال كاد أن تكون من المحال قال الله تعالى وما قدروا الله حق قدره أي عظموه حق تعظيمه وقال تعالى كلا لما يقض ما أمره أي لم يقض الأنسان ما أمره سيده على الوجه الذي أمر به وأنظر قوله تعالى أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا لم يقل الحق تعالى نتقبل منهم لأه يقتضي أنه كامل بل عداه بعن المفيدة للتجاوز كأنه قال أولئك الذين يتجاوز عنهم في أحسن ما عملوا فنتقبلها منهم ولو لم بتجاوز عنهم فيها ما تقبلت منهم ولكن الكريم لا ينتقد بل يقبل كل ما يعطاه لعظيم كرمه وغناه فالحمد دائماً لله حيث خلق فينا العمل وأعطانا عليه غاية المنى والأمل كما أشار إلى ذلك بقوله إذا أراد أن يظهر فضله عليك خلق فيك ونسب إليك قلت الحق تعالى فاعل بالمشيئة والأختيار لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون أي لا يسئل عما يفعل حقيقة وهم يسئلون شريعة ثم وأن الحق سبحانه وتعالى قسم عباده على ثلاثة أقسام قسم أعدهم للأنتقام فأظهر فيهم إسمه المنتقم وإسمه القهار أجرى عليهم صورة العصيان بحكمته ونسبها إليهم بعدله وقهره ولو شاء ربك ما فعلوه ولو شاء الله ما أشركوا فقامت الحجة عليهم بإعتبار النسبة وإظهار الحكمة وما ربك بظلام للعبيد وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون وقسم أعدهم الله للحلم ليظهر فيه إسمه الحليم وإسمه الرحيم أجري عليهم العصيان وحلاهم بالإيمان فأستحقوا العقوبة على العصيان ثم أن الحق تعالى حلم عليهم وعفا عنهم وأدخلهم الجنان وقسم أعدهم الله للكرم ليظهر فيهم إسمه الكريم وإسمه الرحيم خلق فيهم الطاعة والأحسان وحلاهم بالإسلام والإيمان وربما زادهم التجلي بالأحسان فأدخلهم فسيح الجنان ومتعهم بالنظر إلى وجه الرحمن فإذا أراد الله تعالى أن يلحقك بهؤلاء السادات هيأك لأنواع الطاعات وخلق فيك القوة على فعل الخيرات ثم نسب إليك ذلك الفعل فقال يا عبدي فعلت كذا كذا من الخير فأنا أجازيك عليه أدخل الجنة برحمتي وترق إلى مقامك بعملك فمقامك حيث أنتهى عملك قال تعالى كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظوراً أنظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا وقال تعالى أدخلوا الجنة بما كنتم تعملون ثم ينبغي لك أيها الأنسان أن تتأدب مع الملك الديان فلا تنسب إليه النقص والعصيان وإنما أغوتك نفسك والشيطان قال تعالى فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور أي الشيطان فما كان من الكمال فأنسبه إلى الكبير المتعال وما كان من النقصان فأمسحه في منديل النفس والشيطان قال سهل بن عبد الله رضي الله عنه إذا عمل العبد حسنة وقال يا رب بفضلك أستعملت وأنت أعنت وأنت سهلت شكر الله ذلك له وقال عبدي بل أنت أطعت وأنت تقربت وإذا نظر إلى نفسه وقال أنا عملت وأنا أطعت وأنا تقربت أعرض الله عنه وقال له يا عبدي أنا وفقت وأنا أعنت وأنا سهلت وإذا عمل سيئة وقال يا رب أنت قدرت وأنت قضيت وأنت حكمت غضب المولي جلت قدرته عليه وقال يا عبدي بل أنت أسأت وأنت جهلت وأنت عصيت وإذا قال يا رب أنا ظلمت وأنا أسأت وأنا جهلت أقبل المولي جلت قدرته عليه وقال يا عبدي أنا قضيت وأنا قدرت وقد غفرت وقد حلمت وقد سترت اه ثم أن هذه النسبة التي نسب الله لعبده بما خلق فيه بها يستحق المدح والذم فإذا خلق فيه الطاعة ونسبها إليه أستحق المدح بلسان الشرع وإذا أجرى عليه المعصية وقضاها عليه إستحق الذم بلسان الشرع أيضاً كما أشار إليه بقوله لا نهاية لمذامك أن أرجعك إليك ولا تفرغ مدائحك أن أظهر جوده عليك قلت إذا أراد الله أهانة عبد وأذلاله رده إلى نفسه وهواه فأحيل عليها ووكل إليها فيوليه ما تولي فإذا أستولى عليه الهوى أعماه وأصمه وفي مهاوي الردى أسقطه كما قال الشاعر

ترك يوماً نفسك وهواها ... سعى لها في رداها
فالهوى مختصر من الهوان وموجب له كما قال البرعي رحمه الله
لا تتبع النفس في هواها ... أن أتباع الهوى هوان
وإذا أراد الله أعزاز عبده وعنايته أظهر عليه جوده وكرمه فتولاه وحفظه ولم يتركه مع نفسه وهواه طرفة عين ولا أقل من ذلك فلا نهاية لمذامك أيها الأنسان أن ردك إلى نفسك وحكمها فيك وتركك مع هواك لأن ذلك من علامة الأهمال وسقوطك من عين الكبير المتعال والعياذ بالله من كل خسر ووبال ولا تفرغ مدائحك أن أظهر جوده عليك فتولاك بحفظه ورعاك بعنايته وحجزك عن نفسك وحال بينك وبين تدبيرك وحدسك ومن دعائه عليه السلام أن تكلني إلى نفسي تكلني إلى ضعف وعورة وذنب وخطيئة وأني لا أثق إلا برحمتك والحاصل أنك أن كنت بربك تكمل عزك ولا يتناهي مدحك وأن كنت بنفسك تكامل ذلك ولا يتناهي ذمك كما قال الشاعر
إذ كنا به تهنا دلالا ... على كل الحرائر والعبيد
وإن كنا بنا عدنا إلينا ... فعطل ذلنا ذل اليهود
أو تقول من أهمله الله وتركه مع نفسه وهواه لا نهاية لمذامه وقبائحه فإن للنفس من النقائص ما لله من الكمالات ومن تولاه الله وأظهر جوده عليه ولم يتركه مع نفسه وأزعجه عن حظه وحال بينه وبين هواه فلا نهاية لمدائحه إذ كمالات الله لا نهاية لها وما هنا إلا مظاهره فكما لا نهاية لجلاله كذلك لا نهاية لجماله والله تعالى أعلم هذا آخر الباب الثاني عشر وحاصلها تعظيم الأوراد والتأهب لورود الأمداد وتصفية البواطن من الأكدار لتشرق عليها شموس الأنوار وهي شموس العرفان فيفني العارف عن التدبير والأختيار فكل يوم ينظر ما يفعل الواحد القهار فتأنس حينئذ بكل شيء ويتأدب مع كل شيء ويعظم كل شيء ولا يستوحش من شيء لمعرفته في كل شيء فيستأنس في هذه الدار بالنظر إلى الله في حجاب صفاته وهي مظاهر مكوناته وسيكشف له في تلك الدار عن كمال ذاته من غير حجاب صفاته وذلك أنه لما علم أنه لا يصبره عنه أشهده ما برز منه ولما علم أن من عباده من لا يقدر أن يشهده في مكوناته أشغله بخدمته وعلم أيضاً أنه أن دام على عمل واحد ربما حصل له الملل لون له الطاعة والعمل وعلم ما في عبده من الشره فحجرها عليه في بعض الأوقات ليكون مه أقامة الصلاة لا وجود الصلاة ثم ذكر ثمراتها ونتائجها ونهاك عن طلب العوض عليها لكونك لست عاملاً لها وإنما هو فضل من الله عليك خلق فيك القوة ونسبها إليك فإن ردك إلى نفسك وتركك مع هواك لا تتناهي مذامك وأن أخذك عن نفسك وتولاك بجوده وفضله لا تفرغ مدائحك حيث صرت ولياً من أوليائه وصفياً من أصفيائه جعلنا الله منهم بمنه وكرمه آمين هذا آخر النصف الأول والله المستعان على التمام بجاه نبيه المصطفى بدر التمام صلى الله عليه وعلى آله الكرام وهذا أول النصف الثاني فنقول وبالله نستعين بسم الله الرحمن الرحيم قال المؤلف نفعنا الله به وبعلومه آمين

فإذا أردت أن يظهر جوده عليك وتبسط مواهبه لديك فتحقق بوصفك وتعلق بوصفه كما أبان ذلك بقوله وقال رضي الله عنه كن بأوصاف ربوبيته متعلقاً بأوصاف عبوديتك متحققاً قلت أوصاف الربوبية هي العز والكبرياء والعظمة والغنى والقدرة والعلم وغير ذلك من أوصاف الكمالات التي لا نهاية لها وأوصاف العبودية هي الذل والفقر والعجز والضعف والجهل وغير ذلك مما يناسب العبودية من النقائص وكيفية التعلق بأوصاف الحق هو أن تلتجيء في أمورك إليه وتعتمد في حوائجك عليه وترفض كل ما سواه ولا ترى في الوجود إلا إياه فإذا نظرت إلى عزه وكبريائه وعظمته تعززت به ولم تعزز بغيره وصغر في عينك دونه كل شيء وإذا نظرت إلى وصفه تعالى بالغني تعلقت بغناه وأستغنيت عما سواه ولم تفتقر إلى شيء وأستغنيت به عن كل شيء وإذا نظرت إلى وصفه تعالى بالقدرة والقوة لم تلتجئ في حال عجزك وضعفك إلا إلى قدرته وقوته وأستضعفت كل شيء وإذا نظرت إلى سعة علمه وأحاطته أكتفيت بعلمه وأستغنيت عن طلبه وقلت بلسان الحال علمه يغني عن سؤالي وهكذا في جميع الأوصاف والأسماء فكلها تصلح للتعلق والتخلق والتحقق وكيفية التخلق بأوصافه تعالى أن تكون في باطنك عزيزاً قوياً به عظيماً كبيراً عنده قوياً في دينه وفي معرفته عالماً به وبأحكامه وهكذا وحاصلها أستعمال الحرية في الباطن والعبودية في الظاهر وكيفية التحقق بأسماء الله تعالى أن تكون تلك المعاني فيك راسخة متمكنة متحققاً فيك وجودها فالتخلق مجاهدة والتحقق مشاهدة أي يكون وجودها غريزياً وكيفية التخلق بأوصاف العبودية هو التحقق بالذل في الظاهر حتى يصير الذل عندك حرفة وطبيعة لا تأنف منه بل تستحليه وتغتبط به وكذلك الفقر والضعف والجهل وسائر أوصاف العبودية تتحقق بوجودها في ظاهرك حتى يكون ذلك شرفاً عندك وكان شيخ شيوخنا سيدي علي رضي الله عنه يقول أهل الظاهر يتنافسون في العلو أيهم يكون أعلى من الآخر وأهل الباطن يتنافسون في الحنو أيهم يكون أحنى من الآخر اه بالمعنى وقال الشيخ زروق رضي الله عنه أوصاف البوبية أربعة تقابلها أربعة هي أوصاف العبودية أولها الغنى ويقابله الفقر الثاني العز ويقابله الذل الثالث القدرة ويقابلها العجز الرابع القوة ويقابلها الضعف وكل هذه متلازمة أن وجد واحدها وجد جميعها ووجود المقابل ملزوم بوجود مقابله فمن أستغنى بالله أفتقر إليه ومن أفتقر إلى الله أستغنى به ومن تعزز بالله ذل له ومن ذل له تعزز به ومن شاهد قدرته رأى عجز نفسه ومن رأى عجز نفسه شاهد قدرة مولاه ومن نظر ضعف نفسه رأى قوة مولاه ومن رأى قوته علم ضعف نفسه لكن أن كان البساط النظر لأوصافك فأنت الفقير إلى الله وأن كان البساط النظر إلى أوصافه فأنت الغني بالله وهما يتعاقبان على العارف فتارة يغلب عليه الغنى بالله فتظهر عليه آثار العناية وتارة يظهر عليه آثار الفقر إلى الله فيلتزم الرعاية فحين غلب الغنى بالله على حبيب الله أطعم الفا من صاع وحين غلب عليه الفقر إلى الله شد الحجر على بطنه من الجوع فأفهم اه قلت والتحقيق ما قدمناه من أن التعلق بأوصاف الربوبية يكون في الباطن والتحقق بأوصاف العبودية يكون في الظاهر فالحرية في الباطن على الدوام والعبودية في الظاهر على الدوام فحرية الباطن هي شهود أوصاف الربوبية وهو معنى التعلق بها لكن أن كان مجاهدة فهو تعلق وأن كان طبيعة وغريزة فهو تحقق أو تقول أن كان حالاً فهو تعلق وأن كان مقاماً فهو تحقق وعبودية الظاهر هي شهود أوصاف العبودية قياماً بالحكمة وسترا للقدرة والحاصل أن عظمة الربوبية ظهرت في مظاهر العبودية فمن نظر للعظمة صرفاً تحقق بعظمة الربوبية ومن نظر لظاهر المظهر تحقق بأوصاف العبودية والكامل ينظر لهما معاً فيتحقق بعظمة الربوبية في الباطن ويتحقق بأوصاف العبودية في الظاهر فيعطي كل ذي حق فالجمع في باطنه مشهود والفرق في ظاهره موجود والله تعالى أعلم فإن أظهر أوصاف الربوبية فقد تعدى طوره وجهل قدره فلا بد أن تؤدبه القدرة وإلى ذلك أشار بقوله منعك أن تدعي ما ليس لك مما هو للمخلوقين أفيبيح لك أن تدعي وصفه وهو رب العالمين قلت الحق تعالى غيور فلا يحب لعبده أن يفشي سر خصوصيته ولا يرضى لعبده أن يشاركه في أوصاف ربوبيته فمن غيرته تعالى أن ستر سر الخصوصية بظهور وصف البشرية ولولا ذلك لكان سر الربوبية

مبتذلاً ظاهراً وذلك مناقض لحكمته وكيف وهو يقول أن ربك حكيم عليم ومن غيرته تعالى أن أختص بأوصاف الربوبية ونهانا عن أظهاراها والتحلي بها حالاً أو مقالاً وذلك كأتصاف العبد بالعز والعظمة والكبر وطلب الرياسة والعلو أو أدعاء ذلك بالمقال فإن فعل شيئاً من ذلك أستحق من الله الطرد والنكال ففي الحديث القدسي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله تبارك وتعالى الكبرياء ردائي والعظمة أزاري فمن نازعني واحداً منهما قصمته وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم لا أحد أغير من الله فلذلك حرم الفوحش ما ظهر منها وما بطن وفي البخاوي في قصة سيدنا موسى عليه السلام أنه خطب على الناس خطبة ذرفت منها العيون فقام إليه رجل فقال له هل تعلم أحداً أعلم منك فقال لا فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه فقال له بلى عبدنا خضر هو أعلم منك فكان من شأنهما ما قص الله في كتابه فأنظر كيف أدبه بطلب غيره حتى صار تلميذاً له يأمره وينهاه بقوة وصوله من عظم قدره وجلالة منصبه وما ذلك إلا لأظهار شيء من الحرية فكل من أظهر الحرية رده إلى العبودية بالقهرية وكل من أظهر العبودية حقق له في باطنه الحرية وملكه الكون بالكلية فمن تواضع دون قدره رفعه الله فوق قدره ومن غيرته تعالى أيضاً أن حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن والفواحش كل ما فحش قبحه وعظم جرمه كالزنا والغصب والسرقة والتعدي وأكل أموال اليتامى وغير ذلك من حقوق العباد فإذا كان منعك أن تدعي ما ليس لك مما هو للمخلوقين من العرض الفاني فكيف يبيح لك أن تدعي وصفه من العزة والكبرياء وهو رب العالمين فإذا أدعيت ما ليس لك سلبك ما ملكك وإذا تحققت بوصفك وسلمت له وصفه منحك ما لم يكن عندك وأتاك ما لم يؤت أحداً من العالمين فكلمانزلت بنفسك أرضاً أرضاً سما قلبك سماء سماء وقد تقدم هذا المعنى في الخمول والله تعالى أعلم تنبيه أعلم رحمك الله ووفقك للتسليم لأوليائه أن الحرية إذا تحققت في الباطن لا بد من رشحات تظهر على الظاهر فكل أناء بالذي فيه يرشح وصاحب الكنز لا بد أن يظهر عليه السرور وصاحب الغنى لا يخلو من بهجة وحبور وكما قال الشاعر ظاهراً وذلك مناقض لحكمته وكيف وهو يقول أن ربك حكيم عليم ومن غيرته تعالى أن أختص بأوصاف الربوبية ونهانا عن أظهاراها والتحلي بها حالاً أو مقالاً وذلك كأتصاف العبد بالعز والعظمة والكبر وطلب الرياسة والعلو أو أدعاء ذلك بالمقال فإن فعل شيئاً من ذلك أستحق من الله الطرد والنكال ففي الحديث القدسي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله تبارك وتعالى الكبرياء ردائي والعظمة أزاري فمن نازعني واحداً منهما قصمته وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم لا أحد أغير من الله فلذلك حرم الفوحش ما ظهر منها وما بطن وفي البخاوي في قصة سيدنا موسى عليه السلام أنه خطب على الناس خطبة ذرفت منها العيون فقام إليه رجل فقال له هل تعلم أحداً أعلم منك فقال لا فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه فقال له بلى عبدنا خضر هو أعلم منك فكان من شأنهما ما قص الله في كتابه فأنظر كيف أدبه بطلب غيره حتى صار تلميذاً له يأمره وينهاه بقوة وصوله من عظم قدره وجلالة منصبه وما ذلك إلا لأظهار شيء من الحرية فكل من أظهر الحرية رده إلى العبودية بالقهرية وكل من أظهر العبودية حقق له في باطنه الحرية وملكه الكون بالكلية فمن تواضع دون قدره رفعه الله فوق قدره ومن غيرته تعالى أيضاً أن حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن والفواحش كل ما فحش قبحه وعظم جرمه كالزنا والغصب والسرقة والتعدي وأكل أموال اليتامى وغير ذلك من حقوق العباد فإذا كان منعك أن تدعي ما ليس لك مما هو للمخلوقين من العرض الفاني فكيف يبيح لك أن تدعي وصفه من العزة والكبرياء وهو رب العالمين فإذا أدعيت ما ليس لك سلبك ما ملكك وإذا تحققت بوصفك وسلمت له وصفه منحك ما لم يكن عندك وأتاك ما لم يؤت أحداً من العالمين فكلمانزلت بنفسك أرضاً أرضاً سما قلبك سماء سماء وقد تقدم هذا المعنى في الخمول والله تعالى أعلم تنبيه أعلم رحمك الله ووفقك للتسليم لأوليائه أن الحرية إذا تحققت في الباطن لا بد من رشحات تظهر على الظاهر فكل أناء بالذي فيه يرشح وصاحب الكنز لا بد أن يظهر عليه السرور وصاحب الغنى لا يخلو من بهجة وحبور وكما قال الشاعر

ومهما تكن عند أمرء من خليقة ... وأن خالها تخفي على الناس تعلم
ولذلك تجد أهل الباطن رضي الله عنهم جلهم أقوياء في الظاهر فربما تصدر منهم مقالات تستخرجها القدرة منهم فيظن الجاهل بحالهم أن ذلك دعوى وظهور وليس كذلك وإنما ذلك رشحات من قوة الباطن لا قدرة لهم على أمساكها منها ما يكون تحدثاً بالنعم ومنها ما يكون نصحاً للعباد ليعرفوا حالهم فينتفعون بهم في طريق الأرشاد ومن هذا الأمر رفضهم كثير من أهل الظاهر المتعمقون في العبادة أو المتجمدون على ظاهر الشريعة أو من لم تطل صحبته معهم في الطريقة وأن كان كاملاً ومن ذلك ما وقع للشيخ زروق رضي الله عنه مع أبي المواهب التونسي رضي الله عنه حين ظهرت عليه آثار القوة الباطنية حتى قال فيه الشيخ زروق دعواه أكبر من قدمه وليس كذلك فإن الشيخ أبا المواهب عظيم الشأن راسخ القدم في العرفان أخذ عن أبي عثمان المغربي وكان يقول لبست خرقة التصوف من رسول الله صلى الله عليه وسلم وله شرح حسن على الحكم إلا أنه لم يكمل وله كلام رائق نظماً ونثرا ومن نظمه رضي الله عنه
من فاته منك وصل حظه الندم ... ومن تكن همه تسمو به الهمم
وناظر في سوى معناك حق له ... يقتص من جفنه بالدمع وهو دم
والسمع أن جال فيه من يحدثه ... سوى حديثك أمسى وقره الصمم
في كل جارحة عين أراك بها ... مني وفي كل عضو بالثناء فم
فإن تكلمت لم أنطق بغيركم ... وكل قلبي مشغوف بحبكم
أخذتم الروح مني في ملاطفة ... فلست أعرف غيراً مذ عرفتكم
نسيت كل طريق كنت أعرفها ... إلا طريقاً تؤديني لربعكم
فما المنازل لولا أن تحل بها ... وما الديار وما الأطلال والخيم
لولاك ما شاقني ربع ولا طلل ... ولا سمعت بي إلى نحو الحمى قدم

وأطال الشعراني في ترجمته في الطبقات بما يدل على كمال خصوصيته وتمام ولايته وما حمل الشيخ زروقاً على مقالته تلك إلا القوة التي صدرت من أبي المواهب مع كونه لم تطل صحبته معه مع ما صدر منه في جانب الشيخ ابن عباد رضي الله عنهم والله تعالى أعلم وهذا الأمر الذي ذكرنا من القوة التي في العارفين لا يجهله إلا من يبلغ مقامهم وحسب من لم يبلغ مقامهم التسليم وسر هذه القوة التي ظهرت في العارفين هو من جهة الروح وذلك أن الروح جاءت من عالم العز والقوة فلما ركبت في هذا البدن حجبت وقهرت فأرادت الرجوع إلى أصلها فطلبته بالعز الأصلي والقوة الأصلية فمنعت منه وأتت من كوة الذل والأفتقار وخرقت عوائد نفسها فأنخرقت لها حينئذ الحجب فرجعت إلى أصلها فلما رجعت إلى أصلها أتصفت بالقوة التي كانت لها فأمرت أن تجعل ذلك في باطنها ففعلت لكن ربما رشح شيء من ذلك على الظاهر غلبة ولذلك ذكر الشيخ خرق العوائد بأثر ذكر التحقق بالعبودية فقال كيف تخرق لك العوائد وأنت لم تخرق من نفسك العوائد قلت العوائد كل ما تعودته النفس وألفته وأستمرت معه حتى صعب خروجها عنه سواء كان ظلمانياً أو نوراناً كتتبع الفضائل وكثرة التوافل وهي على قسمين عوائد ظاهرة حسية وعوائد باطنة معنوية فمثال العوائد الحسية كثرة الأكل والشرب والنوم واللباس وخلطة الناس والدخول في الأسباب وكثرة الكلام والمخاصمة والعتاب والأستغراق في العبادة الحسية أو العلوم الرسمية وغير ذلك ومثال العوائد المعنوية حب الجاه والرياسة وطلب الخصوصية وحب الدنيا والمدح وكالحسد والكبر والعجب والرياء والطمع في الخلق وخوف الفقر وهم الرزق والفظاظة والقسوة وغير ذلك مما تقدم فمن خرق من نفسه عوائدها الحسية بالرياضات القهرية خرقت له العوائد الحسية كالطيران في الهواء والمشي على الماء ونفوذ الدعوة وغير ذلك من الكرامات الحسية ومن خرق من نفسه عوائدها المعنوية خرقت له العوائد الباطنة كرفع حجب الغفلة وتطهير القلوب وكشف الحجاب وفتح الباب وتحقيق العرفان والترقي إلى مقام الأحسان وهذا هو المعتبر عند الأكياس وهو المطلوب من سائر الناس وأما خرق العوائد الحسية فقد تكون لمن ليست لهم خصوصية كالسحرة وأرباب الشعوذة نعم من جمع بينهما خرقت له فيهما فكيف تطلب أيها المريد أن تخرق لك عوائد نفسك حتى تدخل حضرة قدسك وأنت لم تخرق عوائد نفسك فما حجب النفس عن الشهود إلا ما تعودته من رؤية هذا الوجود فلو غابت عن رؤية هذا الوجود لتحقق لها أمر الشهود ولا يمكن أن تغيب عنه إلا بخرق عوائد نفسها وقد تقدمت حكاية الرجل الذي كان مع أبي يزيد ثلاثين سنة فلم يذق شيئاً فقال له لو صليت ثلاثمائة سنة لم تذق شيئاً لأنك محجوب بنفسك ثم قال له أذهب الساعة إلى الحجام وأحلق رأسك ولحيتك وأنزع هذا اللباس وأتزر بعباءة وعلق في عنقك مخلاة وأملأها جوزاً وأجمع حولك صبياناً وقل بأعلى صوتك يا صبيان من يصفعني صفعة أعطه جوزة وأدخل السوق وأنت على هذه الحالة حتى ينظر إليك كل من عرفك ثم قال له فلا مطمع لأحد فيما حجب عن العامة من أسرار الغيب حتى تموت نفسه ويخرق عوائد العامة فحينئذ تخرق لك العوائد وتظهر لك الفوائد اه وتقدمت أيضاً في باب الخمول قصة الغزالي والشتتري والمجذوب وغيرهم ممن خرقوا العوائد فخرقت لهم العوائد وظهرت لهم الفوائد وأما من بقي مع عوائد نفسه فلا يطمع أن يتمتع بحضرة قدسه قال الشيخ أبو المواهب رضي الله عنه من أدعى شهود الجمال قبل تأدبه بالجلال فأرفضه فإنه دجال ولا جلال أعظم على النفس من خرق عوائدها كتبديل العز بالذل والغنى بالفقر والجاه وبالخمول وغير ذلك وقال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه اللهم أن القوم قد حكمت عليهم بالذل حتى عزوا وحكمت عليهم بالفقد حتى وجدوا فلا مطمع في نيل العز بالله حتى يتحقق بالذل له ولا في نيل الغنى به حتى يتحقق بالفقد مما سواه وقال أبو حمزة البغدادي رضي الله عنه علامة الصوفي الصادق أن يفتقر بعد الغنى ويذل بعد العز ويخفي بعد الشهرة اه فهذه الأخبار كلها تدل على أن خرق عوائد النفس شرط في تحقق نيل الخصوصية فمن أدعا ما قبل أن يخرقها فهو كذاب كما تقدم عن أبي المواهب وكتب شيخ شيخنا رضي الله عنه إلى بعض الأخوان أما بعد فإن أردتم أن تكون أعمالكم زكية وأحوالكم مرضية فقللوا من العوائد فإنها تمنع

الفوائد اه وسمعته رضي الله عنه يقول من جملة العوائد تتبع الفضائل وكثرة النوافل فإنه يشتت القلب وإنما يلزم المريد ذكراً واحداً وعملاً واحداً كل واحد مما يليق به أو كلام هذا معناه فخرق العوائد أبدالها بضدها كتبديل كثرة الأكل والنوم وبالجوع والسهر وكتبديل كثرة اللباس بالتقلل منه أو ما خشن من الثياب كالمرقعات ونحوها وكتبديل الخلطة بالعزله والأسباب بالزهد والكلام بالصمت وسوء الخلق بحسن الخلق وكتبديل حب الجاه والرياسة بالذل والخمول وسقوط المنزلة عند الناس وحب الدنيا بالزهد فيها والفرار منها وكأتصافه بالتخلية من الرذائل والتحلية بالفضائل فإذا تحقق المريد بهذه الأمور خرقت له العوائد على ما يريد حتى يكون بسم الله عنده موافقة لكن من الله فيكون أمره بأمر الله وما ذلك على الله بعزيز ولا بد في خرق العوائد الباطنية من شيخ كامل جامع بين حقيقة وشريعة يحملك بهمته فإذا رميت يدك في نفسك حملتك الهمة ونصرتك القدرة فقتلتها بالمرة وأما إذا لم يكن لك شيخ فكلما قتلتها رجعت أكبر مما كانت ولا تموت النفس الحية إلا مع الأموات كما قال شيخنا رضي الله عنه هذا الأمر مجرب وبالله التوفيق وخرق العوائد الباطنية التي هي رفع الحجب وشهود المحبوب لا يكون بمجرد الطلب دون السعي دون السعي في السبب مع تحقق الأدب كما نبه عليه بقوله ليس الشأن وجود الطلب إنما الشأن أن ترزق حسن الأدب قلت قد تقدم في أول الكتاب أن الطلب كله مدخول عند المحققين أولى الألباب لما يقتضيه من وجود النفس والوقوف مع الحس إذ العارف المحقق لم تبق له حاجة يطلبها لأنه قد حصل له الغني الأكبر وفاز من مولاه بالحظ الأوفر وهو معرفة مولاه والغيبة عما سواه ماذا فقد من وجدك فليس الشأن وجود صورة الطلب وإنما الشأن أن تستغني به عن كل مطلب وترزق معه حسن الأدب والأكتفاء بعلم الله والوقوف مع مراد الله قال الشيخ زروق رضي الله عنه والأدب على ثلاثة أوجه آداب في الظاهر وذلك بإقامة الحقوق وآداب في الباطن بالأعراض عن كل مخلوق وآداب فيهما وذلك بالأنحياش للحق والدوام بين يديه على بساط الصدق وذلك هو جملة الأمر وتفصيله وتفريعه وتأصيله اه فالطلب عند العارفين ليس هو بلسان المقام وإنما هو بلسان الحال وهو الأضطرار وظهور الذلة والأفتقار كما نبه عليه بقوله ما طلب لك شيء مثل الأضطرار ولا أسرع بالمواهب مثل الذلة والأفتقار قلت إنما كان طلب العارفين بلسان الحال دون المقال لما حققهم به من وجود معرفته حتى شهدوا منته في محنته ونعمته في نقمته فإذا تجلى لهم بالقوة والجلال تلقوه بالضعف والأذلال فحينئذ يتجلى لهم بإسمه الجميل فيمنحهم كل جميل وإذا تجلى لهم بإسمه العزيز أو القهار تلقوه بالذلة والأفتقار فتتوارد عليهم المواهب الغزار فإذا أردت أيها العارف أن تطلب من مولاك شيئاً جلباً أو دفعاً فعليك بالأضطرار والأضطرار هو أن يكون كالغريق في البحر أو الضال في التيه القفر ولا يرى لغياثه إلا مولاه ولا يرجوا لنجاته من هلكته أحداً سواه فما طلب لك من مولاك شيء مثل أضطرارك إليه والوقوف بين يديه متحلياً بحلية العبيد هنالك تنال كل ما تريد كما قال الشاعرلفوائد اه وسمعته رضي الله عنه يقول من جملة العوائد تتبع الفضائل وكثرة النوافل فإنه يشتت القلب وإنما يلزم المريد ذكراً واحداً وعملاً واحداً كل واحد مما يليق به أو كلام هذا معناه فخرق العوائد أبدالها بضدها كتبديل كثرة الأكل والنوم وبالجوع والسهر وكتبديل كثرة اللباس بالتقلل منه أو ما خشن من الثياب كالمرقعات ونحوها وكتبديل الخلطة بالعزله والأسباب بالزهد والكلام بالصمت وسوء الخلق بحسن الخلق وكتبديل حب الجاه والرياسة بالذل والخمول وسقوط المنزلة عند الناس وحب الدنيا بالزهد فيها والفرار منها وكأتصافه بالتخلية من الرذائل والتحلية بالفضائل فإذا تحقق المريد بهذه الأمور خرقت له العوائد على ما يريد حتى يكون بسم الله عنده موافقة لكن من الله فيكون أمره بأمر الله وما ذلك على الله بعزيز ولا بد في خرق العوائد الباطنية من شيخ كامل جامع بين حقيقة وشريعة يحملك بهمته فإذا رميت يدك في نفسك حملتك الهمة ونصرتك القدرة فقتلتها بالمرة وأما إذا لم يكن لك شيخ فكلما قتلتها رجعت أكبر مما كانت ولا تموت النفس الحية إلا مع الأموات كما قال شيخنا رضي الله عنه هذا الأمر مجرب وبالله التوفيق وخرق العوائد الباطنية التي هي رفع الحجب وشهود المحبوب لا يكون بمجرد الطلب دون السعي دون السعي في السبب مع تحقق الأدب كما نبه عليه بقوله ليس الشأن وجود الطلب إنما الشأن أن ترزق حسن الأدب قلت قد تقدم في أول الكتاب أن الطلب كله مدخول عند المحققين أولى الألباب لما يقتضيه من وجود النفس والوقوف مع الحس إذ العارف المحقق لم تبق له حاجة يطلبها لأنه قد حصل له الغني الأكبر وفاز من مولاه بالحظ الأوفر وهو معرفة مولاه والغيبة عما سواه ماذا فقد من وجدك فليس الشأن وجود صورة الطلب وإنما الشأن أن تستغني به عن كل مطلب وترزق معه حسن الأدب والأكتفاء بعلم الله والوقوف مع مراد الله قال الشيخ زروق رضي الله عنه والأدب على ثلاثة أوجه آداب في الظاهر وذلك بإقامة الحقوق وآداب في الباطن بالأعراض عن كل مخلوق وآداب فيهما وذلك بالأنحياش للحق والدوام بين يديه على بساط الصدق وذلك هو جملة الأمر وتفصيله وتفريعه وتأصيله اه فالطلب عند العارفين ليس هو بلسان المقام وإنما هو بلسان الحال وهو الأضطرار وظهور الذلة والأفتقار كما نبه عليه بقوله ما طلب لك شيء مثل الأضطرار ولا أسرع بالمواهب مثل الذلة والأفتقار قلت إنما كان طلب العارفين بلسان الحال دون المقال لما حققهم به من وجود معرفته حتى شهدوا منته في محنته ونعمته في نقمته فإذا تجلى لهم بالقوة والجلال تلقوه بالضعف والأذلال فحينئذ يتجلى لهم بإسمه الجميل فيمنحهم كل جميل وإذا تجلى لهم بإسمه العزيز أو القهار تلقوه بالذلة والأفتقار فتتوارد عليهم المواهب الغزار فإذا أردت أيها العارف أن تطلب من مولاك شيئاً جلباً أو دفعاً فعليك بالأضطرار والأضطرار هو أن يكون كالغريق في البحر أو الضال في التيه القفر ولا يرى لغياثه إلا مولاه ولا يرجوا لنجاته من هلكته أحداً سواه فما طلب لك من مولاك شيء مثل أضطرارك إليه والوقوف بين يديه متحلياً بحلية العبيد هنالك تنال كل ما تريد كما قال الشاعر

