كتاب : غريب القرآن
المؤلف:للأصفهاني

مفردات غريب القرآن- الراغب الاصفهاني
مفردات غريب القرآن
الراغب الاصفهاني

المفردات في غريب القران تأليف أبى القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الاصفهانى المتوفى سنة 502 ه

بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله رب العالمين، وصلواته على نبيه محمد وآله أجمعين.
قال الشيخ أبو القاسم الحسين ابن محمد بن الفضل الراغب رحمه الله: أسأل الله أن يجعل لنا من أنواره نورا يرينا الخير والشر بصورتيهما.
ويعرفنا الحق والباطل بحقيقتيهما، حتى نكون ممن يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم، ومن الموصوفين بقوله تعالى (هو الذى أنزل السكينة في قلوب المؤمنين) وبقوله: (أولئك كتب في قلوبهم الايمان وأيدهم بروح منه).
كنت قد ذكرت في الرسالة المنبهة على فوائد القرآن أن الله تعالى كما جعل النبوة بنبينا مختتمة، وجعل شرائعهم بشريعته من وجه منتسخة ومن وجه مكملة متممة كما قال تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) جعل كتابه المنزل عليه متضمنا ثمرة كتبه التى أولاها أوائل الامم كما نبه عليه بقوله تعالى: (يتلو صحفا مطهرة فيها كتب قيمة) وجعل من معجزة هذا الكتاب أنه مع قلة الحجم متضمن للمعنى الجم، وبحيث تقصر الالباب البشرية عن إحصائه، والآلات الدنيوية عن استيفائه كما نبه عليه بقوله تعالى: (ولو أن ما في الارض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم) وأشرت في كتاب الذريعة إلى مكارم الشريعة أن القرآن وإن كان لا يخلو الناظر فيه من نور ما يريه، ونفع ما يوليه، فإنه: كالبدر من حيث التفت رأيته * يهدى إلى عينيك نورا ثاقبا
كالشمس في كبد السماء وضوءها * يغشى البلاد مشارقا ومغاربا لكن محاسن أنواره لايثقفها إلا البصائر الجلية وأطايب ثمره لا يقطفها إلا الايدى الزكية، ومنافع شفائه لا ينالها إلا النفوس النقية كما صرح تعالى به فقال في وصف متناوليه (إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون) وقال في وصف سامعيه (قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى).
وذكرت أنه كما لا تدخل الملائكة الحاملة للبركات بيتا فيه صورة أو كلب كذلك لا تدخل السكينات الجالبة للبينات قلبا فيه كبر وحرص، فالخبيثات للخبيثين، والخبيثون للخبيثات، والطيبات للطيبين، والطيبون للطيبات.
ودللت في تلك الرسالة على كيفية اكتساب الزاد الذى يرقى كاسبه في درجات المعارف حتى يبلغ من معرفته أقصى

ما في قوة البشر أن يدركه من الاحكام والحكم فيطلع من كتاب الله على ملكوت السموات والارض ويتحقق أن كلامه كما وصفه بقوله: (ما فرطنا في الكتاب من شئ) جعلنا الله ممن تولى هدايته حتى يبلغه هذه المنزلة ويخوله هذه المكرمة، فلن يهديه البشر من لم يهده الله كما قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء).
وذكرت أن أول ما يحتاج أن يشتغل به من علوم القرآن العلوم اللفظية.
ومن العلوم اللفظية تحقيق الالفاظ المفردة، فتحصيل معاني مفردات ألفاظ القرآن في كونه من أوائل المعاون لمن يريد أن يدرك معانيه، كتحصيل اللبن في كونه من أول المعاون في بناء ما يريد أن يبنيه.
وليس ذلك نافعا في علم القرآن فقط بل هو نافع في كل علم من علوم الشرع، فألفاظ القرآن هي لب كلام العرب وزبدته، وواسطته وكرائمه، وعليها اعتماد الفقهاء والحكماء في أحكامهم وحكمهم، وإليها مفزع حذاق الشعراء والبلغاء في نظمهم ونثرهم.
وما عداها وعدا الالفاظ المتفرعات عنها والمشتقات منها هو بالاضافة إليها كالقشور والنوى بالاضافة إلى أطايب الثمرة، وكالحثالة والتبن بالاضافة إلى لبوب الحنطة.
وقد استخرت الله تعالى في إملاء كتاب مستوفى فيه مفردات ألفاظ القرآن على حروف التهجى، فنقدم ما أوله الالف ثم الباء على ترتيب حروف المعجم
معتبرا فيه أوائل حروفه الاصلية دون الزوائد، والاشارة فيه إلى المناسبات التى بين الالفاظ المستعارات منها والمشتقات حسبما يحتمل التوسع في هذا الكتاب، وأحيل بالقوانين الدالة على تحقيق مناسبات الالفاظ على الرسالة التى عملتها مختصة بهذا الباب.
ففى اعتماد ما حررته من هذا النحو استغناء في بابه من المثبطات عن المسارعة في سبيل الخيرات، وعن المسابقة إلى ما حثنا عليه بقوله تعالى: (سابقوا إلي مغفرة من ربكم) سهل الله علينا الطريق إليها.
وأتبع هذا الكتاب إن شاء الله تعالى ونسأ في الاجل، بكتاب ينبئ عن تحقيق الالفاظ المترادفة على المعنى الواحد وما بينها من الفروق الغامضة، فبذلك يعرف اختصاص كل خبر بلفظ من الالفاظ المترادفة دون غيره من أخواته، نحو ذكره القلب مرة والفؤاد مرة والصدر مرة.
ونحو ذكره تعالى في عقب قصة: (إن في ذلك لايات لقوم يؤمنون) وفى أخرى: (لقوم يتفكرون) وفى أخرى: (لقوم يعلمون) وفى أخرى: (لقوم يفقهون) وفى أخرى: (لاولى الابصار) وفى أخرى: (لذى حجر) وفى أخرى: (لاولى النهى) ونحو ذلك مما يعده من لا يحق الحق ويبطل الباطل أنه باب واحد، فيقدر أنه إذا فسر الحمد لله بقوله الشكر لله، ولاريب فيه بلا شك فيه فقد فسر القرآن ووفاه التبيان، جعل الله لنا التوفيق رائدا والتقوى سائقا.
ونفعنا بما أولانا وجعله لنامن معاون تحصيل الزاد المأمور به في قوله تعالى: (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى).

كتاب الالف أبا: الاب: الوالد، ويسمى كل من كان سببا في إيجاد شئ أو إصلاحه أو ظهوره أبا، ولذلك يسمى النبي صلى الله عليه وسلم أبا المؤمنين، قال الله تعالى: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم) وفى بعض القراءات: وهو أب لهم، وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال
لعلى " أنا وأنت أبوا هذه الامة " وإلى هذا أشار بقوله: " كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي ".
وقيل أبو الأضياف لتفقده إياهم، وأبو الحرب لمهيجها، وأبو عذرتها لمفتضها.
ويسمى العم مع الاب أبوين، وكذلك الام مع الاب وكذلك الجد مع الاب، قال تعالى في قصة يعقوب: (ما تعبدون من بعدى، قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا) وإسماعيل لم يكن من آبائهم وإنما كان عمهم.
وسمى معلم الانسان أباه لما تقدم من ذكره، وقد حمل قوله تعالى: (وجدنا آباءنا على أمة) على ذلك أي علماءنا الذين ربونا بالعلم بدلالة قوله تعالى: (ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا).
وقيل في قوله: (أن اشكر لى ولوالديك) إنه عنى الاب الذى ولده، والمعلم الذى علمه.
وقوله تعالى: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) إنما هو نفى الولادة وتنبيه أن التبني لا يجرى مجرى البنوة الحقيقية.
وجمع الاب: آباء وأبوة، نحو بعولة وخؤولة.
وأصل أب فعل وقد أجرى مجرى قفا في قول الشاعر: * إن أباها وأبا أباها *
ويقال أبوت القوم كنت لهم أبا أبوهم، وفلان يأبو بهمه أي يتفقدها تفقد الاب.
وزادوا في النداء فيه تاء فقالوا يا أبت.
وقولهم: بأبأالصبى فهو حكاية صوت الصبى إذا قال بابا.
أبى: الاباء: شدة الامتناع، فكل إباء امتناع وليس كل امتناع إباء.
قوله تعالى: (ويأبى الله إلا أن يتم نوره) وقال: (وتأبى قلوبهم) وقوله: (أبى واستكبر) وقوله: (إلا إبليس أبى) وروى: (كلكم في الجنة إلا من أبى).
ومنه رجل أبى ممتنع من تحمل الضيم، وأبيت الضير تأبى، وتيس آبى، وعنز أبواء، إذا أخذه من شرب ماء فيه بول الاروى.
داء يمنعه من شرب الماء.
أب: قوله تعالى: (وفاكهة وأبا)

الاب المرعى المتهيئ للرعى والجز، من قولهم أب لكذا، أي تهيأ أبا وإبابة وإبابا.
وأب إلى وطنه إذا نزع إلى وطنه نزوعا تهيأ لقصده، وكذا أب لسيفه إذا تهيأ لسله.
وإبان ذلك فعلان منه وهو الزمان المهيأ لفعله ومجيئه.
أبد: قال تعالى: (خالدين فيها أبدا) الابد عبارة عن مدة الزمان الممتد الذى لا يتجزأ
كما يتجزأ الزمان، وذلك أنه يقال: زمان كذا، ولا يقال أبد كذا.
وكان حقه أن لا يثنى ولا يجمع إذ لا يتصور حصول أبد آخر يضم إليه فيثنى به، لكن قيل آباد، وذلك على حسب تخصيصه في بعض ما يتناوله كتخصيص اسم الجنس في بعضه ثم يثنى ويجمع.
على أنه ذكر بعض الناس أن آبادا مولد وليس من كلام العرب العرباء وقيل: أبد، أبد، وأبيد أي دائم وذلك على التأكيد.
وتأبد الشئ بقى أبدا، ويعبر به عما يبقى مدة طويلة.
والآبدة البقرة الوحشية، والاوابد الوحشيات، وتأبد البعير توحش فصار كالاوابد، وتأبد وجه فلان توحش، وأبد كذلك، وقد فسر بغضب.
أبق: قال الله تعالى: (إذ أبق إلى الفلك المشحون) يقال: أبق العبد يأبق إباقا وأبق يأبق إذا هرب.
وعبد آبق وجمعه أباق، وتأبق الرجل تشبه به في الاستتار، وقول الشاعر: * قد أحكمت حكمات القد والابقا * قيل: هو القنب.
إبل: قال الله تعالى: (ومن الابل اثنين) الابل يقع على البعران الكثيرة ولا واحد له
من لفظه.
وقوله تعالى: (أفلا ينظرون إلى الابل كيف خلقت) قيل أريد بها السحاب، فإن يكن ذلك صحيحا فعلى تشبيه السحاب، بالابل وأحواله بأحوالها.
وأبل الوحشى يأبل أبولا وأبل أبلا اجتزأ عن الماء تشبها بالابل في صبرها عن الماء.
وكذلك تأبل الرجل عن امرأته إذا ترك مقاربتها، وأبل الرجل كثرت إبله.
وفلان لا يأبل، أي لا يثبت على الابل إذا ركبها.
ورجل آبل وأبل حسن القيام على إبله.
وإبل مؤبلة مجموعة، والابالة الحزمة من الحطب تشبيها به.
وقوله تعالى: (وأرسل عليهم طيرا أبابيل) أي متفرقة كقطعات إبل، الواحد أبيل.
أتى: الاتيان مجي بسهولة ومنه قيل للسيل المار على وجهه أتى وأتاوى، وبه سمي الغريب فقيل أتاوى.
والاتيان يقال للمجي بالذات وبالامر وبالتدبير.
ويقال في الخير وفى الشر وفى الاعيان والاعراض نحو قوله تعالى (إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة) وقوله تعالى: (أتى أمر الله) وقوله: (فأتى الله بنيانهم من القواعد) أي بالامر والتدبير، نحو: (جاء ربك) وعلى هذا النحو قول الشاعر:
* أتيت المروءة من بابها *

(فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها) وقوله: (لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى) أي لا يتعاطون.
وقوله: (يأتين الفاحشة) وفى قراءة عبد الله: تأتى الفاحشة، فاستعمال الاتيان منها كاستعمال المجئ في قوله: (لقد جئت شيئا فريا) يقال: أتيته وأتوته، ويقال للسقاء إذا مخض وجاء زبده أتوة، وتحقيقه جاء ما من شأنه أن يأتي منه فهو مصدر في معنى الفاعل.
وهذه أرض كثيرة الاتاء أي الريع، وقوله تعالى: (مأتيا) مفعول من أتيته.
قال بعضهم معناه آتيا فجعل المفعول فاعلا وليس كذلك بل يقال أتيت الامر وأتانى الامر، ويقال أتيته بكذا وآتيته كذا، قال تعالى: (وأتوا به متشابها) وقال: (فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها) وقال: (وآتيناهم ملكا عظيما) وكل موضع ذكر في وصف الكتاب آتينا فهو أبلغ من كل موضع ذكر فيه أوتوا، لان أوتوا قد يقال إذا أولى من لم يكن منه قبول، وآتيناهم يقال فيمن كان منه قبول، وقوله: (آتونى زبر الحديد)
وقرأه حمزة موصولة أي جيئوني، والايتاء الاعطاء وخص دفع الصدقة في القرآن بالايتاء نحو: (أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة - وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة - ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا - ولم يؤت سعة من المال).
أث: الاثاث متاع البيت الكثير، وأصله من أث أي كثر وتكاثف.
وقيل للمال كله إذا كثر أثاث، ولا واحد له كالمتاع، وجمعه أثاث.
ونساء أثائث كثيرات اللحم كأن عليهن أثاث، وتأثث فلان أصاب أثاثا.
أثر: أثر الشئ حصول ما يدل على وجوده، يقال أثر وأثر، والجمع الآثار، قال تعالى: (وقفينا على آثارهم برسلنا - وآثارا في الارض) وقوله: (فانظر إلى آثار رحمة الله) ومن هذا يقال للطريق المستدل به على من تقدم آثار، نحو قوله تعالى: (فهم على آثارهم يهرعون) وقوله: (هم أولاء على أثرى).
ومنه سمنت الابل أي على أثارة أثر من شحم، وأثرت البعير جعلت على خفه أثرة أي علامة تؤثر في الارض ليستدل بها على أثره، وتسمى الحديدة التى يعمل بها ذلك المئثرة.
وأثر السيف أثر
جودته وهو الفرند، وسيف مأثور، وأثرت العلم رويته، آثره أثرا وإثارة وأثرة، وأصله تتبعت أثره.
وأثارة من علم، وقرئ أثرة وهو ما يروى أو يكتب فيبقى له أثر، والماثر: ما يروى من مكارم الانسان.
ويستعار الاثر للفضل والايثار للتفضل ومنه آثرته، وقوله تعالى: (ويؤثرون على أنفسهم) وقال: (تالله لقد آثرك الله علينا - بل تؤثرون الحياة الدنيا) وفى الحديث: " سيكون بعدى أثرة " أي يستأثر بعضكم على بعض.
والاستئثار

التفرد بالشئ من دون غيره، وقولهم: استأثر الله بفلان كناية عن موته، تنبيه أنه ممن اصطفاه وتفرد تعالى به من دون الورى تشريفا له، ورجل أثر يستأثر على أصحابه، وحكى اللحيانى: خذه آثرا ما، وأثراما، وآثر ذى أثير.
أثل: قال تعالى: (ذواتي أكل خمط وأثل وشئ من سدر قليل) أثل: شجر ثابت الاصل وشجر متأثل ثابت ثبوته وتأثل كذا ثبت ثبوته.
وقوله صلى الله عليه وسلم في الوصي " غير متأثل مالا " أي غير مقتن له ومدخر،
فاستعار التأثل له وعنه استعير: نحت أثلته، إذا اغتبته.
إثم: الاثم والاثام اسم للافعال المبطئة عن الثواب، وجمعه آثام، ولتضمنه لمعنى البطء قال الشاعر: جمالية تغتلى بالروادف * إذا كذب الآثمات الهجيرا وقوله تعالى: (فيهما إثم كبير ومنافع للناس) أي في تناولهما إبطاء عن الخيرات.
وقد أثم إثما وأثاما فهو آثم وأثم وأثيم، وتأثم خرج من إثمه كقولهم تحوب خرج من حوبه وحرجه أي ضيقه.
وتسمية الكذب إثما لكون الكذب من جملة الاثم، وذلك كتسمية الانسان حيوانا لكونه من جملته.
وقوله تعالى: (أخذته العزة بالاثم) أي حملته عزته على فعل ما يؤثمه.
(ومن يفعل ذلك يلق أثاما) أي عذابا، فسماه أثاما لما كان منه، وذلك كتسمية النبات والشحم ندى لما كانا منه في قول الشاعر: * تعلى الندى في متنه وتحدرا * وقيل معنى يلق أثاما: أي يحمله ذلك على ارتكاب آثام وذلك لاستدعاء الامور الصغيرة
إلى الكبيرة.
وعلى الوجهين حمل قوله تعالى: (فسوف يلقون غيا) والآثم المتحمل الاثم، قال تعالى: (آثم قلبه) وقوبل الاثم بالبر فقال صلى الله عليه وسلم: " البر ما اطمأنت إليه النفس والاثم ما حاك في صدرك " وهذا القول منه حكم البر والاثم لا تفسيرهما.
وقوله تعالى: (معتد أثيم) أي آثم، وقوله: (يسارعون في الاثم والعدوان) قيل أشار بالاثم إلى نحو قوله: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) وبالعدوان إلى قوله: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) فالاثم أعم من العدوان.
أج: قال تعالى: (هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج) شديد الملوحة والحرارة من قولهم أجيج النار وأجتها وقد أجت.
وائتج النهار ويأجوج ومأجوج منه شبهوا بالنار المضطرمة والمياه المتموجة لكثرة اضطرابهم، وأج الظليم إذا عدا أجيجا تشبيها بأجيج النار.
أجر: الاجر والاجرة ما يعود من ثواب

العمل دنيويا كان أو أخرويا نحو قوله تعالى: (إن أجرى إلا على الله - وآتيناه أجره في الدنيا
وإنه في الآخرة لمن الصالحين - ولاجر الآخرة خير للذين آمنوا) والاجرة في الثواب الدنيوي، وجمع الاجر أجور.
وقوله: (آتوهن أجورهن) كناية عن المهور، والاجر والاجرة يقال فيما كان عن عقد وما يجرى مجرى العقد ولا يقال إلا في النفع دون الضر نحو قوله: (لهم أجرهم عند ربهم) وقوله تعالى: (فأجره على الله) والجزاء يقال فيما كان عن عقد وغير عقد ويقال في النافع والضار نحو قوله: (وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا) وقوله: (فجزاؤه جهنم) يقال أجر زيد عمرا يأجره أجرا أعطاه الشئ بأجرة، وأجر عمرو زيدا أعطاه الاجرة، قال تعالى: (على أن تأجرني ثمانى حجج) وآجر كذلك والفرق بينهما أن أجرته يقال إذا اعتبر فعل أحدهما، وآجرته يقال إذا اعتبر فعلا هما وكلاهما يرجعان إلى معنى واحد ويقال آجره الله وأجره الله، والاجير فعيل بمعنى فاعل أو مفاعل، والاستئجار طلب الشئ بالاجرة، ثم يعبر به عن تناوله بالاجرة نحو الاستيجاب في استعارته الايجاب، وعلى هذا قوله: (استأجره إن خير من استأجرت القوى الامين) أجل: الاجل: المدة المضروبة للشئ، قال تعالى: (لتبلغوا أجلا مسمى - أيما الاجلين
قضيت) ويقال دينه مؤجل وقد أجلته جعلت له أجلا، ويقال للمدة المضروبة لحياة الانسان أجل فيقال دنا أجله عبارة عن دنو الموت، وأصله استيفاء الاجل أي مدة الحياة، وقوله تعالى: (بلغنا أجلنا الذى أجلت لنا) أي حد الموت وقيل حد الهرم وهما واحد في التحقيق.
وقوله: (ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده) فالاول هو البقاء في الدنيا، والثانى البقاء في الآخرة، وقيل الاول هو البقاء في الدنيا، والثانى مدة ما بين الموت إلى النشور، عن الحسن.
وقيل الاول للنوم والثانى للموت، إشارة إلى قوله: (الله يتوفى الانفس حين موتها والتى لم تمت في منامها) عن ابن عباس.
وقيل الاجلان جميعا للموت، فمنهم من أجله بعارض كالسيف والحرق والغرق وكل شئ غير موافق وغير ذلك من الاسباب المؤدية إلى قطع الحياة، ومنهم من يوقى ويعافى حتى يأتيه الموت حتف أنفه، وهذان هما المشار إليهما بقوله: " من أخطأته سهم الرزية بم تخطه سهم المنية ".
وقيل للناس أجلان، منهم من يموت عبطة، ومنهم من يبلغ حدا لم يجعل الله في طبيعة الدنيا أن يبقى أحد أكثر منه فيها،
وإليها أشار بقوله تعالى: (ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر) وقصدهما الشاعر بقوله: رأيت المنايا خبط عشواء من تصب * تمته...

وقول الآخر: * من لم يمت عبطة هرما * والآجل ضد العاجل، والاجل الجناية التى يخاف منها آجلا فكل أجل جناية وليس كل جناية أجلا، يقال فعلت كذا من أجله، قال تعالى: (من أجل ذلك كتبنا على بنى إسرائيل) أي من جراء، وقرئ من إجل ذلك بالكسر أي من جناية ذلك، ويقال أجل في تحقيق خبر سمعته، وبلوغ الاجل في قوله تعالى: (إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن) هو المدة المضروبة بين الطلاق وبين انقضاء العدة.
وقوله: (فإذا بلغن أجلهن فلا تعضلوهن) إشارة إلى حين انقضاء العدة، وحينئذ (لا جناح عليهن فيما فعلن في أنفسهن).
أحد: أحد يستعمل على ضربين، أحدهما في النفى فقط، والثانى في الاثبات.
فأما المختص بالنفى فلاستغراق جنس الناطقين، ويتناول القليل والكثير على طريق الاجتماع والافتراق
نحو: ما في الدار أحد أي واحد، ولا اثنان فصاعدا، لا مجتمعين ولا مفترقين.
ولهذا المعنى لم يصح استعماله في الاثبات لان نفى المتضادين يصح ولا يصح إثباتهما، فلو قيل في الدار واحد لكان فيه إثبات واحد منفرد مع إثبات ما فوق الواحد مجتمعين ومفترقين، وذلك ظاهر لا محالة، ولتناول ذلك ما فوق الواحد يصح أن يقال ما من أحد فاضلين كقوله تعالى: (فما منكم من أحد عنه حاجزين) وأما المستعمل في الاثبات فعلى ثلاثة أوجه: الاول في الواحد المضموم إلى العشرات نحو: أحد عشر وأحد وعشرين.
والثانى أن يستعمل مضافا أو مضافا إليه بمعنى الاول كقوله تعالى: (أما أحدكما فيسقى ربه خمرا) وقولهم يوم الاحد أي يوم الاول ويوم الاثنين.
والثالث أن يستعمل مطلقا وصفا وليس ذلك إلا في وصف الله تعالى بقوله: (قل هو الله أحد) وأصله وحد ولكن وحد يستعمل في غيره نحو قول النابغة: كأن رجلى وقد زال النهار بنا * بذى الجليل على مستأنس وحد أخذ: الاخذ حوز الشئ وتحصيله، وذلك تارة بالتناول نحو: (معاذ الله أن نأخذ إلا من
وجدنا متاعنا عنده) وتارة بالقهر نحو قوله: (لا تأخذه سنة ولا نوم له) ويقال: أخذته الحمى.
وقال تعالى: (أخذ الذين ظلموا الصيحة - فأخذه الله نكال الآخرة والاولى) وقال: (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى) ويعبر عن الاسير بالمأخوذ والأخيذ.
والاتخاذ افتعال منه ويعدى إلى مفعولين، ويجرى مجرى الجعل نحو قوله: (لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء - واتخذوا من دونه أولياء - فاتخذتموهم سخريا - أأنت قلت للناس اتخذوني وأمى إلهين من دون الله) وقوله تعالى: (ولو يؤاخذ

الله الناس بظلمهم) فتخصيص لفظ المؤاخذة تنبيه على معنى المجازاة والمقابلة لما أخذوه من النعم فلم يقابلوه بالشكر.
ويقال فلان مأخوذ، وبه أخذة من الجن.
وفلان يأخذ مأخذ فلان، أي يفعل فعله ويسلك مسلكه.
ورجل أخذ، وبه أخذ، كناية عن الرمد.
والاخاذة والاخاذ أرض يأخذها الرجل لنفسه، وذهبوا ومن أخذ أخذهم وإخذهم.
أخ: الاصل أخو وهو المشارك آخر في الولادة من الطرفين أو من أحدهما أو من الرضاع.
ويستعار في كل مشارك لغيره في القبيلة
أو في الدين أو في صنعة أو في معاملة أو في مودة وفى غير ذلك من المناسبات، قوله تعالى: (لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لاخوانهم) أي لمشاركيهم في الكفر، وقال: (إنما المؤمنون إخوة - أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا) وقوله: (فإن كان له إخوة) أي إخوان وأخوات، وقوله تعالى: (إخوانا على سرر متقابلين) تنبيه على انتفاء المخالفة من بينهم.
والاخت تأنيث الاخ.
وجعل التاء فيه كالعوض من المحذوف منه.
وقوله: (يا أخت هارون) يعنى أخته في الصلاح لا في النسبة، وذلك كقولهم: يا أخا تميم، وقوله: (أخا عاد) سماه أخا تنبيها على إشفاقه عليهم شفقة الاخ على أخيه، وعلى هذا قوله: (وإلى ثمود أخاهم - وإلى عاد أخاهم - وإلى مدين أخاهم) وقوله: (وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها) أي من الآية التى تقدمتها، وسماها أختا لها لاشتراكهما في الصحة والابانة والصدق.
وقوله تعالى: (كلما دخلت أمة لعنت أختها) فإشارة إلى أوليائهم المذكورين في نحو قوله: (أولياؤهم الطاغوت) وتأخيت أي تحريت تحرى الاخ للاخ.
واعتبر من الاخوة معنى الملازمة، فقيل
أخية الدابة.
آخر: يقابل به الاول، وآخر يقابل به الواحد.
ويعبر بالدار الآخرة عن النشأة الثانية كما يعبر بالدار الدنيا عن النشأة الاولى نحو: (وإن الدار الآخرة لهى الحيوان) وربما ترك ذكر الدار نحو قوله: (أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار) وقد توصف الدار بالآخرة تارة وتضاف إليها تارة نحو: (وللدار الاخرة خير للذين يتقون - ولاجر الاخرة أكبر لو كانوا يعلمون) وتقدير الاضافة دار الحياة الآخرة.
وأخر معدول عن تقدير ما فيه الالف واللام وليس له نظير في كلامهم، فإن أفعل من كذا إما أن يذكر معه من لفظا أو تقديرا فلا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث، وإما أن يحذف منه من فيدخل عليه الالف واللام فيثنى ويجمع.
وهذه اللفظة من بين أخواتها جوز فيها ذلك من غير الالف واللام، والتأخير مقابل للتقديم، قال تعالى: (بما قدم وأخر - ما تقدم من ذنبك

وما تأخر - إنما نؤخرهم ليوم تشخص فيه الابصار - ربنا أخرنا إلى أجل قريب) وبعته
بأخرة أي بتأخير أجل كقوله: (بنظرة).
وقولهم: أبعد الله الاخر أي المتأخر عن الفضيلة وعن تحدى الحق.
إد: قال تعالى: (لقد جئتم شيئا إدا) أي أمرا منكرا يقع فيه جلبة، من قولهم: أدت الناقة تئد أي رجعت حنينها ترجيعا شديدا.
والاديد الجلبة، وأد قيل من الود أو من أدت الناقة.
أداء: الاداء دفع الحق دفعة وتوفيته كأداء الخراج والجزية ورد الامانة قال تعالى: (فليؤد الذي ائتمن أمانته - إن الله يأمركم أن تؤدوا الامانات إلى أهلها) وقال: (وأداء إليه بإحسان) وأصل ذلك من الاداة، يقال أدوت تفعل كذا أي احتلت وأصله تناولت الاداة التى بها يتوصل إليه، واستأديت على فلان نحو استعديت آدم: أبو البشر، قيل سمى بذلك لكون جسده من أديم الارض، وقيل لسمرة في لونه، يقال رجل آدم نحو أسمر، وقيل سمى بذلك لكونه من عناصر مختلفة وقوى متفرقة، كما قال تعالى: (أمشاج نبتليه) ويقال جعلت فلانا أدمة أهلى أي خلطته بهم، وقيل سمى
بذلك لماطيب به من الروح المنفوخ فيه المذكور في قوله: (ونفخت فيه من روحي) وجعل له به العقل والفهم والروية التى فضل بها على غيره كما قال تعالى: (وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) وذلك من قولهم الادام وهو ما يطيب به الطعام.
وفى الحديث: " لو نظرت إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما " أي يؤلف ويطيب.
أذن: الاذن الجارحة وشبه به من حيث الحلقة أذن القدر وغيرها، ويستعار لمن كثر استماعه وقوله لما يسمع، قال تعالى: (ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم) أي استماعه لما يعود بخير كم، وقوله: (وفى آذانهم وقرا) إشارة إلى جهلهم لا إلى عدم سمعهم.
وأذن استمع نحو قوله: (وأذنت لربها وحقت) ويستعمل ذلك في العلم الذى يتوصل إليه بالسماع نحو قوله: (فأذنوا بحرب من الله ورسوله) والاذن والاذان لما يسمع ويعبر بذلك عن العلم إذ هو مبدأ كثير من العلم فينا، قال تعالى: (ائذن لى ولا تفتني) وقال: (وإذ تأذن ربك) وأذنته بكذا وآذنته بمعنى.
والمؤذن كل من يعلم بشئ نداء، قال: (ثم أذن مؤذن أيتها العير - فأذن مؤذن بينهم - وأذن في الناس
بالحج) والاذين المكان الذى يأتيه الاذان، والاذن في الشئ إعلام بإجازته والرخصة فيه نحو: (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله) أي بإرادته وأمره.
وقوله: (وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله) وقوله: (وماهم

بضارين به من أحد إلا بإذن الله - وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله) قيل معناه بعلمه لكن بين العلم والاذن فرق فإن الاذن أخص ولا يكاد يستعمل إلا فيما فيه مشيئة به راضيا منه الفعل أم لم يرض به، فإن قوله: (وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله) فمعلوم أن فيه مشيئته وأمره.
وقوله: (وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله) ففيه مشيئته من وجه وهو أنه لا خلاف أن الله تعالى أوجد في الانسان قوة فيها إمكان قبول الضرب من جهة من يظلمه فيضره ولم يجعله كالحجر الذى لا يوجعه الضرب، ولا خلاف أن إيجاد هذا الامكان من فعل الله، فمن هذا الوجه يصح أن يقال إنه بإذن الله ومشيئته يلحق الضرر من جهة الظالم، ولبسط هذا الكلام كتاب غير هذا.
والاستئذان طلب الاذن، قال تعالى: (إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله - فإذا
استأذنوك) وإذن جواب وجزاء، ومعنى ذلك أنه يقتضى جوابا أو تقدير جواب ويتضمن ما يصحبه من الكلام جزاء ومتى صدر به الكلام وتعقبه فعل مضارع ينصبه لا محالة نحو: إذن أخرج، ومتى تقدمه كلام ثم تبعه فعل مضارع يجوز نصبه ورفعه نحو: أنا إذن أخرج وأخرج، ومتى تأخر عن الفعل أو لم يكن معه الفعل المضارع لم يعمل نحو: أنا أخرج إذن، قال تعالى: (إنكم إذا مثلهم).
أذى: الاذى ما يصل إلى الحيوان من الضرر إما في نفسه أو جسمه أو تبعاته دنيويا كان أو أخرويا، قال تعالى (لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى) قوله تعالى: (فآذوهما) إشارة إلى الضرب، ونحو ذلك في سورة التوبة: (ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن - والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم - ولا تكونوا كالذين آذوا موسى وأوذوا حتى أتاهم نصرنا) وقال: (لم تؤذونني) وقوله: (يسئلونك عن المحيض قل هو أذى) فسمى ذلك أذى باعتبار الشرع وباعتبار الطب على حسب ما يذكره أصحاب هذه الصناعة.
يقال: آذيته أوذيه إيذاء وأذية وأذى،
ومنه الآذى وهو الموج المؤذى لركاب البحر إذا: يعبر به عن كل زمان مستقبل، وقد يضمن معنى الشرط فيجزم به، وذلك في الشعر أكثر.
وإذ يعبر به عن الزمان الماضي ولا يجازى به إلا إذا ضم إليه " ما " نحو: * إذ ما أتيت على الرسول فقل له * أرب: الارب فرط الحاجة المقتضى للاحتيال في دفعه، فكل أرب حاجة وليس كل حاجة أربا.
ثم يستعمل تارة في الحاجة المفردة وتارة في الاحتيال وإن لم يكن حاجة كقولهم: فلان ذو أرب وأريب أي ذو احتيال، وقد أرب إلى كذا أي احتاج إليه حاجة شديدة، وقد أرب إلى كذا أربا وأربة

وإربة ومأربة، قال تعالى: (ولى فيها مآرب أخرى) ولا أرب لى في كذا، أي ليس بى شدة حاجة إليه.
وقوله: (أولى الاربة من الرجال) كناية عن الحاجة إلى النكاح، وهى الاربى للداهية المقتضية للاحتيال، وتسمى الاعضاء التى تشتد الحاجة إليها آرابا، الواحد أرب، وذلك أن الاعضاء ضربان، ضرب أوجد لحاجة الحيوان إليه كاليد والرجل
والعين، وضرب للزينة كالحاجب واللحية.
ثم التى للحاجة ضربان: ضرب لا تشتد إليه الحاجة، وضرب تشتد إليه الحاجة حتى لو توهم مرتفعا لاختل البدن به اختلالا عظيما، وهى التى تسمى آرابا.
وروى أنه عليه الصلاة والسلام قال: " إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب: وجهه وكفاه وركبتاه وقدماه " ويقال أرب نصيبه أي عظمه، وذلك إذا جعله قدرا يكون له فيه أرب، ومنه أرب ماله أي كثر، وأربت العقدة أحكمتها.
أرض: الارض الجرم المقابل للسماء وجمعه أرضون ولا تجئ مجموعة في القرآن، ويعبر بها عن أسفل الشئ كما يعبر بالسماء عن أعلاه، قال الشاعر في صفة فرس: وأحمر كالديباج أما سماؤها * فريا وأما أرضها فمحول وقوله تعالى: (اعلموا أن الله يحيى الارض بعد موتها) عبارة عن كل تكوين بعد إفساد.
وعود بعد بدء، ولذلك قال بعض المفسرين يعنى به تليين القلوب بعد قساوتها.
ويقال أرض أريضة أي حسنة النبت وتأرض النبت تمكن على الارض فكثر، وتأرض
الجدى إذا تناول نبت الارض، والارضة الدودة التى تقع في الخشب من الارض، يقال أرضت الخشبة فهى مأروضة.
أريك: الاريكة حجلة على سرير جمعها أرائك، وتسميتها بذلك إما لكونها في الارض متخذة من أراك وهو شجرة أو لكونها مكانا للاقامة من قولهم: أرك بالمكان أروكا، وأصل الاروك الاقامة على رعى الاراك ثم تجوز به في غيره من الاقامات.
أرم: الارم علم يبنى من الحجارة وجمعه آرام، وقيل للحجارة أرم، ومنه قيل للمتغيظ يحرق الارم، وقوله تعالى.
(إرم ذات العماد) إشارة إلى أعمدة مرفوعة مزخرفة.
وما بها أرم وأريم أي أحد وأصله اللازم للازم وخص به النفى كقولهم: ما بها ديار وأصله للمقيم في الدار.
أز: قال تعالى: (تؤزهم أزا) أي ترجعهم إرجاع القدر إذا أزت أي اشتد غليانها.
وروى أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلى ولجوفه أزيز كأزيز المرجل، وأزه أبلغ من هزه.
أزر: أصل الازر الازار الذى هو اللباس، يقال إزار وإزارة ومئزر ويكنى بالازار عن المرأة، قال الشاعر:

ألا بلغ أبا حفص رسولا * فدى لك من أخى ثقة إزارى وتسميتها بذلك لما قال تعالى: (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) وقوله تعالى: (اشدد به أزرى) أي أتقوى به.
والازر القوة الشديدة، وآزره أعانه وقواه وأصله من شد الازار، قال تعالى: (كزرع أخرج شطأه فآزره) يقال آزرته فتأزر أي شددت إزاره، وهو حسن الازرة، وأزرت البناء وآزرته قويت أسافله، وتأزر النبات طال وقوى، وآزرته ووازرته صرت وزيره وأصله الواو.
وفرس آزر انتهى بياض قوائمه إلى موضع شد الازار.
قال تعالى: (وإذ قال إبراهيم لابيه آزر) قيل كان اسم أبيه تارخ فعرب فجعل آزر وقيل آزر معناه الضال في كلامهم.
أزف: قال تعالى: (أزفت الآزفة) أي دنت القيامة وأزف وأفد يتقاربان لكن أزف يقال اعتبارا بضيق وقتها، ويقال أزف الشخوص والازف ضيق الوقت وسميت به لقرب كونها وعلى ذلك عبر عنها بساعة، وقيل: (أتى أمر الله) فعبر عنها بلفظ الماضي لقربها وضيق وقتها، قال تعالى: (وأنذرهم
يوم الآزفة).
أس: أسس بنيانه جعل له أسا وهو قاعدته التى يبتنى عليها، يقال أس وأساس، وجمع الاس إساس وجمع الاساس أسس، يقال كان ذلك على أس الدهر كقولهم على وجه الدهر.
أسف: الاسف الحزن والغضب معا.
وقد يقال لكل واحد منهما على الانفراد وحقيقته ثوران دم القلب شهوة الانتقام، فمتى كان ذلك على من دونه انتشر فصار غضبا، ومتى كان على من فوقه انقبض فصار حزنا ولذلك سئل ابن عباس عن الحزن والغضب فقال مخرجهما واحد واللفظ مختلف، فمن نازع من يقوى عليه أظهره غيظا وغضبا، ومن نازع من لا يقوى عليه أظهره حزنا وجزعا، وبهذا النظر قال الشاعر: * فحزن كل أخى حزن أخو الغضب * وقوله تعالى: (فلما آسفونا انتقمنا منهم) أي أغضبونا، قال أبو عبد الله الرضا: إن الله لا يأسف كأسفنا ولكن له أولياء يأسفون ويرضون فجعل رضاهم رضاه وغضبهم غضبه، قال: وعلى ذلك قال: من أهان لى وليا فقد بارزنى بالمحاربة وقال تعالى: (ومن يطع الرسول فقد أطاع الله) وقوله: (غضبان أسفا) والاسف
الغضبان، ويستعار للمستخدم المسخر ولمن لا يكاد يسمى فيقال هو أسف.
أسر: الاسر الشد بالقيد من قولهم: أسرت القتب وسمى الاسير بذلك ثم قيل لكل مأخوذ ومقيد وإن لم يكن مشدودا ذلك، وقيل في جمعه أسارى وأسارى وأسرى.
وقال: (ويتيما وأسيرا) ويتجوزبه فيقال أنا أسير

