لللللل

المزني بعد ذلك فقال له معاويه هل أحدثت بعدنا شيئا

قال
نعم ثم أنشده ... لعمرك ما أدري وإني لأوجل ...
فقال علي بابن الزبير فقال أليس هذا لك فيما زعمت قال أنا ألفت المعنى وهو ألف القوافي وهو بعد ظئري ومهما قال من شيء فأنا قلته فضحك معاوية وكان معن بن أوس مسترضعا في مزينة
سمعت الحسين بن إسحاق الأصفهاني يقول كتب علي بن حجر السعدي الى بعض إخوانه ... أحن الى عتابك غير أني ... أجلك عن عتاب في كتاب ... ونحن إذا التقينا قبل موت ... شفيت غليل صدري من عتابي ... وإن سبقت بنا أيدي المنايا ... فكم من عاتب تحت التراب ...
وأنشدني
عبد العزيز بن سليمان ألأبرش ... صحائف عندي للعتاب طويتها ... ستنشر يوما والعتاب يطول ... كتاب لعمري لا بنان يخطه ... وسوف يؤديه اليك رسول ... سأكتب إن لم يجمع الله بيننا ... وإن نجتمع يوما فسوف أقول ...
قال ابو حاتم رضى الله عنه الواجب على العاقل أن لا يقصر عن معاتبة أخيه على زلته لأن من لم يعاتب على الزله لم يكن بحافظ للخلة ومن أعتب لم يذنب كما أن من اغتفر لم يعاقب وظاهر العتاب خير من مكتوم الحقد ورب عتب أنفع من صفح ولذلك أنشدني محمد بن إسحاق الواسطي ... إذا ما امرؤ ساءتك منه خليقة ... فكاتمته فالوهن في ذاك تركب ... لعلك لو عاتبته ثم لمته ... لسرك حتى لم تكن تتعتب ...
وأنشدني الكريزي ... فإن تكن العتبى فأهلا ومرحبا ... وحق لها التعبى لدينا وقلت

وإن تكن الأخرى فإن وراءنا ... مفاوز لو سارت بها العيس كلت ...
قال أبو حاتم رضى الله عنه لا يجب على العاقل أن يناقش على تصحيح الإعتاب بالإكثار مخافة أن يعود المعاتب الى ما عوتب عليه لأن من عاتب على كل ذنب أخاه فحقيق أن يمله ويقلاه وإن من سوء الأدب كثرة العتاب كما أن من أعظم الجفاء ترك العتاب والإكثار في المعاتبة يقطع الود ويورث الصد
ولقد أنشدني عبد الله بن أحمد النقيب البغدادي لابن المعتز ... معاتبة الإلفين تحسن مرة ... فإن أكثروا إدمانها أفسد الحبا ... إذا شئت أن تقلى فزر متتابعا ... وإن شئت أن تزداد حبا فزر غبا ...

وأنشدني
محمد بن أبي علي الصيداوي ... إذا كنت في كل الأمور معابتا ... خليلك لم تلق الذي لا تعاتبه ... فعش واحد أو صل أخاك فإنه ... مقارف ذنب مرة ومجانبه ... إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى ... ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه ...
أخبرنا
محمد بن المهاجر حدثنا محمد بن الحسن الذهلي عن أبي السائب قال قال علي بن أبي طالب رضى الله عنه لا تكثر العتاب فإن العتاب يورث الضغينه والبغضة وكثرته من سوء الأدب
قال أبو حاتم رضى الله عنه قد ذكرت ما يشاكل هذه الحكايات في كتاب مراعاة الإخوان فأغنى ذلك عن تكرارها في هذا الكتاب
ذكر استحباب قبول الاعتذار من المعتذر
أنبأنا علي بن الحسن بن عبد الجبار بنصيبين حدثنا علي بن حرب الطائي حدثنا وكيع عن الثوري عن ابن جريج عن العباس بن عبد الرحمن بن مينا عن

جودان قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من اعتذر الى أخيه فلم يقبل كان عليه مثل خطيئة صاحب مكس
قال أبو حاتم رضى الله عنه أنا خائف ان يكون ابن جريج رحمه الله ورضوانه عليه دلس هذا الخبر بأن سمعه من العباس بن عبد الرحمن فهو حديث حسن
فالواجب على العاقل إذا اعتذر إليه أخوه لجرم مضى أو لتقصير سبق أن يقبل عذره ويجعله كمن لم يذنب لأن من تنصل إليه فلم يقبل أخاف أن لا يرد الحوض على المطفى صلى الله عليه و سلم ومن فرط منه تقصير في سبب من الأسباب يجب عليه الإعتذار في تقصيره الى أخيه
ولقد أنشدني محمد بن عبد الله بن زنجي البغدادي ... إذا اعتذر الصديق إليك يوما ... من التقصير عذر أخ مقر ... فصنه عن جفائك واعف عنه ... فإن الصفح شيمة كل حر ...

وأنشدني
محمد بن إسحاق الواسطي ... شفيع من أسلمه جرمه ... إقراره بالجرم والذنب ... وتوبة المذنب من ذنبه ... إعتاب من أصبح ذا عتب ...
أنبأنا
عمرو بن محمد حدثنا الغلابي حدثنا ابن عائشة قال غضب سليمان بن عبد الملك على خالد بن عبد الله فلما دخل عليه قال يا أمير المؤمنين القدرة تذهب الحفيظة وأنت تجل عن العقوبه فإن تعف فأهل ذاك أنت وإن تعاقب فأهل ذاك أنا فال فعفا عنه
قال أبو حاتم رضى الله عنه لا يجب للمرء أن يعتذر بحيله الى من لا يحب أن يجد له عذرا ولا يجب أن يكثر من الإعتذار الى أخيه فإن الإكثار من الإعتذار هو السبب المؤدي الى التهمة وإني أستحب الإقلال من الإعتذار على الأحوال كلها لعلمي أن المعاذير يعتريها الكذب وقل ما رأيت أحدا

أعتذر إلا شاب أعتذاره بالكذب ومن اعترف بالزلة استحق الصفح عنها لأن ذل الإعتذار عن الزلة يوجب تسكين الغضب عنها والمعتذر إذا كان محقا خضع في قوله وذل في فعله كما أنشدني المنتصر بن بلال ... أيارب قد أحسنت عودا وبدأة ... الي فلم ينهض بإحسانك الشكر ... فمن كان ذا عذر اليك وحجة ... فعذري إقراري بأن ليس لي عذر ...

وأنشدني
الكريزي ... وإني وإن أظهرت لي منك جفوة ... وألزمتني ذنبا وإن كنت مجرما ... لراض لنفسى ما رضيت لها به ... أراك بها منى أبر وأرحما ...
أنبأنا
محمد بن عثمان العقبي حدثنا الفيض بن الجهم التميمي حدثنا عبد الله ابن خبيق قال كان يقال احتمل من دل عليك واقبل ممن اعتذر اليك
أنبأنا بكر بن محمد بن الوهاب القزاز بالبصرة حدثنا إسماعيل بن إبراهيم أبو بشر قال سمعت أبي قال حدثنا مبارك بن فضالة عن حميد الطويل عن أبي قلابه قال إذا بلغك عن أخيك شيء تكرهه فالتمس له عذرا فإن لم تجد له عذرا فقل لعل له عذرا لا أعلمه
قال أبو حاتم رضى الله عنه لا يجب للمرء أن يعلن عقوبة من لم يعلن ذنبه ولا يخلو المعتذر في اعتذاره من أحد رجلين إما أن يكون صادقا في اعتذاره أو كاذبا فإن كان صادقا فقد استحق العفو لأن شر الناس من لم يقل العثرات ولا يستر الزلات وإن كان كاذبا فالواجب على المرء إذا علم من المعتذر إثم الكذب وريبته وخضوع الإعتذار وذلته أن لا يعاقبه على الذنب السالف

بل يشكر له الإحسان المحدث الذي جاء به في اعتذاره وليس يعيب المعتذر إن ذل وخضع في إعتذاره الى أخيه

وأنشدني
الأبرش ... هبني أسأت كما زعمت فأين عاطفة الأخوة ... أو إن أسأت كما أسأت ... فأين فضلك والمروة ...
وأنشدني
علي بن محمد البسامي ... هبني مسيئا كالذي قلت ظالما ... فعفو جميل كي يكون لك الفضل ... فإن لم أكن للعفو منك لسوء ما ... أتيت به أهلا فأنت له أهل ...
وأنشدني محمد بن أبي علي أنشدنا الربعي عن الأصمعي ... أتيتك تائبا من كل ذنب ... وخير الناس من أخطأ فتابا ... أليس الله يستعفي فيعفو ... وقد ملك العقوبة والثوابا ...
وأنشدني محمد بن إسحاق الواسطي ... عصيت وتبت كما قد عصى ... وتاب الى ربه آدم ... فقل قول يوسف لا تثربا ... لكم يغفر الغافر الراحم ...
أنبأنا
محمد بن المهاجر المعدل حدثنا محمد بن عبد الله الجرزي عن حميد ابن سنان الخالدي وكان نديما لأبي دلف قال دخلت على أبي دلف يوما وبين يديه كتاب وهو يضحك فقال هذا كتاب عبد الله بن طاهر وفيه أبيات أحب أن أنشدك إياها وذلك أني كنت استبطأته في بعض المؤامرات فكتبت إليه

أرى ودكم كالورد ليس بدائم ... ولا خير فيمن لا يدوم له عهد ... وودي بكم كالآس حسنا وبهجة ... له نضرة تبقى إذا فنى الورد ...

فكتب
الي بهذه الأبيات ... شبهت ودى الورد فهو مشاكلي ... وهل زهر إلا وسيدها الورد ... وشبهت منك الود بالآس في البقا ... ولم تخلف التشبيه فيك ولم تعد ... فودك كالآس المرير مذاقه ... وليس له في الريح قبل ولا بعد ...
أخبرنا
عبد الكبير بن عمر الخطابي بالبصرة حدثنا أبو حاتم السجستاني عن الأصمعي
قال
حدثنا عيسى بن عمر قال كان لأبي الأسود الدؤلي صديق فرأى منه بعض ما يكره فقال أبو الأسود ... رأيت امرءا لم أكن أبله ... أتاني فقال أتخذني خليلا ... فخاللته ثم صافيته ... فلم ينقص الود منه فتيلا ... فراجعته ثم عاتبته ... عتابا رفيقا وقولا جميلا ... فألفيته غير مستعتب ... ولا ذاكر الله إلا قليلا ... ألست حقيقا بتوديعه ... وأتبع ذلك هجرا طويلا ...
قال أبو حاتم رضى الله عنه الأعتذار يذهب الهموم ويجلى الأحزان ويدفع الحقد ويذهب الصد والإقلال منه تستغرق فيه الجنايات العظيمه والذنوب الكثيرة والإكثار منه يؤدي الى الاتهام وسوء الرأي فلو لم يكن في اعتذار المرء إلى أخيه خصلة تحمد إلا نفى التعجب عن النفس في الحال لكان الواجب على العاقل أن لا يفارقه الإعتذار عند كل زلة ولقد أنشدني الكريزي ... فانظر الى بطرف غير ذي مرض ... فطال ما صح لي من طرفك النظر

أدرك بفضلك عظما كنت تجبره ... واجمع برفقك ما قد كاد ينتشر ...

أنبأنا
عمرو بن محمد الأنصاري حدثنا الغلابي حدثنا مهدي بن سابق حدثنا عطاء بن مصعب قال قدم عبد الرحمن بن عنبسة بن سعيد على معن بن زائدة باليمن وكانت بينهما عداوة فلما رآه قال له يا عبد الرحمن بأي وجه أتيتني ولأي خير أملتني قال أصلح الله الأمير أسمع مني حتى أنشدك بيتين قالهما نصيب في عبد العزيز بن مروان قال وما هما فأنشده ... لو كان فوق الأرض حي فعاله ... كفعلك أو للفعل منك مقارب ... لقلت له هذا ولكن تعذرت ... سواك على المستعتبين المذاهب ...
فقال
أقم فإني لا اواخذك فيما مضى ولا أعنفك فيما بقى
أنبأنا الخلادي حدثنا محمد بن موسى السمري عن حماد بن إسحاق قال ابن السماك لمحمد بن سليمان أو حماد بن موسى لكاتبه ورآه كالمعرض عنه مالي أراك كالمعرض عني قال بلغني عنك شيء كرهته قال إذا لا أبالي قال ولم قال لأنه إن كان ذنبا غفرته وإن كان باطلا لم تقبله قال فعاد الى المؤانسة
قال أبو حاتم رضى الله عنه قد ذكرت ما يشا كل هذه الحكايات في كتاب مراعاة العشرة فأغنى ذلك عن تكرارها في هذا الكتاب
ذكر الحث على لزوم كتمان السر
أنبأنا محمد بن سليمان بن فارس الدلال حدثنا محمد بن إبراهيم بن سعيد العبدي حدثنا الهيثم بن أيوب العطار السلمي حدثنا سهل بن عبد الرحمن عن محمد بن مطرف أبي غسان عن محمد بن المنكدر عن عروة عن أبي هريره قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أستعينوا على الحوائج بكتمان السر فإن لكل نعمة حاسدا

قال أبو حاتم رضى الله عنه هذا إساند حسن وطريق غريب إن كان عروة هذا هو ابن الزبير بن العوام وسعيد بن سلام ما أرى حفظ حديثه فلذلك تنكبت عن ذكره
فالواجب على من سلك سبيل ذوي الحجى لزوم ما أنطوى عليه الضمير بتركه إبداء المكنون فيه لا الى ثقة ولا الى غيره فإن الدهر لا بد من أن يضرب ضرباته فيوقع ضد الوصل بينهما بحالة من الأحوال فيخرجه وجود ضد ما أنطوى عليه قديما من وفائه الى صحة الخروج بالكلية الى جفائه بإبداء مكتوماته والكشف عن مخبآته
ولقد أنبأنا محمد بن عثمان العقبي حدثني محمد بن عبد الكريم العبدي حدثنا بكر بن يونس بن بكير حدثني موسى بن علي عن أبيه عن عمرو بن العاص أنه قال عجبت من الرجل يفر من القدر وهو مواقعه ومن الرجل يرى القذاة في عين أخيه ويدع الجذع في عينه ومن الرجل يحرج الضغن من موضع ويدع الضغن في نفسه وما ندمت على أمر قط فلمت نفسي على تندمي عليه وما وضعت سري عند أحد فلمته على أن يفشيه كيف ألومه وقد حنقت به وأنشدني علي بن محمد البسامي ... تبيح بسرك ضيقا به ... وتبغي لسرك من يكتم ... وكتمانك السر ممن تخاف ... ومن لا تخافنه أحزم ... إذا ذاع سرك من مخبر ... فأنت وإن لمته ألوم ...
وأنشدني عبد العزيز بن سليمان ... إذا ضاق صدر المرء عن بعض سره ... فألقاه في صدري فصدري أضيق ... ومن لامني في أن أضيع سره ... وضيعه قبلي فذو السر أخرق

أخبرنا محمد بن المهاجر المعدل حدثنا أحمد بن محمد الصيداوي حدثنا حماد بن إسحاق عن المدائني

قال
كان يقال أصبر الناس الذي لا يفشي سره الى صديقه مخافة أن يقع بينهما شيء فيفشيه
وأنشدني
البغدادي ... صن السر بالكتمان يرضيك غبه ... فقد يظهر المرء المضيع فيندم ... فلا تلجئن سرا الى غير حرزه ... فيظهر حرز السوء ما كنت تكتم ...
وأنشدني
محمد بن إسحاق الواسطي ... إذا المرء لم يحفظ سريرة نفسه ... وكان لسر الأخ غير كتوم ... فبعدا له من ذي أخ ومودة ... وليس على ود له بمقيم ...
قال أبو حاتم رضى الله عنه من حصن بالكتمان سره تم له تدبيره وكان له الظفر بما يريد والسلامه من العيب والضرر وإن أخطأه التمكن والظفر والحازم يجعل سره في وعاء ويكتمه عن كل مستودع فإن أضطره الأمر وغلبه أودعه العاقل الناصح له لأن السر أمانه وإفشاؤه خيانه والقلب له وعاؤه فمن الأوعيه ما يضيق بما يودع ومنها ما يتسع لما أستودع وأنشدني الكريزي ... اجعل لسرك من فؤادك منزلا ... لا يستطيع له اللسان دخولا ... إن اللسان إذا أستطاع الى الذي ... كتم الفؤاد من الشئون وصولا ... ألفيت سرك في الصديق وغيره ... من ذي العداوة فاشيا مبذولا ...
وأنشدني المنتصر بن بلال الأنصاري ... سأكتمه سري وأكتم سره ... ولا غرني أني عليه كريم ... حليم فيفشي أو جهول يذيعه ... وما الناس إلا جاهل وحليم ...
أخبرني
محمد بن سعيد القزاز حدثنا إبراهيم بن الجنيد حدثني علي بن عيسى عن محمد عن ابن الأعرابي قال كان يقال العاقل من حذر صديقه

وأنشدني
بعض إخواننا ... لعمرك كتمان الفتى سر ما نوى ... أعف وأدنى للرشاد وأكرم ... وأجمل في بث الحديث مقالة ... وأحسن في الأخلاق دوما وأحزم ...
وأنشدني
الكريزي ... إذا أنت لم تحفظ لنفسك سرها ... فأنت إذا حملته الناس أضيع ... ويضحك في وجهي إذا ما لقيته ... وينهشني بالغيب يوما ويلسع ...
قال
ابو حاتم رضى الله عنه الإفراط في الاسترسال بالأسرار عجز وما كتمه المرء من عدوه فلا يجب أن يظهره لصديقه وكفى لذوي الألباب عبرا ما جربوا ومن استودع حديثا فليستر ولا يكن مهتاكا ولا مشياعا لأن السر إنما سمى سرا لأنه لا يفشى
فيجب على العاقل أن يكون صدره أوسع لسره من صدر غيره بأن لا يفشيه ولقد
أنبأنا
محمد بن المهاجر المعدل حدثنا محمد بن إسماعيل بن يعقوب الأعلم قال أنشدني محمد بن سليمان بن سلام الجمحي لرجل من عبد شمس ... إذا ما ضاق صدرك عن حديث ... فأفشاه الرجال فمن تلوم ... إذا عاتبت من أفشى حديثي ... وسري عنده فأنا الظلوم ... وإني يوم أسأم حمل سري ... وقد ضمنته صدري سؤوم ... فلست محدثنا سري خليلي ... ولا نفسي إذا حضرت هموم ... وأطوي السر دون الناس إني ... لما أستودعت من سر كتوم ...
وأنشدني علي بن حيدة الكاتب قال أنشدنا عبد الرحمن بن بندار لشيطان الطاق ... أمت السر بكتمان ولا ... يسمعن منك إذا استودعت سر ... فإذا ضقت به ذرعا فلا ... تضعن سرك إلا عند حر ...
أنبأنا محمد بن سعيد القزاز حدثنا الرمادي حدثنا مسدد قال سمعت ابن

داود يقول سمعت الأعمش يقول يضيق صدر أحدهم بسره حتى يحدث به ثم يقول اكتمه علي
وأنشدني إبراهيم بن علي الظفري أنشدني الحسين بن عبيد الله ... لا يكتم السر إلا من له شرف ... والسر عند كرام الناس مكتوم ... السر عندي في بيت له غلق ... ضلت مفاتيحه والباب مختوم ...

أنبأنا
الخلادي حدثنا أحمد بن عبد الله بن شجاع البياضي
قال
أنشدنا عبد الرحمن بن محمد ... وإني لأنسى السر كيما أصونه ... فيامن رأى شيئا يصان بأن ينسى ... مخافة أن يجري ببالي ذكره ... فيخلسه قلبي الى منطقي خلسا ...
قال أبو حاتم رضى الله عنه الظفر بالحزم والحزم بإجالة الرأي والرأي بتحصين الأسرار ومن كتم سره كانت الخيرة في يده ومن أنبأ الناس بأسراره هان عليهم وأذاعوها ومن لم يكتم السر استحق الندم ومن استحق الندم صار ناقص العقل ومن دام على هذا رجع الى الجهل
فتحصين السر للعاقل أولى به من التلهف بالندم بعد خروجه منه ولقد أحسن الذي يقول ... خشيت لساني أن يكون خؤونا ... فأودعته قلبي فكان أمينا ... فقلت ليخفى دون شخصي وناظري ... أيا حركاتي كن في سكونا ...
أنبأنا إبراهيم بن إسحاق الأنماطي حدثنا محمد بن سليمان المصيصي حدثنا ابن عيينه عن ابن شبرمه عن الحسن في قوله تعالى ( 3 159 ) وشاورهم في الأمر قال ما كان يحتاج إليهم ولكن أحب أن يستن به من بعده
قال أبو حاتم رضى الله عنه المستشار مؤتمن وليس بضامن والمستشير متحصن من السقط متخير للرأي

والواجب على العاقل السالك سبيل ذوي الحجى أن يعلم أن المشاورة تفشي الأسرار فلا يستشير إلا اللبيب الناصح الودود الفاضل في دينه وإرشاد المشير المستشير قضاء حق النعمة في الرأي والمشورة لا تخلو من البركة إذا كانت مع مثل من وصفنا نعته
ولقد

أنبأنا
عمرو بن محمد حدثنا الغلابي حدثنا ابن عائشة قال قال الحسن ما حزب قوما قط أمر فاجتمعوا فتشاوروا فيه إلا أرشدهم الله لأصوبه
وأنشدني
الكريزي ... دبر إذا ما رمت أمرا بفكرة ... لتعلم ما تأتي وما تتجنب ... وشاور نقي الرأي عند التباسه ... لكي يضح الأمر الذي هو أصوب ...
وأنشدني المنتصر بن بلال ... لا تسبقن الناس بالرأي واتئد ... فإنك إن تعجل الى القول تزلل ... ولكن تصفح رأي من كان حاضرا ... وقل بعدهم رسلا وبالحق فاعمل ...
أنبأنا محمد بن عثمان العقبي حدثني يحيى بن زيد بن محمد الأبلي حدثني إسماعيل بن حبيب أبو حميد الأبلي عن عبد الله بن الايلمي عن وهب بن منبه أنه قال في التوراة أربعة أحرف مكتوبه من لم يشاور يندم ومن استغنى استأثر والفقر الموت الأحمر وكما تدين تدان
قال أبو حاتم رضى الله عنه لا أنس آنس من استشارة عاقل ودود ولا وحشة أوحش من مخالفته لأن المشاورة والمناظرة بابا بركة ومفتاحا رحمة من استشير فليشر بالنصيحة وليجتهد بالرأي وليلزم الحق وقصد السبيل وليجعل المستشير كنفسه بترك الخيانه وبذل النصيحه وليكن كما أنشدني على ابن محمد البسامي

ومن الرجال إذا زكت أحلامهم ... من يستشار إذا أستشير فيطرق ... حتى يجول بكل واد قلبه ... فيرى ويعرف ما يقول وينطق ... إن الحليم إذا تفكر لم يكد ... يخفي عليه من الأمور الأوفق ...

أنبأنا
أبو يعلي حدثنا غسان بن الربيع حدثنا يزيد بن ثابت عن إياس ابن دغفل عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ما شاور قوم قط إلا هدوا الى رشدهم
أخبرني محمد بن المنذر حدثنا أحمد بن خالد السيرافي حدثنا شيبان حدثنا أبو الأشهب قال قال الحسن لا يندم من شاور مرشدا
قال أبو حاتم رضى الله عنه الواجب على العاقل إذا أستشير قوم هو فيهم أن يكون آخر من يشير لأنه أمكن من الفكر وأبعد من الزلل وأقرب من الحزم وأسلم من السقط ومن استشار فلينفذ الحزم بأن لا يستشير عاجزا كما أن الحازم لا يستعين كسلا وفي الاستشارة عين الهداية ومن استشار لم يعدم رشدا ومن ترك المشاورة لم يعدم غيا ولا يندم من شاور مرشدا وقد أنشدني الواسطي ... الهم مالم تمضه لسبيله ... سقم القلوب وآفة الأبدان ... ومعول الرجل الموفق رأيه ... عند اعتراض طوارق الأحزان ... وإذا الحوادث سددت أسبابه ... كان التبصر أنجد الأعوان ... وإذا أضل سبيله تدبيره ... طلب الهدى بتشاور الإخوان ...
أنبأنا محمد بن عثمان العقبي حدثنا مطروح بن شاكر حدثنا أصبغ عن ابن وهب عن إبراهيم بن نشيط عن ابن أبي حسين قال كان يقال ما هلك امرؤ عن مشورة ولا سعد بتوحد
قال أبو حاتم رضى الله عنه إن من شيم العاقل عند النائبة تنوبه أن يشاور عاقلا ناصحا ذا رأي ثم يطيعه وليعترف للحق عند المشورة ولا يتمادى في الباطل بل يقبل الحق ممن جاء به ولا يحقر الرأي الجليل إذا أتاه به الرجل الحقير لأن

اللؤلؤة الخطيرة لا يشينها قلة خطر غائصها الذي استخرجها ثم ليستخر الله وليمض فيما أشار عليه وقد أنشدني البغدادي ... أطع الحليم إذا الحليم عصاكا ... إن الحليم إذا عصاك هداكا ... وإذا أستشارك من تود فقل له ... أطع الحليم إذا الحليم نهاكا ... ولئن أبيت لتأتين خلافه ... أربا يحوطك أو يكون هلاكا ... وأعلم بأنك لن تسود ولن ترى ... سبل الرشاد إذا أطعت هواكا ...
أنبأنا أبو محمد عبد الرحمن بن عبد المؤمن بجرجان حدثنا محمد بن حميد البزاز حدثنا جرير عن ابن المقفع عن وزير كسرى قال ثلاثة ليس لهم رأي فلا تستشيروهم صاحب الخف الضيق وحاقن البول وصاحب المرأة السوء السليطة
ذكر

الحث على لزوم النصيحة للمسلمين كافة
أنبأنا الحسين بن محمد بن أبي معشر بحران حدثنا عبد الرحمن بن عمرو البجلي حدثنا زهير بن معاوية عن سهيل بن أبي صالح عن عطاء بن يزيد الليثي عن تميم الداري قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم الدين النصيحة قيل لمن يا رسول الله قال لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم
قال أبو حاتم رضى الله عنه الواجب على العاقل لزوم النصيحة للمسلمين كافة وترك الخيانة لهم بالإضمار والقول والفعل معا إذ المصطفى صلى الله عليه و سلم كان يشترط على من بايعه من أصحابه النصح لكل مسلم مع إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة
وأخبرني محمد بن أبي علي الخلادي حدثنا محمد بن الحسن الذهلي عن أبي السائب قال قال علي بن أبي طالب رضى الله عنه لا تعمل بالخديعة فانها خلق اللئام وامحض أخاك النصيحة حسنة كانت أو قبيحه وزل معه حيث زال

وأنشدني الكريزي ... قل للنصيح الذي أهدى نصيحته ... سرا إلينا وسامته التكاليف ... النصح ليس له حد فتعرفه ... والنصح مستوحش منه ومألوف ... حتى إذا صرحت عنا عواقبه ... كانت لنا عظة منه وتعنيف ... لو كان للنصح حد يستبان به ... ما نالنا حسرة منه وتلهيف ... لكن له سبل شتى مخالفة ... بعض لبعض فمجهول ومعروف ... والناس غاو وذو رشد ومختلط ... والنصح ممضي ومردود وموقوف ...

