كتاب : الروض المربع شرح زاد المستنقع في اختصار المقنع
المؤلف : منصور بن يونس بن إدريس البهوتي

مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة المؤلف صاحب الروض المربع
الحمد لله الذي شرح صدر من أراد هدايته للإسلام وفقه في الدين من أراد به خيرا وفهمه فيما أحكمه من الأحكام أحمده أن جعلنا من خير أمة أخرجت للناس وخلع علينا خلعة الإسلام خير لباس وشرع لنا من الدين ما وصى به نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى وأوحاه إلى محمد صلى الله عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام وأشكره وشكر المنعم واجب على الأنام وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجلال والإكرام وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله وحبيبه وخليله المبعوث لبيان الحلال والحرام صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وتابعيهم الكرام.
أما بعد: فهذا شرح لطيف على مختصر المقنع - للشيخ الإمام العلامة والعمدة والقدوة الفهامة هو شرف الدين أبو النجا موسى بن أحمد بن موسى بن سالم بن عيسى بن سالم المقدسي الحجاوي ثم الصالحي الدمشقي -تغمده الله برحمته وأباحه بحبوحة جنته- يبين حقائقه ويوضح معانيه ودقائقه مع ضم قيود يتعين التنبيه عليها وفوائد يحتاج إليها مع العجز وعدم الأهلية لسلوك تلك المسالك لكن ضرورة كونه لم يشرح اقتضت ذلك والله المسؤول بفضله أن ينفع به كما نفع بأصله وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم وزلفى لديه في جنات النعيم المقيم.
"بسم الله الرحمن الرحيم" أي بكل اسم للذات الأقدس المسمى بهذا الاسم الأنفس الموصوف بكمال الإنعام وما دونه أو بإرادة ذلك أؤلف مستعينا أو ملابسا على وجه التبرك وفي إيثار هذين الوصفين المفيدين للمبالغة في الرحمة إشارة لسبقها من حيث ملاصقتها لاسم الذات وغلبتها من حيث تكرارها على أضدادها وعدم انقطاعها وقدم الرحمن لأنه علم في قول أو كالعلم من حيث إنه لا يوصف به غيره تعالى لأن معناه المنعم الحقيقي البالغ في الرحمة غايتها وذلك لا يصدق على غيره وابتدأ بها تأسيا بالكتاب

العزيز وعملا بحديث: "كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر" أي ناقص البركة وفي رواية بالحمد لله فلذلك جمع بينهما فقال: الحمد لله أي جنس الوصف بالجميل أو كل فرد منه مملوك أو مستحق للمعبود بالحق المتصف بكل كمال على الكمال.
والحمد: الثناء بالصفات الجميلة والأفعال الحسنة سواء كان في مقابلة نعمة أم لا وفي الاصطلاح: فعل ينبئ عن تعظيم المنعم بسبب كونه منعما على الحامد أو غيره. والشكر لغة: هوالحمد اصطلاحا: صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه لما خلق لأجله قال تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} 1, وآثر لفظ الجلالة دون باقي الأسماء كالرحمن والخالق إشارة إلى أنه كما يحمد لصفاته يحمد لذاته ولئلا يتوهم اختصاص استحقاقه الحمد بذلك الوصف دون غيره. حمدا مفعول مطلق مبين لنوع الحمد لوصفه بقوله: لاينفذ بالدال المهملة وفتح الفاء ماضي نفد بكسرها أي لا يفرغ أفضل ما ينبغي أي يطلب أن يحمد أي يثنى عليه ويوصف و أفضل منصوب على أنه بدل من حمدا أو صفته أو حال منه وما موصول اسمي أو نكرة موصوفة أي أفضل الحمد الذي ينبغي أو أفضل حمد ينبغي حمده به. وصلى الله قال الأزهري: معنى الصلاة من الله تعالى: الرحمة ومن الملائكة الاستغفار ومن الآدمي التضرع والدعاء. وسلم من السلام بمعنى التحية أو السلامة من النقائص والرذائل أو الأمان. والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم مستحبة بتأكد يوم الجمعة وليلتها وكذا كلما ذكر اسمه وقيل: بوجوبها إذا قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} 2. وروي: "من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له مادام اسمي في ذلك الكتاب" . وأتى بالحمد بالجملة الاسمية الدالة على الثبوت والدوام لثبوت مالكية الحمد أو استحقاقه له أزلا وأبدا وبالصلاة بالفعلية الدالة على التجدد أي الحدوث لحدوث المسؤول وهو الصلاة أي الرحمة من الله على أفضل المصطفين محمد بلا شك لقوله صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد ولد آدم ولا فخر" وخص ببعثه إلى الناس كافة وبالشفاعة والأنبياء تحت لوائه. والمصطفون جمع مصطفى وهوالمختار من الصفوة وطاؤه منقلبة عن تاء. ومحمد من أسمائه صلى الله عليه وسلم سمي به لكثرة خصاله الحميدة سمي به قبله سبعة عشر شخصا على ماقاله ابن الهائم عن بعض الحفاظ بخلاف أحمد فإنه لم يسم به قبله وعلى آله أي أتباعه على دينه نص عليه أحمد وعليه أكثر الأصحاب ذكره في شرح التحرير وقدمهم للأمر بالصلاة عليهم وإضافته إلى المضمر جائزة عند الأكثر وعمل أكثر
ـــــــ
1- سورة سبأ الآية: 13.
2- سورة الأحزاب الآية: 56.

المصنفين عليه ومنعه جمع منهم: الكسائي والنحاس والزبيدي. وأصحابه جمع صحب جمع صاحب بمعنى الصحابي وهو من اجتمع بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم مؤمنا ومات على ذلك وعطفهم على الآل من عطف الخاص على العام وفي الجمع بين الصحب والآل مخالفة للمبتدعة لأنهم يوالون الآل دون الصحب ومن تعبد أي عبد الله تعالى والعبادة: ما أمر به شرعا من غير اطراد عرفي ولا اقتضاء عقلي.
أما بعد أي بعد ما ذكر من حمد الله والصلاة والسلام على رسوله وهذه الكلمة يؤتى بها للانتقال من أسلوب إلى غيره ويستحب الإتيان بها في الخطب والمكاتبات اقتداء به صلى الله عليه وسلم فإنه كان يأتي بها في خطبه وشبهها حتى رواه الحافظ عبدالقادر الرهاوي في الأربعين التي له عن أربعين صحابيا ذكره ابن قندس في حواشي المحرر وقيل: إنها فصل الخطاب المشار إليه في الآية والصحيح أنه الفصل بين الحق والباطل والمعروف بناء بعد على الضم وأجاز بعضهم تنوينها مرفوعة ومنصوبة والفتح بلا تنوين على تقدير المضاف إليه.
فهذا إشارة إلى ما تصوره في الذهن وأقامه مقام المكتوب المقروء الموجود بالعيان مختصر أي موجز وهو ما قل لفظه وكثرت معانيه قال علي رضي الله عنه: خير الكلام ما قل ودل ولم يطل فيمل في الفقه وهو لغة: الفهم واصطلاحا: معرفة الأحكام الشرعية الفرعية بالاستدلال بالفعل أو بالقوة القريبة من مقنع أي من الكتاب المسمى بالمقنع تأليف الإمام المقتدى به شيخ المذهب الموفق أبي محمد عبدالله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي تغمده الله برحمته وأعاد علينا من بركته على قول واحد وكذلك صنعت في شرحه فلم أتعرض للخلاف طلبا للاختصار. وهو أي ذلك القول الواحد الذي يذكره ويحذف ما سواه من الأقوال إن كانت هو القول الراجح أي المعتمد في مذهب إمام الأئمة وناصرالسنة أبي عبد الله أحمد ابن محمد بن حنبل الشيباني نسبة لجده شيبان بن ذهل بن ثعلبة والمذهب في الأصل: الذهاب أو زمانه أو مكانه ثم أطلق على ما قاله المجتهد بدليل ومات قائلا به وكذا ما أجري مجرى قوله من فعل أو إيماء ونحوه.
وربما حذفت منه مسائل جمع مسألة من السؤال وهي ما يبرهن عنه في العلم نادرة أي قليلة الوقوع لعدم شدة الحاجة إليها. وزدت على ماقال في المقنع من الفوائد ما على مثله يعتمد أي يعول عليه لموافقته الصحيح إذ الهمم قد قصرت تعليل لاختصاره المقنع والهمم جمع همة بفتح الهاء وكسرها يقال: هممت بالشىء: إذا

أردته. والأسباب جمع سبب وهو ما يتوصل به إلى المقصود المثبطة أي الشاغلة عن نيل أي إدراك المراد أي المقصود قد كثرت لسبق القضاء بأنه "لا يأتي عليكم زمان إلا وما بعده شر منه حتى تلقوا ربكم" . و هذا المختصر مع صغر حجمه حوى أي جمع ما يغني عن التطويل لاشتماله على جل المهمات التي يكثر وقوعها ولو بمفهومه ولا حول ولا قوة إلا بالله أي لا تحول من حال إلى حال ولا قدرة على ذلك إلا بالله وقيل: لا حول عن معصية الله إلا بمعونة الله ولا قوة على طاعة الله إلا بتوفيق الله والمعنى الأول أجمع وأشمل
وهو حسبنا أي كافينا ونعم الوكيل جل جلاله أي المفوض إليه تدبير خلقه والقائم بمصالحهم أو الحافظ ونعم الوكيل إما معطوف على الأولى وهو حسبنا والمخصوص محذوف أو على حسبنا والمخصوص هو الضمير المتقدم.

كتاب الطهارة
مدخل
كتاب الطهارةكتاب 1 هو من المصادر السيالة التي توجد شيئا فشيئا2 يقال: كتبت كتابا و كتبا وكتابة وسمي المكتوب به مجازا ومعناه لغة: الجمع من تكتب بنو فلان: إذا اجتمعوا ومنه قيل لجماعة الخيل: كتيبة والكتابة بالقلم لاجتماع الكلمات والحروف والمراد به هنا المكتوب أي هذا مكتوب جامع لمسائل الطهارة مما يوجبها ويتطهر به ونحو ذلك.
بدأ بها3 لأنها مفتاح الصلاة التي هي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين4 ومعناها لغة: النظافة والنزاهة عن الأقذار مصدر طهر يطهر بضم الهاء فيهما وأما طهر -بفتح الهاء- فمصدره طهر كحكم حكما وفي الاصطلاح ما ذكره بقوله: وهي ارتفاع الحدث أي زوال الوصف القائم بالبدن المانع من الصلاة ونحوها.
وما في معناه أي معنى ارتفاع الحدث5 كالحاصل بغسل الميت والوضوء الغسل المستحبين وما زاد على المرة الأولى في الوضوء ونحوه وغسل يدي القائم من نوم الليل ونحو ذلك أو بالتيمم عن وضوء أو غسل.
ـــــــ
1- مابين الأهلة هو الأصل أي زاد المستنقع والباقي هو الشرح.
2- قال الأزهري: الكتاب اسم لما كتب مجموعا والكتاب مصدر والكتابة لمن تكون له صناعة مثل الصياغة والخياطة.
3- بدأ بها: أي بدأ بكتاب الطهارة.
4- لأنه كما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم: "بين المرء والكفر ترك الصلاة" .
5- أي بأنواعه كلها ما يوجب الوضوء ويوجب الغسل.

وزوال الخبث أي النجاسة أو حكمها بالإستجمار1 أو بالتيمم في الجملة على ما يأتي في بابه.
فالطهارة ما ينشأ عن التطهير وربما أطلقت على الفعل كالوضوء والغسل2.
المياه باعتبار ما تتنوع إليه في الشرع ثلاثة أحدها طهور أي مطهر قال ثعلب: طهور -بفتح الطاء- الطاهر في ذاته المطهر لغيره اهـ. قال تعالى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} 3 لا يرفع الحدث غيره والحدث ليس نجاسة بل معنى يقوم بالبدن يمنع الصلاة ونحوها والطاهر ضد المحدث والنجس ولا يزيل النجس الطارئ على محل طاهر فهو النجاسة الحكمية غيره أي غير الماء الطهور والتيمم مبيح لا رافع وكذا الاستجمار4 وهو أي الطهور الباقي على خلقته أي صفته التي خلق عليها إما حقيقة بأن يبقى على ما وجد عليه من برودة أو حرارة أو ملوحة ونحوها أو حكما كالمتغير بمكث5 أو طحلب6 ونحوه مما يأتي ذكره.
فإن تغير بغير ممازج أي مخالط كقطع كافور وعود قماري أو دهن طاهرعلى اختلاف أنواعه قال في الشرح: وفي معناه: ما تغير بالقطران والزفت والسمع لأن فيه دهنية يتغير بها الماء أو بملح مائي 7 لا معدني فيسلبه الطهورية أوسخن بنجس كره مطلقا إن لم يحتج إليه سواء ظن وصولها إليه أو كان الحائل حصينا أو لا ولو بعد أن يبرد لأنه لا
ـــــــ
1 الاستجمار: هو إزالة أثر الغائط من موضع التغوط باستعمال الأحجار وأقلها ثلاثة أحجار و الاستجمار لا يرفع الحدث إنما يوجب بعده الوضوء وإن لم يوجد الماء فالتيمم فإن وجد الماء بعد ذلك الوضوء لأن التيمم يكون لكل وقت ولا يعم يوما بطوله وإن لم ينقضه حدث بعده.
2 وتطلق على الفعل باعتبارها مصدرا.
3 سورة الأنفال الآية: "11".
4 أي قد صار آسنا لطول مكثه في مكانه.
5 وإنما ينمو الطحلب في الماء عند طول مكثه بغير حركة من رافد ماء يصب فيه أو يسيل أو مخرج يخرج منه هذا الماء.
6 أي بأملاح التراب الذي يوجد فيه.
7 الملح المعدني هو ملح الطعام المعروف وقد يستخلص من مياه البحر أو من صخور غنية به وهذا لا ينجس الماء به لأن ماء البحر طهور كما جاء في الحديث: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته" فكما لم ينجس ماء البحر بوجود الملح المعدني فيه فلا ينجس الماء الحلو إذا أضيف إليه هذا الملح.

يسلم غالبا من صعود أجزاء لطيفة إليه وكذا ما سخن بمغصوب1 وماء بئر بمقبرة وبقلها وشوكها واستعمال ماء زمزم في إزالة خبث لا وضوء وغسل.
وإن تغير بمكثه أي بطول إقامته في مقره وهو الآجن2 لم يكره لأنه عليه الصلاة والسلام توضأ بماء آجن, وحكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ قوله من أهل العلم سوى ابن سيرين أو بما أي بطاهر يشق صون الماء عنه من نابت فيه وورق شجر وسمك وما تلقيه الريح أو السيول من تبن ونحوه وطحلب فإن وضع قصدا وتغير به الماء عن ممازجة سلبه الطهورية أو تغير بمجاورة ميتة أي بريح ميتة إلى جانبه فلا يكره قال في المبدع: بغير خلاف نعلمه أو سخن بالشمس أو بطاهر مباح ولم يشتد حره لم يكره لأن الصحابة دخلوا الحمام ورخصوا فيه3 ذكره في المبدع. ومن كره الحمام فعلة الكراهة خوف مشاهدة العورة أو قصد التنعم بدخوله لا كون الماء مسخنا فإن اشتد حره أو برده كره لمنعه كمال الطهارة. وإن استعمل قليل في طهارة مستحبة كتجديد وضوء 4 وغسل جمعة 5 أو عيد ونحوه وغسلة ثانية وثالثة في وضوء أو غسل كره للخلاف في سلبه الطهورية فإن لم تكن الطهارة مشروعة كالتبرد لم يكره.
وإن بلغ الماء قلتين تثنية قلة وهي: اسم لكل ما ارتفع وعلا والمراد هنا: الجرة الكبيرة من قلال هجر6 وهي قرية كانت قرب المدينة. وهو الكثير اصطلاحا وهما أي القلتان خمسمائة رطل بكسر الراء وفتحها عراقي تقريبا 7 فلا يضر نقص يسير كرطل ورطلين وأربع مائة وستة وأربعون رطلا وثلاثة أسباع رطل مضري8
ومائة
ـــــــ
1- لأن الماء المغصوب ككل مغصوب لا يجزئ استعماله وبالتالي لا يطهر سواء لزوال طهوريته حكما ولا حالا المكان المغصوب حكمه حكم الماء المغصوب فلا تجزئ الصلاة فيه وكذا الثوب المغصوب الخ...
2- أجن الماء: تغير غير أنه شروب.
3- أي جاز بالتالي التطهر بالماء المعد للاستعمال في الحمام أي ما لم يشتد حره وكذا برده لأن الماء لا يتمكن من استعماله كما يجب خوف إيذاء نفسه ولأنه بالتالي قد يضر مستعمله فالماء الشديد الحرارة يحرق الجلد والماء الشديد البرودة يؤذي العروق.
4- تجديد وضوء: وضوء حديد دون أن يكون الوضوء السابق قد نقضه شيء.
5- وغسل الجمعة واجب على كل محتلم كما جاء في الحديث ولا يكون بالضرورة لرفع الحدث الأكبر.
6- هجر بلد في اليمن اشتهرت بصنع الفخار.
7- والرطل العراقي يساوي 309.281 جرام أي أن كمية الماء في القلتين 154.640 ليترا.
8- الرطل المصري ويسمى المنا المصري ويساوي 412.347 جرام.

وسبعة وسبع رطل دمشقي1 وتسعة وثمانون وسبعا رطل حلبي وثمانون رطلا وسبعان ونصف سبع رطل قدسي فالرطل العراقي تسعون مثقالا: سبع القدسي وثمن سبعه وسبع الحلبي وربع سبعه وسبع الدمشقي ونصف سبعه ونصف المصري وربعه وسبعه فخالطته نجاسة قليلة أو كثيرة غير بول آدمي أو عذرته وصححه الطحاوي وحديث: "إن الماء طهور لاينجسه شئ" .وحديث: "الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه" 2. يحملان على المقيد السابق وإنما خصت القلتان بقلال هجر لوروده فى بعض ألفاظ الحديث ولأنها كانت مشهورة الصفة معلومة المقدار قال ابن جريج: رأيت قلال هجر فرأيت القلة تسع قربتين وشيئا والقربة مائة رطل بالعراقي والاحتياط أن يجعل الشىء نصفا كانت القلتان خمسمائة بالعراقي أو خالطه البول أو العذرة من آدمي ويشق نزحه كمصانع طريق مكة فطهور ما لم يتغير.
قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافا. ومفهوم كلامه أن ما لا يشق نزحه ينجس ببول الآدمي أو عذرته المائعة أو الجامد إذا ذاب فيه ولو بلغ قلتين وهو قول أكثر المتقدمين والمتوسطين. قال في المبدع: ينجس على المذهب وإن لم يتغير لحديث أبي هريرة يرفعه: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل منه" متفق عليه. وروى الخلال بإسناده أن عليا رضي الله عنه سئل عن صبي بال في بئر فأمرهم بنزحها وعنه أن البول والعذرة كسائر النجاسات فلا ينجس بهما ما بلغ قلتين إلا بالتغير قال في التنقيح: اختاره أكثر المتأخرين وهو أظهر اهـ لأن نجاسة بول الآدمي لا تزيد على نجاسة بول الكلب.
ولا يرفع حدث رجل وخنثى طهور يسير دون القلتين خلت به 3 كخلوة نكاح امرأة مكلفة ولو كافرة لطهارة كاملة عن حدث لنهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة رواه أبو داود وغيره وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان. قال أحمد في رواية
ـــــــ
1- الرطل الشامي يساوي 2565.890 جرام.
2- وجاء في حديث بئر بضاعة وهي بئر كانت بالمدينة يلقى فيها القماش الذي كانت تحمله النساء فترة الحيض وغيره فسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عنه فقال: "الماء لا ينجسه شيء" أما الاستثناء الوارد هنا في رواية أبي أمامة الباهلي فقد ذكر انووي اتفاق المحدثين على تضعيفه.
3- خلت به: انفردت باستعماله.

أبي طالب: أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون ذلك وهو تعبدي. وعلم مما تقدم أنه يزيل النجس مطلقا وأنه يرفع حدث المرأة والصبي وأنه لا أثر لخلوتها بالتراب ولا بالماء الكثير ولا بالقليل إذا كان عندها من يشاهدها أو كانت صغيرة أو لم تستعمله في طهارة كاملة ولا لما خلت به لطهارة خبث فإن لم يجد الرجل غير ما خلت به طهارة الحدث استعمله ثم تيمم.
النوع الثاني من المياه: الطاهر1 غير المطهر2 وقد أشار إليه بقوله: وإن تغير لونه أو طعمه أو ريحه أو كثير من صفة من تلك الصفات لا يسير منها بطبخ طاهر فيه أو بطاهر من غير جنس الماء لا يشق صونه عنه ساقط فيه كزعفران لا تراب ولو قصدا ولا ما لا يمازجه مما تقدم فطاهر لأنه ليس بماء مطلق أو رفع بقليله حدث مكلف أو صغير فطاهر لحديث أبي هريرة: "لا يغتسلن أحدكم في الماء الدائم وهو جنب" رواه مسلم. وعلم منه أن المستعمل في الوضوء والغسل المستحبين طهور كما تقدم. وأن المستعمل في رفع الحدث إذا كان كثيرا طهور لكن يكره الغسل في الماء الراكد ولا يضر اغتراف المتوضئ لمشقة تكرره بخلاف من عليه حدث أكبر فإن نوى وانغمس هو أو بعضه في قليل لم يرتفع حدثه وصار الماء مستعملا ويصير الماء مستعملا في الطهارتين بانفصاله لا قبله مادام مترددا على الأعضاء أو غمس فيه أي في الماء القليل كل يد مسلم مكلف قائم من نوم ليل ناقض لوضوء 3 قبل غسلها ثلاثا فطاهر نوى الغسل بذلك الغمس أو لا وكذا إذا حصل الماء في كلها ولو باتت مكتوفة أو في جراب ونحوه لحديث: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثا فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده" رواه مسلم. ولا أثر لغمس يد كافر وصغير ومجنون وقائم من نوم نهار أو ليل إذا كان نومه يسيرا لا ينقض الوضوء والمراد باليد هنا إلى الكوع ويستعمل هذا الماء إن لم يوجد غيره ثم يتيمم وكذا ما غسل به الذكر والأنثيان لخروج مذي دونه لأنه في معناه
وأما ما غسل به
ـــــــ
1- الماء الطاهر هو الطاهر في ذاته إنما لا يطهر سواه أي يجوز استعماله لكل شيء إلا رفع الحدث الأكبر والأصغر أي لا يجزئ في وضوء ولا غسل.
2- الماء المطهر هو الطاهر في ذاته المطهر لغيره أي أنه يجزئ في الوضوء والغسل.
3- أي نوم المستغرق الذي لا يعي ما يحصل منه أثناءه سواء كان جالسا أو مستلقيا لأن الغالب على من استغرق في النوم أن لا يعي لان خرج منه ريح أم لا فالشك فيه أقوى من اليقين وبالتالي يجب عليه الوضوء إن استيقظ وأراد الصلاة وغسل اليدين إن أراد مس الطعام أو ما شابه.

المذي فعلى ما يأتي أو كان آخر غسلة زالت النجاسة بها وانفصل غير متغير فطاهر لأن المنفصل بعض المتصل والمتصل طاهر.
النوع الثالث: النجس وهو: المشار إليه بقوله: والنجس ما تغير بنجاسة قليلا كان أو كثيرا و حكى ابن المنذر الإجماع عليه أو لاقاها أي لاقى النجاسة وهو يسير دون القلتين فينجس بمجرد الملاقاة1 ولو جاريا لمفهوم حديث: "إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء" أو انفصل عن محل نجاسة متغيرا أو قبل زوالها فنجس فما انفصل قبل السابعة نجس وكذا ما انفصل قبل زوال عين النجاسة ولو بعدها أو متغيرا فإن أضيف إلى الماء النجس قليلا كان أو كثيرا طهور كثير بصب أو إجراء ساقية إليه ونحو ذلك طهر لأن هذا القدر المضاف يدفع النجاسة عن نفسه وعما اتصل به غير تراب ونحوه فلا يطهر به نجس أو زال تغير الماء النجس الكثير بنفسه من غير إضافة ولا نزح أو نزح منه أي من النجس الكثير فبقي بعده أي بعد المنزوح كثير غير متغير طهر لزوال علة تنجسه وهي التغير والمنزوح الذي زال مع نزحه التغير طهور إن لم تكن عين النجاسة به وإن كان النجس قليلا أو كثيرا مجتمعا من متنجس يسير فتطهيره بإضافة كثير مع زوال تغيره إن كان ولا يجب غسل جوانب بئر نزحت للمشقة.
تنبيه : محل ما ذكر إن لم تكن النجاسة بول آدمي أو عذرته فتطهير ما تنجس بهما من الماء إضافة ما يشق نزحه إليه أو نزح يبقى بعده ما يشق نزحه أو زوال تغير ما يشق نزحه بنفسه على قول أكثر المتقدمين ومن تابعهم على ما تقدم.
الشك في النجسوإن شك في نجاسة ماء أو غيره من الطاهرات أو شك في طهارته أي طهارة شيء علمت نجاسته قبل الشك بنى على اليقين الذي علمه قبل الشك ولو مع سقوط عظم أو روث شك في نجاسته لأن الأصل بقاؤه على ما كان عليه وإن أخبره عدل بنجاسته وعين السبب لزم قبول خبره وإن اشتبه طهور بنجس حرم استعمالهما إن لم يمكن تطهير النجس بالطهور فإن أمكن بأن كان الطهور قلتين فأكثر وكان عنده إناء يسعهما وجب خلطهما واستعمالهما ولم يتحر أي لم ينظر أيهما يغلب على ظنه أنه الطهور فيستعمله ولو زاد عدد الطهور ويعدل إلي التيمم إن لم يجد غيرهما ولا يشترط للتيمم إراقتهما ولا خلطهما لأنه غير قادر على استعمال الطهور أشبه ما لو كان الماء في بئر ولا يمكنه الوصول
ـــــــ
1- أي بمجرد ملاقاة النجاسة.

إليه وكذا لو اشتبه مباح بمحرم فيتيمم إن لم يجد غيرهما ويلزم من علم النجس إعلام من أراد أن يستعمله.
وإن اشتبه طهور بطاهر أمكن جعله طهورا به أم لا توضأ منهما وضوءا واحدا ولو مع طهور بيقين من هذا غرفة ومن هذا غرفة ويعم بكل واحدة من الغرفتين المحل وصلى صلاة واحدة قال في المغني و الشرح: بغير خلاف نعلمه فإن احتاج أحدهما للشرب تحرى وتوضأ بالطهور عنده ويتيمم ليحصل له اليقين
وإن اشتبهت ثياب طاهرة بـ ثياب نجسة يعلم عددها أو اشتبهت ثياب مباحة بـ ثياب محرمة يعلم عددها صلى في كل ثوب صلاة بعدد النجس من الثياب أو المحرمة منها ينوي بها الفرض احتياطا كمن نسي صلاة من يوم وزاد على العدد صلاة ليؤدي فرضه بيقين فإن لم يعلم عدد النجسة أو المحرمة لزمه أن يصلي في كل ثوب صلاة حتى يتيقن أنه صلى في ثوب طاهر ولو كثرت ولا تصح في ثياب مشتبهة مع وجود طاهر يقينا وكذا حكم أمكنة ضيقة ويصلي في واسعة حيث شاء بلا تحر.

1-

باب الآنية
هي: الأوعية جمع إناء لما ذكر الماء ذكر ظرفه. كل إناء طاهر كالخشب والجلود والصفر1 والحديد ولو كان ثمينا كجوهر وزمرد يباح اتخاذه واستعماله بلا كراهة غير جلد آدمي وعظمه فيحرم إلا آنية ذهب وفضة ومضببا بهما 2 أو بأحدهما غير ما يأتي وكذا المموه3 والمطلي4 والمطعم5 والمكفت6 بأحدهما فإنه يحرم اتخاذها لما فيه
ـــــــ
1 الصفر: النحاس.
2 المضبب بالذهب أو الفضة: الوعاء من زجاج ونحوه يطوق بالذهب والفضة وتجعل له ضبة أي قطعة يمسك بها من الذهب أو والفضة.
3 المموه: الوعاء من الزجاج يموه أي يطلي ويرسم عليه بماء الذهب أو ماء الفضة أي بنيترات الذهب أو نيترات الفضة.
4 المطلي: الوعاء من النحاس يطلى بالذهب أو الفضة أي تجعل عليه طبقة من أحدهما كغلفة فيظن الرائي أنه من الذهب أو الفضة الصافية.
5 المطعم: الوعاء من الخشب أو العاج تحفر فيه رسوم ويملأ موضع الحفر من الذهب والفضة.
6 المكفت من الكفت وكفت الشيء قبضه وضمه والمقصود هنا الوعاء من زجاج ونحوه يوضع داخل وعاء آخر من ذهب أو فضة فيوضع السائل في الزجاج إنما يمسك من الذهب أو والفضة. كفنجان القهوة الخزفي يجعل داخل نحاسي كي لا يكسر.

من السرف والخيلاء وكسر قلوب الفقراء واستعمالها في أكل وشرب وغيرهما ولو على أنثى لعموم الأخبار وعدم المخصص وإنما أبيح التحلي للنساء لحاجتهن إلى التزين للزوج وكذا الآلات كلها على ما يأتي تفصيله كالدواة والقلم والمسعط والقنديل والمجمرة والمدخنة حتى الميل ونحوه. وتصح الطهارة منها أي من الآنية المحرمة وكذا الطهارة بها وفيها وإليها وكذا آنية مغصوبة إلا ضبة يسيرة عرفا لا كثيرة من فضة لا ذهب لحاجة وهي أن يتعلق بها غرض غير الزينة فلا بأس بها لما روى البخاري عن أنس رضي الله عنه: أن قدح النبي صلى الله عليه وسلم انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة وعلم منه أن المضبب بذهب حرام مطلقا وكذا المضبب بفضة لغير حاجة أو بضبة كبيرة عرفا ولو لحاجة لحديث ابن عمر: "من شرب في إناء ذهب أو فضة أو إناء فيه شئ من ذلك فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم" رواه الدارقطني وتكره مباشرتها أي الضبة المباحة لغير حاجة لأن فيه استعمالا للفضة فإن احتاج إلى مباشرتها كتدفق الماء ونحو ذلك لم يكره وتباح آنية الكفار إن لم تعلم نجاستها ولو لم تحل ذبائحهم كالمجوس لأنه صلى الله عليه وسلم توضأ من مزادة مشركة متفق عليه و تباح ثيابهم أي ثياب الكفار ولو وليت عوراتهم كالسراويل إن جهل حالها ولم تعلم نجاستها لأن الأصل الطهارة فلا تزول بالشك وكذا ما صبغوه أو نسجوه أو نسجوه وآنية من لابس النجاسة كثيرا كمدمن الخمر وثيابهم وبدن الكافر طاهر وكذا طعامه وماؤه لكن تكره الصلاة في ثياب المرضع والحائض والصبي ونحوهم
ولا يطهر جلد ميتة بدباغ روي عن عمر وابنه وعائشة وعمران بن حصين رضي الله عنهم وكذا لا يطهر جلد غير مأكول بذكاة كلحمه ويباح استعماله أي استعمال الجلد بعد الدبغ بطاهر منشف للخبث قال في الرعاية: ولا بد فيه من زوال الرائحة الخبيثة وجعل المصران والكرش وترا دباغ ولا يحصل بتشميس ولا تريب ولا يفتقر إلى فعل آدمي فلو وقع في مدبغة فاندبغ جاز استعماله في يابس لا مائع ولو وسع قلتين من الماء إذا كان الجلد من حيوان طاهر في الحياة مأكولا كان كالشاة أو لا كالهر أما جلود السباع كالذئب ونحوه مما خلقته أكبر من الهر ولا يؤكل فلا يباح دبغه ولا استعماله قبل الدبغ ولا بعده فلا يصح بيعه ويباح استعمال منخل من شعر نجس في يابس وعظم الميتة ولبنها أي لبن الميتة وكل أجزائها كقرنها وظفرها وعصبها وحافرها وإنفحتها وجلدتها نجسة فلا يصح بيعها غير شعر ونحوه كصوف ووبر وريش من طاهر في الحياة فلا ينجس بموت فيجوز استعماله ولا ينجس باطن بيضة مأكول صلب قشرها بموت الطائر وما أبين من حيوان حي فهو كميتته طهارة ونجاسة فما قطع من السمك طاهر وما قطع من بهيمة الأنعام ونحوها مع بقاء حياتها نجس غير ممسك وفأرته والطريدة وتأتي في الصيد.

2-

باب الاستنجاء
من نجوت الشجرة أي قطعتها فكأنه قطع الأذى والاستنجاء: إزالة خارج من سبيل بماء أو إزالة حكمه بحجر أو نحوه. ويسمى الثاني استجمارا من الجمار وهي الحجارة الصغيرة. يستحب عند دخول الخلاء 1 ونحوه وهو بالمد الموضع المعد لقضاء الحاجة قول بسم الله لحديث علي: ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الكنيف أن يقول بسم الله رواه ابن ماجة والترمذي وقال: ليس إسناده بالقوي أعوذ بالله من الخبث بإسكان الباء قال القاضي عياض: هو أكثر روايات الشيوخ وفسره بالشر والخبائث : الشياطين فكأنه استعاذ من الشر وأهله. وقال الخطابي: وهو بضم الباء هو جمع خبيث والخبائث جمع خبيثة فكأنه استعاذ من ذكرانهم وإناثهم. واقتصر المصنف على ذلك تبعا للمحرر و الفروع وغيرهما لحديث أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء قال: "اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث" متفق عليه. وزاد في المنتهى تبعا للمقنع وغيره: "الرجس النجس الشيطان الرجيم" لحديث أبي أمامة: "لا يعجز أحدكم إذا دخل مرفقه 2 أن يقول: اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الشيطان الرجيم" . و يستحب أن يقول عند الخروج منه أي من الخلاء ونحوه غفرانك أي أسألك غفرانك من الغفر وهو الستر لحديث أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال: "غفرانك" رواه الترمذي وحسنه. وسن له أيضا أن يقول: الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني لما رواه ابن ماجة عن أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال: "الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني" . و يستحب له: تقديم الرجل اليسرى دخولا أي عند دخول الخلاء ونحوه من مواضع الأذى. و يستحب له تقديم يمنى رجليه خروجا عكس مسجد ومنزل و لبس نعل وخف فاليسرى تقدم للأذى واليمنى لما سواه وروى الطبراني في المعجم الصغير عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمنى وإذا خلع فليبدأ باليسرى" وعلى قياسه القميص ونحوه. و يستحب له اعتماده على رجله اليسرى حال جلوسه لقضاء الحاجة لما روى الطبراني في المعجم
ـــــــ
1- الخلاء: مكان التخلي أي مكان قضاء الحاجة سواء كان الكنيف المبني أو الحش بين الشجر المتكاثف أو الأرض الفضاء البعيدة عن الناس والمساكن.
2- مرافق الدار: أماكن الخدمة في الدار وهي المطبخ والحمامات والكنيف وقوله المرفق يقصد به الكنيف.

والبيهقي عن سراقة بن مالك: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتكىء على اليسرى وأن ننصب اليمنى. و يستحب بعده إذا كان في فضاء حتى لا يراه أحد لفعله صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود من حديث جابر.
و يستحب استتاره لحديث أبي هريرة قال: "من أتى الغائط فليستتر" رواه أبو داود. وارتياده لبوله مكانا رخوا بتثليث الراء لينا هشا لحديث: "إذا بال أحد فليرتد لبوله" رواه أحمد وغيره. وفي التبصرة ويقصد مكانا علوا ولعله لينحدر عنه البول فإن لم يجد مكانا رخوا ألصق ذكره ليأمن بذلك من رشاش البول. و يستحب مسحه أي أن يمسح بيده اليسرى إذا فرغ من بوله من أصل ذكره أي من حلقة دبره فيضع إصبعه الوسطى تحت الذكر والإبهام فوقه ويمر بهما إلى رأسه أي رأس الذكر ثلاثا لئلا يبقى من البول فيه شئ. و يستحب نتره بالمثناة ثلاثا أي نتر ذكره ثلاثا ليستخرج بقية البول منه لحديث "إذا بال أحدكم فلينتر ذكره ثلاثا" رواه أحمد وغيره. و يستحب تحوله من موضعه ليستنجي في غيره إن خاف تلوثا باستنجائه في مكانه لئلا يتنجس ويبدأ ذكر وبكر بقبل لئلا تتلوث يده إذا بدأ بالدبر وتخير ثيب.
ويكره دخوله أي دخول الخلاء أو نحوه بشيء فيه ذكر الله تعالى غير مصحف فيحرم إلا لحاجة لا دراهم ونحوها وحرز للمشقة ويجعل فص خاتم احتاج للدخول به بباطن كف يمنى و يكره استكمال رفع ثوبه قبل دنوه أي قربه من الأرض بلا حاجة فيرفع شيئا فشيئا ولعله يجب إن كان ثم من ينظره قاله في المبدع و يكره كلامه فيه ولو برد سلام وإن عطس حمد الله بقلبه ويجب عليه تحذير ضرير وغافل عن هلكة وجزم صاحب النظم بتحريم القراءة في الحش وسطحه وهو متوجه على حاجته و يكره بوله في شق بفتح الشين ونحوه كسرب وهو ما يتخذه الوحش والذئب بيتا في الأرض1.
ويكره أيضا بوله في إناء بلا حاجة ومستحم غير مقير أو مبلط ومس فرجه أو فرج زوجته ونحوها بيمينه و يكره استنجاؤه واستجماره بها أي بيمينه لحديث أبي قتادة: "لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول ولا يتمسح من الخلاء بيمينه" متفق عليه. واستقبال النيرين أي الشمس والقمر لما فيهما من نور الله تعالى.
ويحرم استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة في غير بنيان لخبر أبي أيوب
ـــــــ
1- كي لا يخرج من الشق شيء من هوام الأرض أو حيوانها يؤذيه وهو في حال قضاء الحاجة لا يقدر على رده.

مرفوعا: "إذا أتيتم الغائط1 فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا" متفق عليه. ويكفي انحرافه عن جهة القبلة وحائل ولو كمؤخرة رحل ولا يعتبر القرب من الحائل. ويكره استقبالها حال الاستنجاء. و يحرم لبثه فوق حاجته لما فيه من كشف العورة بلا حاجة وهو مضر عند الأطباء و يحرم بوله وتغوطه في طريق مسلوك وظل نافع ومثله مشمس زمن الشتاء ومتحدث الناس2 وتحت شجرة عليها ثمرة سواء كان الثمر يقصد للأكل أو غيره لأنه يقذرها وكذا في مورد الماء و تغوطه بماء مطلقا.
ويستجمر بحجر أو نحوه ثم يستنجي بالماء لفعله صلى الله عليه وسلم رواه أحمد رواه أحمد من حديث عائشة وصححه الترمذي فإن عكس كره وبجزئه الاستجمار حتى مع وجود الماء لكن الماء أفضل إن لم يعد أي يتجاوز الخارج موضع العادة مثل أن ينتشر الخارج على شىء من الصفحة أو يمتد إلى الحشفة امتدادا غير معتاد فلا يجزئ فيه إلا الماء كقبلى الخنثى المشكل ومخرج غير فرج وتنجس مخرج بغير خارج ولا يجب غسل نجاسة وجنابة بداخل فرج ثيب ولا داخل حشفة أقلف غير مفتوق3.
ويشترط للاستجمار بأحجار ونحوها كخشب وخرق أن يكون ما يستجمر به طاهرا مباحا منقيا غير عظم وروث ولو طاهرين وطعام ولو لبهيمة ومحترم ككتب علم ومتصل بحيوان كذنب البهيمة وصوفها المتصل بها ويحرم الاستجمار بهده الأشياء وبجلد سمك أو حيوان مذكى مطلقا أو حشيش رطب. ويشترط للاكتفاء بالاستجمار ثلاث مسحات منقية فأكثر إن لم يحصل بثلاث ولا يجزىء أقل منها ويعتبر أن تعم كل مسحة المحل ولو كانت الثلاث بحجر ذي شعب أجزأت إن أنقت وكيف ما حصل الإنقاء في الاستجمار أجزأ وهو أن يبقى أثر لا يزيله إلا الماء وبالماء عود المحل كما كان مع السبع غسلات ويكفي ظن الإنقاء. ويسن قطعه أي قطع ما زاد على الثلاث على وتر فإن أنقى برابعة زاد خامسة وهكذا. ويجب الاستنجاء بماء أو حجر ونحوه لكل خارج من سبيل إذا أراد الصلاة ونحوها إلا الريح والطاهر وغير الملوث. ولا يصح قبله أي قبل الاستنجاء بماء أو حجر ونحوه وضوء ولا تيمم لحديث المقداد المتفق عليهـــــــ
1- الغائط: أصلا اسم للأرض المنحدرة المنخفضة عن سواها وكانت تستعمل لقضاء الحاجة فصار الاسم لقضاء الحاجة ثم اشتقاقها الفعل تغوط أي قصد إلى الأرض الغائط يعني ذهب لقضاء الحاجة.
2- أي مكان جلوسهم للحديث.
3- أي يكفي غسل ظاهرهما دون باطنهما.

"يغسل ذكره ثم يتوضأ" ولو كانت النجاسة على غير السبيلين أو عليهما غير خارجة منهما صح الوضوء والتيمم قبل زوالها.

