كتاب : حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح
المؤلف : محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله ابن القيم الجوزية

بسم الله الرحمن الرحيم وبه الاعانة
الحمد لله الذي جعل جنة الفردوس لعباده المؤمنين نزلا ويسرهم للأعمال الصالحة الموصلة إليها فلم يتخذوا سواها فسلكوا السبيل الموصلة إليها ذللا خلها لهم قبل أن يخلقهم وأسكنهم إياها قبل إن يوجد هم وحفها بالمكاره وأخرجهم إلى دار الامتحان ليبلوهم أيهم أحسن عملا وجعل ميعاد دخولها يوم القدوم عليه وضرب مدة الحياة الفانية دونه أجلا وأودعهم مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وجلاها لهم حتى عاينوها بعين البصيرة التي هي أنفذ من رؤية البصر وبشرهم بما أعد لهم فيها على لسان رسوله فهي خير البشر على لسان خير البشير وكمل لهم البشرى بكونهم خالدين فيها لا يبغون عنها حولا والحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلا وباعث الرسل مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل غذ لم يخلقهم عبثا ولم يتركهم سدى ولو يغفلهم هملا بل خلقهم لأمر عظيم وهيأهم لخطب جسيم وعمر لهم دارين فهذه لمن أجاب الداعي ولم يبغ سوى ربه الكريم بدلا وهذه لمن لم يجب دعوته ولم يرفع بها رأسا ولم يعلق بها أملا والحمد لله الذي رضي من عباده باليسير من العمل وتجاوز لهم عن الكثير من الزلل وأفاض عليهم النعمة وكتب على نفسه الرحمة وضمن الكتاب الذي كتبه أن رحمته سبقت غضبه دعا عباده إلى دار السلام فعمهم بالدعوة حجة منه عليهم وعدلا وخص بالهداية والتوفيق من شاء نعمة ومنه وفضلا فهذا عدله وحكمته وهو العزيز الحكيم وذلك فضله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة عبده وابن عبده وأبن أمته ومن لا غنى به طرفة عين فضله ورحمته ولا مطمع له في الفوز بالجنة والنجاة من النار إلا بعفوه ومغفرته واشهد أن محمد عبده ورسوله وأمينة على وحيه وخيرته من خلقه أرسله رحمة للعالمين وقدوة للعاملين ومحجة للسالكين وحجة على العباد أجمعين بعثه للأيمان مناديا وإلى دار

السلام داعيا وللخليقة هاديا ولكتابه تاليا وفي مرضاته ساعيا وبالمعروف آمرا وعن المنكر ناهيا أرسله على حين فترة من الرسل فهدى به إلى أقوم الطرق وأوضح السبل وافترض على العباد طاعته ومحبته وتعزيزه وتوقيره والقيام بحقوقه وسد إلى الجنة جميع الطرق فلم يفتحها لأحد إلا من طريقه فلو أتوا من كل طريق واستفتحوا من كل باب لما فتح لهم حتى يكونوا خلفه من الداخلين وعلى منهاجه وطريقته من السالكين فسبحان من شرح له صدره ووضع عنه وزره ورفع له ذكره وجعل لذلة والصغار على من خالف أمره فدعا الى الله وإلى جنته سرا وجهارا وأذن بذلك بين اظهر الأمة ليلا ونهارا إلى أن طلع فجر الإسلام وأشرقت شمس الإيمان وعلت كلمة الرحمن وبطلت دعوة الشيطان وأضاءت بنور رسالته الأرض بعد ظلماتها وتألفت به القلوب بعد تفرقها وشتاتها فأشرق وجه الدهر حسنا واصبح الظلام ضياء واهتدى كل حيران فلما كمل الله به دينه وأتم به نعمته ونشر به على الخلائق رحمته فبلغ رسالات ربه ونصح عباده وجاهد في الله حق جهاده خيره بين المقام في الدنيا وبين لقائه والقدوم عليه فاختار لقاء ربه محبة له وشوقا إليه فاستأثر به ونقله إلى الرفيق الأعلى والمحل الأرفع الأسنى وقد ترك أمته على الواضحة الغراء والمحجة البيضاء فسلك أصحابه وإتباعه على أثره إلى جنات النعيم وعدل الراغبون عن هديه إلى طرق الجحيم ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم فصلى الله وملائكته وأنبياؤه ورسله وعباده المؤمنون عليه كما وحد الله وعبده وعرفنا به ودعا إليه أما بعد فإن الله سبحانه وتعالى لم يخلق خلقه عبثا ولم يتركهم سدى بل خلقهم لأمر عظيم وخطب جسيم وعرض على السموات والأرض والجبال فأبين وأشفقن منه إشفاقا ووجلا وقلن ربنا أن أمرتنا فسمعا وطاعة وان خيرتنا فعافيتك نريد لا نبغي بها بدلا وحمله الإنسان على ضعفه وعجزه عن حمله وباء به على ظلمه وجهله فألقى اكثر الناس الحمل عن ظهورهم لشدة مؤنته عليهم وثقله فصحبوا الدنيا صحبة الأنعام السائمة لا ينظرون في معرفة موجدهم وحقه عليهم ولا في المراد من إيجادهم وإخراجهم إلى هذه الدار التي هي طريق ومعبر إلى دار القرار ولا يتفكرون في قلة مقامهم في الدنيا الفانية وسرعة رحيلهم إلى الآخرة الباقية فقد ملكهم باعث الحس وغاب عنهم داعي العقل وشملتهم الغفلة وغرتهم الأماني الباطلة والخدع الكاذبة فخدعهم

طول الأمل وران على قلوبهم سوء العمل فهممهم في لذات الدنيا وشهوات النفوس كيف حصلت حصولها ومن أي وجه لاحت أخذوها إذا بدا لهم حظ من الدنيا بآخرتهم طاروا إليه زرافات ووحدانا وإذا عرض لهم عاجل من الدنيا لم يؤثروا عليه ثوابا من الله ولا رضوانا يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون والعجب وكل العجب من غفلة من لحظاته معدودة عليه وكل نفس من أنفاسه لا قيمة له إذا ذهب لم يرجع إليه فمطايا الليل والنهار تسرع به ولا يتفكر إلى اين يحمل ويسار به اعظم من سير البريد ولا يدري إلى اي الدارين ينقل فإذا نزل به الموت أشتد قلقه لخراب ذاته وذهاب لذاته لا لما سبق من جناياته وسلف من تفريطه حيث لم يقدم لحياته فإذا خطرت له خطرة عارضة لما خلق له دفعها باعتماده على العفو وقال قد أنبئنا أنه هو الغفور الرحيم وكأنه لم ينبأ أن عذابه هو العذاب الأليم فصل
ولما علم الموفقون ما خلقوا له وما أريد بإيجادهم رفعوا رؤسهم فإذا علم الجنة قد رفع لهم فشمروا إليه وإذا صراطها المستقيم قد وضح لهم فاستقاموا عليه ورأوا من اعظم الغبن بيع ما لا عين رأت ولا إذن سمعت ولا خطر على قلب بشر في أبدلا يزول ولا ينفذ بصبابة عيش إنما هو كأضغاث أحلام أو كطيف زار في المنام مشوب بالنغص ممزوج بالغصص إن أضحك قليلا أبكى كثيرا وإن سر يوما احزن شهورا الآمه تزيد على لذاته وأحزانه أضعاف مسراته وله مخاوف وآخره متآلف فيا عجبا من سفيه في صورة حليم ومعتوه في مسلاخ عاقل آثر الحظ الفاني الخسيس على الحظ الباقي النفيس وباع جنة عرضها السموات والأرض بسجن ضيق بين أرباب العاهات والبليات ومساكن طيبة في جنات عدن تجري من تحتها الأنهار بأعطان ضيقة آخرها الخراب والبوار وأبكارا أعرابا أترابا كأنهن الياقوت والمرجان بقذرات دنسات سيآت الأخلاق مسالخات أو متخذات أخذان وحورا مقصورات في الخيام بخبيثات مسيبات بين الأنام وأنهارا من خمر لذة للشاربين بشراب نجس مذهب للعقل مفسد للدنيا والدين ولذة النظر إلى وجه العزيز الرحيم بالتمتع برؤية الوجه القبيح الذميم وسماع الخطاب من الرحمن بسماع المعازف والغناء والألحان والجلوس على منابر اللؤلؤ

والياقوت والزبرجد يوم المزيد بالجلوس في مجالس الفسوق مع كل شيطان مريد ونداء المنادي يا أهل الجنة إن لكم أن تنعموا فلا تيأسوا وتحيوا فلا تموتوا وتقيموا فلا تظعنوا وتشبوا فلا تهرموا بغناء المغنين
وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي ... متأخر عنه ولا متقدم
أجد الملامة في هواك لذيذة ... حبا لذكرك فليلمني اللوم
وإنما يظهر الغبن الفاحش في هذا البيع يوم القيامة وإنما يتبين سفه بائعه يوم الحسر والندامة إذا حشر المتقون إلى الرحمن وفدا وسيق المجرمون إلى جهنم وردا ونادى المنادي على رؤس الأشهاد ليعلمن أهل الموقف من أولي بالكرم من بين العباد فلو توهم المتخلف عن هذه الرفقة ما اعد الله لهم من الإكرام وادخر لهم من الفضل والإنعام وما أخفى لهم من قرة أعين لم يقع على مثلها بصر ولا سمعته أذن ولا خطر على قلب بشر لعلم أي بضاعة أضاع وانه لا خير له في حياته وهو معدود من سقط المتاع وعلم أن القوم قد توسطوا ملكا كبيرا لا تعترية إلافات ولا يلحقه الزوال وفازوا بالنعيم المقيم في جوار الكبير المتعال فهم في روضات الجنة يتقلبون وعلى أسرتها تحت الحجال يجلسون وعلى الفرش التي بطائنها من إستبرق يتكئون وبالحور العين يتنعمون وبأنواع الثمار يتفكهون يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين لا يصدعون عنها ولا ينزفون وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون جزاء بما كانوا يعلمون يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وانتم فيها خالدون تالله لقد نودي عليها في سوق الكساد فما قلب ولا أسنام ! إلا أفراد من العباد فواعجبا لها كيف نام طالبها وكيف لم يسمح بمهرها خاطبها وكيف طاب العيش في هذه الدار بعد سماع أخبارها وكيف قر للمشتاق القرار دون معانقة ابكارها وكيف قرت دونها أعين المشتاقين وكيف صبرت عنها أنفس الموقنين وكيف صدفت عنها قلوب أكثر العالمين وبأي شيء تعوضت عنها نفوس المعرضين شعر في وصف الجنة
وما ذاك إلا غيرة أن ينالها ... سوى كفئها والرب بالخلق أعلم
وإن حجبت عنا بكل كريهة ... وحفت بما يؤذي النفوس ويؤلم

فلله ما في حشوها من مسرة ... وأصناف لذات بها يتنعم
ولله برد العيش بين خيامها ... وروضاتها والثغر في الروض يبسم
ولله واديها الذي هو موعد المزيد لوفد الحب لو كنت منهم
بذيالك الوادي يهيم صبابة ... محب يري أن الصبابة مغنم
ولله أفراح المحبين عندما ... يخاطبهم من فوقهم ويسلم
ولله أبصار ترى الله جهرة ... فلا الضيم يغشاها ولا هي تسأم
فيا نظرة أهدت إلى الوجه نضرة ... أمن بعدها يسلو المحب المتيم
ولله كم من خيرة إن تبسمت ... أضاء لها نور من الفجر أعظم
فيا لذة الأبصار إن هي أقبلت ... ويا لذة الأسماع حين تكلم
ويا خجلة الغصن الرطيب إذا انثنت ... ويا خجلة الفجرين حين تبسم
فإن كنت ذا قلب عليل بحبها ... فلم يبق إلا وصلها لك مرهم
ولا سيما في لثمها عند ضمها ... وقد صار منها تحت جيدك معصم
تراه إذا أبدت له حسن وجهها ... يلذ به قبل الوصال وينعم
تفكه منها العين عند إجتلائها ... فواكه شتى طلعها ليس يعدم
عناقيد من كرم وتفاح جنة ... ورمان أغصان به القلب مغرم
وللورد ما قد ألبسته خدودها ... وللخمر ما قد ضمه الريق والفم
تقسم منها الحسن في جمع واحد ... فيا عجبا من واحد يتقسم
لها فرق شتى من الحسن أجمعت ... بجملتها إن السلو محرم
تذكر بالرحمن بمن هو ناظر ... فينطق بالتسبيح لا يتلعثم
إذا قابلت جيش الهموم بوجهها ... تولي على أعقابه الجيش يهزم
فيا خاطب الحسناء إن كنت ... راغبا فهذا زمان المهر فهو المقدم
ولما جرى ماء الشاب بغصنها ... تيقن حقا انه ليس يهرم
وكن مبغضا للخائنات لحبها ... فتحظى بها من دونهن وتنعم
وكن أيما ممن سواها فإنها ... لمثلك في جنات عدن تأيم
وصم يومك الأدنى لعلك في غد ... تفوز بعيد الفطر والناس صوم
وأقدم ولا تقنع بعيش منغص ... فما فاز باللذات من ليس يقدم
وأن ضاقت الدنيا عليك بأسرها ... ولم يك فيها منزل لك يعلم

فحي على جنات عدن فأنها ... منازلها الأولى وفيها المخيم
ولكننا سبي العدو فهل ترى ... نعود إلى أوطاننا ونسلم
وقد زعموا أن الغريب إذا نأى ... وشطت به أوطانه فهو مغرم
وأي إغتراب فوق غربتنا التي ... لها أضحت الأعداء فينا تحكم
حي على السوق الذي فيه يلتقي المحبون ذاك السوق للقوم تعلم
فما شئت خذ منه بلا ثمن له ... فقد أسلف التجار فيه واسلموا
وحي على يوم المزيد الذي به ... زيارة رب العرش فاليوم موسم
وحي على واد هنالك أفيح ... وتربته من إذفر المسك أعظم
منابر من نور هناك وفضة ... ومن خالص العقيان لا تتقصم
وكثبان مسك قد جعلن مقاعدا ... لمن دون أصحاب المنابر يعلم
فبينا هموا في عيشهم وسرورهم ... وأرزاقهم تجري عليهم ونقسم
ذاهم بنور ساطع أشرقت له ... بأقطارها الجنات لا يتوهم
تجلى لهم رب السموات جهرة ... فيضحك فوق العرش ثم يكلم
سلام عليكم يسمعون جميعهم ... بآذانهم تسليمه إذ يسلم
يقول سلوني ما أشتهيتم فكل ما ... تريدون عندي أنني أنا أرحم
فقالوا جميعا نحن نسألك الرضا ... فأنت الذي تولى الجميل وترحم
فيعطيهم هذا ويشهد جميعهم ... عليه تعالى الله فالله أكرم
فيا بائعا هذا ببخس معجل ... كأنك لا تدري بلى سوف تعلم
فإن كنت لا تدري فتلك معصية ... وإن كنت تدري فالمعصيبة أعظم فصل
وهذا كتاب اجتهدت في جمعه وترتيبه وتفصيله وتبويبه فهو للمحزون سلوة وللمشتاق إلى تلك العرائس جلوة محرك للقلوب إلى أجل مطلوب وحاد للنفوس إلى مجاورة الملك القدوس ممتع لقارئه مشوق للناظر فيه لا يسأمه الجليس ولا يمله الأنيس مشتمل من بدائع الفوائد وفرائد القلائد على ما لعل المجتهد في الطلب لا يظفر به فيما سواه من الكتب مع تضمينه لجملة كثيرة من الأحاديث المرفوعات والآثار الموقوفات والأسرار المودعة في كثير من الآيات والنكت البديعات وإيضاح كثير من المشكلات والتنبيه على أصول من الأسماء والصفات إذا نظر فيه الناظر زاده

أيمانا وجلى عليه الجنة حتى كأنه يشاهدها عيانا فهو مثير ساكن ألعزمات إلى روضات الجنات وباعث الهمم ألعليات إلى العيش ألهني في تلك ألغرفات وسميته حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح فأنه اسم يطابق مسماه ولفظ يوافق معناه والله يعلم ما قصدت وما بجمعه وتأليفه اردت فهو عند لسان كل عبد وقلبه وهو المطلع على نيته وكسبه وكان جل المقصود منه بشارة أهل السنة بما أعد الله لهم في الجنة فأنهم ! المستحقون للبشرى في الحياة الدنيا وفي الأخرة ونعم الله عليهم باطنة وظاهرة وهم أولياء الرسول وحزبه ومن خرج عن سنته فهم اعداؤه وحربه لا تأخذهم في نصرة سنته ملامة اللوام ولا يتركون ما صح عنه لقول أحد من الانام والسنة أجل في صدورهم من ان يقدموا عليها رأيا فقهيا أو بحثا جدليا أو خيالا صوفيا أو تناقضا كلاميا أو قياسيا فلسفيا أو حكما سياسيا فمن قدم عليها شيئا من ذلك فباب الصواب عليه مسدود وهو عن طريق الرشاد مصدود فيا أيها الناظر فيه لك غنمه وعلى مؤلفه غرمه ولك صفوه وعليه كدره وهذه بضاعته المزجاة تعرض عليك وبنات أفكاره تزف إليك فإن صادفت كفؤا كريما لم تعدم منه أمساكا بمعروف أو تسريحا بإحسان وان كان غيره فالله المستعان فما كان من صواب فمن الواحد المنان وما كان من خطأ فمنى ومن الشيطان والله برئ منه ورسوله وقد قسمت الكتاب سبعين بابا الباب الأول في بيان وجود الجنة الان الباب الثاني في اختلاف الناس في الجنة التي أسكنها آدم هل هي جنة الخلد أو جنة في الأرض الباب الثالث في سياق حجج من ذهب إلى إنها جنة الخلد الباب الرابع في سياق حجج الطائفة التي قالت أنها في الأرض الباب الخامس في جواب أرباب هذا القول لمن نازعهم الباب السادس في جواب من زعم أنها جنة الخلد عن حجج منازعيهم الباب السابع في ذكر شبه من زعم أن الجنة لم تخلق بعد الباب الثامن في الجواب عما احتجوا به من الشبه الباب التاسع في ذكر عدد ابواب الجنة الباب العاشر في ذكر سعة أبوابها الباب الحادي عشر في صفة أبوابها الباب الثاني عشر في ذكر مسافة ما بين الباب والباب الباب الثالث عشر في مكان الجنة وأين هي الباب الرابع عشر في مفتاح الجنة الباب الخامس عشر في توقيع الجنة ومنشورها الذي يكتب

لأهلها الباب السادس عشر في بيان توحد طريق الجنة وانه ليس لها إلا طريق واحد الباب السابع عشر في درجات الجنة الباب الثامن عشر في ذكر أعلى درجاتها وأسم تلك الدرجة الباب التاسع عشر في عرض الرب تعالى سلعته على عباده وثمنها الذي طلبه منهم وعقد التبايع الذي وقع بين المؤمنين وبين ربهم الخ الباب العشرون في طلب الجنة أهلها من ربهم وشفاعتها فيهم وطلبهم لها الباب الحادي والعشرون في اسماء الجنة ومعانيها وأشتقاقها الباب الثاني والعشرون في عدد الجنات وأنواعها الباب الثالث والعشرون في خلق الرب تعالى لبعضها بيده الباب الرابع والعشرون في ذكر بوابيها وخزنتها الباب الخامس والعشرون في ذكر اول من يقرع باب الجنة الباب السادس والعشرون في ذكر اول الأمم دخولا الجنة الباب السابع والعشرون في ذكر السابقين من هذه الأمة إلى الجنة وصفتهم الباب الثامن والعشرون في سبق الفقراء الأغنياء إلى الجنة الباب التاسع والعشرون في ذكر اصناف أهل الجنة التي ضمنت لهم دون غيرهم الباب الثلاثون في أن اكثر أهل الجنة هم أمة محمد الباب الحادي والثلاثون في أن النساء في الجنة والنار أكثر من الرجال الباب الثاني والثلاثون فيمن يدخل الجنة من هذه الأمة بغير حساب وذكر أوصافهم الباب الثالث والثلاثون في ذكر حثيات الرب عز و جل الذين يدخلهم الجنة الباب الرابع والثلاثون في ذكر تربة الجبنة وطينها وحصبائها ونباتها الباب الخامس والثلاثون في ذكر نورها وبياضها الباب السادس والثلاثون في ذكر غرفها وقصورها ومقاصيرها وخيامها الباب السابع والثلاثون في ذكر معرفتهم بمنازلهم ومساكنهم إذا دخلوا الجنة وإن لم يروها قبل ذلك الباب الثامن والثلاثون في كيفية دخولهم الجنة وما يستقبلون به عند دخولها الباب التاسع والثلاثون في ذكر صفة أهل الجنة في خلقهم وخلقهم وطولهم ومقادير أسنانهم الباب الأربعون في ذكر أعلى أهل الجنة منزلة وأدناهم الباب الحادي والأربعون في تحفة أهل الجنة أول ما يدخلونها الباب الثاني والأربعون في ذكر ريح الجنة ومن مسيرة كم يوجد الباب الثالث والاربعون في الاذان الذى يؤذن به المؤمن فيها الباب الرابع والأربعون في أشجار الجنة وبساتينها وظلالها الباب الخامس والأربعون في ذكر ثمارها وتعدد أنواعها وصفاتها الباب السادس والأربعون في ذكر الزرع في الجنة الباب السابع والأربعون في ذكر أنهار الجنة وعيونها وأصنافها ومجراها الذي تجري

عليه الباب الثامن والأربعون في ذكر طعام أهل الجنة وشرابهم ومصرفه الباب التاسع والأربعون في ذكر آنيتهم التي يأكلون ويشربون فيها وأجناسها وصفاتها الباب الخمسون في ذكر لباسهم وحليهم ومناديلهم وفرشهم وبسطهم ووسائدهم ونمارقهم وزرابيهم الباب الحادي والخمسون في ذكر خيامهم وسررهم وأرائكهم وبشخاناتهم الباب الثاني والخمسون في ذكر خدام أهل الجنة وغلمانهم الباب الثالث والخمسون في ذكر نساء أهل الجنة وسراريهم واصنافهن وأوصافهن وحالهن الظاهر والباطن وجمالهن الباب الرابع والخمسون في ذكر المادة التي خلق منها الحور العين وذكر صفاتهن ومعرفتهن اليوم بأزواجهن الباب الخامس والخمسون في ذكر نكاح أهل الجنة ووطئهم والتذاذهم بذلك ونزاهته عن المذي والمني الباب السادس والخمسون في اختلاف الناس هل في الجنة حمل وولادة أم لا وحجة الفريقين الباب السابع والخمسون في ذكر سماع الجنة وغناء الحور العين الباب الثامن والخمسون في ذكر مطايا أهل الجنة وخيولهم ومراكبهم الباب التاسع والخمسون في زيارة أهل الجنة بعضهم بعضا ومذاكرتهم ما كان بينهم في الدنيا الباب الستون في ذكر سوق الجنة وما أعد الله فيها لأهلها الباب الحادي والستون في زيارة أهل الجنة ربهم تبارك وتعالى الباب الثاني والستون في ذكر السحاب والمطر الذي يصيبهم في الجنة الباب الثالث والستون في ذكر ملك الجنة وأن أهلها كلهم ملوك فيها الباب الرابع والستون في أن الجنة فوق ما يخطر بالبال أو يدور في الخيال وأن موضع سوط منها خير من الدنيا وما فيها الباب الخامس والستون في رؤية أهل الجنة ربهم تبارك وتعالى بأبصارهم جهرة كما يرى القمر ليلة البدر وتجليه لهم ضاحكا إليهم سبحانه لا إله إلا هو الباب السادس والستون في تكليمه سبحانه لأهل الجنة وخطابه لهم ومحاضرته إياهم وسلامة عليهم الباب السابع والستون في أبدية الجنة وأنها لا تفنى ولا تبيد الباب الثامن والستون في ذكر آخر أهل الجنة دخولا إليها الباب التاسع والستون وهو باب جامع فيه فصول منثورة الباب السبعون في المستحق لهذه البشارة دون غيره والله سبحانه وتعالى هو المسئول أن يجعله خالصا لوجهه الكريم مدينا لمؤلفه وقارئه وكاتبه من جنات النعيم وأن يجعله حجة

له ولا يجعله حجة عليه وأن ينفع به من انتهى إليه إنه خير مسؤول واكرم مأمول وهو حسبنا ونعم الوكيل

الباب الأول في بيان وجود الجنة الآن
لم يزل أصحاب رسول الله والتابعون وتابعوهم وأهل السنة والحديث قاطبة وفقهاء الإسلام وأهل التصوف والزهد على اعتقاد ذلك وإثباته مستندين في ذلك إلى نصوص الكتاب والسنة وما علم بالضرورة من أخبار الرسل كلهم من أولهم إلى آخرهم فإنهم دعوا الأمم إليها وأخبروا بها إلى أن نبغت نابغة من القدرية والمعتزلة فأنكرت أن تكون مخلوقة الآن وقالت بل الله ينشئها يوم القيامة وحملهم على ذلك أصلهم الفاسد الذي وضعوا به شريعة فيما يفعله الله وانه ينبغي له أن يفعل كذا ولا ينبغي له أن يفعل كذا وقاسوه على خلقه في أفعالهم فهم مشبهة في الأفعال ودخل التجهم فيهم فصاروا مع ذلك معطلة في الصفات وقالوا خلق الجنة قبل الجزاء عبث فإنها تصير معطلة مددا متطاولة ليس فيها سكانها قالوا ومن المعلوم أن ملكا لو أتخذ دارا واعد فيها ألوان الأطعمة والآلات والمصالح وعطلها من الناس ولم يمكنهم من دخولها قرونا متطاولة لم يكن ما فعله واقعا على وجه الحكمة ووجد العقلاء سبيلا إلى الاعتراض عليه فحجروا على الرب تعالى بعقولهم الفاسدة وآرائهم الباطلة وشبهوا أفعاله بأفعالهم وردوا من النصوص ما خالف هذه الشريعة الباطلة التي وضعوها للرب أو حرفوها عن مواضعها وضللوا وبدعوا من خالفهم فيها والتزموا فيها لوازم أضحكوا عليهم فيها العقلاء ولهذا يذكر السلف في عقائدهم أن الجنة والنار مخلوقتان ويذكر من صنف في المقالات أن هذه مقالة أهل السنة والحديث قاطبة لا يختلفون فيها قال أبو الحسن الاشعري في كتاب مقالات الإسلاميين واختلاف المضلين جملة ما عليه أصحاب الحديث وأهل السنة الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله وما جاء من عند الله وما رواه الثقات عن رسول الله لا يردون من ذلك شيئا وأن الله تعالى اله واحد فرد صمد لم يتخذ صاحبه ولا ولدا وان محمدا عبده ورسوله وأن الجنة حق وأن النار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور وأن الله تعالى على عرشه كما قال الرحمن على العرش استوى وأن له يدين بلا كيف كما قال خلقت بيدي وكما قال بل يداه مبسوطتان وأن له عينين بلا كيف كما

قال تجري بأعيننا وأن له وجها كما قال ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام وأن أسماء الله تعالى لا يقال إنها غير الله كما قالت المعتزلة والخوارج واقروا أن لله علما كما قال أنزله بعلمه وكما قال وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وأثبتوا السمع والبصر ولم ينفوا ذلك عن الله كما تعتقد المعتزلة وأثبتوا لله القوة كما قال أولم يروا الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وقالوا إنه لا يكون في الأرض من خير ولا شر إلا ما شاء الله وأن الأشياء تكون بمشيئه الله كما قال تعالى وما تشاؤن إلا أن يشاء الله وكما قال المسلمون ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وقالوا إن أحدا لا يستطيع أن يفعل شيئا قبل أن يفعله أو يكون أحد يقدر أن يخرج عن علم الله أو أن يفعل شيئا علم الله أنه لا يفعله واقروا أنه لا خالق إلا الله تعالى وأن أفعال العباد يخلقها الله تعالى وأن العباد لا يقدرون أن يخلقوا شيئا وأن الله تعالى وفق المؤمنين لطاعته وخذل الكافرين ولطف بالمؤمنين ونظر لهم وأصلحهم وهداهم ولم يلطف بالكافرين ولا أصلحهم ولا هداهم ولو أصلحهم لكانوا صالحين ولو هداهم لكانوا مهتدين وأن الله تعالى يقدر أن يصلح الكافرين ويلطف بهم حتى يكونوا مؤمنين ولكنه أراد أن يكونوا كافرين كما علم وخذلهم واضلهم وطبع على قلوبهم وأن الخير والشر بقضاء الله وقدره ويؤمنون بقضاء الله وقدره وخيره وشره وحلوه ومره ويؤمنون أنهم لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله كما قال ويلجئون أمرهم إلى الله ويثبتون الحاجة إلى الله في كل وقت والفقر إلى الله في كل حال ويقولون إن القرآن كلام الله غير مخلوق والكلام في الوقف واللفظ فمن قال باللفظ أو بالوقف فهو مبتدع عندهم لا يقال اللفظ بالقرآن آن مخلوق ولا يقال غير مخلوق ويقولون إن الله تعالى يرى بالأبصار يوم القيامة كما يرى القمر ليلة البدر ويراه المؤمنون ولا يراه الكافرون لأنهم عن الله تعالى محجوبون قال الله تعالى كلا أنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون وأن موسى عليه السلام سال الله سبحانه وتعالى الرؤية في الدنيا وإن الله تعالى تجلى للجبل فجعله دكا فاعلمه بذلك أنه لا يراه في الدنيا بل يراه في الآخرة ولا يكفرون أحدا من أهل القبلة بذنب يرتكبه كنحو الزنا والسرقة وما أشبه ذلك من الكبائر وهم بما معهم من الإيمان مؤمنون وإن ارتكبوا الكبائر والإيمان عندهم هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالقدر خيره وشره حلوه ومره وأن ما أخطأهم لم يكن ليصيبهم وأن ما أصابهم لم يكن ليخطئهم والإسلام هو أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله كما جاء في الحديث والإسلام

عندهم غير الإيمان ويقرون بأن الله مقلب القلوب ويقرون بشفاعة رسول الله وأنها لأهل الكبائر من أمته وبعذاب القبر وأن الحوض حق والصراط حق والبعث بعد الموت حق والمحاسبة من الله لعباده حق والوقوف بين يدي الله تعالى حق ويقرون بأن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ولا يقولون مخلوق ولا غير مخلوق ويقولون أسماء الله هي الله تعالى ولا يشهدون على أحد من أهل الكبائر بالنار ولا يحكمون بالجنة لأحد من الموحدين حتى يكون الله تعالى ينزلهم حيث شاء ويقولون أمرهم إلى الله أن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم ويؤمنون بأن الله تعالى يخرج قوما من الموحدين من النار على ما جاءت به الروايات عن رسول الله وينكرون الجدال والمراء في الدين والخصومة في القدر والمناظرة فيما يتناظر فيه أهل الجدل ويتنازعون فيه من دينهم بالتسليم للروايات الصحيحة ولما جاءت به الآثار التي رواها الثقات عدلا عن عدل حتى ينتهي ذلك إلى رسول الله ولا يقولون كيف ولا لم لان ذلك بدعة ويقولون إن الله تعالى لم يأمر بالشر بل نهى عنه وأمر بالخير ولم يرض بالشرك وأن كان مريدا له ويعرفون حق السلف الذين اختارهم الله تعالى لصحبه نبيه ويأخذون بفضائلهم ويمسكون عما شجر بينهم صغيرهم وكبيرهم ويقدمون أبا بكر ثم عمر ثم عثمان ثم عليا رضي الله عنهم ويقرون بأنهم الخلفاء الراشدون المهديون وانهم أفضل الناس كلهم بعد رسول الله ويصدقون بالأحاديث التي جاءت عن رسول الله أن الله ينزل إلى السماء الدنيا فيقول هل من مستغفر كما جاء في الحديث عن رسول الله ويأخذون بالكتاب والسنة كما قال تعالى فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ويرون إتباع من سلف من أئمة الدين وان لا يتبعوا في دينهم ما لم يأذن به الله ويقرون أن الله تعالى يجيء يوم القيامة كما قال وجاء ربك والملك صفا صفا وأن الله تعالى يقرب من خلقه كيف شاء كما قال ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ويرون العيدين والجمعة والجماعة خلف كل أمام بر أو فاجر ويثبتون المسح على الخفين سنة ويرونه في الحضر والسفر ويثبتون فرض الجهاد للمشركين منذ بعث الله نبيه إلى آخر عصابة تقاتل الدجال وبعد ذلك يرون الدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح وأن لا يخرج عليهم بالسيف وأن لا يقاتلوا في الفتنة ويصدقون بخروج الدجال وأن عيسى بن مريم عليه

الصلاة والسلام يقتله ويؤمنون بمنكر ونكير والمعراج والرؤيا في المنام وان الدعاء لموتى المسلمين والصدقة عنهم بعد موتهم تصل إليهم ويصدقون أن في الدنيا سحرة وإن الساحر كافر كما قال الله تعالى وان السحر كان موجود في الدنيا ويرون الصلاة على كل من مات من أهل القبلة مؤمنهم وفاجرهم ويقرون أن الجنة والنار مخلوقتان وأن من مات مات بأجله وكذلك كل من قتل قتل بأجله وإن الأرزاق من قبل الله تعالى يرزقها عباده حلالا كانت أو حراما وأن الشيطان يوسوس للإنسان ويشككه ويخبطه وأن الصالحين قد يجوز أن يخصهم الله تعالى بآيات تظهر عليهم وأن السنة لا تنسخ بالقرآن وأن الأطفال أمرهم إلى الله إن شاء عذبهم وأن شاء فعل بهم ما أراد وأن الله تعالى عالم ما العباد عاملون وكتب أن ذلك يكون وان الأمور بيد الله تعالى ويرون الصبر على حكم الله والأخذ بما أمر الله تعالى والإنتهاء عمى نهى الله عنه وإخلاص العمل لله والنصيحة للمسلمين ويدينون بعبادة الله في العابدين والنصيحة لجماعة المسلمين واجتناب الكبائر والزنا وقول الزور والمعصية والفخر والكبر والازدراء على الناس والعجب ويرون مجانبة كل داع إلى بدعة والتشاغل بقراءة القرآن وكتابة الآثار والنظر في الفقه مع التواضع والاستكانة وحسن الخلق وبذل المعروف وكف الأذى وترك الغيبة والنميمة والسعاية وتفقد المآكل والمشارب فهذه جملة ما يأمرون به ويستعملونه ويرونه وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول وإليه نذهب وما توفيقنا إلا بالله وهو حسبنا ونعم الوكيل وبه نستعين وعليه نتوكل وإليه المصير والمقصود حكايته عن جميع أهل السنة والحديث أن الجنة والنار مخل2وقتان وسقنا جملة كلامه ليكون الكتاب مؤسسا على معرفة من يستحق البشارة المذكورة وأن أهل هذه المقالة هم أهلها وبالله التوفيق وقد دل على ذلك من القرآن قوله تعالى ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المآوى وقد رأى النبي سدرة المنتهى ورأى عندها جنة المأوى كما في الصحيحين من حديث أنس في قصة الأسراء وفي آخره ثم أنطلق بي جبريل حتى أنتهى إلى سدرة المنتهى فغشيها ألوان لا أدرى ما هي قال ثم دخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها المسك وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله قال أن أحدكم

إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي أن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وأن كان من اهل النار فمن أهل النار فيقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله تعالى يوم القيامة وفي المسند وصحيح الحاكم وابن حبان وغيرهم من حديث ألبراء ابن عازب قال خرجنا مع رسول الله في جنازة رجل من الأنصار فذكر الحديث بطولة وفيه فينادي مناد من السماء إن ! صدق عبدي فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة فيأتيه من روحها وطيبها وذكر الحديث وفي الصحيحين من حديث أنس بن مالك قال قال رسول الله أن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم قال فيأتيه ملكان فيقعدانه فيقولان له ما كنت تقول في هذا الرجل قال فأما المؤمن فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله قال فيقولان له أنظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا في الجنة قال نبي الله فيراهما جميعا وفي صحيح أبي عوانة الاسفرايني وسنن أبي داود من حديث البراء بن عازب الطويل في قبض الروح ثم يفتح له باب من الجنة وباب من النار فيقال هذا كان منزلك لو عصيت الله تعالى أبدلك الله به هذا فإذا رأى ما في الجنة قال رب عجل قيام الساعة كيما أرجع إلى أهلي ومالي فيقال أسكن وفي مسند البزار وغيره من حديث أبي سعيد قال شهدنا مع النبي جنازة فقال رسول الله أيها الناس أن هذه الأمة تبتلى في قبورها فإذا دفن الإنسان وتفرق عنه أصحابه جاءه ملك في يده مطراق فأقعده فقال ما تقول في هذا الرجل يعني محمدا فإن كان مؤمنا قال اشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده رسوله فيقولون له صدقت ثم يفتح له باب إلى النار فيقولون هذا كان منزلك لو كفرت بربك فأما إذا آمنت به فهذا منزلك فيفتح له باب إلى الجنة فيريد أن ينهض إلى الجنة فيقولون له اسكن وذكر الحديث وفي صحيح مسلم عن عائشة قالت خسفت الشمس في حياة رسول الله فذكرت الحديث إلى أن قالت ثم قام فخطب الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتموهما فافرغوا إلى الصلاة وقال رسول الله رأيت في مقامي هذا كل شيء وعدتم حتى لقد رأيتني آخذ قطفا من الجنة حين رأيتموني

أقدم ولقد رأيت جهنم يحطم بعضها حين رأيتموني تأخرت وفي الصحيحين واللفظ للبخاري عن عبد الله بن عباس قال انخسفت الشمس على عهد رسول الله فذكر الحديث وفيه قال أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله فقالوا يا رسول الله رأيناك تناولت شيئا في مقامك ثم رأيناك تكعكعت فقال أني رأيت الجنة وتناولت عنقودا ولو أصبته لإكلتم منه ما بقيت الدنيا ورأيت النار فلم أر منظرا كاليوم قط افظع ورأيت أكثر أهلها النساء قالوا بم يا رسول الله قال بكفرهن قيل أيكفرن بالله قال يكفرن العشير ويكفرن الإحسان لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئا قالت ما رأيت منك خيرا قط وفي صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر عن النبي في صلاة الخسوف قال قد دنت مني الجنة حتى لو اجترأت عليها لجئتكم بقطاف من قطافها ودنت مني النار حتى قلت أي رب وأنا معهم فإذا امرأة حسبت أنه قال تخدشها هرة قلت ما شان هذه قالوا حبستها حتى ماتت جوعا لا أطعمتها ولا أرسلتها تأكل وفي صحيح مسلم من حديث جابر في هذه القصة قال عرض على كل شيء تولجونه فعرضت على الجنة حتى تناولت منها قطفا فقصرت يدي عنه وعرضت على النار فرأيت فيها امرأة من بني إسرائيل تعذب في هرة لها وذكر الحديث وفي صحيح مسلم عنه في هذا الحديث ما من شيء توعدونه إلا قد رأيته في صلاتي هذه لقد جيء بالنار وذلك حين رأيتموني تأخرت مخافة أن يصيبني من لفحها وحتى رأيت فيها صاحب المحجن يجر قصبة في النار وكان يسرق الحاج بمحجنه فإذا فطن له قال إنما تعلق بمحجني وإن غفل عنه ذهب به وحتى رأيت فيها صاحبة الهرة التي ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت جوعا ثم جيء بالجنة وذلكم حين رأيتموني تقدمت حتى قمت في مقامي ولقد مددت يدي وأنا أريد أن أتناول من ثمرها لتنظروا إليه ثم بدا لي ان لا أفعل فما من شيء توعدونه إلا قد رايته في صلاتي هذه وفي مسند الأمام أحمد وسنن ابي داود والنسائي من حديث عبد الله بن عمرو وفي هذه القصة والذي نفس محمد بيده لقد أدنيت الجنة حتى لو بسطت يدي لتعاطيت من قطوفها ولقد أدنيت النار منى حتى لقد جعلت أتقيها خشية أن تغشاكم وذكر الحديث وفي صحيح

مسلم من حديث أنس بن مالك قال بينما رسول الله ذات يوم إذ أقيمت الصلاة فقال يا ايها الناس إني إمامكم فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا ترفعوا رؤسكم فإني أراكم من أمامي ومن خلفي وأيم الذي نفسي بيده لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا قالوا وما رأيت يا رسول الله قال رأيت الجنة والنار وفي الموطأ والسنن من حديث كعب أبن مالك قال قال رسول الله إنما نسمة المؤمن طير يعلق في شجر الجنة حتى يرجعها الله إلى جسده يوم القيامة وهذا صريح في دخول الروح الجنة قبل يوم القيامة ومثله حديث كعب بن مالك أيضا عن النبي أن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تعلق في ثمر الجنة أو شجر الجنة رواه أهل السنن وصححه الترمذي وسيأتي في آخر هذا الكتاب في الباب الذي يذكر فيه دخول أرواح المؤمنين الجنة قبل يوم القيامة تمام هذه الأحاديث أن شاء الله تعالى وذكر دلالة القرآن على ما دلت عليه السنة من ذلك وفي صحيح مسلم والسنن والمسند من حديث أبي هريرة أن رسول الله قال لما خلق الله تعالى الجنة والنار أرسل جبريل إلى الجنة فقال أذهب فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها فذهب فنظر إلى ما أعد الله لأهلها فيها فرجع فقال وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها فأمر الجنة فحفت بالمكاره فقال فارجع فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها قال فنظر إليها ثم رجع فقال وعزتك لقد خشيت أن لا يدخلها أحد قال ثم أرسله إلى النار قال أذهب فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها قال فنظر إليها فإذا هي يركب بعضها بعضا ثم رجع فقال وعزتك وجلالك لا يدخلها أحد سمع بها فأمر بها فحفت بالشهوات ثم قال أذهب فانظر إلى ما أعددت لأهلها فيها فذهب فنظر إليها فرجع فقال وعزتك لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد إلا دخلها قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة حجبت الجنة بالمكاره وحجبت النار بالشهوات وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري عن رسول الله قال اختصمت الجنة والنار فقالت الجنة يا رب ما لها إنما يدخلها ضعفاء الناس وسقطهم وقالت النار يا رب ما لها يدخلها الجبارون والمتكبرون فقال أنت رحمتي أصيب بك من أشاء وأنت عذابي أصيب بك من أشاء ولكل

واحدة منكما ملؤها وفي الصحيحين من حديث أبن عمر عن النبي أنه قال اشتكت النار إلى ربها فقالت يا رب أكل بعضي بعضا فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف وروى الليث بن سعيد عن معاوية أبن صالح عن عبد الملك بن بشير ورفع الحديث قال ما من يوم إلا والجنة والنار يسألان تقول الجنة يا رب قد طاب ثمري واطردت أنهاري واشتقت إلى أوليائي فعجل إلى بأهلي وتقول النار أشتد حري وبعد قعري وعظم جمري فعجل على بأهلي وفي صحيح البخاري من حديث أنس عن النبي أنه قال بينما أنا أسير في الجنة وإذا بنهر في الجنة حافتاه قباب الدر المجوف قال قلت ما هذا يا جبريل قال هذا الكوثر الذي أعطاك ربك فضرب الملك بيده فإذا طينه المسك الأذفر وفي صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله قال سمعت رسول الله يقول دخلت الجنة فرأيت فيها قصرا ودارا فقلت لمن هذا فقيل لرجل من قريش فرجوت أن أكون أنا هو فقيل لعمر بن الخطاب فلولا غيرتك يا أبا حفص لدخلته قال فبكى عمر وقال أيغار عليك يا رسول الله وسيأتي حديث بلال وقول النبي ولم ما دخلت الجنة إلا سمعت خشخشتك بين يدي وغير ذلك من الأحاديث التي تأتي أن شاء الله تعالى وقال عبد الله بن وهب أنبأنا معاوية بن صالح عن عيسى بن عاصم عن زر بن حبيش عن أنس بن مالك قال صلى بنا رسول الله ذات يوم صلاة الصبح ثم مد يده ثم أخرها فلما سلم قيل له يا رسول الله لقد صنعت في صلاتك شيئا لم تصنعه في غيرها قال أني رأيت الجنة فرأيت فيها دالية قطوفها دانية حبها كالدباء فأردت أن أتناول منها فأوحى إليها أن إستأخري ثم رأيت النار بيني وبينكم حتى رأيت ظلي وظلكم فأومأت إليكم أن استأخروا فأوحى إلى أقرهم فإنك أسلمت وأسلموا وهاجرت وهاجروا وجاهدت وجاهدوا فلم أر لي عليكم فضلا إلا بالنبوة فإن قيل فما منعكم عن الاحتجاج على وجودها الآن بقصد آدم ودخوله الجنة وإخراجه منها بأكله من الشجرة والاستدلال بها في غاية الظهور قيل الاستدلال بذلك وإن كان عند العامة في غاية الظهور فهو في غاية الغموض لاختلاف الغموض لاختلاف الناس في الجنة التي أسكنها آدم هل كانت جنة الخلد التي يدخلها المؤمنون يوم القيامة أو كانت جنة في الأرض في شرفها ونحن

بذكر من قال بهذا ومن قال بهذا وما احتج به كل فريق على قولهم وما رد به الفريق الآخر عليهم بحول الله وقوته

الباب الثاني في اختلاف الناس في الجنة التي أسكنها آدم عليه الصلاة
والسلام وأهبط منها هل هي جنة الخلد أو جنة أخرى غيرها في موضع عال من الأرض قال منذر أبن سعيد في تفسير قوله تعالى أسكن أنت وزوجك الجنة فقالت طائفة أسكن الله آدم جنة الخلد التي يدخلها المؤمنون يوم القيامة وقال آخرون هي جنة غيرها جعلها الله له وأسكنه إياها ليست جنة الخلد قال وهذا قول تكثر الدلائل الشاهدة له والموجبة للقول به وقال أبو الحسن الماوردي في تفسيره واختلف الناس في الجنة التي أسكناها على قولين أحدهما أنها جنة الخلد الثاني أنها جنة أعدها الله تعالى لهما وجعلها ابتلاء وليست هي جنة الخلد التي جعلها دار جزاء ومن قال بهذا اختلفوا فيه قولين أحدهما أنها في السماء لأنه أهبطهما منها وهذا قول الحسن الثاني أنها في الأرض لأنه امتحنهما فيها بالنهي عن الشجرة التي نهيا عنها دون غيرها من الثمار وهذا قول أبن بحر وكان ذلك بعد أن أمر إبليس بالسجود لآدم عليه الصلاة و السلام والله اعلم بصواب ذلك هذا كلامه وقال ابن الخطيب في تفسيره المشهور واختلفوا في الجنة المذكورة في هذه الآية هل كانت في الأرض أو في السماء وبتقدير أنها كانت في السماء فهل هي الجنة التي هي دار الثواب وجنة الخلد أو جنة أخرى فقال ابو القاسم البلخي وأبو مسلم الأصبهاني هذه الجنة في الأرض وجملا الأهباط على الأنتقال من بقعة إلى بقعة كما في قوله أهبطوا مصرا واحتجا عليه بوجوده القول الثاني وهو قول الجبائي أن تلك الجنة التي كانت في السماء السابعة والقول الثالث وهو قول جمهور أصحابنا أن هذه الجنة هي دار الثواب وقال أبو القاسم الراغب في تفسيره واختلف في الجنة التي أسكنها آدم فقال بعض المتكلمين كان بستانا جعله الله تعالى له امتحانا ولم يكن جنة المآوى وذكر بعض الاستدلال على القولين وممن ذكر الخلاف أيضا أبو عيسى الرماني في تفسيره واختار أنها جنة الخلد ثم قال والمذهب الذي إخترناه قول الحسن وعمرو وواصل واكثر أصحابنا وهو قول أبي علي وشيخنا أبي بكر وعليه أهل التفسير وأختار أبن الخطيب التوقف في المسألة وجعله قولا رابعا فقال والقول الرابع أن لكل ممكن والإدلة متعارضة فوجب التوقف وترك القطع قال منذر بن سعيد والقول

بإنها جنة في الأرض ليست جنة الخلد قول أبي حنيفة وأصحابه قال وقد رأيت أقواما نهضوا لمخالفتنا في جنة آ4دم عليه السلام بتصويب مذهبهم من غير حجة إلا الدعاوي والأماني ما أتوا بحجة من كتاب ولا سنة ولا اثر عن صاحب ولا تابع ولا تابع التابع ولا موصولا ولا شاذا مشهورا وقد أوجدناهم أن فقيه العراق ومن قال بقوله قالوا أن جنة آدم ليست جنة الخلد وهذه الدواوين مشحونة من علومهم ليسوا عند أحد من الشاذين بل بين رؤساء المخالفين وإنما قلت هذا ليعلم اني لا انصر مذهب أبي حنيفة وإنما أنصر ما قام لي عليه الدليل من القرآن والسنة هذا أبن زيد المالكي يقول في تفسيره سألت أبن نافع عن الجنة أمخلوقة هي فقال السكوت عن الكلام في هذا أفضل وهذا أبن عيينة يقول في قوله عز و جل إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى قال يعني في الأرض وابن نافع وامام وأبن عيينة امام وهو لا يأتوننا بمثلهما ولا من يضاد قوله لهما وهذا ابن قتيبة ذكر في كتاب المعارف بعد ذكره خلق الله لآدم وزوجه قال ثم تركتهما وقال أثمروا واكثروا وأملؤا الأرض وتسلطوا على انوان البحور وطير السماء والأنعام وعشب الأرض وشجرها وثمرها فأخبر ان في الرض خلقه وفيها امره ثم قال ونصب الفردوس فانقسم على أربعة أنهار سيحون وجيحون ودجلة والفرات ثم ذكر الحية فقال وكانت أعظم دواب البر فقالت للمراة أنكالا تموتان إن أكلتما من هذه الشجرة ثم قال بعد كلام ثم اخرجه من مشرق جنة عدن إلى الأرض التي منها أخذ ثم قال قال وهب وكان مهبطه حين أهبط من جنة عدن في شرقي أرض الهند قال واحتمل قابيل أخاه حتى اتى به واديا من اودية اليمن في شرقي عدن فكمن فيه وقال غيره فيما نقل أبو صالح عن أبن عباس في قوله أهبطوا هو كما يقال هبط فلان أرض كذا وكذا قال منذر بن سعيد فهذا وهب بن منبه يحكي أن آدم عليه السلام خلق في الأرض وفيها سكن وفيها نصب له الفردوس وإنه كان بعدن وإن أربعة أنهار أنقسمت من ذلك النهر الذي كان يسمى فردوس آدم وتلك الأنهار بقيت في الأرض لاختلاف بين المسلمين في ذلك فاعتبروا يا اولي الألباب وأخبر ان الحية التي كلمت آدم كانت من أعظم دواب البر ولم يقل من أعظم دواب السماء فهم يقولون إن الجنة لم تكن في الأرض وإنما كانت فوق السماء السابعة ثم قال وأخرجه من مشرق جنة عدن وليس في جنة المآوى مشرق ولا مغرب لأنه

لا شمس فيها ثم قال وأخرجه إلى الأرض التي اخذ منها يعني أخرجه من الفردوس الذي نصب له في عدن في شرقي أرض الهند وهذه الأخبار التي حكى ابن قتيبة إنما تنبئ عن أرض اليمن وعن عدن وهي من أرض اليمن وأخبر أن الله نصب الفردوس لآدم عليه السلام بعدن ثم أكد ذلك بأن قال أربعة الأنهار التي ذكرناها منقسمة عن النهر الذي كان يسمى فردوس آدم قال منذر وقال ابن قتيبة عن ابن منبه عن أبي هريرة قال واشتهى آدم عند موته قطفا من الجنة التي كان فيها بزعمهم على ظهر السماء السابعة وهو في الأرض فخرج أولاده يطلبون ذلك له حتى بلغتهم الملائكة موته فأولاد آدم كانوا مجانين عندكم إن كان ما نقله إبن قتيبة حقا يطلبون لابيهم ثمر جنة الخلد في الأرض قال ونحن لم نقل غير ما قال هؤلاء ولو كانت جنة الخلد فيها ونحن استدللنا من القرآن وغيرنا قطع وادعى بما ليس له عليه برهان فهذا ذكر بعض أقوال من حكى الخلاف في هذه المسئلة ونحن نسوق حجج الفريقين إن شاء الله تعالى ونبين لهم ما لهم وما عليهم

الباب الثالث في سياق حجج من اختار أنها جنة الخلد التي يدخلها الناس
يوم القيامة قالوا قولنا هذا هو الذي فطر الله عليه الناس صغيرهم وكبيرهم لم يخطر بقلوبهم سواه وأكثرهم لا يعلم في ذلك نزاعا قالوا وقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي مالك عن أبي حازم عن أبي هريرة وأبي مالك عن ربعي عن حذيفة قالا قال رسول الله يجمع الله تعالى الناس فيقوم المؤمنون حتى تزلف لهم الجنة فيأتون آدم عليه السلام فيقولون يا أبانا استفتح لنا الجنة فيقول وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم وذكر الحديث قالوا وهذا يدل على أن الجنة التي أخرج منها هي بعينها التي يطلب منه أن يستفتحها وفي الصحيحين حديث احتجاج آدم وموسى وقول موسى أخرجتنا ونفسك من الجنة ولو كانت في الأرض فهم قد خرجوا من بساتين فلم يخرجوا من الجنة وكذلك قول آدم للمؤمنين يوم القيامة وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم وخطيئته لم تخرجهم من جنات الدنيا قالوا وقد قال تعالى في سورة البقرة وقلنا يا آدم أسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما

كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين فهذا يدل على أن هبوطهم كان من الجنة إلى الأرض من وجهين أحدهما من لفظة اهبطوا فإنه نزول من علو إلى اسفل والثاني قوله ولكم في الأرض مستقر عقب قوله اهبطوا فدل على أنهم لم يكونوا قبل ذلك في الأرض ثم أكد هذا بقوله في سورة الأعراف قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون ولو كانت الجنة في الأرض لكانت حياتهم فيها قبل الأخراج وبعد قالوا وقد وصف سبحانه جنة آدم بصفات لا تكون إلا في جنة الخلد فقال إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى وأنت لا تظمأ فيها ولا تضحى وهذا لا يكون في الدنيا أصلا فأن الرجل ولو كان أطيب منازلها لا بد أن يعرض له شيء من ذلك وقابل سبحانه بين الجوع والظمأ والعرى والضحى فإن الجوع ذل الباطن والعري ذل الظاهر والظمأ حر الباطن والضحى حر الظاهر فنفى عن سكانها ذل الظاهر والباطن وحر الظاهر والباطن وذلك احسن من المقابلة بين الجوع والعطش والعري والضحى وهذا شأن ساكن جنة الخلد قالوا وأيضا فلو كانت تلك الجنة في الدنيا لعلم آدم كذب إبليس في قوله هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى فإن آدم كان يعلم إن الدنيا منقضية فانية وإن ملكها يبلى قالوا وأيضا هذه القصة في سورة البقرة ظاهرة جدا في أن الجنة التي اخرج منها فوق السماء فإنه سبحانه قال وإذا قلنا للملائكة أسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين وقلنا يا آدم أسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم فهذا اهباط آدم وحواء وإبليس من الجنة فلهذا أتى فيه بضمير الجمع وقد قيل إن الخطاب لهما وللحية وهذا ضعيف جدا إذ لا ذكر للحية في شيء من قصة آدم ولا في السياق ما يدل عليها وقيل الخطاب لآدم وحواء وأتى فيه بضمير الجمع كقوله وكنا لحكمهم شاهدين وهما داود وسليمان وقيل لآدم وحواء وذريتهما وهذه الأقوال ضعيفة غير الأول لأنها قول لا دليل عليه بين ما يدل اللفظ على خلافه فثبت أن إبليس داخل في هذا الخطاب وانه من

المهبطين فإذا تقرر هذا فقد ذكر سبحانه الإهباط ثانيا بقوله قلنا إهبطوا منها جميعا فأما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والظاهر أن هذا الأهباط الثاني في غير الأول وهو اهباط من السماء إلى الأرض والأول اهباط من الجنة وحينئذ فتكون الجنة التي اهبط منها أولا فوق السماء جنة الخلد وقد ظن الزمخشري أن قوله اهبطوا منها جميعا خطاب لآدم وحواء خاصة وعبر عنهما بالجمع لاستتباعهما ذرياتهما قال والدليل عليه قوله تعالى قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو قال ويدل على ذلك قوله فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون وما هو إلا حكم يعم الناس كلهم ومعنى قوله بعضكم لبعض عدو ما عليه الناس من التعادي والتباغي وتضليل بعضهم بعضا وهذا الذي اختاره أضعف الأقوال في الاية فإن العداوة التي ذكرها الله تعالى إنما هي بين آدم وإبليس وذريتهما كما قال الله تعالى إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا وهو سبحانه قد أكد أمر العداوة بين الشيطان والإنسان واعاد وأبدى ذكرها في القرآن لشدة الحاجة إلى التحرز من هذا العدو وأما آدم وزوجته فإنه إنما أخبر في كتابه أنه خلقها ليسكن إليها وجعل بينهما مودة ورحمة فالمودة والرحمة بين الرجل وامرأته والعداوة بين الإنسان والشيطان وقد تقدم ذكر آدم وزوجه وإبليس وهو ثلاثة فلماذا يعود الضمير على بعض المذكور مع منافرته لطريق الكلام دون جميعه مع أن اللفظ والمعنى يقتضيه فلم يصنع الزمخشري شيئا وأما قوله تعالى في سورة طه قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو وهذا خطاب لآدم وحواء وقد جعل بعضهم لبعض عداوا فالضمير في قوله اهبطا منها أما أن يرجع إلى آدم وزوجته أو إلى آدم وإبليس ولم يذكر الزوجة لأنها تبع له وعلى هذا فلعداوة المذكورة للمتخاطبين بالاهباط وهما آدم وإبليس فالأمر ظاهر وأما على الأول فتكون الآية قد اشتملت على أمرين أحدهما أمره تعالى لا لآدم وزوجه بالهبوط والثاني إخباره بالعداوة بين آدم وزوجته وبين إبليس ولهذا أتى الضمير الجمع في الثاني دون الأول ولا بد أن يكون إبليس داخلا في حكم هذه العداوة قطعا كما قال تعالى إن هذا عدو لك ولزوجك وقال للذرية إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا وتأمل كيف اتفقت المواضع التي فيها ذكر العداوة على ضمير

الجمع دون التثنية وأما الاهباط فتارة يذكره بلفظ الجمع وتارة بلفظ التثنية وتارة بلفظ الأفراد كقوله في سورة الأعراف قال اهبط منها وكذلك في سورة ص وهذا لإبليس وحده وحيث ورد بصيغة الجمع فهو لآدم وزوجه وإبليس إذ مدار القصة عليهم وحيث ورد بلفظ التثنية فأما أن يكون لآدم وزوجه اذهما اللذان باشرا الأكل من الشجرة وأقدما على المعصية وإما أن يكون لآدم وإبليس اذ هما أبوا الثقلين وأصلا الذرية فذكر حالهما ومآل أمرهما ليكون عظة وعبرة لأولادهما وقد حكيت القولين في ذلك والذي يوضح أن الضمير في قوله اهبطا منها جميعا لآدم وإبليس إن الله سبحانه لما ذكر المعصية أفرد بها آدم دون زوجه فقال وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى قال اهبطا منها جميعا وهذا يدل على أن المخاطب بالاهباط هو آدم ومن زين له المعصية ودخلت الزوجة تبعا فإن المقصود إخبار الله تعالى للثقلين بما جرى على أبويهما من شؤم المعصية ومخالفة الأمر فذكر أبويهما أبلغ في حصول هذا المعنى من ذكر أبوي الإنس فقط وقد اخبر سبحانه عن الزوجة بأنها أكلت مع آدم وأخبر أنه اهبطه وأخرجه من الجنة بتلك الأكلة فعلم أن حكم الزوجة كذلك وأنها صارت إلى ما صار إليه آدم وكان تجريد العناية إلى ذكر حال أبوي الثقلين أولى من تجريده إلى ذكر أبي الأنس وأمهم فتأمله
وبالجملة فقوله اهبطوا بعضكم لبعض عدو ظاهر في الجمع فلا يسوغ حمله على الأثنين في قوله اهبطا من غير موجب قالوا وأيضا فالجنة جاءت معرفة بلام التعريف في جميع المواضع كقوله أسكن أنت وزوجك الجنة ونظائره ولا جنة يعهدها المخاطبون ويعرفونها الأجنة الخلد التي وعد الرحمن عباده بالغيب فقد صار هذا الاسم علما عليها بالغلبة كالمدينة والنجم والبيت والكتاب ونظائرها فحيث ورد لفظها معرفا انصرف إلى الجنة المعهودة المعلومة في قلوب المؤمنين وأما أن أريد به جنة غيرها فإنها تجيء منكرة أو مقيدة بالإضافة أو مقيدة من السياق بما يدل على أنها جنة في الأرض فالأول كقوله جنتين من أعناب والثاني كقوله ولولا إذ دخلت جنتك والثالث كقوله أنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة قالوا مما يدل على أن جنة آدم هي جنة المآوى ما روى هوذة بن خليفة عن عوف عن قسامة بن زهير عن أبي موسى الأشعري قال إن الله تعالى لما أخرج آدم من الجنة زوده من ثمار الجنة وعلمه صنعة كل شيء

فثماركم هذه من ثمار الجنة غير إن هذه تتغير وتلك لا تتغير قالوا وقد ضمن الله سبحانه وتعالى له إن تاب إليه وأناب أن يعيده إليها كما روى المنهال عن سعيد أبن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه قال يا رب ألم تخلقني بيدك قال بلى قال أي رب ألم تنفخ في من روحك قال بلى قال أي رب ألم تسكني جنتك قال بلى قال أي رب ألم تسبق رحمتك غضبك قال بلى قال أرأيت أن تبت وأصلحت أراجعي أنت إلى الجنة قال بلى قال فهو قوله تعالى فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه وله طرق عن ابن عباس وفي بعضها كان آدم قال لربه إذا عصاه رب أن أنا تبت وأصلحت فقال له ربه إني راجعك إلى الجنة فهذا بعض ما احتج به القائلون بأنها جنة الخلد ونحن نسوق حجج الآخرين

الباب الرابع في سياق حجج الطائفة التي قالت ليست جنة الخلد وإنما هي
جنة في الأرض قالوا هذا قول تكثر الدلائل الموجبة للقول به فنذكر بعضها قالوا قد أخبر الله سبحانه على لسان جميع رسله أن جنة الخلد أنما يكون الدخول إليها يوم القيامة ولم يأت زمن دخولها بعد وقد وصفها الله سبحانه وتعالى لنا في كتابة بصفاتها ومحال أن يصف الله سبحانه وتعالى شيئا بصفته ثم يكون ذلك الشيء بغير تلك الصفة التي وصفه بها قالوا فوجدنا الله تعالى وصف الجنة التي اعدت للمتقين بإنها دار المقامة فمن دخلها أقام بها ولم يقم آدم بالجنة التي دخلها ووصفها بإنها جنة الخلد وآدم لم يخلد فيها ووصفها بأنها دار ثواب وجزاء لا دار تكليف وأمر ونهى ووصفها بأنها دار سلامة مطلقة لا دار ابتلاء وامتحان وقد ابتلى آدم فيها بأعظم الابتلاء ووصفها بأنها دار لا يعصي الله فيها أبدا وقد عصى آدم ربه في جنته التي دخلها ووصفها بأنها ليست دار خوف ولا حزن وقد حصل للأبوين فيها من الخوف والحزن ما حصل وسماها دار السلام ولم يسلم فيها الأبوان من الفتنة ودار القرار ولم يستقر فيها وقال في داخلها وما هم منها بمخرجين وقد اخرج منها الأبوان وقال لا يمسهم فيها نصب وقد ند فيها آدم هاربا فارا وطفق يخصف ورق الجنة على نفسه وهذا النصب بعينه وأخبر أنه لالغو فيها ولا تأثيم وقد سمع فيها آدم لغو إبليس وإثمه وأخبر أنه لا يسمع فيها لغو ولا كذاب وقد سمع فيها آدم عليه السلام كذب

إبليس وقد سماها الله سبحانه وتعالى مقعد صدق وقد كذب فيها إبليس وحلف على كذبه وقد قال تعالى للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ولم يقل إني جاعل في جنة المأوى فقالت الملائكة أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ومحال أن يكون هذا في جنة المأوى وقد أخبر الله تعالى عن إبليس إنه قال لآدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى فإن كان الله سبحانه وتعالى قد اسكن آدم جنة الخلد والملك الذي لا يبلى فكيف لم يرد عليه ويقول له كيف تدلني على شيء أنا فيه وقد أعطيته ولم يكن الله سبحانه وتعالى قد اخبر آدم إذ أسكنه الجنة أنه فيها من الخالدين ولو علم أنها دار الخلد لما ركن إلى قول إبليس ولا مال إلى نصيحته ولكنه لما كان في غير دار خلود غره بما أطعمه فيه من الخلد قالوا ولو كان أدم أسكن جنة الخلد وهي دار القدس التي لا يسكنها إلا طاهر مقدس فكيف توصل إليها إبليس الرجس النجس المذموم المدحور حتى فتن فيها أدم عليه السلام ووسوس له وهذه الوسوسة إما أن تكون في قلبه وإما أن تكون في أذنه وعلى التقديرين فكيف توصل اللعين إلى دخول دار المتقين وأيضا فبعد أن قيل له اهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها أيفسح له أن يرقى إلى جنة المأوى فوق السماء السابعة بعد السخط عليه والأبعاد له والزجر والطرد بعتوه واستكباره وهل هذا يلائم قوله فما يكون لك أن تتكبر فيها فإن كانت مخاطبته لآدم بما خاطبه به وقاسمه عليه ليست تكبرا فما التكبر بعد هذا فإن قلتم فلعل وسوسته وصلت إلى الأبوين وهو في الأرض وهما فوق السماء في عليين فهذا غير معقول لغة ولا حسا ولا عرفا وإن زعمتم انه دخل في بطن الحية حتى أوصل إليهما الوسوسة فأبطل وأبطل إذ كيف يرتقي بعد الاهباط إلى أن يدخل الجنة ولو في بطن الحية وإذا قلتم إنه دخل في قلوبهما ووسوس إليهما فالمحذور قائم وأيضا فإن الله سبحانه وتعالى حكى مخاطبته لهما كلاما سمعاه شفاها فقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة وهذا دليل على مشاهدته لهما وللشجرة ولما كان آدم خارجا من الجنة وغير ساكن فيها قال الله تعالى له ألم أنهكما عن تلكما الشجرة ولم يقل عن هذه الشجرة فعندما قال لهما ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة لما أطعمها في ملكها والخلود في مقرها أتى باسم الإشارة بلفظ الحضور تقريبا لها وإحضارا لها عندهما وربهما تعالى قال لهما ألم أنهكما عن

تلكما الشجرة ولما اراد إخراجهما منها فأتى باسم الإشارة بلفظ البعد والغيبة كأنهما لم يبق لهما من الجنة حتى ولا مشاهدة الشجرة التي نهيا عنها وأيضا فإنه سبحانه قال إليه يصعد الكلم الطيب ووسوسة اللعين من اخبث الكلم فلا تصعد إلى محل القدس قال منذر وقد روى عن النبي أن آدم عليه السلام نام في جنته وجنة الخلد لا نوم فيها بالنص وإجماع المسلمين فإن النبي سئل أيتام أهل الجنة في الجنة قال لا النوم أخو الموت والنوم وفاة وقد نطق به القرآن والوفاة تقلب حال ودار السلام مسلمة من تقلب الأحوال والنائم ميت أو كالميت قلت الحديث الذي أشار إليه المعروف أنه موقوف من رواية أبن أبي نجيح عن مجاهد قال خلقت حواء من قصيري آدم وهو نائم وقال أسباط عن السدي أسكن آدم عليه السلام الجنة وكان يمشي فيها وحشا ليس له زوج يسكن إليها فنام نومه فاستيقظ فإذا عند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه فسألها ما انت قالت امرأة قال ولم خلقت قالت لتسكن إلى وقال ابن إسحاق عن ابن عباس ألقى الله على آدم عليه السلام السنة ثم اخذ ضلعا من أضلاعه من شقه الأيسر ولأم مكانه لحما وآدم نائم لم يهب من نومته حتى خلق الله من ضلعه تلك زوجته حواء فسواها امرأة يسكن إليها فلما كشف عنه السنة وهب من نومته رآها إلى جنبه فقال لحمي ودمي وروحي فسكن إليها قالوا ولا نزاع إن الله سبحانه وتعالى خلق آدم في الأرض ولم يذكر في موضع واحد أصلا أنه نقله إلى السماء بعد ذلك ولو كان قد نقله ذلك إلى السماء لكان هذا أولى بالذكر لأنه من اعظم الآيات ومن اعظم النعم عليه فإنه كان معراجا ببدنه وروحه من الأرض إلى فوق السموات قالوا وكيف ينقله سبحانه ويسكنه فوق السماء وقد اخبر ملائكته أنه جاعله في الأرض خليفة وكيف يسكنه دار الخلد التي من دخلها خلد فيها ولا يخرج منها قال تعالى وما هم فيها بمخرجين قالوا ولم يكن معنا في المسألة إلا أن الله سبحانه أهبط إبليس من السماء حين امتنع من السجود لآدم عليه السلام وهذا أمر تكوين لا يمكن وقوع خلافه ثم أدخل آدم عليه السلام والجنة بعد هذا فإن الأمر بالسجود كان عقب خلقه من غير فصل فلو كانت الجنة فوق السموات لم يكن لإبليس سبيل إلى صعوده

إليها وقد أهبط منها وأما تلك التقادير التي قدرتموها فتكلفات ظاهرة كقول من قال يجوز أن يصعد إليها صعودا عارضا لا مستقرا وقول من قال أدخلته الحية وقول من قال دخل في أجوافها وقول من قال يجوز أن تصل وسوسته إليها وهو في الأرض وهما فوق السماء ولا يخفى ما في ذلك من التعسف الشديد والتكلف البعيد وهذا بخلاف قولنا فإنه سبحانه لما أهبطه من ملكوت السماء حيث لم يسجد لآدم عليه السلام أشرب عداوته فلما أسكنه جنته حسده عدوه وسعى بكيده وغروره في إخراجه منها والله أعلم وقالوا ومما يدل على أن جنة آدم لم تكن جنة الخلد التي وعد المتقون أن الله سبحانه لما خلقه أعلمه أن لعمره أجلا ينتهي إليه وأنه لم يخلقه للبقاء كما روى الترمذي في جامعه من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله لما خلق الله آدم عليه السلام ونفخ فيه الروح عطس فقال الحمد لله فحمد الله بأذنه فقال ربه يرحمك الله يا آدم أذهب إلى أولئك الملائكة إلى ملأ منهم جلوس فقال السلام عليكم قالوا وعليك السلام الخ ثم رجع إلى ربه فقال إن هذه تحيتك وتحية بنيك بينهم فقال الله له ويداه مقبوضتان أختر أيهما شئت فقال أخترت يمين ربي وكلتا يديه يمين مباركة ثم بسطها فإذا فيها آدم وذريته فقال يا رب ما هؤلاء قال هؤلاء ذريتك فإذا كل إنسان مكتوب بين عينيه عمره فأذا فيهم رجل أضوؤهم قال يا رب من هذا قال هذا ابنك داود قد كتبت له عمرا أربعين سنة قال يا رب زده في عمره قال ذلك الذي كتبت له قال اي رب فاني قد جعلت له من عمري ستين سنة قال أنت وذلك قال ثم اسكن الجنة ما شاء الله ثم اهبط منها فكان آدم عليه السلام يعد لنفسه قال فأتاه ملك الموت فقال له آدم قد عجلت قد كتبت إلى ألف سنة قال بلى ولكنك جعلت لأبنك داود ستين سنة فجحد فجحدت ذريته ونسي فنسيت ذريته قال فمن يومئذ أمر بالكتاب والشهود قال هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه وقد روى من غير وجه عن ابي هريرة قالوا فهذا صريح في أن آدم عليه السلام لم يخلق في دار البقاء التي لا يموت من دخلها وإنما خلق في دار الفناء التي جعل الله تعالى لها ولسكانها أجلا معلوما وفيها اسكن فإن قيل فإذا كان آدم عليه السلام قد علم أن له عمرا مقدرا وأجلا ينتهي إليه وإنه ليس من الخالدين فكيف لم يعلم كذب إبليس في قوله هل أدلك على شجرة الخلد وقوله أو تكونا من الخالدين فالجواب من وجهين أحدهما أن الخلد لا يستلزم الدوام والبقاء بل هو المكث

الطويل كما سيأتي الثاني أن إبليس لما حلف له وغره وأطعمه في الخلود نسي ما قدر له من عمره قالوا وأيضا فمن المعلوم الذي لا ينازع فيه مسلم أن الله سبحانه خلق آدم عليه السلام من تربة هذه الأرض وأخبر أنه خلقه من سلالة من طين وأنه خلقه من صلصال من حمأ مسنون فقيل هو الذي له صلصلة لبيسة وقيل هو الذي تغيرت رائحته من قولهم صل اللحم إذا تغير والحمأ الطين الأسود المتغير والمسنون المصبوب وهذه كلها أطوار للتراب الذي هو مبدؤه الأول كما أخبر عن أطوار خلق الذرية من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة ولم يخبر سبحانه وتعالى أنه رفعه من الأرض إلى فوق السموات لا قبل التحليق ولا بعده فأين الدليل الدال على إصعاد مادته أو إصعاده هو بعد خلقه وهذا ما لا دليل لكم عليه ولا هو لازم من لوازم ما اخبر الله به وقالوا من المعلوم أن ما فوق السموات ليس بمكان للطين الأرضي المتغير الرائحة الذي قد انتن من تغيره وإنما محل هذه الأرض التي هي محل المتغيرات الفاسدات وأما ما فوق الأفلاك فلا يلحقه تغير ولا نتن ولا فساد ولا استحالة فهذا أمر لا يرتاب فيه العقلاء قالوا وقد قال الله تعالى وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ فأخبر سبحانه أن عطاء جنة الخلد غير مجذوذ قالوا فإذا جمع ما أخبر به سبحانه من أنه خلقه من الأرض وجعله خليفة في الأرض وإن إبليس وسوس إليه في مكانه الذي أسكنه فيه بعد ان أهبطه من السماء بامتناعه من السجود له وانه أخبر ملائكته أنه جاعل في الأرض خليفة وان دار الخلد دار جزاء وثواب على الامتحان والتكاليف وإنه لا لغو فيها ولا تأثيم ولا كذاب وأن من دخلها لا يخرج منها ولا ييأس ولا يحزن ولا يخاف ولا ينام وان الله حرمها على الكافرين وإبليس رأس الكفر فإذا جمع ذلك بعضه إلى بعض وفكر فيه المنصف الذي رفع له علم الدليل فشمر إليه بنفسه عن حضيض التقليد تبين له الصواب والله الموفق فلو لم يكن في المسألة إلا أن الجنة ليست دار تكليف وقد كلف الله سبحانه الأبوين بينهما عن الأكل من الشجرة فدل على أنها دار تكليف لا جزاء وخلد فهذا أيضا بعض ما احتجت به هذه الفرقة على قولها والله أعلم

الباب الخامس في جواب أرباب هذا القول لأصحاب القول الأول قالوا أما
قولكم إن قولنا هو الذي فطر الله عليه عباده بحيث لا يعرفون سواه فالمسألة سمعية لا تعرف إلا بأخبار الرسل ونحن وأنتم أنما تلقينا هذا من القرآن لا من

المعقول ولا من الفطرة فالمتبع فيه ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله ونحن نطالبكم بصاحب واحد أو تابع أو أثر صحيح او حسن بأنها جنة الخلد التي أعدها الله للمؤمنين بعينها ولن تجدوا إلى ذلك سبيلا وقد اوجدناكم من كلام السلف ما يدل على خلافه ولكن لما وردت الجنة مطلقة في هذه القصة ووافقت أسم الجنة التي اعدها الله لعباده في أطلاقها وبعض اوصافها فذهب كثير من الأوهام إلى أنها هي بعينها فإن أردتم بالفطرة هذا القدر لم يفدكم شيئا وإن أردتم أن الله فطر الخلق على ذلك كما فطرهم على حسن العدل وقبح الظلم وغير ذلك من الأمور الفطرية فدعوى باطلة ونحن إذا رجعنا إلى فطرنا لم نجد علمها بذلك كعلمها بوجوب الواجبات واستحالة المستحيلات وأما استدلالكم بحديث أبي هريرة رضي الله عنه وقول آدم وهل أخرجكم منها إلا خطيئة أبيكم فأنما يدل على تأخر آدم عليه السلام عن الاستقباح للخطيئة التي قد تقدمت منه في دار الدنيا وأنه بسبب تلك الخطيئة حصل له الخروج من الجنة كما في اللفظ الآخر أني نهيت عن أكل الشجرة فأكلت منها فأين في هذا ما يدل على أنها جنة المأوى بمطابقة أو تضمن أو استلزام وكذلك قول موسى له أخرجتنا ونفسك من الجنة فإنه لم يقل له أخرجتنا من جنة الخلد وقولكم أنهم خرجوا إلى بساتين من جنس الجنة التي في الأرض فاسم الجنة وأن أطلق على تلك البساتين فبينها وبين جنة آدم ما لا يعلمه إلا الله وهي كالسجن بالنسبة إليها واشتراكهما في كونهما في الأرض لا ينفي تفاوتهما أعظم تفاوت في جميع الأشياء وأما استدلالكم بقوله تعالى وقلنا أهبطوا عقيب إخراجهم من الجنة فلفظ الهبوط لا يستلزم النزول من السماء إلى الأرض غايته أن يدل على النزول من مكان عال إلى أسفل منه وهذا غير منكر فإنها كانت جنة في أعلى الأرض فاهبطوا منها إلى الأرض وقد بينا أن الأمر كان لآدم عليه السلام وزوجه وعدوهما فلو كانت الجنة في السماء لما كان عدوهما متمكنا منها بعد اهباطه الأول لما أبى السجود لآدم عليه السلام فالآية أيضا من أظهر الحجج عليكم ولا تغني عنكم وجوه التعسفات والتكلفات التي قدرتموها وقد تقدمت وأما قوله تعالى ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين فهذا لا يدل على أنهم لم يكونوا قبل ذلك في الأرض فإن الأرض اسم جنس وكانوا في أعلاها وأطيبها وأفضلها في محل لا يدركهم فيه جوع ولا عرى ولا ظمأ ولا ضحى فاهبطوا إلى أرض يعرض فيها ذلك كله وفيها حياتهم وموتهم وخروجهم من القبور والجنة التي اسكناها لم تكن دار نصب ولا تعب ولا أذى والأرض التي اهبطوا إليها هي محل التعب

والنصب والأذى وأنواع المكاره وأما قولكم إنه سبحانه وتعالى وصفها بصفات لا تكون في الدنيا فجوابه أن تلك الصفات لا تكون في الأرض التي أهبطوا إليها فمن أين لكم أنها لا تكون في الأرض التي اهبطوا منها وأما قولكم إن آدم عليه السلام كان يعلم إن الدنيا منقضية فانية فلو كانت الجنة فيها لعلم كذب إبليس في قوله هل أدلك على شجرة الخلد فجوابه من وجهين أحدهما أن اللفظ أنما يدل على الخلد وهو أعم من الدوام الذي ى انقطاع له فإنه في اللغة المكث الطويل ومكث كل شيء بحسبه ومنه قولهم رجل مخلد إذا أسن وكبر ومنه قولهم لاثا في الصخور خوالد لطول بقائها بعد دروس الاطلال قال الارمادا هامدا دفعت ... عنه الرياح خوالد الفحم
ونظير هذا أطلاقهم القديم على ما تقادم عهده وإن كان له أول كما قال تعالى كالعرجون القديم وإنك لفي ضلالك القديم وأفك قديم وقد أطلق تعالى الخلود في النار على عذاب بعض العصاة كقاتل النفس واطلقه النبي على قاتل نفسه
الوجه الثاني أن العلم بانقطاع الدنيا ومجئ الآخرة أنما يعلم الوحي ولم يتقدم لآدم عليه الصلاة و السلام نبوة يعلم بها ذلك وهو وأن نباه الله سبحانه وتعالى وأوحى إليه وأنزل عليه صحفا كما في حديث أبي ذر لكن هذا بعد اهباطه إلى الأرض بنص القرآن قال تعالى اهبطوا منها جميعا فاما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى وكذلك في سورة البقرة قلنا أهبطوا منها جميعا فأما يأتينكم مني هدى الآية
وإما قولكم أن الجنة وردت معرفة باللام التي للعهد فتنصرف إلى جنة الخلد فقد وردت معرفة باللام غير مراد بها جنة الخلد قطعا كقوله تعالى إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ اقسموا ليصرمنها مصبحين وقولكم أن السياق ها هنا دل على أنها جنة في الأرض قلنا والأدلة التي ذكرناها دلت على أن جنة آدم عليه السلام في الأرض فلذلك صرنا إلى موجبها إذ لا يجوز تعطيل دلالة الدليل الصحيح
وإما استدلالكم بأثر أبي موسى أن الله أخرج آدم عليه السلام من الجنة وزوده من ثمارها فليس فيه زيادة على ما دل عليه القرآن إلا تزوده منها وهذا لا يقتضي أن تكون جنة الخلد
وقولكم أن هذه تتغير وتلك لا تتغير فمن أين لكم أن الجنة التي اسكنها آدم كان التغير يعرض لثمارها كما يعرض لهذه الثمار وقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي أنه قال لولا بنو إسرائيل لم يخبز اللحم أي لم يتغير ولم ينتن وقد أبقى سبحانه وتعالى

في هذا العالم طعام العزير وشرابه مائة سنة لم يتغير
وأما قولكم أن الله سبحانه وتعالى ضمن لآدم عليه السلام أن تاب أن يعيده إلى الجنة فلا ريب أن الأمر كذلك ولكن ليس يعلم أن الضمان إنما يتناول عوده إلى تلك الجنة بعينها بل إذا أعاده إلى جنة الخلد فقد وفى سبحانه بضمانه حق الوفاء ولفظ العود لا يستلزم الرجوع إلى عين الحالة الأولى ولا زمانها ولا مكانها بل ولا إلى نظيرها كما قال شعيب لقومه قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا وقد جعل الله سبحانه المظاهر عائدا بإرادته الوطء ثانيا أو بنفس الوطء أو بالإمساك وكل منها غير الأول لا عينه فهذا ما أجابت به هذه الطائفة لمن نازعها

الباب السادس في جواب من زعم أنها جنة الخلد عما احتج به منازعوهم
قالوا أما قولكم إن الله سبحانه أخبر أن جنة الخلد إنما يقع الدخول إليها يوم القيامة ولم يأت زمن دخولها بعد فهذا حق في الدخول المطلق الذي هو دخول استقرار ودوام وأما الدخول العارض فيقع قبل يوم القيامة وقد دخل النبي الجنة ليلة الإسراء وأرواح المؤمنين والشهداء في البرزخ في الجنة وهذا غير الدخول الذي اخبر الله به في يوم القيامة فدخول الخلود إنما يكون يوم القيامة فمن أين لكم أن مطلق الدخول لا يكون في الدنيا وبهذا خرج الجواب عن استدلالكم بكونها دار المقامة ودار الخلد قالوا وأما احتجاجكم بسائر الوجوه التي ذكرتموها في الجنة وأنها لم توجد في جنة آدم عليه السلام من العرى والنصب والحزن واللغو والكذب وغيرها فهذا كله حق لا ننكره نحن ولا أحد من أهل الإسلام ولكن هذا إذا دخلها المؤمنون يوم القيامة كما يدل عليه سياق الآيات كلها فإن نفي ذلك مقرون بدخول المؤمنين إياها وهذا لا ينفي أن يكون فيها بين أبوي الثقلين ما حكاه الله سبحانه وتعالى من ذلك ثم يصير الأمر عند دخول المؤمنين إياها إلى ما أخبر الله عنها فلا تنافي بين الأمرين وأما قولكم أنها دار جزاء وثواب لا دار تكليف وقد كلف الله سبحانه آدم بالنهي عن الأكل من تلك الشجرة فدل على أن تلك الجنة دار تكليف لا دار خلود فجوابه من وجهين
أحدهما أنه إنما تمتنع أن تكون دار تكليف إذا دخلها المؤمنين يوم القيامة فحينئذ ينقطع التكليف واما وقوع التكليف فيها دار الدنيا فلا دليل على

امتناعه البتة كيف وقد ثبت عن النبي أنه قال دخلت البارحة الجنة فرأيت امرأة تتوضأ إلى جانب قصر فقلت لمن أنت الحديث وغيره ممتنع أن يكون فيها من يعمل بأمر الله ويعبد الله قبل يوم القيامة بل هذا هو الواقع فإن من فيها الآن مؤتمرون بأوامر من قبل ربهم لا يتعدونها سواء سمى ذلك تكليفا أو لم يسم
الوجه الثاني أن التكليف لم يكن بالأعمال التي يكلف بها الناس في الدنيا من الصيام والصلاة والجهاد ونحوها وإنما كان حجرا عليهما في شجرة واحدة من جملة أشجارها إما واحدة بالعين أو بالنوع وهذا القدر لا يمتنع وقوعه في دار الخلد كما أن كل واحد محجور عليه أن يقرب أهل غيره فيها فإن أردتم بكونها ليست دار تكليف امتناع وقوع مثل هذا فيها في وقت من الأوقات فلا دليل عليه وإن أردتم أن تكاليف الدنيا منتفعة عنها فهو حق ولكن لا يدل على مطلوبكم
وأما استدلالكم بنوم آدم فيها والجنة لا ينام أهلها
فهذا أن ثبت النقل بنوم آدم فإنما ينفي النوم عن أهلها يوم دخول الخلود حيث لا يموتون وأما قبل ذلك فلا
وأما استدلالكم بقصة وسوسة إبليس له بعد اهباطه وإخراجه من السماء فلعمر الله أنه لمن أقوى الأدلة وأظهرها على صحة قولكم وتلك التعسفات لدخوله الجنة وصعوده إلى السماء بعد اهباط الله له منها لا يرتضيها منصف ولكن لا يمتنع أن يصعد ألى هنالك صعودا عارضا لتمام الابتلاء والامتحان الذي قدره الله تعالى وقد أسبابه وإن لم يكن ذلك المكان مقعدا له مستقرا كما كان وقد اخبر الله سبحانه عن الشياطين أنهم كانوا قبل مبعث رسول الله يقعدون من السماء مقاعد للسمع فيستمعون الشيء من الوحي وهذا صعود إلى هناك ولكنه صعود عارض لا يستقرون في المكان الذي يصعدون إليه مع قوله تعالى اهبطوا بعضكم لبعض عدو فلا تنافي بين هذا الصعود وبين الأمر بالهبوط فهذا محتمل والله اعلم
وأما استدلالكم بأن الله سبحانه أعلم آدم عليه السلام مقدار أجله وما ذكرتم من الحديث وتقرير الدلالة منه فجوابه أن إعلامه بذلك لا ينافي إدخاله جنة الخلد وإسكانه فيها مدة
وأما أخباره سبحانه إن داخلها لا يموت وإنه لا يخرج منها فهذا يوم القيامة
وأما احتجاجكم بكونه خلق من الأرض فلا ريب في ذلك ولكن من أين لكم أنه كمل خلقه فيها وقد جاء في بعض الآثار أن الله

سبحانه ألقاه على باب الجنة أربعين صباحا فجعل إبليس يطوف به ويقول لأمر ما خلقت فلما رآه أجوف علم أنه خلق لا يتمالك فقال لئن سلطت عليه لأهلكنه ولئن سلط على لا عصينه مع أن قوله سبحانه وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم اقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض يدل على أنه كان معهم في السماء حيث أنبأهم بتلك الأسماء وإلا فهم لم ينزلوا كلهم إلى الأرض حتى سمعوا منه ذلك ولو كان خلقه قد كمل في الأرض لم يمتنع أن يصعده سبحانه الى السماء لأمر دبره وقدره ثم يعيده إلى الأرض فقد اصعد المسيح إلى السماء ثم ينزله إلى الأرض قبل يوم القيامة وقد اسرى ببدن رسول الله وروحه إلى فوق السموات فهذا جواب القائلين بأنها جنة الخلد لمنازعيهم والله أعلم

الباب السابع في ذكر شبه من زعم أن الجنة لم تخلق بعد قالوا لو
كانت الجنة مخلوقة الآن لوجب اضطرار أن تفنى يوم القيامة وأن يهلك كل ما فيها ويموت لقوله تعالى كل شيء هالك إلا وجهه و كل نفس ذائقة الموت فتموت الحور العين التي فيها والولدان وقد أخبر سبحانه أن الدار دار خلود ومن فيها مخلدون لا يموتون فيها وخبره سبحانه لا يجوز عليه خلف ولا نسخ
قالوا وقد روى الترمذي في جامعه من حديث أبن مسعود قال قال رسول الله لقيت إبراهيم ليلة أسري بي فقال يا محمد أقريء أمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها قيعان وأن غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر قال هذا حديث حسن غريب
وفيه أيضا من حديث أبي الزبير عن جابر عن النبي أنه قال من قال سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة قال هذا حديث حسن صحيح
قالوا فلو كانت الجنة مخلوقة مفروغا منها لم تكن قيعانا ولم يكن لهذا الغرس معنى
قالوا وقد قال تعالى عن امرأة فرعون إنها قالت رب إبني لي عندك بيتا في الجنة ومحال أن يقول قائل لمن نسج له ثوبا أو بنى له بيتا انسج لي ثوبا وأبن لي بيتا وأصرح من هذا قول النبي من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة متفق عليه وهذه جملة مركبة من شرط وجزاء تقتضي وقوع الجزاء بعد الشرط باع جمأ

أهل العربية وهذا ثابت عن النبي من رواية عثمان بن عفان وعلي بن ابي طالب وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك وعمرو بن عنبسة قالوا وقد جاءت آثار بأن الملائكة تغرس فيها وتبني للعبد ما دام يعمل فإذا فتر فتر الملك عن العمل
قالوا وقد روى ابن حبان في صحيحه والأمام أحمد في مسنده من حديث أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله إذا قبض الله ولد العبد قال يا ملك الموت قبضت ولد عبدي قبضت قرة عينه وثمرة فؤاده قال نعم قال فما قال قال حمدك واسترجع قال إبنوا له بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد وفي المسند من حديثه أيضا قال قال رسول الله من صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة سوى الفريضة بنى الله له بيتا في الجنة قالوا وليس هذا من أقوال أهل البدع والاعتزال كما زعمتم فهذا ابن مزين قد ذكر في تفسيره عن ابن نافع وهو من أئمة السنة أنه سئل عن الجنة أمخلوقة هي فقال السكوت عن هذا أفضل والله أعلم

الباب الثامن في الجواب عما احتجت به هذه الطائفة قد تقدم في الباب
الأول من ذكر الأدلة الدالة على وجود الجنة الآن ما فيه كفاية فنقول ما تعنون بقولكم إن الجنة لم تخلق بعد أتريدون أنها الآن عدم محض لم تدخل إلى الوجود بعد بل هي بمنزلة النفخ في الصور وقيام الناس من القبور فهذا قول باطل يرده المعلوم بالضرورة من الأحاديث الصريحة الصحيحة التي تقدم بعضها وسيأتي بعضها وهذا قول لم يقله أحد من السلف ولا أهل السنة وهو باطل قطعا
أم تريدون أنها لم تخلق بكمالها وجميع ما اعد الله فيها لأهلها وأنها لا يزال الله يحدث فيها شيئا بعد شيء وإذا دخلها المؤمنون أحدث الله فيها عند دخولهم أمورا أخر فهذا حق لا يمكن رده وادلتكم هذه إنما دلت على هذا القدر وحديث ابن مسعود الذي ذكرتموه وحديث أبي الزبير عن جابر صريحان في أن أرضها مخلوقة وأن الذكر ينشىء الله سبحانه لقائله منه غراسا في تلك الأرض وكذا بناء البيوت فيها بالأعمال المذكورة والعبد كلما وسع في أعمال البر وسع له في الجنة وكلما عمل خيرا غرس له به هناك غراس وبنى له بناء وأنشيء له من عمله أنواع مما يتمتع به فهذا القدر لا يدل على إن الجنة لم تخلق بعد ولا يسوغ اطلاق ذلك وأما احتجاجكم بقوله تعالى كل شيء هالك إلا وجهه فإنما أتيتم من عدم فهمكم معنى الآية واحتجاجكم بها على عدم وجود الجنة والنار الآن نظيرا احتجاج إخوانكم بها على فنائهما

وخرابهما وموت أهلهما فلا انتم وفقتم لفهم معناها ولا إخوانكم وإنما وفق لفهم معناها السلف وأئمة الإسلام ونحن نذكر بعض كلامهم في الآية قال البخاري في صحيحه يقال كل شيء هالك إلا وجهه إلا ملكه ويقال إلا ما أريد به وجهه وقال الأمام أحمد في رواية ابنه عبد الله فأما السماء والأرض فقد زالتا لأن أهلهما صاروا إلى الجنة وإلى النار وأما العرش فلا يبيد ولا يذهب لأنه سقف الجنة والله سبحانه وتعالى عليه فلا يهلك ولا يبيد وأما قوله تعالى كل شيء هالك إلا وجهه فذلك أن الله سبحانه وتعالى أنزل كل من عليها فان فقالت الملائكة هلك أهل الأرض وطمعوا في البقاء فأخبر الله تعالى عن أهل السموات وأهل الأرض أنهم يموتون فقال كل شيء هالك يعني ميت إلا وجهه لأنه حي لا يموت فأيقنت الملائكة عند ذلك بالموت انتهى كلامه وقال في رواية أبي العباس أحمد بن جعفر ابن يعقوب الاصطخري ذكره أبو الحسين في كتاب الطبقات قال قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل هذه مذاهب أهل العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المتمسكين بعروتها المعروفين بها والمقتدى بهم فيها من لدن أصحاب نبينا إلى يومنا هذا وأدركت من أدركت من علماء أهل الحجاز والشام وغيرهم عليها فمن خالف شيئا من هذه المذاهب أو طعن فيها أو عاب قائلها فهو مخالف مبتدع خارج عن الجماعة زائل عن منهج السنة وسبيل الحق وساق أقوالهم إلى ان قال وقد خلقت الجنة وما فيها وخلقت النار وما فيها و خلقهما الله عز و جل وخلق الخلق لهما ولا يفنيان ولا يفنى ما فيهما أبدا فإن احتج مبتدع أو زنديق بقول الله عز و جل كل شيء هالك إلا وجهه وبنحو هذا من متشابه القرآن قيل له كل شيء مما كتب الله عليه الفناء والهلاك هالك والجنة والنار خلقتا للبقاء لا للفناء ولا للهلاك وهما من الآخرة لا من الدنيا والحور العين لا يمتن عند قيام الساعة ولا عند النفخة ولا أبدا لأن الله عز و جل خلقهن للبقاء لا للفناء ولم يكتب عليهن الموت فمن قال خلاف هذا فهو مبتدع وقد ضل عن سواء السبيل وخلق سبع سموات بعضها فوق بعض وسبع أرضين بعضها أسفل من بعض وبين الأرض العليا والسماء الدنيا مسيرة خمسمائة عام وبين كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة عام والماء فوق السماء العليا السابعة وعرش الرحمن عز و جل فوق الماء وأن الله عز و جل على العرش والكرسي موضع قدميه وهو يعلم ما في السموات والأرضين السبع وما بينهما وما تحت الثرى وما في قعر البحر ومنبت كل

شعرة وشجرة وكل زرع وكل نبات ومسقط كل ورقة وعدد كل كلمة وعدد الحصا والتراب والرمل ومثاقيل الجبال و أعمال العباد وآثارهم وكلامهم وأنفاسهم ويعلم كل شيء لا يخفى عليه من ذلك شيء وهو على العرش فوق السماء السابعة ودونه حجب من نار ونور وظلمة وما هو أعلم بها فإن احتج مبتدع ومخالف بقول الله عز و جل ونحن أقرب إليه من حبل الوريد وقوله وهو معكم أينما كنتم وقوله إلا هو معهم أينما كانوا وقوله ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ونحو هذا من متشابه القرآن فقل إنما يعني بذلك العلم لأن الله عز و جل على العرش فوق السماء السابعة العليا يعلم ذلك كله وهو بائن من خلقه لا يخلو من علمه مكان وقال في رواية أبي جعفر الطائي محمد بن عوف بن سفيان الحمصي قال الخلال حافظ أمام في زمانه معروف بالتقدم في العلم والمعرفة كان أحمد بن حنبل يعرف له ذلك ويقبل منه ويسأله عن الرجال من أهل بلده قال أملي على احمد بن حنبل فذكر رسالة في السنة ثم قال في اثنائها وأن الجنة والنار مخلوقتان قد خلقتا كما جاء الخبر قال النبي صلى دخلت الجنة فرأيت فيها قصرا ورأيت الكوثر واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها كذا وكذا فمن زعم أنهما لم يخلقا فهو مكذب برسول الله وبالقرآن كافر بالجنة والنار يستتاب فإن تاب وإلا قتل
وقال في رواية عبندوس بن مالك العطار وذكر رسالة في السنة قال فيها والجنة والنار مخلوقتان قد خلقتا كما جاء عن رسول الله أطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها كذا وكذا وأطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها كذا وكذا فمن زعم أنهما لم يخلقا فهو مكذب بالقرآن وأحاديث رسول الله ولا أحسبه يؤمن بالجنة والنار فتأمل هذه الأبواب وما تضمنته من النقول والمباحث والنكت والفوائد التي لا تظفر بها في غير هذا الكتاب البتة ونحن اختصرنا الكلام في ذلك ولو بسطناه لقام منه سفر ضخم والله المستعان وعليه التكلان وهو الموفق للصواب

الباب التاسع في ذكر عدد أبواب الجنة قال الله تعالى
وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاؤها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين

وقال في صفة النار حتى إذا جاؤها فتحت أبوابها بغير واو فقالت طائفة هذه واو الثمانية دخلت في أبواب الجنة لكونها ثمانية وأبواب النار سبعة فلم تدخلها الواو وهذا قول ضعيف لا دليل عليه ولا تعرفه العرب ولا أئمة العربية وإنما هو من استنباط بعض المتأخرين وقالت طائفة أخرى الواو زائدة والجواب الفعل الذي بعدها كما هو في الآية الثانية وهذا أيضا ضعيف فإن زيادة الواو غير معروف في كلامهم ولا يليق بأفصح الكلام أن يكون فيه حرف زائد لغير معنى ولا فائدة وقالت طائفة ثالثة الجواب محذوف وقوله وفتحت أبوابها عطف على قوله جاؤها وهذا اختيار أبي عبيدة والمبرد والزجاج وغيرهم قال المبرد وحذف الجواب أبلغ عند أهل العلم قال أبو الفتح بن جني وأصحابنا يدفعون زيادة الواو ولا يجيزونه ويرون أن الجواب محذوف للعلم به
بقي أن يقال فما السر في حذف الجواب في آية أهل الجنة وذكره في آية أهل النار فيقال هذا ابلغ في الموضعين فإن الملائكة تسوق أهل النار إليها وأبوابها مغلقة حتى إذا وصلوا إليها فتحت في وجوههم فيفجأهم العذاب بغتة فحين انتهوا إليها فتحت أبوابها بلا مهلة فإن هذا شأن الجزاء المرتب على الشرط أن يكون عقيبه فإنها دار الإهانة والخزى فلم يستأذن لهم في دخولها ويطلب إلى خزنتها أن يمكنوهم من الدخول وأما الجنة فإنها دار الله ودار كرامته ومحل خواصه وأوليائه فإذا انتهوا إليها صادفوا أبوابها مغلقة فيرغبون إلى صاحبها ومالكها أن يفتحها لهم ويستشفعون إليه بأولي العزم من رسله وكلهم يتأخر عن ذلك حتى تقع الدلالة على خاتمهم وسيدهم وأفضلهم فيقول أنا لها فيأتي إلى تحت العرش ويخر ساجدا لربه فيدعه ما شاء الله أن يدعه ثم يأذن له في رفع رأسه وان يسأله حاجته فيشفع إليه سبحانه في فتح ابوابها فيشفعه ويفتحها تعظيما لخطرها وأظهارا لمنزلة رسوله وكرامته عليه وإن مثل هذه الدار هي دار ملك الملوك ورب العالمين إنما يدخل إليها بعد تلك الأهوال العظيمة التي اولها من حين عقل العبد في هذه الدار إلى ان انتهى إليها وما ركبه من الأطباق طبقا بعد طبق وقاساه من الشدائد شدة بعد شدة حتى أذن الله تعالى لخاتم أنبيائه ورسله وأحب خلقه إليه أن يشفع إليه في فتحها لهم وهذا أبلغ وأعظم في تمام النعمة وحصول الفرح والسرور مما يقدر بخلاف ذلك لئلا يتوهم الجاهل أنها بمنزلة الخان الذي يدخله من شاء فجنة الله غالية بين الناس وبينها من العقبات والمفاوز والأخطار مالا تنال إلا به فما لمن أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ولهذه الدار فليعد

عنها إلى ما هو أولى به وقد خلق له وهيئ له وتأمل ما في سوق الفريقين إلى الدارين زمرا من فرحة هؤلاء بإخوانهم وسيرهم معهم كل زمرة على حده كل مشتركين في عمل متصاحبين فيه على زمرتهم وجماعتهم مستبشرين أقوياء القلوب كما كانوا في الدنيا وقت اجتماعهم على الخير كذلك يؤنس بعضهم بعضا ويفرح بعضهم ببعض وكذلك أصحاب الدار الأخرى يساقون إليها زمرا يلعن بعضهم بعضا ويتأذى بعضهم ببعض وذلك أبلغ في الخزى والفضيحة والهتيكة من أن يساقوا واحدا واحدا فلا تهمل تدبر قوله زمرا وقال خزنة أهل الجنة لأهلها سلام عليكم فبدؤهم بالسلام المتضمن للسلامة من كل شر ومكروه أي سلمتم فلا يلحقكم بعد اليوم ما تكرهون ثم قال لهم طبتم فادخلوها خالدين أي سلامتكم ودخولها بطيبكم فإن الله حرمها إلا على الطيبين فبشروهم بالسلامة والطيب والدخول والخلود وأما أهل النار فإنهم لما انتهوا إليها على تلك الحال من الهم والغم والحزن وفتحت لهم أبوابها وقفوا عليها وزيدوا على ما هم عليه توبيخ خزنتها وتكبيتهم لهم بقولهم ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا فاعترفوا وقالوا بلى فبشروهم بدخولها والخلود فيها وإنها بئس المثوى لهم وتأمل قول خزنة الجنة لأهلها أدخلوها وقول خزنة النار لأهلها أدخلوا أبواب جهنم تجد تحته سرا لطيفا ومعنى بديعا لا يخفى على المتأمل وهو أنها لما كانت دار العقوبة وأبوابها أفظع شيء وأشده حرا وأعظمه عما يستقبل فيها الداخل من العذاب ما هو أشد منها ويدنوا من الغم والخزي والحزن والكرب بدخول الأبواب فقيل ادخلوا أبوابها صغارا لهم وأذلالا وخزيا ثم قيل لهم لا يقتصر بكم على مجرد دخول الأبواب الفظيعة ولكن وراءها الخلود في النار وأما الجنة فهي دار الكرامة والمنزل الذي أعده الله لأوليائه فبشروا من أول وهلة بالدخول إلى المقاعد والمنازل والخلود فيها وتأمل قوله سبحانه جنات عدن مفتحة لهم الأبواب متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب كيف تجد تحته معنى بديعا وهو أنهم إذا دخلوا الجنة لم تغلق أبوابها عليهم بل تبقى مفتحة كما هي وأما النار فإذا دخلها أهلها أغلقت عليهم أبوابها كما قال تعالى إنها عليهم مؤصدة أي مطبقة ومنه سمي الباب وصيدا وهي مؤصدة في عمد ممددة قد جعلت العمد ممسكة للأبواب من خلفها كالحجر العظيم الذي يجعل خلف الباب

قال مقاتل يعني أبوابها عليهم مطبقة فلا يفتح لها باب ولا يخرج منها غم ولا يدخل فيها روح آخر الأبد وأيضا فإن في تفتيح الأبواب لهم إشارة إلى تصرفهم وذهابهم وإيابهم وتبوئهم في الجنة حيث شاؤا ودخول الملائكة عليهم كل وقت بالتحف والألطاف من ربهم ودخول ما يسرهم عليهم كل وقت وأيضا إشارة إلى أنها دار أمن لا يحتاجون فيها إلى غلق الأبواب كما كانوا يحتجون إلى ذلك في الدنيا وقد اختلف أهل العربية في الضمير العائد من الصفة على الموصوف في هذه الجملة فقال الكوفيون التقدير مفتحة لهم أبوابها والعرب تعاقت بين الألف واللام والإضافة فيقولون مررت برجل حسن العين أي عينه ومنه قوله تعالى فإن الجحيم هي المأوى أي مأواه وقال بعض البصريين التقدير مفتحة لهم الأبواب منها فحذف الضمير وما اتصل به وقال هذا التقدير في العربية أجود من أن يجعل الألف واللام بدلا من الهاء والألف لأن معنى الألف واللام ليس من معنى الهاء والألف في شيء لأن الهاء والألف أسم والألف واللام دخلتا للتعريف ولا يبدل حرف من اسم ولا ينوب عنه قالوا وأيضا لو كانت الألف واللام بدلا من الضمير لوجب أن يكون في مفتحة ضمير الجنات ويكون معنى مفتحة هي ثم أبدل منها الأبواب ولو كان كذلك لوجب نصب الأبواب لكون مفتحة قد رفع ضمير الفاعل فلا يجوز أن يرفع به اسم آخر لامتناع ارتفاع فاعلين بفعل واحد فلما ارتفع الأبواب دل على أن مفتحة خال من ضمير والأبواب مرتفعة به وإذا كان في الصفة ضمير تعين نصب الثاني كما تقول مررت برجل حسن الوجه ولو رفعت الوجه ونونت حسنا لم يجز فالألف واللام إذا للتعريف ليس إلا فلا بد من ضمير يعود على الموصوف الذي هو جنات عدن ولا ضمير في اللفظ فهو محذوف تقديره الأبواب منها وعندي أن هذا غير مبطل لقول الكوفيين فإنهم لم يريدوا بالبدل إلا أن الألف واللام خلف وعوض عن الضمير تغني عنه وإجماع العرب على قولهم حسن الوجه وحسن وجهه شاهد بذلك وقد قالوا أن التنوين بدل من الألف واللام بمعنى أنهما لا يجتمعان وكذلك المضاف إليه يكون بدلا من التنوين والتنوين بدل من الإضافة بمعنى التعاقب والتوارد ولا يريدون بقولهم هذا بدل من هذا أن معنى البدل معنى المبدل منه بل قد يكون في كل منهما معنى لا يكون في الآخر فالكوفيون أرادوا أن الألف واللام في الأبواب أغنت عن الضمير لو قيل أبوابها وهذا صحيح

فإن المقصود الربط بن الصفة والموصوف بأمر يجعلها له لا مستقلة فلما كان الضمير عائدا على الموصوف نفي توهم الاستقلال وكذلك لام التعريف فإن كلا من الضمير واللام يعين صاحبه هذا بعين مفسرة وهذا يعين ما دخل عليه وقد قالوا في زيد نعم الرجل إن الألف واللام اغنت عن الضمير والله أعلم وقد أعرب الزمخشري هذه الآية أعرابا اعترض عليه فيه فقال جنات عدن معرفة كقوله جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب وانتصابها على أنها عطف بيان لحسن مآب ومفتحة حال والعامل فيها ما في المتقين من معنى الفعل وفي مفتحة ضمير الجنات والأبواب بدل من الضمير تقديره مفتحة هي الأبواب كقولهم ضرب زيد اليد والرجل وهو من بدل الاشتمال هذا إعرابه فاعترض عليه بأن جنات عدن ليس فيها ما يقتضي تعريفها وأما قوله التي وعد الرحمن عباده فبدل لا صفة وبأن جنات عدن لا يسهل أن تكون عطف بيان لحسن مآب على قوله لأن جريان المعرفة على النكرة عطف بيان لا قائل به فإن القائل قائلان أحدهما أنه لا يكون إلا في المعارف كقول البصريين والثاني أنه يكون في المعارف والنكرات بشرط المطابقة كقول الكوفيين وأبي على الفارسي وقوله أن في مفتحة ضمير الجنات فالظاهر خلافه وأن الأبواب مرتفع به ولا ضمير فيه وقوله أن الأبواب بدل اشتمال فبدل الاشتمال قد صرح هو وغيره أنه لا بد فيه من الضمير وأن نازعهم فيه آخرون ولكن يجوز أن يكون الضمير ملفوظا به وأن يكون مقدرا وهنا لم يلفظ به فلا بد من تقديره أي الأبواب منها فإذا كان التقدير مفتحة لهم هي الأبواب منها كان فيه تكثير للإضمار وتقليله أولى وفي الصحيحين من حديث أبي حازم عن سهل بن سعد أن رسول الله قال في الجنة ثمانية أبواب باب منها يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون وفي الصحيحين من حديث الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله من أنفق زوجين في شيء من الأشياء في سبيل الله دعى من أبواب الجنة يا عبد الله هذا خير فمن كان من أهل الصلاة دعى من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دعى من باب الجهاد ومن كان من أهل الصدقة دعى من باب الصدقة ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان فقال أبو بكر بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة فهل