قال
أبو حاتم رضى الله عنه خير الإخوان أشدهم مبالغة في النصيحة كما أن خير الأعمال أحمدها عاقبه وأحسنها إخلاصا وضرب الناصح خير من تحية الشانىء
ويجب أن يكون للعاقل نصيحة مبذولة للعامة مكتوما من العام والخاص ما قدر عليه وليس الناصح بأولى بالنصيحة من المنصوح له
وأنبأنا عمرو بن محمد حدثنا الغلابي حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن القاسم التيمي حدثني أبي قال لما قدم على الكوفة لقيه المغيره بن شعبه فقال له إني أشير عليك برأي فاقبله قال هات قال أقر معاويه على الشام يسمح لك طاعته فإن أهل الشام قد ذاقوه فاستعذبوه ووليهم عشرين سنه لم يعتبوا عليه ولم يعتبوه في عرض ولا مال فقال والله لو سألني قرية ماوليته إياها قال فقال المغيرة أراه سيلى أرضين وقريات
أنبأنا محمد بن المهاجر حدثنا ابن ابي شيبة حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا ابن المبارك عن معمر عن يحيى بن المختار عن الحسن قال المؤمن شعبة من المؤمن وهو مرآة أخيه إن رأى منه مالا يعجبه سدده وقومه ونصحه السر والعلانية وأنشدني علي بن محمد البسامي ... أمنت على السر أمرءا غير حازم ... ولكنه في النصح غير مريب

فذاع به في الناس حتى كأنما ... بعلياء نار أوقدت بثقوب ... فما كل ذي لب بمؤتيك نصحه ... وما كل مؤت نصحه بلبيب ... ولكن إذا ما استجمعا عند واحد ... فحق له من طاعه بنصيب ...

سمعت
محمد بن نصر بن نوفل المروزي يقول سمعت أبا داود السنجى يقول سمعت ابن الأعرابي يقول رجل أهديت له النصيحه فاتخذها ذنبا ورجل وسع له في مكان ضيق فجلس متربعا
قال
أبو حاتم رضى الله عنه النصيحة محاطة بالتهمه وليست النصيحة إلا لمن قبلها كما أن الدنيا ليست إلا لمن تركها ولا الآخرة إلا لمن طلبها وليس على كل ذي نصح إلا الجهد ولو لم يقبل من نصحائه ما يثقل عليه لم يحمد غب رأيه ومشاورة الأصم أحمد من الناصح المعرض عنه ومن بذل نصيحة لمن لا يشكر كان كالباذر في السباخ وأكثر ما يوجد ترك قبول النصيحة من المعجب برأيه وأنشدني الأبرش ... إذا نصحت لذي عجب لترشده ... فلم يطعك فلا تنصح له أبدا ... فإن ذا العجب لا يعطيك طاعته ... ولا يجيب الى إرشاده أحدا ... وما عليك وإن غاو غوى حقبا ... إن لم يكن لك قربى أو يكن ولدا ...
قال أبو حاتم رضى الله عنه النصيحة تجب على الناس كافة على ما ذكرنا قبل ولكن إبداؤها لا يجب إلا سرا لأن من وعظ أخاه علانية فقد شانه ومن وعظه سرا فقد زانه فابلاغ المجهود للمسلم فيما يزين أخاه أحرى من القصد فيما يشينه
ولقد أنبأنا محمد بن عثمان العقبي حدثنا الرمادي حدثنا علي بن المديني حدثنا سفيان قال قلت لمسعر تحب أن يخبرك رجل بعيوبك قال أما أن يجيء إنسان فيوبخني بها فلا وأما أن يجيء ناصح فنعم
أخبرنا محمد بن أبي علي الخلادي حدثنا محمد بن المغيرة النوفلي حدثنا محمد بن

علي الشقيقي حدثنا أبي عن ابن المبارك قال كان الرجل إذا رأى من أخيه ما يكره أمره في ستر ونهاه في ستر فيؤجر في ستره ويؤجر في نهيه فأما اليوم فإذا رأى أحد من أحد ما يكره أستغضب أخاه وهيتك ستره

أخبرنا
محمد بن سعيد القزاز حدثنا محمد بن منصور حدثني علي بن المديني عن سفيان قال جاء طلحه الى عبد الجبار بن وائل وعنده قوم فساره بشيء ثم أنصرف فقال أتدرون ما قال لي قال رأيتك التفت أمس وأنت تصلي قال أبو حاتم رضى الله عنه النصيحة إذا كانت على نعت ما وصفنا تقيم الألفة وتؤدي حق الأخوة
وعلامة الناصح إذا أراد زينة المنصوح له أن ينصحه سرا وعلامة من أراد شينه أن ينصحه علانية فليحذر العاقل نصحه الأعداء في السر والعلانية ولقد أنشدني ابن زنجي البغدادي ... فكم من عدو معلن لك نصحه ... علانية والغش تحت الأضالع ... وكم من صديق مرشد قد عصيته ... فكنت له في الرشد غير مطاوع ... وما الأمر إلا بالعواقب إنها ... سيبدو عليها كل سر وذائع ...
وأنشدني
منصور بن محمد الكريزي ... وصاحب غير مأمون غوائله ... يبدي لي النصح منه وهو مشتمل ... على خلاف الذي يبدي ويظهره ... وقد أحطت بعلمي أنه دغل ... عفوت عنه انتظارا أن يثوب له ... عقل إليه من الزلات ينتقل ... دهرا فلما بدا لي أن شيمته ... غش وليس له عن ذاك منتقل ... تركته ترك قال لا رجوع له ... الى مودته ما حنت الإبل ...
أخبرنا عبد الله بن محمد القيراطي حدثنا محمد بن يزيد الملقب يحمش حدثنا يعلي بن عبيد حدثنا أبو حيان عن أبيه قال كتب الربيع بن خيثم وصيه

بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصي به الربيع بن خيثم وأشهد عليه وكفى بالله شهيدا وجازيا لعباده الصالحين مثيبا إني رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه و سلم نبيا وأن يعبد الله من أطاعني في العابدين ويحمده في الحامدين وينصح لجماعة المسلمين
وصية الخطاب بن المعلى المخزومي ابنه
أخبرني محمد بن المنذر بن سعيد حدثنا أبو حاتم محمد بن إدريس الحنظلي حدثني عبد الرحمن بن أبي عطية الحمصي عن الخطاب بن المعلى المخزومي القرشي أنه وعظ ابنه فقال يا بني عليك بتقوى الله وطاعته وتجنب محارمه باتباع سنته ومعالمه حتى تصح عيوبك وتقر عينك فانها لا تخفي على الله خافيه واني قد وسمت لك وسما ووضعت لك رسما ان انت حفظته ووعيته وعملت به ملأت أعين الملوك وانقاد لك به الصعلوك ولم تزل مرتجى مشرفا يحتاج اليك ويرغب الى ما في يديك فأطع اباك واقتصر على وصيةابيك وفرغ لذلك ذهنك واشغل به قلبك ولبك واياك وهذر الكلام وكثرة الضحكك والمزا ح ومهازلة الإخوان فإن ذلك يذهب البهاء ويوقع الشحناء وعليك بالرزانة والتوقر من غير كبر يوصف منك ولا خيلاء تحكي عنك والق صديقك وعدوك بوجه الرضى وكف الأذى من غير ذلة لهم ولا هيبة منهم وكن في جميع أمورك في أوسطها فإن خير الأمور أوساطها وقلل الكلام وأفش السلام وامش متمكنا قصدا ولا تخط برجلك ولا تسحب ذيلك ولا تلو عنقك ولا ردائك ولا تنظر في عطفك ولا تكثر الالتفاف ولا تقف على الجماعات ولا تتخذ السوق مجلسا ولا الحوانيت متحدثا ولا تكثر المراء ولا تنازع السفهاء فإن تكلمت فاختصر وإن مزحت فاقتصر واذا جلست فتربع وتحفظ من تشبيك أصابعك وتفقيعها والعبث بلحيتك وخاتمك وذؤابة سيفك

وتخليل أسنانك وإدخال يدك في أنفك وكثرة طرد الذباب عنك وكثرة التثاؤب والتمطى وأشباه ذلك مما يستخفه الناس منك ويغتمزون به فيك
وليكن مجلسك هاديا وحديثك مقسوما وأصغ الى الكلام الحسن ممن حدثك بغير إظهار عجب منك ولا مسألة إعادة وغض عن الفكاهات من المضاحك والحكايات ولا تحدث عن إعجابك بولدك ولا جاريتك ولا عن فرسك ولا عن سفيك واياك وأحاديث الرؤيا فإنك إن أظهرت عجبا بشيء منها طمع فيها السفهاء فولدوا لك الأحلام واغتمزوا في عقلك ولا تصنع تصنع المرأة ولا تبذل تبذل العبد ولا تهلب لحيتك ولا تبطنها وتوق كثرة الحف ونتف الشيب وكثرة الكحل والإسراف في الدهن وليكن كحلك غبا ولا تلح في الحاجات ولا تخشع في الطلبات ولا تعلم أهلك وولدك فضلا عن غيرهم عدد مالك فإنهم إن رأوه قليلا هنت عليهم وإن كان كثيرا لم تبلغ به رضاهم وأخفهم في غير عنف ولن لهم قي غير ضعف ولا تهازل أمتك واذا خاصمت فتوقر وتحفظ من جهلك وتجنب عن عجلتك وتفكر في حجتك وأر الحاكم شيئا من حلمك ولا تكثر الأشارة بيدك ولا تحفز على ركبتيك وتوق حمرة الوجه وعرق الجبين وإن سفه عليك فاحلم وإذا هدأ غضبك فتكلم وأكرم عرضك وألق الفضول عنك وإن قربك سلطان فكن منه على حد السنان وإن أسترسل اليك فلا تأمن من انقلابه عليك وارفق به رفقك بالصبي وكلمه بما يشتهي ولا يحملنك ما ترى من الطافه إياك وخاصته بك أن تدخل بينه وبين أحد من ولده وأهله وحشمه وإن كان لذلك منك مستمعا وللقول منك مطيعا فإن سقطه الداخل بين الملك وأهله صرعة لا تنهض وزلة لا تقال وإذا وعدت

فحقق وإذا حدثت فاصدق ولا تجهر بمنطقك كمنازع الأصم ولا تخافت به كتخافت الأخرس وتخير محاسن القول بالحديث المقبول وإذا حدثت بسماع فانسبه الى أهله وإياك الأحاديث العابرة المشنعه التي تنكرها القلوب وتفق لها الجلود وإياك ومضعف الكلام مثل نعم نعم ولا لا وعجل عجل وما أشبه ذلك وإذا توضأت فأجد عرك كفيك وليكن وضعك الحرض من الأشنان في فيك كفعلك بالسواك ولا تنخع في الطست وليكن طرحك الماء من فيك مترسلا ولا تمج فتنضح على أقرب جلسائك ولا تعض نصف اللقمه ثم تعيد ما بقى منها منصبغا فإن ذلك مكروه ولا تكثر الاستسقاء على مائدة الملك ولا تعبث بالمشاش ولا تعب شيئا مما يقرب اليك على مائدة بقلة خل أو تابل أو عسل فإن السحابة قد صيرت لنفسها مهابة ولا تمسك إمساك المثبور ولا تبذر تبذير السفيه المغرور واعرف في مالك واجب الحقوق وحرمة الصديق واستغن عن الناس يحتاجوا اليك واعلم ان الجشع يدعو الى الطبع والرغبة كما قيل تدق الرقبة ورب أكله تمنع أكلات والتعفف مال جسيم وخلق كريم ومعرفة الرجل قدره تشرف ذكره ومن تعدى القدر هوى في بعيد القعر والصدق زين والكذب شين ولصدق يسرع عطب صاحبه أحسن عاقبة من كذب يسلم عليه قائله ومعاداة الحليم خير من مصادقة الأحمق ولزوم الكريم على الهوان خير من صحبة اللئيم على الإحسان ولقرب ملك جواده خير من مجاورة بحر طراد وزوجة السوء الداء العضال ونكاح العجوز يذهب بماء الوجه وطاعة النساء تزرى بالعقلاء
تشبه بأهل العقل تكن منهم وتصنع للشرف تدركه

وأعلم أن كل امريء حيث وضع نفسه وإنما ينسب الصانع الى صناعته والمرء يعرف بقرينه وإياك وإخوان السوء فإنهم يخونون من رافقهم ويحزنون من صادقهم وقربهم أعدى من الجرب ورفضهم من استكمال الأدب واستخفار المستجير لؤم والعجله شؤم وسوء التدبير وهن
والإخوان إثنان فمحافظ عليك عند البلاء وصديق لك في الرخاء فاحفظ صديق البلاء وتجنب صديق العافية فإنهم أعدى الأعداء
ومن اتبع الهوى مال به الردى ولا يعجبنك الجهم من الرجال ولا تحقر ضئيلا كالخلال فإنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه ولا ينتفع به بأكثر من أصغريه
وتوق الفساد وإن كنت في بلاد الأعادي ولا تفرش عرضك لمن دونك ولا تجعل مالك أكرم عليك من عرضك ولا تكثر الكلام فتثقل على الأقوام وامنح البشر جليسك والقبول ممن لاقاك
وإياك وكثرة التبريق والتزليق فإن ظاهر ذلك ينسب الى التأنيث وإياك والتصنع لمغازلة النساء وكن متقربا متعززا منتهزا في فرصتك رفيقا في حاجتك متثبتا في حملتك والبس لكل دهر ثيابه ومع كل قوم شكلهم
واحذر ما يلزمك اللائمة في آخرتك ولا تعجل في امر حتى تنظر في عاقبته ولا ترد حتى ترى وجه المصدر
وعليك بالنورة في كل شهر مرة وإياك وحلاق الإبط بالنورة وليكن السواك من طبيعتك وإذا استكت فعرضا وعليك بالعمارة فإنها أنفع التجارة وعلاج الزرع خير من اقتناء الضرع ومنازعتك اللئيم تطمعه فيك ومن أكرم عرضه أكرمه الناس وذم الجاهل إياك أفضل

من ثنائه عليك ومعرفة الحق من أخلاق الصدق والرفيق الصالح ابن عم ومن أيسر أكبر ومن افتقر احتقر قصر في المقالة مخافة الإجابة والساعي إليك غالب عليك وطول السفر ملالة وكثرة المنى ضلالة وليس للغائب صديق ولا على الميت شفيق وأدب الشيخ عناء وتأديب الغلام شقاء والفاحش أمير والوقاح وزير والحليم مطية الأحمق والحمق داء لا شفاء له والحلم خير وزير والدين أزين الأمور والسماجه سفاهة والسكران شيطان وكلامه هذيان والشعر من السحر والتهدد هجر والشح شقاء والشجاعة بقاء والهدية من الأخلاق السرية وهي تورث المحبة ومن ابتدأ المعروف صار دينا ومن المعروف ابتداء من غير مسألة وصاحب الرياء يرجع الى السخاء ولرياء بخير خير من معالنة بشر والعرق نزاع والعادة طبيعة لازمة إن خير فخير وإن شرا فشر ومن حل عقدا احتمل حقدا ومراجعة السلطان خرق بالإنسان والفرار عار والتقدم مخاطرة وأعجل منفعه إيسار في دعة وكثرة العلل من البخل وشر الرجال الكثير الاعتلال وحسن اللقاء يذهب بالشحناء ولين الكلام من أخلاق الكرام
يا بني إن زوجة الرجل سكنة ولا عيش له مع خلافها فإذا هممت بنكاح امرأة فسل عن أهلها فإن العروق الطيبة تنبت الثمار الحلوة
واعلم أن النساء أشد اختلافا من أصابع الكف فتوق منهن كل ذات بذا مجبولة على الأذى فمنهن المعجبة بنفسها المزرية ببعلها إن أكرمها رأته لفضلها عليه لا تشكر على جميل ولا ترضى منه بقليل لسانها عليه سيف صقيل قد كشفت القحة ستر الحياء عن وجهها فلا تستحي من إعوارها ولا تستحي من جارها كلبة هرارة مهارشة عقارة فوجه زوجها مكلوم

وعرضه مشتوم ولا ترعى عليه لدين ولا الدنيا ولا تحفظه لصحبة ولا لكثرة بنين حجابه مهتوك وستره منشور وخيره مدفون يصبح كئيبا ويمسي عاتبا شرابه مر وطعامه غيظ وولده ضياع وبيته مستهلك وثوبه وسخ ورأسه شعث إن ضحك فواهن وإن تكلم فمتكاره نهاره ليل وليله ويل تلدغه مثل الحية العقارة وتلسعه مثل العقرب الجرارة
ومنهن شفشليق شعشع سلفع ذات سم منقع وإبراق واختلاق تهب مع الرياح وتطير مع كل ذي جناح إن قال لا قالت نعم وإن قال نعم قالت لا مولدة لمخازيه محتقرة لما في يديه تضرب له الأمثال وتقصر به دون الرجال وتنقله من حال الى حال حتى قلا بيته ومل ولده وغث عيشه وهانت عليه نفسه وحتى أنكره إخوانه ورحمه جيرانه
ومنهن الورهاء الحمقاء ذات الدل في غير موضعها الماضغه للسانها الآخذة في غير شأنها قد قنعت بحبه ورضيت بكسبه تأكل كالحمار الراتع تنتشر الشمس ولما يسمع لها صوت ولم يكنس لها بيت طعامها بائت وإناؤها وضر وعجينها حامض وماؤها فاتر ومتاعها مزروع وماعونها ممنوع وخادمها مضروب وجارها محروب
ومنهن العطوف الودود المباركة الولود المأمونه على غيبها المحبوبة في جيرانها المحمودة في سرها وإعلانها الكريمة التبعل الكثيرة التفضل الخافضة صوتا النظيفة بيتا خادمها مسمن وابنها مزين وخيرها دائم وزوجها ناعم موموقه مالوفه وبالعفاف والخيرات موصوفة

جعلك الله يا بني ممن يقتدي بالهدى ويأتم بالتقى ويجتنب السخط ويحب الرضى
والله خليفتي عليك والمتولي لأمرك ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على محمد نبي الهدى وعلى آله وسلم تسليما كثيرا
ذكر الزجر عن تهاجر المسلمين كافة
حدثنا أبو يعلي الموصلي حدثنا وهب بن بقية الواسطي حدثنا خالد بن عبد الله عن عبد الرحمن بن اسحاق عن الزهري عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تباغضوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا
قال أبو حاتم رضى الله عنه لا يحل التباغض ولا التنافس ولا التحاسد ولا التدابر بين المسلمين والواجب عليهم أن يكونوا إخوانا كما أمرهم الله ورسوله فإذا تألم واحد منهم تألم الآخر بألمه وإذا فرح فرح الآخر بفرحه ينفي الغش والدغل مع استسلام الأنفس لله عز و جل مع الرضا بما يوجب القضاء في الأحكام كلها ولا يجب الهجران بين المسلمين عند وجود زلة من أحدهما بل يجب عليهما صرفها الى الإحسان والعطف عليه بالإشفاق وترك الهجران
ولقد حدثني محمد بن المهاجر حدثني موسى بن محمد الأخباري عن النميري حدثني محمد بن يحيى النكتاني قال أنشدني أبو غزية لمعاوية بن عبد الله بن جعفر ... لا يزهدنك في أخ ... لك أن تراه زل زله ... والمرء يطرحه الذين ... يلونه في شر أله ... ويخونه من مأمن ... أهل البطانة والدخلة

والموت أعظم حادث ... مما يمر على الجبلة ...

أنشدني
محمد بن الحسن بن قتيبة أنشدني حميد بن عياش ... ولا تك في حب الأخلاء مفرطا ... فإن أنت أبغضت البغيض فأجمل ... فإنك لا تدري متى أنت مبغض ... حبيبك أو تهوى البغيض فأعقل ...
وأنشدني
عمرو بن محمد بن عبد الله النسوى لثعلب ... وما صدود ذوات الدل يرمضني ... لكنما الموت عندي صد إخواني ... إني لأصبر من عود به جلب ... عند الملمات إلا عند هجران ... إذا رأيت أزورارا من أخي ثقة ... ضاقت على برحب الأرض أوطانى ...
وأنشدني الأبرش ... أبل الرجال إذا أردت إخاءهم ... وتوسمن أمورهم وتفقد ... فإذا ظفرت بذي اللبابة والتقي ... فبه اليدين قرير عين فاشدد ... فمتى يزل ولا محالة زلة ... فعلى أخيك بفضل حلمك فاردد ... وإذا الخنى نقض الحبى في مجلس ... ورأيت أهل الطيش قاموا فاقعد ...
قال
أبو حاتم رضى الله عنه لا يجب للمرء أن يدخل في جملة العوام والهمج بإحداث الود لإخوانه وتكديره لهم بالخروج بالسبب الذي يؤدي الى الهجران الذي نهى المصطفى صلى الله عليه و سلم عنه بينهم بل يقصد قصده الإغضاء عن ورود الزلات ويتحرى ترك المناقشة على الهفوات ولا سيما إذا قيل في أحدهم الشيء الذي يحتمل أن يكون حقا وباطلا معا فإن الناس ليس يخلو وصلهم من رشق أسهم العذال فيه
ولقد سمعت محمد بن عثمان العقبي يقول سمعت عبد العزيز بن عبد الله يقول قال محمد بن حميد ... ومن ذا من عيوب الناس ناج ... بحق قيل فيه أو قراف

قبيح بي إذا خاللت خلا ... ولازم خلتي أن لا أكافي ... وكل مودة لا خير فيها ... إذا لم تحتمل حق المصافي ... فأما في الكلام فكم وفي ... ولكن في الشدائد لا يوافي ... إذا أحببت لم أنقض إخائي ... ولم أبن الإخاء على اعتساف ... ولكن امنح الكرماء ودا ... ولا أدعو اللئام الى العطاف ... متى تقطع صديقك بعد وصل ... ولا تثبت فعهدك غير واف ... إذا ما المرء أدبر لم تطقه ... وصار المستقيم الى خلاف ...
سمعت محمد بن المنذر يقول سمعت محمد بن عبد الرحمن يقول سمعت أبا عمار الحسين بن حريث يقول قيل لرجل ألك عيوب قال لا قيل له فلك من يلتمسها قال نعم قال فما أكثر عيوبك
قال أبو حاتم رضى الله عنه السبب المؤدي الى الهجران بين المسلمين ثلاثة أشياء إما وجود الزلة من أخيه ولا محالة يزل فلا يغضي عنها ولا يطلب لها ضدها وإبلاغ واش يقدح فيه ومشى عاذل بثلب له فيقبله ولا يطلب لتكذيبه سببا ولا لأخيه عذرا وورود ملل يدخل على أحدهما فإن الملالة تورث القطع ولا يكون لملول صديق
ولقد أخبرني محمد بن أبي علي الخلادي حدثنا محمد بن إبراهيم اليعمري حدثني عبد الرحمن بن إبراهيم الأصبهاني أنشدني بعض أهل الأدب ... إن الملولة وده ... مثل السراب يذم ورده ... أو كالسحاب الزائد البراق ... لم يصدقك وعده ... أو كالحسام هززته ... عند الضراب فكل حده ... لا تقبلن إخاءه ... فوعيده كذب ووعده ... بينا يودك رأى ... عينيك إذ بدا لك منه صده

وتغيرت أخلاقه ... وازور حتى مال خده ...

أنبأنا
محمد بن يعقوب الخطيب بالأهواز حدثنا معمر بن سهل حدثنا إبراهيم ابن بشار عن سفيان
قال
كان لابن شبرمة أخ فجفاه فكتب اليه ... كلانا غني عن أخيه حياته ... ونحن إذا متنا أشد تغانيا ...
قال أبو حاتم رضى الله عنه لا يحل لمسلم ان يهجر أخاه المسلم فوق ثلاثة أيام فمن فعل ذلك كان مرتكبا لنهى النبي صلى الله عليه و سلم وخيرهما الذي يبدأ بالسلام والسابق بالسلام يكون السابق الى الجنه ومن هجر أخاه سنة كان كسفك دمه ومن مات وهو مهاجر أخاه دخل النار إن لم يتفضل الله عليه بعفو منه ورحمة وغاية ما أبيح من الهجران بين المسلمين ثلاثة أيام ولقد أنشدني عبيد الله بن محمد الأنماطي قال أنشدني محمد بن الحسن ... يا سيدي عندك لي مظلمة ... فاستفت فيها ابن أبي خيثمة ... فإنه يرويه عن شيحه ... قال روى الضحاك عن عكرمة ... عن ابن عباس عن المصطفى ... نبينا المبعوث بالمرحمه ... إن صدود الخل عن خله ... فوق ثلاث ربنا حرمه ...
وأنشدني
محمد بن شاه الأبيوردي بالموصل ... ماودني أحد إلا بذلت له ... صفو المودة منى آخر الأبد ... ولا جفاني وإن كنت المحب له ... إلا دعوت له الرحمن بالرشد ... ولا ائتمنت على سر فبحت به ... ولا مددت الى غير الجميل يدي ... ولا أخون خليلي في خليلته ... حتى أغيب في الأكفان واللحد ...
أنبأنا
محمد بن المهاجر حدثنا أحمد بن عبد الله بن شجاع حدثنا محمد بن سماعة

قال جئت يوما الى أبي على المصري أسلم عليه قال فبش بي واحتملني في حجرة ثم قال ... حسبي بوصلك في حياتي لذة ... ورضيت في ذاك المعاد ثوابا ... لو كنت رزقي ما أردت زيادة ... ولقلت أحسن خالقي وأطابا ...

