كتاب : أخبار أبي القاسم الزجاجي
المؤلف : الزجاجي

فطلّقها فلست لها بندّ ... وألا مضّ مفرقك الحسام
أمّا قوله: أ أن نادى هديلا، فأني سمعت الأخفش يقول: سمعت المبرد يقول أصحابنا تقول: هديل الحمام هديلا، وهدر هديرا: إذا صوّت، وهدر الجمل ولا يقال هدل. وغير أصحابنا يجيزه، فإذا طرب قيل غردّ تغريدا. والتغريد قد يكون للإنسان وأصله من الطير. وبعضهم يقول: الهديل: ذكر الحمام، ويحتج بقول الراعي : الكامل
كهداهد كسر الرّماة جناحه ... يدعو بقارعة الطريق هديل
وساق حرّ: ذكر القمارى والحمام، ومنه قول الطرمّاح في تشبيهه الرماة بالحمام: المديد
بين أظآر بمظلومة ... كسراة الساق ساق الحمام
وأمّا قوله: " سلام الله يا مطر طيها " فانه منادى مفرد ونَوَّنهُ ضرورة.
وأمّا الخليل والمازني وسيبويه، فيختارون أن ينوّنوه مرفوعا ويقولون: لما اضطررنا إلى تنوينه نوّناه على لفظه، والى هذا كان يذهب الفراء ويختاره.
وأماّ أبو عمرو بن العلاء ويونس وعيسى بن عمرو الجرمي فينشدونه: " يا مطرا عليها " بالنصب والتنوين ويقولون: ردّه التنوين إلى أصله، وأصله النصب وهو مثل اسم لا ينصرف فإذا اضطر الشاعر إلى تنوينه نوّنه وصرفه وردهّ إلى أصله. قال الشاعر: الكامل
ما إن رأيت ولا أرى في مدّتي ... كجواري يلعبن في الصحراء
ألا ترى كيف نوّنه وخفضه. والقول عندي قول الخليل وأصحابه، وتلخيص ذلك: أن الاسم المنادى المفرد العلم مبني على الضم لمضارعته عند الخليل وأبي عمرو وأصحابهما للأصوات، وعند غيرهما لوقوعه موقع المضمر فإذا لحقه التنوين في ضرورة الشعر فالعلةّ التي من أجلها بني قائمة بعد فينوّن على لفظه لأنّا قد رأينا من المبنيّات ما هو منوّن نحو ايه، وغاق وما أشبه وليس بمنزلة ما لا ينصرف. لأن ما لا ينصرف أصله الصرف. وكثير من العرب لا يمتنع من صرف شيء في ضرورة شعر ولا غيره ألا أفعل منك. وعلى هذه اللغة قرئ " قواريرا قوايرا من فضة " بتنوينهما جميعها. فإذا نوّن فإنما يردّ إلى اصله، والمفرد المنادى العلم لم ينطق به منصوبا قط منوّنا في غير ضرورة شعر. وهذا بينّ واضح اخبرنا عبد الله بن مالك قان اخبرنا الزبير بن بكار عن عمّه قال: خرج عمر بن عبد الله بن أبى ربيعة إلى الشام فلقيه جميل فقال: أنشدني شيئا عن شعرك يا جميل فانشد الطويل
خليليّ فيما عشتما هل رأيتما ... قتيلا بكى من حبّ قاتله قبلي
ثم قال: أنشدني يا أبا الخطّاب فأنشده: الطويل
ألم تسأل الأطلال والمتربعا ... ببطن حليّات دوارس بلقعا
أما في رسول من ثلاث كواعب ... ورابعة تستكمل الحسن أجمعا
فلما تواقفنا وسلمت أقبلت ... وجوه رعاها الحسن أن تتقنّعا
تبالهن بالعرفان لما عرفنني ... وقلن: امرؤ باغ أضلّ وأوضعا
وقرَّبن أسباب الهوى المتيمّ ... يقيس ذراعا كلما قسن إصبعا
فقلت لمطريهنّ في الحسن إنّما ... ضررت فهل تسطيع نفعا فتنفعا؟
فصاح جميل: هذا والله الذي أخذ منه النسيب، ولم ينشد شيئا إلى أن افترقا.
