كتاب : العجاب في بيان الأسباب
المؤلف : شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي


أنبأنا أبو الحسن علي بن أبي الخير مشافهة أنا محمد بن حبيب الحلبي أنا بيبرس بن عبد الله العقيلي أنا محمد بن عبد الله بن أبي سهل الواسطي أنا أبو الخير أحمد بن إسماعيل القزويني أنا عمر ابن عبد الله بن أحمد الأرغياني أنا المصنف
وقد عاب في خطبة كتابه على من يعتمد في المنقول على الكتب من غير أن
يكون لما يذكره سماع أو رواية فقال ما نصه ولا يحل القول في أسباب نزول الكتاب العزيز إلا بالرواية والسماع عمن شاهدوا التنزيل ووقفوا على الأسباب و بحثوا عن عملها وجدوا في الطلاب وقد ورد الوعيد للجاهل ذي العثار في هذا العلم بالنار
ثم ساق الحديث الذي أخبرنا به أبو هريرة بن الحافظ شمس الدين الذهبي إجازة منه لنا من دمشق وقرأته على أم الحسن بنت العز
محمد بن أحمد بن المنجا بدمشق
كلاهما عن إسماعيل بن يوسف بن مكتوم القيسي قال أنا عبد الله بن عمر بن علي بن زيد نا أبو المعالي محمد بن محمد بن النحاس نا أبو القاسم علي بن أحمد البندارة إجازة إن لم يكن سماعا عن أبي طاهر محمد بن عبد الرحمن بن العباس المخلص أنا ابن منيع يعني عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي نا يزيد بن بنت أحمد بن منيع أنا ليث هو ابن حماد نا أبو عوانة هو الوضاح عن عبد الأعلى هو ابن عامر الثعلبي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله اتقوا الحديث عني إلا ما عرفتم فإن من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار
هذا حديث حسن أخرجه أحمد عن حسين بن محمد و أبو داود في رواية أبي الحسن بن العبد
عنه عن مسدد كلاهما عن أبي عوانة فوافقناهما في شيخ شيخيهما بعلو و أخرجه الترمذي في التفسير و النسائي في فضائل القرآن كلاهما من رواية سفيان الثوري عن عبد الأعلى و أخرجه الترمذي أيضا عن سفيان بن وكيع عن سويد بن عمرو عن أبي عوانة وقال حسن فوقع لي وأخرجه الواحدي عن إسماعيل بن إبراهيم الواعظ عن أبي الحسين ابن حامد عن أحمد بن الحسن بن
عبد الجبار عن ليث بن حماد فوقع لنا عاليا درجات
أورد الواحدي هذا الحديث مستدلا به على ما قال في صدر كتابه لا يحل القول في سبب نزول القرآن إلا بالرواية و السماع إلى آخره ثم قال وكان السلف الماضون في أبعد غاية احتراز عن القول في نزول الآية ثم ساق عن محمد بن سيرين عن عبيدة بن عمرو السلماني أنه سأله عن آية من القرآن فقال اتق الله وقل سدادا فقد ذهب الذين كانوا يعلمون فيما أنزل القرآن وسنده صحيح عبيدة وهو بفتح أوله
قال و أما اليوم فكل أحد يخترع للآية سببا و يختلق إفكا وكذبا إلى أن قال فذلك الذي حداني الى إملاء هذا الكتاب الجامع للأسباب لينتهي إليه طالبوا هذا الشأن و المتكلمون في نزول القرآن ليعرفوا الصدق ويستغنوا به عن
التمويه و الكذب و يجدوا في حفظه بعد السماع و الطلب انتهى كلامه
و لما وقفت على هذه الخطبة لخطابها و سعيت إلى الوصول لألج من أبوابها فوجدته رحمه الله قد وقع فيما عاب من إيراد كثير من ذلك بغير إسناد مع تصريحه بالمنع إلا فيما كان بالرواية والسماع ثم فيما أورده بالرواية والسماع ما لا يثبت لوهاء بعض رواته ثم ما اقتضاه كلامه أن الممنوع أن يساق الخبر من غير رواية دون سياق برواية أو سماع لا يكون فيه ذلك ليس بمسلم طردا و لا عكسا بل المحذور أن يكون الخبر من رواية من لا يوثق به سواء ساق المصنف سنده به أم لم يسقه فكم من سند موصول برواية كذاب أو متروك أو فاحش الغلط وكم من خبر يذكر بغير سند و ينبه على أنه من تصنيف فلان مثلا بسند قوي
أفيرتاب من له معرفة أن الإعتماد على الثاني هو الذي يتعين قبوله أو يشك عالم أن الاعتماد على الأول هو الذي يتعين اجتنابه
ثم إن ظاهر كلامه أنه استوعب ما تصدى له و قد فاته من شيء كثير فلما رأيت الناس عكفوا على كتابه وسلموا له الاستبداد بهذا الفن من فحوى خطابه تتبعت مع تلخيص كلامه ما فاته محذوف الأسانيد غالبا لكن مع بيان حال
ذلك الحديث من الصحة والحسن والضعف والوهاء قصد النصح للمسلمين وذبا عن حديث سيد المرسلين ولا سيما فيما يتعلق بالكتاب المبين
فأبدأ غالبا بكلام الواحدي ثم بما استفدته من كلام الجعبري ثم بنا التقطته من كتب غيرهما من كتب التفاسير و كتب المغازي و كتب المسانيد و السنن و الآثار وغير ذلك من الأجزاء المتفرقة ناسبا كل رواية لراويها و كل مقالة لمخرجها ثم لا أذكر من الزيادات إلا ما هو سبب نزول ببادئ الرأي لا ما يكون من هذا القبيل بضرب من التأويل وقد أورد الواحدي من ذلك أشياء ليست بكثيرة فلم أحذف منها شيئا بل جعلت علامة ما أزيده ز يكتب على أول القول وأما ما أزيده في أثناء كلامه فهو بغير علامة لكن ربما عرف إذا كان في صورة الاعتراض مثلا
ومن قبل الخوض في المقصود أقدم فصلا جامعا لبيان جال من نقل عنه التفسير من التابعين
ومن بعدهم يغني عن التكرير
فالذين اعتنوا بجمع التفسير من طبقة الأئمة الستة
أبو جعفر محمد بن جرير الطبري 224 - 310ه -
ويليه أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري ت318ه -
و أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم بن إدريس الرازي 240 - 327ه
ومن طبقة شيوخهم - عبد بن حميد بن نصر الكشي ت249 ه
فهذه التفاسير الأربعة قل أن يشذ عنها شيء من التفسير المرفوع و الموقوف على الصحابة و المقطوع عن التابعين
و قد أضاف الطبري إلى النقل المستوعب أشياء م يشاركوه فيها كاستيعاب القراءات و الإعراب و الكلام في أكثر الآيات على المعاني و التصدي لترجيح بعض الأقوال على بعض وكل من صنف بعده لم يجتمع له ما اجتمع فيه لأنه في هذه الأمور في مرتبة متقاربة وغيره يغلب عليه فن من الفنون فيمتاز فيه ويقصر في غيره
و الذين اشتهر عنهم القول في ذلك من التابعين أصحاب ابن عباس وفيهم ثقات و ضعفاء فمن الثقات
1 - مجاهد بن جبر ويروي التفسير عنه من طريق ابن نجيح عن مجاهد والطريق إلى ابن أبي نجيح قوية فإذا ورد من غيره بينته
2 - ومنهم عكرمة ويروي التفسير عنه من طريق
الحسين بن واقد عن يزيد النحوي عنه ومن طريق محمد بن اسحاق عن محمد بن ابي محمد مولى زيد بن ثابت عن عكرمة أو سعيد بن
جبير هكذا بالشك ولا يضر لكونه يدور على ثقة
3 - ومن طريق معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس
وعلي صدوق لم يلق ابن عباس
لكنه إنما حمل عن ثقات أصحابه
فلذلك كان البخاري و ابن أبي حاتم و غيرهما يعتمدون على هذه النسخة
4 - و من طريق ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس لكن فيما يتعلق بالبقرة وآل عمران وما عدا ذلك يكون عطاء هو الخراساني وهو لم
يسمع من ابن عباس فيكون منقطعا إلا أن صرح ابن جريج بأنه عطاء ابن أبي رباح
و من روايات الضعفاء عن ابن عباس 1 - التفسير المنسوب لأبي النضر محمد بن السائب الكلبي فإنه يرويه عن أبي صالح وهو مولى أم هانئ عن ابن عباس والكلبي اتهموه بالكذب وقد مرض فقال لأصحابه في مرضه كل شيء حدثتكم عن أبي صالح كذب
ومع ضعف الكلبي فقد روى عنه تفسيره مثله أو أشد ضعفا و هو محمد بن مروان السدي الصغير ورواه عن محمد بن مروان مثله أو أشد ضعفا وهو صالح بن محمد الترمذي
وممن روى التفسير عن الكلبي من الثقات سفيان الثوري و محمد بن فضيل بن غزوان و من الضعفاء من قبل الحفظ حبان بكسر المهملة وتثقيل الموحدة وهو ابن علي العنزي بفتح المهملة والنون بعدها زاي منقوطة
2 - ومنهم جويبر بن سعيد وهو واه روى التفسير عن الضحاك بن مزاحم و هو صدوق عن ابن عباس ولم يسمع منه شيئا و ممن روى التفسير عن الضحاك علي بن الحكم وهو ثقة وعبيد بن سليمان وهو صدوق وأبو روق عطية بن الحارث وهو لا بأس به
3 - ومنهم عثمان بن عطاء الخراساني يروي التفسير عن أبيه عن ابن عباس و لم يسمع أبوه من ابن عباس
4 - ومنهم إسماعيل بن عبد الرحمن السدي بضم المهملة و تشديد الدال وهو كوفي صدوق لكنه جمع التفسير من طرق منها عن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة بن شراحيل عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة
وغيرهم
وخلط روايات الجميع فلم تتميز رواية الثقة من الضعيف ولم يلق السدي من الصحابة إلا أنس بن مالك وربما التبس بالسدي الصغير الذي تقدم ذكره
5 - و منهم إبراهيم بن الحكم بن أبان العدني و هو ضعيف يروي التفسير عن أبيه عن عكرمة وإنما ضعفوه لانه وصل كثيرا من الأحاديث بذكر ابن عباس وقد روى عنه تفسيره عبد بن حميد
6 - ومنهم إسماعيل بن أبي زياد الشامي وهو ضعيف جمع تفسيرا كبيرا فيه الصحيح و السقيم وهو في عصر أتباع التابعين
7 - ومنهم عطاء بن دينار وفيه لين
روى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس تفسيرا رواه عن ابن لهيعة وهو ضعيف
- ومن تفاسير التابعين
1 - ما يروى عن قتادة و هو من طرق منها رواية عبد الرزاق
عن معمر عنه ورواية آدم بن أبي إياس و غيره عن شيبان عنه
ورواية يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة عنه
2 - ومن تفاسيرهم تفسير الربيع بن أنس بعضه عن أبي العالية واسمه رفيع الرياحي بالمثناة التحتانية والحاء المهملة وبعضه لا يسمي الربيع فوقه أحدا وهو يروي من طرق منها رواية عبد الله بن أبي جعفر
الرازي عن أبيه عنه
3 - و منها تفسير مقاتل بن حيان
من طريق محمد بن مزاحم عن بكير بن معروف عنه و مقاتل هذا
صدوق وهو غير مقاتل بن سليمان الآتي ذكره
و من تفاسير ضعفاء التابعين فمن بعدهم
1 - تفسير زيد بن أسلم من رواية ابنه عبد الرحمن عنه وهي نسخة كبيرة يرويها ابن وهب وغيره عن عبد الرحمن عن أبيه و عن غير أبيه وفيها أشياء كثيرة لا يسندها لأحد وعبد الرحمن من الضعفاء و أبوه من الثقات
2 - ومنها تفسير مقاتل بن سليمان وقد نسبوه إلى الكذب وقال الشافعي مقاتل قاتله الله تعالى و إنما قال الشافعي فيه ذلك لأنه اشتهر عنه القول بالتجسيم
وروى تفسير مقاتل هذا عنه أبو عصمة نوح ابن أبي مريم الجامع وقد نسبوه إلى الكذب
ورواه ايضا عن مقاتل هذيل بن حبيب وهو ضعيف لكنه أصلح حالا من أبي عصمة
3 - ومنها تفسير يحيى بن سلام المغربي وهو كبير في نحو ستةأسفار أكثر فيه النقل عن التابعين وغيرهم وهو لين الحديث وفيما يرويه مناكيره كثيرة وشيوخه مثل سعيد بن أبي عروبة ومالك والثوري
4 - ويقرب منه تفسير سنيد بمهملة ونون مصغر واسمه الحسين بن داود وهو من طبقة شيوخ الإئمة الستة يروي عن حجاج بن محمد المصيصي كثيرا وعن أنظاره وفيه لين وتفسيره نحو تفسير يحيى بن سلام وقد أكثر ابن
جرير التخريج منه
5 - ومن التفاسير الواهية لوهاء رواتها التفسير الذي جمعه موسى بن عبد الرحمن الثقفي الصنعاني وهو قدر مجلدين يسنده إلى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وقد نسب ابن حبان موسى هذا إلى وضع الحديث ورواه عن موسى عبد الغني بن سعيد الثقفي وهو ضعيف وقد يوجد كثير من أسباب النزول في كتب المغازي فما كان منها من رواية معتمر بن سليمان عن أبيه أو من رواية إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن عمه موسى بن عقبة فهو أصلح مما فيها
من كتاب محمد بن إسحاق وما كان من رواية ابن اسحاق أمثل مما فيها من رواية الواقدي
و إنما قدمت هذه المقدمة ليسهل الوقوف على أوصافهم لمن تصدى للتفسير فيقبل من كان أهلا للقبول و يرد من عداه ويستفاد من ذلك تخفيف حجم الكتاب لقلة التكرار فيه وسميت هذا الكتاب
العجاب في بيان الأسباب
و على الله أعتمد ومن فيض فضله أستمد لا إله إلا هو عليه توكلت و إليه مآب
سورة الفاتحة
افتتح الواحدي كتابه بذكر أول ما نزل من القرآن ثم بذكر آخر ما نزل ثم بنزول البسملة ثم بنزول الفاتحة و ساق الاختلاف هل هي مكية أو مدنية ثم أسند من طريق أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس قال أول ما نزل
به جبريل على النبي قال يا محمد استعذ ثم قل بسم الله الرحمن الرحيم و الراوي له عن أبي روق ضعيف فلا ينبغي أن يحتج به
ثم أسند من طريق يزيد النحوي عن عكرمة و الحسن قالا أول ما نزل من القرآن بسم الله الرحمن الرحيم و هذا مرسل ولعل قائله تأول الأمر في قوله تعالى اقرأ باسم ربك و إلى ذلك أشار السهيلي فقال و يستفاد من هذه الآية ابتداء القراءة بالبسملة و أما خصوص نزول البسملة سابقا ففي صحته نظر
وقد أسند الواحدي من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال قام النبي بمكة فقال بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين و هذا إن ثبت دل على
أن الفاتحة مكية
ومن طريق أبي ميسرة أحد كبار التابعين أن رسول الله كان إذا برز سمع مناديا ينادي يا محمد فإذا سمع الصوت انطلق هاربا فقال له ورقة بن نوفل إذا سمعت النداء فاثبت حتى تسمع ما يقول لك فلما برز سمع النداء فقال لبيك قال قل أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ثم قل الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم حتى فرغ من فاتحة الكتاب قلت وهو مرسل و رجاله ثقات فإن ثبت حمل على أن ذلك كان بعد قصة غار حراء ولعله كان بعد فترة الوحي والعلم عند الله تعالى
ثم أسند من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان النبي لا يعرف ختم السورة حتى ينزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم وهذا رواته ثقات
و أخرجه أبو داود لكنه اختلف في وصله و إرساله وأورد الواحدي له
شاهدين بسندين ضعيفين
قال الجعبري يؤخذ من هذا أن لنزول البسملة سببين أحدهما التبرك بالإبتداء بها و الثاني الفصل بين السورتين و الله أعلم
سورة البقرة
1 - قوله ز تعالى الم 1
قال شيخ شيوخنا أبو حيان في البحر قال قوم إن المشركين لما أعرضوا عن سماع القرآن نزلت ليستغربوا ذلك فيفتحون لها أسماعهم فيستمعون القرآن لتجب عليهم الحجة
قلت وقد حكى نحو ذلك أبو جعفر الطبري و تبعه ابن عطية حيث جمع الاختلاف في المراد بالحروف المقطعة أول السور
2 - قوله ز ذلك 2
قال مقاتل بن سليمان لما دعا النبي كعب بن الأشرف و كعب بن أسد إلى الإسلام فقالا ما أنزل الله تعالى من بعد موسى كتابا أنزل الله تعالى الم ذلك الكتاب يعني هذا الكتاب الذي جحدتم نزوله لا ريب فيه أنه أنزل من عند الله تعالى على محمد
وقال الطبري يحتمل أن تكون الإشارة لما أنزل من قبل سورة البقرة وقيل الإشارة إلى التوراة و الإنجيل و حكى ابن ظفر في تفسيره المسمى ينبوع الحياة ما نصه قيل ذكر في كتب الله السالفة إن علامة القرآن الموعود بإنزاله إن في أوائل سورة منه حروفا غير منظومة فنزل القرآن كما قيل لهم و أشار بقوله ذلك الكتاب الى ما وعدهم
وقال أبو جعفر بن الزبير يحتمل
أنهم لما أمروا في الفاتحة أن يقولوا اهدنا الصراط المستقيم فقالوا اهدنا الصراط المستقيم فقيل لهم ذلك الصراط هو الكتاب لا ريب فيه
3 - قوله تعالى الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين إلى المفلحون 1 - 5
أسند الواحدي من طريق ابن ابي نجيح عن مجاهد قال أربع آيات من أول هذه السورة نزلت في المؤمنين و آيتان بعدها نزلتا في الكافرين وثلاث عشرة آية نزلت في المنافقين
قلت وقال مقاتل بن سليمان نزلت الآيتان الأوليان في المؤمنين من المهاجرين و الأنصار والآيتان بعدها في من آمن من أهل الكتاب منهم عبد الله بن سلام
وأسيد بن زيد وأسيد بن كعب وسلام بن قيس وثعلبة بن عمرو و أبو يامين واسمه سلام أيضا
4 - قوله إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم 6
تقدم قول مجاهد إنها والتي بعدها نزلتا في الكافرين وقال الضحاك نزلت في أبي جهل وخمسة من أهل بيته وقال الكلبي نزلت في اليهود
قلت ونقله شيخ شيوخنا أبو حيان عن الضحاك ثم قال وقيل نزلت في أهل القليب قليب بدر منهم أبو جهل وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة وعقبة
بن أبي معيط والوليد بن المغيرة كذا حكاه أبو حيان ولم ينسبه لقائل و أقره وفيه خطأ لأن الوليد بن المغيرة مات بمكة قبل الهجرة وعقبة بن أبي معيط إنما قتل بعد رحيل المسلمين من بدر راجعين إلى المدينة قتل بأمر النبي بالصفراء باتفاق أهل العلم بالمغازي وقال أبو العالية نزلت في قادة
الأحزاب وهم الذين قال الله تعالى فيهم ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا و أحلوا قومهم دار البوار وقال غيره أ نزلت في مشركي العرب من قريش و غيرهم
ويوافق قول الكلبي ما أورده ابن إسحاق عن ابن عباس بالسند المذكور في المقدمة قال إن الذين كفروا بما أنزل إليك و إن قالوا إنا قد آمنا بما جاءنا من قبلك سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لأنهم كفروا بما جاءك و بما عندهم من ذكرك مما جاءهم به غيرك فكيف يسمعون منك إنذارا وتحذيرا وقد كفروا بما عندهم من علمك
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس كان رسول الله يحرص أن يؤمن جميع الناس و يبايعوه على الهدى فأخبره الله تعالى إنه لا يؤمن إلا من
سبقت له السعادة انتهى
وحاصله أنها خاصة بمن قدر الله تعالى أنه لا يؤمن
5 - قوله ز تعالى ومن الناس من يقول آمنا بالله و باليوم الآخر 8
تقدم قول مجاهد إنها و تمام ثلاث عشرة آية نزلت في النافقين انتهى
و قال أبو العالية و الحسن البصري و قتادة و السدي نحوه
وقال الطبري أجمعوا على أنها نزلت في قوم من أهل النفاق و قال ابن إسحاق في روايته هم المنافقون من الأوس والخزرج
قلت و سرد ابن إسحاق أسماءهم في أوائل الهجرة من السيرة النبوية و رجح أبو حيان أنها نزلت في قوم معينين لأن الله تعالى حكى عنهم أقوالا معينة
قالوها فلا يكون ذلك صادرا إلا من معين
6 - قوله ز تعالى و إذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض الآية 11 قال الجمهور نزلت في الكفار و فسادهم بالكفر وفي المنافقين وفسادهم بالمعصية
وأخرج الطبري عن سلمان قولا آخر إنها لم يأت أصحابها بعد
وفي سنده مقال
7 - قوله ز تعالى قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء 13
قال الثعلبي نزلت في قريظة و النضير قال سعيد بن جبير و محمد بن
كعب وعطاء قالوا كان عبد الله بن الهيبان قبل الهجرة يحض على اتباع محمد إذا ظهر فمات قبل أن يدخل النبي المدينة فلما دخلها كفروا به بغيا وحسدا
و المراد بالسفهاء الصحابة أخرجه ابن أبي حاتم عن الضحاك و عن السدي
و أخرج الطبري من وجه آخر عن الضحاك قال السفهاء الجهال
ونقل الماوردي عن الحسن
النساء الصبيان
و قال مقاتل أرادوا بها قوما من الصحابة بأعيانهم وهم سعد بن معاذ و أسيد بن حضير و أبو لبابة وقيل بل عبد الله بن سلام و من آمن من اليهود
8 - قوله تعالى وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا 14
أسند الواحدي من طريق محمد بن مروان السدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبي و أصحابه وذلك
أنهم خرجوا ذات يوم فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول الله فقال عبد الله بن أبي انظروا كيف أرد هؤلاء السفهاء عنكم فأخذ بيد أبي بكر الصديق فقال مرحبا بالصديق سيد بني تيم و شيخ الإسلام وثاني رسول الله في الغار و الباذل نفسه وماله لرسول الله ثم أخذ بيد عمر فقال مرحبا بسيد بني عدي بن كعب الفاروق القوي في دين الله الباذل نفسه وماله لرسول الله ثم أخذ بيد علي فقال مرحبا بابن عم رسول الله وختنه و سيد بني هاشم ما خلا رسول الله ثم افترقوا فقال عبد الله لأصحابه كيف رأيتموني فعلت فإذا رأيتموهم فافعلوا كما فعلت فأثنوا عليه خيرا فرجع المسلمون إلى رسول الله و أخبروه بذلك فأنزل الله هذه الآية
قلت الكلبي و الراوي عنه تقدم وصف حالهما وآثار الوضع لائحة على هذا الكلام وسورة البقرة نزلت في أوائل ما قدم رسول الله المدينة كما ذكره ابن إسحاق وغيره وعلي إنما تزوج فاطمة رضي الله عنهما في السنة الثانية من
الهجرة
و قد روي غيره محمد بن مروان عن الكلبي أن المراد بشياطينهم هنا الكهنة
و أخرج الطبري بسند ابن اسحاق إلى ابن عباس أن هذه الآية نزلت في المنافقين إذا خلوا باليهود وهم شياطينهم لأنهم الذين أمروهم بأن يكذبوا بالحق
ومن طريق أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس قال كان رجال من اليهود إذا لقوا الصحابة أو بعضهم قالوا إنا على دينكم و إذا رجعوا إلى اصحابهم وهم شياطينهم قالوا إنا معكم
و حكى أبو حيان عن الضحاك إن المراد بشياطينهم الجن و الأول أصح
9 - قوله تعالى مثلهم كمثل الذي استوقد نارا 17
قال الواحدي قال السدي دخل النبي المدينة فأسلم ناس ثم نافقوا فكانوا كمثل رجل في ظلمة فأوقد نارا فأضاءت له فأبصر ما يتقيه إذ طفئت ناره في حيرة أخرجه الطبري
10 - قوله ز تعالى أو كصيب من السماء الآية19
قال أيضا
قال السدي أيضا هرب رجلان من رسول الله إلى المشركين فأصابهما ما ذكر الله تعالى في هذه الآية فجعلا يقولان ليتنا أصبحنا فأتينا محمدا فوضعنا أيدينا في يده حتى أصبحنا فأتياه فأسلما فضرب الله شأنهما مثلا
11 - قوله تعالى يا أيها الناس 21
ساق الواحدي سندا صحيحا إلى الأعمش عن إبراهيم هو النخعي عن علقمة هو ابن قيس أحد كبار التابعين قال كل شيء نزل فيه يا أيها
الناس فهو مكي وكل شيء نزل فيه يا أيها الذين آمنوا فهو مدني
قلت وقد وصله بذكر ابن مسعود فيه البزاز والحاكم وابن مردويه
قال
الواحدي أراد أن يا أيها الناس خطاب لأهل مكة و يا أيها الذين آمنوا خطاب لأهل المدينة فقوله تعالى يا أيها الناس اعبدوا ربكم خطاب لمشركي أهل مكة إلى قوله أعدت للكافرين انتهى
وقال القرطبي قال علقمة ومجاهد كل آية أولها يا أيها الناس نزلت بمكة و كل آية أولها يا أيها الذين آمنوا نزلت بالمدينة
وقال أبو حيان روي عن ابن عباس و علقمة ومجاهد إنهم قالوا كل شيء نزل فيه يا أيها الناس فهو مكي و كل شيء نزل فيه يا أيها الذين آمنوا مدني
وحكى الماوردي في المراد بالناس هنا قولين
أحدهما إنه على العموم في أهل الكفر قال و به جزم مقاتل
و الثاني إنه على أعم من ذلك و يتناول المؤمنين أيضا والمطلوب منهم الدوام على ذلك انتهى
وما نقله عن مقاتل وجد في تفسيره رواية الهذيل بن حبيب عنه ما يخالفه وقال أبو حيان يا أيها الناس هنا خطاب لجميع من يعقل قاله ابن عباس وقيل لليهود خاصة قاله الحسن ومجاهد وزاد مقاتل والمنافقين وعن السدي لمشركي أهل مكة وغيرهم من الكفار انتهى
و الذي نقله عن مقاتل هو الموجود في تفسيره من رواية الهذيل عنه وقد استشكل ما نقل عن علقمة و غيره مع اختلاف العبارة ففرق بين قول من قال يا أيها الناس مكي و بين قول من قال خوطب به أهل مكة لأن الأول أخص من الثاني لأن الذي وقع عليه الاتفاق في الاصطلاح بالمكي والمدني إن المكي ما نزل قبل الهجرة و لو نزل بغير مكة كالطائف وبطن نخل وعرفة و المدني ما نزل بعد الهجرة و لو نزل بغيرها من الأماكن التي دخلها النبي في غزواته حتى مكة و أرض الطائف و تبوك
و غيرها و إذا تقرر ذلك فالذي قال يا أيها الناس مكي يقتضي اختصاصه بما قبل الهجرة فلا يدخل فيه المنافقون لأنه إنما حدث بعد الهجرة جزما وأما اليهود فمحتمل و الذي قال يا أيها الناس خوطب به أهل مكة يعم ما قبل الهجرة وما بعدها لكنه يخص أهل مكة دون غيرهم من المشركين
و إشكال القرطبي حيث قال إن البقرة مدنية باتفاق وكذلك سورة النساء وقد وقع فيهما يا أيها الناس لا يرد إلا على العبارة الأولى وكذا قول أبي حيان الضابط في المدني صحيح و أما المكي فيحمل على الأغلب وقد قيد الجعبري كلام علقمة بما لم أره في كلام غيره
12 - قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا 26
قال الواحدي قال ابن عباس في رواية أبي صالح لما ضرب الله تعالى هذين المثلين للمنافقين يعني قوله مثلهم كمثل الذي استوقد نارا و قوله أو كصيب من السماء قالوا الله أجل و أعلى من أن يضرب الأمثال فأنزل الله هذه الآية
و قال الحسن وقتادة لما ذكر الله الذباب والعنكبوت في كتابه وضرب للمشركين به المثل ضحكت اليهود وقالوا ما يشبه هذا كلام الله فأنزل الله هذه الآية
ثم روى الواحدي بسنده عن عبد الغني بن سعيد عن موسى بن عبد الرحمن عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله تعالى إن الله لا يستحي
أن يضرب مثلا قال وذلك أن الله ذكر آلهة المشركين فقال وإن يسلبهم الذباب شيئا وذكر كيد الآلهة فجعله كبيت العنكبوت فقالوا أرأيت حيث ذكر الله الذباب و العنكبوت فيما أنزل من القرآن على محمد أي شيء كان يصنع بهذا فنزلت
قلت الروايتان عن ابن عباس واهيتان فقد تقدم التنبيه على وهاء الكلبي و عبد الغني الثقفي وأما قول قتادة فأخرجه عبد الرزاق عن معمر عنه ولفظه لما ذكر الذباب والعنكبوت في القرآن قال المشركون ما بال العنكبوت والذباب يذكر و أخرجه الطبري من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بلفظ قال أهل الضلال و أخرجها بن المنذر من هذا الوجه بلفظ فقال أهل الكتاب وأخرجه الطبري و ابن أبي حاتم عن السدي نحو قول ابن الكلبي زاد ابن أبي حاتم وعن
الحسن نحو قول قتادة والأرجح نسبة القول لأهل النفاق لأن كتب أهل الكتاب ممتلئة بضرب الأمثال فيبعد أن ينكروا ما في كتبهم مثله
و عن الربيع بن أنس إن الآية نزلت من غير سبب و إنما هو مثل ضربه الله للدنيا وأهلها فإن البعوضة تحيا ما جاعت فإذا امتلأت هلكت وكذلك حال أهل الدنيا إذا امتلأوا منها كان سببا لهلاكهم غالبا
13 - قوله ز تعالى الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه 27
قال سعد بن أبي وقاص نزلت في الحرورية يعني الخوارج وأخرجه البخاري من حديث سعد
وأخرجه الفريابي في تفسيره من طريق مصعب بن سعد عن أبيه قال هم الخوارج و استشكل بأن بدعة الخوارج والحرورية صنف منهم إنما حدثت في خلافة علي رضي الله عنه
2 - وقد أخرج ابن أبي حاتم من طريق الربيع بن أنس عن أبي العالية
أنها نزلت في المنافقين
ومن طريق السدي عهد الله ما عهده في القرآن فاعترفوا به ثم كفروا فنقضوه ومن طريق بكير بن معروف عن مقاتل بن حيان في التوراة أن يؤمنوا بمحمد ويصدقوه فكفروا به ونقضوا الميثاق الأول
وقال الطبري يحتمل أن يكون المراد بالعهد ما أخذ الله على ذرية آدم حين أخرجهم من ظهر آدم
14 - قوله ز تعالى يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم 40
قال ابن الكلبي كان عهد الله إلى بني إسرائيل إني باعث نبيا من بني إسماعيل
وفي تفسير ابن عباس رواية محمد بن إسحاق في قوله تعالى وأوفوا بعهدي هو العهد الذي عهد إذا جاءكم النبي محمد تصدقونه وتتبعونه وفي قوله تعالى وتكتموا الحق قال هو محمد
وفي رواية محمد بن ثور عن ابن جريج نحوه
وأخرج الطبري عن السدي مثله
وأخرج الطبري من طريق الربيع بن أنس عن أبي العالية أوفوا بعهدي عهده دين الإسلام أن تتبعوه أوف بعهدكم يعني الجنة
ومن طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم نحوه وزاد ثم قرأ إن الله
اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة الآية
وقال مقاتل بن سليمان أوفوا بعهدي أوف بعهدكم هو الذي ذكر في المائدة وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة إلى قوله سواء السبيل
15 - قوله ز تعالى ولا تكونوا أول كافر به 41
أخرج الطبري من طريق الربيع عن أبي العالية ولا تكونوا أول كافر به قال لا تكونوا أول من كفر بمحمد
وفي تفسير الكلبي عن ابن عباس نزلت في قريظة و كانوا أول من كفر من اليهود بمحمد وتبعهم يهود فدك وخيبر
16 - قوله تعالى أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم 44
1 - قال الواحدي قال ابن عباس في رواية الكلبي نزلت في يهود المدينة كان الرجل منهم يقول لصهره وذي قرابته و لمن بينه وبينه رضاع من المسلمين أثبت على هذا الدين وما يأمرك به محمد فإنه حق فكانوا يأمرون بذلك ولا يفعلونه
وفي تفسير ابن جريج رواية محمد بن ثور عنه هم أهل الكتاب كانوا يأمرون الناس بالصوم والصلاة ويتركونها فعيرهم الله تعالى بذلك
وأخرج الطبري من طريق السدي كانوا يأمرون الناس بطاعة الله وهم يعصونه وفي تفسير عبد الرزاق عن معمر عن قتادة كان أهل الكتاب يأمرون الناس بطاعة الله و تقواه وبالبر ويخالفون فعيرهم الله عز و جل
2 - وأخرج الطبري عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قولا آخر قال كان
اليهود إذا جاء أحد يسألهم عن الشيء ليس فيه رشوة أمروه بالحق فنزلت
17 - قوله تعالى و استعينوا بالصبر والصلاة 45
قال الواحدي عند أكثر أهل العلم إن الخطاب في هذه الآية لأهل الكتاب وقال بعضهم رجع إلى خطاب المسلمين
وسبق إلى ذلك الطبري فقال معنى الآية واستعينوا أيها الأحبار بحبس أنفسكم على طاعة الله وبإقامة الصلاة التي اقترنت برضى الله قال والخطاب وإن كان ابتداء لبني إسرائيل فإنهم لم يقصدوا بها على التخصيص بل هي عامة لهم و لغيرهم
وقال الجعبري معنى الآية على القول المذكور يا أيها الذين آمنوا بموسى آمنوا بمحمد واستعينوا على ترك رئاستكم بما تتلون فيها
18 - قوله ز تعالى وإنها لكبيرة 45
قال مقاتل نزلت في الصرف عن القبلة
يقول كبر على المنافقين واليهود صرفك عن بيت المقدس إلى الكعبة وقال غيره الضمير للصلاة وقيل للاستعانة التي أمروا بها و قيل عائدة على الإجابة ورده الطبري
19 - قوله ز تعالى واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا 48
قال أبو إسحاق الزجاج في معاني القرآن
كانت اليهود تزعم أن الأنبياء من آبائهم شافعون لهم فارتشوا فأنزل الله هذه الآية
20 - قوله تعالى إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين الآية 62
أخرج الواحدي من تفسير أبي الشيخ عبد الله بن محمد بن حيان الحافظ الأصبهاني بسند له صحيح إلى ابن جريج عن عبد الله بن كثير عن مجاهد قال لما قص سلمان الفارسي على رسول الله قصة أصحابه الذين كان يتعبد معهم قال هم في النار قال سلمان فأظلمت علي الأرض فنزلت قال فكأنما كشف عني جبل
و أخرج الطبري هذا الأثر من هذا الوجه وزاد في آخره فنزلت هذه الآية فدعا سلمان فقال هذه الآية نزلت في أصحابك من كان على دين عيسى قبل الإسلام فهو على خير و من سمع بي ولم يؤمن فقد هلك
وأخرج ابن أبي حاتم بسند صحيح كن مجاهد قال قال سلمان سألت النبي عن أهل دين كنت منهم فذكر من صلاتهم وعبادتهم فنزلت إن الذين آمنوا الآية
وأخرج الواحدي أيضا من تفسير إسحاق بن راهويه بسنده القوي إلى
السدي قال نزلت في أصحاب سلمان لما قدم على رسول الله جعل يخبره عن عبادتهم واجتهادهم وقال يا رسول الله كانوا يصلون ويصومون و يؤمنون بك و يشهدون إنك تبعث نبيا فلما فرغ سلمان من ثنائه عليهم قال يا سلمان هم من أهل النار فأنزل الله تعالى إن الذين آمنوا الآية
وأخرجه الواحدي أيضا من طريق السدي بأسانيده التي قدمت ذكرها في المقدمة وزاد
وما بعد هذه الآية نازلة في اليهود
ونسب الجعبري هذه الرواية الى ابن مسعود وابن عباس فقط وفيه نظر
وأخرج الطبري من طريق السدي قصة سلمان بطولها وقال في آخرها فأخبر سلمان رسول الله خبرهم فذكر نحوه وزاد قال فكان إيمان اليهود أن من
تمسك بالتوراة حتى جاء عيسى فمن آمن به نجا وإلا كان هالكا وكان إيمان النصارى أن من تمسك منهم بالإنجيل حتى جاء محمد فمن اتبعه نجا وإلا كان هالكا
وقد أخرج الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين
ومن طريق سعيد بن عبد العزيز التنوخي وهو من طبقة الأوزاعي من فقهاء أهل الشام نحو ذلك قال الطبري معنى من آمن منهم من دام على إيمانه بنبيه فلم يغير ولم يبدل ومات على ذلك أوعاش حتى بعث محمد فصدق به فهو الذي أجره عند ربه
قال ومعنى ما رواه علي بن أبي طلحة أن ابن عباس كان يرى أن الله وعد من عمل صالحا من اليهود وغيرهم الجنة ثم نسخ ذلك
وقال غيره معنى النسخ إنما هو في حق من أدرك محمدا لا من كان قبل و هو متجه وبالله التوفيق
