كتاب : المعاني الكبير
المؤلف : ابن قتيبة الدينوري

وقال آخر امرؤ القيس:
تجافَي عن المأثور بيني وبينها ... وتُدني علينا السابريّ المضلعا
الأصمعي: المأثور السيف، وقال بعضهم يريد تجافي عن المحمول من الحديث بيننا لا تعاتب عليه. وقال العجاج:
يُذرِي بإرعاسِ يمينِ المؤتلي ... خضُمّة الذراع هذّ المختلي
الإرعاس والإرعاش واحد وهو الرجف والمؤتلي التارك جهدا، فيقول هو يقطع وسط الذراع الذي عليه الدرع، وخضمه كل شيء معظمه - على أنه ترك جهده ويده ترجف، والهذ القطع، والمختلي الذي يأخذ الخلا والخلا ارطْب، إذا يبس فهو الحشيش. وقال الفرزدق:
وكنت كما قالتْ نوار إن اجتلَتْ ... على رجلٍ ما شدّ كفى خليلُها
وذلك أن النوار امرأته خاصمته ونافرته، يقول: أنا كما زعمتْ أن تركتها فتزوجتْ غيري واجتلت عليه، ما شد كفَى خليلها ما دام قائم السيف في يدي أمتنع به، وجعل السيف لكفه خليلا. وقال آخر:
دلفتُ له بأبيضٍ مشرفيّ ... كأنّ على مواقعه غبارا
مواقعه التي وُقعت منه، يريد من شدة الإرهاف وكثرة الماء كأن عليه غبارا، وقعت الحديدة أقعها وقعا وهي موقوعة، والمطرقة ميقعة، وقال المتنخل وذكر سيفا:
منتخب اللبِ له ضربةٌ ... خدبا كالعطِّ من الخِذعِل
أي هذا السيف كأنه أهوج لا عقل له، منتخب أي منخوب اللب أي ذاهب العقل، والخَدَب تهاوي الشيء ولا يتمالك وهذا مثَل، أي هذا السيف لا يتمالك ولا يبالي ما أصاب، وإنما أراد كالعط من ثوب الخذعل، ثم وصفها فقال:
أفلطها الليلُ بعير فتس ... عى ثوبها مجتنبِ المعدلِ
أي فاجأها الليل فخرجت وثوبها على غير القصد تسعى من الفرح بالعير.
وقال آخر يصف سيوفا والبيت لخفاف بن ندبة:
جلاها الصيقلون فأخلَصوها ... فجاءَتْ كلها يَتْقيِ بأثر
أراد يتّقي فخفف، يعني السيوف أي توليهم أثرا يجعلها بينها وبينهم، والأثر الفرند وقال آخر وهو الأخطل.
رأوا بارقاتي بالأكّفِ كأنها ... مصابيح سرج أوقدّت بمدادِ
أي بزيت يمد0 وقال الأخطل:
وما تركتْ أسيافنا حين جرِّدت ... لأعدائنا قيس بن عيلان من عذرِ
أي لم يقدروا أن يقولوا كنا قليلا، ولا: أتونا ولم نعلم بهم. وقال آخر والبيت للخنساء:
وداهية جرّها جارمٌ ... جعلَتْ رداءَك فيها خمارا
رداءك أي سيفك خمرت به رؤوس الناس أي ضربتهم، ويجوز أن تكون جددت وتعممت بردائك كما قال النابغة:
يحثّ الحداة جالزاً بردائهِ ... يقي حاجبَيْه ما تثير القنابلُ
وقال آخر:
رمونا برِشقٍ ثم إن سيوفَنا ... وردْنَ فأبطَرْنَ القبيل التراضيا
ولم تكن تثني البنلُ حدَّ سيوفِنا ... إذا ما عقدنا للجلادِ النواصيا
برشق أي دفعة، فأبطرتهم عن الترامي أي صاروا إلى السيوف، تثني ترد، يريد عقدنا النواصي أي تهيأنا لذلك. وقال آخر:
وجردت عضباً مشرقياً أرقّة ... عراكَ سِلام القَين وهو المثّمل
عراك معاركة أي معالجة، وسلام القين حجارة المسانّ والمثمل وقال
وبيض كأن الماء قبل احمرارها ... ينابيع من أعراضِها يتصبب
قبل احمرارها من الدم، كأن الماء من نواحيها يجري من صفائها. وقال ابن مقبل:
إني أقيدُ بالمأثورِ راحلتي ... ولا أبالي ولو كنا على سفرِ
يقول لا أبالي أن أرحل بعد أن أعقر ناقتي لأصحابي، والمأثور السيف ذو الأثر وهو الفرند: وقال لبيد:
وأعددتُ مأثوراً قليلاً حشوره ... شديدَ العماد ينتحي للطرائق
حشوره كلوله، شديد العماد شديد الوسط. أي له متن، ينتحي يقصد لطرائق البيض.
بأخلقٍ محمودٍ نجيحِ رجيعه ... وأخشن مرهوب كريم المآزِق
أخلق سيف أملس، أخشن يعني نفسه، المآزق المضايق عند الحرب. وقول النابغة:
من وحشٍ وجرةِ موشّى أكارعه ... طاوي المصير كسيف الصيقلِ الفردِ
أي الثور أبيض كالسيف الفرد أراد أنه مسلول وإنَ شئت قلت إن هذا السيف منقطع القرين لا نظير له. وقال يصف السيوف
تقدّ السلوقيّ المضاعف نسجَه ... ويوقدنَ بالصفّاحِ نارَ الحباحب

الأصمعي: الصفاح الحجارة العراض، يقول تقطع هذه السيوف الدروع وكل شيء حتى تصل إلى الحجارة فتوري فيها النار، ونار الحباحب ما توريه الحجارة وهذا من إفراط العرب كقول قيس بن الخطيم يصف الطعنة:
ملكتُ بها كفى فأنهرتْ فتقُها ... وترى قائماً من خلفِها ماوراءها
وقد فسرت هذا البيت:
يطير فُضاضاً بينهم كل قونسٍ ... ويتبعُها منهم فَراش الجواجبِ
يطير فضاضا أي ينفض ويتفرق، والفراش عظام رقاق تطير عند الضرب وقال الفرزدق:
بأيدي رجال لم يشيموا سيوفَهم ... ولم يكثروا القتلى بها حين سُلتْ
يقول لم يغمدوا سيوفهم والقتلى لم تكثر حين سلت ولكن أغمدوها حين كثرت القتلى.
وقال الراعي:
بربِ ابنةِ العَمري ماكان جارها ... ليسلمَها ما وافقَ القائم اليدا
يَعني قائم السيف. وقال يصف سيوفا:
وبيض رقاق قد غلتهن كَبرة ... يداوي بها الصادَ الذي في النواظرِ
يعني سيوفا، علتهن كبرة أي هي قديمة. والصاد داء يكون في رأس البعير فيرفع منه رأسه فضرب ذلك مثلا للكِبْر، والنواظر عروق تصير إلى العين وربما قطعت من الناس والإبل. وقول زيد الخيل يصف سيفا:
أحادثه بصقلٍ كل يومٍ ... وأعجمه بها ماتِ الرجالِ
أي أعضه من قولك عجمت الشيء أي ذقته وخبرته. وقال أبو ذؤيب يصف سيفا:
ضروب لهاماتِ الرجالِ بسيفهِ ... إذا عجِمَتْ وسطَ الشؤونِ شفارها
يعني شؤون الرأس وهي قبائله. وقال أبو ذؤيب:
رميناهم حتى إذا أربتْ جمعهم ... وصار الرصيع نهية للحمائل
إربث تفرق، يقول صارت سيوفهم أعاليها أسافلها، والرصيع سيور تضفر بين الحمائل والجفن. يقول صار الرصيع في منكب الرجل حيث كانت الحمائل وصارت الحمائل عند صدره أي انقلبت عند الهزيمة، نهية حيث انتهت إليه. أبو النجم:
والصدقَ مما يمنع النسوانا ... بمرهفاتٍ تبتني سلطِانا
نجعل فيها للعدي غِيرنا
أراد الصدق بمرهفات أي بسيوف. تبتني عزا قاهرا، غيرانا جراحات وقيل الغيران جمع غار وهو الجيش، وحكى عن الأصمعي أنه قال: نجعل فيها، أي في الحرب للعدى غيرانا يهربون منا إليها، ومن جعل الغيران الجراحات جعلها فيها للسيوف. وقال يصف قوما يتحاربون:
كلا الفريقيْنِ المنيماتِ اشتهرَ ... كأنما بَرقعَ خدّيْه الحَور
المنيمات السيوف القاتلات، اشتهر سل، والحور جلود حمر شبه الدم على خدودهم بحمرة الحور، برقعه صار الدم كالبرقع. وقال عنترة:
وسيفي كالعقيقةِ فهو كِمعي ... سلاحي لا أفلّ ولا فُطارا
العقيقة لمعة البرق، كِمعي ضجيعي، يريد أنه إلى جانبي، أفلّ به فلول، والفطار الذي لم يصقل فهو متشقق، المتفطر المتشقق. وقال
عُلالُتنا في كلِ يومٍ كريهةٍ ... بأسيافِنا والقرح لم يتفرقُ
العلالة البقية يقول بقيتنا في الحرب أن نضربهم بأسياَفنا، والقرح لم يتقشر أي أنا نعود إلى الحرب فنقاتل وجراحتنا لم تبرأ وذلك أنها إذا برأت تقشرت. وقال وذكر قاتلا ومقتولا:
يذبّب ورد على إثرِه ... وأمكنه وقع مردي خشِبِ
ورد بن حابس، يذبب على إثر المقتول، مردي سيف، خشب فيه غلظ وجفاء لم تتم صنعته وجلاؤه. وقال الشنفري يصف سيفا:
وهن كأذنابِ الحسيلِ صواديا ... وقد نهِلتْ من الدماءِ وعلّتْ
الحسيل، أولاد البقر، يقول كأن السيوف أذناب البقر إذا عطشت فضربت بها.
وقال قيس بن الخطيم:
نَفِلي بحدِ الصفيحِ هامهُم ... وفلينا هامهم بنا عنف
يقول هم قومنا. وقال ذو الرمة:
وأبيض موِشّي القميصِ نصبته ... على خَصرِ مقلاتِ سفيه جَديلها
يعني سيفا، يعني أن باطن جفنه موشى، يقول هذا السيف على خصر ناقة مقلات لا يعيش لها ولد وهو أقوى لها وأصلب، سفيه زِمامها يقول هو مضطرب لتحريك الناقة رأسها وإنما أراد أن الناقة نشيطة. وقال ابن أحمر:
تقلدت إبريقاَ وعلقتَ جعلةً ... لتُهلكَ حياً ذا ذهاء وجَاملِ
إبريق سيف إفعيل من البريق وقيل قوس فيها أساريع، زهاء عدد وقد ر.
وقال المرار وذكر إبلا عقر منها:

فأجليْنَ عن برق أضاءَ عقيرةَ ... فيالكَ ذعراً أيّ ساعة مذعرِ
أي انكشفن عن سيف مثل البرق. وقال الطرماح وذكر فلاة:
أنخْتَ بها مستبطناً ذا كريهةٍ ... على عجلٍ والنوم بي غير رائن
العرب تكتفي بأنخت دون البعير، ذا كريهة أراد سيفا، غير رائن أي غير غالب من قول الله تبارك وتعالى " كلابل ران على قلوبهم " ، أي غلب. وقال الفرزدق:
فِدىً لسيوفٍ من تميمٍ وفيَ بها ... ردائي وجلت عن وجودهِ الأهاتم
أراد الأهتم بن سمي التميمي، وكان سليمان حج فبلغه بمكة إيقاع وكيع بقتيبة بن مسلم فخطب الناس بمسجد عرفات وذكر غدر بني تميم ووثوبهم على سلطانهم وإسراعهم إلى الفتن، فقام الفرزدق ففتح رداءه وقال: يا أمير المؤمنين هذا ردائي رهن لك بوفاء تميم والذي بلغك كذب، فلما جاءت بيعة وكيع قال الفرزدق هذا البيت. وقال الفرزدق:
عشية ولّيتُم كأنّ سيوفَكم ... ذآنين في أعناقِكم لم تسلّل
ذآنين جمع ذؤنون وهو نبت ضعيف طويل له رأس مدور شبه سيوفهم في ضعفها بذلك النبت. وقال العجاج:
وبالسُريجياتِ يخطِفنَ القَصرَ ... وفي طِراقِ البَيضِ يوقِدن الشَررَ
السريجيات السيوف والقَصر أصول الأعناق، ويوقدن في طبقات البيض الشرر أي تنقدح النار. وقال العجاج أيضا:
إذ مطَرتْ فيه الأيادي ومطَرَ ... بصاعقاتِ الموتِ يكشفنَ الحَيَرَ
عن الدجارَى ويقوّمنَ الصَعَر
الأيادي جمع أيد، وصاعقات الموت السيوف، الدجاري الحَياري يقال دِجر دَجرا.
وقال أبو كبير:
ولقد شهدْتَ الحي بعد رقادِهم ... تفلى جماجمهُم بكل مقلّلِ
بعد رقادهم يعني أنهم بُيِّتوا بياتا، تفلى تعلى بالسيوف، مقلل سيف عليه قلّة والقلة القبيعة وقلة كل شيء أعلاه، ويروي: بكل منحّل، أي سيف قد نحل لقدمه، ويروي: منخل، أي منتفي وقال الكميت لقوم انتقلوا عن قبيلهم:
أحلامهم أم أحدث الدهر نوبةً ... لمرهفةٍ إن لا تُجّدوا صقالها
يقول من أحلامهم أن تصيروا إلى اليمن وتدعونا ونحن السيوف، يقول أحدث الدهر نوبة للسيوف أن لا تصقل وتصلح.
تواكلها الأبطال حتى كأنما ... يرون محاريث الغريب نصالها
تواكلها تركها بعض إلى بعض، والمِحراث العود الذي تحرك به النار، والغريب الذي يغرب عن أهله أي ينتحي، والنصال السيوف، أي كأنها محاريث من الصدإ.
وقال ساعدة بن جؤية الهذلي:
وكنا أناساً أنطقْتنا سيوفنا ... لنا في لقاءِ القومِ حدّ وكوكب
يقول أحسنّا العمل بها فتكلمنا وافتخرنا، وهذا مثل قول عمرو بن معدي كرب:
فلو أن قومي أنطقْتني رماحهم ... نطقتُ ولكنَّ الرماحَ أجرَّتْ
وقال ابن مقبل يرثي عثمان بن عفان:
ليبكَ بنو عثمان ما دامَ جِذمهم ... عليه بأصلالٍ تعَرَّي وتُخشَب
جذمهم أصلهم، عليه - أي على عثمان، بأصلال بسيوف، تعري تُسلّ من جفونها، وتخشب تصقل. وقال ذوا الخِرق الطهوي:
وما كانَ ذنب بني مالكٍ ... بأن سبُّ منهم غلام فسبَ
بأبيض ذي أثرٍ صارمٍ ... تخِرُ بوائكها للرُكبِ
يقول كان سبابه إياهم أن ضرب عراقيب الإبل بالسيف، والبوائك جمع بائك وهي الناقة الفتية الحسنة. قال الأصمعي أنشدني خلف لرجل من النمر بن قاسط جاهلي.
وليستْ بأسواق يكون بياعها ... ببيض تشاف بالجيادِ المثاقلُ
ولكنها سوق يكون بياعها ... بجُنمثية قد أحكمتها الصياقلُ
الجنثية السيوف، أبو عبيدة: الخنثّي والجنثي بالضم والكسر من أجود الحديد، ويقال الجِنثي الحداد. وقال أوس بن حجر يصف سيفا:
إذا سُل من غمدٍ تأكلُ أثره ... على مثلِ مصحاةِ اللُجينِ تأكّلا
الأثر الفرند، وقوله تأكّل - أصله التوهج، والمصحاة إناء من فضة.
وقال أبو كبير وذكر خَرقا:
فأجزته بأفل تحسب أثره ... نهجاً أبانَ بذي فَريغ مخَرِفِ
أجزته قطعته، أفل سيف فيه فلول، تحسب فرنده من بيانه نهجا وهو الطريق البين، وفريغ طريق قد أثر فيه لطول ما وطيء، مخرف طريق. قال الرياشي قال أنشدني الأصمعي للحارث بن زهير:

فيخبرُه مكانُ النونِ مني ... وما أعطيتُه عرق الَخِلالِ
الخلال المخالّة، الرياشي في قول الآخر يصّف سيفا:
له جذمة من ذي الفقار اغتصابها
قال سألت الأصمعي فقال: كان السيف من جنس ذي الفقار، والجذمة هاهنا السيف.
وأنشد الزيادي:
لئمك ذو زِرَّين مصقول
اللئيم الصلح، يريد أن صلحك إنما هو سيف مصقول. وقال رؤبة:
والسابقُ الصادقُ يوم المعلِ ... كسبقِ صمصامة زجرَ المهلِ
المعل الاختلاس يوم يختلس فيه الأمر مخالسة، وقوله كسبقَ صمصامة زجر المهل - وهذا كقولك: سبق السيف العذل، زجر المهل قوله مهلا. وقال وذكر السيوف:
إذا استُعيرتْ من جفونِ الأغمادِ ... فقأن بالصقعِ يرابيع الصادِ
الصقع الضرب، الصاد والصيد داء يأخذ الإبل في رؤوسها فيرم لذلك أنوفها وتسمو برؤوسها ويسيل من أنوفها مثل الزبد فشبه الورم باليرابيع وإنما يريد أنها تخرج الكِبْر من الرؤوس، ويقال للمتكبر به صاد وصيد - لأنه يشمخ بأنفه فشبه بالبعير الذي بهَ هذا الداء فقد رفع رأسه، يقول نضربه فنفقي هذا القرح حتى يذهب كبره وطماحه. ومثله بيت الراعي:
يداوي بها الصاد الذي في النواظر

باب في الرمح
حدثت عن ابراهيم بن أبي حبيب أبي اسحاق الزيادي، قال سمعت زيد ابن كثوة يقول في قول امرىء القيس:
نطعنهم سُلكي ومخلوجة ... كرّ كلامين على نابلِ
قال وهو بمعنى قول القائل للرامي: ارم ارم، يريد أنه يطعن طعنتين يتابع بينهما كما يتابع القائل هاتين الكلمتين. قال وكان الزيادي يستحسن هذا التفسير. وقال رؤبة:
والدَين يُحي هاجساً مهجوساً ... مَغس الطبيبِ الطعنة المغوسا
شدّ بعَشر حبله المخموسا
المغس الطعن يقال: أجد في بطني مغسا، يقول كما يمغس، الطبيب أي كما يطعن الطبيب في الجرح، يقول ما أجد من ألم الدين مثل هذا، فضربه مثلا للدين. وقوله: شدّ بعشر، هذا مثَل يقول أحكم أمره فجعل حبله على خمس قوى وشد بعشر أصابعه. قال الأصمعي: العرب تقول: بيدين ما أوردها، وما زائدة إذا أحكم الأمر فإذا عمل عملا لم يجد فيه قالوا:
أوردها سعد وسعد مشتمل
وعنى بقوله: شد بعشر، صاحب القتب الذي يشده، يقول أحقبه إحقابا شديدا فأثر في صلب البعير. وقال الجعدي:
ولا يشعر الرمح الأمم كُعوبه ... بثروة رهط الأبلج المتغِشّم
يقول إذا حَمل لم يرهب كثرة أهلك وعشيرتك. وقال أبو ذؤيب وذكر متبارزين:
وتشاجرا بمذلّقيْنِ كلاهما ... فيه سنانٌ كالمنارةِ أصلعُ
تشاجرا تطاعنا، بمذلقين بسنانين حادين وإنما أراد رمحين، سنان كالمنارة - أراد كالسراج فأوقع اللفظ على المنارة ضرورة، وأصلع له بريق قد انكشف من الصدإ والوسخ، يقال انصلعت الشمس إذا بدا ضوءها. وقال ساعدة يذكر رجلا:
وعميَّ عليه الموتَ يأتي طريقَه ... سِنان كعَسراءِ العقابِ ومِنهَبِ
أي عميَّ على هذا الرجل الموت أي لبس عليه الموت فلم يدر أين يأخذ وقد أتى طريقةَ سنان، وعسراء العقاب ريشة بيضاء في باطن الذنب، ومنهب فرس شديد العدو وكأنه ينتهب الأرض انتهَابا. وقال كثيّر يمدح رجلا في حرب:
وقد شخَصْتُ بالسابريةِ فوقَه ... معلّبة الأنبوبِ ماضٍ أليلها
السابرية شُقة من سابري جُعلت راية، ويروي: مقومة الأنبوب، وهو أجود، ومعلبة مشدودة بالعلباء، والأليل الحربة سميت أليلا لأنها محددة. وقوله:
ولكن بصمّ السمهري المعَّرِن
المعرن المسمور والعِران المسمار الذي يضم بين القناة والسنان، أصله من عران الناقة وهو العود الذي يُجعل في أنف البختية. وقوله يصف قومه:
وأثبتَه داراً على الخوفِ ثَملها ... فُروع عوالي الغاب أكرمْ بها ثَملا
ثملها من قولك، أنت ثمال المساكين أي غياثهم وعصمتهم، يقال بحر ثمال. وقال الراجز: ثفّفها بسَكَن وأدهان السكن النار، أي أقام أودها بالنار والدهن، الأصمعي: أنشدني مُعتُم بن سليمان قال: أنشدنيه بكر بن حبيب السهمي:
وإني لا أزال أقول: أقرِنْ ... لذي رمحين ان حدِرْتْ حَدور

قاله رجل غاز يصف شدة ما هو فيه، يقول إذا انحدر وقدامه إنسان معه رمح أو رمحان قال له الغازي: أقرنْ، أي ارفع رمحك انصبه نصبا - لئلا يعقره، قال: وقولهم: أقرِنْ أي ارفع فرنةَ رمحك. وأنشد الزيادي لخداش بن زهير:
بين الأراك وبين النخلِ تسدَحُهم ... زرقُ الأسنة في أطرافها شم
يريد أنها مسمومة والسم بارد، تسدحهم تصرعهم. وقال أوس:
معي مارن لدْن يخليّ طريقَه ... سنان كنِبراسِ النِهامِيّ مِنجلُ
مارن يعني رمحا لينا، طريقَه، يقول السنان يقدمه فلا يقدر أحد أن يدنو منه، والنبراس السراج، والنهامي النجار، فكأن السراج على منارة عملها النجار، مِنجل واسع الجراح، وقوله:
وذاك سلاحي قد رضيتُ كماله ... فيصدِفُ عني ذو الجَناحِ المعّبل
من قال الجُناح بالضم أراد الميل ومن قال الجَناح بالفتح أراد العضد، والمعبّل الذي معه معابل. وقال بشر بن أبي خازم:
وفي صدرِه أظمَى كأن كُعوبَه ... نوى القَسبِ عرّاص المهزة أزير
أظمى أسمر يعني رمحا، يقال رجل أظمى أي أسمر، ويقال أظمى قليل اللحم، كأنه نوى القسب في صلابته لا في خلقته، وعرّاص شديد الاضطراب، وأزبر شديد الزُبرة - الكاهل، وإنما هذا مثَل. الأصمعي: الأسمر أصلب الرماح لأنه يؤخذ من غابته وقد نضج - وإذا أخذ ولم ينضج كان أبيض لا بقاء له. وقال آخر:
الرمحُ لا أملأ كفّي به ... واللِبدُ لا أتبع تَزوالَه
لا أملأ كفي به يريد أنه لا يشغله حمل الرمح حتى يملأ كفه فلا يكون فيها فضل لغيره من السلاح ولكن أراد أنه يقاتل بالرمح والسيف، وإذا زال اللبد لم أزل معه.
وقال عمرو بن معدي كرب:
فلو أن قومي أنطقْتني رماحُهم ... نطقْتُ ولكنَّ الرماحَ أجرّتْ
يقول لو كان لهم فعال تنطق - يعني الطعان بالرماح - لتكلمت ولكن رماحهم لما لم تستعمل أجرّتْ أي مَنعتْ من الكلام كما يجَرّ الفصيل يخلّ لسانه ليمنع من الرضاع. وقال آخر:
نِلقي خصاصةَ بيننا أرماحَنا ... شالتْ نعامةً أيّنا لم يفعل
أي نلقي في فرجة ما بيننا من الفضاء رماحنا ونصير إلى السيوف فمن لم يفعل ذلك فشالت نعامته أي أهلكه الله وفرق أمره. وقال زهير:
ومن يعصِ أطرافَ الزجاجِ فإنه ... يطيعُ العوالي ركّبتْ كل لَهذمِ
هذا مثل، يقول إن الزُج ليس يُطعن به إنما الطعن بالسنان فمن أبى الصلح - وهو الزج - أعطى العوالي وفيها الطعن. وقا ل آخر: إذا وردتُ ماءً علَتْها زِجاجُها وتعلو أعاليها إذا الرَوعُ أنجما يقول إذا لقوا قوما على مائهم طعنوا فيهم فانخفضت الأسنة وارتفعت الأزجّة - فإذا أنجم الروع - أي ذهب - رُكزِت الأزجة فارتفعت الأسنة وقال الكميت:
وما أنكحتْ منا الأسنة خاطباً ... ولا أذِنت عزّابنا حين تخطبُ
يقول لم تُسب نساؤنا، أذنت يقول يأخذونها مكابرة. ونحوه للقحيف:
أخذن اغتصاباً خِطبةً عجرفيةَ ... وأمهِرن أرماحاً من الخطِ ذُبّلا
تقول: مهرتُ المرأة وأمهرتها. وقال امرؤ القيس:
وظل لثيرانِ الصرمِ غَماغم ... يدعِّسها بالسمهري المعلَّبُ
غماغم أصوات، والصريم الرمل، والمعلب الذي يشد بالعباء الرطبة وذلك إذا خُشي على الرمح أن ينكسر شد عليه العلباء الرطبة فجف عليه. وقال الأعشى: فمثل الذي تولوني في بيوتِكم يقيني سناناً كالقدامى وثَعلبا القدامى ريش الجناح المتقدم، شبه به السنان في مضيه، والثعلب ما دخل في السنان من الرمح. وقال زيد الخيل:
سلكْتْ مجامع الأوصالِ منه ... بمطردِ الوقيعةِ كالخلالِ
ويروي: مجامع الأمطاء منه، جمع مَطا وهو الظهر، والخلال المدري، يريد رمحا، والوقعية السنان الذي وقعته بالميقعة وهي المطرقة يقال: شفرة وقيع أي مضروبة. قال عنترة:
وآخر منهم أجررتً رمحي ... وفي البجَلي مِعبلة وقيع
وقال سلامة بن جندل:
فمن يكُ ذا ثوبٍ تنَله رماحنا ... ومن يك عرياناً يوائل فيسِبقُ
يقول من كان عليه سلاح طعناه ومن طرح إلينا سلاحه وأكمش نجا. وقال عنترة:
كأنَّ رماحَهم أشطان بئرٍ ... لها في كلِ مَدلَجتن خُدود

أشطان حبال، مدلجة ممر الساقي بين البئر والحوض وهو مثل مدرجة، خدود جمع خدّ يريد آثار الأشطان. وقال:
قد أطعُن الطعنةَ النجلاءَ عن عُرُض ... تصفرّ كف أخيها وهو منزوفُ
عن عرض أي يعرض الناس لا يبالي من طعن، وإذا نزِف الدم اصفّرت الكف. وقال:
ونحن منعنا بالفروقِ نساءنا ... نطرّف عنها مُسبَلات غَواشيا
نطّرف نرد عنها يقال: طَرّفّ عنا هذه الخيل - أي ردّها، ومسبلات رماح قد أسبلت للطعن. ويقال خيل مسبِلة أي صابّة، غواشي تغشى القوم.
ألم تعلموا أن الأسِنّةَ أحرزَتْ ... بقيتنا لو أن للدهرِ باقيا
يقول حصوننا الأسنة فهي التي أحرزت لنا كرما - ألا أنه لا يبقى على الدهر أحد.
وقال المفضل بن عامر من عبد القيس:
يهزهِزُ صعدةً جرداءَ فيها ... نقيع السم أو قَرّن مَحيق
كانوا يجعلون قرون الثيران مكان الأسنة. محيق قد دلكَ حتى امّحق.
وجاوَزْنا المنونَ بكلِ نكسٍ ... وخاظِي الجَلز ثعلبه دَميقُ
النِكس الضعيف يعني سهما قد انكسر فاصلح وعقّب ولذلك قيل للرجال الضعفاء أنكاس، والجَلز أصل السنان، ودميق أدخل إلى آخره. والخاظي المنتفخ، والثعلب ما دخل في السنان من الرمح. وقال أبو الطمحان يذكر هاربا.
على صَلَويه مُرهَفات كأنها ... قوادِم دلّتها نُسورٌ نواشِرُ
الصَلوان ما عن يمين الذنب وشماله. يقول قد أدرك فالرماح شارعة إليه كأنها قوادمِ نسر. وقال عمرو بن قميئة:
وأرماحنا ينهزنهم نهز جَمّةٍ ... يعود عليهم وِردنا ونميحها
ينهزنهم نَهز جمة - أي ينزعن عن دمائهم كما ينزع من الجمة الماء، يعود عليهم وردنا - يقول: نعود عليهم بالطعن مرة بعد مرة، نميحها نستخرج ماءها.
وقال آخر وهو قيس بن زير:
لا تعجَل بأمركَ واستدمْهِ ... فما صلَى عصاكَ كمستديمِ
صلى أدناها من النار، يريد بالعصا القناة، يقول لم يُصلح أمرك شيء كالأناة - كالذي يدخل قناته النار كي تلين فإن عجل في إخراجها فلم يلينها انقصفت. وقال القطامي:
قوارش بالرماحِ كأنّ فيها ... شواطَن ينتزِعنَ بها انتِزاعا
إذا التقت الرماح سمعت لها صوتا فهي قوارش، يقال: تناولت الشيء وتقرشته سواء - ومنه سميت قريش قريشا لتناولها التجارة. وأنشد:
أحد كيحي في الطعان إذا ق ... تَرش القنا وتَقعقَع الحَجَف
شواطن حبال، يشبه الرماح بالحبال. وقال أبو زبيد يرثي غلامه:
إما تقرم بكَ الرماح فلا ... أبكيكَ إلا للدلوِ والمرسِ
تقرم من القَرم وهو الشهوة للحم، ويروى: تَقارَنْ بك الرماح، يقول قُرِنت بك الرماح فطُعنت بها فلست أبكي عليك إلا للعمل والاستقاء بالحبل والدلو. وهذا مثل قول الآخر في عبده:
عبد العشاء وإرشَاء والعمل
حمدت أمري ولمت أمرك إذ ... أَمسكَ جَلز السنانِ بالنَفسِ
الجلز ما شد به السنان على الرمح من عقَب أو غيره، يقول غُيب السنان حتى بلغ الجَلز فلم يتنفس حتى مات. وقال أبو زبيد:
في ثيابِ عمادهُنَ رماحُ ... عند عوجٍ تسمّو سمو الصِيدِ
يعني الرايات، والصَيد داء يصيب الإبل تَرفع منه رؤوسها. وقال الطرماح يذكر قتيلا:
توَهّزُ فيه المضرحية بعدما ... مضَت فيه أذنا بلقَعِي وعامل
توهز تأكل حتى لا تستطيع أن تقوم، والمضرحية النسور، والبلقعي السنان، وأذناه جانباه، والعامل أسفل من السنان.
سحاليطَ حمراء القراحين أكرِهتْ ... به والعو إلى مضجَعاتُ الأسفلِ
سحا قَشر، والليط القشر، حين أكرهت أي حمل عليها في.
وقال عمرو بن كلثوم وذكر قناة ضربها مثلا:
فإن قناتَنا يا عمرو أعيَتْ ... على الأعداءِ قبلكَ أن تلينا
إذا عضَ الثقاف بها اشمأزّتْ ... ووّلته عشَوزنة زبونا
اشمأزت انقبضت وولته صلابة وهي العشَوزنة، والثقاف ما يقّوم به الرماح، وزبون دفوع تزبنهم عما يريدون أي تدفعهم وهذا مثل لمنعتهم ممن يريد اهتضامهم وغيرهم. ومثله لعَبيد:
إنا إذا عضَ اثقا ... ف برأسٍ صعدتنا لوينا
وقال الأخطل:
ومسّوِم خِرَقُ الحتوفِ تقودُه ... للطعنِ يوم كريهة وَنزالِ

