كتاب : كتاب أسرار العربية
المؤلف : عبد الرحمن بن أبي الوفاء محمد بن عبيدالله بن أبي سعيد

رب يسر و أعن
قال الشيخ الإمام العالم الأوحد كمال الدين أبو البركات عبد الرحمن ابن محمد بن أبي سعيد الأنباري أدام الله أيامه الحمد لله كاشف الغطاء ومانح العطاء ذي الجود والإيداء والإعادة والإبداء المتوحد بالذات القديمة المقدسة عن الحين والفناء المنفرد بالصفات الأزلية المنزهة عن الزوال والفناء والصلاة على محمد سيد الأنبياء وعلى آله وأصحابه الأصفياء وبعد فقد ذكرت في هذا الكتاب الموسوم باسرار العربية كثيرا من مذاهب النحويين المتقدمين والمتأخرين من البصريين والكوفيين وصححت ما ذهبت إليه منها بما يحصل به شفاء الغليل و أوضحت فساد ما عداه بواضح التعليل ورجعت في ذلك كفه إلى الدليل وأعفيته من الإسهاب والتطويل وسهلته على المتعلم غاية التسهيل قال تعالى ينفع به وهو حسبي ونعم الوكيل

باب علم ما الكلم
إن قال قائل ما الكلم قيل الكلم اسم جنس واحدته كلمة كقولك نبقة ونبق ولبنة ولبن وثفنة وثفن وما أشبه ذلك فإن قيل ما الكلام قيل ما كان من الحروف دالا بتأليفه على معنى يحسن السكوت عليه فإن قيل ما الفرق بين الكلم والكلام قيل الفرق بينهما أن الكلم ينطلق على المفيد وعلى غير المفيد وأما الكلام فلا ينطلق إلا على المفيد خاصة فإن قيل فلم قلتم ان أقسام الكلام ثلاثة لا رابع لها قيل لأنا وجدنا هذه الأقسام الثلاثة يعبر بها عن جميع ما يخطر بالبال ويتوهم في الخيال ولو كان ههنا قسم رابع لبقي في النفس شيء لا يمكن التعبير عنه ألا ترى أنه لو سقط آخر هذه الأفسام الثلاثة لبقي في النفس شيء لا يمكن التعبير عنه بإزاء ما سقط فلما عبر بهذه الأقسام عن جميع الأشياء دل على أنه ليس إلا

هذه الأقسام الثلاثة فإن قيل لم سمي الاسم اسما قيل اختلف النحويون في ذلك فذهب البصريون إلى أنه سمى اسما لوجهين
إحدهما أنه سمي على مسماه وعلا على ما تحته من معناه فسمي اسما لذلك
والوجه الثاني أن هذه الأقسام الثلاثة لها ثلاث مراتب فمنها ما يخبر يه ويخبر عنه وهو الاسم نحو زيد قائم ومنها ما يخبر به ولا يخبر عنه وهو الفعل نحو قام زيد ومنها ما لا يخبر به ولا يخبر عنه وهو الحرف نحو هل وبل وما أشبه ذلك
فلما كان الاسم يخبر يه ويخبر عنه والفعل يخبر به ولا يخبر عنه والحرف لا يخبر به ولا ! خبر عنه فقد سما الاسم على الفعل والحرف أي ارتفع والأصل فيه سمو إلا أنهم حذفوا الواو من آخره وعوضوا الهمزة في أوله فصار اسما ووزنه إفع لأنه قد حذف منه لامه التي هي الواو في سمو
وذهب الكوفيون إلى أنه سمي اسما لأنه سمة على المسمى يعرف بها والسمة العلامة والأصل فيه وسم إلا أنهم حذفوا الواو من أوله و عوضوا مكانها الهمزة فصار اسما ووزنه إعل لأنه قد حذف منه لأمه التي هي الواو في وسم

لمه والصحيح ما ذهب إليه البصريون وما ذهب إليه الكوفيون وان كان صحيحا من جهة المعنى إلا أنه فاسد من جهة التصريف وذلك من أربعة أوجه الوجه الأول أنك تقول في تصغيره سمي نحو حنو وحني وقنو وقني ولو كان مأخوذا من السمة لوجب أن تقول وسيم كما تقول في تصغير عدة وعيدة و في تصغير زنة وزينة فلما قيل سمي دل على أنه من السمو لا من السمة وكان الأصل فيه سميو إلا أنه لما اجتمعت الياء والواو والسابق منهما ساكن قلبوا الواو ياء وجعلوهما ياء مشددة كما قالوا سيد وهين وميت والأصل فيه سيود وهيون وميوت إلا أنه لما اجتمعت الياء والواو والسابق منهما ساكن قلبوا الواو ياء وجعلوهما ياء مشددة وقلبوا الواو إلى الياء ولم يقلبوا الياء إلى الواو لأن الياء أخف والواو اثقل فلما وجب قلب إحدهما إلى الآخر كان قلب الواو التي هي اثقل إلى الياء التي هي أخف أولى الوجه الثاني أنك تقول في تكسيره أسماء نحو حنو و أحناء وقنو وأقناء و لو كان مأخوذا من السمة لوجب أن تقول في تكسيره أوسام فلما قيل أسماء دل على أنه من السمو لا من السمة وكان الأصل فيه أسماو إلا أنه لما وقعت الواو طرفا وقبلها ألف زائدة قلبت همزة كما قالوا حذاء وكساء وسماء والأصل فيه حذاو و كساو و سماو إلا أنه لما وقعت الواو

طرفا وقبلها ألف زائدة قلبت همزة
وقيل قلبت ألفا لأنها لما كانت متحركة وقبل الألف فتحة لازمة قدروا أنها قد تحركت وانفتح ما قبلها لأن الألف لما كانت خفية زائدة ساكنة والحرف الساكن حاجز غير حصين لم يعتدوا بها فقلبوا الواو ألفا فاجتمع ألفان ألف زائدة وألف منقلبة والألفان ساكنان وهما لا يجتمعان فقلبت المنقلبة همزة لالتقاء الساكنين وكان قلبها إلى الهمزة أولى لأنها اقرب الحروف إليها والوجه الثالث أنك تقول أسميته ولو كان مأخوذا من السمة لوجب أن تقول وسمته فلما قيل أسميته دل على أنه من السمو لا من السمة وكان الأصل فيه أسموت إلا أنه لما وقعت الواو رابعة قلبت ياء كما قالوا أدعيت وأغزيت وأشقيت والأصل فيه أدعوت وأغزوت وأشقوت إلا أنه لما وقعت الواو رابعة قلبت ياء وإنما قلبت باء حملا على المضارع نحو يدعى ويغزى ويشقى والأصل فيه يدعو ويغزو ويشقو وإنما قلبت ياء في المضارع للكسرة قبلها فأما تغازيت وترجيت فإنما قلبت الواو فيهما ياء وان لم تقلب ياء في لفظ المضارع لأن الأصل في تفاعلت فاعلت وفي تفعلت فعلت وفاعلت وفعلت يجب قلب الواو فيهما ياء فكذلك تفاعلت وتفعلت و
الوجه الرابع أنك تجد في أوله همزة التعويض وهمزة التعويض إنما

تكون فيما حذف منه لامه لا فاؤه ألا ترى أنهم لما حذفوا الواو التي هي اللام من بنو عوضوا الهمزة في أوله فقالوا ابن ولما حذفوا الواو التي هي الفاء من عدة ونحو ذلك لم يعوضوا الهمزة في أوله فلما عوضوا الهمزة ههنا في أوله دل على أن الأصل فيه سمو كما أن الأصل في ابن بنو إلا أنهم لما حذفوا الواو التي هي اللام عوضوا الهمزة في أوله فقالوا اسم فدل على أنه مشتق من السمو لا من السمة السمة ومما يؤيد أنه مشتق من السمو لا من السمة أنه قد جاء في اسم سمي على وزن هدي والأصل فيه سمو إلا أنه لما تحركت الواو و انفتح ما قبلها قلبوها ألفا وحذفوا الألف لسكونها وسكون التنوين فصار سمي
وفي الاسم خمس لغات اسم واسم وسم وسم وسمي قال الشاعر من - الرجز - باسم الذي في كل سورة سمه ويروي سمه وقال الآخر - من الرجز

( وعامنا اعجبنا مقدمه ... يدعى أبا السمح وقرضاب سمه ) وقال الآخر - من الرجز -
( والله أسماك سمي مباركا ... آثرك الله به ايثاركا ) وكسرت الهمزة في اسم لمحا لكسرة سينه في سمو لأنه الأصل وضمت الهمزة في اسم لمحا لضمة سينه في سمو لأنه أصل ثان واالذي يدل على ذلك اللغتان الأخريان وهما سم وسم فإنهما حدفت لامهما وبقيت فاؤهما على حركتها في الأصلين ووزن اسم - بضم الهمزة - افع ووزن سم فع ووزن سم فع ووزن سمي فعل فإن قيل ما حد الاسم قيل كل لفظة دلت على معنى تحتها غير مقترن بزمان محصل وقيل ما دل على معنى وكان ذلك المعنى شخصا أو غير شخص وقيل ما استحق الإعراب في أول وضعه
وقد ذكر فيه النحويون حدودا كثيرة تنيف على سبعين حدا
وأحصرها أن نقول كل لفط دل على

معنى مفرد يمكن أن يفهم بنفسه وحده من غير أن يدل ببنيته لا بالعرض على الزمان المحصل
الذي فيه ذلك المعنى فهذا الحد أحصر وغيره أخصر ومنهم من قال لا حد له ولهذا لم يحده سيبويه وإنما اكتفى فيه بالمثال فقال الاسم رجل وفرس فإن قيل ما علامات الاسم قيل علامات الاسم كثيرة فمنها ا الألف واللام نحو الرجل والغلام ومنها التنوين نحو رجل وغلام ومنهاحرف الجر نحو من زيد وإلى عمرو ومنها التثنية نحو الزيدان والعمران ومنها الجمع نحو الزيدون والعمرون ومنها النداء نحو يا زيد ويا عمرو ومنها الترخيم نحو يا حار ويا مال في ترخيم حارث ومالك وقد قرأ بعض السلف ونادوا يا مال ليقض علينا ربك ومنها التصغير نحو زييد وعمير في تصغير زيد وعمرو ومنها النسب نحو زيدي وعمري في النسب إلى زيد وعمرو ومنهاالوصف نحو زيد العاقل ومنها أن يكون فاعلا أو مفعولا نحو ضرب زيد عمرا ومنها أن يكون مضافا أو مضافا إليه نحو غلام زيد وثوب خز ومنها أن يكون مخبرا عنه كما بينا فهذه معظم علامات الاسم

فإن قيل لم سمي الفعل فعلا قيل لأنه يدل على الفعل الحقيقي ألا ترى أنك إذا قلت ضرب دل على نفس الضرب الذي هو الفعل في الحقيقة فلما دل عليه سمي به لأنهم يسمون الشيء بالشيء اذا كان منه بسبب وهو كثير في كلامهم فإن قيل فما حد الفعل قيل حد الفعل كل لفظة دلت على معنى تحتها مقترن بزمان محصل وقيل ما أسند إلى شيء ولم يسند إليه شيء وقد حده النحويون أيضا بحدود كثيرة فإن قيل ما علامات الفعل قيل علامات الفعل كثيرة فمنها قد والسين وسوف نحو قد قام وسيقوم وسوف يقوم ومنها تاء الضمير وألفه و واوه نحو قمت و قاما وقاموا ومنها تاء التأنيث الساكنة نحو قامت وقعدت ومنها أن الخفيفة المصدرية نحو أريد أن تفعل و منها إن الخفيفة الشرطية نحو إن تفعل أفعل ومنها لم نحو لم يفعل وما أشبه ذلك ومنها التصرف نحو فعل يفعل و كل الأفعال إلا تتصرف ستة أفعال و هي نعم و بئس و عسى و ليس وفعل التعجب و حبذا وفيها كلها خلاف
و لها كلها أيواب نذكرها فيها إن شاء الله تعالى فإن قيل لم سمي الحرف حرفا قيل لأن الحرف في اللغة هو الطرف ومنه يقال حرف الجبل أي طرفه فسمي حرفا لأنه يأتي في طرف الكلام

فإن قيل فما حده قيل ما جاء لمعنى في غيره وقد حده النحويون أيضا بحدود كثيرة لا يليق ذكرها بهذا المختصر فإن قيل فإلى كم ينقسم الحرف قيل إلى قسمين معمل ومهمل فالمعمل هو الحرف المختص كحرف الجر وحرف الجزم والمهمل غير المختص كحرف الاستفهام وحرف العطف ثم الحروف المعملة والمهملة كلها تنقسم إلى ستة أقسام فمنها ما يغير اللفظ والمعنى ومنها ما يغير اللفظ دون المعنى ومنها ما يغير المعنى دون اللفظ ومنها ما يغير اللفظ والمعنى ولا يغير الحكم ومنها ما يغير الحكم ولا يغير لا لفظا ولا معنى ومنها ما لا يغير لا لفظا ولا معنى ولا حكما فأما ما يغير اللفظ والمعنى فنحو ليت تقول ليعت زيدا منطلق ف ليت قد غيرت اللفظ وغيرت المعنى أما تغيير اللفظ فلأنها نصبت الاسم ورفعت الخبر وأما تغيير المعنى فلأنها أدخلت في الكلام معنى التمني وأما ما يغير اللفظ دون المعنى فنحوا إن تقول إن زيدا قائم ف أن قد غيرت اللفظ لأنها نصبت الاسم ورفعت الخبر ولم تغير المعنى لأن معناها التأكيد والتحقيق وتأكيد الشيء لا يغير معناه وأما ما يغير المعنى دون اللفظ فنحو هل تقول هل زيد قائم ف هل قد غيرت المعنى لأنها نقلت الكلام من الخبر الذي يحتمل الصدق والكذب إلى الاستخبار الذي لا يحتمل صدقا ولا كذبا ولم تغير اللفظ لأن الاسم بعد دخولها مرفوع بالابتداء كما كان يرتفع به قبل دخولها وأما ما يغير اللفظ والمعنى ولا يغير الحكم فنحو اللام في قولهم لا يدي لزيد فاللام ههنا غيرت اللفظ لجرها الاسم وغيرت المعنى لإدخال معنى

الاختصاص ولم تغير الحكم لأن الحكم حذف النون للاضافة وقد بقي الحذف بعد دخلوها كما كان قبل دخولها فلم تغير الحكم وأما ما يغير الحكم ولا يغير لا لفظا ولا معنى فنحو اللام في قوله تعالى ( إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد أنك لرسول الله والله يعلم أنك لرسوله والله يشهد أن المنافقين لكاذبون ) فاللام ههنا ما غيرت لا لفظا ولا معنى ولكن غيرت الحكم لأنها علقت الفعل عن العمل ا وأما ما لا يغير لا لفظا ولا معنى ولا حكما فنحو ما في قوله تعالى ء فبما رحمة من الله لنت لهم ف ههنا ما غيرت لا لفظا ولا معنى ولا حكما لأن التقدير فبرحمة من الله لنت لهم فإن قيل كيف اسم أو فعل أو حرف قيل اسم والدليل على ذلك من وجهين أحدهما أنه قد جاء عن بعض العرب أنه قال على كيف تبيع الأحمرين ودخول حرف الجر عليها يدل على أنها اسم إلا أن هذا الوجه ضعيف لأن دخول حرف الجر عليها إنماجاء شاذا
والوجه الثاني - وهو الصحيح - و هو أنا نقول لا تخلو كيف من أن

تكون اسما أو فعلا أو حرفا بطل أن يقال هي حرف لأن الحرف لا يفيد مع كلمة واحدة و كيف تفيد مع كلمة واحدة ألا ترى أنك تقول كيف زيد فيكون كلاما مفيدا فإن قيل فقد أفاد الحرف مع كلمة واحدة في النداء نحو يا زيد قيل إنما حصلت الفائدة في النداء مع كلمة واحدة لأن التقدير في قولك يا زيد أدعو زيدا أو أنادي زيدا فحصلت الفائدة باعتبار الجملة المقدرة لا باعتبار الحرف مع كلمة واحدة فبطل أن يكون حرفا وبطل أيضا أن يكون فعلا لأنه لا يخلو إما أن يكون فعلا ماضيا أو مضارعا أو أمرا بطل أن يكون فعلا ماضيا لأن أمثلة الفعل الماضي لا تخلو إما أن تكون على وزن فعل كضرب أو على فعل كمكث أو على فعل كسمع وعلم و كيف على وزن فعل فبطل أن يكون فعلا ماضيا وبطل أن يكون فعلا مضارعا لأن الفعل المضارع ما كانت في أوله إحدى الزوائد الأربع وهي الهمزة والنون والتاء والياء و كيف ليس في أوله إحدى هذه الزوائد الأربع فبطل أن يكون فعلا مضارعا وبطل أن يكون أمرا لأنه يفيد الاستفهام وفعل الأمر لا يفيد الاستفهام فبطل أن يكون أمرا وإذا بطل أن يكون فعلا ماضيا أو مضارعا أو أمرا بطل أن يكون فعلا والذي يدل أيضا على أنه ليس بفعل أنه يدخل على الفعل في نحو قولك كيف تفعل كذا ولو كان فعلا لما دخل على الفعل لأن الفعل لا يدخل على الفعل
وإذا بطل أن يكون فعلا أو

حرفا وجب أن يكون اسما فإن قيل فعلامة الاسم لا تحسن فيه كما لا يحسن فيه علامة الفعل والحرف فلم جعلتموه اسما ولم تجعلوه فعلا أو حرفا قيل لأن الاسم هو الأصل والفعل والحرف فرع فلما وجب حمله على أحد هذه الأقسام الثلاثة كان حمله على الاسم الذي هو الأصل أولى من حمله على ما هو فرع فإن قيل فلم قدم الاسم على الفعل والفعل على الحرف قيل إنما قدم الاسم على الفعل لأنه الأصل ويستغني بنفسه عن الفعل نحو قولك زيد قائم وآخر الفعل عن الاسم لأنه فرع عليه ولا يستغني عنه فلما كان الاسم هو الأصل ويستغني عن الفعل والفعل فرع عليه ومفتقر إليه كان الاسم مقدما عليه و إنما قدم الفعل على الحرف لأن الفعل يفيد مع اسم واحد نحو قام زيد وآخر الحرف عن الفعل لأنه لا يفيد مع اسم واحد فإنك لو قلت بزيد أو لزيد من غير أن تعلق الحرف بشيء لم يكن مفيدا فلما كان الفعل يفيد مع اسم واحد والحرف لا يفيد مع اسم واحد كان الفعل مقدما عليه فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

باب الإعراب و البناء إن قال قائل لم سمي الإعراب إعرابا والبناء بناء قيل أما الإعراب ففيه ثلاثة
أوجه إحدها أن يكون سمي بذلك لأنه يبين المعاني مأخوذ من قولهم أعرب الرجل عن حجته إذا بينها ومنه قوله الثيب يعرب عنها لسانها أي يبين ويوضح قال الشاعر - من الطويل -
( وجدنا لكم في آل حم آية تأولها منا تقي ومعرب ) فلما كان الإعراب يعين المعاني سمي إعرابا

والوجه الثاني أن يكون سمي إعرابا لأنه تغير يلحق أو آخر الكلم من قولهم عربت معدة الفصيل إذا تغيرت فإن قيل العرب في قولهم عربت معدة الفصيل معناه الفساد فكيف يكون الإعراب مأخوذا منه قيل معنى قولك أعربت الكلام أي أزلت عربه وهو فساده وصار هذا كقولك أعجمت الكتاب إذا أزلت عجمته وأشكيت الرجل إذا أزلت شكايته و على هذا حمل بعض المفسرين قوله تعالى ( إن الساعة آتية أكاد أخفيها ) أي أزيل خفاءها وهذه الهمزة تسمى همزة السلب والوجه الثالث أن يكون سمي إعرابا لأن المعرب للكلام كأنه يتحبب إلى السامع باعرابه من قولهم امرأة عروب إذا كانت متحببه إلى زوجها قال الله تعالى ( عربا أترابا ) أي متحببات إلى أزواجهن فلما كان المعرب للكلام كأنه يتحبب إلى السامع بإعرابه سمي إعرابا
وأما البناء أما البناء فهو منقول من هذا البناء المعروف للزومه وثبوته فإن قيل فما حد الإعراب والبناء قيل أما الإعراب فحده اختلاف أواخر الكلم باختلاف العوامل لفظا أو تقديرا وأما البناء فحده لزوم أواخر الكلم بحركة أو سكون

فإن قيل كم ألقاب الإعراب والبناء قيل ثمانية أربعة للإعراب و أربعة للبناء فألقاب الإعراب رفع ونصب وجر وجزم
وألقاب البناء ضم وفتح وكسر ووقف ا وهي وإن كانت ثمانية في المعنى فهي أربعة في الصورة فإن قيل فلم كانت أربعة قيل لأنه ليس إلا حركة أو سكون فالحركة ثلاثة أنواع الضم والفتح والكسر فالضم من الشفتين والفتح من أقصى الحلق والجر من وسط الفم والسكون هو الرابع فإن قيل هل حركات الإعراب أصل لحركات البناء أو حركات البناء أصل لحركات الإعراب قيل اختلف النحويون في ذلك فذهب بعض النحويين إلى أن حركات الإعراب هي الأصل وأن حركات البناء فرع عليها لأن الأصل في حركات الإعراب أن تكون للأسماء وهي الأصل فكانت أصلا والأصل في حركات البناء أن تكون للأفعال والحروف وهي الفرع فكانت فرعا وذهب آخرون إلى أن حركات البناء هي الأصل وأن حركات الإعراب فرع عليها ! لأن حركات البناء لا تزول ولا تتغير عن حالها وحركات الإعراب تزول وتتغير لا يتغير أولى بأن يكون أصلا مما يتغير
فإن قيل هل الإعراب والبناء عبارة عن هذه الحركات أو عن غيرها قيل الإعراب والبناء ليسا عبارة عن هذه الحركات و إنما هما معنيان يعرفان

بالقلب ليس للفظ فيهما حظ
ألا ترى أنك تقول في حد الإعراب هو اختلاف أواخر الكلم باختلاف العوامل وفي حد البناء لزوم أواخر الكلم حركة أو سكونا ولا خلاف أن الاختلاف واللزوم ليسا بلفظين وإنما هما معنيان يعرفان بالقلب ليس للفظ فيهما حظ والذي يدل على ذلك أن هذه الحركات إذا وجدت بغير صفة الاختلاف لم تكن للأعراب و إذا وجدت بغير صفة اللزوم لم تكن للبناء فدل على أن الإعراب هو الاختلاف والبناء هو اللزوم والذي يدل على صحة هذا إضافة هذه الحركات إلى الإعراب والبناء فيقال حركات الإعراب وحركات البناء ولو كانت الحركات أنفسها هي الإعراب أو البناء لما جاز أن يضاف إليه لأن إضافة الشيء إلى نفسه لا تجوز ألا ترى أنك لو قلت حركات الحركات لم يجز فلما جاز أن يقال حركات الإعراب وحركات البناء دل على أنهما غيرها فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

باب المعرب و المبني
إن قال قائل ما المعرب والمبني قيل أما المعرب فهو ما تغير آخره بتغير العامل فيه لفظا أو تقديرا وهو على ضربين اسم متمكن وفعل مضارع فالاسم المتمكن ما لم يشابه الحرف ولم يتضمن معناه والفعل المضارع ما كانت في أوله إحدى الزوائد الأربع و هي الهمزة والنون والتاء و ا لياء فإن قيل لم زيدت هذه الأحرف دون غيرها قيل لأن الأصل أن تزاد حروف المد واللين وهي الواو والياء والألف إلا أن الألف لما لم يمكن زيادتها أولا لأن الألف لا تكون إلا ساكنة والابتداء بالساكن محال أبدلوا منها الهمزة لقرب مخرجيهما لأنهما هوائيان يخرجان من أقصى الحلق وكذلك الواو ايضا لما لم يمكن زيادتها أولا لأنه ليس في كلام العرب واو زيدت أولا أبدلوا منها التاء لأنها تبدل منها كثيرا ألا ترى أنهم قالوا تراث

وتجاه وتخمة وتهمة وتيقور وتولج قال الشاعرا - من الرجز -
( متخذا من عضوات تولجا ... )
وهو بيت الصائد والأصل وراث ووجاه ووخمة ووهمة وويقور لأنه من الوقار ووولج لأنه من الولوج فأبدلوا التاء من الواو في هذه المواضع كلها وكذلك ههنا
وأما الياء فزيدت لأنها لم يعرض فيها ما يمنع من زيادتها كما عرض في الألف والواو وأما النون فإنما زيدت لأنها تشبه حروف المد واللين وتزاد معها في باب الزيدين و الزيدين
والتحقيق في ترتيب هذه الأحرف أن تقدم الهمزة ثم النون ثم التاء ثم الياء وذلك لأن الهمزة للمتكلم وحده والنون للمتكلم ولمن معه والتاء للمخاطب والياء للغائب والأصل أن يخبر الإنسان عن نفسه ثم عن نفسه وعمن معه ثم المخاطب ثم الغائب فهذا هو التحقيق في ترتيب هذه الأحرف في أول الفعل المضارع

فإن قيل فالفعل المضارع محمول على الاسم في الإعراب أم هو اصل فيه قيل لا بل هو محمول على الاسم في الإعراب وليس بأصل فيه لأن الأصل في الإعراب أن يكون للأسماء دون الأفعال والحروف وذلك لأن الأسماء تتضمن معاني مختلفة نحو الفاعلية والمفعولية والإضافة فلو لم تعرب لالتبست هذه المعاني بعضها ببعض يدلك على ذلك أنك لو قلت ما أحسن زيدا لكنت متعجبا ولو قلت ما أحسن زيد لكنت نافيا ولو قلت ما أحسن زيد لكنت مستفهما ا فلو لم تعرب في هذه المواضع لالتبس التعجب بالنفي والنفي بالاستفهام واشتبهت هذه المعاني بعضها ببعض وإزالة الالتباس واجب
وأما الأفعال والحروف فإنها تدل على ما وضعت له بصيغها فعدم الإعراب لا يخل بمعانيها ولا يورث لبسا فيها والإعراب زيادة والحكيم لا يزيد شيئا لغير فائدة فإن قيل فإذا كان الأصل في الفعل المضارع أن يكون مبنيا فلم حمل على الاسم في الإعراب قيل إنما حمل الفعل المضارع على الاسم في الإعراب لأنه ضارع الاسم ولهذا سمي مضارعا والمضارعة المشابهة ومنها سمي الضرع ضرعا لأنه يشابه أخاه ووجه المشابهة بين هذا الفعل والاسم من خمسة أوجه الوجه الأول أنه يكون شائعا فيتخصص كما أن الاسم يكون شائعا فيتخصص ألا ترى أنك تقول يقوم فيصلح للحال والاستقبال فإذا أدخلت

عليه السين أو سوف اختص بالاستقبال كما أنك تقول رجل فيصلح لجميع الرجال فإذا أدخلت عليه الألف واللام اختص برجل بعينه فلما اختص هذا الفعل بعد شياعه كما أن الاسم يختص بعد شياعه فقد شابهه من هذا والوجه الوجه الثاني أنه تدخل عليه لام الابتداء كما تدخل على الاسم ألا ترى أنك تقول أن زيدا ليقوم كما تقول أن زيدا لقائم ولام الابتداء تختص بالأسماء فلما دخلت على هذا الفعل دل على مشابهة بينهما والذي يدل على ذلك أن فعل الأمر والفعل الماضي لما بعدا عن شبه الاسم لم تدخل هذه اللام عليهما ألا ترى أنك لو قلت لأكرم زيدا يا عمرو أو إن زيدا لقام لكان خلفا من القول والوجه الثالث أن هذا الفعل يشترك فيه الحال والاستقبال فأشبه الأسماء المشتركة كالعين ينطلق على العين الباصرة وعلى عين الماء وعلى غير ذلك و الوجه الرابع أنه يكون صفة كما يكون الاسم كذلك تقول مررت برجل يضرب كما تقول مررت برجل ضارب
فقد قام يضرب مقام ضارب والوجه الخامس أن الفعل المضارع يجري على اسم الفاعل في حركاته وسكونه ألا ترى أن يضرب على وزن ضارب في حركاته وسكونه ولهذا عمل اسم الفاعل عمل الفعل فلما أشبه الفعل المضارع الاسم

من هذه الأوجه استحق جملة الإعراب الذي هو الرفع والنصب والجزم ولكل واحد من هذه الأنواع عامل يختص به أما عامل الرفع فاختلف النحويون فيه فذهب البصريون إلى أنه يرتفع لقيامه مقام الاسم وهو عامل معنوي لا لفظي فأشبه الابتداء وكما أن الابتداء يوجب الرفع فكذلك ما أشبهه فإن قيل هذا ينتقض بالفعل الماضي فإنه يقوم مقام الاسم ولا يرتفع قيل إنما لم يرتفع لأنه لم يثبت له استحقاق جملة الإعراب فلم يكن هذا العامل موجبا له الرفع لأنه نوع منه بخلاف الفعل المضارع فإنه يستحق جملة الإعراب للمشابهة التي ذكرناها قبل فبان الفرق بينهما وأما الكوفيون فاختلفوا فذهب الكسائي إلى أنه يرتفع بالزائد في أوله وذهب الفراء إلى أنه يرتفع لسلامته من العوامل الناصبة والجازمة فأما قول الكسائي فظاهر الفساد لأنه لو كان الزائد في أوله ا هو الموجب للرفع لوجب ألا يجوز نصب الفعل ولا جزمه مع وجوده لأن عامل النصب والجزم لا يدخل

على عامل الرفع فلما وجب نصبه بدخول النواصب و جزمه بدخول الجوازم دل على أن الزائد ليس هو العامل وأما قول الفراء فلا ينفك من ضعف وذلك لأنه يؤدي إلى أن يكون النصب والجرم قبل الرفع لأنه قال لسلامته ملي العوامل الناصبة والجازمة والرفع قبل النصب والجزم فلهذا كان هذا القول ضعيفا وأما عوامل النصب فنحو أن ولن وكي وإذن وأما عوامل الجزم فنحو لم ولما ولام الأمر ولا في النهى
ولعوامل النصب والجزم موضع نذكرها فيه إن شاء الله تعالى وأما المبني فهو ضد المعرب وهو ما لم يتغير آخره بتغير العامل فيه فمن ذلك الاسم غير المتمكن و الفعل غير المضارع فأما الاسم غير المتمكن فنحو من وكم وقبل وبعد وأين كيف وأمس وهؤلاء وإنما بنيت هذه الأسماء لأنها أشبهت الحروف أو تضمنت معناها فأما من فإنها بنيت لأنها لا تخلو إما أن تكون استفهامية أو شرطيه أو اسما موصولا أو نكرة موصوفة فإن كانت استفهامية فقد تضمنت معنى حرف الاستفهام وان كانت شرطية فقد تضمنت معنى حرف الشرط وإن كانت اسما موصولا فقد تنزلت منزلة بعض الكلمةا وبعض الكلمة مبني وان كانت نكرة موصوفة فقد تنزلت منزلة الموصولة وأما كم فإنما بيت لأنها لا تخلو إما أن تكون استفهامية او
خبرية فإن

كانت استفهامية فقد تضمنت معنى حرف الاستفهام وإن كانت خبرية فهي نقيضة رب لأن رب للتقليل و كم للتكثير وهم يحملون الشيء على ضده كما يحملونه على نظيره وبنيت من و كم على السكون لأنه الأصل في البناء ولم يعرض فيهما ما يوجب بناءهما على حركة فبقيا على الأصل
وأما قبل وبعد فإنما بنيا لأن الأصل فيهما أن يستعملا مضافين إلى ما بعدهما فلما اقتطعا عن الإضافة والمضاف مع المضاف إليه بمنزلة كلمة واحدة تنزلا منزلة بعض الكلمة وبعض الكلمة مبني قال الله تعالى لله ( الأمر من قبل ومن بعد ) و إنما بنيا على حركة لأن كل واحد منهما كان له حالة إعراب قبل البناء فوجب أن يبنيا على حركة تمييزا لهما على ما بني وليس له حالة إعراب نحو من وكم وقيل إنما بنيا على حركة لالتقاء الساكنين والقول الصحيح هو الأول فإن قيل فلم كانت الحركة ضمة قيل لوجهين أحدهما أنه لما حذف المضاف إليه بنيا على أقوى الحركات وهي الضمة تعويضا عن المحذوف وتقوية لهما

والوجه الثاني إنما بنوهما على الضم لأن النصب والجر يدخلهما نحو جئت قبلك ومن قبلك وأما الرفع فلا يدخلهما البتة فلو بنوهما على الفتح أو الكسر لالتبست حركة الإعراب بحركة البناء فبنوهما على حركة لا تدخلهما وهي الضمة لئلا تلتبس حركة الإعراب بحركة البناء وأما أين و كيف فإنما بنيا لأنهما تضمنا معنى حرف الاستفهام لأن أين سؤال عن المكان و كيف سؤال عن الحال فلما تضمنا معنى حرف الاستفهام وجب أن يبنيا وإنما بنيا على حركة لالتقاء الساكنين وإنما كانت الحركة فتحة لأنها أخف الحركات وأما أمس فإنما بنيت لأنها تضمنت معنى لام التعريف لأن الأصل في أمس الأمس فلما تضمنت معنى اللام تضمنت معنى الحرف فوجب أن تبنى وإنما بنيت على حركة لالتقاء الساكنين وإنما كانت الحركة كسرة لأنها الأصل في التحريك لالتقاء الساكنين ومن العرب من يجعل أمس معدولة عن لام التعريف فيجعلها غير مصروفة قال الشاعر - من الرجز

( لقد رأيت عجبا مذ أمسا عجائزا مثل السعالي قعسا ) وأما هؤلاء فإنما بنيت لتضمنها معنى حرف الاشارة وأن لم ينطق به لأن الأصل في الإشارة أن تكون بالحرف كالشرط والنفي والتمني والعطف إلى غير ذلك من المعاني إلا أنهم لما لم يفعلوا ذلك ضمنوا هؤلاء معنى حرف الإشارة فبنوها ونظير هؤلاء ما التي في التعجب فإنها بنيت لتضمنها معنى حرف التعجب وان لم يكن له حرف ينطق به لأن الأصل في التعجب أن يكون بالحرف كغيره من المعاني إلا أنهم لما لم يفعلوا ذلك ضمنوا ماا معنى حرف التعجب فبنوها كما بنوا ما إذا تضمنت معنى حرف الاستفهام والشرط فكذلك ههنا وأما الفعل غير المضارع فهو على ضربين أحدهما الفعل الماضي والآخر فعل الأمر فأما الفعل الماضي فنحو ذهب وعلم وشرف واستخرج ودحرج واحرنجم وأما فعل الأمر فنحو اذهب واعلم واشرف واستخرج ودحرج واحرنجم وسنذكر لم بني الفعل الماضي على الفتح ولم بني فعل الأمر على الوقف وخلاف النحويين فيه في بابه إن شاء الله تعالى وأما الحروف فكلها مبنية لم يعرب منها شيء لبقائها على اصلها في البناء فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

باب إعراب الاسم
ا المفرد إن قال قائل على كم ضربا الاسم المفرد قيل على ضربين صحيح ومعتل فالصحيح في عرف النحويين ما لم يكن آخره الفا ولا ياء قبلها كسرة نحو رجل وفرس وما أشبه ذلك وهو على ضربين منصرف وغير منصرف فالمنصرف ما دخله الحركات الثلاث مع التنوين نحو هذا زيد و رأيت زيدا و مررت بزيد وهذا الضرب يسمى الأمكن وقد يسمى أيضا متمكنا
فإن قيل لم جعلوا التنوين علامة للصرف دون غيره قيل لأن أولى ما يزاد حروف المد واللين وهي الألف والياء والواو إلا أنهم عدلوا عن زيادتها إلى التنوين لما يلزم من اعتلالها وانتقالها ألا ترى أنهم لو جعلوا الواو علامة للصرف لانقلبت ياء في الجر لانكسار ما قبلها وكذلك حكم الياء والألف في الاعتلال والانتقال من حال إلى حال وكان التنوين أولى من غيره لأنه خفيف يضارع حروف العلة ألا ترى أنه غنة في الخيشوم وأنه لا معتمد له في الحلق الحق فأشبه الألف إذ كان حرفا هوائيا
فإن قيل ولماذا دخل التنوين الكلام قيل اختلف النحويون في ذلك

فذهب سيبويه إلى أنه دخل الكلام علامة للأخف عليهم و الأمكن عندهم و ذهب بعض النحويين إلى أنه دخل فرقا بين الفعل والاسم وذهب آخرون إلى أنه دخل فرقا بين ما ينصرف وما لا ينصرف وأما غير المنصرف فما لم يدخله الجر مع التنوين وكان ثانيا من جهتين نحو مررت بأحمد و إبراهيم وما أشبه ذلك وإنما منع هذا الضرب من الأسماء الصرف لأنه أشبه الفعل فمنع من التنوين ومنع من الجر تبعا للتنوين لما بينهما من المصاحبة وذهب بعض النحويين إلى أنه منع الجر لأنه أشبه الفعل والفعل لا يدخله جر ولا تنوين فكذلك ما أشبهه وهذا الضرب يسمى المتمكن ولا يسمى أمكن و كل أمكن متمكن وليس كل متمكن أمكن فإن قيل فلم يدخل الجر مع الألف واللام والإضافة قيل للأمن من دخول التنوين مع الألف واللام والإضافة وسترى هذا في موضعه إن شاء الله تعالى والمعتل ما كان آخره ألفا أو ياء قبلها كسرة وهو على ضربين منقوص و مقصور

أما المنقوص فما كان في آخره ياء خفيفة قبلها كسرة وذلك نحو القاضي و الداعي فإن قيل فلم سمي منقوصا قلا لأنه نقص الرفع والجر تقول هذا قاض يا فتى ومررت بقاض يا فتى والأصل هذا قاضي ومررت بقاضي إلا أنهم استثقلوا الضمة والكسرة على الياء فحذفوهما فبقيت الياء ساكنة والتنوين ساكن فحذفوا الياء لالتقاء الساكنين وكان حذف الياء أولى من حذف التنوين لوجهين أحدهما أن الياء إذا حذفت بقي في اللفظ ما يدل عليها وهي الكسرة بخلاف التنوين فإنه لو حذف لم يبق في اللفظ ما يدل على حذفه فلما وجب حذف أحدهما كان حذف ما في اللفظ دلالة على حذفه أولى
و الثاني أن التنوين دخل لمعنى وهو الصرف وأما الياء فليست كذلك فلما وجب حذف أحدهما كان حذف ما لم يدخل لمعنى أولى من حذف ما دخل لمعنى وأما إذا كان منصوبا فهو بمنزلة الصحيح لخفة الفتحة فإن قيل الحركات كلها تستثقل على حرف العلة بدليل قولهم باب وناب والأصل فيهما بوب ونيب إلا أنهم استثقلوا الفتحة على الواو والياء فقلبوا كل واحدة منهما ألفا قيل الفتحة في هذا النحو لازمة ليست بعارضة بخلاف الفتحه التي على ياء قاض فإنها عارضة وليست بلازمة فلهذا المعنى استثقلوا الفتحة في نحو باب وناب ولم يستثقلوها في نحو قاض

فإن وقفت على المرفوع والمجرور من هذا الضرب كان لك فيه مذهبان إسقاط الياء وإثباتها واختلف النحويون في الأجود منهما فذهب سيبويه إلى أن حذف الياء أجود إجراء للوقف على الوصل لأن الوصل هو الأصل وذهب يونس إلى أن إثبات الياء أجود لأن الياء إنما حذفت لأجل التنوين ولا تنوين في الوقف فوجب رد الياء وقد قرأ بهما القراء قال تعالى ( ما عندكم ينفد وما عند الله باق ) بغير ياء وقد قرأ بعضهم بالياء فإن كان منصوبا أبدلت من تنوينه ألفا كالأسماء المنصرفة الصحيحة فتقول رأيت قاضيا كما تقول رأيت ضاربا فإن كان فيه ألف ولام كان حكمه في الوصل حكم ما ليس فيه ألف ولام في حذف الضمة والكسرة ودخول الفتحة وكان لك أيضا في الوقف في حالة الرفع والجر إثبات الياء و حذفها واثبات الياء أجود الوجهين لأن التنوين لا يجوز أن يثبت مع الألف واللام فإذا زالت علة إسقاط الياء وجب أن تثبت وكان يعض العرب يقف بغير ياء وذلك أنه قدر حذف الياء في قاض ونحوه ثم أدخل عليه الألف واللام وبقي الحذف على حاله وهذا ضعيف جدا وقد قرأ به بعض القراء قال تعالى أجيب دعوة

الداع إذا دعان ) فإن كان منصوبا لم يكن الوقف عليه إلا بالياء قال الله تعالى ( كلا إذا بلغت التراقي ) وذلك لأنه تنزلي بالحركة منزلة الحرف الصحيح فتحصن بها من الحذف
وأما المقصور فهو المختص بألف مفردة في آخره نحو الهوى والهدى والدنيا والأخرى وسمي مقصورا لأن حركات الإعراب قصرت عنه أي حبست والقصر الحبس ومنه يقال امرأة مقصورة وقصيرة وقصورة قال الله تعالى ( حور مقصورات في الخيام ) أي محبوسات وقال الشاعر وأنت التي حببت كل قصيرة ... إلي ولم تعلم بذاك الفصائر )
( عنيت قصيرات الحجال ولم أرد ... قصار الخطا شر النساء البهاتر ) - من الطويل - ويروي قصورة والبهاتر القصار ويروي البحاتر وهما بمعنى واحد وهو على ضربين منصرف وغير منصرف فالمنصرف ما دخله التنوين وذلك نحو هذه رحى وعصا و رأيت رحى وعصا ومررت برحى وعصا

والأصل فيه رحى وعصو إلا أن الياء والواو لما تحركا وانفتح ما قبلهما قلبا ألفين وحذفت الألف منهما لسكونها وسكون التنوين وكان حذفها أولى لما ذكرناه في حذف الياء من نحو قاض فإن وقفت على شيء من هذا الضرب فقد اختلف النحويون فيه على مذاهب
فذهب سيبويه إلى أن الوقف في حالة الرفع والجر على الألف المبدلة من الحرف الأصلي وفي حالة النصب على الألف المبدلة من التنوين حملا للمعتل على الصحيح وذهب أبو عثمان المازني إلى أن الوقف في الأحوال الثلاثة على الألف المبدلة من التنوين لأنهم إنما خصوا الإبدال بحال النصب في الصحيح لأنه يؤدي إلى الألف التي هي أخف الحروف ولم يبدلوا في حالة الرفع والجر لأنه يفضي إلى الثقل واللبس وذلك غير موجود هنا لأن ما قبل التنوين ههنا لا يكون إلا مفتوحا فأبدلوا منه ألفا لأنه لا يجلب ثقلا ولا يوجب لبسا وذهب أبو سعيد السيرافي إلى أن الوقف في الأحوال الثلاثة على الألف المبدلة من الحرف الأصلي وذلك لأن بعض القراء ج يميلونها في قوله تعالى ( أو أجد على النار هدى ) ولو كانت مبدلة من التنوين لما جازت إمالتها ألا ترى أنك لو أملت الألف في نحو رأيت عمرا لكان غير جائز فلما جازت الإمالة ههنا دل على أنها مبدلة من الحرف الأصلي لا من التنوين وغير المنصرف ما لم يلحقه التنوين وذلك نحو حبلى وبشرى و سكرى وتثبت فيه الألف وصلا ووقفا إذ ليس يلحقها تنوين تحذف من