يقال: نسب الشاعر بالمرأة ينسب نسيبا: إذا ذكر محاسنها في شعره. ونسب الرجل ينسبه نسبا ونسبة.
أنشدنا الأخفش قال أنشدنا المبرد قال أنشدني العطوي لنفسه يرثي أحمد بن أبي دؤاد: الطويل
وليس صرير النعش ما تسمعونه ... ولكنه أصلاب قوم تقصّف
وليس نسيم المسك ريّا حنوطه ... ولكنه ذاك الثناء المخلف
أنشدنا ابن دريد لنفسه: مجزوء الرمل
أعن الشمس عشاء ... كشفت تلك السّجوف
أم عن البدر تسرّى ... موهنا ذاك النصيف
أم على ليتي غزال ... علقت تلك الشنوف
أم أراك الحين ما لم ... يره القوم الوقوف
إنّ حكم المقل النجل ... على الخلق يحيف
هنّ قرّبن إلى ال ... وجد والوجد قذيف
فأزلن الصبر عنّي ... وهو لي خدن حليف
يالها شربة سقم ... شوبها سمّ مدوف
ساقها الحين لنفسي ... جهرة وهي عيوف
يا ابنة القيل اليماني وللدّهر صروف

أن يكن أضحى مضيئا ... فله يوما كسوف
أو يكن هبّ نسيماً ... فله يوما هيوف
لا يغرّنك سماحيي فمقتادي عنيف
ربّما انقاد جموح ... تارة ثم يصيف
فاحذري عزفة نفسي ... عنك فالنفس عزوف
أقصدت ضرغام غاب ... بين خيسيه غريف
ظبية يكنفها في ال ... ألمجيات الرفيف
ربّما أردى الجليد السّهم والرامي ضعيف
وعقار عتّقتها ... بعد أسلاف خلوف
كانت الجّن اصطفتها ... قبل والأرض رجوف
فهي معنى ليس يحتا ... ط به الوهم اللطيف
وهي في الجسم وساع ... وهي في الكأس قطوف
وهي ضدّ لظلام الليل والليل عكوف
يصرف الوامق عنها ... طرفه وهو نزيف
قد تعدّينا إليها النهّى والله رؤوف
ومقام ورده مستوبل ظنك مخوف
بكت الآجال لمّا ... ضحكت فيه الحتوف
خفضت فيه العوالي ... وعلت فيه السّيوف
قد تسربلت وعقبا ... ن الردى فيه تعيف
حين للأنفس في الرّو ... ع من الهول وجيف
أن بيتي في ذرى قحطان للبيت المنيف
ولي الجمجمة العلياء والعزّ الكثيف
ولي التالد في المجد قديما والطريف
كل مجد لم يسمّته اليمانون نحيف
السجوف: جمع سجف وهو الستر، يقال هو سجف وسجف، وقوله: تسرّى من قالك سروت ثوبي إذا ألقيته. والموهن: من أول الليل إلى ساعات منه، والنصف: الخمار، والليتان: صفحتا العنق، والشنوف جمع شنف، وهو ما علق في أعلى الأذن. والقذيف: البعيد، والحليف: الملازم، والشوب: الخلط. من قوله تعالى: (ثم أن لهم عليها لشوبا من حميم) والعيوف: الكاره للشيء، والقيل: الملك. ويقال: صاف عن الشيء إذا عدل عنه، وعزفت نفسي عن الشيء: إذا كرهته، والغاب: جمع غابة وهي الأجمة، وكذلك الخيس. والامجيّات: موضع. والرفيف: حركة الشيء وبريقه وصفاؤه. يقال: اسنان فلان ترف. والأسلاف جمع سلف. والخلوف: جمع خلف أو خالف. والخلف بفتح اللام يستعمل في الخير والشر، فأمّا الخلف بتسكين اللام فلا يكون إلا في الذمّ. والوساع: المسرعة. والقطف: مدراكة الخطو ومقاربته. و النزيف: السكران، والمستوفل: المكروه. والعوالي: جمع عالية وهي أعلى الرمح. وقوله: وعقبان الردى فيه تعيف، الردى: الهلاك، وتعيف: أي تدور حوله وتكره ورده.