المسوم المعلم بعلامة في الحرب بعِهن أو ريشة يعقدها في صدره أو ناصية فرسه، وخِرق الحتوق الرايات. وقال العجاج:
إنا لعطافون خلف الملَحمِ ... إذا العوالى أخرجَتْ أصى الأضراس.
وقال الأعشى:
ولسوف تكلحُ للأسن ... ةِ كلحةً غيرَ افترارَه
وقال العجاج:
وخطَرتْ أيدي الكماة وخطَر ... راي إذا أورده الطعُن صدَر
خطرت بالسيوف أيديهم ارتفعت كما يخطر البعير بذنبه إذا رفعه وضرب به، راي جمع راية مثل آية وآي، يقول إذا طعن بالراية ردها فصدرت.
والسَلبات السحم يشفين الزَورَ
السلبات الرماح الطوال، الزور العوج، يقول من اعوج عن القصد رده الطعن إلى القصد. وقال الأخطل يصف خيلا:
إذا سَطَع الغبار خرجْنَ منه ... بأسحمٍ مثل خافيةِ العقابِ
أسحم راية سوداء. وقال لبيد: رابطُ الجأشِ ثابت القلب يربط نفسه عن الفرار، والفرج موضع المخافة، والجون فرسه، مربوع رمح ليس بالطويل ولا بالقصير، أي أعطف الجون ومعي رمح مربوع، والمتلّ الشديد. وقال قيس بن الخطيم:
ترى قصَد المرّان تُلقي كأنه ... تذرّعُ خِرصان بأيدي الشواطبِ
التذرع قدر ذراع ينكسر فيسقط، قال: والتذرع والقِصدَ واحد، وواحد القصد قِصْدة، والملران والوشيج عروق القنا فنسبوا القنا إليه. وأنشد لزهير:
وهل ينبتُ الخطى إلا وشيجُه ... وتغَرس إلا في منابتها النخلُ
مثل ما جعل الخرص الرمح وإنما هو نصف السنان الأعلى إلى موضع الّجبة وكذلك الأسل إنما هي أطراف الأسنة، يقال خِرص الرمح وُرص الرمح وخَرص - ثلاث لغات - وخِرصان للجميع، والشاطبة التي تعمل الحُصر من الشطْب شَطبت تشطِب شطوبا وهو أن تأخذ قشرة الأعلى، وتشطب وتلحَى واحد، وواحد الشَطْب شَطبة وهي السعفة، وتشطِب وتلحي واحد، وواحد الشَطْب شَطبةِ وهي السعفة، وكل قضيب من شجرة خرص ومن ثم قيل للرمح خرص. وقال العجاج:
حنّى قناتي الكِبَر المحني ... أطَر الثقافِ خُرص المقني
وقول الحارث بن حلزة:
وثمانون من تميم بأيدي ... هم رماح صدورهن القضاء
أي الموت. وقال ابن مقبل:
نصَبْنا رماحاً فوقها جَدّ عامر ... كظلِ السماءِ كل أرض تعمدا
جد عامر أي حظ عامر أي معها جد عامر، وهذا مثل، كظل السماء في الكثرة وهو مثَل يقول: ظل السماء يلبس كل شيء وكذلك هم.
باب التُرس والمنجنيق
قال بعض الهذلين أبو خراش.
أو قد لا آلوكَ إلا مهنداً ... وجلد أبي عِجل وثيق القبائل
مهند سيف منسوب إلى الهند، وجلد أبي عجل يعني الترس المعمول من جلد ثور وهو أبو العجل، شديد القبائل يعني أنه شديد قبائل الرأس أي هو مسن. وقال العجاج وذكر المنجنيق.
أورد خُذّا تسبق الأبصارا ... وكل أنثى حملَتْ أحجارا
احذ سهام خفاف، والأنثى المنجنيق.
تنتج يوم تلقَح ابتقاراَ ... إذا سمِعتُ صوتَها الخرّارا
يهوي أصم صفعها الصَرّارا ... قد ضَبّرَ القوم لها أضبارا
كأنما تجمّعوا بُقّارا
تنتج يوم تلقح يقول إذا وضع في جوفها الحجر خرج منها مكانها، ابتقارا أي يخرج حجرها من بطن الجلدة كما يبقر بطن الحامل عن ولدها، يقول إذا سمعت صوت الحجر يهوي بين السماء والأرض أصم وقعها الصَرّار - وهو طائر يقال له الجد جد أيضا، ضَبّر القوم جمعوا لها حجارة فهم مزدحمون فهم مزدحمون كأنهم ضَبْر. وقال كَثير بن مزرد ابن أخي الشماخ:
بين يديْه سَتَر كالغربال ... كاللامعاتِ في الكِفافِ المختال
يقلبه للصفِ حالاً عن حاَلِ ... تحمَّط الليث أمام الأشبالَ
ستَر ترس يستتر به ويتبرس، واللامعات السحاب، والكفاف الجوانب، والمختال الذي يرى له خال للمطر. وقال الهذلي يصف برقا و البيت لصخر الغي:
أرقتُ له مثل لمع البشي ... ر قلب بالكف فرضا خفيفا
الفرض الترس. وقال العجاج يصف الرامي بالمنجنيق:
إذا رأى أو رَهِب الغرارا ... مَرج الوضينِ قَدّم الزِيارا

الغرار أصله في الحلوبة أن لا تدّر، ضرب ذلك مثلا، يقول إذا خاف أن لا تدر بالرمي قدم الزيار من أذنها، والوضين هو الذي يشد به الهودج فضربه مثلا، أراد ورِهب موج الوضين، وجعل الحبل الذي يعكسها مثلا للزيار الذي يشد به الدابة، وقال المرار:
وأصحَرنا ولا عطف علينا ... لهم غير المحامل والجِنان
المحامل حمائل السيوف، والجنان التِرسَة. وقال الأخطل يصف الحمار والآتن والآتن يرمحنه بحوافرهن.
وهن ينَبونَ عن جأبِ الأديمِ كما ... تنبو عن البَقريّاتِ الجَلامِيدُ
يعني حوافرهن تنبو عن جلد الحمار، والجأب الغليظ الشديدِ، والبقريات تِرسة من جلود البقر. وقال أوس بن حجر:
وذو بقرٍ من صنعِ يثربٍ مقفَلٍ ... وأسمر داناه الهلالِيّ يعتُر
الأصمعي: يعني ترسا من جلود بقر، مقفل ميبس يقال قفَل جلده، أبو عبيدة: ذو بقر يعني كنانته، الأصمعي: واسمر رمح داناه كأن الرمح كان معوجا فداناه وقومه، والهلالي المقوم له، يعتر يضطرب يقال: رمح عاتر، أبو عبيدة: وأسمر درع والدرع تذكر وتؤنث وأنشد لأبي الأخزر:
مقلِّصا بالدرعِ ذي التغضّن
داناه أي داني حلقه، يعتر اسم السّراد. وقال صخر الغي:
إني سينَهي عني وعيدَكم ... بيضُ رِهابٍ ومجنأ أجُد
المجنأ الترس وذلك لأنه أحدب، والمجنأ القبر أيضا، بيض نصال، رهاب مرققة وكذلك رِهاف أيضا مرهفة، وأجد موثق. وقال صخر.
لو أن أصحابي بنو خناعه ... تحتَ جلودِ الإبلِ القَرّاعه
يعني الترَسة أي هم يتقون بها فهي على رؤوسهم فلذلك قال تحت، ويقال للشديد قرّاع وفرس قرّاع. وقال طفيل:
فلما فنا ما في الكنائن ضاربوا ... إلى القرعَِ من جلدِ الهجانِ المجوّبِ
القرع الترسة ويقال للترس إذا كان صلبا، أنه لقراع. وقال أبو قيس، بن الأسلت:
صَدقَ حسام وادَّق حده ... ومجنا أسمر قَرّاع
المجوب المجعول جوبا والجوب الترس، يقول: ضاربوا بأيدهم إلى الترسة ليقاتلوا.
باب الجوار والحِلف والإغاثة
قال الحطيئة:
قوم إذا عَقدَ واعقد الجارهم ... شدوا العناجَ وشدوا فوقه الكَرَبا
أي إذا عقدوا أوفوا لمن عقدوا له وكان عقدهم وثيقا، والعناج حبل أو بطان يجعل في أسفل الدلو تشد به العَراقي ليكون عونا للوذَم، والوذم السيور التي بين أطرا ف العراقي وآذان الدلو والكرب عقد مثنى يشد على العراق. وقال الأعشى في مثله:
إنا لنمنع جارنا ... إذ بعضهم يغَتفّ جارهِ
يقال أصاب الناس غُفة من الربيع أي شيئا يسيرا، ويغتف يفتعل من هذا كأنه أراد يأكلون جارهم.
ونشد عقد وريّنا ... شد الحِبَجْر على الغِفاره
يقال وتر حبجر أي غليظ، والغفارة الجليدة التي تكون على فرضة القوس - وفرضتها الحز الذي يكون فيها، وريّنا قال بعضهم جارنا الذي تواريه بيوتنا، وقيل ضيفنا، وقال بعضهم الذي يوري معنا. وقال بشر بن أبي خازم:
أجاز فلم يمنع منَ القوم جاره ... ولا هو إذ خاف الضباع مسير
يقول لم يمنعه ولا هو إذ لم يقدر على منعه تركه يسير ويذهب عنه فأصبح كالشقراء لم يعد شرها سنابك رجليها وعِرضك أوفر. الشقراء أراد الأشقر وهو فرس لقيط بن زرارة حين قال له في يوم جَبلة: أشقر إن تتقدم تنحر، وإن تتأخر تعقر، يقول لو سيّرته فقتل في غير جوارك لم تلحقك منه لائمة ولا مسبّة إذ قُتل بعد ما برئت منه وكان هو على كل حال مقتولا كهذا الأشقر إلا أن عرضك يكون موفورا غير مجروح، وقوله: لم يعد شرها سنابك رجليها - لأنه إن تقدم بقوائمه فعقر وإن تأخر بقوائمه فعقر فشره لا يعدو سنابك رجليه، وفيه قول آخر - تقول العرب في مثَل: ما أنت إلا كالشقراء لا يعدو شرها سنابكها، أي لا شيءَ عندها إلا ترمح، أي قُتل جارك فلم تصنع شيئا.
دعا معِتبا جار الثبور وغره ... أجّم خَدور يتبع الضأن حيدر
معتب عتبة، أجم شبهه بكبش لا قرن له والأجم من الرجال الذي لا رمح معه وجعله كبشا وهو يهجوه لأنه عظيم في قومه، والخدور الذي يكون وراء الغنم أبدا أي هو وراء الجيش لا يتقدم، حيدر قصير
جزيز القفا شعبان يربض حَجرة ... حديث الخصاء وارم العَفل أبجر

العرب تكره في الرجل كثرة الطعم ولا تصف به الشجاع بل تصفه بقلة الطعم ومنه قول أعشى باهلة:
تكفيه حُزة فلذ إن ألّم بها ... من الشواء ويروي شربَه الغُمَر
وقوله يربض حجرة أراد المثل: كلْ وسطا واربض حجرة، كن مع القوم ما داموا في خير فإذا وقعوا في شر فدعهم وتنح، جزيز القفا إذا سمن الكبش جُز قفاه، والعَفل ما بين الذكر والدبر، وأبجر عظيم البطن، ويروى: مُعبر، يقال تيس معبَر وشاة معبرة وهَي التي لم تجزّ، يريد جز قفاه وترك سائره. وقال جرير للفرزدق يعير مجاشعا بقتل الزبير وهو جارهم:
شُدّوا الحبَى وبشاركم عرق الخصى ... بعد الزبير وبعد جِعثنَ عار
إذا احتبى الرجل عرقت خصيتاه، يقول فمباشرتكم بالاحتباء عرق الخصى عار بعد الزبير وجعثن، أي ليس يحتبى مع ما بكم من الداء. وقال زهير:
وجار البيت والرجل المنادي ... أمام البيت عقدهما سواء
المنادي المجالس من النادي وهو ابن العم والقرابة، يقول: الجار والقرابة سواء. وقال:
فلم أر معشرا أسروا هدّيا ... ولم أر جار بيت يستباء
يستباء من البواء وهو القود وذلك أنه أتاهم أراد أن يستجيرهم فقتلوه برجل منهم كان قُتل. ويقال يستباء يتبوأ أي تُتخذ امرأته أهلا، والهدى الرجل ذو الحرمة وهو أن يأتي القوم يستجيرهم أو يأخذ منهم عهدا فهو هدّى مالم يجره فإذا أخذ العهد فهو حينئذ جار، ومعناه أن له حرمة كحرمة الهدى وهو الذي يهدى إلى البيت فلا يرد إلى البيت ولا يصاب بسوء. جوار
شاهد عدل عليكم ... وسِيّان الكفالة والتَلاء
التَلاء الذمة، يقال أتليت فلانا ذمة، أبو عبيدة: التلاء أن يكتب على سهم أو قِدح: فلان جار فلان - ثم يرمي به فإذا فعل ذلك فقد أتلاه، ويقال التلاء الحوالة يقال أتليت فلانا على فلان بمال أي أحلته، يقول إذا تكفلت لرجل أو احتال عليك فهو سواء كما أن الكفالة والحوالة بالحق سواء فهذا المجاور لكم مثل المحال عليكم، وقله جوار شاهد أي قد كان جارا لكم فهذا شاهد عليكم أنكم أصحابه.
وإنكم وقوما أخفروكم ... لكالديباج مال به العباء
أخفروكم جعلوكم خفراء، كالديباج مال به العباء أي غلب عليه ولم أرهم يثبتون البيت لزهير وقد سألت عنه فلم أُزَد على هذا التفسير. وقوله:
بأي الجيرتين أجرتموه ... فلم يصلح له إلا الأداء
يقول إن كنتم أنتم الذين أجرتموه فقد عقدتم له ووجب حقه عليكم وإن كان هو اختاركم من قِبَل نفسه وجاوركم فهو واجب الحق، وفسره أيضا فقال: الكفالة الجوار والتَلاء الجوار فأي الأمرين كان فلا يصلح إلا الأداء، قال أبو عبيدة: يروى: بأي الجارتين، يقال أجاره إجارة وَجارة مثل أغرت إغارة وَغارة وأطعت إطاعِة وطاعة وأعدت إعادة وعادة - وهي من العادة - وأجبت إجابة وجابة. وقال المسيب بن علس:
عُديَّة ليس لها ناصرُ ... ولا تحسْبنه فَقع قاعٍ بقَرقَر
المرخة شجرة ليس لها ذرى ولا ارتفاع فتكون ظليلة، والفقع الكمء الأبيض، والقرقر القاع المستوى، يقول لا تحسبه ذليلا لمن أراده كالفقع الذي لا أصل له ولا عروق فهو لا يمتنع على جانيه. وقال العجاج:
مروانُ إن الله وصَّى بالذمم ... وجعلَ الجيرانَ أستار الحُرمِ
يقول جعل جار الرجل سترا لحرمته فإن لم يمنع جاره هتك ستر حرمته.
ولم يقِدّر جارُكم لَحَم الوضم ... وقذفُ جار المرءِ في قَعرَ الرجَمِ
وهو صحيح لم يدافعْ عن حَشَمٍ ... صمَّاء لا يبرئها من الصممِ
حوادثُ الدهر ولا طول ... القِدمِ فاتّقيْن مروان في القومِ السلمِ
عندك في الأحجال شَعراء النَدم
أي جعل جاركم ممنوعا، والرجم القبر، يقول: هلاك الجار وجاره صحيح لم يدافع عنه داهية عارها باق، والسلمْ المسلمون، والأحجال القيود، أي اتَق أن تعمل عملا يلحقك فيه ندامة فتكون عليك كشعراء الندم، والشعراء ذباب، يقول أصابك ذباب من الأمر، ويقال داهية.
وقال آخر وهو الحصين بن القعقاع:
هم السَمن بالسنّوتِ لا ألْس فيهم ... وهم يمنعونَ جارَهم أن يقرَّدا

السنوت العسل، والألْس الخيانة، وهم يمنعونَ جارهم أن يُستذل كما يستذل البعير يؤخذ عنه القِردان. ومثله للحطيئة:
لعمرك ما قُراد بني كليب ... إذا نُزعَ القراد بمستطاعِ
أي لا يُقَدَر على استذلالهم، وأصل ذلك أن يجيء الرجل بالخطام إلى البعير الصعب قد ستره منه لئلا يمتنع ثم ينتزع قرادا من البعير حتى يستأنس به ويدني رأسه ثم يرمي بالخِطام في عنقه، يريد الحطيئة أنهم لا يخُدعون. وقال زيد الخيل:
إذا أخفر وكُم مرةً كان ذَالكُم ... جيادأ على فُرسانهن العمائَمُ
وصف قوما كانوا جيرانا لقوم، فيقول إن ترككم هؤلاء غزاكم الناس وأغاروا عليكم لأنكم إنما تعزّون بهم. وقال آخر:
إذا خُضُر الأصّم رُمِيت ... فيها بمُستَتلٍ على الأدنَين باعِ
فإن تعقِد فإنك غير وافٍ ... وإن تظلم فإنكَ غير ساعِ
الأصم رجب وكانت العرب تسميه الأصم لأنه لم يكن يسمع فيه استغاثة - لا ينادَى فيه يا لفَلان ولا يا صاحباه، وقيل لم يكن يُسمع فيه قَعقَعة سلاح فلذلك سُمي الأصم، والخضر السود وهي آخر ليالي الشهر. ومثله للأعشَى:
تداركه في مُنصِل الأل ... بعدما مضى غير دأداء وقد كاد يذهب
الدآدي الثلاث الأواخر، ومنصِل الأل رجب، الأل جمع آلة وهي الحربة، كانوا يأمنون فيه لأنه شهر حرام فتنزع فيهِ الحِراب، أي كاد الشهر يذهب، مستَتل مستفعل من التلاء وهو الحوالة، يحيل عليك يطلب إليك أن تجيره، على الأدنين باع أي عليهم جان جارم، يقال بعا يبعو. ومنه قول عوف بن الأحوص:
وإبسالي بنى بغيرِ جرمٍ ... بَعَوناه ولا بِدمٍ مُراقِ
وقال أبو داود الإيادي وذكر الجار:
إذا ما عقْدنا له ذِمّةً ... شَددْنا العِناج وعَقد الكرًبِ
وهذا مثل بيت الحطيئة:
قوم إذا عقدوا عقدا لجارهم
وقد فسِّر. وقال امرؤ القيس:
يا عَجبي يمشي الحُزُقَة خالد ... كمشى أتانٍ حُلّتْ عن منَاهلِ
الحزقة القصير الضخم البطن، حلِّئت ردَّت عن منهل بعد منهل وكانوا أغاروا على إبل امرىء القيس وهو في جوار خالد بن سدوس فقال له خالد: أنا أطلبها لك، فطلبها فرجع خائبا.
تلّعب باعث بذمةِ خالدٍ ... وأودَى دِثار في الخطوب الأوائِل
باعث الذي أغار على إبله ودثار راعيها. يقول ذهبت الإبل فصارت حديثا كما ذهبت الأمور الأوائل.
فدعْ عنك نَهباً صِيحَ في حَجراتِه ... ولكن حديث ما حديث الرواحلِ
كان خالد قال لامرىء القيس: أعطني رواحِلك لأدرك القوم لأستنقذ منهم إبلك، فأعطاه رواحله فلما لحقهم وسألهم أن يردوا إبل امرىء القيس وأعلمهم أنه جاره وأن رواحله تحته استنزلوه عنها وذهبوا بها فقال امرؤ القيس: دع عنك الإبل التي أغير عليها ولكن حديث ما حديث الرواحل - على التعجب.
كأن بني شَيبان ألَوت بجارِهم ... عقاب تَنوفَا لا عقاب القَواعِلِ
تَنوفا: ثَنيّة مشرقة، والقوافل ثنايا صغار دونها. وقال آخر الكلحَبة.
وقلتُ لكأسٍ ألجميها فإنما ... حللنا الكَثيب من زَرودٍ لنفزَعا
أي لنغيث أي ألجمي الفرس. وقال النابغة:
بحمدِ ابن سلمى إذ شأتني منيّتي ... ليالي رَجّيت الفضولَ النوافعا
شأتني أي جازتني وتقدمتني كأنه أجازه من القتل. وقال النابغة:
قالتْ بنو عامرٍ خالُوا بني أسدٍ ... يا بؤسَ للجهل ضَرّارا لأقوامِ
خالوهم تخلوا من حِلفهم وتاركوهم، ومنه قولهم: أنتِ خلية وأنت بريّة، وكانت بنو عامر قالت لبني ذبيان: أخرجوا بني أسد واقطعوا حلف ما بينكم وألحقوهم ببني كنانة فنحن بنوا أبيكم، فقالت لهم بنو ذبيان: أخرجوا من فيكم من الحلَفاء ونخرج من فينا فأبوا.
يأبَى البلاءُ فلا نبغي بهم بدلاً ... ولا نريد خِلاء بعد إحكامِ
الأصمعي: يأبى علينا ما قد بلوناه من نصحهم أن نخالعهم، ولا نريد خِلاء أي متاركة وهو مصدر خاليت أي تاركت وبارأت، بعد إحكام الحِلف. وقال زهير:
إذا فزعوا طاروا إلى مستغيثِهم ... طوال الرماحِ لاقصار ولا عُزلُ
أي إذا أغاثوا. وقال آخر:

دعوتُ خُليدا دعوةً فكأنما ... دعوت به ابنَ الطَودِ أو هو أسرع
ابن الطود حجر، أي فكأنه حجر يدهدَى من جبل، وأنشد لامرىء القيس:
مِكَرٍ مِفَرٍّ مقبلٍ مدبرٍ معا ... كجلمودِ صخرٍ حطه السيلُ من علِ
وقال الحارث بن حلزة:
فاعلموا أننا وإياكم في ... ما اشترطْنا يومَ احتَلفنا سَواء
يقول احتلفنا فكل ما كان من اشتراط لكم علينا في ذلك اليوم فلنا عليكم مثله.
حذَر الجَور والتعدي وهل ين ... قضُ ما في المهارق الأهواءُ
يقول إن كانت أهواؤكم زينت لكم الغدر بعدما تحالفنا وتوافقنا فكيف تصنعون بما في الصحف مكتوبا عليكم. وقال قيس بن الخطيم:
لَما غدَتْ غُدوةً جِباهُهم ... حنّتْ إلينا الأرحام والصحف
يعني بكوا إلينا، والصحف التي كُتب فيها الحِلف بينهم، وهو مثل قول الحارث بن حلزة:
هل ينقض ما في المهارقِ الأهواءُ
وقال آخر:
فجارك عند بيتكَ لحم ظبيٍ ... وجاري عند بيتي لا يرامُ
أي جارك لمن رامه كالظبي لا مانع له. وقال الطرماح يمدح قوما:
ويفونَ إن عقَدوا وإن أتلَوا حَبوا ... دون التلاءِ بفَخمةٍ مِذكارِ
أتلوا أجاروا، الفخمة كتيبة ضخمة، مذكار فيها ذكران الخيل. وقال طرف:
لعمركَ ما كانَتْ حمولةَ مَعبدٍ ... على جدّها حربا لدِينك من مضرِ
الحمولة إبل القوم التي يتحملون عليها، ومعبد أخو طرفة، والجد البئر الجيدة الموضع من الكلأ، والدين الطاعة، وكان لمعبد إبل في جوار عمرو بن هند فأغير عليها، يقول نحن في طاعتك ومضر في طاعتك فما بالنا أغير علينا وكلنا ندين لك؟ يحرضه على الطلب له.
وكانَ لها جاران قابوس منهما ... وعمرو ولم استرِعها الشمسَ والقمرْ
قابوس بن المنذر، وكان هذان جاريه، يقول قد استوثقت جهدي أن أستجير الشمس والقمر. وقال آخر أبو جندب الهذلي:
وكنتُ إذا جاري دعا لمُضوفةٍ ... أشمِّر حتى يَنَصُفَ الساقَ مِئرزي
المضوفة الأمر يشمَّر فيه يحاذَر، ومنه قول الهذلي:
إذا يغزو تضيف
أي تشفق. وقال زهير:
فتُجمع أيمن منا ومنكم ... بمقَسمةٍ تمور بها الدماءُ
أيمن جمع يمين والمقسمة موضع القسم جعله بمكة حيث ينحر الجُزر فتسيل الدماء، من قال مقَسمة أراد اليمين، وقيل بل أراد تؤخذ أيمان مثل الأيمان التي تؤخذ عند الدم للقَسامة فإذا كان القوم عشرة ردت اليمين عليهم حتى تكون خمسين قسامة. وقال آخر:
تركناكَ لا تُوفي لجارٍ أجَرته ... كأنكَ ذاتُ الوَدعَ أودي بريمها
البريم الحقاب. وقال ذات الودع لأنه لباس الإماء. وقال بدر بن حمراء:
ومن يك مبيناً على بيتِ جارِه ... فإني امرؤٌ عن بيت جاريَ جافِر
يقول من كان معرسا بحارته فإني جافر عن ذلك، والجافر الفحل الذي عدل عن الضراب.
أقول لمن دلتْ حبالي وأوردتْ ... تعلم وبيتِ اللهِ إنكَ صادرُ
أي من أجَرته وأعطيته من مواثقي شيئا يتعلق به أي أقول لمن أورده جواري موردا: إنك وبيت الله ستصدر سالما.
كذاك منعت القومَ أن يتقسَّموا ... بسيفي وعريان الأشاجعِ خادرُ
عريان الأشاجع هو نفسه، خادر شبه نفسه بالأسد. وقال الأعشى في الحبال:
فإذا يجوّرها حبالُ قبيلةٍ ... أخذَتْ من الأخرى إليكَ حبالها
يعني ناقته أي إذا أخذت موثقا من قبيلة فجازت تريدك أخذت موثقا آخر من قبيلة أخرى. وقال جرير:
نبني على سَنَنِ العدوّ بيوتَنا ... لا نستجيرُ ولا نَحلّ حَريدا
الحريد المتحول عن قومه، يقال حرد يحرد خرودا، يقول لا ننزل في قوم من ضعف وذلة لقوتنا وكثرتنا. وقال الحطيئة:
هم القوم الذين علمتموهم ... لدى الداعي إذا رفعَ اللواء
أي هم أول من يغيث ويأتي الداعي أي المستغيث. وقال الهذلي حذيفة بن أنس:
ألم تقتلوا الحِرجَين إذ أعورا لكم ... يُمِرّان بالأيدي اللحاءَ المضفرا
الحِرجان رجلان واحدهما حِرج، أعورا أمكنتم عورتها وغِرّتهما وإنما كان الرجل يأخذ من لحاء شجر الحرم فيجعله في عنقه أو في يده فيأمن بذلك. وقال الأعشى:

وما إن على جارهُ تَلفة ... يُساقطها كسِقاطِ العُننِ
أبو عبيدة: واحدها عُنّة وهو مثل البيت يُعمل من الخشب، ولم يعرف الغبن. وقال الأعشى:
وقومك إن يضمنوا جارةً ... يكونوا بموضعِ أنضادُها
الأنضاد جمع نضَد وهو ما نضد من متاع بيتها ثم جعل أهلُ البيت نضَدا، يقول إذا ضَمن قومك جارة كانوا في ضمانهم يقومون مقام قومها، وأنشد الأصمعي: وإن ظهري لمستنِد إلى نضد أمين وأنشد لرؤبة: أنَا ابنَ أنضاد إليها أرزي ويقال إليها أرزي أي أسند ظهري. وقال: أصله متاع البيت ثم جعل الرهط والعشيرةَ، وروى عن الأصمعي أنه: قال النضد الأعمام والأخوال.
فلنْ يطلبوا سرَّها للغني ... ولن يسلموها لإزهادِها
يعني أنهم لا يرغبون في نكاح جارتهم من أجل غناهَم ولا يتركونها من أجل الفقر وهو الإزهاد. وقال يذكر رجلا نصر جاره ومنع منه:
فأعطاه جلساً غيرِ نكسٍ أربّه ... لؤاما به أو في وقد كادَ يعطَب
الجلس سهم صلب، والنكس الذي جُعل فُوقه مكان نصله، أربه ألزمه، واللؤام المتفق من الريش، يقول أخذ سهما من جفيره فناوله إياه، وذلك أنه لقيه خارجا من بلده فأجاره وأعطى ذلك وقال القُطاميِّ لزفر بن الحارث وكان منع منه:
وما نسيتُ مقامَ الوَردِ تحبسه ... بيني وبين حفيفِ الغابةِ العادي
الورد فرس زفر بن الحارث، والغابة الأجمة وهي هاهنا الرماح شبهها بالغابة لكثرتها والتفافها، والحفيف صوتها، والعادي صفة للورد أراد مقام الورد العادي بيني وبين هؤلاء حتى سلمت. وقال آخر:
ولستُ بصادرٍ من بيتِ جاري ... صدورَ العير غَمّره الورود
التغمر أن يشرب دون الري فيه إلى الورود حاجة، أي فأنا لا آتي بيت جاري هكذا، أي إن خرجت لم أخرج خروجا أِريد العودة إليه لريبة.
ولا ألقي لذي الوَدعات سَوطي ... لألَهيه ورِيبتَه أريدُ
ذو الودعات الصبي، أي لا ألقي سوطي له لأشغله وأخلو بما أريد. ومثله قول الراجز:
ظَلّتْ بوادي حَرمَلاً ترتّمه ... لا تطعم الماءَ ولا تشَمّه
بعِلل الصبي نيكَتْ أمّه
ومثله قول مسكين الدارمي.
لا آخذ الصبيان ألثَمهم ... والأمر قد يغَزي به الأمر
وقال أبو حنبل حين نزل به امرؤ القيس فأجاره:
لقد آليت أغدِر في جَداع ... ولو مُنِّيت أمّات الرباع
جَداع سنة جدعاء تذهب، بكل شيء.
لأن الغدر في الأقوام عار ... وأن المرء يجَزأ بالكراع
أي يكفيه كراع يأكلها فلِم يغدر. وقال زهير:
هلاّ سألتمَ بني الصيداءِ كلهم ... بأيّ حبل جِوار كنتُ أِمتسكُ
فلن يقولوا بحبلٍ واهِنٍ ... خلَق لو كان قومكَ في أمثالِه هلَكوا
يقول سلهم كيف كنت أفعل فإني كنت استوثق ولا أتعلق إلا بحبل متين إذا كان حبل قومك - وهو عهدهم - هلكوا فيه أي حتى غدروا. ومثله لطفيل:
وكنتُ إذا أعلقت مكّنت في الذري ... يَديّ فلا يُلقَي بجنبَّي مصرعُ
ويروى: كنت إذا جاورت، يقول لم أكن أنازل إلا الذرى من القوم أي الأشراف.
وقال أبو خراش الهذلي يذكر ابنه:
ولم أدرِ من ألقي عليه رداءَه ... ولكنه قد سُلّ عن ماجد محض
يقول لم أدر من أجاره، وكان الرجل إذا ألقي على الرجل ثوبه فقد أجاره، يقول لم أدر من هو ولكنه ما جد محض. وقال أبو المثلم لصخر الغي:
كلوا هنيئاً وإن أثِقفتم بَكلا ... مما تجيرُ بنو الرمداءِ فابتِكلوا
يهزأ بهم، يقول لصخر: إنك وثبت على جار القوم فكل هنيئا فإنك لا تسلم، بكلا غنيمة، أي ان أثقفتموه غنيمة مما في جوار بني الرمداء فاغتنموا. وقال أبو جندب يرثي جارين له:
إني امرؤ أبكي على جارَيَه ... كانا مكان الثوبِ من حَقَوّيهِ
يقال للرجل يعوذ بالرجل ويتحرم به: أخذ بحقويه، يقول هما عني بمنزلة من عاد بحقويّ، ومثله: هو مني مَعقدَ الازار. وقال عمرو بن برّاقة الهمداني:
تحالَفَ أقوامٌ عليّ ليسِمنوا ... وجرُّوا عليّ الحربِ إذ أنا سالم

يقول صارت كلمتهم عليّ، ليسمنوا أي ليكون مرعانا لهم فيرعوا به ويسمنوا فيه، يقال رعي فلان موضع كذا حتى أسمن أي سمنت إبله.

