كتاب : الأحرف السبعة للقرآن
المؤلف : الداني أبو عمرو

روايات حديث نزول القرآن على سبعة أحرف
[ حدثنا فارس بن محمد بن حلف المالكي قال نا عبد الله بن أبي هاشم قال نا عيسى بن مسكين قال نا سحنون بن سعيد قال حدثنا عبد الرحمن بن القاسم قال نا مالك بن أنس قال نا ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القاري قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول سمعت هشام بن الحكيم يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها عليه وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم أقرأبيها فكدت أن أعجل عليه ثم أمهلته حتى انصرف ثم لببته بردائه فجئت به رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت : يا رسول الله إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقراتنيها فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : اقرأ فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : هكذا أنزلت ثم قال لي : اقرأ فقرأت فقال : هكذا أنزلت إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه ]
[ حدثنا خلف بن إبراهيم بن محمد المقرئ قال نا أحمد بن محمد المكي قال نا علي بن عبد العزيز قال نا القاسم بن سلام قال نا عبد الله بن صالح عن الليث عن يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسم قال : أقرأني جبريل على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده حتى انتهى إلى سبعة أحرف ]
[ حدثنا فارس بن أحمد بن موسى المقرئ قال نا عبد الله بن محمد قال نا علي بن الحسين القاضي قال نا يوسف بن موسى قال نا أبو معمر عبد الله بن عمرو قال نا عبد الوارث قال نا محمد بن جحادة عن الحكم بن عتيبة عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي بن كعب قال : أتى جبريل النبي صلى الله عليه و سلم فقال : إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك على سبعة أحرف فمن قرأ منها حرفا فهو كما قرأ ]
[ حدثنا فارس بن أحمد قال نا أحمد بن محمد قال نا علي بن حرب قال نا يوسف بن موسى القطان قال نا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق عن سقير العبدي عن سليمان بن صرد عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يا أبي بن كعب إن ملكين أتياني فقال أحدهما : اقرأ القرآن على ستة أحرف فقال الآخر : زده فقلت : زدني فقال : اقرأ القرآن على سبعة أحرف ]
[ حدثنا خلف بن حمدان بن خاقان قال نا أحمد بن محمد قال نا علي بن عبد العزيز قال نا أبو عبيد نا عبد الله بن صالح عن الليث عن يزيد بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن بسر بن سعيد عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص أن رجلا قرأ / آية من القرآن فقال له عمرو بن العاص : إنما هي كذا وكذا لغير ما قرأ الرجل فقال الرجل : هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه و سلم فخرجا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أتياه فذكرا ذلك له فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن هذا القرآن نزل على سبعة أحرف بأي ذلك قرأتم أصبتم فلا تمارون في القرآن فإن مراء فيه كفر ]
[ حدثنا خلف بن إبراهيم بن محمد قال نا أحمد بن محمد قال نا علي قال نا القاسم بن سلام قال نا أبو النصر عن شيبان عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عن حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : لقيت جبريل عند أحجار المراء فقلت : يا جبريل إني أرسلت إلى أمة أمية : الرجل والمرأة والغلام والجارية والشيخ الفاني الذي لم يقرأ كتابا قط قال : إن القرآن أنزل على سبعة أحرف ]
[ حدثنا خلف بن أحمد بن هاشم قال حدثنا زياد بن عبد الرحمن قال نا محمد بن يحيى بن حميد قال نا محمد بن يحيى بن سلام قال نا أبي قال حدثنا الحسن بن دينار و حماد بن سلمة عن علي بن يزيد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه فقال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أتاني جبريل وميكائيل فقعد جبريل عن يميني وميكائيل عن يساري فقال جبريل : بسم الله ] في حديث الحسن [ وفي حديث حماد : يا محمد اقرأ القرآن على حرف فنظرت إلى ميكائيل فقال : استزده فقلت : زدني فقال بسم الله اقرأه على حرفين ثلاثة أحرف فنظرت إلى ميكائيل فقال : استزده فقلت : زدني قال : بسم الله اقرأه على خمسة أحرف فنظرت إلى ميكائيل فقال : استزده فقلت : زدني قال : بسم الله اقرأ على ستة أحرف فنظرت إلى ميكائيل فقال : استزده قلت : زدني قال : بسم الله اقرأه على سبعة أحرف ] وفي [ حديث الحسن بن دينار فنظرت إلى ميكائيل فسكت فعلمت أنه قد انتهى العدة فقال جبريل : اقرأه على سبعة أحرف كلهن شاف كاف لا يضرك كبف قرأت ما لم تختم رحمة بعذاب أو عذابا برحمة ] في حديث الحسن [ وفي حديث حماد : ما لم تختم آية رحمة بعذاب أو آية عذاب بمغفرة ]