يدعى أحد من تلك الأبواب كلها فقال نعم وأرجوا أن تكون منهم وفي صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب عن النبي قال ما منكم من أحد يتوضأ فيبالغ او فيسبغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء زاد الترمذي بعد التشهد اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين زاد أبو داود والأمام أحمد ثم رفع نظره إلى السماء فقال وعند الأمام أحمد من رواية أنس يرفعه من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال ثلاث مرات اشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فتح له أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل وعن عتبة بن عبد الله السلمي قال سمعت رسول الله يقول ما من مسلم يتوفى له ثلاثا من الولد لم يبلغوا الحنث إلا تلقوه من أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل رواه ابن ماجه وعبد الله بن أحمد عن ابن نمير ثنا إسحق بن سليمان ثنا جرير بن عثمان عن شرحبيل بن شفعة عن عتبة

الباب العاشر في ذكر سعة أبوابها عن أبي هريرة قال وضعت بين يدي رسول
الله قصعة من ثريد ولحم فتناول الذراع وكان أحب الشاة إليه فنهش نهشة وقال أنا سيد الناس يوم القيامة ثم نهش أخرى وقال أنا سيد الناس يوم القيامة فلما رأى أصحابه لا يسألونه قال ألا تقولون كيف قالوا كيف يا رسول الله قال يقوم الناس لرب العالمين فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر فذكر حديث الشفاعة بطوله وقال في آخره فانطلق فأتى تحت العرش فاقع ساجدا لربي فيقيمني رب العالمين مقاما لم يقمه أحدا قبلي ولن يقيمه أحد بعدي فأقول يا رب أمتي أمتي فيقول يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب والذي نفس محمد بيده إن ما بين المصراعين من مصارع الجنة لكما بين مكة وهجرا وهجر ومكة وفي لفظ لكما بين مكة وهجر أو كما بين مكة وبصرى متفق على صحته وفي لفظ خارج الصحيح بإسناده إن ما بين عضادتي الباب لكما بين مكة وهجر وعن خالد بن عمير العدوي قال خطبنا عتبة بن غزوان فحمد الله وأثنى عليه

ثم قال أما بعد فإن الدنيا قد أذنت بصرم وولت حذاء ولم يبق منها الإصبابة كصبابة الأناء يصطبها صاحبها وإنكم منقلبون منها إلى دار لا زوال لها فانقلبوا بخير ما بحضرتكم ولقد ذكر لنا أن مصراعين من مصاريع الجنة بينهما مسيرة أربعين سنة وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام فهذا موقوف والذي قبله مرفوع فإن كان رسول الله هو الذاكر له كان هذا ما بين باب من أبوابها ولعله الباب الأعظم وإن كان الذاكر ذلك غير رسول الله لم يقدم على حديث أبي هريرة المتقدم ولكن قد روى الأمام أحمد في مسنده من طريق حماد بن سلمة الجريري يحدث عن حكيم بن معاوية عن أبيه أن رسول الله قال أنتم موقوفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله وما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين عاما وليأتين عليه يوم وله كظيظ وقد رواه أبن أبي داود أنبأنا إسحاق بن شاهين أنبأنا خالد عن الجريري عن حكيم بن معاوية عن أبيه يرفعه ما بين كل مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة سبع سنين وروينا في مسند عبد بن حميد أنبأنا الحسن بن موسى أنبأنا ابن لهيعة أنبأنا دراج أبو السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله قال ما من مصراعين في الجنة لمسيرة أربعين سنة وحديث أبي هريرة أصح وهذه النسخة ضعيفة والله أعلم
وروى أبو الشيخ أنبأنا جعفر بن أحمد بن فارس أنبأنا يعقوب بن حميد أنبأنا معن حدثنا خالد بن أبي بكر عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن النبي قال الباب الذي يدخل منه أهل الجنة مسيرة الراكب المجد ثلاثا ثم انهم ليضطغطون عليه حتى تكاد مناكبهم تزول رواه أبو نعيم عنه وهذا مطابق للحديث المتفق عليه إن ما بين المصراعين كما بين مكة وبصرى فإن الراكب المجد غاية الإجادة على أسرع هجين لا يفتر ليلا ولا نهارا يقطع هذه المسافة في هذا القدر أو قريب منه وأما حديث حكيم بن معاوية فقد اضطرب رواته فحماد بن سلمة ذكر عن الجريري التقدير بإربعين عاما وخالد ذكر عنه التقدير بسبع سنين وحديث أبي سعيد المرفوع فيه التقدير بأربعين عاما على طريقة دراج عن أبي الهيثم قال الأمام أحمد أحاديث دراج مناكير وقال أبو حاتم الرازي

ضعيف وقال النسائي ليس بالقوي فالصحيح المرفوع السالم عن الأضطراب والشذوذ والعلة حديث أبي هريرة المتفق على صحته على ان حديث حكيم بن معاوية ليس التقدير فيه بظاهر الرفع ويحتمل أنه مدرج في الحديث موقوف فيكون كحديث عتبة بن غزوان

الباب الحادي عشر في صفة أبوابها وأنها ذات حلق روى الوليد بن مسلم عن
خليد عن الحسن مفتحة أبوابها قال أبواب ترى وذكرا أيضا عن خليد عن قتادة قال أبواب يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها تتكلم وتكلم وتفهم ما يقال لها انفتحي انغلقي
وقال أبو الشيخ أنبأنا محمد بن عبد الله بن محمد القيسي أنبأنا محمد بن إسحاق أنبأنا أحمد بن أبي الحواري أنبأنا عبد الله بن غياث عن الفزاري قال لكل مؤمن في الجنة أربعة أبواب فباب يدخل عليه منه زواره من الملائكة وباب يدخل عليه منه أزواجه من الحور العين وباب مقفل فيما بينه وبين أهل النار يفتحه إذا شاء ينظر إليهم لتعظم النعمة عليه وباب فيما بينه وبين دار السلام يدخل منه على ربه إذا شاء وقد روى سهيل بن أبي صالح عن زياد النمري عن أنس بن مالك قال قال رسول الله أنا أول من يأخذ بحلقة باب الجنة ولا فخر وفي حديث الشفاعة الطويل من رواية ابن عيينة عن علي بن زيد عن انس قال قال رسول الله فآخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها وهذا صريح في أنها حلقة حسية تحرك وتقعقع وروى سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي قال آخذ بحلقة باب الجنة فيؤذن لي ويذكر عن علي رضي الله عنه من قال لا إله الله الملك الحق المبين في كل يوم مائة مرة كان له أمان من الفقر ومن وحشة القبر واستجلب به الغني واستقرع به باب الجنة فصل ولما كانت الجنات درجات بعضها فوق بعض كانت ابوابها كذلك وباب الجنة العالية فوق باب الجنة التي تحتها وكلما علت الجنة اتسعت فعاليها أوسع مما دونه وسعة الباب بحسب وسع الجنة ولعل هذا وجه الاختلاف الذي جاء في مسافة ما بين

مصراعي الباب فإن أبوابها بعضها أعلى من بعض
ولهذه الأمة باب مختص بهم يدخلون منه دون سائر الأمم كما في المسند من حديث أبن عمر عن النبي قال باب أمتي الذي يدخلون منه الجنة عرض مسيرة الراكب ثلاثا ثم انهم ليضظغطون حتى تكاد مناكبهم تزول وفيه من حديث أبي هريرة عن النبي أتاني جبريل فأخذ بيدي فأراني باب الجنة الذي تدخل منه أمتي الحديث وسياتي بتمامه إن شاء الله تعالى وقال خلف بن هشام البزار ثنا أبو شهاب عن عمرو بن قيس الملائي عن أبي إسحاق عن عاصم بن حمزة عن علي بن أبي طالب قال إن أبواب الجنة هكذا بعضها فوق بعض ثم قرا حتى إذا جاؤها وفتحت أبوابها إذا هم عندها بشجرة في اصلها عينان تجريان فيشربون من إحداهما فلا يترك في بطونهم قذى ولا أذى إلا رمته ويغتسلون من الأخرى فتجري عليهم نضرة النعيم فلا تشعث رؤسهم ولا تغير أبشارهم بعد هذا أبدا ثم قرأ طبتم فادخلوها خالدين فيدخل الرجل وهو يعرف منزله ويتلقاها الولدان فيستبشرون برؤيتهم كما يستبشر الأهل بالحميم يقدم من الغيبة فينطلقون إلى أزواجهم فيخبرونهم بمعاناتهم فنقول أنت رايته فيقوم إلى الباب فيدخل إلى بيته فيتكيء على سريره فينظر إلى أساس بيته فإذا هو قد أسس على اللؤلؤ ثم ينظر في أخضر واحمر واصفر ثم يرفع رأسه إلى سماء بيته فلولا أنه خلق له لا التمع بصره فيقول الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله والله أعلم

الباب الثاني عشر في ذكر مسافة ما بين الباب والباب روينا في معجم
الطبراني أنبأنا مصعب بن إبراهيم بن حمزة الزبيري وعبد الله بن الصقر السكري قالا أنبأنا إبراهيم بن المنذر الحرامي ثنا عبد الرحمن بن المغيرة بن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن حرام حدثني عبد الرحمن بن عياش الأنصاري حدثنا دلهم بن الأسود بن عبد الله بن حاجب بن المنتفق
قال دلهم وحدثنيه أيضا أبو الأسود عن عاصم بن لقيط أن لقيط بن عامر أخرج وافد إلى الرسول قال قلت يا رسول الله فما الجنة والنار قال لعمر الهك أن للنار سبعة أبواب ما منهن بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاما وإن للجنة ثمانية أبواب ما منهن بابان إلا يسير

الراكب بينهما سبعين عاما وذكر الحديث بطولة وهذا الظاهر منه أن هذه المسافة بين الباب والباب لأن ما بين مكة وبصرى لا يحتمل التقدير بسبعين عاما ولا يمكن حمله على باب معين لقوله ما منهن بابان والله أعلم

الباب الثالث عشر في مكان الجنة وأين هي قال الله تعالى
ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى وقد ثبت أن سدرة المنتهى فوق السماء وسميت بذلك لأنها ينتهي إليها ما ينزل من عند الله فيقبض منها وما يصعد النية فيقبض منها وقال تعالى وفي السماء رزقكم وما توعدون قال ابن أبي نجيح عن مجاهد هو الجنة وكذلك تلقاه الناس عنه وقد ذكر ابن المنذر في تفسيره وغيره أيضا عن مجاهد قال هو الجنة والنار وهذا يحتاج إلى تفسير فإن النار في اسفل السافلين ليست في السماء ومعنى هذا ما قاله في رواية ابن أبي نجيح عنه وقاله أبو صالح عن ابن عباس الخير والشر كلاهما يأتي من السماء وعلى هذا فالمعنى أسباب الجنة والنار بقدر ثابت في السماء من عند الله
وقال الحارث بن أبي أسامة حدثنا عبد العزيز بن أبان حدثنا مهدي بن ميمون حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب عن بشر بن شغاف قال سمعت عبد الله بن سلام يقول أن اكرم خليقة الله أبو القاسم وإن الجنة في السماء رواه ابو نعيم عنه قال ورواه معمر بن راشد عن محمد بن ابي يعقوب مرفوعا ثم ساقه من طريق ابن منيع قال ثنا عمرو والناقد ثنا عمرو بن عثمان ثنا موسى بن أعين عن معمر به مرفوعا ثم ساق من طريق محمد بن فضيل ثنا محمد بن عبد الله عن عطية عن أبن عباس أنه قال الجنة فوق السماء السابعة ويجعلها الله حيث شاء يوم القيامة وجهنم في الأرض السابعة وقال ابن منده ثنا أحمد بن إسحاق قال ثنا أبو أحمد الزبيري ثنا محمد بن عبد الله عن سلمة بن كهيل عن ابي الزعراء عن عبد الله قال الجنة في السماء الرابعة فإذا كان يوم القيامة جعلها الله حيث يشاء والنار في الأرض السابعة فأذا كان يوم القيامة جعلها الله حيث يشاء وقال مجاهد قلت لإبن عباس أين الجنة قال فوق سبع سموات قلت فأين النار قال تحت سبعة أبحر مطبقة رواه ابن منده عن احمد بن إسحاق عن الزبيري عن إسرائيل عن ابن أبي يحيى عن مجاهد
وأما الأثر

الذي رواه أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عيسى بن يونس عن نوير بن يزيد عن خالد بن معدان عن عبد الله بن عمرو قال الجنة مطوية معلقة بقرون الشمس تنشر كل عام مرة وأن أرواح المؤمنين في طير كالزرازير يتعارفون ويرزقون من ثمر الجنة فهذا قد يظهر منه التناقض بين أول كلامه وآخره ولا تناقض فيه فإن الجنة المعلقة بقرون الشمس ما يحدثه الله سبحانه وتعالى بالشمس في كل سنة مرة من أنواع الثمار والفواكه والنبات جعله الله تعالى مذكرا بتلك الجنة وآية دالة عليها كما جعل هذه النار مذكرة بتلك وإلا فالجنة التي عرضها السموات والأرض ليست معلقة بقرون الشمس وهي فوق الشمس أكبر منها وقد ثبت في الصحيحين عنه أنه قال الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض وهذا يدل على أنها في غاية العلو والارتفاع والله أعلم
والحديث له لفظان هذا أحدهما والثاني إن في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض أعدها الله للمجاهدين في سبيله وشيخنا يرجع هذا اللفظ وهو لا ينفي أن يكون درج الجنة اكبر من ذلك ونظير هذا قوله في الحديث الصحيح إن لله تسعة وتسعين أسما من أحصاها دخل الجنة أي من جملة أسمائه هذا القدر فيكون الكلام جملة واحدة في الموضعين ويدل على صحة هذا أن منزلة نبينا فوق هذا كله في درجة في الجنة ليس فوقها درجة وتلك المائة ينالها آحاد أمته بالجهاد والجنة مقببة أعلاها وأوسعها ووسطها هو الفردوس وسقفه العرش كما قال في الحديث الصحيح إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة فوقه عرش الرحمن ومنه تفجر انهار الجنة قال شيخنا أبو الحجاج المري والصواب رواية من رواه وفوقه بضم القاف على انه أسم لا ظرف أي وسقفه عرش الرحمن فإن قيل فالجنة جميعها تحت العرش والعرش سقفها فإن الكرسي وسع السموات والأرض والعرش أكبر منه قيل لما كان العرش أقرب إلى الفردوس مما دونه من الجنات بحيث لا جنة فوقه دون العرش كان سقفا له دون ما تحته من الجنات ولعظم سعة الجنة وغاية ارتفاعها يكون الصعود من أدناها إلى أعلاها بالتدريج شيئا فشيئا درجة فوق درجة كما يقال لقاريء القرآن اقرأ وارق فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها وهذا يحتمل شيئين أن يكون منزلته عند آخر حفظه وأن تكون عند آخر تلاوته لمحفوظة والله أعلم

الباب الرابع عشر في مفتاح الجنة قال الحسن بن عرفة ثنا إسماعيل بن
عياش عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسن عن شهر بن حوشب عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله مفتاح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله رواه الأمام أحمد في مسنده ولفظه مفتاح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله وذكر البخاري في صحيحه عن وهب بن منبه أنه قيل له أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله قال بلى ولكن ليس من مفتاح إلا وله أسنان فإن ثبت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح وروى أبو نعيم من حديث أبان عن انس قال قال أعرابي يا رسول الله ما مفتاح الجنة قال لا إله إلا الله وذكر أبو الشيخ من حديث الأعمش عن مجاهد عن يزيد بن سخيرة قال إن السيوف مفاتيح الجنة وفي المسند من حديث معاذ بن جبل قال قال رسول الله ألا أدلك على باب من أبواب الجنة قلت بلى قال لا حول ولا قوة إلا بالله وقد جعل الله سبحانه لكل مطلوب مفتاحا يفتح به فجعل مفتاح الصلاة الطهور كما قال مفتاح الصلاة الطهارة ومفتاح الحج الإحرام ومفتاح البر الصدق ومفتاح الجنة التوحيد ومفتاح العلم حسن السؤال حسن الإصغاء ومفتاح النصر والظفر الصبر ومفتاح المزيد الشكر ومفتاح الولاية المحبة والذكر ومفتاح الفلاح التقوى ومفتاح التوفيق الرغبة والرهبة ومفتاح الإجابة الدعاء ومفتاح الرغبة في الآخرة الزهد في الدنيا ومفتاح الإيمان التفكر فيما دعا الله عباده إلى التفكر فيه ومفتاح الدخول على الله إسلام القلب وسلامته له والإخلاص له في الحب والبغض والفعل والترك ومفتاح حياة القلب تدبر القرآن والتضرع بالأسحار وترك الذنوب ومفتاح حصول الرحمة الإحسان في عبادة الخالق والسعي في نفع عبيده ومفتاح الرزق السعي مع الاستغفار والتقوى ومفتاح العز طاعة الله ورسوله ومفتاح الاستعداد للآخرة قصر الأمل ومفتاح كل خير الرغبة في الله والدار الآخرة ومفتاح كل شر حب الدنيا وطول الأمل وهذا باب عظيم من انفع أبواب العلم وهو معرفة مفاتيح الخير والشر لا يوفق لمعرفته ومراعاته إلا من عظم حظه وتوفيقه فإن الله سبحانه وتعالى جعل لكل خير وشر مفتاحا وبابا يدخل منه إليه كما جعل

الشرك والكبر والأعراض عما بعث الله به رسوله والغفلة عن ذكره والقيام بحقه مفتاحا للنار وكما جعل الخمر مفتاح كل أثم وجعل الغنى مفتاح الزنا وجعل إطلاق النظر في الصور مفتاح الطلب والعشق وجعل الكسل والراحة مفتاح الخيبة والحرمان وجعل المعاصي مفتاح الكفر وجعل الكذب مفتاح النفاق وجعل الشح والحرص مفتاح البخل وقطيعة الرحم وأخذ المال من غير حله وجعل الأعراض عما جاء به الرسول مفتاح كل بدعة وضلالة وهذه الأمور لا يصدق بها إلا كل من له بصيرة صحيحة وعقل يعرف به ما في نفسه وما في الوجود من الخير والشر فينبغي للعبد أن يعتني كل الإعتناء بمعرفة المفاتيح وما جعلت المفاتيح له والله ومن وراء توفيقه وعدله له الملك وله الحمد وله النعمة والفضل لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون

الباب الخامس عشر في توقيع الجنة ومنشورها الذي يوقع به لأصحابها عند
الموت وعند دخولها قال تعالى كلا إن كتاب الإبرار لفي عليين وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون فأخبر الله تعالى أن كتابهم كتاب مرقوم تحقيقا لكونه مكتوبا كتابة حقيقية وخص تعالى كتاب الإبرار بإنه يكتب ويوقع لهم به بمشهد المقربين من الملائكة والنبيين وسادات المؤمنين ولم يذكر شهادة هؤلاء لكتاب الفجار تنويها بكتاب الأبرار وما وقع لهم به وإشهارا له وإظهارا بين خواص خلقه كما يكتب الملوك تواقيع من تعظمه بين الأمراء وخواص أهل المملكة تنويها بأسم المكتوب له وإشادة بذكره وهذا نوع من صلاة الله سبحانه وتعالى وملائكته على عبده وروى الأمام أحمد في مسنده وابن حبان وأبو عوانة الأسفرايني في صحيحهما من حديث المنهال عن زاذان عن البراء بن عازب قال خرجنا مع رسول الله إلى جنازة فجلس رسول الله على القبر وجلسنا حوله كأن على رؤسنا الطير وهو يلحد له فقال أعوذ بالله من عذاب القبر ثلاث مرات ثم قال إن المؤمن إذا كان في إقبال من الأخرة وانقطاع من الدنيا تنزلت إليه الملائكة كأن على وجوههم الشمس مع كل واحد منهم حنوط وكفن فجلسوا منه مد بصره ثم يجئ ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الطيبة أخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان قال فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها

في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وذلك الحنوط ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض قال فيصعدون بها فلا يمرون بها يعني على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذا الروح الطيب فيقولون فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا فيستفتحون له فيفتح لهم ويشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهي بها إلى السماء التي فيها الله عز و جل فيقول الله عز و جل اكتبوا كتاب عبدي في عليين وأعيدوه إلى الأرض فأنى منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى قال فتعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك فيقول ربي الله فيقولان له ما دينك فيقول ديني الإسلام فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول هو رسول الله فيقولان له وما علمك فيقول قرات كتاب الله فآمنت به وصدقت قال فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فافرشوه من الجنة والبسوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة قال فيأتيه من روحها وطيبها ويفسخ له في قبره مد بصره قال ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول له من أنت فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير فيقول أنا عملك الصالح فيقول رب أقم الساعة رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي قال وان العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الآخرة وإقبال على الدنيا نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح فيجلسون منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الخبيثة أخرجي إلى سخط من الله وغضب قال فتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذا الروح الخبيث فيقولون فلان بن فلان باقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا حتى ينتهي إلى سماء الدنيا فيستفتح له فلا يفتح له ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط فيقول الله عز و جل اكتبوا في سجين في الأرض السفلى وتطرح روحه طرحا ثم قرأ رسول الله

ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك فيقول هاه هاه لا أدري فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول ها هاه لا أدري فينادي من السماء أن كذب عبدي فأفرشوه من النار وافتحوا له بابا إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح فيقول له ابشر بالذي يسوءك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول من أنت فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر فيقول أنا عملك الخبيث فيقول رب لا تقم الساعة ورواه أبو داود بطوله بنحوه فهذا التوقيع والمنشور الأول

فصل وأما المنشور الثاني
فقال الطبراني في معجمه حدثنا إسحاق بن إبراهيم الديري عن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن زياد بن انعم عن عطاء بن يسار عن سلمان الفارسي قال قال رسول الله لا يدخل الجنة أحد إلا بجواز بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله لفلان بن فلان أدخلوه جنة عالية قطوفها دانية واخبرنا سليمان بن حمزة الحاكم أنبأنا محمد بن عبد الواحد المقدسي أنبأنا زاهر الثقفي أن عبد السلام بن محمد بن عبد الله أخبرهم أنبأنا المطهر بن عبد الواحد البراقي حدثنا محمد بن إسحاق بن منده أنبأنا محمد بن علي البلخي حدثنا محمد بن حسام حدثنا العباس بن زياد ثقة ثنا سعدان بن سعيد ثنا سليمان التميمي عن أبي عثمان النهدي عن سليمان الفارسي أن النبي قال يعطي المؤمن جوازا على الصراط بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلان أدخلوه جنة عالية قطوفها دانية قلت وقع المؤمن في قبضة أصحاب اليمين يوم القبضتين ثم كتب من أهل الجنة يوم نفخ الروح فيه ثم يكتب في ديوان أهل الجنة يوم موته ثم يعطي هذا المنشور يوم القيامة فالله المستعان
الباب السادس عشر في توحد طريق الجنة وأنه ليس لها إلا طريق واحد هذا
مما اتفقت عليه الرسل من اولهم إلى خاتمهم صلوات الله وسلامه عليهم وأما

طرق الجحيم فأكثر من أن تحصى وأن تحصي ولهذا يوحد سبحانه سبيله ويجمع سبل النار كقوله تعالى وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله وقال وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر أي ومن السبيل جائر عن القصد وهي سبيل الغي وقال هذا صراط علي مستقيم وقال ابن مسعود خط لنا رسول الله خطا وقال هذا سبيل الله ثم خط خطوطا عن يمينه وعن يساره ثم قال هذه سبل وعلى كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم قرأ وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل الآية فأن قيل فقد قال الله تعالى قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام قيل هي سبل تجمع في سبيل واحد وهي بمنزلة الجواد والطرق في الطريق الأعظم فهذه هي شعب الأيمان يجمعها الإيمان وهو شعبة كما يجمع ساق الشجرة أغصانها وشعبها وهذه السبل هي إجابة داعي داعي الله بتصديق خبره وطاعة أمره وطريق الجنة هي إجابة الداعي إليها ليس إلا وقد روى البخاري في صحيحه عن جابر قال جاءت ملائكة إلى النبي فقال بعضهم أنه نائم وقال بعضهم العين نائمة والقلب يقظان فقالوا أن لصاحبكم هذا مثلا فاضربوا له مثلا فقالوا مثله مثل رجل بني دارا وجعل فيها مأدبة وبعث داعيا فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة فقالوا أولوها له يفقهها فقال بعضهم إن العين نائمة والقلب يقظان الدار الجنة والداعي محمد فمن أطاع محمدا فقد أطاع الله ومن عصى محمدا فقد عصى الله ومحمد فرق بين الناس ورواه الترمذي عنه ولفظه خرج علينا رسول الله يوما فقال إني رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي وميكائيل عند رجلي يقول أحدهما لصاحبه أضرب له مثلا فقال أسمع سمعت أذنك واعقل عقل قلبك إنما مثلك ومثل أمتك كمثل ملك أتخذ دارا ثم بنى فيها بيتا ثم جعل مائدة ثم بعث رسولا يدعو الناس إلى طعامه فمنهم من أجاب الرسول ومنهم من تركه فالله هو الملك والدار الإسلام والبيت الجنة وأنت يا محمد الرسول فمن أجابك دخل الإسلام ومن دخل الإسلام دخل الجنة ومن دخل الجنة أكل ما فيها وصحح الترمذي من حديث عبد الله بن مسعود قال صلى رسول الله العشاء ثم انصرف فأخذ بيدي حتى خرج بي إلى بطحاء مكة فاجلسني ثم خط على خطا ثم قال لا تبرحن خطك فإنه سينتهي إليك رجال فلا تكلمهم فإنهم لا يكلمونك ثم مضى رسول الله

حيث أراد فبينا أنا جالس في خطي إذا أتاني رجال كلهم الزط أشعارهم وأجسامهم لا أرى عورة ولا أرى بشرا وينتهون إلى لا يجاوزون الخط ثم يصدرون إلى رسول الله حتى إذا كان آخر الليل لكن رسول الله قد جاءني وأنا جالس فقال لقد رآني منذ الليلة ثم دخل على في خطي فتوسد فخذي فرقد وكان رسول الله إذا إذا رقد نفخ فبينا أنا قاعد ورسول الله متوسد فخذي إذا برجال عليهم ثياب بيض الله أعلم ما بهم من الجمال فانتهوا إلى مجلس طائفة منهم عند راس رسول الله وطائفة منهم عند رجليه ثم قالوا ما رأينا عبدا قد أوتى مثل ما أوتى هذا النبي أن عينيه تنامان وقلبه يقظان اضربوا له مثلا مثل سيد بنى قصرا ثم جعل مأدبة فدعا الناس إلى طعامه وشرابه فمن أجابه أكل من طعامه وشرب من شرابه ومن لم يجبه عاقبة أو قال عذبه ثم ارتفعوا واستيقظ رسول الله عند ذلك فقال سمعت ما قال هؤلاء وهل تدري من هم قلت الله ورسوله أعلم قال هم الملائكة فتدري ما المثل الذي ضربوه قلت الله ورسوله اعلم قال الرحمن بني الجنة ودعا إليها عباده فمن إجابه دخل الجنة ومن لم يجبه عذبه

الباب السابع عشر في درجات الجنة قال تعالى
لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدون درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما ذكر ابن جرير عن هشام ابن حسان عن جبلة بن عطية عن أبن محيريز قال فضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه قال هي سبعون درجة ما بين الدرجتين عدو الفرس الجواد المضمر سبعين عاما وقال ابن المبارك أنبأنا سلمة بن نبيط عن الضحاك في قوله تعالى لهم درجات عند ربهم قال بعضهم أفضل من بعض فيرى الذي قد فضل به فضله ولا يرى الذي هو أسفل منه أنه فضل عليه أحد من الناس وتأمل قوله كيف أوقع التفضيل أولا بدرجة ثم أوقعه ثانيا بدرجات

فقيل الأول بين القاعد المعذور والمجاهد والثاني بين القاعد بلا عذر والمجاهد وقال تعالى أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون وقال تعالى إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم وفي الصحيحين من حديث مالك عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال أن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدري الغاير من الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم قالوا يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم قال بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين ولفظ البخاري في الأفق وهو أبين والغابر هو الذاهب الماضي الذي قد تدلى للغروب وفي التمثيل به دون الكواكب المسامت للرأس وهو أعلى فائدتان أحدهما بعده عن العيون والثانية أن الجنة درجات بعضها أعلى من بعض وأن لم تسامت العليا السفلى كالبساتين الممتدة من رأس الجبل إلى ذيله والله أعلم وفي الصحيحين أيضا من حديث سهل بن سعد أن رسول الله قال أن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرفة في الجنة كما ترون الكوكب في أفق السماء وقال الأمام أحمد حدثنا فرات أخبرني فليح عن هلال يعني ابن علي عن عطاء عن أبي هريرة أن رسول الله أن أهل الجنة ليتراءون في الجنة كما تراءون أو ترون الكوكب الدري الغارب في الأفق الطالع في تفاصيل الدرجات قالوا يا رسول الله أولئك النبيون قال بلى والذي نفسي بيده وأقوام آمنوا بالله وصدقوا المرسلين ورجال هذا الإسناد احتج بهم البخاري في صحيحه وفي هذا الحديث الغارب وفي حديث أبي سعيد الخدري الغابر وقوله الطالع صفة للكوكب وصفة بكونه غاربا وبكونه طالعا وقد صرح بهذا المعنى في الحديث الذي رواه ابن المبارك عن فليح بن سليمان عن هلال بن علي عن أبي هريرة عن النبي قال أن أهل الجنة ليتراءون في الغرف كما يرى الكوكب الشرقي والكوكب الغربي في الأفق في تفاصيل الدرجات قالوا يا رسول الله أولئك النبيون قال بلى والذي نفسي بيده وأقوام آمنوا بالله

وصدقوا المرسلين وهذا على شرط البخاري أيضا
وفي المسند من حديث أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله أن المتحابين لترى غرفهم في الجنة كالكوكب الطالع الشرقي أو الغربي فيقال من هؤلاء فيقال هؤلاء المتحابون في الله عز و جل في المسند من حديث أبي سعيد الخدري أيضا عن النبي قال أن في الجنة مائة ولو أن العالمين اجتمعوا في إحداهن وسعتهم وفي المسند عنه أيضا عن النبي قال يقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنة اقرأ واصعد فيقرأ ويصعد بكل آية درجة حتى يقرأ آخر شيء معه وهذا صريح في أن درج الجنة تزيد على مائة درجة وأما حديث أبي هريرة الذي رواه البخاري في صحيحه عن النبي قال أن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله بين كل درجتين كما بين السماء والأرض فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة فأما أن تكون هذه المائة من جملة الدرج وإما أن تكون نهايتها هذه المائة وفي ضمن كل درجة دونها ويدل على المعنى الأول حديث زيد بن اسلم عن عطاء بن يسار عن معاذ بن جبل قال سمعت رسول الله يقول من صلى هؤلاء الصلوات الخمس وصام شهر رمضان كان حقا على الله أن يغفر له هاجر أو قعد حيث ولدته أمه قلت يا رسول الله ألا أخرج فأوذن الناس قال لا ذر الناس يعملون وإن في الجنة مائة درجة بين كل درجتين منها مثل ما بين السماء والأرض وأعلى درجة منها الفردوس وعليها ما يكون العرش وهي أوسط شيء في الجنة ومنها تفجر أنهار الجنة وإذا سألتم الله فسلوه الفردوس رواه الترمذي هكذا بلفظه وروى أيضا من حديث عطاء عن عبادة بن الصامت أن رسول الله قال أن في الجنة مائة درجة ثم ذكر نحو حديث معاذ وفيه أيضا من حديث عطاء عن أبي هريرة قال قال رسول الله في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين مائة عام قال هذا حديث حسن غريب
وفيه أيضا من حديث أبي سعيد يرفعه أن في الجنة مائة درجة لو أن العالمين إ جتمعوا في إحداهن لوسعتهم ورواه أحمد بدون لفظة في كما تقدم وقد رويت هذه الأحاديث بلفظة في وبدونها وإن كان

المحفوظ ثبوتها فهي من جملة درجتها وإن كان المحفوظ سقوطها فهي الدرج الكبار المتضمنة للدرج الصغار والله أعلم ولا تناقض بين تقدير ما بين الدرجتين بالمائة وتقديره بالخمسمائة لاختلاف السير في السرعة والبطء والنبي ذكر هذا تقريبا للافهام ويدل عليه حديث زيد بن حبان حدثنا عبد الرحمن بن شريح حدثني أبو هانيء التجيبي سمعت أبا علي التجيبي سمعت أبا سعيد الخدري يقول سمعت رسول الله يقول مائة درجة في الجنة ما بين الدرجتين ما بين السماء والأرض أو بعد ما بين السماء والأرض قلت يا رسول الله لمن قال للمجاهدين في سبيل الله

الباب الثامن عشر في ذكر أعلى درجاتها واسم تلك الدرجة روى مسلم في
صحيحه من حديث عمرو بن العاص أنه سمع النبي يقول إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فأنه من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشرا ثم سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي وقال أحمد أنبأنا عبد الرزاق أنبأنا سفيان عن ليث عن كعب عن أبي هريرة أن رسول الله قال إذا صليتم فسلوا الله لي الوسيلة قيل يا رسول الله وما الوسيلة قال أعلى درجة في الجنة لا ينالها إلا رجل واحد وأرجو أن أكون أنا هو
هكذا الرواية أن أكون أنا هو ووجهها أن تكون الجملة خبرا عن اسم كان المستتر فيها ولا يكون أنا فصلا ولا توكيدا بل مبتدأ وفي الصحيحين من حديث جابر قال قال رسول الله من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمد الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته إلا حلت له الشفاعة يوم القيامة هكذا لفظ الحديث مقاما بالتنكير ليوافق لفظ الآية ولأنه لما تعين وانحصر نوعه في شخصه جرى مجرى المعرفة فوصف بما توصف به المعارف وهذا ألطف من جعل الذي وعدته بدلا فتأمله وفي المسند من حديث عمارة بن غزية عن موسى بن وردان عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله

الوسيلة درجة عند الله عز و جل ليس فوقها درجة فسلوا الله لي الوسيلة وذكره أبن أبي الدنيا وقال فيه درجة في الجنة ليس في الجنة درجة أعلى منها فسلوا الله أن يؤتيها على رؤوس الخلائق وقال أبو نعيم أنبأنا سليمان بن أحمد حدثنا أحمد بن عمرو بن مسلم حدثنا عبد الله بن عمران العابد حدثنا فضيل بن عياض عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت جاء رجل إلى النبي فقال يا رسول الله والله أنك لأحب إلي من نفسي وإنك لأحب إلي من أهلي وأحب إلي من ولدي وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك فلم يرد عليه النبي حتى نزل جبريل بهذا الأية ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا قال الحافظ أبو عبد الله المقدسي لا أعلم بإسناد هذا الحديث بأسا وسميت درجة النبي الوسيلة لأنها أقرب الدرجات إلى عرش الرحمن وهي أقرب الدرجات إلى الله وأصل اشتقاق لفظ الوسيلة من القرب وهي فعيلة من وسل إليه إذا تقرب إليه قال لبيد بلى كل ذي رأي إلى الله واسل ومعني الوسيلة من الوصلة ولهذا كانت أفضل الجنة وأشرفها وأعظمها نورا وقال صالح بن عبد الكريم قال لنا فضيل بن عياض أتدرون لم حسنت الجنة لأن عرش رب العالمين سقفها وقال الحكم آبن أبان عن عكرمة عن آبن عباس نور سقف مساكنكم نور عرشه وقال بكر عن أشعث عن الحسن إنما سميت عدن لأن فوقها العرش ومنها تفجر أنهار الجنة وللحور العدنية الفضل على سائر الحور والقربى والزلفى واحد وإن كان في الوسيلة معنى التقرب إليه بأنواع الوسائل وقال الكلبي آطلبوا إليه القربة بالأعمال الصالحة وقد كشف سبحانه عن هذا المعنى كل الكشف بقوله أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم اقرب فقوله أيهم اقرب هو تفسير للوسيلة التي يبتغيها هؤلاء الذين يدعوهم المشركون من دون الله فيتنافسون في القرب منه ولما كان رسول أعظم الخلق عبودية لربه وأعلمهم به وأشدهم له خشية واعظمهم له محبة كانت منزلته أقرب المنازل إلى

الله وهي أعلى درجة في الجنة وأمر النبي أمته أن يسألوها له لينالوا بهذا الدعاء زلفى من الله وزيادة الإيمان وأيضا فإن الله سبحانه قدرها له بأسباب منها دعاء أمته له بها بما نالوه على يده من الإيمان والهدى صلوات الله وسلامه عليه وقوله حلت عليه يروى عليه وله فمن رواه باللام فمعناه حصلت له ومن رواه بعلى فمعناه وقعت عليه شفاعتي والله أعلم

الباب التاسع عشر في عرض الرب تعالى سلعته الجنة على عباده وثمنها الذي
طلبه منهم وعقد التبايع الذي وقع بين المؤمنين وبين ربهم
قال تعالى إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التواراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم فجعل سبحانه ها هنا الجنة ثمنا لنفوس المؤمنين وأموالهم بحيث إذا بذلوها فيه استحقوا الثمن وعقد معهم هذا العقد وأكده بأنواع من التأكيد
أحدها إخبارهم سبحانه وتعالى بصيغة الخبر المؤكد باداة أن
الثاني الأخبار بذلك بصيغة المرضى الذي قد وقع وثبت واستقر
الثالث إضافة هذا العقد إلى نفسه سبحانه وأنه هو الذي اشترى هذا المبيع
الرابع أنه أخبر بأنه وعد بتسليم هذا الثمن وعدا لا يخلفه ولا يتركه
الخامس أنه أتى بصيغة على التي للوجوب أعلاما لعباده بأن ذلك حق عليه أحقه هو على نفسه
السادس أنه أكد ذلك بكونه حقا عليه
السابع أنه أخبر عن محل هذا الوعد وأنه في أفضل كتبه المنزلة من السماء وهي التوراة والإنجيل والقرآن الثامن إعلامه لعباده بصيغة استفهام الإنكار وأنه لا أحد أوفى بعهده منه سبحانه
التاسع أنه سبحانه وتعالى أمرهم أن يستبشروا بهذا العقد ويبشر به بعضهم بعضا بشارة من قد تم له العقد ولزم بحيث لا يثبت فيه خيار ولا يعرض له ما يفسخه
العاشر أنه أخبرهم إخبارا مؤكدا بأن ذلك البيع الذي بايعوه به هو الفوز العظيم والبيع ههنا بمعنى المبيع الذي أخذوه بهذا الثمن وهو الجنة وقوله بايعتم به أي عاوضتم و ثامنتم به ثم ذكر سبحانه أنه هذا العقد الذي وقع العقد وتم لهم دون غيرهم وهم التائبون

مما يكره العابدون له بما يحب الحامدون له على ما يحبون وما يكرهون السائحون وفسرت السياحة بالصيام وفسرت بالسفر في طلب العلم وفسرت بالجهاد وفسرت بدوام الطاعة والتحقيق فيها أنها سياحة القلب في ذكر الله ومحبته والإنابة إليه والشوق إلى لقائه ويترتب عليها كل ما ذكر من الأفعال ولذلك وصف الله سبحانه نساء النبي اللاتي لو طلق أزواجه بدله بهن بأنهن سائحات وليست سياحتهن جهادا ولا سفرا في طلب علم ولا إدامة صيام وإنما هي سياحة قلوبهن في محبة الله تعالى وخشيته والإنابة إليه ذكره
وتأمل كيف جعل الله سبحانه التوبة والعبادة قرينتين هذه ترك ما يكره وهذه فعل ما يحب والحمد والسياحة قرينتين هذا الثناء عليه بأوصاف كماله وسياحة اللسان في أفضل ذكره وهذه سياحة القلب في حبه وذكره وإجلاله كما جعل سبحانه العبادة والسياحة قرينتين في صفة الأزواج فهذه عبادة البدن وهذه عبادة القلب وجعل الإسلام والإيمان قرينتين فهذا علانية وهذا في القلب كما في المسند عنه الإسلام علانية والإيمان في القلب وجعل القنوت والتوبة قرينتين هذا فعل ما يحب وهذا ترك ما يكره وجعل الثيوبة والبكارة قرينتين فهذه قد وطئت وارتاضت وذللت صعوبها وهذه روضة أنف لم يرتع فيها بعد وجعل الركوع والسجود قرينتين وجعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قرينتين وأدخل بينهما الواو دون ما تقدم إعلاما بأن إحدهما لا يكفي حتى يكون مع الآخر وجعل ذلك قرينا لحفظ حدوده فهذا حفظها في نفس الإنسان وذلك أمر غيره بحفظها وأفهمت الآية خطر النفس الإنسانية وشرفها وعظم مقدارها فإن السلعة إذا خفى عليك قدرها فآنظر إلى المشتري لها من هو ونظر إلى الثمن المبذول فيها ما هو وانظر إلى ما جرى على يده عقد التبايع فالسلعة النفس والله سبحانه المشتري لها والثمن لها جنات النعيم والسفير في هذا العقد خير خلقه من الملائكة وأكرمهم عليه وخيرهم من البشر وأكرمهم عليه
قد هيؤك لأمر لو فطنت له ... فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
وفي جامع الترمذي من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل ألا أن سلعة الله غالية ألا إن

سلعة الله الجنة قال هذا حديث حسن غريب وفي كتاب صفة الجنة لأبي نعيم من حديث أبان عن أنس قال جاء أعرابي إلى رسول الله فقال ما ثمن الجنة قال لا إله إلا الله وشواهد هذا الحديث كثيرة جدا وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن أعرابيا جاء إلى رسول الله فقال يا رسول دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة فقال تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان قال والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا شيئا أبدا ولا أنقص منه فلما ولى قال من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا وفي صحيح مسلم عن جابر قال أتى النعمان بن قوقل إلى رسول الله فقال يا رسول الله أرأيت إذا صليت المكتوبة وحرمت الحرام وأحللت الحلال أدخل الجنة فقال النبي نعم وفي صحيح مسلم عن عثمان بن عفان قال قال رسول الله من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة وفي سنن أبي داود عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال سمعت رسول الله يقول من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة وفي الصحيحين عن أبي ذر رضي الله عنه قال رسول الله أتاني آت من ربي فأخبرني أو قال فبشرني أنه من مات من أمتك لا يشرك شيئا دخل الجنة قلت وأن زنى وأن سرق قال وإن زنى وأن سرق وفي الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت قال قال رسول الله من قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق وأن النار حق أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء وفي لفظ أدخله الله الجنة على ما كان من عمل وفي صحيح مسلم أن رسول الله أعطى أبا هريرة نعليه فقال أذهب بنعلي هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة وقال روح آبن عبادة عن حبيب بن الشهيد عن الحسن قال ثمن الجنة لا إله إلا الله وروى أبو نعيم من حديث أبي الزبير عن جابر قال سمعت رسول الله يقول لا يدخل أحدا منكم الجنة عمله ولا يجيره من النار ولا أنا

إلا بتوحيد الله تعالى وإسناده على شرط مسلم وأصل الحديث في الصحيح فصل
وههنا أمر يجب التنبيه عليه وهو أن الجنة إنما تدخل برحمة الله تعالى وليس عمل العبد مستقلا بدخولها وإن كان سببا ولهذا أثبت الله تعالى دخولها بالأعمال في قوله بما كنتم تعملون ونفى رسول الله دخولها بالأعمال بقوله لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله ولا تنافي بين الأمرين لوجهين أحدهما ما ذكره سفيان وغيره قال كانوا يقولون النجاة من النار يعفر الله ودخول الجنة برحمته واقتسام المنازل والدرجات بالأعمال ويدل على هذا حديث أبي هريرة الذي سيأتي أن شاء الله تعالى أن أهل الجنة إذا دخلوها نزلوا فيها بفضل أعمالهم رواه الترمذي والثاني أن الباء التي نفت الدخول هي باء المعاوضة التي يكون فيها أحد العوضين مقابلا للآخر والباء التي أثبتت الدخول هي باء السببية التي تقتضي سببية ما دخلت عليه لغيرة وأن لم يكن مستقلا بحصوله وقد جمع النبي بين الأمرين بقوله سدوا وقاربوا وأبشروا واعلموا أن أحدا منكم لن ينجو بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا ألا أن يتغمدني الله برحمته ومن عرف الله تعالى وشهد مشهد حقه عليه ومشهد تقصيره وذنوبه وابصر هذين المشهدين بقلبه عرف ذلك وجزم به والله سبحانه وتعالى المستعان

الباب العشرون في طلب أهل الجنة لها من ربهم وطلبها لهم وشفاعتها فيهم
إلى ربهم عز و جل قال الله تعالى حكاية عن أولي الألباب من عباده قولهم ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للأيمان أن أمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الإبرار ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد والمعنى وآتنا ما وعدتنا على ألسنة رسلك من دخول الجنة وقالت طائفة

معناه وآتنا ما وعدتنا على الإيمان برسلك وليس بسهل حذف الأسم والحرف معا إلا أن يقدر على تصديق رسلك وطاعة رسلك وحينئذ فيتكافأ التقديران ويترجح الأول بأنه قد تقدم قولهم ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للأيمان أن آمنوا بربكم فآمنا وهذا صريح في الأيمان بالرسول والمرسل ثم توسلوا إليه بأيمانهم أن يؤتيهم ما وعدهم على السنة الرسل فإنهم أنما سمعوا بوعدهم لهم بذلك من الرسل وذلك أيضا يتضمن التصديق بهم وانهم بلغوهم وعده فصدقوا به وسألوه أن يؤتيهم إياه وهذا هو الذي ذكره السلف والخلف في الاية وقيل المعنى آتنا ما وعدتنا من النصر والظفر على ألسنة الرسل والأول أعم وأكمل وتأمل كيف تضمن إيمانهم به والإيمان بأمره ونهيه ورسله ووعده ووعيده وأسمائه وصفاته وأفعاله وصدق وعده والخوف من وعيده واستجابتهم لأمره فبمجموع ذلك صاروا مؤمنين بربهم فبذلك صح لهم التوسل إلى سؤال ما وعدهم به والنجاة من عذابه وقد أشكل على بعض الناس سؤالهم أن ينجز لهم وعده مع أنه فاعل لذلك ولا بد وأجاب بأن هذا تعبد محض كقوله رب أحكم بالحق وقول الملائكة فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وخفي على هؤلاء أن الوعد معلق بشروط منها الرغبة إليه سبحانه وتعالى وسؤاله أن ينجزه لهم كما أنه معلق بالأيمان وموافاتهم به وان لا يلحقه ما يحبطه فإذا سألوه سبحانه أن ينجز لهم ما وعدهم تضمن ذلك توفيقهم وتثبيتهم وإعانتهم على الأسباب التي ينجز لهم بها وعده فكان هذا الدعاء من أهم الأدعية وأنفعها وهم أحوج إليه من كثير من الأدعية وأما قوله رب أحكم فهذا سؤال له سبحانه وتعالى أن ينصرهم على أعدائهم فيحكم لهم عليهم بالنصر والغلبة وكذا سؤال الملائكة ربهم أن يغفر للتائبين هو من الأسباب التي توجب بها لهم المغفرة فهو سبحانه نصب الأسباب التي يفعل بها ما يريده بأوليائه وأعدائه وجعلها أسبابا لإرادته كما جعلها أسبابا لوقوع مراده فمنه السبب والمسبب وأن أشكل عليك ذلك فانظر إلى خلقه الأسباب التي توجب محبته وغضبه فهو يحب ويرضى ويغضب ويسخط عن الأسباب التي خلقها وشاءها فالكل منه وبه مبتدأ من مشيئته وعائد إلى حكمته وحده وهذا باب عظيم من أبواب التوحيد لا يلجه إلا العالمون بالله ونظير هذه الآية في سؤاله ما وعد به قوله تعالى قل أذلك خيرا أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء

ومصيرا لهم فيها ما يشاؤن خالدين كان على ربك وعدا مسؤلا يسأله إياه عباده المؤمنون ويسأله إياه ملائكته لهم فالجنة تسأل ربها أهلها وأهلها يسألونه إياها والملائكة تسألها لهم والرسل يسألونه إياها لهم ولأتباعهم ويوم القيامة يقيمهم سبحانه بين يديه يشفعون فيها لعباده المؤمنين وفي هذا من تمام ملكه وإظهار رحمته وإحسانه وجوده وكرمه وأعطائه ما سئل ما هو من لوازم أسمائه وصفاته واقتضائها لآثارها ومتعلقاتها فلا يجوز تعطيلها عن آثارها وأحكامها فالرب تعالى جواد له الجود كله يحب أن يسئل ويطلب منه ويرغب إليه فخلق من يسأله وألهمه سؤاله وخلق له ما يسأله إياه فهو خالق السائل وسؤاله ومسئوله وذلك لمحبته سؤال عباده له ورغبتهم إليه وطلبهم منه وهو يغضب إذا لم يسئل
الله يغضب إن تركت سؤاله ... وبني آدم حين يسئل يغضب
وأحب خلقه إليه أكثرهم وأفضلهم له سؤالا وهو يحب الملحين في الدعاء وكلما ألح العبد عليه في السؤال أحبه وقربه وأعطاه في الحديث من لم يسأل الله يغضب عليه فلا إله إلا هو أي جناية جنت القواعد الفاسدة على الإيمان وحالت بين القلوب وبين معرفة ربها وأسمائه وصفات كماله ونعوت جلاله والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله
قال أبو نعيم الفضل حدثنا يونس هو إبن أبي إسحاق حدثنا يزيد بن أبي مرثد قال قال أنس بن مالك قال رسول الله ما من مسلم يسأل الله الجنة ثلاثا إلا قالت الجنة اللهم أدخله الجنة ومن استجار من النار بالله ثلاثا قالت النار اللهم إجره من النار رواه الترمذي والنسائي وإبن ماجه عن هناد بن السري عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق عن يزيد به وقال الحسن بن سفيان حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن ليث عن يونس بن حبان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال قال رسول الله ما سأل الله عبد الجنة في يوم سبع مرات الا قالت الجنة يا رب أن عبدك فلانا يسالني فأدخلينه وقال ابو يعلى الموصلى حدثنا ابو خيثمة زهير بن حرب حدثنا جرير عن يونس عن أبي حازم عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله ما استجار عبد من النار سبع مرات إلا قالت النار أن عبدك فلانا إستجار مني فأجره ولا يسأل عبد الجنة سبع مرات إلا قالت الجنة يا رب أن عبدك فلانا سألني فأدخله

الجنة وإسناده على شرط الصحيحين وقال أبو داود في مسنده حدثنا شعبة حدثني يونس بن حبان سمع أبا علقمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله من قال أسأل الله الجنة سبعا قالت الجنة اللهم أدخله الجنة وقال الحسن بن سفيان حدثنا المقدمي حدثنا عمر بن علي عن يحيى بن عبد الله عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله أكثروا مسألة الله الجنة واستعيذوا به من النار فأنهما شافعتان مشفعتان وأن العبد إذا أكثر مسألة الله الجنة قالت الجنة يا رب عبدك هذا الذي سألينك فأسكنه إياي وتقول النار يا رب عبدك هذا الذي إستعاذ بك مني فاعذه وقد كان جماعة من السلف لا يسألون الله الجنة ويقولون حسبنا أن يجيرنا من النار فمنهم أبو الصهباء صلة بن أشيم صلى ليلة إلى السحر ثم رفع يديه وقال اللهم أجرني من النار أو مثلي يجترئ أن يسألك الجنة ومنهم عطاء السلمي كان لا يسأل الجنة فقال له صالح المري أن أبان حدثني عن أنس أن النبي قال يقول الله عز و جل انظروا في ديوان عبدي فمن رايتموه سألني الجنة أعطيته ومن أستعذ بي من النار أعذته فقال عطاء كفاني أن يجيرني من النار ذكرها أبو نعيم وقد روى أبو داود في سننه من حديث جابر في قصة صلاة معاذ وتطويله بهم أن النبي قال للفتي يغنى الذي شكاه كيف تصنع يا ابن أخي إذا صليت قال أقرأ بفاتحة الكتاب وأسأل الله الجنة وأعوذ به من النار وأني لا أدري ما دندنتك ودندنة معاذ فقال النبي أني ومعاذا حولها ندندن وفي سنن أبي داود من حديث محمد بن المنكدر عن جابر عن عبد الله قال قال رسول الله لا يسئل بوجه الله إلا الجنة رواه عن أحمد بن عمرو العصفري حدثنا يعقوب بن إسحاق حدثنا سليمان بن معاذ عن محمد فذكره وقد تقدم في أول الكتاب حديث الليث عن معاوية عن صالح عن عبد الملك أبن أبي بشير يرفع الحديث ما من يوم إلا والجنة والنار يسألان تقول الجنة يا رب قد طابت تماري وأطردت أنهاري واشتقت إلى أوليائي فعجل إلى بأهلي الحديث فالجنة تطلب أهلها بالذات وتجذبهم إليه جذبا والنار كذلك وقد أمرنا رسول الله أن لا نزال نذكرهما ولا ننساهما كما روى أبو يعلي الموصلي في مسنده حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل حدثنا أيوب بن أبي

شبيب الصنعاني قال كان فيما عرضنا على رباح بن زيد حدثني عبد الله بن نمير سمعت عبد الرحمن بن يزيد يقول سمعت عبد الله بن عمر يقول سمعت رسول الله يقول لا تنسوا العظيمتين قلنا وما العظيمتان يا رسول الله قال الجنة والنار وذكر أبو بكر الشافعي من حديث كليب بن حرب قال سمعت رسول الله يقول اطلبوا الجنة جهدكم واهربوا من النار جهدكم فإن الجنة لا ينام طالبها وإن النار لا ينام هاربها وإن الآخرة اليوم محفوفة بالمكاره وإن الدنيا محفوفة باللذات والشهوات فلا تلهينكم عن الآخرة

