كتاب : الروض المربع شرح زاد المستنقع في اختصار المقنع
المؤلف : منصور بن يونس بن إدريس البهوتي
xبعد النكاح "طلقت" وكذا لو حلف بالطلاق ثم بانت ثم عادت الزوجية ووجد المحلوف عليه فتطلق لوجود الصفة ولا تنحل بفعلها حال البينونة ولو كانت الأداة لا تقتضي تكرار لأنها لا تنحل إلا على وجه يحنث به لأن اليمين حل وعقد والعقد يفتقر إلى الملك فكذا الحل والحنث لا يحصل بفعل الصفة حال البينونة فلا تنحل اليمين به "كعتق" فلو علق عتق قنه على صفة ثم باعه فوجدت ثم ملكه ثم وجدت عتق لما سبق "وإلا" توجد الصفة بعد النكاح والملك "فلا" طلاق ولا عتق بالصفة حال البينونة وزوال الملك لأنهما إذا ليسا محلا للوقوع.
كتاب الطلاق
مدخل
*
14- كتاب الطلاقوهو في اللغة: التخلية يقال: طلقت الناقة: إذا سرحت حيث شاءت والإطلاق: الإرسال وشرعا: حل قيد النكاح أو بعضه.
"يباح" الطلاق "للحاجة" كسوء خلق المرأة والتضرر بها مع عدم حصول الغرض "ويكره" الطلاق "لعدمها" أي عند عدم الحاجة لحديث: "أبغض الحلال إلى الله الطلاق" ولاشتماله على إزالة النكاح المشتمل على المصالح المندوب إليها " ويستحب للضرر" أي لتضررها باستدامة النكاح في حال الشقاق وحال تحوج المرأة إلى المخالعة ليزول عنها الضرر وكذا لو تركت صلاة أو عفة أو نحوهما وهي كالرجل فيسن أن تختلع إن ترك حقا لله تعالى "ويجب" الطلاق "للإيلاء" على الزوج المولي إذا أبى الفيئة "ويحرم للبدعة" ويأتي بيانه.
"ويصح من زوج مكلف و" زوج "مميز يعقله" أي الطلاق بأن يعلم أن النكاح يزول به لعموم حديث: "إنما الطلاق لمن أخذ بالساق" وتقدم "ومن زال عقله معذورا" كمجنون ومغمى عليه ومن به برسام أو نشاف ونائم ومن شرب مسكرا كرها أو أكل بنجا ونحوه لتداو أو غيره "لم يقع طلاقه" لقول علي رضي الله عنه: "كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه" ذكره البخاري في صحيحه "وعكسه" الآثم فيقع طلاق السكران طوعا ولو خلط في كلامه أو سقط تمييزه بين أعيان ويؤاخذ بسائر أقواله وكل فعل يعتبر له العقل كإقرار وقذف وقتل وسرقة1.
ـــــــ
1 لأنه إنما سكر فأفقد نفسه الوعي والتمييز وهو محرم عليه فالأخذ بأقواله تأديب له وتغليظ عليه لإتيانه ما حرم عليه وأمر باجتنابه وهو مسؤول عن أفعاله بعكس المعتوه أو المجنون وإن كانت حاله أثناء السكر حالهما.
"ومن كره عليه" أي على الطلاق "ظلما" أي بغير حق بخلاف مول أبى الفيئة فأجبره الحاكم عليه "بإيلام" أي بعقوبة من ضرب أو خنق أو نحوهما "له" أي للزوج "أو لولده أو أخذ مال يضره أو هدده بأحدها" أي أحد المذكورات من الإيلام له أو لولده أو أخذ مال يضره " قادر" على ما هدده به بسلطته أو تغلب كلص ونحوه "يظن" الزوج "إيقاعه" أي إيقاع ما هدده "به فطلق تبعا" لقوله " لم يقع" الطلاق حيث لم يرفع عنه ذلك حتى يطلق لحديث عائشة مرفوعا: "لا طلاق ولا عتق في إغلاق" رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والإغلاق: الإكراه ومن قصد إيقاع الطلاق دون دفع الإكراه وقع طلاقه كمن أكره على طلقة فطلق أكثر.
ويقع الطلاق بائنا لا الخلع في نكاح مختلف فيه كبلا ولي ولو لم يره مطلق ولا يستحق عوضا سئل عليه ولا يكون بدعيا في حيض و يقع الطلاق من الغضبان ما لم يغم عليه كغيره ووكيله أي الزوج في الطلاق كهو فيصح توكيل مكلف ومميز يعقله ويطلق الوكيل واحدة فقط و يطلق في غير وقت بدعة متى شاء إلا أن يعين له وقتا وعددا فلا يتعداهما ولا يملك تعليقا إلا بجعله له وامرأته إذا قال لها: طلقي نفسك "كوكيله في طلاق نفسها" فلها أن تطلق نفسها طلقة متى شاءت ويبطل برجوع.
فصل وقوع الطلاق
إذا طلقها مرة أي طلقة واحدة في طهر لم يجامع فيه وتركها حتى تنقضي عدتها فهو سنة أي فهذا الطلاق موافق للسنة لقوله تعالى: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} 1 قال ابن مسعود: طاهرا من غير جماع لكن يستثنى من ذلك لو طلقها في طهر متعقب للرجعة من طلاق في حيض فبدعة "وتحرم الثلاث إذاً" أي يحرم إيقاع الثلاث ولو بكلمات في طهر لم يصبها فيه لا بعد رجعة أو عقد روي ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر فمن طلق زوجته ثلاثا بكلمة واحدة وقع الثلاث وحرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره قبل الدخول كان ذلك أو بعده. "وإن طلق من دخل بها في حيض أو طهر وطئ فيه" ولم يستبن حملها وكذا لو علق طلاقها على نحو أكلها مما يتحقق وقوعه حالتهما "فبدعة" أي فذلك طلاق بدعة محرم و "يقع" لحديث ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بمراجعتها رواه الجماعة إلا الترمذي "وتسن رجعتها" إذا طلقت زمن البدعة لحديث ابن عمر ولا سنةـــــــ
1 سورة الطلاق من الآية "1".
ولا بدعة" في زمن أو عدد لصغيرة و آيسة وغير مدخول بها ومن بان أي ظهر حملها فإذا قال لإحداهن: أنت طالق للسنة طلقة وللبدعة طلقة وقعتا في الحال إلا أن يريد في غير الآيسة إذا صارت من أهل ذلك وإن قاله لمن لها سنة وبدعة فواحدة في الحال الأخرى في ضد حالها إذا.
"وصريحه" أي صريح الطلاق وهو ما وضع له "لفظ الطلاق وما تصرف منه" كطلقتك وطالق ومطلقة اسم مفعول غير أمر كاطلقي و غير "مضارع" كتطلقين و غير "مطلقة اسم فاعل" فلا يقع بهذه الألفاظ الثلاثة طلاق، "فيقع" الطلاق "به" أي بالصريح "وإن لم ينوه جاد أو هازل" لحديث أبي هريرة يرفعه: "ثلاثة جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة" رواه الخمسة إلا النسائي "فإن نوى بطالق" طالقا "من وثاق" بفتح الواو أي قيد "أو" نوى "طالقا في نكاح سابق منه أو من غيره أو أراد" أن يقول "طاهر فغلط" أي سبق لسانه "لم يقبل" منه ذلك "حكما" لأنه خلاف ما يقتضيه الظاهر ويدين فيما بينة وبين الله لأنه أعلم بنيته "ولو سئل أطلقت امرأتك؟ فقال: نعم وقع" الطلاق ولو أراد الكذب أو لم ينو لأن نعم صريح في الجواب والجواب الصريح للفظ الصريح صريح أو سئل الزوج "ألك امرأة ؟ فقال: لا وأراد الكذب" أو لم ينو به الطلاق "فلا" تطلق لأن الكناية تفتقر إلى نية الطلاق ولم توجد وإن أخرج زوجته من دارها أو لطمها أو أطعمها ونحوه وقال: هذا طلاقك طلقت "وكان صريحا" ومن طلق واحدة من زوجاته ثم قال عقبه لضرتها: أنت شريكتها أو مثلها فصريح فيهما
وإن كتب صريح طلاق امرأته بما يبين وقع وان لم ينوه لأنها صريحة فيه فإن قال: لم أرد إلا تجويد خطي أو غم أهلي قبل وكذا لو قرأ ما كتبه وقال: لم أقصد إلا القراءة وإن أتى بصريح الطلاق من لا يعرف معناه لم يقع.
فصل كنايات الطلاق
"وكناياته" نوعان: ظاهرة وخفية "فالظاهرة" هي الألفاظ الموضوعة للبينونة " نحو: أنت خلية وبرية وبائن وبتة وبتلة" أي مقطوعة الوصلة " وأنت حرة وأنت الحرج" وحبلك على غاربك وتزوجي من شيءت وحللت للأزواج ولا سبيل لي أو لا سلطان لي عليك وأعتقتك وغطي شعرك وتقنعي1.ـــــــ
1 غطي شعرك وتقنعي: أي لم يعد يحل له أن ينظر إلى ذلك منها وهذا غير كائن بين الأزواج إنما بين الرجل والأجنبية عنه والمرأة والأجنبي عنها.
"و" الكناية "الخفية" موضوعة للطلقة الواحدة "نحو: اخرجي واذهبي وذوقي وتجرعي واعتدي" ولو غير مدخول بها "واستبرئي واعتزلي ولست لي بامرأة والحقي بأهلك وما أشبهه" كلا حاجة لي فيك وما بقي شيء وأغناك الله وإن الله قد طلقك والله قد أراحك مني وجرى القلم ولفظ فراق وسراح وما تصرف منهما غير ما تقدم.
"ولا يقع بكناية" ولو كانت "ظاهرة طلاق إلا بنية مقارنة للفظ" لأنه موضوع لما يشابهه ويجانسه فيتعين ذلك لإرادته له فإن لم ينو لم يقع "إلا حال خصومة أو" حال "غضب أو" حال "جواب سؤالها" فيقع الطلاق في هذه الأحوال بالكناية ولو لم ينوه للقرينة "فلو لم يرده" في هذه الأحوال "أو أراد غيره في هذه الأحوال لم يقبل" منه "حكما" لأنه خلاف الظاهر من دلالة الحال ويدين فيما بينه وبين الله تعالى "ويقع مع النية ب" الكناية "الظاهرة ثلاث وإن نوى واحدة" لقول علماء الصحابة منهم ابن عباس وأبو هريرة وعائشة رضي الله عنهم أجمعين.
"و" يقع " بالخفية ما نواه" من واحدة أو أكثر فإن نوى الطلاق فقط فواحدة وقول: أنا طالق أو بائن أو كلي أو اشربي أو اقعدي أو بارك الله عليك ونحوه لغو ولو نواه طلاقا.
فصل الظهار والتحريم
"وإن قال" لزوجته: "أنت علي حرام أو كظهر أمي فهو ظهار ولو نوى به الطلاق" لأنه صريح في تحريمها "وكذلك: ما أحل الله علي حرام" أو الحل علي حرام وإن قاله لمحرمة بحيض أو نحوه ونوى أنها محرمة به فلغو "وإن قال: ما أحل الله علي حرام أعني به الطلاق - طلقت ثلاثا" لأن الألف واللام للاستغراق لعدم معهود يحمل عليه"وإن قال: أعني به طلاقا فواحدة" لعدم ما يدل على الاستغراق "وإن قال:" زوجته "كالميتة والدم والخنزير وقع ما نواه من طلاق وظهار ويمين" بأن يريد ترك وطئها لا تحريمها ولا طلاقها فتكون يمينا فيها الكفارة بالحنث "وإن لم ينو شيئا" من هذه الثلاثة "فظهار" لأن معناه: أنت علي حرام كالميتة والدم "وإن قال: حلفت بالطلاق وكذب" لكونه لم يكن حلف به "لزمه" الطلاق "حكما" مؤاخذة له بإقراره ويدين فيما بينه وبين الله سبحانه وتعالى "وإن قال" لزوجته: "أمرك بيدك ملكت ثلاثا ولو نوى واحدة" لأنه كناية ظاهرة وروي ذلك عن عثمان وعلي وابن عمر وابن عباس "ويتراخى" فلها أن تطلق نفسها متى شاءت ما لم يحد لها حدا و "ما لم يطأ أو يطلق أو يفسخ" ما جعله لها أو ترد هي لأن ذلك يبطل الوكالة
"ويختص" قوله لها: " اختاري نفسك بواحدة وبالمجلس المتصل ما لم يزدها فيهما" بأن يقول لها: اختاري نفسك متى شيءت أو أي عدد شيءت فيكون على ما قال لأن الحق له وقد وكلها فيه ووكيل كل إنسان يقوم مقامه واحترز بالمتصل عما لو تشاغلا بقاطع قبل اختيارها فيبطل به وصفة اختيارها: اخترت نفسي أو أبوي أو الأزواج فإن قالت: اخترت زوجي أو اخترت فقط لم يقع شيء "فإن ردت" الزوجة "أو وطئ" ها "أو طلق" ها "أو فسخ" خيارها قبله "بطل خيارها" كسائر الوكالات ومن طلق في قلبه لم يقع وإن تلفظ به أو حرك لسانه وقع، ومميز ومميزة يعقلانه كبالغين فيما تقدم.
باب ما يختلف به عدد الطلاق
مدخل
1- باب ما يختلف به عدد الطلاقوهو معتبر بالرجال روي عن عمر وعثمان وزيد وابن عباس فـ " يملك من كله حر أو بعضه" حر "ثلاثا و" يملك "العبد اثنتين حرة كانت زوجتاهما أو أمة" لأن الطلاق خالص حق الزوج فاعتبر به "فإن قال" حر: "أنت الطلاق أو أنت طالق أو" قال: "علي" الطلاق "أو" قال: يلزمني الطلاق "وقع ثلاثا بنيتها" لأن لفظه يحتمل ذلك "وإلا" ينو بذلك ثلاثا "فواحدة" عملا بالعرف وكذا قوله: الطلاق لازم لي أو علي فهو صريح منجزا ومعلقا ومحلوفا به وإذا قاله من معه عدد وقع بكل واحدة طلقة ما لم تكن نية أو سبب يخصصه بإحداهن وإن قال: أنت طالق ونوى ثلاثا وقعت بخلاف: أنت طالق واحدة فلا بقع به ثلاثا وإن نواها "ويقع بلفظ" أنت طالق "كل الطلاق أو كثره أو عدد الحصى أو الريح أو نحو ذلك ثلاثا ولو نوى واحدة" لأنها لا يحتملها لفظه كقوله: يا مائة طالق وإن قال: أنت طالق أغلظ الطلاق أو أطوله أو أعرضه أو ملء الدنيا أو عظم الجبل فطلقة إن لم ينو أكثر.
"وإن طلق" من زوجته "عضوا" كيد أو أصبع "أو" طلق منها "جزءا مشاعا" كنصف وسدس "أو" جزءا "معينا" كنصفها الفوقاني "أو" جزءا "مبهما" بأن قال لها: جزؤك طالق "أو قال" لزوجته: أنت طالق "نصف طلقة أو جزءا من طلقة طلقت" لأن الطلاق لا يتبعض "وعكسه الروح والسن والشعر والظفر ونحوه" فإذا قال لها: روحك أو سنك أو شعرك أو ظفرك أو سمعك أو بصرك أو ريقك طالق لم تطلق وعتق في ذلك كطلاق.
"وإذا قال لـ" زوجة "مدخول بها: أنت طالق وكرره" : مرتين أو ثلاثا "وقع العدد" أي وقع الطلاق بعدد التكرار فإن كرره مرتين وقع اثنتين وإن كرر ثلاثا وقع ثلاثا لأنه أتى بصريح الطلاق "إلا أن ينوي" بتكراره "تأكيدا يصح" بأن يكون متصلا "أو" ينوي "إفهامها" فيقع
واحدة لانصراف ما زاد عليها عن الوقوع بنية التأكيد المتصل فإن انفصل التأكيد وقع به أيضا لفوات شرطه
"وإن كرره بـ بل" بأن قال: أنت طالق بل طالق "أو بـ ثم" بأن قال: أنت طالق ثم طالق "أو بالفاء" بأن قال: أنت طالق فطالق أو قال طالق طلقة "بعدها" طلقة أو طلقة قبلها طلقة أو طلقة معها طلقة وقع اثنتان في مدخول بها لأن للرجعية حكم الزوجات في لحوق الطلاق "وإن لم يدخل بها بانت بالأولى ولم يلزمه ما بعدها" لأن البائن لا يلحقها طلاق بخلاف أنت طالق طلقة معها طلقة أو فوق طلقة أو تحت طلقة أو فوقها أو تحتها طلقة فثنتان ولو غير مدخول بها والمعلق من الطلاق كالمنجز في هذا الذي تقدم ذكره فإن قال إن قمت فأنت طالق وطالق و طالق فقامت وقع الثلاث ولو غير مدخول بها لأن الواو لمطلق الجمع وإن قمت فأنت طالق فطالق أو ثم طالق وقامت وقع اثنتان في مدخول بها وتبين غيرها بالأولى.
فصل في الاستثناء في الطلاق
"ويصح منه" أي من الزوج "استثناء النصف فأقل من عدد الطلاق و" عدد "المطلقات" فلا يصح استثناء الكل ولا أكثر من النصف "فإذا قال: أنت طالق طلقتين إلا واحدة وقعت واحدة" لأنه كلام متصل أبان به أن المستثنى غير مراد بالأول قال تعالى حكاية عن إبراهيم: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ، إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي} 1 يريد به البراءة من غير الله عز وجل "وإن قال" : أنت طالق "ثلاثا إلا واحدة فطلقتان" لما سبق وإن قال: إلا طلقتين إلا واحدة فكذلك لأنه استثنى ثنتين إلا واحدة من ثلاث فيقع ثنتان وإن قال: ثلاثا إلا ثلاثا أو إلا ثنتين وقع الثلاث"وإن استثنى بقلبه من عدد المطلقات" بأن قال: نسائي طوالق ونوى إلا فلانة "صح الاستثناء" فلا تطلق لأن قوله: نسائي طوالق عام يجوز التعبير به عن بعض ما وضع له لأن استعمال اللفظ العام في المخصوص سائغ في الكلام" دون عدد المطلقات" فإذا قال: هي طالق ثلاثا ونوى إلا واحدة وقعت الثلاث لأن العدد نص فيما يتناوله فلا يرتفع بالنية لأن اللفظ أقوى من النية وكذا لو قال: نسائي الأربع طوالق واستثنى واحدة بقلبه فيطلق الأربع وإن قال لزوجاته: "أربعتكن إلا فلانة طوالق صح الاستثناء" فلا تطلق المستثناة لخروجها منهن بالاستثناء.
"ولا يصح استثناء لم يتصل عادة" لأن غير المتصل يقتضي رفع ما وقع بالأول
ـــــــ
1 سورة الزخرف من الآية "26-27".
والطلاق إذا وقع لا يمكن رفعه بخلاف المتصل فإن الاتصال يجعل اللفظ جملة واحدة فلا يقع الطلاق قبل تمامها ويكفي اتصاله لفظا أو حكما كانقطاعه بتنفس أو سعال ونحوه "فلو انفصل" الاستثناء "وأمكن الكلام دونه بطل" الاستثناء لما تقدم "وشرطه" أي شرط صحة الاستثناء "النية" أي نية الاستثناء "قبل كمال ما استثنى منه" فإن قال: أنت طالق ثلاثا غير ناو للاستثناء ثم عرض له الاستثناء فقال: إلا واحدة لم ينفعه الاستثناء ووقعت الثلاث وكذا شرط متأخر ونحوه لأنها صوارف اللفظ عن مقتضاه فوجب مقارنتها لفظا ونية.
2-
باب حكم إيقاع الطلاق في الزمن الماضي و وقوعه في الزمن المستقبل
"إذا قال" لزوجته: "أنت طالق أمس أو" قال لها: أنت طالق "قبل أن أنكحك ولم ينو وقوعه في الحال لم يقع" الطلاق لأنه رفع الاستباحة ولا يمكن رفعها في الماضي وإن أراد وقوعه الآن وقع في الحال لأنه مقر على نفسه بما هو أغلظ في حقه "وإن أراد" أنها طالق "بطلاق سبق" منه أو بطلاق سبق "من زيد وأمكن" بأن كان صدر منه طلاق قبل ذلك أو كان طلاقها صدر من زيد "قبل" ذلك قبل منه ذلك لأن لفظه يحتمله فلا يقع عليه بذلك طلاق ما لم تكن قرينة كغضب أو سؤال طلاق. "فإن مات" من قال: أنت طالق أمس أو قبل أن أنكحك "أو جن أو خرس قبل بيان مراده لم تطلق" عملا بالمتبادر من اللفظ وإن قال لزوجته: " أنت طالق ثلاثا قبل قدوم زيد بشهر" لم تسقط نفقتها بالتعليق ولم يجز وطؤها من حين عقد الصفة إلى قدومه لأن كل شهر يأتي يحتمل أن يكون شهر وقوع الطلاق جزم به بعض الأصحاب "ف" إن "قدم" زيد "قبل مضيه" أي مضي شهر أو معه "لم تطلق" كقوله: أنت طالق أمس "و" إن قدم "بعد شهر وجزء تطلق فيه" أي: يتسع لوقوع الطلاق فيه "يقع" أي تبينا وقوعه لوجود الصفة فإن كان وطئ فيه فهو محرم ولها المهر "فإن خالعها بعد اليمين بيوم" مثلا "وقدم" زيد "بعد شهر ويومين" مثلا "صح الخلع" لأنها كانت زوجة حينه "وبطل الطلاق المعلق" لأنها وقت وقوعه بائن فلا يلحق "وعكسها" أي يقع الطلاق ويبطل الخلع وترجع بعوضه إذا قدم زيد في المثال المذكور "بعد شهر وساعة" من التعليق إذا كان الطلاق بائنا لأن الخلع لم يصادف عصمة "وإن قال" لزوجته: أنت " طالق قبل موتي" أو موتك أو موت زيد "طلقت في الحال" لأن ما قبل موته من حين عقد الصفة وإن قال: موتي مصغرا وقع في الجزء الذي يليه الموت لأن التصغيردل على التقريب "وعكسه" إذا قال: أنت طالق "معه" أي مع موتي "أو بعده" فلا يقع لأن البينونة حصلت بالموت فلم يبق نكاح يزيله الطلاق وإن قال: يوم موتي طلقت أوله.
فصل
"و" إن قال: "أنت طالق إن طرت أو صعدت السماء أو قلبت الحجر ذهبا ونحوه من المستحيل" لذاته أو عادة كأن رددت أمس أو جمعت بين الضدين أو شاء الميت أو البهيمة لم تطلق لأنه علق الطلاق بصفة لم توجد "وتطلق في عكسه فورا" لأنه علق الطلاق على عدم فعل المستحيل وعدمه معلوم "وهو" أي عكس ما تقدم تعليق الطلاق "على النفي في المستحيل مثل" أنت طالق "لأقتلن الميت أو لأصعدن السماء ونحوهما" كـ: لأشربن ماء الكوز ولا ماء به أو لا طلعت الشمس أو لأطيرن فيقع الطلاق في الحال لما تقدم وعتق وظهار ويمين بالله كطلاق في ذلك "وأنت طالق اليوم إذا جاء غد" كلام لغو لا يقع به شيء لعدم تحقق شرطه لأن الغد لا يأتي في اليوم بل بعد ذهابه وإن قال: أنت طالق ثلاثا على سائر المذاهب وقعت الثلاث وإن لم يقل ثلاثا فواحدة "وإذا قال" لزوجته: " أنت طالق في هذا الشهر أو" هذا "اليوم طلقت في الحال" لأنه جعل الشهر أو اليوم ظرفا له فإذا وجد ما يتسع له وقع لوجود ظرفه وإن قال : أنت طالق في "غد أو" يوم " السبت أو" في "رمضان طلقت في أوله" وهو طلوع الفجر من الغد أو يوم السبت وغروب الشمس من آخر شعبان لما تقدم "وإن قال: أردت "أن الطلاق إنما يقع "آخر الكل" أي آخر هذه الأوقات التي ذكرت "دين وقبل" منه حكما لأن آخر هذه الأوقات ووسطها منها فإرادته لذلك لا تخالف ظاهر لفظه بخلاف: أنت طالق غدا أو يوم كذا فلا يدين ولا يقبل منه أنه أراد آخرهما "و" إن قال: "أنت طالق إلى شهر" مثلا "طلقت عند انقضائه" روي عن ابن عباس وأبي ذر فيكون توقيتا لإيقاعه ويرجح ذلك أنه جعل الطلاق غاية ولا غاية لآخره وإنما الغاية لأوله "إلا أن ينوي" وقوعه " في الحال فيقع" في الحال "و" إن "قال: أنت طالق إلى سنة تطلق ب" انقضاء "اثني عشر شهرا" لقوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً} 1 أي شهور السنة وتعتبر بالأهلة ويكمل ما حلف في أثنائه بالعدد "فإن عرفها" أي السنة "باللام" كقوله: أنت طالق إذا مضت السنة "طلقت بانسلاخ ذي الحجة" لأن ال للعهد الحضوري وكذا إذا مضى شهر فأنت طالق تطلق بمضي ثلاثين يوما وإذا مضى الشهر فبانسلاخه وأنت طالق في أول الشهر تطلق بدخوله وفي آخره تطلق في آخر جزء منه.
ـــــــ
1 سورة التوبة من الآية "36".
باب تعليق الطلاق بالشروط
مدخل
3- باب تعليق الطلاق بالشروطأي ترتييه على شيء حاصل أو غير حاصل بـ إن أو إحدى أخواتها و "لا يصح" التعليق "إلا من زوج" يعقل الطلاق فلو قال: إن تزوجت امرأة أو فلانة فهي طالق لم يقع بتزوجها لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا: "لا نذر لابن آدم فيما لا يملك ولا عتق فيما لا يملك ولا طلاق فيما لا يملك" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه "فإذا علقه" أي علق الزوج الطلاق "بشرط" متقدم أو متأخر كأن دخلت الدار فأنت طالق أو أنت طالق إن قمت "لم تطلق قبله" أي قبل وجود الشرط "ولو قال: عجلته" أي عجلت ما علقته لم يتعجل لأن الطلاق تعلق بالشرط فلم يكن له تغييره فإن أراد تعجيل طلاق سوى الطلاق المعلق وقع فإذا وجد الشرط الذي علق به الطلاق وهي زوجته وقع أيضا "وإن قال" من علق الطلاق بشرط: "سبق لساني بالشرط ولم أرده وقع" الطلاق "في الحال" لأنه أقر على نفسه بما هو أغلظ من غير تهمة "وإن قال" لزوجته: "أنت طالق وقال: أردت إن قمت لم يقبل" منه "حكما" لعدم ما يدل عليه وأنت طالق مريضة - رفعا ونصبا - يقع بمرضها.
"وأدوات الشرط" المستعملة غالبا: إن بكسر الهمزة وسكون النون وهي أم الأدوات "وإذا ومتى وأي" بفتح الهمزة وتشديد الياء "ومن" بفتح الميم وسكون النون "وكلما وهي" أي كلما "وحدها للتكرار" لأنها تعم الأوقات فهي بمعنى كل وقت وأما متى فهي: اسم زمان بمعنى أي وقت وبمعنى: إذا فلا تقتضي التكرار "وكلها" أي كل أدوات الشرط المذكورة ومهما وحيثما بلا لم أي بدون لم1 "أو نية فور أو قرينته" أي قرينة الفور للتراخي و هي مع لم للفور إلا مع نية التراخي أو قرينته إلا إن فإنها للتراخي حتى مع لم "مع عدم نية فور أو قرينة" .
"فإذا قال" لزوجته: "إن قمت" فأنت طالق "أو إذا" قمت فأنت طالق "أو متى" قمت فأنت طالق " أو أي وقت" قمت فأنت طالق "أو من قامت" منكن فهي طالق "أو كلما قمت فأنت طالق فمتى وجد" القيام "طلقت" عقبه وإن بعد القيام عن زمان الحلف "وإن تكرر الشرط المعلق عليه" لم يتكرر "الحنث" لما تقدم "إلا في كلما" فيتكرر معها الحنث عند تكرر الشرط لما سبق و إن قال: إن "لم أطلقك فأنت طالق ولم ينو وقتا ولم تقم قرينة بفور ولم يطلقها طلقت
ـــــــ
1 أي بدون أن يتبعها حرف نفي.
في آخر حياة أولهما" موتا لأنه علق الطلاق على ترك الطلاق فإذا مات الزوج فقد وجد الترك منه وإن ماتت هي فات طلاقها بموتها "و" إن قال: " متى لم" أطلقك فأنت طالق "أو إذا لم" أطلقك فأنت طالق "أو أي وقت لم أطلقك فأنت طالق ومضى زمن يمكن إيقاعه فيه ولم يفعل طلقت" لما تقدم و إن قال: " كلما لم أطلقك فأنت طالق ومضى ما يمكن إيقاع ثلاث" طلقات "مرتبة" أي واحدة بعد واحدة "فيه" أي في الزمن الذي مضى "طلقت المدخول بها ثلاثا" لأن كلما للتكرار "وتبين غيرها" أي غير المدخول بها "ب" الطلقة "الأولى" فلا تلحقها الثانية ولا الثالثة.
"وإن" قال: "إن قمت فقعدت" لم تطلق حتى تقوم ثم تقعد "أو" قال: إن قمت "ثم قعدت" لم تطلق حتى تقوم ثم تقعد أو قال: "إن قعدت إذا قمت" لم تطلق حتى تقوم ثم تقعد "أو" قال: "إن قعدت إن قمت فأنت طالق لم تطلق حتى تقوم ثم تقعد" لأن لفظ ذلك يقضي تعليق الطلاق على القيام مسبوقا بالعقود ويسمى نحو: إن قعدت إن قمت اعتراض الشرط على الشرط فيقتضي تقديم المتأخر وتأخير المتقدم لأنه جعل الثاني في اللفظ شرطا للذي قبله والشرط يتقدم المشروط فلو قال: إن أعطيتك إن وعدتك إن سألتيني لم تطلق حتى تسأله ثم يعدها ثم يعطيها "و" إن عطف "بالواو" كقوله: أنت طالق إن قمت وقعدت "تطلق بوجودهما" أي القيام والقعود "ولو غير مرتبين" أي سواء تقدم القيام على القعود أو تأخر لأن الواو لا تقتضي ترتيبا و إن عطف "بأو" بأن قال: إن قمت أو قعدت فأنت طالق طلقت "بوجود أحدهما" أي بالقيام أو بالقعود لأن أو لأحد الشيئين وإن علق الطلاق على صفات فاجتمعت في عين كأن رأيت رجلا فأنت طالق وإن رأيت أسود فأنت طالق وإن رأيت فقيها فأنت طالق فرأت رجلا أسود فقيها طلقت ثلاثا
فصل في تعليقه بالحيض
"إذا قال" لزوجته: "إن حضت فأنت طالق طلقت بأول حيض متيقن" لوجود الصفة فإن لم يتيقن أنه حيض كما لو لم يتم لها تسع سنين أو نقص عن اليوم والليلة لم تطلق "و" إن قال: "إذا حضت حيضة" فأنت طالق "تطلق بأول الطهر من حيضة كاملة" لأنه علق الطلاق بالمرة الواحدة من الحيض فإذا وجدت حيضة كاملة فقد وجد الشرط ولا يعتد بحيضة علق فيها فإن كانت حائضا حين التعليق لم تطلق حتى تطهر ثم تحيض حيضة مستقبلة وينقطع دمها "وفيما إذا" قال: إن "حضت نصف حيضة" فأنت طالق "تطلق" ظاهرا " في نصفعادتها" لأن الأحكام تتعلق بالعادة فتعلق بها وقوع الطلاق لكن إذا مضت حيضة مستقرة تبينا وقوعه في نصفها لأن النصف لا يعرف إلا بوجود الجميع لأن أيام الحيض قد تطول وقد تقصر فإذا طهرت تبينا مدة الحيض فيقع الطلاق في نصفها ومتى ادعت حيضا فقولها كإن أضمرت بغضي فأنت طالق وادعته بخلاف نحو قيام وإن قال: إن طهرت فأنت طالق فإن كانت حائضا طلقت بانقطاع الدم وإلا فإذا طهرت من حيضة مستقبلة
فصل في تعليقه بالحمل
"إذا علقه بالحمل" كقوله: إن كنت حاملا فأنت طالق "فولدت لأقل من ستة أشهر" من زمن الحلف سواء كان يطأ أم لا أو لدون أربع سنين ولم يطأ بعد حلف "طلقت منذ حلف" لأنا تبينا أنها كانت حاملا وإلا لم تطلق ويحرم وطؤها قبل استبرائها "وإن قال" لزوجته: "إن لم تكوني حاملا فأنت طالق حرم وطؤها قبل استبرائها بحيضة" موجودة أو مستقبلة أو ماضية لم يطأ بعدها وإنما يحرم وطؤها في الطلاق "البائن" دون الرجعي وهي أي مسألة: إن لم تكوني حاملا فأنت طالق "عكس" المسألة "الأولى" وهي: إن كنت حاملا فأنت طالق عكس المسألة الأولى وهي: إن كنت حاملا فأنت طالق "في الأحكام" فإن ولدت لأكثر من أربع سنين طلقت لأنا تبينا أنها لم تكن حاملا وكذا إن ولدت لأكثر من ستة أشهر وكان يطأ: لأن الأصل عدم الحمل وإن قال: إن حملت فأنت طالق لم يقع إلا بحمل متجدد ولا يطؤها إن كان وطئ في طهر حلف فيه قبل حيض ولا أكثر من مرة كل طهر "وإن علق طلقة إن كانت حاملا بذكر وطلقتين" إن كانت حاملا بأنثى "فولدتهما طلقت ثلاثا" بالذكر واحدة وبالأنثى اثنتين "وإن كان مكانه" أي مكان قوله: إن كنت حاملا بذكر فأنت طالق طلقة وان كنت حاملا بأنثى فأنت طالق اثنتين "إن كان حملك أو ما في بطنك" ذكرا فأنت طالق طلقة وإن كان أنثى فأنت طالق اثنتين وولدتهما "لم تطلق بهما" لأن الصيغة المذكورة تقضي حصر الحمل في الذكورية أو الأنوثية فإذا وجدا لم تتمحض ذكوريته ولا أنوثيته فلا يكون المعلق عليه موجودا.فصل في تعليقه بالولادة
يقع ما علق على ولادة بإلقاء ما تبين فيه بعض خلق الإنسان لا بإلقاء علقة ونحوها "إذافصل في تعليقه بالطلاق
"إذا علقه على الطلاق" بأن قال: إن طلقتك فأنت طالق "ثم علقه على القيام" بأن قال: إن قمت فأنت طالق "أو علقه على القيام ثم" علقه "على وقوع الطلاق" بأن قال: إن قمت فأنت طالق ثم قال: إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق " فقامت طلقت طلقتين فيهما" أي في المسألتين: واحدة بقيامها وأخرى بتطليقها الحاصل بالقيام في المسألة الأولى لأن طلاقها بوجود الصفة تطليق لها وفي الثانية طلقة بالقيام وطلقة بوقوع الطلاق عليها بالقيام وإن كانت غير مدخول بها فواحدة فقط "وإن علقه" أي الطلاق "على قيامها" بأن قال: إن قمت فأنت طالق ثم علق الطلاق "على طلاقه لها فقامت فواحدة" بقيامها ولم تطلق بتعليق الطلاق لأنه لم يطلقها وإن قال لزوجته: "كلما طلقتك" فأنت طالق "أو" قال: "كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق فوجدا" أي الطلاق في الأولى أو وقوعه في الثانية طلقت في الأولى وهي قوله: كلما طلقتك فأنت طالق "طلقتين" : طلقة بالمنجز وطلقة بالمعلق عليه "و" طلقت في "الثانية" وهي قوله: كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق "ثلاثا" إن وقعت الأولى والثانية رجعيتين لأن الثانية طلقة واقعة عليها فتقع بها الثالثة وإن قال: إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا ثم قال: أنت طالق فثلاث طلقة بالمنجز وتتمتها من المعلق ويلغو قوله وتسمى السريجية.فصل في تعليقه بالحلف
"إذا قال" لزوجته: "إذا حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم قال" لها: "أنت طالق إن قمت" أو إن لم تقومي أو أن هذا القول لحق أو كاذب ونحوه مما فيه حث أو منع أو تصديق خبر أو تكذيبه "طلقت في الحال" لما في ذلك من المعنى المقصود بالحلف من الحث أو الكف أو التأكيد "لا إن علقه" أي الطلاق "بطلوع الشمس ونحوه" كقدوم زيد أو بمشيئتها "لأنه" أي التعليق المذكور "شرط لا حلف" لعدم اشتماله على المعنى المقصود بالحلف "و" من قال لزوجته: "إن حلفت بطلاقك فأنت طالق أو" قال لها: "إن كلمتك فأنت طالق وأعاده مرة أخرى طلقت" طلقة "واحدة" لأن إعادته حلف وكلام "و" إن أعاده "مرتين ف" طلقتان "ثنتان و" إن أعاده ثلاثا "فثلاث" طلقات لأن كل مرة يوجد فيها شرط الطلاق وينعقد شرط طلقة أخرى ما لم يقصد إفهامها في أن حلفت بطلاقك وغير المدخول بها تبين بالأولى ولا تنعقد يمينه الثانية والثالثة في مسألة الكلام.فصل في تعليقه بالكلام
"إذا قال" لزوجته: "إن كلمتك فأنت طالق فتحققي أو قال" زاجرا لها: ت"نحي أو اسكتي طلقت" اتصل ذلك بيمينه أو لا وكذا لو سمعها تذكره بى سوء فقال: الكاذب عليه لعنة الله ونحوه حنث لأنه كلمها ما لم ينو كلاما غير هذا فعلى ما نوى "و" من قال لزوجته: "إن بدأتك بكلام فأنت طالق فقالت" له: "إن بدأتك به" أي بكلام "فعبدى حر انحلت يمينه" لأنها كلمته فلم يكن كلامه لها بعد ذلك ابتداء "مال لم ينو عدم البداءة في مجلس آخر" فإن نوى ذلك فعلى ما نوى ثم إن بدأته بكلام عتق عبدها وإن بدأها به انحلت يمينها وإن قال: إن كلمت زيدا فأنت طالق فكلمته حنث ولو لم يسمع زيد كلامها لغفلة أو شغل ونحوه أو كان مجنونا أو سكرانا أو أصم يسمع لولا المانع وكذا لو كاتبته أو راسلته إن لم ينو مشافهتها وكذا لو كلمت غيره وزيد يسمع تقصده بالكلام لا إن كلمته ميتا أو غائبا أو مغمى عليه أو نائما أو وهي مجنونة أو أشارت إليه.فصل في تعليقه بالإذن
"إذا قال" لزوجته: "إن خرجت بغير إذني أو" إن خرجت "إلا بإذني أو" إن خرجت "حتى آذن لك أو" قال لها: "إن خرجت إلى غير الحمام بغير إذني فأنت طالق فخرجت مرة بإذنه ثم خرجت بغير إذنه" طلقت لوجود الصفة "أو أذن" لها في الخروج "ولم تعلم بالإذن" وخرجت طلقت لأن الإذن هو الإعلام ولم يعلمها "أو خرجت" من قال لها: إن خرجت إلى غير الحمام بغير إذني فأنت طالق تريد الحمام وغيره أو عدلت منه إلى غيره "طلقت في الكل لأنها إذا خرجت للحمام وغيره فقد صدق عليها أنها خرجت إلى غير الحمام "لا إن أذن" لها "فيه" أي في الخروج "كلما شاءت" فلا يحنث بخروجها بعد ذلك لوجود الإذن أو قال لها: إن خرجت " إلا بإذن زيد فمات زيد ثم خرجت" فلا حنث عليه.فصل في تعليقه بالمشيئة
إذا علقه أي الطلاق "بمشيئتها بـ إن أو غيرها من الحروف" أي الأدوات كإذا ومتى ومهما " لم تطلق حتى تشاء" فإذا شاءت طلقت "ولو تراخى" وجود المشيئة منها كسائر التعاليق فإن قيد المشيئة بوقت كإن شيءت اليوم فأنت طالق تقيدت به "فإن قالت" لمن قال لها: إن شيءت فأنت طالق: "قد شئت إن شئت فشاء لم تطلق" وكذا إن قالت: قد شيءت إن طلعت الشمس ونحوه لأن المشيئة أمر خفي لا يصح تعليقه على شرط "وإن قال" لزوجته: "إن شئت وشاء أبوك" فأنت طالق "أو" قال: إن شئت وشاء "زيد" فأنت طالق "لم يقع" الطلاق "حتى يشاءا معا" أي جميعا فإذا شاءا وقع ولو شاء أحدهما على الفور والآخر على التراخي لأن المشيئة قد وجدت منهما "وإن شاء أحدهما" وحده "فلا" حنث لعدم وجود الصفة وهي مشيئتهما و إن قال لزوجته: "أنت طالق" إن شاء الله "أو قال: عبدي حر إن شاء الله" أو إلا أن يشاء الله أو ما لم يشأ الله ونحوه "وقعا" أي الطلاق والعتق لأنه تعليق على ما لا سبيل إلى علمه فيبطل كما لو علقه على شيء من المستحيلات."و" من قال لزوجته: "إن دخلت الدار فأنت طالق إن شاء الله طلقت إن دخلت" الدار لما تقدم إن لم ينو رد المشيئة إلى الفعل فإن نواه لم تطلق دخلت أو لم تدخل لأن الطلاق إذا يمين إذ هو تعليق على ما يمكن فعله وتركه فيدخل تحت عموم حديث: "من حلف على يمين
فقال: إن شاء الله فلا حنث عليه" رواه الترمذي وغيره.
