كتاب : تجارب الأمم وتعاقب الهمم
المؤلف : ابن مسكويه

ثم دخلت سنة 198
أمر العراة باتخاذ تراس من البواري وبالرمي بالمقاليع وما أشبهها فكانوا يقاتلون ويؤثرون في أصحاب طاهر وهرثمة ومحمد قد أقبل على اللهو والشرب ووكل الأمر كله إلى محمد بن عيسى بن نهيك والي الهرش فأما الفضل بن الربيع فإنه استتر وخفى أمره قبل أن ينتهي بهم الأمر إلى هذا بزمان كثير فاستكلب العيارون والعراة وسلبوا من قدروا عليه من الرجال والنساء والضعفاء من أهل الملة والذمة فكان منهم في ذلك ما لم يبلغنا أن مثله كان في شئ من الأوقات المتقدمة فأما في المستأنف فقد جرت أمور عظام قبيحة مثل هذا أو أقبح منه سنذكرها إذا بلغنا إليها إن شاء الله، فلما طال ذلك على الناس وضاقت بغداد بأهلها استأمن محمد بن عيسى صاحب الشرطة وعلى أفراهمرد إلى طاهر فضعف أمر محمد جداً وأيقن بالهلاك وخرج من بغداد كل من كانت به قوة بعد الغرم الفادح وبعد المضايقة العظيمة والخطر الفاحش فكان الرجل والمرأة إذا تخلص من أصحاب الهرش وصار إلى أصحاب طاهر ذهب عنه الروع وأمن وأظهرت المرأة ما معها من حليها أو غير ذلك وكذلك الرجل، ولما صارت الحرب بين العيارين وبين أصحاب طاهر خرج قائد من قواد أهل خراسان ممن كان مع طاهر بن الحسين من أهل البأس والنجدة فنظر إلى قوم عراة لا سلاح معهم فاستهان بهم واستحقرهم وقال لأصحابه ما يقاتلنا إلا من أرى قالوا نعم هؤلاء هم الآفة قال أف لكم حين تحتمون عن هؤلاء وتنكصون عنهم وأنتم في السلاح الظاهر والعدة وأنتم أصحاب الشجاعة والبسالة وما عسى أن يبلغ كيد هؤلاء بلا سلاح ولا جنة ثم أوتر قوسه وتقدم ووضع عينه على بعضهم فقصد نحوه وفي يده بارية مقيرة وتحت إبطه مخلاة فيها حجارة فجعل الخراساني كلما رمى بسهم استتر منه العيار فوقع في باريته وقريباً منه فيأخذه فيجعله في موضع من باريته قد هيأه لذلك شبيهاً بالجعبة وكلما وقع في ترسه سهم أخذه وصاح دانق أي ثمن النشابة دأنق قد أحرزه فلم تزل تلك حال الخراساني وحال العيار حتى أنفد الخراساني سهامه ثم حمل على العيار ليضربه بسيفه فأخرج العيار من مخلاته حجراً فجعله في مقلاعه ورماه فما أخطأ به عينه ثم ثناه سريعاً فكاد يصرعه عن فرسه لولا تحامله وكر راجعاً وهو يقول ما هؤلاء بإنس فحدث طاهر بحديثه فاستضحك وأعفا الخراساني

إليك فإني أجد وحشة شديدة قال فضممته إلي فإذا قلبه يخفق حتى يكاد يخرج عن صدره فلم أزل أضمه إلي وأسكنه قال ثم قال لي يا أحمد ما فعل أخي قلت هو حي قال قبح الله صاحب بريدهم ما أكذبه كان يقول قد مات شبه المعتذر من محاربته قال قلت يا سبحان الله ففي أي شئ رفعنا أذاً بل قبح الله وزراءك قال لا تقل لوزراءي إلا خيراً فما لهم ذنب ولست بأول من طلب أمراً فلم يقدر عليه ثم قال لي يا أحمد ما تراهم يصنعون بي تراهم يقتلونني أو يفون لي بأمانهم قال قلت بل يفون لك يا سيدي قال وجعل يضم على نفسه الخرقة التي على كتفه ويمسكها بعضده يمنة ويسرة قال ونزعت مبطنة كانت علي ثم قلت يا سيدي ألق هذه عليك قال ويحك دعني فهذا من الله لي في هذا الموضع خير قال وبينا نحن كذاك إذ دق باب الدار ففتح فدخل علينا رجل عليه سلاحه فتطلع في وجهه مستبيناً له فلما أثبته معرفةً انصرف وأغلق الباب فإذا هو محمد بن حميد الطاهري قال فعلمت أن الرجل مقتول قال وكان بقى على من صلاتي الوتر فخفت أن أقتل معه ولم أوتر قال فقمت أوتر فقال لي يا أحمد لا تباعد مني وصل إلى جانبي فإني أجد وحشة شديدة قال فاقتربت منه فلما انتصف الليل وقارب الصبح سمعت حركة الخيل ودق الباب ففتح فدخل الدار قوم من العجم بأيديهم السيوف مسللة فلما رآهم قام قائماً وجعل يقول أنا لله وأنا إليه راجعون ذهبت والله نفسي في سبيل الله أما من حيلة أما من مغيث أما من أحد من الأبناء قال وجاؤوا حتى قاموا على باب البيت الذي نحن فيه فأحجموا عن الدخول وجعل بعضهم يقول لبعض تقدم ويدفع بعضهم بعضاً قال فقمت فصرت خلف الحصر المدرجة في زاوية البيت وقام محمد فأخذ بيده وسادة وجعل يقول ويحكم أني ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا ابن هارون أنا أخو المأمون الله الله في دمي قال فدخل عليه رجل منهم يقال له خميرويه غلام لقريش الدنداني مولى طاهر فضربه على مقدم رأسه وضرب محمد وجهه بالوسادة التي كانت في يده واتكأ عليه ليأخذ السيف من يده فصاح بالفارسية قتلني قتلني قال فدخل منهم جماعة فنخسه واحد منهم بالسيف في خاصرته وركبوه فذبحوه ذبحاً من قفاه وأخذوا رأسه فمضوا به إلى طاهر وتركوا جثته قال ولما في وجه السحر جاءوا إلى جثته فأدرجوها في حل وحملوها قال فأصبحت فقيل هات العشرة الآلاف الدرهم قال فبعثت إلى وكيلي فأتاني فأمرته فأتاني فدفعتها إليه، ولما أصبح طاهر نصب رأس محمد على البرج برج حائط البستان الذي يلي باب الأنبار وفتح باب الأنبار وخرج من أهل بغداد للنظر إليه ما لا يحصى عددهم وأقبل طاهر يقول هذا رأس المخلوع، وذكر محمد بن عيسى أنه قال رأى المخلوع على ثوبه خملة فقال ما هذا قالوا شئ يكون في ثياب الناس فقال أعوذ بالله من زوال النعم فقتل من يومه، وبعث طاهر برأس محمد إلى المأمون مع البردة والقضيب والمصلى وهو من سعف مبطن مع محمد بن الحسن بن مصعب ابن عمه فأمر له المأمون بألف ألف درهم قال فرأيت ذا الرئاستين وقد أدخل رأس محمد على ترس بيده إلى المأمون قال فلما رآه سجد، وكتب طاهر إلى إبراهيم بن المهدي بعد قتل المخلوع أما بعد فإنه عزيز علي أن أكتب إلى رجل من أهل بيت الخلافة بغير التأمير ولكنه بلغني أنك تميل بالرأي وتصغي بالهوى إلى الناكث المخلوع فإن كان كذلك فكثير ما كتبت به إليك وإن كان غير ذلك فالسلام عليك ورحمة الله وبركاته، وفي هذه السنة وثب الجند بعد مقتل محمد بطاهر فهرب منهم وتغيب أياماً حتى أصلح أمرهم.

ذكر الخبر عن ذلك وسببه
وما استعمله طاهر من الحزم قبله

أن أصحاب طاهر بعد قتل محمد بخمسة أيام طلبوا أرزاقهم ووثبوا به ولم يكن في يده مال فضاق به أمره وظن أن ذلك بمواطأة أهل الأرباض إياهم وأنهم معهم عليه ولم يكن تحرك في ذلك من أهل الأرباض أحد واشتدت شوكتهم وخشي طاهر على نفسه فهرب من البستان وانتهبوا بعض متاعه ومضى إلى عاقرقوف فكان مما قدم من الحزم فيه أن حفظ أبواب المدينة وباب القصر لما فرغ من قتل محمد وحول زبيدة وموسى وعبد الله ابني محمد إلى قصر الخلد ليلاً ثم حملهم في حراقة إلى همينيا على الغربي من الزاب الأعلى ثم أمر بحمل موسى وعبد الله إلى عمهما بخراسان على طريق الأهواز وفارس فلما وثب الجند بطاهر وطلبوا الأرزاق أحرقوا باب الأنبار الذي على الخندق وباب البستان وشهروا السلاح ونادوا موسى يا منصور وبقوا كذلك يومهم ومن الغد فتبين صواب رأي طاهر في إخراج موسى وعبد الله وكان طاهر انحاز ومن معه من القواد وتعبأ لقتالهم ومحاربتهم وسألوه الصفح عنهم وقبول عذرهم وضمنوا له أن ما يعودوا لمكروهه ما أقام معهم وأتى مشايخ الأرباض فحلفوا بالغلظة من الإيمان أنه لم يتحرك في هذه الأيام أحد من أبناء الأرباض ولا كان ذلك عن رأيهم ولا أرادوه وضمنوا له أن يقوم كل إنسان منهم في ناحيته بما يجب عليه حتى لا يأتيه من ناحيته أمر يكرهه وأتاه عميرة أبو شيخ ابن عميرة الأسدي في مشيخة من الأبناء فلقوه بمثل ذلك وأعلموه حسن رأى من خلفهم من الأبناء فطابت نفسه إلا أنه قال والله ما اعتزلت عنهم إلا لوضع السيف فيهم وأقسم بالله لئن عدتم لمثلها لأعودن إلى رأيي فيكم ولأخرجن إلى مكروهكم فكسرهم بذلك وأمر لهم برزق أربعة أشهر وانصرف إلى عسكره بالبستان ودعا بوجوه أصحابه ومعهم سعيد بن مالك وقال إنه لا مال عندي وقد أطلقت للقوم أرزاقهم فما الوجه فقال سعيد أنا أحمل عشرين ألف دينار فطابت نفسه وحمل غيره حتى أرضى أصحابه وقال إني أقبلها منك على أن تكون على دينا فقال سعيد بل هي هدية وقليلة لغلامك وفيما أوجب الله من حقك وسكن الجند. فكانت خلافة محمد المخلوع نحو خمس سنين تنقص شهرين وكان عمره كله ثمانياً وعشرين سنة وكان سبطا أنزع أبيض أقنى جميلاً طويلاً بعيد ما بين المنكبين صغير العينين، وذكر النوفلي أن طاهراً لما بعث برأس محمد إلى المأمون بكى ذو الرئاستين فقال سل علينا سيوف الناس وألسنتهم أمرناه أن يبعث به أسيراً فبعث به عقيراً فقال له المأمون أنه قد مضى ما مضى فاحتل في الاعتذار منه فكتب الناس فأطالوا، وجاء أحمد بن يوسف بشير قرطاس فيه أما بعد فإن المخلوع كان قسيم أمير المؤمنين في النسب واللحمة، وقد فرق الله بينه وبينه في الولاية والحرمة، بمفارقته عصم الدين، وخروجه من الأمر الجامع للمسلمين، يقول الله عز وجل حين اقتص نبأ نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح ولا طاعة لأحد في معصية الله ولا قطيعة إذا كانت قطيعة في جنب الله وكتابي هذا إلى أمير المؤمنين وقد قتل الله المخلوع ورداه رداء نكثة واحصد لأمير المؤمنين أمره وأنجز له وعده وما ينتظر من صادق أمره حين رد به الألفة بعد فرقتها وجمع الأمة بعد شتاتها وأحيا به أعلام الإسلام بعد درسها.
وفي هذه السنة ولى المأمون كل ما كان طاهر بن الحسين افتتحه من كور الجبال وفارس والأهواز والبصرة والكوفة واليمن الحسن ابن سهل وذلك بعد مقتل محمد المخلوع ودخول الناس في طاعة المأمون وفيها كتب المأمون إلى طاهر بن الحسين وهو مقيم ببغداد بتسليم جميع ما بيده من الأعمال في البلدان كلها إلى خلفاء الحسن بن سهل وأن يشخص عن ذلك إلى الرقة وجعل إليه حرب نصر بن شبث وولاه الموصل والجزيرة والشام والمغرب وقدم علي بن أبي سعيد العراق خليفة الحسن بن سهل على خراجها فدافع طاهر علياً بتسليم الخراج إليه حتى وفى الجند أرزاقهم فلما وفاهم سلم إليه العمل، وكتب المأمون إلى هرثمة يأمره بالشخوص إلى خراسان.

ودخلت سنة 199

وفيها قدم الحسن بن سهل بغداد من عند المأمون وإليه الحرب والخراج وفرق عماله في الكور والبلدان، وفيها خرج بالكوفة محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن ابن علي بن أبي طالب يدعو إلى الرضى من آل محمد والعمل بالكتاب والسنة وهو الذي يقال له ابن طباطبا وكان القيم بأمره في الحرب وتدبيرها وقيادة جيوشه أبو السرايا واسمه السري بن منصور،

ذكر السبب في خروجه وخروج غيره من أفناء الناس.

كان سبب خروجه صرف المأمون طاهر بن الحسين عما كان إليه من أعمال البلدان التي افتتحها وتوجيهه إلى ذلك الحسن ابن سهل أخا الفضل بن سهل وذلك أن الناس بالعراق تحدثوا بينهم أن الفضل بن سهل قد غلب على المأمون وأنه قد أنزله قصراً حجبه فيه عن أهل بيته ووجوه قواده ومن الخاصة والعامة وأنه يبرم الأمور على هواه ويستبد بالرأي دونه فغضب لذلك من بالعراق من بني هاشم ووجوه الناس وأنفوا من غلبة الفضل ابن سهل على المأمون واجترأوا على الحسن بن سهل بذلك وهاجت الفتن في الأمصار فكان أول من خرج بالكوفة ابن طباطبا الذي ذكرت، وكان سبب خروجه أن أبا السرايا كان من رجال هرثمة فمطله بأرزاقه وأخره بها فغضب أبو السرايا ومضى إلى الكوفة فبايع ابن طباطبا واجتمع إلى ابن طباطبا الناس فوجه الحسن بن سهل زهير بن المسيب في أصحابه إلى الكوفة في عشرة آلاف فارس وراجل فتهيأوا للخروج إليه فلم تكن بهم قوة على الخروج فأقاموا حتى بلغ زهير قرية شاهي ثم واقعهم ابن طباطبا فهزمهم واستباح عسكرهم وأخذوا ما كان معهم من سلاح ومال ودواب وغير ذلك فلما كان من غد ظفره بزهير واستباحته عسكره مات فجاءة فتحدث الناس أن أبا السرايا سمه وأنه إنما فعل ذلك لأن ابن طباطبا لما أحرز ما في عسكر زهير من المال والسلاح والكراع منعه أبا السرايا وحظره عليه وكان الناس له مطيعين فعلم أبو السرايا أنه لا أمر له فسمه فلما مات ابن طباطبا أقام أبو السرايا مكانه غلاماً أمرد حدثاً وهو محمد بن محمد بن زيد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فكان أبو السرايا هو الذي ينفذ الأمور وكان الحسن بن سهل قد وجه عبدوس ابن محمد بن أبي خالد المرورذي إلى النيل حين وجه زهيراً إلى الكوفة فلما هزم أبو السرايا زهيراً خرج عبدوس يريد الكوفة بأمر الحسن بن سهل حين بلغ الجامع وزهير مقيم بالقصر فتوجه أبو السرايا إلى عبدوس فواقعه بالجامع فقتله وأسر هارون بن محمد ابن أبي خالد واستباح عسكره وكان في أربعة آلاف فلم يفلت منهم أحد كانوا بين قتيل وأسير، وانتشر الطالبيون وانحاز زهير إلى نهر الملك وأقبل أبو السرايا حتى نزل قصر ابن هبيرة بأصحابه وكانت طلائعه تأتي كوثا، ثم وجه أبو السرايا جيوشه إلى البصرة وواسط فدخلوها وكان بواسط وأعمالها عبد الله بن سعيد الحرشي والياً عليها من قبل الحسن بن سهل فواقعه جيش أبي السرايا قريباً من واسط فهزموه فانصرف راجعاً إلى بغداد وقتل أصحابه وأسروا فلما رأى الحسن بن سهل أن أبا السرايا يهزم عساكره ولا يتوجه إلى بلدة إلا افتتحها ولم يجد في قواده من يكفيه حربة تذكر هرثمة وكان هرثمة لما قدم الحسن بن سهل العراق والياً من قبل المأمون سلم إليه ما كان بيده من الأعمال وتوجه نحو خراسان مغاضباً فبلغ حلوان وبعث إليه الحسن السندي وصالحاً صاحب المصلي يسأله الانصراف إلى بغداد لحرب أبي السرايا فامتنع وأبى وقال تذكرونا عند البلاء فانصرف رسل الحسن إليه بآبائه وتمنعه فأعاد إليه السندي بكتب لطيفه ورسائل تشبه الكتب فأجاب وانصرف إلى بغداد فقدمها في شعبان وتهيأ للخروج وأمر الحسن علي بن أبي سعيد أن يخرج إلى ناحية المدائن وواسط والبصرة فتهيئوا لذلك وبلغ الخبر أبا السرايا وهو بقصر ابن هبيرة فوجه إلى المدائن فدخلها أصحابه في شهر رمضان وتقدم هو بنفسه حتى نزل صرصر، وكان هرثمة أنفذ منصور بن المهدي إلى الياسرية فخرج وعسكر بها فلما قدم هرثمة خرج فعسكر بالسفينتين بين يدي منصور ثم شخص إلى نهر صرصر بازاء أبي السرايا والنهر بينهما وتوجه علي بن أبي سعيد من طريق كلواذي إلى المدائن فقاتل أصحاب أبي السرايا فهزمهم ،اخذ المدائن وبلغ أبا السرايا فرجع من نهر صرصر إلى قصر ابن هبيرة وأصبح هرثمة فجد في طلبة فوجد جماعة كثيرة فقتلهم وبعث برؤوسهم إلى الحسن بن سهل ثم صار إلى قصر ابن هبيرة فكانت بينه وبين أبي السرايا وقعة قتل فيها من أصحاب أبي السرايا خلق كثير فانحاز أبو السرايا إلى الكوفة فوثب محمد بن محمد ومن معه من الطالبيين على دور بني العباس ومواليهم وأتباعهم فانتهبوها وهدموها وحرقوها وخربوا ضياعهم وأخرجوهم من الكوفة وعملوا في ذلك عملاً قبيحاً جداً واستخرجوا الودائع التي كانت لهم عند الناس، وتوجه علي بن أبي سعيد بعد أخذه المدائن إلى واسط فأخذها ثم توجه إلى البصرة فلم

يقدر على أخذها حتى انقضت سنةدر على أخذها حتى انقضت سنة

ثم دخلت سنة 200
وفيها هرب أبو السرايا من الكوفة ودخلها هرثمة ومنصور بن المهدي فآمنوا أهلها ولم يعرضوا لأحد ثم أن أبا السرايا عبر دجلة أسفل واسط فأتى عبدسي فوجد بها مالاً كان حمل من الاهواز فأخذه ثم مضى حتى أتى السوس فنزلها أقام بها أربعة أيام وجعل يعطي الفارس ألفاً والراجل خمسمائة، فلما كان اليوم الرابع أتاهم الحسن بن علي الباذعيسى المعروف بالمأموني فأرسل إليهم اذهبوا حيث شئتم فإنه لا حاجة لي في قتالكم إذا أنتم خرجتم من عملي فلست أتبعكم فأبى أبو السرايا إلا قتاله فقاتلهم فهزمهم الحسن واستباح عسكرهم وجرح أبو السرايا جراحة شديدة فهرب واجتمع هو ومحمد بن محمد وأبو الشوك فأخذوا ناحية الجزيرة يريدون منزل أبي السرايا براس العين فلما انتهوا إلى جلولاء عثر بهم فأتاهم حماد فأخذهم فجاء بهم إلى الحسن بن سهل وكان مقيماً بالنهروان حين طردته الحربية فضرب عنق أبي السرايا وكان الذي تولى ضرب رقبته هارون بن محمد بن أبي خالد الذي كان أسيراً في يده فلم ير أحد عند الفضل اشد جزعاً من أبي السرايا كان يضرب بيديه ورجليه ويصيح أشد ما يكون من الصياح حتى جعل في رأسه حبل وفي يديه حبل وفي رجليه حبل وهو في ذلك يضطرب ويلتوي ويصيح حتى ضربت عنقه ثم بعث برأسه فطيف به في العسكر وبعث بجسده إلى بغداد فصلب نصفين على الجسرين في كل جسر نصف وكان بين خروجه وقتله عشرة أشهر، وتوجه علي بن أبي سعيد إلى البصرة فافتتحها وكان الذي بها من الطالبيين زيد بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وهو الذي يقال له زيد النار وإنما سمى بذلك لكثرة ما حرق من الدور بالبصرة وكان إذا أتى برجل من المسودة كانت عقوبته أن يحرقه بالنار فأسره علي بن أبي سعيد مع جماعة من قواده وبعث بهم إلى الحسن بن سهل. وفي هذه السنة خرج إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب باليمن.
ذكر السبب في ذلك.

كان سببه أن أبا السرايا لما تغلب على الكوفة وتجاسر الناس على الحسن بن سهل حدث هذا أيضاً لنفسه باليمن وكان بها من قبل المأمون إسحاق بن موسى بن عيسى بن موسى فلما سمع بإقبال إبراهيم بن موسى العلوي وأهل بيته إليه كره قتالهم وخرج بجميع من في عسكره من الخيل والرجل وخلى لإبراهيم اليمن فدخل إبراهيم بلاد اليمن وقتل خلقاً وسبى وأخذ أموالاً عظيمة من الناس فسمى إبراهيم الجزار، وفي هذه السنة جلس حسين بن حسن الأفطس وكان خرج من قبل أبي السرايا على نمرقة مثنية خلف المقام فأمر بثياب الكعبة التي عليها فجردت منها حتى لم يبق عليها شيء وبقيت حجارةً مجردةً ثم كساها ثوبين من قز رقيق وجه بهما أبو السرايا مكتوب عليهما مما أمر به الأصفر أبو السرايا داعية آل محمد لكسوة بيت الله وأن يطرح عنه كسوة الظلمة من ولد العباس ليطهز من كسوتهم وكتب في سنة 199 ثم أمر حسين بالكسوة التي كانت على الكعبة فقسمت بين أصحابه من العلويين وأتباعهم وعمد إلى ما في خزانة الكعبة من مال فأخذه ولم يسمع بأحد عنده وديعة لأحد من ولد العباس وأتباعهم ألا هجم عليه في داره فأخذه وإن لم يجد عنده شيئاً أخذه فحبسه وعاقبه حتى يفتدي بقدر طوله حتى أفقر خلقاً وهرب كثير من أهل النعم فتعقبهم بهدم دورهم حتى صار أصحابه إلى أخذ الحرم وأخذ أبناء الناس وتهتكوا وجعلوا يحكون الذهب الرقيق في أسافل رؤوس أساطين المسجد الحرام فيخرج من الاسطوانة بعد التعب الشديد قدر مثقال ذهباً وقلعوا الحديد الذي على شباك كوى المسجد الحرام وقلعوا شباك زمزم وباعوها فتغير لهم الناس ولعنوهم وبلغهم أن أبا السرايا قتل وطرد من كور العراق كلها الطالبيين وأن الولاية رجعت بها لولد العباس فعلم حسين أنه لا ثبات له ولأصحابه لسوء السيرة التي ظهرت منهم فاجتمعوا إلى محمد بن جعفر الصادق بن محمد الباقر وكان شيخاً وادعاً يروي العلم عن أبيه جعفر بن محمد عم وينتابه الناس فيكتبون عنه وكان له سمت وزهد وفارق ما كان عليه أهل بيته فكان محبباً في الناس، فلما اجتمع إليه حسين وأصحابه قالوا له قد تعلم حالك في الناس فأبرز شخصك نبايع لك بالخلافة فليس يختلف عليك اثنان فأبى إباءً شديداً فلم يزل به ابنة علي وحسين بن حسن الأفطس حتى غلب الشيخ على رأيه فأجابهم وأقاموه يوم الجمعة فبايعوه بالخلافة وحشروا إليه الناس من أهل مكة والمجاورين فبايعوه وسموه أمير المؤمنين فأقام شهوراً ليس له من الآمر إلا اسمه وابنه علي وحسين وجماعة معهما أسوأ ما كانوا سيرةً فوثب حسين بن حسن على امرأة من قريش ولها زوج وكانت ذات جمال بارع فانتزعها وأخاف زوجها حتى توارى واغتصبها نفسها بعد أن كسر عليها بابها وحملت حملاً إلى حسين ووثب علي بن محمد وهو ابن محمد بن جعفر أمير المؤمنين على غلام من قريش ابن قاض بمكة يقال له إسحاق بن محمد كان جميلاً بارعاً في الجمال فاقتحم عليه بنفسه نهاراً جهاراً في داره على الصفا مشرفاً على المسعى حتى حمله على فرسه في السرج وركب علي على عجز الفرس وخرج به يشق السوق فلما رآه أهل مكة ومن بها من المجاورين خرجوا فاجتمعوا في المسجد الحرام وعلقت الدكاكين ومال معهم أهل الطواف بالكعبة حتى أتوا أباه محمد بن جعفر فقالوا لنخلعنك ولنقتلنك أو ترد إلينا هذا الغلام الذي أخذه ابنك جهرةً فأغلق بابه وكلمهم من الشباك الشارع في المسجد وقال والله ما علمت فأمهلوني ثم أرسل إلى حسين بن حسن الأفطس وسأله أن يركب إلى ابنه فيستنقذ الغلام من يده فأبى ذلك حسين وقال والله أنك لتعلم أني لا أقوى على ابنك ولو جئته لقاتلني في أصحابه فلما رأى محمد بن جعفر ذلك قال لأهل مكة آمنوني حتى أركب إليه وآخذ الغلام فآمنوه بنفسه حتى صار إلى ابنه فأخذ الغلام منه وسلمه إلى أهله، فلم يلبثوا إلا يسيراً حتى أقبل إسحاق بن موسى بن عيسى العباسي إليهم فاجتمع العلويون إلى محمد بن جعفر وقالوا هذا إسحاق بن موسى مقبلاً إلينا في الخيل والرجالة وقد رأينا أن نخندق خندقاً وتبرز شخصك ليراك الناس فيحاربوا معك وبعثوا إلى من حولهم من الأعراب ففرضوا لهم وخندقوا بأعلى مكة فورد إسحاق وقاتلهم أياماً ثم كره إسحاق الحرب وخرج يريد العراق فلقيه ورقاء بن جميل ومن كان معه من أصحاب الجلودي فقالوا لإسحاق ارجع معنا إلى مكة ونحن نكفيك القتال فرجع معهم

واجتمع إلى محمد من كان معه فتقاتلوا عند بئر ميمون يوماً ثم عاودهم بعد ذلك بيوم فكانت الهزيمة على أصحاب محمد بن جعفر فبعث محمد ابن جعفر رجالاً من قريش فيهم قاضي مكة يسلون لهم الأمان حتى يخرجوا من مكة ويذهبوا حيث شآووا فأجابهم إسحاق وورقاء إلى ذلك وأجلوهم ثلاثة أيام ثم دخل إسحاق وورقاء مكة وتفرق الطالبيون وأخذ كل قوم ناحية.جتمع إلى محمد من كان معه فتقاتلوا عند بئر ميمون يوماً ثم عاودهم بعد ذلك بيوم فكانت الهزيمة على أصحاب محمد بن جعفر فبعث محمد ابن جعفر رجالاً من قريش فيهم قاضي مكة يسلون لهم الأمان حتى يخرجوا من مكة ويذهبوا حيث شآووا فأجابهم إسحاق وورقاء إلى ذلك وأجلوهم ثلاثة أيام ثم دخل إسحاق وورقاء مكة وتفرق الطالبيون وأخذ كل قوم ناحية.

ذكر خروج هرثمة ومراغمته للحسن
والفضل وما آل إليه أمره لما فرغ هرثمة من أمر أبي السرايا ومحمد بن محمد العلوي ودخل الكوفة أقام في معسكره أياماً ثم أتى نهر صرصر والناس يظنون أنه يأتي الحسن بن سهل بالمدائن فلما بلغ نهر صرصر خرج على عقرقوف ثم أتى البردان ثم أتى النهروان ثم سار حتى أتى خراسان فاستقبله كتب من المأمون في غير منزل أن يرجع فيلي الشام والحجاز فأبى وقال لا أرجع حتى ألقى أمير المؤمنين ادلالاً منه عليه لما كان يعرف من نصيحته له ولآبائه أراد أن يعرف المأمون ما يدبر عليه الفضل بن سهل وما يكتم عنه من الأخبار وألا يدعه حتى يرده إلى بغداد دار خلافة آبائه وملكهم ليتوسط سلطانه ويشرف على أطرافه فعلم الفضل ما يريد فقال للمأمون أن هرثمة قد أنغل عليك العباد والبلاد وظاهر عليك عدوك وعادى وليك ولقد دس أبا السرايا وإنما هو بعض خوله حتى عمل ما عمل ولو شاء هرثمة ألا يفعل ذلك أبو السرايا ما فعله وقد كتب إليه أمير المؤمنين عدة كتب أن يرجع فيلي الشام أو الحجاز فأبى وقد رجع إلى باب أمير المؤمنين عاصياً مشاقاً يظهر القول الغليظ ويتوعد بالأمر الجليل وأن أطلق هذا كان مفسدة لغيره فأشرب قلب أمير المؤمنين عليه وأبطأ هرثمة في المسير فلم يصل إلى خراسان إلا بعد شهور، فلما بلغ مرو خشي أن يكتم المأمون قدومه فضرب بالطبول لكي يسمعها المأمون فسمعها فقال ما هذا قالوا هرثمة قد أقبل يرعد ويبرق وظن هرثمة أن قوله هو المقبول فأمر بإدخاله فلما دخل كان قد أشرب قلب المأمون ما أشرب فقال يا هرثمة مالأت أهل الكوفة والعلويين وداهنت ودسست إلى أبي السرايا حتى خلع وعمل ما عمل وكان رجلاً من أصحابك ولو أردت أن تأخذهم جميعاً لفعلت ولكنك أرخيت خناقهم وأحرزت لهم رمتهم فذهب هرثمة ليتكلم ويعتذر ويدفع عن نفسه ما قرف به فلم يقبل ذلك منه وأمر به فوجىء على أنفه وديس في بطنه وسحب من بين يديه، وكان تقدم الفضل بن سهل إلى الأعوان في الغلظة عليه والتشديد حتى حبس ثم دس إليه بعد أن أذله من قتله وقالوا مات. وفي هذه السنة هاج الشغب ببغداد بين الحربية والحسن بن سهل.
ذكر السبب في ذلك.

لما خرج هرثمة إلى خراسان وثبوا وقالوا لا نرضى حتى نطرد الحسن بن سهل وعماله عن بغداد وكان من عماله بها محمد بن أبي خالد وأسد بن أبي الأسد فأخرجوهم وطردوا أسبابهم وصيروا إسحاق بن موسى بن المهدي خليفة للمأمون ببغداد فاجتمع أهل الجانبين على ذلك ورضوا به، وكان الحسن بن سهل مقيماً بالمدائن منذ شخص هرثمة إلى خراسان وإلى أن اتصل بأهل بغداد خبر هرثمة وما صنع به المأمون فلما علم الحسن أن أهل بغداد قد وقفوا على ذلك أرسل إلى علي بن هشام وهو والي بغداد من قبله أن امطل جند الحربية والبغداديين أرزاقهم ومنهم ولا تعطهم فلما وثب أهل بغداد بأصحابه دس إلى قوم من قوادهم أن يشغبوا على إسحاق بن موسى فشغبوا فحول الحربية إسحاق إليهم وأنزلوه على رجل وبعث الحسن علي بن هشام من الجانب الآخر وجاء هو ومحمد بن أبي خالد وقوادهم ليلاً حتى دخلوا بغداد فقاتل الحربية ثلاثة أيام على قنطرة الصراة العتيقة والجديدة والارحاء ثم أنه وعد الحربية أن يعطيهم رزق ستة أشهر إذا أدركت الغلة فسألوه أن يعجل لهم خمسين درهماً لكل رجل لينفقوها في شهر رمضان فأجابهم إلى ذلك ثم دافعهم بها ولم يف لهم بإعطاء الخمسين فشدوا على علي بن هشام فطردوه وكان المتولي لذلك والقيم بأمر الحربية محمد بن أبي خالد وذلك أن علي بن هشام كان يستخف به ويضع من مقداره ووقع بين محمد بن أبي خالد وأزهر بن زهير بن المسيب كلام فقنعه أزهر بالسوط فغضب محمد وتحول إلى الحربية واجتمع إليه الناس فلم يقربهم علي بن هشام حتى أخرجوه من بغداد. وفي هذه السنة تقدم المأمون بإحصاء ولد العباس فبلغوا ثلاثة وثلاثين ألفاً ما بين ذكر وأنثى.

ودخلت سنة 201
وفيها راود أهل بغداد منصور بن المهدي على الخلافة فامتنع من ذلك عليهم فراودوه على الإمرة عليهم على أن يدعوا للمأمون بالخلافة فأجابهم إلى ذلك.
ذكر السبب في ذلك

لما أخرج أهل بغداد علي بن هشام من بغداد واتصل الخبر بالحسن بن سهل وكان بالمدائن انهزم حتى صار إلى واسط فتبعه محمد بن أبي خالد مخالفاً له وقد تولى القيام بأمر الناس وولي سعيد بن الحسن بن قحطبة الجانب الغربي ونصر بن حمزة بن مالك الجانب الشرقي وكانفه ببغداد منصور بن المهدي وخزيمة ابن خازم والفضل بن الربيع وقد كان الفضل بن الربيع مختفياً قبل قتل المخلوع فلما رأى محمد بن أبي خالد قد بلغ واسطاً بعث إليه يطلب منه الأمان فأعطاه إياه وظهر وقدم على محمد ابن أبي خالد للقتال وتقدم هو وابنه عيسى مع أصحابهما حتى صاروا على ميلين من واسط فوجه إليهم الحسن أصحابه وقواده فاقتتلوا قتالاً شديداً عند أبيات واسط فلما كان بعد العصر هبت ريح شديدة وغبرة حتى اختلط القوم بعضهم ببعض فكانت الهزيمة على أصحاب محمد بن أبي خالد فأصابته جراحات شديدة في جسده فانهزم هو وأصحابه هزيمة شديدة قبيحة فقتل أصحاب الحسن منهم وسلبوا حتى بلغوا فم الصلح وقلعت الريح ما كان معهم من سفن فيها متاع وسلاح حتى أدخلتها واسطاً فأخذها أصحاب الحسن وتبعوه ولم يزل يقاتلهم في كل منزل بالنهار ثم يرتحل بالليل حتى بلغ جرجرايا فاشتدت به الجراحات فأمر قواده أن يقيموا في عسكره وحمله ابنه المعروف بأبي زنبيل حتى أدخله بغداد ومات محمد من ليلته ودفن في داره سراً وكان زهير ابن المسيب محبوساً عند جعفر بن محمد بن أبي خالد فلما قدم أبو زنبيل مضى إلى خزيمة بن خازم فأعلمه خبر أبيه وأوصل إليه كتاباً عن أخيه عيسى فبعث خزيمة إلى بني هاشم والقواد فأعلمهم الخبر وقرأ عليهم كتاب عيسى بن محمد بن أبي خالد إليه وأنه يكفيهم الحرب فرضوا به وصار عيسى مكان أبيه، وانصرف أبو زنبيل من عند خزيمة حتى أتى زهير بن المسيب فأخرحه من محبسه وضرب عنقه ونصب رأسه على رمح وأخذوا جسده فشدوا في رجله حبلاً وطافوا به على دوره أهل بيته ثم أداروا به في الكرخ وردوه إلى باب الشام ولما جن عليه الليل رموه في دجلة ورجع أبو زنبيل إلى أخيه عيسى فوجهه عيسى إلى فم الصراة، وبلغ الحسن بن سهل موت محمد بن أبي خالد فخرج من واسط ووجه حميد بن عبد الحميد الطوسي وسعيد بن الساجور وغيره من القواد فتلقوا أبا زنبيل بفم الصراة فهزموه فانحاز إلى أخيه هارون بالنيل ثم رجعوا إلى هارون فقاتلوه وهزموه مع أخيه أبي زنبيل فخرجا هاربين إلى المدائن وبلغ الخبر بني هاشم وقواد بغداد فجدوا في الخلاف على الحسن بن سهل وقالوا لا نرضى بالمجوسي بن المجوسي ابن سهل حتى تطردوه ونرجع إلى خراسان ونخلع المأمون وتراوضوا أياماً ثم أرادوا منصور بن المهدي على أن يعقدوا له الخلافة فأبى عليهم فما زالوا به حتى صيروه أميراً وخليفة للمأمون بالعراق، وقوى أمر عيسى بمن ذكرنا وكثر جنده، فأمر بإحصائهم وكانوا مائة ألف وخمسة وعشرين ألفاً بين فارس وراجل فأعطى الفارس اربعين درهماً والراجل عشرين درهماً. وفي هذه السنة تجردت المطوعة للنكير على الفساق ببغداد ورئيسهم خالد الدريوش وسهل بن سلامة الأنصاري من أهل خراسان.

ذكر السبب الذي فعلت المطوعة ذلك له

كان فساق الحربية والشطار الذين كانوا ببغداد والكرخ آذوا الناس أذىً شديداً وأظهروا الفسق وقطع الطريق وأخذ الغلمان والنساء علانية من الطرق فكانوا يأتون الرجل فيأخذون ابنه فيذهبون به فلا يقدر أن يمتنع عليهم وكانوا يسألون الرجل أن يقرضهم أو يصلهم فلا يقدر أن يمتنع عليهم وكانوا يجتمعون فيأتون القرى فيكابرون أهلها ويأخذون ما قدروا عليه من متاع ومال وغيره لا سلطان يمنعهم ولا يقدر على ذلك منهم لأن السلطان كان يعتز بهم فكان لا يقدر أن يمنعهم من فسق يركبونه وكانوا يجبون المارة في الطرق والسفن ويخفرون البساتين وكان الناس منهم في بلاء عظيم وخرجوا يوماً إلى قطربل فانتهبوها علانية وأخذوا المتاع والذهب والفضة والغنم والبقر والحمير وغير ذلك فأدخلوها بغداد وجعلوا يبيعونها علانيةً، فلما رأى الناس ذلك وظهور هذا البغي والفسق والنهب وأن السلطان لا يغيره مشى بعضهم إلى بعض وقام صلحاء كل ربض ودرب فمشى بينهم أماثلهم وقالوا يا قوم إنما في كل درب فاسق أو اثنان إلى عشرة وعددكم بعد أكثر فلو اجتمعتم حتى يكون أمركم واحد لقمعتم هؤلاء الفساق واحتشموكم فقام رجل من طريق الأنبار يعرف بالدريوش فدعا جيرانه وأهل محلته على أن يعاونوه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فأجابوه إلى ذلك فشد على من يليه من الفساق والشطار فمنعهم فيما كانوا يصنعون وامتنعوا عليه فقاتلهم وهزمهم وأخذ بعضهم فضربهم وحبسهم، ثم قام بعده رجل آخر يقال له سهل بن سلامة الأنصاري من أهل خراسان ويكنى أبا حاتم فدعا الناس إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعمل بكتاب الله والسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وعلق مصحفاً في عنقه ثم بدأ بجيرانه وأهل محلته فأمرهم ونهاهم فقبلوا منه ثم دعا الناس جميعاً إلى ذلك الشريف منهم والوضيع وجعل ديواناً يثبت فيه اسم من أتاه فبايعه على ذلك وقتال من خالفه كائناً من كان فأتاه خلق كثير فبايعوه ثم أنه طاف ببغداد وأسواقها وأرباضها وطرقها ومنع كل من يخفر ويجبى المارة وقال لا خفارة في الإسلام والخفارة أن الرجل منهم كان يأتي إلى من له دار أو بستان أو تجارة فيقول أنت في خفارتي لا يتعرض أحد لمالك ادفعوا من أرادك بسوء ولي في عنقك كل شهر كذا وكذا درهماً فيعطيه وقوى على ذلك فقمع أهل الشر وكان يخالفه الدريوش في أنه كان لا يغير على السلطان شيئاً ولا يخالفه ولا يقاتله ويقول أنا لا أرى أن آمر السلطان بشيء وقال سهل بن سلامة أنا أرى قتل كل من خالف الكتاب والسنة كائناً من كان، فلما فشا ذلك وقوى ضعف أمر منصور بن المهدي وعيسى بن محمد بن أبي خالد لأن معظم أصحابهم الشطار ومن لا خير فيه وكسرهم ذلك ودخل منصور بغداد فكاتب الحسن بن سهل وسأله الأمان له ولأهل بيته وأصحابه على أن يعطي الحسن جنده وسائر أهل بغداد من المرتزقة رزق ستة أشهر إذا أدركت الغلة فأجابه الحسن إلى ذلك وارتحل الحسن من معسكره فدخل بغداد وتقوضت تلك العساكر وأشرك بين عيسى وبين يحيى بن عبد الله ابن عم الحسن بن سهل في ولاية السواد وأعمال بغداد وكان أهل عسكر المهدي مخالفين لعيسى فوثب المطلب بن عبد الله بن مالك الخزاعي يدعو إلى المأمون وإلى الفضل والحسن ابني سهل فامتنع عليه سهل بن سلامة وقال ليس على هذا بايعتني، وتحول منصور بن المهدي وخزيمة ابن خازم والفضل بن الربيع وكانوا بايعوا سهل بن سلامة على ما يدعو إليه من العمل بالكتاب والسنة فنزلوا بالحربية هرباً من المطلب وجاء سهل بن سلامة إلى الحسن وبعث إلى المطلب فأبى أن يجيبه فقاتله سهل أياماً قتالاً شديداً ثم اصطلح عيسى والمطلب فدس عيسى إلى سهل من اغتاله وضربه بالسيف ضربةً لم تعمل كبير عمل فلما اغتيل سهل رجع إلى منزله وقام عيسى بأمر الناس فكفوا عن القتال، ثم بعث عيسى إلى سهل بن سلامة فاعتذر إليه مما كان صنع وبايعه وأمره أن يعود إلى ما كان عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنه عونه على ذلك فعاد سهل إلى ما كان عليه. وفي هذه السنة جعل المأمون علي ابن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ولي عهد المسلمين والخليفة من بعده وسماه الرضي من آل محمد وأمر جنده بطرح السواد ولبس ثياب الخضرة وكتب بذلك إلى الآفاق.

