كتاب : الأشباه والنظائر
المؤلف : عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي
واحتمل أن يقال إن نصيب عبد القادر كله يقسم الآن على أولاده عملا بقول الواقف ثم على أولاده ثم على أولاد أولاده فقد أثبت لجميع أولاد الأولاد استحقاقا بعد الأولاد وإنما حجبنا عبد الرحمن وملكة وهما من أولاد الأولاد بالأولاد فاذا انقرض الأولاد زال الحجب فيستحقان ويقسم نصيب عبد القادر بين جميع أولاد أولاده فلا يحصل لزينب جميع نصيب أبيها وينقص ما كان بيد فاطمة بنت لطيفة وهذا أمر اقتضاه النزول الحادث بانقراض طبقة الأولاد المستفاد من شرط الواقف أن أولاد الأولاد بعدهم ولا شك أن فيه مخالفة لظاهر قوله إن من مات فنصيبه لولده فان ظاهره يقتضي أن نصيب علي لبنته زينب واستمرار نصيب لطيفة لبنتها فاطمة فخالفناه بهذا العمل فيهما جميعا ولو لم نخالف ذلك لزمنا مخالفة قول الواقف إن بعد الأولاد يكون لأولاد الأولاد وظاهره يشمل الجميع فهذان الظاهران تعارضا وهو تعارض قوي صعب ليس في هذا الوقف محز أصعب منه وليس الترجيح فيه بالهين بل هو محل نظر الفقيه وخطر لي فيه طرق منها أن الشرط المقتضى لإستحقاق أولاد الأولاد جميعهم متقدم في كلام الواقف والشرط المقتضى لإخراجهم بقوله من مات انتقل نصيبه لولده متأخر فالعمل بالمتقدم أولى لأن هذا ليس من باب النسخ حتى يقال العمل بالمتأخر أولى ومنها أن ترتيب الطبقات أصل وذكر انتقال نصيب الوالد الى ولده فرع وتفصيل لذلك الأصل فكان التمسك بالأصل أولى ومنها أن من صيغة عامة فقوله من مات وله ولد صالح لكل فرد منهم ولمجموعهم وإذا أريد مجموعهم كان انتقال نصيب مجموعهم إلى مجموع الأولاد من مقتضيات هذا الشرط فكان إعمالا له من وجه مع إعمال الأول وإن لم نعمل بذلك كان إلغاء للأول من كل وجه وهو مرجوح ومنها إذا تعارض الأمر بين إعطاء بعض الذرية وحرمانهم تعارضا لا ترجيح فيه فالاعطاء أولى لأنه لا شك أقرب الى غرض الواقفين ومنها أن استحقاق زينب لأقل الأمرين وهو الذي يخصها إذا شرك بينها وبين بقية أولاد الأولاد محقق وكذا فاطمة والزائد على المحقق في حقها مشكوك فيه ومشكوك في استحقاق عبد الرحمن وملكة له فاذا لم يحصل ترجيح في التعارض بين اللفظين يقسم بينهم فيقسم بين عبد الرحمن وملكة وزينب وفاطمة وهل يقسم للذكر مثل حظ الأنثيين فيكون لعبد الرحمن خمساه ولكل من الإناث خمسه نظرا إليهم دون أصولهم أو ينظر إلى أصولهم فينزلون منزلتهم
لو كانوا موجودين فيكون لفاطمة خمسه ولزينب خمساه ولعبد الرحمن وملكة خمساه فيه احتمال وأنا الى الثاني أميل حتى لا يفضل فخذ على فخذ في المقدار بعد ثبوت الاستحقاق فلما توفيت فاطمة من غير نسل والباقون من أهل الوقف زينب بنت خالها وعبد الرحمن وملكة ولدا عمها وكلهم في درجتها وجب قسم نصيبها بينهم لعبد الرحمن نصفه ولملكة ربعه ولزينب ربعه ولا نقول هنا ننظر الى أصولهم لأن الانتقال من مساويهم ومن هو في درجتهم فكان اعتبارهم بأنفسهم أولى فاجتمع لعبد الرحمن وملكة الخمسان حصلا لهما بموت علي ونصف وربع الخمس الذي لفاطمة بينهما بالفريضة فلعبد الرحمن خمس ونصف خمس وثلث خمس ولملكة ثلثا خمس وربع خمس واجتمع لزينب الخمسان بموت والدها وربع خمس فاطمة فاحتجنا الى عدد يكون له خمس ولخمسه ثلث وربع وهو ستون فقسمنا نصيب عبد القادر عليه لزينب خمساه وربع خمسه وهو سبعة وعشرون ولعبد الرحمن اثنان وعشرون وهي خمس ونصف خمس وثلث خمس ولملكة إحدى عشر وهي ثلثا خمس وربع خمس فهذا ما ظهر لي ولا أشتهي أحدا من الفقهاء يقلدني بل ينظر لنفسه انتهى كلام السبكي قلت الذي يظهر لي اختياره أولا دخول عبد الرحمن وملكة بعد موت عبد القادر عملا بقوله ومن مات من أهل الوقف ألخ وما ذكره السبكي من أنه لا يطلق عليه أنه من أهل الوقف ممنوع وما ذكره في تأويل قوله قبل استحقاقه خلاف الظاهر من اللفظ وخلاف المتبادر الى الأفهام بل صريح كلام الواقف أنه أراد بأهل الوقف الذي مات قبل استحقاقه لا الذي لم يدخل في الاستحقاق بالكلية ولكنه بصدد أن يصل اليه وقوله لشئ من منافع الوقف دليل قوي لذلك فانه نكره في سياق الشرط وفي سياق كلام معناه النفي فيعم لأن المعنى لم يستحق شيئا من منافع الوقف وهذا صريح في رد التأويل الذي قاله ويؤيده أيضا قوله استحق ما كان يستحقه المتوفي لو بقي حيا الى أن يصير إليه شئ من منافع الوقف فهذه الألفاظ كلها صريحة في أنه مات قبل الإستحقاق وأيضا لو كان المراد ما قاله السبكي لاستغنى عنه بقوله أولا على أن من مات عن
ولد عاد ما كان جاريا عليه على ولده فانه يغني عنه ولا ينافي هذا اشتراطه الترتيب في الطبقات بثم لأن ذاك عام خصصه هذا كما خصصه أيضا قوله على أن من مات عن ولد إلى آخره وأيضا فانا إذا عملنا بعموم اشتراط الترتيب لزم منه إلغاء هذا الكلام بالكلية وأن لا يعمل في صورة لأنه على هذا التقدير إنما استحق عبد الرحمن وملكة لما استووا في الدرجة أخذا من قوله عاد على من في درجته فبقي قوله ومن مات قبل استحقاقه ألخ مهملا لا يظهر أثره في صورة بخلاف ما إذا أعملناه وخصصنا به عموم الترتيب فإن فيه إعمالا للكلامين وجمعا بينهما وهذا أمر ينبغي أن يقطع به وحينئذ فتقول لما مات عبد القادر قسم نصيبه بين أولاده الثلاثة وولدي ولده أسباعا لعبد الرحمن وملكة السبعان أثلاثا فلما مات عمر عن غير نسل انتقل نصيبه الى أخويه وولدي أخيه فيصير نصيب عبد القادر كلهم بينهم لعلي خمسان وللطيفة خمس ولعبد الرحمن وملكة خمسان أثلاثا ولما توفيت لطيفة انتقل نصيبها بكماله لبنتها فاطمة ولما مات علي انتقل نصيبه بكماله لبنته زينب ولما توفيت فاطمة بنت لطيفة والباقون في درجتها زينب وعبد الرحمن وملكة قسم نصيبها بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين اعتبارا بهم لا بأصولهم لما ذكر السبكي لعبد الرحمن نصف ولكل بنت ربع فاجتمع لعبد الرحمن بموت عمر خمس وثلث وبموت فاطمة نصف خمس ولملكة بموت عمر ثلثا خمس وبموت فاطمة ربع خمس ولزينب بموت علي خمسان وبموت فاطمة ربع خمس فيقسم نصيب عبد القادر ستين جزءا لزينب سبعة وعشرون وهي خمسان وربع خمس ولعبد الرحمن اثنان وعشرون وهي خمس ونصف وثلث ولملكة أحد عشر وهي ثلثا خمس وربع فصحت مما قاله السبكي لكن الفرق تقدم استحقاق عبدالرحمن وملكة والجزم حينئذ بصحة هذه القسمة والسبكي تردد فيها وجعلها من باب قسمة المشكوك في استحقاقه ونحن لا نتردد في ذلك وسئل السبكي أيضا عن رجل وقف على حمزة ثم أولاده ثم أولادهم وشرط أن من مات من أولاده انتقل نصيبه للمستحقين من إخوته ومن مات قبل استحقاقه لشيء من منافع الوقف وله ولد استحق ولده ما كان يستحقه المتوفى لو كان حيا فمات حمزة وخلف ولدين وهما عماد الدين وخديجة وولد ولد مات أبوه في حياة والده وهو نجم الدين بن مؤيد الدين بن حمزة فأخذ الوالدان نصيبهما وولد الولد النصيب الذي لو كان أبوه حيا لأخذه ثم ماتت خديجة فهل يختص أخوها بالباقي أو يشاركه ولد أخيه نجم الدين
فأجاب تعارض فيه اللفظان فيحتمل المشاركة ولكن الأرجح اختصاص الأخ ويرجحه أن التنصيص على الإخوة وعلى المستحقين منهم كالخاص وقوله ومن مات قبل الاستحقاق كالعام فيقدم الخاص على العام
تنبيه
قال السبكي وولده محل هذه القاعدة أن يستوي الإعمال والإهمال بالنسبة إلى الكلام أما إذا بعد الإعمال عن اللفظ وصار بالنسبة إليه كاللغز فلا يصير راجحا ومن ثم لو أوصى بعود من عيدانه وله عيدان لهو وعيدان قسي وبناء فالأصح بطلان الوصية تنزيلا على عيدان اللهو لأن اسم العود عند الإطلاق له واستعماله في غيره مرجوح وليس كالطبل لوقوعه على الجميع وقوعا واحدا كذا فرق الأصحاب بين المسئلتين ولو قال زوجتك فاطمة ولم يقل بنتي لم يصح على الأصح لكثرة الفواطمفصل يدخل في هذه القاعدة قاعدة التأسيس أولى من التأكيد
فإذا دار اللفظ بينهما تعين حمله على التأسيس وفيه فروع منها قال أنت طالق أنت طالق ولم ينو شيئا فالأصح الحمل على الاستئناف ومنها إذا قال لزوجته إن ظاهرت من فلانة الأجنبية فأنت علي كظهر أمي ثم تزوج تلك وظاهر فهل يصير مظاهرا من الزوجة الأولى وجهان أصحهما في التنبيه لا حملا للصفة على الشرط فكأنه علق ظهاره على ظهاره من تلك حال كونها أجنبية وذلك تعليق على مالا يكون ظهارا شرعيا والثاني نعم ويجعل الوصف بقوله الأجنبية توضيحا لا تخصيصا وهذا هو الأصح عند النوويالقاعدة الحادية عشرة الخراج بالضمان
هو حديث صحيح أخرجه الشافعي وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان من حديث عائشة وفي بعض طرقه ذكر السبب وهو أن رجلا ابتاع عبدا فأقام عنده ما شاء الله أن يقيم ثم وجد به عيبا فخاصمه إلى النبيصلى الله عليه وسلم فرده عليه فقال الرجل يا رسول الله قد استعمل غلامي فقال الخراج بالضمان قال أبو عبيد الخراج في هذا الحديث غلة العبد يشتريه الرجل فيستغله زمانا ثم يعثر منه على عيب دلسه البائع فيرده ويأخذ جميع الثمن ويفوز بغلته كلها لأنه كان في ضمانه ولو هلك هلك من ماله انتهى وكذا قال الفقهاء معناه ما خرج من الشيء من غلة ومنفعة وعين فهو للمشتري عوض ما كان عليه من ضمان الملك فإنه لو تلف المبيع كان من ضمانه فالغلة له ليكون الغنم في مقابلة الغرم وقد ذكروا هنا سؤالين أحدهما لو كان الخراج في مقابلة الضمان لكانت الزوائد قبل القبض للبائع ثم العقد أو انفسخ لكونه من ضمانه ولا قائل به وأجبيب بأن الخراج معلل قبل القبض بالملك وبعده به وبالضمان معا واقتصر في الحديث على التعليل بالضمان لأنه أظهر عند البائع وأقطع لطلبه واستبعاده أن الخراج للمشتري الثاني لو كانت العلة الضمان لزم أن يكون الزوائد للغاصب لأن ضمانه أشد من ضمان غيره وبهذا احتج لأبي حنيفة في قوله إن الغاصب لا يضمن منافع المغصوب وأجيب بأنه صلى الله عليه وسلم قضى بذلك في ضمان الملك وجعل الخراج لمن هو مالكه إذا تلف تلف على ملكه وهو المشتري والغاصب لا يملك المغصوب وبأن الخراج هو المنافع جعلها لمن عليه الضمان ولا خلاف أن الغاصب لا يملك المغصوب بل إذا أتلفها فالخلاف في ضمانها عليه فلا يتناول موضع الخلاف نعم خرج عن هذا مسئلة وفي ما لو أعتقت المرأة عبدا فإن ولاءه يكون لابنها ولو جنى جناية خطأ فالعقل على عصبتها دونه وقد يجيء مثله في بعض العصبات يعقل ولا يرث القاعدة الثانية عشرة الخروج من الخلاف مستحب فروعها كثيرة جدا لا تكاد تحصى فمنها استحباب الدلك في الطهارة واستيعاب الرأس بالمسح وغسل المني بالماء والترتيب في قضاء الصلوات وترك صلاة الأداء خلف القضاء وعكسه والقصر في سفر يبلغ ثلاث مراحل وتركه فيما دون ذلك وللملاح الذي يسافر بأهله وأولاده وترك الجمع وكتابة العبد القوي الكسوب ونية الإمامة واجتناب استقبال القبلة
واستدبارها مع الساتر وقطع المتيمم الصلاة إذا رأى الماء خروجا من خلاف من أوجب الجميع وكراهة الحيل في باب الربا ونكاح المحلل خروجا من خلاف من حرمه وكراهة صلاة المنفرد خلف الصف خروجا من خلاف من أبطلها وكذا كراهة مفارقة الإمام بلا عذر والاقتداء في خلال الصلاة خروجا من خلاف من لم يجز ذلك
تنبيه لمراعاة الخلاف شروط
أحدها أن لا يوقع مراعاته في خلاف آخر ومن ثم كان فصل الوتر أفضل من وصله ولم يراع خلاف أبي حنيفة لأن من العلماء من لا يجيز الوصل الثاني أن لا يخالف سنة ثابتة ومن ثم سن رفع اليدين في الصلاة ولم يبال برأي من قال بإبطاله الصلاة من الحنفية لأنه ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية نحو خمسين صحابيا الثالث أن يقوي مدركه بحيث لا يعد هفوة ومن ثم كان الصوم في السفر أفضل لمن قوي عليه ولم يبال بقول داود إنه لا يصح وقد قال إمام الحرمين في هذه المسئلة إن المحققين لا يقيمون لخلاف أهل الظاهر وزناتنبيه
شكك بعض المحققين على قولنا بأفضلية الخروج من الخلاف فقال الأولوية والأفضلية إنما تكون حيث سنة ثابتة وإذا اختلفت الأمة على قولين قول بالحل وقول بالتحريم واحتاط المستبرىء لدينه وجرى على الترك حذرا من ورطات الحرمة لا يكون فعله ذلك سنة لأن القول بأن هذا الفعل يتعلق به الثواب من غير عقاب على الترك لم يقل به أحد والأئمة كما ترى بين قائل بالإباحة وقائل بالتحريم فمن أين الأفضلية وأجاب ابن السبكي بأن أفضليته ليست لثبوت سنة خاصة فيه بل لعموم الاحتياط والاستبراء للدين وهو مطلوب شرعا مطلقا فكان القول بأن الخروج من الخلاف أفضل ثابت من حيث العموم واعتماده من الورع المطلوب شرعا
خاتمة
من فروع هذه القاعدة في العربية إذا دار الأمر في ضرورة الشعر أو التناسب بين قصر الممدود ومد المقصور فالأول أولى لأنه متفق على جوازه والثاني مختلف فيهالقاعدة الثالثة عشرة الدفع أقوى من الرفع
ولهذا الماء المستعمل إذا بلغ قلتين في عوده طهورا وجهان ولو استعمل القلتين ابتداء لم يصر مستعملا بلا خلاف والفرق أن الكثرة في الابتداء دافعة وفي الأثناء رافعة والدفع أقوى من الرفع ومن ذلك للزوج منع زوجته من حج الفرض ولو شرعت فيه بغير إذنه ففي جواز تحليلها قولان ووجود الماء قبل الصلاة للمتيمم يمنع الدخول فيها وفي أثنائها لا يبطلها حيث تسقط به واختلاف الدين المانع من النكاح يدفعه ابتداء ولا يرفعه في الأثناء بل يوقف على انقضاء العدة والفسق يمنع انعقاد الإمامة ابتداء ولو عرض في الأثناء لم ينعزل القاعدة الرابعة عشرة الرخص لا تناط بالمعاصي ومن ثم لا يستبيح العاصي بسفره شيئا من رخص السفر من القصر والجمع والفطر والمسح ثلاثا والتنفل على الراحلة وترك الجمعة وأكل الميتة وكذا التيمم على وجه اختاره السبكي ويأثم بترك الصلاة إثم تارك لها مع إمكان الطهارة لأنه قادر على استباحة التيمم بالتوبة والصحيح أنه يلزمه التيمم لحرمة الوقت ويلزمه الإعادة لتقصيره بترك التوبة ولو وجد العاصي بسفره ماء واحتاج إليه للعطش لم يجز له التيمم بلا خلاف وكذا من به مرض وهو عاص بسفره لأنه قادر على التوبة قال القفال في شرح التلخيص فإن قيل كيف حرمتم أكل الميتة على العاصي بسفره مع أنه مباح للحاضر في حال الضرورة وكذا من به مرض يجوز له التيمم في الحضر فالجواب أن ذلك وإن كان مباحا في الحضر عند الضرورة لكن سفره سبب لهذه الضرورة وهو معصية فحرمت عليه الميتة في الضرورة كما لو سافر لقطع الطريقفجرح لا يجوز له التيمم لذلك الجرح مع أن الحاضر الجريح يجوز له فإن قيل تحريم الميتة يؤدي إلى الهلاك فالجواب أنه قادر على استباحته بالتوبة انتهى وهل يجوز للعاصي بسفره مسح المقيم وجهان أصحهما نعم لأن ذلك جائز بلا سفر والثاني لا تغليظا عليه كأكل الميتة وحكى الوجهان في العاصي بالإقامة كعبد أمره سيده بالسفر فأقام قال في شرح المهذب والمشهور القطع بالجواز وطرد الإصطخري القاعدة في سائر الرخص فقال إن العاصي بالإقامة لا يستبيح شيئا منها وفرق الأكثرون بأن الإقامة نفسها ليست معصية لأنها كف وإنما الفعل الذي يوقعه في الإقامة معصية والسفر في نفسه معصية ومن فروع القاعدة لو استنجى بمحترم أو مطعوم لا يجزئه في الأصح لأن الاقتصار على الحجر رخصة فلا يناط بمعصية ومنها لو استنجى بذهب أو فضة ففي وجه لا يجزيه لأنه رخصة واستعمال النقد حرام والصحيح الإجزاء ومنها لو لبس خفا مغصوبا ففي وجه لا يمسح عليه لأنه رخصة لمشقة النزع وهذا عاص بالترك واستدامة اللبس والصحيح الجواز كالتيمم بتراب مغصوب فإنه يجوز مع أن التيمم رخصة قال البلقيني ونظيره المسح على خف مغصوب غسل الرجل المغصوبة في الوضوء وصورته أن يجب عليه التمكين من قطعها في قصاص أو سرقة فلا يمكن من ذلك ولو لبس خفا من ذهب أو فضة ففيه الوجهان في المغصوب وقطع المتولي هنا بالمنع لأن التحريم هنا لمعنى في نفس الخف فصار كالذي لا يمكن متابعة المشي عليه قال في شرح المهذب وينبغي أن يكون الحرير مثله ولو لبس المحرم الخف فلا نقل فيه عندنا والمصحح عند المالكية أنه ليس له المسح وهو ظاهر فإن المعصية هنا في نفس اللبس ثم رأيت الأسنوي ذكر المسألة في ألغازه وقال إن المتجه المنع جزما ولا يتخرج
على الخلاف في المغصوب ونحوه فإن المنع هناك بطريق العرض لا لمعنى في اللبس ولهذا يلبس غيره ويمسح عليه وأما المحرم فقام به معنى آخر أخرجه عن أهلية المسح لامتناع اللبس مطلقا ومنها لو جن المرتد وجب عليه قضاء صلوات أيام الجنون أيضا بخلاف ما إذا حاضت المرتدة لا تقضي صلوات أيام الحيض لأن سقوط القضاء عن الحائض عزيمة وعن المجنون رخصة والمرتد ليس من أهل الرخصة ومنها لو شربت دواء فأسقطت ففي وجه تقضي صلوات أيام النفاس لأنها عاصية والأصح لا لأن سقوط القضاء عن النفساء عزيمة لا رخصة ومنها لو ألقى نفسه فانكسرت رجله وصلى قاعدا ففي وجه يجب القضاء لعصيانه والأصح لا ومنها يجوز تقديم الكفارة على الحنث رخصة فلو كان الحنث بمعصية فوجهان لأن الرخص لا تناط بالمعاصي ومنها لو صب الماء بعد الوقت لغير غرض وتيمم ففي وجه تجب الإعادة لعصيانه والأصح لا لأنه فاقد ومنها إذا حكمنا بنجاسة جلد الآدمي بالموت ففي وجه لا يطهر بالدباغ لأن استعماله معصية والرخص لا تناط بالمعاصي والأصح أنه يطهر كغيره وتحريمه ليس لعينه بل للامتهان على أي وجه كان ولأنه يحرم استعماله وإن قلنا بطهارته
تنبيه معنى قولنا الرخص لا تناط بالمعاصي
أن فعل الرخصة متى توقف على وجود شيء نظر في ذلك الشيء فإن كان تعاطيه في نفسه حراما امتنع معه فعل الرخصة وإلا فلا وبهذا يظهر الفرق بين المعصية بالسفر والمعصية فيه فالعبد الآبق والناشزة والمسافر للمكس ونحوه عاص بالسفر فالسفر نفسه معصية والرخصة منوطة به مع دوامه ومعلقة ومترتبة عليه ترتب المسبب على السبب فلا يباح ومن سافر مباحا فشرب الخمر في سفره فهو عاص فيه أي مرتكب المعصية في السفر المباح فنفس السفر ليس معصية ولا آثما به فتباح فيه الرخص لأنها منوطة بالسفر وهو في نفسه مباح ولهذا جاز المسح على الخف المغصوب بخلاف المحرم لأن الرخصة منوطة باللبس وهو للمحرم معصية وفي المغصوب ليس معصية لذاته أي لكونه لبسا بل للاستيلاء على حق الغير ولذا لو ترك اللبس لم تزل المعصية بخلاف المحرم
القاعدة الخامسة عشرة الرخص لا تناط بالشك
ذكرها الشيخ تقي الدين السبكي وفرع عليها أنه إذا غسل إحدى رجليه وأدخلها لا يستبيح لأنه لم يدخلهما طاهرتين ومن فروعها وجوب الغسل لمن شك في جواز المسح ووجوب الإتمام لمن شك في جواز القصر وذلك في صور متعددةالقاعدة السادسة عشرة الرضى بالشيء رضى بما يتولد منه
وقريب منها قاعدة المتولد من مأذون فيه لا أثر له ومن فروعها رضى أحد الزوجين بعيب صاحبه فزاد فلا خيار له على الصحيح ومنها أذن المرتهن للراهن في ضرب العبد المرهون فهلك في الضرب فلا ضمان لأنه لولد من مأذون فيه كما لو أذن في الوطء فأحبل ومنها قال مالك أمره اقطع يدي ففعل فسرى فهدر على الأظهر ومنها لو قطع قصاصا أو حدا فسرى فلا ضمان ومنها تطيب قبل الإحرام فسرى إلى موضع آخر بعد الإحرام فلا فدية فيه ومنها محل الاستجمار معفو عنه فلو عرق فتلوث منه فالأصح العفو ومنها لو سبق ماء المضمضة أو الاستنشاق إلى جوفه ولم يبالغ لم يفطر في الأصح بخلاف ما إذا بالغ لأنه تولد من منهي عنه ويستثنى من القاعدة ما كان مشروطا بسلامة العاقبة كضرب المعلم والزوج والولي وتعزير الحاكم وإخراج الجناح ونحو ذلكالقاعدة السابعة عشرة السؤال معاد في الجواب
فلو قيل له على وجه الاستخبار أطلقت زوجتك فقال نعم كان إقرارا به يؤاخذ به في الظاهر ولو كان كاذبا ولو قيل ذلك على وجه التماس الإنشاء فاقتصر على قوله نعم فقولان أحدهما أنه كناية لا يقع إلا بالنيةوالثاني وهو الأصح صريح لأن السؤال معاد في الجواب فكأنه قال طلقتها وحينئذ لا يقدح كونه صريحا في حصرهم ألفاظ الصريح في الطلاق والفراق والسراح ولو قالت أبني بألف فقال أبنتك ونوى الزوج الطلاق دونها فوجهان أحدهما لا يقع الطلاق لأن كلامه جواب على سؤالها فكأن المال معاد في الجواب وهي لم يوجد منها القبول لعدم نية الفراق وهو إنما رضي بعوض وهذا ما صححه الإمام والثاني أنه يقع رجعيا ويحمل ذلك على ابتداء خطاب منه لأنه مستقل بنفسه ورجحه البغوي ومن فروع القاعدة مسائل الإقرار كلها إذا قال لي عندك كذا فقال نعم أو ليس عليك كذا فقال بلى أو قال أجل في الصورتين فهو إقرار بما سأله عنه ولو قال لي عليك مائة فقال إلا درهما ففي كونه مقرا بما عدا المستثنى وجهان أصحهما المنع لأن الإقرار لا يثبت بالمفهوم القاعدة الثامنة عشرة لا ينسب للساكت قول هذه عبارة الشافعي رضي الله عنه ولهذا لو سكت عن وطء أمته لا يسقط المهر قطعا أو عن قطع عضو منه أو إتلاف شيء من ماله مع القدرة على الدفع لم يسقط ضمانه بلا خلاف بخلاف ما لو أذن في ذلك ولو سكتت الثيب عند الاستئذان في النكاح لم يقم مقام الإذن قطعا ولو علم البائع بوطء المشتري الجارية في مقدار مدة الخيار لا يكون إجازة في الأصح ولو حمل من مجلس الخيار ولم يمنع من الكلام لم يبطل خياره في الأصح وخرج عن القاعدة صور منها البكر سكوتها في النكاح إذن للأب والجد قطعا ولسائر العصبة والحاكم في الأصح ومنها سكوت المدعى عليه عن الجواب بعد عرض اليمين عليه يجعله كالمنكر الناكل وترد اليمين على المدعي ومنها لو نقض بعض أهل الذمة ولم ينكر الباقون بقول ولا فعل بل سكتوا انتقض فيهم أيضا
ومنها لو رأى السيد عبده يتلف مالا لغيره وسكت عنه ضمنه ومنها إذا سكت المحرم وقد حلقه الحلال مع القدرة على منعه لزمه الفدية في الأصح ومنها لو باع العبد البالغ وهو ساكت صح البيع ولا يشترط أن يعترف بأن البائع سيده في الأصح ومنها القراءة على الشيخ وهو ساكت ينزل منزلة نطقه في الأصح ومنها مسائل أخر ذكرها القاضي جلال الدين البلقيني أكثرها على ضعيف وبعضها اقترن به فعل قام مقام النطق وبعضها فيه نظر القاعدة التاسعة عشرة ما كان أكثر فعلا كان أكثر فضلا أصله قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة أجرك على قدر نصبك رواه مسلم ومن ثم كان فصل الوتر أفضل من وصله لزيادة النية والتكبير والسلام وصلاة النفل قاعدا على النصف من صلاة القائم ومضطجعا على النصف من القاعد وإفراد النسكين أفضل من القران وخرج عن ذلك الصور الأولى القصر أفضل من الإتمام بشرطه الثانية الضحى أفضلها ثمان وأكثرها ثنتا عشر والأول أفضل تأسيا بفعله صلى الله عليه وسلم الثالثة الوتر بثلاث أفضل منه بخمس أو سبع أوتسع على ما قاله في البسيط تبعا لشيخه إمام الحرمين وهو ضعيف والمجزوم به في شرح المهذب خلافه وإن كان الأكثر أفضل منه ونقله ابن الرفعة عن الروياني وأبي الطيب وقال ابن الأستاذ ينبغي القطع به الرابعة قراءة سورة قصيرة في الصلاة أفضل من بعض سورة وإن طال كما قاله المتولي لأنه المعهود من فعله صلى الله عليه وسلم غالبا الخامسة الصلاة مرة في الجماعة أفضل من فعلها وحده خمسا وعشرين مرة السادسة صلاة الصبح أفضل من سائر الصلوات مع أنها أقصر من غيرها السابعة ركعة الوتر أفضل من ركعتي الفجر على الجديد بل من التهجد في الليل وإن كثرت ركعاته ذكره في المطلب قال ولعل سببه انسحاب حكمها على ما تقدمها الثامنة تخفيف ركعتي الفجر أفضل من تطويلهما التاسعة صلاة العيد أفضل من صلاة الكسوف مع كونها أشق وأكثر عملا
العاشرة الجمع بين المضمضة والاستنشاق بثلاث غرفات والفصل بغرفتين أفضل منه بست الحادية عشرة التصدق بالأضحية بعد أكل لقم يتبرك بها أفضل من التصدق بجميعها الثانية عشرة الإحرام من الميقات أفضل منه من دويرة أهله في الأظهر الثالثة عشرة الحج والوقوف راكبا أفضل منه ماشيا تأسيا بفعله صلى الله عليه وسلم في الصورتين
تنبيه
أنكر الشيخ عز الدين كون الشاق أفضل وقال إن تساوى العملان من كل وجه في الشرف والشرائط والسنن كان الثواب على أشقهما أكثر كاغتسال في الصيف والشتاء سواء في الأفعال ويزيد أجر الاغتسال في الشتاء بتحمل مشقة البرد فليس التفاوت في نفس العملين بل فيما لزم عنهما وكذلك مشاق الوسائل كقاصد المساجد أو الحج أو العمرة من مسافة قريبة وآخر من بعيد فإن ثوابهما يتفاوت بتفاوت الوسيلة ويتساويان من جهة القيام بأصل العبادة وإن لم يتساو العملان فلا يطلق القول بتفضيل أشقيهما بدليل أن الإيمان أفضل الأعمال مع سهولته وخفته على اللسان وكذلك الذكر على ما شهدت به الأخبار وكذلك إعطاء الزكاة مع طيب النفس أفضل من إعطائها مع البخل ومجاهدة النفس وكذلك جعل النبي صلى الله عليه وسلم الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة وجعل الذي يقرؤه ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران القاعدة العشرون المتعدي أفضل من القاصر ومن ثم قال الأستاذ أبو إسحاق وإمام الحرمين وأبوه للقائم بفرض الكفاية مزية على العين لأنه أسقط الحرج عن الأمة وقال الشافعي طلب العلم أفضل من صلاة النافلة وأنكر الشيخ عز الدين هذا الإطلاق أيضا وقال قد يكون القاصر أفضل كالإيمان وقد قدم النبي صلى الله عليه وسلم التسبيح عقب الصلاة على الصدقة وقال خير أعمالكم الصلاة وسئل أي الأعمال أفضل فقال إيمان بالله ثم جهاد في سبيل الله ثم حج مبرور وهذه كلها قاصرةثم اختار تبعا للغزالي في الإحياء أن أفضل الطعات على قدر المصالح الناشئة عنها القاعدة الحادية والعشرون الفرض أفضل من النفل قال صلى الله عليه وسلم فيما يحكيه عن ربه وما تقرب إلى المتقربون بمثل أداء ما افترضت عليهم رواه البخاري قال إمام الحرمين قال الأئمة خص الله نبيه صلى الله عليه وسلم بإيجاب أشياء لتعظيم ثوابه فإن ثواب الفرائض يزيد على ثواب المندوبات بسبعين درجة وتمسكوا بما رواه سلمان الفارسي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في شهر رمضان من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ومن أدى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه فقابل النفل فيه بالفرض في غيره وقابل الفرض فيه بسبعين فرضا في غيره فأشعر هذا بطريق الفحوى أن الفرض يزيد على النفل سبعين درجة اه قال ابن السبكي وهذا أصل مطرد لا سبيل إلى نقضه بشيء من الصور وقد استثنى
فروع
أحدها إبراء المعسر فإنه أفضل من إنظاره وإنظاره واجب وإبراؤه مستحب وقد انفصل عنه التقي السبكي بأن الإبراء يشتمل على الإنظار اشتمال الأخص على الأعم لكونه تأخيرا للمطالبة فلم يفضل ندب واجبا وإنما فضل واجب وهو الإنظار الذي تضمنه الإبراء وزيادة وهو خصوص الإبراء واجبا آخر وهو مجرد الإنظار قال ابنه أو يقال إن الإبراء محصل لمقصود الإنظار وزيادة من غير اشتماله عليه قال وهذا على تقدير تسليم أن الإبراء أفضل وغاية ما استدلوا عليه بقوله تعالى وأن تصدقوا خير لكم وهذا يحتمل أن يكون افتتاح كلام فلا يكون دليلا على أن الإبراء أفضل ويتطرق من هذا إلى أن الإنظار أفضل لشدة ما ينال المنظر من ألم الصبر مع تشويف القلب وهذا فضل ليس في الإبراء الذي انقطع فيه اليأس الثاني ابتداء السلام فإنه سنة والرد واجب والابتداء أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم وخيرهما الذي يبدأ صاحبه بالسلاموحكى القاضي حسين في تعليقه وجهين في أن الابتداء أفضل أو الجواب ونوزع في ذلك بأنه ليس في الحديث أن الابتداء أفضل من الجواب بل إن المتبدئ خير من المجيب وذلك لأن المبتدئ فعل حسنة وتسبب إلى فعل حسنة وهي الجواب مع ما دل عليه الابتداء من حسن الطوية وترك الهجر والجفاء الذي كرهه الشارع الثالث قال ابن عبدالسلام صلاة نافلة واحدة أفضل من إحدى الخمس الواجب فعلها على من ترك واحدة منها ونسي عينها قلت لم أر من تعقبه وهو أولى بالتعقب من الأوليين وما ذكره من أن صلاة نافلة واحدة أفضل من إحدى الخمس المذكورة فيه نظر والذي يظهر أنها إن لم تزد عليها في الثواب لا تنقص عنها الرابع الأذان سنة وهو على ما رجحه الإمام النووي أفضل من الإمامة وهي فرض كفاية أو عين وقد سئل عن ذلك السبكي في الحلبيات فأجاب بوجوه منها أنه لا يلزم من كون الجماعة فرضا كون الإمامة فرضا لأن الجماعة تتحقق بنية المأموم الائتمام دون نية الإمام ولو نوى الإمام فنيته محصلة لجزء الجماعة والجزء هنا ليس مما يتوقف عليه الكل لما بيناه فلم يلزم وجوبه وإذا لم يلزم ذلك لم يلزم القول بأن الإمامة فرض كفاية فلم يحصل تفضيل نفل على فرض وإنما نية الإمام شرط في حصول الثواب له ومنها أن الجماعة صفة للصلاة المفروضة والأذان عبادة مستقلة والقاعدة المستقرة في أن الفرض أفضل من النفل في العبادتين المستقلتين أو في الصفتين أما في عبادة وصفة فقد تختلف ومنها أن الأذان والجماعة جنسان والقاعدة المستقرة في أن الفرض أفضل من النفل في الجنس الواحد أما في الجنسين فقد تختلف فإن الصنائع والحرف فروض كفايات ويبعد أن يقال إن واحدة من رذائلها أفضل من تطوع الصلاة وإن سلم أنه أفضل من جهة أن فيه خروجا من الإثم ففي تطوع الصلاة من الفضائل ما قد يجبر ذلك أو يزيد عليه وجنس الفرض أفضل من جنس النفل وقد يكون في بعض الجنس المفضول ما يربو على بعض أفراد الجنس الفاضل كتفضيل بعض النساء على بعض الرجال
وإذا تؤمل ما جمعه الأذان من الكلمات العظيمة ومعانيها ودعوتها ظهر تفضيله وأنى يدانيه صناعة قيل إنها فرض كفاية الخامس الوضوء قبل الوقت سنة وهو أفضل منه في الوقت صرح به القمولي في الجواهر وإنما يجب بعد الوقت وقلت قديما ** الفرض أفضل من تطوع عابد ** حتى ولو قد جاء منه بأكثر ** إلا التطهر قبل وقت وابتدا ** ء للسلام كذاك إبرا معسر **
القاعدة الثانية والعشرون الفضيلة المتعلقة بنفس العبادة أولى من المتعلقة بمكانها
قال في شرح المهذب هذه قاعدة مهمة صرح بها جماعة من أصحابنا وهي مفهومة من كلام الباقين ويتخرج عليها مسائل مشهورة منها الصلاة في جوف الكعبة أفضل من الصلاة خارجها فإن لم يرج فيها الجماعة وكانت خارجها فالجماعة خارجها أفضل ومنها صلاة الفرض في المسجد أفضل منه في غيره فلو كان مسجد لا جماعة فيه وهناك جماعة في غيره فصلاتها مع الجماعة خارجه أفضل من الانفراد في المسجد ومنها صلاة النفل في البيت أفضل منها في المسجد لأن فعلها في البيت فضيلة تتعلق بها فإنه سبب لتمام الخشوع والإخلاص وأبعد من الرياء وشبهه حتى إن صلاة النفل في بيته أفضل منها في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم لذلك ومنها القرب من الكعبة في الطواف مستحب والرمل مستحب فلو منعته الزحمة من الجمع بينهما ولم يمكنه الرمل مع القرب وأمكنه مع البعد فالمحافظة على الرمل مع البعد أولى من المحافظة على القرب بلا رمل لذلك وخرج عن ذلك صور منها الجماعة القليلة في المسجد القريب إذا خشي التعطيل لو لم يحضر فيه أفضل من الكثيرة في غيره ومنها الجماعة في المسجد أفضل منها في غيره وإن كثرت صرح به الماوردي لكن خالفه أبو الطيبالقاعدة الثالثة والعشرون الواجب لا يترك إلا لواجب وعبر عنها قوم بقولهم الواجب لا يترك لسنة وقوم بقولهم ما لا بد منه لا يترك إلا لما لا بد منه وقوم بقولهم جواز ما لو لم يشرع لم يجز دليل على وجوبه وقوم بقولهم ما كان ممنوعا إذا جاز وجب وفيها فروع منها قطع اليد في السرقة لو لم يجب لكان حراما ومنها إقامة الحدود على ذوي الجرائم ومنها وجوب أكل الميتة للمضطر ومنها الختان لو لم يجب لكان حراما لما فيه من قطع عضو وكشف العورة والنظر إليها ومنها العود من قيام الثالثة إلى التشهد الأول يجب لمتابعة الإمام لأنها واجبة ولا يجوز للإمام والمنفرد لأنه ترك فرض لسنة وكذا العود إلى القنوت ومنها التنحنح بحيث يظهر حرفان إن كان لأجل القراءة فعذر لأنه لواجب أو للجهر فلا لأنه سنة وخرج عن هذه القاعدة صور منها سجود السهو وسجود التلاوة لا يجبان ولو لم يشرعا لم يجوزا ومنها النظر إلى المخطوبة لا يجب ولو لم يشرع لم يجز ومنها الكتابة لا تجب إذا طلبها الرقيق الكسوب وقد كانت المعاملة قبلها ممنوعة لأن السيد لا يعامل عبده ومنها رفع اليدين على التوالي في تكبيرات العيد ومنها قتل الحية في الصلاة لا يجب ولو لم يشرع لكان مبطلا للصلاة ومنها زيادة ركوع في صلاة الكسوف لا يجب ولو لم يشرع لم يجز ومن المشكل هنا قول المنهاج ولا يجوز زيادة ركوع ثالث لتمادي الكسوف ولا نقصه للانجلاء في الأصح فإنه يشعر بوجوبه وهو مخالف لما في شرح المهذب من أنه لو صلاها ركعتين كسنة الظهر صحت وكان تاركا للأفضل وقد جمع بينهما الشيخ جلال الدين المحلي بأن ذاك حيث نوى في الإحرام أداءها على تلك الكيفية فلا يجوز له التغيير
تنبيه
استنبطت من هذه القاعدة دليلا لما أفتيت به من أن الصلاة في صف شرع فيه قبل إتمام صف أمامه لا يحصل فضيلة الجماعة لأمرهم بالتخطي إذا كان أمامه فرجة لأنهم مقصرون بتركها وأصل التخطي مكروه أو حرام كما اختاره النووي فلولا أنه واجب لإتمام الصف لم يجز وليس هو واجبا لصحة الصلاة فتعين أن يكون لحصول الفضيلة القاعدة الرابعة والعشرون ما أوجب أعظم الأمرين بخصوصه لا يوجب أهونهما بعمومه ذكرها الرافعي وفيها فروع منها لا يجب على الزاني التعزير بالملامسة والمفاخذة فإن أعظم الأمرين وهو الحد قد وجب ومنها زنا المحصن لم يوجب أهون الأمرين وهو الجلد بعموم كونه زنا خلافا لابن المنذر ومنها خروج المني لا يوجب الوضوء على الصحيح بعموم كونه خارجا فإنه قد أوجب الغسل الذي هو أعظم الأمرين ونقضت هذه القاعدة بصور منها الحيض والنفاس والولادة فإنها توجب الغسل مع إيجابها الوضوء أيضا ومنها من اشترى فاسدا ووطئ لزمه المهر وأرش البكارة ولا يندرج في المهر ومنها لو شهدوا على محصن بالزنا فرجم ثم رجعوا اقتص منهم ويحدون للقذف أولا ومنها من قاتل من أهل الكمال أكثر من غيره يرضخ له مع السهم ذكره الرافعي عن البغوي وغيره القاعدة الخامسة والعشرون ما ثبت بالشرع مقدم على ما ثبت بالشرط ولهذا لا يصح نذر الواجب ولو قال طلقتك بألف على أن لي الرجعة سقط قوله بألف ويقع رجعيا لأن المال ثبت بالشرط والرجعة بالشرع فكان أقوى ونحوه تدبير المستولدة لا يصح لأن عتقها بالموت ثابت بالشرع فلا يحتاج معه إلى التدبيرولو اشترى قريبه ونوى عتقه عن الكفارة لا يقع عنها لأن عتقه بالقرابة حكم قهري والعتق عن الكفارة يتعلق بإيقاعه واختياره ومن لم يحج إذا أحرم بتطوع أو نذر وقع عن حجة الإسلام لأنه يتعلق بالشرع ووقوعه عن التطوع والنذر متعلق بإيقاعه عنهما والأول أقوى ولو نكح أمة مورثه ثم قال إذا مات سيدك فأنت طالق فمات السيد والزوج يرثه فالأصح أنه لا يقع الطلاق لأنه اجتمع المقتضي للانفساخ ووقوع الطلاق في حالة واحدة والجمع بينهما ممتنع فقدم أقواهما والانفساخ أقوى لأنه حكم ثبت بالقهر شرعا ووقوع الطلاق حكم تعلق باختياره والأول أقوى ولو شرط مقتضى العقد لم يضره ولم ينفعه ومقتضى العقد مستفاد منه بجعل الشارع لا من الشرط