ذكر
الحث على لزوم الحلم عند الأذى
أنبأنا محمد بن الحسن بن قتيبة حدثنا يزيد بن خالد بن موهب الرملي حدثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد قال قال النبي صلى الله عليه و سلم لا حليم إلا ذو عثرة ولا حليم إلا ذو تجربة
قال أبو حاتم رضى الله عنه هذا الخبر في الضرب الذي ذكرت في كتاب فصول السنن بأن العرب تضيف الاسم الى الشيء للقرب من التمام وتنفي الاسم عن الشيء للنقص من الكمال فلما كان الغالب على المرء أن لا يكون حليما حتى يكون ذا عثرة نفي النبي صلى الله عليه و سلم اسم الحليم عمن لم يكن بذي عثرة لنقصه عن الكمال
فالحليم عظيم الشأن رفيع المكان محمود الأمر مرضي الفعل والحلم اسم يقع على زم النفس عن الخروج عند الورود عليها ضد ما تحب الى ما نهى عنه
فالحلم يشتمل على المعرفة والصبر والإناة والتثبت ولم يقرن شيء الى شيء أحسن من عفو الى مقدرة
والحلم أجمل ما يكون من المقتدر على الانتقام
ولقد حدثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي ببغداد حدثنا يحيى ابن معين قال حدثنا الحسن بن واقع عن ضمرة قال الحلم أرفع من العقل لأن الله تبارك وتعالى تسمى به

وأنشدني
محمد بن عبد الله بن زنجي البغدادي ... ألم تر أن الحلم زين مسود ... لصاحبه والجهل للمرء شائن ... فكن دافنا للشر بالخير تسترح ... من الهم إن الخير للشر دافن ...
وأنشدني محمد بن إسحاق بن حبيب الواسطي ... إذا شئت يوما أن تسود عشيرة ... فبالحلم سد لا بالتسرع والشتم ... وللحلم خير فاعلمن مغبة ... من الجهل إلا أن تشر سن من الظلم ...
وأنشدني علي بن محمد البسامي ... فارض بما حم من قضاء ... يصبك من ذلك الخيار ... وعش حميدا رخى بال ... ما زانك الحلم والوقار ...
قال
أبو حاتم رضى الله عنه إن من نفاسة اسم الحلم وارتفاع قدرة أن الله جل وعلا تسمى به ثم لم يسم بالحلم في كتابه أحدا إلا إبراهيم خليله وإسحاق ذبيحه حيث قال إن إبراهيم لآواه حليم وقال فبشرناه بغلام حليم
ولو لم يكن في الحلم خصلة تحمد إلا ترك أكتساب المعاصي والدخول في المواضع الدنسة لكان الواجب على العاقل أن لا يفارق الحلم ما وجد الى استعماله سبيلا
والحلم سجية أو تجربة أو هما

حدثنا أبو حمزة محمد بن عمر بن يوسف حدثنا عبد الله بن سعيد الكندي حدثنا أبو أسامه عن هشام بن عروة عن أبيه قال سمعت معاوية بن أبي سفيان يقول لا حلم إلا بالتجربة
وأنشدني المنتصر بن بلال الأنصاري ... صاف الصديق بوده ... وإذا دنا شبرا فزده ... واحلم إذا نطق السفيه ... فمن يرد جهلا يجده ...

أنبأنا
محمد بن علي الصيرفي بالبصرة حدثنا ابن أبي الشوارب حدثنا أبو عوانه عن عبد الملك بن عمير عن رجاء بن حيوة عن أبي الدرداء قال إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم ومن يتوخ الخير يعطه ومن يتوق الشر يوقه
وأنشدني الكريزي ... إذا أنا كافيت الجهول بفعله ... فهل أنا إلا مثله إذ أحاوره ... ولكن إذا ما طاش بالجهل طائش ... على فإني بالتحلم قاهره ...
أنبأنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار حدثنا يحيى بن معين حدثنا عثمان ابن صالح حدثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث أن رجلا كتب الى أخ له أعلم ان الحلم لباس العلم فلا تعرين منه
قال أبو حاتم رضى الله عنه العاقل يلزم الحلم عن الناس كافة فإن صعب ذلك عليه فليتحالم لأنه يرتقي به الى درجة الحلم
وأول الحلم المعرفة ثم التثبت ثم العزم ثم التصبر ثم الصبر ثم الرضا ثم الصمت والإغضاء وما الفضل إلا للمحسن الى المسيء فأما من أحسن الى المحسن وحلم عمن لم يؤذه فليس ذلك بحلم ولا إحسان

ولقد

أنبأنا
محمد بن عثمان العقبي حدثنا إسحاق بن زكريا حدثنا عبد الصمد ابن حسان حدثنا أو عمر المازني عن وهب بن منبه أنه قال يا بني لا تجادلن العلماء فتهون عليهم فيرفضوك ولا تمارين السفهاء فيجهلوا عليك ويشتموك فإنه يلحق بالعلماء من صبر ورأى رأيهم وينجو من السفهاء من صمت وسكت عنهم ولا تحسبن أنك إذا ماريت الفقيه إلا زدته غيظا دائبا ولا تحمين من قليل تسمعه فيوقعك في كثير تكرهه ولا تفضح نفسك لتشفى غيظك فإن جهل عليك جاهل فلينفعن إياك حلمك وإنك إذا لم تحسن حتى يحسن إليك فما أجرك وما فضلك على غيرك فإذا أردت الفضيلة فأحسن الى من أساء اليك واعف عمن ظلمك وانفع من لم ينفعك وانتظر ثواب ذلك من قبل الله فإن الحسنة الكاملة التي لا يريد صاحبها عليها ثوابا في الدنيا
وأنشدني
محمد بن حبيب الواسطي ... إذا المرء لم يصرف عذابا من الأذى ... حياء ولم يغفر لأخرق مذنب ... فلم يصطنع إلا قليلا صديقه ... ومن يدفع العوراء بالحلم يغلب ...
وأنشدني عبد العزيز بن سليمان الأبرش ... احفظ لسانك إن لقيت مشاتما ... لا تجرين مع اللئيم إذا جرى ... من يشترى عرض اللئيم بعرضه ... يحوي الندامة حين يقبض ما اشترى ...
أنبأنا إبراهيم بن نصر العنبري حدثنا علي بن الأزهر الرازي حدثنا إبراهيم ابن رستم قال سمعت ابن المبارك يقول دعانا عبد الله بن عون الى طعامه فكنا نأكل فجاءت الخادم ومعها صحفة فعثرت في ثوبها فسقطت الصحفة من يدها فقال لها ابن عون مترس آزادي
حدثنا عمرو بن محمد حدثنا الغلابي حدثنا ابن عائشة قال قال محمد بن

السعدى لابنه عروة لما ولى اليمن إذا غضبت فانظر الى السماء فوقك والى الأرض تحتك ثم عظم خالقهما
قال أبو حاتم رضى الله عنه الواجب على العاقل إذا غضب واحتد أن يذكر كثرة حلم الله عنه مع تواتر انتهاكه محارمه وتعديه حرماته ثم يحلم ولا يخرجه غيظه الى الدخول في أسباب المعاصي
والناس على ضروب ثلاثة رجل أعز منك ورجل أنت أعز منه ورجل ساواك في العز فالتجاهل على من أنت أعز منه لؤم وعلى من هو أعز منك جنف وعلى من هو مثلك هراش كهراش الكلبين ونقار كنقار الديكين ولا يفترقان إلا عن الخدش والعقر والهجر ولا يكاد يوجد التجاهل وترك التحالم إلا من سفيهين ولقد أحسن الذي يقول ... ما تم حلم ولا علم بلا أدب ... ولا تجاهل في قوم حليمان ... وما التجاهل إلا ثوب ذي دنس ... وليس يلبسه إلا سفيهان ...

وأنشدني
أبن زنجي البغدادي ... وما شيء أسر الى لئيم ... إذا شتم الكرام من الجواب ... متاركة اللئيم بلا جواب ... أشد عليه من مر العذاب ...
وأنشدني الكريزي ... تجرد ما استطعت من السفيه ... بحسن الحلم إن العز فيه ... فقد يعصي السفيه مؤدبيه ... ويبرم باللجاجه منصفيه ... تلين له فيغلظ جانباه ... كعير السوء يرمح عالقيه ...
أنبأنا
محمد بن سعيد القزاز حدثنا الحسن بن محمد الأزدي الكوفي حدثنا عمر بن حفص بن غياث عن أبيه قال كنت جالسا عند جعفر بن محمد ورجل

يشكو رجلا عنده قال لي كذا و فعل لى كذا فقال له جعفر من أكرمك فأكرمه ومن استخف بك فأكرم نفسك عنه
قال أبو حاتم رضى الله عنه ما ضم شيء إلى شيء هو أحسن من حلم الى علم وما عدم شيء في شيء هو أوحش من عدم الحلم في العالم ولو كان للحلم أبوان لكان أحدهما العقل والآخر الصمت وربما يدفع العاقل الى الوقت بعد الوقت الى من لا يرضيه عنه الحلم ولا يقنعه عنه الصفح فحينئذ يحتاج الى سفيه ينتصر له لأن ترك الحلم في بعض الأوقات من الحلم
ولقد حدثني محمد بن المنذر حدثنا يزيد بن عبد الصمد حدثنا عبد الرحمن ابن إبراهيم حدثنا الوليد عن سعيد بن عبد العزيز أن رجلا استطال على سليمان بن موسى فسكت له سليمان وانتصر له أخوه قال فقال مكحول ذل من لا سفيه له
حدثنا عمرو بن محمد الأنصاري حدثنا الغلابي حدثنا محمد بن عبد الرحمن ابن القاسم عن أبيه قال قال أبو حنيفة لشيطان الطاق ما تقول في المتعة قال حلال قال فيسرك أن أمك تزوجت متعه فسكت عنه ساعة ثم قال يا أبا حنيفه ما تقول في النبيذ قال حلال قال وشربه وبيعه وشاؤه قال نعم قال فيسرك أن أمك نباذه قال فسكت عنه ابو حنيفه
أنشدني علي بن محمد البسامي ... إذا كنت بين الحلم والجهل قاعدا ... وخيرت أني شئت فالحلم أفضل ... ولكن إذا انصفت من ليس منصفا ... ولم يرض منك الحلم فالجهل أفضل ...

وأنشدني
محمد بن حبيب الواسطي ... إذا أمن الجهال جهلك مرة ... فعرضك للجهال غنم من الغنم ... فعم عليه الجهل والحلم والقه ... بمرتبة بين العداوة والسلم

فيرجوك تارات ويخشاك تارة ... وتأخذ فيما بين ذلك بالحزم ...
حدثنا محمد بن عثمان العقبي حدثنا يزيد بن عبد الصمد الدمشقي حدثنا أبو مسهر حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن مكحول قال لا حلم لمن لا جاهل له
وحدثنا عمرو بن محمد حدثنا الغلابي حدثنا مهدي بن سابق قال قال المأمون يحسن بالملوك الحلم عن كل أحد إلا عن ثلاثة قادح في ملك أو مذيع لسر أو متعرض لحرمة
قال أبو حاتم رضى الله عنه الحلم على ضربين أحدهما ما يرد على النفس من قضاء الله من المصائب التي امتحن الله بها عباده فيصبر العاقل تحت ورودها ويحلم عن الخروج الى ما لا يليق بأهل العقل
والآخر ما يرد على النفس بضد ما تشتهيه من المخلوقين فمن تعود الحلم فليس بمحتاج الى التصبر لاستواء العدم والوجود عنده
كما حدثنا أبو حمزة محمد بن يوسف بن عمر بنسا حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي حدثنا عبد الله بن صالح العجلي قال سمعت ابن أبي عتبة يقول قيل للأحنف بن قيس التميمي ممن تعلمت الحلم قال من قيس بن عاصم التميمي أتاه آت وهو محتب فقال ابن أخيك قتل أبنك قال عصى ربه وفت عضده وقطع رحمه جهزوه وما حل حبوته فمنه تعلمت الحلم
حدثنا محمد بن شاذل الهاشمي حدثنا أحمد بن الخليل البغدادي حدثنا علي بن الحسين بن شقيق أخبرنا عبد الله عن جعفر بن سليمان قال كانت امرأة بالبصرة متعبدة تصيبها المصائب فننكر من صبرها حتى أصابتها مصيبة موجعه فصبرت فذكرت ذلك لها فقالت ما من مصيبة تصيبني فأذكر معها النار إلا صارت في عيني مثل التراب
حدثنا بكر بن أحمد بن سعيد الطاحي بالبصرة حدثنا عمرو بن إسحاق بن خلاد الجهضمي حدثنا خالد بن خداش حدثنا ابن وهب عن بكر بن مضر

قال كان أبو الهيثم مات ولده وبقى له بني صغير فمات فأتاه إخوانه يعزونه وهو في ناحية المسجد فقال لهم تركني حزن يوم القيامة لا آسى على شيء فاتني ولا أفرح لما أتاني
حدثنا محمد بن اسحاق الثقفي حدثنا القاسم بن الحسن الزبيدي حدثنا اسحاق بن ابراهيم قال مات ابن لشريح فلم يصيحوا عليه ولم يشعر به أحد فقيل له يا أبا آمنه كيف هو قال قد سكن علزه ورجاه أهله ولم يكن منذ اشتكى أسكن منه الليلة
ذكر الحث على لزوم الرفق في أمور وكراهية العجلة فيها
حدثنا محمد بن صالح الطبري بالصيمرة حدثنا عبد الجبار بن العلاء العطار حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن أبن أبي مليكة عن يعلي بن مملكة عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من أعطى حظه من الرفق فقد أعطى حظه من الخير ومن منع حظه من الرفق فقد منع حظه من الخير
قال أبو حاتم رضى الله عنه الواجب على العاقل لزوم الرفق في الأمور كلها وترك العجله والخفة فيها إذ الله تعالى يحب الرفق في الأمور كلها ومن منع الرفق منع الخير كما أن من أعطى الرفق أعطى الخير ولا يكاد المرء يتمكن من بغيته في سلوك قصده في شيء من الأشياء على حسب الذي يحب إلا بمقارنة الرفق ومفارقة العجلة
وأنشدني المنتصر بن بلال الأنصاري ... الرفق ممن سيلقى اليمن صاحبه ... والخرف منه يكون العنف والزلل ... والحزم أن يتأنى المرء فرصته ... والكف عنها إذا ما أمكنت فشل

والبر لله خير الأمر عاقبة ... والله للبر عون ماله مثل ... خير البريه قولا خيرهم عملا ... لا يصلح القول حتى يصلح العمل ...

وأنشدني
منصور بن محمد الكريزي ... الرفق أيمن شيء أنت تتبعه ... والخرق أشأم شيء يقدم الرجلا ... وذو التثبت من حمد الى ظفر ... من يركب الرفق لا ليستحقب الزللا ...
حدثنا
محمد بن أبي على الخلادي حدثنا محمد بن خلف البسامي عن أحمد ابن موسى الأزرق أنه أنشده ... وزن الكلام إذا نطقت فإنما ... يبدى العقول أو العيوب المنطق ... لا ألفينك ثاويا في غربة ... إن الغريب بكل سهم يرشق ... لو سار ألف مدجج في حاجة ... لم يقضها إلا الذي يترفق ...
قال
أبو حاتم رضى الله عنه العاقل يلزم الرفق في الأوقات والإعتدال في الحالات لأن الزيادة على المقدار في المبتغي عيب كما أن النقصان فيما يجب من المطلب عجز وما لم يصلحه الرفق لم يصلحه العنف ولا دليل أمهر من رفق كما لا ظهير أوثق من العقل ومن الرفق يكون الاحتراز وفي الاحتراز ترجي السلامة وفي ترك الرفق يكون الخرق وفي لزوم الخرق تخاف الهلكة ولقد أنشدني الأبرش ... عليك بوجه القصد فاسلك سبيله ... ففي الجور إهلاك وفي القصد مسلك ... إذا أنت لم تعرف لنفسك قدرها ... تحملها مالا تطيق فتهلك ...
قال أبو حاتم رضى الله عنه الرافق لا يكاد يسبق كما أن العجل لا يكاد يلحق وكما أن من سكت لا يكاد يندم كذلك من نطق لا يكاد يسلم والعجل يقول قبل أن يعلم ويجيب قبل أن يفهم ويحمد قبل أن يجرب ويذم بعد ما يحمد يعزم قبل أن يفكر ويمضي قبل أن يعزم والعجل تصحبه الندامة وتعتزله السلامة وكانت العرب تكنى العجله أم الندامات

ولقد أنشدني بعض أهل العلم ... العجز ضر وما بالحزم من ضرر ... وأحزم الحزم سوء الظن بالناس ... لا تترك الحزم في أمر تحاذره ... فإن أمنت فما بالحزم من باس ...

أخبرنا
عمرو بن محمد حدثنا الغلابي حدثنا إبراهيم بن عمر بن حبيب
قال
كان يقال لا يوجد العجول محمودا ولا الغضوب مسرورا ولا الحر حريصا ولا الكريم حسودا ولا الشره غنيا ولا الملول ذا إخوان
وأنشدني محمد بن عبد الله البغدادي ... إذا ما أتيت الأمر من غير بابه ... تصعب حتى لا ترى فيه مرتقى ... وإن الذي يصطاده الفخ إن عتا ... على الفخ كان الفخ أعتى وأضيقا ...
قال أبو حاتم رضى الله عنه العجله تكون من الحدة وصاحب العجله إن اصاب فرصته لم يكن محمودا وإن أخطأها كان مذموما والعجل لا يسير إلا مناكبا للقصد منحرفا عن الجادة يلتمس ما هو أنكد وأوعر وأخفى مسارا يحكم حكم الورهاء ويناسب أخلاق النساء
ولقد حدثنا عمرو بن محمد الأنصاري حدثنا الغلابي حدثنا مهدى بن سابق قال قال خالد بن برمك من استطاع أن يمنع نفسه من أربعة أشياء فهو خليق أن لا ينزل به كبير مكروه العجله واللجاجة والعجب والتواني فثمرة العجلة الندامة وثمرة اللجاجة الحيرة وثمرة العجب البغضة وثمرة التواني الذل قال أبو حاتم رضى الله عنه العجلة موكل بها الندم وما عجل أحد إلا اكتسب ندامة واستفاد مذمة لأن الزلل مع العجل والإقدام على العمل بعد التأني فيه أحزم من الإمساك عنه بعد الإقدام عليه ولا يكون العجول محمودا أبدا والعاقل يعلم أن العجز في الأمور يقوم في النقص مقام الإفراط في السعي فيتجنبهما معا ويجعل لنفسه مسلكا بينهما
ولقد حدثنا الحسن بن سفيان حدثنا أبو الدرداء عبد العزيز بن منيب

حدثني إبراهيم بن عاصم قال سمعت صدقة يقول سمعت الشمردل يقول نكح العجز التواني فولد الندامة
قال أبو حاتم رضى الله عنه سبب النجاح ترك التواني ودواعي الحرمان الكسل لأن الكسل عدو المروءة وعذاب على الفتوة ومن التواني والعجز أنتجت الهلكة وكما أن الأناة بعد الفرصة أعظم الخطأ كذلك العجله قبل الإمكان نفس الخطأ والرشيد من رشد عن العجله والخائب من خاب عن الأناة والعجل مخطيء أبدا كما أن المتثبت مصيب أبدا
حدثني محمد بن عثمان العقبي

حدثنا
محمد بن الحسن المصري حدثني نعيم ابن حماد حدثنا ابن المبارك حدثنا معمر قال كتب عمرو الى معاوية يعاتبه في التأني أما بعد فإن التفهم في الخير زيادة ورشد وإنه من لا ينفعه الرفق يضره الخرق ومن لا تنفعه التجارب لا يدرك المعاني أو قال المعالي ولا يبلغ الرجل مبلغ الرأي حتى يغلب حلمه جهله وتصبره شهوته ولا يدرك ذلك إلا بقوة الحلم
وأنشدني محمد بن حبيب الواسطي ... بني إذا ما ساقك الضر فاتئد ... فللرفق أولى بالأريب واحرز ... فلا تحمين عند الأمور تعززا ... فقد يورث الذل الطويل التعزز ...
أخبرني
محمد بن المنذر حدثنا إسماعيل بن إسحاق حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد عن أيوب قال قال أكثم بن صيفي ما يسرني أني نزلت بدار معجزة فأسمنت وألبنت قيل له لم قال لأني أخاف أن أتخذ العجز عادة
وأنشدني المنتصر بن بلال ... وعليك في بعض الأمور صعوبة ... والرفق للمستصعبات مدان ... وبحسن عقل المرء يثبت حاله ... وعلى المغارس تثمر العيدان

حدثنا عمرو بن محمد حدثنا الغلابي حدثنا مهدي بن سابق عن عبد الله ابن عياش عن أبيه قال شهد أعرابي عند معاوية بشهادة فقال معاويه كذبت فقال الأعرابي إن الكاذب للمتزمل في ثيابك فقال معاوية هذا جزاء من يعجل
ذكر الحث على تعلم الأدب ولزوم الفصاحة
حدثنا الحسين بن إدريس الأنصاري أنبأنا أحمد بن أبي بكر عن مالك عن زيد بن أسلم عن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن من البيان لسحرا
قال أبو حاتم رضى الله عنه قد شبه النبي صلى الله عليه و سلم في هذا الخبر البيان بالسحر إذ الساحر يستميل قلب الناظر إليه بسحره وشعوذته والفصيح الذرب اللسان يستميل قلوب الناس اليه بحسن فصاحته ونظم كلامه فالأنفس تكون اليه تائقة والأعين إليه رامقه
ولقد حدثنا أبو خليفة حدثنا أبو محمد التوزي النحوي حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا حبان بن علي قال سمعت ابن شبرمه يقول ما رأيت لباسا على رجل أحسن من فصاحة ولا على أمرأة من شحم وإن الرجل ليتكلم فيعرب فكأن عليه الخز الأدكن وإن الرجل ليتكلم فيلحن فكأن عليه أسمالا إن احببت أن يصغر في عينك الكبير ويكبر في عينك الصغير فتعلم النحو وانشدني الكريزي ... أكرم بذى أدب أكرم بذي حسب ... فإنما العزم في الأحساب والأدب ... والناس صنفان ذو عقل وذو أدب ... كمعدن الفضة البيضاء والذهب ... وسائر الناس من بين الورى همج ... كانوا موالى أو كانوا من العرب ...

وأنشدني
البسامي

ليس المسود بالمال سؤدده ... بل المسود من قد ساد بالأدب ... لأن من ساد بالأموال سؤدده ... ما دام في جمع ذا الأموال والنشب ... إن قل يوما له مال يصير الى ... هون من الأمر في ذل وفي تعب ...

قال
أبو حاتم رضى الله عنه الفصاحة أحسن لباس يلبسه الرجل وأحسن إزار يتزر به العاقل والأدب صاحب في الغربه ومؤنس في القلة وزين في المحافل وزيادة في العقل ودليل على المروءة ومن استفاد الأدب في حداثته انتفع به في كبره لأن من غرس فسيلا يوشك أن يأكل رطبها وما يستوي عند أولى النهى ولا يكون سيان عند ذوي الحجى رجلان أحدهما يلحن والأخر لا يلحن
وقد حدثنا الحسين بن محمد بن مصعب السمجي حدثنا أبو داود حدثنا عبد الله بن بكر بن حبيب حدثنا أبي عن سالم بن قتيبة قال كنت عند ابن هبيرة فجرى الحديث حتى ذكروا العربيه فقال والله ما استوى رجلان حسبهما واحد ومروءتهما واحدة أحدهما يلحن والآخر لا يحلن إلا ان أفضلهما في الدنيا والآخرة الذي لا يلحن قال فقلت أصلح الله الأمير هذا أفضل في الدنيا لفضل فصاحته وعربيته أرأيت الآخرة ما باله فضل فيها قال أنه يقرأ كتاب الله على ما أنزل والذي يلحن يحمله لحنه على أن يدخل في كتاب الله ما ليس فيه ويخرج منه ما هو فيه قال قلت صدق الأمير وبر
وأنشدني محمد بن عبد الله البغدادي ... أيها الطالب فخرا بالنسب ... إنما الناس لأم ولأب ... هل تراهم خلقوا من فضة ... أو حديد أو نحاس أو ذهب ... أو ترى فضلهم في خلقهم ... هل سوى لحم وعظم وعصب ... إنما الفضل بحلم راجح ... وبأخلاق كرام وأدب

ذاك من فاخر في الناس به ... فاق من فاخر منهم وغلب ...