اجله فإن لقيها ساكن من كلمة أخرى حذفت لالتقاء الساكنين فإن قيل لم أعربت الأسماء الستة المعتلة بالحروف ا وهي أسماء مفردة قيل إنما أعربت بالحروف توطئة لما يأتي من باب التثنية والجمع فإن قيل فلم كانت هذه الأسماء أولى بالتوطئة من غيرها قيل لأن هذه الأسماء منها ما تغلب عليه الإضافة ومنها ما تلزمه الإضافة
فما تغلب عليه الإضافة أبوك و أخوك وحموك وهنوك وما تلزمه الإضافة فوك وذو مال والإضافة فرع على الإفراد كما أن التثنية والجمع فرع على المفرد فلما وجدت بينهما المشابهة من هذا الوجه كانت أولى من غيرها ولما وجب أن تعرب بالحروف لهذه المشابهة أقاموا كل حرف مقام ما يجانسه من الحركات فجعلوا الواو علامة للرفع والألف علامة للنصب والياء علامة للجر وذهب الكوفيون إلى أن الواو والضمة قبلها علامة للرفع و الألف والفتحة قبلها علامة للنصب والياء والكسرة قبلها علامة للجر فجعلوه معربا من مكانين وقد بينا فساده في مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين
وذهب بعض النحويين إلى أن هذه الأسماء إذا كانت في موضع رفع كان فيها نقل بلا قلب وإذا كانت في موضع نصب كان فيها قلب بلا نقل و إذا كانت في موضع جر كان فيها نقل وقلب ألا ترى أنك إذا قلت هذا أبوك كان الأصل فيه هذا أبوك فنقلت الضمة من الواو إلى ما قبلها فكان فيه نقل بلا قلب وإذا قلت رأيت أباك كان الأصل فيه رأيت أبوك فتحركت

الواو وانفتح ما قبلها فقلبت الواو ألفا فكان فيه قلب بلا نقل وإذا قلت مررت بأبيك كان الأصل فيه مررت بأبوك فنقلت الكسرة من الواو إلى ما قبلها وانقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها فكان فيه نقل وقلب وذهب بعض النحويين إلى أن الياء والواو والألف نشأت عن إشباع الحركات كقول الشاعر - من البسيط -
( الله يعلم أنا في تلفتنا ... يوم الفراق إلى إخواننا صور ) و إنني حيثما يثني الهوى بصري من حيثما سلكوا أدنو فأنظور أراد فأنظر فاشبع الضمة فنشأت الواو كما قال الآخر في إشباع الفتحة - من الوافر - و أنت من الغوائل حين ترمي ومن ذم الرجال بمنتزاح

أراد بمنتزح فأشبع الفتحة فنشأت الألف وكما قال الآخر في إشباع الكسرة - من البسيط -
( تنفي يداها الحصى في كل هاجرة نفى الدراهيم تنقاد الصياريف ... ) أراد الصيارف فأشبع الكسرة فنشأت الياء والشواهد على إشباع الضمة والفتحة والكسرة كثيرة جدا وهذا القول ضعيف لأن إشباع الحركات إنما يكون في ضرورة الشعر كهذه الأبيات وأما في حالة الاختيار فلا يجوز ذلك بالإجماع فلما جاز ههنا في حالة الاختيار أن تقول هذا أبوه ورأيت أباه ومررت بأبيه دل على أن هذه الحروف ما نشأت عن إشباع الحركات وقد يحكى عن بعض العرب أنهم يقولون هذا أبك و رأيت أبك ومررت بأبك من غير واو ولا ألف ولا ياء ويحكى عن بعض العرب أنهم يقولون هذا أباك ورأيت أباك ومررت

بأباك بالألف في حالة الرفع والنصب والجر كقوله ل من الرجز
( ان أباها وابا أباها ... ) والذي يعتمد عليه هو القول الأول وقد بينا ذلك مستقصى في كتابناالموسوم ب الأسماء في شرح الأسماء إن شاء الله تعالى

باب التثنية و الجمع
إن قال قائل ما التثنية قيل التثنية صيغة مبنية للدلالة على الاثنين واصل التثنية العطف تقول قام الزيدان وذهب العمران والأصل فيه قام زيد وزيد وذهب عمرو وعمرو إلا أنهم حذفوا أحدهما وزادوا على الآخر زيادة دالة على التثنية طلبا للإيجاز والاختصار
والذي يدل على أن الأصل هو العطف أنهم يفكون التثنية في حال الاضطرار ويعدلون عنها إلى التكرار كقوله - من الرجز -
( كأن بين فكها والفك ... فارة مسك ذبحت في سك )

وكقول الآخر - من الرجز -
( كان بين خلفها والخلف ... كشة افعي في يبس قف ) وكقول الآخر - من الرجز - ليث وليث في مجال ضنك أراد ليثان إلا أنه عدل إلى التكرار في حالة الاضطرار لأنه الأصل - فإن قيل ما الجمع قيل صيغة مبنية للدلالة على العدد الزائد على الاثنين والأصل فيه أيضا العطف كالتثنية إلا أنهم لما عدلوا عن التكرار في التثنية طلبا للاختصار كان ذلك في الجمع أولى

فإن قيل فلم كان إعراب التثنية والجمع بالحروف دون الحركات قيل لأن التثنية والجمع فرع على المفرد و الإعراب بالحروف فرع على الحركات فكما أعرب المفرد الذي هو الأصل بالحركات التي هي الأصل فكذلك أعرب التثنية والجمع اللذان هما فرع بالحروف التي هي فرع فأعطي الفرع الفرع كما أعطي الأصل الأصل و كانت الألف والواو والياء أولى من غيرها لأنها أشبه الحروف بالحركات
فإن قيل فلم خصوا التثنية في حال الرفع بالألف والجمع السالم بالواو وأشركوا بينهما في الجر والنصب قيل إنما خصوا التثنية بالألف والجمع بالواوا لأن التثنية اكثر من الجمع لأنها تدخل على من يعقل وعلى ما لا يعقل وعلى الحيوان وعلى غير الحيوان من الجماد والنبات بخلاف الجمع السالم فإنه في الأصل لأولي العلم خاصة فلما كانت التثنية أكثر والجمع أقل جعلوا الأخف وهو الألف للأكثر والأثقل وهو الواو للأقل ليعادلوا بين التثنية والجمع وإنما أشركوا بينهما في النصب والجر لأن التثنية والجمع لهما ستة أحوال و ليس إلا ثلاثة أحرف فوقعت الشركة ضرورة
فإن قيل هل النصب محمول على الجر أو الجر محمول على النصب قيل بل النصب محمول على الجر لأن دلالة الياء على الجر أشبه من دلالتها على النصب لأن الياء من جنس الكسرة والكسرة في الأصل تدل على الجر فكذلك ما أشبهها

فإن قيل فلم حمل النصب على الجر دون الرفع قيل لخمسة أوجه الوجه الأول أن الجر ألزم للأسماء من الرفع لأنه لا يدخل على الفعل فلما وجب الحمل على أحدهما كان حمله على الإلزام أولى من حمله على غيره
والوجه الثاني أنهما يقعان في الكلام فضلة ألا ترى أنك تقول مررت فلا يفتقر إلى أن تقول بزيد أو نحوه كما أنك إذا قلت رأيت لا يفتقر إلى أن تقول زيدا أو نحوه والوجه الثالث أنهما يشتركان في الكتابة نحو رأيتك و مررت بك والوجه الرابع أنهما يشتركان في المعنى تقول مررت بريد فيكون في معنى جزت زيدا والوجه الخامس أن الجر أخف من الرفع فلما أرادوا الحمل على أحدهما كان الحمل على الأخف أولى من الحمل على الأثقل ويحتمل عندي وجها سادسا وهو أن النصب من أقصى الحلق والجر من وسط الفم والرفع من الشفتين فكان النصب إلى الجر اقرب من الرفع لأن أقصى الحلق اقرب إلى وسط الفم من الشفتين فلما أرادوا حمل النصب على أحدهما كان حمله على الأقرب أولى من حمله على الأبعد والجار أحق بصقبه والذي يدل على اعتبار هذه المناسبة بينهما أنهم لما حملوا النصب على

الجر في باب التثنية والجمع حملوا الجر على النصب في باب ما لا ينصرف
فإن قيل فما حرف الإعراب في التثنية والجمع قيل اختلف النحويون في ذلك فذهب سيبويه إلى أن الألف والواو والياء هي حروف الإعراب
وذهب ابو الحسن الأخفش و أبو العباس المبرد ومن تابعهما إلى أنها تدل على الإعراب وليست بإعراب ولا حروف إعراب وذهب أبو عمر الجرمي إلى أن انقلابها هو الإعراب وذهب قطرب والفراء والزيادي إلى أنها هي الإعراب والصحيح هو الأول وأما من ذهب إلى أنها تدل على الإعراب وليس بحروف إعراب ففاسد لأنه لا يخلو إما أن تدل على الإعراب في الكلمة أو في غيرها فإن كانت تدل على الإعراب في الكلمة فلا بد من تقديره فيها فيرجع هذا القول إلى القول الأول وهو مذهب سيبويه وان كانت تدل على إعراب في غير الكلمة فليس بصحيح لأنه يؤدي إلى أن يكون التثنية والجمع مبنيين وليس بمذهب لقائل هذا القول وإلى أن يكون إعراب

الكلمة ترك إعرابها وذلك محال
وأما من ذهب إلى أن انقلابها هو الإعراب فقد ضعفه بعض النحويين لأنه يؤدي إلى أن يكون المثنية والجمع مبنيين في حال الرفع لأنه لم ينقلب عن غيره إذ أول أحوال الاسم الرفع وليس من مذهب هذا القائل بناء التثنية والجمع في حال من الأحوال
من ذهب إلى أنها أنفسها هي ا الإعراب فظاهر الفساد وذلك لأن الإعراب لا يخل سقوطه ببناء الكلمة و لو أسقطنا هذه الأحرف لبطل معنى التثنية والجمع واختل معنى الكلمة فدل ذلك على أنها ليست بأعراب وإنما هي حروف إعراب على ما بيناه فإن قيل فلم فتحوا ما قبل ياء التثنية دون ياء الجمع قيل لثلاثة اوجه الوجه الأول أن التثنية أكثر من الجمع على ما بينا فلما كانت التثنية اكثر من الجمع والجمع أقل أعطوا الأكثر الحركة الخفيفة وهي الفتحة والأقل الحركة الثقيلة وهي الكسرة والوجه الثاني أن حرف التثنية لما زيد على الواحد للدلالة على التثنية أشبه تاء التأنيث التي تزاد على الواحد للدلالة على التأنيث وتاء التأنيث يفتح ما قبلها فكذلك ما أشبهها وكانت التثنية أولى بالفتح لهذا المعنى من الجمع لأنها فبل الجمع والوجه الثالث أن بعض علامات التثنية الألف والألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا ففتحوا ما قبل الياء لئلا يختلف إذ لا علة ههنا توجب المخالفة

فإن قيل فلم أدخلت النون في التثنية والجمع قيل اختلف النحويون في ذلك
فذهب سيبويه إلى أنها بدل من الحركة والتنوين وذهب بعض النحويين إلى أنها تكون على ثلاثة أضرب فتارة تكون بدلا من الحركة والتنوين وتارة تكون بدلا من الحركة دون التنوين وتارة تكون بدلا من التنوين دون الحركة
فكونها بدلا من الحركة والتنوين ففي نحو رجلان وفرسان وكونها بدلا من الحركة دون التنوين ففي نحو الرجلان والفرسان وكونها بدلا من التنوين فقط ففي نحو رحيان وعصوان وذهب بعض الكوفيين إلى أنها زيدت للفرق بين التثنية وبين الواحد المنصوب في نحو قولك رأيت زيدا فإن قيل فلم كسروا نون التثنية وفتحوا نون الجمع قيل للفرق بينهما مع تباين صيغتيهما فإن قيل وما الحاجة إلى الفرق بينهما مع تباين صيغتيهما قيل لأنهم لو لم يكسروا نون المثنية ويفتحوا نون الجمع لالتبس جمع المقصور في حالة الجر والنصب بتثنية الصحيح ألا ترى أنك تقول في جمع مصطفى رأيت مصطفين ومررت بمصطفين قال الله تعالى ( وأنهم عندنا لمن المصطفين )

الأخيار فلفظ مصطفين كلفظ زيدين فلو لم يكسروا نون التثنية ويفتحوا نون الجمع لالتبس هذا الجمع بهذه التثنية فإن قيل فهلا عكسوا ففتحوا نون المثنية وكسروا نون الجمع وكان الفرق حاصلا قيل لثلاثة اوجه الوجه الأول أن نون التثنية تقع بعد ألف أو ياء مفتوح ما قبلها فلم يستثقلوا فيها الكسرة وأما نون الجمع فإنها تقع بعد واو مضموم ما قبلها أو ياء مكسور ما قبلها فاختاروا لها الفتحة لتعادل خفة الفتحة ثقل الواو والضمة والياء والكسرة و لو عكسوا ذلك لأدى ذلك إلى الاستثقال إما لتوالي الأجناس وأما للخروج من ضم إلى كسر والوجه الثاني أن التثنية قبل الجمع والأصل في التقاء الساكنين الكسر فحركت نون التثنية بما وجب لها في الأصل وفتحت نون الجمع لأن الفتح أخف من الضم والوجه الثالث أن الجمع أثقل من التثنية والكسر اثقل من الفتح فأعطوا الأخف الأثقل والأثقل الأخف ليعادلوا بينهما فإن قيل فلم قلتم أن الأصل في الجمع السالم أن يكون لمن يعقل قيل تفضيلا لهم لأنهم المقدمون على سائر المخلوقات بتكريم الله تعالى لهم وتفضيله إياهم قال الله تعالى ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر

ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا )
فإن قيل فلم جاء هذا الجمع في الأعداد من العشرين إلى التسعين قيل إنما جاء هذا الجمع في الأعداد من العشرين إلى التسعين لأن الأعداد لما كانت تقع على من يعقل نحو عشرون رجلا وعلى ما لا يعقل نحو عشرون ثوبا وكذلك إلى التسعين غلب جانب من يعقل على ما لا يعقل كما يغلب جانب المذكر على المؤنث في نحو أخواك هند وعمرو وما أشبه ذلك فإن قيل فمن أين جاء هذا الجمع في قوله تعالى ( فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين ) قيل لأنه لما وصفهما بالقول والقول من صفات من يعقل أجراهما مجرى من يعقل وعلى هذا قوله تعالى ( إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين ) لأنه لما وصفها بالسجود وهو من صفات من يعقل أجراها مجرى من يعقل فلهذا جمعت جمع من يعقل
فإن قيل فلم جاء هذا الجمع في قولهم في جمع أرض أرضون و في جمع سنة سنون قيل لأن الأصل في أرض أرضة بدليل قولهم في التصغير أريضة وكان القياس يقتضي أن تجمع بالألف والتاء إلا أنهم لما

حذفوا التاء من أرض جمعوه بالواو والنون تعويضا من حذف التاء وتخصيصا له بشيء لا يكون في سائر أخواته وكذلك الأصل في سنة سنوة بدليل قولهم في الجمع سنوات أو سنهة على قول بعضهم إلا أنهم لما حذفوا اللام جمعوه بالواو والنون تعويضا من حذف اللام وتخصيصا له بشيء في التام وهذا وهذا التعويض تعويض جواز لا تعويض وجوب لأنهم لا يقولون في جمع شمس شمسون ولا في جمع غد غدون ولهذا لما كان هذا الجمع في أرض وسنة على خلاف الأصل ادخل فيه ضرب من التكسير ففتحت الراء من أرضون و كسرت السين من سنون إشعارا بأنه جمع جمع السلامة على خلاف الأصل فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

باب جمع التأنيث
إن قال قائل لم زادوا في آخر هذا الجمع ألفا وتاء نحو مسلمات وصالحات قيل لأن أولى ما يزاد حروف المد واللين وهي الألف والياء والواو وكانت الألف أولى من الياء والواو لأنها أخف منهما ولم تجز زيادة أحدهما معها لأنه كان يؤدي إلى أن ينقلب عن اصله لأنه كان يقع طرفا وقبله ألف زائدة فينقلب همزة فزادوا التاء بدلا عن الواو لأنها تبدل منها كثيرا نحو تراث و تجاه وتهمة وتخمة وتكلة و ما أشبه ذلك والأصل في مسلمات وصالحات مسلمتات وصالحتات إلا أنهم حذفوا التاء لئلا يجمعوا بين كلامتي تأنيث في كلمة واحدة و إذا كانوا قد حذفوا التاء مع المذكر في نحو قولهم رجل بصري وكوفي في النسب إلى البصرة والكوفة والأصل بصرتي وكوفتي لئلا يقولوا في المؤنث امرأة بصرتية وكوفتية فيجمعوا بين علامتي تأنيث فلأن يحذفوا ههنا مع تحقق الجمع كان ذلك من طريق الأولى
فإن قيل فلم كان حذف التاء الأولى أولى قيل لأنها تدل على التأنيث فقط والثانية تدل على الجمع والتأنيث فلما كان في الثانية زيادة معنى كان تبقيتها وحذف الأولى أولى

فإن قيل فلم لم يحذفوا الألف في جمع حبلى كما حذفوا التاء فيقولوا حبلات كما قالوا مسلمات قيل لأن الألف تنزلت منزلة حرف من نفس الكلمة لأنها صيغت عليها في أول أحوالها وأما التاء فليست كذلك لأنها ما صيغت عليها الكلمة في أول أحوالها وإنما هي بمنزلة اسم ضم إلى اسم كحضرموت وبعلبك وما أشبه ذلك فإن قيل فلم وجب قلب الألف قيل لأنها لو لم تقلب لكان ذلك يؤدي إلى حذفها لأنها ساكنة وألف الجمع بعدها ساكن وساكنان لا يجتمعان فيجب حذفها لالتقاء الساكنين
فإن قيل فلم قلبت الألف ياء فقيل حبليات ولم تقلب واوا قيل لوجهين أحدهما أن الياء تكون علامة للتأنيث والواو ليست كذلك فلما وجب قلب الألف إلى أحدهما كان قلبها إلى الياء أولى من قلبها إلى الواو والوجه الثاني أن الياء أخف من الواو والواو أثقل فلما وجب قلبها إلى أحدهما كان قلبها إلى الأخف أولى من قلبها إلى الأثقل فإن قيل فلم قلبوا الهمزة واوا في جمع صحراء فقالوا صحراوات قيل لوجهين أحدهما أنهم لما أبدلوا من الواو همزة في نحو أقتت وأجوه أبدلوا

الهمزة ههنا واوا لضرب من النقاض والتعويض
والوجه الثاني أنهم إنما أبدلوها واوا ولم يبدلوها ياء لأن الواو ابعد من الألف والياء أقرب إليه منها فلو أبدلوها ياء لأدى ذلك لى أن تقع ياء بين ألفين فكان اقرب إلى اجتماع الأمثال وهم إنما قلبوا الهمزة فرارا من اجتماع الأمثال لأنها تشبه الألف وقد وقعت بين ألفين فإذا كانت الهمزة إنما وجب قلبها فرارا من اجتماع الأمثال وجب قلبها واوا لأنها ابعد من الياء في اجتماع ا لأمثال فإن قيل لم حمل النصب على الجر في هذا الجمع قيل لأنه لما وجب حمل النصب على الجر في جمع المذكر الذي هو الأصل وجب أيضا حمل النصب على الجر في جمع المؤنث الذي هو الفرع حملا للفرع على الأصل و إذا كانوا قد حملوا أعد ونعد على يعد في الاعتلال وإن لم يكن فرعا عليه فلأن يحمل جمع المؤنث على جمع المذكر وهو فرع عليه كان ذلك من طريق الأولى
فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

باب جمع التكسير
إن قال قائل لم سمي جمع التكسيرا قيل إنما سمي بذلك على التشبيه بتكسير الآنية لأن تكسيرها إنما هو إزالة التئام أجزائها فلما أزيل نظم الواحد وفك نضده في هذا الجمع سمي جمع التكسير وهو على أربعة أضرب أحدها أن يكون لفظ الجمع اكثر من لفظ الواحد والثاني أن يكون لفظ الواحد أكثر من لفظ الجمع والثالث أن يكون مثله في الحروف دون الحركات والرابع أن يكون مثله في الحروف و الحركات فأما ما لفظ الجمع أكثر من الواحد فنحو رجل ورجال ودرهم ودراهم وأما ما لفظ الواحد اكثر من لفظ الجمع فنحو كتاب وكتب وإزار وأزر وأما ما لفظ الجمع كلفظ الواحد في الحروف دون الحركات فنحو أسد وأسد ووثن ووثن وأما ما لفظ الجمع مثل لفظ الواحد في الحروف والحركات فنحو الفلك فإنه يكون واحدا ويكون جمعا فأما كونه واحدا فنحو قوله تعالى ( في الفلك المشحون ) ا فأراد به الواحد ولو أراد به الجمع لقال المشحونة

وأما كونه جمعا فنحو قوله تعالى ( حتى إذا كنتم في الفلك و جرين ) وقال تعالى ( والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس ) فأراد به الجمع لقوله وجرين والتي تجري غير أن الضمة فيه إذا كان واحدا غير الضمة فيه إذا كان جمعا وان كان اللفظ واحدا لأن الضمة فيه إذا كان واحدا كالضمة في قفل وقلب وإذا كان جمعا كانت الضمة فيه كالضمة في كتب
و أزر وكذلك قولهم هجان ودلاص يكون واحدا ويكون جمعا تقول ناقة هجان ونوق هجان ودرع دلاص ودروع دلاص فإذا كان واحدا كانت الكسرة فيه كالكسرة في كتاب و إذا كان جمعا كانت الكسرة فيه كالكسرة في كلام والهجان الكريم من الإبل والدلاص الدرع البراقة ويقال دلامص ودلاص ودمالص ودلمص ودملص بمعنى واحد فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

باب المبتدأ
إن قال قائل ما المبتدأ قيل كل اسم عريته من العوامل اللفظية لفظا او تقديرا فقولنا اللفظية احترازا لأن العوامل تنقسم إلى قسمين إلى عامل لفظي و إلى عامل معنوي
فأما ا للفظي فنحو كان وأخواتها وإن وأخواتها وظننت وأخواتها وقولنا تقديرا احترازا من تقدير الفعل في نحو قوله تعالى ( إذا السماء انشقت ) وما أشبه ذلك وأما المعنوي فلم يأت إلا في موضعين عند سيبويه وأكثر البصريين هذا أحدهما وهو الابتداء والثاني وقوع الفعل المضارع موقع الاسم في نحو مررت برجل يكتب فارتفع يكتب لوقوعه موقع كاتب

و أضاف أبو الحسن الأخفش إليهما موضعا ثالثا وهو عامل الصفة فذهب إلى أن الاسم يرتفع لكونه صفة لمرفوع وينتصب لكونه صفة لمنصوب وينجر لكونه صفة لمجرور وكونه صفة في هذه الأحوال معنى يعرف بالقلب ليس للفظ فيه حظ وسيبويه وأكثر البصريين يذهبون إلى أن العامل في الصفة هو العامل في الموصوف ولهذا موضع نذكره فيه إن شاء الله تعالى فإن قيل بماذا يرتفع الاسم المبتدأ قيل اختلف النحويون في ذلك فذهب سيبويه ومن تابعه من البصريين إلى أنه يرتفع بتعريه من العوامل اللفظية وذهب بعض البصريين إلى أنه يرتفع بما في النفس من معنى الإخبار عنه وقد ضعفه بعض النحويين وقال لو كان الأمر كما زعم لوجب ألا ينتصب إذا دخل عليه عامل النصب لأن دخوله عليه لم يغير معنى الإخبار عنه ولوجب ألا يدخل عليه مع بقائه فلما جاز ذلك دل على فساد ما ذهب إليه وأما الكوفيون فذهبوا إلى أنه يرتفع بالخبر وزعموا أنهما يترافعان وأن كل واحد منهما يرفع الآخر وقد بينا فساده في مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين
فإن قيل فلم جعلتم التعري عاملا وهو عبارة عن عدم العوامل قيل لأن العوامل اللفظية ليست مؤثرة في المعمول حقيقة وإنما هي أمارات وعلامات

فالعلامة تكون بعدم شيء كما تكون بوجود شيء ألا ترى أنه لو كان معك ثوبان و أردت أن تميز أحدهما عن الآخر لكنت تصبغ أحدهما مثلا وتترك صبغ الآخر فيكون عدم الصبغ في أحدهما كصبغ الآخر فتبين بهذا أن العلامة تكون بعدم شيء كما تكون بوجود شيء وإذا ثبت هذا جاز أن يكون التعري من العوامل اللفظية عاملا فإن قيل فلم خص المبتدأ بالرفع دون غيره قيل لثلاثة أوجه أحدها أن المبتدأ وقع في أقوى أحواله وهو الابتداء فأعطي أقوى الحركات وهو الرفع والوجه الثاني أن المبتدأ أول والرفع أول فأعطي الأول الأول
والوجه ا الثالث أن المبتدأ مخبر عنه كما أن الفاعل مخبر عنه والفاعل مرفوع فكذلك ما أشبهه فإن قيل لماذا لا يكون المبتدأ في الأمر العام إلا معرفة قيل لأن المبتدأ مخبر عنه و الإخبار عمن لا يعرف لا فائدة فيه فإن قيل فهل يجوز تقديم خبر المبتدأ عليه نحو قائم زيد قيل اختلف النحويون في ذلك فذهب البصريون إلى أنه جائر وذهب

الكوفيون إلى أنه غير جائر وأنه إذا تقدم عليه الخبر يرتفع به ارتفاع الفاعل بفعله وقالوا لو جوزنا تقديم خبر المبتدأ عليه لأدى ذلك إلى تقديم ضمير الاسم على ظاهره وذلك لا يجوز وهذا الذي ذهبوا إليه فاسد وذلك لأن اسم الفاعل اضعف من الفعل في العمل لأنه فرع عليه فلا يعمل حتى يعتمد ولم يوجد ههنا فوجب ألا يعمل وقولهم أن هذا يؤدي إلى تقديم ضمير الاسم على ظاهره فاسد أيضا لأنه وان كان مقدما لفظا إلا أنه مؤخر تقديرا وإذا كان مقدما في اللفظ مؤخرا في التقدير كان تقديمه جائزا قال الله تعالى ( فأوجس في نفسه خيفة موسى ) فالهاء في نفسه ضمير موسى وان كان في اللفظ مقدما على موسى إلا أنه لما كان موسى مقدما في التقدير والضمير في تقدير التأخير كان ذلك جائزا فكذلك ههنا والذي يدل على جواز ذلك وقوع الإجماع على جواز ضرب غلامه زيد وهذا بين
وكذلك اختلفوا في الظرف إذا كان مقدما على المبتدأ نحو عندك زيد فذهب البصريون إلى أنه في موضع الخبر كما لو كان متأخرا وذهب الكوفيون إلى أن المبتدأ يرتفع بالظرف ويخرج عن كونه مبتدأ و وافقهم على ذلك أبو الحسن الأخفش في أحد قوليه وفي هذه المسالة كلام طويل بيناه في المسائل الخلافية لا يليق ذكره بهذا المختصر

باب خبر المبتدأ
إن قال قائل على كم ضربا ينقسم خبر المبتدأ قيل على ضربين مفرد و جملة
فإن قيل على كم ضربا ! ينقسم المفرد قيل على ضربين أحدهما أن يكون اسما غير صفة والآخر أن يكون صفة أما الاسم غير الصفة فنحو زيد أخوك وعمرو غلامك فزيد مبتدأ و أخوك خبره وكذلك عمرو مبتدأ وغلامك خبره وليس في شيء من هذا النحوا ضمير يرجع إلى المبتدأ عند البصريين وذهب الكوفيون إلى أن فيه ضميرا يرجع إلى المبتدأ وبه قال علي بن عيسى الرماني من البصريين والأول هو الصحيح لأن هذه أسماء محضة والأسماء المحضة لا تتضمن الضمائر وأما ما كان صفة فنحو زيد ضارب وعمرو حسن وما أشبه ذلك ولا خلاف بين النحويين في أن هذا النحو يتحمل ضميرا يرجع إلى المبتدأ لأنه يتنزل منزلة الفعل ويتضمن معناه
فإن قيل على كم ضربا تنقسم الجملة قيل على ضربين جملة اسمية

وجملة فعلية فأما الجملة الاسمية فما كان الجزء الأول منها اسما وذلك نحو زيد أبوه منطلق فزيد مبتدأ أول و أبوه مبتدأ ثان ومنطلق خبر عن المبتدأ الثاني والمبتدأ الثاني وخبره خبر عن المبتدأ الأول وأما الجملة الفعلية فما كان الجزء الأول منها فعلا وذلك نحو زيد ذهب أبوه و عمرو إن تكرمه يكرمك وما أشبه ذلك أما الظرف وحرف الجر فاختلف النحويون فيهما فذهب سيبويه وجماعة من النحويين إلى أنهما يعدان من الجمل لأنهما يقدر معهما الفعل فإذا قال زيد عندك وعمرو في الدار كان التقدير زيد استقر عندك وعمرو استقر في الدار
وذهب بعض النحويين إلى أنهما يعدان من المفردات لأنه يقدر معهما مستقر وهو اسم الفاعل واسم الفاعل لا يكون مع الضمير جملة والصحيح ما ذهب إليه سيبويه ومن تابعه والدليل على ذلك أنا وجدنا الظرف وحرف الجر يقعان في صلة الأسماء الموصولة نحو الذي والتي ومن وما وما أشبه ذلك تقول الذي عندك زيد والذي في الدار عمرو وكذلك سائرها ومعلوم أن الصلة لا تكون إلا جملة فإذا وجدناهم يصلون بهما الأسماء الموصولة دلنا ذلك على أنهما يعدان من الجمل لا من المفردات وأن التقدير استقر دون مستقر لأن استقر يصلح أن يكون صلة لأنه جملة و مستقر لا يصلح أن يكون صلة لأنه مفرد ولا بدر في هذا النحو - أعني الجملة - من ضمير يعود إلى المبتدأ تقول زيد أبوه منطلق فيكون العائد إلى المبتدأ الهاء في أبوه فأما قولهم السمن منوان بدرهم ففيه ضمير محذوف يرجع إلى المبتدا والتقدير فيه منوان منه

بدرهم وإنما حذف منه تخفيفا للعلم به
ولو قلت زيد انطلق عمرو لم يجز فلو أضفت إلى ذلك إليه أو معه صحت المسالة لأنه قد رجع من إليه أو معه ضمير إلى المبتدأ وعلى هذا قياس كل جملة وقعت خبرا لمبتدأ وإنما وجب ذلك ليرتبط الكلام الثاني بالأول م ولو لم يرجع منه ضمير إلى الأول لم يكن أولى به من غيره فتبطل فائدة الخبر فإن قيل فلم إذا كان المبتدأ جثة جاز أن يقع في خبره ظرف المكان دون ظرف الزمان قيل إنما جاز أن يقع في خبره ظرف المكان دون ظرف الزمان لأن في وقوع ظرف المكان خبرا عنه فائدة وليس في وقوع ظرف الزمان خبرا عنه فائدة ألا ترى أنك تقول في ظرف المكان زيد أمامك فيكون مفيدا لأنه يجوز ألا يكون أمامك ولو قلت في ظرف الزمان زيد يوم الجمعة لم يكن مفيدا لأنه لا يجوز أن يخلو عن يوم الجمعة وحكم الخبر أن يكون مفيدا
فإن قيل فكيف جاز الإخبار عنه بظرف الزمان في قولهم الليلة الهلال قيل إنما جاز لأن التقدير فيه الليلة حدوث الهلال أو طلوع الهلال فحذف

المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه والحدوث والطلوع حدث ويجوز أن يكون خبر المبتدأ ظرف زمان إذا كان المبتدأ حدثا كقولك الصلح يوم الجمعة والقتال يوم السبت وما أشبه ذلك لأن في وقوعه خبرا عنه فائدة فإن قيل ما العامل في خبر المبتدأ قيل اختلف النحويون في ذلك فذهب الكوفيون إلى أن عامله المبتدأ على ما ذكرنا وأما البصريون فاختلفوا فذهب قوم إلى أن الابتداء وحده هو العامل في الخبر لأنه لما وجب أن يكون عاملا في المبتدأ وجب أن يكون عاملا في الخبر قياسا على العوامل اللفظية التي تدخل على المبتدأ وذهب قوم إلى أن الابتداء عمل في المبتدأ والمبتدأ عمل في
الخبر وذهب سيبويه وجماعة معه إلى أن العامل في الخبر هو الابتداء والمبتدأ جميعا لأن الابتداء لا ينفك عن المبتدا ولا يصح للخبر معنى

إلا بهما فدل على أنهما العاملان فيه والذي اختاره أن العامل في الحقيقة هو الابتداء وحده دون المبتدأ وذلك لأن الأصل في الأسماء أن تعمل وإذا ثبت أن ألا الابتداء له تأثير في العمل فإضافة ما لا تأثير له إلى ما له تأثير لا تأثير له والتحقيق أن نقول أن الابتداء عمل في الخبر بواسطة المبتدأ لا أن المبتدأ مشارك له في العمل وفي كل واحد من هذه المذاهب كلام لا يليق ذكره بهذا المختصر فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

باب ! لفاعل
إن قال قائل ما الفاعل قيل كل اسم ذكرته بعد فعل و أسندت ذلك الفعل إلى ذلك الاسم نحو قام زيد وذهب عمرو فإن قيل فلم كان إعرابه الرفع قيل فرقا بينه وبين المفعول فإن قيل فهلا عكسوا وكان الفرق واقعا قيل لخمسة أوجه الوجه الأول هو أن الفعل لا يكون له إلا فاعل واحد ويكون له مفعولات كثيرة فمنه ما يتعدى إلى مفعول واحد ومنه ما يتعدى إلى مفعولين ومنه ما يتعدى إلى ثلاثة مفعولين مع أنه يتعدى إلى خمسة أشياء وهي المصدر وظرف الزمان وظرف المكان والمفعول له و الحال وليس له إلا فاعل واحد وكذلك كل فعل لازم يتعدى إلى هذه الخمسة وليس له أيضا إلا فاعل واحد
فإذا ثبت هذا وأن الفاعل أقل من المفعول والرفع أثقل والفتح أخف أعطوا الأقل الأثقل والأكثر الأخف ليكون ثقل الرفع موازنا لقلة الفاعل وخفة الفتح موازنة لكثرة المفعول

والوجه الثاني أن الفاعل يشبه المبتدأ والمبتدأ مرفوع فكذلك ما أشبهه ووجه الشبه بينهما أن الفاعل يكون هو والفعل جملة كما يكون المبتدأ مع الخبر جملة فلما ثبت للمبتدأ الرفع حمل الفاعل عليه والوجه الثالث أن الفاعل أقوى من المفعول فأعطي الفاعل الذي هو الأقوى الأقوى وهو الرفع و أعطي المفعول الذي هو الأضعف الأضعف وهو النصب
والوجه الرابع أن الفاعل أول و الرفع أول والمفعول آخر والنصب آخر فأعطي الأول الأول الآخر الآخر والوجه الخامس أن هذا السؤال لا يلزم لأنه لم يكن لغرض إلا مجرد الفرق و قد حصل و بيان أن هذا السؤال لا يلزم أنا لو عكسنا على ما أورده السائل فنصبنا الفاعل ورفعنا المفعول لقال الآخر هلا عكستم فيؤدي ذلك إلى أن ينقلب السؤال والسؤال متى انقلب كان مردودا وهذا الوجه ينبغي أن يكون مقدما من جهة النظر إلى ترتيب الإيراد وإنما أخرناه لأنه بعيد من التحقيق فإن قيل بماذا يرتفع الفاعل قيل يرتفع بإسناد الفعل إليه لا أنه احدث فعلا على الحقيقة والذي يدل على ذلك أنه يرتفع في النفي كما يرتفع في الإيجاب تقول ما قام زيد ولم يذهب عمرو فترفعه وإن كنت قد نفيت

عنه القيام والذهاب كما لو أوجبته آله نحو قام زيد وذهب عمرو وما أشبه ذلك
فإن قيل فلم لا يجوز تقديم الفاعل على الفعل قيل لأن الفاعل تنزل منزلة الجزء من الفعل والدليل على ذلك من سبعة أوجه أحدها أنهم يسكنون لام الفعل إذا اتصل به ضمير الفاعل قال الله تعالى ( و إذ وعدنا موسى أربعين ليلة ) لئلا يتوالى أربعة متحركات لوازم في كلمة واحدة إذ ليس من كلامهم توالي أربعة متحركات لوازم في كلمة واحدة إلا أن يحذف من الكلمة شيء للتخفيف نحو عجلط وعكلط وعلبط فلو لم ينزلوا ضمير الفاعل منزلة حرف من سنخ الفعل وإلا لما أسكنوا لامه ألا ترى أن ضمير المفعول لا يسكن له لام الفعل إذا اتصل به لأنه في نية الانفصال قال الله تعالى ( و إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم

مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا فلم يسكن لام الفعل إذ كان في نية الانفصال بخلاف قوله تعالى ( و إذ وعدنا موسى ) لأنه في نية الاتصال
والوجه الثاني أنهم جعلوا النون في الخمسة الأمثلة علامة للرفع وحذفها علامة للجزم والنصب فلولا أنهم جعلوا هذه الضمائر التي هي الألف والواو والياء في يفعلان وتفعلان ويفعلون وتفعلون وتفعلين يا امرأة بمنزلة حرف من سنخ الكلمة وإلا لما جعلوا الإعراب بعده والوجه الثالث أنهم قالوا قامت هند فالحقوا التاء بالفعل والفعل لا يؤنث وإنما التأنيث للاسم فلو لم يجعلوا الفاعل بمنزلة جزء من الفعل وإلا لما جاز إلحاق علامة التأنيث به والوجه الرابع أنهم قالوا في النسب إلى كنت كنتي قال الشاعر
( فأصبحت كنتيا و أصبحت عاجنا ... وشر خصال المرء كنت وعاجن ) - من الطويل - فأثبتوا التاء ولو لم تتنزل منزلة حرف من سنخ الكلمة وإلا لما جاز إثباتها
والوجه الخامس أنهم قالوا حبذا وهي مركبة من فعل وفاعل فجعلوهما بمنزلة اسم واحد وحكم على موضعه بالرفع على الابتداء

والوجه السادس أنهم قالوا زيد ظننت قائم فألغوها و الإلغاء إنما يكون للمفردات لا للجمل فلو لم يتنزل الفعل مع الفاعل منزلة كلمة واحدة وإلا لما جاز الإلغاء والوجه السابع أنهم قالوا للواحد قفا على التثنية لأن المعنى قف قف قال الله تعالى ( ألقيا في جهنم ) فثني وان كان الخطاب لملك واحد لأن المراد به ألق ألق والتثنية ليست للأفعال وإنما هي للأسماء فلو لم يتنزل الاسم منزلة بعض الفعل وإلا لما جاز تثنيته باعتباره
فإذا ثبت بهذه الأوجه أن الفاعل يتنزل منزلة الجزء من الفعل لم يجز تقديمه عليه فإن قيل لم زعمتم أن قول القائل زيد قام مرفوع بالابتداء دون الفعل ولا فصل بين قولنا زيد ضرب وضرب زيد قيل لوجهين أحدهما أنه من شرط الفاعل ألا يقوم غيره مقامه مع وجوده نحو قولك قام زيد فلو كان تقديم زيد على الفعل بمنزلة تأخيره لاستحال قولك زيد قام أخوه وعمرو انطلق غلامه ولما جاز ذلك دل على أنه لم يرتفع بالفعل بل بالابتداء

والوجه الثاني أنه لو كان الأمر على ما زعمتم لوجب أن لا يختلف حال الفعل فكان ينبغي أن يقال الزيدان قام والزيدون قام كما تقول قام الزيدان وقام الزيدون فلما لم يقل إلا الزيدان قاما والزيدون قاموا دل على أنه يرتفع بالابتداء دون
الفعل فإن قيل فلم استتر ضمير الواحد نحو زيد قام وظهر ضمير الاثنين نحو الزيدان قاما وضمير الجماعة نحو الزيدون قاموا قيل لأن الفعل لا يخلو من فاعل واحد وقد يخلو من اثنين وجماعة فإذا قدمت اسما مفردا على الفعل نحو زيد قام لم تحتج إلى إظهار ضميره لإحاطة العلم بأنه لا يخلو من فاعل واحد و إذا قدمت اسما مثنى على الفعل نحو الزيدان قاما أو مجموعا نحو الزيدون قاموا وجب إظهار ضمير التثنية والجمع لأنه قد يخلو من ذلك فلو لم يظهر ضميرهما لوقع الالتباس ولم يعلم أن الفعل لاثنين أو جماعة فافهمه تصب إن شاء الله تعالى

باب المفعول إن قال قائل ما المفعول قيل كل اسم تعدى إليه فعل فإن قيل فما العامل في المفعول قيل اختلف النحويون في ذلك فذهب أكثر النحويين إلى أن العامل في المفعول هو الفعل فقط وذهب بعض النحويين إلى أن العامل فيه الفعل والفاعل معا والقول الصحيح هو الأول وهذا القول ليس بصحيح وذلك لأن الفاعل اسم كما أن المفعول كذلك فإذا استويا في الاسمية والأصل في الاسم ألا يعمل فليس عمل أحدهما في صاحبه أولى من الآخر وإذا ثبت هذا وأجمعنا على أن الفعل له تأثير في العمل فإضافة ما لا تأثير له في العمل إلى ما له تأثير لا تأثير له فدل على أن العامل هو الفعل فقط وهو على ضربين فعل متعد بغيره وفعل متعد بنفسه فأما ما يتعدى بغيره فهو الفعل اللازم و يتعدى بثلاثة - أشياء وهي الهمزة والتضعيف وحرف

الجر فالهمزة نحو خرج زيد و أخرجته والتضعيف نحو خرج المتاع وخرجته و حرف الجر نحو خرج زيد وخرجت به وكذلك فرح زيد وأفرحته وفرحته وفرحت به وما أشبه ذلك
وأما المتعدي بنفسه فعلى ثلاثة اضرب ضرب يتعدى إلى مفعول واحد كقولك ضرب زيد عمرا و أكرم عمرو بشرا و ضرب يتعدى إلى مفعولين كقولك أعطيت زيدا درهما وظننت زيدا قائما
وضرب يتعدى إلى ثلاثة مفعولين كقولك أعلم الله زيدا عمرا خير الناس ونبأ الله عمرا بشرا كريما و هذا الضرب منقول بالهمزة والتضعيف مما يتعدى إلى مفعولين لا يجوز الاقتصار على أحدهما , لأن كل واحد من هذه الأشياء الثلاثة المعدية التي هي الهمزة والتضعيف وحرف الجر كما أنها تنقل الفعل اللازم من اللزوم إلى التعدي فكذلك إذا دخلت على الفعل المتعدي فإنها تزيده مفعولا , فإن كان يتعدى إلى مفعول واحد صار يتعدى إلى مفعولين كقولك في ضرب زيد عمرا أضربت زيدا عمرا وفي حفر زيد بئرا أحفرت زيدا بئرا وما أشبه ذلك وان كان متعديا إلى مفعولين صار متعديا إلى ثلاثة مفعولين ونحوه ما قدمناه لا فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