أدب العبيد تذلل ... والعبد لا يدع الأدب
فإذا تكامل ذله ... نال المودة وأقترب
وقال آخر
وما رمت الدخول عليه حتى ... حللت محلة العبد الذليل
وأغضيت الجفون على قذاها ... وصنت النفس عن قال وقيل
وإذا أردت ورود المواهب عليك وهي العلوم اللدنية والأسرار الربانية فلا شيء أسرع لك بها مثل الذلة والأفتقار بين يدي الحليم الغفار يكون قلباً وقالباً فينبغي لك حينئذ أن تستعد لكتب المواهب ونيل المرتب قال تعالى إنما الصدقات للفقراء والمساكين وقال تعالى أمن يجيب المضطر إذا دعاه وقال أيضاً ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة وقال صلى الله عليه وسلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا وقال سهل بن عبد عبد الله رضي الله عنه ما أظهر عبد فاقة إلى الله في شيء إلا قال الله تعالى للملائكة لولا أنه لا يحتمل كلامي لأجبته لبيك لبيك اه فإذا طلبت الدخول مع الأحباب فقف ذليلاً حقيراً بالباب حتى يرفع بينك وبينهم الحجاب من دون حيلة منك ولا أسباب وإنما هو فضل من الكريم الوهاب كما أشار إلى ذلك بقوله لو كنت لا تصل إليه إلا بعد فناء مساويك ومحو دعاويك لم تصل إليه أبداً ولكن إذا أراد أن يوصلك إليه ستر وصفك بوصفه وغطي نعتك بنعته فوصلك إليه بما منه إليك لا بما منك إليه قلت الوصول إلى الله هو العلم به وبإحاطته بحيث يفني من لم يكن ويبقي من لم يزل وهذا لا يكون إلا بعد موت النفوس وحط الرؤوس وبذل الأرواح وبيع الأشباح لقوله تعالى أن الله أشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة أي جنة المعارف لأهل الجهاد الأكبر وجنة الزخارف لأهل الجهاد الأصغر ولقوله عليه السلام موتوا قبل أن تموتوا ذكره النقشبندي في شرح الهائية حديثاً وقال في لطائف المنن لا يدخل على الله إلا من بابين أحدهما الموت الأكبر وهو الموت الحسي والثاني الموت الذي تعنيه هذه الطائفة يعني موت النفوس وقال الششتري رضي الله عنه
أن ترد وصلنا فموتك شرط ... لن ينال الوصال من فيه فضله
وقال أيضاً
ليس يدرك وصالي كل من فيه بقيا

وقال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه لا يصل الولي إلى الله تعالى ومعه شهوة من شهواته أو تدبير من تدبيراته وأختيار من أختياراته اه وهذه التصفية ليست هي من فعل العبد وكسبه وإنما هي بسابق عناية ربه فلو كان العبد لا يصل إلى الله تعالى إلا بعد فناء مساويه ومحو دعاويه من حيث هو هو لم يصل أبداً لكن الحق تعالى من كرمه وجوده إذا أراد أن يطوي عنه مسافة البعد أظهر له من أنوار قدسه ونعوت وصفه ما يغيب به العبد عن شهود نفسه فحينئذ تفني المساوي وتمتحق الدعاوي فيحصل الوصول ويبلغ المأمول بما من الله إلى العبد من سابق العناية والوداد لا بما من العبد إلى الله من الكد والأجتهاد وأن شئت قلت فناء المساوي هو التطهير من أوصاف البشرية وهي الأخلاق المذمومة من حيث هي ومحو الدعاوى وهو التبري من الحول والقوة بحيث لا يرى لنفسه فعلاً ولا تركا ولا نقصاً ولا كمالاً وإنما هي غرض لسهام الأقدار تجري عليها أحكام الواحد القهار فتحقيق هذين الأمرين على الكمال مع وجود النفس كاد أن يكون من المحال لكن الحق تعالى لكرمه وجوده إذا رأى منك صدق الطلب وأراد أن يوصلك إليه وصلك إلى ولي من أوليائه وأطلعك على خصوصيته وأصفائه فلزمت الأدب معه فما زال يسير بك حتى قال لك ها أنت وربك فحينئذ يستر الحق تعالى وصفك الذي هو وصف العبودية بوصفه الذي هو وصف الحرية فتتحنس أوصاف البشرية بظهور أوصاف الروحانية ويعطي أيضاً نعتك الذي هو الحدوث بنعته الذي هو القدم أو غطي نعتك الذي هو العدم بنعته الذي هو الوجود وقال الشيخ زروق ستر فقرك بغناه وذلك بعزه وعجزك بقدرته وضعفك بقوته ويصرفك عن شهود ذلك منك وإليك بشهود ما منه إليه اه قلت وهو لازم لما فسر به من وصف العبودية ونعت الحرية فوصلك حينئذ بما منه عليك من الأحسان واللطف والأمتنان لا بما منك إليه من المجاهدة والطاعة والأذعان ومثال النفس كالفحمة كلما غسلتها بالصابون زاد سوادها فإذا أشتعلت فيها النار ونفخ فيها الريح كستها النار ولم يبق للون الفحمة أثر فكذلك أوصاف البشرية إذا كساها نور الروحانية تغطت ظلمة البشرية ولم يبق لها أثر فتنقلب البشرية في صفة روحانية وفي ذلك يقول الششتري في بعض أزجاله
فمتى ما يبين لي ... زالت البشريا
وتحولت غيري ... في صفا روحانيا
والنار التي تحرق البشرية هي مخالفة الهوي وتحمل النفس ما يثقل عليها كالذل والفقر ونحوهما مع دوام ذكر الأسم المفرد فكلما فنى فيه ذابت بشريته وقويت روحانيته حتى تستولي على بشريته فحينئذ يكون الحكم لها فتغيب في نور مذكورها وتغرق في شهود عظمة محبوبها فحينئذ يحصل الوصال ويتحقق الفناء في ذي العظمة والجلال وللششتري أيضاً رضي الله عنه، فألتفت الخطاب، وسمعت مني، كلي عن كلي غاب، وأنا عني مغني، وأرتفع لي الحجاب، وشهدت أني، ما بقي لي أثر، غبت عن أثرى، لم أجد من حضر، في الحقيقة غيري، وبالله التوفيق هذا آخر الباب الثالث عشر وحاصلها أمرك بالتعلق بأوصاف الربوبية والتحقق بإوصاف العبودية وعدم مشاركتك له في وصف الحرية وما تعودت به من ذلك فأخرق لها تلك العوائد هنالك حتى تتهذب وتتأدب وتكتفي بعلم الحال عن وجود الطلب فيكون طلبها شاهد حالها من الذلة والأنكسار وظهور الفاقة والأضطرار فحينئذ تترادف عليها المواهب وتنال بذلك غاية المطالب ومنتهى الرغائب وهو الوصول إلى حضرة القدس ومحل الأنس من غير حيلة ولا أكتساب وإنما هو منة من الكريم الوهاب من عليها بالوصول وتفضل عليها بالقبول كما أشار إلى ذلك في أول الباب الرابع عشر فقال وقال رضي الله عنه لولا جميل ستره لم يكن عمل أهلاً للقبول قلت لأن العمل الذي يكون أهلاً للقبول هو الذي تتوفر فيه شروط القبول وهو سر الأخلاص وغاية الحضور والتبري فيه من الحول والقوة وهذا في غاية الندور فلولا أن الله سبحانه تفضل علينا بجميل ستره فغطي مساوينا بجلائل لطفه وبره ما كان عمل أهلاً للقبول أصلاً ولكن الذي من بوجود الأعمال يمن بوجود القبول والأقبال

قال بعضهم ما هناك إلا فضله ولا نعيش إلا في ستره ولو كشف الغطاء لكشف عن أمر عظيم وقال يحيى بن معاذ رضي الله عنه مسكين ابن آدم جسيم معيب وقلب معيب يريد ا، يخرج من معيبين عملاً بلا عيب اه قلت ولهذا المعنى قال تعالى أولئك الذي نتقبل عنهم أحسن ما عملوا فعبر بعن التي تدل على التجاوز ولم يقل نتقبل منهم فكأنه قال أولئك الذين نتجاوز عنهم في أعمالهم فنتقبلها منهم والله تعالى أعلم وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال البلاء والهوى والشهوة معجزة بطين آدم اه قيل وهو معنى قوله تعالى أنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه أي اخلاط فاختلاط به البلاء والهوى والشهوة فركب ابن آدم منها فلزمته الثلاثة ما دامت بنيته قائمة وبشريته موجودة فإذا انهدمت البشرية حساً أو معنى لم يبق حكم النظفة إلا مشاجية وصار الحكم للروح النورانية ولله تعالى أعلم فإذا تقرر أن عملنا مدخول وليس أهلاً للقبول لولا جميل ستره المأول علمت أن افتقارنا إلى عمله وعفوه في حال الطاعة أعظم من افتقارنا إليه في حال المعصية كما أبان ذلك بقوله أنت إلي حلمه إذا أطعته أحوج منك إليه إذا عصيته قلت وذلك لأن الطاعة بساط العز والرفعة وللنفس فيها شهوة ومتعة ولأن الناس يلحظون صاحب الطاعة الظاهرة وينظرونه بعين التعظيم ويبادرون إليه بالخدمة والتكريم وكل ما عظم في عين الخلق سقط من عين الحق أن كان يفرح بذلك ويقنع به دون الملك الحق بخلاف المعصية فإنما هي بساط الذل والإنكسار ومحل السقوط والاحتقار وكحل ما سقط من عين الخلق عظم في عين الحق فكان العبد في حال طاعته لربه أحوج إلى حلمه وعفوه مه في حال معصيته لأن الطاعة التي ينشأ عنها العز والاستكبار أقبح من المعصية التي تورث الذل والافتقار بل في الحقيقة ليست بطاعة لأن الطاعة التي توجب البعد ليست بطاعة والمعصية التي توجب القرب ليست بمعصية وفي الحديث يقول الله تبارك وتعالى أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي ومن كان الله عنده فهو أعظم من ألف مطيع توجب له طاعته طرده وبعده أوحى الله تعالى إلي بعض الأنبياء عليهم السلام قل لعبادي الصديقين لا يغتروا فإني أن أقم عليهم عدلي وقسطي أعذبهم غير ظالم لهم وقل لعبادي الخاطئين لا ييئسوا من رحمتي فإنه لا يكبر على ذنب اغفره اه وقال الشيخ أبو يزيد رضي الله عنه توبة المعصية واحدة وتوبة الطاعة ألف توبة وكان صلى الله عليه وسلم إذا صلى استغفر ثلاثاً تعليماً للامة في شهود التقصير وإلا فلا استغفار من طاعة ولا ذنب على المختار صلى الله عليه وسلم ولما كانت المعصية بساط الذل والاحتقار كما تقدم وهي أقرب لمقام العبودية والطاعة بساط العز والرفعة فافتقرت إلى حلم الله أكثر صار الناس يطلبون الستر في المعصية أو عنها خوفاً مما ينشأ عنها كما أبان ذلك بقوله الستر على قسمين ستر عن المعصية وستر فيها فالعامة يطلبون الستر من الله فيها خشية سقوط مرتبتهم عند الخلق والخاصة يطلبون الستر عنها خشية سقوطهم من نظر الملك الحق قلت وسقوط المرتبة وهو باعتبار المعصية على قسمين قسم يقع الستر فيها فلا يفضح صاحبها وقسم يقع الستر عنها فلا يقع العبد فيها ولو طلبها لما شماه من حفظ الله ورعايته فالعامة يطلبون الستر من الله فيها مع وقوعها لئلا يسقطوا من عين الخلق فهم يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم والله ورسوله أحق أن يرضوه أن كانوا مؤمنين فمحط نظرهم إنما هو شهود الخلق غائبين عن نظر الملك الحق وذلك لضعف إيمانهم وقلة يقينهم وانطماس بصيرتهم وفي بعض الأخبار يقول الله تبارك وتعالى يا عبادي أن كنتم تعتقدون أني لا أراكم فالخلل في إيمانكم وأن كنتم تعتقدون أني أراكم فلم جعلتموني أهون الناظرين إليكم اه وأما الخاصة فهم يطلبون من الله الستر عنها والعصمة مها خشية أن يسقطوا من عين الحق لن صدور المعصية من العبد سوء أدب ومن أساء الأدب مع الأحباب طرد إلى الباب فإذا وقعت منهم معصية بادروا إلى الاعتذار وصحبهم الخجل والانكسار ثم وجدوا في سيرهم ولم يقفوا مع نفوسهم إذ لا وجود لها في نظرهم ولا التفات لهم إلى الخلق إذ لم يبق في نظرهم إلا الملك الحق غابوا بشهود الحق عن رؤية الخلق أو بشهود المعنى عن رؤية الحس أبو بشهود الموسوط عن الواسطة وأما خاصة الخاصة فلا يطلبون شيئاً ولا يخافون من

شئ صارت الأشياء عندهم شيئاً واحداً واستغنوا بشهود واحداً عن كل واحد فهم ينظرون ما يبرز من عنصر القدرة فيتلقونه بالقبول والرضي فإن كان طاعة شهدوا فيها المنة وأن كان معصية شهدوا فيها القهرية وتأدبوا مع الله فيها بالتوبة والانكسار قياماً بأدب شريعة النبي المختار صلى الله عليه وسلم وقد وردت أحاديث في المقامات الثلاثة تعليماً للامة فقد دعا عليه السلام بالستر على المساوى ومنها وهي العصمة والحفظ وطلب مقام الرضا والتسليم لأحكام الله القهرية كل ذلك منشور في كتب الأحاديث فلا نطيل به ثم إذا ستر الحق تعالى مساويك وذنوبك ثم توجه الناس إليك بالتعظيم والمجد والتكريم فاعرف منة الله عليك وانظر من الممدوح في الحقيقة هل أنت أو من ستر مساويك كما أبان ذلك بقوله من أكرمك فإنما أكرم فيك جميل ستره فالحمد لمنن سترك ليس الحمد لمن أكرمك وشكرك قلت إذا كان الحق تعالى تولى حفظك برعايته وستر مساويك بستر عنايته فغطى وصفك بوصفه ونعتك بنعته ثم توجه الناس إليك بالتعظيم والتمجيد والتكريم فاعرف منة الله عليك وانعزل عن شهود نفسك فمن أكرمك فغنما أكرم فيك جميل ستره فلولا فضل الله عليكم ورحمته ولا تبعتم الشيطان إلا قليلاً ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحداً أبداً فالحمد في الحقيقة إنما هو لمن سترك لا لمن أكرمك إذ لو أظهر للناس ذرة من مساويك لمقتوك وأبغضوك فاشكر الله على ما أسدي إليك من الكرم وغطى عليك من المساوى أنتي توجب أنواع الأذاية والنقم قال الشيخ زروق رضي الله عنه إذ لولا ستره عن المعاصي ما كنت مطيعاً لولا ستره فيها لكنت مهاناً عند الخلق ومخصوصاً بالمقت بينهم ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين فالخلق كلهم إنما يتعاملون بينهم بستر مولاهم ولو خلا عبده من ستره لأبغضه أحب الناس إليه ولأذاه أشفق الخلق لعيه ولأهلكمه أرأف الخلق به ولله در القائلئ صارت الأشياء عندهم شيئاً واحداً واستغنوا بشهود واحداً عن كل واحد فهم ينظرون ما يبرز من عنصر القدرة فيتلقونه بالقبول والرضي فإن كان طاعة شهدوا فيها المنة وأن كان معصية شهدوا فيها القهرية وتأدبوا مع الله فيها بالتوبة والانكسار قياماً بأدب شريعة النبي المختار صلى الله عليه وسلم وقد وردت أحاديث في المقامات الثلاثة تعليماً للامة فقد دعا عليه السلام بالستر على المساوى ومنها وهي العصمة والحفظ وطلب مقام الرضا والتسليم لأحكام الله القهرية كل ذلك منشور في كتب الأحاديث فلا نطيل به ثم إذا ستر الحق تعالى مساويك وذنوبك ثم توجه الناس إليك بالتعظيم والمجد والتكريم فاعرف منة الله عليك وانظر من الممدوح في الحقيقة هل أنت أو من ستر مساويك كما أبان ذلك بقوله من أكرمك فإنما أكرم فيك جميل ستره فالحمد لمنن سترك ليس الحمد لمن أكرمك وشكرك قلت إذا كان الحق تعالى تولى حفظك برعايته وستر مساويك بستر عنايته فغطى وصفك بوصفه ونعتك بنعته ثم توجه الناس إليك بالتعظيم والتمجيد والتكريم فاعرف منة الله عليك وانعزل عن شهود نفسك فمن أكرمك فغنما أكرم فيك جميل ستره فلولا فضل الله عليكم ورحمته ولا تبعتم الشيطان إلا قليلاً ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحداً أبداً فالحمد في الحقيقة إنما هو لمن سترك لا لمن أكرمك إذ لو أظهر للناس ذرة من مساويك لمقتوك وأبغضوك فاشكر الله على ما أسدي إليك من الكرم وغطى عليك من المساوى أنتي توجب أنواع الأذاية والنقم قال الشيخ زروق رضي الله عنه إذ لولا ستره عن المعاصي ما كنت مطيعاً لولا ستره فيها لكنت مهاناً عند الخلق ومخصوصاً بالمقت بينهم ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين فالخلق كلهم إنما يتعاملون بينهم بستر مولاهم ولو خلا عبده من ستره لأبغضه أحب الناس إليه ولأذاه أشفق الخلق لعيه ولأهلكمه أرأف الخلق به ولله در القائل
يظنون بي خيراً وما بي من خير ... ولكنني عبد ظلوم كما تدري
سترت عيوبي كلها عن عيونهم ... وألبستني ثوباً جميلاً من الستر
فصاروا بحبوني وما أنا بالذي ... يحب ولكن شبهوني بالغير
فلا تفضحني في القيامة بينهم ... وكن لي يا مولاي في موقف الحشر

ولما بلغت الأذية كل مبلغ من حبيب الله صلى الله عليه وسلم ما زاد على أن قال لا غنى لي عن عافيتك عافيتك أوسع لي الحديث اه وسيأتي التقسيم في شهود الخلق في حالة النعم وأن الناس على ثلاثة أقسام قوم عوام لا يشهدون إلا الخلق وقوم خواص لا يشهدون إلا الخالق وقوم خواص الخواص يشهدون الخالق في الخلق والموسوط في الوسطة فيعطون كل ذي حق حقه كما يأتي مبيناً أن شاء الله وإذا تحققت أن الذي أكرمك هو الذي ستر عيوبك وغطى مساويك بعد اطلاعه على خفاياها وعلمه بخباياها فاتخذه صاحباً وكن له مراقباً ودع الناس جانباً كما نبه عليه بقوله ما صحبك من صحبك وه بعينك عليم وليس ذلك الامولاك الكريم قلت وإذا علمت أنه ليس لك صاحب الأمولاك فارعف حقيقة صحبته والزم الأدب في ظاهرك وباطنك واستحى منه أن يراك حيث نهاك أو يفقدك حيث أمرك وفي الحديث عه صلى الله عليه وسلم انه قال لأصحابه ساتيحوا من الله حق الحياء قالوا أنا نستحي والحمد لله قال لهم الحياء من الله حق الحيا، أن تحفظ الرأس وما حوى والبطن وما وعى وتذكر القبر واللبلى فمن فعل ذلك فقد استحي من الله حق الحياء اه فالصاحب الذي يدوم لك هو الذي يصحبك وهو عالم بعينك لأن ذلك داع للسلامة من التكلف الرياء والتصنع وليس ذلك الأمولاك العالم بخفاياك المطلع على سرك وعلانيتك أن عصيته سترك وأن اعتذرت إليه قبل عذرك وقد قيل من الحكمة في قوله تعالى أن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم مع أن الكل ملكه ثلاثة أشياء أحدها البشارة بعدم الرد بالعيب لأن المشتري عالم به الثاني ليسلم العبد نفسه إليه فيتولى تدبيره إذ لا يتم بيع بالتسليم ولا كفاية إلا بعد اقباض الثالث اظهاراً لتمام الفضل في ظهور النسبة لله سبحانه وذكر الصحبة في جانب الحق وقعت في حديث أنت الصاحب في السفر واختلف في اطلاقه في غير ذلك المحل والظاهر أن الشيخ يرى ذلك في محل إشارة الأدب والانحياش وعليه مر أبو حامد الغزالي في بعض كتبه قال الشيخ زروق رضي الله عنه واعلم أن الأمر الذي يرغب في الصحبة ويعقد المحبة والمودة أمران أحدهما ما تقدم من كون الصاحب يغطي شينك بحلمه ويستر وصفك بوصفه والثاني كونه يحبك ويطلبك إلى حضرته من غير غرض ولا منفعة له في صحبتك وإلى الثاني أشار بقوله خير من تصحب من يطلب لا لشئ يعود منك إليه قلت ولا يوجد هذا الوصف المجيد إلا للغني الحميد الفعال لما يريد يحب من يشاء بلا علة ولا سبب ويمقت من يشاء بلا ضرر يلحقه ولا تعب يقرب من يشاء بلا عمل ويبعد من يشاء بلا زلل لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون ولو شاء ربك ما فعلوه ولو شاء الله لهدى الناس جميعاً وكلامنا إنما هو مع أهل التحقيق وأما باعتبار الحكمة وأهل التشريع فلا يظلم ربك أحداً ولكن فاعل السبب هو فاعل المسبب من وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه وللجيلي رحمه الله
إذا كنت في حكم الشريعة عاصياً ... فإني في حكم الحقيقة طائع
فخير من تصحبه أيها الإنسان مولاك الذي يطلبك لحضرته ويجتبك لمحبته من غير نفع منك إليه وإنما هو برور واحسان منه إليك فكيف تتركه وتطلب الإنس بغيره وضرره وأقرب من نفعه قال بعضهم جرب الناس تجدهم عقارب فإذا طلبت الصحبة فاصحب العارفين الذين ينهضك حالهم ويدلك على الله مقالهم ولله در صاحب العينية حيث يقول في عينيته.
فشمر ولذ بالأولياء فإنهم ... لهم من كتاب الحق تلك الوقائع
هم الذخر للملهوف والكنز والرجا ... ومنهم ينال الصب ما هو طامع
بهم يهتدي للعين من ضل في العمى ... بهم يجذب العشاق والربع شاسع
هم الناس فالزم أن عرفت جمابهم ... ففيهم لضر العالمين منافع
وقال في التحذير من صحبة غيرهم من الغافلين والعوام
وقاطع لمن واصلت أيام غفلة ... فما واصل العذال إلا مقاطع
وجانب جناب الأجنبي لو انه ... لقرب انتساب في المنام مضاجع
فللنفس من جلاسها كل نسبة ... ومن خلة للقلب تلك الطبائع

والحاصل أن صحبة من يوصل إلى الله فما هي إلا صحبة الله إذ ما ثم سواه والنظر إلى العارف بالله فإنما هو نظر إلى الله إذ لم تبق فيه بقية عليه لغير الله فصار نوراً محضاً من نور الله وفيهم قال عليه السلام أن الله رجالاً من نظر إليهم سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً اه وهم. وجودون لا ينقطعون أبداً ظاهرون ظهور الشمس لا يخفون إلا على من أراد الله منه طرداً وبعداً والعياذ بالله من السلب بعد العطاء ومن سوء القضاء وشواتة الأعداء وعضال الداء وخيبة الرجاء وزوال النعمة وفجأة النقمة آمين ثم فائدة صحبه العارفين هو حصول اليقين كما أشار بقوله لو أشرق لرأيت الآخرة أقرب إليك من أن ترحل إليها ولرأيت محاسن الدنيا قد ظهرت كسفه الفناء عليها قلت اليقين هو العلم الذي لا يزاحمه وهم لا يخالطه ريب ولا يصحبه اضطراب مشتق من يقن الماء إذا حبس ولم يجر شبه به العلم إذا صحبته الطمأنينة ولم يبق للقلب فيه تحرك ولا اضطراب وإشراق نوره هو ظهور أثره على الجوارح فيظهر فيا الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة ويظهر منه الانحياش إلى الله والاشتياق إلى حضرة جماله والسكون والخضوع تحت قهر جلاله والمسارعة إلى ابتغاء مرضاته والمبادرة إلى مكان محابة ولهج اللسان بذكره وشغل القلب بالفكرة في عظمته وهيمان الروح في حضرة قربه وسكرها من شارب حبه واغتمارها بشهود قربه فهذه علامة إشراق نور اليقين في القلب ون علامته أيضاً أن يصير الآجل عاجلاً والبعيد حاصلاً والغيب شهادة فإن ما توعدون لأت وما أنتم بمعجزين ولنا في هذا المعنى
فلا ترضى بغير الله حباً ... وكن أبداً بعشق واشتياق
ترى الأمر المغيب ذاعياً ... وتحظى بالوصال وبالتلاق
كنت ذيلت بهما قول القائل
فلا دهش وحام الحي حي ... ولا عطش وساقي القوم باق
فما الدنيا بباقية لحي ... وما حي على الدنيا بباق

فلو أشرق نور اليقين في قلبك لرأيت الآخرة والآتية حاضرة ليك أقرب إليك من أن ترحل إليها إذ هي الراحلة إليك والمدركة ل ولرأيت محاسن الدنيا الوهمية الفاني قد ظهرت كسفه الفناء عليها أي قد انكسف نور وجودها بظهور ظلمة فنائها فصار ما كان ظاهراً باطناً صار ظاهراً وما كان كثيفاً صار لطيفاً وما كان لطيفاً صار كثيفاً وما كان صار شهادة وما كان شهادة صار غيباً وإنما بعد ذلك عن الخلق ضعف إيمانهم وقلة نور إيقانهم ولو أشرق نور اليقين في قلوبهم أو الدنيا مكسوفة أنوارها بادية عوارها كما رآها حارثة رضي الله عنه حين أخبر عن حقيقة إيمانه فقد روى عن أنس رضي الله عنه قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشي إذا استقبله شاب من الأنصار فقال له النبي صلى الله عليه وسلم كيف أصبحت يا حارثة قال أصبحت مؤمناً بالله حقاً فقال له انظر ما تقول فإن لكل قول حقيقة فما حقيقة إيمانك فقال يا رسول الله عزفت نفسي عن الدنيا أي أدبرت وهربت فأسهرت ليلى وأظمأت نهاري فكاني بعرش ربي بارزاً وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها وكأني أنظر إلى أهل النار يتعاون فيها فقال له أبصرت فالزم عبد نور الله الإيمان في قلبه قال رسول ادع الله لي بالشهادة فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتل يوم بدر شهيداً فجاءت أمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله قد علمت منزلة حارثة منى فإن يكن في الجنة أصبر وأن لم يكن في الجنة ترى ما أصنع فقال أوهبلت أجنة هي أنها جنان وأن ابنك أصاب الفردوس الأعلى فرجعت وفي تضحك وتقول بخ بخ يا حارثة اه كما رآها معاذ بن جبل رضي الله عنه حين دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبكي فقال له كيف أصبحت يا معاذ قال أصبحت مؤمناً فقال أن لكل قول مصداقاً ولكل حق حقيقة فما مصداق ما تقول فقال يا رسول الله ما أصبحت صباحاً قط إلا ظننت لا أمسي وما أمسيت قط إلا ظننت لا أصبح ولا خطوت خطوة قط إلا ظننت أني لا أتبعها بأخرى وكأني أنظر إلى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها معها نبيها وأوثانها التي كانت تعيد من دون الله وكأني أنظر إلى عقوبة أهل النار وثواب أهل الجنة فقال صلى الله عليه وسلم عرفت فالزم فهذان الرجلان الأنضاريان أشرق نور الإيقان في قلوبهما وشرح الله به صدورهما فرأوا ما كان آجلاً عاجلاً وما كان آتياً واصلاً وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال أن النور إذا دخل القلب انشرح له الصدر وانفسح قيل يا رسول الله هل لذلك من علامة يعرف بها قال نعم التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزوله أو كما قال عليه السلام وقال أحمد بن عاصم الأنطاكي رحمه الله اليقين نور يجعله الله في قلب العبد حتى يشاهد به أمور آخرته ويخرق به كل حجاب بينه وبينها حتى يطالع الآخرة كالمشاهدة لها اه قلت فإذا تكامل إشراق الإيقان غطى وجود الأكوان ووقع العيان على فقد الأعيان ولم يبق الأنوار الملك الديان كما أشار إلى ذلك بقوله ما حجبك عن الله وجوده وجود معه إذ لا شئ معه ولكن حجبك عنه توهم موجود معه قلت الحق تعالى ظاهر ونوره للبصائر باهر إنما حجبه مقتضى اسمه الحكيم واسمه القاهر فما حجبك عن شهود الحق وجود شئ معه إله مع الله تعالى الله عما يشركون ولكن حجبك عن شهودة توهم وجود موجود معه لا شئ معه وكما كان ولا شيء بقى ولا شئ هو الأول والآخر والظاهر والباطن واحد في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله فالفعل لا يصدر من غير صفة والصفة لا تفارق الموصوف فالفعل متحد والفاعل واحد والصفة متحدة والمتصف بها واحد وللششتري رضي الله عنه، صفاتي لا تخفي لمن نظر وذاتي معلومة تلك الصور، فافن عن الاحساس ترى عبر، وسبب توهم الغيرية عدم الفكرة وسبب عدم الفكرة حب العاجلة فهي الشاغلة للقلوب عن السير إلى حضرة علام الغيوب وحكمة حب الدنيا ظهور القهرية فمن قهاريته تعالى أن احتجب بلا حجاب وغطي نور شمسه بالأسحار وأيضاً قوالب العبودية حجبت مظاهر أنوار الربوبية ووجود الحكمة ستر ظهور القدرة وقال بعض العارفين الحق تعالى منزه عن الأين والجهة والكيف والمادة والصورة ومع ذلك لا يخلو منه أين ولا مكان ولا كم ولا كيف ولا جسم ولا جوهر ولا عرض لأنه للطفه سار في كل شئ ولنوريته ظاهر في كل شيء ولا طلاقه واحاطته متكيف

