كتاب : التشبيهات
المؤلف : ابن أبي عون

حرقُ الجناحِ كأنَّ لحييْ رأسهِ ... جلمانِ بالأخبارِ هشٌّ مولعُ
وقال آخر
وصاحَ بالبينِ غرابٌ شحجا ... كأنما يقلعُ من فيه شجا
مغلغلاً دون اللهاةِ ولجا

باب 85
ومما يتصل بذلك قول الآخر في حمامةٍ
محلاةُ طوقٍ ليس يخشى انفصامهُ ... إذا همَّ أنْ يبلَى تجددَ آخرُ
موشحةٌ بينَ التراقي بزفِّها ... وصدرٌ كمقطوفِ البنفسجِ أخضرُ
وقال آخر
كأنَّ بنحرها والجيدِ منها ... ذا ما أمكنتْ للناظرينا
مخطاً كان من قلمٍ لطيفٍ ... فخطَّ بجيدها والنحر نونا
وقال ابن الرومي
أشجتك داعيةٌ مع الإشراقِ ... هتفتْ بساقٍ في ذؤابةِ ساقِ
أيكيةٌ تدعو بشجوٍ أنْ دعا ... ريبُ الزمانِ قرينها بفراقِ
تبدو أماراتُ الشجى في صوتها ... وترى عليها إلةُ الإطراقِ
لو تستطيعُ تسلبتْ من طوقها ... لو كان منتحلاً من الأطواقِ
وله مثلهُ
مطوقةٌ تبكي ولم أرَ باكياً ... بدا ما بدا من شجوها لم تسلبِ
وقال آخر
مزبرجةُ الأعناقِ نمرٌ ظهورُها ... مخطمةٌ بالدرِّ خضرٌ روائعُ
ترى طرراً فوق الخوافي كأنها ... حواشي برودٍ أحكمتها الوشائعُ
ومن قطعِ الياقوتِ صيغتْ عيونها ... خواضبُ بالحناءِ منها الأصابعُ
وقال آخر
وهتوفٍ ورقاءُ أرقتِ الطر ... فَ وزادتْ حبلَ الفؤادِ خبالا
ذاتِ طوقٍ من الزمردِ يحكي ... صفو عيشٍ عني تولى وزالا
نبهتني والصبحُ قد خالط اللي ... لّ كما خالط الصدودُ الوصالا
وتراها كأنما بدموعي ... خضبوها أو خاضت الجريالا
باب 86 في
الفراق
قال البصير
ألمتْ بنا يومَ الرحيلِ اختلاسةً ... فأضرمَ نيرانَ الهوى النظرُ الخلسُ
تأنتْ قليلاً وهيَ ترعدُ خيفةً ... كما تتأنَّى حينَ تعتدلُ الشمسُ
فخاطبها طرفي بما أنا مضمرٌ ... وأبلستُ حتى ليسَ يعلمُ حس
وولتْ كما ولى الشبابُ بطيئةً ... طوتْ دونها كشحاً على يأسها النفسُ
وقال البحتري نحو ذلك
وأبَى الظعائنُ يومَ رحنَ لقد غدا ... فيهنَّ مجدولُ القوامِ قضيفهُ
شمسٌ تألقُ والفراقُ غروبها ... عنا وبدرٌ والصدودُ كسوفهُ
وقال أعرابي
حلالٌ لليلى أن تروعَ قلبهُ ... بهجرٍ ومغفورٌ لليلى ذنوبها
فزالتْ زوالَ الشمسِ عن مستقرها ... فمنْ مخبري في أي أرضٍ غروبها
وقال البحتري
دنتْ عند الفراقِ لوقتِ بينٍ ... دنو الشمسِ تجنحُ للأصيلِ
وقال العلوي الكوفي
ولقد نظرتُ إلى الفراقِ فلم أجدْ ... للموتِ لو فقدَ الفراقُ رسولا
إنَّ المصائبَ لو تصورُ ما غدتْ ... مسترحلاً بالبينِ أو مرحولا
الساعةَ البينُ انبرَى فكأنما ... واصلتَ ساعاتِ القيامةِ طولا
وقال الأخطل
خفَّ القطينُ فراحوا منكَ أو بكروا ... وأزعجتهمْ نوًى في صرفها غيرُ
كأنني شاربٌ يومَ استبدَّ بهم ... من قهوةٍ ضمنتها حمصُ أو جدرُ
ومثل هذا كثير، وقال قيس بن ذريحٍ وقد سامه أبوه تطليق امرأته لبنى فقال
فوا أسفى وعاودني رداعي ... وكان فراقُ لبنى كالجداعِ
تكنفني الوشاةُ فأزعجوني ... فيا لله للواشي المطاعِ
فأصبحتُ الغداةَ ألومُ نفسي ... على شيءٍ وليس بمستطاعِ
كمغبونٍ يعضُّ على يديهِ ... تبينَ غبنهُ بعدَ البياعِ
وقال ابن المعتز
ورميتمُ جرحَ الفراقِ فؤادهُ ... فالدمعُ من أجفانهِ يترقرقُ
هزتهُ وقفةُ ساعةٍ فكأنما ... في كل عضوٍ منه قلبٌ يخفقُ
وقال ماني نحوهُ المتقارب
دعتني جهاراً إلى عشقها ... ولم تدرِ أني لها عاشقُ
فرحتُ وللشوقِ من مفرقِي ... إلى قدمي ألسنٌ تنطقُ
باب 87 في
القلم والكتابة
قال بعض الشعراء في القلم
وبيتٍ بعلياءِ الفلاةِ بنيتهُ ... بأسمرَ مشقوقِ الخياشمِ يرعفُ
كأن عليه ملبساً سلخَ حيةٍ ... مقيمٍ فما يمضي ولا يتخلفُ
وقال ابن المعتز
قلمٌ ما أراهُ أمْ فلكٌ يج ... ري بما شاء قاسمٌ ويسيرُ

راكعٌ ساجدٌ يقبلُ قرطا ... ساً كما قبلَ البساطَ شكورُ
وقال آخر المتقارب
ضئيلُ الرواءِ كثيرُ الغناءِ ... من البحر في المنصبِ الأخضرِ
كمثل أخي العشقِ في شخصهِ ... وفي لونهِ من بني الأصفرِ
عليه كهيئةِ متنِ الشجا ... عِ في دعصٍ محنة أعفرِ
وقال المقنع الكندي
قلمٌ كخرطومِ الحمامةِ مائلٍ ... مستحفظٌ للعلمِ من علامهِ
يخفى فيقصمُ من شعيرةِ رأسهِ ... كقلامةِ الأظفورِ من مقلامهِ
وقال آخر في جاريةٍ
كأنما قابلَ القرطاسَ إذْ كتبتْ ... منها ثلاثةُ أقلامٍ على قلمِ
وقال ابن المعتز
عليمٌ بأعقابِ الأمورِ كأنه ... بمختلساتِ الظنِّ يسمعُ أو يرى
إذا أخذ القرطاسَ خلتَ يمينهُ ... تفتحُ نوارا أو تنظمُ جوهرا
ونحوه قول الطائي في كتاب
وضمنَ صدرهُ ما لم تضمنْ ... صدورُ الغانياتِ من الحليِّ
فكائنْ فيه من معنى لطيفٍ ... وكائنْ فيه من لفظٍ بهيّ
وقال آخر يصف كتاباً
سوادٌ مثل خافية الغرابِ ... وأقلامٌ كمرهفةِ الحرابِ
وقرطاسٌ كرقراقِ السرابِ ... وألفاظٌ كأيامِ الشبابِ
وقال حجزةُ بن أبي سلالة
منْ كتابٍ كأنهُ شعراتٌ ... وسط خدٍّ أومأ بهنَّ عذارُ
أو كنقشِ الحناءِ في كفِ عذرا ... ء حمى وجهها به الاستتارُ
بل كتابٍ يكادُ يضحك من جو ... هرهِ بحرُ لفظهِ الطومارُ
كتبتكَ الكفُّ التي كنزها السو ... ددُ لا درهمٌ ولا دينارُ
وقال علي بن الجهم
ورقعةٍ جاءتك مثنيةً ... كأنها خدٌّ على خدِّ
ساهمةُ الأسطرِ مصروفةٌ ... عن ملح الهزلِ إلى الجدِّ
نبذُ سوادٍ في بياضٍ كما ... فتَّ فتيتُ المسكِ في الوردِ
يا كاتباً أسلمني عتبهُ ... إليه حسبي منك ما عندي
وقال ابن الرومي المتقارب
لعمركَ ما السيفُ سيفُ الكمي ... بأخوفَ من قلمِ الكاتبِ
له شاهدٌ إنْ تأملتهُ ... ظهرتَ على سرهِ الغائبِ
أداةُ المنيةِ في جانبيهِ ... فمنْ مثلهِ رهبةُ الراهبِ
سنانُ المنيةِ في جانبٍ ... وسيفُ المنيةِ في جانبِ
ألم ترَ في صدرهِ كالسنانِ ... وفي الردفِ كالمرهفِ العاضبِ

باب 88
قال ابن الرومي
ولحيةٍ يحملها مائقٌ ... مثلَ الشراعينِ إذا أشرعا
تقودهُ الريحُ بها صاغراً ... قوداً حثيثاً تبعثُ الأخدعا
لو غاص في البحرِ بها غوصةً ... صاد بها حيتانهُ أجمعا
وقال دعبلٌ
يلوثُ لحيةً عرضت وطالتْ ... ويمرثها كتمريث الخميره
فيا لك لحيةً وضرَى وشيباً ... كأنك قد أكلتَ بها مضيرهْ
وقال ابن الرومي
ولحيةٍ كذنبِ البرذونِ ... لو أنها كانت على فرعونِ
لاحتاجَ أن يحملها بعونِ
وله أيضاً
رجلٍ عليه لحيةٌ ... منها قراملُ زوجتهْ
لو يجمعُ الله اللحى ... كانتْ حذافةَ لحيتهْ
وقال الناجم مما لا ت شبيه فيه
لابنِ شاهينَ لحيةٌ ... طولهُ شطرُ طولها
فهو كالدهرِ كلهِ ... عاثرٌ في فصولها
باب 89 في
تشبيهات باستثناء شيء أو نقصان شيء
ومن التشبيهات باستثناء شيءٍ أو نقصان شيء قول الأخطل يصف زقاقاً
أناخوا فجروا شاصياتٍ كأنها ... رجالٌ من السودانِ لم يتسربلوا
الشاصي الرافع لرجليه والشاغر الرافع إحداهما وقال أبو الهندي
أتلفُ المال وما جمعتهُ ... طلبَ اللذاتِ من ماء العنبْ
واستباءَ الزق من حانوته ... شائل الرجلين معصوبَ الركبْ
وقال ابن المعتز
ودنانٍ كمثلِ صفِ رجالٍ ... قد أقيموا ليرقصوا الدستبندا
وله أيضاً
خلتها في البيتِ جنداً ... صففوا حولي قياما
وتراها وهيَ صرعى ... فرغاً بين الندامَى
مثلَ أبطالِ حروبٍ ... قتلوا فيها كراما
وقال الناجم
ومدامةٍ كالبرقِ إلا أنها ... تبغي على الأوقاتِ باللالاء
وقال عوف بن محلم الخزاعي
وصغيرةٍ علقتها ... كانتْ من الفتنِ الكبارِ
كالبدرِ إلا أنها ... تبغي على ضوءِ النهارِ
وقال أبو نواس

كأنَّ في كأسها سراباً ... تخيلهُ المهمهُ القفارُ
كأنها ذاك حين يزهى ... لو لم يشب لونها اصفرارُ
لا ينزلُ الليلُ حيثُ حلتْ ... فدهرُ شرابها نهارُ
وقال أيضاً المنسرح
تلعبُ لعبَ السرابِ في قدحِ الق ... ومِ إذا ما حبابها اتصلا
وقال النابغة في صفة الصدر
ترائبُ يستضيءُ الحليُ فيها ... كجمرِ النارِ بذرَ في الظلامِ
وقال امرؤ القيس
كأنَّ عيونَ الوحشِ حولَ خبائنا ... وأرحلنا الجزعُ الذي لم يثقبِ
وقال الطائي
جودٍ كجودِ السيلِ إلا أنهُ ... كدرٌ وأنَّ نداكَ غيرُ مكدرِ
وقال الطائي
بمخضبٍ رخصٍ كأنَّ بنانهُ ... عنمٌ على أغصانهِ لم يعقد
وقال أبو نواس يهجو جعفر بن يحيى
قالوا امتدحتَ فماذا اعتضتَ قلتُ لهم ... خرقَ النعالِ وإخلاقَ السراويلِ
قالوا فسمِ لنا هذا فقلتُ لهم ... بلْ وصفهُ يعدلُ التصريحَ في القيلِ
ذاك الأميرُ الذي طالتْ علاوتهُ ... كأنه ناظرٌ في السيفِ بالطولِ
وقال الناجم
إذا ما تلاقتْ للجدالِ عصابةٌ ... رأيتَ أناساً لا يحلونَ مستورا
إذا قلَّ هذا تارةً فلَّ تارةً ... وقاهرُ ذا يمسي لآخرَ مقهورا
لقد أصبحوا مثل الزجاجِ جمعتهُ ... بطحٍ فأضحى الكلُّ بالجمعِ مكسورا
وقال المصيصي
أف لقاضٍ لنا وقاحِ ... أمسَى برياً من الصلاحِ
كأنَّ دنيةً عليهِ ... غرابُ بينٍ بلا جناحِ
وليس في الرأسِ منه شيءٌ ... يدورُ إلا أبو رياحِ
وقال الطائي وقد خلع عليه الحسن بن وهب رداء
قد كساني من كسوةِ الصيفِ خرقٌ ... مكتسٍ من فضائلٍ ومساعِ
كالسرابِ اللموعِ في القاعِ إلا ... أنهُ ليسَ مثلهُ في الخداعِ
وتراهُ تسترجفُ الريحُ متني ... هِ بأمرٍ من الهبوبِ مطاعِ
رجفاناً كأنه الدهرُ منه ... كبدُ الصبِ أو حشا المرتاعِ
وقال ابن الرومي
ألا يا هندُ هل لك في قمدٍ ... غليظٍ تفرحينَ به متينِ
يشدُّ به حشاكِ غلامُ نيكٍ ... من الفتيانِ منقطعُ القرينِ
يذكرُ بالقمدِ العردِ حتى ... تأنثَ نعتهُ قبلَ اليقين
فمنْ يره يبولُ يخلهُ أنثى ... بدا من فرجها ثلثا جنين
وقال راشد الكاتب
إني بليتُ بقسٍ لي أمرضهُ ... يبكي لمصرعهِ الناقوسُ والديرُ
كأنَّ قطريهِ في قربِ التقائهما ... سيرُ الركابِ إذا ما ركبَ السيرُ
وله
أيرٍ تعقف واسترخت مفاصلهُ ... مثل العجوزِ حناها شدةُ الكبرِ
يقومُ حينَ يريدُ البولَ منحنياً ... كأنه قوسُ ندافٍ بلا وترِ
وله
كأنه ويدُ الحسناء تغمزهُ ... سيرُ الإداوةِ لما مسهُ البلل
وله المنسرح
كأنَّ أيري من لين مقبضه ... خريطةٌ قد خلتْ من الكتبِ
أو حيةٌ نضوةٌ مطوقةٌ ... قد قلبتْ رأسها على الذنبِ
وقال ابن الرومي
شددتُ منها نظرةٌ على عجلْ ... آخرها أولها من العجل
كالشمسِ عامتْ يومها إلى الطفلْ ... ثم انجلتْ والشطرُ منها قد أفلْ
وقال صاحب الكتاب التشبيه، وإن كان في الشعر أحسنَ وعلى الشاعر أصعب لأنه يتعمدُ إصابة التشبيه ويتخير الألفاظ ويحترس من اللحن والإحالة ويزين الكلام ويحصره بالقافية فإن للأدباء والظرفاء والحكماء والمتأملين والمجان والمخنثين تشبيهاتٍ صحيحاتٍ ومعاني رائعاتٍ ونحن نذكر منها جملةً مختارة ثم نعود إلى الشعر وبالله التوفيق والقوة.

