كتاب : أسباب رفع العقوبة عن العبد
المؤلف : شيخ الإسلام ابن تيمية

( السَّبَبُ الْخَامِسُ ) : مَا يُعْمَلُ لِلْمَيِّتِ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ (1):
كَالصَّدَقَةِ وَنَحْوِهَا(2)، فَإِنَّ هَذَا يَنْتَفِعُ بِهِ بِنُصُوصِ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ وَاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ (3)
__________
(1) - فتاوى الإسلام سؤال وجواب - (ج 1 / ص 1186) وفتاوى الإسلام سؤال وجواب - (ج 1 / ص 2446) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 8 / ص 983) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 10 / ص 686) وففروا إلى الله1 - (ج 1 / ص 429)
(2) - في صحيح مسلم برقم(4310 )عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ».
شرح النووي على مسلم - (ج 6 / ص 21)
قَالَ الْعُلَمَاء : مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ عَمَل الْمَيِّت يَنْقَطِع بِمَوْتِهِ ، وَيَنْقَطِع تَجَدُّد الْجَوَاب لَهُ ، إِلَّا فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة ؛ لِكَوْنِهِ كَانَ سَبَبهَا ؛ فَإِنَّ الْوَلَد مِنْ كَسْبه ، وَكَذَلِكَ الْعِلْم الَّذِي خَلَّفَهُ مِنْ تَعْلِيم أَوْ تَصْنِيف ، وَكَذَلِكَ الصَّدَقَة الْجَارِيَة ، وَهِيَ الْوَقْف .
وَفِيهِ فَضِيلَة الزَّوَاج لِرَجَاءِ وَلَد صَالِح ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَان اِخْتِلَاف أَحْوَال النَّاس فِيهِ ، وَأَوْضَحْنَا ذَلِكَ فِي كِتَاب النِّكَاح . وَفِيهِ دَلِيل لِصِحَّةِ أَصْل الْوَقْف ، وَعَظِيم ثَوَابه ، وَبَيَان فَضِيلَة الْعِلْم ، وَالْحَثّ عَلَى الِاسْتِكْثَار مِنْهُ . وَالتَّرْغِيب فِي تَوْرِيثه بِالتَّعْلِيمِ وَالتَّصْنِيف وَالْإِيضَاح ، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَار مِنْ الْعُلُوم الْأَنْفَع فَالْأَنْفَع . وَفِيهِ أَنَّ الدُّعَاء يَصِل ثَوَابه إِلَى الْمَيِّت ، وَكَذَلِكَ الصَّدَقَة ، وَهُمَا مُجْمَع عَلَيْهِمَا ، وَكَذَلِكَ قَضَاء الدَّيْن كَمَا سَبَقَ .
وَأَمَّا الْحَجّ فَيَجْزِي عَنْ الْمَيِّت عِنْد الشَّافِعِيّ وَمُوَافِقِيهِ ، وَهَذَا دَاخِل فِي قَضَاء الدَّيْن إِنْ كَانَ حَجًّا وَاجِبًا ، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا وَصَّى بِهِ وَهُوَ مِنْ بَاب الْوَصَايَا ، وَأَمَّا إِذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَام فَالصَّحِيح أَنَّ الْوَلِيّ يَصُوم عَنْهُ ، وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَة فِي كِتَاب الصِّيَام .
وَأَمَّا قِرَاءَة الْقُرْآن وَجَعْل ثَوَابهَا لِلْمَيِّتِ وَالصَّلَاة عَنْهُ وَنَحْوهمَا فَمَذْهَب الشَّافِعِيّ وَالْجُمْهُور أَنَّهَا لَا تَلْحَق الْمَيِّت ، وَفِيهَا خِلَاف ، وَسَبَقَ إِيضَاحه فِي أَوَّل هَذَا الشَّرْح فِي شَرْح مُقَدِّمَة صَحِيح مُسْلِم .
(3) - سنن النسائى برقم(3671 ) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ أَنَّهُ أَتَى النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ إِنَّ أُمِّى مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذْرٌ أَفَيُجْزِئُ عَنْهَا أَنْ أَعْتِقَ عَنْهَا قَالَ « أَعْتِقْ عَنْ أُمِّكَ » وهو صحيح .
وفي فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 2 / ص 3851)
رقم الفتوى 8132 هل الصلاة عن الميت مشروعة
تاريخ الفتوى : 02 ذو الحجة 1424
السؤال
هل يجوز أن أصلي عن الميت؟ أم أنه يقتصر على الدعاء والصدقة والصيام له؟
وهل ما يقام في بعض الدول العربية ويسمى الشادر- قراءة القرآن في الطرق العامة- يعتبر بدعة ولماذا؟
جزاكم الله خيرا عنا وعن جميع المسلمين
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل أن لا يصلي أحد عن أحد، قال القرطبي رحمه الله ( وأجمعوا أنه لا يصلي أحد عن أحد ) انتهى من تفسير القرطبي لقوله تعالى ( وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ) (النجم:39)
وذلك لأن الصلاة من العبادات البدنية المحضة فلا تدخلها النيابة.
وإن كان المراد أن تصلي نافلة ثم تهب ثوابها للميت، فهذا أجازه جماعة من أهل العلم.
قال في متن الإقناع من كتب الحنابلة: (وكل قربة فعلها المسلم وجعل ثوابها أو بعضها كالنصف ونحوه، لمسلم حي أو ميت جاز، ونفعه، لحصول الثواب له... من تطوع وواجب، تدخله النيابة كحج ونحوه، أولا ( أي لا تدخله النيابة) كصلاة وكدعاء واستغفار وصدقة وأضحية وأداء دين وصوم وقراءة وغيرها).
وقال في شرحه كشاف القناع: ( وقول المصنف: أو لا، كصلاة: هو معنى قول القاضي: إذا صلى فرضاً وأهدى ثوابه صحت الهدية وأجزأ ما عليه، قال في المبدع: وفيه بُعد) انتهى.
والأشهر عند الحنابلة أنه لا يصح هبة ثواب الفرض، قال في شرح منتهى الإرادات ( ولو صلى فرضاً وأهدى ثوابه لميت لم يصح في الأشهر، وقال القاضي: يصح. وبعد) انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ( وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالصدقة على الميت، وأمر أن يصام عنه الصوم، فالصدقة عن الموتى من الأعمال الصالحة، وكذلك ما جاءت به السنة في الصوم عنهم. وبهذا وغيره احتج من قال من العلماء: إنه يجوز إهداء ثواب العبادات المالية والبدنية إلى موتى المسلمين. كما هو مذهب أحمد وأبي حنيفة، وطائفة من أصحاب مالك والشافعي.
فإذا أهدي لميت ثواب صيام أو صلاة أو قراءة جاز ذلك وأكثر أصحاب مالك والشافعي يقولون: إنما شرع ذلك في العبادات المالية.
ومع هذا لم يكن من عادة السلف إذا صلوا تطوعاً وصاموا وحجوا أو قرأوا القرآن، يهدون ثواب ذلك لموتاهم المسلمين، ولا بخصوصهم، بل كان عادتهم كما تقدم- أي فعل العبادة لأنفسهم مع الدعاء والصدقة للميت- فلا ينبغي للناس أن يبدلوا طريق السلف، فإنه أفضل وأكمل) انتهى من الفتاوى الكبرى ج 3 ص 37
ولهذا فالأفضل والأكمل أن يقتصر المسلم على ما وردت به السنة كالدعاء للميت والصدقة، والصيام عنه إذا كان عليه صوم واجب، وكذلك الحج عنه إذا كان عليه حج واجب، لأدلة كثيرة منها:
قوله صلى الله عليه وسلم "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو ولد صالح يدعو له، أو علم ينتفع به" رواه مسلم.
وعند النسائي: أن سعداً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أمي ماتت ولم توص، أفأتصدق عنها؟ قال: نعم".
وعند النسائي أيضاً: "إن أمي ماتت وعليها نذر، أفيجزئ عنها أن أعتق عنها؟ قال: نعم".
وفي صحيح البخاري ومسلم: أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا رسول الله، إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، أفأقضيه عنها؟ قال: نعم، فدين الله أحق أن يقضى".
وعند الترمذي وأبي داود، وأحمد أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن أمي ماتت ولم تحج، أفأحج عنها؟ قال: نعم، حجي عنها". قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
أما إقامة السرادقات (الشادر) في الطرق العامة لقراءة القرآن على روح الميت، فهو بدعة، لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أمر محدث، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد" رواه البخاري ومسلم، وقوله في (أمرنا) أي: في ديننا، وقوله (رد) أي: مردود على صاحبه كائناً من كان.
ولو كان ذلك مشروعاً لسبقنا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته، فالاجتماع بهذه الكيفية، وبهذه الطريقة مع ما يحدث من مخالفات أخرى، كشرب الدخان، والتباهي، والفخر، والإسراف، والتبذير الذي يحدث في هذه المناسبات إلى غير ذلك من المخالفات لا يشك عاقل - مع كل ذلك- في عدم مشروعيته والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه

وَالْحَجُّ (1)
__________
(1) - مسند أحمد برقم(23734)ٍ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّى بِجَارِيَةٍ فَمَاتَتْ أُمِّى وَبَقِيَتِ الْجَارِيَةُ. فَقَالَ « قَدْ وَجَبَ أَجْرُكِ وَرَجَعَتْ إِلَيْكِ فِى الْمِيرَاثِ ». قَالَتْ فَإِنَّهُ كَانَ عَلَى أُمِّى صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا قَالَ « نَعَمْ ». قَالَتْ فَإِنَّ أُمِّى لَمْ تَحُجَّ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا قَالَ « حُجِّى عَنْ أُمِّكِ » صحيح .
وفي فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 9 / ص 6776)
رقم الفتوى 68012 الحج عن الميت بأجرة
تاريخ الفتوى : 07 رمضان 1426
السؤال
أنا أبي متوفى منذ زمن بعيد ولم يحج وسمعت بالتلفزيون أنه يجوز الحج عن المتوفى ببعث قيمة من المال، فكيف يتم ذلك، وما هي القيمة المادية لذلك، أرجو منكم إفادتي في هذا الموضوع؟ وجزاكم الله ألف خير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن مات ولم يحج فإنه يشرع الحج عنه بأن يحج عنه قريبه أو شخص أجنبي بشرط أن يكون من يحج عنه قد حج عن نفسه فإن طلب الأجرة على الحج عنه وجب ذلك إن كان للميت تركة وإلا استحب التبرع بذلك عنه، قال الإمام الشيرازي في المهذب: وتجوز النيابة في حج الفرض في موضعين:
إحداهما: في حق الميت إذا مات وعليه حج، والدليل عليه حديث بريدة.
والثاني: في حق من لا يقدر على الثبوت على الراحلة إلا بمشقة غير معتادة كالزمن والشيخ الكبير، والدليل عليها ما روى ابن عباس رضي الله عنه أن امرأة من خثعم أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يستمسك على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم، قالت: أينفعه ذلك؟ قال: نعم، كما لو كان على أبيك دين فقضيته نفعه. ولأنه أيس من الحج بنفسه فناب عنه غيره كالميت. انتهى.
وحديث بريدة الذي أشار إليه المصنف رواه مسلم عن بريدة قال: أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت: يا رسول الله إن أمي ماتت ولم تحج، قال: حجي عن أمك.
وعليه فلك توكيل شخص بأجرة تتفقان عليها ليقوم بأداء مناسك الحج نيابة عن والدك، وإذا كان النائب في السعودية مثلاً فلا يلزمه السفر إلى البلد الذي كان فيه والدكم بل له أن يحرم للحج من أي ميقات شاء، ولو لم يكن ميقات الشخص المنوب عنه، أما إحرامه من داخل المواقيت فلا يجوز على مذهب جماهير العلماء وهو الذي نختاره.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 7406)
«النّيابة عن الغير في أداء دين اللّه»
8 - دَين اللّه الماليّ المحض كالزّكاة والصّدقات والكفّارات تجوز فيه النّيابة عن الغير سواء أكان من هو في ذمّته قادراً على ذلك بنفسه أم لا ، لأنّ الواجب فيها إخراج المال وهو يحصل بفعل النّائب ، وسواء أكان الأداء عن الحيّ أم عن الميّت ، إلاّ أنّ الأداء عن الحيّ لا يجوز إلاّ بإذنه باتّفاقٍ وذلك للافتقار في الأداء إلى النّيّة لأنّها عبادة فلا تسقط عن المكلّف بدون إذنه.
أمّا بالنّسبة للميّت فلا يشترط الإذن إذ يجوز التّبرّع بأداء الدّين عن الميّت ،وهذا في الجملة.
وأمّا العبادات البدنيّة المحضة كالصّلاة والصّوم فلا تجوز النّيابة فيها حال الحياة لقول اللّه تعالى : «وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى» وقول عبد اللّه بن عبّاسٍ رضي الله عنهما : لا يصلّي أحد عن أحدٍ ولا يصوم أحد عن أحدٍ.
قال الكاسانيّ : أي في حقّ الخروج عن العهدة لا في حقّ الثّواب ، وهذا باتّفاقٍ ، وكذلك الحكم بعد الممات عند الحنفيّة والمالكيّة.
وهذا الحكم إنّما هو بالنّسبة لقضاء العبادة نفسها عن الميّت.
أمّا فدية الصّيام وكفّارة الإفطار فيجوز للورثة أن يتبرّعوا بها عن الميّت إذا لم يوص.
أمّا إذا أوصى فقال الحنفيّة فتؤدّى من ثلث ماله.
ولغيرهم من الفقهاء تفصيل ينظر في مصطلح : « وصيّة » .
أمّا عند الشّافعيّة فلا يجوز القضاء عن الميّت عمّا ترتّب في ذمّته من صلاةٍ فاتته ومات دون قضائها.
وأمّا الصّوم فما ترتّب في ذمّة الميّت منه ففي الجديد لا يصحّ الصّوم عنه لأنّه عبادة بدنيّة لا تدخلها النّيابة في حال الحياة فكذلك بعد الموت ، وإنّما يكفّر عنه بإخراج مدٍّ من طعامٍ عن كلّ يومٍ فاته ، وفي القديم يجوز أن يصوم وليّه عنه لخبر الصّحيحين : « من مات وعليه صيام صام عنه وليّه » ، وهذا هو الأظهر ، قال السّبكيّ ويتعيّن أن يكون هو المختار والمفتى به ، والقولان يجريان في الصّيام المنذور إذا لم يؤدّ.
وأمّا الحنابلة فقد فصّلوا بين الواجب بأصل الشّرع من صلاةٍ وصيامٍ وبين ما أوجبه الإنسان على نفسه من نذر صلاةٍ وصيامٍ.
فقالوا : من مات وفي ذمّته صلاة مفروضة لم تؤدّ ، أو صيام رمضان لم يؤدّ ، فلا تجوز النّيابة عن الميّت في ذلك ، لأنّ هذه العبادات لا تدخلها النّيابة حال الحياة فبعد الموت كذلك.
أمّا ما أوجبه الإنسان على نفسه بالنّذر من صلاةٍ وصومٍ وتمكّن من الأداء ولم يفعل حتّى مات سنّ لوليّه فعل النّذر عنه لحديث ابن عبّاسٍ : « جاءت امرأة إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول اللّه إنّ أمّي ماتت وعليها صوم نذرٍ أفأصوم عنها ؟ قال : أرأيت لو كان على أمّك دين فقضيتيه أكان يؤدّي ذلك عنها ؟ قالت : نعم ، قال : فصومي عن أمّك » .
لأنّ النّذر أخفّ حكماً من الواجب بأصل الشّرع.
ويجوز لغير الوليّ فعل ما على الميّت من نذرٍ بإذنه وبدون إذنه.
وقد اختلف الفقهاء بالنّسبة للحجّ لما فيه من جانبٍ ماليٍّ وجانبٍ بدنيٍّ ، فمن كان عاجزاً بنفسه عن أداء الحجّ وأمكنه الأداء بماله بإنابة غيره مناب نفسه لزمه الإنابة في الحجّ عنه، وهذا عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة وبعض فقهاء المالكيّة ، والمشهور عندهم عدم جواز النّيابة في الحجّ.
وهذا بالنّسبة للحيّ في الجملة.
أمّا من مات وكان مستطيعاً ولم يحجّ فعند الشّافعيّة والحنابلة يجب القضاء من رأس مال تركته ، لما روى بريدة قال : « أتت النّبيّ صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت : يا رسول اللّه إنّ أمّي ماتت ولم تحجّ ، فقال لها النّبيّ صلى الله عليه وسلم : حجّي عن أمّك » .
ولأنّه حقّ تدخله النّيابة حال الحياة فلم يسقط بالموت كدين الآدميّ ، وسواء في ذلك حجّ الفريضة والنّذر ، فإن حجّ عنه الوارث بنفسه أو باستئجارٍ سقط الحجّ عن الميّت.
وأضاف الشّافعيّة أنّه لو حجّ عن الميّت أجنبيّ جاز ولو بلا إذنٍ كما إنّ له أن يقضي دينه بلا إذنٍ.
وعند الحنفيّة والمالكيّة يجوز تبرّع الوارث بالحجّ بنفسه عن الميّت أو بالإحجاج عنه رجلاً آخر ولكن مع الكراهة عند المالكيّة.

. بَلْ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ قَالَ : « مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ » (1)
__________
(1) - صحيح البخارى برقم(1952 ) ومسلم برقم(2748 )
شرح النووي على مسلم - (ج 4 / ص 144)
اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْم وَاجِب مِنْ رَمَضَان ، أَوْ قَضَاء أَوْ نَذْر أَوْ غَيْره ، هَلْ يُقْضَى عَنْهُ ؟ وَلِلشَّافِعِيِّ فِي الْمَسْأَلَة قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ : أَشْهَرُهُمَا : لَا يُصَام عَنْهُ ، وَلَا يَصِحّ عَنْ مَيِّت صَوْم أَصْلًا .
وَالثَّانِي : يُسْتَحَبّ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَصُوم عَنْهُ ، وَيَصِحّ صَوْمه عَنْهُ وَيَبْرَأُ بِهِ الْمَيِّتُ ، وَلَا يَحْتَاج إِلَى إِطْعَامٍ عَنْهُ ، وَهَذَا الْقَوْل هُوَ الصَّحِيح الْمُخْتَار الَّذِي نَعْتَقِدُهُ ، وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ مُحَقِّقُو أَصْحَابنَا الْجَامِعُونَ بَيْن الْفِقْه وَالْحَدِيث لِهَذِهِ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الصَّرِيحَة ، وَأَمَّا الْحَدِيث الْوَارِد " مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَام أُطْعِمَ عَنْهُ " فَلَيْسَ بِثَابِتٍ ، وَلَوْ ثَبَتَ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيث بِأَنْ يُحْمَلَ عَلَى جَوَاز الْأَمْرَيْنِ ، فَإِنَّ مَنْ يَقُول بِالصِّيَامِ يَجُوز عِنْده الْإِطْعَام ، فَثَبَتَ أَنَّ الصَّوَابَ الْمُتَعَيِّنَ تَجْوِيزُ الصِّيَامِ ، وَتَجْوِيز الْإِطْعَام ، وَالْوَلِيّ مُخَيَّرٌ بَيْنهمَا ، وَالْمُرَاد بِالْوَلِيِّ الْقَرِيب ، سَوَاء كَانَ عَصَبَةً أَوْ وَارِثًا أَوْ غَيْرَهُمَا ، وَقِيلَ : الْمُرَاد الْوَارِث ، وَقِيلَ : الْعَصَبَة ، وَالصَّحِيح الْأَوَّل ، وَلَوْ صَامَ عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ إِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْوَلِيّ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا فِي الْأَصَحّ ، وَلَا يَجِب عَلَى الْوَلِيّ الصَّوْم عَنْهُ ، لَكِنْ يُسْتَحَبّ .
هَذَا تَلْخِيص مَذْهَبِنَا فِي الْمَسْأَلَة ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ مِنْ السَّلَف : طَاوُسٌ وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ وَالزُّهْرِيّ وَقَتَادَة وَأَبُو ثَوْر ، وَبِهِ قَالَ اللَّيْث وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَأَبُو عُبَيْد فِي صَوْم النَّذْر دُون رَمَضَان وَغَيْره ، وَذَهَبَ الْجُمْهُور إِلَى أَنَّهُ لَا يُصَام عَنْ مَيِّت لَا نَذْر وَلَا غَيْره ، حَكَاهُ اِبْن الْمُنْذِر عَنْ اِبْن عُمَر وَابْن عَبَّاس وَعَائِشَة ، وَرِوَايَة عَنْ الْحَسَن وَالزُّهْرِيّ ، وَبِهِ قَالَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاض وَغَيْره : هُوَ قَوْل جُمْهُور الْعُلَمَاء ، وَتَأَوَّلُوا الْحَدِيث عَلَى أَنَّهُ يُطْعِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ ، وَهَذَا تَأْوِيلٌ ضَعِيفٌ ، بَلْ بَاطِلٌ ، وَأَيُّ ضَرُورَةٍ إِلَيْهِ وَأَيُّ مَانِع يَمْنَع مِنْ الْعَمَل بِظَاهِرِهِ مَعَ تَظَاهُرِ الْأَحَادِيثِ ، مَعَ عَدَم الْمُعَارِض لَهَا ، قَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابنَا : وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَنْهُ صَلَاةٌ فَائِتَة ، وَعَلَى أَنَّهُ لَا يُصَام عَنْ أَحَد فِي حَيَاته ، وَإِنَّمَا الْخِلَاف فِي الْمَيِّت . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَأَمَّا قَوْل اِبْن عَبَّاس : ( إِنَّ السَّائِل رَجُل ) ، وَفِي رِوَايَة : ( اِمْرَأَة ) ، وَفِي رِوَايَة : ( صَوْم شَهْر ) ، وَفِي رِوَايَة ( صَوْم شَهْرَيْنِ ) فَلَا تَعَارُض بَيْنهمَا ، فَسَأَلَ تَارَة رَجُل ، وَتَارَة اِمْرَأَة ، وَتَارَة عَنْ شَهْر ، وَتَارَة عَنْ شَهْرَيْنِ .
وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث جَوَاز صَوْم الْوَلِيِّ عَنْ الْمَيِّت كَمَا ذَكَرْنَا ، وَجَوَاز سَمَاع كَلَام الْمَرْأَة الْأَجْنَبِيَّة فِي الِاسْتِفْتَاء وَنَحْوه مِنْ مَوَاضِعِ الْحَاجَةِ ، وَصِحَّةُ الْقِيَاسِ ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ ) وَفِيهَا : قَضَاءُ الدَّيْن عَنْ الْمَيِّت ، وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّة عَلَيْهِ ، وَلَا فَرْق بَيْن أَنْ يَقْضِيَهُ عَنْهُ وَارِثٌ أَوْ غَيْره فَيَبْرَأُ بِهِ بِلَا خِلَاف . وَفِيهِ دَلِيل لِمَنْ يَقُول : إِذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْن لِلَّهِ تَعَالَى وَدَيْن لِآدَمِيٍّ وَضَاقَ مَالُهُ ، قُدِّمَ دَيْن اللَّه تَعَالَى ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَدَيْن اللَّه أَحَقّ بِالْقَضَاءِ ) .
وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة ثَلَاثَة أَقْوَال لِلشَّافِعِيِّ : أَصَحّهَا : تَقْدِيم دَيْن اللَّه تَعَالَى لِمَا ذَكَرْنَاهُ . وَالثَّانِي : تَقْدِيم دَيْن الْآدَمِيّ ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الشُّحِّ وَالْمُضَايَقَةِ . وَالثَّالِث : هُمَا سَوَاء ، فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا .
وَفِيهِ : أَنَّهُ يُسْتَحَبّ لِلْمُفْتِي أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى وَجْه الدَّلِيل إِذَا كَانَ مُخْتَصَرًا وَاضِحًا ، وَبِالسَّائِلِ إِلَيْهِ حَاجَة ، أَوْ يَتَرَتَّب عَلَيْهِ مَصْلَحَةٌ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاسَ عَلَى دَيْن الْآدَمِيّ ، تَنْبِيهًا عَلَى وَجْه الدَّلِيل . وَفِيهِ : أَنَّ مَنْ تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ ثُمَّ وَرِثَهُ لَمْ يُكْرَه لَهُ أَخْذُهُ وَالتَّصَرُّف فِيهِ ، بِخِلَافِ مَا إِذَا أَرَادَ شِرَاءَهُ فَإِنَّهُ يُكْرَه لِحَدِيثِ فَرَسِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ .
فِيهِ دَلَالَة ظَاهِرَة لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيّ وَالْجُمْهُور ، أَنَّ النِّيَابَةَ فِي الْحَجّ جَائِزَة عَنْ الْمَيِّت وَالْعَاجِز الْمَأْيُوس مِنْ بُرْئِهِ ، وَاعْتَذَرَ الْقَاضِي عِيَاض عَنْ مُخَالَفَة مَذْهَبهمْ لِهَذِهِ الْأَحَادِيث فِي الصَّوْم عَنْ الْمَيِّت وَالْحَجّ عَنْهُ ، بِأَنَّهُ مُضْطَرِبٌ ، وَهَذَا عُذْر بَاطِل ، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيث اِضْطِرَاب ، وَإِنَّمَا فِيهِ اِخْتِلَاف جَمَعْنَا بَيْنَهُ كَمَا سَبَقَ ، وَيَكْفِي فِي صِحَّته اِحْتِجَاجُ مُسْلِمٍ بِهِ فِي صَحِيحِهِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وفي فتح الباري لابن حجر - (ج 6 / ص 212)
قَوْله : ( مَنْ مَاتَ )عَامٌّ فِي الْمُكَلَّفِينَ لِقَرِينَةِ " وَعَلَيْهِ صِيَام " وَقَوْله " صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ " خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْر تَقْدِيره فَلْيَصُمْ عَنْهُ وَلِيّه ، وَلَيْسَ هَذَا الْأَمْر لِلْوُجُوبِ عِنْد الْجُمْهُور ، وَبَالَغَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَمَنْ تَبِعَهُ فَادَّعَوْا الْإِجْمَاع عَلَى ذَلِكَ ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ بَعْض أَهْل الظَّاهِر أَوْجَبَهُ فَلَعَلَّهُ لَمْ يَعْتَدَّ بِخِلَافِهِمْ عَلَى قَاعِدَته . وَقَدْ اِخْتَلَفَ السَّلَف فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة : فَأَجَازَ الصِّيَام عَنْ الْمَيِّت أَصْحَابُ الْحَدِيث ، وَعَلَّقَ الشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم الْقَوْل بِهِ عَلَى صِحَّة الْحَدِيث كَمَا نَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي " الْمَعْرِفَة " وَهُوَ قَوْل أَبِي ثَوْر وَجَمَاعَة مِنْ مُحَدِّثِي الشَّافِعِيَّة ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي " الْخِلَافِيَّات " : هَذِهِ الْمَسْأَلَة ثَابِتَة لَا أَعْلَم خِلَافًا بَيْن أَهْل الْحَدِيث فِي صِحَّتهَا فَوَجَبَ الْعَمَل بِهَا ، ثُمَّ سَاقَ بِسَنَدِهِ إِلَى الشَّافِعِيّ قَالَ : كُلّ مَا قُلْت وَصَحَّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلَافه فَخُذُوا بِالْحَدِيثِ وَلَا تُقَلِّدُونِي . وَقَالَ الشَّافِعِيّ فِي الْجَدِيد وَمَالِك وَأَبُو حَنِيفَة لَا يُصَام عَنْ الْمَيِّت . وَقَالَ اللَّيْث وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَأَبُو عُبَيْد : لَا يُصَام عَنْهُ إِلَّا النَّذْرُ حَمْلًا لِلْعُمُومِ الَّذِي فِي حَدِيث عَائِشَة عَلَى الْمُقَيَّد فِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا تَعَارُض حَتَّى يُجْمَعَ بَيْنهمَا ، فَحَدِيث اِبْن عَبَّاس صُورَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ سَأَلَ عَنْهَا مَنْ وَقَعَتْ لَهُ ، وَأَمَّا حَدِيث عَائِشَة فَهُوَ تَقْرِيرُ قَاعِدَةٍ عَامَّةٍ ، وَقَدْ وَقَعَتْ الْإِشَارَة فِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس إِلَى نَحْو هَذَا الْعُمُوم حَيْثُ قِيلَ فِي آخِرِهِ " فَدَيْن اللَّه أَحَقّ أَنْ يُقْضَى " . وَأَمَّا رَمَضَان فَيُطْعِم عَنْهُ ، فَأَمَّا الْمَالِكِيَّة فَأَجَابُوا عَنْ حَدِيث الْبَاب بِدَعْوَى عَمَلِ أَهْل الْمَدِينَة كَعَادَتِهِمْ ، وَادَّعَى الْقُرْطُبِيُّ تَبَعًا لِعِيَاضٍ أَنَّ الْحَدِيثَ مُضْطَرِبٌ ، وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى إِلَّا فِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس ثَانِي حَدِيثَيْ الْبَاب ، وَلَيْسَ الِاضْطِرَاب فِيهِ مُسَلَّمًا كَمَا سَيَأْتِي ، وَأَمَّا حَدِيث عَائِشَة فَلَا اِضْطِرَاب فِيهِ . وَاحْتَجَّ الْقُرْطُبِيُّ بِزِيَادَةِ اِبْن لَهِيعَةَ الْمَذْكُورَة لِأَنَّهَا تَدُلّ عَلَى عَدَم الْوُجُوب ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ مُعْظَم الْمُجِيزِينَ لَمْ يُوجِبُوهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِنَّمَا قَالُوا يَتَخَيَّر الْوَلِيّ بَيْن الصِّيَام وَالْإِطْعَام ، وَأَجَابَ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْجَدِيد بِأَنَّ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ " صَامَ عَنْهُ وَلِيّه أَيْ فَعَلَ عَنْهُ وَلِيُّهُ مَا يَقُوم مَقَام الصَّوْم وَهُوَ الْإِطْعَام ، قَالَ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْله " التُّرَاب وَضُوءُ الْمُسْلِم إِذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاء " قَالَ فَسَمَّى الْبَدَلَ بِاسْمِ الْمُبْدَل فَكَذَلِكَ هُنَا ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ صَرْفٌ لِلَّفْظِ عَنْ ظَاهِره بِغَيْرِ دَلِيل . وَأَمَّا الْحَنَفِيَّة فَاعْتَلُّوا لِعَدَمِ الْقَوْل بِهَذَيْنِ الْحَدِيثِينَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَة أَنَّهَا " سُئِلَتْ عَنْ اِمْرَأَةٍ مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْم ، قَالَتْ : يُطْعَمُ عَنْهَا " . وَعَنْ عَائِشَة قَالَتْ " لَا تَصُومُوا عَنْ مَوْتَاكُمْ وَأَطْعِمُوا عَنْهُمْ " أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ ، وَبِمَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس " قَالَ فِي رَجُل مَاتَ وَعَلَيْهِ رَمَضَان قَالَ يُطْعَمُ عَنْهُ ثَلَاثُونَ مِسْكِينًا " أَخْرَجَهُ عَبْد الرَّزَّاق ، وَرَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ " لَا يَصُوم أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ " قَالُوا فَلَمَّا أَفْتَى اِبْن عَبَّاس وَعَائِشَة بِخِلَافِ مَا رَوَيَاهُ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْعَمَل عَلَى خِلَاف مَا رَوَيَاهُ ، وَهَذِهِ قَاعِدَة لَهُمْ مَعْرُوفَة ، إِلَّا أَنَّ الْآثَار الْمَذْكُورَة عَنْ عَائِشَة وَعَنْ اِبْن عَبَّاس فِيهَا مَقَال ، وَلَيْسَ فِيهَا مَا يَمْنَع الصِّيَام إِلَّا الْأَثَر الَّذِي عَنْ عَائِشَة وَهُوَ ضَعِيف جِدًّا ، وَالرَّاجِح أَنَّ الْمُعْتَبَر مَا رَوَاهُ لَا مَا رَآهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُخَالِفَ ذَلِكَ لِاجْتِهَادٍ وَمُسْتَنَدُهُ فِيهِ لَمْ يَتَحَقَّق وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ ضَعْف الْحَدِيث عِنْده ، وَإِذَا تَحَقَّقَتْ صِحَّة الْحَدِيث لَمْ يُتْرَكْ الْمُحَقَّقُ لِلْمَظْنُونِ ، وَالْمَسْأَلَة مَشْهُورَة فِي الْأُصُول . وَاخْتَلَفَ الْمُجِيزُونَ فِي الْمُرَاد بِقَوْلِهِ " وَلِيُّهُ " فَقِيلَ كُلّ قَرِيب ، وَقِيلَ الْوَارِث خَاصَّة ، وَقِيلَ عَصَبَتُهُ ، وَالْأَوَّل أَرْجَح ، وَالثَّانِي قَرِيب ، وَيَرُدُّ الثَّالِثَ قِصَّة الْمَرْأَة الَّتِي سَأَلَتْ عَنْ نَذْرِ أُمِّهَا . وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا هَلْ يَخْتَصّ ذَلِكَ بِالْوَلِيِّ ؟ لِأَنَّ الْأَصْل عَدَم النِّيَابَة فِي الْعِبَادَة الْبَدَنِيَّة ، وَلِأَنَّهَا عِبَادَة لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَة فِي الْحَيَاة فَكَذَلِكَ فِي الْمَوْت إِلَّا مَا وَرَدَ فِيهِ الدَّلِيل فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَا وَرَدَ فِيهِ وَيَبْقَى الْبَاقِي عَلَى الْأَصْل وَهَذَا هُوَ الرَّاجِح ، وَقِيلَ يَخْتَصّ بِالْوَلِيِّ فَلَوْ أَمَرَ أَجْنَبِيًّا بِأَنْ يَصُوم عَنْهُ أَجْزَأَ كَمَا فِي الْحَجِّ ، وَقِيلَ يَصِحُّ اِسْتِقْلَال الْأَجْنَبِيّ بِذَلِكَ وَذَكَرَ الْوَلِيّ لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ ، وَظَاهِر صَنِيعِ الْبُخَارِيِّ اِخْتِيَارُ هَذَا الْأَخِير ، وَبِهِ جَزَمَ أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ وَقَوَّاهُ بِتَشْبِيهِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ بِالدَّيْنِ وَالدَّيْنُ لَا يَخْتَصّ بِالْقَرِيبِ .