نعمتك وأسرة الرجل من يتقوى به.
قال تعالى: (وشددنا أسرهم) إشارة إلى حكمته تعالى في تراكيب الانسان المأمور بتأملها وتدبرها في قوله تعالى: (وفى أنفسكم أفلا تبصرون) والاسر احتباس البول ورجل مأسور أصابه أسر كأنه سد منفذ بوله، والاسر في البول كالحصر في الغائط.
أسن: يقال أسن الماء يأسن وأسن يأسن إذا تغير ريحه تغيرا منكرا وماء آسن قال تعالى: (من ماء غير آسن) وأسن الرجل مرض من أسن الماء إذا غشى عليه، قال الشاعر: * يميد في الرمح ميد المائح الاسن * وقيل تأسن الرجل إذا اعتل تشبيها به.
أسا: الاسوة والاسوة كالقدوة والقدوة وهى الحالة التى يكون الانسان عليها في اتباع غيره إن حسنا وإن قبيحا وإن سارا وإن ضارا، ولهذا قال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة) فوصفها بالحسنة، ويقال تأسيت به.
والاسى الحزن وحقيقته إتباع الفائت بالغم يقال أسيت عليه أسى وأسيت له، قال تعالى: (فلا تأس على القوم الكافرين) وقال الشاعر: * أسيت لاخوالي ربيعة * وأصله من الواو لقولهم رجل أسوان أي حزين، والاسو إصلاح الجرح وأصله إزالة الاسى نحو: كربت النخل أزلت الكرب عنه وقد أسوته أسوءه أسوا، والآسى طبيب الجرح جمعه إساء وأساة، والمجروح مأسى وأسى معا، ويقال أسيت بين القوم أي أصلحت وآسيته، قال الشاعر: * اسى أخاه بنفسه * وقال آخر: * فآسى وآذاه فكان كمن جنى * وآسى هو فاعل من قولهم يواسى، وقول الشاعر:
* يكفون أثقال ثأى المستأسى * فهو مستفعل من ذلك.
فأما الاساءة فليست من هذا الباب وإنما هي منقولة عن ساء.
أشر: الاشر شدة البطر وقد أشر يأشر أشرا، قال تعالى (سيعلمون غدا من الكذاب الاشر) فالاشر أبلغ من البطر، والبطر أبلغ من الفرح فإن الفرح وإن كان في أغلب أحواله مذموما لقوله تعالى: (إن الله لا يحب الفرحين) فقد يحمد تارة إذا كان على قدر ما يجب وفى الموضع الذى يجب كما قال تعالى: (فبذلك فليفرحوا) وذلك أن الفرح قد يكون من سرور بحسب قضية العقل والاشر لا يكون إلا فرحه بحسب قضية الهوى.
ويقال ناقة مئشير أي نشيطة على طريق التشبيه أو ضامر من قولهم أشرت الخشبة.
أصر: الاصر عقد الشئ وحبسه بقهره

يقال أصرته فهو مأصور والمأصر والمأصر محبس السفينة قال تعالى: (ويضع عنهم إصرهم) أي الامور التى تثبطهم وتقيدهم عن الخيرات وعن الوصول إلى الثوابات، وعلى ذلك (ولا تحمل علينا إصرا) وقيل ثقلا وتحقيقه ما ذكرت
والاصر العهد المؤكد الذى يثبط ناقضه عن الثواب والخيرات، قال تعالى (أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصرى) الاصار الطنب والاوتاد التى بها يعمد البيت وما يأصرنى عنك شئ أي ما يحبسنى.
والايصر كساء يشد فيه الحشيش فيثنى على السنام ليمكن ركوبه.
أصبع: الاصبع اسم يقع على السلامى والظفر والانملة والاطرة والبرجمة معا، ويستعار للاثر الحسى فيقال لك على فلان أصبع كقولك لك عليه يد.
أصل: بالغدو والآصال أي العشايا، يقال للعشية أصيل وأصيلة فجمع الاصيل أصل وآصال وجمع الاصيلة أصائل وقال تعالى (بكرة وأصيلا) وأصل الشئ قاعدته التى لو توهمت مرتفعة لا رتفع بارتفاعه سائره لذلك قال تعالى (أصلها ثابت وفرعها في السماء) وقد تأصل كذا، ومجد أصيل، وفلان لا أصل له، ولا فصل.
أف: أصل الاف كل مستقذر من وسخ وقلامة ظفر وما يجرى مجراهما ويقال ذلك لكل مستخف استقذارا له نحو (أف لكم ولما تعبدون من دون الله) وقد أففت لكذا
إذا قلت ذلك استقذارا له ومنه قيل للضجر من استقذار شئ أفف فلان.
أفق: قال تعالى (سنريهم آياتنا في الآفاق) أي في النواحى، الواحد أفق وأفق ويقال في النسبة إليه أفقى، وقد أفق فلان إذا ذهب في الآفاق، وقيل الآفق الذى يبلغ النهاية في الكرم تشبيها بالافق الذاهب في الآفاق.
أفك: الافك كل مصروف عن وجهه الذى يحق أن يكون عليه ومنه قيل للرياح العادلة عن المهاب مؤتفكة قال تعالى (والمؤتفكات بالخاطئة) وقال تعالى (والمؤتفكة أهوى) وقوله تعالى: (قاتلهم الله أنى يؤفكون) أي يصرفون عن الحق في الاعتقاد إلى الباطل ومن الصدق في المقال إلى الكذب ومن الجميل في الفعل إلى القبيح، ومنه قوله تعالى (يؤفك عنه من أفك - أنى يؤفكون) وقوله (أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا) فاستعملوا الافك في ذلك لما اعتقدوا أن ذلك صرف من الحق إلى الباطل فاستعمل ذلك في الكذب لما قلنا.
وقال تعالى (إن الذين جاءوا بالافك عصبة منكم) وقال: (لكل أفاك أثيم) وقوله: (أئفكا آلهة دون الله تريدون) فيصح أن يجعل تقديره
أتريدون آلهة من الافك، ويصح أن يجعل إفكا مفعول تريدون ويجعل آلهة بدلا منه ويكون قد سماهم إفكا، ورجل مأفوك مصروف

عن الحق إلى الباطل، قال الشاعر: فإن تك عن أحسن المروءة مأفو * كا ففى آخرين قد أفكوا وأفك يؤفك صرف عقله ورجل مأفوك العقل.
أفل: الافول غيبوبة النيرات كالقمر والنجوم، قال تعالى (فلما أفل قال لا أحب الآفلين) وقال (فلما أفلت) والافال صغار الغنم، والافيل: الفصيل الضئيل.
أكل: الاكل تناول المطعم وعلى طريق التشبيه قيل أكلت النار الحطب، والاكل لما يؤكل بضم الكاف وسكونه قال تعالى (أكلها دائم) والاكلة للمرة والاكلة كاللقمة وأكيلة الاسد فريسته التى يأكلها والاكولة من الغنم ما يؤكل والاكيل المؤاكل وفلان مؤكل ومطعم استعارة للمرزوق، وثوب ذو أكل كثير الغزل كذلك والتمر مأكلة للفم، قال تعالى (ذواتي أكل خمط) ويعبر به عن النصيب فيقال فلان ذو أكل من الدنيا
وفلان استوفى أكله كناية عن انقضاء الاجل، وأكل فلان فلانا اغتابه وكذا أكل لحمه قال تعالى (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا) وقال الشاعر: * فإن كنت مأكولا فكن أنت آكلى * وما ذقت أكلا أي شيئا يؤكل وعبر بالاكل عن إنفاق المال لما كان الاكل أعظم ما يحتاج فيه إلى المال نحو: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل - وقال - إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما) فأكل المال بالباطل صرفه إلى ما ينا فيه الحق وقوله تعالى: (إنما يأكلون في بطونهم نارا) تنبيها على أن تناولهم لذلك يؤدي بهم إلى النار والاكول والاكال الكثير الاكل قال تعالى (أكالون للسحت) والاكلة جمع آكل، وقولهم هم أكلة رأس عبارة عن ناس من قلتهم يشبعهم رأس.
وقد يعبر بالاكل عن الفساد نحو: كعصف مأكول وتأكل كذا فسد وأصابه إكال في رأسه وفى أسنانه أي تأكل وأكلنى رأسي وميكائيل ليس بعربي.
الال: كل حالة ظاهرة من عهد حلف وقرابة تئل تلمع فلا يمكن إنكاره قال
تعالى: (لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة) وأل الفرس أي أسرع حقيقته لمع وذلك استعارة في باب الاسراع نحو برق وطار، والالة الحربة اللامعة وأل بها ضرب وقيل إل وإيل اسم الله تعالى وليس ذلك بصحيح، وأذن مؤللة والالال صفحتا السكين.
ألف: الالف من حروف التهجى والالف اجتماع مع التئام يقال ألفت بينهم ومنه الالفة ويقال للمألوف إلف وآلف قال تعالى: (إذ كنتم أعداءا فألف بين قلوبكم) وقال: (لو أنفقت ما في الارض جميعا ما ألفت بين

قلوبهم) والمؤلف ما جمع من أجزاء مختلفة ورتب ترتيبا قدم فيه ما حقه أن يقدم وأخر فيه ما حقه أن يؤخر، و (لايلاف قريش) مصدر من ألف والمؤلفة قلوبهم هم الذين يتحرى فيهم بتفقدهم أن يصيروا من جملة من وصفهم الله.
(لو أنفقت ما في الارض جميعا ما ألفت بين قلوبهم) وأوالف الطير ما ألفت الدار والالف العدد المخصوص وسمى بذلك لكون الاعداد فيه مؤتلفة، فإن الاعداد أربعة آحاد وعشرات، ومئون، وألوف، فإذا بلغت الالف
فقد ائتلفت وما بعده يكون مكررا قال بعضهم الالف من ذلك لانه مبدأ النظام وقيل آلفت الدراهم أي بلغت بها الالف نحو ماءيت وآلفت هي نحو آمأت.
ألك: الملائكة وملك أصله مألك وقيل هو مقلوب عن ملأك والمألك والمألكة والالوك الرسالة ومنه الكنى أي أبلغه رسالتي والملائكة تقع على الواحد والجمع قال تعالى: (الله يصطفي من الملائكة رسلا) قال الخليل: المألكة الرسالة لانها تؤلك في الفم من قولهم فرس يألك اللجام ويعلك.
الالم: الوجع الشديد، يقال ألم يألم ألما فهو آلم قال تعالى: (فإنهم يألمون كما تألمون) وقد آلمت فلانا وعذاب أليم أي مؤلم وقوله: (ألم يأتكم) فهو ألف الاستفهام وقد دخل على لم.
اله: الله قيل أصله إله فحذفت همزته وأدخل عليه الالف واللام فخص بالبارى تعالى ولتخصصه به قال تعالى: (هل تعلم له سميا) وإله جعلوه اسما لكل معبود لهم وكذا الذات وسموا الشمس إلاهة لا تخاذهم إياها معبودا، وأله فلان ياله عبد وقيل تأله فالاله على هذا هو المعبود، وقيل هو من أله أي تحير وتسميته
بذلك إشارة إلى ما قال أمير المؤمنين: كل دون صفاته تحبير الصفات وضل هناك تصاريف اللغات.
وذلك أن العبد إذا تفكر في صفاته تحير فيها ولهذا روى " تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله " وقيل أصله ولاه فأبدل من الواو همزة وتسميته بذلك لكون كل مخلوق والها نحوه إما بالتسخير فقط كالجمادات والحيوانات وإما بالتسخير والارادة معا كبعض الناس ومن هذا الوجه قال بعض الحكماء: الله محبوب الاشياء كلها وعليه دل قوله تعالى: (وإن من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) وقيل أصله من لاه يلوه لياها أي احتجب قالوا وذلك إشارة إلى ما قال تعالى: (لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار) والمشار إليه بالباطن في قوله: (والظاهر والباطن) وإله حقه أن لا يجمع إذ لا معبود سواه لكن العرب لاعتقادهم أن ههنا معبودات جمعوه فقالوا الآلهة قال تعالى: (أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا) وقال: (ويذرك وآلهتك) وقرئ وإلاهتك

أي عبادتك.
ولاه أنت أي لله وحذف إحدى اللامين.
اللهم قيل معناه يا الله فأبدل من الياء
في أوله الميمان في آخره وخص بدعاء الله، وقيل تقديره يا ألله أمنا بخير، مركب تركيب حيهلا.
إلى: إلى حرف يحد به النهاية من الجوانب الست، وألوت في الامر قصرت فيه، هو منه كأنه رأى فيه الانتهاء وألوت فلانا أي أوليته تقصيرا نحو كسبته أي أوليته كسبا، وما ألوته جهدا أي ما أوليته تقصيرا بحسب الجهد فقولك جهدا تمييز، وكذلك ما ألوته نصحا وقوله تعالى: (لا يألونكم خبالا) منه: أي لا يقصرون في جلب الخبال وقال تعالى: (ولا يأتل أولوا الفضل منكم) قيل هو يفتعل من ألوت وقيل هو من آليت حلفت، وقيل نزل ذلك في أبى بكر وكان قد حلف على مسطح أن يزوى عنه فضله ورد هذا بعضهم بأن افتعل قلما يبنى من أفعل إنما يبنى من فعل وذلك مثل كسبت واكتسبت وصنعت واصطنعت ورأيت وارتأيت.
وروى لا دريت ولا ائتليت وذلك افتعلت من قولك ما ألوته شيئا كأنه قيل ولا استطعت وحقيقة الايلاء والالية الحلف المقتضى لتقصير في الامر الذى يحلف عليه وجعل الايلاء في الشرع للحلف
المانع من جماع المرأة وكيفيته وأحكامه مختصة بكتب الفقه (واذكروا آلاء الله) أي نعمه، الواحد ألا وإلى نحو أنا وإنى لواحد الآناء.
وقال بعضهم في قوله تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) إن معناه إلى نعمة ربها منتظرة وفى هذا تعسف من حيث البلاغة، وألا للاستفتاح، وإلا للاستثناء، وأولاء في قوله تعالى: (ها أنتم أولاء تحبونهم) وقوله أولئك اسم مبهم موضوع للاشارة إلى جمع المذكر والمؤنث ولا واحد له من لفظه، وقد يقصر نحو قول الاعشى: هؤلاء ثم هؤلاء كلا أعطي * ت نوالا محذوة بمثال أم: الام بإزاء الاب وهى الوالدة القريبة التى ولدته والبعيدة التى ولدت من ولدته.
ولهذا قيل لحواء هي أمنا وإن كان بيننا وبينها وسائط.
ويقال لكل ما كان أصلا لوجود شئ أو تربيته أو إصلاحه أو مبدئه أم، قال الخليل: كل شئ ضم إليه سائر ما يليه يسمى أما، قال تعالى: (وإنه في أم الكتاب) أي اللوح المحفوظ وذلك لكون العلوم كلها منسوبة إليه ومتولدة منه.
وقيل لمكة أم
القرى وذلك لما روى أن الدنيا دحيت من تحتها، وقال تعالى: (لتنذر أم القرى ومن حولها) وأم النجوم المجرة قال: * حيث اهتدت أم النجوم الشوابك * وقيل أم الاضياف وأم المساكين، كقولهم أبو الأضياف ويقال للرئيس أم الجيش

كقول الشاعر: * وأم عيال قد شهدت نفوسهم * وقيل لفاتحة الكتاب أم الكتاب لكونها مبدأ الكتاب، وقوله تعالى: (فأمه هاوية) أي مثواه النار فجعلها أما له، قال وهو نحو: (مأواكم النار) وسمى الله تعالى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين فقال: (وأزواجه أمهاتهم) لما تقدم في الاب وقال: (يا ابن أم) وكذا قوله ويل أمه وكذا هوت أمه.
والام قيل أصله أمهة لقولهم جمعا أمهات وأميهة وقيل أصله من المضاعف لقولهم أمات وأميمة.
قال بعضهم أكثر ما يقال أمات في البهائم ونحوها وأمهات في الانسان.
والامة كل جماعة يجمعهم أمر ما إما دين واحد أو زمان واحد أو مكان واحد، سواء كان ذلك الامر الجامع تسخيرا أو اختيارا وجمعها أمم.
وقوله
تعالى (وما من دابة في الارص ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم) أي كل نوع منها على طريقة قد سخرها الله عليها بالطبع فهى من بين ناسجة كالعنكبوت وبانية كالسرفة ومدخرة كالنمل ومعتمدة على قوت وقته، كالعصفور والحمام إلى غير ذلك من الطبائع التى تخصص بها كل نوع، وقوله تعالى: (كان الناس أمة واحدة) أي صنفا واحدا وعلى طريقة واحدة في الضلال والكفر وقوله: (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة) أي في الايمان وقوله (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير) أي جماعة يتخيرون العلم والعمل الصالح يكونون أسوة لغيرهم، وقوله: (إنا وجدنا آباءنا على أمة) أي على دين مجتمع قال: * وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع * وقوله تعالى (وادكر بعد أمة) أي حين وقرئ بعد أمه أي بعد نسيان، وحقيقة ذلك بعد انقضاء أهل عصر أو أهل دين.
وقوله: (إن إبراهيم كان أمة قانتا لله) أي قائما مقام جماعة في عبادة الله نحو قولهم فلان في نفسه قبيلة.
وروى أنه يحشر زيد بن عمرو ابن نفيل أمة وحده وقوله تعالى (ليسوا سواء
من أهل الكتاب أمة قائمة) أي جماعة وجعلها الزجاج ههنا للاستقامة وقال تقديره ذو طريقة واحدة فترك الاضمار، والامى هو الذى لا يكتب ولا يقرأ من كتاب وعليه حمل (هو الذى بعث في الاميين رسولا منهم) قال قطرب الامية الغفلة والجهالة، فالامي منه وذلك هو قلة المعرفة ومنه قوله تعالى: (ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أمانى) أي إلا أن يتلى عليهم.
قال الفراء: هم العرب الذين لم يكن لهم كتاب و (النبي الامي الذى يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل) قيل منسوب إلى الامة الذين لم يكتبوا لكونه على عادتهم كقولك عامى لكونه على عادة العامة، وقيل سمى بذلك لانه لم يكن يكتب ولا يقرأ من كتاب وذلك

فضيلة له لاستغنائه بحفظه واعتماده على ضمان الله منه بقوله: (سنقرئك فلا تنسى) وقيل سمى بذلك لنسبته إلى أم القرى.
والامام المؤتم به إنسانا كأن يقتدى بقوله أو فعله، أو كتابا أو غير ذلك محقا كان أو مبطلا وجمعه أئمة.
وقوله تعالى: (يوم ندعو كل أناس بإمامهم) أي بالذى يقتدون به وقيل بكتابهم
وقوله (واجعلنا للمتقين إماما) قال أبو الحسن جمع إمام وقال غيره هو من باب درع دلاص ودروع دلاص، وقوله (ونجعلهم أئمة) وقال (وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار) جمع إمام وقوله (وكل شئ أحصيناه في إمام مبين) فقد قيل إشارة إلى اللوح المحفوظ، والام القصد المستقيم وهو التوجه نحو مقصود وعلى ذلك (آمين البيت الحرام) وقولهم أمه شجه فحقيقته إنما هو أن يصيب أم دماغه وذلك على حد ما يبنون من إصابة الجارحة لفظ فعلت منه وذلك نحو رأسته ورجلته وكبدته وبطنته إذا أصيب هذه الجوارح.
وأم إذا قوبل به ألف الاستفهام فمعناه أي نحو: أزيد في الدار أم عمرو ؟ أي أيهما ؟ وإذا جرد عن ألف الاستفهام فمعناه بل نحو (أم زاغت عنهم الابصار) أي بل زاغت.
وأما حرف تقتضي معنى أحد الشيئين ويكرر نحو: (أما أحدكما فيسقى ربه خمرا وأما الآخر فيصلب) ويبتدأ بها الكلام نحو أما بعد فإنه كذا.
أمد: قال تعالى: (تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا) الامد والابد يتقاربان، لكن الابد عبارة عن مدة الزمان التى ليس
لها حد محدود ولا يتقيد لا يقال أبد كذا، والامد مدة لها حد مجهول إذا أطلق، وقد ينحصر نحو أن يقال أمد كذا كما يقال زمان كذا، والفرق بين الزمان والامد أن الامد يقال باعتبار الغاية والزمان عام في المبدإ والغاية، ولذلك قال بعضهم المدى والامد يتقاربان.
أمر: الامر الشأن وجمعه أمور ومصدر أمرته إذا كلفته أن يفعل شيئا وهو لفظ عام للافعال والاقوال كلها، وعلى ذلك قوله تعالى: (إليه يرجع الامر كله) وقال: (قل إن الامر كله لله يخفون في أنفسهم مالا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الامر شئ - وأمره إلى الله) ويقال للابداع أمر نحو: (ألا له الخلق والامر) ويختص ذلك بالله تعالى دون الخلائق، وقد حمل على ذلك قوله: (وأوحى في كل سماء أمرها) وعلى ذلك حمل الحكماء قوله: (قل الروح من أمر ربى) أي من إبداعه وقوله: (إنما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) فإشارة إلى إبداعه وعبر عنه بأقصر لفظة وأبلغ ما يتقدم فيه فيما بيننا بفعل الشئ، وعلى ذلك قوله: (وما أمرنا إلا واحدة) فعبر عن سرعة إيجاده بأسرع
ما يدركه وهمنا.
والامر التقدم بالشئ سواء

كان ذلك بقولهم افعل وليفعل أو كان ذلك بلفظ خبر نحو: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن) أو كان بإشارة أو غير ذلك: ألا ترى أنه قد سمى ما رأى إبراهيم في المنام من ذبح ابنه أمرا حيث قال: (إنى أرى في المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر) فسمى ما رآه في المنام من تعاطى الذبح أمرا.
وقوله: (وما أمر فرعون برشيد) فعام في أقواله وأفعاله، وقوله: (أتى أمر الله) إشارة إلى القيامة فذكره بأعم الالفاظ.
وقوله (بل سولت لكم أنفسكم أمرا) أي ما تأمر النفس الامارة بالسوء.
وقيل أمر القوم كثروا وذلك لان القوم إذا كثروا صاروا ذا أمير من حيث إنهم لابد لهم من سائس يسوسهم، ولذلك قال الشاعر: * لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم * وقوله تعالى: (أمرنا مترفيها) أي أمرناهم بالطاعة، وقيل معناه كثرناهم، وقال أبو عمرو: لا يقال أمرت بالتخفيف في معنى كثرت، وإنما يقال أمرت وآمرت.
وقال أبو عبيدة: قد
يقال أمرت بالتخفيف نحو: خير المال مهرة مأمورة وسكة مأبورة، وفعله أمرت.
وقرئ أمرنا: أي جعلناهم أمراء، وعلى هذا حمل قوله تعالى: (وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها) وقرئ أمرنا بمعنى أكثرنا والائتمار قبول الامر ويقال للتشاور ائتمار لقبول بعضهم أمر بعض فيما أشار به، قال تعالى: (إن الملا يأتمرون بك) قال الشاعر: * وأمرت نفسي أي أمر أفعل * وقوله تعالى: (لقد جئت شيئا إمرا) أي منكرا من قولهم أمر الامر، أي كبرو كثر كقولهم استفحل الامر، وقوله: (وأولى الامر) قيل عنى الامراء في زمن النبي عليه الصلاة والسلام، وقيل الائمة من أهل البيت، وقيل الآمرون بالمعروف.
وقال ابن عباس رضى الله عنهما: هم الفقهاء وأهل الدين المطيعون لله، وكل هذه الاقوال صحيحة.
ووجه ذلك أن أولى الامر الذين بهم يرتدع الناس أربعة: الانبياء وحكمهم على ظاهر العامة والخاصة وعلى بواطنهم، والولاة وحكمهم على ظاهر الكافة دون باطنهم، والحكماء وحكمهم على باطن الخاصة دون الظاهر، والوعظة وحكمهم على بواطن العامة دون ظواهرهم.
أمن: أصل الامن طمأنينة النفس وزوال الخوف والامن والامانة والامان في الاصل مصادر ويجعل الامان تارة اسما للحالة التى يكون عليها الانسان في الامن، وتارة اسما لما يؤمن عليه الانسان نحو قوله: (وتخونوا أماناتكم) أي ما ائتمنتم عليه، (وقوله: إنا عرضنا الامانة على السموات والارض) قيل هي كلمة التوحيد وقيل العدالة، وقيل حروف التهجى، وقيل العقل وهو صحيح فإن العقل هو الذى لحصوله يتحصل معرفة التوحيد وتجرى العدالة وتعلم حروف التهجى بل لحصوله تعلم كل ما في طوق

البشر تعلمه وفعل ما في طوقهم من الجميل فعله وبه فضل على كثير ممن خلقه.
وقوله: (ومن دخله كان آمنا) أي آمنا من النار، وقيل من بلايا الدنيا التى تصيب من قال فيهم: (إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا) ومنهم من قال لفظه خبر، ومعناه أمر، وقيل يأمن الاصطلام وقيل آمن في حكم الله، وذلك كقولك: (هذا حلال وهذا حرام) أي في حكم الله، والمعنى لا يجب أن يقتص منه ولا يقتل فيه إلا أن يخرج وعلى هذه الوجوه: (أولم
يروا أنا جعلنا حرما آمنا) وقال: (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا) وقوله: (أمنة نعاسا)، أي أمنا، وقيل هي جمع كالكتبة.
وفى حديث نزول المسيح: وتقع الامنة في الارض، وقوله: (ثم أبلغه مأمنه) أي منزله الذى فيه أمنه.
وآمن إنما يقال على وجهين أحدهما متعديا بنفسه يقال آمنته أي جعلت له الامن ومنه قيل لله مؤمن، والثانى غير متعد ومعناه صار ذا أمن.
والايمان يستعمل تارة اسما للشريعة التى جاء بها محمد عليه الصلاة والسلام وعلى ذلك: (الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون) ويوصف به كل من دخل في شريعته مقرا بالله وبنبوته، قيل وعلى هذا قال تعالى: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) وتارة يستعمل على سبيل المدح ويراد به إذعان النفس للحق على سبيل التصديق وذلك باجتماع ثلاثة أشياء: تحقيق بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بحسب ذلك بالجوارح، وعلى هذا قوله: (والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون) ويقال لكل واحد من الاعتقاد والقول الصدق والعمل الصالح إيمان قال تعالى: (وما كان الله ليضيع إيمانكم)
أي صلاتكم.
وجعل الحياء وإماطة الاذى من الايمان قال تعالى: (وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين) قيل معناه بمصدق لنا، إلا أن الايمان هو التصديق الذى معه أمن وقوله تعالى: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت) فذلك مذكور على سبيل الذم لهم وأنه قد حصل لهم الامن بما لا يقع به الامن إذ ليس من شأن القلب ما لم يكن مطبوعا عليه أن يطمئن إلى الباطل وانما ذلك كقوله: (من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم) وهذا كما يقال إيمانه الكفر وتحيته الضرب ونحو ذلك.
وجعل النبي عليه الصلاة والسلام أصل الايمان ستة أشياء في خبر جبريل حيث سأله فقال ما الايمان، والخبر معروف.
ويقال رجل أمنة وأمنة يثق بكل أحد وأمين وأمان يؤمن به، والامون الناقة يؤمن فتورها وعثورها.
آمين: يقال بالمد والقصر، وهو اسم للفعل نحو صه ومه.
قال الحسن معناه استجب وأمن فلان إذا قال آمين، وقيل آمين اسم من أسماء

الله تعالى، قال أبو على الفسوى: أراد هذا القائل
أن في آمين ضميرا لله تعالى لان معناه استجب وقوله تعالى: (أمن هو قانت آناء الليل) تقديره أم من، وقرئ أمن وليسا من هذا الباب.
إن وأن: ينصبان الاسم ويرفعان الخبر والفرق بينهما أن إن يكون ما بعده جملة مستقلة وأن يكون ما بعده في حكم مفرد يقع موقع مرفوع ومنصوب ومجرور ونحو أعجبني أنك تخرج وعلمت أنك تخرج وتعجبت من أنك تخرج، وإذا أدخل عليه ما يبطل عمله ويقتضى إثبات الحكم للمذكور وصرفه عما عداه نحو: (إنما المشركون نجس) تنبيها على أن النجاسة التامة هي حاصلة للمختص بالشرك، وقوله عزوجل: (إنما حرم عليكم الميتة والدم) أي ما حرم إلا ذلك تنبيها على أن أعظم المحرمات من المطعومات في أصل الشرع هو هذه المذكورات.
وأن: على أربعة أوجه الداخلة على المعدومين من الفعل الماضي أو المستقبل ويكون ما بعده في تقدير مصدر وينصب المستقبل نحو أعجبني أن تخرج وأن خرجت.
والمخففة من الثقيلة نحو أعجبني أن زيدا منطلق.
والمؤكدة للما نحو: (ولما أن جاء البشير) والمفسرة لما يكون بمعني القول نحو (وانطلق الملا منهم أن
امشوا واصبروا) أي قالوا امشوا.
كذلك إن على أربعة أوجه: للشرط نحو: (إن تعذبهم فإنهم عبادك) والمخففة من الثقيلة ويلزمها اللام نحو: (إن كاد ليضلنا) والنافية.
وأكثر ما يجئ يتعقبه الا نحو: (إن نظن الا ظنا - إن هذا الا قول البشر - إن نقول الا اعتراك بعض آلهتنا بسوء) والمؤكدة للنافية نحو ما إن يخرج زيد.
أنث: الانثى خلاف الذكر ويقالان في الاصل اعتبارا بالفرجين، قال عزوجل: (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى) ولما كان الانثى في جميع الحيوان تضعف عن الذكر اعتبر فيها الضعف فقيل لما يضعف عمله أنثى ومنه قيل حديد أنيث قال الشاعر: * وعندي جراز لا أفل ولا أنث * وقيل أرض أنيث سهل اعتبارا بالسهولة التى في الانثى أو يقال ذلك اعتبارا بجودة إنباتها تشبيها بالانثى، ولذا قال أرض حرة وولودة، ولما شبه في حكم اللفظ بعض الاشياء بالذكر فذكر أحكامه وبعضها بالانثى فأنث أحكامها نحو اليد والاذن والخصية سميت الخصية لتأنيث لفظ الانثيين، وكذلك الاذن،
قال الشاعر: * وما ذكر وإن يسمن فأنثى * يعنى القراد فإنه يقال له إذا كبر حلمة فيؤنث، وقوله تعالى: (إن يدعون من دونه إلا إناثا) فمن المفسرين من اعتبر حكم اللفظ فقال: لما كانت أسماء معبوداتهم مؤنثة

نحو (اللات والعزى ومناة الثالثة) قال ذلك.
ومنهم وهو أصح من اعتبر حكم المعنى وقال المنفعل يقال له أنيث ومنه قيل للحديد اللين أنيث فقال: ولما كانت الموجودات بإضافة بعضها إلى بعض ثلاثة أضرب: فاعلا غير منفعل وذلك هو الباري عزوجل فقط، ومنفعلا غير فاعل وذلك هو الجمادات، ومنفعلا من وجه كالملائكة والانس والجن وهم بالاضافة إلى الله تعالى منفعلة وبالاضافة إلى مصنوعاتهم فاعلة.
ولما كانت معبوداتهم من جملة الجمادات التى هي منفعلة غير فاعلة سماها الله تعالى أنثى وبكتهم بها ونبههم على جهلهم في اعتقاداتهم فيها أنها آلهة مع أنها لا تعقل ولا تسمع ولا تبصر بل لا تفعل فعلا بوجه.
وعلى هذا قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام: (يا أبت لم تعبد مالا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئا) وأما
قوله عزوجل (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا) فلزعم الذين قالوا إن الملائكة بنات الله.
إنس: الانس خلاف الجن، والانس خلاف النفور، والانسى منسوب إلى الانس، يقال ذلك لمن كثر أنسه ولكل ما يؤنس به ولهذا قيل إنسى الدابة للجانب الذى يلى الراكب: وإنسى القوس للجانب الذى يقبل على الرامى.
والانسى من كل شئ ما يلى الانسان والوحشي ما يلى الجانب الآخر له، وجمع الانس أناسى قال الله تعالى (وأناسى كثيرا) وقيل ابن إنسك للنفس، وقوله عزوجل: (فإن آنستم منهم رشدا) أي أبصرتم أنسا به، وآنست نارا.
وقوله: (حتى تستأنسوا) أي تجدوا إيناسا.
والانسان قيل سمى بذلك لانه خلق خلقة لا قوام له إلا بإنس بعضهم ببعض ولهذا قيل الانسان مدنى بالطبع من حيث لاقوام لبعضهم إلا ببعض ولا يمكنه أن يقوم بجميع أسبابه، وقيل سمى بذلك لانه يأنس بكل ما يألفه، وقيل هو إفعلان وأصله إنسيان سمى بذلك لانه عهد إليه فنسى.
أنف: أصل الانف الجارحة ثم يسمى به
طرف الشئ وأشرفه فيقال أنف الجبل وأنف اللحية ونسب الحمية والغضب والعزة والذلة إلى الانف حتى قال الشاعر: إذا غضبت تلك الانوف لم أرضها * ولم أطلب العتبى ولكن أزيدها وقيل شمخ فلان بأنفه للمتكبر، وترب أنفه للذليل، وأنف فلان من كذا بمعنى استنكف وأنفته أصبت أنفه، وحتى قيل الانفة الحمية واستأنفت الشئ أخذت أنفه أي مبدأه.
ومنه قوله عزوجل: (ماذا قال آنفا) أي مبتدأ.
أنمل: قال الله تعالى (عضوا عليكم الانامل من الغيظ) الانامل جمع الانملة وهى المفصل الاعلى من الاصابع التى فيها الظفر، وفلان

مؤنمل الاصابع أي غليظ أطرافها في قصر والهمزة فيها زائدة بدليل قولهم هو نمل الاصابع وذكر ههنا للفظه.
أنى: للبحث عن الحال والمكان ولذلك قيل هو بمعنى أين وكيف لتضمنه معناهما قال الله عزوجل: (أنى لك هذا) أي من أين وكيف.
وأنا: ضمير المخبر عن نفسه وتحذف ألفه في الوصل في لغة وتثبت في لغة، وقوله عزوجل (لكنا هو الله ربى) فقد قيل تقديره لكن أنا هو الله ربى فحذف الهمزة من أوله وأدغم النون في النون وقرئ لكن هو الله ربى، فحذف الالف أيضا من آخره.
ويقال أنية الشئ وأنيته كما يقال ذاته وذلك إشارة إلى وجود الشئ وهو لفظ محدث ليس من كلام العرب، وآناء الليل ساعاته الواحد إنى وأنى وأنا، قال عزوجل (يتلون آيات الله آناء الليل) وقال تعالى: (ومن آناء الليل فسبح) وقوله تعالى (غير ناظرين إناه) أي وقته والانا إذا كسر أوله قصر وإذا فتح مد نحو قول الحطيئة.
وآنيت العشاء إلى سهيل * أو الشعرى فطال بى الاناء أنى: وآن الشئ قرب إناه (وحميم آن) بلغ إناه في شدة الحر ومنه قوله تعالى: (من عين آنية) وقوله تعالى (ألم يأن للذين آمنوا) أي ألم يقرب إناه ويقال آنيت الشئ ايناء أي أخرته عن أوانه وتأنيت تأخرت والاناة التؤدة وتأنى فلان تأنيا وأنى يأنى فهو آن أي وقور
واستأنيته انتظرت أوانه ويجوز في معنى استبطأته واستأنيت الطعام كذلك.
والاناء ما يوضع فيه الشئ وجمعه آنية نحو كساء وأكسية، والاوانى جمع الجمع.
أهل: أهل الرجل من يجمعه وإياهم نسب أو دين أو ما يجرى مجراهما من صناعة وبيت وبلد، فأهل الرجل في الاصل من يجمعه وإياهم مسكن واحد ثم تجوز به فقيل أهل بيت الرجل لمن يجمعه وإياهم نسب، وتعورف في أسرة النبي عليه الصلاة والسلام مطلقا إذا قيل أهل البيت لقوله عزوجل: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) وعبر بأهل الرجل عن امرأته.
وأهل الاسلام الذين يجمعهم ولما كانت الشريعة حكمت برفع حكم النسب في كثير من الاحكام بين المسلم والكافر قال تعالى: (إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح) وقال تعالى: (وأهلك إلا من سبق عليه القول) وقيل أهل الرجل يأهل أهولا، وقيل مكان مأهول فيه أهله، وأهل به إذا صار ذا ناس وأهل، وكل دابة ألف مكانا يقال أهل وأهلي.
وتأهل إذا تزوج ومنه قيل أهلك الله في الجنة أي زوجك فيها وجعل لك فيها
أهلا يجمعك وإياهم.
ويقال فلان أهل لكذا

أي خليق به.
ومرحبا وأهلا في التحية للنازل بالانسان، أي وجدت سعة مكان عندنا ومن هو أهل بيت لك في الشفقة.
وجمع الاهل أهلون وأهال وأهلات.
أوب: الاوب ضرب من الرجوع وذلك أن الاوب لا يقال إلا في الحيوان الذى له إرادة والرجوع يقال فيه وفى غيره، يقال آب أوبا وإيابا ومآبا.
قال الله تعالى (إن إلينا إيابهم) وقال (فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا) والمآب مصدر منه واسم الزمان والمكان قال الله تعالى: (والله عنده حسن المآب) والاواب كالتواب وهو الراجع إلى الله تعالى بترك المعاصي وفعل الطاعات قال تعالى (أواب حفيظ) وقال (إنه أواب) ومنه قيل للتوبة أوبة والتأويب يقال في سير النهار وقيل: * آبت يد الرامى إلى السهم * وذلك فعل الرامى في الحقيقة وإن كان منسوبا إلى اليد ولا ينقض ما قدمناه من أن ذلك رجوع بإرادة واختيار، وكذا ناقة أووب سريعة رجع اليدين.
أيد: قال الله عزوجل (أيدتك بروح القدس) فعلت من الايد أي القوة الشديدة، وقال تعالى: (والله يؤيد بنصره من يشاء) أي يكثر تأييده ويقال إدته أئيده أيدا نحو: بعته أبيعه بيعا وأيدته على التكثير، قال عزوجل (والسماء بنيناها بأيد) ويقال له آد ومنه قيل للامر العظيم مؤيد.
وإياد الشئ ما يقيه وقرئ أيدتك وهو أفعلت من ذلك، قال الزجاج رحمه الله: يجوز أن يكون فاعلت نحو عاونت، وقوله عزوجل (ولا يؤده حفظهما) أي لا يثقله وأصله من الاود آد يئود أودا وإيادا إذا أثقله نحو قال يقول قولا، وفى الحكاية عن نفسك أدت مثل قلت، فتحقيق آده عوجه من ثقله في ممره.
أيك: الايك شجر ملتف، وأصحاب الايكة قيل نسبوا إلى غيضة كانوا يسكنونها، وقيل هي اسم بلد.
آل: الآل مقلوب عن الاهل ويصغر على أهيل إلا أنه خص بالاضافة إلى أعلام الناطقين دون النكرات ودون الازمنة والامكنة، ويقال آل فلان ولا يقال آل رجل ولا آل زمان كذا أو موضع كذا ولا يقال آل الخياط بل
يضاف إلى الاشرف الافضل يقال آل الله، وآل السلطان.
والاهل يضاف إلى الكل، يقال أهل الله وأهل الخياط كما يقال أهل زمن كذا وبلد كذا.
وقيل هو في الاصل اسم الشخص ويصغر أويلا ويستعمل فيمن يختص بالانسان اختصاصا ذاتيا إما بقرابة قريبة أو بموالاة، قال عزوجل (وآل إبراهيم وآل عمران) وقال (أدخلوا آل فرعون أشد العذاب) قيل وآل النبي عليه الصلاة والسلام أقاربه، وقيل المختصون به من حيث العلم وذلك أن

أهل الدين ضربان.
ضرب متخصص بالعلم المتقن والعمل المحكم فيقال لهم آل النبي وأمته وضرب يختصون بالعلم على سبيل التقليد ويقال لهم أمة محمد عليه الصلاة والسلام، ولا يقال لهم آله، فكل آل للنبى أمة له وليس كل أمة له آله.
وقيل لجعفر الصادق رضى الله عنه: الناس يقولون المسلمون كلهم آل النبي عليه الصلاة والسلام، فقال: كذبوا وصدقوا، فقيل له ما معنى ذلك ؟ فقال: كذبوا في أن الامة كافتهم آله وصدقوا في أنهم إذا قاموا بشرائط شريعته آله.
وقوله تعالى (رجل مؤمن من
آل فرعون) أي من المختصين به وبشريعته وجعله منهم من حيث النسب أو المسكن، لا من حيث تقدير القوم أنه على شريعتهم وقيل في جبرائيل وميكائيل إن إيل اسم الله تعالى وهذا لا يصح بحسب كلام العرب، لانه كان يقتضى أن يضاف إليه فيجر إيل فيقال جبرإيل.
وآل الشئ شخصه المتردد قال الشاعر: * ولم يبق إلا آل خيم منضد * والآل أيضا الحال التى يئول إليها أمره، قال الشاعر: سأحمل نفسي على آلة * فإما عليها وإما لها وقيل لما يبدو من السراب آل، وذلك لشخص يبدو من حيث المنظر وإن كان كاذبا، أو لتردد هواء وتموج فيكون من آل يئول، وآل اللبن يئول إذا خثر كأنه رجوع إلى نقصان كقولهم في الشئ الناقص راجع.
أول: التأويل من الاول أي الرجوع إلى الاصل ومنه الموئل للموضع الذى يرجع إليه وذلك هو رد الشئ إلى الغاية المرادة منه علما كان أو فعلا، ففى العلم نحو: (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم) وفى الفعل كقول
الشاعر: * وللنوى قبل يوم البين تأويل * وقوله تعالى.
: (هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله) أي بيانه الذى هو غايته المقصودة منه.
وقوله تعالى: (ذلك خير وأحسن تأويلا) قيل أحسن معنى وترجمة، وقيل أحسن ثوابا في الآخرة.
والاول: السياسة التى تراعى مآلها، يقال أول لنا وأيل علينا.
وأول، قال الخليل تأسيسه من همزة وواو ولام فيكون فعل، وقد قيل من واواين ولام فيكون أفعل والاول أفصح لقلة وجود ما فاؤه وعينه حرف واحد كددن، فعلى الاول يكون من آل يئول وأصله آول فأدغمت المدة لكثرة الكلمة وهو في الاصل صفة لقولهم في مؤنثه أولى نحو أخرى.
فالاول هو الذى يترتب عليه غيره ويستعمل على أوجه: أحدها: المتقدم بالزمان كقولك عبد الملك أولا ثم منصور.
الثاني: المتقدم بالرياسة في الشئ وكون غيره محتذيا به نحو الامير أولا ثم الوزير.
الثالث: المتقدم بالوضع والنسبة كقولك للخارج من العراق.

