كتاب : أصول البزدوي
المؤلف : علي بن محمد البزدوي الحنفيى

الماء ونجاسته ولهذا الأصل لم تقبل شهادة الواحد بالرضاع في النكاح وفي ملك اليمين وبالحرية لما فيه من الزام حق العباد ولهذا لم يقبل خبر الواحد العدل في موضع المنازعة لحاجتنا إلى الزام وقبلنا في موضع المسالمة وعلى ذلك بنى محمد مسايل في اخر كتاب الاستحسان مثل خبر الرجل أن فلانا كان غصب مني هذا العبد فاخذته منه لم يقبل ولو قال تاب فرده على قبل خبره ولهذا قبلنا خبر الفاسق في إثبات الآذن للعبد ولهذا قلنا خبر المخبر في الرضاع الطارئ على النكاح أو الموت أو الطلاق إذا اراد الزوج أن ينكح اختها أو ارادت المرأة نكاح زوج اخر لانه مجوز غير ملزم وامثلته اكثر من أن يحصى والشهادة بهلال رمضان من هذا القسم واما القسم الخامس فمثل عزل الوكيل وحجر المأذون ووقوع العلم للبكر البالغة بانكاح وليها إذا سكتت ووقوع العلم بفسخ الشركة والمضاربة ووجوب الشرايع على المسلم الذي لم يهاجر ففي هذا كله إذا كان المبلغ وكيلا أو رسولا ممن اليه الابلاغ لم يشترط فيه العدالة لانه قائم مقام غيره وإذا اخبره فضولي بنفسه مبتديا فان ابا حنيفة قال لا يقبل فيه الا خبر الواحد العدل وفي الاثنين كذل عند بعضهم وقال بعضهم لا يشترط العدالة في المثنى ولفظ الكتاب في الاثنين محتمل قال حتى يخبره رجل واحد عدل أو رجلان ولم يشترط العدالة فيهما نصا ويحتمل أن يشترط سائر شرائط الشهادة إلا العدد عند أبي حنيفة رحمه الله أو العدد ما سائر الشرائط غير العدالة فلا يقبل خبر العبد والصبي و المرأة فأما عندهما فان الكل سواء لانه من باب المعاملات ولكن ابا حنيفة رحمه الله قال انه من جنس الحقوق اللازمة لانه يلزمه حكما بالعزل والحجر فيلزمه فيه العهدة من لزوم عقد أو فساد عمل ومن وجه يشبه سائر المعاملات لان الذي يفسخ يتصرف في حقه كما يتصرف في حقه بالاطلاق فشرطنا فيه العدد أو العدالة لكونها بين المنزلتين بخلاف المخبر إذا كان رسولا لما قلنا وفي شرط المثنى من غير عدالة على ما قله بعض مشايخنا فائدة لتوكيد الحجة والعدد اثر في التوكيد بلا اشكال والله اعلم والتزكية من القسم الرابع عند أبي حنفية وأبي يوسف رحمهما الله وقال محمد هو من جنس القسم الثالث على ما عرف والله اعلم

باب بيان القسم الرابع من اقسام السنة
وهو الخبر لهذا الباب قسمان قسم رجع إلى نفس الخبر وقسم رجع إلى معناه فأما نفس الخبر

فله طرفان طرف السامع وطرف المبلغ وكل واحد منهما على قسمين عزيمة ورخصة إما الطرف الذي هو طرف السامع فان العزيمة في ذلك ما يكون من جنس الاسماع الذي لا شبهة فيه والرخصة ما ليس فيه اسماع إما الاسماع الذي هو عزيمة فاربعة اقسام قسامان في نهاية العزيمة و أحدهما احق من صاحبه وقسمان اخران يخلفان القسمين الأولين هما من باب العزيمة ايضا لكن على سبيل الخلافة فصار لهما شبه بالرخصة إما القسمان الاولان فما يقرأه عليك من كتاب أو حفظ وانت تسمعه وما تقرأ عليه من كتاب أو حفظ وهو يسمع فتقول له اهو كما قرأت عليك فيقول نعم قال عامة أهل الحديث أن القسم الأول على المنزلتين إلا ترى إنها طريقة الرسول عليه السلام وهو المطلق من الحديث المشافهة وقال أبو حنيفة أن ذلك كان احق من رسول الله عليه السلام لانه كان مأمونا عن السهو وما كان يكتب وكلامنا فيمن يجري عليه السهو ويقرأ من المكتوب دون المحفوظ وهما في المشافهة سواء لان اللغة لا يفصل بين بيان المتكلم بنفسه وبين أن يقرأ عليه فيستفهم فيقول نعم إلا ترى انهما سواء في اداء الشهادات وهذا لان نعم كلمة وضعت للاعادة اختصارا على ما مر والمختصر لغة مثل المشبع سواء وما قلناه احوط لان رعاية الطالب اشد عادة وطبيعة فلا يؤمن على الذي يقرأ الغلط ويؤمن الطالب في مثله فأنت على قرأتك اشد اعتمادا منك على قراءته وانما يبقى احتمال الغفلة منه عن ما قرأته عليه وهذا اهون من ترك شيء من المتن أو السند حتى أن الرواية إذا كانت عن حفظ كان ذلك الوجه احق كما قلتم واما الوجهان الآخران فاحدهما الكتاب والثاني الرسالة إما الكتاب فعلى رسم الكتب ويقول فيه حدثنا فلان إلى أن يذكر متن الحديث ثم يقول فإذا بلغك كتابي هذا وفهمته فحدث به عني لهذا الاسناد وهذا من الغائب مثل الخطاب إلا ترى أن الرسول صلى الله عليه و سلم كان يرى الكتاب تبليغا يقوم به الحجة وكتاب الله تعالى اصل الدين وكذلك الرسالة على هذا الوجه إلا ترى أن تبليغ الرسول عليه السلام كان الارسال ايضا وذلك بعد أن يثبتنا بالحجة والمختار في القسمين الأولين أن يقول السامع حدثنا لان ذلك يستعمل في المشافهة قال في الزيادات فيمن قال أن كلمت فلانا أو حدثت به انه يقع على المكالمة مشافهة وفي القسمين الآخرين المختار أن يقول اخبرنا لان الكتاب والرسالة ليسا بمشافهة إلا ترى انا نقول اخبرنا الله وانبأنا ونبأنا بالكتاب والرسالة ولا نقول

حدثنا ولا كلمنا إنما ذلك خاص لموسى صلوات الله عليه قال الله تعالى وكلم الله موسى تكليما ولهذا قلنا فيمن حلف لا يحدث بكذا ولا يكلم به انه لا يحنث بالكتاب والرسالة بخلاف ما حلف لا يخبر بكذا أن يحنث بذلك واما الرخصة فما الاسماع فيه وهو الاجازة والمناولة وكل ذلك على وجهين إما أن يكون المجاز له عالما بما في الكتاب أو جاهلا به فان كان عالما به قد نظر فيه وفهم ما فيه فقال له المجيز أن فلانا قد حدثنا بما في هذا الكتاب على ما فهمته باسانيده هذه فأنا أحدثك منه واجزت لك الحديث به فيصح الاجازة على هذا الوجه إذا كان المستجيز مأمونا بالضبط والفهم ثم المستحب في ذلك أن يقول اجاز لي فلان ويجوز أن يقول حدثني أو اخبرني والاولى أن يقول اجاز لي ويجوز اخبرني لان ذلك دون المشافهة وإذا لم يعلم بما فيه بطلت الاجازة عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وصح في قياس قول أبي يوسف رحمه الله واصل ذلك في كتاب القاضي إلى القاضي والرسائل أن علم ما فيهما شرط لصحة الاشهاد عندهما خلافا لأبي يوسف وانما جوز ذلك أبو يوسف فيما كان من باب الاسرار في العادة حتى لا يجوز في الصكوك وكذلك المناولة مع الاجازة مثل الاجازة المفردة سواء فيحتمل أن لا يجوز في هذا الباب ويحتمل الجواز بالضرورة وانما يجوز عنده إذا أمن الزيادة والنقصان والاحوط قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله ويحتمل أن يكون قول أبي يوسف مثله ايضا لان السنة اصل في الدين وامرها عظيم وخطبها جسيم وفي تصحيح الاجازة من غير علم ومعرفة رفع الابتلاء وحسم لباب المجاهدة وفتح لباب التقصير والبدعة وإنما ذلك نظير سماع الصبي الذي ليس من أهل التحمل و ذلك أمر يتبرك به لا طريق تقوم به الحجة فكذلك ههنا واما من جلس مجلس السماع وهو يشتغل عنه بنظر في كتاب غير الذي يقرأ أو يخط بقلم أو يعرض عنه بلهو ولعب أو يغفل عنه بنوم وكسل فلا ضبط له ولا امانة وتخاف عليه أن يحرم حظة و العياذ بالله ولا يقوم الحجة بمثله ولا يتصل الاسناد بخبره إلا ما يقع من ضرورة فانه عفو وصاحبه معذور وإذا صح السماع وجب الحفظ إلى وقت الاداء وذلك نوعان ايضا تام وما دونه عند المقابلة فالأول عزيمة مطلقة والثاني رخصة انقلبت عزيمة إما الأول فالحفظ من غير واسطة الخط وهذا فصل خص به رسول الله عليه السلام لقوة نور القلب استغنى عن الخط وكانوا لا يكتبون من قبل ثم صارت الكتابة سنة في الكتاب والحديث صيانة للعلم لفقد العصمة من النسيان

وهذا باب الكتابة والخط
وهذا يتصل بما سبق ذكره من باب الضبط وهو نوعان ما يكون مذكرا وهو الأصل الذي انقلب عزيمة و ما يكون إماما لا يفيد تذكره إما الذي يكون مذكرا فهو حجة سواء كان خطه أو خط رجل معروف أو مجهول لان المقصود هو الذكر والاحتراز عن النسيان غير ممكن وانما كان دوام الحفظ لرسول الله عليه السلام مع قوله تعالى سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله واما إذا كان الخط إماما لا يذكره شيئا فان ابا حنيفة كان يقول لا يحل الرواية بمثله بحال لان الخط للقلب بمنزلة المرأة للعين والمرأة إذا لم تفد للعين دركا كان عدما فالخط إذا لم يفد للقلب ذكرا كان هدرا وانما يدخل الخط في ثلاثة فصول فيما يجب القاضي في ديوانه مما لا يذكره وما يكون في السنن والاحاديث وما يكون في الصكوك وروى بشر بن الوليد عن أبي حنيفة رحمهما الله عن أبي يوسف انه لم يعمل به في ذلك كله وروى عن أبي يوسف انه يعمل به في ديوان القاضي وروى ابن رستم عن محمد انه يعمل بالخط في الكل والعزيمة في هذا كله ما قاله أبو حنيفة ولهذا قلت رواياته والرخصة فيما قالا فصارت الكتابة للحفظ عزيمة وبلا حفظ رخصة والعزيمة نوع واحد والرخصة أنواع ما يكون بخط موثقا بيده لا يحتمل تبديلا كذلك ما يوجد بخط معروف لرجل ثقة موثق بيده وما يكون بخط مجهول وذلك كله ثلاثة أنواع في الحديث والصكوك وديوان القاضي إما أبو يوسف فقد عمل به في ديوان القاضي إذا كان تحت يده للامن عن التزوير وعمل به في الاحاديث أن كان لهذا الشرط واما إذا لم يكن في يده لم يحل العمل به في الديوان لان التزوير في بابه غالب لما يتصل بالمظالم وحقوق الناس واما في باب الحديث فان العمل به جايز إذا كان خطا معروفا يخاف عليه التبديل في غالب العادة ويؤمن فيه الغلط لان التبديل فيه غير متعارف والمحفوظ بيد الأمبين مثل المحفوظ بيده واما في الصكوك فلا يحل العمل به لانه تحت يد الخصم إلا أن يكون في يد الشاهد وكذلك قول محمد رحمه الله إلا في الصكوك فانه جوز العمل به وان لم يكن في يده استحسانا توسعة على الناس إذا احاط علما بأنه خطة ولم يلحقه شك وشبهة والغلط في الخط نادر بقي فصل وهو ما يحدث بخاطبيه أو خط رجل معروف في كتاب معروف فيجوز ان تقول وجدت بخط أبي أو بخط فلان لا يزيد عليه فأما الخط المجهول فعلى وجهين إما أن يكون مفردا وذلك باطل واما أن يكون مضمونا إلى جماعة

لا يتوهم التزوير في مثله والنسبة تامة يقع بها التعريف فيكون كالمعروف والله اعلم واما طرف التبليغ فقسمان ايضا عزيمة ورخصة إما العزيمة فالتمسك باللفظ المسموع واما الرخصة فالنقل إلى اللفظ يختار الناقل وهذا

باب شرط نقل المتون
قال بعض أهل الحديث لا رخصة في هذا الباب واظنه اختيار ثعلب من ائمة اللغة قالوا الان أن النبي صلى الله عليه و سلم قال نضر الله أمرا سمع مني مقالة فوعاها واداها كما سمعها ولانه صلى الله عليه و سلم مخصوص بجوامع الكلم سابق في الفصاحة والبيان فلا يؤمن في النقل التبديل والتحريف وقال عامة العلماء لا بأس بذلك في الجملة رخصة لاتفاق الصحابة على قولهم امرنا رسول الله عليه السلام بكذا ونهانا عن كذا ومعروف عن ابن مسعود وغيره قال رسول الله عليه السلام كذا أو نحوا منه أو قريبا منه وفي تفصيل الرخصة جواب عما قال وهذا لان النظم من السنة غير معجز وانما النظم لمعناه بخلاف القرآن والسنة في هذا الباب أنواع ما يكون محكما لا يشتبه معناه ولا يحتمل غير ما وضع له ظاهر يحتمل غير ما ظهر من معناه من عام يحتمل الخصوص أو حقيقة يحتمل المجاز ومشكل أو مشترك لا يعمل به إلا بتأويل ومجمل أو متشابه وقد يكون من جوامع الكلم التي اختص بها رسول الله عليه السلام قال عليه السلام فيما يحكي من اختصاصه واوتيت جوامع الكلم فهي خمسة اقسام إما الأول فلا بأس لمن له بصر بوجوه اللغة أن ينقله إلى لفظ يؤدي معناه لانه إذا كان محكما مفسرا أمن فيه الغلط على أهل العلم بوجوه اللغة فثبت النقل رخصة وتيسيرا وقد ثبت في كتاب الله ضرب من الرخصة مع أن النظم معجز قال النبي صلى الله عليه و سلم انزل القرآن على سبعة احرف وانما ثبت ذلك ببركة دعوة النبي عليه السلام غير أن ذلك رخصة اسقاط وهذه رخصة تخفيف وتيسير مع قيام الأصل على نحو ما مر تقسيمه في باب العزيمة والرخصة واما القسم الثاني فلا رخصة فيه إلا لمن حوى إلى علم اللغة فقه الشريعة والعلم بطريق الاجتهاد لانه إذا لم يكن كذلك لا يؤمن عليه أن ينقله إلى ما لا يحتمل ما احتمله اللفظ المنقول من خصوص أو مجاز ولعل المحتمل هو المراد ولعله يزيده عموما فيخل بمعانيه فقها وشريعة واما القسم الثالث فلا يخل فيه النقل لانه لا يفهم معناه إلا بتأويل وتأويله على غيره ليس بحجة واما

الرابع فلا يتصور فيه النقل لما مر أن المجمل ما لا يفهم مراده إلا بالتفسير والمتشابه ما انسد علينا باب دركه وابتلينا بالكف عنه واما الخامس فإنه لا يؤمن فيه الغلط لإحاطة الجوامع بمعان قد يقصر عنها عقول ذوي الألباب وكل مكلف بما في وسعه وذلك مثل قول النبي عليه السلام الخراج بالضمان وذلك أكثر من أن يحصي ويعد ومن مشايخنا من لم يفصل بين الجوامع وغيرها لكن هذا أحوط في الوجهين عندنا والله اعلم بالصواب

باب تقسيم الخبر من طريق المعنى
وهو خمسة أقسام ما هو صدق لا شبهة فيه وهو خبر الرسول عليه السلام وذلك هو المتواتر منه وقسم فيه شبهة وهو المشهور وقسم محتمل ترجح جانب صدقه وهو ما مر من أخبار الآحاد وقسم محتمل عارض دليل رجحان الصدق منه ما أوجب وقفه فلم يقم به الحجة وذلك مثل ما سبق من أنواع ما يسقط به خبر الواحد والقسم الخامس الخبر المطعون الذي رده السلف وأنكروه وهذا القسم نوعان نوع لحقه الطعن والنكير من راوي الحديث ونوع آخر ما لحقه ذلك من جهة غير الراوي وهذا
باب ما يلحقه النكير من قبل الراوي
ولهذا النوع أربعة أقسام ما انكره صريحا والثاني أن يعمل بخلافه قبل أن يبلغه أو بعد ما بلغه أو لا يعرف تاريخه والقسم الثالث أن يعين بعض ما احتمله الحديث من تأويل أو تخصيص والرابع أن يمتنع عن العمل به إما إذا أنكر المروي عنه الرواية فقد اختلف فيه السلف فقال بعضهم لا يسقط العمل به وقال بعضهم ليسقط العمل به وهذا أشبه وقد قيل أن قول أبي يوسف أن يسقط الاحتجاج به وقال محمد رحمه الله لا يسقط وهو فرع اختلافهما في شاهدين شهدا على القاضي بقضية وهو لا يذكرها فقال أبو يوسف رحمه الله لا تقبل وقال محمد تقبل أما من قبله فقد احتج بما روى في حديث ذي اليدين أن النبي عليه السلام لم يقبل خبره حيث قال أقصرت الصلاة أم نسيتها فقال كل ذلك لم يكن فقد قال بعض ذلك قد كان وقال لأبي بكر وعمر أحق ما يقول ذو اليدين فقالا نعم فقبل شهادتهما على نفسه بما لم يذكر ولأن النسيان محتمل من المروى عنه بخلاف الشهادة لأنها لا تصح إلا بتجميل الأصول فلذلك

بطلت بإنكارهم والحجة للقول الثاني ما روى عن عمار بن ياسر أنه قال لعمر أما تذكر حيث كنا في أبل فاجنبت فتمعكت في التراب فذكرت ذلك لرسول الله عليه السلام فقال إنما كان يكفيك ضربتان فلم يذكره عمر فلم يقبل خبره مع عدالته وفضله ولا ناقد بينا أن خبر الواحد يرد بتكذيب العادة فتكذيب الراوى وعليه مداره أولى وحديث ذي اليدين ليس بحجة لأن النبي عليه السلام ذكره فعمل بذكره وعلمه وهو الظاهر من حاله فما كان تقر على الخطاء والحاكي يحتمل النسيان بان سمع غيره فنسيه وهما في الاحتمال على السواء ومثال ذلك حديث ربيعة عن سهيل بن أبي صالح في الشاهدين واليمين أن سهيلا سئل عن رواية ربيعة عنه فلم يعرفه وكان يقول حدثني ربيعة عنى ومثل حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي عليه السلام أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها نكاحها باطل رواه سليمان بن موسى عن الزهري وسأل ابن جريج عن الزهري عن هذا الحديث فلم يعرفه فلم يقم به الحجة عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله ومثال ذلك أن ابا يوسف أنكر مسائل على محمد حكاها عنه في الجامع الصغير فلم يقبل شهادته على نفسه حين لم يذكر وصحح ذلك محمد واما إذا عمل بخلافه فان كان قبل روايته وقبل أن يبلغه لم يكن جرحا لان الظاهر أنه تركه بالحديث إحسانا للظن به واما إذا عمل بخلافه بعده مما هو خلاف بيقين فإن ذلك جرح فيه لأن ذلك إن كان حقا فقد بطل الاحتجاج به وإن كان خلافه باطلا فقد سقط به روايته إلا أن يعمل ببعض ما يحتمله الحديث على ما نبين إن شاء الله تعالى وإذا لم يعرف تاريخه لم يسقط الاحتجاج به لأنه حجة في الأصل فلا يسقط بالشبهة وذلك مثل حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي عليه السلام قال أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فهو باطل ثم إنها زوجت بنت عبد الرحمن وهو غائب وكان ذلك بعد الرواية فلم يبق حجة ومثل حديث ابن عمر في رفع اليدين في الركوع سقط برواية مجاهد أنه قال صحبت ابن عمر سنين فلم أره يرفع يديه إلا في تكبيرة الافتتاح واما عمل الراوي ببعض محتملاته فرد لسائر الوجوه لكنه لم يثبت الجرح بهذا لأن احتمال الكلام لغة لا يبطل بتأويله وذلك مثل حديث ابن عمر المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا وحمله على افتراق الأبدان والحديث محتمل افتراق الأقوال وهو معنى المشترك لأنهما معنيان مختلفان والاشتراك لغة لا يسقط بتأويله ومن ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنه من بدل دينه فاقتلوه وقال ابن عباس رضي الله عنه لا تقتل المرتدة فقال الشافعي رحمه الله لا يترك عموم الحديث بقوله وتخصيصه والامتناع عن العمل به مثل العمل بخلافه لأن الامتناع حرام مثل

العمل بخلافه والله أعلم بالصواب

باب الطعن يلحق الحديث من قبل غير راويه
وهذا على قسمين قسم من ذلك ما يلحقه من الطعن من قبل أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم وقسم منه ما يلحقه من قبل أئمة الحديث وما يلحقه من قبل الصحابة فعلى وجهين أما أن يكون من جنس ما يحتمل الخفاء عليه أو لا يحتمله والقسم الثاني على وجهين أيضا أما أن يقع الطعن مبهما بلا تفسير أو يكون مفسرا بسبب الجرح فإن كان مفسرا فعلى وجهين أيضا إما أن يكون السبب مما يصلح الجرح به أولا يصلح فإن صلح فعلى وجهين أما أن يكون ذلك مجتهدا في كونه جرحا أو متفقا عليه فإن كان متفقا عليه فعلى وجهين أيضا أما أن يكون الطاعن موصوفا بالاتقان والنصيحة أو بالعصبية والعداوة أما القسم الأول فمثال ذلك أن النبي صلى الله عليه و سلم قال البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام فقد حلف عمر أن لا ينفي أحدا أبدا وقال علي رضي الله عنه كفى بالنفي فتنة وهذا من جنس ما لا يحتمل الخفاء عليهما لأن إقامة الحدود من حظ الايمة ومبناه على الشهرة وعمر وعلي رضي الله عنهما من ايمة الهدى فلو صح لما خفى وهذا لأنا تلقينا الدين منهم فيبعد أن يخفى عليهم فيحل ذلك على الانتساخ وكذلك لما امتنع عمر من القسمة في سواد العراق علم أن القسمة من رسول الله عليه السلام لم يكن حتما وقال محمد بن سيرين في متعة النساء هم شهدوا بها وهم نهوا عنها وما عن رأيهم رغبة ولا في نصحهم تهمة فإن قيل ابن مسعود لم يعلم بأخذ الركب بل عمل بالتطبيق ولم يوجب جرحا قلنا لأنه لم ينكر الوضع لكنه رأى رخصة ورأى التطبيق عزيمة والعزيمة أولى إلا أن ذلك رخصة إسقاط عندنا ومثال القسم الآخر ما روى عن أبي موسى الأشعري أنه لم يعمل بحديث الوضوء على من قهقه في الصلاة ولم تكن جرحا لأن ذلك من الحوادث النادرة فاحتمل الخفاء وأما الطعن من أئمة الحديث فلا يقبل مجملا لأن العدالة في المسلمين ظاهرة خصوصا في القرون الأولى فلو وجب الرد بمطلق الطعن لبطلت السنن إلا يرى أن شاهدا الحكم ضيق من هذا ولا يقبل فيها من المزكى الجرح المطلق فهذا أولى وإذا فسره بما لا يصلح جرحا لم يقبل وذلك مثل من طعن في أبي حنيفة رحمه الله أنه دس ابنه ليأخذ كتب استاذه حماد وهذا دلالة اتقانه لأنه كان لا يستجيز الرواية إلا عن حفظ وإتقان و

لا يأمن الحافظ الزلل وإن جد حفظه وحسن ضبطه فالرجوع إلى كتب الأستاذ آية إتقانه لا جرح فيه ومن ذلك طعنهم بالتدليس وذلك أن تقول حدثني فلان عن فلان من غير أن يتصل الحديث بقوله حدثنا أو أخبرنا وسموه عنعنة لأن هذا يوهم شبهة الإرسال وحقيقته ليس بجرح على ما مر شبهته أولى ومن ذلك طعنهم بالتلبيس على من كنى عن الراوى ولم يسمه ولم ينسبه مثل قول سفيان الثوري حدثني أبو سعيد وهو يحتمل الثقة وغير الثقة ومثل قول محمد بن الحسن رحمه الله حدثني الثقة من أصحابنا من غير تفسير لأن الكناية عن الراوى لا بأس به صيانة عن الطعن فيه وصيانة للطاعن واختصار وليس كل من اتهم من وجه ما يسقط به كل حديثه مثل الكلبي وامثاله ومثل سفيان الثوري مع جلال قدره وتقدمه في العلم والورع وتسميته ثقة شهادة بعدالته فأنى يصير جرحا ووجه الكناية أن الرجل قد يطعن فيه بباطل فيحق صيانته وقد يروى عمن هو دونه في السن أو قرينه أو هو من أصحابه وذلك صحيح عند أهل الفقه وعلماء الشريعة وإن طال سنده فيكنى عنه صيانة عن الطعن بالباطل وإنما يصير هذا جرحا إذا استفسر فلم يفسر ومن ذلك ما لا يعد ذنبا في الشريعة مثل ما طعن الجاهل في محمد بن الحسن رحمه الله لأنه سأل عبد الله بن المبارك أن يقرأ عليه أحاديث سمعها فأبى فقيل له فيه فقال لا تعجبني أخلاقه لأن هذا إن صح فليس به بأس لأن أخلاق الفقهاء تخالف أخلاق الزهاد لأن هؤلاء أهل عزلة وأولئك أهل قدوة وقد يحسن في منزل القدوة ما يقبح في منزل العزلة وينعكس ذلك مرة وقد قال فيه عبد الله بن المبارك لا يزال في هذه الأمة من يحمي الله به دينهم ودنياهم فقيل له ومن ذلك اليوم فقال محمد بن الحسن الكوفى ومثال ذلك من طعن بركض الدابة مع أن ذلك من أسباب الجهاد كالسباق بالخيل والإقدام ومثل طعن بعضهم بالمزاح وهو أمر ورد الشرع به بعد أن يكون حقا لا باطلا إلا أن يكون أمرا يستفزه الخفة فيتخبط ولا يبالي ومن ذلك الطعن بالصغر وذلك لا يقدح بعد ثبت الاتقان عند التحمل والبلوغ والعدالة عند الرواية مع ما تقدم ذكره وذلك مثل حديث ثعلبة ابن صعير العذرى في صدقة الفطر أنها نصف صاع من حنطة ألا ترى أن رواية ابن عباس لصغره لم تسقط ولذلك قدمناه على حديث أبي سعيد الخدري في صدقة الفطر أنها صاع من حنطة لأنهما استويا في اتصال وهذا ثبت متنا من حديث أبي سعيد وقد انضاف إلى ذلك رواية ابن عباس أيضا ومن ذلك

الطعن بأن من لم يحترف رواية الحديث لم يصح حديثه لأن العبرة لصحة الاتقان وهذا مثل طعن من طعن في أبي بكر صديق رضي الله عنه أنه لم يحترف الحديث وان كان قد فعله من هو دونه في المنزلة فكذلك في كل عصر إذا صح الإتقان سقطت العادة وقد قبل النبي عليه السلام خبر الأعرابي على رؤية الهلال ولم يكن اعتاد الرواية وقد يقع الطعن بسبب هو مجتهد مثل الطعن بالإرسال ومثل الطعن بالاستكثار من فروع مسائل الفقه فلا يقبل فأن وقع الطعن مفسرا بما هو فسق وجرح لكن الطاعن متهم بالعصبية والعداوة لم يسمع مثل طعن الملحدين في اهل السنة ومثل طعن من ينتحل مذهب الشافعي رحمه الله على بعض اصحابنا المتقدمين رحمة اللطه عليهم واما وجوه الطعن على الصحة فكثيرة قد تبلغ ثلاثين فصاعدا أو اربعين وقد ذكرنا بعضه فيما تقدم وهذا الكتاب لا يسعها ومن طلبها في مظانها وقف عليها أن شاء الله تعالى وهذه الحجج التي ذكرنا وجوهها من الكتاب والسنة لا تتعارض في انفسها وضعا ولا تتناقص لان ذلك من امارات العجز والحدث تعالى الله عن ذلك وانما يقع التعارض بينهما لجهلنا بالناسخ من المنسوخ فلا بد من بيان هذه الجملة والله أعلم وهذا

باب المعارضة
وإذا ثبت أن التعارض ليس بأصل كان الأصل في الباب طلب ما يدفع التعارض وإذا جاء العجز وجب إثبات حكم التعارض وهذا الفصل اربعة اقسام في الأصل وهو معرفة التعارض لغته و شرطه وركنه وحكمه شريعة إما معنى المعارضة لغة فالممانعة على سبيل المقابلة يقال عرض إلى كذا أي استقبلني بصد ومنع سميت الموانع عوارض وركن المعارضة تقابل الحجتين على السواء لا مزية لاحدهما في حكمين متضادين فركن كل شيء ما يقوم به واما الشرط فاتحاد المحل والوقت مع تضاد الحكم مثل التحليل والتحريم وذلك أن التضاد لا يقع في محلين لجواز اجتماعهما مثل النكاح يوجب الحل في محل والحرمة في غيره وكذلك في وقتين لجواز اجتماعهما في محل واحد في وقتين مثل حرمة الخمر بعد حلها وحكم المعارضة بين آيتين المصير إلى السنة وبين سنتين نوعان المصير إلى القياس واقوال الصحابة رضي الله عنهم على الترتيب في الحجج أن امكن لان الجهل بالناسخ يمنع العمل بهما وعند العجز يجب تقرير الاصول وإذا ثبت أن الأصل في وقوع المعارضة الجهل بالناسخ والمنسوخ

اختص ذلك بالكتاب والسنة فكان بين آيتين أو قرائتين في آية أو بين سنتين أو سنة وآية لان السنخ في ذلك كله سايغ على ما نبين أن شاء الله تعالى وأما بين قياسين أو قولي الصحابة رضي الله عنهم فلا لأن القياس لا يصلح ناسخا وقول الصحابي بناء على رأية فحل محل القياس ايضا بيان ذلك أن القياسين إذا تعارضا لم يسقطا بالتعارض ليجب العمل به بالحال بل يعمل المجتهد بأيهما شاء بشهادة قلبه لأن تعارض النصين كان لجهلنا بالناسخ والجهل لا يصلح دليلا شرعيا لحكم شرعي وهو الاختيار واما تعارض القياسين فلم يقع من قبل الجهل من كل وجه لان ذلك وضع الشرع في حق العمل فأما في الحقيقة فلا من قبل أن الحق في المجتهدات واحد يصيبه المجتهد مرة ويخطئ أخرى إلا انه لما كان مأجورا على عمله وجب التخيير لاعتبار شبهة الحقيقة في حق نفس العمل بشهادة القلب لأنه دليل عند الضرورة لاختصاص القلب بنور الفراسة واما فيما يحتمل النسخ فجهل محض بلا شبهة ولان القول بتعارض القياسين يوجب العمل بلا دليل هو الحل وتعارض الحجتين من الكتاب والسنة يوجب العمل بالقياس الذي هو حجة ومثال ذلك أن المسافر إذا كان معه اناءان في أحدهما ماء نجس و في الاخر طاهر وهو لا يدري عمل بالتيمم لانه طهور مطلق عند العجز وقد وقع العجز بالتعارض فلم يقع الضرورة فلم يجز العمل بشهادة القلب ولو كان معه ثوبان نجس وطاهر لا ثوب معه غيرهما عمل بالتحري لضرورة الوقوع في العمل بلا دليل وهو الحال وكذلك من اشتبهت عليه القبلة ولا دليل معه اصلا عمل بشهادة قلبه من غير مجرد الاختيار لما قلنا أن الصواب واحد منها فلم يسقط الابتلاء بل وجب العمل بشهادة قلبه وإذا عمل بذك لم يجز نقضه إلا بدليل فوقه يوجب نقض الأول حتى لم يجز نقض حكم امضى بالاجتهاد بمثله لان الأول ترجح بالعمل به ولم ينقض التحري باليقين في القبلة لان اليقين حادث ليس بمناقض بمنزلة نص نزل بخلاف الاجتهاد أو إجماع انعقد بعد امضاء حكم الاجتهاد على خلافه واما العمل به في المستقبل على خلاف الأول فنوعان أن كان الحكم المطلوب به يحتمل الانتقال من جهة إلى جهة حتى انتقل من بيت المقدس إلى الكعبة وانتقل من عين الكعبة إلى جهتها فصلح التحري دليلا على خلاف الأول وكذلك في سائر المجتهدات في المشروعات القابلة للانتقال والتعاقب واما الذي لا يحتمله فرجل صلى في ثوب على تحري طهارته حقيقة أو تقديرا ثم تحول رأيه فصلى في ثوب أخر على تحري أن هذا طاهر وان الأول نجس لم يجز

ما صلى في الثاني إلا أن يتيقن بطهارته لأن التحري الأول أوجب الحكم بطهارة الأول ونجاسة الثاني وهذا وصف لا يقبل الانتقال من عين إلى عين فبطل العمل به ومثال القسم الثاني من القسم الرابع سؤر الحمار والبغل لأن الدلايل لما تعارضت ولم يصح القياس شاهدا لأنه لا يصلح لنصب الحكم ابتداء وجب تقرير الأصول فقيل أن الماء عرف طاهر فلا يصير نجسا بالتعارض فقلنا أن سؤر الحمار طاهر وهي منصوص عليه في غير موضع وكذلك عرقه ولبن الآتان ولم يزال الحدث به عند التعارض ووجب ضم التميم إليه فسمى مشكلا لما قلنا لا أنه يعنى به الجهل وكذلك الجواب في الخنثى المشكل وكذلك جوابهم وفي المفقود ومثال ما قلنا في الفرق بين ما يحتمل المعارضة بين ما لا يحتملها أيضا الطلاق والعتاق في محل متهم يوجب الاختيار لأن وراء الابهام محلا يحتمل التصرف فصلح الملك فيه دليلا لولاية الاختيار فإذا طلق عينا ثم نسى لم يجز الخيار بالجهل وإذا عرفت ركن المعارضة وشرطها وجب أن تبني عليه كيفية المخلص عن المعارضة على سبيل العدم من الأصل وذلك خمسة أوجه من قبل الحجة ومن قبل الحكم ومن قبل الحال ومن قبل الزمان صريحا ومن قبل الزمان دلالة إما من قبل نفس الحجة فإن لا يعتدل الدليلان لأن فلا يقوم المعارضة مثل الحكم يعارضه المجمل والمتشابه من الكتاب والمشهود من السنة يعارضه خبر الواحد لأن ركنها اعتدال الدليلين وأمثلة هذا كثيرة لا تحصى وأما الحكم فإن الثابت بهما إذا اختلف عند التحقيق سقط التعارض مثل قوله تعالى ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والمراد به الغموس وقال لا يؤاخذكم الله باللغو في إيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الإيمان والغموس داخل في هذا اللغو لأن المؤاخذة المثبتة مطلقة وهي في دار الجزاء والمؤاخذة المنفية مقيدة بدار الابتلاء فصح الجمع وبطل التدافع فلا يصح أن يحمل البعض على البعض ومثاله كثيرا وأما الحال فمثل قوله تعالى ولا تقربوهن حتى يطهرن بالتخفيف ومعناه انقطاع الدم وبالتشديد قرىء ومعناه الاغتسال وهما معنيان متضادان ظاهرا لا ترى أن الحيض لا يجوز أن يمتد إلى الاغتسال مع امتداده إلى انقطاع الدم لأن امتداد الشيء إلى غاية واقتصاره دونها معاضدان لكن التعارض يرتفع باختلاف الحالين بأن يحمل الانقطاع على العشرة فهو الانقطاع التام الذي لا تردد فيه ولا يستقيم التراخي إلى الاغتسال لما فيه من بطلان التقدير ويحمل الاغتسال على ما دون مدة الانقطاع والتناهي لأن ذلك هو المفتقر إلى الاغتسال فينعدم به التعارض وكذلك قوله فامسحوا برؤسمن ولأرجلكم إلى الكعبين

بالخفض والنصب متعارضان ظاهرا فإذا حملنا النصب على ظهور القدمين والخفض على حال الاستتار بالخفين لم يثبت التعارض فصح ذلك لان الجلد اقيم مقام بشرة القدم فصار مسحه بمنزلة غسل القدم واما صريح اختلاف الزمان فبان يعرف التاريخ فيسقط التعارض ويكون آخرهما ناسخا وذلك مثل قول ابن مسعود رضي الله عنه في المتوفي عنها زوجها إذا كانت حاملا إنها تعتد بوضع الحمل وقال من شاء بأهلته أن سورة النساء القصري واولات الاحمال اجلهن نزلت بعد التي في سورة البقرة وأراد به قوله تعالى والذين يتوفون منكم الآية وكان ذلك ردا على من قال بأبعد الاجلين وأما الذي يثبت دلالة فمثل النصين تعارضا في الحظر والاباحة أن الحاظر يجعل آخرا ناسخا دلالة لانا نعلم انهما وجدا في زمانين ولو كان الحاظر اولا كان ناسخا للمبيح ثم كان المبيح ناسخا فتكرر النسخ وإذا تقدم المبيح ثم الحاظر لم يتكرر فكان المتيقن اولى وهذا بناء على قول من جعل الاباحة اصلا ولسنا نقل لهذا في اصل الوضع لان البشر لم يتركوا سدى في شيء من الزمان وانما هذا بناء على زمان الفترة قبل شريعتنا وذلك ما روى عن النبي عليه السلام أنه حرم الضب وروى انه اباحه وحرم لحوم الحمر الاهلية وروى انه اباحه وكذلك الضيع وما يجري مجرى ذلك انا نجعل الحاظر ناسخا واختلف مشايخنا فيما إذا تعارض نصان أحدهما مثبت والآخر ناف مبق على الأمر الأول فقال الكرخي المثبت اولى وقال عيسى بن ابان يتعارضان وقد اختلف عمل اصحابنا المتقدمين في هذا الباب فقد روى أن بريرة اعتقت وزوجها حر وهذا مثبت وروى إنها اعتقت وزوجها عبد وهذا مبق على الأمر الأول واصحابنا اخذوا بالمثبت وروى أن النبي عليه السلام تزوج ميمونة وهو حلال بسرف وروى انه تزوجها وهو محرم واتفقت الروايات أن النكاح لم يكن في الحل الاصلي إنما اختلفت في الحل المعترض على الاحرام فجعل اصحابنا العمل بالنافي اولى من العمل بالمثبت وروى أن النبي عليه السلام رد ابنته زينب رضي الله عنها على زوجها بنكاح جديد وروى أنه ردها بالنكاح الأول واصحابنا عملوا فيه بالمثبت وقالوا في كتاب الاستحسان في طعام أو شراب اخبر رجل بحرمة والآخر بحله أو طهارة الماء ونجاسته واستوى المخبر أن عند السامع أن الطهارة اولى ولم يعملوا بالمثبت وقالوا في الجرح والتعديل إذا تعارضا أن الجرح اولى وهو المثبت فلما اختلف عملهم لم يكن بد من اصل جامع وذلك أن نقول أن النفي لا يخلو من اوجه إما أن يكون مما يعرف بدليله أو لا يعرف بدليله أو يشتبه حالة فان كان من جنس ما يعرف بدليله كان

مثل الاثبات وذلك مثل ما قال محمد رحمه الله في السير الكبير في رجل ادعت عليه امرأته إنها سمعته منه يقول المسيح ابن الله فقال الزوج إنما قلت المسيح ابن الله قول النصارى أو قالت النصارى المسيح ابن الله لكنها لم تسمع الزيادة فالقول قوله أن شهد شاهدان انا سمعناه يقول المسيح ابن الله ولم نسمع منه غير ذلك ولا ندري انه قال غير ذلك ام لا لم تقبل الشهادة وكان القول قوله ايضا وان قال الشاهدان نشهد انه قال ذلك ولم يقل غير ذلك قبلت الشهادة ووقت الحرمة وكذلك في الطلاق إذا ادعى الزوج الاستثناء فقد قبلت الشهادة على محض النفي لان هذا نفي طريق العلم به ظاهر وذلك أن كلام المتكلم إنما يسمع عيانا فيحيط العلم بأنه زاد عليه شيئا أو لم يزد لان ما لا يسمع فليس بكلام لكنه دندنة وإذا وضح طريق العلم وظهر صار مثل الاثبات واما ما لا طريق لاحاطة العلم به فإنه لا يقبل فيه خبر المخبر في مقابلة الاثبات مثل التزكية لان الداعي إلى التزكية في الحقيقة هو أن لم يقف المزكي منه على ما يجرح عدالته وقل ما يوقف من حال البشر على أمر فوقه في التزكية والجرح يعتمد الحقيقة فصار اولى وان كان امرا يشتبه فيجوز أن يعرف المخبر بدليله و يجوز أن يعتمد فيه ظاهر الحال وجب السؤال والتأمل في المخبر فإن ثبت انه بنى على الحال لم يقبل خبره لانه اعتمد ما ليس بحجة وما يشاركه فيه السامع وإذا اخبر عن دليل المعرفة حتى وقف عليه كان مثل المثبت في التعارض فحديث نكاح ميمونة من القسم الذي يعرف بدليله لان قيام الاحترام يدل عليه احوال ظاهرة من المحرم فصار مثل الاثبات في المعرفة فوقعت المعارضة فوجب المصير إلى ما هو من اسباب الترجيح في الرواة دون ما يسقط به التعارض في نفس الحجة وهو أن يجعل رواية من اختص بالضبط والاتقان اولى وهو رواية ابن عباس رضي الله عنه انه تزوجها وهو محرم لانه فسر القصة فصار اولى من رواية يزيد بن الاصم لانه لا يعدله في الضبط والاتقان وحديث بريرة وزينب من القسم الذي لا يعرف الا بناء على ظاهر الحال فصار الاثبات اولى ومسألة الماء والطعام والشراب من جنس ما يعرف بدليله لان طهارة الماء لمن استقصى المعرفة في العلم به مثل النجاسة وكذلك الطعام واللحم والشراب ولما استويا وجب الترجيح بالاصل لانه لا يصلح علة فيصلح مرجحا ومن الناس من رجح بفضل عدد الرواة واستدل بما قال محمد رحمه الله في مسائل الماء والطعام والشراب أن قول الاثنين اولى لان القلب يشهد بذلك لمزية في الصدق إلا أن هذا خلاف السلف فإنهم

لم يرجحوا بزيادة العدد وكذلك لا يجب الترجيح بالذكورة والحرية في باب رواية الأخبار ولكنهم لا يسلمون هذا إلا في الأفراد فأما في العدد فإن خبر الحرين اولى وكذلك رواية الرجلين كما في مسألة الماء إلا أن هذا متروك باجماع السلف وهذه الحجج بجملتها يحتمل البيان فوجب الحاقه بها وهذا