.
وَثَبَتَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ صَوْمِ النَّذْرِ مِنْ وُجُوهٍ أُخْرَى (1).
وَلَا يَجُوزُ أَنَّ يُعَارَضَ هَذَا بِقَوْلِهِ : {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}(2)
__________
(1) - صحيح البخارى برقم(1852 ) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ جَاءَتْ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ إِنَّ أُمِّى نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ ، فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا قَالَ « نَعَمْ . حُجِّى عَنْهَا ، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَةً اقْضُوا اللَّهَ ، فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ » .
(2) - تفسير الرازي - (ج 14 / ص 446)
وقوله تعالى : { وَأَن لَّيْسَ للإنسان إِلاَّ مَا سعى } تتمة بيان أحوال المكلف فإنه لما بين له أن سيئته لا يتحملها عنه أحد بين له أن حسنة الغير لا تجدي نفعاً ومن لم يعمل صالحاً لا ينال خيراً فيكمل بها ويظهر أن المسيء لا يجد بسبب حسنة الغير ثواباً ولا يتحمل عنه أحد عقاباً ، وفيه أيضاً مسائل :
الأولى : { لَّيْسَ للإنسان } فيه وجهان أحدهما : أنه عام وهو الحق وقيل عليه بأن في الأخبار أن ما يأتي به القريب من الصدقة والصوم يصل إلى الميت والدعاء أيضاً نافع فللإنسان شيء لم يسمع فيه ، وأيضاً قال الله تعالى : { مَن جَاء بالحسنة فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } [ الأنعام : 160 ] وهي فوق ما سعى ، الجواب عنه أن الإنسان إن لم يسع في أن يكون له صدقة القريب بالإيمان لا يكون له صدقته فليس له إلا ما سعى ، وأما الزيادة فنقول : الله تعالى لما وعد المحسن بالأمثال والعشرة وبالأضعاف المضاعفة فإذا أتى بحسنة راجياً أن يؤتيه الله ما يتفضل به فقد سعى في الأمثال ، فإن قيل : أنتم إذن حملتم السعي على المبادرة إلى الشيء ، يقال : سعى في كذا إذا أسرع إليه ، والسعي في قوله تعالى : { إِلاَّ مَا سعى } معناه العمل يقال : سعى فلان أي عمل ، ولو كان كما ذكرتم لقال : إلا ما سعى فيه نقول على الوجهين جميعاً : لا بد من زيادة فإن قوله تعالى : { لَّيْسَ للإنسان إِلاَّ مَا سعى } ليس المراد منه أن له عين ما سعى ، بل المراد على ما ذكرت ليس له إلا ثواب ما سعى ، أو إلا أجر ما سعى ، أو يقال : بأن المراد أن ما سعى محفوظ له مصون عن الإحباط فإذن له فعله يوم القيامة الوجه الثاني : أن المراد من الإنسان الكافر دون المؤمن وهو ضعيف ، وقيل بأن قوله : { لَّيْسَ للإنسان إِلاَّ مَا سعى } كان في شرع من تقدم ، ثم إن الله تعالى نسخه في شرع محمد صلى الله عليه وسلم وجعل للإنسان ما سعى وما لم يسع وهو باطل إذ لا حاجة إلى هذا التكلف بعدما بان الحق ، وعلى ما ذكر فقوله : { مَا سعى } مبقى على حقيقته معناه له عين ما سعى محفوظ عند الله تعالى ولا نقصان يدخله ثم يجزى به كما قال تعالى : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ } [ الزلزلة : 7 ] .
المسألة الثانية : أن { مَا } خبرية أو مصدرية؟ نقول : كونها مصدرية أظهر بدليل قوله تعالى : { وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يرى } أي سوف يرى المسعي ، والمصدر للمفعول يجيء كثيراً يقال : هذا خلق الله أي مخلوقه .
المسألة الثالثة : المراد من الآية بيان ثواب الأعمال الصالحة أو بيان كل عمل ، نقول : المشهور أنهما لكل عمل فالخير مثاب عليه والشر معاقب به والظاهر أنه لبيان الخيرات يدل عليه اللام في قوله تعالى : { للإنسان } فإن اللام لعود المنافع وعلى لعود المضار تقول : هذا له ، وهذا عليه ، ويشهد له ويشهد عليه في المنافع والمضار ، وللقائل الأول أن يقول : بأن الأمرين إذا اجتمعا غلب الأفضل كجموع السلامة تذكر إذا اجتمعت الإناث مع الذكور ، وأيضاً يدل عليه قوله تعالى : { ثُمَّ يُجْزَاهُ الجزاء الأوفى } [ النجم : 41 ] والأوفى لا يكون إلا في مقابلة الحسنة ، وأما في السيئة فالمثل أو دونه العفو بالكلية .
المسألة الرابعة : { إِلاَّ مَا سعى } بصيعة الماضي دون المستقبل لزياد الحث على السعي في العمل الصالح وتقريره هو أنه تعالى لو قال : ليس للإنسان إلا ما يسعى ، تقول النفس إني أصلي غداً كذا ركعة وأتصدق بكذا درهماً ، ثم يجعل مثبتاً في صحيفتي الآن لأنه أمر يسعى وله فيه ما يسعى فيه ، فقال : ليس له إلا ما قد سعى وحصل وفرغ منه ، وأما تسويلات الشيطان وعداته فلا اعتماد عليها .
الوسيط لسيد طنطاوي - (ج 1 / ص 4012)
قال الآلوسى : وقوله : { أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى } أى : أنه لا تحمل نفس من شأنها الحمل ، حمل نفس أخرى . . . ولا يؤاخذ أحد بذنب غيره . ليتخلص الثانى من عقابه . ولا يقدح فى ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سعى . . . } معطوف على ما قبله ، لبيان عدم إثابة الإنسان بعمل غيره ، إثر بيان عدم مؤاخذته بذنب سواه .
أى : كما أنه لا تحمل نفس آثمة حمل نفس اخرى ، فكذلك لا يحصل الإنسان إلا على نتيجة عمله الصالح ، لا على نتيجة عمل غيره .
فالمراد بالسعى فى الآية . السعى الصالح ، والعمل الطيب ، لأنه قد جاء فى مقابلة الحديث عن الأوزار والذنوب .
وقوله - تعالى - : { وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يرى ثُمَّ يُجْزَاهُ الجزآء الأوفى } بيان لثمرة هذا السعى الصالح يوم القيامة .
أى : ليس للإنسان إلا ثمرة عمله الصالح بدون زيادة أو نقص ، وهذا العمل الصالح سوف يراه مسجلا أمامه فى صحف مكرمة ، وفى ميزان حسناته ، ثم يجازيه الله - تعالى - عليه الجزاء التام الكامل . الذى لا نقص فيه ولا بخس .
وفى رؤية الإنسان لعمله الصالح يوم القيامة ، تشريف وتكريم له ، كما قال - تعالى - { يَوْمَ تَرَى المؤمنين والمؤمنات يسعى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ اليوم جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الفوز العظيم } هذا ، وقد توسع العلماء فى الجمع بين قوله - تعالى - : { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سعى } وبين النصوص التى تفيد أن الإنسان قد ينتفع بعمل غيره ، وهذه خلاصة لأقوالهم :
قال الإمام ابن كثير : ومن هذه الآية استنبط الشافعى ومن اتبعه ، أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتة .
لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم ، ولهذا لم يندب إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمته ، ولا حثهم عليه ، ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء ، ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة ، ولو كان خيرا لسبقونا إليه ، وباب القربات يقتصر فيه على النصوص ، ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء .
فأما الدعاء والصدقة ، فذاك مجمع على وصولهما ، ومنصوص من الشارع عليهما .
وأما الحديث الذى رواه مسلم فى صحيحه عن أبى هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : ولد صالح يدعو له ، أو صدقة جارية من بعده ، أو علم ينتفع به " . فهذه الثلاثة فى الحقيقة . هى من سعيه وكده وعمله .
وقال الجمل فى حاشيته على الجلالين : واستشكل الحصر فى هذه الآية { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سعى } بقوله - تعالى - فى آية أخرى : { والذين آمَنُواْ واتبعتهم ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ . . } وبالأحاديث الواردة فى ذلك كحديث : " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث . . . " .
وأجيب : بأنها مخصوصمة بقوم إبراهيم وموسى ، لأنها حكاية لما فى صحفهم ، وأما هذه الأمة فلها ما سعت هى ، وما سعى لها غيرها ، لما صح من أن لكل نبى وصالح شفاعة . وهو انتفاع بعمل الغير ، ومن تأمل النصوص وجد من انتفاع الإنسان بما لم يعمله ما لا يكاد يحصى ، فلا يجوز أن تؤول الآية على خلاف الكتاب والسنة واجتماع الأمة ، وحينئذ فالظاهر أن الآية عامة ، قد خصصت بأمور كثيرة . .
ثم قال الشيخ الجمل - رحمه الله - : وقال الشيخ تقى الدين أبو العباس أحمد بن تيمية : من اعتقد أن الإنسان لا ينتفع إلا بعمله . فقد خرق الإجماع . وذلك باطل من وجوه كثيرة :
أحدها : أن الإنسان ينتفع بدعاء غيره . وهو انتفاع بعمل الغير .
ثانيها : أن النبى - صلى الله عليه وسلم - يشفع لأهل الموقف فى الحساب ثم لأهل الجنة فى دخولها .
ثالثها : أنه - صلى الله عليه وسلم - يشفع لأهل الكبائر فى الخروج من النار ، وهذا انتفاع بسعى الغير .
رابعها : أن الملائكة يستغفرون ويدعون لمن فى الأرض ، وذلك منفعة بعمل الغير .
خامسها : أن الله - تعالى - يخرج من النار من لم يعمل خيرا قط - أى من المؤمنين - بمحض رحمته ، وهذا انتفاع بغير عملهم .
سادسها : أن أولاد المؤمنين يدخلون الجنة بعمل آبائهم ، وذلك انتفاع بمحض عمل الغير .
سابعها : قال الله - تعالى - فى قصة الغلامين اليتمين :{ وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً } فانتفعا بصلاح أبيهما ، وليس من سعيهما .
ثامنها : أن الميت ينتفع بالصدقة عنه ، وبالعتق ، بنص السنة والإجماع ، وهو من عمل الغير .
تاسعها : أن الحج المفروض يسقط عن الميت ، بحج وليه بنص السنة ، وهو انتفاع بعمل الغير .
حادى عشر : المدين قد امتنع - صلى الله عليه وسلم - من الصلاة عليه حتى قضى دينه أبو قتادة ، وقضى دين الآخر على بن أبى طالب ، وانتفع بصلاة النبى - صلى الله عليه وسلم - وهو من عمل الغير .
ثانى عشر : أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال لمن صلى وحده : " ألا رجل يتصدق على هذا فيصلى معه " فقد حصل له فضل الجماعة بفعل الغير .
ثالث عشر : أن الإنسان تبرأ ذمته من ديون الغير ، إذا قضاها عنه قاض ، وذلك انتفاع بعمل الغير .
رابع عشر : أن من عليه تبعات ومظالم ، إذا حلل منها سقطت عنه ، وهذا انتفاع بعمل الغير .
خامس عشر : أن الجار الصالح ينفع فى المحيا وفى الممات - كما جاء فى الأثر - وهذا انتفاع بعمل الغير .
سادس عشر : أن الجار الصالح ينفع فى المحيا وفى الممات - كما جاء فى الأثر - وهذا انتفاع بعمل الغير .
سادس عشر : أن جليس أهل الذكر يرحم بهم ، وهو لم يكن معهم ، ولم يجلس لذلك بل لحاجة عرضت له ، والأعمال بالنيات ، فقد انتفع بعمل غيره .
سابع عشر : الصلاة على الميت ، والدعاء له فى الصلاة ، انتفاع للميت بصلاة الحى عليه وهو عمل غيره .
ثامن عشر : أن الجمعة تحصل باجتماع العدد ، وكذا الجماعة بكثرة العدد وهو انتفاع للبعض بالبعض .
تاسع عشر : أن الله - تعالى - قال لنبيه : { وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ } وقال - تعالى - : { وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ . . } فقد رفع الله - تعالى - العذاب عن بعض الناس بسبب بعض ، وذلك انتفاع بعمل الغير .
تمام العشرين : أن صدقة الفطر تجب على الصغير وغيره ممن يمونه الرجل ، فإنه ينتفع بذلك من يُخرِج عنه ، ولا سعى له فيها .
ثم قال - رحمه الله - : ومن تأمل العلم وجد انتفاع الإنسان بما لم يعمله ما لا يكاد يحصى ، فكيف يجوز أن تتأول الآية الكريمة ، على خلاف صريح الكتاب والسنة ، وإجماع الأمة . .
والخلاصة أن الآية الكريمة فقد تكون من قبيل العام الذى قد خص بأمور كثيرة . كما سبق أن أشرنا ، وقد تكون مخصوصة بقوم إبراهيم وموسى - عليهما السلام - ، لأنها حكاية عما فى صحفهما ، أما الأمة الإسلامية فلها سعيها ، ولها ما سعى لها به غيرها ، وهذا من فضل الله ورحمته بهذه الأمة .
وقد قال بعض الصالحين فى معنى هذه الآية : ليس للإنسان إلا ما سعى عدلا ، ولله - تعالى - أن يجزيه بالحسنة ألفا فضلا .
فتاوى الأزهر - (ج 8 / ص 315)
صلة الأحياء بالأموات
المفتي
عطية صقر .
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
نريد توضيحا لقوله تعالى{وأن ليس للإنسان إلا ما سعى }وصلته بانتفاع الأموات بأعمال الأحياء ؟
الجواب
ذهب المعتزلة إلى أن أية قربة يهديها الحى إلى الميت لا تنفعه ، بناء على قولهم بوجوب العدل ، واستدلوا على رأيهم هذا بقوله تعالى : {أم لم ينبأ بما فى صحف موسى " وإبراهيم الذى وفَّى . ألا تزر وازرة وزر أخرى . وأن ليس للإنسان إلا ما سعى . وأن سعيه سوف يرى . ثم يجزاه الجزاء الأوفى} النجم : 36 - 41 ، أما أهل السنة فقالوا : هناك قُرَبٌ يجوز للحى أن يفعلها ويستفيد منها الميت ، بل وسع بعضهم الدائرة حتى شملت كل القرب ، قال فى شرح الكنز: إن للإنسان أن يجعل ثواب عمله لغيره ، صلاة كان أو صوما أو حجا أو صدقة أو قراءة قرآن أو غير ذلك من جميع أنواع البر، ويصل ذلك إلى الميت ، وينفعه عند أهل السنة "نيل الأوطار ج 4 ص 142 " ودليلهم على ذلك عدم ورود نص مانع ، وكذلك الرجاء فى رحمة الله وفضله أن يفيد الميت بعمل الحى فى النوافل ، كما أفاده فى الفرائض المقضية عنه ، فضلا عن الأدلة الواردة فى بعض القرب من حيث ندب عملها ليفيد منها الميت كما سيأتى بيانه . وردوا دليل المعتزلة بما يأتى :
1 - أن الآية المذكورة منسوخة بقوله تعالى{والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين } الطور: 21 ، كما قاله ابن عيسى ، فإن الكبار يلحقون بآبائهم فى الجنة وإن لم يكونوا فى منزلتهم إكراما - للآباء باجتماع الأولاد إليهم ، وضعف ابن القيم هذا القول فى كتابه "الروح " .
2 - أن هذه الآية خاصة بشريعة موسى وإبراهيم ، وأما فى شريعتنا فالحكم بخلاف ذلك .
3 -أن عدم انتفاع الإنسان بعمل غيره مخصوص بالكافر، أما المؤمن فيجوز أن ينتفع بسعى غيره من المؤمنين .
4 - أن اللام فى "للإنسان " بمعنى "على" مثل قوله تعالى {ولهم اللعنة} أى عليهم ، والمعنى أن الإنسان ليس عليه إلا عمله ، أى أن ذلك فى العقاب ، أما الثواب فليس هناك ما يمنع انتفاع الإنسان بعمل غيره وهذه الردود يمكن أن تناقش .
5 -إن الآية تبين أنه ليس للإنسان إلا عمله استحقاقا بطريق العدل ، أما تفضلا من غيره فلا مانع من أن ينتفع به ، فالدعاء والشفاعة عمل الغير ويستفيد منه الميت . وهذا الجواب هو أصح الأجوبة، وركز عليه ابن تيمية فى فتاويه "ج 24 ص 366" حيث قال ما ملخصه :
الاتفاق على وصول ثواب العبادات المالية ، كالصدقة والعتق ، كما يصل إليه الدعاء والاستغفار . أما الأعمال البدنية كالصلاة والصيام والقراءة فاختلفوا فيها . والصواب أن الجميع يصل إليه ... إلى أن قال :
وهذا مذهب أحمد وأبى حنيفة وطائفة من أصحاب مالك والشافعى .
وأما احتجاج بعضهم بأن ليس للإنسان إلا ما سعى فيقال ثبت بالسنة المتواترة وإجماع الأئمة أنه يصلى ويستغفر له ويدعى له ، وهذا من سعى غيره . والجواب الحق أن اللّه لم يقل إن الإنسان لا ينتفع إلا بسعى نفسه وأنه قال {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} فهو لا يملك إلا سعيه ، ولا يستحق غير ذلك . وأما سعى غيره فهو له ، كما أن الإنسان لا يملك إلا مال نفسه ونفع نفسه ، فمال غيره ونفع غيره هو كذلك للغير، لكن إذا تبرع له الغير بذلك جاز . اهـ . وقد ارتضى هذا القول ابن عطية فى تفسيره .
هذا، وقد جاء فى معجم الفقه الحنبلى "ص 941 طبعة أوقاف الكويت " أن أية قربة يفعلها الحى ويهب ثوابها للميت تنفعه إن شاء الله ، وقال ابن قدامة فى "المغنى" قال أحمد بن حنبل : الميت يصل إليه كل شيء من الخير، للنصوص الواردة فيه . لأن المسلمين يجتمعون فى كل مصر يقرؤون ويهدون لموتاهم من غير نكير فكان إجماعا . وإن كان هذا العمل لا يعتبر حجة والإجماع عليه ليس دليلا كما رأى بعض العلماء .
وقال ابن القيم : والعبادات قسمان : "مالية ، وبدنية" وقد نبه الشارع بوصول ثواب الصدقة على وصول سائر العبادات المالية ، ونبه بوصول ثواب الصيام على وصول سائر العبادات البدنية ، وأخبر بوصول ثواب الحج المركب من المالية والبدنية ، فالأنواع الثلاثة ثابتة بالنص والاعتبار .
هذا هو الحكم الإجمالى فى إهداء القرب ، وإليك شيئا من التفصيل .
أخرج أبو داود وابن عباس عن أبى أسيد مالك بن ربيعة قال : بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بنى سلمة، فقال : يا رسول الله ، هل بقى من بر أبوى شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال "نعم الصلاة عليهما ، والاستغفار لهما ، وإنفاذ عهدهما من بعدهما ، صلة الرحم التى لا توصل إلا بهما ، وإكرام صديقهما من بعدهما" .
(ا) الصلاة عليهما .
قال بعض الشراح : إن المراد بالصلاة عليهما فى هذا الحديث صلاة الجنازة، كما فى قوله تعالى : {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا} التوبة : 184 وقيل المراد بها الدعاء ، كما فى قوله تعالى : {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم } التوبة : 03 ا ، أى ادع الله لهم بالنماء والبركة .
ويرجح أن يراد بها هنا الدعاء لأن رواية البخارى فى "الأدب المفرد" لم يرد فيها ذكر الصلاة بل ورد (الدعاء لهما) .
والدعاء مجمع على جوازه وعلى نفع الميت به إن قبل ، ومعنى نفع الميت به حصول المدعو به إذا استجيب ، واستجابته محض فضل من الله ، ولا يسمى فى العرف ثوابا ، أما الدعاء نفسه وثوابه فهو للداعى، لأنه شفاعة أجرها للشافع ومقصودها للمشفوع له .
وأدلة مشروعية الدعاء للميت كثيرة، فصلاة الجنازة نفسها تشتمل على دعاء له ، ودعاء الولد الصالح لأبيه مما يفيده بنص الحديث الذى رواه مسلم ، وقد تقدم ، ومن آداب زيارة القبور الدعاء للأموات ، كما روى مسلم فى تعليم النبى صلى الله عليه وسلم لمن يزورون القبور أن يدعوا للأموات ، ومما جاء فيه "ونسأل الله لنا ولكم العافية" وكذلك "ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين " ... وروى أبو داود عن عثمان بن عفان رضى الله عنه أنه قال : كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال (استغفروا لأخيكم ، واسألوا له التثبيت ، فإنه الآن يسأل ) .
أما حكم الصلاة للوالدين فقد جاء فى رواية الدارقطنى "إن من البر بعد الموت أن تصلى لهما مع صلاتك ، وان تصوم لهما مع صيامك " وتعدية فِعْلَىْ الصلاة والصيام باللام تشعر بأن ذلك فى النوافل المهداة لا فى الفروض من حيث قضاؤها ، وقد مر ذلك ولو لم يرد هذا الحديث أو لم يصح فليس هناك نص يمنع أداء الصلاة للميت وقد تقدم كلام ابن تيمية وغيره فى ذلك .
(ب) الاستغفار لهما :
الاستغفار هو دعاء بطلب المغفرة من اللّه للميت ، وأدلة الدعاء عامة تشهد لمشروعيته ، وقد دعا الأنبياء وغيرهم بالمغفرة لغيرهم ، فقال نوح {رب اغفر لى ولوالدى ولمن دخل بيتى مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا} نوح : 28 ، وقال إبراهيم : { ربنا اغفر لى ولوالدى وللمؤمنين يوم يقوم الحساب } إبراهيم : 41 ، وروى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم دعا لأهل بقيع الغرقد بالمغفرة وسبق طلبه من المسلمين الاستغفار لأخيهم بعد دفنه ، وروى أحمد وابن ماجه والبيهقى عن أبى هريرة بسند صحيح مرفوع أو موقوف عليه "أن الرجل لترفع درجته فى الجنة فيقول : أنَّى هذا؟ فيقال :
باستغفار ولدك لك " .
(ج) انفاذ عهد الأبوين وصلة الرحم وإكرام الصديق :
كل ذلك قرب بدنية أو مالية يقوم بها الولد فيؤجر عليها ، ويصل أثرها للوالدين برا وإكراما وإحسانا ، وقد تقدم قول شارح الكنز فى هذه القرب وغيرها، وما جاء فى معجم الفقه الحنبلى عن ذلك .
(د) الصيام لهما :
يدل حديث الدارقطنى السابق على جواز التنفل بالصيام وإهدائه إلى الميت ، وقد شرط العلماء لذلك ولغيره من القرب أن يكون بنية سابقة أو مقارنة للفعل ، لا أن تكون النية بعد الانتهاء منها .
(هـ) الصدقة عليهما :
روى أحمد والنسائى وغيرهما أن أم سعد بن عبادة لما ماتت قال: يا رسول الله، إن أمى ماتت، أفأتصدق عنها، قال "نعم" قلت : فأى الصدقة أفضل؟ قال : "سَقىُ الماء" .
قال الحسن : فتلك سقاية آل سعد بالمدينة ، والظاهر أن هذه الصدقة ليست واجبة ، وإلا لكانت متعينة ولم يسأل سعد عن أفضلها ، وهذا الحديث وإن كان لبعض المحدثين فيه مقال فإن كثيرا من النصوص تشهد بأن الصدقة تفيد الميت سواء أكانت واجبة أم مندوبة .
قال الشوكانى : أما صدقة الولد فلا كلام فيها لثبوتها بالنص ، ولأن الولد من كسبه فلم يصل إليه عمل غيره ، بل عمله هو، مثل الصدقة الجارية والعِلْم الذى ينتفع به ودعاء الولد الصالح ، فلا حاجة لوصول صدقته إلى وصية ، أما الصدقة من الأجنبى فالظاهر من العموميات القرآنية أنه لا يصل ثوابها إلى الميت ، فيوقف عليها حتى يأتى دليل يقتضى تخصيصها اهـ . لكن الرافعى والنووى من الشافعية قالا: يستوى فى الصدقة الوارث وغيره ، وحكى النووى الإجماع على أن الصدقة تقع عن الميت ويصل ثوابها من الولد وغيره "نيل الأوطار ج 4 ص 142 " .
هذا، ويجب أن يفهم أن ما جاء فى كلام الشوكانى وغيره من أن الذى وصل إلى الميت من ولده هو عمله وليس عمل الولد، ليس المراد به أن كل ما يعمله الولد لأبيه محسوب لأبيه وليس محسوبا للولد ، وإلا لضاع الولد وحرم ثواب عمله البدنى بالذات ، بل المراد وصول مثل ثوابه لأبيه ، كما سيأتى فى كلام العلماء عن القراءة للميت .
(و)الحج للوالدين :
مر جواز قضاء الحج عن الوالدين بعد الموت ، ولم يرد ما يمنع برهما بالحج أو، بغيره من القرب كما تقدم .
(ز) قراءة القرآن :
فى قراءة القرآن للميت خلاف للعلماء بين المنع من استفادته بها بناء على أنها عبادة بدنية لا تقبل النيابة، وبين الجواز بناء على رجاء رحمة الله وما ورد من بعض النصوص ، ومن تتبع أقوال الكثيرين يمكن استنتاج ما يلى :
1 - إذا قرئ القرآن بحضرة الميت فانتفاعه بالقراءة مرجو ، سواء أكان معها إهداء أم لم يكن ، وذلك بحكم المجاورة ، فإن القرآن إذا تلى ، وبخاصة إذا كان فى اجتماع ، حفت القارئين الملائكة ، وغشيتهم الرحمة ، ونزلت عليهم السكينة، روى مسلم قول النبى صلى الله عليه وسلم "ما اجتمع قوم فى بيت من بيوت الله يقرؤون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة " ! والقرآن ذكر بل أفضل الذكر، وقد روى مسلم وغيره حديث : " لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده " .
بل لا يشترط لنزول الملائكة وغيرهم أن تكون القراءة أو الذكر فى جماعة ، فيحصل ذلك للشخص الواحد، روى البخارى ومسلم حديث أُسَيْد بن حُضَيْر الذى كان يقرأ القرآن فى مربده وبجواره ولده وفرسه ، وجاء فيه .
فإذا مثل الظلة فوق رأسى، فيها أمثال السُّرَج عرجت فى الجو حتى ما أراها ، فقال له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم "تلك الملائكة تستمع لك ، ولو قرأت لأصبحت يراها الناس ما تستتر منهم " .
على أن النص قد جاء بقراءة {يس} عند الميت ، روى أحمد وأبو داود والنسائى واللفظ له ، وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححاه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : "قلب القرآن يس ، لا يقرؤها رجل يريد اللّه والدار الآخرة إلا غفر الله له ، اقرءوها على موتاكم " وقد أعل الدارقطنى وابن القطان هذا الحديث ، لكن صححه ابن حبان والحاكم ، وحمله المصححون له على القراءة على الميت حال الاحتضار، بناء على حديث فى مسند الفردوس "ما من ميت يموت فتقرأ عنده يس إلا هون اللّه عليه " لكن بعض العلماء قال : إن لفظ الميت عام لا يختص بالمحتضر، فلا مانع من استفادته بالقراءة عنده إذا انتهت حياته ، سواء دفن أم لم يدفن ، روى البيهقى بسند حسن أن ابن عمر استحب قراءة أول سورة البقرة وخاتمتها على القبر بعد الدفن . وابن حبان الذى قال في صحيحه معلقا على حديث "اقرءوا على موتاكم يس" أراد به من حضرته المنية لا أن الميت يقرأ عليه رد المحب الطبرى ، بأن ذلك غير مسلم له وإن سلم أن يكون التلقين حال الاحتضار .
قال الشوكانى : واللفظ نص فى الأموات ، وتناوله للحى المحتضر مجاز فلا يصار إليه إلا لقرينة "نيل الأوطار ج 4 ص 52 " والنووى ذكر فى رياض الصالحين تحت عنوان : الدعاء للميت بعد دفنه والقعود عند قبره ساعة للدعاء له والاستغفار والقراءة "الباب الحادى والستون بعد المائة" ذكر أن الشافعى قال : يستحب أن يقرأ عنده شيء من القرآن ، وإن ختموا القرآن كان حسنا ، وجاء فى المغنى لابن قدامة "ص 758" : تسن قراءة القرآن عند القبر وهبة ثوابها ، وروى أحمد أنه بدعة، ثم رجع عنه. وكره مالك وأبو حنيفة القراءة عند القبر حيث لم ترد بها السنة . لكن القرافى المالكى قال :
الذي يتجه أن يحصل للموتى بركة القراءة ، كما يحصل لهم بركة الرجل الصالح يدفن عندهم أو يدفنون عنده .
2 -إذا قرئ القرآن بعيدا عن الميت أو عن القبر وامتنع انتفاعه به بحكم المجاورة وحضور الملائكة، اختلف الفقهاء فى جواز انتفاع الميت به ، وهناك ثلاث حالات دار الخلاف حولها بين الجواز وعدمه :
الحالة الأولى :
إذا قرىء القارىء ثم دعا الله بما قرأ أن يرحم الميت أو يغفر له ، فقد توسل القارىء إلى اللّه بعمله الصالح وهو القراءة ، ودعا للميت بالرحمة ، والدعاء له متفق على جوازه وعلى رجاء انتفاعه له إن قبله اللّه ، كمن توسلوا إلى الله بصالح أعمالهم فانفرجت عنهم الصخرة التى سدت فم الغار، وفى هذه الحالة لا ينبغى أن يكون هناك خلاف يذكر فى عدم نفع الميت بالدعاء بعد القراءة .
الحالة الثانية :
إذا قرئ القارئ ثم دعا الله أن يهدى مثل ثواب قراءته إلى الميت ، قال ابن الصلاح : وينبغى الجزم بنفع : اللهم أوصل ثواب ما قرأناه ، أى مثله ، فهو المراد ، وأن يصرح به لفلان ، لأنه إذا نفعه الدعاء بما ليس للداعى فما له أولى ، ويجرى ذلك فى سائر الأعمال . ومعنى كلام ابن الصلاح أن الداعى يدعو اللّه أن يرحم الميت : والرحمة ليست ملكا له بل لله ، فإذا جاز الدعاء بالرحمة وهى ليست له فأولى أن يجوز الدعاء بما له هو وهو ثواب القراءة أو مثلها . وكذلك يجوز فى كل قربة يفعلها الحى من صلاة وصيام وصدقة ، ثم يدعو بعدها أن يوصل الله مثل ثوابها إلى الميت . وقد تقدم كلام ابن قدامة فى المغنى عن ذلك .
والدعاء بإهداء مثل ثواب القارئ إلى الميت هو المراد من قول المجيزين : اللهم أوصل ثواب ما قرأته لفلان .
الحالة الثالثة :
إذا نوى القارئ أن يكون الثواب ، أى مثله ، للميت ابتداء أى قبل قراءته أو فى أثنائها يصل ذلك إن شاء الله ، قال أبو عبد اللّه الأبى : إن قرأ ابتداء بنية الميت وصل إليه ثوابه ، وإن قرأ ثم وهبه لم يصل ، لأن ثواب القراءة للقارئ لا ينتقل عنه إلى غيره . وقال الإمام ابن رشد فى نوازله : إن قرأ ووهب ثواب قراءته لميت جاز وحصل للميت أجره ، ووصل إليه نفعه ، ولم يفصل بين كون الهبة قبل القراءة أو معها أو بعدها ، ولعله يريد ما قاله الأبى .
هذا، وانتفاع الميت بالقراءة مع الإهداء أو النية هو ما رآه المحققون من متأخرى مذهب الشافعى، وأولوا المنع على معنى وصول عين الثواب الذى للقارئ أو على قراءته لا بحضرة الميت ولا بنية ثواب قراءته له ، أو نيته ولم يدع له ، وقد رجح الانتفاع به أحمد وابن تيمية وابن القيم ، وقد مر كلامهم فى ذلك .
قال الشوكانى "نيل الأوطار ج 4 ص 142 "المشهور من مذهب الشافعى وجماعة من أصحابه أنه لا يصل إلى الميت ثواب قراءة القرآن . وذهب أحمد بن حنبل وجماعة من العلماء وجماعة من أصحاب الشافعى إلى أنه يصل ، كذا ذكره النووى فى الأذكار، وفى شرح المنهاج : يصل إلى الميت عندنا ثواب القراءة على المشهور والمختار الوصول إذا سأل الله إيصال ثواب قراءته ، وينبغى الجزم به لأنه دعاء، فإذا جاز الدعاء للميت بما ليس للداعى فلأن يجوز بما هو له أولى، ويبقى الأمر فيه موقوفا على استجابة الدعاء. وهذا المعنى لا يختص بالقراءة، بل يجرى فى سائر الأعمال . والظاهر أن الدعاء متفق عليه أن ينفع الميت والحى ، والقريب والبعيد ، بوصية وغيرها وعلى ذلك أحاديث كثيرة ، بل كان أفضل الدعاء أن يدعو لأخيه بظهر الغيب . اهـ .
هذا، وقد قال الأبى : والقراءة للميت ، وإن حصل الخلاف فيها فلا ينبغى إهمالها فلعل الحق الوصول ، فإن هذه الأمور مغيبة عنا ، وليس الخلاف فى حكم شرعى إنما هو فى أمر هل يقع كذلك أم لا .
وأنا مع الأبى فى هذا الكلام ، فإن القراءة للميت إن لم تنفع الميت فهى للقارئ، فالمستفيد منها واحد منهما، ولا ضرر منها على أحد .
مع تغليب الرجاء فى رحمة اللّه وفضله أن يفيد بها الميت كالشفاعة والدعاء وغيرهما .
وهذا الخلاف محله إذا قرئ القرآن بغير أجر، أما إن قرئ بأجر فالجمهور على عدم انتفاع للميت به . لأن القارئ أخذ ثوابه الدنيوى عليها فلم يبق لديه ما يهديه أو يهدى مثل ثوابه إلى الميت ، ولم تكن قراءته لوجه اللّه حتى يدعوه بصالح عمله أن ينفع بها الميت ، بل كانت القراءة للدنيا ، ويتأكد ذلك إذا كانت هناك مساومة أو اتفاق سابق على الأجر أو معلوم متعارف عليه ، أما الهدية بعد القراءة إذا لم تكن نفس القارئ متعلقة بها فقد يرجى من القراءة النفع للميت . والأعمال بالنيات ، وأحذر قارئ القرآن من هذا الحديث الذى رواه أحمد والطبرانى والبيهقى عن عبد الرحمن بن شبل "اقرءوا للقرآن واعملوا به ، ولا تجفوا عنه، ولا تغلوا فيه ، ولا تأكلوا به ، ولا تستكثروا به }قال الهيثمى : رجال أحمد ثقات ، وقال ابن حجر فى الفتح : سنده قوى .
وفسر الأكل به بأخذ الأجرة عليه ، كما فسر بالاستجداء به والتسول .
وقد قال الشيخ حسنين محمد مخلوف فى أخذ الأجرة على قراءة القرآن :
مذهب الحنفية لا يجوز أخذها على فعل القرب والطاعات كالصلاة والصوم وتعليم القرآن وقراءته ولكن المتأخرين من فقهاء الحنفية استثنوا من ذلك أمورا ، منها تعليم القرآن فقالوا : بجواز أخذ الأجرة عليه استحسانا ، خشية ضياعه ، ولكن بقى حكم أخذ الأجرة على قراءة القرآن على ما تقرر فى أصل المذهب من عدم الجواز، ومذهب الحنابلة لا يجوز أخذ الأجرة على تعليم القرآن ولا على قراءته ، استنادا إلى حديث "اقرءوا القرآن . . . " الذى تقدم . مذهب المالكية لا يجوز أخذ الأجرة على ما لا يقبل النيابة من المطلوب شرعا كالصلاة والصيام ، ولكن يجوز أخذ الأجرة على ما يقبل النيابة ، ومنها تعليم القرآن وقراءته ، ومذهب الشافعية يجوز أخذ الأجرة على قراءة القرآن وتعليمه ، سواء أكانت القراءة عند القبر أو بعيدة عنه ، مع الدعاء بوصول الثواب إلى الميت اهـ
فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 2 / ص 2335)
رقم الفتوى 5541 هبة ثواب أعمال الحي للميت
تاريخ الفتوى : 12 جمادي الثانية 1424
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم هل يصل ثواب هبة القرآن للميت ..ولكم جزيل الشكر
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أجمع أهل العلم على أن الصدقة والدعاء يصل إلى الميت نفعهما، ولم يشذ عن ذلك إلا المبتدعة الذين قالوا: لا يصل إلى الميت شيء من الثواب إلا عمله أو المتسبب فيه. والأخبار في ذلك ثابتة مشهورة في الصحيحين وغيرهما وقد ذكر مسلم في مقدمة صحيحه عن ابن المبارك أنه قال: ليس في الصدقة خلاف. واختلف أهل العلم فيما سوى ذلك من الأعمال التطوعية كالصيام عنه وصلاة التطوع وقراءة القرآن ونحو ذلك. وذهب أحمد وأبو حنيفة وغيرهما وبعض أصحاب الشافعي إلى أن الميت ينتفع بذلك، وذهب مالك في المشهور عنه والشافعي إلى أن ذلك لا يصل للميت. واستدل الفريق الثاني بقوله تعالى: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ) [النجم:39] وبقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث…….." والآية والحديث أجاب عنهما أصحاب الفريق الأول بأجوبة أقربها إلى الصواب بالنسبة للآية أن ظاهرها لا يخالف ما ذهب إليه أصحاب الفريق الأول فإن الله تعالى قال: (ليس للإنسان إلا ما سعى) وهذا حق، فإنه إنما يستحق سعيه، فهو الذي يملكه، كما أنه لا يملك من المكاسب إلا ما اكتسبه هو، وأما سعي غيره فهو حق وملك لذلك الغير لا له، ولهذا الغير أن يهدي سعيه لمن شاء. فإنه ليس كل ما ينتفع به الحي أو الميت من سعيه، بل قد يكون من سعيه فيستحقه لأنه من كسبه، وقد يكون من سعي غيره فينتفع به بإذن صاحبه، كالذي يوفيه الإنسان عن غيره فتبرأ ذمته. وأما جوابهم عن الحديث فقالوا: ذكر الولد ودعائه له
خاصان، لأن الولد من كسبه كما قال تعالى: (ما أغنى عنه ما له وما كسب) [المسد: 2] فقد فسر الكسب هنا بالولد، ويؤيد هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه" رواه أصحاب السنن. فلما كان الأب هو الساعي في وجود الولد كان عمل الولد من كسب أبيه، بخلاف الأخ والعم والأب ونحوهم فإنه ينتفع بدعائهم بل بدعاء الأجانب، لكن ليس ذلك من عمله. والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "انقطع عمله إلا من ثلاث.." ولم يقل أنه لا ينتفع بعمل غيره، فإذا دعا له ولده كان هذا من عمله الذي لم ينقطع وإن دعا له غيره لم يكن من عمل الوالد ولكنه ينتفع به. فالصحيح إن شاء الله وصول ثواب القراءة للميت. وسلك بعض الشافعية ممن يقولون بعدم وصول القراءة للأموات مسلكاً حسناً. قالوا: إذا قرأ وقال بعد قراءته اللهم إن كنت قبلت قراءتي هذه فاجعل ثوابها لفلان. وعدّوا ذلك من باب الدعاء.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 5184)
«ما يثاب عليه وشروطه»
8 - من المقرّر شرعاً أنّ الإنسان يثاب - بفضل اللّه - على ما يؤدّي من طاعات ، واجبة كانت أو مندوبة ، وعلى ما يترك من محرّمات ومكروهات.
يقول اللّه تعالى : «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثقَالَ ذَرَّةٍ خَيرَاً يَره وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرَّاً يَرَه» ، ويقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم :
« إنّ اللّه لا يظلم مؤمنا حسنة يعطى بها في الدّنيا ويجزى بها في الآخرة » لكنّ فعل الواجبات والمندوبات وترك المحرّمات والمكروهات ليس سببا في حدّ ذاته - للثّواب - مع أنّه قد يكون الفعل مجزئا ومبرئا للذّمّة والتّرك كافيا للخروج من العهدة ، لأنّه يشترط لحصول الثّواب في الفعل والتّرك نيّة امتثال أمر اللّه تعالى.
بل إنّ المباحات رغم أنّها لا تفتقر إلى نيّة ، لكن إن أريد بها الثّواب بجعلها وسيلة للعبادة المشروعة افتقرت إلى نيّة.
قال الشّاطبيّ : الأعمال بالنّيّات ، والمقاصد معتبرة في التّصرّفات من العبادات والعادات ، والأدلّة على هذا المعنى لا تنحصر ، منها قوله تعالى : «ومَا أُمِرُوا إلاّ لِيَعْبُدوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ له الدِّينَ» وقوله صلى الله عليه وسلم : « إنّما الأعمال بالنّيّات ،وإنّما لكلّ امرئ ما نوى » .
ومن القواعد الفقهيّة : لا ثواب إلاّ بالنّيّة ، قال ابن نجيم : قرّر المشايخ في حديث.
« إنّما الأعمال بالنّيّات » ، أنّه من باب المقتضى ، إذ لا يصحّ بدون تقدير لكثرة وجود الأعمال بدونها فقدّروا مضافاً أي حكم الأعمال ، وهو نوعان : أخرويّ ، وهو الثّواب واستحقاق العقاب ، ودنيويّ وهو الصّحّة والفساد ، وقد أريد الأخرويّ بالإجماع للإجماع على أنّه لا ثواب ولا عقاب إلاّ بالنّيّة ، وساق ابن نجيم الأمثلة على ذلك في الأفعال والتّروك ، ثمّ قال : ولا تشترط للثّواب صحّة العبادة ، بل يثاب على نيّته وإن كانت فاسدة بغير تعمّده ، كما لو صلّى محدثا على ظنّ طهارته.
9- بل إنّ الإنسان قد يثاب على ما لم يعمل ، ويكون الثّواب على النّيّة لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « من همّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة » وقوله : « من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلّي في اللّيل فغلبته عيناه حتّى أصبح كتب له ما نوى وكان نومه صدقة عليه من ربّه عزّ وجلّ » ويثاب كذلك على العمل وإن لم يقع الموقع المناسب ، ففي البخاريّ حديث المتصدّق الّذي وقعت صدقته في يد زانية وغنيّ وسارق.
وحديث « معن بن يزيد بن الأخنس الّذي أخذ صدقة أبيه من الرّجل الّذي وضعت عنده وقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم : لك ما نويت يا يزيد ولك ما أخذت يا معن » قال ابن حجر : هذا يدلّ على أنّ نيّة المتصدّق إذا كانت صالحة قبلت صدقته وإن لم تقع الموقع.
وهذا في الجملة فقد قيل : إنّ القربات الّتي لا لبس فيها لا تحتاج إلى نيّة كالإيمان باللّه تعالى.
وينظر تفصيل ذلك في « نيّة » .
«ما يثاب عليه الإنسان ممّا ليس من كسبه»
لا خلاف في أنّ الثّواب يتعلّق بما هو من كسب الإنسان واكتسابه ، أمّا ثواب ما ليس من كسبه فقد اختلف فيه.
ويأتي ذلك في مواضع :
«أوّلاً - فيما يهبه الإنسان لغيره من الثّواب»
10 - يجوز عند الحنفيّة والحنابلة أن يجعل الإنسان ثواب ما أتى به من عبادة لغيره ، سواء أكانت العبادة صلاة ، أم صوما ، أم حجّا ، أم صدقة ، أم قراءة وذكرا ، وغير ذلك لظاهر الأدلّة على ذلك ، ومنها قوله تعالى : «وَالَّذِينَ جَاءوا مِنْ بَعْدِهم يَقولونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لنا وَلإخوَاننا الَّذينَ سَبَقُونا بِالإيمانِ» وقوله تعالى : «وَاسْتَغْفِر لِذَنْبِكَ وللمؤمنينَ وَالمؤمناتِ» وقد « ضحّى النّبيّ صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أحدهما عنه والآخر عن أمّته » ، وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أنّ « رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال لعمرو بن العاص لمّا سأله عن أبيه : لو كان مسلما فأعتقتم عنه ، أو تصدّقتم عنه ، أو حججتم عنه بلغه ذلك » .
وغير ذلك من الأدلّة ، وأمّا قوله تعالى : «وَأنْ ليسَ للإنسَانِ إلاّ مَا سَعَى» فمعناه لا يجب للإنسان إلاّ ما سعى.
وعند المالكيّة يجوز فيما عدا الصّلاة والصّيام ، وعند الشّافعيّة فيما عدا الصّلاة ، وفي الصّيام وقراءة القرآن خلاف ، واستدلّوا لذلك بالإجماع ولأنّ الصّلاة والصّيام لا تدخلها النّيابة في حال الحياة فكذلك بعد الموت.