القادسية أولا ثم فيد، وتقول للخارج من
مكة: فيد أولا ثم القادسية.
الرابع: المتقدم بالنظام الصناعي نحو أن يقال الاساس أولا ثم البناء.
وإذا قيل في صفة الله هو الاول فمعناه أنه الذى لم يسبقه في الوجود شئ وإلى هذا يرجع قول من قال: هو الذى لا يحتاج إلى غيره، ومن قال هو المستغنى بنفسه، وقوله تعالى: (وأنا أول المسلمين - وأنا أول المؤمنين) فمعناه أنا المقتدى بى في الاسلام والايمان، وقال تعالى: (ولا تكونوا أول كافر به) أي لا تكونوا ممن يقتدى بكم في الكفر.
ويستعمل أول ظرفا فيبنى على الضم نحو: جئتك أول، ويقال بمعنى قديم نحو: جئتك أولا وآخرا أي قديما وحديثا، وقوله تعالى: (أولى لك فأولى) كلمة تهديد وتخويف يخاطب به من أشرف على هلاك فيحث به على التحرز، أو يخاطب به من نجا ذليلا منه فينهى عن مثله ثانيا وأكثر ما يستعمل مكررا وكأنه حث على تأمل ما يئول إليه أمره ليتنبه للتحرز منه.
أيم: الايامى جمع الايم وهى المرأة التى لا بعل لها، وقد قيل للرجل الذى لا زوج له، وذلك على طريق التشبيه بالمرأة فيمن لاغناء عنه لا على التحقيق، والمصدر الايمة، وقد آم
الرجل وآمت المرأة وتأيم وتأيمت وامرأة أيمة ورجل أيم والحرب مأيمة أي يفرق بين الزوج والزوجة، والايم الحية.
أين: لفظ يبحث به عن المكان، كما أن متى يبحث به عن الزمان، والآن كل زمان مقدر بين زمانين ماض ومستقبل نحو: أنا الآن أفعل كذا، وخص الآن بالالف واللام المعرف بهما ولزماه، وافعل كذا آونة أي وقتا بعد وقت وهو من قولهم الآن، وقولهم هذا أوان ذلك أي زمانه المختص به وبفعله، قال سيبويه رحمه الله تعالى: يقال الآن آنك أي هذا الوقت وقتك، وآن يئون، قال أبو العباس رحمه الله: ليس من الاول وإنما هو فعل على حدته.
والاين الاعياء يقال آن يئين أينا، وكذلك أنى يأنى أنيا إذا حان.
وأما (بلغ إناه) فقد قيل هو مقلوب من أنى وقد تقدم، قال أبو العباس: قال قوم آن يئين أينا، الهمزة مقلوبة فيه عن الحاء وأصله حان يحين حينا، قال وأصل الكلمة من الحين.
أوه: الاواه الذى يكثر التأوه وهو أن يقول أوه، وكل كلام يدل على حزن يقال له التأوه، ويعبر بالاواه عمن يظهر خشية الله
تعالى، وقيل في قوله تعالى: (أواه منيب) أي المؤمن الداعي وأصله راجع إلى ما تقدم، قال أبو العباس رحمه الله: يقال إيها إذا كففته، وويها إذا أغريته، وواها إذا تعجبت منه.
أي: أي في الاستخبار موضوع للبحث عن بعض الجنس والنوع وعن تعيينه ويستعمل ذلك في الخبر والجزاء نحو: (أيا ما تدعو فله الاسماء

الحسنى وأيما الاجلين قضيت فلا عدوان على والآية هي العلامة الظاهرة وحقيقته لكل شئ ظاهر هو ملازم لشئ لا يظهر ظهوره.
فمتى أدرك مدرك الظاهر منهما علم أنه أدرك الآخر الذى لم يدركه بذاته إذ كان حكمهما سواء، وذلك ظاهر في المحسوسات والمعقولات فمن علم ملازمة العلم للطريق المنهج ثم وجد العلم علم أنه وجد الطريق وكذا إذا علم شيئا مصنوعا علم أنه لا بد له من صانع.
واشتقاق الآية إما من أي فإنها هي التى تبين أيا من أي.
والصحيح أنها مشتقة من التأيى الذى هو التثبت والاقامة على الشئ.
يقال تأى أي ارفق.
أو من قولهم أوى إليه.
وقيل للبناء العالي آية نحو أتبنون بكل ريع آية تعبثون.
ولكل جملة من القرآن دالة على حكم آية سورة كانت أو فصولا أو فصلا من سورة وقد يقال لكل كلام منه منفصل بفصل لفظي آية.
وعلى هذا اعتبار آيات السور التى تعد بها السورة.
وقوله تعالى: (إن في ذلك لآيات للمؤمنين) فهى من الآيات المعقولة التى تتفاوت بها المعرفة بحسب تفاوت منازل الناس في العلم وكذلك قوله: (بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون) وكذا قوله تعالى: (وكأين من آية في السموات والارض) وذكر في مواضع آية وفى مواضع آيات وذلك لمعنى مخصوص ليس هذا الكتاب موضع ذكره وأنما قال: (وجعلنا ابن مريم وأمه آية) ولم يقل آيتين لان كل واحد صار آية بالآخر.
وقوله عزوجل: (وما نرسل بالآيات إلا تخويفا) فالآيات ههنا قيل إشارة إلى الجراد والقمل والضفادع ونحو ها من الآيات التى أرسلت إلى الامم المتقدمة فنبه أن ذلك إنما يفعل ممن يفعله تخويفا وذلك أخس المنازل للمأمورين، فإن الانسان يتحرى فعل الخير لاحد ثلاثة أشياء: إما أن يتحراه لرغبة أو رهبة وهو أدنى منزلة، وإما أن يتحراه لطلب
محمدة وإما أن يتحراه للفضيلة وهو أن يكون ذلك الشئ في نفسه فاضلا وذلك أشرف المنازل.
فلما كانت هذه الامة خير أمة كما قال: (كنتم خير أمة أخرجت للناس) رفعهم عن هذه المنزلة ونبه أنه لا يعمهم بالعذاب وإن كانت الجهلة منهم كانوا يقولون: (أمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم) وقيل الآيات إشارة إلى الادلة ونبه أنه يقتصر معهم على الادلة ويصانون عن العذاب الذى يستعجلون به في قوله عزوجل (يستعجلونك بالعذاب) وفى بناء آية ثلاثة أقوال، قيل هي فعلة وحق مثلها أن يكون لامه معتلا دون عينه نحو حياة ونواة لكن صحح لامه لوقوع الياء قبلها نحو راية.
وقيل هي فعلة إلا أنها قلبت كراهة التضعيف كطائي في طئ.
وقيل هي فاعلة وأصلها آيية فخففت فصار آية

وذلك ضعيف لقولهم في تصغيرها أيية ولو كانت فاعلة لقيل أوية.
وأيان: عبارة عن وقت الشئ ويقارب معنى متى، قال تعالى (أيان مرساها).
(وما يشعرون أيان يبعثون).
(أيان يوم الدين)
من قولهم أي، وقيل أصله أي أوان أي أي وقت فحذف الالف ثم جعل الواو ياء فأدغم فصار أيان.
وإيا لفظ موضوع ليتوصل به إلى ضمير المنصوب إذا انقطع عما يتصل به وذلك يستعمل إذا تقدم الضمير نحو (إياك نعبد) أو فصل بينهما بمعطوف عليه أو بإلا نحو: (نرزقهم وإياكم) ونحو (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) وأى كلمة موضوعة لتحقيق كلام متقدم نحو: إى وربى إنه لحق وأى، وآ، وأيا من حروف النداء، تقول: أي زيد، وأيا زيد، وآزيد.
وأى كلمة ينبه بها أن ما يذكر بعدها شرح وتفسير لما قبلها.
أوى: المأوى مصدر أوى يأوى أويا ومأوى، تقول أوى إلى كذا انضم إليه يأوى أويا ومأوى، وآواه غيره يؤويه إيواء.
قال عزوجل (إذا أوى الفتية إلى الكهف) وقال تعالى (سآوى إلى جبل) وقال تعالى (آوى إليه أخاه) وقال (تؤوى إليك من تشاء).
(وفضيلته التى تؤويه) وقوله تعالى (جنة المأوى) كقوله (دار الخلود) في كون الدار مضافة إلى المصدر، وقوله تعالى (مأواهم جهنم) اسم للمكان الذى يأوى إليه.
وأويت له رحمته
أويا وإية ومأوية ومأواة، وتحقيقه رجعت إليه بقلبي (وآوى إليه أخاه) أي ضمه إلى نفسه، يقال آواه وأواه.
والماوية في قول حاتم طئ.
* أماوى إن المال غا ورائح * المرأة فقد قيل هي من هذا الباب فكأنها سميت بذلك لكونها مأوى الصورة، وقيل هي منسوبة للماء وأصلها مائية فجعلت الهمزة واوا.
والالفات التى تدخل لمعنى على ثلاثة أنواع نوع في صدر الكلام.
ونوع في وسطه.
ونوع في آخره.
فالذي في صدر الكلام أضرب: الاول: ألف الاستخبار وتفسيره بالاستخبار أولى من تفسيره بالاستفهام إذ كان ذلك يعمه وغيره.
نحو الانكار والتبكيت والنفى والتسوية.
فالاستفهام نحو قوله تعالى: (أتجعل فيها من يفسد فيها) والتبكيت إما للمخاطب أو لغيره نحو: (أذهبتم طيباتكم - أتخذتم عند الله عهدا - الآن وقد عصيت قبل - أفإن مات أو قتل - أفإن مت فهم الخالدون - أكان للناس عجبا - آلذكرين حرم أم الانثيين) والتسوية نحو (سواء
علينا أجزعنا أم صبرنا - سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون) وهذه الالف متى دخلت على الاثبات تجعله نفيا نحو

أخرج هذا اللفظ ؟ ينفى الخروج فلهذا سأل عن إثباته نحو ما تقدم.
وإذا دخلت على نفى تجعله إثباتا لانه يصير معها نفيا يحصل منهما إثبات نحو: (ألست بربكم - أليس الله بأحكم الحاكمين - أولم يروا أنا نأتى الارض - أولم تأتهم بينة - أولايرون - أولم نعمر كم).
الثاني: ألف المخبر عن نفسه نحو: أسمع وأبصر.
الثالث: ألف الامر قطعا كان أو وصلا نحو (أنزل علينا مائدة من السماء - ابن لى عندك بيتا في الجنة) ونحو هما الرابع: الالف مع لام التعريف نحو العالمين الخامس: ألف النداء نحو أزيد أي يا زيد.
والنوع الذى في الوسط: الالف التى للتثنية والالف في بعض الجموع في نحو مسلمات ونحو
مساكين.
والنوع الذى في آخره ألف التأنيث في حبلى وفى بيضاء.
وألف الضمير في التثنية نحو: اذهبا.
والذى في أواخر الآيات الجارية مجرى أواخر الابيات نحو (وتظنون بالله الظنونا - وأضلونا السبيلا) لكن هذه الالف لا تثبت معنى وإنما ذلك لاصلاح اللفظ.

كتاب الباء بتك: البتك يقارب البت لكن البتك يستعمل في قطع الاعضاء والشعر، يقال بتك شعره وأذنه، قال الله تعالى (فليبتكن آذان الانعام) ومنه سيف باتك: قاطع للاعضاء.
وبتكت الشعر تناولت قطعة منه، والبتكة القطعة المنجذبة جمعها بتك، قال الشاعر: * طارت وفى يدها من ريشها بتك * وأما البت فيقال في قطع الحبل والوصل، ويقال طلقت المرأة بتة وبتلة، وبتت الحكم بينهما وروى: لا صيام لمن لم يبت الصوم من الليل.
والبشك مثله يقال في قطع الثوب ويستعمل في الناقة السريعة، ناقة بشكى وذلك لتشبيه يدها في السرعة بيد الناسجة في نحو قول الشاعر:
فعل السريعة بادرت حدادها * قبل المساء تهم بالاسراع بتر: البتر يقارب ما تقدم لكن يستعمل في قطع الذنب ثم أجرى قطع العقب مجراه فقيل فلان أبتر إذا لم يكن له عقب يخلفه، ورجل أبتر وأباتر انقطع ذكره عن الخير، ورجل أباتر يقطع رحمه، وقيل على طريق التشبيه خطبة بتراء لما لم يذكر فيها اسم الله تعالى، وذلك لقوله عليه السلام: " كل أمر لا يبدأ فيه بذكر الله فهو أبتر " وقوله تعالى: (إن شانئك هو الابتر) أي المقطوع الذكر، وذلك أنهم زعموا أن محمدا صلى الله عليه وسلم ينقطع ذكره إذا انقطع عمره لفقدان نسله، فنبه تعالى أن الذى ينقطع ذكره هو الذى يشنؤه، فأما هو فكما وصفه الله تعالى بقوله: (ورفعنا لك ذكرك) وذلك لجعله أبا للمؤمنين وتقييض من يراعيه ويراعى دينه الحق، وإلى هذا المعنى أشار أمير المؤمنين رضى الله عنه بقوله: " العلماء باقون ما بقى الدهر، أعيانهم مفقودة، وآثارهم في القلوب موجودة " هذا في العلماء الذين هم تباع النبي عليه الصلاة والسلام، فكيف هو وقد رفع الله عزوجل ذكره
وجعله خاتم الانبياء عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام بتل: قال تعالى: (وتبتل إليه تبتيلا) أي انقطع في العبادة وإخلاص النية انقطاعا يختص به، وإلى هذا المعنى أشار بقوله عزوجل: (قل الله ثم ذرهم) وليس هذا منافيا لقوله

عليه الصلاة والسلام: " لا رهبانية ولا تبتل في الاسلام " فإن التبتل ههنا هو الانقطاع عن النكاح، ومنه قيل لمريم العذراء البتول، أي المنقطعة عن الرجال، والانقطاع عن النكاح والرغبة عنه محظور لقوله عزوجل: (وأنكحوا الايامى منكم) وقوله عليه الصلاة والسلام: " تناكحوا تكثروا فإنى أباهى بكم الامم يوم القيامة " ونخلة مبتل إذا انفرد عنها صغيرة معها.
بث: أصل البث التفريق وإثارة الشئ كبث الريح التراب، وبث النفس ما انطوت عليه من الغم والسر، يقال بثثته فانبث، ومنه قوله عزوجل: (فكانت هباء منبثا) وقوله عزوجل: (وبث فيها من كل دابة) إشارة إلى إيجاده تعالى ما لم يكن موجودا وإظهاره
إياه.
وقوله عزوجل: (كالفراش المبثوث) أي المهيج بعد سكونه وخفائه، وقوله عزوجل: (إنما أشكوا بثى وحزني) أي غمى الذى يبثه عن كتمان فهو مصدر في تقدير مفعول أو بمعنى غمى الذى بث فكرى نحو: توزعني الفكر، فيكون في معنى الفاعل.
بجس: يقال بجس الماء وانبجس انفجر، لكن الانبجاس أكثر ما يقال فيما يخرج من شئ ضيق، والانفجار يستعمل فيه وفيما يخرج من شئ واسع، ولذلك قال عزوجل: (فانبجست منه اثنتا عشرة عينا) وقال في موضع آخر: (فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا) فاستعمل حيث ضاق المخرج اللفظان، قال تعالى: (وفجرنا خلالهما نهرا) وقال: (وفجرنا الارض عيونا) ولم يقل بجسنا.
بحث: البحث الكشف والطلب، يقال بحثت عن الامر وبحثت كذا، قال الله تعالى: (فبعث الله غرابا يبحث في الارض) وقيل: بحثت الناقة الارض برجلها في السير إذا شددت الوطء تشبيها بذلك.
بحر: أصل البحر كل مكان واسع جامع للماء الكثير، هذا هو الاصل، ثم اعتبر تارة
سعته المعاينة، فيقال بحرت كذا أوسعته سعة البحر تشبيها به، ومنه بحرت البعير شققت أذنه شقا واسعا، ومنه سميت البحيرة.
قال تعالى: (ما جعل الله من بحيرة) وذلك ما كانوا يجعلونه بالناقة إذا ولدت عشرة أبطن شقوا أذنها فيسيبوها فلا تركب ولا يحمل عليها.
وسموا كل متوسع في شئ بحرا حتى قالوا فرس بحر باعتبار سعة جريه.
وقال عليه الصلاة والسلام في فرس ركبه: وجدته بحرا، وللمتوسع في علمه بحر، وقد تبحر أي توسع في كذا، والتبحر في العلم التوسع، واعتبر من البحر تارة ملوحته، فقيل ماء بحراني أي ملح وقد أبحر الماء، قال الشاعر: وقد عاد ماء الارض بحرا فزادني * إلى مرضى أن أبحر المشرب العذب

وقال بعضهم: البحر يقال في الاصل للماء الملح دون العذب، وقوله تعالى: (بحران هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج) إنما سمى العذب بحرا لكونه مع الملح كما يقال للشمس والقمر قمران، وقيل للسحاب الذى كثر ماؤه بنات بحر، وقوله تعالى: (ظهر الفساد في البر والبحر)
قيل أراد في البوادى والارياف لا فيما بين الماء.
وقولهم: لقيته صحرة بحرة أي ظاهرا حيث لا بناء يستره.
بخل: البخل إمساك المقتنيات عما لا يحق حبسها عنه ويقابله الجود، يقال بخل فهو باخل، وأما البخيل فالذي يكثر منه البخل كالرحيم من الراحم.
والبخل ضربان: بخل بقنيات نفسه، وبخل بقنيات غيره، وهو أكثر هما ذما، دليلنا على ذلك قوله تعالى: (الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل).
بخس: البخس نقص الشئ على سبيل الظلم، قال تعالى: (وهم فيها لا يبخسون) وقال تعالى: (ولا تبخسوا الناس أشياءهم) والبخس والباخس الشئ الطفيف الناقص، وقوله تعالى: (وشروه بثمن بخس) قيل معناه باخس أي ناقص، وقيل مبخوس أي منقوص ويقال تباخسوا أي تناقصوا وتغابنوا فبخس بعضهم بعضا.
بخع: البخع قتل النفس غما، قال تعالى: (فلعلك باخع نفسك) حث على ترك التأسف نحو: (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) قال الشاعر:
* ألا أيهذا الباخع الوجد نفسه * وبخع فلان بالطاعة وبما عليه من الحق إذا أقر به وأذعن مع كراهة شديدة تجرى مجرى بخع نفسه في شدته.
بدر: قال تعالى: (ولا تأكلوها إسرافا وبدارا) أي مسارعة، يقال بدرت إليه وبادرت ويعبر عن الخطإ الذى يقع عن حدة بادرة، يقال كانت من فلان بوادر في هذا الامر.
والبدر قيل سمى بذلك لمبادرته الشمس بالطلوع، وقيل لا متلائه تشبيها بالبدرة فعلى ما قيل يكون مصدرا في معنى الفاعل والاقرب عندي أن يجعل البدر أصلا في الباب ثم تعتبر معانيه التى تظهر منه، فيقال تارة بدر كذا أي طلع طلوع البدر، ويعتبر امتلاؤه تارة فشبه البدرة به، والبيدر المكان المرشح لجمع الغلة فيه وملئه منه لامتلائه من الطعام قال تعالى: (ولقد نصركم الله ببدر) وهو موضع مخصوص بين مكة والمدينة.
بدع: الابداع إنشاء صنعة بلا احتذاء واقتداء ومنه قيل ركية بديع أي جديدة الحفر، وإذا استعمل في الله تعالى فهو إيجاد الشئ بغير آلة ولا مادة ولا زمان ولا مكان وليس
ذلك إلا لله، والبديع يقال للمبدع نحو قوله: (بديع السموات والارض) ويقال للمبدع

نحو ركية بديع، وكذلك البدع يقال لهما جميعا بمعنى الفاعل والمفعول وقوله تعالى: (قل ما كنت بدعا من الرسل) قيل معناه، مبدعا لم يتقدمني رسول، وقيل مبدعا فيما أقوله.
والبدعة في المذهب إيراد قول لم يستن قائلها وفاعلها فيه بصاحب الشريعة وأماثلها المتقدمة وأصولها المتقنة.
وروى " كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار " والابداع بالرجل الانقطاع به لما ظهر من كلال راحلته وهزالها.
بدل: الابدال والتبديل والتبدل والاستبدال جعل شئ مكان آخر وهو أعم من العوض فإن العوض هو أن يصير لك الثاني بإعطاء الاول.
والتبديل قد يقال للتغيير مطلقا وإن لم يأت ببدله، قال تعالى: (فبدل الذين ظلموا قولا غير الذى قيل لهم - وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا) وقال تعالى: (فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات) قيل هو أن يعملوا أعمالا صالحة تبطل ما قدموه من الاساءة، وقيل هو أن يعفو تعالى عن سيئاتهم ويحتسب بحسناتهم.
وقال تعالى: (فمن بدله بعد ما سمعه - وإذا بدلنا آية مكان آية - وبدلناهم بجنتيهم جنتين - ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة - يوم تبدل الارض غير الارض) أي تغير عن حالها (أن يبدل دينكم - ومن يتبدل الكفر بالايمان - وإن تتولوا يستبدل قوما غير كم).
وقوله: (ما يبدل القول لدى) أي لا يغير ما سبق في اللوح المحفوظ تنبيها على أن ما علمه أن سيكون يكون على ما قد علمه لا يتغير عن حاله.
وقيل لا يقع في قوله خلف، وعلى الوجهين قوله: (لا تبديل لكلمات الله - لا تبديل لخلق الله) قيل معناه أمر وهو نهى عن الخصاء.
والابدال قوم صالحون يجعلهم الله مكان آخرين مثلهم ماضين وحقيقته هم الذين بدلوا أحوالهم الذميمة بأحوالهم الحميدة وهم المشار إليهم بقوله تعالى: (أولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات) والبادلة ما بين العنق إلى الترقوة والجمع البادل.
قال الشاعر: * ولا رهل لباته وبآدله * بدن: البدن الجسد لكن البدن يقال اعتبارا بعظم الجثة، والجسد يقال اعتبارا باللون ومنه قيل ثوب مجسد، ومنه قيل امرأة بادن
وبدين عظيمة البدن، وسميت البدنة بذلك لسمنها، يقال بدن إذا سمن، وبدن كذلك، وقيل بل بدن إذا أسن، وأنشد: * وكنت خلت الشيب والتبدين * وعلى ذلك ما روى عن النبي عليه الصلاة والسلام " لا تبادروني بالركوع والسجود فإنى قد بدنت " أي كبرت وأسننت، وقوله: (فاليوم ننجيك ببدنك) أي بجسدك وقيل يعنى بدرعك فقد يسمى الدرع بدنة لكونها على البدن كما يسمى موضع اليد من القميص يدا، وموضع الظهر والبطن ظهرا وبطنا، وقوله تعالى: (والبدن

جعلناها لكم من شعائر الله) هو جمع البدنة التى تهدى.
بدا: بدا الشئ بدوا وبداء أي ظهر ظهورا بينا، قال الله تعالى: (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون - وبدا لهم سيئات ما كسبوا - فبدت لهما سوآتهما) والبدو خلاف الحضر قال تعالى (وجاء بكم من البدو) أي البادية وهى كل مكان يبدو ما يعن فيه أي يعرض، ويقال للمقيم بالبادية باد كقوله: (سواء العاكف فيه والباد - لو أنهم بادون
في الاعراب).
بدأ: يقال بدأت بكذا وأبدأت وابتدأت أي قدمت، والبدء والابداء تقديم الشئ على غيره ضربا من التقديم قال تعالى: (وبدأ خلق الانسان من طين) وقال تعالى: (كيف بدأ الخلق - الله يبدأ الخلق - كما بدأكم تعودون) ومبدأ الشئ هو الذى منه يتركب أو منه يكون، فالحروف مبدأ الكلام والخشب مبدأ الباب والسرير، والنواة مبدأ النخل، يقال للسيد الذى يبدأ به إذا عد السادات بدء، والله هو المبدى المعيد أي هو السبب في المبدإ والنهاية، ويقال رجع عوده على بدئه وفعل ذلك عائدا وبادئا ومعيدا ومبدئا وأبدأت من أرض كذا أي ابتدأت منها بالخروج.
وقوله بادئ الرأى أي ما يبدأ من الرأى وهو الرأى الفطير، وقرئ بادى بغير همزة أي الذى يظهر من الرأى ولم يرو فيه، وشئ بدئ لم يعهد من قبل كالبديع في كونه غير معمول قبل، والبدأة النصيب المبدأ به في القسمة ومنه قيل لكل قطعة من اللحم عظيمة بدء.
بذر: التبذير التفريق وأصله إلقاء البذر وطرحه فاستعير لكل مضيع لماله، فتبذير
البذر تضييع في الظاهر لمن لم يعرف مآل ما يلقيه.
قال الله تعالى: (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين): وقال تعالى: (ولا تبذر تبذيرا).
بر: البر خلاف البحر وتصور منه التوسع فاشتق منه البر: أي التوسع في فعل الخير، وينسب ذلك إلى الله تعالى تارة نحو: (إنه هو البر الرحيم) وإلى العبد تارة فيقال بر العبد ربه أي توسع في طاعته فمن الله تعالى الثواب ومن العبد الطاعة وذلك ضربان: ضرب في الاعتقاد وضرب في الاعمال وقد اشتمل عليه قوله تعالى: (ليس البر أن تولوا وجوهكم) الآية وعلى هذا ما روى أنه سئل عليه الصلاة والسلام عن البر فتلا هذه الآية فإن الآية متضمنة للاعتقاد، الاعمال الفرائض والنوافل.
وبر الوالدين التوسع في الاحسان إليهما وضده العقوق قال تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم) ويستعمل البر في الصدق لكونه بعض الخير المتوسع فيه، يقال بر

في قوله وبر في يمينه وقول الشاعر:
* أكون مكان البر منه * قيل أراد به الفؤاد وليس كذلك بل أراد ما تقدم أي يحبنى محبة البر، ويقال بر أباه فهو بار وبر مثل صائف وصيف وطائف وطيف، وعلى ذلك قوله تعالى (وبرا بوالديه - وبرا بوالدتي) وبر في يمينه فهو بار وأبررته وبرت يمينى وحج مبرور أي مقبول، وجمع البار أبرار وبررة قال تعالى: (إن الابرار لفى نعيم) وقال: (كلا إن كتاب الابرار لفى عليين) وقال في صفة الملائكة (كرام بررة) فبررة خص بها الملائكة في القرآن من حيث إنه أبلغ من أبرار فإنه جمع بر، وأبرار جمع بار، وبر أبلغ من بار كما أن عدلا أبلغ من عادل.
والبر معروف وتسميته بذلك لكونه أو سع ما يحتاج إليه في الغذاء، والبرير خص بثمر الاراك ونحوه، وقولهم لا يعرف الهر من البر، من هذا وقيل هما حكايتا الصوت والصحيح أن معناه لا يعرف من يبره ومن يسئ إليه.
والبربرة: كثرة الكلام، وذلك حكاية صوته.
برج: البروج القصور الواحد برج وبه سمى بروج النجوم لمنازلها المختصة بها، قال تعالى:
(والسماء ذات البروج) وقال تعالى (الذى جعل في السماء بروجا) وقوله تعالى: (ولو كنتم في بروج مشيدة) يصح أن يراد بها بروج في الارض وأن يراد بها بروج النجم ويكون استعمال لفظ المشيدة فيها على سبيل الاستعارة وتكون الاشارة بالمعنى إلى نحو ما قال زهير: ومن هاب أسباب المنايا ينلنه * * ولو نال أسباب السماء بسلم وأن يكون البروج في الارض وتكون الاشارة إلى ما قال الآخر: ولو كنت في غمدان يحرس بابه * أراجيل أحبوش وأسود الف إذا لاتتنى حيث كنت منيتى * يحث بها هاد لاثرى قائف وثوب مبرج صورت عليه بروج فاعتبر حسنه فقيل تبرجت المرأة أي تشبهت به في إظهار المحاسن، وقيل ظهرت من برجها أي قصرها ويدل على ذلك قوله تعالى (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاولى) وقوله: (غير متبرجات) والبرج سعة العين وحسنها
تشبيها بالبرج في الامرين.
برح: البراح المكان المتسع الظاهر الذى لا بناء فيه ولا شجر فيعتبر تارة ظهوره فيقال فعل كذا براحا أي صراحا لا يستره شئ، وبرح الخفاء ظهر كأنه حصل في براح يرى، ومنه براح الدار وبرح ذهب في البراح ومنه البارح للريح الشديدة، والبارح من الظباء والطير لكن خص البارح بما ينحرف

عن الرامى إلى جهة لا يمكنه فيها الرمى فيتشاءم به وجمعه بوارح، وخص السانح بالمقبل من جهة يمكن رميه ويتيمن به، والبارحة الليلة الماضية وبرح ثبت في البراح ومنه قوله عزوجل (لا أبرح) وخص بالاثبات كقولهم لا أزال لان برح وزال اقتضيا معنى النفي ولا للنفي والنفيان يحصل من اجتماعهما إثبات، وعلى ذلك قوله عزوجل (لن نبرح عليه عاكفين) وقال تعالى: (لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين) ولما تصور من البارح معنى التشاؤم اشتق منه التبريح والتباريح فقيل برح بى الامر وبرح بى فلان في التقاضى، وضربه ضربا مبرحا، وجاء فلان بالبرح وأبرحت ربا أبرحت
جارا أي أكرمت، وقيل للرامي إذا أخطأ برحى: دعاء عليه وإذا أصاب مرحى دعاء له، ولقيت منه البرحين والبرحاء أي الشدائد، وبرحاء الحمى شدتها.
برد: أصل البرد خلاف الحر فتارة يعتبر ذاته فيقال برد كذا أي اكتسب بردا وبرد الماء كذا أي كسبه بردا نحو * ستبرد أكبادا وتبكي بواكيا * ويقال برده أيضا وقيل قد جاء أبرد وليس بصيحيح ومنه البرادة لما يبرد الماء، ويقال برد كذا إذا ثبت ثبوت البرد واختصاص الثبوت بالبرد كاختصاص الحركة بالحر فيقال برد كذا أي ثبت كما يقال برد عليه دين قال الشاعر: * اليوم يوم بارد سمومه * وقال آخر: * قد برد الموت على مصطلاه * أي برود أي ثبت، يقال لم يبرد بيدى شئ أي لم يثبت.
وبرد الانسان مات وبرده قتله ومنه السيوف البوارد وذلك لما يعرض للميت من عدم الحرارة بفقدان الروح أو لما يعرض له من السكون، وقولهم للنوم برد إما لما
يعرض من البرد في ظاهر جلده أو لما يعرض له من السكون وقد علم أن النوم من جنس الموت لقوله عزوجل (الله يتوفى الانفس حين موتها والتى لم تمت في منامها) وقال (لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا) أي نوما.
وعيش بارد أي طيب اعتبارا بما يجد الانسان من اللذة في الحر من البرد أو بما يجد فيه من السكون.
والابردان الغداة والعشي لكونهما أبرد الاوقات في النهار.
والبرد ما يبرد من المطر في الهواء فيصلب وبرد السحاب اختص بالبرد وسحاب أبرد وبرد ذو برد، قال الله تعالى: (وينزل من السماء من جبال فيها من برد) والبردى نبت ينسب إلى البرد لكونه نابتا به.
وقيل أصل كل داء البردة أي التخمة، وسميت بذلك لكونها عارضة من البرودة الطبيعية التى تعجز عن الهضم.
والبرود يقال لما يبرد به ولما يبرد فتارة يكون فعولا

في معنى فاعل وتارة في معنى مفعول نحو ماء برود وثغر برود وكقولهم للكحل برود وبردت الحديد سحلته من قولهم بردته أي قتلته والبرادة ما يسقط، والمبرد الآلة التى يبرد بها.
والبرد في الطرق جمع البريد وهم الذين يلزم كل واحد منهم موضعا منه معلوما ثم اعتبر فعله في تصرفه في المكان المخصوص به فقيل لكل سريع هو يبرد وقيل لجناحي الطائر بريداه اعتبارا بأن ذلك منه يجرى مجرى البريد من الناس في كونه متصرفا في طريقه، وذلك فرع على فرع على حسب ما يبين في أصول الاشتقاق.
برز: البراز الفضاء وبرز حصل في براز، وذلك إما أن يظهر بذاته نحو: (وترى الارض بارزة) تنبيها أنه تبطل فيها الابنية وسكانها ومنه المبارزة للقتال وهى الظهور من الصف، قال تعالى: (لبرز الذين كتب عليهم القتل) وقال عزوجل: (ولما برزوا لجالوت وجنوده) وإما أن يظهر بفضله وهو أن يسبق في فعل محمود وإما أن ينكشف عنه ما كان مستورا منه، ومنه قوله تعالى: (وبرزوا لله الواحد القهار - وبرزوا لله جميعا) وقال تعالى (يوم هم بارزون) وقوله عزوجل: (وبرزت الجحيم للغاوين) تنبيها أنهم يعرضون عليها.
ويقال تبرز فلان كناية عن التغوط، وإمرأة برزة عفيفة لان رفعتها بالعفة لا أن اللفظة
اقتضت ذلك.
برزخ: البرزخ الحاجز والحد بين الشيئين وقيل أصله برزه فعرب، وقوله تعالى: (بينهما برزخ لا يبغيان) والبرزخ في القيامة الحائل بين الانسان وبين بلوغ المنازل الرفيعة في الآخرة وذلك إشارة إلى العقبة المذكورة في قوله عز وجل: (فلا اقتحم العقبة) قال تعالى: (ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون) وتلك العقبة موانع من أحوال لا يصل إليها إلا الصالحون وقيل البرزخ ما بين الموت إلى القيامة.
برص: البرص معروف وقيل للقمر أبرص للنكتة التى عليه وسام أبرص سمى بذلك تشبيها بالبرص والبريص الذى يلمع لمعان الابرص ويقارب البصيص، بص يبص إذا برق.
برق: البرق لمعان السحاب، قال تعالى: (فيه ظلمات ورعد وبرق) يقال برق وأبرق وبرق، يقال في كل ما يلمع نحو سيف بارق وبرق وبرق، يقال في العين إذا اضطربت وجالت من خوف، قال عزوجل: (فإذا برق البصر) وقرئ وبرق، وتصور منه تارة اختلاف اللون فقيل البرقة الارض ذات حجارة
مختلفة الالوان، والابرق الجبل فيه سواد وبياض وسموا العين برقاء لذلك وناقة بروق تلمع بذنبها، والبروقة شجرة تخضر إذا رأت السحاب وهى التى يقال فيها أشكر من بروقة.