حدثنا نفطويه قال حدثنا أبو يعقوب قال حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا شيبان عن قتادة م في قوله تعالى (والذين اتخذوا من دونه وليّا ما نعبدهم إلا ليقرَبونا إلى الله زلفى) قال: كانوا يقولون ما نعبد هذه الآلهة إلا ليشفعوا لنا عند الله.
قال أبو القاسم: في هذه الآية ضروب من السؤال على مذهب العربية.
منها أن يقال: أين خبر " الذين " مما تراه في سياق الكلام، ومنها أن يقال: أي لام هذه التي في يقرّبونا؟ ومنها أن يسأل عن موضع " زلفى " من الإعراب.
وتقدير الآية - والله أعلم - انه لما قال: (فاعبد الله مخلصا له الدين...
الآية) الدين الخالص، فأخبر أن الدين هو ما أخلص لله تعالى. ابتدأه يخبر عن الكافرين موبّخا لهم. ومنبهّا على ضلالتهم، فقال: (والذين اتخذوا من دون الله أولياء ما نعبدهم إلا ليقرّبونا إلى الله زلفى) والذين مبتدأ وخبره يقولون فأضمر لما في الكلام عليه من الدليل، كما قال تعالى: (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم) أي يقولون سلام. والسلام التي في قوله: " ليقربونا " لام كي تأويله لكي يقربونا وليست بلام الجحود وان كان قبلها ما، والفرق بين لام الجحود ولام كي إن لام الجود يجوز إسقاطها كقولك: " ما كان زيد ليخرج " فلو قلت " ما كان زيد يخرج " لكان كلاما كاملا ولام كي لا جوز إسقاطها. فلو قلت لأفي قولك: " قصدتك لتكرمني لمي قصدتك تكرمني لم يجز. وكذلك لا يجوز إسقاطها في هذه الآية. والزلفى: القربى وهو منصوب على المصدر لأن معنى يقربون ويزلفون سواء. والزلف: في قوله (وَزَلفا من اللّيل) جمع زلفة وهي ساعات يقرب بعضها من بعض، قال العجاج: الرجز
ناج طَوَاهُ الأَيْنُ مماّ وَجَفا ... طيّ الليالي زُلَفا فزَلفَا

سمَاوَةَ الهِلالِ حتى احْقَوْقفاَ
اخبرنا أبو بكر احمد بن الحسن بن العباس بن الفرج النحوي المعروف بابن شقير قال حدثنا احمد بن عبيد بن ناصح بن عصيدة عن شيوخه يرفعه إلى محمد بن إسحاق قال: كان عمرو بن الجموع بن زيد سيدا شريفا وكان قد اتخذ له صنما من خشب يقال له مناة يعبده في داره. وكان ابنه معاذ بن عمرو بايع النبي صلى الله عليه وسلم وكان يريد أباه على الإسلام فيأبى. فلما اسلم معاذ بن جبل وجماعة من فتيان قومه كانوا يجتمعون مع معاذ بن عمرو فيأتون ليلا إلى صنم عمرو فيلوثونه بالقذارة ويلطخونه بالنجاسات فإذا أصبح عمرو يقول: ويلكم من عدا الليلة على الهي فلما كثر ذلك عليه قال: إني والله لا أعلم من تعرض لك ولو علمت ذلك لمنعت عنك، ثم غسله ونظفه وطيبه وعلّق عليه سيفا وقال له: امنع عن نفسك إن كان فيك خير. فلما كان الليل وافى ابنه ومعاذ وجماعة معهم فقرنوا به كلبا ميتا وألقوه مع السيف والكلب في بئر لبني سليم مملؤة عذرة. فلما اصبح عمرو جعل يطوف عليه فلما وقف عليه استبصر وأسلم وحسن إسلامه وأنشأ يقول: المتقارب