"و" إن قال لزوجته: "أنت طالق لرضى زيد أو" أنت طالق "لمشيئته طلقت في الحال" لأن معناه: أنت طالق لكون زيد رضي بطلاقك أو لكونه شاء طلاقك بخلاف أنت طالق لقدوم زيد ونحوه "فإن قال: أردت" بقولي لرضى زيد أو لمشيئته "الشرط" أي تعليق الطلاق على المشيئة أو الرضى "قبل حكما" لأن لفظه يحتمله لأن ذلك يستعمل للشرط وحيئذ فلا تطلق حتى يرضى زيد أو يشاء ولو مميزا يعقلها أو سكران أو بإشارة مفهومة من أخرس لا إن مات أو غاب أو جن قبلها و من قال لزوجته: "أنت طالق إن رأيت الهلال فإن نوى" حقيقة "رؤيتها" أي معاينتها إياه "لم تطلق حتى تراه" ويقبل منه ذلك حكما لأن لفظه يحتمله "وإلا" ينو حقيقة رؤيتها "طلقت بعد الغروب برؤية غيرها" وكذا بتمام العدة إن لم ينو العيان لأن رؤية الهلال في عرف الشرع العلم به في أول الشهر بدليل قوله صلى الله عليه وسلم : "إذا رأيتم الهلال صوموا وإذا رأيتموه فافطروا" .
فصل في مسائل متفرقة
"وإن حلف لا يدخل دارا أو لا يخرج منها فأدخل" الدار بعض جسده " أو أخرج" منها "بعض جسده" لم يحنث لعدم وجود الصفة إذ البعض لا يكون كلا كما أن الكل لا يكون بعضا "أو دخل" من حلف: لا يدخل الدار "طاق الباب" لم يحنث لأنه لم يدخلها بجملته "أو" حلف "لا يلبس ثوبا من غزلها فلبس ثوبا فيه منه" أي من غزلها لم يحنث لأنه لم يلبس ثوبا كله من غزلها "أو" حلف "لا يشرب ماء هذا الإناء فشرب بعضه لم يحنث" لأنه لم يشرب ماءه وإنما شرب بعضه بخلاف ما لو حلف: لا يشرب ماء هذا النهر فشرب بعضه فإنه يحنث لأن شرب جميعه ممتنع فلا تصرف إليه يمينه وكذا لو حلف لا يأكل الخبز أو لا يشرب الماء فيحنث ببعضه. "وإن فعل المحلوف عليه" مكرها أو مجنونا أو مغمى عليه أو نائما لم يحنث مطلقا و "ناسيا أو جاهلا حنث في طلاق وعتاق فقط" لأنهما حق آدمي فاستوى فيهما العمد والنسيان والخطأ كالإتلاف بخلاف اليمين بالله سبحانه وتعالى وكذا لو عقدها يظن صدق نفسه فبان خلاف ظنه يحنث في طلاق وعتاق دون يمين بالله تعالى "وإن فعل بعضه" أي بعض ما حلف لا يفعله "لم يحنث إلا أن ينويه" أو تدل عليه قرينة كما تقدم فيمن حلف لا يشرب ماء هذا النهر "وإن حلف" بطلاق أو غيره "ليفعلنه" أي شيئا عينه "لم يبرأ إلا بفعله كله" فمنحلف ليأكلن هذا الرغيف لم يبر حتى يأكله كله لأن اليمين تناولت فعل الجميع فلم يبر إلا بفعله وإن تركه مكرها أو ناسيا لم يحنث ومن يمتنع بيمينه كزوجة وقرابة إذا قصد منعه كنفسه ومن حلف لا يأكل طعاما طبخه زيد فأكل طعاما طبخه زيد وغيره حنث.
4-
باب التأويل في الحلف بالطلاق أو غيره
"ومعناه" أي معنى التأويل "أن يريد بلفظه ما" أي معنى "يخالف ظاهره" أي ظاهر لفظه كنيته بنسائه طوالق بناته ونحوهن "فإذا حلف وتأول" في "يمينه نفعه" التأويل فلا يحنث "إلا أن يكون ظالما" بحلفه فلا ينفعه التأويل لقوله صلى الله عليه وسلم : "يمينك على ما يصدقك به صاحبك" رواه مسلم وغيره. "وإن حلفه ظالم: ما لزيد عندك شيء وله" أي لزيد "عنده" أي عند الحالف "وديعة بمكان ف" حلف "و نوى غيره" أي غير مكانها أو نوى غيرها "أو" نوى "بما: الذي" لم يحنث "أو حلف" من ليس ظالما بحلفه "ما زيد ها هنا ونوى" مكانا " غير مكانه" بأن أشار إلى غير مكانه لم يحنث "أو حلف على امرأته لا سرقت مني شيئا فخانته في وديعة ولم ينوها" اي لم ينو لخيانة بحلفه على السرقة "لم يحنث في الكل" للتأويل المذكور ولأن الخيانة ليست سرقة فإن نوى بالسرقة الخيانة أو كان سبب اليمين الذي هيجها الخيانة حنث.5-
باب الشك في الطلاق
أي التردد في وجود لفظه أو عدده أو شرطه "من شك في طلاق أو" شك في "شرطه" أي شرط الطلاق الذي علقه عليه وجوديا كان أم عدميا "لم يلزمه" الطلاق لأنه شك طرأ على يقين فلا يزيله قال الموفق: والورع التزام الطلاق "وإن" تيقن الطلاق و " شك في عدده فطلقة" عملا باليقين وطرحا للشك. "وتباح" المشكوك في طلاقها ثلاثا "له" أي للشاك لأن الأصل عدم التحريم ويمنع من حلف لا يأكل ثمرة معينة أو نحوها اشتبهت بغيرها من أكل ثمرة مما اشتبهت به وإن لم تمنعه بذلك من الوطء "فإذا قال لامرأتيه: إحداكما طالق" ونوى معينة "طلقت المنوية" لأنه عينها بنيته فأشبه ما لو عينها بلفظه "وإلا" ينو معينة طلقت "من قرعت" لأنه لا سبيل إلى معرفة المطلقة منهما عينا فشرعت القرعة لأنها طريق شرعي لإخراج المجهول "كمن طلق إحداهما" أي إحدى زوجتيه "بائنا ونسيها" فيقرع بينهما لما تقدم وتجب نفقتهما إلى القرعة وإن مات أقرع ورثته "وإن تبين" للزوج بأن ذكر6-
باب الرجعة
وهي إعادة مطلقة غير بائن إلى ما كانت عليه بغير عقد قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الحر إذا طلق دون الثلاث والعبد دون اثنتين أن لهما الرجعة في العدة. " من طلق بلا عوض زوجته" بنكاح صحيح "مدخولا بها أو مخلوا بها دون ما له من العدد" بأن طلق حر دون ثلاث أو عبد دون ثنتين "فله" أي للمطلق حرا كان أو عبدا ولوليه إذا كان مجنونا "رجعتها" مادامت "في عدتها ولو كرهت" لقوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} 1 وأما من طلق في نكاح فاسد أو بعوض أو خالع أو طلق قبل الدخول والخلوة فلا رجعة بل يعتبر عقد بشروطه ومن طلق نهاية عدده لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره وتقدم ويأتي. وتحصل الرجعة "بلفظ: راجعت امرأتي ونحوه" كارتجعتها ورددتها وأمسكتها وأعدتها و لا تصح الرجعة بلفظ "نكحتها ونحوه" كتزوجتها لأن ذلك كناية والرجعة استباحة بضع مقصود فلا تحصل بالكنايةـــــــ
1 سورة البقرة من الآية "228".
"ويسن الإشهاد" على الرجعة وليس شرطا فيها لأنها لا تفتقر إلى قبول فلم تفتقر إلى شهادة وجملة ذلك أن الرجعة لا تفتقر إلى ولي ولا صداق ولا رضى المرأة ولا علمها "وهي" أي الرجعية "زوجة" يملك منها ما يملكه ممن لم يطلقها و "لها" ما للزوجات من نفقة وكسوة ومسكن "وعليها حكم الزوجات" من لزوم مسكن ونحوه "لكن لا قسم لها" فيصح أن تطلق وتلاعن ويلحقها ظهاره وإيلاؤه ولها أن تتشرف له وتتزين وله السفر والخلوة بها ووطئها "وتحصل الرجعة أيضا بوطئها" ولو لم ينو به الرجعة. "ولا تصح معلقة بشرط" كإذا جاء رأس الشهر فقد راجعتك أو كلما طلقتك فقد راجعتك بخلاف عكسه فيصح "فإذا طهرت" المطلقة رجعيا "من الحيضة الثالثة ولم تغتسل فله رجعتها" روي عن عمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم لوجود أثر الحيض المانع للزوج من الوطء فإن اغتسلت من حيضة ثالثة ولم يكن ارتجعها لم تحل إلا بنكاح جديد وأما بقية الأحكام من قطع الإرث والطلاق واللعان والنفقة وغيرها فتحصل بانقطاع الدم.
"وإن فرغت عدتها قبل رجعتها بانت وحرمت قبل عقد جديد" بولي وشاهدي عدلي لمفهوم قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} 1 أي في العدة "ومن طلق دون ما يملك" بأن طلق الحر واحدة أو ثنتين أو طلق العبد واحدة "ثم راجع" المطلقة رجعيا "أو تزوج" البائن "لم يملك" من الطلاق "أكثر مما بقي" من عدد طلاقه "وطئها زوج غيره أو لا" لأن وطء الثاني لا يحتاج إليه في الإحلال للزوج الأول فلا يغير حكم الطلاق كوطء السيد بخلاف المطلقة ثلاثا إذا نكحت من أصابها ثم فارقها ثم عادت للأول فإنها تعود على طلاق ثلاث.
فصل
"وإن ادعت" المطلقة "انقضاء عدتها في زمن يمكن انقضاؤها" أي عدتها "فيه أو" ادعت انقضاء عدتها "بوضع الحمل الممكن وأنكره" أي أنكر المطلق انقضاء عدتها "فقولها" لأنه أمر لا يعرف إلا من قبلها فقبل قولها فيه. "وإن ادعته" أي انقضاء العدة "الحرة بالحيض في أقل من تسعة وعشرين يوما ولحظة" أو ادعته أمة في أقل من خمسة عشر ولحظة لم تسمع دعواها لأن ذلك أقل زمن يمكن انقضاء العدة فيه فلا تسمع دعوى انقضائها فيما دونه وإن ادعت انقضاءها في ذلك الزمن قبل ببينة وإلا فلا لأن حيضها ثلاث مرات فيه يندر جدا.
"وإن بدأته" أي بدأت الرجعية مطلقها "فقالتـــــــ
1 سورة البقرة من الآية "228".
انقضت عدتي وقد مضى ما يمكن انقضاؤها فيه فقال المطلق: كنت راجعتك فقولها لأنها منكرة ودعواه للرجعة بعد انقضاء العدة لا تقبل إلا ببينة أنه كان راجعها قبل وكذا لو تداعيا معا ومتى رجعت قبل كجحد أحدهما النكاح ثم يعترف به أو بدأها به أي بدأ الزوج بقوله: كنت راجعتك فأنكرته وقالت: انقضت عدتي قبل رجعتك فقولها قاله الخرقي قال في الواضح في الدعاوى: نص عليه وجزم به أبو الفرج الشيرازى وصاحب المنور والمذهب في الثانية القول قوله كما في الإنصاف وصححه في الفروع وغيره وقطع به في الإقناع و المنتهى.
فصل
"إذا استوفى" المطلق "ما يملك من الطلاق" بأن طلق الحر ثلاثا والعبد اثنتين "حرمت عليه حتى يطأها زوج" غيره بنكاح صحيح لقوله تعالى: { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} 1 بعد قوله: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} في قبل فلا يكفي العقد ولا الخلوة ولا المباشرة دون الفرج ولا يشترط بلوغ الزوج الثاني فيكفي "ولو" كان "مراهقا" أو لم يبالغ عشرا لعموم ما سبق "ويكفي" في حلها لمطلقها ثلاثا "تغييب الحشفة" كلها من الزوج الثاني "و قدرها مع جب" أي قطع للحشفة لحصول ذوق العسيلة بذلك في فرجها أي قبلها مع انتشار وإن لم ينزل لوجود حقيقة الوطء.
"ولا تحل" المطلقة ثلاثا "بوطء دبر و" وطء " شبهة و" وطء في "ملك يمين و" وطء في نكاح فاسد لقوله تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} 1 "ولا" تحل بوطء "في حيض ونفاس وإحرام وصيام فرض" لأن التحريم في هذه الصور لمعنى فيها لحق الله تعالى وتحل بوطء محرم لمرض أو ضيق وقت صلاة أو في مسجد " ونحوه ومن ادعت مطلقته المحرمة" وهي المطلقة ثلاثا "وقد غابت" عنه "نكاح من أحلها" بوطئه إياها "و" ادعت "انقضاء عدتها منه" أي من الزوج الثاني "فله" أي للأول "نكاحها إن صدقها" في ادعته وأمكن ذلك بأن مضى زمن يتسع له لأنها مؤتمنة على نفسها.
ـــــــ
1 سورة البقرة من الآية "230".
كتاب الإيلاء
كتاب الإيلاء
15- كتاب الإيلاءبالمد: أي الحلف مصدر آلى يؤلي والألية: اليمين.
وهو شرعا حلف زوج يمكنه الوطء بالله تعالى أو صفته كالرحمن الرحيم على ترك وطء زوجته في قبلها أبدا أو أكثر من أربعة أشهر 1 قال تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ...} 2 الآية وهو محرم ولا إيلاء بحلف بنذر أو عتق أو طلاق ولا بحلف على ترك وطء سرية أو ارتقاء.
"ويصح" الإيلاء "من" كل من يصح طلاقه من مسلم و " كافر و" حر و "قن و" بالغ و "مميز وغضبان وسكران ومريض مرجو برؤه وممن" أي زوجة يمكن وطؤها ولو "لم يدخل بها" لعموم ما تقدم و لا يصح الإيلاء "من" زوج "مجنون ومغمى عليه" لعدم القصد "و" لا من "عاجز عن وطء لجب كامل أو شلل" لأن المنع هنا ليس لليمين "فإذا قال" لزوجته: "والله لا وطئتك أبدا أو عين مدة تزيد على أربعة أشهر" كخمسة أشهر "أو" قال: والله لا وطئتك "حتى ينزل عيسى" ابن مريم عليهما السلام أو حتى يخرج الدجال أو غياه بمحرم أو ببذل مالها كقول: والله لا وطئتك "حتى تشربي الخمر أو تعطيني دينك أو تهبي مالك ونحوه" أي نحو ما ذكره "فـ" هو "مؤل" تضرب له مدته الإيلاء "فإذا مضى أربعة أشهر من يمينه ولو" كان المؤلي "قنا" لعموم الآية "فإن وطئ ولو بتغيب حشفة" أو قدرها عند عدمها "فقد فاء" لأن الفيئة الجماع وقد أتى به ولو ناسيا أو جاهلا أو مجنونا أو أدخل ذكر نائم لأن الوطء وجد "وإلا" يفيء بوطء من آلى منها ولم تعفه "أمره" الحاكم
ـــــــ
1 وكان الإيلاء في الجاهلية غير محدد بأجل وقد يتجاوز السنتين ثم يواقعها ثم يعيد الإيلاء وهكذا بقصد إيقاع الاذى وقهر المرأة خصوصا عندما يكون الزوجان على خلاف أو هي غير راغبة للبقاء في عصمته.
2 سورة البقرة من الآية (226).
"بالطلاق" إن طلبت ذلك منه لقوله تعالى: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} 1 "فإن أبى" المؤلي أن يفيء وأن يطلق "طلق حاكم عليه واحدة أو ثلاثا أو فسخ" لقيامه مقام المؤلي عند امتناعه "وإن وطئ" المؤلي من آلى منها "في الدبر أو" وطئها " دون الفرج فما فاء" لأن الإيلاء يختص بالحلف على ترك الوطء في القبل والفيئة الرجوع عن ذلك فلا تحصل الفيئة بغيره كما لو قبلها "وإن ادعى" المؤلي "بقاء المدة" أي مدة الإيلاء وهي الأربعة أشهر صدق لأنه الأصل "أو" ادعى أ"نه وطئها وهي ثيب صدق مع يمينه" لأنه أمر خفي لا يعلم إلا من جهته وإن كانت التي آلى منها " بكرا أو ادعت البكارة وشهد بذلك" أي ببكارتها "امرأة عدل صدقت" وإن لم يشهد ببكارتها ثقة فقوله بيمينه "وإن ترك" الزوج "وطأها" أي وطء زوجته "إضرارا بها بلا يمين" على ترك وطئها "ولا عذر" له "فكمؤل" وكذا من ظاهر ولم يكفر فيضرب له أربعة أشهر فإن وطئ وإلا أمر بالطلاق فإن أبى طلق عليه الحاكم أو فسخ النكاح كما تقدم في المؤلي وإن انقضت مدة الإيلاء وبأحدهما عذر يمنع الجماع أمر أن يفيء بلسانه فيقول: متى قدرت جامعتك ثم متى قدر وطئ أو طلق ويمهل لصلاة فرض وتحلل من إحرام وهضم ونحوه ومظاهر لطلب رقبة ثلاثة أيام
ـــــــ
1 سورة البقرة من الآية "227".
كتاب الظهار
كتاب الظهار
16- كتاب الظهارمشتق من الظهر وخص به من بين سائر الأعضاء لأنه موضع الركوب ولذلك سمي المركوب ظهرا والمرأة مركوبة إذا غشيت.
"وهو" محرم لقوله تعالى: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً} 1 " فمن شبه زوجته أو" شبه بعضها أي بعض زوجته "ببعض" من تحرم عليه "أو بكل من تحرم عليه أبدا بنسب" كأمه وأخته "أو رضاع" كأخته منه أو بمصاهرة كحماته أو بمن تحرم عليه إلى أمد كأخت زوجته وعمتها "من ظهر" بيان للبعض كأن يقول: أنت علي كظهر أمي أو أختي أو أنت علي كـ "بطن" عمتي "أو عضو آخر لا ينفصل" كيدها أو رجلها "بقوله" متعلق بشبه لها أي لزوجته: أنت أو ظهرك أو يدك "علي أو معي أو مني كظهر أمي أو كيد أختي أو وجه حماتي ونحوه أو أنت علي حرام" فهو مظاهر ولو نوى طلاقا أو يمينا أو قال: أنت علي كالميتة والدم والخنزير "فهو مظاهر" جواب فمن وكذا لو قال: أنت علي كظهر فلانة الأجنبية أو كظهر أبي أو أخي أو زيد وإن قال: أنت علي أو عندي كأمي أو مثل أمي وأطلق فظهار وإن نوى في الكرامة ونحوها دين وقبل حكما وإن قال: أنت أمي أو كأمي فليس بظهار إلا مع نية أو قرينة وإن قال: شعرك أو سمعك ونحوه كظهر أمي فليس بظهار "وإن قالت لزوجها" أي قالت له نظير ما يصير به مظاهرا منها "فليس بظهار" لقوله تعالى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} 1 فخصهم بذلك "وعليها" أي على الزوجة إذا قالت ذلك لزوجها "كفارته" أي كفارة الظهار قياسا على الزوج وعليها التمكين قبل التكفير ويكره نداء أحد
ـــــــ
1 سورة المجادلة من الآية "2".
الزوجين الآخر بما يختص بذي رحم محرم كأبي وأمي1 "ويصح" الظهار "من كل زوجة" لا من أمة وأم ولد وعليه كفارة يمين2 ولا يصح ممن لا يصح طلاقه3.
فصل
"ويصح الظهار معجلا" أي منجزا كأنت علي كظهر أمي "و" يصح الظهار أيضا "معلقا بشرط" كإن قصت فأنت علي كظهر أمي "فإذا وجد" الشرط "صار مظاهرا" لوجود المعلق عليه و يصح الظهار "مطلقا" أي غير مؤقت كما تقدم و يصح "مؤقتا" كأنت علي كظهر أمي شهر رمضان فإن وطئ فيه كفر لظهاره "وإن فرغ الوقت زال الظهار" بمضيه "ويحرم" على مظاهر ومظاهر منها "قبل أن يكفر" لظهاره "وطء ودواعيه" كالقبلة والاستمتاع بما دون الفرج "ممن ظاهر منها" لقوله صلى الله عليه وسلم : "فلا تقربها حتى تفعل أمرك الله به" صححه الترمذي
"ولا تثبت الكفارة في الذمة" أي في ذمة المظاهر "إلا بالوطء" اختيارا "وهو" أي الوطء "العود" فمتى وطيء لزمته الكفارة ولو مجنونا ولا تجب قبل وطء عمدا لأنها شرط لحله فيؤمر بها من أراده ليستحله بها ويلزم اخراجها قبله أي بل الوطء " عند العزم عليه" لقوله تعالى في العتق والصيام: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} 4 وإن مات أحدهما قبل الوطء سقطت "وتلزمه كفارة واحدة بتكريره" أي الظهار ولو بمجالس "قبل التكفير من" زوجة " واحدة" كاليمين بالله تعالى و تلزمه كفارة واحدة "لظهار من نسائه بكلمة واحدة" بأن قال لزوجاته: أنتن علي كظهر أمي لأنه ظهار واحد "وإن ظاهر منهن" أي من زوجاته " بكلمات" بأن قال لكل منهن: أنت علي كظهر أمي "ف" عليه "كفارات" بعددهن لأنها أيمان متكررة على أعيان متعددة فكان لكل واحدة كفارة كما لو كفر ثم ظاهر.
ـــــــ
1 وكذا ما جرت عليه عادة بعض الرجال من مناداة أحدهم لامرأته بيا أختي أو يا أخية إلا إن أراد أنها أخته بالإيمان والإسلام. ولا يصح مناداتها أيضا بيا بنتي.
2 لأن حال الأمة وأم الولد ليست كحال الزوجة الحرة فهذه يقدر على الامتناع عن وطئها دون أن يعتبر امتناعه إيلاء أو ظهارا وإنما هو يمين وعليه كفارة يمين.
أما إن كان الزوج عبدا والمرأة أمة فهما متساويان تساوي الحرة بالحر في الحال فالأرجح أنه ظهار.
3 كمن يصيبه الجنون المؤقت إن قاله في حال عقله أوجب.
4 سورة المجادلة من الآية "3".
فصل
"وكفارته" أي كفارة الظهار على الترتيب "عتق رقبة فإن لم يجد صام شهرين متتابعين فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينا" لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ...} 1 الآية والمعتبر في الكفارات وقت وجوب فلو أعسر موسر قبل تكفير لم يجزئه صوم ولو أيسر معسر لم يلزمه عتق ويجزئه "ولا تلزم الرقبة" في الكفارة "إلا لمن ملكها أو أمكنه ذلك" أي ملكها "بثمن مثلها" أو مع زيادة لا تجحف بماله ولو نسيئة وله مال غائب أو مؤجل إلا بهبة ويشترط للزوم شراء الرقبة أن يكون ثمنها فاضلا عن كفايته دائما و عن "كفاية من يمونه" من زوجة ورقيق وقريب "و" فاضلا "عما يحتاجه" هو ومن يمونه "من مسكن وخادم" صالحين لمثله إذا كان مثله يخدم ومركوب وعرض بذلة يحتاج إلى استعماله "وثياب تجمل و" فاضلا عن "مال يقوم كسبه بمؤنته" ومؤنة عياله "وكتب علم "يحتاج إليها ووفاء دين لأن ما استغرقته حاجة الإنسان فهو كالمعدوم.
طولا يجزئه في الكفارات كلها" ككفارة الظهار والقتل والوطء في نهار رمضان واليمين بالله سبحانه "إلا رقبة مؤمنة" لقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} 2 وألحق بذلك سائر الكفارات "سليمة من عيب بضر بالعمل ضررا بينا" لأن المقصود تمليك الرقيق منافعه وتمكينه من التصرف لنفسه ولا يحصل هذا مع ما يضر بالعمل ضررا بينا "كالعمى والشلل ليد أو رجل أو قطعها" أي اليد أو الرجل "أو أقطع الأصبع الوسطى أو السبابة أو الإبهام أو الأنملة من الإبهام" أو أنملتين من وسطى أو سبابة " أو أقطع الخنصر والبنصر" معا "من يد واحدة" لأن نفع اليد يزول بذلك وكذا أخرس لا تفهم إشارته.
"ولا يجزئ مريض ميؤوس منه ونحوه" كزمن3 ومقعد لأنهما لا يمكنهما العمل في أكثر الصنائع وكذا مغصوب "ولا" يجزئ أ"م ولد" لأن عتقها مستحق بسبب آخر "ويجزئ المدبر" والمكاتب إذا لم يؤد شيئا "وولد الزنا والأحمق والمرهون والجاني" والصغير والأعرج يسيرا "والأمة الحامل ولو استثنى حملها" لأن ما في هؤلاء من النقص لا يضر بالعمل.
ـــــــ
1 سورة المجادلة من الآية "3.
2 سورة النساء من الآية "92".
3 الزمن: المصاب بمرض مزمن يمنعه من العمل.
فصل
"يجب التتابع في الصوم" لقوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} 1 وينقطع بصوم غير رمضان ويقع عما نواه "فإن تخلله رمضان" لم ينقطع التتابع "أو" تخلله "فطر يجب كعيد وأيام تشريق وحيض" ونفاس" وجنون ومرض مخوف ونحوه" كإغماء جميع اليوم لم ينقطع التتابع "أو أفطر ناسيا أو مكرها أو لعذر يبيح الفطر" كسفر "لم ينقطع" التتابع لأنه فطر لسبب لا يتعلق باختيارهما ويشترط في المسكين المطعم من الكفارة أن يكون مسلما حرا ولو أنثى.
"ويجزئ التكفير بما يجزئ في فطرة فقط" من بر وشعير وتمر وزبيب وأقط ولا يجزئ غيرها ولو قوت بلده " ولا يجزئ" في إطعام كل مسكين "من البر أقل من مد ولا من غيره" كالتمر والشعير " أقل من مدين لكل واحد ممن يجوز دفع الزكاة" إليهم لحاجتهم كالفقير والمسكين وابن السبيل والغارم لمصلحته ولو صغيرا لم يأكل الطعام والمد: رطل وثلثه العراقي وتقدم في الغسل.
"وإن غدى المساكين أو عشاهم لم يجزئه" لعدم تمليكهم ذلك الطعام بخلاف ما لو نذر إطعامهم ولا يجزئ الخبز ولا القيمة وسن إخراج أدم من مجزئ "وتجب النية في التكفير من صوم وغيره" فلا يجزئ عتق ولا صيام ولا إطعام بلا نية لحديث: "إنما الأعمال بالنيات" ويعتبر تبييت نية الصوم وتعيينها جهة الكفارة "وإن أصاب المظاهر منها" في أثناء الصوم ليلا أو نهارا ولو ناسيا أو مع عذر يبيح الفطر "انقطع التتابع" لقوله تعالى: {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} 2 "وإن أصاب غيرها" أي غير المظاهر منها "ليلا" أو ناسيا أو مع عذر يبيح الفطر "لم ينقطع" التتابع بذلك لأنه غير محرم عليه ولا هو محل للتتابع ولا يضر وطء مظاهر منها في أثناء إطعام مع تحريمه.
ـــــــ
1 سورة المجادلة من الآية "4".
2 سورة المجادلة من الآية "4".
كتاب اللعان
كتاب اللعان
17- كتاب اللعانمشتق من اللعن لأن كل واحد من الزوجين يلعن نفسه في الخامسة إن كان كاذبا وهو شهادات مؤكدات بأيمان من الجانبين مقرونة بلعن وغضب.
"ويشترط في صحته أن يكون بين زوجين" مكلفين لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} 1 فمن قذف أجنبية حد ولا لعان "ومن عرف العربية لم يصح لعانه بغيرها" لمخالفته للنص "وإن جهلها" أي العربية "فبلغته" أي لاعن بلغته ولم يلزمه تعلمها "فإذا قذف امرأته بالزنا" في قبل أو دبر ولو في طهر وطىء فيه فله إسقاط الحد إن كانت محصنة و التعزير إن كانت غير محصنة باللعان لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ...} 1 الآيات "فيقول" الزوج "قبلها" أي قبل الزوجة "أربع مرات: أشهد بالله لقد زنت زوجتي هذه ويشير إليها" إن كانت حاضرة "ومع غيبتها يسميها وينسبها بما تتميز به و يزيد في الخامسة: وأن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ثم تقول هي أربع مرات: أشهد بالله لقد كذب فيما رماني به من الزنا ثم تقول في الخامسة: وأن غضب الله عليها إن كان من الصادقين" وسن تلاعنهما قياما بحضرة جماعة أربعة فأكثر بوقت ومكان معظمين وأن يأمر حاكم من يضع يده على فم زوج وزوجة عند الخامسة ويقول: اتق الله فإنها الموجبة وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة "فإن بدأت" الزوجة "باللعان قبله" أي قبل الزوج لم يصح "أو نقص أحدهما شيئا من الألفاظ" أي الجمل "الخمسة" لم يصح "أو لم يحضرهما حكم أو نائبه" عند التلاعن لم يصح "أو أبدل" أحدهما " لفظة أشهد بأقسم أو أحلف" لم يصح "أو" أبدل الزوج "لفظة اللعنة
ـــــــ
1 سورة النور من الآية "6".
بالإبعاد" أو الغضب ونحوه لم يصح "أو" أبدلت "لفظة الغضب بالسخط لم يصح" اللعان لمخالفته النص وكذا إن علق بشرط أو عدمت موالاة الكلمات.
فصل
"وإن قذف زوجته الصغيرة أو المجنونة عزر ولا لعان" لأنه يمين فلا يصح من غير مكلف.
"ومن شرطه قذفها" أي الزوجة " بالزنا لفظا" قبله "كـ" قوله: " زنيت أو يا زانية أو رأيتك تزنين في قبل أو دبر" لأن كلا منهما قذف يجب به الحد ولا فرق بين الأعمى والبصير لعموم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ...} 1 الآية فإن قال لزوجته: "وطئت بشبهة أو" وطئت "مكرهة أو نائمة أو قال: لم تزن ولكن ليس هذا الولد مني فشهدت امرأة ثقة أنه ولد على فراشه لحقه نسبه" لقوله صلى الله عليه وسلم : "الولد للفراش" "ولا لعان" بينهما لأنه لم يقذفها بما يوجب الحد. "ومن شرطه أن تكذبه الزوجة وإذا تم" اللعان "سقط عنه" أي عن الزوج "الحد" إن كانت محصنة و التعزير إن كانت غير محصنة.
وتثبت الفرقة بينهما أي بين الزوجين بتمام اللعان بتحريم مؤبد ولو لم يفرق الحاكم بينهما أو أكذب نفسه بعد وينتفي الولد إن ذكر في اللعان صريحا أو تضمنا بشرط أن لا يتقدمه إقرار به أو بما يدل عليه كما لو هنيء به فسكت أو أمن على الدعاء أو أخر نفيه مع إمكانه ومتى أكذب نفسه بم حد ذلك لحقه نسبه وحد لمحصنة وعزر لغيرها والتوأمان المنفيان أخوان لأم.
فصل فيما يلحق من النسب
"من ولدت زوجته منه" أي ولدا "أمكن أنه منه لحقه" نسبه لقوله صلى الله عليه وسلم : "الولد للفراش" وإمكان كونه منه "بأن تلده بعد نصف سنة منذ أمكن وطؤه" إياها ولو مع غيبة فوق أربع سنين "أو" تلده لـ "دون أربع سنين2 منذ أبانها" زوجها "وهو" أي الزوج "ممن
ـــــــ
1 سورة النور من الآية "6".
2 على أن يكون واضحا ظاهرا وأهم علاماته انتفاخ البطن لنمو الجنين فهذه لم يطل حملها إنما يتأخر وضعها لانعدام الطلق وهذا بسبب ضعف مرضي عند المرأة وفي أيامنا هذه تعطى المرأة طلقا صناعيا أي دواء يسبب الطلق متى كملت أيام حملها كي تضع المولود ولا تزيد مدة الحمل عن تسعة أشهر لأن في ذلك خطرا على حياة الولد والأم.
يولد لمثله كابن عشر" لقوله صلى الله عليه وسلم : "واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع" ولأن تمام عشر سنين يمكن فيه البلوغ فيلحق به الولد "ولا يحكم ببلوغه إن شك فيه" لأن الأصل عدمه وإنما ألحقنا الولد به حفظا للنسب واحتياطا وإن لم يمكن كونه منه كأن أتت به لدون نصف سنة منذ تزوجها وعاش أو لفوق أربع سنين منذ أبانها لم يلحقه نسبه وإن ولدت رجعية بعد أربع سنين منذ طلقها وقبل انقضاء أربع سنين من انقضاء عدتها لحقه نسبه.
"ومن اعترف بوطء أمته في الفرج أو دون" أو ثبت عليه ذلك "فولدت لنصف سنة أو أزيد لحقه" نسب ولدها لأنها صارت فراشا له "إلا أن يدعي الاستبراء" بعد الوطء بحيضة فلا يلحقه لأنه بالاستبراء تيقن براءة رحمها "ويحلف عليه" أي على الاستبراء لأنه حق للولد لولاه لثبت نسبه وإن قال السيد: "وطئتها دون الفرج أو فيه" أي في الفرج "ولم أنزل أو عزلت لحقه" نسبه لما تقدم "وإن أعتقها" السيد "أو باعها بعد اعترافه بوطئها فأتت بولد لدون نصف سنة" وعاش "لحقه" نسبه لأن أقل الحمل ستة أشهر فإذا أتت به لدونها وعاش علم أن حملها كان قبل عتقها وبيعها حين كانت فراشا له "والبيع باطل" لأنها صارت أم ولد له وإن كان استبراؤها لظهور أنه دم فساد لأن الحامل لا تحيض وكذا إن لم يستبرئها وولدته لأكثر من نصف سنة ولأقل من أربع سنين وادعى مشتر أنه من بائع وإن استبرئت ثم ولدت لفوق نصف سنة لم يلحق بائعا ولا أثر لشبهة مع فراش وتبعية نسب لأب ما لم ينفه بلعان وتبعية دين لخيرهما1.