باب البيان
البيان في كلام العرف عبارة عن الاظهار وقد يستعمل في الظهور قال الله تعالى علمه البيان وهذا بيان للناس وقال ثم أن علينا بيانه والمراد بهذا كله الاظهار والفصل وقد يستعمل هذا مجاوزا و غير مجاوز والمراد به في هذا الباب عندنا الاظهار دون الظهور ومنه قول النبي عليه السلام أن من البيان لسحرا أي الاظهار والبيان على اوجه بيان تقرير وبيان تفسير وبيان تغيير وبيان تبديل وبيان ضرورة فهي خمسة اقسام إما بيان التقرير فتفسيره أن كل حقيقة يحتمل المجاز أو عام يحتمل الخصوص والحق به ما قطع الاحتمال كان بينا تقرير وذلك مثل قوله الله تعالى فسجد الملائكة كلهم أجمعون لان اسم الجمع كان عاما يحتمل الخصوص فقرره بذكر الكلم ومثله ولا طائر يطير بجناحيه وذلك مثل أن يقول الرجل لامرأته انت طالق وقال عنيت به الطلاق من النكاح وإذا قال لعبد انت حر وقال عنيت به العتق عن الرق والملك وهذا البيان يصح موصولا ومفصولا لما قلنا انه مقرر واما بيان التفسير فبيان المجمل والمشترك مثل قوله تعالى واقيموا الصلاة وآتوا الزكاة والسارق والسارقة ونحو ذلك ثم يلحقه البيان بالسنة وذلك مثل قول الرجل لامرأته انت باين إذا قال عنيت به الطلاق صح وكذلك في سائر الكنايات ولفلان علي ألف درهم وفي البلد نقود مختلفة فان بيانه بيان تفسير ويصح هذا موصولا ومفصولا هذا مذهب واضح لاصحابنا حتى جعلوا البيان في الكنايات كلها مقبولا وان فصل قال الله تعالى ثم أن علينا بيانه وثم للتراخي وهذا لان الخطاب بالمجمل صحيح لعقد القلب على حقية المراد به على انتظار البيان إلا ترى أن ابتلاء القلب بالمتشابه للعزم على حقيقة المراد به صحيح في الكتاب والسنة من غير انتظار البيان فهذا اولى وإذا صح الابتلاء حسن القول بالتراخي واختلفوا في خصوص العموم فقال اصحابنا لا يقع الخصوص متراخيا وقال الشافعي رحمه الله يجوز متصلا ومتراخيا وقال علماؤنا فيمن اوصى بهذا الخاتم لفلان وبفصه لفلان غيره موصولا أن

الثاني يكون خصوصا للأول فيكون الفصل الثاني وإذا فصل لم يكن خصوصا بل صار معارضا فيكون الفص بينهما وهذا فرع لما مر أن العموم عندنا مثل الخصوص في ايجاب الحكم قطعا ولو احتمل الخصوص متراخيا لما اوجب الحكم قطعا مثل العام الذي لحق الخصوص وعنده هما سواء ولا يوجب واحد منهما الحكم قطعا بخلاف الخصوص الذي مر وليس هذا باختلاف في حكم البيان بل ما كان بيانا محضا صح القول فيه بالتراخي لأن البيان المحض من شرطه محل موصوف بالاجمال والاشتراك ولا يجب العمل مع الاجمال والاشتراك فيحسن القول بتراخي البيان ليكون الابتلاء بالعقد مرة بالفعل مع ذلك أخرى وهذا مجمع عليه وما ليس ببيان خالص محض لكنه تغييرا وتبديل ويحتمل القول بالتراخي بالإجماع على ما نبين أن شاء الله تعالى وانما الاختلاف أن خصوص دليل العموم بيان أو تغيير فعندنا هو تغيير من القطع إلى الاحتمال فيفيد بالوصل مثل الشرط والاستثناء وعنده ليس بتغير لما قلنا هو تقرير فصح موصولا ومفصولا إلا ترى انه يبقى على اصله في الايجاب وقد استدل في هذا الباب بنصوص احتجنا إلى بيان تأويلها منها أن بيان بقرة بني اسرئيل وقع متراخيا وهذا عندنا تقييد المطلق وزيادة على النص فكان نسخا فصح متراخيا لما نبين في بابه أن شاء الله تعالى واحتج بقوله في قصة نوح عليه السلام فاسلك فيها من كل زوجين اثنين واهلك أن الاهل عام لحقه خصوص متراخ بقوله انه ليس من اهلك والجواب أن البيان كان متصلا به بقوله إلا من سبق عليه القول وذلك هو ما سبق من وعد اهلاك الكفار وكان ابنه منهم ولان الاهل لم يكن متنا ولا للابن لأن أهل الرسل من اتبعهم وامن بهم فيكون أهل ديانة لأهل نسبه إلا أن نوحا عليه السلام قال فيما حكى عنه أن بنى من اهلى لانه كان دعاه إلى الإيمان فلما انزل الله تعالى لاية الكبرى حسن ظنه به وامتد نحوه رجاؤه فبنى عليه سؤاله فلما وضح امره اعرض عنه وسلم للعذاب وهذا سايغ في معاملات الرسل عليهم السلام بناء على العلم البشري إلى أن ينزل الوحى كما قال الله تعالى وما كان استغفار إبراهيم لابيه إلا عن موعدة وعدها اياه فلما تبين انه عدو لله تبرا منه واحتج بقوله تعالى انكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم ثم لحقه الخصوص بقوله أن الذين سبقت لهم منا الحسنى متراخيا عن الأول وهذا الاستدلال باطل عندنا لان صدر الاية لم يكن متنا ولا لعيسى والملائكة عليهم السلام لان كلمة ما لذوات غير العقلاء لكنهم كانوا متعنتين فزاد في البيان اعراضا عن تعنتهم

احتج بقوله انا مهلكوا أهل هذه القرية وهذا عام خاص منه آل لوط متراخيا وهذا أيضا غير صحيح لان البيان كان متصلا به إما في هذه الاية فلانه قال أن اهلها كانوا ظالمين وذلك استثناء واضح وقال في غير هذه الاية إلا آل لوط انا لمنجوهم اجمعين إلا امرأته غير أن إبراهيم عليه السلام اراد إلا كرام للوط بخصوص وعد النجاة أو خوفا من أن يكون العذاب عاما وذلك مثل قوله رب أرني كيف تحي الموتى واحتج بقوله ولذي القربى انه خص منه بعض قرابة النبي عليه السلام بحديث ابن عباس في قصة عثمان وجبير بن مطعم رضي الله عنهم ولهذا عندنا من قبيل بيان المجمل لان القربى مجمل وكان الحديث بيانا له أن المراد قربى النصرة لا قربى القرابة واجماله أن القربى يتناوله غير النسب ويتناول وجوها من النسب مختلفة والله اعلم بالصواب

باب بيان التغير
بيان التغيير نوعان التعليق بالشرط والاستثناء وانما يصح ذلك موصولا ولا يصح مفصولا على هذا اجمع الفقهاء وانما سميناه بهذا الاسم إشارة إلى اثر كل واحد منهما وذلك أن قول القائل انت حر لعبده علة العتق نزل به منزلة وضع الشيء في محل يقر فيه فإذا حال الشرط بينه وبين محله فتعلق به بطل أن يكون ايقاعا لان الشيء الواحد يكون مستقرا في محله ومعلقا مع ذلك فصار الشرط مغيرا له من هذا الوجه ولكنه بيان مع ذلك لان حد البيان ما يظهر به ابتداء وجوده فأما التغيير بعد الوجود فنسخ وليس ببيان ولما كان التعليق بالشرط لابتداء وقوعه غير موجب والكلام كان يحتمله شرعا لان التكلم بالعلة ولا حكم لها جائز شرعا مثل البيع بالخيار وغيره سمى هذا بيانا فاشتمل على هاذين الوصفين فسمى بيان تغيير وكذلك الاستثناء مغيرا للكلام لان قول القائل لفلان على ألف درهم فالالف اسم علم لذلك العدد لا يحتمل غيره وإذا قال إلا خمسمائة كان تغيير البعض إلا ترى أن التعليق بالشرط والاستثناء لو صح كل واحد منهما متراخيا كان ناسخا ولكنه إذا اتصل منع بعض التكلم لا أن رفع بعد الوجود فكان بيانا فسمي بيان تغيير ومنزلة الاستثناء مثل منزلة التعليق بالشرط إلا أن الاستثناء يمنع انعقاد التكلم ايجابا في بعض الجملة أصلا والتعليق يمنع الإنعقاد لأحد الحكمين أصلا وهو الايجاب ويبقى الثاني وهو الاحتمال فلذلك كانا من قسم واحد فكانا

من باب التغيير دون التبديل واختلفوا في كيفية عمل كل واحد منهما فقال اصحابنا الاستثناء يمنع التكلم بحكمه بقدر المستثنى فيجعل تكلما بالباقي بعده وقال الشافعي رحمه الله أن الاستثناء يمنع الحكم بطريق المعارضة بمنزلة دليل الخصوص كما اختلفوا في التعليق على ما سبق وقد دل على هذا الأصل مسائلهم فصار عندنا تقدير قول الرجل لفلان على ألف درهم إلا مائة لفلان على تسعمائة وعنده إلا مائة فإنها ليست على وبيان ذلك انه جعل قوله تعالى إلا الذين تابوا فلا تجلدوهم واقبلوا شهادتهم وأولئك هم الصالحون غير فاسقين وكذلك قال في قول النبي عليه السلام لا تبيعوا الطعام بالطعام إلا سواء بسواء أن معناه بيعوا سواء بسواء فبقى صدر الكلام عاما في القليل و الكثير لان الاستثناء عارضه في المكيل خاصة وخصوص دليل المعارضة لا يتعدى مثل دليل الخصوص في العام وذلك مثل قوله تعالى إلا أن يعفون أو يعفوا الذي بيده هذا دليل معارض لبعض الصدور وهو في حق من يصح منه العفو فبقى فيما لا معارضة فيه وقال في رجل قال لفلان على ألف درهم إلا ثوبا انه يسقط من الألف قدر قيمته لان دليل المعارضة يجب العمل به على قدر الإمكان وذلك ممكن في القيمة واحتج في المسئلة بالإجماع ودلالته وبالدليل المعقول إما الإجماع فان أهل اللغة اجمعوا أن الاستثناء من الاثبات نفي ومن النفي إثبات وهذا إجماع على أن للاستثناء حكما وضع له يعارض به حكم المستثنى منه واما الثاني فلان كلمة التوحيد لا اله إلا الله وهي كلمته وضعت للتوحيد ومعناه النفي والاثبات فلو كان تكلما بالباقي لكان نفيا لغيره لا اثباتا له فصح لما كانت كلمة التوحيد أن معناها إلا الله فانه اله وكذلك لا عالم إلا زيد فانه عالم واما الثالث فأنا نجد الاستثناء لا يرفع التكلم بقدره من صدر الكلام وإذا بقى التكلم صيغة بقى بحكمه فلا سبيل إلى رفع التكلم بل يجب المعارضة بحكمه فامتناع الحكم مع قيام التكلم سائغ فأما انعدام التكلم مع وجوده مما لا يعقل واحتج اصحابنا رحمهم الله بالنص والإجماع والدليل المعقول أيضا إما النص فقوله تعالى فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما وسقوط الحكم بطريق المعارضة في الايجاب يكون لا في الأخبار فبقاء التكلم بحكمه في الخبر لا يقبل الامتناع بمانع واما الإجماع فقد قال أهل اللغة قاطبة أن الاستثناء استخراج وتكلم بالباقي بعد الثنيا وإذا ثبت الوجهان وجب الجمع بينهما فقلنا انه استخراج وتكلم بالباقي بوضعه واثبات ونفي باشارته على ما نبين أن شاء الله تعالى

واما الدليل المعقول فوجوه أحدها أن يمنع الحكم بطريق المعارضة استوى فيه البعض والكل كالنسخ والثاني أن دليل المعارضة ما يستقل بنفسه مثل الخصوص والاستثناء قط لا يستقل بنفسه وانما يتم بما قبله فلم يصح معارضا لكنه لما كان لا يجوز الحكم ببعض الجملة حتى يتم كما لا يجوز ببعض الكلمة حتى ينتهي احتمل وقف أول الكلام على اخره حتى يتبين باخره المراد باوله وهذا الابطال مذهب الخصم والثالث لتصحيح ما قلنا وبيان ذلك أن وجود التكلم ولا حكم له أصلا ولا انعقاد له بحكمه أصلا سائغ مثل الامتناع بالمعارض بالإجماع مثل طلاق الصبي واعتاقه وانما الشأن في الترجيح وبيانه أن الاسثناء متى جعل معارضا في الحكم بقي التكلم بحكمه في صدر الكلام ثم لا يبقى من الحكم إلا بعضه وذلك لا يصلح حكما لكل التكلم بصدره إلا ترى أن الالف اسم علم له لا يقع على غيره ولا يحتمله لا يجوز أن يسمى التسع مائة ألفا بخلاف دليل الخصوص لانه إذا عارض العموم في بعض بقى الحكم المطلوب وراء دليل الخصوص ثابتا بذلك الاسم بعينه صالحا لان يثبت به كاسم المشركين إذا خص منه نوع كان الاسم واقعا على الباقي بلا خلل ولهذا قلنا أن العام إذا كان كلمة فرد واسم جنس صح الخصوص إلى أن ينتهي بالفرد وإذا كانت صيغة جمع انتهى الخصوص إلى الثلاثة لا غير فلذلك بطل أن يكون معارضا فجعل تكلما بالباقي بحقيقته وصيغته وكان طريقا في اللغة يطول مرة ويقصر أخرى وجعل الايجاب والنفي بإشارته بيانه أن الاستثناء بمنزلة الغاية للمستثنى منه إلا ترى أن الأول ينتهي به وهذا لان الاستثناء يدخل على نفي أو إثبات والاثبات بالعدم ينتهي والعدم بالوجود ينتهي وإذا كان الوجود غاية الأول أو العدم غاية لم يكن بد من إثبات الغاية لتناهي الأول وهذا ثابت لغة فكان مثل صد الكلام إلا أن الأول ثابت قصدا وهذا لا فكان إشارة ولذلك اختير في التوحيد لا اله إلا الله ليكون الاثبات إشارة و النفي قصدا لان الأصل في التوحيد تصديق القلب فاختير في البيان الاشارة اليه والله اعلم والاستثناء نوعان متصل ومنقطع إما المتصل فهو الأصل وتفسيره ما ذكرنا وأما المنفصل فما لا يصح استخراجه من الأول لان الصد لم يتناوله فجعل مبتدأ مجازا قال الله تعالى فانهم عدو لي إلا رب العالمين أي لكن رب العاملين وكذلك لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما وقوله إلا الذين تابوا استثناء منقطع لان التائبين غير داخلين في صد الكلام فكان معناه إلا أن يتوبوا ويحمل الصدد على عموم الأحوال بدلالة الثنيا فكأنه قال وأولئك

هم الفاسقون بكل حال إلا حال التوبة وكذ بصحيح لما قلنا من الأصل وجعل استثناء منقطعا فلم ينقص من الألف شيئا وقال أبو حنيفة وابو يوسف رحمهما الله هو صحيح لان المقدورات جنس واحد في المعنى لانها تصلح ثمنا ولكن الصور مختلفة فصح الاستثناء في المعنى وقد قلنا أن الاستثناء تكلم بالباقي بعد الثنيا معنى لا صورة فإذا صح الاستخراج من طريق المعنى بقي في القدر المستثنى تسمية الدراهم بلا معنى وذلك هو معنى حقيقة الاستثناء فلذلك بطل قدره من الأول بخلاف ما ليس بمقدر من الاموال لان المعنى مختلف فلم يصح استخراجه والله اعلم وعلى هذا الأصل قلنا فيمن قال لفلان علي ألف درهم وديعة انه يصح موصولا لان بيان مغير لان الدراهم تصلح ان تكون عليه حفظاالا انه تغير للحقيقة فصح موصولا وكذلك رجل قال اسلمت إلى عشرة دراهم في كذا لكن لم اقبضها أو اسلفتني أو اقرضتين أو اعطيتني ففي هذا كله يصدق بشرط الوصل استحسانا لان حقيقة هذه العبارات للتسليم وقد تحتمل العقد فصار النقل إلى العقد بيانا مغيرا وإذا قال دفعت إلى عشرة دراهم أو نقدتني لكني لم اقبض فكذلك عند محمد لان النقد والدفع بمعنى الاعطاء لغة فيجوز أن يستعار للعقد ايضا وقال أبو يوسف رحمه الله لا يصدق لانهما اسمان مختصان للتسليم والفعل واما الاعطاء فهبة فيصلح أن يستعار للعقد وإذا اقر بالدراهم فرضا أو ثمن بيع وقال هي زيوف صح عندهما موصولا لان الدراهم نوعان جياد وزيوف إلا أن الجياد غالبة فصار الآخر كالمجاز فصح التغيير اليه موصولا وقال أبو حنيفة لا يقبل وان وصل لان الزيافة عارضة وعيب فلا يحتمله مطلق الاسم بل يكون رجوعا كدعوى الاجل في الدين ودعوى الخيار في البيع وإذا قال لفلان علي ألف درهم من ثمن جارية باعينها لكني لم اقبضها لم يصدق عند أبي حنيفة إذا كن به المقر له في قوله لم اقبضها وصدقه في الجهة أو كذبه في الجهة وادعى المال وقالا أن صدقه في الجهة صدق وان فصل لانه إذا صدقه فيها ثبت البيع فيقبل قول المشتري انه لم يقبض وعلى

المدعي البينة وان كذبه فيها صدق إذا وصل لان هذا بيان مغير من قبل أن الأصل في البيع وجوب المطالبة بالثمن وقد يجب الثمن غير مطالب به بأن يكون المبيع غير مقبوض فصار قوله غير أني لم اقبضها مغير للاصل ولما كان كون المبيع غير مقبوض أحد محتمليه لا من العوارض كان بيانا مغيرا فصح موصولا ولابي حنيفة رضي الله عنه أن هذا رجوع وليس ببيان لان وجوب الثمن مقابل بمبيع لا يعرف اثره دلالة قبضه والثابت بالدلالة مثله إذا ثبت بالصريح فإذا رجع لم يصح وهذا فصل يطول شرحه وعلى هذا الأصل ايداع الاصبر الذي يعقل قال أبو يوسف هو من باب الاستثناء لان إثبات اليد والتسليط نوعان الاستحفاظ وغيره فإذا نص على الايداع كان مستثنى والاستثناء من المتكلم تصرف على نفسه فلا يبطل لعدم الولاية بل لا يثبت إلا الاستحفاظ ثم لا ينفذ الاستحفاظ لعدم الولاية فيصير كالمعدوم وقال أبو حنيفة ومحم رحمهما الله ليس هذا من باب الاستثناء لان التسليط فعل يوجد من المسلط فلا يصح استثناء ما وراء الاستحفاظ منه والفعل مطلق لا عام والمستثنى من خلاف جنسه فيصير ذلك من باب المعارضة فلا بد من تصحيحه شرعا ليعارضه ولم يوجد وصار هذا مثل قول الشافعي رحمه الله في الاستثناء على هذا الأصل قال اصحابنا رحمهم الله في -

كتاب الشراكة في رجل قال لأخر بعت منك بألف هذا العبد إلا نصفه أن البيع
يقع على النصف بألف ولو قال أن لي نصفه يقع على النصف بخمسمائة لان الاستثناء تكلم بالباقي وانما دخل في المبيع لافي الثمن فيصير المبيع نصفا فيبقى كل الثمن وقوله على أن لي نصفه شرط معارض لصدد الكلام فيكون موجبه أن يعارض هذا الايجاب الأول فيصير العقد واقعا للبايع والمشتري فيصير بايعا من نفسه ومن المشتري و البيع من نفسه صحيح بحكم إذا افاد وفي الدخول فائدة حكم التقسيم فيصير داخلا ثم خارجا ليخرج بقسط من الثمن مثل من اشترى عبدين بألف درهم أحدهما ملك المشتري أن الثمن ينقسم عليهما الاتربي أن شراء مال المضاربة يصح بمباشرة رب المامل وعلى هذا الأصل رجل وكل وكيلا بالخصومة على أن لا يقر عليه أو غير جائز الإقرار بطل هذا الشرط عند أبي يوسف لان على قوله الإقرار يصير مملوكا للوكيل لقيامه مقام الموكل لا لانه من الخصومة حتى لا يختص بمجلس الخصومة فيصير ثابتا بالوكالة حكما لا مقصودا فلا يصح استثناؤه ولا ابطاله بالمعارضة إلا بنقض الوكالة وقال محمد رحمه الله استناؤه جائز والخصم أن لا يقبل هذا الوكيل لان الخصومة تناولت الإقرار عملا بمجازها على ما عرف وانقلب

المجاز هنا بدلالة الديانة حقيقة وصارت الحقيقة كالمجاز فإذا استثنى الإقرار وقيد التوكيل كان بيانا مغيرا فصح موصولا وعلى هذا يجب أن لا يصح مفصولا إلا أن يعزله اصلا لانه عمل بحقيقة اللغة فيصح فلم يكن استثناء في الحقيقة وعلى هذا يصح مفصولا وهو اختيار الخصاف واختلف في استثناء الانكار والاصح انه على هذا الاختلاف على الطريق الأول لمحمد رحمه الله

باب بيان الضرورة
قال الشيخ الأمام رضي الله عنه وهذا نوع من البيان يقع بما لم يوضع له وهذا على اربعة اوجه نوع منه ما هو في حكم المنطوق ونوع منه ما يثبت بدلالة حال المتكلم ونوع منه ما يثبت ضرورة الدفع ونوع منه ما ثبت بضرورة الكلام إما النوع الأول فمثل قول الله تعالى وورثه ابواه فلأمه الثلث صدر الكلام اوجب الشركة ثم تخصيص الام بالثلث دل على أن الاب يستحق الباقي فصار بيانا لقدر نصيبه بصدر الكلام لا بمحض السكوت ونظير ذلك قول علمائنا رحمهم الله في المضاربة أن بيان نصيب المضارب والسكوت عن نصيب رب المال صحيح اللستغناء عن البيان و بيان نصيب رب المال و السكوت عن نصيب المضارب صحيح استحسانا على انه بيان بالشركة الثابتة بصدر الكلام وعلى هذا حكم المزارعة ايضا وعلى هذا إذا اوصى رجل لفلان و فلان بألف لفلان منها اربع مائة كان بيانا أن الست مائة للباقي وكذلك إذا اوصى لهما بثلث ماله على أن لفلان منه كذا واما النوع الثاني فمثل السكوت من صاحب الشرع صلى الله عليه و سلم عند أمر يعاينه عن التغيير يدل على الحقيقة عليه ويدل في موضع الحاجة إلى البيان على البيان مثل سكوت الصحابة رضوان الله عليهم عن تقويم منفعة البدن في ولد المغرور وما اشبه ذلك وسكوت البكر في النكاح يجعل بيانا لحالها التي توجب ذلك وهو الحياء والنكول جعل بيانا لحال في الناكل وهو امتناعه عن اداء ما لزمه مع القدرة عليه وهو اليمين وقلنا في امة ولدت ثلاثة اولاد في بطون مختلفة انه إذا ادعى اكبرهم كان نفيا للباقين بحال منه وهو لزوم الإقرار لو كانوا منه واما الثالث فمثل المولى يسكت حين يرى عبده يبيع ويشتري فجعل اذنا دفعا للغرور عن الناس وكذلك سكوت الشفيع جعل ردا لهذا المعنى فأما الرابع فمثل قول علمائنا رحمهم الله في رجل قال لفلان علي مائة ودينارا ومائة ودرهم ن العطف جعل بيانا للأول

وجعل من جنس المعطوف وكذلك لفلان على مائة وقفيز حنطة وقال الشافعي رحمه الله القول قوله في المائة لانها مجملة فاليه بيانها والعطف لا يصلح بيانا لانه لم يوضع له كما إذا قال مائة وثوب وشاة و مائة وعبد ووجه قولنا أن هذا يجعل بيانا عادة ودلالة إما العادة فلان حذف المعطوف عليه في العدد متعارف ضرورة كثرة العدد وطول الكلام يقول الرجل بعت منك هذا بمائة وعشرة دراهم و بمائة وعشرين درهما وبمائة ودرهم ودرهمين على السواء وليس كذلك حكم ما هو غير مقدر لانه لا يثبت دينا في الذمة ثبوت الأول واما الدلالة فلان المعطوف مع المعطوف عليه بمنزلة شيء واحد كالمضاف مع المضاف اليه والمضاف اليه للتعريف فإذا اصلح العطف للتعريف صح الحذف في المضاف اليه بدلالة العطف والعطف إذا كان من المقدرات صلح للتعريف فجعل دليلا على المضاف اليه وإذا لم يكن مقدرا مثل الثوب والفرس لم يصلح للتعريف فلم يصلح دليلا على المحذوف واتفقوا في قول الرجل لفلان عي أحد وعشرون درهما أن ذلك كله دراهم لان العشرون مع الآحاد معدود ومجهول فصح التعريف بالدرهم وكذلك إذا قال أحد وعشرون شاة أو ثوبا واجمعوا في قوله لفلان على مائة وثلاثة دراهم فصاعد أن المائة من الدراهم لان الجملتين جميعا اضيفتا إلى الدراهم فصار بيانا و كذلك إذا قال مائة وثلاثة اثواب وثلاثة شياه وقد قال أبو يوسف رحمه الله في قوله لفلان علي مائة وثوب أو مائة وشاة انه يجعل بيانا لان العطف دليل الاتحاد مثل الاضافة فكل جملة تحتمل القسمة فإنها تحتمل الاتحاد فذلك جعل بيانا بخلاف قوله مائة وعبد والله اعلم بالصواب

باب بيان التبديل وهو النسخ
قال الشيخ الأمام الكلام في هذا الباب في تفسير نفس النسخ ومحله وشرطه والناسخ والمنسوخ إما النسخ فانه في اللغة عبارة عن التبديل قال الله تعالى وإذا بدلنا آية مكان آية والله اعلم بما ينزل فسمى النسخ تبديلا ومعنى التبديل أن يزول شيء فيخلفه غيره يقال نسخت الشمس الظل لانها تخلفة شيئا فشيئا هذا اصل هذه الكلمة وحقيقتها حتى صارت تشبه الابطال من حيث كان وجود يخلف الزوال وهو في حق صاحب الشرع بيان محض لمدة الحكم المطلق الذي كان معلوما عند الله تعالى إلا أن اطلقه فصار ظاهرة البقاء في حق البشر فكان تبديلا في حقنا بيانا محضا في حق صاحب الشرع وهو كالقتل

بيان محض للاجل لانه ميت باجله بلا شبهة في حق صاحب الشرع وفي حق القاتل تغيير وتبديل و النسخ في احكام الشرع جائز صحيح عند المسلمين اجمع وقالت اليهود لعنهم الله بفساده وهم في ذلك فريقان قال أحدهما انه باطل عقلا وقال بعضهم هو باطل سمعا وتوقيفا وقد انكر بعض المسلمين النسخ لكنه لا يتصور هذا القول من مسلم مع صحة عقد الإسلام إما من رده توقيفا فقد احتج أن موسى صلوات الله عليه قال لقومه تمسكوا بالسبت مادامت السموات والأرض وان ذلك مكتوب في التوراة انه بلغهم بما هو طريق العلم عن موسى صلوات الله عليه أن لا نسخ لشريعة واحتج أصحاب القول الآخر أن الامر يدل على حسن المأمور به والنهي عن الشيء يدل على قبحه والنسخ يدل على ضده ففي ذلك ما يوجب البدأ والجهل بعواقب الأمور ودليلنا على جوازه ووجوده سمعا وتوقيفا أن احدا لم ينكر استحلال الاخوات في شريعة آدم صلوات الله عليه واستحلال الجزء لآدم صلوات الله عليه وهي حواء التي خلقت منه و أن ذلك نسخ بغيره من الشرائع والدليل المعقول أن النسخ هو بيان مدة الحكم للعباد وقد كان لك غيبا عنهم وبيان ذلك انا إنما نجوز النسخ في حكم مطلق عن ذكر الوقت يحتمل أن يكون موقتا ويحتمل البقاء والعدم على السواء لان النسخ إنما يكون في حياة النبي عليه السلام والأمر المطلق في حياته للايجاب لا للبقاء بل البقاء باستصحاب الحال على احتمال العدم بدليله لا أن البقاء بدليل يوجبه لان الأمر لم يتناول البقاء لغة فلم يكن دليل النسخ متعرضا لحكم الدليل الأول بوجه إلا ظاهرا بل كان بيانا للمدة التي هي غيب عنا وهي الحكمة البالغة بلا شبهة بمنزلة الاحياء والايجاد أن حكمه الحياة والوجود لا البقاء بل البقاء لعدم اسباب الفناء بابقاء هو غير الايجاد وله اجل معلوم عند الله فكان الافناء والامانة بيانا محضا فهذا مثله هذا حكم بقاء المشروع في حياة النبي عليه السلام فإذا قبض الرسول عليه السلام من غير نسخ صار البقاء من بعد ثابتا بدليل يوجبه فصار بقاء يقينا لا يحتمل النسخ بحال فإذا غاب الحي بقيت حياته لعدم الدليل على موته فكذلك المشروع المطلق في حياة النبي عليه السلام واما دعواهم التوقيف فباطل عندنا لان ثبت عندنا تحريف كتابهم فلم يبق حجة

باب بيان محل النسخ
محل النسخ حكم يحتمل بيان المدة والوقت وذلك بوصفين أحدهما أن يكون في نفسه محتملا للوجود

والعدم فإذا كان بخلافه لم يحتمل النسخ والثاني أن لا يكون ملحقا به ما ينافي المدة والوقت إما الأول فبيانه أن الصانع بأسمائه وصفاته قديم لا يحتمل الزوال والعدم فلا يحتمل شيء من اسمائه وصفاته النسخ بحال واما الذي ينافي النسخ من الأحكام التي هي في الأصل محتملة للوجود والعدم فثلاثة تأبيد ثبت نصا وتأبيد ثبت دلالة وتوقيت إما التأبيد صريحا فمثل قول الله تعالى خالدين فيها ابدا أو مثل قوله جل وعلا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة يريد بهم الذين صدقوا بمحمد صلى الله عليه و سلم والقسم الثاني مثل شرائع محمد عليه السلام التي قبض على قرارها فإنها مؤبدة لا تحتمل النسخ بدلالة أن محمدا صلى الله عليه و سلم خاتم النبيين لا نبي بعده ولا نسخ إلا بوحي على لسان نبي والثالث واضح والنسخ فيه قبل الانتهاء باطل لان النسخ في هذا كله بدأ وظهور الغلط لا بيان المدة والله يتعالى عن ذلك فصار الذي لا يحتمل النسخ اربعة اقسام في هذا الباب والذي هو محل النسخ قسم واحد وهو حكم مطلق يحتمل التوقيت لم يجب بقاؤه بدليل يوجب البقاء كالشراء يثبت به الملك دون البقاء فينعدم الحكم لانعدام سببه لا بالناسخ بعينه فلا يؤدي إلى التضاد والبدأ ولا يصير الشيء الوحد حسنا وقبيحا في حال واحدة بل في حالين فإن قيل أن الأمر بذبح الولد في قصة ابراهيم عليه السلام نسخ فصار الذبح بعينه حسنا بالأمر وقبيحا بالنسخ قيل له لم يكن ذلك بنسخ للحكم بل ذلك الحكم بعينه ثابتا والنسخ هو انتهاء الحكم ولم يكن بل كان ثابتا إلا أن المحل الذي اضيف اليه لم يحله الحكم على طريق الفداء دون النسخ وكان ذلك ابتلاء استقر حكم الأمر عند المخاطب وهو ابراهيم صلوات الله عليه في آخر الحال على أن المتبغى منه في حق الولد أن يصير قربانا بنسبة حسن الحكم اليه مكرما بالفدأ الحاصل لمعرة الذبح مبتلا بالصبر والمجاهدة إلى حال لمكاشفة وانما النسخ بعد استقرار المراد بالأمر لا قبله وقد سمي فداء في الكتاب لا نسخا فيثبت أن النسخ لم يكن لعدم ركنه والله اعلم بالصواب

باب بيان الشرط
وهو التمكن من عقد القلب فأما التمكن من الفعل فليس بشرط عندنا وقالت المعتزلة انه شرط و حاصل الأمر أن حكم النص بيان المدة لعمل القلب والبدن جميعا أو لعمل القلب بانفراده وعمل القلب هو المحكم في هذا عندنا والآخر من الزوائد وعندهم هو بيان مدة العمل بالبدن قالوا إلا أن العمل

بالبدن هو المقصود بكل نهى وبكل أمر نصا يقال افعلوا كذا ولا تفعلوا فيقتضي حسنه بالأمر لا محالة وقبحه بالنهي وإذا وقع النسخ قبل الفعل صار بمعنى البدأ والغلط والحجة لنا أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر بخمسين صلاة ليلة المعراج ثم نسخ ما زاد على الخمس فكان ذلك بعد العقد لانه صلى الله عليه و سلم اصل هذه الامة فصح النسخ بعد وجود عقده ولم يكن ثمه تمكن من الفعل ولان النسخ صحيح بالإجماع بعد وجود جزء من الفعل أو مدة يصلح للتمكن من جزء منه وان كان ظاهر الأمر يحتمل كله لان الادنى يصلح مقصودا بالابتلاء فكذلك عقد القلب على جنس المأمور به وعلى حقيقته يصلح أن يكون مقصودا منفصلا عن الفعل إلا ترى أن الله ابتلانا بما هو متشابه لا يلزمنا فيه إلا اعتقاد الحقية فيه فدل ذلك على أن عقد القلب يصلح اصلا ولان الفعل لا يصير قربة إلا بعزيمة القلب و عزيمة القلب قد تصير قربة بلا فعل والفعل في احتمال السقوط فوق العزيمة فإذا كان كذلك صلح أن يكون مقصودا دون الفعل إلا يرى أن عين الحسن لا يثبت بالتمكن من الفعل وقول القائل افعلوا على سبيل الطاعة أمر بعقد القلب لا محالة فيجوز أن يكون أحد الامرين مقصودا لازما والآخر يتردد بين الامرين والله اعلم

باب تقسيم الناسخ
قال الشيخ الأمام رضي الله عنه الحجج اربعة الكتاب والسنة والإجماع والقياس إما القياس فلا يصلح ناسخا لما نبين أن شاء الله تعالى واما الإجماع فقد ذكر بعض المتأخرين انه يصح النسخ به والصحيح أن النسخ به لا يكون إلا في حياة النبي صلى الله عليه و سلم والإجماع ليس بحجة في حياته لانه لا إجماع دون رأيه والرجوع اليه فرض وإذا وجد منه البيان كان منفردا بذلك لا محالة وإذا صار الإجماع واجب العمل به لم يبق النسخ مشروعا وانما يجوز النسخ بالكتاب و السنة وذلك اربعة اقسام نسخ الكتاب بالكتاب والسنة بالسنة ونسخ السنة بالكتاب ونسخ الكتاب بالسنة وذلك كله جائز عندنا وقال الشافعي رحمه الله بفساد القسمين الآخرين واحتج بقوله تبارك وتعالى ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها وذلك يكون بين الايتين والسنتين فأما في القسمين الآخرين فلا واحتج بقوله تعالى قل ما يكون لي أن ابدله من تلقاء نفسي فثبت أن السنة لا تنسخ

الكتاب واحتج بقوله صلى الله عليه و سلم إذا روى لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله تعالى فان وافق الكتاب فاقبلوه وألا فردوه وقال ولان في هذه صيانة الرسول صلى الله عليه و سلم عن شبهة الطعن لانه لو نسخ القرآن به أو سنته كما نسخت بالكتاب لكان مدرجة إلى الطعن فكان التعاون به اولا وقد احتج بعض اصحابنا في ذلك بقوله تبارك وتعالى كتب عليكم إذا حضر احدكم الموت أن ترك خير الوصية للوالدين والاقربين في الاية فرض هذه الوصية ثم نسخت بقول النبي صلى الله عليه و سلم لا وصية لوارث وهذا الاستدلال غير صحيح لوجهين أحدهما أن النسخ إنما ثبت بآية المواريث وبيانه انه قال من بعد وصية يوصى بها أو دين فرتب الميراث على وصية نكرة و الوصية الأولى كانت معهودة فلو كانت تلك الوصية باقية مع الميراث ثم نسخت بالسنة لوجب ترتيبه على المعهود فصار الاطلاق نسخا للقيد كما يكون القيد نسخا للاطلاق والثاني أن النسخ نوعان أحدهما ابتداء بعد انتهاء محض والثاني بطريق الحوالة كما نسخت القبلة بطريق الحوالة إلى الكعبة وهذا النسخ من القبيل الثاني وبيانه أن الله تعالى فوض الايصاء في الاقربين إلى العباد بقوله تعالى الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف ثم تولى بنفسه بيان ذلك الحق وقصره على حدود لازمة تعين بها ذلك الحق بعينه فتحول من جهة الايصاء إلى الميراث والى هذا اشار بقوله يوصيكم الله في اولادكم أي الذي فوض اليكم تولى بنفسه إذ عجزتم عن مقاديره الايصاء إلا ترى إلى قوله لا تدرون ايهم اقرب لكم نفعا وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم أن الله تعالى اعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث أي بهذا الفرض نسخ الحكم الأول وانتهى ومنهم من احتج بأن قول الله تعالى فامسكوهن في البيوت نسخ باثبات الرجم بالسنة إلا انا قد روينا عن عمران الرجم كان مما يتلى ولان قوله جل وعلا أو يجعل الله لهن سبيلا مجمل فسرته السنة واحتج بعضهم بقوله تبارك وتعالى وان فاتكم شيء من ازواجكم إلى الكفار الاية هذا حكم نسخ بالسنة وهذا غير صحيح لان هذا كان فيمن اردت امرأته ولحقت بدار الحرب أن يعطي ما غرم فيها زوجها المسلم معونة له وفي ذلك اقوال مختلفة وقد قيل أنه غير منسوخ أن كان المراد به الاعانة من الغنيمة فيكون معنى قوله تعالى فعاقبتم أي عنمتم ومن الحجة الدالة أن التوجه إلى الكعبة في الابتداء أن ثبت بالكتاب فقد نسخ بالسنة الموجبة للتوجه إلى بيت المقدس والثابت بالسنة من التوجه إلى بيت المقدس نسخ بالكتاب

والشرايع الثابتة بالكتب السالفة نسخت بشرعيتنا وما ثبت ذلك إلا بتبليغ الرسول عليه السلام وترك رسول الله آية في قراءته فلما اخبر به قال الم يكن فيكم أبي فقال بلى يا رسول الله لكني ظننت إنها نسخت فقال عليه السلام لو نسخت لاخبرتكم وانما ظن النسخ من غير كتاب يتلى ولم يرد عليه وقالت عائشة ما قبض رسول الله حتى اباح الله تعالى له من النساء ما شاء فكان نسخا للكتاب بالسنة وصالح رسول الله صلى الله عليه و سلم أهل مكة على رد نسائهم ثم نسخ بقوله تعالى فان علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار والدليل المعقول أن النسخ لبيان مدة الحكم وجائز للرسول بيان حكم الكتاب فقد بعث مبينا وجائز أن يتولى الله تعالى بيان ما اجرى على لسان رسوله صلى الله عليه و سلم ولان الكتاب يزيد بنظمه على السنة فلا يشكل انه يصلح ناسخا واما السنة فإنما ينسخ بها حكم الكتاب دون نظمه والسنة في حق الحكم وحي مطلق يوجب ما يوجبه الكتاب فإذا بقي النظم من الكتاب وانتسخ الحكم منه بالسنة كان المنسوخ مثل الناسخ لا محالة ولو وقع الطعن بمثله لما صح ذلك في الكتاب بالكتاب والسنة بالسنة بل في ذلك اعلاء منزلة رسول الله صلى الله عليه و سلم وتعظيم سنته و الله اعلم وظهر انه ليس بتبديل من تلقاء نفسه لانه جل وعلا قال وما ينطق عن الهوى واما الحديث فدليل على أن الكتاب يجوز أن ينسخ السنة وتأويل الحديث أن العرض على الكتاب إنما يجب فيما اشكل تاريخه أو لم يكن في الصحة بحيث ينسخ به الكتاب فكان تقديم الكتاب إولى فأما قوله جل وعلا نأت بخير منها أو مثلها فان المراد بالخيرية ما يرجع إلى العباد دون النظم بمعناه فكذلك المماثلة على انا قد بينا أن نسخ حكم الكتاب بالسنة خارج عن هذه الجملة ونسخ السنة بالسنة مثل قول النبي صلى الله عليه و سلم أني كنت نهيتكم عن زيارة القبور إلا فزوروها فقد اذن لمحمد في زيارة قبر أمه وكنت نهيتكم عن لحوم الاضاحي أن تمسكوها فوق ثلاثة ايام فامسكوها ما بدا لكم وكنت نهيتكم عن النبيذ في الدباء والحنتم والنقير والمزفت فان الظرف لا يحل شيئا ولا يحرمه ونسخ خبر الواحد مثله جائز ايضا ويجوز أن يكون حكم الناسخ اشق من حكم المنسوخ عندنا لان الله تبارك وتعالى نسخ التخيير في صوم رمضان بعزيمة الصيام ونسخ الصفح والعفو عن الكفار بقتال الذين يقاتلون فقال وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ثم نسخه بقتالهم كافة بقوله و قاتلوا المشركين كافة والناسخ اشق ههنا وقال بعضهم لا يصح إلا بمثله أو بأخف لقوله تعالى

ما نسخ من آية أو نسها نات بخير منها أو مثلها والجواب أن ذلك فيما يرجع إلى مرافق العباد وفي الاشق فضل ثواب الآخرة والله اعلم

باب تفصيل المنسوخ
قال الشيخ الأمام رضي الله عنه المنسوخ أنواع أربعة التلاوة والحكم والحكم دون التلاوة والتلاوة بلا حكم ونسخ وضقه في الحكم إما نسخ التلاوة والحكم جميعا فمثل صحف أبراهيم عليه السلام قال الله اما ببصر فيها القلوب او بموت العلماء و كان هذا جائز فى القرآن فى حياة النبي عليه السلام قال الله تبارك و تعالى سنقرئك فلا تنسى الاما شاء الله و قال جل جلاله ما ننسخ من أية او ننسها فاما بعد و فاته فلا لقوله تعالى سنقرئك فلا تنسى الاما شاء الله و قال جل جلاله ما ننسخ من أية او ننسها فاما عبد و فاته فلا لقوله تعالى أنا إنزلنا الذكر و إنا له حافظون اي نحفظه منزلا لا يلحقه تبديل صيانة للدين الى آخر الدهر و أما القسم الثاني و الثالث فصحيحان عند عامة الفقهاء و من الناس من أنكر ذلك فقال لان النص لحكمه فلا يبقى بدونه و الحكم بالنص ثبت فلا يبقى بدونه ولعامة العلماء أن الايذاء باللسان وامساك الزواني في البيوت نسخ حكمه وبقيت تلاوته وكذلك الاعتداد بالحول ومثله كثير ولان للنظم حكمين جواز الصلاة وما هو قائم بمعنى صيغة وجواز الصلاة حكم مقصود بنفسه وكذلك الاعجاز الثابت بنظمه حكم مقصود فبقى النص لهذين الحكمين ودلالة انهما يصلحان مقصودين ما ذكرنا أن من النصوص ما هو متشابه لا يثبت به إلا ما ذكرنا من الاعجاز وجواز الصلاة فلذلك استقام البقاء بهما وانتهى الآخر واما نسخ التلاوة وبقاء الحكم فمثل قراءة ابن مسعود رضي الله عنه في كفارة اليمين فصيام ثلاثة أيام متتابعات لكمنه صح عنه الحاقه عنده بالمصحف ولا تهمة في روايته وجب الحمل على انه نسخ نظمه وبقى حكمه وهذا لان للنظم حكما يتفرد به وهو ما ذكرنا فيصلح أن يكون هذا الحكم متناهيا أيضا ويبقى الحكم بلا نظم وذلك صحيح في اجناس الوحي واما القسم الرابع فمثل الزيادة على النص فإنها نسخ عندنا وقال الشافعي انه تخصيص وليس بنسخ وذلك زيادة النفي على الجلد وزيادة قيد الإيمان في كفارة اليمين والظهار قال لان الرقبة عامة في الكافرة والمؤمنة فاستقام فيها الخصوص وانما النسخ تبديل وفي قيد الإيمان تقرير لا تبديل وكذلك في شرط النفي تقرير للجلد لا تبديل فلم يكن نسخا وليس الشرط أن يكون الزيادة تخصيصا لا محالة بل ليس نسخا بكل حال ولنا