بكل كيف غير متقيد بذلك ومن لم يذق هذا ولم يشهده فهو أعمى البصيرة محروم عن مشاهدة الحق اه ومن كلام ابن وفا رضي الله عنهكل كيف غير متقيد بذلك ومن لم يذق هذا ولم يشهده فهو أعمى البصيرة محروم عن مشاهدة الحق اه ومن كلام ابن وفا رضي الله عنه
هو الحق المحيط بكل شئ ... هو الرحمن ذو العرش المجيد
هو النور المبين بغير شك ... هو الرب المحجب في العبيد
هو المشهود في الإشهاد يبدو ... فيخفيه الشهود عن الشهيد
هو العين العيان لكل غيب هو المقصود من بيت القصيد
جميع العالمين له ظلال ... سجود في القريب وفي العبيد
وهذا القدر في التحقيق كاف ... فكف النفس عن طلب المزيد
وقال الشيخ القطب مولاي عبد السلام بن مشيش مخاطباً لوارثه الشيخ أب يالحسن الشاذلي رضي الله عنهما في وصية له وقد تقدمت حدد بصر الإيمان تجد الله تعالى في كل شيء وعند كل شئ وقبل كل شئ وبعد كل شئ وفوق كل شئ وتحت كل شيء وريباً من كل شئ ومحيطاً بكل شئ بقرب هو وصفه وبحيطة هي نعته وعد عن الظرفية والحدود وعن الأماكن والجهات وعن الصحبة والقرب في المسافات وعن الدور بالمخلوقات وامحق الكل بوصفه الأول والآخر والظاهر والباطن وهو هو كان الله ولا شئ معه وهو الآن على ما عليه كان اه قال بعضهم ونبه بقوله وعد الخ على أن ما جرى في كلامه من الظروف ليست بزمانية ولا مكانية لأنها من ملة الأكوان وإنما هي أمور ذوقية فاعتقد كما لا تنزيه وبطلان التشبيه وتمسك بقوله عز وجل ليس كمثله شئ وهو السميع البصير وسلم ذلك لأهله فإنهم على بصيرة فيما رمزوا إليه مما ذاقوه ووجدوه بل هو من محض الإيمان وخالص العرفان وهو حقيقة التوحيد وصفو الإيمان وأما قوله وهو الآن على ما عليه كان وإن لم يرد في الحديث الصحيح فهو في نفسه صحيح إذ لا وجود في الحقيقة للأشياء معه تعالى وإنما هي كالخيال ووجود الظلال فلا تنسخ أحديته ولا ترفع فردانيته وبالجملة فمن غلب عليه شهود الأحدية وكوشف بسر الوحانية واستغرق في الحقيقة العيانية انقطع عن الشهور بنفسه وغاب عن السوى بالكلية وأن رد إلى الشعور به رآه قائماً به وظارهاً فيه وبه حكماً من أحكامه أه وقال في لطائف المنن وأشبه شئ بوجود الكائنات إذا نظرت إليها بعين البصيرة وجود الظلال والظل لا موجود باعتبار جميع مراتب الوجود ولا وعدوم باعتبار جميع مراتب العدم وإذا اثبتت ظلية للآثار لم تنسخ أحدية المؤثر لأن الشئ إنما يشفع بمثله ويضم إلى شكله كذلك أيضاً من شهد ظلية الآثار لم تعقه عن الله فإن ظلال الأشجار في الأنهار لا تعوق السفن عن التسيار ومن ها هنا تبين لك أن الحجاب ليس أمراً وجودياً بينك وبين الله تعالى ولو كان بينك وبينه حجاب وجودي للزم أن يكون أقرب إليك منه ولا شئ أقرب من الله فرجعت حقيقة الحجاب إلى توهم الحجاب اه ولما قرر أم راولحدة ونفي وجود الغيرية استشعر سائلاً يقول له وهذه المكونات الظاهرة فما تقول فيها مع ثبوت الوحدة فأجاب بأنها قائمة به ولولا ظهور نوره فيها ما ظهرت كما بين ذلك بقوله لولا ظهوره في المكونات ما وقع عليها وجود أبصار لو ظهرت صفاته اضمحلت مكوناته قلت كان الله ولا شئ معه فكانت الخمرة الأزلية القديمة لطيفة خفية نورانية روحانية وليس هناك شكل ولا رسم متصفة بصفات المعاني والمعنوية متسمية بأسمائها القديمة منعوتة بنعوت الجلال والجمال فاقتضت الخمرة ظهور حسنها وجمالها واقتضت الصفات ظهور آثارها والأسماء ظهور مطالبها فقبضت الصفات من النور اللطيف قبضة نورانية لمقتضى اسمه الظاهر واسمه القادر فطلبها أيضاً أسمه الباطن واسمه الحكيم فابطنها في حال ظهورها وغطاها في حال بروزها فكانت ظاهرة باطنة ثم تفرغت تلك القبضة على تفاريع كثيرة بعدد الصفات وتنوعت على أجناس كثيرة بتنوع الأسماء فالماء واحد والزهر ألوان وفي ذلك يقول صاحب العينية.
وكل الورى طرا مظاهر طلعتي ... مراء بها من حسن وجهي لامع
ظهرت بأوصاف البرية كلها ... أجل لي ذوات الكل نوري ساطع

فبحر الجبروت فياض إلى عالم المكوت ثم احتجب بالحكمة فصار ظاهره ظلمة وبانه نوراً ظاهره حكمة وباطنه قدرة ظاهره ملك وباطنه ملكوت والجميع جبروت فإذا تقرر هذا علمت أن الأكوان لا وجود لها من ذاتها فلولا ظهور الحق بها ما ظهرت ولا وقع عليها أبصار الخلق كما قال القائل
من لا وجود لذاته من ذاته ... فوجوده لولاه عين محال
وقال آخر
فلم يبق إلا الحق لم يبق كائن ... فما ثم موصول وما ثم بائن
بذا جاء برهان العيان فما رأى ... بعيني شيئاً غيره إذ أعاين
وظهور تعالى بواسطة تجليات الأكوان فيه لطف كبير إذ لا يمكن شهوده ومعرفته إلا بواسطة هذه التجليات ولو ظهر بالأوصاف التي كان عليها في الأزل بلا واسطة لتلاشت الكائنات واضمحلت وفي الحديث حجابه النور لو كشف عنه لا حرقت سبحات وجهه كل شئ أدركه بصره اه وهذا معنى قوله لو ظهرت صفاته اضمحلت مكوناته أي لو ظهرت نعوته الأصلية الأزلية لا ضمحلت المكونات الحديثة إذ الكائنات كلها تكثيف للأسرار اللطيفة التي هي نعت الخمرة الأزلية التي أشار إليها ابن الفارض في خمر يته بقوله
صفاء ولا ماء ولطف ولا هوى ... ونور ولا نار وروح ولا جسم
تقدم كل الكائنات حديثها ... قديم ولا شكل هناك ولا رسم
فلو ظهرت الأسرار اللطيفة لتلاشت الكائنات الكثيفة إذ لا ظهور للكثيف إذا رجع لطيفاً وما مثال الكون إلا كالثلجة ظاهرها جامد وباطنها مائع فإذا ذوبت الصلجة رجعت إلى أصلها ماء ولميبق للثلجة أثر فكذلك المكونات الحسية إذا ظهرت أسرارها اللطيفة التي قامت بها ذابت ذواتها الكثيفة ولا تلاشت ورجعت لأصلها وإلى هذا المعنى أشار صاحب العينية بقوله
وما الكون في التمثال إلا كثلجة ... وأنت لها لا ماء الذي هو نابع
فما الثلج في تحقيقنا غير مائة ... وغير أ، في حكم دعته الشرائع
ولكن بذوب الماء يرفع حكمه ... ويوضع حكم الماء والأمر واقع
فمن وقف مع ظاهر الثلجة أنكر الماء الذي في باطنها وكان جاهلاً بحقيقتها ومن نفذ إلى باطنها عرف أصلها وفرعها وكذلك الأكوان ظاهرها غرة لمن وقف مع كثافتها وباطنها عبرة لمن نفذ إلى أصلها وقد مثلوا أيضاً الكون بصورة جبريل حين كان يتصور في صورة دحية فمن رآه كثيفاً قال دحية وأنكر أن يكون ملكاً ومن عرف أصله لم ينكره ولم يقف مع ظاهره فإذا تلطف ورجع إلى أصله ذهبت تلك الصورة واضمحلت فكذلك الكون إنما هو خيال فما دام موجوداً في الحس رأى وظهر فإذا رجع إلى أصله بظهور أسراره التي قام بها اضمحل ولم يبق له أثر وقد أشار إلى هذا صاحب العينية أيضاً بقوله
تجليت بالتحقيق في كل صورة ... ففي كل شئ من جمالي لوامع
فما الكون في التمثال إلا كدحية ... تصور روحي فيه شكل مخادع
ويسمون هذه الأسرار التي قامت بها الأكوان معاني ويسمون الأكوان أواني حاملة للمعاني فلو ظهرت المعاني لا ضمحلت الأواني ومن وقف مع حس الأواني حجب عن أسرار المعاني وفي ذلك بقول الششترى رضي الله عنه
لا تنظر إلى الأواني ... وخض بحر لا معاني
لعلك ... تراني
وقال ابن الفارض رضي الله عنه
ولطف الأواني في الحقيقة تابع ... للطف المعاني والمعاني بها تسموا

فالأواني كلها لطيفة في الحقيقية تابعة للطف المعاني لأنها منها وإنما تكثف في حق أهل الحجاب الذين وقفوا مع ظواهر الأشياء واشتغلوا بخدمة الحس قلباً وقالباً فعظم عليهم الحس وقويت دائرة حسهم وغلظ الحجاب في حقهم فعبادتهم حسية وفكرتهم حسية وذلك لصحبتهم أهل الحس ولو صحبوا أهل المعاني لاشتغلوا بخدمة المعاني حتى تتلطف لهم الأواني قال شيخ شوخنا سيدي على الجمل رضي الله عنه سألت الشيخ يعني سيدي العربي ابن عبد الله فقلت يا سيدي كنت أظن أنه لا يشفن غليل الإنسان إلا الحس يعني العبادة الحسية ولا ظننت قط أن فعل المعاني يشفي الغليل أبداً والآن وجدت نفسي بالعكس لا يشفي غليلها إلا المعاني فأجابني بأن قال يا ولدي لما كانت همتك مشورة للحسيات أمدك الله فيها فصرت لا تقنع إلا بالحسيات والآن انعكس الأمر لما رافقت أهل المعاني أثرت معرفتهم فيك بتشوير همتك لبلاد المعاني ولما انقلبت همتك عن بلاد الحس وشورت لبلاد المعاني أمدك الله فيها فصت تقطع بالمعاني كما كنت تقطع بالحسيات اه مختصراً فكل من صحب أهل المعاني وانقلبت همته لبلاد المعاني حتى صارت بعادته باطنية معنوية تلطفت في حقه الأواني ولم ير إلا المعاني قلت ومما من الله على بصحبه أهل المعاني إني إذا نظرت إلى الكون بعين بصيرتي من عرشه إلى فرشه ذاب وتلاشى ولم يبق له أثر والله ذو الفضل العظيم تنبيه سئل سيدي أحمد بن يوسف الملياني عن ذات الحق تعالى هل معنوية أو حسية فقال هي حسية لا تدرك قال سيدي عبد الله الهبطي وهذا مما يدل على تحقيق معرفته قلت ذات الحق تعالى موجودة لطيفة لا تدركها الأبصار ولا تكيفها العقول متصفة بصفات المعاني والمعنوية ولو كانت صفة أو معنى كما يزعمه النصارى لم تتصف بصفات المعاني ولا المعنوية لأن الصفة والمعنى لا يقوم بنفسه ولا بد ا، يقوم بغيره والصفة لا تتصف بصفة أخرى وأما قول بعض المتأخرين المعنى لا يقبض إلا بالحس وقولهم أيضاً لا تنظر إلى الأواني وخض بحر المعاني وقولهم الأكوان أواني حالمة للمعاني فاعلم انه قد تقدم أنهم يطلقونهم على أسرار الذات وهي الخمرة الأزلية معاني لخفائها ولطافتها فأشبهت المعاني من هذا الوجه فتحصل أن الحس لا قيام له إلا بالمعنى وهي معاني أسرار الذات فصار قيام الأشياء كلها بالله ولا وجود لها معه وهو الذي أشار إليه بن الفارض بقوله
وقامت بها الأشياء ثم لحكمه ... بها احتجبت عن ك لمن لا له فهم

أي قامت الأشياء كلها بالذات العلية أي بأسرارها اللطيفة الأزلية وقولهم أيضاً الذات عين الصفات والصفات عين الذات فاعلم أنه لما كان لا ظهور للذات إلا من أنوار الصفات ولا قيام للصفات إلا بالذات والصفات لا تفارق الموصوف صار كان هذا عين هذا فنطقوا بتلك العبارة تحويشاً للجمع وفراراً من الفرق وهو اصطلاح منهم سموا ما تكثف وظهر للحس صفات وما بطن من سر الربوبية ذاتاً ومعني والصفات لا تفارق الموصوف كما تقول في الثلجة ظاهرها ثلج وباطنها ماء فالثلج صفات والماء ذات الثلج حس والماء معنى للطافته وخفائه صار كأن معنى قال بن عباس رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه قال في كل شئ اسن من أسمائه واسم كل شئ من اسمه فإنما أنت بين أسمائه وصفاته وأفعاله باطناً بقدرته ظارهاً بحكمته ظهر بصفاته وبطن بذاته حجب الذات بالصفات وحجبت الصفات بالأفعال وكشف العلم بالإرادة وأظهر الإرادة بالحركات وأخفى الصنع في الصنعة وأظهر الصنعة بالذوات فهو باطن في غيبة وكظاهر بحكمته وقدرته ليس كمثله شئ وهو السميع البصير اه نقله شارح بداية السلوك هكذا عن ابن عباس رضي الله عنه فقوله حجب الذات بالصفات أي حجب أسرار الذات بأنوار الصفات وهي أثرها وقوله وحجب الصفات بالأفعال لأن الأفعال ظروف للصفات لأنها أثر من آثارها ومظهرة لها وقوله وكشف العلم بالإرادة أي أظهر ما سبق في علمه بإرادته المخصصة لوقت إظهاره وقوله وأظهر الإرادة بالحركات أي أظهر ما سبق من إرادته بظهور الحركات الدالة على ما أراد وقوله وأخفي الصنع في الصنعة أي أخفى الصانع في صنعته وقوله وأظهر الصنعة بالذوات أي أظهر قدرته في الإجرام وسائر الذات والله تعالى أعلم وقوله شيخ شيوخنا سيدي على رضي الله عنه في كتابه في تفسير الذات والصفات أن كل ما هو جلال فهو ذات وكل ما هو جمال فهو صفات فإنما ذلك على وجه التشبيه فإن تجلى الصفات كله جمال لأنه محل نزهة أرواح العارفين وبه يرتقى أهل الدليل إلى معرفة رب العالمين وهو الذي شبهه الشيخ ابن مشيش بالرياض في قوله فرياض الملكوت الخ وأيضاً هو الذي تمكن رؤيته وتحصل المعرفة به بخلاف تجلى الذات فإنه حلال محض إذ لو ظهر ذرة من نوره الأصلي للا واسطة لاحتراق الكون من أصله وفي الحديث حجابه النار وفي رواية النور لو كشف عنها لا حرقت سبحات وجهه كل شئ أدركه بصره فصار تجلى الذات كله جلال فأطلق وجهه التشبيه انك لما يشق على النفس فهو ذات لأنه جلال كتجلى الذات وكي لما يخف على النفس فهو صفات لأنه جمال كتجلي الصفات والله تعالى أعلم وإنما أطلت الكلام في هذه المسئلة لأني لم أر من تكلم عليها ولا من شفي فيها الغليل وكنت كثير البحث عنها فلم أجد من يشفعني فيها وهذا ما ظهر لي فيها وما أنتجبته فكرتي والله تعالى أعلم وبالله التوفيق صم استدل على ظهوره في المكونات بقوله تعالى هو الأول والآخر والظاهر الباطن فشار إلى تفسير الظاهر والباطن بقوله أظهر كل شئ أبانه الباطن وطوى وجود كل شئ أبانه الظاهر قلت مضمنه أن اسمه تعالى الباطن ليتحقق بطونه بها وطوى وجود كل شئ بسبب أنه الظاهر ليتحقق انفراده بالظهور فيها والحاصل أن الحصر في قوله تعالى هو الظاهر يدل على أنه لا ظاهر معه فانطوي وجود الأشياء واضمحل لها وقوله هو الباطن يدل على أنه لا باطن سواه فبطنت الأشياء كلها بعد ظهورها فدل كلامه سبحانه أن ما ظهر به هو الذي بطن فيه والذي بطن به هو الذي ظهر فيه والألم لم يصح الحصر فإن قلت المتقابلان لا يجتمعان كالضدين وكيف جمعتهما في ذات واحدة قلت لم يتواردا على محل واحد بل ذلك باعتبارين فاسمه الظاهر باعتبار الحس في عالم الحكمة واسمه الباطن باعتبار المعني في عالم القدرة فالحكمة ظاهرة والقدرة باطنة أو تقول ظاهر باعتبار مظاهر الربوبية باطن باعتبار قوالب العبودية أو تقول ظاهر باعتبار التعريف باطن باعتبار التكييف فالذات واحدة والاعتبارات مختلفة وذلك كثير فتحصل أن الحق سبحانه ظاهر في بطونه باطن في ظهوره ما ظهر به هو الذي بطن فيه وما بطن به هو الذي ظهر فيه أي ما ظهر فيه بحكمته هو الذي بطن فيه بقدرته وما بطن فيد بقدرته هو الذي ظهر فيه بحكمته هو الذي قصده الشاعر بقوله

لقد ظهرت فلا تخفى على أحد ... إلا على أكمه لا يبصر القمرا
لكن بطنت بما أظهرت محتجباً ... وكيف يعرف من بالعزة استترا
والله تعالى أعلم تنبيه قد كنت سألت الشيخين أعني شيخنا وشيخه عن الخمرة الأزلية قبل تجليها هل تسمى ظاهرة باطنة وإنما تسمي باطنة فقط للطافتها حينئذ فأجابتني بان ما كان هو الذي ظهر وليس الذي ظهر غير ما كان في الأزل كان الله ولا شئ معه وهو الآن على ما عليه كان يعني أن الذات العلية كما كانت متصفة بصفاتها وأسمائها في الأزل بقيت كذلك فيما لا يزال فكان في الأزل ظاهراً باطناً وبقي بعد التجلي كذلك ظاهراً لنفسه باطناً عن خلقه ما تجلى به ظاهرا هو فيه أيضاً باطن وقال القاشاني في شرح تائبه ابن الفارض ما نصه بعد كلامه وأظهر الحق تعالى سرد ذاته وصفاته في مظاهر أفعاله وما كان لخفائه عليه قبل ذلك كما حكاه عن المحبوبة بلسان الجمع في قوله
مظاهر لي فيها بدوت ولم أكن ... على بخاف قبل موطن برزة
ولكنن ليتجلى باسمه الظاهر آخر كما كان متجلياً باسمه الباطن أولاً والعجب كل العجب أنه تعالى ما ظهر بشئ من مظاهر أفعاله إلا وقد احتجب به كما قال
بدت باحتجاب واختفت بمظاهر ... على صيغ الأكوان في كل برزة
اه كلامه رضي الله عنه والتحقيق أن يقال الحق تعالى لم يزل متصفاً بأسمائه وصفاته في الأزل وفيما لا يزال لكن ظهور آثارها وقع فيما لا يزال فكان متصفاً باسمه الظاهر والباطن في الأزل وظهر بعد ذلك آثارهما فيما لا يزال والله تعالى اعلم ثم بين كيفية النظر والاعتبار في المكونات لتعرف ظهوره تعالى فيها فقال أباح لك أن تنظر في المكونات وما أذن لك أن تقف مع ذوات المكونات قل انظروا ماذا في السموات والأرض فبقوله انظروا ماذا في السموات فتح لك باب الإفهام ولم يقل انظروا السوات لئلا يدلك على وجود الإجرام قلت إنما أبرز الله هذه المكونات وأظهر هذه العوالم ليعرف بها ويظهر نوره فيها قال تعالى " وما خلقنا السوات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق " وقال تعالى " أفحسبتم إنما خلقناكم عبثا " قال في لظائف المنن فما نصبت الكائنات لتراها ولكن لترى فيها مولاها فمراد الحق منك أن تراها بعين من لا يراها تراها من حيث ظهوره فيها ولا تراها من حيث كونيتها قال ولنا في هذا المعني
ما أثبت لك العوالم إلا ... لتراها بعين من لا يراها
فارق عنها رقي من ليس يرضى ... حالة دون أن يرى مولاها

فأباح لك أيها الإنسان أن تنظر ماذا في السموات والأرض من النور الذي قامت به الأشياء وما أباح لك أن تقف مع ذوات المكونات تقف مع القشر وتحجب عن اللب وقد تقدم قوله الأكوان ظاهرها غرة وباطنها عبرة فمن وقف مع ظاهرها كان محجوباً ومن نفذ إلى باطنها كان عارفاً محبوباً ولأجل هذا السر قال تعالى " قل انظروا ماذا في السموات " أي ما فيها من عظمته ومعاني أسرار ذاته وكمال قدرته وإرادته وسائر صفاته فقد فتح لك باب الإفهام جمع فهم أي قتح لك باب الفهم لتدخل بها من ظاهر القشر إلى باطن اللب حتى تعرفه في كل شئ وتفهم عنه في كل شئ ولو قال الحق تعالى " قال انظروا السموات " لدلك على الإجرام وسد لك باب الإفهام وكيف يدلك على الإجرام وهي أغيار والأغيار مانعة من الدخول إلى شهود الأنوار ومثال ذلك في التقريب لو قال لك قائل انظر هذه الثلجة لدلك على ظاهر جرمها ولو قال لك انظر ما في هذه الثلجة لفتح لك باب الفهم إلى نظر ما في باطنها من الماء ون الوقوف مع ظاهر جرمها واعلم أن الحق سبحانه ندب عباده إلي معرفة ذاته ودرجهم إليها شيئاً فشيئاً فمنهم من قصر ومنهم من وصل فدرجهم أولاً إلى توحيد الأفعال وأنه لا فاعل سواه فقال تعالى " وربك يخلق ما يشاء ويختار أن ربك فعال لما يريد والله خلقكم وما تعلمون ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد " وقال في فعل غير الآدمي " ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها " وفي شأن الطير " ما يمسكهن إلا الرحمن " وقال تعالى " وما من دابة في الأرض ولا ظائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم " أي في قهر قبضتنا مقدرة آجالها مقسومة أرزاقها مغدودة أنفاسها محفوظة أجسامها معلومة أماكنها ظاهرة أشباحها باطنة أنوارها وقال في توحيد الصفات وأنه لا سميع ولا بصير ولا قدير ولا متكلم إلا الله أنه هو السميع البصير أي دونت غيره فلا سمع ولا بصر إلا به سبحانه وقال تعالى أنه هو الحكيم العليم وقال تعالى وما تشاؤن إلا أن يشاء الله إلى غير ذلك من الآيات وقال تعالى في توحيد الذات وهو الله في السوات وفي الأرض الله نور السموات والأرض على تفسير أهل الإشارة وهم أهل الباطن وقال فأينما تولوا قسم وجه الله وإذ قلنا لك أن ربك أحاط بالناس أن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله وقال في محو الواسطة فإذا قرأناه فاتبع قرآنه أنا صببنا الماء صباً ثم شققنا الأرض أي بالحرث شقاً ويحتل أن تكون منها أو من توحيد الأفعال وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ولكن الله ألف بينهم وقد يجمع الحق تعالى في آية واحدة توحيد الصفات ويرقى إلى توحيد الذات كقوله تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ثم رقاهم إلى الشهود بقوله أو لم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد إلا أنهم في مرية من لقاء ربهم إلا أنه بكل شيء محيط وقال تعالى أن الذين يخشون ربهم بالغيب لم مغفرة وأجر كبير ثم رقاهم من الغيب إلى الشهادة بقوله وأسروا قولكم أو أجهروا به أنه عليم بذات الصدور ألا يعمل من خلق وهو اللطيف الخبير فتحصل أن الأشياء كلها قائمة بالله أثبتها ليعرف بها ثم محاها بوحدانيته كما أشار إلى ذلك بقوله الأكوان ثابتة بإثباته ممحوة بأحدية ذاته قلت الأكوان هي ما ظهر في عالم الشهادة أو تقول ما دخل عالم التكوين وهي موجودة بوجود الحق قائمة به ثابتة بإثباته ليعرف بها ممحوة باحدية ذاته لانفراد وجوده فمن أثبتها لنفسها فقد جهله فيها وحجب بها عن شهود موجدها ومن أثبتها بالله فقد عرف فيها وشهد فيها مولاها فالثبوت للأكوان أمر عرضي والحق اللازم هو وجود أحدية الحق تعالى والأحدية مبالغة في الوحدة ولا تتحقق إلا إذا كانت الوحدة بحيث لا يتمكن أن يكون أشد وأكمل منها فمن مقتضى حقيقتها محو الأكوان وبطلانها بحيث لا توجد إذ لو وجدت لم تكن أحدية ولكان في ذلك متعدداً وأثنينية كما قيل
أرب وعبد ونفى ضد ... قلت له ليس ذاك عندي
فقال ما عندكم فقلنا ... وجود فقد وفقد وجد
توحيد حق بترك حق ... وليس حق سواى وحد

ومعنى كلام الشاعر الإنكار على من أثبت الفرق بان جعل للعبودية محلاً مستقلاً منفصلاً عن أسرار معاني الربوبية قائماً بنفسه ولا شك أن العبودية تضاد أوصاف الربوبية على هذا الفرق وأنت تقول في توحيد الحق لا ضد له فقد نقضت كلامك ولذلك قال ونفى ضد فالواو بمعنى مع وهو داخل في الإنكار أي أيوجد رب وعبد ستقل مع نفي الضد للربوبية والعبودية تضاد أوصاف الروبوبية والحق أن الحق تعالى تجلى بمظاهر لجمع في قوالب الفرق ظهر بعظمة الربوبية في إظهار قوالب العبودية فلا شئ معه وقوله في الجواب وجود فقد أي عندنا وجود فقد السوى وفقد وجود النفس وقوله توحيد حق بترك حق أي توحيد حق الحق بترك حق الغير ولا غير ولذلك قال وليس حق موجود سوى وجودي وحدى تكلم على لسان الفناء والله تعالى أعلم وقال آخر
سرسرى من جناب القدس أفناني ... لكن بذاك الفنا عني قد أحياني
وردني للبقاء حتى أعبر عن ... جمال حضرته لكل هيمان
وصرت في ملكوت من عجائبه ... لم ألف غير وجود ماله ثاني
وأنشد المؤلف لنفسه في لظائف المنن يوصى رجلاً من إخوانه اسمه حسن
حسن بأن تدع الوجود بأسره ... حسن فلا يشغلك عنه شاغل
ولئن فهمت لتعلمن بانه ... لا ترك إلا للذي هو حاصل
ومتى شهدت سواه فاعلم أنه ... من وهمك الأدنى وقلبك ذاهل
حسب الإله شهوده لوجوده ... والله يعلم ما يقول القائل
ولقد أشرت إلى الصريح من الهدى ... دلت عليه أن فهمت دلائل
وحديث كان وليس شيء دونه ... يقضي به الآن اللبيب العاقل
لا غرو إلا نسبة مثبوتة ... ليذم ذو ترك ويحمد فاعل

هذا آخر الباب الرابع عشر وحاصلها تحويش العباد إلى الله وتحبيبه إليهم بذكر ما اشتمل عليه الحق سبحانه من الكرم والإحسان وغاية اللطف والمبرة والامتنان وذلك أن سبحانه من علينا أولا بالطاعة والعمل وتفضل علينا ثانياً بالقبول مع ما اشتمل لعيه علمنا من النقص والخلل ثم إذا وقعت منا معصية أو زلل عطانا بستره وبمغفرته لنا تفضلاً وإذا توجهنا إليه بقلوبنا سترنا منها وعصمنا ليعظم قدرنا ويظهر شكرنا فنتخذه صاحباً وندع جانباً فحينئذ تشرق في قلوبنا أنوار اليقين ونرحل إلى الآخرة في أقرب حين ثم تشرق علينا أنوار الإحسان، فتنطوى لنا رؤية الأكوان بشهود نور الملك الديان فحينئذ ينشر محاسننا للعباد فيقبلون علينا بالثناء والمحبة والواداد، كما أبان هذا بقوله في أول الباب الخامس عشر وقال رضي الله نه الناس يمدحونك بما يظنون فيك فكن أنت ذاماً لنفسك بما تعلمه منها قلت إذا مدحك الناس بشئ ليس هو موجود فيك فاعلم أن ذلك هواتف من الحق يهتفون بك ويحوشونك إلى الزيادة ويقولون لك الخير أمامك فلا تقنع بذلك ولا تركن إلى ما هنالك بل ارجع إلى نفسك بالولوم ولا يغرنك ثناء القوم فإنهم لا يعلمون منك إلا الصوان الظاهر وأنت تعلم من نفسك اللب الباطن قال بعضهم من فرح بمدح الناس فقد مكن الشيطان أن يدخل بطنه وكان بعضهم يقول اللهم اجعلني خيراً مما يظنون ولا تؤاخذني بما يقولون واغفر لنا ما لا يعلمون وإنما قلنا مدائح الناس هواتف الحق إذ ليس في الوجود إلا الحق ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فأهل الفهم عن الله يستمعون إلى الخطاب فإذا سمعوه مدخهم بشئ نظروا فإذا كان فيهم علموا أنه تنبيه لهم على مقام الشكر وأن لم يجدوه فيهم علموا أنه تنبيه لهم على تحصيل ذلك المقام ولهذا لما سمع أبو حنيفة قوماً يمدحونه بقيام الليل كله وكان لا يقوم إلا نصفه جعل يقوم الليل كله وقد ذم الله قوماً أحبوا أن يمدحوا بما لم يفعلوا فقال ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب وقال المحاسبي رضي الله عنه مثل الذي يفرح بمدح الباطل كمن يقال له العذرة التي تخرج من جوفك لها رائحة المسك وهو يفرح بذلك ويرضى بالسخرية به اه ثم أن ذمك لنفسك إذا توجه الخلق إليك بالمدح إنما هو حياء من ربك حيث ستر عيوبك وأظهر محاسنك وهو الذي نبه عليه بقوله المؤمن إذا مدح استحى من الله أن يثنى عليه بوصف لا يشهد من نفسه قلت قد تقرر أن التحقيق ما ثم إلا سابقة التوفيق ومن تمام نعمته عليك أن خلق فيك ونسب إليك فإذا أطلق الثناء عليك بشئ لا نسبة لك فيه وإنما أنت محل لظهوره فاستحي منه تعالى أن يثني عليك بشئ تعلمه أنه من فعل غيرك أو لم يظهر عليك شئ منه أصلاً فإن مدحت بشئ زائد على ما ظهر فيك فاطلب منه القوة على الزيد فإن ربك فعال لما يريد ولا يضرك مدحك بما تفعل أن لم تقصد التعريض للمدح ففي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال أتدرون من المؤمن قالوا الله ورسوله أعلم قال الذي لا يموت حتى يملأ مسامعه مما يحب ولو أن رجل عمل بطاعة الله في جوف بيت إلى سبعين بيتاً على كل بيت باب من حديد لألبسه الله رداء عمله حتى يتحدث الناس بذلك ويزيدون قيل يا رسول الله كيف يزيدون قال المؤمن يحب ما زاد في عمله الحديث وفي حديث آخر قيل يا رسول الله الرجل يعمل العملي خفية ثم يتحدث الناس به فيفرح فقال عليه السلام له الأجر مرتين أجر العمل وأجر الفرح فإن مدح بما ليس فيه واغتر بذلك فهو جاهل بربه كما أشار إليه بقوله أجهل الناس من ترك يقين ما عنده لظن ما عند الناس قلت اليقين الذي عنده هو عمله بمساويه وخفايا عيوبه وما انظوت عليه سرائره من النقائص والتقصير وظن ما عند الناس هو ما يرون على ظاهره من الكملات وأنوار الظاعات التي تصحبها العلل الباطنية والحظوظ النفسانية فيتوجهون إليه بالمدح والثناء فإذا قنع بذلك وفرح بما هنالك فهو أجهل الناس وأحمق الناس إذ قد قنع بعلم الخلق ولم يخف من مقت الحق والمطلوب من الفقير عكس هذا وهو أن ينقبض عند المدح وينبسط عند الذم حتى يستويا عنده هذا أن كان المادح من أهل الدين والخير وأما أن كان جاهلاً أو فاسقاً فلا غباوة أعظم من الرضي بمدحهم والفرح به فقد روى عن بعض الحكماء أنه مدحه بعض العوام فبكى فقال له تلميذه أتبكي وقد مدحك فقال له أنه لم يمدحني حتى

وافق بعض خلقي خلقه فلذلك بكيت وقال يحيى بن معاذ رضي الله عنه تركية الأشرار هجنة لك وحبهم لك عيب عليك وقيل لبعض الحكماء أن العامة يثبتون عليك فأظهر الوحشة من ذلك وقال لعلهم رأوا منى شيئاً أعجبهم ولا خير في شئ يعجبهم ويسؤني اه فينبغي للفقير أن يخفي محاسنه وأعماله التي يمدح عليها ويظهر ما يسقط به من أعينهم مما هو مباح كما تقدم في الخمول وكان شيخ شيخنا مولاي العربي رضي الله عنه يقول فينبغي للفقير ألا يكون صيته أكبر من قدمه بل يكون قدمه أكبر من صيته وقدره أكبر من دعواه اه فيكون جلالي الظاهر جمالي الباطن فكل ما تظهر على ظاهرك من الجلال يدخل في باطنك قدره من الجمال وكل ما تظهره من الجمال يدخل قدره في باطنك من الجلال فنزيين الظواهر يخرب البواطن فبقدر ما تخرب في الظاهر يكون عمارة في لباطن وبقدر ما تعمر في الظاهر يكون خراباً في الباطن ولله در شبح المجذوب رضي الله عنه حيث قال في شأن الجهالق بعض خلقي خلقه فلذلك بكيت وقال يحيى بن معاذ رضي الله عنه تركية الأشرار هجنة لك وحبهم لك عيب عليك وقيل لبعض الحكماء أن العامة يثبتون عليك فأظهر الوحشة من ذلك وقال لعلهم رأوا منى شيئاً أعجبهم ولا خير في شئ يعجبهم ويسؤني اه فينبغي للفقير أن يخفي محاسنه وأعماله التي يمدح عليها ويظهر ما يسقط به من أعينهم مما هو مباح كما تقدم في الخمول وكان شيخ شيخنا مولاي العربي رضي الله عنه يقول فينبغي للفقير ألا يكون صيته أكبر من قدمه بل يكون قدمه أكبر من صيته وقدره أكبر من دعواه اه فيكون جلالي الظاهر جمالي الباطن فكل ما تظهر على ظاهرك من الجلال يدخل في باطنك قدره من الجمال وكل ما تظهره من الجمال يدخل قدره في باطنك من الجلال فنزيين الظواهر يخرب البواطن فبقدر ما تخرب في الظاهر يكون عمارة في لباطن وبقدر ما تعمر في الظاهر يكون خراباً في الباطن ولله در شبح المجذوب رضي الله عنه حيث قال في شأن الجهال
اتفقوا على الدين تركوه ... تعاندوا في المال الكساوى
الثوب من فوق غسلوه ... وخلوا القلب خاوي