وأنشدني
محمد بن نصر بن نوفل أنشدني عبد العزيز بن أحمد بن بكار إمام مسجد مكه ... ما حلة نسجت بالدر والذهب ... إلا وأحسن منها المرء بالأدب ...
حدثنا
محمد بن أبي علي الخلادي حدثنا أحمد بن محمد المسروقي حدثنا محمد بن الحسين البرجلاني حدثنا أبو عمر العمري حدثني عبد الله بن سلمة بن مرداس عن أبيه قال قال لي رجل من حكماء الفرس أقرب القرابة المودة الدائمة وأفضل ما ورث الأباء الأبناء حسن الأدب
قال أبو حاتم رضى الله عنه أفضل ما ورث أب أبنا ثناء حسن وأدب نافع والخرس عندي خير من البيان بالكذب كما أن الحصور خير من العاهر
فيجب على العاقل ان يذكى قلبه بالأدب كما يذكى النار بالحطب لأن من لم يذك قلبه ران حتى يسود ومن تعلم الأدب فلا يتخذه للمماراة عدة ولا للمباراة ملجأ ولكن يقصد قصد الانتفاع بنفسة وليستعين به على ما يقر به الى بارئه
ولقد انشدنى عبد العزيز بن سليمان الأبرش ... ادب المرء كلحم ودم ... ما حواة رجل الا صلح ... لو وزنتم رجلا ذا أدب ... بألوف من ذوى الجهل رجح ...
انبأنا احمد بن بشر الكرجى حدثنا محمود بن الخطاب حدثنا رستة عبد الرحمن بن عمر قال سمعت عبد الرحمن بن مهدى يقول ما ندمت على شىء ندامتى انى لم انظر فى العربية
سمعت اسحاق بن ابراهيم بن اسماعيل القاضى يقول سمعت ابن اخى الأصمعى يقول سمعت عمى يقول تعلموا النحو فإن بنى اسرائيل كفروا بكلمة

واحدة كانت مشددة فخففوها قال الله يا عيسى إني ولدتك فقرأوا يا عيسى إني ولدتك مخفف فكفروا
حدثنا الحسن بن إسحاق الإصبهاني حدثنا أبو أمية حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا ابو زيد النحوى قال جاء رجل إلى الحسن فقال ما تقول في رجل ترك ابيه وأخيه فقال الحسن ترك أباه و أخاه قال الرجل فما لأباه ولأخاه فقال الحسن فما لأبيه ولأخيه فقال الرجل كلما تابعتك خالفت
قال ابو حاتم رضي الله عنه لا زينة أحسن من زينة الحسب كما أن من أجمل الجمال إستعمال الأدب ولا حسن لمن لا أدب له ومن كان من اهل الأدب ممن لا حسب له يبلغ به أدبه مراتب أهل الأحساب لأن حسن الأدب خلف من الحسب وليست الفصاحة إلا إصابة المعنى والقصد ولا البلاغة إلا تصحيح الأقسام واختيار الكلام ومن أحمد الفصاحة الأقتدار عند البداهة والغزارة عند الإطالة وأحسن البلاغة وضوح الدلالة وحسن الإشارة
ولقد سمعت محمد بن نصر بن نوفل المروزي يقول سمعت أبا داود السنجي يقول سمعت الأصمعي يقول ليست البلاغة بخفة اللسان ولا كثرة الهذيان ولكن بإصابة المعنى والقصد الى الحاجة وإن أبلغ الكلام ما لم يكن بالقروي المجدع ولا البدوي المعرب
وأنشدني الكريزي ... ولم أر فضلا تم إلا بشيمة ... ولم أر عقلا صح إلا على أدب ... ولم أر في الأعداء حين اختبرتهم ... عدوا لعقل المرء أعدى من الغضب ...
حدثنا عمر بن محمد حدثنا الغلابي حدثنا محمد بن عبيد الله الجشمي قال قال المدائني ذكر عند على بن عبد الله بن عباس بلاغة رجل فقال إني لأكره أن يكون مقدار لسانه فاضلا على مقدار علمه كما أكره أن يكون مقدار علمه فاضلا على مقدار عقله

قال أبو حاتم رضى الله عنه الكلام مثل اللؤلؤ الأزهر والزبرجد الأخضر والياقوت الأحمر إلا أن بعضه أفضل من بعض ومنه ما يكون مثل الخزف والحجر والتراب والمدر وأحوج الناس الى لزوم الأدب وتعلم الفصاحة أهل العلم لكثرة قراءتهم الأحاديث وخوضهم في أنواع العلوم
ولقد

سمعت
محمد بن نصر بن نوفل يقول سمعت أبا داود السنجي أو حدثني سهل بن هاني عنه قال سمعت الأصمعي يقول إن أخوف ما أخاف على طالب العلم إذا لم يعرف النحو أن يدخل فيما قال النبي صلى الله عليه و سلم من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار لأنه عليه الصلاة و السلام لم يكن لحانا ولم يلحن في حديثه فمهما رويت عنه ولحنت فيه كذبت عليه
وأنشدني ابن زنجي البغدادي ... ليس الفتى كل الفتى ... إلا الفتى في أدبه ... وبعض أخلاق الفتى ... أولى به من نسبه ... حتف امريء لسانه ... في جده أو لعبه ... بين اللهي مقتله ... ركب في مركبه ...
سمعت أحمد بن الخطاب بن مهران بتستر يقول سمعت عثمان بن خرزاد يقول سمعت علي بن الجعد يقول سمعت شعبة يقول مثل الذي يطلب الحديث ولا يعرف النحو مثل الدابة عليها المخلاة ليس فيها شيء
ذكر إباحة جمع المال للقائم بحقوقه
حدثنا أحمد بن محمد بن الحسين ابن بنت الحسن بن عيسى بن ماسرجس حدثنا جدي حدثنا ابن المبارك أنبأنا موسى بن على بن رباح عن أبيه عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يا عمرو نعما المال الصالح للرجل الصالح

قال أبو حاتم رضى الله عنه هذا الخبر يصرح عن النبي صلى الله عليه و سلم بإباحة جمع المال من حيث يجب ويحل للقائم فيه بحقوقه لأن في تقرينه الصلاح بالمال والرجل معا بيانا واضحا لأنه إنما أباح في جمع المال الذي لا يكون بمحرم على جامعه ثم يكون الجامع له قائما بحقوق الله فيه ولقد ذكرت هذه المسألة بتمامها بالعلل والحكايات في كتاب الفضل بين الغنى والفقر بما أرجو الغنية فيها لمن أراد الوقوف على معرفتها فأغنى ذلك عن تكرارها في هذا الكتاب
أنشدني منصور بن محمد الكريزي ... إذا كان ما جمعت ليس بنافع ... فأنت واقصى الناس فيه سواء ... على أن هذا خارج من أثامه ... وأنت الذي تجزي به وتساء ...

أنبأنا
محمد بن سليمان بن فارس حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح حدثنا أبو عياد حدثنا شعبة عن قتادة قال سمعت مطرف بن عبد الله بن الشخير يحدث عن حكيم بن قيس بن عاصم عن أبيه أنه أوصى بنيه عند موته فقال عليكم بالمال واصطناعه فإنه منبهة للكريم ويستغني به عن اللئيم وإياكم ومسألة الناس فإنها آخر كسب الرجل
قال أبو حاتم رضى الله عنه إن من أحسن ما ينتفع المرء به في عمره وبعد الممات تقوى الله والعمل الصالح
فالواجب على العاقل أن يعمل في شبابه فيما يقيم به أوده كالشيء الذي لا يفارقه أبدا وفيما يصلح به دينه كالشيء الذي لا يجده غدا وليكن تعاهده لماله ما يصلح به معاشه ويصون به نفسه وفي دينه ما يقدم به لآخرته ويرضى به خالقه والفاقه خير من الغنى بالحرام والغنى الذي لا مروءة له أهون من الكلب وإن هو طوق وخلخل
حدثني محمد بن عثمان العقبي حدثنا عمران بن موسى بن أيوب حدثني أبي

حدثني
عيسى بن يونس عن محمد بن سوقه عن محمد بن المنكدر قال نعم العون على تقوى الله الغني
وانشدني على بن محمد البسامي ... أرى كل ذي مال يسود بماله ... وإن كان لا أصل هناك ولا فصل ... وآخر منسوبا الى الرأي خاملا ... وأنوك مجهولا له الجاه والنبل ... فلا ذا بفضل الرأي أدرك بلغة ... ولم أر هذا ضره النوك والجهل ...
وأنشدني
منصور بن محمد الكريزي ليحيى بن أكثم ... إذا قل مال المرء قل بهاؤه ... وضاقت عليه أرضه وسماؤه ... وأصبح لا يدري وإن كان حازما ... أقدامه خير له أم وراؤه ... ولم يمض في وجه من الأرض واسع ... من الناس إلا ضاق عنه فضاؤه ... وأصبح مردودا عليه مقالا وكان به قد يقتدى خطباؤه ... وإن يبق لم يضرر عدوا بقاؤه ... وإن يفن لم يفقد لخير فناؤه ...
حدثني محمد بن المهاجر حدثنا أبو أحمد بن حماد البربري عن سليمان بن أبي شيخ حدثني الزبيري قال مر عمر بن الخطاب بمحمد بن مسلمة وهو يغرس وديا فقال ما تصنع يا ابن مسلمة قال ما ترى أستغنى عن الناس كما قال صاحبكم أحيحه بن الجلاح ... استغن أومت فلا يغررك ذو نشب ... من ابن عم ولا عم ولا خال ... إني أظل على الزوراء أعمرها ... إن الحبيب الى الإخوان ذو المال ...
أنبأنا
محمد بن المنذر حدثنا علي بن عبد الرحمن عن عبدان قال دخلت على عبد الله المبارك وهو يبكي فقلت له مالك يا أبا عبد الرحمن قال بضاعة لي ذهبت قال قلت أو تبكي على المال قال إنما هو قوام ديني
قال أبو حاتم رضى الله عنه إن من اسعد الناس من كان في غناه عفيفا

وفي مسكنته قنعا لأن من نزل به الفقر لم يجد بدا من ترك الحياء والفقر يذهب العقل والمروءة ويذهب العلم والأدب وكاد الفقر أن يكون كفرا ومن عرف بالفقر صار معدنا للتهمه ومجمعا للبلايا اللهم إلا أن يرزق المرء قلبا نقيا قنعا يرى الثواب المدخر من الضجر الشديد فحينئذ لا يبالي بالعالم بأسرهم والدنيا وما فيها والفقر داعية الى المهانه كما أن الغني داعية الى المهابه ولقد أحسن الذي يقول ... يغطي عيوب المرء كثرة ماله ... وصدق فيما قال وهو كذوب ... ويزري بعقل المرء قلة ماله ... يحمقه الأقوام وهو لبيب ...
أنبأنا بكر بن أحمد بن سعيد الطاحي

حدثنا
النمر بن قادم حدثنا حماد بن زيد عن أيوب قال قال لي أبو قلابة يا أيوب الزم سوقك فإنك لا تزال كريما على إخوانك ما لم تحتج إليهم
وأنشدني
العقبي أنشدني محمد بن خلف التيمي بالكوفة ... كأن مقلا حين يغدو لحاجة ... الى كل من يلقى من الناس مذنب ... وكان بنو عمي يقولون مرحبا ... فلما رأوني معدما مات مرحب ...
وأنشدني الكريزي ... لعمرك إن المال قد يجعل الفتى ... نسيبا وإن الفقر بالمرء قد يزري ... ولا رفع النفس الدنيئة كالغنى ... ولا وضع النفس الكريمة كالفقر ...
حدثنا محمد بن يحيى العمى ببغداد حدثنا الصلت بن مسعود حدثنا حماد بن زيد حدثنا أيوب قال قال لي أبو قلابة الزم السوق فإن الغنى من العافيه
قال أبو حاتم رضى الله عنه ليس خلة هي للغنى مدح إلا وهي للفقير عيب فإن كان الفقير حليما قيل بليد وإن كان عاقلا قيل مكار وإن كان بليغا قيل مهذار وإن كان ذكيا قيل حديد وإن كان صموتا قيل عيي وإن

كان متأنيا قيل جبان وإن كان عارما قيل جريء وإن كان جوادا قيل مسرف وإن كان مقدار قيل ممسك
وشر المال ما اكتسب من حيث لا يحل وأنفق فيما لا يجمل ووجوده وعدمه ليسا بتجلد ولا بكثرة حيلة ولكنه اقسام ومواهب من الخلاق العليم ولقد أنشدني الأبرش ... يشقى رجال ويشقى آخرون بهم ... ويسعد الله أقواما بأقوام ... وليس رزق الفتى من حسن حيلته ... لكن جدود بأرزاق وأقسام ... كالصيد يحرمه الرامي المجيد وقد ... يرمي فيرزقه من ليس بالرامي ...

حدثني
محمد بن سعيد القزاز حدثنا أحمد بن داود بن موسى العطار حدثنا أحمد بن نصر العدني حدثنا المندني قال قال أبو قيس بن معد يكرب وكان له أحد عشر ذكرا يا بني اطلبوا هذا المال أجمل الطلب واصرفوه في أحسن مذهب صلوا به الأرحام واصطنعوا به الأقوام واجعلوه جنة لأعراضكم تحسن في الناس قالتكم فإن جمعه كمال الأدب وبذله كمال المروءة حتى إنه ليسود غير السيد ويقوى غير الأيد وحتى إنه ليكون في أنفس الناس نبيها وفي أعينهم مهيبا ومن جمع مالا فلم يصن عرضا ولم يعط سائلا بحث الناس عن أصله فإن كان مدخولا هتكوه وان كان صحيحا نسبوه إما الى عرض دنيه وإما الى لوص لئيم حتى يهجنوه

حدثني مطهر بن يحيى بن ثابت بواسط

حدثنا
سنان القطان حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال سمع رجل صوتا في غمام اذهبي الى أرض فلان فاسقيه قال فقال الرجل لآتين فلانا هذا فلأنظرن ما يعمل في أرضه فأتاه وقد مطر فيها وهو قائم يفتح الأواعي فسلم عليه وقال يا عبد الله أخبرني ما تعمل في أرضك هذه قال أنظر الى ما أخرج الله منها فأرد فيها ثلثه وأتصدق بثلثه وآكل أنا وعيالي ثلثه قال علقمه فكان ابن مسعود يبعثني الى أرض له بزازان أفعل فيها مثل ذلك
قال أبو حاتم رضى الله عنه إن شر المال مالا يخرج منه حقوقه وإن شرا منه ما أخذ من غير حله ومنع من حقه وأنفق في غير حله واستثمار المال قوام المعاش ولا بد للمرء من إصلاح ماله وما ارتفع أحد قط عن إصلاح ماله صالحا كان أو طالحا
ولا يجب للعاقل أن يعتمد على مجاورة نعم الله عنده فلا يقضي منها حقوقها لأن من اساء مجاورة نعم الله أساءت مجاورته وتحولت عنه الى غيره
ولقد أنشدني ابن زنجي البغدادي ... فإن كنت في خير فلا تغترر به ... ولكن قل اللهم سلم وتمم ... فمن لم يصن عرضا إذا ما استفاده ... ويشكر لأهل الخير يسلب ويذمم ...
حدثنا عمرو بن محمد حدثنا الغلابي أنشدنا مهدي بن سابق ... ورب مملك مالا كثيرا ... ولكن حظه منه قليل ... يعيش بفضله هذا وهذا ... وقد سالت به فيه سيول ... له منه الذي يحيا عليه ... بعيشته وسائره فضول

حدثنا أحمد بن الحسين الحرازي بالموصل حدثنا أحمد بن سنان القطان حدثنا كثير بن هشام عن عيسى بن إبراهيم عن معاوية بن عبد الله عن كعب قال أول من ضرب الدينار والدرهم آدم وقال لا تصلح المعيشة إلا بهما
قال أبو حاتم رضى الله عنه قد ذكرت ما شاكل هذه الحكايات في كتاب السخاء والبذل فأغنى ذلك عن تكرارها في هذا الكتاب
ذكر الحث على إقامة المروءات
حدثنا إسحاق بن ابراهيم بن إسماعيل القاضي وعبد الله بن محمود بن سليمان السعدي قالا حدثنا عبد الوارث بن عبيد الله العتكي حدثنا مسلم بن خالد الزنجي عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه و سلم كرم الرجل دينه ومروءته عقله وحسبه خلقه
قال أبو حاتم رضى الله عنه صرح النبي صلى الله عليه و سلم في هذا الخبر بأن المروءة هي العقل والعقل اسم يقع على العلم بسلوك الصواب واجتناب الخطأ فالواجب على العاقل أن يلزم إقامة المروءة بما قدر عليه من الخصال المحمودة وترك الخلال المذمومه
وقد نبغت نابغة اتكلوا على آبائهم واتكلوا على أجدادهم في الذكر والمروءات وبعدوا عن القيام بإقامتها بأنفسهم
ولقد أنشدني منصور بن محمد في ذم من هذا نعته ... إن المروءة ليس يدركها امرؤ ... ورث المروءة عن أب فأضاعها ... أمرته نفس بالدناءة والخنا ... ونهته عن طلب العلى فأطاعها ... فإذا أصاب من الأمور عظيمة ... يبني الكريم بها المروءة باعها ...

وأنشدني
محمد بن اسحاق ... خساسة أخلاق الرجال تشينهم ... وقل غناء عنهم النسب المحض

يصولون بالآباء في كل مشهد ... وقد غيبت آباءهم عنهم الأرض ... طويل تبديهم بمجد أبيهم ... وما لهم في المجد طول ولا عرض ...

وأنشدني
الحسين بن أحمد البغدادي ... ليس الكريم بمن يدنس عرضه ... ويرى مروءته تكون بمن مضى ... حتى يشيد بناءه ببنانه ... ويزين صالح ما أتوه بما أتى ...
قال
أبو حاتم رضى الله عنه ما رأيت أحدا أخسر صفقة ولا أظهر حسرة ولا أخيب قصدا ولا أقل رشدا ولا أحمق شعارا ولا ادنس دثارا من المفتخر بالآباء الكرام واخلاقهم الجسام مع تعريه عن سلوك أمثالهم وقصد أشباههم متوهما أنهم ارتفعوا بمن قبلهم وسادوا بمن تقدمهم وهيهات أني يسود المرء على الحقيقه إلا بنفسه واني ينبل في الدارين إلا بكده
ولقد أنشدني البسامي ... وكم قائل إني ابن بيت هو ابنه ... وقد هدم البيت الذي مات عامره ... فأودى عموداه ورثت حباله ... وأصلح أولاه وأفسد آخراه ...
وأنشدني الأبرش ... فإن قلت لي آباء صدق ومنصب ... كريم وإخوان مضت وجدود ... صدقت ولكن أنت هدمت ما بنوا ... بكفك عمدا والبناء جديد ...
وأنشدني محمد بن عبد الله البغدادي ... إن لم تكن بفعال نفسك ساميا ... لم يغن عنك سمو من تسمو به ... ليس القديم على الحديث براجع ... إن لم تجده آخذا بنصيبه ... ولربما اقترب البعيد بوده ... وغدا القريب مباعدا لقريبه ...
أنبأنا
الحسين بن محمد بن مصعب السنجي حدثنا أبو داود السنجي حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الحسن قال لا دين إلا بمروءة
قال أبو حاتم رضى الله عنه اختلف الناس في كيفية المروءة

فمن قائل قال المروءة ثلاثة إكرام الرجال إخوان أبيه وإصلاحه ماله وقعوده على باب داره
ومن قائل قال المروءة إتيان الحق وتعاهد الضعيف
ومن قائل قال المروءة تقوى الله وإصلاح الضيعة والغداء والعشاء في الأفنية
ومن قائل قال المروءة إنصاف الرجل من هو دونه والسمو إلى من هو فوقه والجزاء بما أتى إليه
ومن قائل قال مروءة الرجل صدق لسانه واحتماله عثرات جيرانه وبذله المعروف لأهل زمانه وكفه الأذى عن أباعده وجيرانه
ومن قائل قال إن المروءة التباعد من الخلق الدنى فقط
ومن قائل قال المروءة أن يعتزل الرجل الريبة فإنه إذا كان مريبا كان ذليلا وأن يصلح ماله فإن من أفسد ماله لم يكن له المروءة والإبقاء على نفسه في مطعمه و مشربه
ومن قائل قال المروءة حسن العشرة وحفظ الفرج واللسان وترك المرء ما يعاب منه
ومن قائل قال المروءة سخاوة النفس وحسن الخلق
ومن قائل قال المروءة العفة والحرفه أي يعف عما حرم الله ويحترف فيما أحل الله
ومن قائل قال المروءة كثرة المال والولد
ومن قائل قال المروءة إذا أعطيت شكرت وإذا ابتليت صبرت وإذا قدرت غفرت وإذا وعدت أنجزت
ومن قائل قال المروءة حسن الحيلة في المطالبة ورقة الظرف في المكاتبة
ومن قائل قال المروءة اللطافة في الأمور وجودة الفطنة

ومن قائل قال المروءة مجانبة الريبة فإنه لا ينبل مريب وإصلاح المال فإنه لا ينبل فقير وقيامه بحوائج أهل بيته فإنه لا ينبل من احتاج أهل بيته الى غيره
ومن قائل قال المروءة النظافة وطيب الرائحة
ومن قائل قال المروءة الفصاحة والسماحة
ومن قائل قال المروءة طلب السلامة واستعطاف الناس
ومن قائل قال المروءة مراعاة العهود والوفاء بالعقود
ومن قائل قال المروءة التذلل للأحباب بالتملق ومداراة الأعداء بالترفق
ومن قائل قال المروءة ملاحة الحركة ورقة الطبع
ومن قائل قال المروءة هي المفاكهه والمباسمه
حدثنا الحسن بن سفيان حدثنا سويد بن سعيد حدثنا مسلم بن عبيد أبو فراس قال قال ربيعه المروءه مروئتان فللسفر مروءة وللحضر مروءة
فأما مروءة السفر فبذل الزاد وقلة الخلاف على الأصحاب وكثرة المزاح في غير مساخط الله
وأما مروءة الحضر فالإدمان الى المساجد وكثرة الإخوان في الله وقراءة القرآن
قال أبو حاتم رضى الله عنه اختلفت ألفاظهم في كيفية المروءة ومعاني ما قالوا قريبة بعضها من بعض
والمروءة عندي خصلتان اجتناب ما يكره الله والمسلمون من الفعال واستعمال ما يحب الله والمسلمون من الخصال
وهاتان الخصلتان يأتيان على ما ذكرنا قبل من اختلافهم واستعمالهما هو العقل نفسه كما قال المصطفى صلى الله عليه و سلم إن مروءة المرء عقله
ومن أحسن ما يستعين به المرء على إقامة مروءته المال الصالح

ولقد أنشدني منصور بن محمد الكريزي ... احتل لنفسك أيها المحتال ... فمن المروءة أن يرى لك مال ... كم ناطق وسط الرجال وإنما ... عنهم هناك تكلم الأموال ...

قال
أبو حاتم رضى الله عنه الواجب على العاقل أن يقيم مروءته بما قدر عليه ولا سبيل الى إقامة مروءته إلا باليسار من المال فمن رزق ذلك وضن بإنفاقه في إقامة مورءته فهو الذي خسر الدنيا والآخرة ولا آمن أن تفجأه المنيه فتسلبه عما ملك كريها وتودعه قبرا وحيدا ثم يرث المال بعد من يأكله ولا يحمده وينفقه ولا يشكره فأي ندامة تشبه هذه وأي حسرة تزيد عليها
ولقد أنشدني محمد بن عبد الله البغدادي ... يا جامع المال في الدنيا لوارثه ... هل أنت بالمال قبل الموت منتفع ... قدم لنفسك قبل الموت في مهل ... فإن حظك بعد الموت منقطع ...
أنبأنا
المفضل بن محمد الجندي بمكة حدثنا إسحاق بن إبراهيم الطبري حدثنا أزهر عن ابن عون عن ابن سيرين قال ثلاثة ليست من المروءة الأكل في الأسواق والادهان عند العطار والنظر في مرآة الحجام
حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي حدثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني حدثنا هشيم عن مغيرة عن الشعبي قال ليس من المروءة النظر في مرآة الحجام
حدثنا محمد بن يحيى بن الحسن العمي ببغداد حدثنا الصلت بن مسعود حدثنا حماد بن زيد حدثنا أيوب قال سمعت أبا قلابة يقول ليس من المروءة أن يربح الرجل على صديقه
وأنشدني البسامي ... اعلم بأنك لا أبالك في الذي ... أصبحت تجمعه لغيرك خازن ... إن المنيه لا تؤامر من أتت ... في نفسه يوما ولا تستأذن ...
أنبأنا عمرو بن محمد حدثنا الغلابي حدثنا ابن عائشة عن أبيه قال كان

يقال مجالسة أهل الديانة تجلو عن القلب صدأ الذنوب ومجالسة ذوي المروءات تدل على مكارم الأخلاق ومجالسة العلماء تذكي القلوب
حدثني محمد بن أبي علي الخلادي حدثنا أبو أحمد بن حماد البربري عن سليمان بن أبي شيخ حدثنا محمد بن الحكم عن عوانه قال قال معاويه بن أبي سفيان آفة المروءة إخوان السوء
قال أبو حاتم رضى الله عنه والواجب على العاقل تفقد الأسباب المستحقرة عند العوام من نفسه حتى لا يثلم مروءته فإن المحقرات من ضد المروءات تؤذي الكامل في الحال بالرجوع في القهقري إلى مراتب العوام وأوباش الناس
ولقد حدثنا جعفر بن محمد الهمداني بصور قال سمعت طلحه بن إسحاق ابن يعقوب قال سمعت موسى بن إسحاق الأنصاري يقول سمعت علي بن حكيم الأودي يقول سمعت شريكا يقول ذل الدنيا خمسة دخول الحمام سحرا بلا كرنيب وعبور المعبر بلا قطعه وحضور مجلس العلم بلا نسخه وحاجة الشريف الى الدني وحاجة الرجل الى امرأته
حدثنا أبو شعبة الحسن بن محمد الإصطخري حدثنا عبد الرحمن بن محمد ابن منصور حدثنا محمد بن عبد العزيز الرملي حدثنا رشدين بن سعد حدثنا طلحة بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس قال من قلة مروءة الرجل نظره في بيت الحائك وحمله الفلوس في كمه

باب الحث على لزوم السخاء ومجانبة البخل
أنبأنا أحمد بن يحيى بن زهير بتستر حدثنا الحسن بن عرفة بن يزيد العبدي حدثنا سعيد بن محمد الوراق حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم السخي قريب من الله قريب من الناس والبخيل بعيد من الله بعيد من الناس ولسخي جاهل أحب الى الله من بخيل عابد
قال أبو حاتم رضى الله عنه إن كان حفظ سعيد بن محمد إسناد هذا الخبر فهو غريب غريب
فالواجب على العاقل إذا أمكنه الله تعالى من حطام هذه الدنيا الفانية وعلم زوالها عنه وانقلابها الى غيره وأنه لا ينفعه في الآخرة إلا ما قدم من الأعمال الصالحة أن يبلغ مجهوده في أداء الحقوق في ماله والقيام بالواجب في أسبابه مبتغيا بذلك الثواب في العقبى والذكر الجميل في الدنيا إذ السخاء محبة ومحمدة كما أن البخل مذمه ومبغضة ولا خير في المال إلا مع الجود كما لا خير في المنطق إلا مع المخبر
ولقد أنشدني المنتصر بن بلال الأنصاري ... الجود مكرمة والبخل مبغضة ... لا يستوي البخل عند الله والجود ... والفقر فيه شخوص والغنى دعه ... والناس في المال مرزوق ومحدوده ...

حدثني
محمد بن أبي علي الخلادي حدثنا محمد بن الحسن الذهلي حدثنا محمد ابن يوسف السدوسي حدثنا أحمد بن خالد القثمي حدثنا سليمان مولى عبد الصمد بن علي أن المنصور أمير المؤمنين قال لابنه المهدي اعلم ان رضاء الناس غاية لا تدرك فتحبب إليهم بالإحسان جهدك وتودد إليهم بالإفضال وأقصد بإفضالك موضع الحاجه منهم

وأنشدني محمد بن اسحاق الواسطي ... أعاذلتي اليوم ويحكما مهلا ... وكفا الأذى عني ولا تكثرا العذلا ... دعاني تجد كفى بما ملكت يدي ... سأصبح يوما أترك الجود والبخلا ... إذا وضعوا فوق الضريح جنادلا ... علي وخلفت المطية والرحلا ... فلا أنا مختار إذا ما نزلته ... ولا أنا لاق ما ثويت به أهلا ...

أنبأنا
إبراهيم بن إسحاق الأنماطي حدثنا لوين حدثنا ابن أبي الزناد عن هشام بن عروة قال كان أبي يقول مال قوم قط أقاموا على ماء عذب
حدثنا عمرو بن محمد حدثنا الغلابي حدثنا بكر بن عامر العتري حدثنا هشام ابن محمد عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضى الله عنه قال من آتاه الله منكم مالا فليصل به القرابه وليحسن فيه الضيافة وليفك فيه العاني والأسير وابن السبيل والمساكين والفقراء والمجاهدين وليصبر فيه على النائبة فإن بهذه الخصال ينال كرم الدنيا وشرف الآخره
قال أبو حاتم رضى الله عنه أجود الجود من جاد بماله وصان نفسه عن مال غيره ومن جاد ساد كما أن من بخل رذل
والجود حارس الأعراض كما أن العفو زكاة العقل ومن أتم الجود أن يتعرى عن المنة لأن من لم يمتن بمعروفه وفره والامتنان يهدم الصنائع وإذا تعرت الصنيعة عن إزار له طرفان أحدهما الامتنان والآخر طلب الجزاء كان من أعظم الجود وهو الجود على الحقيقة
ولقد أنشدني ابن زنجي ... يا رب عاذلة في الجود قلت لها ... قلى على الله فيما أنفق الخلفا ... هل من بخيل رأيت المال أخلده ... أم هل رأيت جوادا ميتا عجفا ... لما رأتني أوتي المال طالبه ... ولا أبالي تلادا كان ام طرفا ... عدت سماحي تبذيرا ولست أرى ... ما يكسب الحمد تبذيرا ولا سرفا

أنبأنا الحسين بن سفيان حدثنا حبان بن موسى قال قسم ابن المبارك يوما بين إخوانه وأصحاب الحديث ألف درهم ثم أنشأ يقول ... لا خير في المال لكنازه ... إلا جواد الكف وهابه ... يفعل أحيانا بزواره ... ما تفعل الخمر بشرابه ...

