كتاب : إعراب القرآن
المؤلف : الزجاج

الأول ما ورد في التنزيل من إضمار الجمل
ولا شك أنك قد عرفت الجمل، ألا ترى أنهم زعموا أن الجمل اثنتان فعليه وأسمية، وقد ورد القبيلان في التنزيل وذكر إضمار الجمل سيبويه في مواضع من ذلك قوله العباد مجزيون بأعمالهم، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر أي إن عملوا خيراً فالمجزى به خير ومثله هذا ولا زعماتك، أي ولا أتوهم أو فرقاً خير من حب، أي أفرق قال وحدثنا أبو الخطاب أنه سمع بعض العرب، وقيل له لم أفسدتم مكانكم هذا؟ قال الصبيان يا أبي فنصب، كأنه حذر أن يلام فقال لم الصبيان ومن ذلك قوله عز وجل بسم الله الرحمن الرحيم قال التقدير أبدأ باسم الله أو بدأت باسم الله، أو ابدأ باسم الله وأضمر قوم فيها اسماً مفرداً على تقدير اٌبتدائى باسم الله فيكون الظرف خبراً للمبتدأ وفيه فإذا قدرت أبدأ أو اٌبدأ يكون باٌسم الله في موضع النصب مفعولاً به وإذا قدرت اٌبتدائى باٌسم الله، يكون التقدير ابتدائى كائن باٌسم الله، ويكون في باسم الله ضمير انتقل إليه من الفاعل المحذوف، الذي هو الخبر حقيقة ومنه قوله تعالى " وإذ قال ربك " أي واذكر إذ قال ربك وإن شئت قدرت وابتداء خلقكم إذ قال ربك وكذلك قوله تعالى " وإذ قلنا للملائكة " أي واذكر إذ قلنا للملائكة وجميع إذ في التنزيل أكثره على هذا ومن حذف الجملة قوله تعالى " فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت " أي فضرب فانفجرت نظيره في الأعراف والشعراء فضرب فانبجست؛ فضرب " فاٌنْفَلَقَ " ومن ذلك قوله تعالى " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " أي فمن اضطر فأكل، وهو في صلة من و غير حال من قوله " اضطُرَّ " ، أو من الضمير في أكل وفيه كلام يأتيك في حذف المفعول ومثله " فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام " أي فأفطر فعدة من أيام، موضعين جميعاً ومثله " وعلى الذين يطيقونه فدية " أي فيفطرون ففدية ومثله " فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام " أي حلق ففدية فهذه أفعال حذفت من الصلة ومثله بل ملة إبراهيم حنيفاً أي تتبع ملة إبراهيم حنيفاً والكسائي يقول نكون أهل ملة إبراهيم حنيفاً ومثله صبغة الله أي الزموا صبغة الله فأما قوله تعالى " ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا " فالتقدير إذا حلفتم وحنثتم فحذف حنثتم و لابد من إضماره؛ لأن الكفارة بالحنث تجب لا بذكر اسم الله وهذه من طرائف العربية؛ لأن حنثتم معطوف على حلفتم؛ و " حلفتم " مجرور بالإضافة، فكأنه قال وقت حلفكم وحنثكم، والمتعارف حذف المضاف دون المضاف إليه وقد جاء ذلك أيضاً في التنزيل، وله باب في هذا الكتاب ومن ذلك إضمار القول في قوله تعالى " ورفعنا فوقكم الطور خذوا " في الموضعين في سورة البقرة وفي قوله تعالى " وظنوا أنه واقع بهم خذوا " أي قلنا لهم خذوا ومثله " وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسمعيل ربنا " أي يقولان ربنا ومن ذلك قوله تعالى " الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا " أي يقولون ربنا عن الأخفش؛ لأنه يبتديء بقوله " الذين يذكرون الله قياماً " ويسند إليه " يقولون " المضمر مثله " وكتبنا له في الألواح من كل شئ موعظة وتفصيلاً لكل شئ فخذها بقوة أي فقلنا له خذها بقوة ومنه قوله تعالى " والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم " أي يقولون سلام عليكم ومنه قوله تعالى في قول الخليل " ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن " قال التقدير من يقال لهم أيهم؛ فحذف القول، كقولهم وكانت عقيل خامري أم عامر فيحمله على الحكاية دون " لَنَنْزِعَنَّ " ، على تعليق العلم عند الكوفيين و يجوز أن يكون تقديره لننزعن كل شيعة وكذلك يجوز عندهم لننزعنهم متشايعين ننظر أيهم أشد وسيبويه يجعله مبنياً على الضم ومن إضمار القول قوله تعالى " واٌخر من شكله أزواج هذا فوج مقتحم " أي يقال لهم هذا فوج مقتحم معكم ومنه قوله تعالى " والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم " أي يقولون ما نعبدهم " فيقولون " خبر المبتدأ ومنهم من جعل يقولون في موضع الحال، وجعل الخبر قوله " إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون "

ومنه قوله تعالى " إنما نطعمكم لوجه الله " أي يقولون " إنما نطعمكم " إذ الآيتان داخلتان في القول فلا وقف على قوله " ولا شكوراً " ومنه قوله تعالى " كلوا من رزق ربكم " ومن إضمار القول قوله تعالى " واسجد واقترب " ، أي قل للإنسان الطاغي واقترب تر العجب ومثله " قد جاءكم بصائر من ربكم " ، تقديره قل لهم قد جاءكم، فأضمر قل يدل عليه قوله تعالى " وما أنا عليكم بحفيظ " ومن إضمار الجملة قوله تعالى " فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين، أن أرسل معنا بني إسرائيل، قال ألم نربك " أي فأتياه وقالا له أرسل معنا بني إسرائيل فقال ألم نربك ومن ذلك قوله تعالى " يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال " في قراءة ابن عامر مرتبا للمفعول، كأنه قيل من يسبح؟ فقال يسبحه رجال ومن ذلك قوله تعالى " واللائي يئسن من المحيض " إلى قوله " واللائي لم يحضن " أي واللائى لم يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر، فحذف المبتدأ والخبر ومن ذلك قوله تعالى " ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة " والتقدير أمة غير قائمة ومنه قوله تعالى " وتؤمنون بالكتاب كله " أي وهم لا يؤمنون به كله، فحذف " وهم لا يؤمنون به كله " ومنه قوله تعالى " ولتستبين سبيل المجرمين " أي وسبيل المؤمنين، فحذف وقيل في قوله تعالى " وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون " إن التقدير وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون أو يؤمنون، فحذف؛ كقوله تعالى " ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن " والتقدير إن أردن أو لم يردن ومنه قوله تعالى " يغشى الليل النهار " أي ويغشى النهار الليل، فحذف ومنه قوله تعالى " سرابيل تقيكم الحر " أي وسرابيل تقيكم البرد، فحذف وقال تعالى " ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم عند ربهم، ربنا " أي يقولون ربنا وقال تعالى " فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم " أي بعثناهم ليسوءوا وقال تعالى " فآمنوا خيراً لكم " أي فآمنوا وأتوا خيراً لكم وقال الكسائي يكن الإيمان خيراً لكم وقال تعالى " وانفقوا خيراً لأنفسكم " أي وأتوا خيراً لأنفسكم " وأنشدوا
فواعديه سرحتى مالك ... أو الربا بينهما أسهلا
أي ائتى مكاناً أسهل ومن إضمار الجملة قوله تعالى " فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيى الله الموتى " أي فضربوه ببعضها فحيى، وأخبر بقاتليه ثم خر ميتاً يدل على صحة الإضمار قوله " ثم قست قلوبكم " ، ف قست معطوف على " خَرَّ " ومن إضمار الجملة قوله تعالى " فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه " أي فأكل غير باغ فلا إثم عليه ونظيره في المائدة " فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم " أي فأكل غير متجانف نظيره في سورة النحل " فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم " أي فأكل وكذا في الأنعام " فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم " أي فأكل وفي الآى كلام تراه في حذف المفعول ومن إضمار الجملة قوله تعالى " قل من كان عدواً لجبريل فإنه نزله " والتقدير فليمت غيظاً نظيره " فإن استطعت أن تبتغى نفقاً في الأرض أو سلماً في السماء فتأتيهم بآية " ولم يقل فافعل وعلى هذا إضمار جواب لو في التنزيل، كلها جمل حذفت قال الله تعالى " ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعاً " أي لعلموا أن القوة ومنه قوله تعالى " ولو أن قرآناً سيرت بن الجبال " ولم يقل لكان هذا القرآن فأما قوله تعالى " لو تعلمون علم اليقين " فالتقدير عند الأخفش ماألهاكم التكاثر، فأضمر لجرى ذكره في أول السورة وعند غيره لو تعلمون علم اليقين لعلمتم أنكم ستردون الجحيم في الآخرة دل على هذا الخلاف " لترون الجحيم " فأما قوله تعالى " كلا سوف تعلمون " فالمعنى كلا لا ينفعكم التكاثر، فحذف وقوله " كلا لو تعلمون " أي كلا لا تؤمنون ومن ذلك قوله تعالى " فتوبوا إلى بارئكم " ثم قال تعالى " فتاب عليكم " وأضمر " فتبتم " أي تبتم فتاب عليكم ومنه قوله تعالى، في حذف الجملة " ويعقوب يا بنيَّ إن الله اصطفى لكم الدين " أي ويعقوب قال وقال عثمان في قوله تعالى " فمن عفى له من أخيه شئ " يجوز أن يرتفع " شئ " ب " عفي " ، أو بفعل محذوف يدل عليه قوله " عُفي " ؛ لأن معناه ترك له شئ من أخيه، أي من حق أخيه، ثم حذف المضاف وقدم الظرف الذي هو صفة للنكرة عليها، فانتصب على الحال في الموضعين منها

وهذه الآية تجاذبها باب الجملة، وباب الإضافة، وباب حذف حرف الجر، وباب الحال، وستراها هناك إن شاء الله وحده ومن ذلك قوله تعالى " كتب عليكم الصيام أياماً معدودات " تقديره صوموا أياماً معدودات، فحذف صوموا لأن قوله " كتب عليكم الصيام " يدل عليه ولا ينتصب ب " الصيام " ؛ لأن الصيام مصدر فلا يفصل بينه وبين أيام بالكاف المنصوبة ب " كتب " ؛ لأن التقدير كتب عليكم الصيام كتابة مثل كتابته على الذين من قبلكم ومثل هذه الآية قوله تعالى " لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحساناً " والتقدير وأحسنوا بالوالدين إحساناً؛ فأضمر وأحسنوا؛ لأن المصدر يدل عليه والدليل عليه قوله تعالى " وقولوا للناس حسناً " ومنه قوله تعالى " فإن خفتم فرجالاً " أي فصلوا رجالاً ومن إضمار الجملة قوله تعالى " وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس " والتقدير لتستيقن ولنجعلك آية للناس نظيره قبله " ولأتم نعمتى عليكم " تقديره واشكروا ولأتم وقيل هو معطوف على قوله " لئلا يكون للناس عليكم حجة " ، ولأتم نعمتي عليكم " وأما قوله تعالى " ولأحل لكم بعض الذى حرم عليكم " فهو معطوف على المعنى؛ لأن قبله " قد جئتكم ومصدقا لما بين يدى " أي جئتكم لأصدق التوراة والإنجيل، ولأحل لكم، ولتكملوا العدة نظيره في أحد القولين في سورة مريم عليها السلام " ولنجعله آية للناس " والتقدير قال كذلك قال ربك، ويكون " علّي هّين " لأخلقه من غير أب، ولنجعله آية للناس وقيل هو معطوف على قوله تعالى " لأهَبَ لَكِ " وقيل الواو في الآى كلها مقحمة ومثله " وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث " والتقدير ليستقيم أمره ولنعلمه مثله " وكف أيدي الناس عنكم " أي لتسلموا من أذاهم، وشذاهم " ولتكون آية للمؤمنين " ومثله " فبإذن الله وليخزى الفاسقين " أي فبإذن الله ليظهر الحق قال أبو علي في قوله تعالى " بوالديه إحساناً في سورة الأحقاف في قراءة الكوفيين إحساناً منصوب بمضمر يدل عليه ما قبله، وهو قوله " ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً " كأنه لما قال " أخذنا ميثاق بني إسرائيل " قال وقلنا لهم أحسنوا بالوالدين إحساناً كما قال " وإذا أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة " ، فالجار يتعلق بالفعل المضمر، ولا يجوز أن يتعلق بالمصدر، لأن ما يتعلق بالمصدر لا يتقدم عليه و " أحسن " يوصل بالباء كما يوصل بإلى، يدلك على ذلك قوله تعالى " وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن " فعداه بالباء كما تعدى بإلى في قوله تعالى " وأحسن كما أحسن الله إليك " والتقدير أنه لما قال " ووصينا الإنسان " وكان هذا الكلام قولا، صار كأنه وقلنا أحسن أيها الإنسان بالوالدين إحسانا ووجه من قرأ في الأحقاف " بوالديه حسناً " أن يكون أراد بالحسن الإحسان، فحذف المصدر ورده إلى الأصل، كما قال الشاعر
فإن يبرأ فلم أنفث عليه ... وإن يهلك فذلك كان قدري
أي تقديري ويجوز أن يكون وضع الاسم موضع المصدر كما قال
وبعد عطائك المائة الرتاعا
والباء في هذين الوجهين متعلقة بالفعل المضمر، كما تعلقت به في قول الكوفيين في قراءتهم إحساناً ومن إضمار الجملة قراءة ابن كثير في قوله تعالى " أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم " بالاستفهام، على تقدير بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، تعترفون أو تقرون؟ فأضمر، لأن قوله " ولا تؤمنوا " يدل عليه كما قال " آلآن وقد عصيت قبل " والتقدير الآن آمنت، فأضمر آمنت لجرى ذكره في قوله " آمنت " ومن ذلك قوله تعالى " كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم " والتقدير ولو شهدتم على أنفسكم، فحذف الفعل فأما قوله تعالى " وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى " أي ولو كان المشهود عليه ذا قربى ومن ذلك قوله تعالى " ولما جاءهم كتاب من عند الله " إلى قوله " يستفتحون على الذين كفروا " فحذف جواب " لمَّا " أي كفروا ودل عليه قوله تعالى " فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به " ولا يكون " لما " الثانية بجوابها جواب " لما " الأولى؛ لأنا لا نعلم " لما " في موضع، لما أجيب بالفاء، كذا ذكره الفارسي فإذن نجئ بقول عمرو بن معد يكرب
فلما رأيت الخيل زورا كأنها ... جداول زرع خليت فاسبطرت
فجاشت إلى النفس أول مرة ... فردت على مكروهها فاستقرت
فأجاب لما بقوله فجاشت

فأما قوله تعالى " فلما أسلما وتله للجبين " فإن الجواب محذوف أيضاً وقيل بل الواو مقحمة وعلى هذا الخلاف قوله تعالى " إذا السماء انشقت " قيل جوابه محذوف، أي قامت القيامة وقيل بل الواو في وأذنت مقحمة، والجواب أذنت وقيل بل الجواب قوله " فأما من أوتي كتابه " وقيل بل الفاء مضمرة، أي ف " يا أيها الإنسان إنك كادح " ونظير هذا قوله تعالى " حتى إذا فتحت ياجوج ومأجوج " إلى قوله " واقترب الوعد الحق " ومثله " ولنحمل " أي اتبعوا سبيلنا ولنحمل ومثله " فلما ذهبوا به وأجمعوا " إلى قوله " وأوحينا " الواو مقحمة وقيل بل الجواب مضمر فأما قوله تعالى " إذا وقعت الواقعة " ، فقيل الجواب " ليس لوقعتها كاذبة " أي إذا وقعت الواقعة لم يكن التكذيب بها وقيل بل الجواب قوله " خافضة رافعة " أي فهي خافضة رافعة قال أبو علي وإذا جاز " فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم " على تقدير فيقال لهم أكفرتم بعد إيمانكم؟ فحذف الفاء مع القول، وحذف الفاء وحده أجوز وقيل جوابه " إذا رجت الأرض " أي وقت وقوع القيامة وقت رج الأرض وقيل بل العامل فيه اذكر ومن حذف الجملة قوله تعالى " إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وتقديره وأنتم محدثون فاغسلوا وقدره قوم إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا من أجلها وكلاهما تحتمله العربية ومن حذف الجملة ما وقع في سورة الأعراف وفي سورة هود من قوله " وإلى عاد أخاهم هوداً " " وإلى ثمود أخاهم صالحاً " " وإلى مدين أخاهم شعيباً " والتقدير في ذا كله وأرسلنا إلى عاد أخاهم هودا؛ وأرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحاً، وأرسلنا إلى مدين أخاهم شعيباً هذا على قول من قال إن العامل مع الواو في تقدير الثبات، وله العمل دون الواو ومن قال بل العامل هو الواو نفسه، لم يكن معطوفاً على ما تقدم من قوله " ولقد أرسلنا نوحاً " وذلك كقوله تعالى " فكيف إذا جمعناهم " " فكيف إذا أصابتهم مصيبة " " كيف وإن يظهروا عليكم " والتقدير فكيف يكون حالهم إذا جمعناهم يدل على صحته قوله تعالى " كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله " ف " عهد " اسم يكون وعند الله صفة له وكيف خبر عنه، أعني يكون وللمشركين ظرف يكون ومن حذف الجملة، قوله تعالى " ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم " والتقدير من يحادد الله ورسوله يعذب، فحذف الجواب كحذفه فيما قدمناه وقوله تعالى " فأن له نار جهنم " بدل من " أنه من يحادد الله ورسوله " والفاء زيادة على قوله سيبويه وقال غيره إن " أنّ " مرتفع بالظرف، أي فله أن له، وستراه في بابه ومن حذف الجملة قوله تعالى " قال لو أن لي بكم قوة أو آوى إلى ركن شديد " والتقدير لالتجأت إليه فحذف الجواب وقال النبي صلى الله عليه وآله رحم الله أخي لوطاً قد وجد ركناً شديداً ومن ذلك الآية الواردة في صلاة الخوف، وهو قوله عز من قائل " وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم؛ ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم " اختصر وأوجز وأطنب وأسهب، وأتى بالبلاغة والفصاحة بحيث لا يفوتها كلام، ولا يبلغ كنهها بشر، فتحقق قوله " قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً " فاعرف أيها الناظر كيفية صلاة الخوف، ثم انظر في الآية يلح لك إيماؤنا إلى ما أومأنا إليه قال أبو حنيفة إذا اشتد الخوف جعل الإمام الناس طائفتين في وجه العدو، وطائفة خلفه؛ فصلى بهذه الطائفة ركعة وسجدتين، فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية مضت هذه الطائفة إلى وجه العدو، وجاءت تلك الطائفة فصلى بهم ركعة وسجدتين وتشهد وسلم، ولم يسلم القوم وذهبوا إلى وجه العدو، وجاءت طائفة أخرى فصلوا وحدانا ركعة وسجدتين بغير قراءة وتشهد، ومضوا إلى وجه العدو، وجاءت طائفة أخرى فصلوا ركعة وسجدتين بقراءة وتشهد وسلموا

فإذا عرفت هذا فقوله تعالى " فلتقم طائفة منهم معك " فمعناه فلتصل طائفة منهم لم يصلوا معك، أي فلتقم طائفة بركعة، فحذف ثم قال " فليأخذوا أسلحتهم " أي الذين انصرفوا إلى تجاه العدو ولم يصلوا معك، وليأخذوا أسلحتهم ثم قال " فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم " يعني الطائفة التي صلت تقوم بإزاء العدو حين فرغت من ركعة عقيب السجدة، لأن الفاء للتعقيب فلا يجوز إذا سجدت الثانية أن تقف لتتم الركعة الأولى فتضم إليها الركعة الثانية، لأن الفاء يبطل معناها إذ ذاك، فوجب أن يكونوا من وراء عقيب السجدة بإزاء العدو، ولا تقف للركعة الباقية، ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك ركعة، فحذف المفعول ولم يقل فلتنصرف الأولى وتؤدى الركعة بغير قراءة وتسلم فحذف هذه الجملة، وحذف المفعول من قوله " فليصلوا معك " ، وحذف الجار والمجرور من قوله " فليقم طائفة منهم معك " وأضمر في قوله " وليأخذوا أسلحتهم " غير الطائفة المأمورين بالقيام معه فلا ينصرف الضمير من قوله " وليأخذوا " إلى الظاهر قبله؛ وإنما التقدير وليأخذ باقيهم أسلحتهم؛ فحذف المضاف فاتصل المنفصل ونظير حذف الباقي قوله تعالى " فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين " ، أي ليتفقه باقيهم ولما أضمر غير المقدم ذكرهم رجع إلى ذكرهم في قوله " فإذا سجدوا " فخالف بين الضميرين اللذين أحدهما بعد صاحبه فلا يمكنك إنكاره بقولك لم خالفت بينهما؟ ولم تجعل قوله " وليأخذوا " راجعاً إلى الطائفة التي أمرت بالقيام معه حتى تأخذ السلاح معه في الصلاة؛ لأن اختلاف الضميرين قد جاء في التنزيل قال عز من قائل " فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها " فالهاء الأولى لصاحبه، والثانية له صلى الله عليه وآله وقال " إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون " فالهاء في به لله؛ والمتقدمان للشيطان وقال " وما بلغوا معشار ما آتيناهم " فالضمير في بلغوا لمشركي مكة؛ والذي في آتيناهم للمتقدمين من المشركين وقال " الشيطان سول لهم وأملي لهم " ، أي أملي لهم الله، فالذكر في أملى غير الذكر في " سَوَّلَ " وقال تعالى " لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه " فالهاء الأخيرة لله، والمتقدمان للنبي صلى الله عليه وعلى آله فكذا ها هنا " وليأخذوا أسلحتهم " لمن لم يقم معه، ويكون الضمير في " فإذا سجدوا " لمن معه فتحقق قولنا إنه اختصر وأوجز فأما قولنا أطنب وأسهب، فقوله عز من قائل " ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا " ولو قال ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك، كان حسناً أيضاً، لكنها وصفت بقوله " أخرى " إطنابا في الكلام، كما قال " لا تتخذوا إلهين اثنين " وقال " ومناة الثالثة الأخرى " وقال " فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة " وقال " أولئك لهم عذاب من رجز أليم " فيمن رفع، لأن المعنى لهم عذاب أليم من عذاب؛ لأن الرجز العذاب، بدلالة قوله " فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السماء " وقوله تعالى " لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك " وقال " فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه " وفي موضوع آخر " فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم " قال أبو علي ومن قال لهم عذاب من رجز أليم، فرفع أليماً كان المعنى لهم عذاب أليم من عذاب وليست فائدته كذلك فالقول في ذلك أمران أحدهما أن الصفة قد تجيء على وجه التأكيد، كما أن الحال قد تجئ كذلك في قوله تعالى " وهو الحق مصدقاً " وفي قوله " نزاعة للشوى " وكذا الصفة فيما تلونا، وفي بعض المصاحف " ولي نعجة أنثى " والآخر أن الرجز النجاسة، فيحمل على البدل للمقاربة ومعنى النجاسة فيه قوله " ويسقى من ماء صديد يتجرعه ولا يكاد يسيغه " فكأن المعنى عذاب من تجرع رجزاً ومن شربه، فتكون من تبييتاً للعذاب مما هو؟ ومن أي شئ؟ وقال الشافعي في صلاة الخوف يفتتح الإمام الصلاة بالجميع، ثم تذهب طائفة إلى وجه العدو، ويصلى بطائفة ركعة وسجدتين بمقام ويقف حتى تصلى هذه الطائفة ركعة أخرى ويسلموا ثم تذهب هذه الطائفة وتقف بإزاء العدو، وتأتى الطائفة التي لم تصل شيئاً، فيصلي الإمام بهم الركعة الثانية، ثم يقومون ويقضون الركعة الأخيرة والدليل على ما قلنا قول الله تعالى " وإذا كنت فيهم فأقمت لهم " الآية