(39) سورة النجم ،لِوَجْهَيْنِ :
( أَحَدُهُمَا ) أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالنُّصُوصِ الْمُتَوَاتِرَةِ وَإِجْمَاعِ سَلَفِ الْأُمَّةِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَنْتَفِعُ بِمَا لَيْسَ مِنْ سَعْيِهِ كَدُعَاءِ الْمَلَائِكَةِ وَاسْتِغْفَارِهِمْ لَهُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى :{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} (7) سورة غافر. وَدُعَاءُ النَّبِيِّينَ وَالْمُؤْمِنِينَ وَاسْتِغْفَارُهُمْ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى :{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (103) سورة التوبة }، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ : {وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (99) سورة التوبة ،وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} (19) سورة محمد، كَدُعَاءِ الْمُصَلِّينَ لِلْمَيِّتِ وَلِمَنْ زَارُوا قَبْرَهُ - مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (1)- .
( الثَّانِي ) : أَنَّ الْآيَةَ لَيْسَتْ فِي ظَاهِرِهَا إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا سَعْيُهُ ،وَهَذَا حَقٌّ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ وَلَا يَسْتَحِقُّ إلَّا سَعْيَ نَفْسِهِ، وَأَمَّا سَعْيُ غَيْرِهِ فَلَا يَمْلِكُهُ وَلَا يَسْتَحِقُّهُ ؛ لَكِنْ هَذَا لَا يَمْنَعُ أَنْ يَنْفَعَهُ اللَّهُ وَيَرْحَمُهُ بِهِ ؛ كَمَا أَنَّهُ دَائِمًا يَرْحَمُ عِبَادَهُ بِأَسْبَابِ خَارِجَةٍ عَنْ مَقْدُورِهِمْ . وَهُوَ سُبْحَانَهُ بِحِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ يَرْحَمُ الْعِبَادَ بِأَسْبَابِ يَفْعَلُهَا الْعِبَادُ لِيُثِيبَ أُولَئِكَ عَلَى تِلْكَ الْأَسْبَابِ فَيَرْحَمُ الْجَمِيعَ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : « مَنْ دَعَا لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ »(2).
وَكَمَا ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ : « مَنْ صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ فَلَهُ قِيرَاطٌ فَإِنْ شَهِدَ دَفْنَهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ الْقِيرَاطُ مِثْلُ أُحُدٍ »(3).
فَهُوَ قَدْ يَرْحَمُ الْمُصَلِّيَ عَلَى الْمَيِّتِ بِدُعَائِهِ لَهُ وَيَرْحَمُ الْمَيِّتَ أَيْضًا بِدُعَاءِ هَذَا الْحَيِّ لَهُ (4)
__________
(1) - صحيح مسلم برقم(2299 ) عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- - كُلَّمَا كَانَ لَيْلَتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- - يَخْرُجُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ إِلَى الْبَقِيعِ فَيَقُولُ « السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَأَتَاكُمْ مَا تُوعَدُونَ غَدًا مُؤَجَّلُونَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاَحِقُونَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَهْلِ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ ».
(2) - صحيح مسلم برقم(7104)
وفي شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 96)
وَفِي هَذَا فَضْل الدُّعَاء لِأَخِيهِ الْمُسْلِم بِظَهْرِ الْغَيْب ، وَلَوْ دَعَا لِجَمَاعَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَصَلَتْ هَذِهِ الْفَضِيلَة ، وَلَوْ دَعَا لِجُمْلَةِ الْمُسْلِمِينَ فَالظَّاهِر حُصُولهَا أَيْضًا ، وَكَانَ بَعْض السَّلَف إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُو لِنَفْسِهِ يَدْعُو لِأَخِيهِ الْمُسْلِم بِتِلْكَ الدَّعْوَة ؛ لِأَنَّهَا تُسْتَجَاب ، وَيَحْصُل لَهُ مِثْلهَا .
(3) - صحيح مسلم برقم(2237 ) وبرقم( 2239)
(4) - وفي نيل الأوطار - (ج 6 / ص 288)
وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ مِنْ الْوَلَدِ تَلْحَقُ الْوَالِدَيْنِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا بِدُونِ وَصِيَّةٍ مِنْهُمَا وَيَصِلُ إلَيْهِمَا ثَوَابُهَا فَيُخَصَّصُ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ عُمُومُ قَوْله تَعَالَى { وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إلَّا مَا سَعَى } وَلَكِنْ لَيْسَ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ إلَّا لُحُوقُ الصَّدَقَةِ مِنْ الْوَلَدِ ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ وَلَدَ الْإِنْسَانِ مِنْ سَعْيِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى دَعْوَى التَّخْصِيصِ وَأَمَّا مِنْ غَيْرِ الْوَلَدِ فَالظَّاهِرُ مِنْ الْعُمُومَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَصِلُ ثَوَابُهُ إلَى الْمَيِّتِ فَيُوقَفُ عَلَيْهَا حَتَّى يَأْتِيَ دَلِيلٌ يَقْتَضِي تَخْصِيصَهَا وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي غَيْرِ الصَّدَقَةِ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ هَلْ يَصِلُ إلَى الْمَيِّتِ ؟ فَذَهَبَتْ الْمُعْتَزِلَةُ إلَى أَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَيْهِ شَيْءٌ وَاسْتَدَلُّوا بِعُمُومِ الْآيَةِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ : إنَّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَجْعَلَ ثَوَابَ عَمَلِهِ لِغَيْرِهِ صَلَاةً كَانَ أَوْ صَوْمًا أَوْ حَجًّا أَوْ صَدَقَةً أَوْ قِرَاءَةَ قُرْآنٍ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْبِرِّ ، وَيَصِلُ ذَلِكَ إلَى الْمَيِّتِ وَيَنْفَعُهُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ انْتَهَى وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى الْمَيِّتِ ثَوَابُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إلَى أَنَّهُ يَصِلُ ، كَذَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ وَفِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِابْنِ النَّحْوِيِّ : لَا يَصِلُ إلَى الْمَيِّتِ عِنْدَنَا ثَوَابُ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَالْمُخْتَارُ الْوُصُولُ إذَا سَأَلَ اللَّهَ إيصَالَ ثَوَابِ قِرَاءَتِهِ ، وَيَنْبَغِي الْجَزْمُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ ، فَإِذَا جَازَ الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ بِمَا لَيْسَ لَلدَّاعِي ، فَلَأَنْ يَجُوزَ بِمَا هُوَ لَهُ أَوْلَى ، وَيَبْقَى الْأَمْرُ فِيهِ مَوْقُوفًا عَلَى اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ هَذَا الْمَعْنَى لَا يَخْتَصُّ بِالْقِرَاءَةِ بَلْ يَجْرِي فِي سَائِرِ الْأَعْمَالِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الدُّعَاءَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَنْفَعُ الْمَيِّتَ وَالْحَيَّ الْقَرِيبَ وَالْبَعِيدَ بِوَصِيَّةٍ وَغَيْرِهَا وَعَلَى ذَلِكَ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ ، بَلْ كَانَ أَفْضَلُ الدُّعَاءِ أَنْ يَدْعُوَ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ انْتَهَى وَقَدْ حَكَى النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى وُصُولِ الدُّعَاءِ إلَى الْمَيِّتِ ، وَكَذَا حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ تَقَعُ عَنْ الْمَيِّتِ وَيَصِلُهُ ثَوَابُهَا وَلَمْ يُقَيِّدْ ذَلِكَ بِالْوَلَدِ .
وَحَكَى أَيْضًا الْإِجْمَاعَ عَلَى لُحُوقِ قَضَاءِ الدَّيْنِ ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ يُخَصَّصُ عُمُومُ الْآيَةِ بِالصَّدَقَةِ مِنْ الْوَلَدِ كَمَا فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ ، وَبِالْحَجِّ مِنْ الْوَلَدِ كَمَا فِي خَبَرِ الْخَثْعَمِيَّةِ ، وَمِنْ غَيْرِ الْوَلَدِ أَيْضًا كَمَا فِي حَدِيثِ الْمُحْرِمِ عَنْ أَخِيهِ شُبْرُمَةَ ، وَلَمْ يَسْتَفْصِلْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ أَوْصَى شُبْرُمَةُ أَمْ لَا ؟ وَبِالْعِتْقِ مِنْ الْوَلَدِ كَمَا وَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ فِي حَدِيثِ سَعْدٍ خِلَافًا لِلْمَالِكِيَّةِ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ ، وَبِالصَّلَاةِ مِنْ الْوَلَدِ أَيْضًا مَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ { أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ كَانَ لِي أَبَوَانِ أُبِرُّهُمَا فِي حَالِ حَيَاتِهِمَا ، فَكَيْفَ لِي بِبِرِّهِمَا بَعْدَ مَوْتِهِمَا ؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّ مِنْ الْبِرِّ بَعْدَ الْبِرِّ أَنْ تُصَلِّيَ لَهُمَا مَعَ صَلَاتِكَ ، وَأَنْ تَصُومَ لَهُمَا مَعَ صِيَامِك } وَبِالصِّيَامِ مِنْ الْوَلَدِ لِهَذَا الْحَدِيثِ ، وَلِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ ، وَلِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ { إنَّ امْرَأَةً قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّيَ مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ ، فَقَالَ : أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِهِ أَكَانَ يُؤَدِّي ذَلِكَ عَنْهَا ؟ قَالَتْ نَعَمْ ، قَالَ : فَصَوْمِي عَنْ أُمِّكِ } وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ { أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ : إنَّهُ كَانَ عَلَى أُمِّي صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا ؟ قَالَ : صُومِي عَنْهَا } وَمِنْ غَيْرِ الْوَلَدِ أَيْضًا لِحَدِيثِ { مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ ، وَبِقِرَاءَةِ ( يس ) مِنْ الْوَلَدِ وَغَيْرِهِ لِحَدِيثِ { اقْرَءُوا عَلَى مَوْتَاكُمْ يس } وَقَدْ تَقَدَّمَ ، وَبِالدُّعَاءِ مِنْ الْوَلَدِ لِحَدِيثِ { أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ } وَمِنْ غَيْرِهِ لِحَدِيثِ { اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ وَسَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ } وَقَدْ تَقَدَّمَ وَلِحَدِيثِ " فَضْلُ الدُّعَاءِ لِلْأَخِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ " وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ } وَلِمَا ثَبَتَ مِنْ الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ عِنْدَ الزِّيَارَةِ كَحَدِيثِ بُرَيْدَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَحْمَدَ وَابْنِ مَاجَهْ قَالَ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُهُمْ إذَا خَرَجُوا إلَى الْمَقَابِرِ أَنْ يَقُولَ قَائِلُهُمْ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ نَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ } وَبِجَمِيعِ مَا يَفْعَلُهُ الْوَلَدُ لَوَالِدَيْهِ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ لِحَدِيثِ { وَلَدُ الْإِنْسَانِ مِنْ سَعْيِهِ } وَكَمَا تُخَصِّصُ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْآيَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ كَذَلِكَ يُخَصِّصُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَهْلُ السُّنَنِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ : صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عَمَلٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ } فَإِنَّهُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَنْقَطِعُ عَنْهُ مَا عَدَا هَذِهِ الثَّلَاثَةَ كَائِنًا مَا كَانَ وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ يُقَاسُ عَلَى هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي وَرَدَتْ بِهَا الْأَدِلَّةُ غَيْرُهَا فَيَلْحَقُ الْمَيِّتَ كُلُّ شَيْءٍ فَعَلَهُ غَيْرُهُ
وَقَالَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ : إنَّ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ } وَقِيلَ الْإِنْسَانُ أُرِيدَ بِهِ الْكَافِرُ ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَلَهُ مَا سَعَى إخْوَانُهُ ، وَقِيلَ لَيْسَ لَهُ مِنْ طَرِيقِ الْعَدْلِ وَهُوَ لَهُ مِنْ طَرِيقِ الْفَضْلِ ، وَقِيلَ اللَّامُ بِمَعْنَى عَلَى كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { وَلَهُمْ اللَّعْنَةُ } أَيْ وَعَلَيْهِمْ انْتَهَى

.
( السَّبَبُ السَّادِسُ ) : شَفَاعَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرُهُ فِي أَهْلِ الذُّنُوبِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ:
كَمَا قَدْ تَوَاتَرَتْ عَنْهُ أَحَادِيثُ الشَّفَاعَةِ مِثْلَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : « شَفَاعَتِى لأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِى »(1)
__________
(1) - سنن أبى داود برقم(4741 )صحيح
عون المعبود - (ج 10 / ص 259)
( شَفَاعَتِي ) قَالَ اِبْن رَسْلَان : لَعَلَّ هَذِهِ الْإِضَافَة بِمَعْنَى " أَلْ " الَّتِي لِلْعَهْدِ ، وَالتَّقْدِير الشَّفَاعَة الَّتِي أَعْطَانِيهَا اللَّه تَعَالَى وَوَعَدَنِي بِهَا لِأُمَّتِي اِدَّخَرْتهَا
( لِأَهْلِ الْكَبَائِر مِنْ أُمَّتِي ) أَيْ الَّذِينَ اِسْتَوْجَبُوا النَّار بِذُنُوبِهِمْ الْكَبَائِر فَلَا يَدْخُلُونَ بِهَا النَّار ، وَأُخْرِج بِهَا مَنْ أَدْخَلْته كَبَائِر ذُنُوبه النَّار مِمَّنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه مُحَمَّد رَسُول اللَّه . كَذَا فِي السِّرَاج الْمُنِير .
وَقَالَ الطِّيبِيُّ : أَيْ شَفَاعَتِي الَّتِي تُنْجِي الْهَالِكِينَ مُخْتَصَّة بِأَهْلِ الْكَبَائِر .
قَالَ النَّوَوِيّ : قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه مَذْهَب أَهْل السُّنَّة جَوَاز الشَّفَاعَة عَقْلًا وَوُجُوبهَا سَمْعًا لِصَرِيحِ قَوْله تَعَالَى { يَوْمئِذٍ لَا تَنْفَع الشَّفَاعَة إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَن وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا } وَقَدْ جَاءَتْ الْآثَار الَّتِي بَلَغَتْ بِمَجْمُوعِهَا التَّوَاتُر لِصِحَّةِ الشَّفَاعَة فِي الْآخِرَة ، وَأَجْمَعَ السَّلَف الصَّالِحُونَ وَمَنْ بَعْدهمْ مِنْ أَهْل السُّنَّة عَلَيْهَا ، وَمَنَعَتْ الْخَوَارِج وَبَعْض الْمُعْتَزِلَة مِنْهَا وَتَعَلَّقُوا بِمَذَاهِبِهِمْ فِي تَخْلِيد الْمُذْنِبِينَ فِي النَّار بِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَمَا تَنْفَعهُمْ شَفَاعَة الشَّافِعِينَ } وَبِقَوْلِهِ سُبْحَانه { مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيم وَلَا شَفِيع يُطَاع } وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْآيَتَيْنِ فِي الْكُفَّار ، وَالْمُرَاد بِالظُّلْمِ الشِّرْك . وَأَمَّا تَأْوِيلهمْ أَحَادِيث الشَّفَاعَة بِكَوْنِهَا فِي زِيَادَة الدَّرَجَات فَبَاطِل ، وَأَلْفَاظ الْأَحَادِيث صَرِيحَة فِي بُطْلَان مَذْهَبهمْ وَإِخْرَاج مَنْ اِسْتَوْجَبَ النَّار اِنْتَهَى .
وفي تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 227)
قَالَ الْمَنَاوِيُّ فِي التَّيْسِيرِ : الْإِضَافَةُ بِمَعْنَى " الْ " الْعَهْدِيَّةِ ، أَيْ الشَّفَاعَةُ الَّتِي وَعَدَنِي اللَّهُ بِهَا اِدَّخَرْتهَا
( لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي ) أَيْ لِوَضْعِ السَّيِّئَاتِ وَالْعَفْوِ عَنْ الْكَبَائِرِ . وَأَمَّا الشَّفَاعَةُ لِرَفْعِ الدَّرَجَاتِ فَلِكُلٍّ مِنْ الْأَتْقِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَذَلِكَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ أَهْلِ الْمِلَّةِ . وَقَالَ الطِّينِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : أَيْ شَفَاعَتِي الَّتِي تُنْجِي الْهَالِكِينَ مُخْتَصَّةٌ بِأَهْلِ الْكَبَائِرِ . قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : مَذْهَبُ أَهْلِ السَّنَةِ جَوَازُ الشَّفَاعَةِ عَقْلًا وَوُجُوبُهَا سَمْعًا بِصَرِيحِ قَوْلِهِ تَعَالَى : { يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا } . وَقَوْلُهُ تَعَالَى : { لَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنْ اِرْتَضَى } وَأَمْثَالُهُمَا . وَبِخَبَرِ الصَّادِقِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ جَاءَتْ الْآثَارُ الَّتِي بَلَغَتْ بِمَجْمُوعِهَا التَّوَاتُرُ بِصِحَّةِ الشَّفَاعَةِ فِي الْآخِرَةِ لِمُذْنِبِي الْمُؤْمِنِينَ ، وَأَجْمَعَ السَّلَفُ الصَّالِحُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَيْهَا ، وَمُنِعَتْ الْخَوَارِجُ وَبَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ مِنْهَا وَتَعَلَّقُوا بِمَذَاهِبِهِمْ فِي تَخْلِيدِ الْمُذْنِبِينَ فِي النَّارِ ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ } وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى : { مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ } . وَهَذِهِ الْآيَاتُ فِي الْكُفَّارِ وَأَمَّا تَأْوِيلُهُمْ أَحَادِيثَ الشَّفَاعَةِ بِكَوْنِهَا فِي زِيَادَةِ الدَّرَجَاتِ فَبَاطِلٌ وَأَلْفَاظُ الْأَحَادِيثِ صَرِيحَةٌ فِي بُطْلَانِ مَذْهَبِهِمْ وَإِخْرَاجِ مَنْ اِسْتَوْجَبَ النَّارَ لَكِنْ الشَّفَاعَةُ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ :
[ أَوَّلُهَا ] : مُخْتَصَّةٌ بِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ وَهِيَ الْإِرَاحَةُ مِنْ هَوْلِ الْمَوْقِفِ وَتَعْجِيلِ الْحِسَابِ .
[ الثَّانِيَةُ ] : فِي إِدْخَالِ قَوْمٍ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ ، وَهَذِهِ أَيْضًا وَرَدَتْ لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ .
[ الثَّالِثَةُ ] : الشَّفَاعَةُ لِقَوْمٍ اِسْتَوْجَبُوا النَّارَ فَيَشْفَعُ فِيهِمْ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ يَشَاءُ اللَّهُ تَعَالَى .
[ الرَّابِعَةُ ] : فِي مَنْ دَخَلَ النَّارَ مِنْ الْمُذْنِبِينَ ، فَقَدْ جَاءَتْ الْأَحَادِيثُ بِإِخْرَاجِهِمْ مِنْ النَّارِ بِشَفَاعَةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَلَائِكَةِ وَإِخْوَانِهِمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ يُخْرِجُ اللَّهُ تَعَالَى كُلَّ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ : لَا يَبْقَى فِيهَا إِلَّا الْكَافِرُونَ .
[ الْخَامِسَةُ ] : الشَّفَاعَةُ فِي زِيَادَةِ الدَّرَجَاتِ فِي الْجَنَّةِ لِأَهْلِهَا اِنْتَهَى .