باب السواك وسنن الوضوء
وما ألحق بذلك من الادهان والاكتحال والاختتان والاستحداد ونحوهاالسواك والمسواك: اسم للعود الذي يستاك به. ويطلق السواك على الفعل أي دلك الفم بالعود لإزالة نحو تغير كالتسوك. التسوك بعود لين سواء كان رطبا أو يابسا مندى من أراك أو زيتون أو عرجون أو غيرها منق للفم غير مضر احترازا عن الرمان والآس وكل ماله رائحة طيبة لا يتفتت ولا يجرح ويكره بعود يجرح أو يضر أو يتفتت. لا يصيب السنة من استاك بإصبعه وخرقة ونحوهما لأن الشرع لم يرد به ولايحصل به الإنقاء كالعود. مسنون كل وقت خبر قوله: التسوك أي يسن كل وقت لحديث: "السواك مطهرة للفم مرضاة للرب" رواه الشافعي وأحمد وغيرهما. لغيرصائم بعد الزوال فيكره فرضا كان الصوم أو نفلا وقبل الزوال يستحب له بيابس ويباح برطب لحديث: "اذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي" أخرجه البيهقي عن علي رضي الله عنه. متأكد خبر ثان للتسوك عند صلاة فرضا كانت أو نفلا و عند انتباه من نوم ليل أو نهار و عند تغير رائحة فم بمأكول أو غيره وعند وضوء وقراءة زاد الزركشي والمصنف في الإقناع: ودخول منزل ومسجد وإطالة سكوت وخلو المعدة من الطعام واصفرار الأسنان.
ويستاك عرضا استحبابا بالنسبة إلى الأسنان بيده اليسرى على أسنانه ولثته ولسانه ويغسل السواك ولا بأس أن يستاك به اثنان فأكثر. قال في الرعاية: ويقول إذا استاك: اللهم طهر قلبي ومحص ذنوبي. قال بعض الشافعية: وينوي به الإتيان بالسنة. مبتدئا بجانب فمه الأيمن فتسن البداءة بالأيمن في سواك وطهور وشأنه كله غير ما يستقذر. وبدهن استحبابا غبا يوما يدهن ويوما لا يدهن لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الترجل إلا غبا رواه النسائي والترمذي وصححه. والترجل: تسريح الشعر ودهنه. ويكتحل في كل عين وترا ثلاثا بالإثمد المطيب كل ليلة قبل أن ينام لفعله عليه السلام رواه أحمد وغيره عن ابن عباس. ويسن نظر في مرآة وتطيب ويتفطن إلى نعم الله تعالى ويقول: "اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي وحرم وجهي على النار" لحديث أبي هريرة.

ويجب التسمية في الوضوء مع الذكر أي أن يقول: بسم الله لا يقوم غيرها مقامها لخبر أبي هريرة مرفوعا: "لا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه" رواه أحمد وغيره. وتسقط مع السهو وكذا غسل وتيمم. ويجب الختان عند البلوغ ما لم يخف على نفسه ذكرا كان أو خنثى أو أنثى1 فالذكر بأخذ جلدة الحشفة والأنثى بأخذ جلدة فوق محل الإيلاج2 تشبه عرف الديك ويستحب أن لا تؤخذ كلها والخنثى بأخذهما وفعله زمن صغر أفضل وكره في سابع يوم من الولادة إليه3.
ويكره القزع وهو حلق بعض الرأس وترك بعض وكذا حلق القفا لغير حجامة ونحوها. ويسن إبقاء شعر الرأس قال أحمد: هو سنة لو نقوى عليه اتخذناه ولكن له كلفة و مؤونة ويسرحه ويفرقه ويكون إلى أذنه وينتهي إلى منكبيه كشعره عليه السلام و لا بأس بزيادة وجعله ذؤابة ويعفي لحيته ويحرم حلقها ذكره الشيخ تقي الدين. ولا يكره أخذ ما زاد على القبضة وما تحت حلقه. ويحف شاربه وهو أولى من قصه. ويقلم أظفاره مخالفا. وينتف إبطيه ويحلق عانته وله إزالتها بما شاء. والتنوير4 فعله أحمد في العورة وغيرها. ويدفن ما يزيله من شعره وظفره ونحوه ويفعله كل أسبوع يوم الجمعة قبل الزوال ولا يتركه فوق أربعين يوما وأما الشارب ففي كل جمعة.
ومن سنن الوضوء وهي جمع سنة وهي في اللغة الطريقة وفي الاصطلاح ما يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه وتطلق أيضا على أقواله وأفعاله وتقريراته صلى الله عليه وسلم وسمي غسل الأعضاء على الوجه المخصوص وضوءا لتنظيفه المتوضئ وتحسينه. السواك وتقدم أنه يتأكد فيه ومحله عند المضمضمة وغسل الكفين ثلاثا في أول الوضوء ولو تحقق طهارتهما ويجب غسلهما ثلاثا بنية وتسمية من نوم ليل ناقض لوضوء لما تقدم في أقسام الماء ويسقط غسلهما والتسمية سهوا وغسلهما لمعنى فيهما فلو استعمل الماء ولم يدخل يده في الإناء لم يصح وضوؤه وفسد الماء.
و من سنن الوضوء البداءة قبل غسل الوجه بمضمضة ثم استنشاق ثلاثا ثلاثا بيمينه واستنثاره بيساره و من سننه مبالغة فيهما أي في المضمضة والاستنشاق لغير
ـــــــ
1- وختان الأنثى يسمى الخفض.
2- وهو البظر فيقطع بعضه لا كله لأن في قطعه كله إزالة لرغبة المرأة في الجماع.
3- أي ويكره أيضا فعل ذلك من اليوم الأول للولادة إلى اليوم السابع ويستحب بعده.
4- التنوير: لإزالة شعر الإبط والعانة والصدر إن شاء والنور مزيج من كلس وزرنيخ وهناك أنواع منه معدة جاهزة في أيامنا في الصيدليات أفضل وأقل خطرا من إعداده يدويا.

صائم فتكره والمبالغة في المضمضة: إدارة الماء بجميع فمه وفي الاستنشاق: جذبه بنفس إلى أقصى الأنف وفي بقية الأعضاء دلك ما ينبو عنه الماء للصائم وغيره و من سننه تخليل اللحية الكثيفة بالثاء المثلثة وهي التي تستر البشرة فيأخذ كفا من ماء يضعه من تحتها بأصابعه مشتبكة أو من جانبيها ويعركها وكذا عنفقته1 وباقي شعور الوجه و من سننه تخليل الأصابع أي أصابع اليدين والرجلين قال في الشرح: وهو في الرجلين آكد ويخلل أصابع رجليه بخنصر يده اليسرى من باطن رجله اليمنى من خنصرها إلى إبهامها وفي اليسرى بالعكس وأصابع يديه إحداهما بالأخرى فإن كانت أو بعضها ملتصقة سقط و من سننه التيامن بلا خلاف وأخذ ماء جديد للأذنين بعد مسح رأسه ومجاوزة محل فرض و من سننه الغسلة الثانية والثالثة 2 وتكره الزيادة عليها ويعمل في عدد الغسلات بالأقل ويجوز الاقتصار على الغسلة الواحدة و الثنتان أفضل منها والثلاث أفضل منهما ولو غسل بعض أعضاء الوضوء أكثر من بعض لم يكره ولا يسن مسح العنق ولا الكلام على الوضوء.
ـــــــ
1- العنفقة: شعر مابين الشفة السفلى والذقن وقيل الموضع مابين الشفة السفلى والذقن.
2- الثانية والثالثة سنة إن كانت الغسلة الأولى قد شملت مكان الغسل كما يجب فإن كانت الأولى ناقصة كانت ما بعدها رفضا.

باب فرض الوضوء وصفته
الفرض لغة: يقال لمعان أصلها: الحز والقطع وشرعا: ما أثيب فاعله وعوقب تاركه والوضوء استعمال ماء طهور في الأعضاء الأربعة على صفة مخصوصة وكان فرضه مع فرض الصلاة كما رواه ابن ماجة ذكره في المبدع.
فروضه ستة
أحدها: غسل الوجه لقوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} 1 والفم والأنف منه أي من الوجه لدخولهما في حده فلا تسقط المضمضة ولا الاستنشاق في وضوء ولا غسل لا عمدا ولا سهوا.
و الثاني غسل اليدين مع المرفقين لقوله تعالى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} 2.
ـــــــ
1- سورة المائدة من الآية "6".
2- سورة المائدة من الآية "6".

و الثالث مسح الرأس كله ومنه الأذنان لقوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} 1 وقوله صلى الله عليه وسلم: "الأذنان من الرأس" رواه ابن ماجه.
و الرابع غسل الرجلين مع الكعبين لقوله تعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} 2.
و الخامس الترتيب على ما ذكر الله تعالى لأن الله تعالى أدخل الممسوح بين المغسولات ولا نعلم لهذا فائدة غير الترتيب والآية سيقت لبيان الواجب والنبي صلى الله عليه سلم رتب الوضوء وقال: "هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به" فلو بدأ بشيء من الأعضاء قبل غسل الوجه لم يحسب له وإن توضأ منكسا أربع مرات صح وضوءه إن قرب الزمن ولو غسلها جميعا دفعة واحدة لم يحسب له غير الوجه وإن انغمس ناويا في ماء وخرج مرتبا أجزأه وإلا فلا.
و السادس الموالاة لأنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمره أن يعيد الوضوء رواه أحمد وغيره. وهي أي الموالاة أ ن لا يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله بزمن معتدل أو قدره من غيره ولا يضر إن جف لاشتغال بسنة كتخليل وإسباغ أو إزالة وسوسة أو وسخ ويضر الاشتغال بتحصيل ماء أو إسراف أو نجاسة أو وسخ لغير طهارة وسبب وجوب الوضوء الحدث ويحل جميع البدن كجنابة.
والنية لغة: القصد ومحلها القلب فلا يضر سبق لسانه بغير قصده ويخلصها لله تعالى شرط هو لغة: العلامة واصطلاحا ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته لطهارة الأحداث كلها لحديث: "إنما الأعمال بالنيات" فلا يصح وضوء وغسل وتيمم ولو مستحبات إلا بها فينوي رفع الحدث أو يقصد الطهارة لما لا يباح إلا بها أي بالطهارة كالصلاة والطواف ومس المصحف لأن ذلك يستلزم رفع الحدث فإن نوى طهارة أو وضوءا أو أطلق3 أو غسل أعضاءه ليزيل عنها النجاسة أو ليعلم غيره أو للتبرد لم يجزئه وإن نوى صلاة معينة لا غيرها ارتفع مطلقا وينوي من حدثه دائم استباحة الصلاة ويرتفع حدثه ولا يحتاج إلى تعيين النية للفرض فلو نوى رفع الحدث لم يرتفع في الأقيس قاله في المبدع ويستحب نطقه بالنية سرا.
ـــــــ
1- سورة المائدة من الآية "6".
2- سورة المائدة من الآية "6".
3- أي نوى الطهارة أو التطهر دون أن يحدد جنس الطهارة التي يريد هل هي لرفع حدث أكبر تغسل الجنابة من جماع أو غير جماع من احتلام أو غسل جمعة أو وضوء رفع لحدث أصغر.

تتمة: يشترط لوضوء وغسل أيضا إسلام وعقل وتمييز وطهورية ماء وإباحته1 وإزالة ما يمنع وصوله وانقطاع موجب ولوضوء فراغ استنجاء أو استجمار ودخول وقت على من حدثه دائم لفرضه فإن نوى ما تسن له الطهارة كقراءة قرآن وذكر وأذان ونوم وغضب ارتفع حدثه أو نوى تجديدا مسنونا بأن صلى بالوضوء الذي قبله ناسيا حدثه ارتفع حدثه لأنه نوى طهارة شرعية وإن نوى من عليه جنابة غسلا مسنونا كغسل الجمعة قال في الوجيز: ناسيا أجزأ عن واجب كما مر فيمن نوى التجديد وكذا عكسه أي إن نوى واجبا أجزأ عن المسنون وإن نواهما حصلا والأفضل أن يغتسل للواجب ثم للمسنون كاملا وإن اجتمعت أحداث متنوعة ولو متفرقة توجب وضوءا أو غسلا فنوى بطهارته أحدها لا على أن لا يرتفع غيره ارتفع سائرها أي باقيها لأن الأحداث تتداخل فإذا ارتفع البعض ارتفع الكل ويجب الإتيان بها أي بالنية عند أول واجبات الطهارة وهو التسمية فلو فعل شيئا من الواجبات قبل النية لم يعتد به ويجوز تقديمها بزمن يسير كالصلاة ولا يبطلها عمل يسير.
وتسن النية عند أول مسنوناتها أي مسنونات الطهارة كغسل اليدين في أول الوضوء إن وجد قبل واجب أي قبل التسمية و يسن استصحاب ذكرها أي تذكر النية في جميعها أي جميع الطهارة لتكون أفعاله مقرونة بالنية ويجب استصحاب حكمها أي حكم النية بأن لا ينوي قطعها حتى يتم الطهارة فإن عزبت عن خاطره لم يؤثر وإن شك في النية في أثناء طهارته استأنفها2 إلا أن يكون وهما كالوسواس فلا يلتفت إليه ولا يضر إبطالها بعد فراغه ولا شك بعده.
صفة الوضوءوصفة الوضوء الكامل أي كيفيته: أن ينوي ثم يسمي وتقدما ويغسل كفيه ثلاثا تنظيفا لهما فيكرر غسلهما عند الاستيقاظ من النوم وفي أوله ثم يتمضمض ويستنشق ثلاثا ثلاثا بيمينه ومن غرفة أفضل ويستنثر بيساره
ويغسل وجهه ثلاثا وحده من منابت شعر الرأس المعتاد غالبا إلى ما انحدر من اللحيين والذقن طولا مع ما استرسل من اللحية ومن الأذن إلى الأذن عرضا لأن ذلك تحصل به المواجهة والأذنان ليسا من الوجه بل البياض الذي بين العذار3 والأذن منه و يغسل ما فيه أي في الوجه من شعر
ـــــــ
1- أي أن الماء مباح للاستعمال أي غير مغصوب من مالكه والماء المباح يشمل الماء الواصل بالأنابيب إلى البيوت وماء ميضأة المسجد وماء مكان العمل إن كان معدا لاستعمال العاملين أو سبيل الماء المعد لعامة الناس.
2- استأنفها: أي أعاد الطهارة من أول أعمالها سواء ذلك وضوءا أو غسلا أو غسل جمعة.
3- العذار: شعر السالف.

خفيف يصف البشرة كعذار وعارض وأهداب عين وشارب وعنفقة لأنها من الوجه لا صدغ وتحذيف وهو الشعر بعد انتهاء العذار والنزعة ولا النزعتان وهما ما انحسر عنه الشعر من الرأس متصاعدا من جانبيه فهي من الرأس ولا يغسل داخل عينيه ولو من نجاسة ولو أمن الضرر. و يغسل الشعر الظاهر من الكثيف مع ما استرسل منه ويخلل باطنه وتقدم ثم يغسل يديه مع المرفقين 1 وأظفاره ثلاثا ولا يضر وسخ يسير تحت ظفر ونحوه2 ويغسل ما نبت بمحل الفرض من إصبع أو يد زائدة ثم يمسح كل رأسه بالماء مع الأذنين مرة واحدة فيمر يديه من مقدم رأسه إلى قفاه ثم يردهما إلى الموضع الذي بدأ منه ثم يدخل سبابتيه في صماخي أذنيه ويمسح بإبهاميه ظاهرهما ويجزئ كيف مسح ثم يغسل رجليه ثلاثا مع الكعبين أي العظمين الناتئين في أسفل الساق من جانبي القدم ويغسل الأقطع كبقية المفروض لحديث: "إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم" متفق عليه فإن قطع من المفصل من مفصل المرفق غسل رأس العضد منه وكذا الأقطع من مفصل كعب يغسل طرف ساق ثم يرفع نظره إلى السماء بعد فراغه ويقول ما ورد ومنه: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وتباح معونته أي معونة المتوضئ وسن كونه عن يساره كإناء ضيق الرأس وإلا فعن يمينه و يباح له تنشيف أعضائه من ماء الوضوء ومن وضأه غيره ونواه هو صلح إن لم يكن الموضئ مكرها بغير حق وكذا الغسل والتيمم.
ـــــــ
1- يجب إدخال المرفقين في قول أكثر العلماء لقوله تعالى: { وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} وإلى هنا لا تفيد انتهاء الغاية فيما قبلها وإن كانت تفيد هذا المعنى في مواضع أخرى فقولنا مثلا وصلت إلى المدينة لا تعني الوقوف عند بابها بل تعني أنه دخلها.
2- وإن كان ثمة أشياء تغطي الأظافر كهذه الأدهان التي تضعها النساء على أظفارهن فلا يجزيء غسل اليدين في الوضوء إلا بإزالة هذه الأدهان قبل الوضوء.

5-

باب مسح الخفين وغيرهما من الحوائل
وهو رخصة وأفضل من غسل1 ويرفع الحدث ولا يسن أن يلبس ليمسح. يجوز يوما وليلة لمقيم ومسافر لا يباح له القصر ولمسافر سفرا يبيح القصر ثلاثة أيام بلياليها لحديث علي يرفعه: "للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوم وليلة" رواه مسلم. ويخلع عند
ـــــــ
1- لأن الله سبحانه وتعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه كما جاء في الحديث الشريف.

انقضاء المدة فإن خاف أو تضرر رفيقه بانتظاره تيمم فإن مسح وصلى أعاد و ابتداء المدة من حدث بعد لبس على طاهر العين فلا يمسح على نجس1 ولو في ضرورة وتيمم معها لمستور مباح فلا يجوز المسح على مغصوب ولا على حرير لرجل لأن لبسه معصية فلا تستباح به الرخصة ساتر للمفروض ولو بشده أو شرجه كالزربول الذي له ساق وعرى يدخل بعضها في بعض فلا يمسح ما لا يستر محل الفرض لقصره أو سعته أو صفائه أو خرق فيه وإن صغر حتى موضع الخرز فإن انضم ولم يبد منه شيء جاز المسح عليه يثبت بنفسه فإن لم يثبت إلا بشده لم يجز المسح عليه وإن ثبت بنعلين مسح إلى خلعهما مادامت مدته ولا يجوز المسح على ما يسقط من خف بيان لطاهر أي يجوز المسح على خف يمكن متابعة المشي فيه عرفا قال الإمام أحمد: ليس في قلبي من المسح شيء فيه أربعون حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وجورب صفيق 2 وهو ما يلبس في الرجل على هيئة الخف من غير الجلد لأنه صلى الله عليه وسلم مسح على الجوربين والنعلين رواه أحمد وغيره وصححه الترمذي. ونحوهما أي نحو الخف والجورب كالجرموق ويسمى الموق وهو خف قصير فيصح المسح عليه لفعله عليه الصلاة والسلام رواه أحمد وغيره.
و يصح المسح أيضا على عمامة مباحة لرجل لا امرأة لأنه صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين والعمامة قال الترمذي: حسن صحيح هذا إذا كانت محنكة وهي التي يدار منها تحت الحنك كور فتح الكاف فأكثر أو ذات ذؤابة بضم المعجمة وبعدها همزة مفتوحة - وهي طرف العمامة المرخى فلا يصح المسح على العمامة الصماء ويشترط أيضا أن تكون ساترة لما لم تجر العادة بكشفه كمقدم الرأس والأذنين وجوانب الرأس فيعفى عنه لمشقة التحرز منه بخلاف الخف ويستحب مسحه معها و على خمر نساء مدارة تحت حلوقهن لمشقة نزعها كالعمامة بخلاف وقاية الرأس وإنما يمسح جميع ما تقدم في حدث أصغر لا في حدث أكبر بل يغسل ما تحتها.
و يمسح على جبيرة مشدودة على كسر أو جرح ونحوهما لم تتجاوز قدر
ـــــــ
1- أي لايجوز المسح على خف لم يلبس على طهارة.
2- جورب صفيق: جورب سميك يستر القدمين ويبعد عنهما أذى الطريق والنجاسة والغبار وليس المقصود هذه الجوارب الرقيقة التي نراها والتي هي بجوارب النساء أشبه فهذه لاترد أذى الطريقة ولا النجاسة ولا الغبار.
أي أن المسح عليها لايجزيء في غسل لرفع جنابة بل يجب خلعها وغسل مكانها ثم تلبس على طهارة.

الحاجة وهو موضع الجرح أو الكسر وما قرب منه بحيث يحتاج إليه في شدها فإن تعدى شدها محل الحاجة نزعها فإن خشي تلفا أو ضررا تيمم لزائد ودواء على البدن تضرر بقلعه كجبيرة في المسح عليه ولو في حدث أكبر لحديث صاحب الشجة: "إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعضد -أو يعصب- على جرحه خرقة ويمسح عليها ويغسل سائر جسده" . رواه أبو داود.
والمسح عليها عزيمة إلى حلها أي يمسح على الجبيرة إلى حلها أو برأ ما تحتها وليس مؤقتا كالمسح على الخفين ونحوهما لأن مسحها للضرورة فيتقدر بقدرها إذا لبس ذلك أي ما تقدم من الخفين ونحوهما والعمامة والخمار والجبيرة بعد كمال الطهارة بالماء ولو مسح فيها على حائل أو تيمم لجرح فلو غسل رجلا ثم أدخلها الخف خلع ثم لبس بعد غسل الأخرى ولو نوى جنب رفع حدثيه وغسل رجليه وأدخلهما الخف ثم تمم طهارته أو مسح رأسه ثم لبس العمامة ثم غسل رجليه أو تيمم ولبس الخف أو غيره لم يمسح ولو جبيرة فإن خاف بنزعها تيمم ويمسح من به سلس بول أو نحوه إذا لبس بعد الطهارة لأنها كاملة في حقه فإن زال عذره1 لزمه الخلع واستئناف الطهارة كالمتيمم يجد الماء.
ومن مسح في سفر ثم أقام أتم مسح مقيم إن بقي منه شيء وإلا خلع أو عكس أي مسح مقيما ثم سافر لم يزد على مسح مقيم تغليبا لجانب الحضر أو شك في ابتدائه أي ابتداء المسح هل كان حضرا أو سفرا فمسح مقيم أي فيمسح تتمة يوم وليلة فقط لأنه المتيقن وإن أحدث في الحضر ثم سافر قبل مسحه فمسح مسافر لأنه ابتدأ المسح مسافرا.
ولا يمسح قلانس جمع قلنسوة وهي المبطنات كدنيات القضاة والنوميات قال في مجمع البحرين: على هيئته ما تتخذه الصوفية الآن ولا يمسح لفافة وهي الخرقة تشد على الرجل تحتها نعل أو لا ولو مع مشقة لعدم ثبوتها بنفسها ولا يمسح ما يسقط من القدم أو خفا يرى منه بعضه أي بعض القدم أو شيء من محل الفرض لأن ما ظهر فرضه الغسل ولا يجامع2 المسح فإن لبس خفا على خف قبل الحدث ولو مع خرق أحد الخفين فالحكم للخف الفوقاني لأنه ساتر فأشبه المنفرد وكذا لو لبسه على لفافة وإن كانا مخرقين لم يجز المسح ولو سترا وإن أدخل يده من تحت الفوقاني ومسحه الذي تحته جاز
ـــــــ
1- زال عذره أي برء مكان الكسر أو الجرح إن كانت جبيرة أو رباطا أو شفي من سلس البول إن كان السلس.
2- أي لا يجتمع غسل موضع من القدم هو الموضع الظاهر من الخف مع المسح على الخف في وقت واحد.

وإن أحدث ثم لبس الفوقاني قبل مسح التحتاني أو بعده لم يمسح الفوقاني بل ما تحته ولو نزع الفوقاني بعد مسحه لزمه نزع ما تحته.
ويمسح وجوبا أكثر العمامة ويختص ذلك بدوائرها و يمسح أكثر ظاهر قدم الخف والجرموق والجورب وسن أن يمسح بأصابع يده من أصابعه أي أصابع رجليه إلى ساقه يمسح رجله اليمنى بيده اليمنى ورجله اليسرى بيده اليسرى ويفرج أصابعه إذا مسح وكيف مسح أجزأ ويكره غسله وتكرار مسحه دون أسفله أي أسفل الخف وعقبه فلا يسن مسحهما ولا يجزئ لو اقتصر عليه و يمسح وجوبا على جميع الجبيرة لما تقدم من حديث صاحب الشجة. ومتى ظهر بعض محل الفرض ممن مسح بعد الحدث بخرق الخف أو خروج بعض القدم إلى ساق الخف أو ظهر بعض رأس وفحش أو زالت جبيرة استأنف الطهارة فإن تطهر ولبس الخف ولم يحدث لم تبطل طهارته بخلعه ولو كان توضأ تجديدا ومسح. أو تمت مدته أي مدة المسح استأنف الطهارة ولو في صلاة لأن المسح أقيم مقام الغسل فإذا زال أو انقضت مدته بطلت الطهارة في الممسوح فتبطل في جميعها لكونها لا تتبعض.

6-

باب نواقض الوضوء
أي مفسداته وهي ثمانيةأحدها الخارج من سبيل وأشار إليه بقوله: ينقض الوضوء ما خرج من سبيل أي مخرج بول أو غائط ولو نادرا وطاهرا كولد بلا دم أو مقطرا في إحليله أو محتشى وابتل لا الدائم كالسلس والاستحاضة فلا ينقض للضرورة.
و الثاني خارج من بقية البدن سوى السبيل إن كان بولا أو غائطا قليلا كان أو كثيرا أو كان كثيرا نجسا غيرهما أي غير البول والغائط كقيء ولو بحاله1 لما روى الترمذي: إنه صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ والكثير ما فحش في نفس كل أحد بحسبه وإذا انسد المخرج وانفتح غيره لم يثبت له أحكام المعتاد.
و الثالث زوال العقل أو تغطيته قال أبو الخطاب وغيره: ولو تلجم ولم يخرج
ـــــــ
1- أي أن قيء الفتى الصغير تحتسب فيه الكمية الصغيرة, بينما قيء الرجل الكبير لا تحتسب فيه نفس الكمية وقيء الجل الضعيف غير قيء الرجل الضخم.

شيء إلحاقا بالغالب إلا يسير نوم من قاعد وقائم غير محتب أو متكئ أو مستند1 وعلم من كلامه أن الجنون والإغماء والسكر ينقض كثيرها ويسيرها ذكره في المبدع إجماعا. وينقض أيضا النوم من مضطجع وراكع وساجد مطلقا كمحتب ومتكىء ومستند والكثير من قائم وقاعد لحديث: "العين وكاء السه 2 فمن نام فليتوضأ" رواه أحمد وغيره.والسه: حلقة الدبر2.
و الرابع مس ذكر آدمي تعمده أو لا متصل ولو أشل أو قلفة أو من ميت لا الأنثيين3 ولا بائن4 أو محله5 و من قبل من امرأة وهو فرجها الذي بين اسكتيها6 لقوله صلى الله عليه وسلم: "من مس ذكره فليتوضأ" رواه مالك والشافعي وأحمد وغيرهم وصححه أحمد والترمذي. وفي لفظ: "من مس فرجه فليتوضأ" صححه أحمد. ولا ينقض مس شفريها وهما حافتا فرجها وينقض المس بيد بلا حائل ولو كانت زائدة سواء كان بظهر كفه أو بطنه أو حرفه من رؤوس الأصابع إلى الكوع لعموم حديث: "من أفضى بيده إلى ذكره ليس دونه ستر فقد وجب عليه الوضوء" رواه أحمد. لكن لا ينقض مسه بالظفر و ينقض لمسهما أي لمس الذكر والقبل معا من خنثى مشكل 7 لشهوة أو لا إذ أحدهما أصلي قطعا و ينقض أيضا لمس ذكر ذكره أي ذكر الخنثى المشكل لشهوة لأنه إن كان ذكرا فقد مس ذكره وإن كان امرأة فقد لمسها لشهوة فإن لم يمسه لشهوة أو مس قبله لم ينقض أو أنثى قبله أي وينقض لمس أنثى قبل الخنثى المشكل لشهوة فيهما أي في هذه والتي قبلها لأنه إن كان أنثى فقد مست فرجها وإن كان ذكرا فقد لمسته لشهوة فإن كان لمس لغيرها أو مست ذكره لم ينتقض وضوؤها.
و الخامس مس أي الذكر امرأة بشهوة لأنها التي تدعو إلى الحدث والباء
ـــــــ
1- فإن احتبى أو استند اعتبر في حال المستغرق في النوم واعتبر نومه بالتالي ناقصا لوضوئه.
2- وكاء السه: أي غطاء الدبر فإن نامت العين لم يشعر المرء بخروج ريح منه لأن العين متى ماتت فقد المرء سيطرته على أعصابه فارتخت.
3- الأنثيين: الخصيتين.
4- البائن: المقطوع وسمي ذلك لأن العضو بان عن أصله أي ابتعد عنه ولا يبتعد من أصله إلا بالقطع.
5- محله: أي جذر القضيب المقطوع.
6- اسكتي المرأة: شفري الفرج.
7- مشكل: أي لا يعرف هل هو أقرب إلى الرجال أو النساء وترجع ذكورته وأنوثته بملاحظة كيفية بوله فإن بال كالمرأة ومن موضع بولها كان خنثى امرأة وإن بال كالرجل ومن موضع بوله كان خنثى رجل الخنثى الذكر يسمى عندنا شكر.

للمصاحبة والمرأة شاملة للأجنبية وذات المحرم والميتة والكبيرة والصغيرة المميزة وسواء كان المس باليد أو غيرها ولو بزائد لزائد أو أشل و تمسه بها أي ينقض مسها للرجل بشهوة كعكسه السابق و ينقض مس حلقة دبر لأنه فرج سواء كان منه أو من غيره لا مس شعر وظفر وسن منه أو منها ولا المس بها و لامس رجل أمرد ولو بشهوة ولا المس مع حائل لأنه لم يمس البشرة. ولا ينتقض وضوء ملموس بدنه ولو وجد منه شهوة ذكرا كان أو أنثى وكذا لا ينتقض وضوء ملموس فرجه1.
وينقض غسل ميت مسلما كان أو كافرا ذكرا كان أو أنثى صغيرا كان أو كبيرا. روي عن ابن عمر وابن عباس أنهما كانا يأمران غاسل الميت بالوضوء والغاسل هو من يقلبه و يباشره ولو مرة لا من يصب عليه الماء ولا من ييممه وهذا هو السادس.
و السابع أكل اللحم خاصة من الجزور أي الإبل فلا نقض ببقية أجزائها كالكبد وشرب لبنها ومرق لحمها وسواء كان نيئا أو مطبوخا قال أحمد: فيه حديثان صحيحان حديث البراء وحديث جابر بن سمرة.
و الثامن المشار إليه بقوله: كل ما أوجب غسلا كإسلام وانتقال مني ونحوهما أوجب الوضوء إلا الموت فيوجب الغسل دون الوضوء ولا نقض بغير ما مر كالقذف والكذب والغيبة ونحوها والقهقهة ولو في الصلاة وأكل ما مست النار غير لحم الإبل ولا يسن الوضوء منهما.
ومن تيقن الطهارة وشك أي تردد في الحدث أو بالعكس بأن تيقن الحدث وشك في الطهارة بنى على اليقين سواء كان في الصلاة أو خارجها تساوى عنده الأمران أو غلب على ظنه أحدهما لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا" متفق عليه. فإن تيقنهما أي تيقن الطهارة والحدث وجهل السابق منهما فهو بضد حاله قبلهما إن علمها فإن كان قبلهما متطهرا فهو الآن محدث وإن كان محدثا فهو الآن متطهر لأنه قد تيقن زوال تلك الحالة إلى ضدها وشك في بقاء ضدها وهو الأصل وإن لم يعلم حاله قبلهما تطهر وإذا سمع اثنان صوتا أو شما ريحا من أحدهما لا بعينه فلا وضوء عليهما ولا يأتم أحدهما بصاحبه ولا يصاففه في الصلاة وحده وإن كان أحدهما إماما أعادا صلاتهما.
ويحرم على المحدث مس المصحف أو بعضه حتى جلده وحواشيه بيد أو غيرها بلا حائل لا حمله بعلاقه أو في كيس أو كم من غير مس ولا تصفحه بكمه أو عود ولا صغير
ـــــــ
1- أي أن المس ينقض وضوء الماس لا الممسوس إذا كان الماس غير الممسوس.

لوحا فيه قرآن من الخالي من الكتابة ولا مس تفسير ونحوه1 ويحرم أيضا مس مصحف بعضو متنجس وسفر به لدار حرب وتوسده وتوسد كتب فيها قرآن ما لم يخف سرقة. ويحرم أيضا كتب القرآن بحيث يهان وكره مد رجل إليه واستدباره وتخطيه وتحليته بذهب أو فضة وتحرم تحلية كتب العلم. و يحرم على المحدث أيضا الصلاة ولو نفلا حتى صلاة جنازة وسجود تلاوة وشكر ولا يكفر من صلى محدثا. و يحرم على المحدث أيضا الطواف لقوله صلى الله عليه وسلم: "الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام" رواه الشافعي في مسنده.
ـــــــ
1- لأن التفسير يضم بين عبارته آيات من القرآن.

7-

باب الغسل
بضم الغين: الاغتسال أي استعمال الماء في جميع في بدنه على وجه مخصوص - وبالفتح الماء أوالفعل وبالكسر ما يغسل به الرأس من خطمي1 وغيره.
وموجبه ستة أشياء أحدها: خروج المني من مخرجه دفقا بلذة لا إن خرج بدونهما من غير نائم ونحوه فلو خرج من يقظان لغير ذلك كبرد ونحوه من غير شهوة لم يجب به غسل لحديث علي يرفعه: "إذا فضخت الماء 2 فاغتسل وإن لم تكن فاضخا فلا تغتسل" رواه أحمد. والفضخ هو خروجه بالغلبة قاله إبراهيم الحربي فعلى هذا يكون نجسا وليس بمذي قاله في الرعاية وإن خرج المني من غير مخرجه كما لو انكسر صلبه فخرج منه لم يجب الغسل وحكمه كالنجاسة المعتادة وإن أفاق نائم أو نحوه يمكن بلوغه فوجد بللا فإن تحقق أنه مني اغتسل فقط ولو لم يذكر احتلاما وإن لم يتحققه منيا فإن سبق نومه ملاعبة أو نظر أو فكر أو نحوه أو كان به إبردة لم يجب غسل وإلا اغتسل وطهر ما أصابه احتياطا. وإن انتقل المني3 ولم يخرج اغتسل له لأن الماء قد باعد محله فصدق عليه
ـــــــ
1- الخطمي: نبت بري يستعمل زهره المجفف في الزهورات لتنقية الصدر من البغلم ويغسل بمائه شعر الرأس لإزالة هوام الرأس كالقمل.
2- فضخ الماء: القذف.
3- وانتقال المني هو إحساس المرء بخروجه من صلبه دون خروج هذا المني من عضوه وهذا قد يحصل عند ازدياد الشهوة أو أثناء الملاعبة وهذه حال عند بعض الناس قد يعقبها سيل المني المنتقل بقذف ضعيف أو سيلا كالمذي وانتقال المني هو الأصل في الجماع ففيه الغسل ولا يشترط خروجه لأنه قد يكسل فلا يقذف إلى الخارج.

اسم الجنب ويحصل به البلوغ ونحوه مما يترتب على خروجه فإن خرج المني بعده أي بعد غسله لانتقاله لم يعده لأنه مني واحد فلا يوجب غسلين.
و الثاني تغييب حشفة أصلية أو قدرها وإن فقدت وإن لم ينزل في فرج أصلي قبلا كان أو دبرا وإن لم يجد حرارة فإن أولج الخنثى المشكل حشفته في فرج أصلي ولم ينزل أو أولج غير الخنثى ذكره في قبل الخنثى فلا غسل على واحد منهما إلا أن ينزل ولا غسل إذا مس الختان الختان من غير إيلاج ولا بإيلاج بعض الحشفة ولو كان الفرج من بهيمة أو ميت أو نائم أو مجنون أو صغير يجامع مثله وكذا لو استدخلت ذكر نائم أو صغير ونحوه .
و الثالث إسلام كافر أصليا كان أو مرتدا ولو مميزا ولو لم يوجد في كفره ما يوجبه لأن قيس بن عاصم أسلم فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل بماء وسدر1 رواه أحمد والترمذي وحسنه ويستحب له إلقاء شعره قال أحمد: ويغسل ثيابه.
و الرابع موت غير شهيد معركة ومقتول ظلما ويأتي.
و الخامس حيض. و السادس نفاس ولا خلاف في وجوب الغسل بهما قاله في المغني فيجب بالخروج والانقطاع شرط لا ولادة عارية عن دم فلا غسل بها والولد طاهر.
ومن لزمه الغسل لشئ مما تقدم حرم عليه الصلاة والطواف ومس المصحف و قراءة القرآن أي قراءة آية فصاعدا وله قول ما وافق قرآنا إن لم يقصده كالبسملة2 والحمدلة3 ونحوهما كالذكر وله تهجيه والتفكر فيه وتحريك شفتيه به ما لم يبين الحروف وقراءة بعض آية ما لم تطل4 ولا يمنع من قراءته متنجس الفم ويمنع الكافر من قراءته ولو رجي إسلامه ويعبر المسجد أي يدخله لقوله تعالى: {وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} 5 أي طريق لحاجة وغيرها على الصحيح كما مشى عليه في الإقناع وكونه طريقا قصيرا حاجة وكره أحمد اتخاذه طريقا ومصلى العيد مسجد لا مصلى الجائز. ولا يجوز أن يلبث فيه أي في المسجد من عليه غسل بغير وضوء فإن توضأ جاز له اللبث ويمنع
ـــــــ
1- السدر هو شجر النبق ورقة مع الماء في الغسل لإزالة الرطوبة من البدن.
2- البسملة قول بسم الله الرحمن لرحيم.
3- الحمدلة قول الحمد لله رب العالمين.
4- أي لا يقرأ من الآيات الطويلة كآية الميراث وآية الكرسي.
5- سورة النساء الآية من "43".

منه مجنون وسكران ومن عليه نجاسة تتعدى ويباح به وضوء وغسل إن لم يؤذهما وإذا كان الماء في المسجد جاز دخوله بلا تيمم. وإن أراد اللبث فيه للاغتسال تيمم وإن تعذر الماء واحتاج للبث جاز بلا تيمم.
ومن غسل ميتا مسلما كان أو كافرا سن له الغسل لأمر أبي هريرة رضي الله عنه بذلك رواه أحمد وغيره, أو أفاق من جنون أو إغماء بلا حلم أي إنزال سن له الغسل لأن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل من الإغماء1 متفق عليه والجنون في معناه بل أولى وتأتي بقية الأغسال المستحبة في أبواب ما تستحب له ويتيمم للكل ولما يسن له وضوء لعذر.
و صفة الغسل الكامل أي المشتمل على الواجبات والسنن أن ينوى رفع الحدث أو استباحة الصلاة أو نحوها ثم يسمي وهي هنا كوضوء تجب مع الذكر وتسقط مع السهو ويغسل يديه ثلاثا كما في الوضوء وهو هنا آكد لرفع الحدث عنهما بذلك و يغسل مالوثه من أذى ويتوضأ كاملا ويحثي الماء على رأسه ثلاثا يرويه أي يروي في كل مرة أصول شعره ويعم بدنه غسلا فلا يجزئ المسح لحديث عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه ثلاثا وتوضأ وضوءه للصلاة ثم يخلل شعره بيديه حتى إذا ظن أنه قد روى بشرته أفاض الماء عليه ثلاث مرات ثم غسل سائر جسده متفق عليه. ويعم بدنه غسلا فلا يجزئ المسح ثلاثا حتى ما يظهر من فرج امرأة عند قعود لحاجة وباطن شعر وتنقضه لحيض ونفاس ويدلكه أي يدلك بدنه بيديه ليتيقن وصول الماء إلى مغابنه وجميع بدنه ويتفقد أصول شعره وغضاريف أذنيه وتحت حلقه وابطيه وعمق سرته وبين إليتيه وطي ركبتيه. ويتيامن لأنه صلى الله عليه وسلم كان يعجبه التيمن في طهوره ويغسل قدميه ثانيا مكانا آخر ويكفي الظن في الإسباغ قال بعضهم: ويحرك خاتمه ليتيقن وصول الماء.
و الغسل المجزئ أي الكافي أن ينوي كما تقدم ويسمي فيقول: بسم الله ويعم بدنه بالغسل مرة أي يغسل ظاهر جميع بدنه وما في حكمه من غير ضرر كالفم والأنف والبشرة التي تحت الشعور ولو كثيفة وباطن الشعر وظاهره مع مسترسله وما تحت حشفة أقلف إن أمكن شمرها ويرتفع حدث قبل زوال حكم خبث ويستحب سدر في غسل كافر أسلم وحائض وأخذها مسكا تجعله في قطنة أو نحوها وتجعلها في فرجها فإن لم
ـــــــ
1- والإغماء كالنوم فيه فقد للسيطرة على النفس وانقطاع لرقابة العقل على الجسد.

تجد فطيبا فإن لم تجد فطينا ويتوضأ بمد استحبابا والمد رطل وثلث عراقي ورطل وأوقيتان وسبعا أوقية مصري وثلاث أواق وثلاثة أسباع أوقية دمشقية وأوقيتان وأربعة أسباع أوقية قدسية ويغتسل بصاع وهو أربعة أمداد وإن زاد جاز لكن يكره الإسراف ولو على نهر جار ويحرم أن يغتسل عريانا بين الناس وكره خاليا في الماء فلو أسبغ بأقل مما ذكر في الوضوء أو الغسل أجزأه. والإسباغ تعميم العضو بالماء بحيث يجري عليه ولا يكون مسحا أو نوى بغسله الحدثين 1 أو الحدث وأطلق أو الصلاة ونحوها مما يحتاج لوضوء وغسل أجزأه عن الحدثين ولم يلزمه ترتيب ولا موالاة.
ويسن لجنب ولو أنثى وحائض ونفساء انقطع دمهما غسل فرجه لإزالة ما عليه من الأذى والوضوء لأكل وشرب لقول عائشة رضي الله عنها: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب أن يتوضأ وضوءه للصلاة رواه أحمد بإسناد صحيح ونوم لقول عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ وضوءه للصلاة متفق عليه ويكره تركه لنوم فقط. و يسن أيضا غسل فرجه ووضوءه لمعاودة وطء لحديث: "إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعاود فليتوضأ بينهما وضوئا" رواه مسلم وغيره وزاد الحاكم: "فإنه أنشط للعود" والغسل أفضل. وكره الإمام أحمد بناء الحمام وبيعه وإجارته وقال: من بنى حماما للنساء ليس بعدل وللرجل دخوله بسترة مع أمن الوقوع في محرم ويحرم على المرأة بلا عذر2.
ـــــــ
1- الحدثين: الحدث الأصغر وهو الموجب للوضوء والحدث الأكبر وهو الموجب للغسل.
2- لأن الرجل يمكن أن يستر عورته في الحمام من السرة إلى الركبتين أما المرأة فكلها عورة ولا يجوز إفضاء المرأة للمرأة في الثوب الواحد أما العذر المقبول فهو العذر القاهر الذي لابد فيه من دخول حمام والمقصود حمام البخار وهو لازم في النقاهة من بعض الأمراض.