باب 90 في
لطائف
وصف أبو الحارث جميز جعفر بن يحيى فقال كان مشجباً من حيثُ لقيته مهولاً وقال ابن المعتز
لو كنتَ من شيءٍ خلافكَ لم تكنْ ... لتكونَ إلا مشجباً في مشجبِ
يا ليتَ لي من جلدِ وجهكَ رقعةُ ... فأقدَّ منها حافراً للأشجبِ
وهذا قول منصور بن باذانَ الأصبهاني المجتث
يا ليتَ حافرَ نعلي ... من بعضِ جلدةِ وجهك
أهجو ببعضكَ بعضاً ... من ذا يقومُ لكلكْ
لطائف

قال صاحب كليلة الدنيا كالماء الملح الذي متى يزدد شاربه شرباً يزدد عطشاً وظمأً، قال أحمد بن المعذل لأخيه عبد الصمد أنت كالإصبع الزائد إن قطعت ألمت وإن تركت شانت. وكان الجماز لا يدخل بيتهُ أكثر من ثلثة لضيقه فدعا ثلثة فجاءه ستة قاموا على رجل رجل وراء الباب فعد أرجهم من خلف الباب وأدخلهم فلما حصلوا في بيته تذمر فقالوا ما شأنك فقال دعوت ناساً ولم أدع كراكيَّ يقومون على رجل رجل فقال صاحب كليلة الأدب يذهب عن العاقل السكر ويزيد الأحمق سكراً كالنهار يزيد البصير بصراً ويزيد الخفاش سوء بصره. وقال أبو عبد الله جعفر بن محمد رضي الله عنه الأدب عند الأحمق كالماء العذب في أصول الحنظل كلما ازداد رياً ازداد مرارة. قال الجاحظ دخل مخنث الحمام فرأى رجلاً كبير الذكر كثير الشعر فقال انظروا إلى الخليفة في قطيفة. وقال رجل لبعض الرؤساء كتبت لي إلى فلان فكأنما كتبت منك إليك. قيل لمخنث كان يشب لبن الأتن كيف أصبحت قال لا تسئل عمن أصبح أخا الحمارة. وقال صاحب كليلة لا تبطر العاقل منزلة أصابها كالجبل الذي لا يزلزله الرياح العواصف والسخيف تبطره أدنى منزلة كالحشيش الذي يحركه أدنى الرياح. قال آخر كان ابن عباس يتبختر في كلامه كما يتبختر الرجل في مشيته، قال صاحب كليلة صحبة الأخيار تورث الخير وصحبة الأشرار تورث الشر كالريح إذا مرت على النتن حملت نتناً وإذا مرت على الطيب حملت طيباً. وقال رجل لبعض الظرفاء صف لي وليمةَ فلان فقال كانت كأنها زمن البرامكة من حسنها. وقال رجل لرجل صف لي الزلزلة فقال كأنها فرس انتفض ثم رجع. وقال صاحب كليلة من نصح لمن لا يشكر له كان كمن ينثر بذره في السباخ ومن أشار على معجبٍ كان كمن أشار على الأصم، وقال أيضاً لا يخفى فضل ذي الأدب وإنْ أخفاه بجهده كالمسك الذي يخبأ ويستر ثم لا يمنع ذلك ريحه من التذكي وذكر الجماز رجلاً فقال كأنَّ قيامه عندنا سقوط جمرة من الشتاء لبرده. وقال صاحب كليلة الرجل ذو المروءة قد يكرم على غير مال كالأسد الذي يهاب وإن كان رابضاً والغنى الذي لا مروءة له لا يهاب وإن كان غنياً كالكلب الذي يهون على الناس وإن طوق وخلخل. وقال بعض الحكماء من لا يقبل من نصحائه ما يثقل عليه مما ينصحون له فيه لم يحمد غب أمره وكان كالمريض الذي يترك ما يصف له الطبيب ويعمد إلى ما يشتهي. وقالت عجوز وقد رأت طلحة يوم الجمل من هذا الذي كأن وجهه دينار هرقلي قالوا هذا طلحة ثم رأت الزبير فقالت من هذا الذي كأنه أرقم يتلمظ قيل الزبير ثم رأت علياً عليه السلام فقالت من هذا الذي كأنه كسرى ثم جبر قالوا علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وقال صاحب كليلة المودة بين الصالحين بطيءٌ انقطاعها سريع اتصالها كآنية الذهب التي هي بطيئة الانكسار هينة الإعادة والمودة بين الأشرار سريع انقطاعها بطيء اتصالها كآنية الفخار يكسرها أدنى شيء ثم لا وصل لها. تكلم وفد بين يدي سليمان بن عبد الملك فلم يعلموا شيئاً وتكلم بعدهم رجل زري المنظر فأبلغ فقال سليمان كأن كلامه بعد كلامهم سحابة لبدت عجاجاً ووصف المعلى بن الزيات رجلاً فقال كان كأنه لسان حية من ذكائه. وقال ابن الرومي شهر رمضان بين شعبان وشوال مخشلبة بين درتين. وقال أبو سليمان الطنبوري شعبان درب لا ينفذ وقال آخر الصاحب كالرقعة في الثوب فالتمسه مشاكلاً. قال صاحب كليلة لا يرد بأس العدو القوي بمثل التذلل والخضوع كما أن الحشيش إنما يسلم من الريح العاصف بلينه لها وانثنائه معها حيثما مالته. وقال أيضاً ليس العدو بموثوق له ولا مفتر وإن أظهر جميلاً فإن الماء وإنْ أطيل إسخانه لا يمنعه ذلك من إطفاء النار إذا صب عليها. دخل لص على ملاح فوصفه لجيرانه فقال طويل مثل الدقل أسود مثل قير السفينة وفخذه مثل السكان وكل ذي صناعة يتكلم من صناعته كما قيل لملاح مرة كم بقي من النهار فقال مقدرا مردي شمسٍ. وسمع النحوي المازني قرقرة من بطن رجل فقال هذه ضرطة مضمرة. وقال سعيد بن حميد عمل السلطان كالحمام من فيه يريد الخروج منه ومن خارجه يريد الدخول فيه. وقال صاحب كليلة الدنيا كدودة القز لا تزداد للإبريسم على نفسها لفاً إلا ازدادت من الخروج منه بعداً. وصف رجلٌ ابن محرز المغني فقال كأنه خلق من كل قلب فهو يغني كل إنسان بما يشتهي. وقال بعض الحكماء العقل كالسيف والنظر كالمسن نظر

مخنث إلى موسى بن عيسى وكان المنصور عقد له بعده ثم عقد للمهدي وجعل موسى بعده فقال هذا الذي كان غداً صار بعد غد. وقال آخر الذي يذهب إلى العالم بغير ألواح كالساعي إلى الهيجاء بغير سلاح. وقال صاحب كليلة المذنب لا يحب أن يفحص عن أمره لقبح ما ينكشف منه كالشيء المنتن كلما أثير زاد نتناً. وقال علي عليه السلام الدنيا كالحية لين مسها والسم الناقع في أنيابها ورأى مزبدٌ رجلاً كبير الأنف وفيه شعر فقال كأن أنفه كنف مملوء من شسوع. ويقال المرأة كالنعل يلبسها الرجل إذا شاء لا إذا شاءت هي، قال أنوشروان الصبر صبرٌ كاسمه وعاقبته عسل. وقال أبو تمام الطائي
وصاحبت أيامي بصبرٍ حلونَ لي ... عواقبهُ والصبرُ مثل اسمهِ صبرُ
قال بعضهم الداعي بغير عملٍ كالرامي بغير وتر. ووصف رجل نعمة قوم فقال لصقت بهم النعمة حتى كأنها من ثيابهم. وقال ابن مسعود ذاكر الله في الغافلين كالمقاتل خلف الفارين. ونظر مخنث إلى رجل قصير على حمار أسود صغير فقال ركب زق دبساً وجاء يساير الناس ومثله المنسرح
كأن رجليهِ والعقالُ بها ... قضى عليه الوقوعَ في الوهقِ
أشبهُ شيءٍ رأيتُ راكبهُ ... صيادَ شصٍ غدا على زقِ
وقال صاحب كليلة من صنع المعروف لعاجل الجزاء كان كملقي الحب ليصيد به الطير لا لينفعه نظر ابن الرومي إلى غيم أبيض متقطع في السماء. فقال كأنه قطن يندف على بطانة زرقاء. نظر مزبد إلى رجل مدني أسود ينيك غلاماً رومياً أبيض فقال كأن أيره في إسته كراع عنز في صحفة أرز. وقال ابن الرومي وقد قيل له شبه كلية الجدي فقال كأنها لوبياءٌ، وقال الحمصة تشبه الخوخة وشبه عبادة الياسمين بمحة خرمية وأمواج دجلة في الجنوب بأسنمة الجمال. وقال صاحب كليلة إذا عز الكريم لم يستقل إلا بالكرام كالفيل إذا وحل لم تقلعه إلا الفيلة. قال أبو العيناء كنت آتياً محمد بن هارون وعنده حشد من إخوانه فأجده أخفضهم صوتاً قلت له أكلك طفل بك في منزلك قدم ابن مكرم إلى البصير جنب شواءٍ لم ينضج فقال أبو علي ليس هذا جنباً هذا شريجة قصب ذكر أبو العيناء ولد موسى بن عيسى فقال كان ألفهم قبورٌ نصبتْ على غير القبلة نظر عبادة إلى جارية سوداء عليها وقاية معصفرة فقال كأنها فحمة اشتعل رأسها.

باب 91 في
تشبيهات مختلطة وأبيات منفردة
من تشبيهات مختلطة وأبيات منفردة قول مسلم يرثي يزيد بن مزيد
قبر بحران استسر ضريحه ... خطراً تقاصر دونه الأخطار
فاذهبْ كما ذهبتْ غوادِي مزنةٍ ... أثنى عليها السهل والأوعار
ونحوه قول البحتري يرثي أبا سعيد
واذهبْ كما ذهبتْ بساطعِ نورها ... شمس النهارِ وأعقب الإظلامُ
وقال الحسن بن مطير يرثي معناً
فتى عيش في معروفهِ بعد موتهِ ... كما عادَ بعدَ السيلِ مجراهُ مرتعا
وقال البحتري يمدح ابن طولون المنسرح
إذا علا في بهاء منظرهِ ... أرى عليه في الحسنِ مختبره
كالغيثِ ما عينهُ ببالغةٍ ... بعض الذي راح بالغاً أثره
وقال آخر يرثي رجلاً
فمات وأبقى من تراثِ عطائهِ ... كما أبقتِ الأنواء للحيوانِ
وقال آخر في طفيلي
ويعربي خالع العذار ... أطفل من ليل على نهارِ
أثبت في الدارِ من الجدارِ ... يشرب بالصغارِ والكبارِ
كأنه في الدارِ ربُّ الدارِ
وقال عباس بن المشوق
يا وارثَ التطفيلِ عن والدٍ ... أحكم بالحذقِ وبالرفقِ
لو تجعل الإبرة رداً له ... لمرَّ كالبرقِ من الخرقِ
تأكل أرزاق بني آدمٍ ... لأنت مخلوقٌ بلا رزقِ

وقال البحتري في محمد بن إسحاق بن إبراهيم
زينت به الشرطة لما غدا ... إليه منها النهى والأمر
كأنما الحربة في كفه ... نجم الدجى شيعهُ البدرُ
ومثله قول ابن الرومي
لو تراهُ خلف السنانِ يهاوي ... هِ لأبصرتَ ماضياً خلفَ ماضِ
ولشبهت ذا وذاك شهابي ... نِ بليلٍ تهاويا بانقضاضِ
وله يصف جمة
كأنَّ بناتِ الماء في صرحِ متنها ... إذا ما علا تيارها وترفعا
زرابي كسرى بثها في صحابةٍ ... ليحضر وفداً أو ليجع مجمعا
تريك ربيعاً في خريفٍ وروضةً ... على لجةٍ بدعاً من الأمرِ مبدعا
وقال زهير
تراه إذا ما جئتهُ متهللا ... كأنك معطيهِ الذي أنت سائله
وقال ابن هرمة
حمدناك بالعرفِ الذي قد صنعتهُ ... كما حمد الساري السري حين أصبحا
وقال ابن الرومي
كل الخلال التي فيكم محاسنكمْ ... تشابهت فيكم الأخلاقُ والخلقُ
كأنكم شجر الأترجِ طابَ معاً ... حملاً ونوراً وطابَ العودُ والورقُ
وقال الطائي يهجو
عثمانُ لا تلهجْ بذكرِ محمدٍ ... ينهاك طول المجدِ عنه وعرضهُ
فكأن عرضك في السهولةِ وجههُ ... وكأنَّ وجهك في الحزونةِ عرضهُ
وقال ابن المعتز
قل لمن حيا فأحيا ... ميتاً يحسب حياً
ما الذي ضرك لو بق ... يت لي في الكأسِ شيا
أتراني كنتُ إلا ... مثل من قبلَ فيا
وقال ابن الرومي يهجو
كأنني بك قد قابلتَ بادرتي ... بالخرقِ تخبط فيها خبط عميتِ
كمتقٍ لح نارٍ فاستعدَّ لها ... بالجهل درعينِ من نفطٍ وكبريتِ
فكان عوناً عليه ما استعانَ به ... وشتتتهُ يداه أي تشتيت
وقال إبراهيم بن العباس في ابن الزيات نحوه
وإني وإعدادي لدهري محمداً ... كملتمسٍ إطفاء نارٍ بنافخِ
وقال ابن الرومي يهجو
يابنَ الزيوفِ التي أراها ... طارتْ فصيدتْ بكفِ قرطمْ
تعرضُ عرض الطعامِ جهراً ... في كل وقتٍ على مسلمْ
وكلهم قائلٌ هنيئاً ... لا يرتضي وطئها بمنسم
وللمسيب بن علس المتقارب
تبيتُ الملوكُ على عتبها ... وشيبان إنْ عتبتْ تعتبُ
وكالشهدِ بالراحِ أخلاقهمْ ... وأحلامهم منهما أعذبُ
وكالمسكِ ريح مقاماتهم ... وريح قبورهم أطيب
ولعبدة بن الطبيب يرثي قيس بن عاصم المنقري
عليك سلام الله قيس بن عاصم ... ورحمته ما شاء أن يترحما
تحية من أوليته منك نعمةً ... إذا زار عن شحطٍ بلادك سلما
وما كان قيسٌ هلكهُ هلكَ واحدٍ ... ولكنه بنيانُ قومٍ تهدما
وللطائي في الأفشين
كم نعمةٍ للهِ كانت عنده ... فكأنها في ظلمةٍ وإسار
كسيت سبائب لؤمهِ فتضاءلتْ ... كتضاؤل الحسناء في الأطمارِ
ولابن الرومي يستهدي رجلاً قدم من سيراف
أقسمتُ بالراحِ إذا أعملتْ ... واصطفق المزمار والمزهر
لو جاءنا العود وأتباعه ... وخيرهن العنبر الأخضر
لقد غدا يثني به شعرنا ... أضعاف ما يثني به المجمرُ
ولو أتى الكافورُ قلنا يدٌ ... بيضاءُ كالكافورِ لا تكفرُ
أو جاءنا من عندكم مركبٌ ... أحمرُ كالشعلةِ أو أشقرُ
مصرصرٌ لكنه صلبٌ ... عقاربُ الدارِ له تذعرُ
ما صر إلا ولنا نطقهُ ... بالشكرِ لا نحسرُ أو يحسرُ
ولابن المعتز يصف ديكاً المنسرح
بشر بالصبحِ طائر هتفا ... صاحَ من الليلِ بعدَ ما انتصفا
مذكراً بالصبوحِ صاحَ بنا ... كخاطبٍ فوق منبرٍ وقفا
صفق إما ارتياحةً لسنى الفجرِ وإما على الدجى أسفا
وله أيضاً يصف ديكاً المنسرح
وصاحَ فوق الجدارِ مشترفاً ... كمثل طرفٍ علاهُ أسوارُ
ثم غدا يسئل الفرات عن آلْ ... أزراقِ منها ثغر ومنقارُ
رافعُ رأسٍ طوراً وخافضه ... كأنما العرفُ منه منشارُ
وقال ابن الرومي المتقارب
فقدتك يابنَ أبي طاهرٍ ... وأطعمتُ ثكلك من شاعرِ
فلستَ بسخنٍ ولا باردٍ ... وما بين ذين سوى الفاترِ
وأنت كذاك تعشى النفو ... سَ تعشيةَ الفاترِ الخاثر
وله فيه المتقارب

فقدتك يابنَ أبي طاهرٍ ... وجرعتُ ثكلكَ قبلَ العشاءِ
فلا بردُ شعرك بردُ الشرابِ ... ولا حر شعركَ حر الصلاء
يذبذب قبلك بين الفنونِ ... فلا للطبيخِ ولا للشواء
وقال غيره
وشعرٍ كبعرِ الكبشِ مزق بينهُ ... لسانُ دعي في القريضِ وأخبل
وقال الآخر
ألم تر أن شعري سارَ عني ... وشعرك حولَ بيتكَ لا يسيرُ
وله في ضرطة وهب المنسرح
يا ضرطةً تخلق الزمان وما ... تبرح إحدى الطرائف الجدد
أرسلها صاحب البريد كما ... قوض بعض الهضاب من أحدِ
سارت بلا كلفةٍ ولا تعبٍ ... سير القوافي الأوابدِ الشردِ
كأنما طارت الرياحُ بها ... فألحقتها بكلِّ ذي بعد
لو أن أخبارهُ كضرطته ... إذنْ كفته مؤونة البردِ
وله في ذلك
حيا أبو حسنٍ وهبٌ أبا حسنٍ ... بضرطةٍ طيرت عثنونهُ خصلا
ثم استمرتْ فسارتْ في البلاد له ... كأنما أرسلت من دبره مثلا
وله فيه
يا وهبَ ذا الضرطة لا تبتئس ... فإن للأستاه أنفاسا
واضرط لنا أخرى بلا حشمةٍ ... كأنما خرقت قرطاسا
وله في غيره
ضرطة في قفاك يحسبه السا ... مع ثوباً من الحرير يقط
وقال علي بن جبلة الهزج
حميدٌ مفزع الأم ... ة في الشرق وفي الغرب
كأن الناسَ جسمٌ وه ... و منهم موضع القلب
وقال البحتري في أبي سعيد وقد حبس
وما هذه الأيام إلا مراحلٌ ... فمن منزلٍ رحبٍ ومن منزلٍ ضنكِ
وقد هذبتك النائباتُ وإنما ... صفا الذهب الإبريز قبلك بالسبك
وقال الخثعمي لمالك بن طوق
فلا يحسب الواشون حبسك مغنماً ... فإن إلى الإصدارِ ما غايةُ الوردِ
وما كنتَ إلا السيفَ جردَ في الوغى ... فأحمد حيناً ثم رد إلى الغمد
وقال إبراهيم بن العباس
وإذا جزى الله امرءاً حسناً ... فجزى أخاً لي ماجداً سمحا
ناديتهُ عن كربةٍ فكأنْ ... ناديتُ عن ليلٍ به صبحا
ونحوه قول ابن المعتز
باتت ركائبنا إليك بنا ... يخبطن أهل النار والنبحِ
فكأن أيديهنَّ دامية ... يفحصنَ ليلتهن عن صبح
وللبحتري يمدح علي بن مر
لا تعتب النائل المبذول همتهُ ... وكيف يتعب عين الناظر النظر
توسط الدهر أحوالاً فلا صغرٌ ... من الخطوبِ التي تعرو ولا كبر
كالرمح أذرعه عشر وواحدةٌ ... فليس يزري به طول ولا قصر
ومصعدةٌ في هضابِ المجدِ يطلعها ... كأنه لسكون الجأش منحدر
ما زال يسبق حتى قال حاسده ... له طريقٌ إلى العلياء مختصرُ
ونحوه قوله
وإذا أبو الفضل استعار سجيةً ... للمكرمات فمن أبي يعقوبِ
شرفْ تتابع كابراً عن كابرٍ ... كالرمحِ أنبوباً على أنبوبِ
وقال ابن الرومي يهجو رجلاً كان مع ابن عبيد الله بن سليمان بقصيدة ذكرنا أبيات التشبيه منها
أرقتُ كأني بت ليلى على الجمرِ ... أراعي كرى بين السماكين والنسر
ولم لا وخنزيرٌ مهينٌ يهينني ... فيقضي على نومي وأغضي على قسر
سأشكو إلى مستنكرِ النكرِ قاسمٍ ... فينظرُ في أمري بناظرتي صقرِ
وجشمت نفسي فيك كل عظيمةٍ ... إلى أن تكلفتُ الشفاعة من عمرو
فكان جوابي أن حجبتُ وهكذا ... يكون جواب المبتغي الغيث من قبرِ
فتى وجهه كالهجر لا وصل بعدهُ ... وإما قفاهُ فهو وصلٌ بلا هجرِ
وعوجَ من عمرو تمكنُ حبلهِ ... كما عوجتْ كف الصبي من السطرِ
ولوىَ عمروٌ ليَّ لبلابِ غيضةٍ ... وطالَ فما يعني بذرعٍ ولا حزرِ
وقد لقبوه نهر بوق تعسفاً ... وفي الوغدِ أشباهٌ من البوقِ والنهرِ
فللقدِ من طولٍ كنهرٍ معوجٍ ... وللأنفِ منه نغمةُ البوقِ في الكفرِ
وقال المتلمس
وهل لي أم غيرها إن تركتها ... أبى الله إلا أن أكونَ لها ابنما
وما كنتُ إلا مثل قاطع كفه ... بكفٍ له أخرى فأصبحَ أجذما
فلما استقاد الكف بالكفِ لم يكنْ ... له درك في أن يبين فأحجما
يداهُ أصابتْ هذه حتف هذه ... فلم تجد الأخرى عليها مقدما

