كتاب : الفروق
المؤلف : أسعد بن محمد بن الحسين الكرابيسي النيسابوري الحنفي

204 - 204 - إذَا كَتَبَ إلَى امْرَأَتِهِ كِتَابًا عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ ، وَكَتَبَ فِيهِ : إذَا وَصَلَ إلَيْكِ كِتَابِي هَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ ، ثُمَّ مَحَا ذَلِكَ الطَّلَاقَ مِنْهُ ، أَوْ نَفَّذَ الْكِتَابَ وَسَطْرُهُ بَاقٍ ؛ وَقَعَ الطَّلَاقُ .
وَإِنْ مَحَا جَمِيعَ مَا فِي الْكِتَابِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُ كَلَامٌ يَكُونُ رِسَالَةً ؛ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ وَإِنْ وَصَلَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّرْطَ فِي إيقَاعِ الطَّلَاقِ وُصُولُ الْكِتَابِ وَقَدْ وَصَلَ مَا يُسَمَّى كِتَابًا فَوَقَعَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا مَحَا الْجَمِيعَ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ وُصُولُ الْكِتَابِ وَمَا بَقِيَ لَا يُسَمَّى كِتَابًا ، فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ وُقُوعِهِ ؛ فَلَمْ يَقَعْ .

205 - 205 - إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ : إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ بَائِنٌ ، ثُمَّ أَبَانَهَا ، فَدَخَلَتْ الدَّارَ ؛ وَقَعَتْ الْبَيْنُونَةُ فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ .
وَإِذَا قَالَ : إذَا جَاءَ غَدٌ فَاخْتَارِي ، ثُمَّ أَبَانَهَا ، فَاخْتَارَتْ فِي الْغَدِ ؛ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي بَابِ الْخِيَارِ اخْتِيَارُهَا لَا تَخَيُّرُهُ ، وَالْوُقُوعُ بِاخْتِيَارِهَا لَا بِتَخَيُّرِهِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ : لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ بِالتَّخْيِيرِ وَشَاهِدَانِ بِالِاخْتِيَارِ ، ثُمَّ رَجَعُوا ضِمْنَ شُهُودِ التَّخْيِيرِ ، وَإِذَا كَانَ الْوُقُوعُ بِالِاخْتِيَارِ ، وَالِاخْتِيَارُ وَجْهٌ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ ، صَارَ كَأَنَّهُ أَبَانَهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ ؛ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : أَنْتِ بَائِنٌ ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ تَقَعُ الْبَيْنُونَةُ بِاللَّفْظِ السَّابِقِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ بِالْيَمِينِ ، وَشَاهِدَانِ بِالدُّخُولِ ، ثُمَّ رَجَعُوا ؛ فَالضَّمَانُ عَلَى شُهُودِ الْيَمِينِ ، وَإِذَا كَانَ الْوُقُوعُ بِالْيَمِينِ ، وَالْيَمِينُ وُجِدَ قَبْلَ الْبَيْنُونَةِ ، صَارَ كَأَنَّهُ أَوْقَعَ الْبَيُونَةَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ وَقَعَ ، كَذَلِكَ هَذَا .

206 - 206 - إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ أَمَةٌ : أَنْتِ طَالِقٌ لِلسَّنَةِ ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا وَجَاءَ وَقْتُ السَّنَةِ ؛ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهَا لَمَّا اشْتَرَاهَا لَمْ تَجِبْ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا فَقَدْ وُجِدَ شَرْطُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَدَّةٍ فَلَا يَقَعُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَبْدُ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ حُرَّةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَبَانَهَا وَجَبَتْ الْعِدَّةُ ، فَقَدْ وُجِدَ شَرْطُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ أَوْقَعَهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَوَقَعَ .
وَزَانَ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا اشْتَرَى امْرَأَتَهُ فَأَعْتَقَهَا ، ثُمَّ جَاءَ وَقْتُ السَّنَةِ ؛ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ ، لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ .

207 - 207 - إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَمْرُكِ بِيَدِكِ ، وَقَامَ الرَّجُلُ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهَا .
وَلَوْ قَالَ : بِعْتُ مِنْكِ هَذَا الْعَبْدَ ، ثُمَّ قَامَ الْبَائِعُ ؛ بَطَلَ خِيَارُ الْمُشْتَرِي .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قِيَامَهُ يَدُلُّ عَلَى إعْرَاضِهِ ، فَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهَا بِإِبْطَالِهِ بِأَنْ يَقُولَ : أَبْطَلْتُ خِيَارَكِ لَمْ يَبْطُلْ بِإِعْرَاضِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَائِعُ لِأَنَّ قِيَامَهُ يَدُلُّ عَلَى إعْرَاضِهِ ، وَلَوْ قَالَ : أَبْطَلْتُ إيجَابِي يَبْطُلُ ، فَإِذَا قَالَ : أَعْرَضْتُ أَيْضًا جَازَ أَنْ يَبْطُلَ .
وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ هَذَا تَمْلِيكٌ جَرَى فِي إيقَاعِ فُرْقَةٍ إذَا وَقَعَتْ لَا يُفْسَخُ ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ فَلَمْ يَكُنْ لِمُوجَبِهِ إبْطَالُهُ ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ ، وَهِيَ تَحْتَ زَوْجٍ فَأَرَادَ أَنْ يُبْطِلَ خِيَارَهَا ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ .
وَفِي الْبَيْعِ جَرَى تَمْلِيكٌ فِيمَا إذَا وَقَعَ يُفْسَخُ ؛ فَجَازَ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى إبْطَالِهِ .

208 - 208 - الْمَرْأَةُ إذَا كَانَتْ قَائِمَةً فَخُيِّرَتْ ، فَقَعَدَتْ ؛ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهَا .
وَلَوْ كَانَتْ قَاعِدَةً فَخُيِّرَتْ ، فَقَامَتْ ؛ بَطَلَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقِيَامَ يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ عَمَّا جُعِلَ إلَيْهَا ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ مُجْتَمِعَةُ الرَّأْيِ ، وَإِذَا لَمْ تَخْتَرْ فِي حَالِ اجْتِمَاعِ الرَّأْيِ عُلِمَ أَنَّهَا لَا تَخْتَارُ فِي حَالِ التَّفْرِيقِ ، فَصَارَتْ مُعْرِضَةً عَمَّا جُعِلَ إلَيْهَا ، فَبَطَلَ خِيَارُهَا .
وَإِذَا كَانَتْ قَائِمَةً فَقَعَدَتْ فَإِنَّهَا تَقْعُدُ لِيَجْتَمِعَ رَأْيُهَا وَفِكْرُهَا ، فَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى الْإِعْرَاضِ ، وَإِذَا لَمْ تَفْعَلْ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ ؛ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهَا .

209 - 209 - إذَا قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ : إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ، فَمَاتَتْ إحْدَاهُمَا تَعَيَّنَ الطَّلَاقُ فِي الْأُخْرَى .
وَلَوْ قَالَ : بِعْتُ مِنْكَ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ عَلَى أَنَّكَ بِالْخِيَارِ تَأْخُذُ أَيَّهُمَا شِئْتَ ، فَقَالَ : اشْتَرَيْتُ ، وَقَبَضَهُمَا ، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ الْبَيْعُ فِي الْمَيِّتِ .
وَالْفَرْقُ مَوْتُ أَحَدِهِمَا يُوجِبُ تَعْيِينَهُ قَبْلَ الْمَوْتِ ، وَحُدُوثُ الْعَيْبِ فِيهِ يُوجِبُ بُطْلَانَ خِيَارِهِ فِي الرَّدِّ ، فَصَارَ كَقَوْلِهِ اخْتَرْتُ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّ حُدُوثَ الْعَيْبِ بِهَا لَا يُوجِبُ الطَّلَاقَ ، فَبَقِيَ خِيَارُهُ ثَابِتًا فِي الْأُخْرَى ، فَانْصَرَفَ الطَّلَاقُ إلَيْهَا ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ عَلَى الْمَيِّتِ ابْتِدَاءً ، فَلَا يُصْرَفُ إلَيْهَا ؛ فَتَعَيَّنَ فِي الْبَاقِيَةِ .

210 - 210 - إذَا خَالَعَ امْرَأَتَهُ عَلَى مَا فِي بَطْنِ غَنَمِهَا هَذِهِ ، أَوْ جَارِيَتِهَا هَذِهِ ، أَوْ مَا فِي ضُرُوعِهَا مِنْ اللَّبَنِ ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ شَيْءٌ ؛ فَهُوَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَدَّتْ عَلَيْهِ مَا اسْتَحَقَّتْ بِعَقْدِ النِّكَاحِ .
وَفِي النِّكَاحِ ، لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَا فِي بَطْنِ غَنَمِهِ فَكَانَ هُنَاكَ شَيْءٌ ؛ لَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْخُلْعَ رَفَعَ الْعَقْدَ ، وَفِي رَفْعِ الْعَقْدِ سُومِحَ فِيهِ مَا لَمْ يُسَامَحْ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ .
أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِقَالَةَ تَصِحُّ بِغَيْرِ ذِكْرِ الْعِوَضِ ، وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِعِوَضٍ مَذْكُورٍ ، فَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَصِحَّ الْفَسْخُ بِبَدَلٍ مَجْهُولٍ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَصِحُّ ابْتِدَاءُ الْعَقْدِ بِبَدَلٍ مَجْهُولٍ فَافْتَرَقَا .

211 - 211 - إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إذَا دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ثُمَّ طَلَّقَهَا فَبَانَتْ مِنْهُ ، ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ ؛ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا ظِهَارٌ .
وَلَوْ قَالَ : إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ بَائِنٌ ، ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ فِي الْعِدَّةِ ؛ وَقَعَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الظِّهَارَ يُوجِبُ التَّحْرِيمَ الَّذِي يَرْتَفِعُ بِالْكَفَّارَةِ ، وَالْبَيْنُونَةُ تُوجِبُ تَحْرِيمًا لَا يَرْتَفِعُ بِالْكَفَّارَةِ ، فَلَمْ يَدْخُلْ أَضْعَفُ التَّحْرِيمَيْنِ عَلَى أَقْوَاهُمَا ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الظِّهَارِ الْمُبْتَدَأِ وَالْمُعَلَّقِ بِالشَّرْطِ فَلَمْ يَجُزْ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : أَنْتِ بَائِنٌ يَقْتَضِي إيقَاعَ بَيْنُونَةٍ فَإِذَا قَالَ : أَنْتِ بَائِنٌ فِي حَالِ النِّكَاحِ ، فَقَدْ نَوَى الْإِبَانَةَ وَلَيْسَتْ بِمَوْجُودَةٍ ، فَعَمِلَتْ نِيَّتُهُ ، وَصَحَّتْ يَمِينُهُ فَإِذَا دَخَلَتْ الدَّارَ بَعْدَ ذَلِكَ الْقَوْلِ فَصَحَّتْ ؛ وَقَعَ .
وَأَمَّا إذَا ابْتَدَأَ الْبَيْنُونَةَ ، فَقَدْ نَوَى الْبَيْنُونَةَ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ ، فَلَمْ تَعْمَلْ نِيَّتُهُ ، فَتَبْقَى كِنَايَةً بِلَا نِيَّةٍ فَلَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ .

212 - 212 - إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : طَلِّقِي نَفْسَكِ طَلْقَةً بَائِنَةً ، فَقَالَتْ : طَلَّقْتُ نَفْسِي طَلْقَةً رَجْعِيَّةً وَقَعَ بَائِنًا .
وَلَوْ قَالَ : طَلِّقِي نَفْسَكِ رَجْعِيَّةً ، فَقَالَتْ : طَلَّقْتُ بَائِنَةً ؛ وَقَعَتْ رَجْعِيَّةً .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ : طَلِّقِي نَفْسَكِ بَائِنَةً ، يَقْتَضِي إيقَاعَ الْبَائِنِ ، وَالطَّلَاقُ لَا يَكُونُ إلَّا رَجْعِيًّا ، فَإِذَا قَالَتْ : طَلَّقْتُ رَجْعِيَّةً لَغَا قَوْلُهَا رَجْعِيَّةً وَبَطَلَ ، فَصَارَ كَأَنَّهَا لَمْ تَقُلْ ، وَلَوْ لَمْ تَقُلْ وَقَعَ بَائِنًا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : طَلِّقِي نَفْسَكِ رَجْعِيَّةً ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهَا أَنْ تُوقِعَ رَجْعِيًّا ، وَالرَّجْعِيُّ أَنْ يَقُولَ : أَنْتِ طَالِقٌ ، فَإِذَا قَالَتْ : طَلَّقْتُ ، فَقَدْ فَعَلَتْ مَا أَمَرَهَا بِهِ وَزِيَادَةً ، فَتُلْغَى الزِّيَادَةُ ، وَصَارَ كَأَنَّهَا قَالَتْ : طَلَّقْتُ فَقَطْ وَقَعَتْ رَجْعِيَّةً ، كَذَلِكَ هَذَا .

213 - 213 - إذَا اشْتَرَى أَبَاهُ نَاوِيًا عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِهِ جَازَ .
وَلَوْ وَرِثَهُ وَنَوَى عِتْقَهُ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِهِ ؛ لَمْ يَجُزْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } أَمَرَ بِالتَّحْرِيرِ ، وَالتَّحْرِيرُ فِعْلٌ يُشْتَرَطُ فِي وُقُوعِ الْعِتْقِ وُقُوعَ فِعْلٍ مِنْ جِهَتِهِ ، وَقَدْ وُجِدَ فِي الشِّرَاءِ فِعْلُهُ مُقَارِنًا لِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ فَجَازَ .
وَفِي الْمِيرَاثِ لَمْ يُوجَدْ فِعْلٌ مِنْ جِهَتِهِ مُقَارِنًا لِلْكَفَّارَةِ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُرَدُّ بِالرَّدِّ ، وَيَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ - شَاءَ أَوْ أَبَى - فَلَمْ يُجْزِ عَنْ الْكَفَّارَةِ .

214 - 214 - إذَا آلَى مِنْ مُعْتَدَّةٍ مِنْهُ بَائِنَةٍ لَمْ يَكُنْ مُوَلِّيًا .
لَوْ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ فِي حَالَ النِّكَاحِ ، ثُمَّ طَلَّقَهَا ، ثُمَّ مَضَتْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ بَانَتْ مِنْهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِيلَاءَ يُوجِبُ الْبَيْنُونَةَ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، فَصَارَ كَقَوْلِهِ : أَنْتِ بَائِنٌ ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ لَمْ يَقَعْ ، وَلَوْ قَالَ : إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ بَائِنٌ ، فِي حَالَ النِّكَاحِ ، ثُمَّ أَبَانَهَا ، ثُمَّ دَخَلَتْ فِي الْعِدَّةِ ، لَمْ يَقَعْ ، كَذَلِكَ هَذَا ، وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ : إنَّهَا بَائِنَةٌ ، وَالْإِيلَاءُ يُوجِبُ بَيْنُونَةً ، وَالْبَائِنَةُ لَا تُبَانُ ، فَلَا يَصِحُّ قَصْدُهُ إلَى إيقَاعِ الْبَيْنُونَةِ .
وَأَمَّا إذَا قَالَ قَبْلَ ذَلِكَ فَعِنْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا بِمَعْنًى لَا يُرْجَعُ فِيهِ إلَى نِيَّةِ الزَّوْجِ ، فَصَارَ كَصَرِيحِ الطَّلَاقِ ، وَصَرِيحُ الطَّلَاقِ يَلْحَقُهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ ، كَذَلِكَ هَذَا .

215 - 215 - إذَا آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ وَهِيَ أَمَةٌ ، ثُمَّ عَتَقَتْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الشَّهْرَيْنِ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تُكْمِلَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ الْإِيلَاءِ ، وَتَنْتَقِلُ مُدَّةُ إيلَائِهِ إلَى مُدَّةِ الْحَرَائِرِ .
وَلَوْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا فِي الشَّهْرَيْنِ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً ، ثُمَّ أُعْتِقَتْ فِيهَا كَانَتْ عِدَّتُهَا لِلطَّلَاقِ عِدَّةَ أَمَةٍ .
وَالْفَرْقُ : أَنَّ الْإِيلَاءَ مَعْنًى لَا يُوجِبُ زَوَالَ الْمِلْكِ ، فَبَقِيَ مِلْكُهُ ، وَيُمْكِنُهُ إسْقَاطُ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ بِأَنْ يَقْرَبَهَا ، فَجَازَ أَنْ يَقْبَلَ الزِّيَادَةَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ مُدَّةُ الْعِدَّةِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْبَائِنَ يُوجِبُ زَوَالَ مِلْكِهِ ، وَلَا يُمْكِنُهُ إسْقَاطُ الْعِدَّةِ بِنَفْسِهِ ، فَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَغْيِيرِهَا وَالزِّيَادَةِ فِيهَا بِالْعِتْقِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ .

إذَا آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ فَارْتَدَّتْ ، وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ فَسُبِيَتْ ، فَأَسْلَمَتْ فَتَزَوَّجَهَا ؛ فَهُوَ مُولٍ مِنْهَا ، إنْ مَضَى شَهْرَانِ مِنْ يَوْمِ تَزَوَّجَهَا بَانَتْ بِالْإِيلَاءِ .
وَلَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ : إنْ دَخَلْتِ هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ حُرَّةٌ ، فَارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ، فَسُبِيَتْ فَاشْتَرَاهَا ، ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ فَإِنَّهَا لَا تُعْتَقُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ السَّبْيَ جَرَيَانُ التَّمْلِيكِ فِي رَقَبَتِهَا ، وَجَرَيَانُ التَّمْلِيكِ فِي رَقَبَةِ الْمَنْكُوحَةِ لَا يُوجِبُ زَوَالَ مِلْكِ الزَّوْجِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ أَمَةَ غَيْرِهِ فَبَاعَهَا الْمُولِي لَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ ، فَبَقِيَ الْمِلْكُ ، وَإِذَا بَقِيَ الْمِلْكُ بَقِيَ الْعَقْدُ الَّذِي انْعَقَدَ فِي ذَلِكَ الْمِلْكِ .
وَأَمَّا فِي الْأَمَةِ السَّبِيِّ جَرَيَانُ التَّمْلِيكِ ، وَجَرَيَانُ التَّمْلِيكِ فِي الْأَمَةِ يُوجِبُ زَوَالَ مِلْكِ الْمُولِي عَنْهَا ، وَهَذَا رِقٌّ آخَرُ غَيْرُ الْأَوَّلِ ، فَلَمْ يَبْقَ الرِّقُّ الَّذِي انْعَقَدَ فِيهِ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ ، فَلَمْ يَبْقَ الْعَقْدُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ لَمْ يَبْقَ ذَلِكَ الْعَيْنُ ، وَلَوْ لَمْ يَبْقَ ذَلِكَ الْعَيْنُ لَا يَبْقَى الْعَقْدُ ، كَذَلِكَ هَذَا .

217 - 217 - إذَا قَالَ لِرَجُلٍ : طَلِّقْ امْرَأَتِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، فَلَمْ يَفْعَلْ الْوَكِيلُ حَتَّى طَلَّقَهَا الزَّوْجُ تَطْلِيقَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبِلَتْ ذَلِكَ ، أَوْ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً بَائِنَةً ، ثُمَّ طَلَّقَهَا الْوَكِيلُ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ تَطْلِيقَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ كَمَا أَمَرَهُ الزَّوْجُ وَقَبِلَتْ ؛ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا تَطْلِيقَةٌ أُخْرَى .
وَلَوْ أَنَّ الزَّوْجَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً ، ثُمَّ قَالَ لِرَجُلٍ طَلِّقْ امْرَأَتِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَفَعَلَ ذَلِكَ الْوَكِيلُ ، وَالْمَرْأَةُ فِي الْعِدَّةِ ، وَقَبِلَتْ الْمَرْأَةُ وَقَعَتْ عَلَى الْمَرْأَةِ تَطْلِيقَةٌ بِغَيْرِ شَيْءٍ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الزَّوْجَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَمَرَ بِإِيقَاعِهِ طَلَاقًا يَجِبُ بِهِ الْبَدَلُ ، فَإِذَا طَلَّقَ الزَّوْجُ طَلَاقًا بَائِنًا ، ثُمَّ طَلَّقَ الْوَكِيلُ لَمْ يَجِبْ بِهِ الْبَدَلُ ، فَقَدْ فَعَلَ غَيْرَ مَا أُمِرَ بِهِ فَلَمْ يَجُزْ ، كَمَا لَوْ قَالَ : طَلِّقْهَا بِأَلْفٍ ، فَطَلَّقَهَا مَجَّانًا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ لَمَّا طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً بَائِنَةً لَمْ يَجُزْ إيقَاعُ طَلَاقٍ بِبَدَلٍ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَإِذَا لَمْ يَجُزْ وُجُوبُ الْبَدَلِ انْصَرَفَ إلَى ذِكْرِهِ فِي الْعَقْدِ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : أَذْكُرُ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ ، وَقَدْ ذَكَرَ فَقَدْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ فَوَقَعَ .
218 - وَلَوْ لَمْ يُطَلِّقْهَا الْوَكِيلُ حَتَّى تَزَوَّجَهَا الزَّوْجُ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ ، فَطَلَّقَهَا الْوَكِيلُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ كَمَا أَمَرَهُ الزَّوْجُ فَقَبِلَتْ فَهِيَ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً ، وَالْأَلْفُ عَلَيْهَا لِلرَّجُلِ .
وَبِمِثْلِهِ لَوْ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ، فَطَلَّقَهَا الْوَكِيلُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَقَبِلَتْ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا طَلَاقٌ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الزَّوْجَ أَمَرَهُ بِالْإِيقَاعِ فَانْصَرَفَ إلَى مَا يَمْلِكُهُ الزَّوْجُ ، وَالزَّوْجُ يَمْلِكُهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ ، وَفِي ذَلِكَ الْمِلْكِ ، فَإِذَا تَزَوَّجَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ بَقِيَ ذَلِكَ

الْمِلْكُ ، فَبَقِيَ الْوَكِيلُ عَلَى الْوَكَالَةِ ، فَإِذَا أَوْقَعَ وَقَعَ .
وَإِذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ فَقَدْ زَالَ ذَلِكَ الْمِلْكُ ، فَخَرَجَ الْوَكِيلُ عَنْ الْوَكَالَةِ ، فَإِذَا طَلَّقَ فَقَدْ أَوْقَعَ بَعْدَ خُرُوجِهِ عَنْ الْوَكَالَةِ ؛ فَلَا يَقَعُ .

وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ مُضْطَجِعَةٌ : أَنْتِ طَالِقٌ فِي قِيَامِكِ وَقُعُودِكِ ؛ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَقُومَ وَتَقْعُدَ .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ فِي لَيْلِكِ وَنَهَارِكِ ، وَقَالَهُ لَيْلًا ؛ طَلُقَتْ حِينَ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً وَلَا تَطْلُقُ غَيْرَهَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ أَدْخَلَ حَرْفَ الظَّرْفِ عَلَى الْفِعْلِ ، وَالْفِعْلُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا فَصَارَ شَرْطًا ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنَّ قُمْتِ وَقَعَدْتِ ، فَمَا لَمْ يُوجَدْ الْفِعْلَانِ لَا يَقَعُ ، فَلَوْ أَوْقَعْنَاهُ بِأَوَّلِهِمَا لَمْ يُوقِعْهُ بِهِمَا جَمِيعًا ، وَهُوَ قَدْ عَلَّقَ بِهِمَا جَمِيعًا وَهَذَا لَا يَجُوزُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي لَيْلِكِ ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِلطَّلَاقِ فَلَمْ يَكُنْ شَرْطًا ، فَقَدْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ فِي وَقْتَيْنِ ، فَلَوْ أَوْقَعْنَاهُ فِي أَوَّلِهِمَا كَمَا قَدْ أَوْقَعْنَاهُ فِيهِمَا جَمِيعًا فَجَازَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِأَوَّلِهِمَا ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ عَطَفَ وَقْتًا عَلَى وَقْتٍ ، فَصَارَ كَالْوَقْتِ الْمُمْتَدِّ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ شَهْرًا فَوَقَعَ فِي أَوَّلِهِمَا .

220 - 220 - إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ مُضْطَجِعَةٌ : أَنْتِ طَالِقٌ فِي قِيَامِكِ وَفِي قُعُودِكِ ، أَوْ قَالَ : فِي قُعُودِكِ وَفِي قِيَامِكِ ، فَإِنْ قَعَدَتْ طَلُقَتْ ، وَإِنْ قَامَتْ وَلَمْ تَقْعُدْ طَلُقَتْ ، وَلَا يَقَعُ إلَّا طَلْقَةً وَاحِدَةً ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنْ كَلِمَةَ فِي لَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ ظَرْفًا ، فَصَارَ شَرْطًا ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ قُمْتِ وَإِنْ قَعَدْتِ ؛ فَأَيُّهُمَا وُجِدَ وَقَعَ .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ فِي لَيْلِكِ وَفِي نَهَارِكِ ، فَقَالَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا ؛ فَهِيَ طَالِقٌ تَطْلِيقَتَيْنِ ، وَاحِدَةً حِينَ تَكَلَّمَ بِذَلِكَ ، إنْ كَانَ قَالَهُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا ، وَتَطْلُقُ الْأُخْرَى حِينَ مَجِيءِ الْوَقْتِ الْآخَرِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْوَقْتَيْنِ لَوْ جَعَلْنَاهُ طَلَاقًا وَاحِدًا لَجَعَلْنَاهُ طَلَاقًا مُعَلَّقًا بِأَحَدِ الْوَقْتَيْنِ ، وَالطَّلَاقُ إذَا عُلِّقَ بِأَحَدِ الْوَقْتَيْنِ تَعَلَّقَ بِأَحَدِهِمَا ، فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ يَحِلَّ الْوَقْتُ الْأَوَّلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَوْصُوفَةً بِالطَّلَاقِ عِنْدَ ذَلِكَ ، بِدَلِيلِ الْفِعْلِ ، فَلَا بُدَّ مِنْ إيقَاعِ طَلَاقَيْنِ .
وَفِي الْفِعْلَيْنِ لَوْ جَعَلْنَاهُ طَلَاقًا وَاحِدًا لَجَعَلْنَاهُ طَلَاقًا مُعَلَّقًا بِأَحَدِ الْفِعْلَيْنِ ، فَيَتَعَلَّقُ بِأَوَّلِهِمَا ، فَلَا يُؤَدِّي إلَى أَنْ يُجْعَلَ الْفِعْلُ الثَّانِي مِنْ أَنْ تَكُونَ هِيَ مَوْصُوفَةً بِالطَّلَاقِ عِنْدَ ذَلِكَ بِذَلِكَ الْقَوْلِ ؛ فَأَوْقَعْنَا وَاحِدًا .
وَفَرْقٌ آخَرُ : أَنَّ الْوَقْتَ الثَّانِيَ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَسْبِقَ الْأَوَّلَ ، فَلَوْ جَعَلْنَاهُ طَلَاقًا وَاحِدًا لَمْ يَجْعَلْهَا مُطَلَّقَةً بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَقْتَيْنِ ، فَوَقَعَ تَطْلِيقَتَانِ .
وَفِي الْفِعْلَيْنِ يَقُولُ : يَجُوزُ أَنْ يَتَقَدَّمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ ، وَأَيُّهُمَا سَبَقَ تَعَلَّقَ الطَّلَاقُ بِهِ ، وَقَدْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفِعْلَيْنِ ، فَلَوْ جَعَلْنَاهُ طَلَاقًا وَاحِدًا لَجَعَلْنَا الطَّلَاقَ مُعَلَّقًا بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفِعْلَيْنِ ، فَجَازَ أَنْ يُجْعَلَ طَلَاقًا وَاحِدًا .
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ قَالَ :

أَنْتِ طَالِقٌ إذَا جَاءَ غَدٌ ، وَإِذَا جَاءَ بَعْدُ غَدٍ ؛ فَإِنَّهُ يَكُونُ طَلَاقًا وَاحِدًا ، وَمَعَ ذَلِكَ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَسْبِقَ الْوَقْتُ الثَّانِي الْوَقْتَ الْأَوَّلَ ، وَمَعَ ذَلِكَ يَكُونُ طَلَاقًا وَاحِدًا مُعَلَّقًا بِالْفِعْلَيْنِ .
فَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ : حُرُوفُ الشَّرْطِ إذَا دَخَلَ عَلَيْهَا مَا هُوَ كَائِنٌ - لَا مَحَالَةَ - جَعَلَهُ شَرْطًا ، وَجَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ الْفِعْلِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ وَقَعَ الطَّلَاقُ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَلَوْ قَالَ : إذَا مِتُّ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ ؛ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ كَذَلِكَ هَذَا .

221 - 221 - وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إنْ لَمْ أُجَامِعْكِ فِي حَيْضِكِ حَتَّى تَطْهُرِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَقَالَ لَهَا ذَلِكَ وَهِيَ فِي حَيْضَتِهَا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ مَا طَهُرَتْ مِنْهُ : كُنْتُ قَدْ جَامَعْتُهَا ، وَهِيَ فِي حَيْضِهَا ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ ، ثُمَّ قَالَ ؛ بَعْدَ مَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ : كُنْتُ قَدْ جَامَعْتُهَا فِي حَيْضِهَا لَمْ يُصَدَّقْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ : إنْ لَمْ أُجَامِعْكِ فِي حَيْضِكِ حَتَّى تَطْهُرِي شَرْطٌ ، وَقَوْلُهُ : فَأَنْتِ طَالِقٌ جَزَاءٌ ؛ فَكَانَ يَمِينًا ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَلَّا يَحْلِفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ ، ثُمَّ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ ؛ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَمِينٌ ، وَهُوَ بِقَوْلِهِ : كُنْتُ جَامَعْتُهَا فِي حَالِ الْحَيْضِ ، يُنْكِرُ وُجُودَ شَرْطِ الْحِنْثِ فَصَارَتْ تَدَّعِي عَلَيْهِ وُجُودَ شَرْطِ الْحِنْثِ ، وَهُوَ يَجْحَدُ ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : أَنْتِ طَالِقٌ لِلسَّنَةِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَوْقِيتٌ لِلطَّلَاقِ بِوَقْتٍ ، وَلَيْسَ بِيَمِينٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَلَّا يَحْلِفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ ، ثُمَّ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ ، وَإِنْ كَانَ تَوْقِيتًا ، وَظَاهِرُ وُجُودِ الطُّهْرِ يُوجِبُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ لِلسَّنَةِ ، فَصَارَ بِقَوْلِهِ : كُنْتُ جَامَعْتُهَا فِي حَالِ الْحَيْضِ يَدَّعِي بُطْلَانَ طَلَاقٍ أَوْقَعَ فِي الظَّاهِرِ ؛ فَلَا يُصَدَّقُ .
وَفَرْقٌ آخَرُ : أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى عَاقَبَ نَفْسَهُ عَلَى تَرْكِ الْجِمَاعِ ، فَكَانَ مُثْبِتًا لَهُ ، فَإِذَا ادَّعَى الْجِمَاعَ فَقَدْ ادَّعَى مَا يُضَادُّ عَقْدَهُ ، وَادَّعَى مُوجَبَهُ فَقُبِلَ قَوْلُهُ .
وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ لِلسُّنَّةِ وَطَلَاقُ السُّنَّةِ لَا يَقَعُ مَعَ وُجُودِ الْجِمَاعِ ، فَصَارَ نَافِيًا لَهُ ، وَإِذَا ادَّعَى الْجِمَاعَ فَقَدْ ادَّعَى مَا يُضَادُّ عَقْدَهُ ، وَخِلَافُ مُوجَبِ عَقْدِهِ فَلَمْ يَصَدَّقْ .
وَإِنْ شِئْتَ عَبَّرْتَ بِعِبَارَةٍ تَقْرُبُ مِنْ مَعْنَى الْأَوَّلِ ، وَهُوَ أَنَّ

هَاهُنَا وَقَعَ الطَّلَاقُ لِوُجُودِ شَرْطِ الْحِنْثِ ، وَلَمْ يَظْهَرْ وُجُودُ شَرْطِ الْحِنْثِ وَهُوَ عَدَمُ الْجِمَاعِ ، فَصَارَ يَدَّعِي وَالظَّاهِرُ مَعَهُ ؛ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُخْرَى ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ لَنَا وُجُوبُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا وَهُوَ وُجُودِ الطُّهْرِ ، فَصَارَ يَدَّعِي خِلَافَ الظَّاهِرِ ؛ فَلَا يُصَدَّقُ .

وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ، فَمَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ، فَقَالَ : قَدْ قَرُبْتُهَا ؛ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ إذَا صَدَّقَتْهُ ، وَلَوْ أَنْكَرَتْهُ وَقَالَتْ : لَمْ يَقْرُبْ وَقَعَ الطَّلَاقُ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ، وَبَانَتْ بِالْإِيلَاءِ .
وَلَوْ قَالَ : إنْ لَمْ أَقْرَبْكِ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَمَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ، فَقَالَ : قَدْ قَرُبْتُهَا ، وَأَنْكَرَتْهُ الْمَرْأَةُ ؛ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ .
وَالْفَرْقُ مَا بَيَّنَّا مِنْ الْوَجْهِ الْآخَرِ ، وَالْوَسَطِ مِنْ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى .

223 - 223 - إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ : إذَا طَهُرْتِ فَعَبْدِي حُرٌّ ، فَقَالَتْ بَعْدَ خَمْسَةِ أَيَّامٍ : قَدْ طَهُرْتُ ، وَكَذَّبَهَا بِذَلِكَ ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ وَلَا يُعْتَقُ ، وَإِنْ صَدَّقَهَا الزَّوْجُ قَضَى الْقَاضِي بِعِتْقِ الْعَبْدِ ، وَلَا يَنْتَظِرُ سِتَّةَ أَيَّامٍ ، وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ أَنْ يُعَاوِدَهَا الدَّمُ فَيَكُونُ الدَّمُ السَّادِسُ حَيْضًا .
وَلَوْ قَالَ : إذَا حِضْتِ فَعَبْدِي حُرٌّ ، فَقَالَتْ : حِضْتِ وَصَدَّقَهَا الزَّوْجُ ؛ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُوقِفُ الْعَبْدَ وَلَا يُعْتِقُهُ مَا لَمْ يُتِمَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَلِيلَ الطُّهْرِ طُهْرٌ ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ طَهُرَتْ يَوْمًا ثُمَّ مَاتَتْ حُكِمَ بِأَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ طُهْرٌ ، فَإِذَا طَهُرَتْ يَوْمًا فَقَدْ حَصَلَ الِاسْمُ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَعْرِضَ مَا يُبْطِلُهُ ، فَوَقَعَ الْعِتْقُ وَلَا يَبْطُلُ بِالْجَائِزِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْحَيْضُ ؛ لِأَنَّ قَلِيلَ الْحَيْضِ لَا يَكُونُ حَيْضًا بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ حَاضَتْ يَوْمًا ثُمَّ مَاتَتْ فَإِنَّهُ لَا يُجْعَلُ ذَلِكَ الْيَوْمُ حَيْضًا فَبِرُؤْيَةِ الدَّمِ لَمْ يَحْصُلْ الِاسْمُ ، وَيَحْصُلُ بِاسْتِمْرَارِ الدَّمِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَيَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ الِاسْمُ ، وَيَجُوزُ أَلَّا يَحْصُلَ الِاسْمُ ؛ فَلَا يَقَعُ الْعِتْقُ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ .
وَإِنْ شِئْتَ عَبَّرْتُ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى ، فَقُلْتُ بِأَنَّ الطُّهْرَ هُوَ انْقِطَاعُ الدَّمِ ، وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ اسْتِدَامَةٌ عَلَيْهِ ، فَإِذَا وُجِدَ الِانْقِطَاعُ ، فَقَدْ وُجِدَ شَرْطُ الْحِنْثِ فَحَنِثَ ، وَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُ فِي مُضِيِّهِ شَهْرًا تَامًّا إلَى اسْتِدَامَتِهِ ، كَمَا لَوْ حَلَفَ أَلَّا يَصُومَ ، فَأَصْبَحَ بِنِيَّةِ الصَّوْمِ وَأَمْسَكَ حَنِثَ لِهَذَا الْمَعْنَى ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْحَيْضُ ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ مَعْنًى مُمْتَدٌّ فَمَا لَمْ يُوجَدْ جَمِيعُهُ لَا يَحْصُلُ الِاسْمُ ، فَلَا يَحْنَثُ ، كَمَا لَوْ قَالَ : إنْ صَلَّيْتُ فَعَبْدِي حُرٌّ ، فَمَا لَمْ يُصَلِّ رَكْعَةً وَيَعْقِدْهَا بِسَجْدَةٍ لَا يَحْنَثُ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : وَهُوَ أَنَّ الطُّهْرَ أَصْلُ الْخِلْقَةِ ، فَقَدْ

اقْتَرَنَ بِقَوْلِهَا مَا يُوجِبُ تَصْدِيقَهَا فَصَدَقَتْ ، كَمَا لَوْ قَالَ : كُلُّ جَارِيَةٍ لِي حُرَّةٌ إلَّا الْأَبْكَارَ مِنْهُنَّ ، ثُمَّ قَالَ : هُنَّ أَبْكَارٌ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ .
وَأَمَّا الْحَيْضُ فَلَيْسَ هُوَ أَصْلَ الْخِلْقَةِ ، وَإِنَّمَا هُوَ مَعْنًى طَارِئٌ ، فَلَمْ يَقْتَرِنْ بِذَلِكَ الْقَوْلِ مَا يُوجِبُ تَصْدِيقَهُ وَثُبُوتَهُ ؛ فَلَا يَثْبُتُ .

224 - 224 - إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا ، أَوْ إنْ شِئْتِ ، فَجَاءَ غَدٌ قَبْلَ أَنْ تَشَاءُ وَقَعَ الطَّلَاقُ ، وَإِنْ شَاءَتْ السَّاعَةَ وَقَعَ الطَّلَاقُ .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا أَوْ إنْ جَاءَ زَيْدٌ ، فَإِنْ جَاءَ غَدٌ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ زَيْدٌ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ .
وَالْفَرْقُ : أَنَّهُ الْتَزَمَ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِوُجُودِ أَحَدِ الشَّرْطَيْنِ ، إمَّا بِمَشِيئَتِهَا أَوْ بِمَجِيءِ الْغَدِ ، وَحِينَ قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا .
بَطَلَ خِيَارُهَا ، فَلَوْ لَمْ تُوقِعْهُ فِي الْغَدِ لَأَبْطَلَتْ مَا الْتَزَمَهُ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ .
وَفِي قَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا أَوْ إنْ جَاءَ فُلَانٌ ، الْتَزَمَ الطَّلَاقَ بِأَحَدِهِمَا ، وَلَا يَبْطُلُ الشَّرْطُ بِمُفَارَقَةِ الْمَجْلِسِ ، وَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ أَحَدُهُمَا لَمْ يَتَعَيَّنْ فِي الْآخَرِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ مَا الْتَزَمَهُ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ قَوْلَهُ إنْ شِئْتِ لَيْسَ بِشَرْطٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَلَّا يَحْلِفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ ، فَقَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْتِ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ ، وَإِنَّمَا هُوَ تَمْلِيكٌ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَبْطُلُ بِمُفَارَقَةِ الْمَجْلِسِ ، فَصَارَ كَقَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا أَوْ أَمْرُكِ بِيَدِكِ ، فَلَمَّا قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا لَمْ يَصِرْ الْأَمْرُ بِيَدِهَا وَوَقَعَ الطَّلَاقُ مُؤَقَّتًا بِالْغَدِ .
وَفِي قَوْلِهِ : إنْ جَاءَ فُلَانٌ ، شَرْطٌ وَلَيْسَ بِتَمْلِيكٍ فَقَدْ وَقَّتَ الطَّلَاقَ بِوَقْتٍ وَعَلَّقَهُ بِشَرْطٍ قَبْلَهُ ، فَبَطَلَ التَّوْقِيتُ وَتَعَلَّقَ بِالشَّرْطِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ ؛ تَعَلَّقَ بِالدُّخُولِ ، كَذَلِكَ هَذَا .

225 - 225 - إذَا قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ : إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثَلَاثًا ، فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ مَرِضَ مَرَضَ مَوْتِهِ ، فَقَالَ : عَنَيْتُ هَذِهِ ؛ لَمْ يُصَدَّقْ وَوَرِثَتَاهُ .
وَلَوْ قَالَ لِعَبْدَيْهِ : أَحَدُكُمَا حُرٌّ ، ثُمَّ قَالَ : عَنَيْتُ هَذَا ، لِأَكْثَرِهِمَا قِيمَةً فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ؛ صُدِّقَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ لَمْ يُوجِبْ انْقِطَاعَ إرْثِ إحْدَاهُمَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ وَلَمْ يُبِنْ كَانَ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا ، فَهُوَ بِالْبَيَانِ صَارَ قَاصِدًا قَطْعَ حَقِّ إحْدَى الْوَرَثَةِ ، وَنَافِعًا لِلْأُخْرَى فَلَحِقَتْهُ التُّهْمَةُ فَلَا يَنْقَطِعُ كَمَا لَوْ طَلَّقَ إحْدَاهُمَا ابْتِدَاءً .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعِتْقُ ، لِأَنَّهُ بِالْبَيَانِ لَمْ يَصِرْ قَاصِدًا قَطْعَ حَقِّ أَحَدِ الْوَرَثَةِ ، وَاسْتِحْقَاقَ الْآخَرِ ، لِأَنَّ الْعَبْدَ غَيْرُ وَارِثٍ ، وَإِذَا لَمْ يَصِرْ قَاصِدًا قَطْعَ حَقِّ أَحَدِ الْوَرَثَةِ لَمْ تَلْحَقْهُ التُّهْمَةُ فِيهِ فَصَحَّ بَيَانُهُ .

226 - 226 - إذَا قَالَ : الْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ ثَلَاثًا ، فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً طَلُقَتْ ثَلَاثًا .
وَلَوْ قَالَ : هَذِهِ الْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ ثَلَاثًا ، وَأَشَارَ إلَيْهَا ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ تَطْلُقْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى عَرَّفَهَا بِالنِّكَاحِ ، وَأَوْقَعَ الطَّلَاقَ عَلَيْهَا ، وَالتَّعْرِيفُ لَا يَقَعُ إلَّا بِالنِّكَاحِ ، فَصَارَ التَّزْوِيجُ شَرْطًا وَالطَّلَاقُ مُضَافٌ إلَى الْمِلْكِ ، فَإِذَا وُجِدَ وَقَعَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ؛ لِأَنَّهُ عَرَّفَهَا بِالْإِشَارَةِ فَلَمْ يَكُنْ التَّزْوِيجُ تَعْرِيفًا وَشَرْطًا ، فَصَارَ مُوقِعًا لِلطَّلَاقِ فِي الْحَالِ ، وَلَا يَمْلِكُهَا فَلَا يَقَعُ .
وَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ قَوْلَهُ : هَذِهِ إشَارَةٌ ، وَقَوْلَهُ : الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا صِفَةٌ فَقَدْ وَصَفَ إشَارَةً ، وَالْإِشَارَةُ أَوْلَى مِنْ الصِّفَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : هَذِهِ الْمَرْأَةُ الْحَسْنَاءُ طَالِقٌ ، وَأَشَارَ إلَى قَبِيحَةٍ ؛ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى الْقَبِيحَةِ دُونَ الْحَسْنَاءِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ : هَذِهِ طَالِقٌ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ ؛ فَلَا يَقَعُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : الْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُ ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا ، وَلَمْ يُشِرْ إلَيْهَا ، فَتَعَلَّقَ الطَّلَاقُ بِالْوَصْفِ ، وَالْوَصْفُ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْحَالِ ، فَصَارَ مُوجِبًا الطَّلَاقَ عِنْدَ وُجُودِ الصِّفَةِ ، فَإِذَا وُجِدَتْ تِلْكَ الصِّفَةُ وَقَعَ ، كَمَا لَوْ قَالَ : الْمَرْأَةُ الْحَسْنَاءُ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ عَلَى الْقَبِيحَةِ ، كَذَلِكَ هَذَا .

227 - 227 - لَوْ قَالَ : إنْ تَزَوَّجْتُ نِسَاءً أَبَدًا فَهِيَ طَالِقٌ ، فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَتَزَوَّجَ ثَلَاثًا .
وَلَوْ قَالَ : إنْ تَزَوَّجْتُ النِّسَاءَ أَبَدًا فَهِيَ طَالِقٌ ، فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً طَلُقَتْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ نِسَاءً جَمْعٌ مُنَكَّرٌ ، وَأَقَلُّ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ اسْمِ الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ ثَلَاثٌ ، فَيُقَالُ امْرَأَةً وَامْرَأَتَيْنِ وَنِسَاءً ، فَإِذَا تَزَوَّجَ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ لَمْ يَدْخُلْ فِي الِاسْمِ فَلَا يَقَعُ .
وَإِذَا قَالَ : النِّسَاءَ فَقَدْ أَدْخَلَ الْأَلِفَ وَاللَّامَ عَلَى الْجَمْعِ ، فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ لِلتَّعْرِيفِ أَوْ لِلْمَعْهُودِ أَوْ لِلْجِنْسِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلتَّعْرِيفِ أَوْ لِلْمَعْهُودِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ هَاهُنَا مَعْهُودٌ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ ، فَبَقِيَ أَنْ يَكُونَ لِلْجِنْسِ ، وَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ أَوْ لِوَاحِدَةٍ مِنْ آحَادِهِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : الْمُرَادُ بِهِ اسْتِغْرَاقُ الْجِنْسِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ لُزُومَ حُكْمِ يَمِينِهِ ؛ إذْ لَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ مِنْهُ ، فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا يَتَأَتَّى مِنْهُ لِيَصِحَّ الْمَنْعُ بِعَقْدِهِ عَنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ ، فَحُمِلَ عَلَى أَقَلِّ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الِاسْمِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : لَا أَشْرَبُ الْمَاءَ فَشَرِبَ شَرْبَةً حَنِثَ ، كَذَلِكَ هَذَا ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ اسْمَ الْجَمْعِ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْوَاحِدُ مِنْ الْجِنْسِ قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ } وَالْمُرَادُ بِهِ وَاحِدٌ وَهُوَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ فَإِنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ .

إذَا قَالَ لِامْرَأَةٍ يَمْلِكُهَا : إنْ نَكَحْتُكِ فَعَبْدِي حُرٌّ ، فَتَزَوَّجَهَا ؛ حَنِثَ .
وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ يَمْلِكُهَا : إنْ نَكَحْتُكِ فَعَبْدِي حُرٌّ ، فَأَبَانَهَا ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَحْنَثْ ، وَإِنْ وَطِئَهَا حَنِثَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ النِّكَاحَ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْعَقْدُ ، وَيُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْوَطْءُ ، فَإِذَا أُطْلِقَ وَجَبَ أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى الْمُمْكِنِ الْمُتَأَتِّي فِيهِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ لَوْ قَالَ : لَا آكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ ، انْصَرَفَ إلَى مَا يَحْتَاجُ مِنْهَا مِنْ الثَّمَرَةِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : لَا أَطَأُ هَذَا الْبِسَاطَ ، انْصَرَفَ إلَى الْوَطْءِ بِالرِّجْلِ ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَأَتِّي فِيهِ ، كَذَلِكَ هَذَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِمَنْكُوحَةٍ نِكَاحًا فَاسِدًا : إنْ طَلَّقْتُكِ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى التَّلَفُّظِ بِهِ ؛ إذْ هُوَ الْمُتَأَتِّي فِيهَا دُونَ الْإِيقَاعِ وَالْمُمْكِنُ الْمُتَأَتِّي فِي الْأَجْنَبِيَّةِ الْعَقْدُ ، فَانْصَرَفَ إلَيْهِ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : إنْ عَقَدْتُ عَلَيْكِ وَتَزَوَّجْتُكِ ، فَإِذَا تَزَوَّجَهَا حَنِثَ ، وَإِذَا وَطِئَهَا لَمْ يَحْنَثْ .
وَالْمُمْكِنُ الْمُتَأَتِّي فِي الزَّوْجَةِ الْوَطْءُ ؛ إذْ الْمَنْكُوحَةُ لَا تُنْكَحُ ثَانِيًا ، فَصَارَ كَأَنَّهُ صَرَّحَ بِهِ وَقَالَ : إنْ وَطِئْتُكِ ، فَإِذَا تَزَوَّجَهَا لَمْ يَحْنَثْ .
وَفَرْقٌ آخَرُ : أَنَّهُ قَصَدَ بِيَمِينِهِ مَنْعَ نَفْسِهِ عَنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا لَا يَكُونُ مَمْنُوعًا مِنْهُ بِالشَّرْعِ ، حَتَّى يَقَعَ الْمَنْعُ بِعَقْدِهِ عَنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ ، وَلَوْ صَرَفْنَا إلَى مَا يَكُونُ مَمْنُوعًا بِالشَّرْعِ لَمْ يَقَعْ الْمَنْعُ بِعَقْدِهِ عَنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ بِالشَّرْعِ عَنْ الْعَقْدِ عَلَى امْرَأَتِهِ ، فَانْصَرَفَ يَمِينُهُ إلَى الْوَطْءِ .
وَفِي الْأَجْنَبِيَّةِ مَمْنُوعٌ بِالشَّرْعِ مِنْ الْوَطْءِ ، فَانْصَرَفَ إلَى الْعَقْدِ ، فَكَأَنَّهُ صَرَّحَ وَقَالَ : لَا أَعْقِدُ ، فَإِذَا وَطِيءَ لَمْ يَحْنَثْ ، وَإِذَا عَقَدَ حَنِثَ ، كَذَلِكَ هَذَا .

إذَا قَالَ : إنْ دَخَلَ دَارِيَ هَذِهِ أَحَدٌ فَعَبْدِي حُرٌّ ، أَوْ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ ، فَدَخَلَهَا هُوَ وَلَا نِيَّةَ لَهُ ؛ لَمْ يَحْنَثْ .
وَلَوْ قَالَ : إنْ دَخَلَ دَارَكَ هَذِهِ أَحَدٌ فَعَبْدِي حُرٌّ ، أَوْ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ ، فَدَخَلَهَا الْحَالِفُ حَنِثَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَنْفِيَّ دُخُولٌ مُنَكَّرٌ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : أَحَدٌ نَكِرَةٌ وَهُوَ قَدْ عَرَّفَ نَفْسَهُ بِإِضَافَةِ الدَّارِ إلَيْهِ ، وَالْمَعْرِفَةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ النَّكِرَةِ ؛ لِأَنَّ فِي التَّعْرِيفِ مَعْنًى زَائِدًا عَلَى النَّكِرَةِ ، وَهُوَ اخْتِصَاصُهُ بِهِ ، وَالنَّكِرَةُ لَا يَخْتَصُّ بِهِ أَحَدٌ ، وَلِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ تَدْخُلُ فِي الْمَعْرِفَةِ ، وَلَا تَدْخُلُ فِي النَّكِرَةِ ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْأَكْثَرُ دَاخِلًا فِي الْأَقَلِّ ، وَإِذَا اسْتَحَالَ أَنْ يَدْخُلَ تَحْتَهُ انْصَرَفَ النَّهْيُ إلَى غَيْرِهِ ؛ فَلَا يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : إنْ دَخَلَ دَارَكَ ؛ لِأَنَّهُ عَرَّفَ صَاحِبَ الدَّارِ بِإِضَافَةِ الدَّارِ إلَيْهِ ، وَلَمْ يُعَرِّفْ نَفْسَهُ فَبَقِيَ هُوَ مُنَكَّرًا ، وَقَدْ بَقِيَ دُخُولُ الْمُنَكَّرِ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي النَّكِرَةِ ، فَإِذَا دَخَلَ وُجِدَ شَرْطُ حِنْثِهِ ؛ فَحَنِثَ فِي يَمِينِهِ .

230 - 230 - إذَا قَالَ لَهُ رَجُلٌ : تَغَدَّ عِنْدِي الْيَوْمَ ، فَقَالَ : إنْ تَغَدَّيْت فَعَبْدُهُ حُرٌّ ، أَوْ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ ، فَانْصَرَفَ إلَى بَيْتِهِ ، وَتَغَدَّى ؛ لَمْ يَحْنَثْ .
وَلَوْ قَالَ : إنْ تَغَدَّيْت الْيَوْمَ فَعَبْدُهُ حُرٌّ ، فَتَغَدَّى فِي بَيْتِهِ ؛ حَنِثَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُضِيفَ عَيَّنَ غَدَاءً وَدَعَا إلَيْهِ ، فَانْصَرَفَ إلَى ذَلِكَ الْغَدَاءِ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : لَا أَتَغَدَّى هَذَا الْغَدَاءَ ، الدَّلِيلُ عَلَيْهِ لَوْ هَمَّ يَضْرِبُ عَبْدَهُ فَقَالَ وَاحِدٌ : هَبْنِي ضَرْبَهُ ، فَقَالَ : إنْ أَنَا وَهَبْتُ فَعَبْدِي حُرٌّ ، انْصَرَفَ إلَى ذَلِكَ الضَّرْبِ بِعَيْنِهِ ، وَلَا يَحْنَثُ بِغَيْرِهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : إنْ تَغَدَّيْتُ الْيَوْمَ ؛ لِأَنَّهُ زَادَ عَلَى مِقْدَارِ الْجَوَابِ فَصَارَ عَادِلًا عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُجِيبَ بِأَوْجَزَ مِنْهُ وَهُوَ أَلَّا يَذْكُرَ الْيَوْمَ ، فَصَارَ مُبْتَدَأً يَمِينًا ، فَلَمْ يَكُنْ الْأَوَّلُ جَوَابًا لَهُ ، وَلَوْ ابْتَدَأَ فَقَالَ : إنْ تَغَدَّيْتُ الْيَوْمَ فَعَبْدُهُ حُرٌّ ، فَتَغَدَّى فِي بَيْتِهِ ؛ حَنِثَ ، كَذَلِكَ هَذَا .

231 - 231 - إذَا قَالَ : كُلُّ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا ، فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ كَلَّمَ فُلَانًا ، ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْرَى طَلُقَتْ الَّتِي تَزَوَّجَهَا قَبْلَ الْكَلَامِ ، وَلَا تَطْلُقُ الَّتِي تَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ .
وَلَوْ قَالَ : إنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا فَكُلُّ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ ، فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً ، ثُمَّ كَلَّمَ فُلَانًا ، ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْرَى ؛ فَإِنَّ الْأَخِيرَةَ تَطْلُقُ ، وَلَا تَطْلُقُ الْأُولَى .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ : كُلُّ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا شَرْطٌ ، وَقَوْلُهُ : فَهِيَ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا يَمِينٌ فَقَدْ شَرَطَ شَرْطًا وَأَجَابَ عَنْهُ بِيَمِينٍ ، فَعِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَزِمَهُ قَوْلُهُ : هِيَ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا ، فَإِذَا كَلَّمَهُ حَنِثَ وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ ، فَإِذَا انْحَلَّ فَمَا تَزَوَّجَ بَعْدَ ذَلِكَ الْكَلَامِ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ فَلَا يَحْنَثُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : إنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا فَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : إنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا شَرْطٌ ، وَقَوْلُهُ : فَكُلُّ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا يَمِينٌ ، فَقَدْ شَرَطَ شَرْطًا أَجَابَ عَنْهُ بِيَمِينٍ ، فَعِنْدَ وُجُودِ الْمُكَالَمَةِ لَزِمَهُ قَوْلُهُ : كُلُّ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ، وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ قَالَ : كُلُّ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ ؛ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى مَنْ تَزَوَّجَ بَعْدَ الْيَمِينِ ، وَلَا يَقَعُ عَلَى مَنْ تَزَوَّجَ قَبْلَهُ ، كَذَلِكَ هَاهُنَا يَقَعُ عَلَى مَنْ تَزَوَّجَ بَعْدَ الْكَلَامِ ، وَلَا يَقَعُ عَلَى مَنْ تَزَوَّجَ قَبْلَهُ ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ عَلَّقَ وُجُوبَ الْيَمِينِ بِالشَّرْطِ ، فَمَا لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ لَا يَلْزَمُهُ ، كَمَا لَوْ عَلَّقَ جَوَابًا بِالشَّرْطِ فَمَا لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ لَا يَلْزَمُهُ الْجَوَابُ ، كَذَلِكَ هَذَا ، وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْهُ لَمْ تَطْلُقْ مَا تَزَوَّجَ قَبْلَ الْكَلَامِ .

232 - 232 - وَلَوْ قَالَ : عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ أَبَدًا ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ : إنْ تَكَلَّمْتُ أَوْ قُمْتُ فَأَنْتِ طَالِقٌ ؛ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ الْأُولَى ، وَعَتَقَ عَبْدُهُ .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْتِ ؛ لَمْ يُعْتَقْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ : إنْ تَكَلَّمْتُ فَأَنْتِ طَالِقٌ .
شَرْطٌ وَجَزَاءٌ ، فَصَارَ يَمِينًا ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَجْلِسِ ، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُعَبِّرَ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى مِنْ غَيْرِ إدْخَالِ حَرْفِ الشَّرْطِ فَكَانَ يَمِينًا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : إنْ شِئْتِ ؛ لِأَنَّ هَذَا تَمْلِيكٌ وَلَيْسَ بِتَعْلِيقِ طَلَاقٍ بِالشَّرْطِ ؛ فَكَانَ يَمِينًا ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْمَجْلِسِ ، وَيُمْكِنُهُ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْهُ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى مِنْ غَيْرِ إدْخَالِ حَرْفِ الشَّرْطِ بِأَنْ يَقُولَ : أَمْرُكِ بِيَدِكِ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ تَعْلِيقًا لَمْ يَكُنْ يَمِينًا ، وَلِهَذَا قُلْنَا : أَنَّهُ لَوْ قَالَ : إذَا حِضْتِ وَطَهُرْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَإِنَّهُ لَا يُعْتِقُ عَبْدَهُ ؛ لِأَنَّ هَذَا تَفْسِيرُ طَلَاقِ السُّنَّةِ ، وَيُمْكِنُهُ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ إدْخَالِ حَرْفِ الشَّرْطِ ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ : أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ ، فَلَمْ يَكُنْ حَالِفًا ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا ؛ فَلَا يَحْنَثُ ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إذَا جَاءَ غَدٌ ؛ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ ، فَصَارَ تَعْلِيقًا لَا تَوْقِيتًا ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : أَجَّرْتُكِ هَذِهِ الدَّارَ غَدًا ؛ جَازَ ، وَلَوْ قَالَ : إذَا جَاءَ غَدٌ فَقَدْ أَجَّرْتُكِ هَذِهِ الدَّارَ ؛ لَمْ يَجُزْ لِهَذَا الْمَعْنَى .
فَإِنْ قِيلَ : إذَا قَالَ : إنْ شِئْتُ أَنَا فَأَنْتِ طَالِقٌ ؛ لَا يَحْنَثُ ، وَوُقُوعُ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَجْلِسِ .
قُلْنَا : هُوَ تَمْلِيكٌ إلَّا أَنَّهُ إنَّمَا لَا يَخْتَصُّ بِالْمَجْلِسِ ، لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَجْلِسُ مَنْ ثَبَتَ لَهُ الْمَشِيئَةُ ، لَا مَجْلِسُ الزَّوْجِ ، فَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُوجِبُ وَهُوَ

الَّذِي ثَبَتَ لَهُ الْمَشِيئَةُ أَبْطَلْنَاهُ ؛ لِأَنَّهُ الْمُوجِبُ لِلْمَشِيئَةِ ؛ فَلَا يُعْتَبَرُ .

233 - 233 - إذَا قَالَ : إنْ وَلَدْتُمَا وَلَدًا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ ، فَوَلَدَتْ إحْدَاهُمَا طَلُقَتَا وَلَوْ قَالَ : إنْ وَلَدْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ ، فَوَلَدَتْ إحْدَاهُمَا لَا تَطْلُقُ حَتَّى تَلِدَ الْأُخْرَى .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ يَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُهُمَا عَلَى وِلَادَةِ وَلَدٍ وَاحِدٍ ، فَصَارَ شَرْطُ يَمِينِهِ مُنْصَرِفًا إلَى مَا يُمْكِنُ ، وَالْمُمْكِنُ وِلَادَةُ إحْدَاهُمَا ، وَيَجُوزُ أَنْ يُضَافَ الْفِعْلُ إلَى اثْنَتَيْنِ ، وَالْمُرَادُ بِهِ أَحَدُهُمَا كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ } ، وَإِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَقَالَ الْحَجَّاجُ : يَا حَبَشِيُّ اضْرِبَا عُنُقَهُ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : إذَا وَلَدَتْ إحْدَاكُمَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : إذَا وَلَدْتُمَا ، وَلَمْ يَقُلْ وَلَدًا ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْفِعْلَ إلَيْهِمَا ، وَحَقِيقَةُ الْفِعْلِ مِنْهُمَا مُمْكِنٌ ، وَالْفِعْلُ إذَا أُضِيفَ إلَى اثْنَيْنِ اقْتَضَى اشْتِرَاكُهُمَا فِيهِ ، كَدُخُولِ الدَّارِ وَغَيْرِهِ ، فَإِذَا وَلَدَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا ، فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْحِنْثِ ، وَهُوَ وُجُودُ الْوِلَادَةِ مِنْهُمَا ؛ فَلَا يَحْنَثُ .

234 - 234 - إذَا كَانَ لِرَجُلٍ امْرَأَتَانِ صَغِيرَتَانِ مُرْضِعَتَانِ فَقَالَ : إحْدَاكُمَا طَالِقٌ لَا يَنْوِي وَاحِدَةً مِنْهُمَا ثُمَّ جَاءَتْ امْرَأَةٌ فَأَرْضَعَتْهُمَا ؛ فَقَدْ بَانَتَا ، فَجُعِلَ الطَّلَاقُ فِي الذِّمَّةِ ، وَبَقَاءُ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الطَّلَاقِ ، حَتَّى قَالَ : فَسَدَ نِكَاحُهُمَا ؛ إذْ لَوْ بَانَتْ إحْدَاهُمَا لَمَا حُرِّمَتَا بِالرَّضَاعِ ، كَمَا لَوْ أَرْضَعَتْ امْرَأَتُهُ وَأَجْنَبِيَّةٌ .
وَقَدْ قَالَ فِي النِّكَاحِ : لَوْ تَزَوَّجَ أَرْبَعَ كُوفِيَّاتٍ ثُمَّ طَلَّقَ إحْدَاهُنَّ بِغَيْرِ عَيْنِهَا ، ثُمَّ تَزَوَّجَ مَكِّيَّةً جَازَ نِكَاحُهَا ، فَجُعِلَ الطَّلَاقُ وَاقِعًا هَاهُنَا .
فَمِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ : رِوَايَتَانِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إحْدَاهُمَا عَلَى الْخِلَافِ ، وَقَالَ : وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَذَاكَ قَوْلُهُمَا ، وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمَسَائِلِ الَّذِي ذَكَرْتُ فِيهَا وُجُوهَ الرِّوَايَاتِ .
وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ ، وَقَالَ : لَمَّا تَزَوَّجَ مَكِّيَّةً فَقَدْ فَعَلَ مَا دَلَّ عَلَى صَرْفِ الطَّلَاقِ مِنْ الذِّمَّةِ إلَى الْعَيْنِ وَهُوَ تَزَوُّجُهَا ، وَلَهُ صَرْفُهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : صَرَفْتُ الطَّلَاقَ مِنْ الذِّمَّةِ إلَى الْعَيْنِ ، وَلَوْ قَالَ هَكَذَا ثُمَّ تَزَوَّجَ خَامِسَةً جَازَ ، كَذَا هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الرَّضَاعِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ مَا دَلَّ عَلَى صَرْفِ الطَّلَاقِ مِنْ الذِّمَّةِ إلَى الْعَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ فِعْلًا وَغَيْرُهُ أَرْضَعَهُمَا فَلَمْ يَصِرْ مُعَيَّنًا ، فَبَقِيَ حُكْمُ الْعَقْدِ ، فَصَارَتَا أُخْتَيْنِ فَفَسَدَ النِّكَاحُ .

235 - 235 - إذَا خَلَعَهَا عَلَى مَا فِي يَدِهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ وَلَيْسَ فِي يَدِهَا شَيْءٌ ؛ فَعَلَيْهَا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ .
وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى مَا فِي يَدِ الْعَبْدِ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَقَبِلَهُ الْعَبْدُ ، وَلَيْسَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ لَزِمَهُ قِيمَةُ نَفْسِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبُضْعَ لَيْسَ بِمَالٍ فِي خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِ الزَّوْجِ ، وَيَجُوزُ عَقْدُ الْخُلْعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْبَدَلِ ، وَجَهَالَةُ الْبَدَلِ لَا تَمْنَعُ صِحَّتَهُ فَصَحَّ الْعَقْدُ ، وَقَدْ الْتَزَمَتْ تَسْلِيمَ دَرَاهِمَ عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ ، فَلَزِمَهَا أَقَلُّ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الِاسْمِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِدَرَاهِمَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعِتْقُ ؛ لِأَنَّ رَقَبَةَ الْعَبْدِ مَالٌ فِي خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِ الْمَوْلَى ، فَصَارَ هَذَا مَالًا مَجْهُولًا بَدَلًا عَمَّا هُوَ مَالٌ ، فَإِذَا اسْتَوْفَى الْبَدَلَ لَزِمَهُ رَدُّ قِيمَتِهِ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرَّدِّ كَالْمَبِيعِ ، وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِدَرَاهِمَ وَلَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَهَا وَقَبَضَهُ كَانَ مَضْمُونًا بِقِيمَتِهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
فَإِنْ قِيلَ : مِنْ لِلتَّبْعِيضِ فَقَدْ الْتَزَمَتْ تَسْلِيمَ بَعْضِ الدَّرَاهِمِ ، فَلِمَاذَا يَلْزَمُهَا الثَّلَاثَةُ .
قُلْنَا إنَّ التَّبْعِيضَ هَاهُنَا يَقَعُ فِي الْجِنْسِ لَا فِي الْعَدَدِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهَا : اخْلَعْنِي عَلَى مَا فِي يَدَيَّ ، وَلَمْ تَقُلْ مِنْ الدَّرَاهِمِ دَخَلَ فِيهِ الدَّرَاهِمُ وَغَيْرُ الدَّرَاهِمِ مِنْ الْأَمْوَالِ ، فَلَمَّا قَالَتْ : مِنْ الدَّرَاهِمِ فَقَدْ بَيَّنَتْ جِنْسًا مِنْ الْأَمْوَالِ ، فَصَارَ التَّبْعِيضُ لِلْجِنْسِ لَا لِعَدَدٍ ، فَلَمْ يَدْخُلْ التَّبْعِيضُ فِي الدَّرَاهِمِ فَلَزِمَهَا أَقَلُّ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الِاسْمِ .

237 - 237 - إذَا قَالَتْ : اخْلَعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي مِنْ الدَّرَاهِمِ فَخَلَعَهَا فَإِذَا فِي يَدِهَا دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمَانِ لَزِمَهَا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ .
وَقَالَ فِي الْجَامِعِ : لَوْ قَالَ : إنْ كَانَ فِي يَدِي مِنْ الدَّرَاهِمِ إلَّا ثَلَاثَةٌ فَجَمِيعُ مَا فِي يَدِي مِنْ الدَّرَاهِمِ صَدَقَةٌ ، وَكَانَ فِي يَدِهِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا كُلِّهَا .
قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ الزَّوْجِ خَلَعْتُهَا عَلَى مَا فِي يَدَيَّ مِنْ الدَّرَاهِمِ حَتَّى يَكُونَ وَزَّانًا لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، فَيَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ قَالَ : خَلَعْتُكِ عَلَى دَرَاهِمَ فِي يَدِكِ ، فَلَا يُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا .
وَلَئِنْ أَجْرَيْنَاهُ عَلَى الظَّاهِرِ فَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا فَنَقُولُ : مِنْ لِتَبْعِيضِ الْعَدَدِ ، وَيَكُونُ لِتَمْيِيزِ الْجِنْسِ ، وَيَكُونُ لِلصِّلَةِ وَالْمَقْصُودُ فِي الْخُلْعِ إثْبَاتُ ذَلِكَ الْمَالِ فِيهِ ، فَلَوْ حَمَلْنَا قَوْلَهُ : مِنْ الدَّرَاهِمِ ، عَلَى تَبْعِيضِ الْعَدَدِ لَأَبْطَلْنَاهُ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مَجْهُولًا وَجَهَالَةُ الْبَدَلِ فِي الْخُلْعِ تَمْنَعُ ثُبُوتَهُ ، فَحَمَلْنَاهُ عَلَى تَمْيِيزِ الْجِنْسِ أَوْ الصِّلَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ : خَلَعْتُكِ عَلَى دَرَاهِمَ فِي يَدَيَّ ، وَأَقَلُّهَا ثَلَاثَةٌ فَلَزِمَهُ .
وَأَمَّا فِي النُّذُورِ فَالْمَقْصُودُ إيجَابُ التَّصَدُّقِ ، فَلَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى التَّبْعِيضِ لَمْ يَمْنَعْ صِحَّتَهُ ؛ لِأَنَّ إيجَابَ التَّصَدُّقِ بِالْمَجْهُولِ يَجُوزُ ، فَحَمَلْنَاهُ عَلَى تَبْعِيضِ الْعَدَدِ ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَثْنَى الْعَدَدَ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يُدْخِلْ مِنْ لِتَمْيِيزِ الدَّرَاهِمِ مِنْ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا دَخَلَ لِتَمْيِيزِ الْعَدَدِ وَتَبْعِيضِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : إنْ كَانَ فِي يَدَيَّ بَعْضُ الْعَدَدِ الَّتِي سَمَّى دَرَاهِمَ فَهُوَ صَدَقَةٌ ، وَالدِّرْهَمَانِ بَعْضُ الدَّرَاهِمِ ؛ فَلَزِمَهُ التَّصَدُّقُ بِهَا .

237 - 237 - إذَا قَالَ : كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ، فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً ؛ فَطَلُقَتْ ، ثُمَّ تَزَوَّجَ ثَانِيًا ؛ لَمْ تَطْلُقْ .
وَلَوْ قَالَ : كُلَّمَا تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ ، فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فَطَلُقَتْ ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا مَرَّةً أُخْرَى طَلُقَتْ ، وَكَذَلِكَ لَوْ عَادَ مِرَارًا ثَالِثًا وَرَابِعًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ " كُلَّ " حَرْفٌ يَجْمَعُ الْأَسْمَاءَ وَلَا يَجْمَعُ الْأَفْعَالَ ، وَلَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ : كُلُّ رَجُلٍ وَكُلُّ امْرَأَةٍ ، وَلَا يُقَالُ : كُلُّ دَخَلَ وَكُلُّ خَرَجَ ، فَقَدْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِالِاسْمِ لَا بِالْفِعْلِ ، وَالِاسْمُ لَا يَتَكَرَّرُ ، فَقَدْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِشَرْطٍ لَا يَتَكَرَّرُ فَلَا يَتَكَرَّرُ الْجَزَاءُ بِتَكْرَارِ الشَّرْطِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : كُلَّمَا ؛ لِأَنَّ كُلَّمَا حَرْفٌ يَتَعَلَّقُ بِالْأَفْعَالِ ، وَيَقْتَضِي التَّكْرَارَ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى : { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ } أَوْجَبَ تَكْرَارَ الْوُقُوعِ بِتَكْرَارِ الشَّرْطِ ، وَكُلَّمَا وُجِدَ الشَّرْطُ وَهُوَ التَّزَوُّجُ وَقَعَ الطَّلَاقُ .

238 - 238 - عَبْدٌ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى ، فَيَقُولُ لَهُ مَوْلَاهُ : طَلِّقْهَا ، فَإِنَّ هَذَا لَا يَكُونُ إجَازَةً لِلنِّكَاحِ .
وَلَوْ قَالَ : طَلِّقْهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا ؛ كَانَ إجَازَةً .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّلَاقَ فِي النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ يَكُونُ مُتَارَكَةً ؛ لِأَنَّهُ بِالْعَقْدِ انْعَقَدَتْ بَيْنَهُمَا عَلَقَةٌ ، وَالطَّلَاقُ يَرْفَعُ النِّكَاحَ ، فَيَرْفَعُ عَلَائِقَهُ ، فَقَدْ أَمَرَهُ بِمُتَارَكَةِ النِّكَاحِ فَلَمْ يَكُنْ مُجِيزًا لَهُ ، كَمَا لَوْ قَالَ : اُتْرُكْهَا أَوْ فَارِقْهَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : طَلِّقْهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ ، فَصَارَ الْأَمْرُ بِطَلَاقٍ رَجْعِيٍّ مُقْتَضِيًا لِلْإِجَازَةِ ؛ إذْ لَا يُوجَدُ دُونَهُ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : أَجَزْتُ النِّكَاحَ فَطَلِّقْهَا .

إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : كُلَّمَا وَلَدْتِ وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَوَلَدَتْ ثَلَاثَةَ أَوْلَادٍ فِي بُطُونٍ مُخْتَلِفَةٍ طَلُقَتْ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ بَعْدَ الْوَلَدِ الثَّالِثِ ثَلَاثَ حِيَضٍ .
وَلَوْ أَنَّهَا وَلَدَتْ ثَلَاثَةَ أَوْلَادٍ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ طَلُقَتْ تَطْلِيقَتَيْنِ ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالْوَلَدِ الثَّالِثِ ، وَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ بِالْوَلَدِ الثَّالِثِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ " كُلَّمَا " حَرْفٌ يَتَعَلَّقُ بِالْأَفْعَالِ وَيُوجِبُ التَّكْرَارَ ، فَقَدْ أَوْجَبَ تَكْرَارَ الْوُقُوعِ بِتَكْرَارِ الْوِلَادَةِ ، فَلَمَّا وَلَدَتْ أَوَّلًا وَقَعَ الطَّلَاقُ وَوَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ فَلَمَّا وَلَدَتْ ثَانِيًا وُجِدَ شَرْطُ الْوُقُوعِ ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَنْقَضِي إلَّا بِوَضْعِ مَا فِي بَطْنِهَا ، وَقَدْ بَقِيَ فِي بَطْنِهَا وَلَدٌ فَوَقَعَتْ الثَّانِيَةُ ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ ، فَإِذَا وَلَدَتْ الثَّالِثَ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا ، فَصَادَفَ شَرْطُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ فَلَا يَقَعُ .
وَأَمَّا إذَا وَلَدَتْ فِي بُطُونٍ مُخْتَلِفَةٍ فَنَقُولُ : لَمَّا وَلَدَتْ أَوَّلًا وَقَعَ الطَّلَاقُ ، وَلَمَّا وَلَدَتْ ثَانِيًا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ ، وَالْحُكْمُ بِثُبُوتِ النَّسَبِ حُكْمٌ بِوُجُودِ الْوَطْءِ مِنْ الزَّوْجِ فَصَارَ مُرَاجِعًا لَهَا ، فَلَمَّا وَلَدَتْ ثَالِثًا وُجِدَ شَرْطُ الْوُقُوعِ وَهِيَ مَنْكُوحَةٌ ، فَوَقَعَ الثَّالِثُ وَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ عَقِيبَ الْوِلَادَةِ بِالْوَلَدِ الثَّالِثِ ثَلَاثَ حِيَضٍ .

240 - 240 - إذَا قَالَ لِرَجُلَيْنِ : طَلِّقَا امْرَأَتِي ؛ فَلِأَحَدِهِمَا أَنْ يُطَلِّقَ .
وَلَوْ قَالَ : أَمْرُ امْرَأَتِي بِأَيْدِيكُمَا ، فَطَلَّقَهَا أَحَدُهُمَا لَمْ يَقَعْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ : طَلِّقَا أَمْرٌ بِتَنْفِيذِ قَوْلِهِمَا ، فَصَارَا كَالرَّسُولَيْنِ ، وَلِأَحَدِ الرَّسُولَيْنِ أَنْ يُؤَدِّيَ الرِّسَالَةَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : أَمْرُ امْرَأَتِي بِيَدِكُمَا ؛ لِأَنَّهُ مَلَّكَهُمَا الرَّأْيَ وَالِاخْتِيَارَ فِي إيقَاعِ الطَّلَاقِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْمَجْلِسِ ، فَقَدْ رَضِيَ بِرَأْيِهِمَا وَاخْتِيَارِهِمَا وَلَمْ يَرْضَ بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا ، فَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ ، كَالْوَكِيلَيْنِ فِي الْبَيْعِ .

241 - 241 - إذَا آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ فِي الصِّحَّةِ ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَا تَرِثُ .
وَلَوْ آلَى فِي الْمَرَضِ وَرِثَتْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ بِالْمَرَضِ تَعَلَّقَ حَقُّهَا بِمَالِهِ ، فَقَدْ عَقَدَ وَحَقُّهَا مُتَعَلَّقٌ بِمَالِهِ فَاتُّهِمَ فِي قَطْعِ حَقِّهَا ، فَكَانَ فَارًّا .
وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي الصِّحَّةِ فَحِينَ عَقَدَ لَمْ يَكُنْ حَقُّهَا مُتَعَلِّقًا بِمَالِهِ ، فَقَدْ عَلَّقَهُ بِمَعْنًى لَا فِعْلَ لَهُ فِيهِ ، وَوُقُوعُ الْفُرْقَةِ بِالْإِيلَاءِ لَا فِعْلَ لَهُ فِيهِ ، فَلَمْ يُتَّهَمْ فِيهَا فَلَمْ يَكُنْ فَارًّا ؛ فَلَا تَرِثُ .

242 - 242 - إذَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ طَلَّقَنِي زَوْجِي وَهُوَ مَرِيضٌ ، وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ : طَلَّقَكِ وَهُوَ صَحِيحٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ .
وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ كَافِرَةٌ فَأَسْلَمَتْ وَقَالَتْ : أَسْلَمْتُ فِي صِحَّتِهِ ، وَأَنْكَرَ الْوَرَثَةُ إسْلَامَهَا فِي حَيَاتِهِ وَصِحَّتِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَرَثَةِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ حَقَّهَا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِمَالِهِ ، فَإِذَا قَالَتْ : طَلَّقَنِي فِي الْمَرَضِ ، فَهِيَ تَدَّعِي بَقَاءَ حَقِّهَا وَاَلَّتِي تَدَّعِي بَقَاءَ حَقِّهَا فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ فَقَدْ ادَّعَتْ وَالظَّاهِرُ مَعَهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْكَافِرَةُ فَظَاهِرُ كَوْنِهَا كَافِرَةً يُوجِبُ انْقِطَاعَ حَقِّهَا عَنْ مَالِهِ ، وَالظَّاهِرُ بَقَاءُ ذَلِكَ الِانْقِطَاعِ فَهِيَ تَدَّعِي حُدُوثَ مَعْنًى تُرِيبُ بِهِ ، وَهُمْ يُنْكِرُونَ وَالظَّاهِرُ مَعَهُمْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ .

243 - 243 - إذَا قَذَفَ الْأَعْمَى امْرَأَتَهُ وَهِيَ عَمْيَاءُ وَجَبَ اللِّعَانُ بَيْنَهُمَا .
وَلَوْ قَذَفَ الْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ امْرَأَتَهُ ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ اللِّعَانُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَحْدُودَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُ قَدْ أَبْطَلَهَا الشَّرْعُ فَصَارَ كَأَنَّ الْقَاضِيَ أَبْطَلَهَا ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ اللِّعَانِ ؛ إذْ فِي اللِّعَانِ مَعْنَى الشَّهَادَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ } .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأَعْمَى ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَى مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ حَاكِمًا لَوْ حَكَمَ بِجَوَازِ شَهَادَتِهِ جَازَ ، فَصَارَ كَالْبَصِيرِ .

244 - 244 - وَإِذَا مَاتَ الْوَلَدُ الْمُلَاعَنُ - وَتَرَكَ وَلَدًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ الْمُدَّعِي وَوَرِثَ الْأَبَ .
وَلَوْ كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا فَلَمْ يَدَعْ الْوَلَدَ حَتَّى وَلَدَ الْوَلَدُ وَلَدًا آخَرَ ، ثُمَّ مَاتَ الْوَلَدُ الْأَوَّلُ فَادَّعَى نَسَبَهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّسَبَ ثَابِتٌ وَإِنَّمَا قَطَعَ بَعْضَ الْأَحْكَامِ بِاللِّعَانِ ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِالْفِرَاشِ وَقَدْ وُجِدَ الْفِرَاشُ ، وَالنَّسَبُ إذَا ثَبَتَ لَا يَنْقَطِعُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ ثَبَتَ النَّسَبُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا لَمْ يَثْبُتْ بِالْإِكْذَابِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ النَّسَبَ ثَابِتٌ ، وَإِنَّمَا قَطَعَ بَعْضَ الْأَحْكَامِ مِنْ الْمِيرَاثِ وَالْوِلَايَةِ وَالنَّفَقَةِ ، وَانْقِطَاعُ هَذِهِ الْأَحْكَامِ لَا يَدُلُّ عَلَى انْقِطَاعِ النَّسَبِ ، كَمَا لَوْ كَانَ الْأَبُ رَقِيقًا أَوْ كَافِرًا وَالْوَلَدُ حُرٌّ مُسْلِمٌ ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ : إنَّ النَّسَبَ غَيْرُ ثَابِتٍ وَلَكِنَّهُ مَوْقُوفٌ بِهِ ، وَتَنْفِيذُ حُكْمِ الْمَوْقُوفِ إنَّمَا يَجُوزُ فِي حَالٍ يَجُوزُ مَعَ بَقَاءِ خُلْفِهِ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً شِرَاءً مَوْقُوفًا فَقُتِلَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ ، فَإِنْ أَجَازَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ جَازَ ، وَهَذَا تَنْفِيذُ الْحُكْمِ الْمَوْقُوفِ فِي الشَّيْءِ الْفَائِتِ مَعَ بَقَاءِ خُلْفِهِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْأُمُّ بَاقِيَةً فَادَّعَاهُ ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
أَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْجَارِيَةِ فَالنَّسَبُ غَيْرُ ثَابِتٍ وَلَا مَوْقُوفٍ ، فَلَوْ أَثْبَتْنَا النَّسَبَ لَكَانَ ابْتِدَاءُ ثَبَاتِ الْحُكْمِ فِي الشَّيْءِ الْفَائِتِ مَعَ بَقَاءِ خُلْفِهِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، كَمَا لَوْ قَتَلَ أَجْنَبِيٌّ عَبْدَهُ ، فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ فَبَاعَ الْعَبْدَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ، كَذَلِكَ هَذَا .

245 - 245 - إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ أَقْرَبَكِ بِشَهْرٍ إنْ قَرُبْتُكِ ، فَمَضَى شَهْرٌ فَقَرَبَهَا بَعْدَ مُضِيِّ شَهْرٍ وَقَعَ عَلَيْهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ ، وَلَا يَكُونُ مُوَلِّيًا حَتَّى يَمْضِيَ شَهْرٌ .
وَلَوْ قَالَ : إنْ قَرُبْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ قَرُبْتُكِ .
فَقَرَبَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ حَتَّى يَقْرُبَهَا مَرَّةً أُخْرَى .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ : أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَقْرَبَكِ بِشَهْرٍ ، تَعْلِيقٌ لِلطَّلَاقِ ، فَقَدْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِشَرْطٍ وَهُوَ الْقُرْبُ ، وَوَقْتُهُ بِوَقْتٍ قَبْلَهُ ، فَيَبْطُلُ التَّوْقِيتُ وَتَعَلَّقَ بِالشَّرْطِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ السَّاعَةَ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ ، وَإِذَا بَطَلَ التَّوْقِيتُ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ قَرُبْتُكِ ، فَقَدْ كَرَّرَ شَرْطَ الْوُقُوعِ ، وَتَكَرُّرُ ذِكْرِ شَرْطِ الْوُقُوعِ لَا يُوجِبُ تَكْرَارَ الْوُقُوعِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : أَنْتِ طَالِقٌ تِلْكَ الطَّلْقَةَ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ ، فَدَخَلَتْ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ ، أَوْ قَالَ : إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَدَخَلَتْ طَلُقَتْ وَاحِدَةً كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : إنْ قَرُبْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ قَرُبْتُكِ ، فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى وُجُودِ قُرْبَيْنِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ قَرُبْتُكِ يَمِينٌ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ ، فَمَا لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ لَا يَلْزَمُهُ الْيَمِينُ ، فَإِذَا قَرَبَهَا مَرَّةً انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ لِوُجُودِ شَرْطِهِ ، فَإِذَا قَرَبَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وُجِدَ شَرْطُ حِنْثِهِ فَحَنِثَ فِي يَمِينِهِ .

246 - 246 - إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرُبُكِ ، فَدَخَلَتْ الدَّارَ وَهُوَ مَرِيضٌ لَا يَسْتَطِيعُ جِمَاعَهَا فَفَاءَ إلَيْهَا بِلِسَانِهِ جَازَ ، وَجُعِلَ كَأَنَّهُ آلَى مِنْهَا فِي حَالِ الْمَرَضِ .
وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، ثُمَّ جُنَّ فَدَخَلَتْ الدَّارَ وَقَعَ الطَّلَاقُ ، وَلَا يُجْعَلُ كَأَنَّهُ تَلَفَّظَ بِهِ فِي حَالِ جُنُونِهِ حَتَّى لَا يَقَعَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُتَلَفَّظِ بِهِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ ، وَذَلِكَ الْقَوْلُ قَوْلٌ يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِهِ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ فِي حَالِ الْمَرَضِ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرُبُكِ ، فَفَيْؤُهُ يَكُونُ بِلِسَانِهِ ، كَذَا هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ ، ثُمَّ جُنَّ ؛ لِأَنَّ الْمُعَلِّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُتَلَفِّظِ بِذَلِكَ اللَّفْظِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ ، وَذَلِكَ اللَّفْظُ لَفْظٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُكْمُ صَادِرٌ عَنْ مُكَلَّفٍ ، فَكَأَنَّهُ تَلَفَّظَ بِلَفْظٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُكْمُ ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ وَقَعَ فِي الْحَالِ ، كَذَا هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

كِتَابُ الْعَتَاقِ 247 - إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ : هَذَا أَبِي ، وَلِأَمَتِهِ : هَذِهِ أُمِّي ، وَمِثْلُهُ يُولَدُ لِمِثْلِهِ ، وَصَدَّقَهُ الْأَبُ بِذَلِكَ عَتَقَا ، وَثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ .
وَصَفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَصْدِيقَهُمَا لَهُ فِي الْأُبُوَّةِ .
وَلَمْ يَصِفْ تَصْدِيقَ الْغُلَامِ لَهُ فِي الْبُنُوَّةِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْفِعْلِ عَلَى غَيْرِهِ ، لِأَنَّهُ يَقُولُ : هُوَ اسْتَوْلَدَ أُمِّي فَأَنَا ابْنُهُ فَاشْتَرَطَ تَصْدِيقَ ذَلِكَ الْغَيْرِ .
بِخِلَافِ الْبُنُوَّةِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْفِعْلِ عَلَى نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ : أَنَا اسْتَوْلَدْتُ أُمَّكَ فَأَنْتَ ابْنِي .
وَإِذَا أَقَرَّ بِالْفِعْلِ عَلَى نَفْسِهِ لَمْ يُشْتَرَطْ تَصْدِيقُ غَيْرِهِ .

248 - 248 - إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ : أَنْتَ حُرٌّ الْيَوْمَ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ عَتَقَ فِي الْقَضَاءِ .
وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَثَاقٍ ، وَقَالَ : لَمْ أُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ .
صَدَقَ فِي الْقَضَاءِ وَلَا يَقَعُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ خَصَّ الْحُرِّيَّةَ بِعَمَلٍ ، وَالْحُرِّيَّةُ لَا تَخْتَصُّ بِعَمَلٍ دُونَ عَمَلٍ ، فَكَوْنُهُ حُرًّا مِنْ عَمَلٍ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ حُرًّا مِنْ جَمِيعِ الْأَعْمَالِ ، فَصَارَ قَوْلُهُ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ تَخْصِيصًا لِبَعْضِ مَا شَمِلَهُ اللَّفْظُ الْعَامُّ ، فَلَا يُوجِبُ قَصْرَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ ، فَعَتَقَ مِنْ جَمِيعِ الْأَعْمَالِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَثَاقٍ ؛ لِأَنَّ كَوْنَهَا طَالِقًا مِنْ الْوَثَاقِ لَا يَقْتَضِي طَلَاقَهَا مِنْ الزَّوْجِيَّةِ ، وَهِيَ تُوصَفُ بِأَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ مِنْ الْوَثَاقِ ، فَوَصْفُهَا بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ لَا يَقْتَضِي أَنْ تَتَّصِفَ بِالْإِطْلَاقِ مِنْ النِّكَاحِ ، فَلَا يَقَعُ ، وَحُكِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَشَارَ إلَى لَفْظِ الْحُرِّيَّةِ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْعَمَلِ ، وَلَفْظُ الطَّلَاقِ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْوَثَاقِ .
وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ : هَذَا عَلَى مَا كَانُوا يَتَعَارَفُونَ ، فَأَمَّا عَلَى مَا نَتَعَارَفُهُ نَحْنُ يَجِبُ أَنْ لَا يَعْتِقَ .

249 - 249 - إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ : أَنْتَ حُرٌّ كَيْفَ شِئْتَ ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : جَعَلْتُهُ عَلَى مَالِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ .
وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ كَيْفَ شِئْتَ ، ثُمَّ قَالَ : جَعَلْتُهَا عَلَى مَالٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ إذَا قَبِلَتْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ : أَنْتَ حُرٌّ كَيْفَ شِئْتَ ، لَفْظٌ يَقَعُ بِهِ الْعِتْقُ ، وَالْعِتْقُ إذَا وَقَعَ لَا يُمْكِنُ تَغْيِيرُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ بِالتَّغْيِيرِ فَائِدَةً فَوَقَعَ ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتَ حُرٌّ ، ثُمَّ قَالَ : جَعَلْتُهُ عَلَى مَالٍ ؛ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ كَيْفَ شِئْتِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَدْ وَقَعَ ، وَالطَّلَاقُ إذَا وَقَعَ يُمْكِنُ تَغْيِيرُهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَتَغَيَّرُ بِنَفْسِهِ فَيَصِيرُ بَائِنًا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، فَجَازَ أَنْ يُجْعَلَ بَائِنًا بِالْعِوَضِ كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ، ثُمَّ قَالَ : جَعَلْتُهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، فَقَبِلَتْ صَحَّ ، كَذَلِكَ هَذَا .

250 - 250 - إذَا قَالَ : أَبِيعُكَ عَبْدًا لِي بِكَذَا ، وَلَمْ يَرَهُ ، وَلَمْ يُسَمِّهِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ .
وَإِنْ قَالَ : أَعْتَقْتُ عَبْدًا لِي أَوْ عَبْدِي ؛ عَتَقَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ أَضَافَ الْبَيْعَ إلَى عَبْدٍ مُنَكَّرٍ ، فَكَانَ عَاقِدًا عَلَى مَجْهُولٍ وَبَيْعُ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ قَالَ : بِعْتُكَ أَحَدَ عَبِيدِي .
وَفِي الْعِتْقِ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى عَبْدٍ مُنَكَّرٍ فَصَارَ مَجْهُولًا ، وَإِضَافَةُ الْعِتْقِ إلَى الْمَجْهُولِ جَائِزٌ ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَعْتَقْتُ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِي .

251 - 251 - إذَا قَالَ لِأَمَتَيْهِ : إحْدَاكُمَا حُرَّةٌ ، فَقَتَلَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا رَجُلٌ آخَرُ مَعًا ، فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ قِيمَةُ أَمَةٍ .
وَلَوْ قَتَلَهُمَا رَجُلٌ وَاحِدٌ وَجَبَتْ عَلَيْهِ دِيَةُ حُرَّةٍ وَقِيمَةُ أَمَةٍ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ إحْدَاهُمَا حُرَّةٌ - لَا مَحَالَةَ - وَكُلُّ وَاحِدَةٍ فِي أَنْ تَكُونَ حُرَّةً كَصَاحِبَتِهَا ، فَاَلَّذِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الزِّيَادَةُ مَجْهُولٌ ، وَإِيجَابُ الْحَقِّ عَلَى الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَ الْقَاتِلُ وَاحِدًا ؛ لِأَنَّ إحْدَاهَا حُرَّةٌ - لَا مَحَالَةَ - فَوَجَبَتْ الدِّيَةُ ؛ لِأَنَّ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ مَعْلُومٌ ؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ وَاحِدٌ وَإِيجَابُ الزِّيَادَةِ عَلَى الْمَعْلُومِ جَائِزٌ .