[ حدثنا أبو الفتح شيخنا قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا علي بن حرب قال حدثنا يوسف بن موسى قال نا عفان بن مسلم قال نا حماد بن سلمة وسمعته منه قال نا علي بن زيد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : اقرأ القرآن على حرف فقال ميكائيل : استزده فقال : اقرأ على حرفين فقال ميكائيل : استزده حتى بلغ سبعة أحرف كل شاف وكاف ما لم تختم آية عذاب بآية رحمة وآية رحمة بآية عذاب وهو قولك هلم وتعال وأقبل وأسرع واذهب واعجل ]
[ حدثنا خلف بن أحمد قال نا زياد بن عبد الرحمن قال نا محمد ين يحيى قال نا محمد بن يحيى بن سلام قال نا أبي عن يزيد بن إبراهيم عن محمد بن سيرين أن عبد الله بن مسعودقال : نزل القرآن على سبعة أحرف كقولك هلم أقبل تعال ]
حدثنا الخاقاني خلف بن حمدان قال نا أحمد بن محمد قال نا علي قال حدثنا أبو عبيد قال حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث عن عقيل قال : قال ابن شهاب في الأحرف السبعة : هي في الأمر الواحد الذي لا اختلاف فيه
قال أبو عمرو : فيما ذكرناه من طرق هذا الخبر المجتمع على صحته كفاية ومقنع فأما معناه ووجهه فإني تدبرته وأنعمت النظر فيه بعد وقوفي على أقاويل المتقدمين من السلف والمتأخرين من الخلف فوجدته متعلقا بخمسة أسولة هي محيطة بجميع معانيه وكل وجوهه : فأولها : أن يقال : ما معنى الأحرف التي أرادها النبي صلى الله عليه و سلم ههنا ؟ وكيف تأويلها ؟ والثاني : أن يقال : ما وجه إنزال القرآن على هذه السبعة أحرف ؟ وما المراد بذلك ؟ والثالث : أن يقال : في أي شيء يكون اختلاف هذه السبعة أحرف ؟ والرابع : أن يقال : على كم معنى يشتمل / اختلاف هذه السبعة أحرف ؟ والخامس : أن يقال : هل هذه السبعة أحرف كلها متفرقة في القرآن موجودة فيه في ختمة واحدة ؟ حتى إذا قرأ القارئ القرآن بأي حرف من حروف أئمة القراءة بالأمصار المجتمع عل إمامتهم أو بأي رواية من رواياتهم فقد قرأ بها كلها أم ليست كلها متفرقة وموجودة في ختمة واحدة بل بعضها حتى إذا قرأ القارئ القرآن بقراءة من القراءات أو برواية من الروايات فقد قرأ ببعضها لا بكلها وأنا مبين ذلك كله ومجيب عنه وجها وجها إن شاء الله تعالى

معنى الأحرف التي أرادها النبي صلى الله عليه و سلم
فأما معنى الأحرف التي أرادها النبي صلى الله عليه و سلم ههنا فإنه يتوجه إلى وجهين : أحدهما : أن يكون يعني بذكر أن القرآن أنزل على سبعة ( أحرف سبعة ) أوجه من اللغات لأن الأحرف جمع حرف في الجمع القليل مثل فلس وأفلس ورأس وأروس والحرف قد يراد به الوجه بدليل قوله تعالى : { ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه } فالمراد بالحرف ههنا الوجه الذي تقع عليه العبادة
يقول جل ثناؤه : ( ومن الناس من يعبد الله على النعمة تصيبه والخير يناله ) : من تثمير المال وعافية البدن وإعطاء السؤال ويطمئن إلى ذلك مادامت له هذه الأمور واستقامت له هذه الأحوال فإن تغيرت حاله وامتحنه الله تعالى بالشدة في عيشه والضر في بدنه والفقر في ماله ترك عبادة ربه وكفر به فهذا عبد الله سبحانه وتعالى على وجه واحد ومذهب واحد وذلك معنى الحرف
ولو عبده تبارك وتعالى على الشكر للنعمة والصبر عند المصيبة والرضى بالقضاء عند السراء والضراء والشدة والرخاء والفقر والغنى والعافية والبلاء - إذ كان سبحانه أهلا أن يتعبد على كل حال - لم يكن عبده تعالى على حرف
فلهذا سمي النبي صلى الله عليه و سلم هذه الأوجه المختلفة من القراءات والمتغايرة من اللغات أحرفا على معنى أن كل شيء منها وجه على حدته غير الوجه الآخر كنحو قوله : { ومن الناس من يعبد الله على حرف } أي على وجه إن تغير عليه تغير عن عبادته وطاعته على ما بيناه
والوجه الثاني من معنى الأحرف : أن يكون صلى الله عليه و سلم سمى القراءات أحرفا على طريق السعة كنحو ما جرت عليه عادة في تسميتهم الشيء باسم ما هو منه وما قاربه وجاوره وكان كسبب منه وتعلق به ضربا من التعلق وتسميتهم الجملة باسم البعض منها فلذلك سمي النبي صلى الله عليه و سلم القراءة حرفا وأن كان كلاما كثيرا من أجل أن منها حرفا قد غير نظمه أو كسر أو قلبإلى غيره أو أميل أو زيد أو نقص منه على ما جاء في المختلف فيه من القراءة فلما كان ذلك نسب صلى الله عليه و سلم القراءة والكلمة التامة إلى ذلك الحرف المغير المحتلف اللفظ من القراءة فسمي القراءة - إذ كان ذلك الحرف منها - حرفا على عادة العرب في ذلك واعتمادا على استعمالها نحوه ألا ترى أنهم قد يسمون القصيدة قافية إذ كانت القافية منها كما قال : ( وقافية مثل حد السنان ... تبقى ويهلك من قالها ) يعني وقصيدة فسماها قافية على طريق الاتساع