فأطرق إطراقَ الشجاعِ ولو يرى ... مساغاً لنابيهِ الشجاعُ لصمما
وقال سعيد بن حميد في هذا المعنى المنسرح
لم آتِ ذنباً فإنْ زعمتَ بأنْ ... أتيتُ ذنباً فغيرُ معتمدِ
قد تطرفُ العينَ كفُّ صاحبها ... فلا يرى قطعها من الرشدِ
وقال ابن الرومي
شهر الصيام وإن عظمت حرمته ... شهر طويلٌ ثقيل الظل والحركه
يمشي الهوينا وأما حين يطلبنا ... فلا السليك يدانيه ولا السلكه
كأنه طالبٌ وتراً على فرسٍ ... أجد في إثرِ مطلوبٍ على رمكهْ
أذمهُ غيرَ وقتٍ فيه أحمدهُ ... من العشاء إلى أن تسقع الديكهْ
لو كان مولًى وكنا كالعبيد له ... لكان مولَى بخيلاً سيئ الملكهْ
وله أيضاً
رمضان تزعمه الغواةُ مباركاً ... صدقوا وجدك إنه لطويلُ
شهرٌ لعمري لا يقل قليلهُ ... وكذا المباركُ ليسَ فيه قليلُ
تتطاولُ الأيامُ فيه بجهدها ... فكأنَّ عهدَ الأمسِ فيه محيلُ
لو أنه للقاطعينَ مسافةٌ ... لحسبتُ أن الشبرَ منه ميلُ
وقال ابن أبي عيينة يهجو
كآبٍ لصدقِ القولِ لما لقيتهُ ... وأعلمتهُ ما فيه ألقمتهُ الحجرْ
أبوك لنا غيثْ نعيشُ بظلهِ ... وأنتَ جرادٌ لا تبقى ولا تذرْ
وقال ابن الرومي يهجو
أرواح فيك سقاطٌ لا يقامُ له ... والوجهُ منك ذرورٌ فيه إمضاضُ
وما تكلمتَ إلا قلتَ فاحشةً ... كأنَّ فكيكَ للأعراضِ مقراضُ
مهما نطقت فنبلٌ منك مرسلةٌ ... وفوكَ قوسكَ والأعراضُ أغراضُ
ومثله مما يشبه التشبيه من الاستعارة قول ابن هفان
لا تقعدنَّ مسامراً على الطرقِ ... إنْ كنتَ يوماً على عينيك ذا شفقِ
حوافرُ الخيلِ أقواسٌ وأسهمها ... ملس الحجارةِ والأغراضُ في الحدقِ
ولمروان بن أبي حفصة
بنو مطرٍ يومَ اللقاءِ كأنهم ... أسودٌ لها في غيلِ خفانَ أشبلُ
هم يمنعونَ الجارَ حتى كأنما ... لجارهمُ بينَ السماكينِ منزلُ
وأحسن منه قول ابن الرومي في أبي الصقر
تلقاهم ورماحُ الخطِّ حولهمُ ... كالأسدِ ألبسها الآجامَ خفانُ
وقال أبو نواس في الرشيد
إمامٌ يخافُ الله حتى كأنه ... يؤملُ رؤياهُ صباحَ مساءِ
أشمَّ طوالُ الساعدينِ كأنما ... يلاثُ نجادا سيفهِ بلواء
وله في محمد الأمين
سبطُ البنانِ إذا احتبى بنجادهِ ... غمرَ الجماجمَ والسماطُ قيامُ
وقال إبراهيم بن العباس يهجو المتقارب
فكنْ كيف شئت وقلْ ما تشاء ... وأبرقْ يميناً وأرعدْ شمالا
نجا بك لؤمكَ منجى الذبابِ ... حمتهُ مقاذيرهُ أن ينالا
وقال ابن الرومي في سعيد الصغير
يا أيها الرجل المدلس نفسه ... في جملةِ الأدباءِ والكرماءِ
بالبيتِ ينشدُ ربعهُ أو نصفهُ ... والخبزُ يزرأُ عنده والماءِ
تلديسهُ عند الكواعبِ لمةٌ ... مخضوبةٌ بالخضرِ والحناءِ
لا تكذبنَّ فإنَّ لؤمك ناصلٌ ... كنصولِ تلك اللمةِ الشمطاءِ
ولبشر بن أبي خازم
فإنكمُ ومدحكمُ بجيراً ... أبا لجإ كما امتدح الألاءُ
يراهُ الناسُ أخضرَ من بعيدٍ ... وتمنعهُ المرارةُ والإباءُ
ومثله قال ابن الرومي يستبطئ التوزي
ليس من حلَّ بالمحلِّ الذي أن ... تَ به من سماحةٍ ووفاء
بذل الوعدَ للأخلاءِ طوعاً ... وأبى بعد ذاك بذل الغناء
فغدا كالخلافِ يورقُ للعي ... نِ ويأبى الإثمارَ كلَّ الإباءِ
وقال العلوي الكوفي
حبَّ العواذلَ أن الوجدَ أوحشهُ ... من نومهِ فكأن النومَ تسهيدُ
أبقى الهوى منه جسماً كالهواءِ ضنًى ... تنسم الريحُ فيه وهو مفقودُ
كأنّ مدمعهُ تجري أوائلهُ ... كما يفيضُ على أخراهُ مردودُ
أتبعتها نفساً تدمى مسالكهُ ... كأنه من حمى الأحشاء مقدودُ
ونحوه قول الآخر المديد
نفسٍ تدمى مسالكهُ ... وأنينٍ لستُ أملكهُ
والذي أخفيهِ من حرقٍ ... فلسانُ الدمعِ يهتكهُ
وقال علي بن الجهم
أما ترى اليومَ ما أحلى شمائلهُ ... غيمٌ وصحوٌ وإبراقٌ وإرعادُ

كأنه أنتَ يا منْ لستُ أذكرهُ ... وصلٌ وهجٌ وتقريبٌ وإبعادُ
وقال آخر
كأن عيونَ القومِ حين يرونهُ ... عيونُ ضعافِ الطيرِ أبصرنَ بازيا
وكالعسلِ الصافي لأصحابِ ودهِ ... وسمٌّ يذيقُ الكاشحينَ القواضيا
ونحوه قول بعضهم في قتل عمرو بن سعيد الأشدق
كأن بني مروانَ إنْ يقتلونهُ ... بغاثٌ من الطيرِ اجتمعنَ على صقرِ
وقال ابن الرومي المجتث
تأملُ العيبِ عيبُ ... ما في الذي قلتُ ريبُ
والشعر كالعيش فيه ... مع الشبيبةِ شيبُ
فليصفحِ الناسُ عنه فطعنهمْ فيه غيبُ
حتى يعيش جريرٌ ... لعيبهِ أو نصيبُ
ومثل قوله والشعر كالعيش فيه قوله المنسرح
صبراً جميلاً فإنها بكرُ ال ... عيشِ ولا بدَّ من ودائقها
لكن آهاً لها مرملةً ... أعاذنا اللهُ من عوائقها
ومثله قوله
وما الدهرُ إلا كابنهِ فيه بكرةٌ ... وهاجرةٌ مذمومةُ الحرِ صيخدُ
وقال البحتري يمدح
صنتني من معاشرٍ لا يسمى ... أولوهم إلا غداةَ سبابِ
من جعادِ الأكفِ غيرِ جعادٍ ... وغضابِ الوجوهِ غيرِ غضابِ
خطروا خطرةَ الجهامِ وساروا ... في نواحي الظنونِ سير السرابِ
ومثله قوله
علمتك إن منيتَ منيتَ موعداً ... جهاماً وإنْ أبرقتَ أبرقتَ خلباً
وقال الخنساء ترثي أخاها صخراً
أغرُّ أبلجُ تأتمُّ الهداةُ به ... كأنه علمٌ في رأسهِ نارُ
مثلَ الرديني لم تنفدْ سريرتهُ ... كأنه تحتَ طيِّ البردِ أسوارُ
وقال أبو زبيد في غلامه وقد تبع حرباً قتل فيها
وقد تصليتَ حرَّ نارهم ... كما تصلى المقرورُ من قرسِ
تذبُّ عنه كفٌّ بها رمقٌ ... طيراً عكوفاً كزورِ العرسِ
عما قليلٍ علونَ جثتهُ ... فهنَّ من والغٍ ومنتهسِ
وقال ابن الرومي المتقارب
بني وهبِ باللهِ حارَ لكم ... من النائباتِ وأزمانها
يغيظُ العدَى أنكم عصبةٌ ... تبينَ رجحانُ ميزانها
وتقييدُ أطرافِ أقلامكمْ ... كأطرافِ أرماحِ فرسانها
لئن ضمنوا صونَ أملاكنا ... لما صان عيناً كأجفانها
وقال أبو العتاهية نحوه
وتقي المرء له واقيةٌ ... مثلما واقيةُ العينِ الجفونُ
ولأبي نواس في الفضل بن الربيع
كأن فيضَ يديه حين تسألهُ ... باب السماء إذا ما بالحيا انفتحا
وقال الطائي في الحسن بن وهب المنسرح
أبو علي أخلاقهُ زهرٌ ... غبَّ سماءٍ وروحهُ قدسُ
وحومةٌ للخطابِ فرجها ... والقومُ عجمٌ في مثلها خرسُ
شك حشاها بخطبةٍ عننٍ ... كأنها منه طعنةٌ خلسُ
أيامنا في ظلالهِ أبداً ... فصلُ ربيعٍ ودهرنا عرسُ
لا كأناسٍ قد أصبحوا صدأَ ال ... عيشِ كأنَّ الدنيا بهم حبسُ
في البعدِ منهم قربٌ من الروحِ وال ... وحشةُ من مثلهم هي الأنسُ
وقال ابن الرومي يهجو خالداً
أبلغا خالداً بأنكَ للشت ... مِ وللكلمِ في أديمكَ عطُّ
ضرطةٍ في قفاكَ يحسبهُ السا ... معُ ثوباً من الحريرِ يقطُّ
ألزمَ اللؤمُ أنفكَ الذلَّ حتى ... هي سيانِ ذلةٌ والمقطُ
ذاك تحتَ المذي مذال وهذا ... دملُ الذلةِ الذي لا يبطُّ
وقال البحتري في بني حميد
قبورٍ بأطرافِ الثغورِ كأنما ... مواقعها منها مواقع أنجمِ
ومثله قول الآخر
رمى الفقرُ بالفتيانِ حتى كأنهم ... بأطرافِ آفاقِ البلادِ نجومُ
وقال الطائي يرثي حميداً الطوسي
وقد كان فوتُ الموتِ سهلاً فردهُ ... إليه الحفاظُ المرُّ والخلق الوعرُ
ونفسٌ تعافُ العار حتى كأنهُ ... هو الكفرُ يومَ الروعِ أو دونهُ الكفرُ
وهذا مأخوذ من قول عبد يغوث اليهودي
ولو شئتُ نجتني من الخيلِ نهدةٌ ... ترى خلفها الجرد الجياد تواليا
ولكنني أحمي ذمارَ أبيكمُ ... وكان الرماحُ يختطفنَ المحاميا
وقال الطائي في بني حميد
عهدي بهم تستنير الأرضُ إن نزلوا ... بها وتجتمع الدنيا إذا اجتمعوا
ويضحك الدهر منهم عن غطارفةٍ ... كأنَّ أيامه من حسنها جمعُ

من لم يعاين أبا نصرٍ وقاتلهُ ... فما رأى ضبعاً في شدقها سبعُ
فيم الشماتةُ إعلاناً بأسد وغًى ... أفناهمُ الصبرُ إذ أبقاهم الجزع
وقال أوس بن حجر
معازيل حلالونَ بالغيب وحدهمْ ... بعيماءَ حتى يسئلوا الغد ما الأمرُ
فلو كنتم مر الليالي لكنتم ... كليلة سرٍّ لا هلالْ ولا بدرُ
وقال الأخطل
أما كليبُ بن يربوعٍ فليس لهم ... عند المكارمِ إيرادٌ ولا صدرُ
مخلفونَ ويقضي الناسُ أمرهمُ ... وهم بغيبٍ وفي عمياء ما شعروا
وقال جرير في بني لجإ
ويقضى الأمر حين تغيب تيمٌ ... ولا يستأذنونَ وهم شهودُ
وإنك لو رأيت عبيد تيمٍ ... وتيماً قلتَ أيهم العبيدُ
وقال آخر مثل شعر أوس
فلو كنتِ أرضاً كنتِ ميثاءَ سهلةً ... ولو كنتِ ليلاً كنتِ صاحبةَ البدرِ
ولو كنتِ ماء كنتِ ماء غمامةٍ ... ولو كنتِ نوماً كنتِ تعريسةَ الفجرِ
وقال آخر
لو كنتَ ماء لم تكنْ بعذبِ ... أو كنتَ طرفاً لم تكنْ بندبِ
أو كنتَ لحماً كنتَ لحمَ كلبِ ... أو كنتَ سيفاً كنتَ غيرَ عضبِ
وأنشد المبرد
لو كنتَ ماءً لم تكنْ طهورا ... أو كنتَ ريحاً كانت الدبورا
أو كنتَ غيماً لم تكنْ مطيرا ... أو كنتَ مخاً كنتَ مخاً ريرا
وقال ابن الرومي يهجو
أأبيت يوسفُ دعوةَ المستصغرِ ... ويلَ التي حملتك تسعةَ أشهرِ
بظراءَ عنبلها كعظمِ ذراعها ... بخراء ثم أتت بأعمى أبخرِ
وتبيتُ بين مقابلٍ ومدابر ... مثل الطريقِ لمقبلٍ ولمدبرِ
كأجيرٍ المئشارِ يجتذبانهِ ... متنازعين في فليجِ صنوبرِ
وله في أبي الحسن المنسرح
صيغَ الحجى من سكونهِ صيغاً ... راقتْ وصيغَ الذكاءَ من حركهْ
أخو فعالٍ كأنَّ زهرَ نجو ... مِ الليلِ مطبوعةٌ على سككهْ
كأنما القطرُ من ندى يدهِ ... والبرقُ من بشرهِ ومن ضحكهْ
ولعلي بن محمد العلوي الهزج
وبيتٍ قد بنينا فا ... ردٍ كالكوكبِ الفردِ
رفعنهُ على أعم ... دةٍ من قضبِ الهندِ
على حقفِ نقى مثلِ ... تداريجِ قفا جعدِ
ولأبي نواس
وخيمةِ ناطورٍ برأسِ منيفةٍ ... تهمُّ يدا من رامها بزليلِ
وضعنا بها الأثقالَ فلَّ هجيرةٍ ... عبوريةٍ ت ذكى بغيرِ فتيلِ
تأيتْ قليلاً ثم فاءتْ بمذقةٍ ... من الظلِّ في رثِّ الأباءِ ضئيلِ
كأنَّ لديها بينَ عطفيْ نعامةٍ ... جفا زورها عن مبركٍ ومقيلِ
يذكر أنه قصد خيمة الناطور وقت الهاجرة وعبورية يعني وقت الشعري العبور وهي متوسط السماء في أشد الحر وقوله تأيت قليلاً يعني أن الشمس اعتدلت في الجو ثم مالت وفاءت من الفيء والظل ما لم تقع عليه الشمس والفيء ما كانت عليه ثم مالت عنه، والظل للغداة والفيء للعشي والإباء أطراف القصب فشبه خيمة الناطور بنعامة غير باركة وقال مسلم بن الوليد
فأقسمتُ أنسى الداعيات إلى الصبا ... وقد فاجأتها العينُ والسترُ واقعُ
فغطتْ بأيديها ثمارَ صدورها ... كأيدي الأسارَى أثقلتها الجوامعُ
وقال البحتري يهجو المنسرح
كأنَّ في فيه لقمةً عقلتْ ... لسانهُ فالتوى على جنفِ
يحركْ رأسهُ توهمهُ ... قد قام من عطسةٍ على شرفِ
وقال ابن الرومي
عليَّ دينٌ ثقيلٌ أنتَ قاضيهِ ... يا من يحملني ديني رجائيهِ
لا تجعلني كراجي الغيثِ أضعفهُ ... وإنما آملُ الإسعاءِ راجيهِ
وقال الناجم في ابن خبازٍ وذكر أمه
شمطتْ إستها بغلمةِ فرجٍ ... فركتهُ كلحيةِ الخبازِ
فرجها واستها الرحيبة كالبح ... رينِ لكن لم يحجزا بحجاز
عجبي من بيوت آل خبازٍ ... كبيوتِ الشطرنجِ كل منازِ
كم رأينا الأيور تنحو خصاهمْ ... كانتحاء التيارِ للأجوازِ
وقال الحطيئة
وقد مدحتكم عمداً لأرشدكمْ ... كيما يكون لكم متحي وإمراسي
فما ملكتُ بأنْ كانت نفوسكم ... كفاركٍ كرهت ثوبي وإلباسي
وقال البحتري يمدح
سحابٌ إذا أعطى حريقٌ إذا سطا ... له عزةُ الهنديِّ في هزةِ الغصنِ
لجأنا إلى معروفه فكأننا ... لمنعتنا فيه لجأنا إلى حصنِ