أتوب إلى الله مما مضى ... واستغفر الله من ناره
وأثني عليه بآلائه ... اله الحطيم وأستاره
فسبحانه عدد الخاطئين ... وقطر السحاب ومدراره
هداني وقد كنت في ظلمة ... حليف مناة وأحجاره
وأنقذني بعد شيب القذا ... ل من شين ذاك ومن عاره
وقد كدت أهلك في ظلمه ... فدارك ذاك بمقداره
فحمدا وشكرا له ما بقيتمقالة عار لإنذاره
أرجى بذلك إذ قلته ... مجاورة الله في داره
ثم التفت إلى صنمه وأنشأ يقول: الرجز
أفّ لمنواك إلها في الدرن ... الآن فتّشناك عن سوء الغبن
تالله لو كنت إلها لم تكن ... أنت وكسب وسط بئر في قرن
الحمد لله الهي ذي المنن ... الواهب الرازق ديّان الدّين
هو الذي أنقذني من قبل أن ... أصير في ظلمة قبر مرتهن
قال أبو القاسم: يقال اخطأ الرجل في فعله يخطئ اخطا فهو مخطئ. والخطئ في دينه يخطأ خطأ إذا أثم فهو خاطئ يا هذا. فقوله: عدد الخاطئين، يريد المذنبين. والعاني: الخاضع الذليل. ومنه قوله: (وعنت الوجوه) ومنه قيل للأسير عان. والدّرن: الوسخ. والقرن: الجبل يقرن فيه بعيران، وإيّاه أراد نفي شعره. والقرن: مصدر الأقرن من الرجال وهو الذي التقى طرفا حاجبيه والقرن: جبل منفرد. والقرن كالعقل مسكن الراء - : اختصم إلى شريح في جارية بها قرن مملوكة فقال: اقعدوها فان أصاب الأرض فهو عيب وإلاّ فليس بعيب.
اخبرنا عبد الله بن مالك قال اخبرنا أبو مسلم الحرّاني قال حدثت عن عبد الرحمن بن صالح عن يونس بن بكير عن مجالد عن الشعبي قال: دخلت على مصعب بن الزبير فقال لي: يا شعبي ارفع هذا الستر فرفعته فإذا عائشة بنت طلحة فقال: كيف ترى؟ فقلت: ما كنت أظنهّ أّن في أهل الأرض من يشبه هذه. تقال: أما إني ما تهنأت بالعيش معها ولا انتفعت به متى، لأني رجل مذكر أريد أن يكون الأمر لي، وهي مذكرة تريد أن يكون الأمر لها. فلا أنا أتابعها، ولا هي تتابعني.
أخبرنا أبو محمد الضرير قال اخبرنا أبو مسلم الحرّاني قال روى عن يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق عن أبيه قال: رأيت عائشة بنت طلحة متكةَّ، ولو أنيخت جزور ما رؤيت.
اخبرنا الأخفش ونفطويه عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: الهبنقع والهبنقعة: المزهوّ الأحمق وهو الذي يجلس على أطراف أصابع رجليه، ويسأل الناس. والسخل: مزج الشراب. والسّخيل: الغلام الحديث يصادق رجلا. والخضيل بكسر الضاد: كل شيء لا يرشرش، ومنه قيل شواء خضل: إذا كان رطبا جيد الإنضاج. والخضل: بإسكان الضاد: اللؤلؤ واحدته خضلة، ويروى أن امرأة قدمت زوجها إلى الحجاج فقالت تزوجني على فضلة.
ويقال: أكمخ الرجل: إذا قعد متعظما، والكيخم: من أسماء العظمة والسلطان، والكامخ عند أقحاح الأعراب السلامح. ويروى أّن أعرابيا قحا دخل قرية فاستطعم فقدموا له خبزا وكامخا فجعل يلمحه مغيظا ظنه سلامحا فقال له بعضهم: انه كامخ: قد علمت انه كامخ فأيّكم كخّ به.