أن النسخ بيان مدة الحكم وابتداء حكم اخر والنص المطلق يوجب العمل باطلاقه فإذا صار مقيدا صار شيئا اخر لان التقييد والاطلاق ضدان لا يجنمعان وإذا كان هذا غير الأول لم يكن بد من القول بانتهاء الأول وابتداء الثاني وهذا لانه متى مقيدا صار المطلق بعضه و ما للبعض حكم الوجود كبعض العلة وبعض الحد حتى أن شهادة القاذف لا تبطل ببعض الحد عندنا لانه ليس بحد فثبت أن هذا نسخ بمنزلة نسخ جملته فأما التخصيص فتصرف في النظم ببيان أن بعض الجملة غير مراد بالنظم مما يتناوله النظم والقيد لا يتناوله الاطلاق إلا ترى أن الاطلاق عبارة عن العدم والتقييد عبارة عن الوجود فيصير إثبات نص بالمقايسة أو بخبر الواحد ولان المخصوص إذا لم يبق مراد بقى الباقي ثابتا بذلك النظم بعينه فلم يكن نسخا وإذا ثبت قيد الإيمان لم يكن المؤمنة ثابته بذلك النص الأول بنظمه بل بهذا القيد فيكون للاثبات ابتداء ودليل الخصوص للاخراج لا للاثبات ولا يشكل أن النفي إذا الحق بالجلد لم يبقى الجلد حدا ولهذا لم نجعل قراة الفاتحة فرضا لانه زيادة ولم نجعل الطهارة في الطواف شرطا لانه زيادة ولهذا قال أبو حنيفة وابو يوسف رحمهما الله أن القليل من المثلث لا يحرم لانه بعض المسكر وليس لبعض العلة حكم العلة بوجه وكذلك الجنب والمحدث لا يستعملان الماء القليل عندنا لانه بعض المطهر فلم يكن مطهرا كاملا ولان دليل النسخ ما لو جاء مقارنا كان معارضا والقيد يعارض الاطلاق بمنزلة سائر وجوه النسخ ونظير هذا الأصل اختلاف الشهود في قدر الثمن أن البيع لا يثبت لان الزيادة على الثمن يجعل الأول بعضه وقد صار كلا من وجه فصار غيرين ولم يكن للبعض حكم الوجود والله اعلم باب افعال النبي صلى الله عليه و سلم
وهي اربعة اقسام صباح ومستحب وواجب وفرض وفيها قسم اخر وهو الزلة لكن ليس من هذا الباب في شيء لانه لا يصلح للاقتداء ولا يخلو عن بيان مقرون به من جهة الفاعل أو من الله تبارك وتعالى كما قال جل وعز وعصى آدم وقال جل وعز حكاية عن موسى من قتل القبطى قال هذا من عمل الشيطان والزلة اسم لفعل غير مقصود في عينه لكنه اتصل الفاعل

به عن فعل مباح قصده فزل بشغلة عنه إلى ما هو حرام لم يقصده أصلا بخلاف المعصية فإنها اسم لفعل حرام مقصود بعينه واختلفوا في سائر افعال النبي صلى الله عليه و سلم مما ليس بسهو ولا طبع لان البشر لا يخلو عما جبل عليه فقال بعضهم يجب الوقف فيها وقال بعضهم بل يلزمنا اتباع فيها وقال الكرخي نعتقد فيها الاباحة فلا يثبت الفضل إلا بدليل ولا يثبت المتابعة منا اياه فيها لا بدليل وقال الجصاص مثل قول الكرخي إلا انه قال علينا اتباعه لا نترك ذلك إلا بدليل وهذا اصح عندنا إما الواقفون فقد قالوا أن صفة الفعل إذا كانت مشكلة امتنع الاقتداء لان الاقتداء في المتابعة في اصله ووصفه فإذا خالفه في الوصف لم يكن مقتديا فوجب الوقف إلى أن يظهر إما الاخرون فقد احتجوا بالنص الموجب لطاعة الرسول عليه السلام قال الله تعالى فليحذر الذين يخالفون عن امره والنصوص في ذلك كثيرة واما الكرخي فقد زعم أن الاباحة من هذه الأقسام هي ثابته بيقين فلم يجز إثبات غيره إلا بدليل ووجب إثبات اليقين كمن وكل رجلا بماله يثبت الحفظ به لانه يقين وقد وجدنا اختصاص لرسول ببعض ما فعله ووجدنا الاشتراك أيضا فوجب الوقف فيه أيضا ووجه القول الآخر أن الاتباع اصل لانه امام يقتدي به كما قال تعالى لابراهيم أني جاعلك للناس امام فوجب التمسك بالاصل حتى يقوم الدليل على غيره هذا الذي ذكرنا تقسيم السنن في حقنا وهذا باب تقسيم السنة في حق النبي صلى الله عليه و سلم
ولولا جهل بعض الناس والطعن بالباطل في هذا الباب لكان الأولى منا الكف عن تقسيمه فانه هو المتفرد بالكمال الذي لا يحيط به إلا الله تعالى والوحي نوعان ظاهر وباطن إما الظاهر فثلاثةاقسام ما ثبت بلسان الملك فوقع في سمعه بعد علم بالمبلغ بآية قاطعة وهو الذي انزل عليه بلسان الروح الامين عليه السلام والثاني ما ثبت عنده ووضح له باشارة الملك من غير بيان بالكلام كما قال النبي صلى الله عليه و سلم أن روح القدس نفث في روعى أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها إلا فاتقوا الله واجملوا في الطلب والثالث ما تبدي لقلبه بلا شبهة ولا مزاحم ولا معارض بالهام من الله تعالى بان أراه بنور عنده كما قال جلو علا لتحكم بين الناس بما اراك

الله فهذا وحي ظاهر كله مقرون بما هو إبتلاء اعني به الابتلاء في درك حقيتة بالتأمل وانما اختلف طريق الظهور وهذا من خواص النبي صلى الله عليه و سلم حتى كان حجة بالغة وانما يكرم غيره بشيء منها لحقه على مثال كرامات الالياء واما الوحي الباطن فهو ما ينا لباجتهاد الرأي بالتأمل في الأحكام المنصوصة واختلف في هذا الفصل فابى بعضهم أن يكون هذا من حظ النبي صلى الله عليه و سلم وانما له الوحي الخالص لا غير وانما الرأي والاجتهاد لامته وقال بعضهم كان له العمل في احكام الشرع بالوحي والرأي جميعا والقول إلا صح عنددنا هو القول الثالث وهو أن الرسول مأمور بانتظار الوحي فيما لم يوحي اليه من حكم الواقعة ثم العمل بالراي بعد انقضاء مدة الانتظار واحتج الأول بقول الله تعالى وما ينطق عن الهوى أن هو إلا وحي يوحى ولان الاجتهاد محتمل للخطأ ولا يصلح لنصب الشرع ابتداء لان الشرع حق الله تعالى فاليه نصبه بخلاف امر الحروب لانه يرجع إلى العباد يدفع او جر فصح اثباته بالراي ووجه القول الآخر أن الله تبارك وتعالى أمر بالاعتبار عاما بقوله فاعتبروا يا أولي الابصار وهو عليه السلام حتى الناس بهذا الوصف وقال الله تبارك وتعالى ففهمنا ها سليمن وذ لك عبارة عن الرأي من غير نص وكذلك قوله تبارك وتعالى لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه جواب بالراي وقال النبي صلى الله عليه و سلم للخثعمية ارايت لو كان على ابيك دين فقضيته إما كان تقبل منك قالت نعم قال فدين الله احق وقال لعمر وقد سأله عن القبلة للصائم ارايت لو تمضمضت بماء ثم محجته اكان تضرك وهذا قياس ظاهر وقال فيمن اتى اهله انه يوجر فقيل ايوجر أحدنا في شهوته فقال ارايت لو وضعه في حرام إما كان باثم وقال في حرمة الصدقه على بني هاشم ارايت لو تمضمضت بماء ثم محجته اكنت شاربه وهذا قياس واضح في تحريم الاوساخ بحكم الاستعمال ولان الرسول صلى الله عليه و سلم اسبق الناس في العلم حتى وضح له ما خفى على غيره من المتشابه فحال أن يخفى عليه معاني النص وإذا وضح له لزمه العمل به لان الحجة للعمل شرعت إلا أن اجتهاد غيره يحتمل الخطأ واجتهاده لايحتمل ولا يحتمل القرار على الخطاء فإذا اقره الله تعالى على ذلك دل على انه مصيب بيقين وذلك مثل امور الحرب وقد كان النبي صلى الله عليه و سلم يشاور في سائر الحوادث عند عدم النص مثل مشاورته في امور الحرب إلا ترى انه شاورهم في اسارى بدر فاخذ براي أبي بكر وكان ذلك هو الرأي عنده

فمن عليهم حتى نزل قوله لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما اخذتم عذاب عظيم وكما شاور سعد ابن معاذ وسعد بن عبادة يوم الاحزاب في بذل شطر ثمار المدينة ثم اخذ برايهما وكذلك اخذ براي اسيد بن حضير في النزول على الماء يوم بدر وكان يقطع الامر دونهم فيما اوحي اليه في الحرب كما في سائر الحوادث والجهاد محض حق الله تعالى ما بينه وبين غيره فرق وكان يقول لابي بكر وعمر رضي الله عنهما قولا فاني فيما لم يوح إلى مثلكما ولا يحل المشورة مع قيام الوحي وانما الشورى في العمل بالراي خاصة إلا ترى أن النبي صلى الله عليه و سلم معصوم عن القرار على الخطاء إما غيره فلا يعصم عن القرار على الخطاء فإذا كان كذلك كان اجتهاده ورايه صوابا بلا شبهة إلا انا اخترنا تقديم انتظار الوحي لانه مكرم بالوحي الذي يغنيه عن الرأي وعلى ذلك غالب احواله في أن لا يخلي عن الوحي والرأي ضروري فوجب تقديم الطلب لاحتمال الاصابة غالبا كالتيمم لا يجوز في موضع وجود الماء غالبا إلا بعد الطلب وصار ذلك كطلب النص النازل الخفي بين النصوص في حق سائر المجتهدين ومدة الانتظار على ما يرجو نزوله إلا أن يخاف الفوت في الحادثة والله اعلم ومما يتصل بسنة نبينا صلى الله عليه و سلم شرايع من قبله وانما اخرناه لانه اختلف في كونه شريعة له وهذا

باب شرايع من قبلنا
قال بعض العلماء يلزمنا شرايع من قبلنا حتى يقوم الدليل على النسخ بمنزلة شرايعتنا قال بعضهم لا يلزمنا حتى يقوم الدليل وقال بعضهم يلزمنا على انه شريعتنا والصحيح عندنا أن ما قص الله تعالى منها علينا من غبر انكار أو قصة رسول الله صلى الله عليه و سلم من غير انكار فانه يلزمنا على انه شريعة رسولنا عليه السلام احتج الاولون بقوله تبارك وتعالى أولئك الذين هدى الله فبهداهم افتده والهدى اسم يقع عن الإيمان والشرايع ولانه ثبت حقيقة دينا لله تبارك وتعالى و دين الله تعالى حسن مرضى عنده قال الله تبارك وتعالى لانفرق بين أحد من رس وقال مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فصار الأصل هو الموافقة واحتج أهل المقالة الثانية بقول الله تبارك وتعالى لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا لان الأصل في الشرايع الماضية الخصوص في

المكان ألا ترى إنها كانت يحتمل الخصوص في المكان رسولين بعثا في زمان واحد في مكانين إلا أن يكون أحدهما تبعا للآخر كما قال في قصة إبراهيم عليه السلام فأمن له لوط وكما كان هارون لموسى عليهما السلام فكذلك في الزمان أيضا فصار الاختصاص في شرائعهم أصلا إلا بدليل واحتج أهل المقالة الثالثة بأن النبي صلى الله عليه و سلم كان أصلا في الشرائع وكانت شريعته عامة لكافة الناس وكان وارثا لما مضى من محاسن الشريعة ومكارم الأخلاق قال الله تبارك وتعالى ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ورأى رسول الله صلى الله عليه و سلم في يد عمر رضي الله عنه صحيفة فقال ما هي فقال التوراة فقال أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى والله لو كان موسى حيا لما رسعه إلا اتباعي فصار الأصل الموافقة والألفة لكن بالشرط الذي قلنا ومعروف لا ينكر من فعل النبي صلى الله عليه و سلم العمل بما وجده صحيحا فيما سلف من الكتب غير محرف إلا أن ينزل وحي بخلافه فثبت أن هذا هو الأصل إلا أن التحريف من أهل الكتاب كان ظاهرا وكذلك الحسد والعداوة والتلبيس كثير منهم ووقعت الشبهة في نقلهم فشرطنا في هذا أن يقص الله تعالى أو رسوله عليه السلام من غير إنكار احتياطا في باب الدين وهو المختار عندنا من الأقوال بهذا الشرط الذي ذكرنا قال الله تبارك وتعالى ملة أبيكم إبراهيم وقال قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا فعلى هذا الأصل يجري هذا وقد احتج محمد رحمه الله في تصحيح المهايأة والقسمة بقول الله تعالى ونبئهم أن الماء قسمة بينهم وقال لها شرب ولكم شرب يوم معلوم فاحتج بهذا النص لإثبات الحكم به في غير المنصوص عليه بما هو نظيره فثبت أن المذهب هو القول الذي اخترناه والله أعلم وما يقع به ختم باب السنة

باب متابعة أصحاب النبي عليه السلام والاقتداء بهم
قال أبو سعيد البردعي تقليد الصحابي واجب يترك به القياس قال وعلى هذا أدركنا مشايخنا وقال الكرخي لا يجب تقليده إلا فيما لا يدرك بالقياس وقال الشافعي رحمه الله لا يقلد أحد منهم ومنهم من فضل في التقليد فقلد الخلفاء رضي الله عنهم وقد اختلف عمل أصحابنا في هذا الباب فقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله أن اعلام قدر رأس المال ليس بشرط وقد روى عن ابن عمر

رضي الله عنهما خلافه وقال أبو حنيفة وابو يوسف رحمهما الله في الحامل أنها تطلق ثلاثا للسنة وقد روى عن جابر وابن مسعود خلافه وقال أبو يوسف ومحمد في الأجير المشترك أنه ضامن ورويا ذلك عن علي وخالف ذلك أبو حنيفة بالرأي وقد اتفق عمل أصحابنا بالتقليد فيما لا يعقل بالقياس فقد قالوا في أقل الحيض أنه ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام ورووا ذلك عن أنس وعثمان بن أبي العاص الثقفي وافسدوا شراء ما باع بأقل مما باع عملا بقول عائشة رضي الله عنها في قصة زيد بن أرقم رضي الله عنه أما فيما لا يدرك بالقياس فلا بد من العمل به حملا لذلك على التوقيف من رسول الله عليه الصلاة و السلام لا وجه له غير هذا إلا التكذيب وذلك باطل فوجب العمل به لا محالة فأما فيما يعقل بالقياس فوجه قول الكرخي أن القول بالرأي من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم مشهور واحتمال الخطأ في اجتهادهم كائن لا محالة فقد كان يخالف بعضهم بعضا وكانوا لا يدعون الناس إلى أقوالهم وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول أن أخطأت فمن الشيطان وإذا كان كذلك لم يجز تقليد مثله بل وجب الاقتداء بهم في العمل بالرأي مثل ما عملوا وذلك معنى قول النبي عليه السلام أصحابي كالنجوم الخبر ومن ادعى الخصوص احتج بقول النبي صلى الله عليه و سلم اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر وبما روى في هذا الباب من اختصاصهم مما دل على ما قلنا ووجه قول أبي سعيد أن العمل برأيهم أولى لوجهين أحدهما احتمال السماع والتوقيف وذلك أصل فيهم مقدم على الرأي وقد كانوا يسكتون عن الأسناد ولاحتمال فضل إصابتهم في نفس الرأي فكان هذا الطريق هو النهاية في العمل بالسنة ليكون السنة بجميع وجوهها وشبهها مقدما على القياس ثم القياس بأقوى وجوهه حجة وهو المعنى الصحيح بأثره الثابت شرعا فقد ضيع الشافعي عامة وجوه السنن ثم مال إلى القياس الذي هو قياس الشبه وهو ليس بصالح لإضافة الوجوب إليه فما هو إلا كمن ترك القياس وعمل باستصحاب الحال فجعل الاحتياط مدرجة إلى العمل بلا دليل فصار الطريق المتناهي في أصول الشريعة وفروعها على الكمال هو طريق أصحابنا بحمد الله إليهم انتهى الذين بكماله وبفتواهم قام الشرع إلى آخر الدهر بخصاله لكنه بحر عميق لا يقطعه كل سابح والشروط كثيرة لا يجمعها كل طالب وهذا الاختلاف في كل ما ثبت عنهم من غير خلاف بينهم ومن غير أن يثبت انه بلغ غير قائله فسكت

مسلما له فأما إذا اختلفوا في شيء فإن الحق في أقوالهم لا يعدوهم عندنا على ما نبين في

باب الإجماع
إن شاء الله تعالى ولا يسقط البعض بالبعض بالتعارض لأنهم لما اختلفوا ولم تجر المحاجة بالحديث المرفوع سقط احتمال لتوقيف وتعين وجه الرأي والاجتهاد فصار تعارض أقوالهم كتعارض وجوه القياس وذلك يوجب الترجيح فإن تعذر الترجيح وجب العمل بأيها شاء المجتهد على أن الصواب واحد منها لا غير ثم لا يجوز العمل بالثاني من بعد إلا بدليل على ما مر في باب المعارضة وأما التابعي فإن كان لم يبلغ درجة الفتوى في زمان الصحابة ولم يزاحمهم في الرأي كان أسوة سائر أئمة الفتوى من السلف لا يصح تقليده وإن ظهر فتواه في زمن الصحابة كان مثلهم في هذا الباب عند بعض مشايخنا لتسليمهم مزاحمته إياهم وقال بعضهم بل لا يصح تقليده وهو دونهم لعدم احتمال التوقيف فيه وجه القول الأول إن شريحا خالف عليا في رد شهادة الحسن وكان علي يقول له في المشورة قل أيها العبد إلا بظر وخالف مسروق ابن عباس في النذر بنحر الولد ثم رجع ابن عباس إلى فتواه ولأنه بتسليمهم دخل في جملتهم رضي الله عنهم أجمعين باب الإجماع
الكلام في الإجماع في ركنه وأهلية من ينعقد به وشرطه وحكمه وسببه وأما ركنه فنوعان عزيمة ورخصة أما العزيمة فالتكلم منهم بما يوجب الإتفاق منهم أو شروعهم في الفعل فيما كان من بابه لأن ركن كل شيء ما يقوم به أصله والأصل في نوعي الإجماع ما قلنا وأما الرخصة فإن يتكلم البعض ويسكت سائرهم بعد بلوغهم وبعد مضي مدة التأمل والنظر في الحادثة وكذلك في الفعل وقال بعض الناس لا بد من النص ولا يثبت بالسكوت وحكى هذا عن الشافعي رحمه الله قال لأن عمر رضي الله عنه شاور الصحابة في مال فضل عنده وعلي ساكت حتى قال له ما تقول يا ابا الحسن فروى له حديثا في قسمة الفضل فلم يجعل سكوته تسليما وشاورهم في املاص المرأة فأشار وأبان لا غرم عليه وعلى ساكت فلما سأله قال أرى عليك العزة ولأن السكوت قد يكون مهابة كما قيل لابن عباس رضي الله عنهما ما منعك أن تخبر عمر بفولك في العول فقال درته وقد يكون للتأمل فلا يصلح حجة ولنا أن شرط النطق منهم جميعا

متعذر غير معتاد بل المعتاد في كل عصر أن يتولى الكبار الفتوى ويسلم سائرهم ولانا إنما نجعل السكوت تسليما بعد العرض وذلك موضع وجوب الفتوى وحرمة السكوت لو كان مخالفا فإذا لم يجعل تسليما كان فسقا أو بعد الاشتهار والاشتهار ينافي الخفاء فكان كالعرض وذلك ايضا بعد مضي مدة التأمل وذلك ينافي الشبهة فتعين وجه التسليم واما سكوت على فإنما كان لان الذين افتوا بامساك المال وبان لا غرم عليه في املاص المرأة كان حسنا إلا أن تعجيل الامضاء إلى الصدقة والتزام الغرم من عمر صيانة عن القيل والقال ورعاية لحسن الثناء وبسط العدل كان احسن فحل السكوت عن مثله وبعد فإن السكوت بشرط الصيانة عن الفوت جائز تعظيما للفتيا وذلك إلى آخر المجلس وكلامنا في السكوت المطلق فأما حديث الدرة فغير صحيح لان الخلاف والمناظرة بينهم اشهر من أن يخفى وكان عمر رضي الله عنه الين للحق واشد انقيا داله من غيره وان صح فتأويله ايلاء العذر في الكف عن مناظرته بعد ثباته على مذهبه وعلى هذا الأصل يخرج ايضا انهم إذا اختلفوا عني أصحاب النبي عليه السلام كان اجماعا على أن ما خرج من اقوالهم فباطل وكل عصر مثل ذلك ايضا ومن الناس من قال هذا سكوت ايضا بل اختلافهم يسوغ الاجتهاد من غير تعيين ولكنا نقول أن الإجماع من المسلمين حجة لا يعدوه الحق والصواب بيقين وإذا اختلفوا على اقوال فقد اجمعوا على حصر الأقوال في الحادثة ولا يجوز أن يظن بهم الجهل فلم يبق إلا ما قلنا وكذلك إذا اختلف العلماء في كل عصر على اقوال فعلى هذا ايضا عند بعض مشايخنا وقد قيل أن هذا بخلاف الأول إنما ذلك للصحابة خاصة رضي الله عنهم اجمعين وكذلك ما خطب به بعض الصحابة من الخلفاء فلم يعترض عليه فهو إجماع لما قلنا والله اعلم

باب الاهلية
قال الشيخ الأمام رضي الله عنه اهلية الإجماع إنما تثبت باهلية الكرامة وذلك لكل مجتهد ليس فيه هوى ولا فسق إما الفسق فيورث التهمة ويسقط العدالة وبأهلية اداء الشهادة وصفة الأمر بالمعروف ثبت هذا الحكم وأما الهوى فان كان صاحبه يدعو الناس اليه فسقطت

عدالته بالتعصب الباطل وبالسفه وكذلك أن مجن به وكذلك أن غلا حتى كفر به مثل خلاف الروافض والخوارج في الامامة فانه من جنس العصبية وصاحب الهوى المشهور به ليس من الأمة على الاطلاق فأما صفة الاجتهاد فشرط في حال دون حال إما في اصول الدين الممهدة مثل نقل القرآن ومثل امهات الشرايع فعامة المسلمين داخلون مع الفقهاء في ذلك الإجماع فأما ما يختص بالرأي والاستنباط وما يجري مجراه فلا يعتبر فيه إلا أهل الرأي والاجتهاد وكذلك من ليس من أهل الرأي والاجتهاد من العلماء فلايعتبر في الباب إلا فيما يستعنى عن الرأي ومن الناس من زاد في هذا وقال لا جماع إلا للصحابة لانهم هم الاصول في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقال بعضهم لا يصح إلا من عترة الرسول عليهم السلام فهم المخصوصون بالعرق الطيب المجبولون على سواء السبيل ومنهم من قال ليس ذلك إلا أهل المدينة فهم أهل حضرة النبي صلى الله عليه و سلم إلا أن هذه امور زائدة على الاهلية وما ثبت به الإجماع حجة لا يوجب الاختصاص بشيء من هذا وانما هذا كرامة الأمة ولا اختصاص للامة بشيء من هذا والله اعلم

باب شروط الإجماع
قال الشيخ الأمام رضي الله عنه قال اصحابنا رحمهم الله انقراض العصر ليس بشرط الصحة الإجماع حجة وقال الشافعي رحمه الله الشرط أن يموتوا على ذلك لاحتمال رجوع بعضهم لكنا نقول ما ثبت به الإجماع حجة لا فصل فيه وانما ثبت مطلقا فلا صح الزيادة عليه وهو نسخ عندنا ولان الحق لا يعد والإجماع كرامة لهم لا لمعنى يعقل فوجب ذلك بنفس الإجماع فإذا رجع بعضهم من بعد لم يصح رجوعه عندنا وقال الشافعي يصح لانه ما كان ينعقد إجماعهم إلا به كذلك لا يبقى إلا به ولكنا نقول بعد ما ثبت الإجماع لم يسعه الخلاف وصار يقينا كرامة وفي الابتداء كان خلافه مانعا عندنا وقال بعض الناس لا يشترط اتفاقهم بل خلاف الواحد لايعتبر ولا خلاف الاقل لان الجماعة احق بالاصابة وأولى بالحجة قال النبي عليه السلام عليكم بالسواد الاعظم والجواب أن النبي عليه السلام جعل إجماع الأمة حجة فما بقي منهم

أحد يصلح للاجتهاد والنظر مخالفا لم يكن اجماعا وانما هذا كرامة تبثتت على الموافقة من غير أن يعقل به دليل الاصابة فلا يصلح ابطال حكم الأفراد وقد اختلف أصحاب النبي عليه السلام و ربما كان المخالف واحدا و ربما قل عددهم في مقابلة الجمع الكثير و تأويل قولهعليه السلام عليكم با لسواد الا عظيم هو عاقة المؤمنين و كلهم ممن هوامه مطلقا و اختلفوا في شرط آخر وهو ان الجماع كل عصر حجة فيما سبق فيه الخلاف من السلف على بعض اقوالهم و فيما يسبق الخلاف من الصدر الاول فقد صح عن محمد رحمه الله ان قضاء القاضي ببيع امهات الاولادلا باطل و ذكر الكرخي عن أبي حنفية رحمه الله ان قضاء القاضي ببيع امهات الاولاد لا ينقض فقال بعض حنيفة رحمه الله جعل الاختلاف الأول مانعا من الإجماع المتأخر وقال بعضهم بل تأويل قول أبي حنيفة أن هذا إجماع مجتهد وفيه شبهة فينفذ قضاء القاضي ولا ينقض عند الشبهة إما من اثبت الخلاف فوجه قوله أن المخالف الأول لو كان حيا لما انعقد الإجماع دونه وهو من الأمة بعد موته إلا ترى أن خلافه اعتبر بدليله لا لعينه ودليله باق بعد موته ولان في تصحيح هذا الإجماع تضليل بعض الصحابة مثل قول عبد الله بن عباس في العول وقد قال فيمن قال لامرأته أنت خلية برية بتة باين ونوى الثلاث ثم وطئها في العدة لا يحل لقول عمر رضي الله عنه إنها رجعية ولم يقل به أحد عند نية الثلاث ووجه القول الآخر ان دليل كون الإجماع حجة هو اختصاص الأمة بالكرامة بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر وذلك إنما يتصور من الاحياء في كل عصر فأما قوله أن الدليل باق فهو كذلك لكنه فسخ كنص يترك بخلاف القياس فأما التضليل فلا يجب لان الرأي يومئذ كان حجة لفقد الإجماع فإذا حدث الأجماع انقطع الدليل للحال وذلك كالصحابة إذا اختلفوا بالرأي فلما عرضوا ذلك على النبي عليه السلام فرد قول البعض لم ينسب صاحبه إلى الضلال وكصلاة أهل قباء بعد نزول النص قبل بلوغهم وانما اسقط محمد رحمه الله الحد بالشبهة ومن شرط اجتماع من هو داخل في اهلية الإجماع وبعض مشايخنا شرط الاكثر والصحيح ما قلنا لانه إنما صار حجة كرامة تثبت على اتفاقهم فلا تثبت بدون هذا الشرط

باب حكم الإجماع
قال الشيخ الأمام رضي الله عنه حكمه في الأصل أن يثبت المراد به حكما شرعيا على سبيل اليقين ومن أهل الهوى من لم يجعل الإجماع حجة قاطعة لان كل واحد منهم اعتمد ما لا يوجب العلم لكن هذا خلاف الكتاب والسنة والدليل المعقول إما الكتاب فإن الله تعالى قال ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى فأوجب هذا أن يكون سبيل المؤمنين حقا بيقين وقال كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر والخيرية توجب الحقية فيما اجمعوا وقال وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس والوسط العدل وذلك يضاد الجور والشهادة على الناس تفتضي الاصابة والحقية إذا كانت شهادة جامعة للدنيا والاخرة وقال النبي صلى الله عليه و سلم لا يجتمع امتي على الضلالة وعموم النص ينفي جميع وجوه الضلالة في الإيمان والشرايع جميعا وأمر النبي صلى الله عليه و سلم ابا بكر ليصلي بالناس فقالت عائشة أن رجل رقيق فمر عمر ليصلي بالناس قال النبي عليه السلام أبى الله ذلك والمسلمون وسئل عن الخميرة يتعاطها الجيران فقال مارآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن واما المعقول فلان رسولنا عليه السلام خاتم النبين باقية الى آخر الدهر و امته ثابته على الحق الى ان تقوم الساعة قال النبي عليه السلام ظاهرين حتى تقوم الساعة وقال حتى تقاتل آخر عصابة من امتي الدجال وانما المراد بالامة من لا يتمسك بالهوى و البدعة ولو جاز الخطأ على جماعتهم وقد انقطع الوحي بطل وعد الثبات على الحق فوجب القول بأن إجماعهم صواب بيقين كرامة من الله تعالى صيانة لهذا الدين وهذا حكم متعلق باجماعهم صيانة للدين وذلك جائز مثل القاضي يقضي في المجتهد برأيه فيصير لازما لا يرد عليه نقض وذلك فوق دليل الاجتهاد صيانة للقضاء الذي هي من اسباب الدين ولا ينكر في المحسوس والمشروع أن يحدث باجتماع الأفراد مالا يقوم به الأفراد والله اعلم فصار الإجماع كآية من الكتاب أو حديث متواتر في وجوب العمل والعلم به فيكفر جاحده في الأصل قال الشيخ الأمام ثم هذا على

مراتب فاجماع الصحابة مثل الاية والخبر المتواتر واجماع من بعدهم بمنزلة المشهور من الحديث وإذا صار الإجماع مجتهدا في السلف كان كالصحيح من الآحاد والنسخ في ذلك جائز بمثله حتى إذا اثبت حكم باجماع عصر يجوز أن يجتمع أولئك على خلافه فينسخ به الأول ويجوز ذلك و أن لم يتصل به التمكن من العمل عندنا على ما أمر ويستوى في ذلك أن يكون في عصرين أو عصر واحد اعني به في جواز النسخ والله اعلم بالصواب

باب بيان سببه
قال الشيخ الأمام رضي الله عنه وهو نوعان الداعي والناقل إما الداعي فيصلح أن يكون من إخبار الآحاد أو القياس وقال بعضهم لا بد من جامع اخر مما لا يحتمل الغلط وهذا باطل عندنا لان ايجاب الحكم به قطعا لم يثبت من قبل دليله بل من قبل عينه كرامة للامة وادامة للحجة وصيانة وتقرير الهم على المحجة ولو جمعهم دليل موجب يوجب علم اليقين لصار الإجماع لغوا فثبت أن ماقاله هذا القائل حشو من الكلام واما السبب الناقل الينا فعلى مثال نقل السنة فقد ثبت نقل السنة بدليل قاطع لا شبهة فيه وقد ثبت بطريق فيه شبهة فكذا هذا إذا انتقل الينا إجماع السلف باجماع كل عصر على نقله كان في معنى نقل الحديث المتواتر وإذا انتقل الينا بالافراد مثل قول عبيدة السلماني ما اجتمع أصحاب النبي عليه السلام على شيء كاجتماعهم على محافظة الاربع قبل الظهر وعلى اسفار الصبح وعلى تحريم نكاح الاخت في عدة الاخت وسئل عبد الله بن مسعود عن كبير الجنازة فقال كل ذلك قد كان إلا أني رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم يكبرون اربعا وكما روي في توكيد المهر بالخلوة وكان هذا كنقل السنة بالآحاد وهو يقين بأصله لكنه لما انتقل الينا بالآحاد اوجب العمل دون علم اليقين وكان مقدما على القياس فهذا مثله ومن الفقهاء من أبي النقل بالآحاد في هذا الباب وهو قول لاوجه له ومن انكر الإجماع فقد ابطل دينه كله لان مدار اصول الدين كلها ومرجعها إلى إجماع المسلمين وصلى الله على نبيه محمد وآله اجمعين

باب القياس
قال الشيخ الأمام رضي الله عنه الكلام في هذا الباب ينقسم إلى اقسام اولها الكلام في تفسير القياس والثاني في شرطه والثالث في ركنه و الرابع في حكمه والخامس في دفعه ولا بد من معرفة هذه الجملة لان الكلام لا يصح إلا بمعناه ولا يوجد إلا عند شرطه ولا يقوم إلا بركنه ولم يشرع إلا لحكمه ثم لا يبقى إلا الدفع
باب تفسير القياس
للقياس تفسير هو المراد بظاهر صيغته ومعنى هو المراد بدلالة صيغته ومثاله الضرب هو اسم لفعل يعرف بظاهرة ولمعنى يعقل بدلالته على ما قلنا إما الثابت بظاهر صيغته فالتقدير يقال قس النعل بالنعل أي احذه به وقدره به وذلك أن يلحق الشيء بغيره فيجعل مثله ونظيره وقد يسمى ما يجري بين اثنين من المناظرة قياسا وهو مأخوذ من قايسته قياسا وقد يسمى هذا القياس نظرا مجازا لانه من طريق النظر يدرك وقد يسمى اجتهاد الان ذلك طريقه فسمى به مجازا وأما المعنى الثابت بدلالة صيغته فهو انه مدرك في احكام الشرع ومفصل من مفاصل وهذه جملة لا تعقل إلا بالبسط والبيان وبيان ذلك أن الله تعالى كلفنا العمل بالقياس بطريق وضعه على مثال العمل بالبينات فجعل الاصول شهود فهي شهود الله ومعنى النصوص هو شهادتها وهو العلة الجامعة بين الفرع والاصل ولا بد من صلاحية الاصول وهو كونها صالحة للتعليل كصلاحية الشهود بالحرية والعقل والبلوغ ولا بد من صلاح الشهادة كصلاح شهادة الشاهد بلفظة الشهادة خاصة وعدالته واستقامته للحكم المطلوب فكذلك هذه الشهادة ولا بد من طالب للحكم على مثال المدعي وهو القايس ولا بد من مطلوب وهو الحكم الشرعي ولا بد من مقضي عليه وهو القلب بالعقد ضرورة والبدن بالعمل اصلا أو الخصم في مجلس النظر والمحاجة ولا بد من حكم هو بمعنى القاضي وهو القلب وإذا ثبت ذلك بقي للمشهود عليه ولاية الدفع كما في سائر الشهادات هذا مذهب عامة أصحاب النبي عليه السلام وهو مذهب

عامة التابعين الصالحين وعلماء الدين رضي الله عنهم اجمعين فانهم اتفقوا على أن القياس بالرأي على الاصول الشرعية لتعدية احكامها إلى مالا نص فيه مدرك من مدارك احكام الشرع لا حجة لاثباتها ابتداء وقال أصحاب الظواهر من أهل الحديث وغيرهم أن القياس ليس بحجة العمل به باطل وهو قول داود الاصبهاني وغيره واختلف هؤلاء فقال بعضهم لا دليل من قبل العقل اصلا والقياس قسم منه وقال بعضهم لا عمل لدليل العقل إلا في الأمور العقلية دون الشرعية وقال بعضهم وهو دليل ضروري ولا ضرورة بنا اليه لا مكان العمل باستصحاب الحال واحتج من ابطل القياس بالكتاب والسنة والمعقول إما الكتاب فقول الله تعالى ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وقوله تعالى ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين ومن جعل القياس حجة لم يجعل الكتاب كافيا وأما السنة فقول النبي عليه السلام لم يزل أمر بني اسرائيل مستقيما حتى كثرت فيهم اولاد السبايا فقاسوا ما لم يكن بما قد كان فضلوا واضلوا وما المعقول فلمعنى في الدليل ولمعنى في المدلول إما الدليل فشبهة في الأصل لان النص لم ينطق بشيء من الاوصاف علة للحكم والحكم المطلوب حق الله تعالى فلا يصح اثباته بما هو شبهة في الأصل مع كمال قدرة صاحب الحق واما الذي في المدلول فلأن المدلول طاعة الله تعالى ولا يطاع الله تعالى بالعقول والاراء إلا ترى أن من الشرايع مالا يدرك بالعقول مثل المقدرات ومنها ما يخالف المعقول ولا يلزم أمر الحروب ودرك الكعبة وتقويم المتلفات إما على الأول فلانها من حقوق العباد إما غير القبلة فلا يشكل واما القبلة فاصلة معرفة اقاليم الأرض وذلك حق العباد فبنى على وسعهم واما على الثاني فلان هذه الأمور إنما يعقل بوجوه محسوسه إلا ترى أن قيم المتلفات ومهور النساء وامور الحرب تعقل بالاسباب الحسية وكذلك القبلة وكان يقينا بأصله على مثال الكتاب والسنة وحصل بما قلنا المحافظة على المنصوص بمعاينها ولان العمل بالاصل في مواضع القياس ممكن وذلك دليل دعينا إلى العمل به قال الله تعالى قل لا اجد فيما اوحى ألي محرما على طاعم يطعمه الاية وليس كذلك ما ذكرنا من امور الحرب وغيرها لان العمل بالاصل غير ممكن وكذلك أمر القبلة فعملنا بالاجتهاد للضرورة ولا يلزم عليه الاعتبار بمن مضى من القرون في المثلات والكرامات لان ذلك أمر يعقل بالحس

والعيان وعلى لك يحمل ما ورد في الكتاب من الأمر بالاعتبار على أمر الحرب يحمل مشاورة النبي عليه السلام ولعامة العلماء وائمة الهدى الكتاب والسنة والدليل المعقول وهذا اكثر من أن يحصى و اوضح من أن يخفى وانما نذكر طرفا منه تبركا واقتداء بالسلف قال الله تعالى فاعتبروا يا اولي الابصار والاعتبار رد الشيء إلى نظيره والعبرة البيان قال الله تعالى أن كنتم للرؤيا تعبرون أي تبينون والقياس مثله سواء فان قيل إنما يصح الاعتبار بامر ثابت بالنص دون الرأي وهو أن يذكر سبب هلاك قوم أو نجاتهم وكذلك عندي ههنا اذ1 ذكرت العلة نصا مثل قول النبي في الهرة إنها من الطوافات والجواب ما نبين أن شاء الله وقال الله تعالى أن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون يعقلون ونحو ذلك وقال جل ذكره ولكم في القصاص حياة وهو افناء و اماته في الظاهر لكنه حياة من طريق المعنى بشرعه واستيفائه إما الأول فان من تأمل في شرع القصاص ضده ذلك عن مباشرة سببه فيبقى حيا ويسلم المقصود بالقتل عنه فيبقى حيا فيصير حياة لهما أي بقاء عليهما واما في استيفائه فلان من قتل رجلا صار جريا على اوليائه وصاروا كذلك عليه فلا يسلم لهم حياة إلا أن يقتل القاتل فيسلم به حياة اولياء القتيل الأول والعشائر فصاروا احياء معنى وهذا لا يعقل إلا بالتأمل واما السنة فاكثر من أن يحصى من لك ما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم حين بعث معاذا إلى اليمن قال بم تقضي قال بما في كتاب الله قال فان لم تجد في كتاب الله قال اقضي بما قضى به رسول الله قال فإن لم تجد فيما قضى به رسول الله قال اجتهد برأيي قال الحمد لله الذي وفق رسول رسوله و هذا نصل صحيح وقد روينا ما هو قياس بنفسه من النبي عليه السلام وعمل أصحاب النبي عليه السلام في هذا الباب ومناظرتهم ومشاورتهم في هذا الباب اشهر من أن يخفى على عاقل مميز فان طعن طاعن فيهم فقد ضل عن سواء السبيل ونابذ الإسلام ومن ادعى خصوصهم فقد ادعى أمر إلا دليل عليه بل الناس سواء في تكليف الاعتبار واما المعقول فهو أن الاعتبار واجب بنص القرآن وهو النظر والتأمل فيما اصاب من قبلنا من المثلات باسباب نقلة عنهم لنكف عنها احترازا عن مثله من الجزاء وكذلك التأمل في حقائق اللغة لاستعارة غيرها لها سايغ والقياس نظيره بعينه لان الشرع شرع احكاما بمعاني اشار اليها كما انزل مثلات

بأسباب قصها ودعانا إلى التأمل ثم الاعتبار وبيان ذلك في الأصل في قول الله تعالى هو الذي اخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لاول الحشر فالاخراج من الديار عقوبة بمعنى القتل والكفر يصلح داعيا اليه وأول الحشر دلالة على تكرار هذه العقوبة وقوله تعالى ما ظننتم أن يخرجوا دليل على أن اصابة النصرة جزاء التوكل وقطع الحيل وان المقت والخذلان جزاء النظر إلى القوة والاغترار بالشوكة إلى ما لا يحصى من معاني النص ثم دعانا إلى الاعتبار بالتأمل في معاني النص للعمل به فيما لا نص فيه وكذلك في مسألتنا هذه ومثال ذلك في مسألة الربا وذلك أن النبي عليه السلام قال الحنطة بالحنطة أي بيعوا الحنطة بالحنطة بالحنطة لان الباء كلمة الصاق فدال على اضمار فعل مثل قولك بسم الله فدل عليه قوله لا تبيعوا الطعام بالطعام إلا سواء بسواء ودل عليه حديث عبادة بن الصامت أن النبي عليه السلام قال لا تبيعوا الذهب بالذهب والورق بالورق إلا سواء بسواء والحنطة بالحنطة الاسواء بسواء عينا بعين فمن زاد أو استزاد فقد اربى والحنطة اسم علم لميكل معلوم وقد قوبل بجنسه وقوله مثلا بمثل حال لما سبق والاحوال شروط أي بيعوا بهذا الوصف والأمر للايجاب يكون والبيع مباح فلا بد من صرف الأمر إلى الحال التي هي شرط والمراد بالمثل القدر لما روي في حديث اخر كيل بكيل فثبت بصيغة الكلام و قوله والفضل اسم لكل زيادة وقوله ربا اسم لزيادة هي حرام وهو فضل مال لا يقابله عوض في معاوضة مال بمال والمراد بالفضل الفضل على القدر لان الفضل لا يتصور إلا بناء على المماثلة ليكون فضلا عليها والمراد بالمماثلة القدر بالنص فكذلك الفضل عليها لا محالة وصار حكم النص وجوب التسوية بينهما في القدر ثم الحرمة بناء على فوات حكم الأمر هذا حكم هذا النص عرفناه بالتأمل في صيغة النص فوجب علينا التأمل فيما هو داع إلى هذا الحكم مما هو ثابت بهذا النصل وهو ايجاب المماثلة عند البيع بجنسها وإذا تأملنا وجدنا الداعي إلى هذا القدر والجنس لان ايجاب التسوية بين هذه الاموال يقتضي أن تكون امثالا متساوية و لن تكون امثالا متساوية إلا بالجنس والقدر لان كل موجود من المحدث موجود بصورته و معناه فإنما يقوم المماثلة بهما فالقدر عبارة عن امتلاء المعيار بمنزلة الطول والعرض فصار به يحصل المماثلة صورة والجنس عبارة عن مشاكلة المعاني فيثبت به المماثلة معنى وسقطت