ذكر الخبر عن ذلك وسببه وما آل إليه الأمر.

بينا عيسى بن محمد بن أبي خالد يعرض أصحابه منصرفه من معسكره إلى بغداد أن ورد عليه كتاب من الحسن بن سهل يعلمه أن أمير المؤمنين المأمون قد جعل علي بن موسى بن جعفر ولي عهده من بعده وأنه نظر في بني العباس وبني علي فلم يجد أحداً أفضل ولا أورع ولا أعلم منه وأنه سماه الرضي من آل محمد وأمره بطرح لبس السواد ولبس ثياب الخضرة وذلك في شهر رمضان سنة 201 ويأمره أن يأمر من قبله من أصحابه والجند وبني هاشم بالبيعة له وأن يأخذهم بلبس الخضرة في أقبيتهم وقلانسهم وأعلامهم ويأخذ أهل بغداد بذلك فلما أتى عيسى ذلك دعا أهل بغداد إلى ذلك على أن يعجل لهم رزق شهر والباقي إذا أدركت الغلة فقال بعضهم نبايع ونلبس الخضرة وقال بعضهم لا نبايع ولا نخرج هذا الأمر من ولد العباس وإنما هذا دسيس من قبل الفضل بن سهل وغضب بنو العباس ومشى بعضهم إلى بعض وقالوا نولي بعضنا ونخلع المأمون وكان المتكلم في هذا والساعي له منصور وإبراهيم ابنا المهدي. وفي هذه السنة بايع أهل بغداد إبراهيم بن المهدي بالخلافة وخلعوا المأمون.

ذكر السبب في ذلك.
قد ذكرنا ما أنكره العباسيون ببغداد على المأمون حتى أخرجوا الحسن بن سهل عن بغداد فلما ورد أمره بالبيعة لعلي ابن موسى ولبس الخضرة وأخذ الناس به أرادوا أن يبايعوا إبراهيم ابن المهدي بالخلافة ويخلعوا المأمون وبذلوا للجند عشرة دنانير لكل واحد منهم فاضطرب الناس وقبل بعضهم ورضي وأبى قوم وامتنعوا فاجتمعوا وأمروا رجلاً يقول يوم الجمعة حين يؤذن المؤذن أنا نريد أن ندعو للمأمون ومن بعده لإبراهيم يكون خليفته والنائب بعده ودسوا قوماً آخرين يقولون إذا قام هذا الرجل فقال ما عنده لا نرضى ألا أن نبايعوا لإبراهيم بالخلافة ونخلعوا المأمون أتريدون أن تأخذوا أموالنا كما صنع منصور ثم تجلسوا في بيوتكم فقال يوم الجمعة هذا الرجل ما وصوه به وقام الآخرون فقالوا ما وصوا به وماج الناس فلم يصل تلك الجمعة ولا خطب أحد وإنما صلى الناس بعد ما خشوا الفوت أربع ركعات وانصرفوا. وفي هذه السنة تحرك بابك الخرمي في الجاويذانية أصحاب جاويذان بن سهل صاحب البذ وادعى أن روح جاويذان دخل فيه وأخذ في العيث والفساد.
ودخلت سنة 202.
فلما كان يوم الجمعة لخمس خلون من المحرم أظهروا أمر إبراهيم وصعد إبراهيم المنبر فكان أول من بايعه عبيد الله بن العباس بن محمد ثم منصور بن المهدي ثم سائر بني هاشم وكان المتولي لأخذ البيعة المطلب بن عبد الله بن مالك وقام في ذلك السندي وصالح صاحب المصلى وسحاب ونصير الوصيف وسائر الموالي إلا أن هؤلاء كانوا الرؤساء غضباً منهم على المأمون حين أراد الخروج وإخراج ولد العباس من الخلافة ولتركه لباس آبائه، ولما فرغ من ذلك وعد الجند أن يعطيهم أرزاقهم لستة أشهر فدافعهم بها فلما رأوا ذلك شغبوا عليه فأعطى كل رجل منهم مائتي درهم وكتب لبعضهم إلى السواد بقيمة ما لهم حنطة وشعيراً فخرجوا في قبضها فلم يمروا بشيء إلا انتهبوه وأخذوا النصيبين جميعاً. وخرج على إبراهيم بن المهدي مهدي بن علوان الحروري فحكم وظهر ببرزخ سابور وغلب على الراذانين ونهر بوق فوجه إبراهيم إليه أبا إسحاق بن الرشيد في جماعة من القواد كثيرة وكان مع أبي إسحاق غلمان له أتراك فلقوا الشراة فطعن رجل من الأعراب أبا إسحاق فحامى عنه غلام له تركي وقال له يا مولاي مر أشناس أي اعرفني فسماه يومئذ أشناس.

وأنفذ الحسن بن سهل العباس بن موسى بن جعفر وهو أخو علي بن موسى الرضي إلى الكوفة وأمره بلباس الخضرة وأن يدعو أولاً للمأمون ومن بعده لأخيه علي بن موسى وأعانه بمائة ألف درهم وقال له قاتل عن أخيك فإن أهل الكوفة يجيبونك وأما معك وكانت الكتب نفذت من جهة إبراهيم بن المهدي إلى الكوفة بتقلده الأمر وقيامه بأمرة المؤمنين وخلع المأمون ونفذت الكتب من جهة الحسن بن سهل بما رآه المأمون فكثر الخلاف وكانت لهم أخبار لا يليق ذكرها بهذا الكتاب إذ كانت فتنا لا تجربة فيها وحروباً يقتل فيها بعض الناس بعضاً من غير تدبير لطيف ولا مكر بديع وإنما كانت مصالتات بالسيوف فمرة يكون لهؤلاء ومرة لهؤلاء فلما بلغ خبر العباس بن موسى بن جعفر العلوي أهل الكوفة أجابه قوم كثيرون وقال قوم آخرون أن كنت إنما تدعو إلى المأمون ثم من بعده إلى أخيك فلا حاجة لنا في دعوتك وإن كنت تدعو إلى أخيك أو إلى نفسك أجبناك فقال إنما أدعو إلى المأمون ثم من بعده لأخي فقعد عنه المستبصرون في التشيع وكان يظهر أن حميداً يأتيه فيعينه ويقويه وأن الحسن ابن سهل يوجه إليه قوماً مدداً له فلم يأته منهم أحد وتوجه إليه أصحاب إبراهيم بن المهدي فهزموه وكان كل فريق من أصحاب الخضرة والسواد ينهبون ويحرقون، ثم أمر إبراهيم بن المهدي عيسى بن محمد بن أبي خالد أن يسير إلى رحبة واسط على طريق النيل وأمر جماعة أن يسيروا مما يلي جوخى حتى عسكروا قرب واسط مما يلي الصيادة وعليهم عيسى بن محمد بن أبي خالد فشخص منهم الحسن بن سهل فكان لا يخرج إليهم ثم تهيأ بعد أيام الحسن للقتال فظن الناس أن ذلك لنظرة في النجوم ثم اختار يوماً فخرجوا إليهم فاقتتلوا قتالاً شديداً إلى الظهر ووقعت الهزيمة على عيسى وأصحابه فانهزموا وأخذ أصحاب الحسن جميع ما كان في عسكرهم من سلاح ودواب ومتاع وغير ذلك.
وفي هذه السنة ظفر إبراهيم بسهل بن سلامة المطوعي فحبسه وعاقبه.

وكان السبب في ذلك.
أن عيسى لما انهزم أقبل هو وأخوته وأصحابه نحو سهل بن سلامة لأنه كان يذكرهم بأسوأ أعمالهم ويسميهم الفساق ليس لهم عنده اسم غيره وكان أصحابه الذين بايعوه على الكتاب والسنة ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق قد عمل كل رجل منهم على باب داره برجاً بجص وآجر وقد نصب عليه السلاح والمصاحف حتى بلغوا من الحربية إلى باب الشام سوى من أجابه من الكرخ وسائر الناس فلما قصده عيسى لم يمكنه الوصول إليه فأعطى أصحاب الدروب التي تقرب منه الألف درهم والألفي درهم على أن يتنحوا له عن الدروب فأجابوه إلى ذلك وكان نصيب الرجل الدرهم والدرهمان ونحو ذلك فلما كان يوم السبت لخمس بقين من شعبان تهيئوا له من كل وجه وخذله أهل الدروب حتى وصلوا إلى مسجده ومنزله فلما رآهم قد وصلوا إليه اختفى منهم وألقى سلاحه واختلط بالنظارة ودخل بين النساء فدخلوا منزله فلم يظفروا به فأذكوا عليه العيون فلما كان في الليل أخذوه في بعض الأزقة فأتوا به إسحاق بن موسى الهادي وهو ولي عهد عمه إبراهيم وهو بمدينة السلام فكلمه وحاجه وجمع بينه وبين أصحابه وقال له حرضت علينا الناس وعثت أمرنا فقال له إنما كانت دعوتي عباسية وإنما كنت أدعو إلى العمل بالكتاب والسنة وأنا على ما كنت عليه أدعوكم إليه الساعة فقالوا لا نقبل ما تقول أخرج إلى الناس وقل لهم أن ما كنت أدعوكم إليه باطل فقال نعم فأخرج إلى الناس فقال يا معشر الناس قد علمتم ما كنت أدعوكم إليه من العمل بالكتاب والسنة وأنا أدعوكم إليه الساعة فلما قال لهم هذا وجووا في عنقه وضربوا وجهه فقال لهم يا معشر الحربية المغرور من غررتموه فأخذ وأدخل إلى إسحاق فقيده ثم أخرجوه إلى إبراهيم بن المهدي بالمدائن فحبسه مع قوم من أصحابه وأشاعوا أن عيسى قتله تخوفاً من الناس أن يعلموا مكانه فيخرجوه وكان ما بين خروجه وبين أخذه اثني عشر شهراً. وفي هذه السنة شخص المأمون من مرو يريد العراق.
والسبب في ذلك.

أن علي بن موسى بن جعفر بن محمد الرضي أخبر المأمون بما فيه الناس من الفتنة والقتال منذ قتل أخوه محمد وبما كان الفضل بن سهل يستره عنه من أخبار الناس وأن أهل بيته قد نقموا عليه أشياء وأنهم يقولون أنه مسحور مجنون وأنهم لما رأوا ذلك بايعوا عمه إبراهيم بن المهدي بالخلافة فقال له المأمون أنهم ما بايعوه بالخلافة وإنما صيروه أميراً يقوم بأمرهم على ما كان أخبره به الفضل فأعلمه أن الفضل قد كذبه وغشه وأن الحرب قائمة بين إبراهيم والحسن وأن الناس ينقمون عليك مكانه ومكان أخيه ومكان بيعتي من بعدك فقال ومن يعلم هذا من أهل عسكري فقال له يحيى بن معاذ وعبد العزيز بن عمران وعدة من وجوه أهل العسكر فقال له أدخلهم علي حتى أسألهم عما ذكرت فأدخلهم عليه وهم هؤلاء وجماعة آخرون فيهم علي بن أبي سعيد وهو ابن أخت الفضل فسألهم المأمون عما أخبره به علي بن موسى الرضي فأبوا أن يخبروه حتى يجعل لهم الأمان من الفضل بن سهل ألا يعرض لهم فضمن ذلك لهم وكتب لكل رجل منهم كتاباً بخطه ودفعه إليهم فأخبروه بما فيه الناس من الفتن وبينوا له ذلك وأخبروه بغضب أهل بيته ومواليهم وقواده في أشياء كثيرة وبما موه عليه الفضل من أمر هرثمة وأن هرثمة إنما جاء لنصحه وليس له ما يعمل عليه وأنه إن لم يتدارك أمره خرجت الخلافة منه ومن أهل بيته وأن الفضل دس إلى هرثمة من قتله حين أراد نصحه وأن طاهر بن الحسين قد أبلى في طاعته ما أبلى وافتتح له ما افتتح وقاد إليه الخلافة مزمومة حتى إذا وطأ له الأمر أخرج من ذلك كله وصير في زاوية من الأرض بالرقة وقد حظرت عليه الأموال حتى ضعف أمره وشغب عليه جنده ولو أنه كان على خلافتك ببغداد لضبط الملك ولم يجترأ عليه بمثل ما اجترى على الحسن بن سهل وأن الدنيا قد تفتقت من أقطارها وأن طاهر بن الحسين قد تنوسي في هذه السنين منذ قتل محمد بالرقة لا يستعان به في شئ من هذه الحروب وسألوا المأمون الخروج إلى بغداد وقالوا أن بني هاشم والموالي والقواد لو قد رأوا غرتك سكنوا ونخعوا بالطاعة لك، قال فلما تحقق ذلك عنده أمر بالرحيل إلى بغداد فلما أمر بذلك علم الفضل بن سهل ببعض أمرهم فتعنتهم حتى ضرب بعضهم بالسياط وحبس بعضاً ونتف لحى بعض فعاوده علي بن موسى الرضي في أمرهم وأعلمه ما كان من ضمانه لهم فقال له إني أداري أمري وسأبلغ ما فيه الصلاح بمشيئة الله، ثم ارتحل من مرو فلما أتى سرخس شد قوم على الفضل بن سهل وهو في الحمام فضربوه بالسيوف حتى مات وذلك يوم الجمعة لليلتين خلتا من شعبان سنة 202 وكان الذين قتلوه أربعة نفر من حشم المأمون غالب الأسود المسعودي وقسطنطين الرومي وفرج الديلمي وموفق الصقلي وقتل الفضل وله ستون سنة وهربوا فبعث المأمون في طلبهم وجعل لمن جاء بهم عشرة آلاف دينار فجئ بهم فساءلهم المأمون فقال بعضهم أن علي بن أبي سعيد ابن أخت الفضل دسهم ومنهم من أنكر وقد حكى أن منهم من قال أنت أمرتنا بقتله فأمر المأمون بهم فضربت أعناقهم ثم بعث إلى عبد العزيز بن عمران وعلي ومؤنس وغيرهم ممن كانوا سعوا بالفضل إليه فساءلهم فأنكروا أن يكونوا علموا بشيء من ذلك فلم يقبل ذلك منهم وأمر بهم فقتلوا وبعث برؤوسهم إلى الحسن بن سهل إلى واسط وأعلمه ما دخل عليه من المصيبة بقتل الفضل وأنه قد صيره مكانه، ورحل المأمون من سرخس نحو العراق وقد كان المطلب ابن عبد الله بن مالك يدعو في السر إلى المأمون وإلى خلع إبراهيم على أن منصور بن المهدي خليفة المأمون فأجابه منصور وخزيمة وجماعة من القواد وكاتب المطلب حميداً وعلي ابن هشام أن يتقدما ونزل حميد صرصر وعلي النهروان وتحقق عند إبراهيم الخبر فخرج من المدائن إلى نحو بغداد وطلب المطلب وأصحابه فامتنع المطلب فنادى من أراد النهب فليأت دار المطلب فانتهبوا داره ودور أهل بيته ولم يظفر بهم وندم إبراهيم حيث صنع بالمطلب ما صنع ثم لم يظفر به وبلغ الخبر حميداً وابن هشام فأما حميد فبعث من جهته من أخذ المدائن وقطع الجسر ونزلها وأما علي بن هشام فبعث من جهته من أتى نهر ديالي وقطع الجسر. وفي هذه السنة تزوج المأمون بوران بنت الحسن بن سهل وزوج علي بن موسى الرضي ابنته أم حبيب وزوج محمد ابن على ابنته أم الفضل.

ودخلت سنة 203.

وفي هذه السنة مات علي بن موسى الرضي وذلك بطوس لما صار إليها المأمون أقام عند قبر أبيه أياماً ثم أن علي بن موسى على ما حكى أكل عنباً فأكثر منه فمات فجأة فأمر به المأمون فدفن عند قبر الرشيد وكتب إلى الحسن بن سهل بذلك وإلى وجوه بني العباس والموالي ويعرفهم أنهم إنما نقموا بيعته له من بعده ويسألهم الدخول في طاعته ورحل المأمون إلى بغداد فلما صار إلى الري أسقط من وظيفتها ألفي ألف درهم، وفي هذه السنة غلبت السوداء على الحسن بن سهل حتى شد في الحديد وحبس وكتب بذلك قواد الحسن إلى المأمون فأتاهم الجواب أن يكون على عسكره دينار بن عبد الله ويعلمهم أنه قادم على أثر كتابه، وفي هذه السنة ضرب إبراهيم بن المهدي عيسى بن محمد بن أبي خالد وحبسه.

ذكر السبب في ذلك.
كان عيسى يكاتب حميداً والحسن ويظهر لإبراهيم طاعة ونصيحة وكلما قال له إبراهيم تهيأ لقتال حميد تعلل عليه بأرزاق الجند وأشباه ذلك حتى وافق الحسن حميداً على أن يسلم إبراهيم إليهم يوم الجمعة انسلاخ شوال وسعى بعيسى بعض أهله إلى إبراهيم وكان عيسى سأل إبراهيم أن يصلي الجمعة بالمدينة فأجابه إلى ذلك فلما تكلم عيسى بما بلغه وسعى إليه حذر وبعث إلى عيسى يسأله أن يصير إليه ليناظره في بعض أموره فلما صار إليه عاتبه ساعة فأخذ عيسى ينكر بعض ما يقول فلما واقفه على أشياء وعلامات أمر به فضرب وحبسه وأخذ أم ولد له وصبياناً صغاراً فحبسهم وطلب خليفة له يقال العباس فاختفى فلما عرف أهل بيت عيسى وإخوته وأصحابه خبره مشى بعضهم إلى بعض فحرضوا الناس على إبراهيم فاجتمعوا وكان رأسهم العباس خليفة عيسى فشدوا على عامل إبراهيم على الجسر فطردوه وقطعوا الجسر وطردوا كل عامل لإبراهيم في الكرخ وغيره في الجانب الغربي وكتب العباس إلى حميد يسأله أن يقدم إليهم حتى يسلموا إليه بغداد فجاء حميد حتى نزل نهر صرصر طريق الكوفة وخرج إليه قواد أهل بغداد فوعدهم ومناهم فقبلوا ذلك منه ووعدهم أن يضع لهم العطاء في الياسرية على أن يصلوا يوم الجمعة فيدعوا للمأمون ويخلعوا إبراهيم فأجابوا إلى ذلك فبلغ ذلك إبراهيم فأخرج عيسى من الحبس وسأله أن يكفيه أمر هذا الجانب وأخذ منه كفلاء فعبر إليهم عيسى واخوته مع قواد الجانب الشرقي وعرض عليهم العطاء فشتموه وقالوا لا نرضى إبراهيم ثم تكاثر الناس على عيسى فانصرف بأصحابه نحو باب خراسان ثم رجع عيسى كأنه يريد قتالهم واحتال حتى صار في أيديهم شبه الأسير فأخذه بعض قواده فأتى به منزله ورجع الباقون إلى إبراهيم فأخبروه فاغتم وقلق وقد كان المطلب مستتراً فظهر ليلحق بحميد فغمز به فأخذ وحمل إلى إبراهيم فحبسه ثم عرف إبراهيم انحراف الأمر فأطلقه وأطلق سهل بن سلامة وكان أفشى عند الناس أنه مقتول فلما دخل حميد بغداد أخرجه إبراهيم فكان يدعو في مسجد الرصافة كما كان يدعو فإذا كان الليل رده إلى حبسه فلما كان بعد أيام خلى سبيله فذهب فاستتر، وكثر العيث ببغداد وظهر الشطار والعيارون واختفى الفضل بن الربيع وأخذ القواد وبنو هاشم يلحقون بحميد واحداً واحداً وسقط في يد إبراهيم وشق عليه مداراة أمره.
ذكر الخبر عن هرب إبراهيم بن المهدي واستتاره.
وأخذ إبراهيم يتدارى أصحابه يوم الثلاثاء لاثني عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة سنة 203 فلما جنه الليل هرب واستتر وبعث المطلب إلى حميد أني قد أحدقت بدار إبراهيم وكتب إلى علي ابن هشام بمثل ذلك فأقبلوا إلى دار إبراهيم فطلبوه فيها فلم يجدوه ولم يزل إبراهيم متوارياً حتى قدم المأمون وكان من أمره ما كان فكانت أيام إبراهيم كلها سنة واحد عشر شهراً واثني عشر يوماً وغلب علي بن هشام على شرقي بغداد وحميد بن عبد الحميد على غربيها.
ودخلت سنة 204 وفيها قدم المأمون العراق فانقطعت مادة الفتن ببغداد، ذكر
الخبر عن ذلك.

لما صار المأمون إلى النهروان أقام ثمانية أيام وخرج إليه أهل بيته وقواده ووجوه الناس وكان كتب إلى طاهر وهو بالرقة أن يوافيه إلى النهروان فوافاه بها ثم دخل مدينة السلام ولباسه ولباس أصحابه أقبيتهم وقلانسهم وطرزهم وأعلامهم كلها الخضرة وطاهر معه فلم يكن يدخل عليه أحد إلا في ثياب خضر مدة ثم تكلم في ذلك بنو العباس خاصة وخاطبوا طاهر بن الحسين وكاتبه أيضاً قواد خراسان وكان المأمون أمر طاهر أن يسأله حوائجه وكان أول حاجة سأله أن يرجع إلى لبس السواد وزي دولة الآباء فلما رأى المأمون طاعة الناس له في لبس الخضرة مع كراهيتهم لها جمع الناس ثم دعا بسواد فلبسه وطرح الناس الخضرة.

ودخلت سنة 205 وفيها ولى المأمون طاهر بن الحسين من مدينة السلام إلى
أقصى عمل المشرق.
ذكر السبب في ذلك.

كان المأمون ولاه الجزية والشرط وجانبي بغداد ومعاون السواد واتفق أن محمد بن العباس ناظر بين يدي المأمون علي بن الهيثم في التشيع ودار الكلام بينهما إلى أن قال محمد لعلي يا نبطي ما أنت والكلام وكان المأمون متكئاً فجلس وقال الشتم عي والبذاء لوم وقد أبحنا الكلام فمن قال الحق حمدناه ومن جهل وقفناه فاجعلا بينكما أصلاً ترجعان إليه فعادا إلى المناظرة وعاد محمد لعلي بالسبة فقال علي لولا جلالة مجلسه وما وهب الله من رأفته وما نهى عنه آنفاً لعرفت جيبتك وكفاك من جهلك غسلك المنبر بالمدينة فجلس المأمون وكان متكئاً فقال وما غسلك المنبر التقصير مني في أمرك أم لتقصير المنصور في أمر أبيك لولا أن الخليفة إذا وهب استحيا أن يرجع فيه لكان أقرب مني بيني وبينك إلى الأرض رأسك قم وإياك ما عدت فخرج محمد بن العباس ومضى إلى طاهر وهو زوج أخته فقال له كان من قصتي كيت وكيت وكان يحجب المأمون على الشراب فتح الخادم وحسين يسقيه فركب طاهر إلى الدار فدخل فتح يستأذن له فقال المأمون أنه ليس من أوقاته ولكن أيذن له فدخل طاهر فسلم فرد عليه السلام وقال اسقوه رطلاً فأخذه في يده اليمنى فقال له اجلس فجلس وشربه ثم شرب المأمون فقال اسقوه ثانياً ففعل كفعله الأول ثم دخل فقال له المأمون اجلس فقال يا أمير المؤمنين ليس لصاحب الشرط أن يجلس بين يدي سيده قال المأمون ذاك في مجلس العامة فإما مجلس الخاصة فطلق، قال وبكى المأمون وتغرغرت عيناه فقال له طاهر يا أمير المؤمنين لا تبك عيناك فوالله لقد دانت لك البلاد وأذعن لك العباد وصرت إلى المحبة في كل أمر فقال أبكي لأمر ذكره ذل وستره حزن ولن يخلو أحد من شجن فتكلم بحاجتك التي جئت لها قال يا أمير المؤمنين محمد بن العباس أخطأ قافلة عثرته وارض عنه قال قد رضيت عنه وأمرت بصلته ورددت عليه مرتبته ولولا أنه ليس من أهل الأنس لأحضرته، قال وانصرف طاهر ثم دعا طاهر بهارون بن جعونة فقال أن أهل خراسان يتعصب بعضهم لبعض وأن لي إليك حاجة خذ معك ثلاثمائة ألف درهم فأعط الحسين الخادم مائتي ألف درهم وأعط كاتبه محمد بن هارون مائة ألف وسله أن يسأل المأمون لم بكى، قال ففعل ذلك فلما تغدي المأمون قال يا حسين اسقني قال لا والله لا سقيتك أو تقول لي لم بكيت حين دخل عليك طاهر قال يا حسين وكيف عنيبت بهذا حتى سألتني عنه قال لغمي بذاك قال يا حسين أمر أن خرج من رأسك قتلتك قال يا سيدي ومتى أخرجت لك سراً قال أني ذكرت محمداً أخي وما ناله من الذلة فخنقتني العبرة واسترحت إلى الإفاضة ولن يفوت طاهر مني ما يكره فأخبر حسين طاهراً بذلك وكتب طاهر إلى أحمد بن أبي خالد فقال له أن الثناء مني ليس برخيص وأن المعروف عندي ليس بضائع فغيبني عن عينه فقال له سأفعل فبكر علي غداً وركب ابن أبي خالد إلى المأمون فلما دخل قال له ما بت البارحة فقال له ولم ويحك قال لأنك وليت خراسان غسان وهو ومن معه أكلة رأس فأخاف أن تخرج عليه خارجة من الترك فتصطلمه قال لقد فكرت فيه فمن ترى قال طاهر بن الحسين قال ويلك يا أحمد هو والله خالع قال أنا الضامن له قال فأنفذه فدعا طاهراً من ساعته فعقد له وشخص من ساعته فنزل في بستان جليل يحمل إليه في كل يوم ما أقام فيه مائة ألف درهم فأقام شهراً ثم شخص إلى خراسان، وكان طاهر استخلف ابنه بالرقة على قتال نصر بن شبث. وفيها ولي المأمون عيسى بن محمد بن أبي خالد أرمينية وأذربيجان لمحاربة بابك. تحدث محمد بن خالد بن رردي المدائني الكاتب قال كان مخلد يلقب بلبد لطول عمره يحدثني أن المأمون أول ما قدم العراق حظر أن يقلد الأعمال إلا الشيعة الذين تقدموا معه من خراسان فطالت عطلة كتاب السواد وعماله وكانوا يحضرون داره في كل يوم حتى ساءت حال أكثرهم فخرج يوماً بعض مشايخ الشيعة وكان مغفلاً فتأمل وجوههم فلم ير فيهم أسن من مخلد فجلس إليه ثم قال له أن أمير المؤمنين قد أمرني أن أتخير ناحية من نواحي الخراج صالحة المرفق ليوقع بتقليدي إياها فاختر لي أنت ناحية فقال أني لا أعرف لك عملاً أولى بك من بريدات البحر وصدقات الوحش وخراج بوار فقال أكتبه لي بخطك فكتب ذلك له بخطه فذهب الشيعي حتى عرض الرقعة على المأمون وسأله تقليده ذلك العمل فقال له من كتب لك هذه الرقعة قال شيخ من الكتاب يحضر الدار كل يوم قال هلمه فلما دخل قال له

المأمون ما هذا يا جاهل قد بلغ بك الفراغ إلى مثل هذا فقال يا أمير المؤمنين أصحابنا هؤلاء ثقات يصلحون لحفظ ما تحصل استخراجه وصار في أيديهم وأما شروط الخراج وحكمه وما يجب تعجيل استخراجه وما يجب تأخيره وما يجب إطلاقه وما يجب منعه وما يجب إنفاقه وما يجب الاحتساب به فلا يعرفونه وتقليدهم يعود بذهاب الارتفاع فإن كنت يا أمير المؤمنين لا تثق بنا فمر بأن يضم إلى كل رجل منهم رجل منا فيكون الشيعي يحفظ الأموال ونحن نجمعه فاستصاب المأمون كلامه أمر بتقليد عمال السواد وكتابه وان يضم إلى كل واحد منهم واحد من الشيعة وضم مخلد إلى ذلك الشيخ فقلده ناحيةً.أمون ما هذا يا جاهل قد بلغ بك الفراغ إلى مثل هذا فقال يا أمير المؤمنين أصحابنا هؤلاء ثقات يصلحون لحفظ ما تحصل استخراجه وصار في أيديهم وأما شروط الخراج وحكمه وما يجب تعجيل استخراجه وما يجب تأخيره وما يجب إطلاقه وما يجب منعه وما يجب إنفاقه وما يجب الاحتساب به فلا يعرفونه وتقليدهم يعود بذهاب الارتفاع فإن كنت يا أمير المؤمنين لا تثق بنا فمر بأن يضم إلى كل رجل منهم رجل منا فيكون الشيعي يحفظ الأموال ونحن نجمعه فاستصاب المأمون كلامه أمر بتقليد عمال السواد وكتابه وان يضم إلى كل واحد منهم واحد من الشيعة وضم مخلد إلى ذلك الشيخ فقلده ناحيةً.
؟

ودخلت سنة 206
وفيها ولى المأمون عبد الله بن طاهر الجزيرة إلى مصر
ذكر السبب في ذلك
كان يحيى بن معاذ بالجزيرة فمات في هذه السنة فدعا المأمون عبد الله بن طاهر فقال له يا عبد الله إني أستخير الله عز وجل منذ شهر وأرجو أن يخير الله لي أن الرجل يصف ابنه ليطريه لرأيه فيه وليرفعه وقد رأيتك فوق ما وصفك أبوك وقد مات يحيى بن معاذ واستخلف ابنه وليس بشيء وقد رأيت توليتك مصر ومحاربة نصر بن شبث فقال السمع والطاعة لأمير المؤمنين وأرجو إن يجعل الله لأمير المؤمنين الخيرة وللمسلمين فعقد له وأمر أن تقطع حبال القصارين عن طريقه وتنحى عن الطرقات المظال كيلا يكون في طريقه ما يرد لواءه ثم عقد له لواء مكتوب عليه بصفرة ما يكتب على الألوية وزاد فيه المأمون يا منصور فركب إليه الناس وركب إليه الفضل بن الربيع فأكرمه عبد الله وقال له قد تقدم أبي وأخوك إلي ألا أقطع أمراً دونك واحتاج أن أستطلع رأيك واستضئ بمشورتك فأقام عنده إلى الليل وسأله المبيت فأبى واعتذر فمشى معه عبد الله إلى صحن داره وودعه، وفي هذه السنة ولى عبد الله بن طاهر إسحاق ابن إبراهيم أمر الجسر وجعله خليفته على ما كان أبوه طاهر استخلفه فيه من الشرط وأعمال بغداد وشخص هو إلى الرقة لحرب نصر بن شبث.
ودخلت سنة 207

وفيها كانت وفاة ذي اليمينين طاهر من حمى وحرارة أصابته وذكر أنه وجد في فراشه ميتاً فحكى خواصه وعمه علي بن مصعب أنهم صاروا إليه فسألوا الخادم عن خبره وكان يغلس بصلاة الصبح فقال الخادم هو نائم لم ينتبه فانتظروه ساعة فلما تأخر قالوا للخادم هو نائم لم ينته فانتظروه ساعة فلما تأخر قالوا للخادم أيقظه قال لا أجسر فقالوا أطرق لنا لندخل إليه فدخلوا فوجدوه ملقى في دواج قد أدخله تحته وشدة عليه من عند رأسه ورجليه فحركوه فلم يتحرك فكشفوا عن وجهه فوجدوه قد مات ولم يعلم أحد الوقت الذي توفي فيه، وذكر أبو سعيد كلثوم بن ثابت قال كنت على بريد خراسان ومجلسي يوم الجمعة في اصل المنبر فلما كانت سنة 207 بعد ولاية طاهر بن الحسين بسنتين حضرت الجمعة فصعد طاهر المنبر فخطب فلما بلغ إلى ذكر الخليفة أمسك عن الدعاء له وقال اللهم أصلح أمة محمد بما أصلحت به أولياءك واكفها مؤنة من بغى لها السوء وأرادها لمكروه بلم الشعث وحقن الدماء وإصلاح ذات البين قال فقلت في نفسي أنا أول مقتول لأني لا أكتم الخبر فانصرفت واغتسلت ووصيت واتزرت بإزار ولبست قميصاً وارتديت رداءً وطرحت السواد وكتبت إلى المأمون، قال فلما صلى العصر دعاني وحدث حادث في جفن عينه وفي مآقه فسقط ميتاً فخرج طلحة بن طاهر فقال ردوه ردوه وقد خرجت فردوني وقال هل كتبت بما كان قلت نعم قال فاكتب بوفاته فأعطاني مالاً وثياباً فكتبت بوفاته وقد قام طلحة بالجيش قال فوردت الخريطة على المأمون بخلعه فدعا ابن أبي خالد فقال اشخص الآن فأت به كما زعمت وضمنت قال أبيت ليلتي قال لا لعمري لا تبيت إلا على الظهر فلم يزل يناشده حتى أذن له في المبيت ووافت الخريطة بموته ليلاً فأمر بمكاتبة طلحة وأقامه مقامه فبقي طلحة والياً على خراسان في أيام المأمون سبع سنين بعد موت طاهر ثم توفي وولي عبد الله خراسان، وذكر بعض خواص المأمون قال سمعت مجلساً للمأمون وقد أتاه نعي طاهر فقال لليدين وللفم الحمد لله الذي قدمه وأخرنا، ثم وجه المأمون أحمد بن أبي خالد إلى خراسان للقيام بأمر طلحة فشخص أحمد إلى ما وراء النهر فافتتح أشروسنة وأسر كاوس وابنه وبعث بهما إلى المأمون ووهب طلحة لأحمد بن أبي خالد ثلاثة آلاف ألف درهم وعروضاً بألفي ألف درهم ووهب لإبراهيم بن العباس كاتب أحمد خمسمائة ألف درهم.
؟؟؟؟؟

ودخلت سنة 208
ولم يحدث( فيها حدث ينسخ في هذا الكتاب
؟
ودخلت سنة 209
وفيها حصر عبد الله بن طاهر نصر بن شبث وتضيق عليه تى طلب الأمان ويقال أن ثمامة حكى أن المأمون سأله أن يحمل إليه رجلاً له عقل وبيان يحمله رسالةً إلى نصر بن شبث قال فحملت إليه رجلاً من بني عامر يقال له جعفر بن محمد فقال أحضرني المأمون بين يديه فكلمني بكلام كثير ثم أمرني أن أبلغه نصراً قال فأتيت نصراً وهو بسروج بموضع يقال له كفرعزون فأبلغته رسالته فأذعن وشرط شروطاً منها أن لا يطأ له بساطاً قال فأتيت المأمون فأخبرته فقال لا أجيبه إلى هذا أبداً ولو أفضيت إلى بيع ما علي حتى يطأ بساطي وما باله ينفر مني قال قلت لجرمه وما تقدم منه قال أتراه أعظم جرماً عندي من الفضل بن الربيع ومن عيسى بن أبي خالد أتدري ما صنع بي الفضل أخذ قوادي وأموالي وجنودي وسلاحي وجميع ما لي مما أوصى به لي أبي فذهب به إلى محمد وتركني بمرو وحيداً وأسلمني وأفسد علي أخي حتى كان من أمره ما كان أتدري ما صنع بي عيسى بن أبي خالد طرد خليفتي من مدينتي ومدينة آبائي وذهب بخراجي وفيئي وأخرب علي دياري وأقعد إبراهيم خليفة بإزائي ودعاه باسمي قال قلت يا أمير المؤمنين تأذن لي في الكلام فأتكلم قال تكلم قال قلت الفضل ابن الربيع رضيعكم ومولاكم وحال سلفه حالهم ترجع إليه بضروب كلها تردك إليه وعيسى بن أبي خالد رجل من أهل دولتك وسابقته وسابقة من مضى من سلفه سابقتهم وهذا رجل لم يكن له يد قط فتحمل عليها ولا لمن مضى من سلفه إنما كانوا جند بني أمية قال أن ذلك لكما تقول فكيف بالحنق والغيظ لست أقلع عنه حتى يطأ بساطي قال فأتيت نصراً أخبرته بذلك قال فصاح بالخيل صيحة فجالت عليه ثم قال ويلي عليه هو لم يقو على أربعمائة ضفدع تحت جناحه يعني الزط يقوى على حلبة العرب فذكر أن عبد الله بن طاهر لما جاده القتال بلغ منه حتى طلب الأمان فأعطاه وبعث به إلى المأمون.
ودخلت سنة 210
وفيها أخذ إبراهيم بن المهدي ليلة الأحد لثلاث عشرة خلت من ربيع الآخر وهو منتقب بين امرأتين في زي امرأة أخذه حارس أسود ليلاً فقال من أنتن وأين تردن في هذا الوقت فأعطاه إبراهيم خاتم ياقوت كان في إصبعه له قدر عظيم وقال خلنا ولا عليك أن تعلم من نحن فلما نظر الحارس إلى الخاتم استراب وقال في نفسه هذا خاتم رجل له شأن فرفعهم إلى صاحب المسلحة فأمرهن أن يسفرن وتمنع إبراهيم فجبذه فبدت لحيته فرفعه إلى صاحب الجسر فعرفه فذهب به إلى المأمون فاعلم به فأمر بالاحتفاظ به في الدار فلما كان غداة الأحد أقعد في دار المأمون لينظر إليه بنو هاشم والقواد والجند وصيروا المقنعة التي كان منتقباً بها في عنقه والملحفة في صدره ليراه الناس ويعلموا كيف أخذ فلما كان يوم الخميس حول إلى منزل أحمد بن أبي خالد فحبس عنده. وفي هذه السنة بنى المأمون ببوارن بنت الحسن ابن سهل في شهر رمضان وكان الحسن بالصلح فشخص المأمون إلى الصلح وأمر بحمل إبراهيم بن المهدي خلفه وكان العباس ابن المأمون قد تقدم أباه على الظهر ووافى المأمون وقت العشاء فأفطر هو الحسن والعباس ودينار بن عبد الله قائم على رجله حتى فرغوا من الإفطار فدعا المأمون بشراب فأتى بجام ذهب فصب فيه وشرب ومد يده بجام فيه شراب إلى الحسن فتباطأ عنه الحسن فغمزه دينار بن عبد الله فقال الحسن يا أمير المؤمنين أشربه بإذنك وأمرك فقال له لولا أمري لم أمد يدي إليك فأخذ الجام فشربه فلما كان في الليلة دخل على بوران فلما جلس المأمون معها نثرت عليها جدتها ألف درة كانت في صينية ذهب وكان تحتهما حصير ذهب معمول عمل السامان فقال المأمون قاتل الله أبا نواس كأنه حاضر هذا النظر في قوله
حصباء در على أرض من الذهب
ثم أمر المأمون أن تجمع وسألها عن عدد الدر كم كان فقالت ألف حبة فأمر بعدها فنقصت عشراً فقال من أخذها فليردها فقال حسين رجله يا أمير المؤمنين إنما نثر لنأخذه فنقصت عشراً وإلا فالعقد أولى به قال ردها فإني أخلفها عليك فردت فجمعها المأمون في الآنية كما كانت ووضع في حجرها وقال هذه نحلتك وسلى حوائجك فامسكت فقالت جدتها كلمي سيدك وسليه حوائجك فقد أمرك فسألته الرضى عن إبراهيم بن المهدي فقال قد فعلت وسألته الإذن لأم جعفر في الحج فأذن لها وألبستها أم جعفر البدنة الأموية وابتنى بها من ليلته وأوقد في تلك شمعة عنبر فيها أربعون منا في تور ذهب فأنكر المأمون ذلك عليهم وقال هذا سرف، فلما كان من الغد دعا إبراهيم بن المهدي فجاء يمشي من شاطئ دجلة فلما دخل على المأمون قال له هيه يا إبراهيم فقال يا أمير المؤمنين ولي الثأر محكم في القصاص والعفو أقرب للتقوى ومن تناوله الاغترار بما مد له من أسباب الشقاء أمكن عادية الدهر من نفسه وقد جعلك الله فوق كل ذي ذنب كما جعل كل ذي ذنب دونك فإن تعاقب فبحقك وأن تعف فبفضلك قال بل أعفو يا إبراهيم فكبر وسجد وقال إبراهيم يمدح المأمون:
يا خير من حملت يمانية به ... بعد الرسول لآيس ولطامع
عسل الفوارع ما أطعت فإن تهج ... فالصاب يمزج بالسمام الناقع
ملئت قلوب الناس منك مخافة ... وتبيت تكلؤهم بقلب خاشع
بأبي وأمي فدية وبنيهما ... من كل معضلة وذنب واقع
ما ألين الكنف الذي بوأتني ... وطناً وأمرع ربعه للرابع
نفسي فداؤك إن تضل معاذري ... وألوذ منك بفضل حلم واسع
أملاً لفضلك والفواضل شيمة ... رفعت بناءك بالمحل اليافع
فعفوت عمن لم يكن عن مثله ... عفو ولم يشفع إليك بشافع
إلا العلو عن العقوبة بعد ما ... ظفرت يداك بمستكين خاضع
فرحمت أطفالاً كأفراخ القطا ... وعويل عانسة كقوس النازع
الله يعلم ما أقول فإنها ... جهد الألية من حنيف راكع
ما إن عصيتك والغواة تمدني ... أسبابها إلا بنية طائع
حتى إذا علقت حبائل شقوتي ... بردى إلى حفر المهالك هائع
لم أدر أن لجرم مثلي غافراً ... فوقفت أنظر أي حتف صارعي

رد الحيوة علي بعد ذهابها ... ورع الإمام القادر المتواضع
أحياك من ولاك أطول مدة ... ورمى عدوك في الوتين بقاطع
إن الذي قسم الخلافة حازها ... في صلب آدم للإمام السابع
جمع القلوب عليك جامع أمرها ... وحوى ردآوك كل خير جامع
فقال المأمون حين أنشده هذه القصيدة أقول ما قال يوسف لاخوته لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، فأما الحسن بن سهل فإنه أضاف المأمون وجميع من معه وخلع على القواد على مراتبهم وحملهم ووصلهم وكان مبلغ ما لزمه عليهم خمسين ألف ألف درهم سوى ما نثره وكان كتب رقاعاً فيها أسماء ضياعه ونثرها على القواد وبني هاشم فمن وقعت في يده رقعة منها فيها اسم ضيعة بعث بها فتسلمها. وفي هذه السنة افتتح عبد الله بن طاهر مصر واستأمن إليه عبيد الله بن السري بن الحكم.