وقال الطائي في أبي سعيد
أمسى ابتسامك والألوانُ كاسفةٌ ... تبسمَ الصبحِ في داجٍ من الظلمِ
كذا أخوك الندى لو أنهُ بشرٌ ... لم يلف طرفةَ عينٍ غيرَ مبتسمِ
رددتَ إفرندَ وجهي في صحيفتهِ ... ردَّ الصقالِ بهاء الصارمِ الخذمِ
وما أبالي وخيرُ القولِ أصدقهُ ... حقنتَ لي ماء وجهي أو حقنتَ دمي
وقال حطان بن المعلى
لولا بنياتٌ كزغب القطا ... حنينى من بعضٍ إلى بعضِ
لكن لي مضطربٌ واسعٌ ... في الأرضِ ذاتِ الطولِ والعرضِ
وإنما أولادنا بيننا ... أكبادنا تمشي على الأرضِ
وقال أعرابي في أولاده
إن فراخاً من وراء الأحشر ... تركتهم كبيرهمْ كالأصغرِ
عجزاً عن الحيلةِ والتمشرِ ... ذكرى لديهم مثل طعمِ السكرِ
ووجدهمْ بي مثل وجدِ الأعورِ ... بعينهِ إنْ ذهبتْ لم يبصرِ
وقال ابن الرومي
له عرسٌ له شركاءُ فيها ... كسابلةٍ تضمهمُ السبيلُ
يحلُّ لبعلها مائةٌ سواها ... لأنَّ نصيبهُ منها قليلُ
وقال ابن المعتز
يا ليلةً ما كان أط ... ولها سوى قصرِ البغاءِ
أحييتها وأميتها ... وطويتها طيَّ الرداءِ
حتى رأيتُ الشمسَ تت ... لو البدرَ في أفقِ السماءِ
فكأنه وكأنها ... قد حانِ من خمرٍ وماء
ولابن المعتز نحوه
لما رأيتُ البدرَ في ... أفقِ السماءِ وقد تعلى
ورأيتُ قرنَ الشمسِ في ... أفقِ المغيبِ وقد تدلَّى
شبهتُ ذاكَ وهذهِ ... وأرى شبيههما أجلا
وجهَ الحبيبِ إذا بدا ... وقفا الحبيبِ إذا تولى
وقال ابن الرومي
عيني شحاً ولا تسحا ... جل مصابي عن البكاءِ
ترككما الداءَ مستكناً ... أصدقُ عن صحةِ الوفاءِ
إنَّ الأسى والبكاء قدماً ... أمرانِ كالداءِ والدواءِ
وما ابتغاءُ الدواءِ إلا ... بغيا سبيلٍ إلى البقاءِ
ومبتغى العيشِ بعد خلٍّ ... كاذبهُ خلةَ الصفاءِ
وقال الطائي يستعطف أبا سعيد لابنه
هلالْ لنا قد كان ينجمُ ضوءهُ ... فأعيننا نصبٌ متى تستهلهُ
هو السيفُ عضباً قد أرثتْ جفونهُ ... وضيعَ حتى كلُّ شيءٍ يفلهُ
للمهلبي يهجو خالد بن يزيد بن عمه
ما كنتَ إلا كلحمِ ميتٍ ... دعا إلى أكلهِ اضطرار
وقال محمود الوراق
ذممتك أولاً حتى إذا ما ... بلوتُ سواكَ عادَ الذمُّ حمدا
فلم أحمدك من خيرٍ ولكنْ ... رأيتُ سواكَ شراً منك جدا
فعدتُ إليك مختلاً ذليلاً ... لأني لم أجدْ من ذاك بدا
كمجهودٍ تعاظمَ أكلَ ميتٍ ... فلما اضطرَّ عادَ إليه شدّا
وقال ابن الرومي
ربِّ أنصفني من الدهرِ فما ... ليَ إلا بك منه منتصفْ
يسفلُ الناسُ ويعلو معشرٌ ... فارقوا الأقرانَ من كلِّ طرفْ
ولعمري لو تأملناهم ... ما علوا لكن طفوا مثل الجيف
جيفٌ تطفو على بحرِ الغنى ... حين لا تطفو خبيئاتُ الصدفْ
وقال ابن الرومي
ألا أيها ذا السائلي عن معاشرٍ ... يزيدهم لومُ الفعالِ تعاليا
كذا جيفُ الموتى إذا هي أنتنتْ ... وأجوتْ بطونَ الماءِ تعلو طوافيا
وله نحوه
دهرٍ علا قدرُ الوضيعِ به ... وهوى الشريفُ يحطهُ شرفهْ
كالبحرِ يسفلُ فيه لؤلؤهُ ... سفلاً وتطفو فوقهُ جيفهْ
وقال دعبل يهجو الحسن بن وهب
يا منْ يقلبُ طوماراً وينشره ... ماذا بقلبك من حبِ الطواميرِ
فيه مشابهُ من شيءٍ تسرُّ به ... طولاً بطولٍ وتدويراً بتدويرِ
ولابن بسام يهجو بنات طومار
لبناتِ طومارٍ على نظرائهمْ ... فضلٌ سيظهرُ فيهم ويبينُ
سيتدخلونَ أباهمُ من حبهم ... فالشيخُ في أستاههم مدفونُ
وقال آخر نحوه وهو البلاذري
يا وهبُ يا عرةَ الحضورِ ... تضرطُ في مجلسِ الأميرِ
شبهتُ طومارهُ بأيرٍ ... أفرطَ في شهوةِ الأيورِ
وقال آخر
ما زال منبركَ الذي فارقتهُ ... بالأمسِ منك كحائضٍ لم تطهرِ
وقال ابن الرومي يهجو
تطمثُ الأرضُ من مواطئِ بورا ... نَ ولو بينَ زمزمٍ والحطيم

أفحش القذفِ والهجاء لبورا ... نَ طهورٌ كالرجمِ للمرجومِ
هي طيفُ الخيالِ تطرقُ أهلَ الْ ... أرضِ من بين ظاعنٍ ومقيم
هي بالليلِ كلُّ شيءٍ تراهُ ... ماثلاتً في الظلامِ كالجرثومِ
لا تملُّ البروك أو يقع الطي ... رُ على ظهرها كبعض الأرومِ
وذكر سعة الفرج فقال
يسعُ السبعةَ الأقاليمِ طراً ... وهو في أصبعين من أقليمِ
كضميرِ الفؤادِ يلتهمُ الدنيا وتحويهِ دفتا حيزومِ
وفيها يقول على لسان مثقالٍ
ثم حاولتَ بالمثيقيلِ تصغي ... ري فما زدتني سوى تعظيمِ
كالذي طأطأ الشهابَ ليخفى ... وهوَ أدنى له إلى التضريمِ
وقال البحتري يمدح
عددتُ فلم أدركْ لفضلكَ غايةٌ ... وهل يدركُ السارونَ للشمسِ مطلعا
وما كنتُ في وصفيكَ إلا كمفندٍ ... يقيس قرى الأرضِ العريضةِ أذرعا
وقال أبو السمح
شربنا برأسِ الديرِ حتى كأننا ... ملوكْ حبتْ ما بينَ هيتٍ إلى مصرِ
فلما بدتْ شمسُ النهارِ وأشرقتْ ... تجلى الغنى عنا وعدنا إلى الفقرِ
ومثله قول الأخطل
إذا ما خليلي علني ثم علني ... ثلاثَ زجاجاتٍ لهنَّ هديرُ
خرجتُ أجرُّ الذيلَ مني كأنني ... عليك أمير المؤمنين أميرُ
وقال ابن الضحاك
وكالوردةِ البيضاء حيا بوردةٍ ... من الوردِ يسعى في قراطق كالوردِ
وقال ابن المعتز
كما يخلق الثوبَ الجديدَ ابتذالهُ ... كذا تخلقُ المرءَ العيونُ اللوامحُ
وهذا من جيد التشبيه ومن أجود الأمثال في ذلك قول الطائي
وطول مقامِ المرءِ في الحي مخلقٌ ... لديباجتيه فاغتربْ تتجددِ
فإني رأيت الشمس زيدتْ محبةً ... إلى الناس أن ليستْ عليهم بسرمدِ
وقال إسحاق بن أبي ربيع
وألتذُّ ما أهواهُ والموتُ دونهُ ... كشاربِ سمٍ في إناءٍ مفضضِ
فتوشكُ أمراضي تخلُّ بمرضةٍ ... تفرقُ ما بيني وبين ممرضي
وقال ابن الرومي يخاطب بني سليمان بن وهب
وأنتمُ النخلةُ الطولى التي بسقتْ ... قدماً وبوركَ منها الأصلُ والطرفُ
فإنْ زوى عني الجمارُ طلعتهُ ... فلا يصبني بحدي شوكهِ السعفُ
وللطائي يفخر بقومه
مضوا وكأنّ المكرماتِ لديهم ... لكثرةِ ما وصوا بهن شرائع
يمدون بالبيضِ القواطعِ أيدياً ... وهنَّ سواءٌ والسيوفُ القواطعُ
وقال يذكر عمورية حين أحرقت
أعدت فيها بهيم الليل وهو ضحى ... يشلهُ وسطها صبحُ من اللهب
كان سود جلابيب الدجى رغبت ... عن لونها أو كأنَّ الشمسَ لم تغبِ
وقال البحتري في الحسن بن مخلد
ولي السياسة واسطاً ... بين التسهل والتشددْ
غيرَ المغمرِ في الند ... ي ولا الخلي إذا تفردْ
كالسيف يقطعُ وهو مس ... لولٌ ويرهبُ وهو مغمدْ
وقال ابن الرومي يمدح صاعد بن محمد نحو هذا
له سورةٌ مكتنةٌ في سكينةٍ ... كما اكتنَّ في الغمدِ الجرازُ المهندُ
إذا شامها قرتْ قلوبٌ مقرها ... وإن سلَّ منها فالفرائصُ ترعدُ
وقال مروان بن أبي حفصة
والرأيُ كالسيفِ ينبو إنْ ضربتَ به ... في غمدهِ وإذا جردتهُ قطعا
ولابن الرومي
هلْ حاكمٌ عدل الحكو ... مةِ منصفٌ لي من ظلومِ
باتتْ بظاهرها وسا ... وسُ من جليٍّ كالنجومِ
ولباطني منها وسا ... وسُ من همومِ كالخصومِ
شتان بينَ الحالتي ... ن من المواصلِ والصرومِ
كم بين وسواسِ الجل ... يِّ وبين وسواسِ الهمومِ
وقال آخر
وإنَّ كلامَ المرءِ في غيرِ كنههِ ... لكالنبلِ تهوي ليسَ فيها نصالها
ونحوه قول المتوكل الليثي
والشعر لبُّ المرءِ يعرضهُ ... والقولُ مثلُ مواقعِ النبلِ
منها المقصرُ عن رميتهِ ... ونوافذْ يذهبنَ بالخصلِ
وقال مخلدٌ يهجو
أراكم تنظرونَ إلى شزراً ... كما نظرتْ إلى الشيبِ الملاحُ
تحدونَ الحداق إليّ غيظاً ... كأني في عيونكمُ السماحُ
وقال جرير
قومٌ إذا غضبوا دقتْ أنوفهمُ ... دقَّ المضبب أستاه المساميرِ
وقال آخر

فما إنْ في الحريش ولا عقيلٍ ... ولا أولادِ جعدةَ من كريمِ
أولائك معشرٌ كبناتِ نعشٍ ... رواكدَ لا تسيرُ مع النجومِ
وقال آخر
ترى الشيخ منهم يمتري الأيرَ باستهِ ... كما يمتري الثدي الصبي المجوعُ
وقال بشار
أبا أحمدٍ طالَ انتظاري ثلثةً ... ووعدك داءٌ مثل داءِ المبلسمِ
أرحني بيأسٍ أو بتعجيلِ حاجةٍ ... وإيتِ بها ليسَ الندى بمحرمِ
وإلا فبين لي بها وجهَ مخرجٍ ... كفى ببيانٍ من فصيحٍ وأعجمِ
ولا تكُ كالعذراءِ يومَ نكاحها ... إذا استؤذنت في نفسها لم تكلمِ
ومثله قول مسلم المنسرح
يا ضيفَ موسى أخي خزيمةَ صمْ ... أو فتزودْ إنْ كنتَ لم تصمِ
أطرقَ لما أتيتُ أمدحهُ ... فلم يقلْ لا فضلاَ عليَ نعمِ
فخفتُ إنْ ماتَ أن أقادَ بهِ ... فقمتُ أبغي النجاةَ من أممِ
وقال آخر في الضفادعِ
ومقعداتٍ ولهنَّ أرجلُ ... كقعدةِ الناكحِ حين ينزلُ
وقال البحتري يمدح
سلامٌ وإنْ كان السلامُ تحيةً ... فوجهكَ دون الردِّ يكفي المسلما
ألستَ ترى مد الفراتِ كأنه ... جبالُ شرورَى جئن في البحر عوما
ولم يكُ من عاداتهِ غيرَ أنهُ ... رأى شيمةً من جارِهِ فتعلما
وقال أبو نواس وقد ترك الشراب
صار حظي منها إذا هي دارتْ ... أن أراها وأن أشم النسيما
فكأني وما أحسنُ منها ... قعديٌّ يزينُ التحكيما
لم يطقْ حملةَ السلاحَ إلى الحرْ ... بِ فأوصى المطيقَ ألا يقيما
وقال عباس المصيصي المنسرح
أربعةٌ من مؤذني حلبِ ... لم تخطِ ألحانهم من الصخبِ
كأنَّ عند الندا حلوقهمُ ... تضربُ فيها الجمالُ بالخشبِ
قبحَ صوتُ الإمامِ بعدهمُ ... يضربنا في الصفوفِ بالركبِ
تحسبُ بعضَ البغالِ مجتهداً ... يدورُ في خلقةٍ على القطبِ
وقال ابن الرومي يهجو
ترى العمل الجسيم إذا تولى ... سياستهُ كعبدٍ يستبيعُ
فإنْ هو بيعَ من أممٍ عليه ... وإلا فالإباقُ له شفيعُ
وقال أبو نواس في الخطاف
اشربْ على رؤية الخطافِ إذْ ظهرا ... كأساً تطايرُ من حافاتها الشررا
أحببْ إليَّ بها طيراً إذا ظهرتْ ... جاءتْ تسوقُ إليكَ النورَ والزهرا
كأنَّ أصواتها في الجوِّ طائرةً ... صوتُ الجلامِ إذا ما قصتِ الشعرا
وقال ابن مناذر
وما الثقفي إنْ جادتْ كساهُ ... وراعكَ شخصهُ إلا خيالُ
وقال ابن الرومي
ما أنتَ إلا خيالٌ طاف طائفهُ ... وما هجائيك إلا هجرُ وسنانِ
وله أيضاً
وإنْ كنتُ لا أهجوكَ إلا كحالمٍ ... يرى ما يراه النائمونَ فيهجرُ
لأنك معدومُ النظيرِ وإنما ... يرينيكَ ظني ريثما أتدبرُ
فإنْ كنتَ شيئاً ثابتاً فهباءةً ... تضاءلُ في عين اليقينِ وتصغرُ
أنشد دعبل
سمتُ المديحَ رجالاً دون مالهم ... ضدٌّ قبيحٌ ولفظٌ ليس بالحسنِ
فلم أفزْ منهم إلا كما حملت ... رجلُ البعوضةِ من فخارةِ اللبنِ
وقال البحتري
بليتُ بمدحِ الباخلين كأنني ... على الأجودينَ الغرِ بالمدحِ باخلُ
وكنتُ وقد أملتُ براً لنائلِ ... كطالبِ جدوى خلةٍ لا تواصلُ
وقال ابن الرومي في ابن غياث كاتب سعد الحاجب
أقول لابن غياثٍ إذْ رأيتُ له ... شيخاً خساستهُ تحويهِ لا الشيخُ
لم أنتَ أصيدُ تزهاهُ نظافتهُ ... ولمْ أبوك عليه الذلُّ والوسخ
فقال لا تلحينا في تفاوتنا ... فإننا كتبٌ آباؤنا نسخُ
وقال أيضاً وفي الأمثالِ متسعٌ ... قد يخرجُ النخلةَ الفينانةَ السبخُ
والمعنى في هذا التشبيه لأحمد بن الحسين المتكلم في قوله غناء الرجال نسخٌ تحررها النساء ولابن المعتز في مقبرة المحلة
وسكانِ دارٍ لا تزاورَ بينهم ... على قربِ بعضٍ في التجاورِ من بعضِ
كأنَّ خواتيماً من الطينِ فوقهمْ ... فليسَ لها حتى القيامةِ من فضِ
وهو مأخوذ من قول أبي نواس
وجاورتُ قوماً لا تزاورَ بينهم ... ولا وصلَ إلا أنْ يكون نشورُ
وقال أبو عثمان الناجم
رأيتُ إسماعيلَ في طبه ... يعجز عن داءٍ وتحصيلهِ