تنبيه
قال ابن السبكي هذه الفروع تدل لأنه إذا اجتمع خيار المجلس وخيار الشرط يكون ابتداء خيار الشرط من التفرق وهو وجه لأن ما قبله ثابت بالشرع فلا يحتاج إلى الشرط قال وقد يقال لا معارضة بينهما عند من يجوز اجتماع علتين القاعدة السادسة والعشرون ما حرم استعماله حرم اتخاذه ومن ثم حرم اتخاذ آلات الملاهي وأواني النقدين والكلب لمن لا يصيد والخنزير والفواسق والخمر والحرير والحلي للرجل ونقضت هذه القاعدة بمسألة الباب في الصلح فإن الأصح أن له فتحه إذا سمره وأجيب عنها بأن أهل الدرب يمنعونه من الاستعمال فإن ماتوا فورثتهم وأما متخذ الإناء ونحوه فليس عنده من يمنعه فربما جره اتخاذه إلى استعماله القاعدة السابعة والعشرون ما حرم أخذه حرم إعطاؤه كالربا ومهر البغي وحلوان الكاهن والرشوة وأجرة النائحة والزامر ويستثنى صور منها الرشوة للحاكم ليصل إلى حقه وفك الأسير وإعطاء شيء لمن يخاف هجره ولو خاف الوصي أن يستولي غاصب على المال فله أن يؤدي شيئا ليخلصه وللقاضي بذل المال على التولية ويحرم على السلطان أخذه
تنبيه
يقرب من هذه القاعدة قاعدة ما حرم فعله حرم طلبه إلا في مسأتلين الأولى إذا ادعى دعوة صادقة فأنكر الغريم فله تحليفه الثانية الجزية يجوز طلبها من الذمي مع أنه يحرم عليه إعطاؤها لأنه متمكن من إزالة الكفر بالإسلام فإعطاؤه إياها إنما هو على استمراره على الكفر وهو حرام القاعدة الثامنة والعشرون المشغول لا يشغل ولهذا لو رهن رهنا بدين ثم رهنه بآخر لم يجز في الجديد ومن نظائره لا يجوز الإحرام بالعمرة للعاكف بمنى لاشتغاله بالرمي والمبيت ومنها لا يجوز إيراد عقدين على عين في محل واحد واعلم أن إيراد العقد على العقد ضربان أحدهما أن يكون قبل لزوم الأول وإتمامه فهو إبطال للأول إن صدر من البائع كما لو باع المبيع في زمن الخيار أو أجره أو أعتقه فهو فسخ وإمضاء للأول إن صدر من المشتري بعد القبض الثاني أن يكون بعد لزومه وهو ضربان الأول أن يكون مع غير العاقد الأول فإن كان فيه إبطال الحق الأول لغا كما لو رهن داره ثم باعها بغير إذن المرتهن أو آجرها مدة يحل الدين قبلها وإن لم يكن فيه إبطال للأول صح كما لو أجر داره ثم باعها لآخر فإنه يصح لأن مورد البيع العين والإجارة المنفعة وكذا لو زوج أمته ثم باعها الثاني أن يكون مع العاقد الأول فإن اختلف المورد صح قطعا كما لو أجر داره ثم باعها من المستأجر صح ولا تنفسخ الإجارة في الأصح بخلاف ما لو تزوج بأمة ثم اشتراها فإنه يصح وينفسخ النكاح لأن ملك اليمين أقوى من ملك النكاح فسقط الأضعف بالأقوى كذا عللوه واستشكله الرافعي بأن هذا موجود في الإجارة ولو رهنه دارا ثم أجرها منه جاز ولا يبطل الرهن جزم به الرافعي قال وهكذا لو أجرها ثم رهنها منه يجوز لأن أحدهما ورد على محل غير الآخر فإن الإجارة على المنفعة والرهن على الرقبة وإن اتحد المورد كما لو استأجر زوجته لإرضاع ولده فقال العراقيون لا يجوز لأنه يستحق الانتفاع بها في تلك الحالة فلا يجوز أن يعقد عليها عقدا آخر يمنع استيفاء الحق والأصح أنه يجوز ويكون الاستئجار من حين يترك الاستمتاعولو استأجر إنسانا الخدمة شهرا لم يجز أن يستأجر تلك المدة لخياطة ثوب أو عمل آخر ذكره الرافعي في النفقات قال الزركشي ومنه يؤخذ امتناع استئجار العكامين للحج قال وهذا من قاعدة شغل المشغول لا يجوز بخلاف شغل الفارغ القاعدة التاسعة والعشرون المكبر لا يكبر ومن ثم لا يشرع التثليث في غسلات الكلب خلافا لما وقع في الشامل الصغير ولا التغليظ في أيمان القسامة ولا دية العمد وشبهه ولا الخطأ إذا غلظت بسبب فلا يزداد التغليظ بسبب آخر في الأصح وإذا أخذت الجزية باسم زكاة وضعفت لا يضعف الجبران في الأصح لأنا لو ضعفناه لكان ضعف الضعف والزيادة على الضعف لا تجوز
تنبيه
تجري هذه القاعدة في العربية ومن فروعها الجمع يجوز جمعه مرة ثانية بشرط أن لا يكون على صيغة منتهى الجموع ونظيرها في العربية أيضا قاعدة المصغر لا يصغر وقاعدة المعرف لا يعرف ومن ثم امتنع دخول اللام المعرفة على العلم والمضاف القاعدة الثلاثون من استعجل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه من فروعها إذا خللت الخمرة بطرح شيء فيها لم تطهر ونظيره إذا ذبح الحمار ليؤخذ جلده لم يجز كما جزم به في الروضة قال بعضهم وقياسه أنه لو دبغ لم يطهر لكن صرح القمولي في الجواهر بخلافه ومنها حرمان القاتل الإرث ومنها ذكر الطحاوي في مشكل الآثار أن المكاتب إذا كانت له قدرة على الأداء فأخره ليدوم له النظر إلى سيدته لم يجز له ذلك لأنه منع واجبا عليه ليبقى له ما يحرم عليه إذا أداه ونقله عنه السبكي في شرح المنهاج وقال إنه تخريج حسن لا يبعد من جهة الفقهوخرج عن القاعدة صور منها لو قتلت أم الولد سيدها عتقت قطعا لئلا تختل قاعدة أن أم الولد تعتق بالموت وكذا لو قتل المدبر سيده ولو قتل صاحب الدين المؤجل المديون حل في الأصح ولو قتل الموصى له الموصي استحق الموصى به في الأصح ولو أمسك زوجته مسيئا عشرتها لأجل إرثها ورثها في الأصح أو لأجل الخلع نفذ في الأصح ولو شربت دواء فحاضت لم يجب عليها قضاء الصلاة قطعا وكذا لو نفست به أو رمى نفسه من شاهق ليصلي قاعدا لا يجب القضاء في الأصح ولو طلق في مرضه فرارا من الإرث نفذ ولا ترثه في الجديد لئلا يلزم التوريث بلا سبب ولا نسب أو باع المال قبل الحول فرارا من الزكاة صح جزما ولم تجب الزكاة لئلا يلزم إيجابها في مال لم يحل عليه الحول في ملكه فتختل قاعدة الزكاة أو شرب شيئا ليمرض قبل الفجر فأصبح مريضا جاز له الفطر قاله الروياني أو أفطر بالأكل متعديا ليجامع فلا كفارة ولوجبت ذكر زوجها أو هدم المستأجر الدار المستأجرة ثبت لهما الخيار في الأصح ولو خلل الخمر بغير طرح شيء فيها كنقلها من الشمس إلى الظل وعكسه طهرت في الأصح ولو قتلت الحرة نفسها قبل الدخول استقر المهر في الأصح
تنبيه
إذا تأملت ما أوردناه علمت أن الصور الخارجة عن القاعدة أكثر من الداخلة فيها بل في الحقيقة لم يدخل فيها غير حرمان القاتل الإرث وأما تخليل الخمر فليست العلة في الاستعجال على الأصح بل تنجيس الملاقى له ثم عوده عليه بالتنجيس وأما مسئلة الطحاوي فليست من الاستعجال في شيء وكنت أسمع شيخنا قاضي القضاة علم الدين البلقيني يذكر عن والده أنه زاد في القاعدة لفظا لا يحتاج معه إلا الاستثناء فقال من استعجل شيئا قبل أوانه ولم تكن المصلحة في ثبوته عوقب بحرمانه
لطيفة
رأيت لهذه القاعدة مثلا في العربية وهو أن اسم الفاعل يجوز أن ينعت بعد استيفاء معموله فإن نعت قبله امتنع عمله من أصله القاعدة الحادية والثلاثون النفل أوسع من الفرض ولهذا لا يجب فيه القيام ولا الاستقبال في السفر ولا تجديد الاجتهاد في القبلة ولا تكرير التيمم ولا تبييت النية ولا يلزم بالشروع وقد يضيق النفل عن الفرض في صور ترجع إلى قاعدة ما جاز للضرورة يتقدر بقدرها من ذلك التيمم لا يشرع للنفل في وجه وسجود السهو لا يشرع في النفل في قول غريب والنيابة عن المعضوب لا تجزئ في حج التطوع في قول القاعدة الثانية والثلاثون الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة ولهذا لا يتصرف القاضي مع وجود الولي الخاص وأهليته ولو أذنت للولي الخاص أن يزوجها بغير كفء ففعل صح أو للحاكم لم يصح في الأصح وللولي الخاص استيفاء القصاص والعفو على الدية ومجانا وليس للإمام العفو مجانا ولو زوج الإمام لغيبة الولي وزوجها الولي الغائب بآخر في وقت واحد وثبت ذلك بالبينة قدم الولي إن قلنا إن تزويجه بطريق النيابة عن الغائب وإن قلنا إنه بطريق الولاية فهل يبطل كما لو زوج الوليان معا أو تقدم ولاية الحاكم لقوة ولايته وعمومها كما لو قال الولي كنت زوجتها في الغيبة فإن نكاح الحاكم يقدم كما صرحوا به تردد فيه صاحب الكفاية والأصح أن تزويجه بالنيابة بدليل عدم الانتقال إلى الأبعد فعلى هذا يقدم نكاح الوليضابط
الولي قد يكون وليا في المال والنكاح كالأب والجد وقد يكون في النكاح فقط كسائر العصبة وكالأب فيمن طرأ سفهها وقد يكون في المال فقط كالوصي
فائدة
قال السبكي مراتب الولايات أربعة الأولى ولاية الأب والجد وهي شرعية بمعنى أن الشارع فوض لهما التصرف في مال الولد لوفور شفقتهما وذلك وصف ذاتي لهما فلو عزلا أنفسهما لم ينعزلا بالإجماع لأن المقتضى للولاية الأبوة والجدودة وهي موجودة مستمرة لا يقدح العزل فيها لكن إذا امتنعا من التصرف تصرف القاضي وهكذا ولاية النكاح لسائر العصبات الثانية وهي السفلى الوكيل تصرفه مستفاد من الإذن مقيد بامتثال أمر الموكل فلكل منهما العزل وحقيقته أنه فسخ عقد الوكالة أو قطعه والوكالة عقد من العقود قابل للفسخ واختلف الأصحاب فيما إذا كانت بلفظ الإذن هل هي عقد فيقبل الفسخ أو إباحة فلا تقبله لأن الإباحة لا ترتد بالرد والمشهور الأول وفي الفرق بين الوكالة والإذن غموض الثالثة الوصية وهي بين المرتبتين فإنها من جهة كونها تفويضا تشبه الوكالة ومن جهة كون الموصي لا يملك التصرف بعد موته وإنما جوزت وصيته للحاجة لشفقته على الأولاد وعلمه بمن هو أشفق عليهم تشبه الولاية وأبو حنيفة لاحظ الثاني فلم يجوز له عزل نفسه والشافعي لاحظ الأول فجوز له عزل نفسه على المشهور من مذهبه ولنا وجه كمذهب أبي حنيفة الرابعة ناظر الوقف يشبه الوصي من جهة كون ولايته ثابتة بالتفويض ويشبه الأب من جهة أنه ليس لغيره تسلط على عزله والوصي يتسلط الموصي على عزله في حياته بعد التفويض بالرجوع عن الوصية ومن جهة أنه يتصرف في مال الله تعالى فالتفويض أصله أن يكون منه ولكنه أذن فيه للواقف فهي ولاية شرعية ومن جهة أنه إما منوط بصفة كالرشد ونحوه وهي مستمرة كالأبوة وإما منوط بذاته كشرط النظر لزيد وهو مستمر فلا يفيد العزل كما لا يفيد في الأب بخلاف الوكيل والموصي فإنه يقطع ذلك العقد أو يرفعه قال فلذلك أقول إن الذي شرط له الواقف النظر معينا أو موصوفا بصفة إذا عزل نفسه لا ينفذ عزله لنفسه لكن إن امتنع من النظر أقام الحاكم مقامه وإن لم نجد ذلك مصرحا به في كلام الأصحاب إلا ابن الصلاح قال في فتاويه لو عزل الناظر نفسه فليس للواقف نصب غيره فإنه لا نظر له بل ينصب الحاكم ناظرا وهذا يوهم أنه إذا عزل نفسه انعزل ويمكن تأويلهقال ويوضح ذلك أن شرط النظر من الواقف إما تمليك أو توكيل فإن كان توكيلا لم يصح أن يكون توكيلا عنه لأنه لا نظر له فكيف يؤكل ولأنه لو كان وكيلا عنه لجاز له عزله وهو لو عزله لم ينفذ ولا عن الموقوف عليه للأمرين فلم يبق إلا أنه تمليك أو توكيل عن الله تعالى أو إثبات حق في الوقف ابتداء فإن رقبة الموقوف تنتقل إلى الله تعالى ولا بد لها من متصرف واعتبر الشارع حكم الواقف في الصرف وفي تعيين المتصرف وهو الناظر فعلم أن استحقاق الناظر النظر بالشرط كاستحقاق الموقوف عليه الغلة والموقوف عليه لو أسقط حقه من الغلة لم يسقط فكذلك إسقاط النظر ثم إن جعلناه تمليكا منه حسن اشتراط القبول باللفظ كسائر التمليكات وإن جعلناه استخلافا عن الله تعالى لم يشترط قال ويحتمل أن لا يشترط أيضا على التمليك لأنه ليس بعقد مستقل بل وصف في الوقف كسائر شروطه قال وهذا هو الأقوى قال بل أزيد أنه لو رد لا يرتد بخلاف الوقف على معين حيث يرتد بالرد لما قلناه من أن النظر ليس مستقلا بل وصف في الوقف تابع له كسائر شروطه إلا أنا لا نضره بإلزام النظر بل إن شاء نظر وإن شاء لم ينظر فينظر الحاكم قال ثم هذا كله إذا كان المشروط له النظر معينا أما إذا كان موصوفا فينبغي أن لا يشترط القبول قطعا كالأوقاف العامة ثم قال فإن قيل النظر حق من الحقوق فيتمكن صاحبه من إسقاطه فإن كل من ملك شيئا له أن يخرجه عن ملكه عينا كان أو منفعة أو دينا فكيف لا يتمكن الناظر من إسقاط حقه من النظر فالجواب أن ذاك فيما هو في حكم خصلة واحدة وحق النظر في كل وقت يتجدد بحسب صفة فيه وهو الرشد مثلا إن علقه الواقف بها أو بحسب ذاته إن شروطه له بعينه فلا يصح إسقاطه كما لو أسقط الأب أو الجد حق الولاية من مال ولده أو التزويج ونحوه انتهى كلام السبكي ملخصا من كتابه تسريح الناظر في انعزال الناظر
القاعدة الثالثة والثلاثون لا عبرة بالظن البين خطؤه من فروعها لو ظن المكلف في الواجب الموسع أنه لا يعيش إلى آخر الوقت تضيق عليه فلو لم يفعله ثم عاش وفعله فأداء على الصحيح ولو ظن أنه متطهر فصلى ثم بان حدثه أو ظن دخول الوقت فصلى ثم بان أنه لم يدخل أو طهارة الماء فتوضأ به ثم بان نجاسته أو ظن أن إمامه مسلم أو رجل قارئ فبان كافرا أو امرأة أو أميا أو بقاء الليل أو غروب الشمس فأكل ثم بان خلافه أو دفع الزكاة إلى من ظنه من أهلها فبان خلافه أو رأوا سوادا فظنوه عدوا فصلوا صلاة شدة الخوف فبان خلافه أو بان أن هناك خندقا أو استناب على الحج ظانا أنه لا يرجى برؤه فبرئ لم يجز في الصور كلها فلو أنفق على البائن ظانا حملها فبانت حائلا استرد وشبهه الرافعي بما إذا ظن أن عليه دينا فأداه ثم بان خلافه وما إذا أنفق على ظن إعساره ثم بان يساره ولو سرق دنانير ظنها فلوسا قطع بخلاف ما لو سرق مالا يظنه ملكه أو ملك أبيه فلا قطع كما لو وطئ امرأة يظنها زوجته أو أمته ويتثنى صور منها لو صلى خلف من يظنه متطهرا فبان حدثه صحت صلاته ولو رأى المتيمم ركبا فظن أن معهم ماء توجه عليه الطلب ولو خاطب امرأته بالطلاق وهو يظنها أجنبية أو عبده بالعتق وهو يظنه لغيره نفذ ولو وطئ أجنبي أجنبية حرة يظنها زوجته الرقيقة فالأصح أنها تعتد بقرئين اعتبارا بظنه أو أمة يظنها زوجة الحرة فالأصح أنها تعتد بثلاثة أقراء لذلك
القاعدة الرابعة والثلاثون الاشتغال بغير المقصود إعراض عن المقصود ولهذا لو حلف لا يسكن هذه الدار ولا يقيم فيها فتردد ساعة حنث وإن اشتغل بجمع متاعه والتهيؤ لأسباب النقلة فلا ولو قال طالب الشفعة للمشتري عند لقائه بكم اشتريت أو اشتريت رخيصا بطل حقه ولو كنت أنت طالق ثم استمد فكتب إذا جاءك كتابي فإن لم يحتج إلى الاستمداد طلقت وإلا فلا القاعدة الخامسة والثلاثون لا ينكر المختلف فيه وإنما ينكر المجمع عليه ويستثنى صور ينكر فيها المختلف فيه إحداها أن يكون ذلك المذهب بعيد المأخذ بحيث ينقض ومن ثم وجب الحد على المرتهن بوطئه المرهونة ولم ينظر لخلاف عطاء الثانية أن يترافع فيه لحاكم فيحكم بعقيدته ولهذا يحد الحنفي بشرب النبيذ إذ لا يجوز للحاكم أن يحكم بخلاف معتقده الثالثة أن يكون للمنكر فيه حق كالزوج يمنع زوجته من شرب النبيذ إذا كانت تعتقد إباحته وكذلك الذمية على الصحيح القاعدة السادسة والثلاثون يدخل القوي على الضعيف ولا عكس
ولهذا يجوز إدخال الحج على العمرة قطعا لا عكسه على الأظهر ولو وطئ أمة ثم تزوج أختها ثبت نكاحها وحرمت الأمة لأن الوطء بفراش النكاح أقوى من ملك اليمين ولو تقدم النكاح حرم عليه الوطء بالملك لأنه أضعف الفراشين
القاعدة السابعة والثلاثون يغتفر في الوسائل ما لا يغتفر في المقاصدومن ثم جزم بمنع توقيت الضمان وجرى في الكفالة خلاف لأن الضمان التزام للمقصود وهو المال والكفالة التزام للوسيلة ويغتفر في الوسائل ما لا يغتفر في المقاصد وكذلك لم تختلف الأمة في إيجاب النية للصلاة واختلفوا في الوضوء
القاعدة الثامنة والثلاثون الميسور لا يسقط بالمعسور قال ابن السبكي وهي من أشهر القواعد المستنبطة من قوله صلى الله عليه وسلم إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم وبها رد أصحابنا على أبي حنيفة قوله إن العريان يصلي قاعدا فقالوا إذا لم يتيسر ستر العورة فلم يسقط القيام المفروض وذكر الإمام أن هذه القاعدة من الأصول الشائعة التي لا تكاد تنسى ما أقيمت أصول الشريعة وفروعها كثيرة منها إذا كان مقطوع بعض الأطراف يجب غسل الباقي جزما ومنها القادر على بعض السترة يستر به القدر الممكن جزما ومنها القادر على بعض الفاتحة يأتي به بلا خلاف ومنها إذا لم يمكنه رفع اليدين في الصلاة إلا بالزيادة على القدر المشروع أو نقص أتى بالممكن ومنها إذا كان محدثا وعليه نجاسة ولم يجد إلا ما يكفي أحدهما عليه غسل النجاسة قطعا ومنها لو عجز عن الركوع والسجود دون القيام لزمه بلا خلاف عندنا ومنها نقل العراقيون عن نص الشافعي أن الأخرس يلزمه أن يحرك لسانه بدلا عن تحريكه إياه بالقراءة كالإيماء بالركوع والسجود ومنها لو خاف الجنب من الخروج من المسجد ووجد غير تراب المسجد وجب عليه التيمم كما صرح به في الروضة ووجه بأن أحد الطهورين التراب وهو ميسور فلا يسقط بالمعسور ومنها واجد ماء لا يكفيه لحدثه أو نجاسته فالأظهر وجوب استعماله ومنها واجد تراب لا يكفيه فالمذهب القطع بوجوب استعماله ومنها من بجسده جرح يمنعه استيعاب الماء والمذهب القطع بوجوب غسل الصحيح مع التيمم عن الجريح ومنها المقطوع العضد من المرفق يجب غسل رأس عظم العضد على المشهور ومنها واجد بعض الصاع في الفطرة يلزمه إخراجه في الأصح ومنها لو أعتق نصيبه وهو موسر ببعض نصيب شريكه فالأصح السراية إلى القدر الذي أيسر به
ومنها لو انتهى في الكفارة إلى الإطعام فلم يجد إلا إطعام ثلاثين مسكينا فالأصح وجوب إطعامهم وقطع به الإمام ومنها لو قدر على الانتصاب وهو في حد الراكعين فالصحيح أنه يقف كذلك ومنها من ملك نصابا بعضه عنده وبعضه غائب فالأصح أنه يخرج عما في يده في الحال ومنها المحدث الفاقد للماء إذا وجد ثلجا أو بردا قيل يجب استعماله فيتيمم عن الوجه واليدين ثم يمسح به الرأس ثم يتيمم عن الرجلين ورجحه النووي في شرح المهذب نظرا للقاعدة والمذهب أنه لا يجب ومنها إذا أوصى بعتق رقاب فلم يوجد إلا اثنان وشقص ففي شراء الشقص وجهان أصحهما عند الشيخين لا وخالفهما ابن الرفعة والسبكي نظرا للقاعدة
تنبيه
خرج عن هذه القاعدة مسائل منها واجد بعض الرقبة في الكفارة لا يعتقها بل ينتقل إلى البدل بلا خلاف ووجه بأن إيجاب بعض الرقية مع صوم الشهرين جمع بين البدل والمبدل وصيام شهر مع عتق نصف الرقبة فيه تبعيض الكفارة وهو ممتنع وبأن الشارع قال ( فمن لم يجد ) وواجد بعض الرقبة لم يجد رقبة فلو قدر على البعض ولم يقدر على الصيام ولا الإطعام فثلاثة أوجه لابن القطان أحدها يخرجه ويكفيه والثاني يخرجه ويبقي الباقي في ذمته والثالث لا يخرجه ومنها القادر على صوم بعض يوم دون كله لا يلزمه إمساكه ومنها إذا وجد الشفيع بعض ثمن الشقص لا يأخذ قسطه من الشقص ومنها إذا أوصى بثلثه يشتري به رقبة فلم يف بها لا يشتري شقص ومنها إذا اطلع على عيب ولم يتيسر له الرد ولا الإشهاد لا يلزمه التلفظ بالفسخ في الأصح القاعدة التاسعة والثلاثون ما لا يقبل التبعيض فاختيار بعضه كاختيار كله وإسقاط بعضه كإسقاط كله ومن فروعها إذا قال أنت طالق نصف طلقة أو بعضك طالق طلقت طلقةومنها إذا عفا مستحق القصاص عن بعضه أو عفا بعض المستحقين سقط كله ومنها إذا عفا الشفيع عن بعض حقه فالأصح سقوط كله والثاني لا يسقط شيء لأن التبعيض تعذر وليست الشفعة مما يسقط بالشبهة ففارقت القصاص والطلاق ومنها عتق بعض الرقبة أو عتق بعض المالكيين نصيبه وهو موسر ومنها هل للإمام إرقاق بعض الأسير فيه وجهان فإن قلنا لا فضرب الرق على بعضه رق كله قال الرافعي وكان يجوز أن يقال لا يرق شيء وضعفه ابن الرفعة بأن في إرقاق درء القتل وهو يسقط بالشبهة كالقصاص ثم وجهه بنظيره من الشفعة ومنها إذا قال أحرمت بنصف نسك انعقد بنسك كالطلاق كما في زوائد الروضة ولا نظير لها في العبادات ومنها إذا اشترى عبدين فوجد بأحدهما عيبا لم يجز إفراده بالرد فلو قال رددت المعيب منهما فالأصح لا يكون ردا لهما وقيل يكون ومنها حد القذف ذكر الرافعي في باب الشفعة أن بالعفو عن بعضه لا يسقط شيء منه واستشهد به للوجه القائل بمثله في الشفعة وتبعه جماعة آخرهم السبكي قال ولده ولم يذكر المسألة في باب حد القاذف وإنما ذكر فيه مسألة عفو بعض الورثة وفيها الأوجه المشهورة أصحها أن لمن بقي استيفاء جميعه وهو يؤيد أن حد القذف لا يتبعض قال وفيه نظر فإنه جلدات معروفة العدد ولا ريب في أن الشخص لو عفا بعد جلد بعضها سقط ما بقي منها فكذلك إذا أسقط منها في الابتداء قدرا معلوما
تنبيه
حيث جعلنا اختيار البعض اختيارا للكل فهل هو بطريق السراية أو لا بل اختياره للبعض نفس اختياره للكل فيه خلاف مشهور في تبعيض الطلاق وطلاق البعض وعتق البعض وإرقاق البعضضابط
لا يزيد البعض على الكل إلا في مسئلة واحدة وهي إذا قال أنت علي كظهر أمي فإنه صريح ولو قال أنت علي كأمي لم يكن صريحاالقاعدة الأربعون إذا اجتمع السبب أو الغرور والمباشرة قدمت المباشرة من فروعها لو أكل المالك طعامه المغصوب جاهلا به فلا ضمان على الغاصب في الأظهر وكذا لو قدمه الغاصب للمالك على أنه ضيافة فأكله فإن الغاصب يبرأ ولو حفر بئرا فرداه فيها آخر أو أمسكه فقتله آخر أو ألقاه من شاهق فتلقاه آخر فقده فالقصاص على المردي والقاتل والقاد فقط
تنبيه
يستثنى من القاعدة صور منها إذا غصب شاة وأمر قصابا بذبحها وهو جاهل بالحال فقرار الضمان على الغاصب قطعا قاله في الروضة ومنها إذا استأجره لحمل طعام فسلمه زائدا فحمله المؤجر جاهلا فتلفت الدابة ضمنها المستأجر في الأصح ومنها إذا أفتاه أهل للفتوى بإتلاف ثم تبين خطؤه فالضمان على المفتي ومنها قتل الجلاد بأمر الإمام ظلما وهو جاهل فالضمان على الإمام ومنها وقف ضيعة على قوم فصرفت غلتها إليهم فخرجت مستحقة ضمن الواقف لتغريره الكتاب الثالث في القواعد المختلف فيها ولا يطلق الترجيح لاختلافه في الفرع وهي عشرون قاعدةالقاعدة الأولى
الجمعة ظهر مقصورة أو صلاة على حيالها قولان ويقال وجهان قال في شرح المهذب ولعلهما مستنبطان من كلام الشافعي فيصح تسميتهما قولين ووجهين والترجيح فيهما مختلف في الفروع المبنية عليهما منها لو نوى بالجمعة الظهر المقصورة قال صاحب التقريب إن قلنا هي صلاة على حيالها لم يصح بل لا بد من نية الجمعة وإن قلنا ظهر مقصورة فوجهانأحدهما تصح جمعته لأنه نوى الصلاة على حقيقتها والثاني لا لأن مقصود النيات التمييز فوجب التمييز بما يخص الجمعة ولو نوى الجمعة فإن قلنا صلاة مستقلة أجزأته وإن قلنا ظهر مقصورة فهل يشترط نية القصر فيه وجهان الصحيح لا انتهى والأصح في هذا الفرع أنها صلاة مستقلة ومنها لو اقتدى مسافر في الظهر بمن يصلي الجمعة فإن قلنا ظهر مقصورة فله القصر وإلا لزمه الإتمام وهو الأصح ومنها هل له جمع العصر إليها لو صلاها وهو مسافر قال العلائي يحتمل تخريجه على هذا الأصل فإن قلنا صلاة مستقلة لم يجز وإلا جاز قلت ينبغي أن يكون الأصح الجواز ومنها إذا خرج الوقت فيها فهل يتمونها ظهرا بناء أو يلزم الاستئناف قولان قال الرافعي مبنيان على الخلاف في أن الجمعة ظهر مقصورة أو صلاة على حيالها إن قلنا بالأول جاز البناء وإلا فلا والأصح جواز البناء فقد رجح في هذا الفرع أنها ظهر مقصورة ومنها لو صلوا الجمعة خلف مسافر نوى الظهر قاصرا فإن قلنا هي ظهر مقصورة صحت قطعا وإن قلنا صلاة مستقلة جرى في الصحة خلاف
القاعدة الثانية
الصلاة خلف المحدث المجهول الحال إذا قلنا بالصحة هل هي صلاة جماعة وإنفراد وجهان والترجيح مختلف فرجح الأول في فروع منها لو كان في الجمعة وتم العدد بغيره إن قلنا صلاتهم جماعة صحت وإلا فلا والأصح الصحة ومنها حصول فضيلة الجماعة والأصح تحصل ومنها لو سها أو سهوا ثم علموا حدثه قبل الفراغ وفارقوه إن قلنا صلاتهم جماعة سجدوا لسهو الإمام لا لسهوهم وإلا فبالعكس والأصح الأول ورجح الثاني في فروع منها إذا أدركه المسبوق في الركوع إن قلنا صلاة جماعة حسبت له الركعة وإلا فلا والصحيح عدم الحسبان
القاعدة الثالثة
قال الأصحاب من أتى بما ينافي الفرض دون النفل في أول فرض أو أثنائه بطل فرضه وهل تبقى صلاته نفلا أو تبطل فيه قولان والترجيح مختلف فرجح الأول في فروع منها إذا أحرم بفرض فأقيمت جماعة فسلم من ركعتين ليدركها فالأصح صحتها نفلا ومنها إذا أحرم بالفرض قبل وقته جاهلا فالأصح الانعقاد نفلا ومنها إذا أتى بتكبيرة الإحرام أو بعضها في الركوع جاهلا فالأصح الانعقاد نفلا ورجح الثاني في الصورتين إذا كان عالما وفيما إذا قلب فرضه إلى فرض آخر أو إلى نفل بلا سبب وفيما إذا وجد المصلي قاعدا خفة في صلاته وقدر على القيام فلم يقم وفيما إذا أحرم القادر على القيام بالفرض قاعداالقاعدة الرابعة
النذر هل يسلك به مسلك الواجب أو الجائز قولان والترجيح مختلف في الفروع فمنها نذر الصلاة والأصح فيه الأول فيلزمه ركعتان ولا يجوز القعود مع القدرة ولا فعلهما على الراحلة ولا يجمع بينها وبين فرض أو نذر آخر بتيمم ولو نذر بعض ركعة أو سجدة لم ينعقد نذره على الأصح في الجميع ومنها نذر الصوم والأصح فيه الأول فيجب التبييت ولا يجزي إمساك بعض يوم ولا ينعقد نذر بعض يوم ومنها إذا نذر الخطبة في الاستسقاء ونحوه والأصح فيها الأول حتى يجب فيها القيام عند القدرة ومنها نذر أن يكسو يتيما والأصح فيه الأول فلا يخرج عن نذره بيتيم ذمي ومنها نذر الأضحية والأصح فيها الأول فيشترط فيها السن والسلامة من العيوب ومنها نذر الهدي ولم يسم شيئا والأصح فيه الأول فلا يجزئ إلا ما يجزئ في الهدي الشرعي ويجب إيصاله إلى الحرمومنها الحج والأصح فيه الأول فلو نذره معضوب لم يجز أن يستنيب صبيا أو عبدا أو سفيها بعد الحجر لم يجز للولي منعه ومنها نذر إتيان المسجد الحرام والأصح فيه الأول فلزم إتيانه بحج أو عمرة ومنها الأكل من المنذورة والأصح فيه أنه إن كان في معينة فله الأكل أو في الذمة فلا ومنها العتق والأصح فيه الثاني فيجزئ عتق كافر ومعيب ومنها لو نذر أن يصلي ركعتين فصلى أربعا بتسليمة بتشهد أو تشهدين والأصح فيه الثاني فيجزيه ومنها لو نذر أربع ركعات فأداها بتسليمتين والأصح فيه الثاني فتجزيه قال في زوائد الروضة والفرق بينهما وبين سائر المسائل المخرجة على الأصل غلبة وقوع الصلاة وزيادة فضلها ومنها نذر القربات التي لم توضع لتكون عبادة وإنما هي أعمال وأخلاق مستحسنة رغب الشرع فيها لعموم فائدتها كعيادة المريض وإفشاء السلام وزيارة القادمين وتشميت العاطس وتشييع الجنائز والأصح فيها الثاني فتلزم بالنذر وعلى مقابله لا تلزم لأن هذه الأمور لا يجب جنسها بالشرع ومنها لو نذر صوم يوم معين والأصح فيه الثاني فلا يثبت له خواص رمضان من الكفارة بالجماع فيه ووجوب الإمساك لو أفطر فيه وعدم قبول صوم آخر من قضاء أو كفارة بل لو صامه عن قضاء أو كفارة صح وفي التهذيب وجه أنه لا ينعقد كأيام رمضان ومنها نذر الصلاة قاعدا والأصح فيه الثاني فلا يلزمه القيام عند القدرة قال الإمام وقد جزم الأصحاب فيما لو قال علي أن أصلي ركعة واحدة بأنه لا يلزمه إلا ركعة ولم يخرجوه على الخلاف وتكلفوا بينهما فرقا قالا ولا فرق فيجب تنزيله على الخلاف ومثله لو أصبح ممسكا فنذر الصوم يومه ففي لزوم الوفاء قولان بناء على الأصل المذكور فإنه بالإضافة إلى واجب الشرع بمنزلة الركعة بالإضافة إلى أقل واجب الصلاة قال الإمام والذي أراه اللزوم وأقره الشيخان فعلى هذا يكون المصحح فيه الثاني ومنها إذا نذر صوم الدهر فلزمته كفارة والأصح فيه الثاني فيصوم عنها ويفدي عن النذر وعلى الآخر لا بل هو كالعاجز عن جميع الخصال ومما يصلح أن يعد من فروع القاعدة لو نذر الطواف لم يجزه إلا سبعة أشواط ولا يكفي طوفة واحدة وإن كان يجوز التطوع بها كما ذكر في الخادم تنزيلا لها منزلة الركعة لا السجدة منها
ومما سلك بالنذر فيه مسلك الجائز الطواف المنذور فإنه تجب فيه النية كما تجب في النفل ولا تجب في الفرض لشمول نية الحج والعمرة له وهذا المعنى منتف في النفل والنذر ولو نذر صلاة لم يؤذن لها ولا يقيم ولم يحكوا فيه خلافا وكأن السبب فيه أن الأذان حق الوقت على الجديد وحق المكتوبة على القديم وحق الجماعة على رأيه في الإملاء والثلاثة منتفية في المنذورة على أن صاحب الذخائر قال إن المنذورة يؤذن لها ويقيم إذا قلنا سلك بالمنذور واجب الشرع لكن قال في شرح المهذب إنه غلط منه وأن الأصحاب اتفقوا على خلافه وخرج النذر عن الفرض والنفل معا في صورة وهي ما إذا نذر القراءة فإنه تجب نيتها كما نقله القمولي في الجواهر مع أن قراءة النفل لا نية لها وكذا القراءة المفروضة في الصلاة القاعدة الخامسة هل العبرة بصيغ العقود أو بمعانيها خلاف والترجيح مختلف في الفروع فمنها إذا قال اشتريت منك ثوبا صفته كذا بهذه الدراهم فقال بعتك فرجح الشيخان أنه ينعقد بيعا اعتبارا باللفظ والثاني ورجحه السبكي سلما اعتبارا بالمعنى ومنها إذا وهب بشرط الثواب فهل يكون بيعا اعتبارا بالمعنى أو هبة اعتبارا باللفظ الأصح الأول ومنها بعتك بلا ثمن أو لا ثمن لي عليك فقال اشتريت وقبضه فليس بيعا وفي انعقاده هبة قولا تعارض اللفظ والمعنى ومنها إذا قال بعتك ولم يذكر ثمنا فإن راعينا المعنى انعقد هبة أو اللفظ فهو بيع فاسد ومنها إذا قال بعتك إن شئت إن نظرنا إلى المعنى صح فإنه لو لم يشأ لم يشتر وهو الأصح وإن نظرنا إلى لفظ التعليق بطل ومنها لو قال أسلمت إليك هذا الثوب في هذا العبد فليس بسلم قطعا ولا ينعقد بيعا على الأظهر لاختلال اللفظ والثاني نعم نظرا إلى المعنى ومنها إذا قال لمن عليه الدين وهبته منك ففي اشتراط القبول وجهان أحدهما يشترط اعتبارا بلفظ الهبة والثاني لا اعتبارا بمعنى الإبراء وصححه الرافعي في كتاب الصداق ومنها لو صالحه من ألف في الذمة على خمسمائة في الذمة صح وفي اشتراط القبول وجهان
قال الرافعي الأظهر اشتراطه قيل وقد يقال إنه مخالف لما صححه في الهبة وليس كذلك فقد قال السبكي إن اعتبرنا اللفظ اشترط القبول في الهبة والصلح وإن اعتبرنا المعنى اشترط في الهبة دون الصلح ومنها إذا قال أعتق عبدك عني بألف هل هو بيع أو عتق بعوض وجهان فائدتهما إذا قال أنت حر غدا على ألف إن قلنا بيع فسد ولا تجب قيمة العبد وإن قلنا عتق بعوض صح ووجب المسمى ذكرها الهروي وشريح في أدب القضاء ومنها إذا قال خالعتك ولم يذكر عوضا قال الهروي فيه قولان بناء على القاعدة أحدهما لا شيء والثاني خلع فاسد يوجب مهر المثل وهو المصحح في المنهاج على كلام فيه سيأتي في مبحث التصريح والكناية ومنها لو قال خذ هذه الألف مضاربة ففي قول إبضاع لا يجب فيه شيء وفي آخر مضاربة فاسدة توجب المثل ومنها الرجعة بلفظ النكاح فيها خلاف خرجه الهروي على القاعدة والأصح صحتها به ومنها لو باع المبيع للبائع قبل قبضه بمثل الثمن الأول فهو إقالة بلفظ البيع ذكره صاحب التتمة وخرج السبكي على القاعدة قال ثم رأيت التخريج للقاضي حسين قال إن اعتبرنا اللفظ لم يصح وإن اعتبرنا المعنى فإقالة ومنها إذا قال استأجرتك لتتعهد نخلي بكذا من ثمرتها فالأصح أنه إجارة فاسدة نظرا إلى اللفظ وعدم وجود شرط الإجارة والثاني أنه يصح مساقاة نظرا إلى المعنى ومنها لو تعقادا في الإجارة بلفظ المساقاة فقال ساقيتك على هذه النخيل مدة كذا بدراهم معلومة فالأصح أنه مساقاة فاسدة نظرا إلى اللفظ وعدم وجود شرط المساقاة إذ من شرطها أن لا تكون بدراهم والثاني تصح إجارة نظرا إلى المعنى ومنها إذا عقد بلفظ الإجارة على عمل في الذمة فالصحيح اعتبار قبض الأجرة في المجلس لأن معناه معنى السلم وقيل لا نظرا إلى لفظ الإجارة ومنها لو عقد الإجارة بلفظ البيع فقال بعتك منفعة هذه الدار شهرا فالأصح لا ينعقد نظرا إلى اللفظ وقيل ينعقد نظرا إلى المعنى ومنها إذا قال قارضتك على أن كل الربح لك فالأصح أنه قراض فاسد رعاية للفظ والثاني قراض صحيح رعاية للمعنى وكذا لو قال على أن كله لي فهل هو قراض فاسد أو إبضاع الأصح الأول
وكذا لو قال أبضعتك على أن نصف الربح لك فهل هو إبضاع أو قراض فيه الوجهان ومنها إذا وكله أن يطلق زوجته طلاقا منجزا وكانت قد دخلت الدار فقال لها إن كنت دخلت الدار فأنت طالق فهل يقع الطلاق فيه وجهان لأنه منجز من حيث المعنى معلق من حيث اللفظ ومنها إذا اشترى جارية بعشرين وزعم أن الموكل أمره فأنكر يتلطف الحاكم بالموكل ليبيعها له فلو قال إن كنت أمرتك بعشرين فقد بعتكها بها فالأصح الصحة نظرا إلى المعنى لأنه مقتضى الشرع والثاني لا نظرا إلى صيغة التعليق ومنها إذا قال لعبد بعتك نفسك بكذا صح وعتق في الحال ولزمه المال في ذمته نظرا للمعنى وفي قول لا يصح نظرا إلى اللفظ ومنها إذا قال إن أديت لي ألفا فأنت حر فقيل كتابة فاسدة وقيل معاملة صحيحة ومنها إذا قصد بلفظ الإقالة البيع فقيل يصح بيعا نظرا للمعنى وقيل لا يصح نظرا إلى اختلال اللفظ ومنها إذا قال ضمنت مالك على فلان بشرط أنه بريء ففي قول إنه ضمان فاسد نظرا إلى اللفظ وفي قول حوالة بلفظ الضمان نظرا إلى المعنى والأصح الأول ومنها لو قال أحلتك بشرط أن لا أبرأ ففيه القولان والأصح فساده ومنها البيع من البائع قبل القبض قيل يصح ويكون فسخا اعتبارا بالمعنى والأصح لا نظرا إلى اللفظ ومنها إذا وقف على قبيلة غير منحصرة كبني تميم مثلا وأوصى لهم فالأصح الصحة اعتبارا بالمعنى ويكون المقصود الجهة لا الاستيعاب كالفقراء والمساكين والثاني لا يصح اعتبارا باللفظ فإنه تمليك لمجهول ومنها إذا قال خذ هذا البعير ببعيرين فهل يكون قرضا فاسدا نظرا إلى اللفظ أو بيعا نظرا إلى المعنى وجهان ومنها لو ادعى الإبراء فشهد له شاهدان أنه وهبه ذلك أو تصدق عليه فهل يقبل نظرا إلى المعنى أو لا نظرا إلى اللفظ وجهان ومنها هبة منافع الدار هل تصح وتكون إعارة نظرا إلى المعنى أو لا وجهان حكاهما الرافعي في الهبة من غير ترجيح ورجح البلقيني أنه تمليك منافع الدار وأنه لا يلزم إلا ما استهلك من المنافع ومنها لو قال إذا دخلت الدار فأنت طالق فهل هو حلف نظرا إلى المعنى لأنه