ـــــــ
1 والإسلام خير الأديان وهو يعلو ولا يعلى.
كتاب العدد
العدد
18- كتاب العددواحده عدة - بكسر العين - وهي التربص المحدود شرعا مأخوذة من العدد لأن أزمنة العدة محصورة مقدرة.
"تلزم العدة كل امرأة" حرة أو أمة أو مبعضة بالغة أو صغيرة يوطأ مثلها " فارقت زوجها" بطلاق أو خلع أو فسخ "خلا بها مطاوعة مع علمه بها و" مع "قدرته على وطئها ولو مع ما يمنعه" أي الوطء " منهما" أي من الزوجين كجبه1 ورتقها2 "أو من أحدهما حسا" كجب أو رتق أو يمنع الوطء شرعا كصوم وحيض "أو وطئها" أي تلزم العدة زوجة وطئها ثم فارقها " أو مات عنها" أي تلزم العدة متوفى عنها مطلقا "حتى في نكاح فاسد فيه خلاف" كنكاح بلا ولي إلحاقا له بالصحيح ولذلك وقع فيه الطلاق "وإن كان" النكاح "باطلا وفاقا" أي إجماعا كنكاح خامسة أو معتدة "لم تعتد للوفاة" إذا مات عنها ولا إذا فارقها في الحياة قبل الوطئ لأن وجود هذا العقد كعدمه3.
"ومن فارقه" زوجها "حيا قبل وطء وخلوة" بطلاق أو غيره فلا عدة عليها لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} 4 "أو" طلقها "بعدهما" أي بعد الدخول والخلوة "أو" طلقها " بعد أحدهما وهو ممن لا يولد لمثله" كابن دون عشر وكذا لو كانت لا يوطأ مثلها كبنت دون تسع فلا عدة للعلم ببراءة الرحم بخلاف المتوفى عنها فتعتد مطلقا تعبدا لظاهر الآية "أو تحملت بماء الزوج" ثم فارقها قبل الدخول والخلوة فلا عدة للآية السابقة وكذا لو تحملت بماء
ـــــــ
1 جبه: أي كونه مجبوبا و المجبوب هو المقطوع العضو التناسلي.
2 رتقها: أي كونها رتقاء والترق جلدة في المهبل تمنع الجماع.
3 لأنه عقد باطل شرعا.
4 سورة الأحزاب من الآية "49".
غيره وجزم في المنتهى في الصداق بوجوب العدة للحوق النسب به "أو قبلها" أي قبل زوجته "أو لمسها" ولو بشهوة بلا خلوة ثم فارقها في الحياة "فلا عدة" للآية السابقة.
فصل
"والمعتدات ست" أي ستة أصناف أحدها - " الحامل وعدتها من موت وغيره إلى وضع كل حمل" واحدا كان أو عددا حرة كانت أو أمة مسلمة كانت أو كافرة لقوله تعالى: {وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} 1 "وإنما تنقضي" العدة بوضع "ما تصير به أمة أم ولد" وهو ما تبين فيه: تلق إنسان ولو خفيا "فإن لم يلحقه" أي يلحق الحمل الزوج "لصغره أو لكونه ممسوحا أو" لكونها "ولدت لدون ستة أشهر منذ نكحها" أي وأمكن اجتماعه بها "ونحوه" بأن تأتي به لفوق أربع سنين منذ أبانها "وعاش" من ولدته لدون ستة أشهر "لم تنقض به" عدتها من زوجها لعدم لحوقه به لانتفائه عنه يقينا.
"وأكثر مدة الحمل أربع سنين" لأنه أكثر ما وجد "وأقلها" أي أقل مدة الحمل "ستة أشهر" لقوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً} 2 والفصال: انقضاء مدة الرضاع لأن الولد ينفصل بذلك عن أمه وقال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} 3 فإذا سقط الحولان اللذان هما مدة الرضاع من ثلاثين شهرا بقي ستة أشهر فهي مدة الحمل وذكر ابن قتيبة في المعارف أن عبد الملك بن مروان ولد لستة أشهر "وغالبها" أي غائب مدة الحمل "تسعة أشهر" لأن غالب النساء يلدن فيها "ويباح" للمرأة "إلقاء النطفة قبل أربعين يوما بدواء مباح" وكذا شربه لحصول حيض لأقرب رمضان لتفطره ولقطعه لا فعل ما يقطع حيضها بها من غير علمها.
فصل
"الثانية" من المعتدات: "المتوفى عنها زوجها بلا حمل منه" لتقدم الكلام على الحامل " قبل الدخول وبعده" يوطء مثلها أو لا "للحرة أربعة أشهر وعشرة أيام" بلياليها لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} 4 " وللأمة" المتوفى عنها زوجها "نصفها" أي نصف المدة المذكورة فعدتها شهران وخمسة أيام
ـــــــ
1 سورة الطلاق من الآية "4".
2 سورة الأحقاف من الآية "15".
3 سورة البقرة من الآية "233".
4 سورة البقرة من الآية "234".
بلياليها لأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعوا على تنصيف مدة الأمة في الطلاق فكذا عدة الموت وعدة مبعضة بالحساب "فإن مات زوج رجعية في عدة طلاق سقطت" عدة الطلاق "وابتدأت عدة وفاة منذ مات" لأن الرجعية زوجة كما تقدم فكان عليها عدة الوفاة "وإن مات" المطلق "في عدة من أبانها في الصحة لم تنتقل" عن عدة الطلاق لأنها ليست زوجة ولا في حكمها لعدم التوارث "وتعتد من أبانها في مرض موته الأطول من عدة وفاة وطلاق" لأنها مطلقة فوجب عليها عدة الطلاق ووارثة فتجب عليها عدة الوفاة ويندرج أقلهما في أكثرها "ما لم تكن" المبانة "أمة أو ذمية أو" من "جاءت البينونة منها ف" تعتد "لطلاق لا لغيره" لانقطاع أثر النكاح بعدم ميراثها ومن انقضت عدتها قبل موته لم تعتد له ولو ورثت لأنها أجنبية تحل للأزواج "وإن طلق بعض نسائه مبهمة" كانت "أو معينة ثم نسيها ثم مات" المطلق "قبل قرعة اعتد كل منهن" أي من نسائه "سوى حامل الأطول منهما" أي من عدة طلاق ووفاة لأن كل واحدة منهن يحتمل أن تكون المخرجة بقرعة والحامل عدتها وضع الحمل كما سبق وإن ارتابت متوفى عنها زمن عدتها أو بعده بأمارة حمل كحركة أو رفع حيض لم يصح نكاحها حتى تزول الريبة.
"الثالثة" من المعتدات: "الحائل ذات الأقراء وهي" جمع قرء بمعنى "الحيض" روي عن عمر وعلي وابن عباس رضي الله عنهم "المفارقة في الحياة" بطلاق أو خلع أو فسخ فعدتها إن كانت حرة أو مبعضة ثلاتة قروء كاملة لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} 1 ولا يعتد بحيضة طلقت فيها وإلا بأن كانت أمة فعدتها قرآن روي عن عمر وابنه وعلي رضي الله عنهم.
"الرابعة" من المعتدات: " من فارقها" زوجها " حيا ولم تحض لصغر أو إياس فتعتد حرة ثلاثة أشهر" لقوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} 2 أي كذلك و عدة أمة كذلك شهران لقول عمر رضي الله عنه: عدة أم الولد حيضتان ولو لم تحض كانت عدتها شهرين رواه الأثرم واحتج به أحمد "و" عدة "مبعضة بالحساب" فتزيد على الشهرين من الشهر الثالث بقدر ما فيها من الحرية "ويجبر الكسر" فلوكان ربعها حرا فعدتها شهران وثمانية أيام.
"الخامسة" من المعتدات: "من ارتفع حيضها ولم تدر سببه" أي سبب رفعه "فعدتها" إن كانت حرة "سنة: تسعة أشهر للحمل" لأنها غالب مدته وثلاثة أشهر "للعدة" قال
ـــــــ
1 سورة البقرة من الآية "228".
2 سورة الطلاق من الآية "4".
الشافعي: هذا قضاء عمر بين المهاجرين والأنصار لا ينكره منهم منكر علمناه ولا تنتقض العدة بعود الحيض بعد المدة "وتنقص الأمة" عن ذلك "شهرا" فعدتها أحد عشر شهرا "وعدة من بلغت ولم تحض" كآيسة لدخولها في عموم قوله تعالى: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} و عدة " المستحاضة الناسية" لوقت حيضها كآيسة "و" عدة "المستحاضة المبتدأة الحرة "ثلاثة أشهر والأمة شهران" لأن غالب النساء يحضن في كل شهر حيضة وإن علمت من ارتفع حيضها "ما رفعه من مرض أو رضاع أو غيرهما فلا نزال في عدة حتى يعود الحيض فتعتد به" وإن طال الزمن لأنها مطلقة لم تيأس من الدم "أو تبلغ سن الإياس" خمسين سنة "فتعتد عدته" أي عدة الإياس أي عدة ذات الإياس ويقبل قول زوج إنه لم يطلق إلا بعد حيض أو ولادة أو في وقت كذا.
"السادسة" من المعتدات: "امرأة المفقود تتربص" حرة كانت أو أمة "ما تقدم في ميراثه" أي أربع سنين من فقده إن كان ظاهر غيبته الهلاك وتمام تسعين سنة من ولادته إن كان ظاهر غيبته السلامة "ثم تعتد للوفاة" أربعة أشهر وعشرة أيام "وأمة" فقد زوجها "كحرة في التربص" أربع سنين أو تسعين سنة و أما في العدة للوفاة بعد التربص المذكور فعدتها "نصف عدة الحرة" لما تقدم "ولا تفتقر" زوجة المفقود "إلى حكم حاكم بضرب المدة" أي مدة التربص وعدة الوفاة كما لو قامت البينة وكمدة الإيلاء ولا تفتقر أيضا إلى طلاق ولي زوجها.
"وإن تزوجت" زوجة المفقود بعد مدة التربص والعد "فقدم الأول قبل وطء الثاني فهي للأول" لأنا تبينا بقدومه بطلان نكاح الثاني ولا مانع من الرد و إن قدم الأول "بعده" أي بعد وطء الثاني فـ له أي للأول "أخذها زوجة بالعقد الأول ولو لم يطلق الثاني ولا يطأ" ها الأول "قبل فراغ عدة الثاني وله" أي للأول "تركها معه" أي مع الثاني "من غير تجديد عقد" للثاني وقال المنقح: الأصح بعقد اهـ قال في الرعاية: وإن قلنا: يحتاج الثاني عقدا جديدا طلقها الأول لذلك اهـ وعلى هذا فتعتد بعد طلاق الأول ثم يجدد الثاني عقدا لأن زوجة الإنسان لا تصير زوجة لغيره بمجرد تركه لها وقد تبينا بطلان عقد الثاني بقدوم الأول "ويأخذ" الزوج الأول "قدر الصداق الذي أعطاها من" الزوج "الثاني" إذا تركها له لقضاء علي وعثمان أنه يخير بينها وبين الصداق الذي ساق إليها هو "ويرجع الثاني عليها بما أخذه" الأول "منه" لأنها غرامة لزمته بسبب وطئه لها فرجع بها عليها كما لو غرته ومتى فرق بين زوجين لموجب ثم بان انتفاؤه فكمفقود.
فصل
"ومن مات زوجها الغائب" اعتدت من موته "أو طلقها" وهو غائب "اعتدت منذ الفرقة وإن لم تحد" أي وإن لم تأت بالإحداد في صورة الموت لأن الإحداد ليس شرطا لانقضاء العدة "وعدة موطوءة بشبهة أو زنا أو" موطوءة "بعقد فاسد كمطلقة" حرة كانت أو أمة مزوجة لأنه وطء يقتضي شغل الرحم فوجبت العدة منه كالنكاح الصحيح وتستبرأ أمة غير مزوجة بحيضة ولا يحرم على زوج وطئت زوجته بشبهة أو زنا زمن عدة غير وطء في فرج "وإن وطئت معتدة بشبهة أو نكاح فاسد فرق بينهما" أي بين المعتدة الموطوءة والواطئ "وأتمت عدة الأول" سواء كانت عدته من نكاح صحيح أو فاسد أو وطء شبهة ما لم تحمل من الثاني فتنقضي عدتها منه بوضع الحمل ثم تعتد للأول "ولا يحتسب منها" أي من عدة الأول "مقامها عند الثاني" بعد وطئه لانقطاعها بوطئه "ثم" بعد اعتدادها للأول "اعتدت للثاني" لأنهما حقان اجتمعا لرجلين فلم يتداخلا وقدم أسبقهما كما لو تساويا في مباح غير ذلك.
"وتحل" الموطوءة في عدتها بشبهة أو نكاح فاسد له أي لواطئها بذلك "بعقد بعد انقضاء العدتين" لقول علي رضي الله عنه: إذا انقضت عدتها فهو خاطب من الخطاب "وإن تزوجت" المعتدة "في عدتها لم تنقطع" عدتها "حتى يدخل بها" أي يطأها لأن عقده باطل فلا تصير به فراشا "فإذا فارقها" الثاني "بنت على عدتها من الأول ثم استأنفت العدة من الثاني" لما تقدم "وإن أتت" الموطوءة بشبهة في عدتها "بولد من أحدهما" بعينه "انقضت منه عدتها به" أي بالولد سواء كان من الأول أو الثاني "ثم اعتدت للأخر" بثلاثة قروء ويكون الولد للأول إذا أتت به لدون ستة أشهر من وطء الثاني ويكون للثاني إذا أتت به لأكثر من أربع سنين منذ بانت من الأول وإن أشكل عرض على القافة "ومن وطئ معتدته البائن" في عدتها "بشبهة استأنفت العدة بوطئه ودخلت فيها بقية" العدة "الأولى" لأنهما عدتان من واحد لوطئين يلحق النسب فيهما لحوقا واحدا فتداخلا وتبني الرجعية إذا طلقت في عدتها على عدتها وإن راجعها ثم طلقها استأنفت "وإن نكح من أبانها في عدتها ثم طلقها قبل الدخول" بها بنت على ما مضى من عدتها لأنه طلاق في نكاح ثان قبل المسيس والخلوة فلم يوجب عدة بخلاف ما إذا راجعها ثم طلقها قبل الدخول لأن الرجعة إعادة إلى النكاح الأول.
فصل
يحرم إحداد فوق ثلاث على ميت غير زوج و "يلزم الإحداد مدة العدة كل" امرأة
"متوفى زوجها عنها قي نكاح صحيح" لقوله صلى الله عليه وسلم : "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا" متفق عليه وإن كان النكاح فاسدا لم يلزمها الإحداد لأنها ليست زوجة ولا يعتبر للزوم الإحداد كونها وارثة أو مكلفة فيلزمها "ولو ذمية أو أمة أو غير مكلفة" فيجنبها وليها الطيب ونحوه وسواء كان الزوج مكلفا أو لا لعموم الأحاديث ولتساويهن في لزوم اجتناب المحرمات "ويباح" الإحداد "لبائن من حي" ولا يسن لها قاله في الرعاية "ولا يجب" الإحداد "على" مطلقة "رجعية" و لا على "موطوءة بشبهة أو زنا أو في نكاح فاسد أو" نكاح "باطل أو ملك يمين" لأنها ليست زوجة متوفى عنها.
"والإحداد اجتناب ما يدعو إلى جماعها أو يرغبه في النظر إليها من الزينة والطيب والتحسين" باسفيداج ونحوه "والحناء وما صبغ للزينة" قبل نسج أو بعده كأحمر وأصفر وأخضر وأزرق صافيين "و" ترك " حلي وكحل أسود" بلا حاجة "لا توتياء ونحوها ولا" ترك "نقاب و" ولا ترك "أبيض ولو كان حسنا" من إبريسم لأن حسنه من أصل خلقته فلا يلزم تغييره ولا تمنع من لبس ملون لدفع وسخ ككحلي ولا من أخذ ظفر ونحوه ولا من تنظف وغسل.
فصل
"وتجب عدة الوفاة في المنزل" الذي مات زوجها وهي به "حيث وجبت" فلا يجوز أن تتحول منه بلا عذر روي عن عمر وعثمان وابن عمر وابن مسعود وأم سلمة رضي الله عنهم "فإن تحولت خوفا" على نفسها "أو" مالها أو حولت "قهرا أو" حولت "بحق" يجب عليها الخروج من أجله أو لتحويل مالكه لها أو طلبه فوق أجرته أو لا تجد ما تكتري به إلا من مالها "انتقلت حيث شاءت" للضرورة ويلزم منتقلة بلا حاجة العود وتنقضي العدة بمضي الزمان حيث كانت "ولها" أي للمتوفى عنها زمن العدة "الخروج لحاجتها نهارا لا ليلا" لأنه مظنة الفساد "وإن تركت الاحداد" عمدا " أثمت وتمت عدتها بمضي زمانها" أي زمان العدة لأن الإحداد ليس شرطا في انقضاء العدة ورجعية في لزوم مسكن كمتوفى عنها وتعتد بائن بمأمون من البلد حيث شاءت ولا تبيت إلا به ولا تسافر وإن أراد إسكانها بمنزله أو غيره تحصينا لفراشه ولا محذور فيه لزمها.
1-
باب الاستبراء
مأخوذ من البراءة وهي التمييز والقطع وشرعا: تربص يقصد به العلم ببراءة رحم ملك يمين. " من ملك أمة يوطأ مثلها" ببيع أو هبة أو سبي أو غير ذلك "من صغير وذكر وضدهما" وهو الكبير والمرأة "حرم عليه وطؤها ومقدماته" أي مقدمات الوطء من قبلة ونحوها "قبل استبرائها" لقوله صلى الله عليه وسلم : "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسق ماءه ولد غيره" رواه أحمد والترمذي وأبو داود وإن أعتقها قبل استبرائها لم يصح أن يتزوجها قبل استبرائها وكذا ليس لها أن تتزوج غيره إن كان بائعها يطؤها ومن وطىء أمته ثم أراد تزويجها أو بيعها حرما حتى يستبرئها فإن خالف صح البيع دون التزويج وإذا أعتق سريته أو أم ولده أو عتقت بموته لزمها استبراء نفسها إن لم يكن استبرأها."واستبراء الحامل بوضعها" كل الحمل "و" استبراء "من تحيض بحيضة" لقوله صلى الله عليه وسلم في سبي أوطاس: "ولا توطأ حامل حتى تضع ولا غير حامل حتى تحيض حيضة" لما رواه أحمد وأبو داود "و" استبراء "الأيسة والصغيرة بمضي شهر" لقيام الشهر مقام حيضة في العدة واستبراء من ارتفع حيضها ولم تدر ما رفعه عشرة أشهر وتصدق الأمة إذا قالت: حضت وإن ادعت موروثة تحريمها على وارث بوطء مورثه أو ادعت مشتراة أن لها زوجا صدقت لأنه لا يعرف إلا من جهتها.
كتاب الرضاع
كتاب الرضاع
19- كتاب الرضاعوهو لغة: مص اللبن من الثدي وشرعا: مص من دون الحولين لبنا ثاب عن حمل أو شربه أو نحوه. " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" لحديث عائشة مرفوعا: "يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة" رواه الجماعة1.
"والمحرم" من الرضاع "خمس رضعات" لحديث عائشة قالت: أنزل في القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن فنسخ من ذلك خمس رضعات وصار إلى خمس رضعات معلومات يحرمن فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك رواه مسلم. وتحرم الخمس إذا كانت في الحولين لقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} 2 ولقوله صلى الله عليه وسلم : "لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. ومتى امتص ثم قطعه لتنفس أو انتقال إلى ثدي آخر ونحوه فرضعة فإن عاود ولو قريبا فثنتان "والسعوط" في أنف "والوجور" في فم محرم كرضاع.
"ولبن" المرأة "الميتة" كلبن الحية و لبن "الموطوءة بشبهة أو بعقد فاسد" كالموطوءة بنكاح صحيح "أو باطل" أي لبن الموطوءة بنكاح باطل إجماعا "أو بزنا محرم" لكن يكون مرتضع ابنا لها من الرضاع فقط في الأخيرتين لأنه لما لم تثبت الأبوة من النسب
ـــــــ
1 فإن أرضعت امرأة ولد فأولادها إخوة له من الرضاع وزوجها والده وإخوة أخواله وأخواتها خالاته وإخوة الزوج أعمامه من الرضاع وكذا كل قريب لأولادها ولزوجها نسبا حوله قريب من الرضاع أما إخوته لأمه ولأبيه فلسن إخوته لإخوته من الرضاع ولا حرمة بينهم وبين أقاربه من الرضاع إلا سبق على ذلك.
2 سورة البقرة من الآية "233".
لم يثبت ما هو فرعها وعكسه أي عكس اللبن المذكور "لبن البهيمة و" لبن " غير حبلى ولا موطوءة" فلا يحرم فلو ارتضع طفل وطفلة من بهيمة أو رجل أو خنثى مشكل أو ممن لم تحمل لم يصيرا أخوين.
"فمتى أرضعت امرأة طفلا" دون الحولين صار المرتضع "ولدها في" تحريم "النكاح و" إباحة النظر "والخلوة و" في "المحرمية" دون وجوب النفقة والعقل والولاية وغيرها "و" صار المرتضع أيضا فيما تقدم فقط "ولد من نسب لبنها إليه" بحمل أي بسبب حملها منه ولو بتحملها ماءه " أو وطئ" بنكاح أو شبهة بخلاف من وطئ بزنا لأن ولدها لا ينسب إليه فالمرتضع كذلك "و" صارت "محارمه" أي محارم الواطىء اللاحق به النسب كآبائه وأمهاته وأجداده وجداته وأخوته وأخواته وأولادهم وأعمامه وعماته وأخواله وخالاته "محارمه" أي محارم المرتضع
"و" صارت "محارمها" أي محارم المرضعة كآبائها وأخواتها وأعمامهم ونحوهم "محارمه" أي محارم المرتضع "دون أبويه وأصولهما وفروعهما" فلا تنتشر المحرمية لأولئك "فتباح المرضعة لأبي المرتضع وأخيه من النسب و" تباح "أمه وأخته من النسب لأبيه وأخيه" من رضاع إجماعا " كما يحل لأخيه من أبيه" أخته من أمه.
"ومن حرمت عليه بنتها" كأمه وجدته وأخته "فأرضعت طفلة حرمتها عليه" أبدا "وفسخت نكاحها منه إن كانت زوجة" لما تقدم من أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ومن أرضع خمس أمهات أولاده بلبنه زوجة له صغرى حرمت عليه لثبوت الأبوة دون أمهات أولاده لعدم ثبوت الأمومة.
"وكل امرأة أفسدت نكاح نفسها بـ" سبب "رضاع قبل الدخول فلا مهر لها" لمجيء الفرقة من جهتها وكذا إن كانت الزوجة "طفلة فدبت فرضعت من" أم أو أخت له "نائمة" انفسخ نكاحها ولا مهر لها لأنه لا فعل للزوج في الفسخ و إن أفسدت نكاح نفسها "بعد الدخول فمهرها بحاله" لاستقرار المهر بالدخول "وإن أفسده" أي نكاحها "غيرها فلها على الزوج نصف المسمى قبله" أي قبل الدخول لأنه لا فعل لها في الفسخ "و" لها جميعه بعده" أي بعد الدخول لاستقراره به "ويرجع الزوج به" أي بما غرمه من نصف أوكل "على المفسد" لأنه أغرمه فإن تعدد المفسد وزع الغرم على الرضعات المحرمة.
"ومن قال لزوجته: أنت أختي لرضاع بطل النكاح" حكما لأنه أقر بما يوجب فسخ النكاح بينهما فلزمه ذلك " فإن كان" إقراره "قبل الدخول وصدقته" أنها أخته "فلا مهر" لها لأنهما اتفقا على أن النكاح باطل من أصله "وإن أكذبته" في قوله: إنها أخته قبل الدخول
"فلها نصفه" أي نصف المسمى لأن قوله غير مقبول عليها في إسقاط حقها "ويجب" المهر "كله" إذا كان إقراره بذلك بعده أي بعد الدخول ولو صدقته ما لم تكن مكنته من نفسها مطاوعة "وإن قالت هي ذلك" أي قالت لزوجها: أنت أخي من الرضاع "وأكذبها فهي زوجته حكما" أي ظاهرا لأن قولها لا يقبل عليه في فسخ النكاح لأنه حقه وأما باطنا فإن كانت صادقة فلا نكاح وإلا فهي زوجته أيضا "وإذا شك في الرضاع أو" شك في "كماله" أي كونه خمس رضعات "أو شكت المرضعة" في ذلك "ولا بينة فلا تحريم" لأن الأصل عدم الرضاع المحرم وإن شهدت به مرضية ثبت وكره استرضاع فاجرة وسيئة الخلق وجذماء وبرصاء1.
ـــــــ
1 لأن المرتضع يرث منها هذه الأمراض لأنها تنتقل باللبن إليه وإن لم تظهر هذه الأمراض لأنها عليه فربما تظهر في أولاده وأحفاده وكذا الأخلاق السيئة فبعضها ناتج عن خلل فبالأعصاب وهذا يورث والفاجرة لا يعرف على الحقيقة أصل لبنها من أي رجل هو.
كتاب النفقات
مدخل
20- كتاب النفقاتجمع نفقة وهي كفاية من يمونه خبزا وإداما وكسوة ومسكنا وتوابعها "يلزم الزوج نفقة زوجته قوتا" أي خبزا وإداما "وكسوة وسكناها بما يصلح لمثلها" لقوله صلى الله عليه وسلم : "ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف" رواه مسلم وأبو داود " ويعتبر الحاكم" تقدير "ذلك بحالهما" أي بيسارهما أو إعسارهما أو بيسار أحدهما وإعسار الآخر "عند التنازع" بينهما "فيفرض" الحاكم "للموسرة تحت الموسر قدر كفايتها من أرفع خبز البلد وأدمه و" بفرض لها "لحما عادة الموسرين بمحلهما و" يفرض للموسرة تحت الموسر من الكسوة "ما يلبس مثلها من حرير وغيره" كجيد كتان وقطن وأقل ما يفرضه من الكسوة قميص وسراويل وطرحة ومقنعة ومداس ومضربة للشتاء "وللنوم فراش ولحاف وإزار" للنوم في محل جرت العادة به فيه "ومخدة وللجلوس حصير جيد وزلي" أي بساط ولا بد من ماعون الدار و يكتفى بخزف وخشب والعدل ما يليق بهما ولا يلزمه ملحفة وخف لخروجها "و" يفرض الحاكم ل"لفقيرة تحت الفقير من أدنى خبز البلد و من أدم يلائمه" وتنقل متبرمة من أدم إلى آخر و يفرض للفقيرة من الكسوة "ما يلبس مثلها ويجلس" وينام "عليه و" يفرض "للمتوسطة مع المتوسط والغنية مع الفقير وعكسها" كفقيرة تحت غني ما بين ذلك عرفا لأن ذلك هو اللائق بحالهما "وعليه" أي على الزوج "مؤنة نظافة زوجته" من دهن وسدر وثمن ماء ومشط وأجرة قيمة "دون" ما يعود بنظافة " خادمها" فلا يلزمه لأن ذلك يراد للزينة وهي غير مطلوبة من الخادم "ولا" يلزم الزوج لزوجته "دواء وأجرة طبيب" إذا مرضت لأن ذلك ليس من حاجتها الضرورية المعتادة وكذا لا يلزمه ثمن طيب وحناء وخضاب ونحوه وإذا أراد منها تزينا به أو قطع رائحة كريهة وأتى به لزمها وعليه لمن يخدم مثلها خادم واحد وعليه أيضا مؤنسة لحاجة.
فصل
"ونفقة المطلقة الرجعية وكسوتها وسكناها كالزوجة" لأنها زوجة بدليل قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} 1 "ولا قسم لها" أي للرجعية وتقدم "والبائن بفسخ أو طلاق" ثلاثا أو على عوض لها ذلك أي النفقة والكسوة والسكنى "إن كانت حاملا" لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} 2 ومن أنفق يظنها حاملا فبانت حائلا رجع ومن تركه يظنها حائلا فبانت حاملا لزمه ما مضى ومن ادعت حملا وجب إنفاق ثلاثة أشهر فإن مضت ولم يبن رجع "والنفقة" للبائن الحامل "للحمل" نفسه "لا لها من أجله" لأنها تجب بوجوده وتسقط بعدمه فتجب لحامل ناشز ولحامل وطىء شبهة أو نكاح فاسد أو ملك يمين ولو أعتقها وتسقط بمضي الزمان قال المنقح: ما لم تستدن بإذن حاكم أو تنفق بنية رجوع.
"ومن" أي: أي زوجة "حبست ولو ظلما أو نشزت أو تطوعت بلا إذنه بصوم أو حج أو أحرمت بنذر حج أو" نذر " صوم أو صامت عن كفارة أو" عن "قضاء رمضان مع سعة وقتة" بلا إذن زوج "أو سافرت لحاجتها ولو بإذنه سقطت" نفقتها لأنها منعت نفسها عنه بسبب لا من جهته فسقطت نفقتها بخلاف من أحرمت فريضة من صوم أو حج أو صلاة ولو في أول وقتها بسنها أو صامت قضاء رمضان في آخر شعبان لأنها فعلت ما أوجب الشرع عليها وقدرها في حجة فرض كحضر وإن اختلفا في نشوز أو أخذ نفقة فقولها "ولا نفقة ولا سكنى" من تركة "لمتوفى عنها" ولو حاملا لأن المال انتقل عن الزوج إلى الورثة ولا سبب لوجوب النفقة عليهم فإن كانت حاملا فالنفقة من حصة الحمل من التركة إن كانت وإلا فعلى وارثه الموسر.
"ولها" أي لمن وجبت لها النفقة من زوجة ومطلقة رجعية و بائن حامل ونحوها " أخذ نفقة كل يوم من أوله" يعني من طلوع الشمس لأنه أول وقت الحاجة فلا يجوز تأخيره عنه والواجب دفع قوت من خبز وأدم لا حب و "لا قيمته"ا أي قيمة النفقة "ولا" يجب "عليها أخذها" أي أخذ قيمة النفقة لأن ذلك معاوضة فلا يجبر عليه من امتنع منهما ولا يملك الحاكم فرض غير الواجب كدراهم إلا بتراضيهما "فإن اتفقا عليه" أي على أخذ القيمة أو اتفقا "على تأخيرها أو تعجيلها مدة طويلة أو قليلة جاز" لأن الحق لا يعدوهما "ولها الكسوة كل عام مرة في أوله" أي أول العام من زمن الوجوب لأنه أول وقت الحاجة إلى
ـــــــ
1 سورة البقرة من الآية "228".
2 سورة الطلاق من الآية "6".
الكسوة فيعطيها كسوة السنة لأنه لا يمكن ترديد الكسوة عليها شيئا فشيئا بل هو شيء واحد يستدام إلى أن يبلى وكذا غطاء و وطاء وستارة يحتاج إليها واختار ابن نصر الله أنها كماعون ومشط تجب بقدر الحاجة ومتى انقضى العام والكسوة باقية فعليه كسوة للجديد. وإذا غاب الزوج أو كان حاضرا ولم ينفق على زوجته لزمه نفقة ما مضى وكسوته ولو لم يفرضها الحاكم ترك الإنفاق لعذر أو لا لأنه حق يجب مع اليسار والإعسار فلم يسقط بمضي الزمان كالأجرة وإن أنفقت الزوجة في غيبته أي غيبة الزوج من ماله فبان ميتا غرمها الوارث للزوج ما أنفقته بعد موته لانقطاع وجوب النفقة عليه بموته فما قبضت بعده لا حق لها فيه فيرجع عليها ببدله.
فصل
"ومن تسلم زوجته" التي يوطأ مثلها وجبت عليه نفقتها " أو بذلت" تسليم "نفسها" أو بذله وليها "ومثلها يوطأ" بأن تم لها تسع سنين "وجبت نفقتها" وكسوتها "ولو مع صغر زوج ومرضه وجبه وعنته" ويجبر الولي مع صغر الزوج على بذل نفقتها وكسوتها من مال الصبي لأن النفقة كإرش جناية ومن بذلت التسليم وزوجها غائب لم يفرض لها حتى يراسله حاكم ويمضي زمن يمكن قدومه في مثله.
"ولها" أي الزوجة "منع نفسها" من الزوج "حتى تقبض صداقها الحال" لأنه لا يمكنها استدراك منفعة البضع1 لو عجزت عن أخذه بعد ولها النفقة في مدة الامتناع لذلك لأنه بحق "فإن سلمت نفسها طوعا" قال قبض حال الصداق "ثم أرادت المنع لم تملكه" 2 ولا نفقة لها مدة الامتناع وكذا لو تساكنا بعد العقد فلم يطلبها ولم تبذل نفسها فلا نفقة " وإذا أعسر" الزوج "بنفقة القوت أو" أعسر "بالكسوة" أي: كسوة المعسر "أو" أعسر بـ "بعضها" أي بعض نفقة المعسر أو كسوته "أو" أعسر بـ "المسكن" أي مسكن معسر أو صار لا يجد النفقة إلا يوما بدون يوم "فلها فسخ النكاح" من زوجها المعسر لحديث أبي هريرة مرفوعا في الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته قال: "يفرق بينهما" رواه الدارقطني فيفسخ فورا أو متراخيا بإذن الحاكم ولها الصبر مع منع نفسها وبدونه ولا يمنعها تكسبا ولا يحبسها "فإن غاب" زوج "موسر ولم يدع لها نفقة وتعذر أخذها من ماله و" تعذرت "استدانتها عليه فلها الفسخ باذن الحاكم" لأن الإنفاق عليها من ماله متعذر فكان لها
ـــــــ
1 البضع: الجماع.
2 أي لم تملك المنع.
الخيار كحال الإعسار وإن منع موسر نفقة أو كسوة أو بعضهما وقدرت على ماله أخذت كفايتها وكفاية ولدها وخادمها بالمعروف بلا إذنه فإن لم تقدر أجبره الحاكم فإن غيب ماله وصبر على الحبس فلها الفسخ لتعذر النفقة عليها من قبله.
باب نفقة الأقارب والمماليك من الآدميين والبهائم
مدخل
1- باب نفقة الأقارب والمماليك من الآدميين والبهائم"تجب" النفقة كاملة إذا كان المنفق عليه لا يملك شيئا "وتتمتها" إذا كان يملك بعض "لأبويه وإن علوا" لقوله تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} 1 ومن الإحسان الإنفاق عليهما و تجب النفقة أو تتمتها "لولده وإن سفل" ذكرا كان أو أنثى لقوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} " حتى ذوي الأرحام منهم" أي من آبائه وأمهاته كأجداده المدلين بإناث وجداته الساقطات ومن أولاده كولد البنت سواء "حجبه" أي الغني "معسر" فمن له أب وجد معسران وجبت عليه نفقتهما ولو كان محجوبا من الجد بأبيه المعسر " أو لا" بأن لم يحجبه أحد كمن له جد معسر ولا أب له فعليه نفقة جده لأنه وارثه.
"و" تجب النفقة أو كمالها لـ "كل من يرثه" المنفق "بفرض" كولد لأم "أو تعصيب" كأخ وعم لغير أم "لا" لمن يرثه "برحم" كخال وخالة "سوى عمودي نسبه" كما سبق "سواء ورثه الآخر كأخ" للمنفق "أو لا كعمة وعتيق" وتكون النفقة على من تجب عليه "بمعروف" لقوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} 2 ثم قال: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} 2 فأوجب على الأب نفقة الرضاع ثم أوجب مثل ذلك على الوارث وروى أبو داود أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم : من أبر ؟ قال: "أمك وأباك وأختك وأخاك" وفي لفظ: "ومولاك الذي هو أدناك حقا واجبا ورحما موصولا " .
ويشترط لوجوب نفقة القريب ثلاثة شروط الأول - أن يكون المنفق وارثا لمن ينفق عليه وتقدمت الإشارة إليه.
الثاني - فقر المنفق عليه وقد أشار إليه بقوله: "مع فقر من تجب له" النفقة "وعجزه عن تكسب" لأن النفقة إنما تجب على سبيل المواساة والغني بملكه أو قدرته على التكسب مستغن عن المواساة ولا يعتبر نقصه فتجب لصحيح مكلف لا حرفة له.
ـــــــ
1 سورة البقرة من الآية "83" وسورة النساء من الآية "36" وسورة الأنعام من الآية "151" وسورة الإسراء من الآية "233".
2 سورة البقرة من الآية "233".
الثالث - غنى المنفق وإليه الإشارة بقوله: "إذا فضل" ما ينفقه عليه "عن قوت نفسه وزوجته ورقيقه يومه وليلته و" عن "كسوة وسكنى" لنفسه وزوجته ورقيقه "من حاصل" في يده "أو متحصل" من صناعة أو تجارة أو أجرة عقار أو ريع وقف ونحوه لحديث جابر مرفوعا: "إذا كان أحدكم فقيرا فليبدأ بنفسه فإن كان فضل فعلى عياله فإن كان فضل فعلى قرابته" .
و لا تجب نفقة القريب "من رأس مال" لتجارة "و" لا من ث"من ملك و" لا من "آلة صنعة" لحصول الضرر بوجوب الإنفاق من ذلك ومن قدر يكتسب أجبر لنفقة قريبه.
"ومن له وارث غير أب" واحتاج للنفقة "فنفقته عليهم" أي على وارثيه "على قدر" إرثهم منه لأن الله تعالى رتب النفقة على الإرث بقوله: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} فوجب أن يترتب مقدار النفقة على مقدار الإرث "ف" من له أم وجد "على الأم" من النفقة "الثلث والثلثان على الجد" لأنه لو مات لورثاه كذلك "و" من له جدة وأخ لغير أم "على الجدة السدس والباقي على الأخ" لأنهما يرثانه كذلك والأب ينفرد بنفقة ولده لقوله صلى الله عليه وسلم لهند: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" " ومن له ابن فقير وأخ موسر فلا نفقة له عليهما" أما ابنه فلفقره وأما الأخ فلحجبه بالابن.