8-

باب التيمم
في اللغة: القصد وشرعا: مسح الوجه واليدين بصعيد على وجه مخصوص وهو من خصائص هذه الأمة لم يجعله الله طهورا لغيرها توسعة عليها وإحسانا إليها فقال: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} 1 الآية.
ـــــــ
1- سورة النساء من الآية "43" وسورة المائدة من الآية "6".

وهو أي التيمم بدل طهارة الماء لكل ما يفعل بها عند العجز عنه شرعا كصلاة وطواف ومس مصحف وقراءة قرآن ووطء حائض1.
ويشترط له شرطانأحدهما: دخول الوقت وقد ذكره بقوله: إذا دخل وقت فريضة أو منذورة بوقت معين أو عيد أو وجد كسوف أو اجتمع الناس لاستسقاء أو غسل الميت أو يمم لعذر أو ذكر فائتة وأراد فعلها أو أبيحت نافلة بأن لا يكون وقت نهي عن فعلها.
الشرط الثاني : تعذر الماء وهو ما أشار إليه بقوله: وعدم الماء حضرا كان أو سفرا قصيرا كان أو طويلا مباحا كان أو غيره فمن خرج لحرث أو احتطاب ونحوهما ولا يمكنه حمل الماء معه ولا الرجوع للوضوء إلا بتفويت حاجته فله التيمم ولا إعادة عليه. أو زاد الماء على ثمنه أي ثمن مثله في مكانه بأن لم يبذل إلا بزائد كثيرا عادة أو بـ ثمن يعجزه أو يحتاجه له أو لمن نفقته عليه. أو خاف باستعماله أي استعمال الماء ضررا. أو خاف بطلبه ضرر بدنه أو ضرر رفيقه أو ضرر حرمته أي زوجته أو امرأة من أقاربه أو ضرر ماله بعطش أو مرض أو هلاك ونحوه كخوفه باستعماله تأخير البرء أو بقاء أثر شين في جسده. شرع التيمم أي وجب لما يجب الوضوء أو الغسل له وسن لما يسن له ذلك وهو جواب إذا من قوله: إذا دخل وقت فريضة ويلزم شراء ماء وحبل ودلو بثمن مثل أو زائد يسيرا فاضل عن حاجته استعارة الحبل والدلو وقبول الماء قرضا وهبة وقبول ثمنه قرضا إذا كان له وفاء ويجب بذله لعطشان ولو نجسا.
ومن وجد ماء يكفي بعض طهره من حدث أكبر أو أصغر تيمم بعد استعماله ولا يتيمم قبله ولو كان على بدنه نجاسة وهو محدث غسل النجاسة وتيمم للحدث بعد غسلها وكذلك لو كانت النجاسة في ثوبه ومن جرح وتضرر بغسل الجرح أو مسحه بالماء تيمم له ولما يتضرر بغسله مما قرب منه وغسل الباقي فإن لم يتضرر بمسحه وجب وأجزأ وإذا كان جرحه ببعض أعضاء وضوئه لزمه إذا توضأ مراعاة الترتيب فيتيمم له عند غسله لو كان صحيحا ومراعاة الموالاة فيعيد غسل الصحيح عند كل تيمم بخلاف غسل الجنابة فلا ترتيب فيه ولا موالاة.
ويجب على من عدم الماء إذا دخل وقت الصلاة طلب الماء في رحله بأن يفتش في رحله ما يمكن أن يكون فيه و في قربه بأن ينظر وراءه وأمامه وعن يمينه وشماله
ـــــــ
1- أي تتيمم المرأة عند انقضاء حيضها ليطأها زوجها إن لم تجد الماء.

فإن رأى ما يشك معه في الماء قصده فاستبرأه ويطلبه من رفيقه فإن تيمم قبل طلبه لم يصح ما لم يتحقق عدمه و يلزمه أيضا طلبه بدلالة ثقة إذا كان قريبا عرفا ولم يخف فوت وقت وهو المختار أو رفقة أو على نفسه أو ماله ولا يتيمم لخوف فوت جنازة ولا وقت فرض إلا إذا وصل مسافر إلى ماء وقد ضاق الوقت أو علم أن النوبة لا تصل إليه إلا بعده أو علمه قريبا وخاف فوت الوقت إن قصده ومن باع الماء أو وهبه بعد دخول الوقت ولم يترك ما يتطهر به حرم ولم يصح العقد1 ثم إن تيمم وصلى لم يعد إن عجز عن رده2.
فإن كان قادرا على الماء لكن نسي قدرته عليه أو جهله بموضع يمكن استعماله وتيمم وصلى أعاد لأن النسيان لا يخرجه عن كونه3 واجبا وأما من ضل عن رحله وبه الماء وقد طلبه أو ضل عن موضع بئر كان يعرفها وتيمم وصلى فلا إعادة عليه لأنه حال تيممه لم يكن واجدا للماء وإن نوى بتيممه أحداثا متنوعة توجب وضوءا وغسلا أجزأه عن الجميع وكذا لو نوى أحدها أو نوى بتيممه الحدثين ولا يكفي أحدهما عن الآخر أو نوى بتيممه نجاسة على بدنه تضر إزالتها أو عدم ما يزيلها به أو خاف بردا ولو حضرا مع عدم ما يسخن به الماء بعد تخفيفها ما أمكن وجوبا أجزأه التيمم لها لعموم: "جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا" . أو حبس في مصر فلم يصل للماء أو حبس عنه الماء فتيمم أجزأه أو عدم الماء والتراب كمن حبس بمحل لا ماء به ولا تراب وكذا من به قروح لا يستطيع معها لمس البشرة بماء ولا تراب صلى الفرض فقط على حسب حاله ولم يعد لأنه أتى بما أمر به فخرج من عهدته ولا يزيد على ما يجزئ في الصلاة فلا يقرأ زائدا على الفاتحة ولا يسبح غير مرة ولا يزيد في طمأنينة ركوع أو سجود وجلوس بين السجدتين ولا على ما يجزئ في التشهدين وتبطل صلاته بحدث ونحوه فيها ولا يأتم مشتهرا بأحدهما.
ويجب التيمم بتراب فلا يجوز التيمم برمل وجص ونحت الحجارة ونحوها طهور فلا يجوز بتراب تيمم به لزوال طهوريته باستعماله وإن تيمم جماعة من مكان واحد جاز كما لو توضؤا من حوض واحد يغترفون منه ويعتبر أيضا أن يكون مباحا فلا يصح بتراب مغصوب وأن يكون غير محترق فلا يصح بما دق من خزف ونحوه وأن يكون له غبار لقوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} 4 فلو تيمم على لبد أو ثوب أو بساط أو
ـــــــ
1- أي اعتبر البيع باطلا ووجب عليه استعادة ما يلزم لوضوئه وإعادة الثمن للمشتري.
2- كأن يرفض المشتري إقالته من البيع وإعادة الماء إليه واسترداد الثمن.
3- لأن النسيان لا يغير حال وجوده فالنسيان حاله تتعلق بالإنسان نفسه لا بوجود الماء أو عدمه.
4- سورة المائدة من الآية "6".

حصير أو حائط أو صخرة أو حيوان أو برذعته أو شجر أو خشب أو عدل شعير ونحوه مما عليه غبار صح وإن اختلط التراب بذي غبار غيره كالنورة فكماء خالطه طاهر1.
وفروضه أي فروض التيمم: مسح وجهه سوى ما تحت شعر ولو خفيفا وداخل فم وأنف ويكره و مسح يديه إلى كوعيه لقوله صلى الله عليه وسلم لعمار: "إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا" ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه متفق عليه. و كذا الترتيب بين مسح الوجه واليدين والموالاة بينهما بأن لا يؤخر مسح اليدين بحيث يجف الوجه لو كان مغسولا فهما فرضان في التيمم عن حدث أصغر لا عن حدث أكبر أو نجاسة ببدن لأن التيمم مبني على طهارة الماء.
وتشترط النية لما تيمم له كصلاة أو طواف أو غيرهما من حدث أو غيره كنجاسة على بدنه فينوي استباحة الصلاة من الجنابة والحدث إن كانا أو أحدهما أو عن غسل بعض بدنه الجريح ونحوه لأن طهارة ضرورة فلم ترفع الحدث فلا بد من التعيين تقوية لضعفه فلو نوى رفع الحدث لم يصح فإن نوى أحدها أي الحدث الأصغر أو الأكبر أو النجاسة بالبدن لم يجزئه عن الآخر لأنها أسباب مختلفة ولحديث: "وإنما لكل امرئ ما نوى" وإن نوى جميعها جاز للخبر وكل واحد يدخل في العموم فيكون منويا وإن نوى بتيممه نفلا لم يصل به فرضا لأنه ليس بمنوي وخالف طهارة الماء لأنها ترفع الحدث أو نوى استباحة الصلاة و أطلق فلم يعين فرضا ولا نفلا لم يصل به فرضا ولو على كفاية ولا نذرا لأنه لم ينوه وكذا الطواف وإن نواه أي نوى استباحة فرض صلى كل وقته فروضا ونوافل فمن نوى شيئا استباحه ومثله ودونه فأعلاه فرض عين فنذر ففرض كفاية فصلاة نافلة فطواف نفل فمس مصحف فقراءة قرآن فلبث بمسجد.
ويبطل التيمم مطلقا بخروج الوقت أو دخوله ولو كان التيمم لغير صلاة ما لم يكن في صلاة جمعة أو نوى الجمع في وقت ثانية من يباح له فلا يبطل تيممه بخروج وقت الأولى لأن الوقتين صارا كالوقت الواحد في حقه. و يبطل التيمم عن حدث أصغر بمبطلات الوضوء وعن حدث أكبر بموجباته لأن البدل له حكم المبدل وإن كان لحيض أو نفاس لم يبطل بحدث غيرهما و يبطل التيمم أيضا بوجود الماء المقدور على
ـــــــ
1- لأن التيمم يكون بتراب طاهر له غبار فإن خالط الطاهر طاهرا لا يتغير شرط ألا يغلب المخالط التراب لأن الأصل في مادة التيمم هو التراب.

استعماله بلا ضرر إن كان تيمم لعدمه وإلا فبزوال مبيح من مرض ونحوه ولو في الصلاة فيتطهر ويستأنفها لا إن وجد ذلك بعدها فلا تجب إعادتها وكذا الطواف ويغسل ميت ولو صلي عليه وتعاد.
والتيمم آخر الوقت المختار لراجي الماء أو العالم وجوده ولمن استوى عند الأمران أولى لقول علي رضي الله عنه في الجنب: يتلوم ما بينه وبين آخر الوقت فإن وجد الماء وإلا تيمم.
وصفته أي كيفية التيمم أن ينوى كما تقدم ثم يسمي فيقول: بسم الله وهي هنا كوضوء1 ويضرب التراب بيديه مفرجتي الأصابع ليصل التراب إلى ما بينهما بعد نزع نحو خاتم ضربة واحدة ولو كان التراب ناعما فوضع يديه عليه وعلق بهما أجزأه يمسح وجهه بباطنهما أي بباطن أصابعه و يمسح كفيه براحتيه استحبابا فلو مسح وجهه بيمينه ويمينه بيساره أو عكس صح واستيعاب الوجه والكفين واجب سوى ما يشق وصول التراب إليه ويخلل أصابعه ليصل التراب إلى ما بينها ولو تيمم بخرقة أو غيرها جاز ولو نوى وصمد للريح حتى عمت محل الفرض بالتراب أو أمره عليه ومسحه به صح لا إن سفته بلا تصميد فمسحه به.
ـــــــ
1- أي أنه ربما أن التيمم قد حل محل الوضوء بالماء فيجب فيه ما يجب في الوضوء من النية والتسمية.

9-

باب إزالة النجاسة الحكمية
أي تطهير مواردها يجزئ في غسل النجاسات كلها ولو من كلب أو خنزير إذا كانت على الأرض وما اتصل بها من الحيطان والأحواض والصخر غسلة واحدة تذهب بعين النجاسة ويذهب لونها وريحها فإن لم يذهبا لم تطهر ما لم يعجز وكذا إذا غمرت بماء المطر والسيول لعدم اعتبار النية لإزالتها وإنما اكتفي بالمرة دفعا للحرج والمشقة لقوله صلى الله عليه وسلم: "أريقوا على بوله سجلا من ماء أو ذنوبا من ماء" متفق عليه. فإن كانت النجاسة ذات أجزاء متفرقة كالرمم والدم الجاف والروث واختلطت بأجزاء الأرض لم تطهر بالغسل بل بإزالة أجزاء المكان بحيث يتيقن زوال أجزاء النجاسة.
و يجزئ في نجاسة على غيرها أي غير أرض سبع غسلات إحداها أي إحدى الغسلات والأولى أولى بتراب طهور في نجاسة كلب وخنزير وما تولد منهما أو

من أحدهما لحديث: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا أولاهن بالتراب" رواه مسلم عن أبي هريرة مرفوعا. ويعتبر ماء يوصل التراب إلى المحل ويستوعبه به إلا فيما يضر فيكفي مسماه. وبجزيء عن التراب اثنان ونحوه كالصابون والنخالة ويحرم استعمال مطعوم في إزالتها و يجزئ في نجاسة غيرهما أي غير الكلب والخنزير أو ما تولد منهما أو من أحدهما سبع غسلات بماء طهور ولو غير مباح إن أنقت1. وإلا فحتى تنقي مع حت وقرص لحاجة وعصر مع إمكان كل مرة خارج الماء فإن لم يمكن عصره فبدقه وتقليبه أو تثقيله كل غسلة حتى يذهب أكثر ما فيه من الماء ولا يضر بقاء لون أو ريح أو هما عجزا بلا تراب لقول ابن عمر: أمرنا بغسل الأنجاس سبعا فينصرف إلى أمره صلى الله عليه وسلم قاله في المبدع وغيره وما تنجس بغسلة يغسل عدد ما بقي بعدها مع تراب في نحو نجاسة كلب إن لم يكن استعمل.
ولا يطهر متنجس ولو أرضا بشمس ولا ريح ولا دلك ولو أسفل خف أو حذاء أو ذيل امرأة ولا صقيل بمسح ولا يطهر متنجس بـ استحالة فرماد النجاسة ودخانها وغبارها وبخارها ودود جرح وصراصر كنف وكلب وقع في ملاحة صار ملحا ونحو ذلك نجس غير الخمرة إذا انقلبت بنفسها خلا أو بنقل لا لقصد تخليل ودنها مثلها لأن نجاستها لشدتها المسكرة وقد زالت كالماء الكثير إذا زال تغيره بنفسه والعلقة إذا صارت حيوانا طاهرا فإن خللت أي نقلت لقصد التخليل لم تطهر2. والخل المباح أن يصب على العنب أو العصير خل قبل غليانه حتى لا يغلي ويمنع غير خلال من إمساك الخمرة لتخلل أ و تنجس دهن مائع 3. أو عجين أو باطن حب أو إناء تشرب النجاسة وسكين سقيتها لم يطهر لأنه لا يتحقق وصول الماء إلى جميع أجزائه وإن كان الدهن جامدا ووقعت فيه نجاسة ألقيت وما حولها والباقي طاهر فإن اختلط ولم ينضبط حرم وإن خفي موضع نجاسة في بدن أو ثوب أو بقعة ضيقة وأراد الصلاة غسل وجوبا حتى يجزم بزواله أي زوال النجس لأنه متيقن فلا يزول إلا بيقين الطهارة فإن لم يعلم جهتها من الثوب غسله كله وإن علمها في أحد كميه ولا يعرفه غسلهما ويصلي في فضاء واسع حيث شاء بلا تحر.
ـــــــ
1- إن انتقلت: أي إن نظف المكان وأزيلت آثار النجاسة بهما.
2- لأن الاستحالة لا تحل حراما وفي الحديث الذي رواه الترمذي عن أبي طلحة في نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن بيع الخمر الذي ورثه الأيتام أو إحالته إلى خل وأوجب إهراقه إجابة على ذلك.
3- لأن المائع إن أصابته نجاسة عمته وخالطته فتنجس كله أما إن كان جامدا فيزال النجس وما حوله مما يحتمل تنجسه.

ويطهر بول وقئ غلام لم يأكل الطعام لشهوة بنضحه أي غمره بالماء ولا يحتاج لمرس وعصر فإن أكل الطعام غسل كغائطه وكبول الأنثى والخنثى فيغسل كسائر النجاسات قال الشافعي: لم يتبين لي فرق من السنة بينهما وذكر بعضهم أن الغلام أصله من الماء والتراب والجارية من اللحم والدم وقد أفاده ابن ماجة في سننه وهو غريب قاله في المبدع ولعابهما طاهر.
ويعفى في غير مائع و في غير مطعوم عن يسير دم نجس ولو حيضا أو نفاسا أو استحاضة وعن يسير قيح وصديد من حيوان طاهر لا نجس ولا إن كان من سبيل قبل أو دبر واليسير ما لا يفحش في نفس كل أحد بحسبه ويضم متفرق بثوب لا أكثر ودم السمك وما لا نفس له سائلة كالبق والقمل ودم الشهيد عليه وما يبقى في اللحم وعروقه ولو ظهرت حمرته طاهر و يعفى عن أثر استجمار بمحله بعد الإنقاء واستيفاء العدد ولا ينجس الأدمي بالموت لحديث: "المؤمن لا ينجس" متفق عليه.
وما لا نفس أي دم له سائلة كالبق والعقرب وهو متولد من طاهر لا ينجس بالموت بريا كان أو بحريا فلا ينجس الماء اليسير بموتها فيها وبول ما يؤكل لحمه ومنيه وروثه طاهر لأنه صلى الله عليه وسلم أمر العرنيين أن يلحقوا بإبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها والنجس لا يباح شربه ولو أبيح للضرورة لأمرهم بغسل أثره إذا أرادوا الصلاة ومني الأدمي طاهر لقول عائشة رضي الله عنها: كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يذهب فيصلي به متفق عليه فعلى هذا يستحب فرك يابسه وغسل رطبه ورطوبة فرج المرأة وهو مسلك الذكر طاهر كالعرق والريق والمخاط والبلغم ولو أزرق وما سال من الفم وقت النوم وسؤر الهرة 1 وما دونها في الخلقة طاهر غير مكروه غير دجاجة مخلاة2 والسؤر بضم السين مهموزا بقية طعام الحيوان وشرابه والهر: القط وإن أكل هو أو طفل ونحوهما نجاسة ثم شرب ولو قبل أن يغيب من مائع لم يؤثر لعموم البلوى لا عن نجاسة بيدها أو رجلها ولو وقع ما ينضم دبره في مائع ثم خرج حيا لم يؤثر وسباع البهائم و سباع الطير التي هي أكبر من الهر خلقة والحمار الأهلي والبغل منه أي من الحمار الأهلي لا الوحشي نجسه وكذا جميع أجزائها وفضلاتها لأنه عليه الصلاة والسلام لما سئل عن الماء وما ينوبه
ـــــــ
1- سؤر الهرة: بقية الماء الذي شربت منه.
2- أي متروكة تسير حيث شاءت وتأكل حيث تريد لأنه تمس الأماكن النجسة بأقدامها ثم تضعها في الماء أو على طرف الإناء فتمس الماء بها عندما تريد الشرب فتنقل إليها النجاسة.

من السباع والدواب فقال: "إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء" فمفهومه أنه ينجس إذا لم يبلغهما وقال في الحمر يوم خيبر: "إنها رجس" متفق عليه والرجس: النجس.

10-

باب الحيض
1 أصله السيلان من قولهم: حاض الوادي إذا سال وهو شرعا دم طبيعة وجبلة يخرج من قعر الرحم في أوقات معلومة خلقه الله لحكمة غذاء الولد وتربيته.
لا حيض قبل تسع سنين فإن رأت دما لدون ذلك فليس بحيض لأنه لم يثبت في الوجود وبعدها إن صلح فحيض قال الشافعي: رأيت جدة لها إحدى وعشرين سنة. ولا حيض بعد خمسين سنة لقول عائشة: إذا بلغت المرأة خمسين سنة خرجت من حد الحيض ذكره أحمد. ولا فرق بين نساء العرب وغيرهن ولا حيض مع حمل قال أحمد: إنما تعرف النساء الحمل بانقطاع الدم فإن رأت دما فهو دم فساد لا تترك له العبادة ولا يمنع زوجها من وطئها ويستحب أن تغتسل بعد انقطاعه إلا أن تراه قبل ولادتها بيومين أو ثلاثة مع أمارة فنفاس ولا تنقص به مدته.
وأقله أي أقل الحيض يوم وليلة لقول علي رضي الله عنه وأكثره أي أكثر الحيض خمسة عشر يوما بلياليها لقول عطاء: رأيت من تحيض خمسة عشر يوما وغالبه أي غالب الحيض ست ليال بأيامها أو سبع ليال بأيامها وأقل طهر بين حيضتين ثلاثة عشر يوما احتج أحمد بما روي عن علي: أن امرأة جاءته وقد طلقها زوجها فزعمت أنها حاضت في شهر ثلاث حيض فقال علي لشريح: قل فيها فقال شريح: إن جاءت ببينة من بطانة أهلها ممن يرجى دينه وأمانته فشهدت بذلك وإلا فهي كاذبة فقال علي: قالون أي جيد بالرومية. ولا حد لأكثره أي أكثر الطهر بين الحيضين لأنه قد وجد من لا تحيض أصلا لكن غالبه بقية الشهر والطهر زمن حيض خلوص النقاء بأن لا تتغير معه قطنة احتشت بها ولا يكره وطؤها زمنه إن اغتسلت وتقضي الحائض والنفساء الصوم لا الصلاة إجماعا ولا يصحان أي الصوم والصلاة منها أي من الحائض بل
ـــــــ
1- يسمى الحيض بأسماء عديدة يكنى بها عنه كالضحك وقد جاء في بعض كتب التفسير قوله تعالى: {فَضَحِكَتْ} أي فحاضت فإن كان غزيرا سمي إعصارا ويسمى أيضا العادة الشهرية لأنه يعود كل شهر ويسمى الطمث لأنه يطمث المرأة.

يحرمان عليها كالطواف وقراءة القرآن واللبث في المسجد لا المرور به إن أمنت تلويثه
ويحرم وطؤها في الفرج إلا لمن به شبق بشرطه قال الله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} 1 فإن فعل بان أولج قبل انقطاعه من يجامع مثله حشفته ولو بحائل أو مكرها أو ناسيا أو جاهلا فعليه دينار أو نصفه على التخيير كفارة لحديث ابن عباس: "يتصدق بدينار أو نصفه" رواه أحمد والترمذي وأبو داود وقال: هكذا الرواية الصحيحة والمراد بالدينار مثقال من الذهب مضروبا كان أو غيره أو قيمته من الفضة فقط ويجزئ لواحد وتسقط بعجزه وامرأة مطاوعة كرجل2. و يجوز أن يستمتع منها أي من الحائض بما دونه أي دون الفرج من القبلة واللمس والوطء دون الفرج لأن المحيض اسم لمكان الحيض قال ابن عباس: فاعتزلوا نكاح فروجهن ويسن ستر فرجها عند مباشرة غيره وإذا أراد وطئها فادعت حيضا ممكنا قبل3.
وإذا انقطع الدم أي دم الحيض والنفاس ولم تغتسل لم يبح غير الصيام والصلاة فإن عدمت الماء تيممت وحل وطئها وتغسل المسلمة الممتنعة قهرا ولا نية هنا كالكافرة للعذر ولا تصلي به وينوى عن مجنونة غسلت كميت.
والمبتدأة أي في زمن يمكن أن يكون حيضا وهي التي رأت الدم ولم تكن حاضت تجلس أي تدع الصلاة والصيام ونحوهما بمجرد رؤيته ولو أحمر أو صفرة أو كدرة أقله أي أقل الحيض يوم وليلة ثم تغتسل لأنه آخر حيضها حكما وتصلي وتصوم ولا توطأ فإن انقطع دمها لأكثره أي أكثر الحيض خمسة عشر يوما فما دون 4 بضم النون لقطعه عن الإضافة اغتسلت عند انقطاعه أيضا وجوبا لصلاحيته أن يكون حيضا وتفعل كذلك في الشهر الثاني والثالث فإن تكرر الدم ثلاثا أي في ثلاثة أشهر ولم يختلف5 ف هو كله حيض وثبتت عادتها فتجلسه في الشهر الرابع ولا تثبت بدون ثلاث6 وتقضي ما وجب فيه أي ما صامت فيه من واجب وكذا ما طافته أو اعتكفته فيه7 وإن ارتفع حيضها ولم
ـــــــ
1- سورة البقرة الآية "22".
2- أي عليها ما على الرجل من الكفارة في ذلك.
3- أي قبل قولها إن كان ذلك في الفترة التي يمكن أن يكون فيها حيضها المعتاد كل شهر.
4- فإن زاد عن ذلك فهو استحاضة والمرأة مستحاضة وحكمها في الطهارة حكم الاستحاضة.
5- لم يختلف: أي كانت مدته في الأشهر الثلاثة متساوية.
6- أي إن تغير فلا تثبت عدد أيام حيضها بعدد معين حتى يثبت هذا العدد في ثلاثة أشهر متوالية.
7- إن كانت قد اعتبرت حيضها أقل من هذه الأيام التي تثبت وكانت قد أدت شيئا من الفرائض الواجب إعادتها إن صادف وقتها العادة الشهرية.

يعد أو أيست1 قبل التكرار لم تقض وإن عبر أي جاوز الدم أكثره أي أكثر الحيض فـ هي مستحاضة والاستحاضة: سيلان الدم في غير وقته من العرق العاذل من أدنى الرحم دون قعره فإن كان لها تمييز بأن كان بعض دمها أحمر وبعضه أسود ولم يعبر أي يجاوز الأسود أكثره أي أكثر الحيض ولم ينقص عن أقله فهو أي الأسود حيضها وكذا إذا كان بعضه ثخينا أو منتنا وصلح حيضها تجلسه في الشهر الثاني ولو لم يتكرر أو يتوال والأحمر والرقيق وغير المنتن استحاضة تصوم فيه وتصلي وإن لم يكن دمها متميزا قعدت عن الصلاة ونحوها أقل الحيض من كل شهر حتى يتكرر ثلاثا فتجلس غالب الحيض ستا أو سبعا بتحر من كل شهر من أول وقت ابتدائها إن علمته وإلا فمن أول كل هلالي2.
والمستحاضة المعتادة التي تعرف شهرها ووقت حيضها وطهرها منه ولو كانت مميزة تجلس عادتها 3 ثم تغتسل بعدها وتصلي وإن نسيتها أي نسيت عادتها عملت بالتمييز الصالح بأن لا ينقص الدم الأسود ونحوه عن يوم وليلة ولا يزيد على خمسة عشر ولو تنقل أو لم يتكرر فإن لم يكن لها تمييز صالح ونسيت عدده ووقته فغالب الحيض تجلسه من أول كل مدة علم الحيض فيها وضاع موضعه وإلا فمن أول كل هلالي كالعالمة بموضعه أي موضع الحيض4 الناسية لعدده فتجلس غالب الحيض في موضعه وإن علمت المستحاضة عدده أي عدد أيام حيضها ونسيت موضعه من الشهر ولو كان موضعه من الشهر في نصفه جلستها أي جلست أيام عادتها من أوله أي أول الوقت الذي كان الحيض يأتيها فيه كمن أي كمبتدأة لا عادة لها ولا تمييز فتجلس من أول وقت ابتدائها ما تقدم.
ومن زادت عادتها مثل أن يكون حيضها خمسة من كل شهر فيصير ستة أو تقدمت مثل أن تكون عادتها من آخر الشهر فتراه في أوله أو تأخرت عكس التي قبلها فما تكرر
ـــــــ
1- أي بلغت سن اليأس وهو السن الذي تنقطع فيه عادة المرأة الشهرية.
2- كل هلالي: كل شهر هلالي.
3- أي مقدار عادتها في الفترة السابقة على استحاضتها أو مقدارها عادة مثيلاتها إن كانت منذ بدأت ترى الحيض مستحاضة ولم بعرف لها وقت محدد وأيام حيض المرأة عادة من أربعة أيام إلى ثمانية وأقل الحيض يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يوما. إلا أن المستحاضة تقعد ستة أيام أو سبعة أيام هو المقدار الوسطي بين أقله أو أكثره.
4- أي بموضعه من الشهر والمقصود في أوله وأوسطه أو آخره وهكذا.

من ذلك ثلاثا ف هو حيض ولا تلتفت إلى ما خرجت عن العادة قبل تكرره كدم المبتدأة الزائد على أقل الحيض فتصوم فيه وتصلي قبل التكرار وتغتسل عند انقطاعه ثانيا فإذا تكرر ذلك ثلاثا صار عادة فتعيد ما صامته ونحوه من فرض وما نقص عن العادة طهر فإن كانت عادتها ستا فانقطع لخمس اغتسلت عند انقطاعه1 وصلت لأنها طاهرة وما عاد فيها أي في أيام عادتها كما لوكانت عشرا فرأت الدم ستها ثم انقطع يومين ثم عاد في التاسع والعاشر جلسته فيهما لأنه صادف زمن العادة كما لو لم ينقطع.
والصفرة والكدرة في زمن العادة حيض فتجلسهما لا بعد العادة ولو تكررتا لقول أم عطية: كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئا رواه أبو داود. ومن رأت يوما أو أقل أو أكثر دما ويوما أو أقل أو أكثر نقاء فالدم حيض حيث بلغ مجموعه أقل الحيض والنقاء طهر تغتسل فيه وتصوم وتصلي ويكره وطؤها فيه ما يعبر أي يجاوز مجموعهما أكثره أي أكثر الحيض فيكون استحاضة.
والمستحاضة ونحوها ممن به سلس2 بول أو مذي أو ريح أو جرح لا يرقأ دمه3 أو رعاف دائم4 تغسل فرجها لإزالة ما عليه من الخبث وتعصبه عصبا يمنع الخارج حسب الإمكان فإن لم يمكن عصبه كالباسور صلى على حسب حاله ولا يلزم إعادتهما لكل صلاة إن لم يفرط5 وتتوضأ ل دخول وقت كل صلاة إن خرج شيء وتصلي مادام الوقت فروضا ونوافل فإن لم يخرج شيء لم يجب الوضوء وإن اعتيد انقطاعه زمنا يتسع للوضوء والصلاة تعين لأنه أمكن الإتيان بها كاملة ومن يلحقه السلس قائما صلى قاعدا و راكعا أو ساجدا يركع ويسجد ولا توطأ المستحاضة إلا مع خوف العنت منه أو منها ولا كفارة فيه ويستحب غسلها أي غسل المستحاضة لكل صلاة لأن أم حبيبة استحيضت فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأمرها أن تغتسل فكانت تغتسل عند كل صلاة متفق عليه.
ـــــــ
1- لأن أيام الحيض قد تنقص أو تزيد قليلا حسب حالة المرأة الصحية بين شهر وآخر.
2- سلسل بول أو مذي: سلسل بول أو مذي وهو خروج البول أو المذي بشكل غير إرادي ودون شعور ممن به ذلك فلا يحس إلا والبلل قد أصابه وهو مرض سببه ارتخاء أعصاب المثانة في حالة البول أو ضعف في الأعصاب الحاضنة لغدة البروستات في حالة المذي.
3- لا يرقأ دمه: لا ينقطع نزفه.
4- الرعاف: هو نزف يصيب الشعيرات الدموية في الأنف والرعاف الدائم مرض أو ضعف أصاب هذه الشعيرات ويعالج بكي هذه الشعيرات الدموية بالكهرباء في عيادة بعض الأطباء المتخصصين في علاج الأنف والأذن والحنجرة.
5- إن لم يفرط: إن لم يزد سيل الم إلى درجة غير معقولة.

وأكثر مدة النفاس وهو دم ترخيه الرحم للولادة وبعدها1 وهو بقية الدم الذي احتبس في مدة الحمل لأجله وأصله لغة: من التنفس وهو الخروج من الجوف أو من: نفس الله كربته أي فرجها أربعون يوما وأول مدته من الوضع وما رأته قبل الولادة بيومين أو ثلاثة بأمارة فنفاس وتقدم ويثبت حكمه بشيء فيه خلق الإنسان ولا حد لأقله لأنه لم يرد تحديده وإن جاوز الدم الأربعين وصادف عادة حيضها ولم يزد أو زاد وتكرر فحيض إن لم يجاوز أكثره ولا يدخل حيض واستحاضة في مدة نفاس ومتى طهرت قبله أي قبل انقضاء أكثره تطهرت أي اغتسلت وصلت وصامت كسائر الطاهرات كالحائض إذا انقطع دمها في عادتها.
ويكره وطئها قبل الأربعين بعد انقطاع الدم و التطهير أي الاغتسال قال أحمد: ما يعجبني أن يأتيها زوجها على حديث عثمان بن أبي العاص أنها أتته قبل الأربعين فقال: لا تقربيني ولأنه لا تأمن عود الدم في زمن الوطأ فإن عاودها الدم فيها أي الأربعين فمشكوك فيه كما لو لم تراه ثم رأته فيها تصوم وتصلي أي تتعبد لأنها واجبة في ذمتها بيقين وسقوطها بهذا الدم مشكوك فيه وتقضي الواجب من صوم ونحوه احتياطا ولوجوبه يقينا ولا تقضي الصلاة كما تقدم وهو أي النفاس كالحيض فيما يحل كالاستمتاع بما دون الفرج و فيما يحرم به كالوطء في الفرج والصوم والصلاة والطلاق بغير سؤالها على عوض و فيما يجب به كالغسل والكفارة بالوطء فيه و فيما يسقط به كوجوب الصلاة فلا تقضيها غير العدة فإن المفارقة في الحياة تعتد بالحيض دون النفاس و غير البلوغ فيثبت بالحيض دون النفاس لحصول البلوغ بالإنزال السابق ولا يحتسب بمدة النفاس على المولي بخلاف مدة الحيض وإن ولدت امرأة توأمين أي ولدين في بطن واحد فأول النفاس وآخره من أولهما كالحمل الواحد فلو كان بينهما أربعون فأكثر فلا نفاس للثاني ومن صارت نفساء بتعديها بضرب بطنها أو شرب دواء لم تقض.
ـــــــ
1- وقد ترى بعضه قبل الولادة بيوم أو يومين ويحتسب من دم النفاس أيضا.

كتاب الصلاة
مدخل
كتاب الصلاةالصلاة في اللغة: الدعاء قال الله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} 1 أي ادع لهم وفي الشرع: أقوال وأفعال مخصوصة مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم سميت صلاة2 لاشتمالها على الدعاء مشتقة من الصلوين وهما عرقان من جانبي الذنب وقيل عظمان ينحنيان في الركوع والسجود وفرضت ليلة الإسراء.
تجب الخمس في كل يوم وليلة على كل مسلم مكلف أي بالغ عاقل ذكر أو أنثى أو خنثى حر أو عبد أو مبعض3 إلا حائضا ونفساء فلا تجب عليها4. ويقضي من زال عقله بنوم أو إغماء أو سكر طوعا أو كرها أو نحوه كشرب دواء لحديث: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها" رواه مسلم وغشي على عمار ثلاثا ثم أفاق وتوضأ وقضى تلك الثلاث ويقضي من شرب محرما5 حتى زمن جنون طرأ متصلا به تغليظا عليه.
ولاتصح الصلاة من مجنون وغير مميز لأنه لا يعقل النية ولا تصح من كافر لعدم صحة النية منه ولا تجب عليه بمعنى أنه لا يجب عليه القضاء إذا أسلم ويعاقب عليها وعلى سائر فروع الإسلام6 فإن صلى الكافر على اختلاف أنواعه في دار الإسلام
ـــــــ
1- سورة التوبة من الآية "103".
2- الصلاة كما كانت تكتب أصلا الصلوة أو الصلوات أصلها من العربية القديمة العرمية الارامية وكانت تلفظ بالثاء المثلثة والواو أي "الصلوث" وتعني الدعاء إلى الله على شكل محدد ومخصوص وكانت تطلق على العبادة.
3- المبعض: هو الذي بعضه حر وبعضه عبد وهو بالتالي المكاتب الذي أدى بعض مكاتبته.
4- ولاتقضياناه.
5- كشارب الخمر في حكمها مما يذهب العقل والوعي.
6- إذا لم يسلم قبل وفاته فإن أسلم قد سقطت ما قبل الإسلام لأن الإسلام يحجب ما قبله فإن ارتد عوقب على ما قبل وما بعد.

أو الحرب جماعة أو منفردا بمسجد أو غيره فمسلم حكما 1 فلو مات عقب الصلاة فتركته لأقاربه المسلمين ويغسل ويصلى عليه ويدفن في مقابرنا وإن أراد البقاء على الكفر وقال: إنما أردت التهزء لم يقبل وكذا لو أذن ولو في غير وقته.
ويؤمر بها صغير لسبع أي يلزم وليه أن يأمره بالصلاة لتمام سبع سنين وتعليمه إياها والطهارة ليعتادها ذكرا كان أو أنثى وأن يكفه عن المفاسد و أن يضرب عليها لعشرة سنين لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده يرفعه: "مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع" 2 رواه أحمد وغيره فإن بلغ في أثنائها بأن تمت مدة بلوغه وهو في الصلاة أو بعدها في وقتها أعاد أي لزمه إعادتها لأنها نافلة في حقه فلم تجزئه عن الفريضة ويعيد التيمم لا الوضوء والإسلام3.
ويحرم على من وجبت عليه تأخيرها عن وقتها المختار أو تأخير بعضها4 إلا لناوي الجمع لعذر فيباح له التأخير لأن وقت الثانية يصير وقتا لهما و إلا المشتغل بشرطها الذي يحصله قريبا كانقطاع ثوبه الذي ليس عنده غيره إذا لم يفرغ من خياطته حتى خرج الوقت فإن كان بعيدا عرفا صلى ولمن لزمته التأخير في الوقت مع العزم عليه ما لم يظن مانعا وتسقط بموته ولم يأثم.
ومن جحد وجوبها كفر إذا كان ممن لا يجهله وإن فعلها لأنه مكذب لله ورسوله وإجماع الأمة وإن ادعى الجهل كحديث عهد الإسلام عرف وجوبها ولم يحكم بكفره لأنه معذور فإن أصر كفر وكذا تاركها تهاونا أو كسلا لا جحودا ودعاه إمام أو نائبه لفعلها فأصر وضاق وقت الثانية عنها أي عن الثانية لحديث: "أول ما تفقدون من دينكم الأمانة وآخر ما تفقدون الصلاة" قال أحمد: كل شيء ذهب أخره لم يبق منه شيء فإن لم يدع لفعلها لم يحكم بكفره لاحتمال أنه تركها لعذر يعتقد سقوطها لمثله. ولا يقتل حتى يستتاب ثلاثا فيهما أي فيما إذا جحد وجوبها وفيما إذا تركها تهاونا فإن تابا وإلا ضربت عنقهما والجمعة كغيرها وكذا ترك ركن أو شرط وينبغي الإشاعة عن تاركها بتركها حتى يصلي ولا
ـــــــ
1- أي تجري عليه أحكام المسلمين وحكمه حكم المسلم في الميراث وغيره.
2- أي يفرق بين الإناث والذكور في المضاجع ولو كانوا صغارا.
3- لأن البلوغ لا ينقض الوضوء ولا يخرجه من الإسلام ليجدد دخوله فيه.
4- أي تأخير بعض الصلوات عن وقتها تكاسلا أما الصلاة الواحدة فلا تتجزأ ولعل المقصود أن يتكاسل حتى يصليها في آخر الوقت فلا يكاد يبدأ حتى يكون الوقت قد خرج فيكون بعضها في الوقت وبعضها بعد انقضاء وقتها ودخول وقت الصلاة التالية.

ينبغي السلام عليه ولا إجابة دعوته قاله الشيخ تقي الدين ويصير مسلما بالصلاة ولا يكفر بترك غيرها من زكاة وصوم وحج تهاونا وبخلا.