فالله تبارك وتعالى أثبت طائفة لم يؤدوا شيئاً من الصلاة مع الإمام، وعنده لا يتصور هذا ها هنا، لأن الطائفة الثانية افتتحوا الصلاة مع الإمام فقد أدوا جزءاً من الصلاة حال الافتتاح، ولأنه قال " ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك " وهذا يدل على خلاف قوله؛ لأن الطائفة الثانية قد صلت عنده وقال " فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم " والفاء للتعقيب، فهذا يدل على أن الطائفة الأولى تنصرف عقيب السجود، وعنده تصلى ركعة ثم تنصرف ولأن ما يقوله الشافعي يؤدى إلى سبق المؤتم الإمام بالفراغ بالصلاة، وإلى أن يقف الإمام ينتظر فراغ المؤتم من الصلاة، وهذا لا يجوز في غير حال الخوف، فكذلك فيها كسائر الأعمال وإنما قلنا إن الطائفة الأولى تقضي ركعة بغير قراءة، لأنها أدركت الصلاة فهي في حكم من هو خلف الإمام؛ وأما الثانية فلم تدرك أول الصلاة، والمسبوق فيها يقضى كالمنفرد في صلاته ومن ذلك قوله " ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه " أي لولا أن رأى برهان ربه لواقعها، أو لهم بها وقال " ولولا أن تصيبهم مصيبة " أي لولا أن يحتجوا لو أصابتهم مصيبة، بأن يقولوا لولا أرسلت رسولاً فاتبعنا لما أرسلنا الرسل وقيل عاجلناهم بالعقوبة وقيل لكان فيما تقدم من الرسل المبعوثين قبلهم حجة عليهم ومن حذف الفعل قوله تعالى " إذا الشمس كورت " أي إذا كورت الشمس و " وإن أحد من المشركين استجارك " أي إن استجارك أحد و " إن امرؤ هلك " أي هلك امرؤ و " إن امرأة خافت " أي إن خافت امرأة و " إذا السماء انفطرت " إلى قوله " وإذا القبور بعثرت " أي انفطرت السماء، وانتثرت الكواكب، وفجرت البحار، وبعثرت القبور وقال " إذا السماء انشقت " أي إذا انشقت السماء وأما قوله " وَالسَّمَاءِ ذَاتِ البُرُوجِ " فالتقدير أحلف وأقسم، فحذف الفعل مع الفاعل، وفي الأول حذف الفعل، فحسب ومن ذلك قوله تعالى " كيف وإن يظهروا عليكم " أي كيف لا يقاتلونكم، فحذف الجملة فأما قوله تعالى " فكيف إذا جئنا " أي كيف أنتم إذا جئنا! فحذف المبتدأ، بخلاف قوله؛ " فكيف إذا جمعناهم " لأنه كالأول، أي كيف تكون حالهم! أي وكيف يصنعون! ومن إضمار الجملة قوله تعالى " حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها " كذا وكذا، صدقوا وعدهم وطابت نفوسهم والكوفى يحمله على زيادة الواو ومن ذلك قوله تعالى " وآتاكم من كل ما سألتموه " والتقدير وما لم تسألوه، فحذف هذه الجملة، وهي من موضع الجر، أعنى الموصولة بالعطف على " ما " الأولى وقد حذف في الحقيقة اسما معطوفا على المضاف إليه، وكأنه قال من كل مسئولكم وغير مسئولكم، ف ما يكون موصولا أو موصوفا، وأن يكون موصوفا أحب إلينا، لأن " كُلاًّ " يقنضى النكرة؛ نظيره " هذا ما لدى عتيد " أي هذا شئ لدى عتيد؛ ومن كل شئ سألتموه ومن ذلك قوله تعالى " وإن تولوا فإنى أخاف عليكم " أي فقل لهم إني أخاف ويجوز في " تولوا " تقديران المضى، والاستقبال، لقوله " يمتعكم " ومن ذلك قوله تعالى " ودخل معه السجن فتيان " أي عزموا على سجنه فسجنوه، ودخل معه السجن فتيان ومن ذلك قوله " هذا بلاغ للناس ولينذروا به " قيل الواو مقحمة وقيل التقدير هذا لإبلاغ الناس ولينذروا به وقال أبو علي اللام تتعلق بفعل محذوف، كأنه قال وأنزل لينذروا ويعلموا التوحيد من الدلالات التي فيه؛ كما قال الله تعالى " كتاب أنزل إليك لتنذر " وقال " أنزل على عبده الكتاب لينذر بأساً شديداً " ومنه قوله تعالى " أرسل معنا بني إسرائيل " أي بأن أرسل معنا، فحذف ومنه قوله تعالى " قل اللهم مالك الملك " والتقدير أعزنا ولا تذلنا وقال " لو أنهم كانوا يهتدون " أي لو أنهم كانوا ما رأوا العذاب ومنه قوله تعالى " لكن الله يشهد " لما قال الله تعالى " إنا أوحينا إليك " قال المشركون نحن لا نشهد لك بذلك فقيل " لكن الله يشهد " لا بد من ذا الحذف، لأن " لكن " استدراك بعد النفي ومنه قوله تعالى " فبعث الله غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يوارى سوأة أخيه " أراد فبعث الله غراباً يبحث التراب على غراب ميت ليواريه، أي ليريه كيف يوارى سوأة أخيه

ومن ذلك ما وقع في قصة شعيب " أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقاً حسناً " لم يذكر للاستفهام جواباً، والمعنى أخبروني إن كنت على بينة من ربي ورزقني النبوة وجعلني رسولاً إليكم وأنتم تدفعونني، فماذا حالكم مع ربكم؟ فحذف ماذا حالكم

الثاني ما جاء من حذف المضاف في التنزيل
وليس من هذه الأبواب في التنزيل أكثر من هذا وقد ذكر سيبويه حذف المضاف في الكتاب في مواضع، فمن ذلك قوله حكاية عن العرب اجتمعت اليمامة، أي أهل اليمامة؛ وقوله " صدنا قنوين " ، أي وحش قنوين فمما جاء في التنزيل قوله تعالى " مالك يوم الدين " والتقدير مالك أحكام يوم الدين وقدره الفارسي تقدير حذف المفعول، أي مالك يوم الدين الأحكام؛ فتكون الأحكام المفعول، فلا يكون على قوله من هذا الباب ومن ذلك قوله تعالى " لا ريب فيه " أي في صحته وتحقيقه ومنه قوله تعالى " ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم " أي على مواضع سمعهم، فحذف؛ لأنه استغنى عن جمعه، لإضافته إلى الجمع؛ لأن سيبويه قال
وأما جلدها فصليب
أكثره في الشعر وتبعه الفارسي فحمل " في مقعد صدق " على حذف المضاف، أي ذي صدق؛ وحمل " لسبأ في مسكنهم " على حذف المضاف وخفيت الخافية عليهم في قوله تعالى " لا يريد إليهم طرفهم " فأضاف المفرد، وليس هناك مضاف محذوف ومنه قوله تعالى " ويمدهم في طغيانهم " أي في عقوبة طغيانهم ومنه قوله تعالى " أو كصيب من السماء " أي كأصحاب صيب من السماء؛ دليله قوله يجعلون أصابعهم " ف يجعلون في موضع الجر وصف للأصحاب؛ من الصواعق أي من شدتها وأجلها؛ وقوله تعالى " فيه ظلمات " لأنه لا يخلو من أن يعود إلى " الصيب " أو إلى " السماء " ؛ فلا يعود إلى " الصيب " لأن الصيب لا ظلمات فيه ويدل على هذا الحذف قوله تعالى " ورعد وبرق " فهما معطوفان على " الظلمات " ولا يجوز أن يكون الرعد والبرق مما ينزل؛ وأنهما في السماء، لاصطكاك بعض أجرامها ببعضها روى عن الحسن أن ذلك من ملك، فقد يجوز أن يكون الملك في السحاب، ويكون من هذا قراءة من قرأ سحاب ظلمات، بالإضافة، لاستقلال السحاب وارتفاعه في وقت كون هذه الظلمات وقدره مرة أخرى، أي سحاب وفيه الظلمات؛ فكذلك فيه ظلمات، أي في وقت نزوله ظلمات ومنه قوله تعالى " جعل لكم الأرض فراشاً " أي ذا فراش " والسماء بناء " أي ذا بناء، " يضل به كثيراً " أي بإنزاله " ويهدي به كثيراً أي بإنزاله " خلق لكم ما في الأرض " ، أي لانتفاعكم، ثم " استوى إلى السماء " أي إلى خلق السماء وقوله تعالى " جنات تجري من تحتها الأنهار " أي من تحت أشجارها وقدره أبو علي من تحت مجالسها ومنه قوله تعالى " إني أعلم غيب السموات والأرض " أي ذا غيب السموات وقيل غيب، بمعنى غائب؛ لأن ذا غيب صاحب غيب، وهو يكون غائباً ومنه قوله تعالى " ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً " أي ذا ثمن، لأن الثمن لا يشتري، وإنما يشتري شئ ذو ثمن ومن ذلك قوله تعالى " واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً " أي عقاب يوم، لا بد من هذا الإضمار، لأنه مفعول اتقوا، فحذف وأقيم اليوم مقامه فاليوم مفعول به وليس بظرف، إذ ليس المعنى ائتوا في يوم القيامة، لأن يوم القيامة ليس بيوم التكليف ومن حذف المضاف قوله تعالى " وإذا واعدنا موسى أربعين ليلة " أي انقضاء أربعين ليلة قال أبو علي ليس يخلو تعلق الأربعين ب الوعد من أن يكون على أنه ظرف أو مفعول ثان، فلا يجوز أن يكون ظرفاً لأن الوعد ليس فيها كلها فيكون جواب كم، ولا في بعضها فيكون كما يكون جواباً ل متى، لأن جواب كم يكون عن الكل، لأنك إذا قلت كم رجلاً لقيت؟ فالجواب عشرين، فأجاب عن الكل وجواب متى جواب البعض لأنك إذا قلت متى رأيت؟ يقال في جوابه يوم الجمعة، وهو بعض الأيام التي يدل عليه متى، فإذا لم يكن ظرفاً كان انتصابه بوقوعه موقع المفعول الثاني، والتقدير واعدنا موسى انقضاء أربعين ليلة، أو تتمة أربعين ليلة، فحذف المضاف، كما تقول اليوم خمسة عشر من الشهر، أي تمامه ونظيره في الأعراف " وواعدنا موسى ثلاثين ليلة " أي انقضاء ثلاثين " وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة " والميقات هو الأربعون، وإنما هو ميقات ووعد، لما روى أن القديم سبحانه وتعالى وعده أن يكلمه على الطور

فأما انتصاب الأربعين في قوله " فتم ميقات ربه أربعين ليلة " فذلك كقولك تم القوم عشرين رجلاً والمعنى تم القوم معدودين هذا العدد وتم الميقات معدوداً هذا العدد فيكون عشرين حالاً، كما أن معدودين كذلك ونظيره قوله تعالى " وواعدناكم جانب الطور الأيمن " أي إتيان جانب الطور الأيمن، فحذف المضاف الذي هو مفعول ثان وقام مقامه جانب وليس جانب ظرفاً لأنه مخصوص، كقوله
فواعديه سرحتى مالك
أي إتيان سرحتى مالك ومن ذلك قوله تعالى " ثم اتخذتم العجل " أو صورته، لأنهم لم يعبدوا العجل حقيقة من بعده، أي من بعد خروجه وكذلك " ثم اتخذتم العجل من بعده " في رأس التسعين، فإنه لم يكن فيه حياة كما يكون في العجل حقيقة، بل كان صورة مموهة وصنعوه صورة العجل وقيل من بعد إنجائنا إياكم نظيره " ما تعبدون من بعدي " أي من بعد وفاتي " ثم عفونا عنكم " أي عن عبادتكم العجل ومثله " أتتخذنا هزواً " أي ذوي هزو ومنه قوله " وكلا منها رغداً " أي من نعيمها نظيره " فكلوا منها حيث شئتم " أي من نعيمها ومثله في الأعراف ومن ذلك قوله " وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم " أي حب عبادة العجل، فحذف حب أولا، فصار وأشربوا في قلوبهم عبادة العجل، ثم حذف العبادة ومثله " من أثر الرسول " أي من أثر تراب حافر فرس الرسول وقال الكلبي لما ذرى العجل في اليم وشربوا منه الماء ظهرت علامة الذهب على بدن محبي العجل، فذلك قوله " وأشربوا في قلوبهم العجل " وإذا جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً " أي ذا أمن وإن شئت أمنا كان بمعنى آمن ومن ذلك قوله تعالى " تلك أمة قد خلت لها ما كسبت " أي لها جزاء ما كسبت " ولكم ما كسبتم " أي جزاء ما كسبتم ومنه قوله تعالى " والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها " أي في عقوبة اللعنة، وهي النار " كذلك يريهم الله أعمالهم " أي جزاء أعمالهم قوله تعالى " ومثل الذين كفروا " أي مثل داعي الذين كفروا " كمثل الذي ينعق " لا بد من هذا الإضمار ليكون الداعي بمنزله الراعي وقيل " ومثل الذين كفروا " مثل وعظ الذين كفروا، فحذف المضاف قال سيبويه وهذا من أفصح الكلام إيجازاً واختصاراً؛ ولأن الله تعالى أراد تشبيه شيئين بشيئين الداعي والكفار، بالراعي والغنم؛ فاختصر وذكر المشبه في الغنم بالظرف الأول؛ فدل ما أبقى على ما ألقى وهذا معنى كلامه ومثله " إنما حرم عليكم الميتة " أي أكل الميتة، فحذف وقوله تعالى " ولكن البر من آمن " أي ولكن ذا البر وإن شئت ولكن البر بر من آمن وإن شئت كان البر بمعنى البار، فلا يكون من هذا الباب ولا وجه أن يكون التقدير ولكن البر بر من آمن، ليكون ابتداء الكلام على الحقيقة؛ لأنه إذا حذف منه ذا، أو جعل بمعنى البار، فعلى الوجهين يكون مغيراً عن أصله " فمن عفى له من أخيه شيء " أي من جناية أخيه، وتقديره من جنايته على أخيه والعفو التيسير دون الصفح، كالذي في قوله وآخره عفو لله، أي يسر له حيث قبلت الصلاة في آخره قبولها في أوله، لم تضيق على المصلى وقال في موضع آخر " فمن عفى له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان " الآية هذا في قبول الدية في العمد، أي من يسر له من أخيه القاتل فاتباع بالمعروف، أي ليتبعه ولى المقتول بالمعروف، فيتجمل في المطالبة، وليؤد المطالب ذلك منه إلى ولي المقتول بإحسان فلا يمطله ولا يبخسه فقوله تعالى " وأداء إليه بإحسان " مرتفع بالابتداء، وخبره له، هي مضمرة في تقدير الفاعل أن يؤدى إليه أخوه، والجار في بإحسان متعلق بمضمر في موضع حال والتقدير متلبساً بإحسان، أي محسناً ولا يتعلق بالمصدر نفسه، لأنه قد تعلق به إلى، والضمير في إليه، راجع إلى " مَنْ عُفِىَ لَهُ " ومن ذلك قوله " إنا لله وإنا إليه راجعون " أي إلى كرامته ومنه قوله تعالى " ولكم في القصاص حياة " أي في استيفاء القصاص، أو في شرع القصاص ومن ذلك قوله تعالى " الشهر الحرام بالشهر الحرام " أي انتهاك حرمة الشهر الحرام " والحرمات قصاص " أي ذات قصاص ومن ذلك قوله تعالى " الحج أشهر معلومات " أي أشهر الحج أشهر وإن شئت الحج حج أشهر وإن شئت كان الحج نفس الأشهر، مجازاً واتساعاً، لكونه فيها ومن ذلك قوله " قل فيهما إثم كبير " أي في استعمالهما ووقع في الحجة في استحلالهما، وهو فاسد، لأن استحلالهما كفر، واستعمالهما إثم

ومن ذلك قوله تعالى " فمن شرب منه فليس منى " أي ليس من أهل ديني ومن ذلك قوله " نساؤكم حرث لكم " أي " فروج نسائكم ومثله قوله تعالى " وإني خفت الموالي من ورائي " أي تضييع بني عمي، فحذف المضاف والمعنى على تضييعهم الدين، ونبذهم إياه، واطراحهم له، فسأل ربه وليا يرث نبوته ومنه قوله تعالى " قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله " أي ملاقون ثواب الله، كقوله تعالى " ملاقوا ربهم " وقوله تعالى " أنكم ملاقوه " أي ثوابه وهذا قول نفاة الرؤية ومن أثبت الرؤية لم يقدر محذوفا ومن ذلك قوله تعالى " فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما " أي فلتحدث شهادة رجل وامرأتين أن تضل إحداهما وقال أبو علي لا يتعلق " أَنْ " بقوله " واستشهدوا شهيدين من رجالكم أن تضل إحداهما " لم يسغ، ولكن يتعلق " أن " بفعل مضمر دل عليه هذا الكلام، وذلك أن قوله " فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان " يدل على قولك واستشهدوا رجلا وامرأتين، فتعلق " أَنْ " إنما هو بهذا الفعل المدلول عليه من حيث ما ذكرناه وقال أبو الحسن في قوله " فرجل وامرأتان " التقدير فليكن رجل وامرأتان وهذا قول حسن، وذلك أنه لما كان قوله " أن تضل إحداهما " لا بد أن يتعلق بفعل، وليس في قوله " فَرَجُلٌ وامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ " فعل ظاهر، جعل المضمر فعلا يرتفع به النكرة ويتعلق به المصدر، وكان هذا أولى من تقدير إضمار المبتدأ الذي هو ممن شهد به رجل وامرأتان، لأن المصدر الذي هو أن تضل إحداهما، لا يجوز أن يتعلق به، لفصل الخبر بين الفعل والمصدر فإن قلت من أي الضريين تكون كان المضمرة في قوله " رَجُلٌ وامْرَأَتَانِ " هل يحتمل أن تكون الناصبة للخبر، أو تكون التامة؟ فالقول في ذلك أن كل واحد منهما يجوز أن يقدر إضماره، فإذا أضمرت الذي يقتضي الخبر كان تقديره إضمار المخبر فليكن ممن يشهدون رجل وامرأتان وإنما جاز إضمار هذه، وإن كان قد قال لا يجوز عبد الله المقتول، وأنت تريد كن عبد الله المقتول، لأن ذكرها قد تقدم، فتكون هذه إذا أضمرتها لتقدم الذكر بمنزلة المظهرة؛ ألا ترى أنه لا يجوز العطف على عاملين؟ ولما تقدم ذكر " كل " في قوله
أكل امرئ تحسين امرأ ... ونار توقد في الليل نارا
كان كل بمنزلة ما قد ذكر في قوله ونار توقد بالليل وكذلك جاز إضمار كان المنتصبة للخبر كما أضمر بعد " إنْ " في قوله إن خنجراً فخنجر، لما كان الحرف يقتضيها ويجوز أن تضمر التامة التي بمعنى الحدوث والوقوع؛ لأنك إذا أضمرتها أضمرت شيئاً، وإذا أضمرت الأخرى احتجت أن تضمر شيئين، وكلما قل الإضمار كان أسهل، فأيهما أضمرت فلا بد من تقدير المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه المعنى فليحدث شهادة رجل وامرأتين، أو يقع، أو نحو ذلك ألا ترى أنه ليس المعنى فليحدث رجل وامرأتان، ولكن لتحدث شهادتهما، أو تقع، أو تكن شهادة رجل وامرأتين ممن يشهدون ويجوز أن يتعلق قوله " أن تضل إحداهما " بشئ ثالث، وهو أن تضمر خبر المبتدأ، ويكون العامل في أن وموضع إضماره فيمن فتح الهمزة من أن تضل قبل أن، وفيمن كسر إن بعد انقضاء الشرط بجوابه يعني أن من كسر إن يجعل الجملة الشرطية وصفا لقوله امرأتان والصفة قبل الخبر فقد جاز في أن تضل أن تتعلق بأحد ثلاثة أشياء أحدها المضمر الذي دل عليه قوله " واستشهدوا شهيدين " والثاني الفعل الذي هو فليشهد رجل وامرأتان والثالث الفعل، الذي هو خبر المبتدأ فإن قيل فإن الشهادة لم توقع للضلال الذي هو النسيان، إنما وقعت للذكر والحفظ فالقول في ذلك أن سيبويه قد قال أمر بالإشهاد لأن تذكر إحداهما الأخرى، ومن أجل أن تذكر إحداهما الأخرى وذكر الضلال لأنه سبب للإذكار، كما تقول أعددته أن تميل الحائط فأدعمه وهو لا يطلب بذاك ميلان الحائط، ولكنه أخبره بعلة الدعم وسببه ومن حذف المضاف قوله تعالى " إن تبدوا الصدقات فنعما هي " أي فنعم شيئاً إبداؤها، فحذف المضاف، وهو إبداء، فاتصل الضمير فصار ها هي لأن ها يتصل بالاسم فإذا انفصل قيل هي ومن ذلك قوله تعالى " إنه كان حوباً كبيراً " أي إن أكله ومثله " وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم " أي وقت دوامي فيهم ومثله " أعلم بنا لبثتم " أي بوقت لبثكم

وقال " ياحسرتنا على ما فرطنا فيها " أي في عملها وتأهبها ويجوز أن تعود الهاء إلى ما حملا على المعنى ومثله " فقد لبثت فيكم عمراً من قبله " أي من قبل تلاوته ومن حذف المضاف قوله تعالى " سيجزيهم وصفهم " أي جزاء قولهم، لقوله " قالوا هذه أنعام وحرث حجر " والوصف القول، فحذف المضاف كقوله تعالى " فيها متاع لكم " أي في دخولها استمتاع لكم ألا ترى أنه قيل أراد به البنادق ومثله " وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم " أي ليس عليكم جناح العمل وإثمه دون الخطأ ومثله " رب نجني وأهلي مما يعملون " تقديره تقدير حذف المضاف، أي من عقوبة ما يعملون، أو جزاء ما يعملون ألا ترى أن الأنبياء تعتزل عن المعاقبين في المحل إذا عوقبوا؛ على هذا " وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون " وقوله تعالى " فأسر بأهلك " ونحو ذلك ويجوز أن يكون التقدير من مشاهدة ما يعملون ومثله " إنما تقضى هذه الحياة الدنيا " أي أمور هذه الحياة الدنيا، وإنما تقضى بوقت هذه الحياة الدنيا؛ فعلى الأول مفعول، وعلى الثاني ظرف وكقوله تعالى " بجذع النخلة " أي بهز جذع النخلة وقيل الباء زيادة وقيل وهزى إليك رطباً بجذع النخلة وكقوله تعالى " لا تقربوا الصلاة " أي مواضع الصلاة ألا ترى أنه إنما يعبر موضع الصلاة، وموضع الصلاة هو المسجد؛ لأن سائر المواضع عبوره قد وقع الاتفاق على إباحته ومن ذلك قوله تعالى " اليوم يئس الذين كفروا من دينكم " أي من توهين دينكم ومثله قوله تعالى " لقد كان لسبأ في مسكنهم " أي في مواضع سكناهم، فحذف المضاف، والمسكن السكنى وقال " في مقعد صدق " أي في مواضع قعود صدق، فلا يكون من باب قوله
في حلقكم عظم وقد شجينا
وأما جلدها فصليب
لأن ذلك في الشعر كذا ذكره سيبويه وأبو علي، وقد وجدنا خلاف ذلك في التنزيل وقال " لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء " وقال " ويضع عنهم إصرهم " ومن ذلك قوله تعالى " قل ما يعبؤ بكم " أي بعذابكم، أي لا وزن لعذابكم عنده لولا دعاؤكم الآلهة الذين أشركتموها في عبادته والمفعول الذي هو مفعول المصدر محذوف، وكل واحد من الفاعل والمفعول قد يحذف مع المصدر ويجوز أن يكون قوله تعالى " لولا دعاؤكم " الآلهة، أي عبادتكم إياها وعلى هذا قوله تعالى " ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى " أي لم يكن يعذبكم بعذابه لولا دعاؤكم الآلهة، ولكن إذا عبدتم داعين إليها، كما يرغب الموحدون مجتهدين في دعاء الله وعبادته، عذبكم ويقوى أن الدعاء يراد به دعاء الآلهة، الذي هو العبادة لها والرغبة إليها في دعائها، قوله " فقد كذبتم " لأنهم إذا دعوا الآلهة فقد كذبوا الموحدين في توحيدهم وكذبوا الرسل " فسوف يكون لزاماً " أما فاعل يكون للعذاب المحذوف لذى قد حذف وأقيم المضاف إليه مقامه، أي سوف يكون العذاب لازماً لكم، ولزاماً مصدر، فإما أن يكون بمعنى لازم، أو يكون ذا لزام ومثله " ولا تأكلوها إسرافاً وبداراً أن يكبروا " أي حين كبرهم؛ لأنهم إذا كبروا زالت ولايتهم عنهم ومثله " لحبط عنهم " أي عن ثواب أعمالهم، فلهذا عداه ب عن ومثله " هل يسمعونكم " أي هل يسمعون دعاءكم ومثله " إنا خلقناهم مما يعلمون " أي من أجل ما يعلمون، وهو الطاعة، كقوله تعالى " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " وقال الله تعالى " يسارعون فيهم " أي في معونتهم وقال الله تعالى " وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم " أي من إحدى القريتين مكة والطائف، أي أبي مسعود الثقفي، " أ " و الوليد بن المغيرة هكذا قالوه وأنكره الأسود، وقال هذه الآية نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي، وكان من أهل الطائف، وكان ينزل مكة، وهو حليف لبني زهرة، وهو أحد المنافقين مطاع، فلما كان ثقيفياً من أهل الطائف ثم نزل مكة، جاز أن يقال على رجل من القريتين، وهذا ظاهر ومثله " وجعلوا له من عباده جزءاً " المعنى من مال عباده نصيباً، لأن الجزء هو النصيب؛ كقوله تعالى " يجعلون لما لا يعلمون نصيباً مما رزقناهم " ومثله " فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم " أي وليأخذ باقيهم كقوله تعالى " ليتفقهوا في الدين " أي ليتفقه باقيهم وقال " لهم عذاب من رجز أليم " أي من شرب رجز؛ كقوله تعالى " ويسقى من ماء صديد " وقال الله تعالى " إن كتاب الأبرار لفي عليين " أي في محل عليين، وهم الملائكة