وبرق طعامه بزيته إذا جعل فيه قليلا يلمع منه.
والبارقة والابيرق السيف للمعانه.
والبراق قيل هو دابة ركبها النبي صلى الله عليه وسلم لما عرج به، والله أعلم بكيفيته.
والابريق معروف وتصور من البرق ما يظهر من تجويفه فقيل برق فلان ورعد وأبرق وأرعد إذا تهدد.
برك: أصل البرك صدر البعير وإن استعمل في غيره، ويقال له بركة وبرك البعير ألقى ركبه واعتبر منه معنى الملزوم فقيل ابتركوا في الحرب أي ثبتوا ولا زموا موضع الحرب وبراكاء الحرب وبروكاؤها للمكان الذى يلزمه الابطال، وابتركت الدابة وقفت وقوفا كالبروك، وسمى محبس الماء بركة والبركة ثبوت الخير الالهى في الشئ، قال تعالى: (لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض) وسمى بذلك لثبوت الخير فيه ثبوت الماء في البركة، والمبارك ما فيه ذلك الخير، على ذلك (هذا
ذكر مبارك أنزلناه) تنبيها على ما يفيض عليه من الخيرات الالهية.
وقال (كتاب أنزلناه إليك مبارك) وقوله تعالى: (وجعلني مباركا) أي موضع الخيرات الالهية، وقوله تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة مباركة - رب أنزلنى منزلا مباركا) أي حيث يوجد الخير الالهى، وقوله تعالى: (ونزلنا من السماء ماء مباركا) فبركة ماء السماء هي ما نبه عليه بقوله: (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الارض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه).
وبقوله تعالى: (وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الارض) ولما كان الخير الالهى يصدر من حيث لا يحس وعلى وجه لا يحصى ولا يحصر قيل لكل ما يشاهد منه زيادة غير محسوسة هو مبارك وفيه بركة، وإلى هذه الزيادة أشير بما روى أنه لا ينقص مال من صدقة لا إلى النقصان المحسوس حسب ما قال بعض الخاسرين حيث قيل له ذلك فقال بينى وبينك الميزان.
وقوله تعالى: (تبارك الذى جعل في السماء بروجا) فتنبيه على ما يفيضه علينا من نعمه بواسطة هذه البروج والنيرات المذكورة في هذه الآية.
وقوله تعالى: (فتبارك
الله أحسن الخالقين - تبارك الذى نزل الفرقان - تبارك الذى إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات - فتبارك الله رب العالمين - تبارك الذى بيده الملك) كل ذلك تنبيه على اختصاصه تعالى بالخيرات المذكورة مع ذكر تبارك.
برم: الابرام إحكام الامر، قال تعالى: (أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون) وأصله من إبرام الحبل وهو ترديد فتله قال الشاعر: على كل حال من سحيل ومبرم * والبريم المبرم أي المفتول فتلا محكما، يقال أبرمته فبرم ولهذا قيل للبخيل الذى لا يدخل في الميسر برم كما للبخيل مغلول اليد.

والمبرم الذى يلح ويشدد في الامر تشبيها بمبرم الحبل، والبرم كذلك، ويقال لمن يأكل تمرتين تمرتين برم لشدة ما يتناوله بعضه على بعض ولما كان البريم من الحبل قد يكون ذا لونين سمى كل ذى لونين به من جيش مختلط أسود وأبيض، ولغنم مختلط وغير ذلك.
والبرمة في الاصل هي القدر المبرمة وجمعها برام نحو حضرة وحضار،
وجعل على بناء المفعول، نحو: ضحكة وهزأة.
بره: البرهان بيان للحجة وهو فعلان مثل الرجحان والثنيان.
وقال بعضهم: هو مصدر بره يبره إذا ابيض ورجل أبره وامرأة برهاء وقوم بره وبرهرهة شابة بيضاء.
والبرهة مدة من الزمان، فالبرهان أوكد الادلة وهو الذى يقتضى الصدق أبدا، لا محالة، وذلك أن الادلة خمسة أضرب: دلالة تقتضي الصدق أبدا ودلالة تقتضي الكذب أبدا، ودلالة إلى الصدق أقرب، ودلالة إلى الكذب أقرب، ودلالة هي إليهما سواء، قال تعالى: (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين - قل هاتوا برهانكم هذا ذكر من معى - قد جاءكم برهان من ربكم).
برأ: أصل البرء والبراء والتبرى التغصى مما يكره مجاورته، ولذلك قيل برأت من المرض وبرأت من فلان وتبرأت وأبرأته من كذا وبرأته ورجل برئ وقوم برآء وبريئون قال عزوجل (براءة من الله ورسوله) وقال: (إن الله برئ من المشركين ورسوله) وقال: أنتم بريئون مما أعمل وأنا برئ مما تعملون - إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله - وإذ قال إبراهيم لابيه وقومه إننى
براء مما تعبدون - فبرأه الله مما قالوا) وقال: (إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا)، والبارئ خص بوصف الله تعالى نحو قوله: (البارئ المصور) وقوله تعالى: (فتوبوا إلى بارئكم) والبرية الخلق، قيل أصله الهمز فترك وقيل ذلك من قولهم بريت العود، وسميت برية لكونها مبرية عن البرى أي التراب بدلالة قوله تعالى (خلقكم من تراب) وقوله تعالى: (أولئك هم خير البرية) وقال: (شر البرية).
بزغ: قال الله تعالى: (فلما رأى الشمس بازغة - فلما رأى القمر بازغا) أي طالعا منتشر الضوء، وبزغ الناب تشبيها به وأصله من بزغ البيطار الدابة أسال دمها فبزغ هو أي سال.
بس: قال الله تعالى: (وبست الجبال بسا) أي فتتت من قولهم بسست الحنطة والسويق بالماء فتته به وهى البسيسة وقيل معناه سقت سوقا سريعا من قولهم انبست الحيات انسابت انسيابا سريعا فيكون كقوله عزوجل: (ويوم نسير الجبال) وكقوله: (وترى الجبال

تحسبها جامدة وهى تمر مر السحاب) وبسست الابل زجرتها عند السوق، وأبسست بها عند الحلب أي رققت لها كلاما تسكن إليه، وناقة بسوس لا تدر إلا على الابساس.
وفى الحديث: " جاء أهل اليمن يبسون عيالهم " أي كانوا يسوقونهم.
بسر: البسر الاستعجال بالشئ قبل أوانه نحو بسر الرجل الحاجة طلبها في غير أوانها وبسر الفحل الناقة ضربها قبل الضبعة، وماء بسر متناول من غيره قبل سكونه.
وقيل للقرح الذى ينكأ قبل النضج بسر ومنه قيل لما لم يدرك من التمر بسر وقوله عزوجل (ثم عبس وبسر) أي أظهر العبوس قبل أوانه وفى غير وقته فإن قيل فقوله (ووجوه يومئذ باسرة) ليس يفعلون ذلك قبل الوقت وقد قلت إن ذلك يقال فيما كان قبل الوقت، قيل إن ذلك إشارة إلى حالهم قبل الانتهاء بهم إلى النار فخص لفظ البسر تنبيها أن ذلك مع ما ينالهم من بعد يجرى مجرى التكلف ومجرى ما يفعل قبل وقته ويدل على ذلك قوله عزوجل (تظن أن يفعل بها فاقرة).
بسط: بسط الشئ نشره وتوسعه فتارة
يتصور منه الامران وتارة يتصور منه أحدهما ويقال بسط الثوب نشره ومنه البساط وذلك اسم لكل مبسوط، قال الله تعالى: (والله جعل لكم الارض بساطا) والبساط الارض المتسعة، وبسيط الارض مبسوطه واستعار قوم البسط لكل شئ لا يتصور فيه تركيب وتأليف ونظم، قال الله تعالى: (والله يقبض ويبسط) وقال تعالى: (ولو بسط الله الرزق لعباده) أي لو وسعه (وزاده بسطة في العلم والجسم) أي سعة، قال بعضهم: بسطته في العلم هو أن انتفع هو به ونفع غيره فصار له به بسطة أي جود.
وبسط اليد مدها، قال عزوجل: (وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد) وبسط الكف يستعمل تارة للطلب نحو (باسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه) وتارة للاخذ نحو (والملائكة باسطوا أيديهم) وتارة للصولة والضرب قال تعالى: (ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء) وتارة للبذل والاعطاء نحو (بل يداه مبسوطتان) والبسط الناقة التى تترك مع ولدها كأنها المبسوط نحو النكث والنقض في معنى المنكوث والمنقوض وقد أبسط ناقته: أي تركها مع ولدها.
بسق: قال الله عزوجل (والنخل باسقات لها طلع نضيد) أي طويلات والباسق هو الذاهب طولا من جهة الارتفاع ومنه بسق فلان على أصحابه علاهم.
وبسق وبصق أصله بزق، وبسقت الناقة وقع في ضرعها لبن قليل كالبساق وليس من الابل.
بسل: البسل ضم الشئ ومنعه ولتضمنه لمعنى الضم استعير لتقطيب الوجه فقيل هو

باسل ومبتسل الوجه، ولتضمنه لمعنى المنع قيل للمحرم والمرتهن بسل وقوله تعالى: (وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت) أي تحرم الثواب.
والفرق بين الحرام والبسل أن الحرام عام فيما كان ممنوعا منه بالحكم والقهر والبسل هو الممنوع منه بالقهر، قال عزوجل (أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا) أي حرموا الثواب وفسر بالارتهان لقوله: (كل نفس بما كسبت رهينة).
قال الشاعر: * وإبسالى بنى بغير جرم * وقال آخر: * فإن تقويا منهم فإنهم بسل * أقوى المكان إذا خلا وقيل للشجاعة البسالة
إما لما يوصف به الشجاع من عبوس وجهه أو لكون نفسه محرما على أقرانه لشجاعته أو لمنعه لما تحت يده عن أعدائه وأبسلت المكان حفظته وجعلته بسلا على من يريده والبسلة أجرة الراقي، وذلك لفظ مشتق من قول الراقي أبسلت فلانا: أي جعلته بسلا أي شجاعا قويا على مدافعة الشيطان أو الحيات والهوام أو جعلته مبسلا أي محرما عليها وسمى ما يعطى الراقي بسلة، وحكى بسلت الحنظل طيبته فإن يكن ذلك صحيحا فمعناه أزلت بسالته أي شدته أو بسله أي تحريمه وهو ما فيه المرارة الجارية مجرى كونه محرما.
وبسل في معنى أجل وبس.
بشر: البشرة ظاهر الجلد والادمة باطنه، كذا قال عامة الادباء، وقال أبو زيد بعكس ذلك وغلط أبو العباس وغيره.
وجمعها بشر وأبشار وعبر عن الانسان بالبشر اعتبارا بظهور جلده من الشعر بخلاف الحيوانات التى عليها الصوف أو الشعر أو الوبر واستوى في لفظ البشر الواحد والجمع وثنى فقال تعالى: (أنؤمن لبشرين) وخص في القرآن كل موضع اعتبر من الانسان جثته وظاهره بلفظ البشر نحو:
(وهو الذى خلق من الماء بشرا) وقال عزوجل (إنى خالق بشرا من طين) ولما أراد الكفار الغض من الانبياء اعتبروا ذلك فقالوا (إن هذا إلا قول البشر) وقال تعالى: (أبشرا منا واحد نتبعه - ما أنتم إلا بشر مثلنا - أنؤمن لبشرين مثلنا - قالوا أبشر يهدوننا) وعلى هذا قال (إنما أنا بشر مثلكم) تنبيها أن الناس يتساوون في البشرية وإنما يتفاضلون بما يختصون به من المعارف الجليلة والاعمال الجميلة ولذلك قال بعده (يوحى إلى) تنبيها أنى بذلك تميزت عنكم.
وقال تعالى: (لم يمسسني بشر) فخص لفظ البشر.
وقوله (فتمثل لها بشرا سويا) فعبارة عن الملائكة ونبه أنه تشبح لها وتراءى لها بصورة بشر، وقوله تعالى: (ما هذا بشرا) فإعظام له وإجلال وأنه أشرف وأكرم من أن يكون جوهره

جوهر البشر.
وبشرت الاديم أصبت بشرته نحو أنفت ورجلت، ومنه بشر الجراد الارض إذا أكلته.
والمباشرة الافضاء بالبشرتين، وكنى بها عن الجماع في قوله: (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون) وقال تعالى: (فالآن
باشروهن) وفلان مؤدم مبشر أصله من قولهم أبشره الله وآدمه، أي جعل له بشرة وأدمة محمودة ثم عبر بذلك عن الكامل الذى يجمع بين الفضيلتين: الظاهرة والباطنة، وقيل معناه جمع بين الادمة وخشونة البشرة، وأبشرت الرجل وبشرته وبشرته أخبرته بسار بسط بشرة وجهه، وذلك أن النفس إذا سرت انتشر الدم فيها انتشار الماء في الشجر وبين هذه الالفاط فروق فإن بشرته عام وأبشرته نحو أحمدته وبشرته على التكثير.
وأبشر يكون لازما ومتعديا، يقال بشرته فأبشر أي استبشر وأبشرته، وقرئ يبشرك ويبشرك ويبشرك، قال عزوجل: (قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم.
قال أبشرتموني على أن مسنى الكبر فبم تبشرون.
قالوا بشرناك بالحق) واستبشر إذا وجد ما يبشره من الفرج، قال تعالى: (ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم - يستبشرون بنعمة من الله وفضل) وقال تعالى: (وجاء أهل المدينة يستبشرون) ويقال للخبر السار البشارة والبشرى، قال تعالى: (لهم البشرى في الحياة الدنيا وفى الآخرة) وقال تعالى: (لا بشرى
يومئذ للمجرمين - ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى - يا بشرى هذا غلام - وما جعله الله الا بشرى لكم) والبشير المبشر، قال تعالى: (فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا - فبشر عبادي - وهو الذى يرسل الرياح مبشرات) أي تبشر بالمطر.
وقال صلى الله عليه وسلم: " انقطع الوحى ولم يبق إلا المبشرات وهى الرؤيا الصالحة التى يراها المؤمن أو ترى له " وقال تعالى: (فبشره بمغفرة) وقال: (فبشرهم بعذاب أليم - وبشر المنافقين بأن لهم - وبشر الذين كفروا بعذاب أليم) فاستعارة ذلك تنبيه أن أسر ما يسمعونه الخبر بما ينالهم من العذاب، وذلك نحو قول الشاعر: * تحية بينهم ضرب وجيع * ويصح أن يكون على ذلك قوله تعالى: (قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار) وقال عزوجل: (وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم) و يقال أبشر أي وجد بشارة نحو أبقل وأمحل (وأبشروا بالجنة التى كنتم توعدون) وأبشرت الارض حسن طلوع نبتها ومنه قول
ابن مسعود رضى الله عنه " من أحب القرآن فليبشر " أي فليسر.
قال الفراء: إذا ثقل فمن البشرى وإذا خفف، ممن السرور، يقال:

بشرته فبشر نحو جبرته فجبر، وقال سيبويه فأبشر، قال ابن قتيبة: هو من بشرت الاديم إذا رققت وجهه، قال ومعناه فليضمر نفسه كما روى " إن وراءنا عقبة لا يقطعها إلا الضمر من الرجال " وعلى الاول قول الشاعر: فأعنهم وابشر بما بشروا به * وإذا هم نزلوا بضنك فانزل وتباشير الوجه وبشره ما يبدو من سروره، وتباشير الصبح ما يبدو من أوائله، وتباشير النخل ما يبدو من رطبه، ويسمى ما يعطى المبشر بشرى وبشارة.
بصر: البصر يقال للجارحة الناظرة نحو قوله تعالى: (كلمح البصر - وإذ زاغت الابصار) وللقوة التى فيها ويقال لقوة القلب المدركة بصيرة وبصر نحو قوله تعالى: (فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد) وقال: (ما زاغ البصر وما طغى) وجمع البصر أبصار، وجمع البصيرة بصائر قال تعالى: (فما أغنى
عنهم سمعهم ولا أبصارهم) ولا يكاد يقال للجارحة بصيرة ويقال من الاول أبصرت ومن الثاني أبصرته وبصرت به وقلما يقال بصرت في الحاسة إذا لم تضامه رؤية القلب.
وقال تعالى في الابصار: (لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر - ربنا أبصرنا وسمعنا - ولو كانوا لا يبصرون - وأبصر فسوف يبصرون - بصرت بما لم يبصروا به) ومنه (أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى) أي على معرفة وتحقق.
وقوله: (بل الانسان على نفسه بصيرة) أي تبصره فتشهد له، وعليه من جوارحه بصيرة تبصره فتشهد له، وعليه يوم القيامة كما قال: (تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم).
والضرير يقال له بصير على سبيل العكس والاولى أن ذلك يقال لما له من قوة بصيرة القلب لا لما قالوه ولهذا لا يقال له مبصر وباصر وقوله عز وجل (لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار) حمله كثير من المسلمين على الجارحة، وقيل ذلك إشارة إلى ذلك وإلى الاوهام والافهام كما قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: التوحيد أن لا تتوهمه، وقال كل ما أدركته فهو غيره.
والباصرة عبارة عن الجارحة الناظرة، يقال رأيته
لمحا باصرا أي ناظرا بتحديق، قال عزوجل: (فلما جاءتهم آياتنا مبصرة - وجعلنا آية النهار مبصرة) أي مضيئة للابصار وكذلك قوله عزوجل (وآتينا ثمود الناقة مبصرة) وقيل معناه صار أهله بصراء نحو قولهم رجل مخبث ومضعف أي أهله خبثاء وضعفاء (ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الاولى بصائر للناس) أي جعلناها عبرة لهم.
وقوله (وأبصر فسوف يبصرون) أي انتظر حتى ترى ويرون، وقوله عزوجل: (وكانوا مستبصرين) أي طالبين للبصيرة ويصح أن يستعار الاستبصار للابصار نحو

استعارة الاستجابة للاجابة وقوله عزوجل: (وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج تبصرة) أي تبصيرا وتبيانا يقال بصرته تبصيرا وتبصرة كما يقال قدمته تقديما وتقدمة وذكرته تذكيرا وتذكرة، قال تعالى: (ولا يسأل حميم حميما يبصرونهم) أي يجعلون بصراء بآثارهم، ويقال بصر الجرو تعرض للابصار بفتحة العين، والبصرة حجارة رخوة تلمع كأنها تبصر أو سميت بذلك لان لها ضوأ
تبصر به من بعد ويقال له بصر والبصيرة قطعة من الدم تلمع والترس اللامع والبصر الناحية، والبصيرة ما بين شقتي الثوب والمزادة ونحوها التى يبصر منها ثم يقال بصرت الثوب والاديم إذا خطت ذلك الموضع منه.
بصل: البصل معروف في قوله عزوجل: (وعدسها وبصلها) وبيضة الحديد بصل تشبيها به لقول الشاعر: * وتر كالبصل * بضع: البضاعة قطعة وافرة من المال تقتنى للتجارة يقال أبضع بضاعة وابتضعها قال تعالى: (هذه بضاعتنا ردت إلينا) وقال تعالى: (ببضاعة مزجاة) والاصل في هذه الكلمة البضع وهو جملة من اللحم تبضع أي تقطع يقال بضعته وبضعته فابتضع وتبضع كقولك قطعته وقطعته فانقطع وتقطع، والمبضع ما يبضع به نحو: المقطع وكنى بالبضع عن الفرج فقيل ملكت بضعها أي تزوجتها، وباضعها بضاعا أي باشرها وفلان حسن البضع والبضيع والبضعة والبضاعة عبارة عن السمن.
وقيل للجزيرة المنقطعة عن البر بضيع وفلان بضعة منى أي جار مجرى بعض جسدي لقربه منى والباضعة الشجة التى
تبضع اللحم والبضع بالكسر المنقطع من العشرة ويقال ذلك لما بين الثلاث إلى العشرة وقيل بل هو فوق الخمس ودون العشرة قال تعالى: (بضع سنين).
بطر: البطر دهش يعترى الانسان من سوء احتمال النعمة وقلة القيام بحقها وصرفها إلى غير وجهها قال عزوجل: (بطرا ورئاء الناس) وقال: (بطرت معيشتها) أصله بطرت معيشته فصرف عنه الفعل ونصب، ويقارب البطر الطرب وهو خفة أكثر ما يعترى من الفرح وقد يقال ذلك في الترح، والبيطرة معالجة الدابة.
بطش: البطش تناول الشئ بصولة، قال تعالى: (وإذا بطشتم بطشتم جبارين - يوم نبطش البطشة الكبرى - ولقد أنذرهم بطشتنا - إن بطش ربك لشديد) يقال يد باطشة.
بطل: الباطل نقيض الحق وهو مالا ثبات له عند الفحص عنه قال تعالى: (ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل) وقد يقال ذلك في الاعتبار إلى المقال والفعال يقال

بطل بطولا وبطلا وبطلانا وأبطله غيره قال عزوجل (وبطل ما كانوا يعملون) وقال تعالى: (لم تلبسون الحق بالباطل) ويقال للمستقل عما يعود بنفع دنيوى أو أخروى بطال وهو ذو بطالة بالكسر وبطل دمه إذا قتل ولم يحصل له ثأر ولا دية وقيل للشجاع المتعرض للموت بطل تصورا لبطلان دمه كما قال الشاعر: فقلت لها لا تنكحيه فإنه * لاول بطل أن يلاقى محمعا فيكون فعلا بمعنى مفعول أو لانه ببطل دم المتعرض له بسوء والاول أقرب.
وقد بطل الرجل بطولة صار بطلا وبطالا نسب إلى البطالة ويقال ذهب دمه بطلا أي هدرا والابطال يقال في إفساد الشئ وإزالته حقا كان ذلك الشئ أو باطلا قال الله تعالى: (ليحق الحق ويبطل الباطل).
وقد يقال فيمن يقول شيئا لا حقيقة له نحو: (ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون) وقوله تعالى: (وخسر هنالك المبطلون) أي الذين يبطلون الحق.
بطن: أصل البطن الجارحة وجمعه بطون
قال تعالى (وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم) وقد بطنته أصبت بطنه والبطن خلاف الظهر في كل شئ، ويقال للجهة السفلى بطن وللجهة العليا ظهر وبه شبه بطن الامر وبطن البوادى والبطن من العرب اعتبارا بأنهم كشخص واحد وأن كل قبيلة منهم كعضو بطن وفخذ وكاهل وعلى هذا الاعتبار قال الشاعر: الناس جسم وإمام الهدى * رأس وأنت العين في الراس ويقال لكل غامض بطن ولكل ظاهر ظهر ومنه بطنان القدر وظهرانها، ويقال لما تدركه الحاسة ظاهر ولما يخفى عنها باطن قال عزوجل: (وذروا ظاهر الاثم وباطنه - ما ظهر منها وما بطن) والبطين العظيم البطن، والبطن الكثير الاكل، والمبطان الذى يكثر الاكل حتى يعظم بطنه، والبطنة كثرة الاكل، وقيل البطنة تذهب الفطنة وقد بطن الرجل بطنا إذا أشر من الشبع ومن كثرة الاكل، وقد بطن الرجل عظم بطنه ومبطن خميص البطن وبطن الانسان أصيب
بطنه ومنه رجل مبطون عليل البطن.
والبطانة خلاف الظهارة وبطنت ثوبي بآخر جعلته تحته وقد بطن فلان بفلان بطونا وتستعار البطانة لمن تختصه بالاطلاع على باطن أمرك، قال عز وجل: (لا تتخذوا بطانة من دونكم) أي مختصا بكم يستبطن أموركم وذلك استعارة من بطانة الثوب بدلالة قولهم لبست فلانا إذا اختصصته وفلان شعارى ودثارى.
وروى

عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما بعث الله من نبى ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان، بطانة تأمروه بالخير وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحثه عليه " والبطان حزام يشد على البطن وجمعه أبطنة وبطن.
والابطنان عرقان يمران على البطن، والبطين نجم هو بطن الحمل، والتبطن دخول في باطن الامر.
والظاهر والباطن في صفات الله تعالى لا يقال إلا مزدوجين كلاول والآخر، فالظاهر قيل إشارة إلى معرفتنا البديهية، فإن الفطرة تقضى في كل ما نظر إليه الانسان أنه تعالى موجود كما قال: (وهو الذى في السماء إله وفى الارض إله) ولذلك قال بعض الحكماء:
مثل طالب معرفته مثل من طوف في الآفاق في طلب ما هو معه.
والباطن إشارة إلى معرفته الحقيقية وهى التى أشار إليها أبو بكر رضى الله عنه بقوله: يا من غاية معرفته القصور عن معرفته، وقيل ظاهر بآياته باطن بذاته، وقيل ظاهر بأنه محيط بالاشياء مدرك لها باطن من أن يحاط به كما قال عزوجل: (لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار) وقد روى عن أمير المؤمنين رضى الله عنه ما دل على تفسير اللفظتين حيث قال: تجلى لعباده من غير أن رأوه، وأراهم نفسه من غير أن تجلى لهم.
ومعرفة ذلك تحتاج إلى فهم ثاقب وعقل وافر، وقوله تعالى: (وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة) قيل الظاهرة بالنبوة والباطنة بالعقل، وقيل الظاهرة المحسوسات والباطنة المعقولات، وقيل الظاهرة النصرة على الاعداء بالناس، والباطنة النصرة بالملائكة، وكل ذلك يدخل في عموم الآية.
بطؤ: البطء تأخر الانبعاث في السير يقال بطؤ تباطأ واستبطأ وأبطأ فبطؤ إذا تخصص بالبطء وتباطأ تحرى وتكلف ذلك واستبطأ طلبه وأبطأ صار ذا بطء ويقال بطأه وأبطأه
وقوله تعالى: (وإن منكم لمن ليبطئن) أي يثبط غيره وقيل يكثر هو التثبط في نفسه، والمقصد من ذلك أن منكم من يتأخر ويؤخر غيره.
بظر: قرئ في بعض القراءات: (والله أخرجكم من بظور أمهاتكم) وذلك جمع البظارة وهى اللحمة المتدلية من ضرع الشاة والهنة الناتئة من الشفة العليا فعبر بها عن الهن كما عبر عنه بالبضع.
بعث: أصل البعث إثارة الشئ وتوجيهه يقال بعثته فانبعث، ويختلف البعث بحسب اختلاف ما علق به فبعثت البعير أثرته وسيرته، وقوله عزوجل: (والموتى يبعثهم الله) أي يخرجهم ويسيرهم إلى القيامة (يوم يبعثهم الله جميعا - زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربى لتبعثن - ما خلقكم ولابعثكم إلا كنفس واحدة) فالبعث ضربان: بشرى

كبعث البعير وبعث الانسان في حاجة، وإلهى وذلك ضربان: أحدهما إيجاد الاعيان والاجناس والانواع عن ليس وذلك يختص به الباري تعالى ولم يقدر عليه أحدا.
والثانى إحياء الموتى،
وقد خص بذلك بعض أوليائه كعيسى صلى الله عليه وسلم وأمثاله، ومنه قوله عزوجل: (فهذا يوم البعث) يعنى يوم الحشر، وقوله عزوجل: (فبعث الله غرابا يبحث في الارض) أي قيضه (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا) نحو: (أرسلنا رسلنا) وقوله تعالى: (ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا) وذلك إثارة بلا توجيه إلى مكان (ويوم نبعث من كل أمة شهيدا - قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم) وقال عزوجل: (فأماته الله مائة عام ثم بعثه) وعلى هذا قوله عزوجل: (وهو الذى يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه) والنوم من جنس الموت فجعل التوفى فيهما والبعث منهما سواء، وقوله عزوجل: (ولكن كره الله انبعاثهم) أي توجههم ومضيهم.
بعثر: قال الله تعالى: (وإذا القبور بعثرت) أي قلب ترابها وأثير ما فيها، ومن رأى تركيب الرباعي والخماسي من ثلاثيين نحو تهلل وبسمل إذا قال لا إله إلا الله وبسم الله يقول إن بعثر مركب من بعث وأثير وهذا لا يبعد في هذا الحرف فإن البعثرة تتضمن معنى
بعث وأثير.
بعد: البعد ضد القرب وليس لهما حد محدود وإنما ذلك بحسب اعتبار المكان بغيره يقال ذلك في المحسوس وهو الاكثر وفى المعقول نحو قوله تعالى: (ضلوا ضلالا بعيدا) وقوله عزوجل: (أولئك ينادون من مكان بعيد) يقال بعد إذا تباعد وهو بعيد (وما هو من الظالمين ببعيد) وبعد مات والبعد أكثر ما يقال في الهلاك نحو: (بعدت ثمود) وقد قال النابغة: * في الادنى وفى البعد * والبعد والبعد يقال فيه وفى ضد القرب قال تعالى: (فبعدا للقوم الظالمين - فبعدا لقوم لا يؤمنون) وقوله تعالى: (بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد) أي الضلال الذى يصعب الرجوع منه إلى الهدى تشبيها بمن ضل عن محجة الطريق بعدا متناهيا فلا يكاد يرجى له العود إليها وقوله عزوجل: (وما قوم لوط منكم ببعيد) أي تقاربونهم في الضلال فلا يبعد أن يأتيكم ما أتاهم من العذاب.
بعد: يقال في مقابلة قبل ونستوفي أنواعه
في باب قبل إن شاء الله تعالى.
بعر: قال تعالى: (ولمن جاء به حمل بعير) البعير معروف ويقع على الذكر والانثى

كالانسان في وقوعه عليهما وجمعه أبعرة وأباعر وبعران والبعر لما يسقط منه والبعر موضع البعر والمبعار من البعير الكثير البعر.
بعض: بعض الشئ جزء منه ويقال ذلك بمراعاة كل ولذلك يقابل به كل فيقال بعضه وكله وجمعه أبعاض.
قال عزوجل (بعضكم لبعض عدو - وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا - ويلعن بعضكم بعضا) وقد بعضت كذا جعلته أبعاضا نحو جزأته قال أبو عبيدة: (ولأبين لكم بعض الذى تختلفون فيه) أي كل الذى كقول الشاعر: * أو يرتبط بعض النفوس حمامها * وفى قوله هذا قصور نظر منه وذلك أن الاشياء على أربعة أضرب: ضرب في بيانه مفسدة فلا يجوز لصاحب الشريعة أن يبينه كوقت القيامة ووقت الموت، وضرب معقول يمكن للناس إدراكه من غير نبى كمعرفة الله ومعرفته في خلق السموات والارض فلا يلزم صاحب
الشرع أن يبينه، ألا ترى أنه كيف أحال معرفته على العقول في نحو قوله: (قل انظروا ماذا في السموات والارض) وبقوله: (أو لم يتفكروا) وغير ذلك من الآيات.
وضرب يجب عليه بيانه كأصول الشرعيات المختصة بشرعه.
وضرب يمكن الوقوف عليه بما بينه صاحب الشرع كفروع الاحكام، وإذا اختلف الناس في أمر غير الذى يختص بالنبي بيانه فهو مخير بين أن يبين وبين أن لا يبين حسب ما يقتضى اجتهاده وحكمته فإذا قوله تعالى: (لابين لكم بعض الذى تختلفون فيه) لم يرد به كل ذلك وهذا ظاهر لمن ألقى العصبية عن نفسه وأما قول الشاعر: * أو يرتبط بعض النفوس حمامها * فإنه يعنى به نفسه والمعنى إلا أن يتداركني الموت لكن عرض ولم يصرح حسب ما بنيت عليه جملة الانسان في الابتعاد من ذكر موته قال الخليل يقال رأيت غربانا تبتعض أي يتناول بعضها بعضا، والبعوض بنى لفظه من بعض وذلك لصغر جسمها بالاضافة إلى سائر الحيوانات.
بعل: البعل هو الذكر من الزوجين،
قال الله عزوجل: (وهذا بعلى شيخا) وجمعه بعولة نحو فحل وفحولة قال تعالى (وبعولتهن أحق بردهن) ولما تصور من الرجل الاستعلاء على المرأة فجعل سائسها والقائم عليها كما قال تعالى: (الرجال قوامون على النساء) سمى باسمه كل مستعل على غيره فسمى العرب معبودهم الذى يتقربون به إلى الله بعلا لاعتقادهم ذلك فيه في نحو قوله تعالى: (أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين) ويقال أتانا بعل هذه الدابة أي المستعلى عليها، وقيل للارض المستعلية على غيرها بعل ولفحل النحل بعل تشبيها بالبعل من الرجال.
ولما

عظم حتى يشرب بعروقه بعل لاستعلائه، قال صلى الله عليه وسلم فيما سقى بعلا العشر.
ولما كانت وطأة العالي على المستولي عليه مستثقلة في النفس قيل أصبح فلان بعلا على أهله أي ثقيلا لعلوه عليهم، وبنى من لفظ البعل المباعلة والبعال كناية عن الجماع وبعل الرجل يبعل بعولة واستبعل فهو بعل ومستبعل إذا صار بعلا، واستبعل النخل عظم وتصور من البعل الذى هو النخل قيامه في مكانه فقيل
بعل فلان بأمره إذا أدهش وثبت مكانه ثبوت النخل في مقره وذلك كقولهم ما هو إلا شجر، فيمن لا يبرح.
بغت: البغت مفاجأة الشئ من حيث لا يحتسب.
قال تعالى: (لا تأتيكم إلا بغتة) وقال: (بل تأتيهم بغتة) وقال: (أتتهم الساعة بغتة) ويقال بغت كذا فهو باغت.
قال الشاعر: إذا بعثت أشياء قد كان مثلها * قديما فلا تعتدها بغتات بغض: البغض نفار النفس عن الشئ الذى ترغب عنه وهو ضد الحب فإن الحب انجذاب النفس إلى الشئ الذى ترغب فيه.
يقال بغض الشئ بغضا وبغضته بغضاء.
قال الله عزوجل: (وألقينا بينهم العداوة والبغضاء) وقال: (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء).
وقوله عليه السلام: " إن الله تعالى يبغض الفاحش المتفحش " فذكر بغضه له تنبيه على فيضه وتوفيق إحسانه منه.
بغل: قال الله تعالى: (والخيل والبغال والحمير) البغل المتولد من بين الحمار والفرس
وتبغل البعير تشبه به في سعة مشيه وتصور منه عرامته وخبثه فقيل في صفة النذل هو بغل.
بغى: البغى طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرى، تجاوزه أو لم يتجاوزه، فتارة يعتبر في القدر الذى هو الكمية، وتارة يعتبر في الوصف الذى هو الكيفية يقال بغيت الشئ إذا طلبت أكثر ما يجب وابتغيت كذلك، قال عزوجل (لقد ابتغوا الفتنة من قبل)، وقال تعالى: (يبغونكم الفتنة) والبغى على حزبين: أحدهما محمود وهو تجاوز العدل إلى الاحسان والفرض إلى التطوع.
والثانى مذموم وهو تجاوز الحق إلى الباطل أو تجاوزه إلى الشبه كما قال عليه الصلاة والسلام: " الحق بين والباطل بين وبين ذلك أمور مشتبهات، ومن رتع حول الحمى أو شك أن يقع فيه ".
ولان البغى قد يكون محمودا ومذموما قال تعالى: (إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الارض بغير الحق) فخص العقوبة ببغيه بغير الحق.
وأبغيتك أعنتك على طلبه، وبغى الجرح تجاوز الحد في فساده، وبغت المرأة