تعلق به منع أو لا نظرا إلى اللفظ لكون إذا ليست من ألفاظه لما فيه من التأقيت بخلاف إن وجهان الأصح الأول ومنها لو وقف على دابة فلان فالأصح البطلان نظرا إلى اللفظ والثاني يصح نظرا إلى المعنى ويصرف في علفها فلو لم يكن لها مالك بأن كانت وقفا فهل يبطل نظرا للفظ أو يصح نظرا للمعنى وهو الإنفاق عليها إذ هو من جملة القرب وجهان حكاهما ابن الوكيل القاعدة السادسة العين المستعارة للرهن هل المغلب فيها جانب الضمان أو جانب العارية قولان قال في شرح المهذب والترجيح مختلف في الفروع فمنها هل للمعير الرجوع بعد قبض المرتهن إن قلنا عارية نعم أو ضمان فلا وهو الأصح ومنها الأصح اشتراط معرفة المعير جنس الدين وقدره وصفته بناء على الضمان والثاني لا بناء على العارية ومنها هل له إجبار المستعير على فك الرهن إن قلنا له الرجوع وإن قلنا لا فله ذلك على القول بالعارية وكذا على القول بالضمان إن كان حالا بخلاف المؤجل كمن ضمن دينا مؤجلا لا يطالب الأصيل بتعجيله لتبرأ ذمته ومنها إذا حل الدين وبيع فيه فإن قلنا عارية رجع المالك بقيمته أو ضمان رجع بما بيع به سواء كان أقل أو أكثر وهو الأصح ومنها لو تلف تحت يد المرتهن ضمنه الراهن على قول العارية ولا شيء على قول الضمان لا على الراهن ولا على المرتهن والأصح في هذا الفرع أن الراهن يضمنه كذا قال النووي إنه المذهب فقد صحح هنا قول العارية ومنها لو جنى فبيع في الجناية فعلى قول الضمان لا شيء على الراهن وعلى قول العارية يضمن ومنها لو أعتقه المالك فإن قلنا ضمان فهو كإعتاق المرهون قاله في التهذيب وإن قلنا عارية صح وكان رجوعا ومنها لو قال ضمنت مالك عليه في رقبة عبدي هذا قال القاضي حسين يصح ذلك على قول الضمان ويكون كالإعارة للرهن
تنبيه
عبر كثيرون بقولهم هل هو ضمان أو عارية وقال الإمام العقد فيه شائبة من هذا وشائبة من هذا وليس القولان في تمحض كل منهما بل هما في أن المغلب منهما ما هو فلذلك عبرت به وكذا في القواعد الآتية القاعدة السابعة الحوالة هل هي بيع أو استيفاء خلاف قال في شرح المهذب والترجيح مختلف في الفروع فمنها ثبوت الخيار فيها الأصح لا بناء على أنها استيفاء وقيل نعم بناء على أنها بيع ومنها لو اشترى عبدا بمائة وأحال البائع بالثمن على رجل ثم رد العبد بعيب أو تحالف أو إقالة ونحوها فالأظهر البطلان بناء على أنها استيفاء والثاني لا بناء على أنها بيع ومنها الثمن في مدة الخيار في جواز الحوالة به وعليه وجهان قال في التتمة إن قلنا استيفاء جاز أو بيع فلا كالتصرف في البيع في زمن الخيار والأصح الجواز ومنها لو احتال بشرط أن يعطيه المحال عليه رهنا أو يقيم له ضامنا فوجهان إن قلنا بأنها بيع جاز أو استيفاء فلا والأصح الثاني ومنها لو أحال على من لا دين له برضاه فالأصح بطلانها بناء على أنها بيع والثاني يصح بناء على أنها استيفاء ومنها في اشتراط رضي المحال عليه إذا كان عليه دين وجهان إن قلنا بيع لم يشترط لأنه حق المحيل فلا يحتاج فيه إلى رضي الغير وإن قلنا استيفاء اشترط لتعذر إقراضه من غير رضاه والأصح عدم الاشتراط ومنها نجوم الكتابة في صحة الحوالة بها وعليها أوجه أحدهما الصحة بناء على أنها استيفاء والثاني المنع بناء على أنها بيع والأصح وجه ثالث وهو الصحة بها لا عليها لأن للمكاتب أن يقضي حقه باختياره والحوالة عليه تؤدي إلى إيجاب القضاء عليه بغير اختياره وفي الوسيط وجه بعكس هذا والأوجه جارية في المسلم فيه ومنها قال المتولي لو أحال من عليه الزكاة الساعي جاز إن قلنا استيفاء وإن قلنا بيع فلا لامتناع أخذ العوض عن الزكاةومنها لو خرج المحال عليه مفلسا وقد شرط يساره فالأصح لا رجوع له بناء على أنها استيفاء والثاني نعم بناء على أنها بيع ومنها لو قال رجل لمستحق الدين احتل علي بدينك الذي في ذمة فلان على أن تبرئه فرضي واحتال وأبرأ المدين فقيل يصح وقيل لا بناء على أنها استيفاء إذ ليس للأصيل دين في ذمة المحال عليه ذكره في السلسلة ومنها لو أحال أحد المتعاقدين الآخر في عقد الربا وقبض في المجلس فإن قلنا استيفاء جاز أو بيع فلا والأصح المنع كما نقله السبكي في تكملة شرح المهذب عن النص والأصحاب القاعدة الثامنة الإبراء هل هو إسقاط أو تمليك قولان والترجيح مختلف في الفروع فمنها الإبراء مما يجهله المبرئ والأصح فيه التمليك فلا يصح ومنها إبراء المبهم كقوله لمدينيه أبرأت أحدكما والأصح فيه التمليك فلا يصح كما لو كان له في يد كل واحد عبد فقال ملكت أحدكما العبد الذي في يده لا يصح ومنها تعليقه والأصح فيه التمليك فلا يصح ومنها لو عرف المبرئ قدر الدين ولم يعرفه المبرأ والأصح فيه الإسقاط كما في الشرح الصغير وأصل الروضة في الوكالة فيصح ومنها اشتراط القبول والأصح فيه الإسقاط فلا يشترط ومنها ارتداده بالرد والأصح فيه الإسقاط فلا يصح ومنها لو كان لأبيه دين على رجل فأبرأه منه وهو لا يعلم موت الأب فبان ميتا فإن قلنا إسقاط صح جزما أو تمليك ففيه الخلاف فيمن باع مال مورثه ظانا حياته فبان ميتا ومنها إذا وكل في الإبراء فالأصح اشتراط علم الموكل بقدره دون الوكيل بناء على أنه إسقاط وعلى التمليك عكسه كما لو قال بع بما باع عبه فلان فرسه فإنه يشترط لصحة البيع علم الوكيل دون الموكل ومنها لو وكل المدين ليبرئ نفسه صح على قول الإسقاط وهو الأصح وجزم به الغزالي كما لو وكل العبد في العتق والمرأة في طلاق نفسها ولا يصح على قول التمليك كما لو وكله ليبيع عن نفسه
ومنها لو أبرأ ابنه عن دينه فليس له الرجوع على قول الإسقاط وله على التمليك ذكره الرافعي وقال النووي ينبغي أن لا يكون له رجوع على القولين كما لا يرجع إذا زال الملك عن الموهوب القاعدة التاسعة الإقالة هل هي فسخ أو بيع قولان والترجيح مختلف في الفروع فمنها لو اشترى عبدا كافرا من كافر فأسلم ثم أراد الإقالة فإن قلنا بيع لم يجز أو فسخ جاز كالرد بالعيب في الأصح ومنها الأصح عدم ثبوت الخيارين فيها بناء على أنها فسخ والثاني نعم بناء على أنها بيع ومنها الأصح لا يتجدد حق الشفعة بناء على أنها فسخ والثاني نعم بناء على أنها بيع ومنها إذا تقايلا في عقود الربا يجب التقابض في المجلس بناء على أنها بيع ولا يجب بناء على أنها فسخ وهو الأصح ومنها تجوز الإقالة قبل القبض إن قلنا فسخ وهو الأصح وإن قلنا بيع فلا ومنها تجوز في السلم قبل القبض إن قلنا فسخ وهو الأصح وإن قلنا بيع فلا ومنها لو تقايلا بعد تلف المبيع جاز إن قلنا فسخ وهو الأصح ويرد مثل المبيع أو قيمته وإن قلنا بيع فلا ومنها لو اشترى عبدين فتلف أحدهما جازت الإقالة في الباقي ويستتبع التالف على قول الفسخ وهو الأصح وعلى مقابله لا ومنها إذا تقايلا واستمر في يد المشتري نفذ تصرف البائع فيه على قول الفسخ وهو الأصح ولا ينفذ على قول البيع ومنها لو تلف في يده بعد التقايل انفسخت إن كانت بيعا وبقي البيع الأصلي يحاله وإن قلنا فسخ ضمنه المشتري كالمستام وهو الأصح ومنها لو تعيب في يده غرم الأرش على قول الفسخ وهو الأصح وعلى الآخر يتخير البائع بين أن يجيز ولا أرش له أو يفسخ ويأخذ الثمن ومنها لو استعمله بعد الإقالة فإن قلنا فسخ فعليه الأجرة وهو الأصح أو بيع فلا
ومنها لو اطلع البائع على عيب حدث عند المشتري فلا رد له إن قلنا فسخ وهو الأصح وإن قلنا بيع فله الرد القاعدة العاشرة الصداق المعين في يد الزوج قبل القبض مضمون ضمان عقد أو ضمان يد قولان والترجيح مختلف في الفروع فمنها الأصح لا يصح بيعه قبل قبضه بناء على ضمان العقد والثاني يصح بناء على ضمان اليد ومنها الأصح انفساخ الصداق إذا تلف أو أتلفه الزوج قبل قبضه والرجوع إلى مهر المثل بناء على ضمان العقد والثاني لا ويلزم مثله أو قيمته بناء على ضمان اليد ومنها لو تلف بعضه انفسخ فيه لا في الباقي بل لها الخيار فإن فسخت رجعت إلى مهر المثل على قول ضمان العقد وهو الأصح وإلى قيمة العبدين على مقابله وإن أجازت رجعت إلى حصة التالف من مهر المثل على الأصح وإلى قيمته على الآخر ومنها لو تعيب فلها الخيار على الصحيح وفي وجه لا خيار على ضمان العقد فإن فسخت رجعت إلى مهر المثل على الأصح والبدل على الآخر وإن أجازت فلا شيء لها على الأصح كالمبيع قبل القبض وعلى ضمان اليد لها الأرش ومنها المنافع الثابتة في يده لا يضمنها على الأصح بناء على ضمان العقد ويضمنها بناء على ضمان اليد ومنها لو زاد في يده زيادة منفصلة فللمرأة قطعا بناء على ضمان اليد وعلى ضمان العقد وجهان كالمبيع ومنها لو أصدقها نصابا ولم تقبضه حتى حال الحول وجبت عليها الزكاة في الأصح كالمغصوب ونحوه وفي وجه لا بناء على ضمان العقد كالمبيع قبل القبض فقد صحح هنا قول ضمان اليد ومنها لو كا دينا جاز الاعتياض عنه على الأصح بناء على ضمان اليد وعلى ضمان العقد لا يجوز كالمسلم فيه فهذه صورة أخرى صحح فيها قول ضمان اليد
القاعدة الحادية عشرة الطلاق الرجعي هل يقطع النكاح أو لا قولان قال الرافعي والتحقيق أنه لا يطلق ترجيح واحد منهما لاختلاف الترجيح في فروعه فمنها لو وطئها في العدة وراجع فالأصح وجوب المهر بناء على أنه ينقطع ومنها لو مات عن رجعية فالأصح أنها لا تغسله والثاني تغسله كالزوجة ومنها لو خالعها فالأصح الصحة بناء على أنها زوجة ومنها لو قال نسائي أو زوجاتي طوالق فالأصح دخول الرجعية فيهن
تنبيهات
الأول جزم بالأول في تحريم الوطء والاستمتاعات كلها والنظر والخلوة ووجوب استبرائها لو كانت رقيقة واشتراها وجزم بالثاني في الإرث ولحوق الطلاق وصحة الظهار والإيلاء واللعان ووجوب النفقة الثاني في أصل القاعدة قول ثالث وهو الوقف فإن لم يراجعها حتى انقضت العدة تبينا انقطاع النكاح بالطلاق وإن راجع تبينا أنه لم ينقطع ونظير ذلك الأقوال في الملك زمن الخيار الثالث يعبر عن القاعدة بعبارة أخرى فيقال الرجعة هل هي ابتداء النكاح أو استدامته فصحح الأول فيما إذا طلق المولى في المدة ثم راجع فإنها تستأنف ولا تبنى وصحح الثاني في أن العبد يراجع بغير إذن سيده وأنه لا يشترط فيها الإشهاد وأنها تصح في الإحرام القاعدة الثانية عشرة الظهار هل المغلب فيه مشابهة الطلاق أو مشابهة اليمين فيه خلاف والترجيح مختلف فرجخ الأول في فروع منها إذا ظاهر من أربع نساء بكلمة واحدة فقال أنتن علي كظهر أمي فإذا أمسكهن لزمه أربع كفارات على الجديد فإن الطلاق لا يفرق فيه بين أن يطلقهن بكلمة أو كلمات والقديم كفارة تشبيها باليمين كما لو حلف لا يكلم جماعة لا يلزمه إلا كفارة واحدةونظير هذا الخلاف فيمن قذف جماعة بكلمة واحدة فيحد لكل واحد حدا في الأظهر والثاني حدا واحدا ومنها هل يصح بالخط الأصح نعم كالطلاق صرح به الماوردي وأفهمه كلام الأصحاب حيث قالوا كل ما استقل به الشخص فالخلاف فيه كوقوع الطلاق بالخط وجزم القاضي حسين بعدم الصحة في الظهار كاليمين فإنها لا تصح إلا باللفظ ومنها إذا كرر لفظ الظهار في امرأة واحدة على الاتصال ونوى الاستئناف فالجديد يلزمه بكل كفارة كالطلاق والثاني كفارة واحدة كاليمين ولو تفاصلت وقال أردت التأكيد فهل يقبل منه الأصح لا تشبيها بالطلاق والثاني نعم كاليمين ورجح الثاني في فروع منها لو ظاهر مؤقتا فالأصح الصحة مؤقتا كاليمين والثاني لا كالطلاق ومنها التوكيل فيه والأصح المنع كاليمين والثاني الجواز كالطلاق ومنها لو ظاهر من إحدى زوجتيه ثم قال للأخرى أشركتك معها ونوى الظهار فقولان أحدهما يصير مظاهرا منها أيضا كما لو طلقها ثم قال للأخرى أشركتك معها ونوى الطلاق والثاني لا كاليمين القاعدة الثالثة عشرة فرض الكفاية هل يتعين بالشروع أو لا فيه خلاف رجح في المطلب الأول والبارزي في التمييز الثاني قال في الخادم ولم يرجح الرافعي والنووي شيئا لأنها عندهما من القواعد التي لا يطلق فيها الترجيح لاختلاف الترجيح في فروعها فمنها صلاة الجنازة الأصح تعيينها بالشروع لما في الإعراض عنها من هتك حرمة الميت ومنها الجهاد ولا خلاف أنه يتعين بالشروع نعم جرى خلاف في صورة منه وهي ما إذا بلغه رجوع من يتوقف غزوه على إذنه والأصح أنه تجب المصابرة ولا يجوز الرجوع ومنها العلم فمن اشتغل به وحصل منه طرفا وأنس منه الأهلية هل يجوز له تركه أو يجب عليه الاستمرار وجهان الأصح الأول ووجه بأن كل مسئلة مستقلة برأسها منقطعة عن غيرها
قال العلائي مقتضى كلام الغزالي أن الأصح فيما سوى القتال وصلاة الجنازة من فروض الكفاية أنها لا تتعين بالشروع وينبغي أن يلحق بها غسل الميت وتجهيزه قلت صرح بما اقتضاه كلام الغزالي البارزي في التمييز ولك أن تبدل هذه القاعدة بقاعدة أعم منها فتقول فرض الكفاية هل يعطي حكم فرض العين أو حكم النفل فيه خلاف والترجيح مختلف في الفروع فمنها الجمع بينه وبين فرض آخر بتيمم فيه وجهان والأصح الجواز ومنها صلاة الجنازة قاعدا مع القدرة وعلى الراحلة فيه خلاف والأصح المنع وفرق بأن القيام معظم أركانها فلم يجز تركه مع القدرة بخلاف الجمع بينها وبين غيرها بالتيمم ومنها هل يجبر عليه تاركه حيث لم يتعين فيه صور مختلفة فالأصح الإجبار في صورة الولي والشاهد إذا دعي للأداء مع وجود غيره وعدمه فيما إذا دعي للتحمل وفيما إذا امتنع من الخروج معها للتغريب وفيما إذا طلب للقضاء فامتنع القاعدة الرابعة عشرة الزائل العائد هل هو كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد فيه خلاف والترجيح مختلف فرجح الأول في فروع منها إذا طلق قبل الدخول وقد زال ملكها عن الصداق وعاد تعلق بالعين في الأصح ومنها إذا طلقت رجعيا عاد حقها في الحضانة في الأصح ومنها إذا تخمر المرهون بعد القبض ثم عاد خلا يعود رهنا في الأصح ومنها إذا باع ما اشتراه ثم علم به عيبا ثم عاد إليه بغير رد فله رده في الأصح ومنها إذا خرج المعجل له الزكاة في أثناء الحول عن الاستحقاق ثم عاد تجزئ في الأصح ومنها إذا فاتته صلاة في السفر ثم أقام ثم سافر يقصرها في الأصح ومنها إذا زال ضوء إنسان أو كلامه أو سمعه أو ذوقه أو شمه أو أفضاها ثم عاد يسقط القصاص والضمان في الأصح ورجح الثاني في فروع منها لو زال الموهوب عن ملك الفرع ثم عاد فلا رجوع للأصل في الأصح ومنها لو زال ملك المشتري ثم عاد وهو مفلس فلا رجوع للبائع في الأصح
ومنها لو أعرض عن جلد ميتة أو خمر فتحول بيد غيره فلا يعود الملك في الأصح ومنها لو رهن شاة فماتت فدبغ الجلد لم يعد رهنا في الأصح ومنها لو جن قاض أو خرج عن الأهية ثم عاد لم تعد ولايته في الأصح ومنها لو قلع سن مثغور أو قطع لسانه أو أليته فنبتت أو أوضحه أو أجافه فالتأمت لم يسقط القصاص والضمان في الأصح ومنها لو عادت الصفة المحلوف عليها لم تعد اليمين في الأصح ومنها لو هزلت المغصوبة عند الغاصب ثم سمنت لم يجبر ولم يسقط الضمان في الأح ومنها إذا قلنا للمقرض الرجوع في عين القرض ما دام باقيا بحاله فلو زال وعاد فهل يرجع في عينه وجهان في الحاوي قلت ينبغي أن يكون الأصح لا
تنبيه
جزم بالأول في صور منها إذا اشترى معيبا وباعه ثم علم العيب ورد عليه به فله رده قطعا ومنها إذا فسق الناظر ثم صار عدلا وولايته بشرط الواقف منصوصا عليه عادت ولايته وإلا فلا أفتى به النووي ووافقه ابن الرفعة وجزم بالثاني في صور منها إذا تغير الماء الكثير بنجاسة ثم زال التغير عاد طهورا فلو عاد التغير بعد زواله والنجاسة غير جامدة لم يعد التنجيس قطعا قاله في شرح المهذب ولو زال الملك عن العبد قبل هلال شوال ثم ملكه بعد الغروب لا تجب عليه فطرته قطعا ولو سمع بينته ثم عزل قبل الحكم ثم عادت ولايته فلا بد من إعادتها قطعا ولو قال إن دخلت دار فلان ما دام فيها فأنت طالق فتحول ثم عاد إليها لا يقع الطلاق قطعا لأن إدامة المقام التي انعقدت عليها اليمين قد انقطعت وهذا عود جديد وإدامته إقامة مستأنفة نقله الرافعيفرع
وقع في الفتاوي أن رجلا وقف على امرأته ما دامت عزبا يعني بعد وفاته فتزوجت ثم عادت عزبا فهل يعود الاستحقاق أو لا وقد اختلف فيه مشايخنا فأفتى شيخناقاضي القضاة شرف الدين المناوي وبعض الحنفية بالعود وأفتى شيخنا البلقيني وكثير بعدمه وهو المتجه ثم رأيت في تنزيه النواظر في رياض الناظر للأسنوي ما نصه الحكم المعلق على قوله ما دام كذا وكذا ينقطع بزوال ذلك وإن عاد مثاله إذا حلف لا يصطاد ما دام الأمير في البلد فخرج الأمير ثم عاد فاصطاد الحالف فإنه لا يحنث لأن الدوام قد انقطع بخروجه كذا نقله الرافعي قال الأسنوي وقياسه أنه إذا وقف على زيد ما دام فقيرا فاستغنى ثم افتقر لم يستحق شيئا القاعدة الخامسة عشرة هل العبرة بالحال أو بالمآل فيه خلاف والترجيح مختلف ويعبر عن هذه القاعدة بعبارات منها ما قارب الشيء هل يعطى حكمه والمشرف على الزوال هل يعطى حكم الزائل والمتوقع هل يجعل كالواقع وفيها فروع منها إذا حلف ليأكلن هذا الرغيف غدا فأتلفه قبل الغد فهل يحنث في الحال أو حتى يجيء الغد وجهان أصحهما الثاني ومنها لو كا القميص بحيث تظهر منه العورة عند الركوع ولا تظهر عند القيام فهل تنعقد صلاته ثم إذا ركع تبطل أو لا تنعقد أصلا وجهان أصحهما الأول ونظيرها لو لم يبق من مدة الخف ما يسع الصلاة فأحرم بها فهل تنعقد فيه وجهان الأصح نعم وفائدة الصحة في المسئلتين صحة الاقتداء به ثم مفارقته وفي المسئلة الأولى صحتها إذا ألقى على عاتقه ثوبا قبل الركوع قال صاحب المعين وينبغي القطع بالصحة فيما إذا صلى على جنازة إذ لا ركوع فيها ومنها من عليه عشرة أيام من رمضان فلم يقضها حتى بقي من شعبان خمسة أيام فهل يجب فدية مالا يسعه الوقت في الحال أو لا يجب حتى يدخل رمضان فيه وجهان شبههما الرافعي وغيره بما إذا حلف ليشربن ماء هذا الكوز غدا فانصب قبل الغد
قال السبكي وفي هذا التشبيه نظر لأن الصحيح فيما إذا انصب بنفسه عدم الحنث ونظيره هنا إذا لم يزل عذره إلا ذلك الوقت ولا شك أنه لا يجب عليه شيء فيجب فرض المسئلة فيما إذا كان التمكن سابقا وحينئذ فنظيره أن يصب هو الماء فإنه يحنث وفي وقت حنثه الوجهان قال الرافعي الذي أورده ابن كج أنه لا يحنث إلا عند مجيء الغد وعلى قياسه هنا لا يلزم إلا بعد مجيء رمضان ومنها لو أسلم فيما يعم وجوده عند المحل فانقطع قبل الحلول فهل يتنجز حكم الانقطاع وهو ثبوت الخيار في الحال أو يتأخر إلى المحل وجهان أصحهما الثاني ومنها لو نوى في الركعة الأولى الخروج من الصلاة في الثانية أو علق الخروج بشيء يحتمل حصوله في الصلاة فهل تبطل في الحال أو حتى توجد الصفة وجهان أصحهما الأول ومنها من عليه دين مؤجل يحل قبل رجوعه فهل له السفر إذ لا مطالبة في الحال أو لا إلا بإذن الدائن لأنه يجب في غيبته وجهان أصحهما الأول ومنها إذا استأجر امرأة أشرفت على الحيض لكنس المسجد جاز وإن ظن طروءه وللقاضي حسين احتمال بالمنع كالسن الوجيعة إذا احتمل زوال الألم والفرق على الأصح أن الكنس في الجملة جائز والأصل عدم طروء الحيض ومنها هل العبرة في مكافأة القصاص بحال الجرح أو الزهوق ومنها هل العبرة في الإقرار للوارث بكونه وارثا حال الإقرار أو الموت وجهان أصحهما الثاني كالوصية ومنها هل العبرة بالثلث الذي يتصرف فيه المريض بحال الوصية أو الموت وجهان أصحهما الثاني ومقابله قاسه على ما لو نذر التصدق بماله ومنها هل العبرة في الصلاة المقضية بحال الأداء أو القضاء وجهان يأتيان في مبحثه ومنها هل العبرة في تعجيل الزكاة بحال الحول أو التعجيل ومنها هل العبرة في الكفارة المرتبة بحال الوجوب أو الأداء قولان أصحهما الثاني ومنها هل العبرة في طلاق السنة أو البدعة بحال الوقوع أو التعليق ومنها تربية جرو الكلب لما يباح تربية الكبير له
ومنها الجارية المبيعة هل يجوز وطؤها بعد الترافع إلى مجلس الحكم قبل التحالف وجهان أصحهما نعم وبعد التحالف وجهان مرتبان وأولى بالمنع ومنها لو حدث في المغصوب نقص يسري إلى التلف بأن جعل الحنطة هريسة فهل هو كالتالف أو لا بل يرده مع أرش النقص قولان أصحهما الأول
تنبيه
جزم باعتبار الحال في مسائل منها إذا وهب للطفل من يعتق عليه وهو معسر وجب على الولي قبوله لأنه لا يلزمنه نفقته في الحال فكان قبول هذه الهبة تحصيل خير وهو العتق بلا ضرر ولا ينظر إلى ما لعله يتوقع من حصول يسار للصبي وإعسار لهذا القريب لأنه غير متحقق أنه آيل وجزم باعتبار المآل في مسائل منها بيع الجحش الصغير جائز وإن لم ينتفع به حالا لتوقع النفع به مآلا ومنها جواز التيمم لمن معه ماء يحتاج إلى شربه في المآل لا في الحال ومنها المساقاة على ما لا يثمر في السنة ويثمر بعدها جائز بخلاف إجارة الجحش الصغير لأن موضوع الإجارة تعجيل المنفعة ولا كذلك المساقاة إذ تأخر الثمار محتمل فيها كذا فرق الرافعي قال ابن السبكي وبه يظهر لك أن المنفعة المشترطة في البيع غير المشترطة في الإجارة إذ تلك أعم من كونها حالا أو مآلا ولا كذلك الإجارةتنبيه يلتحق بهذه القاعدة قاعدة تنزيل الاكتساب منزلة المال الحاضر
وفيها فروع منها في الفقر والمسكنة قطعوا بأن القادر على الكسب كواجد المال ومنها في سهم الغارمين هل ينزل الاكتساب منزلة المال فيه وجهان الأشبه لا وفارق الفقير والمسكين بأن الحاجة تتجدد كل وقت والكسب يتجدد كذلك والغارم محتاج إلى وفاء دينه الآن وكسبه متوقع في المستقبل ومنها المكاتب إذا كان كسوبا هل يعطى من الزكاة فيه وجهان الأصح نعم كالغارم ومنها إذا حجر عليه بالفلس أنفق على من تلزمه نفقته من ماله إلى أن يقسم إلا أن يكون كسوباومنها إذا قسم ماله بين غرمائه وبقي عليه شيء وكان كسوبا لم يجب عليه الكسب لوفاء الدين قال الفراوي إلا أن يكون الدين لزمه بسبب هو عاص به كإتلاف مال إنسان عدوانا فإنه يجب عليه أن يكتسب لوفائه لأن التوبة منه واجبة ومن شروطها إيصال الحق إلى مستحقه فيلزمه التوصل إليه حكاه عنه ابن الصلاح في فوائد رحلته ومنها من له أصل وفرع ولا مال له هل يلزمه الاكتساب للإنفاق عليهما وجهان أحدهما لا كما لا يجب لوفاء الدين والأصح نعم لأنه يلزمه إحياء نفسه بالكسب فكذلك إحياء بعضه وفي التتمة أن محل الخلاف بالنسبة إلى نفقة الأصول أما بالنسبة إلى نفقة الفروع فيجب الاكتساب قطعا لأن نفقة الأصول سبيلها سبيل المواساة فلا تكلف أن يكتسب ليصير من أهل المواساة ونفقة الفروع بسبب حصول الاستمتاع فألحقت بالنفقة الواجبة للاستمتاع وهي نفقة الزوجة قال الرافعي هذا ذهاب إلى القطع بوجوب الاكتساب لنفقة الزوجة وهو الظاهر لكن في كلام الإمام وغيره أن فيها أيضا وجهين مرتبين على وجوب الاكتساب لنفقة القريب وهي أولى بالمنع لالتحاقها بالديون ومنها المتفق عليه من أصل وفرع لو كان قادرا على الاكتساب فهل يكلف به ولا تجب نفقته أقوال أصحها لا يكلفها الأصل لعظم حرمة الأبوة فتجب نفقته بخلاف الفرع والثاني يكلفان لأن القادر على الكسب مستغن عن أن يحمل غيره كله والثالث لا يكلفان وتجب نفقتهما إذ يقبح أن يكلف الإنسان قريبه الكسب مع اتساع ماله ومنها إذا كان الأب قادرا على كسب مهر حرة أو ثمن سرية لا يجب إعفافه وينزل منزلة المال الحاضر قاله الشيخ أبو علي قال الرافعي وينبغي أن يجيء فيه الخلاف المذكور في النفقة ومنها لو أجر السفيه نفسه هل يبطل كبيعه شيئا من أمواله حكى القاضي حسين العبادي فيه وجهين وفي الحاوي إن آجر نفسه فيما هو مقصود من عمله مثل أن يكون صانعا وعمله مقصود في كسبه لم يصح ويتولى العقد عليه وإن كان غير مقصود مثل أن يؤجر نفسه في حج أو وكالة في عمل صح لأنه إذا جاز أن يتطوع عن غيره بعمله فأولى أن يجوز بعوض كما قالوا يصح خلعه لأن له أن يطلق مجانا فبالعوض أولى انتهى
تنبيه
وأعم من هذه القاعدة قاعدة ما قارب الشيء هل يعطى حكمه وفيه فروع منها غير ما تقدم الديون المساوية لمال المفلس هل توجب الحجر عليه وجهان الأصح لا وفي المقاربة للمساواة الوجهان وأولى بالمنع ومنها الدم الذي تراه الحامل حال الطلق ليس بنفاس على الصحيح ومنها لا يملك المكاتب ما في يده على الأصح ووجه مقابله أنه قارب العتقالقاعدة السادسة عشرة إذا بطل الخصوص هل يبقى العموم
فيه خلاف والترجيح مختلف في الفروع فمنها إذا تحرم بالفرض فبان عدم دخول الوقت بطل خصوص كونها ظهرا مثلا وتبقى نفلا في الأصح ومنها لو نوى بوضوئه الطواف وهو بغير مكة فالأصح الصحة إلغاء للصفة ومنها لو أحرم بالحج في غير أشهره بطل وبقي أصل الإحرام فينعقد عمرة في الأصح ومنها لو علق الوكالة بشرط فسدت وجاز له التصرف لعموم الإذن في الأصح ومنها لو تيمم لفرض قبل وقته فالأصح البطلان وعدم استباحة النفل به ومنها لو وجد القاعد خفة في أثناء الصلاة فلم يقم بطلت ولا يتم نفلا في الأظهرتنبيه
جزم ببقائه في صور منها إذا أعتق معيبا عن كفارة بطل كونه كفارة وعتق جزما ومنها لو أخرج زكاة ماله الغائب فبان تالفا وقعت تطوعا قطعا وجزم بعدمه في صور منها لو وكله ببيع فاسد فليس له البيع قطعا لا صحيحا لأنه لم يأذن فيه ولا فاسدا لعدم إذن الشرع فيه ومنها لو أحرم بصلاة الكسوف ثم تبين الانجلاء قبل تحرمه بها لم تنعقد نفلا قطعا لعدم نفل على هيئتها حتى يندرج في نيته ومنها لو أشار إلى ظبية وقال هذه أضحية لغا ولا يلزمه التصدق بها قطعا قاله في شرح المهذب
القاعدة السابعة عشرة الحمل هل يعطى حكم المعلوم أو المجهول
فيه خلاف والترجيح مختلف في الفروع فمنها بيع الحامل إلا حملها فيه قولان أظهرهما لا يصح بناء على أنه مجهول واستثناء المجهول من المعلوم يصير الكل مجهولا ومنها بيع الحامل بحر وفيه وجهان أصحهما البطلان لأنه مستثنى شرعا وهو مجهول ومنها لو قال بعتك الجارية أو الدابة وحملها أو بحملها أو مع حملها وفيه وجهان الأصح البطلان أيضا لما تقدم ومنها لو باعها بشرط أنها حامل ففيه قولان أحدهما البطلان لأنه شرط معها شيئا مجهولا وأصحهما الصحة بناء على أنه معلوم لأن الشارع أوجب الحوامل في الدية ومنها هل للبائع حبس الولد إلى استيفاء الثمن وهل يسقط من الثمن حصته لو تلف قبل القبض وهل للمشتري بيع الولد قبل القبض الأصح نعم في الأوليين ولا في الثالثة بناء على أنه يعلم ويقابله قسط من الثمن ومنها لو حملت أمة الكافر الكافرة من كافر فأسلم فالحمل مسلم فيحتمل أن يؤمر مالك الأمة الكافرة بإزالة ملكه عن الأم إن قلنا الحمل يعطى حكم المعلوم قاله في البحر ومنها الإجازة للحمل والأظهر كما قال العراقي الجواز بناء على أنه معلومتنبيه
جزم بإعطائه حكم المجهول فيما إذا بيع وحده فلا يصح قطعا وبإعطائه حكم المعلوم في الوصية له أو الوقف عليه فيصحان قطعاالقاعدة الثامنة عشرة النادر هل يلحق بجنسه أو بنفسه
فيه خلاف والترجيح مختلف في الفروع فمنها مس الذكر المبان فيه وجهان أصحهما أنه ينقض لأنه يسمى ذكرا ومنها لمس العضو المبان من المرأة فيه وجهان أصحهما عدم النقض لأنه لا يسمى امرأة والنقض منوط بلمس المرأة ومنها النظر إلى العضو المبان من الأجنبية وفيه وجهان أصحهما التحريم ووجه مقابله ندور كونه محل فتنة والخلاف جار في قلامة الظفرومنها لو حلف لا يأكل اللحم فأكل الميتة ففيه وجهان أصحهما عند النووي عدم الحنث ويجريان فيما لو أكل ما لا يؤكل كذئب وحمار ومنها الاكتساب النادر كالوصية واللقطة والهبة هل تدخل في المهايأة في العبد المشترك وجهان الأصح نعم ومنها جماع الميتة يوجب عليه الغسل والكفارة عن إفساد الصوم والحج ولا يوجب الحد ولا إعادة غسلها على الأصح فيهما ولا المهر ومنها يجزئ الحجر في المذي والودي على الأصح ومنها يبقى الخيار للمتبايعين إذا داما أياما على الأصح ومنها في جريان الربا في الفلوس إذا راجت رواج النقود وجهان أصحهما لا ومنها ما يتسارع إليه الفساد في شرط الخيار فيه وجهان أصحهما لا يجوز
تنبيه
جزم بالأول في صور منها من خلق له وجهان لم يتميز الزائد منهما يجب غسلهما قطعا ومن خلقت بلا بكارة لها حكم الأبكار قطعا ومن أتت بولد لستة أشهر ولحظتين من الوطء يلحق قطعا وإن كان نادرا وجزم بالثاني في صور منها الأصبع الزائدة لا تلحق بالأصلية في الدية قطعا وكذا سائر الأعضاءالقاعدة التاسعة عشرة
القادر على اليقين هل له الاجتهاد والأخذ بالظن
فيه خلاف والترجيح مختلف في الفروع فمنها من معه إناآن أحدهما نجس وهو قادر على يقين الطهارة بكونه على البحر أو عنده ثالث طاهر أو يقدر على خلطهما وهما قلتان والأصح أن له الاجتهاد ومنها لو كان معه ثوبان أحدهما نجس وهو قادر على طاهر بيقين والأصح أن له الاجتهاد ومنها من شك في دخول الوقت وهو قادر على تمكين الوقت أو الخروج من البيت المظلم لرؤية الشمس والأصح أن له الاجتهاد ومنها الصلاة إلى الحجر الأصح عدم صحتها إلى القدر الذي ورد فيه أنه من البيتوسببه اختلاف الروايات ففي لفظ الحجر من البيت وفي لفظ سبعة أذرع وفي آخر ستة وفي آخر خمسة والكل في صحيح مسلم فعدلنا عنه إلى اليقين وهو الكعبة وذكر من فروعها أيضا الاجتهاد بحضرته صلى الله عليه وسلم وفي زمانه والأصح جوازه
تنبيه
جزم بالمنع فيما إذا وجد المجتهد نصا فلا يعدل عنه إلى الاجتهاد جزما وفي المكي لا يجتهد في القبلة جزما وفرق بين القبلة والأواني بأن في الإعراض عن الاجتهاد في الآنية إضاعة مال وبأن القبلة في جهة واحدة فطلبها مع القدرة عليها في غيرها عبث والماء جهاته متعددة وجزم بالجواز فيمن اشتبه عليه لبن طاهر ومتنجس ومعه ثالث طاهر بيقين ولا اضطرار فإنه مجتهد بلا خلاف نقله في شرح المهذبالقاعدة العشرون
المانع الطارئ هل هو كالمقارن
فيه خلاف والترجيح مختلف في الفروع فمنها طريان الكثرة على الاستعمال والشفاء على المستحاضة في أثناء الصلاة والردة على الإحرام وقصد المعصية على سفر الطاعة وعكسه والإحرام على ملك الصيد وأحد العيوب على الزوجة والحلول على دين المفلس الذي كان مؤجلا وملك المكاتب زوجة سيده والوقف على الزوجة أعني إذا وقفت زوجته عليه والأصح في الكل أن الطارئ كالمقارن فيحكم للماء بالطهورية وللصلاة والإحرام بالإبطال وللمسافر بعدم الترخص في الأولى وبالترخص في الثانية وبإزالة الملك عن الصيد وبإثبات الخيار للزوج وبرجوع البائع في عين ماله وبانفساخ النكاح في شراء المكاتب والموقوفة كما لا يجوز له نكاح من وقفت عليه ابتداء ومنها طريان القدرة على الماء في أثناء الصلاة ونية التجارة بعد الشراء وملك الابن على زوجة الأب والعتق على من نكح جارية ولده واليسار ونكاح الحرة على حر نكح أمة وملك الزوجة لزوجها بعد الدخول قبل قبض المهر وملك الإنسان عبدا له في ذمته دين والإحرام على الوكيل في النكاح والاسترقاق على حربي استأجره مسلم والعتق على عبد آجره سيده مدة والأصح في الكل أن الطارئ ليس كالمقارن فلا تبطل الصلاة ولا تجب الزكاة ولاينفسخ النكاح في الصور الأربع ولا يسقط المهر والدين عن ذمة العبد ولا تبطل الوكالة ولا تنفسخ الإجارة في الصورتين
تنبيه
جزم بأن الطارئ كالمقارن في صور منها طريان الكثرة على الماء النجس والرضاع المحرم والردة على النكاح ووطء الأب أو الابن أو الأم أو البنت بشبهة وملك الزوج الزوجة أو عكسه والحدث العمد على الصلاة ونية القنية على عروض التجارة وأحد العيوب على الزوج وجزم بخلافه في صور منها طريان الإحرام وعدة الشبهة وأمن العنت على النكاح والإسلام على السبي فلا يزيل الملك ووجدان الرقبة في أثناء الصوم الإباق وموجب الفساد على الرهن والإغماء على الاعتكاف والإسلام على عبد الكافر فلا يزيل الملك بل يؤمر بإزالته ودخول وقت الكراهة على التيمم لا يبطله بلا خلاف ولو تيمم فيه للنفل لم يصحخاتمة
يعبر عن أحد شقي هذه القاعدة بقاعدة يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء ولهم قاعدة عكس هذه وهي يغتفر في الابتداء ما لا يغتفر في الدوام ومن فروعها إذا طلع الفجر وهو مجامع فنزع في الحال صح صومه ولو وقع مثل ذلك في أثناء الصوم أبطله ومنها لو أحرم مجامعا بحج أو عمرة فأوجه أحدها ينعقد صحيحا وبه جزم الرافعي في باب الإحرام وأقره في الروضة فإن نزع في الحال استمر وإلا فسد نسكه وعليه البدنة والقضاء والمضي في الفاسد فعلى هذا اغتفر الجماع في ابتداء الإحرام ولم يغتفر في أثنائه والوجه الثاني لا ينعقد أصلا وهو الأصح في زوائد الروضة والثالث وهو الأصح ينعقد فاسدا فإن نزع في الحال لم تجب البدنة وإن مكث وجبت والفرق بينه وبين الصوم أن طلوع الفجر ليس من فعله بخلاف إنشاء الإحرامومنها الجنون لا يمنع ابتداء الأجل فيجوز لوليه أن يشتري له شيئا بثمن مؤجل ويمنع دوامه على قول صححه في الروضة فيحل عليه الدين المؤجل إذا جن ولكن المعتمد خلافه منها وهي أجل مما تقدم الفطرة لا يباع فيها المسكن والخادم قال الأصحاب هذا في الابتداء فلو ثبتت الفطرة في ذمة إنسان بعنا خادمه ومسكنه فيها لأنها بعد الثبوت التحقت بالديون ومنها إذا مات للمحرم قريب وفي ملكه صيد ورثه على الأصح ثم يزول ملكه عنه على الفور ومنها الوصية بملك الغير الراجح صحتها حتى إذا ملكه بعد ذلك أخذه الموصى له ولو أوصى بما يملكه ثم أزال الملك فيه بطلت الوصية كذا جزموا به قال الأسنوي وكان القياس أن تبقى الوصية بحالها فإن عاد إلى ملكه أعطيناه الموصى له كما لو لم يكن في ملكه حال الوصية بل الصحة هنا أولى انتهى وعلى ما جزموا به قد اغتفر في الابتداء ما لم يغتفر في الدوام ومنها إذا حلف بالطلاق لا يجامع زوجته لم يمنع من إيلاج الحشفة على الصحيح ويمنع من الاستمرار لأنها صارت أجنبية = الكتاب الرابع في أحكام يكثر دورها ويقبح بالفقيه جهلها =
القول في الناسي والجاهل والمكره