ومثله " ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا " أي مس حاجة من فقد ما أوتوا ومثله " فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله " أي من ترك ذكر الله ومثله " عن ذكر ربي " ومثله " فمن يهديه من بعد الله " أي من بعد إضلال الله إياه، يطبعه على قلبه، جزاء بأعمالهم الخبيثة ومثله " استحقا إثماً " أي عقوبة إثم ومثله " إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك " تقدير هذا الكلام إني أريد الكف عن قتلى كراهة أن تبوء بإثم قتلى وإثم فعلك، الذي من أجله لم يتقبل قربانك، فحذف ثلاثة أسماء مضافة، وحذف مفعول أريد لا بد من هذا التقدير، فموضع " أن تَبوُءَ " نصب، لأنه قام مقام كراهة الذي كان مفعولاً له، وليس مفعول أريد ومثله " يبين الله لكم أن تضلوا " أي كراهة أن تضلوا، ولئلا تضلوا عن الكوفى وعن النحاس أن موضع " أنْ تَضلُّوا " نصب بوقوع الفعل عليه، أي يبين الله لكم الضلالة ومثله " وألقى في الأرض رواسى أن تميد بكم " أي كراهة أن تميد بكم ومثله " قل إن الهدى هدى الله أن يؤتي أحد مثل ما أوتيتم " أي كراهة أن يؤتي وفيه قول آخر ستراه في حذف الجار ومثله " ولقد كنتم تمنون الموت " أي أسباب الموت، فحذف المضاف، يدل عليه " فقد رأيتموه " أي رأيتم أسبابه، لأن من رأى الموت لم ير شيئاً ومثله " وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون " أي شكر رزقكم، فحذف المضاف ومثله " أن بورك من في النار " أي من في طلب النار، أو قرب النار ومن ذلك قوله تعالى " ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم " قال محمد بن كعب كانوا ثمانية، والثامن راعي كلبهم فيكون التقدير وثامنهم صاحب كلبهم والجمهور على خلافه، وأنهم كانوا سبعة وثامنهم كلبهم ومثله من حذف المضاف، قوله تعالى " حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده " أي عند جزاء عمله قال أبو علي في الآية معنى " لم يجده شيئاً " لم يجده وجوداً، فصار قوله شيئاً موضوعاً موضع المصدر؛ ألا ترى أن التقدير، لم يدركه، فهو من وجدان الضالة التي هي رؤيتها وإدراكها وأما قوله تعالى " ووجد الله عنده " فإن أبا إسحاق فسر الوجود ها هنا بما في الحديث، من قول القائل ذروني في الريح لعلى أضل الله، أي وجده فلم يضل عنه ويجوز قد أحاط بعلمه عنده ومعنى عنده يشبه أن يكون عند جزاء عمله، فيكون محيطاً لم ينتفع بشئ منه وأما قوله تعالى " أو كظلمات في بحر لجى " ، فمعناه أو كذى ظلمات، ويدل على حذفه قوله تعالى " إذا أخرج يده لم يكد يراها " والضمير الذي أضيف إليه يده يعود إلى المضاف المحذوف ومعنى ذى ظلمات أنه في ظلمات ومعنى " ظلمات بعضها فوق بعض " ظلمة البحر، وظلمة الموج الذي فوق الموج، وظلمة الليل وقوله تعالى " فنادى في الظلمات " ظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت ويجوز أن يكون الالتقام كان في ليل، فهذه ظلمات وقوله تعالى " خلقاً من بعد خلق في ظلمات ثلاث " قيل من ظلمة بطن الأم، والرحم، والمشيمة، عن ابن عباس وقيل ظلمة صلب الأب، ثم بطن الأم، ثم الرحم فمن قرأ " سحاب ظلمات " بالرفع، أي هذه ظلمات ومن جر ظلمات ونون سحاباً كان بدلاً من ظلمات الأولى، ومن ذلك قوله تعالى " سمعوا لها تغيظاً، والمعنى على الصوت، لأن التغيظ لا يسمع ومثله " وقدمنا إلى ما عملوا من عمل " كقوله تعالى " أضل أعمالهم " أي جزاء أعمالهم، كقوله تعالى " على شئ مما كسبوا " أي جزاء ما كسبوا ومثله " إنما الحياة الدنيا " تقديره إنما مثل متاع الحياة الدنيا كمثل ماء يدلك على ذلك قوله تعالى " مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار " وقال " مثل الفريقين كالأعمى " أي كمثل الأعمى، وكمثل السميع، هل يستويان مثلا، أي ذوي مثل وقال الله تعالى " ضرب الله مثلاً رجلاً " أي مثل رجل، ومثلاً قرية " ، أي مثلا مثل قرية و " مثلا رجلين " أي مثلا مثل رجلين وقال الله تعالى " واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية " أي مثلا مثل أصحاب القرية وقال مرة أخرى " إنما مثل الحياة الدنيا كماء " أي مثل زينة الحياة الدنيا كمثل زينة الماء، وزينة الماء نضارة ما ينبته وقال " قادرون عليها " أي على قطف ثمارها وقوله تعالى " فيه شركاء متشاكسون " أي في ملكه أي ضرب الله مثل عبد مشرك بين شركاء متشاكسين ومثله قوله تعالى " إلا ما حملت ظهورهما أو لحوايا أي شحم الحوايا وقال أبو علي في الآية الذي حرم عليهم الشحوم، والثروب

قال الكلبي وكأنه ما خلص فلم يخالط العصب وغيره فأما الحوايا، فيجوز أن يكون له موضعان أحدهما رفع، والآخر نصب فالرفع أن تعطفها على " حملت ظهورهما " كأنه إلا ما حملته ظهورهما، أو حملته الحوايا والآخر أن يريد إلا ما حملت ظهورهما، أو شحم الحوايا، فيحذف الشحم ويقيم الحوايا مقامه والمعنى في الوجهين التحليل؛ ألا ترى ما حملت الظهور محلل وكذلك إذا جعلت موضع الحوايا نصباً بالعطف على " إلاَّ ما حملَّت " كان أيضاً محللاً، " وما اختلط بعظم " ، أي الإلية والحوايا المباعر وبنات اللبن ومثله " سواء منكم من أسر القول ومن جهر به " والتقدير فيه حذف المضاف، كأنه سواء منكم أسرار من أسر وجهر من جهر، كما قال الله تعالى " يعلم سركم وجهركم " وأما الجار في قوله تعالى " سواء منكم " ، فيجوز أن يكون وصفاً لسواء، تقديره سر من أسر وجهر من جهر سواء ثابت منكم ويجوز أن يكون متعلقاً بسواء، أي يستوي فيكم مثل مررت بزيد ويجوز ألا يكون جهر من جهر منكم، وسر من أسر منكم، سواء هكذا قال أبو علي على الموصول؛ إلا أن تجعله من باب قوله " وكانوا فيه من الزاهدين " " وأنا على ذلكم من الشاهدين " و " إني لكما لمن الناصحين " ومثله " إن المتقين في ظلال وعيون وفواكه مما يشتهون " تقديره إن المتقين في ظلال وشرب عيون أي شرب ماء عيون، وأكل فواكه يدل على ذلك قوله تعالى " كلوا واشربوا هنيئاً " وقوله " إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافوراً عيناً " أي يشربون من كأس ماء عين، فحذف الماء كما حذف في الأولى، فحذف الماء للعلم بأن الماء من العين، ماؤها لا نفسها ومثله " لولا يأتون عليهم بسلطان بين " أي على دعواهم بأنها آلهتهم، كقوله تعالى " ولهم على ذنب " أي دعوى ذنب ومن حذف المضاف قوله تعالى " وازدادوا تسعا " أي لبث تسع ف " تِسْعاً " منصوب؛ لأنه مفعول به، والمضاف معه مقدر ومثله " جامع الناس ليوم " أي لجزاء يوم لا ريب فيه ومثله " فليس من الله في شئ " فحذف ومثله " ويحذركم الله نفسه " أي عذاب نفسه ومثله " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله " أي تحبون دين الله فاتبعوا ديني يحبب الله فعلكم قال أبو علي في قوله تعالى " فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله " أي من ترك ذكر الله ألا ترى أن القلوب إنما تقسو من ترك الذكر لا من الذكر؛ كما قال الله تعالى " تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله " و " الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله " وقد يمكن أن تكون الآية على ظاهرها، فتكون القسوة تحدث عن ذكر الله، وذلك ممن يستكبر ولا ينقاد ولا يخضع ولا يعترف وقريب من هذا قوله تعالى " وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة " وهؤلاء الذين تشمئز قلوبهم عن ذكر الله يجوز أن تقسو من ذكره، فيكون المعنى بالآية هؤلاء ومن حذف المضاف قوله تعالى " ومن قتل مؤمناً خطأً " أي قتلاً ذا خطأ، فحذف الموصوف والمضاف جميعا ومن هذا الباب قوله تعالى " ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم " أي جزاؤه واقع، أي جزاء الكسب، فحذف المضاف فاتصل ضمير المنفصل ومثله " إلى ربك كدحاً فملاقيه " أي ملاق جزاءه ومثله " والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون " أي إلى جزائه وثوابه وجنته ومثله " ولا تجهر بصلاتك أي بقراءة صلاتك، ألا ترى أن الصلاة لا يخافت بها وإنما يخافت بالقراءة ومثله " قربا قرباناً " أي قرب كل واحد منهما فحذف المضاف كقوله تعالى " فاجلدوهم ثمانين جلدة " أي فاجلدوا كل واحد منهم وقال الله تعالى " إلى قوم مجرمين " أي إلى إهلاك قوم مجرمين وقال " " وعند الله مكرهم " أي جزاء مكرهم ومثله " ولا تحزن عليهم " أي على كفرهم ومثله " والذين هم به مشركون " أي بتوليته وقال " ما أخلفنا موعدك بملكنا " أي بمعاناة ملكنا وإصلاحه ومن ذلك قوله تعالى " وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون أن تقولوا " أي كراهة أن تقولوا وقال الفراء لئلا تقولوا وكذلك " أو تقولوا لو أنا أنزل " تقديره أو كراهة أن تقولوا ومثله " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم " إلى قوله " أن تقولوا " أي أشهدهم على أنفسهم كراهة أن يقولوا، فيمن قرأ بالياء فأما من قرأ بالتاء، فالتقدير وقال لهم " ألست بربكم قالوا بلى " فقال الله تعالى شهدنا كراهة أن تقولوا

وقيل " وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى " فقال الله للملائكة اشهدوا قالت الملائكة شهدنا كراهة أن تقولوا ومن حذف المضاف قوله تعالى " ساء مثلاً القوم الذين كذبوا بآيات الله " تقديره ساء المثل مثلاً مثل القوم الذين كذبوا، فحذف المثل المخصوص بالذم فارتفع القوم لقيامه مقامه ومثله " بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله " أي بئس مثل القوم الذين كذبوا، فحذف المضاف، فيكون الذين على هذا في موضع الرفع مقام المضاف إليه ويجوز أن يكون الذين في موضع الجر وصفاً للقوم، والمخصوص بالذم مضمر، والتقدير بئس مثل القوم المكذبين بآيات الله مثلهم فأما قوله تعالى " نعم أجر العاملين الذين صبروا " أي أجر الذين صبروا، فحذف المضاف فيجوز أن يكون التقدير فنعم أجر العاملين أجر الذين صبروا، فحذف المضاف ويكون الذين في موضع الرفع لقيامه مقام الآخرة ويجوز أن يكون الذين في موضع الجر؛ والتقدير فنعم أجر العاملين الصابرين أجرهم، فحذف المخصوص بالمدح ومن ذلك قوله تعالى " فسألت أودية بقدرها " أي سالت مياه أودية وكذلك قوله تعالى بقدرها يعني بقدر مياهها ألا ترى أن المعنى ليس على أنها سالت بقدر أنفسها؛ لأن أنفسها على حال واحدة، وإنما تكون كثرة المياه وقلتها، وشدة جريها ولينه؛ على قدر قلة المياه المنزلة وكثرتها ومن حذف المضاف قوله تعالى " إذ قال الحواريون يا عيسى بن مريم هل تستطيع ربك " بالتاء ونصب الباء والمعنى هل تستطيع سؤال ربك؟ فحذف المضاف وذكروا الاستطاعة في سؤالهم لأنهم شكوا في استطاعته، ولكنهم ذكروه على وجه الاجتماع عليه منهم، كأنهم قالوا إنك تستطيع فما يمنعك؟ مثل ذلك قولك لصاحبك أتستطيع أن تذهب عني فإني مشغول؟ أي اذهب لأنك غير عاجز عن ذلك وأما أن في قوله " هل يستطيع ربك أن ينزل " فهو من صلة المصدر المحذوف، ولا يستقيم الكلام إلا بتقدير ذلك ألا ترى أنه لا يصلح هل تستطيع أن يفعل غيرك؟ وإن الاستفهام لا يقع عنه، كما لا يصح في الإخبار أنت تستطيع أن يفعل زيد وأن في قوله " أن ينزل علينا " متعلق بالمصدر المحذوف على أنه مفعول به فإن قلت هل يصح هذا على قوله سيبويه، وقد قال إن بعض الاسم لا يضمر في قوله إلا الفرقدانفإن ذلك لا يصح، لأنه كما ذهب إليه في قوله
ونار توقد بالليل نارا
ومثل حذف المضاف قوله تعالى " إنه عمل غير صالح " أي ذو عمل، فحذف المضاف ومثله قوله تعالى " كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار " أي على كل قلب كل متكبر، وذلك فيمن قرأ مضافاً، أعني قلباً، إذ لا يصح أن يقال يطبع على جملة كل قلب من المتكبر إنما المعنى أنه يطبع على القلوب إذا كانت قلباً قلباً وقد ظهر هذا المضاف في قراءة ابن مسعود على قلب كل متكبر ومثله " ثم لا تجد لك به " أي بإذهابه وإغراقه ومن حذف المضاف قوله تعالى " وما علمناه الشعر " تقديره وما علمناه صناعة الشعر، لأنهم نسبوه عليه السلام إلى ذلك في قوله تعالى " افتراه بل هو شاعر " وقوله تعالى " أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون " فنفى ذلك وليس المراد بهذا الكرم أنه لا يقيم بيتا؛ لأن ذلك تكرر عليه مع صحة العقل والسمع بعد ألا يحفظه ألا ترى أن الصغار منا ومن يقرب من الأطفال قد يحفظون ذلك ويؤدونه والبيت الواحد يكون شعراً إلا أن قائله لا يكون شاعراً، كما أن من بنى مفحصاً ودرجة ومعلفاً ونحو ذلك مما يقل يقال له بناء إلا أن فاعله لا يقال له بناء؛ كما أن من أصلح قميصاً لا يكون خياطاً، وإن كان ذلك الإصلاح خياطة ومن ذلك قوله تعالى " وحرمنا عليه المراضع " أي ثدي المراضع قال أبو علي في الآية يجوز أن يكون جمع المصدر، كأنه جمع مرضعاً مراضع ويجوز أن يكون جمع المصدر، كأنه جمع مرضعاً مراضع، على أنه صفة للمرأة، مثل مطفل ومطافل، فيكون التقدير ثدي المراضع وعلى الوجه الأول وحرمنا عليه الإرضاعات ومن ذلك قوله تعالى " واسأل القرية " أي أهل القرية كما قال " فليدع ناديه " أي أهل ناديه ومن ذلك قوله تعالى " ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً " والتقدير على موطئ عقبيه فنكص عليهما، فلم يسلك الصراط السوى فحاد وزاغ عنه وزال، فإنما ذلك عليه، لن يضر الله بذلك شيئاً

ومثله " انقلبتم على أعقابكم " أي على مواطىء أعقابكم ومن ذلك قوله تعالى " من شر الوسواس الخناس " أي من شر ذي الوسواس، فحذف المضاف قال أبو علي في الآية فاعل يوسوس من قوله الذي يوسوس في صدور الناس الجنة وذلك أن أبا الحسن يقول إن قوله من الجنة والناس متعلق بالوسواس، كأنه من شر الوسواس، من الجنة والناس وإذا كان كذلك ففاعل يوسوس هو اِلْجنَّة ولا يمتنع ذلك، وإن كان لفظ الجنة مؤنثا، لأن معنى الجن والجنة واحد والعائد على هذا إلى الموصول، الهاء المحذوفة، أي الذي يوسوسه، فحذف فإن قلت إن في هذا إضمار قبل الذكر، كما أن ضرب غلامه زيد، كذلك وإن شئت كان مثل ما حكاه من قوله إذا كان غدا فائتني والحال قد دلت عليه وإن شئت قدرت في الوسواس فيكون العائد إلى الموصول ذكر الفاعل في يوسوس ولا تضمر الهاء كما أضمرت في الوجه الآخر ومن حذف المضاف قوله تعالى " ثم توفى كل نفس ما كسبت " في البقرة أي جزاء ماكسبت؛ وفي آل عمران في موضعين؛ وفي سورة النحل " توفى كل نفس ما عملت " أي جزاء ما عملت وفي " حم عسق " و " الجاثية " وفي جميع التنزيل ومنه قوله تعالى " هم درجات عند الله " أي ذوو درجات، عند الجمهور وقدره البخاري لهم درجات، على نزع الخافض ومن حذف المضاف قوله تعالى " قد نرى تقلب وجهك في السماء " قال أبو علي هذا يكون على ضربين أحدهما تقلب وجهك نحو السماء؛ وهذا يفعله المهتم المتفكر، فالسماء هذه التي تظل الأرض، ويكون السماء ما ارتفع وكان خلاف السفل، أي تقلب وجهك في الهواء ولا يكون في السماء متعلقاً ب نرى لأنه سبحانه وتعالى يرى في السماء وغيرها، فلا وجه لتخصيص السماء هذه لفظة ذكرها سيبويه في الأبنية مع كينونته في باب سيد، وميت، مما مقحمة يقلب فيه الواو ومن ذلك قوله تعالى " وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين " المعنى من قبل مجيئها، أي " أوتينا العلم " بالعرش أنه عرشها، وكنا مسلمين هذا من قول سليمان، ولذلك قد عطف على هذا من قوله قال هذا من فضل ربي، وأوتينا العلم من قبلها، أي كنا مؤمنين بأن الله يقدر من نقل العرش على ثقله، في المدة التي ذكرها أنه ينقله فيها، لأن ذلك بإقدار الله إياه على هذا، من هذا الذي هو معجز له ومن حذف المضاف قوله تعالى " شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان " أي إذا حضر أحدكم أسباب الموت حين الوصية شهادة اثنين ومن ذلك قوله " يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم " أي من أحدكم لأنه لم يأت الجن رسل قاله ابن جريج وقال الضحاك بل أتتهم الرسل كما أتت الإنس وقال غيرهما الرسل التي أتتهم هم النفر المذكورون في قوله تعالى " فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين " ومن ذلك قوله تعالى " نسيا حوتهما " أي نسى أحدهما، وهو يوشع، لأن الزاد كان في يده وقال الله تعالى " ومن آياته خلق السموات والأرض وما بث فيهما من دابة " أي في إحداهما وقال " على رجل من القريتين عظيم " أي من إحدى القريتين، وقد تقدم وقال " يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان " أي من أحدهما، وهو الملح دون العذب ومثله " وجعل القمر فيهن نوراً " أي في إحداهن وقال الله تعالى " فلا جناح فيما افتدت " أي على أحدهما، وهو الزوج؛ لأنه آخذ ما أعطى قال ويراد الزوج دون المرأة، وإن كانا قد ذكرا جميعا، كما قال الله تعالى " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه " وموضع طرح تعجل الإثم للمتعجل، فجعل للمتأخر الذي لم يقصر مثل ما جعل على المقصر قال وقد تحتمل هذه وجها آخر، وهو أن يريد لا يقولن واحد منهما لصاحبه أنت مقصر؛ فيكون المعنى لا يؤثمن أحدهما صاحبه ومثله " من العذاب المهين من فرعون " أي من عذاب فرعون ومن حذف المضاف قوله تعالى " لا يرجون لقاءنا " أي لقاء رحمتنا ومثله " قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور " أي من ثوابها، لإنكارهم وكفرهم بها، في نحو قوله تعالى " لا تأتينا الساعة " " وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا " فأما قوله تعالى " كما يئس الكفار من أصحاب القبور " أي من بعث أصحاب القبور، يدل على ذلك قوله " زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا "

أو يكون من مجازاة أهل القبور، أي لا يثابون ولا يعاقبون، ويكون كما يئس الكفار الموتى من الآخرة، فأضمر من الآخرة لجرى ذكره ويكون قوله من أصحاب القبور متعلقاً ب الكفار دون يئس محذوف، لجرى ذكره ومن ذلك قوله تعالى " جعل الله الكعبة البيت الحرام " أي حج الكعبة ليكون في المعنى " قياماً للناس " ومنه قوله تعالى " ولا تزال تطلع على خائنة منهم " أي على ذوى خيانة منهم " إلا قليلاً " والاستثناء من المضاف المحذوف ومن حذف المضاف قوله " لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة " أي إلا نجوى من أمر قال أبو علي قد تكون موضع من نصباً إذا استثنيته من المنتجين، كما جاء " وإذ هم نجوى " أي هم منتجون وقد يكون جزاء، أي لا خير في كثير من نجواهم إلا في انتجاء من أمر بصدقة ويكون هذا على قياس قوله " ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى " فهذا لا يكون من المنتجين، ولكن على الانتجاء وإنما قال أبو علي قد يكون نصباً على أصل الباب كقراءة ابن عامر " ما فعلوه إلا قليلاً منهم " وقوله تعالى " إلا امرأتك " إذا استثنيته من أحد ونصبته وأما قوله تعالى " ما يكون من نجوى ثلاثة " فالأظهر فيه أن تكون ثلاثة وصفاً لنجوى والنجوى ها هنا مثله في قوله تعالى " وإذ هم نجوى " ولا يكون جراً بإضافة النجوى إليه، كقوله تعالى " لا نسمع سرهم ونجويهم " ومنه قوله تعالى " وأنا لمسنا السماء " أي لمسنا غيب السماء ورمناه ومنه قوله تعالى " لا يسمعون إلى الملاء الأعلى " أي إلى قول الملأ الأعلى، وإلى كلام الملأ الأعلى كقوله تعالى " إن هى إلا أسماء سميتموها " أي ذوات أسماء ومن ذلك قوله تعالى " لترون الجحيم " ، أي عذاب الجحيم، لأن الوعيد برؤية العذاب لا برؤيتها، لأن المؤمنين أيضاً يرونها، قال الله تعالى " وإن منكم إلا واردها " ومن ذلك قوله تعالى " الرجال قوامون على النساء " أي على مصالح النساء ومن ذلك قوله تعالى " فلا عدوان إلا على الظالمين " أي فلا جزاء ظلم إلا على ظالم ومن ذلك قوله تعالى " فلا يصدنك عنها " أي عن اعتقادها، ومثله " لن نؤثرك على ما جاءنا " أي لن نؤثر اتباعك ومن حذف المضاف قوله تعالى " لن يضروا الله شيئاً " أي دين الله أو جند الله، أو نبي الله ومن ذلك قوله تعالى " ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم " التقدير ولا تحسبن بخل الذين كفروا خيرا لهم، فيمن قرأ بالتاء، فيكون المضاف محذوفاً مفعولاً، وهو تكرار لطول الكلام وخيراً المفعول الثاني ومن قرأ بالياء، فقد كفانا سيبويه حيث قال ومن ذلك قوله عز وجل " ولا يحسبن الذين يبخلون " البخل " هو خيراً لهم " ولم يذكر البخل اجتزاء لعلم المخاطب بأنه البخل، لذكره يبخلون ومن ذلك قول العرب من كذب كان شراً له يريدون كان الكذب شراً له إلا أنه استغنى بأن المخاطب علم أنه الكذب، لقوله كذب، في أول حديثه، فصارت هو ها هنا وأخواتها بمنزلة ما إذا كانت لغوا في أنها لا تغير ما بعدها عن حاله، قبل أن تذكر ومن ذلك قوله تعالى " فطلقوهن لعدتهن " المعنى لقبل عدتهن لأن العدة الحيض، والمرأة لا تطلق في حيضها ألا ترى أن ابن عمر لما طلق في الحيض، أمره بأن يراجعها ثم يطلقها فإذا كانت العدة الحيض، وكان النهى قد حصل وثبت عن الطلاق في الحيض، لم يجز أن يكون المراد إيقاع الطلاق في العدة، وإذا لم يجز ذلك ثبت أنه لقبل عدتهن، إذ ذلك هو الظرف، وهو المأمور بإيقاع الطلاق فيه ومن ذلك قوله تعالى " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم " المعنى خذ من مال كل واحد منهم كقوله تعالى " فاجلدوهم ثمانين جلدة " المعنى فاجلدوا كل واحد ألا ترى أنه لا تفرق الثمانون على الجماعة، إنما يضرب كل واحد ثمانين وإذا كان كذلك دل أن ما دون النصاب بين الشريكين لا يحتسب فيه شئ بظاهر قوله " خذ من أموالهم " ومن حذف المضاف قوله تعالى " فتيمموا صعيداً طيباً " هو على حذف المضاف، كأنه قال تيمموا استعمال صعيد ولا يكون على الظاهر وغير حذف المضاف، لحلو اللفظ من الفائدة على هذا ألا ترى أن قوله " فامسحوا " يغنى عن ذلك وهذا الحذف ينبغي أن يكون على تأويل أبي حنيفة، لأن أبا يوسف روى عنه فيما حكى الشيخ أنه قال أمر الله في آية التيمم بشيئين تيمم، ومسح