اخبرنا أبو عبد الله محمد بن حمدان البصري وأبو غانم المعنوي قال اخبرنا أبو خليفة الفضل بن الحباب عن محمد بن سلام قال: كان سراقة البارقي شاعرا ظريفا زورا للملوك حلو الحديث فخرج في جملة من خرج لقتال المختار فوقع أسيرا فأتى به المختار فلما وقع بين يديه قال: يا أمين آل محص. انه لم يأسرني أحد ممن بين يديك. قال ويحك فمن أسرك؟ قال: رأيت رجالا على خيل بلق يقاتلوننا ما أراهم الساعة، هم الذين أسروني. فقال المختار لأصحابه: إن عدوّكم يرى من هذا الأمر ما لا ترون ثم أمر بقتله فقال: يا أمين آل محمد انك تعلم أنه ما هذا أوان تقتلي فيه. قال: فمتى أقتلك؟ قال: إذا افتتحت دمشق ونقضتها حجرا حجرا ثم جلست على كرسي في أحد أبوابها فهناك تدعوني فتقتلني وتصلبني. فقال المختار: صدقت، ثم التفت إلى صاحب شرطته. فقال: ويحك من يخرج سرى إلى الناس ثم أمر بتخلية سراقه. فلما أفلت أنشأ يقول وكان المختار يكنى أبا إسحاق: الوافر
ألا أبلغ أبا إسحاق إني ... رأيت البلق دهما مصمتات
ترى عيني ما لم ترأياه ... كلانا عالم بالترّهات
كفرت بوحيكم وجعلت نذرا ... عليّ قتالكم حتى الممات
أما قوله: " ترأياه " فانه ردّه إلى أصله، والعرب لم تستعمل يرى وترى وأرى ونرى إلا بإسقاط الهمزة تخفيفا. أما في الماضي فالهمزة مثبتة.
وكان المازني يقول: الاختيار عندي أن أرويه ترياه بغير همز لآن الزحاف أيسر من رد هذا إلى أصله وكذلك كان ينشد قول الآخر: الطويل
ألم تر ما لاقيت والدهر أعصر ... ومن يتملّ العيش يرأ ويسمع
بتحقيق الهمزة.
اخبرنا نفطويه قال حدثنا أبو يعقوب الحرمي قال حدثنا الحسين بن محمد قال حدثنا شيبان عن قتادة في قوله الله ش وجل (لقد كان لسباء في مساكنهم آية جنتان عن يمين وشمال) الاثنان جميعا قال: كانوا قوما انعم الله عليهم نعما وأمرهم بطاعته ونهاهم عن معصيته، فأعرضوا أي شركوا أمر الله عز وجل فأرسل الله عليهم سيل العرم. قال: والعرم وادي سبأ كان يجتمع إليه سيول أو أي شيء فعمدوا فسدّوا ما بين الجبلين بالقير والحجارة وظفوا عليه أبوابا. وكانوا يأخذون من الماء بقدر الحكيمة ويسدون طيه ما سوى ذلك. فلما تركوا أمر الله أرسل الله عليهم جرذا يقال له الخلد فنقبه من أسفله فغرق جناتهم وخرب أرضهم وتمزقوا في البلاد وذلك عقوبة من الله لهم على كفرهم. قال: (ومزقناهم كل ممزق) ثم قال: (وبدّ لناهم بجنتهم جنتين ذواتي أكل خمط) والخمط: الأراك وأكله: بريره، والاصل شجر شبيه بالطرفاء إلا انه اعظم منه. وقوله: (وشيء من سدر قليل) قال: بنينا أرضهم خير ارض وشجرهم خير شجر، خرّب الله أرضهم وجعل شجرهم شجر شر شجر عقوبة لهم بكفرهم.