252 - 252 - إذَا قَالَ لِرَجُلٍ : اعْتِقْ أَيَّ عَبِيدِي شِئْتَ ، فَأَعْتَقَهُمْ جَمِيعًا لَمْ يَعْتِقْ إلَّا وَاحِدٌ .
وَلَوْ قَالَ : أَيُّ عَبِيدِي شَاءَ الْعِتْقَ فَأَعْتِقْهُمْ ، فَإِنْ شَاءُوا الْعِتْقَ فَأَعْتَقَهُمْ ؛ عَتَقُوا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ حَرْفَ أَيْ يَدْخُلُ فِي الْكَلَامِ وَيُرَادُ بِهِ الْجَمَاعَةُ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } وَالْمُرَادُ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ الْجَمَاعَةِ ، وَيَدْخُلُ فِي الْكَلَامِ وَيُرَادُ بِهِ الْوَاحِدُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا } وَالْمُرَادُ بِهِ الْوَاحِدُ مِنْ الْجَمَاعَةِ فَإِذَا احْتَمَلَ الْوَاحِدَ وَالْجَمَاعَةَ لَمْ يُصْرَفْ إلَى أَحَدِهِمَا إلَّا بِقَرِينَةٍ ، فَإِذَا قَالَ : أَيُّ عَبِيدِي شِئْتَ ، فَقَدْ عَلَّقَ ذَلِكَ بِمَشِيئَةٍ خَاصَّةٍ ، وَإِذَا كَانَ الشَّرْطُ خَاصًّا كَانَ الْجَزَاءُ - أَيْضًا - خَاصًّا ، فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ : إذَا شِئْتَ عَتْقَ وَاحِدٍ فَأَعْتِقْهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : أَيُّهُمْ شَاءَ الْعِتْقَ ؛ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ عَامَّةٌ ، وَإِذَا كَانَ الشَّرْطُ عَامًّا كَانَ الْجَزَاءُ - أَيْضًا - عَامًّا ، فَإِذَا أَرَادُوا جَمِيعًا الْعَتْقَ عَتَقُوا .

253 - 253 - إذَا قَالَ لَهَا إنْ كَانَ حَمْلُكِ أَوْ مَا فِي بَطْنِكِ غُلَامًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ ، وَإِنْ كَانَ جَارِيَةً فَهِيَ حُرَّةٌ ، فَكَانَ حَمْلُهَا غُلَامًا وَجَارِيَةً لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا وَلَوْ قَالَ : إنْ كَانَ فِي بَطْنِكِ غُلَامٌ فَأَنْتِ حُرَّةٌ ، وَإِنْ كَانَ جَارِيَةً فَهِيَ حُرَّةٌ فَكَانَ حَمْلُهَا غُلَامًا وَجَارِيَةً يُعْتِقُ الْأُمَّ وَالْوَلَدَ مَعَهَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَمْلَ عِبَارَةٌ عَنْ جَمِيعِ مَا فِي الْبَطْنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } وَمَا فِي الْبَطْنِ عِبَارَةٌ عَنْ جَمِيعِ مَا فِيهِ فَشَرْطُ حِنْثِهِ كَوْنُ جَمِيعِ مَا فِي الْبَطْنِ غُلَامًا أَوْ جَارِيَةً ، فَإِذَا كَانَا جَمِيعًا لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْحِنْثِ فَلَا يُعْتِقُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : إنْ كَانَ فِي بَطْنِكِ ؛ لِأَنَّ " فِي " حَرْفُ ظَرْفٍ وَكَوْنُ الْبَطْنِ ظَرْفًا لِلْجَارِيَةِ لَا يَمْنَعُ كَوْنَهَا ظَرْفًا لِلْغُلَامِ أَيْضًا ، فَشَرْطُ حِنْثِهِ كَوْنُ الْغُلَامِ فِي الْبَطْنِ وَكَوْنُ الْجَارِيَةِ ، وَقَدْ وُجِدُوا فَعَتَقُوا جَمِيعًا .

254 - 254 - إذَا قَالَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ : أَعْتَقْتُكَ أَمْسِ عَلَى أَلْفٍ فَلَمْ تَقْبَلْ ، وَقَالَ : قَبِلْتُ - فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى .
وَلَوْ قَالَ : بِعْتُكَ أَمْسِ عَبْدِي هَذَا بِأَلْفٍ فَلَمْ تَقْبَلْ ، وَقَالَ : قَبِلْتُ ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي .
وَالْفَرْقُ مَا بَيَّنَّا أَنَّ الْعِتْقَ يَنْفَكُّ عَنْ وُجُوبِ الْمَالِ ، فَلَمْ يَكُنِ الْإِقْرَارُ بِالْعِتْقِ إقْرَارًا بِوُجُوبِ الْمَالِ ، فَصَارَ يَدَّعِي عَلَيْهِ عَقْدًا ، وَهُوَ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْفَكُّ عَنْ وُجُوبِ الْمَالِ .
فَصَارَ إقْرَارُهُ بِالْبَيْعِ إقْرَارًا يُوجِبُ الْمَالَ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : بِعْتُكَ وَقَبِلْتَ ، ثُمَّ قَالَ : لَمْ تَقْبَلْ .
وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي كَذَلِكَ هَذَا .

255 - 255 - إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى مَالِ فَأَعْطَاهُ كَفِيلًا بِالْمَالِ الَّذِي أَعْتَقَهُ عَلَيْهِ جَازَ .
وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى مَالٍ فَأَعْطَاهُ كَفِيلًا بِمَالِ الْمُكَاتَبَةِ لَمْ يَجُزْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ وَقَبِلَهُ صَارَ ذَلِكَ دَيْنًا صَحِيحًا ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ إسْقَاطَهُ عَنْ نَفْسِهِ لَا يُمْكِنُهُ ، فَإِذَا أَعْطَاهُ بِهِ كَفِيلًا جَازَ كَسَائِرِ الدُّيُونِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَالُ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَيْنٍ صَحِيحٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَقْدِرُ أَنْ يُسْقِطَهُ عَنْ نَفْسِهِ بِالْعَجْزِ ، بِأَنْ يُعْجِزَ نَفْسَهُ ، وَمِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ أَنْ يَبْرَأَ الْكَفِيلُ بِمَا يَبْرَأُ بِهِ الْمَكْفُولُ عَنْهُ ، وَالْمَكْفُولُ عَنْهُ يَبْرَأُ مِنْ غَيْرِ أَدَاءٍ ، وَلَا إبْرَاءٍ ، وَلَوْ جَوَّزْنَا ذَلِكَ لَكَانَ لِلْكَفِيلِ ذَلِكَ ، وَإِذَا قَدَرَ عَلَى إسْقَاطِهِ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَدَاءٍ ، وَلَا إبْرَاءٍ لَمْ تَجُزْ الْكَفَالَةُ .

256 - 256 - أُمُّ الْوَلَدِ إذَا جَنَتْ جِنَايَاتٍ أَوْ مَرَّةً لَا يَغْرَمُ الْمَوْلَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ وَاحِدَةٍ .
وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهَا دُيُونٌ مِنْ التِّجَارَةِ سَعَتْ فِي جَمِيعِ دُيُونِهَا بَالِغًا مَا بَلَغَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الدَّيْنَ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى ، وَالذِّمَّةُ تَسَعُ الْحُقُوقَ كُلَّهَا ، فَثَبَتَ جَمِيعُ الدُّيُونِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَغْرَمَ بَالِغًا مَا بَلَغَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْجِنَايَةُ ؛ لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالرَّقَبَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى وَلَا يُطَالَبُ بِهَا بَعْدَ الْعِتْقِ ، وَالرَّقَبَةُ لَا تُضْمَنُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ وَاحِدَةٍ ، كَمَا لَوْ قَتَلَ إنْسَانٌ عَبْدًا فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ وَاحِدَةٍ ، كَذَلِكَ هَذَا .

257 - 257 - وَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ يَلْزَمُ الْمَوْلَى ، وَلَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ .
وَوَلَدُ الْمَنْكُوحَةِ يَلْزَمُ الزَّوْجَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَوْلَى يَنْفَرِدُ بِقَطْعِ الْوَلَدِ الْمُسْتَفَادِ عَلَى حُكْمِ الْفِرَاشِ إلَّا أَنْ يَقْضِيَ بِهِ قَاضٍ ؛ لِأَنَّهُ بِالْقَضَاءِ ثَبَتَ مِنْهُ ، فَصَارَ كَثُبُوتِهِ بِالْإِقْرَارِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْحُرُّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَرِدُ بِقَطْعِ هَذَا الْفِرَاشِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا ، فَلَا يَنْفَرِدُ بِقَطْعِ الْوَلَدِ الْمُسْتَفَادِ عَلَى ذَلِكَ الْفِرَاشِ .

258 - 258 - وَإِذَا ادَّعَى رَجُلَانِ وَلَدَ جَارِيَةٍ بَيْنَهُمَا مَعًا فَهُوَ ابْنُهُمَا يَرِثُهُمَا وَيَرِثَانِهِ وَالْجَارِيَةُ أُمُّ وَلَدٍ لَهُمَا ، فَإِنْ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ عَتَقَ نَصِيبُ الْآخَرِ .
وَفِي الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ إذَا أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ لَا يُعْتَقُ جَمِيعُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ أَعْتَقَ نِصْفَهُ بِإِعْتَاقِهِ ، وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا فِي الْبَاقِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ رَقَبَةَ أُمِّ الْوَلَدِ لَا تَتَقَوَّمُ بِالسِّعَايَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تَسْعَى لِغَرِيمٍ وَلَا لِوَارِثٍ ، فَقَدْ عَتَقَ نِصْفُهَا وَحَصَلَ الْبَاقِي فِي يَدِهَا وَلَا يُمْكِنُهُ رَدُّهَا وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا فَعَتَقَتْ مَجَّانًا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَبْدُ ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ نِصْفُهُ ، وَحَصَلَ الْبَاقِي فِي يَدِهِ ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ ، وَرَقَبَتُهُ مِمَّا يُضْمَنُ بِالسِّعَايَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَسْعَى لِغَرِيمٍ وَوَارِثٍ فَبَقِيَ نِصْفُهُ رَقِيقًا فَصَارَ كَالْمُكَاتَبِ ، فَمَا لَمْ يُؤَدِّ مَالَ الْكِتَابَةِ لَا يُعْتَقُ ، كَذَلِكَ هَذَا .

259 - 259 - الْمُكَاتَبَةُ إذَا اشْتَرَتْ ابْنَهَا ثُمَّ مَاتَتْ عَنْ هَذَا الِابْنِ فَإِنْ عَجَّلَ مَالَ الْكِتَابَةِ قُبِلَ مِنْهُ وَلَمْ يُبَعْ ، وَإِلَّا بِيعَ .
وَلَوْ وَلَدَتْ فِي الْكِتَابَةِ ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمُّ بَقِيَ مَالُ الْكِتَابَةِ عَلَيْهِ مُؤَجَّلًا كَمَا لَوْ كَانَ عَلَى الْأُمِّ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ بِالشِّرَاءِ أَوْجَبَ لَهُ حَقَّ الْعِتْقِ بِعَقْدِ غَيْرِهِ ، وَهِيَ الْأُمُّ ، فَإِذَا فَاتَ الْأَدَاءُ مِنْ جِهَةِ ذَلِكَ الْغَيْرِ لَزِمَهُ الْبَدَلُ حَالًا ، كَمَا لَوْ كَاتَبَ جَارِيَةً عَلَى أَلْفُ دِرْهَمٍ وَآخَرَ غَائِبٌ مَعَهَا فَمَاتَتْ الْحَاضِرَةُ وَحَضَرَ الْغَائِبُ لَزِمَهُ الْمَالُ حَالًا ، وَإِلَّا فُسِخَ الْعَقْدُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْجَارِيَةُ إذَا وَلَدَتْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ لَهَا حَقَّ الْعِتْقِ بِعَقْدِ غَيْرِهِ ، وَإِنَّمَا أَوْجَبَ لَهَا الْعِتْقَ بِعَقْدِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يُوجِبُ عِتْقَ الْأُمِّ ، وَالْوَلَدُ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهَا ، فَصَارَ حُكْمُهُ كَحُكْمِ الْأُمِّ ، وَالْأُمُّ تَسْعَى مُؤَجَّلًا بِعَقْدِهَا ، كَذَلِكَ هَذَا .

260 - 260 - حَرْبِيٌّ خَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مُسْتَأْمِنًا وَمَعَهُ أُمُّ وَلَدٍ ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا .
وَلَوْ عَتَقَ عَبْدًا لَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ حَمَلَهُ مَعَ نَفْسِهِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ؛ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّا مِنْ حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُهَا يُخْرِجُهَا مِنْ كَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لَا يُبْطِلُهُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَقَلَهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ صَارَتْ مِلْكًا لَهُ حَقِيقَةً مُسْتَقِرَّةً ، وَقَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مِلْكُهُ مُسْتَقِرًّا ، وَإِذَا حَصَلَ لَهُ فِيهَا مِلْكٌ مُسْتَقِرٌّ ، وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ ثَابِتُ النَّسَبِ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ الْمُتَقَدِّمَ يَنْفُذُ فِي حُكْمِ الْمِلْكِ الْمُتَأَخِّرِ ، فَمِنْ حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُهُ نُبْطِلُهُ فَلَا يَجُوزُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعِتْقُ ؛ لِأَنَّا مِنْ حَيْثُ نُجَوِّزُ بَيْعَهُ وَنُبْطِلُ عِتْقَهُ لَا نُبْطِلُهُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَقَلَهُ إلَى دَارِنَا صَارَ مِلْكًا لَهُ بِقَهْرِهِ ، وَعِتْقُهُ مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهِ ، وَالْعِتْقُ الْمُتَقَدِّمُ لَا يَسْرِي إلَى الْمِلْكِ الْمُتَأَخِّرِ ، فَمِنْ حَيْثُ نُجَوِّزُ بَيْعَهُ لَا نُبْطِلُهُ فَجَوَّزْنَاهُ .

261 - 261 - عَبْدٌ فِي يَدِ رَجُلٍ فَقَالَ لِآخَرَ اشْتَرِنِي مِنْهُ ، فَاشْتَرَاهُ ، ثُمَّ أَقَامَ الْعَبْدُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ حُرٌّ عَتَقَ ، وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا .
وَقِيلَ يَجِبُ أَنْ لَا تُقْبَلَ بَيِّنَتُهُ ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ بِالشِّرَاءِ إقْرَارٌ بِالْمِلْكِ لَهُ ، فَإِذَا قَالَ : أَنَا حُرُّ الْأَصْلِ ، فَإِقْرَارُهُ الْأَوَّلُ يُكَذِّبُهُ فِي دَعْوَى الثَّانِي فَلَا يُصَدَّقُ ، كَمَا لَوْ بَاعَ مِنْ إنْسَانٍ عَبْدًا ، ثُمَّ قَالَ : مَا بِعْتُ لَمْ يَكُنْ لِي فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ ، كَذَا هَذَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ ثَبَتَ بِبَيِّنَتِهِ أَنَّ مَا جَرَى بَيْنَهُمَا لَمْ يَكُنْ عَقْدًا ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْحُرِّ لَا يَصِحُّ ، فَوَجَبَ أَنْ يُصَدَّقَ عَلَى ذَلِكَ .
الدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ عَبْدًا فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ ، فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : مَا بِعْتُ لَمْ يَكُنْ لِي ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِبَيِّنَةٍ أَنَّ مَا جَرَى بَيْنَهُمَا لَمْ يَكُنْ عَقْدًا ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى مِلْكِ الْغَيْرِ يَصِحُّ إلَّا أَنَّهُ يَقِفُ عَلَى إجَازَتِهِ ، فَهُوَ لَا يُثْبِتُ بَيِّنَتَهُ أَنَّ مَا جَرَى بَيْنَهُمَا لَمْ يَكُنْ عَقْدًا ، وَلَكِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُبْطِلَ عَقْدًا جَرَى بَيْنَهُمَا ؛ فَلَا يُصَدَّقُ .

عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ دَبَّرَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ ، فَلِلْآخَرِ أَنْ يَتْرُكَ نَصِيبَهُ عَلَى حَالِهِ .
وَلَوْ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ لَمْ يَكُنْ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَتْرُكَ نَصِيبَهُ عَلَى حَالِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ فَبَقِيَ مِلْكُهُ فِيهِ ، وَلَوْ كَانَ الْجَمِيعُ لَهُ فَدَبَّرَ نِصْفَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يُبْقِيَ مِلْكَهُ فِي الْبَاقِي ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعِتْقُ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يُوجِبُ الْحُرِّيَّةَ وَثُبُوتُ الْيَدِ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ تَحْصُلُ لِلْعَبْدِ فِي يَدِ نَفْسِهِ ، وَلَوْ كَانَ الْجَمِيعُ لَهُ فَأَعْتَقَ نِصْفَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُبْقِيَ مِلْكَهُ فِي الْبَاقِي كَذَلِكَ إذَا كَانَ النِّصْفُ لَهُ فَدَبَّرَ شَرِيكَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُبْقِيَ مِلْكَهُ فِي الْبَاقِي .

263 - 263 - إذَا دَبَّرَ الْمُرْتَدُّ عَبْدَهُ فَتَدْبِيرُهُ مَوْقُوفٌ ، فَإِنْ لَحِقَ بِالدَّارِ بَطَلَ تَدْبِيرُهُ ، فَإِنْ عَادَ فَأَسْلَمَ فَوُجِدَ الْعَبْدُ فِي يَدَيْ الْوَارِثِ فَأَخَذَهُ فَهُوَ مُدَبَّرٌ .
وَلَوْ بَاعَ فِي حَالَ رِدَّتِهِ ثُمَّ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَ بَيْعُهُ ، فَلَوْ عَادَ مُسْلِمًا لَمْ يَعُدْ الْبَيْعُ وَالْفَرْقُ أَنَّ مِلْكَ الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفٌ فَلَمَّا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ حَكَمْنَا بِزَوَالِ الْمِلْكِ مِنْ حِينِ الرِّدَّةِ ، فَقَدْ دَبَّرَ مِلْكَ غَيْرِهِ فِي الظَّاهِرِ فَلَمْ يَجُزْ ، إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ مُسْلِمًا فَيَعُودُ الْمِلْكُ إلَيْهِ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ ، وَالْعَقْدُ غَيْرُ نَافِذٍ فِي الْحَالِ ، فَكَأَنَّهُ عَلَّقَ التَّدْبِيرَ بِعَوْدِ الْمِلْكِ ، وَقَالَ : إنْ عُدْتَ إلَى مِلْكِي فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ ، وَلَوْ قَالَ هَكَذَا كَانَ جَائِزًا ؛ لِأَنَّ تَعْلِيقَ التَّدْبِيرِ بِالشَّرْطِ جَائِزٌ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَفِي الْبَيْعِ يَصِيرُ كَأَنَّهُ عَلَّقَ الْبَيْعَ بِشَرْطٍ وَتَعْلِيقُ الْبَيْعِ بِالشَّرْطِ لَا يَجُوزُ فَيَبْطُلُ .

264 - 264 - وَلَوْ أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَحِقَ بِالدَّارِ فَبَاعَ الْوَرَثَةُ عَبْدًا لَهُ قَدْ دَبَّرَهُ بَعْدَ رِدَّتِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ وَعَادَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ، فَعَادَ ذَلِكَ الْعَبْدُ إلَيْهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ ؛ صَارَ مُدَبَّرًا .
وَلَوْ بَاعَ رَجُلٌ عَبْدَيْنِ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ يَأْخُذُ أَيَّهُمَا شَاءَ ، فَأَعْتَقَ الْبَائِعُ أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ ثُمَّ أَجَازَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ فِي ذَلِكَ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ الْعِتْقُ ، فَلَوْ عَادَ ذَلِكَ الْعَبْدُ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ ؛ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ مِلْكَ الْبَائِعِ فِي أَحَدِهِمَا بَاقٍ ؛ إذْ لَا يُتَوَهَّمُ زَوَالُ مِلْكِهِ فِيهِمَا بِهَذَا الْعَقْدِ ، إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَبْقِيَ مِلْكَهُ فِي الَّذِي أَعْتَقَ ، وَيَجُوزُ أَنَّهُ يَسْتَبْقِي مِلْكَهُ فِي غَيْرِهِ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ اسْتَبْقَيْتُ مِلْكِي فِيكَ فَأَنْتَ حُرٌّ ، وَلَمْ يَسْتَبْقِ مِلْكَهُ ، وَإِنَّمَا عَادَ إلَيْهِ بِوَجْهٍ آخَرَ ، فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ الَّذِي عَلَّقَ الْعِتْقَ بِهِ فَلَمْ يَجُزْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْمُرْتَدِّ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ زَائِلٌ فِي الْحَالِ ، وَالْعَوْدُ مُتَرَقَّبٌ فَصَارَ مُعَلِّقًا التَّدْبِيرَ بِاسْتِفَادَةِ الْمِلْكِ وَالْعَوْدِ .
وَقَدْ اسْتَفَادَهُ ؛ فَصَارَ مُدَبِّرًا .

265 - 265 - إذَا شَرَطَ الرَّجُلُ عَلَى مُكَاتَبِهِ أَلَّا يَخْرُجَ عَنْ الْكُوفَةِ إلَّا بِإِذْنِهِ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ ، وَالْعَقْدُ جَائِزٌ .
وَلَوْ شَرَطَ عَلَى مُكَاتَبَتِهِ أَنْ يَطَأَهَا فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي تَرْكِهِ الْخُرُوجَ عَنْ الْكُوفَةِ مَنْفَعَةٌ لِلْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ ، وَلَا أَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ فَرُبَّمَا يَكُونُ مَنْفَعَتُهُ فِي خُرُوجِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ وَيَكْتَسِبُ ، فَهَذَا شَرْطٌ زَائِدٌ عَلَى الْعَقْدِ لَيْسَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ ، فَكَانَ بَاطِلًا ، وَالْعَقْدُ جَائِزٌ كَمَا لَوْ بَاعَ ثَوْبًا عَلَى أَلَّا يَبِيعَهُ وَلَا يَهَبَهُ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا شَرَطَ عَلَى مُكَاتَبَتِهِ أَنْ يَطَأَهَا ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً لِلْمَوْلَى وَهُوَ أَنْ يَتَمَتَّعَ بِهَا ، فَصَارَ هَذَا شَرْطًا زَائِدًا عَلَى مُوجَبِ الْعَقْدِ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَبَطَلَ الْعَقْدُ ، كَمَا لَوْ بَاعَ مِنْهُ ثَوْبًا شَرَطَ أَنْ يَخِيطَهُ .

266 - 266 - إذَا تَرَكَ الْمُكَاتَبُ وَلَدَيْنِ وُلِدَا لَهُ فِي الْمُكَاتَبَةِ فَأَعْتَقَ الْمَوْلَى أَحَدَهُمَا ؛ فَعَلَى الْآخَرِ أَنْ يَسْعَى فِي جَمِيعِ الْمُكَاتَبَةِ .
وَلَوْ كَاتَبَ عَبْدَيْنِ كِتَابَةً وَاحِدَةً ثُمَّ أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا ؛ سَقَطَتْ حِصَّتُهُ مِنْ مَالِ الْمُكَاتَبَةِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِمَا ، وَإِنَّمَا لَحِقَا عَقْدَ الْغَيْرِ عَلَى طَرِيقِ التَّبَعِ فَلَمْ يَلْزَمْ الْمَوْلَى تَسْلِيمُ الرَّقَبَتَيْنِ إلَيْهِمَا عَلَى هَذَا الْبَدَلِ ، فَإِذَا بَقِيَ أَحَدُهُمَا بَقِيَ الْمَالُ كُلُّهُ بِبَقَائِهِ ، وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ إلَّا وَلَدٌ وَاحِدٌ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَلَدَتْ فِي يَدَيْ الْبَائِعِ وَلَدَيْنِ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَيْهِمَا ، فَقَدْ الْتَزَمَ بِتَسْلِيمِ الرَّقَبَتَيْنِ إلَيْهِمَا عَلَى هَذَا الْبَدَلِ ، فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ أَحَدَهُمَا سَقَطَ مَا بِإِزَائِهِ ، كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدَيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ ، كَذَلِكَ هَذَا .

267 - 267 - إذَا قَالَ : أَوَّلُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ وَاحِدٌ فَهُوَ حُرٌّ ، فَمَلَكَ عَبْدَيْنِ مَعًا ثُمَّ مَلَكَ وَاحِدًا ؛ لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ .
وَلَوْ قَالَ : أَوَّلُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ وَحْدَهُ فَهُوَ حُرٌّ ، فَمَلَكَ عَبْدَيْنِ ثُمَّ وَاحِدًا ؛ عَتَقَ الثَّالِثُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَاحِدَ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ أَوَّلِ الْعَدَدِ ، يَقُولُ : وَاحِدٌ وَاثْنَانِ ، فَصَارَ صِفَةً لِلْأَوَّلِ ، وَلَا يَقْتَضِي انْفِرَادَهُ وَبَقِيَ غَيْرُهُ مَعَهُ ، فَلَا يُفِيدُ إلَّا مَا أَفَادَ قَوْلُهُ : أَوَّلُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ فَمَلَكَ عَبْدَيْنِ ثُمَّ عَبْدًا لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : وَحْدَهُ ؛ لِأَنَّ وَحْدَهُ عِبَارَةٌ عَنْ انْفِرَادِهِ وَنَفْيِ غَيْرِهِ مَعَهُ ؛ لِأَنَّهَا صِفَةٌ لِفِعْلِهِ يَقُولُ : وَحْدَهُ ، لَا شَرِيكَ لَهُ أَيْ : وَحَّدْتُهُ تَوْحِيدًا ، يُقَالُ : فُلَانٌ وَحْدَهُ فِي الدَّارِ فَإِنَّهُ يَنْفِي كَوْنَ غَيْرِهِ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : أَوَّلُ عَبْدٍ أَفْرَدَهُ بِالْمِلْكِ ، وَلَمْ يُفْرِدْ الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ بِالْمِلْكِ فَانْصَرَفَ إلَى الثَّالِثِ الَّذِي أَفْرَدَهُ بِالْعِتْقِ ؛ فَأَعْتَقَهُ .

لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ : كُلُّ جَارِيَةٍ لِي فَهِيَ حُرَّةٌ إلَّا خُرَاسَانِيَّةٌ ثُمَّ قَالَ : الثَّلَاثُ مِنْهُنَّ أَوْ أَرْبَعُ هُنَّ خُرَاسَانِيَّاتٌ وَلَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ : فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ .
وَلَوْ قَالَ : كُلُّ جَارِيَةٍ لِي فَهِيَ حُرَّةٌ إلَّا أُمَّهَاتُ أَوْلَادِي ، ثُمَّ قَالَ : هَذِهِ أُمُّ وَلَدِي وَهَذِهِ ؛ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ : كُلُّ جَارِيَةٍ لِي لَفْظٌ عَامٌّ ، وَقَوْلُهُ : إلَّا أُمَّهَاتُ أَوْلَادِي اسْتِثْنَاءُ شَخْصٍ وُجِدَ فِيهَا فِعْلٌ مِنْ جِهَتِهِ ، فَقَدْ عَمَّ الْإِيجَابُ وَعُلِّقَ الِاسْتِثْنَاءُ بِفِعْلٍ فَمَا لَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ الْفِعْلُ لَا يَحْصُلُ الِاسْتِثْنَاءُ ، فَبَقِينَ دَاخِلَاتٍ فِي الْيَمِينِ وَلَا يَخْرُجْنَ عَنْ الْيَمِينِ إلَّا بِيَقِينٍ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : إلَّا خُرَاسَانِيَّةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّقُ الِاسْتِثْنَاءَ بِفِعْلٍ ، لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى فِعْلٍ لِتَصِيرَ هِيَ خُرَاسَانِيَّةً ؛ لِأَنَّ الْخُرَاسَانِيَّةَ اسْمُ جِنْسٍ كَالرُّومِيَّةِ وَالْهِنْدِيَّةِ فَقَدْ اسْتَثْنَى اسْمًا مِنْ الْأَسْمَاءِ ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مَعَ الْمُسْتَثْنَى أَحَدُ اسْمَيْ الْبَاقِي فَقَدْ أَوْقَعَ الْعِتْقَ عَلَى غَيْرِ الْخُرَاسَانِيَّات ، فَصَارَ الْإِيجَابُ خَاصًّا ، فَلَا يَدْخُلُ فِي الْإِيجَابِ إلَّا بِيَقِينٍ .
وَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْجَوَارِي لَيْسَ هُوَ الْخُرَاسَانِيَّةَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مُتَشَابِهًا بِغَيْرِهِ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ الْعِتْقَ فِي الظَّاهِرِ ، فَلَمْ يَكُنْ بِدَعْوَاهُ أَنَّهَا خُرَاسَانِيَّةٌ مُدَّعِيًا خِلَافَ الظَّاهِرِ فَصُدِّقَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ أُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْجَوَارِي أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ أُمَّ وَلَدٍ ، فَإِذَا قَالَ : هَذِهِ أُمُّ وَلَدِي .
فَقَدْ ادَّعَى خِلَافَ الظَّاهِرِ وَمَعْنًى طَارِئًا فَمَا لَمْ يُعْلَمْ وُجُودُهُ لَا يَخْرُجْنَ عَنْ الِاسْتِحْقَاقِ .
وَعَلَى هَذَا الْأَصْلُ ، لَوْ قَالَ : كُلُّ جَارِيَةٍ غَيْرُ خَبَّازَةٍ فَهِيَ حُرَّةٌ ، فَقَالَ : كُلُّهُنَّ خَبَّازَاتٌ ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ، وَلَوْ قَالَ : كُلُّ جَارِيَةٍ لِي فَهِيَ

حُرَّةٌ إلَّا جَارِيَةٌ خَبَّازَةٌ ، ثُمَّ قَالَ : هَذِهِ خَبَّازَةٌ ؛ لَمْ يَصَدَّقْ ، لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْإِيجَابَ خَاصٌّ فَلَا يَدْخُلُ فِي الْإِيجَابِ إلَّا بِيَقِينٍ ، وَهُنَاكَ الْإِيجَابُ عَامٌّ ، وَالِاسْتِثْنَاءُ خَاصٌّ ، فَلَا يَدْخُلُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ .

269 - 269 - وَلَوْ قَالَ لِعَبْدٍ لَهُ يُسَاوِي أَلْفَ دِرْهَمٍ : حُجَّ عَنِّي حَجَّةً وَأَنْتَ حُرٌّ ، وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ فَلِلْعَبْدِ أَنْ يَحُجَّ حَجًّا وَسَطًا مِنْ مَنْزِلِ الْمَوْلَى ، فَإِنْ حَجَّ عَنْهُ فَأَعْتَقَهُ أَحَدُ الْوَرَثَةِ سَعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ لِلْوَرَثَةِ .
وَلَوْ قَالَ : اعْتِقْ عَنِّي عَبْدًا وَأَنْتَ حُرٌّ ، فَأَعْتَقَهُ ؛ فَإِنَّهُ لَا يَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَوْلَى لَمْ يَشْتَرِطْ تَمْلِيكَ الْعَبْدِ بِأَدَاءِ النَّفَقَةِ الَّتِي يَحُجُّ بِهَا ؛ لِأَنَّا لَوْ مَلَّكْنَا الْمَوْلَى تِلْكَ النَّفَقَةَ لَكَانَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَأْخُذُوا ثُلُثَيْهَا فَيَحْصُلُ لِلْعَبْدِ ثُلُثُ النَّفَقَةِ فَلَا يَكُونُ حَجًّا وَسَطًا وَفِي ذَلِكَ مَنْعُ جَوَازِهِ عَنْ الْمَيِّتِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، فَمِنْ حَيْثُ يَمْلِكُ الْمَوْلَى تِلْكَ الْمَنْفَعَةَ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ يَمْنَعُهُ مِنْهُ فَلَا يَمْلِكُهُ فَلَمْ يَكُنْ الْمَنْفَعَةُ بَدَلًا عَنْ الْعِتْقِ ، فَكَأَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يُعْتِقَ عَنْهُ مَجَّانًا وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ مَجَّانًا سَعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَفِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ شَرْطٌ أَنْ يُمَلِّكَهُ الرَّقَبَةَ ثُمَّ يُعْتِقَهُ عَنْهُ ، وَلَوْ مَلَّكْنَاهُ لَمْ يَكُنْ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ الرَّقَبَةِ شَيْئًا ، وَإِنَّمَا لَهُمْ أَنْ يَسْتَسْعُوا الْعَبْدَ ، فَلَمْ يَكُنْ فِي تَمْلِيكِهِ مَنْعُ جَوَازِ إعْتَاقِهِ عَنْ الْمَيِّتِ فَلَمْ يَكُنْ عِتْقًا مَجَّانًا ، فَصَارَ عِتْقًا بِبَدَلٍ ، فَإِنْ كَانَ الْبَدَلُ مِثْلَ قِيمَتِهِ لَمْ يَكُنْ مَجَّانًا بِشَيْءٍ ، فَلَا يَسْعَى فِي شَيْءٍ وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ اُعْتُبِرَ ثُلُثُ الْمُحَابَاةِ لَهُ وَيَسْعَى فِي ثُلُثَيْهِ .

270 - 270 - وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَبْدِهِ : إنْ أَدَّيْتَ إلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَحُجُّ بِهَا فَأَنْتَ حُرٌّ ، أَوْ قَالَ : أَدِّ إلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَحُجُّ بِهَا ، وَأَنْتَ حُرٌّ ، فَأَدَّى إلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ حَجَّ الْمَوْلَى أَوْ لَمْ يَحُجَّ .
وَلَوْ قَالَ : إذَا أَدَّيْتَ إلَى وَصِيِّي أَلْفَ دِرْهَمٍ يَحُجُّ بِهَا ؛ فَأَنْتَ حُرٌّ ، فَمَا لَمْ يَحُجَّ الْوَصِيُّ لَا يَعْتِقُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ : أَحُجُّ إخْبَارٌ ، فَلَمْ يُخْرِجْهُ مَخْرَجَ الشَّرْطِ ، فَقَدْ أَمَرَهُ بِالْأَدَاءِ وَأَخْبَرَ عَنْهُ بِخَبَرٍ ، فَإِذَا أَدَّى عَتَقَ سَوَاءٌ وُجِدَ الْخَبَرُ أَمْ لَا ، وَكَذَا كَمَا قُلْنَا فِيمَنْ قَالَ : ادْفَعُوا إلَى فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ بَعْدَ مَوْتِي لِيُنْفِقَهَا ، فَسَوَاءٌ وُجِدَ الْإِنْفَاقُ أَمْ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَلْفَ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : إذَا أَدَّيْتَ إلَى وَصِيِّي أَلْفَ دِرْهَمٍ يَحُجُّ بِهَا ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لِلصِّلَةِ فَقَدْ وَصَلَ الْحَجَّ بِالدَّفْعِ ، فَصَارَا شَرْطَيْنِ فَمَا لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطَانِ لَا يَعْتِقُ .

271 - 271 - إذَا قَالَ : إذَا أَدَّيْتَ إلَيَّ عَبْدًا فَأَنْتَ حُرٌّ ؛ انْصَرَفَ إلَى الْوَسَطِ فَإِذَا أَدَّى عَبْدًا مُرْتَفِعًا أُجْبِرَ عَلَى الْقَبُولِ .
وَلَوْ قَالَ : إذَا أَدَّيْتَ إلَيَّ عَبْدًا وَسَطًا فَأَنْتَ حُرٌّ ، فَأَتَى بِعَبْدٍ مُرْتَفِعٍ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ وَلَا يَعْتِقُ بِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوُجُوبَ بِمُطْلَقِ الِاسْمِ ، وَإِطْلَاقُ الِاسْمِ يَتَنَاوَلُ الْجَيِّدَ وَالْوَسَطَ وَالرَّدِيءَ ، إلَّا أَنَّ فِي إيجَابِ الْجَيِّدِ إضْرَارًا بِالْعَبْدِ ، وَفِي إيجَابِ الرَّدِيءِ إضْرَارٌ بِالْمَوْلَى فَأَلْزَمْنَاهُ الْوَسَطَ لَا لِحَقِّ اللَّفْظِ ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ ، فَإِذَا أَتَى بِالْجَيِّدِ فَقَدْ وُجِدَ مَا يَدْخُلُ فِي الِاسْمِ مِنْ غَيْرِ إضْرَارٍ بِالْمَوْلَى فَأُجْبِرَ عَلَى الْقَبُولِ كَمَا قُلْنَا فِي الدِّيَاتِ وَالزَّكَوَاتِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : عَبْدًا وَسَطًا ؛ لِأَنَّ الْوَسَطَ مَلْفُوظٌ بِهِ فَاسْتِحْقَاقُهُ بِالِاسْمِ لَا مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ ، وَاسْمُ الْوَسَطِ لَا يَنْطَلِقُ عَلَى الْجَيِّدِ ، فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ الَّذِي عُلِّقَ الْعِتْقُ بِهِ فَلَا يُعْتَقُ ، كَمَا لَوْ قَالَ : إنْ أَدَّيْتَ إلَيَّ أَلْفًا فِي كِيسٍ فَأَنْتَ حُرٌّ ، فَأَدَّى فِي غَيْرِ كِيسٍ لَمْ يُعْتَقْ ، كَذَا هَذَا .

إذَا قَالَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ : اعْتِقْ عَنِّي عَبْدًا وَأَنْتَ حُرٌّ ؛ صَارَ مَأْذُونًا لَهُ ، فَإِنْ اسْتَفَادَ عَبْدًا وَسَطًا فَأَعْتَقَهُ عَتَقَ الْمَأْمُورُ ، وَلَوْ اسْتَفَادَ عَبْدًا مُرْتَفِعًا فَأَعْتَقَهُ عَنْهُ لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا .
وَلَوْ قَالَ : إنْ أَدَّيْتَ إلَيَّ عَبْدًا فَأَنْتَ حُرٌّ ، فَأَدَّى إلَيْهِ عَبْدًا مُرْتَفِعًا لَمْ يُحَرَّرْ عَلَيْهِ وَعَتَقَ الْمُشْتَرِي .
وَالْفَرْقُ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْوَسَطِ مِلْكُ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُهُ قَبْلَ حُصُولِ الْحُرِّيَّةِ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ : إذَا أَدَّيْتَ إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ ، فَاكْتَسَبَ أَلْفَيْنِ وَأَدَّى إلَيْهِ أَلْفًا وَالْأَلْفُ الْبَاقِيَةُ لِلْمَوْلَى لِهَذَا الْمَعْنَى ، إنَّ مَا زَادَ عَلَى الْوَسَطِ مِلْكٌ لِلْمَوْلَى ، وَمِقْدَارُ الْوَسَطِ حَقُّ الْعَبْدِ ، وَقَدْ أَوْصَلَ الْجَمِيعَ إلَى الْمَوْلَى وَعَادَ نَفْعُهُ إلَيْهِ فَعَتَقَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا مُرْتَفِعًا ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْوَسَطِ مِلْكٌ لِلْمَوْلَى ، فَإِذَا أَعْتَقَهُ الْعَبْدُ فَقَدْ تَبَرَّعَ بِإِعْتَاقِ مِلْكِ الْمَوْلَى ، لَا يَصِحُّ ، كَمَا لَوْ اسْتَفَادَ عَبْدَيْنِ فَأَعْتَقَهُمَا لَمْ يُجْزِ إلَّا أَحَدَهُمَا ، وَإِذَا لَمْ تُجْزِ تِلْكَ الزِّيَادَةُ بَقِيَ الْعِتْقُ فِي بَعْضِ الْعَبْدِ ، وَقَدْ أَمَرَهُ بِعِتْقِ عَبْدٍ كَامِلٍ فَلَا يَعْتِقُ بِبَعْضِهِ فَلَمْ يُجْزِ عَنْهُ .

273 - 273 - إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ : إنْ مَلَكْتُكَ فَأَنْتَ حُرٌّ .
عَتَقَ فِي الْحَالِ .
وَلَوْ قَالَ : إنْ اشْتَرَيْتُكَ فَأَنْتَ حُرٌّ لَا يَعْتِقُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ اسْتِبْقَاءَ الْمِلْكِ مِلْكٌ ، بِدَلِيلِ أَنَّكَ تَقُولُ : مَلَكْتُ هَذَا الْعَبْدَ سَنَةً وَشَهْرًا فَيَصِحُّ ، فَيَدْخُلُ فِي اسْمِ أَنَّهُ مَلَكَهُ فَحَنِثَ ، كَمَا لَوْ قَالَ : إنْ صَحَحْتَ فَأَنْتَ حُرٌّ ، فَبَقِيَ صَحِيحًا عَتَقَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الشِّرَاءُ ؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ عَلَى الشِّرَاءِ لَا يُسَمَّى شِرَاءً ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ : اشْتَرَيْتُ عَبْدًا سَنَةً ، فَلَمْ يَدْخُلْ فِي الِاسْمِ ، فَلَا يَعْتِقُ .

274 - 274 - ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْوَصَايَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : أَنْتَ حُرٌّ أَمْسِ .
وَإِنَّمَا اشْتَرَاهُ الْيَوْمَ عَتَقَ .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ .
وَإِنَّمَا تَزَوَّجَهَا الْيَوْمَ لَمْ تَطْلُقْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ وَصْفَهُ بِكَوْنِهِ حُرًّا بِالْأَمْسِ يُوجِبُ تَحْرِيمَ اسْتِرْقَاقِهِ عَلَيْهِ الْيَوْمَ ؛ فَعَتَقَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ ، كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : أَنْتَ حُرُّ الْأَصْلِ عَتَقَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَصْلُ الْعُلُوقِ عِنْدَهُ .
وَأَمَّا فِي الطَّلَاقِ فَوَصَفَهَا بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا بِالْأَمْسِ ، وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا بِالْأَمْسِ لَا يَقْتَضِي كَوْنَهَا مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ الْيَوْمَ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا بِالْأَمْسِ زَوْجٌ آخَرُ قَبْلَ الدُّخُولِ ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا هَذَا ؛ حَلَّتْ لَهُ فَلَمْ يُعَبِّرْ بِمَا يُوجِبُ تَحْرِيمَهَا عَلَيْهِ فَلَا تَطْلُقُ .

كِتَابُ الْمُكَاتَبِ وَالْوَلَاءِ 275 - إذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى قِيمَتِهِ لَمْ يَجُزْ .
وَلَوْ كَاتَبَ أُمَّ وَلَدِهِ ، أَوْ مُدَبَّرَتِهِ عَلَى قِيمَتِهَا جَازَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَقْدَ عَلَى قِيمَةِ الشَّيْءِ يَقْتَضِي بَرَاءَتَهُ بِتَسْلِيمِ الْمُقَوَّمِ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى قِيمَةِ عَبْدِهِ فَأَتَاهَا بِالْعَيْنِ أُجْبِرَتْ عَلَى قَبُولِهِ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَيْنَ أَعْدَلُ مِنْ الْقِيمَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ مِنْ إنْسَانٍ عَبْدًا فَأَبَقَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ ، ثُمَّ رَجَعَ فَسَلَّمَ الْعَيْنَ ؛ بَرِئَ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَيْنَ أَعْدَلُ مِنْ الْقِيمَةِ ، فَلَوْ جَوَّزْنَا الْعَقْدَ بِقِيمَتِهِ لَبَرِئَ بِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ إلَيْهِ ، وَفِي تَسْلِيمِ الرَّقَبَةِ إلَيْهِ اسْتِبْقَاءٌ لِلرِّقِّ ، وَفِي اشْتِرَاطِ اسْتِبْقَاءِ الرِّقِّ بُطْلَانُ الْكِتَابَةِ ، فَصِرْنَا مِنْ حَيْثُ نُجَوِّزُ نُبْطِلُ ؛ فَلَا يَجُوزُ ، كَمَا لَوْ قَالَ : كَاتَبْتُكَ بِشَرْطِ أَلَّا تَعْتِقَ بِأَدَاءِ الْمَالِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَاتَبَ أُمَّ وَلَدِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى قِيمَتِهَا لَا يُوجِبُ بَرَاءَتَهَا بِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ فِي سَائِرِ الْعُقُودِ لَا تَبْرَأُ ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ رَقَبَتِهَا عَلَى حُكْمِ الْعَقْدِ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ فَلَمْ يَكُنْ الْعَقْدُ عَلَى قِيمَتِهَا مُوجِبًا بَرَاءَتَهَا بِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ ، فَصَارَتْ هَذِهِ كِتَابَةً تُفِيدُ الْعِتْقَ فَصَحَّتْ .
فَإِنْ قِيلَ : الْقِيمَةُ مَجْهُولَةٌ ، فَيَجِبُ أَلَّا يَجُوزُ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِقِيمَةِ أُمِّ الْوَلَدِ لَا يَجُوزُ .
قُلْنَا : التَّفَاوُتُ فِي تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ يُقْبَلُ ، وَقَلِيلُ التَّفَاوُتِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ ، وَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْكِتَابَةِ ، كَمَا لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى حَيَوَانٍ .

276 - 276 - إذَا كَاتَبَ أَمَتَهُ كِتَابَةٍ فَاسِدَةٍ فَوَطِئَهَا ، ثُمَّ أَدَّتْ الْكِتَابَةَ فَعَتَقَتْ فَعَلَيْهِ عُقْرُهَا لَهَا .
وَلَوْ بَاعَ جَارِيَةً بَيْعًا فَاسِدًا فَوَطِئَهَا الْبَائِعُ ، ثُمَّ سَلَّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي فَأَعْتَقَهَا وَغَرِمَ قِيمَتَهَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْبَائِعِ شَيْءٌ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ عِتْقَهَا يَسْتَنِدُ إلَى الْعَقْدِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَتْبَعُهَا الْأَوْلَادُ ، وَالْأُرُوشُ ، فَصَارَ عِنْدَ الْأَدَاءِ [ كَأَنَّ ] الْعَقْدَ كَانَ صَحِيحًا وَوَطِئَهَا الْمَوْلَى ، فَإِنَّهُ يَجِبُ الْعُقْرُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَفِي الْبَيْعِ إذَا أَسْنَدْنَاهُ إلَى الْعَقْدِ صَارَ كَأَنَّ الْعَقْدَ كَانَ صَحِيحًا ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَا يَجِبُ الْعُقْرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، كَذَا هَذَا .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ يَمْلِكُهَا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَتْبَعُهَا الْأَوْلَادُ وَالْأُرُوشُ ، فَصَارَ الْوَطْءُ فِي حَقِّهَا يُوجِبُ الْعُقْرَ لَهَا .
وَفِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ إنَّمَا تُمْلَكُ مِنْ حَيْثُ الْقَبْضِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَتْبَعُهُ الْأَوْلَادُ وَالْأُرُوشُ ، وَالْقَبْضُ وُجِدَ الْآنَ فَصَارَ الْوَطْءُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ ، فَلَا يَغْرَمُ شَيْئًا .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ حُكْمَ مِلْكِهِ بَاقٍ فِيهَا فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ ، بِدَلِيلِ جَوَازِ عِتْقِهِ وَتَدْبِيرِهِ ، وَبَقَاءُ حُكْمِ مِلْكِهِ بَعْدَ الْكِتَابَةِ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْعُقْرِ كَالْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ ، وَبَقَاءُ حُكْمِ مِلْكِهِ يَمْنَعُ وُجُوبَ الْعُقْرِ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا وَقَبَضَهَا فَوَطِئَهَا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الْعُقْرُ إذَا رَدَّهَا إلَى الْبَائِعِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ، كَذَلِكَ هَذَا .