.
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :« خُيِّرْتُ بَيْنَ الشَّفَاعَةِ أَوْ يَدْخُلَ نِصْفُ أُمَّتِى الْجَنَّةَ فَاخْتَرْتُ الشَّفَاعَةَ لأَنَّهَا أَعَمُّ وَأَكْفَى أَتَرَوْنَهَا لِلْمُنَقَّيْنَ لاَ وَلَكِنَّهَا لِلْمُتَلَوِّثِينَ الْخَطَّاءُونَ »(1)
__________
(1) - مسند أحمد برقم( 5581)عن ابن عمر وسنن ابن ماجه برقم( 4453 ) عن أبي موسى وهو صحيح لغيره
وفي مسند أحمد برقم(20145) َ عَنْ أَبِى مُوسَى أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَحْرُسُهُ أَصْحَابُهُ فَقُمْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَلَمْ أَرَهُ فِى مَنَامِهِ فَأَخَذَنِى مَا قَدُمَ وَمَا حَدَثَ فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ فَإِذَا أَنَا بِمُعَاذٍ قَدْ لَقِىَ الَّذِى لَقِيتُ فَسَمِعْنَا صَوْتاً مِثْلَ هَزِيزِ الرَّحَا فَوَقَفْنَا عَلَى مَكَانِهِمَا فَجَاءَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ قِبَلِ الصَوْتِ فَقَالَ « هَلْ تَدْرُونَ أَيْنَ كُنْتُ وَفِيمَ كُنْتُ أَتَانِى آتٍ مِنْ رَبِّى عَزَّ وَجَلَّ فَخَيَّرَنِى بَيْنَ أَنْ يَدْخُلَ نِصْفُ أُمَّتِى الْجَنَّةَ وَبَيْنَ الشَّفَاعَةِ فَاخْتَرْتُ الشَّفَاعَةَ ». فَقَالاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَجْعَلَنَا فِى شَفَاعَتِكَ. فَقَالَ « أَنْتُمْ وَمَنْ مَاتَ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئاً فِى شَفَاعَتِى » صحيح .
حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 8 / ص 162)
( أَتَرَوْنَهَا ) أَيْ تِلْكَ الشَّفَاعَة الَّتِي خُيِّرْت بَيْنهَا وَبَيْن دُخُول نِصْف الْأُمَّة الْجَنَّة لَيْسَتْ هِيَ لِلْمُتَّقِينَ وَإِنَّمَا هِيَ لِلْمُذْنِبِينَ وَيُحْتَمَل أَنَّ الْمُرَاد أَتَرَوْنَ الشَّفَاعَة مَخْصُوصَة لِلْمُتَّقِينَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا هِيَ شَامِلَة لِلْمُذْنِبِينَ
وفي موسوعة خطب المنبر - (ج 1 / ص 1676)
شفاعاته صلى الله عليه وسلم
رضا بن محمد السنوسي
مكة المكرمة
أحبابنا في الله: أخرج مسلم: (202) في صحيحه بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال أن النبي تلا قول الله عز وجل في إبراهيم: رَبّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِى فَإِنَّهُ مِنّى وَمَنْ عَصَانِى فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [إبراهيم:26]. وقال عيسى عليه السلام: إِن تُعَذّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة:118]. فرفع يديه، وقال: ((اللهم أمتي أمتي))، وبكى، فقال الله عز وجل: يا جبريل، اذهب إلى محمد - وربك أعلم - فسله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام فسأله، فأخبره رسول الله بما قال - وهو أعلم - فقال الله: يا جبريل، اذهب إلى محمد، فقل: إنا سنرضيك في أمتك، ولا نسوؤك.
الحمد لله على نعمة الإسلام، والحمد لله أن جعلنا من أمة خير الأنام، نعم إن الله سيرضيه في أمته، ولا يسوؤه، وذلك فضل الله، تفضل به على هذا الحبيب وعلى أمته، وذلك يكون بشفاعته التي تنال أمته ، وهي أنواع عدة ذكرها أهل العلم في ذلك، فمنها شفاعته أن يؤذن لجميع المؤمنين في دخول الجنة، فإنه أول داخل لها.
أخرج مسلم: (196) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي : ((أنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة، وأنا أول من يقرع باب الجنة)). وفي رواية لمسلم: (197) ((فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد، فيقول: بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك)). اللهم أدخلنا الجنة في زمرته.
ومن شفاعته شفاعته في أهل الكبائر من أمته ممن دخل النار، فيخرجون منها، وقد تواترت الأحاديث على ذلك، روى المنذري: (5340) بإسناد حسن عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي قال: ((خيرت بين الشفاعة أو يدخل نصف أمتي الجنة، فاخترت الشفاعة))؛ لأنها أعم وأكفى، أما إنها ليست للمؤمنين المتقين، ولكنها للمذنبين الخطائين المتلوثين، وفي الحديث: ((شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي)) [أخرجه أحمد].
وصفة ذلك أن رسول الله يشفع إلى مولانا الرحيم الكريم في أن يخرج من النار أمته الذين قد دخلوها، فيأذن الله له في ذلك، أخرج البخاري بسنده: (7440)، عن أنس بن مالك رضي الله عنه في حديث طويل، منه قال : ((فأستأذن على ربي في داره، فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجداً، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، فيقول: ارفع محمد، وقل تسمع، واشفع تشفع، وسل تعط، قال: فأرفع رأسي، فأثني على ربي بثناء وتحميد يُعلمنيه، قال: ثم أشفع، فيحد لي حداً، فأخرج فأدخلهم الجنة))، وقال قتادة: ((فأخرج، فأخرجهم من النار، وأدخلهم الجنة، ثم أعود الثالثة، فأستأذن على ربي في داره، فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجداً، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، فيقول: ارفع محمد، وقل تسمع، واشفع تشفع، وسل تعطه، قال: فأرفع رأسي، فأثني على ربي بثناء وتحميد يُعلمنيه، قال: ثم أشفع، فيُحد لي حداً، فأخرج، فأخرجهم من النار، وأدخلهم الجنة، حتى ما يبقى في النار إلا من حبسه القرآن)) أي وجب عليه الخلود، الحديث. حتى أنه من كثرة شفاعته يقول له خازن النار: يا محمد ما تركت لغضب ربك في أمتك من نقمة. [الترغيب: 5337].
هكذا يشفع لأمته، إنه الرحمة المهداة، صلوات الله وسلامه عليه حتى أن الله يناديه: أرضيت يا محمد، روى المنذري: (5338) بإسناد حسن عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((أشفع لأمتي حتى يناديني ربي تبارك وتعالى، فيقول: أقد رضيت يا محمد؟ فأقول: أي رب، رضيت)).
ومن شفاعته في ذلك اليوم شفاعته لعمه أبي طالب، أخرج مسلم في صحيحه: (212) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله قال: ((أهون أهل النار عذاباً أبو طالب، وهو منتعل بنعلين، يغلي منهما دماغه)).
وفي ذلك اليوم العظيم تتوالى الشفاعات رحمة من الله بعباده، يقول : ((يشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء، ثم العلماء، ثم الشهداء)) [رواه ابن ماجه: 4313].
وأخرج أحمد بإسناد حسن عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: ((ليدخلن الجنة بشفاعة رجل ليس بنبي مثل الحيين ربيعة ومضر))، فقال رجل: يا رسول الله، أو ما ربيعة من مضر، قال: ((إنما أقول ما أقول)).
وما زالت الشفاعة في ذلك اليوم حتى يتفضل الرحمن الرحيم، الحنان المنان، الرؤوف الرحيم - سبحانه - فيخرج من النار أناس قد استحقوا العذاب، فيدخلهم الجنة برحمته.
أخرج مسلم: (183) بسنده عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه - في حديث طويل - قال رسول الله : ((حتى إذا خلص المؤمنون من النار، فوالذي نفسي بيده، ما منكم من أحد بأشد مناشدة لله في استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار، يقولون: ربنا كانوا يصومون معنا، ويصلون، ويحجون، فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم فتُحرم صورهم على النار، فيُخرجون خلقاً كثيراً، قد أخذت النار إلى نصف ساقيه، وإلى ركبتيه، ثم يقولون: ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به، فيقول: ارجعوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقاً كثيراً، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها أحداً ممن أمرتنا، ثم فيقول: ارجعوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقاً كثيراً، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها أحداً ممن أمرتنا، ثم يقول: ارجعوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقاً كثيراً، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها خيراً، فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار، فيُخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط، قد عادوا حمماً، فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة، يقال له نهر الحياة، فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل)) الحديث، إلى قوله : ((يعرفهم أهل الجنة، هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه)).
فاتقوا الله - عباد الله - واسلكوا نهج نبيكم حتى تكتب لكم السعادة والجنات، اللهم أدخلنا الجنة بسلام، وتفضل علينا بباب الريان، واشملنا برحمتك وعفوك وعتقك من النيران، اللهم أصلحنا قبل الموت، وارحمنا عند الموت، واغفر لنا بعد الموت. أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً. . . أما بعد:
إخوة الإسلام:
أسعد الناس بشفاعة رسول الله من مات على الإسلام، أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ فقال رسول الله : ((لقد ظننت - يا أبا هريرة - أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أولى منك؛ لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أو نفسه)).
اللهم أحينا على لا إله إلا الله، وتوفنا عليها، واجعلها آخر كلامنا من الدنيا.

.
( السَّبَبُ السَّابِعُ ) : الْمَصَائِبُ الَّتِي يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهَا الْخَطَايَا فِي الدُّنْيَا:
كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : « مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا ، إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ » (1).
( السَّبَبُ الثَّامِنُ ) : مَا يَحْصُلُ فِي الْقَبْرِ مِنْ الْفِتْنَةِ(2)
__________
(1) - صحيح البخارى برقم(5641 ) وصحيح مسلم برقم(6733 )
النَّصب : التعب =الوصب : الألم والسقم الدائم
تحفة الأحوذي - (ج 3 / ص 25)
ظَاهِرُهُ تَعْمِيمُ جَمِيعِ السَّيِّئَاتِ لَكِنَّ الْجُمْهُورَ خَصُّوا ذَلِكَ بِالصَّغَائِرِ لِحَدِيثِ : الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ كَفَّارَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِرُ . فَحَمَلُوا الْمُطْلَقَاتِ الْوَارِدَةَ فِي التَّفْكِيرِ عَلَى هَذَا الْمُقَيَّدِ .
شرح ابن بطال - (ج 17 / ص 464)
قال كثير من أهل التأويل فى قوله تعالى: (من يعمل سوءًا يجز به) معناه أن المسلم يجزى بمصائب الدنيا فتكون له كفارة، روى هذا أبى بن كعب وعائشة ومجاهد، وروى عن الحسن وابن زيد أنه فى الكفار خاصة، وحديث عائشة وأبى سعيد وأبى هريرة يشهد بصحة القول الأول، وروى عن ابن مسعود أنه قال: الوجع لا يكتب به الأجر ولكن تكفر به الخطيئة.
فإن قيل: إن ظاهرة هذه الآثار يدل على أن المريض إنما يحط عنه بمرضه السيئات فقط دون زيادة. وقد ذكر البخارى فى كتاب الجهاد فى باب يكتب للمسافر ماكان يعمل فى الإقامة فى حديث أبى موسى عن النبى عليه السلام أنه قال: « إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا » وظاهرة مخالف لآثار هذا الباب لأن فى حديث أبى موسى أنه يزاد على التكفير. قيل له: ليس ذلك بخلاف وإنما هو زيادة بيان على آثار هذا الباب التى جاءت بتكفير الخطايا بالوجع لكل مؤمن لقوله عليه السلام: « مايصيب المؤمن من وصب ولا نصب فعم جميع المؤمنين » .
وفى حديث أبى موسى معنى آخر وهو أنه من كانت له عادة من عمل صالح ومنعه الله منه بالمرض أو السفر وكانت نبيته لو كان صحيحًا أو مقيمًا أن يدوم عليه ولايقطعه، فإن الله تعالى يتفضل عليه بأن يكتب له ثوابه، فأما من لم له تنفل ولاعمل صالح فلا يدخل فى معنى الحديث لأنه لم يكن يعمل فى صحته أو لإقامته مايكتب له فى مرضه وسفره، فحديث أبى موسى المراد به الخصوص، وأحاديث هذا الباب المراد بها العموم.
شرح رياض الصالحين لابن عثيمين - (ج 1 / ص 121)
في حديث أبي سعيد وأبي هريرة وابن مسعود رضي الله عنهم أجمعين فيه دليل على أن الإنسان يكفر عنه بما يصيبه من الهم والنصب والغم وغير ذلك وهذا من نعمة الله سبحانه وتعالى يبتلي سبحانه وتعالى عبده بالمصائب وتكون تكفيراً لسيئاته وحطا لذنوبه والإنسان في هذه الدنيا لا يمكن أن يبقى مسروراً دائما بل هو يوم يسر ويوم يحزن ويوم يأتيه شيء ويوم لا يأتيه فهو مصاب بمصائب في نفسه ومصائب في بدنه ومصائب في مجتمعه ومصائب في أهله ولا تحصى المصائب التي تصيب الإنسان ولكن المؤمن أمره كله خير إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له فإذا أصبت بالمصيبة فلا تظن أن هذا الهم الذي يأتيك أو هذا الألم الذي يأتيك ولو كان شوكة لا تظن أنه يذهب سدى بل ستعوض عنه خيراً منه ستحط عنك الذنوب كما تحط الشجرة ورقها وهذا من نعمة الله .
وإذا زاد الإنسان على ذلك الصبر الاحتساب أي احتساب الأجر كان له مع هذا أجر فالمصائب تكون على وجهين: 1 - تارة إذا أصيب الإنسان تذكر الأجر واحتسب هذه المصيبة على الله فيكون فيها فائدتان تكفير الذنوب وزيادة الحسنات .
2 - وتارة يغفل عن هذا فيضيق صدره ويغفل عن نية الاحتساب والأجر على الله فيكون في ذلك تكفير لسيئاته إذا هو رابح على كل حال في هذه المصائب التي تأتيه فإما أن يربح تكفير السيئات وحط الذنوب بدون أن يحصل له أجر لأنه لم ينو شيئاً ولم يصبر ولم يحتسب الأجر وإما أن يربح شيئين كما تقدم .
ولهذا ينبغي للإنسان إذا أصيب ولو بشوكة فليتذكر الاحتساب من الله على هذه المصيبة وهذا من نعمة الله سبحانه وتعالى وجوده وكرمه حيث يبتلي المؤمن ثم يثيبه على هذه البلوى أو يكفر عنه سيئاته فالحمد لله رب العالمين .
(2) - صحيح البخارى برقم(1373) عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِى بَكْرٍ - رضى الله عنهما - تَقُولُ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَطِيبًا فَذَكَرَ فِتْنَةَ الْقَبْرِ الَّتِى يَفْتَتِنُ فِيهَا الْمَرْءُ ، فَلَمَّا ذَكَرَ ذَلِكَ ضَجَّ الْمُسْلِمُونَ ضَجَّةً .
وفي صحيح البخارى برقم(6376 )عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ خَالَتِهِ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَتَعَوَّذُ « اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْغِنَى ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْفَقْرِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ »

وَالضَّغْطَةِ (1)وَالرَّوْعَةِ (2)
__________
(1) - وفي مشكل الآثار برقم( 234 ) عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ : " إنَّ لِلْقَبْرِ لَضَغْطَةً لَوْ كَانَ أَحَدٌ نَاجِيًا مِنْهَا نَجَا مِنْهَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ " وهو صحيح
(2) - مسند أحمد برقم(19121)عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى جِنَازَةٍ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى الْقَبْرِ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرَ وَهُوَ يُلْحَدُ لَهُ فَقَالَ « أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ». ثَلاَثَ مِرَارٍ ثُمَّ قَالَ « إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِى إِقْبَالٍ مِنَ الآخِرَةِ وَانْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا تَنَزَّلَتْ إِلَيْهِ الْمَلاَئِكَةُ كَأَنَّ عَلَى وُجُوهِهِمُ الشَّمْسَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَفَنٌ وَحَنُوطٌ فَجَلَسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ حَتَّى إِذَا خَرَجَ رُوحُهُ صَلَّى عَلَيْهِ كُلُّ مَلَكٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَكُلُّ مَلَكٍ فِى السَّمَاءِ وَفُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَابٍ إِلاَّ وَهُمْ يَدْعُونَ اللَّهَ أَنْ يُعْرَجَ بِرُوحِهِ مِنْ قِبَلِهِمْ فَإِذَا عُرِجَ بِرُوحِهِ قَالُوا رَبِّ عَبْدُكَ فُلاَنٌ فَيَقُولُ أَرْجِعُوهُ فَإِنِّى عَهِدْتُ إِلَيْهِمْ أَنِّى مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى. قَالَ فَإِنَّهُ يَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِ أَصْحَابِهِ إِذَا وَلَّوْا عَنْهُ فَيَأْتِيهِ آتٍ فَيَقُولُ مَنْ رَبُّكَ مَا دِينُكَ مَنْ نَبِيُّكَ فَيَقُولُ رَبِّىَ اللَّهُ وَدِينِىَ الإِسْلاَمُ وَنَبِيِّى مُحَمَّدٌ فَيَنْتَهِرُهُ فَيَقُولُ مَنْ رَبُّكَ مَا دِينُكَ مَنْ نَبِيُّكَ وَهِىَ آخِرُ فِتْنَةٍ تُعْرَضُ عَلَى الْمُؤْمِنِ فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِى الآخِرَةِ) فَيَقُولُ رَبِّىَ اللَّهُ وَدِينِىَ الإِسْلاَمُ وَنَبِيِّى مُحَمَّدٌ فَيَقُولُ لَهُ صَدَقْتَ ثُمَّ يَأْتِيهِ آتٍ حَسَنُ الْوَجْهِ طَيِّبُ الرِّيحِ حَسَنُ الثِّيَابِ فَيَقُولُ أَبْشِرْ بِكَرَامَةٍ مِنَ اللَّهِ وَنَعِيمٍ مُقِيمٍ. فَيَقُولُ وَأَنْتَ فَبَشَّرَكَ اللَّهُ بِخَيْرٍ مَنْ أَنْتَ فَيَقُولُ أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ كُنْتَ وَاللَّهِ سَرِيعاً فِى طَاعَةِ اللَّهِ بَطِيئاً عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَجَزَاكَ اللَّهُ خَيْراً . ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنَ الْجَنَّةِ وَبَابٌ مِنَ النَّارِ فَيُقَالُ هَذَا كَانَ مَنْزِلُكَ لَوْ عَصَيْتَ اللَّهَ أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ هَذَا فَإِذَا رَأَى مَا فِى الْجَنَّةِ قَالَ رَبِّ عَجِّلْ قِيَامَ السَّاعَةِ كَيْمَا أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِى وَمَالِى. فَيُقَالُ لَهُ اسْكُنْ وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِى انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنَ الآخِرَةِ نَزَلَتْ عَلَيْهِ مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ فَانْتَزَعُوا رُوحَهُ كَمَا يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ الْكَثِيرُ الشِّعْبِ مِنَ الصُّوفِ الْمُبْتَلِّ وَتُنْزَعُ نَفْسُهُ مَعَ الْعُرُوقِ فَيَلْعَنُهُ كُلُّ مَلَكٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَكُلُّ مَلَكٍ فِى السَّمَاءِ وَتُغْلَقُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَابٍ إِلاَّ وَهُمْ يَدْعُونَ اللَّهَ أَنْ لاَ تَعْرُجَ رُوحُهُ مِنْ قِبَلِهِمْ فَإِذَا عُرِجَ بِرُوحِهِ قَالُوا رَبِّ فُلاَنٌ عَبْدُكَ. قَالَ أَرْجِعُوهُ فَإِنِّى عَهِدْتُ إِلَيْهِمْ أَنِّى مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى. قَالَ فَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِ أَصْحَابِهِ إِذَا وَلَّوْا عَنْهُ - قَالَ - فَيَأْتِيهِ آتٍ فَيَقُولُ مَنْ رَبُّكَ مَا دِينُكَ مَنْ نَبِيُّكُ فَيَقُولُ لاَ أَدْرِى. فَيَقُولُ لاَ دَرَيْتَ وَلاَ تلَوْتَ. وَيَأْتِيهِ آتٍ قَبِيحُ الْوَجْهِ قَبِيحُ الثِّيَابِ مُنْتِنُ الرِّيحِ فَيَقُولُ أَبْشِرْ بِهَوَانٍ مِنَ اللَّهِ وَعَذَابٍ مُقِيمٍ. فَيَقُولُ وَأَنْتَ فَبَشَّرَكَ اللَّهُ بِالشَّرِّ مَنْ أَنْتَ فَيَقُولُ َنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ كُنْتَ بَطِيئاً عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ سَرِيعاً فِى مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَجَزَاكَ اللَّهُ شَرًّا ثُمَّ يُقَيَّضُ لَهُ أَعْمَى أَصَمُّ أَبْكَمُ فِى يَدِهِ مِرْزَبَّةٌ لَوْ ضُرِبَ بِهَا جَبَلٌ كَانَ تُرَاباً فَيَضْرِبُهُ ضَرْبَةً حَتَّى يَصِيرَ تُرَاباً ثُمَّ يُعِيدُهُ اللَّهُ كَمَا كَانَ فَيَضْرِبُهُ ضَرْبَةً أُخْرَى فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهُ كُلُّ شَىْءٍ إِلاَّ الثَّقَلَيْنِ ». قَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنَ النَّارِ وَيُمَهَّدُ مِنْ فُرُشِ النَّارِ. وهو صحيح
تلوت : قرأت =الحنوط : ما يخلط من الطيب بأكفان الموتى =السفود : حديدة ذات شعب معقفة

:
فَإِنَّ هَذَا مِمَّا يُكَفَّرُ بِهِ الْخَطَايَا .
( السَّبَبُ التَّاسِعُ ) : أَهْوَالُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَكَرْبُهَا وَشَدَائِدُهَا (1)
__________
(1) - صحيح البخارى برقم(7510 ) عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مَاجَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ فِى بَعْضٍ فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ . فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِإِبْرَاهِيمَ فَإِنَّهُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ . فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُوسَى فَإِنَّهُ كَلِيمُ اللَّهِ . فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِعِيسَى فَإِنَّهُ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ . فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - فَيَأْتُونِى فَأَقُولُ أَنَا لَهَا . فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّى فَيُؤْذَنُ لِى وَيُلْهِمُنِى مَحَامِدَ أَحْمَدُهُ بِهَا لاَ تَحْضُرُنِى الآنَ ، فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ وَأَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ ، وَسَلْ تُعْطَ ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ . فَأَقُولُ يَا رَبِّ أُمَّتِى أُمَّتِى . فَيُقَالُ انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ شَعِيرَةٍ مِنْ إِيمَانٍ . فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ ثُمَّ أَعُودُ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ ، وَسَلْ تُعْطَ ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ ، فَأَقُولُ يَا رَبِّ أُمَّتِى أُمَّتِى . فَيُقَالُ انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مِنْهَا مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ أَوْ خَرْدَلَةٍ مِنْ إِيمَانٍ . فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ ثُمَّ أَعُودُ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ ، وَسَلْ تُعْطَ ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ . فَأَقُولُ يَا رَبِّ أُمَّتِى أُمَّتِى . فَيَقُولُ انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى مِثْقَالِ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ ، فَأَخْرِجْهُ مِنَ النَّارِ . فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ » . فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ أَنَسٍ قُلْتُ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا لَوْ مَرَرْنَا بِالْحَسَنِ وَهْوَ مُتَوَارٍ فِى مَنْزِلِ أَبِى خَلِيفَةَ فَحَدَّثَنَا بِمَا حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ، فَأَتَيْنَاهُ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَأَذِنَ لَنَا فَقُلْنَا لَهُ يَا أَبَا سَعِيدٍ جِئْنَاكَ مِنْ عِنْدِ أَخِيكَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَلَمْ نَرَ مِثْلَ مَا حَدَّثَنَا فِى الشَّفَاعَةِ ، فَقَالَ هِيهِ ، فَحَدَّثْنَاهُ بِالْحَدِيثِ فَانْتَهَى إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ فَقَالَ هِيهِ ، فَقُلْنَا لَمْ يَزِدْ لَنَا عَلَى هَذَا . فَقَالَ لَقَدْ حَدَّثَنِى وَهْوَ جَمِيعٌ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً فَلاَ أَدْرِى أَنَسِىَ أَمْ كَرِهَ أَنْ تَتَّكِلُوا . قُلْنَا يَا أَبَا سَعِيدٍ فَحَدِّثْنَا ، فَضَحِكَ وَقَالَ خُلِقَ الإِنْسَانُ عَجُولاً مَا ذَكَرْتُهُ إِلاَّ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُحَدِّثَكُمْ حَدَّثَنِى كَمَا حَدَّثَكُمْ بِهِ قَالَ « ثُمَّ أَعُودُ الرَّابِعَةَ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ يُسْمَعْ ، وَسَلْ تُعْطَهْ ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ . فَأَقُولُ يَا رَبِّ ائْذَنْ لِى فِيمَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ . فَيَقُولُ وَعِزَّتِى وَجَلاَلِى وَكِبْرِيَائِى وَعَظَمَتِى لأُخْرِجَنَّ مِنْهَا مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ »
وفي مسند أحمد برقم(2595)ٍ عَنْ أَبِى نَضْرَةَ قَالَ خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى مِنْبَرِ الْبَصْرَةِ فَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِىٌّ إِلاَّ لَهُ دَعْوَةٌ قَدْ تَنَجَّزَهَا فِى الدُّنْيَا وَإِنِّى قَدِ اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِى شَفَاعَةً لأُمَّتِى وَأَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ فَخْرَ وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ وَلاَ فَخْرَ وَبِيَدِى لِوَاءُ الْحَمْدِ وَلاَ فَخْرَ آدَمُ فَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِى وَلاَ فَخْرَ وَيَطُولُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ عَلَى النَّاسِ فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ انْطَلِقُوا بِنَا إِلَى آدَمَ أَبِى الْبَشَرِ فَلْيَشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا فَيَأْتُونَ آدَمَ -صلى الله عليه وسلم- فَيَقُولُونَ يَا آدَمُ أَنْتَ الَّذِى خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَأَسْكَنَكَ جَنَّتَهُ وَأَسْجَدَ لَكَ مَلاَئِكَتَهُ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا. فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا. فَيَقُولُ إِنِّى لَسْتُ هُنَاكُمْ إِنِّى قَدْ أُخْرِجْتُ مِنَ الْجَنَّةِ بِخَطِيئَتِى وَإِنَّهُ لاَ يُهِمُّنِى الْيَوْمَ إِلاَّ نَفْسِى وَلَكِنِ ائْتُوا نُوحاً رَأْسَ النَّبِيِّينَ. فَيَأْتُونَ نُوحاٌ فَيَقُولُونَ يَا نُوحُ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا. فَيَقُولُ إِنِّى لَسْتُ هُنَاكُمْ إِنِّى دَعَوْتُ بِدَعْوَةٍ أَغْرَقَتْ أَهْلَ الأَرْضِ وَإِنَّهُ لاَ يُهِمُّنِى الْيَوْمَ إِلاَّ نَفْسِى وَلَكِنِ ائْتُوا إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ اللَّهِ. فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُونَ يَا إِبْرَاهِيمُ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا . فَيَقُولُ إِنِّى لَسْتُ هُنَاكُمْ إِنِّى كَذَبْتُ فِى الإِسْلاَمِ ثَلاَثَ كِذْبَاتٍ - وَاللَّهِ إِنْ جَادَلَ بِهِنَّ إِلاَّ عَنْ دِينِ اللَّهِ قَوْلُهُ (إِنِّى سَقِيمٌ) وَقَوْلُهُ ( بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانَُوا يَنْطِقُونَ) وَقَوْلُهُ لاِمْرَأَتِهِ حِينَ أَتَى عَلَى الْمَلِكِ أُخْتِى - وَإِنَّهُ لاَ يُهِمُّنِى الْيَوْمَ إِلاَّ نَفْسِى وَلَكِنِ ائْتُوا مُوسَى الَّذِى اصْطَفَاهُ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَكَلاَمِهِ. فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُونَ يَا مُوسَى أَنْتَ الَّذِى اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَكَلَّمَكَ فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا. فَيَقُولُ لَسْتُ هُنَاكُمْ إِنِّى قَتَلْتُ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ وَإِنَّهُ لاَ يُهِمُّنِى الْيَوْمَ إِلاَّ نَفْسِى وَلَكِنِ ائْتُوا عِيسَى رُوحَ اللَّهِ وَكَلِمَتَهُ. فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا. فَيَقُولُ إِنِّى لَسْتُ هُنَاكُمْ إِنِّى اتُّخِذْتُ إِلَهاً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَإِنَّهُ لاَ يُهِمُّنِى الْيَوْمَ إِلاَّ نَفْسِى وَلَكِنْ أَرَأَيْتُمْ لَوْ كَانَ مَتَاعٌ فِى وِعَاءٍ مَخْتُومٍ عَلَيْهِ أَكَانَ يُقْدَرُ عَلَى مَا فِى جَوْفِهِ حَتَّى يُفَضَّ الْخَاتَمُ قَالَ فَيَقُولُونَ لاَ. قَالَ فَيَقُولُ إِنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَقَدْ حَضَرَ الْيَوْمَ وَقَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ ». قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « فَيَأْتُونِى فَيَقُولُونَ يَا مُحَمَّدُ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا. فَأَقُولُ أَنَا لَهَا حَتَّى يَأْذَنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يَصْدَعَ بَيْنَ خَلْقِهِ نَادَى مُنَادٍ أَيْنَ أَحْمَدُ وَأُمَّتُهُ فَنَحْنُ الآخِرُونَ الأَوَّلُونَ نَحْنُ آخِرُ الأُمَمِ وَأَوَّلُ مَنْ يُحَاسَبُ فَتُفْرِجُ لَنَا الأُمَمُ عَنْ طَرِيقِنَا فَنَمْضِى غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الطُّهُورِ فَتَقُولُ الأُمَمُ كَادَتْ هَذِهِ الأُمَّةُ أَنْ تَكُونَ أَنْبِيَاءَ كُلُّهَا. فَآتِى بَابَ الْجَنَّةِ فَآخُذُ بِحَلْقَةِ الْبَابِ فَأَقْرَعُ الْبَابَ فَيُقَالُ مَنْ أَنْتَ فَأَقُولُ أَنَا مُحَمَّدٌ. فَيُفْتَحُ لِى فَآتِى رَبِّى عَزَّ وَجَلَّ عَلَى كُرْسِيِّهِ - أَوْ سَرِيرِهِ شَكَّ حَمَّادٌ - فَأَخِرُّ لَهُ سَاجِداً فَأَحْمَدُهُ بِمَحَامِدَ لَمْ يَحْمَدْهُ بِهَا أَحَدٌ كَانَ قَبْلِى وَلَيْسَ يَحْمَدُهُ بِهَا أَحَدٌ بَعْدِى فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَسَلْ تُعْطَهْ وَقُلْ تُسْمَعْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَرْفَعُ رَأْسِى فَأَقُولُ أَىْ رَبِّ أُمَّتِى أُمَّتِى. فَيَقُولُ أَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ كَذَا وَكَذَا - لَمْ يَحْفَظْ حَمَّادٌ - ثُمَّ أَعُودُ فَأَسْجُدُ فَأَقُولُ مَا قُلْتُ فَيُقَالُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ تُسْمَعْ وَسَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَقُولُ أَىْ رَبِّ أُمَّتِى أُمَّتِى. فَيَقُولُ أَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ كَذَا وَكَذَا دُونَ الأَوَّلِ ثُمَّ أَعُودُ فَأَسْجُدُ فَأَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ فَيُقَالُ لِى ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ تَسْمَعْ وَسَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَقُولُ أَىْ رَبِّ أُمَّتِى أُمَّتِى فَيُقَالُ أَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ كَذَا وَكَذَا دُونَ ذَلِكَ »حديث حسن .
المحجل : أبيض مواضع الوضوء من اليدين -الغر : جمع الأغر وهو أبيض الوجه