1-

باب الأذان
هو في اللغة: الإعلام قال تعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} 1 أي إعلام. وفي الشرع: إعلام بدخول وقت الصلاة أو قربه لفجر بذكر مخصوص.
والإقامة في الأصل: مصدر أقام وفي الشرع: إعلام بالقيام إلى الصلاة بذكر مخصوص وفي الحديث: "المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة" رواه مسلم.
هما فرضا كفاية لحديث: "إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم" متفق عليه. على الرجال الأحرار المقيمين في القرى والأمصار لا على الرجل الواحد ولا على النساء و لا العبيد ولا المسافرين للصلوات الخمس المكتوبة دون المنذورة والمؤداة دون المقتضيات والجمعة من الخمس ويسنان لمنفرد وسفرا أو لمقضية2.
يقاتل أهل بلد تركوهما أي: الأذان والإقامة فيقاتلهم الإمام أو نائبه لأنهما من شعائر الإسلام الظاهرة3 وإذا قام بهما من يحصل به الإعلام غالبا أجزأ عن الكل وإن كان واحدا وإلا زيد بقدر الحاجة كل واحد في جانب أو دفعة واحدة بمكان واحد ويقيم أحدهم وإن تشاحوا أقرع وتصح الصلاة بدونهما لكن يكره. وتحرم أجرتهما أي: يحرم أخذ الأجرة على الأذان والإقامة لأنهما قربة لفاعلهما ولا أخذ رزق من بيت المال من مال الفىء لعدم متطوع بالأذان والإقامة فلا يحرم كأرزاق القضاة والغزاة.
و سن أن يكون المؤذن صيتا أي رفيع الصوت لأنه أبلغ في الإعلام زاد في المغني وغيره: وأن يكون حسن الصوت لأنه أرق لسامعه أمينا أي عدلا لأنه مؤتمن يرجع إليه في الصلاة وغيرها عالما بالوقت ليتحراه فيؤذن في أوله.
ـــــــ
1- سورة التوبة من الآية "2".
2- أي الأذان والإقامة للمقيم الذكر الحر العاقل في الصلاة الحاضر وقتها فرض وفي غير هذا الشرط فهما سنة.
3- كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا غزا قوما انتظر فإن سمع أذانا تركهم وإن لم يسمع أذانا قاتلهم وكذا كان أمر الصديق لقادته في حروب الردة.

فإن تشاح 1 فيه اثنان فأكثر قدم أفضلهما فيه أي: فيما ذكر من الخصال ثم إن استووا فيها قدم أفضلهما في دينه وعقله لحديث: "ليؤذن لكم خياركم" رواه أبو داود وغيره ثم إن استووا قدم من يختاره أكثر الجيران لأن الأذان لإعلامهم ثم إن تساووا في الكل فـ قرعة فأيهم خرجت له القرعة قدم.
وهو أي الأذان المختار خمس عشرة جملة لأنه أذان بلال رضي الله عنه من غير ترجيع الشهادتين فإن رجعهما فلا بأس يرتلها أي: يستحب أن يتمهل في ألفاظ الأذان ويقف على كل جملة وأن يكون قائما على علو كالمنارة لأنه أبلغ في الإعلام وأن يكون متطهرا من الحدث الأصغر والأكبر ويكره أذان جنب وإقامة محدث وفي الرعاية: يسن أن يؤذن متطهرا من نجاسة بدنه وثوبه مستقبل القبلة لأنها أشرف الجهات جاعلا إصبعيه السبابتين في أذنيه لأنه أرفع للصوت غير مستدير فلا يزيل قدميه في منارة ولا غيرها ملتفتا في الحيعلة يمينا وشمالا أي يسن أن يلتفت يمينا لـ "حي على الصلاة" وشمالا لـ "حي على الفلاح" ويرفع وجهه إلى السماء فيه كله لأنه حقيقة التوحيد قائلا بعدهما أي يسن أن يقول بعد الحيعلتين في أذان الصبح ولو أذن قبل الفجر: الصلاة خير من النوم مرتين لحديث أبي محذورة رواه أحمد وغيره ولأنه وقت ينام الناس فيه غالبا ويكره في غير أذان الفجر وبين الأذان والإقامة.
وهي أي الإقامة إحدى عشرة جملة بلا تثنية وتباح تثنيتها يحدرها أي: يسرع فيها ويقف على كل جملة كالأذان.
ويقيم من أذن استحبابا فلو سبق المؤذن بالأذان فأراد المؤذن أن يقيم فقال أحمد: لو أعاد الأذان كما صنع أبو محذورة فإن أقام من غير إعادة فلا بأس قاله في المبدع في مكانه أي يسن أن يقيم في مكان أذانه إن سهل لأنه أبلغ في الإعلام فإن شق كأن أذن في منارة أو مكان بعيد عن المسجد أقام في المسجد لئلا يفوته بعض الصلاة لكن لا يقيم إلا بإذن الإمام.
ولا يصح الأذان إلا مرتبا كأركان الصلاة متواليا عرفا لأنه لا يحصل المقصود منه إلا بذلك فإن نكسه لم يعتد به ولا تعتبر الموالاة بين الإقامة والصلاة إذا أقام عند إرادة الدخول فيها ويجوز الكلام بين الأذان وبعد الإقامة قبل الصلاة. ولا يصح الأذان إلا من واحد ذكر عدل ولو ظاهرا فلو أذن واحد بعضه وكمله آخر أو أذنت امرأة أو خنثى أو ظاهر
ـــــــ
1- أي إن تنافس على الأذان اثنان.

الفسق لم يعتد به ويصح الأذان ولو كان ملحنا أي مطربا به أو كان ملحونا لحنا لا يحيل المعنى1 ويكرهان ومن ذي لثغة فاحشة وبطل إن أحيل المعنى ويجزئ أذان من مميز لصحة صلاته كالبالغ.
ويبطلهما أي الأذان والإقامة فصل كثير بسكوت أو كلام ولو مباحا و كلام يسير محرم كقذف وكره اليسير غيره ولا يجزئ الأذان قبل الوقت لأنه شرع للإعلام بدخوله ويسن في أوله إلا الفجر فيصح بعد نصف الليل لحديث: "إن بلالا يؤذن بليل كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم" 2 متفق عليه. ويستحب لمن أذن قبل الفجر أن يكون معه من يؤذن في الوقت وأن يتخذ ذلك عادة لئلا يغر الناس. ورفع الصوت بالأذان ركن ما لم يؤذن لحاضر فبقدر ما يسمعه ويسن جلوسه أي المؤذن بعد أذان المغرب أو صلاة يسن تعجيلها قبل الإقامة يسيرا لأن الأذان شرع للإعلام فسن تأخير الإقامة للإدراك3.
ومن جمع بين صلاتين لعذر أذن للأولى وأقام لكل منهما سواء كان جمع تقديم أو تأخير أو قضى فرائض فوائت أذن للأولى ثم أقام لكل فريضة من الأولى وما بعدها وإن كانت الفائتة واحدة أذن لها وأقام ثم إن خاف من رفع صوته به تلبيسا أسر وإلا جهر فلو ترك الأذان لها فلا بأس.
ويسن لسامعه أي لسامع المؤذن أو المقيم ولو أن السامع امرأة أو سمعه ثانيا وثالثا حيث سن متابعته سرا بمثل ما يقول ولو في طواف أو قراءة ويقضيه المصلي والمتخلي.
و تسن حوقلته في الحيعلة أي أن يقول السامع: لا حول ولا قوة إلا بالله إذا قال المؤذن أو المقيم: حي على الصلاة حي على الفلاح وإذا قال: الصلاة خير من النوم ويسمى التثويب قال السامع: صدقت وبررت وإذا قال المقيم: قد قامت الصلاة قال السامع: أقامها الله وأدامها4 وكذا يستحب للمؤذن والمقيم إجابة أنفسهما ليجمعا بين ثواب الأذان والإجابة.
ـــــــ
1- لا يحيل المعنى: لا يغيره ولا يبدل معناه.
2- وروى مسلم في صحيحه في كتاب الصيام "8" باب بيان الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر حديث رقم "38" وفيه بعد الحديث المذكور هنا قال: "لم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا".
3- القعود المذكور هنا قعود يسير بين الأذان والإقامة يترك فيه مجالا لمن لم يكن على وضوء أن يتوضأ ولا يزيد عن ذلك.
4- ويستحب الدعاء عندها بقوله: "اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد" فالمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من طلب الوسيلة حقت له شفاعته صلى الله عليه وسلم.

و يسن قوله أي قول المؤذن وسامعه بعد فراغه: اللهم أصله: يا الله والميم بدل من يا قاله الخليل وسيبويه رب هذه الدعوة بفتح الدال أي دعوة الأذان التامة الكاملة السالمة من نقص يتطرق إليها والصلاة القائمة التي ستقوم وتفعل بصفاتها آت محمدا الوسيلة منزلة في الجنة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته أي الشفاعة العظمى في موقف القيامة لأنه يحمده فيه الأولون والآخرون ثم يدعو ويحرم خروج من وجبت عليه الصلاة بعد الأذان في الوقت من مسجد بلا عذر أو نية رجوع.

باب شروط الصلاة
الشرط ما لا يوجد المشروط مع عدمه ولا يلزم أن يوجد عند وجوده.
شروطها ما يجب لها قبلها أي تتقدم عليها وتسبقها إلا النية فالأفضل مقارنتها للتحريمة1 ويجب استمرارها أي الشروط فيها وبهذا المعنى فارقت الأركان.
منها أي من شروط الصلاة: الإسلام والعقل والتمييز وهذه شروط في كل عبادة إلا التمييز في الحج ويأتي ولذلك لم يذكرها كثير من الأصحاب هنا.
أوقات الصلاةومنها الوقت قال عمر: الصلاة لها وقت شرطه الله لها لا تصح إلا به وهو حديث جبريل حين أم النبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات الخمس ثم قال: يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك فالوقت2 سبب وجوب الصلاة لأنها تضاف إليه وتتكرر بتكرره.
و منها الطهارة من اللاحدث لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ" متفق عليه. و الطهارة من النجس فلا تصح الصلاة مع نجاسة بدن المصلي أو ثوبه أو بقعته ويأتي والصلوات المفروضات خمس في اليوم والليلة ولا يجب غيرها إلا لعارض كالنذر.
ـــــــ
1- التحريمة: تكبيرة الإحرام وسميت كذلك لأن المرء يدخل بها في حرم الصلاة فلا يتكلم ولا يقوم بعمل سواها ولا يخرج منها إلا بالتسليم.
2- والوقت موعد استحقاق أداء الفرض فلا يؤدي قبل وقته وإن أدى بعد وقته كان قضاء.

فوقت الظهر وهي الأولى من الزوال أي ميل الشمس إلى المغرب ويستمر إلى مساواة الشئ الشاخص فيئه بعد فئ الزوال أي بعد الظل الذي زالت عليه الشمس.
اعلم أن الشمس إذا طلعت رفع لكل شاخص ظل طويل من جانب المغرب ثم ما دامت الشمس ترتفع فالظل ينقص فإذا انتهت الشمس إلى وسط السماء - وهي حالة الاستواء انتهى نقصانه فإذا زاد أدنى زيادة فهو الزوال ويقصر الظل في الصيف لارتفاعها إلى الجو ويطول في الشتاء ويختلف بالشهر والبلد وتعجيلها أفضل وتحصل فضيلة التعجيل بالتأهب أول الوقت إلا في شدة حر فيستحب تأخيرها إلى أن ينكسر لحديث: "أبردوا بالظهر" . ولو صلى وحده أو ببيته أ و مع غيم لمن يصلي جماعة أي ويستحب تأخيرها مع غيم إلى قرب وقت العصر لمن يصلي جماعة لأنه وقت يخاف فيه المطر والريح فطلب الأسهل بالخروج لهما معا وهذا في غير الجمعة فيسن تقديمها مطلقا.
ويليه أي يلي وقت الظهر وقت العصر المختار من غير فصل بينهما ويستمر إلى مصير الفئ مثليه بعد فئ الزوال أي بعد الظل الذي زالت عليه الشمس و وقت الضرورة إلى غروبها أي غروب الشمس فالصلاة فيه أداء لكن يأثم بالتأخير إليه لغير عذر ويسن تعجيلها مطلقا وهي الصلاة الوسطى1.
ويليه وقت المغرب وهي وتر النهار2 ويمتد إلى مغيب الحمرة أي الشفق الأحمر ويسن تعجيلها إلا ليلة جمع أي مزدلفة سميت جمعا لاجتماع الناس فيها فيسن لمن يباح له الجمع و قصدها محرما تأخير المغرب ليجمعها مع العشاء تأخيرا قبل حط رحله.
ويليه وقت العشاء إلى طلوع الفجر الثاني وهو الصادق وهو البياض المعترض بالمشرق و لا ظلمة بعده والأول مستطيل أزرق له شعاع ثم يظلم وتأخيرها إلى أن يصليها في آخر الوقت المختار وهو ثلث الليل أفضل إن سهل فإن شق ولو على بعض المأمومين كره ويكره النوم قبلها والحديث بعدها إلا يسيرا أو لشغل أو مع أهل ونحوه ويحرم تأخيرها بعد الثلث بلا عذر لأنه وقت ضرورة.
ويليه وقت الفجر من طلوعه إلى طلوع الشمس وتعجيلها أفضل مطلقا ويجب
ـــــــ
1- وهي الوسطى باعتبار صلاتي الصبح والظهر من صلوات النهار والمغرب والعشاء من صلوات الليل.
2- هي وتر النهار لأنها ثلاث ركعات واعتبار وتر الليل سنة مندوب إليها لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أوتر وأوتر المسلمون بعده.

التأخير لتعلم فاتحة أو ذكر واجب أمكنه تعلمه في الوقت وكذا لو أمره والده به ليصلي به ويسن لحاقن ونحوه مع سعة الوقت.
وتدرك الصلاة أداء بـ إدراك تكبيرة الإحرام في وقتها فإذا كبر للإحرام قبل طلوع الشمس أو غروبها كانت كلها أداء حتى ولو كان التأخير لغير عذر لكنه أثم وكذا وقت الجمعة يدرك بتكبيرة الإحرام ويأتي. ولا يصلي من جهل الوقت ولم تمكنه مشاهدة الدلائل قبل غلبة ظنه بدخول وقتها إما باجتهاد ونظر في الأدلة أو له صنعة وجرت عادته بعمل شيء مقدر إلى وقت الصلاة أو جرت عادته بقراءة شيء مقدر ويستحب له التأخير حتى يتيقن أو بخبر ثقة متيقن كأن يقول رأيت الفجر طالعا أو الشفق غائبا ونحوه فإن أخبر عن ظن لم يعمل بخبره ويعمل بأذان ثقة عارف فإن أحرم باجتهاد بأن غلب على ظنه دخول الوقت لدليل مما تقدم فبان إحرامه قبله فـ صلاته نفل لأنها لم تجب ويعيد فرضه وإلا يتبين له الحال أو ظهر أنه في الوقت فـ صلاته فرض ولا إعادة عليه لأن الأصل براءة ذمته ويعيد الأعمى العاجز مطلقا إن لم يجد من يقلده.
وإن أدرك مكلف من وقتها أي وقت فريضة قدر التحريمة أي تكبيرة الإحرام ثم زال تكليفه بنحو جنون أو أدركت طاهر من الوقت قدر التحريمة ثم حاضت أو نفست ثم كلف الذي كان زال تكليفه وطهرت الحائض أو النفساء قضوها أي قضوا تلك الفريضة التي أدركوا من وقتها قدر التحريمة قبل لأنها وجبت بدخول وقتها واستقرت فلا تسقط بوجود المانع ومن صار أهلا لوجوبها بأن بلغ صبي أو أسلم كافر أو أفاق مجنون أو طهرت حائض أو نفساء قبل خروج وقتها أي وقت الصلاة بأن وجد ذلك قبل الغروب مثلا ولو بقدر تكببرة لزمته أي العصر وما يجمع إليها قبلها وهي الظهر وكذا لو كان ذلك قبل الفجر لزمته العشاء والمغرب لأن وقت الثانية وقت الأولى حال العذر فإذا أدركه المعذور فكأنه أدرك وقتها ويجب فورا ما لم يتضر في بدنه أو معيشة يحتاجها أو يحضر لصلاة عيد قضاء الفوائت مرتبة ولو كثرت1 ويسن صلاتها جماعة ويسقط الترتيب بنسيانه للعذر فإن نسي الترتيب بين الفوائت أو بين حاضرة وفائتة حتى فرغ من الحاضرة صحت ولا يسقط بالجهل.
و يسقط الترتيب أيضا بخشية خروج وقت اختيار الحاضرة فإن خشي خروج
ـــــــ
1- أي لا يقضي الصلوات إلا على ترتيب وقتها فلا تقضي الصبح قبل الظهر ولا العصر قبل الظهر ولا صلوات يوم قبل اليوم الذي سبقه وهكذا.

الوقت قدم الحاضرة لأنها آكد ولا يجوز تأخيرها عن وقت الجواز ويجوز التأخير لغرض صحيح كانتظار رفقة أو جماعة لها ومن شك فيما عليه من الصلوات وتيقن سبق الوجوب أبرأ ذمته يقينا وإن لم يعلم وقت الوجوب فمن ما تيقن وجوبه.
ستر العورةومنها أي من شروط الصلاة ستر العورة قال ابن عبد البر: أجمعوا على فساد صلاة من ترك ثوبه وهو قادر على الاستتار به وصلى عريانا والستر بفتح السين: التغطية وبكسرها: ما يستر به. والعورة لغة النقصان والمشي المستقبح ومنه كلمة عوراء أي قبيحة وفي الشرع: القبل والدبر وكل ما يستحيى منه على ما يأتي تفصيله فيجب سترها حتى عن نفسه وخلوة وفي ظلمة وخارج الصلاة بما لا يصف بشرتها أي لون بشرة العورة من بياض أو سواد لأن الستر إنما يحصل بذلك ولا يعتبر أن لا يصف حجم العضو لأنه لا يمكن التحرز عنه ويكفي الستر بغير منسوج كورق وجلد ونبات ولا يجب ببارية وحصير وحفيرة وطين وماء كدر لعدم لأنه ليس بسترة ويباح كشفها لتداو وتخل ونحوهما ولزوج وسيد وزوجة وأمة.
وعورة رجل ومن بلغ عشرا وأمة وأم ولد ومكاتبة و مدبرة ومعتق بعضها وحرة مميزة ومراهقة من السرة إلى الركبة وليسا من العورة. وابن سبع إلى عشر الفرجان وكل الحرة البالغة عورة إلا وجهها فليسا عورة في الصلاة.
وتستحب صلاته في ثوبين كالقميص والرداء والإزار والسراويل مع القميص ويكفي ستر عورته أي عورة الرجل في النفل و ستر عورته مع جميع أحد عاتقيه في الفرض ولو بما يصف البشرة لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء" . رواه الشيخان عن أبي هريرة.
و يستحب صلاتها أي صلاة المرأة في درع وهو القميص وخمار وهو ما تضعه على رأسها وتديره تحت حلقها وملحفة أي ثوب تلتحف به وتكره صلاتها في نقاب وبرقع ويجزئ المرأة ستر عورتها في فرض ونفل.
ومن انكشف بعض عورته في الصلاة رجلا كان أو امرأة وفحش عرفا وطال الزمن أعاد وإن قصر الزمن أو لم يفحش المكشوف ولو طال الزمن لم يعد إن لم يتعمده أو صلى في ثوب محرم عليه كمغصوب كله أو بعضه وحرير ومنسوج بذهب أو فضة إن كان رجلا واجدا غيره وصلى فيه عالما ذاكرا أعاد وكذا إذا صلى في مكان غصب أو صلى في

ثوب نجس أعاد ولو لعدم غيره لا من حبس في محل غصب أو نجس ويركع ويسجد إن كانت النجاسة يابسة ويومئ برطبة غاية ما يمكنه ويجلس على قدميه ويصلي عريانا مع ثوب مغصوب لم يجد غيره وفي حرير ونحوه لعدم غيره ولا يعيد. ولا يصح نفل آبق1 ومن وجد كفاية عورته سترها وجوبا وترك غيرها لأن سترها واجب في غير الصلاة ففيها أولى وإلا يجد ما يسترها كلها بل بعضها فـ ليستر الفرجين لأنهما أفحش فإن لم يكفهما وكفى أحدهما فالدبر أولى لأنه ينفرج في الركوع والسجود إلا إذا كفت منكبه وعجزه فقط فيسترهما ويصلي جالسا ويلزم العريان تحصيل السترة بثمن أو أجرة مثلها أو زائد يسيرا وإن أعير سترة لزمه قبولها لأنه قادر على ستر عورته بما لا ضرر فيه بخلاف الهبة للمنة ولا يلزمه استعارتها.
ويصلي العاري العاجز عن تحصيلها قاعدا ولا يتربع بل يتضام بالإيماء استحبابا فيهما أي في القعود والإيماء بالركوع والسجود2 فلو صلى قائما وركع وسجد جاز. ويكون إمامهم أي إمام العراة وسطهم أي بينهم وجوبا ما لم يكونوا عميا أو في ظلمة ويصلي كل نوع من رجال ونساء وحده لأنفسهم إن اتسع محلهم فإن شق ذلك صلى الرجال واستدبرهم النساء 3 ثم عكسوا فصلى النساء واستدبرهن الرجال فإن وجد المصلي عريانا سترة قريبة عرفا في أثناء الصلاة ستر بها عورته وبنى على ما مضى من صلاته وإلا يجدها قريبة بل وجدها بعيدة ابتدأ الصلاة بعد ستر عورته وكذا من عتقت فيها واحتاجت إليها.
ويكره في الصلاة السدل وهو طرح ثوب على كتفيه ولا يرد طرفه على الأخرى و يكره فيها اشتمال الصماء بأن يضطبع بثوب ليس عليه غيره والاضطباع أن يجعل وسط الرداء تحت عاتقه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر فإن كان تحته ثوب غيره لم يكره و يكره في الصلاة تغطية وجهه واللثام على فمه وأنفه بلا سبب لنهيه صلى الله عليه وسلم أن يغطي الرجل فاه رواه أبو داود وفي تغطية الفم تشبه بفعل المجوس عند عبادتهم النيران و يكره فيها كف كمه أي أن يكفه عن السجود معه ولفه أي لف كمه بلا سبب لقوله صلى الله عليه وسلم: "ولا أكف شعرا ولا ثوبا" متفق عليه و يكره فيها شد
ـــــــ
1- الآبق هو العبد الهارب من سيده ولا يتقبل منه إلا الفرض لأنه مأمور به أما النوافل كصلاة التطوع وصيام التطوع فلا يتقبل منه لأنه عاص لمولاه وهو مأمور بطاعته وخدمته.
2- ويكره إيمائه للسجود أدنى من إيمائه للركوع.
3- أي أداروا ظهور بعضهم لبعض.

وسطه كزنار أي بما يشبه شد الزنار لما فيه من التشبه بأهل الكتاب وفي الحديث "من تشبه بقوم فهو منهم" . رواه أحمد وغيره بإسناد صحيح ويكره للمرأة شد وسطها في الصلاة مطلقا ولا يكره للرجل بما لا يشبه الزنار.
وتحرم الخيلاء في ثوب وغيره من عمامة وغيرها في الصلاة وخارجها في غير الحرب لقوله صلى الله عليه وسلم: "من جر ثوبه خيلاء 1 لم ينظر الله إليه" متفق عليه. ويجوز الإسبال من غير الخيلاء للحاجة و يحرم التصوير أي على صورة حيوان لحديث الترمذي وصححه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصورة في البيت وأن تصنع وإن أزيل من الصورة ما لا تبقى معه حياة لم يكره و يحرم استعماله أي المصور على الذكر والأنثى في لبس وتعليق وستر جدر لا افتراشه وجعله مخدة ويحرم على الذكر استعمال منسوج بذهب أو فضة أو استعمال مموه بذهب أو فضة غير ما يأتي في الزكاة من أنواع الحلي قبل استحالته فإن تغير لونه ولم يحصل منه شيء بعرضه على النار لم يحرم لعدم السرف والخيلاء. و تحرم ثياب حرير و يحرم ما أي ثوب هو أي الحرير أكثره ظهورا مما نسج معه على الذكور والخناثي دون النساء لبسا بلا حاجة وافتراشا واستنادا وتعليقا وكتابة مهر وستر جدر غير الكعبة المشرفة لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تلبسوا الحرير فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة" . متفق عليه وإذا فرش فوقه حائلا صفيقا جاز الجلوس عليه والصلاة لا إذا استويا أي الحرير وما نسج معه ظهورا ولا الخز وهو ما سدي بالإبريسم وألحم بصوف أو قطن ونحوه أو لبس الحرير الخالص لضرورة أو حكة أو مرض أو قمل أو جرب ولو بلا حاجة أو كان الحرير حشوا لجباب أو فرش فلا يحرم لعدم الفخر والخيلاء بخلاف البطانة ويحرم إلباس صبي ما يحرم على رجل وتشبه رجل بأنثى في لباس وغيره وعكسه أو كان الحرير علما وهو طراز الثوب أربع أصابع فما دون أو كان رقاعا أو لبنة جيب وهي الزيق وسجف فراء جمع فروة ونحوها مما يسجف فكل ذلك يباح من الحرير إذا كان قدر أربع أصابع فأقل لما روى مسلم عن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاثة أو أربعة ويباح أيضا كيس المصحف وخياطة به وأزرار ويكره المعصفر 2 في غير إحرام.
ـــــــ
1- لأن الخيلاء من الكبر والكبر رداء الرحمن ولا يدخل الجنة من كان في قلبه ذرة من كبر.
2- المعصفر: المصبوغ بالعصفر وهو ثبت تصبغ عصارته الثياب فيعطيها لونا أصفر محمرا.

و يكره المزعفر 1 للرجال لأنه صلى الله عليه وسلم نهى الرجال عن التزعفر متفق عليه. ويكره الأحمر الخالص والمشي بنعل واحدة وكون ثيابه فوق نصف ساقه أو تحت كعبه بلا حاجة وللمرأة زيادة إلى ذراع ويكره لبس الثوب الذي يصف البشرة للرجل والمرأة وثوب الشهرة وهو ما يشتهر به عند الناس ويشار إليه بالأصابع.
اجتناب النجاسةومنها أي من شروط الصلاة اجتناب النجاسات حيث لم يعف عنها بدن المصلي وثوبه وبقعتهما وعدم حملها لحديث: "تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه" . وقوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} 2 فمن حمل النجاسة لا يعفى عنها ولو بقارورة لم تصح صلاته فإن كانت معفوا عنها كمن حمل مستجمرا أو حيوانا طاهرا صحت صلاته أو لاقاها أي لاقى نجاسة لا يعفى عنها بثوبه أو بدنه لم تصح صلاته لعدم اجتنابه النجاسة وإن مس ثوبه ثوبا أو حائطا نجسا لم يستند إليه أو قابلها راكعا أو ساجدا ولم يلاقها صحت وإن طين أرضا نجسة أو فرشها طاهرا صفيقا أو بسطه على حيوان نجس أو صلى على بساط باطنه فقط نجس كره له ذلك لاعتماده على ما لا تصح الصلاة عليه وصحت لأنه ليس حاملا للنجاسة ولا مباشرا لها وإن كانت النجاسة بطرف مصلى متصل صحت الصلاة على الطاهر ولو تحرك النجس بحركته وكذا لو كان تحت قدمه حبل مشدود في نجاسة وما يصلي عليه منه طاهر إن لم يكن متعلقا به بيده أو وسطه بحيث ينجر معه بمشيه فلا تصح لأنه مستتبع لها فهو كحاملها وإن كان سفينة كبيرة أو حيوانا كبيرا لا يقدر على جره إذا استعصى عليه صحت لأنه ليس بمستتبع لها.
ومن رأى عليه نجاسة بعد صلاته وجهل كونها أي النجاسة فيها أي في الصلاة لم يعدها لاحتمال حدوثها بعدها فلا تبطل بالشك وإن علم أنها أي النجاسة كانت فيها أي في الصلاة لكن جهلها أو نسيها أعاد كما لو صلى محدثا ناسيا. ومن جبر عظمه بعظم نجس أو خيط جرحه بخيط نجس وصح لم يجب قلعه مع الضرر بفوات نفس أو عضو أو مرض ولا يتيمم له إن غطاه اللحم وإن لم يخف ضررا لزمه قلعه. وما سقط منه أي من آدمي من عضو أو سن فـ هو طاهر أعاده أو لم يعده لأن ما أبين من حي كميتته وميتة الآدمي طاهرة وإن جعل موضع سنه سن شاة مذكاة فصلاته معه
ـــــــ
1- المزعفر: المصبوغ بالزعفران وهو أصله زهور نبت إذا اختمرت تستعمل كالتوابل في الطعام وصباغا للثياب وحبرا للكتابة ولونه أصفر برتقاليا.
2- سورة المدثر الآية "4".

صحيحة ثبتت أو لم تثبت. ووصل المرأة شعرها بشعر حرام ولا بأس بوصله بقرامل وهي الأعقصة وتركها أفضل ولا تصح الصلاة إن كان الشعر نجسا.
الأماكن التي لا تصح فيها الصلاةولا تصح الصلاة بلا عذر فرضا كانت أو نفلا غير صلاة جنازة في مقبرة بتثليث الباء1 ولا يضر قبران ولا ما دفن بداره2 و لا في حش -بضم الحاء وفتحها- وهو المرحاض و لا في حمام داخله وخارجه وجميع ما يتبعه في البيع وأعطان إبل واحدها عطن -بفتح الطاء- وهي المعاطن جمع معطن بكسر الطاء وهي ما تقيم فيها وتأوي إليها و لا في مغصوب ومجزرة ومزبلة وقارعة طريق و لا في أسطحتها أي أسطحة تلك المواضع وسطح نهر والمنع فيما ذكر تعبدي لما روى ابن ماجة والترمذي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى في سبع مواطن: المزبلة والمجزرة والمقبرة وقارعة الطريق وفي الحمام وفي معاطن الإبل وفوق ظهر بيت الله. وتصح الصلاة إليها أي إلى تلك الأماكن مع الكراهة إن لم يكن حائل3 وتصح صلاه الجنازة والجمعة والعيد ونحوها بطريق لضرورة وتصح الصلاة على راحلة بطريق وفي سفينة ويأتي.
ولا تصح الفريضة في الكعبة ولا فوقها والحجر منها وإن وقف على منتهاها بحيث لم يبق وراءه شيئا منها أو وقف خارجها وسجد فيها صحت لأنه غير مستدبر لشيء منها. وتصح النافلة والمنذورة فيها وعليها باستقبال شاخص منها أي مع استقبال شاخص من الكعبة فلو صلى إلى جهة الباب أو على ظهرها ولا شاخص متصل بها لم تصح ذكره في المغني و الشرح عن الأصحاب لأنه غير مستقبل لشىء منها وقال في التنقيح: اختاره الأكثر وقال في المغني: الأولى أنه لا يشترط لأن الواجب استقبال موضعها وهوائها دون حيطانها ولهذا تصح على جبل أبي قبيس وهو أعلى منها وقدمه في التنقيح وصححه في تصحيح الفروع قال في الإنصاف: وهو المذهب على ما اصطلحناه ويستحب نفله في الكعبة بين الأسطوانتين وجاهه إذا دخل لفعله صلى الله عليه وسلم.
ـــــــ
1- أي تحريكها بالكسر أو الضم أو الفتح.
2- والمقصود الدفن بجانب الدار أو بداخله في إحدى غرف البيت وإنما تكون الصلاة بغير موضع القبر وإن كانت في الدار نفسه لأنها ليست مقبرة.
3- أي إن لم يحل شيء كالجدار أو ما يشبهه بينها وبينه.

أحكام استقبال القبلةومنها أي من شروط الصلاة استقبال القبلة أي الكعبة أو جهتها سميت قبلة لإقبال الناس عليها قال تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} 1 فلا تصح الصلاة بدونه أي بدون الاستقبال إلا لعاجز كالمربوط لغير القبلة والمصلوب وعند اشتداد الحرب و إلا لـ متنفل راكب سائر لا نازل في سفر مباح طويل أو قصير إذا كان يقصد جهة معينة فله أن يتطوع على راحلته حيث ما توجهت به ويلزمه افتتاح الصلاة بالإحرام إن أمكنه إليها أي إلى القبلة بالدابة أو بنفسه ويركع ويسجد إن أمكن بلا مشقة وإلا فإلى جهة سيره ويومئ بهما ويجعل سجوده أخفض وراكب المحفة الواسعة والسفينة والراحلة الواقفة يلزمه الاستقبال في كل صلاته و إلا لمسافر ماش قياسا على الراكب ويلزمه أي الماشي الافتتاح إليها والركوع والسجود إليها أي إلى القبلة لتيسر ذلك عليه وإن داس النجاسة عمدا بطلت وإن داسها مركوبه فلا وإن لم يعذر من عدلت به دابته أو عدل إلى غير القبلة عن جهة سيره مع علمه أو عذر وطال عدوله عرفا بطلت وفرض من قرب من القبلة أي الكعبة وهو من أمكنه معاينتها أو الخبر عن يقين إصابة عينها 2 ببدنه كله بحيث لا يخرج شيء منه عن الكعبة ولا يضر علو ولا نزول و فرض من بعد عن الكعبة استقبال جهتها فلا يضر التيامن ولا التياسر3 اليسيران عرفا إلا من كان بمسجده صلى الله عليه وسلم لأن قبلته متيقنة فإن أخبره بالقبلة مكلف ثقة عدل ظاهرا وباطنا بيقين عمل به حرا كان أو عبدا رجلا كان أو امرأة أو وجد محاريب إسلامية عمل بها لأن اتفاقهم عليها مع تكرار الأعصار إجماع عليها فلا تجوز مخالفتها حيث علمها للمسلمين ولا ينحرف.
ويستدل عليها في السفر بالقطب وهو أثبت أدلتها لأنه لا يزول عن مكانه إلا قليلا وهو نجم خفي شمالي وحوله أنجم دائرة كفراشة الرحى في أحد طرفيها الجدي والآخر الفرقدان يكون وراء ظهر المصلي بالشام وعلى عاتقه الأيسر بمصر ويستدل عليها بالشمس والقمر ومنازلهما أي منازل الشمس والقمر تطلع من المشرق وتغرب بالمغرب ويستحب تعلم أدلة القبلة والوقت فإن دخل الوقت وخفيت عليه لزمه ويقلد إن ضاق الوقت.
ـــــــ
1- سورة البقرة من الآية "144" ومن الآية "149" ومن الآية "150".
2- أي مواجهتهما بجسده كله فلا يكون نصفه مقابلها والنصف الآخر خارج عنها.
3- التيامن أو التياسر اليسير: الميل قليلا إلى اليمين أو إلى اليسار من اتجاه القبلة الدقيق.

وإن اجتهد مجتهدان فاختلفا جهة لم يتبع أحدهما الآخر وإن كان أعلم منه ولا يقتدي به لأن كلا منهما يعتقد خطأ الآخر ويتبع المقلد لجهل أو عمى أوثقهما أي أعلمهما وأصدقهما وأشدهما تحريا لدينه عنده لأن الصواب إليه أقرب فإن تساويا خير وإذا قلد اثنين لم يرجع برجوع أحدهما ومن صلى بغير اجتهاد إن كان يحسنه ولا تقليد إن لم يحسن الاجتهاد قضى ولو أصاب إن وجد من يقلده فإن لم يجد أعمى أو جاهل من يقلداه فتحريا وصليا فلا إعادة وإن صلى بصير حضرا فأخطأ أو صلى أعمى بلا دليل من لمس محراب أو نحوه أو خبر ثقة أعادا1. ويجتهد العارف بأدلة القبلة لكل صلاة لأنها واقعة متجددة فتستدعي طلبا جديدا ويصلي بـ الاجتهاد الثاني لأنه ترجح في ظنه ولو كان في صلاة ويبني2 ولا يقضي ما صلى بـ الاجتهاد الأول لأن الاجتهاد لا ينقض الاجتهاد ومن أخبر فيها بالخطأ يقينا لزم قبوله وإن لم يظهر لمجتهد جهة في السفر صلى على حسب حاله3.
النية في الصلاةومنها أي من شروط الصلاة النية وبها تمت الشروط. وهي لغة: القصد وهو عزم القلب على الشىء. وشرعا: العزم على فعل العبادة تقربا إلى الله تعالى ومحلها القلب والتلفظ بها ليس بشرط إذ الغرض جعل العبادة لله تعالى وإن سبق لسانه إلى غير ما نواه لم يضر. فيجب أن ينوي عين صلاة معينة فرضا كانت كالظهر والعصر أو نفلا كالوتر والسنة الراتبة لحديث: "إنما الأعمال بالنيات" . ولا يشترط في الفرض أن ينويه فرضا فتكفي نية الظهر ونحوه و لا في الأداء و لا في القضاء نيتهما لأن التعيين يغني عن ذلك ويصح قضاء بنية أداء وعكسه إذا بان خلاف ظنه و لا يشترط في النفل والإعادة أي الصلاة المعادة نيتهن فلا يعتبر أن ينوي الصبي الظهر نفلا ولا أن ينوي الظهر من أعادها معادة كما لا تعتبر نية الفرض وأولى ولا تعتبر إضافة الفعل إلى الله تعالى فيها ولا في باقي العبادة ولا عدد الركعات ومن عليه ظهر إن عين السابقة لأجل الترتيب ولا يمنع صحتها قصد تعليمها ونحوه. وينوي مع التحريمة لتكون النية مقارنة للعبادة وله تقديمها أي النية عليها أي على تكبيرة الإحرام بزمن يسير عرفا إن وجدت النية في الوقت أي وقت المؤداة والراتبة ما لم يفسخها فإن قطعها في أثناء الصلاة أو تردد في فسخها بطلت لأن
ـــــــ
1- لأنه في موضع فيه من يعلم ويمكنه السؤال.
2- أي يعتبر بالركعة أو الركعتين اللتين قضاهما من صلاته ويتم مابقي عليه بعد التيقن.
3- أي حسب معرفته إن كان منفردا بالسفر فإن كانوا جماعة فعلى حسب أعلمهم.

استدامة النية شرط ومع الفسخ أو التردد لا يبقى مستديما وكذا لو علقه على شرط لا إن عزم على فعل محظور قبل فعله وإذا شك فيها أي في النية أو التحريمة استأنفها وإن ذكر قبل قطعها فإن لم يكن أتى بشئ من أعمال الصلاة بنى وإن عمل مع الشك عملا استأنف وبعد الفراغ لا أثر للشك.
وإن قلب منفرد أو مأموم فرضه نفلا في وقته المتسع جاز لأنه إكمال في المعنى كنقض المسجد للإصلاح لكن يكره لغير غرض صحيح مثل أن يحرم منفردا فيريد الصلاة في جماعة ونص أحمد فيمن صلى ركعة من فريضة منفردا ثم حضر الإمام وأقيمت الصلاة يقطع صلاته ويدخل معهم يتخرج منه قطع النافلة بحضور الجماعة بطريق الأولى وإن انتقل بنية من غير تحريمة من فرض إلى فرض آخر بطلا لأنه قطع نية الأول ولم ينو الثاني من أوله وإن نوى الثاني من أوله بتكبيرة إحرام صح وينقلب نفلا ما بان عدمه كفايته فلم تكن وفرض لم يدخل وقته.
ويجب للجماعة نية الإمامة للإمام و نية المأموم الإئتمام لأن الجماعة يتعلق بها أحكام وإنما يتميزان بالنية فكانت شرطا رجلا كان المأموم أو امرأة وإن اعتقد كل منهما أنه إمام الآخر أو مأمومه فسدت صلاتهما كما لو نوى إمامة من لا يصح أن يؤمه أو شك في كونه إماما أو مأموما ولا يشترط تعيين الإمام ولا المأموم ولا يضر جهل المأموم ما قرأ به إمامه وإن نوى زيد الاقتداء بعمرو ولم ينو عمرو الإمامة صحت صلاة عمرو وحده وتصح نية الإمامة ظانا حضور مأموم لا شاكا وإن نوى المنفرد الإئتمام في أثناء الصلاة لم تصح لأنه لم ينو الإئتمام في ابتداء الصلاة سواء صلى وحده ركعة أو لا فرضا كانت الصلاة أو نفلا ك ما لا تصح نية إمامته في أثناء الصلاة إن كانت فرضا لأنه لم ينو الإمامة في ابتداء الصلاة ومقتضاه أنه يصح في النفل وقدمه في المقنع و المحرر وغيرهما لأنه صلى الله عليه وسلم قام يتهجد وحده فجاء ابن عباس فأحرم معه فصلى به النبي صلى الله عليه وسلم متفق عليه. واختار الأكثر لا يصح في فرض ولا نفل لأنه لم ينو الإمامة في الابتداء وقدمه في التنقيح وقطع به في المنتهى وإن انفرد أي نوى الانفراد مؤتم بلا عذر كمرض وغلبة نعاس وتطويل إمام بطلت صلاته لتركه متابعة إمامه ولعذر صحت فإن فارقه في ثانية جمعة لعذر أتمها جمعة.
وتبطل صلاة مأموم ببطلان صلاة إمامه لعذر أو غيره فلا استخلاف أي فليس للإمام أن يستخلف من يتم بهم إن سبقه الحدث ولا تبطل صلاة إمام ببطلان صلاة مأموم ويتمها منفردا وإن أحرم إمام الحي أي الراتب بمن أي بمأمومين أحرم بهم نائبه

لغيبته وبنى على صلاة نائبه وعاد الإمام النائب مؤتما صح لأن أبا بكر صلى فجاء النبي صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة فتخلص حتى وقف في الصف وتقدم فصلى بهم متفق عليه. وإن سبق اثنان فأكثر ببعض الصلاة فأتم أحدهما بصاحبه في قضاء ما فاتهما أو ائتم مقيم بمثله إذا سلم إمام مسافر صح.

باب صفة الصلاة
مدخل
3- باب صفة الصلاةيسن الخروج إليها بسكينة ووقار ويقارب خطاه وإذا دخل المسجد قدم رجله اليمنى واليسرى إذا خرج ويقول ما ورد ولا يشبك أصابعه ولا يخوض فى حديث الدنيا ويجلس مستقبل القبلة.
يسن للإمام فالمأموم القيام عند قول المقيم1: قد قامت الصلاة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك رواه ابن أبي أوفى وهذا إن رأى المأموم الإمام وإلا قام عند رؤيته ولا يحرم الإمام حتى تفرغ الإقامة2.
وتسن تسوية الصف بالمناكب والأكعب فيلتفت ويمنة فيقول: استووا رحمكم الله وعن يساره كذلك ويكمل الأول فالأول ويتراصون عن يمينه والصف الأول للرجال أفضل وله ثوابه وثواب من وراءه ما اتصلت الصفوف وكلما قرب منه فهو أفضل والصف الأخير للنساء أفضل3
تكبيرة الإحرام ويقول قائما في فرض مع القدرة: الله أكبر فلا تنعقد إلا بها نطقا لحديث: "تحريمها التكبير" رواه أحمد وغيره فلا تصح إن نكسه4 أو قال: الله5 أكبر أو الجليل ونحوه أو مد همزة الله أو أكبر أو قال: إكبار وإن مططه كره مع بقاء المعنى فإن أتى بالتحريمة أو ابتدأها أو أتمها غير قائم صحت نفلا إن اتسع الوقت.
ـــــــ
1- المؤذن الذي يؤذن بالإقامة.
2- أي لا يكبر تكبيرة الإحرام.
3- أي أن أبعد صفوف الرجال عن النساء هو أفضل صفوف الرجال وأبعد صفوف النساء عن الرجال هو أفضل صفوف النساء.
4- أي إن عكسه فبدل أن يقول: "الله أكبر" قال "أكبر الله".
5- أي سكن هاء لفظ الجلالة فلم يحركه.