ذكر الخبر عن ذلك
لما فرغ عبد الله بن طاهر من نصر بن شبث ذهب إلى مصر فلما قرب منها وصار على مرحلة قدم قائد من قواده ليرتاد لعسكره موضعاً يعسكر فيه وقد خندق ابن السري على نفسه خندقاً فاتصل الخبر بابن السري عن مسير القائد إلى ما قرب منها وصار على مرحلة فخرج بمن استجاب له من أصحابه إلى القائد الذي كان يطلب موضع المعسكر فأبرد القائد إلى عبد الله بريداً بخبره وخروج ابن السري إليه فحمل عبد الله رجاله على البغال على كل بغل رجلين بآلاتهما وجنبوا الخيل وأسرعوا السير حتى لحقوا القائد وابن السري ولم تكن من أصحاب عبد الله إلا حملة واحدة حتى انهزم ابن السري وأصحابه وتساقطت عامة أصحاب ابن السري في الخندق فمن هلك منهم بسقوط بعضهم على بعض في الخندق أكثر ممن قتله الجند، وانهزم ابن السري فدخل الفسطاط وأغلق على نفسه وأصحابه ومن فيها الباب وحاصره عبد الله بن طاهر فلم يعاوده ابن السري الحرب حتى خرج إليه في الأمان، فحكى ابن ذي القلمين قال بعث ابن السري إلى عبد الله بن طاهر لما ورد مصر ومانعه من دخولها بألف وصيف ووصيفة مع كل واحد ألف دينار في كيس حرير وبعث بهم إليه ليلاً فردهم عليه عبد الله وكتب إليه لو قبلت هديتك نهاراً لقبلتها ليلاً بل أنتم بهديتكم تفرحون ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون قال فحينئذ طلب الأمان وخرج إليه. وفي هذه السنة خلع أهل قم السلطان ومنعوا الخراج.
ذكر سبب ذلك.
كان المأمون وقت اجتيازه بالري حط عن أهلها من الخراج على ما ذكرت فطمع أهل قم في مثل ذلك وكان خراجهم ألفي ألف درهم فكانوا يستكثرونها فرفعوا إلى المأمون يشكون ثقل الخراج ويسأونه الحط فلم يجبهم المأمون فامتنعوا ولم يؤدوا شيئا فوجه المأمون إليهم علي بن هشام ثم أمده بعجيف فحاربهم فظفر بهم وقتل يحيى بن عمران وهدم سور قم وجباها سبعة آلاف ألف بعد ما كانوا يتظلمون من ألفي ألف درهم.
ودخلت سنة 211.

وفيها قال بعض أخوة المأمون للمأمون يا أمير المؤمنين أن عبد الله بن طاهر يميل إلى ولد أبي طالب وكذا كان أبوه قبله قال فدفع المأمون ذلك وأنكره ثم عاد بمثل هذا القول فدس إليه رجلاً وقال له امض في هيئة الغزاة والنساك إلى مصر وادع جماعة من كبرائها إلى القاسم بن هارون بن إبراهيم بن طباطبا واذكر مناقبه وعلمه وفضائله ثم صر بعد ذلك إلى بعض بطانة عبد الله ابن طاهر ثم ايته فادعه ورغبه في استجابته له وابحث عن دفين نيته بحثاً شافياً واتني بما تسمع منه قال ففعل الرجل ما قال له وأمره به حتى إذا دعا جماعة من الرؤساء والأعلام قعد يوماً بباب عبد الله بن طاهر وقد ركب إلى عبيد الله بن السري بعد صلحه وأمانه فلما انصرف قام إليه الرجل فأخرج من كمه رقعةً فدفعها إليه فأخذها بيده قال فما هو إلا أن دخل خرج الحاجب فأدخله عليه وهو قاعد على بساطه ما بينه وبين الأرض غيره وقد مد رجليه وخفاه فيهما فقال له قد فهمت ما في رقعتك من خملة كلامك فهات ما عندك قال ولي أمانك ذمة من الله معك قال لك ذلك فأظهر له ما أراد ودعاه إلى القاسم وأخبره بفضائله وعلمه وزهده فقال له عبد الله أتنصفني قال نعم قال هل يجب شكر الله على العباد قال نعم قال فهل يجب شكر بعضهم على بعض عند الإحسان والمنة والفضل قال نعم قال فتجئ إلي وأنا على هذه الحال التي ترى لي خاتم في المشرق جائز وخاتم في المغرب كذلك وفيما بينهما أمري مطاع وقولي مقبول ثم لا ألتفت يميني ولا شمالي وورائي وقدامي ألا رأيت نعمة لرجل أنعمها علي ومنة ختم بها رقبتي ويداً لائحة بيضاء ابتدائي بها كرماً وتفضلاً فتدعوني إلى الكفر بهذه النعم وهذا الإحسان وتقول أغدر بمن كان أولى لهذا وأجراً واسع في إزالة خيط عنقه وسفك دمه تراك لو دعوتني إلى الجنة عياناً من حيث أعلم أكان الله عز وجل يحب أن أغتر به وأكفر إحسانه ومنته وأنكث بيعته فسكت الرجل فقال به عبد الله أما أنه قد بلغني أمرك وبالله ما أخاف عليك إلا نفسك فارحل عن هذا البلد فإن السلطان الأعظم إن بلغه أمرك كنت الجاني على نفسك ونفس غيرك فعاد الرجل إلى المأمون فأخبره الخبر فاستبشر فقال ذلك غرس يدي وألف أدبي ولم يظهر من حديثه شئ لأحد إلا بعد موت المأمون، وكتب المأمون إلى عبد الله بن طاهر وهو بمصر كتاباً بخطه فكان في أسفله هذه الأبيات:
أخي أنت ومولاي ... ومن أشكر نعماه
فما أحببت من أمر ... فإني الدهر أهواه
وما تكره من شئ ... فإني لست أرضاه
لك الله على ذاك ... لك الله لك الله

ودخلت سنة 212.
وفي هذه السنة قدم عبد الله بن طاهر مدينة السلام من المغرب وتلقاه العباس بن المأمون وأبو إسحاق المعتصم وسائر طبقات الناس وقدم معه بالمتغلبين على الشام، وفيها أمر المأمون منادياً فنادى برئت الذمة ممن ذكر معاوية بخير وأظهر القول بخلق القرآن وتفضيل علي بن أبي طالب.
ودخلت سنة 213.
وفيها مات طلحة بن طاهر بن الحسين بخراسان، وفيها ولى المأمون أخاه أبا إسحاق الشام ومصر وولى ابنه العباس بن المأمون الجزيرة وأمر لكل واحد منهما ومن عبد الله بن طاهر بخمسمائة ألف دينار فقيل أنه لم يفرق في ساعة من يوم من المال مثل ذلك.
ودخلت سنة 214.
وفيها استفحل أمر بابك وقتل محمد بن حميد وفض عسكره وقتل أكثر من كان معه، وفيها بعث المأمون إلى عبد الله بن طاهر إسحاق بن إبراهيم ويحيى بن أكثم يخيرانه بين خراسان والجبال وأرمينية وأذربيجان ومحاربة بابك فاختار خراسان وشخص إليها.
ودخلت سنة 215.
وفيها شخص المأمون من مدينة السلام لغزو الروم في المحرم فافتتح بها حصناً وعاد إلى دمشق.
ودخلت سنة 216.
فكر المأمون إلى أرض الروم وكان سبب ذلك ورود الخبر على المأمون بقتل ملك الروم قوماً من أهل طرسوس والمصيصة وكانوا نحو ألفي رجل فشخص المأمون حتى دخل بلاد الروم فما نزل على حصن إلا خرج إليه أهله على صلح حتى افتتح ثلاثين حصناً ثم أغار على طوانة وسبى وقتل وأحرق ثم ارتحل إلى دمشق.
ودخلت سنة 217.

وعاد المأمون إلى أرض الروم وكان سبب ذلك كتاب ورد عليه من ملك الروم يسأله الموادعة وبدأ فيه بنفسه فغزا المأمون هذه الغزوة بحنق وأنزل ابنه بطوانة من أرض الروم ووجه معه الفعلة وابتدأ بها في بناء عظيم وجعل سورها على ثلاثة فراسخ وجعل لها أربعة أبواب على كل باب حصناً وكتب إلى أخيه أبي إسحاق أنه فرض على جند دمشق وما والاها أربعة آلاف رجل وأنه يجري على الفارس مائة درهم وعلى الراجل أربعين درهماً وفرض على مصر وغيرها من البلدان وكتب إلى إسحاق بن إبراهيم وهو خليفته ببغداد ففرض على أهل بغداد فرضاً، وفي هذه السنة كتب المأمون إلى إسحاق بن إبراهيم في امتحان القضاة والمحدثين والفقهاء فمن لم يقل منهم بنفي التشبيه وبخلق القرآن أشخصهم إليه مقيدين وكتب في ذلك كتاباً بليغاً فيه آيات منتزعة من القرآن وتهديد كثير مع رفق في مواضع وطعن على أصحاب الحديث الذين لا يتفقهون ولا يعقلون فأشخص إليه جماعة فيهم محمد بن سعد كاتب الواقدي ومستملي يزيد بن هارون ويحيى بن معين وزهير بن حرب وعدة يجرون مجراهم فامتحنهم وسألهم عن القرآن فأجابوا جميعاً أن القرآن مخلوق وامتحن إسحاق بن إبراهيم جماعة فيهم بشر بن الوليد وقال ما تقول في القرآن قال أقول أنه كلام الله قال لم أسألك عن هذا أمخلوق هو قال الله خالق كل شئ قال فالقرآن شئ قال نعم هو شئ قال فهو مخلوق قال ليس بخالق قال فهو مخلوق قال ما أحسن غير هذا ثم كلم جماعة من وجوه الفقهاء والقضاة فقالوا قريباً من قول بشر فكتب مقالات القوم رجل رجل إلى المأمون فكتب المأمون في الجواب يستجهل واحداً واحداً وبحاجة ويشتم كل واحد بما يعرفه فيه ويأمر في آخر الكتاب بأن من لم يرجع عن شركه أما بشر بن الوليد فابعث إلي برأسه وكذلك إبراهيم بن المهدي وأما الباقون فاحملهم في قيود وأغلال لينفذ فيهم أمري فأجاب القوم كلهم أن القرآن مخلوق إلا نفسين أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح فشدا في الحديد ووجها إلى طرسوس ثم بلغ المأمون أن بشر بن الوليد والجماعة تأولوا قوله عز وجل إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان وكتب المأمون إلى إسحاق بن إبراهيم أن قد فهم أمير المؤمنين ما كتب به صاحب الخبر أن بشراً تأول الآية التي ذكرت وقد أخطأ التأويل إنما عنى الله عز وجل بهذه الآية من كان معتقداً الإيمان مظهراً الشرك فأما من كان معتقداً الشرك مظهراً الإيمان فليس هذه له فأشخص القوم جميعاً إلى طرسوس وخذ عليهم الكفلاء، فأشخص نحواً من عشرين مع بشر بن الوليد من وجوه الفقهاء والقضاة وأصحاب الحديث فلما بلغوا الرقة أتاهم وفاة المأمون فردوا إلى مدينة السلام فأمرهم إسحاق بلزوم منازلهم. وفي هذه السنة نفذت الكتب من المأمون إلى عماله في البلدان من عبد الله المأمون أمير المؤمنين وأخيه من بعده إسحاق بن أمير المؤمنين الرشيد، وقيل أن ذلك لم يكتبه المأمون وإنما مرض بالبدندون وهو نهر بأرض الروم فلما أفاق أمر أن يكتب إلى العباس ابنه وإلى إسحاق وعبد الله بن طاهر أنه أن حدث به حدث الموت في مرضه هذا فالخليفة من بعده أبو إسحاق بن الرشيد فكتب بذلك محمد يزداد وختم الكتب وأنفذها، فكتب أبو إسحاق إلى عماله من أبي إسحاق أخي أمير المؤمنين والخليفة بعد أمير المؤمنين وأمرهم بحسن السيرة وتخفيف المؤونة وكتب إلى جميع من في أعماله من أجناد الشام جند حمص والأردن وفلسطين بمثل ذلك فلما كان يوم الجمعة لإحدى عشرة بقيت من رجب سنة 218 صلى إسحاق بن يحيى بن معاذ في مسجد دمشق فقال في خطبته بعد دعائه لأمير المؤمنين اللهم وأصلح الأمير أخا أمير المؤمنين والخليفة من بعد أمير المؤمنين أبا إسحاق بن الرشيد أمير المؤمنين. وفي سنة 218 توفي المأمون بالبدندون.

ذكر سبب وفاته.

حكى سعيد العلاف الفارسي قال أرسل إلى المأمون وهو ببلاد الروم وكان دخلها من طرسوس فحملت إليه وهو بالبدندون فكان يستقربني فدعاني يوماً فجئت فوجدته جالساً على شاطئ البدندون وأبو إسحاق المعتصم جالس عن يمينه فأمرني فجلست نحوه منه فإذا هو وأبو إسحاق مدليان أرجلهما في البدندون فقال يا سعيد دل رجليك في هذا الماء وذقه هل رأيت ماء قط أشد برداً ولا أعذب وأصفى صفاءً منه ففعلت وقلت يا أمير المؤمنين ما رأيت مثل هذا قط قال أي شئ يطيب أن يؤكل ويشرب في هذا الماء عليه فقلت أمير المؤمنين أعلم فقال الرطب الأزاذ فبينا هو يقول هذا إذ سمع وقع لجم البريد فالتفت فإذا بغال البريد على أعجازها حقائب فيها الألطاف فقال لخادم له اذهب فانظر هل في هذه الألطاف رطب فإن كان فيها رطب فانظر فإن كان أزاذاً فات به فجاء يسعى بسلتين فيها رطب أزاذ كلما جنى من النخل تلك الساعة فأظهر شكر الله عز وجل وكثر تعجبنا منه ثم قال ادن فكل فأكل هو وأبو إسحاق وأكلت معهما وشربنا جميعاً من ذلك الماء فما قام منا أحد إلا وهو محموم فكانت منية المأمون من تلك العلة ولم يزل المعتصم عليلاً حتى دخل العراق ولم أزل عليلاً حتى كان قريباً، ولما اشتدت بالمأمون علته بعث إلى ابنه العباس وهو يظن أن لن يأتيه لشدة مرضه فأتاه وأقام عند أبيه وقد أوصى قبل ذلك إلى أخيه أبي إسحاق ثم أعاد الوصية بحضرة العباس والقضاة والفقهاء والقواد، ولما توفي حمله ابنه العباس وأخوه أبو إسحاق إلى طرسوس فدفناه في دار خاقان خادم الرشيد وصلى عليه أخوه أبو إسحاق، فكانت خلافته عشرين سنة وستة أشهر سوى سنتين كان دعى له فيهما بمكة وأخوه الأمين محمد بن الرشيد محصور ببغداد، وكان ولد للنصف من شهر ربيع الأول سنة 170 وكان ربعة أبيض جميلاً وقيل كان أسمر تعلوه صفرة أقنى أعين طويل اللحية رقيقها أشيب بخده خال أسود، وأما سيرته فمشهورة لا يخفى على أحد جوده وعطاؤه وسماحة أخلاقه وحلمه ولكنا نحكي بعض ذلك حكى عن العيشى صاحب إسحاق بن إبراهيم أنه قال كنت مع المأمون بدمشق وكان قد قل المال عنده حتى أضاق وشكا ذلك إلى أبي إسحاق المعتصم فقال له يا أمير المؤمنين كأنك بالمال قد وافاك بعد جمعة قال وكان حمل إليه ثلاثون ألف ألف من خراج ما كان يتولاه له أبو إسحاق قال فلما ورد عليه ذلك المال قال المأمون ليحيى ابن أكثم أخرج بنا ننظر إلى هذا المال قال فخرجا ووقفا ينتظرانه وقد كان هيئ بأحسن هيئة وحليت أباعره وألبست الأحلاس التي وشيت والجلال المصبغة وقلدت العهن وعليت البدن بالحرير الصيني الأحمر والأخضر والأصفر وأبديت رؤوسها قال فنظر المأمون إلى شئ حسن واستكثره وعظم في عينه واستشرفه الناس ينظرون إليه ويتعجبون منه فقال المأمون ليحيى يا أبا محمد ينصرف أصحابنا هؤلاء الذين تراهم الساعة خائبين إلى منازلهم وننصرف نحن بهذه الأموال قد تملكناها دونهم أنا إذاً لليام ثم دعا محمد بن يزداد فقال وقع لآل فلان بألف ألف ولآل فلان بمثلها ولآل فلان بخمسمائة ألف قال فو الله إن قال كذلك حتى فرق أربعة وعشرين ألف ألف ورجله في الركاب ثم قال ادفع الباقي إلى المعلى بن أيرب يعط جندنا، قال العيشى فجئت حتى قمت نصب عينيه وحدقت نحوه فلم أرد طرفي عن عينه لا يلحظني إلا رآني بتلك الحال فقال يا محمد وقع لهذا بخمسين ألفاً من الستة الآلاف الألف لا يختلس ناظري فلم يأت على ليلتان حتى أخذت المال.
وللمأمون شعر كثير فمن مشهور شعره:
بعثتك مرتاداً ففزت بنظرة ... وأغفلتني حتى أسأت بك الظنا
فناجيت من أهوى وكنت مباعداً ... فيا ليت شعري عن دنوك ما أغني
أرى أثراً منه بعينك بينا ... لقد سرقت عيناك من عينه حسنا
فيا ليتني كنت الرسول وكنتني ... فكنت الذي يفضي وكنت الذي أدنى

وفي هذه السنة بويع لأبي إسحاق محمد بن هارون الرشيد بالخلافة لاثنتي عشرة ليلة خلت أو بقيت من رجب سنة 218، وفيها شغب الناس على المعتصم وطلبوا العباس ونادوه باسم الخلافة فأرسل أبو إسحاق المعتصم إلى العباس فأحضره وبايعه ثم خرج إلى الجند وقال ما هذا الحب البارد قد بايعت عمي وسلمت الخلافة إليه فسكن الجند، وفيها أمر المعتصم بهدم ما كان المأمون أمر ببنائه بطوانة وحمل ما كان بها من السلاح والآلة وغير ذلك مما قدر على حمله وأحرق ما كان لم يقدر على حمله وأمر بصرف من كان المأمون أسكن ذلك الموضع من الناس إلى بلادهم، وفيها انصرف المعتصم إلى بغداد ومعه العباس بن المأمون فقدمها يوم السبت مستهل شهر رمضان، وفيها دخل جماعة من أهل الجبال كثيرة من همذان وأصبهان وماسبذان ومهرجانقذق وغيرها في دين الخرمية ثم تراسلوا وتجمعوا في أعمال همذان فوجه المعتصم إليهم عساكر فكان آخر عسكر وجهه مع إسحاق بن إبراهيم بن مصعب وعقد له على الجبال فشخص إليهم فقاتلوه وهزمهم وقتل هناك ستين ألفاً منهم وهرب باقيهم إلى بلاد الروم وكتب بالفتح إلى المعتصم.

ودخلت سنة 219.
وفيها ظهر محمد بن القاسم بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بالطالقان من خراسان يدعو إلى الرضى من آل محمد فاجتمع إليه بها ناس كثير وكانت بينه وبين قواد لعبد الله بن طاهر وقعات بناحية الطالقان وجبالها كان آخرها عليه فانهزم هو وأصحابه ومضى هارباً يريد بعض كور خراسان كان أهلها كاتبوه فلما صاروا بنسا كان بها والد لبعض من تبعه فمضى الرجل الذي كان له والد هناك ليسلم على والده فلما تلاقوا سأله عن الخبر فأخبره وأنهم يقصدون كورة كذا فمضى أبو ذلك الرجل إلى عامل نسا فأخبره بأمر محمد بن القاسم فبذل له العامل على دلالته عليه مالاً وجاء العامل إلى محمد بن القاسم فأخذه واستوثق منه وبعث به إلى عبد الله بن طاهر فبعث به عبد الله إلى المعتصم فحبس بسر من رأى ووكل به قوم يحفظونه فلما كان ليلة الفطر واشتغل الناس بالعيد والتهيئة له هرب من الحبس وافتقد فجعل لمن دل عليه مائة ألف درهم ونادى به المنادى فما عرف له خبر إلى اليوم، وفيها وجه المعتصم عجيف بن عنبسة لحرب الزط الذين كانوا عاثوا في طريق البصرة وكانوا تغلبوا على تلك الناحية فقطعوا الطريق واحتملوا غلات البيادر بكسكر وما يليها من البصرة وأكثروا الفساد فرتب المعتصم الخيل في سكك البصرة وبغداد من البرد تركض إليه بالأخبار فكان الخبر يخرج من عند عجيف فيصير إلى المعتصم من يومه وولى النفقة على عجيف من قبل إبراهيم بن المهدي كاتباً فصار عجيف في خمسة آلاف رجل إلى الصافية وهي قرية أسفل واسط فسد نهراً بها يحمل من دجلة ثم صار إلى بردودا فسد أنهاراً أخر وحصرهم من كل وجه ثم قصدهم وأسر منهم جماعة وقتل جماعة فضرب أعناق الأسرى وبعث برؤوسهم مع رؤوس القتلى إلى المعتصم ثم أقام عجيف بإزاء الزط خمسة عشر يوماً فظفر بخلق منهم فأنفذهم ثم جاهده الباقون فمكث يقاتلهم بعد ذلك تسعة أشهر.
ودخلت سنة 220.
وفيها دخل عجيف بالزط إلى بغداد بعد أن قهرهم حتى طلبوا منه الأمان فأمنهم على ذهابهم وأموالهم فكانت عدتهم سبعة وعشرين ألفاً بين رجل وامرأة وصبي فجعلهم في السفن وأقبل بهم حتى نزل الزعفرانية وأعطى أصحابه دينارين دينارين جائزة ثم عبأهم في زواريقهم على هيأتهم في الحرب معهم البوقات حتى دخل بهم بغداد والمعتصم ببغداد في سفينة يقال بها الزؤ حتى مر به الزط على تعبئتهم ينفخون في البوقات فكان أولهم بالقفص وآخرهم بحذاء الشماسية وأقيموا في سفنهم ثلاثة أيام ثم دفعوا إلى بشر بن السميدع فذهب بهم إلى خانقين ثم نقلوا إلى الثغر إلى عين زربة فأغارت عليهم الروم واجتاحوهم فلم يفلت منهم أحد.
وفي هذه السنة عقد المعتصم للأفشين حيدر بن كاوس على الجبال وحرب بابك وذلك يوم الخميس لليلتين خلتا من جمادى الآخرة فعسكر بمصلى بغداد ثم صار إلى برزند.
ذكر بابك ومخرجه

كان ظهور بابك في سنة 201 وكان من قرية يقال لها البذ وهزم جيوش السلطان وقتل من قواده جماعة فلما أفضى الأمر إلى المعتصم وجه المعتصم أبا سعيد محمد بن يوسف إلى أردبيل وأمره أن يبني الحصون التي خربها بابك فيما بين زنجان وأردبيل ويقيم مسالح ويحفظ الطريق لمن يجلب الميرة إلى أردبيل فوجه أبو يوسف لذلك وبنى الحصون التي خربها بابك ثم وجه بابك سرية له إلى بعض غاراته وعليها أمير من قبله يقال له معاوية فعرض له أبو سعيد فاستنفذ ما كان حواه وقتل من أصحابه جماعة وأسر جماعة فهذه أول هزيمة كانت على أصحاب بابك ووجه أبو سعيد الرؤوس والأسرى إلى المعتصم بالله، ولما صار الأفشين إلى برزند عسكر بها ورم الحصون فيما بين برزند وأردبيل وأنزل محمد بن يوسف بموضع يقال له خش فاحتفر فيه خندقاً وأنزل الهيثم الغنوي القائد في رستاق يقال له أرشق فرم حصنه واحتفر حوله خندقاً وأنزل علويه الأعور من قواد الأبناء في حصن مما يلي أردبيل يسمى حصن النهر فكانت السابلة والقوافل تخرج فتسلمها بذرقة من هؤلاء إلى أخر حتى يتأدوا إلى مأمنهم وكان كلما ظفر واحد من هؤلاء القواد بجاسوس وجهوا به إلى الأفشين فكان الأفشين لا يقتل الجواسي(س ولا يضربهم ولكن يهب لهم ويصلهم ويسلهم ما كان بابك يعطيهم فيضعفه لهم ويقول للجاسوس كن جاسوساً لنا، وفيها كانت وقعة بين بابك وأفشين بأرشق قتل فيها من أصحاب بابك خلق كثير وهرب بابك إلى موقان ثم شخص منها إلى مدينته التي تدعى البذ.

ذكر السبب في ذلك.

كان المعتصم وجه مع بغا الكبير بمال إلى الأفشين عطاء لجنده وللنفقات فقدم بغا بذلك المال أردبيل فلما نزل أردبيل بلغ بابك خبره فتهيأ ليقطع عليه قبل وصوله إل الأفشين فقدم جاسوس على الأفشين فأخبره أن بغا الكبير قد قدم بمال وأن بابك وأصحابه قد تهيئوا ليقطعوه قبل وصوله إليك وكان هذا الجاسوس ورد على أبي سعيد أولاً فوجه به أبو سعيد إلى الأفشين وهيأ بابك كميناً في مواضع للمال فكتب الأفشين إلى أبي سعيد يأمره أن يحتال لمعرفة صحة خبر بابك فمضى أبو سعيد متنكراً مع جماعة حتى نظروا إلى النيران في المواضع التي وصفها الجاسوس فكتب الأفشين إلى بغا أن يظهر أنه يريد الرحيل ويشد المال على الإبل ويقطرها ويسير متوجها من أردبيل كأنه يريد برزند فإذا صار إلى مسلحة النهر أو سار شبيهاً بفرسخين احتبس القطار حتى يجوز من صحب المال من قافلة وغيرها إلى برزند فإذا جازت القافلة رجع بالمال إلى أردبيل ففعل ذلك بغا وسارت القافلة حتى نزلت النهر وانصرف جواسيس بابك إليه يعلمونه أن المال قد حمل وعاينوه محمولاً ورجع بغا بالمال إلى أردبيل وركب الأفشين في اليوم الذي وعد فيه بغا من برزند فوافى خش مع غروب الشمس فنزل معسكراً خارج خندق أبي سعيد فلما أصبح ركب في سر لم يضرب طبلاً ولا نشر علماً وأمر أن يلف الأعلام وأمر الناس بالسكوت وجد في السير فدخلت القافلة التي كانت توجهت في ذلك اليوم من النهر إلى ناحية الهيثم الغنوي ورحل الأفشين من خش يريد ناحية الهيثم ليصادفه في الطريق ولم يعلم الهيثم فرحل بمن كان معه من القافلة يريد بها النهر وتعبأ بابك في خيله ورجاله وعساكره وصار على طريق النهر وهو يظن أن المال موافيه وخرج صاحب النهر يبذرق من عنده وهو علويه الذي قلنا أنه كان مرتباً هناك فأخذ بسر نحو الهيثم على رسمه فخرجت عليه خيل بابك وهم لا يشكون أن المال معه فقاتلهم صاحب النهر علويه وأصحابه فقتلوه وقتلوا من كان معه من الجند والسابلة وأخذوا جميع ما كان معهم من المتاع وعلموا أن المال قد فاتهم فأخذوا علمه ولباس أهل النهر ودراريعهم وخفاتينهم ولبسوها وتنكروا ليأخذوا أيضاً الهيثم ومن معه ولا يعلمون بخروج الأفشين وجاؤوا كأنهم أصحاب النهر فلما جاؤوا ولم يعرفوا الموضع الذي كان يقف فيه علم صاحب النهر فوقفوا في غيره وجاء الهيثم فوقف في موقفه فأنكر ما رأى فوجه ابن عم له وقال اذهب إلى هذا البغيض فقل له أي شئ وقوفك فجاء ابن عم الهيثم فلما رأى القوم ودنا منهم أنكرهم فرجع إلى الهيثم فقال له أن هؤلاء القوم لست أعرفهم فقال له الهيثم أخزاك الله ما أجبنك ووجه خمسة من الفرسان فلما قربوا من القوم خرج من الخرمية رجلان فتلقوهم فأنكروهما وأعلموهما أنهم عرفوهما ورجعوا إلى الهيثم ركضاً فقالوا أن الكافر قد قتل علويه وأصحابه وأخذوا أعلامهم ولباسهم فانصرف الهيثم وأتى القافلة التي كانت معه فأمرهم أن يركضوا ويرجعوا لئلا يؤخذوا ووقف هو في أصحابه يسير بهم قليلاً قليلاً ويقف قليلاً ليشتغل الخرمية عن القافلة وصار شبيهاً بالحامية لهم حتى وصلت القافلة إلى حصنه الذي كان فيه يكون الهيثم وهو أرشق وقال لأصحابه من يذهب منكم إلى الأمير وإلى أبي سعيد فيعلمها وله عشرة آلاف درهم وفرس بدل فرسه أن نفق برفسه فتوجه رجلان من أصحابه على فرسين فارهين يركضان ودخل الهيثم الحصن وخرج بابك فيمن معه فنزل بالحصن ووضع له كرسي وجلس على شرف بحيال الحصن وأرسل إلى الهيثم من يحاربه وكان مع الهيثم في الحصن ستمائة راجل وأربعمائة فارس وله خندق حصين فقاتله فيمن معه ووضع بين يديه الخمر مع أصحاب له يشربونها والحرب مشتبكة ولقى الفارسان الأفشين على أقل من فرسخ من أرشق فساعة نظر إليهما من بعيد قال لصاحب مقدمته اضربوا بالطبل وانشروا الأعلام واركضوا نحو هذين الفارسين اللذين يركضان إلينا وصيحوا بهما لبيك لبيك فلم يزل الناس في طلق واحد متراكضين يكسر بعضهم بعضاً حتى لحقوا بابك وهو جالس فلم يتدارك أن يتحرك ويركب حتى وافته الخيل والناس واشتبكت الخيل فلم يفلت من رجاله بابك أحد وأفلت هو في نفر يسير ودخل موقان وقد تقطع عنه أصحابه وأقام الأفشين في ذلك الموضع وبات ليلته ثم رجع إلى معسكره ببرزند وأقام بابك بموقان ثم بعث إلى البذ فجأة في الليل عسكر فيهم رجاله فرحل من موقان حتى دخل

البذ فلما كان بعد أيام مرت قافلة من خش إلى برزند من قبل أبي سعيد ومعها صاحب له ومعهم ميرة ومتاع يحمل إلى معسكر الأفشين فخرج عليهم أصبهبذ بابك فأخذ القافلة وقتل من كان فيها من أهل القافلة وانتهب جميع ما فيها فقحط عسكر الأفشين فكتب الأفشين إلى صاحب المراغة يأمره بحمل الميرة وتعجيلها عليه وأن الناس قد قحطوا وأضاقوا فوجه إليه صاحب المراغة بقافلة فيها قريب من ألف ثور سوى الحمر والدواب التي تحمل الميرة ومعها جند يبذرقونها فخرجت أيضاً عليهم سرية لبابك فاستباحوها عن آخرها بجميع ما فيها وأصاب الناس ضيق شديد فكتب الأفشين إلى صاحب الشيز أن يحمل إليه طعاماً فحمل إليه طعاماً كثيراً وأغاث الناس في تلك السنة وقدم بغا على الأفشين بمال ورجال. وفي هذه السنة خرج المعتصم إلى القاطول وابتدأ ببناء سر من رأى وذلك في ذي القعدة منها.لبذ فلما كان بعد أيام مرت قافلة من خش إلى برزند من قبل أبي سعيد ومعها صاحب له ومعهم ميرة ومتاع يحمل إلى معسكر الأفشين فخرج عليهم أصبهبذ بابك فأخذ القافلة وقتل من كان فيها من أهل القافلة وانتهب جميع ما فيها فقحط عسكر الأفشين فكتب الأفشين إلى صاحب المراغة يأمره بحمل الميرة وتعجيلها عليه وأن الناس قد قحطوا وأضاقوا فوجه إليه صاحب المراغة بقافلة فيها قريب من ألف ثور سوى الحمر والدواب التي تحمل الميرة ومعها جند يبذرقونها فخرجت أيضاً عليهم سرية لبابك فاستباحوها عن آخرها بجميع ما فيها وأصاب الناس ضيق شديد فكتب الأفشين إلى صاحب الشيز أن يحمل إليه طعاماً فحمل إليه طعاماً كثيراً وأغاث الناس في تلك السنة وقدم بغا على الأفشين بمال ورجال. وفي هذه السنة خرج المعتصم إلى القاطول وابتدأ ببناء سر من رأى وذلك في ذي القعدة منها.

ذكر السبب في ذلك.
كان سبب خروجه إلى القاطول أن غلمانه الأتراك كانوا عجماً قد اصطنعهم ورأى فيهم نجابة وكان لا يزال يوجد الواحد بعد الواحد قتيلاً في الأرباض وذلك أنهم كانوا يركبون الدواب ويتراكضون في طرق بغداد وشوارعها فيصدمون الرجل والمرأة ويطوون الصبي فيأخذهم الأبناء فينكسونهم عن دوابهم ويخرجون بعضهم فربما هلك فتأذى الأتراك بهم وتأذت العامة بالأتراك حتى شكت الأتراك إلى المعتصم فحكى أن المعتصم كان ركب يوم عيد إلى المصلى فلما انصرف وصار في مربعه الحرسي قام إليه شيخ فقال يا أبا إسحاق فابتدره الجند ليضربوه فأشار إليهم المعتصم بالكف عنه فقال للشيخ ما لك فقال لا جزاك الله عن الجوار خيراً جاورتنا وجئت بهؤلاء العلوج فأسكنتهم بين أظهرنا فأيتمت بهم صبياننا وأرملت بهم نساؤنا وقتلت بهم رجالنا والمعتصم يسمع ذلك كله ثم دخل داره فلم ير راكباً إلى السنة القابلة في مثل ذلك اليوم فلما كان العام المقبل في مثل ذلك اليوم خرج فصلى بالناس العيد ثم لم يرجع إلى منزله ببغداد ولكنه صرف وجه دابته إلى القاطول، وحكى أيضاً أنه قام إلى المعتصم يوماً رجل من العامة فقال يا أبا إسحاق أخرج عن مدينتنا وإلا حاربناك بما لا تقوم له فتقدم بأخذ الرجل وحمله إليه فلما صار بين يديه قال ويلك بمن تحاربني وما هذا الذي لا قوام لي به قال نحاربك بأصابعنا إذا هدأت العيون بالليل يعني الدعاء فسكت عن الرجل ولم يعرض له ثم خرج فبنى سر من رأى. وفي هذه السنة غضب المعتصم على الفضل بن مروان وحبسه.
ذكر الخبر عن غضبه عليه وحبسه له
وسبب اتصاله به ونفاقه عليه

كان الفضل رجلاً من أهل البردان حسن الخط فاتصل بكاتب المعتصم يقال له يحيى الجرمقاني فمات يحيى وصار الفضل في موضعه وذلك قبل خلافة المعتصم ثم خرج معه إلى عسكر المأمون وصار معه إلى مصر واحتوى على أموال مصر وكثرت ذخائره وكنوزه ثم قدم الفضل قبل المأمون بغداد ينفذ أمور المعتصم ويكتب عنه وعلى لسانه ما أحب حتى قدم المعتصم خليفة فصار الفضل صاحب الخلافة والدواوين كلها تحت يديه فتضاعفت كنوزه، فكان المعتصم يأمر بإطلاق الشئ لندمائه ومغنيه فلا ينفذه الفضل وربما راده في الشيء إدلالاً عليه وأنساً به وكان قد نزل منه وحل من قلبه المحل الذي لا يحدث أحد نفسه بملاحظته فضلاً عن منازعته ولا في الاعتراض عليه إذا أراد شيئاً أو حكم به فكانت هذه المنزلة تحمله على الدالة حتى كان يخالفه ويمنعه بعض أمره وبعض المال الذي يصرفه في مهم أمره فحكى عن أحمد ابن أبي دواد أنه قال كنت أحضر مجلس المعتصم فكثيراً ما كنت أسمعه يقول للفضل بن مروان احمل إلي كذا من الدراهم فيقول ما عندي فيقول فاحتلها من وجه فليس منها بد فيقول ومن أين أحتالها ومن أين وجهها ومن يعطيني هذا القدر فكان ذلك يسوءه واعرفه في وجهه فلما كثر هذا من فعله ركبت يوماً إليه فقلت له مستخلياً به يا أبا العباس إني أعرف أخلاقك وعلى ذاك ما أدع نصيحتك وأداء ما يجب علي من حقك وقد أراك كثيراً ما ترد على أمير المؤمنين أجوبة غليظة ترمضه وتقدح في قلبه والسلطان لا يحتمل هذا لابنه لا سيما إذا كثر ذلك وغلظ قال وما ذاك يا أبا عبد الله قلت اسمعه كثيراً كثيراً ما يقول لك يحتاج إلى كذا من المال ليصرفه في وجه كذا فتقول ومن يعطيني هذا وهذا ما لا يحتمله الملوك قال فما أصنع إذا طلب مني ما ليس عندي قلت تصنع أن تقول أحتال يا أمير المؤمنين في ذلك فتدفع أياماً ثم تحمل إليه بعض ما يطلب وتشوقه بالباقي قال نعم أفعل وأصير إلى ما أشرت به قال فو الله لكأني كنت أغريه بالمنع فكان إذا عاود مثل ذلك القول عاد إلى مثل ما يكره من الجواب، وكان مع المعتصم رجل مضحك يستخف روحه وكان قديم الصحبة له يقال له إبراهيم الهفتي فأمر له بمال وتقدم إلى الفضل بن مروان في إعطائه فلم يعطه الفضل شيئاً فبينا الهفتي يوماً يتمشى مع المعتصم في بستان داره التي بنيت له ببغداد وقد نقل إليه أنواع من الرياحين والغروس وكان الهفتي يصحب المعتصم قبل أن يفضي إليه الخلافة فيقول له فيما يداعبه والله لا أفلحت وكان الهفتي مربوعاً ذا كدنة والمعتصم رجلاً معرقاً خفيف اللحم فجعل المعتصم يسبق الهفتي في المشي فإذا تقدمه ولم ير الهفتي معه التفت إليه فقال له مالك لا تمشي يستعجله فلما كثر ذلك من أمر المعتصم على الهفتي قال له الهفتي مداعباً له أصلحك الله كنت أراني أماشي خليفة ولم أكن أراني أماشي فيجاً والله لا أفلحت فضحك المعتصم وقال ويلك وهل بقي من الفلاح شئ لم أدركه بعد الخلافة فقال له الهفتي أتحسب أنك قد أفلحت الآن إنما لك من الخلافة الاسم والله ما يجاوز أمرك أذنيك وإنما الخليفة الفضل بن مروان الذي يأمر فينفذ أمره من ساعته فقال المعتصم وأي أمر لي لا ينفذ فقال أمرت لي بكذا وكذا منذ شهرين فما أعطيت مما أمرت به منذ ذاك حبة فكان هذا أول ما حرك المعتصم في القبض على الفضل بن مروان، وكان محمد بن عبد الملك الزيات يتولى ما كان أبوه يتولاه للمأمون من عمل الفساطيط وآلة الجمازات ويكتب عليها مما جرى على يدي محمد بن عبد الملك وكان يلبس إذا حضر الدار دراعة صوفاً وسيعاً بحمائل فدعاه الفضل يوماً وقال له ما هذا الزي إنما أنت تاجر فما لك وللسواد والسيف فترك ذلك محمد وأخذه الفضل برفع حسابه إلى دليل بن يعقوب النصراني وأحسن دليل إليه ولم يرزأه شيئاً وعرض عليه محمد هدايا فأبى دليل أن يقبل منها شيئاً ثم غضب المعتصم على الفضل بن مروان وأهل بيته وأمرهم برفع ما جرى على أيديهم وصير محمد بن عبد الملك مكانه فلما صار محمد بن عبد الملك وزيراً أستدعى الفضل يوماً وقد دخل دار السلطان بسواد وسيف وهو إذ ذاك مغضوب عليه يحاسب فقال يا هذا الزم منزلك فإن احتيج إليك استدعيت.