باب في العداوة والبغضاء والحقد والظلم
قال أبو خراش:
رأيتُ بني العلات لما تضافروا ... يحوزونَ سهمي دونهم في الشمائل
بنو العلات الذين ليسوا لأم واحدة تضافروا تعاونوا، يحوزون أي يجعلون، وهذا مثل، يقول ينزلونني بالمنزلة الخسيسة كقولك: فلان عندي باليمين، أي بالمنزلة العليا. وقال الأعشى:
أرى رجلاً منهم أسيفاً كأنما ... يضّم إلى كشحْيه كفاً مخضبا
أسيف غضبان كأن هذا الرجل من شدة غضبه قطعت يده فغضب لذلك، وعادة كل إنسان إذا أرسل يديه لم يشغلها بعمل إن تقعا على كشحيه، أما قوله كفا - واحدة وهما كشحان فذلك لضمه يديه جميعا وإن كانت المقطوعة أحدهما ولم يخَفِ اللبس لقرب المعنى من الفهم وإحاطة العلم بأن كفا واحدة لا تُضم إلى الكشحين، ومثل هذا كثير في كلامهم. وقال آخر:
وفِينا وإن قيلْ اصطلحنا تضاغن ... كما طَرّ أوبارُ الجِرابِ على النَشرِ
الكلأ، إذا جف ثم أصابه المطر فاخضر فهو النشر وهو داء كله إذا أكلته الماشية. يقول نحن وإن أظهرنا الصلح ففي قلوبنا غير ذلك كما أن هذه الجراب أكلت النشر فطرّت أوبارها وحسن ظاهرها وفيها من الداء ما فيها. ومثله لزفر بن الحارث الكلابي:
وقد ينبتُ المرعَى على دِمَن الثَري ... وتَبقى حزازاتُ النفوسِ كما هيا
المرعى إذا نبت على الدِمن أخبث المرعى فكما ظاهر هذا المرعى حسن وداخله رديء كذلك نحن. ومثله:
ولا يغرَّنْكَ أضغانُ مزملة ... قد يضربُ الدَبرُ الدامي بأحلاسِ
الأضغان الأحقاد أي تُستركما تستر هذه الأحلاس وتحتها الداء فكذلك هذه الأضغان تستر وفي داخلها ما فيها. ومنه قول الكميت:
ولم أحلس على جلَب.
وقال آخر:
فلا توعدونا بالجيادِ فإننا ... لكم مضعة قد لجِلجت فأمرَّتْ
ويروي نُجِنجت، والمعنى أنها ردَّدت في الفم، والجياد الخيل، أمرّتْ صارت مرا، والمعنى أنكم لا تسيغوننا ولا تقدرون علينا. وقال معقل بن خويلد:
أبا معقلٍ إن كنت أشّحت حلةً ... أبا معقل فانظر بنبلك من ترمي
أي إن كنت أعطيت جاها وقدرا فانظر لمن تَعرَض، أشحت ووُشّحت سواء:
أبا معقلٍ لا توطيئنكم بغاضتي ... رؤوس الأفاعي في مراصِدها العُرْم
أبو عمرو يرويه: بغاضتي بكسر الباء، يقول لا يحملنك بغضى على أن تقتل نفسك وتهلكها، والعُرم الرقط، يقال شاة عَرماء، مراصدها حيث ترصُد. وقال العجاج:
وقد وعظناها اتّقاءَ المأثم ... فجعلوا العتاب حَرقَ الأرَّمِ
أي جعلوا عتابنا أن أو عدوْنا،، يقال هو يعلك عليّ الأرم أقصى الأنياب. وقال:
لولا تكَميكَ ذُرَي من جارا ... والذّبُ عنّا لم نكنْ أحرارا
التكمي القمع. يقال كَمَى شهادته إذا قمعها وكتمها، وذرى أعال - يعني رؤوسهم، قمعت رؤوسهم، والتكمي التعمد. وقال:
بل لو شهدتَ القوم إذ تُكمَّوا ... بقدَر حُمّ لهم وحُموا
تكُموا تفُعّلوا من الكمّة أي لبسوا غُمة كُمّوا بها كما تكم النخلة جُللوا، والكمي قمْع الشيء وستره. وقال آخر:
وإن امرءً أيدعو ليَهلكَ مالِك ... ويبغي علينا للمنية قارعُ
أي يقرع بابها يطلبها. وهذا مثَل. وقال آخر.
أجبّارُ إن المرء يدركُ حقَه ... ببعض الحِقاق أو يسيَّب باطله
وما يبتغي من بعدِ إعطاءٍ ... حقه من الأَمرِ إلاَ أن تئيم حلائله
الحِقاق المحاقة، أن يكون له في الأمر حق، أو يسيَّب أي يخلى باطله فلا يعطى شيئا، وما يبتغي بعد ما يعطي حقه إلا أن يُقتل فتئيم حلائله. وقال العجاج.
وشانيء أرضوه بالأخسِّ ... من أمره بالهَجْسِ بعد الهجْسٍ
الشانيء المبغض، الأخس الأقل من أمره، الهجس أي يهجس في نفسه منه بلاء وشر - أي حملوا عليه الشر حتى أرضوه بغير الحق. وقال آخر:
ومولًى كأن الشمسَ بيني وبينه ... إذا ما التقيْنا ليس ممن أعاتبه
يقول لا أقدر أن أنظر إليه من بغضه فكأن الشمس بيني وبينه. وقال آخر:

يتقارضونَ إذا التقوا في موطنٍ ... نظرأ يزيلُ مواطيء الأقدامِ
قال الله عز وجل " يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر " . وقال العجاج: فوجدوا الحَجّاج يأبىالنَهضا النهض الظلم. وقال:
وإن أجاروا معشَرا لم ينَهضوا
سألت عنه الأصمعي فقال: يأبى الهضّا، أي الكسر وكذلك يُنشد هذا البيت. وقال آخر:
ومولًى كداء البطن لا خير عنده ... ولا شرّ إلا أن يعيب الأدانيا
جعله كداء البطن لأنه لا يدري ما هو وما هاجسه. وقال خوات بن جُبير:
وأهل خباء صالح ذات بينهم ... قد احتربوا في عاجل أنا آجله
أبو عمرو: يعني أنا جالبه أجَلت فأنا اجِلُ أجْلا، وقال أبو زيد أجلت جررت عليهم جريرة - اجِل أجْلا. قال الأحمر في بيت عروة بن الورد:
ألا إن أصحاب الكنيف وجدتهم ... هُم الناسَ لما أخصبوا وتمولّوا
وفي الناس الرفع أيضا، يقول وجدتهم مثل سائر الناس في الغدر، وكانوا عاهدوه حين كانوا معه أن لا يفارقوه. وقال النابغة للنعمان:
لا تقذ فَني بركن لاكفاء له ... ولو تأثّفك الأعداء بالرِفَد
يقول لا ترميني بناحية لا مثل لها في الشر ولو تأثفك الأعداء أي احتشوك وكانوا من جوانبك بمنزلة الأثافي من القدر، بالرفد أي بالتعاون يرفد بعضهم بعضا عليَّ عندك ويسعون بي وقال:
فمن عصاكَ فعاقِبْه معاقبةً ... تنهى الظَلومَ ولاتقعدْ على ضَمدِ
إلا لمثلكَ أزمن أنتَ سابقُه ... الجوادِ إذا استولى على الأمدِ
الأصمعي: لا تقعد على غيظ وغضب إلا لمثلك في حالك أو لمنَ فضلك عليه كفضل السابق على المصلِّي فأما من دون ذلك فأمض فيهم إرادتك. وقال:
فان أكُ مظلوماً فعبدٌ ظلمتَه ... وأن تك غضبانا فمثلك يعتَب
يريد إني غير ممتنع من ظلمك إن كنت ظلمتني كما لا يمتنع العبد من فعل سيده وإن تك غضبانا فلك العتبى أي لك الرجوع إلى ما تحب. وقال:
ولكنني كنت امرءً إلى جانب ... من الأرضِ فيه مستراد ومذهب
ملوك وإخوان إذا ما لقيتهم ... أحكمَّ في أموالهِم وأقرّب
كفعلكَ في قومٍ أراكَ اصطنعتَهم ... فلم ترهم في مثلِ ذلك أذنبوا
يقول اجعلني كهؤلاء القوم الذين صاروا إليك وكانوا مع غيرك فاصطنعتهم وأحسنت إليهم ولم ترهم مذنبين إذ فارقوا من كانوا معه، يقول فأنا مثلهم صرت عنك إلى عنك إلى غيرك فاصطنَع إليَّ وأحسنَ بي فلا ترني مذنبا إذ لم تر أولئك مذنِبين. وقال الأعشى:
ألستَ منتهياً عن نَحت أثلتنا ... ولستَ ضائرها ما أطَت الإبلُ
كناطحِ صخرةٍ يوماً ليفلقها ... فلم يضرها وأهي قرنَه الوِعلُ
أثلتنا شجرتنا وإنما يريد عزنا وقيل أثلتنا أصلنا، يقال مجد مؤثّل - أي ذو أصل، والوعل إذا اشتد قرنه أتى صخرة فنطحها يريد بذلك تجريب قرنه، يقول: أنت في الذي ترمونه منا كالوعل ونحن صخرة. ومثله للمرار يصف ناقة:
هذي الوَآة كصخرة الوَعْل
وقال الأعشى:
صرمتُ ولم أصرمكم وكصارم ... أخ قد طوى كشحاً وأبَّ ليذهبا
ومثلُ الذي تولونني في بيوتِكمً يقنِّي سناناً كالقُدامَى وثعلبا أبَّ تهيأ وتشمر للذهاب، والقدامى ريش الجناح شبه به السنان في مضيه، والثعلب ما دخل في السنان من الرمح. وقال:
وزعمتَ أنكَ مانع ... حقّا فلا تعطي اصطبارِه
حتى تكونَ عَرارة ... منا فقد كانتْ عَرارِه
ولقد علمت لتشرب ... نّ ببعضِ ظلمكَ في مَحارِه
اصطباره أي لا تعطيه صبرا عليه وأصل الصبر الحبس للنفس على الحق، والعَرارة الشدة، والمحارة الصدقة أي نوجرك كرها كما يوجر الصبي. وقال:
لا أعرفنّك إن جدّت عداوتنا ... والتُمس النصر منكم عوضُ تحتَمل
تحتمل تغضب، يقال جاء فلان محتملا من الغضب أيَ مستخَفّا. ومنه قول الجعدي:
كلِبا من حِس ما قلد مسّه ... وأفانين فؤاد محتَمَل
وقال آخر:
فودَع خليلا لا يزال كأنه ... على الود والبغضاء ريشة غارب

إذا دَبِر البعير جعل في دبرته ريشة فتحركها الريح فإذا رآها الغراب لم يقع على الدبرة، يقول هو يتلّون لي. وقال أبو زبيد:
إليك إليك عِذرة بعد عِذرة ... فقد يبلغ الشرّ السديل المشهَّر
يريد يبلغ الشر المشهر السديل - يعني ستر الملك، يريد أن الشر إذا جاءكم لم يمتنع من سرادق الملوك لا يَهابها فكيف بمن دونهم. وقال ابن أحمر:
أرادنا لا يزال لنا حميم ... كداء البطن سلِّا أو صفارا
داء البطن لا يدري من أين يهيج ولا كيف يتأتى له وكذلك هذا القريب.
يعالج عاقرا أعيت عليه ... ليلقحها فينتجها حُوارا
أعيت عليه وعاصت عليه أي التوت، يقول يطلب من الشر ما لايكون ولا يقدر عليه.
ويزعم أنه نازٍ علينا ... بشرّته فتاركُنا تَبارا
كحجة أم شَعل حين حجت ... بَكلبتها فلم ترم الجِمارا
أي حلف أن ينالنا بشرته فيهلكنا كما حجت أم شعل في الجاهلية بكلبتها وهي مِدلّة بنفسَها تظن أن ترجع فماتت ولم تدرك الحج.
تدارئه كما أنقاء وهب ... تساعدها وتنهمِر انهمارا
الأنقاء جمع نقيِّ، تداريء هذا الرجل كما تدارىء الرمل أن يتناثَر.
وقال الكميت يذكر أعداءه من اليمن:
أضحت عداوتهم إياي إذ ركبوا ... بحرَي نزار بهم منفشّة القرب
بحري نزار يريد ربيعة ومضر، يقول ركبوا بحري نزار على قِرب قد نفخت فانفشّت الريح من القرب فغرقوا. وقال:
لما رآه الكاشِحُو ... ن من العيون على الحَنادِر
الكاشحون الأعداء سممّوا بذلك لأنهم يخبأون العداوة في كشوحهم، والحنادر نواطر العيون واحدها حندورة. أي إذا رأوه كأنه على أبصارهم من بغضه. وقال:
على حين أن دَنت لكل قرارة ... مذانب لا تُجدي على من أسالها
مذانب لا تستنبِت العودَ في الثرى ... ولا يتحاذَى الحائمون فِضَالها
المذانب مسايل الماء، والقَرارة مستقره، يقول ليست هذه المذانب تنبت إنما هي مذانب شحناء، يتحاذى من الحُذيا أي يعطي بعض بعضا، والفضال ما فضل منها. وقال زيد الخيل:
وأسلَم عِرسه لما التقينا ... وأيقن أننا صهْب السِبال
يقال للأعداء صهب السبال ويقال أصل هذا أن العجم صهب السبال وكانوا لهم أعداء فكثر حتى قيل للأعداء ممن كانوا: صهب السبال. وقال آخر من ضبة:
لا تجعلونا إلى مولى يحلُ بنا ... عقدَ الحِزام إذا ما لِدنا مالا
أي إذا رآنا في شر أعان علينا. وقال جرير:
ونُبئت غسان ابن واهصةِ الخُصى ... يلجلج مني مضغة لا يحيِرها
واهصة شادخة تشدخ الخصى لتلين فتشويها أو تطبخها، يلجلجها يديرها في فيه، لا يحيرها لا يسيغها فيردها إلى جوفه. وقال الفرزدق:
أبا معقل لولا حواجر بننا ... وقربي ذكرناها لآل المجبّر
إذا لركبنا العام حد ظهوركم ... على وقَر أندابُه لم تغفّر
أندابه جروحه، لم تغفر أي لم تيبس وتجلب. وقال طرفة:
وآنا امرؤ أكوِي من القصَر ال ... بادي وأغشى الدهم بالدَهم
القصر داء يأخذ قصَرة العنق فلا يقدر صاحبه أن يلتفت، يقول من كان معرضا عني كأن به قصرا داويت ضغنه. وقال الحارث بن حلزة:
إن إخواننا الأراقم يَغلو ... ن علينا في قولهم إحفاء
يغلون يرتفعون في القول وكذلك الغلو في كل شيء الارتفاع ومجاوزة القدر، إحفاء إلحاح واستقصاء في مساءتنا كما يحفي الشيء ينتقص منه ومنه قولك: أحفيت شاربي أي استأصلته وقيل أصل هذه الكلمة الحفي.
زعموا أن كل من ضرب العي ... د مَوال لنا وأنّا الوَلاء

أنا الولاء أي أهل الولاء، أبو عبيدة: سألت أبا عمرو بن العلاء عن هذا البيت فقال: ذهب والله الذين كانوا يعرفون تفسيره ولكنا نرى معناه: إن إخواننا يضيفون إلينا ذنب كل من أذنب إليهم ممن نزل الصحراء وضرب عَيرا ويجعلونهم موالي لنا والموالي بنو العم. وفيه قول ثان يقال إنه عني بالعير كليب وائل سماه عيرا لأنه كَان سيدا والعير سيد القوم، يقول كل من قتل كليبا أو أعان على قتله جعلوه مولى لنا وألزمونا ذنبه. وقال أبو مالك فيه قولا ثالثا: العَير الوتد سماه عيراَ لنتوه من الأرض مثل عير نصل السهم وهو الناتيء في وسطه، يقول كل من ضرب وتدا في الصحراء فأذنب إلى الأراقم ألزمونا ذنبه. وقال أبو مالك فيه قولا ثالثا: العَير الوتد سماه عيراَ لنتوه من الأرض مثل عير نصل السهم وهو الناتىء في وسطه، يقول كل من ضرب وتدا في الصحراء فأذنب إلى الأراقم ألزمونا ذنبه. وقال أبو عبيد فيه قولا رابعا: العير جبل بالمدينة ومنه أن رسول اللَه صلى الله عليه وسلم حرم ما بين عير إلى ثور، أي كل من ضرب إلى ذلك الموضع وبلغه، ولم يقل الأصمعي فيه شيئا.
أجمعوا أمرهم عشاء فلما ... أصبحوا أصبحت لهم ضَوضاء
يريد أجمعوا أمرهم ليلا على أن يصبحونا بالذي اتفقوا عليه من تهمتنا فلما أصبحوا جلبوا، ويروى: أجمعوا أمرهم بليل، وهذا كقول القائل: هذا أمر ذبر بليل. وقال لعمرو بن كلثوم:
أيها الناطق المرقِّش عنا ... عند عمرو وهل لذلك بقاء
وروى أبو عمرو: المقرش - وهو المهرِّش، وهل لذاك بقاء أي أنه كذب فإذا نظر فيه بطل.
لا تَخلنا على غَراتك إنا ... قبلُ ما قد وشى بنا الِأعداء
لا تخلنا لا تحسبنا جازعين لإغرائك الملك بنا لأنا قد مرّ بنا من سعاية الأعداء ما لا نجزع معه من وشايتك.
وعلَونا على الشناءة تنمي ... نا حصون وعِزَّة قَعساء
قعساء دائمة ثابتة، أي ارتفعنا على بغض الناس إيانا وغيظنا لهم بما يرون من ثبات عزنا ومكاننا عند الملك.
قبل ما اليوم بيَّضت بعيون ال ... ناس فيها تغيّظ وإباء
بيضت هذه العزة عيون الناس - فقحّم الباء. كما قال الراعي:
هن الحرائر لا ربّات أحمرة ... سود المحاجِر لا يقرأن بالسُوَر
تغيظ امتناع وإباء من قولهم تغيّظت الناقة واغتاظت إذا امتنعت من الفحل فلم تحمل. الأصمعي: تعيط - ارتفاع من قوله.
في رأس عَيطاء من خَلقاء مشرقة
وكأن المنون تردِي بنا أر ... عَن جَونا يَنجاب عنه العماء
مكفهّرا على الحوادث لا تر ... توهَ للدهر مؤيِد صَمّاء
تردي بنا ترمي بنا يقال ردي يرِدي رديا، يقول كأنها برميها إيانا ترمي جبلا فلا تضرنا ولا تؤثر كما لا تؤثر في الجبل، ينجاب عنه ينشق عنه، والعَماء سحاب رقيق، يقول هذا الجبل من طوله لا ترى الغيم يعلوه إنما تراه أبدا دونه، ويروي، أصحم صُمّ، يريد جبل جبال، أصحم في لونه، ويروي: أصحم عصم أي جبل وعِول، مكفهر متراكب بعضه على بعض، ممتنع على الحوادث، لا ترتوه - الرتو النقصان من قولك رتوت الدِرع إذا قصّرت من طولها عند القتال فرفعتها بالعرَى. قال لبيد:
فخمة ذفرا تُرتى بالعُرى ... قُردُمانيا وتُركا كالبصلِ
ورتوت القوس - إذا شددت وترها وقصرت منه، ومؤيد داهية قوية وهو من الوأد وهو الثقل، صمَّاء لا جهة لها، ويقالَ أصابته مصيبة فما رتَت في ذرعه أي ما كسرته، ويكون رَتا في غير هذا يقال أكلت أكلة فرتت قلبي أي أمسكته. وقال العجاج:
يا عُمر بن معَمرٍ لا منتظَر ... بعد الذي عدا القُروص فَحزَرَ
أي لا انتظار بعد هذا الذي مرق فجاوز القَدْر، يقال للرجل إذا أفرط في تعدَي قدره عدا القارص فحزر، مثَل - وأصله في اللبن، والقارص الذي يحذي اللسان، والحازر الحامض.
واشتغروا في دينِهم حتى أشتغَرَ ... فقد تكبّدتَ المناخَ المشتهرَ
اشتغروا انتشروا، حتى اشتغر الدين أي انتشر، تكبدت نزلت وسطه وأصله من الكبد، أي نزلت منزلا مشهورا فانظر ما تفعل. وقال رؤبة:
وجامعُ القطرينِ مطرِخمّ ... بيض عينيْه العَمى المعمّي

أي رب جامع القطرين - وهو مثَل وذلك أن الناقة إذا لقحت زمّت برأسها وشالت بذنبها واستكبرت، فقال: ربّ مستكبر كاستكبار هذه الناقة قد أصابه كذا، مطرخم مستكبر ومثله مصلخِمّ ومطَلِخمّ. وقال طفيل:
فذوقوا كما ذقنا غداةَ محجّرٍ ... من الغيظِ في أكبادِنا والتحوّب
يعني التوجع، ويقال بات بحِيبة سَوء من هذا ولا يقال حِيبة صدق، وقال سلامة بن جندل:
أما الخَلى والمسحُ إن كان منةً ... عليّ فإني غيرِ خالٍ وما سح
ومستهرِع خالا ولؤم خليقةٍ ... صقَعت بشرّ والأكف لواقح
رجلٍ يُلقيِ الخلى، والماسح الذي يمسح الضروع، ومستهرع ويروى ومستهزع - وهو الذي يسرع في اللوم، والخال الكِبر، واللواقح المرتفعة، وإذا رفع يده بالضرب فيده لاقحة، وأصل هذا أن الناقة إذا حملت شالت بذنبها. وقال زهير:
يُلجلجٍ مضغةٍ فيها أنيض أصلَتْ ... فهي تحت الكَشحِ داءُ
بسأَت بنيئها وجوِيت عنها ... وعندي لو أردتَ لها دوَاه
ورواها الأصمعي: غصِصت بنيئها - أي بشمت عنها، وعندك لها دواء، يقول أخذت هذا المال فأنت لا تأخذه و لا تردّه كما يلجلج الرجل المضغة فلا يبتلعها ولا يلقيها، والأنيض اللحم الذي لم ينضج والأناضة النُهوءة خلاف النضج فإذا لم ينضج فهو أثقل لا يستمرأ، فيريد: أنت تريد أن تسيغ شيئا ليس يدخل حلقك أي تظلم ولا تترك والظلم، أصلّت أنتنت وهي مثل هذا الذي أخذت فإن حبسته فقد انطويت على داء. يقال صلّ اللحم وفيه صلول وإصلال: وأنشد الأصمعي للحطيئة:
ذاك فتًى يبذلُ ذا قِدره ... لا يفسد اللحم لديه الصلولُ
غصصت بنيئها، يقول المال الذي أخذته كمضغة نيئة غصصت بها وبشمت منها وعندك لها دواء لو شئت في رد المال إلى أهله. قال النابغة:
أتاكَ امرؤُ مستعلن لَي بِغضة ... له من عدوٍّ مثل ذلك شافعِ
مستعلن مظهر، والبغضة والبغض واحد مثل الذِلة والذل والقِلة والقل، يريد مثله شافع أَي يشفعه يصير معه اثنين، يقال شفعت الرجل إذا صرت معه ثانيا، يقول: أتاك رجل معه ممن اُعادي رجل آخر مثله.
وذلكَ ذنبٌ لم أكنْ لأقوله ... ولو كبّلتْ في ساعديّ الجوامعِ
الجوامع الأغلال والواحدة جامعة، يقول: لم أكن لأقوله ولو حبست. وقال عدي بن زيد:
وعِداتي شُمّت أعجبهم ... أنني غُيّبت عنهُم في قَرَن
فسبيل اُسوة جَمّ بها ... عَنوة للملكِ في بعضِ الظننِ
يريد غيبت عنهم في قرن عنوة للملك، ثم قال: فلي بهذه السبيل أسوة جم بها - يريد قوما أصابهم مثل ما أصابني في بعض الظنن. وقال المعطل:
وفهم بن عمرو يعلُكون ضريسَهم ... كما صرفتْ فوقَ الجذاذِ المساحِنُ
الجذاذَ حجارة فيها ذهب، والمساحن واحدتها مِسحّنة وهو حجر يدق به حجارة الذهب.
وقال آخر:
يارُبَّ مولى حاسد مباغِض ... عليَّ ذي ضِغنٍ وضَبٍ فارضٍ
له قُروء كقُروءِ الجائض
فارض ضخم يقال كساء فارض، قروء أي أوقات تهيج فيها عداوته، يقال رجع فلان لقُرئه أي لوقته. وقال المرار بن سعيد العدوى:
وحَشَوتُ الغيظ في أضلاعه ... فهو يمشي حَظَلانا كالنًقِر
النقر من النقرة وهو داء يأخذ الغنم في بطون أفخاذها وفي جنوبها فإن أخذها في أفخاذها ظلعت وإن أخذها في جنوبها انتفخت بطونها، وحظلَت المشي أي كفت بعض المشي. وهذا آخر ما وجد من المعاني في كتاب الحرب.
والحمد لله رب العالمين وكان على ظهر كتاب الحرب بخط أبي محمد بن قتيبة. قال الفرزدق:
وما قمت حتى همَّ من كانَ مسلماً ... ليلبس مسودَي ثيابَ الأعاجمِ
وضاق ذراعا بالحياة وقطعت ... حواملَه عض العذارَي الأوازِم
يقول همّ مَن كان مسلما بالارتداد عن الإسلام والتمجّس مما يلقون في الخَراج ويعني بالمسودّة الطيالسة والبَرنَكانات، حوامل يديه عصبهما الذي يحملان، والعَذارى الجوامع، أي يعذبون في الخَراج بالجوامع والدهق. وقال الراجز:
إذا تمطين على القياقي ... لا قين منه أذنَى عَناق
يعني داهية. وقال أوس:

أم من لحّى أضاعوا بعضَ أمرهُم ... بين القُسوط وبين الدِين دَلدال
خافوا الأصيلة واعتلت ملوكهم ... وحمِّلوا من أذى غرم بأثقالَ
القُسوط الجور، يقال قسط السلطان إذا جار، والدين الطاعة يقول هم بين الطاعة والمعصية، دلدال متذبذبون، خافوا الأصيلة أن يستأصَلوا. وقال:
هل سّركم في جمادَي أن نصالحكم ... إذ الشَقاشق معدول بها الحنَك
قال كان هذا في جمادي، يقول سرَّكم أنا لكم سلم في هذا الوقت. وذلك أن بني عامر لما قتلوا بني تميم يوم جبلة قالوا: لم يبق من تميم الأبقية فنغزوهم فنستأصلهم، فغزوهم يوم ذي نجب فقتلتهم تميم. قوله الشقاشق معدول بها الحنك - يريد إذ تهدرون والشِقشقة أبدا تكون من جانب.
أو سَرَّكم إذ لحِقنا غيرَ فخركم ... بأنكم بين ظَهَري دجلة السَمَك
يقول لحقنا ملحقا ليس كما تفخرون، أي سركم أنكم سمك فتقتلوا. وقال رؤبة.
إذا الأمور أولعت بالشَخز ... والحرب عسراء اللقاح المغزى
الشخز الطعن، يريد أن الأمور تطعن هاهنا وهاهنا فتفسد، والمغزى التي لا تنتَج الأبعد بطء، يقال شاة مغزِية وأتان مغزية. وأنشد لذي الرمة:
رَباع أقبّ البطن جأب مطرّد ... بلجييه صَكّ المغزِيات الرَّواكل
عسراء اللقاح يقول تلقح لقاحا عسِرا، وإنما يريد أن الحرب لا تكاد تنقطع. وقوله:
أترفْن يَشدَخنَ العدى بالخَبزِ
أترفن أعطينَ ما أردنَ، الخَبز الوَطءِ.
تم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد سيدنا النبي الأمي وسلم ورضي الله عن الصحابة أجمعين