حدثني
محمد بن عثمان العقبي حدثنا الحسن بن محمد عن ابن السماك قال يا عجبي لمن يشتري المماليك بالثمن ولا يشتري الأحرار بالمعروف
قال أبو حاتم رضى الله عنه إن من أحسن خصال المرء الجود من غير امتنان ولا طلب ثواب والحلم من غير ضعف ولا مهانة
وأصل الجود ترك الضن بالحقوق عن أهلها كما أن أصل تربية الجسد أن لا يحمل عليه في الأكل والشرب والباه فكما لا تنفع المروءة بغير تواضع ولا الحفظ بغير كفاية كذلك لا ينفع العيش بغير مال ولا المال بغير جود وكما ان القرابه تبع للمودة كذلك المحمدة تبع للإنفاق
أنبأنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار حدثنا يحيى بن معين حدثنا المبارك ابن سعيد الثوري قال كان يقال ثلاث هن احسن شيء فيمن وجدت فيه تؤدة في غير ذل وجود لغير ثواب ونصب لغير الدنيا
حدثنا أيو يعلي بالموصل حدثنا محمد بن الصباح الدولابي حدثنا إسماعيل ابن زكريا عن عاصم الأحول قال قلت للحسن ما معنى قوله صلى لله عليه وسلم اليد العليا خير من اليد السفلى قال يد المعطي خير من يد المانع
حدثنا أبو خليفة حدثنا ابن كثير أنبأنا سفيان عن الأعمش عن ذكوان وعبد الله بن مرة عن كعب قال من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان
وأنشدني
الكريزي ليحيى بن أكثم ... ويظهر عيب المرء في الناس نحله ... ويستره عنهم جميعا سخاؤه ... تغط بأثواب السخاء فإنني ... أرى كل عيب والسخاء غطاءه

وأنشدني أحمد بن محمد بن عبد الله اليماني لبعض القرشيين ... سأبذل مالي كلما جاء طالب ... وأجعله وقفا على القرض والفرض ... فإما كريما صنت بالجود عرضه ... وإما لئيما صنت عن لؤمه عرضي ...
وأنشدني كامل بن مكرم أبو العلاء أنشدني هلال بن العلاء بن عمر الباهلي ... ملأت يدي من الدنيا مرارا ... فما طمع العواذل في اقتصادي ... وما وجبت على زكاة مال ... وهل تجب الزكاة على الجواد ...

قال
أبو حاتم رضى الله عنه البخل شجرة في النار أغصانها في الدنيا من تعلق بغصن من أغصانها جره الى النار كما أن الجود شجرة في الجنة أغصانها في الدنيا فمن تعلق بغصن من أغصانها جره الى الجنة والجنه دار الأسخياء والبخيل يقال له في أول درجته البخيل فإذا عتا وطغى في الإمساك يقال له الشحيح فإذا ذم الجود والأسخياء يقال له لئيم فإذا صار يحتج للبخلاء ويعذرهم في فعالهم يقال له الملائم
وما اتزر رجل بإزار أهتك لعرضه ولا أثلم لدينه من البخل
ولقد أنشدني محمد بن أسحاق الواسطي ... لكل هم من الهموم سعه ... والبخل واللؤم لا فلاح معه ... قد يجمع المال غير آكله ... ويأكل المال غير من جمعه ... أقبل من الدهر ما أتاك به ... من قر عينا بعيشه نفعه ...
سمعت
الخطابي بالبصرة يقول سمعت أبا حاتم السجستاني يقول سأل كسرى أي شيء أضر على ابن آدم قالوا الفقر قال الشح أضر منه إن الفقير إذا وجد اتسع وإن الشحيح لا يتسع إذا وجد
أنبأنا إبراهيم بن محمد بن يعقوب حدثنا ابن أبي القعقاع قال قال أبو الهذيل كنت عند يحيى بن خالد البرمكي فدخل عليه رجل هندي ومعه مترجم له

فقال المترجم إن هذا رجل شاعر قد حاول مدحتك فقال يحيى لينشد فقال الهندي ... أره أصره ككرا كي كره مندره ...
فقال يحيى للمترجم ما يقول قال يقول ... إذا المكارم في آفاقنا ذكرت ... فإنما بك فيها يضرب المثل ...
قال فأمر له بألف دينار

وأنشدني
عبد الرحمن بن محمد المقاتلي ... إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه ... فكل رداء يرتديه جميل ... إذا قلت لا في كل شيء سئلته ... فليس الى حسن الثناء سبيل ...
وأنشدني عمرو بن محمد الأنصاري أنشدني الغلابي أنشدني مهدي بن سابق ... يا مانع المال كم تضن به ... تطمع بالله في الخلود معه ... هل حمل المال ميت معه ... أما تراه لغيره جمعه ...
أنبأنا
عمران بن موسى السختياني حدثنا سليمان بن معبد المروزي حدثنا عثمان بن صالح حدثنا ابن وهب اخبرني يحيى بن أيوب عن أبي علي الغافقي سمع عامر بن عبد الله اليحصبي قال كان ابن منبه يقول أجود الناس في الدنيا من جاد بحقوق الله وإن رآه الناس بخيلا بما سوى ذلك وإن أبخل الناس في الدنيا من بخل بحقوق الله وإن رآه الناس كريما جوادا بما سوى ذلك
وأنشدني علي بن محمد البسامي ... رب مال سينعم الناس فيه ... وهو عن ربه قليل الغناء ... كان يشقى به وينصب فيه ... ثم أضحى لمعشر غرباء ... ماله عندهم جزاء إذا ما ... نعموا فيه غير سوء الثناء

رب مال يكون ذما وغما ... وغنى يعد في الفقراء ...

حدثنا
أحمد بن الحسن بن أبي الصغير المدائني حدثنا الربيع بن سليمان قال سمعت الشافعي يقول كان أبو حاتم يعني الطائي سخيا وكان يضع الأشياء مواضعها وكان حاتم مبذرا فاجتمع يوما عند أبيه أصحابه وشكا إليهم حاتما قال والله ما أدري ما اصنع لا يأخذ شيئا إلا بذره فاجتمع رأيهم على أن لا يعطيه شيئا سنه قال فأقام أبوه ولم يمكنه من شيء سنة مع ما هو فيه من الضر فلما مضت السنة أمر له بمائة ناقة حمراء قال فلما وقفت عليه قال حاتم من أحب شيئا فهو له حتى أخذوها كلها فدعاه أبوه فقال له أي بني ماذا تصنع قال والله يا أبي لقد بلغ الجوع مني شيئا لا يسألني أحد شيئا إلا أعطيته إياه
وأنشدني عبد العزيز بن سليمان ... تجود بالمال على وارث ... ولا ترى أهلا له نفسكا ... قدم حسن الظن بالله من ... جاد وسوء الظن من أمسكا ...
أنبأنا
عمرو بن محمد حدثنا الغلابي حدثنا ابن عائشة قال كان عمر بن عبد العزيز كثيرا ما يتمثل بهذا الشعر ويعجبه ... وما تزود مما كان يجمعه ... إلا حنوطا غداة البين مع خرق ... وغير نفحة أعواد تشد له ... وقل ذلك من زاد لمنطلق ...
أنبأنا أبو يعلي حدثنا يحيى بن أيوب المقابري حدثنا حماد بن زيد حدثنا أيوب عن نافع قال مرض ابن عمر بالمدينه فاشتهى عنبا في غير زمانه قال فطلبوا فلم يجدوا إلا عند رجل فاشترى سبع حبات بدرهم فجاء سائل فأمر له به ولم يذقه
قال أبو حاتم رضى الله عنه ما رأيت أحدا من الشرق الى الغرب أرتدى برداء الجود واتزر بإيزار ترك الأذى إلا رأس أشكاله وأضداده وخضع له

الخاص والعام فمن أراد الرفعه العالية في العقبى والمرتبه الجليله في الدنيا فليلزم الجود بما ملك وترك الأذى الى الخاص والعام ومن أراد ان يهتك عرضه ويثلم دينه ويمله إخوانه ويستثقله جيرانه فليلزم البخل
ولقد ذم البخل أهل العقل في الجاهلية والإسلام الى يومنا هذا فمنه ما أنشدني محمد بن عبد الله البغدادي ... كأنما نقرت كفاه من حجر ... فليس بين يديه والندى عمل ... يرى التيمم في بحر وفي بلد ... مخافة أن يرى في كفه بلل ...

وأنشدني
عمرو بن محمد أنشدني الغلابي أنشدنا مهدي بن سابق ... لو أن دارك أنبتت لك واحتشت ... إبرا يضيق بها فناء المنزل ... وأتاك يوسف يستعيرك إبره ... ليخيط قد قميصه لم تفعل ...
وأنشدني أحمد بن محمد بن أيوب ... وكفاك لم يخلقا للندى ... ولم يك بخلهما بدعه ... فكف عن الخير مقبوضه ... كما حط من مائه سبعه ... وأخرى ثلاثة آلافها ... وتسع مئيها لها شرعه ...
سمعت
محمد بن نصر بن نوفل المروزي يقول سمعت محمد بن صالح الوركاني يقول قيل للنضر بن شميل أي بيت قالته العرب اسخى
قال
الذي يقول ... فلو لم تكن في كفه غير روحه ... لجاد بها فليتق الله سائله ...
قال
وأي بيت قالته العرب أبخل فقال ... لو جعل الخردل في كفه ... ما سقطت من كفه خردله ...
قال وأي بيت قالته العرب أهجى قال ... العجرفيون لا يوفون ما وعدوا ... والعجرفيات ينجزن المواعيدا

قال أبو حاتم رضى الله عنه الواجب على العاقل إذا لم يعرف بالسماحة أن لا يعرف بالبخل كما لا يجب إذا لم يعرف بالشجاعه أن يعرف بالجبن ولا إذا لم يعرف بالشهامة أن يعرف بالمهانه ولا إذا لم يعرف بالأمانه أن يعرف بالخيانه إذ البخل بئس الشعار في الدنيا والآخرة وشر ما يدخر من الأعمال في العقبى
حدثنا أحمد بن عمرو بن جابر بالرمله حدثنا أبو عتبة الحمصي أحمد بن الفرج حدثنا ضمرة حدثنا إبراهيم بن أبي عبله قال سمعت أم البنين أخت عمر بن عبد العزيز تقول أف للبخل والله لو كان طريقا ما سلكته ولو كان ثوبا ما لبسته
حدثنا عمرو بن محمد حدثنا الغلابي حدثنا العباس بن بكار الهذلي قال قال الحسن من أيقن الخلف جاد بالعطية
ذكر الزجر عن ترك قبول الهدايا من الأخوان
حدثنا محمد بن صالح الطبري حدثنا عبد الله بن عمران الأصبهاني بالري حدثنا يحيى بن ضريس حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أجيبوا الداعي ولا تردوا الهدية ولا تضربوا المسلمين
قال أبو حاتم رضى الله عنه زجر النبي صلى الله عليه و سلم في هذا الخبر عن ترك قبول الهدايا بين المسلمين
فالواجب على المرء إذا أهديت إليه هدية أن يقبلها ولا يردها ثم يثيب عليها إذا قدر ويشكر عنها وإني لأستحب للناس بعث الهدايا الى الإخوان بينهم إذ الهدية تورث المحبة وتذهب الضغينه
ولقد حدثنا محمد بن المهاجر حدثنا الدارمي حدثنا عبد الله بن صالح

أنبأنا
الليث
قال
سمعت عبد الملك بن رفاعه الفهمي يقول الهدية هو السحر الظاهر
حدثني إبراهيم بن أبي أميه بطرسوس حدثنا حامد بن يحيى البلخي حدثنا سفيان قال لما قعد أبو حنيفة قال للناس مساور الوراق ... كنا من الدين قبل اليوم في سعة ... حتى بلينا بأصحاب المقاييس ... قوم إذا اجتمعوا صاحوا كأنهم ... ثعالب ضبحت بين النواويس ...
قال فبلغ ذلك أبا حنيفة فبعث اليه بمال فقال مساور حين قبض المال ... إذا ما الناس يوما قايسونا ... بآبده من الفتيا طريفة ... أتيناهم بمقياس صحيح ... مصيب من طراز أبي حنيفة ... إذا سمع الفقيه بها وعاها ... وأثبتها بحبر في صحيفه ...
وأنشدني
الكريزي ... إن الهدية حلوة ... كالسحر تختلب القوبا ... تدني البعيد من الهوى ... حتى تصيره قريبا ... وتعيد مضطغن العداوة ... بعد بغضته حبيبا ... تنفي السخيمة من ذوي الشحنا ... وتمتحق الذنوبا ...
أنبأنا الحسين بن إسحاق الأصبهاني بالكرج وإبراهيم بن محمد الدستوائي بتستر قالا حدثنا محمد بن عبيد بن عتبه الكندي حدثنا بكار بن أسود العامري حدثنا إسماعيل بن أبان قال بلغ الحسن بن عمارة أن الأعمش يقع فيه فبعث اليه بكسوة فلما كان بعد ذلك مدحه الأعمش فقيل له كيف تذمه ثم تمدحه قال إن خيثمة حدثني عن عبد الله قال إن القلوب جبلت على حب من أحسن إليها وبغض من أساء اليها
قال أبو حاتم رضى الله عنه قال لنا هذان الشيخان عن النبي صلى الله عليه و سلم وأنا أهابه قال والبشر مجبولون على محبة الإحسان وكراهية

الأذى واتخاذ المحسن اليهم حبيبا واتخاذ المسيء اليهم عدوا
فالعاقل يستعمل مع أهل زمانه لزوم بعث الهدايا بما قدر عليه لاستجلاب محبتهم إياه ويفارقه تركه مخافة بغضهم
ولقد أنشدني الأبرش ... هدايا الناس بعضهم لبعض ... تولد في قلوبهم الوصالا ... وتزرع في الضمير هوى وودا ... وتكسوك المهابة والجلالا ... مصايد للقلوب بغير لغب ... وتمنحك المحبة والجمالا ...

حدثني
محمد بن سعيد القزاز حدثنا عبد الله بن لقمان البهراني النجراني حدثنا موسى بن أيوب حدثنا خداش بن المهاجر عن الحسن بن دينار عن ابن سيرين قال كانوا يتهادون الدراهم في الجوالقات والأطباق
قال أبو حاتم رضى الله عنه الواجب على العاقل أن يستعمل الأشياء على ما يوجب الوقت ويرضي بنفاذ القضاء ولا يتمنى ضد ما زرق وإن كان عنده الشيء التافه لا يجب أن يمتنع من بذله لاستحقاره واستقلاله لأن أهون ما فيه لزوم البخل والمنع ومن حقر شيء منعه بل يكون عنده الكثرة والقلة في الحالة سيان لأن ما يورث الكثير من الخصال أورث الصغير بقدره من الفعال
حدثنا عمرو بن محمد الأنصاري حدثنا الغلابي حدثنا أبراهيم بن عمر بن حبيب عن الأصمعي قال دخلنا على كهمس العابد فجاء بخمسة وعشرون بسره حمراء فقال هذا الجهد من أخيكم والله المستعان
وأنشدني ابن زنجي ... إن المنى عجب لله صاحبها ... لعل حتف امريء فيما تمناه ... فإن ترى عبرا فيهن معتبر ... يجري بها قدر فالله أجراه

لاتحقرن من الإحسان محقرة ... أحسن فعاقبة الإحسان حسناه ...

حدثنا
محمد بن أيوب بن مشكان بطبريه قصبة الأردن حدثنا أبو عتبه حدثنا سلمة بن عبد الملك العرضي حدثنا المعافي بن عمران قال
سمعت
ميمون يقول من رضى من خلة الإخوان بلا شيء فليواخ أهل القبور
حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد القيسي حدثنا محمد بن الوليد بن أبان العقيلي حدثنا نعيم بن حماد قال أنشدني ابن المبارك ... ما ذاق طعم الغنى من لا قنوع له ... ولن ترى قانعا ما عاش مفتقرا ... والعرف من يأته يحمد عواقبه ... ما ضاع عرف ولو أوليته حجرا ...
سمعت يوسف بن يونس الفرغاني يقول بعث أبو السنور الشاعر إلى الأمير أبي الأشعث بطبق ورد يوم النيروز هدية وبعث اليه بهذه الأبيات ... بعثنا ببر تافه دون قدركم ... وما تبعث الألطاف للقل والكثر ... ولكن ظرفا أن تزيد مودة ... فهل تكرمنا بالقبول وبالعذر ... فلو كان بري حسب ما أنت أهله ... أتاك إذا روحي على طبق البر ...
سمعت عمر بن محمد الهمداني يقول سمعت وزيره بن محمد الغساني يقول قدم بعض الكتاب العسكر فأهدى اليه إخوانه وكان فيهم من قعدت به الحال فوجه إليه بدقه وأشنان وكتب اليه لو تمت الإرادة جعلت فداءك ببلوغ النية فيه وملكتني الجدة بسط القدرة لأتعبت السابقين الى برك ولبرزت أمام المجتهدين في فضلك ولكن البضاعة قعدت بالهمة وقصرت عن مساماة أهل النعمة وكرهت أن تطوي صحيفة البر وليس لي فيها ذكر فوجهت اليك بالمبتدأ به ليمنه وبركته وبالمختتم به لطيبه ونفعه مقتصرا عن ألم التقصير فيه فأما ما سوى ذلك فالمعبر عني فيه قول الله91 191 ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج والسلام
حدثنا محمد بن يوسف الأرمني حدثنا إبراهيم بن عبد العزيز الموصلي حدثنا

محمد بن علي بن الفضل المديني

حدثنا
عبد الله بن شعيب الزبيري حدثنا محمد ابن اسحاق المسيبي عن القاسم بن المعتمر عن حميد بن معيوف عن أبيه قال كنت ممن شهد الحكم بن حنطب بمنبج وهو يريد أن يموت وقد كان لقي من الموت شدة فقلت أو قال رجل اللهم هون عليه الموت فلقد كان ولقد كان فأثنى عليه فأفاق من غشيته قال من المتكلم قال المتكلم أنا قال إن ملك الموت يقول أني بكل رجل سخي رفيق قال ثم كأن فتيله أطفئت فمات فبلغ ابن هرمه الشاعر موته فأنشأ يقول ... سألا عن المجد والمعروف أين هما ... فقلت إنهما ماتا مع الحكم ... ماتا مع الرجل الموفى بذمته ... يوم الحفاظ إذا لم يوف بالذمم ... ماذا بمنبج لو تنبش مقابرها ... من التهدم بالمعروف والكرم ...
حدثنا محمد بن المهاجر حدثنا محمد بن موسى السمري عن حماد بن إسحاق ابن إبراهيم عن أبيه قال قيل للمغيرة بن شعبه ما بقي من لذتك قال الإفضال على إلإخوان قيل فمن أحسن الناس عيشا قال من عاش بعيشه غيره قيل فمن أسوأ الناس عيشا قال من لا يعيش بعيشه أحد
ذكر أستحباب التفريج عن الناس بقضاء الحوائج
حدثنا أبو عمرو محمد بن محمود النسائي حدثنا حميد بن زنجويه حدثنا محاضر بن المورع عن الأعمش عن ابي صالح عن أبي هريره قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من نفس عن أخيه كربه من كرب الدنيا نفس الله عنه كربه من كرب يوم القيامه ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر على مسلم ستر الله عليه في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه
قال أبو حاتم رضى الله عنه الواجب على المسلمين كافة نصيحة المسلمين والقيام بالكشف عن همومهم وكربهم لأن من نفس كربة من كرب الدنيا عن مسلم

نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن تحرى قضاء حاجته ولم يقض قضاؤها على يديه فكأنه لم يقصر في قضائها وأيسر ما يكون في قضاء الحوائج استحقاق الثناء والإخوان يعرفون عند الحوائج كما أن الأهل تختبر عند الفقر لأن كل الناس في الرخاء أصدقاء وشر الإخوان الخاذل لإخوانه عند الشدة والحاجة كما أن شر البلاد بلدة ليس فيها خصب ولا أمن
وأنشدني الكريزي ... خير أيام الفتى يوم نفع ... واصطناع العرف أبقى مصطنع ... ما ينال الخير بالشر ولا ... يحصد الزارع إلا مازرع ... ليس كل الدهر يوما واحدا ... ربما انحط الفتى ثم ارتفع ...

حدثنا
محمد بن سليمان بن فارس حدثنا أحمد بن سعيد الدارمي حدثنا بشر ابن عمر حدثنا الربيع قال كان الحسن يقول قضاء حاجة أخ مسلم أحب الي من اعتكاف شهرين
وأنشدني علي بن محمد البسامي ... سابق الى الخير وبادر به ... فإن من خلفك ما تعلم ... وقدم الخير فكل امريء ... على الذي قدمه يقدم ...
حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد القيسي حدثنا محمد بن موسى البصري حدثنا الأصمعي حدثنا أبو معمر شبيب بن شيبه الخطيب قال لما حضرت ابن سعيد ابن العاص الوفاة قال لبنيه يا بني ايكم يقبل وصيتي فقال ابنه الأكبر أنا قال إن فيها قضاء ديني قال وما دينك يا أبت قال ثمانون ألف دينار قال يا أبت فيم أخذتها قال يا بني في كريم سددت خلته ورجل جائني في حاجة وقد رأيت السوء في وجهه من الحياء فبدأت بحاجته قبل أن يسألها
قال أبو حاتم رضى الله عنه حقيق على من علم الثواب أن لا يمنع ما ملك

من جاه أو مال إن وجد السبيل اليه قبل حلول المنيه فيبقى عن الخيرات كلها ويتأسف على ما فاته من المعروف
والعاقل يعلم أن من صحب النعمة في دار الزوال لم يخل من فقدها وأن من تمام الصنائع وأهناها إذا كان ابتداء من غير سؤال
حدثنا عمرو بن محمد حدثنا الغلابي حدثنا محمد بن عبد الرحمن المهلبي قال دخل أبو العتاهية على الرشيد فقال سل يا أبا العتاهية فقال ... إذا كان المنال ببذل وجه ... فلا قربت من ذاك المنال ...
وأنشدني عبد العزيز بن سليمان ... يبقى الثناء وتنفذ الأموال ... ولكل دهر دولة ورجال ... ما نال محمدة الرجال وشكرهم ... إلا الصبور عليهم المفضال ...
حدثني محمد بن عبدل بن المهدي الشعراني حدثنا محمد بن يزيد الطرسوسي حدثنا ابن عائشة قال قال أبي جاء رجل الى يحيى بن طلحة بن عبيد الله فقال له هب لي شيئا قال يا غلام أعطه ما معك فأعطاه عشرين ألفا فأخذها ليحملها فثقلت عليه فقعد يبكي فقال ما يبكيك لعلك استقللتها فازيدك قال لا والله ما استقللتها ولكن بكيت على ما تأكل الأرض من كرمك فقال له يحيى هذا الذي قلت لنا أكثر مما أعطيناك
قال أبو حاتم رضى الله عنه لا يجب الإلحاف عند السؤال في الحوائج لأن شدة الأجتهاد ربما كانت سببا للحرمان والمنع والطالب للفلاح كالضراب بالقداح سهم له وسهم عليه فإن أعطى وجب عليه الحمد وإن منع لزمه الرضاء بالقضاء ولا يجب أن يكون السؤال إلا في ديار القوم ومنازلهم لا في المحافل والمساجد والملأ لأن محمد بن محمود النسائي حدثنا قال حدثنا علي بن خشرم حدثنا جرير بن عبد الحميد الضبي عن حنيف المؤذن قال قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه لا تسألوا الناس في مجالسهم ومساجدهم

فتفحشوهم ولكن سلوهم في منازلهم فمن أعطى أعطى ومن منع منع
قال أبو حاتم رضى عنه الذي قاله عمر بن الخطاب رحمة الله عليه ورضوانه إذا كان المسئول كريما فإنه أن سئل الحاجة في نادي قومه ولم يكن عنده قضاؤها تشور وخجل وأما إذا كان المسئول لئيما ودفع المرء الى مسألته في الحاجة تقع له فإنه إن سأله في مجلسه ومسجده كان ذلك أقضى لحاجته لأن اللئيم لا يقضي الحاجة ديانة ولا مروءة وإنما يقضيها إذا قضاها طلبا للذكر والمحمدة في الناس
على أني أستحب للعاقل أن لو دفعه الوقت الى أكل القد ومص الحصى ثم صبر عليه لكان أحرى به من أن يسأل لئيما حاجة لأن إعطاء اللئيم شين ومنعه حتف
ولقد أنشدني محمد بن عبد الله البغدادي ... إذا أعطى القليل فتى شريف ... فإن قليل ما يعطيك زين ... وإن تكن العطية من دني ... فإن كثير ما يعطيك شين ...