قلت إن ثبت حديث سلمان أنه حكم عليهم بالنار دل ذلك على أن من كان ليس على دين الإسلام فهو هالك فنزلت الآية مخبرة بأن من آمن بنبيه الذي هو من أمته ولم يغير بعده ولم يبدل و آمن بنبي بعث إليه مثلا ناسخا لشريعة من قبله فإنه ناج وأن اسم الإسلام يشمله و أن سمي بغيره من اليهودية و النصرانية مثلا
وإطلاق النسخ على ذلك ينبني على جواز دخول النسخ في الخبر وهو الراجح في الأصول
21 - قوله تعالى أفتطمعون أن يؤمنوا لكم الآية 75
قال الواحدي قال ابن عباس ومقاتل نزلت في السبعين الذين اختارهم
موسى ليذهبوا معه إلى الله تعالى فلما ذهبوا معه إلى الميقات و سمعوا كلام الله وهو يأمره وينهاه فلما رجعوا إلى قومهم فأما الصادقون فأدوا كما سمعوا
وقالت طائفة منهم سمعنا الله في آخر كلامه يقول إن استطعتم أن تفعلوا هذه الأشياء فافعلوا و إن شئتم فلا تفعلوا ولا بأس
وعند أكثر المفسرين نزلت الآية في الذين غيروا آية الرجم وصفة النبي
قلت أما الأول فأخرجه الطبري من طريق ابن إسحاق بسنده المقدم ذكره عن ابن عباس قال قال الله تعالى لنبيه ولمن آمن معه يؤيسهم من إيمان اليهود أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله وهم الذين سألوا موسى رؤية ربهم فأخذتهم الصاعقة
قال محمد بن إسحاق فحدثني بعض أهل العلم أنهم قالوا يا موسى قد حيل بيننا و بين رؤية ربنا فأسمعنا كلامه حين يكلمك فطلب موسى ذلك إلى ربه فقال له مرهم فليتطهروا وليطهروا ثيابهم و ليصوموا ففعلوا وخرج بهم إلى الطور فلما غشيهم الغمام أمرهم موسى فوقعوا سجودا وكلمه ربه فسمعوا كلامه يأمرهم و ينهاهم حتى عقلوا ما سمعوا ثم انصرف بهم إلى قومه فحرف فريق منهم ما
سمعوا فحين قال موسى لبني إسرائيل إن الله يأمركم بكذا و كذا قال ذلك الفريق إنما قال كذا وكذا خلافا لما قال موسى فهم الذين عنى الله في قوله لرسوله محمد وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه الآية
فهذا كما ترى لم ينسبه ابن إسحاق في روايته لابن عباس و إنما ذكر فيما أسنده عن ابن عباس أصل القصة وهذا التفصيل إنما أسنده عن بعض أهل العلم ولم يسمه وأخلق به أن يكون عنى الكلبي أو بعض أهل الكتاب فإن من جملة ما عابوه على ابن إسحاق أنه كان يعتمد على أخبار بعض أهل الكتاب فيما ينقله عن الأخبار الماضية
وأما ابن الكلبي فإنه ذكر هذا في تفسيره عن أبي صالح وهو من رواية محمد بن مروان السدي الصغير عنه و قد تقدم أن هذه سلسلة الكذب لا سلسلة الذهب
وقد ذكر يحيى بن سلام وهو أصلح حالا من محمد بن مروان بكثير فقال
قال الكلبي بلغني أنهم السبعون الذين اختار موسى ثم قص القصة نحو ما ساقها ابن إسحاق وفي آخرها فلما رجعوا إلى العسكر قال لهم من لم يكن معهم ماذا قال ربكم قالوا أمرنا بكذا وكذا ونهانا عن كذا وكذا
هذا قول الذين صدقوا منهم و أما الذين كذبوا فقالوا نعم قال ما قلتم و لكن وسع لنا في آخر ذلك فقال إن لم تستطيعوا إلا الذي نهيتكم عنه فافعلوا قال فلما قدم محمد المدينة كلم اليهود ودعاهم إلى الله عز و جل وإلى الإيمان بكتابة فجحدوا وكتموا فأنزل الله تعالى أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله الآية
وأما مقاتل بن سليمان فأورده مختصرا فقال قوله وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله نزلت في السبعين الذين اختار موسى ليذهبوا معه حتى يسمعوا كلام الله فلما ذهبوا معه سمعوا كلام الله وهو يأمر وينهى فلما رجعوا أدى الصادقون ما سمعوا وأما طائفة منهم فقالوا سمعنا و الله في آخر كلامه يقول إن استطعتم أن تفعلوا هذه الأشياء فافعلوا وإن شئتم فلا تفعلوا
وأخرج الطبري من طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس في هذه الآية قال كانوا يسمعون الوحي فيسمعون من ذلك كما يسمع أهل النبوة ثم يحرفونه من بعدما عقلوه وقد استنكر ابن الجوزي القصة المتقدم ذكرها فقال أنكر
الحكيم الترمذي أن يكون أحد من بني إسرائيل سمع كلام الله غير موسى لأن ذلك من خصائص موسى
قال ابن الجوزي وهذا هو المعتمد و الآثار الواردة في ذلك واهية لأنها من رواية ابن إسحاق عن بعض أهل العلم و من تفسير مقاتل والكلبي وليس واحد من هذا بحجة انتهى
ورجح الطبري أنهم كانوا يسمعون قال وذلك أن الله أخبر أن التحريف كان من فريق منهم كانوا يسمعون كلام الله استعظاما من الله عز و جل لما كانوا يأتون من البهتان بعد توكيد الحجة عليهم إيذانا عباده المؤمنين بقطع أطماعهم من إيمان بقايا نسلهم بما جاءهم به محمد فقال كيف تطمعون في تصديق هؤلاء إياكم و إنما تخبروهم عن غيب لم يشاهدوه وقد كان بعض سلفهم يسمع من الله كلامه بأمره و نهيه ثم يبدله ويجحده فهؤلاء الذين بين أظهركم أحرى أن يجحدوا ما آتيتموهم به انتهى
وعلى هذا فالذي اختص به موسى هو كلام الله سبحانه و تعالى على قصد مخاطبته إياه لا مطلق سماع الكلام ويحتمل أن يكون أولئك إنما كانوا يسمعون كلام
الله عز و جل من بعض الملائكة فيكون لهم بذلك المزية على من بعدهم بما يدل عيله سياق الآية كما أشار إليه الطبري ويصح ما أطلقه الترمذي ومن تبعه من اختصاص موسى بسماع كلام الله سبحانه و تعالى على أن في الحصر نظرا فظواهر القرآن والأحاديث تدل على أن موسى عليه السلام اختص بقدر زائد من ذلك لا مطلق الكلام والله أعلم
22 - قوله ز تعالى وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا و إذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم الآية 76
1 - أم صدرها فذكر أبو حيان بغير إسناد قال قيل إن النبي قال
يدخل قصبة المدينة إلا مؤمن فقال كعب بن الأشرف وكعب بن يهوذا وغيرهما اذهبوا فتجسسوا أخبار من آمن وقولوا لهم آمنا واكفروا إذا رجعتم
و أما باقيها فأخرج الطبري من طريق ابن جريج عن مجاهد قال قام النبي تحت حصون بني قريظة فقال يا إخوان القردة والخنازير ويا عبد الطاغوت فقالوا من أخبر محمدا بهذا ما خرج هذا إلا منكم أتحدثونهم بما فتح الله عليكم فيكون لهم حجة عليكم
وأخرجه عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد كان رسول الله بعث عليا إلى بني قريظة فآذوا النبي فقال اخسؤوا يا أخوة القردة و الخنازير فقالوا من حدث محمدا بهذا
وللطبري من طريق بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس في قوله بما فتح الله عليكم بما أكرمكم الله به فيقول الآخرون إنما نستهزئ بهم
قلت فعلى هذا المراد بالفتح الإنعام والكرامة وعلى الأول الفتح العقوبة ويشهد له افتح بيننا و بين قومنا بالحق
وقد أخرج الطبري من طريق السدي التصريح بأن المراد بالفتح هنا العذاب ولفظه قال في قوله تعالى أتحدثونهم بما فتح الله عليكم يعني من العذاب وهو الفتح قولوا لهم نحن أكرم على الله منكم
وجاء في السبب المذكور
2 - قول آخر فأخرج عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن قتادة قال كانوا يقولون إنه سيكون نبي يعني في آخر الزمان فخلا بعضهم إلى بعض
فقالوا أتحدثونهم بهذا فيحتجون عليكم به
وكذا أخرجه عبد بن حميد من طريق شيبان عن قتادة و سياقه أبسط من هذا و نحوه للطبري من طريق أبي العالية ولفظه يعني بما أنزل الله في كتابه من بعث محمد
وذكره ابن إسحاق عن محمد عن سعيد أو عكرمة عن ابن عباس بلفظ و 28 آخر في قوله وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا إي أن صاحبكم رسول الله ولكنه إليكم خاصة وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بهذا فتقوم عليكم الحجة جحدوا ولا تقروا بأنه نبي أصلا يعني أن النبي لا يكذب وقد قال أنه رسول الله إلى الناس جميعا
3 - وجاء فيه قول آخر ابن أبي حاتم من طريق الحكم بن إبان عن عكرمة إن امرأة من اليهود أصابت فاحشة فجاؤوا إلى النبي يطلبون منه الحكم رجاء الرخصة فدعا النبي عالمهم فذكر قصة الرجم قال ففي ذلك نزلت وإذا
خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم الآية
23 - قوله ز تعالى و منهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني 78
أخرج الطبري من طريق ابن جريج عن مجاهد في هذه الآية و منهم أميون قال ناس من اليهود لم يكونوا يعلمون شيئا و كانوا يتكلمون بالظن بغير ما في كتاب الله تعالى و يقولون هو من الكتاب أماني يتمنونها
و أخرج ابن أبي حاتم من طريق عباد بن منصور عن الحسن البصري نحوه بتمامه وأخرج الطبري من طريق الضحاك عن ابن عباس قال الأميون هنا قوم
لم يصدقوا رسولا أرسله الله ولا كتابا أنزل الله فكتبوا كتابا بأيديهم ثم قالوا لقوم سفلة جهال هذا من عند الله فأخبر إنهم يكتبون بأيديهم ثم سماهم أميين وهذا استنكره الطبري من جهة اللغة العربية وقد تقدم أن الضحاك لم يسمع من ابن عباس و إسناده من ابن منصور إلى الضحاك ضعيف و كأنه جعل 29 ما في الآية وصف ما ذكر في التي بعدها وعند الأكثر أنها صفة قوم آخرين وهو أولى
24 - قوله تعالى فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا الآية 79
قال الواحدي قال الكلبي بالإسناد الذي ذكرنا إنهم غيروا صفة رسول الله في كتابهم و جعلوه آدم سبطا طويلا وكان ربعة أسمر
وقالوا لأصحابهم و أتباعهم انظروا إلى صفة النبي الذي يبعث في آخر الزمان ليس يشبه نعت هذا وكانت للأحبار و العلماء مأكلة من سائر اليهود فخافوا أن تذهب مأكلتهم أن بينوا
صفته فمن ثم غيروا
قلت الكلبي تقدم وصفه وقد وجدت هذا من وجه آخر قوي أخرجه ابن أبي حاتم من طريق شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس وفيه مغايرة لسياق الكلبي ولفظ شبيب بن بشر هذا وقد وثقه ابن معين قال هم أحبار يهود وجدوا نعت النبي محمد مكتوبا في التوراة أكحل أعين ربعة جعد الشعر حسن الوجه فمحوه حسدا وبغيا فأتاهم نفر من قريش من أهل مكة فقالوا أتجدون في التوراة نبيا أميا قالوا نعم نجده طويلا أزرق سبط الشعر فقالت قريش ما هذه صفة صاحبنا
و من طريق أبي العالية عمدوا إلى ما أنزل الله في كتابهم من نعت محمد فحرفوه عن مواضعه يبتغون بذلك عرضا من الدنيا
و من طريق السدي كان ناس من اليهود كتبوا كتابا من عندهم يبيعونه 30 من العرب و غيرهم ويحدثونهم أنه من عند الله ليأخذوا به ثمنا قليلا
ومن طريق قتادة عن معمر نحوه
25 - قوله تعالى وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة 80 أسند الواحدي من طريق محمد بن إسحق حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة عن ابن عباس قال قدم النبي المدينة و اليهود تقول إنما هذه الدنيا سبعة آلاف سنة و إنما يعذب الناس في النار لكل ألف سنة من أيام الدنيا يوما واحدا من أيام الآخرة و إنما هي سبعة أيام ثم ينقطع العذاب فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة
ثم أسند من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال وجد أهل الكتاب ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين يوما فقالوا لن نعذب في النار إلا ما وجدنا في التوراة فإذا كان يوم القيامة اقتحموا في النار فساروا في العذاب حتى انتهوا
إلى سقر وفيها شجرة الزقوم إلى آخر يوم من الأيام المعدودة قال فقال لهم خزنة أهل النار يا أعداء الله زعمتم أنكم لن تعذبوا في النار إلا أياما معدودة فقد انقضى العدد و بقي الأمد
قلت و جويبر ضعيف جدا و الضحاك لم يسمع من ابن عباس والسند الذي قبله إلى ابن عباس أولى بالإعتماد
وقد أخرجه الطبري من رواية العوفي عن ابن عباس والعوفي ضعيف ولعله أخذه عن الضحاك لكن سياق العوفي أتم من سياق الضحاك و عنده عن ابن عباس ذكر أن اليهود وجدوا في التوراة فذكره 31 وقال في آخره ساروا في العذاب حتى انتهوا إلى شجرة الزقوم آخر يوم من الأيام المعدودة فلما أكلوا من شجرة الزقوم و ملؤوا منها البطون قال لهم خزان سقر
زعمتم أنكم لن تمسكم النار إلا أياما معدودة فقد خلا العدد و أنتم في
الأمد فأخذ بهم في صعود في جهنم يرهقون
و أخرج الطبري من وجه آخر عن جويبر عن الضحاك في هذه الآية قال قالت اليهود لا نعذب في النار إلا أربعين يوما بمقدار ما عبدنا العجل
وأما السند الأول من طريق ابن إسحاق فقد تقدم في حال النسخة المروية عن محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد وإنه صدوق عند ابن أبي حاتم وغيره لكن الأحاديث التي يقول فيها ابن إسحاق حدثني محمد بن أبي محمد عن سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس فالترديد بين عكرمة وسعيد بن جبير وفي هذا الموضع اقتصر
الواحدي في سياقه على عكرمة و أظنه اختصر وإلا فقد أخرجه الطبري من طريق ابن إسحاق على العادة قال عن سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس
وقد أخرجه الطبري أيضا من طريق حفص بن عمر عن الحكم بن إبان عن عكرمة مرفوعا مرسلا قال خاصمت اليهود رسول الله فقالوا لن ندخل إلا أربعين ليلة ويخلفنا فيها قوم آخرون يعنون أصحاب محمد فقال النبي بل أنتم فيها خالدون لا يخلفكم فيها أحد
فأنزل الله تعالى ذكره هذه الآية
وأخرجه سنيد في تفسيره عن حجاج بن محمد عن ابن جريج 32 عن عكرمة قال اجتمعت يهود تخاصم النبي فقالوا لن تصيبنا النار فذكره وفيه كذبتم بل أنتم خالدون مخلدون فيها لا نخلفكم فيها إن شاء الله تعالى أبدا فنزل القرآن تصديقا لقول النبي وتكذيبا لهم وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة إلى قوله هم فيها خالدون
وأخرج الطبري عن قتادة قال قالت اليهود
لن ندخل النار إلا تحلة القسم عدد الأيام التي عبدنا فيها العجل فقال الله
تعالى قل أتخذتم عند الله عهدا أي بهذا الذي تقولون فهاتوا حجتكم
وأخرج الطبري من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال حدثني أبي زيد بن أسلم أن رسول الله قال ليهود أنشدكم الله الذي أنزل التوراة على موسى من أهل النار الذين ذكرهم الله تعالى في التوراة قالوا إن ربهم غضب عليهم غضبة فنمكث في النار أربعين ليلة ثم نخرج فتخلفوننا فيها فقال كذبتم و الله لا نخلفكم فيها أبدا
فنزل القرآن تصديقا لرسول الله وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة إلى خالدون
قلت أصل هذا دون ذكر نزول الآية في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة أخرجه من رواية الليث عن سعيد المقبري عنه في أثناء حديث قال فيه قال لهم أي النبي من أهل النار قالوا نكون فيها يسيرا ثم تخلفوننا فيها
فقال النبي اخسؤوا فيها و الله لا نخلفكم فيها أبدا
26 - قوله ز تعالى وتخرجون 33 فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان الآية 85
قال ابن اسحاق بسنده عن ابن عباس كانوا فريقين يعني بالمدينة بنو قينقاع ولهم حلفاء الخزرج وقريظة والنضير ولهم حلفاء الأوس فوقع بين الأوس والخزرج حرب فخرجت بنو قينقاع مع الخزرج وخرجت قريظة والنضير مع الأوس فظاهر كل فريق حلفاءه على إخوانهم حتى سفكت دماؤهم وبأيديهم التوراة يعرفون فيها تحريم سفك دمائهم والأوس و الخزرج أهل شرك يعبدون الأوثان لا يعرفون حلالا من حرام فاذا انقضت الحرب افتدوا أسرى من أسر منهم فتفتدي قينقاع من أسرة الأوس وتفتدي قريظة و النضير من أسرة الخزرج فأنبهم الله تعالى بذلك
قال ابن إسحاق ففي ذلك من فعلهم مع الأوس و الخزرج نزلت هذه القصة فيما بلغني أخرجه الطبري
وأخرج من طريق السدي نحوه لكن خالف في بعضه فقال إن الله أخذ على بني إسرائيل في التوراة أن لا يقتل بعض بعضا وأيما عبد أمة وجدتم من بني إسرائيل فاشتروه فأعتقوه فكانت قريظة حلفاء الأوس و النضير حلفاء الخزرج وكانوا يقتتلون في حرب سمير فإذا أسر رجل من الفريقين جمعوا له حتى يفدوه فكان العرب تعيرهم بذلك يقولون كيف تقاتلونهم وتفدونهم فإذا قالوا أمرنا بأن
نفديهم فإن قيل لهم فقد نهيتم عن قتالهم قالوا إنا نستحي من حلفائنا فنزلت الآية بتوبيخهم على ذلك
27 - قوله ز تعالى و قالوا قلوبنا 34 غلف بل لعنهم الله بكفرهم 88
أخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس قال قالت اليهود قلوبنا مملوءة علما لا نحتاج إلى علم محمد ولا غيره بل هي غلف فنزلت بل لعنهم الله بكفرهم
ومن طريق فضيل بن مرزوق عن عطية العوفي قالوا قلوبنا أوعية العلم
قال وروي عن عطاء الخراساني مثله
قلت ويستفاد من هذا أمران
أحدهما أن قراءة الجمهور غلف بسكون اللام مخففة
ثانيهما أن بل للإضراب على بابها
28 - قوله ز تعالى ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا 89
أخرج الطبري وابن أبي حاتم من طريق محمد بن إسحاق بالسند المذكور أولا إن اليهود كانوا يستفتحون على الأوس و الخزرج برسول الله قبل بعثته فلما بعثه الله جحدوا ما كانوا يقولون
فقال لهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء بن معرور أحد بني سلمة يا معشر يهود اتقوا الله وأسلموا فقد كنتم تسفتحون علينا بمحمد ونحن أهل شرك وتخبروننا بأنه مبعوث وتصفونه لنا بصفته فقال سلام بن مشكم
أخو بني النضير ما جاءنا بشيء نعرفه وما هو بالذي كنا نذكره لكم فأنزل الله عز و جل ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا الآية
وهكذا أخرجه ابن إسحاق في السيرة الكبرى وأخرج فيها أيضا والطبري من طريقه عن عاصم بن عمر بن قتادة عن أشياخ منهم 35 قالوا فينا والله وفيهم أي الأنصار واليهود نزلت هذه القصة قالوا كنا علوناهم دهرا في الجاهلية و نحن أهل شرك وهم أهل كتاب فكانوا يقولون أن نبيا يبعث الآن نتبعه قد أظل زمانه نقتلكم معه قتل عاد وأرم
فلما بعث الله عز و جل رسوله من قريش واتبعناه كفروا به قال الله عز و جل فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به الآية
وأخرج الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس قال كان أهل الكتاب يستنصرون بخروج محمد عليه الصلاة و السلام على مشركي العرب فلما بعث الله عز و جل محمدا ورأوه من غيرهم كفروا به و حسدوه
ومن طريق قتادة نحوه وزاد وقالوا اللهم ابعث هذا النبي الذي نجده مكتوبا في التوراة يعذبهم و يقتلهم فلما بعث من غيرهم كفروا به حسدا
29 - قوله تعالى وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا 89
قال الواحدي قال ابن عباس كانت يهود خيبر تقاتل غطفان فإذا التقوا هزمت يهود فعاذت اليهود بهذا الدعاء اللهم إنا نسألك بحق النبي الأمي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا في آخر الزمان إلا نصرتنا عليهم فكانوا إذا التقوا فدعوا بهذا الدعاء هزموا غطفان فلما بعث النبي كفروا به فأنزل الله عز و جل وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا أي بك يا محمد إلى قوله فلعنة الله على الكافرين
قال وقال السدي كانت العرب تمر باليهود فتلقى اليهود منهم أذى وكانت اليهود تجد نعت محمد في التوراة 36 فيسألون الله عز و جل أن يبعثه ليقاتلوا معه فلما جاءهم محمد كفروا به حسدا وقالوا إنما كانت الرسل من بني إسرائيل
قلت المحفوظ عن ابن عباس ما تقدم وأما هذا الطريق بهذا اللفظ فأخرجه الحاكم في المستدرك من طريق عبد الملك بن هارون بن عنترة عن أبيه عن جده عنه واعتذر عن إخراجه فقال غريب من حديثه أدت الضرورة إلى إخراجه في التفسير
قلت وأي ضرورة تحوج إلى إخراج حديث من يقول فيه يحيى بن معين كذاب في المستدرك على البخاري ومسلم ما هذا إلا اعتذار ساقط
وجاء عن ابن عباس في تفسير يستفتحون
2 - قول آخر أخرجه الطبري من طريق أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس في قوله يستفتحون قال كانوا يستظهرون يقولون نحن نعين محمدا عليهم وليسوا كذلك بل يكذبون
وأما أثر السدي فأخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق أسباط عنه بهذا ولكن فيه تمر باليهود ويؤذونهم وكانوا يجحدون محمدا في التوراة وفيه فيقاتلوا معه العرب وفيه كفروا به حين لم يكن والباقي سواء زاد ابن أبي حاتم في آخره فما بال هذا من بني إسماعيل
وأخرجه الطبري من طريق الربيع بن أنس عن أبي العالية قال كانت اليهود تستنصر بمحمد على مشركي العرب يقولون اللهم ابعث هذا النبي الذي نجده مكتوبا عندنا حتى يعذب المشركين و يقتلهم
فلما بعث الله محمدا ورأوه أنه من غيرهم كفروا به حسدا للعرب و هم يعلمون 37 أنه رسول الله فقال عز و جل فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به الآية
ومن طريق ابن جريج قلت لعطاء قوله تعالى وكانوا من قبل يستفتحون قال كانوا يرجون أن يكون منهم فلما خرج ورأوا أنه ليس منهم كفروا به و قد عرفوا أنه الحق
ومن طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم كانت يهود يستفتحون على كفار العرب يقولون أما و الله لو قد جاء النبي الذي بشر به موسى و عيسى أحمد لكان لنا
عليكم وكانوا يظنون أنه منهم و كانوا بالمدينة والعرب حولهم فلما كان من غيرهم أبوا أن يؤمنوا به و حسدوه وقد تبين لهم أنه رسول الله فمن هناك نفع الله الأوس والخزرج بما كانوا يسمعون منهم أن نبيا خارج
ومن طريق ابن أبي نجيح عن علي الأزدي هو ابن عبد الله البارقي تابعي ثقة قال قالت اليهود اللهم ابعث لنا هذا النبي يحكم بيننا و بين الناس يستفتحون يستنصرون
وأخرج عبد بن حميد من طريق شيبان عن قتادة نحو رواية السدي وأوله كانت اليهود تستفتح بمحمد على كفار العرب وقال في آخره كفروا به حسدا للعرب وهم يعرفون أنه رسول الله
30 - قوله ز تعالى قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس الآية 94
ذكر ابن الجوزي أنها نزلت لما قالت اليهود أن الله لم يخلق الجنة إلا لإسرائيل و بنيه
قلت الذي أخرج الطبري من طريق أبي العالية قال قالت اليهود
يعني و النصارى لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى وقالت اليهود نحن أبناء الله 38 وأحباؤه فأنزل الله عز و جل قل إن كانت لكم الدار الآخرة الآية ومن طريق قتادة ونحوه
ومن طريق ابن إسحاق بسنده المتكرر عن ابن عباس قال لو تمنوه يوم قال لهم فتمنوا الموت ما بقي على ظهر الأرض يهودي إلا مات وذلك أنهم فيما ذكر لنا قالوا نحن أبناء الله و أحباؤه
وبه إلى ابن عباس في قوله تعالى فتمنوا الموت أي ادعوا بالموت على أي الفريقين أكذب فأبوا ذلك على رسول الله
وقال عبد الرزاق عن معمر عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة قال قال ابن عباس لو تمنى اليهود لماتوا وهذا سند صحيح
وعند ابن أبي حاتم من طريق الأعمش أحسبه عن المنهال يعني ابن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس لو تمنوا الموت لشرق أحدهم بريقه
وهذه الطرق موقوفة على ابن عباس وقد رفعه عبيد الله بن عمرو الرقي وهو ثقة عن عبد الكريم
أخرجه الطبري من طريقه و لفظه عن رسول الله لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا أو لو خرج الذين يباهلون رسول الله يعني نصارى نجران لرجعوا لا يجدون أهلا ولا مالا
و أخرجه أحمد في مسنده من وجه آخر عن عبد الكريم و سند الطبري صحيح وقد أخرجه الضياء المقدسي في المختارة
ووقع في تفسير ابن ظفر أنهم لما ادعوا أنه لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديا أو نصرانيا أعلم الله نبيه أنه يحول بينهم و بين تمني الموت فجمعهم و تلا عليهم الآية فامتنعوا من تمني الموت فقال لو تمنوا الموت لما قام رجل منهم من مجلسه حتى يغصه الله 39 بريقه فيموت و سيأتي في تفسير سورة الجمعة ما يؤيد رواية ابن إسحاق أنها نزلت في زعمهم أنهم أولياء الله
ويؤخذ من مجموع الآيتين أن دعاءهم إلى تمني الموت نزل بسبب القولين معا دعواهم أنهم أولياء الله وأن الدار الآخرة خالصة لهم
31 - قوله ز تعالى ولتجدنهم أحرص الناس على حياة الآية 96
قال محمد بن يوسف الفريابي في تفسيره حدثنا قيس بن الربيع عن الأعمش عن جعفر بن إياس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان أهل الكتاب يقول أحدهم لصاحبه عش ألف سنة كل ألف سنة فنزلت
وأخرجه الحاكم أيضا من طريق الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد عن
ابن عباس و لتجدنهم قال هم اليهود ومن الذين أشركوا قال الأعاجم
وأخرجه من تفسير إسحاق بن راهويه عن أبي معاوية عن الأعمش بهذا السند بلفظ يود أحدهم لو يعمر ألف سنة هو قول الأعاجم إذا عطس زه هزار سال
وأخرجه الطبري وابن المنذر من طريق أبي معاوية وقال في آخره يعني عش ألف سنة
32 - قوله تعالى قل من كان عدوا لجبريل إلى قوله للكافرين 97 - 98
أسند الواحدي من طريق بكير بن شهاب عن سعيد بن جبير عن ابن
عباس قال أقبلت يهود إلى النبي فقالوا يا أبا القاسم نسألك عن أشياء فإن أجبتنا فيها اتبعناك أخبرنا من الذي يأتيك من الملائكة فإنه ليس نبي إلا يأتيه ملك من عند ربه بالرسالة أو بالوحي فمن صاحبك قال جبريل عليه السلام قالوا ذاك الذي نزل بالحرب وبالقتال ذاك 40 عدونا لو قلت ميكائيل الذي ينزل بالقطر والرحمة تابعناك فأنزل الله عز و جل قل من كان عدوا لجبريل الآية إلى قوله للكافرين
قلت أخرجه أحمد و الترمذي و النسائي من هذا الوجه وفي أول الحديث إنا نسألك عن خمسة أشياء وذكرها في سياقه وهي علامة النبي وكيف تؤنث المرأة وتذكر وعما حرم إسرائيل على نفسه وعن الرعد وآخرها من صاحبك من الملائكة الحديث
وعند أحمد أيضا وعبد بن حميد والطبري من طريق شهر بن حوشب عن ابن عباس قال حضرت عصابة من اليهود رسول الله فقالوا يا أبا
القاسم حدثنا عن خلال نسألك عنهن لا يعلمهن إلا نبي فقال سلوا عم شئتم فذكر الحديث وفيه قالوا فأخبرنا أي الطعام حرم إسرائيل على نفسه قال أنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن إسرائيل مرض مرضا شديدا وطال سقمه فنذر لله نذرا أن شفاه الله من سقمه ليحرمن أحب الشراب إليه وأحب الطعام إليه وكان أحب الطعام إليه لحمان الإبل وأحب الشراب إليه ألبانها قالوا اللهم نعم قال اللهم اشهد عليهم
قالوا فأخبرنا بهذا النبي الأمي من وليه من الملائكة قال فإن وليي جبريل ولم يبعث الله نبيا قط إلا وهو وليه قالوا فعندها نفارقك لو كان وليك سواه من الملائكة تابعناك و صدقناك قال فما يمنعكم قالوا إنه عدونا فأنزل الله عز و جل الآية
وأخرجه ابن إسحاق عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين عن شهر بن حوشب بنحوه 41 ولم يذكر ابن عباس وزاد فيه قالوا فأخبرنا عن الروح قال أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل هل تعلمون أنه جبريل وهو الذي يأتيني قالوا نعم ولكنه لنا عدو و هو ملك إنما يأتي بالشدة و سفك الدماء ولولا ذاك اتبعناك فأنزل الله الآية إلى قوله كأنهم لا يعلمون
وقال عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن قتادة قالت اليهود إن جبريل يأتي محمدا وهو عدونا لأنه ينزل بالشدة و الحرب و السنة وإن ميكائيل ينزل بالرخاء و العافية والخصب فقال الله تعالى من كان عدوا لجبريل الآية
وأخرج الطبري من طريق القاسم بن أببي بزة يهودا سألوا النبي من صاحبك الذي ينزل عليك بالوحي قال جبريل قالوا فإنه عدونا لا يأتي إلا بالحرب و الشدة والقتال فنزلت
وفي صحيح البخاري عن أنس قال سمع عبد الله بن سلام بمقدم النبي فذكر الحديث وفيه أنه سأله عن أشياء فقال أخبرني بهن جبريل آنفا قال جبريل قال نعم قال ذاك عدو اليهود من الملائكة هكذا في هذه الطريق من قول عبد الله بن سلام وهي قصة غير التي في حديث ابن عباس
وأسند الواحدي من طريق علي بن مسهر والطبري من طريق ربعي بن علية و هو أخو إسماعيل عن داود بن أبي هند عن الشعبي قال نزل عمر
الروحاء فذكر قصة فيها فقال عمر كنت أشهد اليهود يوم مدراسهم فأعجب من التوراة كيف تصدق الفرقان ومن الفرقان كيف يصدق التوراة فبينما أنا عندهم ذات يوم فقالوا يا ابن الخطاب ما أحد أحب 41 إلينا منك
إنك تأتينا و تغشانا قال ومر رسول الله فقالوا يا ابن الخطاب ذاك صاحبكم فالحق به
فقلت لهم عند ذلك نشدتكم بالله الذي لا إله إلا هو وما استرعاكم من حقه واستودعكم من كتابه أتعلمون أنه رسول الله فسكتوا فقال عالمهم و كبيرهم إنه قد عظم عليكم فأجيبوه قالوا أنت عالمنا و سيدنا فأجبه أنت قال أما إذ نشدتنا بما نشدتنا به فإنا نعلم أنه رسول الله قال قلت ويحكم فأنى هلكتم قالوا إنا لم نهلك قال كيف ذاك و أنتم تعلمون أنه رسول الله ثم لا تتبعونه ولا تصدقونه قالوا لأن لنا عدوا من الملائكة وسلما و انه قرن بنبوته عدونا من الملائكة قال قلت و من عدوكم ومن سلمكم قالوا عدونا جبريل وسلمنا ميكائيل قال قلت وفيم عاديتم جبريل وفيم سالمتم ميكائيل قالوا إن جبريل ملك الفظاظة والغلظة والإعسار والتشديد والعذاب ونحو هذا وإن ميكائيل ملك الرأفة والرحمة
والتخفيف ونحو هذا
قال قلت وما منزلتهما من ربهما قالوا أحدهما عن يمينه والآخر عنة يساره قال قلت فوالله الذي لا إله إلا هو إن الذي بينهما لعدو لمن عاداهما وسلم لمن سالمهما ما ينبغي لجبريل أن يسالم عدو ميكائيل وما ينبغي لميكائيل أن يسالم عدو جبريل قال ثم قمت فاتبعت النبي فلحقته وهو خارج من خوخه لبني فلان فقال لي يا ابن الخطاب ألا أقرئك آيات نزلن قبل فقرأ قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله 43 مصدقا لما بين يديه حتى قرأ الآيات قال
قلت بأبي وأمي أنت يا رسول الله والذي بعثك بالحق لقد جئت وأنا أريد أن أخبرك الخبر فأسمع اللطيف الخبير قد سبقني إليك بالخبر
لفظ الطبري وأخرجه أيضا من طريق إسماعيل بن علية عن داود نحوه
ومن طريق مجالد عن الشعبي نحوه
وأخرج أيضا من طريق قتادة قال ذكر لنا أن عمر انطلق ذات يوم إلى اليهود فلما أبصروه رحبوا به فقال لهم عمر أما والله ما جئت لحبكم ولا لرغبة فيكم ولكن جئت لأسمع منكم فسألهم و سألوه فقالوا من صاحب صاحبكم فقال لهم جبريل فقالوا ذاك عدونا من أهل السماء يطلع محمدا على سرنا وإذا جاء جاء بالحرب والسنة ولكن صاحب صاحبنا ميكائيل وكان إذا جاء جاء بالخصب و بالسلم
فقال لهم عمر أتعرفون جبريل وتنكرون محمدا ففارقهم وتوجه نحو النبي ليحدثه حديثهم فوجده قد أنزلت عليه قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله الآية
ومن طريق السدي قال كانت لعمر أرض بأعلى المدينة فكان ممره على طريق مدارس اليهود فدخل فسمع منهم فقالوا يا عمر ما في أصحاب محمد أحب إلينا منك فإنك تمر بنا فلا تؤذينا فقال عمر أي يمين أعظم فيكم قالوا الرحمن الذي أنزل التوراة على موسى بطور سيناء فقال لهم عمر فأنشدكم بالرحمن الذي أنزل التوراة على موسى بطور سيناء أتجدون محمدا عندكم فذكر نحو حديث الشعبي بطوله
ومن طريق هشيم عن حصين عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال قالت اليهود للمسلمين لو أن 44 ميكائيل الذي ينزل عليكم اتبعناكم فإنه ينزل بالرحمة و الغيث وإن جبريل ينزل بالنقمة والعذاب وهو لنا عدو فنزلت هذه الآية
من كان عدوا لجبريل
وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق عبد الرحمن الدشتكي عن حصين عن ابن أبي ليلى مختصرا ولفظه إن يهوديا لقي عمر فقال إن جبريل الذي يذكر صاحبكم عدو لنا فقال عمر من كان عدوا لله وملائكته ورسله إلى للكافرين قال فنزلت على لسان عمر
قلت وهذا غريب إن ثبت فليضف إلى موافقات عمر وقد جزم ابن عطية بأنه ضعيف ولم يبين جهة ضعفه وليس فيه إلا الإرسال
ثم قال الواحدي قال ابن عباس أن حبرا من أحبار اليهود من فدك يقال
له عبد الله بن صوريا حاج النبي فسأله عن أشياء فلما اتجهت عليه الحجة قال أي ملك يأتيك من السماء قال جبريل ولم يبعث الله نبيا إلا وهو وليه قال ذاك عدونا من الملائكة ولو كان ميكائيل مكانه لآمنا بك إن جبريل ينزل بالعذاب والقتال والشدة على يدي رجل يقال له بخت نصر وأخبرنا بالحين الذي يخرب فيه فلما كان وقته بعثنا رجلا من أقوياء بني إسرائيل في طلب بخت نصر ليقتله فانطلق يطلبه حتى لقيه ببابل غلاما مسكينا ليست له قوة فأخذه صاحبنا ليقتله فدفع عنه جبريل وقال لصاحبنا إن كان ربكم هو الذي أذن في هلاككم فلن تسلط عليه وإن لم يكن هذا فعلى أي حق تقتله فصدقه صاحبنا 45 ورجع إلينا وكبر بخت نصر وقوي وغزانا وخرب بيت المقدس فلهذا نتخذه عدوا فأنزل الله عز و جل هذه الآية