قال أبو القاسم: وللعلماء في العرم ثلاثة أقوال، قال بعضهم: العرم: البثق نفسه الذي انبثق عليهم. وقال آخرون: العرم: المسنياّت وهو جمع واحدته عرمة مثل لبنة ولبن ونبقة ونبق، وإلى هذا يذهب أهل اللغة، واحتجوا بقول النابغة الجعدي: المنسرح
من سَباَء الخاسرِينَ مأَْرَبَ إذْ ... يبنون من دون سيَلْهِِ العرَِما
اخبرني الأخفش قال اخبرنا ثعلب قال اخبرنا الرياشي قال: سمعت أبا عبيدة معمر بن المثنى يذكر عن أبي الضحاك قال: شهدت البثق الذي انبثق في اليمن أيام سبأ فوجدته مثل نهر يجرى بالبصرة. وأما سبأ فمهموز وغير مهموز إلا إن للعرب فيه لغتين منهم من جعله اسم حيّ مذكرا وان نسبوا إليه فتصرفه ومنهم من يجعله اسم قبيلة فلا يصرفه. وقد قرأت القراء بالصرف وتركه وكذلك ثمود قياسه هذا القياس بعينه في الصرف وترك الصرف. والجنة في كلام العرب: البستان. فأما الجرذ من الفأر فبضم أوله والذال المعجمة. وكذلك الجرذ في أرجل الدواب بالذال معجمة إلا انه مفتوح الأول، وكذلك الزرد بالذال معجمة لا غير.
اخبرني اليزيدي قال اخبرني عمي الفضل بن محمد بن أبي محمد اليزيدي

مكن أبي محمد بن المبارك اليزيدي قال: إني لأطوف غداة يوم بمكة لقيني ماسين الزيات فقال لي: يا أبا محمد أنا منتظرك عند المقام نوافيك في المصيراني إذا فرغت من الطواف، فصرت إليه فقال لي: يا أبا محمد ما نمت البارحة لشيء اختلج في صدري منعني المْكر فيه النوم وما كنت أود إلا أن اصبح. قلت: وما ذاك؟ قال: يجوز في كلام العرب أن يقول الرجل: أريد أن أقول كذا وكذا لشيء قد فعله فقد ذلك غير جائز إلا على ضرب من الحكَاية فسر لك. قال: فما تقول في قول الله عز وجل (إن فرعون علا في الأرض) إلى إن بلغ إلى قوله (ونريد أن تمنّ على الذين استضعفوا 000 الآية) فخاطب بها محمدا وقد فعل ذلك قبل. فقلت له: هذا من الحكاية التي ذكرتها لك لأنه لما قال (انه كان من المفسدين كان تقدير الكلام " وكان من حكمنا يومئذ أن تمن " فحكى ذلك لمحمد صلى الله عليه وسلم. كما قاله في قصة يحيى (وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت.... الآية) لأن تقدير الكلام " وكان من حكمنا سلام عليه) فحكى ذلك محمد حلى الله عليه وسلم. فقال لي: جزاك الله خيرا يا أبا محمد فقد فرّجت عنيّ لما شرحت ولأفيدنّك كما أفدتني.
قال أبو محمد فحدثني عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان اكثر دعائه " اللهم إني أسألك اليقين والعفو والعافية وتمام النعمة في الدنيا والآخرة " .