الباب الحادي والعشرون في أسماء الجنة ومعانيها واشتقاقها ولها عدة
أسماء باعتبار صفاتها ومسماها واحد باعتبار الذات فهي مترادفة من هذا الوجه وتختلف باعتبار الصفات فهي متباينة من هذا الوجه وهكذا أسماء الرب سبحانه وتعالى وأسماء كتابه وأسماء رسله وأسماء اليوم الآخر وأسماء النار
الاسم الأول الجنة وهو الاسم العام المتناول لتلك الدار وما اشتملت عليه من أنواع النعيم واللذة والبهجة والسرور وقرة الأعين واصل اشتقاق هذه اللفظة من الستر والتغطية ومنه الجنين لاستتاره في البطن والجان لاستتاره عن العيون والمجن لستره ووقايته الوجه والمجنون لاستتار عقله وتواريه عنه والجان وهي الحية الصغيرة الرقيقة ومنه قول الشاعر
فذقت وجلت وأبكرت ... وأكملت فلو جن إنسان من الحسن جنت
أي لو غطى وستر عن العيون لفعل بها ذلك ومنه سمى البستان جنة لأنه يستر داخله بالأشجار ويغطيه ولا يستحق هذا الاسم إلا موضع كثير الأشجار مختلف الأنواع والجنة بالضم ما يستجن به من ترس أو غيره ومنه قوله تعالى أتخذوا أيمانهم جنة أي يستترون بها من إنكار المؤمنين عليهم ومنه الجنة بالكسر كما قال تعالى من الجنة والناس وذهبت طائفة من المفسرين إلى أن الملائكة يسمون جنة واحتجوا بقوله تعالى وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا قالوا وهذا النسب قولهم الملائكة بنات الله ورجحوا هذا القول بوجهين
أحدهما إن النسب الذي جعلوه إنما زعموا أنه بين الملائكة وبينه ولا بين الجن

وبينه
الثاني قوله تعالى ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون أي قد علمت الملائكة أن الذين قالوا هذا القول محضرون للعذاب والصحيح خلاف ما ذهب إليه هؤلاء وإن الجنة هم الجن نفسهم كما قال تعالى من الجنة والناس وعلى هذا ففي الآية قولان أحدهما قول مجاهد قال قالت كفار قريش الملائكة بنات الله فقال لهم ابو بكر فمن أمهاتهم قالوا سروات الجن وقال الكلبي قالوا تزوج من الجن فخرج من بينهما الملائكة وقال قتادة قالوا صاهر الجن فخرج من بينهما الملائكة وقال قتادة قالوا صاهر الجن والقول الثاني هو قول الحسن قال أشركوا الشياطين في عبادة الله فهو النسب الذي جعلوه والصحيح قول مجاهد وغيره وما احتج به أصحاب القول الأول ليس بمستلزم لصحة قولهم فإنهم لما قالوا الملائكة بنات الله وهم من الجن عقدوا بينه وبين الجن نسبا بهذا الإيلاد وجعلوا هذا النسب متوالد بينه وبين الجن وأما قوله ولقد علمت الجنة أنهم لمحضرون فالضمير يرجع إلى الجنة أي قد علمت الجنة أنهم لمحضرون الحساب قاله مجاهد أي لو كان بينه وبينهم نسب لم يحضروا للحساب كما قال تعالى وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم فجعل سبحانه عقوبتهم بذنوبهم وإحضارهم للعذاب مبطلا لدعواهم الكاذبة وهذا التقدير في الاية أبلغ في إبطال قولهم من التقدير الأول فتأمله والمقصود ذكر أسماء الجنة فصل
الاسم الثاني دار السلام وقد سماها الله بهذا الاسم في قوله لهم دار السلام عند ربهم وقوله والله يدعوا إلى دار السلام وهي احق بهذا الاسم فإنها دار السلامة من كل بلية وآفة ومكروه وهي دار الله واسمه سبحانه وتعالى السلام الذي سلمها وسلم اهلها وتحيتهم فيها سلام والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم والرب تعالى يسلم عليكم من فوقهم كما قال تعالى لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون سلام قولا من رب رحيم وسيأتي حديث جابر في سلام الرب تبارك وتعالى عليهم في الجنة وكلامهم كلهم فيها سلام أي لا لغو فيها ولا فحش ولا باطل كما قال تعالى لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما واما قوله تعالى واما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك من اصحاب اليمين فأكثر المفسرون حاموا حول المعنى وما وردوه وقالوا أقوالا لا يخفى بعدها عن المقصود وإنما معنى الآية والله أعلم فسلام لك ايها الراحل عن الدنيا حال كونك من أصحاب اليمين

أي فسلامه لك كائنا من أصحاب اليمين الذين سلموا من الدنيا وإنكارها ومن النار وعذابها فبشر بالسلامة عند ارتحاله من الدنيا وقدومه على الله كما يبشر الملك روحه عند أخذها بقوله ابشري بروح وريحان ورب غير غضبان وهذا أول البشرى التي للؤمن في الآخرة فصل
الاسم الثالث دار الخلد وسميت بذلك لأن أهلها لا يظعنون عنها أبدا كما قال تعالى عطاء غير مجذوذ وقال إن هذا لرزقنا ما له من نفاذ وقال أكلها دائم وظلها وقال وما هم منها بمخرجين وسيأتي إبطال قول من قال من الجهمية والمعتزلة بفنائها أو فناء حركات أهلها أن شاء الله تعالى فصل الاسم الرابع دار المقامة قال تعالى حكاية عن أهلها وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن أن ربنا لغفور شكور الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب قال مقاتل أنزلنا دار الخلود أقاموا فيها ابدا لا يموتون ولا يتحولون منها أبدا قال الفراء والزجاج المقامة مثل الإقامة يقال أقمت بالمكان إقامة ومقامة ومقاما فصل
الاسم الخامس جنة المأوى قال تعالى عندها جنة المأوى والمأوى مفعل من أوى يأوي إذا انضم إلى المكان وصار إليه واستقر به وقال عطاء عن ابن عباس هي الجنة التي يأوي إليها جبريل والملائكة وقال مقاتل والكلبي هي جنة تأوي إليها أرواح الشهداء وقال كعب جنة المأوى جنة فيها طير خضر ترتع فيها أرواح الشهداء وقالت عائشة رضي الله عنها وزر بن حبيش هي جنة من الجنان والصحيح أنه اسم من أسماء الجنة كما قال تعالى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى وقال في النار فإن الجحيم هي المأوى وقال ومأواكم النار

فصل
الاسم السادس جنات عدن فقيل هي اسم لجنة من الجنان والصحيح أنه اسم لجنة الجنان وكلها جنات عدن قال تعالى جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب وقال تعالى جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من اساور من ذهب ولؤلؤ ولباسهم فيها حرير وقال تعالى ومساكن طيبة في جنات عدن والاشتقاق يدل على أن جميعها جنات عدن فإنه من الإقامة والدوام يقال عدن بالمكان إذا أقام به وعدنت البلد توطنته وعدنت الإبل بمكان كذا لزمته فلم تبرح منه قال الجوهري ومنه جنات عدن أي إقامة ومنه سمى المعدن بكسر الدال لأن الناس يقيمون فيه الصيف والشتاء ومركزه كل شيء معدنه والعادن الناقة المقيمة في المرعى فصل
الاسم السابع دار الحيوان قال تعالى وإن الدار الآخرة لهي الحيوان والمراد الجنة عند أهل التفسير قالوا وأن الآخرة يعني الجنة لهي الحيوان لهي دار الحياة التي لا موت فيها فقال الكلبي هي حياة لا موت فيها قال وقال الزجاج هي دار الحياة الدائمة وأهل اللغة على أن الحيوان بمعنى الحياة قال أبو عبيدة وأبن قتيبة الحياة الحيوان قال أبو عبيدة الحياة والحيوان والحي بكسر الحاء واحد قال أبو علي يعني أنها مصادر فالحياة فعلة كالجلبة والحيوان كالنزوان والغليان والحي كالعي قال العجاج كنا بها إذا الحياة حي ... أي إذا الحياة حياة وأما أبو زيد فخالفهم وقال الحيوان ما فيه روح والموتان والموات ما لا روح فيه والصواب أن الحيوان يقع على ضربين أحدهما مصدر كما حكاه أبو عبيدة والثاني وصف كما حكاه أبو زيد وعلى قول أبي زيد الحيوان مثل الحي خلاف الميت ورجح القول الأول بأن الفعلان بابه المصادر كالنزوان والغليان بخلاف الصفات فإن بابها فعلان كسكران وغضبان واجاب من رجح القول الثاني بإن فعلان قد جاء في الصفات أيضا قالوا رجل ضميان للسريع الخفيف وزفيان قال في الصحاح ناقة رفيان سريعة وقوس زفيان سريعة الارسال للسهم فيحتمل قوله تعالى وإن الدار الآخرة لهي الحيوان معنيين احدهما أن الحياة الآخرة هي الحياة لآنها لا تنغيص فيها ولا نفاد لها

أي لا يشوبها ما يشوب الحياة في هذه الدار فيكون الحيوان مصدرا على هذا الثاني أن يكون المعنى أنها الدار التي تفنى ولا تنقطع ولا تبيد كما يفنى الأحياء في هذه الدنيا فهي أحق بهذا الاسم من الحيوان الذي يفنى ويموت فصل
الاسم الثامن الفردوس قال تعالى أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون وقال تعالى أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا خالدين فيها والفردوس اسم يقال على جميع الجنة ويقال على أفضلها وأعلاها كأنه أحق بهذا الاسم من غيره من الجنات وأصل الفردوس البستان والفراديس البساتين قال كعب هو البستان الذي فيه الاعناب وقال الليث الفردوس جنة ذات كروم يقال كرم مفردس أي معرش وقال الضحاك هي الجنة الملتفة بالأشجار وهو اختيار المبرد وقال الفردوس فيما سمعت من كلام العرب الشجر الملتف والأغلب عليه العنب وجمعه الفراديس قال ولهذا سمى باب الفراديس بالشام وانشد لجرير
فقلت للركب إذ جد المسير بنا ... يا بعد من باب الفراديس
وقال مجاهد هذا البستان بالرومية واختاره الزجاج فقال هو بالرومية منقول إلى لفظ العربية قال وحقيقتة أنه البستان الذي يجمع كل ما يكون في البساتين قال حسان وأن ثواب الله كل مخلد ... جنان من الفردوس فيها يخلد فصل
الاسم التاسع جنات النعيم قال تعالى إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم وهذا ايضا آسم جامع لجميع الجنات لما تضمنته من الأنواع التي يتنعم بها من المأكول والمشروب والملبوس والصور والرائحة الطيبة والمنظر البهيج والمساكن الواسعة وغير ذلك من النعيم الظاهر والباطن فصل
الاسم العاشر المقام الأمين قال تعالى أن المتقين في مقام أمين والمقام الأمين موضع الإقامة والأمين الآمن من كل سوء وآفة ومكروه وهو الذي قد جمع صفات الأمن كلها

فهو آمن من الزوال والخراب وأنواع النقص واهله آمنون فيه من الخروج والنغص والنكد والبلد الأمين الذي قد أمن من أهله فيه مما يخالف منه سواهم وتأمل كيف ذكر سبحانه الأمن في قوله تعالى أن المتقين في مقام أمين وفي قوله تعالى يدعون فيها بكل فاكهة آمنين فجمع لهم بين أمن المكان وأمن الطعام فلا يخافون انقطاع الفاكهة ولا سوء عاقبتها ومضرتها وأمن الخروج منها فلا يخافون ذلك وأمن من الموت فلا يخافون فيها موتا فصل
الاسم الحادي عشر والثاني عشر مقعد الصدق وقدم الصدق قال تعالى إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق فسمى جنته مقعد صدق لحصول كل ما يراد من المقعد الحسن فيها كما يقال مودة صادقة إذا كانت ثابتة تامة وحلاوة صادقة وحملة صادقة ومنه الكلام الصدق لحصول مقصوده منه وموضع هذه اللفظة في كلامهم الصحة والكمال ومنه الصدق في الحديث والصدق في العمل والصديق الذي يصدق قوله بالعمل والصدق بالفتح الصلب من الرماح ويقال للرجل الشجاع أنه لذو مصدق أي صادق الحملة وهذا مصداق هذا اي ما يصدقه ومنه الصداقة لصفاء المودة والمخالة ومنه صدقني القتال وصدقني المودة ومنه قدم صدق ولسان صدق ومدخل صدق ومخرج صدق وذلك كله للحق الثابت المقصود الذي يرغب فيه بخلاف الكذب الباطل الذي لا شيء تحته وهو لا يتضمن أمرا ثابتا قط وفسر قوم صدق بالجنة وفسر بالأعمال التي تنال بها الجنة وفسر بالسابقة التي سبقت لهم من الله وفسر بالرسول الذي على يده وهدايته نالوا ذلك والتحقيق أن الجميع حق فأنهم سبقت لهم من الله الحسنى بتلك السابقة أي بالأسباب التي قدرها لهم على يد رسوله وأدخر لهم جزاءها يوم القيامة ولسان الصدق وهو لسان الثناء الصادق بمحاسن الأفعال وجميل الطرائق وفي كونه لسان صدق اشارة إلى مطابقته للواقع وأنه أثناء بحق لا بباطل ومدخل الصدق ومخرج الصدق هو المدخل والمخرج الذي يكون صاحبه فيه ضامنا على الله وهو دخوله وخروجه بالله ولله وهذه الدعوة من أنفع الدعاء للعبد فإنه لا يزال داخلا في أمر وخارجا من أمر فمتى كان دخوله لله وبالله وخروجه كذلك كان قد أدخل مدخل صدق واخرج مخرج صدق والله المستعان

الباب الثاني والعشرون في عدد الجنات وأنها نوعان جنتان من ذهب وجنتان
من فضة
الجنة اسم شامل لجميع ما حوته من البساتين والمساكن والقصور وهي جنات كثيرة جدا كما روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك أن أم الربيع بنت البراء وهي أم حارثة بن سرقة أتت رسول الله عليه وسلم فقالت يا نبي الله ألا تحدثني عن حارثة وكان قتل يوم بدر أصابه سهم غريب فإن كان في الجنة صبرت وأن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء قال يا أم حارثة أنها جنان في الجنة وإن أبنك أصاب الفردوس الأعلى وفي الصحيحين من حديث أبي موسى الاشعري عن رسول الله أنه قال جنتان من ذهب آنيتهما وحليتهما وما فيهما وجنتان من فضة آنيتهما وحليتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن وقد قال تعالى ولمن خاف مقام ربه جنتان فذكرهما ثم قال ومن دونهما جنتان فهذه أربع وقد اختلف في قوله ومن دونهما هل المراد به انهما فوقهما او تحتهما على قولين فقالت طائفة من دونهما أي أقرب منهما إلى العرش فيكونان فوقهما وقالت طائفة بل معنى من دونهما تحتهما قالوا وهذا المنقول في لغة العرب إذا قالوا هذا دون هذا أي دونه في المنزلة كما قال بعضهم لمن بالغ في مدحه أنا دون ما تقول وفوق ما في نفسك وفي الصحاح دون نقيض فوق وهو تقصير عن الغاية ثم قال ويقال هذا دون هذا أي أقرب منه والسياق يدل على تفضيل الجنتين الأوليين من عشرة أوجه
أحدها قوله ذواتا أفنان وفيه قولان أحدهما أنه جمع فنن وهو الغصن والثاني أنه جمع فن وهو الصنف أي ذواتا أصناف شتى من الفواكه وغيرها ولم يذكر ذلك في اللتين بعدهما الثاني قوله فيهما عينان تجريان وفي الآخريين فيهما عينان نضاختان والنضاخة هي الفوارة والجارية السارحة وهي أحسن من الفوارة فإنها تتضمن الفوران والجريان الثالث أنه قال فيهما من كل فاكهة زوجان وفي الآخريين فيهما فاكهة ونخل ورمان ولا ريب أن وصف الأوليين أكمل واختلف في هذين الزوجين بعد الاتفاق على أنهما صنفان فقالت طائفة الزوجان الرطب واليابس الذي لا يقصر في فضله وجودته عن الرطب وهو يتمتع به كما يتمتع باليابس وفيه نظر لا يخفى

وقالت طائفة الزوجان صنف معروف وصنف من شكله غريب وقالت طائفة نوعان ولم تزد والظاهر والله أعلم أنه الحلو والحامض والأبيض والأحمر وذلك لأن اختلاف أصناف الفاكهة أعجب واشهى وألذ للعين والفم
الرابع أنه قال متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وهذا تنبية على فضل الظهائر وخطرها وفي الأخريين قال متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان وفسر الرفرف بالمح2ابس والبسط وفسر بالفرش وفسر بالمحابس فوقها وعلى كل قول فلم يصفه بما وصف به فرش الجنتين الأوليين
الخامس أنه قال وجنى الجنتين دان أي قريب وسهل يتناولونه كيف شاؤا ولم يذكر ذلك في الآخريين
السادس أنه قال فيهن قاصرات الطرف أي قد قصرن طرفهن على أزواجهن فلا يرون غيرهم لرضاهن بهم ومحبتهن لهم وذلك يتضمن قصر أطراف أزواجهن عليهن فلا يدعهم حسنهن أن ينظروا إلى غيرهن وقال في الآخريين حور مقصورات في الخيام ومن قصرت طرفها على زوجها باختيارها أكمل ممن قصرت بغيرها
السابع أنه وصفهن بشبه الياقوت والمرجان في صفاء اللون وأشراقه وحسنه ولم يذكر ذلك في التي بعدها الثامن أنه قال سبحانه وتعالى في الجنتين الأوليين هل جزاء الإحسان إلا الإحسان وهذا يقتضي أن أصحابهما من أهل الاحسان المطكق الكامل فكان جزاؤهم بإحسان كامل التاسع أنه بدأ بوصف الجنتين الأوليين وجعلهما جزءا لمن خاف مقامه وهذا يدل على أنهما أعلى جزاء الخائف لمقامه فرتب الجزاء المذكور على الخوف ترتيب المسبب على سببه ولما كان الخائفون على نوعين مقربين وأصحاب يمين ذكر جنتي المقربين ثم ذكر جنتي أصحاب اليمين
العاشر أنه قال ومن دونهما جنتان والسياق يدل على أنه نقيض فوق كما قال الجوهري فإن قيل فكيف انقسمت هذه الجنان الأربع على من خاف مقام ربه قيل لما كان الخائفون نوعين كما ذكرنا كان للمقربين منهم الجنتان العاليتان ولأصحاب اليمين الجنتان اللتان دونهما فإن قيل فهل الجنتان لمجموع الخائفين يشتركون فيهما أم لكل واحد جنتان وهما البستانان قيل هذا فيه قولان للمفسرين ورجح القول الثاني بوجهين أحدهما من جهة النقل والثاني من جهة المعنى فأما الذي من جهة النقل فإن أصحاب هذا القول رووا عن رسول الله قال هما بستانين في رياض الجنة وأما الذي

من جهة المعنى فإن إحدى الجنتين جزاء أداء الأوامر والثانية جزاء اجتناب المحارم فإن قيل فكيف قال في ذكر النساء فيهن في الموضعين ولما ذكر غيرهن قال فيهما قيل لما ذكر الفرش قال بعدها فيهن خيرات حسان ثم أعاده في الجنتين الأخريين بهذا اللفظ ليتشاكل اللفظ والمعنى والله أعلم

الباب الثالث والعشرون في خلق الرب تبارك وتعالى بعض الجنان وغرسها
بيده تفضيلا لها على سائر الجنان
وقد أتخذ الرب وتعالى من الجنان دارا اصطفاها لنفسه وخصها بالقرب من عرشه وغرسها بيده فهي سيدة الجنان والله سبحانه وتعالى يختار من كل نوع أعلاه وأفضله كما اختار من الملائكة جبريل ومن البشر محمدا ومن السموات العليا ومن البلاد مكة ومن الأشهر المحرم ومن الليالي ليلة القدر ومن الأيام يوم الجمعة ومن الليل وسطه ومن الأوقات أوقات الصلاة إلى غير ذلك فهو سبحانه وتعالى يخلق ما يشاء ويختار وقال الطبراني في معجمه حدثنا مطلب بن شعيب الازدي حدثنا عبد الله بن صالح حدثني الليث قال الطبراني في معجمه وحدثنا أبوو الزنباع روح بن الفرج حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن زياد بن محمد الأنصاري عن محمد بن كعب القرظي عن فضالة بن عبيد عن أبي الدرداء قال قال رسول الله ينزل الله تعالى في آخر ثلاث ساعات يبقين من الليل فينظر الله في الساعة الأولى منهن في الكتاب الذي لا ينظر فيه غيره فيمحو ما يشاء ويثبت ثم ينظر في الساعة الثانية إلى جنة عدن وهي مسكنه الذي يسكن فيه ولا يكون معه فيها أحد إلا الأنبياء والشهداء والصديقون وفيها ما لم تره عين أحد ولا خطر على قلب بشر ثم يهبط آخر ساعة من الليل فيقول ألا مستغفر يستغفرني فأغفر له ألا سائل يسألني فأعطيه ألا داع يدعوني فأستجيب له حتى يطلع الفجر قال تعالى وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا فيشهده الله تعالى وملائكته قال الحسن بن سفيان حدثنا أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح قال حدثني خالي عبد الرحمن بن عبد الحميد بن سالم حدثنا يحيى بن أيوب عن داود بن ابي هند عن أنس بن مالك أن رسول الله قال إن الله بني الفردوس بيده وحظرها على كل مشرك وكل مدمن خمر ومتكبر وقد ذكر الدارمي والنجار وغيرها من حديث

أبي معشر نجيح بن عبد الرحمن متكلم فيه عن عون بن عبد الله بن الحارث ابن نوفل عن أخيه عبد الله بن أبيه عبد الله بن الحارث قال قال رسول الله خلق الله ثلاثة أشياء بيده خلق آدم بيده وكتب التوراة بيده وغرس الفردوس بيده ثم قال وعزتي وجلالي لا يدخلها مدمن خمر ولا الديوث قالوا يا رسول الله قد عرفنا مدمن الخمر فما الديوث قال الذي يقر السوء في أهله قلت المحفوظ أنه موقوف قال الدارمي حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا عبيد بن مهران حدثنا مجاهد قال قال عبد الله بن عمر خلق الله أربعة أشياء بيده العرش والقلم وعدن وآدم عليه السلام ثم قال لسائر الخلق كن فكان وحدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة عن عطاء بن السائب عن ميسرة قال إن الله لم يمس شيئا من خلقه غير ثلاث خلق آدم بيده وكتب التوراة بيده وغرس جنة عدن بيده حدثنا محمد بن المنهال حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس عن كعب قال لم يخلق الله بيده غير ثلاث خلق آدم بيده وكتب التوراة بيده وغرس جنة عدن بيده ثم قال لها تكلمي قالت قد أفلح المؤمنون وقال أبو الشيخ حدثنا أبو يعلي حدثنا أبو الربيع حدثنا يعقوب القمي حدثنا حفص بن حميد عن شمر بن عطية قال خلق الله جنة الفردوس بيده فهو يفتحها كل يوم خمس مرات فيقول ازدادي طيبا لأوليائي ازدادي حسنا لأوليائي وذكر الحاكم عنه عن مجاهد قال إن الله تعال غرس جنات عدن بيده فلما تكلمت أغلقت فهي تفتح في كل سحر فينظر الله إليها فتقول قد افلح المؤمنون وذكر البيهقي من حديث البغوي حدثنا يونس بن عبيد الله البصري حدثنا عدي أبن الفضل عن الحريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال قال رسول الله أن الله أحاط حائط الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة وغرس عرشها بيده وقال لها تكلمي فقالت قد أفلح المؤمنون فقال طوبى لك منزلة الملوك وقال أبن أبي الدنيا حدثنا محمد بن أبي المثني البزار حدثنا محمد بن زياد الكلبي حدثنا بشير بن حسين عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس قال قال رسول الله خلق الله جنة عدن بيده لبنة من درة بيضاء ولبنة من ياقوته حمراء ولبنة من زبر جدة خضراء بلاطها المسك وحصباؤها اللؤلؤ وحشيشها الزعفران ثم قال لها

أنطقي قالت قد افلح المؤمنون فقال الله عز و جل وعزتي وجلالي لا يجاورني فيك بخيل ثم كلا رسول الله ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون وتأمل هذه العناية كيف جعل هذه الجنة التي غرسها بيده لمن خلقه بيده ولأفضل ذريته اعتناء وتشريفا وإظهارا لفضل ما خلقه وبيده وشرفه وميزه بذلك عن غيره وبالله التوفيق فهذه الجنة في الجنات كآدم في نوع الحيوان وقد روى مسلم في صحيحه عن المغيرة بن شعبة عن سعيد عن النبي قال سأل موسى عليه السلام ربه ما أدنى أهل الجنة منزلة قال رجل يجيء بعد ما دخل أهل الجنة الجنة فيقال له أدخل الجنة فيقول رب كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم فيقال له أترضى أن يكون لك مثل ملك من ملوك الدنيا فيقول رضيت رب فيقول له لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله فقال في الخامسة رضيت رب قال رب فأعلاهم منزلة قال أولئك الذين أردت غرست كرامتهم بيدي وختمت عليها فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر ومصداقه من كتاب الله فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين

الباب الرابع والعشرون في ذكر أبواب الجنة وخزنتها واسم مقدمهم ورئيسهم
قال تعالى وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاؤها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم والخزنة جمع خازن ومثل حفظة وحافظ وهو المؤتمن على الشيء الذي قد استحفظه وروى مسلم في صحيحه من حديث سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله أتى باب الجنة يوم القيامة فأستفتح فيقول الخازن من أنت فأقول محمد فيقول بلى أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك وقد تقدم حديث أبي هريرة المتفق عليه من أنفق زوجين في سبيل الله دعاه خزنة الجنة كل خزنة باب أي فلهلم
قال ابو بكر يا رسول الله ذاك الذي لا توى عليه فقال النبي إني لأرجو أن تكون منهم وفي لفظ هل تدعى أحد من تلك الأبواب كلها قال نعم ارجو أن تكون منهم لما سمعت همته الصديق إلى تكميل مراتب الإيمان

وطمعت نفسه أن يدعي من تلك الأبواب كلها سأل رسول الله هل يحصل ذلك لأحد من الناس ليسعى في العمل الذي ينال به ذلك فخبره بحصوله وبشره بأنه من أهله وكأنه قال هل تكمل لأحد هذه المراتب فيدعي يوم القيامة من أبوابها كلها فلله ما أعلى هذه الهمة وأكبر هذه النفس قد سمى الله سبحانه وتعالى كبير هذه الخزنة رضوان وهو اسم مشتق من الرضا وسمى خازن النار مالكا وهو اسم مشتق من الملك وهو القوة والشدة حيث تصرفت حروفه

الباب الخامس والعشرون في ذكر اول من يقرع باب الجنة وقد تقدم حديث أنس
ورواه الطبراني بزيادة فيه قال فيقوم الخازن فيقول لا افتح لأحد قبلك ولا أقوم لأحد بعدك وذلك أن قيامه إليه خاصة اظهارا لمزيته ورتبته ولا يقوم في خدمة أحد بعده بل خزنة الجنة يقومون في خدمته وهو كالملك عليهم وقد أقامه الله في خدمة عبده ورسوله حتى مشي إليه وفتح له الباب وقد روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه عنه أنه قال أنا أول من يفتح باب الجنة إلا أن أمرأة تبادرني فاقول لها مالك ومن أنت فتقول أنا امرأة قعدت على يتامى وفي الترمذي من حديث أبن عباس قال جلس ناس من اصحاب النبي ينتظرونه قال فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون فسمع حديثهم فقال بعضهم عجبا أن لله من خلقه خليلا أتخذ إبراهيم خليلا وقال آخر ما ذلك بأعجب من كليمه موسى كلمه تكليما وقال آخر فعيسى كلمه الله وروحه وقال أخر آدم اصطفاه الله فخرج عليهم فسلم وقال سمعت كلامكم وعجبكم إن إبراهيم خليل الله وهو كذلك وكذلك وموسى نجى الله وهو كذلك وعيسى روحه وكلمته وهو كذلك وآدم اصطفاه الله وهو كذلك ألا وأنا حبيب الله ولا فخر وأنا أول شافع وأول مشفع يوم القيامة ولا فخر وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر وأنا أول من يحرك حلقة الجنة فيفتح لي فادخلها ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر وأنا أكرم الأولين والآخرين ولا فخر وعن أنس بن مالك قال قال رسول الله أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا وانا

خطيبهم إذا أنصتوا وقائدهم إذا وفدوا وشافعهم إذا حبسوا وأنا مبشرهم إذا آيسوا لواء الحمد بيدي ومفاتيح الجنة يومئذ بيدي وأنا أكرم ولد آدم يومئذ على ربي ولا فخر يطوف على ألف خادم كأنهم اللؤلؤ المكنون رواه الترمذي والبيهقي واللفظ له وفي صحيح مسلم من حديث المختار بن فلفل عن انس قال قال رسول الله أنا أكثر الناس تبعا يوم القيامة وأنا أول من يقرع باب الجنة

الباب السادس والعشرون في ذكر أول الأمم دخولا الجنة وفي الصحيحين من
حديث همام بن منبه عن ابي هريرة قال قال رسول الله نحن السابقون الأولون يوم القيامة بيد أنهم أوتو الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم أي لم يسبقونا إلا بهذا القدر فمعنى بيد معني سوى وغيره وإلا ونحوها وفي صحيح مسلم من حديث أبي صالح عن ابي هريرة قال قال رسول الله نحن الأخرون الأولون يوم القيامة ونحن أول من يدخل الجنة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم فاختلفوا فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه وفي الصحيحين من حديث طاوس عن أبي هريرة عن النبي قال نحن الآخرون الأولون يوم القيامة نحن أول الناس دخولا الجنة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم وروى الدارقطني من حديث زهير بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب عن رسول الله قال أن الجنة حرمت على الأنبياء كلهم حتى أدخلها وحرمت على الأمم حتى تدخلها أمتي قال الدارقطني غريب عن الزهري ولا أعلم روى عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الزهري غير هذا الحديث ولا رواه إلا عمرو بن ابي سلمة عن زهير فهذه الأمة أسبق الأمم خروجا من الأرض وأسبقهم إلى اعلى مكان في الموقف وأسبقهم إلى ظل العرش وأسبقهم إلى الفصل والقضاء بينهم واسبقهم إلى الجوار على الصراط وأسبقهم إلى دخول الجنة فالجنة محرمة على الأنبياء حتى يدخلها محمد ومحرمة على الأمم حتى تدخلها أمته وأما أول الأمة دخولا فقال أبو داود في سننه حدثنا

هناد بن السرى عن عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن عبد السلام بن حرب عن أبي خالد الدالاني عن أبي خالد مولى آل جعدة عن أبي هريرة قال قال رسول الله أتاني جبريل فأخذ بيدي فأراني باب الجنة الذي تدخل منه أمتي فقال أبو بكر يا رسول الله وددت أني كنت معك حتى أنظر إليه فقال رسول الله أما إنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي وقوله وددت أني كنت معك حرصا منه على زيادة اليقين وإن يصير الخبر عيانا كما قال إبراهيم الخليل يا رب أرني كيف تحي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي وأما الحديث الذي رواه ابن ماجه في سننه حدثنا إسماعيل بن عمر الطلحي أنبأنا داود بن عطاء المديني عن صالح بن كيسان عن أبن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي بن كعب قال قال رسول الله أول من يصالحه الحق عمر وأول من يسلم عليه وأول من يأخذ بيده فيدخله الجنة فهو حديث منكر جدا قال الإمام أحمد داود بن عطاء ليس بشيء وقال البخاري منكر الحديث

الباب السابع والعشرون في ذكر السابقين من هذه الأمة إلى الجنة وصفتهم
في الصحيحين من حديث همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر لا يبصقون فيها ولا يتغوطون فيها ولا يتمخطون فيها آنيتهم وأمشاطهم الذهب والفضة ومجامرهم الالوة ورشحهم المسك ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ ساقها من وراء اللحم من الحسن لا اختلاف بينهم ولا تباغض عن قلوبهم على قلب رجل واحد يسبحون الله بكرة وعشيا وفي الصحيحين أيضا من حديث أبي زرعة عن ابي هريرة قال قال رسول الله أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر والذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء أضاءة لا يبولون ولا يتغوطون ولا ينتفلون ولا ينمخطون أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك ومجامرهم الالوة وأزواجهم الحور العين أخلاقهم على خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم ستون ذراعا في السماء وروى شعبة بن قيس عن حبيب عن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن

أبن عباس قال قال رسول الله أول من يدعي إلى الجنة يوم القيامة الحامدون الذين يحمدون الله في السراء والضراء وقال الأمام أحمد حدثنا إسماعيل عن إبراهيم حدثنا هشام الدستوائي عن يحي بن أبي كثير عن عامر العقيلي عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله عرض علي أول ثلاثة من امتي يدخلون الجنة وأول ثلاثة يدخلون النار فأما أول ثلاثة يدخلون الجنة فالشبيد وعبد مملوك لم يشغله رق الدنيا عن طاعة ربه وفقير متعفف ذو عيال وأول ثلاثة يدخلون النار فأمير مسلط وذو ثروة من مال لا يؤدي حق الله من ماله وفقير فخور وروى الأمام أحمد في مسنده والطبراني في معجمه واللفظ له من حديث أبي عشلة المعافري انه سمع عبد الله أبن عمر يقول قال رسول الله هل تدرون أول من يدخل الجنة قالوا الله ورسوله أعلم قال فقراء المهاجرين الذين تنقى بهم المكاره ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء تقول الملائكة ربنا نحن ملائكتك وخزنتك وسكان سمواتك لا تدخلهم الجنة قبلنا فيقول عبادي لا يشركون بي شيئا تتقي بهم المكاره يموت أحدهم وحاجته في صدره لم يستطع لها قضاء فعند ذلك تدخل عليهم الملائكة من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبي الدار ولما ذكر الله تعالى أصناف بني آدم سعيدهم وشقيهم قسم سعيدهم إلى قسمين سابقين وأصحاب يمين فقال والسابقون السابقون واختلف في تقريرها على ثلاثة أقوال
أحدها أنه من باب التوكيد اللفظي ويكون الخبر قوله أولئك المقربون
والثاني أن يكون السابقون الأول مبتدأ والثاني خبر له على حد قولك زيد زيد اي الذي سمعت به هو زيد كما قال
أنا أبو النجم وشعري شعري وكقول الأخر
إذ الناس ناس والزمان زمان قال ابن عطية وهذا قول سيبويه
والثالث أن يكون الأول غير الثاني ويكون المعنى السابقون في الدنيا إلى الخيرات هم السابقون يوم القيامة إلى الجنات والسابقون إلى الإيمان هم السابقون إلى الجنان وهذا اظهر والله أعلم فإن قيل فما تقول في الحديث الذي رواه الأمام أحمد والترمذي وصححه من حديث بريدة بن الحصيب قال أصبح رسول الله فدعا بلال فقال يا بلال بم سبقتني إلى الجنة فما دخلت الجنة قط إلا سمعت خشخشتك أمامي ودخلت البارحة فسمعت

خشخشتك امامي فأتيت على قصر مريع مشرف من ذهب فقلت لمن هذا القصر قالوا لرجل من أمة محمد قلت أنا محمد لمن هذا القصر قالوا لعمر أبن الخطاب فقال بلال يا رسول الله ما أذنت قط إلا وصليت ركعتين وما أصابني حدث قط إلا توضأت عندها ورأيت أن لله على ركعتين فقال رسول الله فبذلك قيل نتلقاه بالقبول والتصديق ولا يدل على أن أحدا يسبق رسول الله فبذلك قيل نتلقاه بالقبول والتصديق ولا يدل على أن أحدا يسبق رسول الله إلى الجنة وأما تقدم بلال بين يدي رسول الله في الجنة فلأن بلالا كان يدعوا إلى الله أولا بالأذان فيتقدم أذانه بين يدي النبي فتقدم دخوله بين يديه كالحاجب والخادم وقد روى في حديث أن النبي يبعث يوم القيامة وبلال بين يديه ينادي بالأذان فتقدمه بين يديه كرامة لرسوله وأطهارا لشرفه وفضله لا سبقا من بلال بل هذا السبق من جنس سبقه إلى الوضوء ودخول المسجد ونحوه والله أعلم

الباب الثامن والعشرون في سبق الفقراء الأغنياء إلى الجنة قال الأمام
أحمد حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله قال يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل أغنيائهم يوم وهو خمسمائة عام وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح ورجال إسناده احتج بهم مسلم في صحيحه
وروى الترمذي من حديث ابن عباس الدوري عن المقبري عن سعيد بن أبي أيوب عن عمرو بن جابر الحضرمي عن جابر بن عبد الله عن النبي أنه قال يدخل فقراء أمتي الجنة قبل الأغنياء بأربعين خريفا وفي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو قال سمعت رسول الله يقول فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة بأربعين خريفا وقال الأمام أحمد حدثنا حسين بن محمد حدثنا دويد عن سليم بن بشير عن عكرمة عن أبن عباس قال قال رسول الله التقى مؤمنان على باب الجنة مؤمن غني ومؤمن فقير كانا في الدنيا فأدخل الفقير الجنة وحبس الغني ما شاء الله أن يحبس ثم أدخل الجنة فلقيه الفقير فقال أي أخي ماذ حبسك والله لقد احتبست حتى خفت عليك فيقول

أي أخي أني حبست بعدك محبسا فظيعا كريها ما وصلت إليك حتى سال مني العرق ما لو ورده ألف بعير كلها أكله حمض لصدرت عنه وقال الطبراني حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي وعلي بن عبد الله الرازي قالا حدثنا على بن مهران العطار حدثنا عبد الملك بن أبي كريمة عن سفيان الثوري عن محمد بن زيد عن أبي حازم عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله يقول أن فقراء المؤمنين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم وذلك خمسمائة عام وذكر الحديث بطوله والذي في الصحيح أن سبقهم لهم بأربعين خريفا فأما أن يكون هو المحفوظ وإما أن يكون كلاهما محفوظا وتختلف مدة السبق بحسب احوال الفقراء والأغنياء فمنهم من يسبق بأربعين ومنهم من يسبق بخمسمائة كما يتأخر مكث العصاة من الموحدين في النار بحسب أحوالهم والله أعلم ولكن عنها ههنا أمر يجب التنبيه عليه وهو أنه لا يلزم من سبقهم لهم في الدخول ارتفاع منازلهم عليهم بل قد يكون المتأخر أعلى منزلة وأن سبقه غيره في الدخول والدليل على هذا أن من الأمة من يدخل الجنة بغير حساب وهم السبعون ألفا وقد يكون بعض من يحاسب أفضل من أكثرهم والغني إذا حوسب على غناه فوجد قد شكر الله تعالى فيه وتقرب إليه بأنواع البر والخير والصدقة والمعروف كان أعلى درجة من الفقير الذي سبقه في الدخول ولم يكن له تلك الأعمال ولا سيما إذا شاركه الغني في أعماله وزاد عليه فيها والله لا يضيع أجر من أحسن عملا فالمزية مزيتان مزية سبق ومزية رفعة وقد يجتمعان وينفردان فيحصل الواحد السبق والرفعة ويعدمهما آخر ويحصل لآخر السبق دون الرفعة ولآخر الرفعة دون السبق وهذا بحسب المقتضى للأمرين أو لأحدهما وعدمه وبالله التوفيق

الباب التاسع والعشرون في ذكر أصناف أهل الجنة الذين ضمنت لهم دون غيرهم
قال تعالى وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم

يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين فأخبر أنه أعد الجنة للمتقين دون غيرهم ثم ذكر أوصاف المتقين فذكر بذلهم للإحسان في حالة العسر واليسر والشدة والرخاء فإن من الناس من يبذل في حال اليسر والرخاء ولا يبذل في حال العسر والشدة ثم ذكر كيف أذاهم عن الناس بحبس الغيظ بالكظم وحبس الانتقام بالعفو ثم ذكر حالهم بينهم وبين ربهم في ذنوبهم وأنها إذا صارت منهم قابلوها بذكر الله والتوبة والاستغفار وترك الإضرار فهذا حالهم مع الله وذاك حالهم مع خلقه وقال تعالى والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم فأخبر تعالى أنه أعدها للمهاجرين والأنصار وأتباعهم بإحسان فلا مطمع لمن خرج عن طريقتهم فيها وقال تعالى إنما المؤمنين الذين ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم فوصفهم بإقامة حقه باطنا وظاهرا وبأداء حق عباده وفي صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما كان يوم حنين أقبل نفر من صحابة النبي فقالوا فلان شهيد وفلان شهيد وفلان شهيد حتى مروا على رجل فقالوا فلان شهيد فقال رسول الله كلا أني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة ثم قال رسول الله يا أبن الخطاب اذهب فناد في الناس أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون قال فخرجت فناديت إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون وللبخاري معناه وفي الصحيحن من حديث ابي هريرة أن رسول الله أمر بلالا ينادي في الناس أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة وفي بعض طرقه مؤمنة وفي الحديث قصة وفي صحيح مسلم من حديث عياض بن حمار المجاشعى أن رسول الله قال ذات يوم في خطبته ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني من يومي هذا كل مال تحلته عبد حلال وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم فحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم

وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب وقال إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء تقرأه نائما ويقظان وإن الله أمرني أن أحرق قريشا فقلت رب إذا يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة قال استخرجهم كما أخرجوك واغزهم نعنك وأنفق فسينفق عليك وأبعث جيشا نبعث خمسة مثله وقاتل بمن أطاعك من عصاك قال واهل الجنة ثلائة ذو سلطان مقسط متصدق موفق ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم وعفيف متعفف ذو عيال وأهل النار خمسة الضعيف الذي لا زير له الذين هم فيكم تبعالا يبغون فيكم أهلا ولا مال والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانة ورجل لا يصبح ولا يمسى إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك وذكر البخل أو الكذب والشنظير الفحاش وأن الله أوحى إلى أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد وفي الصحيحين من حديث حارثة أبن وهب قال سمعت النبي يقول ألا أخبركم بأهل الجنة كل ضعيف متضعف لو اقسم على الله لابره ألا أخبركم بأهل النار كل عتل جواخا متكبر وقال الأمام أحمد حدثنا علي بن إسحق قال أنبأنا عبد الله أنبأنا موسى بن علي بن رباح قال سمعت أبي يحدث عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي قال أن اهل النار كل جعظري جواظ مستكبر جماع مناع وأهل الجنة الضعفاء المغلوبون وذكر خلف بن خليفة عن أبي هاشم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله ألا أخبركم برجالكم من أهل الجنة النبي في الجنة والصديق في الجنة والشهيد في الجنة والرجل يزور أخاه في ناحية المصر لا يزوره إلا لله في الجنة ونساؤكم من أهل الجنة الودود الولود التي إذا غضب أو غضبت جاءت حتى تضع يدها في يد زوجها ثم تقول لا أذوق غمضا حتى ترضى أخرج النسائي من هذا الحديث فضل النساء خاصة وباقي الحديث على شرطه وروى الأمام أحمد في مسنده بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي قال أن أهل النار كل جعظري جواظ متكبر جماع مناع وأهل الجنة الضعفاء المغلوبون وقال ابن ماجه في سننه حدثنا محمد بن يحيى وزيد بن أخرم قالا أنبأنا مسلم بن إبراهيم حدثتنا أبو هلال للراسي حدثنا عقبة بن أبي ثبيت الراسي عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال قال رسول الله أن

أهل الجنة من ملأ أذنيه من ثناء الناس خيرا وهو يسمع وأهل النار من ملأ أذنيه من ثناء الناس شرا وهو يسمع وفي الصحيحين عن أنس بن مالك قال مر بجنازة فأثنى عليها خير فقال نبي الله وجبت وجبت ومر بجنازة فأثنى عليها فقال وجبت وجبت وجبت فقال عمر فداك أبي وأمي مر بجنازة فأثنى عليها خيرا فقال وجبت وجبت وجبت وجبت ومر بجنازة فأثنى عليها شر فقلت وجبت وجبت وجبت فقال رسول الله من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار وأنتم شهداء الله في الأرض وفي الحديث الآخر يوشك أن تعلموا أهل الجنة من أهل النار قالوا كيف يا رسول الله قال بالثناء الحسن وبالثناء السيء وبالجملة فأهل الجنة أربعة أصناف ذكرهم الله سبحانه وتعالى في قوله ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا فنسأل الله أن يجعلنا منهم بمنه وكرمه

الباب الثلاثون في أن أكثر أهل الجنة هم أمة محمد في الصحيحين من
حديث عبد الله بن مسعود قال قال أما ترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة فكبرنا ثم قال أما ترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة فكبرنا ثم قال أني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة وسأخبركم عن ذلك ما المسلمون في الكفار إلا كشعرة بيضاء في ثور أسود أو كشعرة سوداء في ثور أبيض هذا لفظ مسلم وعند البخاري وكشعرة سوداء في ثور أبيض بغير ألف وعن بريدة بن الحصيب قال قال أهل الجنة عشرون ومائة صف هذه الأمة منها ثمانون صفا رواه الامام أحمد والترمذي وإسناده على شرط الصحيح رواه الطبراني في معجمه من حديث عبد الله بن عباس وفي إسناده خالد بن يزيد البجلي وقد تكلم فيه ورواه أيضا من حديث القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الله بن مسعود قال قال كيف أنتم وربع الجنة لكم ولسائر الناس ثلاثة أرباعها قالوا الله ورسوله أعلم قال كيف أنتم وثلثها قالوا ذاك أكثر قال كيف أنتم والشطر لكم قالوا ذاك أكثر فقال رسول الله

وسلم أهل الجنة عشرون ومائة صف لكم منها ثمانون صفا قال الطبراني لم ير و هذا الحديث عن القاسم بن عبد الرحمن إلا الحرث بن خضيرة تفرد به عبد الواحد بن زياد وقال عبد الله بن أحمد حدثنا موسى بن غيلان بن هاشم بن مخلد حدثنا عبد الله بن المبارك عن سفيان عن أبي عمرو عن أبيه عن أبي هريرة قال لما نزلت ثلة من الأولين وثلة من الأخرين قال رسول الله أنتم ربع أهل الجنة أنتم ثلث أهل الجنة أنتم نصف أهل الجنة أنتم ثلثا أهل الجنة قال الطبراني تفرد برفعه ابن المبارك عن الثوري وقال خثيمة بن سليمان القرشي حدثنا أبو قلابة هو عبد الملك بن محمد بن بكار الصيرفي حدثنا حماد بن عيسى حدثنا سفيان الثوري عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي قال أهل الجنة عشرون ومائة صف أنتم منها ثمانون صفا وهذه الأحاديث قد تعددت طرقها واختلفت مخارجها وصح سند بعضها ولا تنافي بينها وبين حديث الشطر لأنه رجا أولا أن يكونوا شطر أهل الجنة فأعطاه الله سبحانه رجاءه وزاد عليه سدسا أخر وقد روى أحمد في مسنده من حديث أبي الزبير أنه سمع جابرا يقول سمعت رسول الله يقول أرجو أن يكون من يتبعني من أمتي يوم القيامة ربع أهل الجنة قال فكبرنا ثم قال فأرجو أن تكونوا الشطر وإسناده على شرط مسلم

الباب الحادي والثلاثون في أن النساء في الجنة أكثر من الرجال وكذلك هم
في النار
ثبت في الصحيحين من حديث أيوب بن محمد بن سيرين قال أما تفاخروا وأما تذاكروا الرجال أكثر في الجنة الرجال أم النساء فقال أبو هريرة ألم يقل أبو القاسم أن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر والتي تليها على أضواء كوكب دري في السماء لكل امرئ منهم زوجتان أثنتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم وما في الجنة عزب فإن كن من نساء الدنيا فالنساء في الدنيا أكثر من الرجال وإن كن من الحور العين لم يلزم أن يكن في الدنيا أكثر والظاهر أنهن من الحور العين لما رواه الامام أحمد حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة حدثنا يونس عن محمد بن سيرين عن

أبي هريرة عن النبي للرجال من أهل الجنة زوجتان من الحور العين على كل واحدة سبعون حلة يرى مخ ساقها من وراء الثياب فإن قيل فكيف تجمعون بين هذا الحديث وبين حديث جابر المتفق عليه شهدت مع رسول الله العيد صلى قبل أن يخطب بغير أذان ولا إقامة ثم خطب بعد ما صلى فوعظ الناس وذكرهم ثم أتى النساء فوعظهن ومعه بلال فذكرهن وأمرهن بالصدقة قال فجعلت المرأة تلقى خاتمها وخرصها والشيء كذلك فأمر النبي بلالا فجمع ما هناك قال أن منكن في الجنة ليسير فقالت امرأة يا رسول الله لم قال أنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير وفي الحديث الآخر أن أقل ساكني الجنة النساء قيل هذا يدل على انهن إنما كن في الجنة أكثر بالحور العين التي خلقن في الجنة وأقل ساكنيها نساء الدنيا فنساء الدنيا أقل أهل الجنة وأكثر أهل النار أما كونهن أكثر أهل النار أما كونهن أكثر أهل النار فلما روى البخاري في صحيحه من حديث عمران بن حصين قال بلغني أن رسول الله قال اطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء واطلعت في الجنةة فرأيت أكثر أهلها الفقراء وفي صحيح مسلمم عن ابن عباس قال قال رسول الله في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء وروى الأمام أحمد بإسناد صحيح عن أبي هريرة قال قال رسول الله أطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء واطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء وفي المسند أيضا من حديث عبد الله بن عمر قال قال رسول الله أطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء وأطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها الأغنياء والنساء وفي الصحيح من حديث أبن عمر عن رسول الله قال يا معشر النساء تصدقن وأكثرن الاستغفار فأني رأيتكن أكثر أهل النار فقالت امرأة منهن خدلة وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار فقال تكثرن اللعن وتكفرن العشير ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن قالت يا رسول الله وما نقصان العقل والدين قال أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل

بشهادة رجل فهذا نقصان العقل وتمكث الأيام لا تصلي وتفطر فهذا نقصان الدين وأما كونهن أقل أهل الجنة فهي إفراد مسلم عن مطرف بن عبد الله أنه كانت له امرأتان فجاء من عند إحداهما فقالت الأخرى جئت من عند فلانة فقال جئت من عند عمران بن حصين فحدثنا أن رسول الله قال أن أقل ساكني الجنة النساء فإن قيل فما تصنعون بالحديث الذي رواه أبو يعلي الموصلي حدثنا عمرو بن الضحاك بن مخلد حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد حدثنا أبو رافع إسماعيل بن رافع عن محمد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي عن رجل من الأنصار عن أبي هريرة قال قال رسول الله وهو في طائفة من أصحابه فذكر حديثا طويلا وفيه فيدخل الرجل منهم على ثنتين وسبعين زوجة مما ينشئ الله تعالى وثنتين من ولد آدم لهما فضل على من أنشأ الله بعبادتهما الله في الدنيا وذكر الحديث قيل هذا قطعة من حديث الصور الطويل ولا يعرف إلا من حديث إسماعيل بن رافع وقد ضعفه أحمد ويحيى وجماعة وقال الدارقطني وغيره متروك الحديث وقال أبن عدي أحاديثه كلها مما فيه نظر وأما البخاري فقال فيه ما حكاه الترمذي عنه قال سمعت محمدا يقول فيه هو ثقة مقارب الحديث قلت ولكن إذا روى مثل هذا ما يخالف الأحاديث الصحيحة لم يلتفت إلى روايته وأيضا فالرجل الذي روى عنه القرظي لا يدري من هو وقد روى عنه أحمد في مسنده من حديث عمارة بن خزيمة بن ثابت قال كنا مع عمرو بن العاص في حج أو عمرة حتى إذا كنا بمر الظهران فإذا امرأة في هودجها قال فمال فدخل الشعب فدخلنا معه فقال كنا مع رسول الله في هذا المكان فإذا نحن بغربان كثيرة فيها غراب أعصم أحمر المنقار والرجلين فقال رسول الله لا يدخل الجنة من النساء إلا مثل هذا الغراب في هذه الغربان والأعصم من الغربان الذي في جناحه ريشة بيضاء قال الجوهري ويقال هذا كقولهم إلا باق العقوق وبيض الأنوق لكل شيء يعز وجوده وفي النهاية الغراب الأعصم هو الأبيض الجناحين وقيل الأبيض الرجل أراد قلة من يدخل الجنة من النساء لأن هذا الوصف في الغربان قليل عزيز وفي حديث آخر المرأة الصالحة مثل الغراب الأعصم قيل وما الغراب الأعصم يا رسول الله قال

الذي إحدى رجليه بيضاء وفي حديث آخر عائشة في النساء كالغراب الأعصم في الغربان

الباب الثاني والثلاثون فيمن يدخل الجنة من هذه الأمة بغير حساب وذكر
أوصافهم
ثبت في الصحيحين من حديث الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله يقول يدخل الجنة من أمتي زمرة هم سبعون ألفا تضيء وجوههم أضاءة القمر ليلة البدر فقام عكاشة بن محصين الأسدي يرفع نمرة عليه فقال يا رسول الله أدع الله آن يجعلني منهم فقال يا رسول الله اللهم أجعله منهم فقام رجل من الأنصار فقال يا رسول الله أدع الله أن يجعلني منهم فقال سبقك بها عكاشة وفي الصحيحين من حديث سهل بن سعد أن رسول الله قال ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب أو سبعمائة ألف آخذ بعضهم ببعض حتى يدخل أولهم وآخرهم الجنة وجوههم على صورة القمر ليلة البدر فهذه هي الزمرة الأولى وهم يدخلونها بغير حساب والدليل عليه ما ثبت في الصحيحين والسياق لمسلم حدثنا سعيد بن منصور حدثنا هشام أنبأنا خصيف بن عبد الرحمن قال كنت عند سعيد بن جبير فقال أيكم الذي رأى الكوكب الذي انقض البارحة قلت أنا ثم قلت أما أني لم أكن في صلاة ولكنني لدغت قال فما صنعت قلت استرقيت قال فما حملك على ذلك قلت حديث حدثناه الشعبي قال وما حدثكم الشعبي قلت حدثنا عن بريدة أبن الحصيب الاسلمي أنه قال لا رقيه إلا من عين أو حمة فقال قد أحسن من انتهى إلى ما سمع ولكن حدثنا أبن عباس عن النبي قال عرضت على الأمم فرأيت النبي ومعه الرهط والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي وليس معه أحد ورفع إلى سواد عظيم فظننت أنهم أمتي فقيل لي هذا موسى وقومه ولكن أنظر إلى الأفق فنظرت فإذا سواد عظيم فقيل لي هذه أمتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ثم نهض فدخل منزله فخاض الناس في أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب فقال بعضهم لعلهم الذين صحبوا رسول الله وقال بعضهم فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام فلم يشركوا بالله شيئا وذكروا أشياء فخرج