ويكون حال تحريمه رافعا يديه ندبا فإن عجز عن رفع إحداهما رفع الأخرى مع ابتداء التكبير وينهيه معه مضمومة الأصابع ممدودة مستقبلا ببطونهما القبلة حذو أي مقابل منكبيه لقول ابن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه ثم يكبر متفق عليه. فإن لم يقدر على الرفع المسنون رفع حسب إمكانه ويسقط بفراغ التكبير كله وكشف يديه هنا وفي الدعاء أفضل ورفعهما إشارة إلى رفع الحجاب بينه وبين ربه. كالسجود يعني أنه يسن في السجود وضع يديه بالأرض حذو منكبيه.
ويسمع الإمام استحبابا بالتكبير كله من خلفه من المأمومين ليتابعوه وكذا يجهر بـ سمع الله لمن حمده والتسليمة الأولى فإن لم يمكنه إسماع جميعهم جهر به بعض المأمومين لفعل أبي بكر معه صلى الله عليه وسلم متفق عليه. كقراءته أي كما يسن للإمام أن يسمع قراءته من خلفه في أولتي غير الظهرين أي الظهر والعصر فيجهر في أولتي المغرب والعشاء وفي الصبح والجمعة والعيدين والكسوف والاستسقاء والتراويح والوتر بقدر ما يسمع المأمومين وغيره أي غير الإمام وهو المأموم والمنفرد يسر بذلك كله لكن ينطق به حيث يسمع نفسه وجوبا في كل واجب لأنه لا يكون كلاما بدون الصوت وهو ما يتأتى سماعه حيث لا مانع فإن كان فبحيث يحصل السماع مع عدمه.
ثم إذا فرغ من التكبير يقبض كوع يسراه بيمينه ويجعلهما تحت سرته استحبابا لقول علي رضي الله عنه: من السنة وضع اليمين على الشمال تحت السرة. رواه أحمد وأبو داود وينظر المصلي استحبابا مسجده أي موضع سجوده لأنه أخشع إلا في صلاة خوف لحاجة1.
الاستفتاح والقراءةثم يستفتح ندبا فـ يقول: سبحانك اللهم أي أنزهك اللهم عما لا يليق بك وبحمدك سبحتك وتبارك اسمك أي كثرت بركاته وتعالى جدك أي ارتفع قدرك وعظم ولا إله غيرك أي لا إله يستحق أن يعبد غيرك كان عليه الصلاة والسلام يستفتح بذلك رواه أحمد وغيره. ثم يستعيذ ندبا فيقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ثم يبسمل ندبا فيقول: بسم الله الرحمن الرحيم وهي قرآن آية منه نزلت فصلا بين السور غير
ـــــــ
1- إذ في صلاة الخوف يبقى المرء متحرزا من عدد يخشى منه الغدر فلا بأس لو جعل بصره قبالة ما يخاف منه أو من يخاف غدره.

براءة فيكره ابتداؤها بها ويكون الاستفتاح والتعوذ و البسمله سرا ويخير في غير صلاة في الجهر بالبسملة وليست البسملة من الفاتحة وتستحب عند كل فعل مهم.
ثم يقرأ الفاتحة تامة بتشديداتها وهي ركن في كل ركعة وهي أفضل سورة وآية الكرسي أعظم آية وسميت فاتحة لأنه يفتتح بقراءتها الصلاة وبكتابتها في المصاحف وفيها إحدى عشرة تشديدة ويقرأها مرتبة متوالية فإن قطعها بذكر أو سكوت غير مشروعين وطال عرفا أعادها فإن كان مشروعا كسؤال الرحمة عند تلاوة آية رحمة وكالسكوت لاستماع قراءة إمامه وكسجوده للتلاوة مع إمامه لم يبطل ما مضى من قراءتها مطلقا أو ترك منها تشديدة أو حرفا أو ترتيبا لزم غير مأموم إعادتها أي إعادة الفاتحة فيستأنفها إن تعمد ويستحب أن يقرأها مرتلة معربة يقف عند كل آية كقراءته عليه الصلاة والسلام ويكره الإفراط في التشديد والمد ويجهر الكل أي المنفرد والإمام والمأموم معا بآمين في الصلاة الجهرية بعد سكتة لطيفة ليعلم أنها ليست من القرآن وإنما هي طابع الدعاء ومعناه اللهم استجب ويحرم تشديد ميمها1 فإن تركه إمام أو أسره أتى به مأموم جهرا ويلزم الجاهل تعلم الفاتحة والذكر الواجب ومن صلى وتلقف القراءة من غيره صحت.
ثم يقرأ بعدها أي بعد الفاتحة سورة ندبا كاملة يفتتحها ببسم الله الرحمن الرحيم وتجوز آية إلا أن أحمد استحب كونها طويلة كآية الدين2 والكرسي3 ونص على جواز تفريق السورة في ركعتين لفعله عليه الصلاة والسلام ولا يعتد بالسورة قبل الفاتحة ويكره الاقتصار على الفاتحة في الصلاة والقراءة بكل القرآن في فرض لعدم نقله وللإطالة.
وتكون السورة في صلاة الصبح من طوال المفصل بكسر الطاء وأوله ق ولا يكره لعذر كمرض وسفر بقصاره ولا يكره بطواله و تكون السورة في صلاة المغرب من قصاره ولا يكره بطواله و تكون السورة في الباقي من الصلوات كالظهرين والعشاء من أوساطه ويحرم تنكيس الكلمات وتبطل به ويكره تنكيس السور والآيات ولا تكره ملازمة سورة مع اعتقاد جواز غيرها.
ـــــــ
1- لأن تشديد ميمها يحرفها عن معناها وهم اللهم استجيب فتصير آمين من فعل أم بمعنى قصد وأنام في الموضع.
2- وهي الآية "282" من سورة البقرة.
3- وهي الآية "255" من سورة البقرة.

ولا تصح الصلاة بقراءة خارجة عن مصحف عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه كقراءة ابن مسعود: فصيام ثلاثة أيام متتابعات وتصح بما وافق مصحف عثمان وصح سنده وإن لم يكن من العشرة وتتعلق به الأحكام وإن كان في القراءة زيادة حرف فهي أولى لأجل العشر حسنات.
هيئات الركوع والسجود والذكر فيهماثم بعد فراغه من قراءة السورة يركع مكبرا لقول أبي هريرة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكبر إذا قام إلى الصلاة ثم يكبر حين يركع متفق عليه. رافعا يديه مع ابتداء الركوع لقول ابن عمر: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي منكبيه وإذا أراد أن يركع وبعدما يرفع رأسه متفق عليه. ويضعهما أي يديه على ركبتيه مفرجتي الأصابع استحبابا ويكره التطبيق بأن يجعل إحدى كفيه على الأخرى ثم يجعلهما بين ركبتيه إذا ركع وهذا كان في أول الإسلام ثم نسخ. ويكون المصلي مستويا ظهره ويجعل رأسه حيال ظهره فلا يرفعه ولا يخفضه روى ابن ماجة عن وابصة بن معبد قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وكان إذا ركع سوى ظهره حتى لوصب الماء عليه لاستقر ويجافي مرفقيه عن جنبيه والمجزى الانحناء بحيث يمكن مس ركبتيه بيديه إذا كان وسطا في الخلقة أو قدره من غيره ومن قاعد مقابلة وجهه ما وراء ركبتيه من الأرض أدنى مقابلة وتتمتها الكمال ويقول راكعا: سبحان ربي العظيم لأنه عليه الصلاة والسلام كان يقولها في ركوعه رواه مسلم وغيره والاقتصار عليها أفضل والواجب مرة وأدنى الكمال ثلاث وأعلاه لإمام عشر وقال أحمد: جاء عن الحسن التسبيح التام سبع والوسط خمس وأدناه ثلاث.
ثم يرفع رأسه ويديه لحديث ابن عمر السابق قائلا إمام ومنفرد: سمع الله لمن حمده مرتبا وجوبا لأنه صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك قاله في المبدع ومعنى: سمع: استجاب و يقولان بعد قيامهما واعتدالهما: ربنا ولك الحمد ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد أي: حمدا لو كان أجساما لملأ ذلك وله قول: اللهم ربنا ولك الحمد وبلا واو أفضل عكس ربنا ولك الحمد1 و يقول مأموم في رفعه: ربنا ولك الحمد فقط لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا فال الإمام: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد" متفق عليه من حديث أبي هريرة وإذا رفع المصلي من الركوع فإن شاء وضع يمينه على شماله أو أرسلهما.
ـــــــ
1- أي في قوله ربنا ولك الحمد يستحب إضافة الواو هي أفضل فيقول ربنا ولك الحمد.

ثم إذا فرغ من ذكر الاعتدال يخر مكبرا ولا يرفع يديه ساجدا على سبعة أعضاء: رجليه ثم ركبته ثم يديه ثم جبهته مع أنفه لقول ابن عباس: أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة أعظم1 ولا يكف شعرا ولا ثوبا: الجبهة واليدين والركبتين والرجلين متفق عليه. وللدارقطني عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا: "لا صلاة لمن لم يضع أنفه على الأرض" . ولا تجب مباشرة المصلي بشئ منها فتصح ولو سجد مع حائل بين الأعضاء ومصلاه قال البخاري في صحيحه: قال الحسن: كان القوم يسجدون على العمامة والقلنسوة إذا كان الحائل ليس من أعضاء سجوده فإن جعل بعض أعضاء السجود فوق بعض كما لو وضع يديه على فخذيه أو جبهته على يديه لم يجزئه ويكره ترك مباشرتها بلا عذر ويجزئ بعض كل عضو وإن جعل ظهور كفيه أو قدميه على الأرض أو سجد على أطراف أصابع يديه فظاهر الخبر أنه يجزئه ذكره في الشرح ومن عجز بالجبهة لم يلزمه بغيرها ويومىء ما يمكنه ويجافي الساجد عضديه عن جنبيه 2 وبطنه عن فخذيه وهما عن ساقيه ما لم يؤذ جاره ويفرق ركبتيه ورجليه وأصابع رجليه ويوجهها إلى القبلة وله أن يعتمد بمرفقيه على فخذيه إن طال ويقول في السجود: سبحان ربي الأعلى على ما تقدم في تسبيح الركوع.
ثم يرفع رأسه إذا فرغ من السجدة مكبرا ويجلس مفترشا يسراه أي يسرى رجليه ناصبا يمناه ويخرجها من تحته و يثني أصابعها نحو القبلة ويبسط يديه على فخذيه مضمومتي الأصابع ويقول بين السجدتين: رب اغفرلي الواجبة مرة والكمال ثلاث ويسجد السجدة الثانية كالأولى فيما تقدم من التكبير والتسبيح وغيرهما ثم يرفع من السجود مكبرا ناهضا على صدور قدميه ولايجلس للاستراحة معتمدا على ركبتيه إن سهل وإلا اعتمد بالأرض وفي الغنية يكره أن يقدم إحدى رجليه ويصلي الركعة الثانية كذلك أي كالأولى ماعدا التحريمة أي تكبيرة الإحرام والاستفتاح والتعوذ وتجديد النية فلا تشرع إلا في الأولى لكن إن لم يتعوذ فيها تعوذ في الثانية.
ـــــــ
1- والسجود على الجبهة إعلان الخضوع لله تعالى في أوامره ونواهيه. وسجود اليدين إلى الأرض يعني تسليم الإنسان أمره لله تعالى في كل أمر من أمور حياته سجود الأنف إلى الأرض نفي للكبر عن نفسه وترغيم للشيطان وسجود الركبتين يعني أن قيامه وقعوده وحياته ومماته هو بأمر الله تعالى وسجود الرجلين يعني أن لا يسير إلى المعاصي وسجود كل عضو من الأعضاء هو استغفار عما أتى من إثم بهذا العضو.
2- يبعدها عن جنبيه.

الجلوس للتشهدثم بعد فراغه من الركعة الثانية يجلس مفترشا كجلوسه بين السجدتين ويداه على فخذيه ولا يلقمهما ركبتيه1 ويقبض خنصر يده اليمنى وبنصرها ويحلق إبهامها مع الوسطى بأن يجمع بين رأس الإبهام والوسطى فتشبه الحلقة من حديد ونحوه ويشير بسبابتها من غير تحريك في تشهده ودعائه في الصلاة وغيرها عند ذكر الله تعالى تنبيها على التوحيد ويبسط أصابع اليسرى مضمومة إلى القبلة ويقول سرا: التحيات لله أي الألفاظ التي تدل على السلام والملك والبقاء والعظمة لله تعالى أي مملوكة له أو مختصة به والصلوات أي الخمس أو الرحمة أو المعبود بها أو العبادات كلها أو الأدعية والطيبات أي الأعمال الصالحة أو من الكلم السلام أي اسم السلام وهو الله أو سلام الله عليك أيها النبي -بالهمز من النبأ- لأنه يخبر عن الله وبلا همز إما تسهيلا أو من النبوة وهي الرفعة وهو من ظهرت المعجزة على يده ورحمة الله وبركاته جمع بركة -وهي النماء والزيادة- السلام علينا أي على الحاضرين من الإمام والمأموم والملائكة وعلى عباد الله الصالحين جمع صالح وهو القائم بما عليه من حقوق الله وحقوق عباده وقيل: المكثر من العمل الصالح ويدخل فيه النساء ومن لم يشاركه في الصلاة أشهد أن لا إله إلا الله أي أخبر أني قاطع بالوحدانية وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المرسل إلى الناس كافة هذا التشهد الأول علمه النبي صلى الله عليه وسلم ابن مسعود وهو في الصحيحين ثم يقول في التشهد الذي يعقبه السلام2: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد لأمره صلى الله عليه وسلم بذلك في المتفق عليه من حديث كعب بن عجرة ولا يجزئ لو أبدل آل بأهل ولا تقديم الصلاة على التشهد ويستعيذ ندبا فيقول: أعوذ بالله من عذاب جهنم و من عذاب القبر و من فتنة المحيا والممات و من فتنة المسيح الدجال والمحيا والممات: الحياة والموت والمسيح -بالحاء المهملة- على المعروف و يجوز أن يدعو بما ورد أي في الكتاب والسنة أو عن الصحابة والسلف أو بأمر الآخرة ولو لم يشبه ما ورد وليس له الدعاء بشئ مما يقصد به ملاذ الدنيا وشهواتها كقوله: اللهم ارزقني جارية حسناء أو طعاما طيبا وما أشبهه وتبطل به.
ـــــــ
1- أي يبسطهما على فخذيه ولا يقبض بهما على ركبتيه وفي التشهد يقبض اليمنى ويرفع السبابة.
2- وفي الصلاة الثنائية أي صلاة الصبح تشهد واحد أما التشهد الأول فيكون بغد الركعة الثانية في كل الصلوات الباقية.

ثم يسلم وهو جالس لقوله صلى الله عليه وسلم: "وتحليلها التسليم" . وهو منها فيقول: عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله وعن يساره كذلك وسن التفاته عن يساره أكثر وأن لا يطول السلام ولا يمده في الصلاة ولا على الناس وأن يقف على آخر كل تسليمة وأن ينوي به الخروج من الصلاة ولا يجزئ إن لم يقل: ورحمة الله في غير صلاة جنازة والأولى أن لا يزيد: وبركاته.
وإن كان المصلي في ثلاثية كمغرب أو رباعية كظهر نهض مكبرا بعد التشهد الأول ولا يرفع يديه وصلى ما بقي ك الركعة الثانية بالحمد أي بالفاتحة فقط ويسر بالقراءة ثم يجلس في تشهده الأخير متوركا يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى ويخرجهما عن يمينه ويجعل أليتيه على الأرض ثم يتشهد ويسلم.
والمرأة مثله أي مثل الرجل في جميع ما تقدم حتى رفع اليدين لكن تضم نفسها في ركوع وسجود وغيرهما فلا تتجافى1 وتسدل رجليها في جانب يمينها إذا جلست وهو أفضل أو متربعة وتسر بالقراءة وجوبا إن سمعها أجنبي وخنثى كأنثى2.
ثم يسن أن يستغفر ثلاثا3 ويقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام ويقول: سبحان الله والحمد لله والله أكبر معا ثلاثا وثلاثين ويدعو بعد كل مكتوبة مخلصا في دعائه.
ـــــــ
1- لأن ذلك أفضل لسترها وستر أعضائها.
2- أي حكمها حكم الأنثى في الصلاة فتفعل كما تفعل فإن كان خنثى ذكر أي شكر كان حكمه حكم الرجل.
3- ولفظ الاستغفار هنا هو: "أستغفر الله العظيم الذي الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه" كما جاء في الأثر.

فصل: مكروهات الصلاة وما يباح فيها
مكروهات الصلاةيكره في الصلاة التفاته لقوله صلى الله عليه وسلم: "هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد" 1. رواه البخاري وإن كان لخوف ونحوه لم يكره وإن استدار بجملته أو استدبر القبلة في غير شدة خوف بطلت صلاته و يكره رفع بصره إلى السماء إلا إذا
ـــــــ
1- الاختلاس: هو السرقة السريعة بخفة لا ينتبه لها المسروق.

تجشأ فيرفع وجهه لئلا يؤذي من حوله لحديث أنس: "ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم" فاشتد قوله في ذلك حتى قال: "لينتهن أو لتخطفن أبصارهم" رواه البخاري. و يكره أيضا تغميض عينيه لأنه فعل اليهود و يكره أيضا إقعاؤه في الجلوس وهو أن يفرش قدميه ويجلس على عقبيه هكذا فسره الإمام وهو قول أهل الحديث واقتصر عليه في المغني و المقنع و الفروع وغيرها وعند العرب الإقعاء: جلوس الرجل على أليتيه ناصبا قدميه مثل إقعاء الكلب قال في شرح المنتهى: وكل من الجنسين مكروه لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا رفعت رأسك من السجود فلا تقع كما يقعي الكلب" . رواه ابن ماجة. ويكره أن يعتمد على يده أو غيرها وهو جالس لقول ابن عمر: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يده رواه أحمد وغيره. وأن يستند إلى جدار ونحوه لأنه يزيل مشقة القيام إلا من حاجة فإن كان يسقط لو أزيل لم تصح و يكره افتراش ذراعيه ساجدا بأن يمدهما على الأرض ملصقا لهما بها لقوله صلى الله عليه وسلم: "اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب" متفق عليه من حديث أنس.
و يكره عبثه لأنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يعبث في صلاته فقال: "لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه" و يكره تخصره أي وضع يده على خاصرته لنهيه صلى الله عليه وسلم أن يصلي الرجل متخصرا متفق عليه من حديث أبي هريرة. و يكره تروحه بمروحة ونحوها لأنه من العبث إلا لحاجة كغم شديد ومراوحته بين رجليه مستحبة وتكره كثرته لأنه فعل اليهود وفرقعة أصابعه وتشبيكها لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تقعقع أصابعك وأنت في الصلاة" رواه ابن ماجة عن علي وأخرج هو والترمذي عن كعب بن عجرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا قد شبك أصابعه في الصلاة ففرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصابعه. ويكره التمطي وفتح فمه ووضعه فيه شيئا لا في يده وأن يصلي وبين يديه ما يلهيه أو صورة منصوبة ولو صغيرة أو نجاسة أو باب مفتوح أو إلى نار من قنديل أو شمعة والرمز بالعين والإشارة لغير حاجة وإخراج لسانه وأن يصحب ما فيه صورة من فص أو نحوه وصلاته إلى متحدث أو نائم أو كافر أو وجه آدمي أو إلى امرأة تصلي بين يديه وإن غلبه تثاؤب كظم ندبا فإن لم يقدر وضع يده على فمه.
و يكره أن يكون حاقنا حال دخوله في الصلاة والحاقن: هو المحتبس بوله وكذا كل ما يمنع كمالها كاحتباس غائط أو ريح وحر وبرد وجوع وعطش مفرط لأنه يمنع الخشوع

وسواء خاف فوت الجماعة أو لا لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة بحضرة طعام ولا هو يدافعه الأخبثان" رواه مسلم عن عائشة أو بحضرة طعام يشتهيه فتكره صلاته إذا لما تقدم ولو خاف فوات الجماعة وإن ضاق الوقت عن فعل جميعها وجبت في جميع الأحوال وحرم اشتغاله بغيرها ويكره أن يخص جبهته بما يسجد عليه لأنه من شعار الرافضة ومسح أثر سجوده في الصلاة ومس لحيته وعقص شعره وكف ثوبه ونحوه ولو فعلهما لعمل قبل صلاته ونهى الإمام رجلا كان إذا سجد جمع ثوبه بيده اليسرى ونقل ابن القاسم: يكره أن يشمر ثيابه لقوله صلى الله عليه وسلم: "ترب ترب" . و يكره تكرار الفاتحة لأنه لم ينقل و لا يكره جمع سور في صلاة فرض كنفل لما في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعة من قيامه بالبقرة وآل عمران والنساء.
ما يباح في الصلاةو يسن له أي للمصلي رد المار بين يديه لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان أحدكم يصلي فلا يدعن أحدا يمر بين يديه فإن أبى فليقاتله فإن معه القرين" . رواه مسلم عن ابن عمر. وسواء كان المار آدميا أو غيره والصلاة فرضا أو نفلا بين يديه سترة فمر دونها أو لم تكن فمر قريبا منه ومحل ذلك ما لم يغلبه أو يكن المار محتاجا للمرور أو بمكة ويحرم المرور بين المصلي وسترته ولو بعيدة وإن لم يكن سترة ففي ثلاثة أذرع فأقل فإن أبى المار الرجوع دفعه المصلي فإن أصر فله قتاله ولو مشى فإن خاف فسادها لم يكرر دفعه ويضمنه وللمصلي دفع العدو من سيل أو سبع أو سقوط جدار ونحوه وإن كثر لم تبطل في الأشهر قاله في المبدع و له عد الأي والتسبيح وتكبيرات العيد بأصابعه لما روى محمد بن خلف عن أنس رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يعقد الآى بأصابعه و للمأموم الفتح على إمامه إذا أرتج عليه أوغلط لما روى أبو داود عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة فلبس عليه فلما انصرف قال لأبي: "أصليت معنا؟" قال نعم قال: "فما منعك" قال الخطابي: إسناده جيد ويجب في الفاتحة كنسيان سجدة ولاتبطل به بعد أخذه في قراءة غيرها ولا يفتح على غير إمامه لأن ذلك يشغله عن صلاته فإن فعل لم تبطل قاله في الشرح. و له لبس الثوب و لف العمامة لأنه صلى الله عليه وسلم التحف بإزاره وهو في الصلاة وحمل أمامة وفتح الباب لعائشة وإن سقط رداؤه فله رفعه و له قتل حية وعقرب و قمل وبراغيث ونحوها لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الأسودين في الصلاة: الحية والعقرب رواه أبو داود والترمذي وصححه فإن أطال أي أكثر المصلي الفعل عرفا من غير ضرورة و كان متواليا بلا

تفريق بطلت الصلاة ولو كان الفعل سهوا إذا كان من غير جنس الصلاة لأنه يقطع الموالاة ويمنع متابعة الأركان فإن كان لضرورة لم يقطعها كالخائف وكذا إن تفرق ولو طال المجموع واليسير ما يشبه فعله صلى الله عليه وسلم في حمل أمامة وصعوده المنبر ونزوله عنه لما صلى عليه و فتح الباب لعائشة وتأخره في صلاة الكسوف ثم عوده ونحو ذلك وإشارة الأخرس ولو مفهومة كفعله ولا تبطل بعمل قلب وإطالة نظر في كتاب ونحوه وتباح في الصلاة -فرضا كانت أو نفلا- قراءة أواخر السور وأوساطها لما روى أحمد ومسلم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الأولى من ركعتي الفجر قوله تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} 1 وفي الثانية الآية في آل عمران: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ} 2 الآية.
وإذا نابه أي عرض للمصلي شيء أي: أمر كاستئذان عليه وسهو إمامه سبح رجل ولا تبطل ان كثر وصفقت امرأة ببطن كفها على ظهر الأخرى وتبطل إن كثر لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا نابكم شيء في صلاتكم فلتسبح الرجل ولتصفق النساء" متفق عليه من حديث سهل بن سعد وكره التنبيه بنحنحة وصفير وتصفيقه وتسبيحها لا بقراءة وتهليل وتكبير ونحوه ويبصق ويقال: بالسين والزاي في الصلاة عن يساره وفي المسجد في ثوبه ويحك بعضه ببعض إذهابا لصورته قال أحمد: البزاق في المسجد خطيئة وكفارته دفنه للخبر ويخلق موضعه استحبابا ويلزم حتى غير الباصق إزالته وكذا المخاط والنخامة وإن كان في غير مسجد جاز أن يبصق عن يساره أو تحت قدمه لخبر أبي هريرة: "وليبصق عن يساره أو تحت قدمه فيدفنها" رواه البخاري وفي ثوبه أولى ويكره يمنة وأماما وله رد السلام إشارة والصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم عند قرائته ذكره في نفل3.
وتسن صلاته إلى سترة حضرا كان أوسفرا ولو لم يخش مارا لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة وليدن منها" رواه أبو داود وابن ماجة من حديث أبي سعيد. قائمة كآخرة الرحل لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصل ولا يبال من يمر راء ذلك" رواه مسلم فإن كان في مسجد ونحوه قرب من الجدار وفي فضاء فإلى شيء شاخص من شجرة أو بعير أو ظهر إنسان أو عصى لأنه صلى الله عليه وسلم صلى إلى حربة وإلى بعير رواه البخاري.
ـــــــ
1- سورة البقرة من الآية "136".
2- سورة آل عمران من الآية "64".
3- أما في الفرض فلا يجوز إلا التعوذ بالله والاستغفار عند آيات العذاب والدعاء عند آيات الرحمة.

ويكفي وضع العصا بين يديه عرضا ويستحب انحرافه عنها قليلا فان لم يجد شاخصا فإلى خط الهلال قال في الشرح: وكيف ما خط أجزأه لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإن لم يكن معه عصا فليخط خطا" رواه أحمد وأبو داود قال البيهقى: لا بأس به في مثل هذا.
وتبطل الصلاة بمرور كلب أسود بهيم أي لا لون فيه سوى السواد إذا مر بين المصلي وسترته أو بين يديه قريبا في ثلاثة أذرع فأقل من قدمه إن لم تكن سترة وخص الأسود بذلك لأنه شيطان فقط أي لا امرأة وحمار وشيطان وغيرها وسترة الإمام سترة للمأموم.
وله أي للمصلي التعوذ عند آية وعيد والسؤال أي سؤال الرحمة عند آية رحمة ولو في فرض لما روى مسلم عن حذيفة قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت: يركع عند المائة ثم مضى -إلى أن قال:- إذا مر بآية فيها تسبيح سبح واذا مر بسؤال سأل وإذا مر بتعوذ تعوذ قال أحمد: إذا قرأ: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} 1 في الصلاة وغيرها قال: سبحانك فبلى في فرض ونفل.
ـــــــ
1- سورة القيامة الآية "40".

فصل: أركان الصلاة
أركانها : أي أركان الصلاة أربعة عشر جمع ركن وهو جانب الشئ الأقوى وهو ما كان فيها ولا يسقط عمدا ولا سهوا ولا جهلا وسماها بعضهم: فروضا والخلف لفظي القيام في فرض لقادر لقوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} 1 وحده ما لم يصر راكعا والتحريمة أي تكبيرة ا لإحرا م لحديث: "تحريمها التكبير" و قراءة الفاتحة لحديث: "لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب" . ويتحملها إمام عن المأموم والركوع إجماعا في كل ركعة والاعتدال عنه لأنه صلى الله عليه وسلم داوم على فعله وقال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" . ولو طوله لم تبطل كالجلوس بين السجدتين ويدخل في الاعتدال الرفع والمراد إلا ما بعد الركوع الأول والاعتدال عنه في صلاة كسوف والسجود إجماعا على الأعضاء السبعة لما تقدم والاعتدال عنه أي الرفع منه ويغني عنه قوله: والجلوس يبن السجدتين لقول عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من السجود لم يسجد حتى يستوي قاعدا رواه مسلم. والطمأنينة في الأفعال الكل المذكورة لما سبق
ـــــــ
1- سورة البقرة من الآية "238".

وهي السكون وإن قل والتشهد الأخير وجلسته لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قعد أحدكم في صلاته فليقل: التحيات لله" الخبر متفق عليه الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم فيه أي في التشهد الأخير لحديث كعب السابق والترتيب بين الأركان لأنه صلى الله عليه وسلم كان يصليها مرتبة وعلمها المسىء في صلاته مرتبة بثم والتسليم لحديث: "وختامها التسليم" .

واجبات الصلاة 1 وواجباتها : أي الصلاة ثمانية: التكبير غير التحريمة فهي ركن كما تقدم وغير تكبيرة المسبوق إذا أدرك إمامه راكعا فسنة ويأتي والتسمع أي قول الإمام والمنفرد في الرفع من الركوع: سمع الله لمن حمده والتحميد أي قول: ربنا ولك الحمد لإمام ومأموم ومنفرد لفعله صلى الله عليه وسلم وقوله: "صلوا كما رأيتموني أصلي" ومحل ما يؤتى به من ذلك للانتقال بين ابتداء وانتهاء فلو شرع فيه قبل أو كمله بعد لم يجزئه وتسبيحات الركوع والسجود أي قول: سبحان ربي العظيم في الركوع و سبحان ربي الأعلى في السجود وسؤال المغفرة أي قول: رب اغفر لي بين السجدتين مرة مرة ويسن قول ذلك ثلاثا و من الواجبات: التشهد الأول وجلسته للأمر به في حديث ابن عباس ويسقط عمن قام إمامه سهوا لوجوب متابعته والمجزئ منه: "التحيات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله" . أو عبده ورسوله وفي التشهد الأخير ذلك مع اللهم صلى على محمد بعده.
وما عدا الشرائط والأركان والواجبات المذكورة مما تقدم في صفة الصلاة سنة .
فمن ترك شرطا لغير عذر ولو سهوا بطلت صلاته وإن كان لعذر كمن عدم الماء والتراب أو السترة أو حبس بنجسة صحت صلاته كما تقدم غير النية فإنها لا تسقط بحال لأن محلها القلب فلا يعجز عنها أو تعمد المصلي ترك ركن أو واجب بطلت صلاته ولو تركه لشك في وجوبه وإن ترك الركن سهوا فيأتي وإن ترك الواجب سهوا أو جهلا سجد
ـــــــ
1-

واجبات الصلاة
هو مالا تصح الصلاة إلا به وتبطل إذا ترك عمدا مع العلم بوجوبه. أم ما يتركه المرء سهوا فتجب فيه سجدني السهو متى علم أو أعلم به وهذا في غير الشرائط أما من ترك شرطا كالطهارة مثلا فقد بطلت صلاته سواء كان ذلك سهوا أو عمدا.

له وجوبا وإن اعتقد أن الفرض سنة أو بالعكس لم يضره كما لو اعتقد أن بعض أفعالها فرض وبعضها سنة وجهل الفرض من السنة أو اعتقد الجميع فرضا والخشوع فيها سنة ومن عمل بطلان صلاته ومضى فيها أدب بخلاف الباقي بعد الشروط والأركان والواجبات فلا تبطل صلاة من ترك سنة ولو عمدا.
سنن الصلاةوما عدا ذلك أي أركان الصلاة وواجباتها سنن أقوال كالاستفتاح والتعوذ والبسملة وآمين والسورة وملء السموات إلى آخره بعد التحميد1 وما زاد على المرة في تسبيح الركوع والسجود وسؤال المغفرة والتعوذ في التشهد الأخير وقنوت الوتر و سنن أفعال كرفع اليدين في مواضعه ووضع اليمنى على اليسرى تحت سرته والنظر إلى موضع سجوده ووضع اليدين على ألركبتين في الركوع والتجافي فيه وفي السجود ومد الظهر معتدلا وغير ذلك مما مر لك مفصلا ومنه الجهر و الإخفات والترتيل والإطالة والتقصير في مواضعها ولا يشرع أي لا يجب ولا يسن السجود لتركه لعدم إمكان التحرز من تركه وإن سجد لتركه سهوا فلا بأس أي فهو مباح.
ـــــــ
1- أي قوله بعد ربنا ولك الحمد: "ملء السماء وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما أحببت من شيء بعد" وأمثاله مما يستحب من الدعاء كقولهم: "حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه".

باب سجود السهو
مدخل
4- باب سجود السهو
قال صاحب المشارق: السهو في الصلاة: النسيان فيها. يشرع أي يجب تارة ويسن أخرى على ما يأتي تفصيله لزيادة سهوا ونقص سهوا وشك في الجملة لا في عمد لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا سها أحدكم فليسجد" . فعلق السجود على السهو في صلاة الفرض والنافلة متعلق بـ يشرع سوى صلاة جنازة وسجود تلاوة وشكر وسهو فمتى زاد فعلا من جنس الصلاة قياما في محل قعود أو قعودا في محل قيام ولو قل - كجلسة الاستراحة أو ركوعا أو سجودا عمدا بطلت صلاته إجماعا قاله في الشرح و إن فعله سهوا يسجد له لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود: "فإذا زاد الرجل أو نقص في صلاته فليسجد سجدتين" 1 رواه مسلم ولو نوى القصر فأتم سهوا ففرضه الركعتان ويسجد
ـــــــ
1- هي سجدتي السهو.

للسهو استحبابا وإن قام فيها أو سجد إكراما لإنسان بطلت وإن زاد ركعة كخامسة في رباعية أو رابعة في مغرب أو ثالثة في فجر فلم يعلم حتى فرغ منها سجد لما روى ابن مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خمسا فلما أنفتل قالوا: إنك صليت خمسا فانفتل ثم سجد سجدتين ثم سلم متفق عليه. وإن علم بالزيادة فيها أي في الركعة جلس في الحال بغير تكبير لأنه لو لم يجلس لزاد في الصلاة عمدا وذلك يبطلها فيتشهد ان لم يكن تشهد لأنه ركن لم يأت به وسجد للسهو وسلم لتكمل صلاته وإن كان قد تشهد سجد للسهو وسلم وان كان تشهد ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه ثم سجد للسهو ثم سلم وإن قام إلى ثالثة نهارا وقد نوى ركعتين نفلا رجع إن شاء وسجد للسهو وله أن يتمها أربعا ولا يسجد وهو أفضل وان كان ليلا فكما لو قام إلى ثالثة في الفجر نص عليه لأنها1 صلاة شرعت ركعتين أشبهت الفجر. وإن سبح به ثقتان أي نبهاه بتسبيح أو غيره ويلزمهم تنبيهه لزمه الرجوع إليهما سواء سبحا به إلى زيادة أو نقصان وسواء غلب على ظنه صوابهما أو خطؤهما والمرأة كالرجل ف إن أصر على عدم الرجوع ولم يجزم بصواب نفسه بطلت صلاته لأنه ترك الواجب عمدا وإن جزم بصواب نفسه لم يلزمه الرجوع إليهما لأن قولهما إنما يفيد الظن واليقين مقدم عليه وإن اختلف عليه من ينبهه سقط قولهم ويرجع منفرد إلى ثقتين. و بطلت صلاة من تبعه أي تبع إماما أبى أن يرجع حيث يلزمه الرجوع عالما لا من تبعه جاهلا أو ناسيا للعذر ولا من فارقه لجواز المفارقة للعذر ويسلم لنفسه و لا يعتد مسبوق بالركعة الزائدة إذا تابعه فيها جاهلا. وعمل في الصلاة متوال مستكثر عادة من غير جنس الصلاة كالمشي واللبس ولف العمامة يبطلها عمده وسهوه وجهله إن لم تكن ضرورة وتقدم. ولا يشرع ليسيره أي يسير عمل من غير جنسها سجود ولو سهوا ويكره العمل اليسير من غير جنسها فيها ولا تبطل بعمل قلب وإطالة نظر إلى شيء.
ولا تبطل الصلاة بيسير أكل وشرب سهوا أو جهلا لعموم: "عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان" . وعلم منه أن الصلاة تبطل بالكثير عرفا منهما كغيرهما ولا يبطل نفل بيسير شرب عمدا لما روي أن ابن الزبير شرب في التطوع ولأن مد النفل وإطالته مستحبة فيحتاج معه إلى جرعة ماء لدفع العطش فسوغ فيه كالجلوس وظاهره أنه يبطل بيسير الأكل عمدا وأن الفرض يبطل بيسير الأكل والشرب عمدا وبلع ذوب سكر ونحوه بفم كأكل ولا تبطل ببلع ما بين أسنانه بلا مضغ قال في الإقناع: إن جرى به ريق2 وفي التنقيح و المنتهى: ولو لم يجر به ريق. وإن أتى بقول مشروع في غير موضعه كقراءة في سجود وركوع وقعود وتشهد في قيام وقراءة سورة في الركعتين الأخيرتين من رباعية أو في الثالثة من مغرب لم تبطل بتعمده لأنه مشروع في الصلاة في الجملة ولم يجب له
ـــــــ
1- أي صلاة الليل فإن يخاف أن يدركه الصبح أوتر بركعة.
2- إي إن لم يتعمد أخذه بلسانه من بين أسنانه.

أي السهو سجود بل يشرع أي يسن كسائر ما لا يبطل عمده الصلاة وإن سلم قبل إتمامها أي إتمام صلاته عمدا بطلت لأنه تكلم فيها قبل إتمامها وإن كان السلام سهوا ثم ذكر قريبا أتمها وإن انحرف عن القبلة أو خرج من المسجد وسجد للسهو لقصة ذي اليدين لكن إن لم يذكر حتى قام فعليه أن يجلس لينهض إلى الإتيان بما بقي عليه عن جلوس لأن هذا القيام واجب للصلاة فلزمه الإتيان به مع النية وإن كان أحدث استأنفها فإن طال الفصل عرفا بطلت لتعذر البناء إذا أو تكلم في هذه الحالة لغير مصلحتها كقوله: يا غلام اسقني بطلت صلاته لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين" . رواه مسلم وقال أبو داود: مكان لا يصلح لا يحل ككلامه في صلبها أي في صلب الصلاة فتبطل به للحديث المذكور سواء كان إماما أو غيره وسواء كان الكلام عمدا أو سهوا أو جهلا طائعا أو مكرها أو وجب لتحذير ضرير ونحوه وسواء كان لمصلحتها أو لا والصلاة فرضا أو نفلا. و إن تكلم من سلم ناسيا لمصلحتها فإن كثر بطلت و إن كان يسيرا لم تبطل قال الموفق: هذا أولى وصححه في الشرح لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وذا اليدين تكلموا وبنوا على صلاتهم وقدم في التنقيح وتبعه في المنتهى: تبطل مطلقا. ولا بأس بالسلام على المصلي ويرده بالإشارة فإن رده بالكلام بطلت ويرده بعدها استحبابا لرده صلى الله عليه وسلم على ابن مسعود بعد السلام ولو صافح إنسانا يريد السلام عليه لم تبطل.
وقهقهة وهي ضحكة معروفة1 ككلام فإن قال: قه قه فالأظهر أنها تبطل به وإن لم يبن حرفان ذكره في المعني وقدمه الأكثر قاله في المبدع ولا تفسد بالتبسم وإن نفخ فبان حرفان بطلت أو انتحب بأن رفع صوته بالبكاء من غير خشية الله تعالى فبان حرفان2 بطلت لأنه من جنس كلام الآدميين لكن إذا غلب صاحبه لم يضره لكونه غير داخل في وسعه وكذا إذا كان من خشية الله تعالى أو تنحنح من غير حاجة فبان حرفان بطلت فإن كانت لحاجة لم تبطل لما روى أحمد وابن ماجة عن علي قال: كان لي مدخلان من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل والنهار فإذا دخلت عليه وهو يصلي يتنحنح لي وللنسائي معناه وإن غلبه سعال أو عطاس أو تثاؤب ونحوه لم يضره ولو بان حرفان.
ـــــــ
1- القهقهة هي الضحك بصوت مرتفع يسمعه من حوله.
2- بان حرفان: انقطع حرفان فلم يلفظهما في كلمة من كلمات آي القرآن الكريم الذي يقرأ.