اخبرنا المعنوي قال اخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلاّم قال: كانت ميّ الني ينسب بها ذو الرمّة بنت طلبة بن قيس بن عاصم المنقري. وكانت أم ذي الرمّة مولاة لآل قيس بن عاصم. فلما رأت شغف ذي الرمةّ بها وتزايد أمره أرادت أن توقع بينهما وحشة فقالت على لسان ذي الرمةّ: الطويل
على وجه ميّ مسحة من ملاحه ... وتحت الثياب الخزي لو كان باديا
ألم ترأّن الماء يخبث طعمه ... ولو كان لون الماء في العين صافيا
فوجدت من ذلك مي. فما زال ذو الرمة يعتذر ويحلف أنه ما قاله. فقال: وكيف يكون ذلك وقد أفنيت عمري في التشبيب بها. قال أبو القاسم: وهذا الشعر أشبه شيء بقول ذي الرمة وهو مقارب لطبعه وشبيه بهذا الوزن والروى قول ذي الرمة. أنشدنا الأخفش: الطويل
تقول عجوز مدرجي متروحا ... على بابها من عند أهلي وغاديا
فقلت لها: لا أن أهلي لجيرة ... لأكثبة الدهنا جميعا وماليا
وما كنت مذ أبصرتني في خصومة ... أراجع فيها يا ابنة القوم قاضيا
ولكنني أقبلت من جانبي قسا ... أزور فتى نجدا كرميا يمانيا
من آل أبي موسى ترى القوم حوله ... كأنهم الكروان ابصرن بازيا
مرمين من ليث عليه مهابة ... تفادي اسود الغاب منه تفاديا
وما الخرق منه يرهبون ولا الحيا ... عليهم ولكن هيبة هي ماهيا
اخبرنا ابن دريد قال اخبرنا أبو حاتم قال اخبرنا الأصمعي قال: العرب تقول " العرى الفادح خير من الزي الفاضح " .
اخبرنا ابن دريد قال اخبرنا أبو حاتم عن الأصمعي قال رفع بعض القوم إلى المنصور رقعة يسأله فيها بناء مسجد في محلته فوقع فيها: " من أشراط الساعة كثرة المساجد فازدد أفي خطاك تزدد من الأجر.
اخبرنا الأخفش قال اخبرنا المبرد قال اخبرنا المازني عن الأصمعي قال اخبرني أبي وغيره: قال الحجاج بن يوسف ليحيى بن يعمر " هل الحرفي كلامي؟ " قال: معاذ الله. قال: عزمت عليك قال: تزيد الألف وتنقصها. قال: الحق بخراسان. فلما كان بعد ذلك كتب قتيبة بن مسلم من خراسان: إن العدو بعرعرة الجبل. ونحن بالحضيض. فقال الحجاج: من عند؟ وأنكر أن يكون هذا من كلامه. فقيل له: يحيى بن يعمر. فقال هذا من إملائه. قال المبرد: العرعرة: أعلى الجبل، والحضيض: أسفله حيث يفضي إلى السهل. وعرعرة البقرة: سنامها.
اخبرنا الأخفش عن المبرد عن الرياشي قال قال عدىّ بن المفضل: أتيت

عمر بن عبد العزيز استحفره بئرا بالعذبة. فقال لي: وأين العذبة؟ قلت: على مسيرة ليلتين من البصرة. فأحفرني وتذمّم إلاّ يكون بمثل هذا الموضع ماء واشترط عليّ أن أدلّ شارب ابن السبيل ثم حييته في يوم الجمعة فوجدته يخطب فسمعته يقول: " أيها الناس إنكم ميتون ثم أنكم مبعوثون ثم إنكم تحاسبون. فلئن كنتم صادقين لقد قصّرتم. ولئن كنتم كاذبين لقد كذبتم. أيها الناس انه من يقدر له رزق برأس جبل أو حضيض أرض يأته فاحملوا في الطلب " . قال: فأقمت عنده شهرا ما بي إلا استماع كلامه.
اخبرنا الأخفش قال اخبرنا المبرد قال: نقل الرواة انه لما توفي عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ولم تحضر عائشة زارت قبره فقالت: يا أخي إني لو حضرت وفاتك ما زرت قبرك. وأنشأت تقول متمثلة: الطويل وكنا كندماني جذيمة حقبة من الدهر حتى قيل لن يتصدَّعا
فلما تفرقنا كأني ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معها
ثم إنها حفرت أبا بكر وهو يجود بنفسه فقالت: هذا والله كما قال حاتم: الطويل
أماوّى ما يغني المراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر
فقال لها أبو بكر: يا بنيةّ لا تقولي هكذا ولكن قولي (وجاءت سكر الحق بالموت) وهكذا كان يقروها أبو بكر رحمه الله.