قلت يتعجب من جزمه بهذا عن ابن عباس مع ضعف طريقه فإنه من تفسير عبد الغني بن سعيد الثقفي وقد قدمت أنه هالك
وقد أخرج الطبري من طريق أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس أن اليهود سألت محمدا عن أشياء كثيرة فأخبرهم بها على ما هي عندهم إلا جبريل فإن جبريل كان عند اليهود صاحب عذاب وسطوة ولم يكن عندهم صاحب
وحي ينزل من الله على رسله ولا صاحب رحمة فأخبرهم رسول الله فيما سألوه عنه أن جبريل صاحب وحي وصاحب نقمة وصاحب رحمة فأنكروا ذلك
وقالوا هو عدو لنا فأنزل الله عز و جل تكذيبا لهم قل من كان عدوا لجبريل الآية ثم قال الواحدي قال مقاتل قالت اليهود إن جبريل أمره الله أن يجعل النبوة فينا فجعلها في غيرنا فأنزل الله هذه الآية
قلت جعل الواحدي هذا السبب ترجمتين من أجل الإختلاف في سبب عداوتهم لجبريل وإن كان سبب النزول واحدا وحاصل ما ذكر فيه ثلاثة أقوال
أحدهما قول الجمهور إن عداوتهم لكونه ينزل بالعذاب
ثانيها كونه حال دون قتل بخت نصر الذي خرب مسجدهم وسفك دماءهم وسبى ذراريهم
ثالثها كونه عدل بالنبوة عن بني إسرائيل إلى بني إسماعيل
وهذا الثالث قواه الفخر الرازي من جهة المعنى لأن معاداة جبريل وهو
رسول الله بامتثاله أمر الله فيما ينزل به 46 من الشدة والعذاب لا يصدر من عاقل بخلاف تجويز النسيان عليه مع من أمر بالإنزال عليه هذا حاصل ما رجحه به
وفاته ترجيح أن يرجح الثاني لأنه ليست مخالفة لما أمر به لا عمدا ولا سهوا بل هو راجع إلى اجتهاده ومن عادى من اجتهد فأداه اجتهاده إلى ضرر من عاداه لا يلام في المعاداة
وقد وجدت ما يصلح معه إفراد الترجمة الثانية وهو سبب معاداتهم لرسول الله لأن الأولى من جميع طرقها خاصة بجبريل عليه السلام وذلك فيما أخرجه الطبري من طريق عبيد الله العتكي وهو أبو المنيب المروزي صدوق عن رجل من قريش قال سأل النبي اليهود فقال أسألكم بكتابكم الذي تقرؤون هل تجدونني قد بشر بي عيسى أن يأتيكم رسول من بعدي اسمه أحمد قالوا اللهم وجدناك في كتبنا ولكنا كرهناك لأنك تستحل الأموال يعني الغنائم وتهريق الدماء
فأنزل الله عز و جل من كان عدوا لله وملائكته ورسله الآية
33 - قوله تعالى ولقد أنزلنا إليك آيات بينات 99
قال الواحدي قال ابن عباس هذا جواب لابن صوريا حيث قال لرسول الله يا محمد ما جئتنا بشيء نعرفه وما أنزل الله عليك من آية بينة نتبعك بها فأنزل الله عز و جل هذه الآية
قلت أخرجه الطبري من طريق محمد بن إسحاق حدثني محمد عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال ابن صوريا الفطيوني لرسول الله يا محمد فذكره وفي آخره فأنزل الله في ذلك من قوله ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون
وأخرجه ابن المنذر من وجه آخر عن ابن إسحاق بغير سند لابن إسحاق لكن قال قال ابن صلوبا الفطيوني والمحفوظ ما تقدم
34 - قوله ز تعالى أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم 100
أخرج الطبري وابن أبي حاتم من طريق محمد بن إسحاق عن محمد عن عكرمة أو سعيد عن ابن عباس قال قال مالك بن الصيف حين بعث رسول الله وذكرهم ما أخذ الله عليهم من الميثاق وما عهد إليهم في محمد والله ما عهد الله إلينا في محمد ولا أخذ علينا ميثاق فأنزل الله عز و جل أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم الآية
وأخرج الطبري من طريق ابن جريج في هذه الآية قال لم يكن في الأرض عهد يعاهدون عليه إلا نقضوه ويعاهدون اليوم و ينقضون غدا
ومن طريق أخرى عن عطاء قال هي العهود بينه و بين اليهود نقضوها كفعل قريظة و النضير وهي كقوله تعالى الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم الآية
وذكر ابن ظفر في قوله تعالى ولقد أنزلنا إليك آيات بينات قيل كان اليهود يقولون للنبي إن أخبرتنا عن كذا وكذا آمنا بك فيوحي الله إليه بذلك فيخبرهم به فلا يؤمنون وهو المراد بقوله أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم
قال وقيل إن الأعراب التي كانت منازلهم بقرب يثرب كانوا يغيرون عليهم ويقاتلونهم فيقولون إن خرج النبي الذي يسفك دماءكم و يسبي أولادكم لنقاتلنكم معه ونؤمن به 48 ويكررون الحلف فلما بعث نبذوا جميع تلك العهود
35 - قوله ز تعالى ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله الآية 101
أخرج الطبري وابن أبي حاتم من طريق أسباط عن السدي قال في هذه الآية ولما جاءهم رسول قال لما جاءهم محمد عارضوه بالتوراة فخاصموه بها فاتفق التوراة والقرآن فنبذوا التوراة و أخذوا بكتاب آصف ونسخة هاروت وماروت فلم توافق القرآن فأنزل الله عز و جل هذه الآية إلى قوله كأنهم لا يعلمون
وأخرج الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس قال لما ذهب ملك سليمان
ارتد فئام من الجن و الإنس واتبعوا الشهوات فلما رجع إلى سليمان إلى ملكه أقام الناس على الدين كما كان ثم ظهر سليمان على كتبهم فدفنها تحت كرسيه ومات حدثان ذلك فظهرت الجن والإنس على الكتب بعد وفاته فقالوا هذا كتاب من الله نزل على سليمان أخفاه منها فأخذوا به فجعلوه دينا فأنزل الله عز و جل ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون واتبعوا ما تتلو الشياطين من المعازف واللعب وكل شيء يصد عن ذكر الله عز و جل
36 - قوله تعالى واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان الآية 102
1 - أخرج الواحدي من تفسير إسحاق بن راهويه قال أنا جرير عن
حصين عن عمران بن الحارث قال بينا نحن عند ابن عباس إذ قال إن الشياطين كانوا يسترقون السمع من السماء فيجيء أحدهم بكلام حق فإذا جرب من أحدهم الصدق 49 كذب معها سبعين كذبة فيشربها قلوب الناس فاطلع على ذلك سليمان فأخذها يعني الصحف التي نسخوا فيها تلك الأكاذيب و ما قبلها من الصدق فدفنها تحت الكرسي فلما مات سليمان قام شيطان بالطريق وقال ألا أدلكم على كنز سليمان المنيع الذي لا كنز مثله قالوا بلى
قال تحت الكرسي فأخرجوه فقالوا هذا سحر فتناسخها الأمم فأنزل الله تعالى عذر سليمان عليه السلام واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان الآية
قال الواحدي
وقال الكلبي إن الشياطين كتبوا السحر والنيرنجيات على لسان آصف بن
برخيا هذا ما علم آصف بن برخيا سليمان الملك ودفنوها تحت مصلاه حين نزع الله ملكه ولم يشعر بذلك سليمان فلما مات سليمان استخرجوها من تحت مصلاه وقالوا للناس إنما ملككم سليمان بهذا فتعلموه فأما علماء بني إسرائيل فقالوا معاذ الله أن يكون هذا علم سليمان وأما السفلة فقالوا هذا علم سليمان وأقبلوا على تعلمه ورفضوا كتب أنبيائهم وفشت الملامة على سليمان فلم تزل هذه حالهم حتى بعث الله عز و جل محمدا فأنزل الله عذر سليمان على لسانه وأظهر براءته مما رمي به فقال واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان الآية
ثم أسند الواحدي من طريق سعيد بن منصور ثنا عتاب بن بشير أنا خصيف قال كان سليمان إذا نبتت الشجرة قال لأي داء أنت فتقول لكذا وكذا فلما نبتت شجرة الخروب قال لأي شيء أنت قالت لمسجدك أخربه قال
تخربينه قالت نعم قال بئس الشجرة 50 أنت فلم يلبث أن توفي فجعل الناس يقولون في مرضاهم لو كان مثل سليمان فأخذت الشياطين فكتبوا كتابا فجعلوه في مصلى سليمان وقالوا نحن ندلكم على ما كان سليمان يداوي به فانطلقوا فاستخرجوا ذلك الكتاب فإذا فيه سحر و رقي فأنزل الله تعالى واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان إلى قوله فلا تكفر
قال الواحدي وقال السدي إن الناس في زمن سليمان اكتتبوا السحر و اشتغلوا بتعلمه فأخذ سليمان تلك الكتب وجعلها في صندوق ودفنها تحت كرسيه ونهاهم عن ذلك فلما مات سليمان وذهب الذين كانوا يعرفون دفن تلك الكتب تمثل الشيطان على صورة إنسان فأتى نفرا من بني إسرائيل فقال هل أدلكم على كنز لا تأكلونه أبدا أي لا ينفد قالوا نعم قال فاحفروا تحت الكرسي فحفروا فوجدوا تلك الكتب فلما أخرجوها قال الشيطان إن سليمان كان يضبط الإنس والجن والشياطين والطير بهذا فاتخذ بنو اسرائيل تلك الكتب فلذلك أكثر ما يوجد السحر في اليهود فبرأ الله سليمان من ذلك وأنزل هذه الآية
قلت اثر ابن عباس أخرجه الحاكم في المستدرك من هذا الوجه وعمران أخرجه له مسلم وباقي رجاله من رجال الصحيح
وأما أثر الكلبي فأخرج الطبري نحوه عن ابن إسحاق ولفظه قال عمدت
الشياطين حين عرفت موت سليمان فكتبوا أصناف السحر من كان يحب أن يبلغ كذا فليقل كذا حتى إذا استوعبوا أصناف السحر جعلوه في كتاب ثم ختموه بخاتم نقشوه على خاتم سليمان وكتبوا في عنوان الكتاب 51 هذا ما كتب آصف بن برخيا الصديق للملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز العلم ثم دفنوه تحت كرسيه فاستخرجه بعد ذلك بقايا من بني إسرائيل حين أحدثوا ما أحدثوا فلما عثروا عليه قالوا والله ما كان ملك سليمان إلا بهذا فأفشوا السحر وتعلموه و علموه فليس هو في أحد أكثر منه في اليهود فلما ذكر رسول الله سليمان وعده في من عده يعني من الأنبياء قال من كان بالمدينة من اليهود ألا تعجبون لمحمد يزعم أن ابن داود كان نبيا والله ما كان إلا ساحرا فأنزل الله عز و جل هذه الآية هكذا ذكره ابن إسحاق بغير إسناد وأخرج الطبري من طريق شهر بن حوشب نحوه بطوله فلعل ابن إسحاق أخذه عنه وعن الكلبي
وحكى الماوردي إن آصف بن برخيا كاتب سليمان واطأ نفرا من الشياطين على كتاب كتبوه سحرا ودفنوه تحت كرسي سليمان ثم استخرجوه فذكر القصة ولم أر في الآثار المسندة أن آصف واطأ الشياطين
وأما ما أخرجه ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال لما جاءهم محمد بالقرآن عارضوه بالتوراة
فاتفقت التوراة والقرآن فنبذوا التوراة وأخذوا بكتاب آصف وسحر هاروت و ماروت فمراده بكتاب آصف الكتاب الذي ادعت الشياطين أن آصف هو الذي ألفه و هذا لا يلزم منه أنهم صدقوا فيما ادعوه على آصف
ثم إن الثابت في كتابة الشياطين السحر أنه إنما وقع لهم حين نزع من سليمان ملكه كذلك أخرجه الطبري من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان الذي أصاب سليمان بن داود 52 في سبب أناس من أهل امرأة يقال لها جرادة وكانت من أكرم نسائه عليه فكان هوى سليمان أن يكون الحق لأهل جرادة فيقضي لهم فعوقب حين لم يكن هواه في الفريقين واحدا وكان سليمان إذا أراد أن يدخل الخلاء نزع خاتمه فذكر القصة بطولها كما سيأتي في سورة ص إلى أن قال فعمدت الشياطين في تلك الأيام فكتبت كتبا فيها سحر وكفر ثم دفنوها تحت كرسي سليمان ثم
أخرجوها يعني بعد موته فقرأوها على الناس فقالوا إنما كان سليمان يغلب الناس بهذه الكتب فبرئ الناس من سليمان وكفروه حتى بعث الله محمدا فأنزل الله واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وأخرج ابن أبي حاتم أثر الأعمش عن المنهال عن سعيد عن ابن عباس بلفظ كان آصف كاتب سليمان يعلم الإسم الأعظم وكان يكتب كل شيء بأمر سليمان ويدفنه تحت كرسيه فلما مات سليمان أخرجته الشياطين فكتبوا بين كل سطرين سحرا وكفرا وقالوا هذا الذي كان سليمان يعمله فأكفره جهال الناس و سبوه حتى أنزل على محمد واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان
وأما أثر خصيف ففيه ضعف مع إعضاله وأصل قصة سليمان في خطاب الشجرة إذا نبتت وما يتداوى بها منه ثابت في حديث آخر أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق جرير عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال مات سليمان وهو قائم يصلي ولم تعلم الشياطين يموته حتى أكلت
الأرضة عصاه فخر وكان إذا نبتت شجرة سألها لأي داء أنت فتخبره فلما نبتت الخروب 53 سألها لأي شيء أنت فقالت لخراب هذا المسجد فقال إن خراب هذا المسجد لا يكون إلا عند موتي فاتخذ منها عصا يتوكأ عليها وقال اللهم عم عن الجن موتي الحديث و سأذكره بتمامه في سورة سبأ إن شاء الله تعالى
وأما أثر السدي فأخرجه الطبري مطولا وفي أوله نظير القصة التي في أثر ابن عباس بأبسط منه وأوضح بيانا ولفظه من طريق أسباط عن السدي قال كانت الشياطين تصعد إلى السماء فتقعد منها مقاعد للسمع يستمعون من كلام الملائكة فيما يكون في الأرض من موت أو غيب أو أمر فيأتون الكهنة فيخبرونهم فتحدث الكهنة الناس فيجدونه كما قالوا حتى إذا أمنتهم الكهنة كذبوا لهم فأدخلوا فيه غيره فزادوا مع كل كلمة سبعين كلمة فاكتتبت الناس ذلك الحديث في الكتب وفشا في بني إسرائيل إن الجن تعلم الغيب فبعث سليمان في الناس فجمع تلك الكتب فجعلها في صندوق ثم دفنها تحت كرسيه ولم يكن أحد من الشياطين يستطيع أن يدنو من الكرسي إلا احترق وقال سليمان لا أسمع أحدا يذكر أن الشياطين تعلم الغيب إلا ضربت عنقه فلما مات سليمان و ذهب العلماء الذين
يعرفون أمر سليمان وخلف بعد ذلك خلف تمثل شيطان في صورة إنسان فذكره وفيه فأراهم المكان وقام ناحية فقالوا ادن قال لا ولكني هاهنا في أيديكم فإن لم تجدوه فاقتلوني فحفروا فوجدوا تلك الكتب فلما أخرجوها قال الشيطان إن سليمان إنما كان يضطر الإنس و الجن و الشياطين والطير بهذا السحر ثم طار فذهب وفشا في الناس أن سليمان كان ساحرا 54 واتخذت بني إسرائيل تلك الكتب فلما جاء محمد خاصموه بها فذلك حين يقول الله عز و جل وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وأخرج الطبري أيضا من طريق الربيع بن أنس قال إن اليهود سألوا محمدا زمانا عن أمور التوراة لا يسألونه عن شيء من ذلك إلا أنزل الله عليه ما سألوه عنه فيخصمهم فلما رأوا ذلك قالوا هذا أعلم بما أنزل الله إلينا منا وإنهم سألوه عن السحر وخاصموه به فأنزل الله تعالى واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان الآية وذلك أن الشياطين عمدوا إلى كتاب فكتبوا فيه السحر والكهانة وما شاء الله من ذلك فدفنوه تحت مجلس سليمان وكان سليمان لا يعلم الغيب فلما فارق سليمان الدنيا استخرجوا ذلك السحر وخدعوا به الناس وقالوا هذا علم كان سليمان يكتمه و يحسد الناس عليه فأخبرهم النبي بهذا الحديث فرجعوا من عنده بخزي وقد أدحض الله حجتهم
وأخرج الطبري من طريق عمرو بن دينار عن مجاهد في قوله تعالى واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان قال كانت الشياطين تستمع الوحي فما سمعوا من كلمة زادوا فيها مئتين مثلها فأرسل سليمان إلى ما كتبوا من ذلك فأخفاه فلما مات سليمان وجدته الشياطين فعلمته الناس وهو السحر
قلت وجاء في سبب نزول قوله تعالى وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا
2 - قوله آخر أخرجه الطبري أيضا من طريق عمران بن حدير عن أبي مجلز قال أخذ سليمان من كل دابة عهدا فإذا أصيب 55 رجل فسئل بذلك العهد خلي عنه فزاد الناس السجع و السحر وقالوا هذا كان يعمل به سليمان فقال الله تعالى وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا وهذا سند صحيح لكنه في حكم المرسل لأن أبا مجلز تابعي وسط من طبقة محمد بن سيرين
وجاء فيه أيضا ما أخرجه الطبري من طريق جعفر بن أبي المغيرة عن
سعيد بن جبير قال كان سليمان يتتبع ما في أيدي الشياطين من السحر ويأخذه فيدفنه تحت كرسيه في بيت خزائنه فلم تقدر الشياطين أن يصلوا إليه فدبت إلى الإنس فقالوا لهم أتريدون العلم الذين كان سليمان يسخر به الشياطين و الرياح وغير ذلك قالوا نعم قالوا فإنه في بيت خزائنه وتحت كرسيه فاستشارته الإنس فاستخرجوه فعملوا به فقال أهل الحجى ما كان سليمان يعمل بهذا وهذا سحر فأنزل الله تعالى على نبيه براءة سليمان فقال واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان و لكن الشياطين كفروا الآية فأبرأ الله سليمان على لسان نبيه محمد
37 - قوله تعالى وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت 102
سبب نزولها ما تقدم في قوله واتبعوا ما تتلو الشياطين وما بعده فأخرج الطبري من طريق السدي في هذه الآية قال هذا سحر آخر خاصموه به أي خاصموه بما أنزل الله على الملكين لأن كلام الملائكة فيما بينهم إذا علمته الإنس وعلمت به كان سحرا
ومن طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال السحر سحران سحر تعلمه الشياطين وسحر يعلمه هاروت و ماروت
وأخرج الطبري من طريق العوفي 56 عن ابن عباس قال لم ينزل الله السحر ومن طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس مثله قال الطبري فعلى هذا فالمراد بالملكين جبريل و ميكائيل و هاروت وماروت رجلان من أهل بابل وفي الكلام تقديم و تأخير والتقدير وما كفر سليمان وما أنزل على الملكين ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ببابل وهاروت وماروت بدل من الناس والقراءة المشهورة أن الملكين بفتح اللام وبنى الطبري الإختلاف فيها على تفسيرها فمن قرأ بالفتح قال هما هاروت وماروت أو جبريل وميكال ومن بالكسر قال هما علمان ملكا بابل أو شيطانان
ورجح الأول لشهرة القراءة بالفتح ولتعسف التأويل و التركيب ممن قال جبريل وميكال
واختلف في الأمر الذي أنزل الملكان بسببه فوردت في ذلك أقوال
إن السحرة كانوا كثروا وفشا منهم عمل السحر حتى ادعوا النبوة فجاء الملكان يعلمان الناس السحر ليتمكنوا من معارضة السحرة
2 - وقيل كان السحر الذي يوقع التفرقة بين أعداء الله وأوليائه مباحا فنزلا لذلك فاستعمله بعضهم في التفرقة بين الزوجين وغير ذلك من الباطل
3 - وقيل إن الجن كانوا يقدرون من السحر على ما لا يقدر عليه البشر فنزلا ليعلما البشر ليحذروا من فعل الجن
4 - وقيل أنهما نزلا بالوحي على إدريس
وهذه الأقوال جمعت مما ذكره من ينقل كل ما وجد سواء ثبت عن قائليه أم لا ومنهم من يحذف اسم من نقل ذلك ومن نقل عنه ومهم من يعسر عليه التأويل فيبادر إلى تكذيب المنقول لعدم معرفته بأحوال النقلة 57 حتى أن أبا حيان مع أنه ممن ينتسب إلى الحديث وأهله و يتبسط في توثيق بعض الشيوخ وتجريحهم تبع غيره في إنكار ما ورد من قصة هاروت وماروت والزهرة كما سأذكر لفظه وقد ورد في ذلك خبر مرفوع رجاله موثقون وله شواهد كثيرة
قال أحمد في مسنده
حدثنا يحيى بن أبي بكير ثنا زهير بن محمد عن موسى بن جبير عن نافع مولى ابن عمر عن عبد الله بن عمر إنه سمع نبي الله يقول إن آدم عليه السلام لما أهبطه الله إلى الأرض قالت الملائكة أتجعل فيها من يفسد فيها الآية إلى ما لا تعلمون قالت الملائكة ربنا نحن أطوع لك من بني آدم فقال الله تبارك و تعالى للملائكة هلموا ملكين من الملائكة حتى يهبطا إلى الأرض فننظر كيف يعملان قالوا ربنا هاروت وماروت فأهبطا إلى الأرض ومثلت لهما الزهرة امرأة من أحسن البشر
فجاآها فسألاها نفسها فقالت لا و الله حتى تكلما بهذه الكلمة من الشرك فقالا لا والله لا نشرك شيئا أبدا فذهبت عنهما ثم رجعت بصبي تحمله فسألاها نفسها فقالت لا لا والله حتى تقتلا هذا الصبي
فقالا لا والله لا نقتله أبدا فذهبت ثم رجعت بقدح خمر تحمله فسألاها نفسها فقالت لا والله حتى تشربا هذا الخمر فشربا فسكرا فوقعا عليها و قتلا الصبي فلما أفاقا قالت المرأة والله ما تركتما شيئا مما أبيتماه علي إلا قد فعلتماه حين سكرتما فخيرا عند ذلك بين عذاب الدنيا والآخرة فاختارا عذاب الدنيا
قال شيخنا الحافظ أبو الحسن في زوائد المسند
رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير 58 موسى بن جبير و هو ثقة
قلت السند على شرط الحسن وقد أخرجه ابن حبان في صحيحه كعادته في تصحيح مثله فأخرجه في النوع الرابع من القسم الثالث عن الحسن بن سفيان عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يحيى بن أبي بكير و رجاله رجال الصحيح إلا موسى بن جبير فإنه مدني نزل مصر وروى عنه جماعة ولم أر فيه تجريحا ولا تعديلا إلا ذكر ابن حبان له في الثقات وإخراج حديثه في صحيحه
وقال ابن حبان بعد تخريجه الزهرة هذه امرأة كانت في ذلك الزمان لا أنها الزهرة التي هي في السماء
قلت وهذا مما قاله من عنده وقد ورد الخبر بخلاف ما زعم وصرح فيه بأنها
الزهرة الكوكب الذي هو الآن في السماء وإن تلك المرأة مسخت كوكبا فأخرج الطبري من طريق حماد بن زيد عن خالد الحذاء عن عمير بن سعيد قال سمعت عليا رضي الله عنه يقول كانت الزهرة امرأة جميلة من أهل فارس وإنها خاصمت إلى الملكين هاروت وماروت فراوداها عن نفسها فأبت عليهما إلا أن يعلماها الكلام الذي إذا تكلم به يعرج به إلى السماء فعلماها فعرجت إلى السماء فمسخت كوكبا وهذا سند صحيح وحكمه أن يكون مرفوعا لأنه لا مجال للرأي فيه وما كان علي رضي الله عنه يأخذ عن أهل الكتاب
وأخرجه عبد بن حميد بسند آخر صحيح إلى علي أتم منه قال حدثنا يعلى ابن عبيد ثنا إسماعيل بن أبي خالد عن عمير وأخرجه الحاكم من طريق إسماعيل بن أبي خالد به وقال صحيح عن عمير بن سعيد قال قال علي أرأيتم هذه الزهرة تسميها العجم أناهيد وكانت امرأة وكان الملكان يهبطان أول النهار يحكمان بين 59 الناس ويصعدان آخر النهار فأتتهما فأراداها على نفسها كل واحد من غير علم صاحبه ثم اجتمعا فأرادها فقالت لهما لا إلا أن تخبراني بم تهبطان إلى الأرض وبما تصعدان فقال أحدهما للآخر علمها فقال كيف بنا لشدة عذاب الله قال إنا لنرجو سعة رحمة الله فعلماها فتكلمت به فطارت إلى السماء فمسخها الله
فكانت كوكبا وقال عبد الرزاق في تفسيره وأخرجه عبد بن حميد عنه قال أنا ابن التيمي هو معتمر بن سليمان عن أبيه عن أبي عثمان النهدي عن ابن عباس قال إن المرأة التي فتن بها الملكان مسخت فهي هذه الكوكب الحمراء يعني الزهرة وهذا سند صحيح أخرجه الحاكم من هذا الوجه و أخرجه الطبري من وجه آخر أتم منه وسيأتي ذكره في تفسير حم
وجاء عن ابن عمر مطولا أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح عن مجاهد
قال كنت نازلا على عبد الله بن عمر في سفر فلما كان ذات ليلة قال لغلامه انظر طلعت الحمراء لا مرحبا بها ولا أهلا ولا حياها الله هي صاحبة الملكين قالت الملائكة رب كيف تدع عصاة بني آدم وهو يسفكون الدم الحرام وينتهكون محارمك و يفسدون في الأرض فقال إني قد ابتليتهم فلعلي إن ابتليتكم بمثل الذي ابتليتهم به فعلتم كالذي يفعلون قالوا لا قال فاختاروا من خياركم اثنين فاختاروا هاروت وماروت فقال لهما إني مهبطكما إلى الأرض وأعهد إليكما أن لا تشركا بي شيئا ولا تزنيا ولا تخونا فاهبطا إلى الأرض وألقى عليهما الشبق وأهبطت لهما الزهرة في أحسن صورة امرأة فتعرضت لهما فأراداها عن نفسها فقالت إني على دين لا يصلح لأحد أن يأتيني إلا 60 إن كان على مثله فقالا وما ذلك قالت المجوسية قالا الشرك هذا لا نقربه فسكتت عنهما ما شاء الله ثم تعرضت لهما فأراداها عن نفسها فقالت ما شئتما غير أن لي زوجا وأنا أكره أن يطلع على هذا مني فأفتضح فإن أقررتما بديني وشرطتما لي أن تصعداني إلى السماء فعلت فأقراها وأتياها ثم صعدا بها فلما انتهيا بها اختطفت
منهما وقطعت أجنحتهما فوقعا يبكيان وفي الأرض نبي يدعو بين الجمعتين فإذا كان يوم الجمعة أجيب فقالا لو أتينا فلانا فسألناه أن يطلب لنا التوبة فأتياه فقال رحمكما الله كيف يطلب أهل الأرض لأهل السماء فقالا إنا قد ابتلينا قال ائتياني يوم الجمعة فأتياه فقال ما أجبت فيكما بشيء ائتياني في الجمعة الثانية فأتياه فقال اختاروا قد خيرتما إن أحببتما معاقبة الدنيا وأنتما في الآخرة على حكم الله وإن أحببتما عذاب الآخرة فقال أحدهما الدنيا لم يمض منها إلا قليل وقال الآخر ويحك إني قد أطعتك في الأمر فأطعني الآن إن عذابا يفنى ليس كعذاب يبقى فقال أما تخشى أن يعذبنا في الآخرة فقال لا إني لأرجو إن علم الله إنا قد اخترنا عذاب الدنيا مخافة عذاب الآخرة أن لا يجمعهما علينا فاختاروا عذاب الدنيا فجعلا في بكرات من حديد في قليب مملوءة من نار عاليها وسافلها
وهذه متابعة قوية لرواية موسى بن جبير عن نافع لكنها موقوفة على ابن عمر
لم يضفها إلى النبي
وجاءت من وجه آخر عن ابن عمر عن كعب الأحبار موقوفة عليه أخرج ابن أبي حاتم أيضا وعبد بن حميد من طريق الثوري عن موسى بن عقبة عن 61 سالم ن ابن عمر عن كعب قال ذكرت الملائكة أعمال بني آدم وما يأتون من الذنوب فقيل لهم اختاروا منكم اثنين فاختاروا هاروت و ماروت فقال لهما اهبطا إلى الأرض وإني أرسل إلى بني آدم رسلا وليس بيني وبينكما رسولا لا تشركا بي شيئا ولا تزنيا ولا تشربا الخمر قال كعب فما أمسيا من يومهما الذي أهبطا فيه حتى استحلا جميع ما حرم عليهما
قلت وسند الثوري أقوى من سند زهير إلا أن رواية كعب مختصرة جدا فيحتمل أن يكون ابن عمر استظهر برواية كعب لكونها توافق ما حمله ابن عمر عن النبي
وقد حكى المنذري عن بعض العلماء أنه رجح الرواية الموقوفة على كعب على الرواية المرفوعة والذي أقول لو لم يرد في ذلك غير هاتين الروايتين لسلمت أن
رواية سالم أولى من رواية نافع لكن جاء ذلك من عدة طرق عن ابن عمر ثم من عدة طرق عن الصحابة ومجوع ذلك يقضي بأن للقضية أصلا أصيلا والله أعلم
وقد جاء عن ابن عباس موقوفا عليه بسند حسن أخرجه ابن أبي حاتم من طريق الربيع بن أنس عن قيس بن عباد عن ابن عباس قال لما وقع الناس بعد آدم فيما وقعوا فيه من المعاصي والكفر بالله قالت الملائكة في السماء يا رب هذا العالم
الذين إنما خلقتهم لعبادتك وطاعتك قد وقعوا في الكفر وقتل النفس وأكل الحرام و الزنا و السرقة و غير ذلك وجعلوا يدعون عليهم ولا يعذرونهم فقيل لهم إنهم في غيب فلم يعذروهم فقيل لهم اختاروا منكم ملكين من أفضلكم آمرهما وأنهاهما فاختاروا هاروت وماروت 62 فأهبطا إلى الأرض وجعل لهما شهوات بني آدم و أمرهما الله أن يعبداه ولا يشركا به شيئا ونهاهما عن قتل النفس الحرام وأكل المال الحرام وعن الزنا و السرقة و شرب الخمر فلبثا في الأرض زمانا يحكمان بين الناس بالحق و ذلك في زمان إدريس و في ذلك الزمان امرأة حسنها في النساء كحسن الزهرة في سائر الكواكب وإنهما أتيا عليها فخضعا لها في القول وأراداها عن نفسها فأبت إلا أن يكونا على أمرها و على دينها فسألاها عن دينها فأخرجت لهما صنما فقالت هذا أعبده فقالا لا حاجة لنا في عبادة هذا فذهبا فغبرا ما شاء الله ثم أتيا عليها فراوداها عن نفسها ففعلت مثل ذلك فذهبا ثم أتيا فأراداها على نفسها فلما رأت أنهما قد أبيا أن يعبدا الصنم قالت لهما فاختارا إحدى الخلال الثلاث إما أن تعبدا هذا الصنم وإما أن تقتلا هذه النفس وإما أن تشربا هذه الخمر فقالا كل هذا لا ينبغي و أهون هذا شرب الخمر فشربا الخمر فأخذت فيهما فوقعا المرأة وخشيا أن يخبر الإنسان عنهما فقتلاه فلما ذهب عنهم السكر وعلما ما وقعا فيه من الخطيئة أرادا إلى الصعود إلى السماء فلم يستطيعا و حيل بينهما و بين ذلك و كشف الغطاء فيما بينهما و بين أهل السماء فنظرت الملائكة إلى ما وقعا فيه من الخطيئة فعجبوا كل العجب وعرفوا أن من كان في غيب فهو أقل خشية فجعلوا بعد ذلك يستغفرون لمن في الأرض فقيل لهما اختارا عذاب الدنيا أو عذاب بالآخرة فقالا أما عذاب الدنيا فإنه يذهب و ينقطع أما عذاب الآخرة فلا انقطاع له فاختارا عذاب الدنيا فجعلا
ببابل6فهما يعذبان
و أخرجه الطبري من وجه آخر عن ابن عباس وسنده صحيح إلى قتادة قال حدثنا أبو سعيد العدوي في حنازة يونس أبي غلاب عن ابن عباس قال إن الله أفرج السماء لملائكته ينظرون أعمال بني آدم فذكر نحو القصة وقال في روايته أما أنكم لو كنتم مكانهم لعملتم مثل أعمالهم قالوا سبحانك ما ينبغي لنا وقال فيها فاهبطا إلى الأرض وأحل لهما ما فيها و لم يذكر وذلك في زمان إدريس وقال فيها فما أشهرا حتى عرض لهما بامرأة قد قسم لها نصف الحسن يقال لها بيذخت
فلما رأياها كسرا بها وقال فيها ودخل عليهما سائل فقتلاه وزاد فقالت الملائكة سبحانك أنت كنت أعلم وقال فيها فأوحى الله إلى سليمان بن داود أن يخيرهم وقال في آخرها فكبلا من أكعبهما إلى أعناقهما بمثل أعناق النجب وجعلا ببابل
وله طريق أخرى بسند جيد إلى يزيد الفارسي عن ابن عباس قال إن أهل سماء الدنيا أشرفوا على أهل الأرض فرأوهم فذكر نحوه وفيه اختاروا ثلاثة على أن يهبطوا إلى الأرض و يحكموا بينهم و جعلت فيهم شهوة الآدميين فاستقال منهم واحد فأقيل و أهبط اثنان فأتتهما امرأة يقال لها مناهيد فهوياها جميعا فذكر القصة و في آخرها وقالت لهما أخبراني بالكلمة التي إذا قلتماها طرتما فأخبراها فطارت فمسخت جمرة وهي هذه الزهرة وأرسل إليهما سليمان بن داود فخيرهما و في آخره فهما مناطان بين السماء و الأرض أخرجه ابن أبي حاتم
وجاء من وجه آخر مقتصرا على آخر القصة وسنده على شرط الصحيح إن
كان التابعي حمله عن ابن عباس قال عبد الرزاق أنا معمر 64 عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله إن هاروت وماروت كانا ملكين فأهبطا ليحكما بين الناس و ذلك ان الملائكة سخروا من حكام بني آدم فتحاكمت إليهما امرأة فحافا لها ثم ذهبا يصعدان فحيل بينهما و بين ذلك فخيرا بين عذاب الدنيا و عذاب الآخرة فاختارا عذاب الدنيا
تنبيه طعن في هذه القصة من أصلها بعض أهل العلم ممن تقدم و كثير
من المتأخرين وليس العجب من المتكلم والفقيه إنما العجب ممن ينتسب إلى
الحديث كيف يطلق على خبر ورد بهذه الأسانيد القوية مع كثرة طرقها أو تباين أسانيدها أنه باطل أو نحو ذلك من العبارة مع دعواهم تقوية أحاديث غريبة أو واردة من أوجه لكنها واهية واحتجاجهم بها و العمل بمقتضاها
وقد لخص الثعلبي ثم ابن ظفر ثم القرطبي هذه القصة من بعض ما ذكرته و من رواية الكلبي و غيره من المفسرين وذكروا في القصة زيادات
1 - منها إن الذين أنكروا أعمال بني آدم هم الثلاثة الذين اختاروهم
2 - ومنها عن عطاء بلغني أن هاروت و ماروت قالا يا ربنا إنك لتعصى في الأرض فأهبطهما إلى الأرض
3 - ومنها إن الثالث الذي استقال يسمى عزازيل وأنه أقام أربعين سنة مطأطئا رأسه استحياء من ربه و أنه عندما ركبت فيه الشهوة أحس بالبلاء فلذلك استقال
4 - ومنها لو كنتم مكانهم لعلمتم شرا من أعمالهم
5 - و منها قول كعب ما مر بهما شهر حتى فتنا بالمرأة
6 - و منها أن أحدهما قال للآخر هل لك أن تقضي على زوجها قال أما تعلم ما عند الله من العقوبة قال بلى و لكن أما تعلم ما عنده من الرحمة لمن تاب 65 فسألاها نفسها فقالت لا إلا أن تقتلاه فأفرغ لكما فقتلاه و سألاها نفسها فقالت لا إلا أن تعبدا معي الصنم فتقاولا ثم صلبا فتقاولا كالأول
7 - ومنها فجعل الملائكة يعذرون أهل الأرض
8 - ومنها أنهما لما ندما انطلقا إلى إدريس وقيل إلى سليمان وقيل إلى بعض علماء العصر
الذين أنكروا قصة هاروت و ماروت
و أما من أنكرها فجماعة منهم القاضي أبو بكر بن العربي في أحكام
القرآن فقال
وقد روى المفسرون عن نافع قال قال لي ابن عمر اطلعت الحمراء قلت نعم و ذكر أنه لعنها فقلت سبحان الله نجم مسخر مطيع تلعنه قال ما قلت إلا ما سمعت من رسول الله أن الملائكة عجبت من معاصي بني آدم في الأرض فذكر القصة ولخص بعض ما ورد في ذلك ثم قال وإنما سقت هذا الخبر لأن العلماء رووه و دونوه فخشينا ان يقع لمن يضل به و تحقيق القول فيه أنه لم يصح سنده و لكنه جائز كله في العقل لو صح النقل و لا يمتنع أن تقع المعصية من الملك و يوجد منهم خلاف ما كلفوه وتخلق فيهم الشهوات فإنه لا ينكر ذلك إلا جاهل لا يدري الجائز من المستحيل أو من شم ورد الفلاسفة القائلين بأن الملك روحاني بسيط لا تركيب فيه وشهوة الطعام و الشراب و الجماع لا تكون إلا في مركب و هذا تحكم لأنهم أخبروا عن كيفية لم يروها ولا نقلت إليهم ولا دل العقل عليها وجواز تركيب البسيط إنما هو بطريق العادة و أما ما أخبر الله به عنهم أنهم
يسبحون الليل و النهار لا يفترون
و أنهم يفعلون ما يؤمرون فهو خبر صدق وحق لكنه إخبار عن حالهم إلى آخر كلامه 66 فجوز وقوع ذلك ودفع صحة النقل بوقوعه وهو محجوج بما قدمته