قيمة الجودة بالنص وهو قوله جيدها ورديؤها سواء تبرها وعينها سواء وبالإجماع فيمن باع قفيزا جيدا بقفيز ردى وزيادة فلس أنه لا يصح ولما عرف أن ما لا ينتفع به إلا بهلاكه فمنفعة في ذاته ولما صارت أمثالا بالقدر والجنس وسقطت اعتبار القيمة للجودة شرطا لا علة لأن العدم لا يصلح علة صارت المماثلة ثابتة بهذين الوصفين وصار سائر الأعيان فضلا على هذين المتماثلين بالكيل والجنس بواسطة المماثلة فصار شرط شيء منها في البيع بمنزلة شرط الخمر ففسد به البيع فهذا أيضا معقول من هذا النص ليس بثابت بالرأي فلم يبق من بعد إلا الاعتبار وهو أنا وجدنا الأرز والجص والدخن وسائر المكيلات والموزونات أمثالا متساوية فكان الفضل على المماثلة فيها فضلا خاليا عن العوض في عقد البيع مثل حكم النص بلا تفاوت فلزمنا إثباته على طريق الاعتبار وهو كما ذكرنا من الأمثلة ما بينها وبين هذه الجملة افتراق وحصل بما قلنا إثبات الأحكام بظواهرها تصديقا وإثبات معانيها طمأنينة وشرحا للصدور ثبت به تعميم أحكام النصوص وفي ذلك تعظيم حدودها ولزمنا بهذا الأصل محافظة النصوص بظواهرها ومعانيها ومحافظة مت تضمنته من المعاني التي تعلقت بها أحكامها جمعا بين الأصول والفروع معا وهو الحق وماذا بعد الحق إلا الضلال وما للخصم إلا التمسك بالجهل وصار تعليق الحكم بمعنى من المعاني ثابتا بحجة فيها ضرب شبهة وفي التعيين احتمال وجائز وضع الأنساب للعمل على هذا الوجه كالنصوص المحتملة بصيغها من الكتاب والسنة وصار الكتاب تبيانا لكل شيء من هذا الوجه لأن ما ثبت بالقياس يضاف إليه فكان أولى من العمل بالحال التي ليست بحجة فإذا تعذر العمل بالقياس صير إلى الحال وثبت أن طاعة الله تعالى لا يتوقف على علم اليقين

فصل في تعليل الأصول
قال الشيخ الإمام واختلفوا في هذه الأصول فقال بعضهم هي غير شاهدة أي غير معلولة إلا بدليل وقال بعضهم هي معلولة بكل وصف يمكن إلا بمانع وقال بعضهم هي معلولة لكن لا بد من دليل مميز وهذا أشبه بمذهب الشافعي رحمه الله والقول الرابع قولنا أنا نقول هي معلولة شاهدة إلا بمانع ولا بد من دلالة التمييز ولا بد قبل ذلك من قيام الدليل على أنه للحال

شاهد وعلى هذا اختلافا في تعليل الذهب والفضة بالوزن وأنكر الشافعي رحمه الله التعليل فلا يصح الاستدلال بأن النصوص في الأصل معلولة إلا بإقامة الدليل في هذا النص على الخصوص أنه معلول احتج أهل المقالة الأولى بأن النص موجب بصيغته وبالتعليل ينتقل حكمه إلى معناه وذلك كالمجاز من الحقيقة فلا تترك إلا بدليل ألا ترى أن الأوصاف متعارضة والتعليل بالكل غير ممكن وبكل وصف محتمل فكان الوقف أصلا واحتج أهل المقالة الثانية بأن الشرع لما جعل القياس حجة ولا يصير حجة إلا بأن يجعل أوصاف النص علة وشهادة صارت الأوصاف كلها صالحة فصلح الإثبات بكل وصف إلا بمانع مثل رواية الحديث لما كان حجة و الأجتماع متعذر صارت رواية كل عدل لا يترك الا بمانع فكذلك هذا ولما صار القياس دليلا صار التعليل والشهادة من النص أصلا فلا يترك بالاحتمال وإنما التعليل لاثبات حكم الفرع فأما النص فيبقى موجبا كما كان ووجه القول الثابت أنه لما ثبت القول بالتعليل وصار ذلك أصلا بطل التعليل بكل الأوصاف لأنه ما شرع إلا للقياس مرة وللحجر أخرى عند الشافعي وهذا يسد باب القياس أصلا فوجب التعليل بواحد من الجملة فلا بد من دليل يوجب التمييز لأن التعليل بالمجهول باطل والواحد من الجملة هو المتيقن بعد سقوط الجملة لكنه مجهول قلنا نحن أن دليل التمييز شرط على ما نبين إن شاء الله تعالى لكنا نحتاج قبل ذلك إلى قيام الدلالة على كون الأصل شاهدا للحال لانا قد وجدنا من النصوص ما هو غير معلول فاحتمل هذا أن يكون من تلك الجملة لكن هذا الأصل لم يسقط بالاحتمال ولم يبق حجة على غيره وهو الفرع بالاحتمال أيضا على مثال استصحاب الحال ولا يلزم عليه أن الاقتداء بالنبي عليه السلام واجب مع قيام الاختصاص في بعض الأمور لأن الاقتداء بالنبي عليه السلام إنما صار واجبا لكونه رسولا وإماما وهذا لا شبهة فيه فلم يسقط العمل بما دخل من الاحتمال في نفس العمل فأما هنا فإن النص نوعان معلول وغير معلول فيصير الاحتمال واقعا في نفس الحجة ولأن الشرع ابتلانا بالوقف مرة وبالاستنباط أخرى كل ذلك أصل فلما اعتدلا لم يستقم الاكتفاء بأحد الأصلين فأما الرسول عليه السلام فإنما بعث للاقتداء لا معارض لذلك فلم يبطل بالاحتمال ومثال هذا الأصل قولنا في الذهب والفضة أن حكم النص في ذلك معلول فلا يسمع

منا الاستدلال بالاصل وهو أن التعليل اصل في النصوص بل لا بد من اقامة الدلالة على أن هذا النص بعينه معلول ودلالة ذلك أن هذا النص تضمن حكم التعيين بقوله يدا بيد وذلك من باب الربا ايضا إلا ترى أن تعيين أحد البدلين شرط جواز كل بيع احترازا عن الدين وتعيين الآخر واجب طلبا للاستواء بينهما احترازا عن شبهة الفضل الذي هو ربا وقد قال النبي عليه السلام إنما الربا في النسيئة وقد وجدنا هذا الحكم متعديا عنه حتى قال الشافعي رحمه الله في بيع الطعام بالطعام أن التقايض شرط وقلنا جميعا فيمن اشترى حنطة بعينها بشعير بغير عينه حالا غير مؤجل انه باطل وان كان موصوفا لما قلنا ووجب تعيين رأس مال السلم بالإجماع وإذا ثبت التعدي في ذلك ثبت انه معلول فلا تعدي بلا تعليل بالإجماع فقد صح التعدي ولم يكن الثمنية مانعة وإذا ثبت فيه ثبت في مسألتنا لانه هو بعينه بل ربا الفضل اثبت منه وقال الشافعي رحمه الله أن تحريم الخمر معلول فلا بد من اقامة الدليل عليه ولا دليل عليه من قبل النص بل الدليل دل على خلافه فان النص اوجب تحريم الخمر لعينها وليست حرمة سائر الاشربة ونجاستها من باب التعدي لكنه ثبت بدليل فيه شبهة احتياطا ومثال هذا الشاهد لما قبلت شهادته مع صفة الجهل بحدود الشرع بطل الطعن بالجهل وصح الطعن بالرق فكذلك ههنا متى وجدنا النص شاهدا مع ما ذكر من الطعن بطل الطعن ومتى وقع الطعن في الشاهد بما هو جرح وهو الرق لم يجز الحكم بظاهر الحرية إلا بحجة فكذلك هنا لا يصح العمل به مع الاحتمال إلا بالحجة والله اعلم

باب شروط القياس
قال الشيخ الأمام وهي اربعة اوجه أن لا يكون الأصل مخصوصا بحكمه بنص اخر وان لا يكون حكمه معد ولا به عن القياس وان يتعدى الحكم الشرعي الثابت بالنص بعينه إلى فرع هو نظيره ولا نص فيه وان يبقى الحكم في الأصل بعد التعليل على ما كان قبله إما الأول فلانه متى ثبت اختصاص بالنص صار التعليل مبطلا له وذلك باطل لانه لا يعارضه واما الثاني فلان حاجتنا إلى إثبات الحكم بالقياس فإذا جاء مخالفا للقياس لم يصح

إثباته به كالنص النافي لا يصلح للاثبات واما الثالث فلان القياس محاذاة بين شيئين فلا ينفعل إلا في محله وهو الفرع والاصل معا وانما التعليل لاقامة حكم شرعي وفي هذه الجملة خلاف واما الرابع فلما قلنا أن القياس لا يعارض النص فلا يتغير به حكمه مثال الأول أن الله تعالى شرط العدد في عامة الشهادات وثبت بالنص قبول شهادة خزيمة وحده لكنه ثبت كرامة له فلم يصح ابطاله بالتعليل وحل للنبي صلى الله عليه و سلم نسوة أكراما له فلم يصح تعليله و كذلك ثبت بالنص ان البيع يقتضى محى مملوكا مقدورا و جوز السلم في الدين بالنص و هو قوله صلى الله عليه و سلم من اسلم منكم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم الى اجل معلوم و ماثبت بهذا النص الا مؤجلا فلم يستقم ابطال الخصومات بالتعليل و قال الشافعي رحمه الله لما صح نكاح النبي عليه السلام بلفظة الهبة على سبيل الخصوص بقوله خاصة لك بطل التعليل و قلنا بل الاختصاص في سلامته بغير عوض و في اختصاصه بان لا تحل لاحد بعدة قال الله تعالى و أزواجه امهاتكم و قال قد علمنا ما فرض عليهم في ازواجهم وهذا مما يعقل كرامة فأما الاختصاص باللفظ فلا وقد ابطلنا التعليل من حيث ثبت كرامة وكذلك ثبت للمنافع حكم التقوم والمالية في باب عقود الاجارة بالنص مخالفا للقياس المعقول لان التقوم والتمول يعتمد الوجود ليصلح الاحراز والتقوم عبارة عن اعتدال المعاني وبين العين والمنافع تفاوت في نفس الوجود فلا يصح ابطال الخصوص بالتعليل ومثال الثاني من الشروط أن آكل الناسي معدول به عن القياس وهو فوات القربة بما يضاد ركنها هو القياس المحض وثبت حكم النسيان بالنص معدولا به عن القياس لا مخصوصا من النص فلم يصح التعليل للقياس وهو معدول عنه فيصير التعليل حينئذ لضد ما وضع له ولم يثبت هذا الحكم في مواقة الناسي بالتعليل بل بدلالة النص لانهما سواء في قيام الركن بالكف عنهما إلا ترى أن معنى الحديث لغة أن الناسي غير جان على الصوم ولا على الطعام فكان الجماع مثله بدلالة النص على ما مر وكذلك ترك التسمية على الذبيح ناسيا يجعل عفوا بالنص معدولا عن القياس فلا يحتمل التعليل وكذلك حديث الاعرابي الذي قال له رسول الله صلى الله عليه و سلم كل انت واطعم عيالك كان الاعرابي مخصوصا بالنص فلم يحتمل التعليل

فأما المستحسنات فمنها ما ثبت بقياس خفي لا معدولا واما الأصل إذا عارضه اصول فلا يسمى معدولا لان التعليل لا يقتضي عددا من الاصول ولكنه مما يصلح للترجيح على مثال ما قلنا في عدد الرواة واما الثالث فأعظم هذه الوجوه فقها واعمها نفعا وهذا الشرط واحد تسمية وجملة تفصيلا من ذلك أن يكون الحكم المعلول شرعيا إلا لغويا ولهذا قلنا أن من علل بالرأي لاستعمال ألفاظ الطلاق في باب العتاق كان باطلا لأن الاستعارة من باب اللغة لا تنال إلا بالتأمل في معاني اللغة فكذلك جواز النكاح بألفاظ التمليك واستعارة كلمة النسب للتحرير وكذا التعليل بشرط التمليك في الطعام في كفارة اليمين باطل عندنا لأن الإطعام اسم لغوي وكذلك الكسوة فلا يكون ما يعقل بالكسوة حكما شرعيا ليصح تعديته بالتعليل إلى غيره بل يجب العمل بحقيقة الإطعام وهو أن يصير المرء طاعما ثم يصح التمليك بدلالة النص فأما الكسوة فاسم لما يلبس لا لمنافع اللباس فبطل التعليل من كل وجه وكذلك التعليل لإثبات اسم الزنا للواطة واسم الخمر لسائر الأشربة واسم السارق للنباش باطل لما بينا والثاني من هذه الجملة التعدية فإن حكم التعليل التعدية عندنا فبطل التعليل بدونه وقال الشافعي رحمه الله هو صحيح من غير شرط التعدية حتى جوز التعليل بالثمنية واحتج بأن هذا لما كان من جنس الحجج وجب أن يتعلق به الإيجاب مثل سائر الحجج ألا يرى أن دلالة كون الوصف علة لا تقتضي تعدية بل يعرف ذلك بمعنى في الوصف ووجه قولنا أن دليل الشرع لا بد من أن يوجب علما أو عملا وهذا لا يوجب علما بلا خلاف ولا يوجب عملا في المنصوص عليه لأنه ثابت بالنص والنص فوق التعليل فلايصح قطعه عنه به فلم يبق للتعليل حكم إلا التعدية إلى الفروع فإن قال أن حكم النص ثابت بالعلة كان باطلا لأن التعليل لا يصلح لتغيير حكم النص فكيف لإبطاله فإن قيل إن التعليل بما لا يتعدى يفيد اختصاص النص به قيل له هذا يحصل بترك التعليل على أن التعليل بما لا يتعدى لا يمنع التعليل بما يتعدى فيبطل هذه الفائدة ومن هذه الجملة أن يكون المتعدي حكم النص بعينه من غير تغيير لما ذكرنا أن ثمرة التعليل التعدية لا غير فأما التغيير فلا فإذا كان التعليل مغيرا كان باطلا ومن ذلك ما قلنا أن السلم الحال باطل لأن من شرط جواز البيع أن يكون المبيع موجودا

مملوكا مقدورا والشرع رخص في السلم بصفة الأجل وتفسيره نقل الشرط الأصلي إلى ما يخلفه وهو الأجل لأن الزمان يصلح للكسب الذي هو من أسباب القدرة فاستقام خلفا عنه وإذا كان النص ناقلا للشرط وكانت رخصة نقل لم يستقم التعليل للإسقاط والإبطال لأنه تغيير محض ومن ذلك قولهم في الخاطئ والمكره أن فعلهما لا يكون فطرا لعدم القصد كفعل الناسي وهذا تعليل باطل لأن بقاء الصوم مع النسيان ليس لعدم القصد لأن فوات الركن يعدم الأداء وليس لعدم القصد أثر في الوجود مع قيام حقيقة العدم ألا ترى أن من لم ينو الصوم لأنه لم يشعر بشهر رمضان لم يكن صائما والقصد لم يوجد لكنه لم يجعل فطرا بالنص غير معلول على ما قلنا وعلى هذا الأصل سقط فعل الناسي لأن النسيان أمر جبل عليه الإنسان فكان سماويا محضا فنسب إلى صاحب الحق فلم يصلح لضمان حقه فالتعدية إلى الخطأ وهو تقصير من الخاطئ أو إلى المكره وهو من جهة غير صاحب الحق من وجه يكون تغييرا لا تعدية ومن ذلك أن حكم النص في الربا تحريم متناه وقد أثبت الخصم فيما لا معيار له غير متناه ومن ذلك قولهم في تعيين النقود في المعاوضات أنه تصرف حصل من أهله مضافا إلى محله مفيدا في نفسه فيصح كتعيين السلع هذا تغيير لحكم الأصل لأن حكم الشرع في الأعيان أن البيع يتعلق به وجوب ملكها لا وجودها وحكم البيع في جانب الأثمان وجودها ووجوبها معا بدلالة ثبوتها في الذمة ديونا بلا ضرورة وبدلالة جواز الاستبدال بها وهي ديون ولم تجعل في حكم الأعيان فيما وراء الرخصة وبدلالة أنه لم يجبر هذا النقص بقبض ما يقابله فإذا صح التعيين انقلب الحكم شرطا وهذا تغيير محض وقال الشافعي الحكم في كفارة اليمين والظهار أنه تحرير في تكفير فكان الإيمان من شرطه وهذا تغيير بقيد الإطلاق مثل إطلاق المقيد هذا وما أشبهه تغيير للحكم في الفروع وقد صح ظهار الذمي عند الشافعي فصار تغييرا للحرمة المتناهية بالكفارة في الأصل إلى إطلاقها في الفرع عن الغاية ومن ذلك ما قلنا إلى فرع هو نظيره فأما إذا خالفه فلا وذلك مثل ما قلنا في تعدية الحكم من الناسي في الفطر إلى الخاطىء والمكره أن ذلك ثبت منة والعذر في الخاطىء والمكره دون العذر في الناسي فصار تعدية إلى ما ليس بنظيره وعدى حكم التيمم إلى الوضوء في شرط النية وليس بنظيره لأن التيمم تلويث وهذا تطهير و

غسل وقال الشافعي رحمه الله أنتم عديتم حرمة المصاهرة من الحلال إلى الحرام وليس بنظيره في إثبات الكرامة فقلنا ما عدينا من الحلال إلى الحرام لأن الوطئ ليس بأصل في التحريم حلالا كان أو حراما وإنما الأصل هو الولد المستحق لكرامات البشر فلما خلق من المائين تعدى إليهما الحرمات كأنهما صارا شخصا واحدا فصار آباؤه وأبناؤه كآبائها وأبنائها وأمهاتها وبناتها مثل أمهاته وبناته ثم تعدى ذلك إلى سببه وهو الوطئ فصار عاملا بمعنى الأصل فلم يجز تخصيصه لمعنى في نفسه وهو الحل ولا إبطال الحكم بمعنى في نفسه وهو الحرمة وصار هذا مثل قولنا في الغصب أنه من أسباب الملك تبعا لوجوب الضمان لا أصلا فثبت بشروط الأصل فكان هذا الأصل مجمعا عليه في الحرمات التي بنيت على الاحتياط فأما النسب فما بنى على مثله من الاحتياط فوجب قطعه عند الاشتباه ولا يلزم على هذا أن هذه الحرمة لا تتعدى إلى الأخوات والخوة ونحوهم لأن التعليل لا يعمل في تغيير الأصول وهو امتداد التحريم وهذا مما يكثر أمثلته ولا تحصى ومن ذلك قولنا ولا نص فيه لأن التعدية إليه بمخالفة النص مناقضة حكم النص بالتعليل وهو باطل والتعدية بموافقة النص لغو من الكلام لأن النص يغني عن التعليل ومثال ذلك قول الشافعي في كفارة القتل العمد واليمين الغموس وشرط الإيمان في مصرف الصدقات اعتبارا بالزكاة ومثل شرط التمليك في طعام الكفارات وشرط الإيمان في رقبة كفارة اليمين والظهار وهذا كله تعدية إلى ما فيه نص بتغييره بالتقييد وأما الشرط الرابع وهو أن يبقى حكم النص على ما كان قبل التعليل فلأن تغيير حكم النص في نفسه بالرأي باطل كما أبطلناه في الفروع وذلك مثل قول الشافعي في طعام الكفارة بشرط التمليك أنه تغيير لحكم النص بعينه لأن الإطعام اسم لفعل يسمى لازمه طعما وهو الأكل على ما قلنا ومثل قوله في حد القذف أنه لا يبطل الشهادة وهذا تغيير لأن النص يوجب أن يكون حكم القذف إبطال الشهادة حدا وقد أبطله فجعل بعض الحد حدا لأن الوقت من الأبد بعضه وأثبت الرد بنفس القذف دون مدة العجز وهو تغيير وزاد النفي على الجلد وهو تغيير وجعل الفسق مبطلا للشهادة والولاية وهو تغيير لأن حكم الفسق بالنص التثبت والتوقف دون الإبطال ومثله كثير وقال الشافعي أنتم غيرتم حكم النص بالتعليل في مسائل منها أن نص الربا

يعم القليل والكثير وهو قوله عليه السلام لا تبيعوا الطعام بالطعام فخصصتم منها القليل والنص اوجب الشاة في الزكاة بصورتها ومعناه فابطلتم الحق عن صورتها بالتعليل والحق المستحق مراعى بصورته ومعناها كما في حقوق الناس واوجب لنص الزكاة للاصناف والمسمين بقوله تعالى إنما الصدقات وقد ابطلتموه يجواز الصرف إلى صنف واحد بطريق التعليل واوجب الشرع التكبير لافتتاح الصلاة وعين الماء لغسل العين النجس وقد ابطلتم هذا الواجب بالتعليل والجواب أن هذا وهم أن الأول فلان المخصوص إنما ثبت بصيغة النص وذلك لان المستثنى منه إنما يثبت على وفق المستثنى فيما استثنى من النفي كما قال في الجامع أن كان في الدار لا زيد فعبدي حران المستثنى منه بنوادم ولو قال الاحمار كان المستثنى منه الحيوان لان المستثنى حيوان ولو قال الامتاع كان المستثنى منه كل شيء وههنا استثنى الحال بقوله عليه لسلام الاسواء بسواء واستثناء الحال من الاعيان باطل في الحقيقة فوجب أن يثبت عموم صدره في الاحوال بهذه الدلالة وهو حال التساوي والتفاضل والمجازفة ثم استثنى منه حال التساوي ولن يثبت اختلاف الاحوال إلا في الكثير فصار التغيير بالنص مصاحبا بالتعليل لا به واما الزكاة فليس فيها حق واجب للفقير يتغير بالنص لان الزكاة عبادة محضة فلا تجب للعباد بوجه وانما الواجب لله تعالى وانما سقط حقه في الصورة باذنه بالنص لا بالتعليل لانه وعد رازق الفقراء ثم اوجب مالا مسمى على الاغنياء لنفسه ثم امرنا بانجاز المواعيد من ذلك المسمع و ذلك لا يحتمله مع اختلاف المواعيد إلا بالاستبدال كالسلطان يجير لاوليائه بمواعيد كتبها باسمائهم ثم أمر بعض وكلائه بان ينجزها من مال بعينه كان اذنا بالاستبدال فصار تغييرا مجامعا للتعليل بالنص لا بالتعليل وانما التعليل لحكم الشرعي وهو كون الشاة صالحة للتسليم إلى الفقير وهذا حكم شرعي فبيانه أن الشاة تقع لله تعالى بابتداء قبض الفقير قربة مطهرة فتصير من الاوساخ كالماء المستعمل قال النبي عليه السلام يا بني هاشم أن الله تعالى كره لكم اوساخ الناس وعوضكم منها بخمس الخمس وقد كانت النار تنزل في الامم الماضية فتحرق المتقبل من الصدقات واحلت لهذه الأمة بعد أن ثبت خبثها بشرط الحاجة والضرورة كما تحل الميته بالضرورة وحرمت على الغني فصار صلاح الصرف إلى

الفقير بعد الوقوع لله تعالى بابتداء اليد ليصير مصروفا إلى الفقير بدوام يده حكما شرعيا في الشاة فعللناه بالتقويم وعديناه إلى سائر الاموال على موافقة سائر العلل ولما ثبت أن الواجب خالص حق الله تعالى كان اللام في قوله تعالى للفقراء لام العاقبة أي يصير لهم لعاقبته أو لأنه اوجب لهم بعد ما صار صدقة وذلك بعد الاداء إلى الله تعالى فصاروا على هذا التحقيق مصارف باعتبار الحاجة وهذه الاسماء انساب الحاجة وهم بجملتهم للزكاة مثل الكعبة للصلاة وكل صنف منهم مثل جزء من الكعبة واستقبال جزء من الكعبة جائز كإستقبال كلها فكذلك هنا وكان قول الشافعي رحمه الله تغييرا بان جعل الزكاة حقا للعباد وهو خطاء عظيم واما التكبير فمااوجب لعينه بل الواجب تعظيم الله بكل جزء من البدن واللسان منه لانها من ظاهر البدن من وجه فوجب فعلها والثناء اله فعلها فصار حكم النص أن يجعل التكبير اله فعله لكونه ثناء مطلقا فعد يناه إلى سائر الاثنية مع بقاء حكم النص وهو كون التكبير ثناء صالحا للتعظيم وانما ادعينا هذا دون أن يكون التكبير بعينه واجبا لانا وجدنا سائر الاركان افعالا توجد من البدن ليصير البدن فاعلا فكذلك اللسان وكذلك استعمال الماء ليس بواجب بعينه لان من القى الثوب النجس سقط عنه استعمال الماء لكن الواجب ازالة العين النجس والماء الته فإذا عدينا حكمه إلى سائر ما يصلح اله بقى حكم النص بعينه وهو كون الماء اله صالحة للتطهير وهو حكم شرعي وهو انه لا ينجس حاله الاستعمال هذا حكم شرعي في المزيل والطهارة في محل العمل فعديناه إلى نظيره ولا يلزم أن الحدث لا يزول بسائر المايعات لان عمل الماء لا يثبت في محل الحدث إلا باثبات المزال وذلك أمر شرعي ثبت في محل الغسل غير معقول عند استعمال الماء الذي يوجد مباحا لايبالي بخبثه ولم يستقم اثباته في اوان استعمال سائر المايعات بالراي وهو مما لا يعقل مع أن سائر المايعات يلحقنا الحرج بجبثهما لأنها اموال لا توجد مباحة غالبا ولا يلزم أن الوضوء صح مع هذا بغير النيه لان التغيير ثبت في محل العمل بوجه لا يعقل فبقى الماء عاملا بطبعه من الوجه الذي يعقل وهذه حدود لا يهتدي لدركها إلا بالتأمل والانصاف وتعظيم حدود الشرع وتوفير السلف رحمهم الله منه من الله وفضلا

باب الركن
قال الشيخ الأمام ركن القياس ما جعل علما على حكم النص مما اشتمل عليه النص وجعل الفرع نظيرا له في حكمه بوجوده فيه وهو جائز أن يكون وصفا لازما مثل الثمنية جعلنها علة الزكاة في الحلى والطعام جعله الشافعي علة للربوا ووصفا عارضا و اسما كقول النبي عليه السلام فى المستحاضة انه دم عرق انفجر و هو اسم علم انفجر صفة عارضة غير لازمة وعللنا بالكيل وهو غير لازم ويكون جليا وخفيا ويجوز أن يكون حكما كقول النبي عليه السلام في التى سالته عن الحج ارايت لو كان على ابيك دين وهذا حكم وكقولنا في المدبر انه مملوك تعلق عتقه بمطلق موت المولى وهذا حكم أيضا ويجوز أن يكون فردا وعددا كما في باب الربا ويجوز أن يكون في النص وهذا لا يشكل ويجوز في غيره إذا كان ثابتا به كما جاء في الحديث انه رخص في السلم وهو معلول باعلام العاقد وليس في النص والنهي عن بيع الابق معلول بالجهالة أو العجز عن التسليم وليس في النص وعلل الشافعي رحمه الله في نكاح الأمة على الحرة بارقاق جزء منه وليس في النص لكنه ثابت به وانما استوت هذه الوجوه لان العلة إنما تعرف صحتها باثرها وذلك لا يوجب الفصل واتفقوا أن كل اوصاف النص بجملتها لا يجب أن يكون علة واختلفوا في دلالة كونه علة على قولين فقال أهل الطرد انه يصير حجة بمجرد الاطراد من غير معين يعقل وقال ائمة الفقه من السلف والخلف انه لا يصير حجة إلا بمعنى يعقل وهذا المعنى هو صلاح الوصف ثم عدالته وذلك على مثال الشاهد لابد من صلاحه بما يصير به اهلا للشهادة ثم عدالته ليصح منه اداء الشهادة ثم لا يصح الاداء إلا بلفظ خاص واتفقوا في صلاحه انه إنما يراد به ملا ئمته ولك أن يكون على موافقة ما جاء عن السلف من العلل المنقولة لانه أمر شرعي فتعرف منه ولا يصح العمل به قيل الملاء كما لا يصح العمل بشهادة قبل الاهلية لكن لا يجب العمل به إلا بد العدالة والعدالة عندنا هي الاثر وانما نعني بالاثر ما جعل له اثر في الشرع وقال بعض أصحاب الشافعي عدالته بكونه مخيلا ثم العرض على الاصول احتياطا سلامته عن المناقضة والمعارضة وقال بعض اصحابه بل عدالته بالعرض على الاصول فان لم يرده

اصل مناقضا ولا معارضا صار معدلا وانما يعرض على اصلين فصاعدا فعلى القول الأول يصح العمل به قبل العرض وعلى الثاني لا يصح لانه به يصير حجة وعلى القول الأول صار حجة بكونه مخيلا وانما النقص جرح والمعارضة دفع واحتج أهل المقاله الأولى أن الاثر معنى لا يعقل فنقل عنه إلى شهادة القلب وهو الخيال وهو كالتحري جعل حجة بشهادة القلب عند تعذر العمل بسائر الادلة ثم العرض بعد ذلك للاحتياط بخلاف الشاهد لانه يتوهم أن يعترض فيه بعد اصل الاهلية ما يبطل الشهادة فسق أو غيره فأما الوصف فلا يحتمل مثله فإذا كان ملائما غير ناب صار صالحا وإذا كان مخيلا كان معدلا ووجه القول الآخر انه إذا كان على مثال العلل الشرعية كان صالحا كالشاهد ثم قد يحتمل أن يكون مجروحا فلا بد من العرض على المزكين وهم الاصول هنا وادنى ذلك اصلان ولا يعتبر وراء ذلك لان التزكية بالاحتمال لا يرد ووجه قولنا انا احتجنا إلى إثبات مالا يحس ولا يعاين وهو الوصف الذي جعل علما على الحكم في النص مالا يحس فإنما يعلم باثره الذي ظهر في موضع من المواضع إلا ترى انا نتعرف صدق الشهادة باحترازه عن مخطور دينه وذلك مما يعرف بالبيان و الوصف بوجه مجمع عليه على ما بين فوجب المصير اليه كالاثر الدال على غير المحسوس واما الخيال أمر باطل لانه ظن لا حقيقة له ولانه باطن لا يصلح دليلا على الخصم ولا دليلا شرعيا ولانه دعوى لا ينفك عن المعارضة لان كل خصم يحتج بمثله فيما يدعيه على خصمه لانه أن كان يقول عندي كذا فالخصم يعارضه بمثله فيقول عندي كذا و دلائل الشرع لا يحتمل لزوم المعارضة كما لا يحتمل لزوم المناقضة واما العرض على الاصول فلا يقع به التعديل لان الاصول شهود لا من كون واني لها التزكية من غير درك الاحوال الشاهد ومعاينة وهل يصح التزكية من لا خبر له ولا معرفة له بالشهود فأما فرقهم بان الشاهد مبتلى بالطاعة منهي عن المعصية فيتوهم سقوط شهادته بخلاف الوصف فليس يصحيح لان الوصف مع كونه ملائما يجوز أن يكون غير علة بذاته بل يجعل الشرع اياه علة فكان الاحتمال في المعترض على اصله إلا ترى أن الوصف لا يبقى علة مع الرد مع قيام الملائمة والجواب عن كلامه أن الاثر معقول من كل محسوس لغة وعيانا ومن كل مشروع معقول دلالة

على ما بينا وانما يظهر ذلك بامثلته وذلك مثل قول النبي عليه السلام في الهرة إنها ليست بنجسة وانما هي من الطوافين عليكم تعليل للطهارة بما ظهر اثره وهو الضرورة فإنها من اسباب التخفيف وسقوط الحظر بالكتاب قال الله تعالى فمن اضطر في مخصمه غير متجانف لاثم فان الله غفور رحيم والطوف من اسباب الضرورة فصح التعليل به لما يتصل به من الضرورة ومثل قوله للمستحاضة انه دم عرق انفجر توضأي لكل صلاة اوجب بهذا النص الطهارة بالدم بمعنى النجاسة ولقيام النجاسة اثر في التطهير وعلقه بالانفجار وله اثر في الخروج لانه غير معتاد والانفجار آفة ومرض لازم فكان له اثر في التخفيف في قيام الطهارة مع وجوده في وقت الحاجة ومثل قوله لعمر رضي الله عنه وقد سأله عن القبلة للصائم فقال ارايت لو تمضمضت بماء فمججته اكان يضرك تعليل بمعنى مؤثر لان الفطر نقيض الصوم والصوم كف عن شهوة البطن والفرج وليس في القبلة قضاءها لا صورة ولا معنى مثل المضمضة و قال في تحريم الصدقة على بني هاشم ارايت لو تمضمضت بماء ثم مججته اكنت شاربه فعلل بمعنى مؤثر وهو أن الصدقة مطهرة للاوزار فكانت وسخا كالماء المستعمل واختلف أصحاب النبي عليه السلام في الحد فضربوا بالامثال مثل فروع الشجر وشعوب الوادى والانهار و الجداول واحتج ابن عباس رضي الله عنهما فيه بقرب أحد طرفي القرابة وهذه امور معقولة باثارها وقد قال عمر رضي الله عنه لعبادة بن الصامت حين قال ما ارى النار تحل شيئا أليس بكون خمرا ثم يصير خلافنا كله فعلل بمعنى مؤثرهو تغير الطباع وقال أبو حنيفة رحمه الله في اثنين اشتريا عبدا وهو قريب أحدهما انه لا يضمن لشريكه لانه اعتقه برضاه وللرضاء اثر في سقوط العدوان وقال محمد الله في ايداع الصبي لانه سلطه على استهلاكه وقال الشافعي رحمه الله في الزناء لا يوجب حرمة للمصاهرة لانه أمر رجمت عليه والنكاح أمر حمدت عليه وهذه اوصاف ظاهرة الاثار وقال الشافعي في النكاح لا يثبت بشهادة النساء مع الرجال لانه ليس بمال ولذلك اثر في هذا الحكم لان هذا المال هو المبتذل فاحتج فيه إلى الحجة الضرورية واما ما ليس بمال فغير مبتذل فيجب اثباته بالحجة الاصلية وليزداد خطره على ما هو مبتذل وعلى هذا الأصل جرينا في الفروع فقلنا

في مسح الرأس انه مسح فلا يسن تثليثه كمسح الخف لان معنى المسح معنى مؤثر في التخفيف في فرضه حتى لم يستوعب محله ففي سنته اولى فاما قول الخصم انه ركز في الوضوء غير مؤثر استهلاكه لان اصله اباحة الطعام في ابطال التخفيف وعللنا في ولاية المناكح بالصغر والبلوغ وهو المؤثر لانها ما شرعت إلا حقا للعاجز كالنفقة فصح التعليل بالعجز والقدرة للوجود والعدم ولم يكن للبكارة والثيابة في ذلك اثر وقلنا في صوم رمضان انه عين وهذا مؤثر لان النية في الأصل للتعيين والتمييز وذلك يحتاج إلى ذكره عند المزاحمة دون الانفراد وعلل بأنه فرض ولا اثر للفرضية إلا في اصابة المأمور وهذا اكثر من أن يحصى فان قيل التعليل بالاثر لا يكون قياسا لأنه لا يكون قياسا بالأصل إلا بأصل قلنا مجمع عليه مثل قولنا في ايداع الصبي انه سلطة على استهلاكه لان اصله باحة الطعام نسمى ما لاأصل له علة شرعية لا قياسا والصحيح انه قياس على ما قلنا لكنه مسكوت لوضوحه والله تعالى اعلم

باب بيان المقالة الثانية وتقسيم وجوهه وهو الطرد
اعلم بان الاحتجاج بالطرد احتجاج بما ليس بدليل ولا حجة ومن عدل عن طريق الفقه إلى الصورة افضى به تقصيره إلى أن قال لا دليل على الحكم يصلح دليل وكفى به فسادا والكلام في الباب قسمان قسم في بيان الحجة والثاني في تقسيم الجملة وقد اتفق أهل هذه المقالة أن الاطراد دليل الصحة لكنهم اختلفوا في تفسيره فقال بعضهم هو الوجود عند الوجود في جميع الاصول وزاد بعضهم العدم مع العدم أيضا وزاد بعضهم ان يكون النص قائما في الحالين ولا حكم له واحتجوا جميعا بان دلائل صحة القياس لا تخص وصفا دون وصف وكل وصف بمنزلة نص من النصوص لان علل الشرع امارات غير موجبة فلا حاجة بنا إلى معنى يعقل والجواب أن الشرع جعل الأصل شاهدا ذلك لا تقتضي الشهادة بكل كما جعل كامل الحال من الناس شاهدا ثم لم يوجب تمييزا فامام قوله إنها امارات فكذلك في حق الله فأما في حق العباد فانهم مبتلون بنسبة الأحكام إلى العلل كما نسبت الاجزئة إلى افعالهم ونسب الملك الي البيع والقصاص إلى

القتل وما يجري مجراه فكانت غير موجبة في الأصل ولكنها جعلت موجبة شرعا في حقنا على ما يليق بها وهي النسبة اليس وجب القصاص على القاتل وقد مات القتيل باجله وإذا كان كذلك لم يكن بد من التمييز بين العلل والشروط ومجرد الاطراد لا يميز وكذلك العدم عند عدمه لانه يزاحمه الشرط فيه ولان نهاية الطرد الجهل لانه يقال له وما يدريك انه لم يبق اصل مناقض أو معارض وهل ثبت ذلك لك إلا بان وقفت عن الطلب وقد كان يتأتى لك ذلك قبل الطرد واما العدم فليس بشيء فلا صلح دليلا وكيف يصلح مع الأحتمال ان يثبت بعلة اخرى فلا يصح شرط عدم الا ترى انم مثل هذا لا يوجد في علل السلف و اما من شرط ان يكون النص قائما في الحالين ولا حكم له فقد احتج باية الوضوء و بقول النبي صلى الله عليه و سلم لا يقضي القاضي و هو غضبان انه معلول بشغل القلب لانه يحل له القضاء و له القضاء و هو غضبان عند فراغ القلب ولا يحل القضاء عند شغله بغير الغضب الا وان هذا شرط لا يكاد يوجد إلا نادرا في بعض الأصول ظاهرا فكيف يجعل أصلا وذلك غير مسلم ايضا لان الحدث لمم يثبت في باب الوضوء بالتعليل بل بدلالة النص و صيغته اما الصيغة فلان ذكر التيمم بالتراب الذي هو بدل عن الماء معلقا بالحدث وكذلك ذكر الغسل وهو اعظم الطهرين فقال جل ذكره وان كنتم جنبا فاطهروا وقال إن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا والنص في البدل نص في الأصل لانه يفارقه بحاله لا بسببه واما الدلالة فقوله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة أي من مضاجعكم وهو كناية عن النوم والنوم دليل الحدث وهذا النظم والله اعلم لان الوضوء مطهر فدل على قيام النجاسة فاستغنى عن ذكره بخلاف التيمم والوضوء متعلق بالصلاة والحدث شرطه فلم يذكر الحدث ليعلم انه سنة وفرض فكان الحدث شرطا لكونه فرضا لا لكونه سنة فأما الغسل فلا يسن لكل صلاة بل هو فرض خالص فلم يشرع إلا مقرونا بالحدث وكذلك الغضب معلول بشغل القلب وقط لا يوجد الغضب بلا شغل ولا يحل القضاء إلا بعد سكونه وانما التعليل للتعدية واما تقسيم هذه الجملة فان أول اقسامه الاطراد وجودا أو وجودا وعدما والذي يليه الاحتجاج

باستصحاب الحال والذي يليه الاحتجاج بالنفي والعدم والذي يليه الاحتجاج بتعارض الاشباه والذي يليه الاحتجاج بما لا يستقل إلا بوصف يقع به الفرق والذي يليه أن يكون الوصف مختلفا ظاهر الاختلاف والذي يليه مالا يشك في فساده والذي يليه الاحتجاج بان لا دليل إما الأول فلان الاطراد لا يثبت بهذه الاكثرة الشهود اوكثرة اداء الشهادة وصحة الشهادة لا تعرف بكثرة العدد لا بتكرير العبارة بل بأهليةالشاهد وعدالته واختصاص ادائه ولان الوجود قد يكون اتفاقا والعدم قد يقع لانه شرطه إلا ترى أن وجود الشيء ليس بعلة لبقائه فكيف يصلح علة للوجود في غيره بنفسه وكذلك وجود الحكم ولا علة لا يصلح دليلا لجواز وجوده بغيره ووجود العلة ولا حكم بنفسه و يصلح مناقضا لجواز ان يقف الحكم لفوت وصف من العلة بنفسه فلا يكون مناقضة وقد دل عليه التعليل تخصيصا على ما نبين أن شاء الله تعالى إلا أن هذا نهج العلل ظاهرا فكان مقدما في اقسامه ثم التعليل بالنفي مثل قول الشافعي رحمه الله في النكاح لا يثبت بشهادة النساء مع الرجال لانه ليس بمال وفي الاخ لا يعتق لانه ليس بينهما بعضية ولا يلحق المبتوتة طلاق لانه لا نكاح بينهما ويجوز اسلام المروى في المروى لانهما مالان ما لم يجمعهما طعم ولا ثمنية و هذا في الظاهر جرح على مثال العلل لكنه لما كان عدما لم يكن شيئا فلا يصلح حجة للاثبات إلا ترى أن استقصاء العدم لا يمنع الوجود من وجه آخر إلا أن يقع الاختلاف في حكم سبب معين وفي حكم ثبت دليله بالإجماع واحدا لا ثاني له مثل قول محمد في ولد الغصب لانه لم يغصب الولد ومثل قوله فيما لا خمس فيه من الؤلؤ لانه لم يوجف عليه المسلمون لان ذلك لم يوجد بغيره فأما قوله ليس بمال فلا يمنع قيام وصف له اثر في صحة الاثبات بشهادة النساء مع الرجال وهو أن النكاح من جنس ما لا يسقط بالشبهات بل هو من جنس ما يثبت بها فصار فوق الاموال في هذا بدرجة وكذلك في اخواتها على ما عرف وأما الاحتجاج باستصحاب الحال فصحيح عند الشافعي وذلك في كل حكم عرف وجوبه بدليله ثم وقع الشك في زواله كان استصحاب حال البقاء على ذلك موجبا بعد الاحتجاج به على الخصم وعندنا هذا لا يكون حجة للايجاب لكنها حجة دافعة على ذلك دلت مسائلهم فقد قلنا

في الصلح على الانكار أنه جائز ولم نجعل براءة الذمة وهي اصل حجة على المدعي بل صار قول المدعي معارضا لقوله على السواء والشافعي رحمه الله جعله موجبا حتى تعدى إلى المدعي فابطل دعواه وابطل الصلح وقلنا في الشقص إذا باع من الدار فطلب الشريك الشفعة فانكر المشتري ملك الطالب فيما في يده أن القول قوله فلا تجب الشفعة إلا ببينة وقال الشافعي يجب بغير بينة وكذلك رجل قال لعبده أن لم تدخل الدار اليوم فأنت حر فمضى اليوم ثم اختلفا ولا يدري ادخل ام لا فان القول قول المولى عندنا لما ذكرنا واحتج بان الحكم إذا ثبت بدليله قي بذلك الدليل ايضا إلا يرى أن حكم النص يبقى به بعد وفاة النبي عليه السلام حتى تعذر نسخه واحتج باجماعهم على أن من تيقن بالوضوء لم يلزمه وضوء اخر ولزمه اداء الصلاة بما علمه وان شك في الحدث وإذا علم بالحدث ثم شك في الوضوء يبقى الحدث ولو ثبت ملك الشفيع بإقرار المشتري انه كان له اوانه اشتراه من فلان وفلان كان يملكه وجب الشفعة وانما يبقى ملكه لعدم ما يزيله ومع ذلك قد صلح حجة موجبة وكذلك لو شهد شهود المدعي أن هذا الشي كان ملكا له صار حجة موجبة ولنا أن الدليل الموجب لحكم لا يوجب بقاءه كالايجاد لا يوجب البقاء حتى صح الافناء وهذا لان ذلك بمنزلة اعراض تحدث فلا يصلح أن يكون وجود شيء علة لوجود غيره إلا يرى أن عدم الملك لا يمنع الملك وعدم الشراء لا يمنع حدوث الشراء ووجود الملك لا يمنع الزوال وهذا لا يشكل إلا يرى أن النسخ في دلائل الشرع إنما صح لما ذكرنا ولما صارت الدلائل موجبة قطعا بوفاة النبي عليه السلام على تقرير لم تحتمل النسخ لبقائها بدليل وجب واما فصل الطهارة والملك بالشراء وما اشبه ذلك فلا يشبه هذا الباب وذلك من جنس ما بقي بدليله لان حكم الشراء الملك المؤبد كذلك حكم النكاح وكذلك حكم الوضوء والحدث إلا ترى انه لا يصح توقيته صريحا لكنه يحتمل السقوط بالمعارضة على سبيل المناقضة فقبل المعارض له حكم التأبيد فكان البقاء بدليله وكلامنا فيما ثبت بقاؤه بلا دليل كحياة المفقود وكذلك الأمر المطلق في حياة الرسول عليه السلام إنما يتناول حكما يحتمل التوقيت فيصير في البقاء احتمال فأما حكم الطهارة وحكم الحدث فلا يحتمل التوقيت ولذلك قلنا جميعا في رجل اقر بحرية عبد ثم اشتراه انه صحيح على اختلاف الاصلين أما