باب ما لم يسم فاعله
إن قال قائل لم لم يسم الفاعل قيل لأن الغاية قد تكون بذكر المفعول كما تكون بذكر الفاعل وقد يكون للجهل بالفاعل وقد يكون للإيجاز والاختصار إلى غير ذلك فإن قيل ولم كان ما لم يسم فاعله مرفوعا قيل لأنهم لما حذفوا الفاعل أقاموا المفعول مقامه فارتفع بإسناد الفعل إليه كما كان يرتفع الفاعل فإن قيل فلم إذا حذف الفاعل وجب أن يقام اسم آخر مقامه قيل لأن الفعل لا بد له من فاعل لئلا يبقى الفعل حديثا عن غير محدث عنه فلما حذف الفاعل ههنا وجب أن يقام اسم آخر مقامه ليكون الفعل حديثا عنه وهو ا لمفعول
فإن قيل كيف يقام المفعول مقام الفاعل وهو ضده في المعنى قيل هذا غير غريب في الاستعمال فإنه إذا جاز أن يقال مات زيد ويسمى زيد فاعلا ولم يحدث بنفسه الموت وهو مفعول في المعنى جاز أن يقام المفعول

ههنا مقام الفاعل وإن كان مفعولا في المعنى والذي يدل على أن المفعول ههنا أقيم مقام الفاعل أن الفعل إذا كان يتعدى إلى مفعول واحد لم يتعد إلى مفعول البتة كقولك في ضرب زيد عمرا وأكرم بكر بشرا ضرب عمرو وأكرم بشر
وإن كان يتعدى إلى مفعولين صار يتعدى إلى مفعول واحد كقولك في أعطيت زيدا درهما وظننت عمرا قائما أعطي زيد درهما وظن عمرو قائما ولو قلت ظن قائما عمرا كان جائزا لزوال اللبس ولو قلت في ظننت زيدا أباك ظن أبوك زيدا لم يجز وذلك لأن قولك ظننت زيدا أباك يؤذن بأن زيدا معلوم والأبوة مظنونة فلو أقيم الأب مقام الفاعل لانعكس المعنى فصارت الأبوة معلومة و زيد مظنونا و ذلك لا يجوز وكذلك تقول أعطى زيد درهما و أعطى درهم زيدا فيكون جائرا لعدم الالتباس ولو قلت في أعطيت زيدا غلاما أعطى غلام زيدا لم يجز لأن كل واحد منهما يصح أن يكون هو الآخذ فلو أقيم غلام مقام الفاعل لم يعلم الأخذ من المأخوذ فلهذا كان ممتنعا وكذلك ان كان الفعل يتعدى إلى ثلاثة مفعولين صار يتعدى إلى مفعولين كقولك في اعلم الله زيدا عمرا خير الناس اعلم زيد

عمرا خير الناس لقيام المفعول الأول مقام الفاعل وكان هو الأولي لأنه فاعل في المعنى فدل على أن المفعول ههنا أقيم مقام الفاعل و إذا كان الأمر على هذا فبناء الفعل للمفعول به نقيض نقله بالهمزة والتضعيف وحرف الجر ألا ترى أن الفعل ان كان يتعدى إلى مفعول واحد صار يتعدى بها إلى مفعولين وان كان يتعدى إلى مفعولين صار يتعدى بها إلى ثلاثة مفعولين وذلك لأن بناء الفعل للمفعول به يجعل المفعول فاعلا والنقل بالهمزة والتضعيف وحرف الجر يجعل الفاعل مفعولا وإذا ثبت هذا فلا بد أن يزيد بنقله بالهمزة والتضعيف وحرف الجر مفعولا وينقص ببنائه للمفعول مفعولا فإن قيل فلم لم وجب تغيير الفعل إذا بني للمفعول قيل لأن المفعول يصح أن يكون هو الفاعل فلو لم يغير الفعل لم يعلم هل هو الفاعل في الحقيقة أو قائم مقامه فإن قيل فلم ضموا الأولى وكسروا الثاني نحو ضرب زيد وما أشبه ذلك قيل إنما ضموا الأول ليكون دلالة على المحذوف الذي هو الفاعل إذ

كان من علاماته وإنما كسروا الثاني لأنهم لما حذفوا الفاعل الذي لا يجوز حذفه أرادوا أن يصوغوه على بناء لا يشركه فيه شيء من الأبنية فبنوه على هذه الصيغة فكسروا الثاني لأنهم لو ضموه لكان على وزن طنب و جمل ولو فتحوه لكان على وزن نغر و صردا ولو اسكنوه لكان على وزن قلب و قفل فلم يبق إلا الكسر فحركوه به فإن قيل فلماذا كسروا أول المعتل نحو قيل و بيع و لم يضموه لا كالصحيح قيل كان القياس يقتض أن يجري المعتل مجرى الصحيح في ضم أوله وكسر ثانيه إلا أنهم استثقلوا الكسرة على حرف العلة فنقلوها إلى القاف فانقلبت الواو ياء لسكونها و انكسار ما قبلها كما قلبوها في ميعاد وميقات وميزان وأصلها موعاد وموقات وموزان لأنها من الوعد والوقت والوزن وأما الياء فثبتت لانكسار ما قبلها على أنه من العرب من يشير إلى الضم تنبيها على أن الأصل في هذا النحو هو الضم ومن العرب أيضا من يحذف الكسرة ولا ينقلها ويقر الواو لانضمام ما قبلها ويقلب الياء واوا

لسكونها وانضمام ما قبلها كقول الشاعر
( ليت وهل ينفع شيئا ... ليت ليت شبابا بوع فاشتريت )
أراد بيع فقلب الياء واوا لسكونها وانضمام ما قبلها كما قلبوها في نحو موسر وموقن والأصل ميسر وميقن لأنهما من اليسر واليقين إلا أنه لما وقعت الياء الياء ساكنة مضموما ما قبلها قلبوها واوا فكذلك ههنا
فإن قيل فهل يجوز أن يبنى الفعل اللازم للمفعول به قيل لا يجوز ذلك على القول الصحيح وقد زعم بعضهم أنه يجوز وليس بصحيح لأنك لو بنيت الفعل اللازم للمفعول به لكنت تحذف الفاعل فيبقى الفعل غير مسند إلى شيء وذلك محال فإن اتصل به ظرف الزمان أو ظرف المكان أو المصدر أو الجار والمجرور جاز أن تبنيه عليه ولا يجوز أن تبنيه على الحال لأنها لا تقع

إلا نكرة فلو أقيمت مقام الفاعل لجاز إضمارها كالفاعل فكانت تقع معرفة والحال لا تقع إلا نكرة
فإن قيل فلم إذا أقيم الظرف مقام الفاعل يخرج عن الظرفية ويجعل مفعولا كزيد و عمرو وما أشبه ذلك قيل لأنه يتضمن معنى حرف الجر فلو لم ينقل لعلقته بالفعل مع تضمن حرف الجر والفاعل لا يتضمن حرف الجر فكذلك ما قام مقامه
فإن قيل فالمصدر لا يتضمن حرف الجر فهل ينقل أو لا قيل اختلف النحويون في ذلك فذهب بعض النحويين إلى أنه لا ينقل لأنه ليس بينه وبين الفعل واسطة وذهب آخرون إلى أنه ينقل واستدلوا على ذلك من وجهين أحدهما أن الفعل لا بد له من الفاعل والمصدر لو لم يذكر لكان الفعل دالا عليه بصيغته فصار وجوده وعدمه سواء والفاعل لا بد منه فكذلك ما يقوم مقامه ينبغي أن يجعل بمنزلة المفعول الذي لا يستغني بالفعل عنه والوجه الثاني أن المصدر إنما يذكر تأكيدا للفعل ألا ترى أن قولك سرت سيرا بمنزلة قولك سرت سرت فكما لا يجوز أن يقوم الفعل مقام الفاعل فكذلك لا يجوز أن يقوم مقامه ما كان بمنزلته فلهذا وجب نقل ا لمصدر

فإن قيل فإن اجتمع ظرف الزمان وظرف المكان والمصدر والجار والمجرور فأيها يقام مقام الفاعل قيل أنت مخير فيها كلها أيها شئت أقمته مقام الفاعل
بعض النحويين أن الأحسن أن تقيم الاسم المجرور مقام الفاعل لأنه لو لم يكن حرف الجر لم يقم مقام الفاعل غيره فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

باب نعم وبئس
إن قال قائل هل نعم وبئس اسمان أو فعلان قيل اختلف النحويون في ذلك فذهب البصريون إلى أنهما فعلان ماضيان لا يتصرفان واستدلوا على ذلك من ثلاثة أوجه الوجه الأول أن الضمير يتصل بهما على حد اتصاله بالأفعال فإنهم قالوا نعما رجلين ونعموا رجالا كما قالوا قاما و قاموا
والوجه الثاني أن تاء التأنيث الساكنة التي لم يقلبها أحد من العرب هاء في الوقف تتصل بهما كما تتصل بالأفعال نحو نعمت المرأة وبئست الجارية والوجه الثالث أنهما مبنيان على الفتح كالأفعال الماضية ولو كانا اسمين لما بنيا على الفتح من غير علة وذهب الكوفيون إلى أنهما اسمان واستدلوا على ذلك من خمسه أوجه الوجه الأول أنهم قالوا الدليل على أنهما اسمان دخول حرف الجر

عليهما وحرف الجر يختص بالأسماء قال الشاعر - من الطويل -
( الست بنعم الجار يؤلف بيتة ... أخا قلة أو معدم المال مصرما )
وحكي عن بعض العرب أنه بشر بمولودة فقيل ج نعم المولودة مولودتك فقال والله ما هي بنعم المولودة نصرتها بكاء وبرها سرقة وحكي عن بعض العرب أنه قال نعم السير على بئس العير فادخلوا عليهما حرف الجر وحرف الجر يختص بالأسماء فدل على أنهما اسمان والوجه الثاني أن العرب تقول يا نعم المولى ويا نعم النصير فنداؤهم نعم يدل على أنها اسم لأن النداء من خصائص الأسماء والوجه الثالث أنهم قالوا الدليل على أنهما ليسا بفعلين أنه لا يحسن اقتران الزمان بهما كسائر الأفعال ألا ترى أنه لا يحسن أن تقول نعم الرجل أمس ولا بئس الرجل غدا فلما لم يحسن اقتران الزمان بهما دل على أنهما ليسا بفعلين

والوجه الرابع أنهما لا يتصرفان ولو كانا فعلين لكانا متصرفين لأن التصرف من خصائص الأفعال فلما لم يتصرفا دل على أنهما ليسا بفعلين والوجه الخامس أنه قد جاء عن العرب أنهم قالوا نعيم الرجل زيد وليس في أمثلة الأفعال شيء على وزن فعيل فدل على صحة ما ذهبنا إليه والصحيح ما ذهب إليه البصريون وأما ما استدل به الكوفيون ففاسد أما قولهم أنهما اسمان لدخول حرف الجر عليهما فلنا هذا فاسد لأن حرف الجر إنما دخل عليهما على تقدير الحكاية فلا يدل على أنهما اسمان لأن حرف الجر قد دخل على تقدير الحكاية على ما هو فعل في الحقيقة كقوله - من الرجز - ( والله ما ليلي بنام صاحبه ... )

ولا
خلاف أن نام فعل ماض ولا يجوز أن يقال أنه اسم لدخول حرف الجر عليه فكذلك ههنا ولولا تقدير الحكاية لم يحسن دخول حرف الجر على نعم وبئس ونام والتقدير في قوله ألست بنعم الجار يؤلف بيته ألست بجار مقول فيه نعم الجار
وكذلك التقدير في قول بعض العرب والله ما هي بنعم المولودة والله ما هي بمولودة مقول فيها نعم المولودة
وكذلك التقدير في قول الآخر نعم السير على بئس العير نعم السير على عير مقول فيه بئس العير وكذلك التقدير في قول الشاعر
( والله ما ليلي بنام صاحبه ... ) والله ما ليلي بليل مقول فيه نام صاحبه إلا أنهم حذفوا الموصوف و أقاموا الصفة مقامه كقوله سبحانه وتعالى ( أن اعمل سابغات ) أي دروعا سابغات فصار التقدير فيها ألست بمقول فيه نعم الجار وما هي بمقول فيها نعم المولودة ونعم السير على مقول فيه بئس العير وما ليلى بمقول فيه نام صاحبه ثم حذفوا الصفة التي هي مقول و أوقعوا المحكي بها موقعها وحذف القول في كتاب الله تعالى وكلام العرب و أشعارهم أكثر من

أن يحصى فدخل حرف الجر على هذه الأفعال لفظا ولكن ان كان حرف الجر داخلا على هذه الأفعال في اللفظ إلا أنه داخل على غيرها في التقدير فلا يكون فيه دليل على الاسمية
وأما قولهم أن العرب تقول يا نعم المولى وياا نعم النصير والنداء من خصائص الأسماء فنقول المقصود بالنداء محذوف للعلم به والتقدير فيه يا الله نعم المولى ونعم النصير أنت
وأما قولهم أنه لا يحسن اقتران الزمان بهما ولا يجوز تصرفهما فنقول إنما امتنعا من اقتران الزمان الماضي والمستقبل بهما وسلبا التصرف لأن نعم موضوعة لغاية المدح وبئس موضوعة لغاية الذم فجعل دلالتهما على الزمان مقصورة على الآن لأنك إنما تمدح أو تذم بما هو موجود في الممدوح أو المذموم لا بما كان فزال ولا بما سيكون في المستقبل
أما قولهم أنه قد جاء عن العرب أنهم قالوا نعيم الرجل زيد فنقول هذه رواية شاذة تفرد بها قطرب وحده و لئن صحت فليس فيها حجة لأن هذه الياء إنما نشأت عن إشباع الكسرة لأن الأصل في نعم نعم بفتح النون وكسر العين فأشبعت الكسرة فنشأت الياء وهذا كثير في كلامهم فإنه

كل ما كان على وزن فعل من الأسماء والأفعال وثانيه حرف من حروف الحلق ففيه أربعة اوجه أحدها استعماله على اصله كقولك فخد وقد ضحك والثاني إسكان عينه تخفيفا كقولك فخد وقد ضحك والثالث اتباع فائه عينه في الكسر كقولك فخذ وقد ضحك و الرابع كسر فائه و إسكان عينه لنقل كسرتها إلى الفاء نحو قولك فخذ وقد ضحك فكذلك نعم فيها أربع لغات نعم بفتح النون وكسر العين وهو الأصل و نعم بفتح النون وسكون العين العين بكسر النون والعين ونعم بكسر النون وسكون العين وأما نعيم يالياء فإنما نشأت فيه الياء عن إشباع الكسرة كما قال الشاعر - من الطويل -
( كأني بفتخاء الجناحين لقوة ... على عجل مني أطأطىء شيمالي )
وكما قال الآخر - من الرجز

( لا عهد لي بنيضال ... أصبحت كالشن البال )
و كما قال الآخر - من الوافر -
( ألم يأتيك والأنباء تنمي ... بما لاقت لبون بني زياد ) وهذا أكثر من أن يحصى وقد ذكرناه مستقصى في المسائل الخلافية فلا نعيده ههنا فإن قيل فلم وجب أن يكون فاعل نعم وبئس اسم جنس قيل لوجهين أحدهما أن نعم لما وضعت للمدح العام وبئس للذم العام خص فاعلهما باللفظ العام و الوجه الآخر إنما وجب أن يكون اسم جنس ليدل على أن الممدوح أو المذموم مستحق للمدح أو الذم في ذلك الجنس

فإن قيل فلم جاز الإضمار في نعم وبئس قبل الذكر خاصة قيل إنما جاز الإضمار فيهما قبل الذكر لأن المضمر قبل الذكر يشبه النكرة لأنه لا يعلم إلى أي شيء يعود حتى يفسر ونعم وبئس لا يكون فاعلهما معرفة محضة فلما ضارع المضمر فاعلهما جاز الإضمار فيهما فإن قيل فلم فعلوا ذلك قيل إنما فعلوا ذلك طلبا للتخفيف لأنهم أبدا يتوخون الإيجاز والاختصار في كلامهم فإن قيل فكيف يحصل التخفيف و الإضمار على شريطة التفسير قيل لأن التفسير إنما يكون بنكرة منصوبة نحو نعم رجلا زيد والنكرة أخف من ا لمعرفة
فإن قيل فعلى ماذا انتصبت النكرة قيل انتصبت النكرة على التمييز فإن قيل فلم رفع زيد في قولهم نعم الرجل زيد قيل في ذلك وجهان أحدهما أن يكون مرفوعا على الابتداء و نعم الرجل هو الخبر وهو مقدم على المبتدأ والتقدير فيه زيد نعم الرجل إلا أنه قدم عليه كقولهم مررت به المسكين والتقدير فيه المسكين مررت به

فإن قيل فأين العائد ههنا من الخبر إلى المبتدأ قيل لأن الرجل لما كان شائعا في الجنس كان زيد داخلا تحته فصار بمنزلة العائد الذي يعود إليه منه وصار هذا كقول هذا الشاعر - من لطويل -
( فأما القتال لا قتال لديكم ... ولكن سيرا في عراض المواكب ) فإن القتال مبتدأ و قوله لا قتال لديكم خبره وليس فيه عائد لأن قوله لا قتال لديكم نفي عام لأن لا تنفي الجنس فاشتمل على جميع القتال فصار ذلك بمنزلة العائد إليه وكذلك قول الآخر - من الطويل -
( فأما الصدور لا صدور لجعفر ... ولكن أعجازا شديدا ضريرها والوجه الثاني أن يكون زيد مرفوعا لأنه خبر مبتدأ محذوف كأنه لما قيل نعم الرجل قيل من هذا الممدوح قيل زيد أي هو زيد وحذف المبتدأ كثير في كلامهم فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

باب حبذا
إن قال قائل ما الأصل في حبذا قيل الأصل فيها حبب ذا إلا أنه لما اجتمع حرفان متحركان من جنس واحد استثقلوا اجتماعهما متحركين فحذفوا حركة الحرف الأول و أدغموه في الثاني فصار حب وركبوه مع ذا فصارا بمنزلة كلمة واحدة ومعناها المدح وتقريب الممدوح من القلب
فإن قيل فلم قلتم أن الأصل حبب على فعل دون فعل وفعل قيل لوجهين أحدهما أن اسم الفاعل منه حبيت على فعيل و فعيل أكثر ما يجيء فعله على فعل نحو شرف فهو شريف وظرف فهو ظريف ولطف فهو لطيف وما أشبه ذلك والوجه الثاني أنه قد حكى عن بعض العرب أنه نقل الضمة من الباء إلى الحاء كما قال الشاعر - من الطويل -
( وحب بها مقتولة حين تقتل ... )

فدل على أن اصله فعل فإن قيل فلماذا جعلوهما بمنزلة كلمة واحدة قيل إنما جعلوهما بمنزلة كلمة واحدة طلبا للتخفيف على ما جرت به عادتهم في كلامهم فإن قيل فلم ركبوه مع المفرد المذكر دون المؤنث والمثنى والمجموع قيل لأن المفرد المذكر هو الأصل و التأنيث والتثنية والجمع كلها فرع عليه وهي اثقل منه فلما أرادوا التركيب كان تركيبه مع الأصل الذي هو الأخف أولى من تركيبه مع الفرع الذي هو الأثقل فإن قيل فلم كانت حبذا في التثنية والجمع والتأنيث على لفظ واحد قيل إنما كانت في التثنية والجمع والتأنيث على لفظ واحد نحو حبذا الزيدان وحبذا الزيدون وحبذا هند لأنها جرت في كلامهم مجرى المثل والأمثال لا تتغير بل تلزم سننا واحدا وطريقة واحدة فإن قيل فما المغلب على حبذا الاسمية أو الفعلية قيل اختلف النحويون في ذلك فذهب أكثر النحويين إلى أن المغلب عليها الاسمية

وذلك لأن الاسم أقوى من الفعل فلما ركب أحدهما مع الآخر كان التغليب للأقوى الذي هو الاسم دون الأضعف الذي هو الفعل وذهب بعض النحويين إلى أن المغلب عليها الفعلية وذلك لأن الجزء الأول منهما فعل فغلب عليها الفعلية لأن القوة للجزء الأول وذهب آخرون إلى أنها لا يغلب عليهااسمية ولا فعلية بل هي جملة مركبة من فعل ماض واسم هو فاعل فلا يغلب أحدهما على الآخر فإن قيل فلماذا ترفع المعرفة بعده نحو حبذا زيد رجلا قيل لخمسة اوجه الوجه الأول أن تجعل حبذا مبتدأ و زيد خبره والوجه الثاني أن تجعل ذا مرفوعا ب احب ارتفاع الفاعل بفعله وتجعل زيدا بدلا منه والوجه الثالث أن تجعل زيدا خبر مبتدأ محذوف كأنه لما قيل حبذا قيل من هو قيل زيد أي هو زيد

والوجه الرابع أن تجعل زيدا مبتدا وحبذا خبره والوجه الخامس أن تكون ذا زائدة فيرفع زيد حب لأنه فاعل وهو اضعف الأوجه فإن قيل فعلى ماذا تنتصب النكرة بعده قيل تنتصب النكرة بعده على التمييز ألا ترى أنك إذا قلت حبذا زيد رجلا وحبذا عمرو راكبا يحسن فيه تقدير من كأنك قلت من رجل و من راكب كما قال الشاعر - من البسيط -
( يا حبذا جبل الريان من جبل ... وحبذا ساكن الريان من كانا ) وذهب بعض النحويين إلى أنه ان كان الاسم غير مشتق نحو حبذا زيد رجلا كان منصوبا على التمييز وان كان مشتقا نحو حبذا عمرو راكبا كان منصوبا على الحال فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

باب التعجب
إن قال قائل لم زيدت ما في التعجب نحو ما أحسن زيدا ! دون غيرها قيل لأن ما في غاية الإبهام والشيء إذا كان مبهما كان أعظم في النفوس لاحتماله أمورا كثيرة فلهذا كانت زيادتها في التعجب أولى من غيرها
فإن قيل فما معناها قيل اختلف النحويون في ذلك فذهب سيبويه وأكثر البصريين إلى أنها بمعنى شيء وهو في موضع رفع بالابتداءا و احسن خبره وتقديره شيء أحسن زيدا وذهب بعض النحويين من البصريين إلى أنها بمعنى الذي وهو في موضع رفع بالابتداء و احسن صلته وخبره محذوف وتقديره الذي أحسن زيدا شيء وما ذهب إليه سيبويه والأكثرون أولى لأن الكلام على قولهم مستقل بنفسه لا يفتقر إلى تقدير شيء وعلى القول الآخر يفتقر إلى تقدير شيء وإذا كان الكلام مستقلا بنفسه مستغنيا عن تقدير كان أولى مما يفتقر إلى تقدير فإن قيل هل أحسن فعل أو اسم قيل اختلف النحويون في ذلك فذهب البصريون إلى أنه فعل ماض واستدلوا على ذلك من ثلاثة اوجه

الوجه الأول أنهم قالوا الدليل على أنه فعل أنه إذا وصل بياء الضمير فإن نون الوقاية تصحبه نحو ما أحسنني وما أشبه ذلك وهذه النون إنما تصحب ياء الضمير في الفعل خاصة لتقيه من الكسر ألا ترى أنك تقول أكرمني و أعطاني وما أشبه ذلك و لو قلت في نحو غلامني وصاحبني غلامي و صاحبي لم يجز فلما دخلت هذه النون عليه دل على أنه فعل
والوجه الثاني أنهم قالوا الدليل على أنه فعل أنه ينصب المعارف والنكرات و أفعل إذا كان اسما إنما ينصب النكرات خاصة على التمييز نحو هذا أكثر منك علما وأكبر منك سنا وما أشبه ذلك فلما نصب ههنا المعارف دل على أنه فعل ماض والوجه الثالث أنهم قالوا الدليل على أنه فعل ماض أنه مفتوح الآخر فلو لم يكن فعلا لما كان لبنائه على الفتح وجه إذ لو كان اسما لكان يجب أن يكون مرفوعا لوقوعه خبرا ل ما بالإجماع فلما وجب أن يكون مفتوحا دل على أنه فعل ماض وذهب الكوفيون إلى أنه اسم ا واستدلوا على ذلك من ثلاثة أوجه الوجه الأول أنهم قالوا الدليل على أنه اسم أنه لا يتصرف ولو كان فعلا لوجب أن يكون متصرفا لأن التصرف من خصائص الأفعال فلما لم يتصرف دل على أنه ليس بفعل فوجب أن يلحق بالأسماء

والوجه الثاني أنهم قالوا الدليل على أنه اسم أنه يدخله التصغير والتصغير من خصائص الأسماء قال الشاعر - من البسيط -
( يا ما أميلح غزلانا شدن لنا ... من هؤليائكن الضال و السمر )
و الوجه الثالث أنهم قالوا الدليل على أنه اسم أنه يصح نحو ما أقومه و ما أبيعه كما يصح الاسم في نحو هذا أقوم منك وأبيع منك ولو أنه فعل لوجب أن يعتل كالفعل نحو أقام و أباع في قولهم أباع الشيء إذا عرضه للبيع فلما لم يعتل وصح كالأسماء مع ما دخله من الجمود والتصغير دل على أنه اسم والصحيح ما ذهب إليه البصريون وأما ما استدل به الكوفيون ففاسد أما قولهم أنه لا يتصرف فلا حجة فيه لأنا أجمعنا على أن عسى وليس فعلان و مع هذا لا يتصرفان فكذلك ههنا وإنما لم يتصرف فعل التعجب لوجهين أحدهما أنهم لما لم يصوغوا للتعجب حرفا يدل عليه جعلوا له صيغة لا تختلف لتكون دلالة على المعنى الذي أرادوه وأنه مضمن معنى ليس في اصله
والوجه الثاني إنما لم يتصرف لأن الفعل المضارع يصلح للحال والاستقبال و التعجب إنما يكون مما هو موجود في الحال أو كان فيما مضى

و لا يكون التعجب مما لم يقع فلما كان المضارع يصلح للحال والاستقبال كرهوا أن يصرفوه إلى صيغة تحتمل الاستقبال الذي لا يقع التعجب منه وأما قولهم أنه يدخله التصغير وهو من خصائص الأسماء قلنا الجواب عنه من ثلاثة أوجه
الوجه الأول أن التصغير ههنا لفظي والمراد به تصغير المصدر لا تصغير الفعل لأن هذا الفعل منع من التصرف والفعل متى منع من التصرف لا يؤكد بذكر المصدر فلما أرادوا تصغير المصدر صغروه بتصغير فعله لأنه يقوم مقامه ويدل عليه ا فالتصغير في الحقيقة للمصدر لا للفعل و الوجه الثاني أن التصغير إنما حسن في فعل التعجب لأنه لما لزم طريقة واحدة أشبه الأسماء فدخله بعض أحكامها والشيء إذا أشبه الشيء من وجه لا يخرج بذلك عن اصله كما أن اسم الفاعل محمول على الفعل في العمل و لم يخرج بذلك على كونه اسما و الفعل محمول على الاسم في الإعراب و لم يخرج بذلك عن كونه فعلا فكذلك ههنا والوجه الثالث أنه إنما دخله التصغير حملا على باب أفعل الذي للتفضيل والمبالغة لاشتراك اللفظين في ذلك ألا ترى أنك لا تقول ما احسن زيدا ! إلا لمن بلغ الغاية في الحسن كما لا تقول زيد أحسن القوم إلا لمن كان أفضلهم في الحسن فلهذه المشابهة بينهما جاز التصغير في قوله يا أميلح

غزلانا كما تقول غزلانك أميلح الغزلان و ما أشبه ذلك والذي يدل على اعتبار هذه المشابهة بينهما أنهم حملوا أفعل منك وهو أفعل القوم على قولهم ما أفعله فجاز فيهما ما جاز فيه وامتنع فيهما ما امتنع فيه فلم يقولوا هذا اعور منك ولا اعور القوم لأنهم لم يقولوا ما أعوره و قالوا هو أقبح عورا منك و أقبح القوم عورا كما قالوا ما أقبح عوره و كذلك لم يقولوا هو أحسن منك حسنا فيؤكدوا كما لم يقولوا ما أحسن زيدا حسنا فلما كانت بينهما هذه المشابهة دخله التصغير حملا على أفعل الذي للتفضيل والمبالغة وأما قولهم أنه يصح كما يصح الاسم قلنا التصحيح حصل من حيث حصل التصغير و ذلك لحمله على باب أفعل الذي للمفاضلة و لأنه أشبه الأسماء لأنه الزم طريقة واحدة فلما أشبه الاسم من هذين الوجهين وجب أن يصح كما يصح الاسم وشبهه للاسم من هذين الوجهين لا يخرجه عن كونه فعلا كما أن ما لا ينصرف أشبه الفعل من وجهين و لم يخرج بذلك عن كونه اسما فكذلك ههنا هذا الفعل و إن أشبه الاسم من وجهين لا يخرج عن كونه فعلا على أن تصحيحه غير مستنكر فان كثيرا من الأفعال المتصرفة جاءت مصححة كقولهم أغيلت المرأة واستنوق الجمل واستتيست

الشاة ( واستحوذ عليهم ا قال الله تعالى استحوذ عليهم الشيطان ) وهذا كثيرا في كلامهم
و الذي يدل على أن تصحيحه لا يدل على كونه اسما أن أفعل به جاء في التعجب مصححا مع كونه فعلا بالإجماع نحو أقوم به و أبيع به فكما أن التصحيح في افعل به لا يخرجه على كونه فعلا فكذلك التصحيح في ما افعله لا يخرجه عن كونه فعلا وقد ذكرنا هذه المسالة مستوفاة في المسائل الخلافية فإن قيل فلم كان فعل التعجب منقولا من الثلاثي دون غيره قيل لوجهين أحدهما أن الأفعال على ضربين ثلاثي ورباعي فجاز نقل الثلاثي إلى الرباعي لأنك تنقله من اصل إلى اصل ولم يجز نقل الرباعي إلى الخماسي لأنك تنقله من أصل إلى غير أصل لأن الخماسي ليس بأصل
و الوجه الثاني أن الثلاثي أخف من غيره فلما كان أخف من غيره احتمل زيادة الهمزة وأما ما زاد على الثلاثي فهو ثقيل فلم يحتمل الزيادة فإن قيل فلم كانت الهمزة أولى بالزيادة قيل لأن الأصل في الزيادة حروف المد و اللين وهي الواو والياء والألف فأقاموا الهمزة مقام الألف لأنها

قريبة من الألف
و إنما أقاموها مقام الألف لأن الألف لا يتصور الابتداء بها لأنها لا تكون إلا ساكنة و الابتداء بالساكن محال و كان تقدير زيادة الألف ههنا أولي لأنها أخف حروف العلة و قد كثرت زيادتها في هذا النحو نحو أبيض و أسود و ما أشبه ذلك فإن قيل فلماذا ينتصب الاسم في قولهم ما احسن زيدا ا قيل ينتصب لأنه مفعول أحسن لأن أحسن لما ثقل بالهمز صار متعديا بعد أن كان لازما فتعدى إلى زيد فصار زيد منصوبا بوقوع الفعل عليه فإن قيل فلم لا يشتق فعل التعجب من الألوان و الخلق قيل لوجهين أحدهما أن الأصل في أفعالها أن تستعمل على أكثر من ثلاثة أحرف و ما زاد على ثلاثة أحرف لا يبنى منه فعل التعجب و الوجه الثاني أن هذه الأشياء لما كانت ثابتة في الشخص لا تكاد تتغير جرت مجرى أعضائه التي لا معنى للأفعال فيها كاليد و الرجل وما أشبه ذلك فكما لا يجوز أن يقال ما أيداه و لا ما أرجله من اليد و الرجل فكذلك لا يجوز أن يقال ما أحمره و لا ما أسوده فإن كان المراد بقوله ما أيداه من اليد بمعنى النعمة و ما أرجله من الرجلة جاز وكذلك إن كان المراد بقوله

ما أحمره من صفة البلادة لا من الحمرة و ما أسوده من السودد لا من السواد كان جائزا وإنما جاز في هذه الأشياء لأنها ليست بألوان و لا خلق فإن قيل فلم استعملوا لفظ الأمر في التعجب نحو أحسن بزيد وما أشبهه قيل إنما فعلوا ذلك لضرب من المبالغة في المدح
فإن قيل وما الدليل على أنه ليس بفعل أمر قيل الدليل على ذلك أنه يكون على صيغة واحدة في جميع الأحوال تقول يا رجل أحسن بزيد ويا رجلان أحسن بزيد و يا رجال أحسن بزيد و يا هند أحسن بزيد و يا هندان أحسن بزيد و يا هندات أحسن بزيد فيكون مع الواحد والاثنين والجماعة والمؤنث على صيغة واحدة لأنه لا ضمير فيه و لو كان أمرا لكان ينبغي أن يختلف فتقول في التثنية أحسنا و في جمع المذكر أحسنوا و في إفراد المؤنث أحسني و في جمع المؤنث أحسن فتأتي بضمير الاثنين و الجماعة و المؤنث فلما كان على صيغة واحدة دل على أن لفظه لفظ الأمر ومعناه

الخبر فإن قيل فما موضع الجار والمجرور في قولهم أحسن بزيد قيل موضعه الرفع لأنه فاعل احسن لأنه لما كان أحسن فعلا و الفعل لا بد له من فاعل جعل الجار و المجرور في موضع رفع لأنه فاعل كقوله تعالى ( و كفى بالله وليا و كفى بالله نصيرا ) أي وكفى الله وليا و كفى الله نصيرا والباء زائدة فكذلك ههنا الباء زائدة لأن الأصل في أحسن بزيد أحسن زيد أي صار ذا حسن ثم نقل إلى لفظ الأمر وزيدت الباء عليه
فإن قيل فلم زيدت الباء عليه قيل لوجهين أحدهما أنه لما كان لفظ فعل التعجب لفظ الأمر زادوا الباء فرقا بين لفظ الأمر الذي للتعجب و بين لفظ الأمر الذي لا يراد به التعجب
و الوجه الثاني أنه لما كان معنى الكلام يا حسن اثبت بزيد أدخلوا

الباء لأن اثبت يتعدى بحرف الجر فلذلك أدخلوا الباء
و قد ذهب بعض النحويين إلى أن الجار و المجرور في موضع نصب لأنه يقدر في الفعل ضميراا هو الفاعل كما يقدر في ما احسن زيدا و إذا قدر ههنا في الفعل ضمير هو الفاعل وقع الجار والمجرور في موضع المفعول فكانا في موضع نصب و الذي عليه أكثر النحويين هو الأول و كان الأول هو الأولي لأن الكلام إذا كان مستقلا بنفسه في غير إضمار كان أولي مما يفتقر إلى إضمار ثم حمل أحسن بزيد على ما أحسن زيدا في تقدير الإضمار لا يستقيم لأن أحسن إنما أضمر فيه لتقدم ما عليه لأن ما مبتدأ و أحسن خبره و لا بد فيه من ضمير يرجع إلى المبتدأ بخلاف أحسن بزيد فإنه لم يتقدمه ما يوجب تقدير الضمير فبان الفرق بينهما فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

باب عسى
إن قال قائل ما عسى من الكلم قيل فعل ماض من أفعال المقاربة لا يتصرف
و قد حكى عن ابن السراج أنه حرف ا وهو قول شاذ لا يعرج عليه والصحيح أنه فعل والدليل على ذلك أنه يتصل به تاء الضمير و ألفه و واوه نحو عسيت وعسيا وعسوا قال الله تعالى ( فهل عسيتم إن توليتم ) فلما دخلت عليه هذه الضمائر كما تدخل على الفعل نحو قمت و قاما و قاموا و قمتم دل على أنه فعل
و كذلك أيضا تلحقه تاء التأنيث الساكنة التي تختص بالفعل تقول عست المرأة كما تقول قامت وقعدت فدل على أنه فعل فإن قيل فلم لا يتصرف قيل لأنه أشبه الحرف لأنه لما كان فيه معنى

الطمع أشبه لعل و لعل حرف لا يتصرف فكذلك ما أشبهه فإن قيل فماذا تعمل عسى قيل ترفع الاسم وتنصب الخبر ك كان إلا أن خبرها لا يكون إلا مع الفعل المستقبل نحو عسى زيد أن يقوم فإن قيل فلم أدخلت في خبره أن قيل لأن عسى وضعت لمقاربة الاستقبال و أن إذا أدخلت على الفعل المضارع أخلصته للاستقبال فلما كانت عسى موضوعة لمقاربة الاستقبال و أن تخلص الفعل للاستقبال ألزموا الفعل الذي وضع لمقاربة الاستقبال أن التي هي علم الاستقبال فإن قيل وما الدليل على أن موضع أن وصلتها النصب قيل لأن معنى عسى زيد أن يقوم قارب زيد القيام والذي يدل على ذلك قولهم عسى الغوير أبؤسا وكان القياس أن يقال عسى الغوير أن يبأس إلا أنهم رجعوا إلى الأصل المتروك فقالوا عسى الغوير أبؤسا فنصبوه ب عسى لأنهم أجروها مجرى قارب فكأنه قيل قارب الغوير أبؤسا
وهو جمع بأس أو بؤس

فإن قيل فلم حذفوا أن من خبره في بعض أشعارهم قيل إنما يحذفونها في بعض أشعارهم ا لأجل الاضطرار تشبيها لها ب كاد فإن كاد من أفعال المقاربة كما أن عسى من أفعال المقاربة فلهذا الشبه بينهما جاز أن تحمل عليها في حذف أن من خبرها في نحو قوله - من الوافر -
( عسى الغم الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرج قريب ) و كما أن عسى تشبه ب كاد في حذف أن معها فكذلك كاد تشبه ب عسىفي إثباتها معها قال الشاعر - من الرجز -
( قد كاد من طول البلى أن يمصحا ... )
فأثبت أن مع كاد و إن كان الاختيار حذفها حملا على عسى فدل على وجود المشابهة بينهما فإن قيل ولم كان الاختيار مع كاد حذف أن وهي ك عسى في المقاربة قيل هما و إن اشتركا في الدلالة على المقاربة إلا أن كاد أبلغ في

تقريب الشيء من الحال و عسى اذهب في الاستقبال ألا ترى أنك لو قلت كاد زيد يذهب بعد عام لم يجز لأن كاد توجب أن يكون الفعل شديد القرب من الحال ولو قلت عسى الله أن يدخلني الجنة برحمته لكان جائرا و إن لم يكن شديد القرب من الحال فلما كانت كاد أبلع في تقريب الشيء من الحال حذف معهاأن التي هي علم الاستقبال و لما كانت عسى أذهب في الاستقبال أتي معها ب أن التي هي علم الاستقبال فإن قيل فما موضع أن مع صلتها في نحو عسى أن يخرج زيد قيل موضعها مع صلتها الرفع بأنه فاعل كما كان زيد مرفوعا بأنه فاعل في نحو عسى زيد أن يخرج فإن قيل فهل يجوز أن تحذف أن إذا كانت مع صلتها في موضع رفع قيل لا يجوز ذلك لأن من شرط الفاعل أن يكون اسما لفظا ومعنى فإذا قلت عسى يخرج زيد فقد جعلت الفعل فاعلا و الفعل لا يكون فاعلا لأن

الفاعل مخبر عنه و الإخبار إنما يكون عن الاسم لا عن الفعل بلى إن جعل زيد في نحو عسى يخرج زيد فاعل عسى وجعل يخرج في موضع الخبر جازت المسالة لأن المفعول لا يبلغ في اقتضاء الاسمية مبلغ الفاعل ألا ترى أنه قد يقوم مقام المفعول ما ليس باسم نحو ظننت زيدا قام أبوه ف قام أبوه جملة فعلية وقد قامت مقام المفعول الثاني ل ظننت وأما الفاعل فلا يجوز أن يقع قط إلا اسما لفظا ومعني لما
بينا فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

باب كان و أخواتها
إن قال قائل أي شيء كان وأخواتها من الكلم قيل أفعال وذهب بعض النحويين إلى أنها حروف وليست أفعالا لأنها لا تدل على المصدر ولو كانت أفعالا لكان ينبغي أن تدل على المصدر فلما لم تدل على المصدر دل على أنها ليست أفعالا و الصحيح أنها أفعال وهو مذهب الأكثيرين والدليل على ذلك من ثلاثة أوجه
الوجه الأول أنها تلحقها تاء الضمير و ألفه وواوه نحو كنت و كانا و كانوا كما تقول قمت وقاما وقاموا وما أشبه ذك والوجه الثاني أنها تلحقها تاء التأنيث الساكنة نحو كانت المرأة كما تقول قامت المرأة و هذه التاء تختص بالأفعال والوجه الثالث أنها تتصرف نحو كان يكون وصار يصير وأصبح يصبح وأمسى يمسي وكذلك سائرها ما عدا ليس وإنما لم يدخلها

التصرف لأنها أشبهت ما لأنها تنفي الحال كما أن ما تنقي الحال ولهذا تجري ما مجرى ليس في لغة أهل الحجاز فلما أشبهت ما وهي حرف لا يتصرف وجب ألا تتصرف
وأما قولهم إنها لا تدل على المصدر ولو كانت أفعالا لدلت على المصدر قلنا هذا إنما يكون في الأفعال الحقيقية وهذه أفعال غير حقيقية و لهذا المعنى تسمى أفعال العبارة فما ذكرناه يدل على أنها أفعال و ما ذكروه يدل على أنها أفعال غير حقيقية فقد عملنا بمقتضى الدليلين على أنهم قد جبروا هذا الكسر فألزموها الخبر عوضا عن دلالتها على المصدر و إذا وجد الجبر بلزوم الخبر عوضا عن المصدر كان في حكم الموجود الثابت
فإن قيل فعلى كم تنقسم كان و أخواتها قيل أما كان فتنقسم على خمسة أوجه
الوجه الأول أنها تكون ناقصة فتدل على الزمان المجرد عن الحدث نحو كان زيد قائما و يلزمها الخبر لما بينا و الوجه الثاني أنها تكون تامة فتدل على الزمان و الحدث كغيرها من الأفعال الحقيقية ولا تفتقر إلى خبر نحو كان زيد وهي بمعنى حدث ووقع قال الله تعالى ( و إن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ) أي حدث ووقع

و قال تعالى ( إلا أن تكون تجارة ) و قال تعالى ( و إن تك حسنة يضاعفها ) في قراءة من قرأ بالرفع و قال تعالى ( كيف نكلم من كان في المهد صبيا ) أي وجد و حدث و صبيا منصوب على الحال و لا يجوز أن تكون كان ههنا الناقصة لأنه لا اختصاص لعيسى في ذلك لأن كلا قد كان في المهد صبيا ولا عجب في تكليم من كان فيما مضى في حال الصبي وإنما العجب في تكليم من هو موجود في المهد في حال الصبي فدل على أنها ههنا بمعنى وجد وحدث وعلى هذا قولهم أنا مذ كنت صديقك أي وجدت قال الشاعر - من الطويل -
( فدى لبنى ذهل بن شيبان ناقتي ... إذا كان يوم ذو كواكب أشهب ) أي حدث يوم و قال الآخر - من الوافر -
( إذا كان الشتاء فادفئوني ... فإن الشيخ يهدمه الشتاء ) أي حدث الشتاء

و الوجه الثالث أن يجعل فيها ضمير الشان والحديث فتكون الجملة خبرها نحو كان زيد قائم أي كان الشأن و الحديث زيد قائم قال الشاعرا - من الطويل -
( إذا مت كان الناس نصفان شامت ... وآخر مثن بالذي كنت اصنع ) أي كان الشأن و الحديث الناس نصفان والوجه الرابع أن تكون زائدة غير عاملة زيد قائم قال الشاعر - من الوافر -
( سراة بني أبي بكر تسامى ... على كان المسومة العراب ) أي على المسومة وقال آخر - من الوافر