وفي قول زفر لا يلزم أن يقدر هذا المضاف، لأن المراد كان عنده المسح، ولا ينبغي أن يكون المراد، تيمموا الصعيد اقصدوه لأن من الفقهاء من لم يذهب إليه؛ لأن زفر كان المعنى عنده امسحوا؛ لأن زفر يقول يصح التيمم بغير النية؛ وأبو حنيفة يقول لا يصح إلا بالنية؛ لأن التيمم قصد، والقصد هو النية وزفر يقيسه على الوضوء، فيصير في الآية تكرار، لأنه لا يقدر المضاف ولا يجعل التيمم النية ومن حذف المضاف قوله تعالى " من أول يوم أحق أن تقوم فيه " أي من تأسيس أول يوم، لا بد من ذا، لأن من لا تدخل ومن ذلك قوله تعالى " تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت " يجوز أن يكون الجار والمجرور صفة للمصدر المحذوف، كأنه تدور أعينهم دورا كدور الذي يغشى عليه، أي كدور عين الذي يغشى عليه من الموت، أي من حذر الموت، أو من خوف الموت، أو من مقارفته الموت ويجوز أن يكون حالاً من المضاف إليه الأعين، أي تدور أعينهم مشبهين الذي يغشى عليه، لأن الذي يغشى عليه تدور عينه، فيكون الكاف على هذا حالا، وعلى القول الأول وصفا للمحذوف منه، وفي كلا الأمرين فيه ذكر من هو له ومن حذف المضاف قوله تعالى " هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم " أي في ملك ما ملكنا كم تخافونهم، أي تخافون تسويتهم في الملك، لأن سياقة الكلام عليه، ولا يكون المعنى على تخافون مكايدتهم أو بأسهم، لأن ذلك غير مأمون منهم فالمعنى تخافون تسويتهم إياكم، فتقدير المصدر الإضافة إلى الفاعل، فقوله " كخيفتكم أنفسكم " أي كخيفتكم المساواة بينكم فهو من باب " فمن اعتدى عليكم " ، لأن التسوية بين الأحرار قائمة واقعة، أي تخافون المماليك كما تخافون الأحرار والمراد بأنفسكم الأحرار ومن ذلك قوله تعالى " وثيابك فطهر " ، أي ذا ثيابك فطهر، فحذف المضاف، فهذا كقوله تعالى " إن الله اصطفاك وطهرك " أي برأك مما رميت به ومن ذلك قوله تعالى " قل أحل لكم الطيبات وما علمتم " أي صيد ما علمتم ومنه قوله تعالى " طريقا في البحر يبساً " أي ذا يبس ومن ذلك قوله تعالى " سبل السلام " أي سبل دار السلام، يعني سبل دار الله ويجوز أن يكون السلام السلامة، أي دار السلامة ومن ذلك قوله تعالى " فأتوا به على أعين الناس " أي على مرآة أعين الناس ومن ذلك قوله تعالى " ولا تولوا عنه " أي لا تعرضوا عن أمره وتلقوه بالطاعة والقبول، كما قال عز وجل " فليحذر الذين يخالفون عن أمره " ومن ذلك قوله تعالى " أيعدكم أنكم إذا متم " أي أن إخراجكم إذا متم لا بد من حذف المضاف، لأن ظرف الزمان لا يكون خبراً عن الجثة، كقولهم الليلةُ هلالُ ومن ذلك قوله تعالى " ما وعدتنا على رسلك " أي على ألسن رسلك وقال " ثم أصبحوا بها كافرين " أي بردها، لأنهم إذا سألوا عما يسوؤهم إذا أظهر لهم فأخبروا به ردوها، ومن رد على الأنبياء كفر، فالتقدير فيه بردها وتركهم قبولها وقال الله تعالى " إلا أن يكونا ملكين " أي كراهة أن يكونا ملكين ومن ذلك قوله تعالى " من بعد قوة أنكاثاً " أي من بعد إمرار قوة، وقوة واحد في معنى الجمع وأنكاثاً، حال مؤكدة، لأن في النقض دلالة على النكث ومن ذلك قوله تعالى " فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب " والجن قد تبينوا أنهم لا يعلمون الغيب، فهو على حذف المضاف، أي بتبين أمر الجن، فصار بمنزلة اجتمعت اليمامة وحمل أن على موضع المحذوف، ف أن بدل من أمر الجن ومن ذلك قوله تعالى، في قصة شعيب " إن أريد إلا الإصلاح " أي فعل الإصلاح، لأن الاستطاعة من شرط الفعل دون الإرادة ومن ذلك قوله تعالى " أولئك لهم عقبى الدار جنات عدن يدخلونها " أي دخول جنات عدن " ومن صلح " أي دخول من صلح فإن قلت فهل يكون " ومن صلح " على زيدا ضربته وعمرا، فتحمله على المضمر دون ضربته، فإن ذلك لا يجوز ألا ترى أن يدخلونها صفة وليس بخبر، لأن جنات عدن نكرة وليس كزيد قاله أبو علي وعندي فيه نظر، لأن كون قوله " يَدْخُلُونَهَا " صفة لجنات لا يمنع عطف ومن صلح على الضمير الذي فيه ومن ذلك قوله تعالى " قالوا جزاؤه من وجد في رحله " أي أخذ من وجد في رحله، فحذف المضاف ومنه قوله تعالى " إلا أن يأتيهم الله " أي أمر الله ومنه قوله تعالى " وإذا أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم " أي أمم النبيين

وقال " كمثل ريح " ، أي كمثل إنفاق زرع ذى ريح، فحذف، أي فإنفاق بعض هذا الزرع لا يجدي عليه شيئاً، كذلك إنفاق هؤلاء لا يجدي عليهم نفعاً ولا يرد عنهم ضيراً ووصف الزرع بأنه ذو ريح، في وقتها كان، كما أن من قرأ في قوله تعالى " سحاب ظلمات " أضاف السحاب إلى الظلمات، لأنه في وقتها نشأت، وعلى هذا ينبغي أن يحمل، ليكون مثل النفقة ولا تكون النفقة كالريح ولا كمثل الريح، فإنما هو كلام فيه اتساع لمعرفة المخاطبين بالمعنى، كقولهم ما رأيت كاليوم رجلاً وقدره أبو علي مرة أخرى كمثل إهلاك ريح، أو فساد ريح وإن جعلت ما بمنزلة الذي كان التقدير مثل إفساد ما ينفقون، وإتلاف ما ينفقون، كمثل إتلاف ريح، تقدر إضافة المصدر إلى المفعول في الأول، وفي الثاني إلى الفاعل وقال في قوله تعالى " إن تمسسكم حسنة تسؤهم " اللفظ على تسؤهم للحسنة، والتقدير على حذف المضاف، أي تسؤهم إصابتك الحسنة، نقدر المصدر مضافاً إلى المفعول به وكذلك " يفرحوا بها " أي بإصابتهم السيئة ومن ذلك قوله تعالى " لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله " أي كإبطال الذي ينفق، أو كإهلاك الذي ينفق ومن ذلك قوله تعالى " لن ينال الله لحومها " أي ينال ثواب الله " ولكن يناله التقوى " ، أي ينال ثواب التقوى ومن ذلك قوله تعالى " لا تكلف إلا نفسك " أي قتال نفسك، أو جهاد نفسك وفي الأخرى " وجاهدهم به جهاداً كبيراً " ألا ترى أن الإنسان لا يكلف العين، وإنما يكلف معنى فيه، كقول الأعشى
إلا كخارجة المكلف نفسه ... وابنى قبيصة أن أغيب ويشهدا
والتقدير فيه؛ شرة نفسه المعنى والمتكلف شرة نفسه، فحذف المضاف إليه، كما حذف في الآية ومن ذلك قوله تعالى " لست منهم في شيء " أي من قتالهم في شئ، نسختها سورة التوبة عن الكلبي وقيل لست عن مخالطتهم في شيء نهى نبيه صلى الله عليه وآله عن مقاربتهم، وأمره بمساعدتهم عن قتادة قال أبو علي لست منهم، كقوله فإني لست منك، للمبارأة وحمل الجار في شئ على أنه حال من الضمير في منهم على الوجوه كلها ومن ذلك قوله تعالى " بشراكم اليوم جنات تجري " أي دخول جنات، فحذف المضاف وقال " جزاؤهم عند ربهم جنات عدن " أي دخول جنات، كما أن قوله " فجزاؤه جهنم " كذلك، لأن جهنم والجنة عين، فلا يكون حدثا ومن ذلك قوله تعالى " فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله " أي خلاف خروج رسول الله والخلاف والخلف واحد، وهو ظرف وقيل هو مصدر في موضع الحال، أي فرح المخلفون بمقعدهم مخالفين رسول الله، والمقعد المصدر لا غير لتعلق خلاف به، والمكان لا يتعلق به شئ وإن كان خلاف مصدراً فهو مضاف إلى المفعول به والمقعد، والمثوى في قوله تعالى " النار مثواكم " ومغار في قول حميد بن ثور
مغار ابن همام على حي خثعما
مصادر كلها، لما يتعلق به ما بعدها، فالمقعد القعود والمثوى الثواء والمغار الإغارة والملقى، في قول ذى الرمة
فظل بملقى واجف جرع المعا
أي فظل بالإلقاء والمجر، في قول النابغة
كأن مجر الراسيات ذيولها
" فاْلَملْقَى " والمجر مصدران ومن ذلك قوله تعالى " وقودها الناس " لا يكون إلا على الاتساع، أي وقودها يلهب الناس ومن ذلك قوله تعالى " والله مخرج ما كنتم تكتمون " ما بمنزلة الذي ويجوز أن تجعلها مصدراً، أي الكتمان ويريد مع هذا بالكتمان المكتوم، أي ذا الكتمان، فحذف المضاف، ويخرج على معنى الحكاية، كقوله " باسط ذراعيه " وإنما قال " ما كنتم تكتمون " لمن علم القاتل وكتم أمره، دون القاتل، لأنه يجحد ولا يكتم ومن ذلك قوله تعالى " وكفى بجهنم سعيراً " وقال أبو عبيدة أي وقوداً وهذا يصح على حذف المضاف والمضاف إليه كله، أي وكفى بسعير جهنم سعيراً، لأن السعير هو الاستعار، وجهنم اسم مكان، فلا يكون ذو الحال الحال إلا على هذا التقدير، وتكون الحال مؤكدة كقوله
كفى بالنأى من أسماء كاف
وقال أبو الحسن في سعير أي مسعورة واستدل على ذلك بقوله تعالى " وإذا الجحيم سعرت " وإن أراد أبو عبيدة بالوقود الحطب، كان أيضاً على حذف المضاف، أي وكفى بوقود جهنم وقودا، والحال أيضاً مؤكدة

ومن ذلك قوله تعالى " وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً درجات منه ومغفرة ورحمة " انتصب أجرا لأن " فَضَّل " يدل على أجر ولا ينتصب بفضل، لاستيفائه المجاهدين أولاً، والثاني على القاعدين ودرجات أي أجر درجات، فحذف، وهو بدل أو يكون بدرجات، فهو ظرف ومغفرة، أي وجزاهم مغفرة، أو يكون وغفر مغفرة ومن ذلك قوله تعالى " وحرم عليكم صيد البر " أي اصطياد صيد البر، لأن الأسم غير محرم وإن حملت الصيد على المصدر، والتقدير صيد وحش البر، لأن البر لا يصاد، فالصيد هنا مثله في قوله " لا تقتلوا الصيد " على الوجه الأول ومن ذلك قوله تعالى " ورسلاً قد قصصناهم عليك " يحتمل أمرين أحدهما رسلاً قصصنا أخبارهم عليك ورسلاً لم نقصص عليك، أي لم نقص أخبارهم عليك وقد يكون على رسلا قصصنا أسماءهم عليك، ورسلا لم نقصص أسماءهم ففي كلا القولين يكون على تأويل حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ومن ذلك قوله عز وجل " وما من حسابك عليهم من شيء " ومن ذلك قوله تعالى " أو من كان ميتاً فأحييناه " والتقدير أو مثل من كان ميتا، ليطابق قوله كمن مثله فحذف المضاف وإن شئت كان التقدير كمن مثله فهو كقولهم أنا أكرم مثلك، أي أكرمك وقال عز وجل " كمن هو أعمى " ومن ذلك قوله تعالى " قد استكثرتم من الإنس " ، أي من استمتاع الإنس، أي من استمتاعكم بالإنس، فحذف بعدما أضاف إلى المفعول مع الجار، والمجرور مضمر لقوله " اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ " ومن ذلك قوله تعالى " لا يزال بنيانهم الذي بنوا " أي هدم بنيانهم، أو حرق بنيانهم ومن ذلك قوله تعالى " ولا يقطعون وادياً إلا كتب لهم " أي كتب ثواب قطعه، فحذف المضاف، فصار كتب لهم قطعه؛ ثم حذف أيضاً القطع فارتفع الضمير ومن ذلك قوله تعالى " ويؤت كل ذى فضل فضله " أي جزاء فضله، لأن الفضل قد أوتيه ومن ذلك قوله تعالى " بدم كذب " أي ذي كذب؛ وقيل بدم مكذوب فيه ومن ذلك قوله تعالى " إنى أرانى أعصر خمراً " أي عنب خمر، فحذف ومن ذلك قوله تعالى " وكان الكافر على ربه ظهيرا " أي على معصية ربه، فحذف المضاف قال أبو علي أي ساقطاً مثل قوله جعل قضاء حاجتي بظهر، أي نبذه وراء ظهره، ولم يلتفت إليه وقوله تعالى " فكيف تتقون إن كفرتم يوماً " أي عقاب يوم ومن ذلك قوله تعالى " فإنها محرمة " أي إن دخولها، لقوله " لن ندخلها أبداً ما داموا فيها " ومن ذلك قوله تعالى " إن العهد كان مسئولاً " أي ذا العهد كان مسئولا عنه، وذا الأمانة، فحذف وقوله تعالى " إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا " أي كل أفعال أولئك، أي إن ذا العهد كان مسئولا عنه، أي عن كل الأفعال وقيل أي يكون الإنسان هو المسئول عن السمع والبصر والفؤاد، تسأل عن الإنسان لتكون شهوداً عليه وله، بما فعل من طاعة وارتكب من معصية وقيل يعود إلى البصر وقيل يعود إلى كل ومن ذلك قوله تعالى " لن تخرق الأرض " أي لن تخرق عمقها، أي لن تبلغ طول ذا ولا خرق ذا وأنت ضعيف عاجز ومن ذلك قوله تعالى " ويزيدهم خشوعاً " أي تزيدهم تلاوته خشوعاً، أو سماعهم له ومن ذلك قوله تعالى " كانت لهم جنات الفردوس نزلاً " أي دخول جنات الفردوس، ف نزلاً، حال من الضمير المجرور فيمن جعلها جمع نازل ومن جعله كقوله " هذا نزلهم " كان خبراً، والتقدير كانت لهم ثمر الجنات، فحذف المضاف ومن ذلك قوله تعالى " كما بدأكم تعودون " أي كما بدأ خلقكم تعودون أي يعود خلقكم عودا كبدئه والخلق اسم الحدث، لا الذي يراد به المخلوق ومن ذلك قوله تعالى " وكان بين ذلك قواماً " أي كان الانفاق ذا قوام بين ذلك وإن شئت علقت الظرف بما دل عليه القوام، كأنه قال مستقيما بين الإسراف والإقتار، فلا تجعله متقدماً على المصدر وما يجرى مجراه، لأن ذلك لا يستقيم وإن شئت علقته به فكان على هذا النحو وإن شئت علقته بمحذوف جعلته الخبر، كأنه قال بين الإسراف أو التبذير والإقتار، فأفرد ذلك كما أفرد في قوله " عوان بين ذلك " وكلا ذلك وجه حسن ومن ذلك قوله تعالى " حسبته لجة " أي حسبت صحن الصرح من القوارير ماءً ذا لجة

وقال تعالى " بل أدارك علمهم في الآخرة " بمعنى أدرك ولحق؛ فالمعنى أنهم لم يدركوا علم الآخرة، أي لم يعلموا حدوثها وكونها ودل على ذلك " بل هم في شك منها بل هم منها عمون " أي من عملها ف في بمعنى الباء، أي لم يدركوا علمها، ولم ينظروا في حقيقتها فيدركوها، أي إدراك علمهم بحدوثها، بل هم في شك من حدوثها، بل هم عن علمها عمون ومن ذلك قوله تعالى " أجعلتم سقاية الحاج " أي صاحب سقاية الحاج وقال عز من قائل " وكأين من قرية " أي من أهل قرية " هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك " أي أخرجك أهلها ومن ذلك قوله تعالى " وعدكم الله مغانم " أي تمليك مغانم، ويراد به المفعول، لأن الحرث لا يؤخذ ومن ذلك " لقد صدق الله رسوله الرؤيا " أي تأويل الرؤيا؛ لأن الرؤيا إنما هي مخايل ترى في المنام وليس بحديث فيحتمل الصدق والكذب والتأويل حديث، فيحتمل الصدق والكذب، وصدق فعل يتعدى إلى مفعولين ومن ذلك قوله تعالى " لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله " أي من رهبة الله والمعنى يرهبونكم أشد مما ترهبون الله وهذا مثل قوله تعالى في صفتهم " ولكنهم قوم يفرقون " وقال عز من قائل " يحسبون كل صيحة عليهم " فوصفوا في ذلك بالجبن والفرق والتقدير رهبتهم لكم تزيد على رهبة الله فالمصدر المقدر حذفه في تقدير الإضافة إلى المفعول به ومن ذلك قوله تعالى " قوارير من فضة " أي من صفاء فضة ويكون قوله من فضة صفة للقوارير، كما أن قدروها صفة ومن ذلك قوله تعالى " وما أدرك ما العقبة " أي اقتحام العقبة ثم قال " فك رقبة " أي اقتحامها فك رقبة " ثم كان " أي إن كان، أي ثم كونه من الذين، فحذف أن كقوله " أحضر الوغى " ومن ذلك قوله تعالى " من كل أمر سلام " أي من كل ذى أمر ومن ذلك قوله تعالى " إن الذين هم من خشية ربهم " أي من خشية عقاب ربهم والخشية خوف فيه تعظيم للمخشى منه، بخلاف الإشفاق، فكأنه قال هم حذرون المعاصي من أجل خشية عقاب الله

الثالث ما جاء في التنزيل معطوفاً بالواو والفاء وثم من غير ترتيب الثاني على الأول
فمن ذلك قوله تعالى " إياك نعبد وإياك نستعين " ألا ترى أن الاستعانة على العبادة قبل العبادة ومن ذلك قوله تعالى " وإذا قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغداً وادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة " وقال عز من قائل في سورة الأعراف " وقولوا حطة وادخلوا الباب سجداً " والقصة قصة واحدة، ولم يبال بتقديم الدخول وتأخيره عن قول الحطة ومثله " فاعفوا واصفحوا " لأن العفو ألا يكون في القلب من ذنب المذنب أثر، والصفح أن يبقى له أثر ما، ولكن لا تقع به المؤاخذة ومن ذلك قوله تعالى " يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين " والسجود قبل الركوع، ولم يبال بتقديم ذكره لما كان بالواو، فوجب أن يجوز تقديم غسل اليد والرجل على غسل الوجه في قوله تعالى " فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين " ومن ذلك قوله تعالى " إنى متوفيك ورافعك إليَّ " والرفع قبل التوفي ومن ذلك قوله تعالى " ووهبنا له إسحاق ويعقوب " إلى قوله " وإسماعيل واليسع ويونس ولوطاً " فأخر لوطا عن إسماعيل وعيسى نظيره في النساء " وعيسى وأيوب ويونس " وعيسى بعد جماعتهم ومن ذلك قوله تعالى " رب موسى وهارون " في الأعراف، وفي طه " برب هارون وموسى " وفي الشعراء أيضاً، فبدأ أولا بموسى ثم قدم هارون في الأخريين ومن ذلك قوله تعالى " فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة " وإمطار احجارة قبل جعل الأسافل أعالي فقدم وأخر الإمطار نظيره في سورة الحجر وقال تعالى " فكيف كان عذابي ونذر " والنذر قبل العذاب وفسر قوله تعالى " فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت " أي وانتفخت لظهور نباتها، فيكون من هذا الباب؛ وفسروها بأضعف نباتها، فلا يكون من هذا الباب

وأما قوله تعالى " وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا " فلا يخلو أهلكناها من أن يكون خبراً أو صفة؛ فالذي يقوى الخبر قوله تعالى وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها " وقوله تعالى " وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح " فكما أن كم في هذه المواضع محمولة على أهلكنا كذلك إذا شغل عنها الفعل بالضمير ترتفع بالابتداء، مثل زيداً ضربت، وزيد ضربته ومن قال زيدا ضربته، كان قوله تعالى " وكم من قرية أهلكناها " كم في موضع النصب فإن قلت فما وجه دخول الفاء في قوله فجاءها بأسنا والبأس لا يأتي المهلكين، إنما يجيئهم البأس قبل الإهلاك، ومن مجئ البأس يكون الإهلاك، فإنه يكون المعنى في قوله أهلكناها قربت من الهلاك ولم تهلك بعد، ولكن لقربها من الهلاك ودنوها وقع عليها لفظ الماضي، لمقاربتها له وإحانته إياها ونظير هذا قولهم قد قامت الصلاة، إذا كان المقيم مفرداً، وإن لم تقع التحريمة بها، للقرب من التحريمة بها ومنه قول رؤبة
يا حكم الوارث عن عبد الملك ... أوديت إن لم تحب حبو المعتنك
فأوقع لفظ الماضي على الهلاك لمقاربته منه، ومراده الآتي ألا ترى أنك لا تقول أتيتك إن قمت؛ وإنما تقول آتيك إن قمت فمن حيث كان معناه الآتي، قال إن لم تحب، ومن حيث قارب ذاك أوقع عليه لفظ الماضي، وكأن المعنى كم من قرية قاربت الهلاك فجاءها البأس ليلاً أو نهاراً فأهلكناها، خبر على هذا وقوله فجاءها معطوف فإن جعلت أهلكناها صفة للقرية ولم تجعله خبراً، ف كم في المعنى هي القرية فإذا وصفت القرية فكأنك قد وصفت كم إذ كان كم في المعنى هو القرية ويدلك على ذلك قوله تعالى " وكم من ملك في السموات لا تغنى شفاعتهم شيئاً فعاد الذكر على كم على المعنى، إذ كانت الملائكة في المعنى وعلى هذا قال " أو هم قائلون " فيعاد مرة الذكر على لفظ القرية، ومرة على معناها، فيكون دخول الفاء في قوله " فجاءها بأسنا " على حد كل رجل جاءني فله درهم؛ فيكون المعنى كم من قرية جاءها الهلاك فقاربت البأس، فكان سبب الإهلاك مجئ البأس، لأن الإهلاك إنما يكون عما يستحق له الإهلاك، فكأنها استحقت الإهلاك فجاءها البأس، فصار نزول البأس استحقاق ذلك فإذا سلكت فيه هذا المسلك لم يجز في موضع كم النصب لأن من قال زيدا ضربته، لا يقول أزيداً أنت رجل تضربه؛ إذا جعلت تضربه صفة للرجل وكذلك أهلكناها إذا جعلتها صفة ولم تجعلها خبراً ويكون قوله فجاءها في موضع الخبر، كما أن قوله فله درهم، من قولك كل رجل يأتيني فله درهم، في موضع الخبر ويجوز أيضاً أن تكون الفاء عاطفة جملة على جملة، على تقدير جاءها البأس قبل الإهلاك؛ لأن المعنى يدل على أن البأس مجئ الإهلاك، فصار جاءها بأسنا كالتبيين للإهلاك لهم، والتعريف لوقته قال أبو سعيد دخول الفاء في هذا الموضع ونحوه يجري مجرى الفاء في جواب الشرط، وجواب الشرط قد يكون متأخراً في الكلام ومتقدماً في المعنى، كقول القائل من يظهر منه الفعل المحكم فهو عالم به؛ ومن يقتصد في نفقته فهو عاقل ومعلوم أن العلم بالفعل المحكم قبل ظهوره، وعقل المقتصد قبل الاقتصاد ممتنع وإنما يقدر في ذلك من يظهر منه الفعل فيحكم أنه عالم به وكذلك لو جعلناه جزاء فقلنا زيد إن ظهر منه الفعل المحكم فهو عالم، فهو محكوم له بالعلم بعد ظهور ذلك وكذلك قوله تعالى " فجاءها بأسنا بياتاً " لما أهلكها الله حكم بأن البأس جاءها بياتاً أو بالنهار ونحو هذا في القرآن والكلام كثير قال الله تعالى " فلم تقتلون أنبياء الله " والخطاب لليهود بعد قتل أسلافهم الأنبياء، على معنى لم ترضون بذلك؟ وقال عز من قائل " إذا زلزلت الأرض زلزالها " إلى قوله " فمن يعمل مثقال ذرة " الآية ومعلوم أنه لا يشترط في الآخرة شروط الثواب والعقاب وفي هذا جوابان أحدهما أن معنى " فمن يعمل " أي فمن يظهر ذلك اليوم في صحيفته خير أو شريرى مكافأته والآخر أن المعنى فمن يعمل في الدنيا ويكون كون الفاء بعد ذكر ما ذكر في الآخرة على معنى أن ما يكونه الله في الآخرة من الشدائد التي ذكرها توجب أنه من عمل في الدنيا خيراً أو شراً يره، كما يقول القائل الآخرة دار المجازاة فمن يعمل خيراً يره ولم يرد خيراً مستأنفاً دون ما عمله العاملون