عندنا فلما أن قول كل واحد من العاقدين لا يعد وقائله ولو لم يجز البيع لعدا قائله وعلى قوله قول البايع رجع إلى ما عرف بدليله وهو الملك فصار حجة على خصمه واما قول المشتري انه حر فليس يرجع إلى اصل عرف بدليله فلم يكن حجة على خصمه واما الاحتجاج بتعارض الاشباه فمثل قول زفر ان غسل المرافق في الوضوء يس بفرض لان من الغايات ما يدخل ومنها ما لا يدخل فلا يدخل بالشك وهذا عمل بغير دليل لان الشك أمر حادث فلا يثبت بغير علة ولانه يقال له اتعلم أن هذا من أي القسمين فان قال لا ادري فقد جهل وان قال نعم لزمه التأمل والعمل بالدليل واما الذي لا يستقل إلا بوصف يقع به الفرق فباطل مثل قول بعض أصحاب الشافعي في مس الذكر أنه حدث لانه مس الفرج فكان حدثا كما إذا مسه وهو يبول وليس هذا بتعليل لا ظاهرا ولا باطنا ولا رجوعا إلى اصل وكذلك قولهم هذا مكاتب فلا يصح التكفير باعتاقه كما إذا أدى بعض البدل لان اداء بعض البدل عوض ما نع عندنا فلا يبقى إلا الدعوى واما الذي كون مختلفا فمثل قولهم فيمن ملك اخاه انه شخص يصح التكفير بأعتاقه فلا يعتق في الملك كابن العم وقولهم في الكتابة الحالة إنه عقد كتابة لا يمنع من التكفير فكان فاسدا كالكتابة بالخمر وهذا في نهاية الفساد لان الاختلاف في ذلك ظاهر فلا يبقى وصف اصلا واما الذي لا يشكل فساده فمثل قول بعضهم أن السبع أحد عددي صوم المتعة فكان شرطا لجواز الصلاة كالثلاث يريد به قراءة الفاتحة ولان الثلاث أحد عددي مدة المسح فلا يصح به الصلاة كالواحد ولان الثلاث أو الاية ناقص العدد عن السبع فلا يتأدى به الصلاة كالواحد لان الثلاث أو الاية ناقص العدد عن السبع فلا يتأدى به الصلاة كما دون الاية ولان هذه عبادة لها تحليل وتحريم فكان من اركانها ماله عدد سبعة كالحج وكما قال بعض مشايخنا أن فرض الوضوء فعل يقام في اعضائه لم يكن النية شرطا في ادائه قياسا على القطع قصاصا أو سرقة وهذا مما لا يخفى فساده واما الاحتجاج بلا دليل فقد جعله بعضهم حجة للنافي وهذا باطل بلا شبهة لان لا دليل بمنزلة لارجل في الدار وهذا لا يحتمل وجوده فلا دليل كيف احتمل وجود وكيف صار دليلا ولا يلزم

ما ذكر محمد رحمه الله في العنبر انه لا خمس فيه لانه لم يرد فيه الاثر لانه قد ذكر أنه بمنزلة السمك والسمك بمنزلة الماء ولا خمس في الماء يعني أن القياس ينفيه ولم يرد اثر يترك به القياس ايضا فوجب العمل بالقياس وهو انه لم يشرع الخمس إلا في الغنيمة ولم يوجد و لان الناس يتفاوتون في العلم والمعرفة بلا شبهة فقول القائل لم يقم الدليل مع احتمال قصوره عن غيره في درك الدليل لا يصلح حجة ولهذا صح هذا النوع من صاحب الشرع بقوله تعالى قل لا اجد فيما اوحي إلى محرما على طاعم يطعمه لانه هو الشارع فشهادته بالعدم دليل قاطع على عدمه إذ لا يجري عليه السهو ولا يوصف بالعجز فأما البشر فان صفة العجز يلازمهم والسهو يعتريهم ومن ادعى انه يعرف كل شيء نسب إلى السفه أو العته فلم يناظر ومن شرع في العمل بلا دليل اضطر إلى التقليد الذي هو باطل والله اعلم بالصواب

باب حكم العلة
فأما الحكم الثابت بتعليل النصوص فتعدية حكم النص إلى ما لا نص فيه ليثبت بغالب الرأي على احتمال الخطأ وقد ذكرنا أن التعدية حكم لازم عندنا جائز عند الشافعي وإذا ثبت ذك قلنا أن جملة ما يعلل له اربعة أقتسام إثبات الموجب أو وصفه وأثبات الشرط أو صفه واثبات الحكم أو وص هو تعدية حكم معلوم بسببه وشرطه باوصاف معلومة والتعليل للاقسام الثلاثة الأول باطل لان التعليل شرع مدركا لاحكام الشرع على ما بينا وفي إثبات الموجب وصفته إثبات الشرع وفي إثبات الشرط وصفته ابطال الحكم ورفعه وهذا نسخ ونصب احكام الشرع بالرأي باطل وكذلك رفعها وما القياس إلا الاعتبار بأمر مشروع فيبطل التعليل لهذه الأقسام جملة وبطل التعليل لنفيها ايضا لان نفيها ليس بحكم شرعي فبطلت هذه الوجوه كلها فلم يبق إلا الرابع فأما تفسير القسم الأول فمثل قولهم في الجنس بانفراده انه يحرم النسيئة فهذا خلاف وقع في الموجب للحكم فلم يصح اثباته بالرأي ولا نفيه به إنما يجب الكلام فيه بإشارة النص أو دلالته أو اقتضاءه وكذلك

اختلافهم في السفر انه مسقط لشطر الصلاة ام لا لا يصح التكلم فيه بالقياس بل بما ذكرنا فقلنا في مسألة الجنس انا وجدنا الفضل الذي لا يقابله عوض في عقد المعاوضة محرما بما ذكر من العلة ووجدنا هذا حكما يستوي شبهته بحقيقته حتى لا يجوز البيع مجازفة لاحتمال الربا وقد وجدنا في النسيئة شبهة الفضل وهو الحلول الفضل وهو الحلول المضاف إلى صنع العباد وقد وجدنا شبهة العلة وهو أحد وصفي العلة فاثبتناه بدلالة النص وكذلك فعلنا في السفر لان النبي عليه السلام قال أن الله تعالى تصدق عليكم فاقبلوا صدقته وذلك اسقاط محض فلا يصح رده ولان القصر تعين تخفيفا بخلاف الفطر في السفر ولان التخيير على وجه لا يتضمن رفقا بالعبد ونفعا من صفات الالوهية دون العبودية على ما عرف فهذه دلالات النصوص واما صفة السبب فمثل صفة السوم في الأنعام ايشترط للزكاة ام لا ومثل صفة الحل في الوطئ لاثبات حرمة المصاهرة ومثل اختلافهم في صفة القتل الموجب للكفارة وفي صفة اليمين الموجبة للكفارة واما اختلافهم في الشرط فمثل اختلافهم في شرط التسمية في الذبيحة ومثل صوم الاعتكاف ومثل الشهود في انكاح ومثل شرط النكاح لصحة الطلاق عند الشافعي والاختلاف في صفة مثل صفة الشهود في النكاح رجال ام رجال ونساء عدول لا محالة ام شهود موصوفون بكل وصف وكقولنا أن الوضوء شرط بغير نية واما الاختلاف في الحكم فمثل اختلافهم في الركعة الواحدة و في صوم بعض اليوم وفي حرم المدينة و مثل اشعار البدن و اما الصفة فمثل الاختلاف في صفة الوتر وفي صفة الاضحية وفي صفة العمرة وفي صفة حكم الرهن بعد اتفاقهم انه وثيقة لجانب الاستيفاء وكاختلافهم في كيفية وجوب المهر وفي كيفية حكم البيع انه ثابت بنفسه ام متراخ إلى قطع المجلس ولا يلزم اختلاف الناس بالرأي في صوم يوم النحر لانهم لم يختلفوا أن الصوم مشروع في الايام وانما اختلفوا في صفة حكم النهي وذلك لا يثبت بالرأي وانما أنكرنا هذه الجملة إذا لم يوجد في الشريعة اصل يصح تعليله فأما إذا وجد فلا بأس به إلا يرى انهم اختلفوا في التقابض في بيع الطعام بالطعام وتكلموا فيه بالرأي لانا وجدنا لاثباته اصلا وهو الصرف ووجدنا لجوازه بدونه

اصلا وهو بيع سائر السلع فإذا وجد مثله في غيره صحت التعدية إلا ترى أن من ادعى ايجاب التسمية في الذبيحة شرطا بالقياس لم يجد له اصلا ومن اراد ايجاب الصوم في الاعتكاف شرطا بالقياس لم يجد له أصلا ايضا وهذا باب لا يحصى عدد فروعه فاقتصرنا فيه على الاشارة إلى الجمل واما النوع الرابع فعلى وجهين في حق الحكم وهما القياس والاستحسان والله اعلم

باب القياس والاستحسان
قال الشيخ الأمام رضي الله عنه وكل واحد منهما على وجهين إما أحد نوعي القياس فما ضعف اثره والنوع الثاني ما ظهر فساده واستترت صحته واثره واحد نوعي الاستحسان ما قوي اثره وان كان خفيا والثاني ما ظهر اثره وخفي فساده وانما الاستحسان عندنا أحد القياسين لكنه يسمى به إشارة إلى انه الوجه الأولى في العمل به وان العمل بالاخرة جائزكما جاز العمل بالطرد وان كان الاثر اولى منه و الاستحسان اقسام وهو ما ثبت بالاثر مثل السلم والاجارة وبقاء الصوم مع فعل الناسي ومنه ما ثبت بالإجماع وهو الاستصناع ومنه ما ثبت بالضرورة وهو تطهير الحياض والابار والاواني وانما غرضنا هنا تقسيم وجوه العلل ي حق الأحكام و لما صارت العلة عندنا علة باثرها سمينا الذي ضعف اثرها قياسا وسمينا الذي قوى اثرها استحسانا أي قياسا مستحسنا وقدمنا الثاني وان كان خفيا على الأول وان كان جليا لان العبرة لقوة الاثر دون الظهور والجلاء إلا يرى أن الدنيا ظاهرة والعقبى باطنة وقد ترجح الباطن بقوة الاثر هو الدوام والخلود والصفوة وتأخر الظاهر لضعف اثره وكالنفس مع القلب والبصر مع العقل فسقط حكم القياس بمعاوضة الاستحسان لعدمه في التقدير مثال ذلك أن سؤر سباع الطير في القياس نجس لانه سؤر ما هو سبع مطلق فكان كسؤر سباع البهائم وهذا معنى ظاهر الثر لانهما سواء في حرمة الأكل و في الاستحسان هو طاهر لان السبع ليس الاختلاف في صفة الوتر وفي صفة الاضحية بنجس العين بدليل جواز الانتفاع به شرعا وقد ثبت نجاسته ضرورة تحريم لحمه فاثبتنا حكما بين الحكمين وهو النجاسة المجاورة فيثبت صفة النجاسة في رطوبته ولعابه وسباع الطير يشرب بالمنقار على سبيل الأخذ ثم الابتلاع و العظم طاهر بذاته خال عن مجاورة النجس إلا يرى أن عظم الميت طاهر فعظم

الحي اولى فصار هذا باطنا ينعدم ذلك الظاهر في مقابلته فسقط حكم الظاهر لعدمه وعدم الحكم لعدم دليله لا يعد من باب الخصوص على ما نبين في باب ابطال تخصيص العلل أن شاء الله عز و جل واما الذي ظهر فساده واستترت صحته واثره فهو القياس الذي عمل به علماؤنا رحمهم الله قابله استحسان ظهر اثره واستتر فساده فسقط العمل به مثاله انهم قالوا فيمن تلا آية السجدة في الصلاة انه يركع بها قياسا لان النص قد ورد به قال الله تعالى وخر راكعا وفي الاستحسان لا يجوز لان الشرع امرنا بالسجود والركوع خلافه كما في سجود الصلاة فهذا اثر ظاهر فأما وجه القياس فمجاز محض لكن القياس اولى بأثره 2الباطن والاستحسان متروك لفساده الباطن وبيانه أن السجود لم يجب عند التلاوة قربة مقصودة إلا ترى أنه غير مشروع مستقبلا بنفسه وانما الغرض مجرد ما يصلح تواضعا عند هذه التلاوة و الركوع في الصلاة يعمل هذا العمل بخلاف الركوع في غير الصلاة وبخلاف سجود الصلاة فصار الاثر الخفي مع الفساد الظاهر احق من الاثر الظاهر مع الفساد الباطن وهذا قسم عز وجوده فأما القسم الأول فاكثر من أن يحصى وفرق ما بين المستحسن بالاثر أو الإجماع أو الضرورة وبين المستحسن بالقياس الخفي أن هذا يصح تعديته بخلاف الأقسام الأولى لانها غير معلولة إلا ترى أن الاختلاف في الثمن قبل قبض المثمن لا يوجب يمين البائع قياسا لان المشتري لا يدعي عليه شيئا وانما البائع هو المدعي وفي الاستحسان يجب اليمين عليه لانه ينكر تسليم المبيع بما يدعيه المشتري ثمنا وهذا حكم قد تعدى إلى الوارثين والى الاجارة وما اشبه ذلك واما ما بعد القبض فلم يجب يمين البائع إلا بالاثر بخلاف القياس عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله فلم يصح تعديته إلى الوارث والى حال هلاك السلعة وانما انكر على اصحابنا بعض الناس استحسانهم لجهلهم بالمراد وإذا صح المراد على ما قلنا بطلت المنازعة في العبارة وثبت انهم لم يتركوا الحجة بالهوى والشهوة وقد قال الشافعي رحمه الله في بعض كتبه استحب كذا وما بين اللفظين فرق والاستحسان افصحهما واقواهما والاستحسان بالاثر ليس من باب خصوص العلل ايضا على ما نبين أن شاء الله

وقولنا في بيان حكم العلة انه ثابت في الفرع بغالب الرأي على احتمال الخطاء راجع إلى فصل من احكام العلل لانه لا يثبت به الحكم قطعا وتبتني عليه مسائل احوال المجتهدين

باب معرفة احوال المجتهدين ومنازلهم في الاجتهاد
والكلام فيه في شرطه وحكمه إما شرطه فان يحوي علم الكتاب بمعانيه ووجوهه التي قلنا وعلم السنة بطرقها ومتونها ووجوه معانيها وان يعرف وجوه القياس على ما تضمنه كتابنا هذا واما حكمه فالاصابة بغالب الرأي حتى قلنا أن المجتهد يخطئ ويصيب وقالت المعتزلة كل مجتهد مصيب فالحاصل أن الحق في موضع الخلاف واحد او متعدد فعندنا الحق واحد وقال بعض الناس وهو المعتزلة الحقوق متعددة وكل مجتهد مصيب فيما أدى اليه اجتهاده وثم اختلف من قال بالحقوق فقال بعضهم باستوائها في المنزلة وقال عامتهم بل واحد من الجملة احق واختلف أهل المقالة الصحيحة فقال بعضهم أن المجتهد إذا اخطأ كان مخطئا ابتداء وانتهاء وقال بعضهم بل هو مصيب في ابتداء اجتهاده لكنه مخطئ انتهاء فيما طلبه وهذا القول الآخر هو المختار عندنا وقد روي ذلك عن أبي حنيفة رحمه الله انه قال كل مجتهد مصيب و الحق عند الله تعالى واحد ومعنى هذا الكلام ما قلنا احتج من ادعى الحقوق بان المجتهدين جميعا لما كلفوا اصابة الحق ولا يتحقق ذلك على ما في وسعهم إلا أن يجعل الحق متعددا وجب القول بتعدده تحقيقا لشرط التكليف كما قيل في المجتهدين في القبلة انهم جعلوا مصيبين حتى تادى الفرض عنهم جميعا ولا يتأدى الفرض عنهم إلا باصابة المأمور به مع احاطة العلم بخطأ من استدبر الكعبة وجائز تعدد الحقوق في الحظر والاباحة عنه قيام الدليل كما صح ذلك عند اختلاف الرسل وعلى اختلاف الزمان فكذلك عند اختلاف المكلفين ومن قال باستواء الحقوق قال لان دليل التعدد لم يوجب التفاوت ووجه القول الآخر أن استوائها يقطع التكليف لانها إذا استوت اصيبت بمجرد الاختيار من غير امتحان وسقطت درجة العلماء وبطلت الدعوة وسقطت وجوه النظر الاثري

أن الاختلاف في اختيار وجوه كفارة اليمين باطل وان اختياره بمجرد العزيمة صحيح بلا تأمل فلذلك وجب القول بان بعضها احق ووجه قولنا أن الحق واحد أن المجتهد يصيب مرة ويخطىء أخرى قال الله تعالى ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما وإذا اختصر سليمان صلوات الله وسلامه عليه بالفهم وهو اصابة الحق بالنظر فيه كان الآخر خطاء وقال النبي عليه السلام لعمرو بن العاص احكم على انك أن اصبت فلك عشر حسنات وان اخطأت فلك حسنة وقال ابن مسعود على حكم الله فلا تنزلوهم أن اصبت فمن الله وان اخطأت فمني ومن الشيطان والله تعالى ورسوله منه بريئان وقال النبي صلى الله عليه و سلم إذا حاصرتم حصنا فأرادوكم أن تنزلوهم على حكم الله فانكم لا تدرون ما حكم الله فيهم وهذا دليل على احتمال الخطأ ولان تعدد الحقوق ممتنع استدلالا بنفس الحكم وسببه إما السبب فلانا قلنا أن القياس تعدية وضع لدرك الحكم فما ليس بمتعدد لا يتعدى متعددا لانه يصير تغييرا حينئذ فيوجب ذلك أن يكون الحق متعددا بالنص بعينه وهذا خلاف الإجماع إلا ترى لو توهمنا غير معلوم لم يكن حكمة متعددا وذلك مما يحتمله صيغته بيقين فلا يتعدد بالتعليل وفيه تغيير ويصير الفرع به مخالفا للاصل واما الاستدلال بنفس الحكم فهو أن الفطر والصوم وفساد الصلاة وصحتها وفساد النكاح وصحته ووجود الشيء وعلمه وقيام الحظر والاباحة في شيء واحد تستحيل اجتماعه ولا صلح المستحيل حكما شرعيا وصحة التكليف يحصل بما قلنا من صحة الاجتهاد واصابته ابتداء وقال أبو حنيفة رحمه الله في مدعي الميراث إذا لم يشهد شهوده انا لا نعلم له وارثا غيره أني لا اكفل المدعي وهذا شيء احتاط به القضاة وهو جور سماه جورا وهو اجتهاد لانه في حق المطلوب مائل عن الحق وهو معنى الجور والظلم وقال محمد رحمه الله في المتلاعنين ثلاثا إذا فرق القاضي بينهما نفذ الحكم وقد اخطأ السنة ودليل ما قلنا من المذهب لاصحابنا في أن المجتهد يخطئ ويصيب في كتب اصحابنا اكثر من أن يحصى واما مسألة القبلة فان المذهب عندنا في ذلك أن المتحري يخطئ و يصيب ايضا كغيره من المجتهدين إلا ترى انه قال في كتاب الصلاة في قوم صلوا

جماعة وتحروا القبلة واختلفوا فمن علم منهم حال امامه وهو مخالفه فسدت صلاته لانه مخطئ للقبلة عنده ولو كان الكل صوابا والجهات قبلة لما فسدت ولما كلفوا التحري والطلب كالجماعة إذا صلوا في جوف الكعبة واما قوله أن المخطئ للقبلة لا يعيد صلاته فلانه لا يكلف اصابة الكعبة يقينا بل كلف طلبه على رجاء الاصابة لكن الكعبة غير مقصودة بعينها وانما المقصود وجه الله تعالى واستقبال القبلة ابتلاء فإذا حصل الابتلاء بما في قلبه من رجاء الاصابة وحصل المقصود وهو طلب وجه الله سقطت حقيقته إلا ترى أن جواز الصلاة وفسادها من صفات العمل والمخطئ في حق نفس العمل مصيب فثبت أن مسألة القبلة ومسألتنا سواء وهذا عندنا وعند الشافعي رحمه الله كلف المتحري اصابة حقيقة الكعبة حتى إذا اخطأ اعاد صلواته فاما من جعله مخطئا ابتداء و انتهاء فقداحتج بما روينا من اطلاق الخطأ في الحديث وبقول النبي صلى الله عليه و سلم في اسارى بدر حين نزل قوله تعالى لولا كتاب من الله سبق لمسكم الاية لو نزل بنا عذاب ما نجا إلا عمر واحتج اصحابنا بحديث عمرو بن العاص رضي الله عنه وبقول الله تعالى وكلا آتينا حكما وعلما والحكم والعلم إما أريد به العمل فأما اصابة المطلوب فمن أحدهما وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه للمسروق والاسود كلا كما أصاب و صنيع مسروق احب لي فيما سبق من ركعتي المغرب ولان كل مجتهد يكلف بما وسعه فاستوجب الأجر على ابتداء فعله و حرم الصواب و الثواب في آخره اما بتقصير منه او حرمانا من الله تعالى ابتداء و أما قصة بدر فقد عمل النبي صلى الله عليه و سلم بإشارة ابي بكر الصديق رضي الله عنه فكيف يكون الخطأ الا أن هذا كان رخصة و المراد بالاية على حكم العزيمة لولا الرخصة فالمخطىء في هذا الباب لا يظلل ولا يعاتب الا ان يكون طريق الصواب بينا فيعاتب وانما نسبنا القول بتعدد الحقوق الى المعتزلة لقولهم الى المعتزلة لقولهم بوجوب الاصلح و في تصويب كل مجتهد وجوب القول بالاصلح وبان يلحق الولي بالنبي وهذا عين مذهبهم والمختار من العبارات عندنا أن يقال أن المجتهد يصيب ويخطئ على تحقيق المراد به احترازا عن الاعتزال ظاهرا وباطنا و على هذا ادركنا مشائخنا وعليه مضى اصحابنا المتقدمون والله اعلم ولو كان كل

مجتهد مصيبا لسقطت المحنة وبطل الاجتهاد ويتصل بهذا الأصل مسألة تخصيص العلل وهذا

باب فساد تخصيص العلل
قال الشيخ الأمام رضي الله عنه من اصحابنا من اجاز تخصيص العلل المؤثرة و ذلك بأن يقول كانت علتي توجب لكنه لم توجب لمانع فصار مخصوصا من العلة بهذا الدليل واحتج بان التخصيص غير المناقضة لغة وهذا ظاهر لانه بيان انه لم يدخل لا نقض ولا ابطال وقد صح الخصوص على الكتاب والسنة دون المناقضة قال ولان المعدول عن القياس بسنة أو إجماع أو ضرورة أو استحسان مخصوص منه بالإجماع ولان الخصم ادعى أن هذا الوصف علة فإذا وجد ولا حكم له احتمل أن يكون العدم لفساد العلة فيتناقض واحتمل أن يكون العدم لمانع فوجب أن يقبل بيانه أن ابرز مانعا وألا فقد تناقض ولذلك لا يقبل مجرد قوله خص بدليل لاحتمال الفساد بخلاف النصوص لانها لا يحتمل فساد أو بني على هذا تقسيم الموانع وهي خمسة حسا وحكما مانع يمنع انعقاد العلة ومانع يمنع تمام العلة ومانع يمنع حكم العلة ومانع يمنع تمام الحكم ومانع يمنع لزوم الحكم وذلك في الرامي إذا انقطع وتره وانكسر فوق سهمه فلم ينعقد علة وإذا حال بينه وبين مقصده حائط منع تمام العلة حتى لم يصل إلى المحل ومانع يمنع ابتداء الحكم وهو أن يصيبه فيدفعه بترس أو غيره والذي يمنع تمام الحكم أن يجرحه ثم يداويه فيندمل والذي يمنع لزومه أن يصيبه فيمرض به ويصير صاحب فراش ثم يصير له كطبع خامس فيأمن منه غالبا بمنزلة من ضربه الفالج فيصير مفلوجا كان مريضا فإن امتد فصار طبعا صار في حكم الصحيح ومثاله من الشرعيات البيع إذا اضيف إلى حر لم ينعقد وإذا اضيف إلى مال غير مملوك للبايع منع تمام الانعقاد في حق المالك وخيار الشرط يمنع ابتداء الحكم وخيار الرؤية يمنع تمام الحكم وخيار العيب يمنع لزوم الحكم واما الدليل على صحة ما ادعينا من ابطال خصوص

العلل تفسير الخصوص ما مر ذكره أن دليل الخصوص يشبه الناسخ بصيغته و يشبه الاستثناء بحكمه وإذا كان كذلك وقع التعارض بين النصين فلم يفسد أحدهما بصاحبه ولكن النص العام لحقه ضرب من الاستعارة بان أريد به بعضه مع بقائه حجة على ما مر وهذا إلا يكون في اعلل أبدا لان ذلك يؤدي إلى تصويب كل مجتهد ويوجب عصمة الاجتهاد عن الخطاء والمناقضة وفي ذلك قول بالاصلح لكن الحكم إنما يمتنع الزيادة وصف أو نقصانه الذي نسميه مانعا مخصصا وبزيادته أو نقصانه يتبدل العلة فيجب أن يضاف العدم إلى عدم العلة لا إلى مانع اوجب الخصوص مع قيام العلة وفرق ما بيننا وبينهم في العلل المؤثرة انهم ينسبون عدم الحكم إلى مانع مع قيام العلة فصار كدليل الخصوص في بعض ما تناوله العام مع قيام دليل العموم ونحن ننسب العدم إلى عدم العلة لان العلة ينعدم وصف العلة أو زيادتها والعدم بالعدم ليس من باب الخصوص وهذا طريق اصحابنا في الاستحسان لان القياس أن ترك بالنص فقد عدم حكم العلة لعدمها لان العلة لم تجعل علة في مقابلة النص فبطل حكمها لعدمها لا مع قيامها بدليل الخصوص بخلاف النصين لان أحدهما لا يفسد صاحبه فوجب القول بالخصوص وكذلك إذا عارضه إجماع أو ضرورة لم يبق الوصف علة لان في الضرورة اجماعا ايضا والإجماع مثل الكتاب والسنة واما إذا عارضه استحسان اوجب عدم الأول لما ذكرنا في باب الاستحسان فصار عدم الحكم لعدم العلة فلم يكن من باب الخصوص وكذلك نقول في سائر العلل المؤثرة وبيان ذلك في قولنا في الصائم إذا صب الماء في حلقه يفسد الصوم لانه فات ركنه ويلزم عليه الناسي فمن اجاز الخصوص قال امتنع حكم هذا التعليل ثمة لمانع وهو الاثر وقلنا نحن العدم لعدم هذه العلة لان فعل الناسي منسوب إلى صاحب الشرع فسقط عنه معنى الجناية وصار الفعل عفوا فبقى الصوم لبقاء ركنه لا لمانع مع فوات ركنه ومثل قولنا في الغصب انه لما صار سبب ملك بدل المال وجب أن يكون سبب ملك المبدل واما المدير فإنما امتنع حكم هذه العلة فيه لمانع وهو أن المغصوب لا يحتمل الانتقال فكان هذا

تخصيصا وهذا باطل وانما الصحيح ما قلنا أن الحكم عدم لعدم هذه العلة وهو كون الغصب سبا لملك بدل العين المغصوبة لان ضمان المدبر ليس ببدل عن العين المغصوبة لكنه بدل عن اليد الفائتة لما قلنا انه ليس بمجل النقل فالذي جعل عندهم دليل الخصوص جعلناه دليل العدم وهذا اصل هذا الفضل فاحفظه واحكمه ففيه فقه كثير ومخلص كبير وانما يلزم الخصوص على العلل الطردية لانها قائمة بصيغتها والخصوص يرد على العبارات دون المعاني الخالصة ومن ذلك قولنا في الزنا يوجب حرمة المصاهرة انه حرث للولد فأقيم مقامه ولما خلق الولد من مائهما أو اجتمعا على الوطئ جاءت بينهما شبهة البعضية بواسطة الولد صارت بناتها و امهاتها كبناته وامهاته وآباؤه كآبائها وابنائها فلزم على هذا انه لم يحرم الاخوات والعمات والخالات فقال أهل المقالة الأولى انه مخصوص بالنص مع قيام العلة وقلنا نحن بل العلل صارت عللا شرعا لا بذواتها وهي لم تجعل علة عند معارضة النص وفي هذا معارضة لان حكم النص يزداد بامتداد الحرمة إلى الاخوات وغيرهن فلا يبقى علة عند معارضة النص فيكون عدم الحكم لعدم العلة وليس هذا من باب الخصوص في شيء وهذا واضح جدا ومن احكم المعرفة واحسن الطوية سهل عليه تخريج الجمل على هذا الأصل أن شاء الله تعالى

باب وجوه دفع العلل
قال الشيخ الأمام رضي الله عنه العلل قسمان طردية ومؤثرة وعلى كل قسم ضروب من الدفع إما العلل المؤثرة فان دفعها بطريق فاسد وبطريق صحيح واما الفاسد فاربعة اوجه المناقضة وفساد الوضع وقيام الحكم مع دم العلة والفرد بين الفرع والاصل إما المناقضة فلما قلنا أن الصحيح من العلل ما ظهر اثره الثابت بالكتاب والسنة وذلك لا يحتمل المناقضة لكنه إذا تصور مناقضة وحب تخريجه على ما قلنا من عدم الحكم لعدم العلة لا لمانع يوجب الخصوص مثل قولنا مسح في

وضوء فلا يسن تكراره كمسح الخف لا يلزم الاستنجاء لانه ليس بمسح بل ازالة للنجاسة إلا ترى الحدث إذا لم يعقب اثر لم يسن مسحه وهذا يذكر في اخر هذا الفصل على الاستقصاء أن شاء الله تعالى وكذلك فساد الوضع لا يتصور بعد ثبوت الاثراذ لا يوصف الكتاب والسنة والإجماع بالفساد واما عدم العلة وقيام الحكم فلا بأس به لاحتمال علة أخرى إلا ترى أن العكس ليس بشرط لصحة العلة لكنه دليل مرجح واما الفرق فإنما فسد لوجوه ثلاثة أحدها أن السائل منكر فسبيله الدفع دون الدعوى فإذا ذكر في الأصل معنى اخر انتصب مدعيا ولان دعواه ذلك بالمعنى الذي لا يصلح للتعدية إلى هذا الفرع لا يمنع التعليل بعلة متعدية فلم يبق لدعواه اتصال بهذه المسألة ولان الخلاف في حكم الفرع ولم يصنع بما قال في الفرع إلا أن ارانا عدم العلة وعدم العلة لا يصلح دليلا عند مقابلة العدم على ما مر ذكره فلأن لا يصلح دليلا عند مقابلة الحجة اولى واما القسم الصحيح فوجهان الممانعة والمعارضة

باب الممانعة
قال الشيخ الأمام وهي اساس النظر لان السائل منكر فسبيله أن لا يتعدى حد المنع والانكار وهي اربعة اوجه الممانعة في نفس الحجة والمانعة في الوصف الذي جعل علة الموجود في الفرع والاصل ام لا والممانعة في شروط العلة والممانعة في المعنى الذي به صار دليلا أما الأول فلأن من الناس من يتمسك بما لا يصح دليلا مثل قول الشافعي رحمه الله في النكاح انه ليس بمال فلا يثبت بشهادة النساء مع الرجال لانا قد قلنا أن الاحتجاج بالنفي والتعليل به باطل وكذلك من تمسك بالطرد واما الممانعة في الوصف فلأن التعليل قد يقع بوصف مختلف فيه مثل قولنا في ايداع الصبي انه مسلط على الاستهلاك ومثل قولنا في صوم يوم النحر انه منهى وان النهي يدل على التحقق لان هذا نسخ عند الخصم والنهي عن الشرعي لا يدل على التحقيق عنده ومثل قول الشافعي رحمه الله في الغموس إنها معقودة وذلك اكثر من أن يحصى و إما الممانعة في

الشرط فقد ذكرنا شروط التعليل وانما يجب أن يمنع شرطا منها هو شرط بالإجماع وقد عدم ف يالفرع والاصل مثل قول الشافعي في السلم الحال انه أحد عوضي البيع فثبت حالا ومؤجلا كثمن البيع فيقال له لا خلاف من أن شرط التعليل أن لا يغير حكم والنص أن لا يكون الأصل معدولا به عن القياس بحكمه وأنا لا نسلم هذا الشرط ههنا والممانعة في المعنى الذي به صار دليلا فهو ما ذكرنا من الاثر لان مجرد الوصف بلا اثر ليس بحجة عنده فلا يصح الاحتجاج به من الخصم على من لا يراه دليلا حتى يبين اثره وسبيله في هذا كله الانكار و إنما يعتبر الانكار معنى لا صورة مثل قولنا في المودع يدعي الرد أن القول قوله وهو مدع صورة والله تعالى اعلم

باب المعارضة
قال الشيخ الأمام رضي الله عنه وليس للسائل بعد الممانعة إلا المعارضة وهي نوعان معارضة فيها مناقضة ومعارضة خالصة إما المعارضة التي فيها مناقضة فالقلب هو نوعان ويقابله العكس وهو نوعان لكن العكس ليس من هذا الباب واما القلب فله معنيان في اللغة يقوم بكل واحد منهما ضرب من الاعتراض إما الأول فان يجعل الشيء منكوسا اعلاه اسفله واسفله اعلاه ومثاله من الاعتراض أن يجعل المعلول علة والعلة معلولا لان العلة اصل والحكم تابع فإذا قلبته فقد جعلته منكوسا وكان هذا معارضة فيها مناقضة لان ما جعله المعلل علة لما صار حكما في الأصل واحتمل ذلك فساد الأصل فبطل القياس وانما يصح هذا فيما يكون التعليل بالحكم فأما بالوصف المحض فلا يرد عليه القلب مثاله قولهم الكفار جنس يجلد بكرهم مائة فيرجم ثيبهم كالمسلمين ومثل قولهم القرائة تكررت في الأوليين فكانت فرضا في الاخريين كالركوع والسجود فقلنا المسلمون إنما جلد بكرهم مائة لان ثيبهم ترجم وانما تكرر الركوع والسجود فرضا في الاولين لانه تكرر فرضا في الاخريين والمخلص عن هذا أن يخرج الكلام مخرج الاستدلال لان الشيء يجوز أن يكون دليلا على شيء وذلك دليل عليه ايضا وانما يصح المخلص إذا ثبت انهما نظيران مثل التوأم

وذلك قولنا مايلتزم بالشروع إذا صح كالحج فقالوا الحج إنما يولي عليها في مالها فيولي عليها في نفسها كالبكر الصغيرة فقالوا إنما يولى على البكر في مالها لانه يولى عليها في نفسها فقلنا النذر لما وقع لله تعالى على سبيل التقرب اليه تسبيبا لزمته مراعاته بابتداء المباشرة وهو منفصل عن النذر وبالشروع حصل فعل القربة فلان يجب مراعاته بالثبات عليه اولى وكذلك الولاية شرعت للعجز والحاجة على من هو قادر على قضاء الحاجة والنفس والمال والثيب والبكر فيه سواء فأما الجلد والرجم فليسا بسواء في انفسهما وفي شروطهما ايضا حتى افترقا في شرط الثيابة وكذلك القرائة والركوع والسجود ليس ابسواء لان القراءة ر4كن زائد تسقط بالاقتداء عندنا وتسقط لخوف فوت الركعة عنده ومن عجز عن الأفعال لم يصلح الذكر اصلا بخلاف الأفعال وكذلك الشفع الأول و الثاني ليسا بسواء في القراءة إلا ترى أن أحد شطري القرائة سقط عنه وهو السورة ويسقط أحد وصفيه وهو الجهر فلم يجهر بحال ففسد الاستدلال واما النوع الثاني منه فهو قلب الشيء ظهر البطن و ذلك أن يكون الوصف شاهدا عليك فقلبته فجعلته شاهدا لك و كان ظهره اليك فصار وجهه اليك فنقض كل واحد منهما صاحبه فصارت معارضة فيها مناقضة بخلاف المعارضة بقياس اخر لانه يوجب الاشتباه إلا بترجيح ولا يوجب تناقضا إلا أن هذا لا يكون إلا بوصف زائد فيه تقرير للأول وتفسيره فكان دون القسم الأول مثاله قولهم في صوم رمضان انه صوم فرض فلا يتأدى إلا بتعيين النية كصوم القضاء فقلنا لما كان صوما فرضاص استغنى عن تعيين النية بعد تعينه كصوم القضاء فقلنا لما كان صوما فرضا استغنى عن تعين النية بعد تعينه كصوم القضاء لكنه إنما يتعين بالشروع وهذا تعين قبل الشروع ومثل قولهم في مسح الرأس انه ركن في الصوم فيسن بثلاثة كغسل الوجه فيقال لهم لما كان ركنا في الوضوء وجب أن لا يسن تثليثه بعد اكماله بزيادة على الفرض كغسل الوجه وبيانه أن مسح الرأس يتأدى بالقليل فيكون استيعابه تكميلا للفرض في محله بزيادة عليه بمنزلة التكرار في الوجه واما العكس فليس من هذا الباب لكنه لما استعمل في مقابلة القلب الحق به وهو نوعان أحدهما يصلح لترجيح العلل والثاني معارضة فاسدة واصله رد الشيء على سننه الأول

مثل عكس المرآة إذا رد نور البصر بنوره حتى انعكس فابصر نفسه كان له وجها في المرآة وذلك مثل قولنا ما يلتزم بالنذر يلتزم بالشروع كالحج وعكسه الوضوء وهذا وما اشبهه مما يصلح لترجيح العلل على ما نذكره أن شاء الله تعالى والنوع الثاني أن رد على خلاف سننه مثل قولهم هذه عبادة لا يمضي في فاسدها فلا تلتزم بالشروع كالوضوء فيقال لهم لما كان كذلك وجب أن يستوي فيه عمل النذر والشروع كالوضوء وهذا ضعيف من وجوه القلب لانه لما جاء بحكم آخر ذهبت المناقضة ولذلك لم يكن من هذا الباب في الحقيقة ولانه لما جاء بحكم مجمل لا يصح من السائل إلا بطريق الابتداء ولان المفسر اولى ولان المقصود من الكلام معناه والاستواء مختلف في المعنى سقوط من وجه وثبوت من وجه على التضاد وذلك مبطل للقياس واما المعارضة الخالصة فخمسة أنواع في الفرع ثلاثة وفي الأصل إما التي في الفرع ما وجوهها المعاضة بضد ذلك الحكم فيقع بذلك محض المقابلة فيمتنع العمل وينسد الطريق إلا بترجيح مثاله قولهم أن المسح ركن في وضوء فيسن تثليثه كالغسل فيقال انه مسح فلا يسن تثليثه كمسح الخف والثاني معارضة بزيادة هي تفسير للأول وتقرير له فمثل قولنا أن المسح ركن في الوضوء فلا يسن تثليثه بعد اكماله كالغسل وهذا أحد وجهي القلب على ما قلنا إما الثالث فما فيه نفي لما اثبته الأول أو إثبات لما نفاه لكن بضرب تغيير مثل قولنا في الثيب اليتيمة إنها صغيرة فتنكح كالتي لها اب فقالوا هي صغيرة فلا يولى عليها بولاية الاخوة كالمال وهذا تغير للأول لان التعليل لاثبات الولاية لا لتعيين الولي إلا أن تحت هذه الجملة نفي للأول لان ولاية الاخوة إذا بطلت بطل سائرها بناء عليها بالإجماع واما الرابع فالقسم الثاني من قسمي العكس على ما بينا ففيه صحة من وجة وعلى ذلك قلنا الكافر يملك بيع العبد المسلم فيملك شراءه كالمسلم فقالوا بهذا المعنى وجب أن يستوي ابتداءه وقراره كالمسلم واما الخامس فالمعارضة في حكم غير الأول لكن فيه نفي للأول ايضا مثل قول أبي حنيفة في التي نعى اليها زوجها فنكحت وولدت ثم جاء الأول حيا أن الأول احق بالولد لانه صاحب فراش صحيح فان عارضه الخصم

بأن الثاني صاحب فراش فاسد فيستوجب به نسب الولد كرجل تزوج امرأة بغير شهود فولدت فهذه المعارضة في الظاهر فاسدة لاختلاف الحكم إلا أن النسب لما لم يصح اثباته من زيد بعد ثبوته من عمر وصحت المعارضة بما يصلح سببا لاستحقاق النسب فاحتاج الخصم إلى الترجيح بان فراش الأول صحيح ثم عارضه الخصم بان الثاني شاهد والماء ماؤه فتبين به فقه المسألة وهو أن الصحة والملك احق بالاعتبار من الحضرة لان الفاسد شبهة فلا يعارض الحقيقة فيفسد الترجيح واما المعارضات في الأصل فثلاثة معارضة بمعنى لا يتعدى وذلك باطل لعدم حكمه ولفساده لوافاه تعدية والثاني أن يتعدى إلى اصل مجمع عليه لانه لا ينفي العلة الأولى والثالث أن يتعدى إلى معنى مختلف فيه ومن أهل النظر من جعل هذه المعارضة حسنة لاجماع الفقهاء على أن العلة أحدهما فصارتا متدافعتين بالإجماع فيصير إثبات الأخرى ابطالا من طريق الضرورة والجواب أن الإجماع انعقد على فساد أحدهما لمعنى فيه لا لصحة الآخر كالكيل والطعم والصحيح أحدهما لا غير لكن الفساد ليس لصحة الآخر لكن لمعنى فيه يفسده فلإثبات الفساد لصحة الآخر باطل فبطلت المعارضة وكل كلام صحيح في الأصل يذكر على سبيل المفارقة فاذكره على سبيل الممانعة كقولهم في اعتاق الراهن انه تصرف من الراهن يلاقي حق المرتهن بالأبطال وكان مردودا كالبيع فقالوا ليس كالبيع لانه يحتمل الفسخ بخلاف العتق والوجه فيه أن نقول أن القياس لتعدية حكم النص دون تغييره وأنا لا نسلم وجود هذا الشطر هنا وبيانه أن حكم الأصل وقف ما يحتمل الرد والفسخ وانت في الفرع تبطل اصلا مالا يحتمل الرد والفسخ وكذلك أن اعتبره باعتاق المريض لان حكم الإجماع ثمه توقف العتق ولزوم العتاق وانت قد عديت البطلان اصلا فان ادعى في الأصل حكما غير ما قلنا لا نسلم ومثل قولهم قتل ادمى مضمون فيوجب المال كالخطأ لان ثمة المثل غير مقدور عليه وسبيله ما قلنا أن لا نسلم قيام شرط القياس وتفيسره أن حكم الأصل شرع المال خلفا عن القودوانت جعلته مزاحما له وقد بينا أن المناقضة لا ترد على العلل المؤثرة بعد صحة اثرها وانما تبين ذلك بوجوه اربعة وهذا