277 - 277 - الْمَوْلَى إذَا وَطِئَ الْمُكَاتَبَةَ كِتَابَةً صَحِيحَةً أَوْ فَاسِدَةً وَجَبَ الْعُقْرُ .
وَالْبَائِعُ إذَا وَطِئَ الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ لَا يَلْزَمُهُ الْعُقْرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ أَوْجَبَ لَهَا الْبُضْعَ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ ، فَإِذَا وَطِئَهَا صَارَ مُرْتَجِعًا مَا أَوْجَبَهُ بِعَقْدِهِ فَغَرِمَ ، كَمَا لَوْ اسْتَرَدَّ بَعْضَ الْمَبِيعِ .
وَفِي الْبَيْعِ لَا يَقَعُ الْعَقْدُ عَلَى مَنَافِعِ الْبُضْعِ ، وَإِنَّمَا دَخَلَ فِيهِ تَبَعًا ، وَإِذَا لَمْ يَرْتَجِعْ مَا أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ لَمْ يَغْرَمْ ، وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَدْ تَمَّتْ ، فَقَدْ ارْتَجَعَ الْمَعْقُودُ بَعْدَ تَمَامِهِ ، وَالْبَيْعُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ ، فَقَدْ اسْتَوْفَى الْوَطْءَ قَبْلَ تَمَامِهِ فَلَا يَغْرَمُ .

إذَا كَاتَبَ عَبْدَيْنِ كِتَابَةً وَاحِدَةً ، وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ ، فَأَدَّى أَحَدُهُمَا بِشَيْءٍ رَجَعَ بِنِصْفِهِ عَلَى صَاحِبِهِ .
وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ فَأَدَّى أَحَدُهُمَا شَيْئًا لَمْ يَرْجِعْ ، إلَّا أَنْ يَزِيدَ عَلَى النِّصْفِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوُجُوبَ هَاهُنَا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَالْأَدَاءَ مِنْ جِهَةٍ ، فَلَوْ فَرَّقْنَاهُ وَجَعَلْنَا بَعْضَهُ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ وَبَعْضَهُ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِهِ لَأَبْطَلْنَاهُ ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ بِمَالِ الْكِتَابَةِ لَا يَصِحُّ ، فَصَارَ الْوُجُوبُ وَالْأَدَاءُ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ ، فَلَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا حُجَّةٌ عَلَى صَاحِبِهِ إلَّا وَلَهُ عَلَيْهِ مِثْلُهَا فَاسْتَوَيَا ، فَجَازَ أَنْ يَرْجِعَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ ، كَالْكَفِيلَيْنِ بِمَالٍ وَاحِدٍ ، كُلُّ وَاحِدٍ كَفِيلٌ ضَامِنٌ عَنْ صَاحِبِهِ فَإِنَّ الْجَمِيعَ يَسْتَحِقُّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ ، فَمَا أَدَّى أَحَدُهُمَا يَرْجِعُ بِنِصْفِهِ عَلَى صَاحِبِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الشِّرَاءُ ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِجِهَتَيْنِ بَعْضُهُ مِنْ الضَّمَانِ ، وَبَعْضُهُ مِنْ الْأَصْلِ ، وَالْكَفَالَةُ بِالثَّمَنِ جَائِزَةٌ فَمِنْ حَيْثُ يَجْعَلُهُ فِي الْجِهَتَيْنِ لَا نُبْطِلُهُ ، فَلَوْ جَعَلْنَا نِصْفَ الْمُؤَدَّى عَنْ صَاحِبِهِ ، لَكَانَ لَهُ أَنْ يُجْعَلَ عَنْ هَذَا فَصَارَ مِنْ حَيْثُ يَرْجِعُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ فَلَا يَرْجِعُ .

279 - 279 - إذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ وَلَدًا وُلِدَ فِي الْكِتَابَةِ يَسْعَى فِي الْكِتَابَةِ عَلَى النُّجُومِ .
وَلَوْ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى الْغَائِبِ ، ثُمَّ مَاتَ الْحَاضِرُ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي الْغَائِبُ حَالًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ لِلْأَوْلَادِ حَقًّا فِي عَقْدِ الْأَبِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ يَعْتِقُونَ بِأَدَائِهِ وَلَهُ يَدٌ عَلَيْهِمْ ، وَالْأَجَلُ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ ، فَقَدْ جَرَّ نَفْعًا إلَيْهِمْ بِاشْتِرَاطِ الْأَجَلِ فِيهِ ، فَإِذَا جَرَّ نَفْعًا إلَيْهِمْ وَلَهُ يَدٌ عَلَيْهِمْ صَحَّ .
وَلَمْ يَسْقُطْ بِمَوْتِهِ كَالْمُلْتَقِطِ إذَا قَبِلَ الْهِبَةَ لِلَّقِيطِ ثُمَّ مَاتَ .
وَأَمَّا الْحَاضِرُ فَإِنَّهُ لَا يَدَ لَهُ عَلَى الْغَائِبِ ، فَقَدْ جَرَّ نَفْعًا إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ يَدٍ وَلَا وِلَايَةٍ فَلَمْ يَصِحَّ ، كَغَيْرِ الْمُلْتَقِطِ إذَا قَبِلَ الْهِبَةَ ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ ، فَصَارَ الْأَجَلُ مِنْ حَقِّ الْعَاقِدِ ، فَإِذَا مَاتَ بَطَلَ فَحَلَّ الْمَالُ عَلَى الْغَائِبِ .

280 - 280 - إذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ ثُمَّ إنَّ الْمَوْلَى عَتَقَ بَعْضَهُمْ رُفِعَتْ حِصَّتُهُ عَنْ مَالِ الْكِتَابَةِ عَنْ الْآخَرِينَ .
وَلَوْ كَاتَبَ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا فَأَعْتَقَ بَعْضَهُمْ فَإِنَّهُ لَا يُرْفَعُ عَنْهَا شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَوْلَادَ فِي مَسْأَلَتِنَا مَوْجُودُونَ وَقْتَ الْعَقْدِ ، وَقَدْ تَنَاوَلَهُمْ الْعَقْدُ ، وَمَلَكَ رِقَابَهُمْ بِهَذَا الْبَدَلِ ، فَإِذَا أَعْتَقَ بَعْضَهُمْ فَقَدْ مَنَعَ التَّسْلِيمَ فِي بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَمَنَعَ مَا بِإِزَائِهِ ، كَمَا لَوْ كَاتَبَ عَبْدَيْنِ كِتَابَةً وَاحِدَةً عَلَى أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا رَفَعَ عَنْهُ حِصَّتَهُ ، كَمَا لَوْ بَاعَ عَبِيدًا ثُمَّ اسْتَهْلَكَ بَعْضَهُمْ رَفَعَ عَنْ الْمُشْتَرِي حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَوْلُودُ فِي الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَتَنَاوَلُهُمْ ، وَإِنَّمَا لَحِقُوا الْعَقْدَ تَبَعًا لِلْأُمِّ ، فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ جُعِلَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ، فَكَذَلِكَ مَنْ أُعْتِقَ مِنْهُمْ جُعِلَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ، فَلَمْ يُمْنَعُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فَلَا يُمْنَعُ مَا بِإِزَائِهِ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ .

281 - 281 - رَجُلٌ كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ وَامْرَأَتَهُ مُكَاتَبَةً وَاحِدَةً عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَعَلَى أَوْلَادِهِمَا وَهُمْ صِغَارٌ ، ثُمَّ إنَّ إنْسَانًا قَتَلَ الْوَلَدَ فَإِنَّ قِيمَتَهُ لِلْأَبَوَيْنِ جَمِيعًا يَسْتَعِينَانِ بِهَا فِي مُكَاتَبَتِهِمَا .
وَلَوْ كَاتَبَ عَبْدَهُ وَامْرَأَتَهُ مُكَاتَبَةً وَاحِدَةً ، ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا فَقُتِلَ الْوَلَدُ فَإِنَّ قِيمَتَهُ تَكُونُ لِلْأُمِّ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ هَاهُنَا لَحِقَ الْوَلَدُ عَقْدَ الْكِتَابَةِ بِالشَّرْطِ وَهُمَا قَدْ اسْتَوَيَا فِي الشَّرْطِ فَاسْتَوَيَا فِيهِ وَفِي بَدَلِهِ .
وَفِي الْوَلَدِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ ، الْوَلَدُ لَحِقَ الْعَقْدَ بِالْوِلَادَةِ ، وَقَدْ انْفَرَدَتْ الْأُمُّ بِالْوِلَادَةِ ، فَانْفَرَدَتْ بِثُبُوتِ الْحَقِّ فِيهِ وَفِي بَدَلِهِ .

282 - 282 - إذَا كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ وَامْرَأَتَهُ عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَأَوْلَادِهِمَا ، ثُمَّ مَاتَ الْوَلَدُ وَتَرَكَ مَالًا فَمَالُهُ لِلْأَبَوَيْنِ .
وَلَوْ كَانَ حَيًّا لَمْ يَكُنْ لِلْأَبَوَيْنِ عَلَى مَالِهِ سَبِيلٌ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ حَالَةِ الْحَيَاةِ وَالْوَفَاةِ أَنَّ قَبُولَ الْأَبِ عَلَى وَلَدِهِ إنَّمَا يَجُوزُ فِيمَا يَنْفَعُهُ ، وَلَا يَجُوزُ فِيمَا يَضُرُّهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَلَدَ يَعْتِقُ وَلَا يَلْزَمُهُ ضَمَانٌ ، فَلَوْ جَوَّزْنَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ كَسْبِهِ حَالَةَ الْحَيَاةِ لَكَانَ فِيهِ إضْرَارٌ بِالْوَلَدِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ .
وَأَمَّا بَعْدَ الْمَوْتِ لَوْ جَوَّزْنَا لَهُمَا الْأَخْذَ لَمْ يُؤَدِّ إلَى الْإِضْرَارِ ، فَجَازَ لَهُمَا ذَلِكَ .

283 - 283 - إذَا كَاتَبَ الْوَصِيُّ عَبْدَ الصَّغِيرِ فَبَلَغَ ، كَانَ لِلصَّغِيرِ قَبْضُ مَالِ الْكِتَابَةِ .
وَلَوْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ ، ثُمَّ بَلَغَ الصَّبِيُّ ؛ فَإِنَّهُ لَا يَقْبِضُ الْمَالَ ، بَلْ الْوَصِيُّ هُوَ الَّذِي يَقْبِضُ الْمَالَ .
وَالْفَرْقُ أَنْ الْوَصِيَّ لَيْسَ يَقْبِضُ مَالَ الْكِتَابَةِ بِحَقِّ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ لَا يُوجِبُ تَعْلِيقَ الْعُهْدَةِ بِالْعَاقِدِ ، إنَّمَا يُوجِبُ تَعْلِيقَهَا بِالْمَعْقُودِ لَهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِالْكِتَابَةِ فَكَاتَبَ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْضُ الْمَالِ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْضُهُ بِحَقِّ الْعَقْدِ صَارَ قَبْضُهُ كَالْوِلَايَةِ عَلَى الصَّغِيرِ ، وَقَدْ زَالَتْ وِلَايَتُهُ بِالْبُلُوغِ فَزَالَ الْحَقُّ .
وَفِي الْبَيْعِ قَبْضُ الثَّمَنِ بِحَقِّ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ فِي بَابِ الْبَيْعِ يَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ ، وَالْعَقْدُ بَاقٍ فَبَقِيَ مُوجَبُهُ ، فَكَانَ لَهُ قَبْضُهُ فَافْتَرَقَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ .

284 - 284 - إذَا جَنَتْ أَمَةُ الْمَكَاتِبِ جِنَايَةً فَوَطِئَهَا الْمَكَاتِبُ كَانَ اخْتِيَارًا لِلْجِنَايَةِ .
وَلَوْ أَنَّ حُرًّا لَهُ أَمَةٌ جَنَتْ فَوَطِئَهَا لَا يَكُونُ اخْتِيَارًا .
قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : يَجُوزُ أَنْ تُحْمَلَ مَسْأَلَةُ الْمَكَاتِبِ عَلَى أَنَّهُ وَطِئَهَا فَأَعْتَقَهَا ، وَفِي جِنَايَةِ أَمَةِ الْحُرِّ كَذَلِكَ ، وَإِنْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى هَذَا .
فَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْوَطْءَ حَرَامٌ عَلَى الْمَكَاتِبِ ، فَصَارَ جِنَايَةً ، وَلَوْ جَنَى عَلَيْهَا كَانَ مُخْتَارًا ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ أَمَةُ الْحُرِّ ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ لَا تُحَرِّمُ وَطْأَهَا عَلَيْهِ فَقَدْ اسْتَوْفَى مَنْفَعَتَهُ حَلَالًا لَمْ يُوجِبْ نُقْصَانًا فِيهَا وَلَمْ يَمْنَعْ الدَّفْعَ فَلَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا كَمَا لَوْ اسْتَخْدَمَهُ .

285 - 285 - إذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ وَلَدًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَسَعَى الْوَلَدُ فِي مَالِ الْكِتَابَةِ وَعَتَقَ لَمْ يَكُنْ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ الْمَوْلَى مَا أَخَذَ ، وَلَوْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ وَخَلَفَ مَالًا فَقَضَى بَعْضَ الْغُرَمَاءِ دُونَ بَعْضٍ ، أَوْ قَضَى مَالَ الْكِتَابَةِ كَانَ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَتَعَلَّقُوا بِهِ ، فَيَأْخُذُوا مِنْهُ حِصَصَهُمْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الدُّيُونَ كُلَّهَا عَلَى الْوَلَدِ ، فَهَذَا صَحِيحٌ يَقْضِي بَعْضَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدُّيُونِ دُونَ بَعْضٍ فَلَمْ يَكُنْ لِبَعْضِ الْغُرَمَاءِ عَلَى الْقَابِضِ مِنْ سَبِيلٍ ، كَالْحُرِّ إذَا قَضَى بَعْضَ غُرَمَائِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ إذَا مَاتَ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَاتَ تَعَلَّقَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِتَرِكَتِهِ ، فَإِذَا قَضَى بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ فَقَدْ قَطَعَ حَقَّ الْبَاقِينَ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ كَالْمَرِيضِ إذَا قَضَى بَعْضَ غُرَمَائِهِ دُونَ بَعْضٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ، كَذَلِكَ هَذَا .

286 - 286 - رَجُلَانِ كَاتَبَا عَبْدًا بَيْنَهُمَا مُكَاتَبَةً وَاحِدَةً ، فَأَدَّى نَصِيبَ أَحَدِهِمَا لَمْ يَعْتِقْ نَصِيبَهُ ، مَا لَمْ يُؤَدِّ جَمِيعَ مَالِ الْكِتَابَةِ .
وَلَوْ وَهَبَ لَهُ نَصِيبَهُ مِنْ الْكِتَابَةِ عَتَقَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا أَوْفَى أَحَدَهُمَا نَصِيبَهُ فَطَلَبَ الْآخَرُ مَالَ الْمُكَاتَبَةِ لَمْ يَنْقَطِعْ عَنْ الْمُكَاتَبَةِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَبَضَ مِنْهُ حِصَّتَهُ كَانَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ نِصْفَهُ ثُمَّ يَرْجِعَ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِمَا قَبَضَ لِلشَّرِيكِ مِنْهُ ، ثُمَّ يَرْجِعَ الشَّرِيكُ بِنِصْفِ مَا قَبَضَ ثَانِيًا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَالَ حِصَّتِهِ ، فَثَبَتَ أَنَّ طَلَبَهُ بِمَالِ الْكِتَابَةِ لَمْ يَنْقَطِعْ عَنْ الْمُكَاتَبِ ، وَبَقَاءُ الطَّلَبِ بِمَالِ الْكِتَابَةِ عَلَى الْعَبْدِ يَمْنَعُ عِتْقَهُ ، كَمَا لَوْ بَقِيَ جَمِيعُ الْمَالِ عَلَيْهِ .
وَأَمَّا إذَا وَهَبَ مِنْهُ نَصِيبَهُ فَطَلَبَهُ بِمَالِ الْكِتَابَةِ يَنْقَطِعُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمُطَالَبَةَ بِشَيْءٍ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ ، فَعَتَقَ الْمُكَاتَبُ كَمَا لَوْ أَدَّى جَمِيعَ الْمَالِ .

287 - 287 - إذَا كَاتَبَ عَلَى نِصْفِ عَبْدِهِ ثُمَّ بَاعَهُ النِّصْفَ الْبَاقِيَ مِنْ نَفْسِهِ فَلِلْعَبْدِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ عَجَّزَ نَفْسَهُ وَسَعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ ، وَإِنْ شَاءَ مَضَى عَلَى الْكِتَابَةِ ، فَإِنْ اخْتَارَ الْمُضِيَّ عَلَى الْكِتَابَةِ ، فَأَدَّى بَعْضَ الْكِتَابَةِ ، ثُمَّ عَجَزَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ نِصْفُ الْقِيمَةِ ، وَحُسِبَ لَهُ مَا أَدَّى مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ مِنْ الْقِيمَةِ ، وَسَعَى فِيمَا بَقِيَ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ .
وَلَوْ كَاتَبَ عَبْدَهُ فَأَدَّى بَعْضَ مَالِ الْكِتَابَةِ ، ثُمَّ عَجَزَ ثُمَّ كَاتَبَهُ ثَانِيًا لَمْ يُحْسَبْ لَهُ مَا أَدَّى أَوَّلًا إلَى الْمَوْلَى .
وَالْفَرْقُ أَنْ عَجْزَهُ لَمْ يُعِدْهُ إلَى الرِّقِّ ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَا يُوجِبُ إخْرَاجَهُ إلَى الْحُرِّيَّةِ بِالسِّعَايَةِ بَاقٍ وَهُوَ ثُبُوتُ الْعِتْقِ فِي نِصْفِهِ ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَعْجِزْ ، وَلَوْ لَمْ يَعْجِزْ يَحْسُبُ لَهُ ذَلِكَ الْمَوْلَى ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ ؛ لِأَنَّهُ بِالْعَجْزِ عَادَ إلَى حَالَةِ الرِّقِّ ، بِدَلِيلِ جَوَازِ بَيْعِهِ وَتَصَرُّفِهِ فِيهِ ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ، وَالْأَدَاءُ وَقَعَ عَلَى حُكْمِ ذَلِكَ الْعَقْدِ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ الْعَقْدُ وَالْأَدَاءُ لَمْ يَكُنْ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَوَجَبَتْ السِّعَايَةُ فِي الْجَمِيعِ ، كَذَلِكَ هَذَا .

288 - 288 - رَجُلٌ كَاتَبَ أَمَتَهُ ، وَعَلَيْهَا دَيْنٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا ، وَأَدَّتْ الْكِتَابَةَ ، وَعَتَقَتْ فَلِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَأْخُذُوا الْمُكَاتَبَةَ مِنْ السَّيِّدِ ، وَيُضَمِّنُوهُ قِيمَةَ الْجَارِيَةِ ، إنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ ضَمَّنُوهُ ، وَيَرْجِعُونَ بِفَضْلِ دَيْنِهِمْ إنْ شَاءُوا عَلَى الْأُمِّ ، وَإِنْ شَاءُوا عَلَى الْوَلَدِ إلَّا أَنَّهُمْ لَا يَأْخُذُونَ الْوَلَدَ بَعْدَ الْعِتْقِ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَةٍ وَاحِدَةٍ .
وَلَوْ مَاتَتْ الْمُكَاتَبَةُ وَتَرَكَتْ وَلَدًا وَعَلَيْهَا دَيْنٌ وَكِتَابَةٌ يَسْعَى الْوَلَدُ فِي جَمِيعِ الدُّيُونِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ مُعَلَّقٌ بِرَقَبَةِ الْأُمِّ ، وَسَرَى إلَى رَقَبَةِ الْوَلَدِ وَتَعَلَّقَ بِهَا ، بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ لَوْ حَضَرُوا قَبْلَ الْكِتَابَةِ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوا الْجَارِيَةَ وَالْوَلَدَ ، وَالْحَقَّ إذَا تَعَلَّقَ بِالرَّقَبَةِ فَإِذَا أُعْتِقَتْ الرَّقَبَةُ لَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَةٍ وَاحِدَةٍ ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ فِي حَالِ مَرَضِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرَهُ ، فَإِنَّ الْعَبْدَ يَسْعَى فِي قِيمَةِ نَفْسِهِ فَقَطْ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِرَقَبَةِ الْأُمِّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ بَيْعَهَا فَلَمْ يَثْبُتْ فِي رَقَبَةِ الْوَلَدِ ، فَثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ ، وَالذِّمَّةُ تَتَّسِعُ لِلْحُقُوقِ كُلِّهَا ، فَجَازَ أَنْ يَسْعَى فِي الْجَمِيعِ .

289 - 289 ؛ ذِمِّيٌّ كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ كَافِرًا عَلَى خَمْرٍ فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْخَمْرِ .
وَلَوْ اشْتَرَى ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ عَبْدًا بِخَمْرٍ ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا بَطَلَ الْبَيْعُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ يَنْعَقِدُ بِالشَّيْءِ وَبِقِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَاتَبَ عَلَى حَيَوَانٍ فَأَتَاهُ بِالْقِيمَةِ ، أُجْبِرَ عَلَى قَبُولِهَا ، وَإِذَا جَازَ أَنْ يَبْتَدِئَ الْعَقْدَ بِالْقِيمَةِ جَازَ أَنْ يُسْتَسْعَى بِهَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ لَا يَنْعَقِدُ بِالشَّيْءِ وَبِقِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ شَيْئًا فَأَتَى بِقِيمَتِهِ لَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهَا ، فَإِذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَبْتَدِئَ عَقْدَ الْبَيْعِ بِالْقِيمَةِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْتَسْعَى بِهَا .

290 - 290 - لَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَتَكَفَّلَ ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى .
وَالْعَبْدُ وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ إذَا كَفَلَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى جَازَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَانِعَ مَعَ جَوَازِ الْكَفَالَةِ عَقْدُ الْكِتَابَةِ لَا حَقُّ الْمَوْلَى ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَوْلَى لَوْ أَقَرَّ عَلَيْهِ بِكَفَالَةٍ لَمْ يَجُزْ ، وَالْكِتَابَةُ تَبْقَى مَعَ الْإِذْنِ فَقَدْ بَقِيَ الْمَانِعُ مِنْ جَوَازِهِ فَلَمْ يَجُزْ ، كَمَا لَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لِتَرِكَتِهِ فَأَعْتَقَ الْوَرَثَةُ عَبْدًا مِنْ التَّرِكَةِ فَأَجَازَهُ الْغُرَمَاءُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ جَوَازِهِ وُجُوبُ الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ لَا حَقُّ الْغُرَمَاءِ ، وَالدَّيْنُ يَبْقَى مَعَ إذْنِهِمْ ، فَبَقِيَ الْمَانِعُ مِنْ جَوَازِهِ فَلَمْ يَجُزْ .
كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَبْدُ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ جَوَازِ كَفَالَتِهِ حَقُّ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ عَلَيْهِ بِكَفَالَةٍ صَحَّ ، وَقَدْ زَالَ حَقُّهُ بِالْإِذْنِ فَزَالَ الْمَانِعُ مِنْ جَوَازِهِ فَجَازَ ، كَمَا قُلْنَا فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ إذَا كَفَلَ عَنْ الْأَجْنَبِيِّ لَا يَثْبُتُ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لِحَقِّهِ ، فَإِذَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ نَفَذَ ، كَذَلِكَ هَذَا .

291 - 291 - إذَا قَالَ الْمَوْلَى لِرَجُلٍ : إذَا أَدَّيْتَ إلَيَّ أَلْفًا فَمَا فِي بَطْنِ أَمَتِي حُرٌّ ، فَأَدَّى فَوَضَعَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ عَتَقَ الْوَلَدُ ، وَرَجَعَ الدَّافِعُ بِمَالِهِ عَلَى الْمَوْلَى .
وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ : اعْتِقْ عَبْدَكَ عَلَى أَلْفُ أُؤَدِّي إلَيْكَ ، فَفَعَلَ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْمَالَ عَلَيْهِ ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِ إذَا أَخَذَ مِنْهُ .
وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ : طَلِّقْ امْرَأَتَكَ عَلَى أَنْ أَدْفَعَ لَكَ أَلْفًا فَفَعَلَ اسْتَحَقَّ الْأَلْفَ ، وَإِذَا دَفَعَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِوَلِيِّ الدَّمِ : اُعْفُ عَنْ الْقَاتِلِ وَعَلَيَّ أَلْفٌ أَدْفَعُ إلَيْكِ ، فَفَعَلَ اسْتَحَقَّ الْمَالَ عَلَيْهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ مَنْفَعَةَ الْعِتْقِ تَحْصُلُ لِلْمَوْلَى ، وَهُوَ الثَّوَابُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالْوَلَاءُ يَثْبُتُ مِنْهُ ، فَقَدْ بَذَلَ لَهُ الْمَالَ عَلَى فِعْلٍ فَعَلَهُ لِنَفْسِهِ وَحَصَلَتْ مَنْفَعَتُهُ لَهُ فَلَا يَصِحُّ الْبَدَلُ وَيَرْجِعُ بِالْمَالِ عَلَيْهِ ، كَمَا لَوْ قَالَ لِآخَرَ : كُلْ طَعَامِكَ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَكَ ، أَوْ الْبِسْ ثَوْبَكَ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَكَ فَفَعَلَ ، فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ شَيْئًا ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لِلزَّوْجِ فِي طَلَاقِ امْرَأَتِهِ ، وَإِنَّمَا يَتَضَرَّرُ بِهِ ، وَكَذَلِكَ فِي الْعَفْوِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالْمَنْفَعَةُ فِيهِ لِلْقَاتِلِ وَفِي الطَّلَاقِ لِلْمَرْأَةِ ، فَقَدْ بَذَلَ الْمَالَ لِفِعْلٍ يَفْعَلُهُ لِغَيْرِهِ وَتَحْصُلُ مَنْفَعَتُهُ لِغَيْرِهِ فَجَازَ وَاسْتَحَقَّ الْمَالَ كَمَا لَوْ قَالَ : تَصَدَّقْ عَلَى الْفُقَرَاءِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَهَا ، أَوْ هَبْ لِفُلَانٍ كَذَا عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَهُ فَفَعَلَ ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَيَكُونُ الْمَالُ عَلَيْهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .

292 - 292 - إذَا قَالَ الْمُكَاتَبُ : إذَا أُعْتِقْت فَقَدْ أَوْصَيْتُ بِثُلُثِ مِلْكِي لِفُلَانٍ ، فَمَاتَ عَنْ وَفَاءٍ لَمْ تَجُزْ وَصِيَّتُهُ ، فَإِنْ أَجَازَ وَرَثَتُهُ نَفَذَتْ وَصِيَّتُهُ ، فَلَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعُوهُ إلَى الْمُوصَى لَهُ ، وَكَذَلِكَ إذَا أَوْصَى رَجُلٌ بِمَالِ غَيْرِهِ لِفُلَانٍ فَأَجَازَ مَالِكُهُ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ بَعْدَ الْإِجَازَةِ .
وَلَوْ أَوْصَى الْحُرُّ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ لِرَجُلٍ ، وَمَاتَ وَأَجَازُوا الْوَرَثَةُ ، ثُمَّ أَرَادُوا أَنْ يَرْجِعُوا فِيهِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَلِكَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي بَابِ الْحُرِّ إذَا أَوْصَى بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ فَالْعَقْدُ وَقَعَ لِنَفْسِهِ ، فَأَوْجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمِلْكُ فِيهِ مُسْتَفَادًا مِنْ جِهَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ فِي حَالِ الْوَصِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ قَدْ امْتَنَعَ نَفَاذُهُ لِحَقِّ الْغَيْرِ ، فَإِذَا زَالَ حَقُّ الْغَيْرِ بِالْإِجَازَةِ بَقِيَ الْعَقْدُ وَاقِعًا عَنْهُ ، وَلَمْ يَتَغَيَّرْ بِالْإِجَازَةِ ، كَالْعَبْدِ إذَا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى ، فَإِذَا أَجَازَهُ الْمَوْلَى وَقَعَ بِهِ الْعَقْدُ عَنْ الْعَبْدِ ، وَلَمْ يَتَغَيَّرْ بِالْإِجَازَةِ كَذَلِكَ هَذَا .
وَأَمَّا فِي بَابِ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّ عَقْدَهُ لَمْ يُوجِبْ أَنْ يَكُونَ الْمِلْكُ مُسْتَفَادًا مِنْ جِهَتِهِ ، وَلَا أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ وَاقِعًا عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ الْمَالَ ، وَكَذَلِكَ إذَا أَوْصَى فَصَارَ ذَا هِبَةٍ مُبْتَدَأَةٍ وَتَمْلِيكًا مُسْتَقِلًّا مِنْ جِهَتِهِمْ فَإِنْ سَلَّمُوهُ جَازَ وَتَمَّ وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمُوهُ بَقِيَ عَلَى خِيَارِهِمْ ، كَذَلِكَ هَذَا .

إذَا زَوَّجَ الْمُكَاتَبُ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ لَمْ يَجُزْ .
وَإِنْ زَوَّجَ الْحُرُّ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ جَازَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّنَا لَوْ جَوَّزْنَا الْعَقْدَ لَمْ يُوجِبْ الْمَهْرَ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَجِبَ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ ضَمَانٌ ، فَصَارَ ذَلِكَ تَبَرُّعًا وَتَبَرُّعُ الْمُكَاتَبِ لَا يَجُوزُ .
وَأَمَّا إذَا زَوَّجَ الْحُرُّ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ فَلَوْ جَوَّزْنَا الْعَقْدَ لَمْ يُوجِبْ الْمَهْرَ ، فَصَارَ مُتَبَرِّعًا ، وَتَبَرُّعُ الْحُرِّ جَائِزٌ .

294 - 294 - إذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ أَوْ مَاتَ كَانَ ذَلِكَ عَجْزًا عَلَى عَبِيدِهِ .
وَمَوْتُ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ لَا يُوجِبُ عَزْلَ خُلَفَائِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ بِالْعَجْزِ سَقَطَ أَمْرُهُ ، وَكَذَلِكَ بِالْمَوْتِ ، وَإِذَا سَقَطَ أَمْرُهُ سَقَطَ أَمْرُ مَنْ يَتَصَرَّفُ مِنْ جِهَتِهِ ، كَالْمُوَكِّلِ إذَا مَاتَ انْعَزَلَ وَكِيلُهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا مَاتَ الْخَلِيفَةُ ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ لِلْمُسْلِمِينَ فَصَارَ تَوَلِّيهِ مِنْ جِهَةِ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ بَاقُونَ فَقَدْ بَقِيَ مَنْ يَتَصَرَّفُ هَذَا الْوَالِي مِنْ جِهَتِهِ فَبَقِيَ عَلَى وِلَايَتِهِ .

295 - 295 - إذَا كَاتَبَ أَمَتَهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ، فَوَلَدَتْ ثُمَّ أَعْتَقَ الْأُمَّ فَهُوَ فَسْخٌ لِلْعَقْدِ وَلَا يَعْتِقُ الْوَلَدُ مَعَهَا .
وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُكَاتَبَةِ فَأَعْتَقَهَا عَتَقَ الْوَلَدُ مَعَهَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُ فَإِنَّ لَهُ فَسْخَ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ لَهُ يَمْنَعُ زَوَالَ مِلْكِهِ ، وَهُوَ فِعْلُ مَا دَلَّ عَلَى الْفَسْخِ فَلَمْ يَكُنْ تَتْمِيمًا لِلْعَقْدِ ، وَصَارَ فَسْخًا فَانْفَسَخَ الْعَقْدُ ، وَصَارَ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ ، فَكَأَنَّهَا جَارِيَةٌ لَهُ وَلَهَا وَلَدٌ ، فَأَعْتَقَهَا فَإِنَّهُ لَا يُعْتِقُ وَلَدَهَا مَعَهَا ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهَا فَأَعْتَقَهَا ، فَهَذَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ فَسْخًا لِلْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهَا وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فَسْخًا لِلْعَقْدِ صَارَ تَتْمِيمًا لِعَقْدِ الْكِتَابَةِ وَتَتْمِيمُ عَقْدِ الْكِتَابَةِ يُوجِبُ أَنْ يَتْبَعَهَا وَلَدُهَا فِي الْعِتْقِ ، كَمَا لَوْ أَدَّتْ الْمَالَ وَعَتَقَتْ فَإِنَّهُ يُعْتِقُ وَلَدَهَا مَعَهَا ، كَذَلِكَ هَذَا .

296 - 296 - لَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُفَاوِضَ .
وَلِلْحُرِّ ذَلِكَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ شَرِكَةَ الْمُفَاوَضَةِ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَفَاوِضَيْنِ ضَامِنًا عَنْ صَاحِبِهِ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ ضَمَانٍ .
وَضَمَانُ الْمُكَاتَبِ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْحُرُّ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ ضَامِنًا وَضَمَانُهُ جَائِزٌ ، وَلِأَنَّ الْمُفَاوَضَةَ تَقْتَضِي اسْتِوَاءَهُمَا فِي الضَّمَانِ وَالتَّصَرُّفِ ، وَهُمَا لَا يَسْتَوِيَانِ فِي التَّصَرُّفِ ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْحُرِّ يَجُوزُ فِي الْمُفَاوَضَاتِ وَالتَّبَرُّعَاتِ جَمِيعًا ، وَتَبَرُّعُ الْمُكَاتَبِ لَا يَجُوزُ ، وَإِذَا لَمْ يَسْتَوِيَا فِي التَّصَرُّفِ لَمْ يَنْعَقِدْ الضَّمَانُ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ الْحُرِّ .

297 - 297 - إذَا وَالَى رَجُلٌ رَجُلًا ثُمَّ وُلِدَ لَهُ مِنْ امْرَأَتِهِ وَلَدٌ وَقَدْ وَالَتْ رَجُلًا فَوَلَاءُ الْوَلَدِ لِمَوْلَى الْأَبِ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ وَالَتْ وَهِيَ حُبْلَى وَلَا يُشْبِهُ هَذَا وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ ثُبُوتَ وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ بِالْعَقْدِ ، وَعَقْدُهَا لَا يَجُوزُ عَلَى وَلَدِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهَا عَلَيْهِ ، فَلَمْ يَجُزْ عَقْدُهَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَكْتَمِلْ لِلْوَلَدِ وَلَاءٌ بِنَفْسِهِ فَكَانَ إلْحَاقُهُ بِالْأَبِ أَوْلَى كَالنَّسَبِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ بِالْعِتْقِ وَهُوَ بِإِعْتَاقِ الْأُمِّ صَارَ مُعْتِقًا لِلْجَنِينِ ، فَثَبَتَ وَلَاؤُهُ مِنْ الْمُعْتِقِ ، فَصَارَ لَهُ وَلَاءٌ بِنَفْسِهِ فَلَمْ يَتْبَعْ غَيْرَهُ ، فَكَانَ مَوْلًى لِلْمُعْتِقِ .

298 - 298 - الْمَأْذُونُ إذَا كَاتَبَ عَبْدًا بِإِذْنِ الْمَوْلَى ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ ، ثُمَّ أَدَّى الْمُكَاتَبُ الْكِتَابَةَ ؛ عَتَقَ وَوَلَاؤُهُ لِلْمَوْلَى ، وَلَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ الْمُعْتَقِ الْوَلَاءُ .
وَلَوْ كَاتَبَ الْمُكَاتَبُ عَبْدًا فَأَدَّى الْأَوَّلُ وَعَتَقَ ، ثُمَّ أَدَّى الثَّانِي وَالْأَوَّلُ حُرٌّ ؛ فَإِنَّ وَلَاءَهُ لَهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ عَقْدَ الْمَأْذُونِ وَقَعَ لِلْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ تَمَّ بِإِذْنِهِ فَكَأَنَّ الْمَوْلَى هُوَ الَّذِي كَاتَبَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ أَدَّى الْكِتَابَةَ ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الْوَلَاءُ لِلْمَوْلَى ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ الْمَوْلَى ، فَإِذَا أَدَّاهُ الْمُكَاتَبُ الثَّانِي وَهُوَ حُرٌّ صَارَ كَأَنَّهُ كَاتَبَهُ وَهُوَ حُرٌّ ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الْوَلَاءُ لَهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .

299 - 299 - وَلِلصَّبِيِّ أَنْ يُكَاتَبَ عَبْدُهُ بِإِذْنِ أَبِيهِ أَوْ وَصِيِّهِ .
وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ عَلَى مَالٍ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يَلْحَقُ النَّقْضَ وَالْفَسْخَ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَتَوَلَّاهُ بِإِذْنِ الْأَبِ ، كَالْبَيْعِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعِتْقُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ النَّقْضُ وَالْفَسْخُ ، وَلَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يَتَوَلَّاهُ وَلَا يَجُوزُ لِلصَّبِيِّ أَيْضًا أَنْ يَفْعَلَهُ بِإِذْنِهِ كَالطَّلَاقِ ، وَلِأَنَّ فِي الْكِتَابَةِ أَمْنَ الضَّرَرِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُؤَدِّيَ فَيَعْتِقَ فَيَحْصُلَ لَهُ بَدَلُ الرَّقَبَةِ ، أَوْ يَعْجِزَ فَيَعُودَ رَقِيقًا كَمَا كَانَ ، وَإِذَا أَمِنَ الضَّرَرَ فِيهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَتَوَلَّاهُ بِإِذْنِ الْأَبِ ، كَالْبَيْعِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْ الضَّرَرِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ فِي الْحَالِ ، وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى أَدَاءِ الْمَالِ فَيُوَفَّى ذَلِكَ الْمَالُ عَلَيْهِ ، وَإِذَا لَمْ يُؤْمَنْ الضَّرَرُ فِيهِ لَمْ يَجُزْ ، وَلِأَنَّ الْعِتْقَ تَبَرُّعٌ فَاشْتِرَاطُ الْمَالِ الْبَدَلَ فِيهِ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ جِنْسِهِ كَالطَّلَاقِ وَالْهِبَةِ ، وَتَبَرُّعُهُ لَا يَجُوزُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْكِتَابَةُ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِتَبَرُّعٍ فَجَازَ أَنْ يَنْفُذَ عَقْدُهُ .

300 - 300 - إذَا قَالَ الْمَوْلَى لِمُكَاتَبِهِ : أَبْرَأْتُكَ عَنْ مَالِ الْكِتَابَةِ ، فَقَالَ : قَدْ رَدَدْتُ بِعِتْقٍ ، وَلَمْ يُرَدَّ عَنْ هَذَا ، ذُكِرَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَالَ يَكُونُ دَيْنًا عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَرِدْ عَنْ مُحَمَّدٍ خِلَافُهُ .
وَلَوْ قَالَ : أَبْرَأْتُكَ عَنْ نِصْفِ مَالِ الْكِتَابَةِ ، فَقَالَ : رَدَدْتُ ، لَا يَعْتِقُ شَيْءٌ مِنْهُ .
وَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْإِبْرَاءَ إيجَابُ حَقٍّ ، وَلَيْسَ فِيهِ اسْتِيجَابٌ ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ وَيَرْتَدُّ بِالرَّدِّ كَالْإِقْرَارِ فَإِذَا أَبْرَأَهُ سَقَطَ مَالُ الْكِتَابَةِ عَنْهُ ، وَسُقُوطُ مَالِ الْكِتَابَةِ عَنْهُ يُوجِبُ عِتْقَهُ فَإِذَا قَالَ : رَدَدْتُ ؛ بَطَلَ الْإِبْرَاءُ بِرَدِّهِ كَمَا لَوْ رَدَّ الْإِقْرَارَ يُعَادُ الْمَالُ إلَيْهِ كَذَلِكَ هَاهُنَا ، وَوُجُوبُ الدَّيْنِ بَعْدَ وُقُوعِ الْعِتْقِ لَا يُوجِبُ إبْطَالَهُ ، كَمَا لَوْ أَدَّى مَالِ الْكِتَابَةِ فَوَجَدَهُ زُيُوفًا فَرَدَّهُ فَإِنَّهُ لَا يُبْطِلُ الْعِتْقَ وَيَعُودُ الْمَالُ إلَيْهِ كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا أَبْرَأَ عَنْ نِصْفِهِ ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ عَنْ بَعْضِ الْمَالِ تُوجِبُ سُقُوطَهُ ، فَصَارَ كَالِاسْتِيفَاءِ ، وَلَوْ اسْتَوْفَى بَعْضَ مَالِ الْكِتَابَةِ لَمْ يَعْتِقْ بِشَيْءٍ كَذَلِكَ هَذَا .

كِتَابُ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ 301 - إذَا حَلَفَ عَلَى امْرَأَتِهِ أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْ الدَّارِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهَا ، فَخَرَجَتْ مَرَّةً بِإِذْنِهِ وَمَرَّةً بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَحْنَثْ ، وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ : حَتَّى آذَنَ .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَقْدَمَ فُلَانٌ .
كَانَ ذَلِكَ بِمَعْنَى الشَّرْطِ فَإِنْ قَدِمَ لَمْ تَطْلُقْ ، وَإِلَّا طَلُقَتْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ : " إلَّا أَنْ " يَكُونُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ بِمَعْنَى الْغَايَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { إلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ } ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ } بِمَعْنَى إنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَكُمْ ، فَإِذَا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الشَّرْطِ ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْغَايَةِ كَانَ فِي حَمْلِهِ عَلَى الشَّرْطِ مَنْعُ لُزُومِ حُكْمِهِ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ : إنْ لَمْ آذَنْ لَكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ خَرَجْتِ مِنْ الدَّارِ ، فَيَكُونُ تَعْلِيقُ يَمِينٍ بِالشَّرْطِ ، وَالْيَمِينُ الْمُعَلَّقَةُ بِالشَّرْطِ لَا يَلْزَمُ إلَّا عِنْدَ وُجُودِهِ ، كَالْجَزَاءِ الْمُعَلَّقِ بِالشَّرْطِ ، وَالرَّجُلُ إنَّمَا قَصَدَ بِكَلَامِهِ اللُّزُومَ فِي الظَّاهِرِ فَلَا يُمْنَعُ لُزُومُهُ ، وَفِي حَمْلِهِ عَلَى الْغَايَةِ قَصْدُ تَصْحِيحِهَا ؛ لِأَنَّ ضَرْبَ الْغَايَاتِ فِي الْأَيْمَانِ يَصِحُّ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ : إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فِي شَهْرٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ ؛ صَحَّ ، وَيَلْزَمُهُ حُكْمُهُ فِي الْحَالِ ، فَحُمِلَ عَلَى مَعْنَى الْغَايَةِ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : إنْ خَرَجْتِ مِنْ الدَّارِ حَتَّى آذَنَ لَكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَإِذَا أَذِنَ لَهَا مَرَّةً وُجِدَتْ الْغَايَةُ فَارْتَفَعَتْ الْيَمِينُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَقْدَمَ فُلَانٌ ؛ لِأَنَّ " إلَّا أَنْ " يَحْتَمِلُ الْمَعْنَيَيْنِ ، وَفِي حَمْلِهِ عَلَى الْغَايَةِ إلْغَاؤُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ تَوْقِيتًا لِلطَّلَاقِ ، وَالطَّلَاقُ إذَا وُقِّتَ تَأَبَّدَ ، فَلَا يَصِحُّ التَّوْقِيتُ فِيهِ فَلَا يُحْمَلُ

عَلَيْهِ ، وَفِي حَمْلِهِ عَلَى مَعْنَى الشَّرْطِ تَصْحِيحُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِالشَّرْطِ ، وَتَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِالشَّرْطِ يَصِحُّ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ يَقْدَمْ فُلَانٌ ، فَإِنْ قَدِمَ وَإِلَّا طَلُقَتْ .

302 - 302 - وَإِذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا وَهُوَ فِيهِ دَاخِلٌ فَمَكَثَ أَيَّامًا لَا يَحْنَثُ .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ وَهُوَ فِيهَا سَاكِنٌ ، فَأَقَامَ فِيهَا حَنِثَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الدُّخُولَ عِبَارَةٌ عَنْ الِانْفِصَالِ مِنْ الْخَارِجِ إلَى الدَّاخِلِ ، وَالْبَقَاءُ عَلَى الدُّخُولِ لَا يُسَمَّى دُخُولًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ : دَخَلْتُ الدَّارَ شَهْرًا فَلَمْ يُوجَدْ مَا نَفَاهُ بِعَقْدِهِ ، فَلَا يَحْنَثُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ السُّكْنَى ؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ عَلَى السُّكْنَى سُكْنَى مُبْتَدَأً ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ : سَكَنْتُ الدَّارَ شَهْرًا ، فَصَارَ كَالْمُبْتَدِئِ سُكْنَى بَعْدَ سُكْنَى فَوُجِدَ مَا نَفَاهُ بِعَقْدِهِ ، فَحَنِثَ فِي يَمِينِهِ .

303 - 303 - إذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَذُوقَ شَرَابًا وَهُوَ يَعْنِي النَّبِيذَ فَأَكَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَذُوقُ لَبَنًا فَأَكَلَهُ أَوْ شَرِبَهُ حَنِثَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الذَّوْقَ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الشُّرْبُ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا } وَالْمُرَادُ بِهِ الشُّرْبُ ، وَيُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْأَكْلُ يُقَالُ : مَا ذُقْتُ الْيَوْمَ طَعَامًا ، أَيْ : مَا أَكَلْت الْيَوْمَ شَيْئًا ، فَإِذَا نَوَى النَّبِيذَ انْصَرَفَ إلَى الْمُعْتَادِ مِنْهُ ، وَالْمُعْتَادُ مِنْ النَّبِيذِ الشُّرْبُ ، فَكَأَنَّهُ صَرَّحَ بِهِ ، فَإِذَا أَكَلَ لَمْ يَحْنَثْ ، وَإِذَا نَوَى اللَّبَنَ انْصَرَفَ إلَى الْمُعْتَادِ مِنْهُ وَالْمُعْتَادُ مِنْهُ أَنَّ اللَّبَنَ يُشْرَبُ تَارَةً ، وَيُؤْكَلُ أُخْرَى فَإِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ حَنِثَ ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا نَفَاهُ بِعَقْدِهِ .