وقد يكون ذلك أيضاً على مذهب الإرادة، فيكون التقدير وكم من قرية أردنا إهلاكها فجاءها بأسنا كما قال الله تعالى " إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم " والقيام بعد غسل الوجه والمعنى إذا أردتم القيام إلى الصلاة قال الفراء ربما أتى ما بعد الفاء سابقاً إذا كان في الكلام دليل السبق فإذا عدم الدليل لم يجز وذكر قول الله تعالى " وكم من قرية أهلكناها فجاءها باسنا " فذكر عن قوم قالوا البأس قبل الإهلاك، كما تأولوا في " ثُمَّ " مثل هذا في قوله تعالى " خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها " أي ثم خلقكم منها وقيل معناها خلقكم من نفس وحدها جعل الزوج منها بعد التوحيد، فأفادت واحدة هذا المعنى قال والأجود في قوله تعالى " ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة " أن يريد ولقد خلقنا أصلكم الذي هو آدم، كما قال " هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلاً " ، معناه خلق أصلكم، الذي هو آدم، من طين وقال الفراء في قوله تعالى " فجاءها بأسنا " إذا كان الشيئان يقعان في حال واحدة نسقت بأيهما شئت على الآخر بالفاء كقولك أعطيتني فأحسنت، وأحسنت فأعطيتني؛ لا فرق بين الكلامين؛ لأن الإحسان والإعطاء وقتهما واحد قال أبو سعيد وهذا مشبه الذي بدأت به في تفسيره، إلا أنه متى جعلنا أحدهما شرطاً جاز أن يجعل الآخر جواباً، فتدخل الفاء حيث جاز أن تكون جواباً، كقولك إن أعطيتني أحسنت، وإن أحسنت أعطيت، وإن يعط فإنه محسن، وإن يحسن فإنه معط وقال غير الفراء في قوله " هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش " معناه ثم كان قد استوى على العرش قبل أن يخلق السموات والأرض وهذا يشبه الجواب الذي حكاه الفراء في قوله " فجاءها بأسنا " وقالوا فيها جواباً آخر، على جعل ثم للتقديم، تقديره هو الذي خلق السموات والأرض، أي أخبركم بخلقهما، ثم استوى، ثم أخبركم بالاستواء ومثله " اذهب بكتابى هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم " أي فأخبرهم بالإلقاء، ثم أخبرهم بالتولي ومثله " ثم استوى إلى السماء وهى دخان " وقد قال قبله " قل ائنكم لتكفرون بالذى خلق الأرض في يومين وقال " والأرض بعد ذلك دحاها " ثم يكون ثم استوى على الإخبار، ويكون الدحو بعد، وخلق الأرض قبل خلق السماء، وقبل في قوله تعالى " ثم تول عنهم فانظر " فليس التولي الانصراف، وإنما معناه، تنح عنهم بعد إلقاء الكتاب إليهم بحيث يكونون عنك بمرأى ومسمع، فانظر ماذا يردون من جواب الكتاب وقيل في قوله تعالى " والأرض بعد ذلك دحاها " أي مع ذلك كما قال " عتل بعد ذلك زنيم أي مع ذلك وعكسه قوله تعالى " إن مع العسر " أي بعد العسر وأما قوله تعالى لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى " أي ثم دام وثبت على الاهتداء وهذا كقوله تعالى " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين والمعنى في ذلك الدوام على الإيمان والعمل الصالح، لأن الإيمان الذي يحظر النفس والمال قد تقدم فيما ذكر في قوله تعالى " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات " فقال بعد " إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا " ومما يبين أن المعنى فيه ما ذكرت قوله تعالى " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة " وفي الأخرى " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون " والمعنى اتبعوا التوحيد ثم داموا عليه وأقاموا فاستقام مثل أقام، كاستحاب وأجاب وقال أبو الحسن في قوله تعالى " ثم تاب عليهم ليتوبوا " إن ثم زيادة، والمعنى على ما قال لأن المعنى حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت تاب عليهم ليتوبوا فجواب الجزاء، إن لم يقدر ثم زيادة، غير مذكور فإن قال قائل إن ثم زيادة في قوله " ثم اهتدى " كما قال أبو الحسن في الآية الأخرى، فإنه يكون اهتدى بعد تقدير زيادة ثم على تقديرين أحدهما " وإنى لغفار لمن تاب وآمن وعمل عمل صالحاً " إنساناً مهتدياً، ويكون حالا ولم يقع بعد، فإنه كقوله " هديا بالغ الكعبة " ويجوز أن يكون على إضمار قد على تقدير " وكنتم أمواتاً " أي قد كنتم

وقال أبو علي في قوله تعالى " ولقد خلقنا كم ثم صورناكم " على ما تقدم من حذف المضاف وعلى قولهم هزمناكم، أي هزمنا إياكم، كقوله " فلم تقتلون أنبياء الله " أي فلم قتلتم وأما قوله تعالى " ثم آتينا موسى الكتاب تماماً على الذي أحسن " بعد قوله " قل تعالوا " فالتقدير ثم قل آتينا موسى الكتاب وكذلك قوله " خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون " هو على ترتيب الخبر، أي أخبركم أولا بخلقه من تراب، ثم أخبركم بقوله كن وأما قوله " فلا اقتحم العقبة " وبعده " ثم كان من الذين آمنوا " فهو مثل الأول في ترتيب الخبر وأما قوله تعالى " وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه " أي اثبتوا على التوبة ودوموا عليه قال عثمان في بعض كلامه في قوله تعالى " وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم " الواو وإن كان لا يوجب الترتيب، فإن لتقديم المقدم حظاً وفضلاً على المؤخر ألا ترى كيف قال " أيديهم عنكم " فقدم المؤخر في موضع تعداد النعم، فكان أولى وقال أبو علي أيضاً في موضع آخر في قوله تعالى " ثم تاب عليهم " ثم، زائدة؛ وقد يجوز أن يكون جواب إذا محذوفاً، و " ثُمَّ تَابَ عَليَهِمْ " معطوف على جملة الكلام، أي حتى إذا ضاقت عليهم الأرض تنصلوا وتندموا، ثم تاب عليهم وإذا بعد حتى للجزاء، وهي بمعنى متى، أي متى ضاقت عليهم الأرض وأما قوله تعالى " ثم محلها إلى البيت العتيق " فإن ثم للعطف على تراخ، وقد عطفت في الآية النحر الذي هو بآخرة، أو الطواف الذي هو الخاتمة، على الانتفاع بما يقام في المناسك في الدين، أو بمنافع البدن والهدايا في الدنيا، على القولين، وكذلك إلى التي هي غاية الفرائض، إما لنحر الهدايا، وإما للطواف الذي هو غاية إقامة جمع الواجبات وقيل معناه إن أجرها على رب البيت العتيق وأما قوله تعالى " ثم لتسألن يومئذ عن النعيم " فقد قيل هذا على الإخبار أيضاً، أي ثم أخبركم بالسؤال عن النعيم، لأن السؤال قبل رؤية الجحيم وقيل بل المعنى يقال لكم أين نعيمكم في النار وأين نمتعكم به؟ وشاهد هذه الآى البيت المعروف، وهو قوله
قل للذي ساد ثم ساد أبوه ... ثم ساد من بعد ذلك جده
ومعلوم أن سيادة الجد قبل سيادة أبيه، وسيادة أبيه قبل سيادته أولا، ثم أخبركم بسيادة أبيه ثانيا، ثم أخبركم بسيادة جده ثالثا

الرابع ما جاء في التنزيل وقد حذف منه حرف الجر
فمن ذلك قوله تعالى " اهدنا الصراط المستقيم " والتقدير اهدنا إلى الصراط، فحذف إلى، دليله قوله تعالى " وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم " ، وقوله تعالى " ويهديهم إليه صراطاً " ؛ لأن العرب تقول هديته إلى الطريق؛ فإذا قال هديته الطريق، فقد حذف إلى ومن ذلك قوله تعالى " وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن " أي بأن لهم، فحذف الباء وانتصب أن على مذهب سيبويه، وبقي الجر عند الخليل والكسائي وحجاجهم مذكور في الخلاف وعلى هذا جميع ما جاء في التنزيل من قوله " ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً " في بني إسرائيل والكهف، دليله ظهوره في قوله تعالى " بشر المنافقين بأن لهم " وقوله " يبشرهم ربهم برحمة منه " ، وقوله " فبشرناها بإسحاق " ، وقوله " بشرباك بالحق " وقوله " يبشرك بيحيى " وقوله " لتبشر به المتقين " ومن ذلك قوله تعالى " إن الله لا يستحيى أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها " أي لا يستحيى من ضرب المثل، فحذف من ويكثر حذف المثل لجر من أن ويقل مع المصدر؛ يحسن أن يضرب والتقدير من أن يضرب، ولا يحسن حذف من ضرب وأما قوله بعوضة فقيل التقدير أن يضرب مثلاً ببعوضة، وما صلة زائدة، فحذف الباء وقيل أن يضرب مثلا ما بين بعوضة فما فوقها عن الفراء فحذف بين وقيل ما، نكرة في تقدير شئ، و بعوضة بدل منه وقال أبو علي، في معنى الآية لا يجوز في القياس أن يريد أصغر منها وقد حكى عن الكلبي أنه يريد دونها وقال ابن عباس فما فوقها الذباب فوق البعوضة، وهو الحسن قال أبو علي وإنما يجوز هذا في الصفة، هذا صغير وفوق الصغير، وقليل وفوق القليل، أي جاوز القليل فأما هذه نملة وفوق النملة، وحمار وفوق حمار؛ يريد أصغر من النملة ومن الحمار، فلا يجوز ذلك؛ لأن هذا اسم ليس فيه معنى الصفة التي جاز فيها ذلك

الفراء فما فوقها، يريد أكبر منها، وهو العنكبوت والذباب ولو جعلت في مثله من الكلام فما فوقها تريد أصغر منها، لجاز، ولست أستحسنه، لأن البعوضة غاية في الصغر، فأحب إلى أن أجعل فما فوقها أكبر منها ألا ترى أنك تقول تعطى من الزكاة الخمسون فما دونها، والدرهم فما فوقه، ويضيق الكلام أن تقول فوقه فيهما، أو دونه فيهما وموضع حسنها في الكلام أن يقول القائل إن فلاناً لشريف فيقول السامع وفوق ذلك؛ يريد المدح أو يقول إنه لبخيل فيقول وفوق ذلك يريد بكليهما معنى أكبر فإذا عرفت الرجل فقلت دون ذاك؛ فكأنك تحطه عن غاية الشرف، أو غاية البخل ومن ذلك قوله تعالى " إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة " أي بأن تذبحوا، لأن أمر فعل يتعدى إلى مفعولين، الثاني منهما بالباء؛ دليله " أتأمرون الناس بالبر " ومثله " أعوذ بالله أن أكون " أي من أن أكون ومثله " أفتطعمون أن يؤمنوا لكم " أي في أن يؤمنوا لكم ومن ذلك قوله تعالى " بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغياً أن ينزل الله " أي بغيا لأن ينزل الله، فإن ينزل الله متعلق ب بغيا بواسطة حرف الجر وبغياً مفعول له، وأن يكفروا رفع مخصوص بالذم وماشتروا، ما يجوز أن يكون نصباً على تقدير بئس شيئا؛ ويجوز أن يكون رفعا على تقدير بئس الذي اشتروا به ومن ذلك قوله تعالى " ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه " أي في نفسه، فحذف في وقال قوم سفه، بمعنى سفه وقال قوم هو تمييز والمعرفة لا تكون تمييزا ومن ذلك قوله تعالى " فمن عفى له من أخيه شئ " قال عثمان يمكن أن يكون تقديره فمن عفى له من أخيه عن شئ، فلما حذف حرف الجر ارتفع شئ لوقوعه موقع الفاعل؛ كما أنك لو قلت سير بزيد، ثم حذفت الباء، قلت سير زيد ومثل حذف عن في التنزيل قوله تعالى " ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل " والتقدير فقد ضل عن سواء السبيل ومن ذلك قوله تعالى " وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهر بيتى " أي بأن طهرا بيتي ومنه قوله تعالى " فلا جناح عليه أن يطوف جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم " أي في أن تبتغوا أي في أن يطوف، وكذلك " ليس عليكم " ومثله قوله تعالى " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا " أي في أن تبروا وقال أبو إسحاق بل أن تبروا مبتدأ، والخبر محذوف أي البر والتقوى أولى ومنه قوله تعالى " أن تسترضعوا أولادكم " أي لأولادكم ومنه قوله تعالى " ولا تعزموا عقدة النكاح " أي على عقدة النكاح، لقوله
عزمت على إقامة ذي صباح ... ليوم ما يسود من يسود
ومثله قوله تعالى " وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله " التقدير ما لنا في ألا نقاتل، فحذف في وقال الأخفش إن أن زائدة، أي ما لنا غير مقاتلين؛ لأن قوله لا نقاتل في موضع الحال وعن بعض الكوفيين إنما دخلت أن لأن معناه ما يمنعنا، فلذلك دخلت أن، لأن الكلام مالك تفعل كذا وكذا قال أبو علي والقول هو الأول وجه قول أبي الحسن إن أن لغو كإذن، يكون لغواً، كما تكون هي، وكما تكون عوامل الأسماء لغوا، ولا يمنعها كونها لغوا من العمل في معمولها، كما لم تمتنع عوامل الأسماء، كقوله تعالى " فما منكم من أحد " فإن قال قائل فهلا أجاز في لن أيضاً أجاز في أن كذلك، فإن هذا لا يلزمه، لأن أن أشد تصرفاً من لن وهي لذلك أحمل للتوسع وأجلد به ألا ترى أنها تدخل على الماضي والمستقبل، وتدخل على أمثلة الأمر، كقولك كتبت إليه بأن قم، وليس شئ من هذا في لن ألا ترى أنها تلزم المستقبل ولا تتجاوز عن ذلك، إلا أن الوجه فيها مع ذلك ألا تكون ك إذن لأن إذن إذا وقع بعدها فعل الحال ألغيت ولم تعمل فيه، وأن قد عملت هنا، فلو كانت مثل إذن لوجب ألا تعمل فيما بعدها من الفعل، كما لم تعمل إذن إذا كان الفعل الذي بعده فعل الحال، ألا ترى أن الاسم في مالك قائماً ينتصب على الحال، فكذلك الفعل بعد إذن هنا فعل حال، فلو كانت أن ك إذن لوجب ألا تعمل في فعل الحال كما لم تعمل إذن فيه، في نحو قولك إذا حدثت بحديث إذن أظنك كاذباً وأيضاً فلا يجوز أن تكون أن مثل إذن في أن تلغى كما تلغى إذن ألا ترى أن فيها من الاتساع أكثر مما في أن، تقول أنا أقوم إذن؛ فلا توليه فعلا وتقول إذن والله أقوم، فتفصل بينه وبين الفعل

والإلغاء سائغ فيه فإذا كان له من التصرف ما ليس لأن ، لم ينكر أن يجوز فيه الإلغاء، فلا يجوز في أن لكون تصرفها أقل من تصرف إذن وجوز أبو الحسن أن يكون المعنى وما لنا في ألا نقاتل وهذا أوضح، ويكون أن مع حرف الجر في موضع النصب على الحال، كقوله تعالى " فما لهم عن التذكرة معرضين " ونحو ذلك، ثم حذف الحرف فسد أن وصلتها ذلك المسد والحال في الأصل هو الجالب للحرف المقدر، إلا أنه ترك إظهاره لدلالة المنصوب عنه عليه ومثل هذه الآية في التنزيل " وما لكم ألا تأكلوا " أي ما لكم في ألا تأكلوا ومن إضمار حرف الجر قوله تعالى " ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن أتاه الله الملك " أي لأن آتاه الله الملك ومنه قوله تعالى " ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه " أي إلا على إغماض فيه، وعلى مع المجرور في موضع الحال، أي إلا مغمضين فيه ومن حذف حرف الجر قوله تعالى " ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم " الذي عليه البصريون حذف المضاف على تقدير كراهة أن تؤتي قال أبو علي في الآية أن لا يخلو من أن يكون منتصباً بأنه مفعول به، أو مفعول له، فلا يجوز أن ينتصب بأنه مفعول به؛ وذلك أن الفعل قد تعدى باللام إلى قوله " لمن تبع دينكم " كما تعدى بها في قوله " وما أنت بمؤمن لنا " فإذا انتصب هذا بأنه مفعول به لم ينتصب به مفعول آخر، فإذا لم ينتصب بأنه مفعول به انتصب بالوجه الآخر، والتقدير لا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم كراهة ذكر أن تؤتي أحد، وذكر أن يحاجوكم والدليل على انتصابه بهذا الوجه قوله في الآية الأخرى " وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم " وكما أن قوله ليحاجوكم في هذه الآية مفعول له، وقد دخلت اللام عليه؛ وكذلك قوله أو يحاجوكم عند ربكم منتصب بالعطف على ما هو مفعول له وهذه الآية عندنا على غير ما قاله الشيخ رحمه الله، والتقدير ولا تؤمنوا بأن يؤتي أحد مثل ما أوتيتم، أو يحاجوكم عند ربكم، إلا من تبع دينكم، فالباء مضمر، وأن يؤتي مفعول لا تؤمنوا واللام زيادة، ومن تبع دينكم استثناء من أحد على التقدير الذي ذكرنا ويجوز أن يكون قوله لمن تبع دينكم، من صلة تؤمنوا وإنما لا يتعدى الفعل بحرفين إذا كانا متفقين، وأما إذا كانا مختلفين فالتعدى بهما جائز وقد استقصينا هذه المسألة في غير كتاب من كتبنا ومن ذلك قوله تعالى " واختار موسى قومه " أي من قومه، فحذف من ومنه قوله تعالى " فقد جاءوا ظلماً وزوراً " أي بظلم وزور، فحذف الباء وإن زعمت على أنه ليس على حذف الباء، وإنما هو من باب " والعاديات ضبحاً " لم يمكنك تقدير زور على لفظه، وإنما تقدره ظالمين مزورين، فتعدل أيضاً عما تلزمنيه فقد ثبت أنه على تقدير فقد جاءوا بظلم وزور ومنه قوله تعالى " وضائق به صدرك أن يقولوا " أي من أن يقولوا، أي يضيق صدرك من مقالتهم " لولا أنزل عليه كنز " ومن ذلك قوله تعالى " عتل بعد ذلك زنيم أن كان ذا مال وبنين " أي لأن كان ذا مال، فحذف اللام وفيما يتعلق به هذا اللام اختلاف واضطراب في قول أبي علي، مرة هو متعلق بمحذوف ولم يعلقه بقوله " إذا تتلى " ولا بقوله قال الذي هو جواب إذا قال لأن ما بعد إذا لا يعمل فيما قبله وقال مرة بقوله عتل وهذا كلامه على تفرقة قال في التذكرة ومن لم يدخل همزة الاستفهام كان أن متعلقاً ب عتل وذلك كأنه القليل الانقياد، وأنشد أبو زيد
وعتل داويته من العتل ... من قول ما قيل وقيل لم يقل
فإن قلت كيف جاز تعلقه بقوله عُتل وهو موصوف؟ وما يعمل عمل الفعل، إذا وصف لم يعمل عمله، ألا ترى أنه لم يستجز ولم يستحسن مررت بضارب ظريف زيداً؟ وقد وصف عتل ب زنيم

فالقول إن ذلك إنما لم يستحسن لخروجه بالصفة إلى شبه الاسم، وبعده من شبه الفعل، وقد يعمل ما يبعد من شبه الأسماء، نحو مررت برجل خير منه أبوه؛ وإن كان غير ذلك أحسن والإعمال في الآية له مزية، وإن كان قد وصف، وذلك أن حرف الجر كأنه ثابت في اللفظ، لطول الكلام ب أن، ولأن أن قد صارت كالبدل منه؛ ومن ثم قال الخليل في هذا النحو إنه في موضع جر، وإذا كان كذلك فقد يعمل بتوسط الحرف وقد ينتصب أن من وجه آخر غير ما ذكرنا، وذلك أن قوله " إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين " يدل على الإنكار والاستكبار وترك الانقياد، فأعمل هذا المعنى، الذي دل عليه هذا الكلام، في أن وكان التقدير، استكبر وكفر، لأن كان ذا مال وبنين فأما من أدخل الهمزة فقال أأن كان ذا مال وبنين فقد يكون في موضع النصب أيضاً من وجهين أحدهما أن ما تقدم مما دل من قوله عتل صار بمنزلة الملفوظ به بعد الاستفهام، فكأنه ألأن كان ذا مال وبنين يعتل أو يكفر أو يستكبر، ونحو ذلك كما أن ما تقدم من ذكر قوله " آمنت أنه لا إله إلا الذى آمنت به بنو إسرائيل " صار كالمذكور بعد قوله " آلآن وقد عصيت قبل " ، ويكون " إذا تتلى عليه آياتنا " كلاما مستأنفاً ثانيهما ويجوز أيضاً مع الاستفهام أن يعمل في أن ما دل عليه قوله " إذا تتلى عليه آياتنا قال " كما جاز أن يعمل إذا لم يدخل الاستفهام؛ ومثل ذلك قوله تعالى " يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين " ومن حذف الجر قوله " إنى أعظك أن تكون " أي من أن تكون وكذلك " إني أعوذ بك أن أسألك " أي من سؤالك فأما قوله في التنزيل " يرسل السماء عليكم مدرارا " إن حملت السماء على التي هي تظل الأرض، أو على السحاب، كان من هذا الباب، وكان التقدير يرسل من السماء عليكم مدرارا فيكون مدرارا مفعولا به وإن حملت السماء على المطر، كان مفعولا به، ويكون انتصاب مدرارا على الحال ويقوى الوجه الأول " فأنزلنا من السماء ماءً " ، " وينزل من السماء من جبال " ، " وأنزل من السماء ماءً " وغير ذلك من الآى ومن ذلك قوله تعالى " إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه " والتقدير يخوفكم بأوليائه فحذف المفعول والباء وقيل الأولياء المنافقون، لأن الشيطان يخوف المنافقين وأما قوله تعالى " في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى " فقيل التقدير لا يضل عن ربي، أي الكتاب لا يضل عن ربي ولا ينساه ربي، فحذفت عن وقيل التقدير لا يضل ربي عنه، فحذف الجار مع المجرور، والجملة في موضع جر صفة للكتاب ومن ذلك قوله تعالى " لأقعدن لهم صراطك المستقيم " أي على صراطك وقال " واقعدوا لهم كل مرصد " أي على كل مرصد قال أبو إسحاق قال أبو عبيدة المعنى كل طريق وقال أبو الحسن على محذوفة المعنى على كل مرصد وانشد
نغالى اللحم للأضياف نيئاً
أي باللحم، فحذف الباء، وكذلك حذف على قال أبو إسحاق كل مرصد ظرف، كقولك ذهبت مذهبا، وذهبت طريقا، وذهبت كل طريق، فلست تحتاج إلى أن تقول في هذا الأمر بقوله في الظرف، نحو خلف وقدام قال أبو علي القول في هذا عندي كما قال، وليس يحتاج في هذا إلى تقدير على إذا كان المرصد اسماً للمكان كما أنك إذا قلت ذهبت مذهباً، ودخلت مدخلا، فجعلت المدخل والمذهب اسمين للمكان لم نحتج إلى على ولا إلى تقدير حرف جر إلا أن أبا الحسن ذهب إلى أن المرصد اسم للطريق، كما فسره أبو عبيدة وإذا كان اسما للطريق كان مخصوصا، وإذا كان مخصوصا وجب ألا يصل الفعل الذي لا تتعدى إليه إلا بحرف جر، نحو ذهبت إلى زيد، ودخلت به، وخرجت به، وقعدت على الطريق؛ إلا أن يجئ في شئ من ذلك اتساع، فيكون الحرف معه محذوفاً، كما حكاه سيبويه من قولهم ذهبت الشام، ودخلت البيت فالأسماء المخصوصة إذا تعدت إليها الأفعال التي لا يتعدى فإنما هو على الاتساع والحكم في تعديها إليها، والأصل أن يكون بالحرف وقد غلط أبو إسحاق في قوله " كل مرصد " حيث جعله ظرفاً كالطريق، كقولك ذهبت مذهبا، وذهبت طريقا، وذهبت كل مذهب، في أن جعل الطريق ظرفاً كالمذهب، وليس الطريق بظرف ألا ترى أنه مكان مخصوص، كما أن البيت والمسجد مخصوصان وقد نص سيبويه على اختصاصه، والنص يدل على أنه ليس كالمذهب ألا ترى أنه حمل قول ساعدة
لدن بهز الكف يعسل متنه ... فيه كما عسل الطريق الثعلب

على أنه قد حذف معه الحرف اتساعا، كما حذف عنده من ذهبت الشام وقد قال أبو إسحاق في هذا المعنى خلاف ما قاله هذا ألا ترى أنه قال في قوله تعالى " لأقعدن لهم صراطك المستقيم " أي على صراطك قال ولا اختلاف بين النحويين أن على محذوفة ومن حذف الجار قوله تعالى " لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم " أي في أن يجاهدوا، فحذف في وقال " وتخر الجبال هدًّا أن دعوا للرحمن ولدا " أي لأن دعوا، فحذف اللام وأما قوله " ثم السبيل يسره " فقد قالوا التقدير ثم يسره للسبيل، وإنها كناية الولد المخلوق من النطفة في قوله " من أى شئ خلقه من نطفة خلقه " ثم يسره للسبيل، فحذف اللام وقدم المفعول، لأن يسر يتعدى إلى مفعولين، أحدهما باللام؛ قال " ونيسرك لليسرى، " فسنيسره لليسرى " ، " فسنيسره للعسرى " ولو قالوا إن التقدير ثم السبيل يسره له، فحذف الجار والمجرور، لكان أحسن كقوله تعالى " رب اشرح لى صدرى ويسر لى أمرى " فينصب إذ ذاك السبيل بمضمر فسره يسره ومن ذلك قوله تعالى " سنعيدها سيرتها الأولى " أي إلى سيرتها، أو كسيرتها ومن حذف حرف الجر قوله تعالى " نودي يا موسى أني أنا ربك " فيمن فتح؛ والتقدير بأني أنا ربك، لأنك تقول ناديت زيدا بكذا ومثله " فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله " فيمن فتح الهمزة، أي نادته بأن الله فأما من كسر الهمزتين في الموضعين فبإضمار القول، وما قام مقام فاعل مقام الفاعل، نودي ضمير موسى، أي نودي هو يا موسى ويجوز أن يقوم المصدر مقام الفاعل، ولا يجوز أن يقوم يا موسى مقام الفاعل، لأنه جملة هذا كلامه في الحجة وقد جرى فيه على أصلهم حيث خالفوا سيبويه في قوله " ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه " ، من أن الفاعل هو المصدر دون ليسجننه بخلاف مذهبه أعني سيبويه حيث جعل ليسجننه الفاعل وإن كان جملة فإذا كان كذلك كان في قوله يا موسى بمنزلة ليسجننه عند سيبويه، هذا سهو ومثله " وأنا اخترناك " في قراءة حمزة، بفتح الألف والتشديد والألف والنون على تقدير ولأنا اخترناك فاستمع لما يوحى؛ أي استمع لما يوحى لأنا اخترناك، فاللام الأولى بمعنى إلى، لولا ذلك لم يجز، لأنه لا يتعدى فعل واحد بحر في جر متفقين، وإن اختلفوا في المختلفين وزعم الفارسي أن قوله وأنا اخترناك محمول على " أني أنا ربك " فسبحان الله إن من قرأ أني أنا ربك بالفتح يقرأ وأنا اخترناك وهو ابن كثير وأبو عمرو فكيف نحمل عليه! إنما ذلك على قوله فاستمع أو على المعنى، لأنه لما قال " فاخلع نعليك إنك بالوادى المقدس طوى " كأنه قال اخلع نعليك لأنك بالوادي المقدس طوى ولو قال ذلك صريحا لصلح وأنا اخترناك على تقدير ولأنا اخترناك أي اخلع نعليك لهذا ولهذا ومثله " عبس وتولى، أن جاءه الأعمى " أي لأن جاءه الأعمى، فحذف اللام ومثله " وفجرنا الأرض عيوناً " أي وفجرنا من الأرض عيونا أو يكون كقوله " جاءوا ظلما وزوراً " أي بظلم والتقدير وفجرنا الأرض بعيون ومن ذلك قوله تعالى " فكيف تتقون إن كفرتم يوماً " أي بيوم، فحذف الحرف، وأوصل للفعل، وليس بظرف، لأن الكفر لا يكون يومئذ لارتفاع الشبه لما يشاهد وقيل التقدير، كيف تتقون عقاب يوم؟ ومن ذلك قوله تعالى " تبغونها عوجاً " حكم تعديه إلى أحد المفعولين أن يكون بحرف الجر، نحو بغيت لك خيراً، ثم يحذف الجار وحكى في قوله تعالى " ومن يبتغ غير الإسلام ديناً " أي دينا غير الإسلام ف، غير على هذا وصف للنكرة فتقدم عليها، فانتصب على الحال؛ نحو فيها قائما رجل ومن ذلك قوله تعالى " نودى أن بورك من في النار " أي على من في النار كما قال " وباركنا عليه وعلى إسحاق " وقال " إلى الأرض التى باركنا فيها للعالمين " فكأنه قال باركت على من في النار من دخل فيها ولكن على معنى من قرب منها ومن داناها، فحذف المضاف فإن قلت ف من حولها بقربها، فما معنى التكرير؟ قيل لا يدل حول كذا على التقريب، لأنك تقول هو يطوف حول البيت، ويكون متراخيا عنه وأبين من هذا قوله تعالى " وممن حولكم من الأعراب منافقون " والأعراب لا يكونون في الأكثر إلا متراخين عن البلدان فالمعنى أن بورك من في قرب النار أو طلب النار ومن في بعدها، ومن حولها الملائكة وغيرهم والقريب منها موسى، لأنه أراد أن يحمل نارا إلى أهله ليصطلوا بها