باب بيان وجوه دفع المناقضة
قال الشيخ الأمام رضي الله عنه وحاصل ذلك أن المجيب متى امكنه الجمع بين ما ادعاه علة وبين ما يتصور مناقضة بتوفيق بين بطلت المناقضة كما يكون ذلك في المناقضات في مجلس القضاء بين الدعوى والشهادة وبين الشهادات انه متى احتمل التوفيق وظهر ذلك بطل التناقض إما الأول فبالوصف الذي جعله علة و الثاني بمعنى الوصف الذي به صار الوصف علة وهو دلالة اثره والثالث بالحكم المطلوب بذلك الوصف والرابع بالغرض المطلوب بذلك الحكم إما الأول فظاهر مثل قولنا في مسح الرأس انه مسح فلا يسن تثليثه كمسخ الخف ولا يلزم الاستنجاء لانه ليس بمسح ولكنه ازالة النجاسة إلا ترى انه إذا احدث فلم يتلطخ به بدنه لم يكن الاستنجاء سنة كذلك قولنا في الخارج من غير السبيلين انه خارج من الانسان فكان حدثا كالبول ولا يلزم عليه إذا لم يسل لانه ظاهر وليس بخارج لان تحت كل جلدة رطوبة وفي كل عرق دما فإذا زايله الجلد كان ظاهرا إلا خارجا إلا ترى انه لا يجب به الغسل بالإجماع واما الدفع بمعنى الوصف فإنما صح لان الوصف لم يصر حجة بصيغته وانما صار حجة بمعناه الذي يعقل به وذلك ضربان أحدهما ثابت بنفس الصيغة ظاهرا والثاني بمعناه الثابت به دلالة على ما ذكرناه فيما سبق فكان ثابتا به لغة فصح الدفع به كما صح بالقسم الأول فكان دفعا بنفس الوصف وهذا احق وجهي الدفع لكن الأول اظهر فنبدأ به وذلك مثل قولنا مسح في الوضوء فلم يكن التكرار فيه مسنونا كمسخ الخف ولا يلزم الاستنجاء لان معنى المسح تطهير حكمي غير معقول والتكرار لتوكيد التطهير فإذا لم يكن مراد بطل التكرار إلا ترى انه يتأدى ببعض محله بخلاف الاستنجاء لانه لازالة عين النجاسة في التكرار توكيده إلا ترى انه لا يتأدى ببعضه فصار ذلك نظير الغسل ولهذا معنى ثابت باسم المسح لغة وكذلك قولنا انه نجس خارج فكان حدثا كالبول ولا يلزم إذا لم يسل لان ما سال منه نجس أوجب تطهيرا حتى وجب غسل ذلك الموضع فصار بمعنى البول وهذا غير خارج إذا لم يسل

حتى لم يتعلق به وجوب التطهير واما الدفع بالحكم فمثل قولنا في الغصب انه سبب لملك البدل فكان سببا لملك المبدل ولا يلزم المدبر لانا جعلناه سببا فيه ايضا لكنه امتنع حكمه لمانع كالبيع يضاف اليه ومثل قولنا في الجمل الصائل أن المصول عليه اتلفه لاحياء نفسه والاستحلال لاحياء المهجة لا ينافي عصمة المتلف كما إذا اتلفه دفعا للمخمصة ولا يلزم مال الباغي وما يجري مجراه لان عصمته لم تبطل بهذا المعنى فكان طردا لا نقضا وكذلك متى قلنا في الدم انه نجس خارج فكان حدثا لم يلزم دم الاستحاضة لانه حدث ايضا لكن عمله امتنع لمانع واما الرابع فمثل قولنا نجس خارج ولا يلزم دم المستحاضة ودم صاحب الجرح السائل الدائم لان غرضنا التسوية بين هذا وبين الخارج من المخرج المعتاد وذلك حدث فإذا لزم صار عفوا لقيام وقت الصلاة فكذلك هذا وكذلك قولنا في التأمين انه ذكر فكان سبيله الاخفاء ولا يلزم عليه الاذان وتكبيرات 2الأمام لان غرضنا أن اصل الذكر الاخفاء وكذلك اصل الاذان والتكبيرات إلا أن في تلك الاذكار معنى زائدا وهو إنها اعلام فلذلك اوجب فيها حكما عارضا إلا ترى أن المنفرد والمقتدى لا يجهر بالتكبير ومن صلى وحده اذن لنفسه وهذا معنى قول مشائخنا في الدفع انه لا يفارق الأصل لكن ما قلناه ابين في وجوه الدفع و إذا قامت المعارضة كان السبيل فيه الترجيح وهذا

باب الترجيح
قال الشيخ الأمام الكلام في هذا الباب اربعة اضرب أحدها في تفسير الترجيح ومعناه لغة وشريعة والثاني في الوجوه التي تقع بها الترجيح والثالث بيان المخلص في تعارض وجوه الترجيح والرابع في الفاسد من وجوه الترجيح إما الأول فان الترجيح عبارة عن فضل أحد المثلين على الآخر وصفا فصار الترجيح بناء على المماثلة وقيام التعارض بين مثلين يقوم بهما التعارض قائما بوصف هو تابع لا يقوم به التعارض بل ينعدم في مقابلة أحد ركني التعارض واصل ذلك رجحان الميزان وذلك أن يستوي الكفتان

بما يقوم به التعارض من الطرفين ثم ينقسم إلى أحدهما شيء لا يقوم به التعارض ولا يقوم به الوزن لولا الأصل فسمى ذلك رجحانا كالدانق ونحوه في العشرة فأما الستة والسبعة إذا ضم إلى احدى العشرتين فلا إلا يرى أن ضد الترجيح التطفيف و ذلك بنقصان في الوزن والكيل بوصف لا يقوم به التعارض ولا ينفي اصل التعارض وذلك معنى الترجيح شرعا إلا يرى انا جوزنا فضلا في الوزن في قضاء الديون قال النبي عليه السلام للوزان زن وارجح ولم يجعله هبة فان كان ذلك اكثر مما يقع به الترجيح وكان من قبيل ما يقع التعارض بصفة التطفيف صار هبة وكان باطلا ولهذا قلنا أن الترجيح لا يقع بما يصلح أن يكون علة بانفراده كرجل قام شاهدين على عين و اقام اخر اربعة لم يترجح لان ذلك علة و انما يقع بوصف لا يصلح لا ثبات الحكم بانفراده انضم إلى مثلها فلم يصلح وصفا وانما يقع الترجيح بوصف مؤكد لمعنى الركن ولذلك لم يقع الترجيح بشاهد ثالث على الشاهدين لانه لا يزيد الحجة قوة ولا الصدق توكيدا و لهذا قالوا ان القياس لا يترجح بقياس آخر ولا الحديث بحديث آخر و القياس بالنص ولا نص الكتاب بنص آخر انما يترجح النص بقوة فيه على ما مر ذكره حتى صار الحديث المشهور اولى من الغريب لان الشهرة توجب قوة في اتصاله بالرسول عليه السلام وكذلك إذا جرح رجل رجلا جراحة وجرحه أخر جراحات فمات منها و ذلك خطاءان الدية تجب نصفين ولا يترجح صاحب الجراحات حتى يجعل وحده قاتلالان كل جراحة تصلح علة معارضة فلم تصلح و صفا يقع به الترجيح و كذلك قلنا نحن في الشفيعين في الشقص الشايع المبيع بسهمين متفاوتين انهما سواء في استحقاقه لان كل جزء من اجزاء السهم علة صالحة الاستحقاق الجملة فقامت المعارضة بكل جزء وان قل فلم يصلح شيء منه وصفا لغيره فقد وافقنا الشافعي على هذا لانه لم يرجح صاحب الكثير ايضا لكنه جعل الشفعة من مرافق الملك كالثمر والولد فجعله منقسا على قدر الملك وكان هذا منه غلطا بان جعل حكم العلة متولدا من العلة ومنقسما على اجزائها واجمع الفقهاء في ابني عم أحدهما زوج المرأة أن التغصيب لا يترجح بالزوجية بل يعتبر كل واحد علة بانفراده وقال عامة

الصحابة رضي الله عنهم في ابني عم أحدهما أخ لأم أن السدس له بالأخوة والباقي بينهما بالتعصيب خلافا لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه ولم يجعلوا الأخوة مرجحة لما كانت علة بانفرادها لا يصلح وصفا لأنها أقرب من العمومة بخلاف الأخوة لأم فإنها جعلت وصفا للأخوة لأب لأن هذه الجهة تابعة والمنزل واحد وإنما يجب طلب الرجحان من الأوصاف مثل العدالة في الشاهد وما يجري مجراها وأما القسم الثاني فعلى أربعة أوجه الترجيح بقوة الأثر والترجيح بقوة ثباته على الحكم المشهود به والترجيح بكثرة أصوله والترجيح بالعدم عند عدمه أما الأول فلأن الأثر معنى الحجة فمهما قوى كان أولى لفضل وصف في الحجة على مثال الاستحسان في معارضة القياس وهو كالخبر لما صار حجة بالاتصال ازداد قوة بما يزيده قوة في ذلك المعنى بضبط الراوى وإتقانه وسلامته عن الانقطاع على ما مر ذكره وليس كذلك فضل عدالة بعض الشهود على عدالة بعض لأنه ليس بذي حد ولا متنوع بل هو التقوى ولا وقوف على حدوده مثاله ما قلنا في طول الحرة أنه لا يمنع الحر من نكاح الأمة وقال الشافعي رحمه الله يمنع لأنه يرق ماءه على غنية وذلك حرام على كل حر كالذي تحته حرة وهذا وصف بين الأثر وقلنا أنه جائز لأنه نكاح بملكه العبد بإذن مولاه إذا دفع إليه مهرا يصلح للحرة والأمة جميعا وقال تزوج من شئت فيملكه الحر كسائر الأنكحة وهذا أقوى الأثر لأن الحرية من صفات الكمال وأسباب الكرامة والرق من أسباب تنصيف الحل فيجب أن يكون الرقيق في النصف مثل الحر في الكل فأما أن يزداد أثر الرق ويتسع حله فلا وهذا أثر ظهرت قوته ويزداد وضوحا بالتأمل في أحوال البشر ألا يرى أنه حل لرسول الله عليه السلام التسع أو إلى ما لا يتناهى لفضله وشرفه فأما ما ذكر من الأثر فضعيف بحقيقته لأن الأرقاق دون التضييع وذلك جائز بالعزل باذن الحرة فالا رقاق اولى و ضعيف باحواله فان نكاح الأمة جائز لمن يملك سرية يستغنى بها عنه ومن ذلك قولهم في نكاح الأمة الكتابية أنه لا يجوز للمسلم لأن الرق من الموانع وكذلك الكفر فإذا اجتمعا الحق بالكفر الغليط ولأن الضرورة انقضت بإحلال الأمة المسلمة

وقلنا نحن لا بأس به لأنه دين يصح معه نكاح الحرة فكذلك نكاح الأمة كدين الإسلام وهو نكاح يملكه العبد المسلم وهذا أثر ظهرت قوته لما قلنا أن أثر الرق في التنصيف فيما يقبله كما قيل في الطلاق والعدة والقسم والحدود وذلك يختص بما يقبل العدد من الأحكام ونكاح المرأة في نفسه مقابلا بالرجال ليس بمتعدد فلا يحتمل التنصيف لكنه ذو أحوال متعددة وهي التقدم والتأخر والمقارنة فصح متقدما ولم يصح متأخرا قولا بالتنصيف وبطل مقارنا لأنه لا يحتمل التنصيف فغلب التحريم كالطلاق الثلاث والإقراء أنها صارت ثنتين بالرق لما قلنا فهذا وصف قوى أثره ولذلك قلنا في الحر إذا نكح أمة على أمة أنه صحيح كالعبد إذا فعله وضعف أثر وصفه لأن الرق ليس من أسباب التحريم لكنه من أسباب التنصيف كرق الرجال لم يحرم على الرجل شيئا حل للحر لكنه أثر في التنصيف قد جعلت الرق من أسباب فضل الحل وهذا عكس المعقول ونقض الأصول ودين الكتابي ليس من أسباب التحريم أيضا وأثرهما مختلف أيضا فلا يصلح أن يجعلا علة واحدة وغير مسلم له أن يكون نكاح الأمة في حكم الجواز ضروريا لكنه في حكم الاستحباب مثل نكاح الحرة الكتابية لما قلنا من سقوط حرمة الأرقاق ومثاله أيضا ما قال الشافعي في إسلام أحد الزوجين أنه من أسباب الفرقة عند انقضاء العدة لا بنفسه فكذلك الردة سوى بينهما وهذا وصف ضعيف الأثر لا يخفى على أحد وقلنا نحن أن الإسلام ليس من أسباب الفرقة لأنه من أسباب العصمة وبقاء الآخر على ما كان ليس من أسبابه أيضا بالإجماع فوجب إثبات الحكم مضافا إلى سبب جديد وهو فوات أغراض النكاح مضافا إلى امتناع الآخر عن أداء الإسلام حقا للذي أسلم وهو سبب ظاهر الأثر كما في اللعان والإيلاء والجب والعنة واما الردة فمنافية لأنها من أسباب زوال العصمة وذلك أمر بين ولا يلزم إذا ارتدا معا لأنا أثبتنا حكمه بنص آخر وهو إجماع الصحابة رضي الله عنهم والقياس ليس بحجة في معارضة الإجماع ولأن حال الإتفاق دون حال الإختلاف فلم يصح التعدية إليه في تضاد حكمين وضعف أثر قوله أن الرد غير منافية بدلالة ارتدادهما لأنا وجدنا اختلاف الدين يمنع ابتداء النكاح والإتفاق على

الكفر لا يمنع ومثاله قوله في مسح الرأس أنه ركن في الوضوء وهذا ضعيف الأثر لأن الركنية لا يؤثر في التكرار ولا يختص به فقد سن تكرار المضمضة واثر المسح في التخفيف بين لا شبهة فيه قوى لا ضعف فيه وهذا أكثر من أن يحصى وأما الثاني وهو قوة ثباته على الحكم المشهود به فلأن الأثر إنما صار أثرا لرجوعه إلى الكتاب والسنة والإجماع فإذا ازداد ثباتا ازداد قوة بفضل معناه وذلك في قولنا في مسح الرأس أنه مسح فهذا أثبت في دلالة التخفيف من قولهم ركن في دلالة التكرار ألا ترى أن الركن وصف عام في الوضوء وفي أركان الصلاة وغيرها وهي الركوع والسجود وكان من قضية الركن إكماله بالإطاله في الركوع والسجود لا تكراره ووجدنا في الباب ما ليس ركن ويتكرر وهو المضمضة والاستنشاق وأما أثر المسح في التخفيف فثابت لازم لا محالة في كل ما لا يعقل تطهيرا كالتيمم ومسح الخف ومسح الجبائر ومسح الجوارب وكذلك قولنا في صوم رمضان أنه متعين أولى من قولهم صوم فرض لأن الفرضية لا توجب إلا الامتثال به والتعيين لا محالة وذلك وصف خاص في الباب واما التعيين فلازم حتى تعدى إلى الودايع والغصوب ورد البيع الفاسد وعقد الإيمان ونحوها فكان أولى وكذلك قولنا في المنافع أنها لا تضمن مراعاة لشرط ضمان العدو أن بالاحتراز عن الفضل أولى من قولهم أن ما يضمن بالعقد يضمن بالاتلاف تحقيقا للجبر وإثبات المثل تقريبا وإن كان فيه فضل لأنه فضل على المتعدي أو إهدار على المظلوم ولأنه إهدار وصف أو إهدار أصل فكان الأول أولى لأن التقييد بالمثل واجب في كل باب كما في الأموال كلها والصيام والصلاة وغيرها ووضع الضمان في المعصوم أمر جائز مثل العادل يتلف مال الباغي والحربي يتلف مال المسلم والفضل على المتعدي غير مشروع وهذا لأنه وإن قل فإنه حكم شرعي ينسب إلى صاحب الشرع بغير واسطة ونسبة الجور إليه بدون واسطة فعل العبد باطل وان لا يضمن مضاف إلى عجزنا عن الدرك وذلك سائغ حسن ولأن الوصف وإن قل فائت أصلا بلا بدل والأصل إن عظم فائت إلى ضمان في دار الجزاء فكان تأخرا والأول إبطالا والتأخير أهون من

الإبطال وهذا كذلك في عامة الأحكام فأما ضمان العقد فباب خاص فكان ما قلناه أولى وأما الثالث وهو كثرة الأصول فهو من جنس الأشهاد في السنن وهو قريب من القسم الثاني في هذا الباب وأما الرابع فهو العكس الذي ذكرناه وهو أضعف وجوه الترجيح لأن العدم لا يتعلق به الحكم لكن الحكم إذا تعلق بوصف ثم عدم عند عدمه كان ذلك أوضح لصحته فصلح أن يدخل في أقسام الترجيح وذلك قولنا في مسح الرأس أنه مسح وهو ينعكس بما ليس بمسح وقولهم ركن لا ينعكس لأن المضمضة تتكرر وليس بركن وكذلك قولنا في الآخوة أنها قرابة محرمة للنكاح لإيجاب العتق أحق من قولهم يجوز وضع زكاة أحدهما في الآخر لأن ما قلنا ينعكس في بني الأعمام وقولهم لا ينعكس لأن وضع الزكاة في الكافر لا يحل ولا يجب به عتق وكذلك قولنا في بيع الطعام أنه مبيع عين فلا يشترط قبضه أولى في قولهم ما لأن لو قوبل كل واحد منهما بجنسه حرم ربا الفضل لأنه ينعكس ببدل الصرف ورأس مال السلم لأنه دين بدين ولا ينعكس تعليله لأن بيع السلم لم يشمل أموال الربا ومع ذلك وجب فيه القبض احترازا عن الكالئ بالكالئ وأما القسم الثالث فإن الأصل في ذلك أن كل موجود مما يحتمل الحدوث موجود بصورته ومعناه الذي هو حقيقة وجوده ويقوم به أحواله الحادثة على وجوده فإذا تعارض ضربا ترجح أحدهما في الذات والثاني في الحال على مضادة الوجه الأول كان الرجحان في الذات أحق منه في الحال لوجهين أحدهما أن الذات أسبق من الحال فيصير كاجتهاد أمضى حكمه لا يحتمل النسخ بغيره ولأن الحال قائمة فلو اعتبرنا على مضادة الأول كان ناسخا للأول مبطلا له والتبع لا يصلح مبطلا للأصل ناسخا له وهذا عندنا والشافعي خفى عليه هذا الحد وهو معذور في منزل لقدم والمصيب في مراكز الزلل مأجور وبيانه فيما هو موضع افجماع قولنا في ابن ابن الأخ لأب وأم أو لأب أنه أحق بالتعصيب من العم لأن هذا راجح في ذات القرابة والعم راجح بحالة وكذلك العمة لأم مع الخال لأب وام احق بالثلثين والثلث للخال لأنها راجحة في ذات القرابة والخال راجح بحالة وابن الأخ

لأب وأم أحق من ابن الأخ لأب لاستوائهما في الذات فيترجح بالخال وابن ابن الأخ لأب وأم لا يرث مع ابن الأخ لأب للرجحان في الذات ومثله كثير وعلى هذا قال أصحابنا رحمهم الله في مسائل صنعة الغاصب في الخياطة والصياغة والطبخ والشيء ونحوها أنه ينقطع حق المالك لأن الصنعة قائمة بذاتها من كل وجه ولا يضاف حدوثها إلى صاحب العين وأما العين فهالكة من وجه وهي من ذلك الوجه مضاف إلى صنعة الغاصب فصارت الصنعة راجحة في الوجود وقال الشافعي رحمه الله صاحب الأصل أحق لأن الصنعة باقية بالمصنوع تابعة له والجواب عنه ما قلنا أن البقاء حال بعد الوجود فإذا تعارضا كان الوجود أحق من البقاء وكذلك على هذا قلنا في صوم رمضان وكل صوم عين أنه يجوز بالنية قبل انتصاف النهار لأنه ركن واحد تعلق جوازه بالعزيمة فإذا وجدت العزيمة في البعض دون البعض تعارض فرجحنا بالكثرة وقال الشافعي رحمه الله بل ترجح الفساد احتياطا في العبادة والجواب ما ذكرنا أن هذا يؤدي إلى نسخ الذات بالحال وعلى هذا قال أبو حنيفة رحمه الله في رجل له خمس من الإبل السائمة مضى من حولها عشرة أشهر ثم ملك ألف درهم ثم تم حول الإبل فزكاها ثم باعها بألف درهم أنه لا يضمها إلى الألف التي عنده لكنه يستأنف الحول فإن وهبت له ألف أخرى ضمها إلى الألف الأولى لأنها اقرب فإن تصرف في ثمن الإبل فربح ألفا ضم الربح إلى أصله وإن كان بعد عن الحول ولا يعتبر الرجحان بالاحتياط في الزكاة لما قلنا أن الألف الربح متصل بأصله ذاتا متصل بالألف الأخرى حالا وهي القرب إلى مضى الحول والذات أحق من الحال والله أعلم وإنما ذكرنا من هذه الأقسام أمثلة معدودة لتكون أصلا لغيرها من الفروع وأما الرابع فعلى أربعة أوجه ترجيح القياس بقياس آخر وما يجري مجراه على ما قلنا ةالثاني الترجيح بغلبة الأشباه مثل قولهم أن الأخ يشبه الولد بوجه وهو المحرمية ويشبه ابن العم بسائر الوجوه مثل وضع الزكاة وحل الحليلة وقبول الشهادة ووجوب القصاص من الطرفين فكان أولى وهذا باطل لأن كل شبه يصلح قياسا قيصير كترجيح القياس بقياس آخر والثالث الترجيح بالعموم مثل قولهم أن الطعم حق لأنه يعم القليل والكثير وهذا باطل

لأن الوصف فرع النص والنص العام والخاص سواء عندنا وعندكم الخاص يقضى على العام فكيف صار العام أحق من الذي هو فرعه ولأن التعدي غير مقصود عندكم فبطل الترجيح وعندنا صار علة بمعناه لا بصورته والعموم صورة والرابع الترجيح بقلة الأوصاف فيقال ذات وصف أحق من ذات وصفين وهذا باطل لأن العلة فرع النص والنص الذي خص نظمه بضرب من الإيجاز والاختصار والنص الذي أشبع بيانه سواء وإنما الترجيح في هذا الباب بالمعاني التي مر ذكرها فأما بالصور فلا والقلة والكثرة صورة ولم يعتبر ذلك في الذي جعل نظمه حجة ففي هذا أولى

باب وجوه دفع العلل الطردية
وهو القسم الثاني من هذا الباب وذلك اربعة اوجه القول بموجب العلة لانه رفع الخلاف فهو احق بالتقديم ثم الممانعة ثم بيان فساد الوضع ثم المناقضة إما القول بموجب العلة فالتزام ما يلزمه المعلل بتعليله وانه يلجيء أصحاب الطرد إلى القول بالمعاني الفقهية وذلك مثل قولهم في مسح الرأس انه ركن في وضوء فيسن تثليثه كغسل الوجه فقال لهم عندنا يسن تثليثه لان فرضه يتادى بقدر الربع عندنا وعندكم باقل منه فما يجاوزه إلى استيعابه فتثليث وزيادة إذ ليس مقتضى التثليث اتحاد المحل لا محالة إلا ترى أن من دخل ثلاثة دور كان ثلاث دخلات بمنزلها في دار واحد وإذا كان كذلك فقد ضم إلى الفرض امثاله فكان تثليثا وزيادة فان غير العبارة فقال وجب أن يسن تكراره لم يسلم ذلك في الأصل لان التكرار في الأصل غير مسنون ولكن المسنون تكميله وهو الأصل في الاركان وتكميله باطالته في محله أن امكن بمنزلة اطالة القيام والركوع والسجود ولكن الفرض لما استغرق محله اضطررنا إلى التكرار خلفا عن الأصل والاصل ههنا مقدور عليه في مسح الرأس لا لإتساع محله فبطل الخلف وظهر بهذا فقه المسئلة وهو أن لا اثر للركنية في التكرار أصلا كما في أركان الصلاة ولا اثر لها في التكميل لا محالة لا ترى أن مسح الرأس يشاركه مسح الخف في الاستيعاب سنة وهو رخصة وكذلك المضمضة فأما المسح

فله اثر في التخفيف لا محالة لانه لا يؤدي لطهر معقول فلما كان كذلك كان الاطالة فيه سنة لا التكميل بالتكرار إلا يرى أن التكميل بالتكرار ربما يلحقه بالمحظور وهو الغسل فكيف يصلح تكميلا واما الغسل فقد شرع الطهر معقول فكان التكرار تكميلا ولم يكن محظورا فقد أدى القول بموجب العلة إلى الممانعة وهذا كله بناء على أن الفرض في المسح يتادى ببعض الرأس لا محالة وذلك غير مسلم على مذهبهم بل الفرض يتادى بكله ولكن الشرع رخص في الحط إلى ادنى المقادير وذلك كالقرأة عندكم وان طالت كانت فرضا وقد يتأدى بآية واحدة وإذا كان كذلك لم يلزمه شيء من هذه الوجوه والجواب عنه أن هذا خلاف الكتاب قال الله تعالى وامسحوا برؤسكم أرجلكم وقد بينا في ابواب حروف المعاني أن الاستيعاب غير مراد بالنص فصار البعض هو المراد ابتداء بالنص فصار أصلا لا رخصة فصار اسيعابه تكميلا للفرض والفضل على نصاب التكميل بدعة بالإجماع ومن ذلك قولهم في صوم رمضان انه صوم فرض لايصح إلا بتعين النية فقلنا نحن بموجبه لان هذا الوصف يوجب التعيين لكنه لا يمنع وجود ما يعنيه فيكون اطلاقه تعيينا ولانه لا يصح عندنا إلا بتعيين النية لانا إنما نجوزه باطلاق النية على انه تعيين ومن ذلك قولهم باشر نقل قربة لا بمضى في فاسدها فلا يلزم القضاء بالافساد كما قيل في الوضوء فقلنا لهم لا يجب القضاء عندنا بالافساد حتى انه يجب إذ فسد لاباختياره بان وجد المتيمم في النفل ماء لكنه بالشروع يصير مضمونا عليه وفوات المضمون في ضمانه يوجب المثل فان قيل وجب أن لا يلزمه القضاء بالشروع ولابافساد قلنا عندنا القربة بهذا الوصف لا تضمن وانما تضمن بوصف انه يلتزم بالنذر وذلك مثل قولهم العبد مال فلا يتقدر بدله بالقتل كالدابة وعندنا لا يتقدر بدله بهذا الوصف بل بوصف الادمية وهذا كلام حسن إلا يرى أن الموجود قد يكون ببعض صفاته حسنا و ببعض صفاته رديا فيجوز ان تكون القربة مضمونة بوصف خاص غير مضمون بسائر الاوصاف ومن ذلك قولهم اسلم مذروعا في مذروع فجاز ونحن نقول بهذا الوصف لا يفسد عندنا وذلك لا يمنع وجود الفساد بدليله كما إذا قرن به شرط

فاسد وكذلك قولهم في المختلعة إنها منقطعة النكاح فلا يلحقها الطلاق كمنقضية العدة ونحن نقول بموجبه لان الطلاق لا يلحقها بهذا الوصف بل بوصف إنها معتدة عن نكاح صحيح ومن ذلك قولهم تحرير في تكفير فلا يقع به التكفير إلا بالأيمان المحررو نحن نقول هذا الوصف يوجب الإيمان عندنا لكن قيام الموجب لا يمنع معارضة ما يسقطه وهو اطلاق صاحب الشرع الذي هو صاحب الحق كالدين يسقط وكذلك قولهم في السرقة إنها اخذ مال الغير بلا تدين فيوجب الضمان قلنا نحن نقول به لكن لا يمنع اعتراض ما يسقطه كالابراء فكذلك استفاء الحد

الفصل الثاني
وهو الممانعة وهي اربعة اوجه ممانعة في نفس الوصف والثاني في نفس الحكم و الثالث في صلاحه للحكم والرابع في نسبه الحكم إلى الوصف إما الأول فمثل قولهم عقوبة متعلقة بالجماع فلا بجب بالاكل كحد الزنى وهذا غير مسلم عندنا لان كفارة الفطر متعلقة بالفطر دون الجماع ومن ذلك قولهم في بيع التفاحة بالتفاحة انه بيع مطعوم بمطعوم مجازفة فيبطل كبيع الصبرة بالصبرة لانا نقول مجازفة ذات أو وصف فلا بد من القول بالذات ثم نقول مجازفة في الذات بصورته أو بمعياره فلا بد من القول بالمعيار لان المطعوم بالمطعوم كيلا بكيل جائز وان تفاوتا في الذات فان قال لا حاجة إلى هذا لم نسلم له المجازفة مطلقة فيضطر إلى إثبات أن الطعم علة لتحريم البيع بشرط الجنس مع أن الكيل الذي يظهر به الجواز لا يعدم إلا الفضل على المعيار ومن ذلك قولهم في التثبيت الضغيرة إنها تثبت ترجى مشورتها فلا تنكج إلا برأيها كالثيب البالغة لانا نقول برأي حاضرأم برأي مستحدث فأما الحاضر فلم يوجد في الفرع واما المستحدث فلا يوجد في الأصل فان قال لا حاجة إلى هذا قلنا له عندنا لا تنكح إلا برأيها لان راي الولى رأيها فان قال بأيهما كان انتقض بالمجنونة لان لها رأيا مستحدثا أيضا لان الجنون يحتمل الزوال لا محالة فيظهر به فقه المسئلة وهو أن الولاية ثابتة فلا يمنعها إلا الرأي

القائم فأما المعدوم قبل الوجود فلا يحتمل أن يكون شرطا مانعا إو دليلا قاطعا وهذا الذي ذكرنا امثله ما يدخل في الفرع وفيه قسم اخر وهو ما يدخل في الأصل مثل قولهم في مسح الرأس انه طهارة مسح فيسن تثليثه كالاستنجاء فتقول أن الاستنجاء ليس بطهارة مسح بل طهارة عن النجاسة الحقيقة فيضطر إلى الرجوع إلى فقه المسئلة وهو بيان يتعلق به التكرار في أحدهما يحقق غرضه وفي الثاني يفسده ويلحقه بالمحظور وهذا اكثر وهو الغسل و ما يتعلق به التخفيف و هو المسح و هما في طرفى نقيض التكرار من أن يحصى واما الممانعة في الحكم فمثل قولهم في مسح الرأس انه ركن في ضوء فيسن تثليثه كغسل الوجه فنقول أن غسل الوجه لا يسن تثليثه بل يسن تكميله بعد تمام فرضه وقد حصل التكميل ههنا ولكن التكرار صير اليه في الغسل لضرورة أن الفرض استغرق محله وهذا المعنى معدوم في هذا أو لان المشروع في الأصل وجب بالضرورة لما قلنا من الاركان لكن التكرار اطالته لا تكراره كما في غيره ومثل قولهم في صوم رمضان انه صوم فرض فلا يصح إلا بتعيين النية يقال له بعد التعيين أو قبله فان قال بعده لم نجده في الأصل فصحت الممانعة فان قال قبله لم نجده في الفرع فصحت الممانعة أيضا فان قال لا حاجة لي إلى هذا قلنا عندنا لا يصح بالتعيين غيران اطلاقه تعيين ومثل قولهم في بيع التفاحة بالتفاحة انه بيع مطعوم بجنسه مجازفة فيحرم كالصبرة بالصبرة يقال له يحرم حرمة موقتة أو مطلقة فان قال موقته لم نجدها في الفرع لعدم المخلص وان قال مطلقة لم نجدها في الأصل لان الحرمة عندنا في الأصل متناهية فصحت الممانعة ومثله ما قلنا في قولهم ثيب ترجى مشورتها فلا تنكح كرها يقال له ما معنى الكره فلا بد من أن يقال عدم رايها فيقال في الأصل عدم الرأي غير مانع لكن الرأي القائم المعتبر مانع ولم يوجد في الفرع رأي معتبر ومثله قوله ما يثبت مهر دينا يثبت سلما كالمقدور فيقال ثبت معلوما بوصفه ام بقيمتة فان قال بوصفه لم يسلم في الفرع وان قال بقيمة لم يسلم في الفرع وان قال لا حاجة لي إلى هذا قلنا بل اليه حاجة لبيان استوائهما في طريق الثبوت وهما مختلفان أحدهما يحتمل جهالة الوصف والثاني لا يحتمله عندنا ومثل قولهم في بيع الطعام بالطعام أن القبض شرط لما قلنا كالاثمان لان عندنا الشرط

في الاثمان التعيين لا القبض ومثله قولهم فيمن اشترى اباه ينوي عن الكفارة أن العتيق اب فصار كالميراث فيقال لهم ما حكم العلة فان قال وجب أن لا يجزىء عن الكفارة قيل له ماذا لا يجزىء وانما سبق ذكر اسبق ذكر العتيق والاب وذلك لا يجزئ عندنا فان قال وجب أن لا يجزئ عتقة قلنا به وان قال اعتاقه لم نجده في الأصل ولم يقل به في الفرع ويظهر به فقه المسئلة و اما صلاح الوصف فما سبق ذكره في أنه لا يصح الا بمعناه هو الاثر فكله ما لم يظهر اثره معناه من أن يكون دليلا فان قال عندي لاثر ليس بشرط لم يقبل منه الاحتجاج بما لم يكن حجة على الخصم كمثل كافرا قام بينه كفارا على مسلم لم تقبل لما قلنا واما نسبه الحكم إلى الوصف فلان نفس الوجود لا يكفي بالإجماع وذلك مثل قولهم في الآخ انه لا يعتق على اخيه لعدم البعضية لان حكم الأصل لم يثبت لعدم البعضية وكذلك لا يثبت النكاح بشهادة النساء مع الرجال لانه ليس بمال كالحد لان الحد عندنا لا يثبت بها لان ذلك ليس بمال وكذلك كل نفي وعدم جعل وصفا لزمه هذا الاعتراض لان العدم لا يصلح وصفا موجبا ونفس الوجود لا يصلح حجة لانهم يسلمون شرط الصلاح فلا بد من اقامة الدلالة على نسبة الحكم اليه النوع الثالث وهو فساد الوضع وهذا ينقض القاعدة أصلا وهو فوق المناقضة لانها خجلة مجلس يحتمل الاحتراز في مجلس اخر وأما فساد الوضع فيفسد القاعدة أصلا مثاله تعليلهم لايجاب الفرقة بإسلام أحد الزوجين ولا بقاء النكاح مع ارتداد أحدهما انه في الوضع فاسد لان الإسلام لا يصلح قاطعا للحقوق والردة لا يصلح عفوا و مثله قولهم في الضرورة إذا حج بنيه النفل انه جائز عن الفرض لانه يتأدى باطلاق النية فكذلك نية النفل وهذا فاسد في الوضع لان العلماء إنما اختلفوا في حمل المطلق على المقيد واعتباره به وهذا حمل المقيد على المطلق واعتباره به وهو فاسد في وضع الشارع ومثله التعليل بالطعم لتحريم الربا اعتبارا بالنكاح فاسد في الوضع لان الطعم يقع به القوام فلا يصلح للتحريم والحرية عبارة عن الخلوص فصلح للتحريم إلا بعارض ومثله قولهم في الجنون لما نافى تكلف الاداء نا في تكليف القضاء وهو فاسد لان الوجوب في كل الشرايع بطريق الجبر والاداء بطريق الاختيار كما قيل في النائم والمغمى عليه والقضاء الذي هو بدل يعتمد انعقاد السبب للأداء

على الاحتمال فصار هذا التعليل مخالفا للاصول وكذلك قولهم ما يمنع القضاء اذا استغرق شهر رمضان يمنع بقدر ما يوجد هذا فاسد ايضا في الوضع لان الفصل بين اليسر و الحرج في حقوق صاحب الشرع كا لحيض اسقط الصلاة دون الصوم و السفر اثر في الظهر دون الفجر كا الحيض اذا تخلل في كفارة القتل لا يوجب الاستقبال بخلاف الكفارة اليمين عندنا و بخلاف ما إذا نذرت ان تصوم عشرة أيام متتابعه لما ذكرنا فكذلك ههنا في الاستغراق حرج و ليس في القليل حرج مثله و لا كلام في الحدود الفاصلة ولا حرج في استغراق الأغماء لانه قلما يمتد شهر و في الصلوات استوى الاغماء و الجنون في الفتوى و ان اختلفا في الأصل فكان القياس في الاغماء أن لا يسقط واستر حسنا في الكثير وكان القياس في الجنون أن يسقط واستحسنا في القليل لانهما سواء في الطول والامتداد الداعى إلى الحرج والصبا ممتد أيضا وبخلاف الكفر لانه ينافى الاهلية وينافي استحقاق ثواب الاخرة بخلاف الجنون وكذلك التعليل لتعين النقود اعتبارا بالسلع ولفسخ البيع بافلاس المشتري اعتبارا بالعجز عن تسليم المبيع فاسد في الوضع لما عرف من التفرقة بين المبيع والثمن في اصل وضع الشرع والبياعات تخالف التبراعات في اصل الوضع هذه للايثار بالاعيان وهذه لالتزام الديون قال الله عز و جل إذا تداينتم بدين أي تبايعتم بنسئة فيطلب وجوه المقايس في ذلك جملة على ما عرف شرحه في موضعه واما النوع الرابع وهو المناقضة فيلجئ إلى القول بالاثر أيضا مثل قول الشافعي رحمه الله في الوضوء والتيمم انهما طهارتان فكيف افترقا لانه أن قال وجب أن يستويا كان باطلا بلا شبهة لانهما قد افترقا في عدد الاعضاء وفي قدر الوظيفة في نفس الفعل وان قال وجب ان يستويا في النية انتقض ذلك يغسل الثوب وغسل البدن عن النجاسة فيضطر إلى بيان فقه المسئلة وهوان الوضوء تطهير حكمى لانه لا يعقل بالعين نجاسة فكان كالتيمم في شرط النية لتحقيق التعبد بخلاف غسل لنحس و نحن نقول ان الماء في هذا الباب عامل بطبعه و كان القياس غسل كل البدن لان مخرج النجاسة غير موصوف بالحدث وانما البدن موصوف فوجب غسل كله إلا أن الشرع اقتصر على اطراف البدن الأربعة التي هي مثل حدود البدن وامهاته في هذا المعنى تيسيرا فيما يكثر وقوعه ويعتاد تكراره واقر على القياس فيما لا حرج

فيه وهو المنى ودم الحيض والنفاس فلم يكن التعدي عن موضع الحدث إلا قياسا وانما نعني بالنص الذي لا يعقل وصف محل الغسل من الطهارة إلى الخبث فأما الماء فعامل بطبعه والنية للفعل القائم بالماء لا للوصف بالمحل فكان مثل غسل النجس بخلاف التراب لانه لم يعقل مطهرا وانما صار مطهرا عند ارادة الصلاة وبعد صحة الارادة وصيرورته مطهر يستغنى عن النية أيضا ومسح الرأس ملحقا بالغسل لقيامه مقامة وانتقاله اليه بضرب من الحرج فثبت أن النية لا يشترط ولا يجوز أن يسترط لتصير قربة لانا نسلم أن النية لتصير قربة شرط لكنا نسلم انه لم يشرع إلا قربة بل شرع بوصف القربة ويوصف التطهير أيضا كغسل الثوب الصلاة تستغنى في ذلك عن وصف القربة وانما تحتاج في ذلك إلى وصف التطهير حتى أن من توضأ للنفل صلى به الفرائض ومن توضأ للفرض صلى به غيره ومثله قوله في النكاح انه ليس بمال فلا يثبت بشهادة النساء مع الرجال وهو باطل بالبكارة وكل ما لا يطلع عليه الرجال فيضطره إلى الفقه وهو أن يقول أن شهادة النساء حجة ضرورية فكان حجة في موضع الضرورة وما يبتذل في العادة بخلاف النكاح فيظهر به فقه المسئلة لانا لا نسلم أن هذه الحجة ضرورية بل هي اصيلة إلا أن فيها ضرب شبهة وهي مع ذلك اصيلة لان عامة حقوق البشر نظير هذه الحجة في احتمال الشبهة والنكاح من جنس ما يثبت بالشبهات فكان فوق ما يسقط بالشبهات في اصل الوضع فبطل القياس به من كل وجه إلا ترى انه يثبت مع الهزل الذي لا يثبت به المال فلان ثبت بما يثبت به المال اولى وإذا ثبت دفع العلل بما ذكرنا من وجوهه كانت غايته أن يلجئ إلى الانتقال

وهذا باب وجوه الانتقال
وهو اربعة اوجه الأول الانتقال من علة إلى أخرى لاثبات لعلة الأولى والثاني الانتقال من حكم إلى اخر بالعلة الأولى والثالث الانتقال إلى حكم آخر علة أخرى هذه كلها صحيحة والرابع الانتقال من علة إلى علة أخرى لاثبات الحكم الأول لا لاثبات العلة الأولى

وهذا الوجه باطل عندنا ومن الناس من استحسن هذا أيضا أما الوجوه الأولى فإنما صحت لأنه لم يدع إلا الحكم بتلك العلة فما دام يسعى في إثبات تلك العلة لم يكن منقطعا وذلك مثل من علل بوصف ممنوع فقال في الصبي المودع إذا استهلك الوديعة لم يضمن لأنه مسلط على الاستهلاك فلما أنكره الخصم احتاج إلى إثباته وهذا هو الفقه بعينه وكذلك إذا ادعى حكما بوصف فسلم له ذلك لم يكن انقطاعا لأن غرضه إثبات ما ادعاه والتسليم يحققه فلم يكن به بأس فإذا أمكنه إثبات حكم آخر بذلك الوصف كان ذلك آية كمال الفقه وصحة الوصف مثل قولنا أن الكتابة عقد يحتمل الفسخ بالإقالة فلا يمنع الصرف إلى الكفارة كالإجارة والبيع فإن قال عندي لا يمنع هذا العقد قيل له وجب أن لا يوجب في الرق نقصا مانعا من الصرف إلى الكفارة أو لا يتضمن ما يمنع وإذا علل بوصف آخر لم يكن به بأس لما ذكرنا أن ما ادعاه صار مسلما فلم يكن به بأس لكن مثل ذلك لا يخلو عن ضرب غفلة واما الرابع فمن الناس من استحسنه واحتج بقصة إبراهيم في محاجة للعير فإنه انتقل إلى دليل آخر لإثبات ذلك الحكم بعينه كما قص الله عز و جل عنه بقوله فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والصحيح ان مثل هذا يعد انقطاعا لأن النظر شرع لبيان الحق فإذا لم يكن متناهيا لم يقع به الإبانة كما إذا لزمه النقض لم يقبل منه الاحتراز بوصف زائد فلأن لا يقبل منه التعليل المبتدأ أولى عليه فليس فأما قصة الحجة إبراهيم صلوات الله عليه من هذا القبيل لأن الحجة الأولى كانت لازمة ألا يرى أنه عارض بأمر باطل وهو قوله تعالى قال انا أحيي واميت فإذا كذلك كان اللعين منقطعا إلا أن إبراهيم صلوات الله عليه لما خاف الاشتباه والتلبيس على القوم انتقل إلى دفع آخر دفعا للإشتباه إلى ما هو خال عما يوجب لبسا وذلك حسن عند قيام الحجة وخوف الاشتباه والله أعلم

باب معرفة أقسام الأسباب والعلل والشروط
جملة ما يثبت بالحجج التي سبق ذكرها سابقا على باب القياس شيئان الأحكام