( فكيف إذا مررت بدار قوم ... وجيران لنا كانوا كرام )
أي جيران كرام
والوجه الخامس أن تكون بمعنى صار قال الله تعالى ( وكان من الكافرين ) ا ( فكان من المغرقين ) أي صار وعلى هذا حمل بعضهم قوله تعالى ( كيف نكلم من كان في المهد صبيا )
أي صار وقال الشاعر
( بتيهاء قفر والمطي كأنها ... قطا الحزن قد كانت فراخا بيوضها ) - من الطويل -
أي صارت فراخا بيوضها
وأما صار فتستعمل ناقصة وتامة فأما الناقصة فتدل أيضا على الزمان المجرد عن الحدث وتفتقر إلى الخبر نحو صار زيد عالما مثل كان إذا كانت

ناقصة و أما التامة فتدل على الزمان والحدث ولا تفتقر إلى خبر نحو صار زيد إلى عمرو مثل كان إذا كانت تامة وكذلك سائر أخواتها تستعمل ناقصة وتامة إلا ظل وليس وما زال وما فتئ فإنها لا تستعمل إلا ناقصةا فإن قيل فلم عملت هذه الأفعال في شيئين قيل لأنها عبارة عن الجمل دون المفردات فلما اقتضت شيئين وجب أن تعمل
فيهما فإن قيل فلم رفعت الاسم و نصبت الخبر قيل تشبيها بالأفعال الحقيقية فرفعت الاسم تشبيها بالفاعل و نصبت الخبر تشبيها بالمفعول فإن قيل فهل يجوز تقديم أخبارها على أسمائها قيل نعم يجوز تقديم أخبارها على أسمائها وإنما جاز ذلك لأنها لما كانت أخبارها مشبهة بالمفعول وأسماؤها مشبهة بالفاعل والمفعول يجوز تقديمه على الفاعل فكذلك ما كان مشبها به فإن قيل فهل يجوز تقديم أخبارها عليها أنفسها قيل يجوز ذلك فيما لم

يكن في أوله ما نحو قائما كان زيد وإنما جاز ذلك لأنه لما كان مشبها بالمفعول و العامل فيه متصرف جاز تقديمه عليه كالمفعول نحو عمرا ضرب زيد فإن قيل فلم لم يجز تقديم أسمائها عليها أنفسها كما يجوز تقديم أخبارها عليها قيل إنما لم يجز تقديم أسمائها عليها لأن أسماءها مشبهة بالفاعل و الفاعل لا يجوز تقديمه على الفعل فكذلك ما كان مشبها به و جاز تقديم أخبارها عليها لأنها مشبهة بالمفعول والمفعول يجوز تقديمه على الفعل كما بينا فإن قيل فلم لم يجز تقديما خبر ما في أوله ما عليه قيل لأن ما في أوله ما ما عدا ما دام للنفي والنفي له صدر الكلام كالاستفهام فكما أن الاستفهام لا يعمل ما بعده فيما قبله نحو عمرا اضرب زيد فكذلك النفي لا يعمل ما بعده فيما قبله نحو قائما ما زال زيد وقد ذهب بعض النحويين ا إلى أنه يجوز تقديم خبر ما زال عليها وذلك لأن ما للنفي و زال فيها معنى النفي والنفي إذا دخل على النفي صار إيجابا فإذا صار إيجابا صار قولك ما زال زيد قائما بمنزلة كان زيد قائما وكما يجوز أن تقول قائما

كان زيد فكذلك يجوز أن تقول قائما ما زال زيد و أجمعوا على أنه لا يجوز تقديم خبر ما دام عليها وذلك لأن ما فيها مع الفعل بمنزلة المصدر ومعمول المصدر لا يتقدم عليه
فإن قيل فهل يجوز تقديم خبر ليس عليها قيل اختلف النحويون في ذلك فذهب الكوفيون إلى أنه لا يجوز تقديم خبرها عليها وذهب اكثر البصريين إلى جوازه لأنه كما جاز تقديم خبرها على اسمها جاز تقديم خبرها عليها نفسها و الاختيار عندي ما ذهب إليه الكوفيون لأن ليس فعل لا يتصرف والفعل إنما يتصرف عمله إذا كان متصرفا في نفسه وإذا لم يكن متصرفا في نفسه لم يتصرف عمله وأما قولهم أنه كما جاز تقديم خبرها على اسمها جاز تقديم خبرها عليها ففاسد لأن تقديم خبرها على اسمها لا يخرجه على كونه متأخرا عنها وتقديم خبرها عليها يوجب كونه متقدما عليها و ليس من الضرورة أن يعمل الفعل فيما يعده ويجب أن يعمل فيما قبله ثم نقول إنما جاز تقديم خبرها على اسمها لأنها اضعف من كان لأنها تتصرف ويجوز تقديم خبرها عليها و أقوى من ما لأنها حرف ولا يجوز تقديم خبرها على اسمها فجعل لها منزلة بين منزلتين فلم يجز تقديم خبرها عليها نفسها لتنحط عن درجة كان ويجوز تقديم خبرها على اسمها لترتفع عن درجة ما

فإن قيل لم جاز ما كان زيد إلا قائما ولم يجز ما زال زيد إلا قائما قيل لأن إلا إذا دخلت في الكلام أبطلت معنى النفي فإذا قلت ما كان زيد إلا قائما كان التقدير فيه كان زيد قائماا و إذا قلت ما زال زيد إلا قائما صار التقدير زال زيد قائما و زال لا تستعمل إلا بحرف النفي فلما كان إدخال حرف الاستثناء يوجب إبطال معنى النفي و كان يجوز استعمالها من غير حرف النفي و زال لا يجوز استعمالها إلا بحرف النفي جاز ما كان زيد إلا قائما و لم يجز ما زال زيد إلا قائما فأما قول الشاعر - من الطويل -
( حراجيج ما تنفك إلا مناخة ... على الخسف أو نرمي بها بلدا قفرا ) فالخبر قوله على الخسف وتقديره ما تنفك على الخسف إلا أن تناخ أو نرمي بها بلدا قفرا
و قد روى مناخة بالرفع ولا مزية في هذه الرواية فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

باب ما
إن قال قائل لم عملت ما في لغة أهل الحجاز فرفعت الاسم ونصبت الخبر قيل لأن ماأشبهت ليس ووجه الشبه بينهما من وجهين أحدهما أن ما تنفي الحال كما أن ليس تنفي الحال
والوجه الثاني أن ما تدخل على المبتدأ والخبر كما أن ليس تدخل على المبتدأ و الخبر ويقوي هذه المشابهة بينهما دخول الباء في خبرها كما تدخل في خبر ليس فاذا ثبت أنها أشبهت ليس وجب أن تعمل عملها فترفع الاسم وتنصب الخبر و هي لغة القرآن قال الله تعالى ( ما هذا بشر ) و ذهب الكوفيون إلى أن الخبر منصوب بحذف حرف الجر وهذا فاسد لأن حذف حرف الجر لا يوجب النصب لأنه لو كان حذف حرف الجر يوجب النصب لكان ينبغي أن يكون ذلك في كل موضع ولا خلاف أن كثيرا من الأسماء يحذف منها حرف الجر ولا تنتصب بحذفه كقوله تعالى ( و كفي بالله وليا و كفى بالله نصيرا ) و لو حذف حرف الجر لكان و كفى

الله وليا و كفى الله نصيرا بالرفع كقول الشاعر - من الطويل -
( عميرة ودع إن تجهزت غاديا ... كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا )
كذلك قولهم بحسبك زيد و ما جاءني من أحد ولو حذفت حرف الجر لقلت حسبك زيد وما جاءني أحد بالرفع فدل على أن حذف حرف الجر لا يوجب النصب فإن قيل فلم لم تعمل على لغة بني تميم قيل لأن الحرف إنما يعمل إذا كان مختصا بالاسم كحروف الجر أو بالفعل كحروف الجزم وإذا كان يدخل على الاسم والفعل لم يعمل كحروف العطف و ما يدخل على الاسم والفعل ألا ترى أنك تقول ما زيد قائم وما يقوم زيد فتدخل عليهما فلما كانت غير مختصة وجب أن تكون غير عاملة
فإن قيل فلم دخلت الباء في خبرها نحو ما زيد بقائم قيل لوجهين أحدهما أنها دخلت توكيدا للنفي والثاني أن يقدر أنها جواب لمن قال أن زيدا لقائم فادخلت الباء في خبرها لتكون بازاء اللام في خبر أن فإن قيل فلم بطل عملها في لغة أهل الحجاز إذا فصلت بين اسمها وخبرها بالا قيل لأن ما إنما عملت لأنها أشبهت ليس من جهة المعنى و هو النفي و إلا تبطل معنى النفي فتزول المشابهة و إذا زالت المشابهة وجب ألا تعمل

فإن قيل فلماذا بطل عملها أيضا إذا فصلت بينها وبين اسمها وخبرها ب أن الخفيفةا قيل لأن ما ضعيفة في العمل لأنها إنما عملت لأنها أشبهت فعلا لا يتصرف شبها ضعيفا من جهة المعنى فلما كان عملها ضعيفا بطل عملها مع الفصل ولهذا المعنى يبطل عملها أيضا إذا تقدم الخبر على الاسم نحو ما قائم زيد لضعفها في العمل فألزمت طريقة واحدة فأما قول الشاعرا - من البسيط -
( فاصبحوا قد أعاد الله نعمتهم ... إذ هم قريش و إذ ما مثلهم بشر )
فمن النحويين من قال هو منصوب على الحال لأن التقدير فيه و إذ ما بشر مثلهم فلما قدم مثلهم الذي هو صفة النكرة انتصب على الحال لأن صفة النكرة إذا تقدمت انتصبت على الحال كقول الشاعر - من الوافر

( لمية موحشا طلل ... ) والتقدير فيه طلل موحش وكقول الآخر - من البسيط -
( والصالحات عليها مغلقا باب ... )
والتقدير فيه باب مغلق إلا أنه لما قدم صفة النكرة نصبها على الحال ومنهم من قال هو منصوب على الظرف لأن قوله ما مثلهم بشر في معنى فوقهم و منهم من حمله على الغلط فإن هذا البيت للفرزدق وكان تميميا و ليس من لغته إعمال ما سواء تقدم الخبر أو تأخر فلما استعمل لغة غيره غلط فظن أنها تعمل مع تقدم الخبر كما تعمل مع تأخره فلم يكن في ذلك حجة ومنهم من قال أنها لغة لبعض العرب و هي لغة قليلة لا يعتد بها فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

باب إن و أخواتها
إن قال قائل لم أعملت هذه الأحرف قيل لأنها أشبهت الفعل ووجه الشبه بينهما من خمسة أوجه الوجه الأول أنها مبنية على الفتح كما أن الفعل الماضي مبني على الفتح والوجه الثاني أنها على ثلاثة أحرف كما أن الفعل على ثلاثة أحرف
والوجه الثالث أنها تلزم الأسماء كما أن الفعل يلزم الأسماء والوجه الرابع أنها تدخل عليها نون الوقاية كما تدخل على الفعل نحو إنني وكأنني ولكنني وكذلك سائرها والوجه الخامس أن فيها معاني الأفعال فمعنى إن و أن حققت ومعنى كأن شبهت ومعنى لكن استدركت ومعنى ليت تمنيت ومعنى لعل ترجيت فلما أشبهت هذه الحروف الفعل من هذه الأوجه وجب أن تعمل عمله وإنما عملت في شيئين لأنها عبارة عن الجمل لا عن المفردات كما بينا في كان

فإن قيل فلم نصبت الاسم و رفعت الخبر قيل لأنها لما أشبهت الفعل وهو يرفع و ينصب شبهت به فنصبت الاسم تشبيها بالمفعول ورفعت الخبر تشبيها بالفاعل فإن قيل فلم وجب تقديم المنصوب على المرفوع قيل لوجهين أحدهما أن هذه الحروف تشبه الفعل لفظا و معنى فلو قدم المرفوع على المنصوب لم يعلم هل هي حروف أو أفعال فإن قيل الأفعال تتصرف والحروف لا تتصرف قيل عدم التصرف لا يدل على أنها حروف لأنه قد يوجد أفعال لا تتصرف ك انعم و بئس و عسى و ليس و فعل التعجب و حبذا فلما كان ذلك يؤدي إلى الالتباس بالأفعال وجب تقديم المنصوب على المرفوع رفعا لهذا الالتباس
و الوجه الثاني أن هذه الحروف لما أشبهت الفعل الحقيقي لفظا ومعنى حملت عليه في العمل فكانت فرعا عليه في العمل وتقديم المنصوب على المرفوع فرع فألزموا الفرع الفرع
و تخرج على هذا ما فإنها ما أشبهت الفعل من جهة اللفظ و إنما أشبهته من جهة المعنى ثم الفعل الذي أشبهته ليس فعلا حقيقيا وفي فعليته خلاف بخلاف هذه الحروف فإنها أشبهت الفعل

الحقيقي من جهة اللفظ والمعنى من الخمسة الأوجه التي بيناها فبان الفرق بينهما وقد ذهب الكوفيون إلى أن أن و أخواتها تنصب الاسم ولا ترفع الخبر وإنما الخبر يرتفع بما كان يرتفع به قبل دخولها لأنها فرع على الفعل في العمل فلا تعمل عمله لأن الفرع أبدا أضعف من الأصل فينبغي ألا تعمل في الخبر وهذا ليس بصحيح لأن كونه فرعا على الفعل في العمل لا يوجب ألا يعمل عمله فإن اسم الفاعل فرع على الفعل في العمل ويعمل عمله على أنا قد عملنا بمقتضى كونه فرعا فإنا ألزمناه طريقة واحدة و أوجبنا فيه تقديم المنصوب على المرفوع ولم نجوز فيه الوجهين كما جاز ذلك مع الفعل لئلا يجري مجرى الأصل فلما أوجبنا فيه تقديم المنصوب على المرفوع بأن ضعف هذه الحروف وانحطاطها عن رتبة الفعل فوقع الفرق بين الفرع و الأصل ثم لو كان الأمر كما زعموا و أنه باق على رفعه لكان الاسم المبتدأ أولى بذلك فلما وجب نصب المبتدأ بها وجب رفع الخبر بها لأنه ليس في كلام العرب عامل يعمل في الأسماء النصب و لا يعمل الرفع فما ذهبوا إليه يؤدي إلى ترك القياس و مخالفة الأصول لغير فائدة وذلك لا يجوز فإن قيل فلم جاز العطف علي موضع إن و لكن دون سائر أخواتها قيل لأنهما لم يغيرا معنى الابتداء بخلاف سائر الحروف لأنها غيرت معنى

الابتداء لأن كأن أفادت معنى التشبيه و ليت أفادت معنى التمني و لعل أفادت معنى الترجي
فإن قيل فهل يجوز العطف على الموضع قبل ذكر الخبرا قيل اختلف النحويون في ذلك فذهب البصريون إلى أنه لا يجوز ذلك على الإطلاق و ذلك لأنك إذا قلت أنك وزيد قائمان وجب أن يكون زيد مرفوعا بالابتداء ووجب أن يكون عاملا في خبر زيد وتكون أن عاملة في خبر الكاف وقد اجتمعا معا وذلك لا يجوز
وأما الكوفيون فاختلفوا في ذلك فذهب الكسائي إلى أنه يجوز ذلك على الإطلاق سواء تبين فيه عمل إن أو لم يتبين نحو إن زيدا و عمرو قائمان و إنك و بكر منطلقان و ذهب الفراء إلى أنه لا يجوز ذلك إلا فيما لا يتبين فيه عمل إن و استدلوا على ذلك بقوله تعالى ( إن الذين آمنوا و الذين هادوا و الصابئون و النصارى ) ا فعطف الصابئين على موضع إن قبل تمام الخبر و هو قوله ( من آمن بالله واليوم الآخر ) و بما حكى عن بعض العرب أنه قال أنك وزيد ذاهبان وقد ذكره سيبويه في الكتاب

و الصحيح ما ذهب إليه البصريون وأما ما استدل يه الكوفيون فلا حجة لهم فيه أما قوله تعالى ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون ) فلا حجة لهم فيه من وجهين أحدهما أنا نقول في الآية تقديم وتأخير والتقدير فيها إن الذين آمنوا والذين هادوا من آمن بالله واليوم الآخر - وعمل صالحا - فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون والصابئون والنصارى كذلك والوجه الثاني أن تجعل قوله من آمن بالله واليوم الآخر خبرا للصابئين والنصارى وتضمر للذين آمنوا والذين هادوا خبرا مثل الذي أظهرت للصابئين والنصارى ألا ترى أنك تقول زيد وعمرو قائم فتجعل قائما خبرا لعمرو و تضمر لزيد خبرا آخر مثل الذي أظهرت لعمرو و إن شئت جعلته خبرا لزيد و أضمرت لعمرو خبرا كما قال الشاعر - من الوافر -
( وإلا فاعلموا أنا وأنتم ... بغاة ما بقينا في شقاق ) فإن شئت جعلت قوله بغاة خبرا للثاني وأضمرت للأول خبرا وإن شئت جعلته خبرا للأول وأضمرت للثاني خبرا على ما بينا

وأما قول بعض العرب أنك وزيد ذاهبان فقد ذكر سيبويه أنه غلط من بعض العرب ا و جعله بمنزلة قول الشاعر - من الطويل -
( بدا لي أني لست مدرك ما مضى ... ولا سابق شيئا إذا كان جائيا ) فقال سابق بالجر على العطف و إن كان المعطوف عليه منصوبا لتوهم حرف الجر فيه و كذلك قول الآخر - من الطويل -
( مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة ... ولا ناعب إلا ببين غرابها )
فقال ناعب بالجر بالعطف على مصلحين لأنه توهم أن الباء في مصلحين موجودة ثم عطف عليه مجرورا و إن كان منصوبا و لا خلاف أن هذا نادر لا يقاس عليه فكذلك ههنا فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

باب ظننت و أخواتها
إن قال قائل على كم ضربا تستعمل هذه الأفعال قيل أما ظننت فتستعمل على ثلاثة أوجه أحدها بمعنى الظن و هو ترجيح أحد الاحتمالين على الآخر و الثاني بمعنى اليقين قال الله تعالى ( الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم ) و قال تعالى ( فظنوا أنهم مواقعوها ) وقال الشاعر - من الطويل

( فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج ... سراتهم في الفارسي المسرد ) و هذان يتعديان إلى مفعولين
والثالث بمعنى التهمة كقوله تعالى ( وما هو على الغيب بظنين ) في قراءة من قرا بالظاءا أي بمتهم وهذا يتعدى إلى مفعول واحد وأما خلت و حسبت فتستعملان بمعنى الظن وأما زعمت فتستعمل في القول عن غير صحة قال الله تعالى زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا وأما علمت فتستعمل على اصلها فتتعدى إلى مفعولين و تستعمل بمعنى عرفت فتتعدى إلى مفعول واحد قال الله تعالى ( لا تعلمهم نحن نعلمهم ) وأما رأيت فتكون من رؤية القلب فتتعدى إلى مفعولين نحو رأيت الله غالبا و تكون من رؤية البصر فتتعدى إلى مفعول واحد نحو رأيت زيدا أي أبصرت زيدا وأما وجدت فتكون بمعنى علمت فتتعدى م - إلى مفعولين ا نحو وجدت زيدا عالما وتكون بمعنى أصبت فتتعدى إلى مفعول واحد نحو وجدت الضالة لم وجدانا وقد تكون لازمة في نحو قولهم وجدت في الحزن وجدا و وجدت في المال وجدا و وجدت في الغضب

موجدة وحكى بعضهم وجدانا قال الشاعر - من الوافر -
( كلانا رد صاحبه بغيظ ... على حنق ووجدان شديد )
فإن قيل فلم أعملت هذه الأفعال و ليست مؤثرة في المفعول قيل لأن هذه الأفعال و إن لم تكن مؤثرة إلا أن لها تعلقا بما عملت فيه ألا ترى أن قولك ظننت يدل على الظن والظن يتعلق بمظنون وكذلك سائرها
ثم ليس التأثير شرطا في عمل الفعل وإنما شرط عمله أن يكون له تعلق بالمفعول فإذا تعلق بالمفعول تعدى إليه سواء كان مؤثرا أو غير مؤثر ألا ترى أنك تقول ذكرت زيدا فيتعدى إلى زيد وإن لم يكن مؤثرا فيه إلا أنه لما كان له به تعلق لأن ذكرت يدل على الذكر و الذكر لا بد له من مذكور تعدى إليه فكذلك ههنا
فإن قيل فلم تعدت إلى مفعولين قيل لأنها لما كانت تدخل على المبتدأ والخبر بعد استغنائها بالفاعل وكل واحد من المبتدأ والخبر لا بد له من الآخر وجب أن يتعدى إليهما
فإن قيل فهل يجوز الاقتصار فيها على الفعل والفاعل قيل اختلف

النحويون في ذلك فذهب بعضهم إلى أنه يجوز واستدل عليه بالمثل السائر وهو قولهم من يسمع يخل فاقتصر على يخل و فيه ضمير الفاعل وذهب بعضهم إلى أنه لا يجوز واستدلوا على ذلك من وجهين أحدهما أن هذه الأفعال تجاب بما يجاب به القسم كقوله تعالى ( وظنوا ما لهم من محيص ) فكما لا يجوز الاقتصار على القسم دون المقسم عليه فكذلك لا يجوز الاقتصار على هذه الأفعال مع فاعلها دون مفعوليها و الثاني أنا نعلم أن العاقل لا يخلو من ظن أو علم أو شك فإذا قلت ظننت أو علمت أو حسبت لم يكن فيه فائدة لأنه لا تخلو عن ذلك
فإن قيل فهل يجوز الاقتصار على أحد المفعولين قيل لا يجوز لأن

هذه الأفعال داخلة على المبتدأ والخبر وكما أن المبتدأ لا بد له من الخبر والخبر لا بد له من المبتدأ فكذلك لا بد لأحد المفعولين من الآخر
فإن قيل فلم أوجب إعمال هذه الأفعال إذا تقدمت وجاز إلغاؤها إذا توسطت أو تأخرت قيل إنما وجب إعمالها إذا تقدمت لوجهين أحدهما أنها إذا تقدمت فقد وقعت في أعلى مراتبها فوجب إعمالها ولم يجز إلغاؤها و الثاني أنها إذا تقدمت دل ذلك على قوة العناية بها و إلغاؤها يدل على اطراحها وقلة الاهتمام بها فلذلك لم يجز الإلغاء مع التقديم لأن الشيء لا يكون معنيا به مطرحا وأما إذا توسطت أو تأخرت فإنما جاز إلغاؤها لأن هذه الأفعال لما كانت ضعيفة في العمل و قد مر صدر الكلام على اليقين لم يتغير الكلام عما اعتمد عليه وجعلت في تعلقها بما قبلها بمنزلة الظرف فإذا قال زيد منطلق ظننت

فكأنه قال زيد منطلق في ظني و كما أن قولك في ظني لا يعمل فيما قبله فكذلك ما نزل منزلته وأما من أعملها إذا تأخرت فجعلها متقدمة في التقدير و إن كانت متأخرة في اللفظ مجازا و توسعا غير أن الإعمال مع التوسط أحسن من الإعمال مع التأخر و ذلك لأنها إذا توسطت كانت متقدمة من وجه متأخرة من وجه لأنها متأخرة عن أحد الجزئين متقدمة على الآخر ولا يتم أحد الجزئين إلا بصاحبه فكانت متقدمة من وجه و متأخرة من وجه فحسن إعمالها كما حسن إلغاؤها فإذا تأخرت عن الجزئين جميعا كانت متأخرة من كل وجه فكان إلغاؤها احسن من إعمالها لتأخرها وضعف عملها فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

باب الإغراء
إن قال قائل لم أقيم بعض الظروف و الحروف مقام الفعل قيل طلبا للتخفيف لأن الأسماء و الحروف أخف من الأفعال فاستعملوها بدلا عنها طلبا للتخفيف فإن قيل فلم كثر في عليك وعندك ودونك خاصة قيل لأن الفعل إنما يضمر إذا كان عليه دليل من مشاهدة حال أو غير ذلك و لما كانت على للاستعلاء و المستعلى يشاهد من تحته و عند للحضرة و من بحضرتك تشاهده و دون للقرب و من بقربك تشاهده صار هذا بمنزلة مشاهدة حال تدل عليه فلهذا أقيمت مقام الفعل فإن قيل فلم خص به المخاطب دون الغائب والمتكلم قيل لأن الخاطب يقع الأمر له بالفعل من غير لام الأمر نحو قم و اذهب فلا يفتقر إلى لام الأمر وأما الغائب و المتكلم فلا يقع الأمر لهما إلا باللام نحو ليقم زيد و لأقم معه فيفتقر إلى لام الأمر فلما أقاموها مقام الفعل كرهوا أن يستعملوها

للغائب والمتكلم لأنها تصير قائمة مقام شيئين اللام و الفعل و لم يكرهوا ذلك في المخاطب لأنها تقوم مقام شيء واحد و هو الفعل وأما قوله عليه السلام ومن لم يستطع منكم الباءة فعليه الصوم فإنه له وجاء فإنما جاء لأن من كان بحضرته يستدل بأمره للغائب على أنه داخل في حكمه وأما قول بعض العرب عليه رجلا ليسني فلا يقاس عليه لأنه كالمثل
فإن قيل فهل يجوز تقديم معمول هذه الكلم عليها أو لا قيل اختلف النحويون في ذلك فذهب البصريون إلى أنه لا يجوز تقديم معمولها عليها لأنها فرع على الفعل في العمل فينبغي أن تتصرف تصرفه وأما الكوفيون فذهبوا إلى جواز تقديم معمولها عليها و استدلوا على ذلك بقوله تعالى ( كتاب الله عليكم فنصب كتاب الله ب عليكم و استدلوا أيضا بقول الشاعر - من الرجز

( يا أيها المائح دلوي دونكا ... إني رأيت الناس يحمدونكا )
( يثنون خيرا و يمجدونكا ... )
و التقدير دونك دلوي ف دلوي في موضع نصب ب دونك فدل على جواز تقديم معمولها عليها
و الصحيح ما ذهب إليه البصريون وأما ما استدل به الكوفيون فلا حجة لهم فيه لأن قوله تعالى ( كتاب الله عليكم ) ليس هو منصوبا بي عليكم وإنما هو منصوب على المصدر بفعل مقدر وإنما قدر هذا الفعل لم يظهر لدلالة ما تقدم عليه من قوله تعالى ( حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم ) الآية لأن في ذلك دلالة على أن ذلك مكتوب عليهم فنصب كتاب الله على المصدر كقوله تعالى ( و ترى الجبال تحسبها جامدة و هي تمر مر السحاب صنع الله ) فنصب صنع الله على المصدر بفعل مقدر دل عليه ما قبله و نحو ذلك قول الشاعر - من الطويل

( دأبت إلى أن ينتبت الظل بعدما ... تقاصر حتى كاد في الآل يمصح )
( وجيف المطايا ثم قلعت لصحبتي ... و لم ينزلوا أبردتم فتروحوا ) فنصب وجيف بفعل دل عليه ما تقدم وأما البيت الذي أنشدوه فلا حجة لهم فيه من وجهين أحدهما أن قوله دلوي دونكا في موضع رفع لأنه خبر مبتدأ مقدر والتقدير فيه هذا دلوي دونكا
والثاني أنا نسلم أنه في موضع نصب ولكن بإضمار فعل والتقدير فيه خذ دلوي دونك و دونك تفسير لذلك الفعل المقدر فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

باب التحذير
إن قال قائل ما وجه التكرير إذا أرادوا التحذير في نحو قولهم ا الأسد الأسد قيل أنهم أرادوا أن يجعلوا أحد الاسمين قائما مقام الفعل الذي هو احذر و لهذا إذا كرروا لم يجز إظهار الفعل و إذا حذفوا أحد الاسمين جاز إظهار الفعل فدل على أن أحد الاسمين قائم مقام الفعل فإن قيل فأي الاسمين أولى بأن يقوم مقام الفعل قيل أولى الاسمين بأن يقوم مقام الفعل هو الأول لأن الفعل يجب أن يكون مقدما على الاسم الثاني لأنه مفعول فكذلك الاسم الذي يقوم مقام الفعل ينبغي أن يكون مقدما فإن قيل فلم انتصب قولهم إياك والشر قيل لأن التقدير فيه إياك احذر فإياك منصوب ب احذر و الشر معطوف عليه وقيل أصله إياك احذر من الشر فموضع الجار والمجرور النصب فلما حذف حرف الجر صار النصب فيما بعده

فإن قيل فلم قدروا الفعل بعد إياك و لم يقدروه قبله قيل لأن إياك ضمير المنصوب المنفصل فلا يجوز أن يقع الفعل قبله لأنك لو أتيت به قبله لم يجز أن تأتي به بلفظه لأنك تقدر على الضمير المنصوب المتصل و هو الكاف ألا ترى أنك لو قلت ضربت إياك لم يجز لأنك تقدر على أن تقول ضربتك فأما قول الشاعرا - من الرجز - إليك حتى بلغت إياكا فشاذ لا يقاس علية فإن قيل فلم لم يستعملوا لفظ الفعل مع إياك كما استعملوه مع غيره قيل إنما خصت إياك بهذا لأنها لا تكون إلا في موضع نصب لأنها ضمير المنصوب المنفصل فصارت بنية لفظه تدل على كونه مفعولا فلم يستعملوا معه لفظ الفعل بخلاف غيره من الأسماء فإنه يجوز أن يقع مرفوعا ومنصوبا ومجرورا إذ ليس في بنية لفظه ما يدل على كونه مفعولا فاستعملوا معه لفظ الفعل
فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

باب المصدر
إن قال قائل لم كان المصدر منصوبا قيل لوقوع الفعل عليه وهو المفعول المطلق فإن قيل هل الفعل مشتق من المصدر أو المصدر مشتق من الفعل قيل اختلف النحويون في ذلك فذهب البصريون إلى أن الفعل مشتق من المصدر واستدلوا على ذلك من سبعة أوجه الوجه الأول أنه سمي مصدرا والمصدر هو الموضع الذي تصدر عنه الإبل فلما سمي مصدرا دل على أنه قد صدر عنه الفعل و الوجه الثاني أن المصدر يدل على زمان مطلق و الفعل يدل على زمان معين فكما أن المطلق اصل للمقيد فكذلك المصدر أصل للفعل والوجه الثالث أن الفعل يدل على شيئين و المصدر يدل على شيء واحد و كما أن الواحد قبل الاثنين فكذلك يجب أن يكون المصدر قبل الفعل

و الوجه الرابع أن المصدر اسم وهو يستغني على الفعل والفعل لا بد له من الاسم وما يكون مفتقرا إلى غيره و لا يقوم بنفسه أولى بأن يكون فرعا مما لا يكون مفتقرا إلى غيره و الوجه الخامس أن المصدر لو كان مشتقا من الفعل لوجب أن يدل على ما في الفعل من الحدث والزمان ومعنى ثالث كما دلت أسماء الفاعلين والمفعولين على الحدث وعلى ذات الفاعل و المفعول به فلما لم يكن المصدر كذلك دل على أنه ليس مشتقا من الفعل و الوجه السادس أن المصدر لو كان مشتقا من الفعل لوجب أن يجري على سنن واحد ولم يختلف كما لم تختلف أسماء الفاعلين والمفعولين فلما اختلف المصدر اختلاف سائر الأجناس دل على أن الفعل مشتق
منه و الوجه السابع أن الفعل يتضمن المصدر و المصدر لا يتضمن الفعل ألا ترى أن ضرب يدل على ما يدل عليه الضرب و الضرب لا يدل على ما يدل عليه ضرب و إذا كان كذلك دل على أن المصدر أصل و الفعل فرع و صار هذا كما تقول في الأواني المصوغة من الفضة فإنها فرع عليها و مأخوذة منها وفيها زيادة ليست في الفضة لأن الأواني فضة و ليست الفضة بأوان فدل على أن الفعل مأخوذ من المصدر كما كانت الأواني مأخوذة من الفضة فكذلك ههنا

وأما الكوفيون فذهبوا إلى أن المصدر مأخوذ ملي الفعل و استدلوا على ذلك من ثلاثة أوجه الوجه الأول أن المصدر يعتل لاعتلال الفعل و يصح لصحته تقول قمت قياما فيعتل المصدر لاعتلال الفعل و تقول قاوم قواما فيصح المصدر لصحة الفعل فدل على أنه فرع عليه و الوجه الثاني أن الفعل يعمل في المصدر و لا شك أن رتبة العامل قبل ا لمعمول و الوجه الثالث أن المصدر يذكر توكيدا للفعل و لا شك أن رتبة المؤكد قبل رتبة المؤكد فدل على أن المصدر مأخوذ من الفعل و الصحيح ما ذهب إليه البصريون وأما ما استدل به الكوفيون ففاسد أما قولهم أنه يصح لصحة الفعل ويعتل لاعتلاله قلنا إنما صح لصحته و اعتل لاعتلاله طلبا للتشاكل ليجري الباب على سنن واحد لئلا تختلف طرق تصاريف الكلمة و هذا لا يدل على الأصل والفرع ألا ترى أنهم قالوا يعد والأصل فيه يوعد فحذفوا الواو لوقوعها بين ياء و كسرة و قالوا أعد و نعد و تعد فحذفوا الواو و إن لم تقع بين ياء و كسرة حملا على يعد لئلا

تختلف طرق تصاريف الكلمة
و كذلك قالوا أكرم و الأصل فيه أأكرم إلا أنهم حذفوا إحدى الهمزتين استثقالا لاجتماعهما ثم قالوا يكرم و تكرم و نكرم فحذفوا الهمزة و إن لم تجتمع همزتان حملا على أكرم ليجري الباب على سنن واحد فكذلك ههنا وأما قولهم أن الفعل يعمل في المصدر فلنا هذا لا يدل على أنه أصل له ا فإنا أجمعنا على أن الحروف تعمل في الأسماء والأفعال و لا شك أن الحروف ليست أصلا للأسماء ولا للأفعال
فكذلك ههنا وأما قولهم إن المصدر يذكر يأكيدا للفعل قلنا هذا لا يدل على أنه فرع عليه ألا ترى أنك تقول جاءني زيد زيد و رأيت زيدا زيدا و لا يدل هذا على أن زيدا الثاني فرع على الأول فكذلك ههنا و قد بينا هذا مستوفى في المسائل الخلافية
فإن قيل فلم كان قولهم سرت أشد السير منصوبا على المصدر قيل لأن أفعل لا يضاف إلا إلى ما هو بعض له و قد أضيف إلى المصدر الذي هو السير فلما أضيف إلى المصدر كان مصدرا فانتصب انتصاب المصادر كلها
فإن قيل فعلى ماذا ينتصب قولهم قعد القرفصاء و نحوه قيل

ينتصب على المصدر بالفعل الذي قبله لأن القرفصاء لما كانت نوعا من القعود والفعل الذي هو قعد يتعدى إلى جنس القعود الذي يشتمل على القرفصاء و غيرها تعدى إلى القرفصاء التي هي نوع منه لأنه إذا عمل في الجنس عمل في النوع إذ كان داخلا تحته هذا مذهب سيبويه وذهب أبو بكر بن السراج إلى أنه صفة لمصدر محذوف والتقدير فيه قعد القعدة القرفصاء إلا أنه حذف الموصوف و أقام الصفة مقامه و الذي عليه الأكثرون مذهب سيبويه لأنه لا يفتقر إلى تقدير موصوف و ما ذهب إليه ابن السراج يفتقر إلى تقدير موصوف وما لا يفتقر إلى تقدير أولى مما يفتقر إلى تقدير فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

باب المفعول
فيه إن قال قائل ما المفعول فيه قيل هو الظرف و هو كل اسم من أسماء الزمان أو المكان يراد فيه معنى في وذلك نحو صمت اليوم و قمت الليلة و جلست مكانك و التقدير فيه صمت في اليوم و قمت في الليلة و جلست في مكانك و ما أشبه ذلك فإن قيل فلم سمي ظرفا قيل لأنه لما كان محلا للأفعال سمي ظرفا تشبيها بالأواني التي محل الأشياء فيها و لهذا يسمي الكوفيون الظروف محال لحلول الأفعال فيها
فإن قيل فلم لم يبنوا الظروف لتضمنها معنى الحرف قيل لأن الظروف وإن نابت عن الحرف إلا أنها لم تتضمن معناه و الذي يدل على ذلك

أنه يجوز إظهاره مع لفظها و لو كانت متضمنة للحرف لم يجز إظهاره ألا ترى أن متي و أين و كيف لما تضمنت معنى همزة الاستفهام لم يجز إظهار الهمزة معها فلما جاز إظهاره ههنا دل على أنها لم تتضمن معناه وإذا لم تتضمن معناه وجب أن تكون معربة على أصلها فإن قيل فلم تعدى الفعل اللازم إلى جميع ظروف الزمان ولم يتعد إلى جميع ظروف المكان قيل لأن الفعل يدل على جميع ظروف الزمان بصيغته كما يدل على جميع ضروب المصادر و كما أن الفعل يتعدى إلى جميع ضروب المصادر فكذلك يتعدى إلى جميع ظروف الزمان وأما ظروف المكان فلم يدل عليها الفعل بصيغته ألا ترى أنك إذا قلت ضرب أو سيضرب لم يدل على مكان دون مكان كما يكون فيه دلالة على زمان دون زمان فلما لم يدل الفعل على ظروف المكان بصيغته صار الفعل اللازم منه بمنزلته من زيد وعمرو وكما أن الفعل اللازم لا يتعدى بنفسه إلى زيد وعمرو فكذلك لا يتعدى إلى ظروف المكان فإن قيل فلم تعدى إلى الجهات الست ونحوها من ظروف المكان قيل لأنها أشبهت ظروف الزمان من وجهين أحدهما أنها مبهمة غير محدودة ألا ترى أنك إذا قلت خلف زيد كان غير محدود و كان هذا اللفظ مشتملا على جميع ما يقابل ظهره إلى أن تنقطع الأرض كما أنك إذا قلت أمام زيد كان أيضا غير محدود وكان

هذا اللفظ مشتملا على جميع ما يقابل وجهه إلى أن تنقطع الأرض كما أنك إذا قلت قام دل على كل زمان ماض من أول ما خلق الله تعالى الدنيا إلى وقت حديثك و إذا قلت يقوم دل على كل زمان مستقبل و الوجه الثاني أن هذه الظروف لا تتقرر على وجه واحد لأن فوقا يصير تحتا وتحتا يصير فوقا كما أن الزمان المستقبل يصير حاضرا و الحاضر يصير ماضيا فلما أشبهت ظروف الزمان تعدى الفعل إليها كما يتعدى إلى ظروف الزمان فإن قيل فكيف قالوا زيد مني معقد الإزار ومقعد القابلة و مناط الثريا و هما خطان جنابتي أنفها يعني الخطين اللذين يكتنفان أنف الظبية وهي كلها مخصوصة قيل الأصل فيها كلها أن تستعمل بحرف الجر إلا أنهم حذفوا حرف الجر في هذه المواضع اتساعا كقول الشاعر - من الكامل -
( فلأبغينكم قنا وعوارضا ... و لأقبلن الخيل لابة ضرغد )

وكقول الآخر - من الكامل -
( لدن بهز الكف يعسل متنه ... فيه كما عسل الطريق الثعلب ) أراد في الطريق و من حقها أن تحفظ و لا يقاس عليها فأما قولهم دخلت البيت فذهب أبو عمر الجرمي إلى أن دخلت فعل متعد تعدى إلى البيت فنصبه كقولك بنيت البيت و ما أشبه ذلك وذهب الأكثرون إلى أن دخلت فعل لازم و كان الأصل فيه أن يستعمل معه حرف الجر إلا أنه حذف حرف الجر اتساعا على ما بينا و هذا هو الصحيح والدليل على أن دخلت فعل لازم من وجهين أحدهما أن مصدره يجيء على فعول وهو من مصادر الأفعال اللازمة ك فعد قعودا و جلس جلوسا و ما أشبه ذلك و الوجه الثاني أن نظيره فعل لازم و هو غرت و نقيضه فعل لازم وهو خرجت فيقتضي أن يكون لازما حملا على نظيره و نقيضه فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

باب المفعول معه
إن قال قائل ما العامل النصب في المفعول معه ا قيل اختلف النحويون في ذلك فذهب البصريون إلى أن العامل فيه هو الفعل و ذلك لأن الأصل في نحو قولهم استوى الماء والخشبة مع الخشبة إلا أنهم أقاموا الواو مقام مع توسعا في كلامهم فقوي الفعل بالواو فتعدى إلى الاسم فنصبه كما قوي بالهمزة في قولك أخرجت زيدا و نظير هذا نصبهم الاسم في باب الاستثناء بالفعل المتقدم بتقوية إلا نحو قام القوم إلا زيدا فكذلك ههنا المفعول معه منصوب بالفعل المتقدم بتقوية الواو وذهب الكوفيون إلى أن المفعول معه منصوب على الخلاف وذلك لأنه إذا قال استوى الماء الحشبة لا يحسن تكرير الفعل فيقال استوت الماء استوت الخشبه لأن الخشبة لم تكن معوجة فتستوي فلما لم يحسن تكرير

الفعل كما يحسن في جاء زيد و عمرو فقد خالف الثاني الأول فانتصب على الخلاف وذهب أبو اسحق الزجاج إلى أنه منصوب بعامل مقدر والتقدير فيه استوى الماء ولابس الخشبة وزعم أن الفعل لا يعمل في المفعول وبينهما ا لواو والصحيح هو الأول وأما قول الكوفيين أنه منصوب على الخلاف لأنه لا يحسن تكرير الفعل قلنا هذا هو الموجب لكون الواو غير عاملة وأن الفعل هو العامل بتقويتها لا بنفس المخالفة و لو جاز أن يقال مثل ذلك لجاز أن يقال أن زيدا في قولك ضربت زيدا منصوب لكونه مفعولا لا بالفعل و ذلك محال لأن كونه مفعولا يوجب أن يكون ضربت هو العامل فيه النصب فكذلك ههنا
وأما قول الزجاج أنه ينتصب بتقدير عامل لأن الفعل لا يعمل في المفعول وبينهما الواو فليس بصحيح أيضا لأن الفعل يعمل في المفعول على الوجه الذي يتصل به المفعول فإن كان الفعل لا يفتقر إلى تقوية تعدى إلى المفعول بنفسه و إن كان يفتقر إلى تقوية بحرف الجر أو غيره عمل بتوسطه ألا ترى أنك تقول أكرمت زيدا وعمرا فتنصب عمرا ب أكرمت كما تنصب زيدا به ولم تمنع الواو من وقوع أكرمت على ما بعدها فكذلك ههنا

فإن قيل لم حذفت مع وأقيمت الواو مقامها قيل حذفت مع وأقيمت الواو مقامها توسعا في كلامهم طلبا للتخفيف والاختصار فإن قيل فلم كانت الواو أولي من غيرها قيل إنما كانت الواو أولى من غيرها لأن الواو في معنى مع لأن معنى مع المصاحبة ومعنى الواو الجمع فلما كانت في معنى مع كانت أولي من غيرها فإن قيل فهل يجوز تقديم المنصوب ههنا على الناصب قيل لا يجوز ذلك لأن حكم الواو ألا تتقدم على ما قبلها
وهذا الباب من النحويين من يجري فيه القياس ومنهم من يقصره على السماع والأكثرون على القول الأول فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