304 - 304 - إذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ هَذَا الْقَمِيصَ ، فَجَعَلَ مِنْهُ قَبَاءً فَلَبِسَهُ لَمْ يَحْنَثْ .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الشَّابَّ فَصَارَ شَيْخًا فَكَلَّمَهُ يَحْنَثُ .
وَالْفَرْقُ أَنْ عَقْدَ الْيَمِينِ لَمْ يَتَنَاوَلْ الصِّفَةَ فِي مَسْأَلَةِ الشَّابِّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ كَلَامِهِ لِكَوْنِهِ شَابًّا ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ مِنْ كَلَامِهِ لِأَجْلِ عَيْنِهِ ، وَالْعَيْنُ بَاقِيَةٌ فَإِذَا كَلَّمَهُ فَقَدْ وُجِدَ مَا نَفَاهُ بِعَقْدِهِ فَحَنِثَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْقَمِيصُ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى الصِّفَةِ ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ يَمْتَنِعُ عَنْ لُبْسِ الْقَمِيصِ لِكَوْنِهِ قَمِيصًا فَإِذَا اتَّخَذَ مِنْهُ قَبَاءً أَزَالَ تِلْكَ الصِّفَةَ ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ مَا فِي الْآخَرِ ، فَقَدْ عَلَّقَ الْيَمِينَ بِصِفَةٍ ، وَقَدْ زَالَتْ وَتَبَدَّلَ ذَلِكَ الِاسْمُ ، وَتَجَدَّدَ اسْمٌ آخَرُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ زَالَتْ الْعَيْنُ وَتَجَدَّدَتْ عَيْنٌ أُخْرَى ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ كَذَلِكَ هَذَا .

305 - 305 - إذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِ فُلَانَةَ فَلَبِسَ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا وَغَزْلِ أُخْرَى مَعَهَا لَمْ يَحْنَثْ ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ أَلَّا يَرْكَبَ دَابَّةً لِفُلَانٍ ، فَرَكِبَ دَابَّةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَ فُلَانٍ وَغَيْرِهِ لَمْ يَحْنَثْ .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا اشْتَرَاهُ فُلَانٌ فَأَكَلَ طَعَامًا اشْتَرَاهُ فُلَانُ مَعَ غَيْرِهِ حَنِثَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَنْفِيَّ مَا يُسَمَّى ثَوْبًا مِنْ غَزْلِ فُلَانَةَ وَبَعْضُ الثَّوْبِ لَا يُسَمَّى ثَوْبًا ، فَلَمْ يُوجَدْ مَا نَفَاهُ بِعَقْدِهِ فَلَمْ يَحْنَثْ ، وَكَذَلِكَ الْمَنْفِيُّ رُكُوبُ دَابَّةٍ تُنْسَبُ إلَى فُلَانٍ ، وَبَعْضُ الدَّابَّةِ لَا يُسَمَّى دَابَّةً ، فَلَمْ يُوجَدْ مَا نَفَاهُ بِعَقْدِهِ ، فَلَمْ يَحْنَثْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : لَا آكُلُ مِنْ طَعَامٍ اشْتَرَاهُ فُلَانٌ ؛ لِأَنَّ الْمَنْفِيَّ أَكْلُ طَعَامٍ عَقَدَ فُلَانٌ عَلَيْهِ عَقْدَ الشِّرَاءِ ، وَبَعْضُ الطَّعَامِ يُسَمَّى طَعَامًا ، فَوُجِدَ مَا نَفَاهُ بِعَقْدِهِ فَحَنِثَ .

306 - 306 - إذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا وَسَمَّاهُ بِعَيْنِهِ ، فَاتَّزَرَ بِهِ أَوْ ارْتَدَى بِهِ حَنِثَ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ قَمِيصًا ، فَارْتَدَى بِقَمِيصٍ ، أَوْ اتَّزَرَ بِهِ لَمْ يَحْنَثْ .
وَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّهُ عَقَدَ عَلَى ثَوْبٍ مَوْصُوفٍ غَيْرِ مُعِينٍ ، فَانْعَقَدَ الْعَقْدُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ شَابًّا فَكَلَّمَ شَيْخًا كَانَ شَابًّا وَقْتَ يَمِينِهِ لَمْ يَحْنَثْ ، وَإِذَا انْعَقَدَ الْعَقْدُ بِالصِّفَةِ فَانْصَرَفَ يَمِينُهُ إلَى الْمُعْتَادِ لُبْسُهُ ، فَإِذَا ارْتَدَى بِهِ فَلَمْ يَلْبَسْهُ لُبْسًا مُعْتَادًا ، فَلَمْ يَحْنَثْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : لَا أَلْبَسُ هَذَا الْقَمِيصَ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى الْعَيْنِ ، وَالْعَيْنُ بَاقِيَةٌ وَالِاسْمُ بَاقٍ فَانْعَقَدَ الْعَقْدُ بِهِ دُونَ الصِّفَةِ ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الشَّابَّ انْعَقَدَ الْيَمِينُ بِالْعَيْنِ دُونَ الصِّفَةِ ، كَذَلِكَ هَذَا ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : لَا أَلْبَسُ شَيْئًا ، فَإِذَا لَبِسَهُ حَنِثَ ، سَوَاءٌ لَبِسَهُ لُبْسَ الْقَمِيصِ أَوْ الْإِزَارِ كَذَلِكَ هَذَا .

307 - 307 - إذَا حَلَفَ لَا يَبِيعُ ثَوْبًا فَأَمَرَ غَيْرَهُ حَتَّى بَاعَ ، أَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَاشْتَرَى لَمْ يَحْنَثْ .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ ، فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَزَوَّجَهُ امْرَأَةً حَنِثَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ نَفَى عَقْدًا يُضَافُ إلَيْهِ وَتَتَعَلَّقُ حُقُوقُهُ بِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ حَنِثَ لِهَذَا الْمَعْنَى ، وَحُقُوقُ الْعَقْدِ فِي بَابِ الشِّرَاءِ تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ ، وَلَا تَتَعَلَّقُ بِمَنْ وَقَّعَ الْعَقْدَ لَهُ فَلَمْ يُوجَدْ بِتِلْكَ الصِّفَةِ فَلَا يَحْنَثُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ النِّكَاحُ ؛ لِأَنَّهُ نَفَى عَقْدًا يُضَافُ إلَيْهِ وَتَتَعَلَّقُ حُقُوقُهُ بِهِ ، وَالْوَكِيلُ فِي النِّكَاحِ لَا يُضِيفُ الْعَقْدَ إلَى نَفْسِهِ ، وَإِنَّمَا يُضِيفُهُ إلَى الْمُوَكِّلِ وَلَمْ تَتَعَلَّقْ حُقُوقُهُ بِهِ ، فَوُجِدَ مَا نَفَاهُ بِعَقْدِهِ فَحَنِثَ .

308 - 308 - غَيْرُ السُّلْطَانِ مِمَّنْ يَتَوَلَّى التَّصَرُّفَ بِنَفْسِهِ إذَا حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ حُرًّا ، فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَضَرَبَهُ ؛ لَمْ يَبَرَّ فِي يَمِينِهِ .
وَلَوْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَضَرَبَهُ بَرَّ فِي يَمِينِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ ضَرْبَهُ لِلْحُرِّ لَا يَصِيرُ لَهُ بِالْأَمْرِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ مِنْ ضَرْبِ الضَّارِبِ لَوَجَبَ ضَمَانُهُ عَلَى الضَّارِبِ دُونَ الْآمِرِ ، وَإِذَا لَمْ يَقَعْ ضَرْبُهُ لَهُ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ بِرِّهِ فَحَنِثَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَبْدُ ؛ لِأَنَّ ضَرْبَ عَبْدِهِ يَصِيرُ لَهُ بِالْأَمْرِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ مِنْ ضَرْبِهِ لَا ضَمَانَ عَلَى الضَّارِبِ ، وَإِذَا وَقَعَ فِعْلُهُ لَهُ فَقَدْ وُجِدَ شَرْطُ بِرِّهِ فَلَمْ يَحْنَثْ فِي يَمِينِهِ .
وَأَمَّا الْقَاضِي وَالسُّلْطَانُ فَلَا يُبَاشِرَانِ الضَّرْبَ بِأَنْفُسِهِمَا ، فَالضَّرْبُ نُسِبَ إلَى الْآمِرِ ، فَدَخَلَ فِي الِاسْمِ فَبَرَّ سَوَاءٌ كَانَ عَبْدًا أَوْ حُرًّا .

309 - 309 - إذَا قَالَ : أَيُّ غِلْمَانِي بَشَّرَنِي بِكَذَا فَهُوَ حُرٌّ ، فَبَشَّرَهُ وَاحِدٌ ثُمَّ آخَرُ عَتَقَ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي .
وَلَوْ قَالَ : أَيُّ غِلْمَانِي أَخْبَرَنِي بِكَذَا ، فَأَخْبَرَهُ وَاحِدٌ ، ثُمَّ آخَرُ عَتَقَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبِشَارَةَ اسْمٌ لِلْخَبَرِ السَّارِّ الصِّدْقِ الَّذِي يَقَعُ بِهِ الِاسْتِبْشَارُ ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَحْصُلُ مِنْ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي ، فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ حِنْثِهِ فِي الثَّانِي ، فَلَا يَحْنَثُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْإِخْبَارُ ؛ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ هُوَ أَنْ يُنَظِّمَ بَيْنَ الِاسْمِ وَالْفِعْلِ كَمَا يُقَالُ : قَدِمَ زَيْدٌ وَخَرَجَ عَمْرٌو ، وَالْإِخْبَارُ يَصِحُّ مَعَ كَوْنِ الْمُخْبَرِ بِهِ مَعْلُومًا .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ } وَهُوَ كَانَ عَالِمًا بِأَسْمَائِهِمْ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِخْبَارَ يَصِحُّ مَعَ كَوْنِ الْمُخْبَرِ بِهِ عَالِمًا ، فَوُجِدَ فِي الثَّانِي مِثْلُ مَا وُجِدَ فِي الْأَوَّلِ فَعَتَقَا جَمِيعًا .

310 - 310 - إذَا قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ مَوْلَاكَ ، وَلَهُ مَوْلَيَانِ أَعْلَى وَأَسْفَلُ ، فَأَيَّهُمَا كَلَّمَ حَنِثَ .
وَلَوْ قَالَ : أَوْصَيْتُ لِمَوْلَاك ، وَلَهُ مَوْلَيَانِ أَعْلَى وَأَسْفَلُ لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَاتِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلَ يَدْخُلَانِ تَحْتَ هَذَا الِاسْمِ وَالْمَقْصُودُ بِالْيَمِينِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ، وَكُلُّ وَاحِدٍ يَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا اللَّفْظِ بِمَعْنًى يَدْخُلُ الْآخَرُ تَحْتَهُ ، فَصَارَ الْمَقْصُودُ لَهُ بِالْعَقْدِ مَجْهُولًا وَنَفْيُ كَلَامِ الْمَجْهُولِ جَائِزٌ كَمَا لَوْ قَالَ : لَا أُكَلِّمُ رَجُلًا مِنْ النَّاسِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْوَصِيَّةِ لِلْمَوْلَى الْأَعْلَى : الْمُجَازَاةُ وَالْمُكَافَأَةُ ، وَالْوَصِيَّةِ لِلْأَسْفَلِ : النِّعْمَةُ عَلَيْهِ ، وَهُمَا مَعْنَيَانِ مُخْتَلِفَانِ ، فَصَارَ الْمَقْصُودُ بِالْعَقْدِ مَجْهُولًا ، وَالْوَصِيَّةُ لِلْمَجْهُولِ لَا تَصِحُّ كَمَا قَالَ .
أَوْصَيْتُ لِوَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ ، كَذَلِكَ هَذَا .

311 - 311 - إذَا قَالَ لِأَمَةٍ : إنْ بَاعَكِ فُلَانٌ فَأَنْتِ حُرَّةٌ ، فَبَاعَهَا مِنْ فُلَانٍ ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ لَمْ تَعْتِقْ .
وَلَوْ قَالَ : إنْ اشْتَرَيْتُكِ فَأَنْتِ حُرَّةٌ ، فَاشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ عَتَقَتْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَالِكَ أَضَافَ عِتْقَهَا إلَى الْبَيْعِ ، وَالْبَيْعُ مِنْ فِعْلِ غَيْرِهِ ، وَفِعْلُ الْغَيْرِ قَدْ يَقَعُ لِنَفْسِهِ ، وَيَقَعُ لِغَيْرِهِ ، فَيَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْهُ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ غَيْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ مُضِيفًا الْعِتْقَ إلَى مِلْكِهِ فَلَمْ يَعْتِقْ ، كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِ غَيْرِهِ : إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ ، فَاشْتَرَاهُ وَدَخَلَهَا لَمْ يَعْتِقْ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : إنْ اشْتَرَيْتُكَ ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى فِعْلِ نَفْسِهِ ، وَفِعْلُ الْإِنْسَانِ يَقَعُ لِنَفْسِهِ فِي الظَّاهِرِ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : إنْ اشْتَرَيْتُكَ لِنَفْسِي فَأَنْتَ حُرٌّ ، فَإِذَا اشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ لَزِمَهُ فَقَدْ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى فِعْلِ نَفْسِهِ ، فَعَتَقَ .

312 - 312 - رَجُلٌ قَالَ لِعَبْدِهِ : أَنْتَ حُرٌّ إنْ دَخَلْتِ هَذِهِ الدَّارَ ، فَقَالَ آخَرُ : عَلَيَّ مِثْلُ ذَلِكَ إنْ دَخَلَ هَذِهِ الدَّارَ ، فَدَخَلَ الثَّانِي لَمْ يَعْتِقْ عَبْدُهُ .
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ : عَلَيَّ نَسَمَةٌ إنْ دَخَلْتِ هَذِهِ الدَّارَ ، فَقَالَ آخَرُ : عَلَيَّ مِثْلُ يَمِينِكَ إنْ دَخَلْتِ هَذِهِ الدَّارَ ، فَهَذَا لَازِمٌ لِلْأَوَّلِ وَالثَّانِي .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَعْتَقَ عَبْدَهُ عِنْدَ دُخُولِ الدَّارِ ، وَلَمْ يُوجِبْ عِتْقًا فِي ذِمَّتِهِ ، وَالْأَوَّلُ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ لَمْ يَبْرَأْ عَنْ يَمِينِهِ ، وَلَوْ قُلْنَا : إنَّهُ يَلْزَمُ الثَّانِيَ يَبْرَأُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدًا فَيُعْتِقَهُ ، فَلَمْ يَكُنْ الثَّانِي مِثْلَ الْأَوَّلِ فَلَا يَلْزَمُهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْفِعْلُ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَوْجَبَ فِي ذِمَّتِهِ عِتْقَ عَبْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ ، وَالْعِتْقُ مِمَّا يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ ، وَالثَّانِي أَوْجَبَ مِثْلَ مَا أَوْجَبَهُ الْأَوَّلُ ، فَلَوْ أَوْجَبْنَا فِي ذِمَّتِهِ كَانَ كَمِثْلِ مَا أَوْجَبَهُ الْأَوَّلُ ، فَجَازَ أَنْ يَلْزَمَهُ .

313 - 313 - وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ حِنْطَةً فَأَكَلَ حِنْطَةً فِيهَا شَعِيرٌ ؛ أَوْ شَعِيرًا فِيهِ حِنْطَةٌ حَنِثَ .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي حِنْطَةً فَاشْتَرَى شَعِيرًا فِيهِ حَبَّاتُ حِنْطَةٍ لَا يَحْنَثُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِيَمِينِهِ أَكْلُ الْحِنْطَةِ وَالْأَكْلُ فِعْلٌ وَبَعْضُ الْفِعْلِ لَا يَكُونُ تَبَعًا لِلْبَعْضِ ، وَكُلُّ حَبَّةٍ مِنْهَا تُقْصَدُ بِالْأَكْلِ ، فَوُجِدَ مَا نَفَاهُ بِعَقْدِهِ ، فَحَنِثَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الشِّرَاءُ ؛ لِأَنَّ النَّفْيَ الْقَصْدُ إلَى الْعَقْدِ عَلَى الْحِنْطَةِ ، وَالشِّرَاءُ قَوْلٌ فَيَتْبَعُ بَعْضُ مَا يَتَضَمَّنُهُ بَعْضًا ، وَالْحِنْطَةُ الْوَاحِدَةُ فِي أَثْنَاءِ الشَّعِيرِ لَا يُقْصَدُ بِالشِّرَاءِ ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِيهِ تَبَعًا ، فَلَمْ يَقْصِدْ الْحَبَّةَ بِالشِّرَاءِ وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِيهِ تَبَعًا ، فَلَمْ يُوجَدْ مَا نَفَاهُ بِعَقْدِهِ ، فَلَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي مِسْمَارًا فَاشْتَرَى دَارًا عَلَى أَبْوَابِهَا مِسْمَارٌ لَا يَحْنَثُ ، كَذَلِكَ هَذَا .

314 - 314 - إذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ لَبَنَ هَذِهِ الشَّاةِ ، فَخَلَطَ لَبَنَهَا بِلَبَنِ ضَأْنٍ أَوْ مَاعِزٍ فَشَرِبَهُ حَنِثَ .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ لَبَنَ ضَأْنٍ فَخَلَطَهُ بِلَبَنِ مَاعِزٍ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إنْ كَانَ الْغَالِبُ لَبَنَ الْمَاعِزِ ، فَإِذَا شَرِبَهُ لَمْ يَحْنَثْ ، وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ لَبَنَ الضَّأْنِ فَإِذَا شَرِبَهُ حَنِثَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ يَمِينَهُ وَقَعَ عَلَى اللَّبَنِ ، وَاخْتِلَاطُ لَبَنِ الْمَاعِزِ بِلَبَنِ الضَّأْنِ لَا يَسْلُبُهُ اسْمَ اللَّبَنِ ، فَبَقِيَ الِاسْمُ عَلَيْهِ ، فَقَدْ شَرِبَ اللَّبَنَ الْمَنْفِيَّ مَعَ غَيْرِهِ فَحَنِثَ فِي يَمِينِهِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : لَا آكُلُ هَذَا الثَّمَرَ ، فَأَكَلَهُ مَعَ غَيْرِهِ حَنِثَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : لَا أَشْرَبُ لَبَنَ ضَأْنٍ ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ عَلَى مَوْصُوفٍ وَهُوَ أَلَّا يَشْرَبَ لَبَنَ الضَّأْنِ وَاخْتِلَاطُ لَبَنِ الضَّأْنِ بِلَبَنِ الْمَاعِزِ إذَا غَلَبَ عَلَيْهِ يَسْلُبُهُ اسْمَ لَبَنِ الضَّأْنِ ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ لِلْغَالِبِ فَلَمْ يُوجَدْ الْمَشْرُوبُ بِذَلِكَ الِاسْمِ ، فَلَمْ يَحْنَثْ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً فَشَرِبَ لَبَنًا فِيهِ قَطْرَةُ مَاءٍ لَمْ يَحْنَثْ ، كَذَلِكَ هَذَا .

315 - 315 - إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ هَذَا الْجَزُورِ الْيَوْمَ فَأَكَلَ بَعْضَهُ حَنِثَ .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي لَحْمَ هَذَا الْجَزُورِ فَاشْتَرَى بَعْضَهُ لَمْ يَحْنَثْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ أَكْلَ جَمِيعِ لَحْمِ الْجَزُورِ دَفْعَةً وَاحِدَةً لَا يُمْكِنُهُ ، فَانْصَرَفَ يَمِينُهُ إلَى الْمُتَأَتَّى مِنْهُ ، وَهُوَ الْبَعْضُ ، فَإِذَا أَكَلَ الْبَعْضَ حَنِثَ ، كَمَا لَوْ قَالَ : لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَتَزَوَّجَ وَاحِدَةً حَنِثَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الشِّرَاءُ ؛ لِأَنَّ لَحْمَ الْجَزُورِ مِمَّا يُمْكِنُ اسْتِيعَابُهُ بِالشِّرَاءِ فَانْعَقَدَ الْعَقْدُ بِحَقِيقَتِهِ فَلَا يَحْنَثُ بِوُجُودِ بَعْضِهِ كَمَا لَوْ قَالَ : لَا أَشْرَبُ مَاءَ هَذَا الْكُوزِ ، فَشَرِبَ بَعْضَهُ لَمْ يَحْنَثْ ، كَذَلِكَ هَذَا .

316 - 316 - وَلَوْ قَالَ : لَا آكُلُ مِنْ هَذَيْنِ الرَّغِيفَيْنِ ، فَأَكَلَ أَحَدَهُمَا حَنِثَ .
وَلَوْ قَالَ : لَا أَشْتَرِي مِنْ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ ، فَاشْتَرَى مِنْ أَحَدِهِمَا لَا يَحْنَثُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ " مِنْ " تَكُونُ لِلتَّبْعِيضِ وَتَكُونُ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهَا فِي الشِّرَاءِ عَلَى التَّبْعِيضِ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَتَبَعَّضُ ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يُحْمَلْ عَلَى ابْتِدَاءِ الْغَايَةِ ، فَيَجِبُ أَنْ يُلَاقِيَ شِرَاهُ إيَّاهُمَا ، فَإِذَا اشْتَرَى مِنْ أَحَدِهِمَا لَمْ يَحْنَثْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الرَّغِيفَيْنِ ؛ لِأَنَّ حَمْلَ " مِنْ " عَلَى التَّبْعِيضِ مُمْكِنٌ ؛ إذْ الرَّغِيفُ مِمَّا يَتَبَعَّضُ فَلَا ضَرُورَةَ بِنَا إلَى أَنْ نَحْمِلَهُ عَلَى ابْتِدَاءِ الْغَايَةِ ، فَحَمَلْنَاهُ عَلَى التَّبْعِيضِ ، فَإِذَا أَكَلَ أَحَدَهُمَا فَقَدْ أَكَلَ بَعْضَهُمَا فَحَنِثَ .

317 - 317 - إذَا قَالَ : أَوَّلُ عَبْدٍ يَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ ، فَمَلَكَ عَبْدًا ، وَنِصْفًا عَتَقَ الْعَبْدُ .
وَلَوْ قَالَ : أَوَّلُ كُرٍّ يَمْلِكُهُ فَهُوَ صَدَقَةٌ ، فَمَلَكَ كُرًّا وَنِصْفًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَوَّلَ اسْمٌ لِلسَّابِقِ الْمُنْفَرِدِ وَنِصْفَ الْعَبْدِ لَا يُسَمَّى عَبْدًا ، وَالْوَاحِدُ يُسَمَّى عَبْدًا ، فَهَذَا الْوَاحِدُ أَوَّلُ عَبْدٍ وَلَمْ يُشَارِكْهُ مَا يُخْرِجُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْعَبْدِ لَا يُسَمَّى عَبْدًا فَحَنِثَ فِي يَمِينِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْكُرُّ ؛ لِأَنَّ الْكُرَّ مِنْهُ لَا يُسَمَّى أَوَّلًا حَقِيقَةً ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ عَزَلَ نِصْفَهُ مِنْهُ وَضَمَّ إلَيْهِ النِّصْفَ الزَّائِدَ سُمِّيَ الْجَمِيعُ كُرًّا ، فَلَمْ يَكُنْ هَذَا أَوَّلًا فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ ، لِجَوَازِ أَنْ يُضِيفَ ذَلِكَ النِّصْفَ إلَى نِصْفِ هَذَا ، وَيَعْزِلُ نِصْفَ هَذَا فَيَصِيرُ نِصْفُ هَذَا ثَانِيًا وَنِصْفٌ لِلْأَوَّلِ ، وَإِذَا لَمْ يَدْخُلْ فِي اسْمِ أَنَّهُ أَوَّلُ كُرٍّ لَمْ يَحْنَثْ .

318 - 318 - إذَا قَالَ : إنْ شَتَمَتْك فِي الْمَسْجِدِ فَعَبْدِي حُرٌّ ، فَشَتَمَهُ وَالْحَالِفُ فِي الْمَسْجِدِ ، وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ حَنِثَ .
وَلَوْ قَالَ : إنْ ضَرَبْتُكَ فِي الْمَسْجِدِ فَعَبْدِي حُرٌّ ، فَضَرَبَهُ وَالْحَالِفُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ حِينَ ضَرَبَهُ لَمْ يَحْنَثْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّتْمَ قَوْلٌ ، وَالْقَوْلُ عَلَى الْعَاقِدِ دُونَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَدَخَلَ فِي اسْمِ أَنَّهُ شَتَمَهُ فِي الْمَسْجِدِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ : ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى فِي الْمَسْجِدِ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ فِي الْمَسْجِدِ ، فَدَخَلَ فِي الِاسْمِ فَحَنِثَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الضَّرْبُ ؛ لِأَنَّ الضَّرْبَ فِعْلٌ ، وَالْفِعْلُ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ ، فَإِنْ ضَرَبَهُ وَالْمَضْرُوبُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ لَمْ يُوجَدْ الْفِعْلُ الَّذِي نَفَاهُ بِالْيَمِينِ وَهُوَ ضَرْبُهُ فِي الْمَسْجِدِ فَلَمْ يَحْنَثْ ، وَالضَّارِبُ وَإِنْ ضَرَبَهُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ وُجِدَ الْفِعْلُ الَّذِي نَفَاهُ فِي الْمَسْجِدِ فَحَنِثَ .

319 - 319 - إذَا قَالَ : إنْ قَتَلْتُكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَعَبْدِي حُرٌّ ، فَضَرَبَهُ بَعْدَ الْيَمِينِ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَمَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَنِثَ .
وَلَوْ كَانَ ضَرَبَهُ قَبْلَ الْيَمِينِ ثُمَّ مَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَمْ يَحْنَثْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَنْفِيَّ وُجُودُ فِعْلٍ يَصِيرُ بِهِ قَاتِلًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ يَمِينِهِ ، فَإِذَا ضَرَبَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ ، وَمَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ يَمِينِهِ فَقَدْ وُجِدَ مَا نَفَاهُ فَيَحْنَثُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا وُجِدَ الضَّرْبُ قَبْلَ الْيَمِينِ ؛ لِأَنَّ الْمَنْفِيَّ وُجُودُ فِعْلٍ يَحْصُلُ بِهِ تَفْوِيتُ الرُّوحِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِعَقْدِهِ فَلَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ .

320 - 320 - وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا نَظَرَ إلَى كُرِّ حِنْطَةٍ وَأَلْفِ دِرْهَمٍ فِي يَدَيْ رَجُلٍ آخَرَ فَقَالَ : إنْ بِعْتُكَ عَبْدِي بِهَذِهِ الْأَلْفِ وَبِهَذَا الْكُرِّ فَهُمَا صَدَقَةٌ لِلْمَسَاكِينِ ، فَبَاعَ عَبْدَهُ بِهِمَا ، وَدَفَعَهُمَا إلَى الْبَائِعِ ، وَقَبَضَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ الْعَبْدَ فَإِنَّ الْبَائِعَ يَتَصَدَّقُ بِالْكُرِّ ، وَلَا يَتَصَدَّقُ بِالدَّرَاهِمِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ عِنْدَ الْبَيْع أَوْجَبَ التَّصَدُّقَ بِتِلْكَ الْحِنْطَةِ ، وَلَمْ يُوجِبْ التَّصَدُّقَ بِالدَّرَاهِمِ ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعَقْدِ ، فَقَدْ أَضَافَ الصَّدَقَةَ فِي الْحِنْطَةِ إلَى الْمِلْكِ ، وَلَمْ يُضِفْ إلَى الدَّرَاهِمِ ، فَوَجَبَ التَّصَدُّقُ بِالْكُرِّ دُونَ الدَّرَاهِمِ .
فَإِنْ قِيلَ : إنْ لَمْ يَقَعْ الْبَيْعُ بِالدَّرَاهِمِ وَجَبَ أَنْ لَا يَحْنَثَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ كَمَالُ شَرْطِ الْحِنْثِ .
قُلْنَا : إنَّ الْعَقْدَ بِالدَّرَاهِمِ هُوَ تَسْمِيَتُهَا فِي الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَعْقِدَ عَقْدًا عَلَى عَيْنِ الدَّرَاهِمِ ، فَيَمْلِكُهَا بِنَفْسِ الْعَقْدِ ، وَيَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُضِيفَ الْعَقْدَ إلَيْهِمَا ، فَانْصَرَفَ يَمِينُهُ إلَى الْمُمْكِنِ الْمُتَأَتَّى ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : إنْ بِعْتُ الْكُرَّ وَسَمَّيْتُ الدَّرَاهِمَ فِي الْعَقْدِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَا ، فَيَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِالْكُرِّ دُونَ الدَّرَاهِمِ ، كَذَلِكَ هَذَا .

321 - 321 - وَإِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى وَصِيفٍ أَوْ ثَوْبٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ ، ثُمَّ قَبَّلَتْ ابْنَ زَوْجِهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ ارْتَدَّتْ عَنْ الْإِسْلَامِ لَمْ يَقْبِضْ مِنْ الْمَهْرِ شَيْئًا فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا التَّصَدُّقُ بِشَيْءٍ .
وَلَوْ كَانَ الْمَهْرُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا بِغَيْرِ عَيْنِهَا وَقَبَضَهُ لَزِمَهَا التَّصَدُّقُ بِهَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّهَا قَبَضَتْ الْوَصِيفَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِيفَاءِ وَالْقَبْضُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِيفَاءِ يَكُونُ قَبْضًا مَضْمُونًا ، فَقَدْ مَلَكْتُهُ عَلَى وَجْهِ الضَّمَانِ ، وَالزَّوْجُ قَصَدَ تَمْلِيكَهَا ، وَتَمْلِيكُ الْحَيَوَانِ عَلَى وَجْهِ الضَّمَانِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ وَأَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ أَعْدَلَ مِنْ الْقِيمَةِ إذَا قَدَرَ عَلَى الْعَيْنِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَقْرَضَهُ ثَوْبًا أَوْ عَبْدًا كَانَ قَرْضًا مَضْمُونًا عَلَى الْقَابِضِ بِالْقِيمَةِ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى رَدِّ الْعَيْنِ ، كَانَ رَدُّ الْعَيْنِ أَعْدَلَ مِنْ الْقِيمَةِ ، فَوَجَبَ عَلَيْهَا رَدُّ عَيْنِ الْوَصِيفِ وَعَيْنِ الثَّوْبِ فَقَدْ اسْتَحَقَّ عَلَيْهَا عَيْنَ مَا أَوْجَبَتْ التَّصَدُّقَ بِهِ بِغَيْرِ فِعْلِهَا فَصَارَ كَالتَّلَفِ ، فَلَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ وَأَمَّا فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَتَمْلِيكُ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ عَلَى وَجْهِ الضَّمَانِ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِمِثْلِهِ ، وَأَنْ يَكُونَ الْقَابِضُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَدَّ عَيْنَهُ ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ قِيمَتَهُ كَمَا لَوْ أَقْرَضَهُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا فَلَمْ يَكُنْ الْعَيْنُ أَعْدَلَ مِنْ الْمِثْلِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ الزَّوْجُ عَلَيْهَا عَيْنَ مَا قَبَضَتْهُ ، وَإِنَّمَا لَحِقَهَا دَيْنٌ وَلُحُوقُ دَيْنٍ إيَّاهَا مِثْلُ مَا وَجَبَتْ الصَّدَقَةُ فِيهِ لَا يُسْقِطُ الصَّدَقَةَ ، فَلَزِمَهَا التَّصَدُّقُ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنْ لَوْ لَمْ يُعَيَّنْ الْحَيَوَانُ بِالْعَقْدِ لَجَعَلْنَاهُ مَضْمُونًا بِمِثْلِهِ ، وَالْحَيَوَانُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مَضْمُونًا بِمِثْلِهِ ، فَجُعِلَ اسْتِيفَاءٌ لِعَيْنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ كَانَ مَضْمُونًا بِنَفْسِهِ ، وَمَا مُلِكَ بِتَضْمِينِ

نَفْسِهِ كَانَ عَيْنُهُ أَعْدَلَ مِنْ قِيمَتِهِ ، كَالْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا .
وَفِي الْمَكِيلِ لَوْ لَمْ يُعَيِّنْهُ جَعَلْنَاهُ مَضْمُونًا بِمِثْلِهِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِمِثْلِهِ ؛ لِأَنَّ لَهُ مِثْلًا مِنْ جِنْسِهِ ، فَكَانَ هُوَ وَمِثْلُهُ سَوَاءً ، فَلَمْ يُجْعَلْ اسْتِيفَاءً لِعَيْنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا لَوْ غَصَبَ حِنْطَةً فَإِنَّهَا مَا دَامَتْ قَائِمَةً وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ عَيْنِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهَا تَمْلِيكٌ ، فَصَارَ مَضْمُونًا بِالْقَبْضِ .

322 - 322 - إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِآخَرَ : وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ يَوْمًا وَلَا يَوْمَيْنِ ، فَكَلَّمَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ لَمْ يَحْنَثْ ، وَإِنْ كَلَّمَهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي حَنِثَ .
وَإِنْ قَالَ : لَا أُكَلِّمْكَ يَوْمًا وَيَوْمَيْنِ ، فَكَلَّمَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ حَنِثَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ أَعَادَ حَرْفَ النَّفْيِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَقْدَيْنِ ، فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُفْرَدًا بِالْفِعْلِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا } وَقَوْلِهِ : { لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا } ، وَيَقُولُ : مَا أَكَلْت خُبْزًا وَلَا لَحْمًا ، أَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدٍ بِالنَّفْيِ فَكَأَنَّهُ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ يَوْمًا ، ثُمَّ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ يَوْمَيْنِ وَمُدَّةُ الْيَمِينِ تُرَاعَى مِنْ حِينِ الْعَقْدِ ، وَالْعَقْدَانِ وُجِدَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ ، فَصَارَتْ مُدَّةُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ مِنْ حِينِ حَلَفَ وَانْقِضَاءِ مُدَّةِ الْيَمِينِ بِمُضِيِّ الْيَوْمِ الثَّانِي ، فَلَا يَحْنَثُ بِمَا وَرَاءَهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : يَوْمًا وَيَوْمَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ عَطَفَ الْيَوْمَيْنِ عَلَى الْوَاحِدِ بِحَرْفِ الْجَمْعِ وَلَا يَكُونُ كَالْمُفْرَدِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالنَّفْيِ ، فَكَانَ بِالْكَلَامِ حَانِثًا .

323 - 323 - لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ : عَبْدِي حُرٌّ إنْ فَارَقْتُكَ حَتَّى أَسْتَوْفِيَ مَا لِي عَلَيْكَ ، وَلَهُ عَلَيْهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَأَوْفَاهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ افْتَرَقَا فَوَجَدَهَا زُيُوفًا أَوْ بَهْرَجَةً أَوْ اُسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِهِ فَقَدْ اسْتَوْفَاهَا وَبَرَّ فِي يَمِينِهِ .
وَإِنْ وَجَدَهَا سَتُّوقَةً أَوْ رَصَاصًا حَنِثَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الزُّيُوفَ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ ، وَهُوَ مَا زَيَّفَهُ بَيْتُ الْمَالِ ، وَلَوْ تَجَوَّزَ بِهِ جَازَ ، وَكَذَلِكَ الْبَهْرَجَةُ وَالْمُسْتَحَقُّ يَدْخُلَانِ فِي الْقَضَاءِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ صَاحِبَهُ لَوْ تَجَوَّزَ بِهِ يَجُوزُ فَدَخَلَ فِي اسْمِ الِاسْتِيفَاءِ ، وَإِنَّمَا يَنُصُّ مَنْ نَقَدَ فَيَبَرُّ فِي يَمِينِهِ وَأَمَّا السَّتُّوقَةُ أَوْ الرَّصَاصُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَجَوَّزَ بِهِ لَمْ يَجُزْ ، فَلَمْ يَدْخُلْ فِي اسْمِ الِاسْتِيفَاءِ فَصَارَ كَمَا لَوْ افْتَرَقَا مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ .

324 - 324 - إذَا قَالَ : إنْ مَلَكْتُ عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ ، فَاشْتَرَى نِصْفَ عَبْدٍ ثُمَّ بَاعَهُ ، ثُمَّ اشْتَرَى النِّصْفَ الْآخَرَ لَمْ يَعْتِقْ ، وَلَوْ قَالَ : إنْ اشْتَرَيْتُ عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ ، فَاشْتَرَى نِصْفَ عَبْدٍ ثُمَّ بَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَى النِّصْفَ الْآخَرَ فَإِنَّ النِّصْفَ الْبَاقِيَ يَعْتِقُ .
وَلَوْ أَشَارَ إلَى عَبْدٍ وَقَالَ : إنْ مَلَكْتُكَ أَوْ اشْتَرَيْتُكَ فَأَنْتَ حُرٌّ ، فَمَلَكَ نِصْفَهُ وَبَاعَهُ أَوْ اشْتَرَى نِصْفَهُ وَبَاعَهُ ، ثُمَّ اشْتَرَى النِّصْفَ الْبَاقِيَ حَنِثَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ هَذَا حُكْمٌ عَلِقَ بِمِلْكِ عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ ، فَانْصَرَفَ إلَى اجْتِمَاعِ الْمِلْكِ لِاسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ وَجَرَيَانِ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { أَدُّوا عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ } ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ ذَلِكَ إلَى عَبْدٍ كَامِلٍ بِجَمِيعِ الْمِلْكِ فِيهِ ، وَكَذَلِكَ يُقَالُ : أَكَلْت رَغِيفَيْنِ وَمَلَكْتُ مِائَتِي دِرْهَمٍ ، وَيُرَادُ بِهِ اجْتِمَاعُ الْمِلْكِ فِيهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : إنْ اشْتَرَيْتُ ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَا يُنْبِئُ عَلَى تَمْلِيكٍ لِجَوَازِ أَنْ يَشْتَرِيَ لِغَيْرِهِ فَلَا يُفِيدُ اجْتِمَاعُ الْمِلْكِ فِيهِ عُرْفًا وَعَادَةً ، فَانْعَقَدَ الْعَقْدُ بِحَقِيقَتِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا عُيِّنَ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِأَنَّهُ يَسْتَعْمِلُ مِلْكَ الْغَيْرِ ، وَالْمُرَادُ بِهِ اجْتِمَاعُ الْمَلِكِ ، فَلَا يُرَاعَى فِيهِ الْعُرْفُ ، وَإِنَّمَا يُرَاعِي الْحَقِيقَةَ إلَى أَنْ يُوجَدَ عُرْفٌ يَخُصُّهُ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْأَعْيَانِ عُرْفٌ ، فَبَقِيَ عَلَى حَقِيقَتِهِ ، الدَّلِيلُ عَلَيْهِ لَوْ قَالَ : إنْ لَبِسْت هَذَا الْقَمِيصَ فَعَبْدِي حُرٌّ فَاتَّزَرَ بِهِ ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ ، وَلَا يُرَاعَى الْعُرْفُ ، وَلَوْ قَالَ : إنْ لَبِسْتُ قَمِيصًا فَاتَّزَرَ بِقَمِيصٍ لَا يَحْنَثُ لِهَذَا الْمَعْنَى ، كَذَلِكَ هَذَا .

325 - 325 - إذَا قَالَ : عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ بَاعَ هَذَا الشَّيْءَ مِنْكَ بِعَشَرَةٍ حَتَّى تَزِيدَهُ ، فَزَادَهُ دِينَارًا أَوْ ثَوْبًا أَوْ شَيْئًا غَيْرَ الدَّرَاهِمِ - لَمْ يَحْنَثْ ، وَإِنْ بَاعَهُ بِتِسْعَةٍ لَا يَحْنَثُ .
وَلَوْ قَالَ : عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ بَاعَهُ بِعَشَرَةٍ إلَّا بِزِيَادَةٍ فَبَاعَهُ بِتِسْعَةٍ حَنِثَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ " حَتَّى " إذَا قُرِنَ بِالنَّفْيِ لَا يَقْتَضِي التَّعْمِيمَ مِنْ غَيْرِ مَا قُرِنَ بِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ حَتَّى آذَنَ لَكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَدَخَلَتْ مَرَّةً بِإِذْنِهِ وَمَرَّةً بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا تَطْلُقُ ، وَالْمَقْرُونُ هَاهُنَا الْعَقْدُ بِعَشَرَةٍ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْعَقْدُ بِتِسْعَةٍ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : إلَّا بِزِيَادَةٍ ؛ لِأَنَّ " إلَّا " إذَا قُرِنَ بِالنَّفْيِ يَقْتَضِي تَعْمِيمَ غَيْرِ مَا قُرِنَ بِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ إلَّا بِإِذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَدَخَلَتْ بِإِذْنِهِ مَرَّةً ، ثُمَّ دَخَلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ ، فَصَارَ نَافِيًا كُلَّ عَقْدٍ إلَّا بِزِيَادَةٍ عَلَى الْعَشَرَةِ ، فَإِذَا بَاعَهُ بِتِسْعَةٍ لَمْ تُوجَدْ الزِّيَادَةُ عَلَى الْعَشَرَةِ فَحَنِثَ فِي يَمِينِهِ .

326 - 326 - إذَا قَالَ : إنْ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً فَمَا لَهُ صَدَقَةٌ ، أَوْ صَلَّيْتَ فَمَا لَهُ صَدَقَةٌ ، فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا وَصَلَّى بِغَيْرِ طَهَارَةٍ لَمْ يَحْنَثْ ، وَلَوْ تَدَبَّرَ الْكَلَامَ تَدْبِيرًا فَقَالَ : إنْ كُنْتُ تَزَوَّجْتُ أَوْ كُنْتُ صَلَّيْتُ ، وَقَدْ كَانَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا أَوْ صَلَّى بِغَيْرِ طَهَارَةٍ حَنِثَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ : إنْ كُنْتُ صَلَّيْتُ أَوْ كُنْتُ تَزَوَّجْتُ إخْبَارٌ ، وَالْإِخْبَارُ يَقْتَضِي الْمَخْبَرَ بِحُصُولِ الِاسْمِ لَهُ ، وَاسْمُ النِّكَاحِ يَحْصُلُ بِالْفَاسِدِ وَالْجَائِزِ جَمِيعًا ، وَكَذَلِكَ اسْمُ الصَّلَاةِ يَحْصُلُ فَيَحْنَثُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُسْتَقْبَلُ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَحْصِيلِ فِعْلٍ فَيُعْتَبَرُ مَقْصُودُهُ ، وَالْمَقْصُودُ بِالنِّكَاحِ إبَاحَةُ الْبُضْعِ ، وَذَاكَ لَا يَحْصُلُ بِالْفَاسِدِ ، فَلَا يَحْنَثُ وَفِي الْمَاضِي لَا يَحْتَاجُ إلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَقْصِدَ حَظْرًا وَإِبَاحَةً فِي وَقْتٍ مَاضٍ ؛ إذْ لَا يَنْفَرِدُ إلَّا بِفِعْلٍ فِي وَقْتٍ مَاضٍ فَجَعَلَ الْفَاسِدَ وَالصَّحِيحَ فِيهِ سَوَاءً .

كِتَابُ الْحُدُودِ 327 - إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا حُبِسَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ إلَى أَنْ تُزَكِّيَ الشُّهُودُ .
وَلَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ بِمَالٍ فَإِنَّهُ لَا يُحْبَسُ قَبْلَ التَّزْكِيَةِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ وُجِدَ مَا يُوجِبُ الْحُكْمَ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَدَّى اجْتِهَادُ الْحُكْمِ إلَى أَنَّهُمْ عُدُولٌ جَازَ لَهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدَّ ، إذَا وُجِدَ مَا يُوجِبُ الْحُكْمَ ، إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ الِاحْتِيَاطُ فِي إمْضَائِهِ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَعْدِلُوا ، فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُخْلَى سَبِيلُهُ ، أَوْ يُكْفَلَ ، أَوْ يُحْبَسَ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخْلَى سَبِيلُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَهْرُبَ قُبَيْلَ الْحُدُودِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُكْفَلَ ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ فِي بَابِ الْحُدُودِ لَا تَجُوزُ فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ الْحَبْسِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي بَابِ الْأَمْوَالِ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الْكَفَالَةِ فِي بَابِ الْأَمْوَالِ ، وَقَدْ وَجَدْنَا مَا يُوجِبُ الْحُكْمَ ، فَجَازَ أَنْ يُؤْخَذَ الْكَفِيلُ احْتِيَاطًا وَلَا يُحْبَسُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَبْسَ فِي الْحُدُودِ لَا يَكُونُ إمْضَاءً لِلْحُكْمِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا وُجِدَتْ الشَّهَادَةُ وَالتَّزْكِيَةُ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ ، وَلَا يُقْتَصَرُ عَلَى الْحَبْسِ فَلَمْ يَكُنْ الْحَبْسُ إمْضَاءً لِلْحَدِّ ، وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِيثَاقٌ فَجَازَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ فِي بَابِ الْأَمْوَالِ إمْضَاءٌ لِلْحُكْمِ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ بَعْدَ ظُهُورِ الْعَدَالَةِ ، وَتَمَامِ الشَّهَادَةِ لَا يَزِيدُ عَلَى الْحَبْسِ ، وَإِمْضَاءُ الْحُكْمِ قَبْلَ التَّزْكِيَةِ لَا يَجُوزُ .

328 - 328 - أَرْبَعَةٌ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا ، فَسَأَلَهُمْ الْقَاضِي عَنْ مَاهِيَّتِهِ فَقَالُوا : لَا نَزِيدُك عَلَى هَذَا ؛ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِمْ وَكَذَلِكَ لَوْ وَصَفَهُ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ .
وَلَوْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ بِالزِّنَا وَوَصَفُوهُ وَقَالَ الرَّابِعُ أَشْهَدُ أَنَّهُ زَانٍ ، فَسُئِلَ عَنْ صِفَتِهِ فَلَمْ يَصِفْهُ وَجَبَ الْحَدُّ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّهُمْ لَوْ فَسَّرُوا إنَّمَا يُوجَبُ الْحَدُّ عَلَيْهِ ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ وَيَجُوزُ بِخِلَافِ ذَلِكَ ، فَالِاتِّفَاقُ عَلَى الشَّهَادَةِ بِالزِّنَا وُجِدَ ، وَالْخِلَافُ مُمْكِنٌ فَلَا يَبْطُلُ الْمُتَعَيَّنُ بِهِ بِالْمُمْكِنِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا شَهِدَ ثَلَاثَةٌ أَوَّلًا ، وَوَصَفُوا وَلَمْ يَصِفْ الرَّابِعُ ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ قَدْ ظَهَرَ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُفَسِّرَ الرَّابِعُ ، وَيَجُوزُ أَنْ لَا يُفَسِّرَ فَلَا يَبْطُلُ الظَّاهِرُ بِخِلَافِ الْمُمْكِنِ كَالْعَدَالَةِ الظَّاهِرَةِ لَا تَبْطُلُ بِفِسْقٍ مُمْكِنٍ .