ودخلت سنة 221.

وفي هذه السنة كانت بين بغا الكبير وبابك وقعة بناحية هشتادسر ثم خرج وأخرج المحامل على البغال لمن لعله يخرج وأخرج المتطبيبن وزحف الناس حتى صعد إلى المكان الذي كان يجلس فيه وخرج له القطع ووضع عليه الكرسي كما كان يفعل وقال لأبي دلف قل لأصحابك أي ناحية هي أسهل عليكم فاقتصروا عليها وقال لجعفر العسكر كله بين يديك والناشبة والنفاطون أمامك فخذ حاجتك واعزم على بركة الله ادن من أي موضع شئت قال أريد أن أقصد الوضع الذي كنت عليه قال امض ثم دعا أبا سعيد فقال له قف بين يدي أنت وجميع أصحابك ولا يبرحن منكم أحد ودعا أحمد بن الخليل فقال له قف أنت أيضاً وجميع أصحابك ها هنا ودعوا جعفراً يغير ومن معه من الرجال فإن أراد رجالاً أو فرساناً أمددناه فتوجه أبو دلف مع المطوعة نحو حائط البذ وعلقوا بالحائط على حسب ما كانوا فعلوا ذلك اليوم وحمل جعفر حملة حتى ضرب باب البذ كما فعل تلك الدفعة ووقف على الباب وواقفه الخرمية ساعةً فوجه الأفشين برجل معه بدرة دنانير وقال له قل لأصحاب جعفر من تقدم حثوت له ملء كفي ودفع بدرة أخرى دنانير إلى آخر وقال اذهب إلى موضع المطوعة وقل مثل ذلك وبعث بأطواق وأسورة مع البدرتين فاشتبكت الحرب ثم فتح الخرمية الباب وخرجوا إلى أصحاب جعفر فنحوهم عن الباب وشدوا على المطوعة من الناحية الأخرى فرموهم عن السور وأخذوا علمين لهم وشدخوهم بالصخر حتى أثروا فيهم حتى رقوا عن الحرب وصاح جعفر بأصحابه فبدر منهم نحو من مائة رجل فبركوا خلف تراسهم التي كانت معهم وواقفوهم متحاجرين لا هؤلاء يقدمون ولا هؤلاء يتأخرون حتى صلوا الظهر يختلف بينهم النشاب والحجارة فلما نظر الأفشين إلى ذلك كره أن يطمع العدو في الناس فوجه إلى جعفر بكردوس فقال جعفر لست أوتي من قلة الرجال معي رجال فرة ولكن لست أرى موضعاً للحرب وقد انقطعت الحرب فبعث إليه انصرف على بركة الله فانصرف جعفر وتقدم الأفشين بحمل الجرحى ومن به وهن من الحجارة في المحامل التي على البغال وأمر الناس بالانصراف فانصرف إلى خندقهم بروذ الروذ ويئس الناس من الفتح في تلك السنة وانصرف أكثر المطوعة، ثم إن الأفشين تجهز بعد جمعتين فلما كان في الليل بعث الرجالة الناشبة وهم مقدار ألف رجل فدفع إلى واحد منهم شكوة وكعكاً ودفع إليهم أعلاماً سوداً وقال سيروا حتى تصيروا خلف التل الذي عليه آذين وهو صاحب جيش بابك وأرسل معهم الادلاء وأمرهم ألا يعلم بهم أحد حتى يروا أعلام الأفشين عند صلاة الغداة فحينئذ ركبوا الأعلام في الرماح واضربوا بالطبول وانحدروا من فوق الجبل وارموا بالنشاب والصخر على الخرمية وإن هم لم يروا الأعلام لم يتحركوا حتى يأتيهم خبره ففعلوا ذلك ووافوا رأس الجبل عند السحر وجعلوا في تلك الشكاء الماء من الوادي فلما كان السحر توجه الأفشين إلى القواد أن اركبوا في السلاح فركبوا وأخرج النفاطين والشمع وضرب الطبل حتى وافى الموضع الذي كان يقف عليه وبسط له النطع ووضع الكرسي كعادته وكان بخاراخذاه يقف على العقبة التي كان يقف عليها في كل يوم فلما كان في ذلك اليوم صير بخاراخذاه في المقدمة مع أبي سعيد وجعفر الخياط وأحمد بن الخليل فأنكر الناس هذه التعبئة وأمرهم أن يدنوا من التل الذي عليه آذين وقد كان ينهاهم عن هذا قبل ذلك اليوم فمضوا حتى صاروا جميعاً كالحلقة حول التل وارتفعت الضجة وتحرك الكمين واشتبكت الحرب فلما سمع الرجالة الناشبة الذين تقدموا صوت الطبل ورأوا الأعلام ركبوا أعلامهم وانحدروا على أصحاب آذين وحمل جعفر الخياط وأصحابه حتى صعدوا إليهم ثم حملوا حملة منكرة فكبوه وأصحابه في الوادي وكان آذين قد هيأ فوق الجبل عجلاً عليها صخر فلما حمل الناس دفع العجل على الناس فأفرج الناس عنها حتى تدحرجت ثم حمل الناس من كل وجه فلما نظر الناس إلى ذلك كبروا ونظر بابك إلى أصحابه قد أحدق بهم فخرج من طرف البذ من باب يلي الأفشين يكون بين هذا الباب وبين التل الذي عليه الأفشين قدر ميل فأقبل بابك يسأل عن الأفشين فقال لهم المطوعة وأصحاب أبي دلف من هذا فقالوا هذا بابك يريد الأفشين فأرسل أبو دلف إلى الأفشين يعلمه ذلك فأرسل الأفشين رجلاً يعرف بابك فنظر إليه ثم عاد إليه فقال نعم هو ذلك فركب إليه الأفشين فدنا منه حتى صار بحيث يسمع كلامه وكلام أصحابه والحرب مشتبكة في ناحية آذين

فقال له أريد الأمان من أمير المؤمنين فقال له الأفشين قد عرضت عليك هذا وهو لك مبذول متى شئت فقال قد شئت...فقال له أريد الأمان من أمير المؤمنين فقال له الأفشين قد عرضت عليك هذا وهو لك مبذول متى شئت فقال قد شئت...

فإذا فتحها الله صار إلى عمورية فتقدم أشناس من درب طرسوس ومعه وصيف وجميع مقدمات العسكر فلما صار أشناس بمرج الأسقف ورد عليه كتاب المعتصم يأمره بالمقام ويعلمه أن الجواسيس أتته بأن الملك يريد أن يقف على المخاضة ويكبسهم وأعلمه أيضاً أن ينتظر ساقته لأن فيها الأثقال والمجانيق والزاد فأقام أشناس بمرج الأسقف ثلاثة أيام حتى ورد عليه كتاب المعتصم يأمره أن يوجه قائداً في سرية يلتمسون رجلاً من الروم يسألونه عن خبر الملك ومن معه فوجه أشناس عمر الفرغاني في مائتي رجل فرساناً فساروا ليلتهم حتى أتوا حصن قرة وطافوا يلتمسون رجلاً حول الحصن فنذر بهم صاحب قرة فخرج في جميع من معه بأنقرة وكمن في الجبل الذي بين قرة ودرة وعلم عمر الفرغاني بما صنع فتقدم إلى درة وكمن فيها ليلته فلما انفجر عمود الصبح صير عسكره ثلاثة كراديس وأمرهم أن يركضوا ركضاً سريعاً بقدر ما يأتونه بأسير عنده خبر الملك وواعدهم إلى موضع عرفه الأدلاء ووجه مع كل كردوس دليلين ومضوا فتفرقوا في ثلاثة وجوه فأخذوا عدة من عسكر الملك ومن الضواحي وأخذ عمر فارساً من فرسان أنقرة فسأله عن الخبر فأخبره أن الملك وعسكره بالقرب منه وراء اللامس بأربعة فراسخ وهو نهر قريب من طرسوس على نحو فرسخ منها عليه يقع الفداء وذكروا له أن الملك بلغه دخول عسكر كثير بلاده فرحل إليه واستخلف على عسكره هناك ابن عم له ينتظر ورود الملك يعني المعتصم ليواقعه، فكان ذلك العسكر الذي توسط بلاد الروم عسكر الأفشين، فوجه أشناس بذلك الرجل إلى المعتصم فأخبره بجميع ذلك فبادر المعتصم من عسكره بقوم من الادلاء وضمن لكل رجل منهم عشرة آلاف درهم على أن يوافوا بكتابه الأفشين وأعلمه أن أمير المؤمنين مقيم فليقم وأشفق أن يواقعه ملك الروم وكتب إلى أشناس يأمره أن يوجه من قبله رسولاً مع الادلاء العارفين بالطرق والجبال والمتشبهة بالروم ويبذل لكل واحد منهم عشرة آلاف ويكتب إلى الأفشين أن ملك الروم قد أقبل نحوه فليقم مكانه حتى يوافيه أمير المؤمنين فوجهت الرسل نحو الأفشين فلم يلحقه أحد منهم لأنه كان وغل في بلاد الروم وتوافت آلات المعتصم وأثقاله مع صاحب الساقه فكتب إلى أشناس يأمره بالقدوم فتقدم والمعتصم وراءه بينهما مرحلة ينزل هذا ويرحل هذا ولم يرد عليه خبر من الأفشين حتى صاروا بأنقرة على ثلاث مراحل وضاق عسكر المعتصم ضيقاً شديداً من الماء والعلف وكان أشناس قد أسر عدة أسراء في طريقه فأمر بهم فضربت أعناقهم حتى بقى منهم شيخ كبير فقال الشيخ ما تنتفع بقتلى وأنت وعسكرك في هذا الضيق من الماء والزاد والعلف وأنا أدلك على قوم بالقرب قد هربوا من أنقرة خوفاً أن ينزل بهم ملك العرب ومعهم من الميرة والطعام والشعير شيء كثير فوعده أشناس أنه يطلقه إن فعل ذلك فسار بهم الشيخ إلى وقت العتمة فأوردهم على واد وحشيش كثير فأمرج الناس دوابهم حتى شبعت وتعشى الناس وشربوا حتى رووا ثم سار بهم حتى أخرجهم من الغيضة بقية ليلتهم يدور بهم في جبل ولا يخرجهم منه فقال الادلاء هذا الرجل يدور بنا فسأله عما قال الادلاء فقال الشيخ صدقوا ولكن القوم الذين نريدهم خارج الجبل وأخاف أن أخرج من الجبل بالليل فيسمعوا صوت حوافر الخيل على الصخر فيهربوا فإذا خرجنا من الجبل ولم نر أحداً قتلتني فأنا أدور بك في هذا الجبل إلى الصبح فإذا أصبحنا خرجنا من الجبل إليهم فأريتك إياهم فقال له ويحك فأنزلنا في الجبل حتى نستريح فقال رأيك فنزلنا على الصخر وأمسكنا اللجم حتى الفجر قال وجهوا رجلين يصعدان هذا الجبل فيبصران ما فوقه فيأخذان من أدركا فيه فصعد أربعة فأصابوا رجلاً وامرأة فأنزلوهما وساءلهما العلج عن أهل أنقرة أين باتوا فسميا الموضع فقال الشيخ خلوا عن هذين فإنا قد أعطيناهما الأمان حتى دلونا فخلى عنهما وسار بهم العلج إلى الموضع فأشرف بهم على عسكر أهل أنقرة فلما رأوا العسكر صاحوا بالنساء والصبيان فدخلوا الملاحة ووقفوا على طرفها يقاتلون وأخذوا منهم عدة أسارى وأصابوا في الأسرى قوماً بهم جراحات فسألوهم عنها فقالوا عند الملك في وقعة الأفشين فقالوا لهم فحدثونا بالقصة فأخبروا أن الملك كان معسكراً باللامس حتى جاءه رسول فأخبره أن عسكراً ضخماً قد دخل من ناحية الأرمنياق فاستخلف على عسكره رجلاً من أهل بيته وأمره بالقيام في موضعه فإن

ورد عليه مقدمة ملك العرب واقعه إلى أن يذهب هو فيواقع هذا العسكر يعني عسكر الأفشين فقال أميرهم نعم وكنت ممن سار مع الملك فواقعناهم صلاة الغداة فهزمناهم وقتلنا رجالتهم كلهم وتقطعت عساكرنا في طلبهم فلما كان الظهر رجع فرسانهم فقاتلوا قتالاً شديداً حتى أحاطوا بنا فلم ندر أين الملك ولم نزل كذلك إلى العصر ثم رجعنا إلى موضع معسكر الملك باللامس فلم نصادفه ووجدنا العسكر قد انتقض وانصرف الناس عن قرابة الملك الذي كان الملك استخلفه على العسكر فأقمنا ليلتنا فلما كان الغد وافانا الملك في جماعة يسيرة فوجد عسكره قد اختل فطلب الذي كان استخلفه فضرب عنقه وكتب إلى المدن والحصون ألا يأخذوا رجلاً ممن انصرف من عسكر الملك ألا ضربوه بالسياط حتى رجع إلى موضع سماه لهم الملك حتى إذا اجتمع الناس ناهض ملك العرب وأنفذ الملك خصياً له إلى عمورية إلى أن يلحقه بها، فانصرف المسلمون بما اخذوا وتركوا السبي والمقاتلة يريدون عسكر أشناس وساقوا في طريقهم غنماً وبقراً كثيراً وأطلقوا ذلك الشيخ الأسير وسار أشناس بالأسرى حتى لحق بأنقرة، فمكث أشناس يوماً واحداً ثم لحقه المعتصم من غد فأخبره بجميع ما ذكره الأسير فسر المعتصم فلما كان اليوم الثالث جاء البشير من ناحية الأفشين يخبر بالسلامة وأنه وارد على أمير المؤمنين بأنقرة ثم ورد الأفشين فأقاموا أياماً ثم سار إلى عمورية وقد صير العسكر ثلاثة عساكر وبين عسكر وعسكر فرسخين فساروا يخربون ويسبون ما بين أنقرة إلى عمورية وبينهما سبع مراحل ثم توافت العساكر بعمورية فكان أول من وردها أشناس فدار حولها دورة ثم نزل على ميلين منها بموضع فيه ماء وحشيش ولما كان من الغد جاء المعتصم فدار حولها دورة ثم جاء الأفشين في اليوم الثالث فقسمها أمير المؤمنين بين القواد كما يدور وصير إلى كل واحد منهم أبراجاً منها على قدر كثرة أصحابه وقلتهم وتحصن أهل عمورية وتحرزوا وكان بعمورية رجل من المسلمين أسروه قديماً فتنصر وتزوج فيهم فحبس نفسه عند دخولهم الحصن فلما رأى أمير المؤمنين ظهر وجاء إلى المعتصم فأعلمه أن موضعاً من المدينة حمل عليه الوادي من سيل عظيم فوقع السور من ذلك الموضع وكتب ملك الروم إلى عامل عمورية أن يبنى ذلك الموضع فتوانى في بنائه حتى كان خروج الملك من قسطنطينية إلى بعض المواضع فتخوف الوالي أن يمر الملك على الناحية فيمر بالسور فلا يراه بني فبنى وجه السور بالحجارة حجراً حجراً وصير وراءه من جانب المدينة حشوا ثم عقد فوقه الشرف كما كان فوقف ذلك الرجل المعتصم على هذه الناحية التي وصف فأمر المعتصم فضرب مضربه في ذلك الموضع ونصب المجانيق على ذلك البناء فانفرج السور من ذلك الموضع فلما رأى أهل عمورية انفراج السور علقوا عليه الخشب الكبار المضمومة بعضها إلى جنب بعض فكان حجر المنجنيق إذا وقع على الخشب تكسر فعلقوا فوق الخشب البراذع فلما ألحت المجانيق على ذلك الموضع لم ينفع فيها شيء وتصدع السور فكتب ياطس والخصي إلى ملك الروم كتاباً يعلمانه أمر السور ووجها الكتاب مع رجل فصيح بالعربية وغلام رومي فعبرا الخندق ووقعا إلى ناحية عمر الفرغاني فوجه بهما إلى أشناس فحين سألوهما من أنتما فلم يعرفا أحداً من القواد بالعسكر يسميانه لهم فتشا فوجد معهما الكتاب فقرئ وإذا فيه أن العسكر قد أحاط بالمدينة وأنه قد عزم على أن يركب ويحمل خاصة أصحابه على الدواب التي في الحصن ويفتح الأبواب ليلاً ويخرج غفلة عن العسكر كائناً فيه ما كان أفلت من افلت وأصيب من أصيب حتى يصير إلى الملك فلما قرأ المعصتم الكتاب أمر للرجل الذي يتكلم بالعربية والغلام الرومي ببدرة فأسلما وخلع عليهما وأمر بهما حين طلعت الشمس فأدارهما حول عمورية فقال ياطس يكون في هذا القصر يعنوان البرج فوقفا بحذائه طويلاً وعليهما الخلع وبين أيديهما رجلان يحملان لهما الدراهم ومعهما الكتاب حتى عرف خبرهما جميع الروم وسمعا شتمهم إياهما ثم نحوهما ثم أمر المعتصم بحراسة الأبواب نوائب يحضرها الفرسان يبيتون على دوابهم في السلاح لئلا يفتح الباب ليلاً فيخرج إنسان فلم يزالوا كذلك حتى انهدم ما بين برجين في الموضع الذي وصف للمعتصم مما لم يحكم عمله فسمع أهل العسكر الوجبة فارتاعوا وظنوا العدو احتال بحيلة وخرج حتى أرسل المعتصم من طاف على العسكر يعلمهم أن ذلك صوت

السور وقد سقط فطيبوا نفساً وكان المعتصم اتخذ مجانيق كباراً وجعلها على كراسي تحتها عجل وعملها كاوثق ما يكون ثم فرق غنماً مما استاقه على أهل العسكر فأكلوا لحمها وتحشوا جلدها تراباً ثم أتى بالجلود مملوءة تراباً فطرحت في الخندق وعمل دبابات كباراً تسع كل دبابة عشرة رجال على أن يدحرجها على تلك الجلود حين يمتلئ الخندق فلما طرحت الجلود وقعت مختلفة ولم يمكن تسويتها خوفاً من حجارة المنجنيق فأمر أن يطرح فوقها التراب حتى استوت ثم قدمت دبابة فدحرجها فلما صارت من الخندق في نصفه تعلقت بتلك الجلود وبقي القوم فيها فما تخلصوا إلا بعد جهد ثم مكثت تلك العجلة مقيمة باقية هناك لا يمكن فيها حيلة حتى فتحت عمورية وبطلت الدبابات والمنجنيقات والسلاليم حتى أحرقت، فلما كان من الغد قاتلهم على الثلمة وكان المعتصم واقفاً على دابته بإزاء الثلمة وأشناس والأفشين وقوف رجاله. وقد سقط فطيبوا نفساً وكان المعتصم اتخذ مجانيق كباراً وجعلها على كراسي تحتها عجل وعملها كاوثق ما يكون ثم فرق غنماً مما استاقه على أهل العسكر فأكلوا لحمها وتحشوا جلدها تراباً ثم أتى بالجلود مملوءة تراباً فطرحت في الخندق وعمل دبابات كباراً تسع كل دبابة عشرة رجال على أن يدحرجها على تلك الجلود حين يمتلئ الخندق فلما طرحت الجلود وقعت مختلفة ولم يمكن تسويتها خوفاً من حجارة المنجنيق فأمر أن يطرح فوقها التراب حتى استوت ثم قدمت دبابة فدحرجها فلما صارت من الخندق في نصفه تعلقت بتلك الجلود وبقي القوم فيها فما تخلصوا إلا بعد جهد ثم مكثت تلك العجلة مقيمة باقية هناك لا يمكن فيها حيلة حتى فتحت عمورية وبطلت الدبابات والمنجنيقات والسلاليم حتى أحرقت، فلما كان من الغد قاتلهم على الثلمة وكان المعتصم واقفاً على دابته بإزاء الثلمة وأشناس والأفشين وقوف رجاله.

ذكر اتفاق شئ من كلام سبق

فقال المعتصم ما كان أحسن الحرب اليوم فقال عمر الفرغاني الحرب اليوم أجود منها أمس فسمعها أشناس وأمسك فلما انصرف المعتصم وانصرف أشناس وقرب من مضاربه ترجل له القواد على عادتهم وفيهم عمر الفرغاني وأحمد بن الخليل بن هشام فلما مشوا بين يديه قال لهم أشناس يا أولاد الزناء أي شئ تمشون بين يدي كان ينبغي أن تقاتلوا أمس حيث تقفون بين يدي أمير المؤمنين فتقولون الحرب اليوم أجود منها أمس حيث كان يقاتل غيركم انصرفوا إلى مضاربكم فلما انصرفا قال أحدهما لصاحبه أما ترى هذا العبد ابن الفاعلة يعني أشناس وما صنع بنا اليوم أليس الدخول إلى بلاد الروم أهون من هذا الذي سمعناه فقال عمر الفرغاني لأحمد بن الخليل سيكفيك الله أمره عن قريب فأوهم أحمد أن عنده خبراً فالح عليه أحمد يسأله فأخبره بما هم فيه وقال إن العباس بن المأمون قد تم أمره وسنبايع له ظاهراً ونقتل المعتصم وأشناس وغيرهما عن قريب ثم قال وأنا أشير عليك أن تأتي العباس فتقدم فتكون في عداد من قد مال إليه فقال له أحمد هذا أمر لا أحسبه يتم فقال عمر قد تم وفرغ وأرشده إلى الحارث السمرقندي وكان المتولى لإيصال الرجل إلى العباس وأخذ البيعة عليهم فقال له عمر أنا أجمع بينك وبين الحارث فقال أحمد إن كان هذا الأمر يتم فيما بيننا وبين عشرة أيام فأنا معكم وإن تجاوز ذلك فليس بيني وبينكم عمل فذهب الحارث فأعلم العباس أن عمر قد أدخل أحمد بن الخليل بيننا فقال ما كنت أحب أن يطلع الخليلي على شئ مما نحن فيه فأمسكوا عنه ودعوه بينهما فتركوه، فلما كان اليوم الثالث كانت الحرب على أصحاب أمير المؤمنين ثم أحسن إيتاخ والمغاربة والأتراك والقيم بذلك اليوم إيتاخ فاتسع لهم الموضع المنثلم وكثرت الجراحات في الروم وكان القائد الرومي الموكل بالموضع الذي انثلم يقال له وندوا وتفسيره بالعربية ثور فقاتل قتالاً شديداً هو وأصحابه وكثر القتلى فيهم فاستمد ياطس فلم يمده هو ولا غيره وقال كل واحد نحن نحفظ ما يلينا فاحفظ أنت ما يليك فقال يا قوم أن الحرب إنما هي اليوم علي وعلى أصحابي ولا يبقى معي أحد إلا وقد جرح فصيروا أصحابكم على الثلمة يرمون وإلا افتضحتم وذهبت المدينة فلم يلتفتوا إليه فاعتزم هو وأصحابه أن يخرجوا إلى أمير المؤمنين ويسألوه الأمان على الذرية حتى يسلموا إليه الحصن بما فيه من السلاح والأثاث وغير ذلك فلما أصبح أمر أصحابه ألا يحاربوا حتى يخرج ويعود إليهم فخرج بأمان حتى صار إلى العسكر وحمل إلى المعتصم فصار بين يديه وقد أمسك الروم عن المحاربة أعني أصحاب وندوا والناس يتقدمون إلى الثلمة ووندوا جالس بين يدي المعتصم فدعا المعتصم بفرس فحمله عليه وقاتل حتى صار الناس معه على حرف الثلمة وعبد الوهاب بن علي بين يدي المعتصم فأومأ إلى الناس بيده أن أدخلوا فدخل الناس المدينة فالتفت وندوا وضرب بيده إلى لحيته فقال له المعتصم ما لك قال جئت أريد أن أسمع كلامك وتسمع كلامي فغدرت بي فقال المعتصم كل شئ تريد أن تقوله فهو لك علي قل ما شئت فلست أخالفك قال كيف لا تخالفني وقد دخلوا المدينة فقال المعتصم احتكم وقل ما شئت فإني أعطيكه وصار خلق من الروم إلى كنيسة لهم عظيمة فقاتلوا هناك قتالاً شديداً فأحرق المسلمون الكنيسة فاحترقوا عن آخرهم وبقي ياطس في برجه حوله بقية الروم وأصحابه وقد أخذتهم السيوف فجاء المعتصم حتى وقف حذاء ياطس وكان مما يلي أشناس فصاحوا يا ياطس هذا أمير المؤمنين واقف فصاح الروم من فوق البرج ليس ياطس ها هنا قالوا بلى فلينزل إلى أمير المؤمنين قالوا لا ما هو ها هنا فمر المعتصم مغضباً فصاح الروم هذا ياطس هذا ياطس فنصب بعض تلك السلاليم المعمولة حتى صعد الحسن الرومي وهو غلام لأبي سعيد محمد بن يوسف فكلمه ياطس وقال له هذا أمير المؤمنين فانزل على حكمه فنزل الحسن فأخبر المعتصم أنه رآه وكلمه فقال المعتصم فاصعد إليه وقل فلينزل فصعد الحسن ثانية فخرج ياطس من البرج متقلداً سيفاً حتى وقف على البرج قائماً والمعتصم ينظر إليه فخلع سيفه من عنقه فدفعه إلى الحسن ثم نزل فوقف بين يدي المعتصم فقنعه سوطاً وانصرف إلى مضربه فقال هاجموه فمشى قليلاً ثم جاءه رسول يقول احملوه فحمل إلى مضرب أمير المؤمنين، ثم أقبل الناس بالأسرى والسبى من كل وجه فأمر المعتصم أن نميز الأسرى فيعزل منهم أهل الشرف

في ناحية ثم أمر بالمقاسم أن ينادى عليها كل صاحب عسكر في ناحيته ووكل مع كل قائد من هؤلاء رجلاً من قبل أحمد بن أبي داود يحصى عليه فبيعت المقاسم في خمسة أيام بيع منها ما استباع وأمر بالباقي فضرب بالنار ولما هم المعتصم بالرحيل وثب الناس على مغنم إيتاخ الذي كان يبيعه وهو اليوم الذي كان عجيف وعد فيه الناس أن يثب بالمعتصم فركض المعتصم بنفسه ركضاً وسل سيفه فتنحى الناس من بين يديه وكفوا عن انتهاب المغنم فرجع إلى مضربه، وأمر من الغد أن لا ينادى على الشئ إلا ثلاثة أصوات فقط ليتروج البيع فمن زاد بعد ثلاثة أصوات وإلا بيع العلق فكان ينادى على الرقيق خمسة خمسة وعشرة عشرة وعلى المتاع الكثير جملة واحدة، وكان ملك الروم قد وجه رسولاً في أول ما نزل المعتصم عمورية فأنزله المعتصم على ثلاثة أميال حتى فتح عمورية فلما فتحها أذن له في الانصراف ولم يصل إليه. وفي هذه السنة حبس المعتصم العباس بن المأمون وأمر بلعنه.في ناحية ثم أمر بالمقاسم أن ينادى عليها كل صاحب عسكر في ناحيته ووكل مع كل قائد من هؤلاء رجلاً من قبل أحمد بن أبي داود يحصى عليه فبيعت المقاسم في خمسة أيام بيع منها ما استباع وأمر بالباقي فضرب بالنار ولما هم المعتصم بالرحيل وثب الناس على مغنم إيتاخ الذي كان يبيعه وهو اليوم الذي كان عجيف وعد فيه الناس أن يثب بالمعتصم فركض المعتصم بنفسه ركضاً وسل سيفه فتنحى الناس من بين يديه وكفوا عن انتهاب المغنم فرجع إلى مضربه، وأمر من الغد أن لا ينادى على الشئ إلا ثلاثة أصوات فقط ليتروج البيع فمن زاد بعد ثلاثة أصوات وإلا بيع العلق فكان ينادى على الرقيق خمسة خمسة وعشرة عشرة وعلى المتاع الكثير جملة واحدة، وكان ملك الروم قد وجه رسولاً في أول ما نزل المعتصم عمورية فأنزله المعتصم على ثلاثة أميال حتى فتح عمورية فلما فتحها أذن له في الانصراف ولم يصل إليه. وفي هذه السنة حبس المعتصم العباس بن المأمون وأمر بلعنه.

ذكر السبب في ذلك
كان السبب في ذلك أن عجيف بن عنبسة حين وجهه المعتصم إلى بلاد الروم مع عمر الفرغاني لم يطلق يده في النفقات كما أطلقت يد الأفشين واستقصر المعتصم أمر عجيف وأفعاله وحقد عجيف ذلك فقال للعباس بن المأمون ما كان أضعف همتك عند وفاة أبيك المأمون حين بايعت أبا إسحاق وندمه على تفريطه وشجعه على أن يتلافى ما كان منه فقبل العباس ذلك وكان الحارث السمرقندي أديباً له عقل ومداراة وكان العباس يأنس به فصيره واسطة بينه وبين القواد فلم يزل يدور في العسكر حتى بايعه جماعة من القواد والخواص وسمى لكل رجل من قواد المعتصم رجلاً من ثقات أصحابه ممن بايعه وقال إذا أمرنا فليثب كل رجل منكم على من ضمناه أن يقتله فوكل من خاصة الأفشين بالأفشين ومن خاصة أشناس بأشناس وخاصة المعتصم بالمعتصم فضمنوا له ذلك جميعاً، فلما أرادوا أن يدخلوا الدروب وهم يريدون أنقرة وعمورية ودخل الأفشين من ناحية ملطية أشار عجيف على العباس أن يثب على المعتصم في الدرب وهو في قلة من الناس وقد تقطعت عنه العساكر فيقتله ويأمر الناس بالقفول إلى بغداد فإن الناس يفرحون بانصرافهم فأبى العباس عليه وقال لا أفسد هذه الغزاة فلما فتحوا عمورية قال عجيف للعباس يا نائم كم تنام قد فتحت عمورية والرجل ممكن دس قوماً ينتهبون هذا الخرثى فإذا بلغه ذلك ركب من ساعته فتأمر من يقتله هناك فأبى عليه العباس وقال انتظر حتى أصير إلى الدرب فيخلو كما خلا في البدأة فهو أمكن منه ها هنا وكان عجيف قد أمر من ينتهب المتاع فانتهب بعض الخرثى في عسكر إيتاخ وركب المعتصم وجاء ركضاً فسكن الناس ولم يطلق العباس أحداً من أولئك الرجال أن يتحركوا.
ذكر سوء تحفظ في القول عاد بهلكه.

كان عمر الفرغاني قد بلغه الخبر ذلك اليوم وكان له قرابة غلام أمرد في خاصة المعتصم فجاء الغلام إلى أولاد عمر يشرب عندهم تلك الليلة فأخبرهم أن أمير المؤمنين ركب مستعجلاً وأنه كان يعدو بين يديه وقال أن أمير المؤمنين غضب اليوم فأمرني أن أسل سيفي وقال لا يستقبلك أحد إلا ضربته فسمع عمر ذلك من الغلام فأشفق عليه أن يصاب فقال له يا بني أنت أحمق أقل ذلك من الكينونة عند أمير المؤمنين بالليل والزم خيمتك فإن سمعت صيحة مثل هذه الصيحة فلا تبرح من خيمتك فإنك غلام غر، وارتحل المعتصم من عمورية يريد الثغر ووجه الأفشين صاحباً له في خلاف طريق المعتصم وأمره أن يغير على موضع سماه له وأن يوافيه في بعض الطريق وكان عسكر الأفشين على حدة من عسكر المعتصم بينهما قدر ميلين فتوجه صاحب الأفشين حتى أغار وسبى وغنم وأتى عسكر الأفشين بما أصاب من الغنائم واعتل أشناس فركب المعتصم يعوده ولم يكن الأفشين لحقه بعد فلما عاده وانصرف تلقاه الأفشين في الطريق فقال له المعتصم امض إلى أبي جعفر وكان عمر الفرغاني وأحمد بن الخليل عند منصرف المعتصم من عياده أشناس توجها إلى ناحية عسكر الأفشين ولقيهما الأفشين يريد أشناس فترجلا له وسلما عليه ورآهما حاجب أشناس من بعيد فلما دخل الأفشين إلى أشناس وخرج وتوجها إلى عسكر الأفشين لشراء السبى ولم يكن السبى أخرج بعد وقفا ناحية ينتظران أن ينادى على السبى فيشتريا ودخل حاجب أشناس على أشناس فقال له رأيت عمر الفرغاني وأحمد بن الخليل تلقيا الأفشين وهما يريدان عسكره فترجلا له وسلما عليه وتوجها إلى عسكره فدعا أشناس محمد بن سعيد وقال له اذهب فانظر هل ترى هناك عمر الفرغاني وأحمد بن الخليل وانظر عند من نزلا وأي شئ قصتهما فجاء محمد بن سعيد فأصابهما واقفين على ظهور دوابهما فقال ما وقفكما ها هنا قالا وقفنا ننتظر سبى ابن الأقطع فنشتري بعضه فقال لهما محمد بن سعيد وكلا وكيلاً يشتري لكما فقالا لا نحب أن نشتري إلا ما نراه فرجع محمد فأخبر أشناس بذلك فقال لحاجبه قل لهؤلاء عسكركم خير لكم يعني عمر وأحمد بن الخليل ولا تدوروا ها هنا وها هنا فذهب الحاجب إليهما فأعلمهما فاغتما لذلك واتفقا على أن يذهبا إلى صاحب خبر العسكر فيستعينا من أشناس فصارا إلى صاحب الخبر فقالا نحن عبيد أمير المؤمنين يضمنا إلى من شاء فإن هذا الرجل يستخف بنا قد شتمنا وتوعدنا ونحن نخاف أن يقدم علينا فأنهى صاحب الخبر ذلك إلى المعتصم من يومه ذلك واتفق الرحيل من الغد وكان إذا ارتحل الناس سارت العساكر على حيالها وسار أشناس والأفشين وجميع القواد في عسكر أمير المؤمنين ووكلوا خلفاؤهم بعساكرهم فلما ذهب أشناس إلى المعتصم قال له أحسن أدب عمر الفرغاني وأحمد بن الخليل فإنهما قد حمقا أنفسهما فجاء أشناس ركضاً إلى معسكره فسأل عن عمر وابن الخليل فأصاب عمر وكان ابن الخليل قد مضى فأحضر عمر الفرغاني وقال هاتوا سياطاً فمكث طويلاً مجرداً ليس يؤتى بالسياط فقدم عمه إلى أشناس فكلمه فيه وكان عمه أعجمياً فقال احملوه فألبسوه قباطاق واحملوه على بغل في قبة وساروا به وجاء أحمد بن الخليل وهو يركض فقال احبسوا هذا معه فأنزل عن دابته وصير عديله، فبقيا كذلك يسار بهما على كرامة وأثقالهما وغلمانهما في العسكر لم يحول لهما بشيء حتى سمع الغلام الفرغاني قرابة عمر بحبس عمر فذكر للمعتصم ما دار بينه وبين عمر من الكلام في تلك الليلة وقوله إذا سمعت صوتاً مثل هذا فالزم خيمتك فقال المعتصم لبغا لا ترحل غداً حتى تجئ أشناس فتأخذ منه عمر وتلحقني به وكان هذا بالصفصاف ففعل بغا ذلك ومضى بعمر إلى المعتصم، فلما أفرد أحمد بن الخليل قلق وأنفذ غلاماً له ليتبع عمر وينظر ما يصنع به فرجع الغلام فأخبره أنه دخل على أمير المؤمنين فمكث ساعة ثم دفع إلى إيتاخ فكان أمير المؤمنين ساءله عن الكلام الذي قاله للغلام قرابته فأنكر وقال هذا الغلام كان سكران ولم يفهم وما قلت شيئاً مما ذكر، وسار المعتصم حتى صار إلى باب مضايق البدندون فأقام أشناس هناك ثلاثة أيام ينتظر أن يتخلص عساكر أمير المؤمنين لأنه كان على الساقة فكتب أحمد بن الخليل رقعة إلى أشناس يعلمه أن لأمير المؤمنين عنده نصيحة فبعث إليه أشناس بأحمد بن الخصيب وأبي سعيد محمد ابن يوسف يسلانه عن النصيحة فذكر أنه لا يخبر بها إلا أمير

المؤمنين فرجعا فأخبرا أشناس بذلك فقال ارجعا فاحلفا له إني حلفت بحياة أمير المؤمنين إن هو لم يخبرني بهذه النصيحة أن أضربه بالسياط حتى يموت فرجعا فأخبراه بذلك فأخرج جميع من كان يحفظه وبقي أحمد بن الخصيب وأبو سعيد فأخبرهما بما ألقى إليه عمر الفرغاني من أمر العباس وشرح لهما ما كان عنده من خبر الحارث السمرقندي فانصرفا إلى أشناس وأخبراه بذلك فبعث أشناس في طلب الحدادين فجاءوا بهم فدفع إليهم حديداً وقال اعملوا لي قيداً مثل قيد أحمد بن الخليل وعجلوه لي الساعة ففعلوا ذلك فلما كان وقت العتمة ذهب صاحب أشناس إلى خيمة الحارث السمرقندي فأخرجه منها وجاء به إلى أشناس فقيده وأمر الحاجب أن يحمله إلى أمير المؤمنين فحمله إليه واتفق رحيل أشناس صلوة الغداة فجاء أشناس إلى موضع معسكره وتلقاه الحارث ومعه رجل من قبل المعتصم وعليه خلعه فقال له أشناس مه فقال القيد الذي كان في رجلي في رجل العباس وكان المعتصم سأل الحارث عن أمره فأخذ عهده أنه إن صدقه ونصحه أطلقه ثم أقر له بجميع أمره وجميع من بايع العباس من القواد فأطلق المعتصم الحارث وخلع عليه ولم يصدق على أولئك القواد لكثرتهم وكثرة من سمى منهم وتحير المعتصم فدعا حين خرج من الدرب فألطفه ومناه وأوهمه أنه قد صفح عنه وتغدى معه وصرفه إلى مضربه ثم دعاه بالليل فنادمه الشراب وسقاه حتى أسكره واستحلفه أن لا يكتمه من أمره شيئاً فشرح له قصته وسمى له جميع من كان دب في أمره فكتبه المعتصم وحفظه ثم دعا الحارث السمرقندي بعد ذلك فسأله عن الأسباب فقص عليه مثل ما قص العباس ثم أمر بعد ذلك بتقييد العباس ثم قال للحارث قد رضتك على أن تكذب فأجد السبيل إلى سفك دمك فلم يفعل ثم دفع العباس إلى الأفشين وتتبع المعتصم أولئك القواد فأخذوا جميعاً، فأما أحمد بن الخليل فأمر أن يحمل على بغل بأكاف بلا وطاء ويطرح في الشمس إذا نزل ويطعم في كل يوم رغيفاً واحداً وأما عجيف بن عنبسة فدفع مع جماعة من القواد إلى إيتاخ ودفع أحمد بن الخليل إلى أشناس وأخذ الشاه بن سهل فأحضره المعتصم والعباس بين يديه فقال له يا بن الزانية أحسنت إليك فلم تشكر فقال الشاه ابن الزانية هذا الذي بين يديك يعني العباس لو تركني هذا كنت أنت الساعة لا تقدر أن تقعد في هذا المجلس وتقول ما تقول فأمر به المعتصم فضربت عنقه، ودفع عجيف إلى إيتاخ فعلق عليه حديداً كثيراً وحمله على بغل في محمل بلا وطاء، وأما العباس فكان في يد الأفشين فلما نزل المعتصم منبج وكان العباس جائعاً فسأل الطعام فقدم إليه طعام كثير وأكل فلما طلب الماء منع وأدرج في مسح فمات، وأما عمر القرغاني فإنه لما نزل المعتصم بنصيبين في بستان دعا صاحب البستان فقال له احفر بئراً في موضع أومأ إليه ثم دعا بعمر وقد تناول أقداحاً فلما مثل بين يديه جرد وضرب بالسياط فلما انتهى حفار البئر مما أمره أمر المعتصم أن يضرب وجه عمر بالخشب فلم يزل يضرب حتى سقط أنفه وأسنانه ثم قال جروه إلى البئر فاطرحوه فيها فلم يتكلم عمر ولم ينطق بحرف حتى طرح في البئر وطمت عليه، وأما عجيف فإنه مات المحمل بباعيناثا فطرح عند صاحب المسلحة ودفن هناك وذكر أن عجيفاً كان في يد محمد بن إبراهيم بن مصعب فسأله المعتصم عنه فقال يا محمد لم يمت عجيف يا أبا صالح قال يا سيدي اليوم يموت فمات ذلك اليوم، وأما التركي الذي ضمن للعباس قتل أشناس فإنه كان كريماً على أشناس ينادمه ولا يحجب عنه فأمر أشناس بحبسه قبله في بيت مظلم وسد عليه الباب وكان يلقى إليه في كل يوم رغيف وكوز ماء فأتاه ابنه في بعض أيامه فكلمه من وراء الحائط فقال له يا بني لو كنت تقدر لي على سكين كنت أقدر أن أتخلص من موضعي هذا فلم يزل ابنه يتلطف للموكلين حتى فتح له بمقدار دون الدرهم ضوء فطرح إليه من هناك سكيناً فقتل بها نفسه، وأما أحمد بن الخليل فإنه دفعه أشناس إلى محمد بن سعيد فحفر له بئراً وأطبق عليه وفتح فيها كوة ليرمى إليه منها الخبز والماء فقال له المعتصم ما حال أحمد بن الخليل فأخبره بحاله فقال المعتصم هذا أحسبه قد سمن على هذه الحال فنقل إلى غيره فسمه حتى مات، وقتل باقي القواد إلا هرثمة بن النضر الجيلي فإنه كان يحمل في الحديد من المراغة لأنه كان هناك فتكلم فيه الأفشين واستوهبه من المعتصم فوهبه له وولاه البلد الذي يصل إليه الكتاب

فيه فوصل إلى الدينور عند العشاء مقيداً مغلولاً فطرح في خان ووافاه الكتاب في بعض الليل وأصبح وهو والي الدينور، وقتل من الأتراك والفراغنة وغيرهم ممن لم يحفظ اسمه خلق كثير وورد المعتصم سر من رأى سالماً بأحسن حال.يه فوصل إلى الدينور عند العشاء مقيداً مغلولاً فطرح في خان ووافاه الكتاب في بعض الليل وأصبح وهو والي الدينور، وقتل من الأتراك والفراغنة وغيرهم ممن لم يحفظ اسمه خلق كثير وورد المعتصم سر من رأى سالماً بأحسن حال.