باب المفعول له
إن
قال قائل ما العامل في المفعول له النصب قيل العامل في المفعول له الفعل الذي قبله نحو جئتك طمعا في برك وقصدتك ابتغاء معروفك وكان الأصل فيه جئتك للطمع في برك و قصدتك لابتغاء معروفك إلا أنه حذف اللام فاتصل الفعل به فنصبه فإن قيل فلم تعدى إليه الفعل اللازم كالمتعدي قيل لأن العاقل لما كان لا يفعل شيئا إلا لعلة وهي علة للفعل و عذر لوقوعه كان في الفعل دلالة عليه فلما كان فيه دلالة عليه تعدى إليه
فإن قيل فهل يجوز أن يكون معرفة ونكرة قيل نعم يجوز أن يكون معرفة ونكرة والدليل على ذلك قوله تعالى ( ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم ) ف ابتغاء مرضاة الله معرفة بالإضافة و تثبيتا نكرة و قال الشاعر - من الطويل -
( وأغفر عوراء الكريم ادخاره ... وأعرض عن شتم ) اللئيم تكرما ف ادخاره معرفة بالإضافة وتكرما نكرة وقال الآخر - من الرجز

( يركب كل عاقر جمهور مخافة وزعل المحبور ... )
( والهول من تهول الهبور ... ) وذهب أبو عمر الجرمي إلى أنه لا يجوز أن يكون إلا نكرة ويقدر الإضافة في هذه المواضع في نية الانفصال فلا يكتسي التعريف من المضاف إليه كقولهم مررت برجل ضارب زيدا غدا قال الله تعالى ( هذا عارض ممطرنا ) وقال الشاعر - من الكامل -
( سل الهموم بكل معطي رأسه ... ناج مخالط صهبة متعيس )
والذي عليه الجمهور والمذهب المشهور هو الأول و ما ادعاه الجرمي من كون الإضافة في نية الانفصال يفتقر إلى دليل ثم لو صح هذا في الإضافة فكيف يصح له في لام التعريف في قول الشاعر والهول من تهول الهبور

وما أشبهه فإن قيل فهل يجوز تقديم المنصوب ههنا على الناصب قيل نعم يجوز ذلك لأن العامل فيه يتصرف ولم يوجد ما يمنع من جواز تقديمه كما وجد في المفعول معه فكان جائرا على الأصل وهذا الباب إنما يترجمه البصريون وأما الكوفيون فلا يترجمونه و يجعلونه من باب المصدر فلا يفردون له بابا فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

باب الحال
إن قال قائل ما الحال قيل هيئة الفاعل أو المفعول ألا ترى أنك إذا قلت جاءني زيد راكبا كان الركوب هيئة زيد عند وقوع المجيء منه وإذا قلت ضربته مشدودا كان الشد هيئته عند وقوع الضرب له
فإن قيل فهل تقع الحال من الفاعل والمفعول معا بلفظ واحد قيل يجوز ذلك والدليل عليه قول الشاعر - من الطويل -
( تعلقت ليلى هي ذات مؤصد ... ولم يبد للأتراب من ثديها حجم )
( صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا ... إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم )
فنصب صغيرين على الحال من التاء في تعلقت وهي فاعلة ومن ليلى وهي مفعولة وقال الآخر

( متى ما تلقني فردين ترجف ... روانف أليتيك وتستطارا )
فنصب فردين على الحال من ضمير الفاعل والمفعول في تلقنى وهذا كثير في كلامهم فإن قيل فما العامل في الحال النصب قيل ما قبلها من العامل وهو على ضربين فعل ومعنى فعل فإن كان فعلا نحو جاء زيد راكبا جاز أن يتقدم الحال عليه نحو راكبا جاء زيد لأن العامل لما كان متصرفا تصرف عمله فجاز تقديم معموله عليه وإن كان العامل فيه معنى فعل نحو هذا زيد قائما لم يجز تقديم الحال عليه فلو قلت قائما هذا زيد لم يجز لأن معنى الفعل لا يتصرف تصرفه فلم يجز تقديم معموله عليه وذهب الفراء إلى أنه لا يجوز تقديم الحال على العامل في الحال سواء كان العامل فيه فعلا أو معنى فعل وذلك لأنه يؤدي إلى أن يتقدم المضمر على

المظهر فإنه إذا قال راكبا جاء زيد ففي راكب ضمير زيد وقد تقدم عليه وتقدم المضر على المظهر لا يجوز وهذا ليس بشيء لأن راكبا وإن كان مقدما في اللفظ إلا أنه مؤخر في التقدير وإذا كان مؤخرا في التقدير جاز التقديم قال الله تعالى ( فأوجس في نفسه خيفة موسى ) فالهاء في نفسه عائدة إلى موسى إلا أنه لما كان في تقدير التقديم و الهاء في تقدير التأخير جاز التقديم و هذا كثير في كلامهم فكذلك ههنا
فإن قيل فلم عمل الفعل اللازم في الحال قيل لأن الفاعل لما كان لا يفعل الفعل إلا في حالة كان في الفعل دلالة على الحال فتعدى إليها كما تعدى إلى ظرف الزمان لما كان في الفعل دلالة عليه فإن قيل فلم وجب أن تكون الحال نكرة قيل لأن الحال تجري مجرى الصفة للفعل ولهذا سماها سيبويه نعتا للفعل والمراد بالفعل المصدر الذي يدل الفعل عليه وإن لم يذكر ألا ترى أن جاء يدل على مجيء وإذا

قلت جاء راكبا دل على مجيء موصوف بركوب فإذا كانت الحال تجري مجرى الصفة للفعل وهو نكرة فكذلك وصفه يجب أن يكون نكرة فأما قولهم أرسلها العراك وطلبته جهدك وطاقتك و رجع عوده على بدئه فهي مصادر أقيمت مقام الحال لأن التقدير أرسلها تعترك وطلبته تجتهد و تعترك وتجتهد جملة من الفعل والفاعل في موضع الحال كأنك قلت أرسلها معتركة وطلبته مجتهدا إلا أنه أضمر وجعل المصدر دليلا عليه وهذا كثير في كلامهم

وذهب بعض النحويين إلى أن قولهم رجع عوده على بدئه منصوب لأنه مفعول رجع لأنه يكون متعديا كما يكون لازما قال الله تعالى ( فإن رجعك الله إلى طائفة منهم ) فأعمل رجع في الكاف التي للخطاب فقال رجعك فدل على أنه يكون متعديا ومما يدل على أن الحال لا يجوز أن تكون معرفة أنها لا يجوز أن تقوم مقام الفاعل في ما لم يسم فاعله لأن الفاعل قد يضمر فيكون معرفة فلو جاز أن تكون الحال معرفة لما امتنع ذلك كما لم يمتنع في ظرف الزمان والمكان والجار والمجرور والمصدر على ما بينا فافهمه تصب إن شاء الله تعالى

باب التمييز
إن قال قائل ما التمييز قيل هو النكرة المفسرة للمبهم فإن قيل فما العامل فيه النصب قيل فعل وغير فعل فأما ما كان العامل فيه فعلا فنحوا تصبب زيد عرقا و تفقأ الكبش شحما ف عرقا و شحما كل واحد منهما منصوب بالفعل الذي
قبله فإن قيل هل يجوز تقديم هذا النوع على العامل فيه قيل اختلف النحويون في ذلك فذهب سيبويه إلى أنه لا يجوز تقديم هذا النوع على عامله وذلك لأن المنصوب ههنا هو الفاعل في المعنى ألا ترى أنك إذا قلت تصبب زيد عرقا كان الفعل للعرق في المعنى لا لزيد فلما كان هو الفاعل في المعنى لم يجز تقديمه كما لو كان فاعلا لفظا وذهب أبو عثمان المازني و أبو العباس المبرد و من وافقهما إلى أنه يجوز تقديمه على العامل فيه فيه و استدلوا على ذلك بقول الشاعر - من الطويل

( أتهجر سلمى للفراق حبيبها ... وما كان نفسا بالفراق تطيب ) ولأن هذا العامل فعل متصرف فجاز تقديم معموله عليه كما جاز تقديم الحال على العامل فيها نحو راكبا جاء زيد لأنه فعل متصرف فكذلك ههنا والصحيح ما ذهب إليه سيبويه وأما ما استدل به المبرد والمازني من البيت فإن الرواية الصحيحة فيه وما كان ا نفسي بالفراق تطيب وذلك لا حجة فيه ولئن صحت تلك الرواية فنقول نصب نفسا بفعل مقدر كأنه قال أعني نفسا وأما قولهم أنه فعل متصرف فجاز تقديم معموله عليه كالحال قلنا هذا العامل وان كان فعلا متصرفا إلا أن هذا المنصوب هو الفاعل في المعنى فلا يجوز تقديمه على ما بينا وأما تقديم الحال على العامل فيها فإنما جازا لأنك إذا قلت جاء زيد راكبا كان زيد هو الفاعل لفظا ومعنى و إذا استوفى الفعل فاعله تنزل راكبا منزلة المفعول المحض فجاز تقديمه كالمفعول نحو عمرا ضرب زيد بخلاف التمييز فإنك إذا قلت تصبب زيد عرقا لم يكن زيد هو الفاعل في المعنى وكان الفاعل في المعنى

هو العرق فلم يكن عرقا في حكم المفعول من هذا الوجه لأن الفعل قد استوفى فاعله لفظا لا معنى فلم يجز تقديمه كما لا يجوز تقديم الفاعل وأما ما كان العامل فيه غير فعل نحو عندي عشرون رجلا و خمسة عشر درهما وما أشبه ذلك فالعامل فيه هو العدد لأنه مشبه بالصفة المشبهة باسم الفاعل نحو حسن و شديد و ما أشبه ذلك
ووجه المشابهة بينهما أن العدد يوصف به كما يوصف بالصفة المشبهة باسم الفاعل فإذا كان في العدد نون نحو عشرون أو تنوين مقدر نحو خمسة عشر صار النون والتنوين مانعين من الإضافة كالفاعل الذي يمنع المفعول من الرفع فصار التمييز فضلة كالمفعول وكذلك حكم ما كان منصوبا على التمييز مما كان قبله حائل نحو لي مثله غلاما ولله دره رجلا فإن الهاء منعت الاسم بعدها أن ينجر بإضافة ما قبلها إليه كالفاعل الذي يمنع المفعول من الرفع فنصب على التمييز لما ذكرناه فإن قيل فلم وجب أن يكون التمييز نكرة قيل لأنه يبين ما قبله كما أن الحال تبين ما قبلها فلما أشبه الحال وجب أن يكون نكرة كما أن الحال نكرة فأما قول الشاعر - من الخفيف -
( ولقد أغتدي وما صقع الديك ... على أدهم أجش الصهيلا )

وقول الآخر - من الوافر -
( أجب الظهر ليس له سنام ... ) بنصب الصهيل و الظهر فالصحيح أنه منصوب على التشبيه بالمفعول كالضارب الرجل فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

باب الاستثناء
إن قال قائل ما الاستثناء قيل إخراج بعض من كل بمعنى إلا نحو جاءني القوم إلا زيدا فإن قيل فما العامل في المستثنى النصب من الموجب قيل اختلف النحويون في ذلك
فذهب البصريون إلى أن العامل هو الفعل بتوسط إلا وذلك لأن هذا الفعل و إن كان لازما في الأصل إلا أنه قوي ب إلا فتعدى إلى المستثني كما تعدى الفعل بالحروف المعدية ونظيره نصبهم الاسم في باب المفعول معه نحو استوى الماء والخشبة فإن الاسم منصوب بالفعل المتقدم بتقوية الواو فكذلك ههنا وذهب بعض النحويين إلى أن العامل هو إلابمعنى استثنى وهو قول الزجاج من البصريين

وذهب الفراء من الكوفيين إلى أن إلا مركبة من أن و لا ثم خففت أن وأدغمت في لا فهي تنصب في الإيجاب اعتبارا ب إن وترفع في النفي اعتبارا ب لا والصحيح قول البصريين وأما قول بعض النحويين والزجاج أن العامل هو إلا بمعنى استثنى ففاسد من خمسة أوجه الوجه الأول أنه لو كان الأمر كما زعموا لوجب ألا يجوز في المستثنى إلا النصب و لا خلاف في جواز الرفع و الجر في النفي على البدل نحو ما جاءني أحد إلا زيد وما مررت بأحد إلا زيد والوجه الثاني أن هذا يؤدي إلى إعمال معاني الحروف وإعمال معاني الحروف لا يجوز ألا ترى أنك تقول ما زيد قائما ولو قلت ما زيدا قائما على معنى نفيت زيدا قائما لم يجز فكذلك ههنا والوجه الثالث أنه يبطل بقولهم قام القوم غير زيد فإن غير منصوب فلا يخلو إما أن يكون منصوبا بتقدير إلا وإما أن يكون منصوبا بنفسه وإما أن يكون منصوبا بالفعل الذي قبله بطل أن يقال أنه منصوب بتقدير إلا لأنا

لو قدرنا إلا لفسد المعنى لأنه يصير التقدير فيه قام القوم إلا غير زيد وهذا فاسد
وبطل أيضا أن يقال أنه يعمل في نفسه لأن الشيء لا يعمل في نفسه فوجب أن يكون العامل هو الفعل المتقدم وإنما جاز أن يعمل فيه و إن كان لازما لأن غير موضوعة على الإبهام ألا ترى أنك تقول مررت برجل غيرك فيكون كل من عدا المخاطب داخلا تحت غير فلما كان فيه هذا الإبهام المفرط أشبه الظروف المبهمة نحو خلف وأمام ووراء وقدام وما أشبه ذلك وكما أن الفعل يتعدى إلى هذه الظروف من غير واسطة فكذلك ههنا
والوجه الرابع أنا نقول لماذا قدرتم أستثني زيدا وهلا قدرتم امتنع زيد كما حكي عن أبي علي الفارسي أنه كان مع عضد الدولة في الميدان فسأله عضد الدولة عن المستثنى بماذا ينتصب فقال له أبو علي ينتصب لأن التقدير أستثني زيدا فقال له عضد الدولة و هلا قدرت امتنع زيد فرفعته فقال له أبو على هذا الجواب الذي ذكرته لك جواب ميداني و إذا

رجعنا ذكرت لك الجواب الصحيح إن شاء الله تعالى والوجه الخامس أنا إذا أعملنا معنى إلا كان الكلام جملتين وإذا أعملنا الفعل بتقوية إلا كان الكلام جملة واحدة والكلام متى كان جملة واحدة كان أولى من تقدير جملتين وأما قول الفراء أن إلا مركبة من إن و لا فدعوى تفتقر إلى دليل ولو قدرنا ذلك فنقول الحرف إذا ركب مع حرف آخر تغير عما كان عليه في الأصل قبل التركيب ألا ترى أن لو حرف يمتنع به الشيء لامتناع غيره فإذا ركبت مع ما تغير ذلك المعنى وصارت بمعنى هلا فكذلك أيضا إذا ركبت مع لا كقوله - من الطويل -
( لولا الكمي المقنعا ... ) وما أشبه ذلك فكذلك ههنا
فإن قيل فبماذا يرتفع المستثنى في النفي قيل يرتفع على البدل

ويجوز النصب على اصل الباب فإن قيل فلم كان البدل أولى قيل لوجهين أحدهما لموافقة اللفظ فأنه إذا كان المعنى واحدا فكون اللفظ موافقا أولى لأن اختلاف اللفظ يشعر باختلاف المعنى فإذا اتفقا كان موافقة اللفظ أولى والوجه الثاني أن البدل يجري في تعلق العامل به كمجراه لو ولى العامل والنصب في الاستثناء على التشبيه بالمفعول فلما كان البدل أقوى في حكم العامل كان الرفع أولى من النصب على ما بينا فإن قيل فلم جاز البدل في النقي ولم يجز في الإيجاب قيل لأن البدل في الإيجاب يؤدي إلى محال وذلك لأن المبدل منه يجوز أن يقدر كأنه ليس في الكلام فإذا قدرنا هذا في الإيجاب كان محالا لأنه يصير التقدير جاءني إلا زيد ويصير المعنى أن جميع الناس جاءوني غير زيد وهذا لا يستحيل في النفي كما يستحيل في الإيجاب لأنه يجوز ألا يجيئه أحد سوى زيد فبان الفرق بينهما فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

باب ما يجربه به في الأستثناء
إن قال قائل لم أعربت غير إعراب الأسم الواقع بعد إلا دون سوى وسواء قيل لأن غير لما أقيمت ههنا مقام إلا وكان ما بعدها مجرورا بالإضافة ولا بد لها في نفسها من إعراب أعربت إعراب الاسم الواقع بعد إلا ليدل بذلك على ما كان يستحق الاسم الذي بعد إلا من الإعراب ويبقى حكم الاستثناء فأما سوى وسواء فلزمهما النصب لأنهما لا يكونان إلا ظرفين فلم يجز نقل الإعراب إليهما كما جاز في غير لأن ذلك يؤدي إلى تمكنهما وهما لا يكونان متمكنين فلذلك لم يجز أن يعربا إعراب الأسم الواقع بعد إلا
واما حاشا فختلف النحويون فيها فذهب سيبويه ومن تابعه من البصريين إلى أنه حرف جر وليس بفعل والدليل على ذلك أنه لو كان فعلا لجاز ان يدخل عليه ما كما يجوز أن تدخل على الأفعال فيقال ما حاشا

زيدا كما يقال ما خلا زيدا فلما لم يقل دل على أنه ليس بفعل فوجب أن يكون حرفا وذهب الكوفيون إلى أنه فعل ووافقهم أبو العباس المبرد من البصريين واستدلوا على ذلك من ثلاثة أوجه الوجه الأول أنه يتصرف والتصرف من خصائص الأفعال قال النابغة - من البسيط -
( ولا أرى فاعلا في الناس يشبهه ... ) ولا أحاشي من الأقوام من أحد )
فإذا ثبت أنه متصرف وجب أن يكون فعلا والوجه الثاني أنه يدخله الحذف والحذف إنما يكون في الفعل لا في الحرف ألا ترى أنهم قالوا في حاشا لله حاش لله ولهذا قرأ أكثر - القراء حاش لله بإسقاط الألف
والوجه الثالث أن لام الجر تتعلق به في قولهم حاشا لله وحرف الجر إنما يتعلق بالفعل لا بالحرف لأن الحرف لا يتعلق بالحرف

حذف

لكم أي ردفكم وكقوله تعالى ( للذين هم لربهم يرهبون ) وما أشبه ذلك وإنما زيدت اللام مع هذا الحرف تقوية له لما كان يدخله من الحذف فدل على أنه ليس بفعل وأنه حرف
وأما خلا فإنها تكون فعلا وحرفا
فادا كانت فعلا كان ما بعدها منصوبا وتتضمن ضمير الفاعل وإذا كانت حرفا كان ما بعدها مجرورا لأنها حرف جر فإن دخل عليها ما كانت فعلا ولم يجز أن تكون حرفا لأنها معما بمنزلة المصدر وإذا كانت فعلا كان ما بعدها منصوبا لا غير قال الشاعر - من الطويل - ألا كل شيء ما خلا الله باطل وكل نعيم لا محالة زائل وسنذكرهافي باب ما ينصب به في الاستثناء

والصحيح ما ذهب إليه البصريون وأما قول الكوفيين أنه يتصرف بدليل قوله وما احاشي فليس فيه حجة لأن قوله أحاشي مأخوذ من لفظ حاشى وليس متصرفا منه كما يقال بسمل وهلل وحمدل وسبحل وحولق إذا قال بسم الله ولا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله وإذاكانت هذه الأشياء لا تتصرف فكذلك ههنا وقولهم أنه يدخله الحذف والحذف لا يدخل الحرف قلنا لا نسلم بل الحذف يدخل الحرف ألا ترى أنهم قالوا في رب رب وقد قرئ بهما قال الله تعالى ( ربما يود الذين كفروا لو كانوا ) مسلمين قرئ بالتشديد والتخفيف وفي رب أربع لغات بضم الراء وتشديد الباء وتخفيفها و بفتح الراء وتشديد الباء وتخفيفها وكذلك حكيتم عن العرب أنهم قالوا في سوف أفعل سو افعل وهو حرف وزعمتم أن الأصل في سأفعل سوف افعل فحذفت الفاء والواو معا فدل على أن الحذف يدخل الحرف وأما قولهم أن لام الجر تتعلق به قلنا لا نسلم فإن اللام في قولهم حاش لله زائدة لا تتعلق بشيء كقوله تعالى ( عسى أن يكون ردف

إلا النصب لا غير
وأما ليس ولا يكون فإنما وجب أن يكون ما بعدهما منصوبا لأنه خبر لهما لأن التقدير في قولك جاءني القوم ليس زيدا ولا يكون عمرا أي ليس بعضهم زيدا ولا يكون بعضهم عمرا ف بعضهم الاسم وما بعده الخبر وخبر ليس ولا يكون منصوب كما لو لم يكونا في باب الاستثناء
فإن قيل فلم لزما لفظا واحدا في التثنية والجمع والتأنيث قيل لأنهما لما استعملا في الاستثناء قاما مقام إلا و إلا لا يتغير لفظه فكذلك ما قام مقامه ليدل على أنه قائم مقامه فإن قيل فلم لا يجوز أن يعطف عليهما بالواو و لا فيقال ضربت القوم ليس زيدا ولا عمرا وأكرمت القوم لا يكون زيدا ولا عمرا قيل لأن العطف بالواو و لا لا يكون إلا بعد النفي فلما أقيما ههنا مقام إلا غيرا عن أصلهما في النفي فلم يجز العطف عليهما بالواو و لا فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

باب ما ينصب به في الاستثناء
قال قائل لم عملت ما خلا وما عدا وليس ولا يكون النصب قيل لأنها أفعال أما ما خلا وما عدا فهما فعلان لأن ما إذا دخلت عليهما كانا معها بمنزلة المصدر وإذا كانا معها بمنزلة المصدر انتفت عنهما الحرفية ووجبت لهما الفعلية وكأن فيهما ضمير الفاعل فكان ما بعدهما منصوبا ويحكى عن بعض العرب أنه كان يجر ب عدا إذا لم يكن معها ما فيجريها مجرى خلا تارة تكون فعلا فيكون ما بعدها منصوبا وتارة تكون حرفا فيكون ما بعدها مجرورا ا وأما سيبويه فلم يذكر بعد عدا

لأنها في الاستفهام بمنزلة عدد يصلح للعدد القليل والكثير لأن المستفهم يسأل عن عدد كثير وقليل ولا يعلم مقدار ما يستفهم عنه فجعلت في الاستفهام بمنزلة العدد المتوسط بين القليل والكثير وهو من أحد عشر إلى تسعة وتسعين وهو ينصب ما بعده فلهذا كان ما بعدها في الاستفهام منصوبا وأما في الخبر فلا تكون إلا للتكثير فجعلت بمنزلة العدد الكثير وهو يجر ما بعده فلهذا كان ما بعدها في الخبر مجرورا وقيل إنما كان ما بعدها مجرورا في الخبر لأنها نقيضة رب و رب تجر ما بعدها فكذلك ما حمل عليها فإن قيل فلم جاز النصب مع الفصل في الخبر قيل إنما جاز النصب عدولا عن الفصل بين الجار والمجرور لأن الجار والمجرور بمنزلة الشيء الواحد وليس الناصب مع المنصوب بمنزلة الشيء الواحد على أن بعض العرب

باب كم
إن قال قائل لم بنيت كم على السكون قيل إنما بنيت لأنها لا تخلو إما أن تكون استفهامية أو خبرية فإن كانت استفهامية فقد تضمنت معنى حرف الاستفهام وإن كانت خبرية فهي نقيضة رب لأن رب للتقليل و كم للتكثير وهم يحملون الشيء على ضده كما يحملونه على نظيره فبنيت كم حملا على رب وإنما بنيت على السكون لأنه الأصل في البناء فإن قيل فلم وجب أن تقع كم في صدر الكلام قيل لأنها ان كانت استفهامية فالاستفهام له صدر الكلام وان كانت خبرية فهي نقيضة رب و رب معناها التقليل والتقليل مضارع للنفي والنفي له صدر الكلام كالاستفهام
فإن قيل فلم كان ما بعدها في الاستفهام منصوبا وفي الخبر مجرورا قيل للفرق بينهما فجعلت في الاستفهام بمنزلة عدد ينصب ما بعده
وفي الخبر بمنزلة عدد يجر ما بعده وإنما جعلت في الاستفهام بمنزلة عدد ينصب ما بعده
باب العدد
إن
قال قائل لم أدخلت الهاء من الثلاثة إلى العشرة في المذكر نحو خمسة رجال ولم تدخل في المؤنث نحو خمس نسوة قيل إنما فعلوا ذلك للفرق بينهما فإن قيل فهلا عكسوا وكان الفرق واقعا قيل لأربعة أوجه الوجه الأول أن الأصل في العدد أن يكون مؤنثا والأصل في المؤنث أن يكون بالهاء والمذكر هو الأصل فاخذ الأصل الهاء فبقي المؤنث بغير هاء والوجه الثاني أن المذكر أخف من المؤنث فلما كان المذكر أخف من المؤنث احتمل الزيادة والمؤنث لما كان اثقل لم يحتمل الزيادة والوجه الثالث أن الهاء زيدت للمبالغة كما زيدت في علامة ونسابة والمذكر افضل من المؤنث فكان أولى بزيادتها
والوجه الرابع أنهم لما كانوا يجمعون ما كان على مثال فعال في المذكر بالهاء نحو غراب وأغربة ويجمعون ما كان على هذا المثال في المؤنث بغير هاء نحو عقاب وأعقب حملوا العدد على الجمع فأدخلوا الهاء في المذكر وأسقطوها من المؤنث وكذلك حكمها بعد التركيب إلا

ينصب بها في الخبر من غير فصل ويجر بها في الاستفهام ا حملا لإحداهما على الأخرى فإن قيل فلم إذا كانت استفهامية لم تبين إلا بالمفرد النكرة وإذا كانت خبرية جاز أن تبين بالمفرد والجمع قيل لأنها إذا كانت استفهامية حملت على عدد ينصب ما بعده وذلك لا يبين الا بالمفرد النكرة نحو أحد عشر رجلا وتسع وتسعون امرأة فلذلك لم يجز أن تبين إلا بالمفرد النكرة وإذا كانت خبرية حملت على عدد يجر ما بعده والعدد الذي يجر ما بعده يجوز أن يبين بالمفرد ك مائة درهم وبالجمع ك ثلاثة أثواب فلهذا جاز أن تبين بالمفرد والجمع وأما اختصاصها بالتنكير فيهما جميعا فلأن كم لما كانت للتكثير والتكثير والتقليل لا يصح إلا في النكرة لا في المعرفةلأن المعرفة تدل على شيء مختص فلا يصح فيه التقليل ولا التكثير ولهذا كانت رب تختص بالنكرة لأنها لما كانت للتقليل والتقليل إنما يصح في النكرة لا في المعرفة كما بينا في كم فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

قلت - ضربت اثني عشر رجلا كان الضرب واقعا بالعشرة والاثنين كما لو قلت ضربت اثنين وعشرة ولو قلت ضربت غلام زيد لكان الضرب واقعا بالغلام دون زيد فلهذا قلنا أن العشر قام مقام النون وخالف المضاف إليه فإن قيل فلم حذفت الواو من أحد عشر إلى تسعة عشر وجعل الاسمان اسما واحدا قيل إنما فعلوا ذلك حملا على العشرة وما قبلها من الآحاد لقربها منها لتكون على لفظ الأعداد المفردة وان كان الأصل هو العطف والذي يدل على ذلك أنهم إذا بلغوا إلى العشرين ردوها إلى العطف لأنه الأصل وإنما ردوها إذا بلغوا إلى العشرين لبعدها عن الآحاد فإن قيل فهلا اشتقوا من لفظ الاثنين كما اشتقوا من لفظ الثلاثة والأربعة نحو الثلاثين والأربعين قيل لأنهم لو اشتقوا من لفظ الاثنين لما كان يتم معناه إلا بزيادة واو ونون أو ياء ونون فكان يؤدي إلى أن يكون له إعرابان وذلك لا يجوز فلم يبق من الآحاد شيء يشتق منه إلا العشرة فاشتقوا من لفظها عددا عوضا عن اشتقاقهم من لفظ الاثنين فقالوا عشرون
فإن قيل فلم كسروا العين من عشرين قيل لأنه لما كان الأصل أن يشتق من لفظ الاثنين وأول الاثنين مكسور كسروا أول العشرين ليدلوا بالكسر على الأصل فإن قيل فلم وجب أن يكون ما بعد أحد عشر إلى تسعة وتسعين واحدا

العشرة فإنها تتغير لأنها تكون في حال التركيب في المذكر بغير هاء وفي المؤنث بالهاء لأنه لما ركبوا الآحاد مع العشرة وصيرت ا معها بمنزلة اسم واحد كرهوا أن يثبتوا الهاء في العشرة لئلا تصير بمنزلة الجمع بين تأنيثين في اسم واحد على لفظ واحد فإن قيل فلم بنى ما زاد على العشرة من أحد عشر إلى تسعة عشر قيل لأن الأصل في أحد عشر أحد وعشر فلما حذفت واو العطف ضمنا معنى حرف العطف فلما تضمنا معنى الحرف وجب أن يبنيا وبنيا على حركة لأن لهما حالة تمكن قبل البناء وكان الفتح أولى لأنه أخف الحركات وكذلك سائرها فإن قيل فلم لم يبنوا اثنين في اثني عشر قيل لوجهين أحدهما أن علم التثنية فيه هو علم الإعراب فلو نزعوا منه الإعراب لسقط معنى التثنية والثاني أن إعرابه في وسطه وفي حال التركيب لم يخرج عن ذلك فوجب أن يبقى على ما كان عليه وبني عشر لوجهين أحدهما أن يكون بني على قياس أخواته لتضمنه معنى حرف العطف والثاني أن يكون بنى لأنه قام مقام النون من اثنين فلما قام مقام الحرف وجب أن يبنى وليس هو كالمضاف والمضاف إليه لأن كل واحد من المضاف والمضاف إليه له حكم في نفسه بخلاف اثني عشر ألا ترى أنك إذا

يكتفون بلفظ الواحد عن الجمع قال الله تعالى ( ثم نخرجكم طفلا ) أي أطفالا وقال الشاعرا - من الوافر -
( كلوا في بعض بطنكم تعفوا ... فإن زمانكم زمن خميص ) أي في بعض بطونكم والشواهد على هذا النحو كثيرة فإن قيل فلم أجري الألف مجرى المائة في الإضافة إلى الواحد قيل لأن الألف عقد كما أن المائة عقد فإن قيل فلم يجمع الألف إذا دخل على الآحاد ولم يفرد مع الآحاد كالمائة قيل لأن الألف طرف كما أن الواحد طرف لأن الواحد أول والألف آخر ثم تتكرر الأعداد فلذلك أجرى مجرى ما يضاف إلى الآحاد فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

نكرة منصوبة قيل إنما كان واحدا نكرة لأن المقصود من ذكر النوع تبيين المعدود من أي نوع هو وهذا يحصل بالواحد النكرة وكان الواحد النكرة أولى من الواحد المعرفة لأن الواحد النكرة أخف من الواحد المعرفة ولا يلزم فيه ما يلزم في العدد الذي يضاف إلى ما بعده لأنه ليس بمضاف فيتوهم أنه جزء مما يبينه كما يلزم في المضاف فلذلك وجب أن يكون واحدا نكرة وإنما وجب أن يكون منصوبا لأن من أحد عشر إلى تسعة عشر أصله التنوين وإنما حذف للبناء فكأنه موجود في اللفظ لأنه لم يقم مقامه شيء يبطل حكمه فكان باقيا في الحكم فمنع من الإضافة وأما العشرون إلى التسعين ففيه النون موجودة فمنعت من الاضافة وانتصب على التمييز على ما بيناه في بابه فإن قيل فلم إذا بلغت إلى المائة أضيفت إلى الواحد قيل لأن المائة حملت على العشرة من وجه لأنها عقد مثلها وحملت على التسعين لأنها تليها فألزمت الإضافة تشبيها بالعشرة وبينت بالواحد تشبيها بالتسعين فإن قيل فلم قالوا ثلاثمائة ولم يقولوا ثلاث مئين قيل كان القياس أن يقال ثلاث مئين إلا أنهم اكتفوا بلفظ المائة لأنها تدل على الجمع وهم

المضاف مضافا إلى النفس كان مكسورا وإن كان مضافا إلى غيرك ا كان منصوبا فبني على الضم لئلا يلتبس بالمضاف لأن الضم لا يدخل ا لمضاف والوجه الثالث أنه بني على الضم لأنه لما كان غاية يتم بها الكلام وينقطع عندها أشبه قبل وبعد فبنوه على الضم كما بنوهما على الضم فإن قيل فلم جاز في وصفه الرفع والنصب نحو يا زيد الظريف والظريف قيل جاز الرفع حملا على اللفظ والنصب حملا على الموضع والاختيار عندي هو النصب لان الأصل في وصف المبني هو الحمل على الموضع لا على اللفظ فإن قيل فلم جاز الحمل ههنا على اللفظ وضمة زيد ضمة بناء وضمة الصفة ضمة إعراب قيل لأن الضم لما اطرد في كل اسم منادى مفرد أشبه الرفع للفاعل لاطراده فيه فلما أشبه الرفع جاز أن يتبعه الرفع
غير أن هذا الشبه لم يخرجها عن كونها ضمة بناء وأن الاسم مبني فلهذا كان الأقيس هو النصب ويجوز الرفع عندي على تقدير مبتدأ محذوف والتقدير فيه أنت الظريف
ويجوز النصب على تقدير فعل محذوف والتقدير فيه أعني

باب النداء
إن قال قائل لم بنى المنادى المفرد المعرفة قيل لوجهين أحدهما أنه أشبه كاف الخطاب وذلك من ثلاثة أوجه الخطاب والتعريف والإفراد لأن كل واحد منغما يتصف بهذه الثلاثة فلما أشبه كاف الخطاب من هذه الأوجه بني كما أن كاف الخطاب مبنية
والوجه الثاني أنه أشبه الأصوات لأنه صار غاية ينقطع عندها الصوت والأصوات مبنية فكذلك ما أشبهها فإن قيل فلم بنى على حركة قيل لأن له حالة تمكن قبل النداء فبنى على حركة تفضيلا له على ما بنى وليس له حالة تمكن فإن قيل فلم كانت الحركة ضمة قيل لثلاثة أوجه الوجه الأول أنه لو بني على الفتح لالتبس بما لا ينصرف ولو بني على الكسر لالتبس بالمضاف إلى النفس وإذا بطل بناؤه على الفتح والكسر تعين بناؤه على الضم
والوجه الثاني أنه بني على الضم فرقا بينه وبين المضاف لأنه إن كان

بعض النحويين إلى أن العامل فيه النصب فعل مقدر والتقدير فيه أدعو زيدا أو أنادي زيدا وذهب آخرون إلى أنه منصوب ب يا لأنها نابت عن أدعو أو أنادي والذي يدل على ذلك أنه تجوز فيه الإمالة نحو يا زيد والإمالة لا تجوز في الحروف إلا أنه لما قام مقام الفعل جازت فيه الإمالة فإن قيل أليس المضاف والنكرة مخاطبين فهلا بنيا لوقوعهما موقع أسماء الخطاب كما بني المفرد قيل لوجهين أحدهما أن المفرد وقع بنفسه موقع أسماء الخطاب وأما المضاف فيتعرف بالمضاف إليه فلم يقع موقع أسماء الخطاب كالمفرد وأما النكرة فبعيدة الشبه من أسماء الخطاب فلم يجز بناؤها والوجه الثاني أنا لو سلمنا أن المضاف والنكرة وقعا موقع أسماء الخطاب إلا أنه لا يلزم بناؤهما لأنه عرض فيهما ما منع من البناء أما المضاف فوجود المضاف إليه لأنه حل محل التنوين ووجود التنوين يمنع من البناء فكذلك ما يقوم مقامه وأما النكرة فتنصب ليفصل بينها وبين النكرة التي يقصد قصدها وكانت النكرة التي يقصد قصدها أولى بالتغيير لأنها هي المخرجة عن بابها فكانت أولى بالتغيير

الظريف ويؤيد الرفع فيه بتقدير المبتدأ والنصب له بتقدير الفعل أن المنادى أشبه الأسماء المضمرة والأسماء المضمرة لا توصف فإن قيل فلم جاز في المعطوف أيضا الرفع والنصب نحو يا زيد والحارث والحارث قيل إنما جاز الرفع والنصب في العطف لما بينا في الوصف من الحمل تارة على اللفظ وتارة على الموضع قال الله تعالى ( يا جبال أوبي معه والطير ) و الطير بالرفع والنصب فمن قرأ بالرفع حمله على اللفظ ومن قرأ بالنصب حمله على الموضع فإن قيل فلم كان المضاف والنكرة منصوبين قيل لأن الأصل في كل منادى أن يكون منصوبا لأنه مفعول إلا أنه عرض في المفرد المعرفة ما يوجب بناءه فبقي ما سواه على الأصل
فإن قيل فما العامل فيه النصب قيل اختلف النحويون في ذلك فذهب

يجتمع علامتا تعريف في كلمة واحدة
فإن قيل فقولهم يا زيد قد تعرف بالنداء وبالعلمية
قيل في ذلك وجهان أحدهما أنا نقول أن تعريف العلمية زال منه وحدث فيه تعريف النداء والقصد فلم يجتمع فيه تعريفان والثاني أنا نسلم أن تعريف العلمية والنداء اجتمعا فيه ولكن جاز لأنا إنما منعنا من الجمع بين التعريفين إذا كانا بعلامة لفظية ك يا مع الألف واللام والعلمية ليست بعلامة لفظية فبان الفرق بينهما والأول أصح فإن قيل أليس قد قال الشاعر - من الوافر -
( فديتك يا التي تيمت قلبي ... ) وقال الآخر - من الرجز - فيا الغلامان اللذان فرا

فإن قيل فهل يجوز حذف حرف النداء قيل يجوز حذف حرف النداء إلا مع النكرة والمبهم لأن الأصل فيهما النداء ب أي نحو يا أيهذا الرجل ويا أيها الرجل
فلما اطرحوا أيا والألف واللام لم يطرحوا حرف النداء لئلا يؤدي ذلك إلى الإجحاف بالاسم فإن قيل فهل يجوز في وصف أي ههنا ما جاز في وصف زيد نحو يا زيد الظريف والظريف قيل اختلف النحويون في ذلك فذهب جماهير النحويين إلى أنه لا يجوز فيه إلا الرفع لأن الرجل ههنا هو المنادى في الحقيقة إلا أنهم ادخلوا أيا ههنا توصلا إلى نداء ما فيه الألف واللام فلما كان هو المنادى في الحقيقة لم يجز فيه إلا الرفع مع كونه صفة إيذانا بأنه المقصود بالنداء وذهب أبو عثمان المازني إلى أنه يجوز فيه النصب نحو يا أيها الرجل كما يجوز يا زيد الظريف وهو عندي القياس لو ساعده الاستعمال فإن قيل ولم لم يجمعوا بين يا والألف واللام قيل لأن يا تفيد التعريف والألف واللام تفيد التعريف فلم يجمعوا بين علامتي تعريف إذ لا

أحدهما أن الألف واللام عوض عن حرف سقط من نفس الاسم فإن أصله إله فأسقطوا الهمزة من أوله وجعلوا الألف واللام عوضا منها والذي يدل على ذلك أنهم جوزوا قطع الهمزة ليدلوا على أنها قد صارت عوضا عن همزة القطع فلما كانت عوضا عن همزة القطع وهي حرف من نفس الاسم لم يمتنع
أن يجمعوا بينهما والوجه الثاني أنه إنما جاز في هذا الاسم خاصة لأنه كثر في استعمالهم فخف على ألسنتهم فجوزوا فيه ما لا يجوز في غيره فإن قيل فلم ألحقت الميم المشددة في آخر هذا الاسم نحو اللهم قيل اختلف النحويون في ذلك فذهب البصريون إلى أنها عوض من يا التي للتنبيه والهاء مضمومة لأنه نداء ولهذا لا يجوز أن يجمعوا بينهما فلا يقولون يا اللهم لئلا يجمعوا بين العوض والمعوض وذهب الكوفيون إلى أنها ليست عوضا من يا وإنما الأصل فيه يا الله أمنا بخير إلا أنه لما كثر في كلامهم وجرى على ألسنتهم حذفوا بعض الكلام تخفيفا كما قالوا أيش والأصل أي شيء وقالوا ويلمه والأصل ويل أمه وهذا كثير في كلامهم فكذلك ههنا قالوا والذي يدل

فكيف جاز الجمع بين يا والألف واللام قيل أما قوله
( فديتك يا التي تيمت قلبي ... وأنت بخيلة بالود عنى ) فإنما جمع بين يا والألف واللام لأن الألف واللام في الاسم الموصول ليساا للتعريف لأنه إنما يتعرف بصلته لا بالألف واللام فلما كانا فيه زائدين لغير التعريف جاز أن يجمع بين يا وبينهما
وأما قول الآخر فيا ا لغلامان اللذات ن فرا إياكما أن تكسباني شرا فالتقدير فيه فيا أيها الغلامان فحذف الموصوف وأقام الصفة مقامه لضرورة الشعر وما جاء للضرورة لا يورد نقضا فإن قيل فقد قالوا يا الله فجمعوا بين يا والألف واللام قيل إنما جاز أن يجمعوا بينهما لوجهين

بعذاب أليم ) ولو كان الأمر على ما ذهبوا إليه لكان التقدير أمنا بخير إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء او ائتنا بعذاب أليم ولا شك أن هذا التقدير ظاهر الفساد إذ لا يكون أمهم بالخير أن يمطر عليهم حجارة من السماء أو يؤتوا بعذاب اليم وقولهم أنه يجوز أن يجمع بين الميم و يا بدليل ما أنشدوه فلا حجة فيه لأنه إنما جمع بينهما لضرورة الشعر ولم يقع الكلام في حال الضرورة
وإنما سهل الجمع بينهما للضرورة أن العوض في آخر الكلمة - والمعوض في أولها - ثم الجمع بين العوض والمعوض جائز في ضرورة الشعر كما قال الشاعر - من الطويل -
( هما نفثا في في من فمويهما ... ) فجمع بين الميم والواو وهي عوض منها فكذلك ههنا فاعرفه تصب ان شاء الله تعالى

على أنها ليست عوضا عنها أنه يجمعون بينهما قال الشاعر - من الرجز -
( إني اذا ما حدث ألما ... أقول يا اللهم يا اللهما ) وقال الآخر - من الرجز -
( وما عليك أن تقولي كلما ... صليت أو سبحت يا اللهم )
( ما اردد علينا شيخنا مسلما ... )
فجمع بين الميم و يا ولو كانت عوضا عنها لما جمع بينهما لأن العوض والمعوض لا يجتمعان والصحيح ما ذهب إليه البصريون وأما قول الكوفيين أن اصله يا الله أمنا بخير فهو فاسد لأنه لو كان الأمر على ما ذهبوا إليه لما جاز أن يستعمل هذا اللفظ إلا في ما يؤدي إلى هذا المعنى ولا شك أنه يجوز أن يقال اللهم العنه اللهم اخزه اللهم أهلكه وما أشبه ذلك قال الله تعالى ( وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا

لأن في الأسماء ما يماثله ويضاهيه نحو يد وغد ودم والأصل في يد يدي وفي غد غدو وفي دم دمو بدليل قولهم دموان وقيل دميان أيضا فنقصوها للتخفيف فبقيت يد وغد ودم فكذلك ههنا وهذا فاسد من وجهين أحدهما أن الحذف في هذه الأسماء قليل في الاستعمال بعيد عن القياس أما قلته في الاستعمال فظاهر لأنها كلمات يسيرة معدودة وأما بعده عن القياس فلأن القياس يقتضي أن حرف العلة إذا تحرك وانفتح ما قبله يقلب ألفا ولا يحذف فلما حذف ههنا من دمو دل على أنه على خلاف القياس والوجه الثاني أنهم إنما حذفوا الياء والواو من يد وغد ودم لاستثقال الحركات عليها لأن الأصل فيها يدي وغدو ودمو أما في باب الترخيم فإنما وقع الحذف فيه على خلاف القياس لتخفيف الاسم الذي كثرت حروفه ولم يوجد ههنا لأنه في غاية الخفة فلا حاجة بنا إلى تخفيفه بالحذف
فإن قيل فلم جاز ترخيم ما فيه علامة التأنيث نحو قولك في ثبة يا ثب وما أشبه ذلك قيل لأن هاء التأنيث بمنزلة اسم ضم إلى اسم وليست من بناء الاسم فجاز حذفها كما يحذف الاسم الثاني من الاسم المركب

باب الترحيم
إن قال قائل ما الترحيم قبل حذف آخر الاسم في النداء فإن قيل فلم خص الترخيم في النداء قيل لكثرة دوره في الكلام فحذف طلبا - للتخفيف وهو باب تغيير ألا ترى أنه عرض فيه حذف الإعراب والتنوين فلما كان باب تغيير فالتغيير يؤنس بالتغير
فإن قيل فهل يجوز ترخيم ما كان على ثلاثة احرف قيل اختلف النحويون في ذلك فذهب البصريبرن إلى أنه لا يجوز ترخيمه وذلك لأن الترخيم إنما دخل الكلام لاجل التخفيف وما كان على ثلاتة احرف فهو في غاية الخفة فلا يحتمل الحدف لأن الحذف منه يؤدي إلى الاجحاف بب
وذهب الكوفيون الي أنه يجوز ترخيمه اذا كان اوسطه متحركا وذلك نحو قولك في عنق يا عن وفي كتف يا كت وما اشبه ذلك وذلك

( أبا عرو لا تبعد فكل ابن حرة ... سيدعوه داعي ميتة فيجيب ) أراد أبا عروة إلا أنه حذف التاء للترخيم
واحتجوا أيضا بقول الآخر - من الرجز -
( أما تريني اليوم أم حمز ... قاربت بين عنقي وجمزي ) أراد أم حمزة فحذف التاء للترخيم فدل ا على جوازه وما أنشدوه لا حجة فيه لأنه رخمه للضرورة وترخيم المضاف يجوز في ضرورة الشعر كما يجوز الترخيم في غير النداء لضرورة الشعر قال الشاعر - من الوافر -
( ألا أضحت حبالكم رماما ... وأضحت منك شاسعة أماما ) يريد أمامة وقال الآخر - من البسيط -
( إن ابن حارث إن أشتق لرؤيته ... أو أمتدحه فإن الناس قد علموا )

تقول في ترخيم حضرموت يا حضر وفي بعلبك يا بعل وما أشبه ذلك فإن قيل فهل يجوز ترخيم المضاف قيل اختلف النحويون في ذلك
فذهب البصريون إلى أنه لا يجوز ترخيمه لأن الترخيم إنما يكون فيما يؤثر النداء فيه ب يا والمضاف لم يؤثر فيه النداء ب يا فكذلك لا يجوز ترخيمه
وذهب الكوفيون إلى أنه يجوز ترخيمه واحتجوا بقول زهير بن أبي سلمى - من الطويل -
( خذوا حظكم يا آل عكرم واحفظوا ... أواصرنا والرحم بالغيب تذكر ) أراد يا آل عكرمة فحذف التاء للترخيم وهو عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان واحتجوا أيضا بقول الشاعر - من الطويل

لم يحذف منه شيء فبنوه علىالضم نحو يا حار ويا مال كما لو لم يحذف منه شيء فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

يريد ابن حارثة وهذا كثير في كلامهم فإن قيل فهل يجوز ترخيم الاسم المفرد الذي قبل آخره حرف ساكن بحذف آخره مع الحرف الساكن نحو ان تقول في سبطر يا سب أو لا قيل اختلف النحويون في ذلك فذهب البصريون إلى أنه لا يجوز ذلك لأنه كما بقيت حركة الاسم المرخم بعد دخول الترخيم كما كانت قبل دخول الترخيم فكذلك السكون لأنه موجود في الساكن حسب وجود الحركة في المتحرك فكما بقيت الحركة في المتحرك فكذلك السكون في الساكن وذهب الكوفيون إلى أن ترخيمه بحذف الأخير منه وحذف الحرف الساكن الذي قبله وذلك لأن الحرف إذا سقط من هذا النحو بقي آخره ساكنا فلو قلنا أنه لا يحذف لأدى ذلك إلى أن يشابه الأدوات وما أشبهها من الأسماء وذلك لا يجوز
وهذا ليس بصحيح لأنه لو كان هذا معتبرا لكان ينبغي أن يحذف الحرف المكسور لئلا يؤدي ذلك إلى أن يشابه المضاف إلى المتكلم ولا قائل به فدل علىفساد ما ذهبوا إليه فإن قيل فلم جاز أن يبنى المرخم على الضم في أحد القولين كما جاز أن يبقى على حركته وسكونه قيل لأنهم قدروا بقية الاسم المرخم بمنزلة اسم

تلحق ما يلحقه تنبيه النداء والمضاف والمضاف إليه بمنزلة شيء واحد والدليل على ذلك أنه لا يتم المضاف إلا بذكر المضاف إليه ولا بد مع ذ كر المضاف من ذكر المضاف إليه ألا ترى أنك لو قلت في غلام زيد وثوب خز غلام وثوب لم يتم إلا بذكر المضاف إليه فلما كان المضاف والمضاف إليه بمنزلة الشيء الواحد جاز أن تلحق ألف الندبة آخر المضاف إليه
وأما الصفة فليست مع الموصوف بمنزلة شيء واحد ولهذا لا يلزم ذكر الصفة مع الموصوف بل أنت مخير في ذكر الصفة ان شئت ذكرتها وان شئت لم تذكرها ألا ترى أنك إذا قلت هذا زيد الظريف كنت مخيرا في ذكر الصفة ان شئت ذكرتها وان شئت لم تذكرها فإذا كنت مخيرا في ذكر الصفة دل على أنهما ليسا بمنزلة شيء واحد وإذا لم يكونا بمنزلة شيء واحد وجب ألا تلحق ألف الندبة الصفة بخلاف المضاف إليه وقد ذهب الكوفيون ويونس بن حبيب البصري إلى جواز لحاقها الصفة حملا على المضاف إليه وقد بينا الفرق بينهما

باب الندبة
إن قال قائل ما الندبة قيل تفجع يلحق النادب عند فقد المندوب وأكثر ما يلحق ذلك النساء لضعفهن عن تحمل
المصائب فإن قيل فما علامة الندبة قيل وا او يا في أوله وألف وهاء في آخره ا وإنما زيدت وا أو يا في أوله وألف في آخره ليمد بها الصوت ليكون المندوب بين صوتين مديدين وزيدت الهاء بعد الألف لأن الألف خفية والوقف عليها يزيدها خفاء فزيدت الهاء عليها في الوقف لتظهر الألف بزيادتها بعدها في الوقف فإن قيل فلم وجب ألا يندب إلا بأعرف أسمائه وأشهرها قيل ليكون ذلك عذرا للنادب عند السامعين لأنهم إذا عذروه شاركوه في التفجع فإذا شاركوه في التفجع هانت عليه المصيبة
فإن قيل فلم لحقت ألف الندبة آخر المضاف إليه نحو يا عبد الملكاه ولم تلحق آخر الصفة نحو يا زيد الظريفاه قيل لأن ألف الندبة إنما
باب لا
إن قال قائل لم بنيت النكرة مع لا على الفتح نحو لا رجل في الدار قيل إنما بنيت مع لاا لأن التقدير في قولك لا رجل في الدار لا من رجل في الدار لأنه جواب قائل قال هل من رجل في الدار فلما حذفت من من اللفظ وركبت مع لا تضمنت معنى الحرف فوجب أن تبنى وإنما بنيت على حركة لأن لها حالة تمكن قبل البناء وإنما كانت الحركة فتحة لأنها أخف الحركات
وذهب بعض النحويين إلى أن هذه الحركة حركة إعراب لا حركة بناء لأن لا تعمل النصب بالإجماع لأنها نقيضة إن لأن لا للنفي و إن

ويحكون عن بعض العرب أنه قال واجمجمتى الشماميتيناه وهو شاذ لا يقاس عليه فإن قيل فلم جاز ندبة المضاف إلى المخاطب نحو واغلامكاه ولم يجز نداؤه قيل لأن المندوب لا ينادى ليجيب وإنما ينادى ليشهر النادب مصيبته وأنه قد وقع في أمر عظيم وخطب جسيم ويظهر تفجعه كيف لا يكون في حالة من إذا دعي أجاب وأما المنادى فهو مخاطب فلو جاز نداؤه لكان يؤدي إلى أن يجمع فيه بين علامتي خطاب وذلك لا يجوز فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

الفرع عن درجة إن التي هي الأصل فإن قيل فلم إذا عطف على النكرة جاز فيه النصب على اللفظ كما جاز فيه الرفع على الموضع والعطف على لفظ المبني لا يجوز قيل لأنه لما اطرد البناء على الفتحة في كل نكرة ركبت مع لا أشبهت النصب للمفعول لاطراده فيه فأشبهت حركة المعرب فجاز أن يعطف عليها بالنصب
فإن قيل فلم جاز أن تبنى صفة النكرة معها على الفتح كما جاز أن تنصب حملا على اللفظ وترفع حملا على الموضع قيل لأن بناء الاسم مع الاسم أكثر من بناء الاسم مع الحرف فلما جاز أن يبنى الاسم مع الحرف جاز أيضا أن يبنى مع الصفة لأن الصفة قد تكون مع الموصوف كالشيء الواحد بدليل أنه لا يجوز السكوت على الموصوف دون الصفة في نحو قولك يا أيها الرجل ثم هما في المعنى كشيء واحد فجاز أن يبنى كل واحد منهما مع صاحبه ولا يجوز ههنا أن تركب لا مع النكرة إذا ركبت مع صفتها لأنه يؤدي إلى أن تجعل ثلاث كلمات بمنزلة كلمة واحدة وهذا لا

للإثبات وهم يحملون الشيء على ضده كما يحملونه على نظيره ألا ترى أن لا لما كانت فرعا على أن في العمل و أن تنصب مع التنوين نصبت لا بغير تنوين لينحط الفرع عن درجة الأصل إذ الفروع أبدا تنحط عن درجات الأصول وهذا عندي فاسد لأنه لو كان معربا لوجب ألا يحذف منه التنوين لأن التنوين ليس من عمل إن وإنما هو شيء يستحقه الاسم في أصله وإذا لم يكن من عمل إن فلا معنى لحذفه مع لا لينحط الفرع عن درجة الأصل لأن الفرع إنما ينحط عن درجة الأصل فيما كان من عمل الأصل فإذا لم يكن التنوين من عمل الأصل وجب أن يكون ثابتا مع الفرع ثم انحطاطها عن درجة أن قد ظهر في أربعة أشياء الأول أن إن تعمل في المعرفة والنكرة و لا لا تعمل إلا في النكرة خاصة والثاني أن إن لا تركب مع اسمها لقوتها و لا تركب مع اسمها لضعفها
والثالث أن إن تعمل في اسمها مع الفصل بينها وبينه بالظرف وحرف الجر و لا لا تعمل مع الفصل
والرابع أن إن تعمل في الاسم والخبر عند البصريين و لا تعمل في الاسم دون الخبر عند كثير من المحققين فانحطت درجة لا التي هي

فإنما جاز لأن التقدير فيه لا مثل هيثم فصار في حكم النكرة فجاز أن يبنى مع لا وعلى هذا قولهم قضية ولا أبا حسن لها أي ولا مثل أبي حسن ولولا هذا التقدير لوجب الرفع مع التكرير نحو لا زيد عندي ولا عمرو فإن قيل فلم وجب التكرير في المعرفة قيل لأنه جاء مبنيا على السؤال كأنه قيل أزيد عندك أم عمرو فقال لا زيد عندي ولا عمرو
والدليل على أن السؤال في تقدير التكرير أن المفرد لا يفتقر إلى ذكره في الجواب ألا ترى أنه إذا قيل أزيد عندك كان الجواب أن تقول لا من غير أن تذكره كأنك قلت لا أصل لذلك فأما قولهم لا نولك أن تفعل كذا فإنما لم تكرر لأنه صار بمنزلة لا ينبغي لك فأجروها مجراها حيث كانت في معناها كما أجروا يذر في مجرىيدع لاتفاقهما في المعنى
فإن قيل فلم لا تبنى لا مع المضاف قيل إنما لم يجز أن تبنى مع المضاف لأن المضاف والمضاف إليه بمنزلة شيء واحد فلو بنيا مع لا لكان يؤدي إلى أن تجعل ثلاث كلمات بمنزلة كلمة واحدة وهذا لا نظير له في

نظير له في كلامهم
فإن قيل فلم جاز الرفع إذا كررت نحو لا رجل في الدار ولا امرأة قيل لأنك إذا كررت كان جوابا لمن قال أرجل في الدار أم امرأة فتقول لا رجل في الدار ولا امرأة ليكون الجواب على حسب السؤال فإن قيل لم بنيت لا مع النكرة دون المعرفة قيل لأن النكرة تقع بعد من في الاستفهام ألا ترى أنك تقول هل من رجل في الدار فإذا وقعت بعد من في السؤال جاز تقدير من في الجواب فإذا حذفت من في الجواب تضمنت النكرة معنى الحرف فوجب أن تبنى وأما المعرفة فلا تقع بعد من في الاستفهام ألا ترى أنك لا تقول هل من زيد في الدار فإذا لم تقع بعد من في السؤال لم يجز تقدير من في الجواب وإذا لم يجز تقدير من في الجواب لم تتضمن المعرفة معنى الحرف فوجب أن يبقى على أصله في الإعراب فأما قول الشاعر
( لا هيثم الليلة في المطي ... )

باب حروف الجر
إن قال قائل لم عملت هذه الحروف الجر قيل إنما عملت لأنها اختصت بالأسماء والحرف متى كان مختصا وجب أن يكون عاملا وإنما وجب أن تعمل الجر لأن إعراب الأسماء رفع ونصب وجر فلما سبق الابتداء إلى الرفع في المبتدأ والفعل إلى الرفع أيضا في الفاعل وإلى النصب في المفعول لم يبق إلا الجر فلهذا وجب أن تعمل الجر وأجود من هذا ان نقول إنما عملت الجر لأنها تقع وسطا بين الاسم والفعل والجر يقع وسطا بين الرفع والنصب فأعطي الأوسط الأوسط ثم إن هذه الحروف على ضربين أحدهما يلزم الجر فيه والثاني لا يلزم الجر فيه فأما ما يلزم الجر فيه ف من وإلى وفي واللام والباء ورب والواو والتاء في القسم وحتى ولها مواضع نذكرها فيها إن شاء الله تعالى وأما ما لا يلزم الجر فيه ف عن وعلى والكاف وحاشا وخلا ومذ ومنذ

كلامهم
والمشبه بالمضاف في امتناعه من التركيب حكمه حكم المضاف
فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

( من عن يمين الحبيا نظرة قبل ... ) وإذا كانت حرفا كان ما بعدها مجرورا بها كقولك رميت عن القوس وما أشبه ذلك
وأما على فتكون اسما وفعلا وحرفا فإذا كانت اسما دخل عليها حرف الجر وكانت بمعنى فوق وما بعدها مجرور بالإضافة كقول الشاعر ا - من الطويل -
( غدت من عليه بعدما تم ظمؤها ... تصل وعن قيض بزيزاء مجهل ... ) وكقول الآخر - من الطويل -
( اتت من عليه تنفض الطل بعدما ... رأت حاجب الشمس استوى فترفعا ) وكقول الآخر - من الرجز -
( فهي تنوش الحوض نوشا من على ... نوشا به تقطع أجواز الفلا )

فأما عن فتكون اسما كما تكون حرفا
فإذا كانت اسما دخل عليها حرف الجر وكانت بمعنى الناحية وما بعدها مجرور بالإضافة كقول الشاعر - من الطويل -
( فقلت اجعلي ضوء الفراقد كلها ... يمينا ومهوى النجم من عن شمالك )
وكقول الآخر - من الكامل -
( فلقد أراني للرماح درية ... من عن يميني مرة وأمامي ) وكقول الآخر - من الرجز -
( جرت عليه كل ريح سيهوج ... من عن يمين الخط أو سماهيج ) وكقول الآخر - من البسيط

( يضحكن عن كالبرد المنهم ... )
وتكون الكاف أيضا فاعلة كقول الشاعر - من البسيط -
( أتنتهون ولن ينهى ذوي شطط ... كالطعن يهلك فيه الزيت والفتل )
فالكاف ههنا اسم لأنها فاعلة وهي في موضع رفع بإسناد الفعل إليها وإذا كانت حرفا كان ما بعدها مجرورا بها نحو جاءني الذي كزيد وما أشبه ذلك وأما حاشا و خلا فقد ذكرناهما في باب الاستثناء فيما قبل وأمامذ ومنذ فلهما باب نذكرهما فيه فيما بعد إن شاء الله تعالى ثم ان معاني هذه الحروف كلها مختلفة فأما من فتكون على أربعة أوجه الوجه الأول أن تكون لابتداء الغاية كقولك سرت من الكوفة إلى ا لبصرة

وإذا كانت فعلا كانت مشتقة من مصدر وتدل على زمان مخصوص نحو علا الجبل يعلو علوا فهو عال كقولك سلا يسلو سلوا فهو سال وما أشبه ذلك وإذا كانت حرفا كان ما بعدها مجرورا بها نحو على زيد دين وما
أشبه ذلك وأما الكاف فتكون اسما كما تكون حرفا فإذا كانت اسما قدروها تقدير مثل وجاز أن يدخل عليها حرف الجر وكان ما بعدها مجرورا بالاضافة كقول الشاعر - من الرجز -
( وصاليات ككما يؤثفين ... ) فالكاف الأولى حرف جر والثانية اسم لأنه لا يجوز أن يدخل حرف جر على حرف جر وكقول الآخر - من الرجز

سيئاتكم و من زائدة وبقوله تعالى ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ) أي يغضوا أبصارهم و من زائدة وما أستدل به لا حجة له فيه لأن من ليست زائدة أما قوله تعالى ( ويكفر عنكم من سيئاتكم ) ف من فيه للتبعيض لا زائدة لأن من الذنوب ما لا يكفر بإبداء الصدقات أو إخفائها وإيتائها للفقراء وهي مظالم العباد وأما قوله تعالى ( يغضوا من أبصارهم ) ف من فيه أيضا للتبعيض لأنهم إنما أمروا أن يغضوا أبصارهم عما حرم عليهم لا عما احل لهم فدل على أنها للتبعيض وليست زائدة وأما إلى فتكون على وجهين أحدهما أن تكون غاية كقولك سرت من الكوفة إلى البصرة والثاني أن تكون بمعنى مع كقوله تعالى ( فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم ) إلى

والوجه الثاني أن تكون للتبعيض كقولك أخذت من المال درهما والوجه الثالث أن تكون لتبيين الجنس كقوله تعالى ( فاجتنبوا الرجس من الأوثان ) ا من هذه دخلت لتبيين المقصود بالاجتناب ولا يجوز أن تكون للتبعيض لأنه ليس المأمور به اجتناب بعض الأوثان دون البعض وإنما المقصود اجتناب جنس الأوثان والوجه الرابع أن تكون زائدة في النفي كقوله تعالى ( ما لكم من إله غيره ) والتقدير ما لكم إله غيره و من زائدة كقول الشاعر
( وما بالربع من أحد ... ) - من البسيط - أي أحد وذهب بعض النحويين إلى أنه يجوز أن تكون زائدة في الواجب ويستدل بقوله تعالى ( ويكفر عنكم من سيئاتكم ) أي يكفر

وأما رب فمعناها التقليل وهي تخالف حروف الجر من أربعة أوجه الوجه الأول أنها تقع في صدر الكلام وحروف الجر لا تقع في صدر ا لكلام والوجه الثاني أنها لا تعمل إلا في نكرة وحروف الجر تعمل في المعرفة و النكرة والوجه الثالث أنها يلزم مجرورها الصفة وحروف الجر لا يلزم مجرورها الصفة والوجه الرابع أنها يلزم معها حذف الفعل الذي أوصلته إلى ما بعدها وهذا لا يلزم الحروف
واختصاصها بهذه الأشياء لمعان اختصت بها فأما كونها في صدر الكلام فلأنها لما كانت تدل على التقليل وتقليل الشيء يقارب نفيه أشبهت حروف النفي وحروف النفي لها صدر الكلام وأما كونها لا تعمل إلا في النكرة فلأنها لما كانت تدل على التقليل

الكعبين ) أي مع المرافق ومع الكعبين وأما في فمعناها الظرفية كقولك زيد في الدار وقد يتسع فيها فيقال زيد ينظر في العلم وأما اللام فمعناها التخصيص والملك كقولك المال لزيد أي يختص به ويملكه وأما الباء فمعناها الإلصاق كقولك كتبت بالقلم أي ألصقت كتابتي به

وأما الكاف فمعناها التشبيه وقد تكون زائدة كقوله تعالى ( ليس كمثله شيء ) وتقديره ليس مثله شيء وكقول الشاعر - من الرجز -
( لواحق الأقراب فيها كالمقق ... ) وتقديره فيها المقق وهو الطول
فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

والنكرة تدل على التكثير وجب أن تختص بالنكرة التي تدل على التكثير ليصح فيها التقليل
وأما كونها تلزم الصفة مجرورها فجعلوا ذلك عوضا عن حذف الفعل الذي يتعلق به وقد يظهر ذلك - الفعل - في ضرورة الشعر وأما حذف الفعل معها فللعلم به ألا ترى أنك إذا قلت رب رجل يفهم كان التقدير فيه رب رجل يفهم أدركت أو لقيت فحذف الفعل لدلالة الحال عليه كما حذف في قوله تعالى ( وأدخل يدك في جيبك ) إلى قوله إلى فرعون وقومه ولم يذكر مرسلا لدلالة الحال عليه فكذلك ههنا وأما عن فمعناها المجاوزة
وأما على فمعناها الاستعلاء ا

فإن قيل فلم حملت على الواو قيل لأنها أشبهتها ووجه الشبه بينهما أن أصل حتى أن تكون غاية وإذا كانت غاية كان ما بعدها داخلا في حكم ما قبلها ألا ترى أنك إذا قلت جاءني القوم حتى زيد كان زيد داخلا في المجيء كما لو قلت جاءني القوم وزيد فلما أشبهت الواو في هذا المعنى جاز أن تحمل عليها فإن قيل فلم إذا كانت عاطفة وجب أن يكون ما بعدها من جنس ما قبلها ولا يجب ذلك في الواو قيل لأنها لما كانت للغاية والدلالة على أحد طرفي الشيء فلا يتصور أن يكون طرف الشيء من غيره فلو قلت جاء الرجال حتى النساء لجعلت النساء غاية للرجال ومنقطعا لهم وذلك محال والوجه الثالث أن تكون حرف ابتداء ك أما نحو ضرب القوم حتى زيد ضارب وذهبوا حتى عمرو ذاهب وقال الشاعر - من الطويل -
( فما زالت القتلى تمج دماءها ... بدجلة حتى ماء دجلة أشكل )

باب حتى
إن قال قائل على كم وجها تستعمل حتى قيل على ثلاثة أوجه الوجه الأول أن تكون حرف جر ك إلى نحو قوله تعالى ( سلام هي حتى مطلع الفجر ) وما بعدها مجرور بها في قول جماعة النحويين إلا في قول شاذ لا يعرج عليه وهو ما حكي عن بعضهم أنه قال هو مجرور بتقدير إلى بعد حتى وهو قول ظاهر الفساد والوجه الثاني أن تكون عاطفة حملا على الواو نحو جاءني القوم حتى زيد ورأيت القوم حتى زيدا ومررت بالقوم حتى زيد

الشاعر - من الكامل -
( ألقى الصحيفة كي يخفف رحله ... والزاد حتى نعله القاها ) بالجر والنصب والرفع فالجر ب حتى والنصب على العطف والرفع على الابتداء و ألقاها الخبر
فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

وقال الآخر - من الطويل - مطوت بهم حتى تكل غزارتهم ... وحتى الجياد يقدن بأرسان ) فإن قيل فهل يكون للجملة بعدها موضع من الإعراب أو لا قيل لا يكون للجملة بعدها موضع من الإعراب لأن الجملة إنما يحكم لها بموضع من الإعراب إذا وقعت موقع المفرد نحو أن تقع وصفا نحو مررت برجل يكتب أو حالا نحو جاءني زيد يضحك أو خبر مبتدأ نحو زيد يذهب وإذا لم تقع ههنا موقع المفرد فينبغي ألا يحكم لها بموضع من الإعراب فهذه الثلاثة الأوجه التي في حتى وقد تجتمع كلها في مسالة واحدة نحو قولهم أكلت السمكة حتى رأسها وحتى رأسها وحتى رأسها بالجر والرفع والنصب
فالجر على أن تجعل حتى ! حرف جر والنصب على أن تجعلها حرف عطف فتعطفه على السمكة والرفع على أن تجعلها حرف ابتداء فيكون مرفوعا بالابتداء وخبره محذوف وتقديره حتى رأسها مأكول وإنما حذف الخبر لدلالة الحال
عليه وعلى هذه الأوجه ينشد قول

والتقدير في قولك ما رايته مذ يومان ومنذ ليلتان ا أمد ذلك يومان وأمد ذلك ليلتان م فإن قيل لم بنيت مذ ومنذ قيل لأنهما اذا كانا حرفين بنيا لأن الحروف كلها مبنية وإذا كانا اسمين بنيا لتضمنهما معنى الحرف لأنك إذا قلت ما رايته مذ يومان ومند ليلتان كان المعني فيه ما رايته من أول اليومين إلى آخرهما ومن أول الليلتين إلى آخرهما فلما تضمنا معنى الحرف وجب أن يبنيا وبنيا مذ على السكون لأن الأصل في البناء أن يكون على السكون فبنيت على الأصل وبنيت منذ على الضم لأنه لما وجب تحريك الدال لالتقاء الساكنين بنيت على الضم اتباعا لضمة الميم كما قالوا في منتن منتن فضموا التاء اتباعا لضمة الميم ومنهم من يقول منتن فيكسر الميم اتباعا لكسرة التاء ونظير هذين الوجهين في قراءة من قرأ الحمد لله فكسر اللام اتباعا لضمة الدال وقراءة من قرأ الحمد لله فكسر الدال اتباعا لكسرة اللام
فلهذا كانت مذ ومنذ مبنيتين وهما يختصان بابتداء الغاية في الزمان كما أن من تختص بابتداء الغاية

باب مذ و منذ
إن قال قائل لم قلتم ان الأغلب على مذ الاسمية وعلى منذ الحرفية وكل واحد منهما يكون اسما وحرفا جارا قيل إنما قلنا أن الأغلب على مذ الاسمية لأنها دخلها الحذف والأصل فيها منذ فحذفت النون منها والحذف إنما يكون في الأسماء والدليل على أن الأصل في مذ منذ أنك لو صغرتها أو كسرتها لرددت النون فيها فقلت في تصغيرها منير وفي تكسيرها أمناذ لأن التصغير والتكسير يردان الأشياء إلى أصولها فدل على أن الأصل في مذ منذ
فإن قيل فلم إذا كانا اسمين كان الاسم بعدهما مرفوعا نحو قولك ما رأيته مذ يومان ومنذ ليلتان قيل إنما كان الاسم بعدهما مرفوعا إذا كانا اسمين لأنه خبر المبتدأ لأن مذ ومنذ هما المبتدأ وما بعدهما هو الخبر
باب القسم
إن قال قائل لم حذف فعل القسم قيل إنما حذف فعل القسم لكثرة الاستعمال فإن قيل فلم قلتم أن الأصل في حروف القسم الباء دون الواو والتاء قيل لأن فعل القسم المحذوف فعل لازم ألا ترى أن التقدير في قولك بالله لأفعلن أقسم بالله أو أحلف بالله والحرف المعدي من ملي هذه الأحرف هو الباء لأنه الحرف الذي يقتضيه الفعل
وإنما كان الباء دون غيره من الحروف المعدية لأن الباء معناها الإلصاق فكانت أولى من غيرها ليتصل فعل القسم بالمقسم به مع تعديته والذي يدل على أنها هي الأصل أنها تدخل على المظهر والمضمر والواو تدخل على المظهر دون المضمر والتاء تختص باسم الله تعالى دون غيره فلما دخلت الباء على المظهر والمضمر واختصت الواو بالمظهر والتاء باسم الله تعالى دل على أن الباء هي الأصل فإن قيل فلم جعلوا الواو دون غيرها بدلا من الباء قيل لوجهين أحدهما أن الواو تقتضي الجمع كما أن الباء تقتضي الإلصاق فلما تقاربا في المعنى أقيمت مقامها
والثاني أن الواو مخرجها من الشفتين كما أن الباء مخرجها من

في المكان الكوفيون إلى أن من تستعمل في الزمان كما تستعمل في المكان واستدلوا على جواز ذلك بقوله تعالى ( لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه ) ا فأدخل من على أول يوم وهو ظرف زمان ويستدلون أيضا بقول زهير - من الكامل -
( لمن الديار بقنة الحجر ... أقوين من حجج ومن دهر )
وما استدلوا به لا حجة لهم فيه أما قوله تعالى ( من أول يوم أحق أن تقوم به ) فالتقدير فيه من تأسيس أول يوم فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه كقوله تعالى ( واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها ) والتقدير فيه أهل القرية وأهل العير وهذا كثير في كلامهم وأما قول زهير من حجج ومن دهر فالرواية مذ حجج ومذ دهر
وإن صح ما رووه فالتقدير فيه من مر حجج ومن مر دهر كما يقال مرت عليه السنون ومرت عليه الدهور فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه على ما بينا فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

جعلوا الرابطة بينهما بأربعة أحرف حرفين للإيجاب وهما اللام وأن وحرفين للنفي وهما ما و لا
فإن قيل فلم جاز حذف لا نحو قوله تعالى
( قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف ) قيل لدلالة الحال عليه لأنه لو كان إيجابا لم يخل من إن أو اللام فلما خلا منهما دل على أنه نفي فلهذا جاز حذفها فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

الشفتين فلما تقاربا في المخرج كانت أولى من غيرها فإن قيل فلم اختصت الواو بالمظهر دون المضمر قيل لأنها لما كانت فرعا على الباء والباء تدخل على المظهر والمضمر انحطت عن درجة الباء التي هي الأصل فاختصت بالمظهر دون المضمر لأن الفروع أبدا تنحط عن درجة الأصول
فإن قيل فلم جعلوا التاء دون غيرها بدلا من الواو قيل لأن التاء تبدل من الواو كثيرا نحو قولهم تراث وتجاه وتخمة وتهمة وتيقور والأصل فيه وراث ووجاه ووخمة ووهمة وويقور لأنه مأخوذ من الوقار إلا أنهم أبدلوا التاء من الواو فكذلك ههنا
فإن قيل فلم اختصت التاء باسم واحد وهو اسم الله تعالى قيل لأنها لما كانت فرعا للواو التي هي فرع الباء والواو تدخل على المظهر دون المضمر لأنها فرع انحطت عن درجة الواو لأنها فرع الفرع فاختصت باسم واحد وهو اسم الله تعالى فإن قيل فلم جعل جواب القسم باللام وأن وما ولا قيل لأن القسم وجوابه لما كانا جملتين والجمل تقوم بنفسها وإنما تتعلق إحدى الجملتين بالأخرى برابطة بينه وبين جوابه وجوابه لا يخلو إما أن يكون موجبا أو منفيا

فإن قيل وجه زيد ويد عمرو هل هذه الإضافة بمعني اللام أو بمعنى من قيل لا بل بمعنى اللام لأن الإضافة التي بمعنى من يجوز أن يكون الثاني وصفا للأول ألا ترى أنه يجوز أن تقول في نحو قولك ثوب خز ثوب خز فترفع خزا لأنه وصف لثوب وكذلك ما أشبهه وأما الإضافة بمعنى اللام فلا يجوز أن يكون الثاني وصفا للأول ألا ترى أنك لا تقول في غلام زيد غلام زيد فلا يجوز أن تجعل زيدا صفة لغلام كما جاز أن تجعل خزا صفة لثوب فلما وجدنا قولهم وجه زيد لا يجوز أن يكون الثاني وصفا للأول علمنا أنها بمعنى اللام لا بمعنى من
فإن قيل فلم كانت إضافة اسم الفاعل إذا أريد به الحال أو الاستقبال وإضافة الصفة المشبهة باسم الفاعل وإضافة افعل إلى ما هو بعض له وإضافة الاسم إلى الصفة غير محضة في هذه المواضع كلها قيل أما اسم الفاعل فإنما كانت إضافته غير محضة لأن الأصل في قولك مررت برجل ضارب زيد غدا ضارب زيدا بتنوين ضارب فلما كان التنوين ههنا مقدرا

باب الإضافة
إن
قال قائل على كم ضربا الإضافة قيل على ضربين إضافة بمعنى اللام نحو غلام زيد أي غلام لزيد وإضافة بمعنى من نحو ثوب خز أي ثوب من خز فإن قيل في فلم حذف التنوين من المضاف وجر المضاف إليه قيل أما حذف التنوين فلأنه يدل على الانفصال والإضافة تدل على الاتصال فلم يجمعوا بينهما ألا ترى أن التنوين يؤذن بانقطاع الاسم وتمامه والإضافة تدل على الاتصال وكون الشيء متصلا منفصلا في حالة واحدة محال وأما جر المضاف إليه فلأن الإضافة لما كانت على ضربين بمعنى اللام وبمعنى من وحذف حرف الجر قام المضاف مقامه فعمل في المضاف إليه الجر كما يعمل حرف الجر
باب التوكيد
إن قال قائل ما الفائدة في التوكيد قيل الفائدة في التوكيد التحقيق وإزالة التجوز في الكلام لأن من كلامهم المجاز ألا ترى أنهم يقولون مررت بزيد وهم يريدون المرور بمنزله ومحله وجاءني القوم وهم يريدون بعضهم قال الله تعالى ( فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب ) فقال الملائكة وإنما كان جبريل وحده فإذا قلت مررت بزيد نفسه زال هذا المجاز وكذلك إذا قلت جاءني القوم كلهم زال هذا المجاز أيضا قال الله تعالى ( فسجد الملائكة كلهم ) فزال هذا المجاز الذي كان في قوله فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب لوجود التوكيد فإن قيل فعلى كم ضربا التوكيد قيل على ضربين توكيد بتكرير اللفظ وتوكيد بتكرير المعني فأما التوكيد بتكرير اللفظ فنحو قولك جاءني زيد زيد وجاءني رجل رجل وما أشبه ذلك وأما التوكيد بتكرير المعنى فيكون بتسعة ألفاظ وهي نفسه وعينه وكله وأجمع وأجمعون و جمعاء وجمع وكلا وكلتا

كانت الإضافة في تقدير الانفصال ولهذا جرى وصفا للنكرة
وأما الصفة المشبهة باسم الفاعل فإنما كانت إضافتها غير محضة لأن التقدير في قولك مررت برجل حسن الوجه مررت برجل حسن وجهه فلما كان التنوين أيضا ههنا مقدرا كانت إضافته أيضا غير محضة
وأما أفعل الذي يضاف إلى ما هو بعض له فإنما كانت إضافته غير محضة لأن التقدير في قولك زيد أفضل القوم زيد أفضل من القوم فلما كانت من ههنا مقدرة كانت إضافته غير محضة وأما إضافة الاسم إلى الصفة فإنما كانت غير محضة لأن التقدير في قولك صلاة الأولى صلاة الساعة الأولى فلما كان الموصوف ههنا مقدرا كانت الإضافة غير محضة وإذا كانت غير محضة لم تفد التعريف بخلاف ما إذا كانت محضة نحو غلام زيد ومما لم يتعرف بالإضافة لأن إضافته غير محضة قولهم مررت برجل مثلك وشبهك وما أشبه ذلك وإنما لم يتعرف بالإضافة لأنها لا تخص شيئا بعينه ولهذا وقعت صفة للنكرة فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

جمع جمعاء وقياسه جمع كحمر فعدل وحرك فاجتمع فيه العدل والتعريف فلذلك لم ينصرف ا والذي عليه الأكثرون هو الأول
وأما كلا وكلتا ففيهما إفراد لفظي وتثنية معنوية والذي يدل على ذلك أنهما تارة يرد الضمير إليهما بالإفراد اعتبارا باللفظ وتارة بالثنية اعتبارا بالمعنى قال الله تعالى كلتا الجنتين آتت أكلها فرد إلى اللفظ فأفرد وقال الشاعر - من الطويل -
( كلا أخوينا ذو رجال كأنهم ... أسود الشري من كل أغلب ضيغم )
وقال الآخر - من البسط -
( كلاهما حين جد الجري بينهما ... قذ أقلعا وكلا أنفيهما رابي )
فرد إلى اللفظ والمعنى فقال قد أقلعا اعتبارا بالمعنى وقال رابي ولم

فإن قيل فلم وجب تقديم نفسه وعينه على كلهم وأجمعين قيل لأن النفس والعين يدلان على حقيقة الشيء وكلهم وأجمعون يدلان على الإحاطة والعموم والإحاطة لا بد أن تقتضي محاطا به فكان فيهما معنى التبع والنفس والعين ليس فيهما معنى التبع فكان تقديمهما أولى
وقدم كلهم على أجمعين لأن معنى الإحاطة في أجمعين اظهر منها في كلهم لأن أجمعين مشتقة من الاجتماع و كل لا اشتقاق له
وأما بعد أجمعين فتبع لأجمعين وإنما كان كذلك لأنهم كرهوا إعادة لفظ أجمعين فزادوا ألفاظا بعد أجمعين تبعا له لأنه لا معنى لها سوى التبع فلهذا وجب أن تكون بعد أجمعين فإن قيل أجمع وجمعاء وجمع معارف أو نكرات قيل لا بل معارف والذي يدل على ذلك أنها تكون تأكيدا للمعارف نحو جاء الجيش أجمع ورأيت القبيلة جمعاء ومررت بهن جمع فلما كانت تأكيدا للمعارف دل على أنها معارف فإن قيل فلم كانت غير منصرفة قيل أما أجمع فللتعريف ووزن الفعل وأما جمعاء فلألف التأنيث نحو صحراء
وأما جمع فللتعريف والعدل عن جماعي بوزن صحارى وقيل للتعريف والعدل عن

وما ذهب إليه الكوفيون ليس بصحيح فأما استدلالهم بقول الشاعر
( في كلت رجليهما سلامى واحدة ... ) فلا حجة فيه لأنه يحتمل أنه حذف الألف لضرورة الشعر وأما قولهم أنها تنقلب في حال النصب والجر إذا أضيفت إلى المضمر قلنا إنما قلبت مع المضمر لأنها أشبهت إلى وعلى ولدى فلما أشبهتها قلبت ألفها مع المضمر ياء كما قلبت ألف إلى وعلى ولدى مع المضمر في إليك وعليك ولديك ووجه المشابهة بينها وبين هذه الكلم أن هذه الكلم يلزم دخولها على الاسم ولا تقع إلا مضافة كما أن هذه الكلمة يلزم دخولها على الاسم وإنما قلبت في حالة الجر والنصب دون الرفع لأن هذه الكلم لها حال النصب والجر وليس لها حال
الرفع فإن قيل فهل يجوز توكيد النكرة قيل ان كان التوكيد بتكرير اللفظ جاز توكيد النكرة كما يجوز توكيد المعرفة نحو جاءني رجل رجل وان كان التوكيد بتكرير المعنى فقد اختلف النحويون فيه فذهب البصريون إلى أنه لا يجوز وذلك لأن كل واحد من هذه الألفاظ التي يؤكد بها معرفة فلا يجوز أن يجري على النكرة يأكيدا كما لا يجوز أن يجري عليها وصفا

يقل رابيان اعتبارا باللفظ والذي يدل على أن الألف فيهما ليست للتثنية أنها لو كانت للتثنية لانقلبت في النصب والجر إذا أضيفتا إلى المظهر لأن الأصل هو المظهر تقول رأيت كلا الرجلين ومررت بكلا الرجلين ورأيت كلتا المرأتين ومررت بكلتا المرأتين ولو كانت للتثنية لوجب أن تنقلب مع المظهر فلما لم تنقلب دل على أنها الألف المقصورة وليست للتثنية
وذهب الكوفيون إلى أنه مثنى وأن الألف فيهما للتثنية واستدلوا على ذلك بقول الشاعر - من الرجز -
( في كلت رجليهما سلامى واحدة ... كلتاهما مقرونة بزائده ) فأفرد في قوله كلت فدل على أن كلتا مثنى واستدلوا على ذلك أيضا بأن الألف فيهما تنقلب إلى الياء في حالة النصب والجر إذا أضيفتا إلى المضمر تقول رأيت الرجلين كليهما ومررت بالرجلين كليهما وكذلك تقول رايت المرأتين كلتيهما ومررت بالمرأتين كلتيهما ولو كانت الألف المقصورة لم تنقلب كما لم تنقلب ألف عصا

و رجب منصوب
فإن القصيدة منصوبة كما قال الآخر - من الرجز -
( يا ليت أيام الصبا رواجعا ... وأما قول الآخر - من الرجز -
( يوما جديدا كله مطردا ... ) فيحتمل أن يكون تأكيدا للمضمر في جديد والمضمرات لا تكون إلا معارف فكان هذا أولى لأنه اقرب إليه من اليوم فعلى هذا يكون الإنشاد بالرفع وأما قول الآخر - من الرجز -
( قد صرت البكرة يوما أجمعا ... ) فلا يعرف قائله فلا تكون فيه حجة ثم لو صحت هذه الأبيات على ما رووا فلا يجوز الاحتجاج بها لقلتها وشذوذها في بابها والشاذ لا يحتج به فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

وذهب الكوفيون إلى أنه يجوز واستدلوا على جوازه بقول الشاعر - من البسيط -
( لكنه شاقه أن قيل ذا رجب ... يا ليت عدة حول كله رجب ) فجر كل على التوكيد لحول وهو نكرة واستدلوا أيضا بقول الشاعر - من الرجز -
( إذا القعود كر فيها حفدا ... يوما جديدا كله مطردا )
فأكد يوما وهو نكرة ب كله واستدلوا أيضا بقول الآخر
( قد صرت البكرة يوما اجمعا ... ) - من الرجز - وما استدلوا به من هذه الأبيات لا حجة فيه أما قول الشاعر يا ليت عدة حول كله رجب - من البسبط -
فالرواية يا ليت عدة حولي كله رجب بالإضافة وهو معرفة لا نكرة

جنسه والصفة في المعنى هي الموصوف ويستحيل أن يكون الشيء الواحد شائعا مخصوصا وإذا استحال هذا في وصف المعرفة بالنكرة والنكرة بالمعرفة كان في وصف الواحد بالاثنين ووصف الاثنين بالجمع أشد استحالة وكذلك سائرها فإن قيل فما العامل في الصفة قيل العامل في الموصوف
فإذا قلت جاءني زيد الظريف كان العامل فيه جاءني وإذا قلت رأيت زيدا الظريف كان العامل فيه رأيت
وإذا قلت مررت بزيد الظريف كان العامل فيه الباء هذا مذهب سيبويه
وذهب أبو الحسن الأخفش إلى أن كونه صفة لمرفوع أوجب له الرفع وإلى أن كونه صفة لمنصوب أوجب له النصب وإلى أن كونه صفة لمجرور أوجب له الجر
والذي عليه الأكثرون هو الأول وهو مذهب سيبويه فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