يقتلُ من عالج في سرعةٍ ... كأنما دسَّ لتعجيلهِ
وقال أبو نواس
وكأنَّ سعدى إذْ تودعنا ... وقد اشرأب الدمعُ أن يكفا
رشأ تواصينَ القيانُ به ... حتى عقدنَ بأذنهِ شنفا
وقال البحتري لسعدٍ حاجب عبيد الله بن يحيى المتقارب
وأظلمتَ حينَ لبستَ السوادَ ... ظلامَ الدجى لم يسر راكبهْ
ولما حضرنا لإذنِ الوزيرِ ... وقد رفعهَ السترُ أو جانبهْ
ظللنا نرجمُ فيك الظنونَ ... أحاجمهُ أنتَ أم حاجبهْ
وقال فيه وقد صالحهُ ثم انكسر المتقارب
وثقنا بسعدٍ فما أنجحتْ ... أمانةُ سعدٍ ولا خونهُ
وقد بزَّ أدهمهُ لونهُ ... فجاء سواء وبرذونهُ
وكيف سكوني إلى غيبهِ ... ولونُ يدي عندهُ لونهُ
وقال الطائي
ستصبحُ العيسُ بي والليلُ عند فتى ... كثيرِ ذكر الرضى في ساعةِ الغضبِ
كالغيثِ إنْ جئتهُ وافاك ريقهُ ... وإنْ تحملتَ عنه كان في الطلبِ
وقال ابن الرومي
رأيتكمُ تبدونَ في الحربِ عدةً ... ولا يمنعُ الأسلابَ منكم مقاتلُ
فأنتمْ كمثلِ النحلِ يشرعُ شوكهُ ... ولا يمنعُ الخرافَ ما هو حاملُ
وقال أبو نواس في جعفر بن يحيى
عجبتُ لهارونَ الإمام وما الذي ... يود ويرجو فيك يا خلقة السلق
قفا خلف وجهٍ قد أطيلَ كأنه ... قفا مالكٍ يقضي الهموم على ثبقِ
وقال الطائي
الحسنُ بنُ وهبٍ ... كالمزنِ في انسكابهِ
في الشرخ من نداهُ ... والشرخِ من شبابهْ
وحلةٍ كساها ... كالحلي في التهابهْ
فاستنبطتْ مديحاً ... كالأري في لصابهْ
فراحَ في ثنائي ... ورحتُ في ثيابهْ
وقال البحتري في صاعد
لا أدعي لأبي العلاء فضيلةً ... حتى يسلمها إليه عداهُ
سيانِ وسميُ فعلهِ ووليهُ ... كالغيثِ أقصاهُ أخو أدناهُ
وقال الطائي
نسيتُ إذنْ كم من يدٍ لك شاكلتْ ... يد القربِ أعدتْ مستهاماً على البعدِ
ومن زمنٍ ألبستنيهِ كأنه ... ذا ذكرتْ أيامهُ زمنُ الوردِ
وقال أحمد بن يوسف الكاتب في موسى بن عبد الملك
لا تعذلني يا أبا جعفرٍ ... عذلُ الأخلاءِ من اللؤمِ
أستٌ له مشربةٌ حمرةٌ ... كأنها وجنةُ مكظومِ
ونحو ذلك قول البحتري
لا تلمهُ على مواصلةِ الدمعِ فلؤمٌ لومُ الخليلِ الخليلا
وقال الطائي
ونعمةٍ منه تسربلتُها ... كأنها طرةُ بردٍ قشيبْ
من اللواتي إنْ ونى شاكرٌ ... قامت لمسديها مقام الخطيبْ
ومثل هذا وإن لم يكن فيه تشبيه قول نصيب
فعاجوا فأثنوا بالذي أنت أهلهُ ... ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب
وهذا مثل قولهم لسان الحال أفصح من لسان الشكوى وقال البحتري
إنْ يثنِ إسحاقُ بنُ كنداجيقَ بي ... أرضَ فكلُّ الصيدِ في جوفِ الفرا
إن حزَّ طبقَ غيرَ مخطئ مفصلٍ ... أو قال أنجحَ أو تدفقَ أغزرا
والوعدُ كالورقِ النضيرِ تأودتْ ... فيه الغصونُ ونجحها أن تثمرا
وذكر فيه كاتبه ابن الفياض فقال
آدَى عليَّ ما عليه مورداً ... للأمرِ عندَ المشكلاتِ ومصدرا
متقبلٌ من حيثُ جاء حسبتهُ ... لقبولهِ في النفسِ جاء مبشرا
وقال آخر
وقد ونم الذبابُ عليه حتى ... كأنَّ ونيمهُ نقطُ المدادِ
وقال ابن الرومي المتقارب
أبلغْ لديكَ بني طاهرٍ ... أساةَ الخلافةِ من دائها
علوتمْ علوَ نجومِ السماء ... فنوءٌ علينا كأتوائِها
وقال أبو نواس يهجو
وما أبقيتُ من عيلانَ إلا ... كما أبقت من البظْرِ المواسي
وقالت كاهلْ وبنو قعينٍ ... حنانكَ إننا لسنا بناسِ
وقال ابن الرومي يهجو
لوْ أنَّ رجلَيْ عرسهِ يداها ... ما أخطأتها رحمةٌ تغشاها
مذ خلقتْ مرفوعةً رجلاها ... كأنما تستغفرانِ اللاها
ومثله قوله
يعملنَ فيه عملاً صالحاً ... يرفعهُ الله إلى أسفلِ
يستغفرُ الناسُ بأيديهمُ ... وهنَّ يستغفرنَ بالأرجلِ
وقال ابن المعتز المنسرح
فكمْ عناقٍ لنا وكم قبلٍ ... مختلساتٍ حذارَ مرتقبِ

تقرَ العصافيرِ وهي خائفةٌ ... من النواطيرِ يانعَ الرطبِ
وقال أبو العتاهية
ثوبُ من ماتَ على وارثهِ ... وعلى منْ مات ثوبٌ من مدرْ
وكأنَّ الشيءَ مما قد مضى ... وانقضى نقرةُ عصفورٍ نقرْ
وقال أبو نواس يصف السفينة
يا منْ تأهبَ مزمعاً برواحِ ... متأمماً بغدادَ غيرَ ملاحِ
في بطْنِ جاريةٍ كفتكَ بسيرها ... رفلانَ كلِّ شناحةٍ وشناحِ
فكأنها والماءُ ينطحُ صدرها ... والخيزرانةُ في يد الملاحِ
جونٌ من العقبانِ يبتدرُ الدجى ... يهوى بصوتٍ واصطفاقِ جناحِ
وقال الجماز المتقارب
إذا كنتَ لا تستطيعُ الجماعَ ... وكنتَ بحبِّ الزنا مولعُ
فإنك في ذاك مثل المسنِّ ... يحدَّ الحديدَ ولا يقطع
ومثله قول ابن المعتز المتقارب
وأفتى النميريُّ قوادهُ ... وفتيا النميريِّ فسقٌ وعيُّ
فإنك قينٌ تحدُّ السلاحَ ... وليس عليك من القتلِ شيُّ
وقال آخر
دنسُ القميصِ غليظهُ ... منْ غيرِ لحمتهِ سداهْ
وشعارهُ من شعرهِ ... فكأنه من مسكِ شاهْ
وقال الأعشى
وعريتَ من ملكٍ ومالٍ جمعتهُ ... كما عريتْ من بزلهنَّ المغازلُ
والعرب تقول أعرى من مغزلٍ وأكسى من بصلة وقال أبو نواس في البرامكة
لقد غرسوا غرسَ النخيلِ وثاقةً ... وما حصدوا إلا كما يحصدُ البقلُ
وقال ابن الرومي يهنئ أبا الصقر بيوم أضحى كان فيه نيروز
أسعدْ بعيدِ أخي نسكٍ وإسلامِ ... وعيدِ لهوٍ طليقِ الوجهِ بسامِ
عيدانِ أضحى ونيروزٌ كأنهما ... يوماً فعالكَ من بؤسٍ وإنعامِ
من ناضحٍ بالذي تحيى النفوسُ به ... وحائلٍ بينَ أرواحٍ وأجسامِ
كذاكَ يوماكَ يومٌ سيبهُ ديمٌ ... على العفاةِ ويومٌ سيفهُ دامِ
رأيتُ أشرافَ خلقِ اللهِ قد جعلوا ... للناسِ هاماً وأنتمْ أعينُ الهامِ
أنتم نجومُ سماءٍ لا أفولَ لها ... وتلكَ أشرفُ من نيرانِ أعلامِ
وخافكمْ كلُّ شيءٍ فاكتسى نفقاً ... كأنه في حشاهُ حرفُ إدغامِ
وقال منصور بن الفرج
إنْ تأتهِ يك منه ربعكَ مخصباً ... والأرضُ مجدبةٌ كخدِّ الأمردِ
طلبَ المحامدَ جاهدا وهيَ التي ... لا يحتويها طالبٌ لم يجهدِ
وقال ابن أبي حفصة في ابن المعتز المتقارب
وأنسبُ في مدحكمْ خامساً ... وآمل ألا أكون الأخير
طلب المحامد جاهدا وهي التي ... توارثكمْ تاجكمْ والسريرا
وقال الأحوص
إني على ما تعلمينَ محسدٌ ... أنمي على البغضاءِ والشنآنِ
إني إذا خفى الرجالُ وجدتني ... كالشمسِ لا تخفى بكلِ مكانِ
وقال الكميت
وجدتُ الناسَ غيرَ بني نزارٍ ... ولم أذممهمُ وسطاً ودونا
وأنهمُ لإخوتنا ولكنْ ... أناملُ راحةٍ لا يستوينا
وقال البحتري مثلهُ
وظنك بالضرائبِ إنْ تكافأ ... كظنكَ بالأناملِ يستوينا
وقال كثيرُ عزة
وكانتْ لقطعِ الوصلِ بيني وبينها ... كناذرةٍ نذراً وفتْ وأحلتِ
وإني وتهيامي بعزةَ بعدما ... تخليتُ مما بيننا وتخلتِ
لكالمرتجي ظلَّ الغمامةِ كلما ... تبوأ منها للمقيلِ اضمحلتِ
وقال الفرزدق
وإنَّ امرأ يسعى يخبب زوجتي ... كساعٍ إلى أسدِ الشرى يستبيلها
ومن دونِ أبوالِ الأسودِ بسالةٌ ... وبسطةُ أيدٍ يمنعُ الضيمَ طولها
ومثله قول الطرماح
يا طيئَ السهلِ والأجبالِ موعدكمْ ... كمبتغى الصيدِ في عريسةِ الأسدِ
والليثُ من يلتمسْ صيداً بعقوتهِ ... يعرجْ بحوبائهِ من آخرِ الجسدِ
وقال جميل
يهواك ما عشنا الفؤادُ وإنْ نمتْ ... يتبعْ صدايَ صداكِ بينَ الأقبرِ
إني إليكِ بما وعدتِ لناظرٌ ... نظرَ الفقيرِ إلى الغني المكثرِ
وقال الحطيئة
أكلَّ الناسِ تكتمُ حبَّ هندٍ ... وما يخفى بذلك من خفيِّ
فما لك غيرُ تنظارٍ إليها ... كما نظرَ الفقيرُ إلى الغنيِّ
وقال البحتري يهجو
ومؤمرٍ صارعتهُ عن عرفهِ ... فوجدتُ قدسَ معمياً بعمائهِ
جدةً تذودُ البخلَ عن أطرافِها ... كالبحرِ يدفعُ ملحهُ عن مائهِ

وقال المصيصي ووهبَ له رجلٌ ديناراً خفيفاً
دينارُ يحيى زائدُ النقصانِ ... فيه علامةُ سكةِ الحرمانِ
قد دقَّ منظرهُ ودقَّ خيالهُ ... فكأنهُ روحٌ بلا جثمانِ
أو عاشق ولع الحبيب بهجره ... فأذابه بحرارة الهجران
أهداهُ مكتتماً إلى برقعةٍ ... فوجدتهُ أخفى من الكتمانِ
وله فيه
دينارُ يحيى ذلك الرجسِ ... كأنما جاءَ من الحبسِ
وفي هبوبِ الريحِ يحكي لنا ... تقلبَ الرقاصِ في العرسِ
قد لعبَ السقمُ بجثمانهِ ... فهو خيالٌ واقفُ النفسِ
كأنه في الكفِّ من خفةٍ ... مقدارهُ من صفرةِ الشمسِ
وقال أمية بن أبي عائذٍ الهذلي المتقارب
أفاطمَ حييت بالأسعدِ ... متى عهدنا بكِ لا تبعدى
كأنّ بعينيَّ وجداً بها ... قذاةً تحثحثُ بالمرودِ
وقال عمر بن أبي ربيعة
فلما تواقفنا عرفتُ الذي بها ... كمثلِ الذي بي حذوكَ النعلَ بالنعلِ
فقالتْ وأرحتْ جانبَ السترِ إنما ... معي فتحدثْ غيرَ ذي رقبة أهلي
وقال البحتري يهجو ابن أحمد بن صالحٍ
هبل الجحشُ فما أوتحَ ما ... يقتنيهِ من قبولٍ أو لبقْ
فكأنَّ الفسلَ يأتي ما أتى ... من قبيحٍ في رهانٍ أو سبقْ
هندمتْ كفاهُ من دونِ الذي ... يبتغي هندمةَ البابِ انصفق
وله المنسرح
ومستسرينَ في الخمولِ بلوْ ... ناهمْ فذمَّ الحرامَ مكتسبهْ
كانوا كشوكِ القتادِ يسخطُ را ... عيهِ ويأبى رضاهُ محتطبهْ
وقال أبو نواس
ما حطكَ الواشونَ من رتبةٍ ... عندي ولا ضركَ مغتابُ
كأنما أثنوا ولم يعلموا ... عليك عندي بالذي عابوا
ومنها من التشبيه قوله
إنْ جئتُ لم تأتِ وإن لم أجئ ... جئتَ فهذا منك لي حابُ
كأنما أنتَ وإنْ كنتَ لا ... تكذبُ في الميعادِ كذابُ
وقال بشر بن أبي خازم
ألا أبلغْ بني لامٍ رسولاً ... فبئس محلُّ راحلةِ الغريبِ
إذا عقدوا لجارٍ أخفروهُ ... كما غرَّ الرشاءُ من الذنوبِ
وهذا خلافُ قولِ الحطيئة
ألائكَ قومٌ إنْ بنوا أحسنا البنا ... وإنْ عاهدوا أوفوا وإنْ عقدوا شدوا
وقال جرير
قد كنتُ أحسبُ في تيمٍ مصانعةً ... وفيهمُ عاقلاً بعد الذي ائتمروا
حتى تعرضَ لي تيمٌ لأهجوها ... كما ت عرضَ لاستِ الخارئ المدرُ
ومثله قوله
كأنّ بني طهيةَ نسلَ سلمَى ... حجارةُ خارئٍ يرمِي كلابا
وقال ابن المعتز
لا ترى ساقيهِ إلا ... ألفاً عانقَ لاما
نائمٌ ما قامَ أيرٌ ... فإذا ما نامَ قام
ونحوه قول أبي نواس
يا زينَ كتابِ الدواوينِ ... وفيلسوفَ الخردِ العينِ
كأنَّ فخذيهِ وقد ضمتا ... والأيرُ فيه عقدُ عشرينِ
وقال ابن الرومي يهجو الأخفش المنسرح
ما قالَ شعراً ولا رواهُ فلا ... ثعلبهُ كانَ لا ولا أسدهْ
فإن يقلْ إنني رويتُ فكال ... دفترِ جهلاً بكلِّ ما اعتقدهْ
وقال العطويّ
وكم قالوا تمنَّ فقلتُ كأساً ... يطوفُ بها قضيبٌ في كثيبِ
وندماناً تساقطنا حديثاً ... كلحظِ الوغدِ أو غضِ الرقيبِ
وقال ابن المعتز المتقارب
وإني لتندى لسلمي يدي ... بنيلٍ وتندى لحربي بدمْ
سبقتُ حسودي إلى مفخري ... كسبقكَ باللحظِ خطوَ القدمْ
وقال بشار
لا تجعلني ككمونٍ بمزرعةٍ ... إنْ فاتهُ الماءُ أغنتهُ المواعيدُ
وقال ابن الرومي نحوه المنسرح
كم شامخٍ باذخٍ بثروتهِ ... أضلهُ قبلي المضلونا
جعلتهُ بالهجاء فلفلةً ... إذ جعلتني مناهُ كمونا
وقال آخر
ونحن بنو عمٍ على ذاك بيننا ... زرابيُّ فيها بغضةٌ وتنافسُ
ونحنُ كصدعِ العينِ إنْ يعطَ شاعباً ... يدعهُ وفيه عيبهُ متشاخسُ
وأنشد المبردُ مثله
وفينا إذا قيلَ اصطلحنا تضاغنٌ ... كما طرَّ أوبارُ الجرابِ على النشرِ
الجراب الإبل يكون بها الجرب ويقدمُ عهده فينبت عليه وبرها والنشر الجرب يقال نشر البعير يقول فنحن وإن تصالحنا بعد العداوة فالضغنُ على حاله في القلوب ومثله قول الأخطل

إنَّ الضغينةَ تلقاها وإن قدمتْ ... كالعرِّ يكمنُ حيناً ثم ينتشرُ
والعر الجرب ورجل معرور أي معيوب ونحوه قول زفر بن الحرث
وقد ينبتُ المرعَى على دمن الثرى ... وتبقى حزازاتُ النفوسِ كما هيا
الدمن الأبوال والأبعار تكون وراء البيوت فإذا دجاء عليه المطر أعشبت قال ابن الرومي المتقارب
وكم بقعةٍ خلتها روضةً ... فألفيتها دمنةً معشبهْ
فكنتُ حسب ... تُ فلما حسبتُ عفى الحسابُ على المحسبهْ
وقال البحتري في الحلبة
يا حسنَ مبدَى الخيلِ في بكورها ... تلوحُ كالأنجمِ في ديجورها
كأنما أبدع في تشهيرها ... مضورٌ حسنَ من تصويرها
من فضلِ الأمةِ في تدبيرها ... تحملُ غرباناً على ظهورها
كأنها والحبل في صدورها ... أجادلٌ تنهضُ في سيورها
صار الرجالُ شرفاً بسورها ... حتى إذا أصغتْ إلى مديرها
وانقلبتْ تهبطُ في حدورها ... تصوبَ الطيرِ إلى وكورِها
وقال أبو حفص البصري
لي حاجةٌ عرضتْ قصدتُ بها ... ثقةً وإدلالاً أبا يعلى
خففتُها ليخفَّ محملها ... ويجيءُ وهي هنيئةٌ عجلى
فتثاقلتْ حتى رأيتُ لها ... ثقلَ المخاضِ قضى على الحبلى
فهجرتهُ ونسيتها أنفاً ... من أن يكونَ لنعمتي مولى
وقال أبو علالة أمام الحمدوي في حمارٍ المنسرح
يا سائلي عن حمارِ طيابِ ... ذاك حمارٌ حليفُ أوصابِ
كأنه والذنابُ يأخذهُ ... من كلِّ وجهٍ نفارُ دوشابِ
محاسنُ المسترخ يعشقهُ ... إذا بدا طالعاً من البابِ
وقال الطائي
وما نفعُ من قد بات بالأمسِ صادياً ... إذا ما سماء اليومِ طالَ ثرارُها
وما العرفُ بالتسويفِ إلا كخلةٍ ... تسليتَ عنها حنَ شطَّ مزارها
وقال أبو حفص البصري
لبابِ أبي الصقرِ بن بلبل دولةٌ ... كمثلِ الذي حدثتَ من سائرِ الدولْ
إذا ما انقضتْ لم يدرَ منْ كان ربُّها ... ولا ما الذي أسدى ولا ما الذي فعلْ
أشبهها نقش العروبَى تخضبتْ ... فلما انقضى الأسبوعُ من نقشها نصلْ
وقال ابن الرومي يهجو الأخفش غلام المبرد المنسرح
كأنني بالشقيِّ معتذراً ... إذا القوافي أذنهُ المضضا
ينشدني العهد يومَ ذلك وال ... عهدُ خضابٌ أقالهُ فنضا
وقال بشار نحوهُ
سبحانَ من خلقَ الهوى لذوِي البلا ... ما كانَ إلا كالخضابِ فقد نضا
ولابن الرومي
ما لقينا من ظرفِ ضرطةِ وهبٍ ... صيرتْ أهلَ عصرنا الشعراءا
هي عندي كجودِ فضلِ بنِ يحيى ... غيرَ أنْ ليسَ تنعشُ الفقراءا
ومثله قول قصابٍ كان على باب الفضل بن يحيى
ما لقينا من جودِ فضلِ بن يحيى ... صير الناسُّ كلهم شعراء
فقال أبو العذافرِ
علمَ المفحمينَ أني نطقوا بال ... شعرِ فيه والباخلينَ السخاءَ
وقال الطائي في مالك بن طوق
مالي أرى القبةَ الفيحاءَ مقفلةً ... دوني وقد طال ما استقبحتُ مقفلها
كأنها جنةُ الفردوسِ معرضةً ... وليس لي عملٌ زاكٍ فأدخلها
وقال الجمل المصري
إذا سقامٌ عراكَ نازلهُ ... فاندبْ أبا جعفرٍ لنازلهِ
يعرفُ ما يشتكيه صاحبهُ ... كأنما جالَ في مفاصلهِ
وقال الطائي يذكر موت المعتصم وقيام الواثق
نقضٌ كرجعِ الطرفِ قد أبرمتهُ ... يا بنَ الخلائفِ أيما إبرامِ
ما إنْ رأى الأقوامُ شمساً قبلها ... أفلتْ فلم تعقبهمُ بظلامِ
ومثله قول أبي العتاهية في الأمين بعد الرشيد
العينُ تبكي والسنُّ ضاحكةٌ ... فنحنُ في مأتمٍ وفي عرسِ
يضحكنا القائم الأمينُ وتب ... كينا وفاةُ الإمامِ بالأمسِ
وقال عبد الله بن الزبير في القطاة
تقلبُ في الإصغاءِ رأساً كأنه ... يتيمةُ جوزٍ أخطأتها المكاسرُ
وقال امرؤ القيس
ألا إنْ لم تكنْ إبلٌ فمعزَى ... كأنَّ قرونَ جلتها العصيُّ
تروحُ كأنها مما أصابتْ ... معلقةٌ بأحقيها الدليُّ
إذا ما قامَ حالبها أرنتْ ... كأنَّ القومَ صبحهمْ نعيُّ
فتملأ بيتنا أقطاً وسمناً ... وحسبكَ من غنًى شبعٌ وريُّ
وقال البحتري