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه هذا حديث حسن أخرجه ابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه بهذا اللفظ من حديث ابن عباس وأخرجه الطبراني والدارقطني من حديثه بلفظ تجاوز بدل وضع وأخرجه أبو القاسم الفضل بن جعفر التميمي في فوائده من حديثه بلفظ رفع وأخرجه ابن ماجه أيضا من طريق أبي بكر الهذلي عن شهر عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وأخرجه بهذا اللفظ الطبراني في الكبير من حديث ثوبانوأخرجه في الأوسط من حديث ابن عمر وعقبة بن عامر بلفظ وضع عن أمتي إلى آخره وإسناد حديث ابن عمر صحيح وأخرجه ابن عدي في الكامل وأبو نعيم في التاريخ من حديث أبي بكرة بلفظ رفع الله عن هذه الأمة الخطأ والنسيان والأمر يكرهون عليه وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره من طريق أبي بكر الهذلي عن شهر بن حوشب عن أم الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله تجاوز لأمتي عن ثلاث الخطأ والنسيان والاستكراه قال أبو بكر فذكرت ذلك للحسن فقال أجل أما تقرأ بذلك قرآنا ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا وأبو بكر ضعيف وكذا شهر وأم الدرداء إن كانت الصغرى فالحديث مرسل وإن كانت الكبرى فهو منقطع وقال سعيد بن منصور في سننه حدثنا خالد بن عبدالله عن هشام عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله عفا لكم عن ثلاث عن الخطأ والنسيان وما استكرهتم عليه وقال أيضا حدثنا إسماعيل بن عياش حدثني جعفر بن حبان العطاردي عن الحسن قال سمعته يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تجاوز الله لابن آدم عما أخطأ وعما نسي وعما أكره وعما غلب عليه وأخرج ابن ماجه من حديث أبي هريرة إن الله تجاوز لأمتي عما توسوس به صدورها ما لم تعمل أو تتكلم به وما استكرهوا عليه فهذه شواهد قوية تقضي للحديث بالصحة اعلم ان قاعدة الفقه أن النسيان والجهل مسقط للإثم مطلقا وأما الحكم فإن وقعا في ترك مأمول لم يسقط بل يجب تداركه ولا يحصل الثواب لمترتب عليه لعدم الائتمار أو فعل منهي ليس من باب الإتلاف فلا شيء فيه أو فيه إتلاف لم يسقط للضمان فإن كان يوجب عقوبة كان شبهة في إسقاطها وخرج عن ذلك صور نادرة فهذه أقسام فمن فروع القسم الأول من نسي صلاة أو صوما أو حجا أو زكاة أو كفارة أو نذرا وجب تداركه بالقضاء بلا خلاف وكذا لو وقف بغير عرفة يجب القضاء اتفاقا ومنها من نسي الترتيب في الوضوء
أو نسي الماء في رحله فتيمم وصلى ثم ذكره أو صلى بنجاسة لا يعفى عنها ناسيا أو جاهلا بها أو نسي قراءة الفاتحة في الصلاة أو تيقن الخطأ في الاجتهاد في الماء والقبلة والثوب وقت الصلاة والصوم والوقوف بأن بان وقوعها قبله أو صلوا لسواد ظنوه عدوا فبان خلافه أو دفع الزكاة إلى من ظنه فقيرا فبان غنيا أو استناب في الحج لكونه معصوبا فبرأ وفي هذه الصور كلها خلاف قال في شرح المهذب بعضه كبعض وبعضه مرتب على بعض أو أقوى من بعض والصحيح في الجميع عدم الإجزاء ووجوب الإعادة ومأخذ الخلاف أن هذه الأشياء هل هي من قبيل المأمورات التي هي شروط كالطهارة عن الحدث فلا يكون النسيان والجهل عذرا في تركها لفوات المصلحة منها أو أنها من قبيل المناهي كالأكل والكلام فيكون ذلك عذرا والأول أظهر ولذلك تجب الإعادة بلا خلاف فيما لو نسي نية الصوم لأنها من قبيل المأمورات وفيما لو صادف صوم الأسير ونحوه الليل دون النهار لأنه ليس وقتا للصوم كيوم العيد ذكره في شرح المهذب ولو صادف الصلاة أو الصوم بعد الوقت أجزأ بلا خلاف لكن هل يكون أداء للضرورة أو قضاء لأنه خارج عن وقته قولان أو وجهان أصحهما الثاني ويتفرع عليه ما لو كان الشهر ناقصا ورمضان تاما وأما الوقوف إذا صادف ما بعد الوقت فإن صادف الحادي عشر لم يجز بلا خلاف كما لو صادف السابع وإن صادف العاشر أجزأ ولا قضاء لأنهم لو كلفوا به لم يأمنوا الغلط في العام الآتي أيضا ويستثنى ما إذا قل الحجيج على خلاف العادة فإنه يلزمهم القضاء في الأصح لأن ذلك نادر وفرق بين الغلط في الثامن والعاشر بوجهين
أحدهما أن تأخير العبادة عن الوقت أقرب إلى الاحتساب من تقديمها عليه والثاني ان الغلط بالتقديم يمكن الاحتراز عنه فإنما يقع لغلط في الحساب أو لخلل في الشهود الذين شهدوا بتقديم الهلال والغلط بالتأخير قد يكون بالغيم المانع من الرؤية ومثل ذلك لا يمكن الاحتراز عنه ثم صورة المسئلة كما قال الرافعي أن يكون الهلال غم فأكملوا ذا القعدة ثلاثين ثم قامت بينة برؤيته ليلة الثلاثين أما لو وقع الغلط بسبب الحساب فإنه لا يجزئ بلا شك لتفريطهم وسواء تبين لهم ذلك بعد العاشر أو فيه في أثناء الوقوف أو قبل الزوال فوقفوا عالمين كما نقله الرافعي عن عامة الأصحاب وصححه في شرح المهذب ولو أخطأ الاجتهاد في أشهر الحج فأحرم النفير العام في غير أشهره ففي انعقاده حجا وجهان أحدهما نعم كالخطأ في الوقوف العاشر والثاني لا والفرق أنا لو أبطلنا الوقوف في العاشر أبطلناه من أصله وفيه إضرار وأما هنا فينعقد عمرة كذا في شرح المهذب بلا ترجيح ومن فروع هذا القسم في غير العبادات ما لو فاضل في الربويات جاهلا فإن العقد يبطل اتفاقا فهو من باب ترك المأمورات لأن المماثلة شرط بل العلم بها أيضا وكذا لو عقد البيع أو غيره على عين يظنها ملكه فبانت بخلافه أو النكاح على محرم أو غيرها من المحرمات جاهلا لا يصح
ومن فروع القسم الثاني
من شرب خمرا جاهلا فلا حد ولا تعزير ومنها لو قال أنت أزنى من فلان ولم يصرح في لفظه بزنى فلان لكنه كان ثبت زناه بإقرار أو بينة والقائل جاهل فليس بقاذف بخلاف ما لو علم به فيكون قاذفا لهما ومنها الإتيان بمفسدات العبادة ناسيا أو جاهلا كالأكل في الصلاة والصوم وفعل ما ينافي الصلاة من كلام وغيره والجماع في الصوم والاعتكاف والإحرام والخروج من المعتكف والعود من قيام الثالثة إلى التشهد ومن السجود إلى القنوت والاقتداء بمحدث وذي نجاسة وسبق الإمام بركنين ومراعاة المزحوم ترتيب نفسه إذا ركع الإمام في الثانية وارتكاب محظورات الإحرام التي ليست بإتلافكاللبس والاستمتاع والدهن والطيب سواء جهل التحريم أو كونه طيبا والحكم في الجميع عدم الإفساد وعدم الكفارة والفدية وفي أكثرها خلاف واستثني من ذلك الفعل الكثير في الصلاة كالأكل فإنه يبطلها في الأصح لندوره وألحق بعضهم الصوم بالصلاة في ذلك والأصح أنه لا يبطل بالكثير لأنه لا يندر فيه بخلاف الصلاة لأن فيه هيئة مذكرة ومنها لو سلم عن ركعتين ناسيا وتكلم عامدا لظنه إكمال الصلاة لا تبطل صلاته لظنه أنه ليس في صلاة ونظيره ما لو تحلل من الإحرام وجامع ثم بان أنه لم يتحلل لكون رميه وقع قبل نصف الليل والمذهب أنه لا يفسد حجه ومن نظائره أيضا لو أكل ناسيا فظن بطلان صومه فجامع ففي وجه لا يفطر قياسا عليه والأصح الفطر كما لو جامع على ظن أن الصبح لم يطلع فبان خلافه ولكن لا تجب الكفارة لأنه وطئ وهو يعتقد أنه غير صائم ونظيره أيضا لو ظن طلاق زوجته بما وقع منه فأشهد عليه بطلاقها
ومن فروع هذا القسم أيضا
ما لو اشترى الوكيل معيبا جاهلا به فإنه يقع عن الموكل إن ساوى ما اشتراه به وكذا إن لم يساو في الأصح فإنه بخلاف ما إذا علمتنبيه
من المشكل تصوير الجهل بتحريم الأكل في الصوم فإن ذلك جهل بحقيقة الصوم فإن من جهل الفطر جهل الإمساك عنه الذي هو حقيقة الصوم فلا تصح نيته قال السبكي فلا مخلص إلا بأحد أمرين إما أن يفرض في مفطر خاص من الأشياء النادرة كالتراب فإنه قد يخفى ويكون الصوم الإمساك عن المعتاد وما عداه شرط في صحته وإما أن يفرض كما صوره بعض المتأخرين فيمن احتجم أو أكل ناسيا فظن أنه أفطر فأكل بعد ذلك جاهلا بوجوب الإمساك فإنه لا يفطر على وجه لكن الأصح فيه الفطر انتهى وقال القاضي حسين كل مسئلة تدق ويغمض معرفتها هل يعذر فيها العامي وجهان أصحهما نعم
ومن فروع القسم الثالث إتلاف مال الغير
فلو قدم له غاصب طعاما ضيافة فأكله جاهلا فقرار الضمان عليه في أظهر القولين ويجرين في إتلاف مال نفسه جاهلا وفيه صور منها لو قدم له الغاصب المغصوب منه فأكله ضيافة جاهلا برئ الغاصب في الأظهر ومنها لو أتلف المشتري المبيع قبل القبض جاهلا فهو قابض في الأظهر ومنها لو خاطب زوجته بالطلاق جاهلا بأنها زوجته بأن كان في ظلمة أو نكحها له وليه أو وكيله ولم يعلم وقع وفيه احتمال للإمام ومنها لو خاطب أمته بالعتق كذلك قال الرافعي ومن نظائرها ما إذا نسي أن له زوجة فقال زوجتي طالق ومنها كما قال ابن عبدالسلام ما إذا وكل وكيلا في إعتاق عبد فأعتقه ظنا منه أنه عبد الموكل فإذا هو عبد الوكيل نفذ عتقه قال العلائي ولا يجيء فيه احتمال الإمام لأن هذا قصد قطع الملك فنفذ ومنها إذا قال الغاصب لمالك العبد المغصوب أعتق عبدي هذا فأعتقه جاهلا عتق على الصحيح وفي وجه لا لأنه لم يقصد قطع ملك نفسه قلت خرج عن هذه النظائر مسئلة وهي ما إذا استحق القصاص على رجل فقتله خطأ فالأصح أنه لا يقع الموقع ومن فروع هذا القسم أيضا محظورات الإحرام التي هي إتلاف كإزالة الشعر والظفر وقتل الصيد لا تسقط فديتها بالجهل والنسيان ومنها يمين الناسي والجاهل فإذا حلف على شيء بالله أو الطلاق أو العتق أن يفعله فتركه ناسيا أو لا يفعله ففعله ناسيا للحلف أو جاهلا أنه المحلوف عليه أو على غيره ممن يبالي بيمينه ووقع ذلك منه جاهلا أو ناسيا فقولان في الحنث رجح كلا المرجحون ورجح الرافعي في المحرر عدم الحنث مطلقا واختاره في زوائد الروضة والفتاوي قال لحديث رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وهو عام فيعمل بعمومه إلا ما دل دليل على تخصيصه كغرامة المتلفات ثم استثني من ذلك ما لو حلف لا يفعل عامدا ولا ناسيا فإنه يحنث بالفعل ناسيا بلا خلاف لالتزام حكمه هذا في الحلف على المستقبل أما على الماضي كأن حلف أنه لم يفعل ثم تبين أنه فعله فالذي تلقفناه من مشايخنا أنه يحنثويدل له قول النووي في فتاويه صورة المسئلة أن يعلق الطلاق على فعل شيء فيفعله ناسيا لليمين أو جاهلا بأنه المحلوف عليه ولابن رزين فيه كلام مبسوط سأذكره والذي في الشرح والروضة أن فيه القولين في الناسي ومقتضاه عدم الحنث وعبارة الروضة لو جلس مع جماعة فقام ولبس خف غيره فقالت له امرأته استبدلت بخفك ولبست خف غيرك فحلف بالطلاق أنه لم يفعل إن قصد أني لم آخذ بدله كان كاذبا فإن كان عالما طلقت وإن كان ساهيا فعلى قولي طلاق الناسي انتهى ولك أن تقول لا يلزم من إجراء القولين الاستواء في التصحيح وابن رزين أبسط من تكلم على المسألة وها أنا أورد عبارته بنصها لما فيها من الفوائد قال للجهل والنسيان والإكراه حالتان إحداهما أن يكون ذلك واقعا في نفس اليمين أو الطلاق فمذهب الشافعي أن المكره على الطلاق لا يقع طلاقه إذا كان غير مختار لذلك من جهة غير الإكراه بل طاوع المكره فيما أكرهه عليه بعينه وصفته ويستوي في ذلك الإكراه على اليمين وعلى التعليق ويلتحق بالإكراه في ذلك الجهل الذي يفقد معه القصد إلى اللفظ مع عدم فهم معناه والنسيان وذلك بأن يتلفظ بالطلاق من لا يعرف معناه أصلا أو عرفه ثم نسيه فهذان نظير المكره فلا يقع بذلك طلاق ولا ينعقد بمثله يمين وذلك إذا حلف باسم من أسماء الله تعالى وهو لا يعرف أنه اسمه أما إذا جهل المحلوف عليه أو نسيه كما إذا دخل زيد الدار وجهل ذلك الحالف أو علمه ثم نسيه فحلف بالله أو بالطلاق أنه ليس في الدار فهذه يمين ظاهرها تصديق نفسه في النفي وقد يعرض فيها أن يقصد أن الأمر كذلك ( في اعتقاده أو فيما انتهى إليه علمه أي لم يعلم خلافه ولا يكون قصده الجزم بأن الأمر كذلك ) في الحقيقة بل ترجع يمينه إلى أنه حلف أنه يعتقد كذا أو يظنه وهو صادق في أنه يعتقد ذلك أو ظان له فإن قصد الحالف ذلك حالة اليمين أو تلفظ به متصلا بها لم يحنث وإن قصد المعنى الأول أو أطلق ففي وقوع الطلاق ووجوب الكفارة قولان مشهوران مأخذهما أن النسيان والجهل هل يكونان عذرا له في ذلك كما كانا عذرا في باب الأوامر والنواهي أم لا يكونان عذرا كما لم يكونا عذرا في غرامات المتلفات ويقوي إلحاقهما بالإتلافات بأن الحالف بالله أن زيدا في الدار إذا لم يكن فيها
قد انتهك حرمة الاسم الأعظم جاهلا أو ناسيا فهو كالجاني خطأ والحالف بالطلاق إن كانت يمينه بصيغة التعليق كقوله إن لم يكن زيد في الدار فزوجتي طالق إذا تبين أنه لم يكن فيها فقد تحقق الشرط الذي علق الطلاق عليه فإنه لم يتعرض إلا لتعليق الطلاق على عدم كونه في الدار ولا أثر لكونه جاهلا أو ناسيا في عدم كونه في الدار وأما إذا كان بغير صيغة التعليق كقوله لزوجته أنت طالق لقد خرج زيد من الدار وكقوله الطلاق يلزمني ليس زيد في الدار فهذا إذا قصد به اليمين جرى مجرى التعليق وإلا لوقع الطلاق في الحال وإذا جرى مجرى التعليق كان حكمه حكمه والحالة الثانية الجهل والنسيان والإكراه أن يعلق الطلاق على دخول الدار أو دخول زيد الدار أو يحلف بالله لا يفعل ذلك فإذا دخلها المحلوف عليه ناسيا أو جاهلا أو مكرها فإن جرد قصده عن التعليق المحض كما إذا حلف لا يدخل السلطان البلد اليوم أو لا يحج الناس في هذا العام فظاهر المذهب وقوع الطلاق والحنث في مثل هذه الصورة وقع ذلك عمدا أو نسيانا اختيارا أو مع إكراه أو جهل وإن قصد باليمين تكليف المحلوف عليه ذلك لكونه يعلم أنه لا يرى مخالفته مع حلفه أو قصد باليمين على فعل نفسه أن تكون يمينه رادعة عن الفعل فالمذهب في هاتين الصورتين أنه لا يحنث إذا فعل المحلوف عليه ناسيا أو جاهلا إذ رجعت حقيقة هذه اليمين إلى تكليف نفسه ذلك أو تكليف المحلوف عليه ذلك والناسي لا يجوز تكليفه وكذلك الجاهل وأما إن فعله مكرها فالإكراه لا ينافي التكليف فإنا نحرم على المكره القتل ونبيح له الفطر في الصوم وإذا كان مكلفا وقد فعل المحلوف عليه فيظهر وقوع الطلاق والحنث كما تقدم في المسألة الأولى إلحاقا بالإتلاف لتحقق وجود الشرط المعلق عليه إذ لفظ التعليق عام يشمل فعل المعلق عليه مختارا ومكرها وناسيا وجاهلا وذاكرا ليمين وعالما وبهذا تمسك من مال إلى الحنث ووقوع الطلاق في صورة النسيان والجهل لكنا إنما اخترنا عدم وقوع الطلاق فيهما لأن قصد التكليف يخصهما ويخرجهما عن الدخول تحت عموم اللفظ فلا ينهض لأن مخرج الإكراه لكونه لا ينافي التكليف كما ذكرنا هذا ما ترجح عندي في الصورة التي فصلتها وبقي صورة واحدة وهي ما إذا أطلق التعليق ولم يقصد تكليفا ولا قصد التعليق المحض بل أخرجه مخرج اليمين
فهذه الصورة هي التي أطلق معظم الأصحاب فيها القولين واختار صاحب المهذب والانتصار والرافعي عدم الحنث وعدم وقوع الطلاق وكان شيخنا ابن الصلاح يختار وقوعه ويعلله بكونه مذهب أكثر العلماء وبعموم لفظ التعليق ظاهرا لكن قرينة الحث والمنع تصلح للتخصيص وفيها بعض الضعف ومن ثم توقف صاحب الحاوي ومن حكى عنه التوقف من أشياخه في ذلك فالذي يقوي التخصيص أن ينضم إلى قرينة الحث والمنع القصد للحث والمنع فيقوى حينئذ التخصيص كما اخترناه والغالب أن الحالف على فعل مستقبل من أفعال من يعلم أنه يرتدع منه يقصد الحث أو المنع فيختار أيضا أن لا يقع طلاقه بالفعل مع الجهل والنسيان إلا أن يصرفه عن الحث أو المنع بقصد التعليق على الفعل مطلقا فيقع في الصور كلها بوجود الفعل وأما من حلف على فعل نفسه فلا يمتنع وقوع طلاقه بالنسيان أو الجهل إلا عند قصد الحث أو المنع انتهى كلامه بحروفه وما جزم به من الحنث في الحالة الأولى وهي الحلف على الماضي ناسيا أو جاهلا ذكره بحروفه القمولي في شرح الوسيط جازما به ونقله عنه الأذرعي في القوت وقال إنه أخذه من كلام ابن رزين ونقل غير واحد أن ابن الصلاح صرح بتصحيحه وبتصحيح الحنث في المستقبل أيضا فإذا جمعت بين المسألتين حصلت ثلاثة أقوال ثالثها الحنث في الماضي دون المستقبل وهو الذي قرره ابن رزين ومتابعوه وهو المختار
تنبيه
من المشكل قول المنهاج ولو علق بفعله ففعل ناسيا للتعليق أو مكرها لم تطلق في الأظهر أو بفعل غيره ممن يبالي بتعليقه وعلم به فكذلك وإلا فيقع قطعا ووجه الإشكال أن قوله وأن لا يدخل فيه ما إذا لم يبال بتعليقه ولم يعلم به وما إذا علم به ولم يبال وما إذا بالى ولم يعلم والقطع بالوقوع في الثالثة مردود وقد استشكله السبكي وقال كيف يقع بفعل الجاهل قطعا ولا يقع بفعل الناسي على الأظهر مع أن الجاهل أولى بالمعذرة من الناسي وقد بحث الشيخ علاء الدين الباجي في ذلك هو والشيخ زين الدين بن الكتاني في درس بن بنت الأعز وكان ابن الكتاني مصمما على ما اقتضته عبارة المنهاج والباجي في مقابله قال السبكي والصواب أن كلام المنهاج محمول على ما إذا قصد الزوج مجرد التعليق ولم يقصد إعلامه ليمتنع وقد أرشد الرافعي إلى ذلك فإن عبارته وعبارة النووي في الروضة ولو علق بفعلالزوجة أو أجنبي فإن لم يكن للمعلق بفعله شعور بالتعليق ولم يقصد الزوج إعلامه ففي قوله ولم يقصد إعلامه ما يرشد إلى ذلك وقال في المهمات أشار بقوله ولم يقصد إعلامه إلى قصد الحث والمنع وعبر عنه به لأن قاصده يقصد إعلام الحالف بذلك ليمتنع منه ولهذا لما تكلم على القيود ذكر الحث والمنع عوضا عن الإعلام قال والظاهر أنه معطوف بأو لا بالواو حتى لا يكون المجموع شرطا فإن الرافعي شرط بعد ذلك لعدم الوقوع شروطا ثلاثة شعوره وأن يبالي وأن يقصد الزوج الحث والمنع قال وما اقتضاه كلام الرافعي من الحنث إذا لم يعلم المحلوف عليه رجحه الصيدلاني فيما جمعه من طريقة شيخه القفال فقال فإن قصد منعه فإن لم يعلم القادم حتى قدم حنث الحالف وإن علم به ثم نسي فعلى قولين ومنهم من قال على قولين بكل حال وكذلك الغزالي في البسيط فقال إذا علق بفعلها في غيبتها فلا أثر لنسيانها وإن كانت مكرهة فالظاهر الوقوع لأن هذا في حكم التعليق لا قصد المنع ومنهم من طرد فيه الخلاف انتهى وخالف الجمهور فخرجوه على القولين الشيخ أبو حامد والمحاملي وصاحبا المهذب والتهذيب والجرجاني والخوارزمي انتهى وقال ابن النقيب القسم الثالث وهو ما إذا بالى ولم يعلم ليس في الشرح والروضة هنا ويقتضي المنهاج الوقوع فيه قطعا فليحرر فرع في المسائل المبنية على الخلاف في حنث الناسي والمكره قال لأقتلن فلانا وهو يظنه حيا فكان ميتا ففي الكفارة خلاف الناسي قال لا أسكن هذه الدار فمرض وعجز عن الخروج ففي الحنث خلاف المكره قال لأشربن ماء هذا الكوز فانصب أو شربه غيره أو مات الحالف قبل الإمكان ففيه خلاف المكره قال لا أبيع لزيد مالا فوكل زيد وكيلا وأذن له في التوكيل فوكل الحالف فباع وهو لا يعلم ففيه خلاف الناسي قال لأقضين حقك غدا فمات الحالف قبله أو أبرأه أو عجز ففيه خلاف المكره قال لأقضين عند رأس الهلال فأخره عن الليلة الأولى للشك فيه فبان كونها من الشهر ففيه خلاف الناسي
قال لا رأيت منكرا إلا رفعته إلى القاضي فلم يتمكن من الرفع لمرض أو حبس أو جاء إلى باب القاضي فحجب أو مات القاضي قبل وصوله إليه ففيه خلاف المكره قال لا أفارقك حتى أستوفي حقي ففر منه الغريم ففيه خلاف المكره فإن قال لا تفارقني ففر الغريم حنث مطلقا لأنها يمين على فعل غيره بخلاف الأولى ولا يحنث مطلقا إن فر الحالف فإن أفلس في الصورة الأولى فمنعه الحاكم من ملازمته ففيه خلاف المكره وإن استوفى فبان ناقصا ففيه خلاف الجاهل فرع خرج عن هذا القسم صور عذر فيها بالجهل في الضمان منها إذا أخرج الوديعة من الحرز على ظن أنها ملكه فتلفت فلا ضمان عليه ولو كان عالما ضمن ذكره الرافعي قال الأسنوي ومثله الاستعمال والخلط ونحوهما ومنها إذا استعمل المستعير العارية بعد رجوع المعير جاهلا فلا أجرة عليه نقله الرافعي عن القفال وارتضاه ومنها إذا أباح له ثمرة بستان ثم رجع فإن الآكل لا يغرم ما أكله بعد الرجوع وقبل العلم كما ذكره في الحاوي الصغير وحكى الرافعي فيه وجهين من غير تصريح بترجيح ومنها إذا وهبت المرأة نوبتها من القسم لضرتها ثم رجعت فإنها لا تعود إلى الدور من الرجوع على الصحيح بل من حين العلم به ومن فروع القسم الرابع الواطئ بشبهة فيه مهر المثل لإتلاف منفعة البضع دون الحد منها من قتل جاهلا بتحريم القتل لا قصاص عليه ومنها قتل الخطأ فيه الدية والكفارة دون القصاص ومن ذلك مسألة الوكيل إذا اقتص بعد عفو موكله جاهلا فلا قصاص عليه على المنصوص وعليه الدية في ماله والكفارة ولا رجوع له على العافي لأنه محسن بالعفو وقيل لا دية وقيل هي على العاقلة وقيل يرجع على العافي لأنه غره بالعفو ونظير هذه المسألة ما لو أذن الإمام للولي في قتل الجانية ثم علم حملها فرجع ولم يعلم الولي رجوعه فقتل فالضمان على الولي ومن ذلك بعد أقسام مسئلة الدهشة ولنلخصها فنقول إذا قال مستحق اليمين للجاني أخرجها فأخرج يساره فقطعت فله أحوال
أحدها أن يقصد إباحتها فهي مهدرة لا قصاص ولا دية سواء علم القاطع أنها اليسار وأنها لا تجزئ أو لا لأن صاحبها بذلها مجانا ولأن فعل الإخراج اقترن بقصد الإباحة فقام مقام النطق كتقديم الطعام إلى الضيف ولأن الفعل بعد السؤال والطلب كالإذن كما لو قال ناولني يدك لأقطعها فأخرجها أو ناولني متاعك لألقيه في البحر فناوله فلا ضمان نعم يعزر القاطع إذا علم ويبقى قصاص اليمين كما كان فإن قال ظننت أنها تجزئ أو علمت أنها لا تجزئ ولكن جعلتها عوضا عنها سقط وعدل إلى دية اليمين لرضاه بسقوط قصاصها اكتفاء باليسار الحال الثاني أن يقصد المخرج إجزاءها عن اليمين فيسأل المقتص فإن قال ظننت أنه أباحها بالإخراج أو أنها اليمين أو علمت أنها اليسار وأنها لا تجزئ ولا تجعل بدلا فلا قصاص فيها في الصور الثلاث في الأصح لتسليط المخرج له عليها ولكن تجب ديتها ويبقى قصاص اليمين وإن قال علمت أنها اليسار وظننت أنها تجزئ سقط قصاص اليمين وتجب لكل الدية على الآخر الحال الثالث أن يقول دهشت فأخرجت اليسار وظني أني أخرج اليمين فيسأل المقتص فإن قال ظننت أنه أباحها قال الرافعي فقياس المذكور في الحال الثاني أن لا يجب القصاص في اليسار قال الأذرعي وصرح به الكافي لوجود صورة البدل قال البلقيني هو السديد قال البغوي تجب كمن قتل رجلا وقال ظننته أذن لي في القتل لأن الظنون البعيدة لا تدرأ القصاص وإن قال ظننتها اليمين أو علمت أنها اليسار وظننتها تجزئ فلا قصاص في الأصح أما في الأولى فلأن الاشتباه فيهما قريب وأما في الثانية فلعذره بالظن وإن قال علمت أنها اليسار وأنها لا تجزئ وجب القصاص في الأصح لأنه لم يوجد من المخرج بذل وتسليط وفي الصور كلها يبقى قصاص اليمين إلا في قوله ظننت أن اليسار تجزئ وإن قال دهشت أيضا لم يقبل منه ويجب القصاص لأن الدهشة لا تليق بحاله وإن قال قطعتها عدوانا وجب أيضا وإن قال المخرج لم أسمع أخرج يمينك وإنما وقع في سمعي يسارك أو قال قصدت فعل شيء يختص بي أو كان مجنونا فهو كالمدهوش هذا تحرير أحكام هذه المسألة
وفي نظيرها من الحد يجزئ ويسقط قطع اليمين بكل حال والفرق أن المقصود في الحد التنكيل وقد حصل والقصاص مبني على التماثل وأن الحدود مبنية على التخفيف وأن اليسار تقطع في السرقة في بعض الأحوال ولا تقطع في القصاص عن اليمين بحال فرع خرج عن هذا القسم صور لم يعذر فيها بالجهل منها ما إذا بادر أحد الأولياء فقتل الجاني بعد عفو بعض الأولياء جاهلا به فإن الأظهر وجوب القصاص عليه لأنه متعد بالانفراد ومنها إذا قتل من علمه مرتدا أو ظن أنه لم يسلم فالمذهب وجوب القصاص لأن ظن الردة لا يفيد إباحة القتل فإن قتل المرتد إلى الإمام لا إلى الآحاد ومنها ما إذا قتل من عهده ذميا أو عبدا وجهل إسلامه وحريته فالمذهب وجوب القصاص لأن جهل الإسلام والحرية لا يبيح القتل ومنها ما إذا قتل من ظنه قاتل أبيه فبان خلافه فالأظهر وجوب القصاص لأنه كان من حقه التثبت ومنها ما إذا ضرب مريضا جهل مرضه ضربا يقتل المريض دون الصحيح فمات فالأصح وجوب القصاص لأن جهل المرض لا يبيح الضرب وعلم من ذلك أن الكلام فيمن لا يجوز له الضرب أما من يجوز له للتأديب فلا يجب عليه القصاص قطعا وصرح به في الوسيط وخرج عنه صور عذر فيها بالجهل حتى في الضمان منها ما إذا قتل مسلما بدار الحرب ظانا كفره فلا قصاص قطعا ولا دية في الأظهر ومنها إذا رمى إلى مسلم تترس به المشركون فإن علم إسلامه وجبت الدية وإلا فلا ومنها إذا أمر السلطان رجلا بقتل رجل ظلما والمأمور لا يعلم فلا قصاص عليه ولا دية ولا كفارة ومنها إذا قتل الحامل في القصاص فانفصل الجنين ميتا ففيه غرة وكفارة أو حيا فمات فدية ثم إذا استقل الولي بالاستيفاء فالضمان عليه وإن أذن له الإمام فإن علما أو جهلا أو علم الإمام دون الولي اختص الضمان بالإمام على الصحيح لأن البحث عليه وهو الآمر به
وفي وجه على الولي لأنه المباشر وفي آخر عليهما وإن علم الولي دون الإمام اختص بالولي على الصحيح لاجتماع العلم والمباشر وفي وجه بالإمام لتقصيره ولو باشر القتل جلاد الإمام فإن جهل فلا ضمان عليه بحال لأنه آلة الإمام وليس عليه البحث عما يأمره به وإن كان عالما فكالولي إن علم الإمام فلا شيء عليه وإلا اختص به ولو علم الولي مع الجلاد ففي أصل الروضة الأصح أنه يؤثر حتى إذا كانوا عالمين ضمنوا أثلاثا قال في المهمات وهذا غير مستقيم لأن الأصح فيما إذا علما أو جهلا أن الضمان على الإمام خاصة فكيف يستقيم ذلك هنا قال فالصواب تفريع المسئلة على القول بالوجوب عليهما إذا علما ثم من المشكل أنهما صححا هنا اختصاص الضمان بالإمام إذا علم هو والولي وصححا فيما إذا رجع الشهود واقتص الولي بعد حكم الحاكم بأن القصاص واجب على الكل بل لم يقل أحد بأن الضمان في هذه الصورة يختص بالحاكم وصححا فيما إذا أمر السلطان بقتل رجل ظلما وكان هو والمأمور عالمين اختصاصه بالمأمور إذا لم يكن إكراه فهذه ثلاث نظائر مختلفة قال في ميدان الفرسان وكأن الفرق أن الإحاطة بسبب المنع من الإقدام على القتل في غير مسئلة الحامل لا يتوقف على إخبار الحاكم به بخلاف فيها فإن مناط المنع فيها الظن الناشئ من شهادة النسوة بالحمل ومنصب سماع الشهادة يختص بالحاكم فإذا أمكن من القتل بعد أدائها آذن ذلك بضعف السبب عنده فأثر في ظن الولي فذلك أحيل الضمان على تفريط الحاكم ولم يقل به عند رجوع الولي والقاضي لعدم ذلك فيه انتهى
من يقبل عنه دعوى الجهل ومن لا يقبل
كل من جهل تحريم شيء مما يشترك فيه غالب الناس لم يقبل إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة يخفى فيها مثل ذلك كتحريم الزنا والقتل والسرقة والخمر والكلام في الصلاة والأكل في الصوم والقتل بالشهادة إذا رجعا وقالا تعمدنا ولم نعلم أنه يقتل بشهادتنا ووطء المغصوبة والمرهونة بدون إذن الراهن فإن كان بإذنه قبل مطلقا لأن ذلك يخفى على العوامومن هذا القبيل أعني الذي يقبل فيه دعوى الجهل مطلقا لخفائه كون التنحنح مبطلا للصلاة أو كون القدر الذي أتى به من الكلام محرما أو النوع الذي تناوله مفطرا فالأصح في الصور الثلاث عدم البطلان ولو علم تحريم الطيب واعتقد في بعض أنواع الطيب أنه ليس بحرام فالصحيح وجوب الفدية لتقصيره كذا في كتب الشيخين فقد يقال إنه مخالف لمسئلتي الصلاة والصوم ولا يقبل دعوى الجهل بثبوت الرد بالعيب والأخذ بالشفعة من قديم الإسلام لاشتهاره وتقبل في ثبوت خيار العتق وفي نفي الولد في الأظهر لأنه لا يعرفه إلا الخواص قاعدة كل من علم تحريم شيء وجهل ما يترتب عليه لم يفده ذلك كمن علم تحريم الزنا والخمر وجهل وجوب الحد يحد بالاتفاق لأنه كان حقه الامتناع وكذا لو علم تحريم القتل وجهل وجوب القصاص يجب القصاص أو علم تحريم الكلام وجهل كونه مبطلا يبطل وتحريم الطيب وجهل وجوب الفدية تجب
فرع
علم بثبوت الخيار وقال لم أعلم أنه على الفور قالوا في الرد بالعيب والأخذ بالشفعة يقبل لأن ذلك مما يخفى كذا أطلقه الرافعي واستدركه النووي فقال شرطه أن يكون مثله ممن يخفى عليه وفي عتق الأمة نقل الرافعي عن الغزالي أنها لا تقبل وجزم به في الحاوي الصغير لأن من علم ثبوت أصل الخيار علم كونه على الفور ثم قال الرافعي ولم أر لهذه الصورة تعرضا في سائر كتب الأصحاب نعم صورها العبادي في الرقم بأن تكون قديمة عهد بالإسلام وخالطت أهله فإن كانت حديثة عهد ولم تخالط أهله فقولان وفي نفي الولد سوى في التنبيه بينه وبين دعوى الجهل بأصل الخيار فيفصل فيه بين قديم الإسلام وقريبه وأقره النووي في التصحيح ولا ذكر للمسئلة في الروضة وأصلهاتذنيب في نظائر متعلقة بالجهل منها عزل الوكيل قبل علمه فيه وجهان والأصح انعزاله وعدم نفوذ تصرفه ومنها عزل القاضي قبل علمه والأصح فيه عدم الانعزال حتى يبلغه والفرق عسر تتبع أحكامه بالإبطال بخلاف الوكيل ومنها الواهبة نوبتها في القسم إذا رجعت ولم يعلم الزوج لا يلزمه القضاء وقيل فيه خلاف الوكيل ومنها لو قسم للحرة ليلتين والأمة ليلة فعتقت ولم يعلم قال الماوردي لا قضاء وقال ابن الرفعة القياس أن يقضي لها ومنها لو أباح ثمار بستانه ثم رجع ولم يعلم المباح له ففي ضمان ما أكل خلاف الوكيل ومنها النسخ قبل بلوغ المكلف فيه خلاف الوكيل قاله الروياني ومنها لو عفا الولي ولم يعلم الجلاد فاقتص ففي وجوب الدية قولان مخرجان من عزل الوكيل أصحهما الوجوب ومنها لو أذن لعبده في الإحرام ثم رجع ولم يعلم العبد فله تحليله في الأصح ومنها لو أذن المرتهن في بيع المرهونة ثم رجع ولم يعلم الراهن ففي نفوذ تصرفه وجهان أصحهما لا ينفذ ومنها إذا خرج الأقرب عن الولاية فهي للأبعد فلو زال المانع من الأقرب وزوج الأبعد وهو لا يعلم ففي الصحة الوجهان ومنها لو عتقت الأمة ولم تعلم فصلت مكشوفة الرأس فقولان أصحهما تجب الإعادة ومنها لو وكله وهو غائب فهل يكون وكيلا من حين التوكيل أو من حين بلوغ الخبر وجهان مقتضى ما في الروضة تصحيح الأول ومنها لو أذن لعبده في النكاح ثم رجع ولم يعلم العبد ففي صحة نكاحه وجهان ومنها لو استأذنها غير المجبر فأذنت ثم رجعت ولم يعلم حتى زوج ففي صحته خلاف الوكيل
فصل وأما المكره فقد اختلف أهل الأصول في تكليفه على قولين وفصل الإمام فخر الدين وأتباعه فقالوا إن انتهى الإكراه إلى حد الإلجاء لم يتعلق به حكم وإن لم ينته إلى ذلك فهو مختار وتكليفه جائز شرعا وعقلا وقال الغزالي في البسيط الإكراه يسقط أثر التصرف عندنا إلا في خمس مواضع وذكر إسلام الحربي والقتل والإرضاع والزنا والطلاق إذا أكره على فعل المعلق عليه وزاد عليه غيره مواضع وذكر النووي في تهذيبه أنه يستثني مائة مسئلة لا أثر للإكراه فيها ولم يعددها وطالما أمعنت النظر في تتبعها حتى جمعت منها جملة كثيرة وقد رأيت الإكراه يساوي النسيان فإن المواضع المذكورة إما من باب ترك المأمور فلا يسقط تداركه ولا يحصل الثواب المرتب عليه وإما من باب الإتلاف فلا يسقط الحكم المترتب عليه وتسقط العقوبة المتعلقة به إلا القتل على الأظهر وها أنا أسرد ما يحضرني من ذلك الأول الإكراه عن الحدث وهو من باب الإتلاف فإنه إتلاف للطهارة ولهذا لو أحدث ناسيا انتقض وفي مس الفرج وجه ضعيف أنه لا ينقض ناسيا وإذا نوعت هذه الصورة إلى أسباب الحدث الأربعة والجماع كثرت الصور الثاني الإكراه على إفساد الماء بالاستعمال أو النجاسة أو مغير طاهر فإنه يفسد وهو أيضا من باب الإتلاف إذ لا فرق فيه بين العمد وغيره الثالث قال في الروضة لو ألقى إنسان في نهر مكرها فنوى فيه رفع الحدث صح وضوؤه وقال في شرح المهذب قال الشيخ أبو علي أطلق الأصحاب صحة وضوئه ولا بد فيه من تفصيل فإن نوى رفع الحدث وهو يريد المقام فيه ولو لحظة صح لأنه فعل يتصور قصده وإن كره المقام وتحقق الاضطرار من كل وجه لم يصح وضوؤه إذ لا تتحقق النية به الرابع والخامس الإكراه على غسل النجاسة ودبغ الجلد السادس الإكراه على التحول عن القبلة في الصلاة فتبطل السابع الإكراه على الكلام فيها فتبطل في الأظهر لندوره
الثامن الإكراه على فعل ينافي الصلاة فتبطل قطعا لندوره التاسع الإكراه على ترك القيام في الفرض العاشر الإكراه على تأخير الصلاة عن الوقت فتصير قضاء الحادي عشر الإكراه على تفرق المتصارفين قبل القبض فيبطل كما ذكره في الاستقصاء وغيره وكذلك يبطل مع النسيان كما نص عليه والجهل كما صرح به الماوردي قال الزركشي وقياسه في رأس مال السلم كذلك الثاني عشر لو ضربا في خيار المجلس حتى تفرقا ففي انقطاع الخيار قولا حنث المكره الثالث عشر الإكراه على إتلاف مال الغير فإنه يطالب بالضمان وإن كان القرار على المكره في الأصح الرابع عشر الإكراه على إتلاف الصيد كذلك بخلاف ما لو حلق شعر محرم مكرها لا يكون للمحرم طريقا في الضمان على الأظهر لأنه لم يباشر الخامس عشر الإكراه على الأكل في الصوم فإنه يفطر في أحد القولين وصححه الرافعي في المحرر السادس عشر الإكراه على الجماع في الصوم فيه الطريقان الآتيان السابع عشر الإكراه على الجماع في الإحرام فيه طريقان في أصل الروضة بلا ترجيح أحدهما يفسد قطعا بناء على أن إكراه الرجل على الوطء لا يتصور والثاني فيه وجهان بناء على الناسي الثامن عشر الإكراه على الخروج من المعتكف فإنه يبطل في أحد القولين كالأكل في الصوم التاسع عشر الإكراه على إعطاء الوديعة لظالم فإنه يضمن في الأصح ثم يرجع على من أخذ منه العشرون الإكراه على الذبح أو الرمي من محرم أو مجوسي لحلال ومسلم الحادي والعشرون إكراه الحربي على الإسلام الثاني والعشرون إكراه المرتد عليه الثالث والعشرون إكراه الذمي على وجه الأصح خلافه الرابع والعشرون الإكراه على تخليل الخمر بلا عين قال الأسنوي يحتمل إلحاقه بالمختار ويحتمل القطع بالطهارة