باب الوصف
ان قال قائل ما الغرض في الوصف قيل التخصيص والتفضيل فإن كان معرفة كان الغرض من الوصف التخصيص لأن الاشتراك يقع فيها ألا ترى أن المسمين بزيد ونحوه كثير فإذا قال جاءني زيد لم يعلم أيهم يريد فإذا قال زيد العاقل أو العالم أو الأديب أو ما أشبه ذلك فقد خصه من غيره
وان كان الاسم نكرة كان الغرض من الوصف التفضيل ألا ترى أنك إذا قلت جاءني رجل لم يعلم أي رجل هو فإذا قلت رجل عاقل فقد فضلته عمن ليس له هذا الوصف ولم تخصة لأنا نعني بالتخصيص شيئا بعينه وههنا قد جعلته من امة كل واحد منهم له هذا الوصف فإن قيل ففي كم تتبع الصفة الموصوف قيل في عشرة أشياء التعريف والتنكير والتأنيث و التذكير والإفراد والتثنية والجمع والرفع والنصب والجر
فإن قيل فلم لم توصف المعرفة بالنكرة والنكرة بالمعرفة وكذلك سائرها قيل لأن المعرفة ما خص الواحد من جنسه والنكرة ما كان شائعا في

اللفظ والنصب على الموضع قال الشاعر - من الرجز -
( أني وأسطار سطرن سطرا ... لقائل يا نصر نصر نصرا )
ويجوز أن يكون نصر الثالث منصوبا على المصدر كأنه قال أنصر نصرا وهذا باب يترجمه البصريون ولا يترجمه الكوفيون فاعرفه تصب أن شاء الله تعالى

باب عطف البيان
إن قال قائل ما الغرض في عطف البيان قيل الغرض فيه رفع اللبس كما في الوصف ولهذا يجب أن يكون أحد الاسمين يزيد على الآخر في كون الشخص معروفا به ليخصه من غيره لأنه لا يكون إلا بعد اسم مشترك ألا ترى أنك إذا قلت مررت بولدك زيد فقد خصصت ولدا واحدا من أولاده فإن لم يكن له إلا ولد واحد كان بدلا ولم يكن عطف بيان لعدم الاشتراك وعطف البيان يشبه البدل من وجه ويشبه الوصف من وجه فوجه شبهه للبدل أنه اسم جامد كما أن البدل يكون اسما جامدا ووجه شبهه للوصف أن العامل فيه هو العامل في الاسم الأول والدليل على ذلك أنك تحمله تارة على اللفظ وتارة على الموضع فتقول يا زيد زيد زيدا فالرفع على

ولا بد أيضا فيه من ضمير يعلقه بالمبدل منه قال الله تعالى ( يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه ) فقوله قتال فيه بدل من الشهر والضمير فيه عائد إلى الشهر فأما قول الشاعر : - من الطويل -
( لقد كان في حول ثواء ثويته ... تقضي لبانات ويسأم سائم ) فالتقدير فيه : ثواء ثويته فيه فحذف للعلم به
فأما بدل الغلط فلا يكون في قرآن ولا كلام فصيح وهو أن يريد أن يلفظ بشيء فيسبق لسانه إلى غيره فيقول : لقيت زيدا عمرا فعمرو هو المقصود وزيد وقع في لسانه غلط به فأتى بالذي قصده وأبدله من المغلوط به والأجود في مثل هذا أن يستعمل بل فيقول : بل عمرا فإن قيل : فما العامل في البدل قيل : اختلف النحويون في ذلك فذهب جماعة من النحويين إلى أن العامل في البدل غير العامل في المبدل وهما جملتان ويحكى عن أبي علي الفارسي رحمه الله أنه قيل له : كيف يكون

باب البدل
إن قال قائل : ما الغرض في البدل قيل : الإيضاح ورفع الالتباس وإزالة التوسع والمجاز
فإن قيل : فعلى كم ضربا البدل قيل : على أربعة أضرب : بدل الكل من الكل وبدل البعض من الكل وبدل الاشتمال وبدل الغلط فأما بدل الكل من الكل فكقولك : جاءني أخوك زيد ورأيت أخاك زيدا ومررت بأخيك زيد قال الله تعالى : ( اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم )
وبدل البعض من الكل كقولك : جاءني بنو فلان ناس منهم ولا بد أن يكون فيه ضمير يعلقه بالمبدل منه قال الله تعالى : ( وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر ) فأما قوله تعالى : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) ف من استطاع بدل من الناس وتقديره : من استطاع سبيلا منهم فحذف الضمير للعلم به وأما بدل الاشتمال فنحو قولك : سلب زيد ثوبه ويعجبني عمرو عقله
باب العطف
إن قال قائل : كم حروف العطف قيل : تسعة : الوو والفاء وثم وأو ولا وبل ولكن وأم وحتى فإن قيل : لم كان أصل حروف العطف الواو قيل لأن الواو لا تدل على أكثر من الاشتراك فقط وأما غيرها من الحروف فيدل على الاشتراك وعلى معنى زائد على ما سنبين فإذا كانت هذه الحروف تدل على زيادة معنى ليس في الواو صارت الواو بمنزلة الشيء المفرد وباقي الحروف بمنزلة المركب والمفرد أصل للمركب
فإن قيل فما الدليل على أن الواو تقتضي الجمع دون الترتيب قيل الدليل على ذلك قوله تعالى ( وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة وقال في

البدل إيضاحا للمبدل وهو من غير جملته فقال لما لم يظهر العامل في البدل وإنما دل عليه العامل في المبدل واتصل البدل بالمبدل في اللفظ جاز أن يوضحه والذي يدل على أن العامل في البدل غير العامل في المبدل قوله تعالى ( ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ) فظهور اللام في بيوتهم وهي بدل من من يدل على أن العامل في البدل غير العامل في المبدل
ونحوه قوله تعالى ( قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم )
فظهور اللام مع من وهو بدل من الذين استضعفوا يدل على أن العامل في البدل غير العامل في المبدل
وذهب قوم إلى أن العامل في البدل هو العامل في المبدل كما أن العامل في الصفة هو العامل في الموصوف والأكثرون على الأول
فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

الترتيب
فأما الفاءفإنها تفيد الترتيب والتعقيب
وثم تفيد الترتيب والتراخي و أو تفيد الشك والتخيير والإباحة و لا تفيد النفي و بل تفيد الانتقال من صيغة إلى صيغة أخرى
ولكن تفيد الاستدراك وإنما تعطف في النفي دون الإثبات بخلاف بل فإنها تعطف في النفي والإثبات معا فإن قيل فلم جاز أن تستعمل بل بعد النفي ك لكن ولم يجز أن تستعمل لكن بعد الإثبات ك بل قيل لأن بل إنما تستعمل في الإيجاب لأجل الغلط والنسيان لما قبلها وهذا إنما يقع في الكلام نادرا فاقتصروا على حرف واحد
وأما استعمال لكن فإنما يكون بعد النفي فجاز أن تشرك

موضع آخر ( وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا ) فلو كانت الواو تقتضي الترتيب لما جاز أن يتقدم افي إحدى الآيتين ما يتأخر في الأخرى وقال لبيد
( أغلي السباء بكل أدكن عاتق ... أو جونة قدحت وفض ختامها )
وتقديره فض ختامها وقدحت لأنه يريد بالجونة ههنا القدر و قدحت أي غرفت والمغرفة يقال لها المقدحة و فض ختامها أي كشف غطاؤها والغرف إنما يكون بعد الكشف هكذا ذكره الثمانيني والأظهر أنه أراد بالجونة الخابية وقد ذكرنا ذلك في كتابنا الموسوم ب شرح السبع الطوال والذي يدل أيضا على أنها للجمع دون الترتيب قولهم المال بين زيد وعمرو كما تقول بينهما وتقول اختصم زيد وعمرو
ولو كانت الواو تفيد الترتيب لما جاز أن تقع ههنا لأن هذا الفعل لا يقع إلا من اثنين ولا يجوز الاقتصار على أحدهما فدل على أنها تفيد الجمع دون

فأما إما فليست حرف عطف
ومعناها كمعنى أو إلا أنها أقعد في باب الشك من أو لأن أو يمضي صدر الكلام معها على اليقين ثم يطرأ الشك فيسري الشك من آخر الكلام إلى أوله وأما إما فيبنى الكلام معها من أوله على الشك
وإنما قلنا أنها ليست حرف عطف لأن حرف العطف لا يخلو إما أن يعطف مفردا على مفرد أو جملة على جملة فإذا قلت قام إما زيد و إما عمرو لم تعطف مفردا على مفرد ولا جملة على جملة ثم لو كانت حرف عطف لما جاز أن تتقدم على الاسم لأن حرف العطف لا يتقدم على المعطوف عليه ثم لو كانت أيضا حرف عطف لما جاز أن يجمع بينها وبين الواو فلما جمع بينهما دل على أنها ليست حرف عطف لأن حرف العطف لا يدخل على مثله
فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

معها فيه لأن الكلامين صواب ولا ينكر تكرار ما يقتضي الصواب فلذلك افترق الحكم فيهما
وأما أم فتكون على ضربين متصلة ومنقطعة فأما المتصلة فتكون بمعنى أي نحو أزيد عندك أم عمرو أي أيهما عندك وأما المنقطعة فتكون بمنزلة بل والهمزة كقولهم أنها لإبل أم شاء والتقدير فيه بل أهي شاء كأنه رأي أشخاصا فغلب على ظنه أنها إبل فأخبر بحسب ما غلب على ظنه ثم أدركه الشك فرجع إلى السؤال والاستثبات فكأنه قال بل أهي شاء ولا يجوز أن تقدر بل وحدها والذي يدل عليه قوله تعالى ( أم له البنات ولكم البنون ) ولو كان بمعنى بل وحدها لكان التقدير بل له البنات ولكم البنون وهذا كفر فدل على أنها بمنزلة بل والهمزة

والتركيب فرع على الإفراد
فهذا وجه كونها فروعا فإن قيل فلم وجب أن تكون هذه العلل تمنع الصرف قيل لأنها لما كانت فروعا على ما بينا والفعل فرع على الاسم وهو أثقل من الاسم لكونه فرعا فقد أشبهت الفعل فإذا اجتمع في الاسم علتان من هذه العلل وجب أن يمتنع من الصرف لشبهه بالفعل فإن قيل فلم لم يمتنع الصرف بعلة واحدة قيل لأن الأصل في الاسم الصرف ولا يمنع من الصرف بعلة واحدة لأنها لا تقوى على نقله عن أصله إلا أن تكون العلة تقوم مقام علتين فحينئذ يمنع من الصرف بعلة واحدة لقيام علة مقام علتين فإن قيل لم منع ما لا ينصرف التنوين والجر قيل لوجهين
أحدهما أنه إنما منع التنوين لأنه علامة للصرف فلما وجد ما يوجب منع الصرف وجب أن
يحذف ومنع الجر تبعا له والوجه الثاني أنه إنما منع الجر أصلا لا تبعا لأنه إنما منع من الصرف لأنه أشبه الفعل والفعل ليس فيه جر ولا تنوين فكذلك أيضا ما أشبهه فإن قيل فلم حمل الجر على النصب في ما لا ينصرف قيل لأن بين

باب ما ينصرف
إن قال قائل كم العلل التي تمنع الصرف ا قيل تسع وهي وزن الفعل والوصف والتأنيث والألف والنون الزائدتان والتعريف والعجمة والعدل والجمع والتركيب
ويجمعها بيتان من الشعر - من البسيط -
( جمع ووصف وتأنيث ومعرفة ... وعجمة ثم عدل ثم تركيب )
( والنون زائدة من قبلها ألف ... ووزن فعل وهذا القول تقريب )
فإن قيل ومن أين كانت هذه العلل فروعا قيل لأن وزن الفعل فرع على وزن الاسم والوصف فرع على الموصوف والتأنيث فرع على التذكير والألف والنون الزائدتان فرع لأنهما يجريان مجرى علامة التأنيث في امتناع دخول علامة التأنيث عليهما ألا ترى أنه لا يقال عطشانة وسكرانة كما لا يقال حمراة وصفراة والتعريف فرع على التنكير والعجمة فرع على العربية والجمع فرع على الواحد والعدل فرع لأنه متعلق بالمعدول منه

لا صفة مراعاة للأصل فكذلك ههنا يراعى أصله في الوصف وان كان قد سمي به
وأما ما كان آخره ألف التأنيث فإنما لم ينصرف البتة لأنه مؤنث وتأنيثه لازم فكأنه أنث مرتين فلهذا لم ينصرف لأن العلة فيه قامت مقام علتين
وأما ما كان على فعلان مؤنثه فعلى نحو سكران وسكرى فلأن الألف والنون فيه أشبهتا ألفي التأنيث نحو حمراء وذلك من وجهين أحدهما امتناع دخول تاء التأنيث والثاني أن بناء مذكره مخالف لبناء مؤنثه فإن لم يكن له مؤنث على فعلى نحو عثمان فإنه لا ينصرف معرفة وينصرف نكرة وليس من هذه الأنواع وأما ما كان جمعا بعد ألفه حرفان أو ثلاثة أوسطها ساكن فإنما منع من الصرف البته وذلك لأربعة أوجه الوجه الأول أنه لما كان جمعا لا يمكن جمعه مرة ثانية فكأنه قد جمع مرتين والوجه الثاني أنه جمع لا نظير له في الآحاد فعدم النطير يقوم مقام

الجر والنصب مشابهة ولهذا حمل النصب على الجر في التثنية وجمع المذكر والمؤنث السالم فلما حمل النصب على الجر في تلك المواضع فكذلك حمل الجر على النصب ههنا فإن قيل فلم كان جميع ما لا ينصرف في المعرفة ينصرف في النكرة إلا خمسة أنواع أفعل إذا كان نعتا نحو أزهر وما كان آخره ألف التأنيث نحو حبلى وحمراء وما كان على فعلان مؤنثه فعلى نحو سكران وسكرى وما كان جمعا بعد ألفه حرفان أو ثلاثة أوسطها ساكن نحو مساجد وقناديل وما كان معدولا عن العدد نحو مثنى وثلاث ورباع وما أشبه ذلك قيل أما أفعل فإنما لم ينصرف معرفة ولا نكرة لأنه إذا كان معرفة فقد اجتمع فيه التعريف ووزن الفعل وإذا كان نكرة فقد اجتمع فيه الوصف ووزن الفعل وذهب أبو الحسن الأخفش إلى أنه إذا سمي به ثم نكر انصرف لأنه لما سمي به زال عنه الوصف فإذا نكر بقي وزن الفعل وحده فوجب أن ينصرف
والصحيح أنه لا ينصرف لأنه إذا نكر رجع إلى الأصل وهو الوصف فيجتمع فيه وزن الفعل والوصف
وكما أنهم صرفوا قولهم مررت بنسوة أربع وإن كان على وزن الفعل وهو صفة لأن الأصل أن يكون اسما

الاضافة قيل لثلاثة أوجه
الوجه الأول أنه أمن فيه التنوين لأن الألف واللام والإضافة لا تكون مع التنوين فلما وجدت أمن فيه التنوين فدخله الجر في موضع الجر والوجه الثاني أن الألف واللام والإضافة قامت مقام التنوين ولو كان التنوين فيه لجاز فيه الجر فكذلك ما قام مقامه والوجه الثالث أنه بالألف واللام والإضافة بعد عن شبه الفعل فلما بعد عن شبه الفعل دخله الجر في موضع الجر لأنه قد صار بمنزلة ما فيه علة واحدة فلهذا المعنى دخله الجر مع الألف واللام والإضافة فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

علة ثانية
والوجه الثالث أنه جمع ولا يمكن أن يكسر مرة ثانية فأشبه الفعل لأن الفعل لا يدخله التكسير والوجه الرابع أنه جمع لا نظير له في الأسماء العربية فجرى مجرى الاسم الأعجمي لأن الأعجمي يكون على غير وزن العربي والوجهان الآخران يرجعان إلى الأولين وأما ما كان معدولا عن العدد نحو مثنى وثلاث فإنما منع من الصرف في النكرة وذلك للعدل والوصف
وقيل لأنه عدل عن اللفظ والمعنى فأما عدله في اللفظ فظاهر وأما عدله في المعنى فلأن العدد يراد به قبل العدل الدلالة على قدر المعدود ألا ترى أنك إذا قلت جاءني اثنان أو ثلاثة أردت قدر ما جاءك فإذا قلت جاءني مثنى وثلاث لم يجز حتى تقدم قبله جمعا لتدل بذكر المعدود على الترتيب فتقول جاءني القوم مثنى مثنى وثلاث ثلاث أي اثنين اثنين وثلاثة ثلاثة فدل على أنه معدول من جهة اللفظ والمعنى فلذلك لم ينصرف في النكرة فإن قيل فلم دخل جميع ما لا ينصرف الجر مع الألف واللام أو

الفتح بطل أن يبنى على الكسر لأن الكسر ثقيل والفعل ثقيل والثقيل لا ينبغي أن يبنى على ثقيل وإذا كان الجر لا يدخله وهو غير لازم لثقله فألا يدخله الكسر الذي هو لازم كان ذلك من طريق الأولى وإذا بطل أن يبنى على الكسر بطل أن يبنى على الضم أيضا لثلاثة أوجه الوجه الأول أن الضم أثقل
فإذا بطل أن يبنى على الثقيل فأن لا يبني على الأثقل أولى والوجه الثاني أن الضم أخو الكسر لأن الواو أخت الياء ألا ترى أنهما يجتمعان في الردف نحوقوله - من الوافر -
( ولا تكثر على ذي الضغن عتبا ... ولا ذكر التجرم للذنوب )
ولا تسأله عما سوف يبدي ... ولا عن عيبه لك بالمغيب )
( متى تك في صديق أو عدو تخبرك العيون عن القلوب والوجه الثالث إنما لم يبن على الضم لأن من العرب من يجتزئ بالضمة عن الواو فيقول في قاموا قام وفي كانوا كان قال الشاعر - من الوافر

باب إعراب الأفعال وبنائها
إن قال قائل لم كانت الأفعال ثلاثة ماض وحاضر ومستقبل قيل لأن الأزمنة لما كانت ثلاثة وجب أن تكون الأفعال ثلاثة ماض وحاضر ومستقبل
فإن قيل فلم بني الفعل الماضي على حركة ولم كانت الحركة فتحة قيل إنما بني أولا لأن الأصل في الأفعال البناء - وبني على حركة تفضيلا له على فعل الأمر لأن الفعل الماضي أسماء الأشياء في الصفة نحو قولك مررت برجل ضرب كما تقول مررت برجل ضارب وأشبه أيضا ما أشبه الأسماء في الشرط والجزاء فإنك تقول إن فعلت فعلت والمعنى فيه إن تفعل أفعل فلما قام الماضي مقام المستقبل والمستقبل قد أشبه الأسماء فقد أشبه ما أشبه الأسماء فلما أشبه ما أشبه الأسماء وجب أن يبنى على حركة تفضيلا له على فعل الأمر الذي ما أشبه الأسماء ولا أشبه ما أشبهها وإنما كانت الحركة فتحة لوجهين
أحدهما أن الفتحة أخف الحركات فلما وجب بناؤه على حركة وجب أن يبنى على أخف الحركات والوجه الثاني أنه لا يخلو إما أن يبنى على الكسر أو على الضم أو على

شيء وكقولهم ويلمه والأصل فيه ويل أمه فحذفوا لكثرة الاستعمال فكذلك ههنا
والوجه الثاني أنهم قالوا أجمعنا على أن فعل النهي معرب مجزوم نحو لا تقم ولا تذهب فكذلك فعل الأمر نحو قم واذهب لأن النهي ضد الأمر وهم يحملون الشيء على ضده كما يحملونه على نظيره والوجه الثالث أنهم قالوا الدليل على أنه مجزوم أنك تقول في المعتل اغز وارم واخش فتحذف الواو والياء والألف كما تقول لم يغز ولم يرم ولم يخش فدل على أنه مجزوم بلام مقدرة وقد يجوز إعمال حرف الجزم مع الحذف قال الشاعر
( محمد تفد نفسك كل نفس ... إذا ما خفت من أمر تبال )
وما ذهب إليه الكوفيون فاسد
وقولهم أن الأصل في قم لتقم و اذهمتا لتذهب إلا أنه حذف لكثرة الاستعمال قلنا ليس كذلك فإنه لو كان الأمر كما زعمتم لوجب أن يختص الحذف بما يكثر استعماله دون ما لا يكثر استعماله فلما قيل اقعنسس واحرنجم واعلوط وما أشبه ذلك بالحذف ولا يكثر استعماله دل على فساد ما ذهبوا إليه وقولهم إن فعل

( فلو أن الأطبا كان حولي ... وكان مع الأطباء الشفاة ) وإذا بطل أن يبنى على الكسر والضم وجب أن يبنى على الفتح فإن قيل لم بنى فعل الأمر على الوقف قيل لأن الأصل في الأفعال البناء والأصل في البناء أن يكون على الوقف فبني على الوقف لأنه الأصل
وذهب الكوفيون إلى أنه معرب وإعرابه الجزم واستدلوا على ذلك من ثلاثة أوجه الوجه الأول أنهم قالوا إنما قلنا أنه معرب مجزوم لأن الأصل في قم و اذهب لتقم ولتذهب قال الله تعالى ( فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ) وذكر أنها قراءة النبي وقد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال في بعض مغازيه لتأخذوا مصافكم فدل على أن الأصل في قم لتقم وفي اذهب لتذهب إلا أنه لما كثر في كلامهم وجرى على ألسنتهم استثقلوا مجيء اللام فيه مع كثرة الاستعمال فحذفوها مع حرف المضارعة تخفيفا كما قالوا أيش والأصل فيه أي

فإن قيل فلم أعرب الفعل المضارع قيل لأنه أشبه الأسماء من الخمسة الأوجه التي ذكرناها قبل في صدر الكتاب وإعرابه الرفع والنصب والجزم أما الرفع فلقيامه مقام الاسم وقد ذكرناه أيضا في صدر الكتاب وأما النصب والجزم فسنذكرهما فيما بعد هذا الباب إن شاء الله تعالى
فإن قيل فلم قالوا هو يغزو ويرمي ويخشى فأثبتوا الواو والياء والألف ساكنة في حالة الرفع وحذفوها في حالة الجزم وفتحوا الواو والياء في حالة النصب وسووا في يخشى بين النصب والرفع قيل إنما أثبتوها ساكنة في الرفع لأن الأصل أن يقال هو يغزو ويرمي ويخشى بضم الواو في يغزو والياء في يرمي و يخشى إلا أنهم استثقلوا الضمة على الواو من يغزو وعلى الياء من يرمي فحذفوها فبقيت الواو من يغزو ساكنة وكذلك الياء من يرمي وأما الياء من يخشى فانقلبت ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها
وإنما حذفوا هذه الحروف في الجزم لأنها أشبهت الحركات ووجه الشبه من وجهين أحدهما أن هذه الحروف مركبة من الحركات على قول بعض النحويين والحركات مأخوذة منها على قول آخرين وعلى كلا القولين فقد حصلت بينهما المشابهة والوجه الثاني أن هذه الحروف لا تقوم بها الحركات كما أن

النهي معرب مجزوم فكذلك فعل الأمر قلنا هذا قياس فاسد لأن فعل النهى في أوله حرف المضارعة الذي أوجب له المشابهة بالاسم فاستحق الإعراب فكان معربا وأما فعل الأمر فليس في أوله حرف المضارعة الذي يوجب للفعل المشابهة بالاسم فيستحق الإعراب فكان باقيا على أصله
وقولهم أنه يحذف منه الواو والياء والألف نحو اغز وارم واخش كما تقول لم يغز ولم يرم ولم يخش فنقول إنما حذفت هذه الحروف للبناء لا للإعراب حملا للفعل المعتل على الفعل الصحيح حملا للفرع على الأصل والذي يدل على صحة ما ذكرناه أن حروف الجر لا تعمل مع الحذف فحروف الجزم أولى فأما البيت الذي أنشدوه وهو قوله - من الوافر -
( محمد تفد نفسك كل نفس ... ) فقد أنكره أبو العباس المبرد ولو سلمنا صحته فنقول قوله تفد نفسك لم تحذف الياء للجزم بلام مقدرة وإنما حذفت الياء للضرورة اجتزاء بالكسرة عن الياء وهو في أشعارهم أكثر من أن يحصى وإن سلمنا أن الأصل لتفد وأنه مجزوم بلام مقدرة إلا أنا نقول إنما حذفت اللام لضرورة الشعر وما حذف للضرورة لا يجوز أن يجعل أصلا يقاس عليه
وقد بينا هذه المسألة مستقصاة في المسائل الخلافية

الحقيقة ليس بجزء من الفعل ا وإنما هو قائم بنفسه في موضع رفع لأنه فاعل فلا يجوز أن يجعل حرف إعراب لكلمه أخرى فوجب أن يكون الإعراب بعدها فزادوا النون لأنها تشبه حروف المد واللين وجعلوا ثبوتها علامة للرفع وحذفها علامة للجزم والنصب وإنما جعلوا الثبوت علامة للرفع والحذف علامة للجزم والنصب ولم يكن بعكس ذلك لأن الثبوت أول والحذف طارئ عليه كما أن الرفع أول والجزم والنصب طارئان عليه فأعطوا الأول الأول والطارئ الطارئ والنصب فيهما محمول على الجزم لأن الجزم في الأفعال نظير الجر في الأسماء وكما أن النصب في التثنية والجمع محمول على الجر فكذلك النصب ههنا محمول على الجزم
فإن قيل فلم استوى النصب والجزم في قولهم أنت تفعلين للواحدة وليس في الأسماء الآحاد ما حمل نصبه على جره قيل لأن قولهم أنت تفعلين يشابه لفظ الجمع ألا ترى أن الجمع في حالة النصب والجر يكون في آخره ياء قبلها كسرة وبعدها نون كقولك تفعلين فلما أشبه لفظ الجمع حمل عليه ولهذا فتحت النون منه حملا على الجمع أيضا وكذلك كسروا النون في يفعلان وفتحوها من يفعلون حملا على تثنية الأسماء وجمعها وهذه الأمثلة معربة لا حرف إعراب لها وذلك لما بينا من استحالة جعل اللام

الحركات فكذلك وكما أنها تحذف للجزم فكون لك هذه الحروف
وقد حكي عن أبي بكر بن السراج أنه شبه الجازم بالدواء والحركة في الفعل بالفضلة التي يخرجها الدواء
وكما أن الدواء إذا صادف فضلة حذفها وان لم يصادف فضلة اخذ من نفس الجسم فكذلك الجازم إذا دخل على الفعل إن وجد حركة أخذها وإلا اخذ من نفس الفعل وسهل حذفها وإن كانت أصلية لسكونها لأنها بالسكون تضعف فتصير في حكم حس الحركة فكما أن الحركة تحذف فكذلك هذه الحروف وإنما فتحو الواو والياء في يغزو ويرمي في النصب لخفة الفتحة وانقلبت الياء في نحو يخشى ألفا لتحركها في النصب وانفتاح ما قبلها كما قلبناها في حالة الرفع لتحركها بالضم في الأصل وانفتاح ما قبلها فإن قيل فلم كانت الخمسة الأمثلة نحو تفعلان ويفعلان وتفعلون ويفعلون وتفعلين في حالة الرفع بثبوت النون وفي حالة النصب والجزم بحذفها قيل لأن هذه الأمثلة لما وجب أن تكون معربة لم يمكن أن تجعل اللام حرف الإعراب وذلك لأن من الإعراب الجزم فلو أنها حرف الإعراب لوجب أن تسكن في حالة الجزم فكان يؤدي إلى أن يحذف ضمير الفاعل وذلك لا يجوز
ولم يمكن أيضا أن يجعل الضمير حرف الإعراب لأنه في

فإن قيل أليس الألف في يفعلان تدل على التثنية والواو في يفعلون تدل على الجمع قيل الألف والواو يدلان على التثنية والجمع ولكن على تثنية الضمير وجمعه لا على تثنية الفعل وجمعه لما بينا
فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

أو الضمير أو النون حرف الإعراب وليس لها نظير في كلامهم فإن قيل فهلا كان يفعلان ويفعلون تثنية وجمعا ل يفعل ا كما كان زيدان وزيدون تثنية وجمعا ل زيد قيل لأن الفعل لا يجوز تثنيته ولا جمعه وإنما لم يجز ذلك لأربعة اوجه الوجه الأول أن الفعل يدل على المصدر والمصدر لا يثني ولا يجمع لأنه يدل على الجنس إلا أن تختلف أنواعه فيجوز تثنيته وجمعه فلما كان الفعل يدل على المصدر المبهم الدال على الجنس لم يجز تثنيته ولا جمعه والوجه الثاني أن الفعل لو جازت تثنيته مع الاثنين وجمعه مع الجماعة لجازت تثنيته وجمعه مع الواحد فكان يجوز أن يقال زيد قاما وقاموا إذا فعل ذلك مرتين أو مرارا فلما لم يجز ذلك دل على أنه لا يثنى ولا يجمع والوجه الثالث أن الفعل ليس بذات يقصد إليها بأن يضم إليها غيرها كما يكون ذلك في الأسماء فلذلك لم يثن ولم يجمع والوجه الرابع أن الفعل يدل على مصدر وزمان فصار في المعنى كأنه اثنان
فكما لا يجوز تثنية الاسم المثنى فكذلك لا يجوز تثنية الفعل

أنها ليست مركبة من كلمتين بل هي بمنزلة شيء على حرفين ليس فيه زيادة قال سيبويه ولو كانت على ما يقول الخليل لما قلت أما زيدا فلن أضرب لأن ما بعد أن لا يعمل في ما قبلها ويمكن أن يعتذر عن الخليل بأن يقال أن الحروف إذا ركبت تغير حكمها بعد التركيب عما كانت عليه قبل التركيب
ألا ترى أن هل لا يجوز أن يعمل ما بعدها فيما قبلها وإذا ركبت مع لا ودخلها معنى التخصيص جاز أن يعمل ما بعدها فيما قبلها فيقال زيدا هلا ضربت فكذلك ههنا ويمكن أن يقال على هذا أيضا أن هلا ذهب منها معنى الاستفهام فجاز أن يتغير حكمها وأما لن فمعنى النفي باق فيها فينبغي ألا يتغير حكمها وأما إذن فتستعمل على ثلاثة اضرب الأول أن تكون عاملة وهو أن تدخل على الفعل المضارع فيراد به الاستقبال وتكون جوابا نحو أن يقول القائل أنا أزورك فتقول إذن أكرمك فيجب أعمالها لا غير والثاني أن يدخل عليها الواو والفاء للعطف فيجوز إعمالها وإهمالها وذلك نحو قولك إن تكرمني أكرمك وإذن أحسن إليك فيجوز إعمالها

باب الحروف التي تنصب الفعل المستقبل
إن قال قائل لم وجب أن تعمل أن ولن وإذن وكي النصب قيل إنما وجب أن تعمل لاختصاصها بالفعل ووجب أن يكون عملها النصب لأن أن الخفيفة تشبه أن الثقيلة و أن الثقيلة تنصب الاسم فكذلك أن هذه يجب أن تنصب الفعل
وحملت لن وإذن وكي على أن وإنما حملت عليها لأنها تشبهها ووجه الشبه بينهما أن أن الخفيفة تخلص الفعل المضارع للاستقبال وهذه الحروف تخلص الفعل المضارع للاستقبال فلما اشتركا في هذا المعنى حملت عليها ويحكى عن الخليل أنه قال لا ينصب شيء من الأفعال إلا ب أن مظهرة أو مقدرة والأكثرون على خلافه وتكون أن مع الفعل بعدها بمنزلة المصدر ألا ترى أنك إذا قلت إن تفعل كذا خير لك كان التقدير فعلك كذا خير لك وما أشبه ذلك
وأما لن ففيها قولان فذهب الخليل إلى أنها مركبة من كلمتين وأصلها لا أن فحذفوا الألف من لا والهمزة من أن لكثرة الاستعمال كقولهم ويلمه وركبوا إحداهما مع الأخرى فصار لن وذهب سيبويه إلى

يقولون كيمه كما يقولون لمه ا وإنما وجب أن تقدر بعدها أن لأن حروف الجر لا تعمل في الفعل
فإن قيل فلم وجب تقدير أن بعدها وبعد الفاء والواو وأو واللام وحتى دون أخواتها قيل لثلاثة أوجه الوجه الأول أن أن هي الأصل في العمل والوجه الثاني أن أن ليس لها معنى في نفسها بخلاف لن وإذن وكي فلنقصان معناها كان تقديرها أولى من سائر أخواتها والوجه الثالث أن أن لما كانت تدخل على الفعل الماضي والمستقبل ولا يوجد هذا في سائر أخواتها فقد وجد فيها مزية على سائر أخواتها في حالة إظهارها فإذا وجد فيها مزية على سائر أخواتها في حالة الإظهار كانت أولى بالإضمار
فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

فتنصب الفعل بعدها كما لو ابتدأت بها فترجع إلى القسم الأول ويجوز إهمالها فترفع الفعل بعدها لأنه مع الضمير المستكن فيه خبر مبتدأ محذوف والتقدير فيه وأنا إذن أحسن إليك فترجع إلى القسم الثالث
والثالث أن تدخل بين كلامين أحدهما متعلق بالآخر نحو أن تدخل بين الشرط وجوابه نحو إن تكرمني إذن أكرمك او بين المبتدأ وخبره نحو زيد إذن يقوم وما أشبه ذلك فلا يجوز إعمالها بحال وكذلك إذا دخلت على فعل الحال نحو قولك إذن أظنك كاذبا إذا أردت أنك في حال الظن وذلك لأن إذن إنما عملت لأنها أشبهت أن و أن لا تدخل على فعل الحال ولا يكون بعدها إلا المستقبل فإذا زال الشبه بطل العمل
وأما كي فتستعمل على ضربين أحدهما أن تعمل بنفسها وتكون مع الفعل بمنزلة الاسم الواحد نحو جبئتك لكي تعطيني حقي والثاني أن تعمل بتقدير أن لأنهم يجعلونها بمنزلة حرف جر لأنهم

وأما لا في النهي فإنما وجب أن تعمل الجرم ا حملا على الأمر لأن الأمر ضد النهي وهم يحملون الشيء على ضده كما يحملونه على نظيره ولما كان الأمر مبنيا على الوقف وقد وجب حمل النهي عليه جعل النهي نظيرا له في اللفظ وإن كان أحدهما جزما والآخر وقفا على ما بينا فلهذا وجب أن تعمل الجزم
فإن قيل إذا كان الأصل في لم أن تدخل على الماضي فلم نقل إلى لفظ المضارع قيل لأن لم يجب أن تكون عاملة فلو لزم ما بعدها الماضي لما تبين عملها فنقل الماضي إلى المضارع ليتبين عملها فإن قيل فهلا جوزتم دخولها على الماضي والمستقبل كما جاز في حرف الشرط والجزاء قيل الفرق بينهما ظاهر وذلك لأن الأصل في حرف الشرط والجزاء أن يدخل على الفعل المستقبل والمستقبل أثقل من الماضي فعدل عن الأثقل إلى الأخف فأما لم فالأصل فيها أن تدخل على الماضي وقد وجب سقوط الأصل فلو جوزنا دخولها على الماضي الذي هو الأصل لما جاز دخولها على المضارع الذي هو الفرع لأنه إذا استعمل الأصل الذي هو الأخف لم يستعمل الفرع الذي هو الأثقل فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

باب حروف الجزم
إن قال قائل لم وجب أن تعمل لم ولما ولام الأمر ولا في النهي في الفعل المضارع الجزم قيل إنما وجب أن تعمل لاختصاصها
بالفعل وإنما وجب أن تعمل الجزم وذلك لأن لم لما كانت تدخل على الفعل المضارع فتنقله إلى معنى الماضي كما أن إن التي للشرط والجزاء تدخل على الفعل الماضي فتنقله إلى معنى المستقبل فقد أشبهت حرف الشرط وحرف الشرط يعمل الجزم فكذلك ما أشبهه وإنما وجب لحرف الشرط أن يعمل الجرم لأنه يقتضي جملتين فلطول ما يقتضيه حرف الشرط اختير له الجزم لأنه حذف وتخفيف وأما لما فبمنزلة لم في النقل فكان محمولا عليه وأما لام الأمر فإنما وجب أن تعمل الجزم لاشتراك الأمر باللام وبغير اللام في المعنى فوجب أن تعمل اللام الجزم ليكون الأمر باللام مثل الأمر بغير اللام في اللفظ وإن كان أحدهما جزما والآخر وقفا

في جواب الشرط
وذهب أبو عثمان المازني إلى أنه مبني على الوقف
فمن قال أن حرف الشرط يعمل فيهما جميعا قال لأن حرف الشرط يقتضي جواب الشرط كما يقتضي فعل الشرط ولهذا المعنى يسمى حرف الجزاء فكما عمل في فعل الشرط فكذلك يجب أن يعمل في جواب الشرط وأما من قال أنهما جميعا يعملان فيه فلأن فعل الشرط يقتضي الجواب كما أن حرف الشرط يقتضي الجواب فلما اقتضياه معا عملا فيه معا وأما من قال أن حرف الشرط يعمل في فعل الشرط وفعل الشرط يعمل في الجواب فقال لأن فعل الشرط يقتضي الجواب وهو أقرب إليه من الحرف فكان عمله فيه أولى من الحرف وأما من قال أنه مبني على الوقف فقال لأن الفعل المضارع إنما أعرب لوقوعه موقع الأسماء والجواب ههنا لم يقع موقع الأسماء فوجب أن يكون مبنيا وذهب الكوفيون إلى أنه مجزوم على الجوار لأن جواب الشرط مجاور لفعل الشرط فكان محمولا عليه في الجزم والحمل على الجوار كثير في

باب الشرط والجزاء
إن قال قائل لم عملت إن الجزم في الفعل المضارع قيل إنما عملت لاختصاصها وعملت الجزم لما بينا من أنها تقتضي جملتين الشرط والجزاء فلطول ما تقتضيه اختير لها الجزم لأنه حذف وتخفيف وأما ما عدا أن من ا لألفاظ التي يجازى بها نحو من وما وأي ومهما ومتى وأين وأيان وأنى وأي حين وحيثما وإذما فإنما عملت لأنها قامت مقام إن فعملت عملها وكلها مبنية لقيامها مقامها ما عدا أيا وسنذكرمعانيها ولم أقيمت مقام الحرف مستوفى في باب الاستفهام إن شاء الله تعالى فإن قيل فما العامل في جواب الشرط قيل اختلف النحويون في ذلك فذهب بعض النحويين إلى أن العامل فيه حرف الشرط كما يعمل في فعل الشرط وذهب بعضهم إلى أن حرف الشرط وفعل الشرط يعملان فيه وذهب آخرون إلى أن حرف الشرط يعمل في فعل الشرط وفعل الشرط يعمل

الشرط يعمل فيهما وحده فاعترض عليه بأن حرف الشرط حرف جزم والحروف الجازمة لا تعمل في شيئين لضعفهما وأما قول من قال أن حرف الشرط وفعل الشرط يعملان في الجواب فلا يخلو عن ضعف وذلك لأن الأصل في الفعل ألا يكون عاملا في الفعل فإذا لم يكن له تأثير في العمل في الفعل وحرف الشرط له تأثير فإضافة ما لا تأثير له إلى ما له تأثير لا تأثير له وأما قول من قال أنه مبني على الوقف لأنه لم يقع موقع الاسم ففاسد أيضا وذلك لأن الفعل إذا ثبتت له المشابهة للاسم في موضع واستحق الإعراب بتلك المشابهة لم يشترط ذلك في كل موضع ألا ترى أن الفعل المضارع يكون معربا بعد حروف النصب نحو لن يقوم وبعد حروف الجزم نحو لم يقم وان لم يحسن أن يقع موقع الأسماء فكذلك ههنا على أن وقوعه موقع الأسماء إنما هو موجب لنوع من الإعراب وهو الرفع وقد زال حملا لجنس الإعراب وليس من ضرورة زوال نوع منه زوال جملة الجنس
والصحيح عندي أن يكون العامل هو حرف الشرط بتوسط فعل الشرط لا أنه عامل معه لما بينا
فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

كلامهم قال الشاعر - من البسيط -
( كأنما ضربت قدام أعينها ... قطنا بمستحصد الأوتار محلوج ) وكان يقتضي أن يقول ا محلوجا فخفضه على الجوار وكقول الآخر - من الرجز -
( كأن نسج العنكبوت المرمل ... ) وكقولهم جحر ضب خرب وما أشبه ذلك وهذا ليس بصحيح لأن الحمل على الجوار قليل يقتصر فيه على السماع ولا يقاس عليه لقلته وقد اعترض على هذه المذاهب كلها باعتراضات فأما من قال إن حرف

ضربين مرفوع ومنصوب فأما المرفوع فهو أنا ونحن وأنت وأنتما وأنتم وأنت وأنتن وهو وهما وهم وهي وهن
وأما المنصوب المنفصل فإياي وإيانا وإياك وإياكما وإياكم وإياك وإياكن وإياه وإياهما وإياهم وإياها وإياهن وذهب الخليل إلى أنه مظهر استعمل استعمال المضمر
ومنهم من قال أنه اسم مبهم أضيف للتخصيص ولا يعلم اسم مبهم أضيف غيره ومنهم من قال أنه بكماله اسم مضمر ولا يعلم اسم مضمر يختلف آخره غيره ومنهم من قال أنه اسم مضمر أضيف إلى الكاف ولا يعلم اسم مضمر أضيف غيره والصحيح أن إيا اسم مضمر والكاف للخطاب ولا موضع لها من الإعراب وذهب الكوفيون إلى أن المضمر هو الكاف و إيا عماد وهذا ليس بصحيح لأن الشيء لا يعمد بما هو أكثر منه وقد بينا فساد ذلك مستقصى في المسائل الخلافية وأما المتصل فعلى ثلاثة أضرب مرفوع ومنصوب ومجرور فأما المرفوع فنحو قمت وقمنا وقمت وقمتما وقمتم وقمت وقمتن والمضمر في قام وقاما

باب المعرفة والنكرة
إن قال قائل هل المعرفة اصل أو النكرة قيل لا بل النكرة هي الأصل لأن التعريف طارئ على التنكير فإن قيل ما حد النكرة والمعرفة قيل حد النكرة ما لملي يخص الواحد من جنسه نحو رجل وفرس ودار وما أشبه ذلك وحد المعرفة ما خص الواحد من جنسه فإن قيل فبأي شيء تعتبر النكرة من المعرفة قيل بشيئين أحدهما دخول الألف واللام نحو الفرس والغلام ودخول رب عليها نحو رب فرس وغلام وما أشبه ذلك فإن قيل فعلى كم نوعا تكون المعرفة قيل على خمسة أنواع الاسم المضمر والعلم والمبهم وهو اسم الإشارة وما عرف بالألف واللام وما أضيف إلى أحد هذه المعارف فأما الاسم المضمر فعلى ضربين منفصل ومتصل فأما المنفصل فعلى