عليهم رسول الله فقال ما الذي تخوضون فيه فأخبروه فقال هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون فقام عكاشة بن محصن فقال ادع الله أن يجعلني منهم فقال أنت منهم ثم قام رجل آخر فقال أدع الله أن يجعلني منهم فقال سبقك بها عكاشة وليس عند البخاري لا يرقون قال شيخنا وهو الصواب وهذه اللفظة وقعت مقحمة في الحديث وهي غلط من بعض الرواة فإن النبي جعل الوصف الذي يستحق به هؤلاء دخول الجنة بغير حساب هو تحقيق التوحيد وتجريده فلا يسألون غيرهم أن يرقيهم ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون والطيرة نوع من الشرك ويتوكلون على الله وحده لا على غيره وتركهم الاسترقاء والتطير هو من تمام التوكل على الله كما في الحديث الطيرة الشرك قال أبن مسعود وما منا إلا من تطير ولكن الله يذهبه بالتوكل فالتوكل ينافى التطير وأما رقية العين فهي إحسان من الراقي قد رقى رسول الله جبريل وأذن في الرقي وقال لا بأس بها ما لم يكن فيها شرك واستأذنوه فيها فقال من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه وهذا يدل على أنها نفع وإحسان وذلك مستحب مطلوب لله ورسوله فالراقي محسن والمسترقي سائل راج نفع الغير والتوكل ينافي ذلك فإن قيل فعائشة قد رقيت رسول الله وجبريل قد رقاه قيل أجل ولكن هو لم يسترق وهو صلى الله عليه و سلم لم يقل ولا يرقيهم راق وإنما قال لا يطلبون من أحد أن يرقيهم وفي إمتناعه أن يدعو للرجل الثاني سد لباب الطلب فإنه لو دعا لكل من سأله ذلك فربما طلبه من ليس من أهله والله أعلم وفي صحيح مسلم من حديث محمد بن سيرين عن عمران أبن حصين قال قال رسول الله يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب ولا عذاب قيل ومن هم قال هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون وفي صحيحه أيضا من حديث أبن الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله قال سمعت النبي يذكر حديثا طويلا وفيه فتنجوا أول زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر سبعون ألفا لا يحاسبون ثم الذين يلونهم كأضواء نجم في السماء ثم كذلك وذكر تمام الحديث وقال أحمد بن منيع في مسنده حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز حدثنا حماد

عن عاصم عن زر عن ابن مسعود قال قال رسول الله عرضت على الأمم بالموسم فتراأيت على أمتي ثم رايتهم فأعجبني كثرتهم وهيئتهم قد ملؤا السهل والجبل فقال أرضيت يا محمد فقلت نعم فقال أن مع هؤلاء سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب وهم الذين لا يسترقون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون فقام عكاشة بن محصن فقال يا رسول الله أدع الله أن يجعلني منهم فقال رسول الله أنت منهم فقام رجل آخر فقال سبقك بها عكاشة وإسناده على شرط مسلم

الباب الثالث والثلاثون في ذكر حثيات الرب تبارك وتعالى الذين يدخلهم
الجنة
قال أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا إسماعيل بن عياش عن محمد بن زياد قال سمعت أبا إمامة الباهلي يقول سمعت رسول الله يقول وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا بغير حساب مع كل ألف سبعون ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب وثلاث حثيات من حثيات ربي قلت وإسماعيل بن عياش إنما يخاف من تدليسه وضعفه فأما تدليسه فقد قال الطبراني حدثنا أحمد بن المعلي الدمشقي والحسين بن إسحاق التستري قالا حدثنا هشام بن عمار قال حدثنا إسماعيل بن عياش قال أخبرني محمد بن زياد الالهاني قال سمعت ابا إمامة فذكره وإما ضعفه فإنما هو في غير حديث الشاميين وهذا من روايته عن الشاميين وأيضا فقد جاء من غير طريقه قال أبو بكر ابن أبي عاصم حدثنا دحيم حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا صفوان بن عمرو عن سليم بن عامر عن ابي اليمان الهوزني عن أبي أمامة عن رسول الله قال أن الله وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا بغير حساب قال يزيد بن الأخنس والله ما أولئك في أمتك يا رسول الله إلا مثل الزباب الأصفر في الذباب قال رسول الله فإن الله وعدني سبعين ألفا مع كل ألف سبعون ألفا وزاد في ثلاث حثيات قال ابو عبد الله المقدسي أبو اليمان أسمه عامر بن عبد الله بن لحي ودحيم لقب واسمه عبد الرحمن بن إبراهيم القاضي شيخ البخاري ومن فوقه إلى أبي إمامة من رجال الصحيح إلا الهوازني وما علمت فيه جرحا قال الطبراني حدثنا أحمد بن خليد حدثنا

أبو توبة حدثنا معاوية بن سلام عن زيد بن سلام أنه سمع أبا سلام يقول حدثني عامر بن يزيد البكالي أنه سمع عتبة بن عبد السلمي قال قال رسول الله أن ربي عز و جل وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا بغير حساب ثم يشفع كل ألف لسبعين ألفا ثم يحثي ربي تبارك وتعالى بكفيه ثلاث حثيات فكبر عمر وقال أن السبعين الأول يشفعهم الله في آبائهم وأبنائهم وعشائرتهم وارجو أن يجعلني الله في إحدى الحثيات الأواخر قال الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد لا أعلم لهذا الإسناد علة قال الطبراني وحدثنا أحمد بن خالد حدثنا أبو توبة حدثنا معاوية بن سلام عن زيد بن سلام أنه سمع أبا سلام يقول حدثني عبد الله بن عامر بن قيس الكندي أن أبا سعيد الأنماري حدثه أن رسول الله أن ربي عز و جل وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا بغير حساب ويشفع لكل ألف سبعين ألفا ثم يحثي ربي ثلاث حثيات بكفيه قال أبن قيس فقلت لأبي سعيد أنت سمعت هذا من رسول الله قال نعم بإذني ووعاه قلبي قال أبو سعيد فقال رسول الله وذلك إن شاء الله يستوعب مهاجري أمتي ويوفي الله عز و جل بقيته من أعرابنا قال الطبراني لم يرو هذا الحديث عن أبي سعيد الأنماري إلا بهذا الإسناد وتفرد به معاوية إبن سلام وقد رواه محمد بن سهل بن عسكر عن أبي توبة الربيع بن نافع بإسناده وفيه قال أبو سعيد فحسب ذلك عند رسول الله فبلغ أربعمائة ألف ألف وتسعمائة ألف فقال رسول الله أن ذلك يستوعب أن شاء الله مهاجري أمتي قال الطبراني حدثنا محمد بن صالح بن الوليد الترسي ومحمد بن يحيى بن منده الأصبهاني قالا أخبرنا أبو حفص عمرو بن علي حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن أبي بكر بن أنس عن أبي بكر بن عمير عن أبيه أن النبي قال أن الله وعدني أن يدخل من أمتي ثلاثمائة ألف الجنة فقال عمير يا رسول الله زدنا فقال هكذا بيده فقال عمير يا رسول الله زدنا فقال عمير حسبك يا عمير فقال مالنا ولك يا ابن الخطاب وما عليك أن يدخلنا الله الجنة فقال عمر أن الله عز و جل إن شاء أدخل الناس الجنة بحفنة أو بحثية واحدة فقال نبي الله صدق عمر قال

محمد بن عبد الواحد لا أعرف لعمير حديثا غيره وفي الحلية من حديث سليمان أبن حرب حدثنا أبو هلال عن قتادة عن أنس عن النبي قال وعدني ربي عز و جل أن يدخل من أمتي مئة الجنة ألف فقال أبو بكر يا رسول الله زدنا قال وهكذا وأشار سليمان بن حرب بيده كذلك قال يا رسول الله زدنا فقال عمر إن الله قادر أن يدخل الجنة بحفنة واحدة فقال رسول الله صدق عمر رواه عنه أبو إبراهيم بن الهيثم البلدي وفيه ضعف تفرد به أبو هلال الراسبي بصري واسمه محمد بن سليمان وقال عبد الرزاق أنبأنا معمر عن قتادة عن النضر بن أنس عن أنس قال قال رسول الله أن الله وعدني أن يدخل الجنة من أمتي أربعمائة ألف قال أبو بكر زدنا يا رسول الله قال وهكذا وجمع بين يديه قال زدنا يا رسول الله قال وهكذا فقال عمر حسبك يا أبا بكر فقال أبو بكر دعني وما عليك أن يدخلنا الجنة كلنا فقال عمر إن شاء الله أدخل خلقه الجنة بكف واحد فقال النبي صدق عمر تفرد به عبد الرزاق وقال أبو يعلي الموصلي في مسنده حدثنا محمد بن أبي بكر حدثنا عبد القاهر بن السري السلمي حدثنا حميد عن أنس عن النبي قال يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا قالوا زدنا يا رسول الله فقال هكذا وحثى بيده قالوا يا نبي الله أبعد الله من دخل النار بعد هذا قال محمد بن عبد الواحد لا أعلمه روى عن أنس بهذا الطريق وسئل يحيى بن معين عن عبد القاهر فقال صالح واصحاب هذه الحثيات هم الذين وقعوا في قبضته الأولى سبحانه يوم القبضتين فإن قيل فكيف كانوا أولا قبضة واحدة ثم صاروا ثلاث حثيات مع العدد المذكور قيل الرب سبحانه وتعالى أخرج يوم القبضتين صورهم واشباحهم وقد روى أنهم كانوا كالذر وأما يوم الحثيات فيكونون أتم ما كانوا خلقه وأكمل أجساما فناسب أن تتعدد الحثيات بكلتا اليدين والله أعلم

الباب الرابع والثلاثون في ذكر تربة الجنة وطينتها وحصائها وبنائها
قال الأمام أحمد حدثنا ابو النضر وأبو كامل قالا أنبأنا زهير حدثنا سعيد الطائي حدثنا أبو مدلة مولى أم المؤمنين سمع أبا هريرة يقول قلنا يا رسول الله

الله إذا رأيناك رقت قلوبنا وكنا من أهل الآخرة وإذا فارقناك أعجبتنا الدنيا وشممنا النساء والأولاد قال لو تكونون على كل حال على الحال التي أنتم عليها عندي لصافحتكم الملائكة بأكفهم ولزارتكم في بيوتكم ولو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون كي يغفر الله لهم قال قلنا يا رسول الله حدثنا عن الجنة ما بناؤها قال لبنة ذهب ولبنة فضة وملاطها المسك وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وترابهما الزعفران من يدخلها ينعم لا يبأس ويخلد لا يموت ولا تبلى ثيابه ولا يفني شبابه ثلاثة لا ترد دعوتهم الإمام العادل والصائم حتى يفطر ودعوة المظلوم تحمل على الغمام وتفتح لها أبواب السموات ويقول الرب وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين وروى أبو بكر بن مردويه من حديث الحسن عن ابن عمر قال سئل رسول الله عن الجنة فقال من يدخل الجنة يحيا ولا يموت وينعم ولا يبأس ولا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه قيل يا رسول الله كيف بناؤها قال لبنة من ذهب ولبنة من فضة وملاطها مسك أذفر وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وترابها الزعفران هكذا جاء في هذه الأحاديث أن ترابها الزعفران وكذلك روى عن يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن العلاء بن زياد عن أبي هريرة قال قال رسول الله الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة وترابها الزعفران وطينها المسك وفي الصحيحين من حديث الزهري عن أنس بن مالك قال كان أبو ذر يحدث أن رسول الله قال أدخلت الجنة فإذا فيها جناذب اللؤلؤ وإذا ترابها المسك وهو قطعة من حديث المعراج وقد روى مسلم في صحيحه من حديث حماد بن سلمة عن الحريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله سأل ابن صياد عن تربة
فقال در مكة بيضاء مسك خالص فقال رسول الله صدق ثم رواه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي أسامة عن الحريري عن أبي نضرة أن أبن صياد سأل النبي عن تربة الجنة فقال در مكة بيضاء مسك خالص
وقال سفيان بن عيينة عن مجاهد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله قال جاء رجل إلى رسول الله فقال يا محمد قد غلب أصحابك اليوم قال وبأي شيء غلبوا قال سألهم اليهود كم عدد خزنة النار

فقالوا لا ندري حتى نسأل نبينا فقال رسول الله أيغلب قوم سئلوا عما لا يعلمون فقالوا حتى نسأل نبينا ولكن هم أعداء الله سألوا نبيهم أن يريهم الله جبرة على بأعداء الله فأني سائلهم عن تربة الجنة وأنها در مكة فلما أن جاؤه قالوا يا أبا القاسم كم عدد خزنة النار فقال رسول الله بيديه كلتيهما هكذا وهكذا وقبض واحدة أي تسعة عشر فقال لهم رسول الله ما تربة الجنة فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا خبزة يا أبا القاسم فقال النبي الخبزة من الدر مكة فهذه ثلاث صفات في تربتها ولا تعارض بينها فذهبت طائفة من السلف إلى أن تربتها متضمنة للنوعين المسك والزعفران قال أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن أبي عبيد عن أبيه عن الأعمش عن مالك بن الحارث قال قال معتب بن سمى الجنة ترابها المسك والزعفران ويحتمل معنيين آخرين أحدهما أن يكون التراب من زعفران فإذا عجن بالماء صار مسكا والطين ترابا ويدل على هذا قوله في اللفظ الآخر ملاطها المسك والملاط الطين ويدل عليه أن في حديث العلاء بن زياد ترابها الزعفران وطينها المسك فلما كانت تربتها طيبة وماؤها طيبا فانضم أحدهما إلى الآخر حدث لهما طيب آخر فصار مسكا المعنى الثاني أن يكون زعفرانا بإعتبار اللون مسكا بإعتبار الرائحة وهذا من أحسن شيء يكون البهجة والإشراق لون الزعفران والرائحة رائحة المسك وكذلك تشبهها بالدرمك وهو الخبز الصافي الذي يضرب لونه إلى صفرة مع لينها ونعومتها وهذا معنى ما ذكره سفيان بن عيينة عن أبي نجيح عن مجاهد بهذا أرض الجنة من فضة وترابها المسك فاللون في البياض لون الفضة والرائحة رائحة المسك وقد ذكر أبن أبي الدنيا من حديث أبي بكر بن أبي شيبة عن عمر بن عطاء بن زرارة عن سالم أبن المغيث عن أبي هريرة عن النبي قال أرض الجنة بيضاء عرصتها صخور الكافور وقد أحاط به المسك مثل كثبان الرمل فيها أنهار مطردة فيجتمع فيها أهل الجنة أدناهم وآخرهم فيتعارفون فيبعث الله ريح الرحمة فتهيج عليهم ريح المسك فيرجع الرجل إلى زوجته وقد أزداد حسنا وطيبا فتقول لقد خرجت من عندي وأنا بك معجبة وأنا بك الآن أشد أعجابا وقال أبن أبي شيبة حدثنا معاوية أبن هشام حدثنا علي بن صالح عن عمر بن ربيعة عن الحسن عن أبن عمر قال قيل يا رسول الله كيف بناء الجنة قال لبنة من فضة ولبنة من ذهب وملاطها

مسك أذفر وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وترابها الزعفران وقال أبو الشيخ حدثنا الوليد بن أبان حدثنا أسيد أبن عاصم حدثنا الحوضي حدثنا عدي بن الفضل حدثنا سعيد الحريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال قال رسول إن الله بنى جنات عدن بيده بناؤها لبنة من ذهب ولبنة من فضة وجعل ملاطها المسك الاذفر وترابها الزعفران وحصباءها اللؤلؤ ثم قال لها تكلمي فقالت قد افلح المؤمنون فقالت الملائكة طوبى لك منزل الملوك وقال أبو الشيخ حدثنا عمرو بن الحسين حدثنا أبو علانة حدثنا أبن جريح عن عطاء عن عبيد بن عمير عن أبي كعب قال قال رسول الله قلت ليلة أسري بي يا جبريل أنهم سيسألوني عن الجنة فأخبرهم أنها من درة بيضاء وأن أرضها عقيان والعقيان الذهب فإن كان أبن علانة حفظه فهي أرض الجنتين الذهبيتين فيكون جبريل أخبره بأعلى الجنتين وأفضلهما والله أعلم

الباب الخامس والثلاثون في ذكر نورها وبياضها قال أحمد بن منصور
الرمادي أنبأنا كثير بن هشام حدثنا هشام بن زياد وأبو المقدام عن حبيب بن الشهيد عن عطاء بن ابي رباح عن ابن عباس أن رسول الله قال خلق الله الجنة بيضاء وأحب الزي إلى الله البياض فليلبسه أحياؤكم وكفنوا فيه موتاكم ثم امر برعاء الشاة فجمعت فقال من كان منكم ذا غنم سود فليخلط بها بيضاء فجاءته امرأة فقالت يا رسول الله إني اتخذت غنما سودا فلا أراها تنمو قال عفري وقوله عفري أي بيض وذكر أبو نعيم من حديث عباد بن عباد حدثنا هشام بن زياد عن يحيى بن عبد الرحمن عن عطاء عن أبن عباس يرفعه أن الله خلق الجنة بيضاء وأن أحب اللون إلى الله البياض فليلبسه أحياؤكم وكفنوا به موتاكم وذكر من طريق عبد الحميد بن صالح حدثنا أبو شهاب عن حمزة عن عمرو بن دينار عن أبن عباس قال قال رسول الله عليكم بالبياض فإن الله خلق الجنة بيضاء فليلبسه أحياؤكم وكفنوا فيه موتاكم وروينا من طريق البخاري حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا سويد بن سعيد حدثنا عبد ربه الحنفي عن خاله الزميل بن السماك أنه

سمع أباه يحدث أنه لقي عبد الله بن عباس بالمدينة بعد ما كف بصره فقال يا ابن عباس ما أرض الجنة قال مرمرة بيضاء من فضة كأنها مرآة قلت فما نورها قال ما رأيت الساعة التي تكون فيها قبل طلوع الشمس فذلك نورها إلا أنه ليس فيها شمس ولا زمهرير وذكر الحديث وسيأتي إن شاء الله تعالى وفي حديث لقيط بن عامر الطويل الذي رواه عبد الله بن احمد في مسند أبيه عن النبي وذكر في الحديث وقال وتحتبس الشمس والقمر فلا يرون منهما واحدا قال قلت يا رسول الله فيم تبصر قال مثل بصرك في ساعتك هذه وذلك مع طلوع الشمس في يوم أشرقته الأرض وواجهته الجبال وفي سنن أبن ماجه من حديث الوليد بن مسلم عن محمد بن مهاجر عن الضحاك المغافري عن سليمان بن موسى حدثني كريب أنه سمع أسامة بن زيد يقول قال رسول الله ألا هل مشمر للجنة فإن الجنة لا خطر لها وهي ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتز وقصر مشيد ونهر مطرد وثمرة نضيجة وزوجة حسناء جميلة وحلل كثيرة ومقام في أبد في دار سليمة وفاكهة وخضرة وحبرة ونعمة في محلة عالية بهية قالوا نعم يا رسول الله ونحن المشمرون لها قال قولوا إن شاء الله قال القوم أن شاء الله

الباب السادس والثلاثون في ذكر غرفها وقصورها ومقاصيرها قال الله
تعالى لكن الذين أتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية فأخبر أنها غرف فوق غرف وأنها مبنية بناء حقيقة لئلا تتوهم النفوس أن ذلك تمثيل وأنه ليس هناك بناء بل تتصور النفوس غرفا مبنية كالعلالي بعضها فوق بعض حتى كأنها ينظر إليها عيانا ومبنية صفة للغرف الأولى والثانية أي لهم منازل مرتفعة وفوقها منازل أرفع منها قال تعالى أولئك يجزون الغرفة بما صبروا والغرفة جنس كالجنة وتأمل كيف جزاءهم على هذه الأقوال المتضمنة للخضوع والذل والاستكانة لله الغرفة والتحتية والسلام في مقابلة صبرهم على سوء خطاب الجاهلين لهم فبدلوا بذلك سلام الله وملائكته عليهم وقال تعالى وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهو في الغرفات آمنون وقال تعالى يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن وقال تعالى

عن امرأة فرعون أنها قالت رب إبن لي عندك بيتا في الجنة وروى الترمذي في جامعة من حديث عبد الرحمن بن إسحق عن النعمان بن سعد عن علي قال قال رسول الله أن في الجنة لغرف يرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها فقام أعرابي فقال يا رسول الله لمن هي قال لمن طيب الكلام وأطعم الطعام وأدام الصيام وصلى بالليل والناس نيام قال الترمذي هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن إسحاق وقال الطبراني حدثنا عبدان أبن أحمد حدثنا هشام بن عمار حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا معاوية بن سلام عن زيد بن سلام قال حدثني أبو سلام حدثني أبو معانق الأشعري حدثني أبو مالك الأشعري أن رسول الله قال إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها أعدها الله لمن أطعم الطعام وأدام الصيام وصلى بالليل والناس نيام وقال أبن وهب حدثنا حيي عن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو عن النبي قال أن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها قال ابو مالك الأشعري لمن هي يا رسول الله قال لمن أطاب الكلام واطعم الطعام وبات قائما والناس نيام قال محمد بن عبد الواحد وهو عندي إسناد حسن وذكر أبي مالك فيه يدل على صحته لأن أبا مالك قد رواه وإسناده أيضا حسن وقد تقدم حديث أبي سعيد المتفق على صحته أن أهل الجنة ليتراأون أهل الغرف كما تراأون الكوكب الغابر من الأفق وفي الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري عن النبي قال أن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤ واحد مجوفة طولها ستون ميلا فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضا وقد تقدم قوله صلى الله عليه و سلم في الحديث الصحيح من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة وقوله في حديث أبي موسى يقول الله عز و جل لمن حمد واسترجع عند موت ولده ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه ببيت الحمد وفي الصحيحين من حديث عبد الله أبن أبي أوفى وأبي هريرة وعائشة أن جبريل قال للنبي هذه خديجة اقرئها السلام من ربها وأمره أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب والقصب هنا قصب اللؤلؤ المجوف وقد روى أبن أبي الدنيا من حديث يزيد بن هرون عن حماد بن سلمة عن عكرمة عن أبي هريرة

عن النبي قال أن في الجنة لقصرا من لؤلؤ ليس فيه صدع ولا وهن أعده الله عز و جل لخليله إبراهيم وفي الصحيحين من حديث حميد عن أنس أن النبي قال أدخلت الجنة فإذا أنا بقصر من ذهب فقلت لمن هذا القصر قالوا لشاب من قريش فظننت أني أنا هو فقلت ومن هو قالوا لعمر بن الخطاب وهو فيهما من حديث جابر ولفظه فأتيت على قصر مربع مشرف من ذهب وقد تقدم وقال أبن أبي الدنيا حدثنا شجاع بن الأشرس قال سمعت عبد العزيز بن ابي سلمة الماجشون عن حميد بن أنس بن مالك عن النبي قال دخلت الجنة فإذا فيها قصر أبيض قال قلت لجبريل لمن هذا القصر قال لرجل من قريش فرجوت أن أكون أنا فقلت لاي قريش قال لعمر بن الخطاب وهذا أن كان محفوظا فبياضه نوره وإشراقه وضياؤه والله أعلم وقال الحسن قصر من ذهب لا يدخله ألا نبي أو صديق أو شهيد أو حكم عدل يرفع بها صوته وقال الأعمش عن مالك بن الحرث عن مغيث بن سمي قال أن في الجنة قصورا من ذهب وقصورا من فضة وقصورا من لؤلؤ وقصورا من ياقوت وقصورا من زبرجد وقال الأعمش عن مجاهد عن عبيد بن عمير قال إن أدنى أهل الجنة منزلة من له دار من لؤلؤة واحدة منها غرفها وأبوابها وروى البيهقي من حديث حفص بن عمر حدثنا عمرو بن قيس الملائي عن عطاء بن أبي رباح عن أبن عباس قال قال رسول الله إن في الجنة لغرفا فإذا كان ساكنها فيها لم يخف عليه ما خلفها وإذا كان خلفها لم يخف عليه ما فيها قيل لمن هي يا رسول الله قال لمن اطاب الكلام وواصل الصيام وأطعم الطعام وأفشى السلام وصلى والناس نيام قال وما طيب الكلام قال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فإنها تأتي يوم القيامة ولها مقدمات ومعقبات قيل وما وصال الصيام قال من صام شهر رمضان ثم أدرك شهر رمضان فصامه قيل وما إطعام الطعام قال من قات عياله وأطعمهم قيل وما إفشاء السلام قال مصافحة أخيك وتحيته قيل وما الصلاة والناس نيام قال صلاة العشاء الآخرة قال حفص بن عمر هذا مجهول لم يروه عنه غير على بن حرب فيما أعلم قلت هذا يلقب بالكفر بفتح الكاف وسكون الفاء وقد روى عنه محمد بن غالب تمتام وعلى ابن حرب وهما ثقتان ولكن ضعفه ابن عدي وابن حبان وحديثه وهذا له شواهد

والله أعلم وفي فوائد ابن السماك حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن منصور حدثنا أبي حدثنا عبد الرحمن بن عبد المؤمن قال سمعت محمد بن واسع يذكر عن الحسن عن جابر بن عبد الله قال قال النبي ألا أحدثكم بغرف الجنة قال قلنا بلى يا رسول الله بأبينا أنت وأمنا قال أن في الجنة غرفا من أصناف الجوهر كله يرى ظاهرها من باطنها من ظاهرها فيها من النعم واللذات ما لا عين رأت ولا أذن سمعت قال قلنا يا رسول الله لمن هذه الغرف قال لمن أفشى السلام وأطعم الطعام وأدام الصيام وصلى بالليل والناس نيام قال قلنا يا رسول الله ومن يطيق ذلك قال أمتي تطيق ذلك وسأخبركم عن ذلك من لقي أخاه فسلم عليه فقد أفشى السلام ومن أطعم أهله وعياله من الطعام حتى يشبعهم فقد أطعم الطعام ومن صام رمضان ومن كل شهر ثلاثة أيام فقد أدام الصيام ومن صلى صلاة العشاء الأخيرة في جماعة فقد صلى الليل والناس نيام واليهود والنصارى والمجوس وهذا إسناد وإن كان لا يحتج به وحده فإذا انضم إليه ما تقدم استفاد قوة مع أنه قد روى بإسنادين آخرين

الباب السابع والثلاثون في ذكر معرفتهم لمنازلهم ومساكنهم إذا دخلوا
الجنة وأن لم يروها قبل ذلك
قال تعالى والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم الجنة عرفها لهم قال مجاهد يهتدي أهلها إلى بيوتهم ومساكنهم لا يخطئون كأنهم ساكنوها منذ خلقوا لا يستدلوا عليها احدا وقال ابن عباس في رواية أبي صالح هم أعرف بمنازلهم من أهل الجنة إذا انصرفوا إلى منازلهم وقال محمد بن كعب يعرفونها كما تعرفون بيوتكم في الدنيا إذا انصرفتم من يوم الجمعة هذا قول جمهور المفسرين وتلخيص أقوالهم ما قاله أبو عبيدة عرفها لهم أي بينها لهم حتى عرفوها من غير استدلال وقال مقاتل ابن حيان بلغنا أن الملك الموكل بحفظ بني آدم يمشي في الجنة ويتبعه ابن آدم حتى يأتيه أقصى منزل هو له فيعرفه كل شيء أعطاه الله في الجنة فإذا دخل إلى منزله وأزواجه انصرف الملك عنه وقال سلمة بن كهيل طرقها لم ومعنى هذا أنه طرقها لهم حتى يهتدوا إليها وقال الحسن وصف الله الجنة في الدينا لهم فإذا دخلوها عرفوها بصفتها وعلى هذا القول فالتعريف وقع

في الدنيا ويكون المعنى يدخلهم الجنة التي عرفها لهم وعلى القول الأول يكون التعريف وأقعا في الآخرة هذا كله إذا قيل أنه من التعريف وفيها قول آخر أنه من العرف وهو الرائحة الطيبة وهذا اختيار الزجاج أي طلبها ومنه طعام معرف أي مطيب وقيل هو من العرف وهو التتابع أي تابع لهم طيباتها وملاذها والمقول هو الأول وأنه سبحانه أعلمها وبينها بما يعلم به كل أحد منزله وداره فلا يتعداه إلى غيره وفي صحيح البخاري من حديث قتادة عن أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري أن نبي الله قال إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار يتقاصون مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم بدخول الجنة والذي نفسي بيده أن أحدهم بمنزلة في الجنة أدل منه بمسكنه كان في الدنيا وفي مسند آخر من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله والذي بعثني بالحق ما أنتم في الدنيا بأعرف بأحوالكم ومساكنكم من أهل الجنة وبازواجهم ومساكنهم إذا دخلوا الجنة

الباب الثامن والثلاثون في كيفية دخولهم الجنة وما يستقبلون عند دخولها
قد تقدم قوله تعالى وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا وقال تعالى ويوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا قال ابن أبي الدنيا حدثنا محمد بن عباد بن موسى العكلي حدثنا يحيى بن سليم الطائفي حدثنا إسماعيل بن عبد الله المكي حدثنا أبو عبد الله أنه سمع الضحاك بن مزاحم يحدث عن الحرث عن علي أنه سأل رسول الله عن هذه الآية يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا قال قلت يا رسول الله ما الوفد إلا ركب قال النبي والذي نفسي بيده إنهم خرجوا من قبورهم استقبلوا بنوق بيض لها أجنحة عليها رحال الذهب شرك نعالهم نور يتلألأ كل خطوة منها مثل مد البصر وينتهون إلى باب الجنة فإذا حلقه من ياقوتة حمراء على صفائح الذهب وإذا شجرة على باب الجنة ينبع من أصلها عينان فإذا شربوا من إحداهما جرت في وجوههم نضرة النعيم وإذا توضؤا من الأخرى لم تشعث أشعارهم أبدا فيضربون الحلقة بالصفيحة قالوا سمعت طنين الحلقة فيبلغ كل حوراء أن زوجها قد اقبل فتستخفها

العجلة فتبعث قيمتها فيفتح له الباب فلولا أن الله عز و جل عرفه نفسه لخر له ساجدا مما يرى من النور والبهاء فيقول أنا قيمك الذي وكلت بأمرك فيتبعه فيقفو أثره فيأتي زوجته فتستخفها العجلة فتخرج من الخيمة فتعلقه وتقول أنت حبي وأنا حبك وأنا الراضية فلا أسخط أبدا وأنا الناعمة فلا أبأس أبدا والخالدة فلا أظعن أبدا فيدخل بيتا من أساسه إلى سقفه مائة ذراع مبنى على جندل اللؤلؤ والياقوت طرائق حمر وطرائق خضر وطرائق صفر ما منها طريقة تشاكل صاحبتها فيأتي الأريكة عليها سرير على السرير سبعون فراشا عليها سبعون زوجة على كل زوجة سبعون حلة يرى مخ ساقها من باطن الجلد يقضي جماعهن في مقدار ليلة تجري من تحتهم أنهار مطردة أنهار من ماء غير آسن صاف ليس فيه كدر وأنهار من عسل مصفى لم يخرج من بطون النحل وأنهار من خمر لذة للشاربين لم تعصره الرجال بإقدامها وأنهار من لبن لم يتغير طعمه لم يخرج من بطون الماشية فإذا اشتهوا الطعام جائتهم طيور بيض فترفع أجنحتها فياكلون من جنوبها من اي الالوان شاؤا ثم تطير فتذهب فيها ثمار متدالية إذا اشتهوها انشعب الغص إليهم فيأكلون من أي الثمار شاؤوا أن شاء قائما وأن شاء متكئا وذلك قوله عز و جل وجنى الجنتين دان وبين أيديهم خدم كاللؤلؤ هذا حديث غريب وفي إسناد ضعيف وفي رفعة نظر والمعروف أنه موقوف على قال ابن إبي الدنيا حدثنا محمد بن عمر بن سليمان حدثنا محمد بن فضيل عن عبد الرحمن بن إسحاق عن النعمان بن سعد في هذه الآية يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا قال امل والله لا يحشر الوفد على أرجلهم ولكن لا يأتون بنوق لم تر الخلائق مثلها وعليها رحال الذهب وأزمتها الزبرجد فيركون عليها حتى يضربوا باب الجنة وقال علي بن الجعد في الجعديات أنبأنا زهير بن معاوية عن إبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي قال يساق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى أنتهوا إلى باب من أبوابها وجدوا عنده شجرة تخرج من تحت ساقها عينان تجريان إلى إحداهما كأنما أمروا بها فشربوا منها فأذهب ما في بطونهم من أذى وقذى وبأس ثم عمدوا إلى الأخرى فتطهروا منها فجرت عليهم نضرة النعيم فلن تغيرا أبشارهم أو تغير بعدها أبدا ولن تشعت أشعارهم كأنما دهنوا بالدهان ثم انتهوا إلى خزنة الجنة فقالوا سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين قال ثم تقلهاها الولدان يطيفون بهم كما يطيف ولدان

أهل الدنيا بالحميم يقدم من غيبته فيقولون أبشر بما أعد الله لك من الكرامة كذا قال ثم ينطلق غلام من أولئك الولدان إلى بعض أزواجه من الحور العين فيقول قد جاء فلان بإسمه الذي يدعى به في الدنيا فتقول أنت رأيته فيقول أنا رأيته وهو ذا بأثرى فيستخف أحداهن الفرح حتى تقوم على أسكفة بإبها فإذا انتهى إلى منزله نظر إلى أساس بنائه فأذا جندل اللؤلؤ فوقه صرح الخضر وأصفر وأحمر ومن كل لون ثم رفع رأسه فنظر إلى سقفه فاذا مثل البرق فلولا أن الله قدره له لا لم أن يذهب بصره ثم طاطأ رأسه فنظر إلى أزواجه وأكواب موضوعة ونمارق مصفوفة وزرابي مبثوثة فنظروا إلى تلك النعمة ثم أتكؤا وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ثم ينادي مناد تحيون فلا تموتون أبدا وتقيمون فلا تظعنون أبدا وتصحون فلا تمرضون أبدا وقال عبد الله بن المبارك أنبأنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال قال ذكر لنا أن الرجل إذا دخل الجنة صور صورة أهل الجنة وألبس لباسهم وحلى حليهم وأرى أزواجه وخدمه ويأخذه سوار فرح لو كان ينبغي أن يموت لمات من سوار فرحه فيقال له أرأيت سوار فرحتك هذه فإنها قائمة لك أبدا قال ابن المبارك وأخبرنا راشد بن سعد أنبأنا زهرة بن معبد القرشي عن أبي عبد الرحمن الجبلي قال أن العبد أول ما يدخل الجنة يتلقاه سبعون ألف خادم كأنهم اللؤلؤ قال ابن المبارك وأنبأنا يحيى بن ايوب حدثني عبيد الله بن زخر عن محمد بن أبي أيوب المخزومي عن أبي الرحمن المعافري قال إنه ليصف للرجل من اهل الجنة سماطان لا يرى طرفاهما من غلمانه حتى إذا مر مشوا وراءه وقال أبو نعيم أنبأنا أبو سلمة عن الضحاك قال إذا ادخل المؤمن الجنة دخل أمامه ملك فأخذ به في سككها فيقول له أنظر ما ترى قال أرى أكثر قصورا رأيتها من ذهب وفضة واكثر أنيس فيقول له الملك فإن هذا أجمع لك حتى إذا رفع إليهم استقبلوه من كل باب ومن كل مكان يقولون نحن لك ثم يقول أمش فيقول ماذا ترى فيقول أرى أكثر عساكر رأيتها من خيام وأكثر أنيس قيل فإن هذا أجمع لك فإذا رفع إليهم استقبلوه فقالوا نحن لك وفي الصحيحين من حديث سهل بن سعد أن رسول الله قال ليدخلن الجنة من

أمتي سبعون الفا أو سبعمائة ألف متما سكون آخذ بعضهم ببعض لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم ووجوههم على صورة القمر ليلة البدر

الباب التاسع والثلاثون في ذكر صفة اهل الجنة في خلقهم وخلقهم وطولهم
وعرضهم ومقدار أسنانهم قال الأمام أحمد حدثنا عبد الرزاق قال حدثنا معمر عن همام عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله خلق الله عز و جل آدم على صورته طوله ستون ذراعا فلما خلقه قال له أذهب فسلم على أولئك النفر وهو نفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يحبونك فأنها تحيتك وتحية ذريتك قال فذهب فقال السلام عليكم فقالوا السلام عليكم ورحمة الله فزاده ورحمة الله قال فكل من يدخل الجنة على صورة آدم طوله ستون ذراعا فلم يزل ينقص الخلق بعده حتى الآن متفق على صحته وقال الأمام أحمد حدثنا يزيد بن هرون وعفان بن مسلم قالا حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن سعد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله يدخل أهل الجنة الجنة جردا مردا بيضا جعادا مكحلين أبناء ثلاث وثلاثين وهم على خلق آدم ستون ذراعا في عرض سبعة أذرع قيل تفرد به حماد عن علي بن زيد وفي جامع الترمذي من حديث شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل أن النبي قال يدخل أهل الجنة الجنة جردا مردا مكحلين أبناء ثلاث وثلاثين قال هذا حديث حسن غريب وقال أبو بكر بن أبي داودو حدثنا محمود بن خالد وعباس بن الوليد قال حدثنا عمر عن الأوزاعي عن هرون بن رباب عن أنس بن مالك قال قال رسول يبعث أهل الجنة على صورة آدم في ميلاد ثلاث وثلاثين سنة جردا مردا مكحلين ثم يذهب بهم إلى شجرة في الجنة فيكسون منها لا تبلى ثيابهم ولا يفنى شبابهم وقال الترمذي حدثنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله بن المبارك عن رشد بن سعد عن عمرو ابن الحارث أن دراجا أبا السمح حدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله من مات من أهل الجنة من صغير أو كبير يردون بني ثلاثين سنة في الجنة لا يزيدون عليها أبدا وكذلك أهل النار فإن كان هذا محفوظا لم يناقض ما قبله فإن العرب إذا قدرت بعدد له نيف فإن لهم طريقين تارة يذكرون النيف للتحرير وتارة يحذفونه وهذا معروف في كلامهم وخطاب

غيرهم من الأمم وقال ابن أبي الدنيا حدثنا القاسم بن هشام حدثنا صفوان ابن صالح حدثنا رواد بن الجراح العسقلاني حدثنا الأوزاعي عن هارون بن رباب عن أنس بن مالك قال قال رسول الله يدخل أهل الجنة الجنة على طول آدم ستين ذراعا بذراع الملك على حسن يوسف وعلى ميلاد عيسى ثلاث وثلاثين سنة وعلى لسان محمد جرد مرد مكحلون وقال ابن وهب حدثنا معاوية ابن صالح عن عبد الوهاب بن بخت عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله قال أن أهل الجنة يدخلون الجنة على قدر أدم ستون ذراعا على ذلك قطعت سررهم وقد تقدم أن أول زمرة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر وأن الذين يلونهم على ضوء أشد كوكب في السماء إضاءة وأما الأخلاق فقد قال تعالى ونزعنا ما في صدورهم من غل أخوانا على سرر متقابلين فأخبر عن تلاقي قلوبهم وتلاقي وجوههم وفي الصحيحين أخلاقهم على خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم عليه السلام ستون ذراعا في السماء والرواية على خلق بفتح الخاء وسكون اللام والأخلاق كما تكون جمعا للخلق بالضم فهي جمع للخلق بالفتح والمراد تساويهم في الطول والعرض والسن وإن تفاوتوا في الحسن والجمل ولهذا فسره بقوله على صورة أبيهم آدم عليه السلام ستون ذراعا في السماء وأما أخلاقهم وقلوبهم ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة أول زمرة تلج الجنة الحديث وقد تقدم وفيه اختلاف بينهم ولا تباغض قلوبهم على قلب رجل واحد يسبحون الله بكرة وعشية وكذلك وصف الله سبحانه وتعالى نساءهم بإنهن أتراب أي في سن واحد ليس فيهن العجائز والشواب وفي هذا الطول والعرض والسن من الحكمة ما لا يخفى فأنه أبلغ وأكمل في استيفاء اللذات لأنه أكمل سن القوة عظم الآت اللذة وباجتماع الأمرين يكون كمال اللذة وقوتها بحيث يصل في اليوم الواحد إلى مئة عذراء كما سيأتي أن شاء الله تعالى ولا يخفى التناسب الذي بين هذا الطول والعرض فإنه لو زاد أحدهما على الآخر فات الاعتدال وتناسب الخلقة يصير طولا مع دقة أو غلظا مع قصر وكلاهما غير مناسب والله أعلم

الباب الأربعون في ذكر أعلى أهل الجنة منزلة وأدناهم أعلاهم منزلة سيد
ولد آدم صلوات الله وسلامه عليه قال تعالى تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم

درجات وآتينا عيسى بن مريم البينات قال مجاهد وغيره منهم من كلم الله وموسى ورفع بعضهم درجات هو محمد وفي حديث الإسراء المتفق على صحته أنه لما جاوز موسى قال رب لم أظن أن ترفع على أحد ثم علا فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله حتى جاوز سدرة المنتهى وفي صحيح مسلم من حديث عمرو بن العاص أنه سمع النبي يقول إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا على فإنه من صلى على صلاة واحدة صلى الله عليه عشرا ثم سلوا إلى الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجوا أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة وفي صحيح مسلم من حديث المغيرة بن شيبة عن النبي أن موسى سأل ربه ما أدنى أهل الجنة منزلة فقال رجل يجئ بعد ما دخل أهل الجنة الجنة فيقال له أدخل الجنة فيقول رب كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم فيقال له أتوصي أن يكون ذلك مثل ملك من ملوك الدنيا فيقول رضيت رب فيقول لك ذلك ومثله ومثله ومثله فقال في الخامسة رضيت رب قال رب فأعلاهم منزلة قال أولئك الذين غرست كرامتهم بيدي وختمت عليها فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر وقال الترمذي حدثنا عبد بن حميد أنبأنا شبابة عن إسرائيل عن ثوير قال سمعت بن عمر يقول قال رسول الله أن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جناته وأزواجه ونعيمه وخدمه وسرد مسيرة ألف عام وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية ثم قرأ رسول الله وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة قال وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن إسرائيل عن ثوير عن ابن عمر غير مرفوع قال ورواه عبد الملك بن أبحر عن ثوير عن ابن عمر مرقوفا ورواه عبد الله الأشجعي بن سفيان عن ثوير عن مجاهد عن ابن عمر ونحوه ولم يرفعه قلت ورواه الطبراني في معجمه من حديث أبي معاوية عن عبد الملك بن أبجر عن ثوير عن ابن عمر مرفوعا أن أدنى أهل الجنة منزلة لرجل ينظر في ملكه ألفى سنة يرى أقصاه كما يرى أدناه ينظر إلى أزواجه وسرره وخدمه ورواه أبو نعيم عن إسرائيل عن ثوير قال سمعت ابن عمر يقول قال إسرائيل لا اعلم ثويرا إلا رفعه إلى النبي وقال

الأمام أحمد حدثنا حسن هو ابن موسى حدثنا سكين بن عبد العزيز حدثنا أبو الأشعث الضرير عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال قال رسول الله أن أدنى أهل الجنة منزلة سبع درج وهو على السادسة وفرقه السابعة وإن له ثلثمائة خادم ويفدي عليه ويراح كل يوم بثلثمائة صحفة ولا أعلمه قال إلا من ذهب في كل صحفة لون ليس في الآخر وإنه ليلذ أوله كما يلذ آخره وعن الأشربة بثلثمائة إناء في كل إناء لون ليس في الآخرة وإنه ليلذ أوله كما يلذ آخره وأنه ليقول يا رب لو أذنت لي لاطعمت أهل الجنة وسقيتهم لم مما ينقص مما عندي شيء وإن له من الحور لاثنتين وسبعين زوجة سوى أزواجه من الدنيا وإن الواحدة منهن لتأخذ مقعدها قدر ميل من الأرض قلت سكين بن عبد العزيز ضعفه النسائي وشهرين حوشب ضعفه مشهور والحديث منكر يخالف الأحاديث الصحيحة فإن طول ستين ذراعا لا يحتمل أن يكون مقعد صاحبه بقدر ميل من الأرض والذي في الصحيحين في أول زمرة تلج الجنة لكل امرئ منهم زوجتان من الحور العين فكيف يكون لأدناهم اثنتان وسبعون من الحور العين وأقل ساكني الجنة نساء الدنيا فكيف فيكون يكون لأدنى أهل الجنة جماعة منهن وأيضا فان الجهتين الذهبيتين أعلى من الفضيتين فكيف يكون أدناهم في الذهبيتين قال الدولابي شهر بن حوشب لا يشبه حديثه الناس وقال ابن عون بن حوشب شهرا تركوه وقال النسائي وابن عدي ليس بالقوي وقال أبو حاتم لا يحتج به وتركه شعبة ويحيى بن سعيد وهذان من أعلم الناس بالحديث ورواته وعلله وأن كان غير هؤلاء قد وثقه وحسن حديثه فلا ريب أنه إذا انفرد بما يخالف ما رواه الثقات لم يقبل والله أعلم

الباب الحادي والأربعون في تحفة أهل الجنة إذا دخلوها روى مسلم في
صحيحه من حديث ثوبان قال كنت قائما عند رسول الله فجاء حبر من أحبار اليهود فقال السلام عليك يا محمد فدفعته دفعة كاد يصرع منها فقال لم تدفعني فقلت ألا تقول يا رسول الله فقال اليهودي إنما ندعوه بأسمه الذي سماه به أهله فقال رسول الله أن اسمي محمدا الذي سماني به أهلي فقال اليهودي جئت أسألك فقال له رسول الله

أينفعك بشيء أن حدثتك فقال اسمع بأدنى فنكث رسول الله بعود معه فقال سل فقال اليهودي أين تكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض فقال رسول الله في الظلمة دون الجسر قال فمن أول الناس إجازة يوم القيامة قال فقراء المهاجرين قال اليهودي فما تحفتهم حين يدخلون الجنة قال زيادة كبد النون قال فما غذاؤهم على أثرها قال ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها قال فما شرابهم قال من عين فيها تسمى سلسبيلا قال صدقت قال وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض ألا نبي أو رجل أو رجلان قال أينفعك إن حدثتك قال أسمعك بأذني قال جئت أسألك عن الولد قال ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا منى الرجل منى المرأة اذكرا بإذن الله تعالى وإن علامني المرأة منى الرجل آنثا بإذن الله تعالى قال اليهودي لقد صدقت وأنك لنبي ثم انصرف فقال رسول الله لقد سألني هذا عن الذي سألني عنه ومالي علم بشيء جنة حتى أتاني الله عز و جل به وفي صحيح البخاري عن أنس قال سمع عبد الله بن سلام مقدم رسول الله المدينة وهو في أرض يخترف فأتى النبي فقال أني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي فما أول اشراط الساعة وما أول طعام أهل الجنة وما ينزع الولد إلى أبيه أو أمه قال أخبرني آنفا قال جبريل قال نعم قال ذاك عدو اليهود من الملائكة فقرأ هذه الآية قل من كان عدو ا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله يا رسول الله أن اليهود قوم بهت وانهم أن يعلموا بإسلامي قبل أن يسألهم ببهتوني فجاءت اليهود فقال أي رجل عبد الله فيكم قالوا خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا قال أفرأيتم إن أسلم عبد الله فقالوا أعاذه الله من ذلك فخرج عبد الله فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله فقالوا شرنا وابن شرنا وانتقصوه فقال هذا الذي كنت أخاف يا رسول

الله وفي الصحيحين من حديث عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال قال النبي تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده كما يتكفأ أحدكم خبزته في السفر لأهل الجنة فأتى رجل من اليهود فقال بارك الرحمن عليك يا أبا القاسم إلا أخبرك بنزل أهل الجنة يوم القيامة قال بلى قال تكون الأرض بزة واحدة كما قال النبي فنظر النبي إلينا ثم ضحك حتى بدت نواجذه ثم قال ألا أخبرك بأدامهم قال بلى قال أدامهم بالآدام والنون قال وما هذا قال ثور ونون يأكل من زيادة كبدهما سبعون ألفا وقال عبد الله بن المبارك حدثنا ابن لهيعة حدثني يزيد بن أبي حبيب أن أبا الخير أخبره أن أبا العوام أخبره أنه سمع كعبا يقول أن الله عز و جل يقول لإهل الجنة أدخلوها أن لكل ضيف جزورا واني أجزركم اليوم فيأتي بثور وحوت فيجرز لأهل الجنة

الباب الثاني والأربعون في ذكر ريح الجنة ومن مسيرة كم ينشق قال
الطبراني حدثنا موسى بن حازم الأصبهاني حدثنا محمد بن بكير الحضرمي حدثنا مروان بن معاوية الفزاري عن الحسن بن عمرو عن مجاهد عن جنادة بن أبي أمية عن عبد الله بن عمرو عن النبي قال من قتل قتيلا من أهل الذمة لم يرح رائحة الجنة وأن ريحها ليوجد من مسيرة مائة عام ورواه البخاري في الصحيح عن قيس بن حفص عن عبد الواحد بن زياد عن الحسن ابن عمرو الفقيمي عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو ولم يذكر بينهما جنادة وقال ليوجد من مسيرة أربعين عاما وقال الترمذي حدثنا محمد بن بشار حدثنا معدي ابن سليمان هو البصري عن ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال ألا من قتل نفسا معاهدا له ذمة الله وذمة رسوله فقد أخفر بذمة الله فلا يراح رائحة الجنة وأن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفا قال وفي الباب عن أبي بكرة وحديث أبي هريرة حديث حسن صحيح قال محمد بن عبد الواحد وإسناده عندي على شرط الصحيح قلت وقد رواه الطبراني من حديث عيسى بن يونس عن عوف الأعرابي عن محمد بن

سيرين عن أبي هريرة يرفعه من قتل نفسا معاهدة بغير حقها لم يرح رائحة الجنة وإن ريح الجنة يوجد من مسيرة مائة عام وقال الطبراني حدثنا إسحق بن إبراهيم عن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن الحسن أو غيره عن أبي بكرة قال سمعت رسول الله يقول ريح الجنة يوجد من مسيرة مائة عام وهذه الألفاظ لا تعارض بينهما بوجه وقد أخرجا في الصحيحين من حديث أنس قال لم يشهد عمي مع رسول الله بدرا قال فشق عليه قال أول مشهد شهده رسول الله غبت عنه قال فإني أراني الله مشهدا فيما بعد مع رسول الله ليرين الله ما أصنع قال فهاب أن يقول غيرها قال فشهد مع رسول الله يوم أحد قال فستقبل سعد بن معاذ فقال له اين فقال واها لريح الجنة أجده دون أحد قال فقاتلهم حتى قتل قال فوجد في جسده بضع وثمانون من بين ضربة وطعنة ورمية فقالت أخته عمة الربيع بنت النضر فما عرفت أخي إلا ببنابه ونزلت هذه الآية من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه قال فكانوا يرون أنها نزلت فيه وفي أصحابه وريح الجنة نوعان ريح يوجد في الدنيا تشمه الآرواح أحيانا لا تدركه العباد وريح يدرك بحاسة الشم للابدان كما يشم روائح الأزهار وغيرها وهذا يشترك أهل الجنة في إدراكه في الآخرة من قرب وبعد وأما في الدنيا فقد يدركه من شاء الله من أنبيائه ورسله وهذا الذي وجده أنس بن النضر يجوز أن يكون من هذا القسم وأن يكون من الأول والله أعلم وقال أبو نعيم حدثنا محمد بن معمر حدثنا محمد بن أحمد المؤذن حدثنا عبد الواحد بن غياث أنبأنا الربيع بن بدر حدثنا هرون بن رياب عن مجاهد عن أبي هريرة عن رسول الله قال أن رائحة الجنة توجد من مسيرة خمسمائة عام وقال الطبراني حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي حدثنا محمد بن احمد بن محمد بن طريف حدثنا أبي حدثنا محمد بن كثير حدثني جابر الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي عن جابر قال قال رسول الله ريح الجنة يوجد من مسيرة ألف عام والله لا يجدها عاق ولا قاطع رحم وقال ابو داود الطيالسي في مسنده حدثنا شعبة عن الحكم عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي قال من أدعى إلى غير أبيه لم يرح رائحة الجنة وإن

ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة عام وقد اشهد الله سبحانه عباده في هذه الدار آثارا من آثار الجنة وأنموذجا منها من الرائحة الطيبة واللذات المشتهاة والمناظر البهية والفاكهة الحسنة والنعيم والسرور وقرة العين وقد روى أبو نعيم من حديث الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال قال رسول الله يقول الله عز و جل للجنة طيبى لأهلك فتزداد طيبا فذلك البرد الذي يجده الناس بالسحر من ذلك كما جعل سبحانه نار الدنيا وآلامها وغمومها وأحزانها تذكرة بنار الآخرة قال تعالى في هذه النار نحن جعلناها تذكرة وأخبر النبي أن شدة الحر والبرد من أنفاس جهنم فلا بد أن يشهد عباده جنته وما يذكرهم بها والله المستعان

الباب الثالث والأربعون في الأذان الذي يؤذن به مؤذن الجنة فيها روى
مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة عن النبي قال ينادي مناد أن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا وأن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا وأن لكم أن تنعموا فلا تبأسوأ أبدا وذلك قوله عز و جل ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون قال عثمان بن أبي شيبة حدثنا يحي بن آدم حدثنا حمزة الزيات عن أبي إسحق عن الأغر عن أبي هريرة وأبي سعيد عن النبي ونودوا أن تلكم الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون قال نودوا أن صحوا فلا تسقموا أبدا واخلدوا فلا تموتوا أبدا وانعموا فلا تبأسوا أبدا وفي صحيح مسلم من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن صهيب أن النبي قال إذا دخل أهل الجنة وأهل النار النار نادى مناد يا أهل الجنة أن لكم عند الله موعدا فيقولون ما هو ألم يثقل موازيننا ويبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة وينجنا من النار فيكشف الحجاب فينظرون إلى الله فوالله ما أعطاهم الله شيئا هو أحب اليهم من النظر إليه وقال عبد الله بن المبارك أنبأنا أبو بكر الالهاني أخبرني أبو تميم الهجيمي قال سمعت أبا موسى الاشعري يخطب على منبر البصرة يقول أن الله عز و جل يبعث يوم القيامة ملكا إلى اهل الجنة فيقول يا اهل الجنة هل