وقد تلقاه عنه القرطبي المفسر فقال بعد أن أشار إلى القصة باختصار ما نصه وهذا كله ضعيف و بعيد على ابن عمر وممن أنكر صحة ذلك أبو محمد ابن عطية في تفسيره فقال روي عن علي و ابن مسعود و ابن عباس و ابن عمر وكعب الأحبار و السدي و الكلبي ما معناه فذكر القصة ملخصة ثم قال وهذا كله ضعيف وبعيد عن ابن عمر و غيره لا يصح منه شيء فإنه قول تدفعه الأصول في المنقول وأما العقل فلا ينكر ذلك إذ في قدرة الله تعالى كل موهوم لكن وقوع هذا
الجائز لا يدرك الا بالسمع ولم يصح انتهى
و منهم أبو محمد بن حزم فقال في كتاب الملل و النحل بعد أن قرر عصمة الأنبياء و استدل بالآيات الواردة في ذلك و أطنب في التمسك بظاهرها وعمومها ثم ختم بأن قال وهذا يبطل ظن من قال إن هاروت وماروت كانا ملكين فعصيا بالزنا و شرب الخمر وقتل النفس ثم أخذ يتأول القصة التي في الآية قال و لم يقل الله إنهما كفرا و لا عصيا وإنما جاء ذلك في خرافة موضوعة لا تصح من طريق الإسناد أصلا ولا هي مع ذلك عن رسول الله بل هي موقوفة على من دونه فسقط التعلق بها إلى أن قال نسبوا إلى الله ما لم يأت به أثر يشتغل به و إنما هو كذب مفترى إن الله أنزل إلى الأرض ملكين وهما هاروت وماروت وإنهما عصيا بشرب الخمر و الحكم بالباطل و قتل النفس المحرمة و الزنا و تعليم الزانية اسم الله الأعظم فطارت به إلى السماء فمسخت 67 كوكبا وهي الزهرة و إنهما عذبا في غار ببابل قال وأعلى ما في هذا الباب خبر رويناه من طريق عمير بن سعيد وهو
مجهول يقال له مرة النخعي ومرة الحنفي ما نعلم له رواية إلا هذه الكذبة و ليست مرفوعة بل وقفها على علي وكذبة أخرى في أن حد الخمر لم يسنه النبي انتهى
وكلامه في هذا الفصل ينبئ عن قصوره في النقل فإن عمير بن سعيد وثقه يحيى بن معين و محمد بن سعد و حديثه فيما يتعلق بحد الخمر أخرجه البخاري في صحيحه ولا نعرف أحدا قدح في سنده قبله ولا جرح عمير بن سعيد ولا قال أنه مجهول
وقد قال شعبة عن الحكم قال عمير بن سعيد وحسبك به وذكر البخاري في تاريخه أنه كان بالكوفة لما كان المغيرة بن شعبة أميرها في زمن عمر رضي الله عنه
و أما قوله إنه ليس له إلا هذان الأثران فحصر مردود لأن له رواية عن أبي موسى وعبد الله بن مسعود وسعد بن أبي وقاص والحسن بن علي وغيرهم من الصحابة وعن علقمة ومسروق وغيرهما من التابعين و حدث عنه خلق من التابعين
فسقط كلامه و قد تلقاه منه بالقبول شيخ من شيوخنا أثير الدين أبو حيان وسأذكر كلامه بعد
وممن صرح بنفي ورود حديث مرفوع في هذه القصة القاضي عياض في الشفاء فقال ما نصه بعد أن حكى الخلاف في عصمة الأنبياء هل هي عامة في الجميع أو في المرسلين فقط و فيمن عداهم خلاف قال فما احتج به من لم يوجب عصمة جميعهم قصة هاروت وماروت وما ذكر فيها أهل الأخبار و نقلة التفسير وما يروى عن علي و ابن عباس في خبرهما 68 و ابتلائهما فاعلم أن هذه الأخبار لم يرو منها شيء لا سقيم و لا صحيح عن رسول الله وليس هو شيئا يؤخذ بقياس والذي منه في القرآن اختلف المفسرون في معناه وقد أنكر ما قال بعضهم فيه كثير من السلف وهذه الأخبار من كذب اليهود وافترائهم قلت وهذا من غريب ما وقع لهذا الإمام المشتهر بالحديث المعدود في حفاظه
المصنف في شرحه كيف يجزم بما نفاه من ورود خبر مرفوع في هذه القصة وكيف يجزم بأن الذي ورد من ذلك إنما هو من افتراء اليهود مع أن عليا وابن عباس وابن عمر و غيرهم ثبت عنهم الإنكار على من سأل اليهود عن شيء من الأمور
وكثرة الأخبار الواردة في هذه القصة
وقال أبو حيان في تفسيره الكبير الذي سماه البحر وقد ذكر المفسرون في قراءة من قرأ الملكين بفتح اللام قصصا تتضمن أن الملائكة تعجبت من بني آدم فذكر قصة ملخصة إلى أن قال وكل هذا لا يصح منه شيء والملائكة معصومون لا يعصون الله ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون ولا يصح أن رسول الله كان يلعن الزهرة ولا ابن عمر انتهى
وليعتبر الناظر في كلام هؤلاء والعجب ممن ينتمي منهم إلى الحديث ويدعي التقدم في معرفة المنقول و يسمى عند كثير من الناس بالحافظ كيف يقدم على هذا النفي و يجزم به مع وجوده في تصانيف من ذكرنا من الأئمة بالأسانيد القوية و الطرق الكثيرة والله المستعان
وأقول في طرق هذه القصة القوي و الضعيف ولا سبيل إلى رد الجميع فإنه 69 ينادى على من أطلقه بقلة الإطلاع و الإقدام على رد ما لا يعلمه لكن الأولى أن ينظر إلى ما اختلفت فيه بالزيادة و النقص فيؤخذ بما اجتمعت عليه ويؤخذ من المختلف ما قوي و يطرح ما ضعف أو ما اضطرب فإن الإضطراب إذا بعد به الجمع بين المختلف ولم يترجح شيء منه التحقق بالضعيف المردود والله المستعان
38 - قوله تعالى يا أيها الذين أمنوا لا تقولوا راعنا الآية 104
قال الواحدي قال ابن عباس في رواية عطاء إن العرب كانوا يتكلمون بها فلما سمعهم اليهود يقولونها للنبي أعجبهم ذلك وكان راعنا في كلام اليهود للسبب القبيح فقالوا إنا نسب محمدا سرا فالآن أعلنوا بسب محمد لأنه من كلامهم فكانوا يأتون نبي الله فيقولون يا محمد راعنا و يضحكون ففطن لها
رجل من الأنصار وهو سعد بن عبادة وكان عارفا بلغة اليهود فقال يا أعداء الله عليكم لعنة الله والذي نفس محمد بيده لئن سمعتها من رجل منكم لأضربن عنقه فقالوا ألستم تقولونها له فأنزل الله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا و قولوا انظرنا الآية انتهى ما نقله الواحدي فأوهم بقوله في رواية عطاء أن السند إلى عطاء بذلك قوي و ليس كذلك و إنما هذا السياق من تفسير عبد الغني بن سعيد الثقفي بإسناده الماضي في المقدمة والثابت عن عطاء ما أخرجه ابن أبي حاتم عن الأشج عن أبي معاوية عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء لا تقولوا راعنا قال كانت لغة تقولها الأنصار فنهى الله عنها فقال لا تقولوا راعنا الآية
وقال عبد الرزاق 70 أنا معمر عن قتادة والكلبي في هذه الآية قالا كانوا يقولون راعنا سمعك وكانت اليهود يأتون فيقولون مثل ذلك يستهزؤون فنزلت و أخرجه عبد بن حميد من وجه آخر عن قتادة كانت اليهود تقول راعنا استهزاء فكرهه الله للمؤمنين
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي صخر حميد بن زياد كان رسول الله إذا ولى ناداه من كانت له حاجة من الناس أرعنا سمعك فأعظم الله رسوله أن يقال له ذلك ومن طريق عباد بن منصور عن الحسن الراعن من القول السخري منه نهاهم الله أن يسخروا من قول نبيه وما يدعوهم إليه من الإسلام
قال ابن ظفر قرأ ابن مسعود راعونا و هي أشبه بلغتهم و نسب ما ذكر قبل عن سعد بن عبادة لسعد بن معاذ
وكذا ذكره القرطبي ووافق مقاتل في تفسيره على إنه سعد بن عبادة
وذكر الثعلبي أن معنى راعنا بلغة اليهود أسمعنا لا سمعت
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أسباط عن السدي أن رجلا من اليهود كان يدعى رفاعة بن زيد كان يأتي النبي فإذا لقيه فكلمه قال أرعني سمعك ثم
تقدم إلى المؤمنين فقال لا تقولوا راعنا
39 - قوله تعالى ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب و المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم الآية 105
قال الواحدي كان المسلمون إذا قالوا لحلفائهم آمنوا بمحمد قالوا ما هذا الدين الذي تدعوننا بخير من الدين الذي نحن فيه ولوددنا لو كان خيرا فأنزل الله هذه الآية تكذيبا لهم
قلت سبقه الثعلبي ولم ينسبه لقائل وعبر عنه ابن ظفر والجعبري 71 ب قيل ثم قال ابن ظفر الخير هنا القرآن كان ينزل بما يقصم به الكفار من البشرى للمؤمنين والوعيد للكفار فيزداد المؤمنين به في جهادهم
40 - قوله تعالى ما ننسخ من آية أو ننسأها نأت بخير منها الآية 106
قال الواحدي قال المفسرون إن المشركين قالوا ألا ترون إلى محمد يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه ويأمرهم بخلافه و يقول اليوم قولا ثم يرجع عنه غدا ما هذا القرآن إلا كلام محمد يقوله من تلقاء نفسه وهو كلام ينقض بعضه بعضا فأنزل الله تعالى وإذا بدلنا آية مكان آية و الله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر وأنزل أيضا ما ننسخ من آية أو ننسها الآية
قلت وهذا أيضا تبع فيه الثعلبي فإنه أورده هكذا و تبعهما الزمخشري فلخصه فذكر أنهم طعنوا في النسخ وكذلك القرطبي وزاد أنهم أنكروا شأن القبلة وغيره المنسوخ ووجدت في المنقول عن السلف ما أخرجه عبد بن حميد
عن قتادة قال كانت الآية تنسخ الآية وكان نبي الله يقرأ الآية من السورة ثم ترفع فينسيها الله تعالى نبيه فقال الله تعالى يقص على نبيه ما ننسخ من آية الآية
قلت وقد أورد الثعلبي في آخر كلامه هنا حديثا يستأنس به في سبب النزول وهو ما أخرجه أبو عبيد من طريق الليث عن عقيل و يونس عن ابن شهاب قال أخبرنا أبو أمامة بن سهل بن حنيف في مجلس سعيد بن المسيب أن رجلا كانت معه سورة فقام يقرأها من الليل فلم يقدر عليها وقام آخر يقرأها فلم يقدر عليها فأصبحوا فأتوا النبي فقال بعضهم قمت البارحة 72 فذكر حاله فقال الآخر ما جئت إلا لذلك فقال آخر وأنا يا رسول الله فقال رسول الله إنها نسخت البارحة
قلت ولعل قتادة أخذ ما قال من هذا الخبر وليس في الخبر تعيين الآية الناسخة صريحا بل ما يومئ إلى ذلك و العلم عند الله تعالى
41 - قوله عز و جل أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل الآية 108
1 - قال الواحدي قال ابن عباس نزلت في عبد الله بن أبي أمية ورهط من قريش قالوا يا محمد اجعل لنا الصفا ذهبا ووسع لنا أرض مكة وفجر الأنهار خلالها تفجيرا نؤمن بك فأنزل الله هذه الآية
2 - قول آخر قال المفسرون إن اليهود و غيرهم من المشركين تمنوا على رسول الله فمن قائل يقول ائتنا بكتاب من السماء كما أتى موسى بالتوراة ومن قائل يقول و هو عبد الله بن أبي أمية المخزومي ائتنا بكتاب من السماء فيه من رب العالمين إلى ابن أبي أمية اعلم أنني قد أرسلت محمدا إلى الناس ومن قائل يقول لن نؤمن بك أو تأتي بالله و الملائكة قبيلا فأنزل الله تعالى هذه الآية
قلت أما الأول فذكره الثعلبي ولعله من تفسير الكلبي عن أبي صالح عن ابن
عباس فإني وجدته عن ابن عباس بسند جيد لكنه مغاير له أخرجه ابن أبي حاتم من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رافع بن حريملة ووهب بن زيد لرسول الله ائتنا بكتاب تنزله علينا من السماء نقرأه وفجر لنا أنهارا نتبعك و نصدقك فأنزل الله تعالى أم تريدون أن تسألوا رسولكم الآية وقد قال الثعلبي عقب 73 الأول قال مجاهد لما قالت قريش هذا لرسول الله قال نعم وهو لكم كالمائدة لبني إسرائيل إن لم تؤمنوا فأبوا ورجعوا قال الصحيح أنها نزلت في اليهود حين قالوا يا محمد ائتنا بكتاب من السماء جملة كما أتى موسى بالتوراة قال الثعلبي ويصدق هذا القول أن هذه السورة مدنية وقد قال تعالى يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء كما أتى موسى بالتوراة قال الثعلبي ويصدق هذا القول أن هذه السورة مدنية وقد قال تعالى يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء . . فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة انتهى وفيما حاوله نظر فإن أثر مجاهد المذكور صريح في أن السائل في ذلك هم قريش كذا أخرجه الفريابي والطبري و ابن أبي حاتم صحيحا إليه قال سألت قريش محمدا أن يجعل لهم الصفا ذهبا فقال نعم وهو لكم كالمائدة لبني إسرائيل فأبوا و رجعوا لكن لم يقل إن هذه الآية نزلت في ذلك
وأما ما نقله الواحدي عن المفسرين فأومأ به إلى الجمع بين ما نقله الثعلبي عن ابن عباس ثم عن مجاهد وسيأتي في تفسير سورة سبحان تسمية من سأل تحويل الصفا ذهبا مع عبد الله بن أبي أمية وغير ذلك
2 - وقد جاء عن إمام كبير من المفسرين سبب آخر أوضح مما نقله وأولى بأن يكون سببا لنزول هذه الآية وهو ما أخرجه ابن أبي حاتم بسند قوي عن أبي العالية وهو من كبار التابعين قال في قوله تعالى أم تريدون أن تسألوا رسولكم الآية قال قال رجل يا رسول الله لو كانت كفارتنا ككفارات بني إسرائيل فقال النبي اللهم لا نبغيها ثلاثا ما أعطاكم الله خير مما أعطى بني إسرائيل كان أحدهم إذا أصاب الخطيئة وجدها مكتوبة على بابه وكفارتها فإن كفرها كانت له خزيا في الدنيا وإن لم يكفرها كانت له 74 خزيا في الدنيا والآخرة فأعطاكم الله خيرا مما أعطاهم من يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما فنزلت أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل الآية
3 - وحكى ابن ظفر أنه قيل أنها نزلت في من قال من المسلمين لما رأوا شجرة يقال لها ذات أنواط فقالوا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط فقال هذا كقول قوم موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال ابن ظفر لأن التبرك بالشجر و اتخاذها عيدا يستدرج من يجيء بعدهم إلى عبادتها
42 - قوله تعالى ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم الآية 109
1 - قال الواحدي قال ابن عباس نزلت في نفر من اليهود قالوا للمسلمين بعد وقعة أحد ألم تروا إلى ما أصابكم لو كنتم على الحق ما هزمتم فارجعوا إلى ديننا فهو خير لكم
قلت هذا لعله من تفسير الكلبي والذي ذكره ابن إسحاق في المغازي من رواية يونس بن بكير عنه حدثني محمد بن أبي محمد وحدثني سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس قال كان حيي بن أخطب وأبو ياسر بن أخطب من أشد يهود للعرب حسدا إذ خصهم الله تعالى برسوله وكانا جاهدين في رد الناس عن الإسلام بما استطاعا فأنزل الله تعالى فيهما ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم الآية
2 - قول آخر وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري هو كعب بن
الأشرف وللطبري من طريق المعمري عن معمر عن الزهري وقتادة مثله ورد الطبري هذا بأنه لا يقال لمن نسب قولا إلى كثير 75 يجوز أن يكون المراد به واحدا ولا سيما وقد قال بعد ذلك لو يردونكم إذ لو أراد بقوله كثير من أهل الكتاب الواحد كما يقال فلان في الناس كثير أي في رفعة القدر وعظيم المنزلة لقال يردكم ولم يقل يردونكم
قلت هذا الذي أورده الطبري مختصر من حديث طويل وقد أخرج الواحدي من طريق محمد بن يحيى الذهلي ما أخرجه في الزهريات من طريق الزهري أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه إن
كعب بن الأشرف كان يهوديا شاعرا فكان يهجو النبي ويحرض عليه كفار قريش في شعره وكان المشركون واليهود من أهل المدينة يؤذون النبي وأصحابه أشد الأذى فأمرهم الله بالصبر والعفو وفيهم نزلت ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا إلى قوله فاعفوا واصفحوا وهذا سند صحيح وأخرجه أبو داود من هذا الوجه دون هذا الكلام الأخير وعلى هذا فالجمع في قوله يردونكم لكعب ومن تابعه ويستقيم الكلام
ونقل ابن ظفر عن ابن عباس نحو الأول ثم قال و بسط هذا الكلام بعض الرواة فقال وذكر ما ذكره الثعلبي بغير إسناد قال نزلت هذه الآية في نفر من اليهود منهم فنحاص ابن عازورا وزيد بن قيس قالوا لحذيفة وعمار بعد وقعة أحد انظروا ما أصابكم ولو كنتم على الحق ما هزمتم فارجعا إلى ديننا فهو خير لكم
وأفضل ونحن أهدى منكم سبيلا فقال لهم عمار كيف نقض العهد عندكم قالوا هو 76 شديد قال فإني عاهدت أن لا أكفر بمحمد ما عشت فقالت اليهود أما هذا فقد خيبنا فقال حذيفة وأما أنا فقد رضيت بالله ربا و بالإسلام دينا و بمحمد نبيا وبالقرآن إماما وبالكعبة قبلة وبالمؤمنين إخوانا ثم أتيا رسول الله فأخبراه بذلك فقال أصبتما الخير وأفلحتما فأنزل الله تعالى ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم يا معشر المؤمنين من بعد إيمانكم كفارا
43 - قوله ز تعالى بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن الآية 112
قال السدي وغيره نزلت في الذين قالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى أي قالت اليهود لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديا وقالت النصارى لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا
44 - قوله تعالى وقالت اليهود ليست النصارى على شيء 113
قال الواحدي نزلت في يهود أهل المدينة ونصارى أهل نجران وذلك أن وفد نجران لما قدموا على رسول الله أتاهم أحبار اليهود فتناظروا حتى ارتفعت أصواتهم فقالت اليهود ما أنتم على شيء من الدين وكفروا بعيسى والإنجيل وقالت لهم النصارى ما أنتم على شيء من الدين وكفروا بموسى والتوراة فأنزل الله
هذه الآية
قلت وذكر ابن إسحاق في المغازي من رواية يونس بن بكير عنه حدثني محمد بن أبي محمد بالإسناد المذكور آنفا إلى ابن عباس قال لما قدم أهل نجران من النصارى المدينة أتتهم أحبار اليهود فتنازعوا عند رسول الله فقال رافع بن حريملة للنصارى 77 ما أنتم على شيء وكفر بعيسى والإنجيل وقال له رجل من أهل نجران ما أنتم على شيء وجحد نبوة موسى وكفر بالتوراة فنزلت في ذلك من قولهما وقالت اليهود ليست النصارى على شيء الآية
وأخرج الطبري من طريق الربيع بن أنس قال نزلت في أهل الكتاب الذين كانوا في عهد رسول الله
45 - قوله ز تعالى كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم الآية 113
أخرج الطبري من طريق سنيد عن حجاج عن ابن جريج قلت لعطاء من هؤلاء الذين لا يعلمون قال أمم كانت قبل اليهود والنصارى وهكذا أخرجه ابن
أبي حاتم من وجه آخر عن حجاج لم يزد ونقله الثعلبي وزاد فيه مثل قوم نوح وهود و صالح ونحوهم قالوا في نبيهم إنه ليس على شيء وإن الدين ديننا انتهى وأظن هذه الزيادة مدرجة من كلام غير عطاء
وللطبري من طريق أسباط عن السدي هم العرب ومن طريق الربيع بن أنس قال هم النصارى لأن اليهود كانوا قبلهم
46 - قوله تعالى ومن أظلم ممن منع مساجد الله 114
1 - قال الواحدي تبعا للثعلبي نزلت في ططوس بن استسيانوس الرومي وأصحابه من النصارى وذلك أنهم غزوا بني إسرائيل فقتلوا مقاتلهم وسبوا ذراريهم وحرقوا التوراة وخربوا بيت المقدس وقذفوا فيه الجيف وذبحوا فيه الخنازير فكان خرابا إلى أن بناه المسلمون في زمن عمر انتهى كلام الثعلبي زاد الواحدي وهذا معنى قول ابن عباس رضي الله عنهما في رواية الكلبي
وقال قتادة والسدي هو بخت نصر وأصحابه غزوا اليهود وخربوا 78 بيت المقدس وأعانهم على ذلك نصارى الروم وقال ابن عباس في رواية عطاء نزلت في
مشركي مكة و منعهم المسلمين من ذكر الله تعالى في المسجد الحرام
قلت أخرج الطبري عن العوفي بسنده المتكرر إلى ابن عباس قال نزلت في النصارى
ومن طريق ابن نجيح عن مجاهد هم النصارى كانوا يطرحون في بيت المقدس الأذى و يمنعون الناس أن يصلوا فيه
ومن طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة نزلت في النصارى حملهم بغض اليهود على أن أعانوا بخت نصر البابلي المجوسي على تخريب بيت المقدس
ومن طريق معمر عن قتادة هو بخت نصر وأصحابه خربوا بيت المقدس وأعانه النصارى على ذلك ومن طريق أسباط عن السدي هم الروم كانوا ظاهروا بخت نصر على خراب بيت المقدس حتى خربه وأمر أن يطرح فيه الجيف وإنما أعانوه من أجل أن بني إسرائيل قتلوا يحيى بن زكريا
2 - قول آخر أخرج الطبري من طريق ابن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في هذه الآية ومن أظلم ممن منع مساجد الله الآية هم المشركون حالوا بين رسول الله يوم الحديبية و بين أن يدخل مكة حتى نحر هدية بذي طوى وهادنهم بعد أن قال لهم ما أحد يرد أحدا عن هذا البيت فقد كان الرجل يلقى قاتل أبيه أو أخيه فيه فلا يعدو عليه قالوا لا يدخل علينا من قتل آباءنا يوم بدر وفينا باق
ورجح الطبري القول الأول بأن في الآية وسعى في خرابها والمشركون لم يسعوا في تخريب المسجد الحرام قط بلا كانوا 79 يفتخرون بعمارته في الجاهلية وأيد ذلك بما نقله عن قتادة وعن السدي أن كل نصراني الآن لا يدخل بيت المقدس إلا خائفا وأجاب الثعلبي عن ذلك بأن قوله أولئك ما كان لهم خبر بمعنى الأمر وإن قوله وسعى في خرابها منع المسلمين أن يقيموا بها أمر الدين فهو خراب معنوي
47 - قوله تعالى و لله المشرق و المغرب فأينما تولوا فثم وجه الله 115
1 - قال الواحدي اختلفوا في سبب نزولها ثم ساق من طريق عبد الملك العزرمي عن عطاء عن جابر بعث رسول الله سرية كنت فيها فأصابتنا ظلمة فلم نعرف القبلة فقالت طائفة منا هي قبل الشمال فصلوا وخطوا خطوطا فلما أصبحوا و طلعت الشمس أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة فلما قفلنا من سفرنا سألنا النبي عن ذلك فسكت فأنزل الله عز و جل هذه الآية وفي السند انقطاع
ومن طريق وكيع ثنا أشعث السمان عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال كنا نصلي مع النبي في السفر في ليلة مظلمة فلم ندر كيف القبلة فصلى كل رجل منا على حياله فلما أصبحنا ذكرنا ذلك لرسول الله فنزلت فأينما تولوا فثم وجه الله الآية
قلت أخرجه الترمذي وقال ليس إسناده بذاك لا نعرفه إلا من حديث أشعث وأشعث يضعف في الحديث وضعفه العقيلي أيضا
وقد أورده الطيالسي عن أشعث وعمرو بن قيس قالا ثنا عاصم بن عبيد الله 80 وأخرجه الدار قطني وعبد بن حميد وغيرهما من طريق أشعث
2 - قول آخر أخرج الواحدي عن ابن عمر أنزلت فأينما تولوا فثم وجه الله أن تصلي حيث توجهت بك راحلتك في التطوع وكان رسول الله إذا رجع
من مكة صلى على راحلته تطوعا يومئ برأسه نحو المدينة أخرجه مسلم والترمذي و ابن أبي حاتم وغيرهم ووهم الحاكم فاستدركه بلفظ آخر وهو من طريق أبي أسامة عن عبد الملك بن سعيد عن ابن عمر في قوله فأينما تولوا فثم وجه الله إنما نزلت في التطوع حيث توجه بك بعيرك
3 - قول آخر قال الواحدي وقال ابن عباس في رواية عطاء إن النجاشي توفي فأتى جبريل النبي فقال إن النجاشي توفي فصل عليه فأمر النبي أصحابه أن يحضروا فصفهم ثم تقدم وقال إن الله أمرني أن أصلي على النجاشي فصلى هو وهم عليه فقال بعضهم في أنفسهم كيف نصلي على رجل مات وهو يصلي لغير قبلتنا وكان النجاشي يصلي إلى بيت المقدس حتى مات وقد صرفت القبلة إلى الكعبة فأنزل الله عز و جل فأينما تولوا فثم وجه الله
4 - قول آخر قال الواحدي
مذهب قتادة أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وهو موافق لرواية عطاء الخراساني عن ابن عباس أول ما نسخ من القرآن شأن القبلة قال الله تعالى ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله فصلى رسول الله نحو بيت المقدس وترك البيت 81 العتيق ثم صرفه الله إلى البيت العتيق
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس إن رسول الله لما هاجر إلى المدينة وكان أكثر أهلها اليهود أمر أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود فاستقبلها بضعة عشر شهرا وكان رسول الله يحب قبلة إبراهيم فلما صرفه الله تعالى إليها ارتاب من ذلك اليهود وقالوا ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها فأنزل الله عز و جل فأينما تولوا فثم وجه الله وسيأتي في الكلام في قوله تعالى ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق و المغرب
وأخرج الطبري من وجهين عن قتادة في قوله فثم وجه الله قال كانوا يصلون نحو بيت المقدس ورسول الله بمكة قبل الهجرة وبعدما هاجر ستة عشر شهرا ثم وجه بعد ذلك نحو الكعبة البيت الحرام بقوله فلنولينك قبلة ترضاها الآية فنسخت ما قبلها من أمر القبلة
5 - قول آخر حكاه الثعلبي عن الحسن ومجاهد والضحاك لما نزلت وقال ربكم ادعوني أستجب لكم قالوا أين ندعوه فنزلت فأينما تولوا فثم وجه الله
48 - قوله تعالى وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه 116
قال الواحدي نزلت في اليهود قالوا عزير ابن الله وفي نصارى نجران قالوا المسيح ابن الله وفي مشركي العرب قالوا الملائكة بنات الله
قلت وكذا ذكره الثعلبي بغير سند وتبعه ابن ظفر والكواشي وغيرهما
واقتصر الطبري على قوله هم النصارى الذين زعموا أن عيسى ابن الله
قلت وهو قول مقاتل قال نزلت في نصارى نجران السيد والعاقب ومن معهما من الوفد قدموا 82 على النبي فقالوا عيسى ابن الله فأكذبهم الله تعالى وزاد الزجاج ومشركو العرب قالوا الملائكة بنات الله وجعل الماوردي ذلك قولين وحكاها الفخر الرازي أقوالا و أغرب الجعبري فقال قال ابن عباس قال ابن سلام ونعمان وسابق ومالك من اليهود عزير ابن الله وقال مقاتل قال نصارى نجران المسيح ابن الله وقال إبراهيم النخعي قال مشركو العرب الملائكة بنات الله قال و قال الثعلبي الثلاثة
49 - قوله ز تعالى وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية 118
أخرج الطبري من طريق محمد بن إسحاق بسنده المتكرر عن ابن عباس
قال قال رافع بن حريملة لرسول الله إن كنت رسولا من عند الله كما تقول فقل لله فليكلمنا حتى نسمع كلامه فأنزل الله تعالى في ذلك من قوله وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية الآية كلها
وأخرج من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال هم النصارى والذين من قبلهم اليهود
ومن طريق سعيد عن قتادة قال هم كفار العرب ومن طريق أسباط عن السدي ومن طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس جميعا مثله ورجح الطبري قول مجاهد والراجح من حيث السند قول ابن عباس رضي الله عنهما
50 - قوله تعالى ولا تسأل عن أصحاب الجحيم 119
قال الواحدي قال ابن عباس إن رسول الله قال ذات يوم ليت شعري ما فعل أبواي فنزلت هذه الآية
قال وقال مقاتل 83 قال رسول الله لو أن الله أنزل بأسه باليهود لآمنوا فأنزل الله تعالى ولا تسأل عن أصحاب الجحيم
قلت لم أر هذا في تفسير مقاتل بن سليمان فينظر في تفسير مقاتل بن
حيان
وأما قول ابن عباس فنسبه الثعلبي لرواية عطاء عنه و هي من تفسير عبد الغني بن سعيد الواهي وقد أخرجه الطبري من مرسل محمد بن كعب القرظي وعليه اقتصر الماوردي وابن ظفر وغيرهما واستبعد الفخر الرازي صحة هذا السبب قال لأنه يعلم حال من مات كافرا انتهى وفي سنده موسى بن عبيدة وهو ضعيف
وأخرج الطبري من طريق ابن جريج أخبرني داود بن أبي عاصم أن النبي قال ذات يوم فذكره وهذا مرسل أيضا وهو من رواية سنيد بن داود
و فيه مقال
وقد ذكر الواحدي السبب الأول في الوسيط بأتم مما هنا فقال و ذلك أنه سأل جبريل عن قبر أبيه و أمه فدله فذهب إلى القبرين فدعى لهما و تمنى أن يعرف حال أبويه في الآخرة فنزلت
وذكر الطبري أن هذا التفسير على قراءة من قرأ من أهل المدينة ولا تسأل بصيغة النهي قال والصواب عندي القراءة المشهورة بالرفع على الخبر لأن سياق ما قبل هذه الآية يدل على أن المراد من مضى ذكره من اليهود و النصارى و غيرهم قال ويؤيد ذلك أنها في قراءة أبي وما تسأل وفي قراءة ابن مسعود ولن تسأل وقال يحيى بن سلام وكان النبي يسأل عن أمه فنزلت وهو قول سفيان 84 الثوري ذكره بإسناده
قلت أسنده عبد الرزاق من طريق الثوري عن موسى بن عبيدة عن محمد ابن كعب لكنه عنده باللفظ المنقول أولا عن الطبري وذكر المهدوي أثر ابن عباس بلفظ أي أبوي أحدث موتا وقد بالغ ابن عطية في رده وفي تخطئته نقلا ومعنى لأنه لا خلاف أن أباه مات قبل أمه ولأنه ليس في السؤال عن ذلك ما يناسبه الجواب
الوارد في الآية
وحكى القرطبي كلام المهدوي ولم يتعقبه لكن قال قد ذكرنا في كتاب التذكرة أن الله أحيا له أبواه وآمنا به وذكرنا قوله للأعرابي إن أبي و أباك في النار و بينا تأويل ذلك وتعقبه العماد بن كثير بأن الخبر الذي أشار إليه في إحياء أبويه لا أصل له
وإن كان عياض و السهيلي قد سبقا القرطبي إلى ذكره وقد وقع في آخر رواية محمد بن كعب في تفسير الفريابي وغيره فما ذكرهما حتى توفاه الله عز و جل
51 - قوله تعالى ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم الآية 120
قال الواحدي قال المفسرون إنهم كانوا يسألون النبي الهدنة ويطمعونه أنه إن هادنهم و أمهلهم اتبعوه ووافقوه فأنزل الله تعالى هذه الآية
قال و قال ابن عباس هذا في القبلة وذلك أن اليهود بالمدينة ونصارى نجران كانوا يرجون أن يصلي النبي إلى قبلتهم فلما صرف الله تعالى القبلة إلى الكعبة شق عليهم و يئسوا أن يوافقهم على دينهم فأنزل الله عز و جل هذه الآية
قلت ذكره الجعبري بلفظ قال ابن عباس كانوا يودون ثبوت النبي على الصلاة إلى الصخرة انتهى
وقال مقاتل كان اليهود من أهل المدينة والنصارى من أهل نجران دعوا النبي إلى دينهم وزعموا إنهم على الهدى فنزلت
وقال ابن عطية روي أن سبب نزول هذه الآية إن اليهود والنصارى طلبوا فذكر نحوه
52 - قوله تعالى الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته 121
قال الواحدي قال ابن عباس في رواية عطاء والكلبي نزلت في أصحاب السفينة الذين أقبلوا مع جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة كانوا أربعين رجلا من الحبشة و أهل الشام
وقال الضحاك نزلت فيمن آمن من اليهود وقال قتادة و عكرمة نزلت في أصحاب محمد
قلت ذكره بأبسط منه الثعلبي فقال نزلت في أهل السفينة الذين قدموا مع جعفر و كانوا أربعين رجلا اثنان و ثلاثون من الحبشة و ثمانية من رهبان الشام منهم بحيرا و ذكره يحيى بن سلام عن ابن الكلبي وزاد بعد قوله بحيرا وسبعة من اليهود منهم عبد الله بن سلام وابن صوريا قال الثعلبي وقال الضحاك هم من آمن من اليهود عبد الله بن سلام و سعيد بن عمرو و مام بن يهودا وأسيد وأسد ابنا كعب و ابن يامين و عبد الله بن صوريا
وأما قول قتادة فأسنده الطبري عنه و رجحه و جوز غيره أن يكون المراد عموم المسلمين انتهى و هذا لا يمنع خصوص السبب
وحكى أبو حيان أن الأربعين كلهم من الحبشة منهم اثنان و ثلاثون من كبارهم و ثمانية كانوا ملاحين
وحكى 86 ابن ظفر إنها نزلت في النجاشي وحده وكان أعلم النصارى في عصره بما أنزل الله على عيسى حتى كان هرقل يبعث إليه علماء النصارى ليأخذوا عنه العلم
53 - قوله ز تعالى واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا 123
تقدم
54 - قوله تعالى وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت الآية
قال عبد الرزاق أنا معمر بلغني أن سفينة نوح طافت بالبيت سبعا فلما أغرق الله قوم نوح رفع البيت وبقي أساسه فبوأه الله تعالى لإبراهيم عليه السلام بعد ذلك فذلك قوله تعالى وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ذكره في تفسير سورة القمر
وأخرج الطبري من طريق أبي قلابة عن عبد الله بن عمرو قال لما أهبط الله آدم من الجنة قال إني منزل معك بيتا يطاف حوله كما يطاف حول عرشي فلما كان زمن الطوفان رفع فكانت الأنبياء يحجونه ولا يعلمون مكانه حتى بوأه الله
لإبراهيم وأعلمه مكانه فبناه من خمسة أجبل حراء ولبنان و ثبير وجبل الحمر والطور
55 - قوله تعالى و اتخذوا من مقام إبراهيم مصلى 125
قال الفريابي حدثنا سفيان هو الثوري عن عبيد المكتب عن مجاهد قال قال عمر لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى فأنزل الله تعالى واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى
و أخرج الفاكهي من طريق يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن من حدثه عن عمر قال كان رسول الله يطوف فقال هذا مقام أبينا إبراهيم فقال عمر أفلا تتخذه مصلى
فنزلت واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى
قلت وأصله في صحيح البخاري أخرجه في الصلاة 87 و التفسير من طريق حميد الطويل عن أنس قال قال عمر وافقت ربي في ثلاث قلت يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى فنزلت واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى الحديث وأخرجه الترمذي من هذا الوجه بلفظ إن عمر قال يا رسول الله لو صليت خلف المقام فنزلت
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن جعفر بن محمد بن علي ابن الحسين عن أبيه أنه سمع جابرا يحدث عن حجة النبي قال لما طاف النبي قال له عمر هذا مقام أبينا إبراهيم قال نعم قال أفلا نتخذه مصلى فأنزل الله واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى سنده صحيح و أصله عند