بغاء إذا فجرت وذلك لتجاوزها إلى ما ليس لها.
قال عزوجل: (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا) وبغت السماء تجاوزت في المطر حد المحتاج إليه.
وبغى تكبر وذلك لتجاوزه منزلته إلى ما ليس له ويستعمل ذلك في أي أمر كان.
قال تعالى: (يبغون في الارض بغير الحق) وقال تعالى: (إنما بغيكم على أنفسكم - وبغى عليه لينصرنه الله - إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم) وقال (فإن بغت إحداهما على الاخرى فقاتلوا التى تبغى) فالبغي في أكثر المواضع مذموم وقوله (غير باغ ولا عاد) أي غير طالب ما ليس له طلبه ولا متجاوز لما رسم له.
قال الحسن غير متناول للذة ولا متجاوز سد الجوعة.
وقال مجاهد رحمه الله: غير باغ على إمام ولا عاد في المعصية طريق الحق.
وأما الابتغاء فقد خص بالاجتهاد في الطلب فمتى كان الطلب لشئ محمود فالابتغاء فيه محمود نحو (ابتغاء رحمة من ربك - وابتغاء وجه ربه الاعلى)، وقولهم ينبغى مطاوع بغى، فإذا قيل ينبغى أن يكون كذا فيقال على وجهين: أحدهما ما يكون مسخرا للفعل نحو: النار ينبغى أن تحرق
الثوب.
والثانى على معنى الاستئهال نحو فلان ينبغى أن يعطى لكرمه.
وقوله تعالى: (وما علمناه الشعر وما ينبغى له) على الاول فإن معناه لا يتسخر ولا يتسهل له، ألا ترى أن لسانه لم يكن يجرى به وقوله تعالى: (وهب لى ملكا لا ينبغى لاحد من بعدى).
بقر: البقر واحدته بقرة قال الله تعالى: (إن البقر تشابه علينا) وقال (بقرة لا فارض ولا بكر - بقرة صفراء فاقع لونها) ويقال في جمعه باقر كحامل وبقير كحكيم، وقيل بيقور، وقيل للذكر ثور وذلك نحو جمل وناقة ورجل وامرأة واشتق من لفظه لفظ لفعله فقيل بقر الارض أي شق.
ولما كان شقه واسعا استعمل في كل شق واسع يقال بقرت بطنه إذا شققته شقا واسعا، وسمى محمد بن على رضى الله عنه باقرا لتوسعه في دقائق العلوم وبقره بواطنها.
وبيقر الرجل في المال وفى غيره اتسع فيه، وبيقر في سفره إذا شق أرضا إلى أرض متوسعا في سيره قال الشاعر: ألا هل أتاها والحوادث جمة * بأن امرأ القيس يهلك بيقرا وبقر الصبيان إذا لعبوا البقيرى وذلك إذا
بقروا حولهم حفائر والبيقران نبت قيل إنه يشق الارض لخروجه ويشقه بعروقه.
بقل: قوله تعالى: (بقلها وقثائها) البقل ما لا ينبت أصله وفرعه في الشتاء وقد اشتق من لفظه لفظ الفعل فقيل بقل أي نبت وبقل وجه الصبى تشبيها به وكذا بقل ناب البعير، قاله ابن السكيت، وأبقل المكان صار ذا بقل

فهو مبقل وبقلت البقل جززته، والمبقلة موضعه.
بقى: البقاء ثبات الشئ على حاله الاولى وهو يضاد الفناء وقد بقى يبقى بقاء وقيل بقى في الماضي موضع بقى وفى الحديث: بقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أي انتظرناه وترصدنا له مدة كثيرة.
والباقى ضربان: باق بنفسه لا إلى مدة وهو الباري تعالى ولا يصح عليه الفناء.
وباق بغيره وهو ما عداه ويصح عليه الفناء.
والباقى بالله ضربان: باق بشخصه إلى أن شاء الله أن يفنيه كبقاء الاجرام السماوية.
وباق بنوعه وجنسه دون شخصه وجزئه كالانسان والحيوان.
وكذا في الآخرة باق بشخصه كأهل الجنة فإنهم يبقون على التأبيد
لا إلى مدة كما قال عزوجل (خالدين فيها) والآخر بنوعه وجنسه كما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أن أثمار أهل الجنة يقطفها أهلها ويأكلونها ثم تخلف مكانها مثلها "، ولكون ما في الآخرة دائما قال عزوجل (وما عند الله خير وأبقى) وقوله تعالى (والباقيات الصالحات) أي ما يبقى ثوابه للانسان من الاعمال وقد فسر بأنها الصلوات الخمس وقيل هي سبحان الله والحمد لله والصحيح أنها كل عبادة يقصد بها وجه الله تعالى وعلى هذا قوله (بقية الله خير لكم) وأضافها إلى الله تعالى، وقوله تعالى: (فهل ترى لهم من باقية) أي جماعة باقية أو فعلة لهم باقية، وقيل معناه بقية قال وقد جاء من المصادر ما هو على فاعل وما هو على بناء مفعول والاول أصح.
بكت: بكة هي مكة عن مجاهد وجعله نحو سبد رأسه وسمده، وضربه لازب ولازم في كون الباء بدلا من الميم، قال عزوجل: (إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة مباركا) وقيل بطن مكة وقيل هي اسم المسجد وقيل هي البيت وقيل هي حيث الطواف وسمى بذلك من التباك أي الازدحام لان الناس
يزدحمون فيه للطواف، وقيل سميت مكة بكة لانها تبك أعناق الجبابرة إذا ألحدوا فيها بظلم.
بكر: أصل الكلمة هي البكرة التى هي أول النهار فاشتق من لفظه لفظ الفعل فقيل بكر فلان بكورا إذا خرج بكرة والبكور المبالغ في البكور وبكر في حاجة وابتكر وباكر مباكرة، وتصور منها معنى التعجيل لتقدمها على سائر أوقات النهار فقيل لكل متعجل في أمر بكر، قال الشاعر: بكرت تلومك بعد وهن في الندى * بسل عليك ملامتي وعتابي وسمى أول الولد بكرا وكذلك أبواه في ولادته إياه تعظيما له نحو بيت الله وقيل أشار إلى ثوابه وما أعد لصالحي عباده مما لايلحقه الفناء وهو المشار إليه بقوله تعالى: (وإن الدار الآخرة

لهى الحيوان) قال الشاعر: * يا بكر بكرين ويا خلب الكبد * فبكر في قوله تعالى: (لا فارض ولا بكر) هي التى لم تلد، وسميت التى لم تفتض بكرا اعتبارا بالثيب لتقدمها عليها فيما يراد له النساء
وجمع البكر أبكار قال تعالى: (إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا) والبكرة المحالة الصغيرة لتصور السرعة فيها.
بكم: قال عزوجل: (صم بكم) جمع أبكم وهو الذى يولد أخرس فكل أبكم أخرس وليس كل أخرس أبكم، قال تعالى: (وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شئ) ويقال بكم عن الكلام إذا ضعف عنه لضعف عقله، فصار كالابكم.
بكى: بكى يبكي بكا وبكاء فالبكاء بالمد سيلان الدمع عن حزن وعويل، يقال إذا كان الصوت أغلب كالرغاء والثغاء وسائر هذه الابنية الموضوعة للصوت، وبالقصر يقال إذا كان الحزن أغلب وجمع الباكى باكون وبكى، قال الله تعالى: (خروا سجدا وبكيا) وأصل بكى فعول كقولهم ساجد وسجود وراكع وركوع وقاعد وقعود لكن قلب الواو ياء فأدغم نحو جاث وجثى وعات وعتي.
وبكى يقال في الحزن وإسالة الدمع معا ويقال في كل واحد منهما منفردا عن الآخر وقوله عزوجل (فليضحكوا قليلا وليبكوا
كثيرا) إشارة إلى الفرح والترح وإن لم تكن مع الضحك قهقهة ولا مع البكاء إسالة دمع.
وكذلك قوله تعالى: (فما بكت عليهم السماء والارض) وقد قيل قيل إن ذلك على الحقيقة وذلك قول من يجعل لهما حياة وعلما وقيل ذلك على المجاز، وتقديره فما بكت عليهم أهل السماء.
بل: للتدارك وهو ضربان: ضرب يناقض ما بعده ما قبله لكن ربما يقصد به لتصحيح الحكم الذى بعده إبطال ما قبله وربما قصد لتصحيح الذى قبله وإبطال الثاني.
فمما قصد به تصحيح الثاني وإبطال الاول قوله تعالى: (إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الاولين - كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) أي ليس الامر كما قالوا بل جهلوا فنبه بقوله ران على قلوبهم على جهلهم وعلى هذا قوله في قصة إبراهيم (قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم قال بل فعله كبيرهم هذا فاسئلوهم إن كانوا ينطقون) ومما قصد به تصحيح الاول وإبطال الثاني قوله تعالى: (فأما الانسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربى أكرمن.
وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربى
أهانن.
كلا بل لا تكرمون اليتيم) أي ليس إعطاؤهم المال من الاكرام ولا منعهم من الاهانة لكن جهلوا ذلك لوضعهم المال في غير

موضعه، وعلى ذلك قوله تعالى: (ص والقرآن ذى الذكر بل الذين كفروا في عزة وشقاق) فإنه دل بقوله: (والقرآن ذى الذكر) أن القرآن مقر للتذكر وأن ليس امتناع الكفار من الاصغاء إليه أن ليس موضعا للذكر بل لتعززهم ومشاقتهم.
وعلى هذا (ق والقرآن المجيد بل عجبوا) أي ليس امتناعهم من الايمان بالقرآن أن لا مجد للقرآن ولكن لجهلهم ونبه بقوله (بل عجبوا) على جهلهم لان التعجب من الشئ يقتضى الجهل بسببه وعلى هذا قوله عزوجل: (ما غرك بربك الكريم الذى خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك كلا بل تكذبون بالدين) كأنه قيل ليس ههنا ما يقتضى أن يغرهم به تعالى ولكن تكذيبهم هو الذى حملهم على ما ارتكبوه.
والضرب الثاني من بل هو أن يكون مبينا للحكم الاول وزائدا عليه بما بعد بل نحو قوله تعالى: (بل قالوا
أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر) فإنه نبه أنهم يقولون أضغاث أحلام بل افتراه يزيدون على ذلك بأن الذى أتى به مفترى افتراه بل يزيدون فيدعون أنه كذاب فإن الشاعر في القرآن عبارة عن الكاذب بالطبع وعلى هذا قوله تعالى: (لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون.
بل تأتيهم بغتة فتبهتهم) أي لو يعلمون ما هو زائد عن الاول وأعظم منه وهو أن تأتيهم بغتة، وجميع ما في القرآن من لفظ بل لا يخرج من أحد هذين الوجهين وإن دق الكلام في بعضه.
بلد: البلد المكان المختط المحدود المتأنس باجتماع قطانه وإقامتهم فيه وجمعه بلاد وبلدان قال عزوجل: (لا أقسم بهذا البلد) قيل يعنى به مكة.
وقال تعالى: (رب اجعل هذا البلد آمنا) وقال: (بلدة طيبة - فأنشرنا به بلدة ميتا - سقناه إلى بلد ميت) وقال عز وجل: (رب اجعل هذا بلدا آمنا) يعنى مكة وتخصيص ذلك في أحد الموضعين وتنكيره في الموضع الآخر له موضع غير هذا الكتاب.
وسميت المفازة بلدا لكونها موطن الوحشيات
والمقبرة بلدا لكونها موطنا للاموات والبلدة منزل من منازل القمر.
والبلدة البلجة ما بين الحاجبين تشبيها بالبلد لتحدده وسميت الكركرة بلدة لذلك وربما استعير ذلك لصدر الانسان.
ولاعتبار الاثر قيل بجلده بلد أي أثر وجمعه أبلاد، قال الشاعر: * وفى النجوم كلوم ذات أبلاد * وأبلد الرجل صار ذا بلد نحو أنجد وأتهم، وبلد لزم البلد ولما كان اللازم لموطنه كثيرا ما يتحير إذا حصل في غير موطنه قيل للمتحير بلد في أمره وأبلد وتبلد، قال الشاعر: * لابد للمحزون أن يتبلدا *

ولكثرة وجود البلادة فيمن كان جلف البدن قيل رجل أبلد عبارة عن العظيم الخلق وقوله تعالى: (والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذى خبث لا يخرج إلا نكدا) كنايتان عن النفوس الطاهرة والنجسة فيما قيل.
بلس: الابلاس الحزن المعترض من شدة البأس، يقال أبلس.
ومنه اشتق إبليس فيما قيل قال عزوجل: (ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون) وقال تعالى: (فأخذناهم
بغتة فإذا هم مبلسون) وقال تعالى: (وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين) ولما كان المبلس كثيرا ما يلزم السكوت وينسى ما يعنيه قيل أبلس فلان إذا سكت وإذا انقطعت حجته، وأبلست الناقة فهى مبلاس إذا لم ترع من شدة الضبعة، وأما البلاس للمسح ففارسي معرب.
بلع: قال عزوجل: (يا أرض ابلعى ماءك) من قولهم بلعت الشئ وابتلعته، ومنه البلوعة وسعد بلع نجم، وبلع الشيب في رأسه أول ما يظهر.
بلغ: البلوغ والبلاغ الانتهاء إلى أقصى المقصد والمنتهى مكانا كان أو زمانا أو أمرا من الامور المقدرة، وربما يعبر به عن المشارفة عليه وإن لم ينته إليه فمن الانتهاء بلغ أشده وبلغ أربعين سنة، وقوله عزوجل: (فإذا بلغن أجلهن فلا تعضلوهن - وماهم ببالغيه - فلما بلغ معه السعي - لعلى أبلغ الاسباب - أيمان علينا بالغة) أي منتهية في التوكيد.
والبلاغ التبليغ نحو قوله عزوجل: (هذا بلاغ للناس) وقوله عزوجل: (بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون - وما علينا إلا البلاغ المبين - فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب) والبلاغ الكفاية
نحو قوله عزوجل: (إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين) وقوله عزوجل: (فإن لم تفعل فما بلغت رسالته) أي إن لم تبلغ هذا أو شيئا مما حملت تكن في حكم من لم يبلغ شيئا من رسالته وذلك أن حكم الانبياء وتكليفاتهم أشد وليس حكمهم كحكم سائر الناس الذين يتجافى عنهم إذا خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا وأما قوله عزوجل: (فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف) فللمشارفة فإنها إذا انتهت إلى أقصى الاجل لا يصح للزوج مراجعتها وإمساكها.
ويقال بلغته الخبر وأبلغته مثله وبلغته أكثر، قال تعالى: (أبلغكم رسالات ربى) وقال: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) وقال عز وجل: (فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم) وقال تعالى: (بلغني الكبر وامرأتى عاقر) وفى موضع: (وقد بلغت من الكبر عتيا) وذلك نحو: أدركني الجهد وأدركت الجهد ولا يصح بلغني المكان وأدركني، والبلاغة تقال على وجهين: أحدهما أن يكون بذاته

بليغا وذلك بأن يجمع ثلاثة أوصاف صوابا
في موضوع لغته وطبقا للمعنى المقصود به وصدقا في نفسه ومتى اخترم وصف من ذلك كان ناقصا في البلاغة.
والثانى: أن يكون بليغا باعتبار القائل والمقول له وهو أن يقصد القائل أمرا فيرده على وجه حقيق أن يقبله المقول له، وقوله تعالى: (وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا) يصح حمله على المعنيين وقول من قال معناه قل لهم إن أظهرتم ما في أنفسكم قتلتم، وقول من قال خوفهم بمكاره تنزل بهم، فإشارة إلى بعض ما يقتضيه عموم اللفظ والبلغة ما يتبلغ به من العيش.
بلى: يقال بلى الثوب بلى وبلاء أي خلق ومنه لمن قيل سافر بلاه سفر أي أبلاه السفر وبلوته اختبرته كأنى أخلقته من كثرة اختباري له، وقرئ: (هنا لك نبلو كل نفس ما أسلفت) أي نعرف حقيقة ما عملت، ولذلك قيل أبليت فلانا إذا اختبرته، وسمى الغم بلاء من حيث إنه يبلى الجسم، قال تعالى: (وفى ذلكم بلاء من ربكم عظيم - ولنبلونكم بشئ من الخوف) الآية، وقال عزوجل: (إن هذا لهو البلاء المبين) وسمى التكليف بلاء من
أوجه: أحدها أن التكاليف كلها مشاق على الابدان فصارت من هذا الوجه بلاء والثانى أنها اختبارات ولهذا قال الله عزوجل: (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين) والثالث أن اختبار الله تعالى للعباد تارة بالمسار ليشكروا وتارة بالمضار ليصبروا فصارت المحنة والمنحة جميعا بلاء، فالمحنة مقتضية للصبر والمنحة مقتضية للشكر، والقيام بحقوق الصبر أيسر من القيام بحقوق الشكر، فصارت المنحة أعظم البلاءين وبهذا النظر قال عمر: بلينا بالضراء فصبرنا وبلينا بالسراء فلم نصبر، ولهذا قال أمير المؤمنين: من وسع عليه دنياه فلم يعلم أنه قد مكر به فهو مخدوع عن عقله، وقال تعالى: (ونبلوكم بالشر والخير فتنة - وليبلى المؤمنين منه بلاء حسنا) وقوله عزوجل (وفى ذلكم بلاء من ربكم عظيم) راجع إلى الامرين، إلى المحنة التى في قوله عزوجل (يذبحون أبناء كم ويستحيون نساءكم) وإلى المنحة التى أنجاهم وكذلك قوله تعالى: (وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين) راجع إلى الامرين كما وصف كتابه بقوله: (قل هو للذين آمنوا
هدى وشفاء) وإذا قيل ابتلى فلان كذا وأبلاه فذلك يتضمن أمرين: أحدهما تعرف حاله والوقوف على ما يجهل من أمره.
والثانى ظهور جودته ورداءته.
وربما قصد به الامران وربما يقصد به أحدهما، فإذا قيل في الله تعالى بلا كذا أو أبلاه فليس المراد منه إلا ظهور جودته ورداءته دون التعرف لحاله والوقوف على ما يجهل من

أمره إذ كان الله علام الغيوب وعلى هذا قوله عزوجل (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن) ويقال أبليت فلانا يمينا إذا عرضت عليه اليمين لتبلوه بها.
بلى: بلى رد للنفي نحو قوله تعالى: (وقالوا لن تمسنا النار) الآية (بلى من كسب سيئة) أو جواب لاستفهام مقترن بنفى نحو (ألست بربكم قالوا بلى) ونعم يقال في الاستفهام المجرد نحو (هل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم) ولا يقال ههنا بلى.
فإذا قيل ما عندي شئ فقلت بلى فهو رد لكلامه وإذا قلت نعم فإقرار منك، قال تعالى: (فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون - وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة
قل بلى وربى لتأتينكم - و قال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى - قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى).
بن: البنان الاصابع، قيل سميت بذلك لان بها صلاح الاحوال التى يمكن للانسان أن يبن بها يريد أن يقيم به ويقال أبن بالمكان يبن ولذلك خص في قوله تعالى (بلى قادرين على أن نسوي بنانه)، وقوله تعالى: (واضربوا منهم كل بنان)، خصه لاجل أنهم بها تقاتل وتدافع، والبنة الرائحة التى تبن بما تعلق به.
بنى: يقال بنيت أبنى بناء وبنية وبنيا، قال عزوجل: (وبنينا فوقكم سبعا شدادا) والبناء اسم لما يبنى بناء، قال تعالى: (لهم غرف من فوقها غرف مبنية) والبنية يعبر بها عن بيت الله قال تعالى: (والسماء بنيناها بأيد - والسماء وما بناها) والبنيان واحد لا جمع لقوله: (لا يزال بنيانهم الذى بنو ريبة في قلوبهم) وقال: (كأنهم بنيان مرصوص - قالوا ابنوا له بنيانا) وقال بعضهم: بنيان
جمع بنيانة فهو مثل شعير وشعيرة وتمر وتمرة ونخل ونخلة، وهذا النحو من الجمع يصح تذكيره وتأنيثه.
وابن أصله بنو لقولهم الجمع أبناء وفى التصغير بنى، قال تعالى: (يا بنى لا تقصص رؤياك على إخوتك - يا بنى إنى أرى في المنام أنى أذبحك - يا بني لا تشرك بالله - يا بنى لا تعبد الشيطان) وسمى بذلك لكونه بناء للاب فإن الاب هو الذى بناه وجعله الله بناء في إيجاده ويقال لكل ما يحصل من جهة شئ أو من تربيته أو بتفقده أو كثرة خدمته له أو قيامه بأمره هو ابنه نحو فلان ابن حرب وابن السبيل للمسافر وابن الليل وابن العلم.
قال الشاعر: * أولاك بنو خير وشر كليهما * وفلان ابن بطنه وابن فرجه إذا كان

همه مصروفا إليهما وابن يومه إذا لم يتفكر في غده، قال تعالى: (وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله) وقال تعالى: (إن ابني من أهلى - إن ابنك سرق) وجمع ابن أبناء وبنون قال عزوجل: (وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة)، وقال عز
وجل (يا بنى لا تدخلوا من باب واحد - يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد - يا بنى آدم لا يفتننكم الشيطان) ويقال في مونث ابن ابنة وبنت والجمع بنات، وقوله تعالى: (هؤلاء بناتى هن أطهر لكم) وقوله: (لقد علمت مالنا في بناتك من حق) فقد قيل خاطب بذلك أكابر القوم وعرض عليهم بناته لا أهل قريته كلهم فإنه محال أن يعرض بنات له قليلة على الجم الغفير، وقيل بل أشار بالبنات إلى نساء أمته وسماهن بنات له لكون كل نبى بمنزلة الاب لامته بل لكونه أكبر وأجل الابوين لهم كما تقدم في ذكر الاب، وقوله تعالى: (ويجعلون لله البنات) هو قولهم عن الله إن الملائكة بنات الله تعالى.
بهت: قال الله عزوجل: (فبهت الذى كفر) أي دهش وتحير، وقد بهته.
قال عزوجل: (هذا بهتان عظيم) أي كذب يبهت سامعه لفظاعته.
قال الله تعالى: (يأتين بهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن) كناية عن الزنا وقيل بل ذلك لكل فعل شنيع يتعاطينه باليد والرجل من تناول ما لا يجوز
والمشى إلى ما يقبح ويقال جاء بالبهيتة أي الكذب.
بهج: البهجة حسن اللون وظهور السرور وفيه قال عزوجل: (حدائق ذات بهجة) وقد بهج فهو بهيج، قال: (وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج).
ويقال بهج كقول الشاعر: * ذات خلق بهج * ولا يجئ منه بهوج وقد ابتهج بكذا أي سر به سرورا بان أثره على وجهه وأبهجه كذا.
بهل: أصل البهل كون الشئ غير مراعى والباهل البعير المخلى عن قيده أو عن سمة أو المخلى ضرعها عن صرار.
قالت امرأة أتيتك باهلا غير ذات صرار أي أبحت لك جميع ما كنت أملكه لم استأثر بشئ دونه وأبهلت فلانا خليته وإرادته تشبيها بالبعير الباهل.
والبهل والابتهال في الدعاء الاسترسال فيه والتضرع نحو قوله عزوجل: (ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) ومن فسر الابتهال باللعن فلاجل أن الاسترسال في هذا المكان لاجل اللعن قال الشاعر: * نظر الدهر إليهم فابتهل *
أي استرسل فيهم فأفناهم.
بهم: البهمة الحجر الصلب وقيل للشجاع

بهمة تشبيها به وقيل لكل ما يصعب على الحاسة إدراكه إن كان محسوسا وعلى الفهم إن كان معقولا مبهم، ويقال أبهمت كذا فاستبهم وأبهمت الباب أغلقته إغلاقا لا يهتدى لفتحه والبهيمة ما لا نطق له وذلك لما في صوته من الابهام لكن خص في التعارف بما عدا السباع والطير فقال تعالى: (أحلت لكم بهيمة الانعام) وليل بهيم فعيل بمعنى مفعل قد أبهم أمره للظلمة أو في معنى مفعل لانه يبهم ما يعن فيه فلا يدرك، وفرس بهيم إذا كان على لون واحد لا يكاد تميزه العين غاية التمييز ومنه ماروى " أنه يحشر الناس يوم القيامة بهما " أي عراة وقيل معرون مما يتوسمون به في الدنيا ويتزينون به والله أعلم، والبهم صغار الغنم والبهمى نبات يستبهم منبته لشركه وقد أبهمت الارض كثر بهمها نحو أعشبت وأبقلت أي كثر عشبها وبقلها.
باب: الباب يقال لمدخل الشئ وأصل ذلك مداخل الامكنة كباب المدينة والدار
والبيت وجمعه أبواب قال تعالى: (واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب) وقال تعالى: (لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة) ومنه يقال في العلم باب كذا وهذا العلم باب إلى علم كذا أي به يتوصل إليه وقال صلى الله عليه وسلم: " أنا مدينة العلم وعلى بابها " أي به يتوصل قال الشاعر: * أتيت المروءة من بابها * قال تعالى: (ففتحنا عليهم أبواب كل شئ) وقال عزوجل (باب باطنه فيه الرحمة) وقد يقال أبواب الجنة وأبواب جهنم للاشياء التى بها يتوصل إليهما، قال تعالى: (ادخلوا أبواب جهنم) وقال تعالى: (حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم) وربما قيل هذا من باب كذا أي مما يصلح له وجمعه بابات وقال الخليل بابة في الحدود وبوبت بابا، أي عملت وأبواب مبوبة، والبواب حافظ البيت وتبوبت بابا اتخذته، وأصل باب بوب.
بيت: أصل البيت مأوى الانسان بالليل لانه يقال بات أقام بالليل كما يقال ظل بالنهار ثم قد يقال للمسكن بيت من غير اعتبار الليل
فيه وجمعه أبيات وبيوت لكن البيوت بالمسكن أخص والابيات بالشعر قال عزوجل (فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا) وقال تعالى: (واجعلوا بيوتكم قبلة - لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم) ويقع ذلك على المتخذ من حجر ومدر وصوف ووبر وبه شبه بيت الشعر، وعبر عن مكان الشئ بأنه بيته وصار أهل البيت متعارفا في آل النبي عليه الصلاة السلام ونبه النبي بقوله " سلمان منا أهل البيت " أن مولى القوم يصح نسبته إليهم، كما قال " مولى القوم منهم وابنه

من أنفسهم.
وبيت الله والبيت العتيق مكة قال الله عزوجل: (وليطوفوا بالبيت العتيق - إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة - وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت) يعنى بيت الله وقوله عزوجل: (وليس البربأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى) إنما نزل في قوم كانوا يتحاشون أن يستقبلوا بيوتهم بعد إحرامهم فنبه تعالى أن ذلك مناف للبر.
وقوله عزوجل: (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام) معناه بكل نوع من المسار، وقوله تعالى: (في بيوت أذن الله أن
ترفع) قيل بيوت النبي نحو: (لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم) وقيل أشير بقوله في بيوت إلى أهل بيته وقومه، وقيل أشير به إلى القلب.
وقال بعض الحكماء في قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة) إنه أريد به القلب وعنى بالكلب الحرص بدلالة أنه يقال كلب فلان إذا أفرط في الحرص وقولهم هو أحرص من كلب.
وقوله تعالى: (وإذ بوأنا لابراهيم مكان البيت) يعنى مكة، و (قالت رب ابن لى عندك بيتا في الجنة) أي سهل لى فيها مقرا (وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتا - واجعلوا بيوتكم قبلة) يعنى المسجد الاقصى، وقوله عزوجل: (فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) فقد قيل إشارة إلى جماعة البيت فسماهم بيتا كتسمية نازل القرية قرية.
والبيات والتبييت قصد العدو ليلا، قال تعالى: (أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون - وبياتا أو هم قائلون) والبيوت ما يفعل بالليل، قال تعالى: (بيت طائفة منهم) يقال لكل فعل دبر فيه بالليل بيت قال عزوجل: (إذ يبيتون
ما لا يرضى من القول) وعلى ذلك قوله عليه السلام: " لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل " وبات فلان يفعل كذا عبارة موضوعة لما يفعل بالليل كظل لما يفعل بالنهار وهما من باب العبادات.
بيد: قال عزوجل: (ما أظن أن تبيد هذه أبدا) يقال باد الشئ يبيد بيادا إذا تفرق وتوزع في البيداء أي المفازة وجمع البيداء بيد، وأتان بيدانة تسكن البيداء.
بور: البوار فرط الكساد ولما كان فرط الكساد يؤدى إلى الفساد كما قيل كسد حتى فسد عبر بالبوار عن الهلاك، يقال بار الشئ يبور بورا وبؤرا، قال عزوجل: (تجارة لن تبور - ومكر أولئك هو يبور) وروى نعوذ بالله من بوار الايم، وقال عزوجل: (وأحلوا قومهم دار البوار) ويقال رجل حائر بائر وقوم حور بور، وقوله تعالى: (حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا) أي هلكى جمع بائر، وقيل بل هو مصدر يوصف به الواحد

والجمع فيقال رجل بور وقوم بور، وقال الشاعر:
يا رسول المليك إن لساني * راتق ما فتقت إذ أنا بور في بار الفحل الناقة إذا تشممها ألاقح هي أم لا، ثم يستعار ذلك للاختبار فيقال برت كذا اختبرته.
بئر: قال عزوجل: (وبئر معطلة وقصر مشيد) وأصله الهمز يقال بأرت بئرا وبأرت بؤرة أي حفيرة، ومنه اشتق المئبر وهو في الاصل حفيرة يستر رأسها ليقع فيها من مر عليها ويقال لها المغواة وعبر بها عن النميمة الموقعة في البلية والجمع المآبر.
بؤس: البؤس والبأس والبأساء الشدة والمكروه إلا أن البؤس في الفقر والحرب أكثر والبأس والبأساء في النكاية نحو: (والله أشد بأسا وأشد تنكيلا - فأخذناهم بالبأساء والضراء - والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس) وقال تعالى: (بأسهم بينهم شديد) وقد بؤس يبؤس، وعذاب بئيس فعيل من البأس أو من البؤس، فلا تبتئس أي لا تلتزم البؤس ولا تحزن، وفى الخبر أنه عليه السلام كان يكره البؤس والتباؤس والتبؤس: أي الضراعة للفقراء أو أن يجعل نفسه ذليلا ويتكلف ذلك جميعا.
وبئس كلمة تستعمل
في جميع المذام، كما أن نعم تستعمل في جميع الممادح ويرفعان ما فيه الالف واللام أو مضافا إلى ما فيه الالف واللام نحو بئس الرجل زيد وبئس غلام الرجل زيد، وينصبان النكرة نحو بئس رجلا وبئس ما كانوا يفعلون أي شيئا يفعلونه، قال تعالى: (وبئس القرار - وبئس مثوى المتكبرين - بئس للظالمين بدلا - لبئس ما كانوا يصنعون) وأصل بئيس بئس وهو من البؤس.
بيض: البياض في الالوان ضد السواد، يقال ابيض ابيضاضا وبياضا فهو مبيض وأبيض قال عزوجل: (يوم تبيض وجوده وتسود وجوه، فأما الذين ابيضت وجوههم) والابيض عرق سمى به لكونه أبيض، ولما كان البياض أفضل لون عندهم كما قيل البياض أفضل والسواد أهول والحمرة أجمل والصفرة أشكل عبر عن الفضل والكرم بالبياض حتى قيل لمن لم يتدنس بمعاب هو أبيض الوجه، وقوله تعالى: (يوم تبيض وجوه) فابيضاض الوجوه عبارة عن المسرة واسودادها عن الغم وعلى ذلك: (وإذا بشر أحدهم بالانثى ظل وجهه مسودا) وعلى نحو
الابيضاض قوله تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة) وقوله: (وجوه يومئذ مسفرة، ضاحكة مستبشرة) وقيل أمك بيضاء من قضاعة، وعلى ذلك قوله تعالى: (بيضاء لذة للشاربين) وسمى البيض لبياضه الواحدة بيضة، وكنى

عن المرأة بالبيضة تشبيها بها في اللون وكونها مصونة تحت الجناح، وبيضة البلد لما يقال في المدح والذم، أما المدح فلمن كان مصونا من بين أهل البلد ورئيسا فيهم، وعلى ذلك قول الشاعر: كانت قريش بيضة فتفلقت * فالمخ خالصه لعبد مناف وأما الذم فلمن كان ذليلا معرضا لمن يتناوله كبيضة متروكة بالبلد أي العراء والمفازة.
وبيضتا الرجل سميتا بذلك تشبيها بها في الهيئة والبياض، يقال باضت الدجاجة وباض كذا أي تمكن، قال الشاعر: بدا من ذوات الضغن يأوى * صدورهم فعشش ثم باض وباض الحر تمكن وباضت يد المرأة إذا ورمت ورما على هيئة البيض، ويقال دجاجة
بيوض ودجاج بيض.
بيع: البيع إعطاء المثمن وأخذ الثمن، والشراء إعطاء الثمن وأخذ المثمن، ويقال للبيع الشراء وللشراء البيع وذلك بحسب ما يتصور من الثمن والمثمن وعلى ذلك قوله عزوجل: (وشروه بثمن بخس) وقال عليه السلام: " لا يبيعن أحدكم على بيع أخيه " أي لا يشترى على شراه، وأبعت الشئ عرضته للبيع نحو قول الشاعر: * فرسا فليس جواده بمباع * والمبايعة والمشاراة تقالان فيهما، قال الله تعالى: (وأحل الله البيع وحرم الربا) وقال (وذروا البيع) وقال عزوجل: (لا بيع فيه ولا خلال - لابيع فيه ولا خلة) وبايع السلطان إذا تضمن بذل الطاعة له بما رضخ له ويقال لذلك بيعة ومبايعة وقوله عزوجل (فاستبشروا ببيعكم الذى بايعتم به) إشارة إلى بيعة الرضوان المذكورة في قوله تعالى: (لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة) وإلى ما ذكر في قوله تعالى: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم) الآية.
وأما الباع فمن الواو بدلالة قولهم: باع في السر يبوع إذا مد
باعه.
بال: البال الحال التى يكترث بها ولذلك يقال ما باليت بكذا بالة أي ما اكترثت به، قال: (كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم) وقال: (فما بال القرون الاولى) أي حالهم وخبرهم، ويعبر بالبال عن الحال الذى ينطوى عليه الانسان فيقال خطر كذا ببالى.
بين: موضوع للخلالة بين الشيئين ووسطهما قال تعالى: (وجعلنا بينهما زرعا) يقال بان كذا أي انفصل وظهر ما كان مستترا منه، ولما اعتبر فيه معنى الانفصال والظهور استعمل في كل واحد منفردا فقيل للبئر البعيدة القعر بيون لبعد ما بين الشفير والقعر لانفصال

حبلها من يد صاحبها.
وبان الصبح ظهر، وقوله تعالى: (لقد تقطع بينكم) أي الوصل، وتحقيقه أنه ضاع عنكم الاموال والعشيرة والاعمال التى كنتم تعتمدونها إشارة إلى قوله سبحانه (يوم لا ينفع مال ولا بنون) وعلى ذلك قوله (لقد جئتمونا فرادى) الآية.
وبين يستعمل تارة اسما وتارة ظرفا، فمن قرأ بينكم جعله اسما ومن قرأ بينكم جعله ظرفا غير
متمكن وتركه مفتوحا، فمن الظرف قوله: (لا تقدموا بين يدى الله ورسوله) وقوله (فقدموا بين يدى نجواكم صدقة - فاحكم بيننا بالحق) وقوله تعالى (فلما بلغا مجمع بينهما) فيجوز أن يكون مصدرا أي موضع المفترق (وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق) ولا يستعمل بين إلا فيما كان له مسافة نحو (بين البلدين) أوله عدد ما اثنان فصاعدا نحو (الرجلين وبين القوم) ولا يضاف إلى ما يقتضى معنى الوحدة إلا إذا كرر نحو: (ومن بيننا وبينك حجاب - فاجعل بيننا وبينك موعد) ويقال هذا الشئ بين يديك أي قريبا منك وعلى هذا قوله (ثم لآتينهم من بين أيديهم - له مابين أيدينا وما خلفنا - وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا - ومصدقا لما بين يدى من التوراة - أأنزل عليه الذكر من بيننا) أي من جملتنا وقوله (قال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذى بين يديه) أي متقدما له من الانجيل ونحوه وقوله (فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم) أي راعوا الاحوال التى تجمعكم من القرابة والوصلة والمودة، ويزاد فيه ما أو الالف فيجعل بمنزله حين
نحو بينما زيد يفعل كذا وبينا يفعل كذا، قال الشاعر: بينا يعنفه الكماة وروعة * يوما أتيح له جرئ سلفع بان: يقال بان واستبان وتبين وقد بينته قال الله سبحانه (وقد تبين لكم من مساكنهم - وتبين لكم كيف فعلنا بهم - وليستبين سبيل المجرمين - قد تبين الرشد من الغى - قد بينا لكم الآيات - ولا بين لكم بعض الذى تحتلفون فيه.
وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم - ليبين لهم الذى يختلفون فيه - فيه آيات بينات) وقال: (شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات) ويقال آية مبينة اعتبارا بمن بينها وآية مبينة وآيات مبينات ومبينات، والبينة الدلالة الواضحة عقلية كانت أو محسوسة وسمى الشاهدان بينة لقوله عليه السلام: " البينة على المدعى واليمين على من أنكر " وقال سبحانه (أفمن كان على بينة من ربه) وقال: (ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حى عن بينة

جاءتهم رسلهم بالبينات) والبيان الكشف عن
الشئ وهو أعم من النطق مختص بالانسان ويسمى ما بين به بيانا.
قال بعضهم: البيان يكون على ضربين: أحدهما بالتنجيز وهو الاشياء التى تدل على حال من الاحوال من آثار صنعه.
والثانى بالاختبار وذلك إما أن يكون نطقا أو كتابة أو إشارة، فمما هو بيان بالحال قوله: (ولا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين) أي كونه عدوا بين في الحال (يريدون أن يصدونا عما كان يعبد آباؤنا فأتونا بسلطان مبين).
وما هو بيان بالاختبار (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر - وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) وسمى الكلام بيانا لكشفه عن المعنى المقصود إظهاره نحو (هذا بيان للناس) وسمى ما يشرح به المجمل والمبهم من الكلام بيانا نحو قوله (ثم إن علينا بيانه) ويقال بينته وأبنته إذا جعلت له بيانا تكشفه نحو: (لتبين للناس ما نزل إليهم) وقال: (نذير مبين - وإن هذا لهو البلاء المبين - ولا يكاد يبين) أي يبين (وهو في الخصام غير مبين).
بواء: أصل البواء مساواة الاجزاء في المكان خلاف النبوة الذى هو منافاة الاجزاء، يقال مكان بواء إذا لم يكن نابيا بنازله، وبوأت له مكانا سويته فتبوأ، وباء فلان بدم فلان يبوء به أي ساواه، قال: (وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتا - ولقد بوأنا بنى إسرائيل مبوأ صدق - تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال - يتبوأ منها حيث يشاء) وروى أنه كان عليه السلام يتبوأ لبوله كما يتبوأ لمنزله.
وبوأت الرمح هيأت له مكانا ثم قصدت الطعن به.
وقال عليه السلام: " من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار "، قال الراعى في صفة إبل: لها أمرها حتى إذا ما تبوأت * بأخفافها مأوى تبوأ مضجعا أي يتركها الراعى حتى إذا وجدت مكانا موافقا للرعى طلب الراعى لنفسه متبوا لمضجعه، ويقال تبوأ فلان كناية عن التزوج كما يعبر عنه بالبناء فيقال بنى بأهله.
ويستعمل البواء في مكافأة المصاهرة والقصاص فيقال فلان بواء لفلان إذا ساواه، وباء بغضب من الله أي حل مبوأ ومعه غضب الله
أي عقوبته، وبغضب في موضع حال كخرج بسيفه أي رجع وجاء له أنه مغضوب وليس مفعولا نحو مر بزيد واستعمال باء تنبيها على أن مكانه الموافق يلزمه فيه غضب الله فكيف غيره من الامكنة وذلك على حد ما ذكر في

قوله: (فبشرهم بعذاب) وقوله: (إنى أريد أن تبوء بإثمى وإثمك) أي تقيم بهذه الحالة، قال * أنكرت باطلها وبؤت بحقها * وقول من قال أقررت بحقها فليس تفسيره بحسب مقتضى اللفظ.
والباءة كناية عن الجماع وحكى عن خلف الاحمر أنه قال في قولهم حياك الله وبياك أن أصله بوأك منزلا فغير لازدواج الكلمة كما غير في قولهم أتيته الغدايا والعشايا.
الباء: يجئ إما متعلقا بفعل ظاهر معه أو متعلقا بمضمر، فالمتعلق بفعل معه ضربان: أحدهما لتعدية الفعل وهو جار مجرى الالف الداخل للتعدية نحو ذهبت به وأذهبته قال: (وإذا مروا باللغو مروا كراما) والثانى للآلة نحو قطعه بالسكين.
والمتعلق بمضمر يكون في موضع الحال نحو خرج بسلاحه أي وعليه السلاح أي ومعه سلاحه وربما قالوا تكون
زائدة نحو: (وما أنت بمؤمن لنا) فبينه وبين قولك ما أنت مؤمنا لنا فرق، فالمتصور من الكلام إذا نصب ذات واحد كقولك زيد خارج، والمتصور منه إذا قيل ما أنت بمؤمن لنا ذاتان كقولك لقيت بزيد رجلا فاضلا فإن قوله رجلا فاضلا وإن أريد به زيد فقد أخرج في معرض يتصور منه إنسان آخر فكأنه قال رأيت برؤيتي لك آخر هو رجل فاضل، وعلى هذا رأيت بك حاتما في السخاء، وعلى هذا (وما أنا بطارد المؤمنين) وقوله: (أليس الله بكاف عبده) قال الشيخ وهذا فيه نظر، وقوله: (تنبت بالدهن) قيل معناه تنبت الدهن وليس ذلك بالمقصود بل المقصود أنها تنبت النبات ومعه الدهن أي والدهن فيه موجود بالقوة ونبه بلفظة بالدهن على ما أنعم به على عباده وهداهم على استنباطه.
وقيل الباء هاهنا للحال أي حاله أن فيه الدهن والسبب فيه أن الهمزة والباء اللتين للتعدية لا يجتمعان وقوله: (وكفى بالله) فقيل كفى الله شهيدا نحو: (وكفى الله المؤمنين القتال) الباء زائدة ولو كان ذلك كما قيل لصح أن يقال كفى بالله المؤمنين القتال وذلك غير سائغ وإنما يجئ
ذلك حيث يذكر بعده منصوب في موضع الحال كما تقدم ذكره، والصحيح أن كفي ههنا موضوع موضع اكتف، كما أن قولهم: أحسن بزيد موضوع موضع ما أحسن، ومعناه اكتف بالله شهيدا وعلى هذا (وكفي بربك هاديا ونصيرا - وكفي بالله وليا) وقوله: (أو لم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد) وعلى هذا قوله حب إلى بفلان أي أحبب إلى به.
ومما ادعى فيه الزيادة الباء في قوله: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) قيل تقديره لا تلقوا أيديكم والصحيح أن معناه لا تلقوا أنفسكم بأيديكم إلى التهلكة إلا أنه حذف المفعول استغناء عنه وقصدا إلى

العموم فإنه لا يجوز إلقاء أنفسهم ولا إلقاء غيرهم بأيديهم إلى التهلكة.
وقال بعضهم الباء بمعنى من في قوله تعالى: (عينا يشرب بها المقربون - عينا يشرب بها عباد الله) أي منها وقيل عينا يشربها والوجه أن لا يصرف ذلك عما عليه وأن العين ههنا إشارة إلى المكان الذى ينبع منه الماء لا إلى الماء بعينه نحو نزلت بعين فصار كقولك مكانا يشرب به وعلى هذا قوله: (فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب) أي
بموضع الفوز.