الخامس والعشرون إلى الثلاثين الإكراه على الوطء فيحصل الإحصان ويستقر المهر وتحل للمطلق ثلاثا ويلحقه الولد وتصير أمته به مستولدة ويلزمه المهر في غير الزوجة قتله تخريجا ثم رأيت الأسنوي ذكر بحثا أنه كإتلاف المال الحادي والثلاثون الإكراه على القتل فيجب القصاص على المكره في الأظهر الثاني والثلاثون الإكراه على الزنا لا يبيحه الثالث والثلاثون وعلى اللواط الرابع والثلاثون ويوجب الحد في قول الخامس والثلاثون الإكراه على شهادة الزور والحكم بالباطل في قتل أو قطع أو جلد السادس والثلاثون الإكراه على فعل المحلوف عليه في أحد القولين السابع والثلاثون والثامن والتاسع والثلاثون الإكراه على طلاق زوجة المكره أو بيع ماله أو عتق عبده لأنه أبلغ في الإذن أما لو أكره أجنبي الوكيل على بيع ما وكل فيه ففي نظيره من الطلاق احتمالان للروياني حكاهما عنه في الروضة وأصلها أصحهما عنده عدم الصحة لأنه المباشر الأربعون الإكراه على ولاية القضاء الحادي والأربعون لو أكره المحرم أو الصائم على الزنا قال الأسنوي لا يحضرني فيها نقل والمتجه أنه يفسد عبادته لأنه لا يباح بالإكراه قال إلا أن عدم وجوب الحد قد يرجح عدم الإفساد الثاني والأربعون لو أكره على ترك الوضوء فتيمم قال الروياني لا قضاء قال النووي وفيه نظر قال لكن الراجح ما ذكره لأنه في معنى من غصب ماؤه قال الأسنوي والمتجه خلافه لأن الغصب كثير معهود بخلاف الإكراه على ترك الوضوء فعلى هذا يستثنى الثالث والأربعون الإكراه على السرقة لا يسقط الحد في قول الرابع والأربعون لا يرث القاتل مكرها على الصحيح الخامس والسادس والأربعون الإكراه على الإرضاع يحرم اتفاقا ويوجب المهر إذا انفسخ به النكاح على المرضعة على الأصح
قال الأسنوي وفيه نظر السابع والأربعون الإكراه على القذف يوجب الحد في وجه الثامن والأربعون الإكراه بحق له وتحت ذلك صور الإكراه على الأذان وعلى فعل الصلاة والوضوء وأركان الطهارة والصلاة والحج وأداء الزكاة والكفارة والدين وبيع ماله فيه والصوم والاستئجار للحج والإنفاق على رقيقه وبهيمته وقريبه وإقامة الحدود وإعتاق المنذور عتقه كما صرح به في البحر والمشتري بشرط العتق وطلاق المولى إذا لم يطأ واختيار من أسلم على أكثر من أربع وغسل الميت والجهاد فكل ذلك يصح مع الإكراه فهذه أكثر من عشرين صورة في ضابط الإكراه بحق ومنه فيما ذكر الأسنوي أن يأذن أجنبي للعبد في بيع ماله فيمتنع فيكرهه السيد فلا شك في الصحة لأن للسيد غرضا صحيحا في ذلك إما لتقليد إمامه أو أخذ أجرة فهذه أكثر من سبعين صورة لا أثر للإكراه فيها وفي بعض صورها ما يقتضي التعدد باعتبار أنواعه فيبلغ بذلك المائة وفيها نحو عشر صور على رأي ضعيف
تنبيه
من المشكل قول المنهاج في الخلع وإن قال أقبضتني فقيل كالإعطاء والأصح كسائر التعليق فلا يملكه ولا يشترط للإقباض مجلس ويشترط لتحقق الصفة أخذه بيده منها ولو مكرهة ووجه الإشكال أن المعلق عليه إقباضها والإقباض مع الإكراه ملغى شرعا فلا اعتبار به قال السبكي فذكره في المنهاج لا مخرج له إلا الحمل على السهو ولم يذكر ذلك في الروضة والشرح إلا فيما إذا قال إن قبضت منك لا في قوله إن أقبضتني قال البلقيني فما وقع في المنهاج وهم انتقل من مسئلة إن قبضت إلى مسئلة إن أقبضتنيما يباح بالإكراه وما لا يباح
فيه فروع الأول التلفظ بكلمة الكفر فيباح به للآية ولا يجب بل الأفضل الامتناعمصابرة على الدين واقتداء بالسلف وقيل الأفضل التلفظ صيانة لنفسه وقيل إن كان ممن يتوقع منه النكاية في العدو والقيام بأحكام الشرع فالأفضل التلفظ لمصلحة نقائه وإلا فالأفضل الامتناع الثاني القتال المحرم لحق الله ولا يباح به بلا خلاف بخلاف المحرم للمالية كنساء الحرب وصبيانهم فيباح به الثالث الزنا ولا يباح به بالاتفاق أيضا لأن مفسدته أفحش من الصبر على القتل وسواء كان المكره رجلا أو امرأة الرابع اللواط ولا يباح به أيضا صرح به في الروضة الخامس القذف قال العلائي ولم أر من تعرض له وفي كتب الحنفية أنه يباح بالإكراه ولا يجب به حد وهو الذي تقتضيه قواعد المذهب انتهى قلت قد تعرض له ابن الرفعة في المطلب فقال يشبه أن يلتحق بالتلفظ بكلمة الكفر ولا نظر إلى تعلقه بالمقذوف لأنه لم يتضرر به السادس السرقة قال في المطلب يظهر أن تلتحق بإتلاف المال لأنها دون الإتلاف قال في الخادم وقد صرح جماعة بإباحتها منهم القاضي حسين في تعليقه قلت وجزم به الأسنوي في التمهيد السابع شرب الخمر ويباح به قطعا استبقاء للمهجة كما يباح لمن غص بلقمة أن يسيغها به ولكن لا يجب على الصحيح كما في أصل الروضة الثامن شرب البول وأكل الميتة ويباحان وفي الوجوب احتمالان للقاضي حسين قلت ينبغي أن يكون أصحهما الوجوب التاسع إتلاف مال الغير ويباح به بل يجب قطعا كما يجب على المضطر أكل طعام غيره العاشر شهادة الزور فإن كانت تقتضي قتلا أو قطعا ألحقت به أو إتلاف مال ألحقت به أو جلدا فهو محل نظر إذ يفضي إلى القتل كذا في المطلب وقال الشيخ عز الدين لو أكره على شهادة زور أو حكم باطل في قتل أو قطع أو إحلال بضع استسلم للقتل وإن كان يتضمن إتلاف مال لزمه ذلك حفظا للمهجة الحادي عشر الفطر في رمضان ويباح به بل يجب على الصحيح الثاني عشر الخروج من صلاة الفرض وهو كالفطر
فائدة
ضبط الأودني هذه الصور بأن ما يسقط بالتوبة يسقط حكمه بالإكراه وما لا فلا نقله في الروضة وأصلها قال في الخادم وقد أورد عليه شرب الخمر فإنه يباح بالإكراه ولا يسقط حده بالتوبة وكذلك القذفما يتصور فيه الإكراه وما لا
قال العلماء لا يتصور الإكراه على شيء من أفعال القلوب وفي الزنا وجهان أصحهما أنه يتصور لأنه منوط بالإيلاج والثاني لا لأن الإيلاج إنما يكون مع الانتشار وذلك راجع إلى الاختيار والشهوة وفي التنبيه ولا يعذر أحد من أهل فرض الصلاة في تأخيرها عن الوقت إلا نائم أو ناس أو من أكره على تأخيرها واستشكل تصوير الإكراه على تأخير الصلاة فإن كل حالة تنتقل لما دونها إلى إمرار الأفعال على القلب وهو شيء لا يمكن الإكراه على تأخيره وهو يفعله غير مؤخر وصوره في شرح المهذب بالإكراه على التلبس بمناف وقال القاضي زين الدين البلغيائي المراد أكره على أن يأتي بها على غير الوجه المجزئ من الطهارة ونحوها ولا يكون الإكراه عذرا في الإجزاء لندوره أو يكره المحدث على تأخيرها عن الوقت ويمنع من الوضوء في الوقت وقال الشيخ تاج الدين السبكي في التوشيح قد يقال المكره قد يدهش حتى عن الإيماء بالطرف ويكون مؤخرا معذورا كالمكره على الطلاق لا يلزمه التورية إذا اندهش قطعاما يحصل به الا كراه
قال الرافعي الذي مال إليه المعتبرون أن الإكراه على القتل لا يحصل إلا بالتخويف بالقتل أو ما يخاف منه القتل وأما غيره ففيه سبعة أوجه أحدها لا يحصل إلا بالقتل الثاني القتل أو القطع أو ضرب يخاف منه الهلاكالثالث ما يسلب الاختيار ويجعله كالهارب من الأسد الذي يتخطى الشوك والنار ولا يبالي فيخرج عنه الحبس الرابع اشتراط عقوبة بدنية يتعلق بها قود الخامس اشتراط عقوبة شديدة تتعلق ببدنه كالحبس الطويل السادس أنه يحصل بما ذكر وبأخذ المال أو إتلافه والاستخفاف بالأماثل وإهانتهم كالصفع بالملأ وتسويد الوجه وهذا اختيار جمهور العراقيين وصححه الرافعي السابع وهو اختيار النووي في الروضة أنه يحصل بكل ما يؤثر العاقل الإقدام عليه حذرا ما هدد به وذلك يختلف باختلاف الأشخاص والأفعال المطلوبة والأمور المخوف بها فقد يكون الشيء إكراها في شيء دون غيره وفي حق شخص دون آخر فالإكراه على الطلاق يكون بالتخويف بالقتل والقطع والحبس الطويل والضرب الكثير والمتوسط لمن لا يحتمله بدنه ولم يعتده وبتخويف ذي المروءة بالصفع في الملأ وتسويد الوجه ونحوه وكذا بقتل الوالد وإن علا والولد وإن سفل على الصحيح لا سائر المحارم وإتلاف المال على الأصح وإن كان الإكراه على القتل فالتخويف بالحبس وقتل الولد ليس إكراها وإن كان على إتلاف مال فالتخويف بجميع ذلك إكراه قال النووي وهذا الوجه أصح لكن في بعض تفصيله المذكور نظر والتهديد بالنفي عن البلد إكراه على الأصح لأن مفارقة الوطن شديدة ولهذا جعلت عقوبة للزاني وكذا تهديد المرأة بالزنا والرجل باللواط ولا بد في كل ذلك من أمور أحدها قدرة المكره على تحقيق ما هدد به بولاية أو تغلب أو فرط هجوم ثانيها عجز المكره عن دفعه بهرب أو استغاثة أو مقاومة ثالثها ظنه أنه إن امتنع مما أكره عليه أوقع به المتوعد رابعها كون المتوعد مما يحرم تعاطيه على المكره فلو قال ولي القصاص للجاني طلق امرأتك وإلا اقتصصت منك لم يكن إكراها خامسها أن يكون عاجلا فلو قال طلقها وإلا قتلتك غدا فليس بإكراه
سادسها أن يكون معينا فلو قال أقتل زيدا أو عمرا فليس بإكراه سابعها أن يحصل بفعل المكره عليه التخلص من المتوعد به فلو قال أقتل نفسك وإلا قتلتك فليس بإكراه ولا يحصل الإكراه بقوله وإلا قتلت نفسي أو كفرت أو أبطلت صومي أو صلاتي ويشترط في الإكراه على كلمة الكفر طمأنينة القلب بالإيمان فلو نطق معتقدا بها كفر ولو نطق غافلا عن الكفر والإيمان ففي ردته وجهان في الحاوي قال في المطلب والآية تدل على أنه مرتد قال الماوردي والأحوال الثلاثة يأتي مثلها في الطلاق ولا يشترط في الطلاق التورية بأن ينوي غيرها على الأصح وفي شرح المهذب نص الشافعي على أن من أكره على شرب خمر أو أكل محرم يجب أن يتقيأ إذا قدر
أمر السلطان هل يكون إكراها
اختلف في أمر السلطان هل ينزل منزلة الإكراه على وجهين أو قولين أحدهما لا وإنما الإكراه بالتهديد صريحا كغير السلطان والثاني نعم لعلتين إحداهما أن الغالب من حاله السطوة عند المخالفة والثاني أن طاعته واجبة في الجملة فينتهض ذلك شبهة قال الرافعي ومقتضى ما ذكره الجمهور صريحا ودلالة أنه لا ينزل منزلة الإكراه قال ومثل السلطان في إجراء الخلاف الزعيم والمتغلب لأن المدار على خوف المحذور من مخالفتهوأما حكم الحاكم وحكم الشرع فهل ينزلان منزلته
فيه فروع منها لو حلف لا يفارقه حتى يستوفي حقه فأفلس ومنعه الحاكم من ملازمته ففيه قولا المكره ومنها لو حلف ليطأن زوجته الليلة فوجدها حائضا لم يحنث كما لو أكره على ترك الوطءومنها قال إن لم تصومي غدا فأنت طالق فحاضت فوقوع الطلاق على الخلاف في المكره ذكره الرافعي ومنها من ابتلع طرف خيط ليلا وبقي طرفه خارجا ثم أصبح صائما فإن نزعه أفطر وإن تكره لم تصح صلاته لأنه متصل بنجاسة وقال في الخادم فطريقه أن يجبره الحاكم على نزعه ولا يفطر لأنه كالمكره قال بل لو قيل لا يفطر بالنزع باختياره لم يبعد تنزيلا لإيجاب الشرع منزلة الإكراه كما إذا حلف أن يطأها في هذه الليلة فوجدها حائضا لا يحنث ومنها لو حلف لا يحلف يمينا مغلظة فوجب عليه يمين وقلنا بوجوب التغليظ حلف وحنث ومنها لو كان له عبد مقيد فحلف بعتقه أن في قيده عشرة أرطال وحلف بعتقه لا يحله هو ولا غيره فشهد عند القاضي عدلان أن في قيده خمسة أرطال فحكم بعتقه ثم حل القيد فوجده عشرة أرطال قال ابن الصباغ لا شيء على الشاهدين لأن العتق حصل بحل القيد دون الشهادة لتحقق كذبهما حكاه الرافعي في أواخر العتق
تنبيه
يقع في الفتاوي كثيرا أن رجلا حلف بالطلاق لا يؤدي الحق الذي عليه فيفنى في خلاصه بأن يرفع إلى الحاكم فيحكم عليه بالأداء وأنه لا يحنث تنزيلا للحكم منزلة الإكراه وعندي في هذه وقفة أما أولا فلأن الشيخين لم ينزلا الحكم منزلة الإكراه في كل صورة ولا قررا ذلك قاعدة عامة بل ذكراها في بعض الصور وذكرا خلافه في بعضها كما تراه فليس إلحاق هذه الصورة بالصورة التي حكما فيها بعدم الحنث أولى من إلحاقها بالتي حكما فيها بالحنث أما ثانيا فلأن الإكراه بحق لا أثر له في عدم النفوذ بدليل صحة بيع من أكرهه الحاكم على بيع ماله لوفاء دينه وطلاق المولى إذا أكرهه الحاكم لأن الإكراه فيهما بحق فالذي ينشرح له الصدر فيما نحن فيه القول بالحنث ولا أثر للحكم في منعه هذا إذا كان معترفا بالحق فإن كان منكرا له وثبت بالبينة قوي في هذه الحالة عدم الحنث لأنه يزعم أنه مظلوم في هذا الحكم فلم يكن الإكراه بحق في دعواه والطلاق لا يقع بالشك وقولي في هذه الحالة بعدم الحنث أي ظاهرا فلو كانت البينة صادقة في الواقع وهو عالم بأن عليه ما شهدت به وقع باطنا والله أعلمثم رأيت الزركشي قال في قواعده ذكر الرافعي في كتاب الطلاق أنه لو قال إن أخذت مني حقك فأنت طالق فأكرهه السلطان حتى أعطى بنفسه فعلى القولين في فعل المكره وقضيته ترجيح عدم الحنث والمتجه خلافه لأنه إكراه بحق هذه عبارته
القول في النائم والمجنون والمغمى عليه
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع القلم عن ثلاث عن النائم حتى يستيقظ وعن المبتلى حتى يبرأ وعن الصبي حتى يكبر هذا حديث صحيح أخرجه أبو داود بهذا اللفظ من حديث عائشة رضي الله عنها وأخرجه من حديث علي وعمر بلفظ عن المجنون حتى يبرأ وعن النائم حتى يعقل وأخرجه أيضا عنهما بلفظ عن المجنون حتى يفيق وبلفظ عن الصبي حتى يحتلم وبلفظ حتى يبلغ وذكر أبو داود أن ابن جريج رواه عن القاسم بن يزيد عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم فزاد فيه والخرف وأخرجه الطبراني من حديث ابن عباس وشداد بن أوس وثوبان والبزار من حديث أبي هريرة قلت قد ألف السبكي في شرح هذا الحديث كتابا سماه إبراز الحكم من حديث رفع القلم ذكر فيه ثمانية وثلاثين فائدة تتعلق به وأنا أنقل منه هنا في مبحث الصبي ما تراه إن شاء الله تعالى وأول ما نبه عليه أن الذي وقع في جميع روايات الحديث في سنن أبي داود وابن ماجه والنسائي والدارقطني عن ثلاثة بإثبات الهاء ويقع في بعض كتب الفقهاء ثلاث بغير هاء قال ولم أجد لها أصلا قال الشيخ أبو إسحاق العقل صفة يميز بها الحسن والقبيح قال بعضهم ويزيله الجنون والإغماء والنوم وقال الغزالي الجنون يزيله والإغماء يغمره والنوم يستره قال السبكي وإنما لم يذكر المغمى عليه في الحديث لأنه في معنى النائم وذكر الخرف في بعض الروايات وإن كان في معنى المجنون لأنه عبارة عن اختلاط العقل بالكبر ولا يسمى جنونا لأن الجنون يعرض من أمراض سوداوية ويقبل العلاج والخرف خلاف ذلكولهذا لم يقل في الحديث حتى يعقل لأن الغالب أنه لا يبرأ منه إلى الموت قال ويظهر أن الخرف رتبة بين الإغماء والجنون وهي إلى الإغماء أقرب انتهى واعلم أن الثلاثة قد يشتركون في أحكام وقد ينفرد النائم عن المجنون والمغمى عليه تارة ويلحق بالنائم وتارة يلحق بالمجنون
وبيان ذلك بفروع
الأول الحدث يشترك فيه الثلاثة الثاني استحباب الغسل عند الإفاقة للمجنون ومثله المغمى عليه الثالث قضاء الصلاة إذا استغرق ذلك الوقت يجب على النائم دون المجنون والمغمى عليه كالمجنون الرابع قضاء الصوم إذا استغرق النهار يجب على المغمى عليه بخلاف المجنون والفرق بينه وبين الصلاة كثرة تكررها ونظيره وجوب قضاء الصوم على الحائض والنفساء دون الصلاة وأما النائم إذا استغرق النهار وكان نوى من الليل فإنه يصح صومه على المذهب والفرق بينه وبين المغمى عليه أنه ثابت العقل لأنه إذا نبه انتبه بخلافه وفي النوم وجه أنه يضر كالإغماء وفي الإغماء وجه أنه لا يضر كالنوم ولا خلاف في الجنون وأما غير المستغرق من الثلاثة فالنوم لا يضر بالإجماع وفي الجنون قولان الجديد البطلان لأنه مناف للصوم كالحيض وقطع به بعضهم وفي الإغماء طرق أحدها لا يضر إن أفاق جزءا من النهار سواء كان في أوله أو آخره والثاني القطع بأنه إن أفاق في أوله صح وإلا فلا والثالث وهو الأصح فيه أربعة أقوال أظهرها لا يضر إن أفاق لحظة ما والثاني في أوله خاصة والثالث في طرفيه والرابع يضر مطلقا فيه فتشترط الإفاقة جميع النهار والفرع الخامس الأذان لو نام أو أغمي عليه أثناءه ثم أفاق إن لم يطل الفصل بنى وإن طال وجب والاستئناف على المذهب قال في شرح المهذب قال أصحابنا والجنون هنا كالإغماء السادس لو لبس الخف ثم نام حتى مضى يوم وليلة انقضت المدةقال البلقيني ولو جن أو أغمي عليه فالقياس أنه لا تحسب عليه المدة لأنه لا تجب عليه الصلاة بخلاف النوم لوجوب القضاء قال ولم أر من تعرض لذلك السابع إذا نام المعتكف حسب زمن النوم من الاعتكاف قطعا لأنه كالمستيقظ وفي زمان الإغماء وجهان أصحهما يحسب ولا يحسب زمن الجنون قطعا لأن العبادات البدنية لا يصح أداؤها في حال الجنون الثامن يجوز للولي أن يحرم عن المجنون بخلاف المغمى عليه كما جزم به الرافعي التاسع الوقوف بعرفة لا يصح من المجنون والمغمى عليه مثله في الأصح بخلاف النائم المستغرق في الأصح وحكى الرافعي عن المتولي وأقره أنه إذا لم يجزه في المجنون يقع نفلا كحج الصبي وكذا المغمى عليه كما في شرح المهذب العاشر يصح الرمي عن المغمى عليه ممن أذن له قبل الإغماء في حال تجوز فيه الاستنابة قال في شرح المهذب والمجنون مثله صرح به المتولي وغيره الحادي عشر يبطل بالجنون كل عقد جائز كالوكالة إلا في رمي الجمار والإيداع والعارية والكتابة الفاسدة ولا يبطل بالنوم وفي الإغماء وجهان أصحهما كالجنون الثاني عشر ينعزل القاضي بجنونه وبإغمائه بخلاف النوم الثالث عشر ينعزل الإمام الأعظم بالجنون ولا ينعزل بالإغماء لأنه متوقع الزوال الرابع عشر إذا جن ولي النكاح انتقلت الولاية للأبعد والإغماء إن دام أياما ففي وجه كالجنون والأصح لا بل ينتظر كما لو كان سريع الزوال الخامس عشر يزوج المجنون وليه بشرطه المعروف ولا يزوج المغمى عليه كما يفهم من كلامهم وهو نظير الإحرام بالحج السادس عشر قال الأصحاب لا يجوز الجنون على الأنبياء لأنه نقص ويجوز عليهم الإغماء لأنه مرض ونبه السبكي على أن الإغماء الذي يحصل لهم ليس كالإغماء الذي يحصل لآحاد الناس وإنما هو لغلبة الأوجاع للحواس الظاهرة فقط دون القلب قال لأنه قد ورد أنه إنما تنام أعينهم دون قلوبهم فإذا حفظت قلوبهم وعصمت من النوم الذي هو أخف من الإغماء فمن الإغماء بطريق الأولى انتهى وهو نفيس جدا
السابع عشر الجنون يقتضي الحجر وأما الإغماء فالظاهر أنه مثله كما يفهم من كلامهم الثامن عشر يشترك الثلاثة في عدم صحة مباشرة العبادة والبيع والشراء وجميع التصرفات من العقود والفسوخ كالطلاق والعتق وفي غرامة المتلفات وأروش الجنايات التاسع عشر لا ينقطع خيار المجلس بالجنون والإغماء على الصحيح ولم أر من تعرض للنوم العشرون لو قال إن كلمت فلانا فأنت طالق فكلمته وهو نائم أو مغمى عليه أو هذت بكلامه في نومها وإغمائها أو كلمته وهو مجنون طلقت أو وهي مجنونة قال ابن الصباغ لا تطلق وقال القاضي حسين تطلق قال الرافعي والظاهر تخريجه على حنث الناسي الحادي والعشرون لو وطئ المجنون زوجة ابنه حرمت عليه قاله القاضي حسين الثاني والعشرون ذهب القاضي والفوراني إلى أن المجنون لا يتزوج الأمة لأنه لا يخاف من وطء يوجب الحد والإثم ولكن الأصح خلافه كذا في الأشباه والنظائر لابن الوكيل ثم ذكر أن الشافعي نص على أن المجنون لا يزوج منه أمة
فرع
قال النووي في شرح المهذب يسن إيقاظ النائم للصلاة لا سيما إن ضاق وقتها وقال السبكي في كتابه المتقدم ذكره إذا دخل على المكلف وقت الصلاة وتمكن من فعلها وأراد أن ينام قبل فعلها فإن وثق من نفسه أنه يستيقظ قبل خروج الوقت بما يمكنه أن يصلي فيه جاز وإلا لم يجز وكذا لو لم يتمكن ولكن بمجرد دخول الوقت قصد أن ينام فإن نام حيث لم يثق من نفسه بالاستيقاظ أثم إثمين أحدهما إثم ترك الصلاة والثاني إثم التسبب إليه وهو معنى قولنا يأثم بالنوم وإن استيقظ على خلاف ظنه وصلى في الوقت لم يحصل له إثم ترك الصلاة وأما ذلك الإثم الذي حصل فلا يرتفع إلا بالاستغفار ولو أراد أن ينام قبل الوقت وغلب على ظنه أن نومه يستغرق الوقت لم يمتنع عليه ذلك لأن التكليف لم يتعلق به بعد ويشهد له ما ورد في الحديث أن امرأة عابت زوجها بأنه ينام حتى تطلع الشمس فلا يصلي الصبح إلا ذلك الوقت فقال إنا أهل بيت معروف لنا ذلك أي ينامون من الليل حتى تطلع الشمس فقال النبي صلى الله عليه وسلم إذا استيقظت فصلوأما إيقاظ النائم الذي لم يصل فالأول وهو الذي نام بعد الوجوب يجب إيقاظه من باب النهي عن المنكر وأما الذي نام قبل الوقت فلا لأن التكليف لم يتعلق به لكن إذا لم يخش عليه ضرر فالأولى أيقاظه لينال الصلاة في الوقت انتهى ملخصا
القول في السكران اختلف في تكليفه على قولين
والأصح المنصوص في الأم أنه مكلف قال الرافعي وفي محل القولين أربع طرق أصحهما أنهما جاريان في أقواله وأفعاله كلها ما له وما عليه والثاني أنهما في أقواله كلها كالطلاق والعتاق والإسلام والردة والبيع والشراء وغيرها وأما أفعاله كالقتل والقطع وغيرها فكأفعال الصاحي بلا خلاف لقوة الأفعال الثالث أنهما في الطلاق والعتاق والجنايات وأما بيعه وشراؤه وغيرهما من المعاوضات فلا يصح بلا خلاف لأنه لا يعلم ما يعقد عليه والعلم شرط في المعاملات الرابع أنهما فيما له كالنكاح والإسلام أما ما عليه كالإقرار والطلاق والضمان فينفذ قطعا تغليظا وعلى هذا لو كان له من وجه وعليه من وجه كالبيع والإجارة نفذ تغليبا بطريق التغليظ هذا ما أورده الرافعي وقد اغتر به بعضهم فقال تفريعا على الأصل السكران في كل أحكامه كالصاحي إلا في نقض الوضوء قلت وفيه نظر فالصواب تقييد ذلك بغير العبادات ويستثنى منه الإسلام أما العبادات فليس فيها كالصاحي كما تبين ذلك فمنها الأذان فلا يصح أذانه على الصحيح كالمجنون والمغمى عليه لأن كلامه لغو وليس من أهل العبادة وفيه وجه أنه يصح بناء على صحة تصرفاته قال في شرح المهذب وليس بشيء قال أما من هو في أول النشوة فيصح أذانه بلا خلافومنها لو شرب المسكر ليلا وبقي سكره جميع النهار لم يصح صومه وعليه القضاء وإن صحا في بعضه فهو كالإغماء في بعض النهار ومنها لو سكر المعتكف بطل اعتكافه وتتابعه أيضا واعلم أن في بطلان الاعتكاف بالسكر والردة ستة طرق نظير مسألة العفو عما لا يدركه الطرف في الماء والثوب الأول وهو الأصح يبطل بهما قطعا لأنهما أفحش من الخروج من المسجد والثاني لا قطعا والثالث فيهما قولان والرابع يبطل في السكر دون الردة لأن السكران ليس من أهل المقام في المسجد لأنه لا يجوز إقراره فيه فصار كما لو خرج من المسجد والمرتد من أهل المقام فيه لأنه يجوز إقراره فيه والخامس يبطل في الردة دون السكر لأنه كالنوم بخلافها لأنها تنافي العبادات والسادس يبطل في السكر لامتداد زمانه وكذا الردة إن طال زمانها وإلا فلا قال الرافعي ولا خلاف أنه لا يحسب زمانهما ومنها لا يصح وقوف السكران بعرفة سواء كان متعديا أم لا كالمغمى عليه ذكره في شرح المهذب ومنها في وجوب الرد عليه إذا سلم وكذا المجنون وجهان في الروضة بلا ترجيح قال في شرح المهذب والأصح أنه لا يجب الرد عليهما ولا يسن ابتداؤهما فهذه فروع ليس السكران فيها كالصاحي وبقي فرع لم أر من ذكره وهو لو بان إمامه سكران فهل تجب الإعادة كما لو بان مجنونا لأنه لا يخفى حاله أو لا كما لو بان محدثا الظاهر الأول
حد السكر فيه عبارات
قال الشافعي السكران هو الذي اختلط كلامه المنظوم وانكشف سره المكتوم وقال المزني هو الذي لا يفرق بين السماء والأرض ولا بين أمه وامرأته وقيل هو الذي يفصح بما كان يحتشم منه وقيل الذي يتمايل في مشيه ويهذي في كلامه وقيل الذي لا يعلم ما يقول وقال ابن سريج الرجوع فيه إلى العادة فإذا انتهى تغيره إلى حالة يقع عليه اسمالسكران فهو المراد بالسكران قال الرافعي وهو الأقرب ولم يرتض الإمام شيئا من هذه العبارات وقال الشارب له ثلاثة أحوال أولها هزة ونشاط يأخذه إذا دبت الخمر فيه ولم تستول عليه بعد ولا يزول العقل في هذه الحالة بلا خلاف فهذا ينفذ طلاقه وتصرفاته لبقاء عقله الثانية نهاية السكر وهو أن يصير طافحا ويسقط كالمغشي عليه لا يتكلم ولا يكاد يتحرك فلا ينفذ طلاقه ولا غيره لأنه لا عقل له الثالثة حالة متوسطة بينهما وهو أن تختلط أحواله ولا تنتظم أقواله وأفعاله ويبقى تمييز وفهم وكلام فهذه الثلاثة سكر وفيها القولان وما ذكره في الحالة الثانية تابعه عليه الغزالي وجعلا لفظه كلفظ النائم قال الرافعي في الطلاق ومن الأصحاب من جعله على الخلاف لتعديه بالتسبب إلى هذه الحالة قال وهو أوفق لإطلاق الأكثرين قال الأسنوي وقد خالف في مواضع فجزم بأن الطافح الذي سقط تمييزه بالكلية كلامه لغو ومنها في ولاية النكاح فقال السكر إن حصل بسبب يفسق به فإن قلنا الفاسق لا يلي فذاك وإن قلنا يلى أو حصل بسبب لا يفسق فإن لم ينفذ تصرف السكران فالسكر كالإغماء وإن جعلنا تصرفه كتصرف الصاحي فمنهم من صحح تزويجه ومنهم من منع لاختلال نظره ثم الخلاف فيما إذا بقي له تمييز ونظر فأما الطافح الذي سقط تمييزه بالكلية فكلامه لغو ومنها في أواخر الطلاق قال إن كلمت فلانا فأنت طالق فكلمته وهو سكران أو مجنون طلقت قال ابن الصباغ يشترط أن السكران بحيث يسمع ويتكلم وأما كلامها في سكرها فتطلق به على الأصح إلا إذا انتهت إلى السكر الطافح وذكر مثله في الأيمان
تنبيه
من المشكل قول المنهاج في عدة مواضع منها في الطلاق يشترط لنفوذه التكليف إلا السكران وقال في الدقائق وغيرها إن قوله إلا السكران زيادة على المحرر لا بد منها فإنه غير مكلف مع أنه يقع طلاقه قال الأسنوي وهذا كلام غير مستقيم فإن الصواب أنه مكلف وحكمه كحكم الصاحي فيما له وعليه غير أن الأصوليين قالوا إنه غير مكلف وأبطلوا تصرفاته مطلقا فخلط النووي طريقة الفقهاء بطريقة الأصوليين فإنه نفى عنه التكليف ومع ذلك حكم بصحة تصرفاته وهما طريقتان لا يمكن الجمع بينهما وقال في الخادم ما ذكره الأسنوي مردود بل الأصوليون قالوا إنه غير مكلف مع قولهم بنفوذ تصرفاته صرح بذلك الإمام والغزالي وغيرهما وأجابوا عن نفوذ تصرفاته بأنها من قبيل ربط الأحكام بالأسباب الذي هو خطاب الوضع وليس من باب التكليف وعن ابن سريج أنه أجاب بجواب آخر وهو أنه لما كان سكره لا يعلم إلا من جهته وهو متهم في دعوى السكر لفسقه ألزمناه حكم أقواله وأفعاله وطردنا ما لزمه في حال الصحةالقول في أحكام الصبي
قال في كفاية المتحفظ الولد ما دام في بطن أمه فهو جنين فإذا ولدته سمي صبيا فإذا فطم سمي غلاما إلى سبع سنين ثم يصير يافعا إلى عشر ثم يصير حزورا إلى خمسة عشر انتهى والفقهاء يطلقون الصبي على من لم يبلغ وهو في الأحكام على أربعة أقسام الأول ما لا يلحق فيه بالبالغ بلا خلاف وذلك في التكاليف الشرعية من الواجبات والمحرمات والحدود والتصرفات من العقود والفسوخ والولايات ومنها تحمل العقلالثاني ما يلحق فيه بالبالغ بلا خلاف عندنا
وفي ذلك فروع منها وجوب الزكاة في ماله والإنفاق على قريبه منه وبطلان عبادته بتعمد المبطل لا خلاف في ذلك في الطهارة والصلاة والصوم وصحة العبادات منه وترتب الثواب عليها وإمامته في غير الجمعة ووجوب تبييت النية في صوم رمضانقال في الروضة في باب الغصب الرجل والمرأة والعبد والفاسق والصبي المميز يشتركون في جواز الإقدام على إزالة المنكرات ويثاب الصبي عيه كما يثاب البالغ وليس لأحد منعه من كسر الملاهي وإراقة الخمر وغيرهما من المنكرات كما ليس له منع البالغ فإن الصبي وإن لم يكن مكلفا فهو من أهل القرب وليس هذا من الولايات وقال السبكي خطاب الندب ثابت في حق الصبي فإنه مأمور بالصلاة من جهة الشارع أمر ندب مثاب عليها وكذلك يوجد في حقه خطاب الإباحة والكراهة حيث يوجد خطاب الندب وهو ما إذا كان مميزا انتهى
الثالث ما فيه خلاف والأصح أنه كالبالغ
وفيه فروع الأول إذا أحدث الصبي أو أجنب وتطهر فطهارته كاملة فلو بلغ صلى بها ولم يجب إعادتها وفي وجه حكاه المتولي عن المزني أنها ناقصة فتلزمه الإعادة إذا بلغ ولو تيمم ثم بلغ لم يبطل تيممه في الأصح ويصلى به الفرض في الأصح وفي وجه يبطل وفي آخر يصلى به النفل دون الفرض الثاني في صحة أذانه وجهان الصحيح وبه قطع الجمهور صحته لكن يكره الثالث القيام في صلاة الفرض هل يجب في صلاة الصبي أو يجوز له القعود وجهان في الكفاية بلا ترجيح قال الأذرعي والأصح عند صاحب البحر المنع قال الأسنوي ويجريان في الصلاة المعادة قال وكلام الأكثرين مشعر بالمنع قلت ولا ينبغي أن يجريا فيما إذا خطب الصبي للجمعة بل يقطع بمنع القعود الرابع في صحة إمامته في الجمعة قولان أصحهما الصحة بشرط أن يتم العدد بغيره الخامس في سقوط فرض صلاة الجنازة به وجهان أصحهما السقوط لأنه تصح إمامته فأشبه البالغ وفي نظيره من رد السلام وجهان أصحهما عدم السقوط والفرق أن المقصود هناك الدعاء وهو حاصل وهنا الأمان وفي سقوط فرض صلاة الجماعة بالصبيان احتمالان للمحب الطبري السادس في جواز توكيله في دفع الزكاة وجهان الأصح الجوازالسابع يجوز اعتماد قوله في الإذن ودخول دار وإيصال هدية في الأصح ومحل الوجهين ما إذا لم تكن قرينة وإلا فيعتمد قطعا الثامن يحصل بوطئه التحليل على المشهور إذا كان ممن يتأتى منه الجماع أما الصغيرة المطلقة ثلاثا إذا وطئت ففيها طريقان أصحهما الحل قطعا والثاني في التي لا تشتهى الوجهان في الصبي التاسع التقاطه صحيح على المذهب كاحتطابه واصطياده العاشر في وجوب الرد عليه إذا سلم وجهان أصحهما الوجوب الحادي عشر في حل ما دبحه قولان أصحهما الحل فإن كان مميزا حل قطعا الثاني عشر في صحة إسلام الصبي المميز استقلالا وجهان المرجح منهما البطلان والمختار عند البلقيني الصحة وهو الذي أعتقده ثم رأيت السبكي مال إليه فقال في كتابه إبراز الحكم استدل من قال ببطلانه بالحديث بمثل ما احتج به لبطلان بيعه ووجه الدلالة في البيع أنه لو صح لاستلزام المؤاخذة بالتسليم والمطالبة بالعهدة والحديث دل على عدم المؤاخذة ولو صح أيضا لكلف أحكام البيع وهو لا يكلف شيئا وكذا في الإسلام لو صح لكلف أحكامه واللازم منتف بالحديث قال وهذا استدلال ضعيف لأنه يكفي في ترتيب أحكامه ظهور أثرها بعد البلوغ والقائل بصحة إسلامه يقول أنه إذا بلغ ووصف الكفر صار مرتدا وهذا لا ينفيه الحديث إنما ينفي المؤاخذة حين الصبى والإسلام كالعبادات فكما يصح منه الصوم والصلاة والحج وغيرها يصح منه الإسلام انتهى قلت ومما يدل لصحته من الحديث ما رواه أبو داود في سننه عن مسلم التميمي قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فلما هجمنا على القوم تقدمت أصحابي على فرس فاستقبلنا النساء والصبيان يضجون فقلت لهم تريدون أن تحرزوا أنفسكم قالوا نعم قلت قولوا نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فقالوها فجاء أصحابي فلاموني وقالوا أشرفنا على الغنيمة فمنعتنا ثم انصرفنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أتدرون ما صنع لقد كتب الله له بكل إنسان كذا وكذا ثم أدناني منه الثالث عشر في كونه كالبالغ في تحريم النظر حتى يجب على المرأة الاحتجاب منه وجهان أصحهما نعم الرابع عشر في استحقاق سلب القتيل الذي يقتله وجهان أصحهما نعم الخامس عشر في جواز القصر والجمع له رأيان
قال صاحب البيان لا يجوز لأنهما إنما يكونان في الفرائض والأصح الجواز قال العبادي فلو جمع تقديما ثم بلغ لم تلزمه الإعادة السادس عشر في كون عمده في الجنايات عمدا قولان الأظهر نعم وينبني على ذلك فروع منها وجوب القصاص على شريكه بجرح أو إكراه ومنها تغليظ الدية عليه ومنها فساد الحج بجماعه ووجوب الكفارة والقضاء ومنها وجوب الفدية إذا ارتكب باقي المحظورات ومنها إذا وطئ أجنبية فهو زنا إلا أنه لا حد فيه لعدم التكليف وعلى القول الآخر هو كالواطئ بشبهة فيترتب عليه تحريم المصاهرة الرابع ما فيه خلاف والأصح أنه ليس كالبالغ وفيه فروع الأول سقوط السلام برده كما مر الثاني وجوب نية الفرضية في الصلاة الأصح لا يشترط في حقه كما صوبه في شرح المهذب الثالث قبول روايته فيه وجهان والأصح المنع الرابع والخامس في وصيته وتدبيره قولان والأظهر بطلانهما السادس في منعه من مس المصحف وهو محدث وجهان والأصح لا قال الأسنوي ولم أر تصريحا بتمكينه في حال الجنابة والقياس المنع لأنها نادرة وحكمها أغلظ قلت صرح النووي بالمسألة في فتاويه وسوى فيه بين الجنابة والحدث قال في الخادم وفيه نظر لأنها لا تتكرر فلا يشق قال وعلى قياسه يجوز المكث في المسجد وهو بعيد إذ لا ضرورة السابع في منعه من لبس الحرير وجهان أصحهما لا يمنع الثامن إذا بطل أمان رجال لا يبطل أمان الصبيان في الأصح التاسع هل يجوز أن يلتقط المميز وجهان الصحيح نعم كغيره العاشر إذا انفرد الصبيان بغزوة وغنموا خمست وفي الباقي أوجه أصحها تقسم بينهم كما يقسم الرضخ على ما يقتضيه الرأي من تسوية وتفضيل الثاني يقسم كالغنيمة للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم والثالث يرضخ لهم منه ويجعل الباقي لبيت المال الحادي عشر في صحة الأمان منه وجهان أصحهما لا يصح
ضابط
حاصل المواضع التي يقبل فيها خبر المميز الإذن في دخول الدار وإيصال الهدية وإخباره بطلب صاحب الدعوة واختياره أحد أبويه في الحضانة ودعواه استعجال الإنبات بالدواء وشراؤه المحقرات نقل ابن الجوزي الإجماع عليهما يحصل به البلوغ
هو أشياء