وكذا يسمون الرسالة على نظامها والخطبة لكمالها والقصيدة كلها والقصة بأسرها كلمة إذ كانت الكلمة منها فيقولون قال قس في كلمته كذا يعنون خطبته وقال زهير في كلمته كذا يريدون قصيدته وقال فلان في كلمته كذا أي في رسالته
قال الله تبارك وتعالى : { وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا } فقال / إنما يعني بالكلمة ههنا قوله في سورة القصص : { ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين * ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون } فسمي ما في الآيتين - ( من ) منة على بني إسرائيل وجعلهم أئمة ووارث الأرض وتمكينه إياهم إلى غير ذلك مما تضمنتا - كلمة
وقال مجاهد في قوله تعالى : { وألزمهم كلمة التقوى } قال : لاإله إلا الله فسمي هذه الجملة كلمة إذ كانت الكلمة منها فكذا سمى رسول الله صلى الله عليه و سلم القراءات أحرفا إذ كانت الأحرف المختلف فيها منها فخاطب صلى الله عليه و سلم من بالحضرة وسائر العرب في هذا الخبر من تسمية القراءة حرفا لما يستعملون في لغتهم وما جرت عليه عادتهم في منطقتهم كما بيناه فدل على صحة ما قلناه

حكمة إنزال القرآن على سبعة أحرف
وأما وجه إنزال القرآن هذه السبعة أحرف وما الذي أراد
تبارك اسمه بذلك ؟ فإنه إنما أنزل علينا توسعة من الله تعالى على عباده ورحمة لهم وتخفيفا عنهم عند سؤال النبي صلى الله عليه و سلم إياه لهم ومراجعته له فيه لعلمه صلى الله عليه و سلم بما هم عليه من اختلاف اللغات واستصعاب مفارقة كل فريق منهم الطبع والعادة في الكلام إلى غيره فخفف تعالى عنهم وسهل عليهم بأن أقرهم على مألوف طبعهم وعادتهم في كلامهم
والدليل على ذلك الخبر الذي قدمناه [ عن عبد الرجمن بن أبي ليلى عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه و سلم أن الله تعالى أمره أن يقرأ القرآن على حرف فقال رب خفف عن أمتي فأمره أن يقرأ القرآن على سبعة أحرف ]
وكذا حديث حذيفة عنه صلى الله عليه و سلم حين لقي جبرئيل عليه السلام فقال له : إني أرسلت إلى أمة أمية إلى آخره فقال : [ إن القرآن أنزل على سبعة أحرف ]
[ وكذا الحديث الذي رواه الحكم بن عتيبة عن مجاهد عن ابن أبي ليلى عن أبي عنه صلى الله عليه و سلم : أن جبرئيل أتاه بأضاة بني غفار فقال : إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد فقال صلى الله عليه و سلم : أسأل الله المعافاة والرحمة إن ذلك ليشق على أمتي ولا يستطيعونه ثم أتاه الثانية فقال : إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على حرفين فقال له مثل ما قال في الأولى حتى انتهى إلى سبعة أحرف قال : فمن قرأ بحرف منها فقد أصاب ] ويمكن أن تكون هذه السبعة أوجه من اللغات فلذلك أنزل القرآن عليها
أوجه اختلاف الأحرف السبعة
وأما في أي شيء يكون اختلاف هذه السبعة أحرف ؟ فإنه يكون في أوجه كثيرة منها :
تغير اللفظ نفسه وتحويله ونقله إلى لفظ آخر
تغير اللفظ نفسه وتحويله ونقله إلى لفظ آخر كقولك : ( مالك يوم الدين ) بغير ألف و { مالك } بألف و ( السراط ) بالسين و { الصراط } بالصاد و ( الزراط ) بالزاي وبين الزاي والصاد و ( ما يخادعون ) بالألف و { يخدعون } بغير ألف و { كيف ننشزها } بالزاي و ( ننشرها ) بالراء و ( يقاتلون اللذين يأمرون ) بالألف و { يقتلون } بغير ألف و ( بظنين ) بالظاء و { بضنين } بالضاد وما أشبه ذلك
الإثبات والحذف
ومنها الإثبات والحذف كقوله تعالى { وقالوا اتخذ الله ولدا } { وسارعوا إلى مغفرة } { والذين اتخذوا مسجدا } بالواو وبغير واو و ( بالزبر ورالكتاب ) في آل عمران بالباء وبغير باء و { ما عملته أيديهم } بالهاء وبغير هاء و { فبما كسبت أيديكم } بالفاء وبغير فاء وما { ما تشتهيه الأنفس } بهاء بعد الياء وبغير هاء و ( تجري من تحتها الأنهار ) بعد المائة في التوبة بمن وبغير من و { فإن الله هو الغني } في الحديد بهو وبغير هو وكذا { الداع إذا دعان } و { الكبير المتعال } و { يوم يأت } و { ما كنا نبغ } و { إذا يسر } وما أشبهه بياء وبغير ياء
تبديل الأدوات
ومنها تبديل الأدوات
كقوله : ( فتوكل على العزيز الرحيم ) في الشعراء بالفاء { وتوكل } بالواو و ( فلا يخاف عقباها ) بالفاء و { ولا يخاف } بالواو و ( أن يظهر في الأرض ) بالواو و { أو أن يظهر } بأو قبل أن
التوحيد والجمع
ومنها التوحيد والجمع كقوله : ( الريح ) و ( الرياح ) و { فما بلغت رسالته } و ( رسالاته ) و ( آيات للسائلين ) و { آيات } و { غيابة } و { غيابة } / و ( سيعلم الكافر ) و { الكفار } و ( كطي السجل للكتاب ) و { الكتاب } و { المضغة عظاما } و ( عظما ) و ( إلى أثر رحمة الله ) و { إلى آثار } وما أشيه ذلك
التذكير والتأنيث