خيالُ ماويةَ المطيفُ ... أرقَ عيناً لها وكيفُ
يرتجُّ من خلفها كثيبٌ ... يعيا بها خصرها الضعيفُ
واهتزَّ في بردها قضيبٌ ... معتدلْ قده قضيفُ
وصيفةٌ في النساءِ رؤدٌ ... كأنها خفةً وصيفُ
وقال ابن الرومي في أبي سهل النوبختي وقد كان قطعَ عنه دقيقا كان يجريهِ عليه
يا أبا سهلٍ ثناك المستمعْ ... ونداكَ المرتجَى والمنتجعْ
لك جارٍ كلما قلتَ جرى ... فتشوقتُ له قيلَ انقطعْ
فرحٌ ينتجُ منه ترحٌ ... وأمانٌ يجتنَى منه فزعْ
لا تكنْ كالدهرِ في أفعالهِ ... كلما أعطى عطاياهُ فجمعْ
وقال الراعي
ولقد ترى الحبشيَّ وسطَ بيوتنا ... جذلاً إذا ما نال يوماً مأكلا
دسماً أسكَّ كأنَّ فروةَ رأسهِ ... بذرتْ فأنبتَ جانباها فلفلا
الدسم الخالص السواد وقال أعرابي لامرأته
تسومينَ الطلاقَ وأنتِ مني ... بعيشٍ مثل مشرقةِ الشمالِ
وقال ابن الرومي يمدح محمد بن القاسم بن عبيد الله بن سليمان البسي
قومٌ يحلونَ من مجدٍ ومن شرفٍ ... ومن غناءٍ محلَّ البيضِ واليلبِ
حلوا محلهما من كلِّ جمجمةٍ ... دفعاً ونفعاً وإظلالاً على الرطبِ
يهتز عطفاهُ عند الحمدِ يسمعهُ ... من هزةِ المجدِ لا من هزةِ الطربِ
كأنه وهو مسئولٌ وممتدحٌ ... غناهُ إسحاقُ والأوتارُ في صخبِ
وقال بشار
فلوْ عاينوها لم يلوموا على البكى ... كريماً سقاهُ الخمرَ بدرٌ محلقُ
وكيفَ تناسى من كأنَّ كلامهُ ... بأذني وإنْ عيبتُ قرطٌ معلقُ
وقال ابن هرمة المتقارب
وإني وتركي ندى الأكرمينَ ... وقدحي بكفيَّ زنداً شحاحا
كتاركةٍ بيضها بالعراء ... وملبسةٍ بيضَ أخرى جناحا
وقال آخر المتقارب
ألا قبحَ الملأُ النابذو ... نَ نبذَ الدماميلِ في المجلسِ
كأنَّ مقالعَ أضراسهمْ ... إذا كشروا جيفُ الخنفسِ
وقال آخر المتقارب
كأنَّ المساويكَ في شدقهِ ... إذا هنَّ أكرهنَ يقلعنَ طيبا
وقال آخر
بنو عميرٍ مجدهمْ دارهمْ ... وكلُّ قومٍ فلهمْ مجدُ
كأنهم فقعٌ بدويةٍ ... ليسَ لهم قبلٌ ولا بعدُ
وقال طرفة يصف السفينة
يشقُّ حبابَ الماءِ خيزومها بها ... كما قسمَ التربَ المفائلُ باليدِ
وفيها من حسن التشبيه قوله
أرى قبرَ نحامٍ بخيلٍ بمالهِ ... كقبرِ غويٍّ في الضلالةِ مفسدِ
أرى جثوتينِ من ترابٍ عليهما ... صفائحُ ضمٌّ من صفيحٍ منضدِ
لعمرك إنَّ الموتَ ما أخطأ الفتى ... لكالطولِ المرخَى وثنياهُ باليدِ
أنا الرجلُ الضربُ الذي تعرفونهُ ... خشاشٌ كرأسِ الحيةِ المتوقدِ
ومثل قوله أرى قبر نحام قول ابن الزبعري
والعطياتُ خساسٌ بيننا ... وسواءٌ قبرُ مثرٍ أو مقلّْ
ولأبي العتاهية
ولقد مررتُ على القبورِ فما ... ميزتُ بينَ العبدِ والمولَى
ولأبي نواس المجتث
يا عينُ مالكِ لما ... أسقمتِ جسمٍ سكنتِ
فكنتِ مثل اليهودي ... في فعلهِ بل فضلتِ
أحتيجَ يوماً إليه ... فقال ذا يومُ سبتِ
وقال ابن المعتزّ يرثي عبيد الله بن سليمان
قضوا ما قضوا من أمرهِ ثم قدموا ... إماماً لهم والنعشُ بينَ يديهِ
فصلوا عليه خاشعينَ كأنهم ... قيامٌ صفوفاً للسلامِ عليه
وقال ابن الرومي يهجو امرأةً
إذا ولدتْ كانتْ كمرسلِ قسوةٍ ... على رسلها انسلتْ وما كاد يشعر
وقال آخر المتقارب
ومقلةِ عينٍ تغررتها ... غراراً كما نظرَ الأحولُ
مقسمةً بينَ وجهِ الحبيبِ ... وعينِ الرقيبِ متى يغفلُ
وقال المؤمل
والقومُ كالعيدانِ تفضلُ بعضهمْ ... بعضاً كذاك يفوقُ عودٌ عودا
وقال ابن المعتز
وبأبي من جئتهُ عائداً ... فزادني عشقاً على عشقي
وصفرتْ علتهُ وجههُ ... فصار كالدينارِ من حقي
وقال ابن الرومي
ليسَ عندي البشرُ للقا ... طبِ من فرطِ اختبالهْ
بلْ ألاقيهِ عبوساً ... باسراً في مثلِ حالهْ
أنا كالمرآةِ ألقى ... كلَّ وجهٍ بمثالهْ
وأنشد المبرد

لعنَ الله لا فلا ... خلقتْ خلقةَ الجلمْ
إنها تقرضُ الجمي ... لَ وتأبى على الكرمْ
وقال ابن الرومي يهجو الرقاق ويذكر أمه
تغري الغراميل إذا الليلُ عسا ... أوسعَ من طوقِ الرحى وأسلسا
يبلعُ ما يبلعُ حوتُ يونسا ... لو انتحاهُ سهمُ أعمى قرطسا
لئنْ عسا بعدكَ عنه لا عسا ... متى يلاقِ الراهبَ المبرنسا
تقبضْ عليه قبضَ رامٍ معجسا ... حتى إذا كان حرًى أنْ يقلسا
وانتفختْ أوداجهُ واقعنسسا ... كعنقِ الهيقِ إذا تقوسا
ورضيتهُ منظراً وملمسا ... ردتهُ في أرحامها مكوسا
وقال آخر في نساء
يلهو بهنَّ كذا من غير فاحشةٍ ... لهوَ الصيامِ بتفاحِ البساتينِ
وقال ابن عون الكاتب
جاءنا الصومُ في الربيعِ فهلا أخ ... تار شهراً من سائرِ الأرباعِ
وتولى شعبانُ إلا بقايا ... كالعقابيلِ من دمِ المرتاعِ
فكأنَّ الربيعَ في الصومِ عقدٌ ... فوقَ نحرٍ غطاهُ فضلُ القناعِ
وقال أبو علي البصري
وليلةِ عارضٍ لا نومَ فيها ... أرقتُ بها إلى الصبحِ الفتيقِ
حماني النومَ فيها سقف بيتٍ ... كأنَّ سماءهُ عينُ المشوقِ
توصلتِ السحائبُ وهو بيتٌ ... وصدتْ وهو قارعةُ الطريقِ
تفيضُ عيونُ جيرتنا علينا ... إذا نظروا إلى الغيم الرقيقِ
وقال ابن الرومي
سأعرضُ عما أعرض الدهرُ دونهُ ... وأشربها صرفاً وإنْ لامَ لومُ
فإني رأيتُ الكأس يا سلمَ خلةً ... وقتنى ورأسي بالمشيبِ معممُ
وصلتُ فلم تبخلْ عليَّ بوصلها ... وقد بخلتْ بالوصلِ تكنى وتكتمُ
ومن صارمِ اللذاتِ أن حانَ بعضها ... ليرغمَ دهراً ساءهُ فهو أرغمُ
وقال ابن الأحنف المنسرح
أحرمُ منكم بما أقولُ وقد ... نالَ به العاشقونَ منْ عشقوا
حتى كأنى ذبالةٌ نصبتْ ... تضيءُ للناسِ وهيَ تحترقُ
وقال ابن الرومي يهجو
شيخٌ لنا يكنى أبا حفصلِ ... أقرنُ مثلُ الإيلِ الأثولِ
شيخٌ يحلَّى عند إثباتهِ ... بحليةِ الأعورِ والأحولِ
تعادلتْ عيناه في وجههِ ... شرَّ عديلينِ على محملِ
نبئتُ في منزلهِ نسوةٌ ... يلبسنَ ثوب الليلِ كالمبذلِ
يعملنَ فيه عملاً صالحاً ... يرفعهُ اللهُ إلى أسفلِ
يستغفرُ الناسُ بأيديهمُ ... وهنَّ يستغفرنَ بالأرجلِ
وقال الفرزدق بيتاً حلف بالطلاق أن جريرا لا ينقضه وهو
فإني أنا الموتُ الذي هو نازلٌ ... بنفسكَ فانظرْ كيفَ أنتَ تحاولهْ
فجعل جرير يتمرغ في الشمس حتى كادت الشمس تزول ثم قال أنا أبو حزرة طلقتُ امرأة الخبيث وقال
أنا الدهرُ يفني الموتَ والدهرُ خالدٌ ... فجئنى بمثلِ الدهرِ شيئاً يطاولهْ
فبلغ ذلك الفرزدق فقال للذي أبلغهُ سألتك إلا كتمتَ هذا الحديث وقال آخر
والقولُ لا تملكهُ إذا نمى ... كالسهمِ لا يملكهُ رامٍ رمى
وقال ابن الرومي يعاتب
توددتُ حتى لم أجدْ متوددا ... وأمللتُ أقلامي عتاباً مرددا
كأني أستدني بك ابن جنيةٍ ... إذا النزعُ أدناهُ إلى الصدرِ أبعدا
وأنشد الجاحظ
ليلُ البراغيثِ ليلٌ لا ألذُّ به ... فالموتُ أهونُ من ليلِ البراغيثِ
كأنهنّ وجلدي إذْ خلونَ به ... أيتامُ سوءٍ تماروا في المواريثِ
وقال آخر
كأنَّ قفا هارونَ إذ قام مدبراً ... قفا عنكبوتٍ سلَّ من دبرها غزلُ
ألا ليتَ هاروناً على ظهرِ عقربٍ ... وليسَ على هارونَ خفٌّ ولا نعلُ
وقال دعبل
إن عابني لم يعبْ إلا مؤدبهُ ... فنفسهُ عابَ لما عابَ أدابهْ
وكان كالكلبِ ضراهُ مكلبُهُ ... لصيدهِ فعدا فاصطادَ كلابهْ
وقال سعيد بن حميد
أخٌ لي كأيامِ الحياةِ إخاؤهُ ... تلونَ ألواناً كثيراً خطوبها
إذا غبتُ عنه خلةً فهجوتُها ... تذكرتُ منه خلةً لا أعيبها
وقال بشار
اسكنْ إلى سكنٍ تسرُّ به ... ذهبَ الزمانُ وأنتَ منفردُ
ترجو غداً واغدٌ كحاملةٍ ... في الحيِّ لا يدرونَ ما تلدُ
وأنشد المبرد المنسرح

حركْ يديكَ اللتينِ خلتهما ... لا شك فيما أرى من الخشبِ
مالي أرى الناسَ يأخذونَ ويع ... طونَ ويستمعونَ بالنشبِ
وأنتَ مثلُ الحمارِ جلدُكَ لا ... يألمُ من مسِّ ألسنِ العربِ
وقال ابن الرومي
وأولادنا مثلُ الجوارحِ أيما ... فقدناهُ كان الفاجعُ البينَ الفقدِ
هل العينُ بعد السمعِ تسمعُ مثلهُ ... أو السمعُ بعدَ العينِ يهدي كما تهدى
وقال آخر
إنَّ التي حملتكَ تسعةَ أشهرٍ ... في ذمةِ الحدثانِ إذْ لم تفلحِ
ذلغَ الحكاك بطيزها فكأنما ... درتْ عليه خرائطُ المستنكحِ
وقال ابن الرومي المنسرح
أطمحُ كالنسرِ في السكاكِ ولا ... أخلدُ إخلادهُ إلى الجيفِ
وللخليل المتقارب
فكفاك لم تخلقا للندى ... ولم يك بخلهما بدعهْ
فكفٌّ عن الخيرِ مقبوضةٌ ... كما قبضتْ مائةٌ سبعهْ
وكفٌّ ثلاثةُ آلافها ... وتسعمئيها لها شرعهْ
وقال العلوي
يا صنماً أفرغَ من فضهْ ... في خدهِ تفاحةٌ غضهْ
كأنما القبلةُ في خدهِ ... بالحسنِ من رقتهِ عضهْ
وقال آخر
ما عجبٌ أعجبُ مما أرى ... يرتفعُ الناسُ وأنحطُّ
قد صرتُ نضواً في فراشِ الهوى ... كأنني من فوقهِ خطُّ
وقال ابن الرومي يصف امرأة
يغيمُ كلُّ نهاري من محاجرها ... ويشمسُ الليلُ منها وهو صحيان
كأنها وعثانُ الندِّ يشملها ... شمسٌ عليها عماياتٌ وأدجانُ
العثان الدخان وعثان الندِّ أجوده وقال الناجم في غلام
كأنه إذا بدا في جبةٍ مدْرانْ ... بدرٌ منيرٌ عليهِ قطعُ الدخانْ
وقال متممٍ بن نويرةَ يرثي أخاه
وكلُّ فتى في الناسِ بعدَ ابنْ أمهِ ... كساقطةٍ إحدى يديهِ من الحبلِ
وقال ابن الرومي
تبحث عن أخبارهِ فكأنما ... نبشتُ صداهُ بعدَ ثالثةِ الدفنِ
ومثله قوله
أثنى عليك بمثلِ ريحك ميتاً ... في غبِ يومٍ تذفرُ الأعوادُ
قالت امرأة روح بن زنباع لزوجها
أثنى عليك بما علمت فإنني ... أثني عليك بمثلِ ريحِ الجوربِ
وأنشدنا المبرد نحوه
أنَّى أتتني من لدنكَ صحيفةٌ ... مختومٌ عنوانها كالعقربِ
فعلمتُ أنَّ الشرَّ في مفتاحها ... ففضضتها عن مثلِ ريحِ الجوربِ
كان عليها مكتوبُ عيسى وقال ابن الرومي في أبي الصقْر
مالي لديكَ كأني قد زرعتُ حصى ... في عامِ جدبٍ وظهرُ الأرضِ صفوانُ
أما لزرعيَ إبانٌ فأنظرهُ ... حتى يريعَ كما للزرعِ إبانُ
ولعلي بن جبلة في الوضح
والناس كالخيلِ إنْ ذموا وإنْ مدحوا ... فذو الشياتِ كذي الأوضاحِ في الناسِ
وقال سويد بن أبي كاهل فيه
هو زينُ الوجهِ للمرءِ كما ... زينَ الطرفَ تحاسينُ البلقْ
وقال ابن الرومي
نظرتْ فأقصدتِ الفؤادَ بسهمها ... ثم انثنتْ عنه فكادَ يهيمُ
ويلاهُ إنْ نظرتْ وإنْ هي أعرضتْ ... وقعَ السهامُ ونزعهنَّ أليمُ
ومثله قوله
لطرفها وهوَ مصروفٌ كموقعهِ ... في القلبِ حينَ يروعُ القلبَ موقعهُ
تصدُّ بالطرفِ لا كالسهمِ تصرفهُ ... عني ولكنه كالسهمِ تنزعهُ
وقال أبو الشيص المنسرح
وصاحبٍ كان لي وكنتُ له ... أشفقَ من والدٍ على ولدِ
كنا كساقٍ تسعى بها قدمٌ ... أو كذراعٍ نيطتْ إلى عضدِ
حتى إذا استرفدتْ يدي يدهُ ... كنتُ كمسترفدٍ يدَ الأسدِ
وقال الحمدوني في قربٍ يصف نتن إبطها
قلْ لها لا تمرتكيه فما ين ... فعُ ضربٌ بالطبلِ تحت الكساءِ
كيف يخفى وقد تبقعَ في الني ... فقِ منه كالمرةِ السوداءِ
وقال أبو النجم الراجز
إنَّ الفتى يصبح للأسقامِ ... كالغرضِ المنصوبِ للسهامِ
اخطأ رامٍ وأصاب رامِ
وقال آخر نحو المتقارب
وبينا يحيدُ ويرمينهُ ... رمينَ فأعجلنهُ أنْ يحيدا
وقال أعرابي يصف ابطه
كأنّ إبطي وقد طال المدى ... نفحةُ جرٍ من كواميخِ القرى
وقال عمرو بن الشريد
أجارتنا إنَّ الخطوبَ تنوبُ ... على الناس كلَّ المخطئينَ تصيبُ
وقال ابن أبي عيينة