ثم دخلت سنة 224.
وفيها أظهر مازيار بن قارن الخلاف بطبرستان على المعتصم،
ذكر السبب في ذلك.

كان مازيار بن قارن منافراً لآل طاهر لا يحمل الخراج إليهم وكان المعتصم يكتب إليه يأمره بحمله إليهم فلا يفعل ويقول أحمله إلى أمير المؤمنين فكان أمير المؤمنين يأمر بالمال إذا بلغ همذان أن يستوفيه عامله ثم يسلمه إلى صاحب عبد الله بن طاهر ليرده إلى خراسان ولما ظفر الأفشين ببابك ونزل من المعتصم المنزلة التي لم يتقدمه فيها أحد وبلغه منافرة مازيار إلى طاهر طمع في ولاية خراسان ورجا أن يكون ذلك سبباً لعزل عبد الله بن طاهر فدس الكتب إلى مازيار يعلمه ميله إليه بالدهقنة ويظهر مودته ويقول إنه قد وعد بولاية خراسان فدعا ذلد مازيار إلى الاستمرار في عداوة آل طاهر وترك حمل الخراج إليه وما شك الأفشين أن مازيار إن كاشف وخالف سيطاول عبد الله بن طاهر حتى يحتاج المعتصم أن يوجهه وغيره إليه ولم يزل يكاتب مازيار ويبعثه على محاربة عبد الله بن طاهر ويهون أمره عنده حتى خالف وأخذ رهائن أكابر أهل ناحيته وأمر الأكرة بانتهاب أموال أرباب الضياع وغلاتهم والأفشين في كل ذلك يكاتبه ويعرض عليه النصرة وأخذ مازيار الناس بالخراج يجبي جميع الخراج في شهرين وكان يجبي في سنة في كل أربعة أشهر الثلث، وهرب رجل ممن أخذت رهينته فجمع أبو صالح سرخاستان خليفة المازيار الناس بسارية وقال كيف يثق بكم الملك وهذا فلان ممن حلف وأعطى الرهينة ثم نكث وخرج فأنتم لا تفون ولا تكرهون الحنث فرجع لكم الملك إلى ما تحبون فقال بعضهم نقتل الرهينة حتى لا يعود غيره إلى الهرب فقال أوتفعلون قالوا نعم فكتب أبو صالح إلى صاحب الرهائن يأمره أن يوجه بابن الهارب فلما حمل إلى سارية ندم الناس على ما قالوا وجعلوا يرجعون على من أشار بذلك إليهم فجمعهم أبو صالح وقال قد ضمنتم لي قتل الرهينة وها هو قد حضر فاقتلوه فقال بعضهم أصلحك الله إنك أجلت من خرج عن البلد شهرين وهذا الرهينة قبلك يسلك أن تؤجله شهرين فإن رجع أبوه وإلا أمضيت فيه رأيك فغضب ودعا بصاحب حرسه فأمره بصلب الغلام فسأله الغلام أن يأذن له حتى يصلي ركعتين فأذن له فطول في صلاته وهو يرعد وقد مد له جذع فجذبوا الغلام من صلاته ومدوه حتى اختنق ومات ثم أمر أهل سارية أن يخرجوا إلى آمل وتقدم إلى أصحاب المسالح في إحضار أهل الخنادق من الأبناء والعرب فأحضروا ومضى معهم إلى آمل وقال لهم إني أريد أن أشهدكم على أهل آمل وأشهد أهل آمل عليكم وأرد ضياعكم وأموالكم فإن لزمتم الطاعة والمناصحة زدناكم من عندنا ضعف ما أخذناه منكم فلما وافوا آمل ميز أهل سارية ناحية ووكل بهم وكتب أسماء جميع أهل آمل حتى لم يخف عليه منهم أحد ثم عرضهم على الأسماء حتى اجتمعوا وتقدم إلى أصحاب السلاح حتى أحدقوا بهم ووكل بكل رجل رجلين وساقهم مكتفين حتى وافى بهم جيلاً يعرف بهرمزديار وكبلهم بالحديد وبلغت عدتهم عشرين ألفاً فحبسهم هناك وفعل مثل ذلك بوجوه العرب والأبناء وكبلهم وحبسهم ووكل بهم، فلما تمكن مازايار واستوى أمره وحبس كل من يخشى غائلته وأمن جميع أصحابه أمر سرخاستان بتخريب سور مدينة آمل فخربه بالطبول والزامير ثم سار إلى سارية ففعل بها مثل ذلك ثم فعل بطميس وهي على حد جرجان من عمل طبرستان مثل ذلك وعمل سوراً من طميس إلى البحر مقدار ثلاثة أميال وكان الأكاسرة بنته بينها وبين الترك لأن الترك كانت تغير على أهل طبرستان في أيامها ونزل سرخاستان معسكراً بطميس وصير حولها خندقاً وثيقاً وأبراجاً للحرس وصير عليها باباً وثيقاً ووكل به الثقات ففرغ أهل جرجان فهرب منهم قوم إلى نيسابور، وانتهى الخبر إلى عبد الله بن طاهر عامل المعتصم على خراسان فوجه إليه عمه الحسن بن الحسين بن مصعب مع جيش كثيف لحفظ جرجان وأمر بأن يعسكر على الخندق فنزل الحسن بن الحسين على الخندق معسكراً وصار بينه وبين سرخاستان عرض الخندق، ثم بعث أيضاً عبد الله بن طاهر حيان بن جبلة في أربعة آلاف إلى قومس فعسكر على حد جبال شروين ووجه المعتصم من قبله محمد بن إبراهيم بن مصعب أخا إسحاق بن إبراهيم في جمع كثيف وضم إليه الحسن بن قارن الطبري العابد ومن كان بالباب من الطبرية ووجه منصور بن الحسن هار صاحب دنباوند إلى الري ليدخل طبرستان من ناحية الري ووجه أبا الساج إلى اللارز ودنباوند فأحدقت الخيل بالمازيار من كل جانب فبعث مازيار إلى أهل المدن المحبسين عنده أن الخيل قد زحفت إلي من

كل جانب وإنما حبستكم ليبعث أميركم فيسأل فيكم يعني المعتصم فلم يكترث بكم وأنتم عشرون ألفاً ولست أتقدم إلى حربه وأنتم ورائي فادوا إلى خراج سنتين وأخلي سبيلكم ومن كان منكم شاباً قوياً قدمته للقتال فمن وفى رددت عليه ماله ومن لم يف أكون قد أخذت ديته ومن كان شيخاً أو ضعيفاً صيرته من الحفظة والحراس والبوابين، ثم إن سرخاستان جمع من أبناء القواد وغيرهم من أهل آمل ممن فيه قوة وشجاعة مائتين وستين فتىً ممن يخاف ناحيته وأظهر أنه يريد مناظرتهم وبعث إلى الأكرة الدهاقين فقال لهم إن هؤلاء هواهم مع العرب ولست آمن غدرهم وهم أهل الظنة قد جمعتهم فاقتلوهم لتأمنوا ولا يكون في عسكركم من يخالفكم ثم كتفهم ودفعهم إلى الأكرة الدهاقين فصاروا بهم إلى قناة هناك قد خربت فقتلوهم ورموا بهم في آبار القناة ثم عطف سرخاستان إلى المحبسين من أهل المدن فطالبهم بمال المواقفة فقالوا إن صاحبك لم يبق لنا مالاً ولا ذخيرة ولو علم أن وراءنا درهماً واحداً لاستخرجه ولكنا نعطي ضياعنا وأملاكنا بقيمة ما يطلب فقال لهم الضياع هي للملك ولا حق لكم فيها فاحتالوا للمال فلم يجد عندهم شيئاً فقال لأولئك الأكرة الذين قتلوا من قتلوا أني قد أبحتكم منازل أرباب الضياع وحرمهم إلا ما كان من جارية جميلة من بناتهم فإنها تصير للملك وقال لهم صيروا إلى الحبس فاقتلوا أرباب الضياع أولاً ثم حوزوا ما وهبت لكم من منازلهم وحرمهم فجبن القوم ولم يقدموا على عشرين ألفاً فلم يقبلوا منه، وكان الموكلون بالسور من أصحاب سرخاستان يتحدثون ليلاً مع حرس الحسن بن الحسين بن مصعب حتى استأنس بعضهم ببعض وتآمروا على تسليم السور فسلموه ودخل أصحاب الحسن بن الحسين من موضعهم إلى عسكر سرخاستان على غفلة من غير أن يعلم بذلك صاحبهم فنظر الناس بعضهم إلى بعض فثاروا يدخلون من الحائط وبلغ الحسن بن الحسين ذلك فأشفق أن تكون حيلة فجعل يصيح ويمنع من الدخول وهم لا يقبلون حتى نصبوا أعلامهم على السور وفي معسكر سرخاستان وانتهى الخبر إلى سرخاستان وهو في الحمام وسمع الضجيج فلم تكن له همة إلا الهرب فخرج هارباً في غلاته، ودخل الناس من غير مانع حتى استولوا على جميع ما في العسكر ومضى قوم في الطلب، فتحدث زراه بن يوسف قال بينا أنا في الطريق إذ صرت إلى موضع يسرة الطريق فوجلت منه ثم اقتحمته بالرمح ولم أر أحداً ولكني صحت من أنت ويلك فإذا رجل يصيح زينهار يعني الأمان فأخرجته وإذا هو شيخ جسيم فقلت من أنت فقال أنا شهريار وإذا به أخو سرخاستان صاحب العسكر فحملته إلى الحسن بن الحسين فضرب عنقه وأما سرخاستان فإنه مضى على وجهه وكان عليلاً فلما جهده العطش نزل عند غيضة واستلقى وصاح ببعض أصحابه ممن تبعه يا فلان اسقني ماء فقد جهدني العطش فقال ليس معي إناء أغرف به من هذا الموضع فقال له سرخاستان خذ رأس جعبتي فاسقني به فنظر الرجل إلى أصحابه وقال لهم هذا الشيطان قد أهلكنا فلم لا نتقرب به إلى السلطان ونأخذ لأنفسنا أماناً فأجابوه إلى ذلك ووثبوا عليه فشدوه كتافاً فقال لهم خذوا مني مائة ألف واتركوني فإن العرب لا تعطيكم شيئاً قالوا أحضرنا قال هاتوا ميزاناً فقالوا من أين لنا ها هنا ميزان قال فمن أين ها هنا ما أعطيكم ولكن صيروا معي إلى المنزل وأعطيكم العهود والمواثيق أني أفي لكم بذلك فصاروا به إلى الحسن بن الحسين واستقبلهم خيل الحسن بن الحسين فضربوا رؤوسهم وأخذوا سرخاستان منهم مهمتهم لأنفسهم ومضى به أصحاب الحسن إلى الحسن فدعا بوجوه أصحابه وسألهم هل هذا سرخاستان قالوا نعم هو هو فأمر به فضربت عنقه، وكاتب حيان بن جبلة من ناحية طميس قارن بن شهريار ورغبه في الطاعة وضمن له أن يملكه على جبال أبيه وجده وكان قارن هذا ابن أخي مازيار وقد قود وصيره مع أخيه عبد الله بن قارن وضم إليهما عدة من ثقات قواده وقراباته فلما استماله حيان اطمأن إليه وضمن له قارن أن يسلم إليه الجبال ومدينة سارية إلى حد جرجان على أن يملكه على مملكة أبيه وجده إذا وفى له بالضمان وكتب بذلك حيان إلى عبد الله بن طاهر فسجل له عبد الله بن طاهر بكل ما سأل وكتب إلى حيان يأمره بالتوقف ولا يدخل الجبل ولا يوغل حتى يكون من قارن ما يستدل به على الوفاء لئلا يكون منه مكر فكتب حيان إلى قارن بذلك فدعا قارن بعمه عبد الله بن قارن أخي مازيار ودعا

جميع قواده إلى طعامه فلما أكلوا ووضعوا سلاحهم واطمأنوا أحدق بهم أصحابه في السلاح وكتفهم ووجه بهم إلى حيان بن جبلة فلما صاروا إليه استوثق منهم وركب حيان في جمعه حتى دخل جبال قارن، وبلغ مازيار الخبر فاغتم وقلق وقال له أخوه كوهيار في حبسك عشرون ألفاً من السلمين ما بين أسكاف وخياط وشغلت نفسك بهم وإنما أتيت من مأمنك وأهل بيتك وقراباتك فما تصنع بهؤلاء المحبسين عندك فأمر أن يخلى جميع من في محبسه ثم دعا بكتابه وخلفائه وصاحب خراجه وصاحب شرطه وقال لهم أن حرمكم ومنازلكم وضياعكم بالسهل وقد دخلت العرب إليه وأكره أن أسوء بكم فاذهبوا إلى منازلكم وخذوا الأمان لأنفسكم ووصلهم وأذن لهم في الانصراف، ولما بلغ قوهيار أخا مازيار دخول حيان سارية أطلق محمد بن موسى عامل طبرستان من حبسه وحمله على بغل ومركب ووجهه إلى حيان ليأخذ له الأمان ويجعل له جبال أبيه وجده على أن يسلم إليه مازيار ويوثق له بذلك وضم إليه أحمد بن الصقير وهو من مشايخ الناحية ووجوهها فلما سار محمد بن موسى إلى حيان وأخبره برسالة قوهيار قال له حيان من هذا يعني أحمد قال هذا شيخ هذه البلاد يعرفه الخلفاء ويعرفه الأمير عبد الله بن طاهر ورأى حيان تحت أحمد بن الصقير برذوناً ضخماً نبيلاً فبعث إليه يسأله أن يقوده إليه ليراه فبعث به فلما تأمله وجده مشطب اليدين فزهد فيه وقال لرسول أحمد هذا لمازيار ومال مازيار لأمير المؤمنين فرجع الرسول فأخبر أحمد فغضب على حيان بذلك وكتب إلى قوهيار ويحك لم تغلط في أمرك وتترك مثل الحسن بن الحسين عم الأمير عبد الله بن طاهر وتدخل في أمان هذا العبد الحائك وتدفع إليه أخاك وتضع من قدرك وتحقد عليك الحسن بن الحسين بتركك إياه وميلك إلى عبد من عبيده فكتب إليه قوهيار قد غلطت في أول الأمر وواعدت الرجل أن أصير إليه بعد غد ولا آمن إن خالفته أن يناهضني ويحاربني ويستبيح منازلي وأموالي وأن قاتلته وقتلت من أصحابه وجرت الدماء بيننا وقعت الشحناء ويبطل ما نحن فيه، فكتب إليه أحمد إذا كان يوم الميعاد فأبعث إليه رجلاً من أهل بيتك واكتب إليه أنه عرضت لك علة منعتك من الحركة وأنك تتعالج ثلاثة أيام فإن عوفيت وإلا صرت إليه في محمل وسنحمله نحن على قبول ذلك منك، ثم إن أحمد بن الصقير ومحمد بن موسى كتبا إلى الحسن بن الحسين وهو في معسكره بطميس ينتظر أمر عبد الله بن طاهر وجواب كتابه بقتل سرخاستان وفتح طميس فكتبا إليه أن أركب إلينا لندفع إليك قارن والجبل وإلا فاتك فلا نقم، فلما وصل الكتاب إلى الحسن ركب من ساعته وسار مسير ثلاث ليال في ليلة حتى انتهى إلى سارية ولما أصبح سار إلى خرمابان وهو يوم موعد قوهيار وسمع حيان وقع طبول الحسن فركب وتلقاه على رأس فرسخ فقال له الحسن ما تصنع ها هنا ولم توجه إلى هذا الموضع وقد فتحت جبال شروين وتركتها وراءك فما يؤمنك أن يغدر بك القوم فينقض عليك جميع ما عملت ارجع إلى الجبل وأشرف على القوم اشرافاً لا يمكنهم الغدر إن هموا به فقال به حيان أنا على الرجوع وأريد أن أحمل أثقالي وأتقدم إلى رجالي بالرحيل فقال له الحسن امض أنت فإني باعث بأثقالك ورجالك خلفك وبت الليلة بسارية حتى يوافوك ثم بكر من غد فخرج حيان من فوره ولم يقدر على مخالفة الحسن، ثم ورد عليه كتاب عبد الله بن طاهر وهو بليون من جبال ونداهرمز من أحصن جباله وكان أكثر مال مازيار بها وأمره عبد الله ألا يمنع قارن مما يريد من تلك الجبال والأموال فاحتمل قارن ما كان لمازيار هناك من المال من ذخائر مازيار وسرخاستان وباستاندره وبقدح السليان واحتوى على ذلك كله، فانتفض حيان جميع ما كان سنح له بسبب ذلك البرذون، ثم أن محمد بن موسى وأحمد بن الصقير أتيا الحسن وناظره سراً فجزاهما خيراً وكتب إلى قوهيار فوافاه وبره وأكرمه وأجابه إلى كل ما سأل واتعدا إلى يوم ثم صرفه وصار قوهيار إلى مازيار فأعلمه أنه قد أخذ له الأمان وتوثق له، ثم ورد عليه المازيار وقوهيار وتقدم المازيار فسلم عليه بالأمرة فلم يردد عليه الحسن وتقدم إلى طاهر بن إبراهيم وأوس البلخي فقال خذاه إليكما ثم ورد كتاب عبد الله ابن طاهر بتسليم المازيار واخوته وأهل بيته إلى محمد بن إبراهيم ليحملهم إلى المعتصم ولم يعرض عبد الله لأموالهم وأمر أن يستضفي جميع ما للمازيار فأحضره وسأله عن أمواله فسمى

قوماً ذكر أن أمواله عندهم فأحضر قوهيار وكتب عليه كتاباً وضمنه المال الذي ذكر مازيار أنه عند ثقاته وخزانه وأصحاب كنوزه وأشهد على نفسه ثم أن الحسن أمر الشهود الذين أحضرهم أن يصيروا إلى المازيار ليشهدوا عليه فذكر عن بعضهم أنه قال لما دخلنا على المازيار لنشهد عليه قال المازيار اشهدوا أن جميع ما حملت من أموالي وصحبني ستة وتسعون ألف دينار وسبع عشرة قطعة زمرد وست عشرة قطعة ياقوت أحمر وثمانية أوقار سلالاً مجلدة فيها ألوان الثياب وتاج وسيف محلى بذهب وجوهر وحق مملوء جوهراً وقد وضعه بين أيدينا وقد سلمت ذلك إلى محمد بن الصباح وهو خازن عبد الله بن طاهر وصاحب خيره على العسكر وإلى قوهيار قال فخرجا إلى الحسن ابن الحسين فقال أشهدتم على الرجل قالا نعم فقال هذا شئ أخبرت به فأحببت أن تعلموا قيمته، وذكر علي بن زين كاتب مازيار أن ذلك الحق كان شراء جوهره وحبه على المازيار وشروين وشهريار ثمانية عشر ألف ألف درهم وكان مازيار حمل جميع ذلك إلى الحسن بن الحسين على أنه يظهر أنه خرج إليه في الأمان وأنه قد آمنه على نفسه وماله وولده وجعل له جبال أبيه فامتنع الحسن بن الحسين من ذلك وعف عنه وكان أعف الناس عن أخذ درهم أو دينار فلما أصبح أنفذ مازيار مع طاهر بن إبراهيم وعلي بن إبراهيم الحربي وورد كتاب عبد الله بن طاهر في إنفاذه مع يعقوب بن منصور وقد ساروا بمازيار ثلاث مراحل فبعث الحسن فرده وأنفذه مع يعقوب بن منصور.ر أن أمواله عندهم فأحضر قوهيار وكتب عليه كتاباً وضمنه المال الذي ذكر مازيار أنه عند ثقاته وخزانه وأصحاب كنوزه وأشهد على نفسه ثم أن الحسن أمر الشهود الذين أحضرهم أن يصيروا إلى المازيار ليشهدوا عليه فذكر عن بعضهم أنه قال لما دخلنا على المازيار لنشهد عليه قال المازيار اشهدوا أن جميع ما حملت من أموالي وصحبني ستة وتسعون ألف دينار وسبع عشرة قطعة زمرد وست عشرة قطعة ياقوت أحمر وثمانية أوقار سلالاً مجلدة فيها ألوان الثياب وتاج وسيف محلى بذهب وجوهر وحق مملوء جوهراً وقد وضعه بين أيدينا وقد سلمت ذلك إلى محمد بن الصباح وهو خازن عبد الله بن طاهر وصاحب خيره على العسكر وإلى قوهيار قال فخرجا إلى الحسن ابن الحسين فقال أشهدتم على الرجل قالا نعم فقال هذا شئ أخبرت به فأحببت أن تعلموا قيمته، وذكر علي بن زين كاتب مازيار أن ذلك الحق كان شراء جوهره وحبه على المازيار وشروين وشهريار ثمانية عشر ألف ألف درهم وكان مازيار حمل جميع ذلك إلى الحسن بن الحسين على أنه يظهر أنه خرج إليه في الأمان وأنه قد آمنه على نفسه وماله وولده وجعل له جبال أبيه فامتنع الحسن بن الحسين من ذلك وعف عنه وكان أعف الناس عن أخذ درهم أو دينار فلما أصبح أنفذ مازيار مع طاهر بن إبراهيم وعلي بن إبراهيم الحربي وورد كتاب عبد الله بن طاهر في إنفاذه مع يعقوب بن منصور وقد ساروا بمازيار ثلاث مراحل فبعث الحسن فرده وأنفذه مع يعقوب بن منصور.

ذكر ترك حزم بالدالة عاد بالهلاك

ثم أمر الحسن القوهيار أخا مازيار بحمل الأموال التي ضمنها ودفع إليه بغالاً من العسكر وأمر بإنفاذ جيش معه فامتنع القوهيار وقال أنه لا حاجة لي فيهم وخرج وأخرج الأموال وعبأها ليحملها فوثب عليه مماليك المازيار من الديالمة وكانوا ألفا ومائتين فقالوا له غدرت بصاحبنا وأسلمته إلى العرب وجئت لتحمل أمواله فأخذوه وكبلوه بالحديد فلما جنه الليل قتلوه وانتهبوا تلك الأموال والبغال، فانتهى الخبر إلى الحسن فوجه جيشاً إلى الذين قتلوا القوهيار ووجه قارن جيشاً آخر من قبله في أخذهم فأخذ منهم صاحب قارن عدة فيهم ابن عم للمازيار يقال له شهريار بن المصمغان وكان رأس العبيد ومحرضهم فوجه به قارن إلى عبد الله ابن طاهر فمات في الطريق وكان جماعة أولئك الديالمة أخذوا على السفح والغيضة يريدون الديلم فنذر بهم محمد بن إبراهيم ابن مصعب فوجه من قبله الطبرية وغيرهم حتى عارضوهم وأخذوا عليهم الطريق فأخذوا على طريق الروذبار إلى الرويان، وكان سبب فساد أمر مازيار أن جبال طبرستان ثلاثة يتوارثها ثلاثة أولاد لكسرى جبل ونداوند وجبل أخيه وندادسحبان بن الأنداد بن قارن وجبل شروين بن سرخاب بن ناب فلما قوى أمر المازيار بعث إلى ابن عمه فألزمه بابه وإلى أخيه قوهيار وأنفذ إلى هناك والياً من قبله فلما احتاج مازيار إلى الرجال لمحاربة عبد الله بن طاهر دعا ابن عمه وأخاه وقال أنتما أعلم بجبلكما من غيركما وقال صيرا في ناحية الجبل وكتب إلى الدرني وضم إليه العساكر وولاه السهل ليحارب عبد الله بن طاهر وظن أنه قد توثق من الجبل بابن عمه وأخيه القوهيار وذلك أن الجبل لم يكن يظن أنه يؤتى منه لأنه ليس فيه للعساكر والمحاربة طريق لكثرة المضايق والشجر الذي فيه وتوثق من الموضع الذي يتخوفه الدرني وأصحابه فلما وجه عبد الله بن طاهر عمه الحسن بن الحسين بن مصعب في عسكر عظيم من خراسان ووجه المعتصم محمد بن إبراهيم بن مصعب ووجه معه صاحب خبر يقال له مصعب بن إبراهيم مولى الهادي ويعرف بقوصرة وزحفت العساكر وأحدقت بمازيار دعا ابن عم مازيار الحقد الذي كان في قلبه على مازيار وتنحيته له عن جبله إلى أن كاتب الحسن وأعلمه جميع ما يتطلعه من الأخبار وأخبره خبر الأفشين وكذلك فعل قوهيار أخوه فكانت هذه الأخبار ترد على عبد الله بن طاهر وعبد الله يكاتب المعتصم بها فشرط عبد الله بن طاهر لابن عم مازيار إن هو وثب بالمازيار أن يرد عليه جبله وما ورثه عن آبائه فلا يعرض به فيه ولا يحارب فرضي بذلك وكتب له بذلك كتاباً وتوثق له فيه فلم يشعر المازيار حتى سلمت الجبال التي كان يأمنها وأتى من مأمنه وأنزل على حكم المعتصم والعسكر الذي مع الدرني بالسهل غارون في حربهم فأتاهم الحرب من ورائهم وقد أسر مازيار وهلك فأعطوا حينئذ بأيديهم حتى هلكوا بأسرهم، وكان عبد الله بن طاهر لما أسر مازيار وحصل في يده مناه ووعده إن هو أظهره على كتب الأفشين أن يسأل أمير المؤمنين الصفح عنه وأعلمه عبد الله أنه قد علم أن الكتب عنده فأقر المازيار بذلك فطلبت الكتب ووجه بها مع المازيار إلى إسحاق بن إبراهيم بن مصعب وأمره أن لا يخرج الكتب من يده والمازيار إلا إلى يد المعتصم لئلا يحتال المازيار في الكتب ففعل إسحاق ذلك فأوصلها من يده إلى يد المعتصم فسأل المعتصم مازيار عن الكتب فلم يقر بها فأمر بضربه حتى مات فصلب إلى جانب بابك، فأما الدرني فإنه كان في نفسه شجاعاً بطلاً والتقى مع محمد بن إبراهيم بن مصعب وكان جمع أموالاً ورجالاً يريد أن يدخل بها بلاد الديلم فلما عارضه محمد بن إبراهيم بين الجبل والغيضة والبحر والغيضة متصلة بالجبل والديلم حمل الدرني على أصحاب محمد فكشفهم ثم سار معارضه من غير هزيمة ليدخل الغيضة ولم يزل يحمل ويكشف الناس ويقرب من الغيضة حتى حمل عليه رجل من أصحاب محمد يقال له مند بن حاحيل فأخذه أسيراً واتبع الجند أصحابه وأخذ جميع ما صحبه من المال والأثاث والدواب والسلاح وأمر محمد بقتل أخيه بررحشس ودعا الدرني فمدت يده فقطعت من مرفقه ومدت رجلاه فقطعت من المرفق وكذلك اليد الأخرى فقعد الدرني على استه ولم يتكلم ولا تغير فأمر بضرب عنقه فأما أصحابه فحملوا مكبلين. وفي هذه السنة خالف منكجور الأشروسني قرابة الأفشين بأذربيجان.

ذكر السبب في ذلك.

كان سبب ذلك أن الأفشين عند فراغه من بابك ولي أذربيجان منكجور هذا فأصاب في قرية بابك في بعض منازله مالاً عظيماً فاحتجبه ولم يعلم به الأفشين ولا المعتصم وكان على البريد بأذربيجان رحل من الشيعة يقال له عبد الله بن عبد الرحمن فكتب إلى المعتصم بخبر المال فكوتب منكجور فيه فأنكره وهم منكجور بقتل عبد الله بن عبد الرحمن وذلك أنه وقعت بينهما فيه مناظرة فهرب عبد الله وامتنع بأهل أردبيل فمنعوه وقاتلوا منكجور وبلغ ذلك المعتصم فوجه إليه عسكراً عظيماً وبلغ منكجور فخلع وجمع إليه الصعاليك وخرج من أردبيل وقصده القائد مع العسكر الذي خرج من جهة المعتصم وواقعه فانهزم منكجور وصار إلى حصن لبابك في جبل منيع فبناه وأصلحه وتحصن فيه فوثب به أصحابه بعد شهر وأسلموه إلى القائد الذي يحاربه فقدم به سر من رأى.

ثم دخلت سنة 225.
وفيها أجلس المعتصم أشناس على كرسي وتوجه ووشحه.
وفيها أحرق غنام المرثد. وفيها قدم بمازيار سر من رأى وحمل على الفيل وكنا ذكرنا أن محمد بن عبد الملك قال بيتين في بابك لما حمل وهو بهذا أشبه أعني بمازيار وهما.
قد خضب الفيل كعاداته ... لحمل شيطان خراسان
والفيل لا تخضب أعضاؤه ... إلا لذى شان من الشان
وقيل أن مازيار امتنع من ركوب الفيل فحمل على بغل بأكاف وأمر المعتصم فجمع بينه وبين الأفشين فأقر مازيار أن الأفشين حمله على العصيان وكاتبه وصوب له ما فعل فضرب مازيار أربعمائة سوط وطلب ماء فسقى ومات من ساعته فصلب. وفيها حبس الأفشين.
ذكر السبب في ذلك.
كان الأفشين حربه بابك ومقامه بأرض الخرمية لا تأتيه هدية من أهل أرمينية ولا من غيرها إلا وجه بها إلى أشروسنة فيجتاز ذلك بعبد الله بن طاهر فيكتب عبد الله إلى المعتصم يخبره فيكتب المعتصم يتعرف جميع ما يوجه به الأفشين من الهدايا إلى أشروسنة فيفعل عبد الله ذلك وكان الأفشين كلما توجه عنده مال حمله في أوساط أصحابه من الدنانير والهمايين بقدر طاقتهم كان الرجل يحمل ما بين الألف فما فوقه من الدنانير في وسطه فأخبر عبد الله بذلك فبينا هو كذلك إذ نزل رسل الأفشين معهم الهدايا نيسابور ووجه إليهم عبد الله بن طاهر فأخذهم وفتشهم فوجد في أوساطهم همايين فأخذها منهم وقال لهم من أين لكم هذا المال فقالوا هذه هدايا الأفشين وهذه أمواله فقال كذبتم لو أراد أخي الأفشين أن يرسل بمثل هذه الأموال لكتب إلي يعلمني ذلك لآمر بحراسته وبذرقته لأن هذا مال عظيم وإنما أنتم لصوص فأخذ عبد الله المال وأعطاه الجند قبله وكتب إلى الأفشين بما قال القوم وقال أنا أنكر أن تكون وجهت بمثل هذا المال إلى أشروسنة ولم تكتب إلى لأبذرقه فإن كان المال ليس لك فقد أعطيته الجند مكان المال الذي يوجه به أمير المؤمنين في كل سنة وأن كان المال لك كما زعم القوم فإذا جاء المال من قبل أمير المؤمنين رددته إليك وأن يكن غير ذلك فأمير المؤمنين أحق بهذا المال وإنما دفعته إلى الجند لأني أريد أن أغزو الترك فكتب إليه الأفشين يعلمه أن ماله ومال أمير المؤمنين وأحد ويسأله إطلاق القوم ليمضوا إلى أشروسنة فأطلقهم عبد الله وكان ذلك سبب الوحشة بين عبد الله وبين الأفشين، ولما تواترت أمثال هذه من الأفشين تغير له المعتصم وأحس الأفشين بتغير حاله عند المعتصم.
ذكر حيل هم بها الأفشين

ثم إنه عزم الأفشين أن يهيئ أطوافاً في قصره ويحتال لأن يشغل المعتصم وقواده ثم يأخذ طريق الموصل ويعبر الزاب على تلك الأطواف حتى يصير إلى طريق أرمينية إلى بلاد الخزر مستأمناً ثم يدور من بلاد الخزر إلى بلاد الترك ويرجع من بلاد الترك إلى بلاد أشروسنة أو يستميل الخزر على أهل الإسلام فكان في تهيئة ذلك فطال عليه الأمر فهيأ سماً كثيراً وعزم أن يدعو المعتصم وقواده فيسمهم فإن لم يجبه المعتصم أستأذنه في قواده الأتراك الكبار مثل أشناس وإيتاخ وبغا وأمثالهم في يوم تشاغل المعتصم فإدا سمهم وانصرفوا حمل في أول الليل تلك الأطواف والآلة على ظهور الجمال حتى يجئ إلى الزاب فيعبر بأثقاله على الأطواف ويعبر الدواب سباحة وكانت أرمينية ولايته وكان قواد الأفشين ينوبون في دار المعتصم كما تنوب القواد وكان واجن الأشروسني قد جرى بينه وبين من يطلع على سر الأفشين حديث فقال له واجن ما أرى هذا الأمر يتم ولا يمكن لبعده وكثرة ما ينبغي أن يعد له فذهب الرجل فحكاه للأفشين فهم الأفشين بقتل واجن وأحس واجن بذلك فركب من ساعته التي أحس بما أحس وكان ليلاً وأتى دار المعتصم وقد نام المعتصم فصار إلى إيتاخ وقال إن عندي لأمير المؤمنين نصيحة فقال له إيتاخ أليس كنت ها هنا قد نام أمير المؤمنين فقال واجن ليس يمكنني أن أصبر إلى غد فدق إيتاخ الباب على بعض من يخبر أمير المؤمنين بخبر واجن فقال المعتصم يبيت عند إيتاخ ثم يباكرني فبات عنده فلما أصبح بكر به إلى المعتصم فأخبره جميع ما كان عنده فدعا المعتصم الأفشين فجاء الأفشين في سواد فأمر المعتصم بنزع سواده وحبسه، وكتب المعتصم إلى عبد الله بن طاهر في الاحتيال للحسن بن الأفشين حتى لا يفوته وكان الحسن قد كثرت كتبه إلى عبد الله بن طاهر في نوح بن أسد يعلمه تحامله عليه وظلمه له في ضياعه فكتب عبد الله إلى نوح يعلمه ما كتب به المعتصم في أمره ويأمره بجمع أصحابه والتأهب له حتى إذا ورد عليه الحسن ابن الأفشين استوثق منه وحمله وكتب عبد الله بن طاهر إلى الحسن بن الأفشين أني قد عزلت نوح بن أسد ووليتك الناحية وكتب إليه بكتاب عزل نوح وولايته فخرج الحسن في قلة من أصحابه حتى ورد على نوح وعنده أنه وال فأخذه نوح وشده وثاقاً ووجهه إلى عبد الله فوجهه عبد الله إلى المعتصم وكان المعتصم بنى حبساً للأفشين شبيهاً بالمنارة وفي وسطها مقدار مجلسه والرجال ينوبون تحتها كما يدور، فحكى هارون بن عيسى بن المنصور أنه شهد المجلس الذي عقده المعتصم في داره لمناظرة الأفشين.

ذكر مناظرات وبخ بها الأفشين واحتجاجاته فيها.