السابع من كتاب المعاني
كتاب الميسر
الأبيات في الميسر
قال الأعشى يمدح قوما:
المطعمو الضيف إذا ما شتوا ... والجاعلو القوت على الياسِر
الياسر الضارب بالقداح وهو اليسَر أيضا وجمع الأول ياسرون وجمع الثاني أيسار، والميسر الجزور نفسه أي يجعلون أقوات ذوي الحاجة منهم على الياسرين وهم أصحاب الثروة وهم ذوو الجدة والأجواد، وكانوا يتماجدون بأخذ الأقداح ويتسابّون بتركها ويعيبون من لا يُيسِر وهم الأبرام الواحد بَرَم. وقال متمم بن نويرة:
ولا بَرما تُهدي النساء لعِرسه ... إذا القَشع من بردِ الشتاءِ تقعقعا
القشع الجلد اليابس، ويقال الياسر الذي يلي قسمة الجزور وقد ذُهب ببيت الأعشى هذا لمذهب، أراد الجازر والأشهر أنه الضارب بالقداح، واحتج من قال ذلك بقول الشاعر.
لم يزَل بكَ واشيهم ومكرهم ... حتى أشاطوا بغيبِ لحَمٍ من يسَروا
أي جزأوا، يقال يَسرت الناقةَ إذا جزأت لحمها، وبقول آخر سحيم بن وثيل:
أقول لهم بالشعبِ إذ ييسرونني ... ألم تيأسوا أنّي ابن فارسٍ زَهدَمِ
أي يجتزئونني ويقسمونني - ألم تعلموا، من قول الله عز وجل " أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا " ويروي: يأسرونني، من الأسر. وقال كعب بن زهير:
له خلفَ أذنابها أزمَل ... مكان الرقيبِ من الياسرينا
جعل الياسرين أصحاب، والرقيب رجل يقام خلف الحرْضة الياسرين أصحاب القداح، والرقيب رجل يقام خلف الحُرْضة وهو الذي يجيل القداح للأيسار فان آنس منه احتيالا أخبرهم بذلك. وقال أبو داواد:
كمقاعدِ الرقباءِ للضُرباءِ أيديهم نواهد
وقال أبو ذؤيب:
فوردنَ والعيوقُ مقعدٌ رابيء ال ... ضرباء خلِف النجمِ لا يتتلَع
رابئ الضرباء خلفهم وهو الرقيب لأنه يربأ أي يشرف، يتتلع يتقدم. وقال عدي بن زيد:
وأصفرٌ مضبوحٌ نظرتْ حَويرَه ... على النارِ واستودعتُه كف مجمد

يعني قدحا من نبع ضبحته النار، وإنما ضبحه لأنه إذا اعوج قوم بها، نظرت انتظرت، حويره ما يخرج من فوزه أو خيبته فكأنه أراد إذا أخرج أحد الأمرين فقد حاوره القدح بذلك وأخبره وهو من حاورته حوارا وحَويرا ومحاورة، وبعضهم يرويه: حواره، والمجمد الحرضة وهو رجل يشد على عينيه مجول لكيلا يبصر إحالة القداح ويلقي على يده سلفة لكيلا يصيب مجسة القداح ثم يؤتى بالقِداح فيفيض، ولا يُجعل حرضة الأكل وخَش من الرجال، والمجمِد البخيل وهو الجماد، وروي عن الأصمعي أنه قال في مجمد أنه رجل مقرور في شهر جمادي وكان جمادي في ذلك الوقت شهر برد. وقال الطرماح وذكر حمارا:
ويظلّ المليء يوفي على القر ... نِ عَذوباً كالحرضةِ المستفاضِ
أي المجعول مفيضا والقرن الحبل عذوبا رافعا رأسه لا يذوق شيئا.
وقال ابن مقبل يمدح قوما:
بيض مهاضيم يُنسيهِم معاطفَهم ... ضرب القداحِ وتأريب على العِسَرِ
المعاطف الأردية واحدها مِعطف وعطاف، ينسيهم ضرب القداح أزرَهم لسرورهم بها، والتأريب الاتمام، يقال أرَّب له نصِيبه أي وفره، يقول يتممون له نصيبه إذا كان عسِرا، ويروي: على الخطر فمن روى ذلك فإنه يريد بالتأريب التشديد، يقال أربّت على العقدة أي استوثقت منها، يقول يتشددون في الخطر حتى يستوثقوا منه. ومثله:
اضربْ شوامت كل ذاتٍ أثارة ... للنازلينَ وغادِهم بطعامِ
فلطال ما أرّبت غيرَ مسفحوكشفت عن قَمَع الذري بحسام
أثارة شحم متقادم، أربت شددت الخطر وتوثقت، غير مسفح أي غير ضارب يقدح لا نصيب له، والسفيح أحد الثلاثة التي لا أنصباء لها، والقمع الأسنمة. وقال ابن مقبل:
لا يفرحونَ إذا ما فازَ فائزُهم ... ولا تردُ عليهم أربةُ اليسرِ
لا يفرحون بالفوز مثل قول الآخر:
ولست بمفراحٍ إذا الدهر سرّني ... ولا جازع من صرفه المتحول
والأربة الإحكام واليسر هاهنا الخطر، يقول لا يرد عليهم ما احتكموا من المخاطرة لمعرفتهم بها. وقال المرقش:
بودك من قومي على أن هجرتهم ... إذا هبّ في المشتاة ريح أظائف
وكان الرفاد كل قدحٍ مقّرمٍ ... وعاد الجميع نجعة للزعانف
جديرون أن لا يحسبوا مجتديهم ... للحمٍ وأن لا يدرؤا قدح رادف
يريد إذا لم يكن رفاد في ذلك الزمان إلا بالقداح، والمقرم المؤثر فيه بعضّ أو بغير ذلك، وأصل القَرمة السمة، قال الأصمعي: ربما عجل أحدهم فعض قدحه، والزعانف القليل من الناس الواحدة زعنفة، يقول صاروا إلى الأحياء العظام ينتجعونهم، ومثله:
دنا الحل واحتل الجميع الزعانف
يقول صارت القطع من الناس من خوف الغارات إلى الأحياء العظام، يدرأون يدفعون، والرادف الذي يجيء بعدما اقتسموا الجزور يقول إذا جاءهم لم يخيبوه وأعطوه حق سهمه في شدة ما هم فيه، وأظائف موضع.
عظام الجفان بالعشية والضحى ... مشابيط للأبدان غير التوارف
إذا يسروا لم يورث اليسر بينهم ... فواحش ينعي ذكرها بالمصايف
مشاييط نحارون واحدهم مشياط، والتوارف من الترفة أي ليسوا أهل دعة وتترف إذا يسروا لم يفحشوا ولم يسفهوا لأنهم لا يريدون بيسرهم نفعهم إنما يريدون نفع الناس، ينعي ذكرها أي يرفع ذكرها أي يتصل لأصحابهم لشتاء...إلى الصيف حتى يذكروا بذلك ولا ينسى، يقال: إنهم في الصيف مخصبون فيذاكرون ما كان من الناس في الشتاء فيعير كل امرئ بسوء فعله. وقال طرفة يصف قوماً:
وهم أيسار لقمانٍ إذا ... أغلّت الشتوة أبداء الجزر
إذا شرف الأيسار وعظم أمرهم قيل: هم أيسار لقمان، يعنون لقمان بن عاد، أبداء الجزور أشرف أعضائها.
وقال عنترة يصف رجلاً:
اِبذ يداه بالقداح إذا شتا ... هتّاك غايات التجار ملوّم
وقال الآخر:
أعيني ألا تبكي عبيد بن معمرٍ ... وكان ضروباً باليدين وباليد
ضروباً باليدين بالقداح، وباليد بالسيف. وقال لبيد:
وبيض على النيران في كل شتوةٍ ... سراة العشاء يزجرون المسابلا
بيض رجال يوقدون ويطعمون، سراة العشاء وذلك وقت الضيف، والمسابل جمع مسبل وهو قدح له ستة أنصباء، يقول يصيحون بالقداح إذا ضربوا بها.
وقال ابن مقبل لامرأته:

وقولي فتى تشقي به الناب ردّها ... على رغمها أيسار صدقٍ وأقدح
ردها من المرعى بعد أن سرحت، أيسار صدق يضربون عليها بالقداح وينحرونها.
وقال الجعدي:
أعجلها أقدحي الضحاء ضحى ... وهي تناصي ذوائب السلم
الضحاء الغداء، يقول أعجلها أقدحي فردت عن الضحاء ليضرب عليها بالقداح.
وقال ابن مقبل يصف إبلاً:
وأزجر فيها قبل ضحائها ... صريع القداح والمنيح المجبّرا
صريع القداح ما أخذ عوده وهو يابس ساقط من شجرته، والمجبر المشدود بالعقب لنفاستهم به. وقال الراعي:
بيض الوجوه مطاعيم إذا يسروا ... ردّوا المخاض على المقرومة العند
المقرومة التي أعلم فيها بحز أو عض وهو القرم، عند جمع عنود وهو القدح الذي يخرج سريعاً معترضاً بين القداح.
وقال لبيد:
وجزور أيسار دعوت لفتيةٍ ... بمغالق متشابهٍ أجسامها
مغالق قداح تغلق الرهن.
وقال طرفة:
وجامل خوّع من نيبه ... زجر المعملي أصلا والمنيح
خوع نقص ويروى خوف وهو مثله من قول الله عز وجل " أو يأخذهم على تخوف " ، والتخوف نحوه، يقول نقص منه زجر المعلى والمنيح بالعشيات، المعلى قدح له سبعة أنصباء والمنيح هاهنا قدح يمتنح لمعرفتهم بفوزه وسرعة خروجه وليس بالمنيح أحد الثلاثة التي ليست لها أنصباء لأنه لا يزجر من القداح ماله فوز لأن ربه يحب خروجه ويخشى خيبته فهو يزجره عند الإفاضة ويفديه ويلعنه.
كما قال ابن مقبل:
مفدى مؤدي باليدين ملعّن ... خليع لحام فائز متمنّح
وأما المنيح أحد الثلاثة التي لا حظوظ لها فليس يزجر ولا يرجى له فوز ولا يخشى له خيبة: وقال عروة بن الورد يصف رجلاً:
مطلاً على أعدائه يزجرونه ... بساحتهم زجر المنيح المشهر
المنيح قدح مستعار كما أعلمتك، وأخبرني عبد الرحمن عن عمه أنه كان يذهب إلى أن المنيح في هذا البيت المنيح بعينه أحد الثلاثة الأغفال، قال: لأنه يعاد فإذا خرج قالوا: ردّ ردّ ليس هو لأحد، وأما قول عمرو بن قميئة:
بأيديهم مقرومة ومغالق ... يعود بأرزاق العيال منيحها
فليس يجوز أن يكون المنيح في هذا البيت إلا قدحاً يمتنح فيدخل في القداح لأنه قال: بأرزاق العيال، فدل على أن له حظا.
وقال ابن مقبل يذكره:
إذا امتنحته من معد عصابة ... غدارّبه قبل المفيضين يقدح
يقول إذا استعار هذا القدح أحد من صاحبه فأدخله في سائر قداح الأيسار فهو لثقته بفوزه وأمنه من خيبته يقدح ناره ويهيئ قدوره قبل الإفاضة به، ومثل ذلك قوله:
مفدي مؤدي باليدين ملعّن ... خليع لحام فائز متمنح
لحام جمع لحم، أراد أنه يختلع القسم من هذا فيجعله لهذا متمنح مستعار، ويقال للأيسار: الخلعاء، الواحد خليع لأن بعضهم يخلع بعضاً من ماله، من ذلك قوله:
مكان الذئب كاليسر الخليع
قوله مفدي يريد عند صاحبه لفوزه، وملعن عند الخيبة، ومثل ذلك قوله:
حسرت عن كفي السر بال آخذه ... فردا يجرّ على أيدي المفدينا
ثم انصرفت به جذلان مبتهجا ... كأنه وقف عاج بات مكنونا
قال وأما المنيح أحد الثلاثة التي لا حظوظ لها فهو الذي يذكر في كرّ الشيء وإعادته لأنه يعاد مع كل قداح يضرب بها ليكثر به وبصاحبيه. وقال الأخطل:
ولقد عطفن على فزارة عطفة ... كر المنيح وجلن ثمّ مجالا
يعني خيلا. وقال الكميت:
أقول لكم هذا وفي النفس خطة ... أطيل بها كرّ المنيح جدالها
أراد أطيل بهذه الخطة جدال النفس وأكرر من ذلك كما يكر المنيح، وقد يذكر أيضاً في الذم لأنه لا حظ له. قال كثيّر يمدح رجلاً:
وكنت المعلّى يوم صكت قداحهم ... وجال المنيح وسطها يتقلقل
شبهه بالمعلى وهو قدح له سبعة أنصباء وليس فوقه سهم وشبههم بالمنيح أي لا خير عندهم كما أنه لا خير عند المنيح.
وقال الكميت يهجو رجلاً:
منيح قداح لا تعد خصاله ... خصالاً زميل حظه الكفل محقب
يقول هذا الرجل بمنزلة المنيح وهو بمنزلة الزميل أيضاً، والكفل كساء يجعل على البعير مكان الرجل، محقب ردف.
وقال جرير يصف الإبل:

يسمن كا سام المنيحان أقدحا ... نحاهن من شيبان سمح مخالع
يسمن إذا سرن يستقمن ويمضين على سنن الطريق، والمنيحان هاهنا قد حان يجوز أن يكون أحدهما منيحاً والآخر أحد القداح السبعة سماهما منيحين كما يقال القمران للشمس والقمر، وأبوان للأب والأم، ويجوز أن يكونا جميعاً منيحين وقال الراعي:
إذا لم يكن رسل يعود عليهم ... مرينا لهم بالشوحط المتقوب
يقول إذا لم يكن لنا لبن مرينا على الإبل بالقداح، والمتقوب فيه آثار من كثرة ما يضرب به.
بمكنونة كالبيض شأن متونها ... متون الحصى من معلم ومعقّب
مكنونة قداح مصونة كالبيض في لينها، وقوله شأن متونها متون الحصى فهو أن يأخذ كفا من حصى فيدلك القدح به حتى يتقشر ثم يلينه بعد، معلم بالضرس، معقب عليه عقب.
بقايا الذري حتى يعود عليهم ... عزالي سحاب في اغتماسة كوكب
يريد مرينا بقايا الذرى يريد ما بقي في الأسنمة، أراد ننحر الإبل إلى أن يمطروا بسقوط كوكب.
وقال لبيد:
ويوم هوادي أمره لشماله ... يهتك أخطال الطراف المطنب
ذعرت قلاص الثلج تحت ظلاله ... بمثنى الأيادي والمنيح المعقّب
هوادي أمره أوائل أمره للشمال لأنها هبت فيه، أخطال فضول، ومنه أذن خطلاء أي طويلة مسترخية، والطراف بيت من أدم، قلاص الثلج يعني غيم الثلج ضربها مثلاً، يقول طردتها بالطعام، مثنى الأيادي يريد المعروف، وقال بعضهم: مثنى الأيادي ما فضل من الجزور يشتريه فيقسمه على الأبرام.
وقال النابغة:
أني أتمم أيساري وأمنحهم ... مثنى الأيادي وأكسو الجفنة الأدما
يقول إن نقص أيسار الجزور وهم المتقامرون أخذت ما بقي فتممتهم والأدم جمع أديم.
وقال الحارث بن حلزة:
ألفيتنا للضيف خير عمارة ... إلا يكن لبن فعطف المدمّج
العمارة حي عظيم يطيق الإنفراد وحده، عطف المدمج يعني قدحا، يقول إن لم يكن لبن أجلنا القداح على الجزور فنحرناها.
وقال عمرو بن شأس:
وفتيان صدق قد أفدت جزورهم ... بذي أود خيش المتاقة مسبل
أفدت أهلكت، يقال فاد الرجل إذا مات وأفدته أنا، والأود الاعوجاج، يعني قدحا وإنما يريد أنه لين إذا غمز اعوج ويرد فيستقيم.
وقال ابن مقبل:
أودٍ كأن الزعفران بليطه ... بادي السفاسق مخلط مزيال
يقول ضربت عليها بالقداح حتى نحرت، خيش خفيف، والمتاقة التوقان للخروج وهي في تقدير مفعلة من تاق يتوق، مسبل قدح له ستة حظوظ.
وقال ابن مقبل:
من عاتق النبع لم تغمز مواصمه ... حدّ المتاقة أغفال وموسوم
الحذ الخفاف والمتاقة التوقان للخروج، والأغفال هي الثلاثة التي لا حظوظ لها، والموسوم التي لها حظوظ تكون عليها علامات بعدد أنصبائها.
وقال انمر بن تولب:
ولقد شهدت إذا القداح توحدت ... وشهدت عند الليل موقد نارها
توحدت أخذ كل واحد قدحاً لغلاء اللحم ويروى: إذا اللقاح توحدت، واللقاح توحدت، واللقاح التي لها ألبان، توحدت انفراد كل إنسان بلقحة للجهد يقوم عليها لئلا يشركه أحد، وأراد أنه شهدها حيث توحدت... يشرب لبنها وشهدها حيث أوقدت النار ليضرب عليها بالقداح.
عن ذات أولية أساود ربها ... وكأن لون الملح فوق شفارها
قال الأصمعي فيه قولين قال بعضهم: يعني سنامها شبهه بالولية وهي البرذّعة، وبعضهم يقول أراد أكلت ولياً بعد ولي من المطر إذ أكلت نبته، والمساودة أنه يسار رب هذه الناقة كأنه يخدعه عنها، ومعنى عن ذات أولية من أجل ذات أولية، وأراد على شفارها من الشحم مثل الملح.
فمنحت بدأتها رقيباً جانحاً والنار تلفح وجهه بأوارها بدأتها أفضل أنصبائها. والرقيب الذي يرقب من يضرب بالقداح، جانحاً مائلاً مكباً.
وقال يذكر بائع الناقة:
حتى إذا قسم النصيب وأصفقت ... يده بجلدةٍ ضرعها وحوارها
ظهرت ندامته وهان بسخطه ... شيئاً على مربوعها وعذارها
كان رب الجزور يسثني شيئاً لنفسه فكان ما استثناه هذا من هذه الضرع والجنين ومنه قول الآخر يصف ناقة:
مذكرة الثنيا مساندة القرا ... جمالية تختب ثم تنيب

أي ما يستثنى منها يشبه خلق الذكور وكانوا يستثنون الأطراف والرأس، ظهرت ندامته لما نظر إلى الناقة قد قسمت ندم لبيعها وهان بسخطه على مربوعها وعذارها وهما قدحان.
وقال الأعشى:
وإن أك شبّت فقد أستعي ... ن يوم المقامة قدحا
الأريب ذو حظ في الآراب وهي أعضاء الجزور. يقال قطعه إرباً إرباً أي عضواً عضواً.
وقال الراعي:
وأصفر عطاف إذا راح ربه ... جرى ابناعيان بالشواء المضهب
خروج من الغمى إذا كثر الوغي ... مفدي كبطن الأين غير مسبب
غدا عانداً صعلاً ينوء بصدره ... إلى الفوز من كف المفيض المؤرب
أصفر قدح من نبع، عطاف ضرب به غير مرة، راح صاحبه به، وابناعيان خطان يخطان على الأرض يزجر بهما الطير، يقول إذا راح بهذا القدح علم أنه يخرج فائزاً فإذا قمر أتى بالشواء، والمضهب الذي لم يبلغ به النضج، والأين الحية، عاندا معترضا من بين القداح، والمؤرب المشدد في الخطر المؤكد له، والفوز خروج القمر.
وقال ابن مقبل يصف القدح:
فشذب عنه النبع ثم غدابه ... مجلاً من اللائي يفدين مطحرا
مجلا معظماً من القداح، مطحر عنه القداح ينفيها ويدفعها، والحظاء الصغار من القداح، مطحر يطحر عنه القداح ينفيها ويدفعها، والحظاء الصغار من القداح واحدها حظوة. يقول إذا برزت أيدي المفيضين سانحة برز بصدره، والحظاء أيضاً نبل صغار يرمي بها الصبيان.
وقال أيضاً يصف قدحاً:
أود كأن الزعفران بليطه ... بادي السفاسق مخلط مزيال
يريد أنه إذا غمز اعوج ثم يرد فيستقيم، والسفاسق الطرائق والليط الجلد، يريد أنه أصفر، مخلط يخالط القداح حين يضرب بها ثم يزول عنها خارجاً عليها. وقال:
وحنين من عنود بدأة ... أقرع النقبة حنان لحم
حنين صوت، عنود قدح معرض، بدأة مقدم على القداح، أقرع النقبة أي قد تملس مما يضرب به: لحم مرزوق.
وقال الطرماح:
وابن سبيل قريته أصلا ... من فوز قدح منسوبة تلده
لم يستّدر في ربابةٍ ونحا ... أصلابها وشوش القرى حشده
أراد ما قمر في يوم كذا وما قمر في يوم كذا، وتلده ما نتج عنده الواحد تليد، الربابة جماعة القداح ويقال خرقة فيها القداح أو جلدة، يقول لم يدر بين القداح فيثبت لا يخرج ولكنه خرج سريعاً لخفته ونحا أصلابها اعتمد اصلابها فخرج عالياً عليها ظاهراً، والوشوش السريع، يقال رجل وشوش، والحشد الذي يجمع الأضياف ويقوم عليهم، يقال حشد يحشد حشداً وهو رجل حشد، يقول هو سريع القرى لا يلبث أن يفوز فيطعم اللحم.
دافعت فيها ذا ميعةٍ صخبا ... مغلاق قمر يزينه أوده
أي ضربت فيها ذا ميعة أي ذا نشاط، على التشبيه، والصخب الشديد الصوت إذا وقع بين القداح لصلابته. ومنه قول ابن مقبل:
وحنين من عنود بدأة
وقوله والبيت لابن مقبل:
ترن منه متون حين: يجرينا
مغلاق قمر يعني أنه يغلق الرهن، وأوده اعوجاجه، والقداح تعوج لكثرة الضرب بها فتقوم بالنار، يقول لم يغلب أوده على حسنه فيذهب به ولكنه حسن مع الأود.
لم يبق من مرس كف صاحبه ... أخلاق سرباله ولا جدده
يعني قشر ويقال أخلاق سربال صاحب القدح مما يمسح به القدح.
موعب ليسط القرابة قوب ... سود قليل اللحاء منجرده
الليط الجلد، موعب قد استقصي قشره عنه، قوب آثار من كثرة وقوعه على الأرض، واللحاء القشر، ويقال إن القوب آثار النار فيه حين قوم ولذلك جعلها سودا واحدتها قوبة.
مجرب بالرهان مستلب ... خصل الجواري طرائف سبده
أي قد جرب في القمار، يستلب الخصل يذهب به، والخصل القمر، والجواري القداح سميت بذلك لما تجري به من الأنصباء يقال جرى القدح بكذا، ويقال لأنها تجري في الأيادي، والطرائف ما استطرف، والسبد ماله، يقول ما كان من تالد مال فهو له طريف لأنه يستفيده، والسبد أصله الشعر، واللبد الصوف، يريد المعز والضأن وقد يستعار ذلك فيوضع في غيرهما من المال.
إذا انتحت بالشمال سانحةً ... جال بريحا واستفردته بعده

انتحت تحرفت القداح، والسانحة التي تأتيك عن يمينك، يقول إذا ترادت فلم تخرج وذلك أن الرجل يزجل بها سانحاً ويخرج القدح بارحاً فإن لم يخرج وترادت كانت سانحة. وأخذه ابن مقبل في قوله:
صريع درير مسه مس بيضة ... إذا سنحت أيدي المفيضين يبرح
استفردته يده أي أخرجته فردا.
نعم نجيش القرى نهيب به ... ليلا إذا البرك حاردت رفده
النجيش الرجل تبعث به يحوش الصيد شبه القدح به، والبرك الإبل، حاردت منعت درها، رفده جمع رفود وهي الناقة الغزيرة اللبن وذلك في الشتاء، نهيب به نصوت، وهذا مثل.
وقال المنخل اليشكري:
وإذا الرياح تكمشت ... بجوانب البيت القصير
ألفيتني هش الندى ... بشريج قدحي أو شجيري
تكمشت رفعت جوانب البيت، ويروى: الكسير، والشريح أن تشق الخشبة نصفين فيكون أحد النصفين شريج الآخر. قال يوسف بن عمر: أنا شريج الحجاج، والشجير الغريب الذي ليس من قداحه يقال نزل شجيراً في بني فلان أي غريباً.
وأنشد لجندل بن المثنى:
من شعب شتى وأنساب شجر
يقول ألفيتني من السخاء على ما وصفت ضربت بقدحي واستعرت قدحاً ضربت به في المسير.
وقال ابن مقبل يذكر قداحاً:
تخيل فيها ذو وسوم كأنما ... يطلّى بحص أو يصلى فيضبح
ذو وسوم قدح فيه علامات، والقداح السبعة عليها أعلام كل قدح عليه علم الذي يعرف به فعلى الفذ فرض واحد وله نصيب واحد، وعلى التوأم فرضان وله نصيبان، وعلى الرقيب ثلاثة فروض وله ثلاثة حظوظ، وعلى الحلس أربعة فروض وله أربعة حظوظ، وعلى النافس خمسة وله خمسة حظوظ، وعلى المسبل ستة فروض وله ستة حظوظ، وعلى المعلي سبعة فروض وله سبعة حظوظ فأما الثلاثة التي لا حظوظ لها وإنما تدخل في القداح لتكثر بها وهي المنيح والسفيح والوغد فإنها أغفال لا وسوم عليها، والأعلام ربما كانت غير فروض، وكل هذه التي لها الحظوظ إن فازت فلصاحبها حظ القدح وإن خابت فعليه مثله.
وقال ابن مقبل:
من عاتق النبع لم يغمز مواصمه ... حذّ المتاقة أغفال وموسوم
وقد فسر البيت. وقال أيضاً يذكر قدحاً:
جلت صنفات الريط عنه قوابه ... وأخلصه مما يصان ويمسح
به قرع أبدي الحصى عن متونه ... سفاسق أعراها اللحاء المشبح
الصنفات جمع صنفة وهي حاشية الثوب، أراد أنه يمسح القدح بثوبه، وقوله: أبدى الحصى عن متونه لأن ضارب القدح إذا قطعه ترك عليه لحاءه ثم مظّع ماءه أي شرب حتى لا يتصدع فإذا يبس أقيم عوجه على النار ثم قشر عنه اللحاء ودلك بالرمل ولين، والسفاسق الطرائق، يقول لما أخذ عنه القشر عريت السفاسق.
وقال عروة بن مرة يذكر صاحباً له:
فظل يرقبني كأنه زلم ... من القداح به ضرس وتعقيب
ضرس مضغ بالضرس وشد بالعقب، شبه مضى صاحبه بالقدح.
وقال العجاج:
جئنا وما في قدحنا من مقرم ... ليس بخوار ولا مهصم
ولا بمعلوب ولا موصم ... ذو وجزأة تنبي ضروس العجم
من مقرم كان الرجل إذا أراد أن يعلم قدحه قرمه بضرسه ليؤثر فيه فيعرفه، يقول فقد حنا إذا قرم لم يمكن الضرس، وهذا مثل لم يرد القدح بعينه، أي أمرنا إذا غمز نبا بمن يغمزه، والخوار الذي ليس بصلب، والمهصم المكسر، والموصم الذي فيه وصوم وهي عيوب، والجزأة النصاب وأراد بالجزأة هاهنا الأصل العظيم.
وقال ابن مقبل:
وعاتق شوحط صم مقاطعها ... مكسوة من جياد الوشى تلوينا
عارضتها بعنود عير معتلث ... ترن منه متون حين يجرينا
عاتق خالص اللون يعني قداحاً كراماً تجعل في خرق من الوشي، ويقال أراد أن ألوانها موشية، عنود قدح يخرج عاندا فائزاً، غير معتلث أي لم يتنوق في بريه.
وقال صخر الغي يذكر ماء ورده:
فخضخضت صفني في جمّه ... خياض المدابر قدحاً عطوفاً
الصفن وعاء بين القربة والزنفليجة، والمدابر المعادي في قماره من غلبه، عطوفاً يريد قدحاً يكر، شبه تحريكه في الماء بتحريك هذا الرجل للقداح إذا أدخل فيها قدحاً يكثرها به.
وقال أيضاً في مثله ويروى لأبي المثلم:
حتى تخضخض بالصفن السبيخ كما ... خاض القداح قمير طامح خصل

السبيخ ما انسل من الريش، قمير مقمور، طامح أن يعود إليه ما قمر، خصل كثرت خصال قمره.
وقال الطرماح:
في تيه مهمهة كأن صويها ... أيدي مخالعة تكف وتنهد
الصوى الأعلام، والمخالعة القوم يتقامرون، يقال خالعني فلان أي قامرني، شبه الصوى بأيديهم لأنها تبدو ساعة وتخفي ساعة فكأنها أيدي هؤلاء تكف ساعة وترتفع ساعة.
لزمت حوالسها النفوس فثورت ... عصبا تقوم من الحذار وتقعد
الحوالس جمع حلس وهو قدح له أربعة أنصباء.
وقال الأخطل:
يعارض الليل ما لاحت كواكبه ... كما يعارض مرني الخلعة اليسر
الخلعة القمر التي يختلع فيها المقمور ماله، مرناها منظرها ومراقبتها، واليسر ذو القداح.
وقال أيضاً:
كلفتمونا أناساً قاطعي قرن ... مستلحقين كما يستلحق اليسر
يقول حملتمونا ذنب هؤلاء وليسوا منا ولا نحن منهم كما يستلحق الأيسار الأمين يضرب بينهم بالقداح وليس له معهم قدح، يقول فإنما جاورنا هؤلاء القوم وليسوا منا ولا بلادهم ببلادنا، وذلك أن كلياً لاموا تغلب وقالوا: أعنتم قيساً علينا.
وقال الكميت لجذام في تحولهم إلى اليمن:
أفي يوم النساءة فارقونا ... بلاد من تعدّ ولا ذحول
سوى قدح تأخر بعد قدح ... تذنب مقصرين على مطيل
النساءة بنو كنانة بن خزيمة، يقول فارقتمونا بغير سبب ولا ذنب إلا أنكم تأخرتم وتقدمنا، ولذلك قال: سوى قدح تأخر بعد قدح، والمتأخر قدحهم، تذنب تجني الذنوب حين لم يبلغوا سعينا، مطيل متطاول عليهم بالفضل. وقال:
ويا منت الأشاعر فهي منا ... بمنزلة الضريب من الوكيل
الضريب الذي يضرب بالقداح، والوكيل المضروب له بها.
وقال أبو ذؤيب يصف الحمار وآتنه:
وكأنهن ربابة وكأنه ... يسر يفيض على القداح ويصدع
الربابة الجماعة من القداح، يقول هذا الحمار قد جمع هذه الآتن كما يجمع اليسر القداح، ويصدع يفرق، يقول يفرقها تارة ويجمعها أخرى. وقوله على القداح يريد بالقداح.
وقال أبو النجم في مثله:
كما يصك اليسر القدوحا ... صك معّلاهن والمنيحا
وقال أوس بن حجر وذكر رجلاً أغار غارة:
بجنب حبي ليلتين كأنما ... يفرط نحساً أو يفيض بأسهم
فجلجلها طورين ثم أجالها ... كما أرسلت محشوبةً لم تقرم
حبي موضع، يفرط نحساً يقدمه والفارط المتقدم، أي ينتظر بقدر ما يذهب عنه الطيرة فتسبقه، أو بقدر ما يفيض بأسهم، يريد أن مقامه كان بقدر هذا، ثم أرسل الخيل في الغارة كما أرسلت قداح مخشوبة أي منحوتة النحت الأول ولم تلين من العجلة، جلجلها حركها، ثم أرسلها، ويروى: تقوم، وتقرم أي تعلم.
وقال الفرزدق وذكر نساء سبين:
خرجن حريرات وأبدين مجلدا ... وجالت عليهن المكتّبة الصفر
حريرات أي محرورات أي يجدن حرارة المصيبة، المجلد شيء من أدم يلتدم به، والمكتبة القداح عليها أسماء أصحابها أو علامات لهم.
وقال طرفة وذكر رجلاً أعطاه ناقة:
متعني يوم الرحيل بها ... فرع تنقاه القداح يسر
فرع قدح من أعلى قضيب وهذا مثل شبه الرجل به.
وقال الكميت:
هم المغيرون والمغبوط جارهم ... في الجاهلية إذ يستأمر الزلم
الزلم واحد الأزلام وهي القداح وكانوا إذا أرادوا أمراً ضربوا بالقداح فما خرج عملوا به.
وقال عنتر لقوم أغاروا على إبله:
خذوا ما أسأرت منها قداحي ... ودعوى الضيف والأنس الجميع
أي خذوا ما بقي بعد ما نحرت في الميسر وبعد ما نحرت في قرى الضيف. يريد إن الذي أخذتم إنما هو لهذا.
وقال أبو شمر الحضرمي:
وكنت كعظم الريم لم يدر جازر ... على أي بدأي مقسم اللحم يجعل

قالوا: إذا نحرت الجزور جعل لحمها على وضم - والوضم كل ما ألقى عليه لحم يقيه من الأرض، يقال وضمت اللحم، فإن أردت أنك جعلت له وضماً قلت أوضمته - ثم يقسم على عشرة أجزاء: الوركان والفخذان والكاهل والزور والملحاء والكتفان فيهما ابنا ملاط الأصمعي: ابنا ملاط العضد والذراع - والملاط عند الأصمعي الجنب، وقال غيره الإبط - ثم يعمد إلى الطفاطف وفقر الرقبة فيقسم على تلك الأجزاء، بالسوية، فإذا استوت وبقي عظم أو بعضه فذلك الريم سمي بذلك لأنه قصر عن الأجزاء، يقال للشيء الذي يوضع فوق الحمل ريم لأنه فضل، وهو العلاوة أيضاً، يريد ما كان فوق الحمل، ثم ينتظر به الجازر من أراده ممن فاز قدحه فإن أخذه سب به وإلا فهو للجازر، والبدء والبدأة النصيب منه قول النمر بن تولب:
فمنحت بدأتها رقيباً جانحاً ... والنار تلفح وجهه بأوارها
وهو أيضاً النصيب من غير الجزور، وكان الأصمعي يجعل أجزاء الميسر ثمانية وعشرين جزءاً ذهب إلى جمع أنصباء القداح السبعة وهي ثمانية وعشرون جزءاً. أبو حاتم عن أبي زيد: يقال لأفعلن ذلك قبل حساس الأيسار، قبل أن يحسحسوا من جزورهم شيئاً والحسحسة أن يجعلوا اللحم على النار.
وقال أبو ذؤيب وذكر إبلاً:
أما أولات الذرى منها فعاصبة ... تجول بين مناقيها الأقاديح
أولات الذري أولات الأسنمة، عاصبة مجتمعة، يقال عصب القوم بفلان إذا استداروا حوله، والمنقية السمينة، والأقاديح جمع قدح وأقدح وقداح وأقاديح.