فصل في الكلام على السجود لنقص
ومن ترك ركنا فإن كان التحريمة لم تنعقد صلاته وإن كان غيرها فذكره بعد شروعه في قراءة ركعة أخرى بطلت الركعة التي تركه منها وقامت الركعة التي تليها مقامها ويجزئه الاستفتاح الأول فإن رجع إلى الأولى عالما عمدا بطلت صلاته و إن ذكر ما تركه قبله أي قبل الشروع في قراءة الأخرى يعود وجوبا فيأتي به أي بالمتروك وبما بعده لأن الركن لا يسقط بالسهو وما بعده قد أتى به في غير محله فإن لم يعد عمدا بطلت صلاته وسهوا بطلت الركعة والتي تليها عوضها وإن علم المتروك بعد السلام فكترك ركعة كاملة فيأتي بركعة ويسجد للسهو ما لم يطل الفصل ما لم يكن المتروك تشهدا أخيرا أو سلاما فيأتي به ويسجد ويسلم ومن ذكر ترك ركن وجهله أو محله عمل بالأحوط وإن نسي التشهد الأول وحده أو مع الجلوس له ونهض للقيام لزمه الرجوع له ما لم ينتصب قائما فإن استتم قائما كره رجوعه لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحدكم من الركعتين فلم يستتم قائما فليجلس فإن استتم قائما فلا يجلس وليسجد سجدتين" رواه أبو داود وابن ماجة من حديث المغيرة بن شعبة و ان لم ينتصب قائما لزمه الرجوع مكرر مع قوله: لزمه الرجوع ما لم ينتصب قائما وإن شرع في القراءة حرم عليه الرجوع لأن القراءة ركن مقصود في نفسه بخلاف القيام فإن رجع عالما عمدا بطلت صلاته لا ناسيا أو جاهلا ويلزم المأموم متابعته وكذا كل واجب فيرجع إلى تسبيح ركوع وسجود قبل اعتدال لا بعده وعليه السجود أي سجود السهو للكل أي كل ما تقدم.
ومن شك في عدد الركعات بأن تردد أصلى اثنتين أم ثلاثا مثلا أخذ بالأقل لأنه المتيقن ولا فرق بين الإمام والمنفرد ولا يرجع مأموم واحد إلى فعل إمامه فإذا سلم إمامه أتى بما شك فيه وسجد وسلم وإن شك هل دخل معه في الأولى أو الثانية جعله في الثانية لأنه المتيقن وإن شك من أدرك الإمام راكعا أرفع الإمام رأسه قبل إدراكه راكعا أم لا لم يعتد بتلك الركعة لأنه شاك في إدراكها ويسجد للسهو. وإن شك المصلي في ترك ركن فكتركه أي فكما لو تركه يأتي به وبما بعده إن لم يكن شرع في قراءة التي بعدها فإن شرعها في قراءتها صارت بدلا عنها. ولا يسجد للسهو لشكه في ترك واجب كتسبيح ركوع ونحو أو لشكه في زيادة إلا إذا شك في الزيادة وقت فعلها لأنه شك في سبب و جوب السجود والأصل عدمه فإن شك في أثناء الركعة الأخيرة أهي رابعة أم خامسة سجد لأنه أدى جزءا من صلاته مترددا في كونه منها وذلك يضعف النية ومن شك في عدد الركعات وبنى على اليقين ثم زال شكه وعلم أنه مصيب فيما فعله لم يسجد.

ولا سجود على مأموم دخل مع الإمام من أول الصلاة إلا تبعا لإمامه إن سهي على الإمام فيتابعه وإن لم يتم ما عليه من تشهد ثم يتمه فإن قام بعد سلام إمامه رجع فسجد معه ما لم يستتم قائما فيكره له الرجوع أو يشرع في القراءة فيحرم ويسجد مسبوق سلم معه سهوا ولسهوه مع إمامه أو فيما انفرد به وإن لم يسجد الإمام للسهو سجد مسبوق إذا فرغ وغيره بعد إياسه من سجوده وسجود السهو لما أي لفعل شيء أو تركه يبطل الصلاة عمدة أي تعمده ومنه اللحن المحيل للمعنى سهوا أو جهلا واجب لفعله صلى الله عليه وسلم وأمره به في غير حديث والأمر للوجوب وما لا يبطل عمده كترك السنن وزيادة قول مشروع غير السلام في غير موضعه لا يجب له السجود بل يسن في الثاني وتبطل الصلاة بـ تعمد ترك سجود سهو واجب أفضليته قبل السلام فقط فلا تبطل بتعمد ترك سجود مسنون ولا واجب محل أفضليته بعد السلام وهو ما إذا سلم قبل إتمامها لأنه خارج عنها فلم يؤثر في إبطالها وعلم من قوله: أفضليته أن كونه قبل السلام أو بعده ندب لورود الأحاديث بكل من الأمرين وإن نسيه أي نسي سجود السهو الذي محله قبل السلام وسلم ثم ذكر سجد وجوبا إن قرب زمنه وإن شرع في صلاة أخرى فإذا سلم وإن طال فصل عرفا أو أحدث أو خرج من المسجد لم يسجد وصحت صلاته.
ومن سها في صلاة مرارا كفاه لجميع سهوه سجدتان ولو اختلف محل السجود ويغلب ما قبل السلام لسبقه وسجود السهو وما يقال فيه وفي الرفع منه كسجود صلب الصلاة فإن سجد قبل السلام أتى به بعد فراغه من التشهد وسلم عقبه وإن أتى بعد السلام جلس بعده مفترشا في ثنائية1 ومتوركا في غيرها وتشهد وجوبا لتشهد الأخير ثم سلم لأنه في حكم المستقل في نفسه.
ـــــــ
1- أي في صلاة ثنائية كصلاة الصبح أو صلاة الليل.

باب صلاة التطوع وأوقات النهي
مدخل
5- باب صلاة التطوع وأوقات النهيوالتطوع لغة: فعل الطاعة وشرعا: طاعة غير واجبة وأفضل ما يتطوع به الجهاد ثم النفقة فيه ثم العلم تعلمه وتعليمه من حديث وفقه وتفسير ثم الصلاة.
وآكدها كسوف ثم استسقاء لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه أنه ترك صلاة الكسوف عند وجود سببها بخلاف الاستسقاء فإنه كان يستسقي تارة ويترك أخرى ثم تراويح لأنها تسن لها

الجماعة ثم وتر لأنه تسن له الجماعة بعد التراويح وهو سنة مؤكدة. روي عن الإمام: من ترك الوتر عمدا فهو رجل سوء لا ينبغي أن تقبل له شهادة وليس بواجب يفعل بين صلاة العشاء و طلوع الفجر فوقته من صلاة العشاء ولو مجموعة مع المغرب تقديما إلى طلوع الفجر وآخر الليل لمن يثق بنفسه أفضل.
سنة الوتروأقله ركعة واحدة لقوله صلى الله عليه وسلم: "الوتر ركعة من آخر الليل" . رواه مسلم. ولا يكره الوتر بها لثبوته عن عشرة من الصحابة منهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعائشة رضي الله عنهم وأكثره أي أكثر الوتر إحدى عشرة ركعة يصليها مثنى مثى أي يسلم من كل اثنتين ويوتر بواحدة لقول عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة وفي لفظ: يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة هذا هو الأفضل. وله أن يسرد عشرا ثم يجلس فيتشهد ولا يسلم ثم يأتي بالركعة الأخيرة و يتشهد و يسلم وإن أوتر بخمس أو سبع سردها و لم يجلس إلا في آخرها لقول أم سلمة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بسبع وبخمس لا يفصل بينهن بسلام ولا كلام رواه أحمد ومسلم. و إن أوتر بتسع يسرد ثمانية ثم يجلس عقب الركعة الثامنة ويتشهد التشهد الأول ولا يسلم ثم يصلي الركعة التاسعة ويتشهد ويسلم لقول عائشة: ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة فيذكر الله ويحمده ويدعوه وينهض ولا يسلم ثم يقوم فيصلي التاسعة ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم يسلم تسليما يسمعناه.
وأدنى الكمال في الوتر ثلاث ركعات بسلامين فيصلي ركعتين ويسلم ثم الثالثة ويسلم لأنه أكثر عملا ويجوز أن يسردها بسلام واحد يقرأ من أوتر بثلاث في الركعة ا لأولى بـ سورة سبح وفي الركعة الثانية ب سورة قل يا أيها الكافرون وفي الركعة الثالثة بـ سوره الإخلاص بعد الفاتحة. ويقنت فيها أي في الثالثة بعد الركوع ندبا لأنه صح عنه صلى الله عليه وسلم من رواية أبي هريرة وأنس وابن عباس وإن قنت قبل الركوع بعد القراءة جاز لما روى أبو داود عن أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت في الوتر قبل الركوع فيرفع يديه إلى صدره ويبسطهما وبطونهما نحو السماء ولو كان مأموما ويقول جهرا: "اللهم أهدني فيمن هديت" أصل الهداية الدلالة وهي من الله التوفيق والإرشاد "وعافني فيمن عافيت" أي من الأسقام والبلايا والمعافاة أن يعافيك الله من الناس ويعافيهم منك "وتولني فيمن توليت" الولي ضد العدو من توليت الشيء: إذا اعتنيت به أو من وليته: إذا لم يكن بينك وبينه واسطة "وبارك لنا فيما أعطيت" أي أنعمت "وقنا شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك إنه لا

يذل من واليت ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت" رواه أحمد والترمذي وحسنه من حديث الحسن بن علي قال: علمني النبي صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر وليس فيه ولا يعز من عاديت رواه البيهقي وأثبتها فيه ورواه النسائي مختصرا في آخره: وصلى الله على محمد "اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبعفوك من عقوبتك وبك منك" إظهارا للعجز والانقطاع "لا نحصي" أي لا نطيق ولا نبلغ ولا ننهي "ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك" اعترافا بالعجز على الثناء وردا إلى المحيط علمه بكل شيء جملة وتفصيلا روى الخمسة عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك في آخر وتره ورواته ثقات اللهم صل على محمد لحديث الحسن السابق ولما روى الترمذي عن عمر: الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك وزاد في التبصرة وعلى آل محمد واقتصر الأكثرون على الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ويمسح وجهه بيديه إذا فرغ من دعائه هنا وخارج الصلاة لقول عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه رواه الترمذي ويقول الإمام: اللهم اهدنا الخ ويؤمن مأموم إن سمعه.
ويكره قنوته في غير الوتر عن ابن مسعود وابن عباس وابن عمر وأبي الدرداء رضي الله عنهم روى الدراقطني عن سعيد بن جبير قال: أشهد أني سمعت ابن عباس يقول: إن القنوت في صلاة الفجر بدعة إلا أن تنزل بالمسلمين نازلة من شدائد الدهر غير الطاعون فيقنت الإمام الأعظم استحبابا في الفرائض غير الجمعة ويجهر به في الجهرية ومن ائتم بقانت في فجر تابع الإمام وأمن. ويقول بعد وتره: سبحان الملك القدوس ثلاثا ويمد بها صوته في الثالثة.
صلاة التراويحوالتراويح سنة مؤكدة سميت بذلك لأنهم يصلون أربع ركعات و يتروحون ساعة أي: يستريحون عشرون ركعة لما روى أبو بكر عبد العزيز في الشافي عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في شهر رمضان عشرين ركعة. تفعل ركعتين ركعتين في جماعة مع الوتر بالمسجد أول الليل بعد العشاء والأفضل1 وسنتها في رمضان لما روي
ـــــــ
1- أي والأفضل المذكور فيما بعد وهو تأخيرها أي أن الأفضل وسنتها في رمضان هو ماروي في الحديث المذكور لاحقا.

في الصحيحين من حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم صلاها ليالي فصلوها معه ثم تأخر وصلى في بيته باقي الشهر وقال: "اني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها" . وفي البخاري أن عمر جمع الناس على أبي بن كعب فصلى بهم التراويح. وروى أحمد وصححه الترمذي: "من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة" . ويوتر المتهجد أي الذي له صلاة بعد أن ينام بعده أي بعد تهجده لقوله صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا" متفق عليه. فإن تبع إمامه فأوتر معه أو أوتر منفردا ثم أراد التهجد لم ينقض تره وصلى ولم يوتر وإن شفعه بركعة أي ضم لوتره الذي تبع إمامه فيه ركعة جاز وتحصل له فضيلة متابعة إمامه وجعل وتره آخر صلاته ويكره التنفل بينها أي بين التراويح روى الأثرم عن أبي الدرداء: أنه أبصر قوما يصلون بين التراويح فقال: ما هذه الصلاة ؟ أتصلي وإمامك بين يديك ؟ ليس منا من رغب عنا و لا يكره التعقيب وهو الصلاة بعدها أي بعد التراويح والوتر في جماعة لقول أنس: لا ترجعون إلا لخير ترجونه وكذا لا يكره الطواف بين التراويح ولا يستحب للإمام الزيادة على ختمة في التراويح إلا أن يؤثروا زيادة على ذلك ولا يستحب لهم أن ينقصوا عن ختمة ليحوزوا فضلها.
السنن الراتبةثم يلي الوتر في الفضيلة السنن الراتبة التي تفعل مع الفرائض وهي عشر ركعات ركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء وركعتان قبل الفجر لقول ابن عمر: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات: ركعتين قبل الظهر وركعتن بعدها وركعتين بعد المغرب في بيته وركعتين بعد العشاء في بيته وركعتين قبل الصبح كانت ساعة لا يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فيها حدثتني حفصة أنه كان إذا أذن المؤذن وطلع الفجر صلى ركعتين متفق عليه. وهما أي ركعتا الفجر آكدها أي أفضل الرواتب لقول عائشة رضي الله عنهالم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد تعاهدا منه على ركعتي الفجر متفق عليه. فيخير فيما عداهما وعدا الوتر سفرا ويسن تخفيفهما واضطجاع بعدهما على الأيمن ويقرأ في الأولى بعد الفاتحة {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} 1 وفي الثانية: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} 2 أو يقرأ في الأولى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّه} 3 الآية وفي الثانية: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ} 4 الآية. ويلي الفجر ركعتا المغرب ويسن أن يقرأ
ـــــــ
1- سورة الكافرون الآية "1".
2- سورة البقرة من الآية "136".
3- سورة الإخلاص الآية "1".
4- سورة آل عمران من الآية "64".

فيهما بالكافرون والإخلاص ومن فاته شيء منها أي من الرواتب سن له قضاؤه كالوتر لأنه صلى الله عليه وسلم قضى ركعتي الفجر مع الفجر حين نام عنها وقضى الركعتين اللتين قبل الظهر بعد العصر وقس الباقي وقال: "من نام عن الوتر أو نسيه فليصله إذا أصبح أو ذكر" رواه الترمذي لكن ما فات مع فرضه وكثر فالأولى تركه إلا سنة فجر ووقت كل سنة قبل الصلاة من دخول وقتها إلى فعلها وكل سنة بعد الصلاة من فعلها إلى خروج وقتها فسنة فجر وظهر الأولة بعدهما قضاء. والسنن غير الرواتب عشرون: أربع قبل الظهر وأربع بعدها وأربع قبل العصر وأربع بعد المغرب وأربع بعد العشاء غير السنن قال جمع: يحافظ عليها وتباح ركعتان بعد أذان المغرب.

فصل فضل صلاة الليل وتطوع النهار
وصلاة الليل أفضل من صلاة النهار لقوله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصلاة بعد المكتوبة صلاة الليل" . رواه مسلم عن أبي هريرة. فالتطوع المطلق أفضله صلاة الليل لأنها أبلغ في الإسرار وأقرب إلى الإخلاص وأفضلها أي الصلاة ثلث الليل بعد نصفه مطلقا لما في الصحيح مرفوعا: "أفضل الصلاة صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه" . ويسن قيام الليل وافتتاحه بركعتين خفيفتين ووقته من المغرب إلى طلوع الفجر ولا يقومه كله إلا ليلة عيد ويتوجه وليلة النصف من شعبان وصلاة ليل ونهار مثنى مثنى لقوله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الليل والنهار مثنى مثنى" . رواه الخمسة وصححه البخاري ومثنى معدول عن اثنين اثنين ومعناه معنى المكرر وتكريره لتوكيد اللفظ لا للمعنى وكثرة ركوع وسجود أفضل من طول قيام فيما لم يرد تطويله. وإن تطوع في النهار بأربع بتشهدين كالظهر فلا بأس لما روى أبو داود وابن ماجة عن أبي أيوب أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلى قبل الظهر أربعا لا يفصل بينهن بتسليم وإن لم يجلس إلا في آخرهن فقد ترك الأولى ويقرأ في كل ركعة مع الفاتحة سورة وإن زاد على اثنتين ليلا أو أربع نهارا ولو جاوز ثمانيا بسلام واحد صح وكره في غير الوتر ويصح تطوعه بركعة ونحوها وأجر صلاة قاعد بلا عذر على نصف أجر صلاة قائم لقوله صلى الله عليه وسلم: "من صلى قائما فهو أفضل ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم" متفق عليه. ويسن تربعه بمحل قيام وثني رجليه بركوع وسجود.
وتسن صلاة الضحى لقول أبي هريرة أوصاني خليلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أنام رواه أحمد ومسلم وتصلى

في بعض الأيام دون بعض لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يلازم عليها وأقلها ركعتان لحديث أبي هريرة وأكثرها ثمان لما روت أم هانئ أن النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح صلى ثماني ركعات سبحة الضحى رواه الجماعة. ووقتها من خروج وقت النهي أي من ارتفاع الشمس قدر رمح إلى قبيل الزوال أي إلى دخول وقت النهي بقيام الشمس وأفضله إذا اشتد الحر.
سجود التلاوة و الشكروسجود التلاوة والشكر صلاة لأنه سجود يقصد به التقرب إلى الله تعالى له تحريم وتحليل فكان صلاة كسجود الصلاة فيشترط له ما يشترط لصلاة النافلة من ستر العورة واستقبال القبلة والنية وغير ذلك ويسن سجود التلاوة للقارئ والمستمع لقول ابن عمر: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا السورة فيها السجدة فيسجد ونسجد معه حتى ما يجد أحدنا موضعا لجبهته متفق عليه وقال عمر: إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء رواه البخاري.
ويسجد في طواف مع قصر فصل ويتيمم محدث بشرطه ويسجد مع قصره وإذا نسي سجدة لم يعد الآية لأجله ولا يسجد لهذا السهو ويكرر السجود بتكرار التلاوة كركعتي الطواف قال في الفروع: وكذا يتوجه في تحية المسجد إن تكرر دخوله1 ا هـ ومراده غير قيم المسجد2 دون السامع الذي لم يقصد الاستماع لما روي أن عثمان بن عفان رضي الله عنه مر بقارئ يقرأ سجدة ليسجد معه عثمان فلم يسجد وقال إنما السجدة على من استمع ولأنه لا يشارك القارئ في الأجر فلم يشاركه في السجود وإن لم يسجد القارئ أو كان لا يصلح إماما للمستمع لم يسجد لأنه صلى الله عليه وسلم أتى إلى نفر من أصحابه فقرأ رجل منهم سجدة ثم نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إنك كنت إمامنا ولو سجدت سجدنا" رواه الشافعي في مسنده مرسلا. ولا يسجد المستمع قدام القارئ ولا عن يساره مع خلو يمينه ولا رجل لتلاوة امرأة ويسجد لتلاوة أمي وصبي وهو أي سجود التلاوة أربع عشرة سجدة في الأعراف الرعد والنحل وسبحان ومريم و في الحج منها اثنتان والفرقان و النمل وآلم تنزيل وحم السجدة والنجم والانشقاق واقرأ باسم ربك وسجدة ص سجدة شكر ولا يجزئ ركوع ولا سجود الصلاة عن سجدة التلاوة.
ـــــــ
1- أي يكرر السجود كلما قرأت آية السجدة ويكرر صلاة ركعتي تحية المسجد كلما دخل إلى المسجد.
2- قيم المسجد: القائم على خدمته ونظافته والمقيم فيه لأن هذا يكثر دخوله وخروجه للقيام بأمور المسجد.

و إذا أراد السجود فإنه يكبر تكبيرتين تكبيرة إذا سجدوا تكبيرة إذا رفع سواء كان في الصلاة أو خارجها ويجلس إن لم يكن في الصلاة ويسلم وجوبا وتجزئ واحدة. ولا يتشهد كصلاة الجنازة ويرفع يديه إذا سجد ندبا ولو في صلاة وسجود عن قيام أفضل.
ويكره للإمام قراءة آية سجدة في صلاة سر و كره سجوده أي سجود الإمام للتلاوة فيها أي في صلاة سرية كالظهر لأنه إذا قرأها إما أن يسجد لها أو لا فإن لم يسجد لها كان تاركا للسنة وإن سجد لها أوجب الإبهام والتخليط على المأموم. ويلزم المأموم متابعته في غيرها أي غير الصلاة السرية ولو مع ما يمنع السماع كبعد وطرش ويخير في السرية.
ويستحب في غير الصلاة سجود الشكر عند تجدد النعم واندفاع النقم مطلقا لما روى أبو بكرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه أمر يسر به خر ساجدا رواه أبو داود وغيره وصححه الحاكم وتبطل به أي بسجود الشكر صلاة غير جاهل وناس لأنه لا تعلق له بالصلاة بخلاف سجود التلاوة وصفة سجود الشكر وأحكامه كسجود التلاوة.

الأوقات التي ينهى عن الصلاة فيها
وأوقات النهي خمسةالأول من طلوع الفجر الثاني 1 إلى طلوع الشمس لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا طلع الفجر فلا صلاة إلا ركعتي الفجر" احتج به أحمد.
و الثاني من طلوعها حتى ترتفع قيد بكسر القاف أي قدر رمح في رأي العين.
و الثالث عند قيامها حتى تزول 2 لقول عقبة بن عامر: ثلاث ساعات نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب رواه مسلم وتضيف بفتح المثناة فوق أي تميل.
و الرابع من صلاة العصر إلى غروبها لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع
ـــــــ
1- الفجر الأول هو الفجر المستطيل أما الثاني فهو الفجر المستطير وهو الفجر الصحيح.
2- أي عندما تعامدها وتطابق كل شيء مع ظله حتى تميل وتظهر ظلال الأشياء.

الشمس ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس" متفق عليه عن أبي سعيد والاعتبار بالفراغ منها لا بالشروع ولو فعلت في وقت الظهر جمعا لكن تفعل سنة الظهر بعدها.
و الخامس إذا شرعت الشمس فيه أي في الغروب حتى يتم لما تقدم.
ويجوز قضاء الفرائض فيها أي في أوقات النهي كلها لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها" متفق عليه. ويجوز أيضا فعل المنذورة فيها لأنها صلاة واجبة و يجوز حتى في الأوقات الثلاثة القصيرة1 فعل ركعتي الطواف لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى فيه في أي ساعة شاء من ليل أو نهار" رواه الترمذي وصححه. وتجوز فيها إعادة جماعة أقيمت وهو بالمسجد لما روى يزيد بن الأسود قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر فلما قضى صلاته إذا هو برجلين لم يصليا معه فقال: "ما منعكما أن تصليا معنا؟" فقالا: يا رسول الله قد صلينا في رحالنا قال: "لا تفعلا إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة" رواه الترمذي وصححه فإذا وجدهم يصلون لم يستحب الدخول. وتجوز الصلاة على الجنازة بعد الفجر والعصر دون بقية الأوقات ما لم يخف عليها.
ويحرم تطوع بغيرها أي غير المتقدمات من نحو إعادة جماعة وركعتي طواف وركعتي فجر قبلها في شيء من الأوقات الخمسة حتى ما له سبب كتحية مسجد وسنة وضوء وسجدة تلاوة وصلاة على قبر أو غائب وصلاة كسوف وقضاء راتبة سوى سنة ظهر بعد العصر المجموعة إليها ولا ينعقد النفل إن ابتدأه في هذه الأوقات ولو جاهلا إلا تحية مسجد إذا دخل حال خطبة الجمعة فتجوز مطلقا ومكة وغيرها في ذلك سواء.
ـــــــ
1- والأوقات الثلاثة القصيرة مابين الظهر إلى العصر من وقت الظهر ومابين العصر إلى المغرب من وقت العصر ومابين المغرب إلى العشاء من وقت المغرب أي قبل دخول وقت العصر والمغرب والعشاء.

باب صلاة الجماعة
مدخل
6- باب صلاة الجماعةشرعت لأجل التواصل والتوادد وعدم التقاطع. وتلزم الرجال الأحرار القادرين ولو سفرا في شدة خوف للصلوات الخمس المؤداة وجوب عين لقوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} 1 الآية فأمر بالجماعة حال الخوف ففي
ـــــــ
1- سورة النساء من الآية "102".

غيره أولى ولحديث أبي هريرة المتفق عليه: "أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا فيصلي بالناس ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار" . لا شرطا أي ليست الجماعة شرطا لصحة الصلاة فتصح صلاة المنفرد بلا عذر في صلاته فضل وصلاة الجماعة أفضل بسبع وعشرين درجة لحديث ابن عمر المتفق عليه وتنعقد باثنين ولو بأنثى وعبد في غير جمعة وعيد لا بصبي في فرض وله فعلها أي الجماعة في بيته لعموم حديث: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" وفعلها في المسجد هو السنة وتسن لنساء منفردات ويكره لحسناء حضورها مع رجال1 ويباح لغيرها ومجالس الوعظ كذلك وأولى وتستحب صلاة أهل الثغر 2 أي موضع المخافة في مسجد واحد لأنه أعلى للكلمة وأوقع للهيبة والأفضل لغيرهم أي غير أهل الثغر الصلاة في المسجد الذي لا تقام فيه الجماعة إلا بحضوره لأنه يحصل بذلك ثواب عمارة المسجد وتحصيل الجماعة لمن يصلي فيه ثم ما كان أكثر جماعة ذكره في الكافي و المقنع وغيرهما وفي الشرح أنه الأولى لحديث أبي ابن كعب: "وما كان أكثر فهو أحب إلى الله تعالى" رواه أحمد وأبو داود وصححه ابن حبان. ثم المسجد العتيق لأن الطاعة فيه أسبق قال في المبدع والمذهب أنه مقدم على الأكثر جماعة وقال في الإنصاف: الصحيح من المذهب أن المسجد العتيق أفضل من الأكثر جماعة وجزم به في الإقناع و المنتهى. وأبعد المسجدين أولى من أقربهما إذا كانا جديدين أو قديمين إختلفا في الجمع وقلته أو استويا لقوله صلى الله عليه وسلم: "أعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى" رواه الشيخان. وتقدم الجماعة مطلقا على أول الوقت.
ويحرم أن يؤم في مسجد قبل إمامه الراتب إلا بإذنه أو عذره لأن الراتب كصاحب البيت وهو أحق بها لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن الرجل في بيته إلا بإذنه" ولأنه يؤدي إلى التنفير عنه ومع الإذن هو نائب عنه. قال في التنقيح: وظاهر كلامهم لا تصح وجزم به في المنتهى وقدم في الرعاية تصح وجزم به ابن عبدالقوي في الجنائز وأما مع عذره فإن تأخر وضاق الوقت صلوا لفعل الصديق رضي الله عنه وعبد الرحمن بن عوف حين
ـــــــ
1- لأن الحسناء تخشى منها الفتنة.
2- أهل الثغر: سكان المناطق المواجهة للعدو والمقصود الجند القائمون بحراسة الحدود سواء منها البرية أو

غاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أحسنتم" ويراسل إن غاب عن وقته المعتاد مع قرب محله وعدم مشقة وإن بعد محله أو لم يظن حضوره أو ظن ولا يكره ذلك صلوا.
ومن صلى ولو في جماعة ثم أقيم أي قام المؤذن لفرض سن له أن يعيدها إذا كان في المسجد أو جاء غير وقت نهي ولم يقصد الإعادة ولا فرق بين إعادتها مع إمام الحي أو غيره لحديث أبي ذر: "صل الصلاة لوقتها فإن أقيمت وأنت في المسجد فصل و لا تقل: إني صليت فلا أصلي" رواه أحمد ومسلم. إلا المغرب فلا تسن إعادتها ولو كان صلاها وحده لأن المعادة تطوع والتطوع لا يكون بوتر. ولا تكره إعادة الجماعة في مسجد له إمام راتب كغيره وكره قصد مسجد للإعادة ولا تكره إعادة جماعة في غير مسجدي مكة والمدينة ولا فيهما لعذر وتكره فيهما لغير عذر لئلا يتوانى الناس في حضور الجماعة مع الإمام الراتب.
وإذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا وكان عمر يضرب على صلاة بعد الإقامة فلا تنعقد النافلة بعد إقامة الفريضة التي يريد أن يفعلها مع ذلك الإمام الذي أقيمت له ويصح قضاء الفائتة بل يجب مع سعة الوقت ولا يسقط الترتيب بخشية فوت الجماعة فإن أقيمت و كان يصلي في نافلة أتمها خفيفة إلا أن يخشى فوات الجماعة فيقطعها لأن الفرض أهم.
ومن كبر مأموما قبل سلام إمامه الأولى لحق الجماعة لأنه أدرك جزءا من صلاة الإمام فأشبه ما لو أدرك ركعة وإن لحقه المسبوق راكعا دخل معه في الركعة لقوله صلى الله عليه وسلم: "من أدرك الركوع فقد أدرك الركعة" رواه أبو داود فيدرك الركعة إذا اجتمع مع الإمام في الركوع بحيث ينتهي إلى قدر الأجزاء قبل أن يزول الإمام عنه ويأتي بالتكبيرة كلها قائما كما تقدم ولو لم يطمئن ثم يطمئن ويتابع وأجزأته التحريمة عن تكبيرة الركوع والأفضل أن يأتي بتكبيرتين فإن نواهما بتكبيرة أو نوى به الركوع لم يجزئه لأن تكبيرة الإحرام ركن ولم يأت بها ويستحب دخوله معه حيث أدركه وينحط معه في غير ركوع بلا تكبير ويقوم مسبوق به وإن قام قبل سلام الثانية ولم يرجع انقلبت نفلا ولا قراءة على مأموم أي يتحمل الإمام عنه قراءة الفاتحة لقوله صلى الله عليه وسلم: "من كان له إمام فقراءته له قراءة" رواه أحمد.
ويستحب للمأموم أن يقرأ في إسرار إمامه أي فيما لا يجهر فيه الإمام و في سكوته أي سكتات الإمام وهي قبل الفاتحة وبعدها بقدرها وبعد فراغ القراءة وكذا لو سكت لتنفس و فيما إذا سمعه لبعد عنه لا إذا لم يسمعه لطرش فلا يقرأ إن أشغل غيره عن الاستماع وإن لم يشغل أحدا قرأ ويستفتح المأموم ويتعوذ فيما يجهر فيه إمامه

كالسرية قال في الشرح وغيره: ما لم يسمع قراءة إمامه وما أدرك المسبوق مع الإمام فهو آخر صلاته وما يقضيه أولها يستفتح له ويتعوذ ويقرأ سورة لكن لو أدرك ركعة من رباعية أو مغرب تشهد عقب أخرى ويتورك معه.
ومن ركع أو سجد أو رفع منهما قبل إمامه فعليه أن يرفع أي يرجع ليأتي به أي بما سبق به الإمام بعده لتحصل المتابعة الواجبة ويحرم سبق الإمام عمدا لقوله صلى الله عليه وسلم: "أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار أو يجعل صورته صورة حمار" متفق عليه والأولى أن يشرع في أفعال الصلاة بعد الإمام وإن كبر معه لإحرام لم تنعقد وإن سلم معه كره وصحت وقبله عمدا بلا عذر بطلت وسهوا يعيده بعده وإلا بطلت فإن لم يفعل أي لم يعد عمدا حتى لحقه الإمام فيه بطلت صلاته لأنه ترك الواجب عمدا وإن كان سهوا أو جهلا فصلاته صحيحة ويعتد به وإن ركع ورفع قبل ركوع إمامه عالما عمدا بطلت صلاته لأنه سبقه بمعظم الركعة وإن كان جاهلا أو ناسيا وجوب المتابعة بطلت الركعة التي وقع السبق فيها فقط فيعيدها وتصح صلاته للعذر وإن سبقه مأموم بركنين بأن ركع ورفع قبل ركوعه ثم سجد قبل رفعه أي رفع إمامه من الركوع بطلت صلاته لأنه لم يقتد بإمامه في أكثر الركعة إلا الجاهل والناسي فتصح صلاتهما للعذر ويصلي الجاهل أو الناسي تلك الركعة قضاء لبطلانها لأنه لم يقتد بإمامه فيها ومحله إذا لم يأت بذلك مع إمامه ولا تبطل بسبق بركن واحد غير ركوع والتخلف عنه كسبقه على ما تقدم.
ويسن لإمام التخفيف مع الإتمام لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف" قال في المبدع: ومعناه أن يقتصر على أدنى الكمال من التسبيح وسائر أجزاء الصلاة إلا أن يؤثر المأموم التطويل وعددهم ينحصر وهو عام في كل الصلوات مع أنه سبق أنه يستحب أن يقرأ في الفجر بطوال المفصل وتكره سرعة تمنع المأموم فعل ما يسن و يسن تطويل الركعة الأولى أكثر من الثانية لقول أبي قتادة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يطول في الركعة الأولى متفق عليه إلا في صلاة خوف في الوجه الثاني وبيسير كسبح والغاشية ويستحب للإمام انتظار داخل إن لم يشق على مأموم لأن حرمة الذي معه أعظم من حرمة الذي لم يدخل معه.
وإذا استأذنت المرأة الحرة أو الأمة إلى المسجد كره منعها لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وبيوتهن خير لهن وليخرجن تفلات" 1 رواه أحمد وأبو داود. وتخرج
ـــــــ
1- أي كما هن دون زينة أو تبرج أو تعطر أو استعمال للبخور أو لباس لافت للنظر ولاشيء فيه فتنة أو إثارة أو لفت لأنظار الرجال إليهن.

غير مطيبة ولا لابسة ثياب زينة وبيتها خير لها لما تقدم ولأب ثم أخ ونحوه منع موليته من الخروج إن خشي فتنة أو ضررا ومن الانفراد.

فصل في أحكام الإمامة
الأولى بالإمامة الأقرأ 1 جودة العالم فقه صلاته لقوله صلى الله عليه وسلم: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا" . رواه مسلم ثم إن استووا في القراءة الأفقه لما تقدم فإن اجتمع فقيهان قارئان وأحدهما أفقه أو أقرأ قدم فإن كانا قارئين قدم أجودهما قراءة ثم أكثرهما قرآنا ويقدم قارئ لا يعرف أحكام صلاته على فقيه أمي وإن اجتمع فقيهان أحدهما أعلم بأحكام الصلاة قدم لأن علمه يؤثر في تكميل الصلاة ثم إن استووا في القراءة والفقه الأسن لقوله صلى الله عليه وسلم: "وليؤمكم أكبركم" متفق عليه ثم مع الاستواء في السن الأشرف وهو القرشي وتقدم بنو هاشم على سائر قريش إلحاقا للإمامة الصغرى بالكبرى ولقوله صلى الله عليه وسلم: "قدموا قريشا ولا تقدموها" 2. ثم الأقدم هجرة أو إسلاما ثم مع الاستواء فيما تقدم الأتقى لقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} 3. ثم إن استووا في الكل يقدم من قرع إن تشاحوا لأنهم تساووا في الاستحقاق وتعذر الجمع فأقرع بينهم كسائر الحقوق وساكن البيت وإمام المسجد أحق إذا كانا أهلا للإمامة ممن حضرهم ولو كان في الحاضرين من هو أقرأ أو أفقه لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن الرجل الرجل في بيته ولا في سلطانه" رواه أبو داود عن أبي مسعود إلا من ذي سلطان فيقدم عليهما لعموم ولايته ولما تقدم من الحديث والسيد أولى بالإمامة في بيت عبده لأنه صاحب البيت وحر بالرفع على الابتداء وحاضر أي حضري هو الناشئ في المدن والقرى ومقيم وبصير ومختون أي مقطوع القلفة ومن له ثياب أي ثوبان وما يستر به رأسه أولى من ضدهم خبر عن حر وما عطف عليه فالحر أولى من العبد والمبعض4 والحضري أولى من البدوي الناشئ بالبادية والمقيم أولى من المسافر لأنه ربما يقصر فيفوت المأمومين بعض
ـــــــ
1- أي أحسنهم قراءة وأحفظهم لكتاب الله.
2- أي ولا تسبقوها.
3- سورة الحجرات الآية "13".
4- وهو العبد المكاتب الذي قضى بعض مكاتبته وبقي عليه بعضها.

الصلاة في جماعة وبصير أولى من أعمى ومختون أولى من أقلف ومن له في الثياب ما ذكر أولى من مستور العورة مع أحد العاتقين فقط وكذا المبعض أولى من العبد والمتوضئ أولى من المتيمم والمستأجر في البيت المؤجر أولى من المؤجر والمعير أولى من المستعير وتكره إمامة غير الأولى بلا إذنه لحديث: "إذا أم الرجل القوم وفيهم من هو خير منه لم يزالوا في سفال" ذكره أحمد في رسالته إلا إمام المسجد وصاحب البيت فتحرم.
ولا تصح الصلاة خلف فاسق مطلقا سواء كان فسقه من جهة الأفعال أو الاعتقاد إلا في جمعة وعيد تعذرا خلف غيره لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تؤمن امرأة رجلا ولا أعرابي مهاجرا ولا فاجر مؤمنا إلا أن يقهره بسلطان يخاف سوطه وسيفه" رواه ابن ماجة عن جابر. ككافر أي كما لا تصح خلف كافر سواء علم بكفره في الصلاة أو بعد الفراغ منها وتصح خلف المخالف في الفروع وإذا ترك الإمام ما يعتقده واجبا وحده عمدا بطلت صلاتهما وإن كان عند مأموم وحده لم يعد ومن ترك ركنا أو شرطا أو واجبا مختلفا فيه بلا تأويل أو تقليد أعاد. ولا تصح صلاة رجل وخنثى خلف امرأة لحديث جابر السابق ولا خلف خنثى للرجال والخناثى لاحتمال أن يكون امرأة ولا إمامة صبي لبالغ في فرض لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تقدموا صبيانكم" قاله في المبدع وتصح في نفل وإمامة صبي بمثله ولا إمامة أخرس ولو بمثله لأنه أخل بفرض الصلاة لغير بدل ولا إمامة عاجز عن ركوع أو سجود أو قعود إلا لمثله أو قيام أي و لا تصح إمامة العاجز عن القيام لقادر عليه إلا بمثله إلا إمام الحي أي الراتب بمسجد المرجو زوال علته لئلا يفضي إلى ترك القيام على الدوام.
ويصلون وراءه جلوسا ندبا ولو كانوا قادرين على القيام لقول عائشة: صلى النبي صلى الله عليه وسلم في بيته وهو شاك فصلى جالسا وصلى وراءه قوم قياما فأشار إليهم أن اجلسوا فلما انصرف قال: "إنما جعل الإمام ليؤتم به" -إلى قوله- " وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون" قال ابن عبد البر: روي هذا مرفوعا من طرق متواترة فان ابتدأ بهم الإمام الصلاة قائما ثم اعتل أي حصلت له علة عجز معها عن القيام فجلس ائتموا خلفه قياما وجوبا لأنه صلى الله عليه وسلم صلى في مرض موته قاعدا وصلى أبو بكر والناس خلفه قياما متفق عليه عن عائشة وكان أبو بكر ابتدأ بهم قائما كما أجاب به الإمام. وتصح خلف من به سلس البول بمثله كالأمي بمثله.
ولا تصح خلف محدث حدثا أصغر أو أكبر ولا خلف متنجس نجاسة غير معفو عنها إذا كان يعلم ذلك لأنه لا صلاة له في نفسه فإن جهل هو أي الإمام و جهل المأموم حتى انفضت صحت الصلاة لمأموم وحده لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى الجنب بالقوم

أعاد صلاته وتمت للقوم صلاتهم" رواه محمد بن الحسين الحراني عن البراء بن عازب وإن علم هو أو المأموم فيها استأنفوا وإن علم معه واحد أعاد الكل وإن علم أنه ترك واجبا عليه فيها سهوا أو شك في إخلال إمامه بركن أو شرط صحت صلاته معه بخلاف ما لو ترك الستارة أو الاستقبال لأنه لا يخفى غالبا وإن كان أربعون فقط في جمعة ومنهم واحد محدث أو نجس أعاد الكل سواء كان إماما أو مأموما. ولا تصح إمامة الأمي منسوب إلى الأم كأنه على الحالة التي ولدته عليها وهو أي الأمي من لا يحسن أي يحفظ الفاتحة أو يدغم فيها ما لا يدغم بأن يدغم حرفا فيما لا يماثله أو يقاربه وهو الأرت أو يبدل حرفا بغيره وهو الألثغ كمن يبدل الراء غينا إلا ضاد المغضوب والضالين بظاء1 أو يلحن فيها لحنا يحيل المعنى ككسر كاف "إياك" وضم تاء "أنعمت" وفتح همزة "اهدنا" فإن لم يحل المعنى كفتح دال "نعبد" ونون "نستعين" لم يكن أميا إلا بمثله فتصح لمساواته له ولا يصح اقتداء عاجز عن نصف الفاتحة الأول بالعاجز عن نصفها الأخير ولا عكسه ولا اقتداء قادر على الأقوال الواجبة بعاجز عنها وإن قدر الأمي على إصلاحه لم تصح صلاته ولا صلاة من ائتم به لأنه ترك ركنا مع القدرة عليه.
وتكره إمامة اللحن أي كثير اللحن الذي لا يحيل المعنى فإن أحاله في غير الفاتحة لم يمنع صحة إمامته إلا أن يتعمده ذكره في الشرح وإن أحاله في غيرها سهوا أو جهلا أو لآفة صحت صلاته و تكره إمامة الفأفاء والتمتام ونحوهما والفأفاء: الذي يكرر الفاء والتمتام: من يكرر التاء و تكره إمامة من لا يفصح ببعض الحروف كالقاف والضاد وتصح إمامته أعجميا كان أو عربيا وكذا أعمى وأصم وأقلف وأقطع يدين أو رجلين أو إحداهما إذا قدر على القيام ومن يصرع فتصح إمامتهم مع الكراهة لما فيهم من النقص. و يكره أن يؤم امرأة أجنبية فأكثر لا رجل معهن لنهيه صلى الله عليه وسلم أن يخلو الرجل بالأجنبية فإن أم محارمه أو أجنبيات معهن رجل فلا كراهة لأن النساء كن يشهدن مع النبي صلى الله عليه وسلم أو أن يؤم قوما أكثرهم يكرهه بحق كخلل في دينه أو فضله لقوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم: العبد الآبق حتى يرجع وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط وإمام قوم وهم له كارهون" 2. رواه الترمذي وقال في المبدع: حسن غريب وفيه لين فإن كان ذا دين وسنة وكرهوه لذلك فلا كراهة في حقه.
ـــــــ
1- لأن إبدالها لا يغير المعنى وهو في إحدى القراءات.
2- أي قد أمهم رغما عنهم وهم غير قادرين على منعه عن ذلك كالوالي المكروه من الناس لظلمه ومن في حكمه.