ومثله قوله تعالى " ولما ورد ماء مدين " أي قربه ولم يتوغل فيه ومن ذلك " أفنضرب عنكم الذكر صفحاً أن كنتم قوماً " فمن فتح أراد لأن كنتم والمعنى أفنضرب عنكم ذكر الانتقام منكم والعقوبة لكم لأن كنتم قوماً مسرفين وهذا يقرب من قوله " أيحسب الإنسان أن يترك سدى " وانتصاب صفحا على المصدر، من باب " صنع الله " ، " وكتاب الله " ، و " وعد الله " ومن ذلك قوله تعالى " فأجمعوا أمركم " أي على أمركم ومن هذا الباب قوله " يسبحون الليل والنهار لا يفترون " والتقدير يسبحون بالليل كقوله تعالى " يسبح له فيها بالغدو والآصال " فأما قوله والنهار فقيل هو منصوب بقوله لا يفترون والأحسن أن يكون عطفاً على الليل ومثله " وصدوكم عن المسجد الحرام والهدى معكوفاً أن يبلغ محله " فإنه يجوز أن يحمل على عن تقديره معكوفاً عن أن يبلغ محله فلما كانت أن الموصولة بالفعل قد طال الكلام بها جاز إضمار الجار ويجوز النصب في موضع أن على هذا، والعامل فيه على ضربين أحدهما أن يكون التقدير والهدى معكوفاً كراهة أن يبلغ، أو لئلا يبلغ محله؛ على تقدير الكوفيين فإن قلت فإن معكوفاً يقتضى حرف جر على تقدير على ولا يكون متعدياً بنفسه، والتنزيل يشهد بصحة ذا؛ قال عز من قائل " يعكفون على أصنام لهم " و " سواء العاكف فيه والباد " قيل هو محمول على المعنى، كأنه قال والهدى محبوساً كراهة أن يبلغ، كالرفث حيث حمل على الإفضاء في قوله " الرفث إلى نسائكم " وجاز ذا لأن المسلمين أحصروا إذ ذاك، ويكون معكوفاً في بابه، كمدرهم، حيث لم يقل درهم، ومفؤود، للجبان، و " ماء معين " ، ولم يقل عين، وكذلك لم يقل عكف وإن حملته على وصدوكم كان فيه إضمار عن كالأول، أو يكون من باب " اختار موسى قومه " أو يكون من باب بمن تمرر أمرر؛ ولم يحتج إلى امرر به؛ لجرى الأول فكذا لم يحتج إلى عن لذكره عن المسجد الحرام ومن ذلك قوله تعالى " تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة " أي لأن تكون فموضع أن نصب، مفعول له وقدره الزجاج بان يكون، فحذف الباء ومن ذلك قوله تعالى " فإن استقر مكانه فسوف تراني " أي في مكانه وكذلك قوله تعالى " ليس عليكم جناح أن تبتغوا " أي في أن تبتغوا لقوله " وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به " فحذف في وقال " وترغبون أن تنكحوهن " يجوز أن يكون وترغبون في أن تنكحوهن لجمالهن؛ ويجوز أن يكون ترغبون عن نكاحهن لدمامتهن وأما قوله تعالى " وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض " فقد قيل التقدير يستضعفون في مشارق الأرض، أي جعلنا الذين يستضعفون في مشارق الأرض ومغاربها ملوك الشام ومصر وأنكر الطبري هذا القول، واعتل بأنهم ما كانوا يستضعفون إلا في أرض مصر من جهة القبط وغلط الطبري، لأنه ظن أنهم لا يكونون مستضعفين إلا بعد أن يقتل أبناؤهم وتستحيا نساؤهم، ويلزموا أن يضربوا لبنا صلبا بلا تبن، وليس كذلك، لأنهم لما تفردوا بدين إبراهيم، ولم يكن يدين به في ذلك الوقت أحد، إلا وكانوا مدفوعين عندهم غير مقبولين، ومقهورين غير مالكين ألا ترى أن قوماً منهم صاروا بعد بختنصر إلى أرض فارس، وكانوا أذل من بها، لمفارقتهم لهم في أديانهم والشأن في أنه أنكر هذا القول، ولم يذكر هو شيئاً يعبأ به، لأنه قال أورثهم مشارق الشام؛ وذلك مما يلي الشرق منها، ومغاربها التي باركنا فيها وقيل التقدير أورثنا مشارق هذه الأرض التي أغرقنا مالكيها وسالكيها فإذا نصبت مشارق بأورثنا، كان قوله التي جراً، صفة ل الأرض المجرورة، وإذا نصبت مشارق ب يستضعفون، كان التي نصبا صفة موصوف محذوف منصوب ب أورثنا أي أورثناهم الأرض التي باركنا فيها ومثله قوله تعالى " ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله " ففي موضع أن قولان أحدهما أن يكون بتقدير الباء، أي أرسلناه بأن اعبدوا الله؛ فانتصب بالنزع والثاني أن تكون أن بمعنى أي المفسرة وأما قوله تعالى في التنزيل " لا جرم أن لهم النار " و " لا جرم أن ما تدعونني إليه " " ولا جرم أنهم في الآخرة " فبعضهم يحمله على إضمار من أي من أن لهم النار، فيحمل لا جرم على معنى لا بد وهذا لا يصح، لأن جرم يقتضى مرفوعاً، لأنه فعل ماض عندنا وذهب الفراء إلى أن جرم معمول لا وهو اسم، وهو جار مجرى القسم وقيل إن أن منصوبة الموضع، مفعول جرم

وقال بعض الكوفيين جرم أصله الفعل الماضي، فحول عن طريق الفعل، ومنع التصرف، فلم يكن له مستقبل ولا دائم ولا مصدر، وجعل مع لا قسما، وتركت الميم على فتحها الذي كان عليها في المضى، كما نقلوا حاشى وهو فعل ماض، مستقبله يحاشى، ودائمه محاش، ومصدره محاشاة من باب الانفعال إلى باب الأدوات، لما أزالوه عن التصرف والصحيح أنه فعل ماض، وتجعل لا داخلة عليه، وهو مذهب سيبويه ومن أصحابه من يجعلها جواباً لما قبله ومثله يقول الرجل كان كذا وكذا، وفعلوا كذا، فيقول لا جرم أنهم سيندمون وبين غير الخليل وقال إنه رد على أهل الكفر فيما قدروه، من اندفاع عقوبة الكفر ومضرته عنهم يوم القيامة وقد ذكر حجاج هؤلاء في المختلف ومن ذلك قوله تعالى " لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً " أي، كدعاء بعضكم على بعض فالمصدر في قوله دعاء الرسول مضاف إلى الفاعل، أي كدعاء الرسول عليكم وقيل لا تجعلوا دعاءه إياكم إلى الحرب كدعاء بعضكم بعضا إليها، فيكون أيضاً مضافاً إلى الفاعل وقيل لا تجعلوا دعاءكم الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا، أي لا تدعوه ب يا محمد، وادعوه ب يا نبي الله، كقوله تعالى " ولا تجهروا له بالقول " فيكون المصدر مضافاً إلى المفعول ومن ذلك قوله تعالى " والقمر قدرناه منازل " أي يسير في منازل، سائراً فيها ومن ذلك قوله تعالى " لو تعلمون علم اليقين " قيل التقدير بعلم اليقين لترون، فحذف الجار وقيل بل هو نصب على المصدر ومن ذلك قوله تعالى " فمن تطوع خيراً " أي بخير، فحذف الباء ويجوز أن يكون التقدير فمن تطوع تطوعاً خيراً، فحذف الموصوف ومن ذلك قوله تعالى " آتنا غداءنا " قال أبو علي آتنا ليس من الإعطاء، إنما هو من، أتى الغداء وآتيته، كجاء وأجأته، ومنه قوله تعالى " تؤتى أكلها " أي تجئ و آتنا غداءنا يتعدى إلى غدائنا بإرادة الجار، لا بد من ذلك؛ لأن الهمزة لا تزيده إلا مفعولاً واحداً؛ بخلاف " وآتاكم من كل ما سألتموه " " وما أتاكم الرسول " لأنه من الإعطاء؛ إذ هو متعد إلى ضمير الموصول، وإلى الكاف والميم وقد عددت لك هذه الآى وقد قال سيبويه في الباب المترجم عنه فهذا باب ما ينتصب من الأسماء ليست بصفة ولا مصادر، لأنه حال يقع فيه الأمر، فينتصب لأنه مفعول فيه قال وزعم الخليل أن قولهم ربحت الدرهم درهما، محال؛ حتى يقولوا في الدرهم، أو للدرهم كذلك وجدنا العرب تقول ومن زعم أنه يريد معنى الباء واللام ويسقطهما، قيل له أيجوز أن تقول له مررت أخاك، وهو يريد بأخيك؟ فإن قال لا يقال؛ فإن هذا لا يقال أيضاً

الخامس ما جاء في التنزيل وقد زيدت فيه لا وما
وفي بعض ذلك اختلاف، وفي بعض ذا اتفاق
وقد ذكر سيبويه زيادة لا في قوله أما العبيد فذو عبيد وأما قول الناس للرجل أما أن يكون عالم؛ وأما أن يعلم شيئاً فهو عالم وقد يجوز أن تقول أما أن لا يكون يعلم فهو يعلم؛ وأنت تريد أن يكون كما جاءت " لئلا يعلم أهل الكتاب " في معنى لأن يعلم أهل الكتاب، فهذا يشبه أن يكون بمنزلة المصدر في كلام طويل فمن ذلك قوله تعالى " غير المغضوب عليهم ولا الضالين " ف لا في قوله ولا الضالين زيادة وجاءت زيادتها لمجئ غير قبل الكلام، وفيه معنى النفي ألا ترى أن التقدير لا مغضوباً عليهم ولا الضالين، وكما جاء " وما يستوى الأحياء ولا الأموات " فكرر لا وهي زيادة، وكذلك هذا ومن ذلك قوله تعالى " وما منعك ألا تسجد إذ أمرتك " والتقدير ما منعك أن تسجد، ف لا زائدة وقيل في قوله تعالى " وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون " إن لا زائدة والمعنى وما يشعركم أنها إذا جاءت يؤمنون، فيمن فتح أن ولما كان فتح أن يؤدي إلى زيادة لا عدل الخليل إلى أنّ أن من قوله أنها بمعنى لعلها قال والمعنى وما يشعركم لعلها إذا جاءت لا يؤمنون؛ لأن في حملها على بابها عذراً لهم في ترك الإيمان حيث لم ينزل الآية، وذلك لأنه إذا قال وما يشعركم أن الآيات إذا جاءت لا يؤمنون، فالمعنى لو جاءت آمنوا فلما كان كذلك حملها على لعل وقيل بل إن أن على بابها والتقدير وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون أو يؤمنون، فيكون من باب حذف الجمل

وقال قوم بل في الآية تقديم وتأخير، والتقدير إنما الآيات عند الله ولا ينزلها، لأنها إذا جاءت لا يؤمنون فهذه ثلاثة أقوال ومن ذلك قوله تعالى " وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون " قالوا لا زائدة والتقدير وحرام على قرية أهلكناها رجوعها إلى الدنيا، ف لا زائدة وقال أبو علي إن قوله أنهم لا يرجعون داخل في المصدر، الذي هو حرام؛ وخبر حرام مضمر والتقدير وحرام على قرية أهلكناها بأنهم لا يرجعون، موجود، أو كائن، أو مقضى، أي حرام عليهم بالاستئصال وجودهم في الدنيا أو رجوعهم إليها وأما قوله تعالى " فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون " لا يخلو لا من أن يكون لتأكيد النفي، كالتي في قولك ما قائم زيد ولا عمرو فيفيد أن كل واحد منتف على حياله أو يكون لا نفيا مستأنفا فالدلالة على الوجه الأول أنك لو حملته على الوجه الثاني لم يجز حتى تكررها، كما تقول لا زيد عندك ولا عمرو فلما لم تكرر علمت أنها على الوجه الأول ولا يكون مثل
حياتك لا نفع وموتك فاجع
لأن ذلك يقع في الشعر فأما قوله تعالى " لا أقسم " فقيل لا زائدة وقيل لا رد لكلامهم لا يبعث الله من يموت فقال لا أي ليس الأمر كما تظنون ومن ذلك قوله تعالى " لئلا يعلم أهل الكتاب " قالوا التقدير ليعلم أهل الكتاب؛ ولا، زائدة أجمعوا على هذا، غير ابن بحر فإنه زعم أن الأولى ألا يكون في كلام الله شذوذ وما يستغنى عنه والذي يوجبه اللفظ على ظاهره أن يكون الضمير في يقدرون للنبي صلى الله عليه وآله والمؤمنين والمعنى لئلا يعلم اليهود والنصارى أن النبي صلى الله عليه وآله والمؤمنين لا يقدرون على ذلك، وإذا لم يعلموا أنهم لا يقدرون فقد علموا أنهم يقدرون عليه أي إن آمنتم كما أمرتم آتاكم الله من فضله فعلم أهل الكتاب ذلك ولم يعلموا خلافه والعلم في هذا ومثله يوضع موضع وقوع الفعل؛ لأنه إنما يعلم الأشياء واقعة بعد وقوعها قال أبو سعيد السيرافي إن لم تجعل لا زائدة جاز؛ لأن قوله " يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نوراً تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم لئلا يعلم أهل الكتاب " أي يفعل بكم هذه الأشياء ليتبين جهل أهل الكتاب وأنهم لا يعلمون ما يؤتيكم الله من فضله، لا يقدرون على تغييره وإزالته عنكم فعلى هذا لا يحتاج إلى زيادة لا قلت وحمل ابن بحر زيادة لا على الشذوذ جهل منه بقواعد العربية وليس كل من يعرف شيئاً من الكلام يجوز له التكلم على قواعد العربية وليس كون لا زائدة في فحوى خطاب العرب مما يكون طعناً من الملحدة على كلام الله، لأن كلام الله منزل على لسانهم فما كان متعارفاً في لسانهم لا يمكن الطعن به على كتاب الله، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً وكيف يكون زيادة لا شاذة، وقد جاء ذلك عنهم وشاع، كقول الهذلى
أفعنك لا برق كأن وميضه ... غاب تسنمه ضرام مثقب
أي، أفمن ناحيتك أيتها المرأة هذا البرق الذي يشبه ضوؤه ضوء غاب وأنشد أبو عبيدة للأحوص
وتلحيننى في اللهو ألا أحبه ... وللهو داع دائب غير غافل
أي في اللهو أن أحبه؛ ولا زائدة ومنه ما أنشده سيبويه لجرير
ما بال جهلك بعد الحلم والدين ... وقد علاك مشيب حين لا حين
لا فيه زائدة؛ إذا قلت علاك مشيب حين حين، فقد أثبت حيناً علاه فيه المشيب فلو جعلت لا غير زائدة لوجب أن تكون نافية على حدها في قولهم جئت بلا مال، وأبت بلا غنيمة فنفيت ما أثبت من حيث كان النفي ب لا عاماً منتظماً لجميع الجنس فلما لم يستقم حمله على الجنس لتدافع العارض في ذلك حكمت بزيادتهما، فصار التقدير حين حين وهو من باب حلقة فضة، وخاتم حديد؛ لأن الحين يقع على الزمان القليل كالساعة ونحوها؛ وعلى الطويل كقوله تعالى " هل أتى على الإنسان حين من الدهر " وعلى ما هو أقصر من ذلك كقوله تعالى " تؤتى أكلها كل حين " فصار حين حين، كقوله ولولا يوم يوم ما أردنا ومنه قول الشماخ
أعايش ما لأهلك لا أراهم ... يضيعون الهجان مع المضيع
وروى التوزى عن أبي عبيدة أن لا زائدة ومنه فول المرار، بيت الكتاب
ولا ينطق الفحشاء من كان منهم ... إذا جلسوا منا ولا من سوائنا
وأما قوله تعالى " ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم " فإن موضع قوله في الأرض يحتمل ضربين

أحدهما أن يكون مفعولاً فيه ظرفاً والآخر أن يكون وصفاً فإن جعلته ظرفاً احتمل أن يكون ظرفاً ل أصاب واحتمل أن يكون ل مصيبة ولا ذكر فيه على شئ من هذين التأويلين كما أن قولك بزيد، من مررت بزيد كذلك يؤكد ذلك ويحسنه دخول لا في قوله ولا في أنفسكم فصار ذلك مثل ما ضربت من رجل ولا امرأة والضرب الآخر أن يكون صفة للنكرة، ويكون متعلقاً بمحذوف وفيه ذكر يعود إلى الموصوف وقوله ولا في أنفسكم صفة معطوفة على صفة، لأنه صفة منفى، فيكون كالبدل في قوله
في ليلة لا ترى بها أحداً ... يحكى علينا إلا كواكبها
من الضمير في يحكى لما جرى على المنفى وزيادة الحروف في التنزيل كثير، فأقرب من ذلك إلى ما نحن فيه قوله " فبما رحمة من الله " وقوله " فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم " وقوله تعالى " فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم " وكقوله " عما قليل ليصبحن " أي عن قليل وكقوله " جند ما هنالك " أي جند هنالك وقيل في قوله تعالى " كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون " ما صلة وكذلك قوله " إنه لحق مثل ما أنكم " أي مثل أنكم وقيل في قوله " في أي صورة ما شاء " فكقوله فهي ترثى بأبي وابنيما وكقولهم أفعله آثرا ما فهذه حروف جاءت للتأكيد عند سيبويه وعند قوم، هو اسم ولا خلاف في زيادتها فمن قال هو اسم، قال قد جاء من الأسماء مثله مزيداً، كقولهم كان زيد هو العاقل قال الله تعالى " إن كان هذا هو الحق " فهو فصل وقال " تجدوه عند الله هو خيراً " وقال " إنك أنت العزيز الحكيم " وقال " إن ترن أنا أقل منك " وسأعد لك الفصل فيما بعد والصحيح قول سيبويه، إذ لا معنى لها سوى التوكيد، ولا تكاد الأسماء تزاد فأما هو فإنما جئ به ليفصل الخبر عن الوصف، فهو لمعنى فثبت أن ما حرف زيدت كزيادة من في النفي، وزيادة الباء في ألقى بيده وساعده لك وزيادة أن وإن في قوله تعالى " فلما أن جاء البشير " وقوله
فما إن طبنا جبن ولكن ... منايانا ودولة آخرينا
وأما قوله تعالى " ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه " فإن الكسائي يقول إن " إْن " زائدة، والتقدير في الذي مكناكم فيه والفراء يقول في الذي نمكنكم فيه وإياه اختار أبو علي، وزعم أنه من جهة المعنى واللفظ أقرب فأما المعنى، فلأن قوله " فيما إن مكناكم فيه " في المعنى في قوله " مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم " وكما أن لم نفى بلا إشكال، وكذلك إن، ويبين ذلك قوله " أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها " فهذا كله يدل على أن تمكين من تقدمهم يزيد على تمكينهم، فهذا بمنزلة ما لم نمكن لكم وأما اللفظ فلأن ما موصولة، وأن يزاد بعد ما الموصولة وإنما يزاد بعد النفي في نحو ما إن طبنا جبن والذي جاء من ذلك في الشعر فيما أنشده سيبويه وأبو زيد من قوله
ورج الفتى للخير ما إن رأيته
إنما هو لتشبيه اللفظ فثبت بهذا كله وتحقق أن من تكلم في الجوهر والعرض والجزء الذي يتجزأ أو لا يتجزأ لا يعرف معنى قوله حين لا حين لأن ذاك عقلى وهذا سماعي، وبين ما يكون مبيناً على السماع، وبين ما يكون مبنياً على العقل تفاوت وبون ولولا أني خفت أن تقول بعدي ما لا يحل لك في هذا الكتاب؛ لسقت جميع ما اختلفوا في زيادته في التنزيل في هذا الباب، لكني ذكرتها في مواضع ليكون أحفظ عندك

السادس ما جاء في التنزيل من الأسماء التي سميت بها الأفعال
وهي أبواب ذكرها سيبويه، نحو صه، ومه، ورويد، والنجاء، وإياك، وعليك، وهاك، وهلم كما تراه في الكتاب فهذه كلها أسماء سميت بها الأفعال وقد أبطلنا قول من قال هي قسم رابع، في غير كتاب من كتبنا فمما جاء في التنزيل من ذلك قولهم في الدعاء بعد الفاتحة آمين وفيه لغتان أمين، وآمين، بالقصر والمد؛ وكلاهما اسم ل استجب؛ كما أن صه اسم ل اسكت ومه كذلك وفي آمين ضمير المخاطب وروى عن الأخفش أنه اسم أعجمي، مثل هابيل وقابيل؛ فإن سميت به رجلاً لم ينصرف قال أبو علي في التذكرة لو قال قائل إنه ليس بأعجمي، لأنه لا يخلو لو كان أعجمياً من أن يكون اسم جنس، أو منقولاً من معرفة، وليس باسم جنس ولا منقولاً من معرفة، فإذا لم يخل من هذين الوجهين في العجمة، وليس واحداً منهما، ثبت أنه ليس بأعجمي، فهو وجه

فإن قلت إنه وزن جاء في الأعجمية قيل لا ينكر، وإن كان جاء في الأعجمي مثل، هابيل، أن يجئ هذا عربياً، ويكون إفراده في الأبنية العربية مثل درى، ومرنق، ونحو ذلك من الأبنية التي تجئ مفردة، نحو انقحل، وما أشبهه فبعضهم لا يصرفه لتوهم العجمة، وبعضهم يصرفه ويجعله مثل قيراط، وفيروز قال أبو علي في موضع آخر اختلف في آمين فقال قائلون إنه اسم من الأسماء التي سمي بها الفعل، نحو صه، ومه، وإيه، ورويد، وما أشبه ذلك وقال قائلون هو اسم من أسماء الله فمما يدل على أنه سمي به الفعل ما روى حجاج عن ابن جريج عن عكرمة قال أمن هارون على دعاء موسى عليه السلام، فقال الله " قد أجيبت دعوتكما فاستقيما " وكما أن قول موسى " ربنا اطمس على أموالهم " جملة مستقلة وكلام تام، كذلك قول هارون آمين جملة مستقلة وكلام تام ولولا أنه كذلك لم يكن هارون داعياً، لأن من تكلم باسم مفرد أو كلمة مفردة لم يكن داعياً، كما لا يكون آمرا، ألا ترى أن الدعاء لفظه كلفظ الأمر، فيقول القائل اللهم اغفر لي في الأمر لي، كقوله لصاحبه اذهب بي إلا أنه استعظم في الدعاء أن يقال إنه أمر كما أن قولهم صه، بمنزلة اسكت؛ ومه، بمنزلة اكفف كذلك في الدعاء آمين، بمنزلة استجب وفيه ضمير مرفوع بأنه فاعل كما أن في سائر هذه الأسماء التي سمي بها الفعل أسماء مضمرة مرتفعة ويدل على ذلك ما رواه عبد الوهاب عن إسماعيل بن مسلم قال كان الحسن إذا سئل عن آمين قال تفسيرها اللهم استجب عبد الوهاب، عن عمر بن عبيد، عن الحسن في آمين ليكن ذلك ومن حيث كان دعاء كما ذكرنا، أخفى في قول أبي حنيفة وأصحابه في الصلاة ولم يجهر به، لأن المسنون في الدعاء الإخفاء، بدلالة قول الله تعالى " ادعوا ربكم تضرعاً وخفية " ولما روى من قول النبي صلى الله عليه وعلى آله أنه قال لقوم رافعي أصواتهم بالدعاء إنكم لا تنادون أصم ولا غائباً، وإن الذي تنادونه أقرب إليكم من رءوس مطيكم ومما يدل على أن هذه الأسماء المسمى بها الفعل فيها ضمير فاعل، كما أن في قولنا اضرب وما أشبهه من أمثلة الأمر ضمير فاعل، إنك لما عطفت عليه المضمر المرفوع أكدته، كما أنك لما عطفت على الضمير المرفوع في مثال الأمر أكدته وذلك نحو قوله تعالى " مكانكم أنتم وشركاؤكم " لما عطف الشركاء على مكانكم، وكان قوله مكانكم بمنزلة قولك اثبتوا، واسما لهذا الفعل، أكد بأنتم؛ كما أنه لما عطف على المضمر المرفوع في مثال الأمر أكد في قوله تعالى " فاذهب أنت وربك فقاتلا " ، " اسكن أنت وزوجك الجنة " فإذا ثبت احتمال هذه الأسماء المسمى بها الفعل الضمير، كما احتملته أمثلة الأمر، ثبت أنها جمل وإذا كانت جملاً لم تصح أن تكون من أسماء الله سبحانه، وأن القائل بذلك مخطئ، لا دعائه ما لا دليل عليه وقد قامت الدلالة على فساده ألا ترى أن أسماء الله ليس فيها ما هو جملة، وأنها كلها مفردة، وهي على ضربين أحدهما ما كان صفة، نحو عالم، وقادر، وخالق، ورازق والآخر ما كان مصدراً، نحو الإله، والسلام، والعدل فإذا لم تخل من هذين الضربين، ولم يكن آمين من واحد من هذين، ولا اسما غير وصف ولا مصدراً، كقولنا شئ ثبت أنه ليس منها فأما ما روى عن جرير بن عبد الحميد، عن منصور بن المعتمر عن هلال بن يساف، عن مجاهد أنه قال آمين اسم من أسماء الله تعالى فعندنا هذا الاسم لما تضمن الضمير المرفوع الذي وصفنا، وذلك الضمير مصروف إلى الله سبحانه، قال إنه اسم الله على هذا التقدير، ولم يرد أن الكلمة اسم من أسماء الله دون الضمير، كعالم، ورازق فإذا احتمل هذا الذي وصفت لم يكن فيما روى عنه حجة لمن قال إن جملة الكلمة اسم ومما يدل على أنه ليس باسم من أسماء الله تعالى، وأنه من أسماء الأفعال على ما ذكرت، أنه مبني، كما أن هذه الأسماء الموضوعة للأمر مبنية وليس في أسماء الله تعالى اسم مبني على هذا الحد فلما كان هذا الاسم مبنياً كصه، وإيه، ونحوهما دل ذلك على أنه بمنزلتهما، وليس من أسماء القديم سبحانه، إذ ليس في أسمائه اسم مبني على هذا الحد فإن قال قائل فقد حكى سيبويه وعامة البصريين في لاه أبوك أنهم يريدون لله أبوك وهذا الاسم مبني لأنه لا يخلو من أن يكون على قول من قال لاه لأفعلن فأضمر حرف الجر واختص به أو على قول من قال
ألا رب من قلبي له الله ناصح