الأول الإنزال وسواء فيه الذكر والأنثى وفي وجه لا يكون بلوغا في النساء لأنه نادر فيهن ووقت إمكانه استكمال تسع سنين وفي وجه مضى نصف العاشرة وفي آخر استمكالها قال الأسنوي وهذان الوجهان في الصبي أما الصبية فقيل أول التاسعة وقيل نصفها صرح به في التتمة وتعليل الرافعي يرشد إليه ونظيره الحيض والأصح فيه الأول وفيه وجه مضى نصف التاسعة وفي آخر الشروع فيها واللبن وجزم فيه بالأول الثاني السن وهو استكمال خمسة عشر سنة وفي وجه بالطعن في الخامسة عشرة وفي آخر حكاه السبكي مضى ستة أشهر منها قال السبكي والحكمة في تعليق التكليف بخمس عشرة سنة أن عندها بلوغ النكاح وهيجان الشهوة والتوقان وتتسع معها الشهوات في الأكل والتبسط ودواعي ذلك ويدعوه إلى ارتكاب ما لا ينبغي ولا يحجره عن ذلك ويرد النفس عن جماحها إلا رابطة التقوى وتسديد المواثيق عليه والوعيد وكان مع ذلك قد كمل عقله واشتد أسره وقوته فاقتضت الحكمة الإلهية توجه التكليف إليه لقوة الدواعي الشهوانية والصوارف العقلية واحتمال القوة للعقوبات على المخالفة وقد جعل الحكماء للإنسان أطوارا كل طور سبع سنين وأنه إذا تكمل الأسبوع الثاني تقوى مادة الدماغ لاتساع المجاري وقوة الهضم فيعتدل الدماغ وتقوى الفكرة والذكر وتتفرق الأرنبة وتتسع الحنجرة فيغلظ الصوت لنقصان الرطوبة وقوة الحرارة وينبت الشعر لتوليد الأبخرة ويحصل الإنزال بسبب الحرارة وتمام الأسبوع الثاني هو في أواخر الخمسة عشرة ( لأن الحكماء يحسبون بالشمسيةوالمشرعون يعتبرون الهلالية وتمام الخامسة عشر ) متاخر عن ذلك شهرا فإما أن تكون الشريعة حكمت بتمامها لكونه أمرا مضبوطا أو لأن هناك دقائق اطلع الشرع عليها ولم يصل الحكماء إليها اقتضت تمام السنة قال وقد استملت الروايات الثلاث في حديث رفع القلم وهو قوله حتى يكبر و حتى يعقل و حتى يحتلم على المعاني الثلاثة التي ذكرنا أنها تحصل عند خمس عشرة سنة فالكبر إشارة إلى قوته وشدته واحتماله التكاليف الشاقة والعقوبات على تركها والعقل المراد به الفكرة فإنه وإن ميز قبل ذلك لم يكن فكره تاما وتمامه عند هذا السن وبذلك يتأهل للمخاطبة وفهم كلام الشارع والوقوف مع الأوامر والنواهي والاحتلام إشارة إلى انفتاح باب الشهوة العظيمة التي توقع في الموبقات وتجذبه إلى الهوى في الدركات وجاء التكليف كالحكمة في رأس البهيمة يمنعها من السقوط انتهى كلام السبكي ثم قال وأنا أقول إن البلوغ في الحقيقة المقتضي للتكليف هو بلوغ وقت النكاح للآية والمراد ببلوغ وقته بالاشتداد والقوة والتوقان وأشباه ذلك فهذا في الحقيقة هو البلوغ المشار إليه في الآية الكريمة وضبطه الشارع بأنواع أظهرها الإنزال وإذا أنزل تحققنا حصول تلك الحالة إما قبيل الإنزال وإما مقارنه الثالث إنبات العانة وهو يقتضي الحكم بالبلوغ في الكفار وفي وجه والمسلمين أيضا ومبنى الخلاف على أنه بلوغ حقيقة أو دليل عليه وفيه قولان أظهرهما الثاني فلو قامت بينة على أنه لم يكمل خمس عشرة سنة لم يحكم ببلوغه الرابع نبات الإبط واللحية والشارب فيه طريقان أحدهما أنه لا أثر لها قطعا والثاني أنها كالعانة وألحق صاحب التهذيب الإبط بها دون اللحية والشارب الخامس انفراق الأرنبة وغلظ الصوت ونهود الثدي ولا أثر لها على المذهب وتختص المرأة بالحيض والحبل
فرع
إذا بلغ في أثناء العبادة فإن كانت صلاة أو صوما وجب إتمامها وأجزأت على الصحيح والثاني يستحب الإتمام وتجب الإعادة لأنه شرع فيها ناقصا أو حجا أو عمرة فإن كان قبل الوقوف في الحج والطواف في العمرة أجزأته عن فرض الإسلام وإلا فلا وفي الحال الأول تجب إعادة السعي إن كان قدمه فلو بلغ بعد فعلها أجزأته الصلاة دون الحج والعمرة والفرق أنه مأمور بالصلاة مضروب عليها بخلاف الحج وأن الحج لما كان وجوبه مرة واحدة في العمر اشترط وقوعه في حال الكمال بخلاف الصلاة وعتق العبد وإفاقة المجنون كبلوغ الصبيفائدة
ذكر السبكي في الحديث السابق سؤالين أحدهما أن قوله حتى يبلغ و حتى يستيقظ و حتى يفيق غايات مستقبلة والفعل المغيى بها هو رفع ماض والماضي لا يجوز أن تكون غايته مستقبلة لأن مقتضى كون الفعل ماضيا كون أجزاء المغيى جميعها ماضية والغاية طرف المغيى ويستحيل أن يكون المستقبل طرفا للماضي لأن الآن فاصل بينهما والغاية إما داخلة في المغيى فتكون ماضية أيضا وإما خارجة مجاورة فيصح أن يكون الآن غاية للماضي وإما أن تكون منفصلة حتى يكون المستقبل المنفصل عن الماضي غاية له فيستحيل الثاني أن الرفع قد يقال إنه يقتضي سبق وضع ولم يكن القلم موضوعا على الصبي وأجاب عن الأول بالتزام حذف أو مجاز حتى يصح الكلام فيقدر رفع القلم فلا يزال مرتفعا حتى يبلغ أو فهو مرتفع وعن الثاني بأن الرفع لا يستدعي تقديم وضع وبأن البيهقي قال إن الأحكام إما نيطت بخمس عشرة سنة من عام الخندق وقبل ذلك كانت تتعلق بالتمييز فإن ثبت هذا احتمل أن يكون المراد بهذا الحديث انقطاع ذلك الحكم وبيان أنه ارتفع التكليف عن الصبي وإن ميز حتى يبلغ فيصح فيه أنه رفع بعد الوضع وهو الصحيح في النائم بلا إشكال باعتبار وضعه عليه قبل نومه وفي المجنون قبل جنونه إذا سبق له حال تكليف
القول في أحكام العبد
قال أبو حامد في الرونق يفارق العبد الحر في خمسين مسئلة لا جهاد عليه ولا تجب عليه الجمعة ولا تنعقد به ولا حج عليه ولا عمرة إلا بالنذر وعورة الأمة كعورة الرجل ويجوز النظر إلى وجهها لغير محرم ولا يكون شاهدا ولا ترجمانا ولا قائفا ولا قاسما ولا خارصا ولا مقوما ولا كاتبا للحاكم ولا أمينا للحاكم ولا قاضيا ولا يقلد أمرا عاما ولا يملك ولا يطأ بالتسري ولا تجب عليه الزكاة إلا زكاة الفطر ولا يعطى في الحج في الكفارات مالا ولا يأخذ من الزكاة والكفارة شيئا إلا سهم المكاتبين ولا يصوم غير الفرض إلا بإذن سيده ولا يلزم سيده إقراره بالمال ولا يكون وليا في النكاح ولا في قصاص ولا حد ولا يرث ولا يورث وحده النصف من حد الحر ولا يرجم في الزنا وتجب في إتلافه قيمته وما نقص منه بقيمته ولا يتحمل الدية ولا يتحمل عنه ولا تتحمل العاقلة قيمته ولا يتزوج بامرأتين سواء كانتا حرتين أم أمتين وطلاقه اثنتان وعدة الأمة قرءان ولا لعان بينها وبين سيدها في أحد القولين ولا ينفى في الزنا في أحد القولين ولا يقتل به الحر ولا من فيه بعض الحرية ولا يؤدى به فروض الكفارة ولا يتزوج بنفسه ويكره على التزويج وقسم الأمة على النصف من قسم الحرة ولا يحد قاذفه ولا يسهم له من الغنيمة ويأخذ اللقطة على حكم سيده ولا يكون وصيا ولا تصح كفالته إلا بإذن سيده ويجعل صداقا ويجعل نذرا ويكون رهنا انتهى قلت لقد جمع أبو حامد فأحسن وبقي عليه أشياء أذكرها بعد أن أتكلم على ما ذكره فقوله ولا حج ولا عمرة إلا بالنذر فيه أمران أحدهما أنه يلزمه الحج والعمرة بغير طريق النذر وهو الإفساد إذ أحرم ثم جامع فإنه يلزمه القضاء على المذهب وبه قطع جماهير الأصحاب لأنه مكلف وهل يجزيه في حال رقه قولان أصحهما نعم والأمر الثاني إذا لزمه ذلك بالنذر فهل يصح منه في حال رقه قال الروياني فيه وجهان كما في قضاء الحجة التي أفسدها كذا في شرح المهذب عنه وصرح في زوائد الروضة بتصحيح الإجزاء وقوله وعورة الأمة كعورة الرجل هو الأصح وفي وجه أنها كالحرة إلا الرأس وفي آخر إلا الرأس والساق وفي ثالث إلا ما يبدو في حال الخدمة وهما المذكوران والرقبة والساعدوقوله ويجوز النظر إلى وجهها هو وجه صححه الرافعي وصحح النووي أنها في ذلك كالحرة وقوله ولا يكون شاهدا استثني منه صورتان على رأي ضعيف الأولى هلال رمضان إذا اكتفينا فيه بواحد في جواز كونه عبدا وجهان أصحهما المنع والثانية إسماع القاضي الأصم إذا لم يشترط فيه العدد في جواز كون المسمع عبدا وجهان كالهلال أصحهما المنع وقوله ولا قائفا هو الأصح وفيه وجه وقوله ولا كاتبا لحاكم هو الصحيح وقال القفال في شرح التلخيص يجوز كونه كاتبا لأن الكتابة لا يتعلق بها حكم لأن القاضي لا يمضي ما كتبه حتى يقف عليه والمعتمد إنما هو شهادة الشهود الذين يشهدون بما تضمنه المكتوب وقوله ولا يملك هو الأظهر وفي قول قديم أنه يملك بتمليك السيد ملكا ضعيفا للسيد الرجوع فيه متى شاء وفي احتياجه إلى القبول وجهان بناء على إجباره في النكاح قال الرافعي ولا يجري الخلاف في تمليك الأجنبي وفي المطلب أن جماعة أجروه فيه منهم القاضي حسين والماوردي وقوله ولا تجب عليه الزكاة إلا زكاة الفطر إن أراد الوجوب بسببه فيجب فيه زكاة التجارة أيضا وإن أراد أن الوجوب يلاقيه وهو مبني على الخلاف في زكاة الفطر هل الوجوب يلاقي المؤدى عنه ثم يتحملها المؤدي أو لا فيه قولان أصحهما الأول قال وتظهر فائدتهما فيما إذا لم يخرج السيد عنه ثم عتق هل يخرج ما مضى قوله ولا يورث قد يستثنى منه مسألة وهو ما لو وجب له تعزير بقذف ومات فإن الأصح أن حقه ينتقل إلى سيده لأنها عقوبة وجبت بالقذف فلم تسقط بالموت كالحد قال الأصحاب وليس ذلك على سبيل الإرث ولكنه أخص الناس به فما ثبت له في حياته يكون لسيده بعد موته بحق المال وفي وجه يستوفيه أقاربه لأن العار يعود عليهم وفي ثالث يستوفيه السلطان كحر لا وارث له وفي رابع يسقط فعلى هذا يفارق الحر قوله ولا تتحمل العاقلة قيمته هو قول والأظهر خلافه وعلى الأول لا يجري فيه القسامة وتجري على الثاني وعجبت لأبي حامد كيف جزم بذلك القول ولم يذكر مسئلة القسامة قوله وطلاقه اثنتان
قوله وعدة الأمة قرءان بقي عليه ذات الأشهر ولها شهر ونصف في الأظهر والثاني شهران والثالث ثلاثة كالحرة والمتوفى عنها ولها شهران وخمسة أيام قوله ولا لعان بينها وبين سيدها في أحد القولين وهو الأظهر قوله ولا ينفى في الزنا في أحد القولين والأظهر أنه ينفى نصف سنة وفي قول سنة كالحر قوله ويكره على التزويج هو في الأمة كذلك وفي العبد قول والأظهر أنه لا يجبر سواء كان كبيرا أو صغيرا قال ابن الرفعة القياس أن إحرام السيد عن عبده كتزويجه قوله ولا يسهم له من الغنيمة هذا إن كان في المقاتلة حر فإن كانوا كلهم عبيدا فأوجه أصحها يقسم بينهم أربعة أخماس ما غنموه كما يقسم الرضخ على ما يقتضيه الرأي من تسوية وتفضيل والثاني يقسم كالغنيمة والثالث يرضخ لهم منه ويجعل الباقي لبيت المال قوله ويأخذ اللقطة الأظهر أنه لا يصح التقاطه ولا يعتد بتعريفه قوله ولا تصح كفالته إلا بإذن سيده كذلك ضمانه هذا ما يتعلق بما ذكره وبقي عليه أنه لا يؤذن لجماعة ولا يحضرها إلا بإذن سيده ذكر الأول في شرح المهذب والثاني القاضي حسين والحر أولى منه في الأذان كما في شرح المهذب والإمامة والجنازة ونذره للحج صحيح بلا إذن كما في الروضة وأصلها وللصلاة والصوم قال في الجواهر ينبغي صحتها وللقرب المالية في الذمة قال في الكفاية كضمانه فيتوقف على الإذن ولا يصح منه بيع ولا غيره من العقود إلا بإذن السيد ولا يكون وكيلا في إيجاب النكاح ولا عاملا في الزكاة إلا إذا عين له الإمام قوما يأخذ منهم قدرا معينا وهل يعطى حينئذ من سهم العاملين وفي استحقاقه سلب القتيل الذي يقتله وجهان أصحهما نعم وفي قبول الوصية والهبة وتملك المباحات بلا إذن وجهان ولا جزية عليه ولا فطرة عن امرأته بل تجب على سيدها إن كانت أمة ونفقته نفقة المعسرين ولا تنكح الأمة إلا بشروط ولا على الحرة ولا تخدم وإن كانت جميلة في الأصح لنقص الرق فإذا نكحها العبد على الحرة ففي استحقاقها السبع والثلاث وجهان أصحهما نعم
كالحرة لأنه شرع لارتفاع الحشمة وحصول المباسطة وهو يتعلق بالطبع فلا يختلف بالرق والحرية وفي وجه تستحق الشطر كالقسم ففي وجه يكمل المنكسر كالأقراء والطلاق والأشبه لا لأن التنصيف فيه ممكن ولا تصير الأمة فراشا بمجرد الملك حتى توطأ وتصير الحرة فراشا بمجرد العقد وإذا زوجها السيد استخدمها نهارا وسلمها للزوج ليلا ولا نفقة على الزوج حينئذ في الأصح ويسافر بها السيد بدون إذنه ويضمن العبد باليد ويقطع سارقه ويضمن منافعه بالفوات بخلاف الحر في الثلاث ويصح وقفه ولا يصح وقف الحر نفسه ولا تصح وصيته وقيل إن عتق ثم مات صحت ولا يصح الوقف عليه لنفسه ولا الإيصاء له ولا توطأ الأمة بمجرد الملك حتى تستبرأ وتوطأ الحرة بمجرد العقد ويحصل استبراؤها بوضع حمل زنا ولا يتصور انقضاء عدة الحرة بحمل زنا وتجب نفقة العبد والأمة وفطرتهما وإن عصيا وأبقا بخلاف الزوجة لأنها في الرقيق للملك وهو باق مع الإباق والعصيان وفي الزوجة للاستمتاع وهو منتف مع النشوز ونفقة الزوجة مقدرة ولا تسقط بمضي الزمان ونفقة الرقيق للكفاية وتسقط بمضيه ويفضل بعض الإماء على بعض في النفقة والكسوة بخلاف الزوجات ولا حصر لعدد التسري ولا يجب لهن قسم ويجوز جمعهن في مسكن بغير رضاهن ولا يجري فيهن ظهار ولا إيلاء ولا تطالب سيدها العنين بوطء ولا تمنع منه إن كان به عيب ولا تجب نفقة الرقيق على قريبه ولا حضانة له ولا يحضنه أقاربه بل سيده ولا عقيقة له كما ذكره البلقيني تخريجا ولو كان أبوه غنيا لأنه لا نفقة له عليه وإنما يخاطب بالعقيقة من عليه النفقة ولا يسن للسيد أن يعق عن رقيقه وفي ذلك قلت ملغزا ** أيها السالك في الفق ** هـعلى خير طريقه ** هل لنا نجل غني ** ليس فيه من عقيقه ** ولا يسقط ضمان قتله أو قطعه بإذنه في ذلك وفي سقوط القصاص بإذنه لمثله وجهان في الروضة بلا ترجيح قال البلقيني أصحهما السقوط وفي اللباب الجناية على العبد مثلها على الحر إلا في سبعة أشياء لا يقتل به الحر ولا من فيه حرية وتجب فيه القيمة بالغة ما بلغت ويعتبر نقصان أطرافه من ضمان نفسه ولا يختلف الذكر والأنثى وتجب في جنايته نقد البلد ولا تجري فيه القسامة قلت الأصح تجري فيه كما مر
تنبيه
الجناية على العبد تارة تكون من غير إثبات يد وتارة بإثبات اليد فقط وتارة بهما فالأول تجب فيه القيمة في نفسه وفي أطرافه من القيمة ما في أطراف الحر من الدية وفي غير المقدرة ما نقص منها والثاني فيه أرش النقص فقط والثالث فيه أكثر الأمرين منهماحكم إقراره يقبل فيما أوجب حدا أو قصاصا لانتفاء التهمة
فلو أقر بالقصاص فعفا على مال فالأصح تعلقه برقبته وإن كذبه السيد لأنه إنما أقر بالعقوبة واحتمال المواطأة فيها بعيد وإن أقر بسرقة قطع ولا يقبل في المال إذا كان تالفا في الأظهر بل يتعلق بذمته كما لو أقر به ابتداء وإن كان باقيا وهو في يد السيد لم ينزع منه إلا ببينة أو في يد العبد فقيل يقبل قطعا وقيل لا قطعا وقيل قولان والأظهر لا يقبل مطلقا وإن أقر بدين جناية أو غصب أو سرقة لا يوجب القطع أو إتلاف وصدقه السيد تعلق برقبته وإلا فبذمته أو معاملة ولم يكن مأذونا له لم تتعلق برقبته بل بذمته أو مأذونا قبل وأدى من كسبه الأموال المتعلقة بالعبد هي أقسام الأول ما يتعلق برقبته فيباع فيه وذلك أرش الجناية وبدل المتلفات سواء كان بإذن السيد أم لا لوجوبه بغير رضى المستحق ويستثنى ما إذا كان العبد صغيرا لا يميز أو مجنونا أو أعجميا يرى وجوب طاعة الأمر في كل شيء فلا يتعلق برقبته ضمان على الأصح لأنه كالآلة فأشبه البهيمة والثاني نعم لأنه بدل متلف الثاني ما يتعلق بذمته فيتبع به إذا عتق وهو ما وجب برضى المستحق دون السيد كبدل المبيع والقرض إذا أتلفهما وكذا لو نكح وزاد على ما قدره له السيد فالزائد في ذمته أو امتثل وليس مكتسبا ولا مأذونا له وفي قول هو في هذه الحالة على السيد وفي آخر في رقبته ولو نكح بغير إذن سيده ووطئ فهل يتعلق مهر المثل بذمته لكونه وجب برضى مستحقه أو برقبته لأنه إتلاف قولان أظهرهما الأولفإن كان بغير رضاه كأن نكح أمة بغير إذن سيدها ووطئها فطريقان أحدهما طرد القولين والثاني القطع بتعلقه بالرقبة وبه قال ابن الحداد كما لو أكره أمة أو حرة على الزنا ولو أذن سيده في النكاح فنكح فاسدا ووطئ فهل يتعلق بذمته أو رقبته أو سنه أقوال أظهرها الأول ولو أفطرت في رمضان لحمل أو رضاع خوفا على الولد فالفدية في ذمتها قاله القفال الثالث ما يتعلق بكسبه وهو ما ثبت برضاهما وذلك المهر والنفقة إذا أذن له السيد في النكاح وهو كسوب أو مأذون له في التجارة وكذا إذا نكح صحيحا وفسد المهر أو أذن له في نكاح فاسد ووجب مهر المثل كما ذكره الرافعي قياسا أو ضمن بإذن السيد أو لزمه دين تجارة وحيث قلنا يتعلق بالكسب فسواء المعتاد والنادر على الصحيح ويختص بالحادث بعد الإذن دون ما قبله وحيث كان مأذونا تعلق بالربح الحاصل بعد الإذن وقبله وبرأس المال في الأصح وحيث لم يوف في الصور تعلق الفاضل بذمته ولا يتعلق بكسبه بعد الحجر في الأصح وفي وجه أن المال في الضمان متعلق بذمته وفي آخر برقبته الرابع ما يتعلق بالسيد وذلك جناية المستولدة والعبد الأعجمي وغير المميز كما مر والمهر والنفقة إذا أذن في النكاح على القديم
تنبيه
من المشكل قول المنهاج فإن باع مأذون له وقبض الثمن فتلف في يده فخرجت السلعة مستحقة رجع المشتري ببدلها على العبد وله مطالبة السيد أيضا وقيل لا وقيل إن كان في يد العبد وفاء فلا ولو اشترى سلعة ففي مطالبة السيد بثمنها هذا الخلاف ثم قال ولا يتعلق دين التجارة برقبته ولا ذمة سيده بل يؤدى من مال التجارة وكذا من كسبه فما ذكره من أن دين التجارة لا يتعلق بذمة السيد مخالف لقوله قبل إن السيد يطالب ببدل الثمن التالف في يد العبد وبثمن السلعة التي اشتراها أيضا وقد وقع الموضعان كذلك في المحرر والروضة وأصلها قال في المطلب ولا يجمع بينهما بحمل الأول على مجرد المطالبة والثاني على بيان محل الدفع فإن الوجه الثالث المفصل يأبى ذلك قال السبكي والأسنوي وسبب وقوع هذا التناقض أن المذكور أولا هو طريقةالإمام وأشار في المطلب إلى تضعيفها وثانيا هو طريقة الأكثرين فجمع الرافعي بينهما فلزم منه ما لزم وحمل البقليني قولهم إن دين التجارة لا يتعلق بذمة السيد على أن المراد بسائر أمواله القول في أحكام المبعض هي أقسام
الأول ما ألحق فيه بالأحرار بلا خلاف وفي ذلك فروع
منها صحة البيع والشراء والسلم والإجارة والرهن والهبة والوقف وكل تبرع إلا العتق والإقرار بأن لا يضر المالك ويقبل فيما يضره في حقه دون سيده ويقضي مما في يده ومنها ثبوت خيار المجلس والشرط والشفعة ومنها صحة خلعها وفسخ النكاح بالإعسار وأن السيد لا يطؤها ولا يجبرها على النكاح ولا يقيم عليها الحد الثاني ما ألحق فيه بالأرقاء بلا خلاف وفيه فروع منها أنه لا تنعقد به الجمعة ولا تجب عليه في غير نوبته ولا يجب عليه الحج ولا يسقط حجه حجة الإسلام ولا ضمان إن لم يكن مهايأة أو ضمن في نوبة السيد ولا يقطع بسرقة مال سيده ويقطع سارقه ولا ينكح بلا إذن وينكح الأمة ولو كان موسرا نقل الإمام الاتفاق عليه كما ذكره في المهمات ولا ينكح الحر مبعضة ولا من يملك بعضها أو تملك بعضه ولا يثبت لها الخيار تحت عبد ويثبت بعتق كلها تحت مبعض ولا يقتل به الحر ولو كافرا ولا يكون واليا ولا وليا ولا شاهدا ولا خارصا ولا قاسما ولا مترجما ولا وصيا ولا قائفا ولا يحمل العقل ولا يكون محصنا في الزنا ولا في القذف ولا يجزئ في الكفارة ولا يرث ولا يحكم لمبعضه ولا يشهد له ولا يجب عليه الجهاد وطلاقه طلقتان وعدتها قرءان
الثالث ما فيه خلاف والأصح أنه كالأحرار وفيه فروع
منها وجوب الزكاة فيما ملكه ويورث ويكفر بالطعام والكسوة ويصح التقاطه ويدخل في ملكه إن كان في نوبته وكذا زكاة الفطر ولو اشترى زوجته بالمال المشترك بإذن سيده ملك جزءها وانفسخ النكاح وكذا بغير إذنه في الأظهر أو بخالص ماله فكذلك أو مال السيد فلا ولو أوصى لنصفه الحر خاصة أو الرقيق خاصة ففي الصحة وجهان أصحهما في زوائد الروضة يصح ويكون له خاصة في الأولى ولسيده خاصة في الثانية والثاني لا كما لا يرث ولو أوصى له وبعضه ملك وارث الموصي فإن كان مهايأة ومات في نوبته صحت أو نوبة السيد فوصية لوارث وكذا إن لم يكن مهايأة قال الإمام يحتمل أن تبعض الوصيةالرابع ما فيه خلاف والأصح أنه كالأرقاء وفيه فروع
منها أنه لا تجب عليه الجمعة في نوبته ولا يقتل به مبعض سواء كان أزيد حرية منه أم لا ونفقته نفقة المعسرين ويحد في الزنا والقذف حد العبد ويمنع من التسري ولا تجب عليه نفقة القريب ولا الجزية وعورتها في الصلاة كالأمة واشتراط النجوم إذا كوتبالخامس ما وزع فيه الحكم وفيه فروع
منها زكاة الفطر حيث لا مهايأة على كل منه ومن سيده نصف صاع والكسب النادر كذلك وتجب على قريبه من نفقته بقدر حريته وتحمل عاقلته نصف الدية في قتله الخطأ وفي قتله والجناية عليه وغرته من الدية بقدر الحرية وبقدر الرق من القيمة ويزوج المبعضة السيد مع قريبها فإن لم يكن فمع معتقها فإن لم يكن فمع الحاكم وقيل لا يزوج ويعتكف في نوبته دون نوبة السيد
من غرائب هذا القسم ما ذكره الروياني
لو ملك المبعض مالا بحريته فاقترضه منه السيد ورهن عنده نصيبه الرقيق صح قال العلائي وهذه من مسائل المعاناة لأنه يقال فيها مبعض لا يملك مالك النصف عتق نصيبه إلا بإذن المبعض لأن هذا النصف إذا كان مرهوننا عنده لم يتمكن السيد من عتقه إذا كان معسرا إلا بإذنه انتهىوبقي فروع لا ترجيح فيها
منها ما لا نقل فيه ومنها لو قدر على مبعضه هل ينكح الأمة فيه تردد للإمام لأن إرقاق بعض الولد أهون من إرقاق كله كذا في أصل الروضة بلا ترجيح ومنها إذا التقط لقيطا في نوبته هل يستحق كفالته وجهان نقلهما الرافعي عن صاحب المعتمد ومنها لو سرق سيده ما ملك بحريته قال القفال لا يقطع وقال أبو علي يقطع ومنها لو قبل الوصية بلا إذن فهل يصح في حصته وجهان ومنها القسم للمبعضة هل تعطى حكم الحرائر أو الإماء أو يوزع قال العلائي لا نقل فيه قلت بل صرح الماوردي بأنها كالأمة وجزم به الأذرعي في القوت ثم ذكر التوزيع بحثا ومنها هل له نكاح أربع كالحر أو لا كالعبد أو يوزع قال العلائي الظاهر الثاني لأن النصف الرقيق منه غير منفصل فيؤدي إلى أن ينكح به أكثر من اثنتين قلت ويؤيده مسئلتا الطلاق والعدة ثم رأيت الحكم المذكور مصرحا به منقولا عن الماوردي وصاحب الكافي والرونق واللباب وبحث الزركشي فيه التوزيع تخريجا من وجه في الحد ونظيره ما لو سقى الزرع بمطر أو ماء اشتراه سواء فإن فيه ثلاثة أرباع العشر ومنها هل يصح الوقف عليه أو لا كالعبد قال العلائي لا نقل فيه قلت بل هو منقول صرح بصحته ابن خيران في اللطيفقال الزركشي فلو أراد سيده أن يقف عليه نصف الرقيق فالظاهر الصحة كالوصية ومنها لو اجتمع رقيق ومبعض قال العلائي الظاهر أن المبعض أولى بالإمامة ومنها يغسل الرجل أمته بخلاف المبعضة فيما يظهر لأنها أجنبية قاله العلائي قال وهي أولى من المكاتبة وقد جزموا بأنها لا تغسل السيد ومنها يجوز توكيل مكاتب الراهن في قبض المرهون لأنه أجنبي لا عبده وفي المبعض نظر قال العلائي يحتمل أن يكون كالمكاتب ومنها هل يسهم له من الغنيمة قال العلائي فيه نظر ويقوي ذلك إذا كان في نوبته وقاتل بإذن سيده ويكون ذلك كما لو اكتسب ولا يخرج على الأكساب النادرة لأن إذنه في القتال لا يجعل الغنيمة نادرة وليس له أن يقاتل بلا إذن قطعا ولم يتعرضوا له وإن لم يكن مهايأة بعد الإسهام ومنها هل يرى سيدته إذا قلنا بجوازه للعبد قال العلائي فيه نظر وينبغي أن لا يراها قلت صرح الماوردي بمنعه وقال لا يختلف فيه أصحابنا ومنها هل يرى من نصفها له والباقي حر قال العلائي يحتمل أن يكون فيه الخلاف في الصلاة وقد رجح الماوردي أنها كالحرة ورجح ابن الصباغ وطائفة أنها كالأمة ومنها لو اعتدت عن الوفاة أو بالأشهر قال العلائي لم أر فيه نقلا وقد قالوا إن عدتها قرءان فالظاهر أنها في الأشهر على النصف كالأمة وكذا قال الأذرعي وغيره بحثا
تنبيه يدخل في المهايأة الكسب والمؤن المعتادة قطعا
وفي النادر من الأكساب كاللقطة والوصية والمؤن كأجرة الحجام والطبيب قولان أو وجهان أصحهما الدخول ولا يدخل أرش الجناية بالاتفاق لأنها متعلقة بالرقبة وهي مشتركة كذافي الروضة نقلا عن الإمام وهو صريح في أن فرض المسئلة في جنايته هو وبه صرح الإمام أما لو جنى عليه فالظاهر أيضا أنه كذلك قاله فائدة التبعيض يقع ابتداء في صور الأولى ولد المبعضة من زوج أو زنا سئل عنه القاضي حسين فقال يمكن تخريجه على الوجهين في الجارية المشتركة إذا وطئها الشريك وهو معسر ثم استقر جوابه على أنها كالأم حرية ورقا قال الإمام وهذا هو الوجه لأنه لا سبب لحريته إلا الأم فيقدر بقدرها الثانية الولد من الجارية المشتركة إذا وطئها الشريك المعسر اختلف فيه التصحيح ففي المكاتبة بين اثنين يطؤها أحدهما وهو معسر قال الرافعي وتبعه في الروضة في الولد وجهان أصحهما نصفه حر ونصفه رقيق والثاني كله حر للشبهة وقال في استيلاد أحد الغانمين المحصورين إذا أثبتنا الاستيلاد أنه إذا كان معسرا هل ينعقد الولد حرا أو بقدر حصته والباقي رقيق وجهان وقيل قولان أحدهما كله حر لأن الشبهة تعم الجارية وحرية الولد تثبت بالشبهة وإن لم تثبت الاستيلاء ووجه الثاني أنه تبع للاستيلاد وهو متبعض قالا وهذا الخلاف يجري فيما إذا أولد أحد الشريكين المشتركة وهو معسر فإن قلنا كله حر لزم المستولد قيمة حصة الشركاء في الولد وهذا هو الأصح كذا قاله القاضي أبو الطيب والروياني وغيرهما قال البلقيني والصحيح أنه يتبعض الثالثة إذا استولد الأب الحر جارية مشتركة بين ابنه وبين غيره وهو معسر فيكون نصف الولد حرا ونصفه رقيقا على الأظهر الرابعة العتيق الكافر بين المسلم والذمي إذا نقض العهد والتحق بدار الحرب فسبي فإنه يسترق نصيب الذمي على الأصح ولا يسترق نصيب المسلم على المشهور الخامسة ضرب الإمام الرق على بعض شخص ففي جوازه وجهان أصحهما في الروضة واصلها الجواز قال البغوي فإن منعناه فإن ضرب الرق على بعضه رق كله وهذه صورة يسري فيها الرق ولا نظير لها وإياها عنيت بقولي
** أيها الفقيه أيدك الله ** ولا زلت في أمان ويسر ** هل لنا معتق نصيبا فيلغي ** ولنا صورة بها الرق يسري ** السادسة إذا أوصى بنصف حمل الجارية ثم أعتق الوارث الجارية بعد الموت ثم حدث ولد فإن نصفه حر ونصفه رقيق للموصى له وأما التبعيض في عبده الخالص فلا يقع إلا في ثلاث صور الأولى رهن بعض عبده وأقبضه ثم أعتق غير المرهون وهو معسر فإنه يعتق ذلك البعض فقط الثانية جنى عبد بين اثنين ففداه أحدهما ثم اشترى الذي لم يفد ذلك النصف المفدي وأعتقه وهو معسر عتق فقط الثالثة وكل وكيلا في عتق عبده فأعتق الوكيل نصفه فأوجه أصحها في الروضة وأصلها يعتق ذلك النصف فقط والثاني يعتق كله ورجحه البلقيني تنزيلا لعبارة الوكيل منزلة عبارة الموكل والثالث لا يعتق شيء لمخالفة الوكيل
القول في أحكام الأنثى تخالف الذكور في أحكام
لا يجزئ في بولها النضح ولا الحجر إن كانت بنتا والسنة في عانتها النتف ولا يجب ختانها في وجه ويجب عليها غسل باطن لحيتها ويسن حلقها وتمنع من حلق رأسها ولبنها طاهر على الصحيح وفي لبن الرجل كلام سنذكره ومنيها نجس في وجه وتزيد في أسباب البلوغ بالحيض والحمل ولا تؤذن مطلقا ولا تقيم للرجال وعورتها تخالف عورة الرجل وصوتها عورة في وجه ويكره لها الحمام وقيل يحرم ولا تجهر بالصلاة في حضرة الأجانب وفي وجه مطلقا وتضم بعضها إلى بعض في الركوع والسجود وإذا نابها شيء في صلاتها صفقت والرجل يسبح ولا تجب عليها الجماعة ويكره حضورها للشابة ولا يجوز إلا بإذن الزوج وهي في بيتها أفضل من المسجدولا يجوز اقتداء الرجل والخنثى بها وتقف إذا أمت النساء وسطهن ولها لبس الحرير وكذا افتراشه في الأصح وحلي الذهب والفضة ولا جمعة عليها ولا تنعقد بها ولا ترفع صوتها بتكبير العيد ولا تلبية الحج ولا تخطب بحال والأفضل تكفينها في خمسة أثواب وللرجال ثلاثة ويقف المصلي عليها عند عجزها وفي الرجل عند رأسه ويندب لها نحو القبلة في التابوت ولا يسقط بها فرض الجنازة مع وجود الرجال في الأصح ولا تحمل الجنازة وإن كان الميت أنثى ولا تأخذ من سهم العاملين ولا سبيل الله ولا المؤلفة في وجه ولا تقبل في الشهادت إلا في الأموال وما لا يطلع عليه الرجال ولا كفارة عليها بالجماع في رمضان ويصح اعتكافها في مسجد بيتها في القديم ويكره لها الاعتكاف حيث كرهت الجماعة ولا تسافر إلا مع زوج أو محرم فيشترط لها ذلك في وجوب الحج عليها ويشترط لها أيضا المحمل لأنه أستر ويندب لها عند الإحرام خضب يديها ووجهها ويباح لها الخضب بالحناء مطلقا ولا يجوز للرجل إلا لضرورة ولا يحرم عليها في الإحرام المخيط وستر الرأس بل الوجه والقفازان ولا تقبل الحجر ولا تستلمه ولا تقرب من البيت إلا عند خلو المطاف من الأجانب ولا ترمل في الطواف ولا تضطبع ولا ترقى على الصفا والمروة ولا تعدو بين الميلين ولا تطوف ولا تسعى إلا بالليل وتقف في حاشية الموقف والرجل عند الصخرات وقاعدة والرجل راكب ولا تؤمر بالحلق ولا ترفع يدها عند الرمي والتضحية بالذكر أفضل منها في المشهور ويعق عنها بشاة وعن الذكر بشاتين والذكر في الذبح أولى منها ويجوز بيع لبنها سواء كانت أمة أم حرة على الأصح بخلاف لبن الرجل ولا يجوز قرضها والتقاطها للتملك لغير المحرم في الأصح بخلاف العبد ولا تكون وليا في النكاح ولا وكيلا في إيجابه ولا قبوله ولا في الطلاق في وجه والغناء منها غير متقوم ومن العبد متقوم ولا تصح معها المسابقة لأنها ليست من أهل الحرب ولا يقبل قولها في استلحاق الولد إلا ببينة في الأصح بخلاف الرجل
وهي على النصف من الرجل في الإرث والشهادة والغرم عند الرجوع والدية نفسا وجرحا وفي هبة الوالد في وجه وفي النفقة على القريب في أحد الوجهين ولا تلي القضاء ولا الوصاية في وجه وتجبر الأمة على النكاح بخلاف العبد في الأظهر ولا تجبر سيدها على تزويجها قطعا إذا كانت تحل له ويجبر على تزويج العبد في قول ويحرم عليها ولدها من زنا بخلاف الرجل ويحل لها نكاح الرقيق مطلقا وبضعها يقابل بالمهر دون الرجل ويحرم لبنها دون لبن الرجل على الصحيح وتقدم على الرجال في الحضانة والنفقة والدعوى والنفر من مزدلفة إلى منى والانصراف من الصلاة وتؤخر في الفطرة والموقف في الجماعة وفي اجتماع الجنائز عند الإمام وفي اللحد وتقطع حلمة الرجل بحلمتها لا عكسه وفي حلمتها الدية وفي حلمته الحكومة على الأصح وفي استرسال نهدها الحكومة بخلاف الرجل ولا تباشر استيفاء القصاص ولا تدخل في القرعة على الأصح في الشرح والروضة ولا تحمل الدية ولا ترمى لو نظرت في الدار في وجه ولا جهاد عليها ولا جزية ولا تقتل في الحرب ما لم تقاتل وفي جواز عقد الأمان لها استقلالا من غير إدخال رجل في العقد فيه وجهان في الشرح بلا ترجيح ولا يسهم لها ولا تستحق السلب في وجه ولا تقيم الحد على رقيقها في وجه ويحفر لها في الرجم إن ثبت زناها ببينة بخلاف الرجل وتجلد جالسة والرجل قائما ولا تكلف الحضور للدعوى إذا كانت مخدرة ولا إذا توجه عليها اليمين بل يحضر إليها القاضي فيحلفها أو يبعث إليها نائبه
تنبيه في مواضع مهمة تقدمت الإشارة إليها
منها تقدم أن لبنها طاهر وأما لبن الرجل فلم يتعرض له الشيخان وصرح الصيمري في شرح الكفاية بطهارته وصححه البلقيني وصرح ابن الصباغ بأنه نجسومنها المرأة في العورة لها أحوال حالة مع الزوج ولا عورة بينهما وفي الفرج وجه وحالة مع الأجانب وعورتها كل البدن حتى الوجه والكفين في الأصح وحالة مع المحارم والنساء وعورتها ما بين السرة والركبة وحالة في الصلاة وعورتها كل البدن إلا الوجه والكفين وصرح الإمام في النهاية بأن الذي يجب ستره منها في الخلوة هي العورة الصغرى وهو المستور من عورة الرجل ومنها المجزوم به وهو الوارد في الحديث إن المرأة إذا نابها شئ في صلاتها تصفق ولا تسبح قال الأسنوي وقد صححوا أنها تجهر في الصلاة بحضرة زوج أو محرم أو نسوة أو وحدها وقياس ذلك أن تسبح في هذه الأحوال كالرجل ويحمل الحديث على غير ذلك لأن التسبيح في الصلاة اليق من الفعل خصوصا التصفيق ومنها هل يحرم على الأجانب تعزية الشابة لا تصريح بذلك في كتب الرافعي والنووي وابن الرفعة وذكر أبو الفتوح في أحكام الخناثي أن المحارم يعزونها وغير المحارم يعزون العجوز دون الشابة قال الأسنوي ومقتضاه التحريم ومنها هل يجوز أن تكون المرأة نبية اختلف في ذلك وممن قيل بنبوتها مريم قال السبكي في الحلبيات ويشهد لنبوتها ذكرها في سورة مريم مع الأنبياء وهو قرينة قال وقد اختلف في نبوة نسوة غير مريم كأم موسى وآسية وحواء وسارة ولم يصح عندنا في ذلك شئ انتهى
القول في أحكام الخنثى
قال الأصحاب الأصل في الخنثى ما روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في مولود له ما للرجال وما للنساء يورث من حيث يبول أخرجه البيهقي وهو ضعيف جدا ولكن روي ذلك عن علي رضي الله عنه وغيره وقال سعيد بن منصور في سننه حدثنا هشيم عن مغيرة عن الشعبي عن علي أنهقال الحمد لله الذي جعل عدونا يسألنا عما نزل به من أمر دينه إن معاوية كتب إلي يسألني عن الخنثى فكتبت إليه أن يورثه من قبل مباله قال النووي الخنثى ضربان ضرب له فرج المرأة وذكر الرجال وضرب ليس له واحد منهما بل له ثقبة يخرج منها الخارج ولا تشبه فرج واحد منهما فالأول يتبين أمره بأمور أحدهما البول فان بال بذكر الرجال وحده فرجل أو بفرج النساء فامرأة أو بهما اعتبر بالسابق إن إنقطعا معا وبالمتأخر إن إبتدآ معا فان سبق واحد وتأخر آخر اعتبر بالسابق فان اتفقا فيهما فلا دلالة في الأصح ولا ينظر الى كثرة البول من أحدهما ولا إلى التزريق بهما أو الترشيش الثاني والثالث خروج المني والحيض في وقت الإمكان فان أمنى بالذكر فرجل أو الفرج أو حاض فامرأة بشرط أن يتكرر خروجه ليتأكد الظن به ولا يتوهم كونه اتفاقيا كذا جزم به الشيخان قال الأسنوي وسكوتهما عن ذلك في البول يقتضي عدم اشتراطه فيه والمتجه استواء الجميع في ذلك قال وأما العدد المعتبر في التكرار فالمتجه إلحاقه بما قيل في كلب الصيد بأن يصير عادة له فان أمنى بهما فالأصح أن يستدل به فان أمنى نصفه مني الرجال فرجل أو نصفه مني النساء فامرأة فان أمنى من فرج الرجال نصفه منهم ومن فرج النساء نصفه منهن أو من فرج النساء نصفه مني الرجال أو عكسه فلا دلالة وكذا إذا تعارض بول وحيض أو مني بأن بال بفرج الرجال وحاض أو أمنى بفرج النساء وكذا إذا تعارض المني والحيض في الأصح الرابع الولادة وهي تفيد القطع بأنوثته وتقدم على جميع العلامات المعارضة لها قال في شرح المهذب ولو ألقى مضغة وقال القوابل إنه مبدأ خلق آدمي حكم به وإن شككن دام الإشكال قال ولو انتفخ بطنه وظهرت أمارة حمل لم يحكم بأنه إمرأة حتى يتحقق الحمل قال الأسنوي والصواب الإكتفاء بظهور الأمارة فقد جزم به الرافعي في آخر الكلام على الخنثى وتبعه عليه في الروضة وكذا في شرح المهذب في موضع آخر وهو
الموافق الجاري على القواعد المذكورة في الرد بالعيب وتحريم الطلاق واستحقاق المطلقة النفقة وغير ذلك الخامس عدم الحيض في وقته علامة على الذكورة يستدل بها عند التساوي في البول نقله الأسنوي عن المارودي قال وهي مسألة حسنة قل من تعرض لها السادس إحباله لغيره نقله الأسنوي عن العدة لأبي عبدالله الطبري وابن أبي الفتوح وابن المسلم قال ولو عارضه حبله قدم على إحباله حتى لو وطأ كل من المشكلين صاحبه فأحبله حكمنا بأنهما إنثيان ونفينا نسب كل منهما عن الآخر السابع الميل ويستدل به عند العجز عن الأمارات السابقة فانها مقدمة عليه فان مال الى الرجل فامرأة أو إلى النساء فرجل فان قال أميل إليهما ميلا واحدا ولا أميل الى واحد منهما فمشكل الثامن ظهور الشجاعة والفروسية ومصابرة العدو كما ذكره الأسنوي تبعا لابن المسلم التاسع إلى الثاني عشر نبات اللحية ونهود الثدي ونزول اللبن وتفاوت الأضلاع في وجه والأصح أنها لا دلالة لها