أنبأنا
أحمد بن محمد بن الفضل السجستاني بدمشق حدثنا علي بن خشرم قال سمعت سعيد بن مسلم بن قتيبة بن مسلم الباهلي يقول خرجت حاجا فمللت المحمل فنزلت أساير القطرات فقال أتانا أعرابي فقال لي يا فتى لمن الجمال بما عليها قلت لرجل من باهله قال يا لله أن يعطى الله باهليا كل ما أرى قال فأعجبني ازدراؤه بهم ومعي صرة فيها مائة دينار فرميت بها اليه فقال جزاك الله خيرا وافقت مني حاجة فقلت يا أعرابي أيسرك أن تكون الجمال بما عليها لك وأنت من باهلة قال لا قلت أفيسرك أن تكون من أهل الجنة وأنت باهلي قال بشرط أن لا يعلم أهل الجنة أني من باهله فقلت يا أعرابي الجمال بما عليها لى وأنا من باهلة قال فرمى بالصرة إلي فقلت سبحان الله ذكرت أنها وافقت منك حاجة قال ما يسرني

أن القي الله ولباهلي عندى يد فحدثت بها المأمون فجعل يتعجب ويقول ويحك ياسعيد ما كان أصبرك عليه
حدثنا محمد بن الرقام بتستر حدثنا أو حاتم السجستاني حدثنا الأصمعي حدثنا هاشم بن القاسم قال سألت سالم بن قتيبة حاجة فقضاها ثم سألته أخرى فانتهرني وقال حاجتين في حاجة أو قال على الريق ثم دعا بالطعام فلما تغدى قال هات حاجتك أما سمعت قول الصبيان ... إذا تغديت وطابت نفسي ... فليس في الحق غلام مثلي ... إلا غلام قد تغدى قبلي ...
أنبأنا عمرو بن محمد حدثنا الغلابي حدثنا مهدي بن سابق عن عطاء بن مصعب قال قال أبو عمرو المنذري أتيت مسلم بن قتيبة في حاجة وكان له صديق من أهل الشام فكلمته أن يكلمه في حاجتي فجعل يقول اليوم غدا فطال علي فتراءيت له وقد كان يعرفني فدعاني فقال أبا عمرو إنك لههنا قلت نعم أطالبك بحاجة منذ كذا وكذا وسيلتى فيها فلان فضحك وقال قد كنت أراك قد احكمت الآدب لا تستعن الى من تطلب اليه حاجة بمن له عنده طعمه فإنه لا يؤثرك على طعمته ولا تستعن بكذاب فإنه يقرب لك البعيد ويبعد لك القريب ولا تستعن بأحمق فإن الأحمق يجهد لك نفسه ولا يكون عنده شيء ولا يبلغ لك ما تريد فانصرفت فقلت يكفيني هذا قال لا ولكن تقضى لك حاجتك فقضاها
قال أبو حاتم رضى الله عنه لا يجب للعاقل أن يتوسل في قضاء حاجته بالعدو ولا بالأحمق ولا بالفاسق ولا بالكذاب ولا بمن له عند المسئول طعمه ولا يجب أن يجعل حاجتين في حاجة ولا أن يجمع بين سؤال وتقاض ولا يظهر شدة الحرص في اقتضاء حاجته فإن الكريم يكفيه العلم بالحاجة دون المطالبة والأقتضاء

ولقد أنشدني منصور بن محمد الكريزي ... وإذا طلبت الى كريم حاجة ... فاصبر ولا تك للمطال ملولا ... لا تظهرن شره الحريص ولا تكن ... عند الأمور إذا نهضت ثقيلا ...

وأنشدني
محمد بن إسحاق الواسطي العرزمي ... وإذا طلبت الى كريم حاجة ... فحضوره يكفيك والتسليم ... فإذا رآك مسلما عرف الذي ... حملته فكأنه ملزوم ...
قال
أبو حاتم رضى الله عنه العاقل لا يتسخط ما أعطى وإن كان تافها لأن من لم يكن له شيء فكل شيء يستفيده ربح ولا يجب أن يسأل الحاجة كل إنسان فرب مهروب منه أنفع من مستغاث اليه ولا يجب أن يكون السائل متشفعا لآخر لأن من لم يقدر على أن يسبح فلا يجب أن يحمل على عنقه آخر ومن سئل فليبذل لأن مال المرء نصفان له ما قدم ولوارثه ما خلف وأقرب الأشياء في الدنيا زوالا المال والولاية والتعاهد للصنيعة بالتحفظ عليها أحسن من ابتدائها ومن غرس غراسا فلا يضنن بالنفقة على تربيته فتذهب النفقة الأولى ضياعا
حدثني محمد بن أبي علي الخلادي حدثني محمد بن أبي يعقوب الربعي حدثنا عبد الكريم بن محمد الموصلي حدثنا أبي قال سمعت أبا تمام حبيب بن أوس الطائي يقول وقفت على باب مالك بن طوق الرحبي أشهرا فلم أصل اليه ولم يعلم بمكاني فلما أردت الانصراف قلت للحاجب أتأذن لي إليه أم أنصرف قال أما الآن فلا سبيل إليه قلت فإيصال رقعه قال لا ولا يمكن هذا ولكن هو خارج اليوم الى بستان له فاكتب الرقعه وارم بها في موضع أرانيه الحاجب فكتبت ... لعمري لئن حجبتني العبيد عنك ... فلم تحجب القافيه ... سأرمي بها من وراء الجدار ... شنعاء تأتيك بالداهيه

تصم السميع وتعمي البصير ... ومن بعدها تسأل العافيه ...

فكتبت
بها ورميت بها من المكان الذي أرانيه الحاجب فوقعت بين يديه فأخرجها فنظر فيها
فقال
علي بصاحب الرقعة فخرج الخادم فقال من صاحب الرقعه قلت أنا فأدخلت عليه فقال لي أنت صاحب الرقعه قلت نعم فاستنشدني فأنشدته فلما بلغت ومن بعدها تسأل العافيه قال لا بل نسأل العافية من قبلها ثم قال حاجتك فأنشأت أقول ... ماذا أقول إذا انصرفت وقيل لي ... ماذا أصبت من الجواد المفصل ... وإن قلت أغناني كذبت وإن أقل ... ضن الجواد بماله لم يجمل ... فأختر لنفسك ما أقول فإنني ... لا بد أخبرهم وإن لم أسأل ...
فقال إذا والله لا أختار إلا أحسنها كم أقمت ببابي قلت أربعة أشهر قال يعطى بعدد أيامه ألوفا فقبضت مائة وعشرين ألف درهم
سمعت محمد بن نصر بن نوفل بقوقل يقول سمعت أبا داود السنجي يقول كان ببغداد رجل يقال له ابن الهفت فمر يوما على سائل واقف على الجسر وهو يقول اللهم ارزق المسلمين حتى يعطوني فقال له تسأل ربك الحوالة
ذكر الحث على إعطاء السؤال وطلب المعالي
حدثنا محمد بن صالح الطبري بالصيمرة حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء الهمداني حدثنا مصعب بن المقدام حدثنا سفيان عن محمد بن المنكدر عن جابر قال ما سئل النبي صلى الله عليه و سلم شيئا قط فقال لا ولا ضرب بيده شيئا قط
قال أبو حاتم رضى الله عنه إني لأستحب للمرء طلب المعالي من الأخلاق مع ترك رد السؤال لأن عدم المال خير من عدم محاسن الأخلاق والندامة موكلة بترك معالجة الفرصة وإن الحر حق الحر من أعتقته الأخلاق الجميله كما أن أسوأ العبيد من أستعبدته الأخلاق الدنيه ومن أفضل الزاد في

المعاد أعتقاد المحامد الباقيه ومن لزم معالي الأخلاق أنتج له سلوكها فراخا تطير بالسرور
ولقد حدثني محمد بن سعيد القزاز

حدثنا
هارون بن صدقة القاضي حدثنا المسيب بن واضح يقول سمعت يوسف بن أسباط يقول ما كان المال مذ كانت الدنيا أنفع منه في هذا الزمان
وأنشدني محمد بن عبد الله بن زنجي البغدادي ... بادر هواك إذا هممت بصالح ... خوف العوائق أن تجيء فتغلب ... وإذا هممت بسيء فتعده ... وتجنب الأمر الذي يتجنب ...
قال
أبو حاتم رضى الله عنه ما ضاع مال ورث صاحبه مجدا ولولا المتفضلون مات المتجملون وليس يستحق المرء اسم الكرم بالكف عن الأذى إلا أن يقرنه بالإحسان إليهم فمن كثر في الخير رغبته وكان اصطناع المعروف همته قصده الراجون وتأمله المتأملون ومن كان عيشه وحده ولم يعش بعيشه غيره فهو وإن طال عمره قليل العمر والبائس من طال عمره في غير الخير ومن لم يتأس بغيره في الخير كان عاجزا كما أن من استحسن من نفسه ما يستقبحه من غيره كان كالغاش لمن تجب عليه نصيحته ومن لم يكن له همة إلا بطنه وفرجه عد من البهائم والهمة تبلغ الرتبة العالية لأن الناس بهمتهم
ولقد حدثنا عمرو بن محمد الأنصاري حدثنا الغلابي حدثنا ابن عائشة قال قال عبيد الله بن زياد بن ظبيان كان لي خال من كلب فكان يقول لي يا عبيد الله هم فإن الهمة نصف المروءة
وأنشدني محمد بن إسحاق الواسطي ... قد بلونا الناس في أخلاقهم ... فرأيناهم لذي المال تبع ... وحبيب الناس من أطمعهم ... إنما الناس جميعا بالطمع ...
حدثنا عمر بن حفص البزار بجنديسابور حدثنا إسحاق بن الضيف

حدثنا
الحسن بن واقع الرملي حدثنا ضمرة بن ربيعة قال
سمعت
كديرا أبا سليمان الضبي يقول كان لقصر إبراهيم الخليل صلى الله عليه و سلم ثمانية أبواب من حيث جاء السائل أعطى
حدثنا محمد بن أحمد الرقام بتستر حدثنا إسحاق بن الضيف حدثنا أبو مسهر حدثنا سعيد بن عبد العزيز أن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم سمع رجلا الى جنبه يسأل الله أن يرزقه عشرة آلاف درهم فانصرف فبعث بها إليه
وأنشدني الكريزي ... لا تحقرن صنيع الخير تفعله ... ولا صغير فعال الشر من صغره ... فلو رأيت الذي استصغرت من حسن ... عند الثواب أطلت العجب من كبره ...
سمعت أحمد بن محمد بن عبد الله اليماني يقول سمعت صالح بن آدم يقول أنشد إنسان عند عبد الله بن جعفر هذين البيتين ... إن الصنيعة لا تكون صنيعة ... حتى يصاب بها طريق المصنع ... فإذا صنعت صنيعه فاعمد بها ... لله أو لذوي القرابة أودع ...
فقال
عبد الله بن جعفر إن هذين البيتين يبخلان الناس ينبغي لمن عمل بهذا أن يدعو لمن طلب حاجة بالبينة بل تبث الصنائع ويرمي بها مواضع القطر حيث حلت وفي مثله يقول العتابي ... له في ذوي المعروف نعمى كأنه ... مواقع ماء القطر في البلد القفر ... إذا ما أتاه السائلون لحاجة ... علته مصابيح الطلاقة والبشر ...
حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد القيسي حدثنا أحمد بن مسروق حدثني ابن أبي سعيد عن شيخ له قال رأيت ابن المبارك يعض يد خادم له فقلت له تعض يد خادمك قال كم آمره أن لا يعد الدراهم على السؤال أقول له أحث لهم حثوا

حدثنا عمرو بن محمد حدثنا الغلابي حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه

قال
قال إبراهيم بن أبي البلاد حدثني أخي قال رأيت الحجاج بمنى في عمله على العراق وقام اليه رجال من أهل الحجاز يسألونه فقال توهمتم بنا أنا بغير بلادنا وما لكم مترك من ههنا من أهل العراق فقام إليه تجار أهل العراق فقال هل من سلف فقالوا نعم فحملوا إليه ألف ألف درهم فقسمها فلما قدم العراق ردها وأكثر ظني أنها ومثلها معها
قال أبو حاتم رضى الله عنه الواجب على العاقل أن يبدأ بالصنائع والإحسان الأفرض فالأفرض يبدأ بأهل بيته ثم بإخوانه وجيرانه ثم الأقرب فالأقرب ويتحرى المعروف والإحسان في أهل الدين والعلم منهم ويجتنب ضد ما قلنا لأن مثل من لم يفعل ما أومأنا إليه كما أنشدني الحسين بن أحمد البغدادي ... تصول على الأدنى وتجتنب العدا ... وما هكذا تبنى المكارم يا يحيى ... فكنت كفحل السوء ينزو بأمه ... ويترك باقي الخيل سائمة ترعى ...
وأنشدني
البسامي ... وكنت كمهريق الذي في سقائه ... لرقراق ماء فوق رابية صلد ... كمرضعة أولاد أخرى وضيعت ... بني بطنها هذا الضلال من القصد ...
قال أبو حاتم رضى الله عنه العاقل يبتديء بالصنائع قبل أن يسأل لأن الأبتداء بالصنيعة أحسن من المكافأة عليها والإمساك عن التعرض خير من البذل والصنائع إنما تحسن بإتمامها والتحافظ عليها بعدها لأن بصلاح الخواتم تزكو الأوائل والعطية بعد المنع أجمل من المنع بعد العطية والناس في الصنائع على ضربين شاكر وكافر ولقد أنشدني بعض إخواننا ... وما الناس في حسن الصنيعة عندهم ... وفي كفرهم إلا كبعض المزارع

فمزرعة طابت وأضعف ريعها ... ومزرعة أكدت على كل زارع ...

وأنشدني
محمد بن عبد الله البغدادي ... ومن يضع المعروف في غير أهله ... يكن ضائعا في غير حمد ولا أجر ... وحسب أمريء من كفر نعمى جحودها ... إذا وقعت عند امريء غير ذي شكر ...
وأنشدني
محمد بن إسحاق الواسطي ... لعمرك ما المعروف في غير أهله ... وفي أهله إلا كبعض الودائع ... فمستودع ضاع الذي كان عنده ... ومستودع ما عنده غير ضائع ...
قال
أبو حاتم رضى الله عنه الهمج من الناس إذا أحسن إليه يرى ذلك استحقاقا منه له ثم يرى الفضل لنفسه على المحسن إليه فلا يحمد عند الخير ولا يشكر عند البر ويتعجب ممن يشكر ويذم من يحمد وإذا امتحن العاقل بمثل من هذا نعته استعمل معه ما أنشدني الكريزي ... إن ذا اللؤم إذا أكرمته ... حسب الإكرام حقا لزمك ... فأهنه بهوان إنه ... إن تهنه بهوان أكرمك ...
وأنشدني الأبرش ... إذا أوليت معروفا لئيما ... يعدك قد قتلت له قتيلا ... فكن من ذاك معتذرا إليه ... وقل إني أتبتك مستقيلا ... فإن تغفر فمجترمى عظيم ... وإن عاقبت لم تظلم فتيلا ... ولست بعائد أبدا لهذا ... وقد حملتني حملا ثقثيلا ...
قال
أبو حاتم رضى الله عنه أهنأ الصنائع وأحسنها في الحقائق وأوقعها بالقلوب وأكثرها استدامة للنعم واستدفاعا للنقم ما كانت خالية عن المنن في البداءة والنهاية متعرية عن الأمتنان وهو الغاية في الصنيعة والنهاية في الإحسان

ولقد أنشدني محمد بن عبد الله البغدادي ... أحسن من كل حسن ... في كل وقت وزمن ... صنيعه مربوبه خالية من المنن ...

حدثنا
محمد بن غدار بن محمد الحارثي بالبصرة حدثنا سهل بن زادويه حدثنا محمد بن أبي الدواهي عن أبيه قال قال علي بن أبي طالب رضى الله عنه ... ما أحسن الدنيا وإقبالها ... إذا أطاع الله من نالها ... من لم يواس الناس من فضلها ... عرض للإدبار إقبالها ... فاحذر زوال الفضل يا حائرا ... واعط من الدنيا لمن سالها ... فإن ذا العرش سريع الجزا ... يخلف بالحبة أمثالها ...
حدثنا محمد بن المهاجر حدثنا محمد بن أحمد بن النضر المعنى حدثني سعيد حدثني أبوك - يعنى أباه أحمد بن النضر - قال كان بالكوفة قوم من العرب فأصابت رجلا منهم حاجة فكان عياله يغزلون ويبيعون وكان يشركهم فقالوا لا تعود علينا بشيء وما نكسب تشركنا فيه فأنف من قولهم فخرج يؤم بغداد ولم يدخل بغداد قبل ذلك وليس له حميم ولا قريب بها فدخلها ومر على وجهه فمر على باب يعقوب بن داود كاتب المهدي فرأى قوما جلوسا عليهم بزة فقال ما أخلق هؤلاء دعوا الى وليمة لو دخلت معهم لعلي أصيب شبعه فاندس معهم فخرج الإذن فقال ادخلوا فدخلوا الى دار قوراء كبيرة وإذا بهو في صدر الدار فجلسوا في البهو يمنة ويسرة وأخلوا الصدر فجاء يعقوب فسلم عليهم وقعد ثم قال يا غلام هات فجاء بصوان عليها مناديل مغطى بها وإذا فيها أكياس فقال أعطهم فوضعوا في حجر كل رجل مهم كيسا ووضعوا في حجري كيسا حتى فرغ منهم ثم قال أعد عليهم فوضع في حجر كل رجل منهم كيسا ووضعوا في حجري كيسا حتى والى بين خمسة أكياس ثم قال قوموا مبارك لكم وقد تعينه الخدم وليس

له عندهم أسم ولم يعرفوه فلما بلغ الدهليز ربطوه فصاح وصاحوا وسمع يعقوب الصوت فقال ما هذا فقالوا رجل دخل مع هؤلاء القوم لا نعرفه فقال علي به فقال له يا عبد الله ما أدخلك هذه الدار فقص عليهم القصة والسبب الذي دخل له فقال له من أين أنت قال من أهل الكوفة قال من يعرفك بالكوفة قال يعرفني فلان وفلان فسمى له قوما يعرفهم فقال خلوا عن الرجل إنا كاتبون الى هؤلاء القوم فإن كان الأمر على ما ذكرت فتعال كل سنة في هذا الوقت ولك عندنا مثل هذا وكتب الى القوم فسألهم فكتبوا بمعرفته فكان يجيء أيام حياته فيأخذ خسمة آلاف وينصرف
ذكر الحث على الضيافة وإطعام الطعام
حدثنا حامد بن محمد بن شعيب البلخي ببغداد حدثنا منصور بن ابي مزاحم حدثنا أبو الأحوص عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريره قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من كان يؤمن بالله واليوم والآخر فيلكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره
قال أبو حاتم رضى الله عنه إني لأستحب للعاقل المداومه على إطعام الطعام والمواظبة على قرى الضيف لأن إطعام الطعام من أشرف أركان الندى ومن أعظم مراتب ذوي الحجى ومن أحسن خصال أولى النهي ومن عرف بإطعام الطعام شرف عند الشاهد والغائب وقصده الراضي والعاتب وقرى الضيف يرفع المرء وإن رق نسبه الى منتهى بغيته ونهاية محبته ويشرفه برفيع الذكر وكمال الذخر
حدثنا محمد بن زنجوية القشيري حدثنا أبو مصعب حدثنا الدراوردي عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول كان إبراهيم الخليل أول من أضاف الضيف

حدثنا الأنصاري حدثنا الغلابي حدثنا إبراهيم بن عمر بن حبيب حدثنا الأصمعي أخبرني نافع بن أبي نعيم قال قال رجل ممن قد أدرك الجاهلية قدمت المدينة فإذا مناد ينادي من أراد الشحم واللحم فليأت دار دليم وهو جد سعد ابن عبادة بن دليم سيد الخزرج ثم ضرب الزمان من ضربه فقدمت المدينه فإذا مناد ينادي من أراد الشحم واللحم فليأت دار عبادة ثم ضرب الزمان من ضربه فقدمتها فإذا مناد ينادي من أراد الشحم واللحم فليأت دار سعد
قال أبو حاتم رضى الله عنه كل من ساد في الجاهلية والإسلام حتى عرف بالسؤدد وانقاد له قومه ورحل اليه القريب والقاصي لم يكن كمال سؤدده إلا بإطعام الطعام وإكرام الضيف
والعرب لم تكن تعد الجود إلا قرى الضيف وإطعام الطعام ولا تعد السخي من لم يكن فيه ذلك حتى إن أحدهم ربما سار في طلب الضيف الميل والميلين
ولقد حدثني محمد بن المنذر حدثنا علي بن الحسن الفلسطيني حدثنا أبو بكر السني حدثنا محمد بن سليمان القرشي قال بينما أنا أسير في طريق اليمن إذا أنا بغلام واقف على الطريق في أذنيه قرطان وفي كل قرطه جوهرة يضيء وجهه من ضوء تلك الجوهرة وهو يمجد ربه بأبيات من شعر فسمعته يقول ... مليك في السماء به افتخاري ... عزيز القدر ليس به خفاء ...

فدنوت
إليه فسلمت عليه فقال ما أنا براد عليك سلامك حتى تؤدي من حقي الذي يجب لي عليك قلت وما حقك قال أنا غلام على مذهب إبراهيم الخليل لا أتغدى ولا أتعشى كل يوم حتى أسير الميل والميلين في طلب الضيف فأجبته الى ذلك قال فرحب بي وسرت معه حتى قربنا من خيمة شعر فلما قربنا من الخيمة صاح يا أختاه فأجابته جارية من الخيمة يا لبيكاه قال قومي الى ضيفنا هذا قال فقالت الجارية أصبر حتى أبدأ بشكر المولى الذي سبب لنا هذا الضيف قال فقامت وصلت ركعتين شكر لله قال

فأدخلني الخيمة فأجلسني فأخذ الغلام الشفرة وأخذ عناقا له ليذبحها فلما جلست في الخيمة نظرت الى جارية أحسن الناس وجها فكنت أسارقها النظر ففطنت لبعض لحظاتي فقالت لي مه أما علمت أنه قد نقل إلينا عن صاحب يثرب تعنى النبي صلى الله عليه و سلم أن زنا العينين النظر أما إني ما أردت بهذا أن أوبخك ولكني أردت أن أؤدبك لكيلا تعود لمثل هذا فلما كان وقت النوم بت أنا والغلام خارج الخيمة وباتت الجارية في الخيمة قال فكنت أسمع دوي القرآن الليل كله أحسن صوت يكون وأرقه فلما أن أصبحت قلت للغلام صوت من كان ذلك قال فقال تلك أختي تحيى الليل كله الى الصباح قال فقلت يا غلام أنت أحق بهذا العمل من أختك أنت رجل وهي أمرأة قال فتبسم ثم قال ويحك يا فتى أما علمت أنه موفق ومخذول
وأنشدني محمد بن إسحاق بن حبيب الواسطي ... إذا ما أتاك الضيف فابدأ بحقه ... قبل العيال فإن ذلك أصوب ... وعظم حقوق الضيف واعلم بأنه ... عليك بما توليه مثن وذاهب ...

أنبأنا
أحمد بن قريش بن عبد العزيز حدثنا إبراهيم بن محمد الذهلي عن الحسن بن عيسى بن ماسرجس قال صحبت ابن المبارك من خراسان الى بغداد فما رأيته أكل وحده
حدثنا محمد بن عثمان العقبى حدثنا أبو أمية حدثنا عصام بن عمرو أبو حميد الطائي حدثنا عمرة بن هانىء قال كان رافع بن عميرة بن عمرو السنبسي فخذ من طيىء يغدي أهل ثلاثة مساجد ويعشيهم يوما بثرائد ويوما برطبه يعني الحيس وماله قميص إلا قميص هو لجمعته وهو للبيت

قال
أبو حاتم رضى الله عنه يجب على العاقل ابتغاء الأضياف وبذل الكسر لأن نعمة الله إذا لم تصن بالقيام في حقوقها ترجع من حيث بدأت ثم لا ينفع من زالت عنه التلهف عليها ولا الإفكار في الظفر بها وإذا أدى حق الله فيها استجلب النماء والزيادة واستذخر الأجر في القيامة واستقصر إطعام الطعام
وعنصر قرى الضيف هو ترك استحقار القليل وتقديم ما حضر للأضياف لأن من حقر منع مع إكرام الضيف بما قدر عليه وترك الادخار عنه
ولقد حدثني كامل بن مكرم حدثنا محمد بن يعقوب الفرجى حدثنا الوليد ابن شجاع حدثنا عقبة بن علقمة ومبشر بن إسماعيل أنهما سألا الأوزاعي ما إكرام الضيف قال طلاقة الوجه وطيب الكلام
وأنشدني الكريزي في قوم لم يكونوا يضيفون ... أقاموا الديدبان على يفاع ... وقالوا لا تنم للديدبان ... إذا أبصرت شخصا من بعيد ... فصفق بالبنان على البنان ... تراهم خشية الأضياف خرسا ... يصلون الصلاة بلا أذان ...
قال أبو حاتم رضى الله عنه أبخل البخلاء من بخل بإطعام الطعام كما أن من أجود الجود بذله ومن ضن بما لا بد للجثه منه ولا تربو النفس إلا عليه كان بغيره أبخل وعليه أشح
ومن إكرام الضيف طيب الكلام وطلاقة الوجه والخدمة بالنفس فإنه لا يذل من خدم أضيافه كما لا يعز من استخدمهم أو طلب لقراه أجرا
وأنشدني كامل بن مكرم أنشدني محمد بن سهيل ... وإني لطلق الوجه للمبتغي القرى ... وإن فنائي للقرى لرحيب ... أضاحك ضيفي عند إنزال رحله ... فيخصب عندي والمحل جديب

وما الخصب للأضياف أن يكثر القرى ... ولكنما وجه الكريم خصيب ...