أتيتكَ زائراً لقضاءِ حقٍّ ... فحالَ السيرُ دونكَ والحجابُ
وأنتمْ معشرٌ فيكم أخٌ لي ... كأنَّ إخاءهُ الآلُ السرابُ
ولستُ بواقعٍ في قدرِ قومٍ ... وإنْ كرهوا كما يقعُ الذبابُ
وقال ابن الرومي في سليمان الطاهري
كأنَّ بغداذَ لدنْ أبصرتْ ... طلعتهُ نائحةٌ تلتدمْ
مستقبلٌ منه ومستدبرٌ ... وجهُ بخيلٍ وقفا منهزمْ
ولمسلمٍ في ابن جامع
فإني وإسمعيلَ يومَ فراقهِ ... لكالغمدِ يومَ الروعِ فارقهُ النصلُ
فإنْ آتِ قوماً بعدهمْ أو أزرهمُ ... فكالوحشِ يدنيها من القنصِ المحلُ
وقال آخر
بليغٌ إذا يشكو إلى غيرها الهوى ... فإنْ هو لاقاها فغير بليغِ
كأنك ظمآنٌ يطالبُ مورداً ... فإنْ نالَ رياً فهوَ غيرُ مسيغِ
وقال آخر
وقالوا لوْ تشاءُ سلوتَ عنها ... فقلتُ لهم كأنّي لا أشاءُ
فكيفَ وحبها علقٌ بقلبي ... كما علقتْ بأرشيةٍ دلاءُ
ونحوه قول الأحوص
لقد ثبتتْ في الصدرِ منك مودةٌ ... كما ثبتت في الراحتينِ الأصابعُ
وقال ابن الرومي
أهنأ العرفَ ما أتى من خليلٍ ... يحسبُ القرضَ للأخلاء فرضا
أحملُ الأمرَ وهو عبءٌ ثقيلٌ ... للأخلاءِ حملَ بعضيَ بعضا
وقال هارون بن الحسن بن سهل
لشربِ الراحِ من قلبي محلٌّ ... أشبههُ بزوراتِ الحبيبِ
فليتَ الراحَ دامتْ لي حياتي ... فأشربها وأركضُ في الذنوبِ
وقال آخر يصف ظليماً دخل روضة
وكأنَّ من زهرِ الخزامى والندى ... والأقحوانِ عليه ريطةَ معرسِ
وإذا ترنمَ حولهُ ذبانه ... أصغى إليه كخائفٍ متوجسِ
وقال عنترة يصف روضة
وخلا الذبابُ بها فليسَ ببارحٍ ... غرداً كفعلِ الشاربِ المترنمِ
هزجاً يحكُّ ذراعهُ بذراعهِ ... قدحَ المكبِّ على الزنادِ الأجذمِ
وقال ابن الرومي يصف نبتاً
وغردَ ربعيُّ الذبابِ خلالهُ ... كما حثحثَ النشوانُ صنجاً مشرعا
فكانت أرانينُ الذبابِ هناكمُ ... على شدواتِ الطيرِ ضرباً موقعا
وقال بكر بن خارجة
ومستطيلٍ على الصهباءِ باكرها ... في فتيةٍ باصطباحِ الراحِ حذاقِ
فكلُّ كفٍّ رآها خالها قدحاً ... وكل شخصٍ رآهُ ظنهُ الساقي
وقال ابن الرومي
طلبتُ لديكمْ بالعتابِ زيادةً ... وعطفاً فأعفيتمْ بإحدى البوائقِ
فكنتُ كمتسقٍ سماءٍ مخيلةً ... حياً فأصابتهُ بإحدى الصواعقِ
وقال الأحوص
فقلتُ إنَّ أبا حفصٍ يداركني ... منه نوالٌ كفاني الدينَ والسفرا
وشردَ الهمُّ عني بعد ما حضرتْ ... منه حواضرُ لا أنوالها صدرا
فكنتُ فيكم كممطورٍ ببلدتهِ ... فسرَّ أن جمعَ الأوطانَ والمطرا
وقال ابن الرومي
هاجرني ظلماً أبو حفصلٍ ... فأصبحتْ أعداؤنا جذلى
مازحتهُ في بعضِ أيامهِ ... فصارَ في النفخةِ كالحبلى
مالي ذنبٌ بلْ على عرسهِ ... إذْ سلحتْ في لحيتي السفلَى
ومثله قوله
أبديتَ لي حبلَ التكبرِ فاحتقبْ ... عدلاً تبيتُ له بليلِ مخاضِ
لبكر بن النطاح يهجو أبا دلف ويقال أنها لمنصور بن باذانَ الأصبهاني
أبا دلفٍ إن الفقير بعينهِ ... لمن يرتجي جدوى نداك ويأملهْ
أرى لك باباً مغلقاً متمنعاً ... إذا فتحوهُ عنك فالبؤسُ داخلهْ
وإنكَ لا تخزى من اللؤمِ للذي ... تشحُّ على الشيءِ الذي أنتَ آكلهْ
كأنكَ طبلٌ رائعُ الصوتِ معجبٌ ... خلاءٌ من الخيراتِ قفرٌ مداخلهْ
وأعجبُ شيءٍ فيك تسليمُ مرةٍ ... عليك على ظني وإنك قابلهْ
وقال الحمدوي يهجو رجلاً سقاه نبيذاً حامضاً
شربتَ مدامةً وسقيتَ خلاًّ ... لقد جاوزتَ في الفعلِ اللئاما
نبيذٌ كان للمقهورِ دهراً ... تفتتُ منه أكبادُ الندامَى
فكبدي منه خاميزٌ كأني ... أجرعُ حين أشربهُ الحماما
أشبهُ بوجهكَ فهو وجهٌ ... عبوسٌ قمطريرٌ لن يراما
فلو قرنوا بوجهك ألفَ ثور ... لصاروا من حموضتهِ هلاما
وقال ابن الرومي مثله
قد لعمري اقتصصت من كل ضرسٍ ... كان يجني عليك في زغفانكْ

لم تجدْ حيلةً لنا إذْ وترنا ... كَ فجازيتنا بشربِ دنانكْ
أضرمتنا مذاقةٌ منه تحكي ... ضجرةً تعتريكَ من ضيفانكْ
قد وددناهُ فادخرهُ لسكبا ... جكَ والنائباتِ من أزمانكِ
واتخذهُ على خوانكَ أدماُ ... فهو أولى بالخلِ من ندمانكْ
وقال النظام
يا مشرقاً ملأ العيو ... نَ فلحظها ما يستقلُّ
أوفى على شمسِ الضحى ... حتى كأنَّ الشمسَ ظلُّ
وقال ابن الرومي
النارُ في خديهِ يتقدُ ... والماءُ في خديهِ يطردُ
ضدانِ قد جمعا كأنهما ... دمعي يسحُّ ولوعتي تقدُ
وله يهجو صاعداً
وجدناكم أرضاً كثيراً بذورها ... عزازاً سواقيها قليلاً ربوعها
بسقتمْ بسوقَ النخلِ ظلماً فأبشروا ... ستسمو بكم عما قليلٍ جذوعها
وقال بشار أخطأ المجنون في قوله
ألا إنما ليلى عصا خيزرانةٍ ... إذا لمسوها بالأكفِ تلينُ
وقال لو زعم أنها عصا زبدٍ أو عصا مخٍ لكانَ ذلك خطأ أن جعلها عصاً فهلا كما قلتُ
وحوراء المدامعِ من معدٍّ ... كأنَّ حديثها ثمرُ الجنانِ
إذا قامتْ لسبحتها تثنتْ ... كأنَّ عظامها من خيزرانِ
وقال آخر
كأنما الخيلانُ في وجههِ ... كواكبٌ أحدقنَ بالبدرِ
وقال ابن الرومي يستبطئ أبا الصقر
مديحي عصا موسى وذاك لأنني ... ضربتُ به بحرَ الندى فتضحضحا
فيا ليتَ شعري إنْ ضربتُ به الصفا ... أيبعثُ لي منه جداولَ مسحا
فتلكَ التي أبدتْ ترى البحرَ يابساً ... وشقتْ عيونا في الحجارةِ سفحا
سأمدحُ بعض الباحثينَ لعلهُ ... وإنْ أطردَ المقياسُ أن يتسمحا
وأنشد الجاحظ
حديثُ بني زطٍ إذا ما لقيتهمْ ... كنزوِ الدبَى في العرفجِ المتقاربِ
وقال آخر
كأنَّ بني رالانَ إذْ جاء جمعهْ ... فراريجُ يلقَى بينهنَّ سويقُ
وقال آخر
جاريةٌ في جلدها سمكه ... كأنها لابسةٌ جلدَ حوتْ
تحسبها للضعفِ من صوتها ... ذبابةً في قبضةِ العنكبوتْ
وقال ابن الرومي
وتغنى كأنَّ صوتك في أن ... فكَ صوتُ الزنبورِ في جوفِ كورِ
وقال آخر
تمكنتِ من قلبي فأزمعتِ قتلهُ ... إلى غيرِ جدٍّ منكِ والنفسُ تذهبُ
كعصفورةٍ في كفِّ طفلٍ يسومها ... ورودَ حياضِ الموتِ والطفلُ يلعبُ
وقال ابن الرومي
كأنَّ جفني على الظلماءِ تعرضهً ... على الحشيشةِ أطرافُ المقاريضِ
إنْ كانَ ليليَ ليلاً لا انقضاءَ له ... فإنَّ جفنيَ لا يثنَى لتغميض
وقال أبو عون الكاتب
أعيذكَ من مبيتٍ باتَ فيه ... خليكَ ليلةً حتى الصباحِ
كأنّي كاتبٌ قد خانَ مالاً ... فسلمهُ الإمامُ إلى نجاحِ
وقال ابن الرومي
وغناءُ الخضابِ عن صاحب الشي ... بِ غناءُ الرقَى عن الممراضِ
ومثله قول أبي ذؤيب
وإذا المنيةُ أنشبتْ أظفارَها ... ألفيتَ كلَّ تميمةٍ لا تنفعُ
وقال المأمون
ردّا عليَّ الكأسَ إنكما ... لا تعلمانِ الراحَ ما تجدِي
لو ذقتما ما ذقتُ ما مزجتْ ... إلا بدمعكما من الوجدِ
ما مثلُ نعماها إذا اشتملتْ ... إلا اشتمالُ فمٍ على خدِّ
إنْ كنتما لا تشربانِ معي ... خوفَ العقابِ شربتها وحدِي
وقال ابن الرومي
سلالةُ نورٍ ليسَ يدركهُ اللمسُ ... إذا ما بدا أغضى له البدرُ والشمسُ
به أمستِ الأهواءُ يجمعها هوى ... كأنّ نفوسَ الناسِ في حبهِ نفسُ
وقال ابن المعتز
إني غريبْ بأرضٍ لا كرامَ بها ... كغربةِ الشعرةِ السوداءِ في الشمطِ
وقال بشار
وعدُ الكريمِ يحثُّ نائلهُ ... كالغيثِ يسبقُ رعدهُ مطرهْ
وقال ابن الرومي
يتخطَّى العداةُ عمداً إلى البذْ ... لِ كسحِّ الحيا بلا إيماضِ
وله المنسرح
رزقي لشهرينِ قد علمتُ به ... أربعةٌ نيفتْ على عشرهْ
ونيفَ العقدُ كالسنامِ له ... إنْ جبَّ أبقى بظهرهِ دبرهْ
وكيفَ حملُ العقيمِ راكبهُ ... لا كيفَ إذْ قطعهُ به سفرهْ
فاتركْ لرزقي سنامهُ معهُ ... فأنتَ أولى موقرٍ وقرهْ
وقال إبراهيم بن المهدي

خلتها في المعصفراتِ الغواني ... وردةً في شقائقِ النعمانِ
أنتِ تفاحتي وفيكِ مع التف ... احِ رمانتانِ في غصنِ بانِ
لا أرى في سواكِ ما فيكِ من طي ... بٍ ومن بهجةٍ ومن ريحانِ
فإذا كنتِ لي وفيكِ الذي في ... كِ فما حاجتي إلى البستانِ
وقال آخر
بيضاءٍ في حمرِ الثيابِ كوردةٍ ... بيضاءَ بينَ شقائقِ النعمانِ
وقال أبو نواس
كأنَّ أيدِي مطاياهمْ إذا وخدَتْ ... تطا على حرِّ وجهي أو على بصرى
عندي من الشوقِ ما لوْ أنَّ أهوَنهُ ... يصبُّ في الماءِ لم يشربْ من الكدرِ
ولحبيب بن عيسى الكاتب جد بن ابن عون
إنا خلونا ليلةً مشهورةً ... طاب الحديثُ وعفتِ الأسرارُ
في كلِ مقمرةٍ كأنَّ بياضها ... للسامرينَ إذا استشقَّ نهارُ
فكأنها كانتْ علينا ساعةً ... وكذا ليالي العاشقين قصارُ
ومثله قول أبي نواس
ليلةٍ كاد يلتقي طرفاها ... قصراً وهيَ ليلةُ الميلادِ
وقال ابن المعتز
شبهتُ حمرةَ وجههِ في ثوبهِ ... بشقائقِ النعمانِ في النمامِ
وقال ابن الرومي في ابن دليلٍ النصراني وقد وعدهُ نعلاً
أنجزِ الوعدَ إنَّ خيرَ مواعي ... دكَ ما جاء خلفهُ مصداقكْ
لا يكنْ منْ وعدتهُ حين تلقا ... هُ قذاةً تخلها آماقُكْ
لا تلونْ تلونَ البغلِ في النع ... لِ ولا يختلفْ عليَّ مذاقُكْ
وقال ابن المعتز في حمار سليمان المتطببِ
هذا الحمارُ من الحميرِ حمارٌ ... ناحتْ عليه قلادةٌ وعذارُ
فكأنما الحركاتُ منه سواكنٌ ... وكأنما إقبالهُ إدبارُ
وقال إبراهيم بن المهدي يصف تعريش الكرم المتقارب
من ابنةِ كرمٍ تظلُّ النبي ... طُ تعملُ منه عريشاً عريشا
إذا أنتَ قابلتهُ خلتهُ ... مطارفَ خضرٍ كسينَ النقوشا
ولابن المعتز يصف كرماً
حتى إذا حرُّ آبٍ جاش مرجلهُ ... بغائرٍ من هجيرِ الشمسِ مستعرِ
ظلتْ عناقيدهُ يخرجنَ من ورقٍ ... كما احتبى الزنجُ في خضرٍ من الأزرِ
وقال آخر
الحبُّ ولهُ حتى يهمَّ به ... نفسُ المحبِّ فيلقَى الموتَ كاللعبِ
يكون مبدؤهُ من نظرةٍ عرضٍ ... أو مزحةٍ أشعلتْ في القلبِ كاللهبِ
كالنارِ مبدؤها من قدحةٍ فإذا ... تضرمتْ أشعلتْ مستجمعَ الحطبِ
ونحوه قول ابن الأحنف
الحبُّ أولُ ما يكونُ لحاجةٍ ... تأتي به وتسوقهُ الأقدارُ
حتى إذا اقتحمَ الفتى لججَ الهوى ... جاءتْ أمورٌ لا تطاقُ كبارُ
وقال أبو العتاهية
أمسي وأصبحُ من تذكركمْ ... وكأنَّ بي طرفاً من المسِّ
وكأنني مما تطاولَ بي ... منك السقامُ طليتُ بالورسِ
ولقد برمتُ من الحياةِ لما ... ضمنتني وعرضتَ من نفسي
ولأبي النجم الكاتب حبيب بن عيسى جدِ بن ابن عونٍ
فيا عجبي من صورةٍ آدميةٍ ... علاها بياضُ الشمسِ في صفرةِ القمرْ
فجاءتْ كما الدرِّ يشرقُ لونها ... كريحانةِ البستانِ للشمِ والنظرْ
يذكرني رياكِ ريحٌ مريضةٌ ... جرتْ بنسيمِ الروضِ في غلسِ السحرْ
وقال بشار نحوه المنسرح
بانتْ بقلبي صفراءُ رادعةٌ ... صبتْ علينا من حسنها فتنا
كأنها روضةٌ منورةٌ ... تجمعُ طيباً ومنظراً حسنا
وقال ابن الرومي
حبرُ أبي حفصٍ لعابُ الليلِ ... كأنهُ ألوانُ دهمِ الخيلِ
يجري إلى الإخوانِ جريَ السيلِ ... بغيرِ وزنٍ وبغيرِ كيلِ
كأنه من نهرِ الدجيلِ
وقال أبو نواس في قصيدةٍ
فقمتُ مختالاً أقلبهُ ... واندفَعَ النايُ مع الصنجِ
ثم توركتُ على متنهِ ... كأنني طيرٌ على برجِ
فكان منا عبثٌ ساعةً ... واندفعَ الحلاجَ في الحلجِ
وقال إسحاق الموصلي الهزج
ظباءٌ كاليعافيرِ ... كنوسٌ في المقاصيرِ
وأدبرنَ بأعجازٍ ... كأوساطِ الزنابيرِ
وقال ابن أبي ربيعة
يتقابلنَ كالبدورِ على الأغ ... صانِ في مثقلٍ من الأردافِ
بخصورٍ تحكي خصورَ الزنابي ... رِ ضعافٍ هممنَ بالإنقصافِ
وقال ابن المعتز