لأنه ليس بمنون، فأوصل الفعل لما حذف الجار، وأعمله، فبين أنه ليس على إضمار حرف الجر، إذ هو مفتوح في اللفظ وليس في نحو إبراهيم، وعمر فيكون مفتوحاً في موضع الجر، أو منصوباً بلا تنوين، نحو رأيت عمر، لتعرى الاسم مما يمنع الصرف فإذا لم يكن على شئ من هذه الأنحاء، التي ينبغي أن يكون المعرب عليها ثبت أنه مبني، وإذا كان مبنياً لم يمتنع أن يكون آمين اسما مثله وإن كان مبنياً قيل له إنما بني هذا الاسم الذي حكاه سيبويه لتضمنه معنى الحرف ال للتعريف ألا ترى أنه زعم أنهم أرادوا لله أبوك، فلما لم يذكر لام المعرفة وتضمن الاسم معناها بني كما بني آمين، لما تضمن معنى الألف واللام، وكما بني خمسة عشر لما تضمن معنى حرف العطف، وكم، وكيف، وأين لما تضمنت معنى الاستفهام أغنت عن حروف الاستفهام والاسم إذا تضمن معنى الحرف بني فأما آمين لم يتضمن معنى الحرف على هذا الحد، ولا على نحو كيف وكم، بني كما بني صه ومه ونزال وحذار، ونحو ذلك من الأسماء التي تستعمل في الأمر للخطاب وحكى قطرب له أبوك، بإسكان الهاء وهذا صحيح في القياس مستقيم، وذلك أنه لما وجب البناء وحرك الآخر منه بالفتح لالتقاء الساكنين، ثم حذف منه حرف اللين الواقع موقع اللام، كما حذف في نحو يد ودم، وبقي على حرفين، زال التقاء الساكنين، فبني على السكون، لزوال ما كان يوجب التحريك من التقاء الساكنين فإن قال فهلا بني على الحركة وإن كان على حرفين، لأنه قد جرى متمكناً في غير هذا الموضع، كما بني عل عند سيبويه على الحركة، في قولهم من عل وإن كان على حرفين، تجربه غير متمكن مجراه متمكناً، قبل حال البناء قيل لم يشبه هذا عل، لأن عل ونحوه مما يلحقه الإعراب في التمكن على اللفظ الذي هو عليه وله من قولهم له أبوك، لحقه الحذف من شئ لم يتمكن قط في كلامهم فإذا كان كذلك لم يلزم أن يكون مثل عل لمفارقته ل عل في أنه لم يجر الاسم المحذوف هذا عنه متمكناً؛ فلما كان كذلك صار بمنزلة حذفهم مذ في منذ في أن المحذوف مبني كما أن المحذوف منه كذلك، وفي أن المحذوف أسكن لزوال ما كان له حرك بالحذف، وهو التقاء الساكنين فأما قوله تعالى " مكانكم أنتم وشركاؤكم " فالقول أنه مبني غير معرب من حيث صار اسماً للفعل، كما كان صه وهلم ونحوهما مبنية فإن قلت إن مكانكم منصوب والنصب فيه ظاهر قيل ليست هذه الفتحة بنصب، وذلك أن انتصابه لا يخلو من أن يكون بعامل عمل فيه بعد أن جعل اسما للفعل، أو أن يكون بعد التسمية به في الانتصاب على ما كان عليه قبل ذلك، فلا يجوز أن يكون انتصابه الآن، وقد سمي به الفعل على ما كان قبل، ألا ترى أن تقديره معمولاً لذلك العامل، واتصاله به لا يصح كما يصح اتصاله به في هذه المواضع التي لا تكون أسماء للفعل؛ وذلك قولك زيد مكانك، والذي مكانك زيد؛ فهذا سد مسد الفعل الذي عمل فيه، وأغنى من حيث كان تقدير العامل الذي تعلق به الظرف في الأصل غير ممتنع، نحو زيد استقر مكانك، أو مستقر؛ والذي استقر مكانك وقدرت هذا العامل في الموضع الذي سميت الفعل به لم يتعلق به، على حد تعلق الظرف في المعمولات بعواملها ألا ترى أنك إن علقته بها على أنه ظرف بطل أن يكون جملة وزال عنه معنى الأمر، فإذا كان كذلك لم يتصل به بعد أن صار اسما للفعل كما كان يتصل به قبل وإذا لم يتصل به لم يكن معمولاً له، ولم يجز أن يكون، وهو اسم للفعل، معرباً بالإعراب الذي كان يعرب به قبل ولا يجوز أيضاً أن يكون انتصابه بعامل عمل فيه بعد أن جعل اسما للفعل، وذلك أنه بمنزلة الأمر، وهو نفسه العامل، كما أن أمثال الأمر نفس العامل، وكما أنه لا عمل لشئ في أمثلة الأمر، كذلك ما أقيم مقامه فإن قلت إن الأفعال المضارعة عاملة في فاعليها، ولم يمنعها ذلك من أن تكون معمولة لعوامل أخر؛ فكذلك ما تنكر، ألا يمنع كون مكانك ونحوه عاملاً في الفاعل المضمر فيه أن يكون هو نفسه أيضاً معمولاً لغيره، كما لم يمنع المضارع أن يكون معمولاً لغيره وإن كان عاملاً في فاعله

قيل إن المضارع لما أشبه الأسماء ووقع موقعها في بعض المواضع تعرف، للمشابهة التي بينه وبين الاسم، على ما ذكر في مواضع ذلك وهذه الأسماء إذا سمي بها الفعل تخرج بذلك عن أن تقع مواقع الأسماء، فوجب بناؤها لوقوعها موقع مالا يكون إلا مبنياً، كما بني قولهم فدى لك في قوله
مهلاً فداء لك يا فضاله ... أجره الرمح ولا تهاله
لما وقع موقع الأمر، وكما بني المضارع في قول أبي عثمان لما وقع موقع فعل الأمر كذلك بني دونك وحذرك ونحوه، لوقوعه موقع فعل الأمر؛ ألا ترى أنهم بنوا رويد في هذا الباب مع أنه مصغر فما عداه من هذه الأسماء أجدر بالبناء وإذا كان كذلك لم يجز أن يتعرب مكانك بإعراب بعد ما سمي به الفعل، فإذا لم يجز أن يتعرب بما كان متعرباً قبل أن سمي به الفعل، ولم يجز أن يعرب بشئ بعدما سمي به ثبت أنه غير معرب وهذا مذهب أبي الحسن الأخفش وإذا لم يكن معرباً كان مبنياً، ولم يجز أن يكون في موضع رفع ولا نصب ولا جر، لأن ما يعمل في الأسماء لا يعمل فيه الآن عامل فأما ما يعمل في الفعل فلا يعمل فيه أيضاً، لأنه ليس بفعل؛ فإذا كان كذلك ثبت أنها غير معربة فأما تحرك بعض هذه الأسماء بحركة قد يجوز أن يكون للإعراب، نحو مكانك، وحذرك، وفرطك؛ فإن ذلك لا يدل على أنها معربة ألا ترى أن الحركات قد تتفق صورها وتختلف معانيها، كقولك يا منص، في ترخيم رجل اسمه منصور على قول من قال يا حارِ ويا حاٌر وكذلك من قال درع دلاص، وأدرع دلاص لا تكون الكسرة التي في الجمع الكسرة التي في الواحدة، لأن التي في الواحد مثل التي في كناز وضناك والتي في الجمع مثل في شراف وظراف وكذلك قوله تعالى " في الفلك المشحون " فضمة الفاء مثل ضمة قفل وبرد وقوله تعالى " والفلك التي تجري في البحر " ضمة الفاء فيه للجمع على حد أسَدِ وْأسْدِ و وَثٍن و وُثْنٍ وكذلك لا ينكر أن تتفق الحركات في مكانك ويختلف معناها، لما ذكرنا من الدلالة على ذلك؛ فتكون، إذا كان ذلك ظرفاً أو مصدراً، حركة إعراب، وإذا كان اسما للفعل حركة بناء ونحوه ألا ترى اتفاق حركة الإعراب وحركة البناء في يا بن أم ولا رجل عندك فكذلك اتفاقهما في مكانك وفي آمين لعتان قصر ومد؛ فالمقصور عربي، لكثرة فعيل في العربي والممدود مختلف فيه وقد حكينا عن الأخفش أنه أعجمي، لما لم ير هذا المثال في العربي وهذا لا يصح؛ لأن الأعجمي لا يخلو من قسمين أحدهما نحو اللجام والآخر نحو إبراهيم، وإسماعيل وهذا ليس واحداً منهما، فإذن هو عربي والمد فيها لإشباع الفتح، كإشباع منتزاح، ولا ترضاها، وأنظور، والصياريف، وغير ذلك وكما لا يجوز لأحد أن يقول إن هذه الكلمات أعجميات لخروجها عن كلامهم، فكذلك لا يقال في آمين وإذا كان هذا للإشباع فيها، فكذلك في آمين وقال محمد بن يزيد آمين مثل عاصين وأراد به أن الميم خفيفة كالصاد، ولم يرد به أنه جمع، لأنه إن كان اسماً من أسماء الله فالجمع فيه كفر، وإن كان اسماً للفعل فإنه نائب عن الجملة، فلا يجوز جمعه وأما قول الأخفش إنك إذا سميت ب آمين رجلاً لم تصرفه فإن قال قائل فأحذ السببين المانعين من الصرف التعريف، فما السبب الثاني المنضم إلى التعريف، وليس آمين بمنزلة هابيل في أنه اسم جرى معرفة في كلام العجم فيمنعه الصرف، كما يمنع إبراهيم ونحوه؟ قيل يجوز أن تقول إنه ما لم يكن اسم جنس ك شاهين أشبه الأسماء المختصة فامتنع من الصرف كما امتنعت عنده عريط وهذا الشبه فيما لا ينصرف معمل ألا ترى أنهم شبهوا عثمان في التعريف بسكران ومن كان آمين عنده عربياً فالقياس أن يصرفه إذا سمي به رجلاً، على قول بني تميم، ولا يمنعه خروجه عن أبنية كلامهم من الانصراف، لأنه يصير بمنزلة عربي لا ثاني له من دونه، نحو إنقحل وعلى قياس قول أهل الحجاز ينبغي أن يحكى، ألا ترى أنهم لو سموا رجلا بفعال، نحو حذام، وقطام، لحكوه ولم يعربوه فهذا هو القول في آمين ومن ذلك قوله تعالى في قول الكسائي " كتاب الله عليكم " والتقدير عنده عليكم كتاب الله كقوله تعالى " عليكم أنفسكم " أي احفظوها هذا عندنا لا يصح، لأن معمول عليك لا يتقدم عليه، وإنما كتاب الله نصب مصدر مؤكد ما تقدم وسأعد لك من أخواته معه ما يفهم به صحته فإن قلت فقد جاء ذلك في قولها

يأيها الماتح دلوى دونكا ... إني رأيت الناس يحمدونكا
قال التقدير دونك دلوى، وهذا عندنا مبتدأ وخبر ليس كما قالوا فأما وقف من وقف على قوله تعالى " فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح " ثم يبتديء فيقرأ عليه أن يطوف بهما فليس بالمتجه، لأن سيبويه قال إن هذا يكون في الخطاب دون الغائب، فلا يجوز حمله على الإغراء وهذا لفظ سيبويه قال حدثني من سمعه أن بعضهم قال عليه رجلاً ليسنى هذا قليل، شبهوه بالفعل يعني أنه أمر غائباً، فقال عليه وأما ما روى عن النبي عليه السلام أنه قال " من استطاع منكم الباءة فليتزوج وإلا فعليه بالصوم فإنه له وجاء " وإنما أمر الغائب بهذا الحرف على شذوذه، لأنه قد جرى للمأمور ذكر، فصار بالذكر الذي جرى له كالحاضر، فأشبه أمر الحاضر وإنما قوله عليه خبر لا أي لا إثم عليه في التطوف بينهما، والطواف ليس بفرض وأما قوله تعالى " هيت لك " فقد قالوا معناه هلم لك قال رجل لعلي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه
أبلغ أمير المؤمنين ... أخا العراق إذا أتيتا
أن العراق وأهله ... عنق إليك فهيت هيتا
أي هلم إلينا، وقد كسر قوم الهاء، وهو لغة في ذا المعنى، ورفعت في ذا المعنى قال وقراءة أهل المدينة هيت لك في ذا المعنى، الهاء مكسورة والتاء مفتوحة والمعروف هَيْتُ هيتَ بضم التاء وفتحها وحكى الكسر أيضاً وهو اسم للفعل ولك على هذا للتبيين بمنزلة لك في قولهم هلم لك ومثل تبيينهم رويدك بالكاف في رويدك وتبيينهم هآء وهآء بقولهم هاك، وهاك ولك في هلم لك متعلق بهذا الاسم الذي سمي به الفعل ولا يجوز أن يتعلق بمضمر، لأنك لو علقته بمضمر لصار وصفاً وهذه الأسماء التي سميت الأفعال بها لا توصف، لأنها بمنزلة مثال الأمر، وكما لا يوصف مثال الأمر كذلك لا توصف هذه الأسماء ومن ذلك هلم في قوله هلم شهداءكم، وفي قوله هلم إلينا وهي ها ضمت إلى لم فجعلا كالشئ الواحد وفيه لغتان أحدهما وهو قول أهل الحجاز، ولغة التنزيل أن يكون في جميع الأحوال للواحد والواحدة والآثنين والآثنتين والجماعة من الرجال والنساء على لفظ واحد، لا تظهر فيه علامة تثنية ولا جمع، كقولهم هلم إلينا فيكون بمنزلة رويد، وصه، ومه، ونحو ذلك، نحو الأسماء التي سميت بها الأفعال، وتستعمل للواحد والجمع، والتأنيث والتذكير على صورة واحدة والأخرى أن تكون بمنزلة رد في ظهور علامات الفاعلين، على حسب ما تظهر في رد وسائر ما أشبهها من الأفعال وهي في اللغة الأولى وفي اللغة الثانية، إذا كانت للمخاطب، مبنية مع الحرف الذي بعدها على الفتح كما أن هل تفعلن مبنى مع الحروف على الفتح وإن اختلف موقع الحرفين في الكلمتين، فلم يمنع الاختلاف من البناء على الفتح ولخفة ها المنبهة، لكون الأمر موضعا للاستعطاف، كما لحقت يا ألا يا اسجدوا وها هاأنتم فحذف لكثرة استعمال الألف من ها ك لا أدري، ولم أبل ولأن الألف حذفت لما كانت اللام في نية السكون، وكأنه هلمم والساكن معتبر بدليل جيل، ومول، فلم يعلوا اعتباراً بسكون الياء والواو في موئل، وجيأل وحسن حذف الألف جعلها مع لم كخمسة عشر، بدلالة اشتقاقهم الفعل منه فيما حكى الأصمعي إذا قيل لك هلم فقال ما أهلم، فاشتقاقهم الفعل نظير أهريق زيادة لا معنى له ويكون اشتقاق هلل، وحوقل، وهو أحسن، لأنهم لم يغيروه في التثنية والجمع وقال الفراء إن أصله هل أم وأم، من قصدت والدليل على فساد هذا القول أن هل لا يخلو من أحد أمرين إما أن يكون بمعنى قد، وهذا يدخل في الخبر وأما أن يكون بمعنى الاستفهام، وليس لواحد من الحرفين تعلق بالأمر وإن قلت هو خبر بمعنى الأمر؛ فإن ذلك لا يدخل عليه هل لأن من قال رحم الله لا يقول هل رحم الله، والفتح فيه كالفتح في ليقومن وليس لالتقاء الساكنين، كالفتح في رد لأن رد يجوز فيه الأوجه الثلاثة، وهلم لا يجوز فيه إلا الفتح، على لغة أهل الحجاز ومن ذلك أفٍّ في قوله تعالى " ولا تقل لهما أف " وقوله " أف لكم " وفي قوله " والذي قال لوالديه أف لكما " وفيه لغات والمقروء منها الكسر بلا تنوين، والكسر بتنوين، عن نافع وحفص، والفتح بلا تنوين، ويجوز في العربية الضم بلا تنوين، والضم بتنوين وفي لغة سابعة، أفي، مثل أمليت، وأمللت

ومعنى كله نتناً وذفراً وقد سمي الفعل به فبني وهذا في البناء على الفتح، كقولهم سرعان ذا إهالة، لما صار اسماً ل يسرع، وكذلك أف، لما كان اسماً لما يكره أو يضجر منه، ونحو ذلك فمن نون نكرة، ومن لم ينون كان عنده معرفة؛ مثل صَهْ، وصَهٍ، ومَهْ، ومَهٍ، إلا أن أف في الخبر، وصه في الأمر فإن قلت ما موضع أف في هذه الآى بعد القول، هل يكون موضعه نصباً كما ينتصب المفرد بعده، أو كما تكون الجمل؟ وكذلك لو قلت أف وإذا لم يكن مع أف لك، كان ضعيفاً، ألا ترى أنك لو قلت ويل لم يستقم حتى توصل به لك فيكون في موضع الجر ومن الأسماء التي سميت بها الأفعال قوله تعالى " هاؤم اقرءوا كتابيه " وفيها لغات إحداها هاك، للرجل، وهاك، للمرأة والكاف للخطاب يدل على ذلك أن معنى هاك زيدا، أي خذ زيداً فزيداً، هو منصوب بهذا الفعل، ولا يتعدى إلى مفعولين ويدلك على أن الكاف في هاكَ وهاكِ حرف لا اسم إيقاعهمم موقعها ما لا يكون اسما على وجه؛ وذلك قولك هاؤم وعلى هذا قوله تعالى " هاؤم اقرءوا كتابيه " وعلى هذا قالوا للاثنين هاؤما، وللنساء هاؤن؛ كما يقال هاك، وهاكما، وهاكم، وهاكن وفيها لغة ثالثة، وهي أن تترك الهمزة مفتوحة على كل حال وتلحقها كافاً مفتوحة للمذكر، ومكسورة للمؤنث، فتقول هاءك، وهاءكما، وهاءكم، وهاءك، وهاءكما، وهاءكن وفيها لغة رابعة وهي قولك للرجل هأ، بوزن هع وللمرأة هانى، بوزن هاعى، وللاثنين هاءا، بوزن هاعا، وللمذكرين هاءوا، بوزن هاعوا وللنساء هأن، بوزن هعن فهذه اللغة تتصرف تصرف خف وخافي وخافا وخافوا وخفن، وهي لغة، مع ما ذكرناه، قليلة فأما قول علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه
أفاطم هانى السيف غير ذميم ... فلست برعديد ولا بلئيم
لعمري لقد قاتلت في جنب أحمد ... وطاعة رب بالعباد رحيم
وسيفي بكفي كالشهاب أهزه ... أجذ به من حالق وصميم
وما زلت حتى فض ربي جموعهم ... وأشفيت منهم صدر كل حطيم
والوجه أن يكون على قول من كسر الهمزة للمؤنث، لأن القرآن بهذه اللغة نزل، وهو أفصح اللغات ويجوز أن يكون على قول من قال هائى، بوزن خافى فحذف الياء لالتقاء الساكنين وفيه لغة خامسة، وهو أن يقال للواحد والواحدة والتثنية والجمع على صورة واحدة والذي ينبغي أن يحمل هذا عليه أن يجعل بمنزلة صه و مه ورويد و إيه وأما رويداً من قوله عز وجل " فمهل الكافرين أمهلهم رويداً " فإن رويداً في الآية ليست بمبنية اسما ل ارفق، نحو رويد علياً، ولكنه صفة مصدر مضمر، أي أمهلهم إمهالاً رويدا، ويجوز أن يكون حالاً وفي كلا الوجهين تصغير إرواد تصغير الترخيم، أو تصغير رود فأما قوله تعالى " قيل ارجعوا وراءكم " فالتقدير ارجعوا ارجعوا و وراءكم لا موضع له لأنه تكرير ألا ترى قولهم وراءك أوسع لك وأما قوله تعالى " هيهات هيهات لما توعدون " فهيهات مبنية على الفتح وهو اسم ل بعد والفاعل مضمر فيه والتقدير هيهات إخراجكم؛ لأنه تقدم أنكم تخرجون ولا يصح قول من قال إن التقدير البعد لما توعدون، أو البعيد لما توعدون، لأن هذا التقدير لا يوجب لها البناء على الفتح، وإنما يوجب بناءه كونه في موضع بعد، كسرعان، في موضع سرع، وقد ذكرته في المختلف وأما قولهم إيها وقوله عليه السلام إيها أصيل، دع القلوب تقر فإيها، مبني على الفتح، وهو بالتنوين، اسم لكف، وهو نكرة

السابع ما جاء في التنزيل من أسماء الفاعلين مضافة إلى ما بعدها ، بمعنى الحال أو الاستقبال
فمن ذلك قوله تعالى " مالك يوم الدين " الإضافة فيه إضافة غير تحقيقيه، وهو في تقدير الانفصال، والتقدير مالك أحكام يوم الدين؛ وإذا كان كذلك لم يكن صفة لما قبله، ولكن يكون بدلا فإن قلت إنه أريد به الماضي فأضيف؛ فجاز أن يكون وصفاً لما قبله، والمعنى معنى المستقبل، كما قال " ونادى أصحاب الجنة " فالوجه الأول أحسن؛ لأنه ليس في لفظه ما يدل على الماضي، والشئ إنما يحمل في المعنى على ما يخالف في اللفظ، نحو نادى، يقال لفظه لفظ الماضي والمعنى معنى المستقبل، وهذا التقدير لا يصح في " مالك يوم الدين " إذ لا يقال لفظه لفظ الماضي ومعناه المستقبل