.
( السَّبَبُ الْعَاشِرُ ) : رَحْمَةُ اللَّهِ وَعَفْوُهُ وَمَغْفِرَتُهُ بِلَا سَبَبٍ مِنْ الْعِبَادِ (1).
فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الذَّمَّ وَالْعِقَابَ قَدْ يُدْفَعُ عَنْ أَهْلِ الذُّنُوبِ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ الْعَشَرَةِ كَانَ دَعْوَاهُمْ أَنَّ عُقُوبَاتِ أَهْلِ الْكَبَائِرِ لَا تَنْدَفِعُ إلَّا بِالتَّوْبَةِ مُخَالِفٌ لِذَلِكَ .
فَصْلٌ : قولان متناقضان في أهل الكبائر
فَهَذَانِ الْقَوْلَانِ : قَوْلُ الْخَوَارِجِ الَّذِينَ يُكَفِّرُونَ بِمُطْلَقِ الذُّنُوبِ وَيُخَلِّدُونَ فِي النَّارِ (2)
__________
(1) - فتاوى الإسلام سؤال وجواب - (ج 1 / ص 1186) وفتاوى الإسلام سؤال وجواب - (ج 1 / ص 2446) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 8 / ص 983) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 10 / ص 686)
(2) - وفي مجموع الفتاوى - (ج 13 / ص 208)
أَوَّلُ التَّفَرُّقِ وَالِابْتِدَاعِ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ مَقْتَلِ " عُثْمَانَ " وَافْتِرَاقِ الْمُسْلِمِينَ ؛ فَلَمَّا اتَّفَقَ عَلِيٌّ وَمُعَاوِيَةُ عَلَى التَّحْكِيمِ أَنْكَرَتْ الْخَوَارِجُ وَقَالُوا لَا حُكْمَ إلَّا لِلَّهِ وَفَارَقُوا جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ ابْنَ عَبَّاسٍ فَنَاظَرَهُمْ فَرَجَعَ نِصْفُهُمْ وَالْآخَرُونَ أَغَارُوا عَلَى مَاشِيَةِ النَّاسِ وَاسْتَحَلُّوا دِمَاءَهُمْ فَقَتَلُوا ابْنَ خباب وَقَالُوا كُلُّنَا قَتَلَهُ فَقَاتَلَهُمْ عَلِيٌّ وَأَصْلُ مَذْهَبِهِمْ تَعْظِيمُ الْقُرْآنِ وَطَلَبُ اتِّبَاعِهِ لَكِنْ خَرَجُوا عَنْ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَهُمْ لَا يَرَوْنَ اتِّبَاعَ السُّنَّةِ الَّتِي يَظُنُّونَ أَنَّهَا تُخَالِفُ الْقُرْآنَ كَالرَّجْمِ وَنِصَابِ السَّرِقَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَضَلُّوا ؛ فَإِنَّ الرَّسُولَ أَعْلَمُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ قَدْ أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَجَوَّزُوا عَلَى النَّبِيِّ أَنْ يَكُونَ ظَالِمًا فَلَمْ يُنَفِّذُوا لِحُكْمِ النَّبِيِّ وَلَا لِحُكْمِ الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ بَلْ قَالُوا : إنَّ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَمَنْ وَالَاهُمَا قَدْ حَكَمُوا بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } فَكَفَّرُوا الْمُسْلِمِينَ بِهَذَا وَبِغَيْرِهِ وَتَكْفِيرُهُمْ وَتَكْفِيرُ سَائِرِ أَهْلِ الْبِدَعِ مَبْنِيٌّ عَلَى مُقَدِّمَتَيْنِ بَاطِلَتَيْنِ :
إحْدَاهُمَا : أَنَّ هَذَا يُخَالِفُ الْقُرْآنَ .
وَالثَّانِيَةُ : أَنَّ مَنْ خَالَفَ الْقُرْآنَ يَكْفُرُ وَلَوْ كَانَ مُخْطِئًا أَوْ مُذْنِبًا مُعْتَقِدًا لِلْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ .
وفي فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 3 / ص 101)
هل الخوارج كفار؟
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 18/12/1424هـ
السؤال
سؤالي حول الخوارج واعتقاد أهل السنة والجماعة بهم، هل هم كفار على العموم أم غلاتهم أم أنهم من أهل المذاهب؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد: فالخوارج الذين خرجوا على الخليفة الراشد علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه- اختلف الناس في حكمهم هل هم كفار أم لا؟ والصحابة - رضوان الله تعالى عليهم- وهم القدوة لا يكفرونهم. بل إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - والذي ناله من أذاهم ما ناله، من الخروج عليه وقتاله وتكفيرهم إياه، وفي آخر الأمر قتلهم له - رضي الله تعالى عنه - لا يرى تكفيرهم، وهذا قمة الورع والإنصاف منه - رضي الله عنه- لا كما يقوله بعض أصحاب الأهواء " نكفر من كفَّرنا" فلما سئل -رضي الله عنه- عنهم: أكفار هم؟ قال : من الكفر فروا . قيل له : فمنافقون ؟ قال : إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً - يعني على عكس الخوارج وما عرف من كثرة عبادتهم وذكرهم لله - تعالى - . قال : فماذا يكونون؟ قال : قوم أصابتهم فتنة فعموا فيها وصموا أو كما قال - رضي الله عنه - وهذا القول طبقه عملياً علي - رضي الله تعالى عنه - ومعه الصحابة -رضي الله عنهم- فلم يعاملهم معاملة المرتدين كما كان في زمن أبي بكر - رضي الله تعالى عنهم- فلم يبدأهم بقتال ولم يجهز على جريحهم ولم يسب نساءهم ... إلخ. وهذا هو الصحيح في الحكم على الخوارج، والأحاديث التي وردت فيهم من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "بأنهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية" رواه البخاري(4351)،ومسلم (1064) من حديث أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه- وقوله -صلى الله عليه وسلم- :" كلاب أهل النار" رواه ابن ماجة(176) من حديث أبي أمامة -رضي الله عنه-، وأمره- صلى الله عليه وسلم - بقتالهم والثناء على من قتلهم أو قتلوه فيما رواه البخاري(3611)، ومسلم(1066) من حديث علي -رضي الله عنه- فهذه النصوص لا تدل على كفرهم بأعيانهم، ولا يلزم من الأمر بالقتال أن يكونوا كفاراً، وإنما هي من نصوص الوعيد الدالة على شنيع جرمهم والتحذير منه .
ومع ترجيحنا لعدم تكفيرهم فلا يعني ذلك استصغار جريمتهم وانحرافهم، ويكفي في ذلك من الدلالة على مروقهم وضلالهم وبدعتهم وانحرافهم ما أشرنا إليه آنفاً من الأحاديث الواردة في ذمهم وتوعدهم بالنار، نسأل الله العافية والسلامة .
وهذا دليل على إنصاف أهل السنة والجماعة وبعدهم عن التكفير إلا من كفرته النصوص لا كما هو ديدن بعض الطوائف في تكفير كل من خالفهم في انحرافهم . والله أعلم وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

؛ وَقَوْلُ مَنْ يُخَلِّدُهُمْ فِي النَّارِ وَيَجْزِمُ بِأَنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ لَهُمْ إلَّا بِالتَّوْبَةِ ،وَيَقُولُ: لَيْسَ مَعَهُمْ مِنْ الْإِيمَانِ شَيْءٌ لَمْ يَذْهَبْ إلَيْهِمَا أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ ، بَلْ هُمَا مِنْ الْأَقْوَالِ الْمَشْهُورَةِ عَنْ أَهْلِ الْبِدَعِ . وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَنْ وَقَفَ فِي أَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ غُلَاةِ الْمُرْجِئَةِ (1)
__________
(1) - وفي شروح الطحاوية - (ج 2 / ص 219)
، حكم أهل الكبائر والفساق والعصاة وأهل البدع من أهل القبلة ومذاهب الناس فيهم، قلنا: إن للناس في هذا مذاهب سبق استعراض المذاهب .
وإن المذهب الأول مذهب المرجئة، تنفي التكفير نفيا عاما، فتعمم النفي والسلب، فتقول: لا نكفر من أهل القبلة أحدا، وهذا قول غلاة المرجئة، ولهم شبة ومن شبههم وأدلتهم عموما نصوص الوعد . نصوص الوعد، مثل: (من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنا وإن سرق) ومثل حديث: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله) .
ومثل حديث البطاقة، وفيها: (يؤتى برجل فيخرج له تسعة وتسعين سجلا كل سجل مد البصر سيئا، ثم يخرج له بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة) ومنها أحاديث الشفاعة كحديث: (أخرجوا من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان) وحديث أبي هريرة: (أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله؟ قال من قال: لا إله إلا الله خالصا من قلبه) .
ويناقش المرجئة في قولهم: لا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب يناقش أصل مذهبهم أولا، نقول: قولكم: لا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب، يرد عليه بأمرين:
الأمر الأول : أن في أهل القبلة المنافق، أن في أهل القبلة المنافقين الذين يتظاهرون بالشهادتين، ويتجهون إلى القبلة في الصلاة والذبح، ويتظاهرون ببعض ما يمكنهم إظهاره من شعائر الإسلام، وفيهم من هو أكفر من اليهود والنصارى بالكتاب والسنة والإجماع، قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} فقولكم: لا نكفر من أهل القبلة أحدا بذنب، يلزمكم أن لا تكفروا المنافقين، والمنافقون في الدرك الأسفل من النار، هم من أهل القبلة .
ثانيا: أنه لا خلاف بين المسلمين أن الرجل لو أظهر إنكار الواجبات الظاهرة المتواترة والمحرمة، أو المحرمات الظاهرة المتواترة ونحو ذلك؛ فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل كافرا؛ لأنه أنكر أمرا معلوما من الدين بالضرورة، أنكر وجوب الصلاة أو وجوب الزكاة أو وجوب الحج، أو أنكر تحريم الزنا أو تحريم الربا، فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل كافرا، ويرد أيضا عليهم بنصوص الوعيد، فإن نصوص الوعد تدل على بقاء الإيمان معهم، ونصوص الوعيد تدل على أن الإيمان يضعف وينقص، فقولكم: لا يتأثر إيمانه، هو كامل الإيمان، باطل ترده نصوص الوعيد .
المذهب الثاني: مذهب الخوارج والمعتزلة، يطلقون التكفير، فيكفرون بالذنب، ويعتقدون ذنبا ما ليس بذنب، فإنهم يقولون: يكفر المسلم بكل ذنب، أو بكل ذنب كبير، ويرون اتباع الكتاب دون السنة التي تخالف ظاهر الكتاب، وإن كانت متواترة، ويكفرون من خالفهم، ويستحلون منه الارتداد عندهم مالا يستحلونه من الكافر الأصلي، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان) ولهذا كفروا عثمان وعليا وشيعتهم، وكفروا أهل صفين الطائفتين، في نحو ذلك من المقالات الخبيثة لهم، ومستندهم شبهتهم نصوص الوعيد، مثل حديث: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) .
فإن قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)} وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10)} ويرد عليهم أولا بنصوص الوعد التي استدل بها المرجئة، فيرد على الخوارج بنصوص الوعد التي استدل بها المرجئة، فإنها تدل على بقاء الإيمان تدل على بقاء الإيمان، وأنهم لا يكفر، كما أنه يرد على المرجئة القائلين بأنه مؤمن كامل الإيمان بنصوص الوعد التي استدل بها الخوارج، تدل على أن الإيمان يضعف وينقص، ويرد أيضا على الخوارج في تكفيرهم أهل الكبائر، نقول: إن الله أمر بقطع يد السارق دون قتله، ولو كان كافرا مرتدا لوجب قتله، ولا يقام عليه الحد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من بدل دينه فاقتلوه) وقال: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث كفر بعد إسلام وزنا بعد إحصان وقتل نفس يقتل بها) وأمر الله بجلد الزانيين وجلد القاذف، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجلد شارب الخمر، ولم يقتله، فلو كان من ارتكب الكبيرة كافرا؛ لوجب قتله، ولا تقام عليه الحدود، ويرد عليهم أيضا بالإجماع الإجماع على توريث الزاني والسارق وشارب الخمر إذا صلوا إلى القبلة وانتحلوا دعوة الإسلام من قراباتهم المؤمنين الذين ليسوا بتلك الأحوال، فلو كان الزاني والسارق وشارب الخمر كافرا لما ورث، لما ورث من أقاربهم المستقيمين، فكونهم يرثون يدل على أنهم ليسوا كفارا، كما يقول هؤلاء الخوارج، ويرد عليهم أيضا أنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لعن رجل يشرب الخمر، وكان اسمه حمارا، وكان يضحك النبي صلى الله عليه وسلم وكان كلما أتي به إليه جلده، فأتي إليه مرة فلقيه فلعنه رجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تلعنه فإنه يحب
الله ورسوله) فنهى عن لعنه في عينه، وشهد له بحب الله ورسوله مع أنه قد لعن شارب الخمر عموما (لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وعاصرها) لكن بالخصوص بعينه لا يلعن، ويرد عليهم -أيضا- بأن الله -تعالى- قال: {وَإِنْ طائفتان مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} إلى قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} وقد وصفهم الله بالإيمان والإخوة، وأمر بالإصلاح بينهم مع أنهم يقتتلون، وهذا من الكبائر، والقتال من الكبائر، فدل على أن على أن الكبيرة لا تخرجه من الإسلام .
الطائفة الثالثة: الذين يفرقون بين البدعة بين الأقوال المبتدعه بين البدعة وبين الأقوال وبين الأعمال، فيقولون: إذا ارتكب إذا ارتكب بدعة، أو قال قولا مبتدعا، فإنه يكفر أما إذا أما إذا فعل كبيرة من كبائر الذنوب، فإنه لا يكفر .
فيفرقون بين الأعمال وبين الاعتقادات البدعية، وهذا ينسب إلى طوائف من أهل الكلام والفقه والحديث، يفرقون بين الأعمال وبين الاعتقادات البدعية، فلا يكفرون الذين يعملون الكبائر ويكفرون أصحاب الاعتقادات البدعية، وإن كان صاحبها متأولا، فيقولون يكفر من قال هذا القول، يكفر من قال هذا القول لا يفرقون بين مجتهد بين مجتهد مخطئ وغيره، أو يقولون يكفر كل مبتدع، شبهتهم قالوا: إن البدعة مظنتها البدعة مظنتها النفاق والردة، فهي أصل البدع، مظنتها النفاق والردة، فهي أصل وسببه، فحملوا النصوص على هذا، وقالوا إنه إذا ارتكب بدعة أو قال قولا مبتدعا يكفر، أما إذا فعل كبيرة عملية فلا يكفر .
ويرد عليهم .
أولا أن البدع الاعتقادية من جنس الأعمال، لا فرق بينها، فإن الرجل يكون مؤمنا باطنا وظاهرا، لكن تأول تأويلا أخطأ فيه، إما مجتهدا وإما مفرطا مذنبا، فلا يقال: إن إيمانه يحبط بمجرد ذلك الاعتقاد أو العمل بغير دليل شرعي، بل هذا يوافق قول الخوارج والمعتزلة، ولا يقال: لا يكفر، بل يفرق بين المقالة والقائل .
ثانيا: أن نصوص كثيرة قد دلت على أنه يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، وهذا يشمل الاعتقادات والأعمال، ولهذا فإن مذهب أهل السنة: ألا يقال لا نكفر أحدا بذنب، ولهذا امتنع كثير من الأئمة عن إطلاق القول: بأنا لا نكفر أحدا بذنب، بل يقال: لا نكفر أحدا من أهل القبلة بكل ذنب، مناقضة لقول الخوارج الذين يكفرون بكل ذنب الذين يعممون السلب ، فيقولون يكفر بكل ذنب أو بكل ذنب كبير .
ثالثا: سلك أهل السنة مسلكا عدلا، هو الوسط ، وهو الفرق بين الأقوال والقائل المعين، فالأقوال الباطلة المبتدعة المحرمة المتضمنة نفى ما أثبته الله ما أثبته الرسول، أو إثبات ما نفاه، أو الأمر بما نهى عنه، أو النهي عما أمر به، يقال فيها الحق ويثبت لها الوعيد الذي دلت عليه النصوص، ويبين أنها كفر، ويقال من قالها فهو كافر، وهذا عام لا يعين شخصا بعينه كالقول بخلق القرآن والوعيد في الظلم في النفس والأموال، فيقال من قال بخلق القرآن، فهو كافر، وأما الشخص المعين، فلا نشهد عليه أنه من أهل الوعيد، وأنه كافر إلا بأمر تجوز معه الشهادة، كأن يعلم بأنه منافق، أو ينكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة، ويستتاب فلا يتوب؛ لأن الحكم عليه بالكفر بدون دليل من أعظم البغي، من أعظم البغي أن نشهد على معين أن الله لا يغفر له، ولا يرحمه، بل يخلده في النار، فإن هذا حكم الكافر بعد الموت، كما بوب أبو داود في سننه باب النهي عن البغي، وذكر فيه قصة الرجلين المتواخيين من بني إسرائيل أحدهما مذنب والآخر مجتهد في العبادة فالشهادة …إلى آخر الحديث، وأن المجتهد كان يأتي المذنب، ويقول: (اتق الله فرآه يوما على ذنب، فقال له: اتق الله فغضب المذنب، فقال: خلني وربي، أبعثت علي رقيبا، فقال المجتهد: والله لا يغفر الله لك، أو لا يدخلك الجنة، فاجتمعا عند رب العالمين، فقال: من ذا الذي تألى علي ألا أغفر لفلان إني قد غفرت له، وأحبطت عملك، قال أبو هريرة: تكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته) .
فالشهادة على المعين بالكفر من البغي. وثانيا: لأن الشخص المعين يمكن أن يكون مجتهدا مخطئا مغفورا له. وثالثا: يمكن أن يكون لم يبلغه ما وراء ذلك القول من النص من النصوص، فيكون معذورا لجهله بالنصوص.
ورابعا: يمكن أن يكون له إيمان عظيم وحسنات أوجبت له رحمة الله ، كما غفر الله للذي قال: (إذا مت فاسحقوني، ثم أذروني) ثم غفر الله له من خشيته، وكان يظن أن الله لا يقدر على جمعه وإعادته أو شك في ذلك .
وهذا في الصحيحين قصة الرجل الذي من بني إسرائيل الذي أمر أهله أن يحرقوه ويذروه في البحر لما حضرته الوفاة جمع أهله وأخذ عليهم العهد والميثاق أن يحرقوه ويذروه، وقال: (إن قدر الله علي ليعذبني عذابا شديدا) وفي بعض ألفاظ الحديث أنهم سحقوه وأحرقوه، وأنه قال: (ذروا بعضي في البحر وبعضي في البر، ففعلوا ذلك فأمر الله البحر فجمع ما فيه، والبر فجمع ما فيه، فقال: قم فإذا هو قائم قال الله: ما حملك على ذلك، قال: خشيتك) قال: في الحديث (فما تلافاه بل رحمه) قال العلماء: إن هذا الرجل إنما فعل ذلك عن جهل ليس معاندا ولا مكذبا ولا متعنتا، ولكن فعله عن جهل، وحمله على ذلك الخوف العظيم، أما لو أنكر البعث أو أنكر ثم أيضا، هو لم ينكر البعث، بل هو معترف مقر بالبعث، ولم ينكر قدرة الله، لكن ظن أنه إذا وصل إلى هذه الحالة وأحرق وسحق وذري في البحر والبر، إنه يفوت على الله، وإلا فهو معترف ومصدق بأنه لو ترك على حاله لبعثه الله.
وإن الله يقدر عليه، لكن هذه مسألة دقيقة خفيت عليه، ولهذا قال العلماء: وأن من أنكر أمرا دقيقا مثله يجهله؛ يكون معذور فلا يكفر في هذه الحالة، أما لو كان متعمدا أنكر البعث متعمدا عن عناد وعن تكذيب، فهذا لا شك في كفره، لكن هذا الرجل ما فعل ذلك عامدا ولا متعنتا، ولكن فعل ذلك عن جهل، وحمله عليه الخوف العظيم، فلهذا ما يحكم على الشخص المعين بالكفر إلا بعد التثبت ومعرفة حاله .
وخامسا: قد يكون حديث الإسلام، وحديث عهد بالإسلام، قد يكون نشأ في بادية بعيدة عن الإسلام، ولكن التوقف في أمر الآخرة في أهل البدع لا يمنعنا أن نعاقبه في الدنيا، لمنع بدعته وأن نستتيبه فإن تاب وإلا قتلناه، إذا كان مستحقا للقتل، ثم إذا كان القول في نفسه كفرا، قيل: إنه كفر، والقائل له يكفر إذا وجدت الشروط، وانتفت الموانع، أما معتقد أهل السنة والجماعة، فكما سبق أنهم لا يكفرون بالكبائر كما يفعل الخوارج والمعتزلة أو الخوارج، ولا يخرجونهم من الإيمان كما تفعل الخوارج، ولا يقولون: إنه كامل الإيمان كما تقول المرجئة، بل يقولون: إنه مؤمن، يثبتون له أصل الإيمان، وينفون عنه مطلق الإيمان، يثبتون أصل الإيمان، وهو مطلق الإيمان، وينفون عنه الإيمان المطلق، فيقولوا مطلق الإيمان ثابت له، والإيمان المطلق منفي عنه، فلا بد من التقييد، فيقولون هو مؤمن ناقص الإيمان، مؤمن عاص، مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، وكذلك في النفي لا ينفون عنه الإيمان، ويسكتون، بل لا بد من التفصيل ليس بصادق الإيمان، ليس بمؤمن حقا، كما هو الأدلة على هذا كثيرة من الكتاب والسنة والله أعلم.

،وَقَالَ :لَا أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ يَدْخُلُ النَّارَ هُوَ أَيْضًا مِنْ الْأَقْوَالِ الْمُبْتَدَعَةِ ؛ بَلْ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ مُتَّفِقُونَ عَلَى مَا تَوَاتَرَتْ بِهِ النُّصُوصُ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنْهَا (1).
وَأَمَّا مَنْ جَزَمَ بِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ فَهَذَا لَا نَعْرِفُهُ قَوْلًا لِأَحَدِ .
وَبَعْدَهُ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ : مَا ثَمَّ عَذَابٌ أَصْلًا وَإِنَّمَا هُوَ تَخْوِيفٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ ،وَهَذَا مِنْ أَقْوَالِ الْمَلَاحِدَةِ وَالْكُفَّارِ . وَرُبَّمَا احْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ : {لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} (16) سورة الزمر ،فَيُقَالُ لِهَذَا : التَّخْوِيفُ إنَّمَا يَكُونُ تَخْوِيفًا إذَا كَانَ هُنَاكَ مَخُوفٌ يُمْكِنُ وُقُوعُهُ بِالْمَخُوفِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَا يُمْكِنُ وُقُوعُهُ امْتَنَعَ التَّخْوِيفُ لَكِنْ يَكُونُ حَاصِلُهُ إيهَامُ الْخَائِفِينَ بِمَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ كَمَا تَوَهَّمَ الصَّبِيُّ الصَّغِيرُ .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَحْصُلُ بِهِ تَخْوِيفٌ لِلْعُقَلَاءِ الْمُمَيِّزِينَ . لِأَنَّهُمْ إذَا عَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ شَيْءٌ مَخُوفٌ زَالَ الْخَوْفُ وَهَذَا شَبِيهٌ بِمَا تَقُولُ " الْمَلَاحِدَةُ " الْمُتَفَلْسِفَةُ وَالْقَرَامِطَةُ (2)
__________
(1) - صحيح البخارى برقم(6559 ) عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النَّارِ بَعْدَ مَا مَسَّهُمْ مِنْهَا سَفْعٌ ، فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ، فَيُسَمِّيهِمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَهَنَّمِيِّينَ » . السفع : حرارة النار
وفي مسند أحمد برقم(11985)عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ وَأَبِى هُرَيْرَةَ قَالاَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « آخِرُ مَنْ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ رَجُلاَنِ يَقُولُ اللَّهُ لأَحَدِهِمَا يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَعْدَدْتَ لِهَذَا الْيَوْمِ هَلْ عَمِلْتَ خَيْراً أَوْ رَجَوْتَنِى فَيَقُولُ لاَ يَا رَبِّ. فَيُؤْمَرُ بِهِ إِلَى النَّارِ وَهُوَ أَشَدُّ أَهْلِ النَّارِ حَسْرَةً وَيَقُولُ لِلآخَرِ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَعْدَدْتَ لِهَذَا الْيَوْمِ هَلْ عَمِلْتَ خَيْراً أَوْ رَجَوْتَنِى فَيَقُولُ نَعَمْ يَا رَبِّ قَدْ كُنْتُ أَرْجُو إِذْ أَخْرَجْتَنِى أَنْ لاَ تُعِيدَنِى فِيهَا أَبَداً. فَتُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ فَيَقُولُ أَىْ رَبِّ أَقِرَّنِى تَحْتَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا وَآكُلَ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا . فَيُعَاهِدُهُ أَنْ لاَ يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا فَيُدْنِيهِ مِنْهَا ثُمَّ تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ هِىَ أَحْسَنُ مِنَ الأُولَى وَأَغْدَقُ مَاءً فَيَقُولُ أَىْ رَبِّ هَذِهِ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا أَقِرَّنِى تَحْتَهَا فَأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا وَآكُلَ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا. فَيَقُولُ يَا ابْنَ آدَمَ أَلَمْ تُعَاهِدْنِى أَنْ لاَ تَسْأَلَنِى غَيْرَهَا فَيَقُولُ أَىْ رَبِّ هَذِهِ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا.
فَيُقِرُّهُ تَحْتَهَا وَيُعَاهِدُهُ أَنْ لاَ يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا ثُمَّ تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ هِىَ أَحْسَنُ مِنَ الأُوَلَيَيْنِ وَأَغْدَقُ مَاءً فَيَقُولُ أَىْ رَبِّ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا فَأَقِرَّنِى تَحْتَهَا فَأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا وَآكُلَ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا. فَيَقُولُ ابْنَ آدَمَ أَلَمْ تُعَاهِدْنِى أَنْ لاَ تَسْأَلَنِى غَيْرَهَا فَيَقُولُ أَىْ رَبِّ هَذِهِ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا. فَيُقِرُّهُ تَحْتَهَا وَيُعَاهِدُهُ أَنْ لاَ يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا فَيَسْمَعُ أَصْوَاتَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلاَ يَتَمَالَكُ فَيَقُولُ أَىْ رَبِّ أَدْخِلْنِى الْجَنَّةَ.
فَيَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَلْ وَتَمَنَّ. وَيُلَقِّنُهُ اللَّهُ مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ فَيَسْأَلَ وَيَتَمَنَّى مِقْدَارَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ ابْنَ آدَمَ لَكَ مَا سَأَلْتَ ». قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِىُّ « وَمِثْلُهُ مَعَهُ ». قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ « وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ مَعَهُ ». ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ حَدِّثْ بِمَا سَمِعْتَ وَأُحَدِّثُ بِمَا سَمِعْتُ. وهو حسن
(2) - وفي فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 3 / ص 3745)
رقم الفتوى 16666 القرامطة...تعريفهم..ومعتقداتهم
تاريخ الفتوى : 07 ربيع الأول 1423
السؤال
من هم القرامطة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإليك ملخصاً عن القرامطة نقلاً عن كتاب (الموسوعة الميسرة).
بتصرف: هي حركة باطنية هدامة تنسب إلى حمدان بن الأشعث ويلقب " بقرمط " لقصر قامته وساقيه، ومن أهم معتقداتهم ما يلي :
- إلغاء أحكام الإسلام الأساسية كالصوم ، والصلاة ، وسائر الفرائض الأخرى.
- ويعتقدون بإبطال القول بالمعاد والعقاب، وأن الجنة هي النعيم في الدنيا، والعذاب هو: اشتغال أصحاب الشرائع بالصلاة والصيام والحج والجهاد.
- يجعلون الناس شركاء في النساء بحجة استئصال أسباب المباغضة.
- ومن تأويلاتهم أن الصيام هو الإمساك عن كشف السر، والبعث هو الاهتداء إلى مذهبهم، والنبي : هو عبارة عن شخص فاضت عليه من الإله الأول قوة قدسية صافية، والقرآن: هو تعبير محمد عن المعارف التي فاضت عليه.
- يقولون بوجود إلهين قديمين، أحدهما عله في وجود الثاني، وأن السابق خلق العالم بواسطة التالي لا بنفسه.
ويتسللون بأفكارهم الكفرية تحت شعار حب آل البيت وأنهم ظلموا، ويغررون بالدهماء الذين ينطلي عليهم الأمر.
ولمعرفة مزيد من أخبارهم يكمن مراجعة الكتب التالية :
- الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة.
- كشف أسرار الباطنية وأخبار القرامطة.
- الملل والنحل للشهرستاني.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه

وَنَحْوُهُمْ : مِنْ أَنَّ الرُّسُلَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ : خَاطَبُوا النَّاسَ بِإِظْهَارِ أُمُورٍ مِنْ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ لَا حَقِيقَةَ لَهَا فِي الْبَاطِنِ وَإِنَّمَا هِيَ أَمْثَالٌ مَضْرُوبَةٌ لِتُفْهَمَ حَالُ النَّفْسِ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ ،وَمَا أَظْهَرُوهُ لَهُمْ مِنْ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَإِنْ كَانَ لَا حَقِيقَةَ لَهُ فَإِنَّمَا يُعَلَّقُ لِمَصْلَحَتِهِمْ فِي الدُّنْيَا إذْ كَانَ لَا يُمْكِنُ تَقْوِيمُهُمْ إلَّا بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ .
وَ " هَذَا الْقَوْلُ " مَعَ أَنَّهُ مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِالضَّرُورَةِ مِنْ دِينِ الرُّسُلِ ؛ فَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَكَانَ خَوَاصُّ الرُّسُلِ الْأَذْكِيَاءِ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ وَإِذَا عَلِمُوهُ زَالَتْ مُحَافَظَتُهُمْ عَلَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، كَمَا يُصِيبُ خَوَاصَّ مَلَاحِدَةِ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَالْقَرَامِطَةِ : مِنْ الإسْماعيليَّةِ (1)
__________
(1) - وفي فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - (ج 4 / ص 13)
الباطنية
فتوى رقم (5508):
س: ما قول علماء الإسلام والفقهاء الكرام في حق فرقة الإسماعيلية - الأغاخانية - التي يسكن أفرادها في البلاد المختلفة خصوصًا في البلاد الشمالية من باكستان ، نذكر بعض معتقداتهم وأقوالهم التي تدل على عقائدهم هنا.
(1) الكلمة: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله وأشهد أن أمير المؤمنين علي الله، هذه كلمتهم مقام كلمة الإسلام كلمة التوحيد والشهادة ويسمونها بـ: الكلمة الإسلامية الحقيقة.
(2) الإمام: وهم يعتقدون أن أغاخان شاه كريم هو إمامهم، وهو مالك كل شيء من الأرض والسماء وما فيهما وما بينهما بالخير والشر، ويعتقدون أنه هو الحاكم في العالم بقضه وقضيضه.
(3) الشريعة: هم لا يرون اتباع الشريعة الإسلامية بل يعتقدون أن أغاخان هو القرآن الناطق والقرآن الحقيقي الأصلي، وهو الكعبة وهو البيت المعمور وهو المتبوع المتبع ولا يكون شيء سواه يجب اتباعه، وفي كتبهم أن ما ذكر في القرآن الظاهري من لفظ الله مصداقه الإمام أغاخان.
(4) الصلاة: هم لا يعتقدون وجوب الصلوات الخمس ويقولون بوجوب الدعوات الثلاثة مكانها.
(5) المسجد: هم يتخذون معبدًا آخر مكان المسجد ويسمونه بـ: جماعت خانة.
(6) الزكاة: هم يجحدون الزكاة الشرعية ويؤدون مكانها من جميع أصناف المال عشرها للأغاخان ويسمونه بـ: مال الواجبات - دوشوند -
(7) الصوم: ينكرون فرضية صوم رمضان.
(8) لا يقولون بفرضية حج البيت يعتقدون أن الأصل أغاخان هو الحج.
(9) السلام: لهم تحية مخصوصة مكان السلام عليكم يقولون عند اللقاء: (علي مدد) أي أعانك علي، ويقولون في جوابه: (مولى علي مدد) مكان وعليكم السلام. هذه نبذة من أقوالهم وعقائدهم، فالآن نسأل عن عدة أمور:
(1) هل هذه الفرقة من فرق الإسلامية أم من فرق الكفرية.
(2) هل يجوز أن يصلى على موتاهم صلاة الجنازة؟
(3) هل يجوز أن يدفنوا في مقابر المسلمين؟
(4) هل تجوز منكاحتهم؟
(5) هل تحل ذبيحتهم؟
(6) هل يعامل معهم معاملة المسلمين؟
نسأل منكم باسم الله العظيم أن تصدروا جواب الاستفتاء وتزيحوا الشبهات عن قلوب المسلمين؛ لأن هؤلاء الناس يبطنون عقائدهم إلى الآن ولذا سماهم المتقدمون من المشائخ بـ: الباطنية ، والآن هم أظهروا عقائدهم ويدعون الناس إليها جهرًا؛ ابتغاء إزاغة المسلمين في عقائدهم ولوجوه أخر لا نعلمها.
وفي فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 15 / ص 503)
"الإسماعيلية"
المجيب د. علي بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 24/2/1425هـ
السؤال
أرجو توضيح وموقف الشرع من طائفة تسمى "الشيعة الإمامية النزارية الإسماعيلية" وما هي معتقداتهم وأفضل طريقة لدعوتهم؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله آله وصحبه ومن اهتدى بهداه وبعد:
فإن فرقة النزارية من فرق الإسماعيلية، وتنسب إلى نزار بن المستنصر الإسماعيلي (ت:487هـ) وقد خلفه ابناه نزار الأكبر، والمستعلي فصاروا نزارية، ومستعلية، وكانت الدولة والغلبة للمستعلية الذين حكموا مصر، واليمن وغيرها ، وينتسب إلى النزارية الحشاشون الذين انتشروا بالشام وبلاد فارس وغيرها، ومن أبرز رجالهم الحسن ابن الصباح فارسي الأصل، وينتسب إلى النزارية إسماعليلية الشام ولهم دور خطير وإن لم تكن لهم دولة، ولا يزالون إلى اليوم في الشام.
عقيدتهم : عقيدة الإسماعيلية ومن أبرزها اعتقادهم بوجود إمام معصوم منصوص عليه من نسل محمد بن إسماعيل، يضيفون عليه صفات ترفعه إلى مقام الألوهية، ويخصونه بعلم الباطن، ويدفعون له خمس دخلهم، ولا يقيمون الصلاة في مساجد عامة المسلمين وصلاتهم للإمام المستور، والكعبة عندهم رمز للإمام، ويستحلون المحرمات، ويرون أن الله خلق العالم عن طريق العقل الكلي الذي هو محل لجميع الصفات الإلهية ويسمونه الحجات، وقد حل العقل في الإمام المستور.
أما الموقف من هذه الطائفة وأخواتها من طوائف الإسماعيلية. فمن الواضح كما بين العلماء أن هذه العقائد تخالف العقيدة الإسلامية جماعة وتفصيلا، وأنها عقائد كفرية، وحقيقتها هدم الإسلام، وإن كانت في الظاهر تتستر بالتشيع لآل البيت، ولذا فليست من الإسلام في شيء.
وأتباعها : يدعون إلى الإسلام ، وتبين لهم أصوله التي من خرج عنها يعد كافرا بالله وغير متبع لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتقام عليهم الحجة بتوضيح المحجة، وبيان معالم الطريق المستقيم الذي تركنا عليه نبينا -صلى الله عليه وسلم- ، وأرى أن من الضروري استغلال وسائل العصر المتاحة، ومن أهمها (الإنترنت)، والدخول معهم عبر هذه الشبكة على أن يكون المناقش له من أهل العلم والخبرة والتجربة، ومن الذين يعرفون حقيقة ما هم عليه من خلال كتبهم وأنصح بقراءة الكتب الآتية:
1. الإسماعيلية : للشيخ/ إحسان إلهي ظهير.
2. فضائح الباطنية : لأبي حامد الغزالي.
3. المؤامرة على الإسلام : أنور الجندي.
4. الحركات الباطنية في العالم الإسلامي: د. محمد الخطيب.
والله الموفق وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