باب المعاني في وصف الشعر والشعراء
قال عنترة:
هل غادر الشعراء من متردم ... أم هل عرفت الدار بعد توهم
غادر ترك، متردم مترقع، يقال ردمت ثيابي ولدمتها إذا أصلحتها وثوب مردم إذا سدّ خلله بالرقاع، وهذا كقولك: هل ترك الأول للآخر شيئاً، أي هل ترك الشعراء شيئاً ينظر فيه لم ينظروا فيه، ويروى: من مترنم، والمترنم المتغنى.
وقال جرير:
إني إذا الشاعر المغرور حربني ... جار لقبر على مران مرموس
حربني أغضبني، والقبر قبر تميم، يقول أنا جار لتميم ممن يهجوها أذب عنهم الشعراء.
وقال أوس بن حجر:
وإن هز أقوام إلي وحددوا ... كسوتهم من حبر بزمتحم
هز أقوام ساروا سيراً سريعاً، ومنه قول ابن قيس الرقيات:
ألا هزئت بنا قريشة يهتز موكبها
حبر حسن، يقال رجل حبر الشباب أي حسنه، متحم من البز الذي جعل أتحميا وهو ضرب من برود اليمن، يقول كسوتهم من أحسن ذلك البز، وإنما هذا مثل أي أهجوهم هجاء يرى عليهم كما يشهر صاحب هذا اللباس. وقال آخر:
سأكسو كما يا ابني يزيد بن جعشم ... رداءين من قار من قطران
ذا لبسا زاداً على اللبس جدةً ... ولم يبل وشى منهما لأوان
وقال عنترة:
سيأتيكما عني وإن كنت نائياً ... دخان العلندي دون بيتي مذود
يقال إن العلندي جبل لم ير قط إلا وعليه كالدخان، وقيل العلندي شجر إذا أوقد كان له دخان كثير، وهذا من قولك: لأثيرن لك شراً يبلغ دخانه السماء، أي يأتيكم من هجائي شيء له دخان كدخان العلندي، مذود يذود عنه ويدفع.
قصائد من قول امرئ يحتديكم ... وأنتم بحسمي فارتدوا وتقلدوا
بيّن ذلك الدخان فقال: قصائد، يحتديكم يتعمدكم بها فارتدوا هذا الهجاء وتقلدوه.
وقال أوس:
وما أنا إلا مستعد كما ترى ... أخو شركي الورد غير معتم
شركي سريع، يقال لطمه لطماً شركياً أي متتابعاً، يريد أنه ورد في إثر ورد، ومعنى الورد أنه أغشاهم ما يكرهون، يقال لا يزال فلان يتورد الشر، معتم محتبس، وقيل لأعرابي: ما قمر أربع؟ فقال: عتمة ربع، أي قدر ما يحتبس في عشائه وقال:
هجاؤك إلا أن ما كان قد مضى ... عليّ كأثواب الحرام المهينم
يقول هجاؤك حرام علي مثل الثياب على رجل قد أحرم فهو يقرأ ويسبح ويدعو ربه. وقال:
على حين أن جد الذكاء وأدركت ... قريحة حسي من شريح مغمم
شريح ابنه، أي بعدما أسننت وقال ابني الشعر، وضرب الحسى مثلاً للشعر. وقال الشماخ:
نبئت أن ربيعاً أن رعى إبلاً ... يهدي إليّ خناه ثاني الجيد

فإن كرهت هجائي فاجتنب سخطي ... لا يعلقنك إفراعي وتصعيدي
إفراعي هاهنا انحداري، وأنشد في الصعود لرجل من العبلات:
إني امرؤ من يمان حين تنسبني ... وفي أمية إفراعي وتصويبي
وقوله وتصويبي يدلك على أن الإفراع هاهنا الصعود.
وقال آخر:
وإني لأشقى الناس إن كنت غارماً ... ضمان التي يسقى بها نخل ملهما
يريد جريرة القصيدة التي يتغنى بها الساقي إذا سقى.
وقال ابن أحمر:
وإن قال غاو من تنوخ قصيدةً ... بها جرب كانت عليّ بزوبرا
يعني الداهية. ومثل قوله: يسقى بها نخل ملهما قال النابغة في النعمان بن جبلة:
ولولا أبو الشقراء مازال ماتح ... يعالج خطافاً بإحدى الجرائر
جمع جريرة. ومثله للأعشى:
وإن عتاق العيس سوف يزوركم ... ثناءً على أعجازهن معلق
به تنفض الأحلاس والديك نائم ... وتعقد أطراف الحبال وتطلق
ومثله للبيد يصف ديكاً:
كأن سحيله شكوى رئيس ... يحاذر من سرايا واغتيال
تغنى شارب راحت عليه ... سلاف البابلية في القلال
وقال المسيب بن علس:
إني امرؤ مهد بغيب تحية ... إلى ابن الجلندي فارس الخير جيفر
بها تنفض الأحلاس والديك نائم ... إلى مسنفات آخر الليل ضمر
يقول إذا رحلوا إبلهم وحطوا عنها تمثلوا بهذه القصيدة. وقال آخر:
سأرفع قولاً للحصين ومالك ... تطير به الغربان شطر المواسم
ويروي به الهيم الظماء ويطبي ... بأمثالها الغاوون سجع الحمائم
الغراب مقعد الراكب، شطر نحو.
وقال النابغة:
يصد الشاعر الثنيان عني ... صدود البكر عن قرم هجان
الثنيان الذي يعد ثانيا من الشعراء، ويقال شاعر ابن شاعر.
وقال الأعشى:
أبا مسمع أقصر فان غريبة ... متى تأتكم تلحق بها أخواتها
وقال الكميت:
فدونكموها آل كلب فإنها ... غرائب ليست بانتحال ولا خشب

أبيات المعاني في التطير والفأل
أنشد:
يريك على غرات أشوس يتقي ... يرى الطير لو يحزو له الطير عائف
يقول يرى الطير تجري بما بيني وبينها، أي لو يحزو له عائف من نفسه، ويحزو يزجر وهو الحازي والعائف.
وقال رؤبة:
قد علم النرهيئون الحمقا ... ومن تحزي عاطساً أو طرقا
أن لا نبالي إذ بدرنا شرقا ... أيوم نحس أم يكون طلقا
المرهيئون المهيئون، يقال جاء بشهادة مرهيأة، والتحزي التكهن وكانوا يتطيرون بالعطاس، والطرق طرق الحصى، والتخطيط بالأصابع، يقول إذا غدونا غدوة فبدرنا الشرق لم نتطير، والطلق السهل.
وقال الفرزدق:
إذا قطنا بلغتنيه ابن مدرك ... فلاقيت من طير الأشائم أخيلا
الأخيل الشقراق وهو يتشاءم به.
ومثله قول ذي الرمة:
إذا ابن أبي موسى بلالا بلغته ... فقام بفأس بين وصليك جازر
ويقال بعير مخيول إذا وقع الأخيل على عجزه فقطعه، وأنشد له أو لجرير:
ويقطع أضعاف المتون أخايله
وقال أبو دواد يصف الحمار والآتن:
قلت لما نصلا من قنة ... كذب العير وإن كان برح
نصلاً خرجا من قنة الجبل، وبرح العير، والبارح يتشاءم به فقلت: كذب فيما صنع ولكنني سأصيده.
وقال آخر:
قامت تباكي لأن مرت بها أصلا ... بجانب الدو أسراب من العين
قالت: أبو مالك أمسى ببلقعة ... تسفى الرياح عليه غير مدفون
فبينت صدق ما قالت وما نطقت ... وصاحب الدهر في خفض وفي لين
هذه مرأة مرت بها ظباء فتشاءمت بها فقالت: لعل أبا مالك أمسى في هذا الحال، ثم جاءها الخبر عنه بما يشبه ما خافت، فقال: فبينت ما قالت وصاحب الدهر في خفض أي في ايضاع؟ مرة وفي لين أي في خير مرة أخرى.
وقال جران العود:
جرت يوم رحنا بالركاب نسوقها ... عقاب وشجاع من الطير متيح
أراد أنه جرى في الزجر عقاب وغراب، متيح يأخذ في كل وجه.
فأما العقاب فهي عقوبة ... وأما الغراب فالغريب المطرح
يريد أنها ضرب منا في البلاد وتغرب، والمطرح المبعد.

وقال ذو الرمة:
أجرى أدعج الروقين والعين واضح ال ... قر أسفع الخدين باليين بارح
بتفريق طيات تياسرن قلبه ... وشق العصا من عاجل البين قادح
يعني ثوراً جرى بالفراق، بارح جرى من يساره وهم يتشاءمون به، أدعج أسود، واضح أبيض، والسفعة في الخد كل لون يخالف سائر لونه، تياسرن اقتسمن من الميسر، والميسر الجزور نفسه، والقادح أكل يقع في العصا.
وقال ابن أحمر:
ألا قل خير كيف تغيرا ... فأصبح يرمي الناس عن قرن أعفرا
يقول كأنما يرميهم عن قرن غزال يكون صالحاً لقوم وغير صالح لقوم أي هو سانح لواحد وبارح لواحد.
وقال أيضاً:
زجرت لها طيراً فيزجر صاحبي ... وأقول هذا زائد لم يحمد
أي لم يأت ما يحمد عليه. وقال طرفة:
لعمري لقد مرت عواطس جمة ... ومر قبيل الصبح ظبي مصمع
عواطس أشياء يتشاءم بها والظبي أيضاً يتشاءم به. مصمع صمعت أذناه أي صغرت والأذن الصمعاء الصغيرة، ويروى: مصمع أي مسرع يقال صمع إذا عدا.
وعجزاء دفت بالجناح كأنها ... مع الفجر شيخ في بجاد مقنع
عجزاء عقاب وجعلها عجزاء لبياض في عجزها، دفت ضربت بجناحها، بجاد كساء، والعقاب يتشاءم بها أيضاً.
فلن تمنعي رزقاً لعبد يصيبه ... ولن تدفعي بؤسي وما يتوقع
وقال امرؤ القيس:
وقد اغتدى قبل العطاس بهيكل ... شديد مشك الجنب رحب المنطق
أي قبل أن ينتبه إنسان فيعطس فأتطير منه.
وقال زهير وذكر الظباء:
جرت سنحا فقلت لها أجيزي ... نوىً مشمولة فمتى اللقاء
أجيزي مري، يقال جاز وأجاز إذا ذهب، نوى مشمولة أي ليست على القصد أخذت ذات الشمال، فيقال في مشولة أنها من الريح الشمال، والعرب تتشاءم بالشمال لأنها تفرق السحاب ولم يلبث أن يذهب، الأصمعي: أجزت الوادي إذا قطعته وخلفته، وجزت سرت فيه، ومعنى جاوزت وتجاوزت واحد.
وقال الكميت يصف قومه:
وفي نهاوند قد حلوا بمغتفر ... زجر البوارح بالإيمان والنعب
أي غفروا زجر الظباء والغربان فلم يعملوا به ومضوا على الإيمان والتوكل، يريد أنهم لا يتطيرون لأنهم مؤمنون.
وقال يمدح زياداً:
واسم امرئ طيره لا الظبي معترضاً ... ولا النعيق من الشجاعة النعب
يقول اسمه زياد وهو يتيمن به، والشحاجة الغربان.
وقال لجذام في انتقالهم إلى اليمن:
وكان اسمكم لو يزجر الطير عائف ... لبينكم طيراً مبينة الفال
أي جذام والانجذام الانقطاع. وقال وذكر الصائد والثور:
فتماري بنبأة من خفي ... بين حقفين كلفته البكورا
النبأة الصوت الخفي، والخفي الصائد، والحقف ما اعوج من الرمل.
عطسة العائف الذي بمناه ... حسب الفأل فألها المزجورا
العطسة كلفت الصائد زجر الفأل على مناه فقال: لأصيبن خيرا اليوم فبكر. وقال الأعشى:
انظر إلى كف وأسرارها ... هل أنت إن أوعدتني ضائري
كانوا ينظرون إلى خطوط الكف فيستدلون بها. وقال الكميت:
وانظر إلى أسرار كف ... ي أجم مقلوم الأظافر
الأجم الذي لا سلاح معه وأصله الكبش الذي لا قرن له، والمقلوم الأظافر الذي لا سلاح معه أيضاً يريد نفسه. أي انظر إلى أسرار كفك فإنك أجم مقلوم الأظافر فهل تقدر لي على ضر.
وقال العجاج:
قالت سليمى لي مع الضوارس ... يا أيها الراجم رجم الحادس
بالنفس بين اللجم العواطس
هذا مثل يقال كانوا يتطيرون في الجاهلية من العطاس فإذا عطس العاطس قالوا: قد ألجمه كأنها قد تلجمه عن حاجته.
وقال رؤبة:
ولا أبالي اللجم العواطسا
وقال ابن الأعرابي يقال عطست فلانا اللجم: أي أصابه الهلاك.
وقال آخر:
إنا أناس لا يزال جزورنا ... بها لجم عند المباءة عاطس
أي عطس لها عاطس وتمني لها فأصابها.
وقال جرير:
وما كان ذو شغب يمارس عيصنا ... فينظر في كفيه إلا تندما
العيص الغيضة شبه حسب الرجل به، يقول إذا تعيف فنظر إلى كفيه علم أنه لاق شرا.
كقول الأعشى:
فانظر إلى كف وأسرارها
وقال كعب بن زهير:

فما نلتنا غدراً ولكن صبحتنا ... غداة التقينا في المضيق بأخيلا
أي لقيتنا بشؤم، وقال أبو ذؤيب وذكر عائباً:
أربت لأربته فانطلقت ... أزجي لحب اللقاء السنيحا
أي كانت حاجته لي حاجة، أزجي أدفع، يقول إذا عرضت لي طيرة لم ألتفت إليها، وكانت هذيل تتشاءم بالسنيح وغيرها بالبارح.
وقال كثير:
أقول إذا ما الطير مرت مخيفةً ... سوانحها تجري وما أستثيرها
فدتك ابن ليلى حدث الردى ... وراكبها إن كان كون وكورها
مخيفة ومخيلة أي موهمة، يقول لا أزجرها لأثيرها، لثقتي بك وعلمي أنك لا تأتي ما أكره وإن جرت السوانح به.
وقال يذكر خطة:
غموم لطير الزاجريها أريبة ... إذا حاولت ضر الذي الضغن ضرت
غموم أي غامرة والزجر يشكل عليهم ولا يقدر زجر الطير.
وقال المرقش السدوسي:
ولقد غدوت وكنت لا ... أغدو على واقٍ وحاتم
وإذا الأشائم كالأيا ... من والأيامن كالأشائم
الحاتم الغراب لأنه يحتم بالبين والفراق.
ومنه قول عوف بن الخرع:
ولكنني أهجو صفي بن ثابت ... مثبجة لاقت من الطير حاتما
وقال آخر خثيم بن عدي:
وليس بهياب إذا شد رحله ... يقول عداني اليوم واقٍ وحاتم
ولكنه يمضي على ذاك مقدماً ... إذا صد عن تلك الهنات الخثارم
الواق الصرد، والخثارم المتطير من الرجال.

أبيات المعاني في وصف الآثار وتشبيهها
قال ذو الرمة:
وميتة في الأرض إلا حشاشة ... ثنيت بها حياً بميسور أربع
يعني بالميتة الأثرة ميسم في خف البعير، ميتة خفية وذلك أنها أول ما تعمل ثم تنبت مع الخف فتكاد تستوي، والحشاشة البقية منها، ثنيت بها حياً أي بعيراً، يقول تبعث إثره حتى رددته، بميسور أربع يعني بشق ميسور، يريد أنه رأى الناحية اليسرى فعرفه، يعني بالأربع قوائمه.
بثنتين إن تصرف ذه تنصرفذه ... لكلتيهما روق إلى جنب مخدع
يريد عينين، ويعني بروق رواقاً واحداً وهو حجاجها المشرف عليها، مخدع يعني موضعها الذي هي فيه.
وقال آخر وهجا رجلاً ميتا:
كأن الظباء العفر يعلمن أنه ... وثيق عري الأربي في العشرات
يقول هو صاحب صيد ومهنة ليس بكريم ولا سيد، والأربي مواثيق الحبالة وهي الأربة، والأربة العروة.
لبيق إذا ما خط بالناب أثرة ... تبين بالخوقاء في البكرات
الخوقاء حلقة في الخف من أثر تأثيره.
وقال ذو الرمة يذكر فلاة:
إذا اعتسّ فيها الذئب لم يلتقط بها ... من الكسب إلا مثل ملقى المشاجر
إذا اعتس فيه طلب ما يأكل، والمشاجر أعواد الهوادج واحدها مشجر، شبه آثار قوائم الإبل حيث بركت بمشاجر ملقاة.
مناخ قرون الركبتين كأنه ... معرس خمس من قطا متواتر
يقول إذا بركت قرنت أي تدانى ركبتاها، كأنه معرس خمس يعني الركبتين والثفنتين والكركرة، والثفنة موصل الذراع من باطن وهو ما يصيب الأرض، وموصل الفخذ والساق أيضاً ثفنة، وإنما اختار القطا لأن خفة المبارك من العتق والكرم وصغر الكركرة يستحب.
وقعن اثنتين واثنتين وفردة ... حريدا هي الوسطى بصحراء جائر
اثنتين الركبتين واثنتين الثفنتين وفردة الكركرة وهي الوسطى، حريدا فردا.
ومغفى فتى حلت له فوق رحله ... ثمانية جردا صلاة المسافر
وبينهما ملقى زمام كأنه ... مخيط شجاع آخر الليل ثائر
أي بين الرجل والناقة ملقى زمام كأنه ممر حية، ويقال خاط بنا خيطة أي مر بنا مرة، ثائر قتل أخوه فجاء يطلب ثاره يعني الشجاع.
سوى وطأة في الأرض من غير جعدة ... ثني أختها في غرز عوجاء ضامر
يقول لم يجد هذا الذئب سوى وطأة وطئها هذا الرجل وضع واحدة في غرز الناقة والأخرى في الأرض، يعني رجلاً سبطة سهلة.
وموضع عرنين كريم وجبهة ... إلى هدف من مسرع غير فاجر
الهدف شرف في الأرض صلى إليه.
وقال الطرماح في مثله:
كأن مخوها على ثفناتها ... معرس خمس وقعت للجناجن
مخواها ما تجافى على الأرض منها إذا بركت.

وقعن اثنتين واثنتين وفردة ... يبادرن تغليساً سمال المداهن
السمال جمع سمل، والمدهن نقرة في الصفا.
أطاف بها طمل حريص فلم يجد ... سوى مثل ملقى الواسط المتباين
أطاف بها يريد الفلاة والطمل الذئب، أي لم يجد في إطافة غير ملقى واسط الرحل، متباين منكسر.
وموضع مشكوكين ألقتهما معا ... كوطأة ظبي القف بين الجعاثن
المشكوكان لحيا الناقة شبههما بوطأة ظلف الظبي في القف، والجعاثن أصول الصليان واحدته جعثنة.
ومخفق ذي زرين في الأرض متنه ... وفي الكف مثناه لطيف الأسائن
مخفق حيث وقع وتلوى يعني الزمام، والأسائن واحدها إسان وهي القوة يريد سيور الزمام التي تفتل، والقوى الطاقات الواحدة قوة.
خفي كمجتاز الشجاع وذبل ... ثلاث كحبات الكباث القرائن
يعني ثلاث بعرات شبههن بالكباث لصغرهن.
ومثله لكعب:
وسمر ظماء واترهن بعدما ... مضت عجمة من آخر الليل ذبل
وضبثة كف باشرت بيمينها ... صعيدا كفاها فقد ماء المصافن
الضبثة القبضة، يقال ضبثت إذا قبضت، المصافن المقاسم.
ومعتمد من صدر رجل محالة ... على عجل من خائف غير آمن
محالة مرفوعة، وإذا رفعت رجلك فقد أحلتها.
وموضع مثنى الركبتين وسجدة ... توخى بها ركن الحطيم الميامن
مقلصة طارت قرينتها بها ... إلى سلم في دف عوجاء ذاقن
مقلصة مشمرة يعني الرجل التي في الأرض، وقرينتها الرجل الأخرى، والسلم الغرز، والدف الجنب، عوجاء طويلة مهزولة، ذاقن تطأطئ رأسها وعنقها إذا سارت، ويقال ذاقن وذقون بمعنى وهي التي إذا بركت ضربت بذقنها الأرض، يقال ذقنت تذقن ذقونا.
وقال المثقب يصف ناقته:
كأن مواقع الثفنتان منها ... معرس باكرات الورد جون
أراد قطا تباكر الماء، وجون سود.
كأن مناخها ملقى زمام ... على معزائها وعلى الوجين
اللجام إذا طرح بالأرض كانت له أربعة آثار، والمعزاء والوجين ما صلب من الأرض، يريد أنها قد أثرت في الموضع الصلب.
وقال البعيث يهجو رجلاً:
مدامن جوعات كأن عروقه ... مسارب حيات تسر بن سمسما
يقول هو بادي العروق من سوء الحال فكأنها ممر حيات، وسمسم موضع، ويروى: تشربن سمسما، أي سما.
وقال الكميت يذكر رأل نعامة:
حتى إذا علم التدارج واتخذت ... رجلاه كالودع آثارا على الكثب
شبه آثار رجليه على الرمل بالودع.
وقال ذو الرمة:
ومن جردة غفل بساط تحاسنت ... بها الوشي قرات الرياح وخورها
جردة من الرمل جرداء لا شيء فيها، وشبه آثار الرياح بالوشي، وخورها ما لان منها. وقال النابغة:
كأن مجر الرامسات ذيولها ... عليه حصير تمقته الصوانع
وقد فسر في موضعه في وصف الديار.
وقال الراعي وذكر الثور:
فصبحته كلاب الغوث يؤسدها ... مستوضحون يرون العين كالأثر
يؤسدها يغريها، مستوضحون يقال استوضح الرجل إذا نظر ليرى شبحا أو أثرا، يعني صيادين، وأراد يرون الأثر كالعين فقلب، يريد أن أثر الصيد عندهم إذا رأوه بمنزلة الصيد نفسه لا يخفى عليهم، وهذا الحديث الذي يتحدث عن لقمان سئل عن قيافته فقيل له: قد اشتبهت الآثار وإنه على ذاك ليعرف أثر الذرة الأنثى من الذكر على الصفا الأير، وقول جابر بن عمرو المازني أرى أثر رجلين يسوقان بعيرين ويقودان فرسين، شديد كلبهما قليل سلبهما والفرار بقراب أكيس.
وقال ذو الرمة:
كأن مجر العيس أطراف خطمها ... بحيث انتهى من كرس مركوها العقر
ملاعب حيات ذكور فيممت ... بنا مصدرا والشمس من دونها ستر
الكرس العطن، والمركو الحوض الصغير، والعقر مقام الشاربة يقول إذا وردت الماء جرت خطمها بين العطن والعقر.
وقال الطرماح وذكر ثورا:
فأصبح محبورا تخط ظلوفه ... كما اختلفت بالطرق أيدي الكواهن
وقال أيضاً يذكر ثورا:
وغدا تشق يداه آثار الربى ... قسم الفئال تشق أوسطه اليد

الفئال لعبة للصبيان وهو أن يكوم تراب أو رمل ثم يخبأ فيه خبيء ثم يشق اللاعب تلك الكومة نصفين فيقول في أي الجانبين الخبيء؟ قال طرفة:
يشق حباب الماء حيزومها بها ... كما قسم الترب المفائل باليد
وقال عمر بن أبي ربيعة:
على قلوصين من ركابهم ... وعنتر يسين فيهما شجع
كأنما غادرت كلا كلها ... والثفنات الخفاف إذ وقعوا
موقع عشرين من قطا زمر ... وقعن خمساً خمساً معاشيع
ناقة عنتريس إذا كانت شديدة غليظة. ويقال أخذه بالعترسة أي بالجفاء والشدة، شجع طول والأشجع الجسيم، والشيع الفرق.
وقال العجاج:
خوى على مستويات خمس ... كركرة وثفنات ملس
التخوية أن لا يقع من البعير إذا برك على الأرض إلا ثفناته وكركرته ويكون متجافيا عن الأرض، وإذا كان البعير يبرك هكذا كان أعتق له، وملوسة الكركرة أن لا يكون بها سرر وهو شيء يخرج بكركرة البعير يغذو مثل الماء فيكون البعير إذا برك لم يتمكن بكركرته من الأرض وتجافى، وأنشد لمعدي كرب المعروف بغلفاء يرثي أخاه شرحبيل وكان رئيس بكر بن وائل وقتل يوم الكلاب الأول.
إن جنبي عن الفراش لنابي ... كتجافي الأسر فوق الظراب
وملوسة الثفنات إن لا يعتمد عليها إذا برك إنما يخوي تخوية.
وقال طرفة وذكر الناقة:
كأن علوب النسع في دأياتها ... موارد من خلقاء في ظهر قردد
العلوب الآثار كأنها في جنبي البعير طرق، في خلقاء أي صخرة ملساء على رأس جبل.
تلاقي وأحياناً تبين كأنها ... بنائق غر في قميص مقدد
أي تجتمع هذه الموارد وتفترق أحياناً، والبنائق الدخاريص، غر بيض، شبه بياض آثار النسوع في جلدها ببياض بنائق القميص.
وقال عوف بن الأحوص:
ألم أظلف عن الشعراء عرضي ... كما ظلف الوسيقة الطريدة
أظلف من الظلف وهو الموضع الغليظ الذي لا تتبين فيه الآثار يقول ألم أمنعهم أن يؤثروا في عرضي، والوسيقة الطريدة.
كما ظلف أي أخذ بها في ظلف من الأرض، والكراع العنق من الحرة يمتد. وقال آخر آثار الحيات:
كأن مزاحفها أنسع ... جررن فرادي ومنها ثنى
وقال أوس بن حجر:
يقول له الراؤون هذاك راكب ... يؤبن شخصاً فوق علياء واقف
التأبين اتباع الأثر في الأرض بنظر واتباع آثار الميت لمحاسنه.
وقال كعب بن زهير وذكر ذئباً وغراباً:
فلم يجدا إلا مناخ مطية ... تجافي بها زور نبيل وكلكمل
ومضربها وسط الحصى بجرانها ... ومثنى نواج لم يخنهن مفصل
وموضع طولي وأحناء قاتر ... يئط إذا ما شد بالنسع من عل
طولى زمام، قال الأصمعي: طولى يكون فوق البرذعة، والقاتر الرحل.
وأتلع يلوي بالجديل كأنه ... عبسيب سقاه من سميحة جدول
وسمر ظماء واترتهن بعدما ... مضت هجعة من آخر الليل ذبل
سفي فوقهن الترب ضاف كأنه ... على الفرج والحاذين قنو مذلل
أراد بعرات واترتهن أي تابعتهن ضاف يعني ذنباً سابغاً طويلاً.
ومضطمر من خاشع الطرف خائف ... لما تضع الأرض القواء وتحمل
يعني نفسه، واضطماره انضمامه.
وقال كثير في هذا المعنى:
وصادفت عيالاً كأن عواءه ... بكا مجرذ يبغي المبيت خليع
عيال يعني ذئباً يعيل في البلاد كما تقول عار، خليع خلعه أهله لجنايته.
عوى ناشز الحيزوم مضطمرا الحشا ... يعالج ليلاً قارساً مع جوع
فصوّت إذ نادي بباقٍ على الطوى ... محنب أطراف العظام هبوغ
أي بصوت باق على الجوع. محنب مأطور، هبوع يستعين بعنقه في السير من الضعف.
فلم يجترس إلا معرس راكب ... تأيا قليلاً واسترى بفطيع
الاجتراس الإصابة، يقال هل اجترست شيئاً؟ ويروي: يحترس، أي يسرق يقال للذي يسرق الغنم المحترس وللشاة التي تسرق حريسة، تأيا تلبث، واسترى افتعل من السرى وهو سير الليل، بقطيع أي بقطيع من الليل.
وموقع حرجوج على ثفناتها ... صبور على عدوى المناخ جموع
ومطرح أثناء الزمام كأنه ... مزاحف أيم بالفناء صريع

عدوى المكان وتعاديه واحد وهو أن يرتفع بعض وينخفض بعض، والأيم الحية.