وأنشدني
الأبرش ... لا تبخلن بدنيا وهي مقبلة ... فليس ينقصها التبذير والسرف ... وإن تولت فأحرى أن تجود بها ... فالحمد منها إذا ما أدبرت خلف ...
أنبأنا الأنصاري حدثنا الغلابي حدثنا العقبى عن أبي محنف لوط بن يحيى حدثني هشام بن عروة عن أبيه أن قيس بن سعد بن عبادة خرج من مصر فمر بأهل بيت من القين فنزل بهم فنحر لهم صاحب المنزل جزورا وأتاهم به فقال دونكم فلما كان من الغد نحر لهم آخر ثم حبستهم السماء اليوم الثالث فنحر لهم مثله فلما أراد قيس أن يرتحل وضع عشرين ثوبا من ثياب مصر وأربعة آلاف درهم عند امرأة الرجل وخرج قيس فما سار إلا قليلا حتى أتاه صاحب البيت على فرس كريم ورمح طويل وقدامه الثياب والدراهم فقال يا هؤلاء خذوا بضاعتكم عني قال قيس انصرف أيها الرجل فإنا لم نكن لنأخذها فقال الرجل لتأخذنها أو لا ينفذ منكم رجل أو تذهب نفسي فعجب قيس منه وقال لم لله أبوك ألم تكرمنا وتحسن إلينا فكافأناك ما في هذا من بأس فقال الرجل إنا لا نأخذ لقرى ابن السبيل وقرى الضيف ثمنا لا والله لا أفعل أبدا قال لهم قيس أما إذ أبى فخذوها منه فأخذوها ثم قال قيس ما فضلني رجل غير هذا
حدثني أحمد بن عمرو الزنبقي بالبصرة حدثنا الحسن بن مدرك السدوسي حدثنا عبد العزيز بن عبد الله القرشي حدثنا سعيد عن قتادة عن سعيد بن المسيب قال لأن أشبع كبدا جائعة أحب الي من حجة بعد حجة
حدثنا محمد بن سعيد القزاز حدثني عيسى بن أبي موسى الأنصاري حدثني أبي حدثنا أحمد بن بشير عن هشام بن عروة عن أبيه قال كان من دعاء قيس

ابن سعد بن عبادة اللهم ارزقني مالا وفعالا فإنه لا يصلح الفعال إلا المال
ذكر الحث على المجازاة على الصنائع

حدثنا
الفضل بن الحباب الجمحي حدثنا عبد الرحمن بن بكر بن الربيع ابن مسلم قال سمعت الربيع بن مسلم يقول سمعت محمد بن زياد يقول سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى لله عليه وسلم من لا يشكر الناس لا يشكر الله
قال أبو حاتم رضى الله عنه الواجب على من أسدى اليه معروفا أن يشكره بأفضل منه أو مثله لأن الإفضال على المعروف في الشكر لا يقوم مقام ابتدائه وإن قل فمن لم يجد فليثن عليه فإن الثناء عند العدم يقوم مقام الشكر للمعروف وما استغنى أحد عن شكر أحد
ولقد أنشدني محمد بن زنجي البغدادي ... فلو كان يستغنى عن الشكر ماجد ... لعزة ملك أو علو مكان ... لما أمر الله العباد بشكره ... فقال اشكروني أيها الثقلان ...
وأنشدني
الكريزي ... إذا المرء لم يشكر قليلا أصابه ... فليس له عند الكثير شكور ... ومن يشكر المخلوق يشكر لربه ... ومن يكفر المخلوق فهو كفور ...
وأنشدني محمد بن إسحاق الواسطي ... حافظ على الشكر كي تستجزل القسما ... من ضيع الشكر لم يستكمل النعما ... الشكر لله كنز لا نفاد له ... من يلزم الشكر لم يكسب به ندما ...
حدثنا عمرو بن محمد حدثنا الغلابي حدثنا العقبي قال مر سعيد بن العاص بدار رجل بالمدينة فاستسقى فسقوه ثم مر بعد ذلك بالدار ومناد ينادى عليها فيمن يزيد فقال لمولاه سل لم تباع هذه فرجع اليه فقال على صاحبها دين قال فارجع الى الدار فرجع فوجد صاحبها جالسا وغريمه معه فقال لم تبيع

دارك

قال
لهذا علي أربعة آلاف دينار فنزل وتحدث معهما وبعث غلامه فأتاه ببدرة فدفع الى الغريم أربعة آلاف ودفع الباقي الى صاحب الدار وركب ومضى
وأنشدني
المنتصر بن بلال ... ومن يسد معروفا اليك فكن له ... شكورا يكن معروفه غير ضائع ... ولا تبخلن بالشكر والقرض فاجزه ... تكن خير مصنوع إليه وصانع
وأنشدني بعض أهل العلم ... فكن شاكرا للمنعمين لفضلهم ... وأفضل عليهم إذ قدرت وأنعم ... ومن كان ذا شكر فأهل زيادة ... وأهل لبذل العرف من كان ينعم ...
وأنشدني الكريزي ... أحق الناس منك بحسن عون ... لمن سلفت لكم نعم عليه ... وأشكرهم أحقهم جميعا ... بحسن صنيعة منكم إليه ...
قال أبو حاتم رضي الله عنه الحر لا يكفر النعمة ولا يتسخط المصيبة بل عند النعم يشكر وعند المصائب يصبر ومن لم يكن لقليل المعروف عنده وقع أوشك أن لا يشكر الكثير منه والنعم لا تستجلب زيادتها ولا تدفع الآفات عنها إلا بالشكر لله جل وعلا ولمن أسداها إليه
ولقد حدثني أحمد بن محمد القيسي حدثني محمد بن المنذر حدثنا إسحاق بن إبراهيم القرشي قال سمعت أبا عبيدة معمر بن المثنى يقول ماتت لعبيد بن معمر بنت فقعد في المأتم في مسجده في سكة سبانوش فجاء عبيد الله بن أبي بكرة معزيا وإذا الأشراف قد أخذوا مواضعهم فنظر اليه رجل قد كان سبق الى مجلسه مع اتلأشراف قد عرفه فقام قائما وجعل يقول له ههنا حتى أخذ بيده فأقعده في مجلسه ثم ذهب فقعد في أخريات الناس فأمر عبيد الله غلاما كان معه أن يتعاهده الى قيامه فلما قام دعا الرجل فقال أتعرفني قال نعم قال من أنا قال أنت عبيد الله بن أبي بكرة صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم

قال فما حملك على تركك مجلسك لي قال إجلال لولد أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وما أوجب الله على أمثالي خصوصا من التبجيل فقال له عبيد الله هل لك على أن تصحبنا الى ضيعة نريد أن نصير اليها قال نعم قال فصحبه الرجل الى تلك الضيعة في نهر مكحول ضيعة فيها ثلاثمائة جريب نخل وعلى وجه الضيعة قصر بني بآجر وجص وخشب ساج فلما دخل الضيعة أخذ عبيد الله بيد الرجل وجعل يدور به في تلك النخيل فقال للرجل كيف ترى هذه الضيعة قال تالله ما رأيت نخيلا أحسن منها ولا أكثر ثمرة ولا أسرى ضيعة منها قال قد جعلناها لك بما فيها من الخدم والآلة نبعث اليك بصكها قال فاستطار الرجل فرحا وبكاء وقال انعشتني وانعشت عيالي فقال عبيد الله وكم لك من العيال قال ثلاثة عشر نفسا قال فإني قد جعلت اسم عيالك في اسم عيالي أنفق عليهم ما عشت فقال له عبيد الله من تكون له مثل هذه الضيعه يحتاج أن يكون منزله في سرة البصرة إذا صرنا إلى منزلنا فاغد علينا نأمر لك بشراء دار تشبه هذه الضيعة ورأس مال وخدم تصلح لدارك تعيش بها إن شاء الله قال فغدا الرجل عليه فأمر له بشراء دار بخمسة آلاف دينار وأعطاه عشرة آلاف دينار ودفع اليه صك الضعية وأمر له بدابة وبغل وسائس وكسوة وصرفه
وأنشدني الأبرش ... الشكر يفتح أبوابا مغلقه ... لله فيها على من رامه نعم ... فبادر الشكر واستغلق وثائقه ... واستدفع الله ما تجري به النقم ...

حدثنا
أحمد بن الحسن المدائني بمصر قال سمعت الربيع بن سليمان يقول أخذ رجل بركاب الشافعي فقال يا ربيع أعطه أربعة دنانير قال فأعطيته إياها
وأنشدني محمد بن إسحاق بن حبيب ... ومن يشكر العرف الصغير فإنه ... سينمي ويجتر المزيد أصاغره

ومن يشكر المعروف يحمد إلهه ... ويضعف أضعافا على الحمد شاكره ...

وأنشدني
ابن زنجي البغدادي ... وإذا اصطنعت الى أخيك ... صنيعة فانس الصنيعة ... والشكر من كرم الفتى ... والكفر من لؤم الطبيعة ... والصبر أكرم صاحب ... فاصحبه إن نزلت فجيعه ...
حدثنا
أحمد بن قريش بن بشر بن عبد العزيز حدثنا إبراهيم بن محمد الذهلي حدثنا أحمد بن خليل حدثنا يحيى بن أيوب عن أبي عيسى
قال
كان إبراهيم ابن أدهم إذا صنع اليه أحد معروفا حرص على أن يكافئه أو يتفضل عليه قال أبو عيسى فلقينى وأنا على حمار وأنا أريد بيت المقدس جائيا من الرملة قال وقد اشترى بأربعة دوانيق تفاحا وسفرجلا وخوخا وفاكهة فقال يا أبا عيسى أحب أن تحمل هذا قال وإذا عجوز يهودية في كوخ لها فقال أحب أن توصل هذا إليها فإنني مررت وأنا ممس فبيتتنى عندها فأحب أن أكافئها على ذلك
وأنشدني
الكريزي ... يد المعروف غنم حيث تسدى ... تحملها شكور أم كفور ... كفى شكر الشكور لها جزاء ... وعند الله ما كفر الكفور ...
وأنشدني بعض أهل العلم ... رهنت يدي للعجز عن شكر بره ... وما فوق شكري للشكور مزيد ... ولو كان شيء يستطاع استطعته ... ولكن مالا يستطاع شديد ...
قال أبو حاتم رضى الله عنه الواجب على المرء أن يشكر النعمة ويحمد المعروف على حسب وسعه وطاقته إن قدر فبالضعف وإلا فبالمثل وإلا فبالمعرفة بوقوع النعمة عنده مع بذل الجزاء له بالشكر وقوله جزاك الله خيرا فمن قال له ذلك عند العدم فكأنه أبلغ في الثناء

ومن الناس من يكفر النعم وكفران النعم يكون من أحد رجلين إما رجل لا معرفة له بأسباب النعم والمجازاة عليها لما لم يركب فيه من التفقد لمراعاة العشرة فإذا كان كذلك وجب الإغضاء عنه وترك المناقشة على فعله والرجل الآخر أن يكون ذا عقل لم يشكر النعمة استخفافا بالمنعم واستحقارا للنعمة وتهاونا في نفسه لهما أو لآحدهما فإذا كان كذلك يجب على العاقل ترك العود الى فعل مثله والخروج باللآئمة على نفسه إذا كان له خبرة به

وأنشدني
على بن محمد ... علامة شكر المرء إعلان حمده ... فمن كتم المعروف منهم فما شكر ... إذا ما صديقي نال خيرا فخانني ... فما الذنب عندي للذي خان أو فجر ... ولكن إذا أكرمته بعد كفره ... فإني ملوم حيث أكرم من كفر ...
وأنشدني
محمد بن إسحاق بن حبيب ... إذا أنا أعطيت القليل شكرتم ... وإن أنا أعطيت الكثير فلا شكر ... وما لمت نفسي في قضاء حقوقكم ... وقد كان لي فيما اعتذرت به عذر ...
قال
أبو حاتم رضى الله عنه إني لأستحب للمرء أن يلزم الشكر للصنائع والسعى فيها من غير قضائها إذا كان المنعم من ذوي القدر فيه والأهتمام بالصنائع لأن الاهتمام ربما فاق المعروف وزاد على فعل الإحسان إذ المعروف يعمله المرء لنفسه والأحسان يصطنعه الى الناس وهو غير مهتم به ولا مشفق عليه وربما أفعله الإنسان وهو مكاره والإهتمام لا يكون إلا من فرط عناية وفضل ود فالعاقل يشكر الإهتمام أكثر من شكره للمعروف
أنشدني عبد العزيز بن سليمان ... لأشكرنك معروفا هممت به ... إن اهتمامك بالمعروف معروف ... ولا ألومك إن لم يمضه قدر ... فالشيء بالقدر المجلوب مصروف ...
وأنشدني ابن زنجي البغدادي

بطر النعمة من ضيعها ... ومضيع الشكر مستدعي الغير ... فاجعل الشكر عليها حارسا ... ربما ابتز الفتى النعمى البطر ...

حدثني
عمرو بن محمد حدثنا محمد بن زكريا حدثنا محمد بن عبد الله الجشمي حدثنا علي بن محمد قال مر عمر بن هبيرة لما انصرف في طريقه فسمع امرأة من قيس تقول لا والذي ينجي عمر بن هبيرة فقال يا غلام أعطها ما معك وأعلمها أني قد نجوت
ذكر الحث على سياسة الرياسة ورعاية الرعية
حدثنا عبد الله بن قحطبة حدثنا العباس بن عبد العظيم العنبري حدثنا مؤمل ابن اسماعيل حدثنا سفيان حدثنا عبد الله بن دينار قال سمعت ابن عمر يقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالآمير راع على رعيته ومسئول عنهم والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم والمرأة راعية على بيت زوجها وهي مسئولة عنه والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه
قال أبو حاتم رضى الله عنه صرحت السنة عن المصطفى صلى الله عليه و سلم بأن كل راع مسئول عن رعيته فالواجب على كل من كان راعيا لزوم التعاهد لرعيته فرعاة الناس العلماء وراعي الملوك العقل وراعي الصالحين تقواهم وراعي المتعلم معلمه وراعي الولد والده كما أن حارس المرأة زوجها وحارس العبد مولاه وكل راع من الناس مسئول عن رعيته
وأكثر ما يجب تعاهد الرعية للملوك إذ هم رعاة لها وهم أرفع الرعاه لكثرة نفاذ أمورهم وعقد الأشياء وحلها من ناحيتهم فإذا لم يراعوا أوقاتهم ولم يحتاطوا لرعيتهم هلكوا وأهلكوا وربما كان هلاك عالم في فساد ملك واحد ولا يدوم ملك ملك إلا بأعوان تطيعه ولا يطيعه الأعوان إلا بوزير ولا يتم ذلك إلا أن يكون الوزير ودودا نصوحا ولا يوجد ذلك من الوزير إلا بالعفاف

والرأي لا يتم قوام هؤلاء إلا بالمال ولا يوجد المال إلا بصلاح الرعية ولا تصلح الرعية إلا بإقامة العدل فكأن ثبات الملك لا يكون إلا بلزوم العدل وزواله لا يكون إلا بمفارقته
فالواجب على الملك أن يتفقد أمور عماله حتى لا يخفى عليه إحسان محسن ولا إساءة مسيء لأنه إذا جنى عليه أعمال عماله لم يكن قائما بالعدل
ولقد أنشدني علي بن محمد البسامي ... إذا أسست قوما فاجعل العدل بينهم ... وبينك تأمن كل ما تتخوف ... وإن خفت من أهواء قوم تشتتا ... فبالجود فاجمع بينهم يتألفوا ...

حدثنا
عمرو بن محمد حدثنا الغلابي حدثنا إبراهيم بن عمر بن حبيب القاضي حدثنا الأصمعي قال قال ملك طخارستان لنصر بن سيار ينبغي للأمير أن يكون له ستة أشياء وزير يثق به ويفضي إليه بسره وحصان يلجأ اليه إذا فزع أنجاه يعني فرسا وسيف إذا نازل به الأقران لم يخف أن يخونه وذخيرة خفيفه المحمل إذا نابته نائبة أخذها وامرأة إذا دخل إليها أذهبت همه وطباخ إذا لم يشته الطعام صنع له شيئا يشتهيه
قال أبو حاتم رضى الله عنه لا يجب للسلطان أن يفرط البشاشة والهشاشه للناس ولا أن يقل منهما فإن الإكثار منهما يؤدي الى الخفة والسخف والإقلال منهما يؤدي الى العجب والكبر ولا ينبغي له أن يغضب لأن قدرته من وراء حاجته ولا أن يكذب لأنه لا يقدر أحد على استكراهه ولا له أن يبخل لأنه لا عذر له في منع الأموال والجاه معا ولا له أن يحقد لأنه يجب أن يترفع عن المجازاة فأفضل السلطان مالم يخالطه البطر وأعجزهم آخذهم بالهوينا وأقلهم نظرا في العواقب وخير السلطان من أشبه النسر حوله الجيف لا من أشبه الجيف حولها النسور
ويجب عليه استبقاء الرياسة وما فيه من نعمه الله عليه بلزوم تقوى الله وتفقد

أمور الرعية وإنصاف بعضهم بعضا لأنه ما من قوي في الدنيا إلا وفوقه أقوى منه فمتى ما عرف السلطان فضل قوته على الضعفاء فغره ذلك من قوة الأقوياء كانت قوته حينا عليه وهلاكا له والضعيف المحترس أقرب الى السلامة من القوي المغتر لأن صرعة الاسترسال لا تكاد تستقال ولا يجب أن يعجل في سلطانه بعقاب من يخاف أن يندم عليه ولا يثقن بمن عاقبه من غير جرم
وما أشبه السلطان إلا بالنار إن قصرت بطل نفعها وإن جاوزت عظم ضرها فخير السلطان من أشبه الغيث في أحيائه في نفع من يليه لا من أشبه النار في أكلها ما يليها
والسلطان إذا كان عادلا خير من المطر إذا كان وابلا وسلطان غشوم خير من فتنة تدوم والناس الى عدل سلطانهم أحوج منهم الى خصب زمانهم
ولقد حدثنا عمرو بن محمد حدثنا الغلابي حدثنا مرجى بن المؤمل بن المثنى المري عن أبيه

قال
قال الأحنف بن قيس الولي من الرعية مكان الروح من الجسد الذي لا حياة له إلا به وموضع الرأس من أركان الجسد الذي لا بقاء له إلا معه
وأنشدني ابن زنجي البغدادي للأفوه الأودي ... لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ... ولا سراة إذا جهالهم سادوا ... والبيت لا يبتنى إلا بأعمدة ... ولا عماد إذا لم ترس أوتاد ... فإن تجمع أوتاد وأعمدة ... وساكن أدركوا الأمر الذي كادوا ... تهدى الأمور بأهل الرأي ما صلحت ... فإن تولت فبالأشرار تنقاد ...
قال أبو حاتم رضى الله عنه الواجب على السلطان قبل كل شيء أن يبدأ بتقوى الله وإصلاح سريرته بينه وبين خالقه ثم يتفكر فيما قلده الله من أمر إخوانه ورفعه عليهم ليعلم أنه مسئول عنهم في دق الأمور وجلها ومحاسب على قليلها وكثيرها ثم يتخذ وزيرا صالحا عاقلا عفيفا نصوحا وعمالا صالحين

بررة راشدين وأعوانا مستورين وخدما معلومين ثم يقلد عماله مالا غنى له عنهم ويشترط عليهم تقوى الله وطاعته وأخذ المال من حله ويفرقه في أهله ثم يتفقد أمر بيت المال بأن لا يدخله حبة فما فوقها من قهر أو جور أو سلب أو نهب أو رشوة فإنه مسئول عن كل ذرة منه ومحاسب على كل حبة فيه ثم لا يخرجه إلا في المواضع التي أمر الله جل وعلا في سورة الأنفال
ثم يتفقد أمور الحرمين وطريق الحاج ومجاوري بيت الله وقبر رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم يتفقد ثغور المسلمين ولا يولي على الثغور من عماله إلا من يعلم أن القتل في سبيل الله يكون آثر عنده من البقاء في الدنيا ليغزي الناس ولا يعطل الثغر
ثم يتفقد ثغور المسلمين ومراقبهم والأبرجه التي بين المسلمين وبين عدوهم بأن يعمرها ويقيم فيها أعينا من المسلمين تتجسس أخبار العدو ويجري عليهم من بيت مالهم
ثم يتفقد أولاد المهاجرين والأنصار بعطاياهم ويعرف فضيلتهم وسابقة آبائهم وأنه إنما نال ما نال بهم
ثم يتفقد أمور الحكام بأن لا يولي أحدا على قضاء المسلمين إلا من يعلم منه العفاف والعلم وترك الميل الى الهوى والحكم بغير ما يوجبه العلم
ثم يتفقد أهل العلم والقراء والمؤذنين والصالحين وضعفاء المسلمين وليكن لمن هو أصغر سنا منه أبا ولمن هو أكبر منه أبنا ولأترابه أخا فيكون في تفقد أمورهم ولصلاح اسبابهم أكثر من تفقدهم بأنفسهم

ثم يختار من الرعية أقواما أمناء يبعث بهم في كل سنة الى المدن ليشرفوا على العمال والحكام ويتفقدوا أسبابهم وسيرهم ويخبروه بها فيعزل من استحق منهم العزل ويقر من اتبع الحق
ثم يجعل لنفسه موضعا لا يمنع منه لطرح القصص ويبرز للرعية في كل يوم مرة أو في كل ثلاثة أيام أو في كل أسبوع ليرفعوا اليه حوائجهم وليجتنب الحدة وليلزم الحلم الدائم فيما يرد عليه من أسبابهم
ولقد حدثنا عبد الله بن قحطبة حدثنا محمد بن زنبور حدثنا أبو بكر ابن عياش أن أهل الجاهلية لم يكونوا يسودون عليهم أحدا لشجاعة ولا لسخاء إنما كانوا يسودون من إذا شتم حلم وإذا سئل حاجة قضاها أو قام معهم فيها
وأنشدني الأبرش ... وقد يبغض الحيات أولاد آدم ... وأبغض ما فيها إليهم رءوسها ... وما ابتليت يوما بشر قبيلة ... أضر عليها من سفيه يسوسها ...
قال أبو حاتم رضى الله عنه لا يستحق أحد اسم الرياسة حتى يكون فيه ثلاثة اشياء العقل والعلم والمنطق
ثم يتعرى عن ستة أشياء عن الحدة والعجلة والحسد والهوى والكذب وترك المشاورة
ثم ليلزم في سياسته على دائم الأوقات ثلاثة أشياء الرفق في في الأمور والصبر على الأشياء وطول الصمت
فمن تعرى عن هذه الأشياء وهو ذو سلطان عمى عليه قلبه وتشتتت عليه أموره ومن لم يكن فيه خصلة من هذه الخصال نقص من ضوء بصر قلبه مثلها الخلل في أموره نحوها
وإنما مثل الرئيس والرعية كمثل جماعة ليس فيهم إلا قائد واحد فإن لم يكن

ذلك القائد أحد الناس بصرا والطفهم نظرا كان خليقا أن يوقعهم وإياه في وهدة تندق أعناقهم وعنقه معهم
والواجب على السلطان أن لا يغفل عن الأشياء الأربعة التي صلاحه في دينه ودنياه فيها وهي ما حدثنا به عمرو بن محمد حدثنا الغلابي حدثنا محمد بن عبيد الله الجشمي حدثنا المدائني

قال
خرج الزهري يوما من عند هشام بن عبد الملك فقال ما رأيت كاليوم ولا سمعت به كأربع كلمات تكلم بهن رجل آنفا عند هشام بن عبد الملك فقيل له وما هن قال قال له رجل يا أمير المؤمنين احفظ عني أربع كلمات فيهن صلاح ملكك واستقامة رعيتك قال هاتهن قال لا تعدن عدة لا تثق من نفسك بإنجازها ولا يغرنك المرتقى وإن كان سهلا إذا كان المنحدر وعرا واعلم أن للأعمال جزاءا فاتق العواقب وأن للأمور بغتات فكن على حذر
وأنشدني المنتصر بن بلال ... بلاء الناس مذ كانوا ... الى أن تأتي الساعه ... بحب الأمر والنهي ... وحب السمع والطاعه ...
قال أبو حاتم رضى الله عنه لا يجب للعاقل طلب الأمارة لأن من أوتيها عن مسألة وكل اليها ومن اعطيها من غير مسألة أعين عليها ومن اشتهر بالرياسة فليحترز لأن الريح الشديدة لا تحطم الكلأ وهي تحطم دوح الشجر ومشيد البنيان
وليلزم المشورة فإن في المشورة صلاح الرعية ومادة الرأي وليصنع الى الناس كافة في الوقت الذي يقدر على الصنائع والمعروف قبل ان يجيئه الوقت الذي يفقد فيه القدرة عليها وليعتبر بمن كان قبله من الملوك والأمراء والسادة والوزراء لأن من ظفر بأمر جسيم فأضاعه فاته ومن أمكنته الفرصه فأخر العمل فيها لا تكاد تعود اليه

والسلطنة إنما هي قول الحق والعمل بالعدل لا التفاخر في الدنيا واستعمال البذل ولقد حدثنا محمد بن سعيد القزاز حدثنا خطاب بن عبد الرحمن الجندي حدثنا عبد الله بن سليمان قال قال أبو عمرة بن العلاء كانو لا يسودون إلا من تكاملت فيه ست خصال وتمامهن في الإسلام السابعة السخاء والنجدة والصبر والحلم والبيان والتواضع وتمامهن في الأسلام الحياء
وأنشدني الكريزي ... إذا نلت الإمارة فاسم فيها ... الى العلياء بالعمل الوثيق ... بمحض خليقة لا عيب فيها ... وليس المحض كاللبن المذيق ... ولا تك عندها حلوا فتحسى ... ولا مرا فتنشب في الحلوق ... وكل إمارة إلا قليلا ... مغيرة الصديق عن الصديق ...
قال أبو حاتم رضى الله عنه من صحب السلطان فلا يجب أن يكتمه نصيحته لأن من كتم السلطان نصيحته والأطباء مرضه والإخوان بشه فقد خان نفسه ومن يصحب السلطان لا ينجو من الآثام كما أن راكب العجل لا يأمن العثار ولا يجب أن يأمن غضب السلطان إن صدقه ولا عقوبته إن كذبه ولا يجتريء عليه وإن أدناه لأن الحازم العاقل لا يشرب السم اتكالا على ما عنده من الترياق والأدويه
وإني لأستحب لمن امتحن بصحبة السلطان أن يعلمه لزوم تقوى الله والعمل الصالح كأنه يتعلم منه ويؤدبه كأنه يتأدب به ويتقي سخطاته والسخط إذا كان من علة كان الرضا عنه موجودا وإذا كان من غير علة ينقطع حينئذ الرجاء ولا يجب أن يعلم كل ما تأتي الملوك من أمورها لأن في معرفتهم إياها بعض الفتنة

وهيهات من ذا صحب السلطان فلم يفتتن ومن اتبع الهوى فلم يعطب إن الشجرة الحسنة ربما كان سبب هلاكها طيب ثمرتها وربما كان ذنب الطاووس الذي في جماله سبب حتفه لأنه يثقله حتى يمنعه من الهرب ومن صحب السلطان لم يأمن التغيير على نفسه لأن الأنهار إنما تكون عذبه ما لم تنصب الى البحور فإذا وقعت في البحور ملحت على أن قعود العلماء عن أبواب الملوك زيادة في نور علمهم وكثرة غشيانهم إياهم غشاوة على قلوبهم ومن صحب الملوك لم يأمن تغيرهم ومن زايلهم لم يأمن تفقدهم وإن قطع الأمور دونهم لم يأمن فيها مخالفتهم وإن عزم على شيء لم يجد بدا من مؤامرتهم وأسمج شيء بالملوك الحدة
ولقد حدثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي حدثنا يحيى بن معين حدثنا المبارك بن سعيد الثوري

قال
كان يقال خمس خلال هن أقبح شيء بمن كن فيه الحدة في السلطان والكبر في ذي الحسب والبخل في الغنى والحرص في العالم والفتوة في الشيخ
قال أبو حاتم رضى الله عنه رؤساء القوم أعظمهم هموما وأدومهم غموما وأشغلهم قلوبا وأشهرهم عيوبا وأكثرهم عدوا وأشدهم أحزانا وأنكاهم أشجانا وأكثرهم في القيامة حسابا وأشدهم إن لم يعف الله عنهم عذابا
ومن أحسن ما يستعين به السلطان على أسبابه اتخاذ وزير عفيف ناصح على ما تقدم ذكرنا له فإن الوزير إذا غفل الأمير ذكره وإن ذكر أعانه وإن سولت له نفسه سيئة صده وإن أراد طاعة نشطه فهو المحبب له الى الناس والمستجلب له دعائهم
ولقد أنشدني علي بن محمد البسامي ... إذا نسى الأمير قضاء حق ... فإن الذنب فيه للوزير ... لأن على الوزير إذا تولى ... أمور الناس تذكير الأمير ...
قال أبو حاتم رضى الله عنه الواجب على كل من يغشى السلطان وامتحن

بصحبته أن لا يعد شتمه شتما ولا إغلاظه أغلاظا ولا التقصير في حقه ذنبا لأن ريح العزة بسطت لسانه ويده بالغلظة فإن أنزله الوالي منزلة رفيعة من نفسه فلا يثقن بها وليجانب معه كلام الملق والأكثار من الدعاء في كل وقت وكثرة الانبساط فرب كلمة أثارت الوحشه بل يجتهد في توقيره وتعظيمه عند الناس فإن غضب فليحتل في تسكين غضبه باللين والمداراة ولا يكون سببا لتهييجه
ولقد حدثنا عمرو بن محمد حدثنا الغلابي حدثنا ابن عائشة عن أبيه قال بعث أبو جعفر الى جعفر بن محمد قال إني أستشيرك في أمر إني قد تأنيت أهل المدينة مرة بعد أخرى فلا أراهم يرجعون ولا يعتبون وقد رأيت أن أبعث فأحرق نخلها وأغور عيونها فما ترى فسكت جعفر فقال مالك لا تكلم قال إن إذنت لي تكلمت قال قل قال يا أمير المؤمنين إن سليمان أعطى فشكر وإن أيوب أبتلى فصبر وإن يوسف قدر فغفر وقد جعلك الله من النسل الذي يعفون ويصفحون قال فطفيء غضبه وسكن
حدثني محمد بن أبي علي الخلادي حدثنا محمد بن أبراهيم بن سعيد عن محمد ابن حميد بن فروة عن أبيه قال لما استقرت للمأمون الخلافة دعا إبراهيم بن مهدي المعروف بابن شكلة فوقف بين يديه فقال أنت المتوثب عليها تدعى الخلافة فقال إبراهيم يا أمير المؤمنين أنت ولي الثأر محكم في القصاص والعفو أقرب للتقوى وقد جعلك الله فوق كل ذي ذنب كما جعل كل ذي ذنب دونك فإن أخذت أخذت بحق وإن عفوت عفوت بفضل ولقد حضرت أبي وهو جدك أتى برجل كان جرمه أعظم من جرمي فأمر الخليفة بقتله وعنده المبارك بن فضالة فقال المبارك بن فضالة إن رأى أمير المؤمنين أن يستأنى في أمر هذا الرجل حتى أحدثه بحديث سمعته من الحسن يحدث به عن رسول الله

صلى الله عليه و سلم قال إيه يا مبارك قال حدثني الحسن أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إذا كان يوم القيامة نادى مناد مناد من بطنان العرش الاليقم العافون من الخلفاء فلا يقوم إلا من عفا فقال الخليفة له يا مبارك قد قبلت الحديث وعفوت عنه أخرج أيها الرجل فلا سبيل لأحد عليك فقال المأمون يا عم ههنا يا عم ها هنا
قال أبو حاتم رضى الله عنه الواجب على من ملك أمور المسلمين الرجوع الى الله جل وعلا في كل لحظة وطرفة لئلا يطغيه ما هو فيه من تسلطه بل يذكر عظمة الله وقدرته وسلطانه وأنه هو المنتقم ممن ظلم والمجازي لمن أحسن فليلزم في إمرته السلوك الذي يؤديه الى اكتساب الخير في الدارين وليعتبر بمن كان قبله من أشكاله فإنه لا محالة مسئول عن شكر ما هو فيه كما هو لا محالة مسئول عن حسابه إذا المصطفى صلى الله عليه و سلم قال يقول الله تبارك وتعالى يوم القيامة ألم أحملك على الخير ورزقتك النساء وجعلتك ترأس وتربع فيقول بلى فيقول فأين شكر ذلك
وأنشدني ابن زنجي البغدادي ... يدبر أسباب الرجال مؤمر ... إذا صلحت في الصدر أشفى وأبين ... من العقل أن تحتاط فيما وليته ... وتحسم ما تخشاه والأمر ممكن ...