ومنها التذكير والتأنيث كقوله : { ولا يقبل منها شفاعة } بالياء والتاء و ( فناداه الملائكة ) و { فنادته الملائكة } و ( استهونه الشياطين ) و { استهوته } و ( توفاه رسلنا ) { توفته } و { يغشى طائفة } بالياء والتاء وكذا ( وليستبين سبيل المجرمين ) و ( إلا أن يأتيهم الملائكة ) و ( يعرج الملائكة ) بالياء والتاء وما أشبه ذلك
الاستفهام والخبر
ومنها الاستفهام والخبر كقوله : ( أأعجمي ) و ( أأذهبتم ) و ( أأن كان ) بالإستفهام و 9 { أعجمي } و { أذهبتم } و { أن كان } بالخبر وكذلك ( أئنكم ) و ( أئن لنا ) و ( أإنك ) و { أإذا متنا } و { أإنا لمخرجون } بالإستفهام و { إنكم } و { إن لنا } و { إنك } و ( إذا متنا ) و ( إنا ) بهمزة مكسورة على الخبر وكذلك ما أشبهه
التشديد والتخفيف
ومنها التشديد والتخفيف كقوله : ( بما كانوا يكذبون ) بشديد الذال وتحفيفها و { لكن الشياطين } و { لكن البر } بتشديد النون وتحفيفها و ( تظاهرون ) و ( تظاهرون ) و { تذكرون } ( خرقوا له ) و { إن كلا لما } و ( فقدر عليه ) و ( جمغ مالا ) وشبهه بشديد الظاء ( والذال ) والراء والميم ( والدال ) وتحفيفهن
الخطاب والإخبار
ومنها الخطاب والإخبار كقوله : { وما الله بغافل عما تعملون } و { أفلا تعقلون } و { لكن لا تعلمون } و { لا تظلمون } و { أم تقولون } و { ستغلبون وتحشرون } و ( لو ترى اللذين ظلموا ) و ( ترونهم مثليهم ) و { لتنذر أم القرى } و ( أفبنعمة الله تجحدون ) وما أشبه ذلك بالتاء على الخطاب وبالياء على الإخبار
الإخبار عن النفس والإخبار عن غير النفس
ومنها الإخبار عن النفس والإخبار عن غير النفس كقوله : ( يتبوأ منها حيث نشاء ) بالنون و { يشاء } يالياء و ( نجعل الرجس ) بالنون والياء ( ننبت لكم ) بالنون والياء و ( لنحصنكم ) بالنون الله تعالى يخبر عن نفسه وبالياء إخبار عن اللبوس وما أشبه ذلك
التقديم والتأخير
ومنها التقديم والتأخير كقوله : { وقاتلوا وقتلوا } ( وقاتلوا وقتلوا ) { فيقتلون ويقتلون } و ( فيقتلون ويقتلون ) و { كذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم } ( وقتل أولادهم شركائهم ) وما أشبه ذلك
النفي والنهي
ومنها النفي والنهي كقوله ( ولا تسأل عن أصحاب الجحيم ) بالجزم على النهي و { تسأل } بالرفع على النفي ( ولا تشرك في حكمه أحدا ) بالتاء والجزم على النهي { ولا يشرك } بالياء والرفع على النفي و ( لاتخف دركا ) ( فلا يخف ظلما ) بالجزم على النهي و { تخاف } ( ويخاف ) بالرفع وإثبات الألف على النفي وما أشبه ذلك
الأمر والإخبار
ومنها الأمر والإخباركقوله : { واتخذوا من مقام إبراهيم } بكسر الخاء على الأمر و ( اتحذوا ) بفتح الخاء على الإخبار و { قل سبحان ربي } و ( قل ربي يعلم ) و ( قل ربي احكم ) و { قل إنما أدعو ربي } على الأمر و ( قال ) على الخبر وكذلك ما أشبهه
تغيير الإعراب وحده
ومنها تغيير الإعراب وحده كقوله : { وصية لأزواجهم } بالنصب والرفع و { تجارة حاضرة } بالنصب والرفع و { أرجلكم إلى الكعبين } بالنصب والجر و { الكفار أولياء } بالنصب والجر { حور عين } بالرفع والجر و { خضر وإستبرق } بالرفع والجر { فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء } بالرفع والجزم و { تلقف ما صنعوا } بالرفع والجزم و { والله ربنا } بالجر والنصب و { ذو العرش المجيد } و { في لوح محفوظ } بالرفع والجر وما أشبه ذلك
تغير الحركات اللوازم
ومنها تغير الحركات اللوازم كقوله : { ولا تحسبن } بكسر السين وفتحها و { من يقنط } و { يقنطون } بكسر النون وفتحها و { يعرشون } و { يعكفون } بكسر الراء والكاف وبضمهما { الولاية } بكسر الواو وبفتحها وما أشبه ذلك
التحريك والتسكين
ومنها التحريك والتسكين كقوله : { خطوات الشيطان } بضم الطاء وبإسكانها و { على الموسع قدره وعلى المقتر قدره } بفتح الدال وإسكانها و { في الدرك } بإسكان الراء وبفتحها وكذلك { من المعز } و { يوم ظعنكم } بفتح العين وإسكانها وكذلك { إني أعلم } و { إني أعلم } و { مني إلا } و { مني إلا } { وليؤمنوا بي } و { بي } و { وجهي لله } بفتح الياء وإسكانها وكذلك { وهو } و { فهو } و { لهي } و { فهي } بإسكان الهاء وتحريكها وكذلك { ثم ليقطع } و { ثم ليقضوا } { وليوفوا } { وليطوفوا } { وليتمتعوا } بإسكان اللام وبكسرها وكذلك ما أشبهه
الإتباع وتركه
ومنها الإتباع وتركه / كقوله : { فمن اضطر } و { أن اعبدوا الله } و { لقد استهزئ } و { قالت اخرج } وشبهه بضم النون والدال والتاء لالتقاء الساكنين إتباعا لضم ما بعدهن وكسرهن للساكنين أيضا من غير إتباع
الصرف وتركه
ومنها الصرف وتركه كقوله : { وعادا وثمود } و { ألا بعدا لثمود } بالتنوين وتركه وكذلك { سبإ } و { سبإ } و { سلاسل } و ( سلاسل ) و { قواريرا } و ( قوارير ) وما أشبه ذلك
اختلاف اللغات