أبيات المعاني في المراثي
قالت الخنساء:
ولكني رأيت الصبر خيراً ... من النعلين والرأس الحليق
ومن رحض الغراب إذا تنادى ... دعاة الموت بالكأس الرحيق
كانت المرأة في الجاهلية إذا مات زوجها حلقت رأسها وأخذت نعلي زوجها فعلقتهما في عنقها وضربت بهما وجهها، وإذا لم تكترث المرأة بموت ميتها نشرت شعرها في مأتمه، فتقول: الصبر خير من أن أفعل فعل تلك أو فعل هذه، والرحض الغسل يقال: رحضت الثوب إذا غسلته، والغراب الشعر الأسود: ومنه قيل رجل غريب إذا كان أسود الشعر ولم يشب، ودعاة الموت النوائح وكن يدعون بالخمر إذا نحن ليكون أنشط لهن وأيسر.
وقال أبو ذؤيب وذكر قوماً ماتوا:
كانوا ملاويث فاحتاج الصديق لهم ... فقد البلاد إذا ما تمحل المطرا
أي احتاج هؤلاء الذين فقدوهم كما تمحل البلاد إذا فقدت المطر، والملاويث الذين يلاث بهم أي يعصب بهم ويرجى خيرهم.
وقال آخر:
إذا حاردت عنك العيون فإنه ... سيكفيك من عيني دمع ممانح
المحارة انقطاع الدر والدمع، والممانحة درورهما.
وقال المتنخل:
إن يمس نشوان بمصروقة ... منها بريّ وعلى مرجل
لا تقه الموت وقياته ... خطّ له ذلك في المحبل
نشوان سكران، مصروفة خمر صرف، على مرجل أي على لحم في قدر، أي لا يقيه ذلك الموت، المحبل حين حبل به، ويروى: في المجبل، أي حيث جبله الله عز وجل.
ليس لميت بوصيل وقد ... علق فيه طرف الموصل
يريد أن الحي منقطع عن الميت بجهده ويهرب من حاله وقد استوثق منه وعلق طرف موصله به فالموت سيجمعهما لا محالة وإن أبى ذلك الحي فهو متصل. وقال:
نبكي على رجلٍ لم تبل جدته ... خلى عليك فجاجاً بينها سبل
لم تبل جدته أي مات شاباً، يقول خلي عليك أموراً كان يسدها فلما هلك ضاعت.
وقال آخر من هذيل: وهو ساعدة بن العجلان:
فلقد بكيتك يوم رجل شواحط ... بمعابل صلع وأبيض مقطع
يعني أنه كان يرميهم وينادي أخاه فجعل ذلك بكاء له، رجل رجالة واحدهم راجل، شواحط موضع، والمعبلة نصل عريض، وأبيض سيف، مقطع قاطع.
فرميت حول ملاءة محبوكة ... وأبنت للأشهاد حزة أدعى
أي رميت وعليّ هذه الملاءة، والمحبوكة التي لها حبك أي طرائق، والأشهاد الذين شهد وأما ثم، حزة أي ساعة، يريد أبنت لهم لما رميت من أنا فقلت أنا ابن فلان، يقال: جئتنا على حزة منكرة أي ساعة.
وقال أبو خراش:
بلى إنها تعفو الكلوم وإنما ... نوكل بالأدنى وإن جلّ ما يمضي
أي تبرأ الجراحات وينبت عليها اللحم حتى كأن لم يكن بها شيء فكذلك المصائب تذهب وتنسى، والأدنى الأقرب.
وقال أبو جندب الهذلي:
لعمر أبي الطير المربة غدوةً ... على خالد لقد وقعت على لحم
المربة المقيمة الآلفة، يقول وقعت على لحم كان ممنوعاً.
وقال خفاف بن ندبة:
المرء يسعى وله راصد ... تنذره العين وثوب الضرا
أي تنذر الراصد عينه أن يثب على هذا المرصد ليختله.
وقال كثير يرثي:
وحال السفا بيني وبينك والعدى ... ورهن السفا غمر البديهة ماجد
السفا البعد والعدى البعد. وقال النابغة يرثي النعمان بن الحارث:
فلا يهنئ الأعداء مصرع ربهم ... وما عتقت منه تميم ووائل
أي عتقهم من غزوه. وقال:
وآب مصلوه بعين جلية ... وغودر بالجولان حزم زنائل
قال الأصمعي: قدم الأولون بخبر موته ولم يصدقوا وجاء المصلون وهم الذين جاؤوا بعدهم من خبر موته بعين جلية، والمصلي الثاني من السوابق، ويروى: وآب مضلوه أي قابروه. وقال يرثي:
يقولون حصن ثم تأبى نفوسهم ... وكيف بحصن والجبال جنوح
أي يقولون مات حصن ثم تأبى أنفسهم ذلك ويقولون كيف يكون ذلك والجبال على حالها؟ يريد أنه لو مات لتضعضعت الجبال.
وقال الأعشى:
فيا أخوينا من أبينا وأمنا ... ألم تعلما أن كل من فوقها لها
أي كل من فوق الأرض صائر إليها أي مقبور فيها.
وقال لبيد:

ألا تسألان المرء ماذا يحاول ... أنحب فيقضى أم ضلال وباطل
حبائله مبثوثة بمسيله ... ويفني إذا ما أخطأته الحبائل
النحب النذر، وحبائله مناياه يعني أنه يهرم إن لم يأته الموت في شبابه، ومنه قيل للشيخ الكبير: فإن أي هرم.
وقال لبيد:
قضيت لبابات وسليت حاجةً ... ونفس الفتى رهن بقمرة مؤرب
المؤرب المقامر، يقال آربت على القوم أي فلجت، أي نفس الفتى محتبسة للموت.
وقال يرثي:
من فقد مولىً تصور الحي جفنته ... أو رزء مال ورزء المال ينجبر
تصور تعطف.
والنيب إن تعر مني رمةً خلقاً ... بعد الممات فإني كنت أثئر
النيب المسان من النوق، أي إن تلم مني بعظم بال فتأكله بعد مماتي فإني كنت أنحرها، وأثئر افتعل من الثأر، والإبل تأكل العظام أي تملح بها بعد الخلة وهو نبت حلو.
وقال يرثي أربد أخاه:
وأيقنت التفرق يوم قالوا ... تقسم مال أربد بالسهام
تطير غدائد الأشراك شفعاً ... ووتراً والزعامة للغلام
الغدائد الفضول، ويروي: عدائد، أي ما يعد من الميراث، تطير تفرق. وقال الأعشى:
وأحمدت إذ نجيت بالأمس صرمة ... لها غددات واللواحق تلحق
وقوله شفعاً ووتراً أي للغلام سهمان وللجارية سهم، والأشراك واحدها شرك وهي الأنصباء، والزعامة للغلام يقول إذا مات الرجل صارت رئاسة لابنه دون الإناث، والزعيم الرئيس.
وقال: أي لبيد يرثيه:
فجعني الرعد والصواعق بال ... فارس يوم الكريهة النجد
يعفو على الجهد والسؤال كما ... أنزل صوب الربيع ذو الرصد
وكان أربد أصابته صاعقة، يعفو يجم ويزيد على السؤال كما يجم الماء يقال عفا شعره إذا كثر، والرصد جمع رصدة وهي المطرة تكون أولاً لما يأتي بعدها كالعهد كأنها ترصد مطرا، أراد أنه يعطي عطية ويرصد بأخرى. وقال يذكر موتى:
ويمشون أرسالاً ونلحق بعدهم ... كما ضم أخرى التاليات المشايع
المشايع الداعي يزجر إبله حتى يلحق أولها آخرها.
وقال الفرزدق:
فألق استك الهلباء فوق قعودها ... وشايع بها واضمم إليك التواليا
وقال آخر:
فلم أر عاماً كان أكثرها لكاً ... ووجه غلامٍ يستري وغلامه
المعنى وأكثر هلاك وجه. يستري يختار. وقال:
لقد ظفرت عيني بطول بكائها ... على ابن زهير إذ ثوى في المقابر
ظفرت من الظفرة وهي لحمة تخرج في العين. وأنشد:
هل لك في عجيز كالحمرة ... بعينها من البكاء ظفره
وقال أبو زبيد يرثي عثمان بن عفان وذكر قبره:
على جنابيه من مظلومة قيم ... تبادرتها مساح كالمناسيف
جنابيه جانبيه، مظلومة أرض حفرت ولم تحفر قبل، قيم جمع قامة من التراب، والمساحي جمع مسحاة.
لها صواهل في صم السلام كما ... صاح القسيات في أيدي الصياريف
أي للمساحي أصوات إذا وقعت في الحجارة وهي السلام كأصوات الدراهم الستوقة إذا انتقدها الصياريف.
كأنهن بأيدي القوم في كبد ... طير تكشف عن جون مزاحيف
شبه المساحي في أيدي القوم يحفرون القبر بطير على إبل مزاحيف وهي المعيية. وإنما جعلها جونا لأنهم حفروا له في الحرة فشبه الحرة بابل سود، في كبد في شدة، ومنه لقد خلقنا الإنسان في كبد.
وقال وذكر القبر.
مقرمد ما علوا منه بقنطرة ... زاداً من الزاد غثاً غير مظلوف
ما علوا في معنى الذي علوا منه بقنطرة وقد قرمدوه، غير مظلوف يقول هذا من الزاد ليس بممنوع من جميع الخلق، ويقال منه اظلف نفسك عن كذا أي امنعها لأن ما يتزوده الميت قليل.
ثمت زكوا بما علوا وما حفروا ... حملاً على الكوم حمال التكاليف
الكوم التراب المجموع.
إن كان عثمان أمسى فوقه أمر ... كراقب العون فوق القنة الموفي
الأمر الحجارة، والعون جماعة عانة، والقنة دون الجبل، شبه ما جمع على قبره من الحجارة بحمار عانة قد أوفى على قنة ينتظر مغيب الشمس فيرد الماء.
أعثم قد حذرت نفسي فما ملكت ... إصفاق دار بعيد الألف مألوف

يقال أصفقت بك الدار أي ذهبت بك يعني دار المنية، يريد إصفاق دار مألوف بعيد الألف يعني عثمان، أي كان مألوفاً ثم صار بعيد الألف.
وقال أبو زبيدة يرثي قتيلاً:
خارج ناجذاه قد برد المو ... ت على مصطلاه أي برود
الناجذ آخر الأضراس، ومصطلاه يداه ورجلاه من اصطلاء النار، وبرود الموت عليهما إن الأطراف منهما تصفر.
قال لبيد:
وكل أناس سوف تدخل بينهم ... دويهية تصفر منها الأنامل
وقال يذكره:
لحمة لو دنوا لثأر أخيهم ... حسروا قد ثناهم بعديد
أي قد استلحمه القوم، يريد أحاطوا به ولم يرد أن يكون عند أنفسهم أنه لحمة لهم، وإن دنوا منه رجعوا وقد ردهم بثأر ثان يعدونه مع الأول. وقوله:
صادياً يستغيث غير مغاث ... ولقد كان عصرة المنجود
العصرة الملجأ، والمنجود المكروب.
وقال الكميت يرثي:
كأن أكف الناس إذ بنت عطفت ... عليها حثاة القبر ذات الرواعد
يريد ماتت العطايا حيث متّ: والرواعد صوت التراب في القبر حين دفن. وقال مدرك بن حصن الأسدي:
بكى جزعاً من أن يموت وأجهشت ... إليه الجرشي وارمعل خنينها
أجهشت ارتفعت، والجرشي النفس، الأصمعي: بكاء جشب وازمعل تتابع. وأنشد:
وليلة طخيا يرمعل ... منها على الساري ندىً مخضل
والخنين بكاء لا يفصح به من الأنف، والخنة من الأنف.
وقال متمم بن نويرة للذي جاء بنعي أخيه:
وآثرت هدماً بالياً وسوية ... وجئت به تعدو بشيراً مقزعا
مقزعا خفيفاً وكل مخفف مقزع وأصله من القزع في السحاب، والهدم الخلق، والسوية البرذعة.
وقال الراعي:
وللمنية أسباب تقربها ... كما تقرب للوحشية الذرع
واحدها ذريعة وهو بعير يستتر به الرامي فإذا قربت الوحش رماها.وقال:
أحار بن عبدٍ للدموع البوادر ... وللجد أمسى عظمه في الجبائر
قوله للجد كقولك: لجده أصابه هذا، والجبائر ما يشد على الكسر من الخشب. وقال طرفة:
لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى ... لكالطول المرخى وثنياه باليد
يقول هو مثل حبل أرخى وثنياه في يد متى شاءت جرته.
وقال الجعدي:
سألتني هلكوا ... شرب الدهر عليهم وأكل
الباء في معنى عن، وقوله شرب الدهر عليهم أي شرب الناس بعدهم وأكلوا وليس يريد بهذا الدهر، أراد سألتني عن أناس. ومثله:
دع المغمر لا تسأل بمصرعه ... واسأل بمصقلة البكري ما فعلا
أي عن مصقلة. وقال متمم بن نويرة:
فلما تفرقنا كأني وما لكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
معنى لطول مع طول اجتماع، يقول إذا مضى فكأنه لم يكن.
وقال النمر بن تولب يرثي أخاه:
تضمنت أدواء العشيرة يبنها ... وأنت على أعواد نعش تقلب
كأن امرءاً في الناس كنت ابن أمه ... على فلج من بحر دجلة مطنب
يقول تضمنت ما كان في العشيرة من الداء أو فساد حين كنت فيهم وأنت اليوم على نعش تقلب، والفلج النهر، من بحر دجلة أي من سعة دجلة، مطنب مبعد.
وقال العجاج وذكر إفاقته من مرضه:
بعد اللتيا واللتيا والتي ... إذا علتها أنفس تردت
اللتيا تصغير التي، يقال للشيء إذا جاء بعد عسر جاء بعد اللتيا والتي، إذا علتها أنفس هذا مثل أي بعد عقبة من عقاب من عقاب الموت تردت سقطت وهلكت.
أوعظة إن نفس حر بلت ... أو طلبت بالجهد ما قد ألت
يقول هذه المرضة عظة إن نفس حر برأت، يقال بل وأبلّ إذا برأ، أو طلبت النفس بالجهد ما قد آلت أي أضعفت فيه، يقال ألا - خفيف - أي ترك الجهد وقصر. وقال الجعدي:
ثلاثة أهلين أفنيتهم ... وكان الأله هو المستآسا
أي المستعاض يريد يسأل العوض وهو الأوس، يقال أسته أوسا إذا أعطيته. وقال ابن أحمر:
أو ينسأن يومي إلى غيره ... إني حواليّ وإني حذر
ينسأن يؤخر، الحوالي فعالي من الحيلة.
وقال أبو كبير يرثي قوماً:
هاجوا لقومهم السلام كأنهم ... لما أصيبوا أهل دين محتر
أي محكم، يقول ثبتوا على الصلح كما ثبت هؤلاء على دينهم.
وقال خداش بن زهير:

وما المرء إلا هامة أو بلية ... يصفقها داعٍ له غير غافل
يقول إما أن يموت سريعاً فيصير هامة، والعرب تزعم أن عظام الموتى تصير هامة فتطير، وإما أن يتأخر أجله فيتعذب بالهرم فيكون كالبلية التي تعذب حتى تموت هزلاً وضراً، والبلية الناقة تعقل عند قبر صاحبها فلا تعلف حتى تموت.
وقال أبو زبيد:
كالبلايا رؤوسها في الولايا ... ما نحات السموم حر الخدود
الولايا البراذع واحدتها ولية، وكانوا إذا فعلوا هذا بالإبل قوروا البرذعة وأدخلوها في عنق البعير.
وقال زهير:
بلاد بها نادمتهم وألفتهم ... فإن أوجشت منهم فإنهم بسل
بسل حرام، يقول إن أقفرت منهم أي خلت فإنهم كانوا حراماً ممتنعين لا يطمع فيهم أحد أن يغزوهم.
وقالت الخنساء ترثي أخاها:
أبعد ابن عمرو من ال الشري ... د حلت به الأرض أثقالها
حلت زينت، وأثقالها موتاها.
وقال الفرزدق:
وجفن سلاح قد فقدت فلم أنح ... عليه ولم أبعث عليه البواكيا
وفي جوفه من دارم ذو حفيظة ... لوان المنايا أنسأته لياليا
يريد في جوف الجفن وهو البطن، وكان أتى وليدة فماتت وهي حامل، والسلاح الجنين نفسه، يريد أن الولد عدة وقوة بمنزلة السلاح. وقال آخر:
فأصبح في غبراء بعد إشاحة ... من العيش مردود عليها ظليمها
أراد حفرة غبراء، إشاحة محاذرة وإشفاق، ظليمها ما أخرج من ترابها والمظلومة الأرض التي تحفر في غير موضع الحفر. وقال آخر:
فبعض اللوم عاذلتي فإني ... ستكفيني التجارب وانتسابي
أي تكفيني تجاربي الأشياء وأني أنتسب فأجد آبائي قد ماتوا فأعلم أني ميت ولي في ذلك كفاية من لومك لي.
ومثله للبيد:
فإن أنت لم ينفعك علمك فانتسب ... لعلك يهديك القرون الأوائل
فإن لم تجد من دون عدنان والداً ... ودون معدّ فلتزعك العواذل
أي تعرف أنهم قد ماتوا فتتعظ.

أبيات المعاني في الشيب والكبر
قال النمر بن تولب:
أودى الشباب وحب الخالة الخلبة ... وقد برئت فما بالصدر من قلبه
الخالة المختالون واحدهم خائل مثل بائع وبائعة، أي كبرت وذهب حبهم عني، والخلبة الذين يخلبون النساء ويخدعونهن، وقد برئت أي بريء صدري من ودهم فلم يبق فيه شيء منه.
وقد تثلم أنيابي وأدركني ... قرن عليً شديد فاحش الغلبة
وقد رمى بسراه الدهر معتمداً ... في المنكبين وفي الساقين والرقبة
قرن يعني الهرم، والسرى جمع سروة وهي السهم ذو القطبة المدورة يرمى به بين الهدفين. وقال الشماخ:
لقومٍ تصاببت المعيشة بعدهم ... أعز عليّ من عفاء تغيرا
تصاببت جعلت آخذ منه قليلاً قليلاً كما يتصاب الإناء أي تؤخذ صبابته والصبابة البقية تبقى في الإناء، من عفاء يعني من شعر أبيض، والعفاء وبر البعير والحمار فضربه مثلاً لابيضاض شعره.
وقال أبو كبير:
فإذا دعاني الداعيان تأيدا ... وإذا أحاول شوكتي لم أبصر
تأيد تشدد، لأني لا أسمع صوتاً ضعيفاً، يقول قد ثقل سمعاً وإذا أراد إخراج شوكة دخلت في يده أو بعض جسده لم يبصرها لضعف بصره. وقال آخر وهو أبو خراش:
فقدت بني لبني فلما فقدتهم ... صبرت ولم أقطع عليهم أبا جلي
بنو لبني إخوته، أي لم أقتل نفسي ولم أجزع جزعاً قبيحاً، والأبجل عرق. وقال طفيل يذكر قوماً ماتوا:
مضوا سلفاً، قصد السبيل عليهم ... وصرف المنايا بالرجال يقلب
يريد أن طريقنا عليهم لا نستطيع أن نجوز عن ذلك.
وقال الحطيئة وذكر الكبر:
فمنها أن يقاد به بعير ... ذلول حين تهترش الضراء
أي لا يستطيع أن يركب بعيراً صعباً لضعفه، والضراء الكلاب لئلا ينفر إن اهترشت، وهذا توكيد لذل البعير.
وقال آخر: عامر بن جوين:
ماذا أرجي من الحياة إذا ... خلفت وسط الظعائن الأول
معتنزاً أطرد الكلاب عن ال ... ظل إذا ما دنون للجمل

يقال اعتنز الرجل إذا وقف ناحية، هذا رجل قد كبر فخلف مع النساء لأن الشبان ومن كانت به قوة يركبون إبلهم فيأتون المنزل بكراً ويأتي النساء والضعفاء بعد، وقوله أطرد الكلاب فذلك أن الكلب يأتي في الحر فيستتر بظل جمله فيطرده عنه لئلا ينفر به لأنه لا يملكه، معتنز متوكئ على عنزة وهي العكازة.
وقال آخر:
وركبت راحلةً الكبير ولم يكن ... يمشي الهميس مع المطي ركابي
راحلة الكبير العصا ويمكن أن يكون بعيراً ذلولاً. يقول لا أقدر أن أركب صعباً لضعفي. وقال آخر المخبل:
كما قال سعد اذ يقود به ابنه ... كبرت فجنبني الأرانب صعصعا
أي لا تنفج فينفر بعيري، يقول لست أقدر على ضبطه لضعفي وكبر سني. وقال آخر:
وطالت بي الأيام حتى كأنني ... من الكبر البادي بدت لي أرنب
أي انحنيت فكأني صائد يختل أرنباً فهو يتطامن له كيلا يراه.
ومثله لأبي الطمحان القيني:
وقد طالت بي الأيام حتى ... كأني خاتل يدنو لصيد
وقال الحطيئة يذكر الكبر:
ويأخذه الهداج إذا هداه ... وليد الحي في يده الرداء
الهداج مشى فيه مقاربة خطو وسرعة، وهداه تقدمه، الوليد الصبي يعني أنه تقدمه يقوده، في يده الرداء أي قد يحمل عنه رداءه لضعفه.
وقال آخر في هذا المعنى:
وقد جعلت إذا ما قمت يثقلني ... ثوبي فأنهض نهض الشارب السكر
وقال الحطيئة:
ويأمر بالركاب فلا تعشى ... إذا أمسوا وقد قرب العشاء
أي يقول لأهله لا تعشوها فإني أخاف أن يذهب بها في الليل لضعفه، ومثله قول النمر بن تولب:
وقولي إذا ما اطلقوا عن بعيرهم ... تلاقونه حتى يؤوب المنخل
أراد لا تلاقونه حتى - فأضمر لا - أي أقول لهم إذا أرسلوا بعيرهم: لا تقدرون عليه، أي يذهب أي أظن الناس كلهم مثلي لضعفي.
وقال آخر:
أتى الندي فلا يقرب مجلسي ... وأقود للشرف الرفيع حماري
أي لا أقدر أن أركب من الأرض لأني قد صرت شيخاً فأقود حماري إلى موضع مرتفع حتى أركبه.
وقال آخر:
يا ويح هذا الرأس كيف اهتزا ... وحيص موقاه وقاد العنزا
أي انحنى حتى صار كأنه يقود عنزا، حيص أي ضاق كأنه قد خيط، يقال حص شقاقاً في رجلك، واهتز تحرك، والحوص الخياطة، والموقان مقدما العين، وقاد العنز انحنى يتقاصر لعنز يقودها.
ومثله قول لبيد:
أخبر أخبار القرون التي مضت ... أدبّ كأني كلما قمت راكع
وقال العجاج:
جاري لا تستنكري عذيري ... وقدري ما ليس بالمقدور
وكثرة التحديث عن شقوري
عذيري حالي، وقدري يقول صرت من كبري أقدر ما لم أكن أقدر قبل اليوم، شقوري أموري وأخباري، ويقال أن الرجل إذا كبر كثر تحدثه عن الخالي من أمره، أبو عبيدة: شقوري عيوبي، قال بعض بني أسد: لأدقن شقورك، يعني العيب، لأدقن لأظهرن.
وقال زهير:
دقوا بينهم عطر منشم
أي أظهروه.
وحفظة أكنها ضميري ... والعصر قبل هذه العصور
مجرسات غرة الغرير ... بالزجر والريم على المزجور
الحفظة الغضب، أي صرت أغضب مما لم أكن أغضب منه مجرسات يقول والدهر جرست الغر منا أي أحكمته، والريم الفضل بين الشيئين. قال المخبل:
فأقع كما أقعى أبوك على استه ... يرى أن ريما فوقه لا يعادله
والريم العظم يفضل من الجزور عن السهم فلا يتقسم، يقول الذي يزجر فعليه الفضل أبداً لأنه يزجر عن أمر قد قصر فيه.
وقال العجاج:
إن الهوى والقدر الكرارا ... ألبسن من ثوب البلي نجارا
يقول ألبستني خلقة الكبير وهيئته، والنجار الخلقة واللون.
وقال الكميت:
لا تغبط المرء أن يقال له ... أمسى فلان لسنه حكما
إن سره طول عمره فلقد ... أضحى على الوجه طول ما سلما
أي لا تغبطه أن يقال هو حكم مجرب لطول عمره فإن ذلك كله نقصان من طول عمره وإن عمره وإن سره طول عمره فقد استبان على وجهه طول سلامته.
وقال النمر بن تولب في مثل هذا المعنى بعد أن ذكر الكبر وآفاته:
يود الفتى طول السلامة والغنى ... فكيف ترى طول السلامة يفعل
وقال حميد بن ثور في مثل ذلك:

أرى بصري قد رابني بعد صحة ... وحسبك داء أن تصح وتسلما
وقال الأصمعي في قول العجاج:
إما ترى دهراً حناني حفضا
أي ألقاني، يقال حفضت الشيء إذا ألقيته، ومنه قول أمية:
وحفضت النذور وأردفتهم ... فضول الله وانتهت القسوم
أي ألقيت. وقال ابن مقبل:
يا حرّ من يعتذر من أن يلم به ... ريب الزمان فإني غير معتذر
يقول من قال ضعفي من مرض أو غيره وليس من الكبر فإني غير معتذر من الكبر ولكني معترف.
راميت شيبي كلانا قائم حججا ... ستين ثم انتضلنا أقرب الفقر
الفقرة الامكان، يقال أفقرك الصيد أي امكنك، راميت شيبي مثل كأنه كان يراعيني وأنا أراعيه ستين سنة فلما جاوزتها أسننت فتمكن مني ورماني.
راميته هاهنا أي كان يرميني هو بالبياض وكنت أرميه بالخضاب والتغيير، ومثله قبله في خالي عمري من الأمراض فقد راميت أي دفعت عني بالدواء والعلاج.
أرمي النحور فأشويها وتثلمني ... ثلم الاناء فأغدو غير منتصر
النحور نحور الأهلة، يقال نحرت الشهر أي استقبلته بالعمل، أشويها أي أخطئ وتصيبني هي في الظهر والرأس.
في الظهر انحناء وفي الرأس شيب، حتى يستمر به أي يستشد به، والهجار حبل يشد في الرسغ ثم يشد إلى الحقب، وقصره أن لا يوسع للبعير فيه وهذا مثل لتقارب الخطو من الكبر، أراد بقوله به أي بي، كالفتر أي الفترة. وقال ابن أحمر:
لبست أبي حتى تمليت عمره ... وبليت أعمامي وبليت خاليا
أي تمتعت به حتى تمليت عمره أي عشت به ملاوة من الدهر، ويقال ملاوة.
وفي كل عام تدعوان أطبة ... إلى وما يجدون إلا الهواهيا
يعني صاحبيه وكان سقي بطنه، وما يغنون شيئاً، والهواهي ما ليس بشيء.
فإن تقصرا عني تكن لي حاجة ... وإن تبسطا لا تمنعاني قضائيا
يقول إن تكفا عني فلا تداوياني تكن لي حاجة في صدري من الدواء لأنني أظن شربي له نفعاً لي، وإن تبسطا علي فتداوياني لا تمنعاني مما قضى علي.
شربت الشكاعى والتددت ألدة ... وأقبلت أفواه العروق المكاويا
الشكاعي نبت يتداوى به، والتددت من اللدود وهو أن يخرج اللسان ثم يلد في أحد الشقين، وأقبلت أفواه العروق أي جعلتها قبالة المكاوي.
ولا علم لي ما نوطة مستكنة ... ولا أيما فارقت أسقى سقائيا
النوطة الورم، يقوم لا علم لي بهذا الورم المستكن في جوفي ولا أي البلاد التي وطنت وخالطت أوعى في الداء وقال:
رأيت المنايا طبقت كل مرصد ... يقدن قيادا أو يجردن حاديا
طبقت كل مرصد أي ملأت كل طريق، يقدن إلى هذه المراصد قيادا أو يجردن سائقاً، وهذا مثل، وقال:
بان الشباب وأفني ضعفك العمر ... لله درك أي العيش تنتظر
يقول عشت مثل عمرين - وكان بلغ تسعين - وقال:
أو هل ترين الدهر عرى مسه ... إلا على لمم يروح ويغتدي
يقول إن لم يهلك الدهر الإنسان فإنه يغدو عليه ويروح بالنقصان. وقال:
زعمت غنية أن اكثر لمتي ... شيبت، وهان بذاك ما لم تزدد
لما رأت غربا هجائن وسطها ... مرحت وجالت في الصراع إلا بعد
غربا جاوز القدر ومنه يقال: استغرب فلان في الضحك، هجائن بيض، يقول لما رأت بي شيباً كثيراً مرحت بشبابها ونشاطها وجالت في الصراح الأبعد. وقال الكميت:
والشيب فيه لأهل الرأي موعظة ... ومن عيوب الرجال الشيب والغزل
إذ هما اتفقا نصا قعودهما ... إلى التي غبها التوقيع والجزل
قعودهما الرجل، والتوقيع الدبر، يقال بعير موقع والجزل أن ينزع من الكاهل عظم فيبقى مكانه منخفضاً وذلك البعير أجزل. وقال أبو النجم يصف دهراً مضى:
كيف وإن عادت علينا نعمه ... بنصف قد رابه تقسمه
أي هذا لا يرجع إن رجعت النعم يعني قوته وسواد شعره.
والصبح والشيب غريماً....يكرمه ... ينصفه طوراً وطوراً يظلمه
يقول إذا خضبه رجع إلى سواده فذلك انصافه وإذا نصل الخضاب بدا وذلك ظلمه، وقال المرقش الأكبر:
ليس على طول الحياة ندم ... ومن وراء المرء ما يعلم