329 - 329 - وَيُجَرَّدُ فِي سَائِر الْحُدُودِ فَيُضْرَبُ .
وَفِي حَدِّ الْقَذْفِ يُضْرَبُ ، وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّهُ بَاشَرَ فِعْلَ الْمُحَرَّمِ ، فَوَجَبَ أَنْ يُبَاشِرَ جِلْدَهُ الْأَذَى ، وَفِي حَدِّ الْقَذْفِ لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ بَاشَرَ الْمُحَرَّمَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا ، فَجَازَ أَنْ لَا يُبَاشَرَ إيلَامُ جِلْدِهِ بِالضَّرْبِ .

330 - 330 - النَّاسُ أَحْرَارٌ إلَّا فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ : فِي الشَّهَادَةِ وَالْقِصَاصِ وَالْحُدُودِ ، وَالْعَقْلِ ، وَصُورَتُهَا إذَا شَهِدُوا بِمَالٍ عَلَى رَجُلٍ فَقَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ : هُمْ عَبِيدٌ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ عَلَى حُرِّيَّةِ الشُّهُودِ .
وَلَوْ قَذَفَ رَجُلٌ رَجُلًا ، ثُمَّ قَالَ الْقَاذِفُ : أَنَا عَبْدٌ فَحَدَّنِي حَدَّ الْعَبِيدِ ، أَوْ الْمَقْذُوفُ عَبْدٌ فَلَا حَدَّ عَلَيَّ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَا لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى حُرِّيَّتِهِ أَوْ حُرِّيَّةِ الْمَقْذُوفِ .
وَلَوْ قَطَعَ رَجُلٌ يَدَ رَجُلٍ ، فَقَالَ الْقَاطِعُ : أَنَا عَبْدٌ أَوْ الْمَقْطُوعُ يَدُهُ عَبْدٌ ، فَلَا يَجْرِي بَيْنَنَا الْقِصَاصُ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَا لَمْ تَقُمْ الْبَيِّنَةُ عَلَى حُرِّيَّتِهِ أَوْ حُرِّيَّةِ الْمَقْطُوعِ يَدُهُ .
وَإِذَا قَتَلَ رَجُلٌ رَجُلًا خَطَأً فَقَالَ الْقَاتِلُ : أَنَا حُرٌّ ، وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ ، وَقَالَتْ الْعَاقِلَةُ : بَلْ هُوَ عَبْدٌ ، فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ ، فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْعَاقِلَةِ ، أَنَّهُ عَبْدٌ مَا لَمْ تَقُمْ الْبَيِّنَةُ عَلَى حُرِّيَّتِهِ وَأَمَّا فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ فَهُمْ أَحْرَارٌ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الظَّاهِرَ فِي النَّاسِ الْحُرِّيَّةُ ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ الرِّقَّ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الرِّقِّ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ فِي النَّاسِ الْحُرِّيَّةُ ، وَالظَّاهِرُ لَا يُسْتَحَقُّ إلَّا بِحُجَّةٍ ، وَلَا يُسْتَحَقُّ بِهِ حَقٌّ عَلَى الْغَيْرِ ، الدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ دَارٌ فِي رَجُلٍ فَجَاءَ آخَرُ وَادَّعَى أَنَّهَا لَهُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ، ثُمَّ لَوْ بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِ هَذِهِ الدَّارِ فَجَاءَ صَاحِبُ الْيَدِ وَطَلَبَ الشُّفْعَةَ بِهَا لَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ ، فَدَلَّ أَنَّ الظَّوَاهِرَ لَا يُسْتَحَقُّ بِهَا حَقٌّ عَلَى الْغَيْرِ ، فَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ لَوْ جَعَلْنَا الْقَوْلَ قَوْلَ مَنْ يَدَّعِي الْحُرِّيَّةَ لَأَدَّى إلَى أَنْ يَسْتَحِقَّ بِالظَّاهِرِ حَقًّا عَلَى الْغَيْرِ ، إمَّا عَلَى الْمَشْهُودِ

عَلَيْهِ الْمَالَ ، أَوْ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَوْ الْقِصَاصَ أَوْ حَدَّ الْقَذْفِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ .
وَأَمَّا فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ بِخِلَافِهِ نَحْوُ أَنْ يَدَّعِيَ رَجُلٌ أَنَّهُ حُرٌّ فَجَاءَ آخَرُ وَقَالَ : أَنْتَ عَبْدِي ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ أَنَّهُ حُرٌّ ؛ لِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَاهُ عَبْدًا يَكُونُ فِي يَدِهِ لَا يَسْتَحِقُّ الظَّاهِرَ بِغَيْرِ حُجَّةٍ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ فَجُعِلَ حُرًّا وَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ فِي نَظَائِرِهِ .

331 - 331 - إذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا وَالْإِحْصَانِ ، فَزُكُّوا ثُمَّ رُجِمَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ ، ثُمَّ وُجِدَ أَحَدُهُمْ عَبْدًا ؛ قَالَ : لَا حَدَّ عَلَى الشُّهُودِ وَلَا ضَمَانَ .
وَلَوْ شَهِدُوا فَرُجِمَ ثُمَّ رَجَعَ وَاحِدٌ حُدُّوا .
وَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّهُ لَمَّا تَبَيَّنَ أَنَّ أَحَدَهُمْ كَانَ عَبْدًا ، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ شَهَادَةً ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا شَهَادَةَ لَهُ ، فَصَارَ قَوْلُهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قَذْفًا ، فَقَدْ قَذَفُوا وَمَاتَ الْمَقْذُوفُ فَسَقَطَ عَنْهُمْ الْحَدُّ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الرُّجُوعُ ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ كَانَتْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ شَهَادَةً ؛ إذْ شَهَادَةُ الْحُرِّ شَهَادَةٌ ، فَإِذَا رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ ، صَارَ الْآخَرُ قَاذِفًا ، فَقَدْ قَذَفُوا مَيِّتًا وَمَنْ قَذَفَ مَيِّتًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ .

332 - 332 - إذَا ادَّعَى الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَنَّ الشَّاهِدَ مَحْدُودٌ فِي قَذْفٍ فَأَرَادَ أَنْ يُقِيمَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً أَمْهَلَهُ الْقَاضِي مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ .
وَلَوْ ادَّعَى أَنَّ الشُّهُودَ فُسَّاقٌ فَأَرَادَ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَحْدُودَ فِي الْقَذْفِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ قَاضِيًا لَوْ قَضَى بِشَهَادَةٍ قَبْلَ التَّوْبَةِ لَمْ يَجُزْ فَهُوَ يُبَيِّنُ بَيِّنَتَهُ أَنَّ مَا أُقِيمَ لَمْ يَكُنْ شَهَادَةً ؛ إذْ شَهَادَةُ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ لَا تُقْبَلُ ، فَكَانَ مُخَلِّصًا وَإِذَا ادَّعَى مُخَلِّصًا وَبَيَّنَهُ بِالْبَيِّنَةِ تُقْبَلُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْفِسْقُ ؛ لِأَنَّ الْفِسْقَ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ قَاضِيًا لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ الْفُسَّاقِ فَإِنَّا لَمْ نَنْقُضْ قَضَاؤُهُ ، فَلَمْ يَدَّعِ مُخَلِّصًا ، وَإِنَّمَا طَعَنَ فِي الشَّاهِدِ وَالطَّعْنُ شُرِعَ سِرًّا فَإِذَا أَتَى بِهِ جَهْرًا لَمْ يَقَعْ مَوْقِعَهُ ، كَمَا أَنَّ الشَّهَادَةَ شُرِعَتْ جَهْرًا فَإِذَا أَتَى بِهَا سِرًّا لَمْ تَقَعْ مَوْقِعَهَا ، كَذَا هَذَا .

إذَا زُفَّتْ لِلرَّجُلِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ فَوَطِئَهَا ، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ .
وَلَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ وَجَدَهَا عَلَى فِرَاشِهِ أَوْ فِي دَارِهِ ، ثُمَّ قَالَ : ظَنَنْتُ أَنَّهَا امْرَأَتِي فَعَلَيْهِ الْحَدُّ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهَا سُلِّمَتْ إلَيْهِ عَلَى حُكْمِ الْعَقْدِ ، وَالتَّسْلِيمُ عَلَى حُكْمِ الْعَقْدِ يُوجِبُ حَقًّا فِي الْعَيْنِ كَالتَّسْلِيمِ عَلَى حُكْمِ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ ، فَقَدْ وَطِئَهَا وَلَهُ حَقٌّ فِي عَيْنِهَا فَثَبَتَ النَّسَبُ وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ كَالْأَبِ إذَا اسْتَوْلَدَ جَارِيَةَ ابْنِهِ ، وَكَأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ .
وَأَمَّا إذَا وَجَدَهَا عَلَى فِرَاشِهِ أَوْ فِي دَارِهِ فَهِيَ غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ إلَيْهِ عَلَى حُكْمِ الْعَقْدِ ، وَيُمْكِنُهُ أَنْ يُمَيِّزَ امْرَأَتَهُ مِنْ غَيْرِهَا بِالتَّفْرِيقِ فَقَدْ وَطِئَهَا وَلَا حَقَّ لَهُ فِيهَا ، فَكَانَ زِنًا وَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ } .

334 - 334 - إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ وَلَمْ يُعَرِّفُوهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ .
وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ غَيْرِ مَعْرُوفَةٍ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّاهِدَ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ ، فَإِذَا شَهِدُوا أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ غَيْرِ مَعْرُوفَةٍ فَيَجُوزُ أَنَّهُ زِنًا بِامْرَأَةٍ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْحَدِّ كَالْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ زِنًا بِامْرَأَةٍ يُوجِبُ الْحَدَّ ، فَلَا يُوجِبُ الْحَدَّ بِالشَّكِّ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْإِقْرَارُ ؛ لِأَنَّهُ حَكَى فِعْلَ نَفْسِهِ ، فَلَا يَقَعُ لَهُ الْغَلَطُ فِي فِعْلِ نَفْسِهِ ، فَإِذَا أَقَرَّ بِالزِّنَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ زِنًا مُوجِبًا لِلْحَدِّ فَلَزِمَهُ .

335 - 335 - أَرْبَعَةٌ شَهِدُوا وَهُمْ فُسَّاقٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمْ ، وَلَا عَلَيْهِ .
وَإِنْ كَانُوا عُمْيَانًا أَوْ عَبِيدًا أَوْ مَحْدُودِينَ فِي الْقَذْفِ فَعَلَيْهِمْ الْحَدُّ ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ ظَاهِرَ حَالِ الْمُسْلِمِينَ الْعَدَالَةُ ، بِدَلِيلِ قَوْلِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ : " { الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ } وَالْفِسْقُ يُعْرَفُ بِالِاجْتِهَادِ وَغَالِبِ الظَّنِّ ؛ لِأَنَّهُ كَمَا ارْتَكَبَ الْمَحْظُورَ يَجُوزُ أَنَّهُ نَدِمَ فَتَابَ ، وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْهُ الْحَدُّ لِبَقَاءِ شَهَادَةِ نَفْسِهِ مِنْ أَهْلِ الْعَدَالَةِ ، فَبَقِيَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ فَدُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ لِبَقَاءِ شَهَادَتِهِ ، وَلَا يُحَدُّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ لِلتُّهْمَةِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأَعْمَى ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الشَّهَادَةِ بِالزِّنَا بِالنَّظَرِ ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ فِيهِ ، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَنْعَقِدُ بِشَهَادَتِهِ ، وَأَمَّا الْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ فَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إلَّا مَحْدُودًا حُدَّ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ ظَنِينًا فِي وَلَاءٍ أَوْ قَرَابَةٍ } وَلِأَنَّ الْقَاضِيَ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ أَبْطَلَ شَهَادَتَهُ فَصَارَ كَالْعَبْدِ .
فَإِنْ قِيلَ : أَلَيْسَ لَوْ قَضَى قَاضٍ بِجَوَازِ شَهَادَتِهِ جَازَ ، فَلِمَ لَا يُجْعَلُ كَالْفَاسِقِ ؟ .
قُلْنَا : لَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ ، إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ لَمَّا قَبِلَ شَهَادَتَهُ فَقَدْ جَعَلَ لَهُ شَهَادَةً وَلِلْقَاضِي أَنْ يَجْعَلَ مَا لَيْسَ بِشَهَادَةٍ شَهَادَةً ، فَيَحْصُلُ لَهُ شَهَادَةُ ابْتِدَاءٍ كَمَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ مَا لَيْسَ بِعَقْدٍ عَقْدًا ؛ لِأَنَّ قَبُولَ الشَّهَادَاتِ دَاخِلٌ تَحْتَ وِلَايَتِهِ كَالْعُقُودِ سَوَاءً .
فَإِنْ قِيلَ : أَلَيْسَ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِينَ وَالْمَحْدُودِينَ ، فَإِذَا انْعَقَدَ النِّكَاحُ بِشَهَادَتِهِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ .
قُلْنَا : لَيْسَ هَذَا مِنْ

أَهْلِ الشَّهَادَةِ الْمَقْبُولَةِ فَيَصِيرُ قَوْلُهُ : أَشْهَدُ أَنَّهُ زَانٍ قَذْفًا لَا شَهَادَةً ، وَفِي النِّكَاحِ لَا يُشْتَرَطُ فِعْلٌ مِنْ جِهَتِهِ ، وَيَجُوزُ أَلَّا يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ الْمَقْبُولَةِ وَيَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِحُضُورِهِ كَمَا لَوْ حَضَرَ ابْنَاهُ وَابْنَاهَا .

إذَا قَذَفَ إنْسَانٌ إنْسَانًا فَقَالَ : أَنْتَ زَانٍ أَوْ زُنَاةٌ : حُدَّ ، وَلَا يُسْأَلُ عَنْ كَيْفِيَّتِهِ .
وَلَوْ أَقَرَّ بِالزِّنَا فَقَالَ : زَنَيْت ، سُئِلَ عَنْ كَيْفِيَّتِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِالِاسْتِفْسَارِ فِي الْإِقْرَارِ ، بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ { أَنَّهُ قَالَ لِمَاعِزٍ : لَعَلَّكَ قَبَّلْتَهَا ، لَعَلَّكَ لَمَسْتَهَا فَقَالَ : لَا ، حَتَّى وَصَفَهُ } ، وَفِي الْقَذْفِ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِالِاسْتِفْسَارِ فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِهِ .
وَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ فِي بَابِ الْقَذْفِ اقْتَرَنَ بِهِ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ صَرِيحَ الزِّنَا ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ السَّبَّ وَالشَّتْمَ ، وَهَذَا لَا يَحْصُلُ إلَّا بِصَرِيحِ الزِّنَا ، فَصَارَ كَأَنَّهُ فَسَّرَ فَصَرَّحَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْإِقْرَارُ ؛ لِأَنَّهُ حَكَى فِعْلَ نَفْسِهِ وَلَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الزِّنَا فَلِذَلِكَ شُرِطَ السُّؤَالُ ، وَلِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ فَلَا يُحْتَالُ فِي دَرْئِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ خَالِصَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى .

337 - 337 - إذَا قَالَ : زَنَيْت فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ .
وَإِذَا قَالَ لِآخَرَ : زَنَيْت فِي دَارِ الْحَرْبِ فَعَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِفِعْلِ نَفْسِهِ وَأَضَافَهُ إلَى حَالَةٍ عُرِفَتْ وَلَوْ وُجِدَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَدُّ الْآنَ ، لِتَقَادُمِ الْعَهْدِ فَكَذَلِكَ إذَا أَضَافَهُ إلَيْهِ كَمَا لَوْ قَالَ : زَنَيْتُ وَأَنَا مَجْنُونٌ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ لِأَحَدٍ : زَنَيْتُ ؛ لِأَنَّهُ حَكَى الْفِعْلَ عَنْ غَيْرِهِ وَأَضَافَهُ إلَى حَالٍ عُرِفَ وَهُوَ كَوْنُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ ، وَمَا يُوجَدُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ يَكُونُ زِنًا ، وَيَجِبُ بِهِ الْحَدُّ إلَّا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْإِمَامِ عَلَيْهِ فَقَدْ عَيَّرَهُ بِذَلِكَ الْقَوْلِ وَلَزِمَهُ حَدُّ الْقَذْفِ .

338 - 338 - وَإِذَا وَجَبَ عَلَى الْمَرِيضِ حَدٌّ مِنْ الْحُدُودِ فِي سَرِقَةٍ أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ حُبِسَ حَتَّى يَبْرَأَ .
وَفِي الزِّنَا إذَا كَانَ مُحْصَنًا يُرْجَمُ فِي الْحَالِ وَإِذَا كَانَ غَيْرَ مُحْصَنٍ حُبِسَ حَتَّى يَبْرَأَ ثُمَّ يُجْلَدُ .
وَالْفَرْقُ : أَنَّ ضَرْبَهُ فِي الْحَالِ يُؤَدِّي إلَى إتْلَافِهِ وَهُوَ لَمْ يَفْعَلْ مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ التَّلَفَ .
بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الرَّجْمِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ التَّلَفَ ، وَفِي ضَرْبِهِ إعَانَةٌ لَهُ عَلَى التَّلَفِ ، فَجَازَ أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ .

339 - 339 - إذَا وَطِئَ جَارِيَةَ وَلَدِ وَلَدِهِ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْ الْجَدِّ ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ إذَا كَانَ الْأَبُ حَيًّا .
وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا وَادَّعَاهُ الْجَدُّ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ دَعْوَى الِاسْتِيلَادِ إنَّمَا يَنْفُذُ لِوِلَايَةٍ ثَابِتَةٍ فِي حَالِ الصِّغَرِ مُسْتَنِدًا إلَى مَا بَعْدَ الْبُلُوغِ ، كَوِلَايَةِ الْمَالِ ، فَلَوْ أَثْبَتْنَا النَّسَبَ مِنْهُ وَصَحَّحْنَا دَعْوَاهُ لَنَفَّذْنَا قَوْلَهُ عَلَى الْوَلَدِ ، وَفِي تَنْفِيذِ قَوْلِهِ عَلَى الْوَلَدِ جَعْلُ الْوِلَايَةِ لَهُ عَلَيْهِ وَلَا وِلَايَةَ لِلْجَدِّ مَعَ بَقَاءِ الْأَبِ ، فَلَمْ يَنْفُذْ قَوْلُهُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَنْتَقِلْ الْمِلْكُ فِي الْجَارِيَةِ إلَيْهِ وَلَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ، وَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ مَعْتُوهًا .
وَأَمَّا إذَا كَانَ الْأَبُ مَيِّتًا فَلَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهِ فَجَازَ أَنْ يَنْفُذَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ فَصَارَ نَاقِلًا مِلْكَهُ إلَى نَفْسِهِ ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ ، كَمَا لَوْ بَاعَهَا مِنْ نَفْسِهِ وَهُوَ صَغِيرٌ .

340 - 340 - لَا يُقَامُ حَدُّ الزِّنَا عَلَى الْأَخْرَسِ سَوَاءٌ أَقَرَّ بِالزِّنَا أَوْ شَهِدُوا عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْحُدُودِ .
وَيُقَامُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ اسْتِحْسَانًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَخْرَسَ لَا يَقْدِرُ عَلَى إشَارَةٍ يَقَعُ الْفَصْلُ بِهَا بَيْنَ وَطْءٍ يُوجِبُ الْحَدَّ وَوَطْءٍ غَيْرِ مُوجِبٍ لِلْحَدِّ ؛ لِأَنَّ أَقْصَى مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَنْ يُشِيرَ إلَى وَطْءٍ حَرَامٍ فَصَارَ كَالنَّاطِقِ إذَا قَالَ : وَطِئْتُ حَرَامًا ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ ، كَذَا هُنَا ، وَلِأَنَّ إشَارَتَهُ قَائِمَةٌ مَقَامَ النُّطْقِ ، وَمَا أُقِيمَ مَقَامَ الْغَيْرِ لَا يُوجَبُ إثْبَاتُ الزِّنَا بِهِ ، كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ ، وَكَذَلِكَ لَا يَجِبُ بِالشَّهَادَةِ ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَصِحُّ إلَّا بِالْإِنْكَارِ وَإِنْكَارُهُ أُقِيمَ مَقَامَ الْغَيْرِ فَلَوْ اسْتَوْفَيْنَا الْحَدَّ لَاسْتَوْفَيْنَاهُ بِإِنْكَارٍ أُقِيمَ مَقَامَ الْغَيْرِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، وَلِأَنَّ الْأَخْرَسَ لَا يَسْمَعُ مَا يَشْهَدُونَ بِهِ عَلَيْهِ فَصَارَ كَالْغَائِبِ ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ لَوْ قَدَرَ عَلَى النُّطْقِ لَادَّعَى شُبْهَةً ، وَعَجْزُهُ عَنْ الْكَلَامِ يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ فَصَارَ ذَلِكَ شُبْهَةً وَحَدُّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَغَيْرُهُ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ وَيَحْتَالُ فِي إبْطَالِهِ بِدَلِيلِ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِيهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْقِصَاصُ ؛ لِأَنَّ الْخَرَسَ صَارَ شُبْهَةً عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْقِصَاصُ حَقُّ الْآدَمِيِّ ، وَلَا يَحْتَالُ فِي إبْطَالِهِ وَإِسْقَاطِهِ ، وَلَا يَبْطُلُ بِالشُّبْهَةِ الْمُمْكِنَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِالْقِصَاصِ ، ثُمَّ رَجَعَ لَا يَبْطُلُ الْقِصَاصُ ، وَلَوْ أَقَرَّ بِالزِّنَا ثُمَّ رَجَعَ سَقَطَ الْحَدُّ فَافْتَرَقَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ .
.

341 - 341 - إذَا زَنَى الْإِمَامُ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ إمَامٌ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَوْ قَتَلَ إنْسَانًا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا زَنَى فَقَدْ فَسَقَ ، فَانْعَزَلَ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فَقَدْ زَنَى وَلَا يَدَ لِلْإِمَامِ عَلَيْهِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَا يَنْعَزِلُ وَلَكِنْ يُعْزَلُ ، فَلَوْ أَوْجَبْنَا الْحَدَّ عَلَيْهِ لَأَوْجَبْنَا لَهُ عَلَى نَفْسِهِ ، وَلِأَنَّ الْحُدُودَ اسْتِيفَاؤُهَا إلَى السُّلْطَانِ ، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْحَقَّ مِنْ نَفْسِهِ بِنَفْسِهِ فَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءُ فَسَقَطَ الْحَدُّ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْقِصَاصُ ؛ لِأَنَّهُ فَسَقَ بِقَتْلِهِ فَانْعَزَلَ ، وَالْقِصَاصُ لَا يَحْتَاجُ فِي اسْتِيفَائِهِ إلَى الْإِمَامِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْوَلِيَّ لَوْ قَتَلَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ ، لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فَقَتْلُهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ ، فَوَجَبَ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْهُ كَالدُّيُونِ .

342 - 342 - إذَا قُذِفَ الْمَيِّتُ فَلِوَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَجَدِّهِ أَنْ يَأْخُذُوا بِالْحَدِّ .
وَلَا يَجُوزُ لِأَخِيهِ أَنْ يَأْخُذَ بِالْحَدِّ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ بِقَذْفِ الْمَيِّتِ صَارَ طَاعِنًا فِي نَسَبِ وَلَدِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ : أَبُوكَ زَنَى فَلَا يَتَّصِلُ نَسَبُكَ وَيَقُولُ لِلْجَدِّ لَا يَثْبُتُ نَسَبُ حَفَدَتِكَ مِنْهُ فَقَدْ عَيَّرَهُ بِهَذَا الْقَوْلِ وَطَعَنَ فِي نَسَبِهِ ، فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالْحَدِّ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأَخُ ؛ لِأَنَّ نَسَبَ الْأَخِ لَا يَرْجِعُ إلَى أَخِيهِ ، فَلَمْ يَصِرْ طَاعِنًا فِي نَسَبِهِ فَلَا يَكُونُ لَهُ حَقُّ الطَّلَبِ كَالْأَجَانِبِ .
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ كَانَ طَاعِنًا فِي نَسَبِ هَؤُلَاءِ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الطَّلَبُ حَالَ حَيَاتِهِ .
قُلْنَا : إذَا كَانَ حَيًّا لَا تَلْحَقُهُمْ مَعَرَّةٌ بِهَذَا الْقَوْلِ فَكَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ دُونَهُمْ .

إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا وَوَطِئَهَا فَقَذَفَهُ إنْسَانًا فَلَا حَدَّ عَلَى الْقَاذِفِ .
وَإِنْ اشْتَرَى جَارِيَةً شِرَاءً فَاسِدًا وَوَطِئَهَا فَقَذَفَهُ إنْسَانٌ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الشِّرَاءَ الْفَاسِدَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ أَفَادَ الْمِلْكَ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ ثَبَتَ أَحْكَامُ الْمِلْكِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ جَازَ ، فَصَادَفَ وَطْؤُهُ مِلْكَهُ فَحُدَّ قَاذِفُهُ ، وَإِنْ كَانَ الْوَطْءُ حَرَامًا كَمَا لَوْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ أَوْ صَائِمٌ عَنْ الْفَرْضِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ النِّكَاحُ الْفَاسِدُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا ، وَلَوْ خَلَعَهَا لَا يَلْزَمُهَا الْمَالُ ، فَصَادَفَ وَطْؤُهُ غَيْرَ مِلْكِهِ فَبَطَلَ إحْصَانُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ بِوَطْئِهِ ، كَمَا لَوْ وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ أَوْ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً ، فَقَدْ قَذَفَ غَيْرَ مُحْصَنٍ فَلَا يَلْزَمُهُ الْحَدُّ .

344 - 344 - إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : زَنَيْت بِجَمَلٍ أَوْ بِثَوْرٍ أَوْ بِحِمَارٍ ، لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَدُّ .
وَلَوْ قَالَ : زَنَيْت بِنَاقَةٍ أَوْ بِأَتَانٍ أَوْ بِبَقَرَةٍ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا قَالَ : زَنَيْتِ بِنَاقَةٍ ، فَقَدْ أَضَافَ فِعْلَ الزِّنَا إلَى أُنْثَيَيْنِ وَيَسْتَحِيلُ وُجُودُ الْجِمَاعِ مِنْ الْأُنْثَيَيْنِ فَلَمْ يُمْكِنْ حَمْلُهُ عَلَى مُشَارَكَةِ الْفِعْلِ ، وَإِلْصَاقُ الْفِعْلِ بِالْمَفْعُولِ بِهِ ، فَحُمِلَ عَلَى الْبَدَلِ ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ تَدْخُلُ فِي الْكَلَامِ لِلْبَدَلِ فَكَأَنَّهُ قَالَ : زَنَى بِكِ فُلَانٌ بِنَاقَةٍ أَوْ بِدِرْهَمٍ دَفَعَهَا إلَيْكِ ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : بِبَعِيرٍ ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ فِعْلَ الْجِمَاعِ إلَى ذَكَرٍ وَأُنْثَى ، وَلَا يَسْتَحِيلُ وُجُودُ الْجِمَاعِ مِنْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى ، فَصَارَ إدْخَالُ الْبَاءِ لِلْمُشَارَكَةِ لَا لِلْبَدَلِ ؛ إذْ هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الْكَلَامِ ، فَحَمَلْنَاهُ عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ : جَامَعَكِ بَعِيرٌ أَوْ ثَوْرٌ ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَدُّ ، كَذَلِكَ هَذَا .

345 - 345 - إذَا شَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى أَنَّهُ قَذَفَ فُلَانًا ، وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ قَذَفَهُ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ ، وَلَا تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ .
وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْبَيْعِ وَالْآخَرُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْبَيْعِ قُبِلَتْ وَحُكِمَ بِالْبَيْعِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِقْرَارَ حِكَايَةٌ ، وَفِي الْحِكَايَةِ مَعْنَى ابْتِدَاءِ الْقَذْفِ ، فَلَوْ جَمَعْنَا لَجَمَعْنَا بَيْنَهُمَا بِالْمَعْنَى ، وَإِيجَابُ الْحَدِّ بِالْمَعْنَى لَا يَصِحُّ ، كَمَا لَوْ قَالَ : وَطِئْتُ وَطْئًا حَرَامًا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي بَابِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ فِي حِكَايَةِ الْبَيْعِ مَعْنَى الِابْتِدَاءِ ، فَلَوْ جَمَعْنَا لَجَمَعْنَا بَيْنَهُمَا بِالْمَعْنَى وَإِيجَابُ الْبَيْعِ بِالْمَعْنَى دُونَ صَرِيحِ لَفْظِهِ جَائِزٌ ، كَمَا لَوْ قَالَ : مَلَكْتُكَ بِكَذَا دِرْهَمًا ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى قُلْنَا : أَنْ لَوْ شَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ أَنَّهُ قَذَفَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ وَالْآخَرُ بِالْعَرَبِيَّةِ ، لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا .
وَفَرْقٌ آخَرُ : أَنَّ لَفْظَ الْإِخْبَارِ وَالِابْتِدَاءِ لَا يَخْتَلِفُ فِي بَابِ الْبَيْعِ بِدَلِيلِ أَنَّكَ تَقُولُ فِي الْإِخْبَارِ : بِعْتُ ، وَفِي الِابْتِدَاءِ أَيْضًا يَقُولُ : بِعْتُ ، فَيَجُوزُ أَنَّهُمَا سُمِعَا مَعًا فَحُمِلَ أَحَدُهُمَا عَلَى الِابْتِدَاءِ ، وَالْآخَرُ عَلَى الْإِقْرَارِ فَلَمْ يَبِنْ اخْتِلَافُ الشَّهَادَةِ ، فَجَازَتْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْقَذْفِ ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْإِخْبَارِ وَالِابْتِدَاءِ يُخْتَلَفُ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ فِي الْإِخْبَارِ : قُلْت لَهُ : أَنْتَ زَانٍ ، وَفِي الِابْتِدَاءِ يَقُولُ : يَا زَانٍ أَوْ أَنْتَ زَانٍ ، فَلَمْ يَكُنْ مَا شَهِدَ بِهِ أَحَدُهُمَا عَيْنَ مَا شَهِدَ بِهِ الْآخَرُ فَبَانَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا فَلَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا .

346 - 346 - وَإِذَا ضُرِبَ الْعَبْدُ حَدَّ الْقَذْفِ ثُمَّ عَتَقَ فَشَهِدَ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ .
وَإِذَا ضُرِبَ الْكَافِرُ حَدَّ الْقَذْفِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَشَهِدَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ لِلْعَبْدِ نَوْعَ شَهَادَةٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ أَوْ بِطَهَارَةِ الْمَاءِ أَوْ أَخْبَرَ فِي الدِّيَانَاتِ قُبِلَ قَوْلُهُ ، فَإِذَا حُدَّ بَطَلَ ذَلِكَ النَّوْعُ مِنْ الشَّهَادَةِ .
فَلَوْ قُلْنَا : بَعْدَ الْعِتْقِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي الْأَمْوَالِ لَقُبِلَتْ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ غَيْرُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ فِي الْأَمْوَالِ ، وَلَا تُقْبَلُ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَالدِّيَانَاتِ فَلَمَّا بَطَلَتْ فِي الْهِلَالِ وَنَحْوِهِ دَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ فَلَا تُقْبَلُ فِي شَيْءٍ .
وَلَيْسَ هَذَا كَالْكَافِرِ ؛ لِأَنَّهُ لَا تُقْبَلُ لَهُ نَوْعٌ مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِحَالٍ فَلَمْ تَبْطُلْ شَهَادَتُهُ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ فَإِذَا أَسْلَمَ وَشَهِدَ فَهَذِهِ شَهَادَةٌ اسْتَفَادَهَا بِالْإِسْلَامِ لَمْ تَبْطُلْ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ فَجَازَ أَنْ تُقْبَلَ .

الِابْنُ إذَا وَطِئَ جَارِيَةَ أَبِيهِ ، أَوْ جَارِيَةَ أُمِّهِ ، أَوْ جَارِيَةَ امْرَأَتِهِ ، أَوْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا فِي الْعِدَّةِ ، أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهِ ، أَوْ الْعَبْدُ وَطِئَ جَارِيَةَ مَوْلَاهُ ، أَوْ الْمُرْتَهِنُ وَطِئَ الْجَارِيَةَ الْمَرْهُونَةَ عِنْدَهُ - فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الرَّهْنِ - أَنَّهُ يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْوَاطِئِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ إنْ قَالَ : عَلِمْتُ أَنَّهَا حَرَامٌ ، وَإِنْ قَالَ : ظَنَنْتُ أَنَّهَا تَحِلُّ لِي فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ .
وَفِي الْأَبِ إذَا وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ ، وَالْبَائِعُ إذَا وَطِئَ الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ، وَالْجَارِيَةُ الْمَمْهُورَةُ إذَا وَطِئَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ، وَالْمُطَلَّقَةُ طَلَاقًا بَائِنًا إذَا وَطِئَهَا الزَّوْجُ ، وَالْجَارِيَةُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ - فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ ، وَإِنْ قَالَ عَلِمْتُ أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيَّ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ فِي الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ الشُّبْهَةَ فِي الْفِعْلِ ؛ إذْ لَا شُبْهَةَ لِهَؤُلَاءِ فِي عَيْنِ الْمَوْطُوءَةِ وَلَكِنْ لَهُمْ شُبْهَةٌ فِي الْفِعْلِ لِأَنَّ الِابْنَ يَنْبَسِطُ وَيَتَصَرَّفُ فِي مَالِ أَبِيهِ ، فَإِذَا ظَنَّ أَنَّ لَهُ هَذَا النَّوْعَ مِنْ التَّصَرُّفِ فَقَدْ ظَنَّ فِي مَوْضِعِ الظَّنِّ وَالِاشْتِبَاهِ ، وَكَذَلِكَ الزَّوْجُ يَنْبَسِطُ ، وَيَتَصَرَّفُ فِي مَالِ زَوْجَتِهِ ، فَإِذَا ظَنَّ أَنَّ حُكْمَ بَقَايَا الْمِلْكِ حُكْمُ نَفْسِ الْمِلْكِ ، فَقَدْ ظَنَّ فِي مَوْضِعِ الظَّنِّ وَالِاشْتِبَاهِ ، وَكَذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ ، وَهُوَ نَوْعُ تَصَرُّفٍ ، فَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَبِهَ عَلَيْهِ أَمْرُ الْوَطْءِ ، فَإِذَا وَطِئَ وَادَّعَى الِاشْتِبَاهَ اسْتَنَدَ دَعْوَاهُ إلَى شُبْهَةٍ ظَاهِرَةٍ ، وَبِالشُّبْهَةِ الْمُمْكِنَةِ يُدْرَأُ الْحَدُّ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي بَابِ الْأَمْوَالِ وَالْبُيُوعِ وَغَيْرِهَا ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ هُنَا مُتَمَكِّنَةٌ فِي الْعَيْنِ ؛ لِأَنَّ لِلْأَبِ حَقًّا فِي مَالِ ابْنِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ ، وَكَذَلِكَ لِلْبَائِعِ حَقٌّ فِي الْجَارِيَةِ

الْمَبِيعَةِ يُقَامُ مَقَامَ الْمِلْكِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ تَلِفَتْ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ ، وَالْمُطَلَّقَةُ طَلَاقًا بَائِنًا حُكْمُ الْمِلْكِ فِيهَا بَاقٍ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ بِأَنَّ الطَّلَاقَ الْبَائِنَ لَا يُوجِبُ زَوَالَ الْمِلْكِ وَتَحْرِيمِ الْوَطْءِ ، وَكَذَلِكَ الْجَارِيَةُ الْمُشْتَرَكَةُ مِلْكُهُ فِيهَا بَاقٍ فَصَادَفَ وَطْؤُهَا مِلْكَهُ ، فَيَسْقُطُ الْحَدُّ فِي الْبَعْضِ فَسَقَطَ فِي الْبَاقِي ، وَإِذَا كَانَتْ الشُّبْهَةُ فِي الْعَيْنِ اسْتَوَى عِلْمُهُ وَجَهْلُهُ ، فَسَوَاءٌ قَالَ : ظَنَنْتُ أَنَّهَا تَحِلُّ لِي أَوْ لَمْ يَقُلْ وُجِدَتْ الشُّبْهَةُ الْمُوجِبَةُ لِسُقُوطِ الْحَدِّ فَسَقَطَ ، وَفِي الْمَسَائِلِ الَّتِي ذَكَرْنَا ، الشُّبْهَةُ فِي الْفِعْلِ فَإِذَا قَالَ عَلِمْتُ أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ لَمْ يَبْقَ شُبْهَةٌ فِي الْفِعْلِ وَلَا شُبْهَةٌ لَهُ فِي الْعَيْنِ فَلَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ .
فَإِنْ قِيلَ : مِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ : الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ لَا يَقَعُ فَلَا يُزِيلُ الْمِلْكَ فَلِمَ لَا يُجْعَلُ هَذَا كَالْمُطَلَّقَةِ الْبَائِنَةِ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ قَالَ : عَلِمْتُ أَنَّهَا غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ لَا يُحَدُّ ؟ قُلْنَا : لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِمَّا لَا يَسُوغُ الِاجْتِهَادُ فِيهَا عِنْدَنَا ، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْخِلَافِ حُكْمٌ وَلِهَذَا قُلْنَا لَوْ وَطِئَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ حُدَّ ، وَإِنْ قَالَ : ظَنَنْتُ أَنَّهُ حَلَالٌ ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ : رُوِيَ أَنَّهُ إذَا وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَا يُحَدُّ ، إلَّا أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ غَيْرُ مَشْهُورَةٍ .

348 - 348 - رَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي أَعْمَى دَعَا امْرَأَتَهُ فَقَالَ : يَا فُلَانَةُ ، فَأَجَابَتْهُ غَيْرُهَا فَوَقَعَ عَلَيْهَا ، قَالَ : يُحَدُّ .
وَلَوْ أَجَابَتْهُ وَقَالَتْ : أَنَا فُلَانَةُ ، تَعْنِي امْرَأَتُكَ فَوَقَعَ عَلَيْهَا ، قَالَ : لَا يُحَدُّ ، وَثَبَتَ نَسَبُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهَا إذَا أَجَابَتْهُ وَلَمْ تَقُلْ أَنَا فُلَانَةُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ أَنْ يَتَعَرَّفَ عَنْهَا ، وَيَسْتَفْسِرَهَا ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يُعْذَرْ كَمَا لَوْ وَجَدَ فِي دَارِهِ امْرَأَةً فَوَاقَعَهَا ، وَقَالَ : ظَنَنْتُ أَنَّهَا امْرَأَتِي .
وَأَمَّا إذَا قَالَتْ : أَنَا فُلَانَةُ فَلَا يَتَوَصَّلُ الْأَعْمَى إلَى مَعْرِفَةِ امْرَأَتِهِ فِي الْعَادَةِ إلَّا بِذَلِكَ فَكَانَ ذَلِكَ شُبْهَةً فَلَا يُحَدُّ ، كَمَا لَوْ زُفَّتْ إلَى الْبَصِيرِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ ، وَأَمَّا الْبَصِيرُ فَيَتَوَصَّلُ إلَى مَعْرِفَتِهَا بِالْمُشَاهَدَةِ ، فَلَمْ يَكُنْ مَعْذُورًا فِي وَطْئِهَا بِالْإِجَابَةِ .

349 - 349 - إذَا مَاتَ الشُّهُودُ عَلَى الزِّنَا - سَقَطَ الرَّجْمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَلَوْ أَصَابَهُمْ مَرَضٌ ، بِحَيْثُ عَجَزُوا عَنْ الْبِدَايَةِ ، فَإِنَّ الْإِمَامَ يَبْدَأُ ثُمَّ النَّاسُ ، وَلَا يَسْقُطُ الرَّجْمُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَوْتَ صَارَ شُبْهَةً لِجَوَازِ أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا أَحْيَاءً لَامْتَنَعُوا عَنْ الْبِدَايَةِ ، أَوْ رَجَعُوا فَلَمْ يَجُزْ اسْتِيفَاؤُهُ مَعَ التَّحَرِّي .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَرَضُ ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ مِنْ الرَّجْمِ كَانَ لِعُذْرٍ ظَاهِرٍ فَلَمْ يُشْتَرَطْ فِعْلُهُمْ مَعَ التَّعَذُّرِ ، وَلَوْ امْتَنَعُوا لِأَجْلِ الرُّجُوعِ بِلِسَانِهِمْ ، فَلَمَّا لَمْ يَرْجِعُوا بِاللِّسَانِ ، وَالْعُذْرُ عَنْ الِامْتِنَاعِ ظَاهِرٌ ، زَالَتْ التُّهْمَةُ فَلَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ .

350 - 350 - لَا يُفَرَّقُ التَّعْزِيرُ عَلَى الْأَعْضَاءِ ، وَلَوْ ضُرِبَ عَلَى عُضْوٍ وَاحِدٍ جَازَ ، إذَا لَمْ يَكُنْ مَقْتَلًا .
وَفِي الْحَدِّ يُفَرَّقُ الضَّرْبُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّعْزِيرِ إيصَالُ الْأَلَمِ ، وَجَمْعُهُ أَبْلَغُ فِي إيصَالِ الْأَلَمِ ، وَلَا يُؤَدِّي إلَى التَّلَفِ ؛ لِأَنَّهُ يُضْرَبُ فِي الْحَدِّ ثَمَانُونَ أَوْ مِائَةٌ ، وَفِي التَّعْزِيرِ لَا يُزَادُ عَلَى تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ ، فَلَا يُؤَدِّي إلَى التَّلَفِ غَالِبًا .

351 - 351 - قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ : لِلْوَلَدِ وَالْوَالِدِ - وَإِنْ كَانَ عَبْدًا - أَنْ يُطَالِبَ بِالْحَدِّ ، إذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ حُرًّا مُسْلِمًا .
وَإِنْ كَانَ الْمَقْذُوفُ عَبْدًا فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُطَالِبُوا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَبَ مَتَى كَانَ مُحْصَنًا وَقَذَفَهُ إنْسَانٌ فَقَدْ صَحَّ الْقَذْفُ ، وَأُلْحِقَ الشَّيْنُ بِالِابْنِ وَالْأَبِ ، وَالشَّيْنُ إذَا حَصَلَ بِقَذْفٍ صَحِيحٍ تَعَلَّقَ بِهِ الْحَدُّ كَمَا لَوْ كَانَ الِابْنُ وَالْأَبُ حُرَّيْنِ .
وَأَمَّا إذَا قُذِفَ الْعَبْدُ فِي نَفْسِهِ فَالْقَذْفُ لَيْسَ صَحِيحًا ؛ لِأَنَّهُ صَادَفَ غَيْرَ مُحْصَنٍ ، فَلَمْ يَجِبْ بِإِلْحَاقِ الشَّيْنِ بِهِ حَدٌّ ، فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ .

352 - 352 - غَيْرُ مُحْصَنٍ إذَا أَقَرَّ بِالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَقَذَفَ الْمُحْصَنَةَ اسْتَوْفَى الْجَمِيعَ ، فَيُبْدَأُ بِحَدِّ الْقَذْفِ ، ثُمَّ إنْ شَاءَ الْإِمَامُ بَدَأَ بِحَدِّ الزِّنَا ، وَإِنْ شَاءَ بَدَأَ بِالسَّرِقَةِ ، وَيُؤَخِّرُ حَدَّ الشُّرْبِ .
وَأَمَّا الْمُحْصَنُ إذَا أَقَرَّ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ قُدِّمَ حَدُّ الْقَذْفِ ثُمَّ رُجِمَ ، وَسَقَطَ حَدُّ السَّرِقَةِ وَالشُّرْبِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ هَذِهِ حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ اتَّصَلَ بِحَقِّ الْآدَمِيِّينَ لِأَنَّهُ إلَيْهِ الطَّلَبُ ، وَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى إذَا اجْتَمَعَ مَعَ حَقِّ الْآدَمِيِّينَ قُدِّمَ حَقُّ الْآدَمِيِّينَ كَالدَّيْنِ وَالزَّكَاةِ ، وَإِذَا اسْتَوْفَى هَذِهِ الْحُدُودَ بَقِيَتْ حُدُودُ اللَّهِ كُلُّهَا وَلَا يُمْكِنُ إسْقَاطُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ ، فَاسْتَوْفَى الْكُلَّ وَحَدُّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ اسْتَوَيَا فِي التَّأَكُّدِ ؛ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ لِلَّهِ تَعَالَى ثَبَتَا بِنَصِّ الْقُرْآنِ ، وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَبْدَأَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ ، وَحَدُّ الشُّرْبِ إنَّمَا ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ فَكَانَ أَضْعَفَ مِنْ الَّذِي ثَبَتَ بِالْقُرْآنِ ، فَيَجِبُ أَنْ يُؤَخَّرَ عَنْهُ .
وَأَمَّا فِي الْمُحْصَنِ فَهَذِهِ حُدُودٌ اجْتَمَعَتْ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَفِي اسْتِيفَاءِ بَعْضِهَا إسْقَاطُ الْبَاقِي ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَتَلَهُ رَجْمًا ، لَا يُمْكِنُ إقَامَةُ حَدِّ السَّرِقَةِ ، وَالشُّرْبِ ، وَلَوْ اسْتَوْفَى حَدَّ السَّرِقَةِ وَالشُّرْبِ أَمْكَنَ إقَامَةُ الرَّجْمِ بَعْدَهُمَا ، وَالْإِمَامُ مَأْمُورٌ بِإِسْقَاطِ الْحُدُودِ وَدَرْئِهَا ، وَفِي الْبِدَايَةِ بِالرَّجْمِ دَرْءٌ لِحَدِّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ ؛ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالرَّجْمِ دَرْءًا لِحَدِّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ .

كِتَابُ السَّرِقَةِ 353 - قَالَ فِي الْأَصْلِ وَلَمْ يَكُنْ خِلَافٌ : إذَا نَقَبَ الْبَيْتَ وَأَدْخَلَ يَدَهُ وَأَخْرَجَ الْمَتَاعَ وَذَهَبَ لَمْ يُقْطَعْ .
وَلَوْ شَقَّ الْجُوَالِقَ ، وَأَدْخَلَ يَدَهُ ، وَأَخْرَجَ الْمَتَاعَ قُطِعَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي بَابِ الْبَيْتِ لَمْ يَهْتِكْ الْحِرْزَ بِأَقْصَى مَا قَدَرَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ أَقْصَى مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ هَتْكُ حِرْزِ الْبَيْتِ بِالْوُلُوجِ فِيهِ وَإِخْرَاجِ الْمَتَاعِ ، وَلَمْ يَدْخُلْهُ فَلَمْ يُقْطَعْ ، كَمَا لَوْ لَمْ يُدْخِلْ الْيَدَ وَلَكِنَّهُ نَقَبَ فَسَقَطَ مِنْهُ الْمَتَاعُ .
وَأَمَّا فِي الْجُوَالِقِ فَقَدْ هَتَكَ الْحِرْزَ بِأَقْصَى مَا قَدَرَ عَلَيْهِ ؛ إذْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الدُّخُولِ فِي الْجُوَالِقِ ، وَإِنَّمَا يَقْدِرُ عَلَى إخْرَاجِ الْمَتَاعِ وَيَعْتَادُ ذَلِكَ ، وَقَدْ فَعَلَ فَوَجَبَ الْقَطْعُ .

354 - 354 - إذَا سَرَقَ مِنْ حَمَّامٍ أَوْ حَانُوتٍ قَدْ أَذِنَ صَاحِبُهُ لِلنَّاسِ بِالدُّخُولِ فِيهِ وَصَاحِبُهُ هُنَاكَ لَمْ يُقْطَعْ .
وَلَوْ سَرَقَ مِنْ مَسْجِدٍ وَصَاحِبُهُ هُنَا فِي الْمَسْجِدِ قُطِعَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَمَّامَ أَوْ الْحَانُوتَ حِرْزٌ فِي نَفْسِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ صَاحِبُهُ أَنْ يَمْنَعَ النَّاسَ مِنْ الدُّخُولِ فِيهِ قَدَرَ عَلَيْهِ ، وَإِذَا كَانَ حِرْزًا فِي نَفْسِهِ لَمْ يُؤَثِّرْ كَوْنُ صَاحِبِهِ مَعَهُ فِي الْإِحْرَازِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ حَافِظٌ لَمْ يُقْطَعْ كَذَا هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَسْجِدُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي نَفْسِهِ بِحِرْزٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُغْلِقَ بَابَهُ وَيَمْنَعُ النَّاسَ مِنْ الدُّخُولِ فِيهِ لَا يَقْدِرُ ، فَصَارَ حِرْزًا بِالْحَافِظِ كَالْمَفَازَةِ فَإِذَا سَرَقَ مِنْهُ فَقَدْ سَرَقَ مِنْ حِرْزٍ فَقُطِعَ ، وَالْأَصْلُ فِيهِ خَبَرُ صَفْوَانَ .
فَرْقٌ آخَرُ : أَوْ نَقُولُ : الْحَمَّامُ وَإِنْ كَانَ حِرْزًا إلَّا أَنَّهُ إذَا أَذِنَ صَاحِبُهُ أَخْرَجَهُ مِنْ كَوْنِهِ حِرْزًا فَلَا يُقْطَعُ .
وَفِي الْمَسْجِدِ صَارَ حِرْزًا بِالْحَافِظِ ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ جِهَتِهِ إذْنٌ بِالدُّخُولِ فَبَقِيَ حِرْزًا فَقُطِعَ .
فَإِنْ قِيلَ : وَلَوْ أَذِنَ ؟ قُلْنَا : لَا رِوَايَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ لَا حُكْمَ لِإِذْنِهِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مَأْذُونٌ بِالدُّخُولِ فِيهِ ، فَاسْتَوَى وُجُودُ إذْنِهِ وَعَدَمُهُ .

355 - 355 - إذَا سَرَقَ ثَوْبًا لَا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ ، وَعَلَى جَانِبِهِ مَالٌ عَظِيمٌ مَصْرُورٌ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ السَّارِقُ لَمْ يُقْطَعْ ، وَإِنْ عَلِمَ قُطِعَ .
وَإِنْ سَرَقَ كِيسًا أَوْ جُوَالِقًا لَا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ ، وَفِيهِ مَالٌ قُطِعَ ، عَلِمَ بِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ السَّرِقَةِ الثَّوْبُ دُونَ الدَّرَاهِمِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ ، وَالْمَقْصُودُ لَا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَلَا يُقْطَعُ بِهِ ، فَصَارَتْ الدَّرَاهِمُ تَبَعًا لَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَقْصُودَهُ ، حَتَّى أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ وَقَصَدَ قُطِعَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ تَبَعًا .
وَأَمَّا الْجُوَالِقُ وَالْكِيسُ فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ مَا فِيهِ لَا الْجُوَالِقُ وَالْكِيسُ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ ، وَمَا فِيهِ مِمَّا يَجِبُ الْقَطْعُ بِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ سَرَقَ الدَّرَاهِمَ وَحْدَهَا يُقْطَعُ ، كَذَلِكَ هَذَا .

356 - 356 - إذَا سَرَقَ وَإِبْهَامُهُ فِي يَدِهِ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةٌ لَمْ تُقْطَعْ الْيَمِينُ .
وَإِنْ كَانَتْ إصْبَعًا غَيْرَ الْإِبْهَامِ مِنْ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةً قُطِعَ الْيَمِينُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قُوَّةَ الْإِبْهَامِ تُعَادِلُ جَمِيعَ الْأَصَابِعِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُلَاقِي جَمِيعَ الْأَصَابِعِ فَصَارَتْ قُوَّتُهُ كَقُوَّةِ الْأَصَابِعِ كُلِّهَا ، فَلَوْ قَطَعْنَا الْيَمِينَ لَفَوَّتْنَا مَنْفَعَةَ الْبَطْشِ كُلَّهَا بِكَمَالِهَا ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ غَيْرُ الْإِبْهَامِ ؛ لِأَنَّ قُوَّتَهُ لَا تُعَادِلُ جَمِيعَ الْأَصَابِعِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُلَاقِي جَمِيعَ الْأَصَابِعِ ، وَلَا يَقَعُ التَّنَاوُلُ بِهِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْيُسْرَى مَكْسُورَةً ظُفْرُهَا وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقُطِعَ الْيَمِينُ ، كَذَلِكَ هَذَا .

357 - 357 - لَوْ كَانَتْ أَصَابِعُ رِجْلِهِ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةً قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى إذَا أَمْكَنَهُ الْمَشْيُ .
وَلَوْ كَانَتْ أَصَابِعُ الْيَدِ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةً لَا تُقْطَعُ الْيَدُ الْيُمْنَى .
وَالْفَرْقُ أَنَّ مَنْفَعَةَ الرِّجْلِ الْمَشْيُ ، وَالْمَشْيُ مُمْكِنٌ مَعَ فَوْتِ الْأَصَابِعِ الْيُمْنَى لَا يُؤَدِّي إلَى تَفْوِيتِ مَنْفَعَةِ الْيُسْرَى ؛ فَجَازَ أَنْ تُقْطَعَ .
بِخِلَافِ الْيَدِ ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا الْبَطْشُ وَتَفَوُّتُ الْأَصَابِعِ يُفَوِّتُ الْبَطْشَ وَالتَّنَاوُلَ فَلَوْ قَطَعْنَا الْيُمْنَى لَفَوَّتْنَا عَلَيْهِ مَنْفَعَةَ الْبَطْشِ بِكَمَالِهِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ .

358 - 358 - رَجُلَانِ كَانَا فِي دَارِ ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَقْصُورَةٍ عَلَى حِدَةٍ ، فَنَقَبَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ وَأَخَذَ مَتَاعَهُ قُطِعَ ، إذَا كَانَتْ دَارًا كَبِيرَةً .
وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَمْ يُقْطَعْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الدَّارَ إذَا كَانَتْ كَبِيرَةً كَالْخَانِ يَكُونُ فِيهَا مَقَاصِيرُ ، فَكُلُّ بَيْتٍ يَكُونُ فِيهَا حِرْزًا عَلَى حِدَةٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْإِذْنَ فِي دُخُولِ الدَّارِ لَا يَكُونُ إذْنًا فِي دُخُولِ جَمِيعِ مَقَاصِيرِهَا ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِلْمُودَعِ : احْفَظْهَا فِي بَيْتِكَ هَذَا فَحَفِظَهَا فِي بَيْتٍ آخَرَ مِنْهَا فَضَاعَتْ ضَمِنَ ، فَصَارَ كَالْمَكَانَيْنِ الْمُتَبَاعِدَيْنِ .
وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الدَّارُ صَغِيرَةً فَالْحِرْزُ حِرْزٌ وَاحِدٌ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْإِذْنَ فِي دُخُولِهَا إذْنٌ فِي دُخُولِ جَمِيعِ بُيُوتِهَا ، وَبِدَلِيلِ أَنَّ الْمُودِعَ لَوْ قَالَ : احْفَظْهَا فِي بَيْتِك هَذَا ، فَحَفِظَهَا فِي بَيْتٍ آخَرَ مِنْ تِلْكَ الدَّارِ لَمْ يَضْمَنْ ، فَصَارَا كَالْبَيْتِ الْوَاحِدِ ، وَلَوْ كَانُوا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ فَسَرَقَ أَحَدُهُمْ مِنْ صَاحِبِهِ شَيْئًا لَمْ يُقْطَعْ ، كَذَلِكَ هَذَا .

359 - 359 - إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ سَرَقَ مَعَ صَبِيٍّ ، أَوْ مَعَ مَعْتُوهٍ أَوْ أَخْرَسَ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ ، فِي جَوَابِ " الْأَصْلِ " وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ سَرَقَ مَعَ فُلَانٍ النَّاطِقِ الْعَاقِلِ ، وَأَنْكَرَ فُلَانٌ قُطِعَ الْمُقِرُّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِفِعْلٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ ، وَذَلِكَ الْغَيْرُ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ وُجُوبُ الْقَطْعِ عَلَيْهِ بِحَالٍ ، فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُقِرِّ أَيْضًا ، كَالْمُخْطِئِ وَالْعَامِدِ إذَا اشْتَرَكَا فِي الْقَتْلِ ، وَالْأَبُ وَالْأَجْنَبِيُّ إذَا سَرَقَا شَيْئًا مِنْ مَالِ الِابْنِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا أَنْكَرَ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِفِعْلٍ مُشْتَرَكٍ وَذَلِكَ الشَّرِيكُ مِمَّنْ يَجُوزُ وُجُوبُ الْقَطْعِ عَلَيْهِ ، فَجَازَ وُجُوبُهُ عَلَى هَذَا أَيْضًا ، إلَّا أَنَّهُ بِإِنْكَارِهِ يُسْقِطُ الْحَدَّ عَنْ نَفْسِهِ ، فَلَا يَسْقُطُ عَنْ الْآخَرِ .
الدَّلِيلُ عَلَيْهِ : لَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ قَتَلَا رَجُلًا ثُمَّ عَفَا عَنْ أَحَدِهِمَا وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى الْآخَرِ ، كَذَلِكَ هَذَا .

360 - 360 - إذَا قَطَعَ الطَّرِيقَ عَلَى قَوْمٍ ، وَفِيهِمْ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ أَوْ شَرِيكٌ مُفَاوِضٌ لَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ حُكْمُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ .
وَبِمِثْلِهِ ، لَوْ كَانَ فِيهِمْ حَرْبِيٌّ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ حُكْمُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ رِفْقَةِ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُلْتَزِمِ نُصْرَةَ صَاحِبِهِ ، فَصَارَ كَالْمُسْتَحْفِظِ مَالَهُ إيَّاهُ ، فَكَأَنَّهُمْ أَوْدَعُوا مَالَهُ عِنْدَ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مِنْهُ ، فَقَطَعَ عَلَيْهِ الطَّرِيقَ ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَا يُقْطَعُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَ مَعَهُمْ حَرْبِيٌّ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَمْ يَلْتَزِمْ نُصْرَةَ الْحَرْبِيِّ ؛ إذْ لَا تَنَاصُرَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ ، فَلَمْ يَصِيرُوا كَالْمُسْتَحْفِظِينَ مَالَهُ إيَّاهُ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ فِي رُفْقَةٍ عَلَى حِدَةٍ ، وَالْحَرْبِيُّ فِي رُفْقَةٍ أُخْرَى عَلَى حِدَةٍ فَقَطَعَ الطَّرِيقَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، فَيَلْزَمُهُ حُكْمُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ ، كَذَلِكَ هَذَا .

361 - 361 - وَإِذَا ضَرَبَ الْفُسْطَاطَ فِي الْجَبَّانَةِ وَفِيهَا مَتَاعٌ ، وَصَاحِبُهُ فِيهِ ، فَدَخَلَ سَارِقٌ ، وَسَرَقَ الْمَتَاعَ قُطِعَ .
وَلَوْ سَرَقَ الْفُسْطَاطَ بِعَيْنِهِ لَمْ يُقْطَعْ .
وَلَوْ كَانَ الْفُسْطَاطُ مَلْفُوفًا وَصَاحِبُهُ نَائِمٌ عَلَيْهِ فَسَرَقَهُ سَارِقٌ قُطِعَ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْفُسْطَاطَ حِرْزٌ فِي نَفْسِهِ ، فَإِذَا سَرَقَ مِنْهُ فَقَدْ سَرَقَ مِنْ الْحِرْزِ فَقُطِعَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَ مَلْفُوفًا ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ حِرْزًا فَصَارَ مُحْرَزًا بِالْحَافِظِ ، فَإِذَا سَرَقَهُ وَصَاحِبُهُ نَائِمٌ عَلَيْهِ قُطِعَ ، كَمَا لَوْ قَلَعَ بَابَ دَارِهِ وَأَدْخَلَهُ فِي دَارِهِ ، وَقَعَدَ عَلَيْهِ فَجَاءَ سَارِقٌ وَسَرَقَهُ قُطِعَ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَ غَيْرَ مَلْفُوفٍ ؛ لِأَنَّهُ حِرْزٌ بِنَفْسِهِ قَدْ سُرِقَ وَنَفْسُ الْحِرْزِ لَا يَكُونُ فِي الْحِرْزِ ، فَقَدْ سُرِقَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ فَلَا يُقْطَعُ ، كَمَا لَوْ سُرِقَ بَابُ الدَّارِ .

362 - 362 - إذَا سَرَقَ مِنْ الْحَمَّامِ نِصَابًا بِاللَّيْلِ قُطِعَ .
وَلَوْ سَرَقَ بِالنَّهَارِ لَا يُقْطَعُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَمَّامَ حِرْزٌ فِي نَفْسِهِ ، وَإِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ حِرْزًا بِوُجُودِ الْإِذْنِ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ ، وَقَدْ وُجِدَ بِالنَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ ، فَخَرَجَ مِنْ كَوْنِهِ حِرْزًا بِالنَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ ، فَقَدْ سَرَقَ بِاللَّيْلِ مِنْ حِرْزٍ فَقُطِعَ ، وَسَرَقَ بِالنَّهَارِ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ فَلَا يُقْطَعُ .

363 - 363 - إذَا نَقَبَ بَيْتَ رَجُلٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ مُكَابَرَةً لَيْلًا حَتَّى سَرَقَ مِنْهُ مَتَاعًا يُسَاوِي أَلْفًا فَإِنَّهُ يُقْطَعُ .
وَلَوْ كَابَرَهُ فِي الْبَلَدِ فِي الطَّرِيقِ نَهَارًا فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ السَّارِقَ مَنْ أَخَذَ الْمَالَ مِنْ الْحِرْزِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِخْفَاءِ ، وَمَنْ فَعَلَ هَذَا بِاللَّيْلِ فَهُوَ مُسْتَخْفٍ مِنْ النَّاسِ ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَخْفِ مِنْ الْمَالِكِ ؛ لِأَنَّ الْغَوْثَ لَا يَلْحَقُهُ بِاللَّيْلِ ، فَوُجِدَ مَعْنَى السَّرِقَةِ فَقُطِعَ .
وَأَمَّا بِالنَّهَارِ فَلَيْسَ بِأَخْذٍ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِخْفَاءِ ؛ لِأَنَّ الْغَوْثَ يَلْحَقُهُ ، فَلَمْ يُوجَدْ مَعْنَى السَّرِقَةِ ، وَإِنَّمَا وُجِدَ مَعْنَى الْغَصْبِ وَالِاخْتِلَاسِ فَلَا يُقْطَعُ .

364 - 364 - إذَا سَرَقَ رَجُلَانِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ لَا يُقْطَعُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ، وَلَا يُجْعَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَأَنَّهُ سَرَقَ الْعَشَرَةَ الدَّرَاهِمَ .
وَلَوْ اجْتَمَعَا فَقَتَلَا رَجُلًا وَاحِدًا وَجَبَ عَلَيْهِمَا الْقِصَاصُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُشَارَكَةَ وُجِدَتْ فِي أَخْذِ الْمَالِ ، وَالْمَالُ مِمَّا يَتَبَعَّضُ ، فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ أَخَذَ نِصْفَهُ ، وَمَنْ سَرَقَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ لَا يُقْطَعُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْقَتْلُ ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ إزْهَاقُ الرُّوحِ ، وَهُوَ مَا لَا يَتَبَعَّضُ فَجُعِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَالْمُفَوِّتِ لِجَمِيعِ الرُّوحِ ، فَوَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَيْهِمَا .

365 - 365 - السَّارِقُ إذَا رَدَّ الْمَسْرُوقَ إلَى أَخِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ ، أَوْ أُخْتِهِ ، أَوْ أَجِيرِهِ ، أَوْ عَبْدِهِ أَوْ امْرَأَتِهِ ؛ أَوْ أَحَدٍ مِمَّنْ هُوَ فِي عِيَالِهِ لَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ .
وَلَوْ رَدَّ الْمُودَعُ الْوَدِيعَةَ إلَى أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ سَقَطَ الضَّمَانُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا فِي عِيَالِهِ فَهُمْ حَفَظَةٌ لَهُ وَحِرْزٌ لَهُ ، فَصَارَ يَدُهُمْ يَدًا لَهُ ، فَإِذَا رَدَّ إلَيْهِمْ صَارَ كَمَا لَوْ رَدَّهُ إلَى يَدِ صَاحِبِهِ ، وَلَوْ رَدَّهُ إلَى يَدِ صَاحِبِهِ قَبْلَ الْقَطْعِ بَرِئَ مِنْ الْقَطْعِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأَجْنَبِيُّ ، وَمَنْ لَيْسَ فِي عِيَالِهِ ؛ لِأَنَّ يَدَهُمْ لَيْسَتْ بِيَدٍ لَهُ ، وَهُمْ لَيْسُوا بِحِرْزٍ لَهُ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُودَعَ لَوْ دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَيْهِمْ ضَمِنَ ، وَلَا حَقَّ لَهُمْ فِي مَالِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ لَوْ اسْتَوْلَدُوا جَارِيَتَهُ لَمْ يَنْفُذْ اسْتِيلَادُهُمْ فَصَارُوا كَالْأَجْنَبِيِّ ، وَلَا يَلْزَمُ الْأَبَ وَالْجَدَّ ، وَإِنْ لَمْ يَكُونَا فِي عِيَالِهِ حَيْثُ يَسْقُطُ الْقَطْعُ إذَا رَدَّهُ إلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّ لَهُمَا حَقًّا فِي مَالِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَوْ اسْتَوْلَدُوا جَارِيَتَهُ صَحَّ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ رَدَّ إلَى صَاحِبِهِ .
وَإِنَّمَا قُلْنَا : إنَّهُ يَضْمَنُ إذَا رَدَّ إلَى مَنْ فِي عِيَالِهِ ، وَالْمُودَعُ لَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَبَرَاءَتَهُمْ إيَّاهُ عَنْ الضَّمَانِ لَا يَجُوزُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَدِيعَةُ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ فَلَا يَضْمَنُ إلَّا بِالْخِيَانَةِ ، وَالدَّفْعُ إلَى هَؤُلَاءِ لَيْسَ بِخِيَانَةٍ ؛ لِأَنَّهُمْ حَفَظَةٌ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ يَحْفَظُ الشَّيْءَ لِنَفْسِهِ فِيهِمْ ، فَلَمْ يَصِرْ بِرَدِّهِ إلَى حَفَظَتِهِ خِيَانَةٌ مِنْهُ ، وَإِذَا لَمْ يَجْنِ لَمْ يَضْمَنْ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

كِتَابُ السِّيَرِ 366 - الْمُشْرِكُونَ إذَا غَلَبُوا عَلَى أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ غُلِبُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَأَخَذُوهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ فَوَجَدَهُ صَاحِبُهُ ، قَالَ : إنْ وَجَدَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَخَذَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ .
وَإِنْ وَجَدَهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَخَذَهُ بِالْقِيمَةِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْكُفَّارَ بِالْإِحْرَازِ مَلَكُوهُ مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ ، فَلَا يَنْقَطِعُ حَقُّ صَاحِبِهِ عَنْهُ ، كَالْهِبَةِ فَثَبَتَ حَقُّ صَاحِبِهِ فِيهِ ، فَوَجَبَ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَذُبُّوا عَنْهُ وَيَسْتَنْقِذُوهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ كُلَّهُمْ كَيَدٍ وَاحِدَةٍ ، فَإِذَا اسْتَنْقَذُوهُ فَقَدْ فَعَلُوا مَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ فَلَمْ يَسْتَحِقُّوا عَلَيْهِ بَدَلًا ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ .
وَأَمَّا بَعْدَ الْقِسْمَةِ ، إذَا وَقَعَ فِي نَصِيبِ وَاحِدٍ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ ، وَلَوْ قُلْنَا : بِأَنَّهُ يَسْتَرِدُّهُ مَجَّانًا لَأَضْرَرْنَا بِهِ ، وَفَوَّتْنَا عَلَيْهِ حَقَّهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، فَأَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْقِيمَةَ لِيَصِلَ هُوَ إلَى حَقِّهِ ، وَيُسَلَّمُ لَهُ الْعَيْنُ بِسَلَامَةِ بَدَلِهِ كَالشَّفِيعِ .
وَجْهٌ آخَرُ : لَمْ يَتَأَكَّدْ حَقُّ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَ رِجَالَهُمْ ، وَلَهُ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِمْ ، وَيَجْعَلَهُمْ ذِمَّةً ، وَيَرُدَّ عَلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ، وَإِذَا لَمْ يَتَأَكَّدْ حَقُّهُمْ فِيهِ كَانَ لَهُ أَخْذُهُ مَجَّانًا .
وَأَمَّا بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَقَدْ تَأَكَّدَ مِلْكُهُمْ فِيهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِمْ وَيَرُدَّهُمْ وَلَا أَنْ يَقْتُلَهُمْ ، فَلَا يَجُوزُ تَفْوِيتُ مِلْكِهِ عَلَيْهِ ، فَكَانَ لَهُ أَخْذُهُ بِالْقِيمَةِ كَالشَّفِيعِ إذَا أَخَذَ الدَّارَ مِنْ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يَأْخُذُ بِالْقِيمَةِ ، كَذَلِكَ هَذَا .

367 - 367 - لَا يُسْهَمُ لِلْعَبْدِ وَإِنْ قَاتَلَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى وَيُسْهَمُ لِلْحُرِّ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُدْعَى إلَيْهِ ( فَأَشْبَهَ النِّسَاءَ ) بِخِلَافِ الْحُرِّ ، وَلِأَنَّ خِدْمَةَ الْمَمْلُوكِ لِلْمَوْلَى ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُقَاتِلَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَجُزْ ، فَإِذَا أَذِنَ لَهُ وَقَعَ ( عَمَلُهُ لَهُ ) ، فَكَأَنَّ الْمَوْلَى قَاتَلَ بِنَفْسِهِ زِيَادَةَ قِتَالٍ ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُزَدْ فِي سَهْمِهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْحُرُّ ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ وَقَعَ لَهُ ؛ إذْ مَنْفَعَتُهُ لَهُ فَيَجِبُ أَنْ يَسْتَحِقَّ بِإِزَائِهِ بَدَلًا ، وَلَا بَدَلَ لَهُ سِوَى السَّهْمِ فَوَجَبَ أَنْ يُسْهَمَ لَهُ ، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْعَبْدَ حَضَرَ لِخِدْمَةِ الْمَوْلَى ، فَوَقَعَ عَلَى تِلْكَ الْخِدْمَةِ ، وَهُوَ يَذُبُّ عَنْ الْمَوْلَى ، وَذَلِكَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ خَدَمَهُ فِي الْمِصْرِ ، فَلَا يَسْتَحِقُّ بِهِ شَيْئًا عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْحُرِّ .

368 - 368 - يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ الِاسْتِعَانَةُ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى الْكُفَّارِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شَوْكَةٌ .
وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِعَانَةُ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ إذَا كَانَتْ لَهُمْ شَوْكَةٌ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّرْطَ فِي مُخَالَطَتِهِمْ أَنْ يَكُونُوا تَحْتَ قَهْرِنَا وَحُكْمِنَا ، فَإِذَا كَانَ فِيهِمْ قِلَّةٌ كَانُوا تَحْتَ قَهْرِنَا ، فَلَمْ يَكُنْ بِالِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ ضَرَرٌ بِالْمُسْلِمِينَ ، فَجَازَتْ الِاسْتِعَانَةُ بِهِمْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَتْ لَهُمْ شَوْكَةٌ ؛ لِأَنَّهُمْ رُبَّمَا لَا يَكُونُونَ تَحْتَ قَهْرِنَا ، وَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يَخْرُجُوا عَلَيْنَا ، وَيَظْهَرُ دِينُهُمْ ، وَإِذَا لَمْ يُؤْمَنْ فِي الِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ الْإِضْرَارُ لَا يُسْتَعَانُ بِهِمْ ، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ فِي الْخَبَرِ الْمَعْرُوفِ : { إنَّا لَا نَسْتَعِينُ بِالْكُفَّارِ } لَمَّا رَأَى كَتِيبَةً حَسْنَاءَ ، وَرُوِيَ أَنَّهُ اسْتَعَانَ بِيَهُودِ بَنِي قَيْنُقَاعَ لَمَّا كَانَ فِيهِمْ قِلَّةٌ .

369 - 369 - الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَانِمِينَ إذَا بَاعَ مِنْ آخَرَ ثُمَّ جَاءَ مَالِكُهُ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ لَهُ ( أَنْ يَنْقُضَ ) الْبَيْعَ الثَّانِيَ .
وَالْمُشْتَرِي ( إذَا بَاعَ مِنْ آخَرَ الدَّارَ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَنْقُضَ الْبَيْعَ الثَّانِيَ ) ، وَيَأْخُذَهَا بِالْأَوَّلِ .
الْفَرْقُ أَنَّ فِي الْمَأْسُورِ الْمَالِكُ يَأْخُذُ عَلَى وَجْهِ الْبِنَاءِ عَلَى الْمِلْكِ الْأَوَّلِ ، لَا عَلَى وَجْهِ النَّقْضِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْقِسْمَةَ ، وَلَوْ كَانَ يَأْخُذُهُ عَلَى وَجْهِ النَّقْضِ لَكَانَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْقِسْمَةَ ، وَيَأْخُذَ بِغَيْرِ شَيْءٍ ، وَإِذَا كَانَ يَأْخُذُ عَلَى وَجْهِ الْبِنَاءِ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَقْضُ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الشَّفِيعُ ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ عَلَى وَجْهِ النَّقْضِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ ، فَيُفَوِّتَ الْقَبْضَ فِيهِ ، وَتَفْوِيتُ الْقَبْضِ يُوجِبُ فَسْخَ الْعَقْدِ ، وَإِذَا أَخَذَهُ عَلَى وَجْهِ النَّقْضِ كَانَ لَهُ نَقْضُ الْأَوَّلِ ، ( وَلِأَنَّ أَخْذَ ) الشَّفِيعِ عَلَى وَجْهِ الْبِنَاءِ وَالنَّقْضِ لَا يَخْتَلِفُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِالثَّمَنِ فِي الْحَالَيْنِ ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ عَلَى وَجْهِ النَّقْضِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَأْسُورُ ؛ لِأَنَّ أَخْذَهُ عَلَى وَجْهِ النَّقْضِ وَذَلِكَ يُخَالِفُ أَخْذَهُ عَلَى وَجْهِ الْبِنَاءِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ أَخْذَهُ عَلَى وَجْهِ النَّقْضِ يَكُون مَجَّانًا ، كَمَا يَأْخُذُ الْعَبْدُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ مَجَّانًا ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُهُ عَلَى وَجْهِ النَّقْضِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ عَلَى وَجْهِ الْبِنَاءِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ نَقْضُ الْعَقْدِ .

370 - 370 - إذَا وَجَدَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ جَارِيَةً قِيمَتُهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ قَدْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ غُلِبُوا عَلَيْهَا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالْقِيمَةِ .
وَإِنْ وَجَدَ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا أَوْ فُلُوسًا بَعْدَ الْقِسْمَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لَهُ فِي أَخْذِ الدَّرَاهِمِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهَا لَأَخَذَهَا بِمِثْلِهَا ، وَهِيَ وَمِثْلُهَا لَا تَخْتَلِفُ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْجَارِيَةُ ؛ لِأَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي اقْتِنَائِهَا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَشْتَرِي بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا لِغَرَضٍ فِي عَيْنِهَا ، وَإِذَا كَانَ لِلنَّاسِ أَغْرَاضٌ فِي الْأَعْيَانِ كَانَ لَهُ فِي أَخْذِهَا فَائِدَةٌ فَجَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا .

371 - 371 - إذَا أَسَرَ الْعَدُوُّ عَبْدًا لَهُ وَفِي عُنُقِهِ جِنَايَةٌ - عَمْدًا أَوْ خَطَأً - أَوْ دَيْنٌ فَإِنَّهُ رَجَعَ إلَيْهِ بِمِلْكٍ مُسْتَأْنَفٍ ، وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ بَطَلَتْ جِنَايَةُ الْخَطَأِ ، وَأَمَّا جِنَايَةُ الْعَمْدِ ، وَالدَّيْنُ فَهُمَا فِي رَقَبَتِهِ كَمَا كَانَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَسْرَ يُوجِبُ زَوَالَ الْمِلْكِ ، فَصَارَ زَوَالُ مِلْكِهِ بِالْأَسْرِ كَزَوَالِهِ بِالْبَيْعِ وَلَوْ بَاعَ الْعَبْدَ الْجَانِيَ خَطَأً لَا يَقَعُ بِالْجِنَايَةِ ، وَصَارَ الْمَوْلَى مُخْتَارًا ، كَذَلِكَ هَذَا ، وَزَوَالُ الْمِلْكِ بِالْبَيْعِ يُوجِبُ سُقُوطَ جِنَايَةِ الْعَمْدِ وَالدَّيْنِ عَنْ الرَّقَبَةِ ، كَذَلِكَ زَوَالُهُ بِالْأَسْرِ ، وَلِأَنَّ جِنَايَةَ الْعَمْدِ تَتَعَلَّقُ بِالرَّقَبَةِ ، وَكَذَلِكَ الدَّيْنُ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَسْعَى بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ ، وَالرَّقَبَةُ بَاقِيَةٌ فَبَقِيَ الْحَقُّ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ ، وَجِنَايَةُ الْخَطَأِ غَيْرُ مُتَعَلِّقَةٍ بِالرَّقَبَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَسْعَى بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ ، وَيَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ زَوَالُ مِلْكِهِ عَنْ الرَّقَبَةِ فِيهِ ، وَأَمَّا إذَا رَجَعَ إلَيْهِ لِحَقٍّ لِمِلْكِهِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَعُودُ بِالْجِنَايَةِ وَالدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ أَعَادَ الْمِلْكَ الْأَوَّلَ وَاسْتَبْقَاهُ ، فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَزُلْ ، وَلَوْ لَمْ يَزُلْ بَقِيَتْ الْجِنَايَةُ ، كَذَا هَذَا .

372 - 372 - إذَا كَانَتْ الْجَارِيَةُ رَهْنًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَهِيَ قِيمَتُهَا فَأَسَرَهَا الْعَدُوُّ ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُمْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ كَانَ مَوْلَاهَا أَحَقَّ بِهَا بِالثَّمَنِ ، وَلَا يَكُونُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَأْخُذَهَا .
وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ أَقَلَّ مِنْ أَلْفٍ كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُؤَدِّيَ ذَلِكَ الثَّمَنَ الَّذِي افْتَكَّهَا بِهِ وَتَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الدَّيْنُ مِثْلَ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ لَا فَائِدَةَ لَهُ فِي أَخْذِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَتُرَدُّ عَلَى الْمَوْلَى وَيَسْتَرِدُّ الْأَلْفَ دِرْهَمٍ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فَائِدَةٌ فِي أَخْذِهَا لَا يَأْخُذُهَا ، كَمَا لَوْ كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا فَإِنَّ مَالِكَهُ لَا يَأْخُذُهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَ الثَّمَنُ أَقَلَّ مِنْ الْأَلْفِ ؛ لِأَنَّ لَهُ فَائِدَةً فِي أَخْذِهَا ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُهَا بِخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ يَرُدُّ عَلَى الْمَوْلَى ، وَيَرْجِعُ بِدَيْنِهِ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، فَيَكُونُ لَهُ فَائِدَةٌ فِي أَخْذِهِ فَجَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا ، وَأَمَّا الْمَالِكُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ أَوْ أَكْثَرَ ؛ لِأَنَّ لَهُ فَائِدَةً فِي أَخْذِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ تُسَلَّمُ لَهُ ، وَلِلنَّاسِ أَغْرَاضٌ فِي الْأَعْيَانِ فَكَانَ لَهُ أَخْذُهُ ، كَمَا لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ أَخَذَهُ بِالثَّمَنِ كَذَلِكَ هَذَا .

373 - 373 - إذَا أَسْلَمَ أَهْلُ الْحَرْبِ عَلَى مَالٍ قَدْ كَانُوا أَصَابُوهُ وَأَخَذُوهُ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ ، أَوْ خَرَجَ حَرْبِيٌّ بِشَيْءٍ أَخَذَهُ مِنْ أَمْوَالِنَا يُرِيدُ بَيْعَهُ لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِهِ الْمُسْلِمِ عَلَيْهِ سَبِيلٌ .
وَلَوْ اشْتَرَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَرْبِيَّ لَمْ يَلْتَزِمْ نُصْرَةَ الْمُسْلِمِينَ وَالذَّبَّ عَنْهُمْ وَعَنْ أَمْوَالِهِمْ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُهُ وَنَقْلُهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لِصَاحِبِهِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُسْلِمُ ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ نُصْرَةَ الْمُسْلِمِينَ وَالذَّبَّ عَنْهُمْ وَعَنْ أَمْوَالِهِمْ ، فَكَانَ يَلْزَمُهُ اسْتِنْقَاذُ أَمْوَالِهِمْ مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ ، فَإِذَا اشْتَرَى فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فَعَلَ مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ ، وَاسْتَنْقَذَهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ لِصَاحِبِهِ ، وَإِذَا أَخَذَهُ لَهُ عَادَ حَقُّهُ إلَيْهِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ ، كَعَبْدٍ آبِقٍ أَخَذَهُ إنْسَانٌ لِصَاحِبِهِ ، فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيُعْطِيَهُ الْجُعْلَ ، كَذَلِكَ هَذَا .

374 - 374 - إذَا دَخَلَ الْمُسْلِمُ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ وَلَهُ فِي أَيْدِيهِمْ جَارِيَةٌ قَدْ أَسَرُوهَا - كُرِهَ لَهُ غَصْبُهَا وَوَطْؤُهَا .
وَلَوْ كَانَتْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ يُكْرَهُ لَهُ أَخْذُهَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْجَارِيَةَ تُمَلَّكُ بِالْبَيْعِ فَتُمَلَّكُ بِالْأَسْرِ ، فَصَارَتْ مِلْكًا لَهُمْ وَهُوَ بِعَقْدِ الْأَمَانِ الْتَزَمَ أَلَّا يَأْخُذَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ ، فَصَارَ بِالْأَخْذِ نَاقِضًا لِلْعَهْدِ مُخْفِرًا لِلذِّمَّةِ ؛ فَلَمْ يَجُزْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّ رَقَبَتَهَا لَا تُمَلَّكُ بِالْعَقْدِ ، فَلَا تُمَلَّكُ بِالْأَسْرِ ، فَبَقِيَتْ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا ، وَهُوَ إنَّمَا الْتَزَمَ الْكَفَّ عَنْ أَخْذِ مَالِهِمْ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ ، وَهَذَا مَالُهُ ، وَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ ، فَلَمْ يُكْرَهْ لَهُ ذَلِكَ ، وَلَمْ يَصِرْ مُنَاقِضًا مَا أَوْجَبَهُ بِعَقْدِهِ ، فَجَازَ لَهُ ذَلِكَ .

375 - 375 - إذَا طُعِنَ الْمُسْلِمُ بِالرُّمْحِ فِي جَوْفِهِ فَنَفَذَهُ فَلَهُ أَنْ يَمْشِيَ إلَى الْعَدُوِّ حَتَّى يَضْرِبَهُ ، وَلَا يُجْعَلُ بِذَلِكَ مُعِينًا عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ .
وَإِنْ لَمْ يَنْفُذْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَمْشِيَ إلَيْهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا نَفَذَهُ فَالْمَشْيُ إلَيْهِ لَا يَزِيدُ جِرَاحَتَهُ ، وَهُوَ يَصِلُ إلَى مُكَايَدَةِ الْعَدُوِّ مِنْ غَيْرِ إعَانَةٍ عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ ، فَجَازَ لَهُ ذَلِكَ ، وَكَانَ مَأْمُورًا ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ الرُّمْحُ فِي جَوْفِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يَنْفُذْهُ ؛ لِأَنَّهُ بِالْمَشْيِ إلَى ذَلِكَ يَزِيدُ جِرَاحَهُ ، وَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يُصِيبَ الْمَقْتَلَ فَيَقْتُلَهُ فَيَصِيرُ بِهِ مُعِينًا عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ ، فَكُرِهَ لَهُ ذَلِكَ .

376 - 376 - حَرْبِيٌّ دَخَلَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ فَبَايَعَهُ مُسْلِمٌ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ أَنَّ مُسْلِمًا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَبَايَعَهُمْ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ جَازَ إنْ كَانَ مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى الْإِبَاحَةِ ، وَقَدْ رَضِيَ بِتَمْلِيكِهِ عَلَيْهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْمُسْلِمِ بِدُخُولِهِ دَارَ الْحَرْبِ آمِنًا لَمْ يَصِرْ لَهُمْ عَاقِدًا عَقْدَ الْأَمَانِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ غَيْرَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَوْ قَتَلَهُمْ وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ مَلَكَهُ ، وَكَانَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ هَذَا الْمُسْلِمَ وَعَدَ أَلَّا يَأْخُذَ مَالَهُمْ إلَّا بِرِضَاهُمْ ، فَيَجِبُ أَنْ يَفِيَ بِمَا وَعَدَ ، فَبَقِيَ مَالُهُمْ عَلَى الْإِبَاحَةِ فَإِذَا تَوَصَّلَ إلَى أَخْذِهِ مِنْ غَيْرِ نَقْضِ عَهْدٍ بِرِضَاهُمْ جَازَ .
وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ إذَا دَخَلَ دَارَنَا بِأَمَانٍ فَقَدْ عَقَدْنَا لَهُ عَقْدَ الْأَمَانِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا إذَا أَخَذَ مَالَهُ لَا يَمْلِكُهُ ، فَخَرَجَ مَالُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَقِيقَةِ الْإِبَاحَةِ ، فَصَارَ مَالًا مُحْرَزًا بِأَيْدِي الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَمْلِكُهُ الْمُسْلِمُ بِالْقَهْرِ ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ بِالْعَقْدِ ، وَتَمْلِيكُ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ بِالْعَقْدِ يَكُونُ رِبًا فَلَمْ يَجُزْ .

377 - 377 - إذَا وَادَعَ الْإِمَامُ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ ثُمَّ إنَّ قَوْمًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ غَدَرُوا بِأَهْلِ الْمُوَادَعَةِ ، وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ لَمْ يَسَعْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَشْتَرُوا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ، وَلَوْ اشْتَرَوْا رُدَّ الْبَيْعُ .
وَلَوْ أَنَّ مُسْلِمًا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ ثُمَّ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَأَدْخَلَهُ دَارَ الْإِسْلَامِ فَاشْتَرَاهُ إنْسَانٌ مِنْهُ لَمْ يُرَدَّ الْبَيْعُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِمَامَ لَمَّا وَادَعَهُمْ صَارُوا ذِمَّةً لَنَا ، فَوَجَبَ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ الذَّبُّ عَنْهُمْ ، فَإِذَا أَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ لَمْ يَمْلِكُوهَا ؛ لِأَنَّهُمْ صَارُوا مُنَاقِضِينَ عَهْدَهُمْ كَمَا لَوْ أَخَذُوا سَائِرَ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُسْلِمُ إذَا دَخَلَ بِأَمَانٍ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَصِيرُوا ذِمَّةً بِدُخُولِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ غَيْرَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَوْ أَخَذَ أَمْوَالَهُمْ مَلَكَهُ وَلَمْ يَلْتَزِمْ نُصْرَتَهُمْ ، فَبَقِيَ مَالُهُمْ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ فَقَدْ أَخَذَ مَالَ حَرْبِيٍّ بَاقٍ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ ، فَمَلَكَهُ فَإِذَا اشْتَرَاهُ إنْسَانٌ جَازَ ، إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ الشِّرَاءُ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ ؛ إذْ هُوَ أَخَذَ مَالَهُمْ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ ، وَقَدْ الْتَزَمَ أَنْ لَا يَأْخُذَ مَالَهُمْ إلَّا بِرِضَاهُمْ ، فَكُرِهَ الشِّرَاءُ مِنْهُ .

إذَا أَسَرَ الْمُشْرِكُونَ عَبْدًا لِلْمُسْلِمِينَ وَأَحْرَزُوهُ ، ثُمَّ إنَّ رَجُلًا اشْتَرَاهُ مِنْهُمْ فَأَسَرَهُ الْعَدُوُّ مِنْهُمْ ثَانِيًا ، وَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ فَلِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ أَنْ يَأْخُذَهُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ يَدِهِ أُخِذَ وَعَلَيْهِ يَدُ مِلْكِهِ ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ ، فَإِنْ تَرَكَهُ وَلَمْ يَأْخُذْهُ فَأَرَادَ مَوْلَاهُ الْأَوَّلُ أَنْ يَأْخُذَهُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ .
وَالْمُشْتَرِي إذَا بَاعَ الدَّارَ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالشِّرَاءِ الْأَوَّلِ وَيَنْقُضَ الثَّانِي وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَالِكَ يَأْخُذُهُ عَلَى وَجْهِ الْبِنَاءِ لَا عَلَى وَجْهِ نَقْضِ الْمِلْكِ ، بِدَلِيلِ مَا بَيَّنَّا ، فَلَوْ قُلْنَا : إنَّ لَهُ أَخْذَهُ وَيُعِيدُ مِلْكَهُ لَأَبْطَلَ شِرَاءَ الثَّانِي ، وَلَيْسَ لَهُ نَقْضُ تَصَرُّفِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الشَّفِيعُ لِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ عَلَى وَجْهِ النَّقْضِ فَأَخْذُهُ بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ يُوجِبُ نَقْضَ الثَّانِي ، وَلَهُ حَقُّ النَّقْضِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى إنَّمَا يَثْبُتُ فِيمَا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ ، وَوَجَبَ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ مِنْهُ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ يَشْتَرِيهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْأَخْذُ ، فَقَدْ زَالَتْ يَدُهُ ، فَإِذَا زَالَتْ يَدُهُ وَمَلَكَهُ زَالَ الْمُوجِبُ لِجَوَازِ أَخْذِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الشَّفِيعُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ فِيمَا فِي يَدِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْبَائِعَ لَوْ أَقَرَّ بِالْبَيْعِ وَأَكْرَهَ الْمُشْتَرِيَ ، وَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ ، وَإِذَا لَمْ يَخْتَصَّ حَقَّهُ بِيَدِهِ وَمِلْكِهِ فَزَوَالُ يَدِهِ وَمِلْكِهِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ حَقِّهِ ، فَبَقِيَ حَقُّهُ فِيهِ ، فَكَانَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ يَدِ الْأَوَّلِ ، وَيَنْقُضُ الْعَقْدَ الثَّانِيَ .

379 - 379 - لَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى أَسَرَهُ الْعَدُوُّ ، وَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ ، فَأَخَذَهُ الْبَائِعُ بِخَمْسِمِائَةٍ ؛ فَلِلْمُشْتَرِي أَخْذُهُ مِنْ الْبَائِعِ بِالثَّمَنَيْنِ جَمِيعًا .
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ عَبْدًا فَجَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً قَبْلَ التَّسْلِيمِ ، فَفَدَاهُ الْمَوْلَى فَإِنَّهُ لَا يَأْخُذُ مَا فَدَاهُ بِهِ وَلَكِنَّهُ يَأْخُذُ مِنْهُ الثَّمَنَ فَقَطْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي بَابِ الْجِنَايَةِ قَدْ أُسْقِطَ خِيَارُ الْمُشْتَرِي بِالْفِدَاءِ ، فَقَدْ قَضَى بِهِ حَقًّا عَنْ نَفْسِهِ أَوْ مَضْمُونًا عَنْ نَفْسِهِ فَجَازَ أَنْ لَا يَرْجِعَ عَلَى غَيْرِهِ .
الدَّلِيلُ عَلَيْهِ لَوْ قَطَعَ رَجُلٌ أُصْبُعَ رَجُلٍ ثُمَّ قَطَعَ يَدَ آخَرَ ثُمَّ جَاءَ الْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ وَقَطَعَ يَدَ الْقَاطِعِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى قَاطِعِ الْأُصْبُعِ أَرْشُ الْأُصْبُعِ ؛ لِأَنَّهُ قَضَى بِهِ مَضْمُونًا عَنْ نَفْسِهِ ، كَذَا هَذَا .
وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الشِّرَاءِ مِنْ الْعَدُوِّ لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُ الْمُشْتَرِي ، بِدَلِيلِ أَنَّ خِيَارَهُ يَبْقَى بَعْدَهُ فَلَمْ يَقْضِ بِهِ مَضْمُونًا عَنْ نَفْسِهِ ، وَإِنَّمَا أَحْيَا مِلْكَهُ وَلَا يَصِلُ إلَى إحْيَاءِ مِلْكِ نَفْسِهِ إلَّا بِأَدَائِهِ ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ وَلَا مِنْ الْعَبْدِ جِنَايَةٌ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ ازْدَادَ ثَمَنُ الْعَبْدِ ، فَرَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ .
الدَّلِيلُ عَلَيْهِ لَوْ أَنَّ مَرِيضًا بَاعَ دَارًا بِأَلْفٍ ، وَقِيمَتُهَا ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَمَاتَ ، وَلَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ فَإِنَّهُ يُقَالُ لِلْمُشْتَرِي : إمَّا أَنْ تَزِيدَ فِي الثَّمَنِ فَتَأْخُذَ بِأَلْفَيْنِ ، وَإِمَّا أَنْ تَدَعَ ، كَذَلِكَ هَذَا .