أنجزكم الله ما وعدكم فينظرون فيرون الحلي والحلل والأنهار والأزواج المطهرة فيقولون نعم قد أنجزنا ما وعدنا قالوا ذلك ثلاث مرات فينظرون فلا يفتقدون شيئا مما وعدوا فيقولون نعم فيقول قد بقى شيء إن الله يقول للذين أحسنوا الحسنى زيادة قال ألا إن الحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله أن الله عز و جل يقول لأهل الجنة فيقولون لبيك ربنا وسعديك فيقول هل رضيتم فيقولون وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك فيقول أنا أعطيكم أفضل من ذلك قالوا ربنا وأي شيء أفضل من ذلك قال أحل عليكم رضواني فلا اسخط عليكم بعده أبدا ومن تراجم بخاري عليه باب كلام الرب مع أهل الجنة وسيأتي في هذا أحاديث ذكرها في باب معقود لذلك أن شاء الله وفي الصحيحين من حديث نافع عن ابن عمر أن رسول الله يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ثم يقوم مؤذن بينهم فيقول يا أهل الجنة لا موت ويا أهل النار لا موت كل خالد فيما هو فيه وهذا الأذان وإن كان بين الجنة والنار فهو يبلغ جميع أهل الجنة والنار ولهم فيها نداء آخر يوم زيارتهم ربهم تبارك وتعالى يرسل إليهم ملكا فيؤذن فيهم بذلك فيتسارعون إلى الزيارة كما يؤذن مؤذن الجمعة إليها وذلك في مقدار يوم الجمعة كما سيأتي مبينا في باب زيارتهم الرب عز و جل والله أعلم

الباب الرابع والأربعون في أشجار الجنة وبساتينها وظلالها قال تعالى
وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود وماء مسكوب وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة وقال تعلى ذواتا أفنان وهو جمع فنن وهو الغصن وقال فيهما فاكهة ونخل ورمان والمخضود الذي قد خضد شوكة أي نزع وقطع فلا شوك فيه وهذا قول بن عباس ومجاهد ومقاتل وقتادة وأبي الأحوص وقسامة بن زهير وجماعة واحتج هؤلاء بحجتين أحدهما أن الخضد في اللغة القطع وكل رطب قضيته فقد خضدته وخضدت الشجر إذا قطعت شوكة فهو خضيد ومخضود ومنه الخضد

على مثال الثمر وهو كل ما قطع من عود رطب خضد بمعنى مخضود كقبض وسلب والخضاد شجر رخو لا شوك فيه الحجة الثانية قال ابن أبي داود حدثنا محمد بن مصفى حدثنا محمد بن المبارك حدثنا يحيى بن حمزة حدثنا ثور ابن يزيد حدثني حبيب بن عبيد عن عتبة بن عبد السلمي قال كنت جالسا مع رسول الله فجاء أعرابي فقال يا رسول الله أسمعك تذكر في الجنة شجرة لا أعلم شجرة أكثر شوكا منها يعني الطلح فقال رسول الله إن الله جعل مكان كل شوكة منها ثمرة مثل خصوة التيس الملبود فيها سبعون فيها سبعون لونا من الطعام لا يشبه لون آخر الملبود الذي قد اجتمع شعره بعضه على بعض وقال عبد الله بن المبارك أنبأنا صفوان بن عمرو عن سليم بن عامر قال كان أصحاب رسول الله يقولون أن الله لينفعنا بالأعراب ومسائلهم أقبل أعرابي يوما فقال يا رسول الله ذكر الله في الجنة شجرة مؤذية وما كنت أرى في الجنة شجرة تؤذى صاحبها قال رسول الله وما هي قال السدر فأن له شوكا مؤذيا قال أليس الله يقول في سدر مخضود خضد الله شوكة فجعل مكان كل شوكة ثمرة وقالت طائفة المخضود هو الموقر حملا وأنكر عليهم هذا القول وقالوا لا يعرف في اللغة الخضد بمعنى الحمل ولم يصب هؤلاء الذين أنكروا هذا القول بل هو قول صحيح وأربابه ذهبوا إلى أن الله سبحانه وتعالى لما خضد شوكة واذهبه وجعل مكان كل شوكة ثمرة أو قرت بالحمل والحديثان المذكوران أن يجمعان القولين وكذلك قول من قال المخضود الذي لا يعقر اليد ولا يرد اليد عنه شوك ولا أذى فيه فسره بلازم المعنى وهكذا غالب المفسرين يذكرون لازم المعنى المقصود تارة وفردا من أفراده تارة ومثالا من أمثلته فيحكيها الجماعون للغث والسمين أقوالا مختلفة ولا اختلاف بينها فصل وأما الطلح فأكثر المفسرين قالوا إنه شجرة الموز قال مجاهد أعجبهم

طلح وج وحسنه فقيل لهم وطلح منضود وهذا قول علي بن أبي طالب وابن عباس وابي هريرة وأبي سعيد الخدري وقالت طائفة أخرى بل هو شجر عظام طوال وهو شجر البوادي الكثير الشوك عند العرب قال حاديهم
بشرها دليلها وقالا ... غدا ترين الطلح والجبالا
ولهذا الشجر نور ورائحة وظل ظليل وقد نضد بالحمل والثمر مكان الشوك وقال ابن قتيبة هو الذي نضدا بالحمل أو بالورق والحمل من أوله إلى آخره فليس له ساق بارز وقال مسروق ورق الجنة نضيد من أسفلها إلى أعلاها وانهارها تجري من غير أخدود وقال الليث الطلح شجر أم غيلان ليس له شوك أحجن من اعظم العضاة شوكا وأصله عودا واجوده صمغا قال أبو إسحاق يجوز أن يعني به شجر أم غيلان لأن له نورا طيب الرائحة حدا فوعدوا بما يحبون مثله إلا أن فضله على ما في الدنيا كفضل سائر ما في الجنة على سائر ما في الدنيا فإنه ليس في الجنة إلا الاسامي والظاهر أن من فسر الطلح المنضود بالموز أنما أراد التمثيل به الحسن لحسن نضده وإلا فالطلح في اللغة هو الشجر العظام من شجر البوادي والله أعلم وفي الصحيحين من حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها فاقرؤا أن شئتم وظل ممدود وفي الصحيحين أيضا من حديث أبي حازم عن سهل بن سعد عن رسول الله إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها قال ابو حازم فحدثنا به النعمان بن أبي عياش الزرقي فقال حدثني أبو سعيد الخدري عن النبي قال إن في الجنة لشجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع في ظلها مائة عام لا يقطعها وقال الأمام أحمد حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا شعبة عن أبي الضحاك سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله أن في الجنة شجرة يسير فيها الراكب في ظلها سبعين أو مائة سنة هي شجرة جنة الخلد وقال وكيع حدثنا إسماعيل بن ابي خالد عن زياد مولى بني مخزوم عن الزهري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام اقرؤا أن شئتم وظل ممدود فبلغ ذلك وكعبا فقال صدق والذي أنزل التوراة على لسان موسى والفرقان على لسان محمد لو أن رجلا ركب

جذعة أو جذعا ثم دار باصل تلك الشجرة مائة عام ما بلغها حتى يسقط هرما أن الله غرسها بيده ونفخ فيها وإن أصلها من وراء سور الجنة ما في الجنة نهر إلا وهو يخرج من أصل تلك الشجرة وقال ابن أبي الدنيا حدثنا إبراهيم عن سعيد الجوهري حدثنا أبو عامر العقدي حدثنا ربيعة بن صالح عن سلمة بن وهران عن عكرمة عن ابن عباس قال الظل الممدود شجرة في الجنة على ساق قدر ما يسير الراكب المجد في ظلها مائة عام في كل نواحيها فيخرج إليها أهل الجنة وأهل الفرف وغيرهم يتحدثون في ظلها قال قيشتي بعضهم ويذكر لهو الدنيا فيرسل الله ريحا من الجنة فتتحرك تلك الشجرة لكل لهو كان في الدنيا وفي جامع الترمذي من حديث أبي حامد عن ابي هريرة قال قال رسول الله ما في الجنة شجرة إلا وساقها من ذهب قال هذا حديث حسن وعن أبي هريرة قال قال رسول الله يقول الله أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رات ولا إذن سمعت ولا خطر على قلب بشر إقرؤا إن شئتم فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون وفي الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها اقرؤا أن شئتم وظل ممدود وموضع سوط من الجنة خير من الدنيا وما فيها إقرؤا إن شئتم فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز رواه بهذا اللفظ والسياق الترمذي والنسائي وابن ماجه وصدره في الصحيحين وفي صحيح البخاري من حديث أنس بن مالك قال قال رسول الله إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها وإن شئتم فاقرؤا وظل ممدود وماء مسكوب وقال ابن وهب حدثنا عمرو بن الحارث أن دراجا أبا السمح حدثه عن ابي الهيثم عن أبي سعيد الخدري قال قال رجل يا رسول الله ما طوبى قال شجرة في الجنة مسيرة مائة سنة ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها وقد رواه عنه حرملة بزيادة وقال أخبرني ابن وهب أخبرني عمرو أن دراجا حدثه أن أبا الهيثم حدثه عن أبي سعيد الخدري إن رجلا قال يا رسول الله طوبى لمن رآك وآمن بك فقال طوبى لمن رآني وآمن بي ثم طوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني فقال رجل يا رسول الله وما طوبى قال شجرة في الجنة مسيرة مائة عام ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها قلت وأول هذا الحديث في المسند ولفظه طوبى لمن رآني وآمن بي وطوبى لمن آمن بي ولم يرني سبع مرات وقال ابن المبارك

حدثنا سفيان عن حماد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال نخل الجنة جذوعها من زمرد أخضر وكربها ذهب احمر وسعفها كسوة لأهل الجنة منها مقطعاتهم وحللهم وثمرها أمثال القلال والدلاء أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وألين من الزبد ليس فيها عجم وقال الأمام أحمد بن حدثنا علي بحر حدثنا هشام ابن يوسف حدثنا معمر عن يحيى بن ابي كثير عن عامر بن زيد البكالي أنه سمع عتبة بن عبد السلمي يقول جاء أعرابي إلى النبي فسأله عن الحوض وذكر الجنة ثم قال الأعرابي فيها فاكهة قال نعم وفيها شجرة تدعي طوبى فذكر شيئا لا أدري ما هو فقال أي شجر أرضنا تشبهه قال ليست تشبه شيئا من شجر أرضك فقال النبي أتيت الشام قال لا قال تشبه شجرة بالشام تدعى الجوزة تنبت على ساق واحد وينفرش أعلاها قال ما عظم أصلها قالوا لو ارتحلت جذعة من أبل أهلك ما أحاطت باصلها حتى تنكسر تر قوتها هرما قال فيها عنب قال نعم فما عظم العنقود قال مسيرة شهر للغراب لا يقع ولا يفتر قال فما عظم الحبة قال هل ذبح أبوك تيسا من غنمه قط عظيما قال نعم قال فسلخ أهابه فأعطا دامك وقال لها أتخذي لنا منه دلوا قال نعم قال الأعرابي فإن تلك الحبة لتشبعني أنا وأهل بيتي قال نعم وعامة عشيرتك قال أبو يعلي الموصلي في مسنده حدثنا عبد الرحمن بن صالح حدثنا يونس بن بكير عن محمد وابن إسحاق عن يحيى بن عباد عن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر قالت سمعت رسول الله وذكر سدرة المفتهي فقال يسير في ظل الفتن منها الراكب مائة سنة و قال يستظل في الفنن منها مائة راكب فيها فراش الذهب كأن ثمرها القلال ورواه الترمذي وقال شك يحيى وهو حديث حسن غريب وقال عبد الله بن المبارك أنبأنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال أرض الجنة من ورق وترابها مسك وأصول أشجارها ذهب وورق وأفنانها لؤلؤ وزبرجد وياقوت والورق والثمر تحت ذلك فمن أكل قائما لم يؤذه ومن أكل جالسا لم يؤذه ومن أكل مضطجعا لم يؤذه وذللت قطوفها تذليلا قال أبو معاوية حدثنا الأعمش عن أبي ظبيان عن جرير بن عبد الله قال نزلنا الصفاح فإذا رجل نائم تحت شجرة قد كادت الشمس أن تبلغه قال

فقلت للغلام انطلق بهذا النطع فاظله قال فانطلق فأظله فلما استيقظ إذا هو سلمان فأتيته أسلم عليه فقال يا جرير تواضع لله فإن من تواضع لله رفعه الله يوم القيامة يا جرير هل تدري ما الظلمات يوم القيامة قلت لا أدري قال ظلم الناس بينهم ثم أخذ عويدا لا أكاد أراه بين أصبعيه فقال يا جرير إذا طلبت مثل هذا في الجنة لم تجده قلت يا عبد الله فأين النخل والشجر قال أصولها اللؤلؤ والذهب وأعلاها الثمر

الباب الخامس والأربعون في ثمارها وتعداد أنواعها وصفاتها وريحانها
قال تعالى وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ولهم فيها أزواج مطهرة وقولهم هذا الذي رزقنا من قبل أي شبيهه ونظيره لا عينه وهل المراد هذا الذي رزقنا في الدنيا نظيره من الفواكه والثمار أو هذا نظير الذي رزقناه قبل في الجنة قيل فيه قولان ففي تفسير السدي عن أبي مالك وأبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي قالوا هذا الذي رزقنا من قبل أنهم أتوا بالثمرة في الجنة فلما نظروا إليها قالوا هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا قال مجاهد ما اشبهه به وقال ابن زيد هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا وأتوا به متشابها يعرفونه وقال آخرون هذا الذي رزقنا من قبل من ثمار الجنة من قبل هذا لشدة مشابهة بعضه بعضا في اللون والطعم واحتج أصحاب هذا القول بحجج إحداها أن المشابهة التي بين الثمار الجنة بعضها لبعض أعظم من المشابهه التي بينها وبين ثمار الدنيا ولشدة المشابهة قالوا هذا هو الحجة الثانية ما حكاه بن جرير عنهم قال ومن علة قائلي هذا القول ان ثمار الجنة كلما نزع منها شيء عاد مكانه آخر مثله كما كان حدثنا ابن بشار حدثنا ابن مهدي حدثنا سفيان سمعت ابن مرة يحدث عن أبي عبيدة وذكر ثمر الجنة وقال كلما نزعت ثمرة عادت مكانها أخرى الحجة الثالثة قوله وأتوا به متشابها وهذا كالتعليل والسبب الموجب لقولهم هذا الذي رزقنا من قبل الحجة الرابعة أن من المعلوم أنه ليس كل ما في الجنة من الثمار قد رزقوه في الدنيا وكثير من أهلها لا يعرفون ثمار الدنيا ولا رأوها ورجحت

طائفة منهم ابن جرير وغيره القول الآخر واحتجت بوجوه قال ابن جرير والذي يحقق صحة قول القائلين أن معنى ذلك هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا أن الله جل ثناؤه قال كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا يقولون هذا الذي رزقنا من قبل ولم يخصص أن ذلك من قيلهم في بعض دون بعض فإذا كان قد أخبر جل ذكره عنهم أن ذلك من قبلهم كلما رزقوا ثمرة فلا شك أن ذلك من قبلهم في أول رزق رزقوه من ثمارها أتوا به بعد دخولهم الجنة واستقرارهم فيها الذي لم يتقدمه عندهم من ثمارها ثمرة فإذا كان لا شك أن ذلك من قيلهم في أوله كما هو من قبلهم في وسطه وما يتلوه فمعلوم أنه محال يقولوا لأول رزق رزقوه من ثمار الجنة هذا الذي من رزقنا من قبل هذا من ثمار الجنة وكيف يجوز أن يقولا لأول رزق من ثمارها ولما يتقدمه عندهم غيرها هذا هو الذي رزقنا من قبل أن يلبسهم ذو غية وضلال إلى قيل الكذب الذي قد طهرهم الله منه أو يدفع دافع أن يكون ذلك من قيلهم الأول رزق يرزقونه من ثمارها فيدفع صحة ما أوجب الله صحته من غير نصب دلالة على أن ذلك في حال من أحوالهم دون حال فقد تبين أن معنى الآية كلما رزقوا من ثمرة من ثمار الجنة في الجنة قالوا هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا قلت أصحاب القول الأول يخصون هذا العام بما عدا الرزق الأول لدلالة العقل والسياق عليه وليس هذا ببدع من طريقة القرآن وأنت مضطر إلى تخصيصة ولا بد بأنواع من التخصيصات أحدها أن كثيرا من ثمار الجنة وهي التي لا نظير لها في الدنيا لا يقال فيها ذلك الثاني أن كثيرا من أهلها لم يرزقوا جميع ثمرات الدنيا التي لها نظير في الجنة الثالث أنه من المعلوم أنهم لا يستمرون على هذا القول أبد الآباد كلما أكلوا ثمرة واحدة قالوا هذا الذي رزقنا في الدنيا ويستمرون على هذا الكلام دائما إلى غير نهاية والقرآن العظيم لم يقصد إلى هذا المعنى ولا هو مما يعتني بهم من نعيمهم ولدتهم وإنما هو كلام مبين خارج على المعتاد المفهوم من الطيب ومعناه أنه يشبه بعضه بعضا ليس أوله خيرا من آخره ولا هو مما يعرض له ما يعرض لثمار الدنيا عند تقادم الشجر وكبرها من نقصان حملها وصغر ثمرها وغير ذلك بل أوله مثل أخره وآخره مثل أوله هو خيار كله يشبه بعضه بعضا فهذا وجه قولهم ولا يلزم مخالفة ما نصه الله سبحانه وتعالى ولا نسبة أهل الجنة إلى الكذب بوجه والذي يلزمهم من التخصيص يلزمك نظيره وأكثر منه والله

أعلم وأما قوله عز و جل وأتوا به متشابها قال الحسن خيار كله لا رذل ألم تروا إلى ثمر الدنيا كيف تسترذلون بعضه وأن ذلك ليس فيه ذل وقال قتادة خيار لأرذل فيه فأن ثمار الدنيا ينقي منها ويرذل منها وكذلك قال أبن جريح وجماعة وعلى هذا فالمراد بالتشابه التوافق والتماثل وقالت طائفة أخرى منهم أبن مسعود وأبن عباس وناس من أصحاب رسول الله متشابها في اللون والمرأى وليس يشبه الطعم قال مجاهد متشابها لونه مختلفا طعمه وكذا قال الربيع بن أنس وقال يحيى بن ابي كثير عشب الجنة الزعفران وكثبانها المسك ويطوف عليهم الولدان بالفاكهة فيأكلونها ثم يأتونهم بمثلها فيقولون هذا الذي جئتمونا به آنفا فيقول لهم الخدم كلوا فإن اللون واحد والطعم مختلف فهو قوله عز و جل كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها وقالت طائفة وناس معنى الآية أن يشبه ثمر الدنيا غير أن ثمر الجنة أفضل وأطيب قال ابن وهب قال عبد الرحمن أبن زيد يعرفون أسماءه كما كانوا في الدنيا التفاح بالتفاح والرمان بالرمان قالوا في الجنة هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها يعرفونه وليس هو مثله في الطعم واختار أبن جرير هذا القول قال ودليلنا على فساد قول من قال أن معنى الآية هذا الذي رزقنا من قبل أي في الجنة وتلك الدلالة على فساد ذلك القول هي الدلالة على فساد قول من خالف قولنا في تأويل قوله وأتوا به متشابها أن الله سبحانه وتعالى أخبر عن المعنى الذي من أجله قال القوم هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها قلت هذا لا يدل على فساد قولهم لما تقدم وقال جنات عدن مفتحة لهم الأبواب متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب قال تعالى يدعون فيها بكل فاكهة آمنين هذا يدل على أمنهم من إنقطاعها ومضرتها وقال تعالى وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون لكم فيها فاكهة كثيرة وقال تعالى وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة أي لا تكون في وقت دون وقت ولا تمنع ممن أرادها وقال فهو في عيشة راضية في جنة عالية قطوفها دانية والقطوف جمع قطف وهو ما يقطف والقطف بالفتح الفعل أي ثمارها دانية قريبة ممن يتناولها فيأخذها كيف يشاء قال البراء بن عازب يتناول الثمرة وهو نائم وقال تعالى ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا قال أبن عباس إذا هم أن يتناول من ثمارها تدلت له حتى يتناول ما يريده وقال غيره قريب إليهم مذللة كيف شاؤا

فهم يتناولونها قياما وقعودا ومضطجعين فيكون كقوله قطوفها دانية ومعنى تذليل القطف تسهيل تناوله وأهل المدينة يقولون ذلل النخل أي سو عروقها وأخرجها من السعف حتى يسهل تناولها وفي نصب دانية وجهان أحدهما أنه على الحال عطف على قوله متكئين والثاني أنه صفة الجنة وقال تعالى فيهما من كل فاكهة زوجان وفي الجنتين الأخريين فيهما فاكهة ونخل ورمان وخص النخل والرمان من بين الفاكهة بالذكر لفضلهما وشرفهما كما نص على حدائق النخل والأعناب في سورة النبأ إذ هما من افضل أنواع الفاكهة وأطيبها وأحلاها وقد قال تعالى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم وقال الطبراني حدثنا معاذ بن المثني حدثنا علي بن المديني حدثنا ريحان بن سعيد عن عبادة بن منصور عن أيوب عن أبي قلابة عن إسماعيل عن ثوبان بن ثوبان قال قال رسول الله أن الرجل إذا نزع ثمرة من الجنة عادت مكانها أخرى وقال عبد الله بن الأمام أحمد حدثني عقبة بن مكرم العمي حدثنا ربعي بن إبراهيم بن عليه حدثنا عوف عن قسامة بن زهير عن ابي موسى قال قال رسول الله أهبط الله آدم من الجنة عليه السلام وعلمه صنعة كل شيء وزوده من ثمار الجنة فثماركم هذه من ثمار الجنة غير أنها تغير وتلك لا تغير وقد تقدم أن سدرة المنتهى نبقها مثل القلال وفي صحيح مسلم من حديث أبي الزبير عن جابر عن النبي قال عرضت على الجنة حتى لو تناولت منها قطفا أخذته وفي لفظ فتناولت منها قطفا فقصرت عنه يدي وقال أبو خيثمة حدثنا عبد الله بن جعفر حدثنا عبيد الله حدثنا أبن عقيل عن جابر قال بينما نحن في صلاة الظهر إذ تقدم رسول الله فتقدمنا ثم تناول شيئا ليأخذه ثم تأخر فلما قضى الصلاة قال له أبي بن كعب يا رسول الله صنعت اليوم في صلاتك شيئا ما كنت تصنعه قال أنه عرضت على الجنة وما فيها من الزهرة والنضرة فتناولت منها قطفا من عنب لآتيكم به فحيل بيني وبينه ولو أتيتكم به لأكل منه من بين السماء والأرض لا ينقصونه وقال أبن المبارك أنبأنا سفيان عن حماد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال ثمر الجنة أمثال القلال والدلاء أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وألين من الزبد ليس فيه عجم وقال سعيد بن منصور حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن البراء بن

عازب قال أن أهل الجنة يأكلون من ثمار الجنة قياما وقعودا ومضطجعين على أي حال شاؤا وقال البزار في مسنده حدثنا أحمد بن الفرج الحمصي حدثنا عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي حدثنا محمد بن المهاجر عن الضحاك المعافري عن سليمان بن موسى قال حدثني كريب أنه سمع أسامة بن زيد يقول قال رسول الله ألا مشمر للجنة فإن الجنة لا حظر لها هي ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتز وقصر مشيد ونهر مطرد وثمرة نضيجة وزوجة حسناء جميلة وحلل كثيرة في مقام ابدا في دار سليمة وفاكهة وخضرة وحبرة ونعمة في محلة عالية بهية قالوا نعم يا رسول الله نحن المشمرون لها قال قولوا أن شاء الله قال القوم أن شاء الله قال البزار وهذا الحديث لا نعلم من رواه عن النبي إلا اسامة ولا نعلم له طريقا عن أسامة إلا هذا الطريق ولا نعلم رواه عن الضحاك المعافري إلا هذا الرجل محمد بن مهاجر وفي حديث لقيط بن صبرة الذي رواه عبد الله بن أحمد في مسند أبيه وغيره قلت يا رسول الله على ما يطلع أهل الجنة قال على أنهار من عسل مصفى وأنهار من كأس ما بها صداع ولا ندامة وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وماء غير آسن وبفاكهة لعمر الهك مما يعلمون وخير من مثله معه وأما الريحان فهو كل نبت طيب الرائحة قال الحسن وابو العالية هو ريحاننا هذا يؤتي بنص من ريحان الجنة فنشمه

الباب السادس والأربعون في زرع الجنة قال تعالى
و فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وعن أبي هريرة أن النبي كان يحدث يوما وعنده رجل من أهل البادية أن رجلا من أهل الجنة استأذن ربه عز و جل في الزرع فقال له أولست فيما اشتهيت فقال بلى ولكني أحب أن أزرع فأسرع وبذر فبادر الطرف نباته وإستولؤه واستحصاده وتكويره أمثال الجبال فيقول الله عز و جل دونك يا ابن آدم فإنه لايشبعك شيء فقال الأعرابي يا رسول الله لا نجد هذا إلا قرشيا أو أنصاريا فإنهم أصحاب زرع فأما نحن فلسنا بأصحاب زرع فضحك رسول الله رواه البخاري في كتاب التوحيد في باب كلام الرب تعالى مع أهل الجنة وخرجه في غيره أيضا وهذا يدل على أن في

الجنة زرعا وذلك البذر منه وهذا أحسن أن تكون الأرض معمورة بالشجر والزرع فإن قيل فكيف استأذن هذا الرجل ربه في الزرع فأخبره أنه في غنية عنه قيل لعله استأذنه في زرع يباشره ويزرعه بيده وقد كان في غنية عنه وقد كفى مؤنته ولا أعلم ذكر الزرع في الجنة إلا في هذا الحديث والله أعلم وروى إبراهيم بن الحكم عن أبيه عن عكرمة قال بينما رجل في الجنة فقال في نفسه لو أن الله يأذن لي لزرعت فلا يعلم إلا والملائكة على أبوابه فيقولون سلام عليكم يقول لك ربك تمنيت في نفسك شيئا فقد علمته وقد بعث الله معنا البذر فيقول ابذروا فيخرج أمثال الجبال فيقول له الرب من فوق عرشه كل أبن آدم فإن ابن آدم لا يشبع والله أعلم

الباب السابع والأربعون في ذكر أنهار الجنة وعيونها وأصنافها ومجراها
الذي تجري عليه
وقد تكرر في القرآن في عدة مواضع قوله تعالى جنات تجري من تحتها الأنهار وفي موضع تجري تحتها الأنهار وفي موضع تجري من تحتهم الأنهار وهذا يدل على امور
أحدها وجود الآنهار فيها حقيقية
الثاني أنهار جارية لا واقفة
الثالث أنها تحت غرفهم وقصورهم وبساتينهم كما هو المعهود في أنهار الدنيا وقد ظن بعض المفسرين أن معنى ذلك جريانها بإمرهم وتصريفهم لها كيف شاؤا كأن الذي حملهم على ذلك أنه لما سمعوا أن انهارها تجري في غير أخدود فهي جارية على وجه الأرض حملوا قوله تجري من تحتها الأنهار على أنها تجري بأمرهم إذ لا يكون فوق المكان تحته وهؤلاء أوتوا من صعف الفهم فإن انهار الجنة وإن جرت في غير أخدود فهي تحت القصور والمنازل والغرف وتحت الأشجار وهو سبحانه لم يقل من تحت أرضها وقد اخبر سبحانه عن جريان الأنهار تحت الناس في الدنيا فقال ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فهذا على ما هو المعهود والمتعارفا وكذلك ما حكاه من قول فرعون وهذه الأنهار تجري من تحتي وقال تعالى فيهما عينان نضاختان قال أبن أبي شيبة حدثنا يحيى بن يمان عن أشعب عن جعفر عن سعيد قال نضاختان بالماء والفواكه وحدثنا أبن يمان عن أبي إسحاق عن أبان عن أنس قال نضاختان بالمسك والعنبر ينضخان على دور أهل الجنة كما ينضخ المطر على دور أهل الدنيا وحدثنا

عبد الله بن إدريس عن أبيه عن إبي إسحاق عن البراء قال اللتان تجريان أفضل من النضاختين وقال تعالى مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم فذكر سبحانه هذه الأجناس الأربعة ونفى عن كل واحد منها الآفة التي تعرض له في الدنيا فآفة الماء أن يأسن ويأجن من طول مكثه وآفة اللبن أن يتغير طعمه إلى الحموضة وأن يصير قارصا وآفة الخمر كراهة مذاقها المنافي في اللذة وشربها وآفة العسل عدم تصفيتة وهذا من آيات الرب تعالى أن تجري أنهار من أجناس لم تجر العادة في الدنيا بإجرائها ويجريها في غير أخدود وينفي عنها الآفات التي تمنع كمال اللذة بها كما ينفي عن خمر الجنة جميع آفات خمر الدنيا من الصداع والغول والانزاف وعدم اللذة فهذه خمس آفات من آفات خمر الدنيا تغتال العقل ويكثر اللغو على شربها بل لا يطيب لشرابها ذلك إلا باللغو وتنزف في نفسها وتنزف المال وتصدع الرأس وهي كريهة المذاق وهي رجس من عمل الشيطان توقع العداوة والبغضاء بين الناس وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة وتدعو إلى الزنا وربما دعت إلى الوقوع على البنت والأخت وذوات المحارم وتذهب الغيرة وتورث الخزى والندامة والفضيحة وتلحق شاربها بأ نقص نوع الإنسان وهم المجانين وتسلبة أحسن الأسماء والسمات وتكسوه أقبح الأسماء والصفات وتسهل قتل النفس وإفشاء السر الذي في إفشائه مضرته أو هلاكه ومؤاخاة الشياطين في تبذير المال الذي جعله الله قياما له ولم يلزمه مؤنته وتهتك الأستار وتظهر الأسرار وتدل على العورات وتهون ارتكاب القبائح والمأثم وتخرج من القلب تعظيم المحارم ومدمنها كعابد وثن وكم أهاجت من حرب وأفقرت من غنى وأذلت من عزيز ووضعت من شريف وسلبت من نعمة وجلبت من نقمة وفسخت من مودة ونسجت من عداوة وكم فرقت بين رجل وزوجته فذهبت بقلبه وراحت بلبه وكم أورثت من حسرة وأجرت من عبرة وكم أغلقت في وجه شاربها بابا من الخير وفتحت له بابا من الشر وكم أوقعت في بلية وعجلت من منيته وكم أورثت من خزية وجرت على شاربها من محبة وجرت عليه من سفلة فهي جماع الأثم ومفتاح الشر وسلابة النعم وجبالبة النقم ولو لم يكن من رذائلها إلا أنها لا تجتمع هي وخمر الجنة في جوف عبد كما ثبت عنه أنه قال من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة لكفى وآفات الخمر أضعاف أضعاف ما ذكرنا وكلها منتفية عن خمر الجنة فإن قيل فقد وصف

سبحانه الأنهار بأنها جارية ومعلوم أن الماء الجاري لا يأسن فما فائدة قوله غير آسن قيل الماء الجاري وان كان لا يآسن فإنه إذا اخذ منه شيء وطال مكثه أسن وماء الجنة لا يعرض له ذلك ولو طال مكثه ما طال وتأمل اجتماع هذه الأنهار الأربعة التي هي أفضل أشربة الناس فهذا لشربهم وطهورهم وهذا لقوتهم وغذائهم وهذا للذتهم وسرورهم وهذا لشفاعتهم ومنفعتهم والله أعلم فصل
وأنهار الجنة تتفجر من أعلاها ثم تنحدر نازلة إلى أقصى درجاتها كما روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة عن النبي أنه قال أن في الجنة مائة درجة أعدها الله عز و جل للمجاهدين في سبيله بين كل درجتين كما بين السماء والأرض فإذا سألتم الله فاسالوه الفردوس فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر انهار الجنة وروى الترمذي نحوه من حديث معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت ولفظ حديث عبادة الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين مسيرة مائة عام والفردوس أعلاها درجة ومنها الأنهار الأربعة والعرش فوقها فإن سألتم الله فاسألوه الفردوس الأعلى وفي المعجم للطبراني أني من حديث الحسن عن سمرة قال قال رسول الله الفردوس ربوة الجنة وأعلاها وأوسطها ومنها تنفجر أنهار الجنة وفي صحيح البخاري من حديث شعبة عن قتادة قال أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله قال رفعت الى سدرة المنتهى في السماء السابعة نبقها مثل قلال هجر وورقها مثل آذان الفيلة يخرج من ساقها نهران ظاهران ونهران باطنان فقلت يا جبريل ما هذا قال أما النهران الباطنان ففي الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات وفي صحيحه أيضا من حديث همام عن قتادة عن أنس أن رسول الله قال بينا أنا أسير في الجنة إذا بنهر حافتاه قباب اللؤلؤ والمجوف فقلت ما هذا يا جبريل قال هذا الكوثر الذي أعطاك ربك قال فضرب الملك بيده فإذا طينة مسك أذفر وفي صحيح مسلم من حديث المختار بن فلفل عن أنس بن مالك عن النبي قال الكوثر نهر في الجنة وعدنيه ربي عز و جل وقال محمد بن عبد الله الأنصاري حدثنا حميد الطويل عن أنس بن مالك قال قال رسول الله دخلت الجنة فإذا بنهر يجري حافتاه خيام اللؤلؤ فضربت

يدي إلى ما يجري فيه من الماء فإذا أنا بمسك أذفر فقلت لمن هذا يا جبريل قال هذا الكوثر الذي أعطاك الله عز و جل قال الترمذي حدثنا هناد حدثنا محمد بن فضيل عن عطاء بن السائب عن محارب بن دثار عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب ومجراه على الدر والياقوت تربته أطيب من المسك وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج قال هذا حديث حسن صحيح وقال أبو نعيم الفضل حدثنا أبو جعفر هو الرازي حدثنا أبن أبي نجيح عن مجاهدا أنا أعطيناك الكوثر قال الخير الكثير وقال أنس بن مالك نهر في الجنة وقالت عائشة هو نهر في الجنة ليس يدخل أحد إصبعيه في أذنيه الأسمع خرير ذلك النهر وهذا معناه والله أعلم أن خرير ذلك النهر يشبه الخرير الذي سمعه حين يدخل إصبعيه في أذنيه وفي جامع الترمذي من حديث الحريري عن حكيم بن معاوية عن أبيه عن النبي قال إن في الجنة بحر الماء وبحر العسل وبحر اللبن وبحر الخمر ثم تشقق الأنهار بعد قال هذا حديث حسن صحيح وقال الحاكم حدثنا الأصم حدثنا الربيع بن سليمان حدثنا أسد بن موسى حدثنا أبن ثوبان عن عطاء بن قرة عن عبد الله بن سمرة عن أبي هريرة قال قال رسول الله من سره أن يسقيه الله عز و جل من الخمر في الآخرة فليتركه في الدنيا ومن سره أن يكسيه الله الحرير في الآخرة فليتركه في الدنيا وأنهار الجنة تفجر من تحت تلال أو تحت جبال المسك ولو كان أدنى أهل الجنة حلية عدلت بحلية أهل الدنيا جميعا لكان ما يحليه الله به في الآخرة أفضل من حلية أهل الدنيا جميعا وذكر الأعمش عن عمرو بن مرة عن مسروق عن عبد الله قال إن أنهار الجنة تفجر من جبل مسك وهذا موقوف صحيح وذكر أبن مردويه في مسنده حدثنا أحمد بن محمد بن عاصم حدثنا عبد الله بن محمد بن النعمان حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا الحرث بن عبيد حدثنا ابو عمران الجوني عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه قال قال رسول الله هذه الأنهار تشخب من جنة عدن في جوبه ثم تصدع بعد أنهارا وقال أبن أبي الدنيا حدثنا يعقوب بن عبيدة حدثنا يزيد بن هرون حدثنا الحريري عن معاوية بن قرة عن أنس بن مالك قال أظنكم تظنون أن انهار الجنة أخدود في الأرض لا والله أنها لسائحة على وجه الأرض أحدى حافتيها اللؤلؤ والأخرى الياقوت وطينها

المسك الأذفر قال قلت ما الأذفر قال الذي لا خلط له ورواه أبن مردويه في تفسيره عن عن محمد بن أحمد حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى حدثنا مهدي بن حكيم حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا الحريري عن معاوية بن قرة عن أنس بن مالك قال قال رسول الله فذكره هكذا رواه مرفوعا وقال أبو خيثمة حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أنه قرأ هذه الآية إنا أعطيناك الكوثر فقال رسول الله أعطيت الكوثر فإذا هو يجري ولم يشق شقاه وإذا حافتاه قباب اللؤلؤ فضربت بيدي إلى تربته فإذا مسك أذفر وإذا حصباؤه اللؤلؤ وذكر سفيان الثوري عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن مسروق في قوله تعالى وماء مسكوب قال أنهار تجري في غير أخدود قال ونخل طلعها هضيم قال من أصلها إلى فروعها أو كلمة نحوها وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله سيحان وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة وقال عثمان بن سعيد الدارمي حدثنا سعيد بن سابق حدثنا مسلمة بن علي عن مقاتل بن حبان عن عكرمة عن أبن عباس عن النبي قال أنزل الله من الجنة خمسة أنهار سيحون وهو نهر الهند وجيحون وهو نهر بلخ ودجلة والفرات وهما نهرا العراق والنيل وهو نهر مصر أنزلها الله من عين واحدة من عيون الجنة من أسفل درجة من درجاتها على جناح جبريل عليه السلام فاستودعها الجبال وأجراها في الأرض وجعل فيها منافع للناس في أصناف معايشهم فذلك قوله وأنزلنا من السماء ماء بقدر فاسكناه في الأرض وأنا على ذهاب به لقادرون فإذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج أرسل جبريل فيرفع من الأرض القرآن والعلم كله والحجر الأسود من ركن البيت ومقام إبراهيم وتابوت موسى بما فيه وهذه الأنهار الخمسة فرفع ذلك كله إلى السماء فذلك قوله تعالى وإنا على ذهاب به لقادرون فإذا رفعت هذه الأشياء من الأرض فقد حرم أهلها خيري الدنيا والآخرة ورواه أحمد بن عدي في ترجمة مسلمة هذا مع أحاديث غيره وقال عامة أحاديثه غير محفوظة وبالجملة فهو من الضعفاء قال البخاري منكر الحديث وقال النسائي ومتروك وقال أبو حاتم لا تشتغل به وقال عبد الله بن وهب حدثنا سعيد بن أبي أيوب

عن عقيل بن خالد عن الزهري أن أبن عباس قال إن في الجنة نهرا يقال له البيدج عليه قباب من ياقوت تحته جوار يقول أهل الجنة انطلقوا بنا إلى البيدج فيتصفحون تلك الجوارى فإذا أعجب رجلا منهم جارية مس معصمها فتتبعه فصل
وأما العيون فقد قال تعالى أن المتقين في جنات وعيون وقال تعالى أن الابرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا قال بعض السلف معهم قضبان الذهب حيثما مالوا مالت معهم وقد اختلف في قوله يشرب بها فقال الكوفيون الباء بمعنى من أي يشرب منها وقال آخرون بل الفعل مضمن ومعنى يشرب بها اي يروى بها فلما ضمنه معناه عداه تعديته وهذا أصح وألطف وأبلغ وقال طائفة الباء للظرفية والعين أسم للمكان كما تقول كنا بمكان كذا وكذا ونظير هذا التضمين قوله تعالى ومن يرد فيه بالحاد بظلم ضمن معنى يهم فعدى تعديته وقال تعالى ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا عينا فيها تسمى سلسبيلا فأخبر سبحانه عن العين التي يشرب بها المقربون صرفا أن شراب الأبرار يمزج منها لأن أولئك أخلصوا الأعمال كلها لله فاخلص شرابهم وهؤلاء مزجوا فمزج شرابهم ونظير هذا وقوله تعالى أن الأبرار لفي نعيم على الارائك ينظرون تعرف في وجوههم نضرة النعيم يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ومزاجه من تسنيم عينا يشرب بها المقربون فأخبر سبحانه عن مزاج شرابهم بشيئين بالكافور في أول السورة والزنجبيل في آخرها فإن في الكافور من البرد وطيب الرائحة وفي الزنجبيل من الحرارة وطيب الرائحة ما يحدث لهم باجتماع الشرابين ومجيء أحدهما على أثر الآخر حالة أخرى أكمل وأطيب وألذ من كل منهما بانفراده ويعدل كيفية كل منهما بكيفية الآخر وما ألطف موقع ذكر الكافور في أول السورة والزنجبيل في آخرها فإن شرابهم مزج أولا بالكافور وفيه من البرد ما يجيء الزنجبيل بعده فيعد له والظاهر أن الكأس الثانية غير الأولى وأنهما نوعان لذيذان من الشراب
أحدهما مزج بكافور
والثاني مزج بزنجبيل

وأيضا فإنه سبحانه أخبر عن مزج شرابهم بالكافور وبرده في مقابلة ما وصفهم به من حرارة الخوف والإيثار والصبر والوفاء بجميع الواجبات التي نبه على وفائهم بأضعفها وهو ما أوجبوه على أنفسهم بالنذر على الوفاء بأعلاها وهو ما أوجبه الله عليهم ولهذا قال وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا فإن في الصبر من الخشونة وحبس النفس عن شهواتها ما اقتضى أن يكون في جزائهم من سعة الجنة ونعومة الحرير ما يقابل ذلك الحبس والخشونة وجمع لهم بين النضرة والسرور وهذا جمال ظواهرهم وهذا حال بواطنهم كما جملوا في الدنيا ظواهرهم بشرائع الإسلام وبواطنهم بحقائق الإيمان ونظيره قوله في آخر السورة عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة فهذه زينة الظاهر ثم قال وسقاهم ربهم شرابا طهورا فهذه زينة الباطن المطهر لهم من كل أذى ونقص ونظيره قوله تعالى لأبيهم آدم عليه السلام أن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى فضمن له أن لا يصيبه ذل الباطن بالجوع ولا ذل الظاهر بالعري وأن لا يناله حر الباطن بالظمأ ولا حر الظاهر بالضحى ونظير هذا ما عدده على عباده من نعمة أنه أنزل عليهم لباسا يواري سوآتهم ويزين ظواهرهم ولباسا آخر يزين بواطنهم وقلوبهم وهو لباس التقوى وأخبر أنه خير اللباسين وقريب من هذا إخباره أنه زين السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد فزين ظاهرها بالنجوم وباطنها بالحراسة وقريب منه أمره من أراد الحج بالزاد الظاهر ثم أخبر أن خير الزاد الزاد الباطن وهو التقوى وقريب منه قول امرأة العزيز عن يوسف فذلكن الذي لمتنني فيه فأرتهن حسنه وجماله ثم قالت ولقد راودته عن نفسه فاستعصم فأخبرتهن بجمال باطنه وزينته بالعفة وهذا كثير في القرآن لمتأمله

الباب الثامن والأربعون في ذكر طعام أهل الجنة وشرابهم ومصرفه قال
تعالى أن المتقين في ظلال وعيون وفواكه مما يشتهون كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون وقال تعالى فأما من أوتى كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرؤا كتابيه أني ظننت أني ملاق حسابيه فهو في عيشة راضية في جنة عالية قطوفها دانية كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية وقال تعالى وتلك الجنة

الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون وقال تعالى مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظلها وقال تعالى وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون يتنازعون فيها كأسا لا لغو فيها ولا تأثيم وقال تعالى يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون وفي صحيح مسلم من حديث أبي الزبير عن جابر قال قال رسول الله يأكل أهل الجنة ويشربون ولا يمتخطون ولا يتغوطون ولا يبولون طعامهم ذلك جشاء كريح المسك يلهمون التسبيح والتكبير كما تلهمون النفس ورواه أيضا من رواية طلحة بن نافع عن جابر وفيه قالوا فما بال الطعام قال جشاء ورشح كرشح المسك يلهمون التسبيح والحمد وفي المسند وسنن النسائي بإسناد صحيح على شرط الصحيح من حديث الأعمش عن ثمامة أبن عقبة عن يزيد بن أرقم قال جاء رجل من أهل الكتاب إلى النبي فقال يا أبا القاسم تزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون قال نعم والذي نفس محمد بيده إن أحدهم ليعطي قوة مائة رجل في الأكل والشرب والجماع والشهوة قال فإن الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة وليس في الجنة أذى قال تكون حاجة أحدهم رشحا يفيض من جلودهم كرشح المسك فيضمر بطنه ورواه الحاكم في صحيحيه ولفظه أتي النبي رجل من اليهود فقال يا أبا القاسم ألست تزعم أن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ويقول لأصحابه إن أقر لي بهذا خصمته فقال رسول الله بلى والذي نفس محمد بيده إن أحدهم ليعطي قوة مائة رجل في المطعم والمشرب والشهوة والجماع فقال له اليهودي فإن الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة فقال رسول الله حاجتهم عرق يفيض من جلودهم مثل المسك فإذا البطن قد ضمر وقال الحسن بن عرفة حدثنا خلف بن خليفة عن حميد الأعرج عن عبد الله بن الحارث عن عبد الله أبن مسعود قال قال لي رسول الله أنك لتنظر إلى الطير في الجنة فتشتهيه فيخر بين يديك مشويا وقد تقدم حديث أنس في قصة عبد الله بن سلام في أول طعام يأكله أهل الجنة وشرابهم على أثره وحديث أبي سعيد الخدري تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفأها الجبار بيده نزلا لأهل الجنة وقال الحاكم أنبأنا الأصم حدثنا إبراهيم بن منقذ حدثنا إدريس

أبن يحيى حدثني الفضل بن المختار عن عبيد الله بن موهب عن عصمة بن مالك الخطمي عن حذيفة قال قال رسول الله إن في الجنة طيرا أمثال البخاتي فقال ابو بكر أنها لناعمة يا رسول الله قال أنعم منها من يأكلها وأنت ممن يأكلها يا ابا بكر قال الحاكم وأنبأنا الأصم حدثنا يحيى بن ابي طالب أنبأنا عبد الوهاب بن عطاء أنبأنا سعيد عن قتادة في قوله تعالى ولحم طير مما يشتهون قال ذكر لنا أن أبا بكر قال يا رسول الله إني لا أرى طير الجنة ناعمة كما أن أهلها ناعمون قال من يأكلها أنعم منها وأنها أمثال البخاتي وإني لأحتسب على الله أن تأكل منها يا أبا بكر وبهذا الإسناد عن قتادة عن أيوب رجل من أهل البصرة عن عبد الله بن عمرو في قوله تعالى يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب قال يطاف عليهم بسبعين صحفة من ذهب كل صحفة منها فيها لون ليس في الأخرى وقال الدراوردي حدثني أبن أخي أبن شهاب عن أبيه عن عبد الله بن مسلم أنه سمع أنس بن مالك يقول في الكوثر قال رسول الله هو نهر أعطانيه ربي أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل فيه طيور أعناقها كأعناق الجزر فقال عمر بن الخطاب أنها يا رسول الله لناعمة فقال رسول الله آكلها أنعم منها
تابعه إبراهيم بن سعيد عن ابن أخي ابن شهاب وقال فقال أبو بكر بدل عمر وقال عثمان بن سعيد الدارمي حدثنا عبد الله أبن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن ابي طلحة عن أبن عباس في قوله تعالى وكأس من معين يقول الخمر لا فيها غول ويقول ليس فيها صداع وفي قوله تعالى ولا هم عنها ينزفون يقول لا تذهب عقولهم وقوله تعالى وكأسا دهاقا يقول ممتلئة وقوله رحيق مختوم يقول الخمر ختم بالمسك وقال علقمة عن أبن مسعود ختامه مسك قال خلطه وليس بخاتم ثم يختم قلت يريد والله أعلم أن أخره مسك يخالطه فهو من الخاتمة ليس من الخاتم وقال زيد بن معاوية سألت علقمة عن قوله تعالى ختامه مسك فقرأتها خاتمه مسك فقال لي ليست خاتمه ولكن اقرأه ختامه مسك قال علقمة ختامه خلطه ألم تر أن المرأة من نسائكم تقول للطبيب أن خلطه من مسك لكذا وكذا وذكر سعيد بن منصور حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق الرحيق الخمر المختوم يجدون

عاقبتها طعم المسك وبهذا الإسناد عن مسروق عن عبد الله في قوله تعالى ومزاجه من تسنيم قال تمزج لأصحاب اليمين ويشربها المقربون صرفا وكذلك قال أبن عباس يشرب منها المقربون صرفا وتمزج لمن دونهم وقال مجاهد ختامه مسك يقول طينة وهذا التفسير يحتاج إلى تفسير ولفظ الآية أوضح منه وكأنه والله أعلم يريد ما يبقى في أسفل الأناء من الدري وذكر الحاكم من حديث آدم حدثنا شيبان عن جابر عن أبن سابط عن أبي الدرداء في قوله ختامه مسك قال هو شراب أبيض مثل الفضة يختمون به آخر شرابهم لو أن رجلا من أهل الدنيا أدخل يده فيه ثم أخرجها لم يبق ذو روح إلا وجد ريح طيبها
قال آدم وحدثنا أبو شيبة عن عطاء قال التسنيم أسم العين التي يمزج بها الخمر
وقال الأمام أحمد حدثنا هشيم أنبأنا حصين عن عكرمة عن أبن عباس في قوله وكأسا دهاقا قال هي المتتابعة الممتلئة قال ربما سمعت العباس يقول اسقنا وادهق لنا وقد تقدم الكلام على قوله تعالى أن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا وعلى قوله ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا عينا فيها تسمى سلسبيلا فقالت فرقة سلسبيلا جملة مركبة من فعل وفاعل وسلسبيلا منصوب على المفعول أي سل سبيلا إليها وليس هذا بشيء وإنما السلسبيل كلمة مفردة وهي أسم للعين نفسها بإعتبار صفتها ولقد شفى قتادة ومجاهد في إشتقاق اللفظة فقال قتادة سلسة فهم يصرفونها حيث شاؤا وهذا من الإشتقاق الأكبر وقال مجاهد سلسة السيل حديدة الجرية وقال أبو العالية والمقابلان تسيل عليهم في الطرق وفي منازلهم وهذا من سلاستها وحدة جريتها وقال آخرون معناها طيبة الطعم والمذاق وقال إبو إسحاق سلسبيل صفة لما كان في غاية السلاسة فسميت العين بذلك وقال أبن الأنباري الصواب في سلسبيل أنه صفة للماء وليس بإسم للعين واحتج على ذلك بحجتين
إحداهما أن سلسبيلا مصروف ولو كان إسما للعين لم يصرف للتأنيث والعلمية الثانية أن أبن عباس قال معناه أنها تنسل في حلوقهم انسلالا قلت ولا حجة له في واحدة منهما أما الصرف فلا اقتضاء رؤس الآي له كنظائره وأما قول أبن عباس فإنما يدل على أن العين سميت بذلك بأعتبار صفة السلاسة والسهولة فقد تضمنت هذه النصوص أن لهم فيها الخبز واللحم والفاكهة والحلوى وأنواع الأشربة من

الماء واللبن والخمر وليس في الدنيا مما في الآخرة إلا الأسماء وأما المسميات فبينها من التفاوت ما لا يعلمه البشر فأن قيل فأين يشوي اللحم وليس في الجنة نار فقد أجاب عن هذا بعضهم بأنه يشوي ب كن وأجاب آخرون بأنه يشوى خارج الجنة ثم يؤتي به إليهم والصواب أنه يشوي في الجنة بأسباب قدرها العزيز الحكيم لإنضاجه وإصلاحه كما قدر هناك أسبابا لإنضاج الثمر والطعام على أنه لا يمتنع أن يكون فيها نار تصلح لا تفسد شيئا وقد صح عنه أنه قال مجامرهم الألوة والمجامر جمع جمرة وهو البخور الذي يتبخر بإحراقه والإلوة العود المطري فأخبر أنهم يتجمرون به أي يتبخرون بإحراقه لتسطع لهم رائحته وقد أخبر سبحانه أن في الجنة ظلالا والظلال لا بد أن تفيء مما يقابلها فقال هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون وقال أن المتقين في ظلال وعيون وقال وندخلهم ظلا ظليلا فالأطعمة والحلوى والتجمر تستدعي أسباب تتم بها والله سبحانه خالق السبب والمسبب وهو رب كل شيء ومليكه لا إله إلا هو وكذلك جعل لهم سبحانه أسبابا تصرف الطعام من الجشاء والعرق الذي يفيض من جلودهم فهذا سبب إخراجه وذاك سبب إنضاجه وكذلك جعل في أجوافهم من الحرارة ما يطبخ ذلك الطعام ويلطفه ويهيئه لخروجه رشحا وجشاء وكذلك ما هناك من الفواكه والثمار يخلق لها من الحرارة ما ينضجها ويجعل سبحانه أوراق الشجر ظلالها فرب الدنيا والآخرة واحد وهو الخالق للأسباب والحكم ما يخلقه في الدنيا والآخرة والأسباب مظهر أفعاله وحكمته ولكنها تختلف ولهذا يقع التعجب من العبد لورود أفعاله سبحانه على أسباب غير الأسباب المعهودة المألوفة وربما حمله ذلك على الأنكار والكفر وذلك محض لجهل والظلم وإلا فليست قدرته سبحانه وتعالى مقصرة عن أسباب أخر ومسببات ينشئها منها كما لا تقصر قدرته في هذا العالم المشهود عن أسبابه ومسبباته وليس هذا باهون عليه من ذلك ولعل النشأة الأولى التي أنشأها الرب سبحانه وتعالى فيها بالعيان والمشاهدة أعجب من النشأة الثانية التي وعدنا بها إذا تأملها اللبيت ولعل إخراج هذه الفواكه والثمار من بين هذه التربة الغليظة والماء والخشب والهواء المناسب لها أعجب عند العقل من إخراجها من بين تربة الجنة ومائها وهوائها ولعل إخراج هذه الأشربة التي هي غذاء