كتاب التاء التب، والتباب: الاستمرار في الخسران، يقال تبا له وتب له وتببته إذا قلت له ذلك ولتضمن الاستمرار قيل استتب لفلان كذا أي استمر، وتبت يدا أبى لهب أي استمرت في خسرانه نحو: (ذلك هو الخسران المبين - وما زادهم غير تتبيب) أي تخسير (وما كيد فرعون إلا في تباب) تابوت: التابوت فيما بيننا معروف.
(أن يأتيكم التابوت) قيل كان شيئا منحوتا من الخشب فيه حكمة وقيل عبارة عن القلب والسكينة وعما فيه من العلم، وسمى القلب سفط العلم وبيت الحكمة وتابوته ووعاءه وصندوقه وعلى هذا قيل اجعل سرك في وعاء غير سرب، وعلى تسميته بالتابوت قال عمر لابن مسعود رضى الله عنهما: كنيف ملئ علما.
تبع: يقال تبعه واتبعه قفا أثره وذلك تارة بالارتسام والائتمار وعلى ذلك قوله (فمن تبع هداى فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون -
قال يا قوم اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسألكم أجرا - فمن اتبع هداى - اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم - وابتعك الارذلون - واتبعت ملة آبائى - ثم جعلناك على شريعة من الامر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون - واتبعوا ما تتلوا الشياطين - ولا تتبعوا خطوات الشيطان - ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله - هل أتبعك على أن تعلمني - واتبع سبيل من أناب) ويقال أتبعه إذا لحقه قال (فأتبعوهم مشرقين - ثم أتبع سببا - وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة - فأتبعه الشيطان - فأتبعنا بعضهم بعضا) يقال أتبعت عليه أي أحلت عليه ويقال أتبع فلان بمال أي أحيل عليه، والتبيع خص بولد البقر إذا تبع أمه والتبع رجل الدابة وتسميته بذلك كما قال: كأنما الرجلان واليدان * طالبتا وتروهما ربتان والمتبع من البهائم التى يتبعها ولدها، وتبع كانوا رؤساء، سموا بذلك لاتباع بعضهم بعضا في الرياسة والسياسة وقيل تبع ملك يتبعه قومه والجمع التبابعة قال: (أهم خير أم قوم تبع) والتبع الظل.
تبر: التبر الكبير والاهلاك يقال تبره وتبره قال تعالى: (إن هؤلاء متبر ماهم فيه)

وقال: (وكلا تبرنا تتبيرا - وليتبروا ماعلوا تتبيرا) وقوله تعالى: (ولا تزد الظالمين إلا تبارا).
تترى: تترى على فعلى من المواترة أي المتابعة وترا وترا وأصلها واو فأبدلت نحو تراث وتجاه فمن صرفه جعل الالف زائدة لا للتأنيث ومن لم يصرفه جعل ألفه للتأنيث قال (ثم أرسلنا رسلنا تترى) أي متواترين.
قال الفراء يقال تتري في الرفع وتترى في الجر وتترى في النصب والالف فيه بدل من التنوين.
وقال ثعلب هي تفعل، قال أبو على الغبور: ذلك غلط لانه ليس في الصفات تفعل.
تجارة: التجارة التصرف في رأس المال طلبا للربح يقال تجر يتجر وتاجر وتجر كصاحب وصحب.
قال وليس في كلامهم تاء بعدها جيم غير هذا اللفظ فأما تجاه فأصله وجاه وتجوب التاء للمضارعة وقوله (هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم) فقد فسر هذه التجارة بقوله (تؤمنون بالله) إلى آخر الآية
وقال: (اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم - إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم - تجارة حاضرة تديرونها بينكم) قال ابن الاعرابي فلان تاجر بكذا أي حاذق به عارف الوجه المكتسب منه.
تحت: تحت مقابل لفوق قال (لاكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم) وقوله (جنات تجرى من تحتها الانهار - فناداها من تحتها) وتحت يستعمل في المنفصل وأسفل في المتصل يقال المال تحته، وأسفله أغلظ من أعلاه، وفى الحديث: " لا تقوم الساعة حتى يظهر التحوت " أي الارذال من الناس وقيل بل ذلك إشارة إلى ما قال سبحانه (وإذا الارض مدت وألقت ما فيها وتخلت).
تخذ: تخذ بمعنى أخذ قال: وقد تخذت رجلى إلى جنب غرزها * فحوص القطاة المطوق واتخذ افتعل منه (أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني - قل أتخذتم عند الله عهدا - واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى - لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء - لو شئت لاتخذت عليه أجرا)
تراث: (ويأكلون التراث) أصله وراث وهو من باب الواو.
تفث: (ثم ليقضوا تفثهم) أي أزالوا وسخهم يقال قضى الشئ يقضى إذا قطعه وأزاله، وأصل التفث وسخ الظفر وغير ذلك مما شأنه أن يزال عن البدن، قال أعرابي ما أتفثك وأدرنك.
تراب: قال (خلقكم من تراب - يا ليتني كنت ترابا) وترب افتقر كأنه لصق بالتراب قال (أو مسكينا ذا متربة) أي ذا لصوق بالتراب لفقره، وأترب استغنى

كأنه صار له المال بقدر التراب والتراب الارض نفسها، والتيرب واحد التيارب، والتورب والتوراب، وريح تربة تأتى بالتراب ومنه قوله عليه السلام " عليك بذات الدين تربت يداك " تنبيها على أنه لا يفوتنك ذات الدين فلا يحصل لك ما ترومه فتفتقر من حيث لا تشعر.
وبارح ترب ريح فيها تراب، والترائب ضلوع الصدر الواحدة تريبة، قال (يخرج من بين الصلب والترائب) وقوله (أبكارا عربا أترابا - وكواعب أترابا - وعندهم قاصرات الطرف
أتراب) أي لدات تنشأن معا تشبيها في التساوى والتماثل بالترائب التى هي ضلوع الصدر أو لوقوعهن معا على الارض، وقيل لانهن في حال الصبا يلعبن بالتراب معا.
ترفه: الترفه التوسع في النعمة، يقال أترف فلان فهو مترف (أترفناهم في الحياة الدنيا - واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه).
وقال.
(ارجعوا إلى ما أترفتم فيه - وأخذنا مترفيهم بالعذاب - أمرنا مترفيها) وهم الموصوفون بقوله سبحانه: (فأما الانسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه).
ترقوة: (كلا إذا بلغت التراقي) جمع ترقوة وهى عظم وصل مابين ثغرة النحر والعاتق.
ترك: ترك الشئ رفضه قصدا واختيارا أو قهرا واضطرارا، فمن الاول: (وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض) وقوله: (واترك البحر رهوا) ومن الثاني: (كم تركوا من جنات) ومنه تركة فلان لما يخلفه بعد موته وقد يقال في كل فعل ينتهى به إلى حاله ما تركته كذا أو يجرى مجرى كذا جعلته كذا نحو تركت فلانا وحيدا، والتريكة أصله
البيض المتروك في مفازته ويسمى بيضة الحديد بها كتسميتهم إياها بالبيض.
تسعة: التسعة في العدد معروفة وكذا التسعون قال: (تسعة رهط - تسع وتسعون نعجة - عليها تسعة عشر - ثلثمائة سنين وازدادوا تسعا) والتسع من أظماء الابل، والتسع جزء من تسع والتسع ثلاث ليال من الشهر آخرها التاسعة، وتسعت القوم أخذت تسع أموالهم، أو كنت لهم تاسعا.
تعس: التعس أن لا ينتعش من العثرة وأن ينكسر في سفال، وتعس تعسا وتعسة.
قال الله تعالى: (فتعسالهم).
تقوى: تاء التقوى مقلوب من الواو وذلك مذكور في بابه.
متكأ: المتكأ المكان الذى يتكأ عليه والمخدة المتكأ عليها، وقوله: (وأعتدت لهن متكأ) أي أترجا، وقيل طعاما متناولا من قولك اتكأ على كذا فأكله (قال هي عصاي أتوكأ عليها - متكئين على سرر مصفوفة -

على الارائك متكئون - متكئين عليها
متقابلين) تل: أصل التل المكان المرتفع والتليل العتيق (وتله للجبين) أسقطه على التل كقولك تربه أسقطه على التراب، وقيل أسقطه على تليله، والمتل الرمح الذى يتل به.
تلى: تبعه متابعة ليس بينهم ما ليس منها وذلك يكون تارة بالجسم وتارة بالاقتداء في الحكم ومصدره تلو وتلو، وتارة بالقراءة أو تدبر المعنى ومصدره تلاوة (والقمر إذا تلاها) أراد به هاهنا الاتباع على سبيل الاقتداء والمرتبة وذلك أنه يقال إن القمر هو يقتبس النور من الشمس وهو لها بمنزلة الخليفة وقيل وعلى هذا نبه قوله: (جعل الشمس ضياء والقمر نورا) والضياء أعلى مرتبة من النور، إذ كان كل ضياء نورا وليس كل نور ضياء (ويتلوه شاهد منه) أي يقتدى به ويعمل بموجب قوله (يتلون آيات الله) والتلاوة تختص باتباع كتب الله المنزلة تارة بالقراءة وتارة بالارتسام لما فيها من أمر ونهى وترغيب وترهيب، أو ما يتوهم فيه ذلك وهو أخص من القراءة، فكل تلاوة قراءة وليس كل قراءة تلاوة، لا يقال تلوت رقعتك وإنما يقال في القرآن في
شئ إذا قرأته وجب عليك اتباعه (هنالك تتلو كل نفس ما أسلفت - وإذا تتلى عليهم آياتنا - أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم - قل لو شاء الله ما تلوته عليكم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا) فهذا بالقراءة وكذلك (واتل ما أوحى إليك من كتاب ربك - واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق - والتاليات ذكرا) وأما قوله (يتلونه حق تلاوته) فاتباع له بالعلم والعمل (ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم) أي ننزله (واتبعوا ما تتلوا الشياطين)، واستعمل فيه لفظ التلاوة لما كان يزعم الشيطان أن ما يتلونه من كتب الله، والتلاوة والتلية بقية مما يتلى أي يتتبع، وأتليته أي أبقيت منه تلاوة أي تركته قادرا على أن يتلوه وأتليت فلانا على فلان بحق أي أحلته عليه، ويقال فلان يتلو على فلان، ويقول عليه أي يكذب عليه قال: (أتقولون على الله الكذب) ويقال لا أدرى ولا أتلى ولا دريت ولا تليت وأصله ولا تلوت فقيل للمزاوجة كما قيل: " مأزورات غير مأجورات " وإنما هو موزورات.
تمام: تمام الشئ انتهاؤه إلى حد لا يحتاج إلى شئ خارج عنه والناقص ما يحتاج إلى شئ خارج عنه ويقال ذلك للمعدود والممسوح،

تقول عدد تام وليل تام قال (وتمت كلمة ربك - والله متم نوره - وأتممناها بعشر - فتم ميقات ربه).
توراة: التوراة التاء فيه مقلوب وأصله من الورى وبناؤها عند الكوفيين ووراة تفعلة، وقال بعضهم: هي تفعل نحو: تتفل وليس في كلامهم تفعل اسما وعند البصريين وورى هي فوعل نحو حوقل قال تعالى: (إنا أنزلنا التوراة فيها هدي ونور - ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الانجيل).
تارة: نخرجكم تارة أي مرة وكرة أخرى هو فيما قيل تار الجرح التأم.
تين: (والتين والزيتون) قيل هما جبلان وقيل هما المأكولان وتحقيق موردهما واختصاصهما يتعلق بما بعد هذا الكتاب توب: التوب ترك الذنب على أجمل الوجوه وهو أبلغ وجوه الاعتذار، فإن
الاعتذار على ثلاثة أوجه: إما أن يقول المعتذر لم أفعل أو يقول فعلت لاجل كذا أو فعلت وأسأت وقد أقلعت ولا رابع لذلك، وهذا الاخير هو التوبة، والتوبة في الشرع ترك الذنب لقبحه والندم على ما فرط منه والعزيمة على ترك المعاودة وتدارك ما أمكنه أن يتدارك من الاعمال بالاعادة فمتى اجتمعت هذه الاربع فقد كمل شرائط التوبة.
وتاب إلى الله تذكر ما يقتضى الانابة نحو: (فتوبوا إلى الله جميعا - أفلا يتوبون إلى الله - وتاب الله عليه) أي قبل توبته منه (لقد تاب الله على النبي والمهاجرين - ثم تاب عليهم ليتوبوا - فتاب عليكم وعفا عنكم) والتائب يقال لباذل التوبة ولقابل التوبة فالعبد تائب إلى الله والله تائب على عبده والتواب العبد الكثير التوبة وذلك بتركه كل وقت بعض الذنوب على الترتيب حتى يصير تاركا لجميعه، وقد يقال لله ذلك لكثرة قبوله توبة العباد حالا بعد حال وقوله: (ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا) أي التوبة التامة وهو الجمع بين ترك القبيح وتحرى الجميل: (عليه توكلت وإليه متاب - إنه هو التواب الرحيم)
التيه: يقال تاه يتيه إذا تحير وتاه يتوه لغة في تاه يتيه، وفى قصة بنى إسرائيل أربعين سنة يتيهون في الارض، وتوهه وتيهه إذا حيره وطرحه، ووقع في التيه والتوه أي في مواضع الحيرة، ومفازة تيهاء تحير سالكوها.
التاءات: التاء في أول الكلمة للقسم نحو: (تالله لاكيدن أصنامكم) وللمخاطب في الفعل المستقبل نحو: (تكره الناس)

وللتأنيث نحو: (تتنزل عليهم الملائكة) وفى آخر الكلمة تكون إما زائدة للتأنيث فتصير في الوقف هاء نحو قائمة، أو تكون ثابتة في الوقف والوصل وذلك في أخت وبنت، أو تكون في الجمع مع الالف نحو مسلمات ومؤمنات وفى آخر الفعل الماضي لضمير المتكلم مضموما نحو قوله تعالى: (وجعلت له مالا ممدودا) وللمخاطب مفتوحا نحو: (أنعمت عليهم) ولضمير المخاطبة مكسورا نحو: (لقد جئت شيئا فريا) والله أعلم.

كتاب الثاء ثبت: الثبات ضد الزوال يقال ثبت
يثبت ثباتا قال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا) ورجل ثبت وثبيت في الحرب وأثبت السهم، ويقال ذلك للموجود بالبصر أو البصيرة، فيقال فلان ثابت عندي، ونبوة النبي صلى الله عليه وسلم ثابتة والاثبات والتثبيت تارة يقال بالفعل فيقال لما يخرج من العدم إلى الوجود نحو أثبت الله كذا وتارة لما يثبت بالحكم فيقال أثبت الحاكم على فلان كذا وثبته، وتارة لما يكون بالقول سواء كان ذلك صدقا أو كذبا فيقال أثبت التوحيد وصدق النبوة وفلان أثبت مع الله إلها آخر، وقوله تعالى: (ليثبتوك أو يقتلوك) أي يثبطوك ويحيروك، وقوله تعالى: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا) أي يقويهم بالحجج القوية، وقوله تعالى: (ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا) أي أشد لتحصيل علمهم وقيل أثبت لاعمالهم واجتناء ثمرة أفعالهم وأن يكونوا بخلاف من قال فيهم: (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا) يقال ثبته أي قويته، قال الله تعالى: (ولو لا أن ثبتناك) وقال: (فثبتوا
الذين آمنوا) وقال: (وتثبيتا من أنفسهم) وقال: (وثبت أقدامنا).
ثبر: الثبور الهلاك والفساد المثابر على الاتيان أي المواظب من قولهم ثابرت.
قال تعالى (دعوا هنالك ثبورا، لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا) وقوله تعالى: (وإنى لاظنك يا فرعون مثبورا) قال ابن عباس رضى الله تعالى عنه: يعنى ناقص العقل.
ونقصان العقل أعظم هلك، وثبير جبل بمكة.
ثبط: قال الله تعالى: (فثبطهم) حبسهم وشغلهم، يقال ثبطه المرض وأثبطه إذا حبسه ومتعه ولم يكد يفارقه ثبات: قال تعالى: (فانفروا ثبات أو انفروا جميعا) هي جمع ثبة أي جماعة منفردة، قال الشاعر: * وقد أغدو على ثبة كرام * ومنه ثبت على فلان أي ذكرت متفرق محاسنه.
ويصغر ثبية ويجمع على ثبات وثبين، والمحذوف منه الياء.
وأما ثبة الحوض فوسطه الذى يثوب

إليه الماء والمحذوف منه عينه لا لامه.
ثج: يقال ثج الماء وأتى الوادي بثجيجه،
قال الله تعالى: (وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا) وفى الحديث: " أفضل الحج العج والثج) أي رفع الصوت بالتلبية وإسالة دم الحج.
ثخن: يقال ثخن الشئ فهو ثخين إذا غلظ فلم يسل ولم يستمر في ذهابه، ومنه استعير قولهم أثخنته ضربا واستخفافا قال الله تعالى: (ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يثخن في الارض - حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق).
ثرب: التثريب التقريع والتقهير بالذنب قال تعالى (لا تثريب عليكم اليوم) وروى " إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ولا يثربها " ولا يعرف من لفظه إلا قولهم الثرب وهو شحمة رقيقة وقوله تعالى: (يا أهل يثرب) أي أهل المدينة يصح أن يكون أصله من هذا الباب والياء تكون فيه زائدة.
ثعب: قال عزوجل (فإذا هي ثعبان مبين) يجوز أن يكون سمى بذلك من قولهم ثعبت الماء فانثعب أي فجرته وأسلته فسال، ومنه ثعب المطر.
والثعبة ضرب من الوزغ وجمعها ثعب كأنه شبه بالثعبان في هيئته
فاختصر لفظه من لفظه لكونه مختصرا منه في الهيئة.
ثقب: الثاقب المعنى الذى يثقب بنوره وإصابته ما يقع عليه قال الله تعالى: (فأتبعه شهاب ثاقب) وقال تعالى (والسماء والطارق وما أدراك ما الطارق النجم الثاقب) وأصله من الثقبة.
والمثقب الطريق في الجبل الذى كأنه قد ثقب، وقال أبو عمرو: والصحيح المثقب.
وقالوا ثقبت النار أي ذكيتها.
ثقف: الثقف الحذق في إدراك الشئ وفعله ومنه استعير المثاقفة، ورمح مثقف أي مقوم وما يثقف به الثقاف، ويقال ثقفت كذا إذا أدركته ببصرك لحذق في النظر ثم يتجوز به فيستعمل في الادراك وإن لم تكن معه ثقافة قال الله تعالى: (واقتلوهم حيث ثقفتموهم) وقال عزوجل: (فإما تثقفنهم في الحرب)، وقال عزوجل: (ملعونين أينما ثقفوا، أخذوا وقتلوا تقتيلا).
ثقل: الثقل والخفة متقابلان فكل ما يترجح على ما يوزن به أو يقدر به يقال هو ثقيل وأصله في الاجسام ثم يقال في المعاني نحو:
أثقله الغرم والوزر قال الله تعالى: (أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون) والثقيل في الانسان يستعمل تارة في الذم وهو أكثر في التعارف وتارة في المدح نحو قول الشاعر: تخف الارض إذ مازلت عنها * وتبقى ما بقيت بها ثقيلا

حللت بمستقر العز منها * فتمنع جانبيها أن تميلا ويقال في أذنه ثقل إذا لم يجد سمعه كما يقال في أذنه خفة إذا جاد سمعه كأنه يثقل عن قبول ما يلقى إليه، وقد يقال ثقل القول إذا لم يطب سماعه ولذلك قال في صفة يوم القيامة (ثقلت في السموات والارض) وقوله تعالى: (وأخرجت الارض أثقالها) قيل كنوزها وقيل ما تضمنته من أجساد البشر عند الحشر والبعث وقال تعالى: (وتحمل أثقالكم إلى بلد) أي أحمالكم الثقيلة وقال عزوجل: (وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم) أي آثامهم التى تثقلهم وتثبطهم عن الثواب كقوله (ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء
ما يزرون) وقوله عزوجل (انفروا خفافا وثقالا) قيل شبانا وشيوخا وقيل فقراء وأغنياء، وقيل غرباء ومستوطنين، وقيل نشاطا وكسالى وكل ذلك يدخل في عمومها، فإن القصد بالآية الحث على النفر على كل حال تصعب أو تسهل.
والمثقال ما يوزن به وهو من الثقل وذلك اسم لكل سنج قال تعالى: (وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين)، وقال تعالى (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) وقوله تعالى (فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية) فإشارة إلى كثرة الخيرات وقوله تعالى (وأما من خفت موازينه) فإشارة إلى قلة الخيرات.
والثقيل والخفيف يستعملان على وجهين: أحدهما على سبيل المضايفة، وهو أن لا يقال لشئ ثقيل أو خفيف إلا باعتباره بغيره ولهذا يصح للشئ الواحد أن يقال خفيف إذا اعتبرته بما هو أثقل منه وثقيل إذا اعتبرته بما هو أخف منه وعلى هذه الآية المتقدمة آنفا.
والثانى أن يستعمل الثقيل في الاجسام المرجحة إلى أسفل كالحجر والمدر والخفيف يقال في الاجسام المائلة إلى الصعود كالنار والدخان ومن هذا
الثقل قوله تعالى (اثاقلتم إلى الارض).
ثلث: الثلاثة والثلاثون والثلاث والثلثمائة وثلاثة آلاف والثلث والثلثان، وقال عزوجل: (فلامه الثلث) أي أحد أجزائه الثلاثة والجمع أثلاث، قال تعالى: (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة) وقال عزوجل: (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم) وقال تعالى: (ثلاث عورات لكم) أي ثلاثة أوقات العورة، وقال عزوجل: (ولبثوا في كهفهم ثلثمائة سنين) وقال تعالى: (ثلاثة آلاف من الملائكة منزلين) وقال تعالى: (إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثى الليل ونصفه) وقال عزوجل: (مثنى وثلاث ورباع) أي اثنين اثنين وثلاثة ثلاثة.
وثلثت الشئ جزأته أثلاثا، وثلثت القوم أخذت ثلث أموالهم، وأثلثتهم صرت ثالثهم

أو ثلثهم، وأثلثت الدراهم فأثلثت هي وأثلث القوم صاروا ثلاثة، وحبل مثلوث مفتول على ثلاثة قوى، ورجل مثلوث أخذ ثلث ماله، وثلث الفرس وربع جاء ثالثا ورابعا في السباق.
ويقال أثلاثة وثلاثون عندك أو ثلاث وثلاثون ؟ كناية عن الرجال والنساء.
وجاءوا ثلاث ومثلث
أي ثلاثة ثلاثة، وناقة ثلوث تحلب من ثلاثة أخلاف، والثلاثاء والاربعاء في الايام جعل الالف فيهما بدلا من الهاء نحو حسنة وحسناء فخص اللفظ باليوم وحكى ثلثت الشئ تثليثا جعلته على ثلاثة أجزاء وثلث البسر إذا بلغ الرطب ثلثيه أو ثلث العنب أدرك ثلثاه وثوب ثلاثى طوله ثلاثة أذرع.
ثل: الثلة قطعة مجتمعة من الصوف ولذلك قيل للمقيم ثلة ولاعتبار الاجتماع قيل: (ثلة من الاولين وثلة من الآخرين) أي جماعة، وثللت كذا تناولت ثلة منه، وثل عرشه أسقط ثلة منه، والثلل قصر الاسنان لسقوط لثته ومنه أثل فمه سقطت أسنانه وتثللت الركية أي تهدمت.
ثمد: ثمود قيل هو عجمى وقيل هو عربي وترك صرفه لكونه اسم قبيلة وهو فعول من الثمد وهو الماء القليل الذى لا مادة له، ومنه قيل فلان مثمود ثمدته النساء أي قطعت مادة مائه لكثرة غشيانه لهن، ومثمود إذا كثر عليه السؤال حتى فقد مادة ماله.
ثمر: الثمر اسم لكل ما يتطعم من أعمال الشجر، الواحدة ثمرة والجمع ثمار وثمرات كقوله
تعالى: (وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم) وقوله تعالى: (ومن ثمرات النخيل والاعناب) وقوله تعالى: (أنظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه) وقوله تعالى: (ومن كل الثمرات) والثمر قيل هو الثمار، وقيل هو جمعه ويكنى به عن المال المستفاد، وعلى ذلك حمل ابن عباس (وكان له ثمر) ويقال ثمر الله ماله، ويقال لكل نفع يصدر عن شئ ثمرته كقولك ثمرة العلم العمل الصالح، وثمرة العمل الصالح الجنة، وثمرة السوط عقدة أطرافها تشبيها بالثمر في الهيئة والتدلى عنه كتدلى الثمر عن الشجر، والثميرة من اللبن ما تحبب من الزبد تشبيها بالثمر في الهيئة وفى التحصيل عن اللبن.
ثم: حرف عطف يقتضى تأخر ما بعده عما قبله إما تأخيرا بالذات أو بالمرتبة أو بالوضع حسبما ذكر في قبل وفى أول، قال الله تعالى: (أثم إذا ما وقع آمنتم به الآن وقد كنتم به تستعجلون) (ثم قيل للذين ظلموا) وقال عزوجل: (ثم عفونا عنكم من بعد ذلك) وأشباهه.
وثمامة شجر وثمت الشاة إذا رعتها نحو شجرت إذا رعت الشجرة ثم يقال
في غيرها من النبات.
وثممت الشئ جمعته ومنه قيل كنا أهل ثمة ورمة، والثمة جمعة

من حشيش، وثم إشارة إلى المتبعد عن المكان وهنالك للتقرب وهما ظرفان في الاصل، وقوله تعالى: (وإذا رأيت ثم رأيت نعيما) فهو في موضع المفعول.
ثمن: قوله تعالى (وشروه بثمن بخس دراهم) الثمن اسم لما يأخذه البائع في مقابلة المبيع عينا كان أو سلعة وكل ما يحصل عوضا عن شئ فهو ثمنه قال تعالى (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا)، وقال تعالى (ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا) وقال: (ولا تشتروا بآياتى ثمنا قليلا) وأثمنت الرجل بمتاعه وأثمنت له أكثرت له الثمن، وشئ ثمين كثير الثمن، الثمانية والثمانون والثمن في العدد معروف ويقال ثمنته كنت له ثامنا أو أخذت ثمن ماله وقال عزوجل (ثمانية أزواج).
وقال تعالى (سبعة وثامنهم كلبهم) وقال تعالى (على أن تأجرني ثمانى حجج) والثمين الثمن قال الشاعر: * فما صار لى في القسم إلا ثمينها *
وقوله تعالى (فلهن الثمن مما تركتم).
ثنى: الثنى والاثنان أصل لمتصرفات هذه الكلمة ويقال ذلك باعتبار العدد أو باعتبار التكرير الموجود فيه أو باعتبارهما معا، قال الله تعالى: (ثانى اثنين - واثنتا عشرة عينا) وقال (مثنى وثلاث ورباع) فيقال ثنيته تثنية كنت له ثانيا أو أخذت نصف ماله أو ضممت إليه ما صار به اثنين.
الثنى ما يعاد مرتين، قال عليه السلام " لا ثنى في الصدقة "، أي لا تؤخذ في السنة مرتين، قال الشاعر: * لقد كانت ملامتها ثنى * وامرأة ثنى ولدت اثنين والولد يقال له ثنى وحلف يمينا فيها ثنى وثنوي وثنية ومثنوية ويقال للاوى الشئ قد ثناه نحو قوله تعالى (ألا إنهم يثنون صدورهم).
وقراءة ابن عباس يثنوني صدورهم من اثنونيت، وقوله عزوجل (ثانى عطفه) وذلك عبارة عن التنكر والاعراض نحو لوى شدقه ونأى بجانبه.
والثنى من الشاة ما دخل في السنة الثانية وما سقطت ثنيته من البعير، وقد أثنى وثنيت الشئ أثنيه عقدته بثنايين غير مهموز، قيل وإنما لم يهمز لانه بنى الكلمة على التثنية ولم
يبن عليه لفظ الواحد.
والمثناة ما ثنى من طرف الزمان، والثنيان الذى يثنى به إذا عد السادات، وفلان ثنية كذا كناية عن قصور منزلته فيهم، والثنية من الجبل ما يحتاج في قطعه وسلوكه إلى صعود وصدود فكأنه يثنى السير، والثنية من السن تشبيها بالثنية من الجبل في الهيئة والصلابة، والثنيا من الجزور ما يثنيه جازره إلى ثنيه من الرأس والصلب وقيل الثنوى.
والثناء ما يذكر في محامد الناس فيثنى حالا فحالا ذكره، يقال أثنى عليه، وتثنى في مشيته نحو

تبختر، وسميت سور القرآن مثانى في قوله عزوجل: (ولقد آتيناك سبعا من المثانى) لانها تثنى على مرور الاوقات وتكرر فلا تدرس ولا تنقطع دروس سائر الاشياء التى تضمحل وتبطل على مرور الايام.
وعلى ذلك قوله تعالى: (الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثانى) ويصح أنه قيل للقرآن مثانى لما يثنى ويتجدد حالا فحالا من فوائده كما روى في الخبر في صفته: لا يعوج فيقوم ولا يزيغ فيستعتب ولا تنقضي عجائبه.
ويصح
أن يكون ذلك من الثناء تنبيها على أنه أبدا يظهر منه ما يدعو إلى الثناء عليه وعلى من يتلوه ويعلمه ويعمل به وعلى هذا الوجه وصفه بالكرم في قوله تعالى: (إنه لقرآن كريم) وبالمجد في قوله: (بل هو قرآن مجيد).
والاستثناء إيراد لفظ يقتضى رفع بعض ما يوجبه عموم لفظ متقدم أو يقتضى رفع حكم اللفظ فمما يقتضى رفع بعض ما يوجبه عموم اللفظ، قوله عزوجل: (قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميته) الآية وما يقتضى رفع ما يوجبه اللفظ فنحو قوله: والله لافعلن كذا إن شاء الله، وامرأته طالق إن شاء الله، وعبده عتيق إن شاء الله، وعلى هذا قوله تعالى: (إذ أقسموا ليصر منها مصبحين ولا يستثنون).
ثوب: أصل الثوب رجوع الشئ إلى حالته الاولى التى كان عليها، أو إلى الحالة المقدرة المقصودة بالفكرة وهى الحالة المشار إليها بقولهم أول الفكرة آخر العمل، فمن الرجوع إلى الحالة الاولى قولهم ثاب فلان إلى داره وثابت إلى نفسي، وسمى مكان المستسقى على فم البئر مثابة ومن الرجوع إلى الحالة ا لمقدرة المقصودة
بالفكرة، الثوب سمى بذلك لرجوع الغزل إلى الحالة التى قدرت له، وكذا ثواب العمل، وجمع الثوب أثواب وثياب وقوله تعالى: (وثيابك فطهر) يحمل على تطهير الثوب وقيل الثياب كناية عن النفس لقول الشاعر: * ثياب بنى عوف طهارى نقية * وذلك أمر بما ذكره الله تعالى في قوله: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) والثواب ما يرجع إلى الانسان من جزاء أعماله فيسمى الجزاء ثوابا تصورا أنه هو هو ألا ترى كيف جعل الله تعالى الجزاء نفس الفعل في قوله: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) ولم يقل جزاءه، والثواب يقال في الخير والشر لكن الاكثر المتعارف في الخير وعلى هذا قوله عزوجل: (ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب، فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة) وكذلك المثوبة في قوله تعالى: (هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله) فإن ذلك استعارة في الشر كاستعارة البشارة فيه.
قال تعالى: (ولو أنهم

آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله) والاثابة
تستعمل في المحبوب قال تعالى: (فأثابهم الله بما قالوا جنات تجرى من تحتها الانهار) وقد قيل ذلك في المكروه نحو (فأثابكم غما بغم) على الاستعارة كما تقدم، والتثويب في القرآن لم يجئ إلا في المكروه نحو (هل ثوب الكفار) وقوله عزوجل (وإذ جعلنا البيت مثابة) قيل معناه مكانا يكتب فيه الثواب.
والثيب التى تثوب عن الزوج قال تعالى: (ثيبات وأبكارا) وقال عليه السلام " الثيب أحق بنفسها " والتثويب تكرار النداء ومنه التثويب في الاذان، والثوباء التى تعترى الانسان سميت بذلك لتكررها، والثبة الجماعة الثائب بعضهم إلى بعض في الظاهر قال عزوجل (فانفروا ثبات أو انفروا جميعا) قال الشاعر: * وقد أغدو على ثبة كرام * وثبة الحوض ما يثوب إليه الماء وقد تقدم.
ثور: ثار الغبار والسحاب ونحوهما يثور ثورا وثورانا انتشر ساطعا وقد أثرته، قال تعالى (فتثير سحابا) يقال أثرت ومنه قوله تعالى (وأثاروا الارض وعمروها) وثارت الحصبة ثورا تشبيها بانتشار الغبار، وثور شرا كذلك، وثار ثائره كناية عن انتشار
غضبه، وثاوره واثبه، والثور البقر الذى يثار به الارض فكأنه في الاصل مصدر جعل في موضع الفاعل نحو ضيف وطيف في معنى ضائف وطائف.
وقولهم سقط ثور الثقف أي الثائر المنتثر، والثار هو طلب الدم أصله الهمز وليس من هذا الباب.
ثوى: الثواء الاقامة مع الاستقرار يقال ثوى يثوى ثواء قال عزوجل: (وما كنت ثاويا في أهل مدين) وقال: (أليس في جهنم مثوى للمتكبرين) قال الله تعالى: (والنار مثوى لهم - ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين) وقال (النار مثواكم) وقيل من أم مثواك ؟ كناية عمن نزل به ضيف، والثوية مأوى الغنم، والله أعلم بالصواب.