ومنها اختلاف اللغات كقوله : { جبريل } بكسر الجيم من غير همز وبفتحها كذلك و ( جبرئل ) بفتح الجيم والراء مع الهمز من غير مد وبالهمز والمد و { ميكال } بغير همز و ( ميكال ) بالهمز من غير ساء وبالهمز وبالياء و { إبراهيم } بالياء و ( إبراهيم ) بالألف و ( أرجأه ) بالهمز و { أرجه } بغير همز وكذلك ( مرجؤون ) و { مرجون } و ( ترجئ ) و { ترجي } و { يضاهئون } و ( يضاهون ) و { يأجوج ومأجوج } و ( ياجوج وماجوج ) و ( التناؤش ) و { التناوش } و { مؤصدة } و ( موصدة ) بالهمز وبغير همز وكذلك ما أشبهه
التصرف في اللغات نحو الإظهار والإدغام
ومنها التصرف في اللغات نحو الإظهار والإدغام والمد والقصر والفتح والإمالة وبين بين والهمز وتخفيفه بالحذف والبدل وبين بين والإسكان والروم والإشمام عند الوقف على أواخر الكلم والسكوت على الساكن قبل الهمز وما أشبه ذلك
حديث اقرؤوا القرآن بلحون العرب وأصواتها
وقد ورد التوقيف عن النبي صلى الله عليه و سلم بهذا الضرب من الإختلاف وأذن فيه لأمته في الأخبار المتقدمة وفيما حدثنا علي بن محمد الربعي قال نا عبد الله بن مسرور قال حدثنا يوسف بن يحيى قال حدثنا عبد الملك بن حبيب قال ثني طلق بن السمح و أسد بن موسى ح
وحدثنا عبد الرحمن بن عثمان قال حدثنا أحمد بن ثابت التغلبي قال حدثنا سعيد بن عثمان قال حدثنا نصر بن مرزوق قال حدثنا علي بن معبد ح
[ وحدثنا خلف بن إبراهيم قال حدثنا أحمد بن محمد المكي قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا القاسم بن سلام قال ثني نعيم بن حماد واللفظ له قالوا : حدثنا بقية بن الوليد عن حصين بن مالك قال : سمعت شيخا يكنى أبا محمد يحدث عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : اقرؤا القرآن بلحون العرب وأصواتها ]
قال أبو عمرو : لحونها وأصواتها : مذاهبها وطباعها
أصل اختلاف القراءات
ووجه هذا الاختلاف في القرآن [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يعرض القرآن على جبريل عليه الصلاة و السلام في كل عام عرضة فلما كان في العام الذي توفى فيه عرضه عليه عرضتين ] فكان جبريل عليه الصلاة و السلام يأخذ عليه في كل عرضة بوجه وقراءة من هذه الأوجه والقراءات المختلفة ولذلك قال صلى الله عليه و سلم : إن القرآن أنزل عليها وإنها كلها شاف كاف وأباح لأمته القراءة بما شاءت منها مع الإيمان بجميعها والإقرار بكلها إذ كانت كلها من عند الله تعالى منزلة ومنه صلى الله عليه و سلم مأخوذة
تخيير الأمة بالقراءة بأي حرف شاءت منها
ولم يلزم أمته حفظها كلها ولا القراءة بأجمعها بل هي مخيرة في القراءة بأي حرف شاءت منها كتخييرها إذا هي حنثت في يمين وهي موسرة بأن تكفر بأي الكفارات شاءت : إما بعتق وإما بإطعام وإما بكسوة وكذلك المأمور في الفدية بالصيام أو الصدقة أو النسك أي ذلك فعل فقد أدى ما عليه وسقط عنه فرض غيره فكذا أمروا بحفظ القرآن وتلاوته ثم خيروا في قراءته بأي الأحرف السبعة شاءوا إذ كان معلوما أنهم لم يلزموا استيعاب جميعها دون أن يقتصروا منها على حرف واحد بل قيل لهم أي ذلك قرأتم أصبتم فدل على صحة ما قلنا
اختلاف المعاني تبعا لاختلاف الألفاظ في الأحرف السبعة
وأما على كم معنى يشتمل اختلاف هذه السبعة أحرف ؟ فإنه يشتمل على ثلاثة معان يحيط بها كلها :
اختلاف اللفظ والمعنى واحد
أحدها : اختلاف اللفظ والمعنى واحد
اختلاف اللفظ والمعنى جميعا مع جواز أن يجتمعا في شيء واحد
والثاني : اختلاف اللفظ والمعنى جميعا مع جواز أن يجتمعا في شيء واحد لعدم تضاد اجتماعهما فيه
اختلاف اللفظ والمعنى مع امتناع جواز أن يجتمعا في شيء واحد
والثالث : اختلاف اللفظ والمعنى مع امتناع جواز أن يجتمعا في شيء واحد لاستحالة اجتماعهما فيه ونحن نبين ذلك إن شاء الله
فأما اختلاف اللفظ والمعنى / واحد فنحو قوله : ( السراط ) بالسين و { الصراط } بالصاد و ( الزراط ) بالزاي و { عليهم } و { إليهم } و { لديهم } بضم الهاء مع إسكان الميم وبكسر الهاء مع ضم الميم وإسكانها و { فيه هدى } و { عليه كنز } و { منه آيات } و { عنه ماله } بصلة الهاء وبغير صلتها و { يؤده إليك } و { نؤته منها } و { فألقه إليهم } بإسكان الهاء وبكسرها مع صلتها واختلاسها و { أكلها } و { في الأكل } بإسكان الكاف وبضمها و { إلى ميسرة } بضم السين وبفتحها و { يعرشون } بكسر الراء وبضمها وكذلك ما أشبهه ونحو ذلك البيان والإدغام والمد والقصر والفتح والإمالة وتحقيق الهمز وتخفيفه وشبهه مما يطلق عليه أنه لغات فقط
وأما اختلاف اللفظ والمعنى جميعا مع جواز اجتماع القراءتين في شيء واحد من أجل عدم تضاد اجتماعهما فيه فنحو قوله تعالى : { مالك يوم الدين } بألف و ( مالك ) بغير ألف لأن المراد بهاتين القراءتين جميعا هو الله سبحانه وتعالى وذلك أنه تعالى مالك يوم الدين وملكه فقد اجتمع له الوصفان جميعا فأخبر تعالى بذلك في القراءتين