ودواء وشراب ولذة من بين فرث ودم ومن قيء ذباب أعجب من إجرائها أنهارا في الجنة بأسباب أخر ولعل إخراج جوهري الذهب والفضة من عروق الحجارة من الجبال وغيرها أعجب من إنشائها هناك من أسباب أخر ولعل إخراج الحرير من لعاب دودة القز وبنائها على أنفسها القباب البيض والحمر والصفر أحكم بناء أعجب من إخراجه من أكمام تنشق عنه شجر هناك قد أودع فيها وأنشيء منها ولعل جريان بحار الماء بين السماء والأرض على ظهور السحاب اعجب من جريانها في الجنة في غير أخدود وبالجملة فتأمل آيات الله التي دعا عباده إلى التفكر فيها وجعلها آيات دالة على كمال قدرته وعلمه ومشيئته وحكمته وملكه وعلى توحده بالربوبية والإلهية ثم وازن بينهما وبين ما أخبر به من أمر الآخرة والجنة والنار تجد هذه أدل شيء على تلك شاهدة لها وتجدهما من مشكاة واحدة ورب واحد وخالق واحد ومالك واحد فبعدا لقوم لا يؤمنون

الباب التاسع والأربعون في ذكر آنيتهم التي يأكلون فيها ويشربون
وأجناسها وصفاتها
قال تعالى يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب فالصحاف جمع صحفة قال الكلبي بقصاع من ذهب وقال الليث الصحفة قصعة مسلنطحة عريضة الجمع صحاف قال الأعشى
والمكاكيك والصحاف من الفضة ... والضامرات تحت الرجال
وأما الأكواب فجمع كوب قال الفراء الكوب المستدير الرأس الذي لا أذن له وأنشد العدي
متكئا تصفق أبوابه ... يسعى عليه العبد بالكوب
وقال أبو عبيد الأكواب الأباريق التي لا خراطيم لها قال أبو إسحاق وإحدها كوب وهو إناء مستدير لا عروة له وقال ابن عباس هي الأباريق التي ليست لها آذان وقال مقاتل هي أوان مستديرة الرأس ليس لها عرى وقال البخاري في صحيحه الأكواب والأباريق التي لها خراطيم وقال تعالى يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين الأباريق هي الأكواب التي لها خراطيم فإن لم يكن لها خراطيم ولا عرى فهي أكواب وإبريق إفعيل من البريق وهو الصفاء فهو الذي يبرق لونه من صفائه ثم سمى كل ما كان على

شكله إبريقا وإن لم يكن صافيا وأباريق الجنة من الفضة في صفاء القوارير يرى من ظاهرها ما في باطنها والعرب تسمي السيف إبريقا لبريق لونه ومنه قول ابن أحمر
تعلفت إبريقا وعلقت جفنه ... ليهلك حيا ذا زهاء وخامل
وفي نوادر اللحياني امرأة إبريق إذا كانت براقة وقال تعالى يطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا قوارير من فضة قدروها تقديرا فالقوارير هي الزجاج فأخبر سبحانه وتعالى عن مادة تلك الآنية أنها من الفضة وأنها بصفاء الزجاج وشفافيته وهذا من أحسن الأشياء وأعجبها وقطع سبحانه توهم كون تلك القوارير من زجاج فقال قوارير من فضة قال مجاهد وقتادة ومقاتل والكلبي والشعبي قوارير الجنة من الفضة فاجتمع لها بياض الفضة وصفاء القوارير قال ابن قتيبة كل ما في الجنة من الأنهار وسررها وفرشها وأكوابها مخالف لما في الدنيا من صنعة العباد كما قال ابن عباس ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء والأكواب في الدنيا قد تكون من فضة وتكون من قوارير فأعلمنا الله أن هناك أكوابا لها بياض الفضة وصفاء القوارير قال وهذا على التشبيه أراد قوارير كأنها من فضة وهذا كقوله تعالى كأنهن الياقوت والمرجان أي لهن ألوان المرجان في صفاء الياقوت وهذا مردود عليه فإن الآية صريحة أنها من فضة ومن ههنا لبيان الجنس كما تقول خاتم من فضة ولا يراد بذلك أنه يشبه الفضة بل جنسه ومادته الفضة ولعله أشكل عليه كونها من فضة وهي قوارير وهو الزجاج وليس في ذلك إشكال لما ذكرناه وقوله قدروها تقديرا التقدير جعل الشيء بقدر مخصوص فقدرت الصناع هذه الآنية على قدرريهم لا يزيد عليه ولا ينقص منه وهذا أبلغ من لذة الشارب فلو نقص عن ربه لنقص التذاذه ولو زاد حتى يشمئز منه حصل له ملالة وسامه من الباقي هذا قول جماعة من المفسرين قال الفراء قدروا الكأس على قدرري أحدهم لا فضل فيه ولا عجز عن ريه وهو ألذ الشراب وقال الزجاج جعلوا الإناء على قدر ما يحتاجون إليه ويريدونه وقال أبو عبيد يكون التقدير الذين يسقون يقدرونها ثم يسقون يعني أن الضمير في قدروا للملائكة والخدم قدروا الكأس على قدر الري فلا يزيد عليه فيثقل الكف ولا ينقص منه فطلبت النفس الزيادة

كما تقدم وقالت طائفة الضمير يعود على الشاربين أي قدروا في أنهم شيئا فجاءهم الأمر بحسب ما قدروه وأرادوه وقول الجمهور أحسن وأبلغ وهو مستلزم لهذا القول والله أعلم وأما الكأس فقال أبو عبيدة هو الإناء بما فيه وقال أبو إسحاق الكأس الإناء إذا كان فيه خمر ويقع الكأس لكل إناء مع شرابه والمفسرون فسروا الكأس بالخمر وهو قول عطاء والكلبي ومقاتل حتى قال الضحاك كل كأس في القرآن فإنما عني به الخمر وهذا نظر منهم إلى المعنى والمقصود فإن المقصود ما في الكأس لا الإناء نفسه وأيضا فأن من الأسماء ما يكون اسما للحال والمحل مجتمعين ومنفردين كالنهر والكأس فإن النهر اسم للماء ولمحلة معا ولكل منهما على انفراده وكذلك الكأس والقرية ولهذا يجيء لفظ القرية مرادا به الساكن فقط والمسكن فقط والأمران معا وقد أخرجا في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري أن رسول الله قال جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن وفيهما أيضا من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر والذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة لا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون ولا يتفلون أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك ومجامرهم الألوة وأزواجهم الحور العين أخلاقهم على خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم عليه السلام ستون ذراعا في السماء وفي الصحيحين من حديث حذيفة بن اليمان أن النبي قال لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافهما فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة وقال أبو يعلى الموصلي في مسنده حدثنا ثوبان حدثنا سليمان بن المغيرة حدثنا ثابت قال قال أنس كان رسول الله يعجبه الرؤيا فربما رأى الرجل الرؤيا فيسأل عنه إذا لم يكن يعرفه فإذا أثنى عليه معروف كان أعجب لرؤياه إليه فأتته امرأة فقالت يا رسول الله رايت كأني أتيت فأخرجت من المدينة فأدخلت الجنة فسمعت وجبة انفتحت لها الجنة فنظرت فإذا فلان بن فلان وفلان بن فلان فسمعت أثني عشر رجلا كان رسول الله قد بعث سرية قبل ذلك فجيء بهم عليهم ثياب طلس تشخب أوداجهم فقيل أذهبوا بهم إلى نهر

البيدخ أو البيدح فغمسوا فيه فخرجوا ووجوههم كالقمر ليلة البدر فأتوا بصحفة من ذهب فيها بسر فأكلوا من ذلك البسر ما شاؤا فما يقلبونها من وجه إلا أكلوا من الفاكهة ما أرادوا واكلت معهم فجاء البشير من تلك السرية فقال أصيب فلان بن فلان حتى عد اثني عشر رجلا فدعا رسول الله المرأة فقال قصي رؤياك فقصتها وجعلت تقول جئ بفلان وفلان كما قال رواه الأمام أحمد في مسنده بنحوه واسناده على شرط مسلم

الباب الخمسون في ذكر لباسهم وحليهم ومناديلهم وفرشهم وبسطهم ووسائدهم
ونمارقهم وزرابيهم
قال تعالى إن المتقين في مقام أمين في جنات وعيون يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين وقال تعالى إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق متكئين فيها على الأرائك قال جماعة من المفسرين السندس مارق من الديباج والإستبرق ما غلظ منه وقالت طائفة ليس المراد به الغليظ ولكن المراد بن الصفيق وقال الزجاج هما نوعان من الحرير وأحسن الألوان والأخضر والين اللباس الحرير فجمع لهم بين حسن منظر اللباس والتذاذ العين به وبين نعومته والتذاذ الجسم به وقال تعالى ولباسهم فيها حرير وههنا مسألة وهذا موضع ذكرها وهي أن الله سبحانه وتعالى أخبر أن لباس أهل الجنة حرير وصح عن النبي أنه قال من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة متفق على صحته من حديث عمر بن الخطاب وأنس بن مالك وقد أختلف في المراد بهذا الحديث فقالت طائفة من السلف والخلف أنه لا يلبس الحرير في الجنة ويلبس غيره من الملابس قالوا وأما قوله تعالى ولباسهم فيها حرير فمن العام المخصوص وقال الجمهور وهذا من الوعيد الذي له حكم أمثاله من نصوص الوعيد التي تدل على أن الفعل مقتض لهذا الحكم وقد يتخلف عنه لمانع وقد دل النص والإجماع على أن التوبة مانعة من لحوق الوعيد ويمنع من لحوقه أيضا الحسنات الماحية والمصائب المكفرة ودعاء المسلمين وشفاعة من يأذن الله له في الشفاعة فيه وشفاعة أرحم الراحمين إلى نفسه فهذا الحديث نظير الحديث الآخر من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة وقال تعالى وجزاهم بما

صبروا جنة وحريرا وقال عاليهم ثياب سندس من خضر وإستبرق وتأمل ما دلت عليه لفظة عاليهم من كون ذلك اللباس ظاهرا بارزا يجمل ظواهرهم ليس بمنزلة الشعار الباطن بل الذي يلبس فوق الثياب للزينة والجمال وقد اختلف القراء السبعة في نصب عاليهم ورفعه على قراءتين واختلف النحاة في وجه نصبه هل هو على الظرف أو على الحال على قولين واختلف المفسرون هل ذلك للولدان الذين يطوفون عليهم فيطوفون وعليهم ثياب السندس والإستبرق أو للسادات الذين يطوفون عليهم الولدان فيطوفون على ساداتهم وعلى السادات هذه الثياب وليس الحال ههنا بالبين ولا تحته ذلك المعنى البديع الرائع فالصواب أنه منصوب على الظرف فإن عاليا لما كان بمعنى فوق أجرى مجراه قال أبو علي وهذا الوجه أبين وهو أن عاليا صفة فجعل ظرفا كما كان قوله الركب أسفل منكم كذلك وكما قالوا هو ناحية من الدار واما من رفع عاليهم فعلى الابتداء وثياب سندس خبره ولا يمنع من هذا إفراد عال وجمع الثياب لأن فاعلا قد يراد به لكثرة كما قال
ألا إن جيراني العشية رائح ... دعتهم دواع من هوى ومناوح
وقال تعالى مستكبرين به سامرا تهجرون ومن رفع خضرا أجراه صفة للثياب وهو الأقيس من وجوه أحدها المطابقة بينهما في الجمع الثاني موافقته لقوله تعالى ويلبسون ثيابا خضرا الثالث تخلصه من وصف المفرد بالجمع ومن جر أجراه صفة للسندس على إرادة الجنس كما يقال أهلك الناس الدينار الصفر والدرهم البيض وتترجح القراءة الأولى بوجه رابع أيضا وهو أن العرب تجيء بالجمع الذي هو في لفظ الواحد فيحرونه مجرى الواحد كقوله تعالى الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا وكقوله كأنهم أعجاز نخل منقعر فإذا كانوا قد أفردوا صفات هذا النوع من الجمع فافراد صفة الواحد وإن كان في معنى الجمع أولى وفي إستبرق قراءتان الرفع عطفا على ثياب والجر عطفا على سندس وتأمل كيف جمع لهم بين نوعي الزينة الظاهرة من اللباس والحلي كما جمع لهم بين الظاهرة والباطنة كما تقدم قريبا فحمل البواطن بالشراب الطهور والسواعد بالأساور والأبدان بثياب الحرير وقال تعالى إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من

ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير واختلفوا في جر لؤلؤ ونصبه فمن نصبه ففيه وجهان أحدهما أنه عطف على موضع قوله من اساور والثاني أنه منصوب بفعل محذوف دل عليه الأول أي ويحلون لؤلؤا ومن جره فهو عطف على الذهب ثم يحتمل أمرين أحدهما أن يكون لهم أساور من ذهب وأساور من لؤلؤ ويحتمل أن تكون الأساور مركبة من الأمرين معا الذهب المرصع باللؤلؤ والله أعلم بما أراد قال ابن أبي الدنيا حدثني محمد بن رزق حدثنا زيد بن الحباب قال حدثني عتبة بن سعد قاضي الري عن جعفر بن أبي المغيرة عن شمر بن عطية عن كعب قال أن لله عز و جل ملكا منذ يوم خلق يصوغ حلي أهل الجنة إلى أن تقوم الساعة لو أن قلبا من حلي أهل الجنة أخرج لذهب بضوء شعاع الشمس فلا تسألوا بعد هذا عن حلي أهل الجنة حدثنا الحسن بن يحيى بن كثير العنبري حدثنا أبي عن أشعث عن الحسن قال الحلي في الجنة على الرجال أحسن منا على النساء حدثنا أحمد بن منيع حدثنا الحسن بن موسى حدثنا ابن لهيعة حدثنا يزيد بن أبي حبيب عن داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن جده عن النبي قال لو أن رجلا من أهل الجنة أطلع فبدأ سواره لطمس ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم وقال ابن وهب حدثني أبن لهيعة عن عقيل بن خالد عن الحسن عن أبي هريرة قال إن أبا أمامة حدث أن رسول الله حدثهم وذكر حلى أهل الجنة فقال مسورون بالذهب والفضة مكللون بالدر عليهم أكاليل من در وياقوت متواصلة وعليهم تاج كتاج الملوك شباب مرد مكحلون وقد أخرجا في الصحيحين والسياق لمسلم عن أبي حازم قال كنت خلف أبي هريرة وهو يتوضأ للصلاة فكان يمد يده حتى يبلغ إبطه فقلت يا أبا هريرة ما هذا الوضوء فقال يا بني نبي فروخ أنتم ههنا لو علمت أنكم ههنا ما توضأت هذا الوضوء سمعت خليلي يقول تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء وقد احتج بهذا من يرى استحباب غسل العضد وإطالته والصحيح انه لا يستحب وهو قول أهل المدينة وعن أحمد روايتان والحديث لا تدل على الإطالة فإن الحلية إنما تكون في زينة في الساعد والمعصم لا في العضد والكتف وأما قوله فمن إستطاع منكم أن يطيل غرته فليقل فهذه الزيادة مدرجة في الحديث من كلام أبي هريرة لا من كلام النبي

بين ذلك غير واحد من الحفاظ وفي مسند الأمام أحمد في هذا الحديث قال نعيم فلا أدري قوله من استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل من كلام النبي أو شيء قاله أبو هريرة من عنده وكان شيخنا يقول هذه اللفظة لا يمكن أن تكون من كلام رسول الله فإن الغرة لا تكون في اليد لا تكون إلا في الوجه وإطالته غير ممكنة إذ تدخل في الرأس فلا تسمى تلك غرة وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي قال من يدخل الجنة ينعم ولا يبأس ولا تبلي ثيابه ولا يفنى شبابه في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وقوله لا تبلى ثيابه الظاهر أن المراد به الثياب المعينة لا يلحقها البلى ويحتمل أن يراد به الجنس بل لا يزال عليه الثياب الجدد كما أنها لا ينقطع أكلها في جنسه بل كل مأكول يخلفه أخر والله أعلم قال الأمام أحمد حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا محمد بن أبي الوضاح حدثنا العلاء ابن عبد الله بن رافع حدثنا حنان بن خارجة عن عبد الله بن عمر قال جاء أعرابي حرمي فقال يا رسول الله أخبرنا عن الهجرة إليك أينما كنت أم لقوم خاصة أم إلى أرض معلومة إذا مت انقطعت فسأل ثلاث مرات ثم جلس فسكت رسول الله يسيرا ثم قال اين السائل فقال ها هو ذا يا رسول الله قال الهجرة أن تهجر الفواحش ما ظهر منها وما بطن وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة ثم أنت مهاجر وأن مت بالحضر فقام آخر فقال يا رسول الله أخبرني عن ثياب أهل الجنة أتخلق خلقا أم تنسج نسجا قال فضحك بعض القوم فقال رسول الله تضحكون من جاهل يسأل عالما فأسكت النبي ساعة ثم قال أين السائل عن ثياب أهل الجنة فقال ها هو ذا يا رسول الله قال لا بل يشقق عنها ثمر الجنة ثلاث مرات وقال الطبراني في معجمه حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني والحسن بن علي الفسوي قالا حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا فضيل أبن مرزوق عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله عن النبي قال أول زمرة يدخلون الجنة كأن وجوههم ضوء القمر ليلة البدر والزمرة الثانية على لون أحسن كوكب دري في السماء لكل واحد منهم زوجتان من الحور العين على كل زوجة سبعون حلة يرى مخ سوقها من وراء لحومها وحللها كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء وهذا الإسناد على شرط

الصحيح وقال الأمام أحمد حدثنا يونس بن محمد حدثنا الخزرجي عن عثمان السعدي حدثنا أبو أيوب مولى لعثمان بن عفان عن أبي هريرة قال قال رسول الله لقيد سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا ومثلها معها ولقاب قوس أحدكم من الجنة خير من الدنيا ومثلها معها ولنصيف امرأة من الجنة خير من الدنيا ومثلها معها قال قلت يا رسول الله وما النصيف قال الخمار وقال أبن وهب أخبرنا عمرو أن دراجا أبا السمح حدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله أن الرجل ليتكئ في الجنة سبعين سنة قبل أن يتحول ثم تأتيه امرأة فتضرب على منكبيه فينظر وجهه في خدها أصفى من المرآة وأن أدنى لؤلؤة عليها لتضيء ما بين المشرق والمغرب فتسلم عليه فيرد السلام ويسألها من أنت فتقول أنا المزيد وأنه ليكون عليها سبعون ثوبا أدناها مثل النعمان من طوبى فينفذها بصره حتى يرى مخ ساقها من وراء ذلك وأن عليها التيجان وأن أدنى لؤلؤة عليها لتضيء ما بين المشرق والمغرب وروى الترمذي ذكر التيجان وأن أدنى لؤلؤة عن سويد ابن نصر عن رشدين بن سعد عن عمرويه وقال أبن أبي الدنيا حدثنا محمد بن ادريس الحنظلي حدثنا أبو عتبة حدثنا إسماعيل بن عياش عن سعيد بن يوسف عن يحيى ابن أبي كثير عن أبي سلام الأسود قال سمعت أبا أمامة يحدث عن رسول الله قال ما منكم من أحد يدخل الجنة إلا انطلق به إلى طوبى فتفتح له أكمامها فيأخذ من أي ذلك شاء ابيض وإن شاء أحمر وأن شاء اخضر وإن شاء أصفر وإن شاء أسود ومثل شقائق النعمان وأرق وأحسن قال أبن أبي الدنيا وحدثنا سويد عن سعيد حدثنا عبد ربه بن بارق الحنفي عن خالد الزميل أنه سمع أباه قال قلت لابن عباس ما حلل الجنة قال فيها شجرة فيها ثمر كأنه الرمان فإذا أراد ولي الله كسوة انحدرت إليه من غصنها فانفلقت عن سبعين حلة ألوانا بعد ألوان ثم تنطبق ترجع كما كانت قال وحدثنا عبد الله بن أبي خيثمة حدثنا الحسن بن موسى حدثنا ابن لهيعة حدثني دراج أبو السمح أن أبا الهيثم حدثه عن أبي سعيد عن رسول الله أن رجلا قال له يا رسول الله طوبى لمن آراك وآمن بك فقال طوبى لمن رآني وآمن بي وطوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني فقال له رجل وما طوبى قال شجرة في

جنة مسيرة مائة عام ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها قال وحدثني يعقوب أبن عبيد حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا حماد بن سلمة عن أبي المهزم قال قال أبو هريرة هريرة دار المؤمن في الجنة لؤلؤة فيها شجرة تنبت الحلل فيأخذ الرجل بإصبعيه وأشار بالسابة والإبهام سبعين حلة ممنطقة باللؤلؤ والمرجان قال وحدثنا حمزة ابن العباس حدثنا عبد الله بن عثمان أنبأنا أبن المبارك أنبأنا صفوان بن حمزة عن شريح بن عبيد قال قال كعب لو أن ثوبا من ثياب أهل الجنة لبس اليوم في الدنيا لصق من ينظر إليه وما حملته أبصارهم وقال عبد الله بن المبارك أنبأنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال عن بشر بن كعب أو غيره قال ذكر لنا أن الزوجة من أزواج الجنة لها سبعون حلة هي أرق من شقيقكم هذا ويرى مخ ساقها من وراء اللحم وفي الصحيحين عن أنس بن مالك قال أهدى أكيد رد دومة إلى النبي جبة من سندس فتعجب الناس من حسنها فقال لمناديل سعد في الجنة أحسن من هذا وفي الصحيحين أيضا من حديث البراء قال أهدى لرسول الله ثوب حرير فجعلوا يعجبون من لينه فقال رسول الله تعجبون من هذا لمناديل سعد اين معاذ في الجنة أحسن من هذا ولا يخفى ما في ذكر سعد بن معاذ بخصوصه ههنا فإنه كان في الأنصار بمنزلة الصديق في المهاجرين واهتز لموته العرش وكان لا يأخذه في الله لومة لائم وختم الله له بالشهادة وآثر رضا الله ورسوله على رضا قومه وعشيرته وخلفائه ووافق حكمه الذي حكم به حكم الله فوق سبع سموات ونعاه جبريل إلى النبي يوم موته فحق له أن تكون مناديله التي يمسح بها يديه في الجنة أحسن من حلل الملوك فصل
ومن ملابسهم التيجان على رؤسهم
ذكر البيهقي من حديث يعقوب بن حميدا بن كاسب أنبأنا هشام بن سليمان عن عكرمة عن إسماعيل بن رافع عن سعد المقبري وزيد بن أسلم عن أبي هريرة عن النبي قال من قرأ القرآن فقام به آناء الليل والنهار ويحل حلاله ويحرم حرامه خلطه الله بلحمه ودمه وجعله رفيق السفرة الكرام البررة وإذا كان يوم القيامة كان القرآن له

حجيجا فقال يا رب كل عامل يعمل في الدنيا يأخذ بعمله من الدنيا إلا فلانا كان يقوم في آناء الليل وأطراف النهار فيحل حلالي ويحرم حرامي يقول يا رب فأعطه فيتوجه الملوك ويكسوه من حلة الكرامة ثم يقول هل رضيت فيقول يا رب أرغب له في افضل من هذا فيعطيه الله الملك بيمينه والخلد بشماله ثم يقول له هل رضيت فيقول نعم يا رب وذكر الأمام أحمد في المسند من حديث أبي بريدة عن أبيه يرفعه تعلموا سورة البقرة فإن أخذاها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة ثم سكت ساعة ثم قال تعلموا سورة البقرة وآل عمران فأنهما الزهراوان وإنهما يظلان صاحبهما يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف والقرآن أن يلقى صاحبه يوم القيامة حين ينشق عنه قبره كالرجل الشاحب فيقول له هل تعرفني فيقول له ما أعرفك فيقول له القرآن أنا الذي أظمأتك في الهواجر وأسهرت ليلك وإن كل تاجر من وراء تجارته وإنك اليوم من وراء كل تجارة فيعطي الملك بيمينه والخلد بشماله ويوضع على رأسه تاج الوقار ويكسي والداه حليتين لا تقوم لهما الدنيا فيقولان بم كسينا هذا فيقال بأخذ ولدكما القرآن ثم يقال له اقرأ واصعد في درج الجنة وغرفها فهو في صعود ما دام يقرأ هددا كان أو ترتيلا البطلة السحرة والغيابة ما أظل الإنسان فوقه وقال عبد الله بن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن أبي السمح عن ابي هريرة عن ابي سعيد الخدري أن النبي تلا قوله عز و جل جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب فقال أن عليهم التيجان أن ادنى لؤلؤة منها لتضيء ما بين المشرق والمغرب فصل
وأما الفرش فقد قال تعالى متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وقال تعالى وفرش مرفوعة فوصف الفرش بكونها مبطنة بالإستبرق وهذا يدل على أمرين أحدهما أن ظهائرها أعلى وأحسن من بطائنها لأن بطائنها للارض وظهائرها للجمال والزينة والمباشرة قال سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن ابي هبيرة ابن مريم عن عبد الله في قوله بطائنها من إستبرق قال هذه البطائن قد خبرتم بها فكيف بالظهائر الثاني يدل على أنها فرش عالية لها سمك وحشو بين

البطانة والظهارة وقد روى في سمكها وإرتفاعها آثار إن كانت محفوظة فالمرد ارتفاع محلها كما رواه الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي في قوله وفرش مرفوعة قال ارتفاعها كما بين السماء والأرض ومسيرة ما بينهما خمسمائة عام قال الترمذي حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث رشدين بن سعد قيل ومعناه إن ارتفاع المذكور للدرجات والفرش عليها قلت رشدين بن سعد عنده مناكير قال الدارقطني ليس بالقوي وقال أحمد لا يبالي عمن روى وليس به باس في الرقاق وقال أرجو أنه صالح الحديث وقال يحيى بن معين ليس بشيء وقال زرعة ضعيف وقال الجوزجاني عنده مناكير ولا ريب أنه كان سيء الحفظ فلا يعتمد على ما ينفرد به وقد قال أبن وهب حدثنا عمرو بن الحارث عن دراج أبي السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله في قوله وفرش مرفوعة قال ما بين الفراشين كما بين السماء والأرض وهذا أشبه أن يكون هو المحفوظ فالله أعلم وقال الطبراني حدثنا المقدام بن داود حدثنا أسد بن موسى حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن مطرف عن عبد الله بن الشخير عن كعب في قوله عز و جل وفرش مرفوعة قال مسيرة أربعين سنة قال الطبراني حدثنا إبراهيم بن نائلة حدثنا إسماعيل بن عمرو والبجلي حدثنا إسرائيل عن جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة قال سئل رسول الله عن الفرش المرفوعة قال لو طرح فراش من أعلاها إلى قرارها مائة خريف وفي رفع هذا الحديث نظر فقد قال أبن أبي الدنيا حدثنا إسحاق بن إسماعيل حدثنا معاذ ابن هشام قال وجدت في كتاب أبي القاسم عن ابي أمامة في قوله عز و جل وفرش مرفوعة قال لو أن أعلاها سقط ما بلغ أسفلها أربعين خريفا فصل
وأما البسط والزرابي فقد قال تعالى متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان وقال تعالى فيها سرر مرفوعة وأكواب موضوعة ونمارق مصفوفة وزرابي مبثوثة وذكر هشام عن أبي بشر عن سعد بن جبير قال الرفرف رياض الجنة والعبقري عتاق الزرابي وذكر إسماعيل بن علية عن أبي رجاء عن الحسن في قوله تعالى متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان قال هي

البسط قال وأهل المدينة يقولون هي البسط وأما النمارق فقال الواحدي هي الوسائد في قول الجميع وأحدها بضم النون وحكى الفراء نمرقة بكسرها وأنشد أبو عبيدة
إذا ما بساط الله ومد وقربت ... للذاته أنماطه ونمارقه
قال الكلبي وسائد مصفوفة بعضها إلي بعض وقال مقاتل هي الوسائد مصفوفة على الطنافس وزرابي بمعنى البسط والطنافس وأحدها زريبة في قول جميع أهل اللغة والتعبير ومبثوثة مبسوطة منشورة فصل
وأما الرفرف فقال الليث ضرب من الثياب خضر تبسط الواحد رفرفة وقال أبو عبيدة الرفارف البسط وأنشد لابن مقبل
وأنا لنازلون تغشى نعالنا ... سواقط من أصناف ريط ورفرف
وقال أبو إسحاق قالوا الرفرف ههنا رياض الجنة وقالوا الرفرف الوسائد وقالوا الرفرف المحابس وقالوا فضول المحابس للفرش وقال المبرد هو فضول الثياب التي تتخذ الملوك في الفرش وغيره وقال الواحدي وكان الأقرب هذا لأن الغرب تسمى كسر الخباء والخرقة التي تخاط في أسفل الخباء رفرفا ومنه الحديث في وفاة النبي فرفع الرفرف فرأينا وجهه كأنه ورقة قال إبن الأعرابي الرفرف ههنا طرف البساط فشبه ما فضل من المحابس عما تحته بطرف الفسطاط فسمى رفرف قلت أصل هذه الكلمة من الطرف أو الجانب فمنه الرفرف في الحائط ومنه الرفرف وهو كسر الخباء وجوانب الدرع وما تدلى منها الواحدة رفرفة ومنه رفرف الطير إذا حرك جناحه حول الشيء يريد أن يقع عليه والرفرف ثياب خضر يتخذ منها المحابس الواحدة رفرفة وكل ما فضل من شيء فثنى وعطف فهو رفرف وفي حديث ابن مسعود في قوله عز و جل لقد رأى من آيات ربه الكبرى قال رأى رفرفا أخضر سد الأفق وهو في الصحيحين فصل
وأما العبقري فقال أبو عبيدة كل شيء من البسط عبقري قال ويرون أنها أرض توشى فيها وقال الليث عبقر موضع بالبادية كثير الجن يقال كأنهم جن عبقر قال أبو عبيدة في حديث النبي ذكر عمر فلم أر

عبقريا يفري فرية وأنما أصل هذا فيما يقال إنه نسب إلى عبقر وهي أرض يسكنها الجن فصار مثلا منسوبا إلى شيء رفيع وأنشد لزهير
نخال عليها جبة عبقرية ... جديرون يوما أن ينالوا فيستعلوا
وقال ابو الحسن الواحدي وهذا القول هو الصحيح في العبقري وذلك أن العرب إذا بالغت في وصف شيء نسبته إلى الجن أو شبهته بهم ومنه قول لبيد جن الندا رواسيا أقدامها وقال آخر يصف امرأة
جنية ولها جن يعلمها ... رمي القلوب بقوس ما لها وتر
وذلك أنهم يعتقدون في الجن كل صفة عجيبة وأنهم يأتون بكل أمر عجيب ولما كان عبقر معروفا بسكناهم نسبوا كل شيء يبالغ فيه إليها يريدون بذلك أنه من عملهم وصنعهم هذا هو الأصل ثم صار العبقري اسما ونعتا لكل ما بولغ في صفته ويشهد لما ذكرنا بيت زهير فإنه نسب الجن إلى عبقر ثم راينا أشياء كثيرة نسبت إلى عبقر غير البسط والثياب كقوله في صفة عمر عبقريا وروى سلمة عن الفراء قال العبقري السيد من الرجال وهو الفاخر من الحيوان والجوهر فلو كانت عبقر مخصوصة بالوشى لما نسب إليها غير الموشى وإنما ينسب إليها البسط الموشية العجيبة الصنعة كما ذكرنا كما نسب إليها كل ما بولغ في وصفة قال ابن عباس وعبقري يريد البسط الطنافس وقال الكلبي هي الطنافس المجملة وقال قتادة هي عتاق الزرابي وقال مجاهد الديبا4ج الغليظ وعبقري جمع واحده عبقرية ولهذا وصف بالجمع فتأمل كيف وصف الله سبحانه وتعالى الفرش بأنها مرفوعة والزرابي بأنها مبثوثة والنمارق بأنها مصفوفة فرفع الفرش دال على سمكها ولينها وبث الزرابي دال على كثرتها وأنها في كل موضع لا يختص بها صدر المجلس دون مؤخره وجوانبه وصف المساند يدل على أنها مهيأة للاستناد إليها دائما ليست مخبأة تصف في وقت دون وقت والله أعلم

الباب الحادي والخمسون في ذكر خيامهم وسررهم وأرائكهم وبشخاناتهم قال
تعالى حور مقصورات في الخيام وفي الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري عن النبي قال أن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلا فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى

بعضهم بعضا وفي لفظ لهما في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة عرضها ستون ميلا في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمن وفي لفظ آخر لهما أيضا الخيمة درة طولها في السماء ستون ميلا في كل زاوية منها أهل للمؤمن لا يراهم الآخرون وللبخاري وحده في لفظ طولها ثلاثون ميلا وهذه الخيم غير الغرف والقصور بل هي خيام في البساتين وعلى شواطئ الأنهار وقال ابن أبي الدنيا حدثنا الحسين بن عبد الرحمن عن أحمد بن أبي الحوري قال سمعت أبا سليمان قال ينشأ خلق الحور العين انشأ فأذا تكامل خلقهن ضربت عليهم الملائكة الخيام وقال بعضهم لما كن أبكارا وعادة البكر أن تكون مقصورة في خدرها حتى يأخذها بعلها أنشأ الله تعالى الحور وقصرهن في خدور الخيام حتى يجمع بينهن وبين اوليائه في الجنة وقال ابن أبي الدنيا حدثنا إسحاق حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن جابر عن القاسم بن ابي بزة عن أبي عبيدة عن مسروق عن عبد الله قال لكل مسلم خيرة ولكل خيرة خيمة ولكل خيمة أربعة أبواب يدخل عليها كل يوم من كل باب تحفة وهدية وكرامة لم تكن قبل ذلك لا مزجات ولا زفرات ولا بخرات ولا طماحات حور عين عين كأنهن بيض مكنون حدثنا علي بن الجعد حدثنا شعبة عن عبد الله بن ميسرة قال سمعت أبا الاحوص يحدث عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى حور مقصورات في الخيام قال قال در مجوف وقال عبد الله بن المبارك أنبأنا سليمان التيمي عن قتادة عن خليد القصري عن ابي الدرداء قال الخيمة لؤلؤة واحدة لها سبعون بابا كلها من درة قال ابن المبارك وأخبرنا همام عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال الخيمة درة مجوفة فرسخ في فرسخ لها أربعة الآف مصراع من ذهب وقال ابن أبي الدنيا حدثنا فضيل بن عبد الوهاب حدثنا شريك عن منصور عن مجاهد حور مقصورات في الخيام قال في خيام اللؤلؤ والخيمة لؤلؤة واحدة حدثني محمد بن جعفر حدثنا منصور حدثنا يوسف بن الصباح عن أبي صالح عن ابن عباس حور مقصورات في الخيام قال الخيمة درة من لؤلؤة مجوفة طولها فرسخ وعرضها فرسخ ولها ألف باب من ذهب حولها س4رادق دوره خمسون فرسخا يدخل عليه من كل باب منها ملك بهديه من عند الله عز و جل وذلك قوله والملائكة يدخلون عليهم من كل باب والله أعلم وأما السرر فقال تعالى متكئين على سرر مصفوفة وزوجناهم بحور عين وقال تعالى ثلة من

الأولين وقليل من الآخرين على سرر موضونة متكئين عليها متقابلين وقال تعالى فيها سرر مرفوعة فأخبر تعالى عن سررهم بإنها مصفوفة بعضها إلى جانب بعض ليس بعضها خلف بعض ولا بعيدا من بعض وأخبر أنها موضونة والوضن في اللغة النضيد والنسج المضاعف يقال وضمن فلان الحجر أو الآجر بعضه فوق بعض فهو موضون وقال الليث الوضن نسج السرير وأشباهه ويقال درع موضونة مقاربة النسج وقال رجل من العرب لامرأته ضني متاع البيت أي قاربي بعضه من بعض قال أبو عبيدة والفراء والمبرد وابن قتيبة موضونة منسوجة مضاعفة متداخلة بعضها فوق بعض على بعض كما توضن حلق الدرع ومنه سمي الوضين وهو نطاق من سيور تنسج فيدخل بعضها في بعض وانشدوا للأعمش ... ومن نسج داود موضونه ... تساق مع الحي عيرا فغيرا قالوا موضونة منسوجة بقضبان الذهب مشتبكة بالدر والياقوت والزبرجد قال هشيم أنبأنا حصين عن مجاهد عن ابن عباس قال مرمولة بالذهب وقال مجاهد موصولة بالذهب وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس موضونة مصفوفة فأخبر سبحانه أنها مرفوعة قال عطاء عن ابن عباس قال سرر من ذهب مكللة بالزبرجد والدر والياقوت والسرير مثل ما بين مكة وأيلة وقال الكلبي طول السرير في السماء مائة ذراع فإذا أراد الرجل أن يجلس عليه تواضع له حتى يجلس عليه فإذا حلس عليه ارتفع إلى مكانه فصل واما الارائك فهي جمع أريطة قال مجاهد عن ابن عباس متكئين فيها على الارائك قال لا تكون أريكة حتى يكون السرير في الحجلة فأذا كان سريرا بغير حجلة لا يكون أريكة وإن كانت حجلة بغير سرير لم تكن أريكة ولا تكون أريكة إلا والسرير في الحجلة فإذا إجتمعا كانت أريكة وقال مجاهد هي الأسرة في الحجال قال الليث الأريكة سرير حجلة فالحجلة والسرير أريكة وجمعها أرائك وقال2 أبو إسحاق الارائك الفرش في الحجال قلت ها هنا ثلاثة أشياء أحدها السرير و الثانية الحجلة وهي البشخانة التى تعلق فوقه و الثالث الفراش الذي على السرير ولا يسمى السرير أريكة حتى يجمع ذلك كله وفي الصحاح الأريكة سرير متخذ مزين في قبة أو بيت فإذا لم يكن فيه سرير فهو حجلة والجمع الأرائك وفي

الحديث أن خاتم النبي صلى الله عليه و سلم كان مثل زر الحجلة وهو الزر الذي يجمع بين طرفيها من جملة أزرارها والله أعلم

الباب الثاني والخمسون في ذكر خدمهم وغلمانهم قال تعالى
يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين وقال تعالى ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا قال أبو عبيدة والفراء مخلدون لا يهرمون ولا يتغيرون قال والعرب تقول للرجل إذا كبر ولم يشمط إنه لمخلد وإذا لم تذهب أسنانه من الكبر قيل هو مخلد وقال آخرون مخلدون مقرطون مسورون أي في آذانهم القرطة وفي أيديهم الأساور وهذا اختيار ابن الأعرابي قال مخلدون مقرطون بالخلدة وجمعها خلد وهي القرطة وروى عمرو عن أبيه خلد جاريته إذا حلاها بالخلد وهي القرطة وخلد إذا أسن ولم يشب وكذلك قال سعيد بن جبير مقرطون واحتج هؤلاء بحجتين إحداهما أن الخلود عام لكل من دخل الجنة فلا بد أن تكون الولدان موصوفين بتخليد مختص بهم وذلك هو القرطة الحجة الثانية قول الشاعر
ومخلدات باللجين كأنما ... أعجازهن رواكد الكثبان
وقال الأولون الخلد هو البقاء قال ابن عباس غلمان لا يموتون وقول ترجمان القرآن في هذا كاف وهو قول مجاهد والكلبي ومقاتل قالوا لا يكبرون ولا يهرمون ولا يتغيرون وجمعت طائفة بين القولين وقالوا هم ولدان لا يعرض لهم الكبر والهرم وفي آذانهم القراطة فمن قال مقرطون أراد هذا المعنى أن كونهم ولدان أمر لازم لهم وشبههم سبحانه باللؤلؤ المنثور لما فيه من البياض وحسن الخلقة وفي كونه منثورا فائدتان أحداهما الدلالة على أنهم غير معطلين بل مبثوثون في خدمتهم وحوائجهم و الثاني أن اللؤلؤ إذا كان منثورا ولا سيما على بساط من ذهب أو حرير كان أحسن لمنظره وأبهى من كونه مجموعا في مكان واحد وقد اختلف في هؤلاء الولدان هل هم من ولدان الدنيا أم أنشأهم الله في الجنة إنشاء على قولين فقال علي بن أبي طالب والحسن البصري هم أولاد المسلمين الذين يموتون ولا حسنة لهم ولا سيئة لهم يكونون خدم أهل الجنة

وولدانهم إذ الجنة لأولاد فيها قال الحاكم أنا عبد الرحمن بن الحسن ثنا إبراهيم ابن الحسين ثنا آدم ثنا المبارك بن فضالة عن الحسن في قوله ولدان مخلدون قال لم يكن لهم حسنات ولا سيئات فيعاقبون عليها فوضعوا بهذا الموضع ومن أصحاب هذا القول من قال هم أطفال المشركين فجعلهم الله خدما لأهل الجنة واحتج هؤلاء بما رواه يعقوب بن عبد الرحمن الفاري عن أبي حازم قال المديني عن يزيد الرقاشي عن أنس عن النبي قال سألت ربي اللاهين من ذرية البشر أن لا يعذبهم فأعطانيهم فهم خدم أهل الجنة يعنى الأطفال قال الدار قطني ورواه عبد العزيز الماجشون عن ابن المنكدر عن يزيد الرقاشي عن النبي صلى الله عليه و سلم انتهى ورواه فضيل بن سليمان عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن أنس وهذه الطرق ضعيفة فيزيد واه وفضيل بن سليمان متكلم فيه وعبد الرحمن بن إسحاق ضعيف قال ابن قتيبة واللاهون من لهيت عن الشيء إذا غفلت عنه وليس هو من لهوت وأصحاب القول الأول لا يقولون أن هؤلاء أولاد ولدوا لأهل الجنة فيها وإنما يقولون هم غلمان أنشأهم الله في الجنة كما أنشأ الحور العين قالوا وأما ولدان أهل الدنيا فيكونون يوم القيامة أبناء ثلاث وثلاثين لما رواه ابن وهب أنبأنا عمرو بن الحارث أن دراجا أبا السمح حدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد قال قال رسول الله من مات من أهل الجنة من صغير أو كبير يردون بني ثلاثين سنة في الجنة لا يزيدون عليها أبدا وكذلك أهل النار رواه الترمذي والأشبه أن هؤلاء الولدان مخلوقون من الجنة كالحور العين خدما لهم وغلمانا كما قال تعالى ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون وهؤلاء غير أولادهم فإن من تمام كرامة الله تعالى لهم أن يجعل أولادهم مخدومين معهم ولا يجعلهم غلمانا لهم وقد تقدم في حديث أنس عن النبي أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا وفيه يطوف على ألف خادم كأنهم لؤلؤ مكنون والمكنون المستور المصون الذي لم تبتذله الأيادي وإذا تأملت لفظة الولدان ولفظة ويطوف عليهم واعتبرتها بقوله ويطوف عليهم غلمان لهم وضممت ذلك إلى حديث أبي سعيد المذكور آنفا علمت أن الولدان غلمان أنشأهم الله تعالى في الجنة خدما لأهلها والله أعلم

الباب الثالث والخمسون في ذكر نساء أهل الجنة وأصنافهن وحسنهن وأوصافهن
وجمالهن الظاهر والباطن الذي وصفهن الله تعالى به في كتابه
قال تعالى وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون فتأمل جلالة المبشر ومنزلته وصدقه وعظمة من أرسله إليك بهذه البشارة وقدر ما بشرك به وضمنه لك على أسهل شيء عليك وأيسره وجمع سبحانه في هذه البشارة بين نعيم البدن بالجنات وما فيها من الأنهار والثمار ونعيم النفس بالأزواج المطهرة ونعيم القلب وقرة العين بمعرفة دوام هذا العيش أبد الآباد وعدم انقطاعه والأزواج جمع زوج والمرأة زوج للرجل وهو زوجها هذا هو الأفصح وهو لغة قريش وبها نزل القرآن كقوله أسكن أنت وزوجك الجنة ومن العرب من يقول زوجة وهو نادر لا يكادون يقولونه وأما المطهرة فإن جرت صفة على الواحد فيجرى صفة على جمع التكسير إجراء له مجرى جماعة كقوله تعالى مساكن طيبة وقرى ظاهرة ونظائره والمطهرة من طهرت من الحيض والبول والنفاس والغائط والمخاط والبصاق وكل قذر وكل أذى يكون من نساء الدنيا فظهر مع ذلك باطنها من الأخلاق السيئة والصفات المذمومة وطهر لسانها من الفحش والبذاء وطهر طرفها من أن تطمح به إلى غير زوجها وطهرت أثوابها من أن يعرض لها دنس أو وسخ قال عبد الله بن المبارك ثنا شعبة عن قتادة عن أبي نظرة عن أبي سعيد عن النبي لهم فيها أزواج مطهرة قال من الحيض والغائط والنخامة والبصاق وقال عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس مطهرة لا يحضن ولا يحدثن ولا يتنخمن وقال ابن عباس أيضا مطهرة من القذر والأذى وقال مجاهد لا يبلن ولا يتغوطن ولا يمذين ولا يمنين ولا يحضن ولا يبصقن ولا يتنخمن ولا يلدن وقال قتادة مطهرة من الإثم والأذى طهرهن الله سبحانه من كل بول وغائط وقذر ومأثم وقال عبد الرحمن بن زيد المطهرة التي لا تحيض وأزواج الدنيا لسن بمطهرات ألا تراهن يدمين ويتركن الصلاة والصيام قال وكذلك خلقت حواء حتى عصت فلما

عصت قال الله إني خلقتك مطهرة وسأدميك كما دميت هذه الشجرة وقال تعالى إن المتقين في مقام أمين في جنات وعيون يلبسون من سندس واستبرق متقابلين كذلك وزوجناهم بحور عين يدعون فيها بكل فاكهة آمنين لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم ربهم عذاب الجحيم فجمع لهم بين حسن المنزل وحصول الأمن فيه من كل مكروه واشتماله على الثمار والأنهار وحسن اللباس وكمال العشرة لمقابلة بعضهم بعضا وتمام اللذة بالحور العين ودعائهم بجميع أنواع الفاكهة مع أمنهم من انقطاعها ومضرتها وغائلتها وختام ذلك أعلمهم بأنهم لا يذوقون فيها هناك موتا والحور جمع حوراء وهي المرأة الشابة الحسناء الجميلة البيضاء شديدة سواد العين وقال زيد بن أسلم الحوراء التي يحار فيها الطرف وعين حسان الأعين وقال مجاهد الحوراء التي يحار فيها الطرف من رقة الجلد وصفاء اللون وقال الحسن الحوراء شديدة بياض العين شديدة سواد العين واختلف في اشتقاق هذه اللفظة فقال ابن عباس الحور في كلام العرب البيض وكذلك قال قتادة الحور البيض وقال مقاتل الحور البيض الوجوه وقال مجاهد الحور العين التي يحار فيهن الطرف باديا مخ سوقهن من وراء ثيابهن ويرى الناظر وجهه في كبد إحداهن كالمرآة من رقة الجلد وصفاء اللون وهذا من الإتفاق وليست اللفظة مشتقة من الحيرة وأصل الحور البياض والتحوير التبييض والصحيح أن الحور مأخوذ من الحور في العين وهو شدة بياضها مع قوة سوادها فهو يتضمن الأمرين وفي الصحاح الحور شدة بياض العين في شدة سوادها امرأة حوراء بينة الحور وقال أبو عمرو الحور أن تسود العين كلها مثل أعين الظباء والبقر وليس في بني آدم حور وإنما قيل للنساء حور العين لأنهن شبهن بالظباء والبقر وقال الأصمعي ما أدري ما الحور في العين قلت خالف أبو عمرو أهل اللغة في اشتقاق اللفظة ورد الحور إلى السواد والناس غيره إنما ردوه إلى البياض أو إلى بياض في سواد والحور في العين معنى يلتئم من حسن البياض والسواد وتناسبهما واكتساب كل واحد منهما الحسن من الآخر عين حوراء إذا اشتد بياض أبيضها وسواد أسودها ولا تسمى المرأة حوراء حتى يكون مع حور عينها بياض لون الجسد والعين جمع عيناء وهي العظيمة العين من النساء ورجل أعين إذا كان ضخم العين وامرأة عيناء

والجمعت والجمع عين والصحيح أن العين اللاتي جمعت أعينهن صفات الحسن والملاحة قال مقاتل العين حسان الاعين ومن محاسن المرأة اتساع عينها في طول و ضيق العين في المرأة من العيون و إنما يستحب الضيق منها في أربعة مواضع فيها وخرق أذنها وانفها وما هنالك ويستحب السعة منها في أربعة مواضع ووجهها وصدرها وكأهلها وهو ما بين كتفيها وجبهتها ويستحسن البياض منها في أربعة مواضع لونها وفرقها وثغرها وبياض عينها ويستحب السواد منها في أربعة مواضع عينها وحاجبها وهدبها وشعرها ويستحب الطول منها في أربعة قوامها وعنقها وشعرها وبنانها ويستحب القصر منها في أربعة وهي معنوية لسانها ويدها ورجلها وعينها فتكون قاصر الطرف قصيرة الرجل واللسان عن الخروج وكثرة الكلام قصيرة اليد عن تناول ما يكره الزوج وعن بذله وتستحب الرقة منها في أربعة خصرها وفرقها وحاجبها وانفها فصل
وقوله تعالى وزوجناهم بحور عين قال أبو عبيدة جعلناهم أزواجا كما يزوج النعل بالنعل جعلناهم اثنين اثنين وقال يونس قرناهم بهن وليس من عقد التزويج قال والعرب لا تقول تزوجت بها و إنما تقول تزوجتها قال بن نصر هذا والتنزيل يدل على ما قاله يونس وذلك قوله تعالى فلما قضى زيدا منها وطرا زوجناكها ولو كان على تزوجت بها لقال زوجناك بها وقال ابن سلام تميم تقول تزوجت امرأة وتزوجت بها وحكها الكسائي أيضا وقال الأزهري تقول العرب زوجته امرأة وتزوجت امرأة وليس من كلامهم تزوجت بامرأة وقوله تعالى وزوجناهم بحور عين أي قرناهم وقال الفراء هي لغة في ازدشنؤة قال الواحدي وقال أبي عبيدة في هذا احسن لانه جعله من التزويج الذي هو بمعنى جعل الشيء زوجا لا بمعنى عقد النكاح ومن هذا يجوز أن يقال كان فردا فزوجته بآخر كما يقال شفعته بآخر و إنما تمتنع الباء عند من يمنعها إذا كان بمعنى عقد التزويج قلت ولا يمتنع أن يراد الأمران معا فلفظ التزويج يدل على النكاح كما قال مجاهد أنكحناهم الحور ولفظ الباء تدل على الاقتران والضم وهذا ابلغ من حذفها والله اعلم وقال تعالى فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن انس قبلهم ولا جان فبأي آلاء ربكما تكذبان كأنهن الياقوت والمرجان وصفهن سبحانه بقصر الطرف في ثلاثة مواضع

أحدها هذا والثاني قوله تعالى في الصافات وعندهم قاصرات الطرف عين والثالث قوله تعالى في ص وعندهم قاصرات الطرف أتراب والمفسرون كلهم على أن المعنى قصرن طرفهن على أزواجهن فلا يطمحن إلى غيرهم وقيل قصرن طرف أزواجهن كلهن فلا يدعهم حسنهن وجمالهن أن ينظروا إلى غيرهن وهذا صحيح من جهة المعنى واما من جهةاللفظ فقاصرات صفة مضافة إلى الفاعل لحسان الوجوه واصله قاصر طرفهن أي لبس بطامح متعد قال آدم حدثنا ورقاء عن أبي نجيح عن مجاهد في قوله قاصرات الطرف قال يقول قاصرات الطرف على أزواجهن فلا يبغين غير أزواجهن قال آدم وحدثنا المبارك بن فضلة عن الحسن قال قصرن طرفهن على أزواجهن فلا يردن غيرهم والله ما هن متبرجات ولا متطلعات وقال منصور عن مجاهد قصرن أبصارهن وقلوبهن و أنفسهن على أزواجهن فلا يردن غيرهم وفي تفسير سعيد عن قتادة قال وقصرن أطرافهن على أزواجهن فلا يردن غيرهم و أما الأتراب فجمع ترب وهو لذة الإنسان قال أبو عبيدة و أبو إسحاق أقران أسنانهن واحدة قال ابن عباس وسائر المفسرين مستويات على سن واحد وميلاد واحد وبنات ثلاث وثلاثين سنة وقال مجاهد أتراب أمثال قال إسحاق هن في غاية الشباب والحسن وسمي سن الإنسان وقرنه تربه لانه مس تراب الأرض معه في وقت واحد والمعنى من الأخبار باستواء أسنانهن أنهن ليس فيهن عجائز قد فات حسنهن ولا ولائد لا يقطن الوطء بخلاف الذكور فان فيهم الولدان وهم الخدم وقد اختلف في مفسر الضمير في قوله فيهن فقالت طائفة مفسره الجنتان وما حوتاه من القصور والغرف والخيام وقالت طائفة مفسره الفرش المذكورة في قوله متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وفي بمعنى على وقوله تعالى لم يطمثهن انس قبلهن ولا جان قال أبو عبيدة لم يمسهن يقال ما طمث هذا البعير حبل قط أي ما مسه وقال يونس تقول العرب هذا جمل ما طمثه حبل قط أي ما مسه وقال الفراء الطمث الافتضاض وهو النكاح بالتدمية والطمث هو الدم وفيه لغتان طمث يطمث ويطمث قال الليث طمثت الجارية إذا افتر عتها والطامث في لغتهم هي الحائض قال أبو الهيثم يقال للمرأة طمثت تطمث إذا أدميت بالافتضاض وطمثت على فعلت تطمث إذا حاضت أول ما تحيض فهي طامث وقال في قول الفرزدق

خرجن إلى لم يطمثن قبلي ... وهن اصح من بيض النعام
أي لم يمسسن قال المفسرون لم يطأهنولم يغشهن يجاملهم ولم يغشين ولم يجامعن هذه ألفاظهم وهم مختلفون في هؤلاء فبعضهم يقول هن اللواتي أنشئن في الجنة من حورها وبعضهم يقول يعني نساء الدنيا أنشئن خلقا آخر ابكارا كما وصفن قال الشعبي نساء من نساء الدنيا لم يمسسن منذ انشئن خلقا وقال مقاتل لأنهن خلقن في الجنة وقال عطاء عن ابن عباس هن الآدميات اللاتي متن أبكارا وقال الكلبي لم يجامعهن في هذا الخلق الذي أنشئن فيه انس ولا جان قلت ظاهر القران أن هؤلاء النسوة لسن من نساء الدنيا وانما هن من الحور حور العين و أما نساء الدنيا فقد طمثهن الإنس ونساء الجن قد طمثهن الجن والاية تدل على ذلك قال أبو إسحاق وفي الآية دليل على أن الجن يغشي كما أن الأنس يغشى ويدل على أنهن الحور اللاتي خلقن في الجنة انه سبحانه جعلهن مما أعده الله في الجنة لأهلها من الفاكهة والثمار و الأنهار والملابس وغيرها ويدل عليه أيضا الآية التي بعدها وهي قوله تعالى حور مقصورات في الخيام ثم قال لم يطمثن انس قبلهم ولا جان قال الإمام احمد والحور العين لا يمتن عند النفخة للصور لأنهن خلقن للبقاء وفي الآية دليل لما ذهب إليه الجمهور أن مؤمن الجن في الجنة كما أن كافرهم في النار وبوب عليه البخاري في صحيحه فقال باب ثواب الجن وعقابهم ونص عليه غير واحد من السلف قال ضمرة بن حبيب وقد سئل هل للجن ثواب فقال نعم وقرا هذه الآية ثم قال الإنسيات للإنس والجنيات للجن وقال مجاهد في هذه الآية إذا جامع الرجل ولم يسم انطوى الجان على احليله فجامع معه والضمير في قوله قبلهم للمعنيين بقوله متكئين وهم أزواج هؤلاء النسوة وقوله كأنهم الياقوت والمرجان قال الحسن وعامة المفسرين أراد صفاء الياقوت في بياض المرجان شبههن في صفاء اللون وبياضه وبالياقوت والمرجان ويدل عليه ما قاله عبد الله ان المرأة من النساء أهل الجنة لتلبس عليها سبعين حلة من حرير فيرى بياض ساقيها من ورائهن ذلك بان الله يقول كأنهن الياقوت والمرجان إلا وان الياقوت حجر لو جعلت فيه سلكا ثم استصفيته نظرت إلى السلك من وراء الحجر فصل
وقال تعالى في وصفهن حور مقصورات في الخيام المقصورات المحبوسات