ذكر
الدنيا وتقلبها بأهلها
حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد السلام حدثنا عبد الله بن هانيء بن عبد الرحمن بن أبي عبله حدثنا أبي عن عمه إبراهيم بن أبي عبله عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من أصبح معافى في بدنه آمنا في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا يا ابن

جعشم يكفيك منها ما سد جوعتك ووارى عورتك فإن يكن ثوبا تلبسه فذاك وإن كانت دابة تركبها فبخ فلق الخبز وما الحب وما فوق الإزار حساب عليك
قال أبو حاتم رضى الله عنه الواجب على العاقل أن لا يغتر بالدنيا وزهرتها وحسنها وبهجتها فيشتغل بها عن الآخرة الباقية والنعم الدائمة بل ينزلها حيث أنزلها الله لأن عاقبتها لا محالة تصير الى فناء يخرب عمرانها ويموت سكانها وتذهب بهجتها وتبيد خضرتها فلا يبقى رئيس متكبر مؤمر ولا فقير مسكين محتقر إلا ويجري عليهم كأس المنايا ثم يصيرون الى التراب فيبلون حتى يرجعون الى ما كانوا عليه في البداية الى الفناء ثم يرث الأرض ومن عليها علام الغيوب فالعاقل لا يركن الى دار هذا نعتها ولا يطمئن الى دنيا هذه صفتها وقد ادخر له ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فيضن بترك هذا القليل ويرضى بفوت ذلك الكثير
حدثنا محمد بن المسيب بن إسحاق حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي قال سمعت بشر بن الحارث يقول ... لا تأس في الدنيا على فائت ... وعندك الإسلام والعافيه ... إن فات أمر كنت تسعى له ... ففيهما من فائت كافيه ...

وأنشدني
الكريزي أنشدني شعيب بن أحمد لسليمان بن يزيد العدوى ... ألم تر أن المرء يودي شبابه ... وأن المنايا للرجال تشعب ... فمن ذائق كأسا من الموت مرة ... وآخر أخرى مثلها يترقب ... لها منهم زاد حثيث وسائق ... وكل بكأس الموت يوما سيشرب ... وما وارث إلا سيورث ماله ... ولا سالب إلا وشيكا سيسلب

ولا آلف إلا سيتبع إلفه ... ولا نعمه إلا تبيد وتذهب ... وما من معان والمصائب جمة ... يعاورها العصران إلا سيعطب ... أرى الناس أصنافا أقاموا بعربة ... تقلبهم أيامها وتقلبوا ... بدار غرور حلوة يعمرونها ... وقد عاينوا فيها زوالا وجربوا ... يذمون دنيا لا يريحون درها ... فلم أر كالدنيا تذم وتحلب ... تسرهم طورا وطورا تذيقهم ... مضيض مكاو حرها يتلهب ...

حدثنا
عمرو بن محمد حدثنا الغلابي حدثنا محمد بن عبيد الله
قال
عاد رجل مريضا فسمع قائلا يقول من ناحية البيت ... ناد رب الدار ذا المال الذي ... جمع الدنيا بحرص ما فعل ...
فأجابه
مجيب ... كان في الدار سوها داره ... عللته بالمنى ثم انتقل ... لم يمتع بالذي كان حوى ... من حطام المال إذا حل الأجل ... إنما الدنيا كظل زائل ... طلعت شمس عليه فاضمحل ...
قال أبو حاتم رضى الله عنه رأيت على حجر بطبرستان مكتوب ... العيش لونان فحلو ومر ... والدهر نصفان فريف وضر ... والنطق جزآن فبعر ودر ... والناس اثنان فنذل وحر ... يومك يومان فخير وشر ... نهار يزول وليل يكر ... وكذاك الزمان على من مضى ... وكل السنين على ذا تمر ...
وأنشدني
الأبرش ... إنما الدنيا نهار ... ضوئها ضوء معار ... بينما غصنك عض ... ناعم فيه أخضرار

إذ رماه زمناه ... فإذا فيه اصفرار ... وكذلك الليل يأتي ... ثم يمحوه النهار ...

وأنشدني
ابن زنجي البغدادي ... يا لائم الدهر إذا ما نبا ... لا تلم الدهر على غدره ... الدهر مأمور له آمر ... ينصرف الدهر الى أمره ... كم كافر بالله أمواله ... تزداد أضعافا على كفره ... ومؤمن ليس له درهم ... يزداد إيمانا على فقره ... لا خير فيمن لم يكن عاقلا ... يبسط رجليه على قدره ...
وأنشدني الكريزي ... ما الدهر إلا ليلة ويوم ... والعيش إلا يقظة ونوم ... يعيش قوم ويموت قوم ... والدهر قاض ما عليه لوم ...
أنبأنا
عبد الله بن محمد بن سلم حدثنا أحمد بن أبي الحواري حدثنا إسحاق الموصلي قال قال أبو حازم بضاعة الآخرة كاسدة فاستكثر منها في أوان كسادها فإنه لو جاء أوان نفاقها لم تصل منها لا الى قليل ولا الى كثير
قال أبو حاتم رضى الله عنه الدنيا بحر طفاح والناس في امواجها يعومون وفي أمثال تضربها الأيام للأنام وما أكثر أشباهها منها لأن كل ما يصير الى فناء منها يشبهها فمن أوتى من الدنيا أشياء ثلاثة فقد أوتى الدنيا بحذافيرها الأمن والقوت والصحة لا يغتر بشيء منها إلا كل خداع ولا يركن إليها إلا كل مناع
فالعاقل يعلم أن ما لم يبقى لغيره عليه غير باق وأن ما سلب عن غيره لا يترك عليه فالقصد الى ما يعود بالنفع في الآخرة للعاقل من الدنيا أحرى من السلوك في قصد الضن بها والجمع لها من غير تقديم ما يقدم عليه في الآخرة من الأعمال الصالحة وتركك الأغترار بها والأعتبار بتقلبها بأهلها ولا شيء أعظم خطرا من

الحياة ولا غبن أعظم من إفنائها لغير حياة الأبد ومن اشتهى أن يكون حرا فليجتنب الشهوات وإن كانت لذيذة وليعلم أن كل لذيذ ليس بنافع ولكن كل نافع هو الذيذ وكل الشهوات مملوله إلا الأرباح فإنها لا تمل وأعظم الأرباح الجنة والأستغناء بالله عن الناس
ولقد أنشدني علي بن محمد البسامي ... فأعظم بصبر للزمان فإنه ... على حالة المكروه ليس بدائم ... تدور لنا أفلاكه بعجائب ... إذا ما انقضت كانت كأحلام نائم ... سرور وهم وانتعاش وسقطة ... الى أجل دان لذلك هادم ... وبالله دون الناس فاستغن واستعن ... إذا أنزلت إحدى الأمور العظائم ...

وأنشدني
وأنشدني المنتصر بن بلال ... فيوم علينا ويوم لنا ... ويوما نساء ويوما نسر ... كذاك التقارض بين الأنام ... فخير بخير وشر بشر ...
أنبأنا
محمد بن عبد الله بن الجنيد حدثنا عبد الوارث بن عبد الله عن عبد الله من مسعر عن معن بن عون قال كم من مستقبل يوما لا يستكمله ومنتظر غدا لا يدركه لو تنظرون الى الأجل ومسيره لأبغضتم الأمل وغروره
قال أبو حاتم رضى الله عنه السبب المؤدي للعاقل الى إنزاله الدنيا منزلتها ترك الركون إليها مع تقديم ما قدر منها للعيش الدائم والنعيم المقيم هو ترك طول الأمل وراقبة ورود الموت عليه في كل لحظة وطرفة لأن طول الآمال قطعت أعناق الرجال كالسراب أخلف من رجاه وخاب من رآه فالعاقل يلزم تركها مع الاعتبار الدائم بمن مضى من الأمم السالفة والقرون

الماضية كيف عفت آثارهم واضمحلت أنباؤهم فما بقى منهم إلا الذكر ولا من ديارهم إلا الرسم فسبحان من هو قادر على بعثهم وجمعهم للجزاء والعقاب
ولقد أنشدنا عمرو بن محمد قال أنشدنا الغلابي قال أنشدني مهدي بن سابق ... كنا على ظهرها والعيش ذو مهل ... والدهر يجمعنا والدار والوطن ... ففرق الدهر ذو التصريف ألفتنا ... فاليوم يجمعنا في بطنها الكفن ... كذلك الدهر لا يبقى على أحد ... تأتي بأقداره الأيام والزمن ...

وأنشدني
محمد بن عبد الله البغدادي ... حتى متى يبقى حليف الأسى ... مستشعرا للدهر أحزانا ... فلا يرد الحزن شيئا ... ولا يعتب هذا الدهر إنسانا ... قد يقبل الدهر بسرائه ... طورا وقد يدبر أحيانا ... فاصبر على ما جر من حادث ... ما زال غدارا وخوانا ... وأحسن الظن بمن لم يزل ... عليك مفضالا ومنانا
وأنشدني عمرو بن محمد قال أنشدنا الغلابي لابن أبي عيينة المهلبي ... ما راح يوم على حي ولا ابتكرا ... إلا رأى عبرة فيها إن اعتبرا ... ولا أتت ساعة في الدهر فانصرفت ... حتى توثر في قوم لها غيرا ... إن الليالي والأيام أنفسها ... عن غيب أنفسها لم تكتب الخبرا ...
أنبأنا
علي بن سعيد العسكري حدثنا إبراهيم بن الجنيد حدثنا الحسن بن سعيد الجرجاني قال سمعت أبا مريم الصلت بن كلثم يقول كانت أمرأة من بنى إسرائيل متعبدة وكانت تفطر كل سبت فبينما هي ذات يوم قد وضعت إفطارها بين يديها جعلت تقول محب يحب حبيبه يتشاغل بالأكل عن خدمه محبه فيوشك أن يقدم عليه رسول حبيبه وهو متشاغل بأكله عن خدمته فلا تقر عينه في لقائه فمكثت كذلك مدة لا تفطر قال ثم وضعت إفطارها بين يديها وجعلت تقول مثل ما كانت تقول وإذا شاب من ناحية البيت جميل

الوجه طيب الريح فقال سلام عليك ورحمة الله يا حبيبة الله أو يا ولية الله قالت وعليك السلام من أنت قال أنا ملك الموت قالت يا ملك الموت أتأذن لي أن أسجد سجدة أناجي فيها ربي فإذا رأيتنى قد فعلت ذلك قبضت روحي قال لك ذلك قال فنحت إفطارها ثم وثبت فسجدت فقبض روحها في اجتهادها رضى الله عنها
ذكر الحث على لزوم ذكر الموت وتقديم الطاعات

حدثنا
عبد الله بن محمد بن سليمان السعدي حدثنا يحيى بن أكثم ومحمود ابن غيلان قالا حدثنا الفضل بن موسى عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أكثروا ذكر هاذم اللذات الموت
قال أبو حاتم رضى الله عنه الواجب على العاقل أن يضم الى رعاية ما ذكرنا من شعب العقل في كتابنا هذا لزوم ذكر الموت على الأوقات كلها وترك الأغترار بالدنيا في الأسباب كلها إذ الموت رحى دواره بين الخلق وكأس يدار بها عليهم لا بد لكل ذي روح أن يشربها ويذوق طعمها وهو هاذم اللذات ومنغص الشهوات ومكدر الأوقات ومزيل العاهات
ولقد أنشدني عبد العزيز بن سليمان ... أيا هاذم اللذات ما منك مهرب ... تحازر نفسي منك ما سيصيبها ... أرأيت المنايا قسمت بين أنفس ... ونفسي سيأتي بعدهن نصيبها ...
وأنشدني
الكريزي ... إن من عاش آمنا في سرور ... قاعد من سروره في غرور ... ما لمن يذكر المقابر والموت ... إذا كان عاقلا من سرور ...
حدثنا عمرو بن محمد الغلابي حدثنا مهدي بن سابق قال قرىء على قصر هذه الأبيات

هذى منازل أقوام عهدتهم ... في ظل عيش عجيب ماله خطر ... صاحت بهم حادثات الدهر فانقلبوا ... الى القبور فلا عين ولا أثر ...

حدثنا
محمد بن إبراهيم الخالدي
حدثنا
عبد الله بن محمد حدثني إبراهيم ابن عبد الملك حدثني علي بن سلمة الحلبي
قال
سمعت أبي يقول كان معاوية يقول أنا والله من زرع قد أستحصد ونعى له عبد الله بن عامر بن كريز والوليد بن عقبة وكان أحدهما أكبر منه والآخر دونه فقال ... إذا سار من خلف امريء وأمامه ... وأفرد من إخوانه فهو سائر ...
حدثنا أحمد بن محمد بن مصعب الشافعي حدثنا عبد الله بن محمد قال سمعت عبيد الله بن مسلم بن زياد الهمداني قال سمعت عمر بن ذر يقول ورث فتى من الحي دارا عن آبائه وأجداده فهدمها ثم إبتناها وشيدها فأتى في منامه فقيل له ... إن كنت تطمع في الحياة فقد ترى ... أرباب دارك ساكنوا الأموات ... أني تحس من الأكرام ذكرهم ... خلت الديار وبادت الأصوات ...
قال فأصبح الفتى مغتاظا قد أمسك عن كثير مما كان يصنع وأقبل على نفسه
حدثنا عمر ن حفص البزاز حدثنا إسحاق بن الضيف حدثنا جعفر بن عون قال سمعت مسعرا يقول ... ومشيد دارا ليسكن داره ... سكن القبور وداره لم يسكن ...
وأنشدني
ابن زنجي البغدادي ... لوأنني أعطيت سؤلي لما ... سألت إلا العفو والعافيه ... فكم فتى قد بات في نعمة ... فسل منها الليله الثانية ...
حدثنا حمزة بن داود بن سليان بالأبلة حدثنا ذهل بن أبي شراعة القيسي قال حدثتني سكينه وكانت علامة قالت قال لي أبو العتاهية دخلت

على هارون أمير المؤمنين فلما بصر بي

قال
أبو العتاهية قلت أبو العتاهية
قال
الذي يقول الشعر قلت الذي يقول الشعر قال عظني بأبيات شعر وأوجز فأنشدته ... لا تأمن الموت في طرف ولا نفس ... ولو تمنعت بالحجاب والحرس ... واعلم بأن سهام الموت قاصدة ... لكل مدرع منا ومترس ... ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها ... إن السفينة لا تجري على اليبس ...
قال فخر مغشيا عليه أو كما قال
حدثنا عمرو بن محمد حدثنا الغلابي حدثنا أبو جعفر البغدادي قال قرأت على باب قصر بالسند ... نزل الموت منزلا ... سلب القوم وارتحل ...
فقلت
ما هذا فقالوا مات أهل القصر كلهم فأصبحوا وهذا الكتاب على الباب لا يدري من كتبه وأنشدني البسامي ... قد يصح المريض بعد إياس ... كان منه ويهلك العواد ... يصاد القطا فينجو سليما ... بعد هلك ويهلك الصياد ...
قال أبو حاتم رضى الله عنه العاقل لا ينسى ذكر شيء هو مترقب له ومنتظر وقوعه من قدم الى قدم ومن لحظة الى شزره فكم من مكرم في أهله معظم في قومه مبجل في جيرته لا يخاف الضيق في المعيشة ولا الضنك في المصيبة إذ ورد عليه مذلل الملوك وقاهر الجبابرة وقاصم الطغاة فألقاه صريعا بين الأحبة وجيرانه مفارقا لأهل بيته وإخوانه لا يملكون له نفعا ولا يستطيعون عنه دفعا فكم من أمة قد أبادها الموت وبلدة قد عطلها وذات بعل قد أرملها وذي أب أيتمه وذي إخوة أفرده
فالعاقل لا يغتر بحالة نهايتها تؤدي الى ما قلنا ولا يركن الى عيش مغبته ما ذكرنا ولا ينسى حالة لا محالة هو مواقعها وما لا شك يأتيه إذ الموت طالب لا يعجزه المقيم ولا ينفلت منه الهارب

ولقد

حدثنا
محمد بن إبراهيم الخالدي حدثنا عبد الله بن محمد حدثني سلمة ابن شبيب حدثنا سهل بن عاصم قال سمعت الوضاح بن حسان يقول سمعت ابن السماك يحدث قال بينما صياد في الدهر الأول يصطاد السمك إذ رمى بشبكة في البحر فخرج فيها جمجمه إنسان فجعل الصياد ينظر أليها ويبكي ويقول عزيز فلم تترك لعزك غنى فلم تترك لغناك فقير فلم تترك لفقرك جواد فلم تترك لجودك شديد فلم تترك لشدتك عالم فلم تترك لعلمك يردد هذا الكلام ويبكي
وأنشدني
الكريزي ... أموالنا لذوي الميراث نجمعها ... ودورنا لخراب الدهر نبنيها ... والنفس تكلف بالدنيا وقد علمت ... أن السلامة فيها ترك ما فيها ... فلا الإقامة تنجي النفس من تلف ... ولا الفرار من الأحداث ينجيها ... وكل نفس لها زور يصبحها ... من المنية يوما أو يمسيها ...
حدثنا عمرو بن محمد حدثنا الغلابي قال سمعت ابن واقد المديني قال حدثنا عبد المنعم الرياحي قال فقد مالك بن دينار يوما فقالوا أين كنت يا أبا يحيى قال خرجت الى الأبلة قالوا ما أحسن ما رأيت قال ما رأيت شيئا أعجبت به إلا أني رأيت امرأة تصلى فقالوا له يا أبا يحيى فما أعجب شيء رأيت قال رأيت بالبحرين قصرا مشيدا وإذا على بابه مكتوب ... طلبت العيش أسعد ناعميه ... وعشت من المعايش والنعيم ... فلم ألبث ورب الناس طورا ... سلبت من الأقارب والحميم ...
وأنشدني الأبرش ... وللنفوس وإن كانت على وجل ... من المنية آمال تقويها ... والمرء يبسطها والدهر يقبضها ... والنفس تنشرها والموت يطويها ...
أنبأنا
حمزة بن داود بن سليمان بالأبلة حدثنا الهاديء حدثنا جليس الكلبي

عن سعيد بن أبي عروبه عن قتادة

قال
لقيني عمران بن حطان فقال لي يا أعمى إنني عالم بخلافك ولكنك رجل تحفظ فاحفظ عني هذه الأبيات ... حتى متى تسقى النفوس بكأسها ... ريب المنون وأنت لاه ترتع ... أفقد رضيت بأن تعلل بالمنى ... والى المنية كل يوم تدفع ... أحلام نوم أو كظل زائل ... إن اللبيب بمثلها لا يخدع ... فتزودن ليوم فقرك دائبا ... واجمع لنفسك لا لغيرك تجمع ...
حدثنا
محمد بن نصر بن نوفل المروزي قال سمعت أبا داود السنجي يقول خرج أبو معاذ النحوي يوما مع أصحابه فقال إنه قد نعيت الى نفسي البارحة أتاني آت فقال ... يا أيها الإنسان إنك ميت ... عما قليل ثم لنفسك وأقعد ... فكان ما قد كان لم يك إذ مضى ... وكأن ما هو كائن فكأن قد ...
حدثنا
الحسن بن سفيان حدثنا حرمله بن يحيى قال سمعت الشافعي كثيرا ما ينشد ... تمنى رجال أن أموت وإن أمت ... فتلك سبيل لست فيها بأوحد ... فقل للذي يبقى خلاف الذي مضى ... تهيأ لأخرى مثلها فكأن قد ...
حدثنا أحمد بن محمد الشافعي حدثنا عبد الله بن محمد حدثني إسماعيل ابن عبد الله العجلي قال أنشدنا رجل ونحن في المقابر ... ألا يا عسكر الأحياء ... هذا عسكر الموتى ... أجابوا الدعوة الصغرى ... وهم منتظروا الكبرى ... يحثون على الزاد ... وما زاد سوى التقوى ... يقولون لكم جدوا ... فهذا آخر الدنيا ...
قال أبو حاتم رضى الله عنه إن الله جل وعلا خلق آدم وذريته من الأرض فأمشاهم على ظهرها فأكلوا من ثمارها وشربوا من أنهارها ثم لا محالة تنزل

المنية بهم وتغنيهم عن السعي والحركات مع تعطل الجثث والآلات ثم تعيدهم الى الأرض التي منها خلقهم حتى تأكل لحومهم كما أكلوا أثمارها وتشرب دماءهم كما شربوا من أنهارها وتقطع أوصالهم كما مشوا على ظهرها فالقبر أول منزل من منازل الآخرة وآخر منزل من منازل الدنيا فطوبى لمن مهد في دنياه لقبره وقدم منها لآخرته فكم عفرت الأرض من عزيز وأفقدت الغير من أنيس
حدثني محمد بن إبراهيم الخالدي

حدثنا
عبد الله بن محمد حدثني محمد بن عباس حدثنا إبراهيم بن يزيد قال رأيت أعرابيا وقف على مقبرة وهو يقول ... لكل أناس مقبر بفنائهم ... فهم ينقصون والقبور تزيد ... وما إن ترى دارا لحي قد أقفرت ... وقبرا لميت بالفناء جديد ... فهم جيرة الأحياء أما محلهم ... فدان وأما المتقى فبعيد ...
وأنشدني
أحمد بن عبد الله الكرجي لعمر بن شبه في نفسه ... يا ابن سبعين وعشر ... وثمان كاملات ... غرضا للموت مشغولا ... بخد منى وهات ... ويك لا تعلم ماتلقى ... به بعد الممات ... من صغار موبقات ... وكبار مهلكات ... يا ابن من قد مات ... من آبائه والأمهات ... هل ترى من خالد ... من ذي طغاة وعتاة ... إن من يبتاع ... بالدين خسيسات الحياة ... لغبي الرأي محفوف ... بطول الحسرات ...
حدثنا عمرو بن محمد حدثنا الغلابي حدثنا شعيب بن واقد المري عن عبد المنعم الرياحي قال سمعت صالح المري يقول دخلت المقابر يوما في شدة الحر فنظرت الى القبور خامدة كأنهم قوم صموت فقلت يا سبحان الله من يجمع بين أرواحكم وأجسامكم بعد إفتراقها ثم يحييكم وينشئكم من طول البلى قال

فناداني مناد من بين تلك الحفر يا صالح ( 30 25 ) ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون قال فسقطت والله مغشيا علي
قال أبو حاتم رضى الله عنه قد ذكرنا اليسير من الكثير من الآثار والقليل من الجسيم من الأخبار في كتابنا هذا بما نرجوا أن القاصد الى سلوك سبيل ذوي الحجى والسالك مقصد سبيل أولى النهى يكون له فيها غنية إن تدبرها واستعملها وإن كنا تنكبنا طرق المسانيد وتخريج الحكايات وأناشيد الأشعار إلا ما لم نجد بدا من إخراجها كالإيماء الى الشيء والإشارة الى القصد جعلنا الله ممن دعته تباشير التوفيق الى القيام بحقائق التحقيق إنه منتهى الغاية عند رجاء المؤمنين والمان على أوليائه بمنازل المقربين وصلى الله على محمد خاتم النبيين وعلى آله الطاهرين الطيبين والحمد لله رب العالمين وجد في النسخة الأصلية ما صورته
فرغ من نسخه بعون الله ورحمته العبد الفقير إلى عفو ربه أحمد بن محمد ابن سالم بن جناب المنبجى بالرها المحروسة يوم الثلاثاء حادى عشر المحرم سنة ثمان وعشرين وستمائة ختم الله بخير ولوالديه ولجميع المسلمين

أقسام الكتاب
1 2