أحب المعتصم أن يبكت الأفشين ويناظر ولم يكن بعد في الحبس الشديد وأخليت الدار إلا من ولد المنصور وأحضر قوم من الوجوه وحضر أحمد بن أبي دواد وإسحاق بن إبراهيم بن مصعب ومحمد بن عبد الملك الزيات فأتى بالأفشين وأتى بمازيار والموبذ والمرزبان بن تركس وهو أحد ملوك السغد ورجلين من السغد وكان المناظر له محمد بن عبد الملك الزيات فدعا محمد بن عبد الملك بالرجلين وعليهما ثياب رثة فقال لهما ما شأنكما فكشفا عن ظهورهما فإذا هي عارية من اللحم فقال محمد أتعرف هذين فقال نعم هذا مؤذن وهذا إمام بنيا بأشروسنة مسجداً فضربت كل واحد منهم ألف سوط وذلك أن بيني وبين ملوك السغد عهداً وشرطاً أن أترك كل قوم على دينهم فوثب هذان على بيت لهم كان فيه أصنامهم فأخرجا الأصنام واتخذاه مسجداً فخفت أن ينتفض على أمر تلك البلدان فضربتهما على ذلك ألفاً لتعديهما فقال محمد ما كتاب عندك قد زينته بالحرير والديباج والجوهر فيه الكفر بالله عز وجل قال هذا كتاب ورثته عن أبي فيه آداب العجم وفيه دين القوم الذي هو اليوم كفر فكنت أستمتع منه بالأدب وأترك ما سوى ذلك ووجدته محلى فلم تضطرني الحاجة إلى أخذ الحلية منه فتركته بحاله ككتاب كليلة ودمنة وكتاب مزدك في منزلك وما ظننت هذا يخرج من الإسلام، ثم تقدم الموبذ فقال إن هذا كان يأكل المخنوقة ويحملني على أكلها ويزعم أنها أرطب لحماً من المذبوحة وكان يأخذ كل يوم شاة سوداء يضرب وسطها بالسيف ثم يمشي بين نصفيها ويأكل لحمها وقال لي أني قد دخلت لهؤلاء القوم في كل شئ أكرهه حتى الزيت وركبت الجمل ولبست النعل غير أني إلى هذه الغاية لم تسقط مني شعرة يعني أنه لم يختتن، فقال الأفشين خبروني عن هذا المتكلم أثقة هو عندكم في دينه وكان الموبذ بعد مجوسياً ثم أسلم على يد المتوكل قالوا لا قال فما معنى قبولكم شهادة من لا تثقون به ولا ترون عدالته ثم أقبل على الموبذ فقال هل بين منزلي ومنزلك باب أو كوة تطالعني منها وتعرف أخباري قال لا فال أفليس كنت أدخلك إلي فأبثك سرى وأخبرك بالأعجمية وميلي إليها وإلى أهلها قال نعم قال فلست بالثقة في دينك ولا بالكريم في عهدك إذا أفشيت على سراً أسررته إليك، ثم تنحى الموبذ وتقدم المرزبان فقالوا للأفشين هل تعرف هذا قال لا فقيل للمرزبان هل تعرف هذا قال نعم هذا الأفشين فقالوا له هذا المرزبان ثم قال له المرزبان يا ممخرق كم مموه وتدافع فقال الأفشين يا طويل اللحية ما تقول قال كيف يكتب إليك أهل مملكتك قال كما كانوا يكتبون إلى أبي وجدي قال فقل قال لا أقول قال المرزبان أليس يكتبون إليك بالأشروسنية بكذا وكذا قال بلى قال أفليس تفسيره بالعربية إلى إله الآلهة من عبده فلان بن فلان قال بلى قال محمد بن عبد الملك والمسلمون يحتملون أن يقال لهم هذا فما بقيت لفرعون حين قال لقومه أنا ربكم الأعلى قال كانت هذه عادة القوم لأبي وجدي ولي قبل أن أدخل في الإسلام فكرهت أن أضع نفسي دونها فيفسد علي طاعتهم فقال له إسحاق بن إبراهيم بن مصعب ويحك كيف تحلف لنا بالله فنصدقك ونصدق يمينك ونجريك مجرى المسلمين وأنت تدعي ما أدعي فرعون فقال يا أبا الحسين هذه سورة قرأها عجيف على علي بن هشام وأنت تقروها علي فانظر غدا من يقرؤها عليك، قال ثم قدم مازيار صاحب طبرستان فقالوا للأفشين تعرف هذا قال لا قالوا هذا المازيار قال نعم قد عرفته الآن قالوا هل كاتبته قال لا قالوا للمازيار هل كتب إليك قال نعم كتب أخوه خاش إلى أخي قوهيار أنه لم يكن ينصر هذا الدين الأبيض غيري وغير أخيك وغير بابك فأما بابك فإنه بحمقه قتيل نفسه ولقد جهدت أن أصرف عنه الموت فأبى حمقه إلا أن دلاه فيما وقع فيه فإن خالفت لم يكن للقوم من يرمونك به غيري ومعي من الفرسان وأهل النجدة والبأس فإن وجهت إليك لم يبق أحد يحاربنا إلا ثلاثة العرب والمغاربة والأتراك والعربي بمنزلة الكلب أطرح له كسرة ثم اضرب رأسه بالدبوس وهؤلاء الذباب يعني المغاربة إنما هم أكلة رأس وأولاد الشياطين يعني الأتراك فإنما هي ساعة حتى تنفد سهامهم ثم تجول الخيل عليهم جولة فتأتي على آخرهم ويعود الدين إلى ما لم يزل عليه أيام العجم، فقال الأفشين هذا يدعي على أخي وأخيه دعوى لا يجب علي ولو كتبت هذا الكتاب لأستميله إلي وليثق بناحيتي لكان غير مستنكراً لأني إذا نصرت الخليفة

بيدي كنت بالجملة أحرى أن أنصره لآخذ بقفاه وآتي به الخليفة فأحظى به عنده كما حظى عبد الله بن طاهر بمجئ المازيار، ولما قال الأفشين لمازيار ما قال وقال لإسحاق بن إبراهيم ما قال زجر ابن أبي دواد الأفشين فقال له الأفشين أنت أبا عبد الله لا ترفع طيلسانك بيدك ولا تضعه على عاتقك حتى تقتل به جماعة فقال له ابن أبي دواد أمطهر أنت فإن قلت لا فتشناك قال لا قال فما منعك من ذلك وبه تمام الإسلام والطهور من النجاسة قال أوليس في دين الإسلام استعمال التقية قال بلى قال فإني خفت أن أقطع ذلك العضو من جسدي فأموت قال أنت تطعن بالرمح وتضرب بالسيف فلا يمنعك ذلك من أن تكون في الحرب وتجزع من قطع قلفة قال تلك ضرورة أدفع إليها فاصبر عليها إذا وقعت وهذا شئ أستجلبه فلم آمن معه خروج نفسي ولم أعلم أن في تركها خروجاً من الإسلام، فقال ابن أبي دواد قد بان لكم أمره ثم التفت إلى بغا الكبير وكان الأفشين تابعاً له فقال له يا أبا موسى عليك به فضرب بغا بيده إلى منطقته فجذبها فقال كنت أتوقع هذا منكم قبل اليوم فقلب بغا القباء على رأسه ثم أخذ بمجامع القباء من عنقه وأخرجه إلى محبسه.ي كنت بالجملة أحرى أن أنصره لآخذ بقفاه وآتي به الخليفة فأحظى به عنده كما حظى عبد الله بن طاهر بمجئ المازيار، ولما قال الأفشين لمازيار ما قال وقال لإسحاق بن إبراهيم ما قال زجر ابن أبي دواد الأفشين فقال له الأفشين أنت أبا عبد الله لا ترفع طيلسانك بيدك ولا تضعه على عاتقك حتى تقتل به جماعة فقال له ابن أبي دواد أمطهر أنت فإن قلت لا فتشناك قال لا قال فما منعك من ذلك وبه تمام الإسلام والطهور من النجاسة قال أوليس في دين الإسلام استعمال التقية قال بلى قال فإني خفت أن أقطع ذلك العضو من جسدي فأموت قال أنت تطعن بالرمح وتضرب بالسيف فلا يمنعك ذلك من أن تكون في الحرب وتجزع من قطع قلفة قال تلك ضرورة أدفع إليها فاصبر عليها إذا وقعت وهذا شئ أستجلبه فلم آمن معه خروج نفسي ولم أعلم أن في تركها خروجاً من الإسلام، فقال ابن أبي دواد قد بان لكم أمره ثم التفت إلى بغا الكبير وكان الأفشين تابعاً له فقال له يا أبا موسى عليك به فضرب بغا بيده إلى منطقته فجذبها فقال كنت أتوقع هذا منكم قبل اليوم فقلب بغا القباء على رأسه ثم أخذ بمجامع القباء من عنقه وأخرجه إلى محبسه.

ثم دخلت سنة 226 وفيها مات الأفشين.
ذكر سبب موته

لما جاءت الفاكهة جمع المعتصم من الفواكه شيئاً كثيراً في طبق وقال لابنه هارون الواثق اذهب بهذه الفاكهة إلى الأفشين فحملت مع هارون حتى صعد بها إليه في البناء الذي بني له وحبس فيه فنظر إليه الأفشين ثم قال للواثق لا إله إلا الله ما أحسنه لولا أني فقدت منه ما اشتهيته وكان قد فقد منه الشاهلوج فقال الواثق وما هو فقال الشاهلوج فقال هو ذا انصرف وأوجه به إليك ولم يمس من الفاكهة شيئاً فلما أراد الواثق الانصراف قال له الأفشين أقرا على سيدي السلام وقل له أسألك أن توجه إلي ثقة من قبلك يودي عني ما أقول فأمر المعتصم حمدون بن إسماعيل وكان حمدون في أيام المتوكل في حبس سليمان بن وهب فحدث بهذا الحديث قال حمدون فبعث بي المعتصم إلى الأفشين وقال لي أنه سيطول عليك فلا تحتبس، قال فدخلت عليه وطبق الفاكهة بين يديه ولم يمس واحدة فما فوقها فقال لي اجلس فجلست واستمالني بالدهقنة فقلت لا تطول فإن أمير المؤمنين قد تقدم إلي ألا احتبس عندك فأوجز فقال لي قل لأمير المؤمنين با مولاي أحسنت إلي وشرفتني وأوطات الرجال عقبي ثم قبلت في كلاماً لم يتحقق عندك ولم تدبره بعقلك كيف يكون هذا وكيف يجوز لي أن أفعل هذا الذي بلغك عني تخبرت أني دسست منكجور أن يخرج وتقبله وتخبرت أني قلت للقائد الذي وجهته إلى منكجور لا تحاربه اعذر به وأن أحسست بأحد منا فانهزم من بين يديه أنت رجل قد عرفت الحرب وحاربت الرجال وسست العساكر هذا يمكن رأس عسكر يقول لأحد أن يفعله ولو كان هذا يمكن ما كان ينبغي أن تقبله من عدو وقد عرفت سببه ولكن مثلي ومثلك يا أمير المؤمنين مثل رجل ربى عجلاً له حتى أسمنه وحسنت حاله وكان له أصحاب اشتهوا أن يأكلوا من لحمة فعرضوا له بذبح العجل فلم يجبهم إلى ذلك فاتفقوا جميعاً على أن قالوا له ذات يوم ويحك لم تربي هذا الأسد هذا سبع وقد كبر والسبع إذا كبر يرجع إلى جنسه فقال لهم ويحكم هذا عجل ما هو سبعاً فقالوا له هذا سبع سل من شئت عنه وقد كانوا تقدموا إلى جميع من يعرفونه فقالوا لهم أن سألوكم عن العجل فولوا هذا سبع فكلما سأل الرجل إنساناً قال له هذا سبع فأمر بالعجل فذبح ولكن أنا ذلك العجل كيف أقدر أن أكون أسداً الله الله في أمري اصطنعتني وشرفتني وأنت سيدي ومولاي أسأل الله أن يعطف بقلبك علي، قال حمدون فقمت فانصرفت وتركت الطبق على حاله لم يمس منه شيئاً ثم ما لبثت إلا قليلاً حتى قيل أنه مات فقال المعتصم أروه ابنه فأخرجوه فطرحوه بين يدي ابنه فنتف لحيته وشعره ثم حمل إلى منزل ايتاخ ثم صلب على باب العامة ليراه الناس ثم طرح مع خشبته وأحرق وحمل الرماد فطرح في دجلة ووجد في داره لما أحصى متاعه تمثال إنسان من خشب عليه حلية كثيرة وجوهر وأخرج من منزله أطواف الخشب التي أعدها للهرب وأصنام وكتب فيها ديانته.

ثم دخلت سنة 227
وفيها خرج المبرقع اليماني بفلسطين على السلطان ذكر السبب في ذلك

كان سبب خروجه أن بعض الجند أراد النزول في داره وهو غائب عنها وفيها أما زوجته وأما أخته فمانعته ذلك فضربها بسوط معه فاتقته بذراعها فأثر فيها فلما رجع أبو حرب إلى منزله بكت وشكت إليه ما فعل بها وأرته الأثر الذي بذراعها من ضربة فأخذ سيفه ومشى إلى الجندي وهو غار فضربه فقتله ثم هرب وألبس وجهه برقعاً لئلا يعرف فصار إلى جبل من جبال الأردن وطلبه السلطان فلم يعرف له خبراً وكان يظهر متبرقعاً على الجبل فيراه الرائي فيأتيه ويذكره ويحرضه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويذكر السلطان ويعيبه فما زال حتى استجاب له قوم من الحراثين وأهل القرى وكان يزعم أنه أموي وقال الذين استجابوا له هذا هو السفياني فلما كثرت غاشيته وتباعه من هذه الطبقة دعا أهل البيوتات فاستجاب له جماعة من رؤساء اليمانية وقوم من أهل دمشق واتصل الخبر بالمعتصم وهو عليل علته التي مات فيها فوجه إليه رجاء بن أيوب الحضاري في نحو ألف رجل من الجند وكان أبو حرب في نحو مائة ألف فكرة رجاء مواقعته فعسكر بحذائه وطاوله حتى إذا كان في وقت عمارة الأرضين وتفرق عنه أكرته بقي أبو حرب في نحو ألفين فناجزه الحرب وتأمل رجاء عسكر المبرقع فلم يجد فيه من له فروسية غيره فقال لأصحابه لا تعجلوا عليه فإنه سيظهر لأصحابه بعض ما عنده فما لبث أن حمل فقال رجاء لأصحابه أفرجوا له فأفرجوا له ثم حمل ثانية فقال رجاء أفرجوا له فإذا أراد الرجوع فحولوا بينه وبين ذلك وخذوه قال ففعل ذلك وأحاطوا به فأنزلوه عن دابته وأسروه وحمله رجاء إلى المعتصم وفيها كانت وفاة المعتصم ولما حضرته الوفاة جعل يقول ذهبت الحيل ليست حيلة حتى مات، وذكر عنه أنه قال لو علمت أن عمري قصير ما فعلت ما فعلت، ودفن بسر من رأى فكانت خلافته ثماني سنين وثمانية أشهر وهو ثامن الخلفاء من ولد العباس وولد سنة 180 ومات عن ثمانية وأربعين سنة وله ثمانية بنين وبنات وكان أبيض أصهب اللحية طويلها مربوعاً مشرب اللون حمرة حسن العينين، وبويع يوم توفي ابنه هارون الواثق بن محمد المعتصم وكان يكنى أبا جعفر.

ودخلت سنة 229
وفيها حبس الواثق الكتاب وألزمهم أموالاً فأخذ من سليمان ابن وهب وهو كاتب أيتاخ أربعمائة ألف دينار ومن أحمد بن إسرائيل ثمانين ألف دينار بعد أن أمر بضربه كل يوم عشرة أسواط فضرب نحو ألف سوط وأخذ من أحمد بن الخطيب وكتابه ألف ألف دينار ومن أمرهم بن رياح وكتابه مائة ألف دينار ومن نجاح ستون ألف دينار ومن الحسن بن وهب وأبي الوزير مائتا ألف دينار وذلك سوى ما أخذ من العمال بسبب عمالاتهم ونصب محمد بن عبد الملك لابن أبي دؤاد وسائر أصحاب المظالم فكشفوا وحبسوا وأقيموا للناس فلقوا كل جهد وجلس إسحاق ابن إبراهيم لهم ينظر في إبراهيم ويطالبهم،
ذكر سبب ذلك
كان سبب ذلك أن الواثق جلس ليلة مع ندمائه فقال أني لست أشتهي النبيذ فهلموا نتحدث فتحدثوا عامة الليل فقال الواثق من منكم يعلم السبب الذي وثب من أجله جدي الرشيد على البرامكة حتى أزال نعمتهم فقال له بعضهم أنا والله أحدثك يا أمير المؤمنين وحدثه حديث الجارية وما جرى في أمر ثمنها وإحضار البرامكة قيمة مائة ألف دينار دراهم ليستكثرها فلا يشتريها فلما رآها ضمها إلى بعض خدمه وبحث عن الأموال ليجمع بيت مال خاصة فوجد البرامكة قد أتلفوا كل ما في بيوت أمواله وقد ذكرنا نحن هذا الحديث مشروحاً فيما مضى فما مر على ذلك أسبوع حتى أوقع بكتابه واستخرج منهم ومن عماله أموالاً عظيمة.
ودخلت سنة 230
وفيها مات عبد الله بن طاهر وكان إليه يوم ذاك الجزية والشرطة والسواد وخراسان وأعمالها والري وطبرستان وما يتصل بها وكرمان فولي الواثق هذه الأعمال كلها ابنه طاهر بن عبد الله بن طاهر.
ودخلت سنة 231
وفيها تحرك قوم في ربض عمرو بن عطاء وأخذوا البيعة على أحمد بن نصر الخزاعي،
ذكر السبب في ذلك

السبب في ذلك أن أحمد بن نصر بن مالك بن الهيثم الخزاعي ومالك بن الهيثم أحد نقباء بني العباس وقد تقدم ذكره فيما مضى يغشاه أصحاب الحديث وكان أحمد بن نصر هذا يباين من قال بخلق القرآن ويأتيه مثل يحيى بن معين وأبناء الدورقي وأبو خيثمة وله مرتبة كبيرة في اصحاب الحديث وبسط لسانه فيمن يقول بخلق القرآن مع غلظة الواثق كانت على من يقول ذلك وامتحانه إياهم فيه وغلبة ابن أبي دؤاد عليه فجعل أحمد بن نصر لا يذكر الواثق إلا بالخنزير فيقول فعل هذا الخنزير وصنع هذا الكافر وفشا ذلك حتى خوف وقيل له قد اتصل أمرك به وحركه المطيفون به ممن ينكر القول بخلق القرآن من أصحاب السلطان ومن عامة بغداد وحركوه لإنكار القول بخلق القرآن وقصده الناس لرتبته في أصحاب الحديث ولما كان لأبيه وجده في دولة بني العباس من الأثر وقد كانت له أيضاً رئاسة ببغداد في سنة 201 وبويع على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لما كثر الدعار ضهر الفساد والمأمون بخراسان ولم يزل على ذلك ثابتاً إلى أن قدم المأمون بغداد في سنة 1 فرجوا إذا تحرك استجابة الناس له للأسباب التي ذكرت وكان فيمن بايعه قوم من أصحاب إسحاق ابن إبراهيم بن مصعب صاحب الشرطة يرون رأيه ففرقوا في قوم مالاً وأعطوا كل رجل ديناراً ديناراً وواعدوهم أحمد بن نصر ليلة يضربون فيها بالطبل للاجتماع والوثوب بالسلطان وكان قوم منهم بالجانب الشرقي وقوم بالجانب الغربي فانتبذ بعض من أخذ الدينار واجتمع عدة منهم على شربه فلما ثملوا بالطبل ليلة الأربعاء قبل الموعد بليلة وكان الموعد ليلة الخميس وهم يحسبونها ليلة الخميس التي اتعدوا لها فاكثروا ضرب الطبل فلم يجبهم أحد وكان إسحاق بن إبراهيم بن مصعب غائباً عن بغداد وخليفته بها أخوه محمد بن إبراهيم فوجه إليهم محمد ابن إبراهيم صاحبه فأتاهم فسألهم عن قصتهم فلم يظهر له أحد فدله الجيران على رجل حمامي فأخذه وتهدده بالضرب فأقر على أحمد بن نصر وجماعة سماهم فتتبع القوم من ليلتهم فأخذ بعضهم من الجانب الشرقي وبعضهم من الجانب الغربي وقيد وجوههم وأصيب في منزل أحدهم علمان أخضران فيهما حمرة ثم اخذ خصي لأحمد بن نصر فتهدد فأقر بما أقر به عيسى الحمامي فأخذ أحمد بن نصر وحمل إلى محمد بن إبراهيم بن مصعب مع أولاده وجماعة ممن يغشاه فحملهم إلى الواثق بسر من رأى على بغل بأكف لا وطاء تحتهم وهم مقيدون فجلس لهم الواثق مجلساً عاماً وأحضر أحمد بن أبي دؤاد ليمتحنوا مكشوفاً فأحضر القوم وأحضر معهم أحمد بن نصر فلم يناظره الواثق في الشغب ولا فيما روي عليه من أرادته الخروج عليه ولكنه قال له يا أحمد ما تقول في القرآن قال كلام الله قال أفمخلوق هو قال هو كلام الله قال فما تقول في ربك أتراه يوم القيامة قال يا أمير المؤمنين جاءت الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ترون ربكم يوم القيامة لا تضامون في رؤيته وحدثني سفيان بن عيينة بحديث يرفعه أن قلب ابن آدم بين اصبعين من أصابع الرحمان فقال له إسحاق بن إبراهيم ويلك أنظر ما تقول قال أنت أمرتني بذلك فأشفق إسحاق من كلمته قال أنا أمرتك بذلك قال نعم أمرتني أن أنصح له إذا كان أمير المؤمنين ومن نصيحتي له ألا يخالف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الواثق لمن حوله ما تقولون فيه فأكثروا فقال عبد الرحمان بن إسحاق وكان قاضياً على الجانب الغربي وهو صديق لأحمد بن نصر يا أمير المؤمنين هو حلال الدم وقال آخر اسقني دمه يا أمير المؤمنين فقال له الواثق القتل يأتي على ماتريد وقال أحمد بن أبي دؤاد كافر يستتاب لعل به عاهة أو تغير عقل كأنه كره أن يقتل بسببه فقال الواثق إذا رأيتموني قد قمت إليه فلا يقومن معي أحد فإني أحتسب خطاءي إليه ودعا بالصمصامة سيف عمرو بن معد يكرب وكان في الخزانة فأتى به فمشى إليه في وسط الدار ودعا بنطع فصير في وسطه وحبل فشد به رأسه ومد الحبل فضربه الواثق فوقعت الضربة على حبل عاتقه ثم ضربه أخرى على رأسه ثم انتضى سيما الدمشقي سيفه فضربه فأبان رأسه ويقال أن بغا ضربه ضربة أخرى وطعنه الواثق بطرف الصمصامة في بطنه فحمل معترضاً حتى أتى به الحظيرة التي فيها بابك فصلب فيها وفي رجله قيود وحمل رأسه إلى بغداد فنصب في الجانب الشرقي أياماً ثم حول إلى الغربي وحظر على الناس حظيرة وأقيم عليه الحرس وكتب في

أذنه رقعة هذا رأس الكافر المشرك الضال أحمد بن نصر قتله الله على يدي عبد الله هارون الإمام الواثق بالله أمير المؤمنين بعد أن قام الحجة عليه في خلق القرآن ونفى التشبيه وعرض عليه التوبة فأبى إلا المعاندة فعجل الله إلى ناره وأليم عذابه، ونتبع من عرف بصحبة أحمد بن نصر ومن تابعه فوضعوا في الحبوس ومنعوا من أخذ الصدقة التي يعطاها أهل السجون ومنعوا من الزوار وثقلوا بالحديد. وفي هذه السنة تم الفداء بين المسلمين وصاحب الروم واجتمع المسلمون والروم على نهر يقال له اللامس على مسير يوم من طرسوس وأمر الواثق بامتحان أهل الثغور في القرآن فقالوا جميعاً بخلقه إلا أربعة نفر فأمر الواثق بضرب أعناقهم وأمر لأهل الثغور بجوائز على ما رآه خاقان وكان خادم الرشيد نشأ بالثغر وكان ورد رسل ملك الروم في طلب المفاداة وكان جرى بينهم اختلاف في الفداء قالوا لا نأخذ في الفداء عجوزاً ولا شيخاً ولا صبياً ثم رضوا عن كل نفس بنفس فوجه الواثق في شراء من يباع ولم تتم العدة فأخرج الواثق من قصره عجائز روميات وغيرهن حتى تمت العدة وأمر الواثق بامتحان الأسارى فمن قال بخلق القرآن فودي به ومن أبى ترك في أيدي الروم وأمر أن يعطي جميع من فودي وقال بخلق القرآن ديناراً فبلغ عدة من فودي به أربعة آلاف وستمائة إنسان فيهم من أهل الذمة نحو أربعمائة، ولما جمعوا للفداء وقف المسلمون من جانب النهر الشرقي والروم من الجانب الغربي وعقد جسر على النهر للمسلمين وجسر آخر للروم قال وكنا نرسل الرومي على جسرنا ويرسل الروم المسلم على جسرهم فيصير هذا إلينا وذاك إليهم. وفي هذه السنة مات أبو عبد الله ابن الأعرابي الراوية وهو ابن ثمانين سنة.ذنه رقعة هذا رأس الكافر المشرك الضال أحمد بن نصر قتله الله على يدي عبد الله هارون الإمام الواثق بالله أمير المؤمنين بعد أن قام الحجة عليه في خلق القرآن ونفى التشبيه وعرض عليه التوبة فأبى إلا المعاندة فعجل الله إلى ناره وأليم عذابه، ونتبع من عرف بصحبة أحمد بن نصر ومن تابعه فوضعوا في الحبوس ومنعوا من أخذ الصدقة التي يعطاها أهل السجون ومنعوا من الزوار وثقلوا بالحديد. وفي هذه السنة تم الفداء بين المسلمين وصاحب الروم واجتمع المسلمون والروم على نهر يقال له اللامس على مسير يوم من طرسوس وأمر الواثق بامتحان أهل الثغور في القرآن فقالوا جميعاً بخلقه إلا أربعة نفر فأمر الواثق بضرب أعناقهم وأمر لأهل الثغور بجوائز على ما رآه خاقان وكان خادم الرشيد نشأ بالثغر وكان ورد رسل ملك الروم في طلب المفاداة وكان جرى بينهم اختلاف في الفداء قالوا لا نأخذ في الفداء عجوزاً ولا شيخاً ولا صبياً ثم رضوا عن كل نفس بنفس فوجه الواثق في شراء من يباع ولم تتم العدة فأخرج الواثق من قصره عجائز روميات وغيرهن حتى تمت العدة وأمر الواثق بامتحان الأسارى فمن قال بخلق القرآن فودي به ومن أبى ترك في أيدي الروم وأمر أن يعطي جميع من فودي وقال بخلق القرآن ديناراً فبلغ عدة من فودي به أربعة آلاف وستمائة إنسان فيهم من أهل الذمة نحو أربعمائة، ولما جمعوا للفداء وقف المسلمون من جانب النهر الشرقي والروم من الجانب الغربي وعقد جسر على النهر للمسلمين وجسر آخر للروم قال وكنا نرسل الرومي على جسرنا ويرسل الروم المسلم على جسرهم فيصير هذا إلينا وذاك إليهم. وفي هذه السنة مات أبو عبد الله ابن الأعرابي الراوية وهو ابن ثمانين سنة.

ودخلت سنة 232.
وفيها كان مسير بغا الكبير إلى بني سليم.
ذكر السبب في ذلك.

كان سبب ذلك أن عمارة بن عقيل بن هلال بن جرير بن الخطفي امتدح الواثق بقصيدة فدخل عليه وأنشده إياها فأمر له بثلاثين ألف درهم وبنزل فكلم عمارة الواثق في بني نمير وأخبره بعيثهم وفسادهم في الأرض وإغارتهم على اليمامة وما قرب منها فكتب الواثق إلى بغا يأمره بحربهم وكان بغا بالمدينة لأن بني سليم كانوا عاثوا بالحجاز بالغارات والقتل فوجه صاحب المدينة وجمع لهم الخيل والسودان ومن استجاب له من قريش والأنصار فواقعه بنو سليم فقتلوهم وقتلوا أمير المدينة وأكثر من كان خرج معه من قريش والأنصار فأخرج الواثق بالله بغا الكبير إلى المدينة فأوقع ببني سليم وأسر منهم وقتل فكان لذلك مقيماً بعد بالمدينة، فلما أراد بغا الشخوص من المدينة إليهم حمل معه دليلاً ومضى نحو اليمامة فلقى منهم جماعة بموضع يقال له الشريف فحاربوه فقتل بغا منهم نحواً من ستين رجلاً وأسر نحواً من أربعين ثم سار وتابع إليهم رسله يعرض عليهم الأمان ودعاهم إلى السمع والطاعة وهم في ذلك يمتنعون عليه ويشتمون رسله ويتفلتون إلى حربه فسار بغا حتى ورد بطن نخل ثم دخل نخيلة فاحتملت بنو ضبة من نمير فركبت جبالها فأرسل إليهم فأبوا أن يأتوه فأرسل إليهم سرية وأتبعهم بجماعة من معه فحشدوا لحربه وهم يومئذ نحو من ثلاثة آلاف فلقوهم ببطن السر فهزموا مقدمته وكشفوا ميسرته وقتلوا من أصحابه مائة وثلاثين رجلاً وعقروا من ابل عسكره سبعمائة ومائة دابة وانتهبوا الأثقال وبعض ما كان مع بغا من الأموال فهجم عليهم وغلبه ليل فجعل بغا يناشدهم ويدعوهم إلى الرجوع إلى طاعة الواثق فشتموه وتوعدوه فلما دنا الصبح أشير على بغا بأن يوقع بهم قبل أن يضئ الصبح فيروا قلة عدد من معه ويجترئوا عليه فأبى بغا فلما أضاء الصبح ونظروا إلى عدد من معه حملوا عليهم فهزموهم حتى بلغت هزيمتهم معسكرهم وأيقنوا بالهلكة.

ذكر اتفاق حسن.

وكان بلغ بغا أن خيلاً لهم بمكان من بلادهم توجه من أصحابه نحواً من مائتي رجل إليها فبينا هم فيه من الأشراف على العطب وقد انهزم بغا إذ خرجت تلك الجماعة منصرفة من تلك الخيل فأقبلت متفرقة في ظهور بني نمير فنفخوا في صفاراتهم فالتفتوا ورأوا الخيل ورآءهم فولوا منهزمين وأسلم فرسانهم رحالتهم وطاروا على ظهور الخيل وكان منهم جماعة تشاغلوا بالنهب فثاب إلى بغا أصحابه فكر عليهم وقتل منهم منذ زوال الشمس إلى آخر وقت العصر زهاء ألف وخمسمائة رجل، وأقام بغا حتى جمعت له رؤوس من قتل واستراح هو وأصحابه ببطن السر ثلاثة أيام ثم أرسل إليه من هرب من فرسان بني نمير من الوقعة يطلبون الأمان فأعطاهم الأمان فصاروا إليه فقيدهم وأشخصهم معه فشغبوا في الطريق وحاولوا كسر قيودهم والهرب فأمر بإحضارهم واحداً بعد واحد فيضربه ما بين الأربعمائة إلى الخمسمائة فلم ينطق منهم ناطق يتوجع ولا يتأوه ثم جمعهم مع من لحق به ممن طلب الأمان وحملهم إلى البصرة. وفيها مات الواثق وكان موته بالاستسقاء فعولج بالإقعاد في تنور مسخن فوجد لذلك راحة فأمر من غد ذلك اليوم بأن يزاد في إسخان التنور ففعل وقعد فيه أكثر من قعوده في اليوم الذي قبله فحمى عليه فأخرج منه وصير في محفة وحضره جماعة من الهاشميين ثم حضر محمد بن عبد الملك الزيات وأحمد بن أبي دواد فلم يعلموا بموته حتى ضرب وجهه المحفة ومات وكان أبيض مشربا حمرة جميلاً ربعة حسن الجسم قائم العين اليسرى فيها نكتة بياض فكانت خلافته خمس سنين وتسعة أشهر وسنة ست وثلاثون سنة. وفي هذه السنة بويع لجعفر بن محمد المتوكل بالخلافة وهو جعفر بن محمد بن هارون ابن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد الطلب، لما توفي الواثق حضر الدار أحمد بن أبي دواد وإيتاخ ووصيف ومحمد بن عبد الملك وأحمد بن خالد أبو الوزير فعزموا على البيعة لمحمد بن الواثق فأحضروه وهو غلام أمرد فألبسوه دراعة سوداء وقلنسوة رصافية فإذا هو قصير فقال لهم وصيف أما تتقون الله تولون مثل هذا الخلافة وهو لا يجوز معه الصلاة فتناظروا فيمن يولونها فذكر أحمد بن أبي دواد جعفراً أخا الواثق فأحضره وألبسه الطويلة وعممه وقبل بين عينيه وقال السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ثم غسل الواثق وصلى عليه ودفن ولقبه أحمد بن أبي دواد المتوكل على الله وأمر محمد بن عبد الملك بالكتاب به إلى الناس فوقع بهذا بسم الله الرحمن الرحيم أمر أبقاك الله أمير المؤمنين أعزه الله أن يكون الرسم الذي يجري به ذكره على أعواد منبره وكتبه إلى قضاته وكتابه وعماله وأصحاب دواوينه وسائر من يجري المكاتبة بينه وبينه من عبد الله جعفر الإمام المتوكل على الله أمير المؤمنين فرأيك في العمل بذلك وإعلامي وصول كتابي إليك موفقاً إن شاء الله، وأمر للأتراك برزق أربعة أشهر وأمر بأن يوضع العطاء للجند لثمانية أشهر وأخذت البيعة عليهم وبويع وله ست وعشرون سنة.

ودخلت سنة 233.
وفيها غضب المتوكل على محمد بن عبد الملك الزيات وحبسه.
ذكر سوء نظر محمد بن عبد الملك
في العاقبة وتجهمه للمتوكل حتى أهلكه.

كان السبب في غضبه عليه أن الواثق لما استوزر محمد بن عبد الملك فوض إليه الأمور وكان الواثق قد غضب على أخيه جعفر لبعض الأمور فوكل به عمر بن فرج الرخجي ومحمد بن العلاء فكانا يحفظانه ويكتبان بإخباره فصار جعفر إلى محمد بن عبد الملك يسأله أن يكلم أخاه الواثق ليرضى عنه فلما دخل عليه مكث واقفاً بين يديه ملياً لا يكلمه ثم أشار إليه أن يقعد فلما مر نظره في الكتب التفت إليه كالمتهدد فقال ما جاء بك قال جئت لتسأل أمير المؤمنين الرضى عني فقال لمن حوله انظروا إلى هذا يغضب أخاه ويسألني أن أسترضيه له اذهب فإنك إذا صلحت رضي عنك فقام جعفر كئيباً حزيناً لما لقيه من قبح اللقاء والتقصير به فخرج من عنده وأتى عمر بن فرج يسأله أن يختم له صكه لبعض أرزاقه فلقيه عمر بالتجهم وأخذ الصك ورمى به فصار جعفر حين خرج من عند عمر إلى أحمد بن أبي دواد فدخل عليه فقام له واستقبله وقبله وأكرمه وقال له ما جاء بك جعلني الله فداك قال جئت لتسترضي لي أمير المؤمنين قال أفعل ونعمة عين فكلم أحمد بن أبي دواد الواثق فيه فوعده ولم يرض عنه فأعاد أحمد الكلام بعد ذلك وسأله بحق المعتصم ألا ترضى عنه فرضي عنه من ساعته وكساه وأعتقد جعفر لأحمد ابن أبي دواد بذلك يداً فأحظاه عنده لما ملك، وأن محمد بن عبد الملك حين خرج جعفر من عنده كتب إلى الواثق يذكر أن جعفراً أتاني يسألني أن أسأل أمير المؤمنين الرضى عنه في زي المنحنثين له شعر قفا فكتب إليه الواثق أبعث إليه فأحضره ومر من يجز شعر قفاه ثم مر من يأخذ شعره ويضرب به وجهه وأصرفه إلى منزله فحكى عن المتوكل قال لما أتاني رسوله لبست سواداً جديداً وأتيته رجاءً أن يكون قد أتاه الرضى عني فلما حصلت بين يديه قال يا غلام ادع لي حجاماً فدعي به فقال خذ شعره فاجمعه فأخذه على السواد الجديد ولم يأته بمنديل فأخذ شعره وضرب به وجهه، قال المتوكل فما دخلني من الجزع على شئ مثل ما دخلني حيث أخذ شعري على السواد الجديد وقد جئته فيه طعاماً في الرضى عني فأخذ شعري عليه، فلما بويع جعفر أمهل وهو يفكر في مكروه يناله به ثم أمر إيتاخ بأن يأخذه ويعذبه فبعث إليه إيتاخ فظن أنه يدعى للخليفة فركب مبادراً فلما حاذى منزل إيتاخ قيل له اعدل إلى ها هنا فعدل وأوجس في نفسه خيفةً فلما جاء إلى الموضع الذي كان فيه إيتاخ عدل به عنه فأيقن بالشر ثم أدخل حجرة وأخذ سيفه ودراعته وقلنسوته فدفع إلى غلمانه وقيل لهم انصرفوا فانصرفوا وهم لا يشكون أنه مقيم عند إيتاخ يشرب ووجه المتوكل إلى أصحابه ودوره فقبض عليهم وأخرج جميع ما كان في منزله من متاع وجوار وغلمان ودواب فصار ذلك كله في الهاروني وأمر أبا الوزير بقبض ضياعه وضياع أهل بيته حيث كانت فأما ما كان بسر من رأى فحمل إلى خزائنه واشترى للخليفة جميعه وقيل لمحمد بن عبد الملك وكل ببيع متاعك وأتوه بمن وكله بالبيع عليه ثم قيد وامتنع من الكلام فكان لا يذوق شيئاً وكان شديد الجزع في حبسه كثير البكاء قليل الكلام كثير التفكير فمكث أياماً ثم سوهر ومنع من النوم وينخس بمسلة ثم ترك يوماً فنام وانتبه واشتهى فاكهةً وتيناً وعنباً فأتى به فأكل ثم أعيد إلى المساهرة، وكان محمد بن عبد الملك قاسي القلب يزعم أن الرحمة خورفي الطبيعة وكان قد اتخذ تنوراً من خشب فيه مسامير حديد قيام يعذب فيه من يطالبه فكان هو أول من عمل ذلك وعذب فيه ابن أسباط المصري حتى استخرج منه جميع ما كان عنده ثم ابتلى به فعذب فيه حتى مات.

ودخلت سنة 234.

وفيها هرب محمد بن البعيث بن حليس وكان جئ به أسيراً من أذربيجان وحبس وكانت له قلعتان تدعى إحداهما شاهاً والأخرى يكدر فاما شاها فهي في وسط البحيرة وأما يكدر فهي خارج البحيرة وهذه البحيرة قدر عشرين فرسخاً من حد أرمية إلى بلاد محمد بن الرواد وشاها قلعة حصينة تحيط بها البحيرة ويركب فيها الناس من أطراف المراغة إلى أرمية وغيرها وكان مدينة محمد بن البعيث مرند فهرب إلى مدينته فجمع بها الطعام وفيها عيون ماء فرم ما كان وهي من سورها وأتاه من أراد الفتنة من كل ناحية من ربيعة وغيرها فصار في نحو ألفي رجل وكان الوالي بأذربيجان محمد بن حاتم بن هرثمة فقصر في طلبه فولى المتوكل حمدويه بن علي أذربيجان ووجهه من سر من رأى على البريد فلما صار إليها جمع الجند والشاكرية ومن استجاب له فصار في عشرة آلاف فزحف إلى ابن البعيث فألجأه إلى مدينة مرند وهي مدينة استدارتها فرسخان في داخلها بساتين كثيرة ومن خارجها كما يدور شجر إلا في مواضع أبوابها وقد جمع فيها ابن البعيث آلة الحصار وفيها عيون ماء، فلما طالت مدته وجه إليه المتوكل زيرك التركي في مائتي فارس من الأتراك فلم يصنع شيئاً فوجه المتوكل عمر بن سيسل بن كال في جماعة من الشاكرية فلم يغن شيئاً فوجه إليه بغا الشرابي في أربعة آلاف ما بين تركي وشاكري ومغربي وقد كان الجند قد زحفوا إلى مدينة مرند وقطعوا ما حولها من الشجر فقطعوا نحواً من مائة ألف شجرة من شجر الغياض وغيره ونصبوا عليه عشرين منجنيقاً وبنوا بحذاء المدينة ما يستكنون فيه ونصب عليهم محمد بن البعيث من المجانيق مثل ذلك وكان من معه من علوج رساتيقه يرمون بالمقاليع وكان الرجل لا يقدر على الدنو من السور فكادوا يغادونه القتال ويراوحونه وكانت الجماعة من أصحاب ابن البعيث يتدلون بالحبال معهم الرماح فيقاتلون فإذا حمل عليهم أصحاب السلطان لجؤوا إلى الحائط بالمقاليع وكانوا ربما فتحوا باباً يقال له باب الماء فيخرج منه عدة يقاتلون ثم يرجعون فلما قرب بغا الشرابي من مرند بعث عيشى بن الشيخ بن السليل الشيباني ومعه أمانات لوجوه أصحاب ابن البعيث على أن ينزلوا وينزل على حكم المتوكل وإلا قاتلهم فإن ظفر بهم لم يستبق منهم أحداً ومن نزل فله الأمان وكان عامة من مع ابن البعيث من ربيعة من قوم عيسى بن الشيخ فنزل منهم قوم كثير بالحبال ونزل ختن البعيث ثم فتحوا باب المدينة فدخل أصحاب حمدويه وزيرك وخرج ابن البعيث من منزله هارباً يريد أن يخرج من وجه آخر فلحقه قوم من الجند فأخذوه أسيراً وانتهبوا منزله ومنازل أصحابه وأخذ له أختان وثلاث بنات وخالته والبواقي سرارى ونحو مائتي رجل وهرب الباقون ووافاهم بغا فمنع من النهب وكتب بغا بالفتح لنفسه، ثم قدم بغا بابن البعيث وبأصحابه وهم نحو مائتي رجل فلما قربوا من سر من رأى حملوا على الجمال ليستشرفهم الناس فأتى المتوكل بمحمد بن البعيث وأمر بضرب عنقه فطرح على نطع وجاء السيافون فلوحوا فقال المتوكل ما دعاك يا محمد إلى ما صنعت قال الشقوة وأنت الحبل الممدود بين الله وبين خلقه وإن لي فيك لظنين أسبقهما لقلبي أولاهما بك وهو العفو ثم اندفع بلا فصل.
أبى الناس إلا أنك اليوم قاتلي ... إمام الهدى والعفو في الله أجمل
وهل أنا إلا جبلة من خطية ... وعفوك من نور النبوة يجبل
فإنك خير السابقين إلى العلى ... ولا شك أن خير الفعالين تفعل
فالتفت المتوكل فقال لمن عنده أن معه لادباً فقال بعضهم وبادر بل يفعل أمير المؤمنين خيرهما ويمن عليك فقال المتوكل ارجع إلى منزلك، ويقال أن ابن البعيث لما تكلم بما تكلم به شفع فيه المعتز واستوهبه فوهبه له، وكان محمد بن البعيث أحد شجعان أذربيجان وله شعر كثير جيد بالعربية والفارسية. وحج في هذه السنة إيتاخ وكان والي مكة والمدينة والموسم ودعى له على المنابر.

ذكر سبب ذلك.

كان إيتاخ غلاماً طباخاً خزرياً لسلام الأبرش فاشتراه منه المعتصم وكان لإيتاخ بأس ورجلة فرفعه المعتصم ومن بعده الواثق وولى الأعمال الكبار وكان من أراد المعتصم أو الواثق قتله حبس عند إيتاخ فلما ولى المتوكل كان إلى إيتاخ الحبس والمغاربة والأتراك والبريد والحجابة ودار الخلافة فخرج المتوكل بعد الخلافة متنزهاً إلى ناحية القاطول فشرب ليلةً فعربد على إيتاخ فهم إيتاخ بقتله فلما أصبح المتوكل قيل له فاعتذر إلى إيتاخ والتزمه وقال أنت أبي وأنت ربيتني فلما صار المتوكل إلى سر من رأى دس إليه من يشير عليه بالاستئذان للحج ففعل وأذن له وصيره أمير كل بلدة يدخلها وخلع عليه وركب القواد معه فحين خرج صيرت الحجابة إلى وصيف.