"ومن" احتاج للنفقة و "أمه فقيرة وجدته موسرة فنفته على الجدة" ليسارها ولا يمنع ذلك حجبها بالأم لعدم اشتراط الميراث في عمودي النسب كما تقدم "ومن عليه نفقة زيد" مثلا لكونه ابنه أو أباه أو أخاه ونحوه " فعليه نفقة زوجته" لأن ذلك من حاجة الفقير لدعاء ضرورته إليه "كـ" نفقة "ظئر" 1 من تجب نفقته فيجب الإنفاق عليها "لحولين" كاملين لقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} 2 إلى قوله: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} 3 والوارث إنما يكون بعد موت الأب.
"ولا نفقة" بقرابة "مع اختلاف دين" ولو من عمودي نسبه لعدم التوارث إذا "إلا بالولاء" فتلزم النفقة المسلم لعتيقه الكافر وعكسه لإرثه منه.
"و" يجب "على الأب أن يسترضع لولده" إذا عدمت أمه أو امتنعت لقوله تعالى: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} 4 أي فاسترضعوا له أخرى "ويؤدي الأجرة" لذلك
ـــــــ
1 الظئر2 سورة البقرة من الآية "233".
3 سورة البقرة من الآية "233".
4 سورة الطلاق من الآية "6".
لأنها في الحقيقة نفقة لتولد اللبن من غذائها "ولا يمنع" الأب "أمه إرضاعه" أي إرضاع ولدها لقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} 1 وله منعها من خدمته لأنه يفوت حق الاستمتاع في بعض الأحيان ولا يلزمها أي لا يلزم الزوجة إرضاع ولدها دنيئة كانت أو شريفة لقوله تعالى: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} 1 "إلا ضرورة كخوف تلفه" أي تلف الرضيع بأن لم يقبل ثدي غيرها ونحوه لأنه إنقاذ من هلكة ويلزم أم ولد إرضاع ولدها مطلقا فإن عتقت فكبائن "ولها" أي للمرضعة "طلب أجرة المثل" لرضاع ولدها " ولو أرضعه غيرها" مجانا لأنها أشفق من غيرها ولبنها أمرأ "بائنا كانت" أم الرضيع في الأحوال المذكورة "أو تحته" أي زوجة لأبيه لعموم قوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} 2 "وإن تزوجت" المرضعة "آخر فله" أي للثاني "منعها من إرضاع ولد الأول ما لم تكن اشترطته في العقد أو يضطر إليها" بأن لم يقبل ثدي غيرها أو لم يوجد غيرها لتعينه عليها إذا لما تقدم.
ـــــــ
1 سورة البقرة من الآية "233".
2 سورة الطلاق من الآية "6".
فصل في نفقة الرقيق
"و" يجب "عليه" أي على السيد نفقة رقيقه ولو آبقا أو ناشزا "طعاما" من غالب قوت بلد وكسوة وسكنى بالمعروف "وأن لا يكلفه مشقا كثيرا" لقوله صلى الله عليه وسلم : "للمملوك طعامه كسوته بالمعروف ولا يكلف من العمل ما لا يطيق" رواه الشافعي في مسنده "وإن اتفقا على المخارجة" وهي جعله على الرقيق كل يوم أو شهر شيئا معلوما له "جاز" إن كانت قدر كسبه فأقل بعد نفقته روي أن الزبير كان له ألف مملوك على كل واحد كل يوم درهم ويريحه سيده "وقت القائلة" وهي وسط النهار "و" وقت ا"لنوم و" وقت الصلاة "المفروضة" لأن عليهم في ترك ذلك ضررا وقد قال صلى الله عليه وسلم : "لا ضرر ولا ضرار" "ويركبه" السيد " في السفر عقبة" لحاجة لئلا يكلفه ما لا يطيق."وإن طلب" الرقيق " نكاحا زوجه" السيد "أو باعه" لقوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} 1 " وإن طلبته" أي التزويج أمة "وطئها" السيد "أو زوجها أو باعها" إزالة لضرر الشهوة عنها ويزوج أمة صبي أو مجنون من يلي ماله إذا طلبته وإن غاب سيد عن أم ولده زوجت لحاجة نفقة أو وطء وله تأديب رقيقه وزوجته
ـــــــ
1 سورة النور من الآية "32".
وولده ولو مكلفا مزوجا بضرب غير مبرح ويقيده إن خاف إباقه ولا يشتم أبويه ولو كافرين ولا يلزمه بيعه بطلبه مع القيام بحقه وحرم أن تسترضع أمة لغير ولدها إلا بعد رأيه ولا يتسرى عبد مطلقا.
فصل في نفقة البهائم
"و" يجب "عليه علف بهائمه وسقيها وما يصلحها" لقوله صلى الله عليه وسلم : "عذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت جوعا فلا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض" متفق عليه "و" يجب عليه "أن لا يحملها ما تعجز عنه" لئلا يعذبها ويجوز الانتفاع بها في غير ما خلقت له كبقر لحمل وركوب وإبل وحمر لحرث ونحوه ويحرم لعنها وضرب وجه ووسم فيه "ولا يحلب من لبنها ما يضر ولدها" لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : "لا ضرر ولا ضرار" "فإن عجز" مالك البهيمة " عن نفتقها أجبر على بيعها أو إجارتها أو ذبحها إن أكلت" لأن بقاءها في يده مع ترك الإنفاق عليها ظلم والظلم تجب إزالته فإن أبى فعل حاكم الأصلح ويكره جز معرفة وناصية وذنب وتعليق جرس أو وتر ونزو حمار على فرس وتستحب نفقته على ماله غير الحيوان.باب الحضانة
باب الحضانة
2- باب الحضانةمن الحضن: وهو الجنب لأن المربي يضم الطفل إلى حضنه وهي حفظ صغير ونحوه عما يضره وتربيته بعمل مصالحه.
"تجب" الحضانة "لحفظ صغير ومعتوه" أي مختل العقل "ومجنون" لأنهم يهلكون بتركها ويضيعون فلذلك وجبت إنجاء من الهلكة "والأحق بها أم" لقوله صلى الله عليه وسلم : "أنت أحق به ما لم تنكحي" رواه أبو داود ولأنها أشفق عليه "ثم أمهاتها القربى فالقربى" لأنهن في معنى الأم لتحقق ولادتهن "ثم أب" لأنه أصل النسب "ثم أمهاته كذلك" أي القربى فالقربى لأنهن يدلين بعصبة قريبة "ثم جد" كذلك الأقرب فالأقرب لأنه في معنى أبي المحضون "ثم أمهاته كذلك" القربى فالقربى "ثم أخت لأبوين" لتقدمها في الميراث "ثم" أخت " لأم" كالجدات "ثم" أخت "لأب ثم خالة لأبوين ثم" خالة "لأم ثم" خالة "لأب" لأن الخالات يدلين بالأم "ثم عمات كذلك" أي تقدم العمة لأبوين ثم لأب ثم لأم لأنهن يدلين بالأب "ثم خالات أمه" كذلك "ثم خالات أبيه" كذلك "ثم عمات أبيه" كذلك.
كتاب الجنايات
مدخل
21- كتاب الجناياتجمع جناية وهي لغة: التعدي على بدن أو مال أو عرض واصطلاحا: التعدي على البدن بما يوجب قصاصا أو مالا ومن قتل مسلما عمدا عدوانا فسق وأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له وتوبته مقبولة.
"وهي" أي الجناية ثلاثة أضرب: "عمد يختص القود1 به" والقود قتل القاتل بمن قتله "بشرط القصد" أي أن يقصد الجاني الجناية "و" الضرب الثاني "شبه عمد و" الثالث "خطأ" روي ذلك عن عمر وعلي رضي الله عنهما "فـ" القتل "العمد: أن يقصد من يعلمه آدميا معصوما فيقتله بما يغلب على الظن موته به" فلا قصاص إن لم يقصد قتله2 ولا إن قصده بما لا يقتل غالبا3.
وللعمد تسع صور إحداها - ما ذكره بقوله: "مثل أن يجرحه بما له مور" أي نفوذ "في البدن" كسكين وشوكة ولو بغرزه بإبرة ونحوها ولو لم يداو مجروح قادر جرحه4.
ـــــــ
1 القود: القصاص بالمثل أي العقوبة من نفس الجريمة النفس بالنفس والعين بالغين والسن بالسن والجروح لتعذر إيقاع مثيلها تماما دون زيادة أو نقصان كان فيها القصاص.
2 أما القتل بغير قصد فهو كأن يرمي السهم يريد به حيوانا فيصدف مرور الآخر في تلك اللحظة وهو لا يعلم بوجوده في المكان ولا يدري بمروره في الموضع المرمي إليه فيصاب فيموت.
3 وذلك أن يضربه عمدا بما لا يقتل عادة كالعصا أو السوط أو اليد أو الحجر الصغير فتصيب الضربة مقتلا عن غير قصد منه أو لضعف قدرة الآخر على الاحتمال ولا عداوة أو بدر يمكن أن يعزى إليه قصد قتله.
ووقوع أحدهما على الأرض أثناء عراك بالأيدي فيقع رأسه على حجر يسبب شدخا في الرأس يؤدي إلى الوفاة وما شابه ذلك من حالات.
4 الحالة الأخيرة هي ما يسمى في القوانين الوضعية الحديثة التي استدركت هذه الحالة مؤخرا وبعد =
الثانية - أن يقتله بمثقل كما أشار إليه بقوله: أو يضربه بحجر كبير ونحوه كلت وسندان ولو في غير مقتل فإن كان الحجر صغيرا فليس بعمد إلا إن كان في مقتل أو حال ضعف قوة من مرض أو صغر أو كبر أو حر أو برد ونحوه أو يعيده به أو يلقي عليه حائطا أو سقفا ونحوهما أو يلقيه من شاهق فيموت.
الثالثة - أن يلقيه بجحر أسد أو نحوه أو مكتوفا بحضرته أو في مضيق بحضرة حية أو ينهشه كلبا أو حية أو يلسعه عقربا من القواتل غالبا.
الرابعة - ما أشار إليها بقوله: أو يلقيه في نار أو ماء يغرقه ولا يمكنه التخلص منهما لعجزه أو كثرتهما فإن أمكنه قدر.
الخامسة - ما ذكرها بقوله: أو يخنقه بحبل أو غيره أو يسد فمه وأنفه أو يعصر خصيتيه زمنا يموت في مثله.
السادسة - أشار إليها بقوله: أو يحبسه ويمنعه الطعام أو الشراب فيموت من ذلك في مدة يموت فيها غالبا بشرط تعذر الطلب عليه وإلا فهدر.
السابعة - ما أشار إليها بقوله: أو يقتله بسحر يقتل غالبا.
الثامنة - المذكورة في قوله: أو يقتله بـ سم بأن سقاه سما لا يعلم به أو يخلطه بطعام ويطعمه له أو بطعام أكله فيأكله جهلا ومتى ادعى قاتل بسم أو سحر عدم علمه أنه قاتل لم يقبل.
التاسعة - المشار إليها بقوله: أو شهدت عليه بينة بما يوجب قتله من زنا أو ردة لا تقبل معها التوبة أو قتل عمد ثم رجعوا أي الشهود بعد قتله وقالوا: عمدنا قتله فيقاد بهذا كله ونحو ذلك لأنهم توصلوا إلى قتله بما يقتل غالبا ويختص بالقصاص مباشر للقتل عالم بأنه ظلم ثم ولي عالم بذلك فبينة وحاكم علموا ذلك.
وشبه العمد: أن يقصد جناية لا تقتل غالبا ولم يجرحه بها كمن ضربه في غير مقتل
ـــــــ
= اطلاع رجال القانون في العرب على القوانين الشرعية الإسلامية في الجنايات بالترك أو الجريمة السلبية أو الجريمة بالامتناع وذلك أن يرفض الطبيب علاج مريض مشرف على الموت وهو قادر على إنقاذه أو أن يرفض مستشفى استقبال مصاب في حالة الخطر وفي الإسلام فإن للجريمة بالامتناع بحث كبير واسع مستفيض يشمل نواحي عديدة من نواحي الحياة فمثلا مر بحيوان مباح للأكل قد وقع وأصيب في موضع لو تركه فيه لهلك فلم يذكيه بذبحه يكون مسئولا عن موته قيمته لصاحبه ومن رأى إنسانا قد ضل الطريق وهو يقدر على إشارة ولو تركه لسار في طريق مضيعة وهلك كان مسئولا عن دينه وهكذا وكما ذكرنا فإن هذا الباب وحده يتطلب بحثا مستفيضا في كتاب مستقل.
بسوط أو عصا صغيرة" ونحوها " أو لكزه ونحوه" بيده أو ألقاه في ماء قليل أو صاح بعاقل اغتفله أو بصغير على سطح فمات "و" قتل "الخطأ أن يفعل ماله فعله مثل أن يرمي صيدا أو" يرمي "غرضا أو" يرمي "شخصا" مباح الدم كحربي وزان محصن فيصيب آدميا معصوما "لم يقصده" بالقتل فيقتله وكذا لو أراد قطع لحم أو غيره مما له فعله فسقطت منه السكين على إنسان فقتله و كذا "عمد الصبي والمجنون" لأنه لا قصد لهما فهما كالمكلف المخطئ فالكفارة في ذلك في مال القاتل والدية على عاقلته كما سيأتي إن شاء الله ويصدق إن قال: كنت يوم قتلت صغيرا أو مجنونا وأمكن ومن قتل بصف كفار من ظنه حربيا فبان مسلما أو رمى كفارا تترسوا بمسلم وخيف علينا إن لم نرمهم ولم يقصده فقتله فعليه الكفارة فقط لقوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} 1 ولم يذكر الدية.
فصل
"تقتل الجماعة" أي اثنان فأكثر " ب" الشخص "الواحد" إن صلح فعل كل واحد لقتله لإجماع الصحابة روى سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قتل سبعة من أهل صنعاء قتلوا رجلا وقال: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به جميعا وان لم يصلح فعل كل واحد للقتل فلا قصاص ما لم يتواطؤوا عليه. "وإن سقط القود" بالعفو عن القاتلين "أدوا دية واحدة" لأن القتل واحد فلا يلزم به أكثر من دية كما لو قتلوه خطأ وإن جرح واحد جرحا وآخر مائة فهما سواء. وإن قطع واحد حشوته أو و دجيه ثم ذبحه آخر فالقاتل الأول ويعزر الثاني.
"ومن أكره مكلفا على قتل" معين "مكافئه فقتله فالقتل" أي القود إن لم يعف وليه "أو الدية" إن عفا "عليهما" أي على القاتل ومن أكرهه لأن القاتل قصد استبقاء نفسه بقتل غيره والمكره تسبب إلى القتل بما يفضي إليه غالبا
وقول قادر: اقتل نفسك وإلا قتلتك إكراه "وإن أمر" مكلف "بالقتل غير المكلف" كصغير أو مجنون فالقصاص على الآمر لأن المأمور آلة له لا يمكن إيجاب القصاص عليه فوجب على المتسبب به "أو" أمر مكلف بالقتل "مكلفا يجهل تحريمه" أي تحريم القتل كمن نشأ بغير بلاد الإسلام ولو عبدا للآمر فالقصاص على الآمر لما تقدم أو أمر به أي بالقتل "السلطان ظلما من لا يعرف ظلمه فيه" أي في القتل بأن لم يعرف المأمور أن المقتول لم يستحق القتل "فقتل" المأمور
ـــــــ
1 سورة النساء من الآية "92".
"فالقود" إن لم يعف مستحقه "أو الدية" إن عفا عنه "على الآمر" بالقتل دون المباشر لأنه معذور لوجوب طاعة الإمام في غير المعصية والظاهر أن الإمام لا يأمر إلا بالحق.
وإن قتل المأمور من السلطان أو غيره "المكلف" حال كونه "عالما تحريم القتل فالضمان عليه" بالقود أو الدية لمباشرته القتل مع عدم العذر لقوله صلى الله عليه وسلم : "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" دون الآمر بالقتل فلا ضمان عليه لكن يؤدب بما يراه الإمام من ضرب أو حبس ومن دفع إلى غير مكلف آلة قتل ولم يأمر به فقتل لم يلزم الدافع شيء "وإن اشترك فيه" أي في القتل "اثنان لا يجب القود على أحدهما" لو كان " منفردا لأبوة" للمقتول "أو غيرها" من إسلام أو حرية كما لو اشترك أب وأجنبي في قتل ولده أو حر ورقيق في قتل رقيق أو مسلم وكافر في قتل كافر "فالقود على الشريك" للأب في قتل ولده وعلى شريك الحر والمسلم لأنه شارك في القتل العمد العدوان وإنما امتنع القصاص عن الأب والحر والمسلم لمعنى يختص بهم لا لقصور في السبب بخلاف ما لو اشترك خاطئ وعامد أو مكلف وغيره أو ولي قصاص وأجنبي أو مكلف وسبع أو مقتول في قتل نفسه فلا قصاص "فإن عدل" ولي القصاص "إلى طلب المال" من شريك الأب ونحوه "لزمه نصف الدية" كالشريك في إتلاف مال وعلى شريك قن نصف قيمة المقتول.
1-
باب شروط وجوب القصاص
"وهي أربعة" أحدها - " عصمة المقتول" بأن لا يكون مهدر الدم " فلو قتل مسلم" حربيا أو نحوه "أو" قتل " ذمي" أو غيره "حربيا أو مرتدا" أو زانيا محصنا ولو قبل ثبوته عند حاكم "لم يضمنه بقصاص ولا دية" ولو أنه مثله.الشرط "الثاني - التكليف" بأن يكون القاتل بالغا عاقلا لأن القصاص عقوبة مغلظة "فلا" يجب " قصاص على صغير ولا مجنون" أو معتوه لأنه ليس لهم قصد صحيح.
الشرط "الثالث - المكأفاة" بين المقتول وقاتله حال جنايته "بأن يساويه" القاتل "في الدين والحرية والرق" يعني بأن لا يفضل القاتل المقتول بإسلام أو حرية أو ملك "فلا يقتل مسلم" حر أو عبد "بكافر" كتابي أو مجوسي ذمي أو معاهد لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقتل مسلم بكافر" رواه البخاري وأبو داود "ولا" يقتل " حر بعبد" لحديث أحمد عن علي: من السنة أن لا يقتل حر بعبد وروى الدارقطني عن ابن عباس يرفعه: "لا يقتل حر بعبد" وكذا لا يقتل
حر بمبعض ولا مكاتب بقنه لأنه مالك لرقبته "وعكسه" بأن قتل كافر مسلما أوقن أو مبعض حرا "يقتل" القاتل ويقتل القن بالقن وإن اختلفت قيمتهما كما يؤخذ الجميل بالدميم والشريف بضده "ويقتل الذكر بالأنثى والأنثى بالذكر" والمكلف بغير المكلف لعموم قوله تعالى: { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} 1.
الشرط " الرابع - عدم الولادة" بأن لا يكون المقتون ولدا للقاتل وإن سفل ولا لبنته وإن سفلت "فلا يقتل أحد الأبوبن وإن علا بالولد وإن سفل" لقوله صلى الله عليه وسلم : "لا يقتل والد بولده" قال ابن عبد البر: هو حديث مشهور عند أهل العلم بالحجاز والعراق مستفيض عندهم. ويقتل الولد بكل منهما أي من الأبوين وإن علوا لعموم قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} 2 خص منه ما تقدم بالنص ومتى ورث قاتل أو ولده بعض دمه فلا قود فلو قتل أخا زوجته فورثته ثم ماتت فورثها القاتل أو ولده فلا قصاص لأنه لا يتبعض.
ـــــــ
1 سورة المائدة من الآية "45ط.
2 سورة البقرة من الآية "178".
2-
باب استيفاء القصاص
وهو فعل مجني عليه أو فعل وليه بجان مثل فعله أو شبهه ويشترط له أي لاستيفاء القصاص ثلاثة شروط "أحدها: كون مستحقه مكلفا" أي بالغا عاقلا فإن كان مستحق القصاص أو بعض مستحقيه " صبيا أو مجنونا لم يستوفه" لهما أب ولا وصي ولا حاكم لأن القصاص ثبت لما فيه من التشفي والانتقام ولا يحصل ذلك لمستحقه باستيفاء غيره "وحبس الجاني" مع صغر مستحقه "إلى البلوغ و" مع جنونه إلى "الإفاقة" لأن معاوية حبس هدبة بن خشرم في قصاص حتى بلغ ابن القتيل وكان ذلك في عصر الصحابة ولم ينكر وإن احتاجا لنفقة فلولي مجنون فقط العفو إلى الدية."الشرط الثاني - اتفاق الأولياء المشتركين فيه" أي في القصاص "على استيفائه وليس لبعضهم أن ينفرد به" لأنه يكون مستوفيا لحق غيره بغير إذنه ولا ولاية عليه وإن كان من بقي من الشركاء فيه غائبا أو صغيرا أو مجنونا انتظر القدوم للغائب "والبلوغ" للصغير "والعقل" للمجنون ومن مات قام وارثه مقامه وإن انفرد به بعضهم عزر فقط
ولشريك في تركة جان حقه من الدية ويرجع وارث جان على مقتص بما فوق حقه وإن عفا بعضهم سقط القود.
الشرط "الثالث - أن يؤمن" في "الاستيفاء أن يتعدى الجاني" إلى غيره لقوله تعالى: {فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} 1 "فإذا وجب" القصاص "على" امرأة حامل أو امرأة "حائل فحملت لم تقتل حتى تضع الولد وتسقيه اللبأ" 2 لأن قتل الحامل يتعدى إلى الجنين وقتلها قبل أن تسقيه اللبأ يضره لأنه في الغالب لا يعيش إلا به "ثم" بعد سقيه اللبأ "إن وجد من يرضعه" أعطي الولد لمن يرضعه وقتلت لأن غيرها يقوم مقامها في إرضاعه وإلا يوجد من يرضعه " تركت حق تفطمه" لحولين لقوله صلى الله عليه وسلم : "إذا قتلت المرأة عمدا لم تقتل حتى تضع ما في بطنها إن كانت حاملا وحتى تكفل ولدها وإذا زنت لم ترجم حتى تضع ما في بطنها إن كانت حاملا وحتى تكفل ولدها" رواه ابن ماجة "ولا يقتص منها" أي من الحامل "في الطرف" كاليد والرجل "حتى تضع" وإن لم تسقه اللبأ والحد بالرجم إذا زنت المحصنة الحامل أو الحائل وحملت "في ذلك كالقصاص" فلا ترجم حتى تضع وتسقيه اللبأ ويوجد من يرضعه وإلا فحتى تفطمه وتحد بجلد عند الوضع.
فصل
"ولا" يجوز أن "يستوفي قصاص إلا بحضرة سلطان أو نائبه" لافتقاره إلى اجتهاده وخوف الحيف و لا يستوفى إلا "آلة ماضية" وعلى الإمام تفقد الآلة وليمنع الاستيفاء بآلة كآلة3 لأنه إسراف في القتل وينظر في الولي فإن كان يقدر على استيفائه ويحسنه مكنه منه له الا أمره أن يوكل وإن احتاج لأجرة فمن مال جان "ولا يستوفى" القصاص " في النفس إلا بضرب العنق بسيف ولو كان الجاني قتله بغيره" لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا قود إلا بالسيف" رواه ابن ماجة ولا يستوفى من طرف إلا بسكين ونحوها لئلا يحيف.
ـــــــ
1 سورة الإسراء من الآية "33".
2 هو لبنها الكثيف الذي يظهر بعد الولادة مباشرة وفي الأيام الأولى بعد الوضع.
3 الآلة الكالة: التي ضعف حدها عن القطع أو صار خشنا لا يقطع أو لا يقطع بسهولة وفي استعمال مثل هذا الحد تعذيب للمقتول لأنها لا تقطع في الضربة الأولى وتحتاج لإمرارها أكثر من مرة.
باب العفو عن القصاص
أجمع المسلمون على جوازه " يجب بـ" القتل " العمد القود أو الدية فيخير الوليبينهما" لحديث أبي هريرة مرفوعا: "من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يفتدي وإما أن يقتل" رواه الجماعة إلا الترمذي. "وعفوه" أي عفو ولي القصاص "مجانا" أي من غير أن يأخذ شيئا "أفضل" لقوله تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} 1 ولحديث أبي هريرة مرفوعا: "ما عفا رجل عن مظلمة إلا زاده الله بها عزا" رواه أحمد ومسلم والترمذي ثم لا تعزير على جان "فإن اختار" ولي الجناية "القود أو عفا عن الدية فقط" أي دون القصاص "فله أخذها" أي أخذ الدية لأن القصاص أعلى فإذا اختاره لم يمتنع عليه الانتقال إلى الأدنى "و" له "الصلح على أكثر منها" أي من الدية وله أن يقتص لأنه لم يعف مطلقا "وإن اختارها" أي اختار الدية فليس له غيرها فإن قتله بعد قتل به لأنه أسقط حقه من القصاص "أو عفا مطلقا" بأن قال: عفوت2 ولم يقيده بقصاص ولا دية فله الدية لانصراف العفو إلى القصاص لأنه المطلوب الأعظم" أو هلك الجاني فليس له" أي لولي الجناية "غيرها" أي غير الدية من تركة الجاني لتعذر استيفاء القود كما لو تعذر في طرفه.
"وإذا قطع" الجاني "إصبعا عمدا فعفا" المجروح عنها " ثم سرت" الجناية " إلى الكف أو النفس وكان العفو على غير شيء ف" السراية "هدر" لأنه لم يجب بالجناية شيء فسرايتها أولى "وإن كان العفو على مال فله" أي للمجروح "تمام الدية" أي دية ما سرت إليه بأن يسقط من دية ما سرت إليه الجناية أرش ما عفا عنه وتوجب الباقي. "وإن وكل" ولي الجناية "من يقتص" له "ثم عفا" الموكل عن القصاص " فاقتص وكيله ولم يعلم" بعفوه " فلا شيء عليهما" لا على الموكل لأنه محسن بالعفو و {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} 3 ولا على الوكيل لأنه لا تفريط منه وإن عفا مجروح عن قود نفسه أو ديتها صح كعفو وارثه "وإن وجب لرقيق قود أو" وجب له "تعزيز قذف فطلبه" إليه " وإسقاطه إليه" أي إلى الرقيق دون سيده لأنه مختص به "فإن مات" الرقيق بعد وجوب ذلك له "فلسيده" طلبه وإسقاطه لقيامه مقامه لأنه أحق به ممن ليس له فيه ملك.
ـــــــ
1 سورة البقرة من الآية "237".
2 إن عفو أولياء الدم عن القاتل العمد وإن أسقط عقوبة القتل عنه إلا أنه لا يعفيه من العقوبة الأقل التي يراها الحاكم لازم لتأديبه إن عرف عنه أذاه للناس وتعديه وظلمه وهذا ما اصطلح على تسميته بالحق العام و به قالت أيضا الشافعية أما الحنفية والمالكية فقد أطلقوا حق الحكم في تأديبه.
3 سورة التوبة من الآية "91".
4-
باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس من الأطراف والجراح
"من أقيد بأحد في النفس" لوجود الشروط السابقة "أقيد به في الطرف والجراح" لقولهتعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ...} 1 الآية "ومن لا" يقاد بأحد في النفس كالمسلم بالكافر والحر بالعبد والأب بولده "فلا" يقاد به في طرف ولا جراح لعدم المكافأة "ولا يجب إلا بما يوجب القود في النفس وهو" أي القصاص فيما دون النفس نوعان "أحدهما في الطرف فتؤخذ العين" بالعين "والأنف" بالأنف "والأذن" بالأذن "والسن" بالسن والجفن بالجفن والشفة بالشفة: العليا بالعليا والسفلى بالسفلى "واليد" باليد: اليمنى باليمنى واليسرى باليسرى "والرجل" بالرجل كذلك "والأصبع" بأصبع تماثلها في موضعها "والكف" بالكف المماثلة "والمرفق" بمثله "والذكر والخصية والألية والشفر" بضم الشين وهو أحد اللحمين المحيطين بالرحم كإحاطة الشفتين على الفم "كل واحد من ذلك بمثله" للآية السابقة.
"وللقصاص في الطرف شروط "ثلاثة : " الأول: الأمن من الحيف" وهو شرط جواز الاستيفاء ويشترط لوجوبه إمكان الاستيفاء بلا حيف "بأن يكون القطع من مفصل أو" له حد " ينتهي اليه" يعني إلى حد "كمارن الأنف وهو ما لان منه" دون القصبة فلا قصاص في جائفة ولا كسر عظم غير سن ولا في بعض ساعد ونحوه ويقتص من منكب ما لم يخف جائفة.
الشرط " الثاني: المماثلة في الاسم والموضع فلا تؤخذ يمين" من يد ورجل وعين وأذن ونحوها "بيسار ولا يسار بيمين ولا" يؤخذ " خنصر ببنصر ولا" عكسه لعدم المساواة في الاسم ولا يؤخذ "أصلي بزائد وعكسه" فلا يؤخذ زائد بأصلي لعدم المساواة في المكان و المنفع "ولو تراضيا" على أخذ أصلي بزائد أو عكسه "لم يجز" أخذه به لعدم المقاصة ويؤخذ زائد بمثله موضعا وخلقة.
الشرط "الثالث: استواؤهما" أي استواء الطرفين المجني عليه والمقتص منه "في الصحة والكمال فلا تؤخذ" يد أو رجل " صحيحة ب" يد أو رجل "شلاء ولا" يد أو رجل "كاملة الأصابع" أو الأظفار "بناقصتهما، ولا" تؤخذ "عن صحيحة ب" عين "قائمة" وهي التي بياضها وسوادها صافيان غير أن صاحبها لا يبصر بها قاله الأزهري ولا لسان ناطق بأخرس ولو تراضيا لنقص ذلك. "ويؤخذ عكسه" فتؤخذ الشلاء وناقصة الأصابع والعين القائمة بالصحيحة "ولا أرش" لأن المعيب من ذلك كالصحيح في الخلقة وإنما نقص في
ـــــــ
1 سورة المائدة من الآية "45".
الصفة وتؤخذ أذن سميع بأذن أصم شلاء ومارن الأشم الصحيح بمارن الأخشم الذي لا يجد رائحة شيء لأن ذلك لعلة في الدماغ.
فصل
"النوع الثاني" من نوعي القصاص فيما دون النفس "الجراح فيقتص في كل جرح ينتهي إلى عظم" لإمكان استيفاء القصاص من غير حيف ولا زيادة وذلك كالموضحة 1 في الرأس والوجه "وجرح العضد و" جرح "الساق و" جرح "الفخذ و" جرح "القدم" لقوله تعالى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} 2 "ولا يقتص في غير ذلك من الشجاج" كالهاشمة3 والمنقلة4 والمأمومة5 و لا في غير ذلك من "الجروح" كالجائفة6 لعدم أمن الحيف والزيادة ولا يقتص في كسر عظم غير كسر سن لإمكان الاستيفاء منه بغير حيف كبرد ونحوه "إلا أن يكون" الجرح "أعظم من الموضحة كالهاشمة والمنقلة والمأمومة فله" أي للمجني عليه "أن يقتص موضحة" لأنه يقتصر على بعض حقه ويقتص من محل جنايته وله أرش الزائد على الموضحة فيأخذ بعد اقتصاصه من موضحة في هاشمة خمسا من الإبل وفي منقلة عشرا وفي مأمومة ثمانية وعشرين وثلثا ويعتبر قدر جرح بمساحة دون كثافة اللحم "وإذا قطع جماعة طرفا" يوجب قودا كيد "أو جرحوا جرحا يوجب القود" كموضحة ولم تتميز أفعالهم كأن وضعوا حديدة على يد وتحاملوا عليها حتى بانت "فعليهم" أي على الجماعة القاطعين أو الجارحين "القود" لما روي عن علي أنه شهد عنده شاهدان على رجل بسرقة فقطع يده ثم جاء آخر فقالا: هذا هو السارق وأخطأنا في الأول فرد شهادتهما على الثاني وغرمهما دية يد الأول وقال: لو علمت أنكما تعمدتما لقطعتكما وإن تفرقت أفعالهم أو قطع كل واحد من جانب فلا قود عليهم.
"وسراية الجناية7 مضمونة في النفس فما دونها" فلو قطع أصبعا فتآكلت أخرى أو
ـــــــ
1 الضربة تمزق اللحم من الآية وتظهر العظام ولا تكسرها.
2 سورة المائدة من الآية "45".
3 الهاشمية: الضربة تهشم اللحم والعظم أي تكسره وتفتته.
4 المنقلة: الضربة تكسر العظم وتبعده عن موضعه أو تبعد جزئي العظم المكسور عن بعضهما.
5 المأمومة: الضربة على أم الرأس.
6 الحائفة: الطعنة التي تبلغ الجوف.
7 سراية الجناية: امتداد تأثيرها وخطرها من العضو المصاب.
اليد وسقطت من مفصل فالقود فيما يشل الأرش بقود أو دية "وسراية القود مهدورة" فلو قطع طرفا قودا فسرى إلى النفس فلا شيء على قاطع لعدم تعديه لكن إن قطع قهرا مع حر أو برد أو بآلة كالئة1 أو مسمومة2 ونحوها لزمه بقية الدية.
"ولا" يجوز أن "يقتص عن عضو وجرح قبل برئه" لحديث جابر أن رجلا جرح رجلا فأراد أن يستقيد فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يستفاد من الجارح حتى يبرأ المجروح رواه الدارقطني "وكما لا تطلب له" أي للعضو أو الجرح "دية" قبل برئه لاحتمال السراية فإن اقتص قبل فسرايتها بعد هدر ولا قود ولا دية لما رجي عوده من نحو سن ومنفعة في مدة تقولها أهل الخبرة فلو مات تعينت دية الذاهب.
ـــــــ
1 كالئة: كالة: قد ذهب حد شفرتها القاطع.
2 والصدئة في حكم المسمومة لأنها تؤدي إلى الغرغرينا ولعلها في حكم الكالة وكلا الحالين واحد في النتيجة والعقوبة.
كتاب الديات
مدخل
22- كتاب الدياتجمع دية وهي المال المؤدى إلى مجني عليه أو وليه بسبب جناية يقال: وديت القتيل: إذا أعطيت ديته "كل من أتلف إنسانا بمباشرة أو سبب" بأن ألقى عليه أفعى أو ألقاه عليها أو حفر بئرا محرما حفرها أو وضع حجرا أو قشر بطيخ أو ماء بفنائه أو طريق أو بالت بها دابته ويده عليها ونحو ذلك لزمته ديته سواء كان مسلما أو ذميا أو مستأمنا أو مهادنا لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} 1 "فإن كانت" الجناية "عمدا محضا فـ" الدية "في مال الجاني" لأن الأصل يقتضي إن بدل المتلف يحب على متلفه وأرش الجناية على الجاني وإنما خولف في العاقلة لكثرة لخطأ والعامد لا عذر له فلا يستحق التخفيف وتكون "حالة" غير مؤجلة كما هو الأصل في بدل المتلفات "و" دية "شبه العمد والخطأ على عاقلته" أي عاقلة الجاني لحديث أبي هريرة: "اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية المرأة على عاقلتها" متفق عليه. ومن دعا من يحفر له بئرا بداره فمات بهدم لم يلقه أحد عليه فهدر "وإن غصب حرا صغيرا" أي حبسه عن أهله "فنهشته حية" فمات "أو أصابته صاعقة" وهي نار تنزل من السماء فيها رعد شديد - قاله الجوهري - فمات: وجبت الدية أو مات بمرض وجبت الدية جزم به في الوجيز و منتخب الآدمي وصححه في التصحيح وعنه: لا دية عليه نقلها أبو الصقر وجزم بها في المنور وغيره وقدمها في المحرر وغيره قال في شرح المنتهى: على الأصح وجزم بها في التنقيح وتبعه في المنتهى و الإقناع "أو غل حرا مكلفا وقيده فمات بالصاعقة أو الحية وجبت الدية" لأنه هلك في حال تعديه بحبسه عن الهرب من الصاعقة والبطش بالحية أو دفعها عنه.
ـــــــ
1 سورة النساء من الآية "92".
فصل
"وإذا أدب الرجل ولده" ولم يسرف لم يضمنه وكذا لو أدب زوجته في نشوز "أو" أدب "سلطان رعيته أو" أدب "معلم صبية ولم يسرف لم بضن ما تلف به" أي بتأديبه أنه فعل ما له فعله شرعا ولم يتعد فيه ومن أسرف أو زاد على ما يحصل به المقصود أو ضرب من لا عقل له من صبي أو غيره ضمن لتعديه "ولو كان التأديب لحامل فأسقطت جنينا ضمنه المؤدب" بالغرة1 لسقوطه بتعديه.
"وإن طلب السلطان امرأة لكشف حق الله" تعالى فأسقطت "أو استعدى عليها رجل" أي طلبها لدعوى عليها "بالشرط في دعوى له فأسقطت" جنينا "ضمنه السلطان" في المسألة الأولى لهلاكه بسببه و ضمن "المستعدي" في المسألة الثانية لهلاكه بسببه " ولو ماتت" الحامل في المسألتين "فزعا" بسبب الوضع أو لا "لم بضمنا" أي لم يضمنها السلطان في الأولى ولا المستعدي في الثانية لأن ذلك ليس بسبب لهلاكها في العادة جزم به في الوجيز وقدمه في المحرر و الكافي وعنه أنهما ضامنان لها كجنينها لهلاكها بسببهما وهو المذهب كما في الإنصاف وغيره وقطع به في المنتهى وغيره ولو ماتت حامل أو حملها من ريح طعام ونحوه ضمن ربه إن علم ذلك عادة.