كتاب الجيم جب: قال الله تعالى: (فألقوه في غيابة الجب) أي بئر لم تطو وتسميته بذلك إما لكونه محفورا في جبوب أي في أرض غليظة وإما لانه قد جب والجب قطع الشئ من أصله كجب النخل، وقيل زمن الجباب نحو زمن الصرام، وبعير أجب مقطوع السنام، وناقة
جباء وذلك نحو أقطع وقطعاء للمقطوع اليد، ومعنى مجبوب مقطوع الذكر من أصله، والجبة التى هي اللباس منه وبه شبه ما دخل فيه الرمح من السنان.
والجباب شئ يعلو ألبان الابل وجبت المرأة النساء حسنا إذا غلبتهن، استعارة من الجب الذى هو القطع، وذلك كقولهم قطعته في المناظرة والمنازعة.
وأما الجبجبة فليست من ذلك بل سميت به لصوتها المسموع منها.
جبت: قال الله تعالى: (يؤمنون بالجبت والطاغوت) الجبت والجبس الغسل الذى لا خير فيه، وقيل التاء بدل من السين تنبيها على مبالغته في الغسولة كقول الشاعر: * عمرو بن يربوع شرار الناس * أي خسار الناس، ويقال لكل ما عبد من دون الله جبت وسمى الساحر والكاهن جبتا.
جبر: اصل الجبر إصلاح الشئ بضرب من القهر يقال جبرته فانجبر واجتبر وقد قيل جبرته فجبر كقول الشاعر: * قد جبر الدين الاله فجبر * هذا قول أكثر أهل اللغة وقال بعضهم ليس قوله فجبر مذكورا على سبيل الانفعال بل ذلك
على سبيل الفعل وكرره ونبه بالاول على الابتداء بإصلاحه وبالثانى على تتميمه فكأنه قال قصد جبر الدين وابتدأه فتمم جبره، وذلك أن فعل تارة يقال لمن بتدأ بفعل وتارة لمن فرغ منه.
وتجبر يقال إما لتصور معنى الاجتهاد والمبالغة أو لمعنى التكلف كقول الشاعر: * تجبر بعد الاكل فهو غيص * وقد يقال الجبر تارة في الاصلاح المجرد نحو قول على رضى الله عنه: يا جابر كل كسير، ويا مسهل كل عسير.
ومنه قولهم للخبز جابر ابن حبة.
وتارة في القهر المجرد نحو قوله عليه السلام: " لا جبر ولا تفويض ".
والجبر في الحساب إلحاق شئ به إصلاحا لما يريد إصلاحه وسمى السلطان جبرا كقول الشاعر:

* وأنعم صباحا أيها الجبر * لقهره الناس على ما يريده أو لاصلاح أمورهم، والاجبار في الاصل حمل الغير على أن يجبر الآخر لكن تعورف في الاكراه المجرد فقيل أجبرته على كذا كقولك أكرهته، وسمى الذين يدعون أن الله تعالى يكره العباد على المعاصي في تعارف المتكلمين مجبرة وفى قول
المتقدمين جبرية وجبرية.
والجبار في صفة الانسان يقال لمن يجبر نقيصته بادعاء منزلة من التعالى لا يستحقها وهذا لا يقال إلا على طريق الذم كقوله عزوجل: (وخاب كل جبار عنيد) وقوله تعالى: (ولم يجعلني جبارا شقيا) وقوله عزوجل: (إن فيها قوما جبارين) وقوله عزوجل: (كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار) أي متعال عن قبول الحق والايمان له.
ويقال للقاهر غيره جبار نحو: (وما أنت عليهم بجبار) ولتصور القهر بالعلو على الاقران قيل نخلة جبارة وناقة جبارة.
وما روى في الخبر: ضرس الكافر في النار مثل أحد وكثافة جلده أربعون ذراعا بذراع الجبار، فقد قال ابن قتيبة هو الذراع المنسوب إلى الملك الذى يقال له ذراع الشاة.
فأما في وصفه تعالى نحو: (العزيز الجبار المتكبر) فقد قيل سمى بذلك من قولهم جبرت العقير لانه هو الذى يجبر الناس بفائض نعمه وقيل لانه يجبر الناس أي يقهرهم على ما يريده ودفع بعض أهل اللغة ذلك من حيث اللفظ فقال لا يقال من أفعلت فعال فجبار لا يبنى من أجبرت، فأجيب عنه بأن ذلك من لفظ جبر
المروى في قوله لاجبر ولا تفويض، لامن لفظ الاجبار.
وأنكر جماعة من المعتزلة ذلك من حيث المعنى فقالوا يتعالى الله عن ذلك، وليس ذلك بمنكر فإن الله تعالى قد أجبر الناس على أشياء لا انفكاك لهم منها حسبما تقتضيه الحكمة الالهية لا على ما تتوهمه الغواة الجهلة وذلك كإكراههم على المرض والموت والبعث، وسخر كلا منهم لصناعة يتعاطاها وطريقة من الاخلاق والاعمال يتحراها وجعله مجبرا في صورة مخير فإما راض بصنعته لا يريد عنها حولا، وإما كاره لها يكابدها مع كراهيته لها كأنه لا يجد عنها بدلا ولذلك قال تعالى: (فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون) وقال عزوجل: (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا) وعلى هذا الحد وصف بالقاهر وهو لا يقهر إلا على ما تقتضي الحكمة أن يقهر عليه.
وقد روى عن أمير المؤمنين رضى الله عنه: يا بارئ المسموكات وجبار القلوب على فطرتها شقيها وسعيدها.
فإنه جبر القلوب على فطرتها من المعرفة فذكر لبعض ما دخل في عموم ما تقدم.
وجبروت فعلوت من التجبر، واستجبرت حاله تعاهدت أن أجبرها، وأصابته
مصيبة لا يجتبرها أي لا يتحرى لجبرها من

عظمها، واشتق من لفظ جبر العظم الجبيرة الخرقة التى تشد على المجبور، والجبارة للخشبة التى تشد عليه وجمعها جبائر.
وسمى الدملوج جبارة تشبيها بها في الهيئة.
والجبار لما يسقط من الارض.
جبل: الجبل جمعه أجبال وجبال قال عز وجل (ألم نجعل الارض مهادا والجبال أوتادا) وقال تعالى: (والجبال أرساها) وقال تعالى: (وينزل من السماء من جبال فيها من برد) وقال تعالى: (ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها - ويسئلونك عن الجبال فقل ينسفها ربى نسفا - والجبال أرساها - وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين) واعتبر معانيه فاستعير واشتق منه بحسبه فقيل فلان جبل لا يتزحزح تصورا لمعنى الثبات فيه، وجبله الله على كذا إشارة إلى ما ركب فيه من الطبع الذى يأبى على الناقل نقله، وفلان ذو جبلة أي غليظ الجسم، وثوب جيد الجبلة، وتصور منه معنى العظم فقيل للجماعة العظيمة جبل قال الله تعالى (ولقد أضل منكم جبلا كثيرا)
أي جماعة تشبيها بالجبل في العظم وقرئ جبلا مثقلا، قال التوذى: جبلا وجبلا وجبلا وجبلا.
وقال غيره جبلا جمع جبلة ومنه قوله عزوجل: (واتقوا الذى خلقكم والجبلة الاولين) أي المجبولين على أحوالهم التى بنوا عليها وسبلهم التى قيضوا لسلوكها المشار إليها بقوله تعالى (قل كل يعمل على شاكلته) وجبل صار كالجبل في الغلظ.
جبن: قال تعالى (وتله للجبين) فالجبينان جانبا الجبهة.
والجبن ضعف القلب عما يحق أن يقوى عليه ورجل جبان وامرأة جبان وأجبنته وجدته جبانا وحكمت بجبنه، والجبن ما يؤكل وتجبن اللبن صار كالجبن.
جبه: الجبهة موضع السجود من الرأس قال الله تعالى (فتكوى بها جباههم وجنوبهم) والنجم يقال له جبهة تصورا أنه كالجبهة للمسمى بالاسد، ويقال لاعيان الناس جبهة وتسميتهم بذلك كتسميتهم بالوجوه، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ليس في الجبهة صدقة " أي الخيل.
جبى: يقال جبيت الماء في الحوض جمعته والحوض الجامع له جابية وجمعها جواب، قال
الله تعالى: (وجفان كالجواب) ومنه استعير جبيت الخراج جباية ومنه قوله تعالى: (يجبى إليه ثمرات كل شئ) والاجتباء الجمع على طريق الاصطفاء قال عزوجل (فاجتباه ربه) وقال تعالى (وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها) أي يقولون هلا جمعتها تعريضا منهم بأنك تخترع هذه الآيات وليست من الله.
واجتباء الله العبد تخصيصه إياه بفيض إلهى يتحصل له منه أنواع من النعم بلا سعى من العبد وذلك للانبياء وبعض من يقاربهم من

الصديقين والشهداء كما قال تعالى: (وكذلك يجتبيك ربك - فاجتباه ربه فجعله من الصالحين - واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم) وقوله تعالى: (ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى) وقال عزوجل (يجتبى إليه من يشاء ويهدى إليه من ينيب) وذلك نحو قوله تعالى: (إنا اخلصناهم بخالصة ذكرى الدار).
جث: يقال جثثته فانجث وجسسته فاجتس قال الله عزوجل: (اجتثت من فوق الارض) أي اقتلعت جثته والمجثة ما يجث به
وجثة الشئ شخصه الناتى والجث ما ارتفع من الارض كالاكمة والجثيثة سميت به لما يأتي جثته بعد طحنه، والجثجاث نبت.
جثم: (فأصبحوا في ديارهم جاثمين) استعارة للمقيمين من قولهم جثم الطائر إذا قعد ولطئ بالارض، والجثمان شخص الانسان قاعدا، ورجل جثمة وجثامة كناية عن النئوم والكسلان.
جثا: جثى على ركبتيه جثوا وجثيا فهو جاث نحو عتا يعتو عتوا وعتيا وجمعه جثى نحو باك وبكى وقوله عزوجل (ونذر الظالمين فيها جثيا) يصح أن يكون جمعا نحو بكى وأن يكون مصدرا موصوفا به.
والجاثية في قوله عزوجل: (وترى كل أمة جاثية) فموضوع موضع الجمع، كقولك جماعة قائمة وقاعدة.
جحد: الجحود نفى ما في القلب إثباته وإثبات ما في القلب نفيه، يقال جحد جحودا وجحدا قال عزوجل (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم) وقال عزوجل (بآياتنا يجحدون) ويجحد يختص بفعل ذلك يقال رجل جحد شحيح قليل الخير يظهر الفقر، وأرض
جحدة قليلة النبت، يقال جحدا له ونكدا وأجحد صار ذا جحد.
جحم: الجحمة شدة تأجج النار ومنه الجحيم، وجحم وجهه من شدة الغضب استعارة من جحمة النار وذلك من ثوران حرارة القلب، وجحمت الاسد عيناه لتوقدهما.
جد: الجد قطع الارض المستوية ومنه جد في سيره يجد جدا وكذلك جد في أمره وأجد صار ذا جد، وتصور من جددت الارض القطع المجرد فقيل جددت الارض إذا قطعته على وجه الاصلاح، وثوب جديد أصله المقطوع ثم جعل لكل ما أحدث إنشاؤه، قال (بل هم في لبس من خلق جديد) إشارة إلى النشأة الثانية وذلك قولهم: (أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد) وقوبل الجديد بالخلق لما كان المقصود بالجديد القريب العهد بالقطع من الثوب، ومنه قيل الليل والنهار الجديدان

والاجدان، قال تعالى (ومن الجبال جدد بيض) جمع جدة أي طريقة ظاهرة من قولهم طريق مجدود أي مسلوك مقطوع.
ومنه جادة الطريق،
والجدود والجداء من الضأن التى انقطع لبنها، وجد ثدى أمه على طريق الشتم، وسمى الفيض الالهى جدا قال تعالى: (وأنه تعالى جد ربنا) أي فيضه وقيل عظمته وهو يرجع إلى الاول، وإضافته إليه على سبيل اختصاصه بملكه، وسمى ما جعل الله تعالى للانسان من الحظوظ الدنيوية جدا وهو البخت فقيل جددت وحظظت، وقوله عليه السلام " لا ينفع ذا الجد منك الجد " أي لا يتوصل إلى ثواب الله تعالى في الآخرة وإنما ذلك بالجد في الطاعة وهذا هو الذى أنبأ عنه قوله تعالى: (من كان يريد العاملة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد) الآية (ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا) وإلى ذلك أشار بقوله (يوم لا ينفع مال ولا بنون) والجد أبو الاب وأبو الام.
وقيل معنى لا ينفع ذا الجد لا ينفع أحدا نسبه وأبوته فكما نفى نفع البنين في قوله: (يوم لا ينفع مال ولا بنون)، كذلك نفى نفع الابوة في هذه الآية والحديث.
جدث: قال الله تعالى: (يوم يخرجون من الاجداث سراعا) جمع الجدث يقال
جدث وجدف وفى سورة يس: (فإذاهم من الاجداث إلى ربهم ينسلون).
جدر: الجدار الحائط إلا أن الحائط يقال اعتبارا بالاحاطة بالمكان والجدار يقال اعتبارا بالنتو والارتفاع وجمعه جدر قال تعالى: (وأما الجدار فكان لغلامين) وقال: (جدارا يريد أن ينقض فأقامه) وقال تعالى: (أو من وراء جدر) وفى الحديث: " حتى يبلغ الماء الجدر " وجدرت الجدار رفعته واعتبر منه معنى النتو فقيل جدر الشجر إذا خرج ورقه كأنه جمص وسمى النبات الناتئ من الارض جدرا الواحد جدرة، وأجدرت الارض أخرجت ذلك، وجدر الصبى وجدر إذا خرج جدريه تشبيها بجدر الشجر، وقيل الجدرى والجدرة سلعة تظهر في الجسد وجمعها أجدار، وشاة جدراء.
والجيدر القصير اشتق ذلك من الجدار وزيد فيه حرف على سبيل التهكم حسبما بيناه في أصول الاشتقاق، والجدير المنتهى لانتهاء الامر إليه انتهاء الشئ إلى الجدار وقد جدر بكذا فهو جدير وما أجدره بكذا وأجدر به.
جدل: الجدال المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة وأصله من جدلت الحبل أي
أحكمت فتله ومنه الجديل، وجدلت البناء أحكمته ودرع مجدولة.
والاجدل الصقر المحكم البنية، والمجدل القصر المحكم البناء، ومنه الجدال فكأن المتجادلين يفتل

كل واحد الآخر عن رأيه، وقيل الاصل في الجدال الصراع وإسقاط الانسان صاحبه على الجدالة وهى الارض الصلبة، قال الله تعالى: (وجادلهم بالتى هي أحسن - الذين يجادلون في آيات الله - وإن جادلوك فقل الله أعلم - قد جادلتنا فأكثرت جدالنا - وقرئ - جدلنا - ما ضربوه لك إلا جدلا - وكان الانسان أكثر شئ جدلا) وقال تعالى: (وهم يجادلون في الله - يجادلنا في قوم لوط - وجادلوا بالباطل - ومن الناس من يجادل في الله - ولا جدال في الحج - يا نوح قد جادلتنا).
جذ: الجذ: كسر الشئ وتفتيته ويقال لحجارة الذهب المكسورة ولفتات الذهب جذاذ ومنه قوله تعالى: (فجعلهم جذاذا - عطاء غير مجذوذ) أي غير مقطوع عنهم ولا مخترع، وقيل ما عليه جذة أي متقطع من الثياب.
جذع: الجذع جمعه جذوع (في جذوع النخل)
جذعته قطعته قطع الجذع، والجذع من الابل ما أتت لها خمس سنين ومن الشاة ما تمت له سنة ويقال للدهر الجذع تشبيها بالجذع من الحيوانات.
جذو: الجذوة والجذوة الذى يبقى من الحطب بعد الالتهاب والجمع جذى وجذى قال عزوجل: (أو جذوة من النار) قال الخليل: يقال جذا يجذو نحو جثا يجثو إلا أن جذا أدل على اللزوم، يقال جذا القراد في جنب البعير إذا شد التزاقه به، وأجذت الشجرة صارت ذات جذوة وفى الحديث: " كمثل الارزة المجذية " ورجل جاذ: مجموع الباع كأن يديه جذوة وامرأة جاذية.
جرح: الجرح أثر داء في الجلد يقال جرحه جرحا فهو جريح ومجروح، قال تعالى: (والجروح قصاص) وسمى القدح في الشاهد جرحا تشبيها به، وتسمى الصائدة من الكلاب والفهود والطيور جارحة وجمعها جوارح إما لانها تجرح وإما لانها تكسب، قال عزوجل: (وما علمتم من الجوارح مكلبين) وسميت الاعضاء الكاسبة جوارح تشبيها بها لاحد هذين، والاجتراح اكتساب الاثم وأصله من الجراحة كما أن الاقتراف من قرف القرحة،
قال تعالى: (أم حسب الذين اجترحوا السيئات).
جرد: الجراد معروف قال تعالى: (فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل) وقال: (كأنهم جراد منتشر) فيجوز أن يجعل أصلا فيشتق من فعله جرد الارض ويصح أن يقال سمى ذلك لجرده الارض من النبات، يقال أرض مجرودة أي أكل ما عليها حتى تجردت، وفرس أجرد منحسر الشعر، وثوب جرد خلق وذلك لزوال وبره وقوته.
وتجرد عن الثوب وجردته عنه وامرأة حسنة المتجرد، وروى جردوا القرآن أي لا تلبسوه شيئا آخر ينافيه، وانجرد بنا السير وجرد الانسان شرى جلده من أكل الجراد.

جرز: قال عزوجل (صعيدا جرزا) أي منقطع النبات من أصله، وأرض مجروزة أكل ما عليها والجروز الذى يأكل على الخوان وفى مثل: لا ترضى شانية إلا بجرزه أي باستئصال، والجارز الشديد من السعال تصور منه معنى الجرز، والجراز قطع بالسيف وسيف جراز.
جرع: جرع الماء يجرع وقيل جرع
وتجرعه إذا تكلف جرعه قال عزوجل: (يتجرعه ولا يكاد يسيغه) والجرعة قدر ما يتجرع وأفلت بجريعة الذقن بقدر جرعة من النفس، ونوق مجاريع لم يبق في ضروعها من اللبن إلا جرع، والجرع والجرعاء رمل لا ينبت شيئا كأنه يتجرع البذر.
جرف: قال عزوجل (على شفا جرف هار) يقال للمكان الذى يأكله السيل فيجرفه أي يذهب به جرف، وقد جرف الدهر ماله أي اجتاحه تشبيها به، ورجل جراف نكحة كأنه يجرف في ذلك العمل.
جرم: أصل الجرم قطع الثمرة عن الشجر ورجل جارم وقوم جرام وثمر جريم والجرامة ردئ التمر المجروم وجعل بناؤه بناء النفاية، وأجرم صار ذا جرم نحو أثمر وأتمر وألبن، واستعير ذلك لكل اكتساب مكروه ولا يكاد يقال في عامة كلامهم للكيس المحمود ومصدره جرم، وقول الشاعر في صفة عقاب.
* جريمة نامض في رأس نيق * فإنه سمى اكتسابها لاولادها جرما من حيث إنها تقتل الطيور أو لانه تصورها بصورة مرتكب الجرائم لاجل أولادها كما قال
بعضهم ما ذو ولد وإن كان بهيمة إلا ويذنب لاجل أولاده، فمن الاجرام قوله عزوجل: (إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون) وقال تعالى (فعلى إجرامي) وقال تعالى (كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون) وقال تعالى (إن المجرمين في ضلال وسعر) وقال عزوجل: (إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون) ومن جرم قال تعالى (لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم) فمن قرأ بالفتح فنحو بغيته مالا ومن ضم فنحو أبغيته مالا أي أغثته قال عزوجل (لا يجرمنكم شنآن قوم على أن لاتعدلوا) وقوله عزوجل: (فعلى إجرامي) فمن كسر فمصدر ومن فتح فجمع جرم، واستيعر من الجرم أي القطع حرمت صوف الشاة وتجرم الليل.
والجرم في الاصل المجروم نحو نقض ونفض للمنقوض والمنفوض وجعل اسما للجسم المجروم وقولهم فلان حسن الجرم أي اللون فحقيقته كقولك حسن السخاء.
وأما قولهم حسن الجرم أي الصوت فالجرم في الحقيقة إشارة إلى موضع الصوت لا إلى ذات الصوت ولكن لما كان المقصود بوصفه بالحسن هو الصوت فسر به كقولك

فلان طيب الحلق وإنما ذلك إشارة إلى الصوت لا إلى الحلق نفسه، وقوله عزوجل (لاجرم) قيل إن " لا " يتناول محذوفا نحو " لا " في قوله: (لا أقسم) وفى قول الشاعر: * لا وأبيك ابنة العامري * ومعنى جرم كسب أو جنى (وأن لهم النار) في موضع المفعول كأنه قال كسب لنفسه النار، وقيل جرم وجرم بمعنى لكن خص بهذا الموضع جرم كما خص عمر بالقسم وإن كان عمر وعمر بمعنى ومعناه ليس بجرم أن لهم النار تنبيها أنهم اكتسبوها بما ارتكبوه إشارة إلى نحو قوله (ومن أساء فعليها) وقد قيل في ذلك أقوال أكثرها ليس بمرتضى عند التحقيق وعلى ذلك قوله عزوجل (فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون.
لاجرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون) وقال تعالى: (لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون).
جرى: الجرى المر السريع وأصله كمر الماء ولما يجرى بجريه، يقال جرى يجرى جرية وجريا وجريانا قال عزوجل: (وهذه
الانهار تجرى من تحتي) وقال تعالى: (جنات عدن تجرى من تحتها الانهار) قال (ولتجرى الفلك) وقال تعالى: (فيها عين جارية) وقال: (إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية) أي في السفينة التى تجرى في البحر وجمعها جوار قال عزوجل (الجوار المنشآت) وقال تعالى (ومن آياته الجوار في البحر كالاعلام) ويقال للحوصلة جرية إما لانتهاء الطعام إليها في جريه أو لانها مجرى للطعام.
والاجريا العادة التى يجرى عليها الانسان والجرى الوكيل والرسول الجارى في الامر وهو أخص من لفظ الرسول والوكيل وقد جريت جريا وقوله عليه السلام " لا يستجرينكم الشيطان " يصح أن يدعى فيه معنى الاصل أي لا يحملنكم أن تجروا في ائتماره وطاعته ويصح أن تجعله من الجرى أي الرسول والوكيل ومعناه لا تتولوا وكالة الشيطان ورسالته وذلك إشارة إلى نحو قوله عز وجل (فقاتلوا أولياء الشيطان) وقال عزوجل (إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه).
جزع: قال تعالى (سواء علينا أجزعنا أم صبرنا) الجزع أبلغ من الحزن فإن الحزن عام والجزع هو حزن يصرف الانسان عما هو
بصدده ويقطعه عنه، وأصل الجزع قطع الحبل من نصفه يقال جزعته فانجزع ولتصور الانقطاع منه قيل جزع الوادي لمنقطعه، ولانقطاع اللون بتغيره قيل للخرز المتلون جزع وعنه استعير قولهم لحم مجزع إذا كان ذا لونين، وقيل للبسرة إذا بلغ الارطاب نصفها مجزعة، والجازع خشبة تجعل في وسط البيت فتلقى عليها رؤوس الخشب من الجانبين وكأنما سمى

بذلك إما لتصور الجزعة لما حمل من العبء وإما لقطعه بطوله وسط البيت.
جزء: جزء الشئ ما يتقوم به جملته كأجزاء السفينة وأجزاء البيت وأجزاء الجملة من الحساب.
قال الله تعالى: (ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا) وقال عزوجل: (لكل باب منهم جزء مقسوم) أي نصيب وذلك جزء من الشئ وقال تعالى: (وجعلوا له من عباده جزءا) وقيل ذلك عبارة عن الاناث من قولهم أجزأت المرأة أتت بأنثى، وجزأ الابل مجزأ وجزءا اكتفى بالبقل عن شرب الماء.
وقيل اللحم السمين أجزأ من المهزول، وجزأة السكين العود الذى فيه السيلان تصورا أنه جزء منه.
جزاء: الجزاء الغناء والكفاية قال الله تعالى: (تجزى نفس عن نفس شيئا) وقال تعالى: (لا يجزى والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا) والجزاء ما فيه الكفاية من المقابلة إن خيرا فخير وإن شرا فشر، يقال جزيته كذا وبكذا قال الله تعالى.
(وذلك جزاء من تزكى) وقال: (فله جزاء الحسنى - وجزاء سيئة سيئة مثلها) وقال تعالى: (وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا) وقال عزوجل: (جزاؤكم جزاء موفورا - أولئك يجزون الغرفة بما صبروا - وما تجزون إلا ما كنتم تعملون) والجزية ما يؤخذ من أهل الذمة وتسميتها بذلك للاجتزاء بها في حقن دمهم قال الله تعالى: (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) ويقال جازيك فلان أي كافيك ويقال جزيته بكذا وجازيته ولم يجئ في القرآن إلا جزى دون جازى وذاك أن المجازاة هي المكافأة وهى المقابلة من كل واحد من الرجلين والمكافأة هي مقابلة نعمة بنعمة هي كفؤها ونعمة الله تعالى ليست من ذلك ولهذا لا يستعمل لفظ المكافأة في الله عز وجل وهذا ظاهر.
جس: قال الله تعالى: (ولا تجسسوا) أصل
الجس مس العرق وتعرف نبضه للحكم به على الصحة والسقم وهو أخص من الحس فإن الحس تعرف ما يدركه الحس، والجس تعرف حال ما من ذلك ومن لفظ الجس اشتق الجاسوس.
جسد: الجسد كالجسم لكنه أخص.
قال الخليل رحمه الله: لا يقال الجسد لغير الانسان من خلق الارض ونحوه وأيضا فإن الجسد ماله لون والجسم يقال لما لا يبين له لون كالماء والهواء وقوله عزوجل: (وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام) يشهد لما قال الخليل وقال: (عجلا جسدا له خوار) وقال تعالى: (وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب) وباعتبار اللون قيل للزعفران جساد وثوب مجسد مصبوغ بالجساد، والمجسد الثوب الذى بلى الجسد والجسد والجاسد، والجسد من الدم ما قد يبس.

جسم: الجسم ماله طول وعرض وعمق ولا تخرج أجزاء الجسم عن كونها أجساما وإن قطع ما قطع وجزئ ما قد جزئ، قال الله تعالى: (وزاده بسطة في العلم والجسم -
وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم) تنبيها أن لا وراء الاشباح معنى معتد به، والجسمان قيل هو الشخص والشخص قد يخرج من كونه شخصا بتقطيعه وتجزئته بخلاف الجسم.
جعل: جعل لفظ عام في الافعال كلها وهو أعم من فعل وصنع وسائر أخواتها ويتصرف على خمسة أوجه، الاول: يجرى مجرى صار وطفق فلا يتعدى نحو جعل زبد يقول كذا، قال الشاعر: فقد جعلت قلوص بنى سهيل * من الاكوار مرتعها قريب والثانى: يجرى مجرى أو جد فيتعدى إلى مفعول واحد نحو قوله عزوجل: (وجعل الظلمات والنور - وجعل لكم السمع والابصار والافئدة) والثالث: في إيجاد شئ من شئ وتكوينه منه نحو: (وجعل لكم من أنفسكم أزواجا - وجعل لكم من الجبال أكنانا - وجعل لكم فيها سبلا) والرابع: في تصيير الشئ على حالة دون حالة نحو: (الذى جعل لكم الارض فراشا) وقوله: (جعل لكم مما خلق ظلالا - وجعل القمر فيهن نورا) وقوله تعالى: (إنا جعلناه قرآنا عربيا) والخامس: الحكم بالشئ على الشئ
حقا كان أو باطلا فأما الحق فنحو قوله تعالى (إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين) وأما الباطل فنحو قوله عزوجل: (وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والانعام نصيبا - ويجعلون لله البنات - الذين جعلوا القرآن عضين) والجعالة خرقة ينزل بها القدر، والجعل والجعالة والجعيلة ما يجعل للانسان بفعله فهو أعم من الاجرة والثواب، وكلب يجعل كناية عن طلب السفاد والجعل دويبة.
جفن: الجفنة خصت بوعاء الاطعمة وجمعها جفان قال عزوجل: (وجفان كالجواب) وفى حديث: " وائت الجفنة الغراء " أي الطعام، وقيل للبئر الصغيرة جفنة تشبيها بها، والجفن خص بوعاء السيف والعين وجمعه أجفان وسمى الكرم جفنا تصورا أنه وعاء العنب.
جفا: قال الله تعالى: (فأما الزبد فيذهب جفاء) وهو ما يرمى به الوادي أو القدر من الغثاء إلى جوانبه يقال أجفأت القدر زبدها ألقته إجفاء، وأجفأت الارض صارت كالجفاء في ذهاب خيرها وقيل أصل ذلك الواو لا الهمز، ويقال جفت القدر وأجفت ومنه الجفاء وقد جفوته أجفوه جفوة وجفاء، ومن أصله أخذ
جفا السرج عن ظهر الدابة رفعه عنه.
جل: الجلالة عظم القدر والجلال بغير الهاء التناهى في ذلك وخص بوصف الله تعالى فقيل (ذو الجلال والاكرام) ولم يستعمل

في غيره، والجليل العظيم القدر ووصفه تعالى بذلك إما لخلقه الاشياء العظيمة المستدل بها عليه أو لانه يجل عن الاحاطة به أو لانه يجل أن يدرك بالحواس وموضوعه للجسم العظيم الغليظ ولمراعاة معنى الغلظ فيه قوبل بالدقيق، وقوبل العظيم بالصغير فقيل جليل ودقيق وعظيم وصغير.
وقيل للبعير جليل وللشاة دقيق اعتبارا لاحدهما بالآخر فقيل ما له جليل ولا دقيق وما أجلني ولا أدقنى أي ما أعطاني بعيرا ولا شاة، ثم صار مثلا في كل كبير وصغير، وخص الجلالة بالناقة الجسيمة والجلة بالمسان منها، والجلل كل شئ عظيم، وجللت كذا تناولت وتجللت البقر تناولت جلاله والجلل المتناول من البقر وعبر به عن الشئ الحقير وعلى ذلك قوله كل مصيبة بعده جلل، والجلل ما يغطى به الصحف ثم سميت الصحف مجلة.
وأما الجلجلة فحكاية الصوت وليس من ذلك
الاصل في شئ، ومنه سحاب مجلجل أي مصوت، فأما سحاب مجلل فمن الاول كأنه يجلل الارض بالماء والنبات.
جلب: أصل الجلب سوق الشئ يقال جلبت جلبا، قال الشاعر: * وقد يجلب الشئ البعيد الجواب * وأجلبت عليه صحت عليه بقهر قال الله عزوجل: (وأجلب عليهم بخيلك ورجلك) والجلب المنهى عنه في قوله: " لا جلب " قيل هو أن يجلب المصدق أغنام القوم عن مرعاها فيعدها، وقيل هو أن يأتي أحد المتسابقين بمن يجلب على فرسه وهو أن يزجره ويصيح به ليكون هو السابق.
والجلبة قشرة تعلو الجرح وأجلب فيه والجلب سحابة رقيقة تشبه الجلبة، والجلابيب القمص والخمر الواحد جلباب.
جلت: قال تعالى: (ولما برزوا لجالوت وجنوده) وذلك أعجمى لا أصل له في العربية.
جلد: الجلد قشر البدن وجمعه جلود، قال الله تعالى: (كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها) وقوله تعالى: (الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثانى تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم
وقلوبهم إلى ذكر الله) والجلود عبارة عن الابدان، والقلوب عن النفوس.
وقوله عز وجل: (حتى إذا جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون - وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا) فقد قيل الجلود ههنا كناية عن الفروج.
وجلده ضرب جلده نحو بطنه وظهره وضربه بالجلد نحو عصاه إذا ضربه بالعصا، وقال تعالى: (فاجلدوهم ثمانين جلدة) والجلد الجلد المنزوع عن الحوار وقد جلد جلدا فهو جلد وجليد أي قوى وأصله لاكتساب الجلد قوة، ويقال ماله معقول ولا مجلود أي عقل وجلد، وأرض جلدة تشبيها بذلك وكذا ناقة جلدة وجلدت كذا

أي جعلت له جلدا وفرس مجلد لا يفزع من الضرب وإنما هو تشبيه بالمجلد الذى لا يلحقه من الضرب ألم والجليد الصقيع تشبيها بالجلد في الصلابة.
جلس: أصل الجلس الغليظ من الارض وسمى النجد جلسا لذلك، وروى أنه عليه السلام أعطاهم المعادن القبلية غوريها وجلسها، وجلس أصله أن يقصد بمقعده جلسا من الارض ثم
جعل الجلوس لكل قعود والمجلس لكل موضع يقعد فيه الانسان.
قال الله تعالى: (وإذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم).
جلو: أصل الجلو الكشف الظاهر يقال أجليت القوم عن منازلهم فجلوا عنها أي أبرزتهم عنها ويقال جلاه نحو قول الشاعر: فلما جلاها بالايام تحيرت * ثبات عليها ذلها واكتئابها وقال الله عزوجل: (ولو لا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا) ومنه جلالى خبر وخبر جلى وقياس جلى ولم يسمع فيه جال، وجلوت العروس جلوة وجلوت السيف جلاء والسماء جلواء أي مصحية ورجل أجلى انكشف بعض رأسه عن الشعر.
والتجلى قد يكون بالذات نحو: (والنهار إذا تجلى) وقد يكون بالامر والفعل نحو: (فلما تجلى ربه للجبل) وقيل فلان ابن جلا أي مشهور وأجلوا عن قتيل إجلاء.
جم: قال الله تعالى: (وتحبون المال حبا جما) أي كثيرا من جمة الماء أي معظمه ومجتمعه الذى جم فيه الماء عن السيلان، وأصل الكلمة من الجمام أي الراحة للاقامة وترك
تحمل التعب، وجمام المكوك دقيقا إذا امتلا حتى عجز عن تحمل الزيادة ولاعتبار معنى الكثرة قيل الجمة لقوم يجتمعون في تحمل مكروه ولما اجتمع من شعر الناصية، وجمة البئر مكان يجتمع فيه الماء كأنه أجم أياما، وقيل للفرس جموم الشد تشبيها به، والجماء الغفير والجم الغفير الجماعة من الناس وشاة جماء لا قرن لها اعتبارا بجمة الناصية.
جمح: قال تعالى: (وهم يجمحون) أصله في الفرس إذا غلب فارسه بنشاطه في مروره وجريانه وذلك أبلغ من النشاط والمرح، والجماح سهم يجعل على رأسه كالبندقة يرمى به الصبيان.
جمع: الجمع ضم الشئ بتقريب بعضه من بعض، يقال جمعته فاجتمع، وقال عزوجل: (وجمع الشمس والقمر - وجمع فأوعى - جمع مالا وعدده) وقال تعالى: (يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق) وقال تعالى: (لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون - قل لئن اجتمعت الانس والجن) وقال تعالى: (فجمعناهم جمعا) وقال تعالى: (إن الله جامع

المنافقين - وإذا كانوا معه على أمر جامع) أي أمر له خطر يجتمع لاجله الناس فكأن الامر نفسه جمعهم وقوله تعالى: (ذلك يوم مجموع له الناس) أي جمعوا فيه نحو (ذلك يوم الجمع) وقال تعالى: (يوم يجمعكم ليوم الجمع) ويقال للمجموع جمع وجميع وجماعة وقال تعالى: (وما أصابكم يوم التقى الجمعان) وقال عزوجل (وإن كل لما جميع لدينا محضرون) والجماع يقال في أقوام متفاوتة اجتمعوا قال الشاعر: بجمع غير جماع * وأجمعت كذا أكثر ما يقال فيما يكون جمعا يتوصل إليه بالفكرة نحو (فأجمعوا أمركم وشركاءكم) قال الشاعر: * هل أغزون يوما وأمري مجمع * وقال تعالى: (فأجمعوا كيدكم) ويقال أجمع المسلمون على كذا اجتمعت آراؤهم عليه ونهب مجمع ما توصل إليه بالتدبير والفكرة وقوله عزوجل: (إن الناس قد جمعوا لكم) قيل جمعوا آراءهم في التدبير عليكم وقيل جمعوا جنودهم.
وجميع وأجمع وأجمعون يستعمل لتأكيد الاجتماع على الامر، فأما أجمعون
فتوصف به المعرفة ولا يصح نصبه على الحال نحو قوله تعالى: (فسجد الملائكة كلهم أجمعون - وأتوني بأهلكم أجمعين) فأما جميع فإنه قد ينصب على الحال فيؤكد به من حيث المعنى نحو: (اهبطوا منها جميعا) وقال (فكيدوني جميعا) وقولهم يوم الجمعة لاجتماع الناس للصلاة، قال تعالى (إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله) ومسجد الجامع أي الامر الجامع أو الوقت الجامع وليس الجامع وصفا للمسجد، وجمعوا شهدوا الجمعة أو الجامع أو الجماعة.
وأتان جامع إذا حملت وقدر جماع جامع عظيمة واستجمع الفرس جريا بالغ فمعنى الجمع ظاهر، وقولهم ماتت المرأة بجمع إذا كان ولدها في بطنها فلتصور اجتماعهما، وقولهم هي منه بجمع إذا لم تفتض فلاجتماع ذلك العضو منها وعدم التشقق فيه.
وضربه بجمع كفه إذا جمع أصابعه فضربه بها وأعطاه من الدراهم جمع الكف أي ما جمعته كفه، والجوامع الاغلال لجمعها الاطراف.
جمل: الجمال الحسن الكثير وذلك ضربان أحدهما جمال يختص الانسان به في نفسه أو بدنه أو فعله، والثانى ما يوصل منه إلى غيره.
وعلى هذا الوجه ما روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال " إن الله جميل يحب الجمال " تنبيها أنه منه تفيض الخيرات الكثيرة فيحب من يختص بذلك.
وقال تعالى: (ولكم فيها جمال حين تريحون) ويقال جميل وجمال وجمال على التكثير قال الله: (فصبر جميل - فاصبر صبرا جميلا) وقد جاملت فلانا وأجملت في كذا، وجمالك أي أجمل واعتبر منه معنى الكثرة فقيل لكل