قال أبو عبيدة خدرن في الخيام وكذلك قال مقاتل وفيه معنى آخر وهو ان يكون المراد أنهن محبوسات على أزواجهن لا يرون غيرهم وهم في الخيام وهذا معنى قول من قال قصرن على أزواجهن فلا يردن غيرهم ولا يطمحن إلى من سواهم وذكره الفراء قلت وهذا معنى قاصرات الطرف ولكن أولئك قاصرات بأنفسهن وهؤلاء مقصورات وقوله في الخيام على هذا القول صفة لحور أي هن في الخيام وليس معمولا لمقصورات وكأن ارباب هذا القول فسروا بان يكن محبوسات في الخيام وليس لا تفارقنها إلى الغرف والبساتين و أصحاب القول الأول يجيبون عن هذا بان الله سبحانه وصفهن بصفات النساء المخدرات المصونات وذلك اجمل في الوصف ولا يلزم من ذلك أنهن لا يفارقن الخيام إلى الغرف والبساتين كما أن النساء الملوك ودونهم من النساء المخدرات المصونات لا يمنعن ان يخرجن في سفر و غيره إلى منتزه وبستان ونحوه فوصفهن اللازم لهن القصر في البيت ويعرض لهن مع الخدم الخروج إلى البساتين ونحوها و أما مجاهد فقال مقصورات قلوبهن على أزواجهن في خيام اللؤلؤ وقد تقدم وصف النسوة الأول بكونهن قاصرات الطرف وهؤلاء بكونهن مقصورات والوصفان لكلا النوعين فانهما صفتا كمال فتلك الصفة قصر الطرف عن طموحه إلى غير الأزواج وهذه الصفة قصر الرجل على التبرج والبروز والظهور للرجال فصل
وقال تعالى فيهن خيرات حسان فالخيرات جمع خيرة وهي مخففة من خيره كسيدة ولينة وحسان جمع حسنة فهن خيرات الصفات والاخلاق والشيم وحسان الوجوه قال وكيع حدثنا سفيان عن جابر عن القاسم عن ابي بزة عن ابي عبيدة عن مسروق عن عبد الله قال لكل مسلم خيرة ولكل خيرة خيمة ولكل خيمة اربعة ابواب يدخل عليها في كل يوم من كل باب تحفة وهدية وكرامة لم تكن قبل ذلك لا ترحات ولا ذفرات ولا بخرات ولا صماحات فصل
وقال تعالى انا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا وأترابا لاصحاب اليمين أعاد الضمير إلى النساء ولم يجر لهن ذكر لان الفرش دلت عليهن اذ هي محلهن

155 - وقيل الفرش في قوله وفرش مرفوعة كناية عن النساء كما يكنى عنهن بالقوارير و الأزر وغيرها ولكن قوله مرفوعة يأبى هذا إلا أن يقال المراد رفعة القدر وقد تقدم تفسير النبي للفرش وارتفاعها فالصواب أنها الفرش نفسها ودلت على النساء لأنها محلهن غالبا قال قتادة وسعيد بن جبير خلقناهن خلقا جديدا وقال ابن عباس يريد نساء الآدميات وقال الكلبي ومقاتل يعني نساء أهل الدنيا العجز الشمط يقول تعالى خلقناهن بعد الكبر والهرم وبعد الخلق الأول في الدنيا ويؤيد هذا التفسير حديث انس المرفوع هن عجائزكم العمش الرمض رواه الثوري عن موسى بن عبيدة عن يزيد الرقاشي عنه ويؤيده ما رواه يحيى الحماني حدثنا ابن إدريس عن ليث عن مجاهد عن عائشة أن رسول دخل عليها وعندها عجوز فقال من هذه فقالت إحدى خالاتي قال إما انه لا يدخل الجنة العجوز فدخل على العجوز من ذلك ما شاء الله فقال النبي صلى الله عليه و سلم انا أنشأناهن إنشاء خلقا آخر يحشرون يوم القيامة حفاة عراة غرلا واول من يكسى ابراهيم خليل الله ثم قرا النبي صلى الله عليه و سلم انا انشاناهن انشاء قال ادم بن ابي اياس حدثنا شيبان عن الزهري عن جابر الجعفي عن يزيد بن مرة عن سلمة بن يزيد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول في قوله انا أنشأناهن إنشاء قال يعني الثيب والأبكار اللاتي كن في الدنيا قال ادم وحدثنا المبارك بن فضالة عن الحسن قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يدخل الجنة العجز فبكت عجوز فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اخبروها انها يومئذ ليست بعجوز انها يومئذ شابة ان الله عز و جل يقول انا أنشأناهن إنشاء وقال ابن ابي شيبة حدثنا احمد بن طارق حدثنا مسعدة بن اليسع حدثنا سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن سعيد ابن المسيب عن عائشة أن النبي صلى الله عليه و سلم أتته عجوز من الأنصار فقالت يا رسول الله ادع الله تعالى أن يدخلني الجنة فقال نبي الله صلى الله عليه و سلم إن الجنة لا يدخلها عجوز فذهب نبي الله صلى الله عليه و سلم فصلى ثم رجع إلى عائشة فقالت عائشة لقد لقيت من كلمتك مشقة وشدة فقال صلى الله عليه و سلم أن ذلك كذلك إن الله تعالى إذا أدخلهن الجنة حولهن أبكارا وذكر مقاتل قولا آخر وهو اختيار الزجاج إنهن الحور العين التي ذكرهن قيل انشأهن الله عز

156 - وجل لأوليائهم لهم يقع عليهن ولادة والظاهر أن المراد أنشأهن الله تعالى في الجنة إنشاء ويدل عليه وجوه أحدها انه قد قال في حق السابقين يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب إلى قوله كأمثال اللؤلؤ المكنون فذكر سردهم و آنيتهم وشرابهم وفاكهتهم وطعامهم و أزواجهم والحور العين ثم ذكر أصحاب الميمنة وطعامهم وشرابهم وفراشهم ونساءهم والظاهر انهن مثل نساء من قبلهم خلقن في الجنة الثاني أنه سبحانه قال أنشأناهن إنشاء وهذا ظاهر انه إنشاء أول لا ثان لانه سبحانه حيث يريد الإنشاء الثاني يقيده بذلك كقوله وان عليه النشأة الأخرى وقوله ولقد علمتم النشأة الأولى الثالث إن الخطاب بقوله وكنتم أزواجا إلى آخر للذكور و الإناث و النشأة الثانية أيضا عامة للنوعين وقوله انا أنشأناهن إنشاء ظاهره اختصاصهن بهذا الإنشاء و تأمل تأكيده بالمصدر والحديث لا يدل على اختصاص العجائز المذكورات بهذا الوصف بل يدل على مشاركتهن للحور العين في هذه الصفات المذكورة فلا يتوهم انفراد الحور العين عنهن بما ذكر من الصفات بل هي احق به منهن فالانشاء واقع على الصنفين والله اعلم وقوله عربا جمع عروب وهن المتحببات إلى ازواجهن قال ابن الاعرابي العروب من النساء المطيعة لزوجها المتحببة اليه وقال ابو عبيدة العروب الحسنة التبعل قلت يريد حسن مواقعها وملاطفتها لزوجها عند الجماع وقال المبرد هي العاشقة لزوجها وانشد للبيد
وفي الحدوج عروب غير فاحشة ... ريا الروادف يعشي دونها البصر
وذكر لمفسرون في تفسير العرب انهن العواشق المتحببات الغنجات الشكلات المتعشقات الغلمات المغنوجات كل ذلك من الفاظهم وقال البخاري في صحيحه عربا مثقلة واحدها عروب مثل صبور وصبر وتسميها أهل مكة العربة وأهل المدينة الغنجة وأهل العراق الشكلة والعرب والمتحببات إلى ازواجهن هكذا ذكره في كتاب بدء الخلق وقال في كتاب التفسير في سورة الواقعة عربا مثقلة واحدها عروب مثل صبور وصبر تسميها أهل مكة العربة و أهل المدينة الغنجة وأهل العراق الشكلة قلت فجمع سبحانه بين حسن صورتها وحسن عشرتها وهذا غاية ما يطلب من النساء وبه تكمل لذة الرجل بهن وفي قوله لم يطمثهن انس قبلهم ولا جان إعلام بكمال اللذة بهن فان لذة الرجل بالمرأة التي لم يطاها سواه

157 - لها فضل على لذته بغيرها وكذلك هي أيضا فصل
قال تعالى إن للمتقين مفازا حدائق و اعنابا وكواعب اترابا فالكواعب جمع كاعب وهي الناهد قال قتادة ومجاهد والمفسرون قال الكلبي هن الفلكات اللواتي تكعب ثديهن و تفلكت واصل اللفظة من الاستدارة والمراد أن ثديهن نواهد كالرمان ليست متدلية إلى اسفل ويسمين نواهد وكواعب فصل
روى البخاري في صحيحه عن انس بن مالك ان الرسول الله صلى الله عليه و سلم قال لغدوة في سبيل الله او روحة خير من الدنيا و ما فيها و لقاب قوس احدكم او موضع قيده يعني سوطه من الجنة خير من الدنيا و ما فيها و لو اطلعت امراة من نساء أهل الجنة إلى الأرض لملأت ما بينهما ريحا و لأضاءت ما بينهما و لنصيفها على راسها خير من الدنيا و ما فيها و في الصحيحين من حديث ابي هريرة عن النبي إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر و التي تليها على اضوا كوكب دري في السماء و لكل امرء منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم و ما في الجنة أعزب و قال الإمام احمد حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة حدثنا يونس عن محمد بن شيرين عن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي للرجل من أهل الجنة زوجتان من الجور العين لكل واحدة سبعون حلة يرى مخ ساقها من وراء الثياب و قال الطبراني حدثنا بكر بن سهل الدمياطي حدثنا عمرو بن هشام البيروني حدثنا سليمان بن ابي كريمة عن هشام بن حسان عن الحسن عن ابيه عن ام سلمة قالت قلت يا رسول الله اخبرني عن قوله عز و جل حور عين قال حور بيض عين ضخام العيون شقر الحوراء بمنزلة جناح النسر قلت اخبرني عن قوله عز و جل كأنهم لؤلؤ مكنون قال صفاؤهن صفاء الدر الذي في الاصداف الذي لم تمسه الأيدي قلت يا رسول الله اخبرني عن قوله عز و جل فيهن خيرات حسان قال خيرات الاخلاق حسان الوجوه قلت يا رسول الله اخبرني عن قوله عز و جل كانهن بيض مكنون قال رقتهن كرقة الجلد الذي رايته في داخل البيضة مما يلي القشر وهو الغرقىء قلت يا رسول الله اخبرني عن قوله عز و جل عربا اترابا قال هن اللواتي قبضن في دار الدنيا عجائز رمضا شمطا خلقهن الله بعد الكبر فجعلهن عذارى عربا متعشقات

متحببات أترابا على ميلاد واحد قلت يا رسول الله نساء الدنيا افضل ام الحور العين قال بل نساء الدنيا افضل من الحور كفضل الظهارة على البطانة قلت يا رسول الله وبم ذلك قال بصلاتهن و صيامهن و عبادتهن الله تعالى البس الله وجوههن النور و أجسادهن الحرير بيض الأولان خضر الثياب صفر الحلي مجامرهن الدر و أمشاطهن الذهب يقلن نحن الخالدات فلا نموت و نحن الناعمات فلا نيأس أبدا و نحن المقيمات فلا نظعن أبدا ونحن الراضيات فلا نسخط أبدا طوبى لمن كنا له و كان لنا قلت يا رسول الله و المرأة منا تتزوج زوجين أو ثلاث أو أربع ثم تموت فتدخل الجنة و يدخلون معها من يكون زوجها قال يا ام سلمة أنها تخير فتختار أحسنهم خلقا فتقول أي رب ان هذا كان أحسنهم معي خلقا في دار الدنيا فزوجنيه يا أم سلمة ذهب حسن الخلق بخير الدنيا و الآخرة تفرد به سليمان بن أبي كريمة ضعفه أبو حاتم و قال ابن عدي عمت أحاديثه مناكير و لم أر للمتقدمين فيه كلاما ثم ساق هذا الحديث من طريقه و قال لا يعرف الا بهذا السند و قال أبو يعلى الموصلي حدثنا عمر بن الضحاك بن مخلد حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد حدثنا ابو رافع إسماعيل بن رافع عن محمد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي عن رجل من الأنصار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال حدثنا رسول الله و هو في طائفة من أصحابه فذكر حديث الصور و فيه فاقول يا رب وعدتني الشفاعة فشفعني في أهل الجنة يدخلون الجنة فيقول الله قد شفعتك و أذنت لهم في دخول الجنة وكان رسول الله يقول و الذي بعثني بالحق ما أنتم في الدنيا باعرف بازواجكم و مساكنكم من أهل الجنة بازواجهم و مساكنهم فيدخل رجل منهم على اثنتين و سبعين زوجة مما ينشئ الله واثنتين من ولد آدم لهما فضل على من انشا الله لعبادتهما الله عز و جل في الدنيا يدخل على الأولى منها في غرفة من ياقوت على سرير من ذهب مكلل باللؤلؤ عليه سبعون زوجا من سندس و استبرق و انه ليضع يده بين كتفيها ثم ينظر إلى يده من صدرها و من وراء ثيابها وجلدها ولحمها لينظر إلى مخ ساقها كما ينظر أحدكم إلى السلك في قصبة الياقوت كبده لها مرآة و كبدها له مرآة فبينما هو عندها لا يملها و لا تمله و لا يأتيها من مرة الا وجدها عذراء ما يفتر ذكره و لا يشتكي قلبها فبينما هو كذلك اذ نودي انا قد عرفنا أنك لا تمل و لا تمل الا انه لا منى و لا منية الا ان تكون له ازواج غيرها فتخرج

فتأتيهن واحدة واحدة كلما جاء واحدة قالت و الله ما في الجنة شيء احسن منك و ما في الجنة شيء احب الي منك هذا قطعة من حديث الصور و الذي تفرد به اسماعيل بن رافع وقد روي له الترمذي وابن ماجة وضعفه احمد و يحيى و جماعة و قال الدار قطني و غيره متروك الحديث و قال ابن عدي عامة احاديثه فيها نظر و قال الترمذي ضعفه بعض أهل العلم و سمعت محمدا يعني البخاري يقول هو ثقة مقارب الحديث و قال لي شيخنا ابو الحجاج الحافظ هذا الحديث مجموع من عدة احاديث ساقه اسماعيل او غيره هذه السياقة و شرحه الوليد بن مسلم في كتاب مفرد و ما تضمنه معروف في الاحاديث و الله اعلم و قال عبد الله بن وهب حدثنا عمرو ان دراجا حدثه عن ابي الهيثم عن ابي سعيد عن رسول الله قال ان ادنى أهل الجنة منزلة الذي له ثمانون الف خادم و اثنتان و سبعون زوجة و ينصب له قبة من لؤلؤ و زبرجد وياقوت كما بين الجابية و صنعاء رواه الترمذي و لكن دراج ابو السمح بالطريق قال احمد احاديث مناكير وقال النسائي منكر الحديث ضعيف و قال أيضا ليس بالقوة وساق له ابن عدي احاديث وقال عامتها لا يتابع عليها و قال الدار قطني ضعيف و قال مرة متروك و اما يحيى بن معين فقد وثقه و اخرج عنه ابو حاتم بن حبان في صحيحه و قال عثمان بن سعيد الدارمي عن علي بن مدني هو ثقة و قال ابن وهب اخبرني عمرو بن الحارث عن ابي السمح عن ابي الهيثم عن ابو سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي في قوله تعالى كأنهن الياقوت و المرجان قال ينظر إلى وجهه في خدها اصفى من المرآة وإن ادنى لؤلؤة عليها لتضيء ما بين المشرق و المغرب و انه ليكون عليها سبعون ثوبا ينفذها بصره حتى يرى مخ ساقها من وراء ذلك و قال الفريابي انبأنا ابو ايوب سليمان بن عبد الرحمن حدثنا خالد بن يزيد بن ابي مالك عن ابيه عن خالد بن معدان عن ابي امامة عن رسول الله قال ما من عبد يدخل الجنة الا و يزوج اثنتين وسبعون زوجة ثنتان من الحور العين و سبعون من أهل ميراثه من أهل الدنيا ليس منهن امراة الا و لها قبل شهي و له ذكر لا ينثني قلت خالد هذا هو ابن يزيد بن عبد الرحمن الدمشقي و هاه ابن معين و قال احمد ليس بشيء و قال النسائي غير ثقة و قال الدار قطني ضعيف و ذكر ابن عدي له هذا الحديث مما انكره عليه وقال ابو نعيم حدثنا ابراهيم بن عبد الله حدثنا محمد بن حموية

حدثنا احمد بن حفص حدثني ابي حدثني ابراهيم بن طهمان عن الحجاج عن قتادة عن انس قال قال رسول الله للمؤمن في الجنة ثلاث و سبعون زوجة قلنا يا رسول الله او له قوة على ذلك قال انه ليعطى قوة مائة رجل قال احمد بن حفص هذا هو السعدى و له مناكير و الحجاج هو ابن ارطاة وقال الطبراني حدثنا احمد بن علي الابار حدثنا ابو همام الوليد بن شجاع وانبانا محمد بن احمد بن هشام بن حسان السنجري ببغداد حدثنا عبد الله بن عمرو بن ابان قالا حدثنا حسين بن علي الجعفي عن زائدة عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قيل يا رسول الله هل نصل إلى نسائنا في الجنة فقال ان الرجل ليصل في اليوم إلى مائة عذراء قال الطبراني لم يروه عن هشام إلا زائدة تفرد به الجعفي قال محمد بن عبد الواحد المقدسي و رجال هذا الحديث عندي على شرط الصحيح و قال ابو الشيخ حدثنا ابو يحيى بن مسلم الرازي حدثنا هناد بن السرى حدثنا ابو اسامة عن هشام بن حسان عن يزيد بن ابي الحواري و هو زيد العمى عن ابن عباس قال قيل يا رسول الله انفضي إلى نسائنا في الجنة كما نفضي اليهن في الدنيا قال و الذي نفس محمد بيده ان الرجل ليفضي في الغداة الواحدة إلى مائة عذراء و زيد هذا قال فيه ابن معين صالح و قال مرة لا شيء و قال مرة ضعيف يكتب حديثه و كذلك قال ابو حاتنم و قال الدارقطني صالح و ضعفه النسائي قال السعدي متماسك قلت وحسبه رواية شعبة عنه فصل
و الاحاديث الصحيحة انما فيها ان لكل منهم زوجتين و ليس في الصحيح زيادة على ذلك فإن كانت هذه الاحاديث محفوظة فإما ان يراد بها ما لكل واحد من السراري زيادة على الزوجتين و يكونون في ذلك على حسب منازلهم في القلة والكثرة كالخدم و الولدان و اما ان يراد انه يعطي قوة من يجامع هذا العدد و يكون هذا هو المحفوظ فرواه بعض هؤلاء بالمعنى فقال له كذا وكذا زوجة وقد روى الترمذي في جامعه من حديث قتادة عن انس عن النبي قال يعطى المؤمن في الجنة قوة كذا و كذا من الجماع قيل يا رسول الله او يطيق ذلك قال يعطى قوة مائة هذا حديث صحيح فلعل من رواه يفضي إلى مائة عذراء رواه بالمعنى او يكون تفاوتهم في عدد النساء بحسب تفاوتهم في الدرجات و الله اعلم و لا ريب ان للمؤمن في الجنة اكثر من اثنتين لما في

الصحيحين من حديث ابي عمران الجوني عن ابي بكر عن عبد الله بن قيس عن ابيه قال قال رسول الله ان للعبد المؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤ مجوفة طولها ستون ميلا للعبد المؤمن فيها أهلون فيطوف عليهم لا يرى بعضهم بعضا

الباب الرابع و الخمسون
في ذكر المادة التي خلق منها الحور العين و ما ذكر فيها من الاثار و ذكر صفاتهم و معرفتهن اليوم بازواجهن
فاما المادة التي خلق منها الحور العين فقد روى البيهقي من حديث الحارث بن خليفة حدثنا شعبة حدثنا اسماعيل بن علية عن عبد العزيز بن صهيب عن انس بن مالك عن النبي انه قال الحور العين خلقن من الزعفران قال البيهقي و هذا منكر بهذا الاسناد لا يصح عن ابن علية قلت و لكنه حديث فيه شعبة و قال الطبراني حدثنا احمد بن رشدين حدثنا عن ابن الحسن بن هارون الانصاري حدثني الليث بن ابنة الليث عن ابي سليم قال حدثتني عائشة بنت يونس امراة الليث بن ابي سليم عن ليث بن ابي سليم عن مجاهد عن ابي امامة عن النبي قال خلق الحور العين من الزعفران قال الطبراني لا يروى الا بهذا الاسناد تفرد به علي بن الحسن بن هارون قلت و قد رواه اسحق بن راهويه عن عائشة بنت يونس قالت سمعت زوجي ليث بن سليم يحدث عن مجاهد فذكره مرفوعا اليه و هو اشبه بالصواب ورواه عقبة بن مكرم عن عبد الله بن زياد عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس قوله و لا يصح رفع الحديث و حسبه ان يصل إلى ابن عباس و قال ابو سلمى عن ابن عبد الرحمن ان لولي الله في الجنة عروسا لم يلدها ادم و لا حواء و لكن خلقت من زعفران وهذا مروي عن صاحبين و هما ابن عباس و انس و عن تابعيين و هما ابو سلمى ومجاهد وبكل حال فهي من المنشات في الجنة ليست مولودات بين الاباء والامهات والله اعلم وقد رواه الطبراني من حديث عبد الله بن زخر عن علي بن زيد عن الهيثم عن ابي امامة عن النبي و هذا الاسناد لا يحتج به و رواه أبو نعيم حدثنا علي بن محمد الطوسي حدثنا علي بن سعيد حدثنا محمد بن اسماعيل الحساني حدثنا منصور بن المهاجر حدثنا ابو منصور الابار عن انس يرفعه لو ان حوراء بصقت في سبعة ابحر لعذبت البحار من عذوبة فمها و خلق الحور العين من

الزعفران واذا كانت هذه الخلقة الادمية التي هي من احسن الصور وأجملها مادتها من تراب وجاءت الصور من احسن الصور فما الظن بصورة مخلوقة من مادة الزعفران الذي هناك فالله المستعان وقد روى ابو نعيم من حديث عيسى بن يوسف بن الطباع حدثنا حلس بن محمد الكلابي حدثنا سفيان الثوري حدثنا مغيرة حدثنا إبراهيم النخعي عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله يسطع نور في الجنة فرفعوا رؤوسهم فاذا هو من ثغر حوراء ضحكت في وجه زوجها روى نعمة بن الوليد حدثنا مجبر بن سعيد عن خالد بن معدان عن كثير بن مرة قال ان من المزيد من تمر السحابة بأهل الجنة فتقول ماذا تريدون ان انطركم فلا يتمنون شيئا الا انطروا قال يقول كثير لئن أشهدني الله ذلك لأقولن انطرينا جواري مزينات و قد روى في مادة خلقهن صفة اخرى قال ابن ابي الدنيا حدثنا خالد بن سعيد عن خداش حدثنا عبد الله بن وهب حدثنا سعيد بن ايوب عن عقيل بن خالد عن الزهري ان ابن عباس قال ان في الجنة نهرا يقال له البيدخ عليه قباب من ياقوت تحته حور ناشئات يقول أهل الجنة انطلقوا بنا إلى البيدخ فيجيئون فيتصفحون تلك الحواري فاذا اعجب رجل منهم جارية مس معصمها فتتبعه و قال الليث بن سعد عن يزيد بن ابي حبيب عن الوليد بن عبدة قال قال رسول الله لجبريل يا جبريل قف بي على الحور العين فاوقفه عليهن فقال من انتن فقلنا نحن حواري قوم كرام حلوا فلم يظعنوا شبوا فلم يهرموا ونقوا فلم يدرنوا وقال ابن المبارك انبأنا يحيى عن ايوب عن عبد الله بن زخر عن خالد بن عمران عن ابن عباس قال كنا جلوسا مع كعب يوما فقال لو ان يدا من الحور دليت من السماء لاضاءت لنا الأرض كما تضيء الشمس لأهل الدنيا ثم قال انما قلت يدها فكيف بالوجه و بياضه و حسنه و جماله و في مسند الامام احمد من حديث كثير بن مرة عن معاذ بن جبل عن النبي قال لا تؤذي امراة زوجها في الدنيا الا قالت زوجته من الحور العين لا تؤذيه قاتلك الله فإنما هو عندك دخيل يوشك ان يفارقك الينا وفيه مراسيل عكرمة عن النبي قال ان الحور العين لاكثر عددا من كن يدعون لازواجهن يقلن اللهم اعنه على دينك واقبل بقلبه على طاعتك و بلغه بعزتك يا ارحم الراحمين ذكره ابن ابي الدنيا عن حديث اسامة بن زيد عن عطاء عنه

وذكر الاوزاعي عن حسان بن عطية عن ابن مسعود قال ان في الجنة حوراء يقال لها اللعبة كل حور الجنان يعجبن بها يضربن بايديهن على كتفها و يقلن طوبى لك يا لعبة لو يعلم الطالبون لك لجدوا بين عينيها مكتوب من كان يبتغي ان يكون له مثلي فليعمل برضاء ربي وقال عطاء السلمي لمالك بن دينار يا ابا يحيى شوقنا قال عطاء ان في الجنة حوراء يتباهى أهل الجنة بحسنها لولا ان الله تعالى كتب لها على أهل الجنة ان لا يموتوا لماتوا من حسنها فلم يزل عطاء كمدا من قول مالك و قال احمد بن ابي الحواري حدثني جعفر بن محمد قال لقي حكيم حكيما فقال اتشتاق إلى الحور العين فقال لا فقال فاشتق اليهن فان نور وجههن من نور الله عز و جل فغشي عليه فحمل إلى منزله نعوده شهرا و قال ربيعة بن كلثوم نظر الينا الحسن و نحن حوله شباب فقال يا معشر الشباب اما تشتاقون إلى الحور العين و قال لي ابن ابي الحوارى حدثني الحضرمي قال نمت انا و ابو حمزة على سطح فجعلت انظر اليه يتقلب على فرشه إلى الصباح فقلت يا ابا حمزة ما رقدت الليلة فقال اني لما اضطجعت تمثلت لي حوراء حتى لكانني احسست بجلدها و قد مس جلدي فحدثت به ابا سليمان فقال هذا رجل كان مشتاقا و قال ابن ابي الحوارى سمعت ابا سليمان يقول ينشا خلق الحور العين انشاء فاذا تكامل خلقهن ضرب عليهن الملائكة الخيام و ذكر ابن ابي الدنيا عن صالح المري عن زيد الرقاشي قال بلغني ان نورا سطع في الجنة موضع من الجنة الا دخل من ذلك النور فيه فقيل ما هذا قال حوراء ضحكت في وجه زوجها قال صالح فشهق رجل من ناحية المجلس فلم يزل يشهق حتى مات و قال ابن ابي الدنيا حدثنا بشر بن الوليد حدثنا سعيد بن رزبي عن عبد الملك الجوني عن سعيد بن جبير قال سمعت ابن عباس يقول لو ان حوراء اخرجت كفها بين السماء والأرض لافتتن الخلائق بحسنها و لو اخرجت نصيفها لكانت الشمس عند حسنها مثل الفتيله في الشمس لا ضوء لها ولو اخرجت وجهها لأضاء حسنها ما بين السماء و الأرض و قال ابن ابي الدنيا حدثني الحسين ابن يحيى و كثير العنبري و حدثنا خزيمة ابو محمد عن سفيان الثوري قال سطع نور في الجنة لم يبق موضع من الجنة الا دخل فيه من ذلك النور فنظروا فوجدوا ذلك من حوراء ضحكت في وجه زوجها و رواه الخطيب في تاريخه من حديث عبد الله بن محمد الكرخي قال حدثني عيسى بن يوسف الطباع

حدثني حلس بن محمد عن سفيان الثوري عن مغيرة عن ابراهيم عن علقمة عن عبد الله عن النبي قال سطع نور في الجنة فرفعوا ابصارهم فاذا هو ثغر حوراء ضحكت في وجه زوجها و قال الاوزاعي عن يحيى بن ابي كثير اذا سبحت المراة من الحور العين لم يبق شجرة في الجنة الا وردت وقال ابن المبارك حدثنا الاوزاعي عن يحيى بن ابي كثير ان الحور العين يتلقين ازواجهن عند ابواب الجنة فيقلن طال ما انتظرناكم فنحن الراضيات فلا نسخط و المقيمات فلا نظعن و الخالدات فلا نموت باحسن اصوات سمعت و تقول انت حبي و انا حبك ليس دونك تقصير و لا وراءك معدل الباب الخامس الخمسون
في ذكر نكاح أهل الجنة ووطئهم والتذاذهم بذلك اكمل لذة و نزاهة ذلك عن المذي و المني و الضعف و انه لا يوجب غسلا
قد تقدم حديث ابي هريرة قيل يا رسول الله انفضى إلى نسائنا في الجنة فقال ان الرجل ليصل في اليوم إلى مائة عذراء و ان اسناده صحيح و تقدم حديث ابي موسى المتفق عليه صحته ان للمؤمن في الجنة خيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلا له فيها أهلون يطوف عليهم وحديث انس يعطى المؤمن في الجنة قوة كذا و كذا من النساء و صححه الترمذي وروى الطبراني وعبد الله بن احمد و غيرهما من حديث لقيط بن عامر انه قال يا رسول الله على ما يطلع من الجنة قال على انهار من عسل مصفى وأنهار من كأس ما بها صداع ولا ندامة وانهار من لبن لم يتغير طعمه و ماء غير اسن و فاكهة لعمر الهك مما تعلمون و خير من مثله و ازواج مطهرة قلت يا رسول الله او لنا فيها ازواج مصلحات قال الصالحات للصالحين تلذذوا بهن لذاتكم في الدنيا و تلذذكم غير ان لا توالد و قال ابن وهب اخبرني عمرو بن الحارث عن دراج عن ابي حجيرة عن ابي هريرة عن رسول الله انه قال يا رسول الله انطا في الجنة قال نعم و الذي نفسي بيده دحما دحما فاذا قام عنها رجعت مطهرة بكرا و قال الطبراني حدثنا ابراهيم بن جابر الفقيه حدثنا محمد بن عبد الملك الدقيقي الواسطي حدثنا يعلى بن عبد الرحمن الواسطي حدثنا شريك عن عاصم الاحول عن ابي المتوكل عن ابي سعيد الخدري قال قال رسول الله ان أهل الجنة اذا جامعوا نساءهم عدن ابكارا قال الطبراني لم

يروه عن عاصم الا شريك تفرد به عن يعلى قال الطبراني وحدثنا عبدان بن احمد حدثنا محمد بن عبد الرحيم البرقي حدثنا عمرو بن ابي سلمة حدثنا صدقة عن هاشم بن زيد عن سليم بن ابي يحيى انه سمع ابا امامة يحدث انه سمع رسول الله و سئل هل يتناكح اهل الجنة قال بذكر لا يمل و شهوة لا تنقطع دخما دخما قال الطبراني و حدثنا احمد بن يحيى الحلواني حدثنا سويد بن سعيد حدثنا خالد بن يزيد بن ابي مالك عن ابيه عن خالد بن معدان عن ابي امامة ان رسول الله سئل ايجامع أهل الجنة قال دحا دحا و لكن لا مني و لا منية و هاشم و خالد و ان تكلم فيهما فليس الاعتماد عليهما و قوله لا منى و لا منية أي لا انزال و لا موت و قال ابو نعيم حدثنا ابو على محمد بن احمد حدثنا بشر بن موسى حدثنا ابو عبد الرحمن المقريء حدثنا عبد الحمن بن زياد حدثنا عمارة بن راشد عن ابي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله انه سئل هل يمس أهل الجنة ازواجهم قال نعم و الذي بعثني بالحق بذكر لا يمل و فرج لا يحفى و شهوة لا تنقطع و قال الحسن بن سفيان في مسنده حدثنا هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد حدثنا عثمان بن ابي العاتكة عن علي بن زيد عن القاسم عن ابي امامة قال سئل رسول الله هل ينكح أهل الجنة قال أي و الذي بعثني بالحق دحما دحما و اشار بيده و لكن لا مني و لا منية و قال سعيد بن منصور حدثنا سفيان عن عمرو عن عكرمة في قوله تعالى ان اصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون قال في افتضاض الابكار و قال عبد الله بن احمد حدثنا ابو الربيع الزهراني و محمد بن حميد قالا حدثنا يعقوب ابن عبد الله حدثنا حفص بن حميد عن بشر بن عطية عن شفيق بن سلمة عن عبد الله بن مسعود في قوله ان اصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون قال شغلهم افتضاض العذاري وقال الحاكم أنبانا الأصم أنبانا العباس بن الوليد أخبرني شعيب عن الأوزاعي في قوله تعالى ان اصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون قال شغلهم افتضاض الابكار قال مقاتل شغلوا بافتضاض العذارى عن أهل النار فلا يذكرونهم ولا يهتمون لهم و قال ابو الاحوص شغلوا بافتضاض الابكار عن السرر في الحجال و قال سليمان التيمي عن ابي مجلز قلت لابن عباس عن قول الله تعالى ان اصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون ما شغلهم قال افتضاض الابكار و قال ابن ابي الدنيا حدثنا فضيل بن عبد الواحد حدثنا يزيد بن زريع عن سليمان التيمي عن ابي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس في شغل فاكهون قال في افتضاض العذارى حدثنا اسحاق

ابن ابراهيم حدثنا يحيى بن يمان عن اشعث عن جعفر عن سعيد بن جبير ان شهوته لتجري في جسده سبعين عاما يجد اللذة و لا يلحقهم بذلك جنابة فيحتاجون إلى التطهير و لا ضعف و لا انحلال قوة بل وطئهم وطء التذاذ و نعيم لا افة فيه بوجه من الوجوه و اكمل الناس فيه اصونهم لنفسه في هذه 8الدار عن الحرام فكما ان من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الاخرة و من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الاخرة و من اكل في صحاف الذهب و الفضة في الدنيا لم ياكل فيها في الاخرة كما قال النبي انها لهم في الدنيا و لكم في الاخرة فمن استوفى طيباته و لذاته و اذهبها في هذه الدار حرمها هناك كما نعى سبحانه و تعالى على من اذهب طيباته في الدنيا واستمتع بها و لهذا كان الصحابة و من تبعهم يخافون من ذلك اشد الخوف و ذكر الامام احمد عن جابر بن عبد الله انه رآه عمر و معه لحم قد اشتراه لأهله بدرهم فقال ما هذا قال لحم اشتريته لأهلي بدرهم فقال او كلما اشتهى احدكم شيئا اشتراه اما سمعت الله تعالى يقول اذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا و استمتعتم بها و قال الامام احمد حدثنا عفان حدثنا جرير بن حازم قال حدثنا الحسن قال قدم وفد أهل البصرة مع ابي موسى على عمر فكنا ندخل عليه كل يوم و له خبز ثلاثة و ربما وافقناها مأدومة بالسمن وربما وافقناها مأدومة بالسمن وربما وافقناها مأدومة بالزيت وربما وافقناها مأدومة باللبن وربما وافقناها القلائد اليابسة قد دقت ثم اغلى بها و ربما وافقناها اللحم العريض و هو قليل فقال ذات يوم اني و الله قد ارى تقذيركم و كراهيتكم لطعامي اني و الله لو شئت لكنت من اطيبكم طعاما و ارقكم عيشا و لكني سمعت رسول الله يقول عير قوما بأمر فعلوه فقال اذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا و استمتعتم بها فمن ترك اللذة المحرمة لله استوفاها يوم القيامة اكمل ما تكون و من استوفاها هنا حرمها هناك او نقص كمالها فلا يجعل الله لذة من اوضع في معاصيه و محارمه كلذة من ترك شهوته لله ابدا و الله اعلم

الباب السادس و الخمسون
في ذكر اختلاف الناس هل في الجنة حمل و ولادة ام لا
قال الترمذي في جامعه حدثنا بندار حدثنا معاذ بن هشام قال حدثني ابي عن عامر الاحول عن ابي الصديق الناجي عن ابي سعيد الخدري قال قال رسول الله

المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة كان حمله و وضعه و سنه في ساعة كما يشتهي قال هذا حديث حسن غريب و قد اختلف أهل العلم في هذا فقال بعضهم في الجنة جماع و لا يكون ولد هكذا روى عن طاووس و مجاهد و إبراهيم النخعي و قال محمد يعني البخاري قال اسحاق بن إبراهيم في حديث النبي إذا اشتهى المؤمن الولد في الجنة كان في ساعة كما يشتهي و لكن لا يشتهي قال محمد و قد روى عن أبي ذر بن العقيلي عن النبي قال أن أهل الجنة لا يكون لهم فيها ولد و أبو الصديق الناجي اسمه بكر بن عمرو و يقال بكر بن قيس انتهى كلام الترمذي قلت إسناد حديث أبي سعيد على شرط الصحيح فرجاله محتج بهم فيه و لكنه غريب جدا و تأويل إسحاق فيه نظر فانه قال إذا اشتهى المؤمن الولد و إذا للمتحقق الوقوع و لو أريد ما ذكره من المعنى لقال لو اشتهى المؤمن الولد لكان حمله في ساعة فان ما لا يكون أحق بأداة لو كما أن المتحقق الوقوع أحق بأداة إذا و قد قال أبو نعيم حدثنا عبدان بن احمد حدثنا أحمد بن اسحاق حدثنا أبو احمد الزبيري حدثنا سفيان الثوري عن إبان عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري قال قيل يا رسول الله أيولد لأهل الجنة فإن الولد من تمام السرور فقال نعم و الذي نفسي بيده و ما هو الا كقدر ما يتمنى احدكم فيكون حمله و رضاعه و شبابه حدثنا ابو الحسن علي بن ابراهيم بن احمد الرازي بمكة حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن ادريس حدثنا سليمان بن داود القزاز حدثنا يحيى بن حفص الاسدي قال سمعت ابا عمرو بن العلاء يحدث عن جعفر بن ثور العبدي عن ابي الصديق الناجي عن ابي سعيد الخدري قال قال رسول الله ان الرجل من أهل الجنة ليولد له كما يشتهي فيكون حمله و فصاله و شبابه في ساعة واحدة و حديث معاذ بن هشام قال فيه بندار عامر الاحول و قال عمرو بن علي عاصم الاحول و قال الحاكم انبانا الاصم حدثنا محمد بن عيسى حدثنا سلام بن سليمان حدثنا سلام الطويل عن زيد العمى عن ابي الصديق الناجي عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه يرفعه ان الرجل من أهل الجنة ليشتهي الولد في الجنة فيكون حمله و فصاله و شبابه في ساعة واحدة قال البيهقي و هذا اسناد ضعيف بمرة و اما حديث ابي رزين الذي اشار اليه البخاري فهو حديثه الطويل و نحن نسوقه بطوله نجمل به كتابنا فعليه من الجلالة و المهابة و نور النبوة ما ينادى على صحته قال عبد الله

168 - ابن الامام احمد في مسند ابيه كتب إلى ابراهيم بن حمزة بن محمد بن حمزة عن مصعب بن زبير الزبيري كتبت اليك بهذا الحديث و قد عرضته و سمعته على ما كتبت به اليك فحدث به عني حدثنا عبد الرحمن بن المغيرة الخزامي حدثني عبد الرحمن بن عابس المسمعي الانصاري من بني عمرو بن عوف عن دلهم بن الاسود بن عبد الله بن حاجب بن عامر بن المنتفق العقيلي عن ابيه عن عمه لقيط بن عامر قال دلهم و حدثنيه ابو الاسود عن عاصم بن لقيط ان لقيطا خرج وافدا إلى رسول الله و معه صاحب له يقال له نهيك ابن عاصم بن مالك بن المنتفق قال لقيط فخرجت انا و صاحبي حتى قدمنا على رسول الله حين انصرف من صلاة الغداة فقام في الناس خطيبا فقال الا ايها الناس اني قد خبات لكم صوتي منذ اربعة ايام الا لاسمعنكم الا فهل من امرئ بعثه قومه فقالوا له اعلم لنا ما يقول رسول الله الا ثم لعله ان يلهيه حديث نفسه او حديث صاحبه او يلهيه الضلال الا اني مسئول الا هل بلغت الا اسمعوا تعيشوا الا اجلسوا الا اجلسوا قال فجلس الناس و قمت انا و صاحبي حتى اذا فرغ لنا فؤاده و بصره قلت يا رسول الله ما عندك من علم الغيب فضحك لعمر الله و هز رأسه و علم اني ابتغي سقطه فقال ضن ربك بمفاتيح خمس من الغيب لا يعلمهن الا الله و اشار بيده قلت و ما هي قال علم المنية قد علم متى منية احدكم و لا تعلمونه و علم ما في غد ما انت طاعم غدا و لا تعلمونه و علم يوم الغيث يوم يشرف عليكم اذلين مشفقين فيظل يضحك قد علم ان غيركم إلى القريب قال لقيط قلت لن نعدم من رب يضحك خيرا و علم يوم الساعة قلت يا رسول الله علمنا مما تعلم الناس وما تعلم فانا من قبيل لا يصدقون تصديقنا احد من مذحج التي تربوا علينا و خثعم التي توالينا و عشيرتنا التي نحن منها قال تلبثون ما لبثتم ثم يتوفى نبيكم ثم تلبثون ما لبثتم ثم تبعث الصائحة لعمر الهك لا تدع على ظهرها شيئا الا مات و الملائكة الذين مع ربك عز و جل فاصبح ربك يطوف في الأرضين و خلت عليه البلاد فارسل ربك السماء تهضب من عند العرش فلعمر الهك ما تدع على ظهرها من مصرع قتيل و لا مدفن ميت الا شقت القبر عنه حتى يخلقه من عند رأسه فيستوي جالسا فيقول ربك مهيم لما كان فيه يقول يا رب امتني اليوم و لعهده بالحياة عشية تحسبه

حديثنا بأهله فقلت يا رسول الله كيف كيف يجمعنا بعدما تمزقنا الرياح و البلى و السباع فقال انبئك بمثل ذلك في الاء الله الأرض اشرفت عليها و هي مدرة بالية فقلت لا تحيا ابدا ثم ارسل ربك عليها السماء فلم تبلث عليك الا اياما حتى اشرفت عليها و هي شرية واحدة و لعمر الهك لهو اقدر على ان يجمعهم من الماء على ان يجمع نبات الأرض فيخرجون من الاضواء و من مصارعهم فتنظرون اليه و ينظر اليكم قال قلت يا رسول الله فكيف و نحن ملء الأرض وهو شخص واحد ينظر الينا و ننظر اليه قال انبئك بمثل ذلك في الاء الله الشمس و القمر اية منه صغيرة ترونها و يريانكم ساعة واحدة لا تضارون في رؤيتهما و لعمر الهك لهو اقدر على ان يراكم و ترونه منها قلت يا رسول الله فما يفعل بنا ربنا اذا لقيناه قال تعرضون عليه بادية له صفحاتكم لا تخفى عليه منكم خافية فياخذ ربك عز و جل بيده غرفة من ماء فينضح قبلكم بها فلعمر الهك ما يخطئ وجه احد منكم منها قطرة فاما المسلم فتدع وجهه مثل الريطة البيضاء و أما الكافر فتخطم وجهه بمثل الحمم الاسود الا ثم ينصرف نبيكم رسول الله و ينصرف على اثره الصالحون فيسلكون جسرا من النار فيطا احدكم الجمرة فيقول حس فيقول ربك أو إنه فيطلعون على حوض الرسول على اظماء والله ناهله قط رأيتها فلعمر ربك ما يبسط واحد منكم يده الا وقعه عليها قدح مطهرة من الطوف و البول و الاذى و تحبس الشمس و القمر فلا ترون منهما واحدا قال قلت يا رسول الله فبم نبصر قال بمثل بصرك ساعتك هذه و ذلك من طلوع الشمس في يوم اشرقته الأرض ثم واجهته الجبال قال قلت يا رسول الله فبم نجزى من حسناتنا وسيئاتنا قال الحسنة بعشر امثالها و السيئة بمثلها الا ان يعفو قال قلت يا رسول الله ما الجنة ما النار قال لعمر الهك ان للنار سبعة ابواب ما منهن بابان الا يسير الراكب بينهما سبعين عاما و ان للجنة ثمانية ابواب ما منهن

بابان الا يسير الراكب بينهما سبعين عاما قال قلت يا رسول الله فعلا ما نطلع من الجنة قال على انهار من عسل مصفى و انهار من كاس ما بها من صداع و لا ندامة و انهار من لبن لم يتغير طعمه و ماء غير اسن و بفاكهة لعمر الهك مما تعدون و خير من مثله معه وازواج مطهرة قلت يا رسول الله و لنا فيها ازواج او منهن صالحات قال الصالحات للصالحين تلذون بهن مثل لذاتكم في الدنيا و يلذذن بكم غير ان لا توالد قال لقيط فقلت اقصي ما نحن بالغون و منتهون اليه فلم يجبه النبي فقلت يا رسول الله علاما ابايعك فبسط النبي يده و قال على اقام الصلاة و ايتاء الزكاة و ان لا تشرك بالله الها غيره قال قلت و ان لنا ما بين المشرق و المغرب فقبض النبي يده و بسط اصابعه و ظن اني مشترط شيئا لا يعطينه قال قلت نحن منهما حيث شئنا و لا يجبني على امرئ الا نفسه فبسط يده و قال ذلك لك تحل حيث شئت و لا يجني عليك الا نفسك قال فانصرفنا و قال هذان ذين ها ان ذين لعمر الهك ان حدثت الا انهما من اتقى الناس في الاولى و الاخرة فقال له كعب بن الجدارية اخو بني بكر بن كلاب من هم يا رسول الله قال بنو المنتفق أهل ذلك قال فانصرفنا و اقبلت عليه فقلت يا رسول الله هل لاحد مما مضى من خبر في جاهليتهم قال قال رجل من عرض قريش و الله ان اباك المنتفق لفي النار قال فلكأنه قد وقع جزء من جلدي و وجهي و لحمي مما قال لابي على رؤوس الناس فهممت ان اقول و ابوك يا رسول الله ثم اذا الاخرى اجمل فقلت يا رسول الله و أهلك قال و أهلي لعمر الله ما اتيت عليه من قبر عامري او قرشي من مشرك فقل ارسلني اليك محمد فابشرك بما يسوءك تجر على وجهكم و بطنك في النار قال قلت يا رسول الله ما فعل الله بهم ذلك و قد كانوا على عمل لا يحسنون الا اياه و كانوا يحسبونهم مصلحين قال ذلك بان الله عز و جل بعث في اخر كل سمع امم نبيا فمن عصى نبيه كان من الضالين و من اطاع نبيه كان من المهتدين هذا حديث كبير مشهور و لا يعرف الا من حديث ابي القاسم عن عبد الرحمن بن المغيره بن عبد الرحمن المدني ثم من رواية ابراهيم بن حمزة الزبيري المدني عنه و هما من كبار علماء المدينة ثقتان يحتج بهما في الحديث احتج بهما الامام محمد بن اسماعيل البخاري و روى عنهما في مواضع من كتابه رواه ائمة الحديث في كتبهم منهم ابو عبد الرحمن بن عبد الله بن

الامام احمد و ابو بكر احمد بن عمرو بن ابي العاصم و ابو القاسم الطبراني و ابو الشيخ الحافظ و ابو عبد الله بن منده و الحافظ و ابو بكر احمد بن موسى بن مردويه و الحافظ ابو نعيم الاصفهاني و غيرهم على سبيل القبول و التسليم قال الحافظ ابو عبد الله بن منده روى هذا الحديث محمد بن اسحاق الصنعاني و عبد الله بن احمد بن حنبل و غيرهما و قراؤه بالعراق بمجمع العلماء و أهل الدين فلم ينكره احد منهم و لم يتكلم في اسناده و كذلك ابو زرعة و ابو حاتم على سبيل القبول و قال ابو الخير بن حمدان هذا حديث كبير ثابت مشهور و سألت شيخنا ابا الحجاج المري عنه فقال عليه جلالة النبوة و قال نفاة الايلاذ فهذا حديث صريح في انتفاء الولادة و قوله اذا اشتهى معلق بالشرط و لا يلزم من التعليق وقوع المعلق ولا المعلق به واذا و ان كانت ظاهرة في المحقق فقد تستعمل لمجرد التعليق الاعم من المحقق و غيره قالوا و في هذا الموضع يتعين ذلك لوجوه احدها حديث ابن رزين الثاني قوله تعالى و لهم فيها ازواج مطهرة و هن اللاتي طهرن من الحيض و النفاس و الاذى قال سفيان انبأنا ابن ابي نجيح عن مجاهد مطهرة من الحيض و الغائط و البول و النخام و البصاق و المني و الولد و قال أبو معاوية حدثنا ابن جريج عن عطاء ازواج مطهرة قال من الولد و الحيض و الغائط و البول الثالث قوله غير انه لا مني و لا منية و قد تقدم و الولد انما يخلق من ماء الرجل فاذا لم يكن هناك مني و لا مذي و لا نفخ في الفرج لم يكن هناك ايلاد الرابع انه قد ثبت في الصحيح عن النبي انه قال يبقى في الجنة فضل فينشئ الله لها خلقا يسكنهم اياها و لو كان في جنة ايلاد لكان الفضل لأولادهم وكانوا أحق بهم من غيرهم الخامس ان الله سبحانه جعل الحمل و الولادة مع الحيض و المنى فلو كانت النساء يحبلن في الجنة لم ينقطع عنهن الحيض و الانزال السادس تن الله سبحانه و تعالى قدر التناسل في الدنيا لانه قدر الموت و اخرجهم إلى هذه الدار قرنا بعد قرن و جعل لهم امدا ينتهون اليه فلولا التناسل لبطل النوع الانساني و لهذا الملائكة لا تتناسل فانهم لا يموتون كما تموت الانس و الجنم فاذا كان يوم القيامة اخرج الله سبحانه و تعالى الناس كلهم من الأرض و انشاهم للبقاء لا للموت فلا يحتاجون إلى تناسل يحفظ النوع الانساني اذ هو منشأ للبقاء و الدوام فلا أهل الجنة يتناسلون و لا أهل النار

السابع انه سبحانه و تعالى قال و الذين امنوا واتبعناهم ذرياتهم بايمان الحقنا بهم ذرياتهم فاخبر سبحانه انه يكرمهم بالحاق ذرياتهم الذين كانوا لهم بهم في الدنيا و لو كان ينشأ لهم في الجنة ذرية اخرى لذكرهم كما ذكر ذرياتهم الذين كانوا في الدنيا لان قرة اعينهم كانت تكون بهم كما هي بذرياتهم من اهل الدنيا الثامن انه اما ان يقال باستمرار التناسل فيها لا إلى غاية او إلى غاية ثم تنقطع وكلاهما مما لا سبيل الى القول به لاستلزام الاول اجتماع اشخاص لا تتناهى واستلزام الثاني انقطاع نوع من لذة أهل الجنة وسرورهم وهو محال و لا يمكن ان يقال بتناسل بموت معه نسل و يخلفه نسل اذ لا موت هناك التاسع ان الجنة لا ينموا فيها الانسان كما ينموا في الدنيا فلا ولدان أهلها ينمون و يكبرون و لا الرجال ينمون كما تقدم بل هؤلاء ولدان صغار لا يتغيرون و هؤلاء ابناء ثلاث و ثلاثين لا يتغيرون فلو كان في الجنة ولادة لكان المولود ينموا ضرورة حتى يصير رجلا و معلوم ان من مات من الاطفال يردون ابناء ثلاث و ثلاثين من غير نمو يوضحه الوجه العاشر ان الله سبحانه و تعالى ينشئ أهل الجنة نشاة الملائكة او اكمل من نشأتهم بحيث لا يبولون و لا يتغوطون و لا ينامون و يلهمون التسبيح و لا يهرمون على تطاول الاحقاب و لا تنموا ابداهنهم بل القدر الذي جعلوا عليه لازم لهم ابدا و الله اعلم فهذا ما في المسالة فاما قول بعضهم ان القدرة صالحة و الكل ممكن و قول اخرين ان الجنة دار المكلفين التي يستحقونها بالعمل و امثال هذه المباحث فرخيصة و هي في كتب الناس و بالله التوفيق قال الحاكم قال الاستاذ ابو سهل أهل الزيغ ينكرون هذا الحديث يعني حديث الولادة في الجنة و قد روى فيه غير اسناد و سئل النبي عن ذلك فقال يكون ذلك على نحو مما روينا والله سبحانه و تعالى يقول و فيها ما تشتهيه الانفس و تلذ الاعين و ليس بالمستحيل ان يشتهي المؤمن الممكن من شهواته المصفى المقرب المسلط على لذاته قرة عين و ثمرة فؤاد من الذين انعم الله عليهم بازواج مطهرة فان قيل ففي الحديث انهن لا يحضن و لا ينفسن فاين يكون الولد قلت الحيض سبب الولادة الممتد مدة بالحمل على الكثرة و الوضع عليه كما ان جميع بلاد الدنيا من المشارب و المطاعم و الملابس على ما عرف من التعب و النصب و ما يعقبه كل منهما مما يحذر منه و يخاف من عواقبه

أقسام الكتاب
1 2