مسلم و أخرجه النسائي وابن مردويه من حديث جابر نحوه
وحكى الثعلبي عن ابن كيسان قال ذكروا أن رسول الله مر بالمقام ومعه عمر فقال يا رسول الله أليس هذا مقام إبراهيم قال بلى قال أفلا نتخذه مصلى قال لم أؤمر بذلك فلم تغب الشمس من يومهم حتى نزلت
56 - قوله تعالى ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه الآية 130
ذكر الثعلبي وتبعه الزمخشري إن عبد الله بن سلام دعا ابني أخيه سلمة و مهاجرا إلى الإسلام وقال لهما لقد علمتما أن الله قال في التوراة إني باعث من ولد إسماعيل نبيا اسمه أحمد فمن آمن به فقد رشد واهتدى و من لم يؤمن به فهو
ملعون فأسلم سلمة و امتنع مهاجر فنزلت ومن يرغب عن ملة إبراهيم الآية
وقد وجدته في تفسير 88 مقاتل بن سليمان فذكره بلفظه إلى قوله فقال لهما ألستما تعلمان أن الله قد قال لموسى فذكره بلفظ من ذريته وفيه وإنه ملعون من كذب بأحمد النبي وملعون من لم يتبع دينه ولم يذكر فمن آمن به فقد رشد واهتدى وقال في آخره وأبى مهاجر ورغب عن الإسلام فأنزل الله ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه إلى آخر الآية
57 - قوله تعالى أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت الآية 133
قال الواحدي نزلت في اليهود حين قالوا للنبي ألست تعلم أن يعقوب يوم مات أوصى بنيه باليهودية فنزلت
قلت ذكره مقاتل بن سليمان بلفظه وذكره الواحدي في الوسيط أيضا وزاد إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قال ابن عباس وذلك أن الله تعالى لم يقبض نبيا حتى يخيره بين الموت و الحياة فلما حضرت وفاة يعقوب قال أنظرني حتى أسأل ولدي وأوصيهم ففعل الله به ذلك فجمع ولده و هم اثنا عشر رجلا وجمع أولادهم وقال لهم قد حضر أجلي فما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك و إله
آبائك إلى آخر الآية وذلك قوله تعالى أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت الآية كذا ذكره بغير سند و ذكر نحوه الثعلبي عن عطاء وقال أيضا قال الكلبي لما دخل يعقوب مصر رآهم يعبدون الأوثان و النيران فجمع ولده وخاف عليهم فقال ما تعبدون من بعدي
وقال ابن ظفر قيل إن سبب نزولها إن اليهود اعتذروا عن امتناعهم من الإسلام بأن يعقوب أوصى الأسباط عندما حضره الموت بأن لا يبتغوا 89 بملة اليهود بدلا فنزلت أم كنتم شهداء
58 - قوله تعالى وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا 135
قال الواحدي قال ابن عباس نزلت في رؤوس يهود المدينة كعب بن الأشرف ومالك بن الضيف ووهب بن يهوذا و أبي ياسر بن أخطب وفي نصارى نجران وذلك أنهم خاصموا المسلمين في الدين كل فرقة تزعم أنها أحق بدين الله من غيرها فقالت اليهود نبينا موسى أفضل الأنبياء وكتابنا التوراة أفضل الكتب و ديننا أفضل الأديان وكفرت بالإنجيل و بعيسى و بالقرآن و بمحمد وقالت النصارى نبينا عيسى أفضل الأنبياء وكتابنا الإنجيل أفضل الكتب وديننا أفضل الأديان وكفرت بمحمد وبالقرآن وقال كل واحد من الفريقين للمؤمنين كونوا على ديننا فلا دين إلا هو و دعوهم إلى دينهم قلت و كذا ذكره الثعلبي و في آخره فقال الله تعالى قل يا محمد بل ملة إبراهيم انتهى
والذي ذكره ابن جرير عن ابن عباس من رواية ابن إسحاق بالسند المتكرر
أخصر من هذا و لفظه قال عبد الله بن صوريا الأعور لرسول الله ما الهدى إلا ما نحن عليه فاتبعنا يا محمد تهتد و قالت النصارى مثل ذلك فأنزل الله عز و جل وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا
وذكره مقاتل بن سليمان بلفظ إن رؤوس اليهود كعب بن الأشرف وكعب بن ابن أسيد وأبا ياسر بن أخطب ومالك بن الضيف وعازار وأشمويل وحميسا و السيد والعاقب ومن معهم من نصارى نجران قالوا للمؤمنين كونوا على ديننا فإنه ليس دين إلا ديننا فأكذبهم الله 90 تعالى فقال بل ملة إبراهيم حنيفا ثم أمر المؤمنين فقال قولوا آمنا بالله و ما أنزل إلينا الآية
59 - قوله ز تعالى قولوا آمنا بالله و ما أنزل إلينا الآية 136
أخرج الطبري من طريق ابن إسحاق بسنده المتكرر قال أتى رسول الله نفر من اليهود منهم أبو ياسر بن أخطب ورافع بن أبي رافع وعازر وخالد وآزار بن أبي آزار و أشيع فسألوه عمن يؤمن به من الرسل فقال أؤمن بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و يعقوب والأسباط وما أوتي
موسى و عيسى فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته وقالوا لا نؤمن بعيسى و لا نؤمن بمن آمن به فأنزل الله قولوا آمنا بالله إلى قوله لا نفرق بين أحد منهم
و أنزل الله تعالى قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله و ما أنزل إلينا و ما أنزل من قبل وإن أكثركم فاسقون
60 - قوله ز تعالى فسيكفيكم الله وهو السميع العليم 137
قال مقاتل بن سليمان لما تلا النبي على الناس هذه الآية قولوا آمنا بالله قالت اليهود لم نجد للإسلام في التوراة ذكرا وقالت النصارى كيف نتبعك و أنت تجعل عيسى كالأنبياء فأنزل الله تعالى فسيكفيكم الله و هو السميع العليم فأنجز له ما وعده به فأجلى بني النضير وقتل قريظة
61 - قوله تعالى صبغة الله و من أحسن من الله صبغة 138
1 - قال الواحدي قال ابن عباس إن النصارى كانوا إذا ولد لأحدهم ولد
فأتت عليه ستة أيام صبغوه في ماء لهم يقال له المعمودي ليطهروه بذلك ويقولون هذا طهور مكان الختان 91 فإذا فعلوا ذلك قالوا الآن صار نصرانيا
قلت ذكره قبله الطبري فقال في قوله صبغة الله يعني صبغة الإسلام وذلك إن النصارى إذا أرادت أن تنصر أطفالها جعلتم في ماء لهم تزعم أن ذلك تقديس لها بمنزلة الختان لأهل الإسلام وإنه صبغة لهم في النصرانية فقال الله تعالى إذ قالوا للمسلمين كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل لهم يا محمد بل اتبعوا ملة إبراهيم صبغة الله وهي الحنيفية المسلمة ودعوا الشرك و الضلال
وأخرج من طريق قتادة قال أن اليهود تصبغ أبناءها يهودا والنصارى تصبغ أبناءها نصارى و إن صبغة الله الإسلام
ثم أسند عن ابن عباس و عن جماعة من التابعين إن معنى الصبغة الدين وهي كقوله تعالى فطرة الله أي دين الله
وذكر ابن ظفر إن الصبغة عند اليهود الختان يوم السابع يرون أنهم يدخلونه في اليهودية بالختان فلما ترك النصارى الختان غمسوا المولود في ماء لهم سموه ماء
المعمودية وزعموا أن يحيى بن زكرياء صبغ عيسى في الماء المذكور
2 - قول آخر أخرج ابن مردويه في تفسير هذه الآية من طريق أشعث بن إسحاق عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي قال قالت بنو إسرائيل يا موسي هل يصبغ ربك فقال اتقوا الله فناداه ربه يا موسى الألوان كلها من صبغى وأنزل الله على نبيه صبغة الله و من أحسن من الله صبغة
62 - قوله ز تعالى قل أتحاجوننا في الله 139
قال ابن ظفر
كانوا قالوا للمسلمين نحن 92 أبناء الله و أحباؤه وأولى به منكم فنزلت
هذه الآية قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا و ربكم إلى آخرها
63 - قوله تعالى ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله 140
قال الطبري نزلت في حق من قال إن ابراهيم و إسماعيل وإسحاق و يعقوب كانوا هودا أو نصارى ثم كتموا شهادة عندهم من الله أنهم كانوا مسلمين
ثم أسند من طريق أبي الأشهب عن الحسن البصري قال
لما تلا هذه الآية والله لقد كان عند القوم من الله شهادة أن أنبياءه براء من اليهودية و النصرانية كما أن عندهم من الله شهادة أن دماءكم و أموالكم بينكم حرام فبم استحلوها
ومن طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس في هذه الآية قال هم أهل الكتاب كتموا الإسلام و هم يعلمون أنه دين الله يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة و الإنجيل وأن الأنبياء لم يكونوا يهودا ولا نصارى بل كانت اليهودية و النصرانية بعدهم بزمان
وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال نزلت في يهود سئلوا عن النبي عن صفته في كتاب الله عندهم فكتموا الصفة ومن طريق أخرى عن قتادة مثله سواء
و أخرج عبد بن حميد من طريق شيبان عن قتادة هم اليهود كتموا الإسلام وهم يعلمون أنه حق وكتموا محمدا وهم يعلمون أنه رسول الله
64 - قوله ز تعالى تلك أمة قد خلت الآية الثانية 141
قال ابن ظفر قيل أعيدت لأنهم جادلوه مرتين في أمرين أحدهما أن يعقوب أوصى ذريته بالثبات على اليهودية و الثاني إن إبراهيم ومن ذكر معه كانوا هودا أو نصارى فأنزلت مرتين و تلاها عليهم في مقامين 93
65 - قوله تعالى سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق و المغرب الآية 142
أسند الواحدي من طريق أبي إسحاق عن البراء قال لما قدم رسول
الله المدينة صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا وكان يحب أن يوجه نحو الكعبة فأنزل الله عز و جل قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام فقال السفهاء من الناس وهم اليهود ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها فأنزل الله عز و جل قل لله المشرق و المغرب يهدي من يشاء
أخرجه البخاري عن عبد الله بن رجاء عن إسرائيل عنه و أخرج أيضا من طريق أبي بكر بن عياش عن أبي إسحاق نحوه و قال فيه ثم علم الله هوى نبيه فنزلت قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها وقال أخرجاه من طرق عن أبي إسحاق وهو كما قال
ومن طرقه عند البخاري من رواية زهير عن أبي إسحاق بلفظ صلى إلى بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت الحديث
وذكر مقاتل في تفسيره قال فلما صرفت القبلة إلى الكعبة قال مشركو مكة قد تردد على محمد أمره و اشتاق إلى مولد آبائه وقد توجه إليكم فهو راجع إلى دينكم فكان ذلك سفها منهم فأنزل الله تعالى سيقول السفهاء من الناس الآية
وأخرج الطبري من طريق ابن إسحاق بسنده المتكرر إلى ابن عباس قال لما صرفت القبلة عن الشام إلى الكعبة وذلك في رجب على رأس سبعة عشر شهرا من مقدم رسول الله 94 المدينة أتى رسول الله رفاعة بن قيس و قردم بن عمرو وكعب بن الأشرف ونافع بن أبي نافع وفي رواية له ورافع بن أبي رافع والحجاج ابن عمرو حليف كعب بن الأشرف و الربيع أبي الحقيق و كنانة بن أبي الحقيق فقالوا يا محمد ما ولاك عن قبلتك التي كنت عليها و أنت تزعم أنك على ملة إبراهيم و دينه ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك و إنما يريدون فتنته
عن دينه فأنزل الله فيهم سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم إلى قوله على عقبيه
وقيل أراد بالسفهاء أهل الكتاب حكاه الطبري قال وقال آخرون قاله المنافقون استهزاء ثم أسند من طريق أسباط عن السدي قال لما وجه النبي قبل المسجد الحرام اختلف الناس فكانوا أصنافا فقال المنافقون ما بالهم كانوا على قبلة زمانا ثم تركوها فأنزل الله عز و جل في المنافقين سيقول السفهاء من الناس الآية
وحكى الماوردي عن الزجاج قال ذلك كفار قريش
قلت و حكاه يحيى بن سلام عن تفسير الحسن البصري ونبه على أن هذه الآية سابقة على ما قبلها في التأليف وهي بعدها في التنزيل
66 - قوله ز تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا 143
قال مقاتل وذلك أن اليهود منهم مرحب وربيعة ورافع قالوا لمعاذ ما ترك محمد قبلتنا إلا حسدا فإن قبلتنا قبلة الأنبياء و لقد علم أنا عدل بين الناس فأنزل الله
تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا يعني عدلا وقد ثبت في حديث أبي سعيد الخدري هذا التفسير مرفوعا دون 95 السبب
وأسنده الطبري عن جماعة من الصحابة
67 - قوله تعالى إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه 143
أخرج الطبري من طريق سنيد بن داود عن حجاج بن محمد عن ابن جريج قال قلت لعطاء فقال يبتليهم ليعلم من يسلم لأمره قال ابن جريج بلغني أن ناسا ممن أسلم رجعوا فقالوا مرة ها هنا و مرة هاهنا
قال الطبري معناه ليعلم الرسول و المؤمنون و أضاف ذلك إليه وفقا لخطابهم و أخرج عبد بن حميد من طريق شيبان عن قتادة قال كان في القبلة الأولى بلاء و تمحيص فصلى النبي قدومه إلى المدينة إلى بيت المقدس ثم وجهه الله إلى
الكعبة
واسند الطبري عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس معناه نميز أهل اليقين من أهل الشك
قال وقال آخرون كانوا ينكرون أن يكون الله يعلم الشيء قبل كونه ولو قيل لهم أن قوما من اهل القبلة سيرتدون إذا حولت القبلة لقالوا
إن ذلك باطل فلما حولت القبلة وكفر من كفر من أجل ذلك قال الله وما جعلت ذلك إلا لأعلم ما عندكم أيها المنكرون علمي بما هو كائن من الشيء قبل وقوعه وحاصله أن المعنى إلا لنبين لكم انا نعلم ما كان قبل أن يكون
وقال المارودي اختلفوا في سبب الصلاة إلى بيت المقدس فقال الطبري إنه
كان ليأتلف أهل الكتاب وقال الزجاج إن العرب كانت تحج البيت غير آلفة لبيت المقدس فأحب أن يمتحنهم بغير ما ألفوه ليعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه
68 - قوله تعالى وما كان الله ليضيع إيمانكم 143
قال الواحدي قال ابن عباس في رواية الكلبي يعني عن أبي صالح عنه كان رجال من أصحاب رسول الله من المسلمين قد ماتوا على القبلة الأولى منهم أبو أمامة أسعد بن زرارة أحد بني النجار و البراء بن معرور أحد بني سلمة في
أناس آخرين جاءت عشائرهم فقالوا يا رسول الله توفي إخواننا وهم يصلون إلى القبلة الأولى وقد صرفك الله إلى قبلة إبراهيم فكيف بإخواننا فأنزل الله عز و جل وما كان الله ليضيع إيمانكم
قلت و ذكره مقاتل في تفسيره بتمامه بنحوه و أوله أن حيي بن أخطب وأصحابه قالوا أخبرونا عن صلاتكم إلى بيت المقدس كانت هدى أو ضلالة فقالوا إنما الهدى ما أمر الله به والضلالة ما نهى عنه قالوا فما شهادتكم على من مات منكم على قبلتنا وقد كان مات فذكره
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد والطبري من طريق سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال لما وجه رسول الله إلى الكعبة قالوا يا رسول الله أرأيت الذين ماتوا وهو يصلون إلى بيت المقدس فأنزل الله تعالى وما كان الله ليضيع إيمانكم
وأخرج الطبري من طريق على بن أبي طلحة عن ابن عباس قال أول ما
نسخ من القرآن القبلة وذلك أن رسول الله لما هاجر إلى المدينة وكان أكثر أهلها اليهود أمره الله عز و جل أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود فاستقبلها بضعة عشر شهرا فكان الله عز و جل قد نرى تقلب وجهك في السماء إلى قوله فولوا وجوهكم شطره فارتاب من ذلك اليهود وقالوا ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها فأنزل الله عز و جل قل لله المشرق و المغرب و أنزل الله عز و جل فأينما تولوا فثم وجه الله
و أخرج الطبري من طرق عن قتادة قال قال أناس لما صرفت القبلة نحو الكعبة كيف بأعمالنا التي كنا نعمل قبل فنزلت
ومن طريق أسباط بن نصر عن السدي لما توجه رسول الله قبل المسجد الحرام قال المسلمون ليت شعرنا عن إخواننا الذين ماتوا وهم يصلون قبل بيت المقدس هل قبل الله منا ومنهم أو لا فنزلت
ومن طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس قال قال ناس لما حولت القبلة إلى البيت الحرام كيف بأعمالنا التي كنا نعمل في قبلتنا الأولى فنزلت
ومن طريق داود بن أبي عاصم نحوه لكن قال هلك أصحابنا ومن طريق العوفي عن ابن عباس أشفق المسلمون على من صلى منهم إلى غير الكعبة أن لا تقبل منهم
قال الطبري اتفقوا على أن الإيمان في هذه الآية الصلاة
و نقل يحيى بن سلام عن الحسن البصري أنه قال معنى الآية محفوظ لكم إيمانكم عند الله حيث أقررتم بالصلاة إلى بيت المقدس إذ فرضها عليكم
69 - قوله تعالى قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها 144
قال الواحدي بعد ما نقله عن الكلبي في الذي قبله إلى قوله ليضيع إيمانكم قال ثم قال قد نرى تقلب وجهك في السماء و ذلك أن النبي قال لجبريل عليه السلام وددت أن الله عز و جل صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها
وكان يريد الكعبة لأنها قبلة إبراهيم عليه السلام 98 فقال له جبريل إنما أنا عبد مثلك لا أملك شيئا فسل ربك أن يحولك إلى قبلة إبراهيم عليه السلام ثم ارتفع جبريل فجعل رسول الله يديم النظر إلى السماء رجاء أن يأتيه جبريل عليه السلام بما سأله فأنزل الله عز و جل قد نرى تقلب وجهك في السماء الآية
قلت وجدت هذا السبب بهذا السياق في تفسير مقاتل بن سليمان فيحتمل أن يكون مراده بقوله قال ثم قال إلى آخره غير ابن الكلبي وهو مقاتل فيكون ظاهره الإدراج على كلام ابن الكلبي عن ابن عباس و يحتمل أن يكونا تواردا و الذي أورده الطبري عن ابن عباس هو ما أخرجه من طريق علي بن أبي طلحة عنه أن رسول الله لما هاجر إلى المدينة وكان أكثر أهلها اليهود أمره الله أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود وكان رسول الله يحب قبلة إبراهيم عليه السلام فكان يدعوا و ينظر إلى السماء فنزلت
وقد جمع محمد بن إسحاق في روايته الأمور الثلاثة فقال حدثني إسماعيل بن أبي خالد عن أبي إسحاق عن البراء كان رسول الله يصلي نحو بيت المقدس ويكثر النظر إلى السماء ينتظر أمر الله فأنزل الله تعالى قد نرى تقلب وجهك في السماء إلى قوله عما تعملون قال فقال رجال من المسلمين وددنا لو علمنا علم من مات منا قبل أن تصرف القبلة و كيف بصلاتنا إلى بيت المقدس فأنزل الله وما كان الله ليضيع إيمانكم قال قال السفهاء من الناس وهم أهل الكتاب ما
ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها فأنزل الله 99 سيقول السفهاء من الناس الآية
ومن طريق سنيد ثم من رواية ابن جريج عن مجاهد قال قالت اليهود أيخالفنا محمد و يتبع قبلتنا فكان النبي يدعو الله أن يحوله عن قبلتهم فنزلت الآية فانقطع قول يهود
ومن طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال لما أنزل الله عز و جل فأينما تولوا فثم وجه الله و استقبل النبي بيت المقدس فبلغه أن اليهود تقول والله ما درى محمد وأصحابه أين قبلتهم حتى هديناهم فكره رسول الله ذلك وجعل يرجع بوجهه إلى السماء فقال الله تعالى قد نرى تقلب وجهك في السماء الآية
ومن طريق أسباط عن السدي قال كان الناس يصلون إلى بيت المقدس فلما قدم النبي المدينة صلى كذلك إلى ثمانية عشر شهرا من مهاجره وكان إذا صلى رفع رأسه إلى السماء ينتظر ما يؤمر به وكان يحب أن يصلي إلى الكعبة فأنزل الله عز و جل قد نرى تقلب وجهك في السماء
ومن طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس إن النبي كان يقلب وجهه في الصلاة وهو يصلي نحو بيت المقدس وكان يهوى قبلة البيت الحرام فولاه الله قبلة كان يهواها
وقال ابن ظفر قيل كان النبي إذا قام لصلاة الليل بالمدينة قلب وجهه في السماء قبل دخوله في الصلاة يود لو صرف عن المسجد الأقصى إلى البيت الحرام محبة لموافقة إبراهيم و كراهة لموافقة اليهود فنزلت
70 - قوله ز تعالى و لئن أتيت الذين أوتوا 100 الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك 145
أخرج الطبري من طريق أسباط عن السدي قال ل لما حول النبي إلى الكعبة قالت اليهود إن محمدا اشتاق إلى بلد أبيه ومولده ولو ثبت على قبلتنا لكنا نرجو أن يكون هو صاحبنا الذي ننتظر فنزلت
ومن طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم نحوه
71 - قوله تعالى الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الآية 146
قال الواحدي
نزلت في مؤمني أهل الكتاب عبد الله بن سلام وأصحابه كانوا يعرفون رسول الله كما يعرف أحدهم ولده إذا رآه مع الغلمان
قال عبد الله بن سلام لأبي بن كعب كنت أشد معرفة برسول الله مني بابني فقال له عمر بن الخطاب وكيف ذلك يا ابن سلام قال لأني أشهد أن محمدا رسول الله حقا يقينا وأنا لا أشهد بذلك على ابني لأني لا أدري ما أحدث النساء فقال عمر وفقك الله يا ابن سلام
وقال يحيى بن سلام قال الكلبي لما قدم رسول الله المدينة قال عمر بن الخطاب لعبد الله بن سلام إن الله أنزل على نبيه وهو بمكة أن أهل الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم كيف هذه المعرفة يا ابن سلام قال نعرف نبي الله بالنعت الذي نعته الله به إذا رأيناه فيكم كما يعرف أحدنا ابنه إذا رآه مع الغلمان و الذي يحلف به عبد الله بن سلام لأنا بمحمد أشد مني معرفة بابني فقال له عمر كيف ذلك قال عرفته بما نعته الله لنا في كتابنا أنه هو وأما ابني فلا أدري ما أحدثت أمه فقال له عمر 101 وفقك الله فقد أصبت وصدقت قال يحيى ابن سلام أراد بما أنزل بمكة الآية التي في أول سورة الأنعام الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون ثم نزل بعد في المدينة في سورة البقرة فذكرها
قلت وحاصله أن الضمير في قوله يعرفونه للنبي هو في آية الأنعام بعيد وأما في آية البقرة فمحتمل وقد جاء أن الضمير للبيت الحرام كذا قال مقاتل ابن سليمان إن اليهود منهم أبو ياسر بن أخطب وكعب بن الأشرف وكعب بن أسيد و سلام بن صوريا و كنانة بن أبي الحقيق ووهب بن يهوذا و أبو رافع قالوا للمسلمين لم تطوفون بالكعبة وهي حجارة مبنية فقال النبي إنهم ليعلمون أن الطواف بالبيت حق وأنه هو القبلة وذلك مكتوب عندهم في التوراة و الإنجيل ولكنهم يكتمون ذلك فقال ابن صوريا ما كتمنا شيئا مما في كتابنا فأنزل الله الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه يعني البيت الحرام و أنه القبلة
قلت وأخرج الطبري أن الضمير للبيت الحرام فقال يعني أن أحبار اليهود و علماء النصارى يعرفون أن البيت الحرام قبلة إبراهيم كما يعرفون أبناءهم ثم أسند من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله يعرفونه كما يعرفون أبناءهم عرفوا أن قبلة البيت الحرام قبلتهم التي أمروا بها كما عرفوا أبناءهم ومن طريق قتادة وعن الربيع بن أنس و عن السدي وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم كلهم
نحوه
72 - قوله تعالى لئلا يكون للناس عليكم حجة الآية 150
قال الطبري 102 يعني بالناس أهل الكتاب الذين كانوا يقولون ما درى محمد وأصحابه أين قبلتهم حتى هديناهم و يقولون يخالفنا محمد في ديننا و يتابعنا في قبلتنا فهي حجتهم التي كانوا يموهون بها على الجهال فقطع الله ذلك بتحويلها إلى الكعبة
قال وقد ذكر الأسانيد إلى قائلي ذلك يعني كما تقدم
قال والمراد بالذين ظلموا منهم قريش لقولهم رجع محمد إلى قبلتنا و سيرد إلى ديننا
ثم أسند من طريق أسباط بن نصر عن السدي فيما يذكر عن أبي مالك و عن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمذاني عن ابن مسعود و عن ناس من الصحابة قالوا لما صرف نبي الله نحو الكعبة بعد صلاته إلى بيت المقدس قال المشركون من أهل مكة تحير على محمد دينه فتوجه بقبلته إليكم و علم أنكم
كنتم أهدى منه سبيلا و يوشك أن يدخل في دينكم فأنزل الله تعالى لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم
ومن طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى إلا الذين ظلموا منهم قال حجتهم قولهم قد راجعت قبلتنا
و من طريق سعيد عن قتادة إلا الذين ظلموا هم مشركو قريش فكانت حجتهم أن قالوا سيرجع إلى ديننا كما رجع إلى قبلتنا فنزلت
و من طريق سنيد بن داود بسنده إلى عطاء و عن مجاهد نحو ذلك
و ذكر يحيى بن سلام عن أنس قال أخبره أنه لا يحول عن الكعبة إلى غيرها أبدا فيحتج عليه محتج بالظلم كما احتج عليه مشركو العرب
73 - قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر و الصلاة 103 إن الله مع الصابرين 153
أخرج عبد بن حميد من طريق شيبان بن قتادة قال لما احتج مشركو قريش بانصراف النبي إلى الكعبة فقالوا سيرجع إلى ديننا كما رجع إلى قبلتنا أنزل الله تعالى في ذلك كله يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر و الصلاة إن الله مع الصابرين
74 - قوله تعالى ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات الآية 154
قال الواحدي نزلت في قتلى بدر وكانوا بضعة عشر رجلا ثمانية من الأنصار و ستة من المهاجرين و ذلك أن الناس كانوا يقولون للرجل يقتل في سبيل الله مات فلان و ذهب عنه نعيم الدنيا ولذتها فنزلت
قلت كذا ذكره الثعلبي بغير إسناد ووجدته في تفسير مقاتل بن سليمان به و زيادة أن سمى الستة من المهاجرين وهم عبيدة بن الحارث و عمير بن أبي
وقاص و ذو الشمالين بن عبد عمرو و عاقل بن البكير ومهجع مولى عمر و صفوان بن بيضاء وسمى الثمانية من الأنصار وهم سعد بن خيثمة و مبشر ابن عبد المنذر وحارثة بن سراقة وعوف ومعوذ ابنا عفراء وهي أمهما و اسم أبيهما الحارث بن مالك و يزيد بن الحارث وعمير بن الحمام ورافع بن المعلى
و ذكره الماوردي مختصرا و لفظه و سبب ذلك أنهم كانوا يقولون لقتلى بدر وقتلى أحد مات فلان مات فلان فنزلت
و حكى ابن عطية في سببها أن المؤمنين صعب عليهم فراق إخوانهم و قراباتهم فنزلت مسلية لهم تعظم منزلة الشهداء فصاروا مغبوطين لا محزونا لهم
75 - قوله ز تعالى و لنبلوكم بشيء من الخوف 104 و الجوع 155
أشار الماوردي إلى أن سبب نزولها دعاء النبي اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف فقال تعالى مجيبا لدعاء نبيه و لنبلونكم
بشيء من الخوف والجوع الآية
وعبر عنه أبو حيان بقوله و قيل هؤلاء أهل مكة خاطبهم بذلك إعلاما بأنه أجاب دعوة نبيه فيهم
76 - قوله تعالى إن الصفا و المروة من شعائر الله الآية 158
أسند الواحدي من طريق مالك و غيره عن هشام بن عروة عن عائشة سبب ذلك وهو في الصحيحين من طريق هشام ومن طريق الزهري أما الزهري فقال عن عروة سألت عائشة فقلت لها أرأيت قول الله تعالى إن الصفا و المروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما فوالله ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصفا و المروة فقالت بئس ما قلت يا ابن أختي إن هذه لو كانت على ما أولتها عليه لكانت لا جناح عليه أن لا يطوف بهما و لكنها أنزلت في الأنصار كانوا يهلون قبل أن يسلموا لمناة الطاغية التي كانوا يعبدونها عند المشلل وكان من أهل منها تحرج أن يطوف بالصفا و المروة فلما أسلموا سألوا النبي عن ذلك فقالوا يا رسول الله إنا كنا نتحرج أن نطوف بين الصفا و المروة فأنزل الله تعالى
إن الصفا و المروة من شعائر الله الآية
قالت عائشة و قد سن رسول الله الطواف بينهما فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما
و في رواية يونس عن الزهري 105 إن الأنصار كانوا قبل أن يسلموا هم وغسان يهلون لمناة
قال الزهري ثم أخبرت أبا بكر بن عبد الرحمن فقال إن هذا لعلم ما كنت سمعته ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يذكرون أن الناس إلا من ذكرت عائشة ممن كان يهل بمناة كانوا يطوفون كلهم بالصفا و المروة فلما ذكر الله الطواف بالبيت و لم يذكر الصفا و المروة في القرآن قالوا يا رسول الله كنا نطوف بالصفا والمروة و إن الله أنزل الطواف بالبيت فلم يذكر الصفا و المروة فهل علينا من حرج أن لا نطوف بالصفا و المروة فأنزل الله تعالى إن الصفا و المروة من شعائر الله الآية
قال أبو بكر فأسمع هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما في الذين كانوا يتحرجون في أن لا يطوفوا بالصفا و المروة في الجاهلية و الذين كانوا يطوفون ثم تحرجوا
أن لا يطوفوا بهما في الإسلام من أجل أن الله أمر بالطواف بالبيت و لم يذكر الصفا و المروة حتى ذكر ذلك بعد ما ذكر الطواف بالبيت
و أما طريق هشام بن عروة عن أبيه فلفظها عن عائشة قالت إنما أنزل هذا في أناس من الأنصار كانوا إذا أهلوا لمناة في الجاهلية لا يحل لهم أن يطوفوا بين بالصفا و المروة فلما قدموا مع النبي في الحج ذكروا ذلك له فأنزل الله هذه الآية قالت و لعمري ما أكمل الله حج من حج و لم يطف بين الصفا و المروة
و في رواية أبي معاوية عن هشام بهذا السند قالت إنما كان ذاك أن الأنصار كانوا يهلون في الجاهلية لصنمين على شط البحر يقال لهما أساف و نائلة ثم يجيئون فيطوفون 106 بين الصفا و المروة و سائر الرواة قالوا كانوا لا يطوفون انتهى ويؤيده أن في رواية عبد الرحيم بن سليمان عن هشام لا يحل لهم أن يطوفوا بين الصفا و المروة
قال الواحدي وقال أنس بن مالك كنا نكره الطواف بين الصفا و المروة لأنهما كانا من مشعار قريش في الجاهلية فتركناه في الإسلام فأنزل الله تعالى هذه الآية
ثم ساقه من طريق عاصم الأحول عن أنس بلفظ كانوا يمسكون عن الطواف بين الصفا و المروة وكانا من شعائر الجاهلية و كنا نتقي أن نطوف بهما فأنزل الله هذه الآية و الحديث في الصحيحين من طرق عن عاصم بنحو هذا و في رواية الثوري عن عاصم كانتا من مشعار الجاهلية فلما جاء الإسلام كرهنا أن نتطوف بينهما
و الرواية التي فيها ذكر قريش و أخرج له الطبري شاهد من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال قالت الأنصار إن السعي بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية فأنزل الله إن الصفا و المروة الآية
ثم ذكر الواحدي معلقا عن عمرو بن حبشي سألت ابن عمر عن هذه الآية فقال انطلق إلى ابن عباس فاسأله فإنه أعلم من بقي بما أنزل الله عز و جل على محمد فأتيته فسألته فقال كان على الصفا صنم على صورة رجل يقال له إساف وكان على المروة صنم على صورة امرأة تدعى نائلة زعم أهل الكتاب أنهما زنيا في الكعبة فمسخهما الله تعالى حجرين فوضعا على الصفا و المروة ليعتبر بهما
فلما طالت المدة عبدا من دون الله فكان أهل الجاهلية إذا طافوا بينهما تمسحوا بهما فلما جاء الإسلام و كسرت الأصنام كره المسلمون الطواف بينهما لأجل الصنمين فأنزل الله 107 تعالى هذه الآية قلت وصله الطبري من طريقه و أخرجه ابن أبي حاتم من طريق أسباط بن نصر عن السدي عن أبي مالك عن ابن عباس
و أخرج الواحدي في الوسيط و الطبري من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي قال كان لأهل الجاهلية صنمان يقال لأحدهما بإساف و للآخر نائلة و كان إساف على الصفا و نائلة على المروة فكانوا إذا طافوا بين الصفا و المروة مسحوهما فلما جاء الإسلام قالوا إنما كان أهل الجاهلية يطوفون بهما لمكان هذين الصنمين و ليسا من شعائر الحج فنزلت
و أخرج ابن أبي حاتم أيضا من طريق المعتمر بن سليمان قال سمعت أبي يحدث عن أبي مجلز قال كان أهل الجاهلية يفعلون ذلك فأنزل الله تعالى إن الصفا و المروة من شعائر الله
وقال مقاتل بن سليمان قالت الحمس و هم قريش و كنانة و خزاعة
وعامر بن صعصعة ليست الصفا و المروة من شعائر الله و كان على الصفا صنم يقال له نائلة و على المروة صنم يسمى إسافا في الجاهلية فقالوا يعني بعد الإسلام إنه حرج علينا في الطواف بينهما فنزلت
وذكره نحوه الثعلبي عن مقاتل بن حيان كان الناس تركوا الطواف بين الصفا و المروة إلا الحمس فسألت الحمس رسول الله أهو من شعائر الله أم لا فإنه ما كان يطوف بهما غيرنا فنزلت
77 - قوله تعالى إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى الآية 159
قال الواحدي نزلت في علماء الكتاب و كتمانهم آية الرجم و أمر محمد
108 - قلت ذكره مقاتل بن سليمان أتم من هذا قال إن معاذ بن جبل و سعد بن معاذ وخارجة بن زيد سألوا اليهود عن أمر محمد و عن الرجم وغيره فكتموهم منهم كعب بن الأشرف و ابن صوريا يعني أمر محمد و ذكره الماوردي فزاد
فيهم كعب بن أسيد وزيد بن التابوت و أخرجه عبد بن حميد من طريق شيبان عن قتادة دون ذكر الرجم و أخرج الطبري من طريق محمد بن إسحاق بسنده المتكرر إلى ابن عباس قال سأل معاذ بن جبل أخو بني سلمة و سعد بن معاذ أخو بني عبد الأشهل و خارجة بن زيد أخو بني الحارث بن الخزرج نفرا من أحبار يهود عما في التوراة فكتموهم إياه و أبوا أن يخبروهم عنه فأنزل الله عز و جل فيهم إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات و الهدى الآية