وكذا { بما كانوا يكذبون } بتخفيف الذال وبتشديدها لأن المراد بهاتين القراءتين جميعا هم المنافقون وذلك أنهم كانوا يكذبون في إخبارهم ويكذبون النبي صلى الله عليه و سلم فيما جاء به من عند الله تعالى فالأمران جميعا مجتمعان لهم فأخبر الله تعالى بذلك عنهم وأعلمنا أنه معذبهم بهما
وكذا قوله تعالى : ( كيف ننشرها ) بالراء وبالزاي لأن المراد بهاتين القراءتين جميعا هي العظام وذلك أن الله تعالى أنشرها أي أحياها وأنشزها أي رفع بعضها إلى بعض حتى التأمت فأخبر سبحانه أنه جمع لها هذين الأمرين من إحيائها بعد الممات ورفع بعضها إلى بعض لتلتئم فضمن تعالى المعنيين في القراءتين بنبيها على عظيم قدرته
وكذا قوله { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } بكسر الخاء على الأمر وبفتحها على الخبر لأن المراد بالقراءتين جميعا هم المسلمون وذلك أن الله تعالى أمرهم باتخاذهم مقام إبراهيم مصلى فلما امتثلوا ذلك وفعلوه أخبر به عنهم فجاءت القراءة بالأمرين جميعا للدلالة على اجتماعهما لهم فهما صحيحان غير متضادين ولا متنافيين
وكذا قوله : ( وما هو على الغيب بظنين ) بالظاء و { بضنين } بالضاد لأن المراد بهاتين القراءتين جميعا هو النبي صلى الله عليه و سلم وذلك أنه كان غير ظنين على الغيب أي غير متهم فيما أخبر به عن الله تعالى وغير ضنين به أي غير بخيل بتعليم ما علمه الله وأنزله إليه فقد انتفى عنه الأمران جميعا فأخبر الله تعالى عنه بهما في القراءتين وكذا ما أشبهه
وأما اختلاف اللفظ والمعنى جميعا مع امتناع جواز اجتماعهما في شيء واحد لاستحالة اجتماعهما فيه فكقراءة من قرأ ( وظنوا أنهم قد كذبوا ) بالتشديد لأن المعنى وتيقن الرسل أن قومهم قد كذبوهم وقراءة من قرأ ( قد كذبوا ) بالتخفيف لأن المعنى وتوهم المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوهم فيما أخبروهم به من أنهم إن لم يؤمنوا بهم نزل العذاب بهم فالظن في القراءة الأولى يقين والضمير الأول ( للرسل والثاني ) للمرسل إليهم والظن في القراءة الثانية شك والضمير الأول للمرسل إليهم والثاني للرسل
وكذا قراءة من قرأ ( لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرش بضائر ) بضم التاء وذلك أنه أسند هذا العلم إلى موسى عليه السلام حديثا منه لفرعون حيث قال : { إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون } فقال له موسى عليه السلام عند ذلك : ( لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر ) فأخبر عليه السلام عن نفسه بالعلم بذلك ( أي ) ليس بمجنون وقراءة من قرأ { لقد علمت } بفتح التاء وذلك أنه أسند هذا العلم إلى فرعون مخاطبة من موسى له بذلك على وجه التقريع والتوبيخ له على شدة معاندته للحق وجحوده له بعد علمه ولذلك أخبر تبارك وتعالى عنه وعن قومه فقال : { فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين * وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا }
وكذلك ما ورد من هذا النوع من اختلاف القراءتين التي لا يصح أن يجتمعا في شيء واحد هذا سبيله لأن كل قراءة منهما بمنزل آية قائمة بنفسها لا يصح أن تجتمع مع آية أخرى تخالفها في شيء واحد لتضادهما وتنافيهما
الأحرف السبعة لاتجمعها رواية ولا قراءة واحدة
وأما هذه السبعة الأحرف فإنها ليست متفرقة في القرآن كلها ولا موجودة فية حتمة واحدة بل بعضها فإذا قرأ القارئ بقراءة من قراءات الأئمة وبرواية من رواياتهم فإنما قرأ ببعضها لا بكلها والدليل على ذلك أنا قد أوضحنا قبل أن المراد بالسبعة الأحرف سبعة أوجه من اللغات كنحو اختلاف الإعراب والحركات والسكون والإظهار والإدغام والمد والقصر والفتح والإمالة والزيادة للحرف ونقصانه والتقديم والتأخير وغير ذلك مما شرحناه ممثلا قبل وإذا كان هذا هكذا فمعلوم أن من قرأ بوجه من هذه الأوجه وقراءة من القراءات ورواية من الروايات أنه لا يمكنه أن يحرك الحرف ويسكنه في حالة واحدة أو يقدمه ويؤخره أو يظهره ويدغمه أو يمده ويقصره أو يفتحه ويميله إلى ما أشبه هذا من اختلاف تلك الأوجه والقراءات والروايات في حالة واحدة فدل على صحة ما قلناه
الأحرف السبعة كلها صواب والروايات الواردة في تصويبها كلها
وهذه القراءات كلها والأوجه بأسرها من اللغات هي التي أنزل القرآن عليها وقرأ بها رسول الله صلى الله عليه و سلم وأقرا بها وأباح الله تعالى لنبيه القراءة بجميعها وصوب الرسول صلى الله عليه و سلم من قرأ ببعضها دون بعض كما تقدم في حديث عمر رضي الله عنه وفي حديث أبي بن كعب و عمرو بن العاص وغيرهم