المشروعة والثاني ما يتعلق به الأحكام المشروعة وإنما يصح التعليل للقياس بعد معرفة هذه الجملة فألحقناها بهذا الباب ليكون وسيلة بعد أحكام طرق التعليل أما الأحكام فأنواع حقوق الله عز و جل خالصة وحقوق العباد خالصة والثالث ما اجتمع فيه الحقان وحق الله تعالى غالب والرابع ما اجتمعا وحق العبد فيه غالب وحقوق الله تعالى ثمانية أنواع عبادات خالصة وعقوبات خالصة وعقوبات قاصرة وحقوق دائرة بين الأمرين وعبادة فيها معنى المؤنة ومؤنة فيها معنى العبادة ومؤنة فيها شبهة العقوبة وحق قائم بنفسه والعبادات نوعان الإيمان وفروعه وهي ثلاثة أنواع أصل وملحق به وزوائد أما الأصل فالتصديق في الإيمان أصل محكم لا يحتمل السقوط بحال بعذر الإكراه وبغيره من الأعذار ولا يبق مع التبديل بحال والإقرار باللسان ركن في الإيمان ملحق بالتصديق وهو في الأصل دليل على التصديق فانقلب ركنا في أحكام الدنيا والآخرة وهو أصل في أحكام الدنيا أيضا حتى إذا أكره الكافر على الإيمان فآمن صح إيمانه بناء على وجود أحد الركنين بخلاف الردة في الإكراه لأن الأداء في الردة دليل محض لا ركن والأصل في فروع الإيمان هي الصلاة وهي عماد الدين شرعت شكر النعمة البدن الذي يشمل ظاهر الإنسان وباطنه إلا أنها لما صارت أصلا بواسطة الكعبة كانت دون الإيمان الذي صار قربة بلا واسطة ثم الزكاة التي تعلقت بأحد ضربي النعمة وهو المال وهي دون الصلاة لأن نعمة البدن أصل ونعمة المال فرع والأولى صارت قربة هي بواسطة القبلة التي هي جماد وهذه صارت قربة بواسطة الفقير الذي له ضرب استحقاق في الصرف ثم الصوم قربة تتعلق بنعمة البدن ملحقة بالأصل كأنها وسيلة إلى الأصل وهو لا يصير قربة إلا بواسطة النفس وهي دون الواسطتين الأوليين حتى صارت من جنس الجهاد ثم الحج عبادة هجرة وسفر لا يتأدى إلا بأفعال تقوم ببقاع معظمة فكانت دون الصوم كأنها وسيلة آلية والعمرة سنة واجبة تابعة للحج ثم الجهاد شرع لإعلاء الدين فرض في الأصل لكن الواسطة ههنا هي المقصودة فصارت من فروض الكفاية ألا ترى أن الواسطة كفر الكافر وذلك جناية قائمة بالكافر مقصودة بالرد والمحو والاعتكاف شرع لإدامة الصلاة على مقدار الإمكان فكان من التوابع ولذلك اختص

بالمساجد والعبادة التي فيها معنى المؤنة صدقة الفطر فلم تكن خالصة حتى لم يشترط لها كمال الأهلية والمؤنة التي فيها معنى القربة هي العشر حتى لا يبتدأ على الكافر وأجاز محمد رحمه الله بقاءه على الكافر والخراج مؤنة فيها معنى العقوبة لأن سببه الاشتغال بالزراعة وهي الذل في الشريعة وكل واحد منهما شرع مؤنة لحفظ الأرض وإنزالها ولذلك لا يبتدأ على المسلم وجاز البقاء عليه لأنها لما تردد لا يجب بالشك ولم يبطل به وكذلك قال محمد رحمه الله في العشر وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى ينقلب خراجيا وقال أبو يوسف رحمه الله يجب تضعيفه لأن الكفر ينافي صفة القربة من كل وجه فلا يبقى العشر لأنه قربة من وجه فلهذا يبقى الخراج وعن محمد رحمه الله روايتان في صرف العشر الباقي على الكافر كأنه جعله خراجيا في رواية والجواب عنه أنه غير مشروع إلا بشرط التضعيف لكن التضعيف ضروري فلا يصار إليه مع إمكان الأصل وهو الخراج فصار الصحيح ما قاله أبو حنيفة رحمه الله واما الحق القائم بنفسه فخمس المغانم والمعادن حق وجب لله تعالى ثابتا بنفسه بناء على أن الجهاد حقه فصار المصاب به له كله لكنه تعالى أوجب أربعة أخماسه للغانمين منة منه فلم يكن حقا لزمنا أداؤه طاعة له بل هو حق استبقاه لنفسه فتولى السلطان أخذه وقسمته ولهذا جوزنا صرف الخمس إلى من استحق أربعة أخماسه بخلاف الطاعات مثل الزكاة والصدقات فإنها لا ترد إلى الملاك بعد الأخذ منهم ولهذا حل الخمس لبني هاشم لأنه على ما قلنا من التحقيق لم يصر من الأوساخ غير أنا جعلنا النصرة علة للاستحقاق لأنها من الأفعال والطاعات فكان أولى بالكرامة واعتبارا بالأربعة الأخماس فإنها بالنصرة بالإجماع فأما قرابة النبي عليه السلام فخلقة ولتكون لها صيانة عن أعواض الدنيا ولم يجز أن يكون النصرة وصفا يتم بها القرابة علة لما سبق في باب الترجيح أن ما يصلح علة بنفسه لا يصلح للترجيح ولأنها تخالف جنس القرابة فلم يصلح وصفا لها وعلى هذا مسائل أصحابنا رحمهم الله في أن الغنيمة تملك عند تمام الجهاد حكما لا بالأخذ مقصودا ويبتنى عليه مسائل لا تحصى وأما الزوائد فالنوافل كلها والسنن والآداب وأما العقوبات الكاملة فمثل الحدود وأما القاصرة فنسميها اجزية

مثل حرمان الميراث بالقتل ولذلك لا يثبت في حق الصبي لأنه لا يوصف بالتقصير بخلاف الخاطىء البالغ لأنه مقصر فلزمه الجزاء القاصر ولم يلزمه الكامل والصبي غير مقصر فلم يلزمه القاصر ولا الكامل وحافر البئر وواضع الحجر والقائد والسائق والشاهد إذا رجع لم يلزمهم الحرمان لأنه جزاء المباشرة فلا يجب على صاحب الشرط أبدا كالقصاص والحقوق الدائرة هي الكفارة فيها معنى العبادة في الأداء وفيها معنى العقوبة حتى لم يجب مبتدأة وجهة العبادة فيها غالبة عندنا وهي مع ذلك جزاء الفعل حتى راعينا فيها صفة الفعل فلم نوجب على قاتل العمد وصاحب الغموس لان السبب غير موصوف بشيء من الاباحة وقلنا لا يجب على المسبب الذي قلنا ولا على الصبي لانها من الاجزية والشافعي جعلها ضمان المتلف وذلك غلط في حقوق الله تعالى بخلاف الدية وكذلك الكفارات كلها ولهذا لم يجب على الكافر ما خلا كفارة الفطر فإنها عقوبة وجوبا وعبادة اداء حتى سقط بالشبهة على مثال الحدود وقلنا يسقط باعتراض الحيض والمرض ويسقط بالسفر الحادث بعد الشروع في الصوم إذا اعترض الفطر على السفر ويسقط بشبهة القضاء وظاهر السنة فيمن ابصر هلال رمضان وحده للشبهة في الرؤية خلافا للشافعي فإنه الحقها بسائر الكفارات إلا انا اثبتنا ما قلنا استدلالا بقول النبي صلى الله عليه و سلم من افطر في رمضان متعمدا فعليه ما على المظاهر ولاجماعهم على إنها لا تجب على الخاطىء ولانا وجدنا الصوم حقا لله تعالى خالصا تدعوا الطباع إلى الجناية عليه فاستدعي زاجرا لكنه لما لم يكن حقا مسلما تاما صار قاصرا فأوجبناه بالوصفين وقد وجدنا ما يجب عقوبة ويستوفي عبادة كالحدود لان اقامة السلطان عبادة ولم نجد ما يجب عبادة ويستوفي عقوبة فصار الأول اولى ولهذا قلنا يتداخل الكفارات في الفطر وحقوق العباد اكثر من أن تحصى والمشتمل عليهما وحق الله تعالى غالب حد القذف والذي يغلب فيه حق العبد القصاص فأما حد قطاع الطريق فخالص لله تعالى عندنا وهذا مما يطول به الكتاب وكذلك في حق المعتوه والمجنون لا يعتبر ذلك مع اداء الصغير بنفسه ثم صار تبعية أهل الإسلام و الغانمين خلفا عن تبعية لابوين في إثبات الإسلام في صغير دخل دارنا أو وقع في سهم المسلم إذا لم يكن معه أحد

ابويه وكذلك في شروط الصلاة الطهارة بالماء اصل والتيمم خلف عنه لكن هذا الخلف عندنا مطلق وعند الشافعي خلف ضرورة حتى لم يجوز اداء الفرائض بتيمم واحد وقال في انائين نجس وطاهر في السفر أن التحري فيه جائز ولم يجعل التراب طهورا لعدم الضرورة وقلنا نحن هو خلف مطلق حتى جوزنا جميع الصلاة به وقلنا في الانائين لا يتحرى لان التراب طهور مطلق عند العجز وقد ثبت العجز بالتعارض لكن الخلافة بين الماء والتراب في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله وعند زفر ومحمد رحمهما الله بين التيمم والوضوء و يبتني عليه مسألة امامة المتيمم للمتوضىء وقد يكون الخلف ضروريا وهو التراب عند القدرة على الماء إذا خيف فوت الصلاة حتى أن من تيمم لجنازة فصلى ثم جيء باخرى لم يعد عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله واعاد عند محمد بناء على ما قلنا وهذا إنما يستقضي في مبسوط اصحابنا وانما غرضنا الاشارة إلى الأصل وذلك أن الخلافة لا تثبت إلا بالنص ودلالة النص وشرطه وعدم الأصل للحال على احتمال الوجود ليصير السبب منعقدا للاصل فيصح الخلف فإذا لم يحتمل اصل الوجود فلا مثل ليرفي الغموس لما لم يحتمل الوجود لم يثبت الكفارة خلفا عنه بخلاف مس السماء وسائر الابدال فإنها لم تشرع إلا عند احتمال وجود الأصل والمسائل على هذا الأصل اكثر من أن تحصى وقد سبق بعضها فيمن اسلم في اخروقت الصلاة ولهذا قال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله في المشهود بقتله إذا جاء حيا وقد قتل المشهود عليه فاختار الولي تضمين الشهود انهم يرجعون على الولي لان سبب الملك قد وجد وهو التعدي والضمان والمضمون وهو الدم محتمل للملك في الشرع غير مستحيل مثل مس السماء فعمل في بدله وهو الدية عند تعذر العمل بالأصل كما قيل في غاصب المدبر من الغاصب إذا مات المدبر عند الثاني أو ابق أن الأول إذا ضمن رجع على الثاني وان لم يملك المدبر و كذلك شهود الكتابة اذا رجعوا بعد الحكم و ضمنوا قيمته رجعوا ببدل الكتابة على المكاتب ولم يملكوا رقبته لما قلنا أن سبب الملك وجد والاصل يحتمل الملك فإذا لم يثبت الملك قام البدل مقامه واما أبو حنيفة رحمه الله فقد قال أن الشهود متلفون حكما بطريق التسبب و الولي متلف حقيقة بالمباشرة وهما سواء

في ضمان الدم وإذا كان الولى لا يرجع لم يرجع الشهود أيضا بخلاف شهود الخطأ فإنهم إذا ضمنوا وقد جاء المشهود بقتله حيا رجعوا لأنهم لا يضمنون بالاتلاف لكن بما أوجبوا للولي فإذا ضمنوا صار الولي متلفا عليهم لأن المضمون ثمة المال وهو محتمل للملك والجواب عن قولهما أن ملك الأصل المتلف وهو الدم غير مشروع أصلا ولا يحتمل فلا ينعقد السبب له فيبطل الخلف ولأن الخلف يحكي الأصل والأصل هو الدم المتلف وملك الدم هو ملك القصاص والأصل بنفسه غير مضمون لو صار ملكا فكذلك خلفه وفي المدبر الأصل مضمون متى كان ملكا لا محالة فكذلك بدله واما القسم الثاني فأربعة السبب والعلة والشرط والعلامة أما السبب فإنه يذكر ويراد به الطريق قال الله تعالى واتيناه من كل شيء سببا فأتبع سببا اي الطريقا و يذكر و يراد به الباب قال الله تعالى لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات يريد به أبوابها ومنه قول زهير ... ولو نال أسباب السماء بسلم ...

ويذكر ويراد به الحبل قال الله تعالى فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع أي
بحبل إلى السقف ومعنى ذلك واحد وهو ما يكون طريقا إلى الشيء وهو في الشريعة عبارة عما هو طريق إلى الشيء من سلكه وصل إليه فناله في طريقه ذلك لا بالطريق الذي سلك كمن سلك طريقا إلى مصر بلغه من ذلك الطريق لا به لكن يمشيه وأما العلة فإنها في اللغة عبارة عن المغير ومنه سمى المرض علة والمريض عليلا فكل وصف حل بمحل فصار به المحل معلولا وتغير حاله معا معا فهو علة كالجرح للمجروح وما أشبه ذلك وهو في الشرع عبارة عما يضاف إليه وجوب الحكم ابتداء مثل البيع للملك والنكاح للحل والقتل للقصاص وما أشبه ذلك لكن علل الشرع غير موجبة بذواتها وإنما الموجب للأحكام هو الله تعالى عز و جل لكن إيجابه لما كان غيبا نسب الوجوب إلى العلل فصارت موجبة في حق العباد بجعل صاحب الشرع إياها كذلك وفي حق صاحب الشرع هي أعلام خالصة وهذا كأفعال العباد من الطاعات ليس بموجبة للثواب بذواتها بل الله تعالى بفضله جعلها كذلك فصارت النسبة إليها بفضله وكذلك العقاب يضاف إلى الكفر من هذا الوجه فأما أن تجعل لغوا كما قالت الجبرية أو موجبة بأنفسها كما قالت القدرية فلا كذلك حال

العلل وقد أجمع الفقهاء على أن الشاهد بعلة الحكم إذا رجع نسب إليه الإيجاب حتى صار ضامنا وأما الشرط فتفسيره في اللغة العلامة اللازمة ومنه أشراط الساعة ومنه الشروط للصكوك ومنه الشرطى ومنه شرط الحجام وهو في الشرع اسم لما يتعلق به الوجود دون الوجوب فمن حيث لا يتعلق به الوجوب علامة ومن حيث يتعلق به الوجود يشبه العلل فسمى شرطا وقد يقام مقام العلل على ما نبين إن شاء الله تعالى وأما العلامة فما يعرف الوجود من غير أن يتعلق به وجوب ولا وجود مثل الميل والمنارة فكان دون الشرط فهذا تفسير هذه الجملة وكل ضرب من هذه الجملة منقسم في حق الحكم

باب تقسيم السبب
وقد مر قبل هذا أن وجوب الأحكام متعلق بأسبابها وإنما يتعلق بالخطاب وجوب الأداء والسبب أربعة أقسام في حق الحكم سبب حقيقي وسبب سمى به مجازا وسبب له شبهة العلل وسبب هو في معنى العلة أما السبب الحقيقي فما يكون طريقا إلى الحكم من غير أن يضاف إليه وجوب ولا وجود ولا يعقل فيه معاني العلل لكن يتخلل بينه وبين الحكم علة لا يضاف إلى السبب فإن أضيفت العلة إليه صار للسبب حكم العلة فيصير حينئذ من القسم الرابع وذلك مثل سوق الدابة وقودها هو سبب لما يتلف بها لأنه طريق إليه لكن بمعنى العلة وكذلك شهادة الشهود بالقصاص سبب لقتل المشهود عليه في حكم العلة لأن حد العلل فيه لم يوجد لكنه طريق إليه محض خالص فكان سببا ولهذا لم يجب به القصاص لأنه جزاء المباشرة وقد سلم الشافعي هذا إلا أنه جعل السبب المؤكد بالعمل الكامل بمنزلة المباشرة وقد وجد لأن الشاهد غير المشهود عليه لكنا قلنا أن فعل الشهادة ليس بفعل قتل بلا شبهة وإنما يصير قتلا بواسطة ليست في يد الشاهد وهو حكم القاضي واختيار الولي قتل المشهود عليه وقلنا نحن بأن لا كفارة على المسبب لما سبق من قبل وإنما صار هذا القسم في حكم العلل لأن المباشرة أضيفت إليه فصار في حكم العلة مع كونه سببا من قبل أن المباشرة حادثة باختيار المباشر فبقي الأول سببا له حكم العلل

ولهذا لم يصلح لإيجاب ما هو جزاء المباشرة وإذا اعترض على السبب علة لا يضاف إليه بوجه كان سببا محضا مثل دلالة الرجل الرجل على مال رجل ليسرقه أو ليقطع عليه الطريق أو ليقتله ومثل دلالة الرجل في دار الإسلام قوما من المسلمين على حصن في دار الحرب بوصف طريقة فأصابوه بدلالة لم يكن الدال شريكا لأنه صاحب سبب محض ومثل رجل قال لرجل تزوج هذه المرأة فإنها حرة فتزوجها ثم ظهر أنها أمة وقد استولدها لم يرجع على الدال بقيمة الولد لما بينا بخلاف ما إذا زوجها على هذا الشرط لأنه صار صاحب علة وكذلك قلنا في الموهوب له إذا استولد ثم استحقت لم يجعل قيمة الولد على الواهب لان هبته سبب محض لا يضاف اليه مباشرة الاستيلاد بوجه وكذلك المستعير لا يرجع على المعير بضمان الاستحقاق لما قلنا بخلاف المشترى لان البائع صار كفيلا عنه بما شرط عليه من البدل كأنه قال له أن ولدك بحكم بيعي فان ضمنك أحد بحكم باطل فأنا كفيل عنه ولذلك لم يرجع بالعقرلان ما ضمنه فهو قيمة ما سلم له فلم يكن عزما فلم يصح الكفالة به ولا يلزم على هذا دلالة المحرم على الصيد انة يوجب الضمان عليه وان كان سبب لان الدلالة في ازالة امن الصيد مباشرة إلا ترى أن الصيد لا يبقى امنا على المدلول إذا صحت بالدلالة غير إنها يعرض الانتقاض لم يجب لضمان بنفس الدلالة حتى يستقر وذلك بان يتصل بها القتل فكان ذلك بمنزلة الجراجة يستاني فيها لمعرفة قرارها فأما الدلالة على مال الناس فليس مباشرة عدوان لانه غير محفوظ بالبعد عن ايدي الناس بل بالعصمة ودفع المالك عن المال ولا يلزم دلالة المودع على الوديعة لانها مباشرة خيانة على ما التزمه من الحفظ بالتضيع فصار ضامنا بالمباشرة دون أن يضمن بفعل المدلول مضافا اليه بطريق التسبب كان حكم المحرم في الجناية على موجب العقد حكم المودع وكان صيد الحرم لكونه راجعا إلى بقاع الأرض مثل اموال الناس ومن دفع إلى صبي سكينا أوسلاحا اخر ليمسكه للدافع فوجأ به نفسه لم يضمن الدافع لان ذلك سبب محض اعترض عليه علة لا يضاف اليه بوجه وإذا سقط عن يد الصبي عليه فجرحه كان ذلك على الدافع لأنه اضيف اليه العطب ههنا لان السقوط اضيف إلى الامساك فصار

له حكم العلل وشبه بها وكذلك من حمل صبيا ليس منه بسبيل له إلى بعض المهالك مثل الحر أوالبرد أوالشواهق فعطب بذلك الوجه كان عاقلة الغاصب ضامنا وإذا قتل الصبي في يده رجلا لم يرجع عاقلته على عاقلة الغاصب وكذلك إذا مات بمرض لم تضمن عاقلة غاصبه شيئا لما ذكرنا وكذلك من حمل صبيا ليس منه بسبيل على دابة كان سببا للتلف فان سقط منها و هي واقفةاو سارت بنفسها ضمنة عاقلة الحامل اذا كان صبيا يستمسك أو لانه صار بمنزلة صاحب العلة وان ساقها لصبى وهو بحيث يصرفها انقطع التسبيب بهذه المباشرة الحادثة وكذلك رجل قال لصبى اصعد هذه الشجرة وانفض ثمرتها لتأكل انت أو لنأكل نحن ففعل فعطب لم يضمن لانه صاحب سبب ولو قال الاكل ضمن ديته على عاقلته لانه صار بمنزلة صاحب العلة لما وقعت المباشرة له ومسائلنا على هذا اكثر من أن تحصى فأما الذي يسمى سببا مجازا فمثل قول الرجل انت طالق أن دخلت الدار وانت حران دخلت الدار ومثل النذر المعلق بدخول الدار وسائر الشروط ومثل اليمين بالله سمى سببا للكفارة مجازا وسمى الأول للطلاق والعتاق سببا مجازا لما بينا ان ادنى درجات السبب ان يكون طريقا و اليمين شرعت للبر وذلك قط لايكون طريقا للجزاء ولا للكفارة لكنه لما كان يحتمل ان يؤل إليه سمى سببا مجازا او هذا هذا عندتا للشافعي رحمه الله جعله سببا هو بمعنى العلة و عندما لهذا المجاز شبهه الحقيقية حكما خلاف الزفر رحمه الله وذلك تبين في المسئالة التنجيز هل يبطل التعليق ام لا فعندنا يبطله لان اليمين شرعت للبر فلم يكن بد من ان يصير البر مضمونا بالجزاء واذا صار مضومنا به صار لما ضمن به البر للحال شبهة الوجوب كا لمغضوب مضمون بقيمته فييكون للغضب حال قيام العين شبهة ايجاب القيمة واذا كان كذلك لم يبق الشبهة إلا في محله كالحقيقة لا يستغنى على المحل فإذا فات المحل بطل وعلى قوله لا شبهة له أصلا وانما الملك للحال اعتبر لرجحان جانب الوجود ليصبح الايجاب فلم يشترط للبقاء فكذلك الحل وذلك مثل التعليق قبل الملك يصح في امراة حرمت بالثلث على الحالف بالملك وان عدم الحل عند الحلف والجواب عنه أن

ذلك الشرط في حكم العلل فصار ذلك معارضا لهذه الشبهة السابقة عليه واما الايجاب المضاف فهو سبب للحال وهو من اقسام العلل على ما بين أن شاء الله تعالى وام السبب الذي له شبهة العلل فمثل ما قلنا في اليمين باطلاق والعتاق والله اعلم بالصواب

باب تقسيم العلة
وهي سبعة اقسام علة اسما وحكما ومعنى وهو الحقيقة في الباب وعلة اسما لا حكما ومعنى وهو المجاز وعلة اسما ومعنى لاحكما وعلة هو في حيز الاسباب لها شبه بالاسباب ووصف له شبهة العلل وعلة معنى وحكما لا اسما وعلة إسما وحكما لا معنى إما الأول فمثل البيع المطلق للملك والنكاح للحل والقتل للقصاص وما يجري ذلك من العلل لما ذكرنا من تفسيرها وحقيقة ما وضعت له وانما نعني بالمعنى ما تقدم وهو الاثر وليس من صفة العلة الحقيقية تقدمها على الحكم بل الواجب اقترانهما معا وذلك كالا ستطاعة مع الفعل عندنا فإذا تقدم لم يسم علة مطلقة ومن مشائخنا من فرق بين الفصلين وقال لا بل من صفة العلة تقدمها على الحكم والحكم يعقبها ولا يقارنها بخلاف لاستطاعة مع الفعل لان الاستطاعة عرض لا بقاء لها ليكون الفعل عقيبها فلضرورة عدم البقاء يكون مقارنة للفعل فأما العلل الشرعية فلها بقاء وانها في حكم الاعيان فيتصور بقاؤها وتراخي الحكم عنها بلا فصل واما الذي هو علة اسما فما سبق ذكره من الايجاب المعلق بالشرط على ما مر ذكره واما العلة اسما ومعنى لا حكما فمثل البيع الموقوف هو علة اسما لانه بيع مشروع ومعنى لان البيع لغة وشرعا وضع لحكمه وذلك معناه لا حكما لان حكمه تراخى لمانع فإذا زال المانع ثبت الحكم به من الأصل فيظهر انه كان علة لا سببا وكذلك البيع بخيار الشرط علة اسما ومعنى لا حكما لان الشرط دخل على الحكم دون السبب لان دخول الشرط فيه مخالف للقياس ولو جعل داخلا لا على السبب لدخل على الحكم أيضا وإذا دخل على الحكم لم يدخل على السبب وكان اقلهما اولى فبقى السبب مطلقا فلذلك كان علة اسما ومعنى لا حكما ودلالة كونه علة لا سببا ما

قلنا أن المانع إذا زال وجب الحكم به من حين الايجاب وكذلك عقدا الاجارة علة اسما ومعنى لا حكما لما عرف في موضعه ولذلك صح تعجيل الاجرة لكنه يشبه الاسباب لما فيه من معنى الاضافة حتى لا يستند حكمه وكذلك كل ايجاب مضاف إلى وقت فانه علة اسما ومعنى لا حكما لكنه يشبه الاسباب وذلك أن يوجد ركن العلة اسما ومعنى وتراخي عنه وصفة فيتراخى الحكم إلى وجوده وإذا وجد الوصف اتصل بالاصل لحكمه فكان بمعنى الاسباب حتى يصح اداء الحكم قبله وذلك مثل زكاة النصاب في أول الحول هو علة اسما ومعنى إما اسما لانه وضع له ومعنى لكونه مؤثرا في حكمه لان الغناء يوجب المواساة لكنه جل علة بصفة النماء فلما تراخى حكمه اشبه الاسباب إلا يرى انه إنما يتراخى إلى ما ليس بحادث به والى ما هو شبيه بالعلل ولما كان متراخيا إلى وصف لا يستقل بنفسه اشبه العلل وكان هذا الشبه غالبا لان النصاب اصل و النماء وصف ومن حكمه انه لا يظهر و جوب الزكاة في اول الحول قطعا بخلاف ما ذكرنا من البيوع و لما اشبه العلل و مان ذلم اصلا كان الوجوب ثابتا من الاصل في التقدير حتى صح التعجيل لكن ليصير زكاة بعد الحول و كذلك مرض الموت علة لتغير الاحكام اسما و معنى الا ان حكمه يثبت به بوصف الاتصال بالموت فاشبه الاسباب من هذا الوجه وهو في الحقيقة علة وهذا اشبه بالعلل من النصاب وكذلك الجرح علة اسما ومعنى لكن تراخى حكمه إلى وصف السراية وذلك قائم بالجرح فكان علة يشبه الاسباب وكذلك ما هوعلة العلة فانه علة يشبه الاسباب وذلك مثل شراء القريب لما كان علة للملك كان علة للعتق ايضا وكذلك الرمي إلا أن الحكم لما تراخى عنه اشبه الاسباب وكذلك التركية عند أبي حنيفة رحمه الله بمنزلة علة العلة حتى إذا رجع المزكي ضمن لما ذكرنا واما الوصف الذي له شبهة العلل فكل حكم تعلق بوصفين مؤثرين لا يتم نصاب العلة إلا بهما فكل واحد منهما شبهة العلل حتى إذا تقدم أحدهما لم يكن سببا لانه ليس بطريق موضوع وليس بعلة لكن له شبهة العلل ولهذا قلنا أن الجنس بانفراده يحرم النسيئة وكذلك القدر لان ربا النسيئة شبهة الفضل فيثبت بشبهة العلة وهو أحد الوصفين واما العلة معنى

وحكما لا اسما فكل حكم تعلق بعلة ذات وصفين مؤثرين فان اخرهما وجودا علة حكما لان الحكم يضاف اليه لانه ترجح على الأول بالوجود وشاركه في الوجوب ومعنى لانه يؤثر فيه لا اسما لان الركن يتم بهما فلا يسمى بذلك أحدهما وذلك مثل القرابة والملك للعتق فان الملك الذي تأخر اضيف اليه حتى يصير المشتري معتقا ومتى تأخرت القرابة اضيف اليها حتى لو ورث إثنان عبدا ثم ادعى أحدهما انه ابنه عزم لشريكه واضيف العتق إلى القرابة بخلاف شهادة الشاهدين فان آخرهما شهادة لا يضاف الحكم اليه لانه لا يعمل إلا بالقضاء والقضاء يقع بالجملة فلا يترجح البعض على البعض في الحكم فأما العلة اسما وحكما لا معنى فمثل السفر للرخصة والمرض ولامرض ومثل النوم للحدث وذلك أن السفر تعلق به في الرخص فكان علة حكما ونسبت الرخص اليه فصار علة اسما ايضا إلا ترى أن من اصبح صائما ثم سافر لم يحل له الفطر ومع ذلك إذا افطر لم يلزمه الكفارة وهذا ليس بعلة حكما ولا معنى فلما صار شبهة علمنا انه علة اسما واما المعنى فلان الرخصة تعلقت بالمشقة في الحقيقة إلا انه اضيف إلى السفر لانه سبب المشقة فأقيم مقامها وكذلك المرض إلا انه متنوع فما هو سبب للمشقة اقيم مقامها وما لا فلا وكذلك النوم مما كان منه سببا لاسترخاء المفاصل اقيم مقامه فصار حدثا وانما نقل إلى السبب الظاهر للتيسير وكذلك الاستبراء متعلق بالشغل ثم نقل إلى استحداث سبب الشغل تيسيرا وامثلة هذا الأصل اكبر من أن تحصى وذلك بطريقين يكون اقامة السبب الداعي مقام المدعو مثل السفر والمرض والنوم والمس والنكاح مقام الوطئ والثاني أن يقوم الدليل مقام المدلول مثل الخبر عن المحبة مقام المحبة ومثل الطهر مقام الحاجة في اباحة الطلاق ومثل مسائل الاستبراء وطريق ذلك وفقهه من ثلاثة اوجه أحدها لدفع الضرورة والعجز وذلك في قوله أن احببتني أو ابغضتني فأنت طالق وفي الاستبراء وفي قيام النكاح مقام الماء وللاحتياط كما قيل في تحريم الدواعي في الحرمات والعبادات ولدفع الحرج كما قيل في السفر والطهر القائم مقام الحاجة والتقاء الختانين والمباشرة الفاحشة لايجاب الحدث عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله وهذه وجوه متقاربة في ضبطها

معرفة حدود الفقه والله اعلم

باب تقسيم الشرط
وهو خمسة اقسام شرط محض وشرط له حكم العلل وشرط له حكم الاسباب وشرط اسما لا حكما فكان مجازا في الباب وشرط هو بمعنى العلامة الخالصة إما الشرط المحض فما يمتنع به وجود العلة فإذا وجد الشرط وجدت العلة فيصير الوجود مضافا إلى الشرط دون الوجوب وذلك في كل تعليق بحرف من حروف الشروط نحو أن دخلت الدار فأنت طالق وكلما دخلت وما اشبه ذلك وذلك داخل في العبادات والمعاملات إلا يرى أن وجوب العبادات يتعلق باسبابها ثم يتوقف ذلك على شرط العلم حتى أن النص النازل لا حكم له قبل العلم من المخاطب فان اسلم من في دار الحرب لم يلزمه شيء من الشرايع قبل العلم فصارت الاسباب والعلل بمنزلة المعدوم لعدم الشرط وكذلك ركن العبادات ينعدم لعدم شروطها وهي النية والطهارة للصلاة وكذلك ركن النكاح وهو الايجاب والقبول ينعدم عند عدم شرطه وهو الاشهاد عليه وقد ذكرنا أن اثر الشرط عندنا انعدام العلة و عند الشافعي تراخي الحكم وكذلك هذا في كل الشروط وانما يعرف الشروط بصيغته أو دلالته وقط لا تنفك صيغته عن معناه فأما قول الله تعالى فكاتبوهم أن علمتم فيهم خيرا فقد قال بعضهم هو شرط عادة وليس كذلك وهذا قول بأنه لغو وكتاب الله تعالى منزه عن ذلك ولكن ادنى درجات الحكم استحباب المأمور به واستحباب الكتاب متعلق بهذا الشرط لا يوجد إلا به وينعدم قبله فأما الاباحة فتستغنى عنه والمراد بالأمر الاستحباب إلا يرى أن قوله وآتوهم من مال الله الذي آتاكم و كذلك قوله فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة أن خفتم ليس بشرط عادة بل هو شرط أريد به حقيقة ما وضع له لان المراد بالنص قصر الاحوال وهو أن يوحى على الدابة ويخفف القراءة والتسبيح إلا ترى إلى قوله فان خفتم فرجالا أو ركبانا فإذا امنتم فاذكروا الله كما علمكم وقال تعالى فإذا اطمأننتم فاقيموا الصلاة وقصر الاحوال يتعلق بقيام الخوف عيانا لا بنفس السفر

فأما قوله وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم فلم يذكر الحجور شرطا وانما الشطر قوله فان لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وهو شرط اسما وحكما وكذلك دلالة الشرط لا تنفك عن مدلوله وذلك مثل قول الرجل المرأة التي اتزوج طالق ثلاثا هذا الكلام بمعنى الشرط دلالة لوقوع الوصف في النكرة ولو وقع في العين لما صلح دلالة ونص الشرط بجميع الوجهين واما الشرط الذي هو في حكم العلل فان كل شرط لم يعارضه علة صلح أن يكون علة يضاف اليه الحكم ومتى عارضه علة لم يصلح علة وذلك لما قلنا أن الشرط يتعلق به الوجود دون الوجوب فصار شبيها بالعلل والعلل اصول لكنها لما لم يكن عللا بذواتها استقام أن يخلفها الشروط وهذا اصل كبير لعلمائنا رحمهم الله فقد قالوا في شهود الشرط واليمين إذا رجعوا بعد الحكم أن الضمان يجب على شهود اليمين لانهم شهود العلة وكذلك العلة والسبب إذا اجتمعا سقط حكم السبب كشهود التخيير والاختيار إذا اجتمعوا في الطلاق والعتاق ثم رجعوا بعد الحكم فان الضمان على شهود الاختيار لانه هو العلة والتخيير سبب فأما إذا اسلم الشرط عن معارضة العلة صلح علة لما قلنا وذلك مثل قول علمائنا في رجل قيد عبده ثم حلف فقال أن كان قيده عشرة ارطال فهو حر ثم قال وان حله أحد من الناس فهو حر فشهد شاهدان أن القيد عشرة ارطال فقضى القاضي ثم حله ووزنه فإذا هو ثمانية ارطال أن الشاهدين يضمنان قيمته في قول أبي حنيفة لان القضاء بالعتاق ينفذ عنده ظاهر او باطنا فقد وجب العتق بشهادتهما و عندما لا يضمنان لان القضاء لم ينفذ في الباطن فوقع العتق بحل الحيد وهذان الشاهدان اثبتا شرط العتق لا علة العتق ومع ذلك ضمنا من قبل أن علة العتق لا يصلح لضمان العتق وهو يمين المولى فجعل الشرط علة وفي مسألة رجوع الفريقين ايجاب كلمة الغنق يصلح لضمان العدوان لانها تثبت بطريق التعدي فلم يجعل الشرط علة وإذا رجع شهود الشرط وحدهم يجب أن يضمنوا لما قلنا فأما شهود الاحصان إذا رجعوا فلا يضمنون بحال عندنا خلافا لزفر رحمه الله لان الاحصان لا يتعلق به وجوب ولا وجود فلا يضمنون على ما نبين أن شاء الله

وعلى هذا الأصل حفر البئر هو شرط في الحقيقة لان الثقل علة السقوط والمشي سبب محض لكن الأرض كانت مسكة مانعة عمل الثقل فيكون حفر البئر ازالة للمانع وكذلك شق الزق شرط للسيلان لان الزق كان مانعا وكذلك القنديل الثقيل ثقله علة للسقوط و إنما الحبل مانع فإذا قطع الحبل فقد زال المانع فعمل الثقيل عمله فثبت انه شرط لكن العلة ليست بصالحة للحكم لان الثقل طبع لا تعدى فيه والمشي مباح لا شبهة فيه فلم يصلح أن يجعل علة بواسطة الثقل وإذا لم يعارض الشرط ما هو علة والشرط شبه بالعلل لما تعلق به من الوجود اقيم مقام العلة في ضمان النفس والأموال جميعا ولهذا لم يجب على حافر البئر كفارة ولم يحرم الميراث لانه ليس بمباشرة فلا يلزمه جزاؤها واما وضع الحجر واشراع الجناح والحائط المائل بعد الاشهاد فمن قسم الاسباب التي جعلت عللا في الحكم على ما مر لا من هذا القسم وعلى هذا قلنا في الغاصب إذا بذر حنطة غيره في ارض غيره أن الزرع للغاصب وان كان التغير بطبع الأرض والماء والهواء واما الالقاء فشرط لكن العلة لما كان معنى مسخرا إلا اختيار له لم يصلح علة مع وجود فعل عن اختيار وان كان شرطا فجعل للشرط حكم العلل واما الشرط الذي له حكم الاسباب فان يعترض عليه فعل مختار غير منسوب اليه وان يكون سابقا عليه وذلك مثل رجل حل قيد عبد حتى ابق لم يضمن قيمته باتفاق اصحابنا لان المانع من إلا باق هو القيد فكان حله ازالة للمبالغ فكان شرطا في الحقيقة الا انه لما سبق الا باق الذي هو علة التلف نزل منزلة الاسباب فالسبب مما يتقدم والشرط مما يتأخر ثم هو سبب محض لانه اعترض عليه ما هو علة قائمة بنفسها غير حادثة بالشرط وكان هذا كمن ارسل دابة في الطريق فجالت ثم اتلفت شيئا لم يضمنه المرسل إلا أن المرسل صاحب سبب في الأصل وهذا صاحب شرط جعل مسببا وإذا انفلتت الدابة فتلفت زرعا بالنهار كان هدرا وكذلك بالليل عندنا لان صاحب الدابة ليس بصاحب شرط ولا سبب ولا علة وقال أبو حنيفة وابو يوسف رحمهما الله فيمن فتح باب قفص فطار الطير أو باب اصطبل فخرجت الدابة فضلت انه لا يضمن لان هذا شرط جرى مجرى السبب لما قلنا وقد

اعترض عليه فعل مختار فبقى الأول سببا خالصا فلم يجعل التلف مضافا اليه بخلاف السقوط في البئر لانه لا ختيار له في السقوط حتى إذا اسقط نفسه فدمه هدر كمن مشى على قنطرة واهية وضعت بغير حق فخسف به أو على موضع رش الماء عليه فزلق فعطب هدر دمه لان الالقاء هو العلة وقد صلح لاضافة الحكم وقال محمد رحمه الله طيران الطير هدر شرعا وكذلك فعل كل بهيمة فيجعل كالخارج بلا اختيار وصار كسيلان ما في الزق فان خرج على فور الفتح وجب الضمان على صاحب الشرط والجواب عنه أن فعل البهيمة لا تعتبر لايجاب حكم ما فأما القطعة فنعم كالكلب تميل عن سنن الارسال و كالدابة تجول بعد الارسال فكذلك هذا ولهذا قلنا فيمن حفر بئرا فوقع فيها انسان ثم اختلف الولي والحافر فقال الولي سقط وقال الآخر اسقط نفسه أن القول قول الحافر استحسانا لما قلنا أن الحفر شرط جعل خلفا عن العلة لتعذر نسبة الحكم إلى العلة فإذا ادعى صاحب الشرط أن العلة صالحة لاضافة الحكم اليها فقد تمسك بالاصل وجحد حكما ضروريا فجعلنا القول قوله بخلاف الجارح إذا ادعى الموت بسبب اخر لم يصدق لانه صاحب علة ولهذا قلنا في الجامع الصغير فيمن اشلى كلبا على صيد مملوك فقتله أو على نفس فقتلها أو مزق ثياب رجل لم يضمن لانه صاحب سبب و قد اعترض عليه فعل مختار غير مضاف اليه لان الكلب يعمل بطبعه وليس الذي اشلاه بسائق بخلاف ما إذا اشلى على صيد فقتله أن صاحبه جعل كأنه ذبحه بنفسه لان الاصطياد من المكاسب في الجملة فبنى على نفي الحرج وقدر الإمكان ووجب المصير في ضمان العدوان آلى محض القياس ولهذا قلنا فيمن القى نارا في الطريق فهبت به الريح ثم احرقت لم يضمن وإذا القى شيئا من الهوام في الطريق فتحركت وانتقلت ثم لدغت لم يضمن وبعض هذه المسائل تخرج على ما سبق في باب تقسيم الاسباب فهي ملحقة بذلك الباب و إما الذي هو شرط اسما لاحكما فان كل حكم تعلق بشرطين فان اولهما شرط اسما لا حكما لان حكم الشرط أن يضاف الوجود اليه وذلك مضاف إلى آخرهما فلم يكن الأول شرطا لا اسما ولهذا قلنا فيمن قال لامرأته أن دخلت هذه الدار وهذه الدار فأنت طالق ثم ابانها ثم دخلت احديهما ثم نكحها ثم دخلت

الثانية إنها تطلق خلافا لزفر رحمه الله لان الملك شرط عند وجود الشرط الصحة وجود الجزاء لا لصحة وجود الشرط ولم يوجد ههنا جزاء فيفتقر إلى الملك فلم يجز أن يجعل الملك شرطا لغير الشرط لان عينه لا يفتقر إلى الملك ولم يجز شرطه لبقاء اليمين كما قبل الشرط الأول فأما الشرط الذي هو علامة فالاحصان في باب الزنا وانما قلنا انه علامة لان حكم الشرط أن يمنع انعقاد العلة إلى أن يوجد الشرط وهذا لا يكون في الزنا بحال لان الزنا إذا وجد لم يتوقف حكمه على احصان يحدث بعده لكن الاحصان إذا ثبت كان معرفا لحكم الزنا فأما أن يوجد الزنى بصورته فيتوقف انعقاده علة على وجود الاحصان فلا يثبت انه علامة وليس بشرط فلم يصلح علة للوجود ولا للوجوب ولذلك لم يجعل له حكم العلل بحال ولذلك لم يضمن شهود الاحصان إذا رجعوا على حال بخلاف ما تقدم في مسألة الشرط الخالص ولهذا قلنا أن الاحصان يثبت بشهادة النساء مع الرجال ولم يشترط فيه الذكور الخالصة لما لم يثبت به وجوب عقوبة ولا وجودها فان قيل إذا شهد كافران على عبد مسلم أن مولاه اعتقه وقد زنا العبد أو قذف فأنكر العبد والمولى ذلك والمولى كافر فإن الشهادة لا تقبل وقد شهدوا على المولى وهو كافر ولم يشهدوا على العبد بشيء على ما قلتم انه لا ينسب اليه وجود ولا وجوب فهلا قبلت هذه الشهادة والجواب عنه أن لشهادة النساء مع الرجال خصوصا المشهود به دون المشهود عليه وخصوصها إنها لا تصلح لايجاب عقوبة وقد بينا انه لم يتعلق بها وجوب ولا وجود ولكن في هذه الحجة تكثير محل لجناية وفي ذلك ضرر زائد وشهادة هؤلاء حجة لايجاب الضرر إذا لم يكن حد أو عقوبة و لشهادة الكفار اختصاص في حق المشهود عليه دون المشهود به وقد تضمنت شهادتهم تكثير محل الجناية وفي ذلك ضررا بالمشهود عليه ولا يجوز ايجاب الضرر على المسلم بشهادة الكفار أبدا وعلى هذا الأصل قال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله أن شهادة القابلة على الولادة تقبل من غير فراش قائم ولا حبل ظاهر ولا إقرار بالحبل لان شهادة القابلة حجة في تعيين الولد بلا خلاف ولم يوجد ههنا إلا التعيين فأما النسب فإنما ثبت بالفراش فيكون انفصاله معرفا لا يتعلق به وجوب السبب ولا وجوده كما في حال