فإذا أظهرت الجلال وأخفيت الجمال ثم أطلق الثناء عليك الكبير المتعال بما لست له أهلاً فأثن عليه بما هو أهله كما أبان ذلك بقوله إذا أطلق الثناء عليك ولست بأهل فأثن لعيه بما هو أهله قلت إذا أطلقي الله تعالى الثناء عليك على ألسنة خلقه بما لا تعلمه من نفسك ولست بأهل له فأثن على الله بما هو أهله أي بما يستحقه من التعظيم ليكون ذلك شكراً لنعمة إطلاق الألسنة بالثناء عليك وأيضاً فإنه هو الذي ستر عنهم مساويك واظهر لهم محاسنك ولو أظهر لهم ذرة من مساويك لمقتوك وأبغضوك فإن العبد محل النقائض والحق تعالى محل الكمالات فكل ما ظهر عليك من الكمالات فإنما هي رشحة من كمالاته تعالى فالثناء في الحقيقة إنما هو لله فإذا وقع عليك فرده أنت إلى أصله وفي الحقيقة ما وقع إلا ي أصله ولكن لما اختلف القصد اختلف الحكم اثنى على بعض السادات وهو ساكت فقيل له في ذلك فقال وما على من ذلك فقال وما على من ذلك ولست أغلط في نفسي بل لست في البين والمجرى والمنشي هو الله تعالى اه هذه حالة أهل الجمع وكان بعض السادات يستعمل الفرق إذا سمع الثناء عليه ألقى على رأسه التراب في خلوته فالناس في حالة المدح والذم على ثلاثة أقسام يفرحون بالمدح ويكرهون الذم لأن نفوسهم غالبة عليهم ولا شك أنها تفرح بالعز والرفعة وتنقبض بالذم والضعة وهم العوام الغافلون وقسم يكوهون المدح ويحبون الذم لأنهم في مجاهدة نفوسهم فكل ما يؤلمها ويقتلها أقبلوا عليه وكل ما يحييها ويقويها فروا منه وهم العباد والزهاد والسائرون من المريدين وقسم يفرحون بالمدح لشهوده من مولاهم وينقبضون من الذم لشهودهم جلال من به تولاهم وهم العارفون وقد أشار إلى القسم الثاني والثالث بقوله الزهاد إذا مدحوا انقبضوا لشهودهم الثناء من الخلق والعارفون إذا مدحوا انبسطوا لشهودهم ذلك من الملك الحق قلت أما العباد والزهاد فلأنهم محجبون برؤية الخلق عن شهود الحق فإذا مدحوا شهدوا ذلك من الخلق وحجبوا عن الجمع بالفرق فانقبضوا وخافوا على نفسوهم أن تغتر بذلك أو تقف هنالك وهم عاملون على ما تموت به نفوسهم وتحيي به قلوبهم ولا شك أن المدح لها فيه حظ وافر فربما تميل إلى ذلك فتعتقد المزية على الغير فيوجب لها التكبر والرضى وهما أصل كل معصية واما الذم فلاحظ لها فيه إنما فيه موتها وفي موته أن حياتها فلذلك إذا مدحوا انقبضوا وإذا ذموا انبسطوا وسكت عنه الشيخ وكأنه يؤخذ بالمفهوم وأما العارفون الواصلون فلأنهم فانون عن أنفسهم باقون بربهم غائبون عن الخلق بشهود الملك الحق فإذا أثنى عليهم رأوا ألسنة الخلق أقلام الحق وشهدوا الجمع في عين الفرق ففرحوا بمدح مولاهم وانبسطوا عند من تولاهم فيزدادون له حباً وشوقاً ويفنون فيه شفعاً وعشقاً وفي مثل هؤلاء ورد الحديث إذا مدح المؤمن ربي الإيمان في قلبه ربوة وإذا ذموا انقبضوا سكوناً تحت قهرية الحق وأدباً مع جلاله وليس في هذا الانقباض دليل على كراهية الذم من حيث نسبته للخلق لأنهم يرون الخلق مصرفين بقدرة الحق وعلامة ذلك أنهم يسمحون لمن أجرى ذلك عليه بل يتعطفون لعيه ويتوددون بالمحبة إليه كما قال الشاعر
رب رام لي بأحجار الأذى ... لم أجد بداً من العطف عليه
فعسى يطلع الله على ... فرح القوم فيدنيني إليه

وفي تعبير آخر الناس في المدح والذم عل أربعة أقسام عوام جهال وعباد زهاد ومريدون ساكلون وعارفون واصلون فأما العوام فنفوسهم غالبة عليهم ودائرة الحس محيطة بهم محط نظرهم الخلق غافلون عن طلب الحق إذا مدحوا وأقبل عليهم الخلق فرحوا وبطروا لنيل مرادهم وتحصيل أغراضهم والنفس الأمارة مجبولة على حب الأمارة وإذا ذموا وأدبر عنهم الخلق انقبضوا وحزنوا لفوات ما أملوا فهؤلاء خربة من النور وأما العباد والزهاد فهم مجتهدون في العبادة فارون من الخلق طالبون رضى الحق مستوحشون من الناس تحققوا منهم الإياس فإذا أقبلوا عليهم بالمدح والثناء انقبضوا وخافوا أن يشغلوا عما هم فيه وإذا ذموا وادبر عنهم الخلق فرحوا وانبسطوا لتفرغهم حينئذ للعباد وإقبالهم على ما هم عليه من المجاهدة وما المريدون السالكون فهم عالمون على قتل نفوسهم وحياة قلوبهم فإذا ذموا وأدبر الخلق عنهم فرحوا لما في ذلك من موت نفوسهم وحياة قلوبهم ولذا مدحوا انقبضوا خوفاً على قوة نفوسهم وضعف قلوبهم إذ في موت النفس حياة القلوب وفي حياة القلوب موت النفوس وأما العارفون فقد ظفروا بنفوسهم ووصلوا إلى شهود معبودهم فهم يستأنسون لكل شئ لمعرفتهم في كل شئ يأخذون النصيب من كل شيء ويفهمون عن الله في كل شئ فإذا مدحوا انبسطوا بالله لشهودهم المدح من الله وإلى الله ولا شئ في لأكون سواه وليس أحد أحب إليه المدح من الله كما في الحديث وإذا ذموا انقبضوا تأدباً مع جلال الله أو شفقة على عباد الله من عادى إلى ولياً فقد آذنته بالحرب فصار بسطهم بالله وقبضهم بالله واستغنوا به عما سواه وبهذا المعنى وهو الفناء على النفوس صح مدحهم لأنفسهم تحدثاً بما أنعم الله عليهم كالشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه والشاذلي والمرسي والشيخ زروق وأشباهمهم رضي الله عنهم وذلك مشهور عنهم نظماً ونثراً ومن أجل ذلك أيضاً أقروا من مدحهم وأظهروا الانبساط عند مدحهم وللمؤلف رحمه الله قصائد في مدح شيخه أبي العباس وكان يقول له أيدك الله بروح القدس كما كان يقول عليه السلام لحسان بن ثابت رضي الله عنه حين يمدحه عليه السلام ومدح الشيوخ من أعظم القربات وأقرب الوسائل إلي الوصول إذ هم باب الله الأعظم ويد الله الآخذه بيد الداخلين إلى الحضرة فمن مدحهم فقد مدح الله أن الذين يبايعونك إنما يباعيون الله ومن ذمهم فقد ذم الله وكذلك مدح الرسول صلى الله عليه وسلم هو باب عظيم في الوصول إلى حضرة الكريم فإن قلت قوله عليه السلام أحثوا التراب في أوجه المادحين يقتضي العموم فيصدق بمدح العارفين وغيرهم قلت هو محمول على المدح بالكذب على وجه الطمع كما يقع للموك وأرباب الأموال طمعاً فيما عندهم أو يحمل على من كان باقياً مع نفسه خائفاً عليها كالعباد والزهاد فإذا مدحهم أحد فينبغي أن يزجروه ويحثوا في وجهه التراب قيل حقيقة وقيل كناية عن الخيبة والرد والنهي والزجر وأما العارفون المتحققون فقد عرفوا الممدوح وغابوا عن شهود الواسطة في المادح والممدوح مفعنا الله بذكرهم وخرطنا في سلكهم آمين ثم من علامة الكمال تحقيق الاعتدال واستواء الأحوال في ثمانية خصال المدح والذم العو والذل والقبض والبسط والمنع والعطاء وقد تقدم بعضها وأشاري إلى الأخيرتين بقوله ومهما كنت إذا أعطيت بسطك العطاء وإذا منعت قبضك المنع فاستدل بذلك على ثبوت طفوليتك وعدم صدقك في عبوديتك قلت الطفولية والتطفل هو الدخول في قوله ليس منهم ولم يستأذنهم والطفيلي هو الذي يأتي للوليمة من غير دعوة وهو منسوب إلى رجل منأهل الكوفة من بني عبد الله بن غطفان كان يقول له طفيل الأعراس كان يأتي إلى الولائم من غير أن يدعي إليها فشبه المؤلف به من دخل مع القوم ولم يتحقق بما تحققوا به من استواء الأحوالي فإذا كنت أيها الفقير إذا أعطيت حظوظك ومناك واتصلت بعوائدك وهواك من الغنى والعز والجاه والبسط والصحو والعافية وغير ذلك من الحظوظ والشهوات انبسطت وفرحت وإذا منعت من حظوظك وشهواتك وأبدلك الغني بالفقر والعز بالذل والجاه بالخمول والبسط بالقبض والصحة بالمرض والعافية بالبلية انقبضت وجزعت فاستدل بذلك على ثبوت تطفلك على كلانهم ولا نسبة لك من مقامهم وإنما أنت طفيلي الأعراس مازلت في غفلة النعاس واستدل بذلك أيضاً على عدم صدقك في عبوديتك إذا الصدق في العبودية يقتضي استواء

النعمة والبلية كما قال الشاعرة والبلية كما قال الشاعر
أحباي أنتهم أحسن الدهر أم أسا ... فكونوا كما شئتم أنا ذلك الخل
قالي أبو عثمان الحيري رضي الله عنه لا يكمل الرجل حتى يستوي قلبه في أربع أشياء في المنع والعطاء والعز والذل اه فإذا كان الفقير يتضعضع عند الجلال وينهزم عند حملة الأبطال فاعلم انه ضعيف الحال متطفل على مقامات الرجال قال في التنوير وقد ابتلى الله بحكمته ووجود منته الفقراء الذين ليسوا بصادقين بإظهار ما كتموا من الرغبة وأسروا من الشهوة فابتذلوا أنفسهم لأبناء الدنيا مباسطين لهم ملايمين لهم موافقين لهم على ملذوذاتهم مدفوعين على أبوابهم فترى الواحد منهم يتزين كما تتزين العروس معتنون بإصلاح ظواهرهم غافلون عن إصلاح سرائرهم ولقد وسمهم الحق بسمة كشف بها عوارهم واظهر أخبارهم فبعد أن كانت نسبته أن لو صدق مع الله أن يقال فيه عبد الكبير فخرج من هذه النسبة لعدم صدقه فصار يقال له شيخ الأمير أولئك الكاذبون على الله الصادون العباد عن صحبة أولياء الله لأن ما يشهده العموم منهم يسحبونه على كل منتسب لهم صادق وغير صادق فهم حجب أهل التحقيق وسحب شموس أهل التوفيق ضربوا طبولهم ونشورا أعلامهم ولبسوا دروعهم فإذا وقعت الحملة ولوا على أعقابهم ناكصين ألسنتهم منطلقة بالدعوى وقلوبهم خاوية من التقوى ألم يسمعوا قوله تعالى ليسئل الصادقين عن صدقهم أترى إذا سأل الصادقين عن صدقهم أيترك المدعين من غير سؤال ألم يسمعوا قوله سبحانه وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون فهم في إظهار زي الصادقين وعملهم عمل المعرضين كما قال القائل
أما لا خيال فإنها كخيامهم ... وارى نساء الحي غير نسائها
لا والذي حجت قريش بيته ... مستقبلين الركن من بطحائها
ما أبصرت عيني خيام قبيلة ... ألا بكيت أحبتي بفنائها
هذا آخر الباب الخامس عشر وحاصلها آداب المريد في المدح والذم ومرجعها إلى خمسة الأول ذم النفس عند مدحها بما ليس فيها الثاني استحياؤه من الله أن يمدح بوصف لا يشهده من نفسه الثالث أن يرجع إلى يقين ما عنده وهداه الخامس أن يكون معتدل الحال سليم القلب فلا يحزن عند الذم ولا يفرح عند المدح قال بعض العارفين إذا قيل لك نعم الرجل أنت فكان أحب إليك من أن يقال لك بئس الرجل أنت فأنت والله بئس الرجل اه وجاء رجل إلى شيخ شخنا مولاي العربي رضي الله عنه فجعل يمدحه في وجهه فقال له يا هذا لا تغرني بقولك أنا أعرف نفسي حين أكون أفضل الوجود أو أقل الوجود فالوقت الذي نكون فيه ذاكراً لربي أنا أفضل الوجود والوقت الذي لا نذكر الله فيهن أنا أقل الوجود أو كلام هذا معناه لكن هذا الآدب الخامس يختلف باختلاف الأحوال فالعباد يغلبون حب الذم على المدح والعارفون يغلبون حب المدح على الذم أو يعتدلون كما يعتدولن في حال المنع والعطاء والقبض والبسط والذل والعز ولا فقر ولا غنى وغير ذلك من اختلاف الآثار وتنقلات الأطوار ومن جملة ذلك الخوف والرجاء بحيث إذا صدرت منهم طاعة لا يزيد رجاؤهم وإذا وقعت منهم زلة لا يعظم خوفهم ولا تنقص استقامتهم كما أشار إلى ذلك في أول الباب السادس عشر بقوله وقال رضي الله عنه إذا وقع منك ذنب فلا يكن سبباً يؤنسك من حصول الاستقامة مه ربك فقد يكون ذلك آخر ذنب قدر عليك قلت السائر الصديق أو الواصل إلى التحقيق كالراكب المغير جاداً في المسير كاد من السرعة أن يطير فإذا وقعت منه كبوة أو سقطه أو صدرت مه عثرة أو هفوة استوي على جواده واستمر على إغارته في طلب مراده فإذا سقط وجعل يتمرغ في سقطته كان ذلك دليلاً على فترته وعدم تحصيل طلبته فإذا وقع منك أيها الفقير ذنب فلا يكن سبباً في قطعك عن الله أو يؤنسك من الاستقامة مع الله فيتضاعف عليك وبال المعصية وتعظيم في حقك المصيبة والبلية فقد يكون ذلك رحمة بك وتنبيهاً لك من سنتك كحصول ملل وفترة فإذا سقطت نهضت وإذا قمت جددت

وقد تكون ذلك آخر ذنب قدره الله عليك وتأمل ما وقع لكثير من الأكابر كانوا لصوصاً فصاروا خصوصاً كإبراهيم بن أدهم والفضيل وأبي يعزى وغيرهم ممن لا يحصى فليكن لك بهم أسوة في حسن الظن بالله قال تعالى لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ابن آدم خطأ وخير الخطائين التوابين وقال عليه السلام أن الله يحب كل مفتن تواب يعني كثير الذنب كثير التوبة قال تعالى أن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين فهذه الآيات تقوى رجاء العباد وتوجب الاعتال والسداد وقد بين أصل الرجاء والخوف ومنشأهما فقال إذا أردت أن ينفتح لك باب الرجاء فاشهد ما منه إليك ولذا أردت أن ينفتح لك باب الخوف فاشهد ما منك إليه قلت إذا أردت أيها الإنسان أن يتقوى رجاؤك في الكريم ألمنان فاشهد ما منه إليك من الإحسان واللطف والمبرة والامتنان فهل عودك إلا حسناً وهل أسدي إليك إلا مننا عليك بسط منته ولك هيأ جنته أنعم عليك في هذه الدار بغاية الإنعام وما قنع لك بذلك حتى أعدلك دار السلام باقية مستمرة على الدوام ثم أتحفك بالنظر إلى وجهه الكريم تماماً على سابق إحسانه القديم

وإذا أردت أن ينفتح لك باب الحزن والخوف فاشهد ما منك إليه من الاساءة والتقصير في العبادة أو من موافقة الشهوة والاسترسال مع الغفلة فإنك أن شهدت ذلك دام حزنك وقوي خوفك وربما كان سبباً في سوء ظنك بربك فتزل قدم بعد ثبوتها وفي الحديث لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم آخرين يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم وهو الغفور الرحيم فدل الحديث على أن شهود الكرم أفضل عند الله من شهود الانتقام وخصلتان ليس فوقهما شئ من الخير حسن الظن بالله وحسن الظن بعباد الله وخصلتان ليس فوقهما شئ من الشر سوء الظن بالله وسوء الظن بعباد الله كما في الديث وبقيت مرتبة ثالثة وهي الغيبة عن الرجاء والخفو بشهود ما من الله إلى الله وهو مقام أهل الشهود فلذلك اعتال أمرهم في جميع الأحوال نفعنا الله بذكرهم آمين ثم أن ثمرة الرجاء ونتيجته البسط وثمرة الخوف ونتيجته القبض فلذلك ذكره بعدهما فقال ربما أفادك في ليل القبض ما لم تستفده في إشراق نهار البسط لا تدرون أيهم اقرب لكم نفعاً قلت القبض والبسط حالتان يتعاقبان على الإنسان كتعاقب الليل والنهار فالليل محل السكون والقرار والنهار محل التحرك والانتشار القبض لاحظ فيه للنفس والبسط تأخذ النفس حظها منه وما لاحظ فيه للنفس أقرب للسلامة وأعظم للإفادة فالقبض كالليل والليل محل المناجاة والمصافاة وملاقاة الأحباب ورفع الحجاب فربما أفادك في ليل القبض م انخناس النفس وذهاب الحس وموالاة الأنس ما لا تستفيده في نهار البسط من تحصيل العلوم وتحقيق الفنون ومجالسة الأخيار ومخالطة الأبرار فالقبض له فوائد والبسط له فوائد والعبد لا يدري أيهما أقرب له نفعاً فتعين الوقوف مع ما يواجهه من جهة الحق فيتلقاه بالقبول والأدب وقد تقدم آداب كل واحد منهما عند قوله بسطك كي لا يتركك مع القبض الخ فلا تطلب البسط أن واجهك بالقبض ولا تطلب القبض أن واجهك بالبسط فقد تستفيد من أحدهما مالا تستفيده من الآخر فلا تدري أيهما أنفع ولا أيهما أضر ولذلك استدل بالآية التي نزلت في ميراث الأب من الابن فالبسط كالأب لأنه ناشيء من شهود ما منه إليك وهو فعل الحقي الذي صدر مه كل موجود وهو الأصل والقبض كالابن لأنه ناشئ من شهود ما منك إليه وهو الفرع إذ الفعل كله من القدرة وأما الحكمة فإنما هي تغطية وإذا كان العبد جاهلاً بمنتفعتهما كجهله بالأنفع من الآباء والأبناء تعين متابعة الحق باتباع مراده وانتهاجه حاله من غير تحول ولا انتقال ولا تشوف إلى غير ما هو فيه من ذلك الحال بذلك يتنور قلبه ويتطهر سره ولبه فتكشف عنه الحجب والاستار ويتهيأ لحمل الأنوار والأسرار كما أبان ذلك بقوله مطالع الأنوار القلوب والأسرار قلت المطالع جمع مطلع وهو محل طلوع الشمس وغيرها والنوار هنا الواردات والكشوفات التي تكشف الحجب وترفع رداء الصون عن مظاهر الكون وقد تقدم أن النفس والعقل والقلب والروح والسر عند كثير من الصوفية شئ واحد وما هي إلا الروح تتطور بحسب التصفية والترقية فما دامت مشغولة بحظوظها وشهواتها فهي نفس ونورها مكسوف فإذا انزجرت وعقلت بعقال الشرع إلا أنها تميل إلى المعاصي والذنوب فتارة تعصى وتتوب وتارة تحن وتؤوب سميت عقلاً ونروها قليل لأنها محبوسة في سجن الأكوان معقولة بالدليل والبرهان فإذا سكنت عن المعاصي إلا انها تنقلب بين الغفلة واليقظة وبين الاهتمام بالطاعة والمعصية سميت قلباً وهو أول مطالع الأنوار فتشرق عليه أنوار التوجه فلا تزال تترادف عليه الواردات وهي أنوار التوجه

حتى يسكن إلى الله ويطمئن بذكر الله فحينئذ تسمى روحاً وهو أول مطالع أنوار المواجهة فبهذه الأنوار ينكشف الحجاب وينفتح الباب وتدخل في حضرة الأحباب فإذا اتصفت من غبش الحس وتطهرت من كدر الأغيار سميت سراً وهو أول مطالع أنوار المعاينة والمكالمة ثم لا حال ولا مقام يا أهل يثرب لا مقام لكمن فارجعوا وأما الترقي في العلوم والمعارف فلا نهاية له على الأبد فالقلوب مطالع ومشارق أنوار التوجه والأسرار مطالع ومشارق أنوار المواجهة والمشاهدة والمعاينة والروح والسر قريب بعضها من بعض في المرتبة فلذلك سكت الشيخ عن الأرواح لاندراجها في الأسرار والحاصل أن النفوس والعقول الظلمة غالبة عليهما لأنهماكهما في الحس وفنائهما في الغلس والخنس فليستا مطلعاً لشئ من النور لعدم توجههما إلى الكريم الغفور وأما القلب والروح والسر فهي مطالع الأنوار أي محل طلوعها وإشراقها إلا أن القلب مطلع لأنوار التوجه والروح والسر مطلعان لأنوار المواجهة وقد تقدم تفسيرهما عند قوله هتدى الراحلون الخ وقد سوى الشيخ بينهما ومراده ما ذكرناه والله تعالى أعلم ثم بين ابتداء مطلع هذا النور وهو القلب ثم يشرق على الروح ثم على السر فقال نور مستودع في القلوب مدده النور الوارد من خزائن الغيوب قلت النور المستودع في القلوب هو نور اليقين ويكن أولاً ضعيفاً كنور النجوم وهو نور الإسلام ثم لا يزال يتقوي ويستمد من النور الوارد من خزائن الغيوب حتى يكون كنوز القمر وهو نور الإيمان ثم لا يزال ينمو بالطاعة والذكر والصحبة حتى يكون كنور الشمس وهو نور الإحسان وخزائن الغيوب هي أنوار الصفات وأسرار الذات فمنها تستمد أنوار الإسلام وأنوار الإيمان ثم تشرق أنوار الإحسان فيتغطى وجود الأكوان قال في التنوير ولو انهتك حجاب الوهم لوقعي العيان على فقد الأعيان ولا شرق نور الإيقان فغطى وجود الأكوان اه واعلم أن وجه اصطلاح الصوفية رضي الله عنهم في ترتيب الإسلام أولاً ثم الإيمان ثم الإحسام أن العبد ما دام مشغولاً بالعبادة الظاهرة الحسية سمى ذلك المقام مقام الإسلام فإذا انتقل العمل للقلب وهو اشتغاله بتصفية القلب بالتخلية والتحلية وتحقيق الاخلاص سمى ذلك مقام الإيمان فإذا انتقل العمل للروح وللسر وهو الفكرة والنظرة سمى مقام الإحسان بخلاف الفقهاء فإنهم يقدمونن الإيمان على الإسلام فيقولون لا يصح شئ دون الإيمان ولا مشاحة في الاصطلاح قد علم كل أناس مشربهم قال بعض المحققين اعلم ا، لعالم الملك وهو عالم الشهادة أنوار ظاهرة ولعالم الملكوت وهو عالم الغيب أنوار باطنة وأشهر ما في عالم الملك ثلاثة أنوار نور الشمس ونور القمر ونور النجوم ويقابلها من عالم الملكوت نور المعرفة ونور الفهم ونور العلم فبطلوع نجم العلم في ليل الجهل تبدوا الآخرة والأمور الغيبية وبطلوع قمر الفهم في أفق التوحيد يشهد قرب الحق وبطوله شمس المعرفة في أفق التفريد يقوي اليقين ويلوح وجه المشاهدة وأول نور يلج في الصدر نور الإسلام فإذا انشرح القلب به انقذف فيه نور الإيمان فإذا اتقوى فيه صار شهوداً اه المراد منه قلت وبهذا النور وسع القلب معرفة الحق وهو الذي أشار إليه في الحديث القدسي أن يسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن فانظر هذا القلب الذي وسع الرب سبحانه ما أعظمه وأجله فتحبب يا أخي إلى أرباب هذه القلوب التي وسعت علام الغيوب حتى يوصلوك إلى وصلوا إليه من علم الغيوب وبالله التوفيق ثم ذكر ثمرة النور وهي الكشف عن حقائق الأشياء فقال نور يكشف لك له عن آثاره ونور يكشف لك به عن أوصافه قلت أصل النور من حيث هو الكشف فالنور الحسي يكشف عن المحسوسات والنور المعنوي يكشف عن المفهومات أو تقول نور الحس يكشف عن الأواني والنور المعنوي يكشف عن المعاني ولا عبرة برؤية الأواني خاوية عن المعاني ثم أن النور المعنوي ينقسم على ثلاثة أقسام باعتباره القوة والضعف فنور الإسلام الذي هو كالنجوم يكشف لك الحق تعالى به عن وجود آثاره فتستدل بها على صانعها ونور الإيمان الذي هو كالقمر يكشف لك به عن ثبوت أوصافه فلا يترحك شئ أو يسكن إلا تراه بقدرة الله وإرادته وعلمه وحياته إلى آخر صفاته ونور الإحسان يكشف لك به عن حقيقة ذاته فلا ترى شيئاً إلا رأيت صانعه فيه بواسطة تجلياته، الله نور السموات والأرض فنهاية كشف النور ألول

الفناء في الأفعال ونهاية كشف النور الثاني الفناء في الصفات ونهاية كشف النور الثالث التمكين في الفناء في الذات واستغنى الشيخ عن النور الثالث بذكر النور لثاني لأن الفناء في الصفات قريب من الفناء في الذات لأن الصفات لا تفارق الموصوف فمن كان يرى سمعه بالله وبصره بالله وحركته بالله يري وجوده بالله ولذلك استغنى بعضهم بالفناء في الذات عن الفناء في الصفات لتقاربهما فمهما تحقق أحدهما تحقق الآخر والله تعالى أعلم ويحتمل أن يريد بقوله نور يكشف لك به عن آثاره النور الحسي المدرك بالبصر الحسي ونور البصر الحسي لا يستقل بادراك المؤثر في الأثر ما لم تمده الأنوار الباطنية العقلية فالمدار إنما هو على الأنوار الباطنية وأما الحسية فمدركه لكل أحد حتى البهائم فلا خصوصية لها وبالله التوفيق ثم المطلوب من العبد هو الترقي من نور شهود الأثر إلى نور الصفات ثم إلى نور شهود الذات وقد تقف بعض القلوب مع النور الأول فتحجب عن الثاني ومع النثاني فتحجب عن الثالث كما إبان ذلك بقوله ربما وقفت القلوب مع الأنوار كما حجبت النفوس بكثائف الأغيار قلت قد تقف بعض القلوب مع أنوار المقامات دون الوصول إلى الغايات فتحجب عن الوصول كما حجبت النفوس بكثائف الغيار قلت قد تقف بعض القلوب مع أنوار المقامات دون الوصول إل الغايات فتحجبت عن الوصول كما حجبت النفوس بكثائف المحسوسات عن إدراك لظائف المعاني والمفهومات وذلك أما لعدم شيخ التربية أو لضعف الهم عن الترية فقد ينكشف لبعض القلوب عن سر توحيد الأفعال فتفنى في العمل وتذوق حلاوته فتقف مع وهواتف الحقيقة تناديها الذي تطلبه أمامك وقد سنكشف لها عن سر توحيد الصفات وتلوح لها أنوار المقامات كتحقيق الزهد والروع وصحة التوكل والرضى والتسليم وحلاوة المحبة والاشتياق إلى غير ذلك فتقنع بذلك وتقف هنالك والمطلوب هو الكشف عن سر توحيد الذات وأنوار الصفات، وأن إلى ربك المنتهي، فالنور عبارة عن الحلاوة والقوة التي يجدها المريد في باطنه من مزيد إيمان وقوة إيقان فحلاوة الخدمة لأهل الفناء في الأفعال وحلاوة الذكر الحسي اللساني أو القلبي لأهل الفناء في الصفات مع الحجاب وحلاوة الفكرة والنظرة لأهل الفناء في الذات وأن شئت قلت ربما وقفت القلوب مع أنوار الأحوال فتحجبت عن مقامات الرجال أو مع أنوار المقامات الفناء في الذات وإن شئت قلت ربما وقفت القلوب مع أنوار الحوال فتحجبت عن مقامات الرجال أو مع أنوار المقامات فتحجب عن معرفة الذات ولذلك قال لا شيخ ابن مشيش لتلميذه أبي الحسن أشكو إلى الله من برد الرضى والتسليم كما تشكو أنت من حر التدبير والاختيار خاف رضي الله عنه أن يحجب بحلاوة الرضى والتسليم عن شهود لاذات واعلم أن الوقوف مع الأحوال أو المقامات إنما هو من عدم الوصول إلى الشيخ وأما من صحب الشيخ وأكثر الوصول إليه فلا بد أن يرحله إلى المقصود إلا أن يرى همته ضعينة لا تطيق أنوار الشهود فيتركه على ما هو عليه حتى تنهض همته إلى شهود المعبود وشبه الشيخ رضي الله عنه حجب القلوب بالأنوار بحجب النفوس بالأغيار لاشتراكهما في الحجب عن الله لكن حجب النفس بالأغيار أشد لأنها ظلمة والظلمة أشد حجاباً من النور فالقلوب نورانية حجبت بالنور والنفوس ظلمانية حجبت بالظلمة وكثائف الأغيار هي ما ظهر من بهجة الدنيا وزخرفها وغرورها وزهرتها وهي التي أشار إليها الحق تعالى بقوله زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة الخ الآية ويدخل فها ما يلايمها من حب الجاه والرياسة وحب المدح والتعظيم وغير ذلك من شهواتها وعوائدها وهي التي حجبت حل الناس وساقتهم إلى الخيبة والإفلاس نسئل الله العصمة بمنة وكرمه ويدخل في الأغيار العلوم العقلية واللسانية فالاشتغال بها والوقوف مع حلاوتها من أشد الحجب عن معرفة الله أعني المعرفة الخاصة ويدخل فيها أيضاً الكرامات الحسية كالطيران في الهواء والمشي على الماء فالوقوف مع ذلك من أشد الحجب أيضاً ولذلك قال بعضهم أشد حجاباً عن الله العلماء ثم العباد ثم الزهاد فسبحان من حجب العلماء بعلمهم عن معلومهم والعباد بعبادتهم معبودهم والصالحين بصلاحهم عن مصلحهم والله من وراء ذلك كله وفي ذلك كله وفي ذلك يقول الششتري رحمه اللهء في الأفعال ونهاية كشف النور الثاني الفناء في الصفات ونهاية كشف النور الثالث التمكين في الفناء في الذات واستغنى الشيخ عن النور الثالث بذكر النور لثاني لأن الفناء في الصفات قريب من الفناء في الذات لأن الصفات لا تفارق الموصوف فمن كان يرى سمعه بالله وبصره بالله وحركته بالله يري وجوده بالله ولذلك استغنى بعضهم بالفناء في الذات عن الفناء في الصفات لتقاربهما فمهما تحقق أحدهما تحقق الآخر والله تعالى أعلم ويحتمل أن يريد بقوله نور يكشف لك به عن آثاره النور الحسي المدرك بالبصر الحسي ونور البصر الحسي لا يستقل بادراك المؤثر في الأثر ما لم تمده الأنوار الباطنية العقلية فالمدار إنما هو على الأنوار الباطنية وأما الحسية فمدركه لكل أحد حتى البهائم فلا خصوصية لها وبالله التوفيق ثم المطلوب من العبد هو الترقي من نور شهود الأثر إلى نور الصفات ثم إلى نور شهود الذات وقد تقف بعض القلوب مع النور الأول فتحجب عن الثاني ومع النثاني فتحجب عن الثالث كما إبان ذلك بقوله ربما وقفت القلوب مع الأنوار كما حجبت النفوس بكثائف الأغيار قلت قد تقف بعض القلوب مع أنوار المقامات دون الوصول إلى الغايات فتحجب عن الوصول كما حجبت النفوس بكثائف الغيار قلت قد تقف بعض القلوب مع أنوار المقامات دون الوصول إل الغايات فتحجبت عن الوصول كما حجبت النفوس بكثائف المحسوسات عن إدراك لظائف المعاني والمفهومات وذلك أما لعدم شيخ التربية أو لضعف الهم عن الترية فقد ينكشف لبعض القلوب عن سر توحيد الأفعال فتفنى في العمل وتذوق حلاوته فتقف مع وهواتف الحقيقة تناديها الذي تطلبه أمامك وقد سنكشف لها عن سر توحيد الصفات وتلوح لها أنوار المقامات كتحقيق الزهد والروع وصحة التوكل والرضى والتسليم وحلاوة المحبة والاشتياق إلى غير ذلك فتقنع بذلك وتقف هنالك والمطلوب هو الكشف عن سر توحيد الذات وأنوار الصفات، وأن إلى ربك المنتهي، فالنور عبارة عن الحلاوة والقوة التي يجدها المريد في باطنه من مزيد إيمان وقوة إيقان فحلاوة الخدمة لأهل الفناء في الأفعال وحلاوة الذكر الحسي اللساني أو القلبي لأهل الفناء في الصفات مع الحجاب وحلاوة الفكرة والنظرة لأهل الفناء في الذات وأن شئت قلت ربما وقفت القلوب مع أنوار الأحوال فتحجبت عن مقامات الرجال أو مع أنوار المقامات الفناء في الذات وإن شئت قلت ربما وقفت القلوب مع أنوار الحوال فتحجبت عن مقامات الرجال أو مع أنوار المقامات فتحجب عن معرفة الذات ولذلك قال لا شيخ ابن مشيش لتلميذه أبي الحسن أشكو إلى الله من برد الرضى والتسليم كما تشكو أنت من حر التدبير والاختيار خاف رضي الله عنه أن يحجب بحلاوة الرضى والتسليم عن شهود لاذات واعلم أن الوقوف مع الأحوال أو المقامات إنما هو من عدم الوصول إلى الشيخ وأما من صحب الشيخ وأكثر الوصول إليه فلا بد أن يرحله إلى المقصود إلا أن يرى همته ضعينة لا تطيق أنوار الشهود فيتركه على ما هو عليه حتى تنهض همته إلى شهود المعبود وشبه الشيخ رضي الله عنه حجب القلوب بالأنوار بحجب النفوس بالأغيار لاشتراكهما في الحجب عن الله لكن حجب النفس بالأغيار أشد لأنها ظلمة والظلمة أشد حجاباً من النور فالقلوب نورانية حجبت بالنور والنفوس ظلمانية حجبت بالظلمة وكثائف الأغيار هي ما ظهر من بهجة الدنيا وزخرفها وغرورها وزهرتها وهي التي أشار إليها الحق تعالى بقوله زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة الخ الآية ويدخل فها ما يلايمها من حب الجاه والرياسة وحب المدح والتعظيم وغير ذلك من شهواتها وعوائدها وهي التي حجبت حل الناس وساقتهم إلى الخيبة والإفلاس نسئل الله العصمة بمنة وكرمه ويدخل في الأغيار العلوم العقلية واللسانية فالاشتغال بها والوقوف مع حلاوتها من أشد الحجب عن معرفة الله أعني المعرفة الخاصة ويدخل فيها أيضاً الكرامات الحسية كالطيران في الهواء والمشي على الماء فالوقوف مع ذلك من أشد الحجب أيضاً ولذلك قال بعضهم أشد حجاباً عن الله العلماء ثم العباد ثم الزهاد فسبحان من حجب العلماء بعلمهم عن معلومهم والعباد بعبادتهم معبودهم والصالحين بصلاحهم عن مصلحهم والله من وراء ذلك كله وفي ذلك كله وفي ذلك يقول الششتري رحمه الله