"ومن أمر شخصا مكلفا أن ينزل بئرا أو" أمره أن "يصعد شجرة" ففعل "فهلك به" أي بنزوله أو صعوده لم يضمنه الآمر ولو أن الآمر سلطان لعدم إكراهه له وكما لو استأجره سلطان أو غيره لذلك وهلك به لأن لم يجن ولم يتعد عليه وكذا لو سلم بالغ عاقل نفسه أو ولده إلى سابح حاذق ليعلمه السباحة فغرق لم يضمنه السابح2.
ـــــــ
1 الغرة: عبد أو أمة وقيل أو فرس.
2 إذا لم يكن قادرا على إنقاذه ولم يفعل فتلك جريمة بالامتناع وفيها الدية.
1-
باب مقادير ديات النفس
المقادير جمع مقدار وهو مبلغ الشيء وقدره "دية الحر المسلم مائة بعير أو ألف مثقال ذهبا أو اثنا عشر ألف درهم فضة أو مائتا بقرة أو ألفا شاة" لحديث أبي داود عن جابر فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدية على أهل الإبل مائة من الإبل وعلى أهل البقر مائتي بقرةوعلى أهل الشاة ألفي شاة رواه أبو داود وعن عكرمة عن ابن عباس أن رجلا قتل فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ديته اثني عشر ألف درهم وفي كتاب عمرو بن حزم: وعلى أهل الذهب ألف دينار1. "هذه" الخمس المذكورات "أصول الدية" دون غيرها "فأيها أحضر من تلزمه" الدية "لزم الولي قبوله" سواء كان ولي الجناية من أهل ذلك النوع أو لم يكن لأنه أتى بالأصل في قضاء الواجب عليه ثم تارة تغلظ الدية وتارة لا تخفف "فتغلظ في قتل العمد وشبهه فيؤخذ خمس وعشرون بنت مخاض وخمس وعشرون بنت لبون وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة" ولا تغليظ في غير إبل "و" تكون الدية في "الخطأ" مخففة "تجب أخماسا ثمانون من الأربعة المذكورة" أي عشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون حقة وعشرون جذعه "وعشرون من بني مخاض" هذا قول ابن مسعود وكذا حكم الأطراف وتؤخذ من بقر مسناة2 وأتبعة ومن غنم ثنايا وأجذعة نصفين ولا تعتبر القيمة في ذلك أي أن تبلغ قيمة الإبل والبقر أو الشياه دية نقد لإطلاق الحديث السابق بل تعتبر فيها السلامة من العيوب لأن الإطلاق يقتضي السلامة.
"ودية" الحر الكتابي الذمي أو المعاهد أو المستأمن "نصف دية المسلم" لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بأن عقل أهل الكتاب نصف عقل المسلمين رواه أحمد وكذا جراحه "ودية المجوسي" الذمي أو المعاهد أو المستأمن و دية الوثني المعاهد أو المستأمن ثمانمائة درهم كسائر المشركين روي عن عمر وعثمان وابن مسعود وجراحه بالنسبة3.
"ونساؤهم" أي نساء أهل الكتاب والمجوس و عبدة الأوثان وسائر المشركين " على النصف من دية" ذكرانهم "ك" دية نساء " المسلمين" لما في كتاب عمرو بن حزم: دية المرأة على النصف من دية الرجل. ويستوي الذكر والأنثى فيما يوجب دون ثلث الدية لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا: "عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى تبلغ الثلث من ديتها" أخرجه النسائي.
ودية خنثى مشكل نصف دية كل منهما " ودية قن" ذكرا كان أو أنثى صغيرا أو كبيرا ولو
ـــــــ
1 أهل الذهب: الذين يتداولون العملة الذهبية عادة في بلادهم.
2 الأتبعة: العجول الصغيرة مازالت تتبع أمها.
3 أي بنفس إرش جراح المسلم لديته تكون نسبة إرش جراح الذمي لديته ففي نصف ديته أربعمائة درهم وقس على ذلك.
مدبرا أو مكاتبا "قيمته" عمدا كان القتل أو الخطأ لأنه متقوم فضمن بقيمته بالغة ما بلغت كالفرس "و" في "جراحه" أي جراح القن إن قدر من حر بقسطه من قيمته ففي يده نصف قيمته1 نقص بالجناية أقل من ذلك أو أكثر وفي أنفه قيمته كاملة وإن قطع ذكره ثم خصاه فقيمته لقطع ذكره وقيمته مقطوعة وملك سيده باق عليه وإن لم يقدر من حر ضمن بـ " ما نقصه" بجنايته "بعد البرء" أي التئام جرحه كالجناية على غيره من الحيوانات.
"ويجب في الجنين الحر ذكرا كان أو أنثى" إذا سقط ميتا بجناية على أمه عمدا أو خطأ "عشر دية أمه غرة" أي عبدا أو أمة قيمتها خمس من الإبل إن كان حرا مسلما "و" يجب في الجنين عشر قيمتها أي قيمة أمه إن كان الجنين "مملوكا وتقدر الحرة" الحامل برقيق أمة ويؤخذ عشر قيمتها يوم جنايته عليها نقدا وإن سقط حيا لوقت يعيش لمثله ففيه إذا مات ما فيه مولودا وفى جنين دابة ما نقص أمه "وإن جنى رقيق خطأ أو" جنى "عمدا لا قود فيه" كالجائفة "أو" جنى عمدا "فيه قود واختير فيه المال أو أتلف" رقيق "مالا" وكانت الجناية والإتلاف " بغير إذن سيده تعلق" ما وجب بـ " ذلك برقبته" لأنه موجب جنايته فوجب أن يتعلق برقبته كالقصاص "فيخير سيده بين أن يفديه بأرش جنايته" إن كان قدر قيمته فأقل وإن كان أكثر منها لم يلزمه سوى قيمته حيث لم يأذنه في الجناية "أو يسلمه" السيد "إلى ولي الجناية يملكه أو يبيعه" السيد "ويدفع ثمنه" لولي الجناية إن استغرقه أرش الجناية وإلا دفع منه بقدره وإن كانت الجناية بإذن السيد أو أمره فداه بأرشها كله وإن جنى عمدا فعفا ولي على رقبته لم يملكه بغير رضى سيده وإن جنى على عدد زاحم كل بحصته وشراء ولي قود له عفو عنه.
ـــــــ
1 أي قيمته رقبته إذا بيع حيا.
باب ديات الأعضاء ومنافعها
مدخل
2- باب ديات الأعضاء ومنافعهاأي منافع الأعضاء "من أتلف ما في الإنسان منه شيء واحد كالأنف ولو من أخشم أو مع عوجه"، " واللسان والذكر" ولو من صغير ففيه دية تلك النفس التي قطع منها على التفصيل السابق لحديث عمرو بن حزم مرفوعا: "وفي الذكر دية وفي أنف إذا وعب جدعا الدية وفي اللسان الدية" رواه أحمد والنسائي واللفظ له، "وما فيه" أي في الإنسان " منه شيئان كالعينين"
ولو مع حول أو عمش "و" كـ " الأذنين" ولو لأصم و كـ " الشفتين و" كـ " اللحيين" وهما العظمان اللذان فيهما الأسنان "وكثديي المرأة وكناروتي الرجل" بالثاء المثلثة فإن ضممتها همزت وإن فتحتها لم تهمز وهما للرجل بمنزلة الثديين للمرأة " و" كـ " اليدين والرجلين والأليتين والانثيين وإسكتي المرأة" بكسر الهمزة وفتحها وهما شفراها "ففيهما الدية وفي إحداهما نصفها" أي نصف الدية لتلك النفس "وفي المنخرين ثلثا الدية وفي الحاجز بينهما ثلثها" لأن المارن يشمل ثلاثة أشياء: منخزين وحاجزا فوجب توزيع الدية على عددها "وفي الأجفان الأربعة الدية وفي كل جفن ربعها" أي ربع الدية "وفي أصابع اليدين" إذا قطعت "الدية كأصابع الرجلين" ففيها دية إذا قطعت "وفي كل أصبع" من أصابع اليدين أو الرجلين "عشر الدية" لحديث ابن عباس مرفوعا: "دية أصابع اليدين والرجلين عشر من الإبل لكل أصبع" 1 رواه الترمذي وصححه وفي كل أنملة من أصابع اليدين أو الرجلين " ثلث عشر الدية" لأن في كل أصبع ثلاث مفاصل "والإبهام" فيه "مفصلان وفي كل مفصل منهما نصف عشر الدية كدية السن" يعني أن في كل سن أو ناب أو ضرس ولو من صغير ولم يعده خمسا من الإبل لخبر عمرو بن حزم مرفوعا: "في السن خمس من الإبل" رواه النسائي.
ـــــــ
1 إذا أصابع اليدين عشر ففي واحدها عشر الدية وأصابع الرجلين عشرة ففي واحدها عشر الدية ولو قطعت جميع أصابع اليدين لوجبت فيه الدية كاملة فإن قطعت أصابع اليدين والرجلين معا كانت فيهما ديتان.
فصل في دية المنافع
"و" تجب "في كل حاسة دية كاملة وهي" أي الحواس "السمع والبصر والشم والذوق" لحديث: "وفي السمع الدية" ولقضاء عمر رضي الله عنه: في رجل ضرب رجلا فذهب سمعه وبصره ونكاحه وعقله بأربع ديات والرجل حي وكذا تجب الدية كاملة "في الكلام و" في "العقل و" في "منفعة المشي و" في منفعة "الأكل و" في منفعة " النكاح و" في "عدم استمساك البول أو" الغائط لأن كل واحدة من هذه منفعة كبيرة ليس في البدن مثلها كالسمع والبصر وفي ذهاب بعض ذلك إذا علم بقدره ففي بعض الكلام بحسابه ويقسم على ثمانية وعشرين حرفا وان لم يعلم قدر الذاهب فحكومة2."و" يجب " في كل واحد من الشعور الأربعة الدية وهي" أي الشعور الأربعة: " شعر
ـــــــ
1 إذا أصابع اليدين عشر ففي واحدها عشر الدية وأصابع الرجلين عشرة ففي واحدها عشر الدية ولو قطعت جميع أصابع اليدين لوجبت فيه الدية كاملة فإن قطعت أصابع اليدين والرجلين معا كانت فيهما ديتان.
2 أي حكم تقديري لنسبة الذاهب والباقي.
الرأس و" شعر "اللحية و" شعر "الحاجبين وأهداب العينين" روي عن علي وزيد بن ثابت رضي الله عنهما: وفي الشعر الدية ولأنه أذهب الجمال على الكمال وفي حاجب نصف الدية وفي هدب1 ربعها وفي شارب حكومة "فإن عاد" الذاهب من تلك الشعور "فنبت سقط موجبه" فإن كان أخذ شيئا رده2 وإن ترك من لحية أو غيرها ما لا جمال فيه فديته كاملة "و" تجب " في عين الأعور الدية كاملة" قضى به عمر وعثمان وعلي وابن عمر ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة رضي الله عنهم ولأن قلع عين الأعور يتضمن إذهاب البصر كله لأنه يحصل بعين الأعور ما يحصل بالعينين وإن قلع صحيح عين أعور أقيد بشرطه وعليه معه نصف الدية " وإن قلع الأعور عين الصحيح" العينين " المماثلة لعينه الصحيحة عمدا فعليه دية كاملة" ولا قصاص روي عن عمر وعثمان ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة ولأن القصاص يفضي إلى استيفاء جميع البصر من الأعور وهو إنما أذهب بصر عين واحدة إن كان قلعها خطأ فنصف الدية و يجب "في قطع يد الأقطع" أو رجله ولو عمدا "نصف الدية كغيره" أي كغير الأقطع وكبقية الأعضاء ولو قطع يد صحيح أقيد بشرطه.
ـــــــ
1 لأن الأهداب أربعة.
2 ويكون ما استفاده مما أخذه إرشا للفترة التي قضاها بدونه.
3-
باب الشجاج وكسر العظام
الشج: القطع ومنه شججت المفازة أي قطعتها "الشجة: الجرح في الرأس والوجه خاصة" سميت بذلك لأنها تقطع الجلدة فإن كان في غيرهما سمي جرحا لا شجة وهي أي الشجة باعتبار تسميتها المنقولة عن العرب "عشر" مرتبة أولها: "الحارصة بالحاء والصاد المهملتين "التي تحرص الجلد أي تشقه قليلا ولا تدميه" أي لا يسيل منه دم والحرص: الشق يقال: حرص القصار الثوب: إذا شقه قليلا وتسمى أيضا القاشرة والقشرة " ثم" يليها "البازلة الدامية الدامعة" بالعين المهملة لقلة سيلان الدم منها تشبيها بخروج الدمع من العين "وهي التي يسيل منها الدم ثم" يليها "الباضعة وهي التي تبضع اللحم" أي تشقه بعد الجلد ومنه سمي البضع "ثم" يليها "المتلاحمة وهي الغائصة في اللحم" ولذلك اشتقت منه " ثم" يليها "السمحاق وهي التي ما بينها وبين العظم قشرة رقيقة" تسمى السمحاق سميت الجراحة الواصلة إليها بها لأن هذه الجراحة تأخذ في اللحم كله حتى تصل إلى هذه القشرة " فهذهالخمس لا مقدر فيها بل" فيها "حكومة" لأنه لا توقيف فيها في الشرع فكانت كجراحة بقية البدن "وفي الموضحة وهي ما توضح اللحم" هكذا في خطه والصواب العظم وتبرزه عطف تفسير على توضحه ولو أبرزنه بقدر إبرة لمن ينظره "خمسة أبعرة" لحديث عمرو ابن حزم: "وفي الموضحة خمس من الإبل" فإن عمت رأسا ونزلت إلى وجه فموضحتان "ثم" يليها "الهاشمة وهي التي توضح العظم وتهشمه" أي تكسره "وفيها عشرة أبعرة" روي عن زيد بن ثابت ولم يعرف له مخالف في عصره من الصحابة "ثم" يليها "المنقلة وهي ما توضح العظم وتهشمه وتنقل عظامها وفيها خمس عشرة من الإبل" لحديث عمرو بن حزم "وفي كل واحدة من المأمومة" وهي التي تصل إلى جلدة الدماغ وتسمى الآمة وأم الدماغ "والدامغة" بالغين المعجمة وهي التي تخرق الجلد "ثلث الدي"ة لحديث عمرو بن حزم في المأمومة ثلث الدية والدامغة أبلغ.
وإن هشمه بمثقل ولم يوضحه أو طعنه في خده فوصل إلى فمه فحكومة كما لو أدخل غير زوج أصبعه في فرج بكر "وفي الجائفة ثلث الدية" لما في كتاب عمرو بن حزم: في الجائفة ثلث الدية "وهي" أي الجائفة "التي تصل إلى باطن الجوف" كبطن ولو لم تخرق أمعاء وظهر وصدر ومثانة وبين خصيتين ودبر وان أدخل السهم من جانب فخرج من آخر فجائفتان رواه سعيد بن المسيب عن أبي بكر ومن وطىء زوجة لا يوطأ مثلها فخرق ما بين مخرج بول ومني أو ما بين السبيلين فعليه الدية إن لم يستمسك بول وإلا فثلثها وإن كانت ممن يوطأ مثلها لمثله فهدر.
"و" يجب "في الضلع" إذا جبر كما كان بعير و يجب في "كل واحدة من الترقوتين بعير" لما روى سعيد عن عمر رضي الله عنه: في الضلع جمل وفي الترقوة جمل والترقوة: العظم المستدير حول العنق من النحر إلى الكتف ولكل إنسان ترقوتان وإن انجبر الضلع أو الترقوة غير مستقيمين فحكومة و يجب في كسر الذراع : وهو الساعد الجامع لعظمي الزند والعضد "و" في "الفخذ و" في الساق والزند "إذا جبر ذلك مستقيما بعيران" لما روى سعيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن عمرو بن العاص كتب إلى عمر في أحد الزندين إذا كسر فكتب إليه عمر أن فيه بعيرين وإذا كسر الزندان ففيهما أربعة من الإبل ولم يظهر له مخالف من الصحابة
"وما عدا ذلك" المذكور "من الجراح وكسر العظام" كخرزة صلب وعصعص وعانة "ففيه حكومة والحكومة أن يقوم المجني عليه كأنه عبد لا جناية به ثم يقوم وهي" أي الجناية "به قد برئت فما نقص من القيمة فله" أي للمجني عليه مثل نسبته من
الدية كأن" أي لو قدرنا أن " قيمته" أي قيمة المجني عليه لو كان "عبدا سليما" من الجناية " ستون وقيمته بالجناية خمسون ففيه" أي في جرحه "سدس ديته" لنقصه بالجناية سدس قيمته "إلا أن تكون الحكومة في محل له مقدر" من الشرع "فلا يبلغ بها" أي الحكومة المقدر كشجة دون الموضحة لا تبالغ حكومتها أرش الموضحة وإن لم تنقصه الجناية حال برء قوم حال جريان دم فإن لم تنقصه أيضا أو زادته حسنا فلا شيء فيها.
باب العاقلة وما تحمله
باب العاقلة وما تحمله
4- باب العاقلة وما تحملهالعاقلة "عاقلة الإنسان" ذكور "عصابته1 كلهم من النسب والولاء قريبتهم" كالإخوة "وبعيدهم" كابن ابن ابن عم جد الجاني "حاضرهم وغائبهم حتى عمودي نسبه" وهم آباء الجاني وإن علوا وأبناؤه وإن نزلوا سواء كان الجاني رجلا أو امرأة لحديث أبي هريرة: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتا بغرة عبد أو أمة ثم إن المرأة التي قضي عليها بالغرة توفيت فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ميراثها لزوجها وبنيها وأن العقل على عصبتها متفق عليه يقال: عقلت عن فلان: إذا غرمت عنه دية جنايته ولو عرف نسبه من قبيلة ولم يعلم من أي بطونها لم يعقلوا عنه ويعقل هرم وزمن وأعمى أغنياء. "ولا عقل على رقيق" لأنه لا يملك ولو ملك فملكه ضعيف "و" لا على "غير مكلف" كصغير ومجنون لأنهما ليسا من أهل النصرة "و" لا على "فقير" لا يملك نصاب زكاة عند حلول الحول فاضلا عنه كحج وكفارة ظهار ولو معتملا لأنه ليس من أهل المواساة "ولا أنثى ولا مخالف لدين الجاني" لفوات المعاضدة والمناصرة و يتعاقل أهل ذمة اتحدت مللهم وخطأ إمام وحاكم في حكمهما في بيت المال ومن لا عاقلة له أو له وعجزت فإن كان كافرا فالواجب عليه وإن كان مسلما فمن بيت المال حالا إن أمكن وإلا سقط "ولا تحمل العاقلة عمدا محضا" ولو لم يجب به قصاص كجائفة ومأمومة لأن العامد غير معذور فلا يستحق المواساة وخرج بالمحض شبه العمد فتحمله "ولا" تحمل العاقلة أيضا "عبدا" أي قيمة عبد قتله الجاني أو قطع طرفه ولا تحمل أيضا جنايته "ولا" تحمل أيضا "صلحا" عن إنكار "ولا اعترافا لم تصدقه به" بأن يقر على نفسه بجناية وتنكر العاقلة روى ابن عباس مرفوعا: "لا تحمل العاقلة عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا" وروي عنه موقوفا "ولا" تحمل العاقلة أيضا "ما دون ثلث الدية
ـــــــ
1 عصابته: عصبته.
التامة" أي دية ذكر حر مسلم لقضاء عمر أنها لا تحمل شيئا حتى يبلغ عقل المأمومة إلا غرة جنين مات بعد أمه أو معها بجناية واحدة لا قبلها ويؤجل ما وجب بشبه العمد والخطأ على ثلاث سنين ويجتهد الحاكم في تحميل كل منهم ما يسهل عليه ويبدأ بالأقرب فالأقرب لكن تؤخذ من بعيد لغيبة قريب.
فصل في كفارة القتل
"من قتل نفسا محرمة" ولو نفسه أو قنة أو مستأمنا أو جنينا أو شارك في قتلها "خطأ" أو شبه عمد "مباشرة أو تسببا" كحفره بئرا "فعليه" أي على القاتل ولو كافرا أو قنا أو صغيرا أو مجنونا "الكفارة" عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ولا إطعام فيها وان كانت النفس مباحة كباغ والقتل قصاصا أو حدا أو دفعا عن نفسه فلا كفارة ويكفر قن بصوم ومن مال غير مكلف وليه وتتعدد بتعدد قتل.5-
باب القسامة
"وهي" لغة: اسم القسم أقيم مقام المصدر من قولهم: أقسم إقساما وقسامة وشرعا: "أيمان مكررة في دعوى قتل معصوم" روى أحمد ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية ولا تكون في دعوى قطع طرف ولا جرح.و "من شروطها" أي القسامة "اللوث وهو العداوة الظاهرة كالقبائل التي يطلب بعضها بعضا بالثأر" وكما بين البغاة وأهل العدل وسواء وجد مع اللوث أثر قتل أو لا "فمن ادعي عليه القتل من غير لوث حلف يمينا واحدة وبرئ" حيث لا بينة للمدعي كسائر الدعاوى فإن نكل قضي عليه بالنكول إن لم تكن الدعوى بقتل عمد فإن كانت به لم يحلف وخلي سبيله ومن شرط القسامة أيضا تكليف مدعى عليه القتل وإمكان القتل منه ووصف القتل في الدعوى وطلب جميع الورثة واتفاقهم على الدعوى وعلى عين القاتل وكون فيهم ذكور مكلفون وكون الدعوى على واحد معين ويقاد فيها إذا تمت الشروط.
"و يبدأ بأيمان الرجال من ورثة الدم فيحلفون خمسين يمينا" وتوزع بينهم بقدر إرثهم
كتاب الحدود
مدخل
23- كتاب الحدودجمع حد وهو لغة: المنع وحدود الله تعالى محارمه. واصطلاحا: عقوبة مقدرة شرعا في معصية لتمنع من الوقوع في مثلها
شروط الحد"لا يجب الحد إلا على بالغ عاقل" لحديث: "رفع القلم عن ثلاثة" 1 "ملتزم" أحكام المسلمين مسلما كان أو ذميا بخلاف الحربي والمستأمن "عالم بالتحريم" لقول عمر وعثمان وعلي: لا حد إلا على من علمه "فيقيمه الإمام أو نائبه" مطلقا سواء كان الحد لله كزنا أو لآدمي كحد القذف لأنه يفتقر إلى اجتهاد ولا يؤمن من استيفائه الحيف فوجب تفويضه إلى نائب الله تعالى في خلقه ويقيمه "في غير مسجد" ويحرم فيه لحديث حكيم بن حزام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يستقاد بالمسجد وأن تنشد فيه الأشعار وأن تقام فيه الحدود وتحرم شفاعة وقبولها في حد لله تعالى بعد أن يبلغ الإمام ولسيد مكلف عالم به وبشرطه إقامته بجلد وإقامة تعزير على رقيق كله له.
هيئة الحد"ويضرب الرجل في الحد قائما" لأنه وسيلة إلى إعطاء كل عضو حظه من الضرب بسوط وسط "لا جديد ولا خلق" 2 بفتح اللام لأن الجديد يجرحه والخلق لا يؤلمه "ولا يمد ولا يربط ولا يجرد" المحدود من ثيابه عند جلده لقول ابن مسعود: ليس في ديننا مد ولا قيد "ولا تجريد بل يكون عليه قميص أو قميصان" وإن كان عليه فرو أو جبة محشوة نزعت "ولا يبالغ بضربه بحيث يشق الجلد" لأن المقصود تأديبه لا إهلاكه ولا
ـــــــ
1 وهم الصغير حتى يبلغ والمجنون حتى يعقل والنائم حتى يصحو.
2 خلق: قديم أو بال قد ذهبت قوته.
يرفع ضارب يده بحيث يبدو إبطه "و" سن أن "يفرق الضرب على بدنه" ليأخذ كل عضو منه حظه ولأن توالي الضرب على عضو واحد يؤدي إلى القتل ويكثر منه في مواضع اللحم كالأليتين والفخذين ويضرب من جالس ظهره وما قاربه "ويتقي" وجوبا "الرأس والوجه والفرج والمقاتل" كالفؤاد والخصيتين لأنه ربما أدى ضربه على شيء من هذه إلى قتله أو ذهاب منفعته "والمرأة كالرجل فيه" أي فيما ذكر "إلا أنها تضرب جالسة" لقول علي رضي الله عنه: تضرب المرأة جالسة والرجل قائما "وتشد عليها ثيابها وتمسك يداها لئلا تنكشف" لأن المرأة عورة وفعل ذلك أستر لها وتعتبر لإقامته نية لا موالاة.
"وأشد الجلد" في الحدود "حد الزنا ثم" جلد "القذف ثم" جلد "الشرب ثم" جلد "التعزيز" لأن الله تعالى خص الزنا بمزيد تأكيد بقوله: {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} 1 وما دونه أخف منه في العدد فلا يجوز أن يزيد عليه في الصفة ولا يؤخر حد لمرض ولو رجي زواله ولا لحر أو برد ونحوه فإن خيف من السوط لم يتعين فيقام بطرف ثوب ونحوه ويؤخر لسكر حتى يصحو.
ومن مات في حد فهد ولا شئ على من حده لأنه أتى به على الوجه المشروع بأمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ومن زاد ولو جلدة أو في السوط أو بسوط لا يحتمله فتلف المحدود ضمنه بديته، " ولا يحفر للمرجوم في الزنا" رجلا كان أو امرأة لأن النبي صلى الله عليه وسلم: "لم يحفر للجهنية ولا لليهوديين لكن تشد على المرأة ثيابها لئلا تنكشف" ويجب في إقامة حد الزنا حضور إمام أو نائبه وطائفة من المؤمنين ولو واحدا وسن حضور من شهد وبداءتهم برجم2.
ـــــــ
1 سورة النور من الآية "2".
2 إن كان قد اعترف بدأ الإمام بالرجم وإن كان الشهود قد شهدوا عليه بدأوا الشهود بالرجم.
1-
باب حد الزنا
وهو فعل الفاحشة في قبل أو دبر "إذا زنى" المكلف "المحصن رجم حتى يموت" لقوله صلى الله عليه وسلم وفعله ولا يجلد قبله ولا ينفى "والمحصن: من وطئ امرأته المسلمة أو الذمية" أو المستأمنة "في نكاح صحيح" في قبلها "وهما أي" الزوجان "بالغان عاقلان حران فان اختل شرط منها" أي من هذه الشروط المذكورة "في أحدهما" أي أحد الزوجين "فلا إحصان لواحد منهما" ويثبت إحصانه بقوله: وطئتها ونحوه لا بولد منها مع إنكار وطء"وإذا زنى" المكلف "الحر غير المحصن جلد مائة جلدة" لقوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} 1 وغرب أيضا مع الجلد "عاما" لما روى الترمذي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب وغرب وأن أبا بكر ضرب وغرب وأن عمر ضرب وغرب "ولو" كان المجلود "امرأة" فتغرب مع محرم وعليها أجرته فإن تعذر المحرم فوحدها إلى مسافة القصر ويغرب غريب إلى غير وطنه.
و إذا زنى "الرقيق" جلد "خمسين جلدة" لقوله تعالى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} 2 والعذاب المذكور في القرآن مائة جلدة لا غير "ولا يغرب" الرقيق لأن التغريب إضرار بسيده ويجلد ويغرب مبعض بحسابه.
"وحد لوطي" فاعلا كان أو مفعولا به "كزان" فإن كان محصنا فحده الرجم وإلا جلد مائة وغرب عاما ومملوكه3 كغيره ودبر أجنبية كلواط.
"ولا يجب الحد" للزنا "الا بثلاثة شروط" "أحدها: تغييب حشفته الأصلية كلها" أو قدرها لعدم4 " في قبل أو دبر أصليين من آدمي حي" فلا يحد من قبل أو باشر دون الفرج ولا من غيب بعض الحشفة ولا من غيب الحشفة الزائدة أو غيب الأصلية في زائد أو ميت أو في بهيمة بل يعزر وتقتل البهيمة وإنما يحد الزاني إذا كان الوطء المذكور "حراما محصنا" أي خاليا عن الشبهة وهو معنى قوله.
الشرط "الثاني: انتفاء الشبهة" لقوله صلى الله عليه وسلم : "ادرؤا الحدود بالشبهات ما استطعتم" "فلا يحد بوطء أمة له فيها شرك" أو محرمة برضاع ونحوه "أو لولده" فيها شرك أو وطئ امرأة في منزله ظنها زوجته أو ظنها "سريته" فلا حد "أو" وطىء امرأة في نكاح باطل اعتقد صحته أو" وطئ امرأة في "نكاح" مختلف فيه كمتعة أو بلا ولي ونحوه "أو وطئ أمة في "ملك مختلف فيه" بعد قبضه كشراء فضولي ولو قبل الإجازة "ونحوه" أي نحو ما ذكر كجهل تحريم الزنا من قريب عهد بإسلام أو ناشيء ببلدة بعيدة "أو أكرهت المرأة" المزني بها "على الزنا" فلا حد وكذا ملوط به أكره بإلجاء أو تهديد أو منع طعام أو شراب مع إضرار فيهما.
ـــــــ
1 سورة النور من الآية "2".
2 سورة النساء من الآية "25".
3 أي: إن لاط بمملوكه أو لاط بغيره فالعقوبة فيه سواء.
4 أي إن كانت الحشفة مقطوعة فيعتبر بمقدارها.
الشرط "الثالث: ثبوت الزنا و لايثبت" الزنا " إلا بأحد أمرين" "أحدهما: أن يقر به" أي بالزنا مكلف ولو قنا "أربع مرات" لحديث ماعز وسواء كانت الأربع "في مجلس أو مجالس و" يعتبر أن "يصرح" بذكر حقيقة الوطء فلا تكفي الكناية لأنها تحتمل ما لا يوجب الحد وذلك شبهة تدرأ الحد و يعتبر أن "لا ينزع" أي يرجع "عن إقراره حق يتم عليه الحد" فلو رجع عن إقراره أو هرب كف عنه ولو شهد أربعة على إقراره به أربعا فأنكر أو صدقهم دون أربع فلا حد عليه ولا عليه.
الأمر "الثاني" مما يثبت به الزنا: "أن يشهد عليه في مجلس واحد بزنا واحد يصفونه" فيقولون: رأينا ذكره في فرجها كالمرود1 في المكحلة و الرشأ في البئر لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أقر عنده ماعز قال له: "أنكتها لا تكني" قال: نعم قال: "كما يغيب المرود في المكحلة والرشأ في البئر" قال: نعم وإذا اعتبر التصريح في الإقرار فالشهادة أولى "أربعة" فاعل يشهد لقوله تعالى: {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} 2 ويعتبر أن يكونوا "ممن تقبل شهادتهم فيه" أي في الزنا بأن يكونوا رجالا عدولا ليس فيهم من به مانع من عمى أو زوجية "سواء أتوا الحكم جملة أو متفرقين" فإن شهدوا في مجلسين فأكثر أو لم يكمل بعضهم الشهادة أو قام به مانع حدوا للقذف كما لو عين اثنان يوما أو بلدا أو زاوية من بيت كبير وآخران آخر "وإن حملت امرأة لا زوج لها ولا سيد" لم تحد بمجرد ذلك الحمل ولا يجب أن تسأل لأن في سؤالها عن ذلك إشاعة الفاحشة وذلك منهي عنه وإن سئلت وادعت أنما أكرهت أو وطئت بشبهة أو لم تعترف بالزنا أربعا لم تحد لأن الحد يدرأ بالشبهة.
ـــــــ
1 المرود: العود الذي يكتحل به.
2 سورة النور من الآية "4".
2-
باب حد القذف
وهو الرمي بزنا أو لواط "إذا قذف المكلف" المختار ولو أخرس بإشارة "محصنا" ولو مجبوبا أو ذات محرم أو رتقاء "جلد" قاذف "ثمانين جلدة إن كان" القاذف "حرا" لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} 1 "وإن" كان القاذف "عبدا" أو أمة ولو عتق عقب قذف جلد "أربعين" جلدة كما تقدم في الزنا "و" القاذف " المعتق" بعضه يجلد "بحسابه" فمن نصفه حر يجلد ستين جلدة.ـــــــ
1 سورة النور من الآية "4".
"وقذف غير المحصن" ولو قنه "يوجب التعزير" على القاذف ردعا عن أغراض المعصومين " وهو" أي حد القذف " حق للمقذوف" فيسقط بعفوه ولا يقام إلا بطلبه كما يأتي لكن لا يستوفيه بنفسه1 وتقدم. "والمحصن هنا" أي في باب القذف هو: "الحر المسلم العاقل العفيف" عن الزنا ظاهرا ولو تائبا منه "الملتزم الذي يجامع مثله" وهو ابن عشر وبنت تسع "ولا يشترط بلوغه" لكن لا يحد قاذف غير بالغ ويطلب ومن قذف غائبا لم يحد حتى يحضر ويطلب أو يثبت طلبه في غيبته ومن قال لابن عشرين: زنيت من ثلاثين سنة لم يحد.
"وصريح القذف" قول: "يا زاني يا لوطي ونحوه" كياعاهر أو قد زنيت أو زنى فرجك ويا منيوك ويا منيوكة إن لم يفسره بفعل زوج أو سيد وكنايته أي كناية القذف: "يا قحبة" و "يا فاجرة" و "يا خبيثة" و "فضحت زوجك أو نكست رأسه أو جعلت له قرونا ونحوه" كعلقت عليه أولادا من غيره أو أفسدت فراشه ولعربي: يا نبطي ونحوه وزنت يدك أو رجلك ونحوه "إن فسره بغير القذف قبل" وعزر كقوله: يا كافر يا فاسق يا فاجر يا حمار ونحوه.
"وإن قذف أهل بلد أو" قذف "جماعة لا يتصور منهم الزنا عادة عزر" لأنه لا عار عليهم به للقطع بكذبه وكذا لو اختلفا في أمر فقال أحدهما: الكاذب ابن الزانية عزر ولا حد.
"ويسقط حد القذف بالعفو" أي عفو المقذوف عن القاذف "ولا يستوفى" حد القذف "بدون الطلب" أي طلب المقذوف لأنه حقه كما تقدم ولذلك لو قال المكلف: أقذفني فقذفه لم يحد وعزر وإن مات المقذوف ولم يطالب به سقط وإلا فلجميع الورثة ولو عفا بعضهم حد للباقي كاملا ومن قذف ميتا حد بطلب وارث محصن ومن قذف نبيا كفر وقتل ولو تاب أو كان كافرا فأسلم.
ـــــــ
1 لأنه لو استوفى بنفسه لربما اشتد في الجلد فوق المطلوب فأدى جلد لموت المجلود المحدود.
3-
باب حد المسكر
أي الذي ينشأ عنه السكر وهو اختلاط العقل "كل شراب أسكر كثيره فقليله حرام وهو خمر من أي شيء كان" لقوله صلى الله عليه وسلم : "كل مسكر خمر وكل خمر حرام" رواه أحمد وأبو داود "ولا يباح شربه" أي شرب ما يسكر كثيره "للذة ولا لتداو ولا عطش ولا غيره إلالدفع لقمة غص بها ولم يحضره غيره" أي غير الخمر وخاف تلفا لأنه مضطر ويقدم عليه بول وعليهما ماء نجس "وإذا شربه" أي المسكر "المسلم" أو شرب ما خلط به ولم يستهلك فيه أو أكل عجينا لت به "مختارا عالما أن كثيره يسكر فعليه الحد ثمانون جلدة مع الحرية" لأن عمر استشار الناس في حد الخمر فقال عبد الرحمن: اجعله كأخف الحدود ثمانين فضرب عمر ثمانين وكتب به إلى خالد وأبي عبيدة في الشام رواه الدارقطني وغيره فإن لم يعلم أن كثيره يسكر فلا حد عليه ويصدق في جهل ذلك "و" عليه "أربعون مع الرق" عبدا كان أو أمة ويعزر من وجد منه رائحتها أو حضر شربها لا من جهل التحريم لكن لا يقبل ممن نشأ بين المسلمين
ويثبت بإقراره مرة كقذف أو بشهادة عدلين ويحرم عصير غلا أو أتى عليه ثلاثة أيام بلياليها ويكره الخليطان كنبيذ تمر مع زبيب لا وضع تمر أو نحوه وحده في ماء لتحليله ما لم يشتد أو تتم له ثلاثة أيام1.
ـــــــ
1 لأنه يختمر خلال هذه المدة
5-
باب التعزير
وهو لغة: المنع ومنه التعزير بمعنى النصرة لأنه يمنع المعادي من الإيذاء. واصطلاحا التأديب لأنه يمنع مما لا يجوز فعله "وهو" أي التعزير "واجب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة كاستمتاع لا حد فيه" أي كمباشرة دون فرج "و" كـ "سرقة لا قطع فيها" لكون المسروق دون نصاب أو غير محرز "و" كـ " جناية لا قود فيها" كصفع ووكز "و" كـ "إتيان المرأة المرأة والقذف بغير الزنا" إن لم يكن المقذوف ولدا للقاذف فإن كان فلا حد ولا تعزير "ونحوه" أي نحو ما ذكر كشتمه بغير الزنا وقوله: الله أكبر عليك أو خصمك ولا تحتاج في إقامة التعزير إلى مطالبة. "ولا يزاد في التعزير على عشر جلدات" لحديث أبي بردة مرفوعا: "لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله تعالى" متفق عليه وللحاكم نقصه عن العشرة حسب ما يراه لكن من شرب مسكرا في نهار رمضان حد للشرب وعزر لفطره بعشرين سوطا لفعل علي رضي الله عنه ومن وطىء أمة امرأته حد ما لم تكن أحلتها له فيجلد مائة إن علم التحريم فيهما ومن وطىء أمة له فيها شرك عزر بمائة إلا سوطا ويحرم تعزير بحلق لحية وقطع طرف أو جرح أو أخذ مال أو إتلافه "ومن استمنى بيده" من رجل أو امرأة "بغير حاجة عزر" لأنه معصية وإن فعله خوفا من الزنا فلا شيء عليه إن لم يقدر على نكاح ولو لأمة.5-
باب القطع في السرقة
وهي أخذ مال على وجه الاختفاء من مالكه أو نائبه."إذا أخذ" المكلف "الملتزم" مسلما كان أو ذميا بخلاف المستأمن ونحوه "نصابا من حرز مثله من مال معصوم" بخلاف حربي "لا شبهة له فيه على وجه الاختفاء قطع" لقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} 1 ولحديث عائشة: "تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا" " فلا قطع على منتهب" وهو الذي يأخذ المال على وجه الغنيمة "ولا مختلس" وهو الذي يختطف الشيء ويمر به "ولا غاصب ولا خائن في وديعة أو عارية أو غيرها" لأن ذلك ليس بسرقة وليس الأصح إن جاحد العارية يقطع إن بلغت نصابا لقول ابن عمر: كانت مخزومية تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها رواه أحمد والنسائي وأبو داود وقال أحمد: لا أعرف شيئا يدفعه. "ويقطع الطرار" 2 وهو "الذي يبط الجيب أو غيره ويأخذ منه" أو بعد سقوطه نصابا لأنه سرق من حرز.