ومن طريق الربيع بن أنس قال كتموا محمدا و هم يجدونه مكتوبا عندهم حسدا
ومن طريق أسباط عن السدي زعموا أن رجلا من اليهود كان له صديق من الأنصار يقال له ثعلبة بن عنمة قال له هل تجدون محمدا عندكم قال لا قال و البينات هو محمد عليه الصلاة و السلام
و أخرج ابن أبي حاتم من طريق الربيع بن أنس عن أبي العالية قال هم أهل الكتاب كتموا محمدا و نعته وهم يجدونه مكتوبا عندهم وكتموا ما أنزل الله من أمره وصفته
78 - قوله ز تعالى إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار الآية 161
قال الطبري نزلت في الذين جحدوا نبوة محمد و كذبوا من اليهود والنصارى وغيرهم
وقال مقاتل نزلت فيمن مات من اليهود على الكفر
79 - قوله ز تعالى وإلهكم إله واحد 163 109 قال ابن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قالت كفار قريش يا محمد صف أو انسب لنا ربك فأنزل الله تعالى هذه الآية و سورة الإخلاص وكذا نقله الواحدي في الوسيط
ومن طريق جويبر عن الضحاك كان للمشركين ثلاثمئة و ستون صنما يعبدونها من دون الله فبين الله تعالى أنه إله واحد فأنزل هذه الآية
80 - قوله تعالى إنة في خلق السماوات و الأرض و اختلاف الليل و النهار و الفلك التي تجري الآية 164
أسند الواحدي من طريق ابن أبي نجيح عن عطاء قال لما أنزل الله عز و جل بالمدينة على رسول الله و إلهكم إله واحد قالت كفار قريش بمكة كيف يسع الناس إله واحد فأنزل الله تعالى إن في خلق السماوات و الأرض واختلاف الليل والنهار حتى بلغ لآيات لقوم يعقلون
ومن طريق سعيد بن مسروق عن أبي الضحى لما نزلت هذه الآية وإلهكم إله واحد تعجب المشركون وقالوا إله واحد إن كان صادقا فليأتنا بآية فأنزل الله تعالى هذه الآية إن في خلق السموات والأرض يعني إلى آخرها
و قد أخرج الطبري الأثرين عن هذين التابعين وفي رواية له في الأول عن عطاء إن المشركين قالوا للنبي أرنا آية فنزلت وفي الثاني عن أبي الضحى جعل المشركون يعجبون ويقولون تقول إلهكم إله واحد فآتنا بآية إن
كنت من الصادقين
و أخرج الفريابي و عبد بن حميد أثر أبي الضحى نحوه
ثم ذكر الطبري سببا آخر من طريق أسباط عن السدي قال قال المشركون للنبي غير لنا الصفا ذهبا إن كنت صادقا آية منك فأنزل الله إن في خلق السماوات 110 و الأرض إلى قوله لآيات لقوم يعقلون
ومن طريق جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير قال سألت قريش اليهود عما جاء به موسى من الآيات فحدثوهم بالعصا و اليد البيضاء وسألوا النصارى فحدثوهم أنه كان يبرئ الأكمه و الأبرص و يحيى الموتى بإذن الله فقالت قريش للنبي ادع الله أن يجعل الصفا ذهبا فذكر نحو السدي
قال الطبري يجوز ان يكون نزلت في جميع ما ذكر
81 - قوله ز تعالى ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا 165
قال مقاتل نزلت في مشركي العرب
82 - قوله ز تعالى وماهم بخارجين من النار 167
أخرج ابن أبي حاتم من طريق الأوزاعي سمعت ثابت بن معبد يقول ما زال أهل النار يأملون الخروج منها حتى نزلت وما هم بخارجين من النار
83 - قوله تعالى يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا الآية 168
1 - قال الواحدي قال الكلبي نزلت في ثقيف و خزاعة و عامر بن صعصعة حرموا على أنفسهم من الحرث و الأنعام و حرموا البحيرة و السائبة و الوصيلة والحام
و نقل ابن عطية عن النقاش أنها نزلت في ثقيف و خزاعة و بني الحارث بن كعب
2 - قال ابن ظفر وروي عن عطاء انها نزلت في المؤمنين و قيل في عثمان بن مظعون وأصحابه الذين عزموا على الترهب
قلت وستأتي قصتهم في آية المائدة يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم و سياق آيات البقرة يدفع ذلك
84 - قوله ز تعالى وإذا قيل اتبعوا ما أنزل الله الآية 170
أخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن إسحاق بسنده المتكرر إلى ابن عباس قال دعا 111 رسول الله اليهود إلى الإسلام ورغبهم فيه وحذرهم الله ونقمته فقال له رافع بن خارجة ومالك بن عوف بل نتبع يا محمد ما وجدنا عليه آباءنا فهم كانوا خيرا منا و أعلم فأنزل الله تبارك و تعالى في ذلك من قولهما وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا الآية
85 - قوله ز تعالى ومثل الذين كفروا الآية 171
قال الطبري نزلت في اليهود بدليل الآية التي قبلها و الآيات التي بعدها
86 - قوله تعالى فمن اضطر غير باغ و لا عاد فلا إثم عليه الآية 173
قال عبد بن حميد حدثنا يونس نا شيبان عن قتادة قال ذكر لنا أن نبي الله خرج في جيش فلبثوا ثلاثا لا يجدون طعاما فقالوا يا رسول الله ألا نفتصد قال بلى قال فافتصدوا ثم طبخوا حتى أدركوا الطعام قال و ذكر لنا أن النبي بعث جيشا فلبثوا خمس عشرة ليلة ليس لهم طعام إلا خبط الإبل ثم وجدوا حمل البحر ميتا فأكلوا منه شهرا فلما رجعوا إلى رسول الله ذكروا ذلك له فقال هو رزق رزقكموه الله
87 - قوله تعالى إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب الآية 174
قال الواحدي قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس نزلت في رؤساء اليهود و علمائهم كانوا يصيبون من سلفتهم الهدايا و الفضول وكانوا يرجون أن يكون النبي المبعوث منهم فلما بعث من غيرهم خافوا ذهاب مأكلتهم وزوال رئاستهم فعمدوا إلى صفة محمد فغيروها ثم أخرجوها إليهم وقالوا هذا نعت النبي الذي يخرج في آخر الزمان 112 لا يشبه نعت النبي الذي خرج بمكة فإذا نظرت السفلة إلى النعت المغير وجدوه مخالفا لصفة محمد فلا يتبعونه انتهى
وقال عبد بن حميد حدثنا يونس عن شيبان عن قتادة إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب و يشترون به ثمنا قليلا الآية قال أولئك أهل الكتاب كتموا ما أنزل الله عليهم من الحق و الهدى وأمر محمد
و في تفسير سنيد بن داود بسنده عن عطاء هم اليهود فيهم أنزل الله تعالى إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب و التي في آل عمران إن الذين يشترون بعهد الله و أيمانهم ثمنا قليلا
ومن طريق السدي قال هم اليهود كتموا اسم محمد
ومن طريق الربيع بن أنس نحوه و أتم منه
وفي تفسير أبي حيان وروي عن ابن عباس قال إن الملوك سألوا علماءهم قبل المبعث ما الذي تجدون في التوراة فقالوا نجد ان الله يبعث نبيا من بعد المسيح يقال له محمد يحرم الربا و الخمر والملاهي وسفك الدم بغير حق فلما بعث قالت الملوك لليهود هو هذا و تحرجوا في أموالهم فقالوا ليس هو بذاك الذي كنا ننتظره فأعطوهم الأموال فنزلت
قلت وهذا ذكره الثعلبي من رواية جويبر عن الضحاك
88 - قوله تعالى ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب الآية 177
قال الواحدي قال قتادة ذكر لنا ان رجلا سأل رسول الله عن البر فانزل الله هذه الآية قال وقد كان الرجل قبل الفرائض إذا شهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا عبده ورسوله ثم مات على ذلك وجبت له الجنة فانزل الله هذه الآية
قلت أخرجه عبد بن حميد 113 من طريق شيبان ووصله الطبري من طريق سعيد بن أبي عروبة كلاهما عن قتادة بهذا و قال بعد قوله الآية قال فذكر لنا ان النبي دعا الرجل فتلاها عليه و قد كان الرجل فذكره إلى قوله ثم مات على ذلك يرجى له الخير فأنزل الله تعالى ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق و المغرب وكانت اليهود توجهت قبل المغرب و النصارى قبل المشرق
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال كانت اليهود تصلي قبل المغرب و النصارى قبل المشرق فنزلت ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب
ووقع في الكشاف وقيل كثر خوض المسلمين وأهل الكتاب في أمر القبلة فنزلت
ومن طريق ابي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس مثل الجملة الاخيرة قال كانت اليهود تصلي قبل المغرب والنصارى قبل المشرق فنزلت هذه الآية
2 - قول ز آخر ذكر يحيى بن سلام في تفسيره حدثني الفرات بن سلمان عن عبد الكريم الجزري عن مجاهد عن أبي ذر أنه سأل رسول الله ما الإيمان فتلا عليه هذه الآية ليس البر أن تولوا وجوهكم إلى قوله المتقون قال ثم سأله فتلاها ثلاث مرات ثم سأله فقال إذا عملت حسنة فأحبها قلبك وإذا عملت سيئة أبغضها قلبك وهذا منقطع بين مجاهد و أبي ذر
وقد أخرجه ابن أبي حاتم من وجه آخر عن عبد الكريم
وأخرج ابن المنذر من طريق أبي حمزة عن الشعبي حدثتني فاطمة بنت قيس أنها سألت النبي في المال حق سوى الزكاة قالت فتلا علي ليس
البر أن تولوا وجوهكم 114 قبل المشرق والمغرب الآية
89 - قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الآية 178
قال الواحدي قال الشعبي كان بين حيين من أحياء العرب قتال وكان لأحد الحيين طول على الآخر فقالوا نقتل بالعبد منا الحر منكم وبالمرأة الرجل فنزلت هذه الآية
قلت وصله الطبري من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي قال نزلت في قبيلتين من قبائل العرب اقتتلتا قتالا عمية فقالوا
نقتل بفلان العبد فلان بن فلان و بفلانة فلان بن فلان فأنزل الله تبارك و تعالى الحر بالحر الآية
وذكر ابن عطية عن الشعبي إن اهل العزة من العرب و المنعة كانوا إذا قتل منهم عبد قتلوا به حرا و إذا قتلت امرأة قتلوا بها ذكرا فنزلت الآية في ذلك تسوية بين العباد و إذهابا لأمر الجاهلية
و قال عبد الرزاق أنا معمر وأخرجه عبد بن حميد من رواية شيبان النحوي كلاهما عن قتادة قال لم يكن دية إنما كان القصاص أو العفو فنزلت هذه الآية في قوم كانوا أكثر من غيرهم فكانوا إذا قتل من الحي الكثير عبد قالوا لا نقتل بدله إلا حرا وإذا قتلت منهم امرأة قالوا لا نقتل إلا رجلا فنزلت
وأخرج الطبري من طريق أسباط بن نصر عن السدي في قوله تعالى كتب عليكم القصاص في القتلى الآية اقتتل أهل مائين من العرب أحدهما مسلم والآخر معاهد في بعض ما يكون بين العرب من الأمر فأصلح بينهم النبي وقد كانوا قتلوا الأحرار و العبيد والنساء على أن ودي الحر دية الحر و العبد دية العبد والأنثى دية الأنثى 115 فقاصهم بعضهم من بعض
ومن طريق عبد الله بن المبارك عن سفيان عن السدي عن أبي مالك الغفاري قال كان بين حيين من الأنصار قتال كان لأحدهما على الآخر الطول
فكأنهم طلبوا الفضل فجاء النبي ليصلح بينهم فنزلت هذه الآية فجعل النبي الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى
ومن طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس قال حدثنا عن علي بن أبي طالب أنه كان يقول أيما حر قتل عبدا فهو به قود فأن شاء موالي العبد أن يقتلوا الحر قتلوه وقاصوهم ثمن العبد من دية الحر وأدوا إلى أولياء الحر بقية ديته فإن قتل العبد حرا فهو به قود فإن شاء اولياء الحر قتلوا العبد
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير إن حيين من العرب اقتتلوا في الجاهلية قبل الإسلام بقليل فكان بينهم قتل وجراحات حتى قتلوا العبيد و النساء فلم يأخذ بعضهم من بعض حتى أسلموا فكان أحد الحيين يتطاول على الآخر في العدد و المال فحلفوا أن لا يرضوا حتى يقتل بالعبد منا الحر منهم و بالمرأة منا الرجل منهم فنزلت فيهم الحر بالحر و العبد بالعبد و الأنثى بالأنثى و ذلك أنهم كانوا لا يقتلون الرجل بالمرأة ولكن يقتلون الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة فأنزل الله تعالى النفس بالنفس و العين بالعين فجعل الأحرار في القصاص سواء فيما بينهم من العمد رجالهم و نساؤهم في النفس و فيما دون
النفس
وأخرج الطبري من طريق على بن أبي طلحة عن ابن عباس من قوله كانوا لا يقتلون 116 الرجل بالمرأة إلى آخره وقضية ذلك أن تكون هذه الآية التي في البقرة منسوخة بالآية التي في المائدة و سيأتي لذلك مزيد بيان هناك إن شاء الله تعالى
وذكر يحيى بن سلام عن الحسن بن دينار عن الحسن البصري قال كان أهل الجاهلية قوما فيهم عز ومنعة فكان إذا قتل أحد منهم امرأة فذكر نحو ما تقدم
90 - قوله ز تعالى ذلك تخفيف من ربكم و رحمة 178
أخرج البخاري و النسائي من طريق ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن مجاهد عن ابن عباس قال كان في بني إسرائيل القصاص ولم تكن فيهم الدية فقال الله تعالى لهذه الأمة كتب عليكم القصاص في القتلى الآية إلى قوله فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان
وفي رواية للطبري من طريق محمد بن مسلم عن عمرو كان من قبلكم يقتلون القاتل بالقتيل ولا تقبل منهم الدية فأنزل الله هذه الآية ذلك تخفيف من ربكم و رحمة يقول خفف عنكم ما كان على من قبلكم فالذي يقبل الدية ذلك عفو منه
ورواه ورقاء بن عمر عن عمرو عن مجاهد ليس فيه ابن عباس عند النسائي ومن طريق حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن ابن عباس ذلك تخفيف من ربكم و رحمة فيما كان على بني إسرائيل
وأخرجه يحيى بن سلام عن حماد كذلك و عن معلى بن هلال عن عمرو بن دينار عن مجاهد 117 به
ومن طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس كان على بني إسرائيل القصاص في القتلى ليس بينهم دية في نفس ولا جرح فخفف الله عن أمة محمد فقبل منهم الدية في النفس وفي الجراحة وذلك قوله تعالى ذلك تخفيف من ربكم و رحمة
ومن طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة ذلك تخفيف من ربكم و رحمة رحم الله هذه الأمة أطعمهم الدية وأحلها لهم ولم تحل لأحد قبلهم فكان أهل التوراة إنما هو قصاص أو عفو ليس بينهما أرش وكان أهل الإنجيل إنما هو عفو أمروا به فجعل الله لهذه الأمة القود و العفو والدية إن شاءوا فأحلها لهم ولم تكن لأمة قبلهم
ومن طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس مثله إلا أنه قال شيء بدل أرش
91 - قوله ز تعالى ولكم في القصاص حياة 179
قال ابن عطية كانوا في الجاهلية إذا قتل الرجل الآخر حمي القبيلان و تقاتلوا وكان في ذلك موت العدد الكثير فلما شرع الله القصاص قنع الكل به فذلك قوله تعالى ولكم في القصاص حياة
92 - قوله ز تعالى يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم 183
1 - قال مقاتل بن سليمان كبر لبيد الأنصاري من بني عبد الأشهل
فعجز عن الصوم فقال للنبي ما على من عجز عن الصوم فأنزل الله عز و جل كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم إلى قوله أياما معدودات الآية
2 - قول آخر قال المسعودي وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل قال قدم رسول الله المدينة فصام عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر ثم أنزل الله تعالى يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون إلى قوله فدية طعام مسكين فكان من شاء صام ومن شاء أطعم مسكينا فأجزأ ذلك عنه ثم أن الله عز و جل أنزل 118 الآية الأخرى شهر رمضان إلى قوله فمن شهد منكم الشهر فليصمه فأثبت الله صيامه على المقيم الصحيح ورخص فيه للمريض والمسافر وثبت الإطعام للكبير الذي يطيق الصيام
أخرجه أحمد وأبو داود والطبري والمسعودي صدوق لكنه اختلط وقد خالفه شعبه فرواه عن عمرو بن مرة عن ابن أبي ليلى قال حدثنا أصحابنا أن رسول الله لما قدم عليهم أمرهم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر تطوعا غير فريضة ثم نزل
شهر رمضان وهذا أصح من رواية المسعودي
قال الطبري لم يأت في خبر تقوم بمثله الحجة أن صوما فرض على أهل الإسلام قبل شهر رمضان ثم نسخ بصوم شهر رمضان كذا قال ويشكل عليه حديث قيس بن سعد بن عبادة أمرنا رسول الله بصيام عاشوراء قبل أن ينزل رمضان الحديث وفي لفظ كنا نصوم عاشوراء الحديث أخرجه النسائي وسنده قوي و ليس بسط ذلك من غرض هذا الكتاب
قوله ز تعالى وعلى الذين يطيقونه فدية الآية 184
أخرج البخاري و مسلم من حديث سلمة بن الأكوع قال لما نزلت وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين كان من أراد أن يفطر يفتدي حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها
وأخرج الطبري من طريق السدي عن مرة عن ابن مسعود لما نزلت وعلى الذين يطيقونه كان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا فكانوا كذلك حتى نسختها فمن شهد منكم الشهر فليصمه
وأخرج ابن مردويه من طريق محمد بن عبد الرحمن 119 ابن أبي ليلى عن عطاء قال قال ابن عباس فذكره نحوه وقال في روايته ثم نزلت هذه الآية فنسختها إلا في الشيخ الفاني فإنه إن شاء أطعم عن كل يوم مسكينا وأفطر
94 - قوله ز تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه 185
قال عبد بن حميد حدثنا مسلم بن إبراهيم ثنا وهيب بن خالد عن ابن شبرمة هو عبد الله عن الشعبي قال لما نزلت وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين أفطر الأغنياء وأطعموا وحل الصوم على الفقراء فأنزل الله عز و جل فمن شهد منكم الشهر فليصمه وهذا مرسل صحيح السند
وأخرج أيضا من طريق محمد بن سيرين عن عبيدة بن عمرو في قوله تعالى وعلى الذين يطيقونه فدية قال نسختها الآية التي تليها وهذا أيضا مرسل وسنده معدود في أصح الأسانيد
95 - قوله ز تعالى ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر 185
أخرج الطبري من طريق خيثمة عن أنس أنه سأله عن الصوم في السفر فقال قد أمرت غلامي أن يصوم فأبى قلت فأين قول الله تعالى ومن كان مريضا أو على سفر فقال نزلت و نحن يومئذ نرتحل جياعا وننزل على غير شبع ونحن اليوم نرتحل شباعا وننزل على شبع
96 - قوله ز تعالى وإذا سألك عبادي عني فإني قريب الآية 186
1 - قال عبد الرزاق في تفسيره أخبرنا جعفر بن سليمان عن عوف عن الحسن قال سأل أصحاب رسول الله فقالوا للنبي أين ربنا فأنزل الله عز و جل وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني
2 - قول آخر أخرج الفريابي من طريق ابن جريج عن عطاء 120 أنه بلغه لما نزلت وقال ربكم ادعوني أستجب لكم قال الناس لو نعلم أي ساعة ندعو فنزلت وإذا سألك عبادي عني فإني قريب الآية
3 - قول ثالث أخرج الطبري و ابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طريق الصلب بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري
- وهو أخو بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن أعرابيا قال يا رسول الله أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه فأنزل الله عز و جل وإذا سألك عبادي عني فإني قريب إلى قوله فليستجيبوا لي وفي سنده ضعيف و الصلب بضم المهملة و سكون اللام و بعدها موحدة وذكر ابن ظفر عن الضحاك قال سأل بعض الصحابة النبي فذكر نحوه
4 - قول رابع أخرج الطبري من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قاتل
ذكر لنا أنه لما أنزل الله تعالى ادعوني أستجب لكم قال رجل كيف ندعو يا نبي الله فأنزل الله عز و جل وإذا سألك عبادي عني فإني قريب
5 - قول خامس قال مقاتل بن سليمان في تفسيره اعترف رجال من المسلمين أنهم كانوا يأتون نسائهم بعد أن يناموا في الصيام فقالوا ما توبتنا فنزلت وإذا سألك عبادي عني فإني قريب هكذا في تفسيره مختصرا وذكره ابن ظفر عنه مطولا ذكر فيه القصة الآتية عن عمر بن الخطاب وعن صرمة بن أنس أبي قيس قلت و هذا يستلزم أن هذه الآية مؤخرة في النزول و إن كانت متقدمة في التلاوة
6 - قول سادس ذكره الماوردي ونسبه لابن الكلبي ونسبه غيره لابن عباس فكأنه عن الكلبي عن أبي صالح إن يهود المدينة 121 قالوا للنبي كيف يسمع ربنا دعاءنا و أنت تزعم أن بيننا و بين السماء خمسمئة عام و إن غلظ كل سماء خمسمئة عام
97 - قوله تعالى أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم الآية 187
قال الواحدي قال ابن عباس في رواية الوالبي
و ذلك ان المسلمين كانوا في شهر رمضان إذا صلوا العشاء حرم عليهم النساء و الطعام إلى مثلها من القابلة ثم إن ناسا من المسلمين أصابوا من الطعام و النساء في شهر رمضان بعد العشاء منهم عمر بن الخطاب فشكوا ذلك لرسول الله فأنزل الله عز و جل هذه الآية
قلت الوالبي هو علي بن أبي طلحة وقد وصل حديثه الطبري و ابن أبي حاتم و غيرهما وعندهم فأنزل الله علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم و عفا عنكم و أخرجه الطبري
قال ابن عطية حكى النحاس و مكي أن عمر نام ثم وقع بامرأته وهذا عندي بعيد على عمر قلت ذكره ابن كثير من طريق موسى بن عقبة عن
كريب عن ابن عباس وهذا سند صحيح و لفظه إن الناس كانوا قبل أن ينزل في الصوم ما نزل يأكلون و يشربون و يحل لهم شان النساء فإذا نام أحدهم لم يطعم و لم يشرب ولا يأتي أهله حتى يفطر من القابلة فبلغنا أن عمر بن الخطاب بعد ما نام ووجب عليه الصوم وقع على أهله ثم جاء إلى النبي فقال أشكو إلى الله و إليك الذي صنعت قال وماذا صنعت قال إني سولت لي نفسي فوقعت على أهلي بعدما نمت و أنا أريد الصوم فزعموا أن النبي قال ما كنت خليقا على أن تفعل فنزل الكتاب أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم
و لهذه القصة طرق عن ابن عباس في بعضها أن امرأة عمر هي التي نامت
فمنها ما أخرجه أبو داود من طريق يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس قال كان الناس على عهد رسول الله إذا صلوا العشاء حرم عليهم الطعام
و الشراب و النساء و صاموا إلى القابلة فاختان رجل نفسه فجامع امرأته و قد صلى العشاء ولم يفطر فأراد الله أن يجعل ذلك يسرا لمن بقي و رخصة فقال علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فكان هذا مما نفع الله به الناس و رخص لهم بسببه
وأخرجه سنيد بن داود من وجه آخر عن عكرمة مرسلا و فيه تسمية الرجل أبو قيس ابن صرمة
ومنها ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل بن شروس عن عكرمة عن رجل قد سماه من الأنصار جاء ليلة وهو صائم فقالت له امرأته لا تنم حتى أصنع لك طعاما فجاءت و هو نائم فقالت نمت و الله قال لا و الله ما نمت قالت بلى والله فلم يأكل تلك الليلة و أصبح صائما فغشي عليه فنزلت الرخصة
ومنها عن العوفي عنه و لفظه في قوله تعالى علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم يعني بذلك الذي فعل عمر بن الخطاب فأنزل الله عفوه فقال فتاب عليكم و عفا عنكم أخرجه ابن أبي حاتم و أخرجه الطبري مطولا و أوله كان الناس أول ما أسلموا إذا صام أحدهم الحديث وفيه وإن عمر بينما هو نائم إذ سولت له نفسه فأتى أهله فلما اغتسل أخذ يبكي و يلوم نفسه ثم أتى رسول الله 123 فقال إني أعتذر إلى الله وإليك من نفسي فإنها زينت لي فهل تجد لي من رخصة فقال لم تكن بذلك حقيقا يا عمر فلما بلغ بيته أرسل إليه فأتاه فعذره في آية من القرآن و أمره الله أن يضعها في المئة الوسطى من البقرة
وأخرج الطبري أيضا من طريق حماد بن سلمة عن ثابت أن عمر واقع أهله ليلة في رمضان فاشتد ذلك عليه فأنزل الله أحل لكم الآية
ولها طرق أخرى عن غير ابن عباس
منها ما أخرجه أحمد وأبو داود من حديث معاذ بن جبل عن المسعودي يسنده الماضي قريبا قال فيه و كانوا يأكلون و يشربون و يأتون النساء ما لم يناموا فإذا
ناموا امتنعوا ثم إن رجلا من الأنصار يقال له صرمة كان يعمل صائما حتى أمسى فجاء إلى أهله فصلى العشاء ثم نام فلم يأكل و لم يشرب حتى أصبح فأصبح صائما فرآه رسول الله وقد جهد جهدا شديدا فقال ما لي أراك جهدت جهدا شديدا قال يا رسول الله إني عملت أمس فجئت حين جئت فألقيت نفسي فنمت فأصبحت حين أصبحت صائما قال و كان عمر أصاب من النساء بعدما نام فأتى النبي فذكر ذلك فأنزل الله عز و جل أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم إلى قوله ثم أتموا الصيام إلى الليل
وأخرجه الطبري أيضا من طريق شعبة عن عمرو بن مرة عن ابن أبي ليلى مرسلا ومن طريق حصين بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن أبي ليلى مرسلا وقال فيه فجاء شيخ من الأنصار يقال له صرمة بن مالك
وأخرجه أحمد و الطبري و ابن أبي حاتم من طريق قيس بن
سعد عن عطاء 124 ابن أبي رباح عن أبي هريرة في قول الله تعالى أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم إلى قوله ثم أتموا الصيام إلى الليل قال كان المسلمون قبل أن تنزل هذه الآية إذا صلوا العشاء الآخرة حرم عليهم الطعام و الشراب و النساء حتى يفطروا وأن عمر بن الخطاب أصاب أهله بعد صلاة العشاء و أن صرمة بن قيس الأنصاري غلبته عينه بعد صلاة المغرب فنام فلم يشبع من الطعام و لم يستيقظ حتى صلى الرسول العشاء فقام فأكل و شرب فلما أصبح أتى رسول الله فأخبره بذلك فأنزل عند ذلك أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم إلى قوله ثم أتموا الصيام إلى الليل فكان ذلك عفوا من الله و رحمة كذا جاء في هذه الرواية أن صرمة بن قيس أكل و شرب بعد ما نام و الذي تقدم أصح أنه امتنع فجهد فنزلت
وأخرج الطبري من طريق عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه قال كان الناس في رمضان إذا صام الرجل فأمسى فنام حرم عليه الطعام و الشراب والنساء حتى يفطر من الغد فرجع عمر بن الخطاب من عند النبي ذات ليلة و قد سمر عنده فوجد امرأته قد نامت فأرادها فقالت إني قد نمت قال ما نمت ثم وقع بها وصنع كعب بن مالك مثل ذلك فغدا عمر بن الخطاب إلى النبي فأخبره فأنزل الله تعالى علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم الآية و أخرجه ابن أبي حاتم و في سنده عندهما ابن لهيعة و حديثه يكتب في المتابعات
ثم أسند الواحدي من طريق يحيى بن زكريا 125 ابن أبي زائدة حدثني أبي و غيره عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال كان المسلمون إذا أفطروا يأكلون و يشربون و يمسون النساء ما لم يناموا فإذا ناموا لم يفعلوا شيئا من ذلك إلى مثلها و أن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائما فأتى أهله عند الإفطار فانطلقت امرأته تطلب شيئا وغلبته عينه فنام فلما انتصف النهار من غد غشي عليه قال و أتى عمر امرأته و قد نامت فذكر ذلك للنبي فنزلت أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم إلى قوله من الفجر ففرح المسلمون
ثم أسند أيضا من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء كان أصحاب محمد إذا كان الرجل صائما فحضر الإفطار فنام قبل أن يطعم لم يأكل ليلته و لا يومه حتى يمسي و إن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائما فذكر نحوه و لم يذكر قصة عمر و في آخره فأنزلت هذه الآية أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ففرحوا بها فرحا شديدا
قال رواه البخاري عن عبيد الله بن موسى عن إسرائيل وهو كما قال
وأخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن عبيد الله بن موسى فقال عن إسرائيل وزهير كلاهما عن أبي إسحاق وأخرجه أيضا أبو داود من وجه آخر عن إسرائيل وقال في روايته إن صرمة بن قيس و أخرجه النسائي من رواية زهير و قال في روايته و نزلت في أبي قيس بن عمرو
وأخرج الطبري أيضا من طريق السدي قال كتب على النصاري صيام رمضان و كتب عليهم أن لا يأكلوا و لا يشربوا ولا ينكحوا النساء في رمضان بعد النوم و كتب على المسلمين كما كتب على النصارى فلم يزل 126 المسلمون حتى أقبل رجل من الأنصار يقال له أبو قيس بن صرمة وكان يعمل في حيطان المدينة بالأجرة فأتى أهله بتمر فقال لامرأته استبدلي لي بهذا طحينا فاجعليه سخينة لعلي آكله فإن التمر قد أحرق جوفي
فانقلبت فاستبدلت له ثم صنعته فأبطأت عليه فنام فجاءت فأيقظته فكره أن
يعصي الله فأبى أن يأكل فأصبح صائما فرآه النبي بالعشي فقال ما لك يا أبا قيس فقص عليه القصة و كان عمر وقع على جارية له في ناس من المسلمين لم يملكوا أنفسهم فلما سمع كلام أبي قيس رهب أن ينزل فيه شيء فبادر و اعتذر و تكلم أولئك الناس فنسخ الله تعالى ذلك عنهم و نزلت أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم إلى قوله من الفجر
ثم أسند الواحدي من طريق إسحاق بن أبي فروة عن الزهري أنه حدثه عن القاسم بن محمد قال إن بدء الصوم كان يصوم الرجل من عشاء إلى عشاء فإذا نام لم يصل إلى أهله بعد ذلك و لم يأكل و لم يشرب حتى جاء عمر إلى امرأته فقالت إني قد نمت فوقع بها وأمسى صرمة بن قيس صائما فنام قبل أن يفطر فأصبح فكاد الصوم يقتله فأنزل الله تعالى الرخصة قال فتاب عليكم و عفا عنكم و هذا الحديث مع إرساله ضعيف السند من أجل إسحاق بن أبي فروة
و لولا أني التزمت أن استوعب ما أورده الواحدي لاستغنيت عن هذا
وأخرج الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد كان الرجل من الصحابة يصوم فإذا أمسى أكل وشرب و جامع فإذا رقد حرم ذلك كله عليه 127 حتى القابلة و كان فيهم رجال يختانون أنفسهم في ذلك فعفا الله عنهم و أحل ذلك قبل الرقاد و بعده و في رواية ذكر عمر
ومن طريق محمد بن يحيى بن حبان الأنصاري إن صرمة بن أنس أتى أهله وهو شيخ كبير فلم يهيئوا له طعاما فوضع رأسه فأغفى و جاءته امرأته فقالت كل قال إني قد نمت قالت إنك لم تنم فأصبح جائعا مجهودا فنزلت
تنبيه جمع ابن عطية الخلاف في تسمية الأنصاري بحسب ما وقع عنده في تفسير ابن جرير فقال وروي أن صرمة بن قيس و يقال ابن مالك و يقال أبو
قلت و تقدم في بعض طرقه أبو قيس بن صرمة و في بعضها أبو قيس بن عمرو و ذكرت في كتابي في الصحابة إن بعضهم قال أنس بن صرمة و أن
بعضهم صحفه فقال ضمرة بضاد معجمة ووقع في تفسير مقاتل أنه صرمة ابن أنس بن صرمة بن مالك من بني عدي بن النجار أبو قيس
98 - قوله تعالى و كلوا و اشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر 187
أسند الواحدي من طريق أبي حازم عن سهل بن سعد قال نزلت هذه الآية " كلوا و اشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود و لم ينزل من الفجر فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض و الخيط الأسود فلا يزال يأكل و يشرب حتى يتبين له زيهما فأنزل الله تعالى بعد ذلك من الفجر فعلموا أنه إنما يعني بذلك الليل و النهار قال رواه البخاري و مسلم وهو كما قال
قال ابن عطية 128 و جعل عدي بن حاتم خيطين على وسادة فقال له النبي إن وسادك لعريض قال ابن عطية روي أنه كان بين طرفي المدة عام
قلت كلامه يوهم أن قصة عدي كانت قبل نزول قوله تعالى من الفجر وليس كذلك بل صنيع الأنصار و صنيع عدي و إن اتحد في الخيطين لكن مأخذ الغرضين مختلف و نزول من الفجر كان بسبب الأنصار لأنهم حملوا الخيطين
على حقيقتهما وفعل عدي استمر بعد نزول قوله تعالى من الفجر حملا للخيطين على الحقيقة أيضا وأن المراد أن يوضح الفجر الأبيض منهما من الأسود فقيل له إن المراد بالخيط نفس الفجر و نفس الليل
99 - قوله ز تعالى و لا تباشروهن و أنتم عاكفون في المساجد 187
قال مقاتل بن سليمان نزلت في علي و عمار بن ياسر وأبي عبيدة بن الجراح كان أحدهم يعتكف فإذا أراد الغائط من السحر رجع إلى أهله فيباشر و يجامع و يغتسل و يرجع فنزلت
و عبر عنه ابن ظفر مقتصرا عليه بقوله قيل كان علي و أبو عبيدة إذا خرجا في حال اعتكافهما لحاجة الإنسان قد يكون منها الوطء فنزلت
وأخرج الطبري من طريق سفيان وهو الثوري عن علقمة بن مرثد عن الضحاك بن مزاحم قال كانوا يجامعون وهم معتكفون حتى نزلت ولا تباشروهن و أنتم عاكفون في المساجد
وفي رواية له من هذا الوجه كان الرجل إذا اعتكف فخرج من المسجد جامع إن شاء فنزلت يقول لا تقربوهن ما دمتم عاكفين في مسجد ولا غيره
ومن طريق سعيد عن قتادة كان الرجل إذا خرج من المسجد وهو معتكف فلقي 129 امرأته باشرها فنهاهم الله عن ذلك و أخبرهم أن ذلك لا يصلح حتى يقضي اعتكافه
ومن طريق معمر عن قتادة نحوه
ومن طريق ابن جريج قال قال ابن عباس كانوا إذا اعتكفوا فخرج الرجل إلى الغائط جامع امرأته ثم اغتسل ثم رجع إلى اعتكافه فنهوا عن ذلك
ومن طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس كان أناس يصيبون نساءهم وهم عكوف فنهاهم الله عن ذلك