ودخلت سنة 235.
وفيها كان مقتل إيتاخ.
ذكر سبب مقتله

لما انصرف إيتاخ من مكة راجعاً إلى العراق وجه المتوكل إليه سعيد بن صالح الحاجب مع كسوة والطاف وأمره أن يلقاه بالكوفة وقد تقدم المتوكل إلى عامله على الشرطة ببغداد بأمره فيه، فذكر إبراهيم بن المدبر أنه خرج مع إيتاخ وكان أراد أن يأخذ طريق الفرات إلى الأنبار ثم يخرج إلى سر من رأى فكتب إليه إسحاق بن إبراهيم أن أمير المؤمنين قد أمر أن تدخل بغداد وأن يتلقاك بنو هاشم ووجوه الناس وأن تقعد لهم في دار خزيمة ابن خازم فتأمر لهم بجوائز، قال فخرجنا حتى إذا كنا بالياسرية وقد شحن إسحاق بن إبراهيم الجسرين بالجند والشاكرية وخرج في خاصته وطرح له في الياسرية صفة فجلس عليها وأقبل قوم قد رتبهم في الطريق فلما صاروا إلى موضع أعلموه حتى قالوا قد قرب منك فركب فاستقبله فلما نظر إليه أهوى إسحاق لينزل فحلف عليه إيتاخ أن لا يفعل وكان إيتاخ في نحو ثلاثمائة من أصحابه وعليه قباء أبيض متقلداً سيفاً بحمائل فسارا جميعاً حتى إذا صار عند الجسر تقدمه إسحاق عند الجسر وعبر حتى وقف على باب خزيمة بن خازم فقال لإيتاخ يدخل أعز الله الأمير وكان الموكلون بالجسر كلما مر بهم غلام من غلمانه قدموه حتى بقي في خاصة غلمانه فدخل بين يديه قوم وقد فرشت له دار خزيمة وتأخر إسحاق وأمر غلا يدخل الدار من غلمانه إلا ثلاثة أو أربعة وأخذت عليه الأبواب وأمر بحراسته من ناحية الشط وكسرت كل درجة في قصر خزيمة فحين دخل أغلق الأبواب خلفه فنظر فإذا ليس معه إلا ثلاثة غلمان فقال قد فعلوها ولو لم يؤخذ ببغداد ما قدروا على أخذه ولو صار إلى سر من رأى فأراد بأصحابه قتل جميع من خالفه أمكنه ذلك ثم ركب إسحاق حراقة وأعد لإيتاخ أخرى ثم أرسل إليه أن يصير إلى الحراقة وأمر بأخذ سيفه فحدروه إلى الحراقة وصير معه قوم بالسلاح وصاعد إسحاق إلى منزله وأخرج إيتاخ حين بلغ دار إسحاق فأدخل ناحية منها ثم قيد وثقل بالحديد في عنقه ورجليه ثم قدم بابنيه منصور والمظفر وبكاتبيه سليمان بن وهب وقدامه بن زياد النصراني بغداد وكان سليمان على أعمال السلطان وقدامة على ضياع إيتاخ خاصة فحبسوا ببغداد، وذكر ترك مولى إسحاق قال وقفت على باب البيت الذي فيه إيتاخ محبوس فقال يا ترك قلت ما تريد قال اقرأ على الأمير السلام وقل له قد علمت ما كان يأمرني به المعتصم والواثق في أمرك فكنت أدفع عنك ما أمكنني فلينفعني ذلك عندك أما أنا فقد مر بي شدة ورخاء فما أبالي ما أكلت وما شربت وأما هذان الغلامان فإنهما عاشا في نعمة ولم يعرفا البؤس فصير لهما لحما ومرقة وشيئاً يأكلان منه قال ترك فذهبت إلى مجلس إسحاق فوقفت فقال لي ما تريد فأرى في وجهك كلاماً قلت نعم قال لي إيتاخ كذا وكذا وكانت وظيفة إيتاخ في كل يوم رغيفاً وكوزاً من ماء ويؤمر لابنيه بخوان عليه سبعة أرغفة وخمسة ألوان فلم يزل ذلك قائماً حياة إسحاق، ثم هلك إيتاخ بالعطش فإنه أطعم ومنع الماء حتى مات وأحضر إسحاق القضاة والفقهاء وعرضه عليهم لا ضرب به ولا أثر وأما ابناه فبقيا في الحبس حياة المتوكل فلما أفضى الأمر إلى المنتصر أخرجهما. وفي هذه السنة أمر المتوكل بأخذ النصارى وأهل الذمة بلبس العسلى والزنانير وركوب السروج بركب الخشب وبتصيير كرتين على مؤخر السرج وبتغيير القلانس لمن لبس قلنسوة وبتغيير زي النساء في أزرهن العسلية لتعرفن وكذلك مماليكهم ومنعهم لبس المناطق وإن دخلوا الحمام كان معهم جلاجل ليعرفوا وأمر بهدم بيعهم المحدثة وبأخذ العشر من منازلهم فإن كان الموضع واسعاً صير مسجداً وإن لم يصلح أن يكون مسجداً صير فضاءً وأمر أن يجعل على أبواب دورهم صور شياطين من خشب مسمورة تفريقاً بين منازلهم ومنازل المسلمين ونهى أن يستعان بهم في الدواوين وأعمال السلطان التي تجري أحكامهم فيها على المسلمين ونهى أن يتعلم أولادهم في كتاتيب المسلمين وألا يعلمهم مسلم ونهى أن يظهروا في أعيادهم صليباً وأن يشمعلوا في الطرق وأمر بتسوية قبورهم مع الأرض لئلا يشبه قبورهم قبور المسلمين وكتب إلى العمال في الآفاق بذلك. وفي هذه السنة عقد المتوكل البيعة لبنيه الثلاثة لمحمد وسماه المنتصر ولأبي عبد الله واسمه الزبير وسماه المعتز ولإبراهيم وسماه المؤيد بولاية العهد وذكر ذلك الشعراء وكتب ببيعتهم كتب وفرقت في الأمصار.

ثم دخلت سنة 236.

وفيها توجه الفتح بن خاقان عند المتوكل وولى أعمالاً منها أخبار الخاصة والعامة بسر من رأى وما يليها. وفيها أمر المتوكل بهدم قبر الحسين وما حوله من المنازل والدور وأن يبذر ويمنع الناس من إتيانه. وفيها هلك أبو سعيد محمد بن يوسف فجاءة وكان قد ولى أذربيجان فعسكر بكرخ فيروز وأراد الركوب فلبس أحد خفية ومد الآخر ليلبسه فسقط ميتاً، فولى المتوكل ابنه يوسف ما كان يتولاه أبوه من الحرب وولاه مع ذلك خراج الناحية وضياعها فشخص إلى الناحية وضبطها.

ثم ودخلت سنة 237.
وفيها وثب أهل أرمينية بيوسف بن محمد بن يوسف فيها.
ذكر السبب في ذلك.
كان السبب في ذلك أنه لما صار إلى عمله من أرمينية خرج رجل من البطارقة يقال له بقراط بن أشوط وكان يقال له بطريق البطارقة فطلب الأمان فأخذه يوسف بن محمد وقيده وبعث به إلى باب السلطان فأسلم بقراط وابنه فاجتمع على يوسف ابن أخي بقراط بن أشوط وجماعة من بطارقة أرمينية فتحالفوا ونذروا دمه لما حمل بقراط فنهى أصحاب يوسف يوسف عن المقام وعرفوه اجتماع القوم عليه فلم يقبل وأقام فحاصره من كل وجه وسقطت الثلوج فخرج يوسف إلى ظاهر المدينة وكان أصحابه متفرقين في الأعمال فقاتلهم فقتلوه وقتلوا من معه فإما من لم يقاتل فإنهم قالوا له ضع ثيابك وانج عرياناً فطرحوا ثيابهم ونجوا عراة حفاة فمات أكثرهم من البرد وسقطت أصابع قوم منهم ونجوا، فوجه المتوكل بغا الكبير إلى أرمينية طالباً بدم يوسف فشخص إليها فبدأ بأرزن وكان موسى بن زرارة قد واطأ قتله يوسف فقبض بغا على موسى واخوته وحملهم إلى السلطان فأناخ على الخويثية وهم جمة أهل أرمينية وقتله يوسف بن محمد فحاربهم وظفر بهم وقتل منهم زهاء ثلاثين ألفاً وسبى ذراريهم وخلقاً فباعهم ثم سار إلى بلاد الباق فأسر أشوط بن حمزة أبا العباس ثم سار إلى دبيل ثم إلى تفليس. وفيها غضب المتوكل على أحمد بن أبي دواد وأمر بالتوكيل بضياعه وحبسه وأولاده واخوته فحمل أبو الوليد مائة ألف دينار وعشرين ألف دينار وجوهراً كثيراً وصولح بعد على ستة عشر ألف ألف درهم وأشهد عليهم جميعاً ببيع كل ضيعة لهم وكان أحمد بن أبي دواد قد فلج فقال أبو العتاهية:
لو كنت في الرأي منسوباً إلى رشد ... وكان عزمك عزماً فيه توفيق
لكان في الفقه شغل لو قنعت به ... عن أن تقول كلام الله مخلوق
ما إذا عليك وأصل الدين يجمعهم ... ما كان في الفرع لولا الجهل والموق
ثم دخلت سنة 238.
وفيها ظفر بغا بإسحاق بن إسماعيل مولى بني أمية بتفليس وأحرق مدينة تفليس وكان إسحاق بن إسماعيل قد تحصن بتفليس وهي مدينة أكثر بنيانها خشب الصنوبر فلما قصدها بغا أمر النفاطين فضربوها بالنار وهاجت الريح وأحاطت النار بقصر إسحاق وجواريه ثم أتاه الأتراك والمغاربة فأخذوه أسيراً مع ابنه وأتوا به إلى بغا فأمر بضرب عنقه صبراً وصلب جثته واحترق في المدينة نحو خمسين ألف إنسان ثم نهض بغا إلى عيسى ابن يوسف بن أخت أصطفانوس فحاربه في كورة البيلقان ثم تحصن في قلعة كبيش ففتحها وأخذه وحمله وحمل ابنه وسنباط ابن أشوط بطريق أران وحمل معه أذرنرسي بن إسحاق.
ثم دخلت سنة 239 ولم يجر فيها ما يكتب.
ودخلت سنة 240 وتلك سبيلها.
ودخلت سنة 241.
وفيها أغارت البجة على حوش من أرض مصر فوجه المتوكل لحربهم محمد بن عبد الله القمي.
ذكر ما آلت إليه أمورهم.

كان البجة لا تغزو المسلمين ولا يغزوهم المسلمون بهدنة بينهم قديمة وهم جنس من أجناس الحبشة وفي بلادهم معادن ذهب فهم يقاسمون من يعمل فيها ويؤدون إلى عمال مصر في كل سنة شيئاً معلوماً فلما كان في أيام المتوكل امتنعت البجة عن أداء ذلك الخراج سنين متوالية وهذه المعادن منها ما هو على التخوم فيما بين أرض مصر وبلاد بجة فقتلوا عدة من المسلمين ممن كان يعمل في المعادن ويستخرج الذهب وسبوا عدة من ذراريهم ونساؤهم وذكروا أن المعادن لهم في بلادهم وأنهم لا يأذنون للمسلمين في دخولها وأن ذلك أوحش المسلمين الذين كانوا يعملون هناك حتى انصرفوا عنه فانقطع ما كان يؤخذ للسلطان بحق الخمس من الذي كان يستخرج من المعدن فلما بلغ ذلك المتوكل احفظه ذلك وشاور في أمر البجة فأنهى إليه أنهم قوم أهل بدو وأصحاب إبل وماشية وأن الوصول إلى بلادهم صعب لا يمكن أن يسلك إليهم الجيوش لأنها مغاوز وصحار وبين أرض الإسلام وبينها مسيرة شهر في أرض قفر وجبال وعرة لاماء فيها ولا زرع ولا معقل ولا حصن وأن من يدخلها من أولياء السلطان يحتاج أن يتزود لجميع من معه المدة التي يتوهم أنه يقيمها في بلادهم حتى يخرج إلى أرض الإسلام فإن تجاوز تلك المدة هلك هو وجميع من معه وأخذتهم البجة بالأيدي دون المحاربة وان أرضهم لا ترد على السلطان شيئاً من خراج ولا غيره، فأمسك المتوكل عن التوجيه إليهم وجعل أمرهم يتزيد وحربهم يكثر حتى خاف أهل الصعيد من أرض مصر على أنفسهم وذراريهم فولى المتوكل محمد ابن عبد الله القمى محاربتهم وولاه معاون تلك الكور وتقدم إليه في محاربة البجة وكتب إلى عنبسة بن إسحاق الضبى العامل على حرب مصر بإعطائه جميع ما يحتاج إليه من جميع الجند والشاكرية بمصر فأزاح عنبسة علته في ذلك وخرج إليه من جميع ما اقترحه عليه وانضم إليه جميع من كان يعمل في المعادن وقوم كثير من المطوعة وكانت عدة من معه نحواً من عشرين ألف إنسان بين فارس وراجل ووجه إلى القلزم فحمل في البحر سبعة مراكب موقرة بالدقيق والزيت والتمر والسويق والشعير وأمر قوماً من أصحابه أن يلججوا بها في البحر حتى يوافوه في سواحل البحر من أرض البجة، ولم يزل محمد بن عبد الله القمي يسير في أرض البجة حتى جاوز المعادن التي يعمل فيها وصار إلى حصونهم وقلاعهم وخرج إليه ملكهم واسمه علي بابا وله ابن يسمى بغشى في جيش كثير وعدد أضعاف من كان مع القمى وكانت البجة على إبلهم ومعهم الحراب وإبلهم فره تشبه بالمهارى في النجابة فجعلوا يلتقون أياماً متوالية فيتناوشون ولا يصححون القتال وجعل ملك البجة يتطارد للقمى ويطول الأيام طمعاً في نفاد الأزواد التي معهم فلا يكون لهم قوة فتأخذهم البجة بالأيدي فلما توهم عظيم البجة أن الأزواد قد نفذت أقبلت المراكب السبعة التي حملها القمى حتى خرجت إلى ساحل من سواحل البحر في موضع يعرف فوجه القمى إلى هناك جماعة من أصحابه يحمون المراكب من البجة وفرق ما كان فيها على أصحابه فاتسعوا في الزاد وفي العلوفة فلما رأى ذلك علي بابا رئيس البجة قصد لمحاربتهم وجمع لهم فالتقوا واقتتلوا قتالاً شديداً وكانت إبلهم زعرة تكثر الفزع من كل شئ فلما رأى ذلك محمد بن عبد الله القمى جمع أجراس الإبل والخيل التي في معسكره كلها فجعلها في أعناق الخيل ثم حمل على البجة فنفرت إبلهم واشتد رعبهم فحملتهم على الجبال والأودية فمزقتهم كل ممزق وأتبعهم القمى بأصحابه قتلاً وأسراً حتى غشيهم الليل فلم يقدر على إحصاء القتلى لكثرتهم فلما أصبح القمى وجدهم قد جمعوا جمعاً من الرجالة ثم صاروا إلى موضع أمنوا فيه طلب القمى فوافاهم القمى في الليل في خيله فهرب ملكهم وأخذ تاجه ومتاعه ثم طلب الأمان على أن يرد إلى بلاده ويؤدي الخراج للسنين التي عليه وأعطاه القمى ذلك وأدى ما عليه واستخلف على مملكته ابنه بغشى وانصرف القمى بعلي بابا إلى المتوكل فوصل إليه في آخر سنة41 فكانت غيبته دون سنة وكسا القمى علي بابا دراعة ديباج وعمامة سوداء وكسا جمله رحلاً مدبجاً وجلال ديباج ليتميز عن أصحابه ووقف بباب العامة مع قوم من البجة على الإبل بالحراب وفي رؤوس حرابهم رؤوس القوم الذين قتلهم القمى فأمر المتوكل أن يقبضوا من القمى ثم ولي المتوكل البجة وطريق ما بين مصر ومكة سعداً الخادم الإيتاخي فولى سعد محمد بن عبد الله

القمى فخرج القمى بعلي بابا وهو مقيم على دينه. فخرج القمى بعلي بابا وهو مقيم على دينه.
ودخلت سنة 242 وسنة 243 ولم يجر فيهما ما يكتب.

ودخلت سنة 244.
وفيها دخل المتوكل دمشق وكان عزم على المقام بها ووصف له من فضائلها وطيبها ما شوقه إليها فأمر بالبناء فيها ونقل دواوين الملك إليها ثم استوبأ البلد وذلك أن الهواء بها بارد ند والماء ثقيل والريح تهب مع العصر فلا تزال تشتد حتى يمضي عامة الليل وهي كثيرة البراغيث وغلت الأسعار وحال الثلج بين السابلة والميرة وتحركت الأتراك يطلبون أرزاقهم وأرزاق عيالاتهم فرجع المتوكل إلى سر من رأى وكان مقامه بدمشق شهرين وأياماً.
ثم دخلت سنة 235.
وفيها أمر المتوكل ببناء الجعفرية وأقطع قواده وأصحابه فيها وجد في بنائها وانفق عليها ألفي ألف دينار وكان يسميها هو وأصحابه المتوكلية. وفيها هلاك نجاح بن سلمة الكاتب.
ذكر سبب هلاكه.
كان نجاح إليه ديوان التوقيع والتتبع على العمال فكان العمال يتقونه ويقضون حوائجه ولا يمنعونه من شئ يريده وكان المتوكل ربما نادمه وكان عبيد الله بن يحيى بن خاقان وزير المتوكل والأمور مفوضة إليه وكان الحسن بن مخلد وموسى بن عبد الملك منقطعين إلى الوزير وكان الحسين بن مخلد على ديوان الضياع وموسى على ديوان الخراج وكتب نجاح بن سلمة رقعة إلى المتوكل فذكر أنه يعرف وجه أربعين ألف ألف درهم يستخرجها من وجوهها من جبايات قوم فيتسع بها أمير المؤمنين في نفقة البناء فأدناه المتوكل وشاربه تلك العشية وقال سم لي من يستخرج منه الأموال فسمى الحسن بن مخلد وموسى بن عبد الملك وقال يصح من جهة هذين أربعون ألف ألف درهم ثم سمى قوماً آخرين من الكتاب وضمن مالاً عظيماً وقال له أغد علي فلما أصبح لم يشك في أمره وناظر المتوكل عبيد الله بن يحيى وزيره في ذلك فقال يا أمير المؤمنين هؤلاء أعيان المملكة وكتابك وعمالك فإن أوقعت بهم فمن يقوم بأعمالك وأنا أدبر ذلك فلما غدا نجاح إلى المتوكل وقد رتب أصحابه وقال يا فلان خذ أنت الحسن وأصحابه ويا فلان خذ أنت موسى وأصحابه حجبه عبيد الله وتقدم في ذلك فلقى نجاح عبيد الله فقال له انصرف يا أبا الفضل حتى ننظر وأنا أشير عليك بأمر لك فيه صلاح فقال ما هو قال أصلح بينك وبينهما وتكتب رقعة إلى أمير المؤمنين تذكر فيها أنك كنت شارباً وأنك تكلمت بما يحتاج إلى معاودة النظر فيه وأنا أصلح أمرك عند المتوكل فلم يزل يخدعه حتى كتب ما قال ثم دعا عبيد الله بن يحيى الحسن بن مخلد وموسى بن عبد الملك وقال لهما ابذلا خطا في نجاح وأصحابه بألفي ألف دينار وإلا فإنه سيسلمكما إليه ويهلككما فكتبا له ذلك ودخل عبيد الله على المتوكل وقال يا أمير المؤمنين قد رجع نجاح عما قاله البارحة وهذا خطه وهذه رقعة موسى والحسن يتقبلان به بما بذلا به خطوطهما فيأخذا ما ضمنا عنه ثم تعطف عليهما فتأخذ منهما قريباً مما ضمن لك عنهما فسر المتوكل وطمع فيما قال عبيد الله وقال أدفعه إليهما فانصرفا به فأمرا بأخذ قلنسوته وقبضا على كاتبه فاستخرجا من يومهما ذلك مائة وأربعين ألف دينار اعترف لها ابنه وذلك سوى قيمة ضياعه وقصوره وفرشه ومستغلاته فقبض جميع ذلك وضرب مراراً بالمقارع وعذب ثم خنق أو عصرت خصاه فأصبح ميتاً وطولب أولاده ووكلاؤه وأخذ بسببه قوم ببغداد وبسر من رأى وبمكة وبناحية السواد فحبسوا وصودروا.
ثم دخلت سنة 246 ولم يجر فيها شئ يكتب.
ودخلت سنة 247 وفيها كان مقتل المتوكل علي الله.
ذكر السبب في ذلك.

كان السبب في ذلك أن المتوكل أمر بقبض ضياع وصيف بأصبهان والجبل وأقطاعها للفتح بن خاقان فكتب الكتب بذلك وبلغ ذلك وصيفاً وكان المتوكل وافق الفتح بن خاقان على أن يفتك بابنه المنتصر لأشياء كانت تبلغه عنه ويفتك أيضاً بوصيف وبغا وغيرهما من قواد الأتراك ممن كان يتهم فكثر عنت المتوكل قبل الموعد على ابنه المنتصر فكان يقول له سميتك المنتصر فسماك الناس لحمقك المنتظر فمرة كان يشتمه ومرةً يسقيه فوق طاقته ومرةً أمر بصفعه، فتحدث من كان في ستارة المتوكل قال التفت المتوكل إلى الفتح وهو ثمل فقال برئت من الله ومن قرابتي من رسول الله إن لم تلطمه يعني المنتصر فقام الفتح فلطمه ثم قال اصفعه فأمر يده على قفاه قال المتوكل لندمائه اشهدوا جميعاً أني قد خلعت المستعجل يعني المنتصر، فقال المنتصر يا أمير المؤمنين لو أمرت بضرب عنقي كان أسهل علي مما تفعله بي فقال اسقوه وأمر بالعشاء فأحضر وذلك في جوف الليل فجعل يأكل هو والفتح وهو سكران يلقم ويسقي المنتصر وهو يشتمه ثم خرج المنتصر وأخذ بيد زرافة الحاجب وقال امض معي قال يا سيدي إن أمير المؤمنين لم يقم فقال إن أمير المؤمنين قد أخذ منه الشراب والساعة يخرج بغا والندماء وقد أحببت أن تجعل أمر ولدك إلي فإن أوتامش سألني أن أزوج ابنه من ابنتك وابنك من ابنته قال له زرافة نحن عبيدك يا سيدي فمر بأمرك وأخذ المنتصر بيده وانصرف به معه، فقال بنان المغنى فما بعد المنتصر حتى سمعنا الصيحة والصراخ وكنت مع المنتصر قمت لأشهد الأملاك والنثار فلما سمع المنتصر الصراخ خرج فاستقبله بغا فقال له المنتصر ما هذه الضجة قال خير يا أمير المؤمنين قال ما تقول ويلك قال أعظم الله أجرك في سيدنا أمير المؤمنين كان عبد الله دعاه فأجابه فجلس المنتصر وأمر بباب البيت الذي قتل فيه المتوكل والمجلس فأغلق وأغلقت الأبواب كلها وبعث إلى وصيف يأمره بإحضار المعتز والمؤيد عن رسالة المتوكل، فذكر عثعث أن المتوكل بعد قيام المنتصر استدعى رطلاً وكان بغا الصغير المعروف بالشرابي قائماً عند الستر وبغا الكبير يومئذ بسميساط وخليفته موسى ابنه فدخل الصغير وأمر الندماء بأن ينصرفوا إلى حجرهم فقال الفتح ليس هذا وقت انصرافهم فقال بغا أن أمير المؤمنين أمرني إذا جاوز السبعة أرطال ألا أترك أحداً في المجلس وقد جاوز العشرة فكره الفتح قيامهم فقال له بغا أن حرم أمير المؤمنين خلف الستارة وقد سكر فقوموا فأخرجوا ولم يبق إلا الفتح وعثعث وأربعة من خدم الخاصة وغلق الأبواب كلها إلا باب الشط ومنه دخل القوم الذين ووفقوا على قتله فلما دخل القوم وسلوا سيوفهم نظر إليهم عثعث فقال للمتوكل قد فرغنا من الحيات والعقارب والأسد وصرنا إلى السيوف وذلك أن المتوكل كان ربما أرسل هذه الأشياء على ندمائه ليفزعهم ويضحك هو فلما ذكر عثعث السيوف قال له ويلك ما تقول أي سيوف فما استتم كلامه حتى دخلوا عليه فابتدره بغلون فضربه ضربة على كتفه وأذنه فقده فقام الفتح في وجهه ووجوه القوم وقال ورائكم يا كلاب فقال له بغا ألا تسكت يا جلفي فرمى الفتح بنفسه على المتوكل فاعتروه القوم بسيوفهم فقتلوهما معاً وقطعوهما حتى اختلطت لحومهما وهرب عثعث بعد ما أصابته ضربة ونجا الخادم وراء الستارة وتطايروا، وكان عبيد الله بن يحيى في حجرته لا يعلم بشيء من أمر القوم وهو ينفذ الأمور بالشموع وذكر أن بعض نساء الأتراك ألقت رقعة بما عزم عليه القوم فوصلت إلى عبيد الله بن يحيى وشاور الفتح فيها وعرف الخبر أيضاً ابن نوح كاتب الفتح واتفق رأيهم على كتمان المتوكل يومهم ذلك لما كانوا رأوا من سروره فكرهوا أن ينغصوا يومه وهان عليهم أمر القوم وكأنهم وثقوا بأن ذلك لا يجسر عليه ولا يتم فبينا عبيد الله ينفذ الأمور إذ طلع عليه بعض الخدم فقال يا سيدي ايت ما جلوسك قال وما ذاك قال الدار سيف واحد فأمر بعض خدمه بالخروج فخرج ونظر ثم عاد فأخبره أن المتوكل والفتح قد قتلا فخرج فيمن معه من خدمه وخاصته فأخبر أن الأبواب مغلقة فأخذ نحو الشط فإذا أبوابه أيضاً مغلقة فأمر بكسر ما كان يلي الشط فكسرت ثلاثة أبواب حتى خرج إلى الشط ووجد زورقاً فقعد فيه ومعه جعفر بن حامد وغلام له فصار إلى منزل المعتز فسأل عنه فلم يصادفه فقال إنا لله وإنا إليه راجعون قتلني وقتل نفسه وتلهف عليه واجتمع إلى عبيد الله

أصحابه عدة من الأبناء والعجم والأرمن والزواقيل من الأعراب وغيرهم وقد اختلف في عدتهم فقال بعضهم كانوا عشرة آلاف وزاد بعضهم ونقص بعض فقالوا به إنما كنت تصطنعنا لهذا اليوم وأمر بأمرك وأذن لنا فمل على القوم ميلة فنقتل المنتصر ومن معه من الأتراك وغيرهم فأبى وقال ليس في هذا حيلة والرجل في أيديهم يعني المعتز، وكانت خلافته أربع عشرة سنة وعشرة أشهر وكان أسمر نحيفاً حسن العينين خفيف العارضين. وبويع للمنتصر يوم الأربعاء لأربع خلون من شوال وهو ابن خمس وعشرين سنة، واستوزر أحمد ابن الخصيب وهو الذي قرأ على الناس كتاباً يخبر عن أمير المؤمنين المنتصر أن الفتح بن خاقان قتل أباه جعفراً المتوكل فقتله به وحضر عبيد الله بن يحيى بن خاقان فبايع وانصرف.أصحابه عدة من الأبناء والعجم والأرمن والزواقيل من الأعراب وغيرهم وقد اختلف في عدتهم فقال بعضهم كانوا عشرة آلاف وزاد بعضهم ونقص بعض فقالوا به إنما كنت تصطنعنا لهذا اليوم وأمر بأمرك وأذن لنا فمل على القوم ميلة فنقتل المنتصر ومن معه من الأتراك وغيرهم فأبى وقال ليس في هذا حيلة والرجل في أيديهم يعني المعتز، وكانت خلافته أربع عشرة سنة وعشرة أشهر وكان أسمر نحيفاً حسن العينين خفيف العارضين. وبويع للمنتصر يوم الأربعاء لأربع خلون من شوال وهو ابن خمس وعشرين سنة، واستوزر أحمد ابن الخصيب وهو الذي قرأ على الناس كتاباً يخبر عن أمير المؤمنين المنتصر أن الفتح بن خاقان قتل أباه جعفراً المتوكل فقتله به وحضر عبيد الله بن يحيى بن خاقان فبايع وانصرف.

ودخلت سنة 248.
وفيها أغزى المنتصر وصيفاً التركي الصائفة إلى أرض الروم،
ذكر السبب في ذلك.
كان السبب في ذلك أنه كان بين أحمد بن الخصيب وبين وصيف شحناء وتباغض فأشار على المنتصر بإخراجه غازياً فقال المنتصر لبعض حجابه يأذن لمن حضر الدار وأذن لهم وفيهم وصيف فأقبل عليه وقال يا وصيف أتانا عن طاغية الروم أنه أقبل يريد الثغور وهذا أمر لا يمكن أن نمسك عنه فإما شخصت وأما شخصت فقال وصيف بل أشخص يا أمير المؤمنين فقال لأحمد ابن الخصيب انظر ما يحتاج إليه على ابلغ ما يكون فأقمه له قال نعم يا أمير المؤمنين قال ما معنى نعم قم الساعة يا وصيف مر كاتبك أن يواقفه على جميع ما يحتاج إليه حتى تزيح علته فقام أحمد ووصيف معه منصرفاً حتى خرج فما أفلح، وكتب المنتصر كتاباً إلى محمد بن عبد الله بن طاهر وكان ببغداد منصرفاً من الحج يعرفه فيه إغزاءه وصيفاً ويعلمه أنه خارج إلى ثغر ملطية للنصف من حزيران ويأمره أن يكاتب عماله في نواحي عمله ليقرأ كتاب أمير المؤمنين على من قبلهم ويحثهم على الجهاد ويستنفرهم ويلحقهم به في الوقت المحدود، ثم كتب عن المنتصر كتاب إلى وصيف يأمره بالمقام ببلد الثغر أربع سنين يغزو في أوقات الغزو إلى أن يأتيه رأي أمير المؤمنين. وفي هذه السنة خلع المعتز والمؤيد أنفسهما وأظهرا ذلك.
ذكر سبب خلعهما.

لما استقامت الخلافة للمنتصر لله قال أحمد بن الخصيب لبغا أنا لا نأمن الخذلان وأن يموت أمير المؤمنين فيلي الأمر المعتز فلا يبقى منا باقية والرأي أن نعمل في خلع هذين الغلامين قبل أن يظفرا بنا فجد الأتراك في ذلك وألحوا على المنتصر بالله وقالوا نخلع هذين ونبايع لابنك عبد الوهاب وكان مكرماً للمؤيد والمعتز فلم يزالوا به حتى أحضرهما الدار وذلك بعد أربعين يوماً ولايته فلما حصلا في دار واحدة من الدار قال المعتز للمؤيد يا أخي لم أحضرنا قال يا شقي للخلع فقال لا أظنه يفعل بنا ذلك فبينا هم في ذلك إذ جاءتهم الرسل بالخلع فقال المؤيد السمع والطاعة وقال المعتز ما كنت لأفعل فإن أردتم قتلي فشأنكم فرجعوا إليه فأخبروه ثم عادوا بغلظة شديدة وأخذوا المعتز بعنف وأدخلوه إلى بيت وأغلقوا عليه فقال لهم المؤيد بجرأة واستطالة ما هذا يا كلاب قد ضربتم على دمائنا تثبون على مواليكم هذا الوثوب اغربوا قبحكم الله ودعوني حتى أكلمه فكاعوا عن جوابه ثم قالوا ألقه إن أحببت فيظن أنهم استأمروه لأنهم أقاموا ساعة ثم أذنوا له فقام إليه، قال المؤيد فوجدته يبكي فقلت يا جاهل تراهم قد نالوا من أبيك ما نالوا ثم نمتنع اخلع ويلك فقال سبحان الله أمر قد طار في الآفاق ووثق منه اخلعه قلت هذا قد قتل أباك وسيقتلك فاخلعه وعش فوالله لئن كان في سابق علم الله أن تلي لتلين قال أفعل فخرجت وقلت قد أجاب فمضوا وعادوا فجزوني خيراً ودخل معهم كاتب ومعه دواة وقرطاس فجلس ثم أقبل على أبي عبد الله المعتز فقال اكتب بخطك فتلكأ فقال المؤيد للكاتب هات قرطاسك أملل ما شئت فامل عليه كتاباً إلى المنتصر يعلمه فيه ضعفه عن هذا الأمر وأنه قد علم أنه لا يحل له تقلده ويكره أن يأثم المتوكل بسببه إذ لم يكن موضعاً له ويقول أني قد خلعت نفسي واحللت الناس عن بيعتي ثم قال المؤيد أكتب يا أبا عبد الله فكتب وخرج الكاتب، قال المؤيد ثم دعا بنا فدخلنا عليه وهو في مجلسه والناس على مراتبهم فسلمنا فرد علينا وأمرنا بالجلوس ثم قال هذا كتابكما فبدرت وقلت نعم يا أمير المؤمنين هذا كتابي بمسألتي ورغبتي وقلت للمعتز تكلم فقال مثل ذلك فأقبل علينا والأتراك وقوف فقال أتريانني خلعتكما طمعاً في أن أعيش ويكبر ولدي وأصير الخلافة إليه والله لأن ما طمعت في ذلك قط وإذا لم يكن لي في ذلك طمع فوالله لأن يلي بنو أبي أحب إلي من أن يليها بنو عمي ولكن هؤلاء وأومأ إلى سائر الموالي ممن هو قائم وقاعد ألحوا علي في خلعكما فخفت إن لم أفعل أن يعترضكما بعضهم بحديدة فما تريانني صانعاً أقتله فوالله ما تفي دماؤهم كلهم بدم بعضكم فكان إجابتهم إلى ما سألوا أسهل علي فأكبا عليه فقبلا يده فضمهما إليه ثم انصرفا وكتب بنسخة خلعهما وبما أنشى عن المنتصر بالله في ذلك كتب إلى العمال في الآفاق. وفي هذه السنة توفي المنتصر بالله.

ذكر وفاة المنتصر وسرعة الأدالة منه.

قد اختلف الناس في وفاته فقال قوم أصابته الذبحة وقال آخرون أصابه ورم في معدته وقال آخرون فصد بمبضع مسموم وأن طبيبه لما فصده دهش فلم يميز مبضعه المسموم ثم اعتل هو ففصده تلميذه فمات وقيل بل وجد علة في رأسه فقطر طبيبه ابن طيفور في أذنه دهنا فورم رأسه عوجل فمات، ولم يزل الناس منذ ولى الخلافة والي أن مات يقولون إنما مدة حياته ستة أشهر مدة شيرويه بن كسرى قاتل أبيه مستفيضاً ذلك على ألسن العامة والخاصة، وكان المنتصر استفتى في قتل أبيه الفقهاء من غير أن يسميه وحكى أموراً قبيحة لا تكتب في كتاب فأفتوا بقتله فلما قتله رآه في النوم كأنه يقول له ويلك يا محمد قتلتني وظلمتني والله لا تمتعت بالخلافة إلا أياماً يسيرة ثم مصيرك إلى النار فانتبه وهو لا يملك عينه ولا جزعه فكان يسلى ويقال له هذا استشعار وهو حديث النفس فلا يسلو وما زال منكسراً إلى أن توفي، ولما اشتدت علته خرجت إليه أمه فسألته عن حاله فقال ذهبت والله مني الدنيا والآخرة، وتوفي وهو ابن خمس وعشرين سنة وستة أشهر فكانت خلافته سنة أشهر، وكان أعين قصيراً جيد البضعة وكان مهيباً وطلبت أمه أن يظهر قبره فهو أول خليفة من ولد العباس عرف قبره وكنيته أبو جعفر، ومن طريف ما اتفق عليه أن محمد بن هارون كاتب محمد بن علي بن برد الخباز وخليفته على ديوان ضياع إبراهيم المؤيد أصيب مقتولاً على فراشه به عدة ضربات بالسيف واحضر ولده خادماً أسود كان له ووصيفاً فأقر الوصيف على الأسود فأدخل على المنتصر وأحضر قاضي القضاة وهو يومئذ جعفر بن عبد الواحد الهاشمي فسئل الأسود عن قتله فأقر ووصف فعله به وسبب قتله إياه فقال له المنتصر ويلك لم قتلته فقال له الأسود كما قتلت أنت أباك المتوكل فتقدم بضرب عنقه عند خشبة بابك. وفي هذه السنة تحرك يعقوب الصفار من سجستان فصار إلى هراة. وفيها بويع أحمد بن محمد بن المعتصم.

ذكر السبب في بيعة المستعين والعدول به عن ولد المتوكل.

لما توفي المنتصر اجتمع الموالي وفيهم بغا الكبير وبغا الصغير وأوتامش ومن معهم فاستحلفوا جميع القواد على أن يرضوا بمن يرضى به بغا الكبير وبغا الصغير وأوتامش وذلك بتدبير أحمد بن الخصيب فحلفوا كلهم وتشاوروا بينهم وكرهوا أن يتولى الخلافة أحد من ولد المتوكل لقتلهم المتوكل وخوفهم أن يغتالهم من يتولى الخلافة منهم فأجمع أحمد بن الخصيب ومن حضر من الموالي على أحمد بن محمد بن المعتصم وقالوا لا تخرج الخلافة من ولد مولانا المعتصم فبايعوه وله ثماني عشرة سنة ويكنى أبا العباس ولقب المستعين بالله فاستكتب أحمد بن الخصيب واستوزر أوتامش، فلما صار إلى دار العامة في زي الخلافة وقد صف أصحابه صفين وقام فيهم مع وجوه أصحابه وحضر الدار وابنا المتوكل والعباسيون والطالبيون وأصحاب المراتب إذا صيحة من ناحية الشارع وجماعة من الفرسان ذكر أنهم من أصحاب أبي العباس محمد بن عبد الله بن طاهر وفيهم فرسان من الطبرية وأخلاط من الناس الغوغاء والسوقة قد شهروا السلاح وصاحوا معتز يا منصور وشدوا على الصفين فتصعصعوا وانضم بعضهم إلى بعض ثم حملوا عليهم ونشبت الحرب بينهم وأقبلت المعتزية والغوغاء يكثرون فوقع بينهم قتلى ثم تحاجزوا وخرج المستعين وقد بايعه من حضر الدار من أصحاب المراتب إلى الهاروني ودخل الغوغاء والمنتهبة دار العامة فانتهبوا الخزانة التي فيها السلاح والدروع والسيوف الثغرية والتراس الخيزران ثم جاءهم جماعة من الأتراك فيها بغا الصغير فأجلوهم من الخزانة وقتلوا منهم عدة وخرج العامة والغوغاء وكان لا يمر بهم أحد من الأتراك يريد باب العامة ألا انتهبوا سلاحه وقتلوا جماعة منهم وكان عامة من انتهب أصحاب الناطف والفقاع وأصحاب الحمامات وغوغاء الأسواق، ثم وضع العطاء في ذلك اليوم الذي بويع فيه وبعث بكتاب البيعة إلى محمد بن عبد الله بن طاهر فبعث إلى الهاشميين والقواد والجند ووضع الأرزاق. وورد في هذه السنة نعي طاهر بن عبد الله بخراسان في رجب فعقد المستعين لابنه أبي عبد الله محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر على خراسان، وعقد لمحمد بن عبد الله بن طاهر عمه على العراق وجعل إليه الحرس والشرطة ومعاون السواد برأسه وأفراده به. وفيها مات بغا الكبير فعقد المستعين لابنه على أعمال أبيه كلها واسمه موسى وفيها ابتاع المستعين من المعتز والمؤيد جميع ما لهما من الدور والمنازل والقصور والفرش والآلة وغير ذلك من الضياع والعقار وأشهد عليهما القضاة والعدول ووجوه الهاشميين وترك لأبي عبد الله المعتز قيمة عشرين ألف دينار ولإبراهيم المؤيد ما قيمته خمسة آلاف دينار وذلك في السنة الواحدة فكان ما ابتيع من أبي عبد الله عشرة آلاف دينار وعشر حبات لؤلؤ وذلك في السنة الواحدة ومن إبراهيم ثلاثة آلاف دينار وثلاث حبات لؤلؤ وكان اشترى باسم الحسن بن مخلد للمستعين ووكل بهما وجعل أمرهما إلى بغا الصغير، وكان الأتراك قد أرادوا حين شغب الغوغاء والشاكرية قتلهما فمنعهم أحمد بن الخصيب وقال ليس لهما ذنب وفيها غضب الموالي على احمد ابن الخطيب فاستصفى ماله ومال ولده ونفي إلى أقريطش وصير المستعين شاهك الخادم على داره وكراعه وحرمه وخزائنه وخاص أمره وقدم أوتامش على جميع الناس.