وأما الضرب الثاني
ففي شرح المهذب عن البغوي أنه لا يتبين إلا بالميل قال الأسنوي ويتبين أيضا بالمني المتصف بأحد النوعين فانه لا مانع منه قال وأما الحيض فيتجه اعتباره أيضا ويحتمل خلافه لأن الدم لا يستلزم أن يكون حيضا وإن كان بصفة الحيض لجواز أن يكون دم فساد بخلاف المنيوأما أحكام الخنثى الذي لم يبن فأقسام
والضابط أنه يؤخذ في حقه بالاحتياط وطرح الشكالقسم الأول ما هو فيه كالأنثى
وذلك في نتف العانة ودخول الحمام وحلق الرأس ونضح البول والأذان والإقامة والعورة والجهر في الصلاة والتصفيق فيما إذا نابه شئ والجماعة والإقتداء والجمعة ورفع الصوت بالتكبير والتلبية والتكفين ووقوف المصلي عند عجزهاوعدم سقوط فرض الجنازة بها وكونها لا تأخذ من سهم العاملين ولا سبيل الله ولا المؤلفة وشرط وجوب الحج ولبس المخيط والقرب من البيت والرمل والاضطباع والرقي والعدو والوقوف والتقديم من مزدلفة والعقيقة والذبح والتوكيل في النكاح وغيره والقضاء والشهادة والدية وعدم تحمل العقل وفي الجهاد والسلب والرضخ والجزية والسفر بلا محرم ولا يحلل وطؤه
القسم الثاني ما هو فيه كالذكر
وذلك في لبس الحرير وحلي الذهب والوقوف أمام النساء إذا أمهن لا وسطهن لإحتمال كونه رجلا فيؤدي وقوفه وسطهن إلى مساواة الرجل للمرأة وفي الزكاة وليس وطؤه في زمن الخيار فسخا ولا إجازة ويقبل قوله في استلحاق الولد كما صححه أبو الفتوح ونقله الأسنوي احتياطا للنسب ولا يحرم رضاعه ولا دية في حلمتيه ولا حكومة في إرسال ثديه أو جفاف لبنه القسم الثالث ما وزع فيه الحكم وفي ذلك فروع الأول لحيته لا يستحب حلقها لاحتمال أن تتبين ذكورته فيتشوه ويجب في الوضوء غسل باطنها لاحتمال كونه إمرأة كما جزم به الشيخان وغيرهما وذكر صاحب التعجيز في شرحه أنه كالرجل لأن الأصل عدم الوجوب الثاني لا ينتقض وضوءه إلا بالخروج من فرجيه أو مسهما أو لمسه رجلا وامرأة ولا غسله إلا بالإنزال منهما أو بإيلاجه والايلاج فيه قال البغوي وكل موضع لا يجب فيه الغسل على الخنثى المولج لا يبطل صومه ولا حجه ولا يجب على المرأة التي أولج فيها عدة ولا مهر لها وأما الحد فلا يجب على المولج فيه ولا المولج ويجب على الخنثى الجلد والتغريب ولو أولج فيه رجل وأولج الخنثى في دبره فعلى الخنثى الجلد وكذا الرجل إن لم يكن محصنا فان كان محصنا فان حده بتقدير أنوثة الخنثى الرجم وبتقدير ذكورته الجلد والقاعدة أن التردد بين جنسين من العقوبة إذا لم يشتركا في الفعل يقتضي إسقاطهما بالكلية والانتقال الى التعزيز لأنه لا يمكن الجمع بينهما وليس أحدهما بأولى من الآخر كذا ذكره ابن المسلم في أحكام الخناثىوقال الأسنوي إنه حسن متجه وحينئذ فيجب على الرجل التعزير وهذه من غرائب المسائل شخص أتى ما يوجب الحد فان كان محصنا عزر وإن كان غير محصن جلد وعزر وإياها عنيت بقولي ملغزا ** قل للفقيه إذا لقيت ** محاجيا ومغربا ** فرع بدا في حكمه ** لأولى النهى مستغربا ** شخص أتى ما حده ** قطعا غدا مستوجبا ** إن تلفه بكر اجلد ** ت مئا تتم وغربا ** وإذا تراه محصنا ** عزرته مترقبا ** قد أصبح النحرير ** مما قلته متعجبا ** فأبنه دمت موضحا ** للمشكلات مهذبا ** الثالث إذا حاض من الفرج حكم بأنوثته وبلوغه ولا يحرم عليه محرمات الحيض لجواز كونه رجلا والخارج دم فاسد الرابع يجب عليه ستر كل بدنه لاحتمال كونه امرأة فلو اقتصر على ستر عورة الرجل وصلى فوجهان أصحهما في التحقيق الصحة للشك في وجوبه قال الأسنوي والفتوى عليه فانه الذي يقتضيه كلام الأكثرين وصحح في شرح المهذب وزوائد الروضة البطلان لأن الستر شرط وقد شككنا في حصوله الخامس لا تجب عليه الفدية في الحج إلا لستر رأسه ووجهه معا والأحوط له أن يستر رأسه دون وجهه وبدنه بغير المخيط كما قال القفال ونقله الأسنوي السادس الإرث يعامل في حقه كالمرأة وفي حق سائر الورثة كالرجل ويوقف القدر الفاضل للبيان فان مات فلا بد من الاصطلاح على المذهب
القسم الرابع ما خالف فيه النوعين
فيه فروع منها ختانه والأصح تحريمه لأن الجرح لا يجوز بالشك ومنها لا يجوز له الاستنجاء بالحجر لا في ذكره ولا في فرجه لالتباس الأصل بالزائد والحجر لا تجزئ إلا في الأصلي ومنها إذا مات لا يغسله الرجال ولا النساء الأجانب كما اقتضاه كلام الرافعي وصحح في شرح المهذب أنه يغسله كل منهما ومنها أنه في النظر والخلوة مع الرجال كامرأة ومع النساء كرجلومنها أنه لا يباح له من الفضة كما يباح للنساء ولا يباح للرجال ومنها لا يصح السلم فيه لندوره ولا يصح قبضه عن السلم في جارية أو عبد لاحتمال كونه عكس ما أسلم فيه ومنها لا يصح نكاحه
القسم الخامس ما وسط فيه الذكر والأنثى
وفي ذلك فروع منها أوصى بثوب لأولى الناس به قدمت المرأة ثم الخنثى ثم الرجل ومنها يقف خلف الإمام الذكور ثم الخناثى ثم النساء ومنها ينصرف بعد الصلاة النساء ثم الخناثى ثم الرجال ومنها يقدم في الجنائز الى الإمام وإلى اللحد الذكور ثم الخناثى ثم النساء ومنها الأولى بحمل الجنازة الرجال ثم الخناثى ثم النساء ومنها التضحية بالذكر أفضل ثم الخنثى ثم الأنثى ومنها الأولى في الذبح الرجل ثم الخنثى ثم الأنثىفرع
إذا فعل شيئا في حال إشكاله ثم بان ما يقتضي ترتب الحكم عليه هل يعتد به فيه نظائر الأول إذا إقتدى بخنثى فبان رجلا ففي الإجزاء قولان أظهرهما عدم الإجزاء الثاني إذا عقد النكاح بخنثيين فبانا ذكرين ففي صحته وجهان بناء على مسألة الإقتداء قال النووي لكن الأصح هنا الصحة لأن عدم جزم النية يؤثر في الصلاة الثالث لو تزوج رجل بخنثى ثم بان امرأة أو عكسه جزم الروياني في البحر بأنه لا يصح واقتضى كلام ابن الرفعة الاتفاق عليه وأنهم لم يجروا فيه خلاف الاقتداء ثم فرق بين النكاح والصلاة بأن احتياط الشرع في النكاح أكثر من احتياطه في الصلاة لأن أمر النكاح غير قاصر على الزوجين وأمر الصلاة قاصر على المصلي ولهذا لا يجوز الاقدام على النكاح بالاجتهاد عند اشتباه من تحل بمن لا تحل ويجوز ذلك فيما يتعلق بالصلاة من طهار وسترة واستقبال قال الأسنوي الصواب الحاقه بما إذا كان شاهدا لاستواء الجميع في الركنية وقد صرح به ابن المسلمقال ويؤيد الصحة ما في البحر أنه لو تزوج إمرأة وهما يعتقدان بينهما أخوة من الرضاع ثم تبين خلاف ذلك صح النكاح على الصحيح الرابع إذا توضأ أو اغتسل حيث لم يحكم باستعمال الماء فلو بان فهل يتبين الحكم باستعماله ينبني على طهارة الاحتياط هل ترفع الحدث الواقع في نفس الأمر أم لا والأصح لا فلا يحكم عليه بالاستعمال ذكره الأسنوي تخريجا الخامس لو صلى الظهر ثم بان رجلا وأمكنه إدراك الجمعة لزمه السعي إليها فان لم يفعل لزمه إعادة الظهر بناء على أن من صلى الظهر قبل فواتها لم يصح قاله في شرح المهذب السادس لو خطب في الجمعة أو كان أحد الأربعين ثم بان رجلا لم يجز في أصح الوجهين السابع لو صلى على الجنازة مع وجود الرجل ثم بان رجلا لم يسقط الفرض على أصح الوجهين وهما مبنيان على مسئلة الاقتداء قال الأسنوي ووجهه أن نية الفرضية واجبة وهو متردد فيها الثامن إذا قلنا بجواز بيع لبن المرأة دون الرجل فبيع لبن الخنثى ثم بان إمرأة ففيه القولان فيمن باع مال مورثه ظانا حياته فبان ميتا التاسع أسلم في عبد أو جارية فسلمه خنثى لم يصح فلو قبضه فبان بالصفة التي أسلم فيها فوجهان كالمسئلة التي قبلها ذكره ابن المسلم ويجريان أيضا فيما لو نظر أن يهدي ناقة أو جملا فأهدى خنثى وبان أو أن يعتق عبد أو أمة فأعتق خنثى وبان قاله ابن المسلم أيضا العاشر وكل خنثى في ايجاب النكاح أو قبوله فبان رجلا ففي صحة ذلك وجهان كالمسئلة قبلها قاله ابن المسلم الحادي عشر رضع منه طفل ثم بان أنثى ثبت التحريم جزما الثاني عشر وجبت الدية على العاقلة لم يحمل الخنثى فان بان ذكرا فهل يغرم حصته التي أداها غيره قال الرافعي فيه وجهان في التهذيب وصحح في الروضة من زوائده الغرم بحثا ونقله الأسنوي عن أبي الفتوح وصاحب البيان
الثالث عشر لا جزية على الخنثى فلو بان ذكرا فهل يؤخذ منه جزية السنين الماضية وجهان في الشرح قال في الروضة ينبغي أن يكون الأصح الأخذ وقال الأسنوي بل ينبغي تصحيح العكس فان الرافعي ذكر أنه إذا دخل حربي دارنا وبقي مدة ثم اطلعنا عليه لا نأخذ منه شيئا لما مضى على الصحيح لأن عماد الجزية القبول وهذا حربي لم يلتزم شيئا وهذا موجود هنا بل أولى لأنا لم نتحقق الأهلية في الخنثى وقال ابن المسلم إن كان الخنثى حربيا ودخل بأمان ثم تبين أنه رجل فلا جزية لعدم العقد وإن كان ولد ذمى فان قلنا ان من بلغ من ذكورهم يحتاج الى عقد جديد فلا شئ عليه وإلا وجبت قال الأسنوي والذي قاله مدرك حسن الرابع عشر لو ولي القضاء ثم بان رجلا لم ينفذ حكمه الواقع في حال الإشكال على المذهب وقيل فيه وجهان وهل يحتاج الى تولية جديدة قال الأسنوي القياس نعم فقد جزم الرافعي بأن الإمام لو ولي القضاء من لا يعرف حاله لم تصح ولايته وإن بان أهلا الخامس عشر لو لم يحكم بانتقاض طهره بلمس أو إيلاج أو غيرهما فصلى ثم بان خلافه ففي وجوب القضاء طريقان أحدهما أنه على القولين فيمن تيقن الخطأ في القبلة والأصح القطع بالإعادة كما لو بان محدثا والفرق أن أمر القبلة مبني على التخفيف بدليل تركها في نافلة السفر بخلاف الطهارة
فرع
لا يجوز اقتداء الخنثى بمثله لإحتمال كون الإمام امرأة والمأموم رجلا ونظيره لو اجتمع أربعون من الخناثى في قرية لم تصح إقامتهم الجمعة ذكره أبو الفتوح ولو كان له أربعون من الغنم خناثى قال الأسنوي فالمتجه أنه لا يجزيه واحد منها لجواز أن يكون المخرج ذكرا والباقي إناث بل يشتري أنثى بقيمة واحد منهما قال ويحتمل أن يجزى لأنه على صفة المال فلا يكلف المالك سواهفرع
الخنثى إما ذكر أو أنثى هذا هو الصحيح المعروف وقيل إنه نوع ثالث
وتفرع على ذلك فروع
منها إذا قال إن أعطيتني غلاما أو جارية فأنت طالق طلقت بالخنثى على الصحيح ولا تطلق على الآخر ومنها لو حلف لا يكلم ذكرا ولا أنثى فكلم الخنثى حنث على الصحيح ولا يحنث على الآخر ومنها وقف على الأولاد دخل الخنثى أو البنين أو البنات لم يدخل ولكن يوقف نصيبه كالإرث أو البنين والبنات دخل على الصحيح لأنه إما ذكر أو أنثى وقيل لا لأنه لا يعد واحد منهما فرع في أحكام الخنثى الواضح منها أن فرجه الزائد له حكم المنتفخ تحت المعدة مع انتفاخ الأصلي ومنها أنه لا يجوز له قطع ذكره وأنثييه لأن الجرح لا يجوز بالشك ذكره أبو الفتوح قال ولا يتجه تخريجه على قطع السلعة نقله الأسنوي ومنها لو اشترى رقيقا فوجده خنثى واضحا ثبت الخيار في الأصح كما لو بان مشكلا وكذا لو بان أحد الزوجين في قول ولو اشتراه عالما به فوجده يبول بفرجيه معا ثبت الخيار أيضا لأن ذلك لإسترخاء المثانة فائدة حيث أطلق الخنثى في الفقه فالمراد به المشكل القول في أحكام المتحيرة إنما يطلق هذا الإسم على ناسية عادتها في الحيض قدرا ووقتا وتسمى أيضا محيرة بكسر الياء لأنها حيرت الفقيه في أمرها وقد ألف الدارمي في أحكامها مجلدة واختصرها النووي فالأصح وبه قطع الجمهور أنها تؤمر بالاحتياطوبيان ذلك بفروع
الأول يحرم على زوجها وسيدها وطؤها بكل حال لاحتمال الحيض في وجه لا يحرم لأنه يستحق الاستمتاع فلا نحرمه بالشكفعلى الأول لو وطئ عصي ولا يلزمه التصدق بدينار على القديم لأنا لم نتيقن الوطء في الحيض وما بين سرتها وركبتها كحائض وعلى الزوج نفقتها ويقسم لها ولا خيار له في فسخ النكاح لأن جماعها ليس مأيوسا عنه بخلاف الرتقاء قال الأذرعي ولو اعتقد الزوج إباحة الوطء فالظاهر أنه ليس له المنع الثاني يحرم عليها المسجد كالحائض قال في شرح المهذب إلا المسجد الحرام فإنه يجوز دخوله للطواف المفروض وكذا المسنون في الأصح ولا يجوز لغيرها الثالث يحرم عليها قراءة القرآن خارج الصلاة واختار الدارمي جوازها وأما في الصلاة فقراءة الفاتحة وكذا غيرها في الأصح الرابع يجوز تطوعها بالصلاة والصوم والطواف في الأصح لأن النوافل من مهمات الدين وفي منعها تضيق عليها ولأنها مبنية على التخفيف وقيل يحرم لأن حكمها كالحائض وإنما جوز لها الفرض للضرورة ولا ضرورة هنا وقيل يجوز الراتبة وطواف القدوم دون النفل المطلق الخامس يجب عليها الغسل لكل فرض إذا لم تعلم وقت انقطاعه فان علمته كعند الغروب وجب كل يوم عقب الغروب ويشترط وقوع الغسل في وقت الصلاة لأنها طهارة ضرورة ولا يشترط المبادرة بالصلاة بعده على الصحيح فيهما السادس يجب عليها أداء الصلاة والصوم لوقتهما مع قضاء الصوم أيضا اتفاقا ومع قضاء الصلاة على ما صححه الشيخان وصحح الأسنوي خلافه ونقله عن نص الشافعي وتقضي الطواف أيضا إذا فعلته السابع لا يجوز أن يقتدى بها طاهرة ولا متحيرة لاحتمال مصادفة الحيض فأشبه صلاة الرجل خلف الخنثى الثامن ليس لها الجمع بين الصلاتين تقديما لأن شرطه تقدم الأولى وهي صحيحة يقينا أو بناء على أصل ولم يوجد هنا التاسع لو أفطرت لحمل أو رضاع خوفا على الولد فلا فدية على الصحيح لاحتمال الحيض والأصل براءتها العاشر يجب عليها طواف الوداع ولو تركته فلا دم عليها لما ذكر قاله الروياني الحادي عشر عدتها بثلاثة أشهر في الحال ولا تؤمر بانتظار سن اليأس على الصحيح هذا إذا لم تحفظ دورها فان حفظته أعتدت بثلاثة أدوار سواء كانت أكثر من ثلاثة أشهر أم أقل
الثاني عشر استبراؤها قال البلقيني لم يتعرضوا له في الاستبراء وتعرضوا له في العدة وهو من المشكلات فانها وان كان لها حيض وطهر إلا أن ذلك غير معلوم فنظر الى الزمان والاحتياط المعروف في عدتها فإذا مضت خمسة وأربعون يوما فقد حصل الإستبراء وبيان ذلك أن يقدر إبتداء حيضها في أول الشهر مثلا فلا يحسب ذلك الحيض فاذا مضت خمسة عشر يوما طهرا ثم بعد ذلك خمسة عشر يوما حيضة كاملة فقد حصل الإستبراء الثالث عشر هل يجوز نكاحها لخائف العنت إذا كانت أمة لم أر من تعرض له والظاهر المنع لأن وطأها ممتنع شرعا فلا تندفع الحاجة بها وهل يجوز نكاح الأمة لمن عنده متحيرة الظاهر المنع أيضا لأنها ليست مأيوسا من جماعها بخلاف الرتقاء ويحتمل الجواز
القول في أحكام الأعمى
قال أبو حامد في الرونق يفارق الأعمى البصير في سبع مسائل لاجهاد عليه ولا يجتهد في القبلة ولا تجوز إمامته على رأي ضعيف ولا يصح بيعه ولا شراؤه ولا دية في عينيه ولا تقبل شهادته إلا في أربع مسائل الترجمة والنسب وما تحمل وهو بصير وإذا أقر في أذنه رجل فتعلق به حتى شهد عليه عند الحاكم انتهى قلت وبقي أشياء أخر لا يلي الإمامة العظمى ولا القضاء ولا تجب عليه الجمعة ولا الحج إلا إن وجد قائدا قال القاضي الحسين في الجمعة إن أحسن المشي بالعصى من غير قائد لزمته قال في الخادم وينبغي جريانه في الحج بل أولى لعدم تكرره ولا تصح إجارته ولا رهنه ولا هبته ولا مساقاته ولا قبضه ما ورث أو وهب له أو اشتراه سلما أو قبل العمى أو دينه نعم يصح أن يشتري نفسه أو يؤجرها لأنه لا يجهلها أو أن يشتري ما رآه قبل العمى ولم يتغير ويحرم صيده برمي أو كلب في الأصح ولا يجزئ عتقه في الكفارة ويكره ذبحه وكونه مؤذنا راتبا وحده والبصير ولى منه بغسل الميت ولا يكون محرما في المسافرة بقريبته ذكره العبادي في الزيادات وهل له حضانة قال ابن الرفعة لم أر لأصحابنا فيه شيئا غير أن في كلام الإمامما يؤخذ منه آن العمى مانع فإنه قال إن حفظ الأم للولد الذي لا يستقل ليس مما يقبل ( القرائن ) فإن المولود في حركاته وسكناته لو لم يكن ملحوظا من مراقب لا يسهو ولا يغفل لأوشك أن يهلك ومقتضى هذا أن العمى يمنع فان الملاحظة معه كما وصفت لا تتأتى قال الأذرعي في القوت ورأيت في فتاوي ابن البرزي أنه سئل عن حضانة العمياء فقال لم أر فيها مسطورا والذي أراه أنه يختلف باختلاف أحوالها فإن كانت ناهضة بحفظ الصغير وتدبيره والنهوض بمصلحته وأن تقيه من الأسواء والمضار فلها الحضانة وإلا فلا وأفتى قاضي قضاة حماة بأن العمى ليس بقادح في الحضانة بشرط أن يكون الحاضن قائما بمصالح المحضون إما بنفسه أو بمن يستعين به وفي فتاوي عبدالملك بن إبراهيم المقدسي الهمداني شارح المفتاح من أقران ابن الصباغ أنه لا حضانة لها قال الأذرعي ولعله أشبه وقد قلت قديما ** يخالف الأعمى غيره في مسائل ** فدونكها نظما وأفرغ لها فكرا ** إمامته العظمى قضاء شهادة ** وعقد وقبض منه أبطلهما طرا ** سوى السلم التوكيل لا إنكاح عتقه ** ولا يتحرى قط في القبلة الغرا ** وكره أذان وحده وذكاته ** وأولى اصطياد منه أو رميه حظرا ** ولا جمعة أو حج إذ ليس قائد ** ولا عتقه يجزي لفرض خلا النذرا ** وليس له في نجله من حضانة ** وفي غسل ميت غيره منه قل أحرى ** ولا دية في عينه بل حكومة ** ولا يكف في الأسفار مع مرأة خدرا ** فهذا الذي استثنى وقد زاد بعضهم ** أمورا على رأي ضعيف فطب ذكرا ** وبقي مسائل فيها خلاف والراجح أنه كالبصير منها الإمامة في الصلاة فيها أوجه قيل البصير أولى لأنه أشد تحفظا من النجاسات وقيل الأعمى لأنه أخشع والأصح أنهما سواء ومنها هل يجوز اعتماد صوت المؤذن العارف في الغيم والصحو فيه أوجه أصحها الجواز للبصير والأعمى وثالثها يجوز للأعمى دون البصير ورابعها يجوز للأعمى مطلقا وللبصير في الصحو دون الغيم لأن فرض البصير الإجتهاد والمؤذن في الغيم مجتهد فلا يقلده من فرضه الإجتهاد وصححه الرافعي ومنها في صحة السلم منه وجهان الأصح نعم والثاني إن عمي قبل تمييزه لم يصح
ومنها في إجزاء عتقه في النذر القولان المشهوران أصحهما الإجزاء ومنها هل يجوز أن يكون وصيا وجهان الأصح نعم لأنه من أهل التصرف في الجملة وما لا يصح منه يوكل فيه ومنها في كونه وليا في النكاح وجهان الأصح يلي ومنها في قتله إذا كان حربيا قولان الأظهر يقتل والثاني يرق بنفس الأسر كالنساء ومنها في ضرب الجزية عليه طريقان المذهب الضرب ومنها في كونه مترجما للقاضي وجهان أصحهما الجواز لأن الحاكم يرى المترجم عنه والأعمى يحكي كلاما يسمعه ومنها في قبول رواتيه ما تحمله بعد العمى وجهان أصحهما القبول إذا كان ذلك بخط موثوق به واختار الإمام والغزالي المنع ومنها في قبول شهادته بالاستفاضة وجهان الأصح نعم إذا كان المشهود به وله وعليه معروفين لا يحتاج واحد منهم إلى إشارة ومنها هل يكافئ البصير وجهان الأصح نعم ومنها هل يصح أن يكاتب عبده وجهان الأصح نعم تغليبا لجانب العتق أما قبول الكتابة من سيده فيصح جزما
وأما مسائل اجتهاده
فلا خلاف أنه يجتهد في أوقات الصلاة لأن مدركها الأوراد والأذكار وشبهها وهو يشارك البصير في ذلك ولا خلاف أنه لا يجتهد في القبلة لأن غالب أدلتها بصرية وفي الأواني قولان أظهرهما يجتهد لأنه يمكنه الوقوف على الأمارات باللمس والشم واعوجاج الإناء واضطراب الغطاء وغير ذلك والثاني لا لأن للنظر أثرا في حصول الظن بالمجتهد فيه لكنه في الوقت مخير بين الاجتهاد والتقليد وفي الأواني لا يجوز له التقليد والفرق أن الاجتهاد في الأوقات إنما يتأتى بأعمال مستغرقة للوقت وفي ذلك مشقة ظاهرة بخلافه في الأواني فإن تخير في الأواني قلد ولا يقلد البصير إن تخير بل يتيمم وأما اجتهاده في الثياب ففيه القولان في الأواني كما ذكره في الكفايةأما أوقات الصوم والفطر فقال العلائي لم أظفر بها منقولة فيحتمل أن يكون كأوقات الصلاة ويمكن الفرق بينهما بما في مراعاة طلوع الفجر وغروب الشمس دائما من المشقة فالظاهر جواز التقليد فإن لم يجد من يقلده خمن وأخذ بالأحوط قلت هذا كلام غير منتهض لأنه يشعر بأنه ليس له التقليد في أوقات الصلاة والمنقول خلافه فإذن أوقات الصلاة والصوم سواء في جواز الاجتهاد والتقليد وهو مقتضى عموم كلام الأصحاب والله أعلم
ومن مسائل الأعمى
أنه يجوز له وطء زوجته اعتمادا على صوتها وفي جفنه الدية ويقطع به جفن البصيرالقول في أحكام الكافر
اختلف هل الكفار مكلفون بفروع الشريعة على مذاهب أصحها نعم قال في البرهان وهو ظاهر مذهب الشافعي فعلى هذا يكون مكلفا بفعل الواجب وترك الحرام وبالاعتقاد في المندوب والمكروه والمباح والثاني لا واختاره أبو إسحاق الإسفرائيني والثالث مكلفون بالنواهي دون الأوامر والرابع مكلفون بما عدا الجهاد أما الجهاد فلا لاتمناع قتالهم أنفسهم والخامس المرتد مكلف دون الكافر الأصلي وقال النووي في شرح المهذب اتفق أصحابنا على أن الكافر الأصلي لا يجب عليه الصلاة والزكاة والصوم والحج وغيرها من فروع الإسلام والصحيح في كتب الأصول أنه مخاطب بالفروع كما هو مخاطب بأصل الإيمان وليس مخالفا لما تقدم لأن المراد هنا غير المراد هناك فالمراد هناك أنهم لا يطالبون بها في الدنيا مع كفرهم وإذا أسلم أحدهم لم يلزمه قضاء الماضي ولم يتعرضوا لعقوبة الآخرة ومرادهم في كتب الأصول أنهم يعذبون عليها في الآخرة زيادة على عذاب الكفر فيعذبون عليها وعلى الكفر جميعا لا على الكفر وحده ولم يتعرضوا للمطالبة في الدنيا فذكروا في الأصول حكم طرف وفي الفروع حكم الطرف الآخرقال وإذا فعل الكافر الأصلي قربة يشترط النية لصحتها كالصدقة والضيافة والإعتاق والقرض وصلة الرحم وأشباه ذلك فإن مات على كفره فلا ثواب له عليها في الآخرة لكن يطعم بها في الدنيا ويوسع في رزقه وعيشه فإذا أسلم فالصواب المختار أنه يثاب عليها في الآخرة للحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أسلم العبد فحسن إسلامه كتب الله له كل حسنة كان أزلفها أي قدمها وفي الصحيحين عن حكيم بن حزام قال قلت يا رسول الله أرأيت أمورا كنت أتحنث بها في الجاهلية من صداقة أو عتاقة أو صلة رحم أفيها أجر فقال أسلمت على ما أسلفت من خير فهذان حديثان صحيحان لا يمنعهما عقل ولم يرد الشرع بخلافهما فوجب العمل بهما وقد نقل الإجماع على ما ذكرته من إثبات ثوابه إذا أسلم وأما قول أصحابنا وغيرهم لا تصح من كافر عبادة ولو أسلم لم يعتد بها فمرادهم لا يعتد بها في أحكام الدنيا وليس فيه تعرض لثواب الآخرة فإن أطلق مطلق أنه لا يثاب عليها في الآخرة وصرح بذلك فهو مجازف غالط مخالف للسنة الصحيحة التي لا معارض لها وقد قال الشافعي والأصحاب وغيرهم من العلماء إذا لزم الكافر كفارة ظهار أو قتل أو غيرهما فكفر في حال كفره أجزأه وإذا أسلم لا تلزمه إعادتها اه كلام شرح المهذب قاعدة تجري على الذمي أحكام المسلمين إلا ما يستثنى من ذلك لا يؤمر بالعبادات ولا تصح منه ولا يمنع من المكث في المسجد جنبا بخلافه حائضا وليس له دخوله بلا إذن ويعزر إن فعله ولا يؤذن له لنوم أو أكل بل لسماع قرآن أو علم ولا يصح نذره وللإمام استئجاره على الجهاد ولا يحد لشرب الخمر ولا تراق عليه بل ترد إذا غصبت منه إلا أن يظهر شربها أو بيعها ولا يمنع من لبس الحرير والذهب ولا من تعظيم المسلم بحني الظهر عند الرافعي وينكح الأمة بلا شرط
ولا تلزمه أجابة من دعاه لوليمة ولو تناكحوا فاسدا أو تبايعوا فاسدا أو تقابضوا وأسلموا لم يتعرض لهم والأمة الكتابية لا تحل لمسلم ولو كان عبدا في المشهور ومما يجري عليه في أحكام المسلمين وجوب كفارة القتل والظهار واليمين والصيد في الحرم وحد الزنا والسرقة
ضابط
الإسلام يجب ما قبله في حقوق الله دون ما تعلق به حق آدمي كالقصاص وضمان المال ويستثنى من الأول صور منها أجنب ثم أسلم لا يسقط الغسل خلافا للإصطخري ومنها لو جاوز الميقات مريدا للنسك ثم أسلم وأحرم دونه وجب الدم خلافا للمزني ومنها أسلم وعليه كفارة يمين أو ظهار أو قتل لم يسقط في الأصح ولو زنا ثم أسلم فعن نص الشافعي أن حد الزنا يسقط عنه بالإسلامفرع
اختص اليهود والنصارى بالإقرار بالجزية وحل المناكحة والذبائح ودياتهم ثلث دية المسلمين ويشاركهم المجوس في الأول فقط ودياتهم ثلثا عشر دية المسلمين ومن له أمان من وثني ونحوه له الأخير فقطفرع
لا توارث بين المسلم والكافر وكذا العقل وولاية النكاح ويرث اليهودي النصراني وعكسه إلا الحربي والذمي وعكسه وينبني على ذلك العقل وولاية النكاحالقول في أحكام الجان
قل من تعرض لها من أصحابنا وقد ألف فيها من الحنفية القاضي بدر الدين الشبلي كتابه آكام المرجان في أحكام الجانقال السبكي في فتاويه وقال ابن عبد البر الجن عند الجماعة مكلفون مخاطبون وقال القاضي عبدالجبار لا نعلم خلافا بين أهل النظر في ذلك والقرآن ناطق بذلك في آيات كثيرة وهذه فروع الأول هل يجوز للإنسي نكاح الجنية قال العماد بن يونس في شرح الوجيز نعم وفي المسائل التي سأل الشيخ جمال الدين الأسنوي عنها قاضي القضاة شرف الدين البارزي إذا أراد أن يتزوج بامرأة من الجن عند فرض إمكانه فهل يجوز ذلك أو يمتنع فإن الله تعالى قال ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا فامتن الباري تعالى بأن جعل ذلك من جنس ما يؤلف فإن جوزنا ذلك وهو المذكور في شرح الوجيز لابن يونس فهل يجبرها على ملازمة المسكن أو لا وهل له منعها من التشكل في غير صور الآدميين عند القدرة عليه لأنه قد تحصل النفرة أو لا وهل يعتمد عليها فيما يتعلق بشروط صحة النكاح من أمر وليها وخلوها عن الموانع أو لا وهل يجوز قبول ذلك من قاضيهم أو لا وهل إذا رآها في صورة غير التي ألفها وادعت أنها هي فهل يعتمد عليها ويجوز له وطؤها أو لا وهل يكلف الإتيان بما يألفونه من قوتهم كالعظم وغيره إذا أمكن الاقتيات بغيره أو لا فأجاب لا يجوز له أن يتزوج بامرأة من الجن لمفهوم الآيتين الكريمتين قوله تعالى في سورة النحل والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وقوله في سورة الروم ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا قال المفسرون في معنى الآيتين جعل لكم من أنفسكم أي من جنسكم ونوعكم وعلى خلقكم كما قال تعالى لقد جاءكم رسول من أنفسكم أي من الآدميين ولأن اللاتي يحل نكاحهن بنات العمومة وبنات الخؤولة فدخل في ذلك من هي في نهاية العبد كما هو المفهوم من آية الأحزاب وبنات عمك وبنات عماتك ونبات خالك وبنات خالاتك والمحرمات غيرهن وهن الأصول والفروع وفروع أول الأصول وأول الفروع من باقي الأصول كما في آية التحريم في النساء فهذا كله في النسب وليس بين الآدميين والجن نسب هذا جواب البارزي فإن قلت ما عندك من ذلك قلت الذي أعتقده التحريم لوجوه منها ما تقدم من الآيتين
ومنها ما روى حرب الكرماني في مسائله عن أحمد وإسحاق قال
حدثنا محمد بن يحيى القطيعي حدثنا بشر بن عمر حدثنا ابن لهيعة عن يونس بن يزيد عن الزهري قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح الجن والحديث وإن كان مرسلا فقد اعتضد بأقوال العلماء فروي المنع منه عن الحسن البصري وقتادة والحكم بن عيينة وإسحاق بن راهويه وعقبة الأصم وقال الجمال السجستاني من الحنفية في كتاب منية المفتي عن الفتاوى السراجية لا يجوز المناكحة بين الإنس والجن وإنسان الماء لاختلاف الجنس ومنها أن النكاح شرع للألفة والسكون والاستئناس والمودة وذلك مفقود في الجن بل الموجود فيهم ضد ذلك وهو العداوة التي لا تزول ومنها أنه لم يرد الإذن من الشرع في ذلك فإن الله تعالى قال فانكحوا ما طاب لكم من النساء والنساء اسم لإناث بني آدم خاصة فبقي ما عداهم على التحريم لأن الأصل في الأبضاع الحرمة حتى يرد دليل على الحل ومنها أنه قد منع من نكاح الحر للأمة لما يحصل للولد من الضرر بالإرقاق ولا شك أن الضرر بكونه من جنية وفيه شائبة من الجن خلقا وخلقا وله بهم اتصال ومخالطة أشد من ضرر الإرقاق الذي هو مرجو الزوال بكثير فإذا منع من نكاح الأمة مع الاتحاد في الجنس للاختلاف في النوع فلأن يمنع من نكاح ما ليس من الجنس من باب أولى وهذا تخريج قوي لم أر من تنبه له ويقويه أيضا أنه نهى عن إنزاء الحمر على الخيل وعلة ذلك اختلاف الجنس وكون المتولد منها يخرج عن جنس الخيل فيلزم منه قلتها وفي حديث النهي إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون فالمنع من ذلك فيما نحن فيه أولى وإذا تقرر المنع فالمنع من نكاح الجني الإنسية أولى وأحرى لكن روى أبو عثمان سعيد بن العباس الرازي في كتاب الإلهام والوسوسة فقال حدثنا مقاتل حدثني سعيد بن داود الزبيدي قال كتب قوم من أهل اليمن إلى مالك يسألونه عن نكاح الجن وقالوا إن ههنا رجلا من الجن يخطب إلينا جارية يزعم أنه يريد الحلال فقال ما أرى بذلك بأسا في الدين ولكن أكره إذا وجد امرأة حامل قيل لها من زوجك قالت من الجن فيكثر الفساد في الإسلام بذلك انتهى
الفرع الثاني لو وطئ الجني الإنسية فهل يجب عليها الغسل لم يذكر ذلك أصحابنا وعن بعض الحنفية والحنابلة أنه لا غسل عليها لعدم تحقق الإيلاج والإنزال فهو كالمنام بغير إنزال قلت وهو الجاري على قواعدنا الثالث هل تنعقد الجماعة بالجن قال صاحب آكام المرجان نعم ونقله عن ابن الصيرفي الحنبلي واستدل بحديث أحمد عن ابن مسعد في قصة الجن وفيه فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي أدركه شخصان منهم فقالا يا رسول الله إنا نحب أن تؤمنا في صلاتنا قال فصففنا خلفه ثم صلى بنا ثم انصرف وروى سفيان الثوري في تفسيره عن إسماعيل البجلي عن سعيد بن جبير قال قالت الجن للنبي صلى الله عليه وسلم كيف لنا بمسجدك أن نشهد الصلاة معك ونحن ناءون عنك فنزلت وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا قلت ونظير ذلك ما في الحلبيات للسبكي أن الجماعة تحصل بالملائكة كما تحصل بالآدميين قال وبعد أن قلت ذلك بحثا رأيته منقولا ففي فتاوى الحناطي من أصحابنا فيمن صلى في فضاء من الأرض بأذان وإقامة وكان منفردا ثم حلف أنه صلى بالجماعة هل يحنث أم لا قال يكون بارا في يمينه ولا كفارة عليه لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أذن وأقام في فضاء من الأرض وصلى وحده صلت الملائكة خلفه صفوفا فإذا حلف على هذا المعنى لا يحنث اه قال السبكي وينبني على ذلك أن من ترك الجماعة لعذر وقلنا بأنها فرض عين هل نقول يجب القضاء كمن صلى فاقد الطهورين فإن كان كذلك فصلاة الملائكة إن قلنا بأنها كصلاة الآدميين وأنها تصير بها جماعة فقد يقال إنها تكفي لسقوط القضاء قلت وعلى هذا يندب نية الجماعة للمصلي أو الإمامة الرابع قال في آكام المرجان نقل ابن الصيرفي عن شيخه أبي البقاء العكبري الحنبلي أنه سئل عن الجني هل تصح الصلاة خلفه فقال نعم لأنهم مكلفون والنبي صلى الله عليه وسلم مرسل إليهم
الخامس إذا مر الجني بين يدي المصلي فهل يقطع صلاته فيه روايتان عن أحمد قلت أما مذهبنا فالصلاة لا يقطعها مرور شيء لكن يقاتل كما يقاتل الإنس السادس قال ابن تيمية لا يجوز قتل الجني بغير حق كما لا يجوز قتل الإنسي بغير حق والظلم محرم في كل حال فلا يحل لأحد أن يظلم أحدا ولو كان كافرا والجن يتصورون في صور شتى فإذا كانت حيات البيوت قد تكون جنيا فيؤذن ثلاثا كما في الحديث فإن ذهبت فبها وإلا قتلت فإنها إن كانت حية أصلية قتلت وإن كانت جنية فقد أصرت على العدوان بظهورها للإنس في صورة حية تفزعهم بذلك والعادي هو الصائل الذي يجوز دفعه بما يدفع ضرره ولو كان قتلا اه وقد روى ابن أبي الدنيا أن عائشة رأت في بيتها حية فأمرت بقتلها فقتلت فأتيت في تلك الليلة فقيل لها إنها من النفر الذين استمعوا الوحي من النبي صلى الله عليه وسلم فأرسلت إلى اليمن فابتيع لها أربعين رأسا فأعتقتهم وروى ابن أبي شيبة في مصنفه نحوه وفيه فلما أصبحت أمرت باثني عشر ألف درهم ففرقت على المساكين وكيفية الإيذان كما في الحديث نسألك بعهد نوح وسليمان بن داود أن لا تؤذينا السابع في رواية الجن للحديث أورد فيه صاحب آكام المرجان آثارا مما رووه فكأنه رأى بذلك قبول روايتهم والذي أقول إن الكلام في مقامين روايتهم عن الإنس ورواية الإنس عنهم فأما الأول فلا شك في جواز روايتهم عن الإنس ما سمعوه منهم أو قرئ عليهم وهم يسمعون سواء علم الإنسي بحضورهم أم لا وكذا إذا أجاز الشيخ من حضر أوسمع دخلوا في إجازته وإن لم يعلم به كما في نظير ذلك من الإنس وأما رواية الإنس عنهم فالظاهر منعها لعدم حصول الثقة بعدالتهم وقد ورد في الحديث يوشك أن تخرج شياطين كان أوثقها سليمان بن داود فيقولون حدثنا وأخبرنا وأما الآثار التي أوردها صاحب آكام المرجان وهي ما أخرجه الحافظ أبو نعيم
حدثنا الحسن بن إسحاق بن إبراهيم حدثنا أحمد بن عمرو بن جابر الرملي حدثنا أحمد بن محمد بن طريف حدثنا محمد بن كثير عن الأعمش حدثني وهب بن جابر عن
أبي بن كعب قال خرج قوم يريدون مكة فأضلوا الطريق فلما عاينوا الموت أو كادوا أن يموتوا لبسوا أكفانهم وتضجعوا للموت فخرج عليهم جني يتخلل الشجر وقال أنا بقية النفر الذين استمعوا على محمد صلى الله عليه وسلم سمعته يقول المؤمن أخو المؤمن ودليله لا يخذله هذا الماء وهذا الطريق وقال ابن أبي الدنيا
حدثني أبي حدثنا عبدالعزيز القرشي أخبرنا إسرائيل عن السدي عن مولى عبدالرحمن بن بشر قال خرج قوم حجاجا في إمرة عثمان فأصابهم عطش فانتهوا إلى ماء ملح فقال بعضهم لو تقدمتم فإنا نخاف أن يهلكنا هذا الماء فساروا حتى أمسوا فلم يصيبوا ماء فأدلجوا إلى شجرة سمر فخرج عليهم رجل أسود شديد السواد جسيم فقال يا معشر الركب إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحب للمسلمين ما يحب لنفسه ويكره للمسلمين ما يكره لنفسه فسيروا حتى تنتهوا إلى أكمة فخذوا عن يسارها فإن الماء ثم وقال أيضا