قيام الفراش أو ظهور الحبل والاقرار به والجواب عنه لابي حنيفة رحمه الله أن الفراش إذا لم يكن قائما ولا حبل ظاهر ولا إقرار به كان ثبوت نسبه وهو باطن لا يستند إلى سبب ظاهر حكما ثانيا في حق صاحب الشرع فأما في حقنا فلا فبقي مضافا إلى الولادة فشرط لاثباتها كمال الحجة فأما عند قيام الفراش الحبل فقد وجد دليل قيام السبب ظاهر فصلح أن يكون الولادة معرفة وإذا علق بالولادة طلاق أو عتاق وقد شهدت امراتها حال قيام الفراش وقع ما علق به عندهما لان ذلك غير مقصود بشهادتها وقد يثبت الولادة بشهادتها فيثبت ما كان تبعا له وكذلك قالا في استهلال الصبي انه تبع للولادة فاخذ أبو حنيفة رحمه الله فيه بحقيقة القياس أن الوجود من احكام الشرط فلا ثبت إلا بكمال الحجة والولادة لم يثبت بشهادة القابلة مطلقا فلا يتعدى إلى التوابع كشهادة المرأة على أن هذه الأمة ثيب و قد اشتراها رجل على إنها بكر إنها لا ترد على البايع بل يستخلف البايع وان كان قبل القبض فكذلك والله اعلم بالصواب

باب تقسيم العلامة
إما العلامة فما يكون علما على الوجود على ما قلنا وقد تسمى العلامة شرطا وذلك مثل الاحصان في الزنا على ما قلنا فصارت العلامة نوعا واحدا وقد قال الشافعي في مسألة القذف أن العجز عن اقامة البينة على زنا المقذوف علامة لجنايته لا شرط بل هو معرف فيكون سقوط الشهادة سابقا عليه لانه أمر حكمي بخلاف الجلد لانه فعل وذلك أن القذف كبيرة وهتك لعرض المسلم والاصل في المسلم العفة فصار كبيرة بنفسه بناء على هذا الأصل والعجز معرف والجواب عنه أن الثابت بالكتاب فيجزاء هذه الجملة فعل كله وهو الجلد وابطال الشهادة إلا ترى إلى قوله عز و جل ولا تقبلوا عطفا على قوله فاجلدوهم وإذا كان كذلك لم يصلح أن يجعل معرفا كما لم يجعل كذلك في حق الجلد واصل ذلك انا نحتاج في العمل بالتعريف إلى أن يثبت أن القذف بنفسه كبيرة وليس كذلك لان البينة على ذلك مقبولة حسبة في اقامة

حد الزنا فيكف يكون كبيرة مع هذا الاحتمال فأما قوله أن العفة اصل فنعم لكنه لا يصلح علة للاستحقاق ولو صلح لذلك لما قبلت البينة ابدا لكن الاطلاق لما كان بشرط الحسبة وذلك لا يحل إلا بشهود حضور وجب تأخيره إلى ما يتمكن به من احضار الشهود وذلك إلى آخر المجلس أو إلى ما يراه الأمام ثم لم يؤخر حكم قد ظهر لما يحتمل الوجود فإذا اقيم عليه الحد ثم جاء ببينة يشهدون على الزنا قبلناها واقمنا على المشهود عليه حد الزنا وابطلنا على القاذف رد الشهادة وان كان تقادم العهد لم نقم الحد على المشهود عليه وابطلنا رد الشهادة عن القاذف كذلك ذكره في المنتقى غير فصل التقادم ويتصل بهذه الجملة

باب بيان العقل
وما يتصل به من اهلية البشر اختلف الناس في العقل اهو من العلل الموجبة ام لا فقالت المعتزلة أن العقل علة موجبة لما استحسنه محرمة لما استقبحه على القطع و البتات فوق العلل الشرعية فلم يجوزا أن يثبت بدليل الشرع ما لا يدركه العقول أو تقبحه وجعلوا الخطاب متوجها بنفس العقل وقالوا لا عذر لمن عقل صغير كان أو كبير في الوقف عن الطلب وترك الإيمان وقالوا الصبي العاقل مكلف على الإيمان وقالوا فيمن لم يبلغه الدعوة فلم يعتقد ايمانا ولا كفر أو غفل عنه انه من أهل النار وقالت الاشعرية أن لا عبرة بالعقل اصلا دون السمع وإذا جاء السمع فله العبرة لا للعقل وهو قول بعض أصحاب الشافعي رحمه الله حتى ابطلوا ايمان الصبي وقالت الاشعرية فيمن لم يبلغه الدعوة فغفل عن الاعتقاد حتى هلك انه معذور قالوا ولو اعتقد الشرك ولم يبلغه الدعوة انه معذور ايضا وهذا الفصل اعنى أن يجعل شركه معذورا تجاوز عن الحد كما تجاوزت المعتزلة عن الحد في الطرف الآخر والقول الصحيح في الباب هو قولنا أن العقل معتبر لاثبات الاهلية وهو من اعز النعم خلق متفاوتا في اصل القسمة وقد مر تفسيره قبل هذا انه نور في بدن الادمى مثل الشمس في ملكوت

الأرض تضيء به الطريق الذي مبدأه من حيث ينقطع اليه اثر الحواس ثم هو عاجز بنفسه وإذا وضح لناالطريق كان الدرك للقلب بفهمه كشمس الملكوت الظاهر إذا بزغت وبدا شعاعها ووضح الطريق كان العين مدركة بشهابها وما بالعقل كفاية بحال في كل لحظة ولذلك قلنا في الصبي العاقل لانه لا يكلف بالايمان حتى إذا عقلت المراهقة ولم تصف وهي تحت زوج مسلم بين ابوين مسلمين لم تجعل مرتدة ولم تبن من زوجها ولو بلغت كذلك لبانت من زوجها ولو عقلت وهي مراهقة فوصفت الكفر كانت مرتدة وبانت من زوجها ذكر ذلك في الجامع الكبير فعلم انه غير مكلف وكذلك يقول في الذي لم يبلغه الدعوة انه غير مكلف بمجرد العقل وانه إذا لم يصف ايمانا وكفرا ولم يعتقده على شىء كان معذورا واذا وصف الكفر و عقده او عقد و لم يصفه لم يكن معذورا و كان من أهل النار مخلدا على نحو ما وصفنا في الصبر و معنى قولنا انه لا يكلف بمجرد العقل نريد انه اذا أعانه الله تعالى بالتجربة و الهمة و امهله لدرك العواقب لم يكن معذورا وان لم يبلغه الدعوة على ما قال أبو حنيفة رحمه الله في السفيه اذا بلغ خمس و عشرين سنة لم يمنع منه ماله لانه قد أستوفى مدة التجربة والامتحان فلا بد من أن يزداد به رشد او ليس على الحد في هذا الباب ليل قاطع فمن جعل العقل حجة موجبة يمتنع الشرع بخلافه فليس معه دليل يعتمد عليه سوى امور ظاهرة فسلمها له ومن الغاه من كل وجه فلا دليل له ايضا وهو قول الشافعي رحمه الله فإنه قال في قوم لم يبلغهم الدعوة إذا قتلوا ضمنوا فجعل كفرهم عفوا ومن كان فيهم من حمله نم تعذر على ما فسرنا لم يستوجب عصمة بدون دار الإسلام وذلك لانه لا يجد في الشرع أن العقل غير معتبر لاهليته فإنما يلغيه بطريق دلالة الاجتهاد المعقول فيتناقض مذهبه وان العقل لا ينفك عن الهوى فلا يصلح حجة بنفسه بحال وانما وجب نسبة الأحكام إلى العلل تيسيرا على العباد من غير أن يكون عللا بذواتها وان يجعل العقل علة بنفسه وهو باطن فيه حرج عظيم فلم يجز ذلك والله اعلم وإذا ثبت أن العقل من صفات الاهلية قلنا أن الكلام في هذا ينقسم إلى قسمين الاهلية والامور

المعترضة على الاهلية

باب بيان الاهلية
وما يتصل بها الاهلية ضربان اهلية وجوب واهلية اداء إما اهلية الوجوب فينقسم فروعها واصلها واحد وهو الصلاح للحكم فمن كان اهلا لحكم الوجوب بوجه كان هو اهلا للوجوب ومن لا فلا واهلية الاداء نوعان كامل يصلح للزوم العهدة و قاصر لا يصلح للزوم العهدة إما اهلية الوجوب فبناء على قيام الذمة وان الادمي يولد وله ذمة صالحة للوجوب باجماع الفقهاء رحمهم الله بناء على العهد الماضي قال الله تعالى وإذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم الاية وقال تعالى وكل انسان الزمناه طائره في عنقه والذمة العهد وانما يراد به نفس ورقبة لها ذمة وعهد حتى أن ولى الصبي إذا اشترى للصبي كما ولد لزمه الثمن وقبل الانفصال هو جزء من وجه فلم يكن له ذمة مطلقة حتى صلح ليجب له الحق ولم يجب عليه وإذا انفصل فظهرت ذمته ملطقة كان أهلا بذمته للوجوب غير أن الوجوب غير مقصود بنفسه فيجوزان تبطل لعدم حكمه وغرضه فكما ينعدم الوجوب لعدم محله فكذلك يجوزان ينعدم لعدم حكمه ايضا فيصير هذا القسم منقسما بانقسام الأحكام وقد مر التقسيم قبل هذا في أول الفصل فأما في حقوق العباد فما كان منها غرما وعوضا فالصبي من أهل وجوبه لان حكمه وهو اداء العين يحتمل النيابة لان المال مقصود لا الاداء فوجب القول بالوجوب عليه متى صح سببه وما كان صلة لها شبه بالمؤن و هي نفقة الزوجات والقرابات لزمه ايضا الزوجات فلها شبه بالاعواض واما الأخرى فمؤنة اليسار وكل صلة له شبه بالاجزية لم يكن الصبي من اهله مثل تحمل العقل لانه لا يخلو عن صفة الجزاء مقابلا بالكف عن الاخذ على يد الظالم ولذلك اختص به الرجال العشاير وما كان عقوبة أو جزاء لم يجب عليه على ما مر لانه لا يصلح لحكمه فبطل القول بلزومه وكذلك القول في حقوق الله تعالى على الإجمال أن الوجوب لازم متى صح بحكمه ومتى بطل القول بحكمه بطل بوجوبه وان صح سببه القول ومحله لان الوجوب

كما ينعدم مرة لعدم سببه لعدم محله فينعدم أيضا لعدم حكمه وقد مر تقسيم هذه الجملة ايضا فأما الإيمان فلا يجب على الصبي قبل أن يعقل لما قلنا من عدم اهلية الاداء وكذلك العبادات الخالصة المتعلقة بالبدن أو بالمال لا يجب عليه وأن وجد سببها ومحلها لعدم الحكم وهو الاداء لان الاداء هو المقصود في حقوق الله تعالى وذلك فعل يحصل عن اختيار على سبيل التعظيم تحقيقا للابتلاء والصغر ينافيه وما يتادى بالنائب لايصلح طاعة لانها نيابة جبر لا اختيار فلو وجب مع ذلك لصار المال مقصودا وذلك باطل في جنس القرب فلذلك لم يلزمه الزكاة والصلاة والحج والصوم وما يشوبه معنى المؤنة مثل صدقة الفطر لم يلزمه عند محمد رحمه الله لما قلنا ولزمه عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله اجتزاء بالاهلية القاصرة والاختيار القاصر وذلك بواسطة الولي ولزمه ما كان مؤنة في الأصل وهو العشر والخراج لما ذكرنا وما كان عقوبة لم يجب اصلا لعدم حكمه ولهذا كان الكافر اهلا لاحكام لا يراد بها وجه الله تعالى لانه أهل لادائها فكان اهلا للوجوب له وعليه ولما لم يكن اهلا لثواب الاخرة لم يكن اهلا لوجوب شيء من الشرائع التي هي طاعات الله تعالى عز و جل عليه و كان الخطاب بها موضوعا عنه عندنا و لزمه الايمان بالله تعالى لما كان اهلا لادائه ووجوب حكمه ولم يجعل مخاطبا بالشرائع بشرط تقديم الإيمان لانه رأس أسباب اهلية احكام نعيم الاخرة فلم يصلح أن يجعل شرطا مقتضيا وقد قال بعض مشائخنا رحمهم الله بوجوب كل الأحكام والعبادات على الصبي لقيام الذمة وصحة الاسباب ثم السقوط بعذر الحرج قال الشيخ الأمام رضي الله عنه وقد كنا عليه مدة لكنا تركناه بهذا القول الذي اخترناه وهذا اسلم الطريقين صورة ومعنى وتقليدا وحجة ولذلك قلنا في الصبي إذا بلغ ف يبعض شهر رمضان انه لا يقضي ما مضى وكذلك نقول في الحائض أن الصوم يلزمها الاحتمال الاداء ثم النقل إلى البدل وهو القضاء لان الحرج لما عدم في ذلك بقي الحكم فوجب القول بالوجوب واما الصلاة فقد بطل الاداء لما فيه من الحرج فبطل الوجوب لعدم حكمه مع قيام محل الوجوب وقيام سببه وكذلك وكذلك قولنا في الجنون إذا امتد فصار لزوم الاداء يؤدي إلى الحرج فبطل القول بالأداء وبطل القول بالوجوب

لعدم الحكم ايضا هذا في الصلوات والصيام معا وإذا لم يمتد في شهر رمضان لزمه اصله لإحتمال حكمه وإذا عقل الصبي واحتمل الاداء قلنا بوجوب اصل الإيمان دون ادائه حتى صح الاداء وذلك لما عرف أن الوجوب جبر من الله تعالى باسباب وضعت الأحكام إذا لم يخل الوجوب عن حكمه وليس في الوجوب تكليف وخطاب وانما ذلك في الاداء ولا خطاب ولا تكليف على الصبي بمجرد العقل حتى تبلغ فثبت انه غير مخاطب بالايمان لكن صحة الاداء يبتني على كون الشيء مشروعا وعلى قدرة الاداء لا على الخطاب والتكليف كالمسافر يؤدي الجمعة من غير خطاب ولا تكليف والاغماء لما لم يناف حكم وجوب الصوم لم يناف وجوبه وكان منافيا لحكم وجوب الصلاة إذا امتد فكان منافيا لوجوبه والنوم لما لم يكن منافيا لحكم الوجوب إذا انتبه لم يكن منافيا للوجوب ايضا

باب اهلية الاداء
واما اهلية الاداء فنوعان قاصر وكامل إما القاصر فيثبت بقدرة البدن إذا كانت قاصرة قبل البلوغ وكذلك بعد البلوغ فيمن كان معتوها لانه بمنزلة الصبي لانه عاقل لم يعتدل عقله واصل العقل يعرف بدلالة العيان وذلك ان يختار المرء ما يصلح له بدرك العواقب المشهورة فيما ياتيه و يذره و كذلك القصور يعرف بالأمتحان فاما الاعتدالقاصر يتفاوت فيه البشر فاذا ترقى عن رتبة القصور قيم البلوغ مقام الاعتدال في احكام الشرع والاحكام في هذا الباب منقسمة على ما مر فاما حقوق الله تعالى فمنه ما هو حسن لا يحتمل غيره ولا عهده فيه بوجه و هو الأيمان بالله تعالى فمنه ما هو حسن لا يحتمل غيره ولا عهده فيه بوجه و هو الايمان بالله تعالى فوجب القوان بصحته من الصبي لما ثبت اهلية اداءه ووجد منه بحقيقته لان الشىء اذا وجد بحقيقته لم ينعدم الا بحجر من الشرع وذلك في الايمان باطل لما قلنا انه حسن لا يحتمل غيره و لا عهده فيه الا لزومه ادئه وذلك يحتمل الوضع فوضع عنه فأما الاداء فخال عن العهدة لان حرمان الارث يضاف إلى الكفر الباقي وكذلك الفرقة ولان ما يلزمه بعد الإيمان فمن ثمراته وانما يتعرف صحة الشيء من حكمه الذي وضع له وهو سعادة الاخرة لا من ثمراته إلا إنها تلزمه

إذا اثبت له الحكم الإيمان تبعا لغيره ولم يعد عهدة ومنه ما هو قبيح لا يحتمل غيره وهو الجهل بالصانع والكفر به إلا يرى انه لا يرد علمه بوالديه فكيف يرد علمه بالله تعالى وكذلك الجهل بغير الله تعالى لا يعد منه علما فكيف الجهل بالله تعالى وإذا كان كذلك لم يصلح أن يجعل ردته عفوا بل كان صحيحا في احكام الاخرة وما يلزمه من احكام الدنيا بالردة فإنما يلزمه حكما لصحته لا قصدا اليه فلم يصلح العفو عن مثله كما إذا ثبت تبعا ومن ذلك ما هو بين هذين القسمين فقلنا فيه بصحة الاداء من غير عهدة حتى قلنا بسقوط الوجوب في الكل لان اللزوم لا يخلو عن العهدة وقد شرعت بدون ذلك الوصف وقلنا بصحتها تطوعا بلا لزوم مضى ولا وجوب قضاء لانها قد شرعت كذلك إلا يرى أن البالغ إذا شرع فيها على ظن إنها عليه وليست عليه أن اللزوم يبطل عنه وكذلك إذا شرع في الاحرام على هذا الوجه ثم احصر فلا قضاء عليه فقلنا في الصبي إذا احرم صح منه بلا عهدة حتى إذا ارتكب محظورا لم يلزمه وقلنا في الصبي إذا ارتد أن لا يقتل وان صحت ردته عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله لان القتل يجب بالمحاربة لا بعين الردة ولم يوجد فاشبه ردة المرأة فأما ما كان من غير حقوق الله تعالى فثلاثة اقسام ايضا ما هو نفع محض وما هو ضرر محض وما هو دائر بينهما إما النفع المحض فيصح منه مباشرته لان الاهلية القاصرة والقدرة القاصرة كافية لجواز الاداء إلا يرى أن مباشرة النوافل منه صحت لما قلنا وفي ذلك جاءت السنة المعروفة قال النبي صلى الله عليه و سلم مروا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا سبعا واضربوهم عليها إذا بلغوا عشرا وانما هذا ضرب تأديب وتعزير لا عقوبة فكذلك ما هو نفع محض من التصرفات مثل قبول الهبة وقبول الصدقة وذلك مثل قبول بدل الخلع من العبد المحجور بغير اذن المولى فانه يصح وكذلك إذا اجر الصبي المحجور نفسه ومضى على العمل وجب الاجر للحر استحسانا ووجب للعبد بشرط السلامة ولا يشترط السلامة في الصبي الحر وكذلك العبد إذا قاتل بغير اذن المولى والصبي بغير إذن الولى استوجب الرضخ استحسانا ويحتمل أن يكون هذا قول محمد رحمه الله فانه لم يذكر إلا في السير الكبير ووجب القول بصحة عبارة الصبي في بيع مال غيره وطلاق غيره

أو عتاق غيره إذا كان وكيلا لأن الآدمي يكرم لصحة العبارة وعلم البيان قال الله تعالى علمه البيان فكان القول بصحته من أعظم المنافع الخالصة وفي ذلك يوصل إلى درك المضار والمنافع واهتداء في التجارة بالتجربة قال الله تعالى وابتلوا اليتامى واما ما كان ضررا محضا فليس بمشروع في حقه فبطلت مباشرته وذلك مثل الطلاق والعتاق والهبة والقرض والصدقة ولم يملك ذلك عليه غيره ما خلا القرض فإنه ملك القاضي عليه لأن صيانة الحقوق لما كانت بولاية القضاء انقلب القرض بحال القضاء نفعا محضا لا يشوبه مضرة لأن العين غير مأمون العطب والدين مأمون العطب إلا من قبل التوى وقد وقع إلا من عنه بولاية القضاء فصار ملحقا بهذا الشر بالمنافع الخالصة واما ما يتردد بين النفع والضرر مثل البيع والإجارة والنكاح وما أشبه ذلك فإنه لا يملكه بنفسه لما فيه من الاحتمال وملكه برأي الولي لأنه أهل لحكمة بمباشرة الولي وقد صار أهلا يتصور منه المباشرة فإذا صار أهلا للحكم كان أهلا للسبب لا محالة وفي القول بصحة مباشرته برأي الولي أصابه مثل ما يصاب بمباشرة الولي لا محالة مع فضل نفع البيان وتوسيع طريق الإصابة وذلك بطريق أن احتمال الضرر في التصرف يزول برأي الولي حتى يجعل الصبي كالبالغ وذلك في قول أبي حنيفة رحمه الله ألا يرى أنه صحح بيعه بغبن فاحش من الأجانب والولي لا يملكه وذلك باعتبار أن نقصان رأيه جبر برأي الولي فصار كالبالغ وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله بطريق أن رأي الولي شرط للجواز وعموم رأيه لخصوصه فجعل كان الولي باشر بنفسه ولذلك قالا لا يملكه بالغبن الفاحش مع الأجانب ومع الولي وعن أبي حنيفة رحمه الله في التصرف مع الولي روايتان في الغبن الفاحش في رواية اجاز لما قلنا وفي رواية أبطله بشرط النيابة وذلك أنه في الملك أصيل وفي الرأي أصيل من وجه دون وجه ألا يرى أن له أصل الرأي دون وصفه فيثبت شبهة النيابة فاعتبرت في موضع التهمة وسقطت في غير موضع التهمة وعلى هذا قلنا في المحجور إذا توكل لم يلزمه العهدة وبإذن الولي يلزمه واما إذا أوصى الصبي بشيء من وصايا البر بطلت وصيته عندنا وإن كان فيها نفع ظاهر لأن الإرث شرع نفعا للمورث ألا يرى أنه شرع في حق الصبي وفي الانتقال إلى الإيصاء ترك الأفضل لا محالة إلا

أنه مشروع في حق البالغ كما شرع له الطلاق في النكاح ولم يشرع في حق الصغير فكذلك هذا ولذلك قلنا لا يجوز أن يخير الصبي بين الأبوين بعد الفرقة لأنه من جنس ما يتردد بين الضرر والنفع والغالب من حاله الميل إلى الهوى والشهوة والولي في موضع النزاع ليس بولي فبطل اختياره وقد خالفنا الشافعي رحمه الله في هذه الجملة خلافا متناقضا لا يستقيم على شيء من أصول الفقه وكفى به حجة عليه ولم يعتد بخلافه لأنه قد قال بصحة كثير من عباراته في اختيار أحد الأبوين وفي الإيصاء وفي العبادات وقال بلزوم الإحرام من غير نفع وأبطل الإيمان وهو نفع محض وليس له في شيء من ذلك الأشياء موضوعا وهو أن من كان موليا عليه لم يصلح وليا لأن أحدهما سمة العجز والباقي آية القدرة وهما متضادان فأجرى هذا الأصل في الفروع فطرده لا فقه معقول فقال يصح اختيار أحد الأبوين ولا يصح اختيار الولي عليه وكذلك قبول الهبة في قول صحيح منه دون الولي وفي قول عكسه ولا فقه فيه لأنه بين الأمر على دليل الصحة والعدم من الصبي وعندنا لما كان قاصر الأهلية صلح موليا عليه ولما كان صاحب أصل الأهلية صلح وليا ومتى جعلناه موليا عليه لم نجعله وليا فيه وإنما هذا عبارة عن الاحتمال وهو راجح إلى توسع طريق النيل والإصابة وذلك هو المقصود لأن المقصود من الأسباب أحكامها فوجب احتمال هذا التردد في السبب لسلامة الحكم على الكمال وإنما الأمور بعواقبها والله أعلم بالصواب

باب الأمور المعترضة على الأهلية
والعوارض نوعان سماوي ومكتسب أما السماوي فهو الصغر والجنون والعته والنسيان والنوم والإغماء والمرض والرق والحيض والنفاس والموت وأما المكتسب فإنه نوعان منه ومن غيره أما الذي منه فالجهل والسكر والهزل والسفه والخطأ والسفر وأما الذي من غيره فالإكراه بما فيه الجاء وبما ليس فيه الجاء أما الجنون فإنه في القياس مسقط للعبادات كلها لأنه ينافي القدرة فينعدم به الأداء فينعدم الوجوب لإنعدامه لكنهم

استحسنوا فيه إذا زال قبل الامتداد فجعلوه عفوا وألحقوه والنوم والإغماء وذلك لما كان منافيا لأهلية الأداء كان القياس فيه ما قلنا ألا ترى أن الأنبياء عليهم السلام عصموا عنه لكنه إذا لم يمتد لم يكن موجبا حرجا على ما قلنا وقد اختلفوا فيه فقال أبو يوسف رحمه الله هذا إذا كان عارضا غير أصلي ليلحق بالعوارض فأما إذا بلغ الصبي مجنونا فإذا زال صار في معنى الصبي إذا بلغ وقال محمد رحمه الله هما سواء واعتبر حاله فيما يزول عنه ويلحق بأصله وهو في أصل الخلقة يتفاوت بين مديد وقصير فيلحق هذا الأصل في الحكم الذي لم يستوعبه بالعارض وذلك في الجنون الأصلي إذا زال قبل انسلاخ شهر رمضان وحد الامتداد يختلف باختلاف الطاعات فأما في الصلوات فبان يزيد على يوم وليلة باعتبار الصلوات عند محمد رحمه الله ليصير ستا فيدخل في حد التكرار واقام أبو حنيفة وابو يوسف رحمهما الله الوقت فيه مقام الصلاة تيسيرا فيعتبر الزيادة بالساعات وفي الصوم بأن يستغرق شهر رمضان ولم يعتبر التكرار لأن ذلك لا يثبت إلا بحول وبالزكاة بأن يستغرق الحول محمد رحمه الله وأقام أبو يوسف رحمه الله أكثر الحول مقام كله فما يمتد عملا بالتيسير والتخفيف فإذا زال قيل هذا الحد وهو أصلي كان على هذا الاختلاف بيننا من قبل أن الجنون لا ينافي أهلية الوجوب لأنه لا ينافي الذمة ولا ينافي حكم الواجب وهو الثواب في الآخرة إذا احتمل الأداء ألا يرى أن المجنون يرث ويملك وذلك ولاية إلا أن ينعدم الأداء فيصير الوجوب عدما بناء عليه ولهذا قلنا أن المجنون مؤاخذ بضمان الفعال في الأموال على الكمال لأنه أهل لحكمة على ما قلنا فإذا ثبتت الأهلية كان العارض من أسباب الحجر والحجر عن الأقوال صحيح ففسدت عباراته وقلنا لما لم يصح إيمانه لعدم ركنه وهو العقد والداء أيضا فلم يكن حجرا لأن عدم الحكم العدم لركن ليس من باب الحجر ولكن الإيمان مشروع في حقه حتى صار مؤمنا تبعا لأبويه كذلك قال في الجامع فلم يصح التكليف بوجه إلا في حقوق العباد فإن امرأة المجنون إذا أسلمت عرض الإسلام على ولي المجنون دفعا للظلم بقدر الإمكان وما كان ضررا يحتمل السقوط فغير مشروع في حقه وما كان قبيحا لا يحتمل العفو فثابت في حقه حتى يصير مرتدا تبعا لأبويه

واما الصغير في أول احواله فمثل الجنون أيضا لانه عديم العقل والتمييز واما إذا عقل فقد اصاب ضربا من اهلية الاداء لكن الصبي عذر مع ذلك فقد سقط بعذر الصبي ما يحتمل السقوط عن البالغ فقلنا لا يسقط عنه فرضية الإيمان إذا أداه كان فرضا لا نفلا إلا يرى انه إذا امن في صغره لزمه احكام ثبتت بناء على صحة الإيمان وهي جعلت تبعا للايمان الفرض وكذلك إذا بلغ ولم يعد كلمة الشهادة لم يجعل مرتدا ولو كان الأول نفلا لما اجتزئ عن الفرض ووضع عنه التكليف والزام الأداء وجملة إلا مر ما قلنا أن يوضح عنه العهدة ويصح منه وله ما لا عهدة فيه لان الصبا من اسباب المرحمة فجعل سببا للعفو عن كل عهدة تحتمل العفو ولذلك لا يحرم الميراث بالقتل ولا يلزم عليه حرمانه بالكفر والرق لان الرق ينافي الاهلية للارث وكذلك الكفر لانه ينافي اهلية الولاية وانعدام الحق لعدم سببه أو عدم اهليته لا يعد جزاء والعهدة نوعان خالصة لا تلزم الصبي بحال ومشوبة يتوقف لزومها على رأى الولى ولما كان الصبي عجزا صار من اسباب ولاية النظر وقطع ولايته عن الاغيار واما العته بعد البلوغ فمثل الصبي مع العقل في كل الأحكام حتى انه لا يمنع صحة القول والفعل لكنه يمنع العهدة واما ضمان ما يستهلك من المال فليس بعهدة لكنه شرع جبرا وكونه صبيا معدورا و معتوها لا ينافي عصمة المحل ويوضع الخطاب عنه كما وضع عن الصبي ويولي عليه ولا يلي على غيره وانما يفترق الجنون والصغر في أن هذا العارض غير محدود فقيل إذا اسلمت امرأته عرض على ابيه الإسلام أو امه ولا يؤخر والصبي محدود فوجب تأخيره واما الصبي العاقل والمعتوه العاقل لا يفترقان واما النسيان فلا ينافي الوجوب في حق الله تعالى ولكنه يحتمل أن يجعل عذرا ولكن حقوق العباد محترمة لحقهم وحاجتهم لا ابتلاء وحقوق الله تعالى ابتلاء لكن النسيان إذا كان غالبا يلازم الطاعة واما بطريق الدعوة مثل النسيان في الصوم واما باعتبار حال البشر مثل التسمية في الذبيحة جعل من اسباب العفو في حق الله تعالى لانه من جهة صاحب الحق اعترض فجعل سببا للعفو في حقه بخلاف حقوق العباد لان النسيان ليس بعذر من جهتهم والنسيان ضربان ضرب اصلي وضرب يقع فيه المراء بالتقصير وهذا

يصلح للعتاب والنسيان في غير الصوم لم يجعل عذرا وكذلك في غير الذبيحة لانه ليس مثل المنصوص عليه في غلبة الوجود فبطلت التعدية حتى أن سلام الناسي لما كان غالبا عد عذرا فأما النوم فعجز عن استعمال قدرة الاحوال فأوجب تأخير الخطاب للأداء لان النوم لا يمتد فلا يكون في وجوب القضاء عليه حرج وإذا كان كذلك فلا يسقط الوجوب قال النبي عليه السلام من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فان ذلك وقتها وينافي الاختيار اصلا حتى بطلت عباراته في الطلاق والعتاق والاسلام وغير ذلك والمصلي إذا قرأ في صلاته وهو نائم في حال قيامه لم يصلح قرائته وإذا تكلم النائم في صلاته لم تفسد صلاته وإذا قهقة النائم في صلاته فقد قيل تفسد صلاته ويكون حدثا وقيل تفسد صلاته ولا يكون حدثا وقيل يكون حدثا ولا تفسد صلاته والصحيح انه لا يكون حدثا لأن القهقهة جعلت حدثا لقبحها في موضع المناجات وسقط ذلك بالنوم ولا يفسد ايضا لان النوم يبطل حكم الكلام واما الاغماء فانه ضرب مرض وفوت قوة حتى كان النبي صلى الله عليه و سلم غير معصوم عنه والاغماء في فوت الاختيار وفي فوت استعمال القدرة مثل النوم حتى منع صحة العبادات وهو اشد منه لان النوم فترة اصلية وهذا عارض ينافي في القوة اصلا إلا يرى أن النائم إذا كان مستقرا لم يكن نومه حدثا لانه بعينه لا يوجب الاسترخاء لا محالة والاغماء بكل حال يكون حدثا و النوم لازم بأصل الخلقة وكان النوم من المضطحع في الصلاة إذا لم يتعمده حدثا لا يمنع البناء والاغماء من العوارض النادرة في الصلاة وهو فوق الحدث فلم يكن يلحق به ومنع البناء على كل حال ويختلفان فيما يجب من حقوق الله تعالى جبر أن الاغماء مرض ينافي القدرة اصلا وقد يحتمل الامتداد على وجه يوجب الحرج فيسقط به الاداء وإذا بطل الاداء بطل الوجوب لما قلنا وهذا استحسان وكان القياس أن لا يسقط به شيء من الواجبات مثل النوم امتداده في الصلاة ان يزيد على يوم وليلة على مافسرنا و في الصوم لا يعتبر امتداده لان أمتداده في الصوم نادر وكذلك في الزكاة في الصلاة غيرنا دور في ذلك جاءت السنة فلم يوجب حرجا و إما الرق فانه عجز حكمي شرع جزاء في الأصل لكنه في لبقاء صار من الأمور الحكمية به

يصير المرء عرضة للتملك والابتذال وهو وصف لا تحتمل التجري فقد قال في الجامع في مجهول النسب إذا اقر أن نصفه عبد لفلان انه يجعل عبدا في شهادته وفي جميع احكامه وكذلك العتق الذي هو ضده حتى أن معتق البعض لا يكون حرا اصلا عند أبي حنيفة رحمه الله في شهاداته وسائر احكامه وانما هو مكاتب وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله الاعتاق انفعاله العتق فلا يتصور دونه وإذا لم يكن الانفعال متجزيا لم يكن الفعل متجزيا كالتطليق والطلاق وقال أبو حنيفة رحمه الله العتاق ازالة الملك متجزي تعلق به حكم لا يتجزئ وهو العتق لانه عبارة عن سقوط الرق وسقوط الرق حكم لسقوط كل الملك فإذا سقط بعضه فقد وجد شطر علة العتق وصار ذلك كاعداد الوضوء إنها متجزية تعلق بها اباحة الصلاة وهو غير متجزية وكذلك اعداد الطلاق للتحريم وهذا الرق يبطل مالكية المال لقيام المملوكية مالا حتى لا يملك العبد والمكاتب التسري وحتى لا يصح منها حجة الإسلام لعدم اصل القدرة وهي البدنية لانها للمولى لان ملك الذات يوجب ملك الصفات القائمة لكونها تبعا إلا ما استثنى عليه في سائر القرب البدنية بخلاف الفقير لانه مالك لما يحدث من قدرة الفعل إذا حدثت وهي الاستطاعة الاصلية فأما الزاد والراحلة فلليسر فلم يجب وصح الاداء والرق لا ينافي مالكية غير المال وهو النكاح والدم والحياة وينافي كمال الحال في اهلية الكرامات الموضوعة للبشر في الدنيا مثل الذمة الحل والولاية حتى أن ذمته صعفت برقة فلم يحتمل الدين بنفسها وضمت اليها مالية الرقبة والكسب ولذلك قلنا أن الدين متى ثبت بسبب لا تهمة فيه انه يباع به رقبته مثل دين الاستهلاك ودين التجارة لان حاجتنا إلى ظهور التعلق في حق المولى ثم لا بد من استيفائه من موضعه و اذا لم يثبت في حق المولى تأخر إلى عتقه ولم يتعلق برقبته ولا بكسبه مثل دين ثبت بإقرار المحجور و مثل أن يتزوج امرأة بغير اذن مولاه ويدخل بها لان تقوم البضع إنما يثبت بشبهة عقد عدمت في حق المولى وكذلك الحق انتقص بالرق لانه من كرامات البشر فيتسع بالحرية ويقصر بالرق إلى النصف حتى لا ينكح العبد الا امرأتين و كذلك حال النساء يقصر بالرق الى النصف حتى صح نكاح الامة اذا تقدم على الحرة ولا يصح إذا تأخر وقارن لتعذر التنصيف

في المقارنة و العدة يتنصف لكن الواحدة لا تقبل التصنيف فيتكامل لكن عدد الطلاق لما كان عبارة عن النساء المملوكية اعتبر بالنساء و عدد الأنكحة لما كان عبارة عن اتساع المالكية اعتبر فيه رق الرجال و حريتهم فكان الطلاق بالنساء و لذلك يتنصف الحدود في حق العبد و لذلك انتقضت قيمة نفسه لما قلنا من انتقاص المالكية كما انتقضت بالأنوثة فوجب نقصان بدل دمه عن الدية لكن نقصان الانوثة في أحد ضربي المالكية بالعدم فوجب التنصيف وهذا نقصان في أحدهما لا بالعدم إلا يرى أن العبد ليس بأهل لملك المال لكنه أهل للتصرف في المال أهل الاستحقاق اليد على المال فوجب القول بنقصان في الدية وهذا عندنا في المأذون انه يتصرف لنفسه ويجب له اليد بالاذن غير لازمة وبالكتابة يد لازمة وقال الشافعي رحمه الله لما لم يكن اهلا للملك لم يكن اهلا لسببه لان السبب شرع لحكمة ولم يكن اهلا لاستحقاق اليد ايضا قلنا أن اهلية التكلم غير ساقطة بالإجماع وكذلك الذمة مملوكة للعبد قابلة للدين وإذا صار اهلا للحاجة كان اهلا للقضاء وادنى طرقه اليد وهو الحكم الاصلي لان الملك ضرب قدرة شرع للضرورة وكذلك ملك اليد بنفسه غير مال إلا يرى أن الحيوان يثبت دينا في الذمة في الكتابة وإذا كان كذلك كان العبد اصلا في حكم العقد الذي هو محكم والمولى يخلفه فيما هو من الزوائد وهو الملك ولذلك جعلنا العبد في حكم العبد في حكم الملك وفي حكم بقاء الآذن كالوكيل في مسائل مرض المولى وعامة مسائل المأذون والرق لا يؤثر في عصمة الدم وانما يؤثر في قيمته وانما العصمة بالايمان ودار الإيمان والعبد فيه مثل الحر ولذلك قتل الحر بالعبد قصاصا واوجب الرق نقصا في الجهاد لما قلنا في الحج أن الاستطاعة للجهاد والحج غير مستثناة على الولي ولذلك قلنا لا يستوجب السهم الكامل وانقطعت الولايات كلها بالرق لانه عجز ولذلك بطل أمانة عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله لانه ينصرف على الناس ابتداء ولانه غير مالك للجهاد اصلا وإذا كان مأذونا بالجهاد لم يصر اهلا للولاية لكن إلامان بالاذن يخرج عن اقسام الولاية من قبل انه صار شريكا في الغنيمة فلزمه ثم تعدى فلم يكن من باب الولاية مثل شهادته بهلال رمضان وعلى هذا الأصل صح اقراره بالحدود والقصاص وصح

بالسرقة المستهلكة وبالقائمة صح من المأذون وفي المحجور اختلاف معروف عند أبي حنيفة رحمه الله يصح بهما وعند محمد رحمه الله لا يصح بهما وعند أبي يوسف رحمه الله يصح بالحد دون المال وذلك إذا كذبه المولى وعلى هذا الأصل قلنا في جنايات العبد خطأ أن رقبته يصير جزاء لان العبد ليس من أهل ضمان ما ليس بمال ولكنه صلة إلا أن يشاء المولى الفداء فيصير عائدا إلى الأصل عند أبي حنيفة رحمه الله حتى لا يبطل بالافلاس وعندهما يصير بمعنى الحوالة وهذا اصل لا يحصى فروعه واما المرض فانه لا ينافي اهلية الحكم ولا اهلية العبارة ولكنه لما كان سبب الموت والموت عجز خالص كان المرض من اسباب العجز ولما كان الموت علة الخلافة كان المرض من اسباب تعلق حق الوارث والغريم بماله ولما كان عجزا شرعت العبادات عليه بقدر المكنة و لما كان من اسباب تعلق الحقوق فكان من اسباب الحجر بقدر ما يقع به صيانة الحق حتى لا يؤثر المرض فيما لا يتعلق به حق غريم ولا وارث وانما يثبت به الحجر إذا اتصل بالموت مستندا إلى اوله فقيل كل تصرف واقع يحتمل الفسخ فان القول بصحته واجب للحال ثم التدارك بالنقص أن احتيج اليه مثل الهبة وبيع المحاباة وكل تصرف لا يحتمل النقص جعل كالمتعلق بالموت كالاعتاق إذا وقع على حق الغريم أو الوارث وكان القياس أن لا يملك المريض الايصار لما قلنا لكن الشرع جوز ذلك نظرا له بقدر الثلث استخلاصا على الورثة بالقليل ليعلم أن الحجر والتهمة فيه اصل ولما تولى الشرع الايصاء للورثة وابطل ايصاءه لهم بطل ذلك صورة ومعنى وحقيقة وشبهة حتى لا تصح منه البيع اصلا عند أبي حنيفة رحمه الله وبطلت اقاريره له للتهمة لان شبهة الحرام حرام ولم يصح اقراره باستيفاء دينه من الوارث وان لزمه في صحته وتقومت الجودة في حقهم لتهمة العدول عن خلاف الجنس كما تقومت فيحق الصغار وحجر المريض عن الصلة إلا من الثلث لما قلنا ذلك ولذلك قلنا اذا ادى في مرض موته وكذلك إذا اوصى بذلك عندنا ولما تعلق حق الغرماء والورثة بالمال صورة ومعنى في حق أنفسهم ومعنى في حق غيرهم صار اعتاقه واقعا على محل مشغول بعينه بخلاف اعتاق الراهن لان حق المرتهن في ملك اليد دون

ملك الرقبة فلذلك نفذ هذا ولم ينفذ ذلك وهذا اصل لا تحصى فروعه واما الحيض و النفاس فانهما لا يعدمان اهلية بوجه لكن الطهارة للصلاة شرط وقد شرعت بصفة اليسر الاداء وفي وضع الحيض والنفاس وما يوجب الحرج في القضاء فلذلك وضع عنهما وقد جعلت الطهارة عنهما شرط لصحة الصوم ايضا صبخلاف القياس فلم يتعد إلى القضاء ولم يكن في قضائه حرج فلم يسقط اصله واحكام الحيض والنفاس كثيرة لا يحصى عددها واما الموت فانه عجز كله مناف لاهلية احكام الدنيا مما فيه تكليف حتى وضعت العبادات كلها عنه والاحكام نوعان احكام الدنيا واحكام الاخرة فأما احكام الدنيا فأنواع اربعة قسم منها ما هو من باب التكليف والثاني ما شرع عليه لحاجة غيره ومنها ما شرع له لحاجته ومنها مالا يصلح لقضاء حاجته هذه احكام الدنيا فأما القسم الأول فقد وضع عنه لفوات غرضه وهو الاداء عن اختيار ولهذا قلنا أن الزكاة يبطل عنه وكذلك سائر القرب وانما يبقى عليه المأثم واما القسم الثاني فإنه أن كان حقا متعلقا بالعين يبقى ببقائه لان فعله فيه غير مقصود وان كان دينا لم يبق بمجرد الذمة حتى يضم اليه مال أو ما يؤكد به الذمم وهو ذمة الكفيل لان ضعف الذمة بالموت فوق الضعف بالرق لان الرق يرجى زواله غالبا وهذا لا يرجى زواله غالبا فقيل إنها لا تحتمل الدين بنفسها ولهذا قيل أن الكفالة عن الميت المفلس لا يصح وهو قول أبي حنيفة رحمه الله كان الدين ساقط لان ثبوته بالمطالبة وقد عدمت بخلاف العبد المحجور يقر بالدين فيكفل رجل عنه صح لان ذمته في حقه كاملة وانما ضمت المالية اليها في حق المولى وقال أبو 2يوسف ومحمد رحمهما الله صح لان الدين مطالب به لكنا عجزنا عنها والجواب عنه انه غير مطالب به لان ذلك انعدم لمعنى في محل الدين لا لعجزنا لمعنى فينا فلهذا لزمته الديون مضافا إلى سبب صح في حياته ولهذا صح الضمان عنه إذا خلف مالا أو كفيلا وان كان شرع عليه بطريق الصلة بطل إلا أن يوصى فيصح من الثلث واما الذي شرع له فبناء على حاجته لان مرافق البشر انما شرعت لهم لحاجتهم لان العبودية لازمة للبشر والموت لا ينافي الحاجة فبقى له ما ينقضي به الحاجة ولذلك بقيت التركة على حكم ملكه ( ) عند قيام الديون عليه لذلك قدم جهازه ثم ديونه ولذلك

أقسام الكتاب
1 2 3