يقول لا أندم إن فارقتني طول الحياة ومت وأنا حديث السن إذا كان من وراء ذلك الهرم والضعف والشيب، والندم هاهنا بمعنى التلهف، الأصمعي: من وراء المرء ما يعلم - يقول من عمل شيئاً وجده - ووراء هاهنا أمام.
يأتي الشباب الأقورين ولا ... تغبط أخاك أن يقال حكم
الأقورين الدواهي، ومن هاهنا أخذ الكميت:
لا تغبط المرء أن يقال له ... أمسى فلان لسنه حكما
وقال المرقش:
رأت أقحوان الشيب فوق خطيطة ... إذا مطرت لم يستكن صؤابها
الخطيطة الأرض لم تمطر بين أرضين ممطورتين، شبه رأسه بها لصلعته لأن الخطيطة يقل نبتها ويذوي، والصوائب القمل، يقول لا شعر هناك فيستكن فيه. وأنشد أبو عبيدة لأبي محمد الفقعسي:
رأين شيخاً ذرئت مجاليه ... يقلى الغواني والغواني تقليه
ذرئت شمطت، مجاليه مقدم شعره، يقال غشيته ذرأة - إذا شمط موضع جلحه، ومنه ملح ذرآني. وأنشد الأصمعي لأبي نخيلة:
وقد علتني ذرأة بادي بدي ... ورثية تنهض في تشددي
وقال النمر بن تولب:
لعمري لقد أنكرت نفسي ورابني ... مع الشيب أبدالي التي أتبدل
رابني تبدلي الضعف بالقوة ونحو ذلك.
فضول أراها في أديمي بعدما ... يكون كفاف اللحم أو هو أجمل
كأن محطا في يدي حارثية ... صناع علت مني به الجلد من عل
المحط خشبة تصقل بها الجلود، يقول كان جلدي في الشباب كأنه قد صقل، وإنما ذكر بني الحارث لأنهم بنجران وهم أصحاب أدم والصناع الحاذقة. وقال العجاج:
فإن يكن أمسى البلى تيقري ... والمرء قد يصير للتيير
مقررا بغير لا تقرير
تيقوري أي الأمر الذي وقرت به وهو فيعول من الوقار والتاء فيه مبدلة من واو أصله ويقور، والبلى هاهنا الكبر، يقول صيرني الكبر إلى الوقار، والمرء قد يرجع للمرجع أي للكبر، قد قرر بالرضا بالهرم، وليس ذاك مما يقرر به الناس.
بعد شباب عبعب التصوير
عبعب ضخم. وقال:
إما تريني أصل القعادا ... واتقي أن أنهض الأرعادا
من أن تبدلت بآدي آدا
القعاد جمع قاعد من النساء وهي التي قعدت عن الحيض والولد، يقول صرت شيخاً لا أزور الشواب من أجل أن تبدلت، والآد والأيد سواء وهما القوة. وقال طرفة:
ولقد بدالي أنه سيغولني ... ما غال عادا والقرون فأشبعوا
أي ذهبوا إلى شعوب وهي المنية ودخلوا فيها، يقال أشمل القوم دخلوا في ريح الشمال وكذلك الجنوب والصبا والدبور وأربعوا دخلوا في الربيع وكذلك أشتوا وأصافوا واخرفوا، فإن أردت أنهم أقاموا في هذه الأزمنة في موضع قلت فعلوا وكذلك إن أردت أن الرياح أصابتهم قلت فعلوا.
وقال الأعشى:
فإن يمسي عندي الشيب والهم والعشا ... فقد بنّ مني والسلام تفلق
بأشجع أخاذ على الدهر حكمه ... فمن أي ما تجني الحوادث أفرق
أي ذهبن برجل أخاذ أشجع يعني نفسه ويقال أراد الشباب، فمن أي شيء تجنبه الحوادث بعد هذه الثلاث أفرق.
وقال المرار الفقعسي:
لما رأى الشيب قد هاجت نصيته ... بعد الحلاوة حتى أخلس الشعر
تيمم القصد من أولى أواخره ... سير المنحب لما أغلي الخطر
النصى نبت، هاج اصفر ويبس، شبه شعره بذلك، بعد الحلاوة أراد سواده، يقول سار فيه الشيب وشاع كسرعة هذا المنحب الذي أغلى الخطر فهو أسرع ما يكون. وقال النابغة الجعدي:
ما كان أغنى عن أبي دهم مزنمة ... حمر الخدود وقينة بكر
وأبح جندي وثاقبة ... سبك كثاقبة من الجمر
وجديد حر الوجه حودث بال ... مثقال خبء خوالد الدهر
أبح جندي يعني درهما من ضرب أجناد الشأم، ثاقبة مضيئة سبك يعني سبائك الذهب جمع سبيكة، وخوالد الدهر الأيام.
وقال وذكر قوماً موتوا:
أنشد الناس ولا أنشدهم ... إنما ينشد من كان أضل
أي أبغي الناس ولا أبغيهم أقول أين فلان وفلان؟ فأما هؤلاء فقد حضرت هلكهم: وروى عن أبي عبيدة: انشد الناس ولا أنشدهم أي لا أخبر عنهم: وقال عدي بن زيد وذكر صباه:

شبابي فأضحى للشباب حفيظة ... لمن كان عن طول الغواية نازعا
فلله ما قد كان بعد ذهابه ... وبعد قناع الشيب ما ليس نافعا
يقول فعلت ذلك في شبابي فأضحى للشباب غضب على من نزع عن الجهل، فلله ما قد مضى بعد مضيه وبعد مجيء الشيب ما كان أعجبه!!.؟ وقال أبو ذؤيب:
وقد أرسلوا فراطهم فتأثلوا ... قلبياً سفاهاً كالأماء القواعد
مطأطأة لم ينبطوها وإنها ... لترضى بها فراطها أم واحد
فراطهم الذين سبقوا إلى القبر: تأثلوا اتخذوا قبراً، والسفا التراب وأنث سفاها أراد حفرة كأن ترابها إماء قواعد لأن الأمة تقعد مستوفذة للعمل، والحرة تربع وتطمئن، يقال: بل أراد بالقواعد جمع قاعد وهي الطاعنة في السن، مطأطأة يعني الحفرة، لم ينبطوها لم يستخرجوا ماءها لأنها قبر وإن حافريها يرضون أن تكون أماً لواحد.
يقولون لما جشت البئر أوردوا ... وليس بها أدنى ذفاف لوارد
جشت أخرج ما فيها من التراب، والذفاف الماء القليل، يقول ليس هي بمكان يستقي منه الماء إنما هي قبر.
فكنت ذنوب البئر لما تبسلت ... وسربلت أكفاني ووسدت ساعدي
الذنوب الدلو، أي كنت كالدلو لما دليت ودفنت، وتبسلت كره منظرها. وقال ساعدة بن جؤية:
إذا ما زار مجنأة عليها ... ثقال الصخر والخشب القطيل
مجنأة يعني قبراً مسنماً، والقطيل المقطوع.
وقال صخر الغي:
لعمرك والمنايا غالبات ... ولا ينهي طوارقها الحماما
الطوارق هم الطراق بالحصى الذين يتكهنون، أي لا يدفعون ما حم أي ما قدر. وقال يذكر ابنه ويرثيه:
لعلك ميت إما غلام ... تبوأ من شمصير مقاما
يقول لنفسه أي لعلك ميت إن غلام مات فتنبوأ قبراً بشمنصير المعنى أتموت إن كان غلام قد مات، وما في قوله إما صلة.
وقال البريق يرثي رجلاً رأى قبره:
فرفعت المصادر مستقيماً ... فلا عيناً وجدت ولا ضمارا
المصادر مواضع معروفة، يقول رفعت فيها فلم أره بعينه لم أجد من يخبر بغيبته، وإذا كان الشيء غائباً ليس بقائم بعينه فهو ضمار، ويقال هو في ضميري أي فيما غيبت.
أودع صاحبي بالغيب إني ... أراني لا أحس له حوارا
يقول وداعي له أن أدعو لقبره بالسقيا. وقال آخر:
وإنما الناس فاسعوا لا أبالكم ... أكائل الطير أو حشو لآرام
يقول إما مقتول لا يدفن فتأكله الطير أو مدفون، وكان الرجل إذا مات بنى على قبره مثل العلم، وواحد الآرام أرم، والأكولة شاة اللحم التي تؤكل. وقال آخر:
فإنك والتأبين عروة بعد ما ... دعاك وأيدينا إليه شوارع
كالرجل الحادي وقد تلع الضحى ... وطير المطايا فوقهن أواقع
يعني الغربان تقع على المتقدمات.
فوليت عنه يرتمي بك سابح ... وقد واجهت أذنيه منك الأخادع
التأبين الثناء على الميت، يقول حدا بالإبل وقد تباعد عنها فوقع الحداء في غير موضعه فكذلك أنت وضعت التأبين في غير موضعه.
وقال أبو الطمحان القيني:
فإني رأيت الدهر إن تكر لا ينم ... وإن أنت تغفل تلقه غير غافل
دنت حفظتي وخصف الشيب لمتي ... وخليت بالي للأمور الأثاقل
دنت حفظتي أي امتعضت من الذل والضيم، وقوله: خليت بالي للأمور الأثاقل - أي تركت الصبا للأمور العظام من احتمال جريرة ودفع ضيم عن قومي ووفادة إلى ملك.
وقال آخر:
إني إذا شاركني في جسمي ... من ينتقي مخي ويبري عظمي
لم أطلب الذئب بثأر البهم
يعني الكبر، ويقال: الحمى. وقال الفرزدق:
وما من فراق غير حيث ركابنا ... على القبر محبوس علينا قيامها
يقول لا نتفرق بعد هذا المكان الذي نحن فيه وركابنا محبوس علينا قيامها، يعني ركاب أصحابه الذين شهدوا دفنه، يقول فليس بعد هذا الفراق غيره لأنا لا نجتمع.
وقال أوس بن حجر يرثي:
على الأروع الصقب لو أنه ... يقوم على ذروة الصاقب
لأصبح رتما دقاق الحصى ... كظهر النبي من الكاثب

الصاقب اسم جبل بعينه وليس يريد أنه يصير فوقه وإنما هو مثل قولك فلان يقوم بأمر فلان وينهض فيه، يقول لو تحامل على هذا الجبل لأصبح الجبل دونه دقاقاً كظهر النبي وهو رمل بعينه، من الكاثب نسبه كما تقول كظهر المربد من البصرة.
وقالت أم تأبط شراً تبكي على ابنها تأبط: وا ابناه وا ابن الليل، ليس بزميل، شروب للقيل، يضرب بالذيل، كمقرب الخيل، وا ابناه ليس بعلفوف، تلفه هوف، حشي من صوف.
قولها: وا ابن الليل تريد أنه صاحب غارات، والزميل الضعيف، والقيل شرب نصف النهار، تقول ليس هو بمهياف يحتاج إلى هذه الشربة، يضرب بالذيل، تقول إذا عدا صفق برجليه في إزاره من شدة عدوه، والهوف الريح الحارة، يقال هيف وهوف، وقولها: حشي من صوف، تقول ليس هو بخوار أجوف، والمعلوف الجافي المسن فتضمه الريح فلا يغزو ولا يركب.

أبيات المعاني في الآداب
قال أبو خراش الهذلي:
أرد شجاع البطن قد تعلمينه ... وأوثر غيري من عيالك بالطعم
وأغتبق الماء القراح فأنتهي ... إذا الزاد أمسى للمزلج ذا طعم
يقال للجوع: في جوفي شجاع يتلمظ وهو مثل.
وقال أعشى باهلة:
لا يغمز الساق من أين ومن وصب ... ولا يعض على شر سوفه الصفر
وهي حية تكون في بطون الناس والمواشي تشتد على الإنسان إذا جاع وتعذبه، والطعم الطعام والطعم الشهوة، والمزلج الضعيف من الرجال الذي ليس بكثيف، أغتبق أشرب ليلاً، وأنتهي أي تنتهي نفسي. وقال آخر:
أقسم جسمي في جسوم كثيرة ... وأحسو قراح الماء والماء بارد
أي أقسم قوتي وأطعمه غيري وأجتزئ أنا بالماء البارد في الشتاء والبرد. وقال النمر بن تولب:
أزمان لم تأخذ إلي سلاحها ... إيلي بجلتها ولا أبكارها
أي لم تمتنع من أن أعقرها، بجلتها إن حسنت وهي البكار، والأبكار الصغار، أي أعقرها للأضياف ولا يمنعني من ذلك حسنها فجعل حسنها سلاحاً لها تمتنع به من النحر لأنه ينفس بها ويضن إذا كانت كذلك، وقد جاء مثل هذا الشعر كثيراً فاقتصرنا على هذا البيت منه. وقال مرة بن محكان وذكر الأضياف:
فقلت لما غدوا أوصي قعيدتنا ... غدي بنيك فلن تلقيهم حقبا
أدعي أباهم ولم اقرف بأمهم ... وقد هجعت ولم أعرف لهم نسبا
يقول هو أبو الأضياف. وقال أبو العيال:
أبو الأضياف والأيتا ... م ساعة لا يعد أب
وقال بعض الرجاز:
يا أيها الفصيل المعنى ... إنك ريان فصمت عني
تكفي اللقوح أكلة من ثن
صمت عني اسكت عني، ويقال صمت عني أي سكت عني ضيفي، يقول إذا صرفت اللبن عنك وسقيتهم سكتوا عني، إنك ريان أي إنك ستروي، تكفي اللقوح أي أمك، أكلة من ثن وهو نبات فيرجع هذا اللبن الذي أسقيته ضيفي فيها فتشرب فتروى فدعني أوثر بهذا اللبن غيرك. وقال الحطيئة يمدح قوما:
قروا جارك العيمان لما جفوته ... وقلص عن برد الشراب مشافره
سناماً ومحضاً أنبتا اللحم فاكتست ... عظام امرئ ما كان يشبع طائره
العيمان الذي يعام إلى اللبن أي يشتهيه مثل القرم إلى اللحم، والعيمان العطشان، وقلص عن برد الشراب أي عن برد الماء فلم يقدر على شربه لشهوته اللبن. ومثله له:
وهم سقوني المحض إذ ... قلصت عن الماء المشافر
ما كان يشبع طائره، يقول لو وقع عليه طائر وهو ميت لما شبع منه من قلة لحمه وشدة هزاله، أبو عمرو الشيباني: وصفه بالفقر يقول ما كان عنده ما يطعم طائره من سوء الحال.
وقال الشماخ:
أعائش ما لأهلك لا أراهم ... يضيعون الهجان مع المضيع
وكيف يضيع صاحب مدفآت ... على أثباجهن من الصقيع
قيل إنها لامته على امساكه فقال لها: ما لأهلك لا أراهم يضيعون أموالهم وكيف تأمريني بشيء لا يفعله أهلك، والدليل على ذلك قوله:
لمال المرء يصلحه فيغني ... مفاقره أعف من القنوع

يقول: وكيف أضيع إبلاً في هذه الصفة، والقنوع السؤال من قول الله تبارك وتعالى: " وأطعموا القانع والمعتر " والقناعة الرضا، ولم نسمع بامرأة عاتبت على إفساد المال غير هذه، وإنما توصف العواذل بالحث على الجمع والمنع، والمدفآت الإبل الكثيرة الأوبار والشحوم فقد أدفئن بهما من الصقيع، ويروى مدفئات، أي كثيرة تدفئ بعضها بعضاً بأنفاسها، ويقال إنه أراد، ما لأهلك يضيعون الهجان وأدخل لا حشواً كما تدخل في كثير من الأشياء كأنه لامهم على السرف والتبذير، ويدل على هذا قوله:
ولكني ألي تركات قوم ... بقيت وغادروني كالخليع
يقول لا أفعل فعلهم ولكني إلى من الولاية تركات قوم أي أقوام بحسبهم وشرفهم فلا أسأل الناس ولا أتعرض لما أشين به قومي يقول: إذا أصلحت مالي وثمرته كان أصون لي من تبذيره مع المسألة، والخليع الذي خلعه قومه وتبرأوا منه، يقول ماتوا فصرت فرداً كالخليع.
وقال الراعي:
هلا سألت هداك الله ما حسبي ... إذا رعائي راحت قبل حطابي
ذلك إذا اشتد البرد فراح الراعي بإبله قبل الحطاب لأن الأرض ليس فيها كثير مرعى وتحتبس الحطاب يجمعون الحطب لشدة البرد يريد أنه في الوقت يضيف ويقرى. وقال آخر:
ألا بكرت عرسي علي تلومني ... وفي يدها كسر أبح رذوم
الكسر العظم الذي لم يكسر، والأبح السمين: والرذوم القطور، الأصمعي: كأنه نحر بعيراً فأتته امرأته فقالت: مثل هذا ينحر؟ فلامته وعتبت عليه، وفيه قول آخر: أراد أنها في خصب وسعة وهي تلوم ولا تقنع وتستبطئ وتزعم أنها ضيقة العيش، يقول كيف تضيق وفي يدها عظم يقطر من الدسم.
وقال آخر:
بلى إن الزمان له صروف ... وكل من معاركة السنين
فيسمن ذو العريكة بعد هزل ... وتعتر الهزيلة بالسمين
العريكة يقال ناقة عروك إذا لم يكن في سنامها إلا شيء يسير، وتعتر الهزيلة أي تأتي والهزيلة الهزال تعتريه أي تأتيه، والمعنى إن صروف الدهر تقلب فيسمن المهزول ويهزل السمين، والهزال من الشحم والهزل من الجدب والموت.
وقال عروة بن الورد:
أقيموا بني لبني صدور ركابكم ... فأي منايا الناس شر من الهزل
وقال:
أمن حذر الهزال نكحت عبداً ... وصهر العبد أقرب للهزال
وقال آخر يمدح قوماً:
ترى فصلانهم في الورد هزلي ... وتسمن في المقاري والحبال
الورد حيث ترد الماء يقول إذا وردت الماء سقوا ألبانها الناس وتركوا فضالها فتهزل وإن جاء سائل فقرنوا له لم يقرنوا إلا سميناً. وقال آخر:
ولا يتقاضى القوم جاري هديتي ... بأعينهم في البيت من خلل الستر
أي لا تمتد أعينهم إلى ما أبعث إلى جاري الأدنى لأني أوسعهم كلهم من قرب مني ومن بعد فلا يحتاج البعيد إلى القريب.
وقال لبيد:
أعاذل قومي فاعذلي الآن أو ذري ... فلست وإن أقصرت عني بمقصر
أي لست وإن لمتني حتى تقصري عني بمقصر عما أصنع فإن شئت فلومي وإن شئت فدعي. وقال آخر:
فإن أقل يا ظمى حلا حلا ... تغضب وتعقد حبلها المنحلا
أي وكأنها تؤكد ما تصنع ولا تعتب، حلا أي تحللي واستثني.
وقال آخر:
من المهديات الماء بالماء بعد ما ... رمىى بالمقاري كل قار ومعتم
هذه امرأة سخية تهدي المرق وتصب عليه الماء ليكثر وتهديه والمقاري الجفان، معتم بطيء بالقرى، يقول تقري إذا اشتد الزمان وترك القرى من يقري. ومثله:
تمد لهم بالماء من غير هونهم ... ولكن إذا ما قل شيء يوسع
وقال مسكين الدارمي:
أصبحت: عاذلتي معتلة ... قرمت بل هي وحمى للصخب
أصبحت تتفل في شحم الذرى ... وتعد اللوم درا ينتهب
تعوذ إبلي وتكبر قدرها عندي لئلا أهبها وتعد اللوم من حرصها عليه كالدر الذي ينتهب.
وقال رجل من عكل: ولا يتحشى أي يباليه من حاشي فلان، أعرضت به جعلته في عرضها والمرباع التي تنتج في أول الربيع، يقول ينحرها ولا يمنعها منه ولدها فيدعها له فتغذوه. وقال الكميت:
فأي عمارة كالحي بكر ... إذا اللزبات لقبت السنينا
أي إذا كان الجدب قيل سنة جدباء، وسنة جدبة، والضبع، وسنة جماد، وعام الرمادة. وقال ابن أحمر:

أصم دعاء عاذلتي تحجى ... بآخرنا وتنسى أولينا
يقول وافق دعاؤها صمّا - يقال أتيناه فأبخلناه - فدعا عليها بهذا، وقوله تحجي يقول تلزم ذلك، وفعلت منه حجوت.
وقال العجاج:
فهن يعكفن به إذا حجا
وقال النابغة:
هلا سألت بني ذبيان ما حسبي ... إذا الدخان تغشى الأشمط البرما
البرم الذي لا يدخل مع القوم في الميسر، وإنما خص الأشمط لأنه قد كبر وضعف فهو يأتي مواضع اللحم.
وقال الأعشى:
وإني لا يشتكيني الألوك ... إذا كان صوب السحاب الضريبا
الألوك الرسالة، معناه لا أرد صاحبها بغير شيء فيشكوني في هذا الوقت البارد الجديب. ومثله للبيد:
وغلام أرسلته أمه ... بألوك فبذلنا ما سأل
أو نهته فأتاه رزقه ... فاشتوى ليلة ريح واجتمل
اجتمل من الجميل وهو الودك أي لم ترسله فارسلنا إليه ابتداء من غير سؤال. وقال ابن مقبل:
الم تعلمي أن لا يذم فجاءتي ... دخيلي إذا اغبر العضاه المجلح
فجاءته اتيانه ولم يستعد لذلك. والمجلح الذي أكلته الإبل حتى ذهبت بغضونه فبقي كالرأس الأجلح.
وقال ابن أحمر وذكر سنة جدب:
وراحت الشول ولم يحبها ... فحل ولم يعتس فيها مدر
أي ذهل الفحل عن الشول وأهمته نفسه من شدة الزمان، ويقال هو يحبو ما حوله أي يحميه ويمنعه، ولم يعتس فيها مدر، أي لم يسع ذو عس لأنه لا ألبان لها. وقال:
ويوم قتام مز مهر وهبوة ... جلوت بمرباع تزين المتاليا
أي ذهبت بغبرة البؤس فيه بما نحرت، والمرباع التي نتجت في أول الربيع، والمتالي جمع متلية. وقال خداش بن زهير:
ومطوية طي القليب حبستها ... لذي حاجة لم أعي أين مصادره
يعني نوقا شبه صلابتها بطي البئر، حبستها على الأضياف، ويقال أراد الأذن، ومثله:
ومطية طي القليب رفعتها ... لمستنبح بعد الهدو طروق
يعني أذنه يرفع سمعه ليسمع صوت مستنبح فيضيفه.
وقال الأخطل:
ومحبوسة في الحي ضامنة القرى ... إذا الليل وافاها بأشعث ساغب
يعني إبلاً. وقال المرار:
ولا يتقيني الشول بالفحل دونها ... ولا يأخذ الأرماح لي ما أطارد
أي لا يستتر الشول بالفحل دونها فإذا نظرت إليه امتنعت من عقرها، ولا يأخذ الأرماح لي ما أطارد من الإبل، وأرماحها حسنها وسمنها لأنها تمتنع من صاحبها بذلك إذا نظر إليه نفس بها.
ومثله:
لا أخون الخليل ما حفظ العه ... د ولا تأخذ الرماح لقاحي
وقال الكميت:
إذا اللقاح غدت ملقى أصرتها ... ولم تند عصوب كف معتصب
يلقي أصرتها لأنها لا ألبان لها والعصوب التي لا تدر حتى تعصب.
وجالت الريح من تلقاء مغربها ... وضن من قدره ذو القدر بالعقب
العقبة شيء كان يرده مستعير القدر من المرق في القدر وهو العافي وأنشد لمضرس الأسدي:
إذا رد عافي القدر من يستعيرها
وكهكه المدلج المقرور في يده ... واستدفأ الكلب بالمأسور ذي الذئب
أي نفخ في يده من البرد، والمأسور الغبيط وكل شيء عطفته وحنيته فهو مأسور، والذئبة فرجة بين عودى القتب والغبيط.
وقال يذكر سنة جدب:
وكان السوف للفتيات قوتا ... يعشن به وهنئت الرقوب
السوف التسويف، والرقوب التي لا يبقى لها ولد، هنئت أي يقال هنيئاً لفلانة ليس لها ولد فيحتاج إلى غذاء.
وصار وقودهم للحي أمّاً ... وهان على المخبأة الشحوب
يقول اجتمعوا حول النار فكأنها أم لهم، والمخبأة يهون عليها إن تبدو فيتغير لونها. وقال يمدح:
فأي امرئ أنت أي امري ... إذا الزجر لم يستدر الزجورا
ولم يعط بالعصب منها العصو ... ب إلا النهيت وإلا الطحيرا
العصوب التي لا تدر حتى تعصب فخذاها، والنهيت صياح ورغاء، والطحير أن تضرب برجلها، والزجور التي لا تدر حتى تزجر، وهذا في شدة الزمان.
يضج رواغي أقرانهم ... لهلاكها ويكيس العقيرا
يقول يعطي الإبل في هذا الوقت فتشد في الأقران وهي الحبال فترغو وتضج، والكوس أن يعرقب البعير فيمشي على عرقوبيه.
ومثله قول الآخر الأعور النبهاني:

ولم ينبح الكلب العقور ولم يخف ... على الحاطبين الأسود المتقوب
الأسود الحية، والمتقوب السالخ، وذلك أنه في شدة البرد لا يظهر. وقال أيضاً في مثل ذلك:
وأسكت رز الفحل واسترعفت به ... حراجيج لم تلقح كشافا سلوبها
رزه صوته انقطع من شدة البرد، واسترعفت تقدمت، والكشاف أن تلقح في دمها بعد الولد، والسلوب التي سلبت ولدها. وقوله:
إذا ما المراضيع الخماص تأوهت ... ولم يند من أنواء كحل جبوبها
كحل سنة مجدبة، والجبوب وجه الأرض. وقال يمدح:
وأنت ربيعها في كل محل ... إذا المهداة قيل لها العفير
المهداة التي تهدي، والعفير التي لا تهدي من الجدب لأنه لا شيء لها. وقال يمدح:
وأنتم غيوث الناس في كل شتوة ... إذا بلغ المحل الفطيم المعفرا
المعفر الذي تريد أمه فطامه فهي تعلله بالشيء ليستغني به عن اللبن، ومنه قول لبيد:
لمعفر قهد تنازع شلوه ... غبس كواسب ما يمن طعامها
وقال الكميت يذكر سنة جدب:
وكان لبيت القشعة الهدم والصبا ... أحاديث منها عاليات الأراود
القشعة بيت من أدم، والهدم الخلق، والصبا الريح، والأرواد من رويداً أي قليلاً، يقول فأضعفها شديد. وقال يذكر سنة جدب:
بعام يقول له المؤلفو ... ن هذا المعيم لنا المرجل
المؤلف الذي ألف بعير، والمعيم الذي يذهب بابلنا وبدرها ويعيمنا، والعائم إلى اللبن مثل القرم إلى اللحم، والمرجل الذي أرجلهم.
وكان سواءً لدى الناتجين ... تمام الحوارين والمعجل
أي ليس للأمهات لبن فالتمام يموت أيضاً، قال أبو عمرو: وهمنا حواران أحدهما تمام والآخر معجل.
وقال يذكر الفحل في سنة الجدب:
هدماً للكنيف يلقي لدى المب ... رك لا يتبع الصريف الهديرا
هدما أي هو محب لكنفيه لا يشتهي مفارقته، يقال ناقة هدمة إذا كانت تحب الفحل.
والرؤوم الرفود منهن بالأم ... س علوقاً لسقبها أو زجورا
الرؤوم العطوف على ولدها، والرفود التي تملأ رفدين في حلبة أي قدحين، والعلوق التي ترأم وتمنع درها، والزجور التي لا تدر حتى تزجر، يقول: صارت الرؤوم الرفود لشدة الضر وشدة الزمان علوقاً وزجورا. وقال:
فأي عمارة كالحي بكر إذا اللزبات ... لقبت السنين بكحل وأشباه ذلك.
أكر غداة إبساس ونقر ... وأكشف للأصائل إذ عرينا
الإبساس والنقر تسكين الدابة، والأصائل العشيات، عرين بردن، يقال ليلة عرية ويوم عري أي بارد، أي يكشفونها بالإطعام، وقوله:
وبات وليد الحي طيان ساغباً ... وكاعبهم ذات الغفارة أسغب
الغفارة شعر الصدغ وما يليه. وقال الخرشب:
وإن وراء الخدر غزلان أيكة ... مضمخة أردانها والغفائر
ويروى: العفاوة، وهو ما يرفع للإنسان من المرق، ويروى القفاوة، من القفى وهو ما خص به الإنسان. ومنه قول سلامة:
ليس بأقنى ولا أسفي ولا سغل ... يسقي دواء قفي السكن مربوب
وقال ذو الرمة:
الأرب ضيف ليس بالضيف لم يكن ... لينزل إلا بامرئ غير زمل
يريد الهم.
أتاني بلا شخص وقد نام صاحبي ... فبت بليل الآرق المتململ
وقول الفرزدق:
وقوم أبوهم غالب أنا ما لهم ... وعام تمشي بالقراع أرامله
القراع الجرب واحدتها قرعة والجمة قرع، يقول تمشي الأرامل بالجرب تتصدق. وقال سويد بن أبي كاهل:
وأتاني صاحب ذو غيث ... زفيان عند انفاد القرع
ذو غيث أصله في البئر يقال: بئر ذات غيث إذا كان لها مادة، زفيان خفيف. وقال الراعي:
إني تأليت لا ينفك ما بقيت ... منها عواسر في الأقران أو عجل
أي لا أزال أعطي منها مخاضاً تعسر بأذنابها في الحبال أو عجلاً وهي الثكل، وذلك أن لها لبناً فهي أنفس من غيرها.
وقال آخر:
يكبون العشار لمن أتاهم ... إذا لم تسكت المائة الوليدا
العشار جمع العشراء من الإبل. يقول ينحرون في الجدب إذا لم يكن في مائة من الإبل ما يعلل به صبي إذا بكى ليسكت.
وقال آخر:
إذا النفساء لم تخرس ببكرها ... غلاماً ولم يسكت بحنز فطيمها