حدثني محمد بن الحسين حدثنا يوسف بن الحكم الرقي حدثنا فياض بن محمد أن عمر بن عبدالعزيز بينا هو يسير على بغلة إذا هو بجان ميت على قارعة الطريق فنزل فأمر به فعدل عن الطريق ثم حفر له فدفنه وواراه ثم مضى فإذا هو بصوت عال يسمعونه ولا يرون أحدا ليهنك البشارة من الله يا أمير المؤمنين أنا وصاحبي هذا الذي دفنته من الجن الذين قال الله فيهم وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما أسلمنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبي هذا ستموت في أرض غربة يدفنك فيه يومئذ خير أهل الأرض فالجواب عنها أن رواتها ممن سمع من النبي صلى الله عليه وسلم فالظاهر أن لهم حكم الصحابة في عدم البحث عن عدالتهم وقد ذكر حفاظ الحديث ممن صنف في الصحابة مؤمني الجن فيهم قال الحافظ أبو الفضل العراقي وقد استشكل ابن الأثير ذكر مؤمني الجن في الصحابة دون من رآه من الملائكة وهم أولى بالذكر قال وليس كما زعم لأن الجن من جملة المكلفين الذين شملتهم الرسالة والبعثة فكن ذكر من عرف اسمه ممن رآه حسنا بخلاف الملائكة انتهى الثامن لا يجوز الاستنجاء بزاد الجن وهو العظم كما ثبت في الحديث
فوائد
الأولى الجمهور على أنه لم يكن من الجن نبي وأما قوله تعالى يا معشر الجنوالإنس ألم يأتكم رسل منكم فتأولوه على أنهم رسل عن الرسل سمعوا كلامهم فأنذروا قومهم لا عن الله وذهب الضحاك وابن حزم إلى أنه كان منهم أنبياء واستدل بحديث وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة قال وليس الجن من قومه ولا شك أنهم قد أنذروا فصح أنهم جاءهم أنبياء منهم الثانية لا خلاف في أن كفارة الجن في النار واختلف هل يدخل مؤمنهم الجنة ويثابون على الطاعة على أقوال أحسنها نعم وينسب للجمهور ومن أدلته قوله تعالى ولمن خاف مقام ربه جنتان فبأي آلاء ربكما تكذبان إلى آخر السورة والخطاب للجن والإنس فامتن عليهم بجزاء الجنة ووصفها لهم وشوقهم إليها فدل على أنهم ينالون ما امتن به عليهم إذا آمنوا وقيل لا يدخلونها وثوابهم النجاة من النار وقيل يكونون في الأعراف الثالثة ذهب الحرث المحاسبي إلى أن الجن الذين يدخلون الجنة يكونون يوم القيامة نراهم ولا يرونا عكس ما كانوا عليه في الدنيا الرابعة صرح ابن عبدالسلام بأن الملائكة في الجنة لا يرون الله تعالى قال لأن الله تعالى لا تدركه الأبصار وقد استثني منه مؤمنو البشر فبقي على عمومه في الملائكة قال في آكام المرجان ومقتضى هذا أن الجن لا يرونه لأن الآية باقية على العموم فيهم أيضا
القول في أحكام المحارم
قال الأصحاب المحرم من حرم نكاحها على التأبيد بنسب أو بسبب مباح لحرمتها فخرج بالأول ولد العمومة والخؤولة وبقولنا على التأبيد أخت الزوجة وعمتها وخالتها وبقولنا بسبب مباح أم الموطوءة بشبهة وبنتها فإنها محرمة النكاح وليست محرما إذ وطء الشبهة لا يوصف بالإباحة وبقولنا لحرمتها الملاعنة فإنها حرمت تغليظا عليه والأحكام التي للمحرم مطلقا سواء كان من نسب أو رضاع أو مصاهرةتحريم النكاح وجواز النظر والخلوة والمسافرة وعدم نقض الوضوء أما تحريم النكاح فلا يشاركه فيه على التأبيد إلا الملائكة وسائر المحرمات فليست على التأبيد فأخت الزوجة وعمتها وخالتها تحل بمفارقتها والأمة تحل إذا عتقت أو أعسر والمجوسية تحل إذا أسلمت والمطلقة ثلاثا تحل إذا نكحت زوجا غيره وأما جواز النظر فهل يشاركه فيه العبد وجهان صحح الرافعي منهما الجواز ووافقه النووي في المنهاج وقال في الروضة من زوائده فيه نظر وصحح في مجموع له على المهذب التحريم وبالغ فيه وعبارته هذه المسئلة مما تعم بها البلوى ويكثر الاحتياج إليها والخلاف فيها مشهور والصحيح عند أكثر أصحابنا أنه محرم لها كما نص عليه الشافعي ونقل عن جماعة تصحيحه وقال الشيخ أبو حامد الصحيح عند أصحابنا أن لا يكون محرما لها لأن الحرمة إنما تثبت بين الشخصين لم تخلق بينهما شهوة كالأخ والأخت وغيرهما وأما العبد وسيدته فشخصان خلقت بينهما الشهوة قال وأما الآية وهي قوله تعالى أو ما ملكت أيمانهن فقال أهل التفسير فيها المراد بها الإماء دون العبيد وأما الحبر وهو ما رواه أبو داود والبيهقي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى فاطمة بعبد وقد وهبه لها وعلى فاطمة ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما تلقى قال إنه ليس عليك بأس إنما هو أبوك وغلامك فيحتمل أن يكون الغلام صغيرا قال وهذا الذي صححه الشيخ أبو حامد هو الصواب بل لا ينبغي أن يجري فيه خلاف بل يقطع بتحريمه وكيف يفتح هذا الباب للنسوة الفاسقات مع حسان المماليك الذين الغالب من أحوالهم الفسق بل العدالة فيهم في غاية القلة وكيف يستجيز الإنسان الإفتاء بأن هذا المملوك يبيت ويقيل مع سيدته مكررا ذلك مع ما هما عليه من التقصير في الدين وكل منصف يقطع بأن أصول الشريعة تستقبح هذا تحرمه أشد تحريم
ثم القول بأنه محرم ليس له دليل ظاهر فإن الصواب في الآية أنها في الإماء والخبر محمول على أنه كان صغيرا انتهى كلام النووي وقد اختار التحريم أيضا السبكي في تكملة شرح المهذب وفي الحلبيات وقال إن تأويل الحديث على أنه كان صغيرا جدا لا سيما والغلام في اللغة إنما يطلق على الصبي وهي واقعة حال ولم يعلم بلوغه فلا حجة فيها للجواز ولم يحصل مع ذلك خلوة ولا معرفة ما حصل النظر إليه وإنما فيه نفي البأس عن تلك الحالة التي علمت حقيقتها ولم تجد فاطمة ما يحصل به كمال الستر الذي قصدته وغايته التعليل باسم الغلام وهو اسم للصبي أو محتمل له والاحتمال في وقائع الأحوال يسقط الاستدلال انتهى واختاره أيضا الأذرعي وغيره من المتأخرين وأفتيت به مرات ولا أعتقد سواه وأما الخلوة والمسافرة فالعبد فيهما مبني على النظر إن شاركه المحرم فيه شاركه فيهما وإلا فلا ويشاركه الزوج فيهما لا محالة بل يزيد في النظر ويكتفي في سفر حج الفرض بنسوة ثقات على ما سيأتي تحريره في أحكام السفر وأما عدم نقض الوضوء فلا يشاركه فيه غيره
ومن أحكام المحرم جواز إعارة الأمة وإجارتها ورهنها عنده وإقراضها
ومن اطلع إلى دار غيره وبها محرم له لم يجز رميه ويجوز أن يساكن الرجل مطلقته مع محرم له أو لها ولو عاشرها في عدة الرجعية كزوج مع وجود محرم لم يمنع انقضاء العدةويختص المحرم النسيب بأحكام
منها تغليظ الدية في قتله خطأ فلا تغلظ في المحرم بالرضاع والمصاهرة قطعا ولا في القريب غير المحرم على الصحيح ومنها يكره قتله في جهاد الكفار وقتال البغاة والجلاد قال ابن النقيب وأما غير القريب من المحارم فلم أر من ذكر المنع من قتله ومنها غسل الميت فيقدم في المرأة نساء المحارم على نساء الأجانب ويجوز لرجال المحارم التغسيل ويختص الأصول والفروع من بين سائر المحارم بأحكام الأول عدم الاجتماع في الملك فمن ملك أباه أو أمه أو أحد أصوله من الأجداد والجدات من جهة الأبأو الأم أو أحد أولاده وأولادهم وإن سفلوا عتق عليه سواء مكله قهرا بالإرث أم اختيارا بالشراء أو غيره الثاني جواز بيع المسلم منهم للكافر لأنه يستعقب العتق فلا يبقى في الملك وفي وجه لا يصح لما فيه من ثبوت الملك الثالث وجوب النفقة عند العجز والفطرة الرابع لا يقطع أحدهما بسرقة مال الآخر لشبهة استحقاق النفقة الخامس لا يعقل أحدهما عن الآخر لأن الأصل والفرع بعض الجاني فكما لا يحتمل الجاني لا يحتمل أبعاضه السادس لا يحكم ولا يشهد أحدهما للآخر السابع يدخلون في الوصية للأقارب الثامن تحريم موطوءة كل منهما ومنكوحته على الآخر ويختص الأصول فقط بأحكام الأول لا يقتلون بالفرع ولا له سواء الأب والأم والأجداد والجدات وإن علوا من قبل الأب والأم وحكي في الأجداد والجدات قول شاذ ولو حكم بالقتل حاكم نقض حكمه بخلاف ما لو حكم بقتل الحر بالعبد الثاني لا يحدون بقذف الفرع ولا له كالقتل الثالث لا تقبل شهادة الفرع عليهم بما يوجب قتلا في وجه الرابع لا تجوز المسافرة إلا بإذنهم إلا ما يستثنى وسواء الكافر والمسلم والحر والرقي الخامس لا يجوز الجهاد إلا بإذنهم بشرط الإسلام وقيل لا يشترط إذن الجد مع وجود الأب ولا الجدة مع وجود الأم والأصح خلافه السادس لا يجوز التفريق بينهم بالبيع حتى يميز الفرع وفي قول حتى يبلغ فإن فعل لم يصح البيع ومثله الهبة والقسمة وكذا الإقالة والرد بالعيب كما صححه ابن الرفعة والسبكي والأسنوي وليس في الروضة ترجيح في السفر كما نقله ابن الرفعة والأسنوي عن فتاوى الغزالي وأقراه بخلاف العتق والوصية وإنما يعتبر الأب والجد للأم عند فقد الأم فلو فرق بينهما وهو مع الأم جاز وفي الأجداد والجدات للأب أوجه يجوز بين الأجداد لا الجدات
والمجنون كالطفل في ذلك قاله في الكفاية السابع إذا دعاه أحد الأبوين وهو في الصلاة ففيه أوجه حكاها في البحر أحدها تجب الإجابة ولا تبطل الصلاة وثانيها تجب ولكن تبطل وصححه الروياني وثالثها لا تجب وتبطل قال السبكي في كتاب بر الوالدين المختار القطع بأنه لا يجب إن كانت الصلاة فرضا سواء ضاق الوقت أم لا لأنها تلزم بالشروع وإن كانت نفلا وجبت الإجابة إن علم تأذيهما بتركها ولكن تبطل قال القاضي جلال الدين البلقيني والظاهر أن الأصول كلهم في هذا المعنى كالأبوين الثامن للأبوين منع الولد من الإحرام بحج التطوع قال الجلال البلقيني والظاهر أنه يتعدى للأجداد والجدات أيضا التاسع لهم تأديب الفرع وتعزيره وهذا وإن فرضه الشيخان في الأب فقد قال الجلال البلقيني يشبه أن تكون الأم إذا كان الصبي في حضانتها كذلك فقد صرحوا في الأمر بالصلاة والضرب عليها بأن الأمهات كالآباء في ذلك قلت وكذا الأجداد والجدات العاشر لهم الرجوع فيما وهبوه للفروع بشرطه والمذهب أن الأب والأم والأجداد والجدات في ذلك سواء الحادي عشر تبعية الفرع لهم في الإسلام إذا كان صغيرا الثاني عشر لا يحتسبون بدين الولد في وجه جزم به في الحاوي الصغير الثالث عشر يسن أن يهنأ كل من الأصول بالمولود واختص الأصول الذكور بوجوب الإعفاف سواء الأب والجد له والجد للأم
واختص الأب والجد للأب بأحكام
منها ولاية المال وقيل تلي الأم أيضا وتولى طرفي العقد في البيع ونحوه وولاية الإجبار في النكاح للبنت والابن والصلاة في الجنازة والعفو عن الصداق على القديم والإحرام عن الطفل والمجنون وقيل يجوز للأم أيضا وقطع السلعة واليد المتأكلة إذا كان الخطر في الترك أكثرواعلم أن الجد في كل ذلك معتبر بفقد الأب وقيل له الإحرام مع وجوده واختص الأب بأن فقد شرط في اليتم ولا أثر لوجود الجد واختص الجد للأب بأنه يتولى طرفي العقد في تزويج بنت ابنه بابن ابنه الآخر واختصت الأم بامتناع التفريق كما تقدم
قاعدة
كل موضع كان للأم فيه مدخل فالشقيق مقدم فيه قطعا كالإرث ومهر المثل وكل موضع لا مدخل لها فيه ففي تقديمه خلاف والأصح أيضا تقديمه كصلاة الجنازة وولاية النكاحقاعدة أخرى
لا يقدم أخ لأم وابنه على الجد إلا في الوصية أو الوقف لأقرب الأقارب ولا أخ شقيق أو لأب على الجد إلا في ذلك وفي الولاءفائدة
قال البلقيني الجد أبو الأب ينقسم في تنزيله منزلة الأب وعدم تنزيله منزلة الأب إلى أربعة أقسام منها ما هو كالأب قطعا وذلك في صلاة الجنازة بولاية النسب وولاية المال وولاية النكاح بالنسب وأنه لا يجوز للأب أن يوصي على الأولاد مع وجود أبي أبيه كما لا يجوز أن يوصي عليهم مع وجود أبيه وفي الإجبار للبكر الصغيرة والحضانة والإعفاف والإنفاق وعدم التحمل في العقل والعتق بالملك وعدم قبول الشهادة له والعفو عن الصداق إن قلنا به وليس كالأب قطعا في أنه لا يرد الأم إلى ثلث ما يبقى في صورة زوج وأبوين أو زوجة وأبوين فلو كان بدل الأب جد أخذت الأم الثلث كاملا وأن الأب يسقط أم نفسه ولا يسقطها الجد وكالأب على الأصح في أنه يجمع بين الفرض والتعصيب وأنه يجبر البكر البالغة وأن له الرجوع في هبته له وأنه لا يقتل بقتله وليس كالأب على الأصح في أنه لا يسقط الأخوة والأخوات لأبوين أو لأب بل يشاركهم ويقدم أخ المعتق العاصب على جده في الإرث والتزويج وصلاة الجنازة والوصيةلأقرب الأقارب ويدخل في الوصية للأقارب ولا يحتاج إلى فقده في الوصية لليتامى ولا في قسم الفيء والغنيمة
فائدة
قال في اللباب يترتب على النسب اثنا عشر حكما توريث المال والولاية وتحريم الوصية وتحمل الدية وولاية التزويج وولاية غسل الميت والصلاة عليه وولاية المال وولاية الحضانة وطلب الحد وسقوط القصاص وتغليظ الديةالقول في أحكام الولد
قال الأصحاب الولد يتبع أباه في النسب وأمه في الرق والحرية وأشرفهما دينا وأخسهما نجاسة وأخفهما زكاة وأغلظهما فدية ويقال أيضا أحكام الولد أقسام أحدها ما يعتبر بالأبوين معا وذلك فيه فروع منها حل الأكل فلا بد فيه من كون أبويه مأكولين ومنها ما يجزئ في الأضحية كذلك ومنها ما يجزئ في جزاء الصيد ومنها الزكاة فلا تجب في المتولد بين النعم والظباء ومنها استحقاق سهم الغنيمة فلا يسهم للبغل المتولد بين الفرس والحمار ومنها المناكحة والذبيحة وفيهما قولان والأظهر الاعتبار بهما والثاني الاعتبار بالأب الثاني يعتبر بالأب خاصة وذلك النسب وتوابعه من استحقاق سهم ذوي القربى والكفارة ومهر المثل والولاء فإنه يكون لموالي الأب وقدر الجزية إذا كان لأبيه جزية وأمه من قوم لهم جزية أخرى فالمعتبر جزية أبيه الثالث ما يعتبر بالأم خاصة وذلك الحرية والرق ويستثنى من الرق صورمنها إذا كانت مملوكة للواطئ أو لإبنه فإن الولد ينعقد حرا ومنها أن يظنها حرة إما بأن يغتر بحريتها في تزويجها أو يطأها بشبهة ظانا أنها أمته أو زوجته الحرة ولو كان الواطئ رقيقا وحينئذ فهذا حر تولد بين رقيقين ومنها إذا نكح مسلم حربية ثم غلب المسلمون على ديارهم واسترقت بالأسر بعد ما حملت منه فإن ولدها لا يتبعها في الرق لأنه مسلم في الحكم الرابع ما يعتبر بأحدهما غير معين وذلك في الدين وضرب الجزية والنجاسة وتحريم الأكل والأكثر في قدر الغرة تغليبا لجانب التغليظ في الضمان والتحريم وفي وجه أن الجنين يعتبر بالأقل وفي آخر بالأب وأما في الدية فقال المتولي إنه كالمناكحة والذبح ومقتضاه اعتبار الأخس وجزم في الانتصار باعتبار الأغلظ كما يجب الجزاء في المتولد من مأكول وغيره ونقله في الحاوي عن النص وقد قلت قديما ** يتبع الابن في انتساب أباه ** ولأم في الرق والحريه ** والزكاة الأخف والدين الأعلى ** والذي اشتد في جزاء وديه ** وأخس الأصلين رجسا وذبحا ** ونكاحا والأكل والأضحيه ** ما يتعدى حكمه إلى الولد الحادث وما لا يتعدى فيه فروع الأول إذا أتت المستولدة بولد من نكاح أو زنا تعدى حكمها إليه قطعا فيعتق بموت السيد الثاني نذر أضحية فأتت بعد ذلك بولد فحكمه مثلها قطعا الثالث ولد المغصوبة مضمون مثلها قطعا الرابع عين شاة عما في ذمته بالنذر فأتت بولد تبعها في الأصح كولد المعينة ابتداء وفي وجه لا وفي وجه آخر إن ذبحت لزم ذبحه معها وإن ماتت فلا الخامس ولد المشتراة قبل القبض للمشتري على الصحيح وهو في يد البائع أمانة فلو مات دون الأم فلا خيار للمشتري لأن العقد لم يرد عليه السادس ولد الأمة المنذور عتقها إذا حدث بعد النذر فيه طريقان الأصح القطع بالتبعية والثاني فيه الخلاف في المدبرة السابع ولد المدبرة من نكاح أو زنا فيه قولان أظهرهما يسري حكمها إليه حتى
لو ماتت قبل السيد أو فرق بينهما حيث يجوز أو رجع عنه إن جوزناه لم يبطل فيه أو لم يف الثلث إلا بأحدهما أقرع في الأصح والثاني يوزع العتق عليهما لئلا تخرج القرعة على الولد فيعتق ويرق الأصل الثامن ولد المكاتبة الحادث بعد الكتابة من أجنبي فيه القولان والأظهر التبعية فيعتق بعتقها ما دامت الكتابة باقية ثم حق الملك فيه للسيد كولد المستولدة وقيل للأم لأنه مكاتب عليها التاسع ولد المعلق عتقها بصفة هل يتبعها فيه القولان في المدبرة لكن المنع هنا أظهر وصححه النووي والفرق أن التدبير يشابه الاستيلاد في العتق بالموت العاشر إذا قال لأمته أنت حرة بعد موتي بسنة فأتت بولد قبل موت السيد ففيه القولان في المدبرة أو بعده فطريقان أحدهما القطع بالتبعية لأن سبب العتق تأكد والثاني أنه على القولين الحادي عشر ولد الموصى بها فيه طريقان أصحهما القطع بعدم التبعية الثاني عشر ولد العارية والمأخوذة بالسوم فيه وجهان أصحهما أنه غير مضمون الثالث عشر ولد الوديعة الحادث في يد المودع فيه وجهان أحدهما أنه وديعة كالأم والثاني أمانة كالثوب تلقيه الريح يجب رده في الحال حتى لو لم يرده كان ضامنا له الرابع عشر ولد الموقوفة يملكه الموقوف عليه كالدور والثمر ونحوها سواء البهيمة والجارية على الأصح وقيل إنه وقف تبعا لأمه كالأضحية الخامس عشر ولد المرهونة الحادث بعد الرهن ليس برهن في الأظهر فإن الفصل قبل البيع لم يتبعها اتفاقا
فائدة
قال ابن الوكيل قد يظن أن الولد لا يلحق إلا بستة أشهر وهو خطأ فإن الولد يلحق لدون ذلك فيما إذا جني على حامل فألقت جنينا لدون ستة أشهر فإنه يلحق أبويه وتكون العبرة بهما وكذا لو أجهضته بغير جناية كان مؤنة تجهيزه وتكفينه على أبيه وإنما يتقيد بالستة الأشهر الولد الكامل دون الناقص
تنبيه
اختلف كلام الأصحاب في مسائل الحمل هل يعتبر فيه الانفصال التام أو لا فاعتبروا الانفصال التام في انقضاء العدة ووقوع الطلاق المعلق بالولادة والإرث واستحقاق الوصية والدية فلو خرج نصفه فضربها ضارب ثم انفصل ميتا فالواجب الغرة دون الدية فلو كانت الصورة بحالها وصاح فحز رجل رقبته ففيه القصاص أو الدية على الأصح ولا يعتبر في وجوب الغرة أيضا الانفصال التام على الأصح القول في أحكام تغييب الحشفة يترتب عليها مائة وخمسون حكما وجوب الغسل ولاوضوء وتحريم الصلاة والسجود والخطبة والطواف وقراءة القرآن وحمل المصحف ومسه وكتابته على وجه والمكث في المسجد وكراهة الأكل والشرب والنوم والجماع حتى يغسل فرجه ويتوضأ ووجوب نزع الخف والكفارة وجوبا أو ندبا في أول الحيض بدينار وآخره بنصفه وفساد الصوم ووجوب قضائه والتعزير والكفارة وعدم انعقاده إذا طلع الفجر حينئذ وقطع التتابع المشروط فيه وفي الاعتكاف وفساد الاعتكاف والحج والعمرة ووجوب المضي في فاسدهما وقضائهما والبدنة فيهما والشاة بتكرره أووقوعه بعد التحلل الأول أو بعد فوته وحجه بامرأته التي وطئها في الحج والعمرة والنفقة عليها ذهابا وإيابا والتفريق بينهما على قول وعدم انعقادهما إذا أحرم حالة الإيلاج وقطع خيار البائع والمشتري في المجلس والشرط أو سقوط الرد إذا فعله بعد ظهور العيب أو قبله وكانت بكرا وكونه رجوعا عند الفلس أو في هبة الفرع أوالوصية في وجه في الثلاث ووجوب مهر المثل للمكرهة حرة أو مرهونة أو مغصوبة أو مشتراه من الغصب أو شراء فاسدا أو مكاتبة وللموطوءة بشبهة أو في نكاح فاسد أو عدة التخلف أو الرجعة ولحوق الولد بالسيد وسقوط الاختيار والولاية فلا يتزوج حتى يبلغ ويحرم التعريض بالخطبة لمن طلقت بعده لآبائنا وبيع العبد فيه إذا نكح بغير إذن سيده أو بإذنه نكاحا فاسدا على قول وتحريم الربيبة وتحريم الموطوءة إذا كانت بشبهة أو أمة على آبائه وأبنائه وأصولها وفروعها عليه وتحريم أمته عليه إذا كان الواطئ أصلا وحلها للزوج الأول ولسيدها الذي طلقها ثلاثا قبل الملك وتحريم وطء أختها أو عمتها أو خالتها إذا كانت أمة وكونه اختيارا ممن أسلم على أكثر من أربع في قول ومنع اختيار الأمة فيما إذا أسلم على حرة وطئها وأمة فتأخرت وأسلمتالأمة ومنع نكاح أختها إذا أسلم على مجوسية تخلفت حتى تنقضي العدة وكذا أربع سواها ومنع تنجيز الفرقة فيمن تخلفت عن الإسلام أو أسلمت أو ارتدت أو ارتدا معا أو متعاقبا وزوال العنة وإبطال خيار العتيقة أو زوجة المعيب أو زوج المعيبة حيث فعل مع العلم وزوال العنت وثبوت المسمى ووجوب مهر المثل للمفوضة ومنع الفسح إذا أعسر بالصداق بعده ومنع الحبس بعده حتى تقبض الصداق وعدم عفو الولي بعده إن قلنا له العفو وسقوط المتعة في قول ووقوع الطلاق المعلق به وثبوت السنة والبدعة فيه وكونه تعيينا للمبهم طلاقها على وجه وثبوت الرجعة والفيئة من الإيلاء ووجوب كفارة اليمين حينئذ ومصير كفارة المظاهر قضاء ووجوب كفارة الظهار المؤقت في المدة واللعان وسقوط حصانة الفاعل والمفعول به بشرطه ووجوب العدة بأقسامها وكون الأمة به فراشا ومنع تزويجها قبل الاستبراء وتحريم لبن ثاربه ووجوب النفقة والسكنى للمطلقة بعده والحد بأنواعه في الزنا واللواط وقتل البهيمة في قول ووجوب ثمنها عليه حينئذ ووجوب التعزير إن كان في ميتة أو مشتركة أو موصى بمنفعتها أو محرم مملوكة أو بهيمة أو دبر زوجة بعد أن نهاه الحاكم وثبوت الإحصان وعدم قطع نكاح الأسيرة بعده على وجه وانتقاض عهد الذمي إن فعله بمسلمة بشرطه وإبطال الإمامة العظمى على وجه والعزل عن القضاء والولاية والوصية والأمانة ورد الشهادة وحصول التسري به مع النية على وجه ووقوع العتق المعلق بالوطء
قواعد عشرة
الأولى قال البغوي في فتاويه حكم الذكر الأشل حكم الصحيح إلا أنه لا يثبت النسب ولا الإحصان ولا التحليل ولا يوجب مهرا ولا عدة ولا تحريم بالمصاهرة ولا يبطل الإحرام قال وهكذا القول في الذكر المبان الثانية لا فرق في الإيلاج بين أن يكون بخرقة أو لا إلا في نقض الوضوء الثالثة ما ثبت للحشفة من الأحكام ثابت لمقطوعها إن بقي منه قدرها ولا يشترط تغييب الباقي في الأصح وإن لم يبق قدرها لم يتعلق به شيء من الأحكام إلا فطر الصائمة في الأصح الرابعة قال في الروضة الواطئ في الدبر كهو في القبل إلا في سبعة مواضع التحصين والتحليل والخروج من الفيئة ومن العنة ولا يغير إذن البكر على الصحيح وإذا وطئت الكبيرة في فرجها وقضت وطرها واغتسلت ثم خرج منها المني وجب إعادة الغسل في الأصح وإن كان ذلك في دبرها لم يعد ولا يحل بحال والقبل يحل في الزوجة والأمةواستدرك عليه صور منها لو وطئ بهيمة في دبرها لا يقتل إن قلنا تقتل في القبل ومنها وطئ أمته في دبرها فأتت بولد لا يلحق السيد في الأصح كذا في الروضة وأصلها في باب الاستبراء وخالفاه في باب النكاح والطلاق فصححا اللحوق ومنها وطئ زوجته في دبرها فأتت بولد فله نفيه باللعان ومنها وطئ البائع في زمن الخيار فسخ على الصحيح لا في الدبر على الأصح ومنها أن المفعول به يجلد مطلقا وإن كان محصنا ومنها أن الفاعل يصير به جنبا لا محدثا بخلاف فرج المرأة ومنها لا كفارة على المفعول به في الصوم بلا خلاف رجلا كان أو امرأة وفي القبل الخلاف المشهور ومنها قال البلقيني تخريجا وطء الأمة في دبرها عيب يرد به ويمنعه من الرد القهري بالقديم ومنها على رأي ضعيف أن الطلاق في طهر وطئها في الدبر لا يكون بدعيا وأن المفعول به لا تسقط حصانته ولا يوجب العدة ولا المصاهرة والأصح في الأربعة أنه كالقبل الخامسة قال ابن عبدان الأحكام الموجبة للوطء في النكاح الفاسد سبعة مهر المثل ولحوق الولد وسقوط الحد وتحريم الأصول والفروع وتحريمها عليهم وتصير فراشا ويملك به اللعان وفي ملك اليمين سبعة تحريمها على أصوله وفروعه وتحريم أصولها وفروعها ووجوب الاستبراء وتصير فراشا وتحريم ضم أختها إليها السادسة كل حكم تعلق بالوطء لا يعتبر فيه الإنزال إلا في مسئلة واحدة وهي ما لو حلف لا يتسرى لا يحنث إلا بتحصين الجارية والوطء والإنزال السابعة قال الأصحاب لا يخلو الوطء في غير ملك اليمين عن مهر أو عقوبة إلا في صور الأولى في الذمية إذا نكحت في الشرك على التفويض وكانوا يرون سقوط المهر عند المسيس الثانية إذا زوج أمته بعبده الثالثة إذا وطئ البائع الجارية المبيعة قبل الإقباض الرابعة السفيه إذا تزوج رشيدة بغير إذن الولي ووطئ
الخامسة المريض إذا عتق أمته وتزوجها ووطئ ومات وهي ثلث ماله وخيرت فاختارت بقاء النكاح السادسة إذن الراهن للمرتهن في الوطء فوطئ ظانا للحل السابعة وطئت المرتدة والحربية بشبهة الثامنة العبد إذا وطئ سيدته بشبهة التاسعة بحثها الرافعي فيما لو أصدق الحربي امرأته مسلما استرقوه وأقبضها ثم أسلما وانتزع من يدها أنه لا يجب مهر كما لو أصدقها خمرا وأقبضها ثم أسلما العاشرة الموقوف عليه إذا وطئ الموقوفة
القاعدة الثامنة
قال العلائي الذي يحرم على الرجل وطء زوجته مع بقاء النكاح الحيض والنفاس والصوم الواجب والصلاة لضيق وقتها والاعتكاف والإحرام والإيلاء والظهار قبل التكفير وعدة وطء الشبهة وإذا أفضاها حتى تبرأ وعدم احتمالها الوطء لصغر أو مرض أو عبالته والطلاق الرجعي والحبس قبل توفية الصداق ونوبة غيرها في القسم قلت ومن غرائب ما يلحق بذلك ما ذكره الشيخ ولي الدين في نكته أن في كلام الإمام ما يقتضي منع الزوج من وطء زوجته التي وجب عليها القصاص وليس بها حمل ظاهر لئلا يحدث منه حمل يمنع من استيفاء ما وجب عليها ويقرب من ذلك من مات ولد زوجته من غيره يكره له الوطء حتى يعلم هل كانت عند موته حاملا ليرث منه أم لافائدة
قال الإمام الجماع مع دواعيه أقسام الأول ما يحرم فيه دون دواعيه وهو الحيض والنفاس والمستبرأة والمسبية الثاني ما يحرم فيه ولا يحرم دواعيه بشرط أن لا يحرك الشهوة وهو الصوم الثالث ما يحرم فيه وفي دواعيه قولان وهو الاعتكاف الرابع ما يحرمان فيه كالحج والعمرة والمستبرأة والرجعيةالقاعدة التاسعة
إذا اختلف الزوجان في الوطء فالقول قول نافيه عملا بأصل العدم إلا في مسائل الأولى إذا ادعى العنين الإصابة فالقول قوله بيمينه سواء كان قبل المدة أو بعدها ولو كان خصيا ومقطوع بعض الذكر على الصحيح الثانية المولى إذا ادعى الوطء يصدق بيمينه لاستدامة النكاحالثالثة إذا قالت طلقتني بعد الدخول فلي المهر وأنكر فالقول قوله للأصل وعليها العدة مؤاخذة بقولها ولا نفقة لها ولا سكنى وله نكاح بنتها وأربع سواها في الحال فإذا أتت بولد لزمن محتمل ولم يلاعن ثبت النسب وقوي به جانبها فيرجع إلى تصديقها بيمينها ويطالب الزوج بالنصف الثاني فإن لاعن زال المرجح وعدنا إلى تصديقه كما كان الرابعة إذا تزوجها بشرط البكارة فقالت زالت بوطئك فالقول قولها بيمينها لدفع الفسخ وقوله بيمينه لدفع كمال المهر حكاه الرافعي عن البغوي وأقره الخامسة إذا ادعت المطلقة ثلاثا أن الزوج الثاني أصابها قبلت لتحل للمطلق لا لاستقرار المهر ذكره الرافعي في التحليل السادسة إذا قال لطاهرة أنت طالق للسنة ثم قال لم يقع لأني جامعتك فيه فأنكرت قال إسماعيل البوشنجي مقتضى المذهب قبول قوله لبقاء النكاح حكاه عنه الرافعي وأجاب بمثله القاضي حسين في فتاويه فيما إذا قال إن لم أنفق عليك اليوم فأنت طالق ثم ادعى الإنفاق فيقبل لعدم الطلاق لا لسقوط النفقة لكن في فتاوى ابن الصلاح أن الظاهر الوقوع في هذه المسئلة السابعة إذا جرت خلوة بثيب فإنها تصدق على قول ولكن الأظهر خلافه الثامنة وهي على رأي ضعيف أيضا إذا عتقت تحت عبد وقلنا يثبت الخيار إلى الوطء فادعاه وأنكرت ففي المصدق وجهان في الشرح بلا ترجيح لتعارض الأصلين بقاء النكاح وعدم الوطء وقد نظمت الصور الستة التي على المرجح في أبيات فقلت ** يا طالبا ما فيه قولا مثبت وطء ** نقبله ونافيه لا يئول مقالا ** من أنكر وطئا حليلها وأتته ** بابن ولعانا أبى وقال محالا ** أو طلق في الطهر سنة ونفاه ** إذ قال بوطء ومن يعن وآلى ** أو زوج بكرا بشرطها فأزيلت ** قالت هو منه وعند زوجي زالا ** أو زوجت البت وادعته بوطء ** صارت وإن الزوج قد نفاه حلالا ** هذاك جوابي بحسب مبلغ علمي ** والله له العلم ذو الجلال تعالى **
القاعدة العاشرة
لا يقوم الوطء مقام اللفظ إلا مسألة واحدة وهي الوطء في زمن الخيار فإنه فسخ من البائع وإجازة من المشتري وأما وطء الموصى بها فإن اتصل به إحبال فرجوع وإلا فلا في الأصح فإن عزل فلا قطعا
القول في العقود
قال الدارمي في جامع الجوامع ومن خطه نقلت إذا كان المبيع غير الذهب والفضة بواحد منهما فالنقد ثمن وغيره مثمن ويسمى هذا العقد بيعا وإذا كان غير نقد سمي هذا العقد معاوضة ومقايضة ومناقلة ومبادلة وإن كان نقدا سمي صرفا ومصارفة وإن كان الثمن مؤخرا سمي نسيئة وإن كان المثمن مؤخرا سمي سلما أو سلفا وإن كان المبيع منفعة سمي إجارة أو رقبة العبد له سمي كتابة أو بضعا سمي صداقا أو خلعا انتهى قلت ويزاد عليه إن كان كل منهما دينا سمي حوالة أو المبيع دينا والثمن عينا ممن هو عليه سمي استبدالا وإن كان بمثل الثمن الأول لغير البائع الأول سمي تولية أو بزيادة سمي مرابحة أو نقص سمي محاطة أو إدخالا في بعض المبيع سمي إشراكا أو بمثل الثمن الأول للبائع الأول سمي إقالة تقسيم ثان العقود الواقعة بين اثنين على أقسام الأول لازم من الطرفين قطعا كالبيع والصرف والسلم والتولية والتشريك وصلح المعاوضة والحوالة والإجارة والمساقاة والهبة للأجنبي بعد القبض والصداق وعوض الخلع الثاني جائز من الطرفين قطعا كالشركة والوكالة والقراض والوصية والعارية والوديعة والقرض والجعالة قبل الفراغ والقضاء والوصايا وسائر الولايات غير الإمامة الثالث ما فيه خلاف والأصح أنه لازم منهما وهو المسابقة والمناضلة بناء على أنها كالإجارة ومقابله يقول إنها كالجعالة والنكاح لازم من المرأة قطعا ومن الزوج على الأصح كالبيع وقيل جائز منه لقدرته على الطلاق الرابع ما هو جائز ويئول إلى اللزوم وهو الهبة والرهن قبل القبض والوصية قبل الموتالخامس ما هو لازم من الموجب جائز من القابل كالرهن والكتابة والضمان والكفالة وعقد الأمان والإمامة العظمى السادس عكسه كالهبة للأولاد
تنبيه
صرح العلائي في قواعده بأن من الجائز من الجانبين ولاية القضاء والتولية على الأوقاف وغير ذلك من جهة الحكام هذه عبارته فأما القضاء فواضح فلكل من المولي والمولى العزل وأما الولاية على الأيتام فظاهر ما ذكره أن الحاكم إذا نصب قيما على يتيم فله عزله وكذا لمن يلي بعده من الحكام وهو ظاهر فإنه نائب الحاكم في أمر خاص وللحاكم عزل نائبه وإن لم يفسق وقد كنت أجبت بذلك مرة في أيام شيخنا قاضي القضاة شيخ الإسلام شرف الدين المناوي فاستفتي فأفتى بخلافه وأنه ليس للحاكم عزله ولم يتضح لي ذلك إلى الآن وكأنه رأى واقعة الحال تقتضي ذلك فإن الحاكم الذي أراد عزل القيم إنما كان غرضه أخذ مال اليتيم منه يستعين به فيما غرمه على الولاية لجهة السلطنة ولا ينافي هذا ما في الروضة كأصلها من أن المذهب الذي قطع به الأصحاب أن القوام على الأيتام والأوقاف لا ينعزلون بموت القاضي وانعزاله لئلا تتعطل أبواب المصالح وهم كالمتولى من جهة الوقف لأن هذا في الانعزال بلا عزل وأما التولية على الأوقاف فقد ذكر الأصحاب أن للواقف ( على الصحيح ) عزل من ولاه النظر أو التدريس ونصب غيره قال الرافعي ويشبه أن تكون المسئلة مفروضة في التولية بعد تمام الوقف دون ما إذا أوقف بشرط التولية لفلان لأن في فتاوى البغوي أنه لو وقف مدرسة ثم قال لعالم فوضت إليك تدريسها أو اذهب ودرس فيها كان له تبديله بغيره ولو وقف بشرط أن يكون هو مدرسها أو قال حال الوقف فوضت تدريسها إلى فلان فهو لازم لا يجوز تبديله كما لو وقف على أولاده الفقراء لا يجوز التبديل بالأغنياء قال الرافعي وهذا حسن في صيغة الشرط وغير متضح في قوله وقفتها وفوضت التدريس إليه زاد النووي في الروضة هذا الذي استحسنه الرافعي هو الأصح أو الصحيحويتعين أن يكون صورة المسئلة كما ذكروا ومن أطلقها فكلامه محمول على هذا التأويل وفي فتاوى ابن الصلاح ليس للواقف تبديل من شرط له النظر حال إنشاء الوقف إن رأى المصلحة في تبديله ولو عزل الناظر المعين حال إنشاء الوقف نفسه فليس للواقف نصب غيره فإنه لا نظر له بعد أن جعل النظر في حال الوقف لغيره بل ينصب الحاكم ناظرا انتهى واختار السبكي في هذه الصورة أعني إذا عزل الناظر المعين نفسه أنه لا ينعزل وضم إلى ذلك المدرس الذي شرط تدريسه في الوقف أنه لا ينعزل بعزل نفسه وألف في ذلك مؤلفا فعلى هذا يكون لازما من الجانبين فيضم إلى القسم الأول وقيل إن منشأ الخلاف فيه أنه تردد بين أصلين أحدهما الوكالة لأنه تفويض فينعزل والثاني ولاية النكاح لأنه شرط في الأصل فلا ينعزل وفي الروضة وأصلها عن فتاوى البغوي وأقره أن القيم الذي نصبه الواقف لا يبدل بعد موته تنزيلا له منزلة الوصي فيكون هذا من القسم الرابع وكأن هذا الفرع مستند ما أفتى به شيخنا فيما تقدم لكن الفرق واضح لأن الحاكم ليس له عزل الأوصياء بلا سبب بخلاف القوام لأنهم نوابه وفي الروضة قبيل الغنيمة عن الماوردي وأقره أنه إذا أراد ولي الأمر إسقاط بعض الأجناد المثبتين في الديوان بسبب جاز أو بغير سبب فلا يجوز قال المتأخرون فيقيد بهذا ما أطلقناه في الوقف من جواز عزل الناظر والمدرس فلا يجوز إلا بسبب نعم أفتى جمع من المتأخرين منهم العز الفاروني والصدر بن الوكيل والبرهان بن الفركاح والبلقيني بأنه حيث جعلنا للناظر العزل لم يلزمه بيان مستنده ووافقهم الشيخ شهاب الدين المقدسي لكن قيده بما إذا كان الناظر موثوقا بعلمه ودينه وقال في التوشيح لا حاصل لهذا القيد فإنه إن لم يكن كذلك لم يكن ناظرا وإن أراد علما ودينا زائدين على ما يحتاج إليه الناظر فلا يصح ثم قال في أصل الفتيا نظر من جهة أن الناظر ليس كالقاضي العام الولاية فلم لا يطالب بالمستند وقد صرح شريح في أدب القضاء بأن متولي الوقف إذا ادعى صرفه على المستحقين
وهم معينون وأنكروا فالقول قولهم ولهم المطالب بالحساب وقال الشيخ ولي الدين العراقي في نكته الحق تقييد المقدسي وله حاصل فليس كل ناظر يقبل قوله في عزل المستحقين من وظائفهم من غير إبداء مستند في ذلك إذا نازعه المستحق فإن عدالته ليست قطعية فيجوز أن يقع له الخلل وعلمه قد يحتمل أيضا بظن ما ليس بقادح قادحا بخلاف من تمكن في العلم والدين وكان فيه قدر زائد على ما يكفي في مطلق النظار من تمييز بين ما يقدح وما لا يقدح ومن ورع وتقوى يحولان بينه وبين متابعة الهوى وقد قال البلقيني في حاشية الروضة مع فتوه بما تقدم إن عزل الناظر للمدرس وغيره تهورا من غير طريق تسوغ لا ينفذ ويكون قادحا في نظره فيحمل كل من جوابيه على حالة انتهى هذا حكم ولايات الوقف وأما أصل الوقف فإنه لازم من الواقف ومن الموقوف عليه أيضا إذا قبل حيث شرطنا القبول فلو رد بعد القبول لم يسقط حقه ولم يبطل الوقف وفي الأشباه والنظائر لابن السبكي كثيرا ما يقع أن شخصا يقر بأنه لا حق له في هذا الوقف أو أن زيدا هو المستحق دونه ويخرج شرط الواقف مكذبا للمقر مقتضيا لاستحقاقه فيظن بعض الأغبياء أن المقر يؤاخذ بإقراره فالصواب أنه لا يؤاخذ سواء علم شرط الواقف وكذب في إقراره أم لم يعلم فإن ثبوت هذا الحق له لا ينتقل بكذبه