ودخلت سنة 249.
وفيها شغب الجند والشاكرية،
ذكر السبب في شغبهم

كان السبب في شغبهم أن جعفر بن دينار كان غزا الصائفة فاستأذنه عمر بن عبد الله الاقطع في المصير إلى ناحية من الروم ومعه خلق كثير من الروم نحو مائة ألف فقتل عمر ومن معه من الناس وبلغ خبر مقتله علي بن يحيى الأرمني وسمع ما جرى على حرم المسلمين من الروم واستكلابهم على الثغور الجزرية بعد عمر فنفر إليهم في جماعة من أهل ميافارقين فقتل أيضاً في جماعة من المسلمين فلما اتصل خبرهما بأهل مدينة السلام وسر من رأى وسائر مدن الإسلام فعظم عليهم مقتل هذين وهما نابان من أنياب المسلمين شديد بأسهما عظيم نكايتهما وغناؤهما في الثغور شق على الناس ذلك وعظم في الصدور وانضاف إلى ذلك ما لحقهم من الأتراك في قتلهم المتوكل واستيلائهم على أمور المسلمين وقتلهم من أرادوا قتله من الخلفاء واستخلافهم من غير رجوع منهم إلى ديانة ولا نظر للمسلمين فاجتمعت العامة ببغداد بالصراخ والنداء بالنفير وانضمت إليها الأبناء والشاكرية تظهر أنها تطلب الأرزاق ففتحوا السجون وأخرجوا رفوغ خراسان والصعاليك من أهل الجبال والمحمرة وغيرهم وقطعوا أحد الجسرين وضربوا الآخر بالنار وانتهب الديوان وقطعت الدفاتر وألقيت في النار وانتهبت عدة دور، ثم أخرج أهل اليسار من اهل بغداد وسر من رأى أموالاً كثيرة من أموالهم فقووا من خف للنهوض إلى الثغور لحرب الروم وأقبل الناس من كل ناحية من نواحي الجبل وفارس والأهواز وغيرها ولم يكن من السلطان فيه معونة ولا تكبر على الروم، ووثبت العامة بسر من رأى على أصحاب السجون فأخرجوا من فيه فأركب زرافة ووصيف وأوتامش فوثبت العامة بهم فهزمتهم وألقى على وصيف قدر مطبوخة فأمر وصيف النفاطين فرموا ما قرب من ذلك الموضع من حوانيت التجار ومنازل الناس بالنار واحترق ذلك كله وقتل من العامة خلق ونهبت دور جماعة منهم وفي هذه السنة قتل أوتامش وكاتبه شجاع،

ذكر السبب في قتلهما.
لما أفضت الخلافة إلى المستعين أطلق يد أوتامش وشاهك الخادم في بيوت الأموال، وأباحهما إياها وفعل ذلك أيضاً بأم نفسه فكانت الأموال التي ترد على السلطان من الآفاق إنما تصير إلى هؤلاء فأما أوتامش فإنه عمد إلى باقي الأموال فاكتسحه وكان المستعين جعل ابنه العباس في حجر أوتامش وكان وصيف وبغا من ذلك بمعزل فأغريا الموالي به ولم يزالا يدبران الأمر عليه حتى أحكما التدبير فتذمرت الأتراك والفراغنة على أوتامش، وخرج إليه أهل الدور والكرخ إلى المعسكر ثم زحفوا إليه وهو في الجوسق مع المستعين فأراد الهرب فلم يمكنه واستجار بالمستعين فلم يجره وأقاموا على ذلك يومي الخميس والجمعة فلما كان السبت دخلوا الجوسق فاستخرجوا أوتامش من الموضع الذي توارى فيه فقتل وقتل كاتبه شجاع بن القاسم وانتهبت دورهم فأخذ منها أموال جليلة ومتاع وفرش وآنية فلما قتل أوتامش استوزر المستعين أبا صالح عبد الله ابن محمد بن يزداد وعزل الفضل بن مروان عن ديوان الخراج ووليه عيسى بن فرخانشاه ثم غضب بغا الصغير على أبي صالح ابن يزداد فهرب أبو صالح إلى بغداد وصير المستعين مكانه محمد ابن الفضل الجرجرائي.
ودخلت سنة 250.
وفيها ظهر يحيى بن عمر بن يحيى بن حسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أي طالب المكنى بأبي الحسين بالكوفة وقتل فيها،
ذكر السبب في خروجه.

كان السبب في ذلك أن أبا الحسين يحيى بن عمر نالته ضيقة شديدة ولزمه دين ضاق به ذرعاً فلقى عمر بن فرج وهو يتولى أمر الطالبيين عند مقدمه من خراسان وكلمه في صلة فأغلظ له عمر في القول فقذفه يحيى في مجلسه فحبس فلم يزل محبوساً إلى أن كفل به أهله فأطلق ثم صار إلى سر من رأى فلقي وصيفاً في رزق يجري له فأغلظ له وصيف في الرد وقال لأي شيء يجري على مثلك فانصرف عنه، فذكر الصوفي الطالبي أنه أتاه في الليلة التي خرج في صبيحتها فبات عنده ولم يعلمه بشيء مما عزم عليه وأنه عرض عليه الطعام وتبين فيه أنه جائع فأبى أن يأكل وقال أن عشنا أكلنا قال فتبينت أنه قد عزم على فتكه وخرج من عندي فجعل وجهه إلى الكوفة وجمع جمعاً كثيراً من الأعراب وأهل الكوفة وأتى الفلوجة فصار إلى قرية تعرف بالعمد فكتب صاحب الخبر يخبره فكتب محمد بن عبد الله بن طاهر إلى عامله على معاون السواد وهو عبد الله بن محمود السرخسي وإلى عامل الكوفة وهو أيوب بن الحسن بن موسى بن جعفر بن سليمان يأمرهما بالاجتماع على محاربته فمضى يحيى بن عمر في تسعة نفر من الفرسان إلى الكوفة فدخلها وصار إلى بيت مالها فأخذ ما فيه وهو سبعون ألف درهم وألفا دينار وأظهر أمره بالكوفة وفتح السجون وأخرج عمال السلطان فلقيه عبد الله بن محمود في عباد من الشاكرية فضربه يحيى في وجهه ضربة أثخنه فانهزم ابن محمود مع أصحابه وحوى يحيى ما كان مع ابن محمود من الدواب والمال ثم خرج يحيى من الكوفة إلى سوادها ولم يقم بالكوفة ولحقه جماعة من الزيدية وأعراب أهل الطفوف والسيب إلى ظهر واسط وكثر جمعه، ووجه محمد بن عبد الله بن طاهر لمحاربته الحسين بن إسماعيل بن إبراهيم بن مصعب وضم إليه من ذوي البأس والنجدة من قواده جماعةً وشخص الحسين بن إسماعيل فنزل بإزاء يحيى بن عمر لا يقدم عليه فمضى يحيى بن عمر في شرقي السيب والحسين في غربيه حتى عبر إلى ناحية سورا وسار حتى قرب من جسر الكوفة فلقيه عبد الرحمان بن الخطاب وجه الفلس فقاتله قتالاً شديداً وانهزم وجه الفلس فصار إلى ناحية شاهي ووافاه الحسين بن إسماعيل فعسكر بها ودخل يحيى بن عمر الكوفة واجتمعت إليه الزيدية وكثف أمره واجتمعت إليه جماعة من الناس وأحبوه وتولاه العامة من أهل بغداد خاصة ولا نعلم أنهم تولوا من أهل بيته غيره وتدين الناس في تشيعهم وأقام الحسين بن إسماعيل بشاهي واستراح وأراح أصحابه دوابهم واتصلت بهم الميرة والامداد والأموال وأقام يحيى بالكوفة يعد العدد ويطبع السيوف ويجمع السلاح فاجتمع جماعة من الزيدية ممن لا علم لهم بالحرب وأشاروا على يحيى بن عمر معاجلة الحسين وألحت عليه عوام أصحابه بمثل ذلك فزحف إليه من ظهر الكوفة من وراء الخندق ومعه الهيضم العجلي في فرسان بني عجل وأناس من بني أسد ورجالة من أهل الكوفة ليسوا بذوي علم ولا شجاعة ولا تدبير فصبحوا الحسين وأصحابه وأصحاب الحسين مستريحون مستعدون فثاروا إليهم وذلك في الغلس فرموا ساعة ثم حمل عليهم فرسان الحسين فانهزموا ووضع فيهم السيف فكان أول أسير الهيضم بن العلاء بن جمهور العجلي وانهزم رجالة أهل الكوفة وأكثرهم عراة بغير سلاح ضعفاء القوى خلقان الثياب فداستهم الخيل وانكشف العسكر عن يحيى بن عمر وقد تقطر بع البرذون الذي أخذه من عبد الله بن محمود وعليه جوشن تبتي فوقف عليه ابنان لخالد بن عمران ولم يعرفه أحدهما وظن أنه خراسان لأجل الجوشن فقال له الآخر يا أخي هذا والله أبو الحسين قد انفرج قلبه وهو نازل لا يعرف القصة لانفراج قلبه فأمر رجلاً من أصحابه فنزل إليه وأخذ رأسه، وادعى قتله جماعة وحمل رأسه إلى دار محمد بن عبد الله وقد تغير فطلبوا من يقور رأسه ويخرج الحدقة والغلصمة فلم يقدروا عليه وهرب الجزارون وطلب ممن في السجن من الخرمية الدباجين من يفعل ذلك فلم يقدم عليه أحد إلا رجل من عمال السجن الجديد فإنه جاء فتولى إخراج دماغه وعينيه وقوره وحشى بالصبر والكافور ثم أمر بحمل الرأس إلى المستعين وكتب إليه بيده بالفتح ونصب رأسه بباب العامة بسر من رأى فاجتمع الناس وتذمروا فحط ورد إلى بغداد لينصب هناك فلم يتهيأ ذلك وذكر لمحمد أن الناس قد كثروا واجتمعوا على أخذه فلم ينصبه، فحكى بعض الطاهريين أنه حضر مجلس محمد بن عبد الله بن طاهر وهو يهنأ بقتل يحيى وبالفتح وعنده جماعة الهاشميين

من العباسيين والطالبيين وغيرهم من الوجوه فدخل عليه أبو هاشم داؤود بن الهيثم الجعفري فسمعهم يهنؤونه فقال أيها الأمير أنك لتهنأ بقتل رجل لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حياً لعزى به فما رد عليه محمد شيئاً وحلم عنه فخرج وهو يقول:ن العباسيين والطالبيين وغيرهم من الوجوه فدخل عليه أبو هاشم داؤود بن الهيثم الجعفري فسمعهم يهنؤونه فقال أيها الأمير أنك لتهنأ بقتل رجل لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حياً لعزى به فما رد عليه محمد شيئاً وحلم عنه فخرج وهو يقول:
يا بني طاهر كلوه وبيا ... إن لحم النبي غير مري
وكان المستعين قد وجه كلباتكين التركي مدداً للحسين ومستظهراً به فلحق حسيناً بعد أن هزم القوم وقتل يحيى ابن عمر ولحق في طريقه قوماً معهم الأسوقة والأطعمة يرمون عسكر يحيى بن عمر فوضع فيهم السيف فقتلهم ودخل الكوفة فأراد إن ينهبها ويضع السيف في أهلها فمنعه من ذلك الحسين وآمن الأسود والأبيض بها وأقام أياماً حتى أمن الناس ثم انصرف عنها. وفي هذه السنة كان خروج الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل ابن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب.

ذكر السبب في خروجه.

كان السبب ذلك أن محمد بن طاهر لما جرى على يده ما جرى من قتل يحيى بن عمر ودخول أصحابه الكوفة أقطعه المستعين من صوافي السلطان بطبرستان قطائع وكان فيها قطيعة بقرب من ثغري طبرستان مما يلي الديلم وهما كلار وشالوس وكان بحذائهما أرض لأهل تلك الناحية فيها مرافق محتطبهم ومراعي مواشيهم ومسرح سارحتهم ليس لأحد عليها ملك وإنما هي صحراء من موتان الأرض غير أنها غياض وأشجار وكلأ وكان وجه محمد ابن عبد الله بن طاهر أخاً لكاتبه بشر بن هارون النصراني يقال له جابر لحيازة ما أقطع هناك وعامل طبرستان سليمان بن عبد الله خليفة محمد بن طاهر بن عبد الله ابن أخي محمد ابن عبد الله بن طاهر والمستولي على سليمان بن عبد الله والغالب على أمره محمد بن أوس البلخي وقد فرق محمد بن أوس ولده في مدن طبرستان وجعلهم ولاتها وهم أحداث سفهاء فتأذى بهم الرعية وأنكروا منهم ومن والدهم ومن سليمان بن عبد الله قبح سيرهم وسوء أثرهم فيهم، ووتر مع ذلك محمد بن أوس الديلم بدخوله إليهم من حدود طبرستان وهم أهل سلم وموادعة على اغترار من الديلم فأغار عليهم وسبى منهم وقتل فكان ذلك مما زاد أهل طبرستان عليه حنقاً وغيظاً فلما صار جابر النصراني إلى طبرستان لحيازة ما أقطع صاحبه محمد حاز أيضاً ما اتصل به من موات الأرض الذي يرتفقوا به أهل تلك لناحية وكان بقرب ثغرين كما ذكرت، وكان بتلك الناحية يومئذ رجلان معروفان بالشجاعة والرأي مذكوران قديماً بضبط تلك الناحية ممن رامها من الديلم وبإطعام الناس وبالإفضال إلى من ضوى إليهما يقال لهما محمد وجعفر ابنا رستم فأنكرا ما فعل جابر من حيازة الموات الذي ذكرت وقطع مرافق الناس منه، وكان ابنا رستم مطاعين فاستنهضا من أطاعهما وقصدا جابراً ليمنعاه فهرب جابر ولحق بسليمان بن عبد الله وهو أخو محمد بن عبد الله وعم محمد ابن طاهر بن عبد الله والي خراسان والري والمشرق فلما أيقنا بالشر راسلا الديلم وذكراهم وفاءهما لهم بالعهد الذي بينهم وما ركبهم به محمد بن أوس من الغدر والقتل والسبي وأنهم لا يأمنون عودته ويسالانهم مظاهرتهما عليه وعلى من معه فأعلمهم الديلم أن ما يلي أرضهم من جميع نواحيها من الأرض هم عمال طاهر أو السلطان الأعظم وأن ما سألوا من معاونتهم لا سبيل إليه إلا بزوال الخوف عنهم من أن يؤتوا من قبل ظهورهم إذا هم اشتغلوا بحرب من بين أيديهم من عمال سليمان بن عبد الله فأعلماهم أنهما لا يغفلان عن كفايتهم ذلك حتى يأمنوا ما خافوه فأجابهم الديلم إلى ما سألوه وتعاقدوا وأهل كلار وشالوس على حرب من قصدهم ثم أرسل ابنا رستم إلى رجل من الطالبيين المقيمين يومئذ بطبرستان يقال له محمد بن إبراهيم يدعونه إلى البيعة له فأبى وقال لهم أنا أجيب إلى ما سالتم ولكني أدلكم على رجل منا هو أقوم بما دعوتموني إليه فقالوا ما هو فاخبرهم أنه الحسن بن زيد ودلهم على منزله بالري فوجه القوم إلى الري برسالتهم وبرسالة العلوي محمد بن إبراهيم يدعونه إلى الشخوص إلى طبرستان فشخص إليهم الحسن بن زيد وقد صارت كلمة الديلم وأهل كلار وشالوس والرويان على بيعته واحدة فلما وافاهم بايعه ابنا رستم وجماعة أهل الثغرين ورؤساء الديلم كجاباق الإسلام ووهسوذان بن جستان ثم ناهضوا من في تلك النواحي من عمال ابن اوس فطردوهم عنها فلحقوا بابن أوس وسليمان بن عبد الله وهما بمدينة سارية وانضوى إلى الحسن بن زيد مع من بايعه لما بلغهم ظهوره كل من بجبال طبرستان كلها إلا سكان جبل فريم فإن ملكهم قارن بن شهريار كان ممتنعاً بجبلة وأصحابه فلم ينقد للحسن بن زيد ثم صاهره فكف عن عادية الحسن ابن زيد، ثم زحف الحسن بن زيد وقواده نحو مدينة آمل وهي أول مدن طبرستان مما يلي كلار وشالوس من السفح وأقبل ابن أوس من سارية إليها يريد دفعه عنها فالتقى جيشاهما في بعض نواحي مدينة آمل ونشبت الحرب بينهم وخالف الحسن ابن زيد وجماعة معه موضع المعركة إلى ناحية أخرى فدخلوها واتصل خبرهم بابن أوس وهو مشغول بحرب من هو في وجهه من رجال الحسن بن زيد فلم يكن له هم إلا النجاء بنفسه واللحاق بسليمان وسارية، فلما دخل الحسن بن زيد آمل كثف جيشه وغلظ أمره وأنفض إليه كل طالب نهب من الصعاليك والجوزية وغيرهم فأقام الحسن بن زيد بآمل أياماً حتى جبى الخراج واستعد ثم نهض بمن معه نحو سارية ومن بها

مع سليمان وابن أوس فخرجوا بمن معهم والتقى القوم خارج مدينة سارية ونشبت الحرب بينهم فخالف الوجه الذي التقى فيه الجيشان بعض قواد الحسن بن زيد إلى وجه آخر من وجوه سارية فدخلها برجاله وانتهى الخبر إلى سليمان ومن معه فطاروا على وجوههم ونجوا بأنفسهم وترك سليمان أهله وعياله وثقله وكل ما كان له بسارية من مال وأثاث فلم يكن له عرجة دون جرجان وغلب جند الحسن بن زيد على ما كان له ولغيره فأما عيال سليمان وأهله وأماؤه فإن الحسن أمرهم بمركب حملهم فيه حتى ألحقهم بسليمان وهو بجرجان واجتمع للحسن أمره بطبرستان كلها، ثم وجه الحسن خيلاً مع رجل من أهل بيته يقال له الحسن بن زيد إلى الري فصار إليها وطرد عنها عاملها من قبل الطاهرية واستخلف بها بعض الطالبيين وانصرف عنها فاجتمعت للحسن بن زيد مع طبرستان الري إلى حد همذان، فورد الخبر بذلك على المستعين ومدبر أمره وصيف التركي وكاتبه أحمد بن صالح بن شيرزاد فوجه إسماعيل بن فراشة في جمع كثير إلى همذان وأمره بالمقام بها وضبطها وذلك أن ما وراء عمل همذان كان إلى محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر وبه عماله وإليه إصلاحه فلما استقر بخليفة الحسن ابن زيد القرار بالري واسمه محمد بن جعفر ظهرت منه أمور كرهها أهل الري فوجه محمد بن طاهر قائداً من خراسان يقال له محمد بن ميكال وهو أخو الشاه بن ميكال في جمع عظيم من الخيل والرجالة إلى الري فالتقى هو ومحمد بن جعفر العلوي فأسر محمد بن ميكال محمد بن جعفر وفض جمعه ودخل الري فوجه إليه الحسن بن زيد خيلاً عليها ويجن قائد من قواد أهل اللارز فخرج إليه محمد بن ميكال فهزمه ويجن والتجأ محمد بن ميكال إلى الري معتصماً بها فاتبعه ويجن قبل أن يتحصن حتى قتله وعادت الري إلى أصحاب الحسن بن زيد.مع سليمان وابن أوس فخرجوا بمن معهم والتقى القوم خارج مدينة سارية ونشبت الحرب بينهم فخالف الوجه الذي التقى فيه الجيشان بعض قواد الحسن بن زيد إلى وجه آخر من وجوه سارية فدخلها برجاله وانتهى الخبر إلى سليمان ومن معه فطاروا على وجوههم ونجوا بأنفسهم وترك سليمان أهله وعياله وثقله وكل ما كان له بسارية من مال وأثاث فلم يكن له عرجة دون جرجان وغلب جند الحسن بن زيد على ما كان له ولغيره فأما عيال سليمان وأهله وأماؤه فإن الحسن أمرهم بمركب حملهم فيه حتى ألحقهم بسليمان وهو بجرجان واجتمع للحسن أمره بطبرستان كلها، ثم وجه الحسن خيلاً مع رجل من أهل بيته يقال له الحسن بن زيد إلى الري فصار إليها وطرد عنها عاملها من قبل الطاهرية واستخلف بها بعض الطالبيين وانصرف عنها فاجتمعت للحسن بن زيد مع طبرستان الري إلى حد همذان، فورد الخبر بذلك على المستعين ومدبر أمره وصيف التركي وكاتبه أحمد بن صالح بن شيرزاد فوجه إسماعيل بن فراشة في جمع كثير إلى همذان وأمره بالمقام بها وضبطها وذلك أن ما وراء عمل همذان كان إلى محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر وبه عماله وإليه إصلاحه فلما استقر بخليفة الحسن ابن زيد القرار بالري واسمه محمد بن جعفر ظهرت منه أمور كرهها أهل الري فوجه محمد بن طاهر قائداً من خراسان يقال له محمد بن ميكال وهو أخو الشاه بن ميكال في جمع عظيم من الخيل والرجالة إلى الري فالتقى هو ومحمد بن جعفر العلوي فأسر محمد بن ميكال محمد بن جعفر وفض جمعه ودخل الري فوجه إليه الحسن بن زيد خيلاً عليها ويجن قائد من قواد أهل اللارز فخرج إليه محمد بن ميكال فهزمه ويجن والتجأ محمد بن ميكال إلى الري معتصماً بها فاتبعه ويجن قبل أن يتحصن حتى قتله وعادت الري إلى أصحاب الحسن بن زيد.

ثم دخلت سنة 251.
وفيها قتل وصيف وبغا الصغير باغر التركي واضطرب الموالي.
ذكر السبب في ذلك.

كان سبب ذلك أن باغر كان أحد قتلة المتوكل فزيد في أرزاقه وأقطع قطائع فكان مما أقطع ضياع بسواد الكوفة فضمن تلك الضياع رجل من دهاقن باروسما ونهر الملك بألفي دينار فوقع بين هذا الدهقان وبين رجل بتلك الناحية يقال له ابن مارمة شر فتناوله ابن مارمة بمكروه فحبس ابن مارمة وقيد فقمل حتى تخلص من الحبس وصار إلى سر من رأى فلقي دليل بن يعقوب النصراني وهو يومئذ كاتب بغا الشرابي وصاحب أمره وإليه أمر العسكر يركب إليه القواد والعمال وكان ابن مارمة صديقاً لدليل وكان باغر أحد قواد فمنع دليل باغر من ظلم أحمد بن مارمة وانتصف له منه فأوغر ذلك بصدر باغر وباين كل واحد من دليل وباغر صاحبه بذلك السبب، وكان باغر شجاعاً بطلاً عظيم القدر في الأتراك يتوقاه بغا وغيره ويخافون شره فجاء باغر يوم الثلاثاء لأربع بقين من ذي الحجة سنة 250 إلى بغا وهو في الحمام وباغر سكران فانتظره حتى خرج من الحمام ثم دخل إليه فقال له والله ما لي من قتل دليل من بد ثم شتمه فقال له بغا لو أردت قتل ابني فارس ما منعتك منه فكيف دليل النصراني ولكن أمر الخليفة وأمري في يده فتصبر حتى أصير مكانه إنساناً ثم شأنك به، ثم وجه بغا إلى دليل يأمره إلا يركب فاستخفى وبعث بغا إلى محمد بن يحيى بن فيروز يكتب له قديماً فجعله مكان دليل يوهم باغر أنه قد عزل دليلاً فسكن باغر ثم أصلح بغا بين باغر ودليل وباغر يتهدد دليلاً إذا خلا بأصحابه، ثم تلطف باغر للمستعين ولزم الخدمة في الدار وكره المستعين مكانه لجرأته وقتله المتوكل فلما كان نوبة بغا في منزله قال المستعين أي شئ كان إلى إيتاخ من الأعمال فأخبره وصيف فقال ينبغي أن نصير هذه الأعمال إلى أبي محمد باغر فقال وصيف نعم وبلغت القصة دليلاً فركب إلى بغا وقال له أنت في بيتك وهم في تدبير عزلك عن جميع أعمالك وإذا عزلت فما بقاؤك إلا أن يقتلوك، فركب بغا إلى دار الخليفة في اليوم الذي نوبته في منزله بالعشى فقال لوصيف أردت أن تحطني عن مرتبتي فتجئ بباغر وتصيره مكاني وإنما باغر عبد من عبيدي فقال وصيف ما أردت ذلك ولا علمت ما أراد الخليفة من ذلك ثم تعاقد وصيف وبغا على تنحية باغر من الدار وأرجفوا أنه يؤمر ويضم إليه جيش سوى جيشه ويخلع عليه ويجلس مجلس بغا ووصيف وهما يسميان الأميرين وكان قصد المستعين التقرب إليه ليأمن ناحيته، فأحس هو ومن في جنبته بالشر فجمع إليه الذين كانوا بايعوه على قتل المتوكل مع غيرهم ثم ناظرهم ووكد البيعة عليهم بما كان وكدها في قتل المتوكل ثم قال الزموا الدار حتى نقتل المستعين وبغا ووصيفاً ونجئ بمن نقعده خليفة ليكون الأمر لنا كما هو لهذين الذين قد استوليا على الدنيا وبقينا نحن في غير شئ، وانتهى الخبر إلى المستعين فبعث إلى بغا ووصيف فقال لهما إني ما طلبت إليكما أن تجعلان خليفة وإنما أنتما فعلتما ذلك وأصحابكما ثم تريدون أن تقتلوني فحلفا أنهما ما علما ذلك، فيقال أن امرأة مطلقة لباغر بعثت إلى المستعين وبغا بما عزم عليه باغر وبكر دليل إلى بغا وحضر وصيف منزل بغا مع كاتبه فاتفق رأيهم على أخذ باغر ونفسين من الأتراك معه وحبسهم حتى يروا رأيهم فأحضر باغر فأقبل في عدة من غلمانه فلما دخل دار بغا منع من الوصول إلى بغا ووصيف وعدل به إلى حمام فحبس فيه ودعى له بقيد فامتنع عليهم، وبلغ ذلك الأتراك فوثبوا على اصطبل السلطان فأخذوا مافيه من الدواب وانتهبوها وركبوا وحضروا الجوسق بالسلاح فلما أمسوا بعث بغا ووصيف إلى باغر بجماعة فشدخوه بالطبرزينات حتى برد وعملوا على أن يرموا برأسه إليهم أن أقاموا على الشغب، فلما انتهى قتله إلى الأتراك أقاموا على ما هم عليه وأبوا أن ينصرفوا واجتمع رأي المستعين وبغا ووصيف وشاهك على أن ينحدروا إلى بغداد ففعلوا ذلك وانكسر الأتراك لذلك وأظهروا الندم ثم صاروا إلى دار دليل ابن يعقوب ودور أهل بيته فانتهبوها ونقضوها ثم منعوامن الإنحدار إلى بغداد من ثم بذلك وأخذوا ملاحاً قد أكرى سفينته فصلبوه على دقل سفينته فامتنع الملاحون بعده من الإنحدار واجتمع من كان من الجند والأتراك بسر من رأى على المعتز فبايعوه وأقام من كان ببغداد على الوفاء للمستعين.

ذكر الفتنة التي وقعت بين الأتراك وأهل بغداد وما انتهى إليه أمر المعتز
والمستعين.

لما انحدر المستعين وبغا ووصيف وشاهك وأحمد بن صالح بن شيرزاد إلى بغداد نزل المستعين على محمد بن عبد الله بن طاهر في داره ثم وافى بغداد القواد سوى جعفر بن دينار وسليمان بن يحيى بن معاذ بالكتاب والعمال وبني هاشم ووافى أيضاً قواد الأتراك الذين في ناحية وصيف بغا وكانت رسل وصيف وبغا تتردد إلى سر من رأى باستدعاء من بها وإصلاح نياتهم وكان كل من يرد بغداد يؤمر أن ينزل الجزيرة إلى حيال دار محمد بن عبد الله بن طاهر وإلا يصيروا إلى الجسر فيرغبوا العامة فإذا اجتمعوا وجه إليهم زواريق حتى يعبروا فيها فلما دخل الأتراك الواردون من سر من رأى إلى المستعين رموا بأنفسهم بين يديه وخلعوا مناطقهم من أوساطهم تذللاً وخضوعاً وكلموا المستعين وسألوه الصفح عنهم فقال لهم أنتم أهل بغى وبطر واستقلال للنعم ألم ترفعوا إلي في أولادكم فألحقتهم بكم وهم نحو من ألفي غلام وفي بناتكم فأمرت بإجرائهن مجرى المتزوجات وهن نحو من أربعة آلاف صبية سوى المدركين وأدررت عليكم الأرزاق حتى سبكت لكم آنية الذهب والفضة ومنعت نفسي من شهواتها ولذاتها كل ذلك طلباً لرضاكم وصلاحكم وأنتم تزدادون بغياً وفساداً وتهديداً وإبعاداً، فتضرعوا وقالوا أمير المؤمنين صادق وقد أخطأنا ونحن الآن نسأله العفو، فقال المستعين قد عفوت ورضيت عنكم، فقال له بابكباك فإن كنت قد رضيت عنا وصفحت فقم معنا إلى سر من رأى فإن الأتراك ينتظرونك، فأومأ محمد بن عبد الله إلى محمد بن أبي عون فلكز في حلق بابكباك وقال له هكذا يقال لأمير المؤمنين قم معنا فاركب، فضحك المستعين وقال هؤلاء قوم عجم لا يؤخذون بمعرفة حدود الكلام وآدابه ثم قال لهم المستعين يصبر من سر من رأى فإن أرزاقهم دارة عليهم وانظر أنا في أمري ها هنا، فانصرفوا وقد أغضبهم ما كان من محمد بن عبد الله ومضوا إلى سر من رأى وحرضوا الأتراك على مخالفته واجتمع رأيهم على إتمام البيعة لأبي عبد الله المعتز فأخرجوه والمؤيد من الحبس فأخذوا من شعرهما وكان قد طال وبايعوه وأمر بهم بمال البيعة وكان المستعين خلف بسر من رأى ما كان حمل من الموصل ومن الشام وهو خمس مائة ألف دينار وفي بيت مال أم المستعين ألفي ألف دينار وفي بيت مال ابن المستعين العباس ستمائة ألف دينار، وكتبت نسخة البيعة التي أخذت للمعتز بسر من رأى على النسخة المعروفة وأحضر أبو أحمد بن الرشيد محمولاً في محفة وأمر بالبيعة فامتنع وقال للمعتز ألم تخرج إلينا خروج طائع فخلعتها وزعمت أنك لا تقوم بها فقال المعتز بل كنت مكرهاً وخفت السيف، فقال أبو أحمد ما علمت أنك أكرهت وقد بايعنا هذا الرجل أفتريد أن نطلق نساءنا وتخرجنا من أموالنا ولا دري ما يكون أن تركتني على امري حتى يجتمع الناس وإلا فهذا السيف فقال معتز اتركوه فرد إلى منزله من غير بيعة ولما بايع المعتز الأتراك ولي عماله وأصحاب دواوينه فاتصل بمحمد ابن عبد الله خبر البيعة للمعتز وتوجيهه العمال فأمر بقطع الميرة عن أهل سر من رأى وكتب إلى مالك بن طوق بالمصير إلى بغداد هو ومن معه من أهل بيته وجنده وإلى نجوبة بن قيس وهو على الأنبار بالجمع والاحتشاد وإلى سليمان بن عمران الموصلي في جمع السفن ومنع الميرة أن ينحدر إلى سر من رأى ومنع أن يصعد شيء من الميرة من بغداد وأخذت سفينة فيها ارز وسقط فهرب الملاح ونقبت حتى غرقت، وأمر المستعين محمد بن عبد الله أن يحصن بغداد فتقدم في ذلك وأدير عليها السور من دجلة من باب الشماسية إلى سوق الثلاثاء حتى أورده دجلة ومن باب قطيعة أم جعفر حتى أوردها قصر حميد ورتب على كل باب قائداً وجماعة من أصحابه وغير أصحابه وأمر بحفر الخنادق حول السورين كما يدوران في الجانبين جميعاً ومظلات يأوي إليها الفرسان في الحر والمطر فبلغت النفقة على السورين والخنادق والمظلات ثلاثمائة ألف دينار وثلاثين ألف دينار وجعل على باب الشماسية خمس شداخات بعرض الطريق فيها العوارض والألواح والمسامير الطوال الظاهرة وجعل من خارج الثاني باباً معلقاً بمقدار الباب ثخيناً قد ألبس صفائح الحديد وشد بالحبال كي إن وافى أحد من ذلك الباب أرسل عليه الباب المعلق فقتل من تحته وجعل على الباب الآخر عرادة وعلى الباب الخارج خمسة مجانيق كباراً فيها واحد كبير سموه الغضبان وست عرادات يرمى بها إلى ناحية رقة الشماسية وصير إلى باب

البرذان ثماني عرادات في كل ناحية أربع وأربع شداخات وكذلك كل باب من أبواب بغداد في الجانب الشرقي والغربي وجعل لكل باب من أبوابها دهليزاً عليه السقائف ووكل بكل باب قواداً برجالهم تسع مائة فارس ومائة راجل ولكل منجنيق وعرادة رجالاً مرتبين يمدون حباله ورامياً يرمى إذا كان قتال، وفرض فروضاً من أهل خراسان قدموا حجاجاً فسئلوا المعونة على قتال الأتراك فأعانوا وأمر محمد بن عبد الله أن يفرض من العيارين فرض وأن يجعل عليهم عريف ويعمل لهم تراس من البواري المقيرة وأن يعمل لهم مخال بلا حجارة ففعل ذلك وكان الرجل منهم يقوم خلف البارية فلا يرى منها عملت نسائجات أنفق عليها زيادة على مائة دينار وكان العريف على أصحاب المقيرة من العيارين رجل يقال له ينتويه، وكتب المستعين إلى عمال الخراج بكل بلدة وموضع أن يكون حملهم ما يحملون من الأموال إلى السلطان بغداد دون غيرها وكتب إلى الأتراك والجند الذين بسر من رأى يأمرهم ينقض بيعة المعتز ومراجعة الوفاء ببيعتهم ويذكرهم أياديه عندهم وينهاهم عن معصيته ونكث بيعته وكتب المعتز إلى محمد بن عبد الله يدعوه إلى خلع المستعين ويذكره بما أخذه أبوه المتوكل عليه بعد أخيه المنتصر من العهد وعقد الخلافة وأجابه محمد يدعوه إلى الرجوع إلى طاعة المستعين واحتج كل واحد منهما باحتجاجات يطول شرحها، ويثق محمد بن عبد الله المياه بطسوج الأنبار وبادوريا لينقطع طريق الأتراك حين تخوف ورودهم الأنبار، وكتب كل واحد من المعتز والمستعين إلى موسى بن بغا وهو مقيم بأطراف الشام لأنه كان قد أخرج إلى حمص لقتال أهلها حين قتلوا عاملهم وعصوا وامتنعوا على السلطان وبعث كل واحد منهما بعدة الوية يعقدها لمن أحب فانصرف إلى المعتز وصار معه ولم يزل الأتراك الكبار يصيرون مرة من حزب المستعين ومرة من حزب المعتز، وعقد المعتز لأخيه أبي أحمد بن المتوكل على حرب المستعين وابن طاهر وضم إليه الجيش وجعل إليه الأمر والنهي وتدبير الحرب إلى كلباتكين فعسكر بالقاطول في خمسة آلاف من الأتراك والفراغنة وألفين من المغاربة فوافوا عكبراء فصلى أبو أحمد بها ودعا للمعتز وكتب بذلك نسخاً إلى المعتز وجعل الأتراك ينتهبون القرى ما بين عكبراء وبغداد وأواناً وهرب الناس منهم وخلوا عن الغلات والضياع فخربت وهدمت المنازل وسلب الناس في الطرق وجرى في ذلك أمر فظيع قبيح، ولما وافى الحسن بن الأفشين مدينة السلام وكل بباب الشماسية ثم وافى أبو أحمد في عسكره الشماسية ووافت طلائع الأتراك إلى قرب نم باب الشماسية، فوجه محمد بن عبد الله الحسين بن إسماعيل والشاه بن ميكال فيمن معهما فلما عاين الأتراك الاعلام والرايات قد أقبلت نحوهم انصرفوا إلى معسكر هم وانصرف الحسين والشاه، ثم وافى باب الشماسية اثنا عشر فارساً من الأتراك فشتموا من هناك ورموهم بسهامهم وكان محمد تقدم إلا يبدؤوهم بقتال فلما فعلوا ذلك وأكثروا من الشتم والرمي أمر علل صاحب المنجنيق فرموا بحجر أصابوا منهم واحداً فقتله فنزل أصحابه فحملوه وانصرفوا إلى معسكرهم ثم وافى الأتراك باب.. وحمل إلى الحسين مال وأسورة لمن أبلى وأمد بالرجال فجاءه أبو السنا محمد بن عبدوس والحجاف بن سوادة في ألف فارس وراجل وجند انتخبوا من بنادات شتى ونزل الحسين بعسكره إلى قرب من دمما.البرذان ثماني عرادات في كل ناحية أربع وأربع شداخات وكذلك كل باب من أبواب بغداد في الجانب الشرقي والغربي وجعل لكل باب من أبوابها دهليزاً عليه السقائف ووكل بكل باب قواداً برجالهم تسع مائة فارس ومائة راجل ولكل منجنيق وعرادة رجالاً مرتبين يمدون حباله ورامياً يرمى إذا كان قتال، وفرض فروضاً من أهل خراسان قدموا حجاجاً فسئلوا المعونة على قتال الأتراك فأعانوا وأمر محمد بن عبد الله أن يفرض من العيارين فرض وأن يجعل عليهم عريف ويعمل لهم تراس من البواري المقيرة وأن يعمل لهم مخال بلا حجارة ففعل ذلك وكان الرجل منهم يقوم خلف البارية فلا يرى منها عملت نسائجات أنفق عليها زيادة على مائة دينار وكان العريف على أصحاب المقيرة من العيارين رجل يقال له ينتويه، وكتب المستعين إلى عمال الخراج بكل بلدة وموضع أن يكون حملهم ما يحملون من الأموال إلى السلطان بغداد دون غيرها وكتب إلى الأتراك والجند الذين بسر من رأى يأمرهم ينقض بيعة المعتز ومراجعة الوفاء ببيعتهم ويذكرهم أياديه عندهم وينهاهم عن معصيته ونكث بيعته وكتب المعتز إلى محمد بن عبد الله يدعوه إلى خلع المستعين ويذكره بما أخذه أبوه المتوكل عليه بعد أخيه المنتصر من العهد وعقد الخلافة وأجابه محمد يدعوه إلى الرجوع إلى طاعة المستعين واحتج كل واحد منهما باحتجاجات يطول شرحها، ويثق محمد بن عبد الله المياه بطسوج الأنبار وبادوريا لينقطع طريق الأتراك حين تخوف ورودهم الأنبار، وكتب كل واحد من المعتز والمستعين إلى موسى بن بغا وهو مقيم بأطراف الشام لأنه كان قد أخرج إلى حمص لقتال أهلها حين قتلوا عاملهم وعصوا وامتنعوا على السلطان وبعث كل واحد منهما بعدة الوية يعقدها لمن أحب فانصرف إلى المعتز وصار معه ولم يزل الأتراك الكبار يصيرون مرة من حزب المستعين ومرة من حزب المعتز، وعقد المعتز لأخيه أبي أحمد بن المتوكل على حرب المستعين وابن طاهر وضم إليه الجيش وجعل إليه الأمر والنهي وتدبير الحرب إلى كلباتكين فعسكر بالقاطول في خمسة آلاف من الأتراك والفراغنة وألفين من المغاربة فوافوا عكبراء فصلى أبو أحمد بها ودعا للمعتز وكتب بذلك نسخاً إلى المعتز وجعل الأتراك ينتهبون القرى ما بين عكبراء وبغداد وأواناً وهرب الناس منهم وخلوا عن الغلات والضياع فخربت وهدمت المنازل وسلب الناس في الطرق وجرى في ذلك أمر فظيع قبيح، ولما وافى الحسن بن الأفشين مدينة السلام وكل بباب الشماسية ثم وافى أبو أحمد في عسكره الشماسية ووافت طلائع الأتراك إلى قرب نم باب الشماسية، فوجه محمد بن عبد الله الحسين بن إسماعيل والشاه بن ميكال فيمن معهما فلما عاين الأتراك الاعلام والرايات قد أقبلت نحوهم انصرفوا إلى معسكر هم وانصرف الحسين والشاه، ثم وافى باب الشماسية اثنا عشر فارساً من الأتراك فشتموا من هناك ورموهم بسهامهم وكان محمد تقدم إلا يبدؤوهم بقتال فلما فعلوا ذلك وأكثروا من الشتم والرمي أمر علل صاحب المنجنيق فرموا بحجر أصابوا منهم واحداً فقتله فنزل أصحابه فحملوه وانصرفوا إلى معسكرهم ثم وافى الأتراك باب.. وحمل إلى الحسين مال وأسورة لمن أبلى وأمد بالرجال فجاءه أبو السنا محمد بن عبدوس والحجاف بن سوادة في ألف فارس وراجل وجند انتخبوا من بنادات شتى ونزل الحسين بعسكره إلى قرب من دمما.

أنجز الكتاب.. ويتلوه إن شاء الله في الجزء السابع ذكر رأي أشير به عليه صواب والحمد لله رب العالمين وصلواته على محمد النبي وآله الطاهرين وسلم