ويشترط للقطع في السرقة ستة شروط أحدها : "أن يكون المسروق مالا محترما" لأن ما ليس بمال لا حرمة له ومال الحربي تجوز سرقته بكل حال "فلا قطع بسرقة آلة لهو" لعدم الاحترام "ولا" بسرقة "محرم كالخمر" وصليب وآنية فيها خمر ولا بسرقة ماء أو إناء فيه ماء ولا بسرقة مكاتب وأم ولد ومصحف وحر ولو صغيرا ولا بما عليهما.
الشرط الثاني : ما أشار إليه بقوله: "ويشترط" أيضا "أن يكون" المسروق "نصابا" وهو أي نصاب السرقة "ثلاثة دراهم" خالصة أو تخلص من مغشوشة "أو ربع دينار" أي مثقال وإن لم يضرب "أو عرض قيمته كأحدهما" أي ثلاثة دراهم أو ربع دينار فلا قطع بسرقة ما دون ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم : "لا تقطع اليد إلا في ربع دينار فصاعدا" رواه أحمد ومسلم وغيرهما وكان ربع الدينار يومئذ ثلاثة دراهم والدينار اثنا عشر درهما رواه أحمد "وإذا نقصت قيمة المسروق" بعد إخراجه لم يسقط القطع لأن النقصان وجد في العين بعد سرقتها "أو ملكها" أي العين المسروقة "السارق" ببيع أو هبة أو غيرهما "لم يسقط القطع" بعد الترافع إلى الحاكم وتعتبر قيمتها أي قيمة العين المسروقة "وقت إخراجها من الحرز" لأنه وقت السرقة التي وجب بها القطع "فلو ذبح فيه" أي في الحرز "كبشا" فنقصت قيمته "أو شق فيه ثوبا فنقصت قيمته عن نصاب" السرقة ثم أخرجه من الحرز فلا قطع لأنه لم يخرج من
ـــــــ
1 سورة المائدة من الآية "38".
2 وهو ما يسمى في عصرنا "النشال".
الحرز نصابا "أو أتلف فيه" أي في الحرز "المال لم يقطع" لأنه لم يخرج منه شيئا.
و الشرط الثالث: " أن يخرجه من الحرز فإن سرقه من غير حرز" كما لو وجد بابا مفتوحا أو مهتوكا فلا قطع عليه وحرز المال ما العادة حفظه فيه إذ الحرز معناه الحفظ ومنه احترز أي: تحفظ "ويختلف" الحرز "باختلاف الأموال والبلدان وعدل السلطان وجوره وقوته وضعفه" لاختلاف الأحوال باختلاف المذكورات "فحرز الأموال" أي النقود "والجواهر والقماش في الدور والدكاكين والعمران" أي الأبنية الحصينة والمحال المسكونة من البلد "وراء الأبواب والأغلاق الوثيقة" والغلق اسم للقفل خشبا كان أو حديدا وصندوق بسوق وثم حارس حرز "وحرز البقل وقدور الباقلاء ونحوهما" كقدور طبيخ وخزف "وراء الشرائج" وما يعمل من قصب أو نحوه يضم بعضه إلى بعض بحبل أو غيره إذا كان في السوق حارس لجريان العادة بذلك " وحرز الحطب والخب والحظائر" جمع حظيرة بالحاء المهملة والظاء المعجمة ما يعمل للإبل والغنم من الشجر تأوي إليه فيعبر بعضه في بعض ويربط "وحرز المواشي الصير" جمع صيرة وهي الحظيرة "وحرزها" أي المواشي "في المرعى بالراعي ونظره إليها غالبا" فما غاب عن مشاهدته غالبا فقد خرج عن الحرز وحرز سفن في شط بربطها وإبل باركة معقولة بحافظ حتى نائم وحمولتها بتقطيرها1 مع قائد يراها ومع عدم تقطير بسائق يراها وحرز ثياب في حمام ونحوه بحافظ كقعوده على متاع وإن فرط حافظ حمام بنوم أو تشاغل ضمن ولا قطع على سارق إذا وحرز باب ونحوه تركيبه بموضعه.
"و" الشرط الرابع: " أن تنتفي الشبهة" عن السارق لحديث: "ادرؤا الحدود بالشبهات ما استطعتم" "فلا يقطع" سارق "بالسرقة من مال أبيه وإن علا ولا" بسرقة "من مال ولده وإن سفل" لأن نفقة كل منهما تجب في مال الآخر "والأب والأم في هذا سواء" لما ذكر ويقطع الأخ بسرقة مال أخيه و يقطع "كل قريب بسرقة مال قريبه" لأن القرابة هنا لا تمنع قبول الشهادة من أحدهما للآخر فلم تمنع القطع "ولا يقطع أحد من الزوجين بسرقته من مال الآخر ولو كان محرزا عنه" روى ذلك سعيد عن عمر بإسناد جيد "إذا سرق عبد" ولو مكاتبا "من مال سيده أو سيد من مال مكاتبه" فلا قطع "أو" سرق " حر مسلم" أو قن "من بيت المال" فلا قطع "أو" سرق "من غنيمة لم تخمس" فلا قطع لأن لبيت المال فيها خمس الخمس "أو" سرق "فقير من غلة موقوفة على الفقراء" فلا قطع لدخوله فيهم أو سرق
ـــــــ
1 تقطيرها: ربطها ببعضها ببعض متتالية تسير قطارا وراء بعضها ومنه سمي القطار قطارا لترابط عرباته وراء بعضها البعض.
"شخص من مال له فيه شركة له أو لأحد ممن لا يقطع بالسرقة منه" كأبيه وابنه وزوجه ومكاتبه لم يقطع للشبهة.
الشرط الخامس: ثبوت السرقة وقد ذكرها بقوله: ولا يقطع إلا بشهادة عدلين يصفانها بعد الدعوى من مالك أو من يقوم مقامه أو بإقرار السارق مرتين بالسرقة ويصفها في كل مرة لاحتمال ظنه القطع في حال لا قطع فيها ولا ينزع أي يرجع "عن إقراره حتى يقطع" ولا بأس بتلقينه الإنكار.
"و" الشرط السادس: " أن يطالب المسروق منه" السارق " بماله" فلو أقر بسرقة من مال غائب أو قامت بها بينة انتظر حضوره ودعواه فيحبس وتعاد الشهادة.
"وإذا وجب القطع" لاجتماع شروطه "قطعت يده اليمنى" لقراءة ابن مسعود فاقطعوا أيمانهما ولأنه قول أبي بكر وعمر ولا مخالف لهما من الصحابة "من مفصل الكف" لقول أبي بكر وعمر ولا مخالف لهما من الصحابة "وحسمت" وجوبا بغمسها في زيت مغلي لتسد أفواه العروق فينقطع الدم إن عاد قطعت رجله اليسرى من مفصل كعبه بترك عقبه وحسمت فإن عاد حبس حتى يتوب وحرم أن يقطع. "من سرق شيئا من غير حرز ثمرا كان أو كثرا" بضم الكاف وفتح المثلثة طلع الفحال1 "أو غيرهما" من جمار أو غيره "أضعفت عليه القيمة" أي ضمنه بعوضه مرتين قاله القاضي واختاره الزركشي وقدم في التنقيح لأن الضعيف خاص بالثمر والطلع والجمار والماشية وقطع به في المنتهى وغيره لأن التضعيف ورد في هذه الأشياء على خلاف القياس فلا يتجاوز به محل النص "ولا قطع" لفوات شرطه وهو الحرز.
ـــــــ
1 طلع الفحال: النخل الذي تؤثر به إناثها.
6-
حد قطاع الطريق
"وهم الذين يعرضون للناس بالسلاح" ولو عصا أو حجرا "في الصحراء أو البنيان" أو البحر " فيغصبونهم المال" المحترم "مجاهرة لا سرقة" يعتبر ثبوته ببينة أو إقرار مرتين والحرز ونصاب السرقة فن أي أي مكلف ملتزم ولو أنثى أو رقيقا "منهم" أي من قطاع الطريق قتل مكافئا له أوغيره أي مكافئ كالولد يقتله أبوه "و" كـ "العبد" يقتله الحر "و" كـ "الذمي" يقتله المسلم "وأخذ المال" الذي قتل لقصده "قتل" وجوبالحق الله تعالى ثم غسل وصلي عليه "ثم صلب" قاتل من يقاد به في غير المحاربة "حتى يشتهر أمره" ولا يقطع مع ذلك وإن قتل المحارب "ولم يأخذ المال قتل حتما ولم يصلب" لأنه لم يذكر في خبر ابن عباس الآتي "وإن جنوا بما يوجب قودا في الطرف" كقطع يد أو رجل ونحوها "تحتم استيفاؤه" كالنفس صححه في تصحيح المحرر وجزم به في الوجيز وقدمه في الرعايتين وغيرهما وعنه: لا يتحتم استيفاؤه قال في الإنصاف: وهو المذهب قطع به في المنتهى وغيره.
"وإن أخذ كل واحد" من المحاربين "من المال قدر ما يقطع بأخذه السارق" من مال لا شبهة له فيه "ولم يقتلوا قطع من كل واحد يده اليمنى ورجله اليسرى في مقام واحد" وجوبا "وحسمتا" بالزيت المغلي "ثم خلي" سبيله "فإن لم يصيبوا نفسا ولا مالا يبلغ نصاب السرقة نفوا بأن يشردوا" متفرقين "فلا يتركوا يأوون إلى بلد" حتى تظهر توبتهم قال الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} 1 قال ابن عباس رضي الله عنهما: إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالا نفوا من الأرض رواه الشافعي ولو قتل بعضهم ثبت حكم القتل في حق جميعهم وإن قتل بعض وأخذ المال بعض تحتم قتل الجميع وصلبهم "ومن تاب منهم" أي المحاربين "قبل أن يقدر عليه سقط عنه ما كان" واجبا لله تعالى "من نفي وقطع" يد ورجل "وصلب وتحتم قتل" لقوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 2 " وأخذ بما للأدمببن من نفس وطرف ومال إلا أن يعفى له عنها" من مستحقها ومن وجب عليه حد سرقة أو زنا أو شرب خمر فتاب منه قبل ثبوته عند حاكم سقط ولو قبل إصلاح عمل.
"ومن صال على نفسه أو حرمته" كأمه وبنته وأخته وزوجته "أو ماله آدمي أو بهيمة فله" أي للمصول عليه "الدفع عن ذلك بأسهل ما يغلب على ظنه دفعه به" فإذا اندفع بالأسهل حرم الأصعب لعدم الحاجة إليه "فإن لم يندفع" الصائل "إلا بالقتل فله" أي للمصول عليه "ذلك" أي قتل الصائل "ولا ضمان عليه" لأنه قتله لدفع شره "وإن قتل" المصول
ـــــــ
1 سورة المائدة من الآية "33".
2 سورة المائدة من الآية "34".
عليه "فهو شهيد" لقوله صلى الله عليه وسلم: "من أريد ماله بغير حق فقاتل فقتل فهو شهيد" رواه الخلال ويلزمه الدفع عن نفسه في غير فتنة لقوله تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} 1 وكذا يلزمه الدفع في غير فتنة عن نفس غيره "و" عن "حرمته" وحرمة غيره لئلا تذهب الأنفس دون ماله فلا يلزمه الدفع عنه ولا حفظه عن الضياع والهلاك "ومن دخل منزل رجل متلصصا فحكمه كذلك" أي يدفع بالأسهل فالأسهل فإن أمره بالخروج فخرج لم يضربه وإلا فله ضربه بأسهل ما يندفع به فإن خرج بالعصا لم يضربه بالحديد ومن نظر في بيت غيره من خصاص باب مغلق ونحوه فخذف عينه أو نحوها فتلفت فهدر بخلاف متسمع قبل إنذاره.
ـــــــ
1 سورة البقرة من الآية "195".
7-
باب قتال أهل البغي
أي الجور والظلم والعدول عن الحق "إذا خرج قوم لهم شوكة ومنعة" - بفتح النون - جمع مانع كفسقة وكفرة بسكونها بمعنى امتناع يمنعهم "على الإمام بتأويل سائغ" ولو لم يكن فيهم مطاع "فهم بغاة" ظلمة فإن كانوا جمعا يسيرا لا شوكة لهم أو لم يخرجوا بتأويل أو خرجوا بتأويل غير سائغ فقطاع طريق ونصب الإمام فرض كفاية ويجبر من تعين لذلك وشرطه أن يكون حرا ذكرا عدلا قرشيا عالما كافيا ابتداء ودواما."و" يجب "عليه" أي على الإمام أن يراسلهم أي البغاة "فيسألهم" عن "ما ينقمون منه فإن ذكروا مظلمة أزالها وإن ادعوا شبهة كشفها" لقول تعالى: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} 2 والإصلاح إنما يكون بذلك فإن كان ما ينقمون منه مما لا يحل أزاله وإن كان حلالا لكن التبس عليهم فاعتقدوا أنه مخالف للحق بين لهم دليله وأظهر لهم وجهه "فإن فاؤوا" أي رجعوا عن البغي وطلب القتال تركهم "وإلا" يرجعوا "قاتلهم" وجوبا وعلى رعيته معونته ويحرم قتالهم بما يعم إتلافهم كمنجنيق ونار إلا لضرورة وقتل ذريتهم ومدبرهم وجريحهم ومن ترك القتال ولا قود بقتلهم بل الدية ومن أسر منهم حبس حتى لا شوكة ولا حرب وإذا انقضت فمن وجد منهم ماله بيد غيره أخذه وما تلف حال حرب غير مضمون وإن أظهر قوم رأي الخوارج ولم يخرجوا عن قبضة الإمام لم يتعرض لهم وتجري الأحكام عليهم كأهل العدل "وإن اقتتلت طائفتان لعصبية أو" طلب "رئاسة فهما ظالمتان وتضمن كل واحدة" من الطائفتين "ما أتلفت" على الأخرى قال الشيخ
ـــــــ
2 سورة الحجرات من الآية "9
تقي الدين: فأوجبوا الضمان على مجموع الطائفة وإن لم يعلم عين المتلف ومن دخل بينهما لصلح فقتل وجهل قاتله وما جهل متلفه ضمنتاه على السواء.
8-
باب حكم المرتد
"وهو" لغة: الراجع قال تعالى: {وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ} 1.واصطلاحا: "الذي يكفر بعد إسلامه" طوعا ولو مميزا أو هازلا بنطق أو اعتقاد أو شك أو فعل "فمن أشرك بالله" تعالى كفر لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} 2 "أو جحد ربوبيته" سبحانه "أو" جحد "وحدانيته أو" جحد " صفة من صفاته" كالحياة والعلم كفر " أو اتخذ لله تعالى "صاحبة أو ولدا أو جحد بعض كتبه أو" جحد بعض "رسله أوسب الله" سبحانه "أو" سب "رسوله" أي رسولا من رسله أو ادعى النبوة "فقد كفر" لأن جحد شيء من ذلك كجحده كله وسب أحد منهم لا يكون إلا من " جاحده ومن جحد تحريم الزنا أو" جحد " شيئا من المحرمات الظاهرة المجمع عليها" أي على تحريمها أو جحد حل خبز ونحوه مما لا خلاف فيه أو جحد وجوب عبادة من الخمس أو حكما ظاهرا مجمعا عليه إجماعا قطعيا "بجهل" أي بسبب جهله وكان ممن يجهل مثله ذلك "عرف" حكم "ذلك" ليرجع عنه "وإن" أصر أو "كان مثله لا يجهله كفر" لمعاندته للإسلام وامتناعه من الالتزام لأحكامه وعدم قبوله لكتاب الله وسنة رسوله وإجماع الأمة وكذا لو سجد لكوكب ونحوه أو أتى بقول أو فعل صريح في الاستهزاء بالدين أو امتهن القرآن أو أسقط حرمته لا من حكى كفرا سمعه وهو لا يعتقده.
فصل
"ومن ارتد عن الإسلام وهو مكلف مختار رجل أو امرأة دعي إليه" أي إلى الإسلام "ثلاثة أيام" وجوبا "وضيق عليه" وحبس لقول عمر رضي الله عنه: فهلا حبستموه ثلاثا فأطعمتموه كل يوم رغيفا و أسقيتموه لعله يتوب أو يراجع أمر الله اللهم إني لم أحضر ولم أرض إذ بلغني رواه مالك في الموطأ ولو لم تجب الاستتابة لما برئ من فعلهم فإن أسلم لم يعزر وإن "لم يسلم قتل بالسيف" ولا يحرق بالنار لقوله صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه ولا تعذبوه بعذاب الله" - يعني النار - أخرجه البخاري وأبو داود إلا رسول كفار فلا يقتل ولا
ـــــــ
1 سورة المائدة من الآية "21".
2 سورة النساء من الآية "8".
يقتله إلا الإمام أو نائبه ما لم يلحق بدار حرب فلكل أحد قتله وأخذ ما معه.
ولا تقبل" في الدنيا "توبة من سب الله" تعالى "أو" سب "رسوله" سبا صريحا أو تنقصه "ولا" توبة "من تكررت ردته" ولا توبة زنديق وهو المنافق الذي يظهر الإسلام ويخفي الكفر بل يقتل بكل حال لأن هذه الأشياء تدل على فساد عقيدته وقلة مبالاته بالإسلام ويصح إسلام مميز يعقله وردته لكن لا يقتل حتى يستتاب بعد البلوغ ثلاثة أيام.
وتوبة المرتد إسلامه "و" توبة " كل كافر إسلامه بأن يشهد" المرتد أو الكافر الأصلي "أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله" لحديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكنيسة فإذا هو بيهودي يقرأ عليهم التوراة فقرأ حتى أتى على صفة النبي صلى الله عليه وسلم وأمته فقال هذه صفتك وصفة أمتك أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "آووا أخاكم" رواه أحمد "ومن كان كفره بجحد فرض ونحوه" كتحليل حرام أو تحريم حلال أو جحد نبي أو كتاب أو رسالة محمد صلى الله عليه وسلم إلى غير العرب "فتوبته" مع إتيانه بـ الشهادتين " إقراره بالمجحود به" من ذلك لأنه كذب الله سبحانه بما اعتقده من الجحد فلا بد من إسلامه من الإقرار بما جحده "أو قوله: أنا" مسلم أو "برئ من كل دين يخالف دين الإسلام" ولو قال كافر: أسلمت أو أنا مسلم أو أنا مؤمن صار مسلما وإن لم يلفظ بالشهادتين ولا يغني قول: محمد رسول الله عن كلمة التوحيد وإن قال: أنا مسلم ولا أنطق بالشهادتين لم يحكم بإسلامه حتى يأتي بالشهادتين ويمنع المرتد من التصرف في ماله وتقضى منه ديونه وينفق منه عليه وعلى عياله فإن أسلم وإلا صار فيئا من موته مرتدا ويكفر ساحر يركب المكنسة فتسير به في الهواء ونحوه لا كاهن ومنجم وعراف وضارب بحصا ونحوه إن لم يعتقد إباحته وأنه يعلم به الأمور المغيبة ويعزر ويكف عنه ويحرم طلسم ورقية بغير العربي ويجوز الحل بسحر ضرورة.
كتاب الأطعمة
مدخل
24- كتاب الأطعمةجمع طعام وهو ما يؤكل ويشرب "والأصل فيها الحل" لقوله تعالى: { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً} 1 "فيباح كل" طعام "طاهر" بخلاف متنجس ونجس "لا مضرة فيه" احترازا عن السم ونحوه حتى المسك ونحوه "من حب وثمر وغيرهما" من الطاهرات "ولا يحل نجس كالميتة والدم" لقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} 2 الآية "ولا" يحل " ما فيه مضرة كالسم ونحوه" لقوله تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} 3 "وحيوانات البر مباحة إلا الحمر الأهلية" لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل متفق عليه. "و" إلا "ما له ناب يفترس به" أي ينهش بنابه لقول أبي ثعلبة الخشني: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع متفق عليه "غير الضبع" لحديث جابر أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأكل الضبع احتج به أحمد والذي له ناب "كالأسد والنمر والذئب والفيل والفهد والكلب والخنزير وابن آوى وابن عرس والسنور" مطلقا "والنمس والقرد والدب" والفنك والثعلب والسنجاب و السمور "و" إلا "ما له مخلب من الطير يصيد به كالعقاب والبازى والصقر والشاهين والباشق والحدأة" بكسر الحاء وفتح الدال والهمزة والبومة لقول ابن عباس: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع وعن كل ذي مخلب من الطير رواه أبو داود "و" إلا " ما يأكل الجيف" من الطير "كالنسر والرخم واللقلق والعقعق" وهو القاق "والغراب الأبقع والخطاف وهو" طائر "أسود صغير أغبر والغراب الأسود الكبير و" إلا "ما يستخبثه"
ـــــــ
1 سورة البقرة من الآية "29".
2 سورة المائدة من الآية "3".
3 سورة البقرة من الآية "195".
العرب ذوو اليسار كالقنفذ والنيص والفأرة والحية والحشرات كلها والوطواط "و" إلا " ما تولد من مأكول وغيره كالبغل" من الخيل والحمر الأهلية "والسمع" وهو ابن الذئب والضبع وما تجهله العرب ولم يذكر في الشرع يرد إلى أقرب الأشياء شبها به ولو أشبه مباحا ومحرما غلب التحريم ودود جبن وخل ونحوهما يؤكل تبعا.
فصل
"وما عدا ذلك" الذي ذكرنا أنه حرام "فحلال" على الأصل "كالخيل" لما سبق من حديث جابر " وبهيمة الأنعام" وهي الإبل والبقر والغنم لقوله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ} 1 "والدجاج والوحشي من الحمر و" من "البقر" كالأيل والتيتل والوعل والمها و كـ "والضب الظباء والنعامة والأرنب وسائر الوحش" كالزرافة والوبر واليربوع وكذا الطاووس والببغاء والزاغ وغراب الزرع لأن ذلك مستطاب فيدخل في عموم قوله تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ} 2.
"ويياح حيوان البحر كله" لقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} 3 " إلا الضفدع" 4 لأنها مستخبثة "و" إلا "التمساح" لأنه ذو ناب يفترس به و إلا الحية لأنها من المستخبثات وتحرم الجلالة5 التي أكثر علفها النجاسة ولبنها وبيضها نجس حتى تحبس ثلاثا وتطعم الطاهر فقط ويكره أكل تراب وفحم وطين وغدة وأذن وقلب وبصل وثوم ونحوهما ما لم ينضج بطبخ لا لحم منتن أو نيئ.
"ومن اضطر إلى محرم" بأن خاف التلف إن لم يأكله "غير السم حل" له إن لم يكن في سفر محرم6 "منه ما يسد رمقه" 7 أي يمسك قوته ويحفظها لقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ
ـــــــ
1 سورة المائدة من الآية "1".
2 سورة الأعراف من الآية "157".
3 سورة المائدة من الآية "96".
4 الضفدع من الحيوانات البرمائية وتعيش في المستنقعات والبرك وعلى ضفاف الأنهار.
5 الجلالة: الحيوانات التي تأكل الجلة أي الروث وهو نجس.
6 السفر المحرم: السفر الذي في معصية كمن يسافر في رمضان بقصد رخصة الفطر وقصر الصلاة أو المسافر بغير سبب إلى أرض العدو وما شابه من حالات.
7 أي لا يأكل منه شبعا ولا يحمل ولا يتزود إلا إن خاف.
غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} 1 وله التزود إن خاف ويجب تقديم السؤال على أكله ويتحرى في مذكاة اشتبهت بميتة فإن لم يجد إلا طعام غيره فإن كان ربه2 مضطرا أو خائفا أن يضطر فهو أحق به وليس له إيثاره وإلا لزمه بذل ما يسد رمقه فقط بقيمته فإن أبى رب الطعام أخذه المضطر منه بالأسهل فالأسهل ويعطيه عوضه.
"ومن اضطر إلى نفع مال الغير مع بقاء عينه" كثياب "لدفع برد أو" حبل ودلو "لاستقاء ماء ونحوه وجب بذله له" أي لمن اضطر إليه مجانا مع عدم حاجته إليه لأن الله تعالى ذم على منعه بقوله: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} 3 وإن لم يجد المضطر إلا آدميا معصوما فليس له أكله ولا أكل عضو من أعضاء نفسه.
"ومن مر بثمر بستان في شجرة أو متساقط عنه ولا حائط عليه" أي على البستان "ولا ناظر" أي حافظ له "فله الأكل منه" مجانا من غير حمل ولو بلا حاجة روي عن عمر وابن عباس وأنس بن مالك وغيرهم وليس له صعود شجرة ولا رميه بشيء ولا الأكل من مجني مجموع إلا لضرورة وكذا زرع قائم وشرب لبن ماشية.
"ويجب" على المسلم " ضيافة المسلم المجتاز به في القرى" دون الأمصار4 "يوما وليلة" قدر كفايته مع أدم لقوله صلى الله عليه وسلم: "ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته" قالوا: وما جائزته يا رسول الله ؟ قال: "يومه وليلته" متفق عليه ويجب إنزاله ببيته مع عدم مسجد ونحوه فإن أبى من نزل به الضيف فللضيف طلبه به عند حاكم فإن أبى فله الأخذ من ماله بقدره.
ـــــــ
1 سورة البقرة من الآية "173".
2 ربه: أي رب الطعام وهو صاحبه.
3 سورة الماعون من الآية "7".
4 الأمصار ج مصر وهو المدينة الكبيرة.
1-
باب الذكاة
يقال: ذكى الشاة ونحوها تذكية أي ذبحها فهي ذبح أو نحر الحيوان المأكول البري بقطع حلقومه ومريئه أو عقر ممتنع."ولا يباح شيء من الحيوان المقدور عليه بغير ذكاة" لأن غير المذكى ميتة وقال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} 1 "إلا الجراد والسمك وكل ما لا
ـــــــ
1 سورة المائدة من الآية "3".
يعيش إلا في الماء فيحل بدون ذكاة لحل ميتته لحديث ابن عمر يرفعه: "أحل لنا ميتتان و دمان فأما الميتتان: الحوت والجراد وأما الدمان: فالكبد والطحال" رواه أحمد وغيره وما يعيش في البر والبحر كالسلحفاة وكلب الماء لا يحل إلا بالذكاة وحرم بلع سمك حيا وكره شيه حيا لا جراد لأنه لا دم له.
ويشترط للذكاة أربعة شروط أحدها - " أهلية المذكي بأن يكون عاقلا" فلا يباح ما ذكاه مجنون أو سكران أو طفل لم يميز لأنه لا يصح منه قصد التذكية مسلما كان أو كتابيا أبواه كتابيان لقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} 1 قال البخاري: قال ابن عباس: طعامهم ذبائحهم "ولو" كان المذكي مميزا أو " مراهقا أو امرأة أو أقلف" لم يختتن ولو بلا عذر "أو أعمى" أو حائضا أو جنبا "ولا تباح ذكاة سكران ومجنون" لما تقدم و لا ذكاة " وثني ومجوسي ومرتد" لمفهوم قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} .
الشرط "الثاني - الآلة فتباح الذكاة بكل محدد" ينهر2 الدم بحده "ولو" كان "مغصوبا من حديد وحجر وقصب وغيره" كخشب له حد وذهب وفضة وعظم "إلا السن والظفر" لقوله صلى الله عليه وسلم : "ما أنهر الدم فكل ليس السن والظفر" متفق عليه.
الشرط "الثالث - قطع الحلقوم" وهو مجرى النفس "و" قطع "المرئ" بالمد وهو مجرى الطعام والشراب ولا يشترط إبانتهما3 ولا قطع الودجين ولا يضر رفع يد الذابح إن أتم الذكاة على الفور والسنة نحر إبل بطعن بمحدد في لبتها وذبح غيرها "فإن أبان الرأس بالذبح لم يحرم المذبوح و ذكاة ما عجز عنه من الصيد والنعم المتوحشة و" النعم "الواقعة في بئر ونحوها بجرحه في أي موضع كان من بدنه" روي عن علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم "إلا أن يكون رأسه في الماء ونحوه" مما يقتله لو انفرد "فلا يباح" أكله لحصول قتله بمبيح وحاظر فغلب جانب الحظر وما ذبح من قفاه ولو عمدا إن أتت الآلة على محل ذبحه وفيه حياة مستقرة حل وإلا فلا ولو أبان رأسه حل مطلقا والنطيحة ونحوها إن ذكاها وحياتها تمكن زيادتها على حركة مذبوح حلت والاحتياط مع تحرك ولو بيد أو رجل وما قطع حلقومه أو أبينت حشوته فوجود حياته كعدمها.
ـــــــ
1 سورة المائدة من الآية "5".
2 ينهر الدم: يسيله غزيرا.
3 أي يفصلهما عن جسم الذبيحة فصلا كاملا.
والشرط "الرابع - أن يقول" الذابح "عند" حركة يده "بالذبح: بسم الله" لقوله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} 1 "لا يجزئه غيرها" كقوله: باسم الخالق ونحوه لأن إطلاق التسمية ينصرف إلى بسم الله وتجزئ بغير عربية ولو أحسنها " فإن تركها" أي التسمية "سهوا أبيحت" الذبيحة لقوله صلى الله عليه وسلم: "ذبيحة المسلم حلال وإن لم يسم إذا لم يتعمد" رواه سعيد لا إن ترك التسمية "عمدا" ولو جهلا فلا تحل الذبيحة لما تقدم ومن بدا له ذبح غير ما سمى عليه أعاد التسمية ويسن مع التسمية التكبير لا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ومن ذكر مع اسم الله اسم غيره حرم ولم يحل المذبوح.
"ويكره أن يذبح بآلة كالة" لحديث: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته" رواه الشافعي وغيره "و" يكره أيضا "أن يحدها والحيوان يبصره" لقول ابن عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن تحد الشفار وأن توارى عن البهائم رواه أحمد وغيره. و يكره أيضا "أن يوجهه" أي الحيوان "إلى غير القبلة" لأن السنة توجيهه إلى القبلة على شقه الأيسر والرفق به والحمل على الآلة بقوة و يكره أيضا "أن يكسر عنقه" أي عنق ما ذبح "أو يسلخه قبل أن يبرد" أي قبل زهوق نفسه لحديث أبي هريرة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بديل بن ورقاء الخزاعي على جمل أورق يصيح في فجاج منى بكلمات منها: "لا تعجلوا الأنفس قبل أن تزهق"2 رواه الدارقطني وإن ذبح كتابي ما يحرم عليه حل لنا إن ذكر اسم الله عليه.
وذكاة جنين مباح بذكاة أمه إن خرج ميتا أو متحركا كمذبوح
ـــــــ
1 سورة الأنعام الآية "121".
2 أي لا يصح البدْ بسلخ الحيوان مادام فيه رمق وكذ لا يصح البدء بنتف الطير ما دام فيه بقية من حياة ولا يصح البدء بتنظيف السمك وحيوان البحر ما دام ينتفض ومعرفة ذهاب الروح من الحيوان الذبيح هو خمود حركته خمودا كاملا فلا ينتفض منه عضو.
2-
باب الصيد
وهو اقتناص حيوان حلال متوحش طبعا غير مقدور عليه ويطلق على المصيد "ولا يحل الصيد المقتول في الاصطياد إلا بأربعة شروط" :"أحدها - أن يكون الصائد من أهل الذكاة" فلا يحل صيد مجوسي أو وثني ونحوه وكذا ما شارك فيه.
الشرط الثاني "الآلة وهي نوعان" أحدهما "محدد يشترط فيه ما يشترط في آلة الذبح و" يشترط فيه أيضا " أن يجرح" الصيد " فإن قتله بثقله لم يبح" لمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم: "ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل" "وما ليس بمحدد كالبندق والعصى والشبكة والفخ لا يحل ما قتل به" ولو مع قطع حلقوم ومرئ لما تقدم وإن أدركه وفيه حياة مستقرة فذكاه حل وإن رمى صيدا بالهواء أو على شجرة فسقط فمات حل وإن وقع في ماء ونحوه لم يحل1.
"والنوع الثاني: الجارحة فيباح ما قتلته" الجارحة "إن كانت معلمة" سواء كانت مما يصيد بمخلبه من الطير أو بنابه من الفهود والكلاب لقوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} 2 إلا الكلب الأسود البهيم فيحرم صيده واقتناؤه ويباح قتله وتعليم نحو كلب وفهد أن يسترسل3 إذا أرسل وينزجر إذا زجر وإذا أمسك لم يأكل وتعليم نحو صقر أن يسترسل إذا أرسل ويرجع إذا دعي لا بتركه أكله.
الشرط " الثالث - إرسال الآلة قاصدا" للصيد "فإن استرسل الكلب أو غيره بنفسه لم يبح" ما صاده "إلا أن يزجره فيزيد في عدوه في طلبه فيحل" الصيد لأن زجره أثر في عدوه فصار كما لو أرسله ومن رمى صيدا فأصاب غيره حل.
الشرط "الرابع - التسمية عند إرسال السهم أو" إرسال "الجارحة فإن تركها" أي التسمية " عمدا أو سهوا لم يبح" الصيد لمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل" متفق عليه.
ولا يضر إن تقدمت التسمية بيسير وكذا إن تأخرت بكثير في جارح إذا زجره فانزجر ولو سمى على صيد فأصاب غيره حل لا على سهم ألقاه ورمى بغيره بخلاف ما لو سمى على سكين ثم ألقاه وذبح بغيرها "ويسن أن يقول معها" أي مع بسم الله "الله أكبر كما في الذكاة" لأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا ذبح يقول: "بسم الله والله أكبر" وكان ابن عمر يقوله ويكره الصيد لهوا: وهو أفضل مأكول والزراعة أفضل مكتسب.
ـــــــ
1 لأنه يختنق في الماء فيكون حاله حال المنخنقة ولا يحل أكله.
2 سورة المائدة من الآية "4".
3 يسترسل أي إذا أرسل خلف طير أو حيوان ذهب والتقطه ثم عاد به.
كتاب الأيمان
مدخل
25- كتاب الأيمانجمع يمين وهي الحلف والقسم "واليمين التي تجب بها الكفارة إذا حنث 1" فيها "هي اليمين" التي يحلف فيها "ب" اسم "الله" الذي لا يسمى به غيره كالله والقديم الأزلي والأول الذي ليس قبله شيء والآخر الذي ليس بعده شيء وخالق الخلق ورب العالمين والرحمن والذي يسمى به غيره ولم ينو الغير كالرحيم والخالق والرازق والمولى " أو" بـ " صفة من صفاته" تعالى كوجه الله وعظمته وكبريائه وجلاله وعزته وعهده وأمانته وإرادته " أو بالقرآن أو بالمصحف" أو بسورة أو آية منه ولعمر الله يمين وما لا يعد من أسمائه تعالى كالشيء والموجود وما لا ينصرف إطلاقه إليه ويحتمله كالحي والواحد والكريم إن نوى به الله فهو يمين وإلا فلا.
"والحلف بغير الله" سبحانه وصفاته "محرم" لقوله صلى الله عليه وسلم: "فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت" متفق عليه ويكره الحلف بالأمانة "ولا تجب به" أي بالحلف "بغير الله كفارة" إذا حنث.
"ويشترط لوجوب الكفارة" إذا حلف بالله تعالى "ثلاثة شروط" "الأول: أن تكون اليمين منعقدة وهي" اليمين "التي قصد عقدها على" أمر "مستقبل ممكن فإن حلف على أمر ماض كاذبا عالما فهي" اليميز الغموس لأنها تغمسه في الإثم
ـــــــ
1 هي اليمين المعقدة التي يوجب بها على نفسه فعل أمر من الأمور أو ترك أمر من الأمور فلا يفعله أما اليمن التي يريد بها إثبات شيء أو نفيه فهي قسم وهي التي تسمى إن كان كاذبا بها واقتطع ظلما حقا لامرئ مسلم أو أثبت باطلا تسمى يمينا غموسا لأنها تغمس صاحبها في النار أما اللغو فهو ما يتبادر إلى اللسان من حلف دون قصد عقد اليمين.
ثم في النار "ولغو اليمين" هو " الذي يجري على لسانه بغير قصد كقوله" فى أثناء كلامه: " لا والله وبلى والله" لحديث عائشة مرفوعا: "اللغو في اليمين كلام الرجل في بيته لا والله وبلى والله" رواه أبو داود وروي موقوفا
"وكذا يمين عقدها يظن صدق نفسه فبان بخلافه فلا كفارة في الجميع" لقوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} 1 وهذا منه ولا تنعقد أيضا من نائم وصغير ومجنون ونحوهم.
الشرط " الثاني - أن يحلف مختارا فإن حلف مكرها لم تنعقد يمينه" لقوله صلى الله عليه وسلم: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" 2.
الشرط " الثالث - الحنث في يمينه بأن يفعل ما حلف على فعله" كما لو حلف لا يكلم زيدا فكلمه مختارا "أو بترك ما حلف على فعله" كما لو حلف ليكلمن زيدا اليوم فلم يكلمه "مختارا ذاكرا" ليمينه "فإذا حنث مكرها أو ناسيا فلا كفارة" لأنه لا إثم عليه.