وتصح إمامة ولد الزنا والجندي إذا سلم دينهما وكذا اللقيط والأعرابي حيث صلحوا لها لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "يؤم القوم أقرؤهم" . و تصح إمامة من يؤدى الصلاة بمن يقضيها وعكسه من يقضي الصلاة بمن يؤديها لأن الصلاة واحدة وإنما اختلف الوقت وكذا لو قضى ظهر يوم خلف ظهر يوم آخر لا ائتمام مفترض بمتنفل لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه" ويصح النفل خلف الفرض. ولا يصح ائتمام من يصلي الظهر بمن يصلي العصر أو غيرها ولو جمعة في غير المسبوق إذا أدرك دون الركعة قال في المبدع: فإن كانت إحداهما تخالف الأخرى كصلاة كسوف واستسقاء وجنازة وعيد منع فرضا وقيل: ونفلا لأنه يؤدي إلى المخالفة في الأفعال اهـ فيؤخذ منه صحة نفل خلف نفل آخر لا يخالفه في أفعاله كشفع وتر خلف تراويح حتى على القول الثاني.

فصل في موقف الإمام والمأمومين
السنة أن يقف المأمومون رجالا كانوا أو نساء إن كانوا اثنين فأكثر خلف الإمام لأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة قام أصحابه خلفه ويستثنى منه إمام العراة يقف وسطهم وجوبا والمرأة إذا أمت النساء تقف وسطهن استحبابا ويأتي ويصح وقوفهم معه أي مع الإمام عن يمينه أو عن جانبيه لأن ابن مسعود صلى بين علقمة والأسود وقال: هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فعل رواه أحمد وقال ابن عبد البر: لا يصح رفعه والصحيح أنه من قول ابن مسعود لإقدامه أي لا قدام الإمام فلا تصح للمأموم ولو بإحرام لأنه ليس موقفا بحال والاعتبار بمؤخر القدم وإلا لم يضر وإن صلى قاعدا فالاعتبار بالألية حتى لو مد رجليه وقدمهما على الإمام لم يضر وإن كان مضطجعا فبالجنب وتصح داخل الكعبة إذا جعل وجهه إلى وجه إمامه أو ظهره إلى ظهره لا إن جعل ظهره إلى وجه إمامه لأنه متقدم عليه وإن وقفوا حول الكعبة مستديرين صحت فإن كان المأموم في جهته أقرب من الإمام في جهته جاز إن لم يكونا في جهة واحدة فتبطل صلاة المأموم ويغتفر التقدم في شدة خوف إذا أمكن المتابعة.
ولا يصح للمأموم إن وقف عن يساره فقط أي مع خلو يمينه إذا صلى ركعة فأكثر لأنه صلى الله عليه وسلم أدار ابن عباس وجابرا عن يساره إلى يمينه وإذا كبرعن يساره أداره من ورائه إلى يمينه فإن كبر معه آخر وقفا خلفه فإن كبر الآخر عن يساره أدارهما بيده وراءه فإن شق ذلك أو تعذر تقدم الإمام فصلى بينهما أو عن يسارهما ولو تأخر الأيمن قبل إحرام الداخل

ليصليا خلفه جاز ولو أدركهما الداخل جالسين كبر وجلس عن يمين صاحبه أو يسار الإمام ولا تأخر إذا للمشقة فالزمنى لا يتقدمون ولا يتأخرون.
ولا تصح صلاة الفذ أي الفرد خلفه أي خلف الإمام أو خلف الصف إن صلى ركعة فأكثر عامدا أو ناسيا عالما أو جاهلا لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لفرد خلف الصف" رواه أحمد وابن ماجة ورأى صلى الله عليه وسلم رجلا يصلي خلف الصف فأمره أن يعيد الصلاة رواه أحمد والترمذي وحسنه وابن ماجة وإسناده ثقات. إلا أن يكون الفذ خلف الإمام أو الصف امرأة خلف رجل فتصح صلاتها لحديث أنس وإن وقفت بجانب الإمام فكرجل وبصف رجال لم تبطل صلاة من يليها أو خلفها فصف تام من نساء لا يمنع اقتداء من خلفهن من رجال وإمامة النساء تقف في صفهن ندبا روي عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما فإن أمت واحدة وقفت عن يمينها ولا يصح خلفها ويليه أي الإمام من المأمومين الرجال الأحرار ثم العبيد الأفضل فالأفضل لقوله صلى الله عليه وسلم: "ليليني منكم أولو الأحلام والنهى" رواه مسلم ثم الصبيان الأحرار ثم العبيد ثم النساء لقوله صلى الله عليه وسلم: "أخروهن من حيث أخرهن الله" ويقدم منهن البالغات الأحرار ثم الأرقاء ثم من لم تبلغ من الأحرار فالأرقاء الفضلى وإن وقف الخناثى صفا لم تصح صلاتهم كالترتيب في جنائزهم إذا اجتمعت فيقدمون إلى الإمام وإلى القبلة في القبر على ما تقدم في صفوفهم.
ومن لم يقف معه في الصف إلا كافر أو امرأة أو خنثى وهو رجل أو من علم حدثه أو نجاسته أحدهما أي المصلي أو المصافف له أو لم يقف معه إلا صبي في فرض ففذ أي فرد فلا تصح صلاته ركعة فأكثر وعلم منه صحة مصافة الصبي في النفل أو من جهل حدثه أو نجسه حتى فرغ.
ومن وجد فرجة بضم الفاء وهي الخلل فى الصف ولو بعيدة دخلها وكذا إن وجد الصف غير مرصوص وقف فيه لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف" وإلا يجد فرجة وقف عن يمين الامام لأنه موقف الواحد فإن لم يمكنه فله أن ينبه من يقوم معه بنحنحة أو كلام أو إشارة وكره بجذبه ويتبعه من ينبهه وجوبا.
فإن صلى ركعة فذا لم تصح صلاته لما تقدم وكرره لأجل ما أعقبه به وإن ركع فذا أي فردا لعذر بأن خشي فوات الركعة ثم دخل في الصف قبل سجود الإمام أو وقف معه آخر قبل سجود الإمام صحت صلاته لأن أبا بكرة ركع دون الصف ثم مشى حتى دخل الصف فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "زادك الله حرصا ولا تعد" رواه البخاري وإن فعله

ولم يخش فوات الركعة لم تصح إن رفع الإمام رأسه من الركوع قبل أن يدخل الصف أو يقف معه آخر.

فصل في أحكام الاقتداء
يصح اقتداء المأموم بالإمام إذا كانا في المسجد وإن لم يره ولا من وراءه إذا سمع التكبير لأنهم في موضع الجماعة ويمكنهم الاقتداء به بسماع التكبير أشبه المشاهدة وكذا يصح الاقتداء إذا كان أحدهما خارجه أي خارج المسجد إن رأى المأموم الإمام أو بعض المأمومين الذين وراء الإمام ولو كانت الرؤية في بعض الصلاة أومن شباك ونحوه وإن كان بين الإمام والمأموم نهر تجري فيه السفن أو طريق ولم تتصل فيه الصفوف حيث صحت فيه أو كان المأموم بسفينة وإمامه في أخرى في غير شدة خوف لم يصح الإقتداء.
وتصح صلاة المأمومين خلف إمام عال عنهم لفعل حذيفة وعمار رواه أبو داود. ويكره علو الإمام عن مأموم إذا كان العلو ذراعا فأكثر لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أم الرجل القوم فلا يقومن في مكان أرفع من مكانهم" . فإن كان العلو يسيرا دون ذراع لم يكره لصلاته صلى الله عليه وسلم على المنبر في أول يوم وضع فالظاهر أنه كان على الدرجة السفلى جمعا بين الأخبار ولا بأس بعلو المأموم كـ ما تكره إمامته في الطاق أي طاق القبلة وهي المحراب روي عن ابن مسعود وغيره لأنه يستتر عن بعض المأمومين فإن لم يمنع رؤيته لم يكره و يكره تطوعه موضع المكتوبة بعدها لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يصلين الإمام في مقامه الذي صلى فيه المكتوبة حتى ينتحى عنه" . رواه أبو داود عن المغيرة بن شعبة إلا من حاجة فيهما بأن لا يجد موضعا خاليا غير ذلك.
و يكره للإمام إطالة قعوده بعد الصلاة مستقبل القبلة لقول عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم: إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول: "اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام" رواه مسلم فيستحب له أن يقوم أو ينحرف عن قبلته إلى مأموم جهة قصده وإلا فعن يمينه فإن كان ثم أي هنالك نساء لبث في مكانه قليلا لينصرفن لأنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يفعلون ذلك. ويستحب أن لا ينصرف المأموم قبل إمامه لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبقوني بالانصراف" رواه مسلم قال في المغني و الشرح: إلا أن يخالف الإمام السنة في إطالة الجلوس مستقبل القبلة أو لم ينحرف فلا بأس بذلك.

ويكره وقوفهم أي المأمومين بين السواري إذا قطعن الصفوف عرفا بلا حاجة لقول أنس: كنا نتقي هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أحمد وأبو داود وإسناده ثقات فإن كان الصف صغيرا قدر ما بين الساريتين فلا بأس.
وحرم بناء مسجد يراد به الضرار لمسجد بقربه فيهدم مسجد الضرار ويباح اتخاذ المحراب وكره حضور مسجد وجماعة لمن أكل بصلا ونحوه حتى يذهب ريحه.

فصل في الأعذار المسقطة للجمعة والجماعة
ويعذر بترك جمعة وجماعة مريض لأنه صلى الله عليه وسلم لما مرض تخلف عن المسجد وقال: "مروا أبا بكر فليصل بالناس" متفق عليه وكذا خائف حدوث مرض وتلزم الجمعة دون الجماعة من لم يتضرر بإتيانها راكبا أو محمولا. و يعذر بتركهما مدافع أحد الأخبثين البول والغائط ومن بحضرة طعام هو محتاج إليه ويأكل حتى يشبع لخبر أنس في الصحيحين. و يعذر بتركهما خائف من ضياع ماله أو فواته أو ضرر فيه كمن يخاف على ماله من لص أو نحوه أو له خبز في تنور يخاف عليه فسادا أو له ضالة أو أبق يرجو وجوده إذا ويخاف فوته إن تركه ولو مستأجرا لحفظ بستان أو مال أو ينظر في معيشة يحتاجها أو كان يخاف بحضوره الجمعة أو الجماعة موت قريبه أو رفيقه أو لم يكن من يمرضهما غيره أو خاف على أهله أو ولده أو كان يخاف على نفسه من ضرر كسبع أو من سلطان يأخذه أو من ملازمة غريم ولا شيء معه يدفعه به لأن حبس المعسر ظلم وكذا إن خاف مطالبة بالمؤجل قبل أجله فإن كان حالا وقدر على وفائه لم يعذر. أو كان يخاف بحضورهما من فوات رفقته بسفر مباح سواء أنشأه أو استدامه أو حصل له غلبة نعاس يخاف به فوت الصلاة في الوقت أو مع الإمام أو حصل له أذى بمطر ووحل بفتح الحاء وتسكينها لغة رديئة وكذا ثلج وجليد وبرد وبريح باردة شديدة في ليلة مظلمة لقول ابن عمر: كان النبي صلى الله عليه وسلم ينادي مناديه في الليلة الباردة أو المطيرة: "صلوا في رحالكم" رواه ابن ماجة بإسناد صحيح. وكذا تطويل إمام ومن عليه قود يرجو العفو عنه لا من عليه حد ولا إن كان في طريقه أو المسجد منكر وينكره بحسبه وإذا طرأ بعض الأعذار في الصلاة أتمها خفيفة إن أمكن وإلا خرج منها قاله في المبدع قال: والمأموم يفارق إمامه أو يخرج منها.

باب صلاة أهل الأعذار
مدخل
7- باب صلاة أهل الأعذاروهم المريض والمسافر والخائف ونحوهم تلزم المريض الصلاة المكتوبة قائما ولو كراكع أو معتمدا أو مستندا إلى شيء فإن لم يستطع بأن عجز عن القيام أو شق عليه لضرر أو زيادة مرض فقاعدا متربعا ندبا ويثني رجليه في ركوع وسجود فإن عجز أو شق عليه القعود كما تقدم فعلى جنبه والأيمن أفضل فان صلى مستلقيا ورجلاه إلى القبلة صح وكره مع قدرته على جنبه وإلا تعين ويومئ راكعا وساجدا ما أمكنه ويخفضه أي السجود عن الركوع لحديث علي مرفوعا: "يصلي المريض قائما فإن لم يستطع صلى قاعدا فإن لم يستطع أن يسجد أومأ وجعل سجوده أخفض من ركوعه فإن لم يستطع أن يصلي قاعدا صلى على جنبه الأيمن مستقبل القبلة فإن لم يستطع صلى مستلقيا رجلاه مما يلي القبلة" رواه الدارقطني فإن عجز عن الإيماء أومأ بعينه لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإن لم يستطع أومأ بطرفه" رواه زكريا الساجي بسنده عن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وينوي الفعل عند إيمائه له والقول كالفعل يستحضره بقلبه إن عجز عنه بلفظه وكذا أسير خائف ولا تسقط الصلاة مادام العقل ثابتا ولا ينقص أجر المريض إذا صلى ولو بالإيماء عن أجر الصحيح المصلي قائما ولا بأس بالسجود على وسادة ونحوها وان رفع له شيء عن الأرض فسجد عليه ما أمكنه صح وكره فإن قدر المريض في أثناء الصلاة على قيام أو عجز عنه في أثنائها انتقل إلى الأخر فينتقل إلى القيام من قدر عليه وإلى الجلوس من عجز عن القيام وبركع بلا قراءة من كان قرأ وإلا قرأ وتجزئ الفاتحة من عجز فأتمها في انحطاطه لا من صح فأتمها في ارتفاعه وإن قدر على قيام وقعود دون ركوع وسجود أومأ بر كوع قائما لأن الراكع كالقائم في نصب رجليه وأومأ بسجود قاعدا لأن الساجد كالجالس في جمع رجليه من قدر أن يحني رقبته دون ظهره حناها وإذا سجد قرب وجهه من الأرض ما أمكنه ومن قدر أن يقوم منفردا أو يجلس في جماعة خير.
ولمريض الصلاة 1 مستلقيا مع القدرة على القيام لمداواة بقول طبيب مسلم ثقة وله الفطر بقوله: إن الصوم مما يمكن العلة ولا تصح صلاته قاعدا في السفينة وهو قادر على القيام
ـــــــ
1- أي يجوز لمريض أن يصلي مستلقيا.

ويصح الفرض على الراحلة واقفة أو سائرة خشية التأذي بوحل أو مطر ونحوه لقول يعلى بن أمية: انتهى النبي صلى الله عليه وسلم إلى مضيق هو وأصحابه وهو على راحلته السماء من فوقهم والبلة من أسفل منهم فحضرت الصلاة فأمر المؤذن فأذن وأقام ثم تقدم النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بهم يعني إيماء يجعل السجود أخفض من الركوع رواه أحمد والترمذي وقال: العمل عليه عند أهل العلم وكذا إن خاف انقطاعا عن رفقته بنزوله أو على نفسه أو عجزا عن ركوب إن نزل وعليه الاستقبال وما يقدر عليه. ولا تصح الصلاة على الراحلة للمرض وحده دون عذر مما تقدم ومن بسفينة وعجز عن القيام فيها والخروج منها صلى جالسا مستقبلا ويدور إلى القبلة كلما انحرفت السفينة بخلاف النفل.

فصل في قصر المسافر الصلاة
وسنده قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} الآية1. من سافر أي نوى سفرا مباحا أي غير مكروه ولا حرام فيدخل فيه الواجب والمندوب والمباح المطلق للتجارة ولو نزهة وفرجة2 يبلغ أربعة برد وهي ستة عشر فرسخا برا أو بحرا وهي يومان قاصدان سن له قصر رباعية ركعتين لأنه صلى الله عليه وسلم داوم عليه بخلاف المغرب والصبح فلا يقصران إجماعا قاله ابن المنذر إذا فارق عامر قريته سواء كانت البيوت داخل السور أو خارجه أو فارق خيام قومه أو ما نسبت إليه عرفا سكان قصور وبساتين ونحوهم لأنه صلى الله عليه وسلم إنما كان يقصر إذا ارتحل. ولا يعيد من قصر بشرطه ثم رجع قبل استكمال المسافة ويقصر من أسلم أو بلغ أو طهرت بسفر مبيح ولو كان الباقي دون المسافة لا من تاب إذا3 ولا يقصر من شك في قدر المسافة ولا من لم يقصد جهة معينة كالتائه ولا من سافر ليترخص4 ويقصر المكره كالأسير وامرأة وعبد تبعا لزوج وسيد.
وإن أحرم في الحضر ثم سافر أو أحرم في سفرا ثم أقام أتم لأنها عبادة اجتمع
ـــــــ
1- سورة النساء من الآية "101".
2- أي مادام سفرا مباحا.
3- أي من سافر سفرا غير مباح وهو سفر المعصية فكما لا يجوز له القصر في أول السفر لا يجزئه بعد التوبة إلا الإتمام.
4- أي مكن سافر طلبا للرخصة في الصوم والقصر في والصلاة فهذا لا يعتد بسفره وإنما يضيع عمره ويحظر عليه الرخص التي أباحها الله لمن سافر تأديبا له.

لها حكم الحضر والسفر فغلب حكم الحضر وكذا لو سافر بعد دخول الوقت أتمها وجوبا لأنها وجبت تامة أو ذكر صلاة حضر في سفر أتمها لأن القضاء معتبر بالأداء وهو أربع أو عكسها بأن ذكر صلاة سفر في حضر أتم لأن القصر من رخص سفر فبطل بزواله أو ائتم مسافر بمقيم أتم قال ابن عباس تلك السنة رواه أحمد ومنه لو ائتم مسافر بمسافر فاستخلف مقيما لعذر فيلزمه الإتمام أو ائتم مسافر بمن يشك فيه أي في إقامته وسفره لزمه أن يتم وإن بان أن الإمام مسافر لعدم نيته لكن إذا علم أو غلب على ظنه أن الإمام مسافر بإمارة كهيئة لباس وأن إمامه نوى القصر فله القصر عملا بالظاهر وإن قال: إن أتم أتمت وإن قصر قصرت لم يضر. أو أحرم بصلاة يلزمه إتمامها لكونه اقتدى بمقيم أو لم ينو قصرها مثلا ففسدت بحدث أو نحوه وأعادها أتمها لأنها وجبت عليه تامة بتلبسه بها. أو لم ينو القصر عند إحرامها لزمه أن يتم لأنه الأصل وإطلاق النية ينصرف إليه أو شك في نيته أي نية القصر أتم لأن الأصل أنه لم ينوه. أو نوى إقامة كثر من أربعة أيام أتم وإن أقام أربعة أيام فقط قصر لما في المتفق عليه من حديث جابر وابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة صبيحة رابعة من ذي الحجة فأقام بها الرابع والخامس والسادس والسابع وصلى الصبح في اليوم الثامن ثم خرج إلى منى وكان يقصر الصلاة في هذه الأيام وقد أجمع على إقامتها. أو كان المسافر ملاحا أي صاحب سفينة معه أهله لا ينوي الإقامة ببلد لزمه أن يتم لأن سفره غير منقطع مع أنه غير ظاعن عن وطنه وأهله ومثله مكار وراع ورسول سلطان ونحوهم. ويتم المسافر إذا مر بوطنه أو ببلد له امرأة أو كان قد تزوج فيه أو نوى الإتمام ولوفي أثنائها بعد نية القصر وإن كان له طريقان بعيد وقريب فسلك أبعدهما قصر لأنه مسافر سفرا بعيدا أو ذكر صلاة سفر في سفر آخر قصر لأن وجوبها وفعلها وجدا في السفر كما لو قضاها فيه نفسه قال ابن تميم وغيره: وقضاء بعض الصلاة في ذلك كقضاء جميعها اقتصر عليه في المبدع وفيه شيء. وإن حبس ظلما أو بمرض أو مطر ونحوه ولم ينو إقامة قصر أبدا لأن ابن عمر رضي الله عنه أقام بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة وقد حال الثلج بينه وبين الدخول رواه الأثرم والأسير يقصر ما أقام عند العدو أو أقام لقضاء حاجة بلا نية إقامة لا يدري متى تنقضي قصر أبدا غلب على ظنه كثرة ذلك أو قلته لأنه صلى الله عليه وسلم أقام بتبوك عشرين يوما يقصر الصلاة رواه أحمد وغيره وإسناده ثقات. وإن ظن أن لا تنقضي إلا فوق أربعة أيام أتم وإن نوى مسافر القصر حيث لم يبح لم تنعقد صلاته كما لو نواه مقيم.

فصل في الجمع
بجوز الجمع بين الظهرين : أي الظهر والعصر في وقت إحداهما و يجوز الجمع بين العشاءين : أي المغرب والعشاء في وقت إحداهما في سفر قصر لما روى معاذ: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل زيغ الشمس آخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر يصليهما جميعا وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعا ثم سار وكان يفعل مثل ذلك في المغرب والعشاء رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن غريب وعن أنس معناه متفق عليه.
و يباح الجمع بين ما ذكر لمريض يلحقه بتركه أي ترك الجمع مشقة لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع من غير خوف ولا مطر وفي رواية من غير خوف و لا سفر رواهما مسلم من حديث ابن عباس ولا عذر بعد ذلك إلا المرض. وقد ثبت جواز الجمع للمستحاضة وهي نوع مرض ويجوز أيضا لمرضع لمشقة كثرة نجاسة ونحو مستحاضة وعاجز عن طهارة أو تيمم لكل صلاة أو عن معرفة وقت كأعمى ونحوه لعذر أو شغل يبيح ترك جمعة وجماعة.
و يباح الجمع بين العشائين خاصة لمطر يبل الثياب وتوجد معه مشقة والثلج والبرد والجليد مثله ولو حل وريح شديدة باردة لأنه صلى الله عليه وسلم: جمع بين المغرب والعشاء في ليلة مطيرة رواه البخاري بإسناده وفعله أبو بكر وعمر وعثمان. وله الجمع لذلك ولو صلى في بيته أو في مسجد طريقه تحت ساباط ونحوه لأن الرخصة العامة يستوي فيها حال وجود المشقة وعدمها كالسفر. والأفضل لمن له الجمع فعل الأرفق به من جمع تأخير بأن يؤخر الأولى إلى الثانية و جمع تقديم بأن يقدم الثانية فيصليها مع الأولى لحديث معاذ السابق فإن استويا فالتأخير أفضل. والأفضل بعرفة التقديم وبمزدلفة التأخير مطلقا وترك الجمع في سواهما أفضل ويشترط للجمع ترتيب مطلقا1.
فإن جمع في وقت الأولى إشترط له ثلاثة شروطنية الجمع عند إحرامها أي إحرام الأولى دون الثانية.
و الشرط الثاني الموالاة بينهما لا يفرق بينهما إلا بمقدار إقامة صلاة ووضوء خفيف لأن معنى الجمع المتابعة والمقارنة ولا يحصل ذلك مع التفريق الطويل بخلاف اليسير فإنه معفو عنه ويبطل الجمع براتبة يصليها بينهما أي بين المجموعتين لأنه فرق بينهما بصلاة فبطل كما لو قض فائتة وإن تكلم بكلمة أو كلمتين جاز.
ـــــــ
1- أي عند الجمع تصلى الصلاة المتقدمة على المتأخرة فلا تصلى العصر قبل الظهر ولا العشاء قبل المغرب.

و الثالث أن يكون العذر المبيح موجودا عند افتتاحهما وسلام الأولى لأن افتتاح الأولى موضع النية وفراغها وافتتاح الثانية موضع الجمع ولا يشترط دوام العذر إلى فراغ الثانية في جمع المطر ونحوه بخلاف غيره وإن انقطع السفر في الأولى بطل الجمع والقصر مطلقا فيتمها وتصح فرضا وفي الثانية يتمها نفلا وتصح الأولى فرضا.
وإن جمع في وقت الثانية اشترط له شرطاننية الجمع في وقت الأولى لأنه متى أخرها عن ذلك بغير نية سارت قضاء لا جمعا إن لم يضق وقتها عن فعلها لأن تأخيرها إلى ما يضيق عن فعلها حرام وهو ينافي الرخصة.
و الثاني استمرار العذر المبيح إلى دخول وقت الثانية فإن زال العذر قبله لم يجز الجمع لزوال مقتضيه كالمريض يبرأ والمسافر يقدم والمطر ينقطع. ولا بأس بالتطوع بينهما ولو صلى الأولى وحده ثم الثانية إماما أو مأموما أوصلاهما خلف إمامين أو من لم يجمع.

فصل في صلاة الخوف
وصلاة الخوف صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم بصفات كلها جائزة قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: تقول بالأحاديث كلها أو تختار واحدا منها ؟ قال: أنا أقول من ذهب إليها كلها فحسن وأما حديث سهل فأنا أختاره. وشرطها أن يكون العدو مباح القتال سفرا كان أو حضرا مع خوف هجومهم على المسلمين وحديث سهل الذي أشار إليه هو صلاته صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع طائفة صفت معه وطائفة وجاه العدو فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائما وأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا وصفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم متفق عليه. وإذا اشتد الخوف صلوا رجالا وركبانا للقبلة وغيرها يومئون طاقتهم. وكذا حالة هرب مباح من عدو أو سيل و نحوه أو خوف فوت عدو يطلبه أو وقت وقوف بعرفة.
ويستحب أن يحمل معه في صلاتها من السلاح ما يدافع به عن نفسه ولا يثقله كسيف ونحوه كسكين لقوله تعالى: {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} 1 ويجوز حمل سلاح نجس في هذه الحالة للحاجة بلا إعادة2.
ـــــــ
1- سورة النساء من الآية "102" وهي الآية التي جاء فيها ذكر صلاة الخوف وصفتها.
2- أي أن ذلك لا يوجب إعادة الصلاة وقد روت كتب الصحاح أحاديث عديدة في كيفية صلاة الخوف التي صلاها الرسول صلى الله عليه وسلم في مواضع عدة فلتراجع.

باب صلاة الجمعة
مدخل
باب صلاة الجمعةسميت بذلك لجمعها الخلق الكثير ويومها أفضل أيام الأسبوع وصلاة الجمعة مستقلة وهي أفضل من الظهر وفرض الوقت فلو صلى الظهر أهل بلد مع بقية وقت الجمعة لم تصح وتؤخر فائتة لخوف فوتها والظهر بدل عنها إذا فاتت.
وتلزم الجمعة كل ذكر ذكره ابن المنذز إجماعا لأن المرأة ليست من أهل الحضور في مجامع الرجال حر لأن العبد محبوس على سيده مكلف مسلم لأن الإسلام والعقل شرطان للتكليف وصحة العبادة فلا تجب على مجنون ولا صبي لما روى طارق بن شهاب مرفوعا: "الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة: عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض" رواه أبو داود. مستوطن ببناء معتاد ولو كان فراسخ من حجر أو قضيب ونحوه لا يرتحل عنه شتاء ولا صيفا اسمه أي البناء واحد ولو تفرق البناء حيث شمله اسم واحد كما تقدم ليس بينه وبين المسجد إذا كان خارجا عن المصر أكثر من فرسخ تقريبا فتلزمه بغيره كمن بخيام نحوها ولم تنعقد به ولم يجز أن يؤم فيها وأما من كان في البلد فيجب عليه السعي إليها قرب أو بعد سمع النداء أو لم يسمعه لأن البلد كالشيء الواحد.
ولا تجب الجمعة على مسافر سفر قصر لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يسافرون في الحج وغيره فلم يصل أحد منهم الجمعة فيه مع اجتماع الخلق الكثير وكما لا تلزمه بنفسه لا تلزمه بغيره فإن كان عاصيا بسفره أو كان سفره فوق فرسخ ودون المسافة وأقام ما يمنع القصر ولم ينو استيطانا لزمته بغيره ولا تجب الجمعة على عبد ومبعض وامرأة لما تقدم ولا خنثى لأنه لا يعلم كونه رجلا ومن حضرها منهم أجزأته لأن إسقاطها عنهم تخفيف ولم تنعقد به لأنه ليس من أهل الوجوب وإنما صحت منه تبعا ولم يصح أن يؤم فيها لئلا يصير التابع متبوعا ومن سقطت عنه لعذر غير سفر كمرض وخوف إذا حضرها وجبت عليه وانعقدت به وجاز أن يؤم فيها لأن سقوطها لمشقة السعي وقد زالت.
ومن صلى الظهر وهو ممن يجب عليه حضور الجمعة قبل صلاة الإمام أي قبل أن تقام الجمعة أو مع الشك فيه لم تصح ظهره لأنه صلى ما لم يخاطب به وترك ما خوطب

به وإذا ظن أنه يدرك الجمعة سعى إليها لأنها فرضه وإلا انتظر حتى يتيقن أنهم صلوا الجمعة فيصلي الظهر وتصح الظهر ممن لا تجب عليه الجمعة لمرض ونحوه ولو زال عذره قبل تجميع الإمام إلا الصبي إذا بلغ والأفضل تأخير الظهر حتى يصلي الإمام الجمعة وحضورها لمن اختلف في وجوبها عليه كعبد أفضل وندب تصدق بدينار أو نصفه لتاركها بلا عذر.
ولا يجوز لمن تلزمه الجمعة السفر في يومها بعد الزوال حتى يصلي إن لم يخف فوت رفقته وقبل الزوال يكره إن لم يأت بها في طريقه.

فصل في شروط صحة الجمعة
يشترط لصحتها أي صحة الجمعة أربعة شروط ليس منها إذن الإمام لأن عليا صلى بالناس وعثمان محصور فلم ينكره أحد وصوبه عثمان رواه البخاري بمعناه.
أحدها أي أحد الشروط الوقت لأنها صلاة مفروضة فاشترط لها الوقت كبقية الصلوات فلا تصح قبل الوقت ولا بعده إجماعا قاله في المبدع. وأوله أول وقت صلاة العيد لقول عبد الله بن سيدان: شهدت الجمعة مع أبي بكر: فكانت خطبته وصلاته قبل نصف النهار ثم شهدتها مع عمر فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول: قد زال النهار فما رأيت أحدا عاب ذلك ولا أنكره رواه الدارقطني وأحمد واحتج به قال: وكذلك روي عن ابن مسعود وجابر وسعيد ومعاوية أنهم صلوا قبل الزوال ولم ينكر وأخره أخر وقت صلاة الظهر بلا خلاف قاله في المبدع وفعلها بعد الزوال أفضل فإن خرج وقتها قبل التحريمة أي قبل أن يكبروا للإحرام بالجمعة صلوا ظهرا قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافا وإلا بأن أحرموا بها في الوقت فجمعة كسائر الصلوات تدرك بتكبيرة الإحرام في الوقت ولا تسقط بشك في خروج الوقت فإن بقي من الوقت قدر الخطبة والتحريمة لزمهم فعلها وإلا لم تجز1.
الشرط الثاني: حضور أربعين من أهل وجوبها وتقدم بيانهم أن يحضروا الخطبة والصلاة قال أحمد: بعث النبي صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير إلى أهل المدينة فلما كان يوم الجمعة جمع بهم
ـــــــ
1- أي لم تجزئهم الصلاة التي صلوها إن كان قد بقي من الوقت مقدار ذلك ووجب عليهم إعادتها جمعة.

وكانوا أربعين وكانت أول جمعة جمعت بالمدينة وقال جابر: مضت السنة أن في كل أربعين فما فوق جمعة وأضحى وفطر1 رواه الدارقطني وفيه ضعف قاله في المبدع.
الشرط الثالث أن يكونوا بقرية مستوطنين بها مبنية بما جرت به العادة فلا تتم من مكانين متقاربين ولا تصح من أهل الخيام وبيوت الشعر ونحوهم لأن ذلك لم يقصد للاستيطان غالبا وكانت قبائل العرب حوله صلى الله عليه وسلم ولم يأمرهم بها وتصح بقرية خراب عزموا على إصلاحها والإقامة بها. وتصح إقامتها فيما قارب البنيان من الصحراء لأن أسعد بن زرارة أول من جمع حرة بني بياضة أخرجه أبو داود والدارقطني قال البيهقي: حسن الإسناد صحيح قال الخطابي: حرة بني بياضة على ميل من المدينة وإذا رأى الإمام وحده العدد فنقص لم يجز أن يؤمهم ولزمه استخلاف أحدهم وبالعكس لا تلزم واحدا منهم. فإن نقصوا عن الأربعين قبل إتمامها لم يتموها جمعة لفقد شرطها و استأنفوا ظهرا إن لم تمكن إعادتها جمعة وإن بقي معه العدد بعد انفضاض بعضهم ولو ممن لم يسمع الخطبة ولحقوا بهم قبل نقصهم أتموا جمعة ومن أحرم في الوقت و أدرك مع الإمام منها أي من الجمعة ركعة أتمها جمعة لحديث أبي هريرة مرفوعا: "من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الصلاة" رواه الأثرم. وإن أدرك أقل من ذلك بأن رفع الإمام رأسه من الثانية ثم دخل معه أتمها ظهرا لمفهوم ما سبق إذا كان نوى الظهر ودخل وقته لحديث: "وإنما لكل امرئ ما نوى" وإلا أتمها نفلا ومن أحرم مع الإمام ثم زحم عن السجود لزمه السجود على ظهر إنسان أو رجله فإن لم يمكنه فإذا زال الزحام وإن أحرم ثم زحم وأخرج من الصف فصلى فذا2 لم تصح وإن أخرج في الثانية نوى مفارقته وأتمها جمعة.
الخطبة وشروطهاالشرط الرابع: تقدم خطبتين وأشار إليه بقوله: ويشترط تقدم خطبتين بقوله تعالى: {فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} 3 والذكر: هو الخطبة ولقول ابن عمر: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين وهو قائم يفصل بينهما بجلوس متفق عليه وهما بدل ركعتين لا من الظهر. من شرط صحتها حمد الله بلفظ: الحمد الله لقوله صلى الله عليه وسلم: "كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم" رواه أبو داود وعن أبي هريرة. والصلاة على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم لأن كل عبادة افتقرت
ـــــــ
1- أي صلاة جمعة وصلاة عيد الأضحى وصلاة عيد الفطر فإن كانوا أقل من ذلك لم تجب.
2- الفذ: المنفرد والمقصود أن يكون وحده خلف الصف.
3- سورة الجمعة من الآية "9".

إلى ذكر الله تعالى افتقرت إلى ذكر رسوله كالأذان ويتعين لفظ الصلاة وقراءة آية كاملة لقول جابر بن سمرة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ آيات ويذكر الناس رواه مسلم قال أحمد:يقرأ ما شاء وقال أبو المعالي: لو قرأ آية لا تستقبل بمعنى أو حكم كقوله تعالى: {ثُمَّ نَظَرَ} 1 أو {مُدْهَامَّتَانِ} 2 لم يكف والمذهب لابد من قراءة آية ولو جنبا مع تحريمها فلو قرأ ما تضمن الحمد والموعظة ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم أجزأه والوصية بتقوى الله عز وجل لأنه المقصود قال في المبدع: ويبدأ بالحمد الله ثم بالصلاة ثم بالموعظة ثم القراءة في ظاهر كلام جماعة ولابد في كل واحدة من الخطبتين من هذه الأركان و يشترط حضور العدد المشترط لسماع القدر الواجب لأنه ذكر اشترط للصلاة فاشترط له العدد كتكبيرة الإحرام فإن انفضوا وعادوا قبل فوت ركن منها بنوا وإن كثر التفريق أو فات منها ركن أو أحدث فتطهر استأنف مع سعة الوقت ويشترط لهما أيضا الوقت وأن يكون الخطيب يصلح إماما فيها والجهر بهما بحيث يسمع العدد المعتبر حيث لا مانع والنية والاستيطان للقدر الواجب منهما والموالاة بينهما وبين الصلاة.
ولا يشترط لهما الطهارة من الحدثين والنجس ولو خطب بمسجد لأنهما ذكر تقدم الصلاة أشبه الأذان وتحريم لبث الجنب بالمسجد لا تعلق له بواجب العبادة وكذلك لا يشترط لهما ستر العورة ولا أن يتولاهما من يتولى الصلاة بل يستحب ذلك لأن الخطبة منفصلة عن الصلاة أشبها الصلاتين ولا يشترط أيضا حضور متولي الصلاة الخطبة ويبطلهما كلام محرم ولو يسيرا ولا تجزئ بغير العربية مع القدرة.
سنن خطبة الجمعةومن سننهما أي الخطبتين أن يخطب على منبر لفعله صلى الله عليه وسلم وهو بكسر الميم من النبر وهو الارتفاع واتخاذه سنة مجمع عليها قاله في شرح مسلم ويصعده على تؤدة إلى الدرجة التي تلي السطح أو يخطب على موضع عال إن عدم المنبر لأنه في معناه عن يمين مستقبل القبلة بالمحراب وان خطب بالأرض فعن يسارهم و أن يسلم على المأمومين إذا أقبل عليهم لقول جابر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر سلم رواه ابن ماجة ورواه الأثرم عن أبي بكر وعمر وابن مسعود وابن الزبير ورواه البخاري عن عثمان كسلامه على من عنده في خروجه ثم يسن أن يجلس الى فراغ الأذان لقول ابن عمرـــــــ
1- سورة المدثر الآية "21".
2- سورة الرحمن الآية "64".

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ المؤذن ثم يقوم فيخطب رواه أبو داود
وأن يجلس بين الخطبتين لحديث ابن عمر السابق وأن يخطب قائما لما تقدم ويعتمد على سيف أو قوس أو عصا لفعله صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود عن الحكم بن حرب وفيه إشارة إلى أن هذا الدين فتح به قال في الفروع: ويتوجه باليسرى والأخرى بحرف المنبر فإن لم يعتمد أمسك يمينه بشماله أو أرسلهما و أن يقصد تلقاء وجهه لفعله صلى الله عليه وسلم ولأن في التفاته إلى أحد جانبيه إعراضا من الآخر وإن استدبرهم كره وينحرفون إليه إذا خطب لفعل الصحابة ذكره في المبدع و أن يقصر الخطبة لما روى مسلم عن عمار مرفوعا إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مثنة من فقهه فأطيلوا الصلاة وقصروا الخطبة وأن تكون الثانية أقصر ورفع صوته قدر إمكانه و أن يدعو للمسلمين لأنه مسنون في غير الخطبة ففيها أولى ويباح الدعاء لمعين وأن يخطب من صحيفة قال في المبدع: وينزل مسرعا وإذا غلب الخوارج على بلد فأقاموا فيه الجمعة جاز اتباعهم نصا وقال ابن أبي موسى: يصلي معهم الجمعة ويعيدها ظهرا.

فصل مكان الجمعة وكيفيتها
و صلاة الجمعة ركعتان إجماعا حكاه ابن المنذر يسن أن يقرأ جهرا لفعله صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى بالجمعة بعد الفاتحة و في الركعة الثانية بالمنافقين لأنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بهما رواه مسلم عن ابن عباس وأن يقرأ في فجرها في الأولى آلم السجدة وفي الثانية هل أتي لأنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بهما متفق عليه من حديث أبي هريرة.
وتحرم إقامتها أي الجمعة وكذا العيد في كثر من موضع بالبلد لأنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يقيموها في أكثر من موضع واحد إلا لحاجة كسعة البلد وتباعد أقطاره أو بعد الجامع أو ضيقه أو خوف فتنة فيجوز التعدد بحسبها فقط لأنها تفعل في الأمصار العظيمة في مواضع من غير نكير فكان إجماعا ذكره في المبدع فإن فعلوا أي صلوها في موضعين أو أكثر بلا حاجة فالصحيحة ما باشرها الإمام أو أذن فيها ولو تأخرت وسواء قلنا إذنه شرط أو لا إذ في تصحيح غيرها افتئات عليه وتفويت لجمعته فإن استويا في إذن أو عدمه فالثانية باطلة لأن الاستغناء حصل بالأولى فأنيط الحكم بها ويعتبر السبق بالإحرام وإن وقعتا معا ولا مزية لإحداهما بطلتا لأنه لا يمكن تصحيحهما ولا تصحيح إحداهما فإن أمكن إعادتها جمعة فعلوا وإلا صلوها ظهرا أو جهلت الأولى منهما بطلتا ويصلون ظهرا لاحتمال سبق إحداهما فتصح فلا تعاد وكذا لو أقيمت في المصر جمعات وجهل كيف

وقعت وإذا وافق العيد يوم الجمعة سقطت عمن حضره مع الإمام كمريض دون الإمام فإن اجتمع معه العدد المعتبر أقامها وإلا صلى ظهرا وكذا العيد بها إذا عزموا على فعلها سقط.
سنة الجمعة وما يستحب فيهاوأقل السنة الراتبة بعد الجمعة ركعتان لأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين متفق عليه من حديث ابن عمر وأكثرها ست ركعات لقول ابن عمر: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله رواه أبو داود ويصليها مكانه بخلاف سائر السنن فببيته. ويسن فصل بين فرض وسنته بكلام أو انتقال من موضعه ولا سنة لها قبلها أي راتبة قال عبد الله: رأيت أبي يصلي في المسجد إذا أذن المؤذن ركعتين.
ويسن أن يغتسل لها في يومها لخبر عائشة: "لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا" 1. وعن جماع وعند مضي أفضل وتقدم وفيه نظر. و يسن أن يتنظف ويتطيب لما روى البخاري عن أبي سعيد مرفوعا: "لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ويدهن ويمس من طيب امرأته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم أي خطب الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى" . و أن يلبس أحسن ثيابه لوروده في بعض الألفاظ أفضلها البياض ويعتم ويرتدي و أن يبكر إليها ماشيا لقوله صلى الله عليه وسلم: "ومشى ولم يركب" ويكون بسكينة ووقار بعد طلوع الفجر الثاني و أن يدنو من الإمام مستقبل القبلة لقوله صلى الله عليه وسلم: "من غسل واغتسل وبكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة يخطوها أجر سنة عمل صيامها وقيامها" رواه أحمد وأبو داود وإسناده ثقات ويشتغل بالصلاة والذكر والقراءة و أن يقرأ سورة الكهف في يومها لما روى البيهقي بإسناد حسن عن أبي سعيد مرفوعا: "من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين" و أن يكثر الدعاء رجاء أن يصادف ساعة الإجابة و أن يكثر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لقوله صلى الله عليه وسلم: "أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة" رواه أبو داود وغيره وكذا ليلتها ولا يتخطى رقاب الناس لما روى أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم هو على المنبر - رأى رجلا يتخطى رقاب الناس فقال له: "اجلس فقد آذيت" إلا أن يكون المتخطي إماما فلا يكره للحاجة وألحق به في الغنية المؤذن أو يكون التخطي إلى فرجة لا يصل إليها إلا به فيتخطى لأنهم أسقطوا حق أنفسهم بتأخرهم.
وحرم أن يقيم غيره ولو عبده أو ولده الكبير فيجلس مكانه لحديث ابن عمر أن
ـــــــ
1- وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن غسل الجمعة واجب على كل محتلم.

النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يقيم الرجل أخاه من مقعده ويجلس فيه متفق عليه ولكن يقول: أفسحوا قاله في التلخيص إلا الصغير و من قدم صاحبا له فجلس في موضع يحفظه له وكذا لو جلس لحفظه بدون إذنه قال في الشرح: لأن النائب يقوم باختياره لكن إن جلس في مكان الإمام أو طريق المارة أو استقبل المصلين في مكان ضيق أقيم قاله أبو المعالي وكره إيثار غيره بمكانه الفاضل لا قبوله وليس لغير المؤثر سبقه وحرم رفع مصلى مفروش لأنه كالنائب عنه ما لم تحضر الصلاة فيرفعه لأنه لا حرمة له بنفسه ولا يصلي عليه ومن قام من موضعه لعارض لحقه ثم عاد إليه قريبا فهو أحق به لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من قام من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به" رواه مسلم ولم يقيده الأكثر بالعود قريبا.
ومن دخل المسجد والإمام يخطب لم يجلس ولو كان وقت نهي حتى يصلي ركعتين يوجز فيهما لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا جاء أحدكم يوم الجمعة وقد خرج الإمام فليصل ركعتين" متفق عليه زاد مسلم "وليتجوز فيهما" فإن جلس قام فأتى بهما ما لم يطل الفصل فتسن تحية المسجد لمن دخله غير وقت نهي إلا الخطيب وداخله لصلاة عيد أو بعد شروع في إقامة وقيمه وداخل المسجد الحرام لأن تحيته الطواف.
ولا يجوز الكلام والإمام يخطب إذا كان منه بحيث يسمعه لقوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} 1 ولقوله صلى الله عليه وسلم: "من قال: صه فقد لغا ومن لغا فلا جمعة له" . رواه أحمد إلا له أي للإمام فلا يحرم عليه الكلام أو لمن يكلمه لمصلحة لأنه صلى الله عليه وسلم كلم سائلا وكلمه هو ويجب لتحذير ضرير وغافل عن هلكة و يجوز الكلام قبل الخطبة وبعدها وإذا سكت بين الخطبتين أو شرع في الدعاء وله الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمعها من الخطيب وتسن سرا كدعاء وتأمين عليه وحمده خفية إذا عطس ورد سلام وتشميت عاطس وإشارة أخرس إذا فهمت ككلام لا تسكيت متكلم بإشارة ويكره العبث والشرب حال الخطبة إن سمعها وإلا جاز نص عليه.
ـــــــ
1- سورة الأعراف الآية "204".

9-

باب صلاة العيدين
سمي به لأنه يعود ويتكرر لأوقاته أو تفاؤلا وجمعه أعياد وهي أي صلاة العيدين فرض كفاية لقوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} 1 وكان النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده لم
ـــــــ
1- سورة الكوثر الآية "2".

يصلوها إلا بعد ارتفاع الشمس يداومون عليها وإذا تركها أهل بلد قاتلهم الإمام لأنها من أعلام الدين الظاهرة.
وقت الصلاةو أول وقتها كصلاة الضحى لأنه صلى الله عليه وسلم ومن بعده لم يصلوها إلا بعد ارتفاع الشمس ذكره في المبدع وأخره أي آخر وقتها الزوال أي زوال الشمس فإن لم يعلم بالعيد إلا بعده أي بعد الزوال صلوا من الغد قضاء لما روى أبو عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار قال: غم علينا هلال شوال فأصبحنا صياما فجاء ركب في آخر النهار فشهدوا أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس أن يفطروا من يومهم وأن يخرجوا غدا لعيدهم رواه أحمد وأبو دا ود الدارقطني وحسنه.
مكان الصلاةوتسن صلاة العيد في صحراء قريبة عرفا لقول أبي سعيد: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج في الفطر والأضحى إلى المصلى متفق عليه وكذلك الخلفاء بعده و يسن تقديم صلاة الأضحى وعكسه الفطر فيؤخرها لما روى الشافعي مرسلا: أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى عمرو بن حزم أن عجل الأضحى وأخر الفطر وذكر الناس و يسن أكله قبلها أي قبل الخروج لصلاة الفطر لقول بريرة: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يفطر ولا يطعم يوم النحر حتى يصلي رواه أحمد والأفضل تمرات وترا والتوسعة على الأهل والصدقة وعكسه أي يسن الإمساك في الأضحى إن ضحى حتى يصلي ليأكل من أضحيته لما تقدم والأولى من كبدها وتكره صلاة العيد في الجامع بلا عذر إلا بمكة المشرفة لمخالفة فعله صلى الله عليه وسلم ويستحب للإمام أن يستخلف من يصلي بضعفة الناس في المسجد لفعل علي ويخطب لهم ولهم فعلها قبل الإمام وبعده وأيهما سبق سقط به الفرض وجازت التضحية.
ويسن تبكير مأموم إليها ليحصل له الدنو من الإمام وانتظار الصلاة فيكثر ثوابه ماشيا لقول علي رضي الله عنه: من السنة أن يخرج إلى العيد ماشيا رواه الترمذي وقال: العمل على هذا عند أهل العلم بعد صلاة الصبح و يسن تأخر الإمام إلى وقت الصلاة لقول أبي سعيد: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى فأول شيء يبدأ به الصلاة رواه مسلم ولأن الإمام ينتظر ولا ينتظر ويخرج على أحسن هيئة أي لابسا أجمل ثيابه لقول جابر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتم ويلبس برده الأحمر في العيدين والجمعة رواه ابن عبدالبر الا لمعتكف فـ يخرج في ثياب اعتكافه لأنه أثر عبادة فاستحب بقاؤه.

شرط الصلاة وكيفيتهاومن شرطها أي شرط صحة صلاة العيد استيطان وعدد الجمعة فلا تقام إلا حيث تقام الجمعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم وافق العيد في حجته ولم يصل لا إذن إمام فلا يشترط كالجمعة ويسن إذا غدا من طريق أن يرجع من طريق آخر لما روى البخاري عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج إلى العيد خالف الطريق وكذا الجمعة قال في شرح المنتهى: ولا يمتنع ذلك أيضا في غير الجمعة وقال في المبدع: الظاهر أن المخالفة فيه شرعت لمعنى خاص فلا يلتحق به غيره.
ويصليها ركعتين قبل الخطبة لقول ابن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان يصلون العيدين قبل الخطبة متفق عليه فلو قدم الخطبة لم يعتد بها يكبر في الأولى بعد تكبيرة الإحرام و الاستفتاح وقبل التعوذ والقراءة ستا زوائد وفي الركعة الثانية قبل القراءة خمسا لما روى أحمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر في عيد اثنتي عشرة تكبيرة سبعا في الأولى وخمسا في الآخرة إسناده حسن قال أحمد: اختلف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في التكبير وكله جائز يرفع يديه مع كل تكبيرة لقول وائل بن حجر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه مع كل تكبيرة قال أحمد: فأرى أن يدخل فيه هذا كله وعن عمر أنه كان يرفع يديه في كل تكبيرة في الجنازة والعيد وعن زيد كذلك رواهما الأثرم ويقول بين كل تكبيرتين: "الله كبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله وبحمده بكرة وأصيلا وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليما كثيرا" لقول عقبة بن عامر: سألت ابن مسعود عما يقوله بعد تكبيرات العيد؟ قال: يحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم رواه الأثرم وحرب واحتج به أحمد وإن أحب قال غير ذلك لأن الغرض الذكر بعد التكبير وإذا شك في عدد التكبير بنى على يقين وإذا نسي التكبير حتى قرأ سقط لأنه سنة فات محلها وإن أدرك الإمام راكعا أحرم ثم ركع ولا يشتغل بقضاء التكبير وان أدركه قائما بعد فراغه من التكبير لم يقضه وكذا إن أدركه في أثنائه سقط ما فات.
ثم يقرأ جهرا لقول ابن عمر: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بالقراءة في العيدين والاستسقاء رواه الدارقطني في الأولى بعد الفاتحة بـ سبح وبـ الغاشية في الثانية لقول سمرة: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيدين ب سبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية رواه أحمد. فإذا سلم من الصلاة خطب خطبتين كخطبتي الجمعة في أحكامهما حتى في الكلام إلا التكبير مع الخاطب يستفتح الأولى بتسع تكبيرات قائما نسقا

والثانية بسبع تكبيرات كذلك لما روى سعيد عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: يكبر الإمام يوم العيد قبل أن يخطب تسع تكبيرات وفي الثانية سبع تكبيرات.
يحثهم في خطبة الفطر على الصدقة لقوله صلى الله عليه وسلم: "أغنوهم بها عن السؤال في هذا اليوم" ويبين لهم ما يخرجون جنسا وقدرا والوجوب والوقت ويرغبهم في خطبة الأضحى في الأضحية ويبين لهم حكمها لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر في خطبة الأضحى كثيرا من أحكامها من رواية أبي سعيد والبراء وجابر وغيرهم.
سنن العيدوالتكبيرات الزوائد سنة والذكر بينها أي بين التكبيرات سنة ولا يسن بعد التكبيرة الأخيرة في الركعتين والخطبتان سنة لما روى عطاء بن عبد الله عن السائب قال: شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم العيد فلما قضى الصلاة قال: "إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ومن أحب أن يذهب فليذهب" رواه ابن ماجة وإسناده ثقات ولو وجبت لوجب حضورها واستماعها والسنة لمن حضر العيد من النساء حضور الخطبة وأن يفردن بموعظة إذا لم يسمعن خطبة الرجال. ويكره التنفل وقضاء فائتة قبل الصلاة أي صلاة العيد وبعدها في موضعها قبل مفارقته لقول ابن عباس: خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم عيد فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما متفق عليه.
ويسن لمن فاتته صلاة العيد أو فاته بعضها قضاؤها في يومها قبل الزوال وبعده على صفتها لفعل أنس وكسائر الصلوات.
ويسن التكبير المطلق أي الذي لم يقيد بأدبار الصلوات وإظهاره وجهر غير أنثى به في ليلتي العيدين في البيوت والأسواق والمساجد وغيرها ويجهر به في الخروج إلى المصلى إلى فراغ الإمام من خطبته و التكبير في عيد فطر آكد لقوله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ} 1 و يسن التكبير المطلق أيضا في كل عشر ذي الحجة ولو لم ير بهيمة الأنعام و يسن التكبير المقيد عقب كل فريضة في جماعة في الأضحى لأن ابن عمر كان لا يكبر إذا صلى وحده وقال ابن مسعود: إنما التكبير على من صلى في جماعة رواه ابن المنذر فيلتفت الإمام إلى المأمومين ثم يكبر لفعله صلى الله عليه وسلم من صلاة الفجر يوم عرفة روي عن عمر وعلي وابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم وللمحرم من صلاة الظهر يوم النحر إلى عصر آخر أيام التشريق لأنه قبل
ـــــــ
1- سورة البقرة من الآية "185".

ذلك مشغول بالتلبية والجهر به مسنون إلا للمرأة وتأتي به كالذكر عقب الصلاة قدمه في المبدع وإذا فاتته صلاة من عامه فقضاها فيها جماعة كبر لبقاء وقت التكبير وإن نسيه أي التكبير قضاه مكانه فإن قام أو ذهب عاد فجلس ما لم يحدث أو يخرج من المسجد أو بطل الفصل لأنه سنة فات محلها ويكبر المأموم إذا نسيه الإمام والمسبوق إذا قضى كالذكر والدعاء. ولا يسن التكبير عقب صلاة عيد لأن الأثر إنما جاء في المكتوبات ولا عقب نافلة ولا فريضة صلاها منفردا لما تقدم وصفته أي التكبير شفعا: الله كبر الله أكبر لا إله الا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد ويجزئ مرة واحدة وإن زاد فلا بأس وإن كرره ثلاثا فحسن لأنه صلى الله عليه وسلم كان يقول كذلك رواه الدارقطني وقاله علي وحكاه ابن المنذر عن عمر ولا بأس بقوله لغيره: تقبل الله منا ومنك كالجواب ولا بالتعريف عشية عرفة بالأمصار لأنه دعاء وذكر وأول من فعله ابن عباس وعمرو بن حريث.

10-

باب صلاة الكسوف
يقال: كسفت -بفتح الكاف وضمها- ومثله خسفت وهو ذهاب ضوء الشمس أو القمر أو بعضه وفعلها ثابت بالسنة المشهورة واستنبطها بعضهم من قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ} 1.
تسن صلاة الكسوف جماعة وفي جامع أفضل لقول عائشة: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد فقام وكبر وصف الناس وراءه. متفق عليه وفرادى كسائر النوافل إذا كسف أحد النيرين : الشمس والقمر ووقتها من ابتدائه إلى التجلي ولا تقضى كاستسقاء وتحية مسجد فيصلي ركعتين ويسن الغسل لها.
ويقرأ في الأولى جهرا ولو في كسوف الشمس بعد الفاتحة سورة طويلة من غير تعين ثم يركع ركوعا طويلا من غير تقدير ثم يرفع رأسه ويسمع أي يقول: سمع الله لمن حمده في رفعه ويحمد أي يقول: ربنا ولك الحمد بعد اعتداله كغيرها ثم يقرأ الفاتحة وسورة طويلة دون الأولى ثم يركع فيطيل الركوع وهو دون الأول ثم يرفع فيسمع ويحمد كما تقدم ولا يطيل ثم يسجد سجدتين طويلتين ولا يطيل الجلوس بين
ـــــــ
1- سورة فصلت الآية "37".

السجدتين ثم يصلي الركعة الثانية كـ الركعة الأولى لكن دونها في كل ما يفعل فيها ثم يتشهد ويسلم لفعله صلى الله عليه وسلم كما روي عنه ذلك من طرق بعضها في الصحيحين ولا يشرع لها خطبة لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بها دون الخطبة ولا تعاد إن فرغت قبل التجلي بل يدعو ويذكر كما لو كان وقت نهي.
فإن تجلى الكسوف فيها أي الصلاة أتمها خفيفة لقوله صلى الله عليه وسلم: "فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم" متفق عليه من حديث أبي مسعود. وإن غابت الشمس كاسفة أو طلعت الشمس أو طلع الفجر والقمر خاسف لم يصل لأنه ذهب وقت الانتفاع بهما ويعمل بالأصل في بقائه وذهابه أو كانت آية غير الزلزلة لم يصل لعدم نقله عنه وعن أصحابه صلى الله عليه وسلم مع أنه وجد في زمانهم انشقاق القمر وهبوب الرياح والصواعق وأما الزلزلة وهي رجفة ا لأرض واضطرابها وعدم سكونها فيصلى لها إن دامت لفعل ابن عباس رواه سعيد والبيهقي وروي الشافعي عن علي نحوه وقال: لو ثبت هذا الحديث لقلنا به.
وإن أتى مصلي الكسوف في كل ركعة بثلاث ركوعات أو أربع أو خمس جاز روى مسلم من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ست ركعات بأربع سجدات ومن حديث ابن عباس صلى النبي صلى الله عليه وسلم ثماني ركعات في أربع سجدات وروى أبو داود عن أبي بن كعب أنه صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين في كل ركعة خمس ركوعات وسجدتين واتفقت الروايات على أن عدد الركوع في الركعتين سواء قال النووي: وبكل نوع قال بعض الصحابة وما بعد الأول سنة لا تدرك به الركعة ويصح فعلها كنافلة تقدم جنازة على كسوف وعلى جمعة وعيد أمن فوتهما تقدم تراويح على كسوف إن تعذر فعلهما ويتصور كسوف الشمس والقمر في كل وقت والله على كل شيء قدير فإن وقع بعرفة صلى ثم دفع.

11-

باب صلاة الاستسقاء
وهو الدعاء بطلب السقيا على صفة مخصوصة أي الصلاة لأجل طلب السقيا على الوجه الآتي: إذا أجدبت الأرض أي أمحلت والجدب نقيض الخصب وقحط أي احتبس المطر وضر ذلك وكذا إذا ضرهم غور ماء عيون أو أنهار صلوها جماعة وفرادى وهي سنة مؤكدة لقول عبد الله بن زيد: خرج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي فتوجه إلى القبلة يدعو وحول رداءه ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة متفق عليه. والأفضل جماعة حتى بسفر ولو كان القحط في غير أرضهم ولا استسقاء لانقطاع مطر عن أرض غير مسكونة ولا مسلوكة لعدم الضرر. وصفتها في موضعها وأحكامها كـ صلاة عيد قال ابن عباس: سنة

الاستسقاء سنة العيدين فتسن في الصحراء ويصلي ركعتين يكبر في الأولى ستا زوائد وفي الثانية خمسا من غير أذان ولا إقامة قال ابن عباس: صلى النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين كما يصلي العيد وقال الترمذي: حديث حسن صحيح ويقرأ في الأولى بـ سبح وفي الثانية بـ الغاشية وتفعل وقت صلاة العيد.
وإذا أراد الإمام الخروج لها وعظ الناس أي ذكرهم ما يلين قلوبهم من الثواب والعقاب وأمرهم بالتوبة من المعاصي والخروج من المظالم بردها إلى مستحقيها لأن المعاصي سبب القحط والتقوى سبب البركات و أمرهم بـ ترك التشاحن من الشحناء وهي العداوة لأنها تحمل على المعصية و البهت وتمنع نزول الخير لقوله صلى الله عليه وسلم: "خرجت أخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت" و أمرهم بالصيام لأنه وسيلة إلى نزول الغيث ولحديث: "دعوة الصائم لا ترد" و أمرهم بالصدقة لأنها متضمنة للرحمة ويعدهم أي يعين لهم يوما يخرجون فيه ليتهيئوا للخروج على الصفة المسنونة ويتنظف لها بالغسل وإزالة الروائح الكريهة وتقليم الأظفار لئلا يؤذي ولا يتطيب لأنه يوم استكانة وخضوع ويخرج الإمام كغيره متواضعا متخشعا أي خاضعا متذللا من الذل وهو الهوان متضرعا أي مستكنا لقول ابن عباس: خرج النبي صلى الله عليه وسلم للاستسقاء متذللا متواضعا متخشعا متضرعا قال الترمذي: حديث حسن صحيح ومعه أهل الدين والصلاح والشيوخ لأنه أسرع لإجابتهم والصبيان المميزون لأنهم لا ذنوب لهم وأبيح خروج طفل وعجوز وبهيمة والتوسل بالصالحين وان خرج أهل الذمة منفردين عن المسلمين بمكان لقوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} 1 لا إن انفردوا بيوم لئلا يتفق نزول غيث يوم خروجهم وحدهم فيكون أعظم لفتنتهم وربما افتتن بهم غيرهم لم يمنعوا أي أهل الذمة لأنه خروج لطلب الرزق فيصلي بهم ركعتين كالعيد لما تقدم.
ثم يخطب خطبة واحدة لأنه لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب بأكثر منها ويخطب على منبر ويجلس للاستراحة ذكره الأكثر كالعيد في الأحكام والناس جلوس قاله في المبدع يفتتحها بالتكبير كخطبة العيد لقول ابن عباس: صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء كما صنع في العيد و يكثر فيها الاستغفار وقراءة الآيات التي فيها الأمر به كقوله تعالى: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً...} 2 ا لآيات قال في المحرر
ـــــــ
1- سورة الأنفال الآية "25".
2- سورة نوح من الآية "10" والمقصود قراءة هذه الآية وما بعدها.

و الفروع: ويكثر فيها الدعاء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لأن ذلك معونة على الإجابة ويرفع يديه استحبابا في الدعاء لقول أنس: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء وكان يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه متفق عليه. وظهورهما نحو السماء لحديث رواه مسلم فيدعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم تأسيا به ومنه ما رواه ابن عمر اللهم اسقنا بوصل الهمزة وقطعها غيثا أي مطرا مغيثا أي منقذا من الشدة يقال: غاثه وأغاثه إلى آخره أي آخر الدعاء أي: هينا مريئا غدقا مجللا صحا عاما طبقا دائما1 اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا بلاء ولا هدم ولا غرق اللهم إن بالعباد والبلاد من اللأواء2 والجهد والضنك ما لا نشكوه إلا إليك اللهم أنبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع واسقنا من بركات السماء وأنزل علينا من بركاتك اللهم ارفع عنا الجوع والجهد والعري واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا ويسن أن يستقبل القبلة في أثناء الخطبة ويحول رداءه فيجعل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن ويفعل الناس كذلك ويتركونه حتى ينزعوه مع ثيابهم ويدعو سرا فيقول: اللهم إنك أمرتنا بدعائك ووعدتنا إجابتك وقد دعوناك كما أمرتنا فاستجب لنا كما وعدتنا فإن سقوا وإلا عادوا ثانيا وثالثا.
وإن سقوا قبل خروجهم شكروا الله وسألوه المزيد من فضله ولا يصلون إلا أن يكونوا تأهبوا للخروج فيصلونها شكرا لله ويسألونه المزيد من فضله وينادى لها: الصلاة جامعة كالكسوف والعيد بخلاف جنازة وتراويح والأول منصوب على الإغراء والثاني على الحال وفي الرعاية: برفعهما ونصبهما وليس من شرطها إذن الإمام كالعيدين وغيرهما.
ويسن أن يقف في أول المطر وإخراج رحله وثيابه ليصيبها لقول أنس: أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر فحسر ثوبه حتى أصابه من المطر فقلنا: لم صنعت هذا ؟ قال: "لأنه حديث عهد بربه" رواه مسلم وذكر جماعة: ويتوضأ ويغتسل لأنه روي أنه صلى الله عليه وسلم
ـــــــ
1- هنيئا: فيه الهناءة أي بغير مشقة وفي الخير للناس مريئا: سهلا يمكن احتماله والأصل أن يمر في المريء بغير مشقة والمقصود أن يكون مطر خير لا سيلا يقتلع البيوت والشجر.
غدقا: كثيرا.
مجللا: ينتشر في الأرض كلها ويجللها.
طبقا: أي يأتي على دفعات متوالية.
2- اللأواء: الشدة المشقة.

كان يقول إذا سال الوادي: "اخرجوا بنا إلى الذي جعله الله طهرا فتطهر به" . وفي معناه ابتداء زيادة النيل ونحوه وإذا زادت المياه وخيف منها سن أن يقول: اللهم حوالينا أي: أنزله حوالي المدينة في مواضع النبات ولا علينا في المدينة ولا غيرها من المباني اللهم على الظراب أي الروابي الصغار والآكام بفتح الهمزة تليها مدة على وزن آصال وبكسر الهمزة بغير مد على وزن جبال قال مالك: هي الجبال الصغار وبطون الأودية أي الأمكنة المنخفضة ومنابت الشجر أي أصولها لأنه أنفع لها لما في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك: {رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} 1 أي: لا تكلفنا من الأعمال ما لا نطيق الأية أي: {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} 2. ويستحب أن يقول: مطرنا بفضل الله ورحمته ويحرم بنوء كذا ويباح في نوء كذا وإضافة المطر إلى النوء دون الله كفر إجماعا قاله في المبدع.
ـــــــ
1- سورة البقرة من الآية "286".
2- أي في الوقت الذي حدث به نوء كذا أو يحدث فيه نوء كذا وهذا يفيد المطر في الزمن والتوالي ولا يفيد السببية.

كتاب الجنائز
مدخل
3- كتاب الجنائزبفتح الجيم جمع جنازة بالكسر والفتح لغة: اسم للميت أو للنعش الذي عليه ميت فإن لم يكن عليه ميت فلا يقال: نعش ولا جنازة بل سرير قاله الجوهري اشتقاقه من جنز: إذا ستر وذكره هنا لأن أهم ما يفعل بالميت الصلاة ويسن الإكثار من ذكر الموت والاستعداد له لقوله صلى الله عليه وسلم: "أكثروا من ذكر هادم اللذات" هو بالذال المعجمة ويكره الأنين وتمني الموت ويباح التداوي بمباح وتركه أفضل ويحرم بمحرم مأكول وغيره من صوت ملهاة وغيره ويجوز ببول إبل فقط قاله في المبدع ويكره أن يستطب مسلم ذمي لغير ضرورة وأن يأخذ عنه دواء لم يبين مفرداته المباحة1.
ويسن عيادة المريض والسؤال عن حاله للأخبار ويغب بها وتكون بكرة أو عشيا ويأخذ بيده ويقول: لا بأس طهور إن شاء الله تعالى لفعله صلى الله عليه وسلم وينفس له في أجله لخبر رواه ابن ماجة عن أبي سعيد فإن ذلك لا يرد شيئا ويدعو له بما ورد. و يسن تذكيره التوبة لأنها واجبة على كل حال وهو أحوج إليها من غيره والوصية لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما حق
ـــــــ
1- إن لم يبين الأجزاء التي يتركب منها الدواء وأنها كلها مما أحل للمسلم ولم يحرم عليه أكله أو شربه لأن الذمي يستعمل الأدوية التي يدخل الخمر ومشتقاته فيه أو أشياء من الدم أو الخنزير أو الميتة أو غيره مما حرم على المسلمين هذا أولا وإنما يكره أن يتطيب المسلم عند غير المسلم لأنه قد يورده موارد الخطر غير آبه بحياته أو قد يتخذ منه غرضا يجرب فيه الأدوية الجديدة أو أفكاره الجراحية ونحن نرى ذلك في البلاد الأوروبية فحين يريد جراح إجراء نوع جديد من الجراحات فإنه يجربه على غير أبناء بلدته وجلدته فيجربه مثلا على طالب مسكين قدم من بلاده للعلم وأصيب بمر ض ما أو حادث ما وقد حصل هذا لزميل لنا كان يتلقى العلم في إحدى جامعات أوروبا واضطررنا أن نجمع من جيوبنا نحن الطلبة كلفة إعادة جثمانه لأهله.

امرئ مسلم له شيء يوصي به يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده" متفق عليه عن ابن عمر وإذا نزل به أي نزل به الملك لقبض روحه سن تعاهد أرفق أهله وأتقاهم لربه بل حلقه بماء أو شراب وندي شفتيه 1 بقطنة لأن ذلك يطفئ ما نزل به من الشدة ويسهل عليه النطق بالشهادة لقنه لا إله إلا الله لقوله صلى الله عليه وسلم: "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله" رواه مسلم عن أبي سعيد مرة ولم يزد على ثلاث لئلا يضجره إلا أن يتكلم بعده فيعيد تلقينه إلى ثلاث ليكون آخر كلامه لا إله إلا الله ويكون برفق أي بلطف ومداراة لأنه مطلوب في كل موضع فهنا أولى ويقرأ عنده سورة يس لقوله صلى الله عليه وسلم: "اقرؤوا على موتاكم سورة يس" رواه أبو داود ولأنه يسهل خروج الروح ويقرأ عنده أيضا الفاتحة ويوجهه إلى القبلة لقوله صلى الله عليه وسلم عن البيت الحرام: "قبلتكم أحياء وأمواتا" رواه أبو داود وعلى جنبه الأيمن أفضل إن كان المكان واسعا وإلا فعلى ظهره مستلقيا ورجلاه إلى القبلة ويرفع رأسه قليلا ليصير وجهه إلى القبلة.
فإذا مات سن تغميضه لأنه صلى الله عليه وسلم أغمض أبا سلمة وقال: "إن الملائكة يؤمنون على ما تقولون" رواه مسلم ويقول: بسم الله وعلى وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويغمض ذات محرم وتغمضه وكره من حائض وجنب وأن يقرباه ويغمض الأنثى مثلها أو صبي وشد لحييه لئلا يدخله الهوام وتلين مفاصله ليسهل تغسيله فيرد ذراعيه إلى عضديه ثم يردهما إلى جنبه ثم يردهما ويرد ساقيه إلى فخذيه وهما إلى بطنه ثم يردهما ويكون ذلك عقب موته قبل قسوتها فإن شق ذلك تركه وخلع ثيابه لئلا يحمى جسده فيسرع إليه الفساد ويستره بثوب لما روت عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي سجي ببرد حبرة متفق عليه وينبغي أن يعطف فاضل الثوب عند رأسه ورجليه لئلا يرتفع بالريح ووضع حديدة أو نحوها على بطنه لقول أنس: ضعوا على بطنه شيئا من حديد ولئلا ينتفخ بطنه ووضعه على سرير غسله لأنه يبعد عن الهوام متوجها إلى القبلة على جنبه الأيمن منحدرا نحو رجليه أي يكون رأسه أعلى من رجليه لينصب عنه الماء وما يخرج منه وإسراع تجهيزه إن مات غير فجأة لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله" رواه أبو داود ولا بأس أن ينتظر به من يحضره من وليه وغيره إن كان قريبا ولم يخش عليه أو يشق على الحاضرين فإن مات فجأة أو شك في موته انتظر به حتى يعلم موته بانخساف صدغيه وميل أنفه وانفصال كفيه واسترخاء رجليه وإنفاذ وصيته لما فيه من تعجيل الأجر ويجب الإسراع في
ـــــــ
1- تبلل برطوبة خفيفة.

قضاء دينه سواء كان لله تعالى أو لآدمي لما روى الشافعي وأحمد والترمذي وحسنه عن أبي هريرة مرفوعا: "نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه" . ولا بأس بتقبيله والنظر إليه ولو بعد تكفينه.

فصل غسل الميت وتكفينه ودفنه
غسل الميت المسلم وتكفينه فرض كفاية لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الذي وقصته راحلته: "اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه" . متفق عليه عن ابن عباس والصلاة عليه فرض كفاية لقوله صلى الله عليه وسلم: "صلوا على من قال: لا إله إلى لله" رواه الخلال والدارقطني وضعفه ابن الجوزي ودفنه فرض كفاية لقوله تعالى: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} 1 قال ابن عباس: معناه: أكرمه بدفنه وحمله أيضا فرض كفاية واتباعه سنة.
من يقوم بغسل الميت؟
وكره الإمام للغاسل والحفار أخذ أجرة على عمله إلا أن يكون محتاجا فيعطى من بيت المال فإن تعذر أعطي بقدر عمله قاله في المبدع والأفضل أن يختار لتغسيله ثقة عارف بأحكامه وأولى الناس بغسله وصيه العدل لأن أبا بكر أوصى أن تغسله امرأته أسماء وأوصى أنس أن يغسله محمد بن سيرين ثم أبوه لاختصاصه بالحنو والشفقة ثم جده وإن علا لمشاركته الأب في المعنى ثم الأقرب فالأقرب من عصباته فيقدم الابن ثم ابنه وإن نزل ثم الأخ لأبوين ثم الأخ لأب على ترتيب الميراث ثم ذوو أرحامه كالميراث ثم الأجانب. و أجنبي أولى من زوجة وأمة وأجنبية أولى من زوج وسيد وزوج أولى من سيد وزوجة أولى من أم ولد و الأولى بغسل أنثى وصيتها العدل ثم القربى فالقربى من نسائها فتقدم أمها وان علت ثم بنتها وإن نزلت ثم القربى كالميراث وعمتها وخالتها سواء وكذا بنت أخيها وبنت أختها لاستوائهما في القرب والمحرمية ولكل واحد من الزوجين إن لم تكن الزوجة ذمية غسل صاحبه لما تقدم عن أبي بكر وروى ابن المنذر أن عليا غسل فاطمة ولأن أثار النكاح من عدة الوفاة والإرث باقية فكذا الغسل ويشمل ما قبل الدخول وإنها تغسله وإن لم تكن في عدة كما لو ولدت عقب موته والمطلقة الرجعية إذا أبيحت وكذا سيد مع سريته أي أمته المباحة له ولو أم ولد ولرجل وامرأة غسل من له
ـــــــ
1- سورة عبس الآية "21".

دون سبع سنين فقط ذكرا كان أو أنثى لأنه لا عورة له ولأن إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم غسله النساء فتغسله مجردا بغير سترة وتمس عورته وتنظر إليها وان مات رجل بين نسوة ليس فيهن زوجة ولا أمة مباحة له يمم أو عكسه بأن ماتت امرأة بين رجال ليس فيهم زوج ولا سيد لها يممت كخنثى مشكل لم تحضره أمة له فييمم لأنه لا يحصل بالغسل من غير مس تنظيف ولا إزالة نجاسة بل ربما كثرت وعلم منه أنه لا مدخل للرجال في غسل الأقارب من النساء ولا بالعكس.
ويحرم أن بغسل مسلم كافرا وأن يحمله أو يكفنه أو يتبع جنازته كالصلاة عليه لقوله تعالى: {لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} 1 أو يدفنه للآية بل يواريه وجوبا لعدم من يواريه لإلقاء قتلى بدر في القليب ويشترط لغسله طهورية ماء وإباحته وإسلام غاسل إلا نائبا عن مسلم نواه وعقله ولو مميزا أو حائضا أو جنبا.
كيفية الغسلوإذا أخذ أي شرع في غسله ستر عورته وجوبا وهي ما بين سرته وركبته وجرده ندبا لأنه أمكن في تغسيله وأبلغ في تطهيره وغسل النبي صلى الله عليه وسلم في قميص لأن فضلاته طاهرة فلم يخش تنجيس قميصه وستره عن العيون تحت ستر في خيمة أو بيت إن أمكن لأنه أستر له ويكره لغير معين في غسله حضوره لأنه ربما كان في الميت ما لا يحب اطلاع أحد عليه والحاجة غير داعية إلى حضوره بخلاف المعين ثم يرفع رأسه أي رأس الميت غير أنثى حامل2 إلى قرب جلوسه بحيث يكون كالمحتضن في صدر غيره ويعصر بطنه برفق ليخرج ما هو مستعد للخروج ويكون هناك بخور3 ويكثر صب الماء حينئذ ليدفع ما يخرج بالعصر ثم يلف الغاسل على يده خرقة فينجيه أي يمسح فرجه بها ولا يحل مس عورة من له سبع سنين بغير حائل كحال الحياة لأن التطهير يمكن بدون ذلك.
ويستحب أن لا يمس سائره إلا بخرقة لفعل علي مع النبي صلى الله عليه وسلم فحينئذ يعد الغاسل خرقتين: إحداهما للسبيلين والأخرى لبقية بدنه ثم يوضيه ندبا كوضوئه للصلاة لما روت أم عطية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في غسل ابنته: "ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها" رواه الجماعة وكان ينبغي تأخيره عن نية الغسل كما في المنتهى وغيره ولايدخل الماء في فيه ولا في أنفه خشية تحريك النجاسة ويدخل إصبعيه إبهامه وسبابته مبلولتين أي عليهما خرقة مبلولة
ـــــــ
1- سورة الممتحنة من الآية "13".
2- لأن الخوف قد يتسبب في إسقاطها لحملها.
3- وخير البخور المسك.

بالماء بين شفتيه فيمسح أسنانه وفي منخريه فينظفهما بعد غسل كفي الميت فيقوم المسح فيهما مقام غسلهما خوف تحريك النجاسة بدخول الماء جوفه ولا يدخلهما أي الفم والأنف الماء لما تقدم1 ثم ينوي غسله لأنه طهارة تعبدية فاشترطت لها النية كغسل الجنابة ويسمى وجوبا لما تقدم ويغسل برغوة السدر المضروب رأسه ولحيته فقط لأن الرأس أشرف الأعضاء والرغوة لا تتعلق بالشعر ثم يغسل شقه الأيمن ثم شقه الأيسر للحديث السابق ثم يغسله كله أي يفيض الماء على جميع بدنه بفعل ما تقدم ثلاثا إلا الوضوء ففي المرة الأولى فقط يمر في كل مرة من الثلاث يده على بطنه ليخرج ما تخلف فإن لم ينق بثلاث غسلات زيد حتى ينقي ولو جاوز السبع وكره اقتصاره في غسله على مرة إن لم يخرج منه شيء فيحرم الاقتصار ما دام يخرج شيء على ما دون السبع وسن قطع على وتر ولا تجب مباشرة الغسل فلو ترك تحت ميزاب ونحوه وحضر من يصلح لغسله ونوى وسمى وعمه الماء كفى و يجعل في الغسلة الأخيرة ندبا كافورا وسدرا لأنه يصلب الجسد ويطرد عنه الهوام برائحته والماء الحار يستعمل إذا احتيج إليه والاشنان يستعمل إذا احتيج إليه والخلال يستعمل إذا احتيج إليه فإن لم يحتج إليها كرهت ويقص شاربه ويقلم أظفاره ندبا إن طالا ويؤخذ شعر إبطيه ويجعل المأخوذ معه كعضو ساقط وحرم حلق رأس وأخذ عانة كختن ولا يسرح شعره أي يكره ذلك لما فيه من تقطيع الشعر من غير حاجة إليه ثم ينشف ندبا بثوب كما فعل به صلى الله عليه وسلم ويضفر ندبا شعرها أي الأنثى ثلاثة قرون ويسدل وراءها لقول أم عطية: فضفرنا شعرها ثلاثة قرون وألقيناه خلفها رواه البخاري وإن خرج منه أي الميت شيء بعد سبع غسلات حشي المحل بقطن ليمنع الخارج كالمستحاضة فإن لم يستمسك بالقطن فبطين حر أي خالص لأن فيه قوة تمنع الخارج ثم يغسل المحل المتنجس بالخارج ويوضأ الميت وجوبا كالجنب إذا أحدث بعد الغسل وإن خرج منه شيء بعد تكفينه لم يعد الغسل دفعا للمشقة ولا بأس بقول غاسل له: انقلب يرحمك الله ونحوه ولا يغسله في حمام2.
ومحرم بحج أو عمرة ميت كحي يغسل بماء وسدر لا كافور ولا يقرب طيبا
ـــــــ
1- لأن دخول الماء إلى جوفه لا يقدر على رده قد يسبب انتفاخه وسرعة تلف جثمانه.
2- لأن الحمام مكان عام فقد ينظر إليه من لا يصح نظره إليه أو يطلع الناس منه على شيء ينبغي ألا يطلع منه على غير أهله.

مطلقا ولا يلبس ذكر مخيطا من قميص ونحوه و لا يغطى رأسه ولا وجه أنثى محرمة ولا يؤخذ شيء من شعرهما أو ظفرهما لما في الصحيحين من حديث ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في محرم مات: "غسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا" ولا تمنع معتدة من طيب وتزال اللصوق لغسل واجب إن لم يسقط من جسده شيء بإزالتها فيمسح عليها كجبيرة الحي ويزال خاتم ونحوه ولو ببرده.
ولا يغسل شهيد معركة ومقتول ظلما ولو انثيين أو غير مكلفين لأنه صلى الله عليه وسلم في شهداء أحد أمر بدفنهم بدمائهم ولم يغسلهم وروى أبو داود عن سعيد بن زيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد ومن قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد" وصححه الترمذي. إلا أن يكون الشهيد أو المقتول ظلما جنبا أو وجب عليهما الغسل لحيض أو نفاس أو إسلام ويدفن وجوبا بدمه إلا أن تخالطه نجاسة فيغسلا و في ثيابه التي قتل فيها بعد نزع السلاح والجلود عنه لما روى أبو داود وابن ماجة عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود وأن يدفنوا بثيابهم ودمائهم وإن سلبها كفن بغيرها وجوبا ولا يصلى عليه للأخبار لكونهم أحياء عند ربهم وإن سقط عن دابته أو شاهق بغير فعل العدو أو وجد ميتا ولا أثر به أو مات حتف أنفه أو برفسة أو عاد سهمه عليه أو حمل فأكل أو شرب أو نام أو تكلم أو بال أو عطس أو طال بقاؤه عرفا غسل وصلي عليه كغيره ويغسل الباغي ويصلى عليه ويقتل قاطع الطريق ويغسل ويصلى عليه ثم يصلب1.
والسقط إذا بلغ أربعة أشهر غسل وصلي عليه وإن لم يستهل لقوله صلى الله عليه وسلم: "والسقط يصلى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة" رواه أحمد وأبو داود. وتستحب تسميته فإن جهل أذكر هو أم أنثى سمي بصالح لهما2 ومن تعذر غسله لعدم الماء أو غيره كالحرق والجذام والتبضيع يمم كالجنب إذا تعذر عليه الغسل وإن تعذر غسل بعضه غسل ما أمكن ويمم للباقي و يجب على الغاسل ستر ما رآه من الميت إن لم يكن حسنا فيلزمه ستر الشر لا إظهار الخير ونرجو للمحسن ونخاف على المسيء لا نشهد إلا لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم ويحرم سوء الظن بمسلم ظاهر العدالة ويستحب ظن الخير بالمسلم.
ـــــــ
1- وإنما الصلب ليكون في ذلك عبرة لسواه وتخويفا لغيره ممن تحدثه أنفسهم أن يفعلوا فعله.
2- أي باسم يصلح للذكر كما يصلح للأنثى .