تقيدت بالأوهام لما تداخلت ... عليك ونور العقل أورثك السجنا
وهمت بأنوار فهمنا أصولها ... ومنبعهما من أين كان فما همنا
وقد تحجب الأنوار للعبد مثل ... ما تبعد من الظلام نفس حوت ضعنا
وحكمة وجود هذه الأنوار الحسية والأغيار ولظلمانية تغطية وستر لأنوار السرائر الباطنية كما أبان ذلك بقوله ستر أنوار السرائر بكثائف الظواهر إجلالاً لها أن تبتذل بوجود الإظهار أن ينادي عليها بلسان الاشتهار قلت أنوار السرائر هي العلوم اللدنية والمعارف الربانية ويجمعها علم الربوبية الذي يجب كتمه عن غير اهله ومن أباحه أبيح دمه وهو الذي قتل بسببه الحلاج وكثائف الظواهر هي البشرية الظاهرة أو تقول أنوار السارئر هي الحرية الباطنية وكثائف الظواهر هي العبودية الظاهرية أو تقول أنوار السرائر هي علم القدرة الباطنية وكثائف الظواهر هي علم الحكمة الظاهرة فأنوار السرائر معان لطيفة رقيقة سترها الله تعالى بالكثائف الظاهرة ولذلك وقع الإنكار على أهلها قديماً وحديثاً حتى قال الكفار ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق وقالوا ما ذا إلا بشر مثلكم ووقوع الإنكار على أولياء الله سنة ماضية وحكمة ذلك إجلال وتعظيم لها أن تبتذل وتظهر بوجود الإظهار وأن ينادي عليها بلسان الاشتهار فلا يبقى لها سر ولا عز ولهذا طلب الأولياء بالخمول واستعمال الخراب والتلبيس قال الششتري رضي الله عنه
إذا رأيت الوجود ... قد لاح في ذاتك
هودس ولازم الجحود ... ذاتك صفاتك
واضرب بترسك ال ... عقود وألق عصاتك
والتهودس التحمق والترس ما يستر به الإنسان مواقع النبل والمراد بالعقود العلائق والشواغل أي اضرب بسيف عزمك علائقك وعوائقك والقاء العصى كناية عن طرح كل ما يستند إليه أو يعتمد عليه من أصحاب أو أحباب أو أسباب أو حول أو قوة أو غير ذلك مما يقع الركون إليه ويحتمل أن يريد بأنوار السرائر معاني الصفات السارية في الذات وبكثائف الظواهر المحسوسات الظاهرة فلا ظهور للصفات إلا بالذوات الحسية ولا قيام للذوات إلا بالصفات فستر الله سبحانه صفاته الأزلية اللطيفة بظهور الذوات البشرية الكثيفة صونا لسر الربوبية أن يبتذل بالإظهار أو ينادي عليه بلسان الاشتهار والحاصل أن الأشياء كلها قائمة بين ذات وصفات بين حس ومعنى بين قدرة وحكمة فستر الحق سبحانه معاني أسرار الذات اللطيفة بظهور الذوات الكثيفة وستر المعنى اللطيف بالحس الكثيف وستر القدرة بالحكمة والكل من الله وإلى الله ولا موجود سواه وهذه الكثائف الظاهرة هي أردية وقمص للمعاني اللطيفة أو تقول هي رداء الصون الذي نشر على الكون فإذا انهتك الرداء أو قطع بقي المعنى سالماً فالتصرفات القهرية إنما تجر الأردية ولستور دون المعاني والنور فالحق منزه ومقدس أن يلحقه ما يلحق العبد فلتكف عن طلب المزيد والعجز عن الادراك من وصف العبيد وقد مثلوا أيضاً كمون المعاني اللطيفة في الأشباح الكثيفة بالحبوب اليابسة في الأغصان الرطبة فهي كامنة مستترة فإذا نزل المطر اخضرت الأشجار وأخرجت الثمار التي كانت كامنة فيها وإلى هذا المعني أشار ابن البناء في مباحثه الأصلية حيث قال
وهي من النفوس في كمون ... كما يكون الحب في الغصون
حتى إذا أرعدت الرعود ... وانسكب الماء ولأن العود
وجال في أغصانها الرياح ... فعندها يرتقب اللقاح

هذا آخر الباب السادس عشر وحاصلها آداب السائر في حال سيره بحيث لا يقف مع معصية ولا يركن إلى طاعة ولا يغلب عليه خوف ولا رجاء ولا قبض ولا بسط بل يبرز من الغيب فينلقاه بالمعرفة والرحب فإذا فعل ذلك أشرقت لعيه الأنوار فتخرجه من رق الآثار حتى تفضى بع إلى شهود الملك القهار لكن لا بد للحسناء من نقاب وللشمس من سحاب ولليواقيت من صوان فخفيت الأنوار بكثائف الأغيار إجلالاً لها أن تبتذل بوجود الإظهار وأن ينادي عليها بلسان الاشتهار فمن أحل ذلك أخفى أوليائه في خلقه فلا يطلع عليهم إلا من أراد أن خصه بما خصهم به من سره كما بان ذلك في أول الباب السابع عشر بقوله وقال رضي الله عنه سبحان من لم يجعل الدليل على أوليائه إلا من حيث الدليل عليه ول يوصل إليهم إلا من أراد أن يوصله إليه قلت الدليل هو الموصل للمطلوب فلذا صار الحق تعالى بك إلى ولى عارف به ودلك عليه فقد سار بك إلى معرفته ودلك عليه فمنهما دلك على وليه وأطلعك على سره فقد دلك عليه ووصلك إلى حضرته شريعاً فلم يجعل الحق سبحانه الدلالة على أوليائه والوصول إليهم إلا من جهة الدلالة عليه ولم يوصل أحداً إليهم إلا من أراد أن يوصله إليه فلأجل هذه الملازمة وعدم الإنفكاك تعجب الشيخ من ذلك وقال شخنا رضي الله عنه في قوله المؤلف رضي الله عنه وصولك إلى الله وصولك إلى العلم به قال وصولك إليه وصولك إلى عارف به يعني مهما وصلك إلى عارف به وأطلعك عليه فقد وصلك إليه ومهما حجبك عن العارفين به فقد حجبك عنه فلا طريق إلى معرفة الله إلا من طريق معرفتهم ولا دليل على الله أعني على معرفته الخاصة العيانية إلا من حيث الدليل عليهم وكما حجب الحق سبحانه ذاته المقدسة بعزته وقهريته كذلك حجب أولياءه بما أظهر عليهم من أوصاف البشرية فلا يعرفهم إلا من سبقت له العناية الربانية إذ لا يعرف الخواص إلا الخواص قال في لظائف المنن أهل الله من خاصة عباده هم عرائس الوجود والعرائس محجبون عن المجرمين فهم أهل كهف الأيواء فقليل من يعرفهم وقال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه معرفة الولى أصعب من معرفة الله فإن الله معروف بكماله وجماله ومتى تعرف مخلوقاً مثلك يأكل كما تأكل ويشرب كما تشرب ثم قال وإذا أراد أن يعرفك بولى من أوليائه طوى عنك شهود بشريته وأشهدكن وجود خصوصيته أيضاً فإن الولى لا يعرف بالصورة الظاهرة وإنما يعرف بالمعاني الباطنة لأن الله لا يعبأ بالصور رب أشعث اغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لا بره في قسمه فمن أراد معرفته بالصورة فلا يعرفه لأنه لا يري إلا بشراً يأكل الطعام ويمشي في الأسواق فالعين لا ترى إلا الأجسام الكثيفة التي يطرأ عليها ما يطرأ على أهل الحجاب ولم يدرك ما انطوت عليه الصورة من المعاني اللطيفة والأسرار المنيفة فمن أراد الله سعادته رزقه الاعتقاد والتصديق أولاً ثم الهداية والتوفيق ثانياً فالتصديق بأسرار الولاية أول المعرفة ولهذا قال الشيخ أبو الحسن التصديق بطريقتنا هذه ولاية وقال بعضهم لله رجال لا يعرفهم إلا الخاصة ولله رحال يعرفهم الخاصة والعامة ولله رجال لا يعرفهم لا الخاصة ولا العامة ولله رجال أظهرهم في البداية وسترهم في النهاية ولله رجال سترهم في البداية وأظهر في النهاية ولله رجال لا يعرفهم سواه ولا يطلع على ما بينه وبينهم إلا الحفظة الكرام الذين وكلوا بحفظ السرائر ولله رحال اختص الله بمعرفتهم لا يظهر حقيقة ما بينه وبينهم إلى الحفظة فمن سواهم حتى يلقونه فهم شهداء الملكوت الأعلى وهم المقربون وهم الذين يتولى الله قبض أرواحهم بيده وهم الذين طابت أجسامهم من طيب أرواحهم فلا يعدو عليها الثرى حتى يبعثون مشرقين بانو أر البقاء المجعول فيهم ببقاء الأبد مع الباقي الأحد وهم المخففون تحت حجاب الأنس المغموسون في بحار والقدس فليس لهم مع غيره قرار ولا عن أنفسهم أخبار تولى الله شأنهم ومن يتولى الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله م الغالبون اه قال الشطبي وهذه السرار التي انطوت عليها أسرار الأولياء واحتجبت عن العامة هي أسرار الملكوت الغيبية التي أشار إليها بقوله ربما أطلعك على غيب ملكوته وحجب عنك الاستشراف على أسرار العباد قلت الملكوت مبالغة في الملك هذا باعتبار اللغة وأما باعتبار اصطلاح الصوفية فالعوالم ثلاثة ملك وملكوت وجبروت فالملك ما يدرك بالحس

والوهم والملكوت ما يدرك بالعلم والفهم والجبروت ما يدرك بالبصيرة والمعرفة وهذه المعرفة وهذه العوالم محلها واحد وهو لوجود الأصلى والفرعي وإنما تختلف التسمية باختلاف النظرة وتختلف النظرة باختلاف الترقي في المعرفة فالوجود عند المحققين من العارفين واحد قسم لطيف غيب لم يدخل عالم التكوين وقسم كثيف دخل عالم التكوين فالأول يسمى عالم الغيب والثاني علام الشهادة وما كان خفياً في عالم الغيب ظهر في عالم الشهادة فمن نظر إلى حس الأشياء الظاهر سماه ملكاً ويسمى أيضاً عالم الحكمة وعالم الأشباح ومن نظر إلى أسرار المعاني القائمة بالأواني وهي أسرار الذات القائمة بانوار الصفات سماه ملكوتاً ومن نظر إلى السرار الأزلية التي كانت حال الكنزية التي لم تدخل علام التكوين سماه جبروتاً أو تقول ومن نظر إلى الكثيف الذي دخل التكوين ورآه مشتغلاً بنفسه قائماً بقدرة اله سمى في حقه ملكاً وهو لأهل الحجاب من أهل الفرق وبم رآه نوراً فائضاً من النور اللطيف متصلاً به إلا انه تكثف بالقدرة وتستر بالحكمة سماه ملكوتاً وسمى اللطيف الباقي على أصله الذي لم يدخل عالم التكوين الذي هو اول كل شئ وآخر كل شئ ومحيطاً بكل شئ جبروتاً فإن ضم الفرع إلى أصله والكثيف إلى اللطيف سمى الجميع جبروتاً وهذه المعاني لا يفهمها إلا أهل الأذزاق بصحبة أهل الأذواق وحسب من لم يبلغ لهذا المقام التسليم وإلا وقع في الإنكار على أولياء الله بما لم يحط به علماً ولنرجع إلى كلام الشيخ رضي الله عنه فنقول ربما كشف الله عنك الحجاب وترقيت إلى الدخول مع الأحباب فأخرجك من سجن رؤية الأكوان إلى شهود المكون ومن علم الأشباح إلى عالم الأرواح فأطلعك عل غيب ملكوته فأبصرت الكون كله نوراً فاشضاً من بحر الجبروت فالحقته بأصله وفنيت عن شهود الملك الذي هو عالم الفرق بشهود الملكوت الذي هو عالم الجمع الذي قال فيه ابن البناءوالوهم والملكوت ما يدرك بالعلم والفهم والجبروت ما يدرك بالبصيرة والمعرفة وهذه المعرفة وهذه العوالم محلها واحد وهو لوجود الأصلى والفرعي وإنما تختلف التسمية باختلاف النظرة وتختلف النظرة باختلاف الترقي في المعرفة فالوجود عند المحققين من العارفين واحد قسم لطيف غيب لم يدخل عالم التكوين وقسم كثيف دخل عالم التكوين فالأول يسمى عالم الغيب والثاني علام الشهادة وما كان خفياً في عالم الغيب ظهر في عالم الشهادة فمن نظر إلى حس الأشياء الظاهر سماه ملكاً ويسمى أيضاً عالم الحكمة وعالم الأشباح ومن نظر إلى أسرار المعاني القائمة بالأواني وهي أسرار الذات القائمة بانوار الصفات سماه ملكوتاً ومن نظر إلى السرار الأزلية التي كانت حال الكنزية التي لم تدخل علام التكوين سماه جبروتاً أو تقول ومن نظر إلى الكثيف الذي دخل التكوين ورآه مشتغلاً بنفسه قائماً بقدرة اله سمى في حقه ملكاً وهو لأهل الحجاب من أهل الفرق وبم رآه نوراً فائضاً من النور اللطيف متصلاً به إلا انه تكثف بالقدرة وتستر بالحكمة سماه ملكوتاً وسمى اللطيف الباقي على أصله الذي لم يدخل عالم التكوين الذي هو اول كل شئ وآخر كل شئ ومحيطاً بكل شئ جبروتاً فإن ضم الفرع إلى أصله والكثيف إلى اللطيف سمى الجميع جبروتاً وهذه المعاني لا يفهمها إلا أهل الأذزاق بصحبة أهل الأذواق وحسب من لم يبلغ لهذا المقام التسليم وإلا وقع في الإنكار على أولياء الله بما لم يحط به علماً ولنرجع إلى كلام الشيخ رضي الله عنه فنقول ربما كشف الله عنك الحجاب وترقيت إلى الدخول مع الأحباب فأخرجك من سجن رؤية الأكوان إلى شهود المكون ومن علم الأشباح إلى عالم الأرواح فأطلعك عل غيب ملكوته فأبصرت الكون كله نوراً فاشضاً من بحر الجبروت فالحقته بأصله وفنيت عن شهود الملك الذي هو عالم الفرق بشهود الملكوت الذي هو عالم الجمع الذي قال فيه ابن البناء
مهما تعديت عن الأجسام ... أبصرت الحق ذا ابتسام

وحجب عنك الاستشراق على أسرار العباد رحمة بك لأنك قد تحجب بذلك عن شهود الملكوت فلا عبرة عند المحققين بمكاشفة أسرار العباد فقد تون عقوبة في حق صاحبها كما يأتي وقد يكون ذلك لمن لا استقامة له أصلا كالكهان والسحرة وغيرهم والغالب أن أهل شهود الملكون يحجبون عن مكاشفة أسرار العباد لاشتغالهم بما هو أعظم وأحظى عند الله وإنما تكون هذه المكاشفات عند العباد والزهاد وأهل الرياضيات والمجاهدات ولا تنكر أن تكون عند العارفين فقد تجتمع لهم المكاشفة والكشف أي مكاشفة أسرار العباد وكشف الحجاب عن الفؤاد إلا أن الغالب هو استغراق الروح في شهود نور الملكوت دون الاستشراف إلى أسرار العباد التي هي من عالم الملك وقد كان الشيخ أبو يعزي رضي الله عنه يطلع على سرائر الناس ويفضهم فكتيب إليه شيخه أبو شعيب أيوب المعروف بالسارية من أزمور يحذره من ذلك وينهاه عن هتك أستار المسلمين فكتب له الشيخ أبو يعزي يجيبه ليس هذا من دقرة البشر أن يسع أحد معرفة أسرار العباد وإخراج عيوبهم من عالم الغيب إلى عالم الشهادة وإنما هو شئ يلقي إلى ويقال لي قل واسمع الخطاب أنت أية من آيات الله والمراد منك أن يتوب الخلق على يديك فتأخذني غلبة وتستولى على ملكه لا أقدر معها عن الكف عن القول اه وكان الشيخ أبو عبد الله التاوى يقول ما قطعه الشيخ أبو يعزي في ستة عشر سنة قطعته أنا في أربعين يوماً ولم يشم لطريقتنا هذه غباراً والله تعالى أعلم وكلهم أولياء الله نفعنا الله بذكرهم وليس قصدنا تنقيص أحد منهم وإنما مرادنا أن طريق المكاشفة ليس هي النهاية بل قال بعضهم هي البداية وبالله التوفيق وقد تكون وبالا في حق المريد كما أبان ذلك بقوله من أطلع على أسرار العباد ولم يتخلق بالرحمة الإلهية كان إطلاعه فتنة لعيه وسبباً بحر الوبال إليه قلت الاظلاع على أسرار العباد قبل التمكن في الشهود والتخلق بأخلاق الملك المعبود فتنة عظيمة وبلية ومصيبة وذلك لأنه قبل التمكين في المعرفة قد يشتغل بذلك قلبه وينشوش خاطره ولبه فيفتره عن الشهود ويفتنه عن الرسوخ في معرفة الملك الودود وأيضاً ما دامت النفس ولم يقع الفناء عنها قد يعتقد بذلك المزية على الناس فيدخله الكبر والعجب وهما أصل المعاصي فكان اظلاعه حينئذ على أسرار العباد سبباً في جر هذا الوبال أي العقوبة إليه وهو التكبر على الناس واعتقاد المزية عليهم وهو سبب البعد عن الله بخلاف ما إذا تمكن في معرفة الحق وتخلق بأخلاقه وتحقق بمعاني صفاته وأسمائه فإنه يكون على خلق الرحمن فإذا اطلع على معاصي العباد ومساويهم رحمهم وسترهم وحلم عليهم

وقد قال عليه السلام الخلق عيال الله وأقربكم إلى الله أرحمكم بعياله وقال صلى الله عليه وسلم الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء وفي الإشارات عن الله سبحانه عبدي أن أستخلفك شققت لك من الرحمانية شقاً فكنت أرحم من المرء بنفسه وروى أن إبراهيم عليه السلام حدث نفسه أنه أرحم الخلق فرفعه الله حتى أشرف على أهل الأرض فأبصر أعمالهم وما يفعلون فقال يا رب دمر عليهم فقال له الله تعالى أنا أرحم الخلق فرفعه الله حتى أشرف على أهل الأرض فأبصر أعمالهم وما يفعلون فقال يا رب دمر عليهم فقال له الله تعالى أنا أرحم بعبادي منك يا إبراهيم فلعلهم يتوبون ويرجعون وفي بعض التفاسير أنه كان يعرج كل ليلة إلى السماء وهو قوله تعالى وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السموات والأرض فعرج به ذات ليلة فاطلع على مذنب على فاحشة فقال اللهم أهلكه يأكل رزقك ويمشي على أرضك ويخالف أمرك فأهلكه الله تعالى فاطلع على آخر فقال اللهم أهلكه فنودي كف عن عبادي رويداً رويداً فأني طالما رأيتهم عاصين وفي رواية أخرى فأوحى الله إليه يا إبراهيم أين رحمتك للخلق أنا أرحم بعبادي منك أما يتوبون فأتوب عليهم وأما أن أخرج من أصلابهم من يسبحني ويقدسني وأما أن يبعثوا في مشيئتي فأعفوا العاقل يا إبراهيم كفر ذنبك في دعوتك بدم قربان فنحرا بلافنودي في الليلة الثانية كفر ذنبك بدم فذبح بقراً فقيل له في الثالثة فذبح غنماً فقيل له في الرابعة كذلك فقرب من الأنعام إل الله ما بقي عنده فقيل له في الخامسة فقال يا رب لم يبق لي شئ فقيل له إنما تكفر ذنبك بذبح ولدك لأنك دعوت على العصاة فهلكوا فملا شمر لذلك وأخذ السكين بيده قال اللهم هذا ولدي وثمرة فؤادي وأحب الناس إلى فسمع هاتفاً يقول أما تذكر الليلة التي سأتل اهلاك عبادي أو ما تعلم أني رحيم بعبادي كما أنت شفيق بولدي فإذا سألتني أهلاك عبادي سألتك ذبح ولدك واحداً بواحد والبادي اظلم اه ولما كان الاطلاع على أسرار العباد قد يدرك بكثرة الطاعات والاجتهاد فقد تقصد النفس بالطاعة هذا الحظ الدنئ وهو مرض خفي نبه عليه الشيخ بقوله حظ النفس في المعصية ظاهر جلى وحظها في الطاعة باطن خفي ومداواة ما خفي صعب علاجه قلت حظ النفس في لمعصية هي متعة البشرية الظاهرة كلذة الأكل والشرب والنكاح وسماع اللهو وغير ذلك مما هو أذواق الحس التي هي محرمة.

وحظها في الطاعة هي طلب الكرامات وخوارق العادات والاطلاع على المغيبات وكحب الخصوصية والمنزلة عند الناي ومداواة هذا المرض الأول الجلي لأن مداواة المرض الحسي الخفي أصعب من مداواة الجلي فكذلك المعنوي الباطني ما كان جلياً متعلقاً بالنفس أصعب مما خفياً متعلقاً بالروح فالأول يمكن دواؤه بالعزلة والفرار من مواطن الأشرار وبصحبة الأخيار وبكثرة الطاعة والإذكار بخلاف الثاني فلا تزيده الطاعة إلا كثرة وقوة إذ بها صارت تطلب حظها فلا يداويها من هذا إ خوف مزعج أو شوق مقلق أو ولى عارف محقق يصحبه بالمحبة والتصديق قال بعضهم من عسرت عليه نفسه فليسلمها إلى شيخ التربية قال تعالى وأن تعاسر ثم فسترضع له أخرى وأن عسرت عليكم أنفسكم فسترضع له نفسه نفس أخرى حتى يكمل أوان فطامها فإن لم يكن واحد من هذه مات وهو سقيم ولم يلق الله بقلب سليم فالواجب على العبد اتهام نفسه ومراقبة قلبه فلذا استحلت النفس شيئاً من الطاعات وألفته إخراجها إلى غيرها ولو كانت مفضولة في ظاهر أمرها وسيأتي للشيخ إذا التبس عليك أمران أنظر أثقلهما على النفس فإنه لا يثقل عليها إلا ما كان حقاً قال أبو محمد المرتعش حججت كذا وكذا حجة عن التجريد فبان لي أن جميع ذلك كان مشوباً وذلك أن والدتي سألتني يوماً أن أسقي لها جرة ماء فثقل ذلك على فعلمت أن مطاوعة نفسي في الحج كانت لحظ وشوب إذ لو كانت نفسي فانية لم يصعب عليها ما هو حق في الشرع وقال الشيخ أحمد ابن أرقم رضي الله عنه حدثني نفسي بالخروج إلى الغزو فقلت سبحان الله أن الله تعالى يقول أن النفس لأمارة بالسوء وهذه تأمرني بالخير لا يكون هذا أبداً ولكنها استوحشت تريد لقاء الناس فتستروح إليهم ويتسامع الناس بها فيستقبلونها بالتعظيم فقلت لها لا أسلك العمران ولا أنزل على معرفة فأجابت فأسأت ظني وقلت الله أصدق قولاً فقلت لها أقتل العدو حاسراً بالرأي من غير وقاية فتكوني أول قتيل فأجابت ثم عد أشياء كلها أجابت لها فقلت يا رب نبهني بها فإني لها متهم ولو قولك مصدق فألهمت كأنها تقول أنك تقتلني كل يوم مرات بمخالفتك أياي ومنع شهواتي ولا يشعر بي أحد فإن قاتلت كانت قتلة واحدة فنجوت منك ويتسامع الناس فيقولوا استشهد أحمد فيكون شرفاً وذكراً في الناس فقعدت ولم أخرج ذلك العام اه وقال الجنيد رضي الله عنه ضاقت على نفسي ليلة حتى لم أطق الصبر فخرجت ذاهباً على وجهي فانتهيت إلى رجل مطروح في المقابر مغطى الرأس فلما أحس بي قال أبو القاسم قلت نعم قال متى يصير داء النفس دواؤها فقلت إذا خالفت خواها صار دواؤها دواؤها فقال لنفسه اسمعي فقد أجبتك بهذا مرارا وأنت تقولي حتى أسمع ذلك من الجنيد قال الجنيد فانصرفت وما عرفته اه ثم فسر الشيخ ذلك الداء الذي يكون خفياً في الطاعة ببعض جزئياته وهو أعظمها فقال ربما دخل الرياء عليك حيث لا ينظر الخلق إليك قلت الرياء هو طلب المنزلة عند الناس وقصد ذلك بعمل صالح سواء كان ذلك العمل ظاهراً للناس وهو الغالب أو خفياً عنهم فقد يكون الرياء في العمل الخفي فيدخل الرياء عليك حيث لا ينظر أحد إليك وهذا أصعب من الأول لأنه أخفي من دبيب النمل كما في الحديث وكان بعض العارفين يقول اجتهدت في إزالة الرياء من قلبي بكل حيلة فما أزلته من جهة حتى نبت من أخرى من حيث لا أظنه وقال بعضهم من أعظم الرياء من رأى العطاء والمنع والضرر والنفع من الخلق وقال بعضهم أقسام الرياء ثلاثة كلها علة في الدين الأول وهو أعظمها أن يقصد بعمله الخلق ولولاهم لم يعمل الثاني أ، يعمل للمدحة والثناء ولو لم يعلمه الناس الثالث أن يعمل لله ويرجو على عمله الثواب ورفع العقاب وهذا النوع جيد من وجه معلول من وجه عند العارفين رياء وعند عامة المسليمن إخلاص وقد قيل في قوله تعالى والعمل الصالح يرفعه هو السالم من الرياء ظاهراً وباطناً بحيث لا يريد عامله حظاً دنيوياً ولا أخروياً والعرائي علامات لا تخفى منها نشاطه في الجلوة وكسله في الخلوة أو إتقان العمل حيث يراه الناس وتساهله حيث لا يراه إلا الله ومنها التماسه بقلبه توقير الناس له وتعظيمه ومسارعتهم إلى قضاء حوائجه وإذا قصر أحد في حقه الذي يستحقه عند نفسه استبعد ذلك واستنكر ويجد تفرقة بين إكرامه وأكرام غيره أهانته وإهانة غيره من إقرانه حتى ربما يظهر بعض سخفاء العقول ذلك على