[ وكما حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الفرائضي قال حدثنا محمد بن عمر قال حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا أبو الوليد قال حدثنا شعبة قال أخبرني عبد الملك بن ميسرة قال ( سمعت ) النزال بن سبرة قال سمعت عبد الله قال سمعت رجلا قرأ آية سمعت من النبي صلى الله عليه و سلم خلافها فأخذت بيده فأتيت به رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : كلاكما محسن ]
[ وحدثنا الخاقاني قال حدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا علي قال حدثنا القاسم قال حدثنا حجاج عن شعبة عن عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة عن ابن مسعود قال : سمعت رجلا يقرأ آية وسمعت من رسول الله صلى الله عليه و سلم خلافها فأتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكرت ذلك له فعرفت في وجهه الغضب ثم قال : كلاكما محسن إن من قبلكم اختلفوا فأهلكهم ذلك ]
[ وحدثنا طاهر بن غلبون قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن علي قال حدثنا أبو هشام الرفاعي قال حدثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم عن زر عن عبد الله قال : قلت لرجل أقرئني من الأحقاف ثلاثين آية فأقرأني خلاف ما أقرأني رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت لآخر اقرأ فقرأ خلاف ما أقرأني الأول فأتيت بهما رسول الله صلى الله عليه و سلم فغضب فقال علي : قال لكم : اقرؤوا كما قد علمتم ]
أفلا ترى ! كيف قرأ كل واحد من هؤلاء الصحابة بخلاف ما قرأ به الآخر بدلالة تناكرهم في ذلك ثم ترافعوا إلى النبي صلى الله عليه و سلم فلم ينكر على واحد منهم ما قرأ به بل أقر أنه كذلك أخذ عليه وأنه كذلك أنزل ثم أقره على ذلك فأمره بلزومه وشهد بصواب ذلك كله كأعلم أن كل واحد منهم في ذلك محسن مجمل مصيب فدل ذلك على صحيح ما تأولناه
فأما قوله صلى الله عليه و سلم لمن قرأ عليه من المختلفين في القراءة ( أصبت ) وهو حديث يرويه قبيصة بن ذؤيب مرسلا فمعناه أن كل حرف من الأحرف التي أنزل عليها القرآن كالآخر في كونه كلام الله تعالى الذي تكلم به وأنزله على رسوله وأن الله سبحانه قد جعل فيه جميع ما جعل في غيره منها من أنه مبارك / وأنه شفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين وأنه عربي مبين وأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وأن قارئه يصيب على أحد الأحرف السبعة من الثواب على قراءته ما يصيب القارئ على غيره منها وكذا قوله صلى الله عليه و سلم : [ كل شاف كاف ] أي يشفي من التمس علمه وحكمته ويكفي من التمس بتلاوته الفضيلة والثواب كما يشفي ويكفي غيره من سائر الأحرف لما فيه
وكذا قوله صلى الله عليه و سلم في الحديث الآخر [ أحسنت ] أي أحسنت القصد لالتماس الثواب بقراءة القرآن على الحروف التي أقرئتها وأحسنت في الثبات على ما كان معك من الأحرف السبعة إذ هي متساوية
خبر نزول القرآن على سبعة أبواب وبيان معناه
فأما الخبر الذي رويناه [ عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : كان الكتاب الأول نزل من باب واحد ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف زاجر وآمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال ] إلى آخره
في السبعة الأحرف التي ذكرها صلى الله عليه و سلم في هذا الخبر وجهان :
أحدهما : أنها غير السبعة الأحرف التي ذكرها في الأخبار المتقدمة وذلك من حيث فسرها في هذا الخبر فقال : زاجر وآمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال وأمر أمته أن يحلوا حلاله ويحرموا حرامه ويفعلوا ما أمروا به وينتهوا عما نهوا عنه ويعتبروا بأمثاله ويعملوا بمحكمه ويؤمنوا بمتشابهه ثم أكد ذلك بأن أمرهم أن يقولوا : آمنا به كل من عند ربنا فدل ذلك كله على أن هذه الأحرف غير تلك الأحرف التي هي اللغات والقراءات وأنه صلى الله عليه و سلم أراد بذكر الأحرف في هذا الخبر التنبيه على فضل القرآن على سائر الكتب وأن الله سبحانه قد جمع فيه من خلال الخير ما لم يجمعه فيها
وأما قوله في هذا الخبر : [ كان الكتاب الأول نزل من باب واحد ونزل القرآن من سبعة أبواب ] فمعناه : أن الكتاب الأول نزل خاليا من الحدود والأحكام والحلال والحرام كزبور داود الذي هو تذكير ومواعظ وإنجيل عيسى الذي هو تمجيد ومحامد وحض على الصفح والإعراض دون غير ذلك من الأحكام والشرائع وكذلك ما أشبه ذلك من الكتب المنزلة ببعض المعاني السبعة التي يحوي جميعها كتابنا الذي خص الله تعالى ( به ) نبينا صلى الله عليه و سلم وأمته فلم يكن المتعبدون بإقامته يجدون لرضى الله مطلبا ينالون ( به ) الجنة ويستوجبون ( به ) منه القربة إلا من الوجه الواحد الذي نزل به كتابهم وذلك هو ( الباب ) الواحد من أبواب الجنة الذي نزل منه ذلك الكتاب