ومن طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد كان ابن عباس يقول من خرج من بيته إلى بيت الله فلا يقرب النساء ومن طريق ابن جريج قال قال مجاهد نهوا عن
جماع النساء في المساجد حيث كانت الأنصار تجامع
100 - قوله تعالى ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الآية 188
قال الواحدي قال مقاتل بن حيان نزلت هذه الآية في امرئ القيس بن عابس الكندي و في عيدان بن أشوع الحضرمي و ذلك أنهما احتكما إلى النبي في أرض فكان امرؤ القيس المطلوب و عيدان الطالب فأنزل الله تعالى هذه الآية فحكم عيدان في أرضه و لم يخاصمه
قلت كذا رأيت فيه ابن حيان و قد وجدته في تفسير مقاتل بن سليمان وقال في آخره و لم يكن لعيدان بينه وأراد امرؤ القيس أن يحلف فقرأ النبي إن الذين يشترون بعهد الله و أيمانهم ثمنا قليلا فلما سمعها امرؤ القيس كره أن يحلف فلم يخاصمه في أرضه و حكمه فيها فنزلت
وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير بنحوه
و عيدان بفتح المهملة بعدها تحتانية مثناة ذكره أصحاب 130 المشتبه
101 - قوله ز تعالى و تدلوا بها إلى الحكام 188
قال الماوردي معنى تدلوا تصيروا بها إلى الحكام مأخوذ من إدلاء الدلو و يحتمل أن يكون المعنى تقيموا بها الحجة عندهم تقول أدلى بحجته إذا قام بها قال القرطبي المعنى لا تدلوا إلى الحكام بالحجج الباطلة و قيل المعنى لا
تصانعوا بأموالكم الحكام فترشوهم ليقضوا لكم
قال ابن عطية و يترجح هذا القول بأن الحكام مظنة الرشوة إلا من عصم وهو الأقل قال و اللفظتان متناسبان لأن تدلوا من إرسال الدلو والرشوة من الرشا كأنها يمد بها لتقضي الحاجة
وقال الرازي قيل المراد ما لا بينة عليه كالودائع و قيل شهادة الزور و قيل في دفع الأوصياء بعض مال الأيتام إلى الحاكم و قيل أن يحلف ليذهب حق غريمه و قيل نزلت في الرشوة وهو الظاهر و إن كان الكل منهيا عنه
قلت بل السبب لا يعدل عن كونه مرادا وإن كان اللفظ يتناول غيره
102 - قوله تعالى يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس و الحج 189
قال الواحدي قال معاذ بن جبل يا رسول الله إن اليهود تغشانا و يكثرون مسألتنا عن الأهلة فأنزل الله تعالى هذه الآية
وقال قتادة و ذكر لنا أنهم سألوا نبي الله لم خلقت هذه الأهلة فأنزل
الله تعالى قل هي مواقيت للناس و الحج
وقال الكلبي نزلت في معاذ بن جبل و ثعلبة بن عنمة بفتح المهملة و النون و هما رجلان من الأنصار قالا يا رسول الله ما بال الهلال يبدو فيطلع دقيقا مثل الخيط ثم يزيد حتى يعظم و يستوي و يستدير ثم لا يزال ينقص و يدق حتى يعود 131 كما كان على حال واحد فنزلت هذه الآية
قلت أما الأول فلم أر له سندا إلى معاذ و يحتمل أن يكون اختصره أولا ثم أورده مبسوطا
واما أثر قتادة فأخرجه يحيى بن سلام عن شعبة عنه بهذا اللفظ و أخرجه الطبري من طريق سعيد بلفظ سألوا النبي لم جعلت هذه الأهلة فأنزل الله
ومن طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس ذكر لنا أنهم سألوا النبي لم خلقت الأهلة فنزلت
ومن طريق ابن جريج قال قال ناس فذكر مثله
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي العالية قال بلغنا أنهم قالوا فذكر مثله
وأما أثر الكلبي فلعله في تفسيره الذي يرويه عن أبي صالح عن ابن عباس و قد وجدت مثله في تفسير مقاتل بن سليمان بلفظه فلعله تلقاه عنه و قد توارد من لا يد لهم في صناعة الحديث على الجزم بأن هذا كان سبب النزول مع وهاء السند فيه و لا شعور عندهم بذلك بل كاد يكون مقطوعا به لكثرة من ينقله من المفسرين و غيرهم
قال الفخر الرازي ليس في الآية عن أي شيء سألوا لكن الجواب بقوله هي مواقيت للناس يدل على أنهم سألوا عن الحكمة في تغيرها و الله أعلم
103 - قوله تعالى و ليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها و لكن البر من اتقى الآية 189
1 - أسند الواحدي من طريق شعبة عن أبي إسحاق سمعت البراء يقول كانت الأنصار إذا حجوا فجاؤوا لا يدخلون من أبواب بيوتهم ولكن من ظهورها فجاء رجل فدخل من قبل بابه فكأنه عير بذلك فنزلت هذه الآية متفق عليه 132
ومن طريق الأعمش عن أبي سفيان عن جابر كانت قريش تدعى الحمس و كانوا يدخلون من الأبواب في الإحرام وكانت الأنصار وسائر العرب لا يدخلون من باب في الإحرام فبينما رسول الله في بستان إذ خرج من بابه و خرج معه قطبة بن عامر الأنصاري فقالوا يا رسول الله إن قطبة بن عامر رجل فاجر وإنه خرج معك من الباب فقال ما حملك على ما صنعت فقال رأيتك فعلته ففعلت كما فعلت فقال إني أحمس قال إن ديني دينك فأنزل الله تعالى وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها
قلت حديث جابر أخرجه ابن خزيمة و الحاكم وهو على شرط مسلم ولكن اختلف في إرساله ووصله و حديث البراء له شاهد قوي و له عدة متابعات
مرسلة
ثم قال الواحدي قال المفسرون كان الناس في الجاهلية و في أول الإسلام إذا أحرم الرجل منهم بالحج أو العمرة لم يدخل حائطا و لا دارا ولا بيتا من بابه فإن كان من أهل المدر نقب نقبا في ظهر بيته منه يدخل و يخرج أو يتخذ سلما فيصعد فيه و إن كان من اهل الوبر خرج من خلف الخيمة و الفسطاط ولا يدخل من الباب و لا يخرج منه حتى يحل من إحرامه و يرون ذلك برا إلا أن يكون من الحمس و هم قريش و كنانة و خزاعة و ثقيف و جشم و بنو عامر بن صعصعة و بنو النضر بن معاوية سموا حمسا لشدتهم في دينهم قالوا فدخل رسول الله ذات يوم بيتا لبعض الأنصار فدخل رجل من الأنصار على أثره من 133 الباب وهو محرم فقال له رسول الله لم دخلت من الباب و أنت محرم فقال رأيتك دخلت فدخلت على أثرك فقال رسول الله إني أحمس فقال الرجل
إن كنت أحمس فإني أحمس ديننا واحد رضيت بهديك وسمتك و دينك فأنزل الله عز و جل هذه الآية
قلت و هذا جمعه من آثار مفرقة و لم أجده عن واحد معين
وأخرج عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن الزهري قال كان ناس من الأنصار إذا أهلوا بالعمرة لم يحل بينهم و بين السماء شيء يتحرجون من ذلك و كان الرجل يخرج مهلا بالعمرة فتبدوا له الحاجة بعدما يخرج من بيته فيرجع فلا يدخل من باب الحجرة من أجل سقف الباب أن يحول بينه و بين السماء فيفتح الجدار من قدامه ثم يقوم في حجرته فيأمر بحاجته فتخرج إليه من بيته حتى بلغنا أن رسول الله أهل زمن الحديبية بالعمرة فدخل حجرة فدخل رجل على أثره من الأنصار من بني سلمة فقال له النبي إني أحمس قال الزهري و كان الحمس لا يبالون ذلك فقال الأنصاري فأنا أحمس يقول أنا على دينك فأنزل الله تعالى هذه الآية هذا مرسل رجاله ثقات أخرجه الطبري من طريق عبد الرزاق
وأخرج من طريق أسباط عن السدي في هذه الآية قال إن ناسا من العرب كانوا إذا حجوا لم يدخلوا بيوتهم من أبوابها كانوا ينقبون في أدبارها فلما حج رسول الله حجة الوداع أقبل يمشي و معه رجل من أولئك و هو مسلم 134 فلما بلغ رسول الله باب البيت احتبس الرجل خلفه وأبى أن يدخل وقال يا رسول الله
إني أحمس يقول إني محرم و كان أولئك الذين يفعلون ذلك يسمون الحمس فقال رسول الله وأنا أيضا أحمس فادخل فدخل الرجل فأنزل الله تعالى وآتوا البيوت من أبوابها
قلت شذ السدي بهذه الرواية فخالف في زمان نزول الآية و خالف في من كان يفعل ذلك فزعم أنهم الحمس و المحفوظ أنهم غير الحمس و خالف في أن الصحابي امتنع حتى أذن له النبي و المحفوظ أنه صنع فأنكر عليه فإن أمكن الجمع بالحمل على التعدد مع بعده وإلا فالصحيح الأول
وقد أخرجه الطبري وغيره من طرق أخرى
منها من طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن انس في هذه الآية قال كان أهل المدينة و غيرهم إذا أحرموا لم يدخلوا البيوت إلا من ظهورها و ذلك أن يتسوروها وكان أحدهم إذا أحرم لم يدخل البيت إلا أن يتسور من ظهره و إن النبي دخل ذات يوم بيتا لبعض الأنصار و دخل رجل على أثره ممن قد أحرم فأنكروا عليه ذلك و قالوا هذا رجل فقال له النبي لم دخلت من الباب و قد أحرمت قال رأيتك يا رسول الله دخلت على أثرك فقال إني أحمس و قريش يومئذ تدعى الحمس فقال الأنصاري إن ديني دينك فأنزل الله هذه الآية
ومن طريق العوفي عن ابن عباس إن رجالا من أهل المدينة كانوا إذا خاف
أحدهم من عدوه شيئا 135 أحرم فأمن و إذا أحرم لم يلج من بابه و اتخذ ثقبا من ظهر بيته فلما دخل النبي المدينة كان بها رجل محرم فدخل رسول الله بستانا فدخل معه ذلك المحرم فذكر نحو ما تقدم
وأخرج الطبري و عبد بن حميد من طريق داود بن أبي هند عن قيس بن حبتر بمهملة ثم موحدة ثم مثناة كوزن جعفر النهشلي قال كانوا إذا أحرموا لم يأتوا بيتا من قبل بابه و لكن من قبل ظهره و كانت الحمس تفعله فدخل رسول الله حائطا من حيطان المدينة ثم خرج من بابه فاتبعه رجل يقال له رفاعة بن تابوت و لم يكن من الحمس فقالوا يا رسول الله نافق رفاعة فقال ما حملك على ما صنعت يا رفاعة قال رأيتك خرجت فخرجت فقال إني من الحمس و لست أنت من الحمس فقال يا رسول الله ديننا واحد فأنزلت و ليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها إلى قوله لعلكم تفلحون
قلت الرواية المتقدمة في تسميته قطبة بن عامر أصح وكذا سماه مقاتل
بن سليمان في تفسيره وفي هذا المرسل من النكارة قوله إن ذلك في حائط من حيطان المدينة و ما كان النبي قط وهو بالمدينة محرما
وأخرج عبد بن حميد من طريق مغيرة عن إبراهيم هو النخعي قال كانوا إذا أحرموا لم يدخلوا بيتا من بابه فنزلت
ومن طريق شيبان عن قتادة نحوه
ومن طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد كان أهل الجاهلية جعلوا في بيوتهم كوى في ظهورها و أبوابا في جنوبها فنزلت
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج قلت لعطاء فقال كان 136 أهل الجاهلية يأتون البيوت من أبوابها و يرونه برا فنزلت
2 - قول ز آخر قال عبد بن حميد حدثنا هاشم بن القاسم ثنا سليمان بن المغيرة سألت الحسن يعني البصري عن هذه الآية و ليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها قال كان الرجل من أهل الجاهلية يهم بالشيء يصنعه فيحبس عن ذلك فكان لا يأتي بيتا من قبل بابه حتى يأتي الذي كان هم به وأراده
وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق عباد بن منصور عن الحسن أوضح منه قال كان قوم من أهل الجاهلية إذا أراد أحدهم سفرا أو خرج من بيته يريد سفرا ثم بدا له أن يقيم و يدع سفره الذي خرج له لم يدخل البيت من بابه و لكن يتسوره فقال الله تعالى و ليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها و لكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها و ذكره الزجاج بلفظ أن قوما من قريش و جماعة من العرب كانوا إذا خرج الرجل منهم في حاجة فلم يتيسر له رجع فلم يدخل من باب بيته سنة
وذكر الماوردي بنحوه وزاد في آخره تطيرا من الخيبة فقيل لهم ليس في التطير بر و لكن البر أن يتقوا الله
3 - قول ز آخر أخرج ابن أبي حاتم من طريق موسى بن عبيدة أحد الضعفاء عن محمد بن كعب القرظي قال كان الرجل إذا اعتكف لم يدخل منزله من باب البيت فأنزل الله عز و جل هذه الآية
4 - قول ز آخر أخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي شيبة عن عطاء قال كان أهل يثرب إذا رجعوا من عيدهم دخلوا البيوت من ظهورها و يرون أن ذلك أحرى للبر فنزلت
5 - قول ز آخر 137 قال الماوردي ما حاصله إنه قيل أنها نزلت في من كان يأتي النساء من غير قبلهن و كنى عن النساء بالبيوت للإيواء إليهن و عن الوطء في غير القبل بالإتيان من جهة الظهر و نسبه لابن زيد و حكاه مكي والمهدوي عن ابن الأنباري أيضا و رده ابن عطية مستبعدا له
6 - قول ز آخر ذكره الماوردي عن ابن بحر قال نزلت في النسيء كانوا يؤخرون الحج فيجعلون الشهر الحرام حلالا و الحلال حراما فعبر البيوت و إتيانها من ظهورها عن المخالفة في أشهر الحج و المخالفة إتيان الأمر من خلفه و الخلف والظهر في اللغة واحد
وجوز الزمخشري و تبعه المرسي أن إتيان البيوت من أبوابها كناية عن
التمسك بالطريق المستقيم و إتيانها من ظهورها كناية عن التمسك بالطريق الباطل
وحكاه الفخر الرازي وقال هذا تأويل المتكلمين وهو أولى لا تساق النظم كذا قال
104 - قوله تعالى وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم الآية 190
1 - قال الواحدي قال ابن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس نزلت في صلح الحديبية و ذلك أن رسول الله لما صد عن البيت هو وأصحابه نحر الهدي بالحديبية ثم صالحه المشركون على أن يرجع عامه ثم يأتي القابل و يخلوا له مكة ثلاثة أيام فيطوف بالبيت و يفعل ما شاء و صالحهم رسول الله على ذلك
فلما كان العام المقبل تجهز رسول الله وأصحابه لعمرة القضاء و خافوا أن لا تفي لهم قريش بذلك وأن يصدوهم عن المسجد الحرام و يقاتلوهم فكرهوا القتال في الحرم في الشهر الحرام فأنزل الله تعالى وقاتلوا في سبيل الله 138 يعني قريشا
قلت الكلبي ضعيف لو انفرد فكيف لو خالف وقد خالفه الربيع بن أنس وهو أولى بالقبول منه فقال إن هذه الآية أول آية في الإذن للمسلمين في قتال المشركين و سياق الآيات يشهد لصحة قوله فإن قوله تعالى عقيبها ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه منسوخ بقوله تعالى فأذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم عند الأكثر فوضح أنها سابقة لكن سيأتي في سورة الحج عن أبي بكر الصديق أول آية نزلت في الأذن في القتال أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا
قلت و يمكن الجمع
ولفظ الربيع قال هذه أول آية نزلت في القتال بالمدينة فكان رسول الله يقاتل من قاتله و يكف عمن كف عنه حتى نزلت براءة أخرجه الطبري من طريقه ومن طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال نسخ قوله تعالى قاتلوا
المشركين كافة هذه الآية وغيرها
وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر عن الربيع عن أبي العالية قال هذه أول آية نزلت في القتال
2 - قول ز آخر أخرج الطبري من طريق يحيى بن يحيى الغساني قال كتبت إلى عمر بن عبد العزيز أسأله عن قوله تعالى وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم و لا تعتدوا قال فكتب إلى أن ذلك في النساء و الذرية ومن لم ينصب لك الحرب منهم
ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى ولا تعتدوا قال لا تقتلوا النساء و الصبيان و الشيخ الكبير ولا من ألقى إليكم السلم فكف يده
ورجح الطبري هذا القول وجوز غيره 139 أمورا أخرى قيل نزلت في النهي عن من بذل الجزية و في من قتل قبل الدعوة و قيل في المثلة وقيل في القتال في الحرم و قيل في الشهر الحرام وفي القتال لغير وجه الله
105 - قوله تعالى الشهر الحرام بالشهر الحرام و الحرمات قصاص 194
1 - قال الواحدي قال قتادة أقبل نبي الله وأصحابه في ذي القعدة حتى إذا كانوا بالحديبية صدهم المشركون فلما كان العام المقبل دخلوا مكة فاعتمروا في ذي القعدة وأقاموا بها ثلاث ليال فكان المشركون قد فخروا عليه حين ردوه يوم الحديبية فأقصه الله منهم و أنزل الشهر الحرام بالشهر الحرام الآية
قلت وصله الطبري من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة وقال فيه واعتمروا في ذي القعدة وفيه فصالحهم نبي الله على أن يرجع من عامه ذلك و يعتمر في العام المقبل فنحروا الهدي بالحديبية و حلقوا و قصروا حتى إذا كان العام المقبل اعتمروا في ذي القعدة حتى دخلوا مكة وفي آخره فأدخله الله مكة في
ذلك الشهر الذي كانوا ردوه فيه فقال الشهر الحرام بالشهر الحرام و الحرمات قصاص
قال ابن ظفر حرمات الدين لا يدخلها قصاص و إنما المراد حرمات الناس أضاعوا حرمة قاصدي بيت الله بمنعهم منه فأقص الله منهم بأن أمكنهم من دخوله وأخرج الذين كانوا يمنعونهم منه ثلاثة أيام
ومن طريق معمر وعن قتادة وعن عثمان عن مقسم قالا كان هذا في سفر الحديبية فذكر نحوه وقال فجعل الله لهم شهرا حراما يعتمرون فيه مكان شهرهم الذي صدوا 140 فيه فلذلك قال والحرمات قصاص
ومن طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس نحوه بطوله
ومن طريق العوفي عن ابن عباس نحوه باختصار
وأخرج الطبري أيضا من طريق نافع بن مالك عن عكرمة عن ابن عباس في
هذه الآية هم المشركون حبسوا محمدا في ذي القعدة فرجعه الله في ذي القعدة فأدخله البيت الحرام فاقتص له منهم
ومن طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد فخرجت قريش بردها رسول الله يوم الحديبية محرما في ذي القعدة عن البلد الحرام فأدخله الله في العام المقبل في ذي القعدة فقضى عمرته وأقصه بما حيل بينه و بين البيت
ومن طريق أسباط عن السدي لما اعتمر النبي عمرة الحديبية في ذي القعدة سنة ست من مهاجره صده المشركون ثم صالحوه على أن يخلوا له مكة من عام قابل ثلاثة أيام فأتاهم بعد فتح خيبر في السنة السابعة
ومن طريق جويبر عن الضحاك قال حصروا النبي في ذي القعدة عن البيت الحرام فأدخله الله البيت الحرام في العام المقبل واقتص له منهم
وأخرج أحمد بسند صحيح عن جابر لم يكن رسول الله يغزو في الشهر الحرام إلا أن يغزى
2 - قول ز آخر حكى الماوردي عن الحسن البصري إن سبب نزولها أن مشركي العرب قالوا أنهيت يا محمد عن قتالنا في الشهر الحرام قال نعم فأرادوا أن
يقاتلوه في الشهر الحرام فنزلت الشهر الحرام بالشهر الحرام إن قاتلوكم في الشهر الحرام 141 فقاتلوهم فيه و سيأتي مزيد بيان لهذا في قوله تعالى يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه
106 - قوله ز تعالى فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه الآية 194
1 - أخرج الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه الآية قال كان المشركون يأخذون المسلمين بألسنتهم بالشتم و الأذى وهم بمكة فأمر الله المسلمين بالمجازاة أو الصبر أو العفو فلما هاجروا أعز الله دينه أمر المسلمين أن ينتهوا في مظالمهم إلى سلطانهم و لا يعتدوا كأهل الجاهلية
2 - ثم نقل عن مجاهد أنها في القتال و يرجح ذلك من جهة سياق ما قبلها وما بعدها والله أعلم
107 - قوله تعالى وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة 195
1 - أسند الواحدي من طريق هشيم عن داود بن أبي هند عن الشعبي قال
نزلت في الانصار أمسكوا عن النفقة في سبيل الله فنزلت هذه الآية
ومن طريق هشيم عن إسماعيل بن أبي خالد عن عكرمة قال أنزلت في النفقة في سبيل الله
ومن طريق حماد بن سلمة عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن الضحاك ابن أبي جبيرة قال كان الأنصار يتصدقون و يطعمون ما شاء الله فأصابتهم سنة فأمسكوا فأنزل الله هذه الآية
2 - قول آخر أسند الواحدي من طريق حماد بن سلمة عن سماك بن حرب عن النعمان بن بشير في قوله تعالى ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة قال كان الرجل يذنب الذنب فيقول لا يغفر لي فأنزل الله تعالى ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة
3 - قول آخر أسند الواحدي من طريق المقري عن حيوة بن شريح عن يزيد 142 بن أبي حبيب اخبرني أسلم أبو عمران كنا بالقسطنطينية وعلى أهل مصر عقبة بن عامر وعلى اهل الشام فضالة بن عبيد فخرج من المدينة صف عظيم من الروم و صففنا لهم صفا عظيما من المسلمين فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم ثم خرج إلينا مقبلا فتصايح الناس فقالوا سبحان الله
ألقى بيده إلى التهلكة فقام أبو أيوب الأنصاري صاحب رسول الله فقال يا أيها الناس إنكم تتأولون هذه الآية على غير التأويل و إنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار إنا لما أعز الله نبيه وكثر ناصريه قلنا بعضنا لبعض سرا من رسول الله إن أموالنا قد ضاعت فلو أنا أقمنا في أموالنا أصلحنا ما ضاع منها فأنزل الله تعالى كتابه يرد علينا ما هممنا به فقال وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة في الإقامة التي أردنا أن نقيم في الأموال فنصلحها فأمرنا بالغزو فما زال أبو أيوب غازيا في سبيل الله حتى قبضه الله عز و جل
قلت أما الأول فأخرجه أيضا ابن أبي حاتم و البغوي في معجم الصحابة و أبو علي بن السكن وقال تفرد به هدبة عن حماد والصواب أنه مرسل
وكذلك أخرجه الطبري من طريق معتمر بن سليمان عن داود بن أبي هند عن عامر وهو الشعبي ولفظه إن الأنصار كانوا احتبس عليهم بعض الرزق وكانوا قد أنفقوا نفقات فساء ظنهم وأمسكوا فأنزل الله عز و جل وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة قال فكانت التهلكة سوء ظنهم وإمساكهم 143 وجاء عن حماد بهذا السند حديث آخر في الألقاب وهو مقلوب والصواب
رواية شعبة ووهيب وغيرهما عن داود عن الشعبي عن أبي جبيرة بن الضحاك قال أبو نعيم وأخرجه أبو داود والترمذي و غيرهما من هذا الوجه وقد وافق الشعبي على التأويل المذكور قتادة أخرجه الطبري من طريق معمر عنه قال في هذه الآية يقول لا تمسكوا بأيديكم عن النفقة في سبيل الله
ومن طريق خصيف عن عكرمة لما أمر الله بالنفقة فكان بعضهم يقول ننفق فيذهب ما لنا و لا يبقى شيء فقال أنفقوا ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة يقول أنفقوا وأنا أرزقكم
ومن طريق يونس بن عبيد عن الحسن أنزلت في النفقة و في لفظ
له في التهلكة أمرهم الله بالنفقة في سبيل الله وأخبرهم أن ترك النفقة في سبيل الله هو التهلكة
وأخرج عبد بن حميد من طريق السكن بن المغيرة عن الحسن نحوه ولفظه إلى التهلكة قال هو البخل
ومن طريق عوف عن الحسن مثله
وأخرج الطبري من طريق ابن جريج انه سأل عطاء عن هذه الآية فقال يقول أنفقوا في سبيل الله ما قل وكثر وقال لي عبد الله بن كثير نزلت في النفقة في سبيل الله
ومن طريق العوفي عن ابن عباس يقول أنفقوا ما كان من قليل أو كثير ولا تستسلموا فلا تنفقوا شيئا فتهلكوا
وأخرج الفريابي من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس نحوه
وأخرجه ابن المنذر ولفظه ليس ذلك في القتال إنما هو في النفقة أن تمسك
يدك عن النفقة في سبيل الله وسنده صحيح إليه
وأخرج البخاري والطبري و غيرهما من حديث حذيفة في قوله وأنفقوا في سبيل الله 144 ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة أنزلت في النفقة وفي لفظ أي لا تمسكوا عن النفقة
2 - وأما القول الثاني فحديث النعمان بن بشير أخرجه أيضا ابن المنذرمن طريق حماد عن سماك ولفظه إذا أذنب أحدكم الذنب فلا يقولن قد أسأت فيلقي بيده إلى التهلكة ولكن ليستغفر الله و يتوب إليه
وجاء مثله عن البراء بن عازب أخرجه الطبري وعبد بن حميد وغيرهما من عدة طرق عن أبي إسحاق عنه أتمها رواية حفيده إسرائيل عنه سمعت البراء و سأله رجل فقال يا أبا عمارة أرأيت قول الله تعالى ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة هو الرجل يتقدم فيقاتل حتى يقتل قال لا ولكنه الرجل يعمل
بالمعاصي ثم يلقي بيده و لا يتوب
وفي رواية الثوري عن أبي إسحاق فيقول لا يغفر الله لي
وفي رواية الحسين بن واقد عنه فيلقي بيده فيقول لا تقبل لي توبة
وأخرج الطبري أيضا مثله عن عبيدة بن عمرو السلماني وهو من كبار التابعين من طريق هشام بن حسان عن محمد بن سيرين قال سألت عبيدة عن هذه الآية فقال كان الرجل يذنب الذنب حسبته قال العظيم فيلقي بيده فيهلك فنهوا عن ذلك فقيل أنفقوا الآية
ومن طريق هشيم أنا هشام نحوه و قال بعد قوله بيده إلى التهلكة و يقول لا توبة لي
ومن طريق أيوب عن ابن سيرين نحوه دون قوله و يقول لا توبة لي وفي لفظ عن أيوب هو الرجل يصيب الذنب العظيم فيلقي بيده و يرى أنه قد هلك
ومن طريق ابن عون عن ابن سيرين قال التهلكة القنوط
وأخرج عبد بن حميد من طريق عوف عن ابن سيرين قال لا تيأس فتقنط فلا تعمل
وأما 145 القول الثالث فأخرجه الترمذي من طريق أبي عاصم عن حيوة كذلك وأخرجه أبو داود والطبري من طريق ابن وهب عن حيوة وابن لهيعة كلاهما عن يزيد و لكن قال في روايته عبد الرحمن بن خالد بن الوليد بدل فضالة بن عبيد وقال في روايته إنما تأولون هذه الآية هكذا أن حمل رجل يقاتل في سبيل يلتمس الشهادة أو يبلى في نفسه إنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار وقال في آخره والإلقاء بالأيدي إلى التهلكة أن نقيم في أموالنا و نصلحها وندع الجهاد وقال في آخره حتى دفن بالقسطنطينية
وأخرجه الطبري من طريق المقري كما تقدم قال الترمذي حسن صحيح
قلت وصححه أيضا ابن خزيمة وابن حبان و الحاكم
وجاء مثل الذي ذكره أبو أيوب عن عمر فأخرج الفريابي في تفسيره من طريق طارق بن عبد الرحمن عن المغيرة بن شبيل قال بعث عمر جيشا فحاصروا قيصر فتقدم رجل من بجيلة فقاتل حتى قتل وهو جد المغيرة بن شبيل فأكثر الناس فيه فقالوا ألقى بيده إلى التهلكة فبلغ ذلك عمر فقال كذبوا يC ثم قرأ ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله الآية
وله شاهد عند عبد بن حميد من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن قيس ابن أبي حازم عن مدرك بن عوف أنه كان ذات يوم عند عمر قال فذكروا النعمان بن مقرن ورجلا شرى بنفسه فقال مدرك ذاك و الله خالي يا أمير المؤمنين زعم رجال أنه ألقى بيده إلى التهلكة فقال عمر كذبوا
وأخرجه ابن المنذر من هذا الوجه ولفظه قلت إن خالي غزا بنفسه 146 حتى قتل فزعموا أنه ألقى بيده إلى التهلكة فقال كذب أولئك ولكن من الذين اشتروا الآخرة بالحياة الدنيا وسنده صحيح
وأخرج ابن المنذر من طريق القاسم بن مخيمر قال لو حمل رجل على عشرة آلاف لم يكن بذلك بأس
وذكر الطبري وغيره في سبب النزول أشياء آخر
أحدها ما أخرجه من طريق أبي بكر بن عياش عن أبي إسحاق قال سأل رجل البراء أحمل على المشركين وحدي فيقتلونني أكنت ألقيت بيدي إلى التهلكة قال لا إنما التهلكة في النفقة بعث الله رسوله فقال فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك
ومن طريق حكام بن سلمة الرازي عن الجراح عن أبي إسحاق قال قلت للبراء يا أبا عمارة الرجل يلقى الفا من العدد فيحمل عليهم و إنما هو وحده أيكون ممن قال الله تعالى فيهم ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة فقال ليقاتل حتى يقتل قال الله تعالى لنبيه فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك
ثانيها من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال في قوله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة قال إذا لم يمكن عندك فلا تخرج بنفسك بغير نفقة ولا قوة فتلقي بيديك إلى التهلكة
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق زيد بن أسلم أن رجالا كانوا يخرجون في بعوث يبعثها رسول الله بغير نفقة فإما يقطع بهم وإما كانوا عيالا فأمرهم الله أن ينفقوا مما رزقهم الله و لا يلقوا بأيديهم إلى التهلكة و التهلكة أن يهلكوا من الجوع أو المشي
ثالثها من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة لا يمنعكم النفقة في حق خوف العيلة
رابعها معناها أن ترك الصدقة يفضي إلى الهلاك قال مقاتل في تفسيره قال رجل 147 من الفقراء يا رسول الله ما نجد ما نأكل فبأي شيء نتصدق فقال بما كان ولو بشق تمرة تكفون وجوهكم عن النار و هي التهلكة
خامسها لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة لا تنفقوا من حرام فتأثموا بذلك و تهلكوا حكاه القرطبي و نحوه عن الطبري عن عكرمة قال لا تيمموا الخبيث
منه تنفقون
سادسها قال الطبري هي عامة في جميع ما ذكر لاحتمال اللفظ له
تنبيه كان ممن تأول الآية على من يحمل وحده على العدد الكثير من العدو عمرو بن العاص أخرجه ابن أبي حاتم بسند جيد عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الحمن ابن الحارث بن هشام عن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث أنه أخبره أنهم حاصروا دمشق فانطلق رجل من أزدشنوءة فأسرع في العدو وحده يستقتل فعاب ذلك عليه المسلمون و رفعوا حديثه إلى عمرو بن العاص فأرسل فرده و قال له قال الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة
وأجاز الجمهور ذلك بشروط منها أن يغلب على ظنه أنه ينجو أو ينكي العدو بذلك أو يرهبه أو يكون سببا لتجزئ المسلمين على عدوهم فيصنعون كما صنع أو يكون سببا للفتح على المسلمين كما وقع في اليمامة والقادسية أو يخلص نيته لطلب الشهادة كما وقع ذلك في عدة مواطن كما أخرج مسلم بعضها فعنده من حديث
أنس في قصة الإثني عشر الذين قاتلوا بعث رسول الله واحدا بعد واحد حتى قتلوا أجمعين ومن حديث أبي موسى أنه حدث عن النبي قال الجنة تحت ظلال السيوف فقال له رجل 148 أنت سمعت رسول الله يقول هذا قال نعم فكسر جفن سيفه ومشى بسيفه إلى العدو فضرب به حتى قتل
108 - قوله ز تعالى وأتموا الحج والعمرة لله 196
1 - أخرج ابن أبي حاتم من طريق إبراهيم بن طهمان عن عطاء عن صفوان بن أمية أنه قال جاء رجل إلى النبي مضمخ بالزعفران عليه جبة فقال كيف تأمرني يا رسول الله في عمرتي فأنزل الله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله فقال رسول الله أين السائل عن العمرة قال ها أنا ذا فقال له ألق عنك ثيابك ثم اغتسل و استنشق ثم ما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك
وهذا الحديث رواته ثقات لكن وقع في سياق السند وهم فإنه في الصحيح من طريق عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه فسقط من هذه الرواية كلمتان قوله ابن يعلى وقوله عن أبيه فصار ظاهره أنه من مسند صفوان بن أمية وهو ابن خلف الجمحي و إنما هو من رواية صفوان بن يعلى بن أمية التميمي
وقد أخرجه البخاري والنسائي من طرق عن عطاء و ليس عند أحد منهم ذكر نزول هذه الآية في هذه القصة
2 - قول ز آخر نقل القرطبي عن مقاتل قال
إتمامهما أن لا تستحلوا فيهما ما لا ينبغي لكم وذلك أنهم كانوا يشركون في إحرامهم فيقولون لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك فقال فأتموها لله و لا تخلطوهما بشيء آخر وقال غيره كانت العرب تقصد مع الحج الإجتماع والتظاهر و التنافر والتفاخر وحضور الأسواق 149 وقضاء الحوائج فأمر الله تعالى بالقصد إليه خالصا وفي تفسير الإتمام أقوال أخرى ليست من غرض هذا الكتاب
109 - قوله تعالى فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه الآية 196
أسند الواحدي من طريق ابن الأصبهاني عن عبد الله بن معقل عن كعب بن عجرة قال في نزلت هذه الآية فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه وقع القمل في رأسي فذكرت ذلك للنبي فقال احلق وافد بصيام ثلاثة أيام أو النسك أو أطعم ستة مساكين وفي لفظ قعدت إلى كعب بن عجرة في هذا المسجد مسجد الكوفة فسألته عن هذه الآية ففدية من صيام أو صدقة أو نسك قال حملت إلى رسول الله و القمل يتناثر على وجهي فقال ما كنت أرى أن الجهد بلغ بك هذا أما تجد 150 شاة فقلت لا فنزلت الآية ففدية من صيام أو صدقة أو نسك قال صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين كل مسكين نصف صاع من طعام فنزلت في خاصة ولكم عامة
وفي لفظ له من هذا الوجه خرجنا مع رسول الله محرمين فوقع القمل في رأسي و لحيتي وشاربي حتى وقع في حاجبي وفيه فقال ادع الحالق فجاء الحالق فحلق رأسي فقال هل تجد نسيكة قلت لا وهي شاة قال فصم ثلاثة أيام أو أطعم ثلاثة آصع ستة مساكين فأنزلت في خاصة وهي للناس عامة
ومن طريق مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال قال كعب بن عجرة في نزلت هذه الآية أتيت رسول الله فقال ادنه فدنوت منه مرتين أو ثلاثا قال أتؤذيك هوامك قال نعم فأمرني بصيام أو بصدقة أو نسك ما تيسر
ومن وجه آخر عن مجاهد عن ابن أبي ليلى عن كعب قال مر به رسول الله وهو يوقد تحت قدر له وهو بالحديبية فقال أتؤذيك هوام رأسك