ألسنتهم فيتوعدون من قصر في حقهم بمعاجلة الله الله لهم بالعقوبة وأن الله تعالى لا يدعهم حتى ينتصر لهم ويأخذ ثأرهم فإن وجد الفقير هذه الأمارت في نفسه فليعلم انه مارءي بعمله وأن أخفاه عن أعين الناس وقد روى عن على كرم الله وجهه أن الله تعالى يقول للفقراء يوم القيامة ألم تكونوا ترخص عليكم الأسعار ألم تكونوا تبادرون بالسلام ألم تكونوا تقضي لكم الحوائج وفي الحديث الآخر لكم قد استوفيتم أجوركم وقال عبد الله بن المبارك روى عن وهب بن منبه رضي الله عنه أن رجلاً من العباد قال لأصحابه أنا إنما فارقنا الأموال والأولاد مخافة الطغيان فنخاف أن يكون قد دخل علينا في أمرنا هذا من الطغيان أكثر مما دخل على أهل الأموال في أموالهم أن أحدنا إذا لقي أحب أن يعظم لمكانه دينه وإن سأل حاجة أحب أن تعطي له المكان دينه وإن اشترى شيئاً أحب أن يرخص عليه لمكان دينه فبلغ ذلك ملكهم فركب في موكب من الناس فإذا السهل والجبل قد امتلأ من الناس فقال السائح ما هذا قيل له الملك قد أظللك فقال للغلام اتني بطعام فأتاه ببقل وزيت وقلوب الشجرة فأقبل يحشو شدقه ويأكل أكلاً عنيفاً فقال الملك أين صاحبكم قالوا هذا قالوا له كيف أنت قا كالناس وفي حديث آخر بخير فقال الملك ما عند هذا من خير فانصرف عنه فقال السائح الحمد لله الذي صرفك عني وأنت لي ذام ومن هذا النوع من الرياء خاف الكبار وعدوا أنفسهم من الأشرار كما روى عن الفضيل رضي الله عنه أنه قال من أراد أن ينظر إلى مراءي فلينظر إلى هذا وسمع مالك بن دينار امرأة تقول له يامراءي فقال يه هذه وجدت إسمي الذي أضله أهل البصرة إلى غير هذا مما روى عنهم في هذا المعنى ولا يسلم من الرياء الجلي والخفي إلا العارفون الموحدون لأن الله تعالى طهرهم من دقائق الشرك وغيب عن نظرهم رؤية الخلق بما أشرق على قلوبهم من أنوار اليقين والمعرفة فلم يرجو منهم حصول منفعة ولم يخافوا منهم وجود مضرة فأعمال هؤلاء خالصة وإن عملوها بين اظهر الناس ومن لم يحظ بهذا وشاهد الخلق بهذا وشاهد الخلق وتوقع منهم حصول المنافع ودفع المضار فهو مراء بعمله وإن عبد الله تعالى في قنة جبل بالنون أي أعلاه قاله الشيخ ابن عباد رضي الله عنه اه الخ ومنها أي ومن علامة الرياء الخفية أيضاً إستشراف العبد وتطلعه أن يعلم الناس بخصوصيته كما أشار إليه بقوله إستشرافك أن يعلم الخلق بخصوصيتك دليل على عدم صدقك في عبوديتك قلت إذا خصك الحق تعالى أيها الفقير بخصوصية من خصوصية خواصه كزهد أو ورع أو توكل أو رضي أو تسليم أو محبة أو يقين في القلب أو معرفة أو اظهر على ييك كرامة حسية أو معنوية أو استخرجت فرتك حكماً أو مواهب كسبية أو لدنية ثم استشرفت أي تطلعت وتمنيت أن يعلم الخلق بخصوصيتك بأن يطلعوا على تلك الخصوصية التي خصك الله بها فذلك دليل علة وجود الرياء الخفي في باطنك ودليل على عدم صدقك في عبوديتك بل أنت كاذب فيها إذ لو كنت صادقاً في عبوديتك لا كتفيت بعلم الله وقنعت بمراقبته إياك واستغنيت به عن رؤية غيره فالواجب على الفقير إذا خصه الله بخصوصية كتمها وجحدها وسترها إلا عن شيخه فإن أظهرها فهو على خطر فقد يكون تحدثاً وقد يكون نجحاً وفي الكتمان السلامة وقد تقدم قول الشيخ من رأيته مجيباً عن كل ما سئل ومعبراً عن كل ما شهد وذاكراً كل ما علم فاستدل بذلك على وجود جهله وفي هذه المعنى قال شيخ شيوخنا المجذوب رضي الله عنه:تهم فيتوعدون من قصر في حقهم بمعاجلة الله الله لهم بالعقوبة وأن الله تعالى لا يدعهم حتى ينتصر لهم ويأخذ ثأرهم فإن وجد الفقير هذه الأمارت في نفسه فليعلم انه مارءي بعمله وأن أخفاه عن أعين الناس وقد روى عن على كرم الله وجهه أن الله تعالى يقول للفقراء يوم القيامة ألم تكونوا ترخص عليكم الأسعار ألم تكونوا تبادرون بالسلام ألم تكونوا تقضي لكم الحوائج وفي الحديث الآخر لكم قد استوفيتم أجوركم وقال عبد الله بن المبارك روى عن وهب بن منبه رضي الله عنه أن رجلاً من العباد قال لأصحابه أنا إنما فارقنا الأموال والأولاد مخافة الطغيان فنخاف أن يكون قد دخل علينا في أمرنا هذا من الطغيان أكثر مما دخل على أهل الأموال في أموالهم أن أحدنا إذا لقي أحب أن يعظم لمكانه دينه وإن سأل حاجة أحب أن تعطي له المكان دينه وإن اشترى شيئاً أحب أن يرخص عليه لمكان دينه فبلغ ذلك ملكهم فركب في موكب من الناس فإذا السهل والجبل قد امتلأ من الناس فقال السائح ما هذا قيل له الملك قد أظللك فقال للغلام اتني بطعام فأتاه ببقل وزيت وقلوب الشجرة فأقبل يحشو شدقه ويأكل أكلاً عنيفاً فقال الملك أين صاحبكم قالوا هذا قالوا له كيف أنت قا كالناس وفي حديث آخر بخير فقال الملك ما عند هذا من خير فانصرف عنه فقال السائح الحمد لله الذي صرفك عني وأنت لي ذام ومن هذا النوع من الرياء خاف الكبار وعدوا أنفسهم من الأشرار كما روى عن الفضيل رضي الله عنه أنه قال من أراد أن ينظر إلى مراءي فلينظر إلى هذا وسمع مالك بن دينار امرأة تقول له يامراءي فقال يه هذه وجدت إسمي الذي أضله أهل البصرة إلى غير هذا مما روى عنهم في هذا المعنى ولا يسلم من الرياء الجلي والخفي إلا العارفون الموحدون لأن الله تعالى طهرهم من دقائق الشرك وغيب عن نظرهم رؤية الخلق بما أشرق على قلوبهم من أنوار اليقين والمعرفة فلم يرجو منهم حصول منفعة ولم يخافوا منهم وجود مضرة فأعمال هؤلاء خالصة وإن عملوها بين اظهر الناس ومن لم يحظ بهذا وشاهد الخلق بهذا وشاهد الخلق وتوقع منهم حصول المنافع ودفع المضار فهو مراء بعمله وإن عبد الله تعالى في قنة جبل بالنون أي أعلاه قاله الشيخ ابن عباد رضي الله عنه اه الخ ومنها أي ومن علامة الرياء الخفية أيضاً إستشراف العبد وتطلعه أن يعلم الناس بخصوصيته كما أشار إليه بقوله إستشرافك أن يعلم الخلق بخصوصيتك دليل على عدم صدقك في عبوديتك قلت إذا خصك الحق تعالى أيها الفقير بخصوصية من خصوصية خواصه كزهد أو ورع أو توكل أو رضي أو تسليم أو محبة أو يقين في القلب أو معرفة أو اظهر على ييك كرامة حسية أو معنوية أو استخرجت فرتك حكماً أو مواهب كسبية أو لدنية ثم استشرفت أي تطلعت وتمنيت أن يعلم الخلق بخصوصيتك بأن يطلعوا على تلك الخصوصية التي خصك الله بها فذلك دليل علة وجود الرياء الخفي في باطنك ودليل على عدم صدقك في عبوديتك بل أنت كاذب فيها إذ لو كنت صادقاً في عبوديتك لا كتفيت بعلم الله وقنعت بمراقبته إياك واستغنيت به عن رؤية غيره فالواجب على الفقير إذا خصه الله بخصوصية كتمها وجحدها وسترها إلا عن شيخه فإن أظهرها فهو على خطر فقد يكون تحدثاً وقد يكون نجحاً وفي الكتمان السلامة وقد تقدم قول الشيخ من رأيته مجيباً عن كل ما سئل ومعبراً عن كل ما شهد وذاكراً كل ما علم فاستدل بذلك على وجود جهله وفي هذه المعنى قال شيخ شيوخنا المجذوب رضي الله عنه:

احفر لسرك ودك ... في الأرض سبعين قاما
وخل الخلائق يشكوا ... إلى يوم القياما
وكان بعض إخواننا إذا سئل ما أدركتم وما ذقتم في هذا الطريق يقول البرد والجوع فكان شيخ شيخنا يعجبه ذلك ويستحسنه لدلالته على صدق الإخلاص وما زالت أشياخنا وأشياخهم يستعملون الخراب في ظواهرهم صوناً لما في إذا كان يوم صوم أحدكم فليدهن لحيته ويمسح شفتيه فإذا خرج إلى الناس رأوا أنه لم يصم وإذا أعطى أحد فليعط يمينه ويخفيها عن شماله وإذا صلى أحدكم فليسدل عليه ستر بابه فإن الله يقسم الثناء كما يقسم الرزق وقال الشيخ أبو عبد الله القريشي رضي الله عنه كل من لم يقنع في أفعاله وأقواله بسمع الله ونظره دخل عليه الرياء لا محالة وقال بعضهم ما اخلص عبد قط إلا أحب أن يكون في حب لا يعرف ولهذا كان اسقاط المنزلة شرط في هذا الطريق فإن تحقق العبد بالمعرفة ومشاهدة الوحدانية جاز له الأخيار بالوحدانية بأعماله والإظهار لمحاسن أحواله بناء منه على نفي الغير وأداء الواجب من الشكر كان بعض السلف يصبح فيقول صليت كذا وكذا ركعة وتلوت كذا وكذا سورة فيقال له أما تخشى من الرياء فيقول ويحكم وهل رأيتم من يراءى بفعل غيره والحاصل من فنى عن نفسه وتحقق بشهود ربه فلا كلام عليه وقد قالوا من أحب الخفا فهو عبد الخفا ومن أحب الظهور فهو عبد الظهور فهو عبد الظهور ومن لم يرد غير ما أراد الله به فهو عبد الله حقاً ثم علمك الشيخ الدواء في ترك الاستشراف إلى الخلق وهو الاكتفاء بنظر الحق فقال غيب نظر الخلق إليك بنظر الله وغب عن إقبالهم عليك بشهود إقباله عليك قلت الخلق في التحقيق عدم والوجود إنما هو لله الواحد الأحد فوجود السوى كالهباء في الهواء أو كظلال الأشخاص أن فتشته لم تجده شيئاً فغيب عنك أيها الفقير نظر الخلق إليك اكتفاء بنظر الحق إليك إذ لا نظر لسواه وغب عن إقبالهم عليك بالتعظيم والتكريم بشهود إقبال الملك الكريم فغب عن الوهم بثبوت العلم فإقبالك على الخلق أدبارك عن الحق وأدبارك عن الخلق إقبالك على الحق ولا يجتمعان وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعك بشئ لم ينفعوك إلا بشئ كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشئ لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك جفت الأقلام وطويت الصحف وقال الشيخ أبو الحسن أيست من نفع نفسي لنفسي فكيف لا ايئس مع نفع غيري لها ورجوت الله لغيري فكيف لا أرجوه لنفسي وقال في لظائف المنن أعلم أن مبني الوى على الأكتفاء بالله والقناعة بعلمه والاعتناء بشهود قال الله سبحانه ومن يتوكل على الله فهو حسبه وقال سبحانه أليس الله بكاف عبده وقال الم يعلم بأن الله يرى وقال أو لم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد فسبيل أمرهم في بدايتهم الفرار ومن الخلق والنفراد بالملك الحق واخفاء الأعمال وكتم الأحوال تحقيقاً لفنائهم وتثبيتاً لزهدهم وعملاً على سلامة قلوبهم حتى إذا تمكن اليقين وأيدوا بالرسوخ والتمكين وتحققوا بتحقيق الفناء وردوا إلى وجود البقاء فهناك أن شاء الحق اظهرهم هادين إليه عباده وأن شاء سترهم فاقتطعهم عن كل شئ إليه الخ كلانه وقال سهل بن عبد الله لا ينال العبد حقيقة من هذا الأمر حتى يكون بأحد وصفين حتى يسقط الناس من عينه فلا يرى في الدارين إلا هو وخالقه فإن أحداً لا يقدر أن يضره ولا ينفعه وتسقط نفسه عن قلبه فلا يبالي بأي حال يرونه أهواله در القائل
فليتك تحلو والحياة مريرة ... وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر ... وبيني وبين العالمين خراب
وليت شرابي من ودادك صافياً ... وشربي من ماء العين سراب
إذا صح منك الود فالكل هين ... وكل الذي فوق التراب تراب

واعلم أن رضي الخلق غاية لا تدرك وانظر قضية لقمان مع ابنه وهي مشهورة يتبين لك أن رضي الخلق محال ومتعذر وأجهل الناس من طلب مالا يدرك وقال وقال بعضهم مالي وللناس كنت في بطن أمي وحدي وخرجت إلى الدنيا وحدي ونموت وحدي وندخل قبري وحدي ونسئل وحدي ونبعث من قبري وحدي ونحاسب وحدي فإن دخلت الجنة دخلت وحدي وأن دخلت النار دخلت وحدي ففي هذه المواطن لا ينفعني أحد فمالي وللناس اه بالمعنى وقيل أن الولي الصادق لا قدر له عند الخلق ولا قدر للخلق عنده فكلما عظم أمره عند الله خفى أمره عند الاس ثم أنه لا تتحقق الغيبة عن نظر الخلق بنظر الحق إلا بمعرفة الحق عند كل شئ وشهوده في كل شئ كما أبان ذلك بقوله من عرف الحق شهده في كل شئ ومن فني به غاب عن كل شئ ومن أحبه لم يؤثر عليه شيئاً قلت معرفة الحق هي شهود ربوبيته في مظاهر عبوديته أو تقول هي الغيبة عن الغيرية بشهود الأحدية أو تقول هي الترقي من شهود عالم الأشباح إلى شهود عالم الأرواح فيكون جسمك مع الأشباح وروحك مع الأرواح قال في المباحث
واستشعروا شيئاً سوي الأبدان ... يدعونه بالعالم الروحاني
ثم أقام العالم المعقول ... معارف تلعز بالمنقول
والفناء هو أن تبدوا لك العظمة فتنسيك كل شئ وتغيبك عن كل شئ سوى الواحد الذي كمثله شئ وليس معه شئ أو تقول هو شهود حق بلا خلق كما أن البقاء هو شهود خلق بحق المحبة أخذ الحق قلب من أحب من عباده فلا يكون له عن نفسه أخبار ولا مع غير محبوبه قرار وقيل غير ذلك فمن عرف الحق شهده في كل شئ ولم ير معه شيئاً لنفوذ بصيرته من شهود عالم الأشباح إلى شهود عالم الأرواح ومن شهود عالم الملك إلى شهود فضاء الملكوت ومن فني به وانجذاب إلى حضرته غاب في شهود نروه عن كل شيء ولم يثبت مع الله شيئاً والفرق بين الفاني والعارف أن العارف يثبت الأشياء بالله والفاني لا يثبت شيئاً سولا الله العارف يقرر القدرة والحكمة والفاني لا يرى إلا القدرة العارف يرى الحق في الخلق كقول بعضهم ما رأيت شيئاً إلا رأيت الله فيه والفاني لا يرى إلا الحق يقول ما رأيت شيئاً إلا رأيت الله قبله العارف في مقام البقاء والفاني مجذوب في مقام الفناء الفاني سائر والعارف متمكن واصل ومن أحب الله لم يؤثر عليه شيئاً من حظوظه وهوى نفسه ولو كن فيه حتف أنفه كما قال القائل
قالت وقد سألت عن حال عاشقها ... بالله صفه ولا تنقص ولا تزد
فقلت لو كان رهن الموت من ظمأ ... وقلت قف عن ورود الماء لم يرد
والكلام في المحبة طويل ذكر الشيخفي لظائف المنن منه جملة صالحة وكلان الشيخ رضي الله عنه من باب التدلي فالمعرفة أعلى المقامات وقبلها الفناء وقيل للفناء المحبة أي أولها فأول ما يقذف الله في قلب عبده الذي يريد أن يصطفيه لحضرته ويعرفه به محبته فلا يزال يلهج بذكره ويتعب جوارحه في خدمته ويتعطش إلى معرفته فلم يزل يتقرب إليه بالنوافل حتى يحبه الحق فإذا أحبه أفناه عن نفسه وغيبه عن حسه فكان سمعه وبصره ويده وجملته ثم رده إليه وأبقاءه به فعرفه في كل شيء ورآه قائماً بكل شيء ظاهراً في كل شئ والله تعالى أعلم ولهذا الذي ذكره الشيخ علاماى تدل على تحقيق تلك المقامات فمن وجدها في نفسه كانت دعواه لتلك المقامات أو بعضها صحيحة ومن لم يجدها في نفسه كانت دعواه لها كاذبة وفضيحة فليعرف قدره ولا يتعد طوره وبالله التوفيق ولما كانت المعرفة تقتضي ظهور الحق في كل شئ حتى تراه ظاهراً في كل شئ بين وجه احتجابه وخفائه تعالى مع شدة ظهوره ثلاث حكم الحكمة الأولى شدة القرب ولا شك أن شدة القرب توجب الخفاء كسواد العين من الإنسان فإن الإنسان لا يدرك سواد عينه لشدة قربه منه والله تعالى أقرب إليك من كل شئ قال تعالى ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد فشدة قربه منك موجب لاضمحلالك قال في لطائف المنن فعظيم القرب هو الذي غيب عنك شهود القرب قال الشيخ أبو الحسن حقيقة القرب أن تغيب في القرب عن القرب لعظيم القرب كمن يشم رائحة المسك فلا يزال يدنو وكلما دنا منها تزايد ريحها فلما دخل البيت الذي فيه المسك انقطعت رائحته عنه وأنشد بعض العارفين
كم ذا تموه بالشعبين والعلم ... والأمر أوضح من نار على علم

أراك تسئل عن نجد وأنت بها ... وعن تهامة هذا فعل متهم
الحكمة الثانية في خفائه تعالى شدة ظهوره ولا شك أن شدة الظهور موجب للخفاء كما قال صاحب الهمزية، ومن شدة الظهور الخفاء، وقد مثلوا ذلك بقرص الشمس حين يعظم شعاعه ويتقوى أشراقه فإن الأبصار الضعيفة لا تقوى على مشاهدته مع شدة ظهوره فصار شدة الظهور موجباً للخفاء كما قال الشاعر
وما احتجبت إلا برفع حجابها ... ومن عجب أن الظهور تستر
فاحتجب عن الأبصار الضعيفة بلا حجاب الحكمة الثالثة شدة نوره ولا شك أن شدة النور موجب لعدم الإدراك فإن البصر لا يقاوم النور الباهر وفي حديث مسلم في قصة الإسراء قلنا يا رسول الله هل رأيت ربك قال نوراني أراه يلفظ الاستهام أي غلبني النور كيف أراه وفي رواية رأيت نوراً فيحمل على انه أول مرة رأى نوراً ثم لم يطق مشاهدته بالبصر مع تحقق شهوده بالبصيرة وانظر أيضاً البرق الخاطف فإن البصر لا يطيق رؤيته وأنشدوا
بالنور يظهر ما ترى من صور ... وبه وجود الكائنات بلا امترا
لكنه يخفى لفرط ظهوره ... حساً ويدركه البصير من الورى
فإذا نظرت بعين عقلك لم تجد ... شيئاً سواه على الذوات مصورا
وإذا طلبت حقيقة من غيره ... فبذيل جهلك لا تزال معثرا
وهذا النور الذي نتكلم فيه ليس هو حسياً وإنما هو ما يبدو من معاني الصفات والأسماء التي تخرج من ظلمة الجهل إلى معرفة أسمائه وصفاته قال الشيخ زروق قلت هو النور الأصلي الذي فاض من بحر الجبروت إلا أنه تستر بالحكمة والعزة والقهرية سئل أبو القاسم النصر باذى عن قولهم
ويظهر في الهوى عز المولى ... فيلزمني له ذل العبيد

فقال عز المولى الستر لأنه لو انهتك الحجاب لتفطر الألباب هذا آخر الباب السابع عشر وحاصلها ثلاثة أمور الأول تلازم الدلالة على أولياء الله للدلالة على الله بحيث لا ينفك أحدهما عن الآخر في الغالب الثاني تفسير أسرار الولاية وهي الاطلاع على أسرار غيب الملكوت دون اشتراط الاطلاع على أسرار العباد لأن ذلك قد يكون فتنة في حقه وسبباً في عقوبته إذا لم يتمكن من معرفته مع ما فيه من حظ النفس فربما تقصده بطاعتها فيكون رياء في حقها وهو من الأمراض الباطنية التي يصعب علاجها كالاستشراف إلى اطلاع الناس على خصوصيته ودواؤه الغيبة عنهم والاكتفاء بنظر الله عن نظر غيره الأمر الثالث علامة وجود هذه الأسرار في العارف وهي شهود الحق في كل شئ وفناؤه عن كل شئ وإيثار محبته على كل شئ فإن قلت كيف يشهد وهو غيب قلت بل هو ظاهر في كل شئ وإنما حجبه شدة قربه وشدة ظهوره وعظيم نوره وإذا علمت أنه قريب وأنه أقرب إليك من روحك وقلبك اكتفيت بنظره واستغنيت بعلمه عن طلبه فإن كان ولا بد من الدعاء فليكن عبودية ومناجاة وتملقاً لا سبباً للعطاء كما أبان ذلك في أول الباب الثامن عشر بقوله وقال رضي الله عنه لا يكن طلبك سبباً إلى العطاء منه فيقل فهمك عنه وليكن طلبك لاظهار العبودية وقياماً ما بحقوق الربوبية قلت قد تقدم في أول الكتاب أن الطب كله معلول عند ذوي الألباب فإن كان ولا بد من الطلب فليكن إظهار للعبودية وقياماً بحقوق الربوبية فلا يكن طلبك من الحق سبباً إلى العطاء منه فيقل فهمك عنه لأن الفهم عن الله يقتضي الاكتفاء بعمله والاستغناء بمعرفته فلا يحتاج إلى شئ ولا يتقوف على شئ ماذا فقد من وجدك فلا يكن محط نظره إلا ما يبرزه من عنصر القدرة ولا يشتهي إلا ما يقتضيه عليه مولاه قيل لبعضهم ماذا تشتهي قال ما يقضي الله قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه لا يكن حظك من الدعاء الفرح بقضاء حاجاتك ومن مناجاة محبوبك فتكون من المحجوبين وقال بعضهم فائدة الدعاء إظهار الفاقة بين يديه وإلا فالرب يفعل ما يشاء قيل أن سيدنا موسى عليه السلام قال يا رب أطعمني فأني جائع فأوحى الله إليه قد علمت ذلك قال يا رب أطعمني قال له حتى أريد وهذا مقام أهل النهايات وأما أهل البدايات فيرخص لهم في طلب الحاجات وفي كثرة الدعاء والتضرعات فالدعاء في حقهم واجب أو مندوب وفيهم ورد الترغيب في الدعاء والإلحاح فيه قال تعالى أدعوني أستجب لكم وقال أمن يجيب المضطر إذا دعاه وورد في بعض الأخبار ا، الله تعالى قال لسيدنا موسى عليه السلام سلني حق ملح عجيبك تشريعاً للضعفاء لأن الأنبياء عليهم السلام بعثوا معلمين للضعفاء والأقوياء وينبغي أ، يتأدب في الدعاء فلا يدعو بممنوع شرعاً ولا ممتنع عقلاً ويكون بتلطف وانكسار وظهور فاقة واضطرار لا بانبساط وادلال فإن ذلك مقام الرجال أهل المكانة والكمال ومن ذلك قول الشيخ أبي الحسن رضي الله عنه في حجونه الكبير وليس من الكرم إلا تحسن إلا لمن أحسن إليك الخ وذكر في قوت القلوب أن بني إسرائيل قحطوا سبع سنين فخرج سيدنا موسى عليه السلام بسبعين ألفاً من بني إسرائيل ليستسقي لهم فأوحى الله إليه كيف استجيب لهم وقد أظلمت عليهم ذنوبهم استجيب له فسألهم عنه موسى فلا يعرفه أحد فبينما موسى عليه السلام بمشى في طريق فإذا بعبد أسود قد استقبله بين عينيه تراب من السجود وقد عقد شمله على عاتقه فعرفه موسى عليه السلام بنور الله فسلم عليه وقال ما اسمك قال برزخ فقال له منذ حين وأنا أطلبك أخرج فاستسق لنا فخرج فكان من خطابه لربه في دعائه ومناجاته ما هذا من فعالك وما هو من حكمك وما بذلك عرفت أنقصت عليك مائك أم عاندت الرياح عن طاعتك أم نفذ ما عندك أم اشتد غضبك على المذنبين ألست كنت غفاراً قبل خطأ الخاطئين خلقت الرحمة وأمرت بالعطية فتكون لما تأمر من المخالفين أم ترينا أنك ممتنع أم تخشى الفوت فتعجل بالعقوبة قال فما زال حتى اخضلت بنو إسرائيل بالقطر وأنبت الله العشب في نصف يوم حتى بلغ الراطب قال فخرج برخ فاستقبله موسى عليه السلام وقال له ما هذا الخطاب الذي خاطبت به الحق فأوحى الله إليه دعه فإن دعائه يضحكني فانظر هذه الحكاية كيف وقعت هذه على بساط المباسطة التي لا يفهمها إلا أهل المكانة والتمكين وحسب من لم يبلغ مقامات الرجال الأدب والهيبة مع رب العالمين ثم

بين وجه ما ذكره من كون الدعاء إنما يكون عبودية لا سبباً في العطاء فقال كيف يكون طلبك اللاحق سبباً في عطائه السابق جل حكم الأزل أن يضاف إلى العلل قلت العطاء السابق هو ما تعلق به علمه القديم قبل أن تظهر تجليات الأكوان ولا شك أن الله سبحانه قدر في الأزل ما كان وما يكون إلى أبد الأبد فقد قسم الأزراق الحسية والمعنوية وقدر الآجال قال تعالى أنا كل شئ خلقناه بقدر وقال تعالى وكل شئ عنده بمقدار وقال تعالى وما كان لنفس أن تموت إلا بأذن الله كتاباً مؤجلاً فإذا علمت أيها الإنسان أن القضاء والقدر قد سبق برزقك وأجلك وأنه قد سبقت قسمتك وجودك فماذا تطلب وإذا طلبت فكيف يكون طلبك اللاحق سبباً في عطائه السابق إذ قد سبق منه العطاء قبل أن يكون منك الطلب جل أي عظيم وتعالى حكم الأزل القديم أن يضاف إلى العلل والأسباب الحادثة إذ محال أن يتقدم الجادث على التقديم لا وجوداً ولا حكماً قال ذو النون المصري رضي الله عند التوحيد أن يعلم أن قدرة الله في الأشياء بلا علاج وصنعه لها بلا مزاج وعلة كل شئ صنعه ولا علة لصنعه وليس في السموات العلى ولا في الأرضين السفلي مدبر غير الله وكل ما يخطر ببالك فالله مخالف لذلك اه قوله وعلة كل شئ الضمير في صنعه يعود على الحق تعالى أي علة كل شئ صنع الحق له يعني أن سبب وجود الأشياء وظهورها هو صنع الحق لها وصنع الحق لا علة له وقال بعضهم ليس في الإمكان أبدع مما كان أي باعتبار العلم والمشيئة لا باعتبار القدرة فالمراد بما كان القدر والقضاء السابق فما كونته القدرة وأظهرته لا يمكن أن يكون أبدع منه من حيث تعلق العلم القديم فلا يمكن تخلفه وأن كان العقل يجوز أن يخلق الله تعالى أبدع منه والقدرة صالحة ولكن لما سبق بع العلم ونفذ به القضاء لم يكن أبدع منه أو تقول ليس في عالم الإمكان أبدع مما كان فيما ظهر في عالم الإمكان وهو عالم الشهادة إلا ما كان في عالم الغيب من المعاني القديمة ولم يظهر أبدع منه ولن يظهر أبداً فافهم فالكلام صحيح على هذا الوجه والله تعالى أعلم ومما يدلك على أن طلبك ليس سبباً في عطائته بك قبل ظهورك الذي أشار غليه بقوله عنايته فيك لا لشئ منك وأين كنت حين واجهتك عنايته وقابلتك رعايته لم يكن في أزله إخلاص أعمال ولا وجود أحوال بل لم يكن هناك إلا محض الإفضال ووجود النوال قلت مما تواترت بع الأخبار والنقول ووافق المنقول المعقول أن ما شاء الله يكون وما لم يشاء ربما لم يكن ومشيئة تعالى قديمة لأنها عين إرادته على وفق علمه قديم فكل ما يبرز في عالم الشهادة فإنما هو ما دقره الحق في عالم الغيب جفت الأقلام وطويت الصحف قال تعالى ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها أي نظهرها فلا سعادة ولا شقاء إلا وقد سبق بهما القدر والقضاء السعيد من سعد في بطن أمه والشقي في بطن أمه وقد تقدم قوله ما من نفس تبديه إلا وله قدر فيك يمضيه فإذا علمت ذلك أيها الإنسان اكتفيت بعلمه السابق عن طلبك اللاحق وبقي طلبك عبودية وأدباً مع الربوبية وإلا فعنايتك فيك سابقة على وجودك لا لشيء منك تستحق به عنايته ومنته وأين كنت حين واجهتك عنايته في أزله حين سبقت لك منه العناية وكتبك في جملة أهل الرعاية والهداية ثم لما استنطقك يوم الميثاق أقررت بربوبيته وأين كنت حين قابلتك رعايته وحفظه وأنت في ظلمة الأحشاء حين أجرى عليك رزقه من عرق الدم وحفظك في ذلك المستودع حتى اشتدت أعضاؤك وقويت أركانك فأخرجك إلى رفقه وما يسر لك من رزقه لم يكن في أزله حين واجهتك عنايتك ولا في الوقت إلا محض الأفضال وعظيم النوال قال الواسطي رضي الله عنه أقسام قسمت ونعوت أجريت كيف تستجلب بحركات أو تنال بمعاملات وقال الشاعرين وجه ما ذكره من كون الدعاء إنما يكون عبودية لا سبباً في العطاء فقال كيف يكون طلبك اللاحق سبباً في عطائه السابق جل حكم الأزل أن يضاف إلى العلل قلت العطاء السابق هو ما تعلق به علمه القديم قبل أن تظهر تجليات الأكوان ولا شك أن الله سبحانه قدر في الأزل ما كان وما يكون إلى أبد الأبد فقد قسم الأزراق الحسية والمعنوية وقدر الآجال قال تعالى أنا كل شئ خلقناه بقدر وقال تعالى وكل شئ عنده بمقدار وقال تعالى وما كان لنفس أن تموت إلا بأذن الله كتاباً مؤجلاً فإذا علمت أيها الإنسان أن القضاء والقدر قد سبق برزقك وأجلك وأنه قد سبقت قسمتك وجودك فماذا تطلب وإذا طلبت فكيف يكون طلبك اللاحق سبباً في عطائه السابق إذ قد سبق منه العطاء قبل أن يكون منك الطلب جل أي عظيم وتعالى حكم الأزل القديم أن يضاف إلى العلل والأسباب الحادثة إذ محال أن يتقدم الجادث على التقديم لا وجوداً ولا حكماً قال ذو النون المصري رضي الله عند التوحيد أن يعلم أن قدرة الله في الأشياء بلا علاج وصنعه لها بلا مزاج وعلة كل شئ صنعه ولا علة لصنعه وليس في السموات العلى ولا في الأرضين السفلي مدبر غير الله وكل ما يخطر ببالك فالله مخالف لذلك اه قوله وعلة كل شئ الضمير في صنعه يعود على الحق تعالى أي علة كل شئ صنع الحق له يعني أن سبب وجود الأشياء وظهورها هو صنع الحق لها وصنع الحق لا علة له وقال بعضهم ليس في الإمكان أبدع مما كان أي باعتبار العلم والمشيئة لا باعتبار القدرة فالمراد بما كان القدر والقضاء السابق فما كونته القدرة وأظهرته لا يمكن أن يكون أبدع منه من حيث تعلق العلم القديم فلا يمكن تخلفه وأن كان العقل يجوز أن يخلق الله تعالى أبدع منه والقدرة صالحة ولكن لما سبق بع العلم ونفذ به القضاء لم يكن أبدع منه أو تقول ليس في عالم الإمكان أبدع مما كان فيما ظهر في عالم الإمكان وهو عالم الشهادة إلا ما كان في عالم الغيب من المعاني القديمة ولم يظهر أبدع منه ولن يظهر أبداً فافهم فالكلام صحيح على هذا الوجه والله تعالى أعلم ومما يدلك على أن طلبك ليس سبباً في عطائته بك قبل ظهورك الذي أشار غليه بقوله عنايته فيك لا لشئ منك وأين كنت حين واجهتك عنايته وقابلتك رعايته لم يكن في أزله إخلاص أعمال ولا وجود أحوال بل لم يكن هناك إلا محض الإفضال ووجود النوال قلت مما تواترت بع الأخبار والنقول ووافق المنقول المعقول أن ما شاء الله يكون وما لم يشاء ربما لم يكن ومشيئة تعالى قديمة لأنها عين إرادته على وفق علمه قديم فكل ما يبرز في عالم الشهادة فإنما هو ما دقره الحق في عالم الغيب جفت الأقلام وطويت الصحف قال تعالى ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها أي نظهرها فلا سعادة ولا شقاء إلا وقد سبق بهما القدر والقضاء السعيد من سعد في بطن أمه والشقي في بطن أمه وقد تقدم قوله ما من نفس تبديه إلا وله قدر فيك يمضيه فإذا علمت ذلك أيها الإنسان اكتفيت بعلمه السابق عن طلبك اللاحق وبقي طلبك عبودية وأدباً مع الربوبية وإلا فعنايتك فيك سابقة على وجودك لا لشيء منك تستحق به عنايته ومنته وأين كنت حين واجهتك عنايته في أزله حين سبقت لك منه العناية وكتبك في جملة أهل الرعاية والهداية ثم لما استنطقك يوم الميثاق أقررت بربوبيته وأين كنت حين قابلتك رعايته وحفظه وأنت في ظلمة الأحشاء حين أجرى عليك رزقه من عرق الدم وحفظك في ذلك المستودع حتى اشتدت أعضاؤك وقويت أركانك فأخرجك إلى رفقه وما يسر لك من رزقه لم يكن في أزله حين واجهتك عنايتك ولا في الوقت إلا محض الأفضال وعظيم النوال قال الواسطي رضي الله عنه أقسام قسمت ونعوت أجريت كيف تستجلب بحركات أو تنال بمعاملات وقال الشاعر