380 - 380 - ذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ أَيْضًا فِي مُخْتَصَرِهِ : إذَا قَاتَلَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ فَأُخِذَتْ وَوَقَعَتْ فِي يَدِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا بَأْسَ بِقَتْلِهَا .
وَلَوْ أَنَّ صَبِيًّا أَوْ مَعْتُوهًا قَاتَلَا فَأُخِذَا وَوَقَعَا فِي يَدِ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُمَا ، وَإِنْ كَانَا قَتَلَا جَمَاعَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ .
وَفِي الْأَصْلِ فِي كِتَابِ السِّيَرِ : إذَا خَرَجَتْ امْرَأَةٌ مَعَ أَهْلِ الْبَغْيِ فَقَاتَلَتْ فَأُخِذَتْ حُبِسَتْ وَلَمْ تُقْتَلْ ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ : الْأَوْلَى أَنْ لَا تُقْتَلَ ، فَإِنْ قُتِلَتْ يَجِبُ أَنْ يُقَالَ : يَجُوزُ ، كَمَا حَكَاهُ فِي الْحَرْبِيَّةِ ، وَإِلَّا فَيُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا ، وَلَمْ أَجِدْ عَنْ مَشَايِخِنَا فَرْقًا بَيْنَهُمَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَمَّا قَاتَلَتْ صَارَتْ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ ، وَهِيَ مُكَلَّفَةٌ عَاقِلَةٌ ، فَكَانَ قَتْلُهَا عُقُوبَةً لَهَا عَلَى فِعْلِهَا ، فَجَازَ أَنْ تُقْتَلَ .
وَأَمَّا الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ فَهُمَا غَيْرُ مُكَلَّفَيْنِ ، وَقَتْلُهُمَا كَانَ مُبَاحًا لِأَجْلِ الْقِتَالِ ، فَإِذَا أُخِذَا زَالَ الْقِتَالُ ، فَلَوْ قُلْنَا : قَتَلْنَاهُمَا عُقُوبَةً وَهُمَا لَا يَسْتَحِقَّانِ الْعُقُوبَةَ فَلَا يُقْتَلَانِ ، إلَّا أَنْ يَغْلِبَ فِي ظَنِّ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُمْ لَوْ تَرَكُوهُمَا لَعَادَا إلَى الْقِتَالِ ، فَحِينَئِذٍ يُخَافُ مِنْ تَرْكِهِمَا الضَّرَرُ ، فَجَازَ قَتْلُهُمَا كَالْعُقَلَاءِ الْبَالِغِينَ .

381 - 381 - إذَا قَالَ الْإِمَامُ : مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ ، فَبَدَأَ وَاحِدٌ فَضَرَبَهُ ثُمَّ أَجْهَزَ عَلَيْهِ الْآخَرُ ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ صَيَّرَهُ بِحَيْثُ إنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُقَاتِلَ ، وَلَا أَنَّهُ يُعِينُ فَالسَّلَبُ لِلْأَوَّلِ ، وَإِنْ كَانَ بِخِلَافِهِ فَالسَّلَبُ لِلثَّانِي .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا صَيَّرَهُ بِحَالٍ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ وَلَا أَنْ يُقَاتِلَ فَقَدْ حَصَلَ مَقْصُودُهُ ، وَهُوَ إخْرَاجُهُ مِنْ كَوْنِهِ حَرْبًا لِلْمُسْلِمِينَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُقَاتِلَ ، وَلَا أَنْ يُعِينَ ، فَلَمْ يَكُنْ الثَّانِي قَاتِلًا وَلَا مُخْرِجًا لَهُ إلَى حُكْمِ الْقِتَالِ ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ سَلَبَهُ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ : لَوْ رَمَى إلَى صَيْدٍ فَأَثْخَنَهُ حَتَّى لَا يَسْتَطِيعَ بَرَاحًا ، ثُمَّ رَمَاهُ الثَّانِي فَهُوَ لِلْأَوَّلِ ، وَإِنْ كَانَ بِحَالٍ لَا يُمْكِنُهُ أَخْذُهُ إلَّا بِصَيْدٍ ؛ فَهُوَ لِلثَّانِي لِهَذَا الْمَعْنَى ، كَذَلِكَ هَذَا .

إذَا افْتَتَحَ الْإِمَامُ بَلْدَةً فَأَسْلَمَ أَهْلُهَا قَبْلَ الْقَسْمِ ؛ فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِقَّهُمْ ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُمْ عَلَى أَمْلَاكِهِمْ ، وَوَضَعَ عَلَى أَرْضِهِمْ الْخَرَاجَ وَهُمْ أَحْرَارٌ .
وَلَوْ أَسْلَمُوا قَبْلَ الْقَهْرِ وَفَتْحِ الْبَلْدَةِ لَمْ يَسْتَرِقَّهُمْ .
وَالْفَرْقُ : أَنَّ حَقَّ الْغَانِمِينَ تَعَلَّقَ بِرِقَابِهِمْ وَأَرْضِيهِمْ عِنْدَ الْقَهْرِ ، فَإِذَا أُسْقِطَ حَقُّهُمْ عَنْ رِقَابِهِمْ بِالْإِسْلَامِ ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ، وَلَوْ أَخَذَ مَالَهُمْ ، ثُمَّ أَسْلَمُوا لَا يُرَدُّ عَلَيْهِمْ كَذَا هَذَا .
وَإِذَا تَعَيَّنَ حَقُّهُمْ فَإِذَا اسْتَرَقَّهُمْ اسْتَنَدَ الِاسْتِرْقَاقُ إلَى السَّبَبِ السَّابِقِ ، فَكَأَنَّهُ اسْتَرَقَّهُمْ فِي حَالِ الْكُفْرِ ، وَإِنْ كَانَ فِي الْحَالِ مُسْلِمًا ، كَمَا قُلْنَا لَوْ أَسْلَمَ الْأَبُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَابْنُهُ جَنِينٌ فِي الْبَطْنِ فَاسْتُرِقَّتْ الْأُمُّ ، فَالْجَنِينُ مُسْلِمٌ وَهُوَ رَقِيقٌ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الِاسْتِرْقَاقِ يَثْبُتُ قَبْلَ ثُبُوتِ حُكْمِ الْإِسْلَامِ ، وَابْتِدَاءُ اسْتِرْقَاقِ الْمُسْلِمِ لَا يَجُوزُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَنِدًا إلَى سَبَبٍ قَبْلَهُ .
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ ثَبَتَ حَقُّهُمْ بِالْقَهْرِ لَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْهَرَهُمْ عَلَى أَرْضِيهِمْ وَيَكُونُونَ أَحْرَارًا .
قُلْنَا إنَّمَا جَوَّزْنَا ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْإِمَامِ كَانَ ثَابِتًا بَيْنَ أَنْ يُقِرَّهُمْ أَحْرَارًا عَلَى أَرْضِهِمْ ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْأَرْضِينَ قَدْ يَكُونُونَ أَعْلَمَ بِعِمَارَتِهَا ، وَلَوْ قُسِّمَتْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَاسْتَرَقَّهُمْ ؛ خَرِبَتْ وَلَمْ يُنْتَفَعْ بِهَا ، وَإِذَا أَقَرَّ أَهْلُهَا انْتَفَعَ بِهَا ، فَإِذَا رَأَى الْإِمَامُ تَحْصِيلَ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ بِتَقْرِيرِهِمْ أَحْرَارًا كَانَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ خِيَارَهُ كَانَ ثَابِتًا بَيْنَ أَنْ يَقْتُلَهُمْ أَوْ يَسْتَرِقَّهُمْ ، وَبِالْإِسْلَامِ سَقَطَ الْقَتْلُ ، فَبَقِيَ خِيَارُهُ ثَابِتًا بَيْنَ الِاسْتِرْقَاقِ وَالتَّقْرِيرِ ، فَيَنْتَقِلُ حَقُّهُمْ عَنْ رِقَابِهِمْ إلَى الْأَرَاضِي لِيَحْصُلَ لَهُمْ زِيَادَةُ مَنْفَعَةٍ وَهُوَ نَاظِرٌ مُحْتَاطٌ ، فَلَهُ أَنْ

يَفْعَلَ مَا يَكُونُ فِيهِ احْتِيَاطٌ لَهُمْ .

383 - 383 - جَمَاعَةٌ لَهُمْ مَنَعَةٌ دَخَلُوا بِإِذْنِ الْإِمَامِ دَارَ الْحَرْبِ ، فَأَصَابُوا غَنَائِمَ ، وَلَحِقَهُمْ لِصٌّ أَوْ لِصَّانِ لَا مَنَعَةَ لَهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ ، وَقَدْ أَصَابَا غَنِيمَةً قَبْلَ أَنْ يَلْحَقَهُمْ الْعَسْكَرُ ، فَإِنَّ الْعَسْكَرَ يُشَارِكُونَهُمَا فِيمَا أَخَذَا قَبْلَ لُحُوقِهِمَا بِهِمْ ، وَهُمَا لَا يُشَارِكَانِ الْعَسْكَرَ فِيمَا أَصَابُوا قَبْلَ لُحُوقِهِمَا بِهِمْ ، إذَا لَمْ يَلْقَوْا قِتَالًا بَعْدَ ذَلِكَ .
وَلَوْ كَانُوا جَمَاعَةً شَارَكُوا الْعَسْكَرَ فِيمَا أَصَابُوا قَبْلَ لُحُوقِهِمْ بِهِمْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَاحِدَ وَالِاثْنَيْنِ إنَّمَا أَمْكَنَهُمَا الدُّخُولُ بَعْدَ الْعَسْكَرِ وَإِنَّمَا أَحْرَزَا بِدَارِ الْإِسْلَامِ فَإِذَا ظَهَرَ الْعَسْكَرُ فَقَدْ شَارَكُوهُ فِي سَبَبِ الْمِلْكِ ، فَيُشَارِكُونَهُ فِي الْمِلْكِ ، وَأَمَّا هَذَانِ لَا يُشَارِكَانِ الْعَسْكَرَ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَتَقَوَّوْنَ بِالْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُشَارِكَهُمْ إذَا لَمْ يُقَاتِلُوا بَعْدَ ذَلِكَ ، وَأَمَّا إذَا قَاتَلُوا يُشَارِكُوهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ الْأُولَى ؛ إذْ لَوْلَاهُمْ فَلَرُبَّمَا غَلَبَ الْكُفَّارُ عَلَيْهِمْ ، فَإِذَا اشْتَغِلُوا بِالْقِتَالِ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا شَهِدَا الْوَقْعَةَ الْأُولَى وَأَمَّا إذَا كَانُوا عَسْكَرًا عَظِيمًا أَوْ جَمَاعَةً فَالْعَسْكَرُ يَتَقَوَّوْنَ بِهِمْ ، فَيَحْصُلُ الْإِحْرَازُ بِظُهُورِهِمْ وَمَعُونَتِهِمْ فَيُشَارِكُونَ فِي سَبَبِ الْمِلْكِ ، وَصَارُوا مَدَدًا لَحِقَ الْعَسْكَرَ ، فَشَارَكُوهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ .

384 - 384 - إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ فَرَأَى الْإِمَامُ أَنْ يُودِعْ أَهْلَ الْحَرْبِ ، وَيَأْخُذَ مِنْهُمْ مَالًا ؛ جَازَ وَلَا يَرُدُّ الْمَالَ إلَيْهِمْ .
وَلَوْ وَادَعَ قَوْمًا مِنْ الْمُرْتَدِّينَ عَلَى مَالٍ لَمْ يَجُزْ وَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِمْ الْمَالَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْمُوَادَعَةِ عَلَى مَالٍ اسْتِبْقَاءُ الْكُفَّارِ بِالْمَالِ ، وَهَذَا جَائِزٌ كَمَا جَازَ اسْتِبْقَاؤُهُمْ بِالْجِزْيَةِ .
وَأَمَّا الْمُرْتَدُّونَ فَفِي الْمُوَادَعَةِ عَلَى مَالٍ اسْتِبْقَاؤُهُمْ عَلَى الْكُفْرِ بِمَالٍ وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، كَمَا لَا يَجُوزُ اسْتِبْقَاؤُهُمْ عَلَى الْجِزْيَةِ إلَّا أَنَّ الْمَالَ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّ مَالَ الْمُرْتَدِّ فَيْءٌ فَإِذَا وَقَعَ فِي يَدِ الْمُسْلِمِينَ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِمْ كَالْغَنِيمَةِ .

إذَا وَادَعَ الْإِمَامُ أَهْلَ دَارِ ، فَأَسَرَ أَهْلُ دَارِ أُخْرَى وَاحِدًا مِنْ أَهْلِ الدَّارِ الَّذِينَ وَادَعَهُمْ ، ثُمَّ إنَّ الْمُسْلِمِينَ أَسَرُوا أَهْلَ الدَّارِ الثَّانِيَةِ ، فَأَسَرُوا ذَلِكَ الْأَسِيرَ فَهُوَ فَيْءٌ .
وَلَوْ دَخَلَ تَاجِرٌ الدَّارَ الْأُخْرَى فَأُسِرَ فَلَمْ يَكُنْ فَيْئًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا أُسِرَ فَقَدْ انْقَطَعَ عَنْهُ حُكْمُ دَارِ الْمُوَادَعَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الْعَوْدَ إلَى دَارِ الْمُوَادَعَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ، فَإِذَا أَسَرَهُ الْمُسْلِمُونَ مَلَكُوهُ ، كَمَا لَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الدَّارِ الَّذِينَ وَادَعَهُمْ الْإِمَامُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ التَّاجِرُ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ دَارِ الْمُوَادَعَةِ لَمْ يَنْقَطِعْ عَنْهُ ، بِدَلِيلِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ دَارِهِمْ مَتَى شَاءَ إلَى دَارِ الْمُوَادَعَةِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ فِي دَارِ الْمُوَادَعَةِ فَأُسِرَ لَمْ يَكُنْ فَيْئًا ، كَذَلِكَ هَذَا .

386 - 386 - الصَّبِيُّ إذَا أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ لَمْ يُقْتَلْ ، وَكَذَلِكَ مَنْ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ بِالدَّارِ أَوْ بِأَحَدِ أَبَوَيْهِ ثُمَّ ارْتَدَّ لَمْ يُقْتَلْ ، وَحُبِسَ حَتَّى يَعُودَ إلَى الْإِسْلَامِ .
وَمَنْ كَانَ بَالِغًا فَأَسْلَمَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ ارْتَدَّ قُتِلَ .
وَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ مَنْ صَارَ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أَبَوَيْهِ أَوْ بِالدَّارِ لَمْ يَلْتَزِمْ حُكْمَ الْإِسْلَامِ بِنَفْسِهِ ، فَلَمْ يَكُنْ بِالرِّدَّةِ مُنَاقِضًا مَا أَوْجَبَهُ بِعَقْدِهِ ، فَجَازَ أَلَّا تَتَوَجَّهَ الْعُقُوبَةُ عَلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ إذَا أَسْلَمَ فَقَدْ الْتَزَمَ حُكْمَ الْإِسْلَامِ إلَّا أَنَّ ضَمَانَهُ لَا يَصِحُّ ، فَلَوْ قَتَلْنَاهُ لَوَجَّهْنَا الْعُقُوبَةَ عَلَيْهِ بِعَقْدِهِ ، وَضَمَانُ الْعُقُودِ لَا يَلْزَمُهُ ، فَلَا يُقْتَلُ .
وَأَمَّا الْبَالِغُ فَقَدْ الْتَزَمَ حُكْمَ الْإِسْلَامِ ، وَبِرِدَّتِهِ صَارَ مُنَاقِضًا مَا أَوْجَبَهُ بِعَقْدِهِ ، فَجَازَ أَنْ يُعَاقَبَ عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ .
وَلِأَنَّ إسْلَامَ هَؤُلَاءِ إسْلَامٌ ضَعِيفٌ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَا يُثَابُونَ عَلَى ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ إسْلَامُ الصَّبِيِّ بِنَفْسِهِ إسْلَامٌ ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلِفٌ فِي جَوَازِهِ وَصِحَّتِهِ فَصَارَ ضَعْفُ إسْلَامِهِمْ شُبْهَةً ، وَالْقَتْلُ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ ، وَأَمَّا الْبَالِغُ فَإِسْلَامُهُ بِنَفْسِهِ قَوِيٌّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ بِذَلِكَ ، وَالرِّدَّةُ تُوجِبُ الْقَتْلَ ، وَلَمْ تُوجَدْ شُبْهَةٌ تُسْقِطُ عَنْهُ الْقَتْلَ ، فَوَجَبَ أَنْ يُقْتَلَ ، ثُمَّ يُجْبِرُونَ مَنْ أَسْقَطَ عَنْهُ الْقَتْلَ ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ قَدْ سَقَطَ بِشُبْهَةٍ ، وَسُقُوطُ الْقَتْلِ بِالشُّبْهَةِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ الْإِجْبَارِ كَالْمَرْأَةِ .

387 - 387 - إذَا اشْتَرَى الْمُسْتَأْمَنُ أَرْضِ خَرَاجٍ وَجَبَ عَلَيْهِ خَرَاجُ أَرْضِهِ وَصَارَ ذِمِّيًّا مِنْ حِينِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ خَرَاجُ رَأْسِهِ بَعْدَ سَنَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ مِنْ يَوْمِ وَجَبَ الْخَرَاجُ فِي أَرْضِهِ .
وَلَوْ قَالَ الْإِمَامُ لِلْمُسْتَأْمَنِ : إنْ أَقَمْتَ فِي دَارِنَا سَنَةً بَعْدَ يَوْمِكَ هَذَا أَخَذْتُ مِنْك الْجِزْيَةَ ، فَأَقَامَ سَنَةً صَارَ ذِمِّيًّا ، وَأَخَذَ مِنْهُ الْخَرَاجَ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ مِنْ يَوْمِ قَالَ ذَلِكَ وَالْفَرْقُ أَنَّ خَرَاجَ الْأَرْضِ مِمَّا يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ ، فَإِذَا الْتَزَمَ مَا يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ صَارَ ذِمِّيًّا ، كَمَا لَوْ الْتَزَمَ خَرَاجَ الرَّأْسِ ، وَإِذَا صَارَ ذِمِّيًّا بِالْتِزَامِ الْخَرَاجِ صَارَ وُجُوبُ الْخَرَاجِ كَعَقْدِ الذِّمَّةِ ، فَتَلْزَمُهُ الْجِزْيَةُ بَعْدَ سَنَةٍ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : إنْ أَقَمْتَ سَنَةً ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْخَرَاجِ بِالْتِزَامِهِ ، فَإِذَا أَقَامَ بَعْدَ تَقْدِيمِ الْإِمَامِ سَنَةً صَارَ مُلْتَزِمًا مِنْ يَوْمِ أَقَامَ ، فَإِذَا تَمَّ اسْتَوْفَى مِنْهُ .

388 - 388 - إذَا قَالَ عَابِدُ الصَّنَمِ أَوْ الْوَثَنِ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، أَوْ قَالَ : أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، صَارَ بِهِ مُسْلِمًا .
وَالْكِتَابِيُّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إذَا قَالَ هَذَا لَا يَكُونُ مُسْلِمًا حَتَّى يُقِرَّ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَاءَ بِهِ ، أَوْ قَالَ : أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْيَهُودِيَّةِ .
وَالْفَرْقُ : أَنَّهُمْ لَا يُقِرُّونَ بِالْبَارِي وَلَا بِالرِّسَالَةِ ، فَإِذَا شَهِدَ بِذَلِكَ فَقَدْ شَهِدَ بِخِلَافِ مَا اعْتَقَدَهُ ، فَعُلِمَ أَنَّهُ تَرَكَ دِينَهُ فَصَارَ مُسْلِمًا .
وَأَمَّا الْكِتَابِيُّونَ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : اللَّهُ وَاحِدٌ وَمُحَمَّدٌ رَسُولُهُ ، وَلَكِنْ بَعَثَهُ إلَى الْعَرَبِ وَإِلَيْكُمْ ، وَأَمَّا إلَيْنَا فَلَا ، فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ فَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يُخَالِفُ اعْتِقَادَهُ ، فَلَمْ يَصِرْ بِهِ مُبَدِّلًا دِينَهُ ، فَلَا يَصِيرُ بِهِ مُسْلِمًا .

وَيُكْرَهُ الْجَرَسُ فِي أَعْنَاقِ الْإِبِلِ فِي دَارِ الْحَرْبِ .
وَلَا يُكْرَهُ فِي الْقَافِلَةِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ صَوْتَهُ يُؤْذِنُ بِمَكَانِ الْجَيْشِ ، وَيَدُلُّ الْعَدُوَّ عَلَى مَكَانِهِمْ ، فَفِيهِ إضْرَارٌ بِالْمُسْلِمِينَ فَكُرِهَ ذَلِكَ .
وَأَمَّا فِي الْقَافِلَةِ فَفِيهِ مَنْفَعَةٌ ؛ لِأَنَّهُ يُوقِظُ النَّائِمَ ، وَيَهْدِي الضَّالَّ ، وَلَيْسَ فِيهِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ عَلَيْهِمْ فَجَازَ .

390 - 390 - إذَا لَمْ يَقَعْ النَّفِيرُ وَلَمْ يَأْذَنْ لِلْوَلَدِ أَحَدُ أَبَوَيْهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ ، وَإِنْ وَقَعَ النَّفِيرُ وَقِيلَ : جَاءَ عَدُوٌّ إلَى قَرْيَةٍ قَرِيبَةٍ ، أَوْ قَالَ : قَدْ جَاءَكُمْ الْعَدُوُّ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَخْرُجَ بِغَيْرِ إذْنِ وَالِدَيْهِ .
وَلَوْ أَرَادَ الْخُرُوجَ إلَى سَفَرٍ أَوْ إلَى حَجٍّ ، وَلَا يَخَافُ مِنْهُ التَّلَفَ جَازَ أَنْ يَخْرُجَ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الِابْنِ مُصَاحَبَةُ الْأَبَوَيْنِ بِالْمَعْرُوفِ ، وَتَرْكُ الْأَذِيَّةِ لَهُمَا بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى : { وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا } وَهُمَا يُشْفِقَانِ عَلَيْهِ ، وَيَلْحَقُهُمَا الضَّرَرُ لِمَا يَخَافَانِ عَلَيْهِ مِنْ الْهَلَاكِ ، وَإِذَا لَمْ يَقَعْ النَّفِيرُ فَالْقِتَالُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ ، فَالِاشْتِغَالُ بِالْمُقَامِ عِنْدَهُمَا - وَهُوَ الْوَاجِبُ - أَوْلَى مِنْ الِاشْتِغَالِ بِالتَّطَوُّعِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا وَقَعَ النَّفِيرُ ؛ لِأَنَّ الْجِهَادَ تَعَيَّنَ وَافْتُرِضَ عَلَيْهِ ، وَلَا يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُهُ ، وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ وَالْقِيَامُ عَلَيْهِمَا وَاجِبٌ يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُهُ فَالِاشْتِغَالُ بِمَا لَا يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُهُ آكَدُ فَكَانَ أَوْلَى ، أَوْ نَقُولُ : فَعَدَمُ إذْنِهِمَا لَا يُسْقِطُ الْفَرْضَ الْمُتَعَيَّنَ كَالْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ ، وَأَمَّا سَائِرُ الْأَسْفَارِ إذَا لَمْ يَخَفْ مِنْهَا التَّلَفَ وَهُوَ لَمْ يُضَيِّعْ الْأَبَوَيْنِ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمَا ، وَلَمْ يُلْحِقْ بِهِمَا ضَرَرًا بِالْخَوْفِ عَلَى رُوحِهِ فَجَازَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ ، وَلِهَذَا قُلْنَا : يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ بِغَيْرِ إذْنِ أَبَوَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخَافُ عَلَيْهِ التَّلَفَ مِنْهُ .

391 - 391 - رَجُلٌ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ يُرِيدُ الْغَارَةَ ، فَكَمَنْ فِي مَكَانٌ يَنْوِي فِيهِ مُقَامَ شَهْرٍ فَهُوَ مُسَافِرٌ .
وَإِنْ اسْتَوْطَنَ مُسْلِمٌ مَدِينَةً فِي دَارِ الْحَرْبِ فَاِتَّخَذَهَا مَنْزِلًا فَإِنَّهُ يُتِمُّ صَلَاتَهُ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا دَخَلَ لِلْغَارَةِ فَهُوَ مُسَافِرٌ ، وَإِقَامَتُهُ فِي الْكَمِينِ إقَامَةٌ لِانْتِظَارِ الْكُفَّارِ وَقَضَاءِ الْحَاجَةِ ، وَانْتِهَازِ الْفُرْصَةِ ، فَصَارَ كَالْمُسَافِرِ يُقِيمُ فِي بَلَدٍ أَيَّامًا مُنْتَظِرًا لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فَلَا يَبْطُلُ حُكْمُ ذَلِكَ السَّفَرِ كَذَا هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا اسْتَوْطَنَ بَلَدَهُ ؛ لِأَنَّهُ مُقِيمٌ فِيهَا قَبْلَ الطَّلَبِ ، فَإِذَا اخْتَفَى فَهُوَ بَاقٍ عَلَى إقَامَتِهِ لِانْتِظَارِ حَاجَتِهِ ، فَصَارَ كَمُقِيمٍ فِي بَلَدِهِ يَنْتَظِرُ قَضَاءَ حَاجَتِهِ ، وَهُوَ عَلَى عَزْمِ السَّفَرِ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُقِيمِينَ ، كَذَلِكَ هَذَا .

392 - 392 - عَسْكَرٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ دَخَلُوا دَارَ الْحَرْبِ ، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ أَسِيرٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَعَهُ امْرَأَةٌ ، فَقَالَ : جِئْتُ بِهَا قَاهِرًا ، وَقَالَتْ هِيَ : جِئْتُ مُسْتَأْمَنَةً ، فَإِنْ رَبَطَهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ .
وَإِنْ كَانَتْ تَمْشِي مَعَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا رَبَطَهَا فَهِيَ تَحْتَ قَهْرِهِ ، فَصَارَ يَدَّعِي عَلَيْهَا الْقَهْرَ وَالظَّاهِرُ مَعَهُ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ .
وَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً تَمْشِي فَهِيَ فِي يَدِ نَفْسِهَا فَهُوَ يَدَّعِي عَلَيْهَا الْقَهْرَ ، وَالْيَدُ لَهَا وَهِيَ تُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا .

393 - 393 - إذَا نَقَضَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ الْعَهْدَ ، وَغَلَبُوا عَلَى بَلْدَةٍ فَالْحُكْمُ فِيهِمْ كَالْحُكْمِ فِي الْمُرْتَدِّينَ فِي قِسْمَةِ أَمْوَالِهِمْ بَيْنَ وَرَثَتِهِمْ ، إلَّا أَنَّهُمْ يُسْتَرَقُّونَ وَيُسْتَبْقَوْنَ بِالْجِزْيَةِ ، بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّينَ .
وَجْهُ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمْ أَنَّهُمْ بِنَقْضِ الْعَهْدِ وَالتَّحَرُّزِ بِالدَّارِ تَرَكُوا مَا بِهِ عِصْمَةَ دَمِهِمْ ، فَصَارَ حُكْمُهُمْ حُكْمَ الْمُسْلِمِ إذَا ارْتَدَّ وَغَلَبَ عَلَى دَارٍ قُسِّمَ مَالُهُ وَيُحَارَبُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَالْفَرْقُ فِي الِاسْتِرْقَاقِ وَأَخْذِ الْجِزْيَةِ أَنَّهُمْ بِنَقْضِ الْعَهْدِ عَادُوا إلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْأَصْلِ ، فَصَارُوا كَالْحَرْبِيِّ الْأَصْلِيِّ ، وَالْحَرْبِيُّ الْأَصْلِيُّ يُسْتَرَقُّ وَيُسْتَبْقَى بِالْجِزْيَةِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُرْتَدُّ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعُدْ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي الْأَصْلِ وَبَقِيَ عَلَى الرِّدَّةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ لَمْ يَطْلُبْ الْأَمَانَ ، وَلَوْ لَمْ يَطْلُبْ لَمْ يَجُزْ اسْتِبْقَاؤُهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَإِذَا لَمْ يَجُزْ اسْتِبْقَاؤُهُ بِالْجِزْيَةِ وَالْمَالِ لَمْ يَجُزْ اسْتِبْقَاؤُهُ مَجَّانًا فَقُتِلَ .

فَصْل 394 - سَرِيَّتَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْتَقَتَا فَظَنَّتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ أَنَّ الْأُخْرَى سَرِيَّةُ الْمُشْرِكِينَ فَاقْتَتَلُوا فَلَمْ يَخْلُوا عَنْ قَتْلَى وَجِرَاحَاتٍ فَلَا دِيَةَ فِي ذَلِكَ وَلَا كَفَّارَةَ .
وَلَوْ قَتَلَ مُسْلِمٌ مُسْلِمًا ظَنَّ أَنَّهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ، أَوْ رَمَى إلَى الْكَافِرِ فَرَجَعَ السَّهْمُ وَأَصَابَ مُسْلِمًا فَقَتَلَهُ فَفِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ ، وَالْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ وَالْفَرْقُ أَنَّهُمَا اقْتَتَلَا عَلَى تَأْوِيلٍ ، وَاتَّصَلَ قَتْلُهُمَا بِالْمُحَارَبَةِ ، فَجَازَ أَلَّا يَتَعَلَّقَ وُجُوبُ الضَّمَانِ وَالْكَفَّارَةِ كَالْبَاغِي وَالْعَادِلِ إذَا اقْتَتَلَا لَا يَجِبُ عَلَى الْبَاغِي الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ فِي حَالِ الْقِتَالِ ، كَذَا هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَ وَحْدَهُ ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَمْ يَتَّصِلْ بِالْمُحَارَبَةِ فَصَارَ كَرَجُلٍ أَوْ رَجُلَيْنِ خَرَجَا عَلَى الْإِمَامِ ، وَقَتَلَا رَجُلًا عَادِلًا فِي غَيْرِ الْحَرْبِ ، وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ ، كَذَلِكَ هَذَا ، وَإِذَا تَعَلَّقَتْ الدِّيَةُ بِالْقَتْلِ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ كَالْخَاطِئِ .

394 - 394 - وَيُكْرَهُ لِلْعَادِلِ قَتْلُ أَخِيهِ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ فِي الْحَرْبِ ، وَكَذَلِكَ قَتْلُ خَالِهِ وَعَمِّهِ .
وَلَا يُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ قَتْلُ هَؤُلَاءِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فِي الْحَرْبِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ بَغْيَهُ لَمْ يَقْطَعْ الصِّلَةَ بَيْنَهُمَا ، فَلَا يَجُوزُ قَطْعُهُ ، بِدَلِيلِ أَنَّ التَّوَارُثَ يَجْرِي بَيْنَهُمَا ، وَوُجُوبُ النَّفَقَةِ وَالْوِلَايَةِ وَالْقَتْلِ يَقْطَعُ الصِّلَةَ بَيْنَهُمَا فَلَا يَجُوزُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْكَافِرُ ؛ لِأَنَّ كُفْرَهُ قَطَعَ الصِّلَةَ بَيْنَهُمَا ، بِدَلِيلِ مَا بَيَّنَّا وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ وَلَا وِلَايَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ ، وَلَا يَجْرِي التَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا وَالْقَتْلُ يُوجِبُ قَطْعَ الصِّلَةِ بَيْنَهُمَا ، وَلَا صِلَةَ بَيْنَهُمَا فَحَلَّ لَهُ قَتْلُهُ كَالْأَجْنَبِيِّ .

396 - 396 - عِشْرُونَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ خَرَجُوا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ بِغَيْرِ أَمَانٌ ، فَطُلِبُوا فَلَحَقُوا إلَى قَرْيَةٍ فِيهَا عِشْرُونَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ ، فَلَمْ يُعْرَفُوا وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ ، فَلَا سَبِيلَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ .
وَلَوْ دَخَلَ عَشَرَةٌ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي حِصْنٍ لِأَهْلِ الْحَرْبِ فَظُهِرَ عَلَى أَهْلِ الْحِصْنِ فَلَمْ يُعْرَفْ الْعَشَرَةُ ، وَقَدْ أَحَاطَ الْعِلْمُ بِأَنَّهُمْ فِيهِمْ ، فَهُمْ كُلُّهُمْ فَيْءٌ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى تَيَقُّنًا بِحَظْرِ سَبْيِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ ، وَشَكَكْنَا فِي الْإِبَاحَةِ فَلَا يَثْبُتُ الْحَقُّ فِي رِقَابِهِمْ بِالشَّكِّ ، كَكُفَّارٍ دَخَلُوا دَارَ الْإِسْلَامِ وَلَا يُعْرَفُونَ لَمْ يَسْعَ قِتَالَ الْكُلِّ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ تَيَقَّنَّا بِإِبَاحَةِ سَبْيِ أَهْلِ الْحِصْنِ وَشَكَكْنَا فِي الْحَظْرِ فَلَا نَدَعُ الْيَقِينَ بِالشَّكِّ ؛ كَمُسْلِمٍ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ وَسِعَ الْمُسْلِمِينَ قِتَالُهُمْ ، وَإِنْ عَلِمُوا بِأَنَّ فِيهِمْ الْمُسْلِمَ كَذَلِكَ هَذَا .

397 - 397 - رَجُلٌ غَصَبَ عَبْدًا مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ، ثُمَّ ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْغَاصِبِ فَقَتَلُوا ، وَغَنِمُوا ذَلِكَ الْعَبْدَ فَهُوَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ يَأْخُذُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ .
وَلَوْ لَحِقَ مُرْتَدٌّ بِالدَّارِ ثُمَّ غَصَبَ شَيْئًا مِنْ مُسْلِمٍ ، فَظَهَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَأَخَذُوهُ مِنْهُ فَإِنْ وَجَدَهُ صَاحِبُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَخَذَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَإِنْ وَجَدَهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَخَذَهُ بِالْقِيمَةِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا غُصِبَ قَبْلَ اللُّحُوقِ وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا وَيَدُ الْإِمَامِ ثَابِتَةٌ عَلَيْهِ ، فَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ بِلُحُوقِهِ بِالدَّارِ ، كَمَا لَوْ اسْتَقْرَضَ شَيْئًا مِنْهُ ثُمَّ ارْتَدَّ ، وَإِذَا لَمْ يَسْقُطْ الضَّمَانُ عَنْهُ بِاللُّحُوقِ لَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّ صَاحِبِهِ عَنْهُ وَلَمْ يَزَلْ مِلْكَهُ ، فَيَجِبُ أَنْ يُرَدَّ عَلَيْهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا غَصَبَهُ بَعْدَ اللُّحُوقِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا وَلَمْ يَلْتَزِمْ حُكْمَنَا ، فَلَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ وَلَا الرَّدُّ عَلَيْهِ ، فَصَارَ هَذَا كَافِرًا أَحْرَزَ مَالَ مُسْلِمٍ بِدَارِ الْحَرْبِ فَمَلَكَهُ ، فَكَانَ مَالِكُهُ أَحَقَّ بِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَيَأْخُذُهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ ، وَبَعْدَ الْقِسْمَةِ يَأْخُذُهُ بِالْقِيمَةِ .
وَلِهَذَا الْمَعْنَى قُلْنَا : إنَّهُ لَوْ ارْتَدَّ ثُمَّ غَصَبَ ثُمَّ لَحِقَ بِالدَّارِ ثُمَّ غَصَبَهُ مِنْهُ غَاصِبٌ آخَرُ ثُمَّ غَنِمَ الْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ الشَّيْءَ فَهُوَ فَيْءٌ ، وَيَأْخُذُهُ بِالْقِيمَةِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَقَبْلَهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا عَلَى الْغَاصِبِ الثَّانِي حِينَ أَخَذَ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ فِي دَارِ الْحَرْبِ حَيْثُ لَا يَدَ لِلْإِمَامِ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ حُكْمُ دَارِنَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ ارْتَدَّ ثُمَّ غَصَبَ ثُمَّ لَحِقَ بِالدَّارِ ثُمَّ لَحِقَهُ صَاحِبُهُ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ ثُمَّ غَصَبَهُ ثَانِيًا فَهُوَ لِلْغَاصِبِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا رَدَّهُ عَلَيْهِ زَالَ الضَّمَانُ ، وَالْغَصْبُ الثَّانِي لَمْ

يُوجِبْ ضَمَانًا .

فَصْلٌ 398 - إذَا اشْتَرَى الْمُسْتَأْمَنُ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ ، وَصَارَ ذِمِّيًّا وَلَوْ مَرَّ عَلَى الْعَاشِرِ بِمَالٍ فَأَخَذَ مِنْهُ الْعُشْرَ لَمْ يَصِرْ ذِمِّيًّا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْخَرَاجَ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْحُقُوقِ الَّتِي تَجِبُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ ، فَصَارَ الْحُكْمُ بِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ حُكْمًا بِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ ، وَصَارَ مُلْتَزِمًا حُكْمَ الذِّمَّةِ فَأُلْزِمَ حُكْمَهُ ، وَصَارَ ذِمِّيًّا كَمَا لَوْ قَبِلَ الْجِزْيَةَ .
وَالْعُشْرُ لَا يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ يُؤْخَذُ مِنْهُ نِصْفُ الْعُشْرِ وَمَنْ الْحَرْبِيِّ يُؤْخَذُ الْعُشْرُ كَامِلًا ، وَإِنْ زَادُوا فِي الْأَخْذِ مِنَّا زِدْنَا فَلَمْ يَكُنْ بِالْتِزَامِهِ مُلْتَزِمًا حُكْمَ الذِّمَّةِ ، فَلَمْ يَصِرْ ذِمِّيًّا .
وَلِأَنَّ الْخَرَاجَ لَا يَجِبُ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً ، وَالْمُسْتَأْمَنُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ دَارِنَا سَنَةً كَامِلَةً فَإِذَا الْتَزَمَ أَدَاءَ الْخَرَاجِ وَأَدَّاهُ فَقَدْ الْتَزَمَ الْمَقَامَ سَنَةً كَامِلَةً ، فَصَارَ ذِمِّيًّا .
وَأَمَّا عُشْرُ الْمَالِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْحَوْلُ ، فَلَمْ يَكُنْ بِالْتِزَامِهِ مُلْتَزِمًا الْمُكْثَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ سَنَةً ، وَإِذَا لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ حُكْمُ الْمُكْثِ فِي دَارِنَا سَنَةً لَمْ يَصِرْ ذِمِّيًّا .

399 - 399 - إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ ، قَدْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ أَصَابُوهَا مِنْ مُسْلِمٍ فَوَلَدَتْ ، فَقُتِلَ الْوَلَدُ وَأَخَذَ الْمُشْتَرِي أَرْشَهُ لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِهَا أَنْ يَأْخُذَ الْأَرْشَ ، وَلَكِنْ يَأْخُذُ الْأُمَّ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ .
وَبِمِثْلِهِ لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَلَدَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ ، فَقُتِلَ الْوَلَدُ وَأَخَذَ الْبَائِعُ أَرْشَهُ ، أَوْ قَتَلَهُ الْبَائِعُ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَ الْأُمُّ بِحِصَّتِهَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى لَا يَثْبُتُ فِي بَدَلِ الْأُمِّ ، وَلَا فِي بَدَلِ الْوَلَدِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَوْ انْتَقَلَا إلَى الْبَدَلِ بِأَنْ قُتِلَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلَى عَلَى الْقِيمَةِ سَبِيلٌ ، فَلَوْ قَسَّمْنَا الثَّمَنَ بَيْنَهُمَا لَجَعَلْنَا لَهُ حَقًّا فِي الْبَدَلِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، فَصَارَ كَأَنَّ الْوَلَدَ لَمْ يَكُنْ ، فَيَأْخُذُ الْأُمَّ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلَدُ الْمَبِيعِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُشْتَرِي ثَبَتَ فِي الْبَدَلِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْأُمَّ لَوْ انْتَقَلَتْ إلَى الْبَدَلِ بِقَتْلٍ أَوْ غَصْبٍ ثَبَتَ حَقُّهُ فِيهِ ، فَصَارَ كَأَنَّ الْوَلَدَ بَاقٍ لِحَالِهِ فَقُتِلَ كَانَ لَهُ حِصَّةٌ كَذَلِكَ هَذَا جَازَ أَنْ يُقَسَّمَ عَلَيْهِ .

وَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مِنْ الْكُفَّارِ فَقَأَ عَيْنَ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَاةِ ثُمَّ قَبَضَهَا صَاحِبُهَا ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ .
وَلَوْ أَنَّ الْبَائِعَ فَقَأَ عَيْنَ الْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ ثُمَّ جَاءَ الْمُشْتَرِي أَخَذَهَا بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ جِنَايَةَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْكُفَّارِ صَادَفَتْ مِلْكَ نَفْسِهِ ، وَجِنَايَتَهُ عَلَى مِلْكِهِ لَا تُوجِبُ ضَمَانًا عَلَيْهِ ، فَقَدْ فَاتَ بِمَعْنًى لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ مَاتَ الْوَلَدُ وَبَقِيَتْ الْأُمُّ أَخَذَ الْأُمَّ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْجَارِيَةُ الْمَبِيعَةُ ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ صَادَفَتْ مِلْكَ غَيْرِهِ ، وَهُوَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي ، وَجِنَايَتُهُ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ تُوجِبُ الضَّمَانَ ، فَقَدْ فَاتَ بَعْضَ الْمَبِيعِ بِمَعْنًى مُوجِبٍ لِلضَّمَانِ ، وَصَارَ كَأَنَّهُ حَبَسَهُ ، فَلَوْ حَبَسَهُ وَلَمْ يُسَلِّمْهُ سَقَطَتْ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ ، كَذَلِكَ هَذَا .

401 - 401 - إذَا أَجَّرَ عَبْدَهُ ثُمَّ غَلَبَ عَلَيْهِ الْكُفَّارُ وَأَخَذُوهُ ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ صَاحِبُهُ مِنْهُمْ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ لَمْ تَعُدْ الْإِجَارَةُ ، وَبَطَلَتْ .
وَلَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ ثُمَّ غَلَبَ عَلَيْهَا الْعَدُوُّ ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُمْ عَادَ النِّكَاحُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَسْرَ يُوجِبُ زَوَالَ الْمِلْكِ ، وَزَوَالُ مِلْكِ الْمَوْلَى يُوجِبُ بُطْلَانَ الْإِجَارَةِ ، كَمَا لَوْ بَاعَهَا بِرِضَا الْمُسْتَأْجِرِ .
وَزَوَالُ مِلْكِهِ عَنْ الْمَنْكُوحَةِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ النِّكَاحِ ، كَمَا لَوْ بَاعَهَا .

كِتَابُ الِاسْتِحْسَانِ وَالتَّحَرِّي وَالْإِبَاقِ - مَا يَجُوزُ لِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَوْضِعِ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ مِنْ الْحُرَّةِ ، وَهُوَ الْوَجْهُ وَالْكَفُّ ، لَا يَجُوزُ لَهُ مَسُّهُ .
وَمَا جَازَ لِلْأَجْنَبِيِّ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ الْأَمَةِ ، وَهِيَ الزِّينَةُ الْبَاطِنَةُ جَازَ لَهُ مَسُّهُ .
وَمَا يَجُوزُ لِذَوِي الْأَرْحَامِ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ مَوْضِعِ الزِّينَةِ الْبَاطِنَةِ ، وَهُوَ رَأْسُهَا وَصَدْرُهَا وَيَدُهَا وَعَضُدُهَا وَسَاقُهَا يَجُوزُ لَهُ مَسُّهَا .
الْفَرْقُ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ } يُوجِبُ أَلَّا يَجُوزَ لِلْأَجْنَبِيِّ النَّظَرُ إلَيْهَا أَصْلًا ، إلَّا أَنَّ الضَّرُورَةَ أَوْجَبَتْ إبَاحَةَ النَّظَرِ إلَى الْوَجْهِ وَالْكَفِّ ، وَهِيَ حَاجَةُ النَّاسِ إلَى مُبَايَعَتِهَا وَالتَّنَاوُلِ مِنْهَا ، وَتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ ، فَجَوَّزْنَاهُ لِلضَّرُورَةِ ، وَلَا ضَرُورَةَ بِنَا إلَى اللَّمْسِ فَلَا يَجُوزُ .
وَالضَّرُورَةُ دَاعِيَةٌ لِلْأَجْنَبِيِّ إلَى النَّظَرِ إلَى الْأَمَةِ وَمَسِّهَا عِنْدَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ ، لِيَعْرِفَ حَالَهَا فَجَوَّزْنَا ذَلِكَ لِوُجُودِ الضَّرُورَةِ فِي الْحَالَيْنِ ، وَأَمَّا فِي الْمَحَارِمِ فَالضَّرُورَةُ أَيْضًا دَاعِيَةٌ إلَى اللَّمْسِ كَمَا أَنَّهَا دَاعِيَةٌ إلَى النَّظَرِ ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى الْمُسَافَرَةِ مَعَ ذَوِي الْأَرْحَامِ ، فَتَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُنْزِلَهَا وَيُرْكِبَهَا ، وَتَحْتَاجُ الْأُمُّ إلَى أَنْ يَخْدُمَهَا وَلَدُهَا ، وَيُدَلِّكَ بَدَنَهَا ، وَيَدْهِنَ رَأْسَهَا ، وَيُقَبِّلَهَا لِلشَّفَقَةِ عَلَيْهَا ، كَمَا جَوَّزْنَا النَّظَرَ جَوَّزْنَا اللَّمْسَ لِوُجُودِ الضَّرُورَةِ فِي الْحَالَيْنِ .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5