أنشدنا الأخفش والزجاج قال أنشدنا المبرد لأبي العتاهية يرثى علي بن ثابت وكان مؤاخيا له، قال أبو العباس: كان علي أديبا ناسكا شاعرا ظريفا: الوافر
ألا من لي بأنسك أي أخيّا ... ومن لي أن أبثك ما لديّا
طوتك خطوب دهرك بعد نشر ... كذاك خطوبه نشرا وطيّا
فلو نشرت قواك لي المنايا ... شكوت إليك ما صنعت إلياّ
وكانت في حياتك لي عظات ... وأنت اليوم أوعظ منك حيّا
قال أبو العباس: اخذ هذا من قول بعض الأعاجم حضر ملكا لهم مات فقال: كان الملك أمس أنطق منه اليوم، وهو اليوم أوعظ منه أمس.
وقال أبو العتاهية فيه أيضا: الخفيف
يا علي بن ثابت أين أنتا ... أنت بين القبور حيث دفنتا
يا علي بن ثابت بان منّي ... صاحب جلّ فقده يوم بنتا
قد لعمري حكيت لي غصص المو ... ت وحركتني لها وسكنتا
قال أبو العباس: وهذا أيضا مأخوذ من قول بعض الأعاجم حضر موت صديق له، فلما قضى ارتفعت الأصوات بالبكاء عليه فقال: حركنا بسكونه.
وقال أبو العتاهية في عليّ بن ثابت أيضا: مجزوء الخفيف
صاحب كان لي هلك ... والسبيل التي سلك
كل حيّ مملّك ... سوف يفنى وما ملك
يا عليّ بن ثابت ... غفر الله لي ولك
اخبرنا عبد الله بن مالك قال اخبرني محمد بن أبي عبيد البصري عن أسد بن سعيد بن حنين عن أبيه قال حدثني ابن مغني رجل من ولد سعيد بن العاص قال حدثني إسحاق بن سعد بن عمرو بن سعيد بن العاص قال: كان العرجي وهو عبد الله بن عمر بن عثمان بن عفان يشبب بامرأة محمد بن هشام قال ابن مغني: وأما الهذلي يزيد بن عبد الله فحدثني انه كان يشبب بامرأته الحارثية وهو القائل: السريع
عوجي علينا ربة الهودج ... انك إن لا تفعلي تحرجي
ايسر ما قال حبيب لدى ... بين حبيب قوله عرّجي
تقض إليه حاجة أو يقل ... هل لي مما بي من مخرج
من حباكم بنتم ولم ينصرم ... وجد فؤادي الهائم المنضج
فما استطاعت غير أن أومأت ... بطرف عين شادن أدعج
تذود بالبرد لها عبرة ... جاءت بها العين ولم تنتج
مخافة الواشين أن يفطنوا ... بشاتها والكاشح المزمج
أقول لماّ فاتني منهم ... ما كنت من وصلهم ارتجي
إنّي أتيحت لي يمانية ... إحدى بني الحارث من مذحج
أحجّ إن حجّت وماذا مني ... واهنة إن هي لم تحجج
اخبرنا عبد الله بن الأعرابي الحارث الفهري إن إبراهيم بن المنذر حدّثهم قال حدثني محمد بن معن الغفاري قال اخبرني عمر بن عبد الله بن نصر قال: كنت جالسا عند طلحة بن عمر بن عبيد الله بن معمر فدخل علينا كثير وأنا أتمثلّ بقول جميل: الطويل

وحدّثتماني إن تيماء منزل ... لليلى إذا ما الصيف ألقى المراسيا
فهذى شهور الصيف عنا قد انقضت ... فما للنوى ترمي بليلى المراميا
فأخذ برحله من ورائه ثم جل طربا حتى أتى العرش، يعني صدر البيت، ثم رجع وهو يقول: هو والله انسب العرب.

fahras

1 2