وَالْنُصَيْرِيَّة (1)
__________
(1) - وفي مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 6 / ص 428)
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ رَعِيَّةِ الْبِلَادِ كَانُوا يَرَوْنَ مَذْهَبَ النصيرية ثُمَّ أَجْمَعُوا عَلَى رَجُلٍ وَاخْتَلَفَتْ أَقْوَالُهُمْ فِيهِ . فَمِنْهُمْ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ إلَهٌ وَمِنْهُمْ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَمِنْهُمْ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ - يَعْنُونَ الْمَهْدِيَّ - وَأَمَرُوا مَنْ وَجَدَهُ بِالسُّجُودِ لَهُ وَأَعْلَنُوا بِالْكُفْرِ بِذَلِكَ وَسَبِّ الصَّحَابَةِ وَأَظْهَرُوا الْخُرُوجَ عَنْ الطَّاعَةِ وَعَزَمُوا عَلَى الْمُحَارَبَةِ . فَهَلْ يَجِبُ قِتَالُهُمْ وَقَتْلُ مُقَاتَلَتِهِمْ ؟ وَهَلْ تُبَاحُ ذَرَارِيُّهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ أَمْ لَا ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ . هَؤُلَاءِ يَجِبُ قِتَالُهُمْ مَا دَامُوا مُمْتَنِعِينَ حَتَّى يَلْتَزِمُوا شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ ؛ فَإِنَّ النصيرية مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ كُفْرًا بِدُونِ اتِّبَاعِهِمْ لِمِثْلِ هَذَا الدَّجَّالِ فَكَيْفَ إذَا اتَّبَعُوا مِثْلَ هَذَا الدَّجَّالِ . وَهُمْ مُرْتَدُّونَ مِنْ أَسْوَأِ النَّاسِ رِدَّةً : تُقْتَلُ مُقَاتِلَتُهُمْ وَتَغْنَمُ أَمْوَالُهُمْ . وَسَبْيُ الذَّرِّيَّةِ فِيهِ نِزَاعٌ ؛ لَكِنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ تُسْبَى الصِّغَارُ مِنْ أَوْلَادِ الْمُرْتَدِّينَ وَهَذَا هُوَ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ سِيرَةُ الصِّدِّيقِ فِي قِتَالِ الْمُرْتَدِّينَ . وَكَذَلِكَ قَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي اسْتِرْقَاقِ الْمُرْتَدِّ : فَطَائِفَةٌ تَقُولُ : إنَّهَا تُسْتَرَقُّ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ . وَطَائِفَةٍ تَقُولُ لَا تُسْتَرَقُّ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد . وَالْمَعْرُوفُ عَنْ الصَّحَابَةِ هُوَ الْأَوَّلُ وَأَنَّهُ تُسْتَرَقُّ مِنْهُ الْمُرْتَدَّاتُ نِسَاءُ الْمُرْتَدِّينَ ؛ فَإِنَّ الْحَنَفِيَّةَ الَّتِي تَسَرَّى بِهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أُمَّ ابْنِهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ سَبْيِ بَنِي حَنِيفَةَ الْمُرْتَدِّينَ الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالصَّحَابَةُ لَمَّا بَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِي قِتَالِهِمْ . وَ " النصيرية " لَا يَكْتُمُونَ أَمْرَهُمْ ؛ بَلْ هُمْ مَعْرُوفُونَ عِنْدَ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ لَا يُصَلُّونَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَلَا يَصُومُونَ شَهْرَ رَمَضَانَ ؛ وَلَا يَحُجُّونَ الْبَيْتَ وَلَا يُؤَدُّونَ الزَّكَاةَ وَلَا يُقِرُّونَ بِوُجُوبِ ذَلِكَ وَيَسْتَحِلُّونَ الْخَمْرَ وَغَيْرَهَا مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْإِلَهَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَيَقُولُونَ : نَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا حيدرة الْأَنْزَعُ الْبَطِينُ وَلَا حِجَابَ عَلَيْهِ إلَّا مُحَمَّدٌ الصَّادِقُ الْأَمِينُ وَلَا طَرِيقَ إلَيْهِ إلَّا سَلْمَانُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُظْهِرُوا الرَّفْضَ وَأَنَّ هَذَا الْكَذَّابَ هُوَ الْمَهْدِيُّ الْمُنْتَظَرُ وَامْتَنَعُوا ؛ فَإِنَّهُمْ يُقَاتَلُونَ أَيْضًا ؛ لَكِنْ يُقَاتَلُونَ كَمَا يُقَاتَلُ الْخَوَارِجُ الْمَارِقُونَ الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَمَا يُقَاتَلُ الْمُرْتَدُّونَ الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . فَهَؤُلَاءِ يُقَاتَلُونَ مَا دَامُوا مُمْتَنِعِينَ وَلَا تُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ وَلَا تُغْنَمُ أَمْوَالُهُمْ الَّتِي لَمْ يَسْتَعِينُوا بِهَا عَلَى الْقِتَالِ . وَأَمَّا مَا اسْتَعَانُوا بِهِ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ خَيْلٍ وَسِلَاحٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَفِي أَخْذِهِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ نَهَبَ عَسْكَرُهُ مَا فِي عَسْكَرِ الْخَوَارِجِ . فَإِنْ رَأَى وَلِيُّ الْأَمْرِ أَنْ يَسْتَبِيحَ مَا فِي عَسْكَرِهِمْ مِنْ الْمَالِ كَانَ هَذَا سَائِغًا . هَذَا مَا دَامُوا مُمْتَنِعِينَ . فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِمْ ؛ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُفَرِّقَ شَمْلَهُمْ وَتُحْسَمَ مَادَّةُ شَرِّهِمْ وَإِلْزَامُهُمْ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ وَقَتْلُ مَنْ أَصَرَّ عَلَى الرِّدَّةِ مِنْهُمْ . وَأَمَّا قَتْلُ مَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ وَأَبْطَنَ كُفْرًا مِنْهُ وَهُوَ الْمُنَافِقُ الَّذِي تُسَمِّيهِ الْفُقَهَاءُ " الزِّنْدِيقُ " : فَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ يُقْتَلُ وَإِنْ تَابَ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَد فِي أَظْهَرْ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ . وَمَنْ كَانَ دَاعِيًا مِنْهُمْ إلَى الضَّلَالِ لَا يَنْكَفُّ شَرُّهُ إلَّا بِقَتْلِهِ قُتِلَ أَيْضًا ؛ وَإِنْ أَظْهَرَ التَّوْبَةَ وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ كَأَئِمَّةِ الرَّفْضِ الَّذِينَ يُضِلُّونَ النَّاسَ كَمَا قَتَلَ الْمُسْلِمُونَ غَيْلَانَ الْقَدَرِيَّ وَالْجَعْدَ بْنَ دِرْهَمٍ وَأَمْثَالَهُمَا مِنْ الدُّعَاةِ . فَهَذَا الدَّجَّالُ يُقْتَلُ مُطْلَقًا . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وفي مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 9 / ص 217)
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَا تَقُولُ السَّادَةُ الْعُلَمَاءَ أَئِمَّةُ الدِّينِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَأَعَانَهُمْ عَلَى إظْهَارِ الْحَقِّ الْمُبِينِ وَإِخْمَادِ شُعَبِ الْمُبْطِلِينَ : فِي " النصيرية " الْقَائِلِينَ بِاسْتِحْلَالِ الْخَمْرِ وَتَنَاسُخِ الْأَرْوَاحِ وَقِدَمِ الْعَالِمِ وَإِنْكَارِ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ فِي غَيْرِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَبِأَنَّ " الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ " عِبَارَةٌ عَنْ خَمْسَةِ أَسْمَاءٍ وَهِيَ : عَلِيٌّ وَحَسَنٌ وَحُسَيْنٌ وَمُحْسِنٌ وَفَاطِمَةُ . فَذِكْرُ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ عَلَى رَأْيِهِمْ يُجْزِئُهُمْ عَنْ الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْوُضُوءِ وَبَقِيَّةِ شُرُوطِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَةِ وَوَاجِبَاتِهَا . وَبِأَنَّ " الصِّيَامَ " عِنْدَهُمْ عِبَارَةٌ عَنْ اسْمِ ثَلَاثِينَ رَجُلًا وَاسْمِ ثَلَاثِينَ امْرَأَةً يَعُدُّونَهُمْ فِي كُتُبِهِمْ وَيَضِيقُ هَذَا الْمَوْضِعُ عَنْ إبْرَازِهِمْ ؛ وَبِأَنَّ إلَهَهُمْ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَهُوَ عِنْدُهُمْ الْإِلَهُ فِي السَّمَاءِ وَالْإِمَامُ فِي الْأَرْضِ فَكَانَتْ الْحِكْمَةُ فِي ظُهُور اللَّاهُوتِ بِهَذَا النَّاسُوتِ عَلَى رَأْيِهِمْ أَنْ يُؤْنِسَ خَلْقَهُ وَعَبِيدَهُ ؛ لِيُعَلِّمَهُمْ كَيْفَ يَعْرِفُونَهُ وَيَعْبُدُونَهُ . وَبِأَنَّ النَّصِيرِيَّ عِنْدَهُمْ لَا يَصِيرُ نصيريا مُؤْمِنًا يُجَالِسُونَهُ وَيَشْرَبُونَ مَعَهُ الْخَمْرَ وَيُطْلِعُونَهُ عَلَى أَسْرَارِهِمْ وَيُزَوِّجُونَهُ مِنْ نِسَائِهِمْ : حَتَّى يُخَاطِبَهُ مُعَلِّمُهُ . وَحَقِيقَةُ الْخِطَابِ عِنْدَهُمْ أَنْ يُحَلِّفُوهُ عَلَى كِتْمَانِ دِينِهِ وَمَعْرِفَةِ مَشَايِخِهِ وَأَكَابِرِ أَهْلِ مَذْهَبِهِ ؛ وَعَلَى أَلَّا يَنْصَحَ مُسْلِمًا وَلَا غَيْرَهُ إلَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ دِينِهِ وَعَلَى أَنْ يَعْرِفَ رَبَّهُ وَإِمَامَهُ بِظُهُورِهِ فِي أَنْوَارِهِ وَأَدْوَارِهِ فَيَعْرِفُ انْتِقَالَ الِاسْمِ وَالْمَعْنَى فِي كُلِّ حِينٍ وَزَمَانٍ . فَالِاسْمُ عِنْدَهُمْ فِي أَوَّلِ النَّاسِ آدَمَ وَالْمَعْنَى هُوَ شيث وَالِاسْمُ يَعْقُوبُ وَالْمَعْنَى هُوَ يُوسُفُ . وَيَسْتَدِلُّونَ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ كَمَا يَزْعُمُونَ بِمَا فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ حِكَايَةً عَنْ يَعْقُوبَ وَيُوسُفَ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَيَقُولُونَ : أَمَّا يَعْقُوبُ فَإِنَّهُ كَانَ الِاسْمَ فَمَا قَدَرَ أَنْ يَتَعَدَّى مَنْزِلَتَهُ فَقَالَ : { سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي } وَأَمَّا يُوسُفُ فَكَانَ الْمَعْنَى الْمَطْلُوبَ فَقَالَ : { لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ } فَلَمْ يُعَلِّقْ الْأَمْرَ بِغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ الْإِلَهُ الْمُتَصَرِّفُ وَيَجْعَلُونَ مُوسَى هُوَ الِاسْمَ وَيُوشَعَ هُوَ الْمَعْنَى وَيَقُولُونَ : يُوشَعُ رُدَّتْ لَهُ الشَّمْسُ لَمَّا أَمَرَهَا فَأَطَاعَتْ أَمْرَهُ ؛ وَهَلْ تُرَدُّ الشَّمْسُ إلَّا لِرَبِّهَا وَيَجْعَلُونَ سُلَيْمَانَ هُوَ الِاسْمَ وآصف هُوَ الْمَعْنَى الْقَادِرُ الْمُقْتَدِرُ . وَيَقُولُونَ : سُلَيْمَانُ عَجَزَ عَنْ إحْضَارِ عَرْشِ بلقيس وَقَدَرَ عَلَيْهِ آصف لِأَنَّ سُلَيْمَانَ كَانَ الصُّورَةَ وآصف كَانَ الْمَعْنَى الْقَادِرَ الْمُقْتَدِرَ وَقَدْ قَالَ قَائِلُهُمْ : هَابِيلُ شيث يُوسُفُ يُوشَعُ آصف شمعون الصَّفَا حَيْدَرُ وَيَعُدُّونَ الْأَنْبِيَاءَ وَالْمُرْسَلِينَ وَاحِدًا وَاحِدًا عَلَى هَذَا النَّمَطِ إلَى زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُونَ : مُحَمَّدٌ هُوَ الِاسْمُ وَعَلِيٌّ هُوَ الْمَعْنَى وَيُوصِلُونَ الْعَدَدَ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ فِي كُلِّ زَمَانٍ إلَى وَقْتِنَا هَذَا . فَمِنْ حَقِيقَةِ الْخِطَابِ فِي الدِّينِ عِنْدَهُمْ أَنَّ عَلِيًّا هُوَ الرَّبُّ وَأَنْ مُحَمَّدًا هُوَ الْحِجَابُ وَأَنَّ سَلْمَانَ هُوَ الْبَابُ وَأَنْشَدَ بَعْضُ أَكَابِرِ رُؤَسَائِهِمْ وَفُضَلَائِهِمْ لِنَفْسِهِ فِي شُهُورِ سَنَةِ سَبْعِمِائَةٍ فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا حيدرة الْأَنْزَعُ الْبَطِينُ وَلَا حِجَابَ عَلَيْهِ إلَّا مُحَمَّدٌ الصَّادِقُ الْأَمِينُ وَلَا طَرِيقَ إلَيْهِ إلَّا سَلْمَانُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ وَيَقُولُونَ إنَّ ذَلِكَ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ وَكَذَلِكَ الْخَمْسَةُ الْأَيْتَامُ وَالِاثْنَا عَشَرَ نَقِيبًا وَأَسْمَاؤُهُمْ مَشْهُورَةٌ عِنْدَهُمْ وَمَعْلُومَةٌ مِنْ كُتُبِهِمْ الْخَبِيثَةِ وَأَنَّهُمْ لَا يَزَالُونَ يُظْهِرُونَ مَعَ الرَّبِّ وَالْحِجَابِ وَالْبَابِ فِي كُلٍّ كَوْرٍ وَدَوْرٍ أَبَدًا سَرْمَدًا عَلَى الدَّوَامِ وَالِاسْتِمْرَارِ وَيَقُولُونَ : إنَّ إبْلِيسَ الْأَبَالِسَةِ هُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيَلِيهِ فِي رُتْبَةِ الإبليسية أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَشَرَّفَهُمْ وَأَعْلَى رُتَبَهُمْ عَنْ أَقْوَالِ الْمُلْحِدِينَ وَانْتِحَالِ أَنْوَاعِ الضَّالِّينَ وَالْمُفْسِدِينَ - فَلَا يَزَالُونَ مَوْجُودِينَ فِي كُلِّ وَقْتٍ دَائِمًا حَسْبَمَا ذُكِرَ مِنْ التَّرْتِيبِ . وَلِمَذَاهِبِهِمْ الْفَاسِدَةِ شُعَبٌ وَتَفَاصِيلُ تَرْجِعُ إلَى هَذِهِ الْأُصُولِ الْمَذْكُورَةِ . وَهَذِهِ الطَّائِفَةُ الْمَلْعُونَةُ اسْتَوْلَتْ عَلَى جَانِبٍ كَبِيرٍ مِنْ بِلَادِ الشَّامِ ( وَهُمْ مَعْرُوفُونَ مَشْهُورُونَ مُتَظَاهِرُونَ بِهَذَا الْمَذْهَبِ وَقَدْ حَقَّقَ أَحْوَالَهُمْ كُلُّ مَنْ خَالَطَهُمْ وَعَرَفَهُمْ مِنْ عُقَلَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَعُلَمَائِهِمْ وَمِنْ عَامَّةِ النَّاسِ أَيْضًا فِي هَذَا الزَّمَانِ ؛ لِأَنَّ أَحْوَالَهُمْ كَانَتْ مَسْتُورَةً عَنْ أَكْثَرِ النَّاسِ وَقْتَ اسْتِيلَاءِ الْإِفْرِنْجِ الْمَخْذُولِينَ عَلَى الْبِلَادِ السَّاحِلِيَّةِ ؛ فَلَمَّا جَاءَتْ أَيَّامُ الْإِسْلَامِ انْكَشَفَ حَالُهُمْ وَظَهَرَ ضَلَالُهُمْ . وَالِابْتِلَاءُ بِهِمْ كَثِيرٌ جِدًّا . فَهَلْ يَجُوزُ لِمُسْلِمِ أَنْ يُزَوِّجَهُمْ أَوْ يَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ ؟ وَهَلْ يَحِلُّ أَكْلُ ذَبَائِحِهِمْ وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَمْ لَا ؟ وَمَا حُكْمُ الْجُبْنِ الْمَعْمُولِ مِنْ إنْفَحَةِ ذَبِيحَتِهِمْ ؟ وَمَا حُكْمُ أَوَانِيهِمْ وَمَلَابِسِهِمْ ؟ وَهَلْ يَجُوزُ دَفْنُهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ يَجُوزُ اسْتِخْدَامُهُمْ فِي ثُغُورِ الْمُسْلِمِينَ وَتَسْلِيمُهَا إلَيْهِمْ ؟ أَمْ يَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ قَطْعُهُمْ وَاسْتِخْدَامُ غَيْرِهِمْ مِنْ رِجَالِ الْمُسْلِمِينَ الكفاة وَهَلْ يَأْثَمُ إذَا أَخَّرَ طَرْدَهُمْ ؟ أَمْ يَجُوزُ لَهُ التَّمَهُّلُ مَعَ أَنَّ فِي عَزْمِهِ ذَلِكَ ؟ وَإِذَا اسْتَخْدَمَهُمْ وَأَقْطَعَهُمْ أَوْ لَمْ يُقْطِعْهُمْ هَلْ يَجُوزُ لَهُ صَرْفُ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ عَلَيْهِمْ وَإِذَا صَرَفَهَا وَتَأَخَّرَ لِبَعْضِهِمْ بَقِيَّةٌ مِنْ مَعْلُومِهِ الْمُسَمَّى ؛ فَأَخَّرَهُ وَلِيُّ الْأَمْرِ عَنْهُ وَصَرَفَهُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ الْمُسْتَحِقِّينَ أَوْ أَرْصَدَهُ لِذَلِكَ هَلْ يَجُوزُ لَهُ فِعْلُ هَذِهِ الصُّوَرِ ؟ أَمْ يَجِبُ عَلَيْهِ ؟ وَهَلْ دِمَاءُ النصيرية الْمَذْكُورِينَ مُبَاحَةٌ وَأَمْوَالُهُمْ حَلَالٌ أَمْ لَا ؟ وَإِذَا جَاهَدَهُمْ وَلِيُّ الْأَمْرِ أَيَّدَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِإِخْمَادِ بَاطِلِهِمْ وَقَطَعَهُمْ مِنْ حُصُونِ الْمُسْلِمِينَ وَحَذَّرَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ مِنْ مُنَاكَحَتِهِمْ وَأَكْلِ ذَبَائِحِهِمْ وَأَلْزَمَهُمْ بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَمَنَعَهُمْ مِنْ إظْهَارِ دِينِهِمْ الْبَاطِلِ وَهُمْ الَّذِينَ يَلُونَهُ مِنْ الْكُفَّارِ : هَلْ ذَلِكَ أَفْضَلُ وَأَكْثَرُ أَجْرًا مِنْ التَّصَدِّي وَالتَّرَصُّدِ لِقِتَالِ التَّتَارِ فِي بِلَادِهِمْ وَهَدْمِ بِلَادِ سَيِسَ وَدِيَارِ الْإِفْرِنْجِ عَلَى أَهْلِهَا ؟ أَمْ هَذَا أَفْضَلُ مِنْ كَوْنِهِ يُجَاهِدُ النصيرية الْمَذْكُورِينَ مُرَابِطًا ؟ وَيَكُونُ أَجْرُ مَنْ رَابَطَ فِي الثُّغُورِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ خَشْيَةَ قَصْدِ الفرنج أَكْبَرُ أَمْ هَذَا أَكْبَرُ أَجْرًا ؟ وَهَلْ يَجِبُ عَلَى مَنْ عَرَفَ الْمَذْكُورِينَ وَمَذَاهِبَهُمْ أَنْ يُشْهِرَ أَمْرَهُمْ وَيُسَاعِدَ عَلَى إبْطَالِ بَاطِلِهِمْ وَإِظْهَارِ الْإِسْلَامِ بَيْنَهُمْ فَلَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَهْدِيَ بَعْضَهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ وَأَنْ يَجْعَلَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ مُسْلِمِينَ بَعْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْ ذَلِكَ الْكُفْرِ الْعَظِيمِ أَمْ يَجُوزُ التَّغَافُلُ عَنْهُمْ وَالْإِهْمَالُ ؟ وَمَا قَدَرَ الْمُجْتَهِدُ عَلَى ذَلِكَ وَالْمُجَاهِدُ فِيهِ وَالْمُرَابِطُ لَهُ وَالْمُلَازِمُ عَلَيْهِ ؟ وَلْتَبْسُطُوا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ مُثَابِينَ مَأْجُورِينَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ؛ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ .
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَد ابْنُ تيمية : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ الْمُسَمَّوْنَ بالنصيرية هُمْ وَسَائِرُ أَصْنَافِ الْقَرَامِطَةِ الْبَاطِنِيَّةِ أَكْفَرُ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ؛ بَلْ وَأَكْفَرُ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَضَرَرُهُمْ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمُ مِنْ ضَرَرِ الْكُفَّارِ الْمُحَارِبِينَ مِثْلَ كُفَّارِ التَّتَارِ والفرنج وَغَيْرِهِمْ ؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يَتَظَاهَرُونَ عِنْدَ جُهَّالِ الْمُسْلِمِينَ بِالتَّشَيُّعِ وَمُوَالَاةِ أَهْلِ الْبَيْتِ وَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِرَسُولِهِ وَلَا بِكِتَابِهِ وَلَا بِأَمْرِ وَلَا نَهْيٍ وَلَا ثَوَابٍ وَلَا عِقَابٍ وَلَا جَنَّةٍ وَلَا نَارٍ وَلَا بِأَحَدِ مِنْ الْمُرْسَلِينَ قَبْلَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا بِمِلَّةِ مِنْ الْمِلَلِ السَّالِفَةِ بَلْ يَأْخُذُونَ كَلَامَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ الْمَعْرُوفِ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى أُمُورٍ يَفْتَرُونَهَا ؛ يَدَّعُونَ أَنَّهَا عِلْمُ الْبَاطِنِ ؛ مِنْ جِنْسِ مَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ وَمِنْ غَيْرِ هَذَا الْجِنْسِ ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ حَدٌّ مَحْدُودٌ فِيمَا يَدَّعُونَهُ مِنْ الْإِلْحَادِ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَآيَاتِهِ وَتَحْرِيفِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ عَنْ مَوَاضِعِهِ ؛ إذْ مَقْصُودُهُمْ إنْكَارُ الْإِيمَانِ وَشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ بِكُلِّ طَرِيقٍ مَعَ التَّظَاهُرِ بِأَنَّ لِهَذِهِ الْأُمُورِ حَقَائِقُ يَعْرِفُونَهَا مِنْ جِنْسِ مَا ذَكَرَ السَّائِلُ وَمِنْ جِنْسِ قَوْلِهِمْ : إنَّ " الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ " مَعْرِفَةُ أَسْرَارِهِمْ و " الصِّيَامَ الْمَفْرُوضَ " كِتْمَانُ أَسْرَارِهِمْ " وَحَجَّ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ " زِيَارَةُ شُيُوخِهِمْ وَأَنَّ ( يَدَا أَبِي لَهَبٍ هُمَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأَنَّ ( النَّبَأَ الْعَظِيمَ وَالْإِمَامَ الْمُبِينَ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ؛ وَلَهُمْ فِي مُعَادَاةِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ وَقَائِعُ مَشْهُورَةٌ وَكُتُبٌ مُصَنَّفَةٌ فَإِذَا كَانَتْ لَهُمْ مُكْنَةٌ سَفَكُوا دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ ؛ كَمَا قَتَلُوا مَرَّةً الْحُجَّاجَ وَأَلْقَوْهُمْ فِي بِئْرِ زَمْزَمَ وَأَخَذُوا مَرَّةً الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَبَقِيَ عِنْدَهُمْ مُدَّةً وَقَتَلُوا مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَمَشَايِخِهِمْ مَا لَا يُحْصِي عَدَدَهُ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَصَنَّفُوا كُتُبًا كَثِيرَةً مِمَّا ذَكَرَهُ السَّائِلُ وَغَيْرُهُ وَصَنَّفَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ كُتُبًا فِي كَشْفِ أَسْرَارِهِمْ وَهَتْكِ أَسْتَارِهِمْ ؛ وَبَيَّنُوا فِيهَا مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْرِ وَالزَّنْدَقَةِ وَالْإِلْحَادِ الَّذِي هُمْ بِهِ أَكْفَرُ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَمِنْ براهمة الْهِنْدِ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ . وَمَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ فِي وَصْفِهِمْ قَلِيلٌ مِنْ الْكَثِيرِ الَّذِي يَعْرِفُهُ الْعُلَمَاءُ فِي وَصْفِهِمْ . وَمِنْ الْمَعْلُومِ عِنْدَنَا أَنَّ السَّوَاحِلَ الشَّامِيَّةَ إنَّمَا اسْتَوْلَى عَلَيْهَا النَّصَارَى مِنْ جِهَتِهِمْ وَهُمْ دَائِمًا مَعَ كُلِّ عَدُوٍّ لِلْمُسْلِمِينَ ؛ فَهُمْ مَعَ النَّصَارَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ . وَمِنْ أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ عِنْدَهُمْ فَتْحُ الْمُسْلِمِينَ لِلسَّوَاحِلِ وَانْقِهَارُ النَّصَارَى ؛ بَلْ وَمِنْ أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ عِنْدَهُمْ انْتِصَارُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى التَّتَارِ . وَمِنْ أَعْظَمِ أَعْيَادِهِمْ إذَا اسْتَوْلَى - وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى - النَّصَارَى عَلَى ثُغُورِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ ثُغُورَ الْمُسْلِمِينَ مَا زَالَتْ بِأَيْدِي الْمُسْلِمِينَ حَتَّى جَزِيرَةِ قُبْرُصَ يَسَّرَ اللَّهُ فَتْحَهَا عَنْ قَرِيبٍ وَفَتَحَهَا الْمُسْلِمُونَ فِي خِلَافَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ " عُثْمَانَ بْنِ عفان " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَتَحَهَا " مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ " إلَى أَثْنَاءِ الْمِائَةِ الرَّابِعَةِ . فَهَؤُلَاءِ الْمُحَادُّونَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ كَثُرُوا حِينَئِذٍ بِالسَّوَاحِلِ وَغَيْرِهَا فَاسْتَوْلَى النَّصَارَى عَلَى السَّاحِلِ ؛ ثُمَّ بِسَبَبِهِمْ اسْتَوْلَوْا عَلَى الْقُدْسِ الشَّرِيفِ وَغَيْرِهِ ؛ فَإِنَّ أَحْوَالَهُمْ كَانَتْ مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ فِي ذَلِكَ ؛ ثُمَّ لَمَّا أَقَامَ اللَّهُ مُلُوكَ الْمُسْلِمِينَ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى " كَنُورِ الدِّينِ الشَّهِيدِ وَصَلَاحِ الدِّينِ " وَأَتْبَاعِهِمَا وَفَتَحُوا السَّوَاحِلَ مِنْ النَّصَارَى وَمِمَّنْ كَانَ بِهَا مِنْهُمْ وَفَتَحُوا أَيْضًا أَرْضَ مِصْرَ ؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا مُسْتَوْلِينَ عَلَيْهَا نَحْوَ مِائَتَيْ سَنَةٍ وَاتَّفَقُوا هُمْ وَالنَّصَارَى فَجَاهَدَهُمْ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى فَتَحُوا الْبِلَادَ وَمِنْ ذَلِكَ التَّارِيخِ انْتَشَرَتْ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَالشَّامِيَّةِ . ثُمَّ إنَّ التَّتَارَ مَا دَخَلُوا بِلَادَ الْإِسْلَامِ وَقَتَلُوا خَلِيفَةَ بَغْدَادَ وَغَيْرَهُ مِنْ مُلُوكِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا بِمُعَاوَنَتِهِمْ وَمُؤَازَرَتِهِمْ ؛ فَإِنَّ مُنَجِّمَ هُولَاكُو الَّذِي كَانَ وَزِيرَهُمْ وَهُوَ " النَّصِيرُ الطوسي " كَانَ وَزِيرًا لَهُمْ بالألموت وَهُوَ الَّذِي أَمَرَ بِقَتْلِ الْخَلِيفَةِ وَبِوِلَايَةِ هَؤُلَاءِ . وَلَهُمْ " أَلْقَابٌ " مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ تَارَةً يُسَمَّوْنَ " الْمَلَاحِدَةَ " وَتَارَةً يُسَمَّوْنَ " الْقَرَامِطَةَ " وَتَارَةً يُسَمَّوْنَ " الْبَاطِنِيَّةَ " وَتَارَةً يُسَمَّوْنَ " الإسماعيلية " و تَارَةً يُسَمَّوْنَ " النصيرية " وَتَارَةً يُسَمَّوْنَ " الخرمية " وَتَارَةً يُسَمَّوْنَ " الْمُحَمِّرَةَ " وَهَذِهِ الْأَسْمَاءُ مِنْهَا مَا يَعُمُّهُمْ وَمِنْهَا مَا يَخُصُّ بَعْضَ أَصْنَافِهِمْ كَمَا أَنَّ الْإِسْلَامَ وَالْإِيمَانَ يَعُمُّ الْمُسْلِمِينَ وَلِبَعْضِهِمْ اسْمٌ يَخُصُّهُ : إمَّا لِنَسَبِ وَإِمَّا لِمَذْهَبِ وَإِمَّا لِبَلَدٍ وَإِمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ . وَشَرْحُ مَقَاصِدِهِمْ يَطُولُ وَهُمْ كَمَا قَالَ الْعُلَمَاءُ فِيهِمْ : ظَاهِرُ مَذْهَبِهِمْ الرَّفْضُ وَبَاطِنُهُ الْكُفْرُ الْمَحْضُ . وَحَقِيقَةُ أَمْرِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِنَبِيِّ مِنْ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ ؛ لَا بِنُوحِ وَلَا إبْرَاهِيمَ وَلَا مُوسَى وَلَا عِيسَى وَلَا مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَلَا بِشَيْءِ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةِ ؛ لَا التَّوْرَاةِ وَلَا الْإِنْجِيلِ وَلَا الْقُرْآنِ . وَلَا يُقِرُّونَ بِأَنَّ لِلْعَالَمِ خَالِقًا خَلَقَهُ ؛ وَلَا بِأَنَّ لَهُ دِينًا أَمَرَ بِهِ وَلَا أَنَّ لَهُ دَارًا يَجْزِي النَّاسَ فِيهَا عَلَى أَعْمَالِهِمْ غَيْرَ هَذِهِ الدَّارِ . وَهُمْ تَارَةً يَبْنُونَ قَوْلَهُمْ عَلَى مَذَاهِبِ الْفَلَاسِفَةِ الطَّبِيعِيِّينَ أَوْ الإلهيين وَتَارَةً يَبْنُونَهُ عَلَى قَوْلِ الْمَجُوسِ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ النُّورَ وَيَضُمُّونَ إلَى ذَلِكَ الرَّفْضَ . وَيَحْتَجُّونَ لِذَلِكَ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّاتِ : إمَّا بِقَوْلِ مَكْذُوبٍ يَنْقُلُونَهُ كَمَا يَنْقُلُونَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْعَقْلُ } وَالْحَدِيثُ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ ؛ وَلَفْظُهُ " { إنَّ اللَّهَ لَمَّا خَلَقَ الْعَقْلَ فَقَالَ لَهُ : أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ . فَقَالَ لَهُ : أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ } فَيُحَرِّفُونَ لَفْظَهُ فَيَقُولُونَ " { أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْعَقْلُ } لِيُوَافِقُوا قَوْلَ الْمُتَفَلْسِفَةِ أَتْبَاعِ أَرِسْطُو فِي أَنَّ أَوَّلَ الصَّادِرَاتِ عَنْ وَاجِبِ الْوُجُودِ هُوَ الْعَقْلُ . وَإِمَّا بِلَفْظِ ثَابِتٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُحَرِّفُونَهُ عَنْ مَوَاضِعِهِ كَمَا يَصْنَعُ أَصْحَابُ " رَسَائِلِ إخْوَانِ الصَّفَا " وَنَحْوُهُمْ فَإِنَّهُمْ مِنْ أَئِمَّتِهِمْ . وَقَدْ دَخَلَ كَثِيرٌ مِنْ بَاطِلِهِمْ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَرَاجَ عَلَيْهِمْ حَتَّى صَارَ ذَلِكَ فِي كُتُبِ طَوَائِفَ مِنْ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى الْعِلْمِ وَالدِّينِ ؛ وَإِنْ كَانُوا لَا يُوَافِقُونَهُمْ عَلَى أَصْلِ كُفْرِهِمْ ؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَهُمْ فِي إظْهَارِ دَعْوَتِهِمْ الْمَلْعُونَةِ الَّتِي يُسَمُّونَهَا " الدَّعْوَةَ الْهَادِيَةَ " دَرَجَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ وَيُسَمُّونَ النِّهَايَةَ " الْبَلَاغَ الْأَكْبَرَ وَالنَّامُوسَ الْأَعْظَمَ " وَمَضْمُونُ الْبَلَاغِ الْأَكْبَرِ جَحْدُ الْخَالِقِ تَعَالَى ؛ وَالِاسْتِهْزَاءُ بِهِ وَبِمَنْ يُقِرُّ بِهِ حَتَّى قَدْ يَكْتُبُ أَحَدُهُمْ اسْمَ اللَّهِ فِي أَسْفَلِ رِجْلِهِ وَفِيهِ أَيْضًا جَحْدُ شَرَائِعِهِ وَدِينِهِ وَمَا جَاءَ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ وَدَعْوَى أَنَّهُمْ كَانُوا مِنْ جِنْسِهِمْ طَالِبِينَ لِلرِّئَاسَةِ فَمِنْهُمْ مِنْ أَحْسَنَ فِي طَلَبِهَا وَمِنْهُمْ مَنْ أَسَاءَ فِي طَلَبِهَا حَتَّى قُتِلَ وَيَجْعَلُونَ مُحَمَّدًا وَمُوسَى مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَيَجْعَلُونَ الْمَسِيحَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي . وَفِيهِ مِنْ الِاسْتِهْزَاءِ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَمِنْ تَحْلِيلِ نِكَاحِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ وَسَائِرِ الْفَوَاحِشِ : مَا يَطُولُ وَصْفُهُ . وَلَهُمْ إشَارَاتٌ وَمُخَاطَبَاتٌ يَعْرِفُ بِهَا بَعْضُهُمْ بَعْضًا . وَهُمْ إذَا كَانُوا فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي يَكْثُرُ فِيهَا أَهْلُ الْإِيمَانِ فَقَدْ يَخْفَوْنَ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُهُمْ وَأَمَّا إذَا كَثُرُوا فَإِنَّهُ يَعْرِفُهُمْ عَامَّةُ النَّاسِ فَضْلًا عَنْ خَاصَّتِهِمْ .
وَقَدْ اتَّفَقَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ لَا تَجُوزُ مُنَاكَحَتُهُمْ ؛ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ مَوْلَاتِهِ مِنْهُمْ وَلَا يَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ امْرَأَةً وَلَا تُبَاحُ ذَبَائِحُهُمْ . وَأَمَّا " الْجُبْنُ الْمَعْمُولُ بِإِنْفَحَتِهِمْ " فَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ لِلْعُلَمَاءِ كَسَائِرِ إنْفَحَةِ الْمَيْتَةِ وَكَإِنْفَحَةِ ذَبِيحَةِ الْمَجُوسِ ؛ وَذَبِيحَةِ الفرنج الَّذِينَ يُقَالُ عَنْهُمْ إنَّهُمْ لَا يُذَكُّونَ الذَّبَائِحَ . فَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّهُ يَحِلُّ هَذَا الْجُبْنُ ؛ لِأَنَّ إنْفَحَةَ الْمَيْتَةِ طَاهِرَةٌ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ ؛ لِأَنَّ الْإِنْفَحَةَ لَا تَمُوتُ بِمَوْتِ الْبَهِيمَةِ وَمُلَاقَاةُ الْوِعَاءِ النَّجِسِ فِي الْبَاطِنِ لَا يُنَجِّسُ . وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّ هَذَا الْجُبْنَ نَجِسٌ لِأَنَّ الْإِنْفَحَةَ عِنْدَ هَؤُلَاءِ نَجِسَةٌ ؛ لِأَنَّ لَبَنَ الْمَيْتَةِ وَإِنْفَحَتَهَا عِنْدَهُمْ نَجِسٌ . وَمَنْ لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ فَذَبِيحَتُهُ كَالْمَيْتَةِ . وَكُلٌّ مِنْ أَصْحَابِ الْقَوْلَيْنِ يَحْتَجُّ بِآثَارِ يَنْقُلُهَا عَنْ الصَّحَابَةِ فَأَصْحَابُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ نَقَلُوا أَنَّهُمْ أَكَلُوا جُبْنَ الْمَجُوسِ . وَأَصْحَابُ الْقَوْلِ الثَّانِي نَقَلُوا أَنَّهُمْ أَكَلُوا مَا كَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّهُ مِنْ جُبْنِ النَّصَارَى . فَهَذِهِ مَسْأَلَةُ اجْتِهَادٍ ؛ لِلْمُقَلِّدِ أَنْ يُقَلِّدَ مَنْ يُفْتِي بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ .
وَأَمَّا " أَوَانِيهمْ وَمَلَابِسُهُمْ " فَكَأَوَانِي الْمَجُوسِ وَمَلَابِسِ الْمَجُوسِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ . وَالصَّحِيحُ فِي ذَلِكَ أَنَّ أَوَانِيَهُمْ لَا تُسْتَعْمَلُ إلَّا بَعْدَ غَسْلِهَا ؛ فَإِنَّ ذَبَائِحَهُمْ مَيْتَةٌ فَلَا بُدَّ أَنْ يُصِيبَ أَوَانِيَهُمْ الْمُسْتَعْمَلَةَ مَا يَطْبُخُونَهُ مِنْ ذَبَائِحِهِمْ فَتَنْجُسُ بِذَلِكَ فَأَمَّا الْآنِيَةُ الَّتِي لَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ وُصُولُ النَّجَاسَةِ إلَيْهَا فَتُسْتَعْمَلُ مِنْ غَيْرِ غَسْلٍ كَآنِيَةِ اللَّبَنِ الَّتِي لَا يَضَعُونَ فِيهَا طَبِيخَهُمْ أَوْ يَغْسِلُونَهَا قَبْلَ وَضْعِ اللَّبَنِ فِيهَا وَقَدْ تَوَضَّأَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ جَرَّةِ نَصْرَانِيَّةٍ . فَمَا شُكَّ فِي نَجَاسَتِهِ لَمْ يُحْكَمْ بِنَجَاسَتِهِ بِالشَّكِّ . وَلَا يَجُوزُ دَفْنُهُمْ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُصَلَّى عَلَى مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَهَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ : كَعَبْدِ اللَّهِ ابْن أبي وَنَحْوِهِ ؛ وَكَانُوا يَتَظَاهَرُونَ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْجِهَادِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ ؛ وَلَا يُظْهِرُونَ مَقَالَةً تُخَالِفُ دِينَ الْإِسْلَامِ ؛ لَكِنْ يُسِرُّونَ ذَلِكَ فَقَالَ اللَّهُ : { وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ } فَكَيْفَ بِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ هُمْ مَعَ الزَّنْدَقَةِ وَالنِّفَاقِ يُظْهِرُونَ الْكُفْرَ وَالْإِلْحَادَ .
وَأَمَّا اسْتِخْدَامُ مِثْلِ هَؤُلَاءِ فِي ثُغُورِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ حُصُونِهِمْ أَوْ جُنْدِهِمْ فَإِنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَسْتَخْدِمُ الذِّئَابَ لِرَعْيِ الْغَنَمِ ؛ فَإِنَّهُمْ مِنْ أَغَشِّ النَّاسِ لِلْمُسْلِمِينَ وَلِوُلَاةِ أُمُورِهِمْ وَهُمْ أَحْرَصُ النَّاسِ عَلَى فَسَادِ الْمَمْلَكَةِ وَالدَّوْلَةِ وَهُمْ شَرٌّ مِنْ الْمُخَامِرِ الَّذِي يَكُونُ فِي الْعَسْكَرِ ؛ فَإِنَّ الْمُخَامِرَ قَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ : إمَّا مَعَ أَمِيرِ الْعَسْكَرِ وَإِمَّا مَعَ الْعَدُوِّ . وَهَؤُلَاءِ مَعَ الْمِلَّةِ وَنَبِيِّهَا وَدِينِهَا وَمُلُوكِهَا ؛ وَعُلَمَائِهَا وَعَامَّتِهَا وَخَاصَّتِهَا وَهُمْ أَحْرَصُ النَّاسِ عَلَى تَسْلِيمِ الْحُصُونِ إلَى عَدُوِّ الْمُسْلِمِينَ وَعَلَى إفْسَادِ الْجُنْدِ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ وَإِخْرَاجِهِمْ عَنْ طَاعَتِهِ . وَالْوَاجِبُ عَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ قَطْعُهُمْ مِنْ دَوَاوِينِ الْمُقَاتِلَةِ فَلَا يُتْرَكُونَ فِي ثَغْرٍ وَلَا فِي غَيْرِ ثَغْرٍ ؛ فَإِنَّ ضَرَرَهُمْ فِي الثَّغْرِ أَشَدُّ وَأَنْ يَسْتَخْدِمَ بَدَلَهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى اسْتِخْدَامِهِ مِنْ الرِّجَالِ الْمَأْمُونِينَ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ وَعَلَى النُّصْحِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ؛ بَلْ إذَا كَانَ وَلِيُّ الْأَمْرِ لَا يَسْتَخْدِمُ مَنْ يَغُشُّهُ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا فَكَيْفَ بِمَنْ يَغُشُّ الْمُسْلِمِينَ كُلَّهُمْ وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَأْخِيرُ هَذَا الْوَاجِبِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بَلْ أَيُّ وَقْتٍ قَدَرَ عَلَى الِاسْتِبْدَالِ بِهِمْ وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ . وَأَمَّا إذَا اُسْتُخْدِمُوا وَعَمِلُوا الْعَمَلَ الْمَشْرُوطَ عَلَيْهِمْ فَلَهُمْ إمَّا الْمُسَمَّى وَإِمَّا أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِأَنَّهُمْ عوقدوا عَلَى ذَلِكَ . فَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ صَحِيحًا وَجَبَ الْمُسَمَّى وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا وَجَبَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ اسْتِخْدَامُهُمْ مِنْ جِنْسِ الْإِجَارَةِ اللَّازِمَةِ فَهِيَ مِنْ جِنْسِ الْجَعَالَةِ الْجَائِزَةِ ؛ لَكِنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَجُوزُ اسْتِخْدَامُهُمْ فَالْعَقْدُ عَقْدٌ فَاسِدٌ فَلَا يَسْتَحِقُّونَ إلَّا قِيمَةَ عَمَلِهِمْ . فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا عَمِلُوا عَمَلًا لَهُ قِيمَةٌ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ ؛ لَكِنْ دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ مُبَاحَةٌ .
وَإِذَا أَظْهَرُوا التَّوْبَةَ فَفِي قَبُولِهَا مِنْهُمْ نِزَاعٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ ؛ فَمَنْ قَبِلَ تَوْبَتَهُمْ إذَا الْتَزَمُوا شَرِيعَةَ الْإِسْلَامِ أَقَرَّ أَمْوَالَهُمْ عَلَيْهِمْ . وَمَنْ لَمْ يَقْبَلْهَا لَمْ تُنْقَلْ إلَى وَرَثَتِهِمْ مِنْ جِنْسِهِمْ ؛ فَإِنَّ مَالَهُمْ يَكُونُ فَيْئًا لِبَيْتِ الْمَالِ ؛ لَكِنَّ هَؤُلَاءِ إذَا أُخِذُوا فَإِنَّهُمْ يُظْهِرُونَ التَّوْبَةَ ؛ لِأَنَّ أَصْلَ مَذْهَبِهِمْ التَّقِيَّةُ وَكِتْمَانُ أَمْرِهِمْ وَفِيهِمْ مَنْ يُعْرَفُ وَفِيهِمْ مَنْ قَدْ لَا يُعْرَفُ . فَالطَّرِيقُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُحْتَاطَ فِي أَمْرِهِمْ فَلَا يُتْرَكُونَ مُجْتَمِعِينَ وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ حَمْلِ السِّلَاحِ وَلَا أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُقَاتِلَةِ وَيَلْزَمُونَ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ : مِنْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ . وَيُتْرَكُ بَيْنَهُمْ مِنْ يُعَلِّمُهُمْ دِينَ الْإِسْلَامِ وَيُحَالُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مُعَلِّمِهِمْ . فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَسَائِرَ الصَّحَابَةِ لَمَّا ظَهَرُوا عَلَى أَهْلِ الرِّدَّةِ وَجَاءُوا إلَيْهِ قَالَ لَهُمْ الصِّدِّيقُ : اخْتَارُوا إمَّا الْحَرْبَ الْمُجْلِيَةَ وَإِمَّا السِّلْمَ الْمُخْزِيَةَ . قَالُوا : يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ هَذِهِ الْحَرْبُ الْمُجْلِيَةُ قَدْ عَرَفْنَاهَا فَمَا السِّلْمُ الْمُخْزِيَةُ ؟ قَالَ : تَدَّوُنَّ قَتْلَانَا وَلَا نِدِّي قَتْلَاكُمْ وَتَشْهَدُونَ أَنَّ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاكُمْ فِي النَّارِ وَنُقَسِّمُ مَا أَصَبْنَا مِنْ أَمْوَالِكُمْ وَتَرُدُّونَ مَا أَصَبْتُمْ مِنْ أَمْوَالِنَا وَتُنْزَعُ مِنْكُمْ الْحَلَقَةُ وَالسِّلَاحُ وَتُمْنَعُونَ مِنْ رُكُوبِ الْخَيْلِ وَتُتْرَكُونَ تَتَّبِعُونَ أَذْنَابَ الْإِبِلِ حَتَّى يَرَى اللَّهُ خَلِيفَةَ رَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنَيْنِ أَمْرًا بَعْدَ رِدَّتِكُمْ . فَوَافَقَهُ الصَّحَابَةُ فِي ذَلِكَ ؛ إلَّا فِي تَضْمِينِ قَتْلَى الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَهُ : هَؤُلَاءِ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأُجُورُهُمْ عَلَى اللَّهِ . يَعْنِي هُمْ شُهَدَاءُ فَلَا دِيَةَ لَهُمْ فَاتَّفَقُوا عَلَى قَوْلِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ . وَهَذَا الَّذِي اتَّفَقَ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ هُوَ مَذْهَبُ أَئِمَّةِ الْعُلَمَاءِ وَاَلَّذِي تَنَازَعُوا فِيهِ تَنَازَعَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ . فَمَذْهَبُ أَكْثَرِهِمْ أَنَّ مَنْ قَتَلَهُ الْمُرْتَدُّونَ الْمُجْتَمِعُونَ الْمُحَارِبُونَ لَا يُضْمَنُ ؛ كَمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ آخِرًا وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ . وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ . فَهَذَا الَّذِي فَعَلَهُ الصَّحَابَةُ بِأُولَئِكَ الْمُرْتَدِّينَ بَعْدَ عَوْدِهِمْ إلَى الْإِسْلَامِ يُفْعَلُ بِمَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ وَالتُّهْمَةُ ظَاهِرَةٌ فِيهِ فَيُمْنَعُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ وَالدِّرْعِ الَّتِي تَلْبَسُهَا الْمُقَاتِلَةُ وَلَا يُتْرَكُ فِي الْجُنْدِ مَنْ يَكُونُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا . وَيُلْزَمُونَ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ حَتَّى يَظْهَرَ مَا يَفْعَلُونَهُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَئِمَّةِ ضُلَّالِهِمْ وَأَظْهَرَ التَّوْبَةَ أُخْرِجَ عَنْهُمْ وَسُيِّرَ إلَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي لَيْسَ لَهُمْ فِيهَا ظُهُورٌ . فَإِمَّا أَنْ يَهْدِيَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِمَّا أَنْ يَمُوتَ عَلَى نِفَاقِهِ مِنْ غَيْرِ مَضَرَّةٍ لِلْمُسْلِمِينَ . وَلَا رَيْبَ أَنَّ جِهَادَ هَؤُلَاءِ وَإِقَامَةَ الْحُدُودِ عَلَيْهِمْ مِنْ أَعْظَمِ الطَّاعَاتِ وَأَكْبَرِ الْوَاجِبَاتِ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ جِهَادِ مَنْ لَا يُقَاتِلُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ ؛ فَإِنَّ جِهَادَ هَؤُلَاءِ مِنْ جِنْسِ جِهَادِ الْمُرْتَدِّينَ وَالصِّدِّيقُ وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ بَدَءُوا بِجِهَادِ الْمُرْتَدِّينَ قَبْلَ جِهَادِ الْكُفَّارِ مِنْ أَهْل الْكِتَابِ ؛ فَإِنَّ جِهَادَ هَؤُلَاءِ حِفْظٌ لِمَا فُتِحَ مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ يَدْخُلَ فِيهِ مَنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ عَنْهُ . وَجِهَادَ مَنْ لَمْ يُقَاتِلْنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ زِيَادَةِ إظْهَارِ الدِّينِ . وَحِفْظُ رَأْسِ الْمَالِ مُقَدَّمٌ عَلَى الرِّبْحِ . وَأَيْضًا فَضَرَرُ هَؤُلَاءِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَعْظَمُ مِنْ ضَرَرِ أُولَئِكَ ؛ بَلْ ضَرَرُ هَؤُلَاءِ مِنْ جِنْسِ ضَرَرِ مَنْ يُقَاتِلُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ وَضَرَرُهُمْ فِي الدِّينِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ الْمُحَارِبِينَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ . وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَقُومَ فِي ذَلِكَ بِحَسَبِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ الْوَاجِبِ فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدِ أَنْ يَكْتُمَ مَا يَعْرِفُهُ مِنْ أَخْبَارِهِمْ ؛ بَلْ يُفْشِيهَا وَيُظْهِرُهَا لِيَعْرِفَ الْمُسْلِمُونَ حَقِيقَةَ حَالِهِمْ وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدِ أَنْ يُعَاوِنَهُمْ عَلَى بَقَائِهِمْ فِي الْجُنْدِ والمستخدمين وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدِ السُّكُوتُ عَنْ الْقِيَامِ عَلَيْهِمْ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ . وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدِ أَنَّ يَنْهَى عَنْ الْقِيَامِ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ ؛ فَإِنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ أَبْوَابِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى ؛ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ } وَهَؤُلَاءِ لَا يَخْرُجُونَ عَنْ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ . وَالْمُعَاوِنُ عَلَى كَفِّ شَرِّهِمْ وَهِدَايَتِهِمْ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى ؛ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ هُوَ هِدَايَتُهُمْ ؛ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ كُنْتُمْ خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ تَأْتُونَ بِهِمْ فِي الْقُيُودِ وَالسَّلَاسِلِ حَتَّى تُدْخِلُوهُمْ الْإِسْلَامَ . فَالْمَقْصُودُ بِالْجِهَادِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ : هِدَايَةُ الْعِبَادِ لِمَصَالِحِ الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ فَمَنْ هَدَاهُ اللَّهُ سَعِدَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ لَمْ يَهْتَدِ كَفَّ اللَّهُ ضَرَرَهُ عَنْ غَيْرِهِ . وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْجِهَادَ وَالْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ . وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ : هُوَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ وَذُرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى } " وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { إنَّ فِي الْجَنَّةِ لَمِائَةُ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ الدَّرَجَةِ إلَى الدَّرَجَةِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ إلَى الْأَرْضِ أَعَدَّهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ } " وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ } " وَمَنْ مَاتَ مُرَابِطًا مَاتَ مُجَاهِدًا وَجَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَأَمِنَ الْفِتْنَةَ . وَالْجِهَادُ أَفْضَلُ مِنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } { الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ } { يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ } { خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } . وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَاتُهُ وَسَلَامُهُ عَلَى خَيْرِ خَلْقِهِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ .
وفي فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 3 / ص 238)
النصيرية
المجيب د.حمود بن غزاي الحربي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 27/08/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
ما هي طرق الشيعة الاثني عشرية والنصيرية والإسماعيلية في الذبح؟ وهل تباح ذبائحهم؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
تنسب طائفة النصيرية إلى: (محمد بن نصير البصري) من موالي بني نمير، وهو فارسي الأصل من خوزستان، وتعتبره هذه الفرقة، - التي ظهرت في القرن الثالث الهجري- إحدى الفرق الباطنية التي ترى أن فرائض الإسلام لها ظاهر وباطن يخالف ذلك الظاهر، ويفضّل النصيريون تسميتهم بـ (العلويين) نسبة إلى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه- وهو مسمّى أطلقه عليهم المستعمر الفرنسي إبّان احتلال سوريا سنة 1920م تمويهاً على المسلمين في حقيقة هذه الطائفة التي حكم عليها علماء الإسلام بعد ظهورها بالكفر، والحكم على هذه الطائفة بالإسلام أو الكفر يقوم على أصلين اثنين:
الأول: معرفة معتقدات هذه الطائفة ومقالاتها من خلال تراثها الفكري.
الثاني: عرض هذه المعتقدات على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم- إذ هما الحكم الفصل لكل مسلم ومسلمة في كل كبيرة وصغيرة، "ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين".
أما الأول: فمع أن النصيريين يعدّون ديانتهم ومذهبهم سراً من الأسرار العميقة كما ورد في كتابهم: (الهفت الشريف): (يا مفضل: لقد أعطيت فضلاً كثيراً، وتعلمت علماً باطناً فعليك بكتمان سر الله ولا تطلع عليه إلا ولياً مخلصاً)، وقصة سليمان الأذني وهو من أبناء مشايخ النصيريين لما ألَّف كتابه "الباكورة السليمانية"، وكشف فيه الكثير من أسرار العقائد النصيرية فأحرقوه حياً، وقصته مشهورة، أقول ومع ذلك الحرص تسربت بعض العقائد النصيرية إلى الضوء، فاطلع عليها الدارسون والباحثون وقالوا كلمتهم في الطائفة ومعتقداتها.. فمن معتقدات النصيرية (الحلول والاتحاد)، فيرون أن الألوهية حلت في علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-! بل الإله في المذهب النصيري حل في البشرية منذ بدء الخليقة، ففي كتاب: (تعاليم الديانة النصرانية)، وهو مخطوط في المكتبة الأهلية بباريس تحت رقم(6182) جاء فيه أن هناك سبعة أدوار للظهورات الإلهية اتخذت في كل دور وظهور رسولاً ناطقاً، فالظهور الأول كان في (شيث) وكان (آدم) هو الرسول الناطق، ثم انتقلت الألوهية إلى (سام)، والنبوة إلى (نوح) وبعدها انتقلت إلى (إسماعيل)، والنبوة إلى (إبراهيم)، ثم انتقلت الألوهية إلى (هارون) والنبوة إلى (موسى)، ثم انتقلت الألوهية إلى (شمعون الصفا) المعروف عند النصارى بـ (بطرس)، والنبوة إلى (عيسى)، وظهرت للمرة الأخيرة في (علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-) والنبوة في (محمد - صلى الله عليه وسلم-)، وقد ذكر هذه العقيدة الإسماعيلي مصطفى غالب في مقدمته لكتاب (الهفت) للجعفي.
وبناءً على ذلك يكون علي إلهًا في الباطن وإماماً في الظاهر، وهذا ما ورد في كتاب (المجموع) صراحة السورة(8-9-10)، (يا علي بن أبي طالب أنت إلهنا باطناً وإماماً ظاهراً)، و (أشهد بأن الصورة المرئية التي ظهرت في البشرية هي الغاية الكلية، وهي الظاهرة بالنورانية، وليس إله سواها، وهي علي بن أبي طالب).
ومن معتقدات النصيرية القول بالتناسخ كما في كتابهم (الهفت ص21-22 وص 121 وص 146 وص 162 وص 190)، وبناء على قراءة هذه النصوص من كتابهم الشهير أو كتاب (الباكورة السليمانية) لسليمان أفندي الأذني الذي كان من شيوخهم ثم تنصر، أقول بناء على ذلك يظهر أن القول بالتناسخ من الدعائم الرئيسية والأركان الهامة في المذهب النصيري، وهو عندهم بديل البعث والقيامة والحساب والجزاء، والثواب والعقاب ليس في الجنة أو النار في الآخرة، وإنما هو في هذه الدنيا حسب التراكيب والتقمصات الناسوتية والمسخوية التي تصيب الروح.
وإذا تجاوزنا العقائد إلى العبادات، فالعبادات عندهم لها معنى آخر غير المعنى الظاهر الذي أراده الله -تعالى- منها: جاء في كتابهم (الهفت ص 64): (قلت: يا مولاي: أما كان أهله من أهل الصلاة؟ قال: ويحك أتدري ما معنى قوله تعالى: "وكان يأمر أهله بالصلاة؟" قلت: يعني أهله المؤمنين من شيعته الذين يخفون إيمانهم وهي الدرجة العالية والمعرفة، والإقرار والتوحيد، وأنه العلي الأعلى... أي الإمام علي، فأما معنى قوله تعالى: "وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة": فالصلاة أمير المؤمنين، والزكاة معرفته، أما إقامة الصلاة: فهي معرفتنا وإقامتنا..) ا.هـ.
هذه بعض معتقدات النصيرية ومقالاتهم، وعندما نعرضها على الوحيين الشريفين، كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم- نجدها تخالف ما جاء في الوحيين جملة وتفصيلاً يعرف ذلك من له إلمام بشريعة الإسلام؛ ولذا كفّر علماء الملة هذه الطائفة لكفرها بالله، وإشراكها بعبوديته وإبطالها لشريعته، واستحلالها لما حرمه الله تحريماً جلياً واضحاً، وتأويلها لأركان الإسلام العظام!. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (هؤلاء القوم الموصوفون بالنصيرية هم وسائر أصناف القرامطة الباطنية أكفر من اليهود والنصارى، بل وأكفر من كثير من المشركين، وضررهم على أمة محمد - صلى الله عليه وسلم- أعظم من ضرر الكفار المحاربين مثل كفار التتار والإفرنج وغيرهم، فإن هؤلاء يتظاهرون عند جهال المسلمين بالتشيع وموالاة أهل البيت، وهم في الحقيقة لا يؤمنون بالله ولا برسوله، ولا بكتابه، ولا بأمر ولا نهي، ولا ثواب، ولا عقاب، ولا جنة ولا نار، ولا بأحد من المرسلين قبل محمد -صلى الله عليه وسلم- ولا بملة من الملل السابقة، بل يأخذون كلام الله ورسوله المعروف عند علماء المسلمين يتأولونه بينهم على أمور يقرونها بينهم ويدعون بأنها علم الباطنية ... إلخ..) رحمه الله في الفتاوى[(35/149)].
وممن حكم بكفرهم ابن القيم في (إغاثة اللهفان، 2/247-249)، وابن حزم في(المحلى، 13/139)، والديلمي في (بيان مذهب الباطنية وبطلانه، ص71)، والغزالي في كتابه(فضائح الباطنية، ص37).
وإني لأنصح الأخ السائل بالاطلاع على الكتب التي تكلمت عن هذه الطائفة بالتفصيل مثل كتاب (الإسماعيلية) لإحسان إلهي ظهير، و(أصول الإسماعيلية) للدكتور سليمان السلومي، و(طائفة النصيرية) للدكتور سليمان الحلبي وغيرهم. والله أعلم وصلى وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وَنَحْوِهِمْ فَإِنَّ الْبَارِعَ مِنْهُمْ فِي الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ يَزُولُ عَنْهُ عِنْدَهُمْ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ kوَتُبَاحُ لَهُ الْمَحْظُورَاتُ وَتَسْقُطُ عَنْهُ الْوَاجِبَاتُ فَتَظْهَرُ أَضْغَانُهُمْ وَتَنْكَشِفُ أَسْرَارُهُمْ وَيَعْرِفُ عُمُومُ النَّاسِ حَقِيقَةَ دِينِهِمْ الْبَاطِنِ حَتَّى سَمَّوْهُمْ بَاطِنِيَّةً ؛ لِإِبْطَانِهِمْ خِلَافَ مَا يُظْهِرُونَ .
فَلَوْ كَانَ - وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ - دِينُ الرُّسُلِ كَذَلِكَ لَكَانَ خَوَاصُّهُ قَدْ عَرَفُوهُ وَأَظْهَرُوا بَاطِنَهُ . وَكَانَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ وَالتَّحْقِيقِ مِنْ جِنْسِ دِينِ الْبَاطِنِيَّةِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ الصَّحَابَةَ الَّذِينَ كَانُوا أَعْلَمَ النَّاسِ بِبَاطِنِ الرَّسُولِ وَظَاهِرِهِ وَأَخْبَرَ النَّاسِ بِمَقَاصِدِهِ وَمُرَادَاتِهِ كَانُوا أَعْظَمَ الْأُمَّةِ لُزُومًا لِطَاعَةِ أَمْرِهِ - سِرًّا وَعَلَانِيَةً - وَمُحَافَظَةً عَلَى ذَلِكَ إلَى الْمَوْتِ وَكُلُّ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ إلَيْهِ وَبِهِ أَخَصُّ وَبِبَاطِنِهِ أَعْلَمُ - كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - كَانُوا أَعْظَمَهُمْ لُزُومًا لِلطَّاعَةِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَمُحَافَظَةً عَلَى أَدَاءِ الْوَاجِبِ وَاجْتِنَابِ الْمُحَرَّمِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا .
وَقَدْ أَشْبَهَ هَؤُلَاءِ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ مَلَاحِدَةُ الْمُتَصَوِّفَةِ : الَّذِينَ يَجْعَلُونَ فِعْلَ الْمَأْمُورِ وَتَرْكَ الْمَحْظُورِ وَاجِبًا عَلَى السَّالِكِ حَتَّى يَصِيرَ عَارِفًا مُحَقِّقًا فِي زَعْمِهِمْ ؛ وَحِينَئِذٍ يَسْقُطُ عَنْهُ التَّكْلِيفُ وَيَتَأَوَّلُونَ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} (1)(99) سورة الحجر، زَاعِمِينَ أَنَّ الْيَقِينَ هُوَ مَا يَدَّعُونَهُ مِنْ الْمَعْرِفَةِ وَالْيَقِينُ هُنَا الْمَوْتُ وَمَا بَعْدَهُ . كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْ أَهْلِ النَّارِ : { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) [المدثر/42-47] } (2)
__________
(1) - تفسير الرازي - (ج 9 / ص 339)
وقوله : { واعبد رَبَّكَ حتى يَأْتِيَكَ اليقين } قال ابن عباس رضي الله عنهما : يريد الموت وسمي الموت باليقين لأنه أمر متيقن .
فإن قيل : فأي فائدة لهذا التوقيت مع أن كل أحد يعلم أنه إذا مات سقطت عنه العبادات؟
قلنا : المراد منه : { واعبد رَبَّكَ } في زمان حياتك ولا تخل لحظة من لحظات الحياة عن هذه العبادة ، والله أعلم .
وفي الوسيط لسيد طنطاوي - (ج 1 / ص 2495)
والمراد بالأمر بالعبادة فى قوله تعالى { واعبد رَبَّكَ حتى يَأْتِيَكَ اليقين } المداومة عليها وعدم التقصير فيها .
والمراد باليقين : الموت ، سمى بذلك لأنه أمر متيقن لحوقه بكل مخلوق .
أى : ودم - أيها الرسول الكريم - على عبادة ربك وطاعته ما دمت حيا ، حتى يأتيك الموت الذى لا مفر من مجيئه فى الوقت الذى يريده الله - تعالى -
ومما يدل على أن المراد باليقين هنا الموت قوله - تعالى - حكاية عن المجرمين : { قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ المصلين وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ المسكين وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الخآئضين وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدين حتى أَتَانَا اليقين } أى : الموت .
ويدل على ذلك أيضًا ما رواه البخارى عن أم العلاء " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل على عثمان بن مظعون وقد مات ، قالت : قلت : رحمة الله عليك أبا السائب ، فشهادتى عليك لقد أكرمك الله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وما يدريك أن الله قد أكرمه . . . أما هو فقد جاءه اليقين - أى الموت - وإنى لأرجو له الخير " " .
قال الإِمام ابن كثير : ويستدل بهذه الآية الكريمة ، على أن العبادة كالصلاة ونحوها ، واجبة على الإِنسان ما دام عقله ثابتًا ، فيصلى بحسب حاله ، كما ثبت فى صحيح البخارى عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " صل قائمًا ، فإن لم تستطع فقاعدا ، فإن لم تستطع فعلى جنب " .
ويستدل بها أيضًا على تخطئة من ذهب من الملاحدة إلى أن المراد باليقين المعرفة ، فمتى وصل أحدهم إلى المعرفة ، سقط عنه التكليف عندهم . وهذا كفر وضلال وجهل . . . .
(2) - درء التعارض - (ج 2 / ص 89)
فمن تأول قوله تعالى { واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } الحجر : 99 على سقوط العبادة بحصول المعرفة فإنه يستتاب ن فإن تاب وإلا قتل والمراد بالآية : اعبد ربك حتى تموت كما قال الحسن البصري : لم يجعل الله لعبادة المؤمن أجلا دون الموت وقرأ الآية واليقين هو ما يعانيه الميت فيوقن به كما قال الله تعالى عن أهل النار { وكنا نكذب بيوم الدين * حتى أتانا اليقين } المدثر : 46 47 وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه و سلم لما مات عثمان بن مظعون قال أما عثمان فقد جاءه اليقين من ربه
والمقصود هنا أن هؤلاء الملاحدة ومن شركهم في نوع من إلحادهم لما ظنوا أن كمال النفس في مجرد العلم وظنوا أن ذلك إذا حصل فلا حاجة إلى العمل ن وظنوا أن ذلك حصل لهم ظنوا سقوط الواجبات العامة عنهم وحل المحرمات العامة لهم بطلان هذا القول من وجوه والرد عليهم في ذلك
وضلالهم من وجوه
منها : ظنهم أن الكمال في مجرد العلم
والثاني : ظنهم أن ما حصل لهم علم
والثالث : ظنهم أن ذلك العلم هو الذي يكمل النفس
الوجه الأول
وكل من هذه المقدمات كاذبة فليس كمال النفس في مجرد العلم ولا في أن تصير عالما معقولا موازيا للعالم الموجود بل لا بد لها من العمل وهو حب الله وعبادته فإن النفس لها قوتان : علمية وعملية فلا تصلح إلا بصلاح الأمرين ن وهو أن تعرف الله وتعبده
والجهمية هم خير من هؤلاء بكثير ومع هذا فلما قال جهم ومن واقفه : إن الإيمان مجرد المعرفة أنكر ذلك أئمة الإسلام ن حتى كفر من قال بهذا القول وكيع بن الجراح وأحمد بن حنبل وغيرهما
وهذا القول : وإن كان قد تابعه عليه الصالحي والأشعري في كثير من واكثر أصحابه فهو من أفسد الاقوال وابعدها عن الصحة كما قد بيناه في غير هذا الموضع لما بينا الكلام في مسمى الأيمان وقبوله للزيادة والنقصان وما للناس في ذلك من النزاع الوجه الثاني
وأما المقدمة الثانية : فلو كان كمال النفس في مجرد العلم فليس هو أي علم كان بأي معلوم كان بل هو الذي لا بد منه : العلم بالله وهؤلاء ظنوا أنه العلم بالوجود بما هوموجود وظنوا أن العالم أبدي ازلي فإذا حصل له العلم بالوجود الازلي الأبدي كملت نفسه
وعلى هذا بنى أبو يعقوب السجستاني وغيره من شيوخ الفلسفة والباطنية أقوالهم وكذلك أمثالهم من الفلاسفة كالفارابي وغيره وابن سينا وإن كان أقرب إلى الإسلام منهم ففيه من الإلحاد بحسبه وأبو حامد وإن سلك أحيانا مسلكهم لكنه لا يجعل العلم بمجرد الوجود موجبا للسعادة بل يجعل ذلك في العلم بالله وقد يقول في بعض كتبه : إنه العلم بالأمور الباقية وهذا كلامهم
فمن قال : إن العالم أزلي أبدي قال بقولهم ومن قال : إن كل ما سوى الله كان معدوما ثم وجد لم يلزمه ذلك وابن عربي وابن سبعين ونحوهما جمعوا بين المسلكين فصاروا يجعلون كمال النفس هو العلم بالوجود المطلق إن الله هو الوجود المطلق فأخذوا من طريقة الصوفية : أنه العلم بالله واخذوا من كلام هؤلاء : أنه العلم بالوجود المطلق وجمعوا بينهما فقالوا : إن الله هو الوجود المطلق الوجه الثالث
وأما المقدمة الثالثة : فزعمهم أنهم حصل لهم العلم بالوجود وهذا باطل فغن كلامهم في الإلهيات مع قلته فالضلال أغلب عليه من الهدى ن والجهل أكثر فيه من العلم وهي العلوم التي تبقى معلوماتها وتكمل النفوس بها عندهم
وهذه الأمور مبسوطة في غيرهذا الموضع ولكن نبهنا عليه هنا لأن مثل هذا الآمدي وأمثاله الذين عضموا طريقهم وصدروا كتبهم التي صنفوها في أصول دين الإسلام بزعمهم بما هو أصل هؤلاء الجهال : من أن كمال النفس الإنسانية بحصول ما لها من الكمالات وهي الإحاطة بالمعقولات والعلم بالمجهولات وسلكوا طرقهم وقعوا في الجهل والحيرة والشك بما لا تحصل النجاة إلا به ولا تنال السعادة إلا بمعرفته فضلا عن نيل الكمال الذي هو فوق ذلك فإن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ كمل من الرجال كثير ] فالكاملون من الرجال كثير ولكن الذين سلكوا طريق هؤلاء من أبعد الناس عن الكمال تقرير الآمدي لطريقة المتأخرين في إثبات واجب الوجود

. قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ : إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ أَجَلًا دُونَ الْمَوْتِ وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ (1).
وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تُوُفِّيَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ : أَمَّا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فَقَدْ أَتَاهُ الْيَقِينُ مِنْ رَبِّهِ }(2) .
وَهَؤُلَاءِ قَدْ يَشْهَدُونَ الْقَدَرَ أَوَّلًا وَهِيَ الْحَقِيقَةُ الْكَوْنِيَّةُ وَيَظُنُّونَ أَنَّ غَايَةَ الْعَارِفِ أَنْ يَشْهَدَ الْقَدَرَ وَيَفْنَى عَنْ هَذَا الشُّهُودِ ،وَذَلِكَ الْمَشْهَدُ لَا تَمْيِيزَ فِيهِ بَيْنَ الْمَأْمُورِ وَالْمَحْظُورِ وَمَحْبُوبَاتِ اللَّهِ وَمَكْرُوهَاتِهِ وَأَوْلِيَائِهِ وَأَعْدَائِهِ .
وَقَدْ يَقُولُ أَحَدُهُمْ : الْعَارِفُ شَهِدَ أَوَّلًا الطَّاعَةَ وَالْمَعْصِيَةَ ثُمَّ شَهِدَ طَاعَةً بِلَا مَعْصِيَةٍ - يُرِيدُ بِذَلِكَ طَاعَةَ الْقَدَرِ - كَقَوْلِ بَعْضِ شُيُوخِهِمْ : أَنَا كَافِرٌ بِرَبِّ يُعْصَى وَقِيلَ لَهُ عَنْ بَعْضِ الظَّالِمِينَ : هَذَا مَالُهُ حَرَامٌ فَقَالَ : إنْ كَانَ عَصَى الْأَمْرَ فَقَدْ أَطَاعَ الْإِرَادَةَ . ثُمَّ يَنْتَقِلُونَ " إلَى الْمَشْهَدِ الثَّالِثِ " لَا طَاعَةَ وَلَا مَعْصِيَةَ وَهُوَ مَشْهَدُ أَهْلِ الْوَحْدَةِ الْقَائِلِينَ بِوَحْدَةِ الْوُجُودِ(3)
__________
(1) - مُعْجَمُ ابْنِ الْمُقْرِئِ برقم(720 ) والزهد لابن المبارك برقم(20 )
عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ قَالَ : سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ : " يَا قَوْمُ الْمُدَاوَمَةَ ، الْمُدَاوَمَةَ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ لِعَمَلِ الْمُؤْمِنِ أَجَلًا دُونَ الْمَوْتِ وهو صحيح
(2) - وفي جامع معمر برقم(1035 ) عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ ، قَالَ : كَانَتْ أُمُّ الْعَلَاءِ الْأَنْصَارِيَّةُ تَقُولُ : لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ ، اقْتَرَعَتِ الْأَنْصَارُ عَلَى سُكْنَتِهِمْ ، قَالَتْ : فَصَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فِي السُّكْنَى ، فَمَرِضَ ، فَمَرَّضْنَاهُ ثُمَّ تُوُفِّيَ ، فَجَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَقُلْتُ : رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ ، فَشَهَادَتِي أَنْ قَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ أَكْرَمَهُ ؟ " ، فَقَالَتْ : لَا أَدْرِي وَاللَّهِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَمَّا هُوَ فَقَدْ أَتَاهُ الْيَقِينُ مِنْ رَبِّهِ ، وَإِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ ، وَاللَّهِ مَا أَدْرِي ، وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ ، مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ " ، قَالَتْ : فَوَاللَّهِ لَا أُزَكِّي بَعْدَهُ أَحَدًا أَبَدًا ، قَالَتْ : ثُمَّ رَأَيْتُ بَعْدُ لِعُثْمَانَ فِي النَّوْمِ عَيْنًا تَجْرِي ، فَقَصَصْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " ذَلِكَ عَمَلُهُ " * وهو صحيح
(3) - جامع الرسائل - (ج 1 / ص 231)
حقيقة مذهب الاتحاديين أو وحدة الوجود وبيان بطلانه بالبراهين النقلية والعقلية
اعلم - هداك الله وأرشدك - أن تصور مذهب هؤلاء كاف في بيان فساده ولا يحتاج مع حسن التصور إلى دليل آخر، وإنما تقع الشبهة لأن أكثر الناس لا يفهمون حقيقة قولهم وقصدهم، لما فيه من الألفاظ المجملة والمشتركة، بل وهم أيضاً لا يفهمون حقيقة ما يقصدونه ويقولونه، ولهذا يتناقضون كثيراً في قولهم، وإنما يتخيلون شيئاً ويقولونه أو يتبعونه، ولهذا قد افترقوا بينهم على فرق، ولا يهتدون إلى التمييز بين فرقهم، مع استشعارهم أنهم مفترقون، ولهذا لما بينت لطوائف من أتباعهم ورؤسائهم حقيقة قولهم، وسر مذهبهم، صاروا يعظمون ذلك، ولولا ما أقرنه بذلك من الذم والرد لجعلوني من أئمتهم، وبذلوا لي من طاعة نفوسهم وأموالهم ما يجل عن الوصف، كما تبذله النصارى لرؤسائهم، والإسماعيلية لكبرائهم، وكما بذل آل فرعون لفرعون.
وكل من يقبل قول هؤلاء فهو أحد رجلين إما جاهل بحقيقة أمرهم، وإما ظالم يريد علواً في الأرض وفساداً، أو جامع بين الوصفين. وهذه حال أتباع فرعون الذين قال الله فيهم " فاستخف قومه فأطاعوه " وحال القرامطة مع رؤسائهم، وحال الكفار والمنافقين في أئمتهم الذين يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون " إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا " إلى آخر الآية وقوله " وألعنهم لعناً كبيرا " وقال تعالى " ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً - إلى قوله - وما هم بخارجين من النار " .
فصل
اعلم أن حقيقة قول هؤلاء أن وجود الكائنات هو عين وجود الله تعالى ليس وجودها غيره ولا شيء سواه البتة، ولهذا من سماهم حلولية أو قال هم قائلون بالحلول رأوه محجوباً عن معرفة قولهم خارجاً عن الدخول إلى باطن أمرهم، لأن من قال أن الله يحل في المخلوقات فقد قال بأن المحل غير الحال، وهذا تثنية عندهم وإثبات لموجودين (أحدهما) وجود الحق الحال (والثاني) وجود المخلوق المحل وهم لا يقرون بإثبات وجودين البتة. ولا ريب أن هذا القول أقل كفراً من قولهم، وهو قول كثير من الجهمية الذين كان السلف يردون قولهم، وهم الذين يزعمون أن الله بذاته في كل مكان. وقد ذكره جماعات من الأئمة والسلف عن الجهمية وكفروهم به، بل جعلهم خلق من الأئمة - كابن المبارك ويوسف ابن اسباط وطائفة من أهل العلم والحديث من أصحاب أحمد وغيره - خارجين بذلك عن الثنتين والسبعين فرقة. وهو قول بعض متكلمة الجهمية وكثير من متعبديهم. ولا ريب إن إلحاد هؤلاء المتأخرين وتجهمهم وزندقتهم تفريع وتكميل لإلحاد هذه الجهمية الأولى وتجهمها وزندقتها.
وأما وجه تسميتهم اتحادية ففيه طريقان (أحدهما) لا يرضونه لأن الاتحاد على وزن الاقتران والاقتران يقتضي شيئين اتحد أحدهما بالآخر وهم لا يقرون بوجودين أبداً (والطريق الثاني) صحة ذلك بناء على أن الكثرة صارت وحدة كما سأبينه من اضطرابهم.
وهذه الطريقة إما على مذهب ابن عربي فإنه يجعل الوجود غير الثبوت ويقول أن وجود الحق قاض على ثبوت الممكنات، فيصح الاتحاد بين الوجود والثبوت وأما على قول من لا يفرق فيقول أن الكثرة الخيالية صارت وحدة بعد الكشف أو الكثرة العينية صارت وحدة إطلاقية.
فصل
ولما كان أصلهم الذي بنوا عليه أن وجود المخلوقات والمصنوعات حتى وجود الجن والشياطين والكافرين والفاسقين والكلاب والخنازير والنجاسات والكفر والفسوق والعصيان عين وجود الرب، لا أنه متميز عنه منفصل عن ذاته، وإن كان مخلوقاً له مربوباً مصنوعاً له قائماً به، وهم يشهدون أن في الكائنات تفرقاً وكثرة ظاهرة بالحس والعقل، فاحتاجوا إلى جمع يزيل الكثرة، ووحدة ترفع التفرق مع ثبوتها، فاضطربوا على ثلاث مقالات، أنا أبينها لك وإن كانوا هم لا يبين بعضهم مقالة نفسه ومقالة غيره لعدم كمال شهود الحق وتصوره.
المقالة الأولى -مقالة ابن عربي صاحب فصوص الحكم وهي مع كونها كفراً فهو أقربهم إلى الإسلام لما يوجد في كلامه من الكلام الجيد الكثير، ولأنه لا يثبت على الاتحاد ثبات غيره، بل هو كثير الاضطراب فيه، وإنما هو قائم مع خياله الواسع الذي يتخيل فيه الحق تارة والباطل أخرى. والله أعلم بما مات عليه. فإن مقالته مبنية على أصلين.
الأصل الأول لمذهب ابن عربي -أحدهما أن المعدوم شيء ثابت في العدم، موافقة لمن قال ذلك من المعتزلة والرافضة. وأول من ابتدع هذه المقالة في الإسلام أبو عثمان الشحام شيخ أبي علي الجبائي وتبعه عليها طوائف من القدرية المبتدعة من المعتزلة والرافضة، وهؤلاء يقولون أن كل معدوم يمكن وجوده فإن حقيقته وماهيته وعينه ثابتة في العدم، لأنه لولا ثبوتها لما تميز المعلوم المخبر عنه من غير المعلوم المخبر عنه، ولما صح قصد ما يراد إيجاده، لأن القصد يستدعي التمييز، والتمييز لا يكون إلا في شيء ثابت، لكن هؤلاء وإن ابتدعوا هذه المقالة التي هي باطلة في نفسها وقد كفرهم بها طوائف مت متكلمة السنة - فهم يعترفون بأن الله خلق وجودها، ولا يقولون أن عين وجودها عين وجود الحق. وأما صاحب الفصوص وأتباعه فيقولون: عين وجودها عين وجود الحق، فهي متميزة بذواتها الثابتة في العدم متحدة بوجود الحق العالم بها. وعامة كلامه ينبني على هذا لمن تدبره وفهمه.
وهؤلاء القائلون بأن المعدوم شيء ثابت في العدم سواء قالوا بأن وجودها خلق الله أو هو الله، يقولون إن الماهيات والأعيان غير مجعولة ولا مخلوقة وأن وجود كل شيء قدر زائد على ماهيته، وقد يقولون الوجود صفة للموجود.
وهذا القول وإن كان فيه شيه بقول القائلين بقدم العالم أو القائلين بقدم مادة العالم وهيولاه المتميزة عن صورته فلس هو إياه، وإن كان بينهما قدر مشترك، فإن هذه الصورة المحدثة من الحيوان والنبات والمعادن ليست قديمة باتفاق جميع العقلاء، بل هي كائنة بعد أن لم تكن، وكذلك الصفات والأعراض القائمة بأجسام السموات والاستحالات القائمة بالعناصر من حركات الكواكب والشمس والقمر والسحاب والمطر والرعد والبرق وغير ذلك، كل هذا حادث غير قديم، عند كل ذي حس سليم، فإنه يرى ذلك بعينه. والذين يقولون بأن عين المعدوم ثابتة في القدم أو بأن مادته قديمة يقولون بأن أعيان جميع هذه الأشياء ثابتة في القدم، ويقولون أن مواد جميع العالم قديمة دون صوره.
واعلم أن المذهب إذا كان باطلاً في نفسه لم يكن الناقد له أن ينقله على وجه يتصور تصوراً حقيقياً فإن هذا لا يكون إلا للحق. فأما القول الباطل فإذا بين فبيانه يظهر فساده، حتى يقال كيف اشتبه هذا على أحد ويتعجب من اعتقادهم إياه، ولا ينبغي للإنسان أن يعجب. فما من شيء يتخيل من أنواع الباطل إلا وقد ذهب إليه فريق من الناس. ولهذا وصف الله أهل الباطل بأنهم أموات وأنهم (صم بكم عمي) وأنهم (لا يفقهون، ولا يعقلون) وأنهم (في قول مختلف يؤفك عنه من أفك) وأنهم (في ريبهم يترددون) وأنهم (يعمهون).
وإنما نشأ - والله أعلم - الاشتباه على هؤلاء من حيث رأوا أن الله سبحانه يعلم ما لم يكن قبل كونه - أو (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) فرأوا أن المعدوم الذي يخلقه يتميز في علمه وإرادته وقدرته، فظنوا ذلك لتميز ذات له ثابتة وليس الأمر كذلك. وإنما هو متميز في علم الله وكتابه، والواحد منا يعلم الموجود والمعدوم الممكن والمعدوم المستحيل، ويعلم ما كان كآدم والأنبياء، ويعلم ما يكون كالقيامة والحساب، ويعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون، كما يعلم ما أخبر الله عن أهل النار (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه) وأنهم (لو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم) وأنه (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) وأنه (لو كان فيهما آلهة كما يقولون إذاً إلا ابتغوا إلى ذي العرش سبيلا) وأنهم (لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا) وأنه (لولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبداً) ونحو ذلك من الجمل الشرطية التي يعلم فيها انتفاء الشرط أو ثبوته.
فهذه الأمور التي نعلمها نحن ونتصورها، إما نافين لها أو مثبتين لها في الخارج أو مترددين - ليس بمجرد تصورنا يكون لأعيانها ثبوت في الخارج عن علمنا وأذهاننا، كما نتصور جبل ياقوت وبحر زئبق وإنسانا من ذهب وفرساً من حجر. فثبوت الشيء في العلم والتقدير ليس هو ثبوت عينه في الخارج، بل العالم يعلم الشيء ويتكلم به ويكتبه وليس لذاته في الخارج ثبوت ولا وجود أصلاً. وهذا هو تقدير الله السابق لخلقه كما في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخميس ألف سنة " .
وفي سنن أبي داود عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أول ما خلق الله القلم فقال: اكتب قال: رب وما أكتب؟ قال، اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة " وقال ابن عباس " إن الله خلق الخلق وعلم ما هو عاملون، ثم قال لعلمه " كن كتاباً " فكان كتاباً؟ ثم أنزل تصديق ذلك في كتابه فقال (ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض، إن ذلك في كتاب) " .
وهذا هو معنى الحديث الذي رواه أحمد في مسنده عن ميسرة الفجر قال: قلت يا رسول الله متى كنت نبياً، وفي رواية متى كتبت نبياً؟ - قال " وآدم بين الروح والجسد " هكذا لفظ الحديث الصحيح. وما ما يرويه هؤلاء الجهال كابن عربي في الفصوص وغيره من جهال العامة " كنت نبياً وآدم بين الماء والطين " " كنت نبياً وآدم لا ماء ولا طين " فهذا لا أصل له ولم يروه أحد من أهل العلم الصادقين، ولا هو في شيء من كتب العلم المعتمدة بهذا اللفظ بل هو باطل، فإن آدم لم يكن بين الماء والطين قط فإن الله خلقه من تراب، وخلط التراب بالماء حتى صار طيناً ويبس الطين حتى صار صلصالاً كالفخار، فلم يكن له حال بين الماء والطين مركب من الماء والتراب، ولو قيل بين الماء والترب لكان أبعد عن المحال، مع أن هذه الحال لا اختصاص لها، وإنما قال " بين الروح والجسد " وقال " وإن آدم لمنجدل في طينته " لأن آدم بقي أربعين سنة قبل نفخ الروح فيه كما قال تعالى " هل أتى على الإنسان حين من الدهر " الآية وقال تعالى (وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من صلصال) الآيتين. وقال تعالى (الذين أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين) الآيتين وقال تعالى (إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين) الآية. والأحاديث في خلق آدم ونفه الروح فيه مشهورة في كتب الحديث والتفسير وغيرهما.
فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه كان نبياً أي كتب نبياً وآدم بين الروح والجسد. وهذا والله أعلم لأن هذه الحالة فيها يقدر التقدير الذي يكون بأيدي ملائكة الخلق فيقدر لهم ويظهر لهم ويكتب ما يكون من المخلوق قبل نفخ الروح فيه، كما أخرج الشيخان في الصحيحين وفي سائر الكتب الأمهات حديث الصادق المصدوق وهو من الأحاديث المستفيضة التي تلقاها أهل العلم بالقبول وأجمعوا على تصديقها وهو حديث الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق " إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله الملك فيؤمر بأربع كلمات فيقال: اكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح - وقال - فوالذي نفسي بيده أن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار، وأن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة " فلما أخبر الصادق المصدوق أن الملك يكتب رزقه وعمله وأجله وشقي أو سعيد بعد خلق الجسد وقبل نفخ الروح، وآدم هو أبو البشر كان أيضاً من المناسب لهذا أن يكتب بعد خلق جسده وقبل نفخ الروح فيه ما يكون منه، ومحمد صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم فهو أعظم الذرية قدراً وأرفعهم ذكراً، فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه كتب نبياً حينئذ، وكتابة نبوته هو معنى كون نبوته فإنه كون في التقدير الكتابي، ليس كوناً في الوجود العيني، إذ نبوته لم يكن وجودها حتى نبأه الله تعالى على رأس أربعين من عمره صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى (وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا) الآية. وقال (ألم يجدك يتيماً فآوى) الآية. وقال (نحن نقص عليك أحسن القصص) الآية. ولذلك جاء هذا المعنى مفسراً في حديث العرباض بن سارية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " إني عبد الله مكتوب خاتم النبيين وأن آدم لمنجدل في طينته، وسأخبركم بأول أمري: دعوة إبراهيم، وبشارة عيسى، ورؤيا أمي التي رأت حين وضعتني وقد خرج لها نور أضاءت لها منه قصور الشام " هذا لفظ الحديث من رواية ابن وهب.
حدثنا معاوية بن صالح عن سعيد بن سويد عن عبد الأعلى بن هلال السلمي عن العرباض رواه البغوي في شرح السنة هكذا، ورواه الليث بن سعد عنه نحوه، ورواه الإمام أحمد في المسند عن ابن مهدي: حدثنا معاوية بن صالح بالإسناد عن العرباض قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن عبد الله خاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته وسأنبئكم بأول ذلك: دعوة أبي إبراهيم " الحديث. وفيه " كذلك أمهات النبيين يرين " وقوله " لمنجدل في طينته " أي ملتف ومطروح على وجه الأرض صورة من طين لم تجر فيه الروح بعد.

وَهَذَا غَايَةُ إلْحَادِ الْمُبْتَدَعَةِ جهمية الصُّوفِيَّةِ كَمَا أَنَّ الْقَرْمَطَةَ آخِرُ إلْحَادِ الشِّيعَةِ وَكِلَا الْإِلْحَادَيْنِ يَتَقَارَبَانِ . وَفِيهِمَا مِنْ الْكُفْرِ مَا لَيْسَ فِي دِينِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَمُشْرِكِي الْعَرَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
- - - - - - - - - -
المصادر والمراجع العامة
أضواء البيان
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي
الوسيط لسيد طنطاوي
تفسير ابن كثير
تفسير الرازي
تفسير السعدي
في ظلال القرآن
آيات الأسماء والصفات
التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة
الدرر السنية كاملة
الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة
درء التعارض
شرروح الطحاوية
مختصر منهاج السنة النبوية
منهاج السنة النبوية
موسوعة اليهود واليهودية الصهيونية
أخبار مكة للأزرقي
السنن الكبرى للبيهقي وفي ذيله الجوهر النقي
المستدرك على الصحيحين للحاكم
سنن أبى داود
سنن ابن ماجه
سنن البيهقى
سنن الترمذى
سنن النسائى
صحيح البخارى
صحيح مسلم
مسند أحمد
مسند الحميدى
آداب الصحبة لأبي عبد الرحمن السلمي
الزهد لأحمد بن حنبل
الزهد والرقائق لابن المبارك
المنتقى - شرح الموطأ
بيان مشكل الآثار ـ الطحاوى
تأويل مختلف الحديث
جامع العلوم والحكم
حاشية السندي على ابن ماجه
شرح ابن بطال
شرح الأربعين النووية
شرح النووي على مسلم
شرح رياض الصالحين لابن عثيمين
شرح سنن ابن ماجه
فتح الباري لابن حجر
فيض القدير، شرح الجامع الصغير، الإصدار 2
الدرر السنية في الأجوبة النجدية - الرقمية
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة
فتاوى الأزهر
فتاوى الإسلام سؤال وجواب
فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
فتاوى من موقع الإسلام اليوم
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم
فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم آل الشيخ
فتاوى يسألونك
مجموع فتاوى ابن باز
مجموع فتاوى ابن تيمية
مجموع فتاوى و مقالات ابن باز
مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين
الفقه الإسلامي وأصوله
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة
سبل السلام
نيل الأوطار
آداب الأكل
إحياء علوم الدين
الأذكار للنووي
بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية
غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب
ففروا إلى الله
موسوعة خطب المنبر
الفهرس العام
أسباب رفع العقوبة لشيخ الإسلام ابن تيمية
" أَحَدُهَا " التَّوْبَةُ
" السَّبَبُ الثَّانِي " الِاسْتِغْفَارُ :
" السَّبَبُ الثَّالِثُ " : الْحَسَنَاتُ الْمَاحِيَةُ :
(( هل الحسنات تكفر الصغائر والكبائر ؟))
( السَّبَبُ الرَّابِعُ الدَّافِعُ لِلْعِقَابِ ) : دُعَاءُ الْمُؤْمِنِينَ لِلْمُؤْمِنِ :
( السَّبَبُ الْخَامِسُ ) : مَا يُعْمَلُ لِلْمَيِّتِ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ :
( السَّبَبُ السَّادِسُ ) : شَفَاعَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرُهُ فِي أَهْلِ الذُّنُوبِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ:
( السَّبَبُ السَّابِعُ ) : الْمَصَائِبُ الَّتِي يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهَا الْخَطَايَا فِي الدُّنْيَا:
( السَّبَبُ الثَّامِنُ ) : مَا يَحْصُلُ فِي الْقَبْرِ مِنْ الْفِتْنَةِ وَالضَّغْطَةِ وَالرَّوْعَةِ :
( السَّبَبُ التَّاسِعُ ) : أَهْوَالُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَكَرْبُهَا وَشَدَائِدُهَا .
( السَّبَبُ الْعَاشِرُ ) : رَحْمَةُ اللَّهِ وَعَفْوُهُ وَمَغْفِرَتُهُ بِلَا سَبَبٍ مِنْ الْعِبَادِ .
فَصْلٌ : قولان متناقضان في أهل الكبائر
المصادر والمراجع العامة

أقسام الكتاب
1 2 3