قال نعم قال احلق فأنزلت هذه الآية قال فالصيام ثلاثة أيام و الصدقة فرق بين ستة مساكين و النسك شاة قلت حديث كعب بن عجرة في الصحيحين ومن ألفاظه مما لم يذكر في هذه الطريق ما ذكره مسلم في رواية لعبد الله بن معقل لكل مسكين نصف صاع نصف صاع كررها مرتين
وفي رواية لعبد الكريم الجزري عن مجاهد أي ذلك فعلت أجزاك ولأبي داود في رواية إن شئت وإن شئت
وفي رواية لمجاهد عند الطبري ونحن محرومون وقد حصرنا المشركون
وفي رواية لعبد الله 151 بن معقل أتجد شاة قال لا قال فصم أو
أطعم
وفي رواية لعطاء الخراساني عند مالك صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين قال وكان علم انه ليس عندي ما أنسك به أي ما أذبحه
تكميل نقل ابن عبد البر عن أحمد بن صالح المصري المعروف بابن الطبري الحافظ أنه قال حديث كعب بن عجرة سنة معمول بها لم يروها من الصحابة غيره ولا رواها عنه إلا عبد الرحمن بن أبي ليلى و عبد الله بن معقل وهي سنة أخذها أهل المدينة عن أهل الكوفة فإن الزهري قال سألت علماءنا كلهم حتى سعيد بن المسيب فلم يبينوا كم عدد المساكين انتهى
وفيما قال نظر فقد جاءت هذه السنة من رواية
1 - عبد الله بن عمرو بن العاص
2 - وأبي هريرة
3 - و عبد الله بن عمر
4 - وفضالة الأنصاري عن صحابي لم يسم
فحديث ابن عمرو عند الطبري و الطبراني و حديث أبي هريرة عند سعيد بن منصور و حديث ابن عمر عند الطبري وكذا حديث فضالة
ورواه عن كعب بن عجرة غير ابن أبي ليلى وابن معقل جماعة منه أبو وائل
عند النسائي و محمد بن كعب القرظي عند ابن ماجة و يحيى بن جعدة عند أحمد و وعطاء عند الطبري وأرسله أبو قلابة و الشعبي عن كعب و هو عند أحمد أيضا و مجاهد عند الطبري ولفظ الشعبي عن كعب أن النبي مر به وهو محرم وله وفرة وبأصل كل شعرة وبأعلاها قملة أو صؤاب فقال إن هذا الأذى الحديث
وأخرجه عبد بن حميد و الطبري أيضا و لفظ عطاء لما كان النبي بالحديبية عام حبسوا بها 152 و قمل رأس رجل من أصحابه يقال له كعب بن عجرة فقال له النبي أتؤذيك هوامك قال نعم قال فاحلق و اجزز و فيه أطعم ستة مساكين مدا مدا
110 - قوله ز تعالى فمن تمتع بالعمرة إلى الحج الآية 196
قال عبد بن حميد ثنا أبو نعيم ثنا محمد بن شريك عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال كان أهل الجاهلية إذا حجوا قالوا إذا عفا الأثر و تولى الدبر و دخل صفر حلت العمرة لمن اعتمر فأنزل الله تعالى فمن تمتع بالعمرة إلى الحج تغييرا لما كان أهل الجاهلية يصنعون و ترخيصا للناس
وأصله في الصحيح من حديث ابن عباس دون ذكر نزول الآية ولفظه من طريق طاووس عنه قال كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض ويجعلون المحرم صفر و يقولون إذا برأ الدبر و عفا الأثر وانسلخ صفر حلت
العمرة لمن اعتمر فقدم النبي و أصحابه صبيحة رابعة مهلين بالحج فأمرهم أن يجعلوها عمرة
111 - قوله ز تعالى ولا جدال في الحج 197
أسند الطبري عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال كانوا يقفون مواقف مختلفة يتجادلون كلهم يدعي أن موقفه إبراهيم فقطعه الله حين أهل نبيه بالمناسك
ومن طريق أبي صخر عن محمد بن كعب قال كانت قريش إذا اجتمعت بمنى قال هؤلاء حجنا أتم من حجكم فنزلت
ومن طريق القاسم بن محمد الجدال في الحج أن يقول قوم الحج اليوم
ويقوم قوم الحج غدا
و يجمع هذه الأقوال أن المراد بالجدال التنازع وذهب الجمهور إلى أنها عامة في جميع ما يصدق عليه اسم المخاصمة
ونقل ابن ظفر إن المراد بالجدال مراجعتهم للنبي لما أمرهم أن يجعلوا حجهم عمرة و هذا ذكره قبله مقاتل بن سليمان
112 - قوله تعالى وتزودوا فإن خير الزاد التقوى 197
1 - أسند الواحدي من طريق البخاري ثم من طريق ورقاء عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس قال كان أهل اليمن يحجون و لا يتزودون يقولون نحن المتوكلون فإذا قدموا مكة سألوا الناس فأنزل الله عز و جل وتزودوا فإن خير الزاد التقوى
قلت ووصله عبد بن حميد عن شبابة و كذا أخرجه أبو داود و الطبري من طريق شبابة
وقال البخاري بعده رواه ابن عيينة عن عمرو عن عكرمة مرسلا
وكذا أخرجه عبد الرزاق و غير واحد عن ابن عيينة ليس فيه ابن عباس
ورواه بعض أصحاب 153 ابن عيينة عنه موصولا وهو عند النسائي
وأخرج الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس كان ناس يخرجون من أهليهم ليست معهم أزودة يقولون نحج بيت الله و لا يطعمنا فقال الله تزودوا ما يكف وجوههم عن الناس
وأخرجه عبد الرزاق أيضا عن معمر عن قتادة كان أناس من أهل اليمن يخرجون بغير زاد إلى مكة فأمرهم الله أن يتزودوا و أعلمهم أن خير الزاد التقوى
وعن عمر بن ذر سمعت مجاهدا يقول نحوه وقال رخص لهم في الزاد فأنزل وتزودوا
وأخرج الطبري من طريق عمر بن ذر عن مجاهد كان الحاج لا يتزود فنزلت
وفي لفظ كانوا يحجون ولا يتزودون فنزلت
وأخرج الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في هذه الآية قال كان أهل الآفاق يخرجون إلى الحج يتوصلون بالناس بغير زاد فأمروا أن يتزودوا
وأخرجه الطبري من هذا الوجه وزاد و يقولون نحن متوكلون
ومن طريق الحسن البصري إن ناسا من أهل اليمن كانوا يحجون ويسافرون ولا يتزودون فأمرهم الله بالزاد ثم أنبأهم أن خير الزاد التقوى
ومن طريق مغيرة عن إبراهيم كان ناس من الأعراب يحجون بغير زاد و يقولون نتوكل على الله فنزلت
وقال مقاتل إن ناسا من أهل اليمن و غيرهم و كانوا يحجون بغير زاد وكانوا يصيبون من أهل الطريق ظلما فنزلت
2 - قول ز آخر أخرج الطبري من طريق محمد بن سوقة عن نافع عن ابن عمر كانوا إذا أحرموا و معهم أزودة رموا بها و استأنفوا زادا آخر فأنزل الله تعالى وتزودوا فنهوا عن ذلك و أمروا أن يتزودوا 154 الكعك و الدقيق و السويق وهذا
سند صحيح
113 - قوله ز تعالى فإن خير الزاد التقوى 197
قال مقاتل لما نزلت وتزودوا قالوا يا رسول الله ما نجد شيئا فقال تزودوا تكفون به وجوهكم عن الناس و خير ما تزودتم التقوى
و ذكر ابن ظفر حديث ابن عباس المذكور أولا وزاد قال غيره و ربما ظلموهم و غصبوهم رواه عكرمة وجاء ما يشبهه عن مجاهد و الضحاك قال و قد شذ بعض العلماء فقال معناه تزودوا التقوى قال و المشهور من قول المفسرين أنه التزود بالمطعومات
114 - قوله تعالى ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم 198
1 - أسند الواحدي من طريق أبي أمامة التيمي سألت ابن عمر فقلت إنا
قوم نكرى في هذا الوجه وإن قوما يزعمون أنه لا حج لنا قال ألستم تلبون ألستم تطوفون ألستم تسعون بين الصفا و المروة ألستم ألستم قلت بلى قال إن رجلا سأل النبي عما سألت عنه فلم يدر ما يرد عليه حتى نزل ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم
قلت
أخرجه أحمد وأبو داود و ابن خزيمة والدار قطني من طريق العلاء ابن المسيب و غيره عن أبي أمامة رجل من بني تيم الله مرفوعا
و أخرجه الطبري من طريق الثوري عن العلاء بن المسيب عن رجل من بني تيم الله قال جاء رجل إلى عبد الله بن عمر فقال يا أبا عبد الرحمن
أنا قوم نكرى فيزعمون أنه ليس لنا حج فذكر نحو الأول و فيه ألستم تحرمون كما يحرمون و تطوفون كما يطوفون و ترمون كما يرمون قال بلى قال فأنت حاج 155 جاء رجل إلى النبي فذكره
وأخرجه عبد بن حميد من طريق شعبة عن أبي أميمة قال سمعت ابن عمر سئل عن الرجل يحج فيتجر فقال لا بأس بذلك وتلا ليس عليكم جناح ان تبتغوا فضلا من ربكم موقوف
قلت وهذا يوافق القول الذي يذكر بعده
وقال عبد بن حميد حدثنا أبو نعيم ثنا عمر بن ذر عن مجاهد كان ناس يحجون و لا يتجرون فنزلت ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فرخص لهم في المتجر و الركوب و الزاد
2 - قول آخر أسند الواحدي من طريق ابن جريج عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال كان ذو المجاز و عكاظ متجر الناس في الجاهلية فلما جاء الإسلام كأنهم كرهوا ذلك حتى نزلت ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم
الحج
قال ورواه مجاهد عن ابن عباس قال كانوا يتقون البيع و التجارة في الحج يقولون أيام ذكر الله تعالى فأنزل الله تعالى ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فتجروا
قلت أخرج طريق عمرو البخاري من رواية ابن جريج به و من رواية سفيان ابن عيينة عن عمرو وزاد فيه و مجنة وهي بفتح الميم و كسر الجيم و تشديد النون و قال في روايته فتأثموا أن يتجروا في المواسم فنزلت و الباقي مثله
و أخرج طريق مجاهد أبو داود من رواية يزيد بن أبي زياد عنه و لفظه كانوا لا يتجرون بمنى فأمروا بالتجارة إذا أفاضوا من عرفات و قرأ هذه الآية ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم
وأخرجه الفريابي من هذا الوجه و أخرجه 156 الطبري أيضا
حدثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أحلت لهم التجارة في الموسم و كانوا لا يبتاعون في الجاهلية بعرفة ولا منى لم ذكر فيه ابن عباس و كذا أخرجه ابن جرير من طريق عمر بن ذر عن مجاهد و زاد في رواية وكانوا لا يبيعون و لا يبتاعون في
الجاهلية بعرفة
وأخرج عبد بن حميد من طريق هشام بن حسان عن الحسن البصري قال لما فرض الله الحج كان الرجل يكره أن يدخل في حجه تجارة و كانت قريش تجارا فشق ذلك عليهم فذكروا ذلك للنبي فأنزلت هذه الآية ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فمن شاء حمل و من شاء ترك
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد من طريق محمد بن سوقة عن سعيد بن جبير قال
كان التجار يسمون الداج و كانوا ينزلون مسجد منى و ينزلون مسجد الخيف و كانوا لا يتجرون حتى نزلت الآية
و أخرج عبد بن حميد من طريق عكرمة
كان الناس لا يتجرون في أيام الحج فأنزل الله ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم و ذكره عن ابن عباس
3 - قول آخر قال عبد الرزاق أنا معمر عن قتادة كانوا إذا أفاضوا من عرفات لم يشتغلوا بتجارة و لم يعرجوا على كسير و لا ضالة فأحل لهم ذلك بقوله تعالى ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم
وأخرجه الطبري من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال كان هذا الحي من العرب لا يعرجون على كسير و لا على ضالة ليلة النفر و كانوا يسمونها ليلة الصدر و لا يطلبون فيها تجارة و لا بيعا فأحل الله ذلك كله للمؤمنين أن يعرجوا 157 على حوائجهم و يبتغوا من فضل ربهم ومن طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس مثله سواء و زاد بعد قوله ضالة و لا ينتظرون لحاجة
115 - قوله تعالى ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس الآية 199
1 - أسند الواحدي من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة كانت العرب تفيض من عرفات و قريش ومن دان بدينها تفيض من جمع من المشعر الحرام فأنزل الله تعالى ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس
ومن طريق سفيان بن عيينة أخبرني عمرو بن دينار أخبرني محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال أضللت بعيرا لي يوم عرفة فخرجت أطلبه بعرفة فرأيت رسول الله واقفا مع الناس بعرفة فقلت هذا من الحمس ما له ها هنا قال سفيان و الأحمس الشديد الشحيح على دينه و كانت قريش تسمى الحمس فجاءهم الشيطان و استهواهم فقال إنكم أن عظمتم غير حرمكم استخف الناس بحرمكم فكانوا لا يخرجون من الحرم و يقفون بالمزدلفة فلما جاء الإسلام أنزل الله ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس يعني عرفة
قلت أما حديث عائشة فأخرجه البخاري و لفظه من طريق محمد بن خازم بمعجمتين وهو أبو معاوية الضرير عن هشام و لفظه يقفون بالمزدلفة و كانوا يسمون الحمس و كانت سائر العرب تقف بعرفات فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه أن يأتي عرفات ثم يقف بها ثم يفيض منها فذلك قوله تعالى ثم أفيضوا من
حيث أفاض الناس و لفظ مسلم من طريق أبي أسامة 158 كانت العرب تطوف بالبيت عراة إلا الحمس و الحمس قريش و ما ولدت كانوا يطوفون عراة إلا أن تعطيهم الحمس ثيابا فيعطي الرجال الرجال و النساء النساء و كانت الحمس لا يخرجون من المزدلفة و كان الناس كلهم يبلغون عرفات قالت عائشة الحمس هم الذين أنزل الله فيهم ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس
وأخرجه عبد بن حميد من طريق معمر عن هشام فزاد و عن معمر عن الزهري كان الناس يقفون بعرفة بعرفة إلا قريشا و أحلافها و هم الحمس فقال بعضهم لبعض لا تعظموا إلا الحرم فإنكم إن عظمتم غير الحرم أوشك أن يتهاون الناس بحرمكم فقصروا عن موقف الحق فوقفوا بحمع فأمرهم الله أن يفيضوا من حيث أفاض الناس
و أخرج ابن جرير من طريق أبان العطار عن هشام بن عروة عن عروة أنه كتب إلى عبد الملك بن مروان و الحمس ملة قريش و هم مشركون ومن ولدت قريش في خزاعة و بني كنانة كانوا لا يدفعون من عرفة إنما كانوا يدفعون من المزدلفة و هو المشعر الحرام و كانت بنو عامر حمسا و ذلك أن قريشا ولدتهم و لهم قيل ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس
واما حديث جبير بن مطعم فأخرجه الشيخان أيضا
ولفظ بن أبي عمر في مسنده عن سفيان هذا من الحمس فماله خرج من الحرم قال سفيان و كانت قريش تسمى الحمس و كانت لا تجاوز الحرم و يقولون نحن اهل الله فلا نخرج من حرمه و كان سائر الناس يقفون بعرفة وذلك قول الله عز و جل ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس قال سفيان و الآحمس الشديد في دينه
وأخرج عبد بن حميد من طريق عطاء 159 عن جبير بن مطعم قال كنت مع قريش في منزلهم دون عرفة فأضللت حماري فذهبت أطلبه في الناس الذين بعرفة فوجدت رسول بعرفة قال عطاء و كانت قريش ينزلون دون عرفة و كان سائر أهل الجاهلية ينزلون بعرفة فذلك قول الله تعالى ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس من عرفات ومن طريق شيبان بن عبد الرحمن عن قتادة كانت قريش وكل من حولهم من أجير وحليف لا يفيضون مع الناس من عرفات إنما يفيضون من المغمس كانوا
يقولون إنما نحن أهل الله فلا نخرج من حرمه فأمرهم الله أن يفيضوا من حيث أفاض الناس و كانت سنة إبراهيم وإسماعيل الإفاضة من عرفات
وأخرجه ابن جرير من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة و قال في روايته كل حليف لهم و بني أخت لهم
وأخرجه من طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس نحوه سواء
وأخرج الطبري من طريق حسين بن عبد الله عن عكرمة عن ابن عباس كانت العرب تقف بعرفة و كانت قريش تقف دون ذلك بالمزدلفة فأنزل الله تعالى ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس فدفع النبي الموقف إلى موقف العرب بعرفة
ومن طريق ابن إسحاق عن ابن أبي نجيح كانت قريش لا أدري قبل الفيل أو بعده ابتدعت أمر الحمس رأيا رأوه بينهم فقالوا نحن بنو إبراهيم
واهل الحرم و البيت و قاطنو مكة فليس لأحد من العرب مثل حقنا و لا مثل منزلنا و لا تعرف له العرب مثل ما تعرف لنا فلا تعظموا شيئا من الحل كما تعظمون الحرم فإنكم إن فعلتم ذلك استخفت 160 العرب حرمكم و قالوا قد عظموا من الحل مثل ما عظموا من الحرم فتركوا الوقوف على عرفة و الإفاضة منها و هم يعرفون أنها من المشاعر في دين إبراهيم و يرون لسائر العرب أن يقفوا عليها و أن يفيضوا منها و قالوا نحن أهل الحرم فلا ينبغي لنا أن نخرج من الحرم ثم جعلوا لمن ولدوا من العرب من ساكني الحل مثل الذي لهم بولادتهم إياهم فيحل لهم ما يحل لهم و يحرم عليهم ما يحرم عليهم فكانت كنانة و خزاعة قد دخلوا معهم في ذلك ثم ابتدعوا في ذلك أمورا لم تكن حتى قالوا لا ينبغي للحمس أن يأتقطوا الأقط ولا يسلوا السمن وهم حرم ولا يدخلوا بيتا من شعر ولا يستظلوا أن استظلوا إلا في بيوت الأدم ما كانوا حراما
2 - قول ز آخر قال الطبري قال آخرون المخاطب بذلك المسلمون كلهم
والمراد بقوله أفاض أي من جمع والناس إبراهيم عليه السلام
ثم أسنده عن الضحاك بن مزاحم كذلك ورجح الطبري الأول
قلت أخرج البخاري من طريق موسى بن عقبة عن كريب عن ابن عباس قال
يطوف الرجل بالبيت الحديث و فيه ثم ليدفعوا من عرفات إذا أفاضوا منها حتى يبلغوا جمعا الذي يبيتون به ثم ليذكروا الله فيكبروا قبل أن يصبحوا ثم يفيضوا فإن الناس كانوا يفيضون و قال الله تعالى ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس من مزدلفة
116 - قوله تعالى فإذا 161 قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم الآية 200
1 - قال الواحدي قال مجاهد كان أهل الجاهلية إذا اجتمعوا في الموسم ذكروا فعل آبائهم في الجاهلية و أيامهم و أنسابهم و تفاخروا فأنزل الله تعالى فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا
قال وقال الحسن يعني البصري
كانت العرب إذا حدثوا أو تكلموا يقولون وأبيك أنهم ليفعلون كذا فأنزل الله تعالى هذه الآية
أما قول مجاهد فأخرجه الفريابي و عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عنه و لفظه فإذا قضيتم مناسككم هو إراقة الدماء فاذكروا الله كذكركم آباءكم تفاخر العرب بينها بفعال آبائها حين يفرغون يوم النحر فأمروا أن يذكروا الله مكان ذلك
وأخرجه عبد بن حميد من وجه آخر عن مجاهد قال كان أهل الجاهلية من المشركين إذا اجتمعوا في الموسم ذكروا فعال آبائهم وأنسابهم في الجاهلية فتفاخروا بذلك
ومن طريق معمر عن قتادة كانوا إذا قضوا مناسكهم اجتمعوا فذكروا آباءهم و أيامهم فأمروا أن يجعلوا مكان ذلك ذكرا الله كثيرا
وأخرجه عبد بن حميد من رواية شيبان عن قتادة كان هذا الحي من العرب إنما يهتمون في ذكر آبائهم هو حديث محدثهم إذا حدث و به يقوم خطيبهم إذا خطب فأنزل الله تعالى كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا
وأخرج الطبري والفاكهي من طريق القاسم بن عثمان عن انس في هذه الآية قال كانوا يذكرون آباءهم في الحج يقول بعضهم كان أبي يطعم الطعام و يقول بعضهم كان أبي يضرب بالسيف و يقول بعضهم كان أبي يجز نواصي بني
فلان
162 - زاد الفاكهي و يقوم من كل قبيلة شاعرهم و خطيبهم فيقول فينا فلان و فينا فلان و لنا يوم كذا و دفعنا بني فلان يوم كذا ثم يقوم الشاعر فينشد ما قيل فيهم من الشعر ثم يقول من يفاخرنا فليأت بمثل فخرنا فمن كان يريد المفاخرة من القبائل قام فذكر مثالب تلك القبيلة وما فيها من المساوئ فكان ذلك من شأنهم حتى جاء الله بالإسلام وأنزل على نبيه في كتابه فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله بذكركم آباءكم يعني دعوا هذه المفاخرة واذكروا الله
وأخرج الطبري والفاكهي أيضا من طريق سفيان عن عاصم بن بهدلة عن أبي وائل كان أهل الجاهلية يذكرون فعال آبائهم في الناس فمن الناس من يقول آتنا غنما هب لنا إبلا فنزلت فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق
وقال الطبري أيضا حدثنا أبو كريب ثنا أبو بكر بن عياش قال كان
أهل الجاهلية إذا فرغوا من الحج قاموا عند البيت فيذكرون آباءهم و أيامهم كان أبي يطعم الطعام وكان أبي يفعل فذلك قوله فاذكروا الله كذكركم آباءكم قال أبو كريب فذكرته ليحيى بن آدم فقلت عمن هو فقال حدثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم عن أبي وائل
ورد قيس بن الربيع عن عاصم بلفظ كان أهل الجاهلية إذا نظر أحدهم إلى البيت يقول كان ابي كان جدي يقاتل يطعم يفعل يفعل يعد من ذلك ما شاء الله ثم يقول اللهم آتني إبلا اللهم آتني غنما فقال الله تعالى فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا
وأخرج الطبراني في كتاب الدعاء من طريق أبي سعد البقال عن أبي عون الثقفي قال شهدت خطبة 163 عبد الله بن الزبير فذكر قصة طويلة و فيها و كانوا إذا فرغوا من حجهم تفاخروا بالآباء فأنزل الله عز و جل فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا
وأبو سعد اسمه سعيد بن المرزبان وهو ضعيف
ونقل ابن ظفر عن مقاتل و غيره كانوا إذا فرغوا من المناسك وقفوا بين مسجد منى و الجبل فافتخروا بمكارم آبائهم و عن ابن عباس قال هم والله المشركون يسألون الله المال و يقولون اللهم اسقنا المطر و أعطنا لي عدونا الظفر و لا يسألون حظا في الآخرة فإذا فرغوا من حجهم تفاخروا بالآباء فأنزل الله عز و جل هذه الآية
2 - قول آخر أخرج الطبري من طريق شعبة عن عثمان بن أبي رواد عن عطاء أنه قال في هذه الآية كذكركم قال هو قول الصبي يا بابا
ومن طريق ابن جريج قال عطاء ذكركم آباءكم أبه أمه
ومن طريق أخرى عن عطاء كالصبي يلهج بأبيه و أمه
ومن طريق جويبر عن الضحاك فاذكروا الله كذكركم آباءكم يعني بالذكر ذكر الأبناء الآباء ومن طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس نحوه
ومن طريق العوفي عن ابن عباس كذلك
3 - قول آخر ذكر ابن ظفر عن أبي الحوراء قلت لابن عباس في هذه الآية
إن الرجل ليمر عليه اليوم وما يذكر أباه فقال ليس بذلك يقول أن تغضب لله عز و جل إذا عصي غضبك إذا ذكر والدك بسوء
117 - قوله تعالى فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنياو ما له في الآخرة من خلاق 200
164 - أخرج الطبراني في الدعاء من طريق أبي سعد البقال أحد الضعفاء عن أبي عون محمد بن عبيد الله الثقفي قال شهدت خطبة عبد الله بن الزبير فذكر قصة طويلة و فيها إذا وكانوا إذا وقفوا عند المشعر الحرام دعوا فقال
أحدهم اللهم ارزقني مالا و قال الآخر اللهم ارزقني إبلا و قال الآخر ارزقني غنما فأنزل الله تعالى فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا إلى قوله و الله سريع الحساب
وأخرج الطبري من طريق القاسم بن عثمان عن أنس في قوله تعالى فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا و ما له في الآخرة من خلاق قال كانوا يطوفون بالبيت عراة فيدكون و يقولون اللهم اسقنا المطر و أعطنا على عدونا الظفر و ردنا صالحين إلى صالحين
ومن طريق مجاهد كانوا يقولون ربنا آتنا نصرا ورزقا و لا يسألون لآخرتهم شيئا ومن طريق السدي نحوه وقال مقاتل كانوا إذا قضوا مناسكهم قالوا اللهم أكثر أموالنا و أبناءنا و مواشينا و أطل بقاءنا و أنزل علينا الغيث و أنبت لنا المرعى واصحبنا في أسفارنا و أعطنا الظفر على عدونا و لا يسألون ربهم في أمر آخرتهم شيئا فنزلت
وأخرج الطبري من طريق خصيف عن سعيد بن جبير و عكرمة قالا كانوا يذكرون فعل آبائهم في الجاهلية إذا وقفوا بعرفة فنزلت هذه الآية
ومن طريق عبد الله بن كثير عن مجاهد كانت العرب يوم النحر حين يفرغون يتفاخرون بفعال آبائهم فأمروا بذكر الله عز و جل مكان ذلك
وأخرج عبد بن حميد من طريق عثمان بن عن عطاء كان أهل الجاهلية إذا نزلوا منى تفاخروا بآبائهم و مجالسهم فقال هذا فعل أبي كذا و كذا و قال هذا فعل أبي كذا و كذا فنزلت
ومن طريق طلحة بن عمر عن عطاء كان اهل الجاهلية يتناشدون الأشعار يذكرون فيها آباءهم يفخر بعضهم على بعض فنزلت
وسيأتي عن عطاء خلاف هذا
ومن طريق أسباط عن السدي كانت العرب إذا قضت مناسكها وأقاموا بمنى يقوم الرجل فيسأل الله اللهم أن أبي كان عظيم الجفنة عظيم القبة كثير المال فأعطني
مثل ما أعطيت أبي ليس يذكر الله إنما إنما يذكر أباه و يسأل أن يعطي في الدنيا أخرجه الفريابي عنه
118 - قوله تعالى ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا الآية 204
1 - قال الواحدي قال السدي نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي وهو حليف بني زهرة أقبل إلى النبي بالمدينة فأظهر له الإسلام وأعجب النبي ذلك منه و قال إنما جئت أريد الإسلام و الله يعلم أنني صادق و ذلك قوله ويشهد الله على ما في قلبه ثم خرج من عند النبي فمر بزرع لقوم من المسلمين و حمر165 فأحرق الزرع و عقر الحمر فأنزل الله تعالى فيه و إذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها و يهلك الحرث و النسل
قلت أسند بعضه الطبري من رواية أسباط عن السدي قال في قوله ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا الآيتين نزلتا في الأخنس
وقال عبد بن حميد حدثنا يعلى هو ابن عبيد سمعت الكلبي يقول كنت جالسا بمكة فسألني رجل عن هذه الآية فقلت نزلت في الأخنس فلما قمت تبعني
شاب من ولده فقال إن القرآن إنما أنزل في أهل مكة فإن رأيت أن لا تسمي أحدا حتى تخرج منها فافعل
وعزاه الثعلبي للسدي و الكلبي و مقاتل و ساقه مطولا بلفظ مقاتل و ساق مقاتل نسب الأخنس إلى ثقيف و نسب أمه ريطة إلى بني عامر بن لؤي قال و كان عديد بني زهرة و كان يأتي النبي بالمدينة فيخبره أنه يحبه
2 - قول ز آخر أخرج الطبري من طريق ابن إسحاق بسنده المتكرر إلى ابن عباس
قال لما أصيبت السرية أصحاب خبيب بالرجيع بين مكة و المدينة قال رجال
من المنافقين يا ويح هؤلاء المقتولين الذين هلكوا لا هم قعدوا في بيوتهم و لا هم أدوا رسالة صاحبهم فأنزل الله في ذلك ومن الناس من يعجبك إلى قوله على ما في قلبه أي من النفاق وهو ألد الخصام أي ذو جدال إذا كلمك وراجعك وإذا تولى أي خرج من عندك إلى قوله المهاد وأنزل في السرية المذكورة ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله الآية
وفي لفظ من هذا الوجه لما أصيبت السرية التي كان فيها عاصم و مرثد بالرجيع قال رجال من المنافقين فذكر نحوه
ومن طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس 166 في هذه الآية ومن الناس من يعجبك قوله قال هذا عبد كان حسن القول سيء العمل كان يأتي رسول الله فيحسن له القول فإذا خرج سعى في الأرض ليفسد فيها
ومن طريق أبي معشر سمعت سعيدا المقبري يذاكر محمد بن كعب
فقال إن في بعض الكتب إن لله عبادا ألسنتهم أحلى من العسل و قلوبهم أمر من الصبر الحديث فقال محمد بن كعب هذا في كتاب الله تعالى ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا الآية فقال سعيد قد عرفت فيمن أنزلت هذه الآية فقال محمد بن كعب إن الآية لتنزل في الرجل ثم تكون عامة بعد
ومن طريق سعيد بن أبي هلال عن محمد بن كعب القرظي عن نوف و كان يقرأ الكتب فذكر نحو صدر الحديث قال
فقال محمد بن كعب تدبرتها في القرآن فإذا هم المنافقون فوجدتها ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا الآية
ومن طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال
نزلت في رجل كان يأتي إلى النبي فيقول أي رسول الله أشهد أنك جئت بالحق و الصدق من عند الله حتى يعجب النبي بقوله ثم يقول وأيم الله يا رسول الله إن الله ليعلم أن الذي في قلبي على ما نطق به لساني قال و ذلك قوله ويشهد الله على ما في قلبه
وساق الثعلبي قصة سرية الرجيع فقال و قال ابن عباس و مقاتل نزلت في سرية الرجيع و ذلك أن كفار قريش بعثوا إلى رسول الله إنا أسلمنا فابعث إلينا نفرا من علماء أصحابك يعلموننا وكان ذلك مكرا منهم فبعث إليهم خبيب بن عدي ومرثد بن أبي مرثد و غيرهما فذكر القصة 167 مطولة و قوله فيها إن قريشا هم الذين بعثوا في ذلك منكر مردود و القصة في الصحيح و المغازي لموسى بن عقبة و ابن إسحاق لغير قريش و ذلك أشهر من أن يستدل عليه
119 - قوله تعالى وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم 206
قال الطبري اختلف في من عني به فقيل هو الأخنس و قائل ذلك جعل الضمير لمن قيل في حقه يعجبك قوله و قد تقدم بيان من قال أنه الأخنس و قيل عني بها كل فاسق ومنافق وأورد ما يشعر بذلك عن علي و ابن عباس
وقال الثعلبي في سياقه قصة الرجيع جاء رجل من المشركين يقال له سلامان أبو ميسرة ومعه رمح فوضعه بين ثديي خبيب بن عدي فقال له خبيب اتق الله فما زاده ذلك إلا عتوا فأنفذه فنزلت
قلت و هذا أيضا منكر فإن الذي في الصحيح ان الذي قتل خبيبا هو أبو سروعة بن الحارث النوفلي
120 - قوله تعالى ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله 207
1 - قال الواحدي قال سعيد بن المسيب أقبل صهيب مهاجرا نحو النبي فاتبعه نفر من قريش من المشركين فنزل عن راحلته و نثر ما في كنانته
وأخذ قوسه ثم قال يا معشر قريش لقد علمتم أني من أرماكم رجلا وأيم الله لا تصلون إلى حتى أرمي بما في كنانتي ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي منه شيء ثم افعلوا ما شئتم فقالوا دلنا على بيتك ومالك بمكة ونخلي عنك و عاهدوه إن دلهم أن يدعوه ففعل فلما قدم على النبي قال
ربح البيع أبا يحيى ربح البيع فأنزل الله تعالى ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء 168 مرضات الله
قلت أخرجه ابن أبي خيثمة من طريق علي بن زيد عن سعيد بن المسيب مرسلا
وأخرج الطبري من تفسير سنيد بن داود من رواية ابن جريج عن عكرمة قال أنزلت في صهيب بن سنان وأبي ذر الغفاري جندب بن السكن أخذ أهل أبي ذر أبا ذر فانفلت منهم فقدم على النبي مهاجرا فعرضوا له و كانوا بمر
الظهران فانفلت أيضا حتى قدم المدينة و أما صهيب فأخذه أهله فافتدى منهم بماله ثم خرج مهاجرا فأدركه قنفذ بن عمير بن جدعان فخرج له ما بقي من ماله فخلى سبيله
ومن طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس قال كان رجل من أهل مكة أسلم فأراد أن يهاجر فتبعوه و حبسوه فذكر القصة بطولها بنحوه و لم يسم صهيبا
وأخرج الطبراني من طريق ابن جريج نحو رواية سنيد لكن لم يذكر فيه عكرمة
ثم قال الواحدي و قال المفسرون أخذ المشركون صهيبا فعذبوه فقال لهم صهيب إني شيخ كبير لا يضركم أمنكم كنت أم من غيركم فهل لكم أن تأخذوا مالي و تذروني و ديني ففعلوا ذلك و كان قد شرط عليهم راحلة و نفقة فخرج إلى المدينة فتلقاه أبو بكر و عمر في رجال فقال أبو بكر ربح البيع أبا يحيى فقال
صهيب و بيعك فلا يخسر و ما ذاك
قال أنزل الله تعالى فيك كذا وقرأ عليه الآية
قلت هو سياق مقاتل لكن في آخره ان الذي لقيه أبو بكر إلى آخر كلامه
2 - قول آخر نقل الثعلبي عن ابن عباس و الضحاك نزلت في الزبير و المقداد حين أنزلا 169 خبيب بن عدي من خشبته التي صلب عليها و قال أكثر المفسرين نزلت في صهيب
3 - قول ز آخر قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال هم المهاجرون و الأنصار وأخرجه عبد بن حميد من طريق شيبان عن قتادة أتم منه
4 - قول آخر قال الواحدي و قال الحسن أتدرون فيمن نزلت هذه الآية نزلت في أن المسلم لقي الكافر فقال له قل لا إله إلا الله فإذا قلتها
عصمت فأبى أن يقولها فقال المسلم و الله لأشرين نفسي لله فتقدم فقاتل حتى قتل
5 - قول آخر قال الواحدي و قيل نزلت في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر
قال الواحدي و قال أبو الخليل سمع عمر ابن الخطاب إنسانا يقرأ هذه الآية فقال عمر أنا لله قام رجل يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر فقتل
قلت أسنده عبد بن حميد عن محمد بن بكر عن زياد أبي عمر سمعت أبا الخليل صالحا يقول
سمع عمر رجالا فذكر مثله لكن قال فاسترجع فقال إنا لله وإنا إليه راجعون و في السند انقطاع
وأخرج الطبري من رواية أبي رجاء العطاردي عن علي نحوه
6 - وقال الثعلبي رأيت في بعض الكتب أنها نزلت في علي بن أبي طالب لما نام في فراش النبي بعد أن هاجر يقيه بنفسه و ساق القصة مطولة ثم ساقها بسند له إلى الحكم بن ظهير أحد الهلكى وممن رمي بالرفض عن السدي قال قال ابن عباس نزلت في علي حين خرج النبي إلى الغار الحديث
121 - قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة الآية 208
أخرج الواحدي من تفسير عبد الغني الثقفي 170 بسنده إلى عطاء عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية في عبد الله بن سلام و أصحابه و ذلك أنهم حين آمنوا بالنبي قاموا بشرائعه و شرائع موسى فعظموا السبت و كرهوا لحمان الإبل و ألبانها فأنكر ذلك عليهم المسلمون فقالوا إنا نقوم على هذا و على هذا وقالوا للنبي إن التوراة كتاب الله فدعنا فلنقم بها فأنزل الله تعالى يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة
أقسام الكتاب
1 2 3