فلا عمل مني إليه اكتسبته ... سوى محض فضل لا بشيء يعلل
وقال آخر
وكنت قديماً أطلب الوصل منهم ... فلما أتاني العلم وارتقع الجهل
عملت بأن العبد لا طلب له ... فإن قربوا فضل وان بعدوا عدل
وأن اظهروا لم يظهروا وغير وصفهم ... وأن ستروا فالستر من أجلهم يحلو
وقال آخر
قد كنت أحسب أن وصلك يشترى ... بنفائس الأموال والأرباح
وظننت جهلاً أن حبك هين ... تفنى عليه كرائم الأرواح
حتى رأيتك تجتنبي وتخص من ... تختاره بلطائف الامناح
فعلمت أنك لا تنال يحلية ... فلويت رأسي تحت طي جناحي
وجعلت في عش الغرام إقامتي فيه غدوي دائماً ورواحي
ولهذا لم يلتفت قلب العارف لخوف ولا رجاء ولم يبق له في نفس غير وجه الله حاجة فتحصل أن الولاية وهي سر العناية لا تنال بحيلة ولا تدرك بطلب لكن من سبقت له العناية يسر لما أريد منه قيل لذي النون بم عرفت ربك قال عرفت ربي بربي ولولا ربي ما عرفت ربي اه وقيل لعلى كرم الله وجهه هل عرفني بنفسه فعرفت محمداً صلى الله عليه وسلم بالله وهنا انتهت معرفة العارفين أعني حين تحققوا بسابق القدر غابوا عن أنفسهم في وجود معرفهم فاسترحوا واستظلوا في ظل الرضى والتسليم وهب عليهم من جناب المعارف نسيم لكن اختلفت أحوالهم في حال نهايتهم الماء واحد والزهر ألوان فمنهم من يغلب عليه الهيبة والحياء قال بعضهم من ازدادت معرفته ازدادت هبيته له ومن كان بالله أعرف كان له أخوف وفيهم قال الله تعالى إنما يخشى الله من عباده العلماء ومنهم من يغلب عليه الشوق والاشتياق قال بعضهم من عرف الله اتسم بالبقاء واشتاق إلى اللقاء وضاقت عليه الدنيا بحذافيرها وقال السرى أجل مقام العارف الشوق يقول الله تبارك وتعالى أن لي عباداً من عبادي أحبهم ويحبوني وأشتاق إليهم ويشتاقون إلي وأذكرهم ويذكروني وأنظر إليهم وينظرون إلى من سلك طريقهم أحببته من عدل عنهم مقتد قيل يا ربنا وما علامتهم قال يراعون الظلال بالنهار كما يراعى الراعي الشفيق غنمه ويحنون إلى غروب الشمي كما تحن الطير إلى أوكارها عند الغروب فإذا جنهم الليل واختلط الظلام وفرشت الفرش ونصبت الأسرة وخلا كل حبيب بحبيبه نصبوا إلى أقدامهم وافترشوا إلى وجوههم وناجوني بكلامي وتملقوا إلى بانعامى فمن

صارخ ورباك، ومن منأوه وشاك، ومن قائم وقاعد، ومن راكع وساجد، بعيني ما يتحملون من أجلي، وبسمعي ما يشكون من حبي أول ما أعطيهم ثلاثاً أقذف في قلوبهم من نوري فيخبرون عني كما أخبر عنهم والثانية لو كانت السموات والأرض وما فيهن من موازينهم لا ستقللتها لهم والثالثة أقبل عليهم بوجهي أترى من أقبلت عليه بوجهي يعلم أحد ما أريد أن أعطيه اه وقال إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه غيبني الشوق يوما فقلت يا رب أن أعطيت أحداً من المحبين ما تسكن به قلوبهم قبل لقائك فاعطني ذلك فقد أضرني القلق فرأيت في النوم كأنه أوقفني بين يديه وقال يا إبراهيم أما استحييت مني أن تسئلني أن أعطيك ما يسكن قلبك قبل لقائي وهل يسكن المشتاق قبل لقاء حبيبه فقلت يا رب تهت فلم أدر ما أقول فاغفر لي وعلمني ما أقول فقال قل اللهم رضي بقضائك وصبرني على بلائك وأوزعني شكر نعمائك ومنهم من تغلب عليه السكينة في القلب لأن العلم واليقين يوجبان السكون والطمأنينة فمن ازدادت معرفته ازدادت سكينته قال تعالى ألا بذكر الله تطمئن القلوب ومنهم من يغلب عليه الدهشة والحيرة قال بعضهم أعرف الناس بالله أشدهم تحيراً فيه وفي الحديث اللهم زدني فيك تحيراً ومنهم من يغلب عليه التواضع والخضوع والذل والانكسار قال الجنيد العاف كالارض يطأها البر والفاجر وكالسحاب يظل الأحمر والابيض وكالمطر يسقى الماشي والراشي ومنهم من تتسع معرفته ويخوض بحار التوحيد فلا يكدره شىء ولا يسلط عليه شيء بل يأخذ النصيب من كل شيء ولا يسلط عليه شيء بل أخذ النصيب من كل شيء اه وقال أبو سليمان الداراني أن الله يفتح للعارف على فراشه مالا يفتح له وهو قائم يصلي وقال بعضهم العارف ن أنس بذكر الله حتى استوحش من خلقه وافتقر إلى الله تبارك وتعالى فأعزه الله في خلقه وفي زبور داوود بلغ أهل رضائي أني حبيب لمن أحبني وجليس لمن جالسني وأنيس لمن أنس بذكرى وصاحب لمن صاحبنى ومختار لمن اختارني ومطيع لمن أطاعتي بعزتي جلفت ما أحبني عبد أعلم ذلك يقيناً من قلبه إلا قبلته لنفسي وأحببته أشد مما أحبني ومن طلبني وجدني ومن طلب غيري لم يجدني فارفضوا يا أهل الأرض ا أنتم عليه من غرورها وهلموا إلى كرامتي ومصاحبتي ومجالستي وأنسوا بذكري أؤنسكم بى أسرعوا إلى محبتي أسرع إلى محبتكم فإني خلقت طينة أحبتى من طينة إبراهيم خليلى وموسى كليمي وعيسى روحى ومحمد صفيى وخلقت قلوب المشتاقين من نورى ونعمتها بجلالي وجمالي اه ولما كان الاعتماد على السابقة يقتضي ترك العمل بين سر ذلك بقوله علم أن العباد يتشوفون إلى ظهور سر العناية فقال يختص برحمته من يشاء وعلم أنه لو خلاهم وذلك لتركوا العمل اعتماداً على الأزل فقال أن رحمة الله قريب من المحسنين قلت لما أخبر الله سبحانه في كتبه على ألسنة رسله أن المدار إنما هو على السابقة فمن سبقت له العناية لا تضره الجناية تشوق الخلق كلهم إلى ظهور هذه العناية فكل واحد يظن أنه من أهلها فأخبرهم الحق تعالى أن ذلك السر إنما هو للبعض دون البعض فقال يختص برحمته من يشاء فأسندها إلى مشيئته دون مشيئتهم فعلموا أن ذلك إنما هو للبعض دون الكل لأن كل واحد يطمع أنه من ذلك البعض فربما يتركون العمل ويعتمدون على سابق الأزل فأخبرهم الحق تعالى أن ذلك السر له علامات تدل على من هو من أهله ومختص به فقال أن رحمة الله قريب من المحسنين فالرحمة هنا هي العناية السابقة وهي قريبة من المحسنين الذين أحسنوا عبادة ربهم وأحسنوا إلى عباد ربهم فتحصل أن سر العناية إنما تظهر على المحسنين المتقين لاعمالهم المخلصين في عبودية ربهم فمن استند إلى الحكم السابق وترك العمل فهو مغرور أو مطرود لإبطاله الحكمة ومن استند إلى العمل دون النظر للقدرة والمشيئة السابقة فهو جاهل بعيد الحضرة غافل ومن جميع بينهما فهو محقق كامل وسر العناية إليه إن شاء الله وأصل قال أبو عثمان المغربي رضي الله عنه قلوب العارفين فارغة لمفاجأة المقدور وقال بعضهم ليس كل من طلب نال ولا كل من نال وصل ولا كل من وصل أدرك وجد ولا كل من وجد سعد وكم من واحد حرم من المنى بمنى وكم من واحد أدرك من القربات غرفات ومن أيد بالتوفيق وصل في لحظة العين إلى عين القبول كما حكى عن بعض الصالحين أنه رأى في منامه إبليس اللعين ضج بالصياح والعويل فاجتمع عليه جنوده وقالوا مالك

فقال لهم كنت أطمع في فلان منذ سنين فإذا به قد استوى ظاهره وباطنه وسره وعلانيته فلم أجد إليه سبيلا تحلى بالصدق فامتنع مني في مقعده صدق عند مليك مقتدر اه ثم بين ما تقدم من حكم المشيئة فقال إلى المشيئة يستند كل شيء وليست تستند هي إلى شئ قلت المشيئة وإرادة شئ واحد واليهما تستند الأشياء كلها قال تعالى وما تشاؤون إلا أن يشاء الله ولو شاء ربك ما فعلوه إلى غيره ذلك من الآيات الدالة على سبق المشيئة لكل شيء وأما هي فلا تستند إلى شيء ولا تتوقف على شيء فلا تتوقف على سؤال ولا على طلب فما شاء الله كان من غير سبب ولا سؤال وما لم يشاء ربنا لم يكن قرب من شاء بلا عمل وبعد من شاء بلا سبب لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون فقاعدة التحقيق ما ثم إلا سابقة التوفيق قال أبو بكر الواسطي رضي الله عنه أن الله لا يقرب فقيراً لأجل فقره ولا يبعد غنياً لأجل غناه وليس للأعراض عنده خطر حتى بها يوصل وبها يقطع ولو بذلت الدنيا والآخرة ما أوصلك إليه بها ولو أخذتها كلها ما قطعك بها قرب من شاء بغير علة وقطع من شاء من غير علة كما قال تعالى ومن لم يجعل الله نوراً فما له نور فالنظر إلى المشيئة حقيقة والنظر إلى السبب شريعة أو تقول النظر إلى المشيئة قدرة والنظر إلى الأسباب حكمه ولا بد من الجمع بينهما فالحقيقة معينة والشريعة مبينة الشريعة حكمة والحقيقة قدرة والحقيقة حاكمة على الشريعة في الباطن والشريعة حاكمة على الحقيقة في الظاهر وليس حكم القدرة بأولى من وصف الحكمة في محله ولا بالعكس قال الشطيبى واعلم أن الناس أربعة ناظر في السوابق لعلمه بأن الحكم الأزلي لا يتغير باكتساب العبد وناظر في العواقب لعلمه بأن الأعمال بخواتمها وناظر للوقت لا يشتغل السوابق ولا بالعواقب غير أداء ما كلف به من حكم الوقت عالم بأن العارف ابن وقته لا يهتم بماض ولا مستقبل ولا يرى غير الوقت الذي هو فيه وناظر لله وحده لعلمه بأن الماضي والمستقبل والحال متقلبون في قبضته متصرفون في حكمه والأوقات كلها قابلة للتغير وتبديل الحال فلا يراها وإنما يراقب من كل شيء بيده وقد أراد بعضهم الخروج من بين يدي بعض المشايخ فقال له الشيخ أين تريد فقال يا سيدي لئلا أشغلك عن وقتك فقال له ليس عند الله وقت و مقت إنما ترى رب الوقت لا الوقت ومن تمكنت فيه حالة الشهود غاب بالموحد عن الوجود وتحسبهم أيقاظاً وهم رقود حكي أن رجلاً قال لأبي يزيد أين أبو يزيد فقال له ليس هنا أبو يزيد وقال رجل للشبلي أين الشبلي قال مات لا رحمة الله إنما عني الشبلي لارده لله لا حساسه عن مشاهدته لربه ورأى أبو يزيد رجلاً في المسجد يسئل عنه فقال له وأنا أطلبه منذ سنين فظن أنه مجنون فلما أعلم أنه هو قال له يا سيدي عليك أسئل ولك أطلب فقال له أبو يزيد الذي تطلب قد ذهب في الذاهبين في الله بالله لله فلا رده الله هذا آخر الباب الثامن عشر وحاصلها آداب السؤال والطلب وأنه ينبغي أن يكون عبودية لا سبباً في العطاء إذ قد سبقت قسمتك في الأزل قبل أن يكون منك طلب فعنايته سابقة يختص برحمته من يشاء لكل رحمة تقتضي وجود العمل فوجود العمل أمارة على خصوصية الأزل مع توقف ذلك على المشيئة لأنها يستند إليها كل شيء ولا تستند هي لشيء فلزم السكون والأدب حتى ترك الطلب كما بين ذلك في أول الباب التاسع عشر بقوله وقال رضي الله عنه ربما دلهم الأدب على ترك الطلب قلت الظاهران رب هنا للتكثير لأن الغالب على العارفين وأهل الفناء السكوت تحت مجاري الأقدار فصدور الطلب منهم قليل لأن العارف فإن عن نفسه غائب عن حسه ليس له عن نفسه أخبال ولا مع غير الله قرار فلا يتصور منه سؤال ولا فوات مأمول من شغله ذكرى عن مسئلتي اعطيته أفضل ما أعطى السائلين الأشياء تشتاق إليه وهو غنى عنها اشتاقت الجنة إلى عمار وصهيب وبلال كما في الحديث والحاصل أن العبد ما دام غائباً عن نفسه فإن في شهود ربه منقطعاً عن حسه لا يتصور منه طلب أصلاً إذ الطلب يقتضي وجود الاثنينية والفرض أنه غريق في بحر الوحدة فطلبه حينئذ سوء أدب في حقه فإن رد إلى الشعور بنفسه وهو مقام البقاء قد يتصور منه السؤال على وجه العبودية لا على وجه الاقتضاء والطلب كما تقدم ثم بين مستندهم في ترك الطلب فقال اعتماداً على قسمته واشتغالاً بذكره عن مسئلته قلت أما الاعتماد على القسمة الأزلية

فقد تقدم الكلام عليها في الحكمة قبل هذه وأما الاشتغال بالذكر عن المسئلة فقد تقدم قريباً في الحديث من شغله ذكرى عن مسئلتي وقال الواسطى رضي الله عنه ما جرى لك في الأزل خير من معارضة الوقت يعني بالطلب للحظ وقال القشيري إذا وجد في قلبه إشارة إلى الدعاء دعاء كما إذا وجد نشاطاً أو انبساطاً للدعاء فالدعاء أولى وإذا وجد في قلبه قبضاً فالسكوت أولى وقال بعضهم ما سألت الله تعالى بلسانس شيئاً منذ خمسين سنه ولا أريد أن أدعو ولا أن يدعي لي اه وذلك لأن الله سبحانه ليس بغافل حتى يذكر بل هو عليم بخفيات أمورك فيأتيك منها ما قسم لك كما بين ذلك بقوله إنما يذكر من يجوز عليه الإغفال وقد قال تعالى وما الله بغافل عما تعملون أليس الله بكاف عبده ولا يحتاج إلى تنبيه لأنه لا يهملك فيما هو من قسمتك كما بينه بقوله وإنما ينبه من يجوز عليه الاهمال والحق تعالى لا يجوز عليه الاهمال لكمال قدرته وإحاطة علمه ولكن حكمته اقتضت ارتباط الأسباب والعلل وتقديم الأشياء وتأخيرها قال تعالى وكل شيء عنده بمقدار فمن كمل يقينه اكتفى بتدبير الحق عن تدبيره واستغنى بعلم الله عن استعجاله وضي بتصريف الحق فيما يفعل فيكون إبراهيمياً حنيفياً ولا شك أن من كان على ملة إبراهيم عليه السلام اقتدى به وقد كان بين السماء والأرض حين رمى به فاستغني بعلم الله عن سؤال فكانت حالة إبراهيم عليه السلام في ذلك الوقت الاستغراق في الحقيقة فلما رد للشرائع دعا فقال رب اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين رب هب لي حكماً وألحقني بالصالحين وكذلك الأنبياء عليهم السلام أكثروا من الدعاء للتشريع والتعليم وإظهار الفاقات التي هي مواسم وأعياد كما أبان ذلك بقوله ورود الفاقات أياد المريدين قلت الأعياد جمع عيد وهو ما يعود على الناس بالأفراح والمسرة فالعوام فرحهم ومسرتهم بالحظوظ والعوائد الجسمانية والخواص فرحهم بإقبال الملك عليهم ووجود قلوبهم وصفاء وقتهم من كدرات الأغيار والغالب أن هذه المعاني إنما توجد عند الفاقة والحيرة والاضطرار حيث ينقطع حظ النفس فيها لأن النفس كما ضيقت عليها رحلت إلى عالم الملكوت وفي ذلك العالم أراحتها وفرحها ومسرتها قال تعالى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوي وهما جنتان معجلة ومؤجلة فلأجل هذا آثرت الصوفية الفقر على الغناء والشدة على الرخاء والذل على العز والمرض على الصحة لما يحصل لهم بذلك من الرقة والحلاوة وكلما ازدادوا فاقة زادهم الله قرباً وولاء وكان بعضهم يطوف حول الكعبة ويقولقدم الكلام عليها في الحكمة قبل هذه وأما الاشتغال بالذكر عن المسئلة فقد تقدم قريباً في الحديث من شغله ذكرى عن مسئلتي وقال الواسطى رضي الله عنه ما جرى لك في الأزل خير من معارضة الوقت يعني بالطلب للحظ وقال القشيري إذا وجد في قلبه إشارة إلى الدعاء دعاء كما إذا وجد نشاطاً أو انبساطاً للدعاء فالدعاء أولى وإذا وجد في قلبه قبضاً فالسكوت أولى وقال بعضهم ما سألت الله تعالى بلسانس شيئاً منذ خمسين سنه ولا أريد أن أدعو ولا أن يدعي لي اه وذلك لأن الله سبحانه ليس بغافل حتى يذكر بل هو عليم بخفيات أمورك فيأتيك منها ما قسم لك كما بين ذلك بقوله إنما يذكر من يجوز عليه الإغفال وقد قال تعالى وما الله بغافل عما تعملون أليس الله بكاف عبده ولا يحتاج إلى تنبيه لأنه لا يهملك فيما هو من قسمتك كما بينه بقوله وإنما ينبه من يجوز عليه الاهمال والحق تعالى لا يجوز عليه الاهمال لكمال قدرته وإحاطة علمه ولكن حكمته اقتضت ارتباط الأسباب والعلل وتقديم الأشياء وتأخيرها قال تعالى وكل شيء عنده بمقدار فمن كمل يقينه اكتفى بتدبير الحق عن تدبيره واستغنى بعلم الله عن استعجاله وضي بتصريف الحق فيما يفعل فيكون إبراهيمياً حنيفياً ولا شك أن من كان على ملة إبراهيم عليه السلام اقتدى به وقد كان بين السماء والأرض حين رمى به فاستغني بعلم الله عن سؤال فكانت حالة إبراهيم عليه السلام في ذلك الوقت الاستغراق في الحقيقة فلما رد للشرائع دعا فقال رب اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين رب هب لي حكماً وألحقني بالصالحين وكذلك الأنبياء عليهم السلام أكثروا من الدعاء للتشريع والتعليم وإظهار الفاقات التي هي مواسم وأعياد كما أبان ذلك بقوله ورود الفاقات أياد المريدين قلت الأعياد جمع عيد وهو ما يعود على الناس بالأفراح والمسرة فالعوام فرحهم ومسرتهم بالحظوظ والعوائد الجسمانية والخواص فرحهم بإقبال الملك عليهم ووجود قلوبهم وصفاء وقتهم من كدرات الأغيار والغالب أن هذه المعاني إنما توجد عند الفاقة والحيرة والاضطرار حيث ينقطع حظ النفس فيها لأن النفس كما ضيقت عليها رحلت إلى عالم الملكوت وفي ذلك العالم أراحتها وفرحها ومسرتها قال تعالى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوي وهما جنتان معجلة ومؤجلة فلأجل هذا آثرت الصوفية الفقر على الغناء والشدة على الرخاء والذل على العز والمرض على الصحة لما يحصل لهم بذلك من الرقة والحلاوة وكلما ازدادوا فاقة زادهم الله قرباً وولاء وكان بعضهم يطوف حول الكعبة ويقول

مؤتزر بشملتي كما تري ... وصبية باكية كما ترى
وامرأتي عريانة كما تري ... يا من يرى الذي بنا ولا يرى
أما ترى ما حل أما ترى
فسمعه بعضهم فجمع له كسرا ودفعها إليه فقال له إليك عني لو كان معي شيء لما أمكنني أن أقول هذا القول وقال أبو اسحق الهروي رضي الله عنه من أراد أن يبلغ الشرف كل الشرف فليختر سبعاً على سبع فإن الصالحين اختاروها حتى بلغوا سنام الخير اختاروا الفقراء على الغنى والجوع على الشبع والدون على المرتفع والذل على العز والتواضع على الكبر والحزن على الفرح والموت على الحياة اه وقال بعضهم أن الفقير الصادق ليتحرز من الغنى حذرا أن يدخله فيفسد عليه فقره كما يتحرز الغنى من الفقر حذرا أن يفسد عليه غناه وأنشدوا في أعياد العارفين
قالوا عدا العيد ماذا أنت لابسه ... فقلت خلعة ساق حبه جرعا
فقر صبرهما ثوباي تحتهما ... قلب يرى ألفه الأعياد والجمعا
أحرى الملابس أن تلقى الحبيب به ... يوم التزاور في الثوب الذي خلعا
الدهر لي مأثم أن غبت يا أملي ... والعبد ما كنت امرء لي ومستعماً
وقال آخر
قالت هنا العيد بالبشرى فقلت لها ... العيد والبشر عندي يوم لقياك
الله يعلم أن الناس قد فرحوا ... فيه وما فرحتي إلا برؤياك
ثم بين وجه كون الفاقة عيدا فقال ربما وجدت من المزيد في الفاقات مالا تجد في الصوم والصلاة الفاقات بسط الإنسان إن أردت بسط المواهب عليك صحح الفقر والفاقة لديك إنما الصدقات للفقراء والمساكين قلت إنما كان الإنسان يجد في الفاقة من المزيد ما لا يجده في الصوم والصلاة لأن الفاقة من أعمال القلوب والصوم والصلاة من أعمال الجوارح والذرة من أعمال القلوب أفضل من أمثال الجبال من أعمال الجوارح الفالقت قوت الروح والصوم والصلاة من أعمال الجوارح والذرة من أعمال القلوب أفضل من أمثال الجبال من أعمال الجوارح الفاقات قوت الروح والصوم والصلاة قوت القلب والروح محل المشاهدة والقلب محل المراقبة وما بينهما معلوم قال بعضهم أعلم أن المدد الذي هو الفتح الرباني إنما يقع في القلوب الفارغة من العوائق والشواغل وقد يوجد العبد كثير الصلاة والصيام وباب قلبه مسدود لاشتغاله بأمور دنياه وهم الأكثر من الناس وقد يوجد العبد قليل الصوم والصلاة وباب قلبه مفتوح للعلوم اللدنية والتنزلات الفهمية وهم الأقلون من الناس وكل العبادات يدخله الرياء إلا الخمول لكونه لاحظ للنفس هيه اه وفي بعض الأخبار يقول الله تبارك وتعالى لعبده سبكتك بالفاقة لتكون ذهباً الحديث قال في التنوير اعلم أن في البلايا والفاقات من أسرار الألطاف ما لا يفهمه إلا ألوا البصائر ولم يكن إلا تذلل النفس وتحقيرها وقطعها عن حظوظها لكان في ذلك غاية المطلوب منها وقد قيل حيثما وقعت الذلة وقعت معها النصرة قال الله العظيم ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة اه فإن أردت أيها الفقير بسط المواهب وورودها عليك فصحح الفقر والفاقة لديك فإذا صححت الفاقة والفقر عندك فاستعد لكتب المواهب فإنها ترد عليك كالسحاب وقد قلت في هذا قصيدة سيأتي ذكرها قريباً إن شاء الله
وإن ردن بسط المواهب عاجلاً ... ففي الفاقة ريح المواهب ينشر

والمراد بالمواهب معارف وكشوفات وطمأنينة وحكم وعلوم وأسرار ترد على القلوب من خزائن الغيوب حال صفائها وتصفيتها من الغيرية واصفى ما يكون القلب حين تذهب النفس وذهاب النفس إنما يكون بترك حظوظها ولا يتحقق ذلك في الغالب إلا في حال الفاقة والفقر ولذلك كانوا يفرحون بالفقر ويحزنون بالفقر ويحزنزن من الغنى فتح على بعضهم بشيء من الدنيا فقال هذه عقوبة لم أدر ما سببها وقال الهروي الفقر صفة مهجور وهو ألذ ما يناله العارف لكونها تدخله على الله وتجلسه بين يديه وهم أعم المقامات حكماً لقطع العوائق والتجرد من العلائق واشتغال القلب بالله قيل الصادق لا يملك ولا يملك وقيل لسهل رضي الله عنه متى يستريح الفقير قال إذ لم ير في كل وقت غير ربه وقال الشبلي الفقير لا يستغني بشيء دون الله وقال السهروردي في عوارف المعارف الفقر أساس التصويف وبه قوامه ويلزم من وجود التصرف وجود التصرف وجود الفقر لأن التصرف اسم جامع لمعاني الفقر والزهد مع زيادة أحوال لا بد منها للصوفي وإن كان فقيراً زاهداً وقال بعضهم نهاية الفقر بداية التصرف لأن التصرف اسم جامع لكل خلق سني والخروج عن كل خلق دنى لكنهم اتفقوا أن لا دخول على الله إلا من باب الفقر ومن لم يتحقق بالفقر لم يتحقق بشيء مما أشار إليه القوم والتحقق بالفقر هو الاستئناس به والاعتباط بحصوله والاستقرار معه حتى يكون عنده أحلى من العسل ويكون المال عنده أمر من الحنظل فحينئذ تترادف عليه المواهب وتتسع له المعارف حتى يكون أغنى الأغنياء قال بعض الصالحين كان لي بعض مال فرأيت فقيراً في الحرم جالساً منذ أيام ولا يأكل ولا يشرب وعليه أطمار رئة فقلت أغنيه بهذا المال فألقيته في حجره وقلت استعن بهذا على دنياك فنفض بها في الحصباء وقال لي اشتريت هذه الجلسة مع ربي بما ملكت وأنت تفسدها على ثم انصرف وتركني ألقطها فو الله ما رأيت أعز منه لما بددها ولا أذل مني لما كنت التقطها وهذا هو تصحيح الفقر والفاقة ظاهراً وباطناً وكان بعضهم إذا أصبح عنده شيء أصبح حزيناً وإذا لم يصبح عنده شئ أصبح فرحاً مسروراً فقيل له إنما الناس بعكس هذا فقال إني إذا لم يصبح عندي شيء فلى برسول الله أسوة حسنة وإذا أصبح عندي شيء لم يكن لي برسول الله أسوة حسنة قلت وهذه حالة أشياخنا رضي الله عنهم حسيما استقريناه من حالهم وقد بلغني أن شيخ شيخنا مولاي العربي رضي الله عنه كان يشتغل الفتيلة وينظر في نواحي البيت إذا وجد شيئاً أخرجه يتصدق به ويبيت على الفاقة هكذا كان حاله في حال تجريده رضي الله عنه هذا واستشهد المؤلف رضي الله عنه بالآية الكريمة إنما الصدقات للفقراء والمساكين إشارة إلى أن ما يهبه الله تعالى من المواهب والمعارف إنما هي صدقة ومنه لجزاء على الأعمال والأحوال لأن الصدقة لا تكون في مقابلة عمل وإن الله لغني عن العالمين ثم التحقق بالفقر مجموعة التحقق بأوصاف العبودية وهي الذل والعجز والضعف كما بين ذلك بقوله تحقق بأوصافك يمدك يقابلها من أوصاف الربوبية أربعة أولها من العبد الفقر ومن الله الغني الثاني من العبد الذل ومن الله العز الثالث من العبد العجز ومن الله القدرة الرابع من العبد الضعف ومن الله القوة والتحقق بالوصف هو التحلي والاتصاف به قلباً وقالباً ويكون ذلك بادياً بين خلقه فلا يتحقق الذل لله حتى يظهر ذلك بين عباده فمن أراد أن يمده الله بالغنى به عما سواه فليتحقق بالفقر مما سواه كما قال الشيخ أبو الحسن في حربه الكبير نسئلك الفقر مما سواك والغنى بك حتى لا نشهد إلا إياك ومن أراد أن يمده الله بالعز الذي لا يفنى فليتحققي بالذل لله والتواضع بين خلقه فمن تواضع دون قدره رفعه الله فوق قدره ومن أراد أن يمده الله بالقدرة الخارقة للعوائد فليتحقق بعجزه ويتبرأ من حوله وقوته ومن أراد أن يمده الله بالقوة على طاعة مولاه ومجاهدة نفسه وهواه فليتحقق بضعفه ويسند أمره إلى سيده فبقدر ما تعطى تأخذو بقدر نا تتخلق تتحقق وبقدر ما تتحقق بوصفك يمدك بوصفه وقد كنت قلت في ذلك أبياتاً وهي هذه
تحقق بوصف الفقر في كل لحظة ... فما أسرع الغنى إذا صحح الفقر
وإن تردن بسط المواهب عاجلاً ... ففي الفاقة ريح المواهب ينشر

وإن تردن عزا منيعاً مؤيداً ... ففي الذل يخفي العزبل ثم يظهر
وإن تردن العرفان فافن عن الورى ... وعن كل مطلوب سوي الحق تظفر
تري الحق في الأشياء حين تلطفت ... ففي كل موجود حبيبي ظاهر
قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه وتصحيح العبودية بملازمة الفقر والضعف والذل لله تعالى وأضدادها أوصاف الربوبية فما لك ولها فلازم أوصافك وتعلق بأوصافه وقل من بساط الفقر الحقيقي يا غنى من للفقير سواك، ومن بساط الضعف الحقيقي يا قوي من للضعيف سواك، ومن بساط العجز الحقيقي يا قادر من للعاجز سواك، ومن بساط الذل الحقيقي يا عزيز من للذليل سواك، تجد الإجابة كأنها طوع يدك واستعينوا بالله واصبروا إن الله مع الصابرين ولا يصح التحقق بالوصف حتى يتعلق بأضدادها من مولاه فلا يلتجيء في فقره ولا عجزه ولا ضعفه إلى أحد سواه روى أن بعض الملكوك قال لبعض الفقراء ما يكون لك من حاجة فارفعها إلى فقال له الفقير قد رفعت حوائجي لمن هو أقدر منك فما أعطاني منها رضيت به ومت منعني منها رضيت عنه فقال له ولا لك حاجة عندي قال بلى قال وما هي قال لا تراني ولا نراك
ملكت نفسي وكنت عبداً ... فزال رقي وطاب عيشى
أصبحت أرضى بحكم ربي ... أن لم أكن راضياً فأيشى
فهذا هو التعلق بوصف الربوبية والتعزيز بالله لا يفنى عزه قال الله تعالى ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ومن تعزز بالله ذل له كل شيء وقد حج شيبان الراعي مع سفيان الثوري فلما كانا في البرية عرض لهما سبع فأخذ سفيان خارج الطريق ومضى إليه شيبان ثم عرك أذنه فلم يزد أن حرك ذنبه وبصبص وانصرف فقال له سفيان ما هذا يا شيبان فقال له لو شئت أن أركبه إلي مكة لفعلت وكانت عجوز تأتي كل يوم لبيت السرى السقطيي فتكنس بيته وتسوق له بعض القوت فسئل من هي فقال الدينا سخرها الله لي لما زهدت فيها وفي هذا المعنى ورد الحديث يوقل الله تعالى للدنيا يا دنيا اخدمي من خدمني واتعبي من خدمك وقال إبراهيم بن أدهم من طلب الفقر استقبله الغنى استقبله الفقر والغنى هو الغنى بالله وقال سهل رضي الله عنه لم يشم رائحة اليقين من ركن لغير الله وقال أبو تراب رأيت شاباً في البادية يمشي بلا زاد فقلت في هذا الموضع بلا زاد قال لست أرى غير الله فقلت اذهب الآن حيث شئت وقال إبراهيم الخواص لقيت فقيراً في البادية فقلت له إلى أين فقال إلى مكة قلت بلا زاد ولا راحلة فقال الذي يمسك السموات والأراضين ويحفظها لا يعجزه قوتي بلا سبب ولا علاقة فقلت صدقت ثم رأيته بعد ذلك في مكة وهو يطوف ويقول
يا عين سحي أبداً ... يا نفس موتى كمدا
ولا تحبي أحداً ... إلا الإله الصمدا