والوجه الثاني : أن السبعة الأحرف في هذا الخبر هي السبعة الأحرف المذكورة في الأخبار المتقدمة التي هي اللغات والقراءات ويكون قوله : [ زاجر وآمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال ] تفسبرا للسبعة أبواب التي هي من الجنة لا تفسيرا للسبعة الأحرف لأن العامل إذا عمل بها وانتهى إلى حدودها استوجب بذلك الجنة وكلا الوجهين في تأويل الحديث بين ظاهر وعلى الأول أكثر العلماء وبالله التوفيق
ما ينبغي اعتقاده في الأحرف والقراءات وتاريخ المصحف
قال أبو عمرو : وجملة ما نعتقده من هذا الباب وغيره : من إنزال القرآن وكتابته وجمعه وتأليفه وقراءته ووجوهه ونذهب إليه ونختاره أن القرآن منزل على سبعة : كلها شاف كاف وحق وصواب وأن الله تعالى قد خير القراء في جميعها وصوبهم إذا قرؤوا بشيء منها وأن هذه الأحرف السبعة المختلف معانيها تارة وألفاظها تارة مع اتفاق المعنى ليس فيها تضاد ولا تناف للمعنى ولا إحالة ولا فساد وأنا لا ندري حقيقة أي هذه السبعة الأحرف كان آخر العرض أو آخر العرض كان ببعضها دون جميعها وأن جميع هذه السبعة أحرف قد كانت ظهرت واستفاضت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وضبطتها الأمة على اختلافها عنه وتلقتها منه ولم يكن شيء منها مشكوكا فيه ولا مرتابا به
مصاحف عثمان
وأن أميرالمؤمنين عثمان رضي الله عنه ومن بالحضرة من جميع الصحابة قد أثبتوا جميع تلك الأحرف في المصاحف وأخبروا بصحتها وأعلموا بصوابها وخيروا الناس فيها كما كان صنع رسول الله صلى الله عليه و سلم وأن من هذه الأحرف حرف أبي بن كعب وحرف عبد الله بن مسعود وحرف زيد بن ثابت وأن عثمان رحمه الله تعالى والجماعة إنما طرحوا حروفا وقراءات باطلة غير معروفة ولا ثابتة بل منقولة عن الرسول صلى الله عليه و سلم نقل الأحاديث التي لا يجوز إثبات قرآن وقراءات بها
معنى إضافة الحرف أو القراءة إلى من أضيف إليه
وأن معنى إضافة كل حرف مما أنزل الله تعالى إلى من أضيف من الصحابة كأبي وعبد الله وزيد وغيرهم من قبل أنه كان أضبط له وأكثر قراءة وإقراءا به وملازمة له وميلا إليه لا غير ذلك وكذلك إضافة الحروف والقراءات إلى أئمة القراءة بالأمصار المراد بها أن ذلك القارئ وذلك الإمام اختار القراءة بذلك الوجه من اللغة وآثره على غيره وداوم عليه ولزمه حتى اشتهر وعرف به وقصد فيه وأخذ عنه فلذلك أضيف إليه دون غيره من القراء وهذه الإضافة إضافة اختيار ودوام ولزوم لا إضافة اختراع ورأي واجتهاد
جمع القرآن في عهد النبوة
وأن القرآن لم ينزل بلغة قريش فقط دون سائر العرب وإن كان معظمه نزل بلغة قريش وأن رسول الله صلى الله عليه و سلم سن جمع القرآن وكتابته وأمر بذلك وأملاه على كتبته وأنه صلى الله عليه و سلم لم يمت حتى حفظ جميع القرآن جماعة من أصحابه وحفظ الباقون منه جميعه متفرقا وعرفوه وعلموا مواقعه ومواضعه على وجه ما يعرف ذلك اليوم من ليس من الحفاظ لجميع القرآن
جمع أبي بكر الصديق
وأن أبا بكر الصديق وعمر الفاروق وزيد بن ثابت رضي الله عنهم وجماعة الأمة أصابوا في جمع القرآن بين لوحين وتحصينه وإحرازه وصيانته وجوا في كتابته على سنن الرسول صلى الله عليه و سلم وسنته وأنهم لم يثبتوا منه شيئا غير معروف ولا ما لم تقم الحجة به ولا رجعوا في العلم بصحة شيء منه وثبتوه إلى شهادة الواحد والاثنين ومن جرى مجراهما وإن كانوا قد أشهدوا على النسخة التي جمعوها على وجه الاحتياط من الغلط وطرق الحكم ( والانقاد )
الفرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان
وأن أبا بكر رضي الله عنه قصد في جمع القرآن إلى تثبيته بين اللوحين فقط ورسم جميعه وأن عثمان رحمه الله تعالى أحسن وأصاب ووفق لفضل عظيم في جميع الناس على مصحف واحد وقراءات محصورة والمنع من غير ذلك وأن سائر الصحابة من علي رضي الله عنه ومن غيره كانوا متبعين لرأي أبي بكر وعثمان في جمع القرآن وأنهم أخبروا بصواب ذلك وشهدوا به وأن عثمان لم يقصد قصد أبي بكر في جمع نفس القرآن بين لوحين وإنما قصد جمع الصحابة على القراءات الثابتة المعروفة عن الرسول صلى الله عليه و سلم وألقى ما لم يجر مجرى ذلك وأخذهم بمصحف لاتقديم فيه ولا تأخير
لم يسقط عثمان شيئا من القراءات الثابتة ولا منع منها ولا حظر القراءة
بها
وأنه لم يسقط شيئا من القراءات الثابتة عن الرسول صلى الله عليه و سلم ولا منع منها ولا حظر القراءة بها إذ ليس إليه ولا إلى غيره أن يمنع ما أباحه الله تعالى وأطلقه وحكم بصوابه وحكم الرسول صلى الله عليه و سلم للقارئ به أنه محسن مجمل في قراءته وأن القراء السبعة ونظائرهم من الأئمة متبعون في جميع قراءاتهم الثابتة عنهم التي لا شذوذ فيها وأن ما عدا ذلك مقطوع على إبطاله وفساده وممنوع من إطلاقه والقراءة به فهذه الجملة التي نعتقدها ونختارها في هذا الباب والأخبار الدالة على صحة جميعها كثيرة ولها موضع غير هذا وبالله التوفيق