يا ربَّ سرٍّ كنارِ الصخرِ كامنةٍ ... أمتُّ إظهارهُ مني فأحياني
وقال أبو نواس المديد
وابنُ عمٍ لا يكاشفنا ... قد لبسناهُ على غمره
كمنَ الشنآنُ فيه لنا ... ككمونِ النارِ في حجره
وقال آخر
سقياً لليلٍ مضى ما كان أطيبهُ ... لولا التفرقُ والتنغيصُ في السحرِ
إن الرسولَ الذي يأتي بلا عدةٍ ... مثلَ السحابِ الذي يأتي بلا مطرِ
وقال ابن المعتز
فدونكهُ موشى نمنمتهُ ... وحاكتهُ الأناملُ أيَّ حوكِ
بشكلٍ يأخذُ الحرفَ المحلَّى ... كأنَّ سطورهُ أغصانُ شوكِ
وقال العلوي
ساعٍ بكأسٍ بينَ ندماني ... كالغصنِ المنعصرِ الماءِ
كأنما يسعى لوجدي به ... ما بينهم في ثني أحشائي
أغارُ من وقفتهِ كلما ... قال لجاسي الكأسِ مولائي
حتى لقد صاروا وهم إخوتي ... من شدةِ الغيرةِ أعدائي
وقال البحتري
لم أوهمْ نعمتي تغدرُ بي ... غدرةَ الطلِّ سجا ثمَّ انتقلْ
زمنٍ تلعبُ بي أحداثهُ ... لعبَ النكباءِ بالرمحِ الخطلْ
وقال ابن المعتز في الاستسقاء المنسرح
قلتُ وقد ضج رافعاً يدهُ ... دعوا البرايا فاللهُ يكلأها
واستيقنوا بالرواءِ منه كما ... أبطأ وقرِ الدلاءِ أملأها
وقال ابن الرومي يعاتب رجلاً طلب منه حنطةً المتقارب
سألتكَ حباً لكشكِ القدورِ ... أنيساً بتلكَ السجايا الطرافِ
كأني سألتكَ حبَّ القلو ... بِ ذاك الذي من وراءِ الشغافِ
سألتُ قفيزين من حنطةٍ ... فجدتَ بكيلٍ من المنعِ وافِ
أنشد ابن الأعرابي
إذا ما أتاهُ السائلون توقدتْ ... عليه مصابيحُ الطلاقةِ والبشرِ
له في ذوي الخلاتِ نعمى كأنها ... مواقعُ ماءِ المزنِ في البلدِ القفرِ
وقال ابن الرومي يمدح
أضحى وحظُّ يديهِ من ثوابهما ... كحظِّ عينيهِ من وجهٍ له حسنِ
فما يرى الناسُ في يومٍ محاسنهُ ... أضعافُ ما هو رائيهنَّ في زمنِ
وله
جعلتُ فداكَ لم أسئل ... كَ ذاكَ الثوابَ للكفنِ
سألتكهُ لألبسهُ ... وروحي بعدُ في بدني
وقد طالَ المطالُ به ... وخفتُ حوادثَ الزمنِ
فرأيكَ في الحباءِ به ... وليُّكَ يا أخا المننِ
ولا تجعلهُ غزلاً ق ... رَّ حائكهُ إلى عدنِ
ألا واجعلهُ ممتثلاً ... محاسنَ وجهكَ الحسنِ
دقيقاً مثلَ فطنتكَ ال ... لتي دقتْ عن الفطنِ
حصيفاً مثلَ رأيكَ إن ... هُ والحزمَ في قرنِ
نقياً مثلَ عرضكَ إ ... نَّ عرضكَ غيرُ ذي درنِ
ولا تحسبكَ تفنيهِ ... كفى بالحمدِ من ثمنِ
وحسبكَ إنْ بخلتَ به ... بفوتِ الحمدِ في غبنِ
وقال البحتري يمدح
وإذا رأيتَ شمائلَ ابنيْ صاعدٍ ... أدتْ إليكَ شمائلَ ابنى مخلدِ
كالفرقدينِ إذا تأملَ ناظرٌ ... لم يعلُ موضعُ فرقدٍ عن فرقدِ
وقال ابن الرومي مررتُ بخباز يبسط الرقاق كأسرع من رجوع الطرف ما بين أن ترى العجين في يده كالكرة حتى تنداحَ فتصير كالقمر إلى مقدار لحظة فشبهت سرعة انبساطه بسرعة الدائرة في الماء يقذفُ فيه بالحجر فقلت
ما أنس لا أنسَ خبازاً مررتُ به ... يدحو الرقاقةَ وشكَ اللمحِ بالبصرِ
ما بينَ رؤيتها في كفهِ كرةً ... وبينَ رؤيتها قوراءَ كالقمر
إلا بمقدارِ ما تنداحُ دائرةٌ ... في صفحةِ الماءِ يرمى فيه بالحجرِ
وقال الطائي في الإفطار
رمقوا أعاليَ جذعةٍ فكأنهم ... رمقوا الهلالَ لليلةِ الإفطارِ
وقال ابن المعتز في البقِّ
بتُّ بليلٍ كلهُ لم أطرفِ ... جرجسهُ كالزئبرِ المنتفِ
يثبُ الجلدَ وراء المطرفِ ... حتى يرى فيه كشكلِ المصحفِ
أو مثلَ رشِ العصفرِ المدوفِ
وقال يحيى بن نوفل
دعونا الله ذا النعماءِ لما ... علينا طال سلطانُ العبيدِ
ليكشفَ ما بنا من سوءِ حالٍ ... بمسلمةَ المباركِ أو سعيدِ
فكنا والخليفةُ إذْ رمانا ... على الإخلاصِ بالغلقِ الحديدِ
كأهلِ جهنمٍ لما استغاثوا ... أغيثوا بالحميمِ مع الصديدِ
وقال بشار

إذا غدا المهديُّ في قومهِ ... أو راحَ في آلِ الرسولِ الغضابْ
بدا لك المعروفُ في وجههِ ... كالظلمِ يجري في ثنايا الكعابْ
وقال أبو العتاهية
ولربما حذر الفتى ... ما لبيسَ ينجَى من حذرْ
كالمتقي قطرَ السحا ... بِ وحولهُ في الأرضِ بحرْ
وقال آخر المنسرح
حورفَ عبدُ العزيزِ في أتنهْ ... وفي براذينهِ وفي هجنهْ
برذونُ عبدِ العزيزِ مضطربُ ال ... خلقِ يجلُّ الفلانُ عن ثمنهْ
كأنه والسياطُ تأخذهُ ... أخو وقارٍ أغضى على إحنهْ
وقال أبو النجم
يدنو من الجدولِ مثلَ الجدولِ ... يقذفُ في حنجرهِ كالمرجلِ
كانَّ صوتَ جرعهِ المستعجلِ ... جندلةٌ دهديتها في جندلِ
وقال ذو الرمة
فداوينَ من أجوافهنَّ حرارةً ... بجزعٍ كأثباجِ القطا المتتابعِ
وقال آخر المتقارب
فأوصيكمُ بطعانِ الكماةِ ... فقد تعلمونَ بأنْ لا خلودا
وضربِ الجماجمِ ضرَ الأص ... مِّ حنظلَ شابةَ يجني هبيدا
الأصم إذا ضربَ لم يسمع فهو يشد الضربَ والهبيد حب الحنظل وقال ابن الرومي
العينُ ما تنفكُّ من نظرِ ... والنفسُ لا تنفكُّ من طرِ
ومحاسنُ الأشياء فيكَ معاً ... فملالتيكَ ملالتي بصرى
متعاتُ وجهكَ في بديهتها ... جددٌ وفي أعقابها الأخرِ
وكأنَّ وجهكَ من تجددهِ ... متنقلٌ للعينِ في صورِ
وله المنسرح
لا شيءَ إلا وفيه أحسنهُ ... فالعينُ منه إليكَ تنتقلُ
فوائدُ العينِ منه طارفهُ ... كأنما أخرياتها الأولُ
وله أيضاً
طرفي لطرفكِ حين تنظرُ مقتلٌ ... لكنَّ طرفكِ سهمُ حتفٍ مرسلُ
ومن العجائبِ أنَّ معنًى واحداً ... هو منكِ سهمٌ وهوَ مني مقتلُ
وله أيضاً
وهبتْ له عيني الهجوعا ... فأثابها منه الدموعا
ظبيٌ كأنَّ بخصرهِ ... من ضمرهِ ظمأَ وجوعا
وقال بلعاءُ بن قيس
رأتني صريعَ الخمرِ يوماً فسؤتها ... وللشاربيها المدمنيها مصارعُ
معي كلُّ مسترخي النجادِ كأنهُ ... إذا ما بدا من أخمصِ الرجلِ ظالعُ
وقال ابن الرومي في موت محمد بن عبد الله بن طاهر
ماتَ الأميرُ وماتَ بدرُ سمائنا ... هذا يودعنا وهذا يكسفُ
قمرٌ رأى قمراً يجودُ بنفسهِ ... فبكى أخاهُ أخٌ مواسٍ منصفُ
وقال جعيفرانَ الموسوس في مواجرينَ
كأنهمْ والعيشُ تعلوهمُ ... وقد علتْ للقومِ أنفاسُ
بيادرٌ للخرجِ موقوفةٌ ... لما أتاهم إذنهمْ داسوا
وقال ابن الرومي في عبيد الله بن سليمان
تغنونَ عن كلِّ تقريظٍ بفضلكمُ ... غنى الظباء عن التكحيل بالكحلِ
تلوحُ في دولةِ الإسلامِ دولتكمْ ... كأنها ملةُ الإسلامِ في المللِ
وقال آخر
أمسى يجودُ بنفسهِ وكأنه ... قمرٌ تغشاهُ الدجى بكسوفِ
ومشى البلى في جسمهِ فكأنه ... وردٌ قطيفٌ مؤذنٌ بجفوفِ
وأحسن أبو الهندي في قوله
سقيتُ أبا المطرحِ إذْ أتاني ... وذو الرعثاتِ منتصبٌ يصيحُ
شراباً يهربُ الذبانُ عنه ... وبلثغُ حينَ يشربهُ الفصيحُ
وقال ابن المعتز يصف غيثاً
يكسو البلادَ قميصاً من زخارفهِ ... كأنه فوقَ جسمِ الأرضِ مزرورُ
ظلتْ جآذرهُ غرقَى مصرعةً ... كأنها لؤلؤٌ في الأفقِ منثورُ
ونحوه قول ابن الرومي يصف الشيب
كأنَّ سناني حين وافاهُ كوكبٌ ... أصيبَ به قطعٌ من المزنِ أقهدُ
أشرفتْ جليس جارية جعفر بن يحيى على صبيان البرامكة وهم يلعبون فقلت
كأنهمْ معْ بني الغوغاء في عددٍ ... درٌّ ومخشلبٌ في الأرضِ منثورُ
وكان الجماز يتعشق جارية بالبصرة وكان يغلبه عليها خادمٌ بالبصرة من خدم السلطان يقال له سنان فقال الجماز المضارع
ما للبغيضِ سنانٍ ... وللظباءِ الملاحِ
أليسَ زانٍ خصيٌّ ... غازٍ بغيرِ سلاحِ
وفيه يقول المجتث
ظبيٍ سنانٌ شريكي ... فيه فبئس الشريكُ
فلا ينيكُ سنانٌ ... ولم يدعني أنيكُ
وفيها يقول المجتث
ما كنتُ أحسبُ طغيا ... نَ تعشقُ الدهرَ غيري

من بعدِ أنسِ الذي كا ... نَ بينَ حرها وأيري
وقال آخر
فإنْ تمنعوا منا السلاحَ فعندنا ... سلاحٌ لنا لا يشترى بالدراهمِ
جلاميدُ أملاءُ الأكفِّ كأنها ... رؤوسُ رجالٍ حلقتْ بالمواسمِ
وقال آخر
والحربُ يلحقُ فيها الكارهونَ كما ... تأتي الصحاحُ على الجربَى فتعديها
ويقال سميت الحرب غشوماً لأنها تنال غير الجاني وأصل هذا القول لحارث بن عباد
لم أكنْ من جناتها علمَ الل ... هُ وإني بحرها اليوم صالِ
ومثله قول الشاعر
جانيكَ من يجني عليك وقد ... تعدي الصحاحَ مباركُ الجربِ
وقال ابن الرومي
رأيتُ جناةَ الحربِ غيرَ كفاتها ... إذا اختلفتْ فيها الرماحُ الشواجرُ
كذاك زنادُ النارِ عنها بنجوةٍ ... ولكنما يصلى صلاها المساعرُ
وقال آخر
القولُ كاللبنِ المحلوبِ ليسَ له ... ردٌّ وكيفَ يردُّ الحالبُ اللبنا
في ضرعهِ وكذاكَ القولُ ليس له ... في الجوفِ ردٌّ قبيحاً كانَ أو حسنا
وقال آخر
صاحِ أبصرتَ أو سمعتَ براعٍ ... ردَّ في الضرعِ ما مرى في العلابِ
ومثله
والقولُ لا تملكهُ إذا نمى ... كالسهمِ لا يملكهُ رامٍ رمى
وقال آخر في رجل زهيد الأكل
قليلُ طعامِ البطنِ إلا لقلةٍ ... من الزاد تعذيراً كما الصقرُ آكلهُ
وقال أعشى باهلةَ مثلهُ
تكفيهِ حزةُ فلذٍ إنْ ألمَّ بها ... من الشواءِ ويروي شربهُ الغمرُ
وقال طرفة يعيرُ عمرو بن هند بكثرة الأكل
ويشربُ حتى يغمرَ المحضُ قلبهُ ... وإنْ أعطهُ أترك لقلبيَ مجثما
ولا عيبَ فيه غيرَ أنَّ له غنًى ... وأنَّ له كشحاً إذا قامَ أهضما
وهذا خلاف قول عروة بن الورد
أقسمُ جسمي في جسومٍ كثيرةٍ ... وأحسو قراحَ الماءِ والماءُ باردُ
وقال الأعشى
رأيتكَ أمسِ خيرَ بني معدٍّ ... وأنتَ اليومَ خيرٌ منك أمسِ
وأنتَ غداً تزيدُ الضعفَ ضعفاً ... كذاك تزيدُ سادةُ عبدِ شمس
وقال ابن المعتز في الزنابير
وجنودٍ باكرتهمْ بحريقٍ ... يتلظى إذا أحسَّ بريحِ
قرتِ العينُ إذْ رأتهمْ سقوطاً ... كنثارٍ من الصبيحِ المليحِ
كم صريخٍ لهم يصيحُ ويعوِي ... مثل زقٍ بينَ الندامَى بطيح
وقال سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت لأبيه وقد لسعه زنبور لسعتني دابة كأنها ثوب حبرة، فقال أبوه قال ابني والله الشعر وقال ابن المعتز في كتاب
أرقطُ ذو لونٍ كشيبِ المكتهلْ ... تخالهُ مكتحلاً وما اكتحلْ
راكبُ كفٍّ أينما شاء رحلْ
وقال آخر
وهزوا صدورَ المشرفِي كأنما ... يقعنَ بهامِ القومِ في حنظلٍ رطبِ
وقال آخر
رأيتكَ مثلَ الجوزِ يمنعُ خيرهُ ... صحيحاً ويعطي خيرهُ حين ينكسرْ
وقال ابن المعتز
ما بالُ فروجيكَ قد علقا ... تعليقَ هاروتٍ وماروتِ
عساهما في الفجر لم ينبها ... مصطبحاً قطُّ بتصويتِ
وقال آخر
للقملِ حولَ أبي العلاءِ مصارعٌ ... من بينِ مقتولٍ وبينِ عقيرِ
وكأنهنّ لدى زرورِ قميصهِ ... فذٌّ وتوأمُ سمسمٍ مقشورِ
ومن جيدِ ما قيل في هذا المعنى قول أبي نواس
من ينأَ عنه مصادهُ ... فمصادُ أيوبٍ ثيابهْ
يا ربَّ مستخفٍ بجن ... بِ الدرزِ يكنفهُ صوابهْ
أو طامريٍّ واثبٍ ... لم ينجهِ منه وثابهْ
أنحى له بمزلقِ الغربينِ إصبعهُ نصابهْ
للهِ دركَ من أخي ... قنصٍ أصابعهُ كلابهْ
وقال جرير
ترى الصئبانَ عاكفةٌ عليه ... كعنفقةِ الفرزدقِ حين شابا
وقال الحمدوي
ما أرى إنْ ذبحتُ شاةَ سعيدٍ ... حاصلاً في يديَّ غيرَ الإهابِ
ليسَ إلا عظامها لو تراها ... قلتَ هذي أرزانْ في جرابِ
وقال آخر
وكان سدومٌ جارَ في الحمِ مرةً ... وأجورُ منه اليومَ موسى بنُ صالحِ
يناقلنا بالماءِ حتى كأنما ... تغدَّى ببنٍّ أو تعشى بمالحِ
وقال دعبل
كأنه كبشٌ إذا ما بدا ... لكنه في طبعهِ نعجهْ
فأنتَ إنْ تقعدْ إلى جنبهِ ... تخالُ في خصيتهِ قنجه
وقتل رجل جاريةً له رآها تجمشُ رجلاً فقال الرجل

تجلدْ أو استخرْ على قتل كاعبٍ ... كأنَّ مجاجَ المسكِ منها التنفسُ
فماتتْ على كفيهِ خودٌ غريرةٌ ... كما ماتَ بين الشربِ والراحِ نرجسُ
وقال أبو نواس
لو كانَ حيٌّ وائلاً من التلفْ ... لوألتْ شغواءُ في رأسِ الشعفْ
أمّ فريخٍ أحرزتهُ في لجفْ ... كأنه مستقعدٌ من الخرفْ
ومثله قوله المنسرح
تحنو بجؤجوشها على صرمٍ ... كقعدةِ المنحني من الخرفِ
وقال الهذلي
له طبعٌ على الأيامِ يصفو ... كما تصفو على الدهرِ العقارُ
وقال العلوي الإصبهاني
شموسٌ من الآدابِ تطلعُ في الدجى ... وتلقى على أفقِ الضميرِ شعاعها
معانٍ توافتْ في ضميرٍ كأنها ... أمانيُّ قد صادفتُ منها اجتماعها
وقال ابن الرومي في الهلال
يا منْ بغرتهِ الهلالُ أما ترى ... قمرَ السماءِ وقد أضا في المشرقِ
كخريدةٍ نظرتْ إلى إلفٍ لها ... فتغيبتْ خجلاً بكمٍ أزرقِ
قال أبو إسحاق قد وفينا كتابنا هذا جميع ما شرطناه من نوادر التشبيهات وعيون المتخيرات مما يشتملُ عليها أو يشير إليها والحمد لله كثيراً.

أقسام الكتاب
1 2