فلما رآني قال لي ما زلت على ضعف يقينك فقلت لا بل اعلم أن الله على كل شىء قدير اه هذا آخر الباب التاسع عشر وحاصلها أن العارفين ربما دلهم الأدب على ترك الطلب اكتفاء بعلم الله إذ لا يذكر إلا الغافل ولا ينبه إلا الساهي وتعالى الله عن الأمرين علوا كبيرا فإذا نزلت بهم فاقة أو شدة لم يسئلوا رفعها بل فرحوا بها وجعلوها مواسم وأعياد لما يجدون فيها من المزيد وما يهب على قلوبهم من نسيم التوحيد والتغريد وهي المواهب الربانية والعلوم اللدنية فتحققوا بأوصافهم وأمدهم بأوصافه فصاروا في الظاهر عبيداً وفي الباطن أحراراً في الظاهر فقراء ضعفاء أذلاء وفي الباطن أغنياء أقوياء أعزاء وهذه هي الكرامة العظمى دون الكارمة الحسية كما أشار إلى ذلك في أول الباب الموفى عشرين فقال رضي الله عنه ربما رزق الكارمة من لمتكمل له الإستقامة قلت الكرامة الحسية هي خرق الحس اعادى كالمشى على الماء والطيران في الهواء وطي الأرض ونبع الماء وجلب الطعام والإطلاع على المغنيات وغير ذلك من خوارق العادات والكرامة المعنوية هي استقامة العبد مع ربه في الظاهر والباطن وكشف الحجاب عن قلبه حتى عرف مولاه والظفر بنفسه ومخالفة هواه وقوة يقينه وسكونه وطمأنينته بالله والمعتبر عند المحققين هي هذه الكارمة وأما الكرامة الحسية فلا يطلبونها ولا يلتفتون إليها إذ قد تظهر على يد من لم تكمل استقامته بل قد تظهر على يد من لا استقامة له أصلاً كالسحرة والكهان وقد تظهر على أيدي الرهبان وليست بكرامة إنما هي استدراج قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه إنما هما كرامتان جامعتان محيطتان كرامة الإيمان بمزيد الإيقان وشهود العيان وكرامة العمل على الإقتداء والمتابعة ومجانية الدعاوي والمخادعة فمن أعطيتها ثم جعل يشتاق إلى عيرها فهو عبد مغتر كذاب أو ذو خطأ في العلم والعمل بالصواب كمن اكرم بشهود الملك على نعت الرضى فجعل بشتاق إلى سياسة الداوب وخلع المرضي قال وكل كرامة لا يصحبها الرضى عن الله ومن اله فصاحبها مستدرج مغروراً وناقص أو هالك مثبرواً اه وقال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه ليس الشأن من تطوى له الأرض فإذا هو بمكة أو غيرها من البلدان إنما الشأن من تطوى له صفات نفسه فإذا هو عند ربه قلت والكرامة الحقيقة هي الاستقامة على الدين وحصول كمال اليقين وأما خوارق العادات الحسية فإن صحبتها الاستقامة ظاهراً وباطناً وجب تعظيم صاحبها لأنه شاهدة له بالكمال مما هو فيه وإن لم تصحبها استقامة فلا عبرة بها والغلب أن أهل الباطن كرامتهم باطنية ككشف الحجب ومزيد الإيمان ومعرفة الشهود والعيام وكذلك عقوبة من آذاهم جلها باطية لا يتفطنون لها كقساوة القلب والإنهماك في الذنوب والغفلة عن الله والبعد عن حضرته ولكن لا يشعرون وهي أعظم من العقوبة في الحس والحاصل أن أهل الاستقامة الظاهرية كرامتهم ظاهرية حسية وأهل الاستقامة الباطنية كرامتهم باطنية معنوية أهل الظاهر من آذاهم عوقب في الظاهر وأهل الباطن من آذاهم عوقب في الباطن وقد لا يعاقب لأنهم رحة كل من قرب منهم شملته الرحمة كان قربه تسليماً أو انكاراً هم قوم لا يشقى جليسهم على قدم النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال الهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون وكل ولي أراد الله تعالى أن ينتفع الناس على يده لا يعاجل بالعقوبة من إذاه اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم حيث خيره ملك الجبال فحلم صلى الله عليه وسلم وعفا وقال لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يقول لا إله إلا الله والله تعالى أعلم وأعظم الكارمة الفهم عن الله والرضى بقضاء الله وترك التدبير والاختيار مع الله وإقامة العبد حيث إقامه الله كما أبان ذلك بقوله من علاقة إقامة الحق لك في الشيء إدامته إياك فيه مع حصول النتائج قلت إذا أقام الحق تعالى عبده في حالة لا يستقبحها الشرع ولا يذمها سليم الطبع فلا ينبغي له الانتقال عنها بنفسه حتى يكون الحق تعالى الذي أدخله فيها هو الذي يتولى إخراجه منها وقل رب أدخلني مخرج صدق فالمدخل الصدق أن تدخل في الشيء بالله لا بنفسك والمخرج الصدق أن تخرج منه بالله لا بنفسك فإذا أقامك الحق تعالى في الأسباب فلا تخرج منها بنفسك فتتعب فامكث حتى يخرجك الحق تعالى بإشارة صريحة من شيخك أو من هاتف من عند ربك وقد تقدم هذا في أول الكتاب ومن علامة إقامة

الله تعالى لك في ذلك أنت في إدامة الحق إياك في ذلك الشيء مع حصول النتائج وسلامة الدين والمراد بالنتائج ما يترتب عليه من إعطاء حقه الواجب والمستحب كإداء الزكاة وإطعام الجائع وستر العريان وإغاثة الله فان وغير ذلك من أنواع الإحسام وإذا أقامه الحق تعالى في نشر العلم الظاهر فعلامة إقامة الحق فيه تعليمه لله ونفع عباد الله الزهد في الدنيا والرغبة فيما عند الله والتواضع والصبر على جفاء المتعلمين هكذا سائر الحرف إذا كان فيها على المنهج الشرعي فلا ينتقل عنها بنفسه وإذا أقامك الحق تعالى في التجريد فالزم الباب وتحل والآدب حتى يفتح لك الباب فعلانة إقامته إياك فيه حصول نتائجه وهي الترقي في الأحوال والمقامات حتى تبلغ النهايات والمقامات هي التوبة والتقوى والاستقامة والزهد والورع والخوف والرجاء والرضى والتسليم والإخلاص والصدق والطمأنينة والمراقبة والمشاهدة والمعرفة وكل مقام له علم وعمل وحال فأوله علم وثانية عمل وثالثة حال ثم مقام فإذا بلغ إلى مقام المعرفة وتمكن فيها انقطعت المقامات قال بعضهم في بحر التوحيد غاصت الأحوال وانطمست المقامات وإن إلى ربك المنتهى فحينئذ يغمس في بحر الإحسام فإذا عبر من بساط إحسام الله له لم يصمت إذا أساء كما أبان ذلك بقوله من عبر من بساط إحسانه أصمتته الاساءة ومن عبر من بساط أتحسان الله إليه لم يصمت إذا أساء قلت أهل التعبير وهم أهل التذكير الذين يذكرون عباد الله ويعبرون عما منحهم الله به من العلوم والمواهب والفتوحات والكرامات على قسمين علماء وعارفون أو تقول أهل الحجاب وأهل الفتح فأهل الحجاب يعبرون من بساط إحسان أنفسهم فيقولون فعلنا كذا ورأينا كذا وفتح علينا في كذا وافعلوا أيها الناس كذا واتركوا كذا فإذا وقعوا في زلة أو هفوة سكتوا حياء من الله وخوفاً أن يأمروا بما لم يفعلوا لأنهم باقون مع نفوسهم محجوبون عن ربهم فإذا فعلوا طاعة فرحوا بها واعتمدوا عليها وإذا فعلوا زلة حزنوا وجزعوا وسقط في أيديهم فلما عبروا من بساط إحسان نفوسهم أصمتتهم الإساءة وأهل الفتح من العارفين يعبرون من بساط إحسان الحق غائبين عن شهود الخلق فانون عن أنفسهم باقون بربهم فهؤلاء إذا عبروا عما منحهم الله من المعارف والأسرار والعلوم والأنوار والكرامات والفتوحات والمواهب وذكروا فأمروا ونهوا دام تعبيرهم ونفع تذكيرهم فإذا أساءوا لم تصمتهم إساءتهم من أنفسهم وتعبيرهم من بساط إحسان الله إليهم وإحسانه لا يكدره شيء وقولنا من أنفسهم أعني أدباً فقط إذ هم لا يشهدون إلا تصريف الحق فيهم فلذلك لم تصمتهم إساءتهم لأنهم مغموسون في بحر المنة لا يشهدون في الكون سواه وأيضاً من عبر من بساط نفسه نادته مساوية أسكت أما تذكر فعلك القبيح ووصفك الذميم فيسكت خجلاً ومن عبر من بساط إحسان الله غابت عنه مساوية لغيبته في محان مولاه فلا يشهد إلا أياه فإذا أراد أن يعبر سبق نور معرفته إلى قلوب عباده فيسري فيهم التعبير ويأخذ بقلوبهم التذكير كما أبان ذلك بقوله تسبق أنوار الحكماء أقوالهم فحيثما صار التنوير وصل التعبير قلت الحكماء هم العارفون بالله الذين يتكلمون بالله ويصمتون بالله غائبون عن أنفسهم يشهدون ما من الله إلى الله فإذا أرادوا أن يعبروا عما منحهم مولاهم من العلوم والمعارف سبق نور شهودهم إلى القلوب المستمعة فتسري فيهم على قدر صدقهم فمنهم من يدخل النور سويداء قلبه ومنهم من يقف النور على ظاهر قلبه ومنهم من يشرق النور على طرف قلبه فإذا عبر العارف عن المقامات والأحوال وصل التعبير على قدر سريان النور فمن وصل النور إلى سويداء قلبه نهض ساعته إلى ربه ومن وصل إلى ظاهر قلبه خشع وخضع وعزم على البر والتقوى ومن وصل إلى طرف قلبه عرف الحق وصدق فحيثما صار التنوير وصل التعبير وقولنا في تفسير الحكماء هم العارفون مأخذنا فيه وقوله عليه السلام رأس الحكمة مخافة الله اه وأعرف الناس بالله أشدهم له خسية وفيهم قال الله تعالى إنما يخشى الله من عباده العلماء وسئل مالك عن الحكمة فقال ما زهد عبد واتقى إلا أنطقه الله بالحكمة ثم قال من أراد أن يفتح الله عين قلبه فليكن عمله في السر أكثر من عمله في العلانية لأن عمل السر منبع الإخلاص والإخلاص منبع الحكمة وسئل مرة أخرى عن الحكمة أيضاً فقال نور يقذفه الله في قلب العبد المؤمن من فسحة

الملك اه فأهل التنوير هم الحكماء وهم العارفون بالله ولله در القائل في وصفهم حيث قالملك اه فأهل التنوير هم الحكماء وهم العارفون بالله ولله در القائل في وصفهم حيث قال
هينون لينون ايسار بنو تسر ... سواس مكرمة أبناء ايسار
لا ينطقون بغير الحق أن نطقوا ... ولا يمارون أن ماروا باكثار
من تلق منهم تقل لا قيت سيدهم ... مثل النجوم التي يسري بها الساري
وقولنا في وصفهم يشهدون ما من الله إلى الله يعني أنهم غائبون ألا تصريف الحقي في مظاهر أنواره قال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه الناس على ثلاثة عبد يشهد ما منه إلى الله وعبد يشهد ما من الله إليه وعبد يشهد ما من الله إلى الله الأول ذو حزن وأشجان والثاني ذو فرح وامتنان والثالث لم يشغله عن الله خوف نار ولا مثوى جنان الأول ذو كد وتكليف والثاني ذو عناية وتعريف والثالث مشاهد للمولى اللطي ثم قال وقليل العمل مع شهود المنة خير من كثيره مع رؤية التقصير من النفس اه مختصراً ثم ذكر علامة التعبير الذي يسبقه التنوير والذي يسبقه التكدير فقال كل كلام يبرز وعليه كسوة القلب الذي منه برز قلت علامة الكلام الذي يسبقه التنوير هو تأثير في القلوب وتهييجه الأرواح وتشويقه الأسرار فإذا سمعه الغافل تنبه وإذا سمعه العاصي انزجر وإذا سمعه الطائع زاد نشاطه وعظم شوقه وإذا سمعه السائر طوى عنه تعب سيره وإذا سمعه الواصل تمكن من حاله فالكلام صفة المتكلم فإذا كان المتكلم ذا تنوير وقع في قلوب السامعين وإذا كان ذا تكدير حد كلامه آذان المستمعين فكل كلام يبرز وعليه كسوة القلب الذي منه برز ولذلك قال سيدنا على كرم الله وجهه من تكلم عرفناه من ساعته ومن لم يتكلم عرفناه من يومه وقيل الناس حوانيت مغلقة فإذا تكلموا فقد فتحوا هناك يتنين البيطار من العطار وقالوا أيضاً الكلام إذا خرج من القلب وقع في القلب وإذا خرج من اللسان حده الأذان وإنهاض الحال أكثر من المقال وإذا اجتمع الحال والمقال فهو البحر الطام والنجم الثاقب التام وقال بعض العارفين من كان قبله روحانياً كان كلامه معنوياً ينزل من القلوب في أوسع ساحاتها ومن كان قلبه نفيساً كان كلامه حسياً يعني لا يتكلم إلا في الحس ولا يخوض إلا فيه ومن طمس إذن قلبه حجب الدنيا فلا يسمع ولا يسمع وقد يكون من الناس من هو عالم اللسان جاهل القلب وعلامته ترجيح حديث الدنيا على حديث الآخرة أو حديث الحس على حديث المعنى ومن مثل هذا الحذر الحذر لأن قلبه ميت فكلامه كله على الميتة والميتة هي الجيفة قال صلى الله عليه وسلم الدينا جيفة وطلابها كلاب فمن تكلم على الدنيا فمثله كالكلب ولا خير في كلب ولو كان عالماً قاله الشطبي ثم أن هذه الكسوة التي تبرز على الكلام إنما هي من نتائج الأذن من الله فيه وأما إذا لم يكن إذن فيه فلا كسوة عليه كما أيان ذلك بقوله من أذن له في التعبير حسنت في مسامع الخلق عبارته وجلبت إليهم إشارته قلت الأذن في التعبير إنما يكون على يد الشيخ الكامل العارف الذي أهله الله للتربية ونصبه للتوصيل والترقية فإذا رأى على تلمذه أهلية التذكير أذن له في التعبير فإذا عبر أخذ بمجامع القلوب وفاض من لسانه أسرار علم الغيوب فتحسن في مسامع الخلق عبارته وتجلى إليهم إشارته أي تظهر وتفهم ولا عبرة عند المحققين بلحن الكلام وإعرابه ولا خطأ في رفعه ونصه من صوابه وإنما العبرة بالمعاني دون القوالب والأواني يحكى أن بعض النحويين دخل مجلس الحسن بن سمعون ليسمع كلامه فوجده يلحن فانصرف ذا ما له فبلغ ذلك الحسن فكتب له إنك من كثرة الإعجاب رضيت بالوقوف دون الباب فاعتمدت على ضبط أقوالك مع لحن أفعالك وإنك قد تهت بين خفض ورفع ونصب وجزم فانقطعت عن المقصود هل لا رفعت إلى الله جميع الحاجات وخفضت كل المنكرات وجزمت عن الشهوات ونصبت بين عينيك الممات والله يا أخي ما يقال للعبد لم لم تكن معرباً وإنما يقال له لم كنت مذنباً ليس المراد فصاحة المقال وإنما المارد فصاحة الفعال ولو كان الفضل في فصاحة اللسان لكان سيدنا هارون أولى بالرسالة من سيدنا موسى حيث يقول وأخي هارون هو أفصح مني لساناً اه ومما يتسب للخليل رحمة الله أو لسيبويه

لسام فصيح معرب في كلامه ... فيا ليته من وقفة العرض يسلم
ولا خير في عبد إذا لم يكن تقي ... وما ضر ذا لسان معجم
وقال آخر
منحرف بالفعال وذو زلل ... وإن تكلم في جداله وزنه
قال وقد كتبت لفظته ... تيهاً وعجباً أخطأ ما لحنه
وإنما أخطأ من قام غدا ... ولا يرى في كتابه حسنه
وكان شيخ شيخنا رضي الله عنه إذا ذكر من تقدم له في العربية يقول له أنت اترك شيئاً من عربيتك وأنا أترك شيئاً من جبليتي يعني من اللغة الجبلية ونلتفت للطريق والحاصل أن من اجتمع فيه الحال وفصاحة المقال فهو كمال الكمال وذلك لأنه ينتفع بكلامه بعدموته كالغزالي والشترى والشاذلي والمرسي والشيخ رضي الله عنهم فقد عظم النفع بكلامهم وأعظمهم المؤلف رضي الله عنه فقد حاز قصب السبق في التعبير ونسخت كتبه كتب القوم وقد شهد له شيخه بهذا المعنى فقال والله لا يموت هذا الشاب حتى يكون داعياً يدعو إلى الله وقال له والله ليكونن لك شأن عظيم والله ليكونن لك شأن عظيم وقال فيه أيضاً حين نسخ له كتاب التهذيب الأعلى يديه فقد قرب المدارك وبين المسالك في أحسن عبارة وأوجز لفظ وإشارة جزاه الله عن المسلمين خيرا ثم بين رضي الله عنه الكلام الذي لم يؤذن لصاحبه في التعبير عنه فقال ربما برزت الحقائق مكسوفة الأنوار إذا لم يؤذن لك فيها بإظهار قلت قد يتكلم الإنسان بحكم وحقائق مع فصاحة وبلاغة وشقاشق لكنها مسكوفة الأنوار مطموسة الأسرار ليس فيها حلاوة ولا عليها طلاوة سبب ذلك عدم الأذن فيها إذ لو أذن له في التعبير لظهر عليها كسوة التنوير قال في الطائف المنن من أجل مواهب الله لأوليائه وجود العبارة قال وسمعت شيخنا أبا العباس يقول الولى يكون مشحوناً بالمعارف والعلوم والحقائق لديه مشهورة حتى إذا أعطى العبارة قال سمعت شيخنا أبا العباس يقول الولى يكون مشحوناً بالمعارف والعلوم والحقائق لديه مشهورة حتى إذا أعطى العبارة كان ذلك كالأذن من الله في الكلام وقال وسمعت أبا العباس يقول كلام المأذون له يخرج وعليه كسوة وطلاوة وكلام الذي لم يؤذن له يخرج مكسوف الأنوار حتى إن ليتكلمان بالحقيقة الواحدة فتقبل من أحدهما وترد على الآخر اه قلت وينبغي لأهل التعبير أن يخاطبوا الناس بقدر ما يفهمون فليس التعبير لأهل البداية كأهل النهاية وفي الحديث خاطبوا الناس بقدر ما يفهمون نعم أن ضاق الوقت على التفريق جمع الكل وذكر في البداية والوسط والنهاية وكل واحد يأخذ نصيبه ويشرب من منهله قد علم كل أناس مشربهم وهذه كانت طريقة الجنيد رضي الله عنه يلقى الحقائق على رؤوس الأشهاد فقيل له في ذلك فقال علمنا محفوظ أن يأخذ غير أهله أو ما هذا معناه ثم عبارتهم بعد الأذن لا تكون إلا لحكمه بينها الشيخ بقوله عبارتهم أما لفيضان وجد أو لقصد هداية مريد قلت ما اشتملت عليه قلوب العارفين من المعارف وأسرار التوحيد وغوامض العلوم التي لا تطيقها جل الفهم هو سر من أسرار الله وهم أمناء الله عليها فلا يطلعون عليها إلا من رأوه أهلا لها إلا من كان مغلوباً على حاله لا يقدر على إمساكها وهو من لم يتمكن من حاله فيها فعبارتهم إذاً ما لفيضان وجد غلبة فلم يقدر على إمساكها أو لأجل هداية مريد وإرشاده وترقيته إلى مقام استحق إطلاع عليه وإلا فلا يظهرون من تلك الأسرار قليلاً ولا أقل من القليل وقد تقدم قول بعضهم
قلوب الأحرار ... قبور الأسرار
وقال آخر
لا يكتم السر الأكل ذي ثقة ... فالسر عند خيار الناس مكتوم

ثم بين حال الفريقين ومقام الرجلين فقال الأول حال السالكين وهم المستشرفون من السائرين حققوا ولم يتمكنوا فهم مملوكون في يد الأحوال إذا غلب عليهم الوجد فاضوا ولم يشعروا وإذا رجعوا إلى أنفسهم ندكوا واستغفروا ثم بين حال الثاني فقال والثاني حال أرباب المكنة والمتحققين وهم الراسخون المتمكنون فلا يعبرون عن تلك الأسرار إلا لأجل هداية المريدين وتربية السالكين وترقية السائرين وأما لغير هؤلاء فلا فإن عبر عنها السالك لا عن غلبة وجد كان في ذلك نوع من الدعوى وإن عبر عنها المتمكن من غير قصد هداية كان في ذلك افشاء لأسرار الربوبية وهي عندهم أعز من الكبريت الأحمر وقد كان الرجل يخدمهم سنين فلا يظهرون له منها قليلاً ولا كثيراً حتى إذا رأوا أعطى نفسه وفلسه وبذل روحه بالكلية أشاروا إليه إشارة خفية فقد ذكر شيخ شيوخنا سيدي على في كتابه إن طائفة من المريدين خدموا شيخاً ثلاثين سنة ثم قالوا له يا سيدنا أردنا أن تعرفنا بربنا فقال لهم نعم غدا ائتوني لداري فلما أتوه أخرج لهم صبياً صغيراً فوجهه إليهم ثم دخل فانظر هذه الإشارة ما ألطفها وأخفاها ثم من الله على أهل هذا الزمان برجال كرام من صحبهم بالصدق منحوه من الأسرار في يسير من الزمان ما لم يدركه المتقدمون في الأزمنة الطويلة جزاهم الله مت الأمة المحمدية خيراً وقد تلكم الشيخ أبو الحسن على حال السالكين والواصلين بكلام طويل ذكره في الطائف المنن ونقله الشطيي فقال أن الله عباداً محق أفعاله وأوصافهم بأوصافه وذاتهم بذاته وحملهم من أوصافه ما يعجز عن سماعه عامة الخلق فهم مغرقون في بحر الذات وتيار الصفات فنوا عن أفعالهم ثم فنوا عن صفاتهم ثم فنوا عن ذاتهم وبقوا بذات الله تعالى ولم يبق لهم منهم شئ ومن كان في الله نتلفه كان على الله خلفه ومن صح بقاؤه ثم قال واعلم أن الفنا يوجب الغيبة عما سوى الله قلت وهو مقام السالكين والبقاء يوجب إيجاد كل شيء مع الله يعني بالله فصاحب الفناء يقوم الله عنه وصاحب البقاء يقوم بالله عن الله وهما ولايتان فولى يتولى الله ورسوله والذين آمنوا وولى يتولاه الله وهو يتولى الصالحين قال الشيخ أبو الحسن وعلامة الولاية الرضى بالقضاء والصبر على البلاء والفرار إلى الله عند الشدائد والرجوع إليه عند النوائب فمن أعطى هذه الأربعة من خزائن الأعمال والمجاهدة فقد صحت ولايته لله ورسوله وللمؤمنين ومن أعطيتها من خزائن المنن والمواددة فقد تمت ولاية الله له فالولاية الأولى ولاية صغرى والولاية الثانية ولاية كبرى قيل له كيف يتولى الله ورسوله والذين آمنوا قال يتولى الله بالمجاهد لقوله تعالى والذين جاهدوا فينا لنهديهم سبلنا ويتولى الرسول بالمتابعة قل أن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله من يطع الرسول فقد أطاع الله ويتولى المؤمنين بالاقتداء بهم وهي علامات من خاض بحر الولاية وأما الذين تولاهم الله فهم الذين صلحوا لحضرته وغابوا عن خليقته فلا يرون في الوجود إلا الله، الأولي تسمى ولاية إيمان وهذه ولاية إيقان فقيل له وما الفرق بين الإيمان والإيقان قال كل يقين إيمان وليس كل إيمان إيقاناً فالإيمان ربما تدخله الغفلة والإيقان لا تدخله الغفلة المؤمن يتجلى له الحق دون كل شئ والموقن يتجلى له الحق في كل شيء المؤمن فإن عن كل شيء فلم يشهد مع الله شيئاً والموقن باق في كل شئ فهو يشهد الله في كل شئ اه ثم بين المؤلف رضي الله عنه فائدة التعبير وثمرة العبارة فقال العبارة قوت لعائلة قلوب المستمعين وليس لك منها إلا ما أنت له آكل قلت العائل هو الفقير والعائلة جمع له فعبارة العارفين قوت لقلوب الفقراء الطالبين لزيادة إيقان قلوبهم ومشاهدة محبوبهم فلا يزالون في حضانة الشيوخ وعيالهم حتى يكمل إيقانهم وترشد أحوالهم فحينئذ يستقلون بأنفسهم وعلامة رشدهم أنهم يأخذون النصيب من طل شيء ولا ينقص من حالهم شئ يفهمون عن الله في كل شيء ويعرفون في كل شئ ويشربون من كل شئ فإذا كانوا كذلك فقد استقلوا بأنفسهم وتأهلوا لارشاد غيرهم قال بعض الحكماء من لم يفهم صرير الباب ولا طنين الذباب ولا نبيح الكلاب فليس من ذوي الألباب وأما من لم يبلغ هذا المقام فلا بد أن يلزم العش في حضانة من يرزقه ويطعمه فإذا طار من العش قبل تربية الجناح اصطادته الكلاب والبيزان ولعبت به النساء والصبيان

فإذا كان في عش الشيخ وكان يطعمه مع غيره فليس له من القوت إلا ما يقدر أن يأكله وإلا قتله فليس طعام الصبي الصغير كطعام الرجل الكبير وكذلك عبارة الشيوخ للمريدين كل واحد يأخذ ما يليق بحاله فالشيوخ يذكرون في الجملة فيذكرون أحوال البدايات والنهايات والوسط وكل واحد يأخذ ما يليق بع قد علم كل أناس مشربهم فلا يتعلق المبتدئ بمذاكرة المنتهي فيفسد كما إذا كل الطفل الصغير طعام الكبير يقف في حلقه وإذا أكل الكبير طعام الصغير لا يشبعه هذا معنى قول الشيخ وليس لك منها إلا ما أنت له آكل أي ليس لك من قوت العبارة إلا ما أنت قادر على أكله وإلا غصصت به والله تعالى أعلم وقد سألني بعض الأخوان عن قوت الروحانية والبشرية فقلت قوت البشرية معلوم وقوت الروحانية على وزان قوت البشرية فالصبي لا يطيق الطعام الخشن حتى يكبر كذلك الروح تربى شيئاً فشيئاً فتطعم أولا ذكر اللسان فقط ثم ذكر اللسان فقط ثم ذكر القلب مع اللسان ثم ذكر القلب فقط ثم ذكر الروح وهو الفكرة ثم ذكر السر وهو النظرة ثم تأكل كل شيء وتشرب من كل شيء حتى تسرط الكون بأسره فلو أعطيتها الفكرة أو النظرة الذي هو طعام الرجال أول مرة وهي في مقام الأطفال للفظته وطرحته فإذا بلغت الروح أن تأكل كل شيء وتشرب من كل شيء فقد صح لها أ، تطير في الملكوت الأعلى وتذهب حيث تشاء وقد يختلف الشرب لجماعة من آنية واحدة لاختلاف مقامهم كقضية الرجال الذين سمعوا قائلاً يقول يا سعتر يرى وذلك أن رجلاً في الصفا بمكة صاح يا سعترا برى لرجل آخر كان اسمه ذلك فسمعه الثلاثة فكل واحد تعلق بذهنه ما يليق بحاله فسمع أحدهم الساعة ترى برى وسمع الآخر اسع تري برى وسمع الثالث ما أوسع بري فالأول كان مستشرفاً والثاني مبتدياً والثالث كان واصلاً وكذلك قضية ابن الجوزى كان يقرأ ببغداد اثني عشر علماً فخرج يوماً لبعض شؤنه فسمع قائلاً يقولا كان في عش الشيخ وكان يطعمه مع غيره فليس له من القوت إلا ما يقدر أن يأكله وإلا قتله فليس طعام الصبي الصغير كطعام الرجل الكبير وكذلك عبارة الشيوخ للمريدين كل واحد يأخذ ما يليق بحاله فالشيوخ يذكرون في الجملة فيذكرون أحوال البدايات والنهايات والوسط وكل واحد يأخذ ما يليق بع قد علم كل أناس مشربهم فلا يتعلق المبتدئ بمذاكرة المنتهي فيفسد كما إذا كل الطفل الصغير طعام الكبير يقف في حلقه وإذا أكل الكبير طعام الصغير لا يشبعه هذا معنى قول الشيخ وليس لك منها إلا ما أنت له آكل أي ليس لك من قوت العبارة إلا ما أنت قادر على أكله وإلا غصصت به والله تعالى أعلم وقد سألني بعض الأخوان عن قوت الروحانية والبشرية فقلت قوت البشرية معلوم وقوت الروحانية على وزان قوت البشرية فالصبي لا يطيق الطعام الخشن حتى يكبر كذلك الروح تربى شيئاً فشيئاً فتطعم أولا ذكر اللسان فقط ثم ذكر اللسان فقط ثم ذكر القلب مع اللسان ثم ذكر القلب فقط ثم ذكر الروح وهو الفكرة ثم ذكر السر وهو النظرة ثم تأكل كل شيء وتشرب من كل شيء حتى تسرط الكون بأسره فلو أعطيتها الفكرة أو النظرة الذي هو طعام الرجال أول مرة وهي في مقام الأطفال للفظته وطرحته فإذا بلغت الروح أن تأكل كل شيء وتشرب من كل شيء فقد صح لها أ، تطير في الملكوت الأعلى وتذهب حيث تشاء وقد يختلف الشرب لجماعة من آنية واحدة لاختلاف مقامهم كقضية الرجال الذين سمعوا قائلاً يقول يا سعتر يرى وذلك أن رجلاً في الصفا بمكة صاح يا سعترا برى لرجل آخر كان اسمه ذلك فسمعه الثلاثة فكل واحد تعلق بذهنه ما يليق بحاله فسمع أحدهم الساعة ترى برى وسمع الآخر اسع تري برى وسمع الثالث ما أوسع بري فالأول كان مستشرفاً والثاني مبتدياً والثالث كان واصلاً وكذلك قضية ابن الجوزى كان يقرأ ببغداد اثني عشر علماً فخرج يوماً لبعض شؤنه فسمع قائلاً يقول
إذ العشورن من شعبان ولت ... فواصل شرب ليلك بالنهار
ولا تشرب بأقداح صغار ... فقد ضاق الزمان على الصغار

فخرج هائماً على وجهه إلى مكة فلم يزل يعبد الله بها حتى مات رحمه الله ففهم من الشاعر انصراف العمر وضيق زمان الدنيا كله قال في لطائف المنن واعلم أن هذه المفهومات المعنوية الخارجة عن الفهم الظاهر ليست بإحالة اللفظ عن مفهومه بل هو فهم زائد على الفهم العام يهبه الله لهذه الطائفة من أرباب القلوب وهو من باطن الحكم المندرج في ظاهره اندراج النبات في الحبة وذلك أن المدد النوراني والفتح الرباني يتصل بعضه ببعض إلى الطرف الظاهر فحيث انتهت القوة انتهى الإدراك فربما فهموام ما يوافق ظاهر المعنى الباطنية وروبما خالفه من جهة ما ربما كان الفهم بعكس ظاهره وقد كان الشيخ مكين الدين بن الأسمر رضي الله عنه ممن يشهد له الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه بالولاية الكبرى والمكاشفة العظمى فانشد إنسان في مجلسه
لو كان لي مسعد بالراح يسعدني ... لما انتظرت لشرب الراح افطاراً
الراح شيء شريف أنت شاربه ... فاشرب ولو حملتك الراح أوزارا
يا من يلوم على صهباء صافية ... خذ الجنان ودعني أسكن النارا

فقال بعض فقهاء الظاهر لا يجوز قراءة هذه الأبيات فقال الشيخ مكين الدين قل دعه فإنه رجل محجوب يعني أنه لا يفهم إلا الشراب الحسى دون المعنوي وهو جمود والله تعالى أعلم ثم إن العبارة لا تدل على حال المعبر فقد يكون فوق ما يقول وقد يكون دونما يقول كما أشار إلى بيان ذلك بقوله ربما عبر عن المقام من استشرف عليه وربما عبر عنه من وصل إليه وذلك ملتبس إلا على صاحب بصيرة قلت العبارة لا تدل على نهاية المعبر ولا وصوله إلى ما عبر عنه فقد يعبر عن المقام من لم يصل إليه ولكن استشرف عليه وقد يعبر عنه من وصل إليه وربما عبر عن المقام وقدمه فوق ما عبر عنه وذلك ملتبس إذ لا يعرف المستشرف من الواصل إلا ذو بصيرة نافذة يعني من فتح عليه في المعرفة فكل من فتح عليه في معرفة الله ورفع عنه الحجاب عرف كلام الواصل من المستشرف فليس من خالط البلد ووصفها ثم نعتها كمن استشرف عليها ولم يدخلها ثم جعل ينعتها قال بعضهم وقد يعرف المستشرف بطول التعبير والواصل باختصاره فالمستشرف يطول العبارة ويكررها والواصل من أول مرة يدركها وقد قالوا العارف بالضرب لا يكثر الهنى والعارف بالمفاصل لا يكثر الحنى قلت وهذه القاعدة ليست كلية إذ كثير من العارفين الواصلين تطول عبارتهم لمعرفتهم بمفاصل الخطاب ومن المستشرف من تقصير عبارتهم قال المؤلف رضي الله عنه الاستشراف والوصل ليس إلا مراتب التوجه للتحقق بالعجز فمن وصل لمعرفة العجز عن الوصول فهو الواصل لكن العجز لا يكون إلا بعد الاتصاف به حقيقة لا مجازا وذلك أن الجاهل عجزه حالي قهري والعارف عجزه جلال يرحماني قلت المراد بالعجز في حقه الحيرة والدهش أولا ثم العجز عن الإحاطة والكنة ثانياً ثم قال يشهد لذلك أن الجاهل متى تحرك وقع في الحظوظ والعارف لا يتحرك إلا بالحقوق والجاهل نصيبه الوهم والعارف نصيبه الفهم الجاهل طالب للعلم والعارف طالب للمعلوم الجاهل تابع بنظره للصور الحسية والعارف غائض ببصيرته مع الأرواح المعنوية وجميع المراتب والمقامات مراحل بين الحس والمعنى وانتقال من الهياكل الجسيمة للعوالم القلبية ثم من العوالم القلبية إلى الحقائق الروحانية ثم من الحقائق الروحانية إلى الأسرار الربانية إلى المعارف التوحيدية أه ثم لا ينبغي للسالك أن يعبر عن هذه الأسرار إذا واجهته في طريق السلوك كما أبان ذلك بقوله " لا ينبغي للسالك أن يعبر عن وارداته فإن ذلك مما يقلل عملها في قبه ويمنعه وجود الصدق فيها مع ربه قلت المريد في حال سيره مأمور بالكتمان لعلمه وعمله وحال واردا