وأما ما عرف بالألف واللام فنحو قولك الرجل والغلام وقد اختلف النحويون في ذلك فذهب الخليل إلى أن تعريفه بالألف واللام معا وذهب سيبويه إلى أن تعريفه باللام وحدهاا وأنها لما زيدت للتعريف ساكنة ادخلوا عليها الهمزة لئلا يبتدأ بالساكن لأن الابتداء بالساكن محال وفي الخلاف بينهما كلام طويل لا يليق ذكره بهذا المختصر وقد أفردنا كتابا فيه وأما ما أضيف إلى أحد هذه المعارف فنحو غلامي وغلام زيد وغلام هذا وغلام الرجل وغلام صاحب عمرو وما أشبه ذلك فإن قيل فما اعرف هذه المعارف قيل اختلف النحويون في ذلك فذهب بعض النحويين إلى أن الاسم المضمر اعرف المعارف ثم الاسم العلم ثم الاسم المبهم ثم ما فيه الألف واللام وأعرف الضمائر ضمير المتكلم لأنه لا يشاركه فيه غيره ولا يقع فيه التباس بخلاف غيره من سائر المعارف والذي يدل على أن الضمائر أعرف المعارف أنها لا تفتقر إلى أن توصف كغيرها من

وقاموا وقامت وقامتا وقمن
والضمير في اسم الفاعل نحو ضارب والضمير في اسم المفعول نحو مضروب وما أشبه ذلك
وأما المنصوب المتصل فنحو رأيتني ورايتنا ورأيتك ورأيتكما ورأيتكم ورأيتك ورأيتكن ورأيته ورأيتهما ورأيتهم ورأيتها ورأيتهن وما أشبه ذلك وأما المجرور فلا يكون إلا متصلا نحو مر بي وبنا وبك وبكما وبكم وبك وبكن وبه وبهما وبهم وبها وبهن وما أشبه ذلك فإن قيل فلم كان للمرفوع والمنصوب ضميران متصل ومنفصل ولم يكن للمجرور كذلك قيل لأن المرفوع والمنصوب يجوز في كل واحد منهما أن يفصل بينه وبين عامله ألا ترى أن المرفوع يجوز أن يتقدم فيرتفع بالإبتداء فلا يتعلق بعامل لفظي وكذلك المنصوب يجوز أن يتقدم على الناصب كتقدم المفعول على الفعل والفاعل فلما كانا يتصلان بالعامل تارة وينفصلان أخرى وجب أن يكون لهما ضميران متصل ومنفصل وأما المجرور فلا يجوز أن يتقدم على عامله ولا يفصل بين عامله ومعموله إلا في ضرورة لا يعتد بها فوجب أن يكون ضميره متصلا لا غير وأما الاسم العلم فنحو زيد وعمرو وأبي محمد وما أشبه ذلك وأما المبهم فنحو هذا وهذان وهذه وهاتان وتلك وتيك وتانك وتينك وهؤلاء وما أشبه ذلك

ذلك ا إلا أنه لما لم ينطقوا به وضمنوا معناه اسم الإشارة وإن لم ينطقوا به وجب أن يكون مبنيا فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

المعارف وهو قول سيبويه وذهب بعضهم إلى أن الاسم المبهم اعرف المعارف لأنك تعرفه بعينك ثم المضمر ثم العلم ثم ما فيه الألف واللام وهو قول أبي بكر بن السراج وذهب آخرون إلى أن أعرف المعارف الاسم العلم لأنه في أول وضعه لا يكون له مشارك ثم المضمر ثم المبهم ثم ما عرف بالألف والأم وهو قول أبي سعيد السيرافي
فأما ما عرف بالإضافة فتعريفه بحسب ما يضاف إليه من المضمر والعلم والمبهم وما فيه الألف واللام على اختلاف الأقوال فإن قيل فلم بني الاسم المضمر والمبهم دون سائر المعارف قيل أما المضمر فإنما بني لأنه أشبه الحرف لأنه جعل دليلا على المظهر وإذا جعل علامة على غيره أشبه تاء التأنيث فإذا أشبه تاء التأنيث فقد أشبه الحرف وإذا أشبه الحرف وجب أن يكون مبنيا وأما المبهم وهو اسم الإشارة فإنما بني لتضمنه معنى حرف الإشارة فإن قيل فأين حرف الإشارة قيل حرف الإشارة وان لم ينطقوا به إلا أن القياس كان يقتضي أن يوضع له حرف كغيره من المعاني كالاستفهام والشرط والنفي والنهي والتمني والترجي والعطف والنداء والاستثناء إلى غير

وأجبال وجمل وأجمال قال الشاعر - من البسيط -
( ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ ... زغب الحواصل لا ماء ولا شجر )
( ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة ... فاغفر عليك سلام الله يا عمر ) وأما أنف فإنما جمعوه على أفعال فقالوا آناف لأن فيه النون والنون فيها غنة فصارت الغنة فيه بمنزلة الحركة فصار بمنزلة فعل فجمع على أفعال وأما زند فإنما جمع على أفعال فقالوا أزناد لوجهين أحدهما لما ذكرنا أن النون فيها غنة فصارت كأنها متحركة والوجه الثاني أن زندا في معنى عود وعود بجمع على أعواد فكذلك ما كان في معناه فإن قيل ولم جمعوا فعلا إذا كانت عينه ياء أو واوا على أفعال ولم يجمعوه على افعل قيل لأنهم لو جمعوه على أفعل على قياس الصحيح لأدى ذلك إلى الاستثقال ألا ترى أنك لو قلت في جمع بيت أبيت وفي جمع عود أعود لأدى ذلك إلى ضم الياء والواو والياء تستثقل عليها الضمة لأنها معها بمنزلة ياء وواو وكذلك الواو أيضا تستثقل عليها الضمة

باب جمع التكسير
إن قال قائل لم جمع فعل بفتح الفاء وسكون العين في القلة على أفعل وسائر أوزان الثلاثي وهي فعل وفعل وفعل وفعل وفعل وفعل وفعل ا وفعل وفعل تجمع على أفعال قيل لأن فعلا أكثر استعمالا من غيره من سائر الأوزان و أفعل أخف من أفعال فأعطوا ما يكثر استعماله الأخف وأعطوا ما يقل استعماله الأثقل ليعادلوا بينهما فأما قولهم فرخ وأفراخ وأنف وآناف وزند وأزناد في حروف معدودة فشاذ لا يقاس عليه على أنهم قد تكلموا عليها فقالوا إنما قالوا في جمع فرخ أفراخ لوجهين أحدهما أنهم حملوه على معنى طير فكما قالوا في جمع طير أطيار فكذلك قالوا في جمع فرخ أفراخ لأنه في معناه والوجه الثاني أن فيه الراء وهي حرف تكرير فتنزل التكرير فيه بمنزلة الحركة فصار بمنزلة فعل بفتح العين فجمع على أفعال كجبل

لأنه في معناه كقوله - من الطويل -
( أمنزلتي مي سلام عليكما ... هل الأزمن اللائي مضين رواجع ) فإن قيل فلم جمع ما جاء على فعل في الأغلب على فعلان قيل لأن فعلا مقصور من فعال وما كان على فعال فإنه يجمع على فعلان نحو غراب وغربان وعقاب وعقبان فكذلك ما كان مقصورا منه يجمع على فعلان
فإن قيل فلم وجب تحريك العين من فعلة بفتح الفاء وسكون العين في الجمع في نحو جفنات وقصعات وسكنت في نحو خدلات وصعبات قيل لأن فعلة بفتح الفاء وسكون العين تكون اسما غير صفة نحو جفنة وقصعة وتكون صفة نحو خدلة وصعبة فحركت العين منها إذا كانت اسما غير صفة نحو جفنات وقصعات للفرق بينهما وبين الصفة نحو خدلات وصعبات

أكثر من الياء لأنها معها بمنزلة واوين فلما كان ذلك مستثقلا عدلوا عنه إلى أفعال
فإن قيل فلم جمعوا بين فعال و فعول في جمع الكثرةا قيل لاشتراكهما في عدد الحروف وإن كان في أحدهما حرف ليس في الآخر فإن قيل فلم خصوا في جمع التكسير ما كان على فعل مما عينه واو ب فعال نحو ثوب وثياب ومما عينه ياء ب فعول نحو شيخ وشيوخ وهلا عكسوا قيل إنما لم يجمعوا ما كان من ذوات الواو على فعول لأنه كان يؤدي إلى الاستثقال ولا يؤدي إلى ذلك إذا جمع على فعال ألا ترى أنه لو جمع على فعول لكان يؤدي إلى اجتماع واوين وضمه نحو ثووب وحووض وذلك مستثقل لاجتماع واوين وضمة وجوزوا ذلك في الياء لأنها أخف من الواو فلذلك خصوا ما كان عينه واوا ب فعال وما كان عينه ياء ب فعول فإن قيل فمن أين زعمتم أن أفعلالا يكون إلا في جمع فعل وقد قالوا زمن وأزمن فجمعوا فعلا بفتح العين على أفعل قيل إنما قالوا زمن وأزمن وإن كان القياس يوجب أن يقال أزمان إلا أنه لما كان زمن في معنى دهر و دهر يجمع على أدهر فكذلك أيضا جمعوا زمنا على أزمن

وإنما كانت ساكنة إذا كانت مضاعفة لئلا يجتمع حرفان متحركان من جنس واحد وذلك مستثقل ألا ترى أنك لو قلت في جمع سلة سللات وملة مللات لكان ذلك مستثقلا فإن قيل فلم جاز في جمع فعلة بضم الفاء وسكون العين ضم العين وفتحها وسكونها نحو ظلمة وظلمات وظلمات وظلمات قيل أما الضم فللاتباع وأما الفتح ففرارا من اجتماع الضمتين وأما السكون فللتخفيف كقولهم في عضد عضد فإن قيل فلم جاز في جمع فعلة بكسر الفاء وسكون العين كسر العين وفتحها وسكونها نحو سدرة وسدرات وسدرات وسدرات قيل أما الكسر فللاتباع وأما الفتح ففرارا من اجتماع الكسرتين وأما السكون فللتخفيف كقولهم في كتف كتف كما بينا في جمع فعلة والألف والتاء في ذلك كله للقلة عند بعض النحويين ويحتجون بما روي أن حسان بن ثابت أنشد النابغة قصيدته التي يذكر فيها - من الطويل -
( لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دما )
فلم ير فيه اهتزازا فعاتبه على ذلك فقال له النابغة قد أخطأت في بيت واحد في ثلاثة مواضع وأغضيت عنها ثم جئت تلومني فقال له حسان وما تلك المواضع فقال له

فإن قيل فلم كان الاسم أولى بالتحريك من الصفة وهلا عكسوا وكان الفرق حاصلا قيل إنما كان الاسم أولي بالتحريك من الصفة لأن الاسم أقوى وأخف من الصفة والصفة أضعف وأثقل فلما كان الاسم أقوى وأخف والصفة أضعف وأثقل كان الاسم للتحريك أحمل فأما قول الشاعر - من الطويل -
( أبت ذكر عودن أحشاء قلبه ... خفوقا اورفضات الهوى في المفاصل ) فسكن رفضات والأصل رفضات بالفتح لأجل ضرورة الشعر فإن قيل فلم إذا كانت العين من فعلة معتلة أو مضاعفة تكون ساكنة كالصفة نحو عورات وبيضات وسلات وما أشبه ذلك قيل إنما كانت ساكنة إذا كانت العين معتلة لأن الحركة توجب ثقلا في الواو والياء فسكنوهما هربا من ثقل الحركة عليهما وحرصا على تصحيحهما ومن العرب من يفتح الواو والياء فيقول عورات وبيضات كما لو كان صحيح العين وعلى هذه اللغة قراءة من قرأ ( ثلاث عورات لكم ) بفتح الواو وقال الشاعر - من الطويل -
( أخو بيضات رائح متأوب ... رفيق بمسح المنكبين سبوح )

القلة جمع الكثرة لاشتراكهما في الجمع كما جاز ذلك فيما يجمع بالواو والنون نحو الزيدون وجاز أن ينوى بجمع الكثرة جمع القلة كما جاز أن ينوي بالعموم الخصوص فإن قيل فلم جمع ما كان رباعيا على مثال واحد وهو مثال فعالل قيل لأن ما كان على أربعة أحرف لما كان أثقل مما كان على ثلاثة أحرف ألزم طريقة واحدة وزيدت الألف على واحده دون غيرها لأنها أخف الحروف لأنها قط لا تكون إلا ساكنة فإن قيل فلم حذف آخر ما كان خماسيا في الجمع نحو سفرجل وسفارج قيل إنما وجب حذف آخر حروفه لطوله ولو أتي به على الأصل لكان مستثقلا فحذف طلبا للخفة وكان الآخر أولى بالحذف لأنه أضعف حروف الكلمة لأن الحذف في آخر الكلمة أكثر من غيره فإن قيل فلم جاز أن يقولوا في جمع سفرجل سفاريج بالياء قيل لأنهم لما حذفوا اللام جعلوا الياء عوضا عن اللام المحذوفة منه فإن قيل فلم عوضوا بالياء دون غيرها قيل لأن ما بعد ألف التكسير مكسور فكأنهم أشبعوا الكسرة فنشأت الياء وذلك ليس بثقيل فلهذا كانت الياء أولى من غيرها

الأول أنك قلت الجفنات وهي تدل على عدد قليل ولا فخر لك أن يكون لك في ساحتك ثلاث جفنات أو أربع
والثاني أنك قلت يلمعن واللمعة بياض قليل فليس فيه كبير شأن
والثالث أنك قلت يقطرن والقطرة تكون للقليل فلا يدل ذلك على فرط نجدة وكان يجب أن تقول الجفان ويسلن وهذا عندي ليس بصحيح لأن هذا الجمع يجيء للكثرة كما يجيء للقلة والذي يدل عليه قول الله تعالى ( وهم في الغرفات آمنون ) والمراد به الكثرة لا القلة والدي يدل على ذلك أنه جمع صحيح فصار بمنزلة قولهم الزيدون والعمرون كما أن قولهم الزيدون والعمرون يكون للكثرة والقلة فكذلك هذا الجمع
وأما ما روي عن النابغة وحسان فقد كان أبو علي الفارسي يقدح فيه ولو صح فيحتمل أن يكون النابغة قصد ذكر شيء يرفع عنه ملامة حسان ويعارضها في الحال فإن قيل فلم جاز أن يكتفي ببناء القلة عن بناء الكثرة وببناء الكثرة عن بناء القلة قيل إنما جاز أن يكتفي ببناء القلة عن بناء الكثرة نحو قلم وأقلام ورسن وأرسان وأذن وآذان وطنب وأطناب وكتف وأكتاف وإبل وآبال وأن يكتفى ببناء الكثرة عن بناء القلة نحو رجل ورجال وسبع وسباع وشسع وشسوع لأن معنى الجمع مشترك في القليل والكثير فجاز أن ينوى بجمع

باب التصغير
إن قال قائل لم ضم أول الاسم المصغر قيل لوجهين أحدهما أن الاسم المصغر يتضمن المكبر ويدل عليه فأشبه فعل ما لم يسم فاعله فكما بني أول فعل ما لم يسم فاعله على الضم فكذلك أول الاسم المصغر والوجه الثاني أن التصغير لما صيغ له بناء جمع له جميع الحركات فبني الأول على الضم لأنه أقوى الحركات وبني الثاني على الفتح تبيينا للضمة
وبني ما بعد ياء التصغير على الكسر في تصغير ما زاد على ثلاثة أحرف دون ما كان على ثلاثة أحرف لأن ما كان على ثلاثة أحرف يقع ما بعد كل في الياء منه حرف الإعراب فلا يجوز أن يبنى على الكسر فإن قيل فلم كان التصغير بزيادة حرف ولم يكن بنقصان حرف قيل لأن التصغير قام مقام الصفة ألا ترى أنك إذا قلت في رجل رجيل وفي درهم دريهم وفي دينار دنينير قام رجيل مقام رجل صغير وقام دريهم مقام درهم صغير وقام دنينير مقام دينار صغير فلما قام التصغير

فإن قيل فلم حذفوا منه الزيادة في الجمع إذا لم تقع رابعة ولم يحذفوها إذا وقعت رابعة قيل إنما حذفوا الزيادة إذا لم تقع رابعة لأنهم إذا حذفوا منه الحرف الأصلي فالزائد أولى وإنما لم يحذفوها إذا وقعت رابعة لأنهم يجتلبون لها الياء قبل الطرف فإذا وجدت قبل الطرف وهي من نفس الكلمة فينبغي ألا تحذف لأنها أولى بالثبات من المجتلبة فإن قيل فلم قالوا في جمع مفتاح مفاتيح وجرموق جراميق فقلبوا الألف والواو ياء وابقوا الياء على حالها قيل إنما قلبوا الألف والواو ياء لسكونهما وانكسار ما قبلهما وأبقوا الياء على حالها لأن الكسرة إذا كانت توجب قلب الألف والواو ياء فلأن تبقى الياء على حالها كان ذلك من طريق الأولى فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

ضممت إليه غيره وصيرت الواحد جمعا فلما كان التصغير أضعف من التكسير في التغيير وكان المراد به معنى واحدا ألزم طريقة واحدة ولما كان التكسير أقوى من التصغير في التغيير ويكون كثيرا وقليلا وليس له نهاية ينتهي إليها خص بأبنيه تدل على القلة والكثرة فلذلك اختلفت أبنيته فإن قيل فلم إذا كان الاسم خماسيا يحذف آخر حروفه في التصغير نحو سفرجل وسفيرج قيل إنما وجب حذف آخر حروفه في التصغير لطوله على ما بينا في جمع التكسير لأن التصغير يجري مجرى التكسير ولهذا يجوز فيه التعويض فيقال فيه سفيريج كما قالوا في التكسير سفاريح ولهذا أيضا إذا كانت الزيادة غير رابعة حذفت وإذا كانت رابعة لم تحذف حملا للتصغير على التكسير لأن التصغير والتكسير من واد واحد فإن قيل فلم ردوا التاء في تصغير المؤنث إذا كان الاسم ثلاثيا نحو شمس وشميسة ولم يردوها إذا كان الاسم على أربعة أحرف نحو زينب وزيينب قيل إنما ردوا التاء في التصغير لأن التصغير يرد الأشياء إلى أصولها ألا ترى أنهم قالوا في تصغير باب بويب وفي تصغير ناب نييب

مقام الصفة وهي لفظ زائد جعل بزيادة حرف وجعل ذلك الحرف دليلا على التصغير لأنه قام مقام ما يوجب التصغير فإن قيل فلم كانت الزيادة ياء ولم كانت ساكنة ولم كانت ثالثة قيل إنما كانت ياء لأنهم لما زادوا الألف في التكسير والتصغير والتكسير من واد واحد زادوا فيه الياء لأنها اقرب إلى الألف من الواو وإنما كانت ساكنة ثالثة لأن ألف التكسير لا تكون إلا كذلك فإن قيل فلم حمل التصغير على التكسير ومن أين زعمتم أنهما من واد واحد قيل إنما حمل التصغير على التكسير لأنه يغير اللفظ والمعنى كما أن التكسير يغير اللفظ والمعنى ألا ترى أنك إذا قلت في تصغير رجل رجيل أنك قد غيرت لفظه بضم أوله وفتح ثانيه وزيادة ياء ساكنة ثالثة وغيرت معناه لأنك نقلته من الكبر إلى الصغر كما أنك إذا قلت في تكسيره رجال غيرت لفظه بزيادة الألف وفتح ما قبلها وغيرت معناه لأنك نقلته من الإفراد إلى الجمع فلهذا قلنا أنهما من واد واحد فإن قيل فلم ألزموا التصغير طريقة واحدة ولم تختلف أبنيته كإختلاف أبنية التكسير قيل لأن التصغير أضعف من التكسير ألا ترى أنك إذا قلت رجيل فقد وصفته بالصغر من غير أن تضم إليه غيره وإذا قلت رجال فقد

التعريس والحرب في الأصل مصدر حربت حربا والمصدر في الأصل مذكر والناب روعي فيها معنى الناب الذي هو السن وهو مذكر لأنها سميت به عند سقوطه ودرع الحديد في معنى الدرع الذي هو القميص وإنما أثبتوا التاء في التصغير في ما كان رباعيا نحو قديديمة ووريئة وأميمة لوجهين أحدهما أن الأغلب في الظروف أن تكون مذكرة فلو لم يدخلوا التاء في هذه الظروف وهي مؤنثة لالتبست بالمذكر والوجه الثاني أنهم زادوا التاء تأكيدا للتأنيث ويحتمل أيضا وجها ثالثا وهو أنهم أثبتوا التاء تنبيها على الأصل المرفوض كما صححوا الواو في القود والحركة تنبيها على أن الأصل في باب و دار بوب ودور وعلى كل حال فكلا القسمين شاذ لا يقاس عليه فإن قيل فلم خالفوا بين تصغير الأسماء المبهمة وما أشبهها وبين الأسماء المتمكنة فقالوا في تصغير ذا ذيا وفي تا تيا وفي الذي اللذيا وفي التي اللتيا قيل إنما فعلوا ذلك جريا على أصول كلامهم في تغيير الحكم عند تغيير الباب لأن الأسماء المبهمة لما كانت مغايرة للأسماء المتمكنة جعلوا لها

فردوا الألف إلى أصلها وأصلها في باب الواو لأنك تقول في تكسيره أبواب وبوبت بابا
وأصلها في ناب الياء لأنك تقول في تكسيره أنياب ونيبت نابا
وفي الأمر منه نيب وفي الأمر من الأول بوب ا فإذا كان التصغير يرد الأشياء إلى أصولها والأصل في نحو شمس أن تكون بعلامة التأنيث للفرق بين المذكر والمؤنث وجب ردها في التصغير واختص رد التاء في الثلاثي لخفة لفظه فأما الرباعي فلم ترد فيه التاء لطوله فصار الطول بدلا من تاء التأنيث فأما ما لم يرد فيه التاء في التصغير من الثلاثي فنحو قولهم في قوس قريس وفي فرس فريس وفي عرس عريس وفي حرب حريب وفي ناب الإبل نييب وفي درع الحديد دريع وأما ما اثبتوا فيه التاء في التصغير من الرباعي فنحو قولهم في قدام قديديمة وفي وراء وريئة وفي أمام أميمة وقد تكلموا عليه فقالوا إنما لم تلحق التاء في التصغير ما كان ثلاثيا لأنه اجري مجرى المذكر لأنه في معناه وذلك لأن القوس في معنى العود والفرس ينطلق على المذكر والمؤنث والمذكر هو الأصل فبقي لفظ تصغيره على أصله والعرس في معنى

باب النسب
ان
قال قائل لم زيدت الياء في النسب مشددة مكسورا ما قبلها نحو زيدي وعمري وبغدادي وبصري وما أشبه ذلك قيل أولا إنما كانت ياء تشبيها بياء الإضافة لأن النسب في معنى الإضافة ولهذا كان المتقدمون من النحويين يترجمونه ب باب الإضافة
وكانت الياء مشددة لأن النسب أبلغ من الإضافة فشددوا الياء ليدلوا على هذا المعنى وكانت مكسورا ما قبلها توطيدا لها فإن قيل فلم حذفوا تاء التأنيث في النسب نحو قولهم في النسب إلى مكة مكي وما أشبه ذلك قيل لخمسة أوجه الوجه الأول أنها إنما حذفت لئلا تقع في حشو الكلمة وتاء التأنيث لا تقع في حشو الكلمة والوجه الثاني أنها إنما حذفت لئلا يؤدي إلى الجمع بين تاءي

حكما غير حكم الأسماء المتمكنة لتغايرهما فلم يضموا أوائلها في التصغير كما فعلوا في الأسماء المتمكنة وزادوا في آخرها ألفا لتكون علما للتصغير كالضمة في أوائل الأسماء المتمكنه وجوزوا أن تقع ياء التصغير فيها ثانية كقولهم في ذا ذيا وفي تا تيا فإن قيل فلم لم يمتنع وقوع ياء التصغير فيها ثانية كما امتنع في الأسماء المتمكنة قيل إنما لم يمتنع وقوع ياء التصغير فيها ثانية كما امتنع في الأسماء المتمكنة لأن أوائلها مفتوحة فلم يمتنع وقوع ياء التصغير الساكنة بعدها بخلاف الأسماء المتمكنة فإن أوائلها مضمومة فيمتنع وقوع الياء الساكنة بعدها فإن قيل فلم زادوا الألف في آخرها علامة للتصغير قيل إنما حسن زيادة الألف في آخرها علامة للتصغير لأنها أسماء مبنية فجعل في آخرها ألف لتكون على صيغة لا يتصور دخول الحركة التي هي آلة الإعراب عليه
فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

فإن قيل فلم حذفت الياء من باب فعيلة وفعيلة كقولهم في النسب إلى جهينة جهني وإلى ربيعة ربعي دون باب فعيل وفعيل كقولهم في النسب إلى ثقيف ثقيفي وفي النسمب إلى هذيل هذيلي قيل إنما حذفوا الياء في باب فعيلة وفعيلة دون باب فعيل وفعيل لأن باب فعيلة وفعيلة اجتمع فيه سببان موجبان للحذف وهما طلب التخفيف وتأنيس التغيير بحذف تاء التأنيث وباب فعيل وفعيل ليس فيه إلا سبب واحد وهو طلب التخفيف فلما كان في باب فعيلة وفعيلة سببان لزم الحذف ولما كان في باب فعيل وفعيل سبب واحد لم يلزم الحذف فإن قيل فلم قالوا حنفي بالفتح والأصل فيه الكسر قيل إنما قالوا حنفي بالفتح وإن كان الأصل هو الكسر لأنهم قلبوا الكسرة فتحة طلبا للتخفيف كما قالوا في النسب إلى شقر شقري وإلى نمر نمري بالفتح وان كان الأصل هو الكسر طلبا للتخفيف ألا ترى أنهم لو قالوا شقري

تأنيث في النسب إلى المؤنث إذا كان المنسوب مؤنثا ألا ترى أنك لو قلت في النسب إلى الكوفة والبصرة في المذكر رجل كوفتي وبصرتي لقلت في المؤنث امرأة كوفتية وبصرتية فلما كان يؤدي إلى الجمع بين تاءي تأنيث في المؤنث نحو كوفتية وبصرتية والجمع بين علامتي تأنيث في كلمة واحدة لا يجوز حذفوا التاء من المذكر لئلا يجمعوا بين علامتي تأنيث في المؤنث والوجه الثالث أنها إنما حذفت لأن ياء النسب قد تنزلت منزلة تاء التأنيث في الفرق بين الواحد والجمع ألا ترى أنهم قالوا رومي وروم وزنجي وزنج ففرقوا بين الواحد والجمع بياء النسب كما فرقوا بتاء التأنيث بين الواحد والجمع في قولهم نخلة ونخل وتمرة وتمر فلما وجدت المشابهة بينهما من هذا الوجه لم يجمعوا بينهما كما لم ا يجمعوا بين علامتي تأنيث
والوجه الرابع أنها إنما حذفت لأن هذه التاء حكمها أن تنقلب في الوقف هاء فلما كانت تتغير ولا يمكن أن تجري على حكمها في أن تكون تارة تاء وتارة هاء كان حذفها أسهل عليهم
والوجه الخامس أن تاء التأنيث بمنزلة اسم ضم إلى اسم ولو نسبت إلى اسم ضم إلى اسم لحذفت الاسم الثاني فكذلك ههنا تحذف تاء التأنيث

وقاضوي قيل أما من قال مغزوي فأبدل فلأن الألف من نفس الكلمة فأبدل منها واوا كما أبدل فيما كان على ثلاثة أحرف نحو رحوي وعصوي وأما قاضوي فأبدلت من الكسرة فتحة وقلبت الياء ألفا فصار قاضا كمغزى فقالوا قاضوي كما قالوا مغزوي وأما من قال مغزي وقاضي فحذف الألف والياء فلأن الألف ساكنة والياء الأولى من ياءي النسب ساكنة وساكنان لا يجتمعان فحذفت الألف لالتقاء الساكنين كما حذفت فيما كان على خمسة أحرف
فإن قيل فلم وجب حذف الألف والياء إذا كان الاسم على خمسة أحرف نحو قولهم في النسب إلى مرتجى مرتجي وإلى مشتري مشتري قيل إنما وجب حذف الألف والياء من الاسم إذا كان على خمسة أحرف لطول الكلمة وإذا جاز الحذف فيما كان على أربعة أحرف لزم فيما زاد على ذلك
فإن قيل فلم لزم الحذف فيما كان على أربعة أحرف نحو قولهم في النسب إلى بشكى بشكي وإلى جمزى جمزي قيل لأنه لما توالت فيه ثلاث حركات متواليات تنزل منزلة ما كان على خمسة أحرف لأن الحركة قد تنزل منزلة الحرف ألا ترى أن من يجوز أن يصرف هند لا يجوز أن

ونمري بالكسر لأدى ذلك إلى توالي كسرتين بعدهما ياء مشددة وذلك مستثقل فعدلوا عن الكسرة إلى الفتحة فقالوا شقري ونمري فكذلك ههنا وكذلك قالوا في النسب إلى علي علوي بالفتح لأنهم لما حذفوا الياء الأولى التي هي ياء فعيل بقي على وزن فعل فأبدلوا من الكسرة فتحة فانقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصار علا ك رحى وعصا وقلبوا من الألف واوا فقالوا علوي كما قالوا رحوي وعصوي فإن قيل فلم وجب قلب ألف رحى وعصا واوا قيل إنما وجب قلب الألف واوا لأنها ساكنة والياء الأولى من ياءي النسب ساكنة وساكنان لا يجتمعان فوجب فيها القلب وكان القلب أولى من الحذف لكثرة ما يلحق النسب من التغيير والتغيير بالحذف أبلغ من القلب وأقوى فلهذا كان القلب أولى
وكان قلب الألف واوا أولى من قلبها ياء لأنها لو قلبت ياء لأدى ذلك إلى اجتماع الأمثال ألا ترى أنك لو قلت رحيي وعصيي لأدى ذلك إلى اجتماع ثلاث ياءات وذلك مستثقل فعدلوا عن الياء إلى الواو لأنها أبعد عن اجتماع الأمثال فإن قيل فلم قالوا في النسب إلى شج شجوي قيل لأنهم أبدلوا من الكسرة فتحة للعلة التي ذكرناها فانقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فالتحق بالمقصور نحو رحى وعصا فقالوا فيه شجوي كما قالوا رحوي وعصوي فإن قيل فلم قالوا في النسب إلى مغزى وقاض مغزي ومغزوي وقاضي

في النسب إلى الفرائض فرضي وما أشبه ذلك قيل لأن نسبه ا إلى الواحد يدل على كثرة نظره فيها وحكم الواحد من الفرائض كحكم الجمع فإذا كان حكم الواحد كحكم الجمع وجب الرد إلى الواحد لأنه أخف في اللفظ مع أنه الأصل فأما قولهم أنماري ومدائني فإنما نسبوا إلى الجمع لأنه صار اسم شيء بعينه وليس المقصود منه أن يدل على ما يقتضيه اللفظ من الجمع فلما صار اسما للواحد تنزل منزلة الواحد فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

يصرف سقر كما لا يجوز أن يصرف زينب لأن الحركة ألحقته بما كان على أربعة أحرف فكذلك ههنا ألحقته الفتحة بما كان على خمسة أحرف فإن قيل فلم وجب حذف الياء المتحركة مما قبل آخره ياء مشددة نحو قولهم في النسب إلى أسيد أسيدي وما أشبه ذلك قيل لئلا يجتمع أربع ياءات وكسرتان وذلك مستثقل وإنما وجب حذف المتحركة لأن المقصود بالحذف التخفيف والمتحركة أثقل من الساكنة فكان حذفها أولى ولأنهم لو حذفوا الساكنة لكانت المتحركة تنقلب ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فلذلك كان حذف المتحركة أولى فإن قيل فلم وجب قلب همزة التأنيث في النسب واوا نحو قولهم في حمراء حمراوي ولم يجب ذلك في النسب إلى كساء وعلباء وما أشبه ذلك قيل لأن همزة التأنيث ثقيلة لأنها عوض عن علامة التأنيث التي توجب ثقلا فوجب قلبها واوا وأما همزة كساء فلم يجب قلبها لأنها منقلبة عن حرف أصلي فأجريت مجرى الهمزة الأصلية نحو قراء ووضاء وكذلك الهمزة في علباء ملحقة بحرف أصلي فأجريت أيضا مجرى الهمزة الأصلية وكما لا يجب قلب الهمزة الأصلية واوا في النسب فكذلك ما أجري مجراها فإن قيل فلم وجب الرد إلى الواحد في النسب إلى الجمع كقولهم

ياء
والألف واللام فيهما زائدتان وليستا فيهما للتعريف لأن التعريف بصلتهما وهي الجملة التي بعدهماا بدليل أخواتهما نحو من وما فلو كانتا فيهما للتعريف لأدى ذلك إلى أن يجتمع فيهما تعريفان وذلك لا يجوز فإن قيل فلم أدخلت الذي و التي في الكلام قيل توصلا إلى وصف المعارف بالجمل لأنهم لما رأوا النكرات توصف بالمفردات والجمل نحو مررت برجل ذاهب ومررت برحل أبوه ذاهب وذهب أبوه وما أشبه ذلك ولم يحبوا أن يجعلوا النكرة أقوى من المعرفة وآثروا التسوية بينهما جاءوا باسم ناقص لا يتم إلا بجملة فجعلوه وصفا للمعرفة توصلا إلى وصف المعارف بالجمل كما أتوا ب ذو الذي بمعنى صاحب توصلا إلى الوصف بأسماء الأجناس نحو مررت برجل ذي مال وأتوا ب أي توصلا إلى نداء ما فيه الألف واللام نحو يا أيها الرجل وما أشبه ذلك
فإن قيل فلم وجب العائد من الصلة إلى الموصول قيل لأن العائد يعلقها

باب أسماء الصلات
إن قال قائل لم سمي الذي والتي ومن وما وأي أسماء الصلات قيل لأنها تفتقر إلى صلات توضحها وتبينها لأنها لا يفهم معناها بأنفسها ألا ترى أنك لو ذكرتها من غير صلة لم تفهم معناها حتى تضم إلى شيء بعدها كقولك الذي أبوه منطلق أو الذي انطلق أبوه وكذلك التي أخوها ذاهب أو التي ذهب أخوها وكذلك سائرها
وفي الذي أربع لغات الذي - بياء ساكنة والذي - بياء مشددة والذ - بكسر الذال من غير ياء والذ - بسكون الذال من غير ياء وكذلك في التي أربع لغات التي - بياء ساكنة والتي - بياء مشددة واللت - بكسر التاء من غير ياء واللت - بسكون التاء من غير

بالرفع فالتقدير فيه تماما على الذي هو أحسن وكذلك قوله تعالى ( مثلا ما بعوضة ) بالرفع تقديره ما هو بعوضة وكذلك قوله تعالى أيهم أشد على الرحمن عتيا أي هو أشد فحذف المبتدأ في هذه المواضع كلها وحذف المبتدأ جائر في كلامهم فإن قيل فهذه الضمة في أيهم ضمة إعراب أو ضمة بناء قيل اختلف النحويون في ذلك فذهب سيبويه إلى أنها ضمة بناء لأنهم لما حذفوا المبتدأ من صلتها دون سائر أخواتها نقصت فبنيت وكان بناؤها على الضم أولى لأنها أقوى الحركات فبنيت على الضمة ك قبل وبعد والذي يدل على أنهم إنما بنوها لحذف المبتدأ أنهم لو أظهروا المبتدأ فقالوا ضربت أيهم هو في الدار لنصبوا ولم يبنوا وذهب الخليل إلى أن الضمة ضمة إعراب ويرفعه على الحكاية والتقدير عنده ثم لننزعن من كل شيعة الذي يقال له أيهم وذهب يونس إلى إلغاء الفعل قبله وينزل الفعل المؤثر في الإلغاء منزلة أفعال القلوب والصحيح ما ذهب إليه سيبويه
وأما قول الخليل أنه مرفوع على الحكاية

بالموصول ويتممه بها ولهذا لم يجز أن يرتفع زيد ب خرج في قولهم الذي خرج زيد لأنه يؤدي إلى أن تخلو الصلة من العائد إلى الموصول فإن قيل فلم حذف في قوله تعالى ( أهذا الذي بعث الله رسولا ) قيل لأن العائد ضمير المنصوب المتصل والضمير المنصوب المتصل يجوز حذفه وإنما جاز حذفه لأنه صار الاسم الموصول والفعل والفاعل والمفعول بمنزلة شيء واحد فلما صارت هذه الأشياء بمنزلة الشيء الواحد طلبوا لها التخفيف وكان حذف المفعول أولى لأن المفعول فضلة بخلاف غيره من هذه الأشياء فكان حذفه أولى فإن قيل فهل يجوز أن تكون الأسماء المفردة صلات قيل لا يجوز ذلك لأن أسماء الصلات إنما أدخلوها في الكلام توصلا إلى الوصف بالجمل كما أتوا ب ذو توصلا إلى الوصف بالأجناس وب أي توصلا إلى نداء ما فيه الألف واللام فكما لا يجوز إضافة ذو إلى غير الأجناس ولا يأتي بعد أي إلا ما فيه الألف واللام فكذلك ههنا لا يجوز أن تكون الصلات إلا جملا ولا يجوز أن تكون مفردة فأما قراءة من قرأ ( تماما على الذي أحسن )

أحدهما أنهم بقوها على الأصل في الإعراب تنبيها على أن الأصل في الأسماء الإعراب كما بنوا الفعل المضارع إذا اتصلت به نون التأكيد أو ضمير جماعة النسوة تنبيها على أن الأصل في الأفعال البناء والوجه الثاني أنهم حملوها على نظيرها ونقيضها فنظيرها جزء ونقيضها كل وهما معربان فكانت معربة فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

فالحكاية إنما تكون بعد جرى الكلام فتعود الحكاية إليه وهذا الكلام يصح ابتداء من غير تقدير قول قائل قاله وأما قول يونس فضعيف جدا لأن الفعل إذا كان مؤثرا لا يجوز إلغاؤه فإن قيل فلم بنيت أسماء الصلات قيل لوجهين أحدهما أن الصلة لما كانت مع الموصول بمنزلة كلمة واحدة صارت بمنزلة بعض الكلمة وبعض الكلمة مبني والوجه الثاني أن هذه الأسماء لما كانت لا تفيد إلا مع كلمتين فصاعدا أشبهت الحروف لأنها لا تفيد إلا مع كلمتين فصاعدا فإن قيل ف أي لم كانت معربة دون سائر أخواتها قيل لوجهين

فإن قيل فلم أقامت العرب هذه الأسماء والظروف مقام حرف الاستفهام قيل إنما أقاموها مقام حرف الاستفهام توسعا في الكلام ولكل واحد منها موضع يختص به
ف من سؤال عمن يعقل و ما سؤال عما لا يعقل و كم سؤال عن العدد و كيف سؤال عن الحال و أين و أنى سؤال عن المكان و متى و أي حين و أيان سؤال عن الزمان و أي يحكم عليها بما تضاف إليه فإنها لا تكون إلا مضافة ألا ترى أنك لو قلت من عندك لوجب أن يقول المجيب زيد أو عمرو أو ما أشبه ذلك ولو قال فرس او حمار لم يجز لأن من سؤال عمن يعقل لا عما لا يعقل وكذلك لو قلت أين زيد لوجب أن تقول في الدار أو في المسجد وما أشبه ذلك فلو قال يوم الجمعة لم يجز لأن أين سؤال عن المكان لا عن الزمان
وكذلك أيضا لو قلت متى الخروج لوجب أن تقول يوم الجمعة أو يوم السبت أو ما أشبه ذلك ولو قال في الدار أو في المسجد لم يجز لأن متى سؤال عن الزمان لا عن المكان وكذلك سائرها
فإن قيل فلم أقاموا هذه الكلم مقام حرف واحد وهي همزة الاستفهام وهم يتوخون الإيجاز والاختصار في الكلام قيل إنما فعلوا ذلك للمبالغة في طلب الإيجاز والاختصار وذلك لأن هذه الكلم تشتمل على الجنس الذي يدل عليه ألا ترى أن من تشتمل على جميع من يعقل و اين تشتمل على جميع الأمكنة و متى تشتمل على جميع الأزمنة وكذلك سائرها فلما كانت تشتمل على هذه الأجناس كان فيها فائدة ليست في الهمزة ألا ترى أنك لو قلت أزيد عندك لجاز الا يكون زيد عنده فيقول لا فتحتاج إلى أن تعيد السؤال وتعد شخصا شخصا وربما لا تذكر ذلك الشخص الذي

باب حروف الاستفهام
إن قال قائل كم حروف الاستفهام قيل ثلاثة أحرف ا الهمزة وأم وهل وما عدا هذه الثلاثة فأسماء وظروف أقيمت مقامها فالأسماء من وما وكم وكيف والظروف أين وأنى ومتى وأي حين وأيان وأي يحكم عليها بما تضاف إليه فأما الهمزة و أم فقد بيناهما في باب العطف وأما هل فتكون استفهاما وتكون بمعنى قد قال الله عز و جل ( هل أتى على الإنسان حين من الدهر ) أي قد أتى وقال الشاعر - من البسيط -
( سائل فوارس يربوع بشدتنا ... أهل رأونا بسفح القف ذي الأكم )
أي قد رأونا ولا يجوز أن تجعل هل استفهاما لأن الهمزة للاستفهام وحرف الاستفهام لا يدخل على حرف الاستفهام
باب الحكاية
ان قال قائل لم دخلت الحكاية الكلام قيل لأنها تزيل الالتباس وتزيل التوسع في الكلام فإن قيل فهل تجوز الحكاية في غير الاسم العلم والكنية قيل اختلفت العرب في ذلك فمن العرب من يجيز الحكاية في المعارف كلها دون النكرات قال الشاعر - من الوافر -
( سمعت الناس ينتجعون غيثا ... فقلت لصيدح انتجعي بلالا )
فقال الناس بالرفع كأنه سمع قائلا يقول الناس ينتجعون غيثا فحكي الاسم مرفوعا كما سمع ومن العرب من يجيز الحكاية في المعرفة والنكرة ومن ذلك قول بعضهم وقد قيل له عندي تمرتان
فقال دعني من تمرتان وأما أهل

هو عنده فلا يحصل لك الجواب عمن عنده لأنه لا يلزمه ذلك في سؤالك فلما كان ذلك يؤدي إلى التطويل لأن استيعاب الأشخاص مستحيل أتي بلفظة تشتمل على جميع من يعقل وهي من فأقاموها مقام الهمزة ليلزم المسؤول الجواب عمن عنده وكذلك لو قلت أفي الدار زيد أو في المسجد لجاز ألا يكون في واحد منهما فيقول لا فتحتاج أيضا إلى أن تعيد السؤال وتعد مكانا مكانا وربما لا تذكر ذلك المكان الذي هو فيه فلا يحصل لك الجواب عن مكانه لأنه لا يلزمه ذلك في سؤالك فلما كان ذلك يؤدي إلى التطويل أتي ب أين لأنها تشتمل على جميع الأمكنة ليلزم المسؤول الجواب عن مكانه وكذلك لو قلت أيخرج زيد يوم السبت لجاز ألا يخرج في ذلك اليوم فتحتاج أيضا إلى تكرير السؤال وربما لا تذكر ذلك الوقت الذي يخرج فيه فلما كان ذلك يؤدي إلى التطويل أقاموا متى مقامها لأنها تشتمل على جميع الأزمنة كما تشتمل أين على جميع الأمكنة وكذلك سائرها فلهذا المعنى من الإيجاز والاختصار أقاموما مقام الهمزة فإن قيل فلم كانت مبنية ماعداأيا قيل إنما بنيت لأنها تضمنت معنى حرف الاستفهام وهو الهمزة وأما أي فإنما أعربت وإن كانت قد تضمنت معنى حرف الاستفهام لما بيناه في باب أسماء الصلات قبل فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى

أقسام الكتاب
1 2