"ومن قال في يمين مكفرة" أي تدخلها الكفارة كيمين بالله تعالى ونذر وظهار: "إن شاء الله لم يحنث" في يمينه فعل أو ترك إن قصد المشيئة واتصلت بيمينه لفظا أو حكما لقوله صلى الله عليه وسلم: من حلف فقال: "إن شاء الله لم يحنث" رواه أحمد وغيره.
"ويسن الحنث في اليمين إذا كان" الحنث "خيرا" كمن حلف على فعل مكروه أو ترك مندوب وإن حلف على فعل مندوب أو ترك مكروه كره حنثه وعلى فعل واجب أو ترك محرم حرم حنثه وعلى فعل محرم أو ترك واجب وجب حنثه ويخير في مباح وحفظها فيه أولى ولا يلزم إبرار قسم كإجابة سؤال بالله تعالى بل ويسن "ومن حرم حلالا سوى زوجته" لأن تحريمها ظهار كما تقدم سواء كان الذي حرمه "من أمة أو طعام أو لباس أو غيره" كقوله: ما أحل الله علي حرام ولا زوجة له أو قال: طعامي علي كالميتة "لم تحرم" عليه لأن الله سماه يمينا بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} 3 إلى قوله: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} 4 واليمين على الشيء لا تحرمه "وتلزمه كفارة يمين" إن فعله لقوله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} أي التكفير وسبب نزولها أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لن أعود إلى شرب العسل" متفق عليه ومن قال: هو يهودي أو كافر أو يعبد غير الله أو برئ من الله تعالى أو من
ـــــــ
1 سورة البقرة من الآية "220" وسورة المائدة من الآية "89".
2 لأن الخائف قد يفعل أي شيء للخلاص من الخطر المحيط به أو مما يخاف منه.
3 سورة التحريم من الآية "1".
4 سورة التحريم من الآية "2".
الإسلام أو القرآن أو النبي صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك ليفعلن كذا أو إن لم يفعله أو إن كان فعله فقد فعل محرما وعليه كفارة يمين بحنثه.
فصل في كفارة اليمين
"يخير من لزمته كفارة يمين بين إطعام عشرة مساكين" لكل مسكين مد بر أو نصف صاع من غيره "أو كسوتهم" أي: العشرة مساكين للرجل ثوب يجزئه في صلاته وللمرأة درع وخمار كذلك "أو عتق رقبة فمن لم يجد" شيئا مما تقدم ذكره "فصيام ثلاثة أيام" لقوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} 1 "متتابعة" وجوبا لقراءة ابن مسعود فصيام ثلاثة أيام متتابعة وتجب كفارة ونذر فورا بحنث ويجوز إخراجها قبله "ومن لزمته أيمان قبل التكفير موجبها واحد" ولو على أفعال كقوله: والله لا أكلت والله لا شربت والله لا أعطيت والله لا أخذت "فعليه كفارة واحدة" لأنها كفارات من جنس واحد فتداخلت كالحدود من جنس " وإن اختلف موجبها" أي موجب الأيمان وهو الكفارة كظهار ويمين بالله تعالى "لزماه" أي الكفارتان "ولم يتداخلا" لعدم اتحاد الجنس ويكفر قن بصوم وليس لسيده منعه منه ويكفر كافر بغير صوم.
ـــــــ
1 سورة المائدة من الآية "89".
1-
باب جامع الأيمان المحلوف بها
"يرجع في الأيمان إلى نية الحالف إذا احتملها اللفظ" لقوله صلى الله عليه وسلم: "وإنما لكل امرئ ما نوى" فمن نوى بالسقف أو البناء السماء أو بالفراش أو البساط الأرض قدمت على عموم لفظه ويجوز التعريض في مخاطبة لغير ظالم "فإن عدمت النية رجع إلى سبب اليمين وما هيجها" لدلالة ذلك على النية فمن حلف ليقضين زيدا حقه غدا فقضاه قبله لم يحنث إذا اقتضى السبب أنه لا يتجاوز غدا وكذا ليأكلن شيئا أو ليفعلنه غدا وإن حلف لا يبيعه إلا بمائة لم يحنث إلا إن باعه بأقل منها وإن حلف لا يشرب له الماء من عطش ونيته أو السبب: قطع منته حنث يأكل خبزه واستعارة دابته وكل ما فيه منة " فإن عدم ذلك" أي النية وسبب اليمين الذي هيجها "رجع إلى التعيين" لأنه أبلغ من دلالة الاسم على المسمى لأنه ينفي الإبهامبالكلية "فإذا حلف لا لبست هذا القميص فجعله سراويل أو رداء أو عمامة ولبسه" 1 حنث " أو لا كلمت هذا الصبي فصار شيخا" 1 وكلمه حنث أو حلف لا كلمت " زوجة فلان هذه أو صديقه فلانا" هذا "أو مملوكه سعيدا" هذا "فزالت الزوجية والملك والصداقة ثم كلمهم" 1 حنث "أو" حلف "لا أكلت لحم هذا الحمل فصار كبشا" وأكله1 حنث أو حلف لا أكلت هذا الرطب فصار تمرا أو دبسا أو خلا وأكله1 حنث "أو" حلف لا أكلت "هذا اللبن فصار جبنا أو كشكا ونحوه ثم أكله حنث في الكل"1 لأن عين المحلوف عليه باقية كحلفه لا لبست هذا الغزل فصار ثوبا وكذا حلفه لا يدخل دار فلان هذه فدخلها وقد باعها أو وهي فضاء أو مسجد أو حمام ونحوه إلا أن ينوى الحالف أو يكون سبب اليمين يقتضي مادام المحلوف عليه على تلك الصفة فتقدم النية وسبب اليمين على التعيين كما تقدم.
فصل
"فإن عدم ذلك" أي النية والسبب والتعيين "رجع" في اليمين "إلى ما يتناوله الاسم وهو" أي الاسم "ثلاثة: شرعي وحقيقي وعرفي" وقد لا يختلف المسمى كالأرض والسماء والإنسان والحيوان ونحوها.
"فالشرعي" من الأسماء "ماله موضوع في الشرع وموضوع في اللغة" كالصلاة والصوم والزكاة والحج والبيع والإجارة فالاسم "المطلق" في اليمين سواء كانت على فعل أو ترك "ينصرف إلى الموضوع الشرعي الصحيح" لأن ذلك هو المتبادر إلى الفهم عند الإطلاق إلا الحج والعمرة فيتناول الصحيح والفاسد لوجوب المضي فيه كالصحيح "فإذا حلف لا يبيع أو لا ينكح فعقد عقدا فاسدا" من بيع أو نكاح "لم يحنث" لأن البيع أو النكاح لا يتناول الفاسد "وإن قيد" الحالف "يمينه بما يمنع الصحة" أي بما لا تمكن الصحة معه "كأن حلف لا يبيع الخمر أو الحر حنث بصورة العقد" لتعذر حمل يمينه على عقد صحيح وكذا إن قال: إن طلقت فلانة الأجنبية فأنت طالق طلقت بصورة طلاق الأجنبية2.
"و" الاسم "الحقيقي" هو الذي لم يغلب مجازه على حقيقته كاللحم "فإذا حلف لا يكل لحما فأكل شحما أو مخا أو كبدا أو نحوه" ككلية وكرش وطحال وقلب ولحم رأس
ـــــــ
1 لأن الأصل ثابت إنما هو استمرار لما سبق تطور إليه وتغير مع الزمن إنما لم يستبدل.
2 لأن الطلاق والعتاق هزله جد.
ولسان "لم يحنث" لأن إطلاق اسم اللحم لا يتناول شيئا من ذلك إلا بنية اجتناب الدسم "ومن حلف لا يأكل أدما حنث بكل البيض والتمر والملح والزيتون ونحوه" كالجبن واللبن "وكل ما يصبغ به" عادة كالزيت والعسل والسمن واللحم لأن هذا معنى التأدم. "و" إن حلف "لا يلبس شيئا فلبس ثوبا أو درعا أو جوشنا" أو عمامة أو قلنسوة "أو نعلا حنث" لأنه ملبوس حقيقة وعرفا " وإن حلف لا يكلم إنسانا حنث بكلام كل إنسان" لأنه نكرة في سياق النفي فيعم حتى ولو قال له: تنح أو اسكت أو لا كلمت زيدا فكاتبه أو راسله حنث ما لم ينو مشافهته "و" إن حلف " لا يفعل شيئا فوكل من فعله حنث" لأن الفعل يضاف إلى من فعل عنه قال تعالى: {مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ} 1 وإنما الحالق غيرهم إلا أن ينوى مباشرته نفسه فتقدم نيته لأن لفظه يحتمله.
"و" الاسم " العرفي ما اشتهر مجازه فغلب" على الحقيقة "كالراوية" في العرف للمزادة وفي الحقيقة للجمل الذي يستقى عليه "والغائط" في العرف للخارج المستقذر وفي الحقيقة لفناء الدار وما اطمأن من الأرض "ونحوهما" كالظعينة والدابة والعذرة "فتتعلق اليمين بالعرف" دون الحقيقة لأن الحقيقة في نحو ما ذكر صارت كالمهجورة ولا يعرفها أكثر الناس "فإذا حلف على وطء زوجته أو" حلف على "وطء دار تعلقت يمينه بجماعها" أي جماع من حلف على وطئها لأن هذا هو المعنى الذي ينصرف إليه اللفظ في العرف و تعلقت يمينه "بدخول الدار" التي حلف لا يطأها لما ذكر "وإن حلف لايأكل شيئا فكله مستهلكا في غيره كمن حلف لايأكل سمنا فأكل خبيصا فيه سمن لا يظهر فيه طعمه" لم يحنث "أو" حلف لا يأكل بيضا فأكل ناطفا لم يحنث لأن ما أكله لا يسمى سمنا ولا بيضا "وإن ظهر طعم شيء من المحلوف عليه" فيما أكله "حنث" لأكله المحلوف عليه.
فصل
"وإن حلف لا يفعل شيئا ككلام زيد ودخول داره ونحوه ففعله مكرها لم يحنث" لأن فعل المكره غير منسوب إليه " وإن حلف على نفسه أو غيره ممن" يمتنع بيمينه و "يقصد منعه كالزوجة والولد أن لا يفعل شيئا ففعله ناسيا أو جاهلا حنث في الطلاق والعتاق" بفتح العين
ـــــــ
1 سورة الفتح من الآية "7".
"فقط" أي دون اليمين بالله تعالى والنذر والظهار لأن الطلاق والعتاق حق آدمي فلم يعذر فيه النسيان والجهل كإتلاف المال والجناية بخلاف اليمين بالله تعالى ونحوه فإنه حق لله تعالى وقد رفع هذه الأمة الخطأ والنسيان
"و" إن حلف "على من لا يمتنع بيمينه من سلطان وغيره" كأجنبي لا يفعل شيئا "ففعله حنث" الحالف "مطلقا" أي سواء فعله المحلوف عليه عامدا أو ناسيا عالما أو جاهلا " وإن فعل هو" أي الحالف لا يفعل شيئا أو من لا يمتنع بيمينه من سلطان وأجنبي أو غيره أي غير ما ذكر "ممن قصد منعه" كزوجة وولد "بعض ما حلف على كله" كما لو حلف لا يأكل هذا الرغيف فأكل بعضه لم يحنث لعدم وجود المحلوف عليه "ما لم تكن نية" أو قرينة كما لو حلف لا يشرب ماء هذا النهر وشرب منه فإنه يحنث.
2-
باب النذر
لغة: الإيجاب يقال: نذر دم فلان أي أوجب قتله وشرعا: إلزام مكلف مختار نفسه لله تعالى شيئا غير محال بكل قول يدل عليه."ولا يصح" النذر " إلا من بالغ عاقل" مختار لحديث: "رفع القلم عن ثلاث" "ولو" كان "كافرا" نذر عبادة لحديث عمر: إني كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أوف بنذرك" .
"والصحيح منه" أي من النذر " خمسة أقسام" أحدها - النذر "المطلق مثل أن يقول: لله علي نذر ولم يسم شيئا فيلزمه كفارة يمين" لما روى عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كفارة النذر إذا لم يسم كفارة يمين" رواه ابن ماجة والترمذي وقال: حديث حسن صحيح غريب.
"الثاني - نذر اللجاج والغضب وهو تعليق نذره بشرط يقصد المنع منه" أي من الشرط المعلق عليه "أو الحمل عليه أو التصديق أو التكذيب" كقوله: إن كلمتك أو إن لم أضربك أو إن لم يكن هذا الخبر صدقا أو كذبا فعلي الحج أو العتق ونحوه "فيخير بين فعله ويين كفارة يمين" لحديث عمران بن حصين قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا نذر في غضب وكفارته كفارة يمين" رواه سعيد في سننه.
"الثالث - نذر المباح كلبس ثوبه وركوب دابته" فإن نذر ذلك "فحكمه ك" القسم "الثاني" يخير بين فعله وكفارة يمين " وإن نذر مكروها من طلاق أو غيره استحب" له "أن
يكفر" كفارة يمين "ولا يفعله" لأن ترك المكروه أولى من فعله وإن فعله فلا كفارة.
"الرابع - نذر المعصية ك" نذر "شرب الخمر و" نذر "صوم يوم الحيض و" يوم " النحر" وأيام التشريق "فلا يجوز الوفاء به" لقوله صلى الله عليه وسلم: "من نذر أن يعصي الله فلا يعصه" ويكفر إن لم يفعله روي نحو هذا عن ابن مسعود وابن عباس وعمران ابن حصين وسمرة بن جندب رضي الله عنهم ويقضي من نذر صوما من ذلك غير يوم حيض.
"الخامس - نذر التبرر مطلقا" أي غير معلق "أو معلقا كفعل الصلاة والصيام والحج ونحوه" كالعمرة والصدقة وعيادة المريض فمثال المطلق: لله علي أن أصوم أو أصلي ومثال المعلق " كقوله: إن شفى الله مريضي أو سلم مالي الغائب فلله علي كذا" من صلاة أو صوم ونحوه "فوجد الشرط لزمه الوفاء به" أي بنذره لحديث: "من نذر أن يطيع الله فليطعه" رواه البخاري "إلا إذا نذر الصدقة بماله كله" من يسن له فيجزئه قدر ثلثه ولا كفارة لقوله صلى الله عليه وسلم لأبي لبابة - لما نذر - أن ينخلع من ماله صدقة لله تعالى: "يجزئ عنك الثلث" رواه أحمد. أو نذر الصدقة "بمسمى منه" أي من ماله كألف يزيد ما سماه " على ثلث الكل فإنه يجزئه" أن يتصدق بـ " قدر الثلث" ولا كفارة عليه جزم به في الوجيز وغيره والمذهب أنه يلزمه الصدقة بما سماه ولو زاد على الثلث كما في الإنصاف وقطع به في المنتهى وغيره. "وفيما عداها" أي عدا المسألة المذكورة بأن نذر الثلث فما دون "يلزمه" الصدقة بـ "المسمى" لعموم ما سبق من حديث: "من نذر أن يطيع الله فليطعه" .
"ومن نذر صوم شهر" معين كرجب أو مطلق "لزمه التتابع" لأن إطلاق الشهر يقضي التتابع سواء صام شهرا بالهلال أو ثلاثين يوما بالعدد "وإن نذر أياما معدودة" كعشرة أيام أو ثلاثين يوما "لم يلزمه" التتابع لأن الأيام لا دلالة لها على التتابع "إلا بشرط" بأن يقول: متتابعة "أو نية" التتابع ومن نذر صوم الدهر لزمه فإن أفطر كفر فقط بغير صوم ولا يدخل فيه رمضان ولا يوم نهي ويقضي فطره برمضان ويصام لظهار ونحوه منه ويكفر مع صوم ظهار ونحوه ومن نذر صوم يوم الخميس ونحوه فوافق عيدا أو أيام تشريق أفطر وقضى وكفر وإن نذر صلاة وأطلق فأقله ركعتان قائما لقادر وإن نذر صوما وأطلق أو صوم بعض يوم لزمه يوم بنيته من الليل ولمن نذر صلاة جالسا أن يصليها قائما وإن نذر رقبة فأقل مجزئ في كفارة.
كتاب القضاء
مدخل
كتاب القضاء
لغة: إحكام الشىء والفراغ منه ومنه {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} 1. واصطلاحا: تبيين الحكم الشرعي والإلزام به وفصل الحكومات " وهو فرض كفاية" لأن أمر الناس لا يستقيم بدونه " ويلزم الإمام أن ينصب في كل إقليم" بكسر الهمزة "قاضيا" لأن الإمام لا يمكنه أن يباشر الخصومات في جميع البلدان بنفسه فوجب أن يرتب في كل إقليم من يتولى فصل الخصومات بينهم لئلا تضيع الحقوق. "ويختار" لنصب القضاء " أفضل من يجده علما وورعا" لأن الإمام ناظر للمسلمين فيجب عليه اختيار الأصلح لهم "ويأمره بتقوى الله" لأن التقوى رأس الدين "و" يأمره "بأن يتحرى العدل" أي: إعطاء الحق لمستحقه من غير ميل. "ويجتهد" القاضي "في إقامته" أي: إقامة العدل بين الأخصام ويجب على من يصلح ولم يوجد غيره ممن يوثق به أن يدخل فيه إن لم يشغله عما هو أهم منه ويحرم بذل مال فيه وأخذه وطلبه وفيه مباشر أهل."فيقول" المولي لمن يوليه: " وليتك الحكم أو قلدتك" الحكم "ونحوه" كفوضت أو رددت أو جعلت إليك الحكم أو استنبتك أو استخلفتك في الحكم والكناية نحو: اعتمدت أو عولت عليك لا ينعقد بها إلا بقرينة نحو فاحكم "ويكتابه" بالولاية "في البعد" أي: إذا كان غائبا فيكتب له الإمام عهدا بما ولاه ويشهد عدلين عليها.
"وتفيد ولاية الحكم العامة الفصل بين الخصوم وأخذ الحق لبعضهم من بعض" أي: أخذه لربه ممن هو عليه "والنظر في أموال غير المرشدين" كالصغير والمجنون والسفيه وكذا مال غائب "والحجر على من يستوجبه لسفه أو فلس والنظر في وقوف عمله ليعمل بشرطها وتنفيذ الوصايا وتزويج من لا ولي لها" من النساء "وإقامة الحدود وإقامة
ـــــــ
1 سورة فصلت الآية "12".
الجمعة والعيد" ما لم يخصا بإمام " والنظر في مصالح عمله بكف الأذى عن الطرقات وأفنيتها ونحوه" كجباية خراج وزكاة لم يخصا بعامل وتصفح شهوده وأمنائه ليستبدل بمن يثبت جرحه لا الاحتساب على الباعة والمشترين و إلزامهم بالشرع.
"ويجوز أن يولي" القاضي " عموم النظر في عموم العمل" بأن يوليه سائر الأحكام في سائر البلدان "ويجوز أن يولي خاصا فيهما" بأن يوليه الأنكحة بمصر مثلا "أو" يوليه خاصا " في أحدهما" بأن يوليه سائر الأحكام ببلد معين أو يوليه الأنكحة بسائر البلدان وإذا ولاه ببلد معين نفذ حكمه في مقيم به وطارئ إليه فقط وإن ولاه بمحل معين لم ينفذ حكمه في غيره ولا يسمع ببينة إلا فيه كتعديلها وللقاضي طلب رزق من بيت المال لنفسه وخلفائه فإن لم يجعل له شيء وليس له ما يكفيه وقال للخصمين: لا أقضي بينكما إلا بجعل جاز ومن يأخذ من بيت المال لم يأخذ أجرة لفتياه ولا لخطه.
"ويشترط في القاضي عشر صفات" "كونه بالغا عاقلا" لأن غير المكلف تحت ولاية غيره فلا يكون واليا على غيره.
"ذكرا" لقوله صلى الله عليه وسلم : "ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" .
"حرا" لأن الرقيق مشغول بحقوق سيده.
"مسلما" لأن الإسلام شرط للعدالة.
عدلا ولو تائبا من قذف فلا يجوز تولية الفاسق لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا...} 1 الآية.
"سميعا" لأن الأصم لا يسمع كلام الخصمين.
"بصيرا" لأن الأعمى لا يعرف المدعي من المدعى عليه.
"متكلما" لأن الأخرس لا يمكنه النطق بالحكم ولا يفهم جميع الناس إشارته.
"مجتهدا" إجماعا ذكره ابن حزم قاله في الفروع "ولو" كان مجتهدا " في مذهبه" المقلد فيه لإمام من الأئمة فيراعي ألفاظ إمامه ومتأخرها ويقلد كبار مذهبه في ذلك ويحكم ولو اعتقد خلافه قال الشيخ تقي الدين: وهذه الشروط تعتبر حسب الإمكان وتجب ولاية الأمثل فالأمثل وعلى هذا يدل كلام أحمد وغيره فيولي لعدم أنفع
ـــــــ
1 سورة الحجرات من الآية "6".
الفاسقين وأقلهما شرا وأعدل المقلدين وأعرفهما بالتقليد قال في الفروع: وهو كما قال.
ولا يشترط أن يكون القاضي كاتبا أو ورعا أو زاهدا أو يقظا أو مثبتا للقياس أو حسن الخلق والأولى كونه كذلك.
"وإذا حكم" بتشديد الكاف "اثنان" فأكثر بينهما "رجلا يصلح للقضاء" فحكم بينهما نفذ حكمه "في المال والحدود واللعان وغيرها" من كل ما ينفذ فيه حكم من ولاه إمام أو نائبه لأن عمر وأبيا تحاكما إلى زيد بن ثابت وتحاكم عثمان وطلحة إلى جبير بن مطعم ولم يكن أحد ممن ذكرنا قاضيا.
1-
باب أدب القاضي
أي: أخلاقه التي ينبغي له التخلق بها "ينبغي" أي يسن " أن يكون قويا من غير عنف" لئلا يطمع فيه الظالم1 والعنف ضد الرفق."لينا من غير ضعف" لئلا يهابه صاحب الحق.
"حليما" لئلا يغضب من كلام الخصم.
"ذا أناة" أي تؤدة وتأن لئلا تؤدي عجلته إلى ما لا ينبغي.
"و" ذا "فطنة" لئلا يخدعه بعض الأخصام.
ويسن أيضا أن يكون عفيفا بصيرا بأحكام من قبله ويدخل يوم اثنين أو خميس أو سبت لابسا هو وأصحابه أجمل الثياب ولا يتطير وإن تفاءل فحسن " وليكن مجلسه في وسط البلد" إذا أمكن ليستوي أهل البلد في المضي إليه وليكن مجلسه "فسيحا" لا يتأذى فيه بشيء. ولا يكره القضاء في الجامع ولا يتخذ حاجبا ولا بوابا بلا عذر إلا في غير مجلس الحكم.
"و" يجب "أن يعدل بين الخصمين في لحظه2 ولفظه3 ومجلسه4 ودخولهما عليه" إلا مسلما مع كافر فيقدم دخولا ويرفع جلوسا وإن سلم أحدهما رد ولم ينتظر
ـــــــ
1 ولا يخشى منه الضعيف المظلوم فيخاف المطالبة بحقه.
2 فلا يعطى وجهه لأحد المتخاصمين ويديره عن الآخر طيلة الوقت لأن هذا يؤيسه فيضعف حجته.
3 فلا يكون لينا مع أحدهما عنيفا مع الآخر.
4 فلا يعقد أحدهما في مجلس أعلى من الآخر.
سلام الآخر ويحرم أن يسار أحدهما أو يلقنه حجته أو يضيفه أو يعلمه كيف يدعي إلا أن يترك ما يلزم ذكره في الدعوى1 "وينبغي" أي: يسن "أن يحضر مجلسه فقهاء المذاهب و" أن " يشاورهم فيما يشكل عليه" إن أمكن فإن اتضح له الحكم حكم وإلا أخره لقوله تعالى: {وشاورهم في الأمر} 2.
طويحرم القضاء وهو غضبان كثيرا" لخبر أبي بكرة مرفوعا: "لا يقضين حاكم بين اثنين وهو غضبان" متفق عليه
"أو" وهو " حاقن3 أو في شدة جوع أو" في شدة " عطش أو" في شدة " هم أو ملل أو كسل أو نعاس أو برد مؤلم أو حر مزعج" لأن ذلك كله يشغل الفكر الذي يتوصل به إلى إصابة الحق في الغالب فهو في معنى الغضب "وإن خالف" وحكم في حال من هذه الأحوال فأصاب الحق نفذ حكمه لموافقة الصواب.
ويحرم على الحاكم قبول رشوة لحديث ابن عمر قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. "وكذا" يحرم على القاضي قبول " هدية" لقوله صلى الله عليه وسلم: "هدايا العمال غلول" رواه أحمد "إلا" إذا كانت الهدية "ممن كان يهاديه قبل ولايته إذا لم تكن له حكومة" فله أخذها كمفت. قال القاضي: ويسن له التنزه عنها فإن أحسن أن يقدمها بين يدي خصومه أو فعلها حال الحكومة حرم أخذها في هذه الحالة لأنها كالرشوة ويكره بيعه وشراؤه إلا بوكيل لا يعرف به4.
"ويستحب أن لا يحكم إلا بحضرة الشهود" ليستوفي بهم الحق ويحرم تعيينه قوما بالقبول "ولا ينفذ حكمه لنفسه ولا لمن لا تقبل شهادته له" كوالده و ولده وزوجته ولا على عدوه كالشهادة ومتى عرضت له أو لأحد ممن ذكر حكومة تحاكما إلى بعض خلفائه أو رعيته كما حاكم عمر أبيا إلى زيد بن ثابت ويسن أن يبدأ بالمحبوسين وينظر فيم حبسوا فمن استحق الإبقاء أبقاه ومن استحق الإطلاق أطلقه ثم في أمر أيتام ومجانين ووقوف ووصايا لا ولي لهم و لا ناظر ولو نفذ الأول وصية موص إليه أمضاها الثاني وجوبا ومن كان من أمناء الحاكم للأطفال والوصايا التي لا وصي لها أقره بحاله ومن فسق عزله ولا
ـــــــ
1 فيذكره ويرشده على مسمع من الآخر.
2 سورة آل عمران من الآية "159".
3 الحاقن من يدافعه البول أو الغائط فيكون متعجلا وكذا حال شديد الجوع والعطش يريد أن ينصرف من عنده بأي شكل ليقوم إلى حاجته و النتعجل لا يقدر على تبيين الحقيقة لانشغال الأخرى التي هو متعجل إليها.
4 لأن أصحاب القضايا قد يحاولون التقرب عبر تساهلهم معه في البيع والشراء وهذا باب من أبواب الرشوة.
ينقض من حكم صالح للقضاء إلا ما خالف نص كتاب الله أو سنة كقتل مسلم بكافر وجعل من وجد عين ماله عند من فلس أسوة الغرماء أو إجماعا قطعيا أو ما يعتقده فيلزم نقضه والناقض له حاكمه إن كان.
"ومن ادعى على غير برزة1" أي طلب من الحاكم أن يحضرها للدعوى عليها "لم تحضر" أي لم يأمر الحاكم بإحضارها "وأمرت بالتوكي"ل للعذر فإن كانت برزة وهي التي تبرز لقضاء حوائجها أحضرت ولا يعتبر محرم تحضر معه "وإن لزمها" أي غير البرزة إذا وكلت "يمين أرسل" الحاكم "من يحلفها" فيبعث شاهدين لتستحلف بحضرتهما وكذا لا يلزم إحضار المريض ويؤمر أن يوكل فإن وجبت عليه يمين بعث إليه من يحلفه ويقبل قول قاض معزول عدل لا يتهم: كنت حكمت لفلان على فلان بكذا ولو لم يذكر مستنده أو لم يكن بسجله.
ـــــــ
1 البرزة: المرأة التي تخرج لقضاء حواجئها بنفسها وغيرا البرزة هي التي تبقى في بيتها فلا تخرج منه إلا بضرورة قصوى وتوكل عادة من يخرج نيابة عنها لقضاء حوائجها.
باب طريق الحكم وصفته
مدخل
2- باب طريق الحكم وصفتهطرق كل شيء ما توصل به إليه والحكم فصل الحكومات. "إذا حضر إليه خصمان" يسن أن يجلسهما بين يديه و قال: أيكما المدعي لأن سؤاله عن المدعي منهما لا تخصيص فيه لواحد منهما "فان سكت" القاضي "حتى يبدأ" بالبناء للمفعول أي حتى تكون البدأة بالكلام من جهتهما "جاز" له ذلك "فمن سبق بالدعوى قدمه" الحاكم على خصمه و إن ادعيا معا أقرع بينهما فإذا انتهت حكومته ادعى الآخر إن أراد ولا تسمع دعوى مقلوبة ولا حسبة بحق الله تعالى كعبادة وحد وكفارة وتسمع بينة بذلك وبعتق وطلاق من غير دعوى لا بينة بحق معين قبل دعواه فإذا حرر المدعي دعواه فللحاكم سؤال خصمه عنها وإن لم يسأل سؤاله. "فإن أقر له" بدعواه "حكم له عليه" بسؤاله الحكم لأن الحق للمدعي في الحكم فلا يستوفيه إلا بسؤاله.
"وإن أنكر" بأن قال المدعي: قرضا أو ثمنا فقال المدعي عليه: ما أقرضني أو ما باعني أو لا يستحق علي ما ادعاه ولا شيئا منه أو لا حق له علي صح الجواب ما لم يعترف بسبب الحق و قال الحاكم للمدعي: إن كان لك بينة فأحضرها إن شئت فإن أحضرها أي البينة لم يسألها الحاكم ولم يلقنها فإذا شهدت "سمعها" وحرم ترديدها
وانتهارها وتعنتها "وحكم بها" أي بالبينة إذا اتضح له الحكم وسأله المدعي "ولا يحكم" القاضي "بعلمه" ولو في غير حد لأن تجويز القضاء بعلم القاضي يفضي إلى تهمته وحكمه بما يشتهي "وإن قال المدعي: مالي بينة أعلمه الحاكم أن له اليمين على خصمه" لما روي أن رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم حضرمي وكندي فقال الحضرمي: يا رسول الله إن هذا غلبني على أرض لي فقال الكندي: هي أرضي وفي يدي وليس له فيها حق فقال النبي صلى الله عليه وسلم للحضرمي: "ألك بينة" ؟ قال: لا قال:" فلك يمينه" وهو حديث حسن صحيح قاله في شرح المنتهى وتكون يمينه على صفة جوابه للمدعي .
"فإن سأل" المدعي من القاضي "إحلافه أحلفه وخلى سبيله" بعد تحليفه إياه لأن الأصل براءته "ولا يعتد بيمينه" أي يمين المدعى عليه "قبل" أمر الحاكم له و "مسألة المدعي" تحليفه لأن الحلف في اليمين للمدعي فلا يستوفى إلا بطلبه " وإن نكل" المدعى عليه عن اليمين " قضي عليه" بالنكول رواه أحمد عن عثمان رضي الله عنه "فيقول" القاضي للمدعى عليه: إن حلفت خليت سبيلك وإلا تحلف "قضيت عليك" بالنكول "فإن لم يحلف قضي عليه" بالنكول فإن حلف المنكر وخلى الحاكم سبيله "ثم إن أحضر المدعي بينة" عليه "حكم" القاضي "بها ولم تكن اليمين مزيلة للحق" هذا إذا لم يكن قال: لا بينة لي فإن قال ذلك ثم أقامها لم تسمع لأنه مكذب لها.
فصل في صحة الدعوى
"ولا تصح الدعوى إلا محررة" لأن الحكم مرتب عليها ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "وإنما أقضي على نحو ما أسمع". ولا تصح أيضا إلا "معلومة المدعى به" أي: أن تكون بشيء معلوم ليتأتى الإلزام به "إلا" الدعوى بـ " ما نصححه مجهولا كالوصية" بشيء من ماله و الدعوى بـ " عبد من عبيده" جعله "مهرا ونحوه" كعوض خلع أو أقر به فيطالبه بما وجب له ويعتبر أن يصرح بالدعوى فلا يكفي: لي عنده كذا حتى يقول: وأنا مطالبه به ولا تسمع بمؤجل لإثباته غير تدبير و استيلاد وكتابة ولا بد أن تنفك عما يكذبها فلا تصح على إنسان أنه قتل أو سرق من عشرين سنة وسنه دونها ولا يعتبر فيها ذكر سبب الاستحقاق."وإن ادعى عقد نكاح أو" عقد "بيع أو غيرهما" كإجارة "فلابد من ذكر شروطه" لأن الناس مختلفون في الشروط فقد لا يكون العقد صحيحا عند القاضي وإن ادعى استدامة الزوجية لم يشترط ذكر شروط العقد "وإن ادعت امرأة نكاح رجل لطلب نفقة أو
مهر أو نحوهما سمعت دعواها" لأنها تدعي حقا لها تضيفه إلى سببه "وإن لم تدع سوى النكاح" من نفقة ومهر وغيرهما "لم تقبل" دعواها لأن النكاح حق الزوج عليها فلا تسمع دعواها بحق لغيرها "وإن ادعى" إنسان "الإرث ذكر سببه" لأن أسباب الإرث تختلف فلابد من تعيينه ويعتبر تعيين مدعى به إن كان حاضرا بالمجلس وإحضار عين البلد ليتعين وإن كانت غائبة وصفها كسلم والأولى ذكر قيمتها أيضا "وتعتبر عدالة البينة ظاهرا وباطنا" لقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} 1 إلا في عقد نكاح فتكفي العدالة ظاهرا كما تقدم.
"ومن جهلت عدالته سأل" القاضي "عنه" ممن له به خبرة باطنة بصحبة أو معاملة ونحوهما وتقدم بينة جرح على تعديل وتعديل الخصم وحده أو تصديقه للشاهد تعديل له "وإن علم" القاضي "عدالته" أي: عدالة الشاهدة "عمل بها" ولم يحتج إلى التزكية وكذا لو علم فسقه "وإن جرح الخصم الشهود كلف البينة به" أي: بالجرح ولا بد من بيان سببه عن رؤية أو استفاضة.
"وانظر" من ادعى الجرح "له ثلاثة إن طلبه وللمدعي ملازمته" أي: ملازمة خصمه في مدة الانتظار لئلا يهرب " فإن لم يأت" مدعي الجرح "ببينة حكم عليه" لأن عجزه عن إقامة البينة على الجرح في المدة المذكورة دليل على عدم ما ادعاه "وإن جهل" القاضي "حال البينة طلب من المدعي تزكيتهم" لتثبت عدالتهم فيحكم له "ويكفي فيها" أي: في التزكية عدلان يشهدان بعدالته أي: بعدالة الشاهد. "ولا يقبل في الترجمة وفي التزكية و" في "الجرح والتعريف" عند حاكم "والرسالة" إلى قاض آخر بكتابة ونحوه "إلا قول عدلين" إن كان ذلك فيما يعتبر فيه شهادة عدلين وإلا فحكم ذلك حكم الشهادة على ما يأتي تفصيله وإن قال المدعي: لي بينة وأريد يمينه فإن كانت بالمجلس فليس له إلا إحداهما وإلا فله ذلك وإن سأل ملازمتة حتى يقيمها أجيب في المجلس فإن لم يحضرها فيه صرفه لأنه لم يثبت له قبله حق حتى يحبس به.
"ويحكم على الغائب" مسافة القصر "إذا ثبت عليه الحق" لحديث هند: قالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي قال: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" متفق عليه فتسمع الدعوى والبينة على الغائب مسافة قصر وعلى غير مكلف ويحكم بها ثم إذا حضر الغائب فهو على حجته2. "وإن ادعى"
ـــــــ
1 سورة الطلاق من الآية "2".
2 أي يعاد النظر في المسألة.
إنسان "على حاضر في البلد غائب عن مجلس الحكم" أو على مسافر دون مسافة قصر غير مستتر وأتى المدعي" ببينة لم تسمع الدعوى ولا البينة" عليه حتى يحضر مجلس الحكم لأنه يمكن سؤاله فلم يجز الحكم عليه قبله.
3-
باب حكم كتاب القاضي إلى القاضي
اجتمعت الأمة على قبوله أي كتاب القاضي لدعاء الحاجة إليه "فيقبل كتاب القاضي إلى القاضي في كل حق" لآدمي كالقرض والبيع والإجارة "حتى القذف" والطلاق والقود والنكاح والنسب لأنها حقوق آدمي لا تدرأ بالشبهات. لا يقبل " في حدود الله" تعالى كحد الزنا ونحوه كشرب الخمر لأن حقوق الله تعالى مبنية على الستر والدرء بالشبهات ويقبل كتاب القاضي "فيما حكم به" الكاتب "لينفذه" المكتوب إليه "وإن كان" كل منهما "في بلد واحد" لأن حكم الحاكم يجب إمضاؤه على كل حال "ولا يقبل" كتابه "فيما ثبت عنده ليحكم" المكتوب إليه " به إلا أن يكون بينهما مسافة القصر" فأكثر لأنه نقل شهادة إلى المكتوب إليه فلم يجز مع القرب كالشهادة على الشهادة ويجوز أن يكتب كتابه "إلى قاض معين و" أن يكتبه "الى كل من يصل إليه كتابه من قضاة المسلمين" من غير تعيين ويلزم من وصل إليه قبوله لأنه كتاب حاكم من ولايته وصل إلى حاكم فلزمه قبوله كما لو كتب إلى معين "ولا يقبل" كتاب القاضي "إلا أن يشهد به القاضى الكاتب شاهدين" عدلين يضبطان معناه وما يتعلق به الحكم "فيقرأه" القاضي الكاتب "عليهما" أي على الشاهدين "ثم يقول: إشهدا أن هذا كتابي الى فلان بن فلان" أو إلى من يصل إليه من قضاة المسلمين "ثم يدفعه إليهما" أي: إلى العدلين اللذين شهدا بما في الكتاب فإذا وصلا دفعاه إلى المكتوب إليه وقالا: نشهد أنه هذا كتاب فلان إليك كتبه بعلمه والاحتياط ختمه بعد أن يقرأ عليهما ولا يشترط وإن أشهدهما عليه مدرجا مختوما لم يصح1.ـــــــ
1 لأنها شهادة على مجهول ولا تصح شهادة إلا على ما سمعه أو علمه علما لا شك فيه أ, رآه بعينيه رؤيا لا غموض فيها.