جماعة غير منفصلة جملة ومنه قيل للحساب الذى لم يفصل والكلام الذى لم يبين تفصيله مجمل وقد أجملت الحساب وأجملت في الكلام قال تعالى: (وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة) أي مجتمعا لا كما أنزل نجوما مفترقة، وقول الفقهاء المجمل ما يحتاج إلى بيان فليس بحد له ولا تفسير وإنما هو ذكر أحد أحوال بعض الناس معه، والشئ يجب أن تبين صفته في نفسه التى بها يتميز، وحقيقة المجمل هو المشتمل على جملة أشياء كثيرة غير ملخصة.
والجمل يقال للبعير إذا بزل وجمعه جمال وأجمال وجمالة، قال الله تعالى: (حتى يلج الجمل في سم الخياط) وقوله (جمالات صفر)
جمع جمالة، والجمالة جمع جمل وقرئ جمالات بالضم وقيل هي القلوص، والجامل قطعة من الابل معها راعيها كالباقر، وقولهم اتخذ الليل جملا فاستعارة كقولهم ركب الليل وتسمية الجمل بذلك يكون لما قد أشار إليه بقوله (ولكم فيها جمال) لانهم كانوا يعدون ذلك جمالا لهم.
وجملت الشحم أذبته والجميل الشحم المذاب والاجتمال الادهان به.
وقالت امرأة لبنتها تجملي وتعففى أي كلى الجميل واشربي العفافة.
جن: أصل الجن ستر الشئ عن الحاسة، يقال جنه الليل وأجنه وجن عليه فجنه ستره وأجنه جعل له ما يجنه كقولك قبرته وأقبرته وسقيته وأسقيته.
وجن عليه كذا ستر عليه قال عزوجل (فلما جن عليه الليل رأى كوكبا) والجنان القلب لكونه مستورا عن الحاسة والمجن والمجنة الترس الذى يجن صاحبه قال عز وجل: (اتخذوا أيمانهم جنة) وفى الحديث: " الصوم جنة " والجنة كل بستان ذى شجر يستر بأشجاره الارض، قال عزوجل: (لقد كان لسبا في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال - وبدلناهم بجنتيهم جنتين - ولولا
إذ دخلت جنتك) قيل وقد تسمى الاشجار الساترة جنة، وعلى ذلك حمل قول الشاعر: * من النواضح تسقى جنة سحقا * وسميت الجنة إما تشبيها بالجنة في الارض وإن كان بينهما بون، وإما لستره نعمها عنا المشار إليها بقوله تعالى (فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين) قال ابن عباس رضى الله عنه: إنما قال جنات بلفظ الجمع لكون الجنان سبعا جنة الفردوس وعدن وجنة النعيم ودار الخلد وجنة المأوى ودار السلام وعليين.
والجنين الولد مادام في بطن أمه وجمعه أجنة قال تعالى (وإذا أنتم أجنة في بطون أمهاتكم) وذلك فعيل في معنى مفعول، والجنين القبر، وذلك فعيل في معنى فاعل، والجن يقال على وجهين: أحدهما للروحانيين المستترة عن الحواس كلها بإزاء الانس فعلى هذا تدخل فيه

الملائكة والشياطين فكل ملائكة جن وليس كل جن ملائكة، وعلى هذا قال أبو صالح: الملائكة كلها جن، وقيل بل الجن بعض الروحانيين، وذلك أن الروحانيين ثلاثة:
أخيار وهم الملائكة، وأشرار وهم الشياطين، وأوساط فيهم أخيار وأشرار، وهم الجن ويدل على ذلك قوله تعالى (قل أوحى إلى) إلى قوله عزوجل (وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون) والجنة جماعة الجن قال تعالى: (من الجنة والناس) وقال تعالى: (وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا) والجنة الجنون.
وقال تعالى: (ما بصاحبكم من جنة) أي جنون والجنون حائل بين النفس والعقل وجن فلان قيل أصابه الجن وبنى فعله على فعل كبناء الادواء نحو: زكم ولقى وحم، وقيل اصيب جنانه وقيل حين بين نفسه وعقله فجن عقله بذلك وقوله تعالى (معلم مجنون) أي ضامه من يعلمه من الجن وكذلك قوله تعالى: (أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون) وقيل جن التلاع والآفاق أي كثر عشبها حتى صارت كأنها مجنونة وقوله تعالى (والجان خلقناه من قبل من نار السموم) فنوع من الجن وقوله تعالى (كأنها جان) قيل ضرب من الحيات.
جنب: أصل الجنب الجارحة وجمعه جنوب، قال الله عز وجل (فتكوى بها جباههم وجنوبهم) وقال تعالى: (تتجافى جنوبهم عن
المضاجع) وقال عزوجل (قياما وقعودا وعلى جنوبهم) ثم يستعار في الناحية التى تليها كعادتهم في استعارة سائر الجوارح لذلك نحو اليمين والشمال كقول الشاعر: * من عن يمينى مرة وأمامي * وقيل جنب الحائط وجانبه (والصاحب بالجنب) أي القريب، وقال تعالى (يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله) أي في أمره وحده الذى حده لنا، وسار جنيبه وجنيبته وجنابيه وجنابيته، وجنبته أصبت جنبه نحو: كبدته وفأدته، وجنب شكا جنبه نحو كبد وفئد، وبنى من الجنب الفعل على وجهين أحدهما الذهاب على ناحيته والثانى الذهاب إليه فالاول نحو جنبته وأجنبته ومنه (والجار الجنب) أي البعيد، قال الشاعر: * فلا تحرمنى نائلا عن جنابة * أي عن بعد، ورجل جنب وجانب قال عزوجل (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه - الذين يجتنبون كبائر الاثم) وقال عزوجل: (واجتنبوا قول الزور - واجتنبوا الطاغوت) عبارة عن تركهم إياها (فاجتنبوه لعلكم تفلحون) وذلك أبلغ من قولهم اتركوه،
وجنب بنو فلان إذا لم يكن في إبلهم اللبن، وجنب فلان خيرا وجنب شرا قال تعالى في النار: (وسيجنبها الاتقى الذى يؤتى ماله يتزكى) وإذا أطلق فقيل جنب فلان فمعناه أبعد عن

الخير وكذلك يقال في الدعاء في الخير وقوله عز وجل (واجنبني وبنى أن نعبد الاصنام) من جنبته عن كذا أي أبعدته وقيل هو من جنبت الفرس كأنما سأله أن يقوده عن جانب الشرك بألطاف منه وأسباب خفية.
والجنب الروح في الرجلين وذلك إبعاد إحدى الرجلين عن الاخرى خلقة وقوله تعالى: (وإن كنتم جنبا فاطهروا) أي إن أصابتكم الجنابة وذلك بإنزال الماء أو بالتقاء الختانين.
وقد جنب وأجنب واجتنب وتجنب وسميت الجنابة بذلك لكونها سببا لتجنب الصلاة في حكم الشرع، والجنوب يصح أن يعتبر فيها معنى المجئ من جانب الكعبة وأن يعتبر فيها معنى الذهاب عنه لان المعنيين فيها موجودان، واشتق من الجنوب جنبت الريح هبت جنوبا فأجنبنا دخلنا فيها وجنبنا أصابتنا وسحابة مجنوبة هبت عليها.
جنح: الجناح جناح الطائر يقال جنح الطائر أي كسر جناحه قال تعالي: (ولا طائر يطير بجناحيه) وسمى جانبا الشئ جناحيه فقيل جناحا السفينة وجناحا العسكر وجناحا الوادي وجناحا الانسان لجانبيه، قال عزوجل: (واضمم يدك إلى جناحك) أي جانبك، واضمم إليك جناحك عبارة عن اليد لكون الجناح كاليد، ولذلك قيل لجناحي الطائر يداه وقوله عزوجل: (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) فاستعارة، وذلك أنه لما كان الذل ضربين: ضرب يضع الانسان، وضرب يرفعه، وقصد في هذا المكان إلى ما يرفعه لا إلى ما يضعه استعار لفظ الجناح فكأنه قيل استعمل الذل الذى يرفعك عند الله تعالى من أجل اكتسابك الرحمة أو من أجل رحمتك لهما (واضممم إليك جناحك من الرهب) وجنحت العير في سيرها أسرعت كأنها استعانت بجناح، وجنح الليل أظل بظلامه والجنح قطعة من الليل مظلمة، قال تعالى: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) أي مالوا من قولهم جنحت السفينة أي مالت إلى أحد جانبيها وسمى الاثم المائل بالانسان عن الحق جناحا، ثم سمى كل إثم
جناحا نحو قوله تعالى: (لا جناح عليكم) في غير موضع، وجوانح الصدر الاضلاع المتصلة رؤوسها في وسط الزور، الواحدة جانحة وذلك لما فيها من الميل.
جند: يقال للعسكر الجند اعتبارا بالغلظة من الجند أي الارض الغليظة التى فيها حجارة ثم يقال لكل مجتمع جند نحو الارواح جنود مجندة قال تعالى: (وإن جندنا لهم الغالبون - إنهم جند مغرقون) وجمع الجند أجناد وجنود قال تعالى (وجنود إبليس أجمعون - وما يعلم جنود ربك إلا هو - اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا

لم تروها) فالجنود الاولى من الكفار والجنود الثانية التى لم تروها الملائكة.
جنف: أصل الجنف ميل في الحكم فقوله (فمن خاف من موص جنفا) أي ميلا ظاهرا وعلى هذا غير متجانف لاثم: أي مائل إليه.
جنى: جنيت الثمرة واجتنيتها والجنى والجنى المجتنى من الثمر والعسل وأكثر ما يستعمل الجنى فيما كان غضا، قال تعالى:
(تساقط عليك رطبا جنيا) وقال تعالى (وجنا الجنتين دان) وأجنى الشجر أدرك ثمره والارض كثر جناها واستعير من ذلك جنى فلان جناية كما استعير اجترم.
جهد: الجهد والجهد الطاقة والمشقة وقيل الجهد بالفتح المشقة والجهد الواسع وقيل الجهد للانسان، وقال تعالى (والذين لا يجدون إلا جهدهم) وقال تعالى: (وأقسموا بالله جهد أيمانهم) أي حلفوا واجتهدوا في الحلف أن يأتوا به على أبلغ ما في وسعهم.
والاجتهاد أخذ النفس ببذل الطاقة وتحمل المشقة، يقال جهدت رأيى وأجهدته أتعبته بالفكر، والجهاد والمجاهدة استفراغ الوسع في مدافعة العدو، والجهاد ثلاثة أضرب: مجاهدة العدو الظاهر، ومجاهدة الشيطان، ومجاهدة النفس، وتدخل ثلاثتها في قوله تعالى: (وجاهدوا في الله حق جهاده - وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله - إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله) وقال صلى الله عليه وسلم: " جاهدوا أهواءكم كما تجاهدون أعداءكم " والمجاهدة تكون باليد واللسان، قال صلى الله عليه وسلم: " جاهدوا الكفار
بأيديكم وألسنتكم ".
جهر: يقال لظهور الشئ بإفراط حاسة البصر أو حاسة السمع، أما البصر فنحو: رأيته جهارا، قال الله تعالى: (لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة - أرنا الله جهرة) ومنه جهر البئر واجتهرها إذا أظهر ماءها، وقيل ما في القوم أحد يجهر عينى، والجوهر فوعل منه وهو ما إذا بطل بطل محموله، وسمى بذلك لظهوره للحاسة.
وأما السمع فمنه قوله تعالى: (سواء منكم من أسر القول ومن جهر به) وقال عزوجل: (وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى - إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون - وأسروا قولكم أو اجهروا به - ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها) وقال: (ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض) وقيل كلام جوهرى وجهير يقال لرفيع الصوت ولمن يجهر بحسنه.
جهز: قال تعالى: (فلما جهزهم بجهازهم) الجهاز ما يعد من متاع وغيره والتجهيز حمل ذلك أو بعثه، وضرب البعير بجهازه إذا ألقى متاعه في رجله فنفر، وجهيزة امرأة محمقة

وقيل للذئبة التى ترضع ولد غيرها جهيزة جهل: الجهل على ثلاثة أضرب، الاول: وهو خلو النفس من العلم، هذا هو الاصل، وقد جعل ذلك بعض المتكلمين معنى مقتضيا للافعال الجارية على غير النظام.
والثانى: اعتقاد الشئ بخلاف ما هو عليه.
والثالث: فعل الشئ بخلاف ما حقه أن يفعل سواء اعتقد فيه اعتقادا صحيحا أو فاسدا كمن يترك الصلاة متعمدا، وعلى ذلك قوله تعالى: (قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين) فجعل فعل الهزو جهلا، وقال عزوجل (فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة) والجاهل تارة يذكر على سبيل الذم وهو الاكثر وتارة لا على سبيل الذم نحو: (يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف) أي من لا يعرف حالهم وليس يعنى المتخصص بالجهل المذموم.
والمجهل الامر والارض والخصلة التى تحمل الانسان على الاعتقاد بالشئ خلاف ما هو عليه.
واستجهلت الريح الغصن حركته كأنها حملته على تعاطى الجهل وذلك استعارة حسنة.
جهنم: اسم لنار الله الموقدة، قيل وأصلها فارسي معرب، وهو جهنام،
والله أعلم.
جيب: قال الله تعالى: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) جمع جيب.
جوب: الجوب قطع الجوبة وهى كالغائط من الارض ثم يستعمل في قطع كل أرض، قال تعالى: (وثمود الذين جابوا الصخر بالواد) ويقال هل عندك جائبة خبر ؟ وجواب الكلام هو ما يقطع الجوب فيصل من فم القائل إلى سمع المستمع، لكن خص بما يعود من الكلام دون المبتدإ من الخطاب، قال تعالى: (فما كان جواب قومه إلا أن قالوا) والجواب يقال في مقابلة السؤال، والسؤال على ضربين: طلب المقال وجوابه المقال، وطلب النوال وجوابه النوال، فعلى الاول: (أجيبوا داعى الله) وقال: (ومن لا يجب داعى الله) وعلى الثاني قوله: (قد أجيبت دعوتكما فاستقيما) أي أعطيتما ما سألتما، والاستجابة قيل هي الاجابة وحقيقتها هي التحرى للجواب والتهيؤ له، لكن عبر به عن الاجابة لقلة انفكاكها منها قال تعالى: (استجيبوا لله وللرسول) وقال: (ادعوني أستجب لكم - فليستجيبوا لى - فاستجاب لهم ربهم -
ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات - والذين استجابوا لربهم) وقال تعالى: (وإذا سألك عبادي عنى فإنى قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان - فليستجيبوا لى - الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح).
جود: قال تعالى: (واستوت على الجودى) قيل هو اسم جبل بين الموصل والجزيرة وهو في الاصل منسوب إلى الجود، والجود بذل

المقتنيات مالا كان أو علما، ويقال رجل جواد وفرس جواد يجود بمدخر عدوه، والجمع الجياد، قال الله تعالى: (بالعشى الصافنات الجياد) ويقال في المطر الكثير جود وفى الفرس جودة، وفى المال جود، وجاد الشئ جودة فهو جيد لما نبه عليه قوله تعالى: (أعطى كل شئ خلقه ثم هدى).
جأر: قال الله تعالى: (فإليه تجأرون) وقال تعالى: (إذا هم يجأرون - لاتجأروا اليوم) جأر إذا أفرط في الدعاء والتضرع تشبيها بجؤار الوحشيات كالظباء ونحوها.
جار: الجار من يقرب مسكنه منك وهو من الاسماء المتضايفة فإن الجار لا يكون
جارا لغيره إلا وذلك الغير جار له كالاخ والصديق، ولما استعظم حق الجار عقلا وشرعا عبر عن كل من يعظم حقه أو يستعظم حق غيره بالجار، قال تعالى: (والجار ذى القربى والجار الجنب) ويقال استجرته فأجارني، وعلى هذا قوله تعالى: (وإنى جار لكم) وقال عزوجل: (وهو يجير ولا يجار عليه) وقد تصور من الجار معنى القرب فقيل لمن يقرب من غيره جاره وجاوره وتجاور، قال تعالى: (لا يجاورونك فيها إلا قليلا) وقال تعالى: (وفى الارض قطع متجاورات) وباعتبار القرب قيل جار عن الطريق ثم جعل ذلك أصلا في العدول عن كل حق فبنى منه الجور، قال تعالى: (ومنها جائر) أي عادل عن المحجة، وقال بعضهم الجائر من الناس هو الذى يمنع من التزام ما يأمر به الشرع.
جوز: قال تعالى: (فلما جاوزه هو) أي تجاوز جوزه، وقال: (وجاوزنا ببنى إسرائيل البحر) وجوز الطريق وسطه وجاز الشئ كأنه لزم جوز الطريق وذلك عبارة عما يسوغ، وجوز السماء وسطها، والجوزاء قيل سميت بذلك لاعتراضها في جوز السماء، وشاة جوزاء أي
ابيض وسطها، وجزت المكان ذهبت فيه وأجزته أنفذته وخلفته.
وقيل استجزت فلانا فأجازنى إذا استسقيته فسقاك، وذلك استعارة.
والحقيقة ما لم يتجاوز ذلك.
جاس: قال الله تعالى: (فجاسوا خلال الديار) أي توسطوها وترددوا بينها ويقارب ذلك جاسوا وداسوا، وقيل الجوس طلب ذلك الشئ باستقصاء والمجوس معروف.
جوع: الجوع الالم الذى ينال الحيوان من خلو المعدة من الطعام، والمجاعة عبارة عن زمان الجدب، ويقال رجل جائع وجوعان إذا كثر جوعه.
جاء: جاء يجئ جيئة ومجيئا والمجئ كالاتيان لكن المجئ أعم لان الاتيان مجئ بسهولة والاتيان قد يقال باعتبار القصد وإن لم يكن منه الحصول، والمجئ يقال اعتبارا بالحصول، ويقال جاء في الاعيان والمعاني ولما

يكون مجيئه بذاته وبأمره ولمن قصد مكانا أو عملا أوزمانا، قال الله عزوجل: (وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى - ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات - ولما جاءت رسلنا
لوطا سئ بهم - فإذا جاء الخوف - إذا جاء أجلهم - بلى قد جاءتك آياتى - فقد جاءوا ظلما وزورا) أي قصدوا الكلام وتعدوه فاستعمل فيه المجئ كما استعمل فيه القصد، قال تعالى: (إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم - وجاء ربك والملك صفا صفا) فهذا بالامر لا بالذات وهو قول ابن عباس رضى الله عنه، وكذا قوله: (فلما جاءهم الحق) يقال جاءه بكذا وأجاءه، قال الله تعالى: (فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة) قيل ألجأها وإنما هو معدى عن جاء وعلى هذا قولهم: شر ما أجاءك إلى مخة عرقوب، وقول الشاعر: * أجاءته المخافة والرجاء * وجاء بكذا استحضره نحو: (لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء - وجئتك من سبإ بنبإ يقين) وجاء بكذا يختلف معناه بحسب اختلاف المجئ به.
جال: جالوت اسم ملك طاغ رماه داود عليه السلام فقتله، وهو المذكور في قوله تعالى: (وقتل داود جالوت).
جو: الجو الهواء، قال الله تعالى: (في جو السماء ما يمسكهن إلا الله) واسم اليمامة جو،
والله أعلم.

كتاب الحاء حب: الحب والحبة يقال في الحنطة والشعير ونحوهما من المطعومات، والحب والحبة في بزور الرياحين، قال الله تعالى: (كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة) وقال: (ولا حبة في ظلمات الارض) وقال تعالى: (إن الله فالق الحب والنوى) وقوله تعالى: (فأنبتنا به جنات وحب الحصيد) أي الحنطة وما يجرى مجراها مما يحصد، وفى الحديث: " كما تنبت الحبة في حميل السيل " والحب من فرط حبه، والحبب تنضد الاسنان تشبيها بالحب.
والحباب من الماء النفاخات تشبيها به، وحبة القلب تشبيها بالحبة في الهيئة، وحببت فلانا يقال في الاصل بمعنى أصبت حبة قلبه نحو شغفته وكبدته وفأدته.
وأحببت فلانا جعلت قلبى معرضا لحبه لكن في التعارف وضع محبوب موضع محب: واستعمل حببت أيضا في موضع أحببت، والمحبة إرادة ما تراه أو تظنه خيرا وهى على ثلاثة أوجه: محبة للذة كمحبة الرجل المرأة
ومنه: (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا) ومحبة للنفع كمحبة شئ ينتفع به، ومنه: (وأخرى تحبونها، نصر من الله وفتح قريب) ومحبة للفضل كمحبة أهل العلم بعضهم لبعض لاجل العلم.
وربما فسرت المحبة بالارادة في نحو قوله تعالى: (فيه رجال يحبون أن يتطهروا) وليس كذلك فإن المحبة أبلغ من الارادة كما تقدم آنفا فكل محبة إرادة، وليس كل إرادة محبة، وقوله عزوجل: (إن استحبوا الكفر على الايمان) أي إن آثروه عليه، وحقيقة الاستحباب أن يتحرى الانسان في الشئ أن يحبه واقتضى تعديته بعلى معنى الايثار، وعلى هذا قوله تعالى: (وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا) الآية، وقوله تعالى: (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) فمحبة الله تعالى للعبد إنعامه عليه، ومحبة العبد له طلب الزلفى لديه.
وقوله تعالى: (إنى أحببت حب الخير عن ذكر ربى) فمعناه أحببت الخيل حبى للخير، وقوله تعالى: (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) أي يثيبهم وينعم عليهم وقال: (لا يحب كل كفار أثيم) وقوله تعالى: (إن الله لا يحب كل مختال فخور) تنبيها أنه بارتكاب الآثام يصير بحيث
لا يتوب لتماديه في ذلك وإذا لم يتبب لم يحبه

الله المحبة التى وعد بها التوابين والمتطهرين، وحبب الله إلى كذا، قال الله تعالى: (ولكن الله حبب إليكم الايمان) وأحب البعير إذا حرن ولزم مكانه كأنه أحب المكان الذى وقف فيه، وحبابك أن تفعل كذا أي غاية محبتك ذلك.
حبر: الحبر الاثر المستحسن ومنه ما روى " يخرج من النار رجل قد ذهب حبره وسبره " أي جماله وبهاؤه ومنه سمى الحبر، وشاعر محبر وشعر محبر وثوب حبير محسن، ومنه أرض محبار، والحبير من السحاب، وحبر فلان بقى بجلده أثر من قرح.
والحبر العالم وجمعه أحبار لما يبقى من أثر علومهم في قلوب الناس ومن آثار أفعالهم الحسنة المقتدى بها، قال تعالى: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) وإلى هذا المعنى أشار أمير المؤمنين رضى الله عنه بقوله: العلماء باقون ما بقى الدهر، أعيانهم مفقودة وآثارهم في القلوب موجودة.
وقوله عزوجل: (في روضة يحبرون) أي يفرحون حتى يظهر عليهم حبار نعيمهم.
حبس: الحبس المنع من الانبعاث، قال عزوجل: (تحبسونهما من بعد الصلاة) والحبس مصنع الماء الذى يحبسه والاحباس جمع والتحبيس جعل الشئ موقوفا على التأبيد، يقال هذا حبيس في سبيل الله.
حبط: قال الله تعالى: (حبطت أعمالهم - ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون - وسيحبط أعمالهم - ليحبطن عملك) وقال تعالى: (فأحبط الله أعمالهم) وحبط العمل على أضرب: أحدها أن تكون الاعمال دنيوية فلا تغنى في القيامة غناءا كما أشار إليه بقوله: (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءا منثورا) والثانى أن تكون أعمالا أخروية لكن لم يقصد بها صاحبها وجه الله تعالى كما روى " أنه يؤتى يوم القيامة برجل فيقال له بم كان اشتغالك ؟ قال: بقراءة القرآن، فيقال له قد كنت تقرأ ليقال هو قارئ وقد قيل ذلك، فيؤمر به إلى النار ".
والثالث أن تكون أعمالا صالحة ولكن بإزائها سيئات توفى عليها وذلك هو المشار إليه بخفة الميزان، وأصل الحبط من الحبط وهو أن تكثر الدابة أكلا حتى ينتفخ بطنها.
وقال عليه السلام: " إن مما ينبت
الربيع ما يقتل حبطا أو يلم "، وسمى الحارث الحبط لانه أصابه ذلك ثم سمى أولاده حبطات.
حبك: قال تعالى: (والسماء ذات الحبك) هي ذات الطرائق فمن الناس من تصور منها الطرائق المحسوسة بالنجوم والمجرة، ومنهم من اعتبر ذلك بما فيه من الطرائق المعقولة المدركة بالبصيرة، وإلى ذلك أشار بقوله تعالى: (الذين يذكرون الله قياما) الآية، وأصله من قولهم: بعير محبوك القرى، أي محكمه، والاحتباك شد الازار.

حبل: الحبل معروف، قال عزوجل: (في جيدها حبل من مسد) وشبه به من حيث الهيئة حبل الوريد وحبل العاتق والحبل المستطيل من الرمل، واستعير للوصل ولكل ما يتوصل به إلى شئ، قال عزوجل: (واعتصموا بحبل الله جميعا) فحبله هو الذى معه التوصل به إليه من القرآن والعقل وغير ذلك مما إذا اعتصمت به أداك إلى جواره.
ويقال للعهد حبل، وقوله تعالى: (ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس) ففيه تنبيه أن الكافر يحتاج إلى
عهدين: عهد من الله وهو أن يكون من أهل كتاب أنزله الله تعالى وإلا لم يقر على دينه ولم يجعل في ذمة.
وإلى عهد من الناس يبذلونه له.
والحبالة خصت بحبل الصائد جمعها حبائل، وروى: " النساء حبائل الشيطان " والمحتبل والحابل صاحب الحبالة.
وقيل وقع حابلهم على نابلهم، والحبلة اسم لما يجعل في القلادة.
حتم: الحتم القضاء المقدر، والحاتم الغراب الذى يحتم بالفراق فيما زعموا.
حتى: حتى حرف يجر به تارة كإلى، لكن يدخل الحد المذكور بعده في حكم ما قبله ويعطف به تارة ويستأنف به تارة نحو: أكلت السمكة حتى رأسها ورأسها ورأسها، قال تعالى: (ليسجننه حتى حين - وحتى مطلع الفجر) ويدخل على الفعل المضارع فينصب ويرفع، وفى كل واحد وجهان: فأحد وجهى النصب إلى أن، والثانى كى.
وأحد وجهى الرفع أن يكون الفعل قبله ماضيا نحو: مشيت حتى أدخل البصرة، أي مشيت فدخلت البصرة.
والثانى يكون ما بعده حالا نحو: مرض حتى لا يرجون، وقد قرئ: (حتى يقول الرسول) بالنصب والرفع وحمل في كل
واحدة من القراءتين على الوجهين.
وقيل إن ما بعد حتى يقتضى أن يكون بخلاف ما قبله نحو قوله تعالى: (ولاجنبا إلا عابرى سبيل حتى تغتسلوا) وقد يجئ ولا يكون كذلك نحو ما روى: " إن الله تعالى لا يمل حتى تملوا " لم يقصد أن يثبت ملالا لله تعالى بعد ملالهم.
حج: أصل الحج القصد للزيارة، قال الشاعر: * يحجون بيت الزبرقان المعصفرا * خص في تعارف الشرع بقصد بيت الله تعالى إقامة للنسك فقيل الحج والحج، فالحج مصدر والحج اسم، ويوم الحج الاكبر يوم النحر، ويوم عرفة، وروى العمرة الحج الاصغر.
والحجة الدلالة المبينة للمحجة أي المقصد المستقيم والذى يقتضى صحة أحد النقيضين، قال تعالى (قل فلله الحجة البالغة) وقال (لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا) فجعل ما يحتج بها الذين ظلموا مستثنى من

الحجة وإن لم يكن حجة، وذلك كقول الشاعر:
ولاعيب فيهم غير أن سيوفهم * بهن فلول من قراع الكتائب ويجوز أنه سمى ما يحتجون به حجة كقوله: (والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم) فسمى الداحضة حجة، وقوله تعالى: (لاحجة بيننا وبينكم) أي لا احتجاج لظهور البيان، والمحاجة أن يطلب كل واحد أن يرد الآخر عن حجته ومحجته، قال تعالى: (وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله - فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك) وقال تعالى: (لم تحاجون في إبراهيم) وقال تعالى: (ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم - فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم) وقال تعالى: (وإذ يتحاجون في النار) وسمى سبر الجراحة حجا، قال الشاعر: * يحج مأمومة في قعرها لجف * حجب: الحجب والحجاب المنع من الوصول، يقال حجبه حجبا وحجابا، وحجاب الجوف ما يحجب عن الفؤاد، وقوله تعالى: (وبينهما حجاب) ليس يعنى به ما يحجب البصر، وإنما يعنى ما يمنع من وصول لذة أهل الجنة إلى أهل النار وأذية أهل النار إلى
أهل الجنة كقوله عزوجل: (فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب) وقال عزوجل: (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب) أي من حيث مالا يراه مكلمه ومبلغه وقوله تعالى: (حتى توارت بالحجاب) يعنى الشمس إذا استترت بالمغيب.
والحاجب المانع عن السلطان والحاجبان في الرأس لكونهما كالحاجبين للعين في الذب عنهما، وحاجب الشمس سمى لتقدمه عليها تقدم الحاجب للسلطان.
وقوله عزوجل: (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) إشارة إلى منع النور عنهم المشار إليه بقوله: (فضرب بينهم بسور).
حجر: الحجر الجوهر الصلب المعروف وجمعه أحجار وحجارة وقوله تعالى: (وقودها الناس والحجارة) قيل هي حجارة الكبريت وقيل بل الحجارة بعينها ونبه بذلك على عظم حال تلك النار وأنها مما توقد بالناس والحجارة خلاف نار الدنيا إذ هي لا يمكن أن توقد بالحجارة وإن كانت بعد الايقاد قد تؤثر فيها.
وقيل أراد بالحجارة الذين هم في صلابتهم عن قبول الحق كالحجارة كمن وصفهم بقوله:
(فهى كالحجارة أو أشد قسوة) والحجر والتحجير أن يجعل حول المكان حجارة يقال حجرته حجرا فهو محجور، وحجرته تحجيرا فهو محجر، وسمى ما أحيط به الحجارة حجرا وبه سمى حجر الكعبة وديار ثمود قال تعالى: (كذب أصحاب الحجر المرسلين) وتصور

من الحجر معنى المنع لما يحصل فيه فقيل للعقل حجر لكون الانسان في منع منه مما تدعو إليه نفسه.
وقال تعالى: (هل في ذلك قسم لذى حجر) قال المبرد: يقال للانثى من الفرس حجر لكونها مشتملة على ما في بطنها من الولد، والحجر الممنوع منه بتحريمه قال تعالى: (وقالوا هذه أنعام وحرث حجر - ويقولون حجرا محجورا) كان الرجل إذا لقى من يخاف يقول ذلك فذكر تعالى أن الكفار إذا رأوا الملائكة قالوا ذلك ظنا أن ذلك ينفعهم، قال تعالى: (وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا) أي منعا لا سبيل إلى رفعه ودفعه وفلان في حجر فلان أي في منع منه عن التصرف في ماله وكثير من أحواله وجمعه حجور، قال تعالى: (وربائبكم اللاتى في حجوركم) وحجر القميص أيضا اسم لما
يجعل فيه الشئ فيمنع، وتصور من الحجر دورانه فقيل حجرت عين الفرس إذا وسمت حولها بميسم وحجر القمر صار حوله دائرة والحجورة لعبة للصبيان يخطون خطا مستديرا، ومحجر العين منه.
وتحجر كذا تصلب وصار كالاحجار.
والاحجار بطون من بنى تميم سمو بذلك لقوم منهم أسماؤهم جندل وحجر وصخر.
حجز: الحجز المنع بين الشيئين بفاصل بينهما، يقال حجز بينهما قال عزوجل: (وجعل بين البحرين حاجزا) والحجاز سمى بذلك لكونه حاجزا بين الشام والبادية، قال تعالى: (فما منكم من أحد عنه حاجزين) فقوله: حاجزين صفة لاحد في موضع الجمع، والحجاز حبل يشد من حقو البعير إلى رسغه وتصور منه معنى الجمع فقيل احتجز فلان عن كذا واحتجز بإزاره ومنه حجزة السراويل، وقيل إن أردتم المحاجزة فقبل المناجزة أي الممانعة قبل المحاربة، وقيل حجازيك أي احجز بينهم.
حد: الحد الحاجز بين الشيئين الذى يمنع اختلاط أحدهما بالآخر، يقال حددت كذا
جعلت له حدا يميز وحد الدار ما تتميز به عن غيرها وحد الشئ الوصف المحيط بمعناه المميز له عن غيره، وحد الزنا والخمر سمى به لكونه مانعا لمتعاطيه عن معاودة مثله ومانعا لغيره أن يسلك مسلكه، قال الله تعالى: (وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله)، وقال تعالى: (تلك حدود الله فلا تعتدوها)، وقال: (الاعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله) أي أحكامه وقيل حقائق معانيه وجميع حدود الله على أربعة أوجه: إما شئ لا يجوز أن يتعدى بالزيادة عليه ولا القصور عنه كأعداد ركعات صلاة الفرض، وإما شئ تجوز الزيادة عليه ولا يجوز النقصان عنه، وإما شئ يجوز النقصان عنه ولا تجوز الزيادة عليه، وقوله تعالى: (إن الذين يحادون الله ورسوله)

أي يمانعون فذلك إما اعتبارا بالممانعة وإما باستعمال الحديد والحديد معروف قال عزوجل (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد) وحددت السكين رققت حده وأحددته جعلت له حدا ثم يقال لكل ما دق في نفسه من حيث الخلقة أو من حيث المعنى كالبصر والبصيرة حديد،
فيقال هو حديد النظر وحديد الفهم، قال عزوجل: (فبصرك اليوم حديد) ويقال لسان حديد نحو لسان صارم وماض وذلك إذا كان يؤثر تأثير الحديد.
قال تعالى: (سلقوكم بألسنة حداد) ولتصور المنع سمى البواب حدادا وقيل رجل محدود ممنوع الرزق والحظ.
حدب: يجوز أن يكون الاصل في الحدب حدب الظهر، يقال حدب الرجل حدبا فهو أحدب واحدودب وناقة حدباء تشبيها به ثم شبه به ما ارتفع من ظهر الارض فسمى حدبا، قال تعالى: (وهم من كل حدب ينسلون).
حدث: الحدوث كون الشئ بعد أن لم يكن عرضا كان ذلك أو جوهرا وإحداثه إيجاده، وإحداث الجواهر ليس إلا لله تعالى والمحدث ما أوجد بعد أن لم يكن وذلك إما في ذاته أو إحداثه عند من حصل عنده نحو: أحدثت ملكا، قال تعالى: (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث)، ويقال لكل ما قرب عهده محدث فعلا كان أو مقالا، قال تعالى: (حتى أحدث لك منه
ذكرا) وقال: (لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا)، وكل كلام يبلغ الانسان من جهة السمع أو الوحى في يقظته أو منامه، يقال له حديث، قال عزوجل: (وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا) قال تعالى: (هل أتاك حديث الغاشية) وقال عزوجل: (وعلمتني من تأويل الاحاديث) أي ما يحدث به الانسان في نومه، وسمى تعالى كتابه حديثا فقال: (فليأتوا بحديث مثله) وقال تعالى: (أفمن هذا الحديث تعجبون) وقال: (فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا) وقال تعالى: (حتى يخوضوا في حديث غيره - فبأى حديث بعد الله وآياته يؤمنون) وقال تعالى: (ومن أصدق من الله حديثا) وقال عليه السلام " إن يكن في هذه الامة محدث فهو عمر " وإنما يعنى من يلقى في روعه من جهة الملا الاعلى شئ، وقوله عزوجل: (فجعلناهم أحاديث) أي أخبارا يتمثل بهم.
والحديث: الطرى من الثمار، ورجل حدوث حسن الحديث وهو حدث النساء أي محادثهن، وحادثته وحدثته وتحادثوا وصار أحدوثة، ورجل حدث وحديث السن بمعنى، والحادثة النازلة العارضة
وجمعها حوادث.
حدق: حدائق ذات بهجة جمع حديقة

وهى قطعة من الارض ذات ماء سميت تشبيها بحدقة العين في الهيئة وحصول الماء فيها وجمع الحدقة حداق وأحداق، وحدق تحديقا شدد النظر، وحدقوا به وأحدقوا أحاطوا به تشبيها بإدارة الحدقة.
حذر: الحذر احتراز عن مخيف، يقال حذر حذرا وحذرته، قال عزوجل: (يحذر الآخرة - وقرئ - وإنا لجميع حذرون - وحاذرون) وقال تعالى: (ويحذركم الله نفسه) وقال عزوجل: (خذوا حذركم) أي ما فيه الحذر من السلاح وغيره وقوله تعالى: (هم العدو فاحذرهم) وقال تعالى: (إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم) وحذار أي احذر نحو مناع أي امنع.
حر: الحرارة ضد البرودة وذلك ضربان: حرارة عارضة في الهواء من الاجسام المحمية كحرارة الشمس والنار، وحرارة عارضة في البدن من الطبيعة كحرارة المحموم، يقال حر يومنا والريح يحر حرا وحرارة وحر يومنا
فهو محرور وكذا حر الرجل قال تعالى: (لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا) والحرور الريح الحارة: قال تعالى: (ولا الظل ولا الحرور) واستحر القيظ اشتد حره، والحرر يبس عارض في الكبد من العطش، والحرة الواحدة من الحر، يقال حرة تحت قرة، والحرة أيضا حجارة تسود من حرارة تعرض فيها وعن ذلك استعير استحر القتل اشتد، وحر العمل شدته.
وقيل إنما يتولى حارها من تولى قارها، والحر خلاف العبد يقال حر بين الحرورية والحرورة.
والحرية ضربان: الاول من لم يجر عليه حكم الشئ نحو (الحر بالحر) والثانى من لم تتملكه الصفات الذميمة من الحرص والشره على المقتنيات الدنيوية، وإلى العبودية التى تضاد ذلك أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: " تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار " وقول الشاعر: * ورق ذوى الاطماع رق مخلد * وقيل عبد الشهوة أذل من عبد الرق.
والتحرير جعل الانسان حرا، فمن الاول: (فتحرير رقبة مؤمنة) ومن الثاني: (نذرت لك ما في بطني محررا) قيل هو أنه جعل ولده
بحيث لا ينتفع به الانتفاع الدنيوي المذكور في قوله عزوجل: (بنين وحفدة) بل جعله مخلصا للعبادة، ولهذا قال الشعبى معناه مخلصا.
وقال مجاهد: خادما للبيعة، وقال جعفر: معتقا من أمر الدنيا، وكل ذلك إشارة إلى معنى واحد وحررت القوم أطلقتهم وأعتقتهم عن أسر الحبس، وحر الوجه ما لم تسترقه الحاجة، وحر الدار وسطها، وأحرار البقل معروف، وقول الشاعر: * جادت عليه كل بكر حرة * وباتت المرأة بليلة حرة كل ذلك استعارة

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6