الحنز الشيء القليل. وقال آخر وذكر الضيف والجزور:
فإن يك غثاً أو سميناً فإنني ... سأجعل عينيه لنفسه مقنعا
يقول أذبح بين يديه الجزور وأتخذ له الطعام بحضرته ولا أغيب ذلك عنه غثاً كان أو سميناً لئلا يظن أني قد استأثرت بأطايب الجزور.
وقال الفرزدق وذكر برداً وجدباً:
وهتكت الأطناب كل عظيمة ... لها تامك من صادق الني أعرف
تامك سنام، أعرف طويل العرف، يقول إذا أصابها البرد دخلت في الخباء فتقطع الأطناب.
وقال ابن مقبل وذكر سنة جدب وبرداً:
يظل الحصان الورد منها مجللا ... لدى الستر يغشاه المصك الصمحمح
يقول يغشى الفرس البيت من شدة البرد، وأراد يظل الحصان الورد المصك الصمحمح مجللا من شدة البرد.
وقال الفرزدق يصف ناقة نحرها للأضياف:
شققنا عن الأفلاذ بالسيف بطنها ... ولما تجلد وهي يحبو بقيرها
يريد شققنا بطنها، وبقيرها ولدها الذي بقر بطنها عنه يحبو، ولما تجلد تسلخ، يقول لم ينزع جلدها بعد.
وقال الأخطل يصف ضيفاً نزل به، فأمر أن يذبح له:
فقال ألا لا تجشموها وإنما ... تنحنح دون المكرعات لتجشما
المكرعات من الإبل ما لبس الدخان رؤوسها وكواهلها.
وقال أوس بن حجر وذكر برداً:
وشبه الهيدب العبام من ال ... أبرام سقبا مجللا فرعا
الهيدب مثل العبام وهو الثقيل الغبي، والأبرام الذين لا ييسرون والفرع أول ولد تلده الناقة وكانوا يذبحون ذلك لآلهتهم يقول فهذا قد لبس جلد الفرع من شدة البرد فكأنه فرع. وقال:
وذات هدم عار نواشرها ... تصمت بالماء تولبا جدعا
النواشر عصب الذراع الواحد ناشرة وبها سمي الرجل، والتولب أراد طفلها وهو ولد الحمار مستعار، والجدع السي الغذاء، تصمته بالماء لأنه ليس لها لبن من شدة الضر. وقال طرفة:
ألقوا إليك بكل أرملة ... شعثاء تحمل منقع البرم
الأصمعي: منقع البرم، أبو عمرو وابن الأعرابي: منقع البرم، البرم جمع برمة وهي برام صغار تحملها المرأة تنقع فيها أنكاث الأخبية وهو ما نقض منها فإذا نزلوا واستقروا حكن ذلك الغزل واتخذت الأخبية. وقال لبيد:
تأوي إلى الأطناب كل رذية ... مثل البلية قالص أهدامها
أهدامها خلقان ثيابها، والبلية الناقة تعقل عند قبر صاحبها فلا تعلف ولا تسقى حتى تموت. رذية امرأة مهزولة. وقال طرفة:
رأيت بني غبراء لا ينكرونني ... ولأهل هذاك الطراف الممدد
يعني المحاويج، وغبراء السنة المجدبة. وقال الحارث بن حلزة:
أم علينا جرى حنفية أو ما ... جمعت من محارب غبراء
بنوا غبراء صعاليك سموا بذلك لأنهم خلط من كل ضرب.
وقال طرفة يذكر ناقة عقرها لبعض الحي:
يقول وقد تر الوظيف وساقها ... ألست ترى أن قد اتيت بمؤيد
وقال ألا ماذا ترون بشارب ... شديد علينا بغيه متعمد
فقالوا ذروه إنما نفعها له ... وإلا تردوا قاصي البرك يزدد
تر انقطع وأتررته قطعته، مؤيد داهية، أي مثلها لا يعقر.
وقال: ألا ماذا ترون بشارب، هذا قول صاحب الناقة والشارب طرفة، فقالوا: ذروه أي ذروا طرفة، فإنما نفعها له أي لصاحب الناقة لأن طرفة سيخلف عليه ويزيده، وإلا تردوا الإبل عليه وتمكنوه منها فإنه سيعقر أخرى، وقاصي البرك آخر الإبل.
وقالت أخت عمرو ذي الكلب الهذلية:
وليلة يصطلي بالفرث جازرها ... يختص بالنقرى المثرين داعيها
تقول من شدة الزمان والبرد يدخل يده في الكرش لتدفأ، والنقرى أن يدعو رجلاً من هاهنا ورجلاً من هاهنا، والجفلي والأجفلي أن يعم. وقال المتنخل:
فلا وأبيك نادى الحي ضيفي ... هدواً بالمساءة والعلاط
سأبدؤهم بمشمعة وأثني ... بجهدي من طعام أو بساط
نادى أي لا ينادي والعلاط سمة في العنق، يقال علطه بشر إذا وسمه ولطخه به، ومشمعة مزاح ومضاحكة، يقال قد شمع وما جدّ.
وأكسو الحلة الشوكاء خدني ... وبعض القوم في حزن وراط
الشوكاء الخشنة من الجدة لم يذهب زئبرها، والحزن جمع حزنة وهو ما غلظ من الأرض، والوراط جمع ورطة وهو أن يقع في موضع لا يقدر أن يخرج منه. وقال مزرد:

إذا مس خرشاء الثمالة أنفه ... ثنى مشفريه للصريح فأقنعا
الخرشاء جلد الحية شبه به الرغوة، وذكر ضيفاً أي هو حاذق بالشرب إذا خشنت عليه الرغوة ثنى مشفريه للصريح، فأقنع رفع رأسه. وقال جبيهاء يهجو ضيفاً:
فأقنع كفيه وأجنح صدره ... بجرع كأثباج الزباب الزنابر
أقنع رفع، وأجنح أمال وأثباج أوساط، والزباب فأر القف، والزنابر العظام الواحد زنبور، وقال أوس:
نحل الديار وراء الديا ... ر ثم نجعجع فيها الجزر
يقول نحن من عزنا وكثرتنا ننزل حياً وراء حي، نجعجع أي نحبسها حتى تنحر، وكل محبس جعجاع، ومنه قول أبي قيس ابن الأسلت:
من يذق الحرب يذق طعمها ... مراً وتتركه بجعجاع
أي تدعه في ضيق. ومثل هذا:
لففنا البيوت بالبيوت
وقال الكميت:
واحتل برك الشتاء منزله ... وبات شيخ العيال يصطلب
أي يجمع العظام فيطبخها بالماء ليخرج ما فيها من الودك، ومنه سمي المصلوب لأنه يسيل ودكه، وقول الفرزدق:
وكان حياً للممحلين وعصمةً ... إذا السنة الشهباء حل حرامها
أي يأكلون فيها الميتة والدم. وقال أوس:
فأحللتم الشرب الذي كان آمناً ... محلاً وخيماً عوذه لا تحلب
العوذ الحديثات النتاج، يريد أن الموضع وخيم لا يصلح المال فإذا لم يكن في العوذ لين فكيف بالملجبات.
وقال رؤبة يذكر سنة:
جدباء فكت أسر القعوش
القعش الهودج، يريد أنهم حلوا القد من هوادجهم وفكوها وأوقدوا بها من شدة البرد. وقال رؤبة:
وحق أضياف عطاش الأعين
هذا مثل، يريد أنهم سافروا من بعد فغارت عيونهم من الكلال.
وأنشد ابن الأعرابي:
ومفرهة تامك نيها ... تزين إذا ما تساق العشارا
لقيت قوائمها أربعاً ... فعدن ثلاثاً وعادت ضمارا
يقول اعترضتها فضربت إحدى قوائمها فنحرتها وصار ثمنها عليك نسيئة.

الأبيات في مكارم الأخلاق
قال لبيد:
فاقطع لبانة من تعرض وصله ... ولخير واصل خلة صرامها
واحب المجامل بالجزيل وصرمه ... باق إذا ضلعت وزاغ قوامها
لبانة حاجة، من تعرض وصلة أي لم يستقم لك وقوله: ولخير واصل خلة صرامها - أي قطاعها، يقول خير من تصله من يقطعك إذا استوجبت ذاك منه. أبو عبيد: يريد اقطع لبانتك منه ولا ترده وخير واصل ينشد بلا لام. ومثل قوله: تعرض وصله - قوله:
وارجع واشمة أسف نؤورها ... كففا تعرض فوقهن وشامها
وذلك حين يدار الوشم، إذا ضلعت يريد الخلة أي أعوجت، وزاغ قوامها استقامتها، يقول من جاملك فأجزل مكافأته، وصرمه باق عندك أي تستبقيه ولا تعجل به أي معد عندك إذا مال بخملته عنك وعدل، أي فحينئذ تصرمه. وقال آخر:
الناس إخوان وشتى في الشيم ... وكلهم يجمعه بيت الأدم
بيت الأدم قبة الملك يجتمع فيها كل ضرب يأكلون فيها الطعام، يقول هم سواء في أنهم بشر، ثم ضرب بيت الأدم مثلاً وذلك يكون فيه الجيد والرديء والصغير والكبير وكل ضرب فجعل الأدم مثلاً للناس في اختلاف طبائعهم. ويقال بيت الأدم بيت الإسكاف فيه من كل جلد رقعة. وقال آخر:
وإن قراب البطن يكفيك ملأه ... ويكفيك سوآت الأمور اجتنابها
قرابة أي مقاربته أي دون ملئه ويكفيك سوآت الأمور أن تجتنبها. وقال جرير: فإني لأستحي أخي أن أرى لأحد علي نعمة أو أثراً حسناً لا يرى هولي عليه مثله. وقال يزيد بن خذاق العبدي:
ولقد أضاء لك الطريق وأنهجت ... سبل المسالك والهدى يعدي
أي إبصارك الطريق يعديك على الهدى على طريقك ومثله: أعداني السلطان - أي أعانني. وقال آخر:
توكل وحمل أمرك الله إن ما ... تراد به يأتيك أنت له مخلي
أي في خلاء منك أنت له مصحر. وقال أبو العيال:
إن البلاء لدى المقاوس مخرج ... ما كان من غيب ورجم ظنون
المقاوس جمع مقوس وهو الجبل الذي يمد على صدور الخيل عند مدفع الغاية أي فما كان عند الفرس فسيظهر حينئذ، وإنما هذا مثل، أي التجربة تخرج ما عند الإنسان من خير وشر.
وقال امرؤ القيس:

وما المرء ما دامت حشاشة نفسه ... بندرك أطراف الخطوب ولا آلي
يقول المرء ما عاش - وإن جهد في طلب ولم يأل - غير مدرك أواخر الأمور وغير بالغ كنهها. وقال ذو الرمة:
تشابه أعناق الأمور وتلتوي ... مشاريط ما الأوراد عنه صوادر
أعناق الأمور أوائلها، والمشاريط الأعلام، يريد أن الأمور إذا أقبلت التبست وأشكلت وعمي فيها الرأي فلم يصح منها وهي مقبلة ما يصح إذا مضت وقرت مقرها، كأنه قال: تشابه أوائل الأمور وتمتنع أعلام العواقب التي تصدر عنها الأوراد فلا يحاط بها.
وقال امرؤ القيس:
فإنك لم يفخر عليك كفاخر ... ضعيف ولم يغلبك مثل مغلب
يقول الضعيف لا تجاره فهو يتبرى عليك. وقال النابغة:
ولست بمستبق أخاً لا تلمه ... على شعث، أي الرجال المهذب
يقول من لم تصلحه تقومه من الناس فلست بمستبقية ولا براغب فيه، واللم الجمع لما تفرق من أخلاقه وفسد، يقول: إنك لا تجد مهذباً لا عيب فيه. وقال الأعشى:
فلسنا لباغي المهملات بقرفة ... إذا ماطها بالليل منتشراتها
المهملات الإبل بلا راع، والقرفة الظنة، أي لا يطمع فينا لأنا لسنا نهمل أمرنا، وهذا مثل، طها انتشر وتفرق. وقال جهنام يرد عليه:
إنا لحابسون صدر أمورنا ... إذا عجلت دون الصلاح هناتها
أي نكف أوائل أمورنا أي نتأنى وننتظر ولا نعجل فنقدم إذا عجلت الهنات من الشر دون الصلاح وهو الصلح.
وقال الأعشى:
إن محلاً وإن مرتحلاً ... وإن في السفر ما مضى مهلاً
أراد إن لنا محلاً يريد الآخرة، ومرتحلاً عنه يريد الدنيا، وإن في السفر تقدماً من يقدم شيئاً من العمل أصابه كما تقول: أخذ لذلك الأمر مهلته - أي تقدم فيه. وقال الشماخ:
كل خليل غير هاضم نفسه ... لوصل خليل صارم أو معارز
هاضم كاسر، يقول: كل خليل لا يقهر نفسه على وصل خليله فهو على حال صارم خليله، والمعارز المجانب، أبو عمرو: يقال استعرز مني فلان أي انقبض، وقيل هو المعاتب، وقيل هو المعاند، وكل قريب من بعض. وقال لبيد:
واكذب النفس إذا حدثتها ... إن صدق النفس يزري بالأمل
هو ان يقول انفسه: تعيشين تصيبين خيراً ولو صدقها فقال: تهلكين تموتين لأزري بأمله:
غير أن لا تكذبنها في التققى ... واخزها بالبر لله الأجل
اخزها سسها لله الأعظم، خزوت الإنسان وغيره أخزوه أي سسته: وقال ذو الإصبع:
لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب ... عني ولا أنت دياني فتخزوني
أراد الله ابن عمك، وعني بمعنى علي، أي لم تفضل في الحسب علي، والديان الذي يملي أمره، يقول لست والي أمري فتسوسني.
وقال لبيد:
وما البر إلا مضمرات من التقي ... وما المال إلا معمرات ودائع
معمرات من العمري، يقال: هذه الدار لك عمري.
وقال القطامي:
ومعصية الشفيق علك مما ... يزيدك مرة منه استماعا
يقول إذا عصيته مرة فتبين لك خطاؤك في معصيته استمعت منه الثانية. وقال:
أخوك الذي لا تملك الحس نفيه ... وترفض عند المحفظات الكتائف
الحس الرقة. تقول: إني لأحس عليك أي أرق عليك، يقول أخوك الذي لا يملك أن ينصرك، والكتائف الأحقاد واحدها كتيفة، يقول: تذهب الإحقاد يوم ترى أخاك في الشر فتنصره.
وقال ابن أحمر:
هذا الثناء وأجدر أن أصاحبه ... وقد يدوم ريق الطامع الأمل
أي ييبس ريقه في فمه. وقال المرار:
فلا تنقطع من وامق ذي مودة ... بغيب ولا واش يدب ويقدح
يقول: لا تنقطع عن خليلك لشيء غاب لم تره ولا لواش يدب بالنميمة.
فإن أمين الغيب يحصر صدره ... مراراً ويستحي الحبيب فيصفح
يقول ربما ضاق صدره بما يبلغه إلا أنه يستحي الحبيب فيصفح عنه.
فلا تصر من الدهر من قد حبوته ... بودك واعلم أهله حين يمنح
يقول: اعلم من هو أهل لودك، أي لا تضع ودك إلا موضعه فإذا وددت فلا تصرم. وقال الكميت يذكر نفسه:
لا خطوتي تتعاطى غير موضعها ... ولا يدي في حميت السكن تندخل
يقول: لا أخطو إلى ريبة، والحميت نحي السمن، والسكن الحي وهذا مثل، يقول: لا أخرق جلود الحي بالشتم، وقال:

وفي الناس أقذاع ملاهيج بالخنى ... متى يبلغوا الجد الحفيظة يلعبوا
أقذاع أصحاب قذع، وهو الشتم، يقول يلهجون بالشر وهم جادون فإذا جاء الغضب قالوا: إنما لعبنا.
ومن لا يكن في صدر أمر ينوبه ... كذي العجز البالي له حين يذهب
يصل من حبال الغدر فيما ينوبه ... بمرمقه يردي بها المتذبذب
مرمقة ضعاف، يردي يهلك. وقال:
وأقرب يومى ذي المواربة الذي ... ينال به من فرصة الحزم موردا
أي أقرب يوميه من حاجته اليوم ينال به مورد الخرم وقال ربيعة بن جشم:
أحار بن عمرو كأني خمر ... ويعدو على المرء مل يأتمر
خمر أي في عقب الخمار، ويقال أراد كأني خامرني داء أو وجع، ويعدو على المرء ما يأتمر، كقولك: من حفر حفرة وقع فيها، لأن الرجل إذا ائتمر أمراً ليس برشد فكأنه يعدو عليه فيهلكه. وقال مضرس الأسدي:
وراحلة قدمت أقتاد رحلهالمستردف لا يحقر الجهد آطره
أراد قدمت أقتاد رحلها بالحبال أي أشده بها وأعطفه وأنحى رحلي لأوسع لردفي، ثم قال: لا يحقر جهد مجتهد - فعذر نفسه، وقد استقل ذلك، ومثله قول المرار:
وكيف على جهد الجليل تلوم
كأني أصادي ذا دلال يصورني ... بقربي وقرض والحفاظ أواصره
الآصرة كل ما عطفك على الرجل من صهر وقرابة.
وقول عبد يغوث الحارثي:
ألم تعلما أن الملامة نفعها ... قليل وما لومي أخي من شماليا
قال: الشمائل الأخلاق واحدها شمال. وقال سويد بن أبي كاهل وذكر الله عز وجل:
ومتى ما يكف شيئاً لا يسع
أي لا يضاع يقال ضائع سائع وضاع وساع.
وقال عبد الله ابن سليمة:
ولقد اداوي داء كل معبد ... بعنيه غلبت على النطيس
معبد جرب، والعينة أبوال تطبخ مع أدوية ويطال أنقاعها وحبسها ثم يعالج بها الجرب، وأصل التعنية الحبس، والنطيس المتنوق في الأشياء المبالغ ومنه للطبيب نطاسي، وهذا مثل، أراد إن عندي رفقاً بمن أنكر أخلاقه حتى اقومه. وقال المرقش الأكبر:
يا صاحبي تلبثا لا تعجلا ... إن الثواء رهين أن لا تعذلا
يقول إن مقامكما علي رهين بأن لا أعذلكما.
فلعل ريثكما يفرط سيئاً ... أو يسبق الإسراع شيئاً مرسلاً
الريث الإبطاء، يفرط يقدم، يقول: لعل إبطاءكم معي يتأخر بكما عن سيء فيتقدمكما ذلك الشر فيفوتكما ولعل إسراعكما يسبق بكما خيراً لأنه يتأخركما. وقال عدي بن زيد:
إذا ما امرؤ لم يرج منك هوادةً ... فلا ترجها منه ولا دفع مشهد
الهوادة الرخصة واللين، ومنه التهويد في السير، والمشهد المحضر والمعنى إذا لم يضعك الرجل موضع رجاء هوادة منك وموضع دفع عنه فلا ترج أيضاً ذلك منه فإنه يضعك من نفعه لك بحيث يرجوه من نفعك له.
وعدّ سواه القول واعلم بأنه ... متى ما يبن في اليوم يصرمك في غد
يقول: اصرف قولك عنه إلى غيره واعلم بإنه متى ما يبين لك شيئاً من جفائه فإنه متبعك بالصريمة في غد. ويروي: يبن بالفتح من البينونة.
إذا أنت فاكهت الرجال فلا تلع ... وقل مثل ما قالوا ولا تتزند
لا تلع لا تجزع وهو من لاع يلاع، ومنه هاع لاع وهائع لائع، ولا تتزند لا تغضب، يقال للرجل إذا كان سريع الغضب إنه لمزند ومتزند أيضاً: وروى المفضل: ولا تتزند أي لا تزد على ما قالوا.
وأبدت لي الأيام والدهر أنهولو حب من يصلح المال يفسد
يقال حب وأحب بمعنى، يريد أنه لو أحب إصلاحه لم يصلح ماله وهو يفسد. وقوله للنعمان حين حبسه: شيعتني أعانتني نعماه على نصري إياه وما كنت أعطيته من ميثاقي بنصره والنصح له. ثم قال: إن التقى شكور للمعروف.
وتمهلت قوزةً أحرزت عر ... ضي من الذم والشهود كثير
أي تقدمت في نعمة عندك، أحرزت عرضي من أن أذم وأنسب إلى تقصير، والتمهل السبق، والشهود على ما قلت كثير وذلك أنه كان عمل للنعمان عند كسرى دون إخوته حتى جعل إليه أمر العرب.
لا بسخط المليك ما يسع العب ... د ولا في نكاله تنكير
يقول لا يستطيع العبد أن يحمل سخط مليكه لشدة ذلك عليه.
ظنة شبهت فأملكها القس ... م فعداه والخبير خبير

يقول ظن ظناً فأملك تلك الظنة القسم أي جعلها ملكاً للرأي أي صدق ذلك الظن فأمضاه، وهو بمعنى قوله: فعداه. وقال بعضهم حمله ذلك على الاعتداء، والخبير الله عز وجل خبير بهذا الأمر، ويروى شبهت أي لبست عليه حتى لم يعرف وجهها.
وقال وذكر المنون:
كل حي يقوده كفّ هاد ... جنّ عين تغشيه ما هو لاق
جن عين أي ما هو مستتر عنه، وجن عين منصوب بالهاء في هاد أي يهديه إلى ما غاب عنه ما قدر له. وقال طرفة:
للفتى عقل يعيش به ... حيث تهدي ساقه قدمه
وقال أفنون التغلبي:
فطأ معرضاً إن الحتوف كثيرة ... وإنك لا تبقي لنفسك باقيا
يقول إنك إن أبقيت نفسك لم تبق لك. وقال زهير:
الجد من خير ما أعانك أو ... صلت به والجدود تهتصر
أي ربما كان لك إذا تولى عن آخر، وتهتصر تفتعل من هصرت إذا أملت وثنيت، أي تمال، وبين ذلك قوله بعد هذا البيت.
قد يقتني المرء بعد عيلته ... يعيل بعد الغنى ويفتقر
وقال أيضاً:
إذا أنت لم تعرض عن الجهل والخنى ... أصبت حليماً أو أصابك جاهل
يقول إذا أنت لم تحلم وقعت بين أمرين رديئين إما صبت حليماً فسفهت عليه فأسأت أو أصابك جاهل فسفه عليك وأساء عليك.
وقال النمر بن تولب:
وإن أنت لاقيت في نجدة ... فلا تتهيبك أن تقدما
فإن المنية من يخشها ... فسوف تصادفه أينما
في نجدة أي في قتال وشدة، فلا تتهيبك أي لا تتهيبها وهذا من المقلوب.
وقال ابن مقبل:
ولا تهيبني الموماة أركبها ... إذا تجاوبت الأصداء بالسحر
فسوف تصار دفه أينما ذهب، وإن كان محذوفا وكان يحذف اختصارا.
وقال النمر بن تولب:
يلوم أخي على إهلاك مالي ... وما إن غاله ظهري وبطني
يقول لم يكن هلاكه في لباس ولا طعام ولكنه كان في العطايا.
وقال:
ولا أسقي ولا يسقي شريبي ... وأمنعه إذا أوردت مائي
يعل وبعض ما أسقي نهال ... وأشربه على إبلي الظماء
شريبه الذي يشرب معه، والمعنى: لا أسقي حتى يسقي شريبي كما تقول لا آكل ولا يأكل أخي أي لا آكل حتى يأكل اخي، وأمنعه أراد ولا أمنعه. ومثله للفرزدق:
بأيدي رجال لم يشيموا سيوفهم ... ولم يكثر القتلى بها حين سلت
أي لم يغمدوها حتى كثرت القتلى بها، يعل أي يسقى مرة بعد مرة، وبعض ما أريد سقيه من أبلي نهال أي عطاش لإيثاري إياه.
وقال:
إعلمن أن كل مؤتمر ... مخطيء في الرأي أحيانا
فإذا ما يصب رشداً ... كان بعض اللوم ثنيانا
المؤتمر الذي يركب رأسه، يقال للرجل بئس ما ائتمرت لنفسك، فإذا لم يصب رشداً لأمه الناس لوماً بعد لوم، الأول لركوبه هواه بغير مشاورة، والثاني على خطئه. وقال القطامي:
والناس من يلق خيراً قائلون له ... ما يشتهي والأم المخطيء الهبل
وقال الطرماح:
فاطرح بنفسك في البلاد فإنما ... يقضي ويقصر همه المتبلد
المتبلد الذي يذهب في البلاد. وقال العجاج:
والشحط قطاع رجا من رجا ... إلا اختصار الحاج من تحوجا
والأمر ما رامقته ملهوجا ... يضويك ما لم تحي منه منضجا
تحوج طلب الحاج، يريد لا يكون حاضراً بحاجتك ، وما رامقته أخذت منه الرمق فهو ملهوج أي غير منضج ولا محكم وإذا عملت في الأمر بغير إحكام فأنت ترامقه، يضويك ينقصك من الضاوي ما لم تعمل فيه عملاً حتى تنضجه. وقال امرؤ القيس:
أقصر إليك من الوعيد فإنني ... مما ألاقي لا أشد حزامي
أي قد جريت حتى لا احتاج إلى أن أشدد للأشياء ولا أتحزم لها.
وقال آخر:
لله آباؤك يا يزيد ... للقوم يعطوك الذي تريد
يقول لن - من اللين ثم قال: لاه آباؤك كما قال: لاه ابن عمك، يريد لله، أراد لن للقوم يعطوك الذي تريد - لله أبوك. ويروي: للقوم بالنصب ووجه لِ القوم - أماكن واليهم من الولاية، وإماكن فيما يليهم أي بحيالهم، ويعطوك جزم في الوجهين على جواب الأمر: وقال الشماخ:
وكنت إذا حاولت أمراً رميته ... بعيني حتى تبلغا منتهاهما
أي إذا طلبت أمراً وقع في عيني لا أغفل حتى أدركه.

وقال العجاج:
بات يقاسي أمره أمبر مه ... أعصمه أم السحيل أعصمه
أي يدبر أمره وينظر إذا أحكمه وأبرمه أذلك أعصم له - أي أمنع - أم الأعصم أن لا يفتل حبل الرأي ويرسله سحيلاً غير مقتول، والسحيل خيط واحد والمبرم خيطان. وقال عمرو بن كلثوم:
وإن غداً وإن اليوم رهن ... وبعد غد بما لا تعلمينا
يقول هذا الأيام محتبسة على صروف لا تعلمينها.
وقال ابن أحمر:
وإنما العيش بربانه ... وأنت من أفنانه مقتفر
من طارق يأتي على خمرة ... أو حسبة تنفع من يعتبر
ربانه حدثانه: وأنت من أفنانه أي نواحيه، مقتفر أي متبع ومن هاهنا بمعنى اللام المكسورة أي وأنت تأخذ منه بحظ وتدرك منه ما يأتي، على خمرة أي على استخفاء فأنت تصيب شهوتك، والحسبة أن ينظر في أمره ويقدره، يقال ما أحسن حسبته في هذا الأمر أي تدبيره ونظره، يقول فأنت تعيش بهذين النوعين ببلوغك شهوتك وإرادتك وبنظرك في الأمور واعتبارك. وقال زهير:
ومن يوف لا يذمم ومن يفض قلبه ... إلى مطمئن البر لا يتجمجم
يقول من وفى ولم يذمم، يقال وفى واوفى لغتان، وقوله ومن يفض قلبه يقول من كان في صدره بر قد اطمأن وسكن وليس ببر يرجف لم يتجمجم وأمضى كل أمر على جهته وليس كمن يريد غدراً فهو يتردد في أمره وينثني، والبر الصلاح. وقال:
ألا أبلغ لديك بني تميم ... وقد يأتيك بالخبر الظنون
الظنون الذي لا يوثق به ولا يكاد يصدق في خبر فربما صدق وأتى بالخبر، والمعنى أنه يقول نحن ببلدة ولا أدري أيبلغهم اليقين مما أقول أم لا فعسى أن يبلغهم قولي كما يصدق الظنون أحياناً.
وقال:
أبيت فلا أهجو الصديق ومن يبع ... بعرض أبيه في المعشر ينفق
يقال في المثل: من باع بعرضه أنفق، يقول من شاتم الناس وجد عرضه نافقاً يشتم، يقال أنفق الرجل إذا نفقت تجارته.
وقال:
وذي نعمة تممتها وشكرتها ... وخصم يكاد يغلب الحق باطله
أي نعمة لي على غيري تممتها ونعمة علي شكرتها.
وقال ابن مقبل:
سأترك للظن ما بعده ... ومن يك ذا اربة يستبن
يقول ظني صواب فأنا أمضي له ولا أشك وأترك ما بعده، والأربة العقدة، يعني من كان ذا عقل استبان الأمر لا يشك فيه.
وقال:
فإنك لا تبلو امرءاً دون صحبة ... وحتى تعيشا معفيين وتجهدا
يقول لا تعرف الرجل وأخلاقه حتى تصحبه وتبلوه في حال اليسر والعسر أراد معفيين من المكروه وإن كانا مجهودين يقال جهد الرجل فهو مجهود، يقول...قال:
فلا تكونن كالنازي ببطنته ... بين القرينين حتى ظل مقرونا
قال: يقرن بعيران بحبل...بعير آخر يدخل بينهما من ورائهما فينشب في.....معهما فلا يقدر أن يتخلص فلا يأكل ولا يشرب إلا إذا أكل البعيران ويبقى حتى يخلصه الراعي.
وقال عدي بن زيد:
لم أر مثل الفتيان في غبن ال ... أيام ينسون ما عواقبها
ما يغفلوا لا يكن لهم يتم ... في كل صرف تسعى مآربها
غبن الأيام ما يغبن منها فينقضي من غير أن يعملوا فيه لآخرتهم يقال غبن فلان في رأيه يغبن غبناً، فأما الغبن بإسكان الباء ففي البيع وقوله " لا يكن لهم " يتم اليتم البطء. وأنشد أبو البيداء:
لا ييتم الدهر المواصل بينه ... عن الفيل حتى يستدير فيصرعا
أي لا يلبث وإنما أراد: ما يغفلوا عن الاستعداد للموت ولم يكن... لنا.... لا تلبثهم غفلتهم ولكن الموت يعمل عمله، ثم ابتدأ فقال.....
هذا آخر ما وجد من هذا الكتاب الجليل والحمد لله أولاً وآخراً على كل حال وصلى على رسول الله وآله الطاهرين وسلم.

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5