4-
باب القسمة
من قسمت الشيء: إذا جعلته أقساما والقسم - بكسر القاف -: النصيب وهي نوعان قسمة تراض وأشار إليها بقوله: "لا تجوز قسمة الأملاك التي لا تنقسم إلا بضرر" ولو على بعض الشركاء "أو" لا تنقسم إلا بـ "رد عوض" من أحدهما على الآخر "إلا برضى الشركاء" كلهم لحديث: "لا ضرر ولا ضرار" رواه أحمد وغيره وذلك "كالدور الصغار والحمام والطاحون الصغيرين" والشجر المفرد "والأرض التي لا تتعدل بأجزاء ولا قيمة كبناء أو بئر" أو معدن "في بعضها" أي بعض الأرض "فهذه القسمة في حكم البيع" تجوز بتراضيهما ويجوز فيها ما يجوز في البيع خاصة "ولا يجبر من امتنع" منهما "من قسمتهما" لأنها معاوضة ولما فيها من الضرر ومن دعا شريكه فيها إلى بيع أجبر فإن أبى باعه الحاكم عليهما وقسم الثمن بينهما على قدر حصصهما وكذا لو طلب الإجارة ولو في وقف والضرر المانع من قسمة الإجبار نقص القيمة بالقسمة ومن بينهما دار لها علو و سفل وطلب أحدهما جعل السفل لواحد والعلو لآخر لم يجبر الممتنع.النوع الثاني: قسمة إجبار وقد ذكرها بقوله: "وأما ما لا ضرر" في قسمته "ولا رد عوض في قسمته كالقرية والبستان والدار الكبيرة والأرض" الواسعة "والدكاكين الواسعة والمكيل والموزون من جنس واحد كالأدهان والألبان ونحوها إذا طلب الشريك قسمتها أجبر " شريكه "الآخر عليها" إن امتنع من القسمة1 مع شريكه ويقسم عن غير مكلف وليه فإن امتنع أجبر ويقسم حاكم على غائب من الشريكين بطلب شريكه أو وليه ومن دعا شريكه في بستان إلى قسم شجرة فقط لم يجبر وإلى قسم أرضه أجبر ودخل الشجر تبعا.
"وهذه القسم" وهي قسمة الإجبار "إفراز" لحق أحد الشريكين من الآخر "لا يبع" لأنها تخالفه في الأحكام فيصح قسم لحم هدي وأضاحي وثمر يخرص خرصا وما يكال وزنا وعكسه وموقوف ولو على جهة ولا يحنث بها من حلف لا يبيع ومتى ظهر فيها غبن فاحش بطلت2.
ـــــــ
1لأن هذه تمكن من قسمتها ومعارضة أحدهما للقسمة فيه إضرار لشريكة طالب القسمة.
2 أي بطلت القسمة وأعيدت إن طلب أحدهما الإعادة أو كان هو المغبون في القسمة السابقة.
"ويجوز للشركاء أن يتقاسموا بأنفسهم و" أن يتقاسموا "بقاسم ينصبونه أو يسألوا الحاكم نصبه" وتجب عليه إجابتهم لقطع النزاع ويشترط إسلامه وعدالته ومعرفته بها ويكفي واحد إلا مع تقويم.
"وأجرته" - وتسمى القسامة - بضم القاف - على الشركاء "على قدر الأملاك" ولو شرط خلافه ولا ينفرد بعضهم باستئجاره وتعدل سهام بالأجزاء إن تساوت كالمكيلات والموزونات غير المختلفة وبالقيمة إن اختلفت وبالرد إن اقتضته "فإذا اقتسموا واقترعوا لزمت القسمة" لأن القاسم كالحاكم وقرعته كحكمه "وكيف اقترعوا جاز" بالحصى أو غيره وإن خير أحدهم الآخر لزمت برضاهم وتفرقهم ومن ادعى غلطا فيما تقاسماه بأنفسهما وأشهدا على رضاهما به لم يلتفت إليه وفيما قسمه قاسم حاكم أو قاسم نصباه يقبل ببينة وإلا حلف منكر وإن ادعى كل شيئا أنه من نصيبه تحالفا ونقضت ولمن خرج في نصيبه عيب جهله إمساك مع أرش أو فسخ.
5-
باب الدعاوى والبينات
الدعوى لغة: الطلب قال تعالى: {وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ} 1 أي: يطلبون. واصطلاحا: إضافة الإنسان إلى نفسه استحقاق شيء في يد غيره أو ذمته. والبينة: العلامة الواضحة كالشاهد فأكثر "والمدعي: من إذا سكت" عن الدعوى "ترك" فهو المطالب "والمدعى عليه: من إذا سكت لم يترك" فهو المطالب."ولا تصح الدعوى و" لا "الإنكار" لها " إلا من جائز التصرف" وهو الحر المكلف الرشيد سوى إنكار سفيه فيما يؤاخذ به لو أقر به كطلاق وحد.
"وإذا تداعيا عينا" أي: ادعى كل منهما أنها له وهي "بيد أحدهما فهي له" أي: فالعين لمن هي بيده "مع يمينه إلا أن تكون له بينة" ويقيمها "فلا يحلف" معها اكتفاء بها وإن أقام كل واحد منهما بينة أنها أي: العين المدعى بها "له قضي" بها "للخارج بينته ولغت بينة الداخل" لحديث ابن عباس مرفوعا: "لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه" رواه أحمد ومسلم ولحديث: "البينة على المدعي واليمين على من أنكر" رواه الترمذي وإن لم تكن العين بيد أحد ولا ثم ظاهر
ـــــــ
1 سورة يس من الآية "57".
تحالفا وتناصفاها وإن وجد ظاهر لأحدهما عمل به فلو تنازع الزوجان في قماش البيت ونحوه فما يصلح لرجل فله ولها فلها1 ولهما فلهما وإن كانت بيديهما تحالفا وتناصفاها على أن يدب2 فإن قويت يد أحدهما كحيوان واحد سائقه وآخر راكبه فهو للثاني لقوة يده.
ـــــــ
1 أي وما يصلح لها من القماش فهو لها.
2 أي قسمت بينهما لكل منهما نصفها فإن لم تكن مما يقبل القسمة فهي لأحدهما على أن يدفع للآخر نصف القيمة أو تباع وتقسم القيمة بينهما.
كتاب الشهادات
مدخل
مدخل
27- كتاب الشهاداتواحدها شهادة مشتقة من المشاهدة لأن الشاهد يخبر عما شاهده وهي الإخبار بما علمه بلفظ: أشهد أو شهدت " تحمل الشهادة في غير حق الله" تعالى "فرض كفاية" فإذا قام به من يكفي سقط عن بقية المسلمين "و إن لم يوجد إلا من يكفي تعين عليه" وإن كان عبدا لم يجز لسيده منعه لقوله تعالى: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} 1 قال ابن عباس وغيره: المراد به التحمل للشهادة وإثباتها عند الحاكم ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك لإثبات الحقوق والعقود فكان واجبا كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
"وأداؤها" أي: أداء الشهادة "فرض عين على من تحملها متى دعي إليها" لقوله تعالى: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} 2. و محل وجوبها إن "قدر" على أدائها " بلا ضرر" يلحقه " في بدنه أو عرضه أو ماله أو أهله" وكذا لو كان ممن لا يقبل الحاكم شهادته لقوله تعالى: {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} 3 " وكذا في التحمل" يعتبر انتفاء الضرر.
"ولا يحل كتمانها" أي: كتمان الشهادة لما تقدم فلو أدى شاهد وأبى الآخر وقال: احلف بدلي أثم ومتى وجبت الشهادة لزم كتابتها ويحرم أخذ أجرة وجعل4 عليها ولو لم تتعين عليه لكن إن عجز عن المشي أو تأذى به فله أجرة مركوب ومن عنده شهادة بحد لله فله إقامتها وتركها "ولا" يحل "أن يشهد" أحد "إلا بما يعلمه" لقول ابن عباس: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهادة فقال: "ترى الشمس" قال: نعم قال: "على مثلها فاشهد أو دع" رواه
ـــــــ
1 سورة البقرة من الآية "282"
2 سورة البقرة من الآية "283"
3 سورة البقرة من الآية "282"
4 الجعل والجعالة: البديل من نقد أو أشياء لعمل يطلب منه القيام به.
الخلال في جامعه والعلم إما "برؤية أو سماع" من مشهود عليه كعتق وطلاق وعقد فيلزمه أن يشهد بما سمع ولو كان مستخفيا حين تحمل أو سماع بـ "استفاضة فيما يتعذر علمه" غالبا "بدونها كنسب وموت وملك مطلق ونكاح" عقده ودوامه "ووقف ونحوها" كعتق وخلع وطلاق ولا يشهد باستفاضة إلا عن عدد يقع بهم العلم.
"ومن شهد بـ" عقد نكاح "أو غيره من العقود فلا بد" في صحة شهادته به "من ذكر شروطه" لاختلاف الناس في بعض الشروط وربما اعتقد الشاهد ما ليس بصحيح صحيحا "وإن شهد برضاع" ذكر عدد الرضعات وأنه شرب من ثديها أو لبن حلب منه "أو" شهد بسرقة ذكر المسروق منه والنصاب والحرز وصفتها "أو" شهد بـ " شرب" خمر وصفه "أو" شهد بـ " قذف فإنه يصفه" بأن يقول: أشهد أنه قال له: يا زاني أو يا لوطي ونحوه "ويصف الزنا" إذا شهد به "بذكر الزمان والمكان" الذي وقع فيه الزنا "و" ذكر "المزني بها" وكيف كان وأنه رأى ذكره في فرجها "ويذكر" الشاهد "ما يعتبر للحكم ويختلف" الحكم " به في الكل" أي في كل ما يشهد فيه ولو شهد اثنان في محفل على واحد منهم أنه طلق أو أعتق أو على خطيب أنه قال أو فعل على المنبر في الخطبة شيئا لم يشهد به غيرهما مع المشاركة في سمع وبصر قبلا.
فصل في شروط الشهادة
وشروط من تقبل شهادته ستة أحدها: "البلوغ فلا تقبل شهادة الصبيان" مطلقا ولو شهد بعضهم على بعض."الثاني: العقل فلا تقبل شهادة مجنون ولا معتوه وتقبل" الشهادة "ممن يخنق أحيانا1 إذا تحمل وأدى في حال إفاقته لأنها شهادة من عاقل.
"الثالث: الكلام فلا تقبل شهادة الأخرس ولو فهمت إشارته" لأن الشهادة يعتبر فيها اليقين "إلا إذا أداها" الأخرس " بخطه" فتقبل.
"الرابع: الإسلام" لقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} 2 فلا تقبل من كافر ولو على مثله إلا في سفر على وصية مسلم أو كافر فتقبل من رجلين كتابيين عند عدم غيرهما.
ـــــــ
1 أي ممن يصيبه جنون مؤقت وهو في أكثر أوقاته كامل العقل.
2 سورة الطلاق من الآية "2".
"الخامس: الحفظ "فلا تقبل من مغفل ومعروف بكثرة سهو وغلط لأنه لا تحصل الثقة بقوله
"السادس: العدالة" وهي لغة: الاستقامة - من العدل ضد الجور - وشرعا: استواء أحواله في دينه واعتدال أقواله وأفعاله ويعتبر لها أي: للعدالة شيئان "أحدهما: الصلاح في الدين وهو" نوعان أحدهما - "أداء الفرائض" أي: الصلوات الخمس والجمعة "بسننها الراتبة" فلا تقبل ممن داوم على تركها لأن تهاونه بالسنن يدل على عدم محافظته على أسباب دينه وكذا ما وجب من صوم وزكاة وحج. "و" الثاني "اجتناب المحارم بأن لا يأتي كبيرة ولا يدمن على صغيرة" والكبيرة ما فيه حد في الدنيا أو وعيد في الآخرة كأكل الربا ومال اليتيم وشهادة الزور وعقوق الوالدين والصغيرة ما دون ذلك من المحرمات كسب الناس بما دون القذف واستماع كلام النساء الأجانب على وجه التلذذ به والنظر المحرم "فلا تقبل شهادة فاسق" بفعل كزان و ديوث1 أو اعتقاد كالرافضة والقدرية والجهمية ويكفر مجتهدهم الداعية ومن أخذ بالرخص فسق.
"الثاني" : مما يعتبر للعدالة استعمال المروءة أي: الإنسانية "وهو" أي: استعمال لمروءة "فعل ما يجمله ويزينه" عادة كالسخاء وحسن الخلق وحسن المجاورة "واجتناب ما يدنسه ويشينه" عادة من الأمور الدنية المزرية به فلا شهادة لمصافع ومتمسخر ورقاص ومغن وطفيلي ومتزي بزي يسخر الناس منه ولا لمن يأكل السوق إلا شيئا يسيرا كلقمة وتفاحة ولا لمن يمد رجله بمجمع الناس أو ينام بين جالسين ونحوه. "ومتى زالت الموانع" من الشهادة "فبلغ الصبي وعقل المجنون وأسلم الكافر وتاب الفاسق قبلت شهادتهم" بمجرد ذلك لعدم المانع لقبولها ولا تعتبر الحرية فتقبل شهادة عبد وأمة في كل ما يقبل فيه حر وحرة وتقبل شهادة ذي صنعة دنيئة كحجام وحداد وزبال.
ـــــــ
1 الديوث: هو الذي يرى الفاحشة في أهله ويقبل.
باب موانع الشهادة وعدد الشهود وغير ذلك
مدخل
1- باب موانع الشهادة وعدد الشهود وغير ذلك"لا تقبل شهادة عمودي النسب" وهم الآباء وان علوا والأولاد وإن سفلوا "بعضهم لبعض" كشهادة الأب لابنه وعكسه للتهمة بقوة القرابة وتقبل شهادته لأخيه وصديقه وعتيقه1 "ولا" تقبل شهادة "أحد الزوجين لصاحبه" كشهادته لزوجته بعد الطلاق
ـــــــ
1 العبد الذي أعتقه.
وشهادتها له لقوة الوصلة "وتقبل" الشهادة "عليهم" فلو شهد على أبيه أو ابنه أو زوجته أو شهدت عليه قبلت إلا على زوجته بزنا. "ولا" تقبل شهادة "من يجر إلى نفسه نفعا" كشهادة السيد لمكاتبه وعكسه والوارث بجرح مورثه قبل اندماله فلا تقبل وتقبل له بدينه في مرضه "أو يدفع عنه"ا أي عن نفسه بشهادته "ضررا" كشهادة العاقلة بجرح شهود الخطأ والغرماء بجرح شهود الدين على المفلس والسيد بجرح من شهد على مكاتبه بدين ونحوه. "و" تقبل شهادة "عدو على عدو كمن شهد على من قذقه أو قطع الطريق عليه" والمجروح على الجارح ونحوه. "ومن سره مساءة شخص أو غمه فرحه فهو عدوه" والعداوة في الدين غير مانعة فتقبل شهادة مسلم على كافر وسني على مبتدع وتقبل شهادة العدو لعدوه وعليه في عقد نكاح ولا شهادة من عرف بعصبية وإفراط في حمية كتعصب قبيلة على قبيلة وان لم تبلغ رتبة العداوة1.
ـــــــ
1 وروى الإمام مالك في الموطأ عن عمر رضي الله عنه موقوفا: "لا تقبل شهادة ظنين ولا خصم". كما روي عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا: "لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا ذي غمرة لأخيه ولا ظنين ولا قرابة" لأن الخائن الذي خان مرة يخون مرات والخائن قد كذب والكاذب لا تقبل شهادته وذي الغمر هو المشاحن لأنه قد يتخذ الشهادة وسيلة للانتقام ممن يبغضه.
كما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا تجوز شهادة القانع لأهل البيت والقانع هو الذي يتعيش من أهل بيت معين ولا معاش له إلا منهم فشهادته رواه ابن أبي شيبة في مصنفه والإمام أحمد في مسنده وأبو داوود في السنن.
فصل في عدد الشهود
"ولا يقبل في الزنا" واللواط " والإقرار به إلا أربعة" رجال يشهدون به أو أنه أقر به أربعا لقوله تعالى: {لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ...} 1 الآية. "ويكفي" في الشهادة "على من أتى بهيمة رجلان" لأن موجبه التعزير. ومن عرف بغنى وادعى أنه فقير ليأخذ من زكاة لم يقبل إلا بثلاثة رجال2."ويقبل في بقية الحدود" كالقذف والشرب والسرقة وقطع الطريق "و" في
ـــــــ
1 سورة النور من الآية "13".
2 يشهدون بفقر حاله وحاجته وأن جائحة قد أصابته واجتاحت ماله ولا يكونوا إلا من قومه الذين يعلمون حاله على الحقيقة.
"القصاص" رجلان ولا تقبل فيه شهادة النساء لأنه يسقط بالشبهة " وما ليس بعقوبة" ولا "مال ولا يقصد به المال وبطلع عليه الرجال غالبا كنكاح وطلاق ورجعة وخلع ونسب وولاء وإيصاء إليه" في غير مال "يقبل فيه رجلان" دون النساء.
"ويقبل في المال وما يقصد به" المال "كالبيع والأجل والخيار فيه" أي في البيع "ونحوه" كالقرض والرهن والغصب والإجارة والشركة والشفعة وضمان المال إتلافه والعتق والكتابة والتدبير والوصية بالمال والجناية إذا لم توجب قودا ودعوى أسير تقدم إسلامه لمنع رقه "رجلان أو رجل وامرأتان" لقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} 1 وسياق الآية يدل على اختصاص ذلك بالأموال "أور جل ويمين المدعي" لقول ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد رواه أحمد وغيره ويجب تقديم الشهادة عليه لا بامرأتين ويمين ويقبل في داء دابة وموضحة طبيب وبيطار واحد مع عدم غيره فإن لم يتعذر فاثنان.
"وما لا يطلع عليه الرجال غالبا كعيوب النساء تحت الثياب والبكارة والثيوبة والحيض والولادة والرضاع والاستهلال" أي: صراخ المولود عند الولادة ونحوه كالرتق والقرن والعفل وكذا جراحة وغيرها في حمام وعرس ونحوهما مما لا حضره الرجال يقبل فيه شهادة امرأة عدل لحديث حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة القابلة وحدها ذكره الفقهاء في كتبهم وروى أبو الخطاب عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يجزئ في الرضاع شهادة امرأة واحدة" والرجل فيه كالمرأة وأولى لكماله.
"ومن أتى برجل وامرأتين أو" أتى بـ "شاهد ويمين" أي حلفه "فيما يوجب القود لم يثبت به" أي: بما ذكر "قود ولا مال" لأن قتل العمد يوجب القصاص والمال بدل منه فإن لم يثبت الأصل لم يجب بدله وإن قلنا: الواجب أحدهما لم يتعين إلا باختياره فلو أوجبنا بذلك الدية أوجبنا معينا بدون اختياره "وإن أتى بذلك" أي: برجل وامرأتين أو رجل ويمين "في سرقة ثبت المال" لكمال بينته "دون القطع" لعدم كمال بينته "وإن أتى بذلك" أي: برجل وامرأتين أو رجل ويمين في دعوى خلع امرأته على عوض سماه "ثبت له العوض" لأن بينته تامة فيه "وتثبت البينونة بمجرد دعواه" لإقراره على نفسه وإن ادعته هي لم يقبل فيه إلا رجلان.
ـــــــ
1 سورة البقرة من الآية "282".
فصل في الشهادة على الشهادة
"ولا تقبل الشهادة على الشهادة إلا في حق يقبل فيه كتاب القاضي إلى القاضي" وهو حقوق الآدميين دون حقوق الله تعالى لأن الحدود مبنية على الستر والدرء بالشبهات "ولا يحكم" الحاكم " بها" أي: بالشهادة على الشهادة "إلا أن تتعذر شهادة الأصل بموت أو مرض أو غيبة مسافة قصر" أو خوف من سلطان أو غيره لأنه إذا أمكن الحاكم أن يسمع شهادة شاهدي الأصل استغنى عن البحث عن عدالة شاهدي الفرع وكان أحوط للشهادة ولابد من دوام عذر شهود الأصل إلى الحكم ولا بد أيضا من ثبوت عدالة الجميع ودوام عدالتهم وتعيين فرع الأصل."ولا يجوز لشاهد الفرع أن يشهد إلا أن يسترعيه شاهد الأصل فيقول" شاهد الأصل لفرع: "اشهد على شهادتي بكذا أو" اشهد أني أشهد أن فلانا أقر عندي بكذا أو نحوه وإن لم يسترعه لم يشهد لأن الشهادة على الشهادة فيها معنى النيابة ولا ينوب عنه إلا بإذنه إلا أن يسمعه "يقر بها" أي: يسمع الفرع الأصل يشهد عند الحاكم "أو" سمعه "يعزوها" أي: يعزو شهادته "إلى سبب من قرض أو بيع أو نحوه" فيجوز للفرع أن يشهد لأن هذا كالاسترعاء ويؤديها الفرع بصفة تحمله وتثبت شهادة شاهدي الأصل بفرعين ولو على كل أصل فرع ويثبت الحق بفرع مع أصل آخر ويقبل تعديل فرع لأصله وبموته ونحوه لا تعديل شاهد لرفيقه.
"وإذا رجع شهود المال بعد الحكم لم ينقض" الحكم لأنه قد تم ووجب المشهود به مشهود له ولو كان قبل الاستيفاء "ويلزمهم الضمان" أي يلزم الشهود الراجعين بدل المال الذي شهدوا به قائما كان أو تالفا لأنهم أخرجوه من يد مالكه بغير حق وحالوا بينه وبينه "دون من زكاهم" فلا غرم على مزك إذا رجع المزكى لأن الحكم تعلق بشهادة الشهود ولا تعلق له بالمزكين لأنهم أخبروا بظاهر حال الشهود وأما باطنه فعلمه إلى الله تعالى.
"وإن حك" القاضي "بشاهد ويمين ثم رجع الشاهد غرم" الشاهد "المال كله" لأن الشاهد حجة الدعوى ولأن اليمين قول الخصم وإن رجعوا قبل الحكم لغت ولا حكم ولا ضمان وإن رجع شهود قود أو حد بعد حكم وقبل استيفاء لم يستوف وجبت دية قود.
2-
باب اليمين في الدعاوى
أي: بيان ما يستحلف فيه وما لا يستحلف فيه وهي تقطع الخصومات حالا ولا تسقط حقا "ولا يستحلف مكر في العبادات" كدعوى دفع زكاة وكفارة ونذر "ولا في حدود الله تعالى" لأنها يستحب سترها والتعريض للمقر بها ليرجع عن إقراره. "ويستحلف المنكر على صفة جوابه بطلب خصمه "في كل حق لآدمي" لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم : "ولكن اليمين على المدعى عليه" "إلا النكاح والطلاق والرجعة والايلاء وأصل الرق" كدعوى رق لقيط "والولاء والاستيلاد" للأمة "والنسب والقود والقذف" فلا يستحلف منكر شيء من ذلك لأنها ليست مالا ولا يقصد بها المال ولا يقضى فيها بالنكول لا يستحلف شاهد أنكر تحمل الشهادة ولا حاكم أنكر الحكم ولا وصي على نفي دين على موص إن ادعى وصي وصية للفقراء فأنكر الورثة حلفوا فإن نكلوا قضي عليهم من توجه عليه حق لجماعة حلف لكل واحد يمينا إلا أن يرضوا بواحدة."اليمين المشروعة" هي "اليمين بالله" تعالى فلو قال الحاكم لمنكر: قل: والله لا حق له عندي كفى لأنه صلى الله عليه وسلم استحلف ركانة بن عبد يزيد في الطلاق فقال: والله ما أردت إلا واحدة "ولا تغلظ" اليمين "إلا فيما له خطر" كجناية لا توجب قودا وعتق ونصاب زكاة فللحاكم تغليظها وإن أبى الحالف.
كتاب الإقرار
كتاب الإقرار
مدخل
28- كتاب الإقراروهو الاعتراف بالحق مأخوذ من المقر وهو المكان كأن المقر يجعل الحق في موضعه وهو إخبار عما في نفس الأمر لا إنشاء "يصح" الإقرار "من مكلف" 1 لا من صغير غير مأذون في تجارة فيصح في قدر ما أذن له2 فيه "مختار غير محجور عليه" فلا يصح من سفيه إقرار بمال. "ولا يصح" الاقرار "من مكره" هذا محترز قوله: مختار إلا أن يقر بغير ما أكره عليه كأن يكره على الإقرار بدرهم فيقر بدينار يصح من سكران ومن أخرس بإشارة معلومة ولا يصح بشيء في يد غيره أو تحت ولاية غيره كما لو أقر أجنبي على صغير أو وقف في ولاية غيره أو اختصاصه وتقبل من مقر دعوى إكراه بقرينة كترسيم عليه وتقدم بينة إكراه على طواعية "وإن أكره على وزن مال فباع ملكه لذلك" أي: لوزن ما أكره عليه "صح" البيع لأنه لم يكره على البيع ويصح إقرار صبي أنه بلغ باحتلام إذا بلغ عشرا ولا يقبل بسن إلا ببينة كدعوى جنون.
"ومن أقر في مرضه" ولو مخوفا ومات فيه "شيء فكإقراره في صحته" 3 لعدم تهمته فيه إلا في إقراره أي: إقرار المريض "بالمال لوارثه" حال إقراره بأن يقول له: علي كذا أو يكون للمريض عليه دين فيقر بقبضه منه "فلا يقبل" هذا الإقرار من المريض لأنه متهم فيه إلا ببينة أو إجارة " وإن أقر" المريض "لامرأته بالصداق فلها مهر المثل بالزوجية لا بإقراره" لأن الزوجية دلت على المهر ووجوبه فإقراره إخبار بأنه لم يوفه "ولو أقر" المريض "أنه كان أبانها" أي زوجته4 "في صحته لم يسقط إرثها" بذلك إن لم تصدقه لأن
ـــــــ
1 المكلف هو البالغ العاقل.
2 أي إن كان قد أذن له في التجارة بحد أقصى معين فلا يؤخذ إقراره بما يزيد على ذلك.
3 لأنه يقر على نفسه.
4 أي طلقها ثلاثا.
قوله غير مقبول عليها بمجرده1. "وإن أقر" المريض بمال "لوارث فصار عند الموت أجنبيا" أي: غير وارث بأن أقر لابن ابنه ولا ابن له ثم حدث له ابن "لم يلزم إقراره" اعتبارا لحالته لأته كان متهما "لا أنه" أي: الإقرار "باطل" بل هو صحيح موقوف على الإجازة كالوصية لوارث. وإن أقر المريض "لغير وارث" كابن ابنه مع وجود ابنه "أو أعطاه" شيئا "صح" الإقرار والإعطاء " وإن صار عند الموت وارثا" لعدم التهمة إذ ذاك2 ومسألة العطية ذكرها في الترغيب والصحيح أن العبرة فيها بحال الموت كالوصية عكس الإقرار. وإن أقر قن بمال أو بما يوجبه لم يؤخذ به إلا بعد عتقه إلا مأذونا له فيما يتعلق بتجارة وإن أقر بحد أو طلاق أو قود طرف أخذ به في الحال.
"وإن أقرت امرأة" ولو سفيهة "على نفسها بنكاح ولم يدعه" أي: النكاح "اثنان قبل إقرارها لأنه حق عليها ولا تهمة فيه وإن كان المدعي اثنين فمفهوم كلامه لا يقبل وهو رواية والأصح يصح إقرارها جزم به في المنتهى وغيره. وإن أقاما بينتين قدم أسبق النكاحين فإن جهل فقول ولي فإن جهله الولي فسخا ولا ترجيح بيد "وإن أقر وليها" المجبر "بالنكاح" صح إقراره "أو" أقر به الولي الذي أذنت له أن يزوجها "صح" إقراره به لأنه يملك عقد النكاح عليها فملك الإقرار به كالوكيل ومن ادعى نكاح صغيرة بيده3 فرق حاكم بينهما ثم إن صدقته إذا بلغت قبل.
"وإن أقر" إنسان "بنسب صغير أو مجنون مجهول النسب أنه ابنه ثبت نسبه" ولو أسقط به وارثا معروفا لأنه غير متهم في إقراره لأنه لا حق للوارث في الحال "فإن كان" المقر به "ميتا ورثه" المقر وشرط الإقرار بالنسب إمكان صدق المقر وأن لا ينفي به نسبا معروفا وإن كان المقر به مكلفا فلا بد ايضا من تصديقه. "وإن ادعى" إنسان "على شخص" مكلف "بشيء فصدقه صح" تصديقه وأخذ به لحديث: "لا عذر لمن أقر" . والإقرار يصح بكل ما أدى معناه كصدقت أو نعم أو أنا مقر بدعواك أو أنا مقر فقط أو خذها أو اتزنها أو اقبضها أو أحرزها ونحوه لا إن قال: أنا أقر أو لا أنكر ويجوز أن تكون محقا ونحوه4.
ـــــــ
1 لأنه قد يفعل ذلك كي يحرمها من الإرث وحاله هنا حال المريض المرض المخوف الذي يطلق امرأته طلاقا بائنا ليحرمها الإرث فإنها ترث.
2 أي عند الإقرار.
3 أي هو وليها وقد ادعى تزويجها لنفسه.
4 أي لا يكون الإقرار إلا بلفظ واضح المعنى لا يحتمل أكثر من تفسير.
فصل
"إذا وصل بإقراره ما يسقطه مثل أن يقول له: علي ألف لا تلزمي ونحوه" كله علي ألف من ثمن خمر أو له علي ألف مضاربة أو وديعة تلفت "لزمه الألف" لأنه أقر به وادعى منافيا ولم يثبت فلم يقبل منه وإن قال : له علي ألف وقضيته أو برئت منه أو قال: "كان له علي كذا وقضيته" أو برئت منه "فقوله" أي: قول المقر "بيمينه" ولا يكون مقرا فإذا حلف خلي سبيله لأنه رفع ما أثبته بدعوى القضاء متصلا فكان القول قوله "ما لم تكن" عليه "بينة" فيعمل بها "أو يعترف بسبب الحق" من عقد أو غصب أو غيرهما فلا يقبل قوله في الدفع أو البراءة إلا ببينة لاعترافه بما يوجب الحق عليه ويصح استثناء النصف فأقل في الإقرار فله علي عشرة إلا خمسة يلزمه خمسة وله هذه الدار ولي هذا البيت يصح ويقبل ولو كان أكثرها "وإن قال: له علي مائة ثم سكت سكونا يمكنه الكلام فيه ثم قال زيوفا" أي: معيبة "أو مؤجلة لزمه مائة جيدة حالة" لأن الإقرار حصل منه بالمائة مطلقا فينصرف إلى الجيد الحال وما أتى به بعد سكوته لا يلتفت إليه لأنه يرفع به حقا لزمه وإن أقر بدين مؤجل بأن قال بكلام متصل: له علي مائة مؤجلة إلى كذا ولو قال ثمن مبيع ونحوه "فأنكر المقر له الأجل" وقال: هي حالة "فقول المقر مع يمينه" في تأجيله لأنه مقر بالمال بصفة التأجيل فلم يلزمه إلا كذلك وكذا لو قال: له علي ألف مغشوشة أو سود لزمه كما أقر وإن أقر أنه وهب وأقبض أو أقر أنه "رهن وأقبض" ما عقد عليه أو أقر إنسان بقبض ثمن أو غيره من صداق أو أجرة أو جعالة ونحوها "ثم أنكرها" المقر الإقباض أو "القبض ولم يجحد الاقرار" الصادر منه "وسأل إحلاف خصمه" على ذلك " فله ذلك" أي: تحليفه فإن نكل حلف هو وحكم له لأن العادة جارية بالاقرار بالقبض قبله.
"وإن باع شيئا أو وهبه أو عتقه ثم أقر" البائع أو الواهب أو المعتق أن ذلك الشىء المبيع أو الموهوب أو المعتق " كان لغيره لم يقبل قوله" لأنه إقرار على غيره "ولم ينفسخ البيع ولا غيره" على الهبة والعتق "ولزمته غرامته" للمقر له لأنه فوته عليه "وإن قال: لم يكن" ما بعته أو وهبته ونحوه ملكي ثم ملكته بعد البيع ونحوه "وأقام بينة" بما قاله "قبلت" بينته "إلا أن يكون قد أقر أنه ملكه أو" قال: "إنه قبض ثمن ملكه" فإن قال ذلك "لم يقبل منه" بينته لأنه تشهد بخلاف ما أقر به وإن لم يقم بينة لم يقبل مطلقا ومن قال: غصبت هذا العبد من زيد لا بل من عمرو أو غصبته من زيد وغصبه هو من عمرو أو قال: هو لزيد بل لعمرو فهو لزيد ويغرم قيمته لعمرو.
فصل في الإقرار بالمجمل
وهو ما احتمل أمرين فأكثر على السواء ضد المفسر "إذا قال" إنسان: "له" أي: لزيد مثلا: "علي شيء أو" قال: له علي "كذا" أو كذا كذا أو كذا أو كذا أو له علي شيء وشيء قيل له أي: للمقر: "فسره" أي فسر ما أقررت به ليتأتى إلزامه به "فإن أبى" تفسيره "حبس حتى يفسره" لوجوب تفسيره عليه "فإن فسره بحق شفعة أو" فسره "بأقل مال قبل" تفسيره إلا أن يكذبه المقر له ويدعي جنسا آخر أو لا يدعي شيئا فيبطل إقراره "وإن فسره" أي: فسر ما أقر به مجملا "بميتة أو خمر" أو كلب لا يقتنى أو بما لا يتمول "كقشر جوزة" وحبة بر أو رد سلام أو تشميت عاطس ونحوه "لم يقبل" منه ذلك لمخالفته لمقتضى الظاهر.
"ويقبل" منه تفسيره "بكلب مباح نفعه" لوجوب رده "أو حد قذف" لأنه حق آدمي كما مر. وإن قال المقر: لا علم لي بما أقررت به حلف إن لم يصدقه المقر له وغرم له أقل ما يقع عليه الاسم وإن مات قبل تفسيره لم يؤخذ وارثه بشيء ولو خلف تركة لاحتمال أن يكون المقر به حد قذف وإن قال: له علي مالى أو مال عظيم أو خطير أو جليل ونحوه قبل تفسيره بأقل متمول حتى بأم ولد. "وإن قال" إنسان عن إنسان: "له علي ألف رجع في تفسير جنسه إليه" أي: إلى المقر لأنه أعلم بما أراده "فإن فسره بجنس واحد" من ذهب أو فضة أو غيرهما أو فسره "بأجناس قبل منه" ذلك لأن لفظه يحتمله وإن فسره بنحو كلاب أم يقبل وله علي ألف ودرهم أو وثوب ونحوه أو دينار وألف أو ألف وخمسون درهما أو خمسون وألف درهم أو ألف إلا درهما فالمجمل من جنس المفسر معه وله في هذا العبد شرك أو شركة أو هو لي وله أو هو شركة بيننا أو له فيه سهم رجع في تفسير حصة الشريك إلى المقر وله علي ألف إلا قليلا يحمل على ما دون النصف.
"وإذا قال" المقر عن نفسه: "له على ما بين درهم وعشرة لزمه ثمانية" لأن ذلك هو مقتضى لفظه. وإن قال: له علي "ما بين درهم إلى عشرة أو" قال: له علي "من درهم إلى عشرة لزمه تسعة" لعدم دخول الغاية وإن قال: أردت بقولي: من درهم إلى عشرة مجموع الأعداد أي الواحد والاثنين والثلاثة والأربعة والخمسة والستة والسبعة والثمانية والتسعة والعشرة لزمه خمسة وخمسون وله ما بين هذا الحائط إلى هذا الحائط لا يدخل الحائطان وله علي درهم فوق درهم أودرهم أو تحت درهم أو مع درهم أو فوقه درهم أو تحته أو معه درهم أو قبله أو بعده درهم بل درهمان لزمه درهمان.
"وإن قال" إنسان عن آخر: " له علي درهم أو دينار لزمه أحدهما" ويرجع في تعيينه إليه لأن أو لأحد الشيئين وإن قال: له درهم بل دينار لزماه "وإن قال" المقر: "له علي تمر في جراب" أو قال: له علي "سكين في قراب أو" قال له: " فص في خاتم ونحوه" كـ له ثوب في منديل أو عبد عليه عمامة أو دابة عليها سرج أو زيت في زق "فهو مقر بالأول" دون الثاني وكذا لو قال: له عمامة على عبد أو فرس مسرجة أو سيف في قراب ونحوه. وإن قال: له خاتم فيه فص أو سيف بقراب كان إقرارا بهما وإن أقر له بخاتم وأطلق ثم جاءه بخاتم فيه فص وقال: ما أردت الفص لم يقبل قوله وإقراره بشجر أو بجشرة ليس إقرارا بأرضها فلا يملك غرس مكانها لو ذهبت ولا يملك رب الأرض قلعها وإقراره بأمة ليس إقرارا بحملها لو أقر ببستان شمل الأشجار وبشجرة شمل الأغصان.
* * *
وهذا آخر ما تيسر جمعه والله أسأل أن يعم نفعه وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم وسببا للفوز لديه بجنات النعيم والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه على مدى الأوقات آمين إنه جواد كريم بمنه.
قال ذلك في جامعه ومؤلفه فقير رحمة ربه العلي الشيخ منصور بن يونس بن صلاح الدين ابن حسن بن أحمد بن علي بن إدريس البهوتي الحنبلي عفا الله عنا وعنه وقال: فرغت منه يوم الجمعة ثالث شهر ربيع الثاني من شهور سنة ثلاث وأربعين وألف والحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.