ومن ذلك قوله تعالى " كل نفس ذائقة الموت " لولا ذلك لم يجز خبراً على كل لأنه لا يكون المبتدأ نكرة والخبر معرفة نظيره في الأنبياء " كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير " ومن ذلك قوله تعالى " هدياً بالغ الكعبة " أي بالغاً الكعبة، إضافة في تقدير الانفصال، أي هديا مقدار به بلوغ الكعبة، ليس أن البلوغ ثابت في وقت كونه هديا؛ فإنما الحال هنا كالحال في قوله تعالى " وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها " أي مقدرين الخلود فيها ومثله " ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ثانى عطفه " أي ثانياً عطفه، والإضافة في تقدير الانفصال، لولا ذلك لم ينتصب على الحال ومن ذلك قوله تعالى " ولا الليل سابق النهار " أي سابق النهار والتقدير به التنوين ومن ذلك قوله تعالى " إنكم لذائقوا العذاب الأليم أي لذائقون العذاب الأليم، فالنية به ثبات النون؛ لأنه بمعنى الاستقبال ومن ذلك قوله تعالى " هل هن كاشفات ضره، أو أرادنى برحمة هل هن ممسكات رحمته " هو في تقدير التنوين، دليلة قراءة من نون ونصب ضره ورحمته ومن ذلك قوله تعالى " فلما رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم " أي مستقبلاً أوديتهم ومثله ما بعده " عارض ممطرنا " أي عارض ممطر إيانا، ولولا ذلك لم يجز وصفاً على النكرة ومن ذلك قوله " إنما أنت منذر من يخشاها " دليله قراءة يزيد منذر من يخشاها بالتنوين فهذه الأسماء كلها إذا أضيفت خالفت إضافتها إضافة الماضي، نحو قوله تعالى " فالق الإصباح وجعل الليل سكنا " لأن الإضافة في نحو ذلك صحيحة، وتوصف به المعرفة؛ ألا ترى أن فالق صفة لقوله " ذلكم الله " وإنما صحت إضافة لأنه لا يعمل فيما بعده، فلا يشبه الفعل، وإذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال عمل فيما بعده، لأنه يشبه يفعل بدليل أن يفعل أعرب فأما قوله تعالى " واتقوا الله واعملوا أنكم ملاقوه " وقوله تعالى " فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه " وقوله تعالى " تحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه " وقوله تعالى " إنا منجوك وأهلك " وقوله تعالى " إن في صدوركم إلا كبر ما هم ببالغيه " وقوله تعالى " لكل أمة جعلنا منسكاً هم ناسكوه " فالهاء والكاف عند سيبويه في موضع الجر بالإضافة، لكف النون، كما أن الظاهر في قوله " سابق النهار " وقوله " لذائقوا العذاب " جر، وإن كانت الإضافة في تقدير الانفصال وعند الأخفش الكاف والهاء في موضع النصب، بدليل قوله " وأهلك " فنصب المعطوف، فدل على نصب المعطوف عليه وسيبويه يحمل قوله " وأهلك " على إضمار فعل، كما يحمل " والشمس والقمر حسبانا " على إضمار فعل وكذلك " وما كنت متخذ المضلين عضداً " فسيبويه يعتبر المضمر بالظاهر وكما جاز " ذلك لمن لم يكن أهله حاضرى المسجد الحرام " بجر المسجد وإضافة حاضري إليه، فكذا هذا والأخفش يدعى أن النون لا يمكن إظهارها هنا، لا يجوز منجونك، ولا بالغينه، ولا بالغونه فافترق الحال بين الظاهر والمضمر وأما قوله " فتبارك الله أحسن الخالقين " ليس بوصف لله، لأنه نكرة، والإضافة في تقدير الانفصال بدليل تعلق الظرف به في أحوج ساعة و " أعلم بمن ضل " ، وقد جاء
ملك أضلع البرية مايو ... جد فيها لما لديه كفاء
فإن أحسن مرتفع ب هو، لأنه موضع بناء وإن شئت كان بدلاً؛ لأن إضافة أفعل في تقدير من فإذا ثبت زيد أفضل القوم؛ والتقدير أفضل من القوم؛ فإضافته غير محضة، لا يتعرف بها، فوجب أن يكون أحسن بدلاً لا وصفاً ومن ذلك قوله " وخاتم النبيين " بالكسر، اسم الفاعل، ليكون معرفة فيشاكل المعطوف عليه، ومن فتح، فهو مصدر، أي، ذا ختم

الثامن ما جاء في التنزيل من إجراء غير في الظاهر على المعرفة
فمن ذلك قوله تعالى " صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم " قال قوم إنما انجر غير لأنه بدل من الذين وهو معرفة، ولا كلام في هذا وقال قوم بل هو صفة ل الذين فقيل لهم إن غيراً أبداً نكرة، فكيف تجري وصفاً على المعرفة؟ وإنما قالوا ذلك لأنك إذا قلت مررت برجل غيرك، فكل الناس غير المخاطب وقال أبو إسحاق في ذلك إن غيرا جرى وصفا ل الذين هنا، لأن معنى الذين أنعمت عليهم كل من أنعم الله عليه منذ زمن آدم إلى قيام الساعة وليسوا مقصوداً قصدهم

وقال أبو بكر بن دريد غير إذا أضيف إلى اسم يضاد الموصوف وليس له ضد سواه، يتعرف غير بالإضافة، كقولك مررت بالمسلك غير الكافر، وعليك بالحركة غير السكون، لا يضاد المنعم عليهم إلا المغضوب عليهم، فتعرف غير وقال أبو علي يشكل هذا بقوله " اخرجنا نعمل صالحاً غير الذى كنا نعمل " ومثل غير المغضوب قول تعالى " لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر " فمن رفع غيرا جعله تابعاً ل القاعدين على الوجهين وكذا قوله " او التابعين غير أولى الإربة من الرجال " ، فيمن جر غيرا

التاسع ما جاء في التنزيل من كاف الخطاب المتصلة ولا موضع لها من الإعراب
فمن ذلك الكاف المتصلة بقوله تعالى " إياك نعبد، وإياك نستعين " فالكاف هنا للخطاب ومن ادعى فيه أنه جر بالإضافة فقد أحال، لأن إيا اسم مضمر والمضمر أعرف المعارف، فلا يجوز إضافته بتة فإن قال إن إيا اسم ظاهر قلنا لم نر اسماً ظاهراً ألزم إعراباً واحداً إلا في الظروف، نحو الآن، وإذ في أغلب الأحوال وأين، وإيا ليس بظرف فإن قال فقد قالت العرب إذا بلغ الرجل الستين فإياه والشواب، فهذا نادر لا اعتبار به، ولا يجوز بناء القواعد عليه وإذا كان كذلك كان إياكما وإياكم وإياك وإياى من قوله " فإياي فارهبون " ، وإياه الياء والهاء أيضاً حرفان، وقد جردتا عن الاسمية وصارتا حرفين ومن ذلك الكاف في ذلك من قوله " ذلك الكتاب " وذانك من قوله " فذانك برهانان " وماأشبهه الكاف للخطاب لثبات النون في ذانك ولو كان جراً بالإضافة حذفت النون كما تحذف من قولهم هذان غلاماك، لأن ذا اسم مبهم، وهو أعرف من المضاف، فلا يجوز إضافة بتة ولأنك تقول عندي ذلك الرجل نفسه ولا يجوز أن تقول ذاك نفسك، بالجر، ولو كان الكاف جراً لجاز، فثبت ذلك نفسه، وذاك نفسه، يفسد كون الكاف مجروراً ومن ذلك الكاف في قوله تعالى " أرأيتك هذا الذى كرمت على " فالكاف هنا للخطاب، ولا محل له من الإعراب؛ لأن العرب تقول أرأيتك زيداً ما صنع؟ ولو كان الكاف المفعول الأول لكان زيدا المفعول الثاني، وزيدا غير الكاف، لأن زيدا غائب وهو غير المخاطب، ولأنه لا فرق بينه وبين قول القائل أرايتك زيدا ما صنع؟ ألا ترى قوله " قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله " وقوله تعالى " قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم " فالكاف والميم ثبوتهما لا يزيد معنى يختل بسقوطهما، فعلى هذا فقس جميع الكاف المتصل ب إياك، وذلك، وذاك، وذانك، وأرأيتك، وأرأيتكم وهذا قوله " فذلكن الذي لمتنني فيه " وقوله " وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة " وقوله " ونودوا أن تلكما الجنة " الكاف في هذه المواضع للخطاب ولا محل لها من الإعراب وهكذا الكاف في أولئك، وأولئكم، في جميع التنزيل للخطاب، وليس لها محل من الإعراب، لاستحالة معنى الإضافة فيه

العاشر ما جاء في التنزيل من المبتدأ ويكون الاسم على إضمار المبتدأ، وقد أخبر عنه بخبرينوقد ذكر سيبويه ذلك في الكتاب حيث يقول في باب ما يجوز فيه الرفع مما ينتصب في المعرفة وذلك قولك هذا عبد الله منطلق حدثنا بذلك يونس وأبو الخطاب عمن يوثق به من العرب وزعم الخليل أن رفعه يكون على وجهين فوجه أنك حيث قلت هذا عبد الله منطلق، أضمرت هذا أو هو فكأنك قلت هذا عبد الله هو منطلق والوجه الآخر أن تجعلهما جميعاً خبراً ل هذا، كقولك هذا حلو حامض لا تريد أن تنقص الحلاوة، ولكن تزعم أنه قد جمع الطعمين قال الله تعالى " كلا إنها لظى، نزاعة للشوى " وزعم أنها في قراءة ابن مسعود " وهذا بعلى شيخ " وقال الشاعر
من يك ذا بت فهذا بتى ... مقيظ مصيف مشتى
البت الكساء انتهت الحكاية عن سيبويه فمن ذلك قوله تعالى " آلم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين " ف ذلك مبتدأ؛ والكتاب عطف بيان، أي جمع أنه لا شك فيه، وأنه هدى وكان أبو علي يقول إنك إذا قلت هذا حلو حامض؛ فالعائد إلى المبتدأ ضمير من مجموعهما ألا ترى أنهم فسروه بقوهم هذا مز وكان عثمان يقول قد قال هذا وعندي أن الضمير يعود إليه من كل واحد منهما وبينهما كلام طويل ذكرته في الاختلاف

ومن ذلك قوله تعالى " إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون " ف " الَّذِينَ كَفَرُوا " اسم " إِنَّ " بمنزلة المبتدأ " و سَوَاءٌ عَلَيْهِم " ابتداء وقوله " أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ " استفهام بمعنى الخبر في موضع الرفع خبر سواء والتقدير سواء عليهم الإنذار وترك الإنذار والجملة خبر الذين وقوله " لاَ يُؤْمِنُونَ " جملة أخرى خبر بعد خبر، أي إن الذين كفروا فيما مضى يستوي عليهم الإنذار وترك الإنذار، لا يؤمنون في المستقبل وهذا يراد به قوم خاص، كأبي جهل وأصحابه، ممن لم ينفعهم الإيمان، وليس على العموم فإن قلت فإن قوله " أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ " إذا كان خبرا ل سواء فليس في هذه الجملة ما يعود إلى المبتدأ الذي هو سواء، فكيف صح وقوعه خبراً عنه؟ فالجواب أن هذه جملة في تقدير المفرد، على تقدير سواء عليهم الإنذار وترك الإنذار ولو صرح بهذا لم يكن ليحتاج فيه إلى الضمير، فكذا إذا وقع موقعه جملة وقد قوم أن الإنذار، مبتدأ، وترك الإنذار عطف عليه، وسواء خبر والأولى أوجه، ولكنه على هذا المخبر عنه مقدر، وليس في اللفظ وعلى الأول المخبر عنه في اللفظ ومثله " سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون " والتقدير سواء عليكم الدعاء والصموت ويجوز أن يكون هدى خبر مبتدأ مضمر، أي هو هدى لأن سيبويه جوز في المسألة المتقدمة هذا ومن إضمار المبتدأ قوله " وقولوا حطة " والتقدير قولوا مسألتنا حطة؛ أو إرادتنا حطة، فحذف المبتدأ وأما قوله تعالى " قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر " فحمله أبو إسحاق مرة على حذف المبتدأ، أي لا هي فارض ولا بكر وحمله مرة أخرى على أن فارض صفة لبقرة، كما حكاه سيبويه مررت برجل لا فارس ولا شجاع وفي التنزيل " وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة " ، فجر مقطوعة صفة ل فاكهة ومن هذا الباب قوله تعالى " بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا " ف أن يكفروا مخصوص بالذم والمخصوص بالمدح والذم في باب بئس ونعم فيه قولان أحدهما أنه مبتدأ وبئس خبر، على تقدير بئس كفرهم، بئسما اشتروا به أنفسهم والقول الثاني أنه خبر مبتدأ مضمر، لأنه كأنه لما قيل بئسما اشتروا به أنفسهم، قيل ما ذلك؟ قيل أن يكفروا والقول الثاني أي هو أن يكفروا، أي هو كفرهم وعلى هذا فقس جميع ما جاء من هذا الباب من قوله تعالى " فنعماه هى " وقوله " بئسما اشتروا به أنفسهم " وغير ذلك ومن ذلك قوله تعالى في قراءة أبي حاتم " لا ذلول تثير الأرض " ألا ترى أنه يقف على ذلول ثم يبتدئ فيقرأ تثير الأرض على فهي تثير الأرض وقال قوم هذا غلط، لأنه لو قال وتسقى الحرث لجاز، ولكنه قال " ولا تسقى الحرث " وأنت لا تقول يقوم زيد ولا يقعد، وإنما تقول يقوم زيد لا يقعد وقد ذكرنا في غير موضع من كتبنا أن الواو واو الحال، أي تثير الأرض غير ساقية والحسن أن يكون تثير داخلاً في النفي ومن حذف المبتدأ قوله تعالى " مسلمة لاشية فيها " أي هي مسلمة وإن شئت كان قوله لا ذلول أي لا هي ذلول مسلمة، خبر بعد خبر ومن حذف المبتدأ قوله تعالى " فعدة من أيام أخر " أي فالواجب عدة وكذلك فما استيسر من الهدى " أي فالواجب ما استيسر من الهدى وأما قوله تعالى " فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج " من رفع رفثاً ولا فسوقاً ونصب لا جدال في الحج فإن خبر المرفوعين مضمر، على قول الأخفش، لأنه يزعم أن رفعهما بالابتداء، ويجعل الناصب جدال نفس " لا " ولا يجعل لا مع جدال مبتدأ، كما هو مذهب سيبويه، وإنما يجعل لا بمنزلة أن، فلا يجوز أن يشترك المنصوب المرفوع في الخبر، وعلى هذا مذهب سيبويه خبر الجميع قوله في الحج لأن الجميع مبتدأ وعلى هذا الخلاف قوله
فلا لغو ولا تأثيم فيها ... وما فاهوا به أبداً مقيم
ومن ذلك قوله تعالى " لمن اتقى، واتقوا الله " أي هذا الشرع، وهذا المذكور لمن اتقى، أي كائن لمن اتقى ومن ذلك قوله تعالى " الطلاق مرتان فإمساك بمعروف " أي فالواجب إمساك بمعروف ومنه " فنصف ما فرضتم " أي فالواجب نصف ما فرضتم ومنه قوله تعالى " وصية لأزواجهم " أي فالواجب وصية لأزواجهم

فأما قوله تعالى " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن " فإن أبا إسحاق وأبا العباس حملا قوله يتربصن على أنه خبر ابتداء محذوف، مضاف إلى ضمير الذين، على تقدير والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً أزواجهم يتربصن والجملة خبر الذين والعائد إلى الذين من الجملة المضاف إليه الأزواج وقد جاء المبتدأ محذوفاً في قوله تعالى " لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل " أي تقلبهم متاع قليل، فحذف المبتدأ في مواضع وقال الأخفش التقدير في الآية يتربصن بعدهم، فحذف بعدهم العائد إلى الذين وإن كان متصلاً بالظرف؛ لأنه قد جاء مثل ذلك كقوله تعالى " ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا " التقدير وكأن لم يلبثوا قبله لا بد من إضمار قبله وسترى ذلك في مواضع إن شاء الله وقال الكسائي إن قول يتربصن جرى خبراً عن الاسم الذي تقدم في صلة الموصول، لأن الغرض من الكلام أن يتربصن هن وأنشد الفراء
لعلى إن مالت بي الريح ميلة ... على ابن أبي الذبان أن يتندما
فأخبر عن ابن أبي الذبان، الذي تعلق بقوله إن مالت بي الريح فقال أن يتندما ولا حجة له في البيت، لأنه قد عاد من جملة الكلام إلى ياء المتكلم ضمير، وهو قوله إن مالت بي الريح فبطل حجته بالبيت وصح قول أبي الحسن وقول أبي العباس، ومن ذلك قوله تعالى " فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه " قال سيبويه قال الله عز وجل " فلا تكفر، فيتعلمون " فارتفع لأنه لم يخبر عن الملكين أنهما قالا فلا تكفر فيتعلموا؛ لنجعل قولهما لا تكفر سبباً للتعلم، ولكنه قال فيتعلمون أي فهم يتعلمون ومثله " كن فيكون " كأنه قال إنما أمرنا ذاك فيكون، أي فهو يكون قال أبو علي تقدير قولك لا تقرب الأسد فيأكلك، ها هنا غير سائغ ألا ترى أن كفر من نهى عن أن يكفر في الآية ليس سبباً لتعلم من يتعلم ما يفرق به بين المرء وزوجه؛ وذلك أن الضمير الذي في قوله فيتعلمون لا يخلو من أحد أمرين إما أن يكون راجعاً إلى الناس من قوله " يعلمون الناس " ، أو إلى " أحد " فإن كان راجعاً إلى الناس فلا تعلق له بقوله فلا تكفر، لأمه لا معنى لقوله فيتعلمون إذا كان فعل الغير أن يحمل على لا تكفر، لفساده في المعنى وإن كان راجعاً إلى أحد لم يكن فيتعلمون أيضاً جواباً لقوله فلا تكفر، لأن التقدير لا يكن كفر فتعلم والمعنى إن يكن كفر يكن تعلم، وهذا غير صحيح، ألا ترى أنه يجوز أن يكفر ولا يتعلم، فليس الأول سبباً للثاني، فإذا لم يجز ذلك لم يخل من أحد أمرين إما أن تجعل الفعل معطوفاً بالفاء على فعل قبله؛ وإما أن نجعله خبراً لمبتدأ محذوف والفعل الذي قبله لا يخلو من أن يكون كفروا أو يعلمون أو يعلمان، أو فعلا مقدراً محذوفاً من اللفظ، وهو يأبون فإن عطفت على كفروا جاز، ويكون موضعه رفعاً كموضع كفروا وإن عطفت على يعلمون الناس فيتعلمون، جاز ويعلمون الناس يجوز أن يكون منصوباً على الحال من الواو في كفروا ويجوز أن يكون بدلاً عن كفروا، لأن تعليم السحر كفر فأما ما اعترض به أبو إسحاق على المعطوف على يعلمون من أنه خطأ، لأن قوله منهما دليل ها هنا على التعلم من الملكين خاصة، فهو ساقط غير لازم من جهتين إحداهما، أن التعلم إن كان من الملكين خاصة لا يمنع أن يكون قوله فيتعلمون عطفاً على كفروا وعلى يتعلمون، وإن كان متعلقاً ب منهما فكأن الضمير في منهما راجع إلى الملكين فإن قلت كيف يجوز هذا؟ وهل يسوغ أن يقدر هذا التقدير ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر فيتعلمون منهما فتضمر الملكين قبل ذكرهما؟ قيل له أما المضمر فعلى ما ذكرته صحيح فأما الإضمار قبل الذكر فساقط هنا، ليس يلزم على تقديره في قول سيبويه إضمار قبل الذكر ألا ترى أن منهما إذا كان ضميراً عائداً إلى الملكين، فإن إضمارهما بعد تقدم ذكرهما، وذلك شائع ونظيره قوله " وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات " فإن قال إن المعطوف على قول سيبويه بعيد من المعطوف عليه، وعلى قول غيره قريب، ومهما احتملت الآية من غير تأويل كان أولى قيل له إن بعد المعطوف عن المعطوف عليه وتراخيه عنه لا يمنع من عطفه عليه وإتباعه إياه

ألا ترى أن الناس " حملوا قوله تعالى " وقيله يارب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون " فيمن جر على " وعنده علم الساعة " وعلم قيله، وليس بعده من المعطوف عليه وتراخيه عنه بأقل من هذا، وهذا كثير والجهة الأخرى، وهي أن الضمير لهاروت وماروت والتقدير " ولكن الشياطين هاروت وماروت كفروا يعلمون الناس السحر فيتعلمون منهما " فلا يعود إلى الملكين، إنما يعود إلى هاروت وماروت، وجاز يعلمون حملا على المعنى ويجوز عطف يتعلَّمون على ما يعلمان، فيكون التقدير وما يعلمان من أحد فيتعلمون منهما، فيكون الضمير الذي في يتعلمون على هذا التأويل لأحد إلا أنه جمع لما حمل على المعنى، كقوله تعالى " فما منكم من أحد عنه حاجزين " وارتفاعه لا يمنع عطفك إياه على هذا الفعل الذي ذكرناه، لأن هذا الفعل، وإن كان منفيا في اللفظ، فهو موجب في المعنى ألا ترى أن معناه يعلمان كل أحد إذا قالا له " إنما نحن فتنة فلا تكفر " ويجوز أن يكون معطوفاً على مضمر دل عليه الكلام، وهو يأبون فيتعلمون إلا أن قوله فلا تكفر نهى عن الكفر، فدل فيتعلمون على إبائهم فأما كونه خبراً للمبتدأ المحذوف، فعلى أن تقدره فهم يتعلمون منهما، فهذا ما احتملته هذه الآية ومن إضمار المبتدأ قوله تعالى " صم بكم عمىٌ " فأضمر المبتدأ وأخبر عنه بثلاثة أخبار وكان عباس بن الفضل يقف على صم ثم على بكم ثم على عمى فيصير لكل اسم مبتدأ، والأول أوجه ودل قوله في الأخرى " والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات " على أن الواو هنا مقدرة أيضاً؛ وأنه في قولهم هذا حلو حامض، مقدر أيضاً والجار في قوله في الظلمات متعلق بمحذوف والتقدير صم وبكم ثابتون في الظلمات ومن هذا الباب قوله تعالى " الله لا إله إلا هو الحى القيوم " إذا وقفت على هو كان الحى خبر مبتدأ مضمر ولا يجوز أن يكون الحي وصفاً ل هو لأن المضمر لا يوصف ويجوز أن يكون خبراً لقوله الله ويجوز أن يرتفع الحى بالابتداء والقيوم خبره ويجوز أن يكون الحي مبتدأ والقيوم صفة، و " لا تأخذه سنة " جملة خبر المبتدأ ويكون قوله " ما في السموات وما في الأرض " الظرف، وما ارتفع به خبر آخر، فلا تقف على قوله " ولا نوم " ومن ذلك قوله تعالى " للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله " هذا خبر مبتدأ مضمر، والتقدير فيه وجوب صدقة البر للفقراء الذين أحصروا " وقيل اللام بدل من اللام في قوله تعالى " وما تنفقوا من خير فلأنفسكم " " للفقراء الذين أحصروا " وهذا لا يصح، لأن الفقراء مصرف الصدقة، والمنفقون هم المزكون، فإنما لأنفسهم ثواب الصدقة التي أدوها إلى الفقراء وإن قال إن المراد بالعموم الخصوص، يعني بالأنفس بعض المزكين الذين لهم أقرباء فقراء، فهو وجه ضعيف ومن ذلك قوله تعالى " فإمساك بمعروف " أي فالواجب إمساك بمعروف ومنه قوله تعالى " ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة " أي فالواجب تحرير رقبة وقوله بعده " فتحرير رقبة " أي فالواجب وكذلك فدية أي فالواجب دية وكذلك في سورة المجادلة " ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة " أي فالواجب تحرير رقبة فأما قوله تعالى " ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا " ف ذلك مبتدأ، وجزاؤهم خبر ذلك، وجهنم خبر ثان ويجوز أن يكون ذلك خبر مبتدأ مضمر، أي ذلك جزاؤهم ثابتاً بما كفروا ومثله قراءة ابن مسعود " وهذا بعلى شيخ " في الأوجه المتقدمة فأما المخصوص بالذم والمدح فإنه على أحد الوجهين، نحو قولهم نعم الرجل زيد وقال قوم زيد خبر، مبتدأ مضمر؛ لأنه لما قال نعم الرجل؛ كأنه قيل من هو؟ فقيل زيد، أي هو زيد فعلى هذا يكون قوله " ولنعم دار المتقين جنات عدن " أي هي جنات عدن ومن قال جنات عدن مبتدأ، ويكون قوله " ولنعم دار المتقين " خبراً عنه، كان المقدر في نحو قوله تعالى " نعم العبد " " وبئس المهاد " " وبئس المصير " " وبئس مثوى الظالمين " " فلبئس مثوى المتكبرين " وفي الزمر والمؤمن " فبئس مثوى المتكبرين " وقوله تعالى " نعم الثواب وحسنت مرتفقا " و " بئس للظالمين بدلاً " فهذه الأشياء كلها على الوجه الأول، حذف الخبر والمبتدأ جميعاً وعلى القول الثاني، حذف المبتدأ وحده فأما قوله تعالى " وأسروا النجوى الذين ظلموا " فقيل إن الذين ظلموا خبر مبتدأ مضمر، كأنه قال وأسروا النجوى قيل من هم؟ فقال الذين ظلموا، أي هم الذين ظلموا وقيل بل الذين ظلموا مبتدأ

وقوله تعالى " هل هذا إلا بشر مثلكم " في موضع الجر، وقيل هو بدل من الواو في وأسروا كقوله " ثم عموا وصموا كثير منهم " وقوله تعالى " إما يبلغان عندك الكبر أحدهما أو كلاهما " فيمن قرأ بالألف وقيل إن كثيراً منهم، مبتدأ وخبره عموا وصموا، أي كثير منهم عموا وصموا ومما لا يتجه إلا على إضمار المبتدأ قوله " وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين " فالجار يتعلق بمحذوف خبر ابتداء مضمر، وهو هو، أي هو ثابت في كتاب مبين، وإلا بمعنى لكن ولا يجوز أن يكون إلا في كتاب استثناء متصلاً بقوله " وما يعزب عن ربك " لأنه يؤدي إلى أن يكون يعزب عن ربك مثقال ذرة إذا كان في كتاب مبين، فثبت أن الجار خبر ابتداء مضمر وكذلك في سورة سبأ فكذلك قوله تعالى " ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب " أي لكن هو في كتاب ومن هذا الباب قوله تعالى " إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا " فمن رفع متاع كان خبر مبتدأ مضمر محذوف، أي ذلك متاع الحياة الدنيا قال أبو علي في قوله على أنفسكم يحتمل تأويلين أحدهما أن يكون متعلقاً بالمصدر، لأن فعله يتعدى بهذا الحرف يدلك على ذلك قوله تعالى " بغى بعضنا على بعض " و " ثم بغى عليه لينصرنه الله " فإذا جعلت الجار من صلة المصدر كان الخبر متاع الحياة الدنيا والمعنى بغى بعضكم على بعض متاع الحياة الدنيا، وليس مما يقرب إلى الله تعالى من الطاعات أن يجعل على متعلقاً بمحذوف في موضع الخبر، ولا تجعله من صلة المصدر؛ فإذا جعلته كذلك كان خبراً للمصدر وفيه ذكر يعود إلى المصدر، كما أنك إذا قلت الصلاة في المسجد، كان كذلك والمعنى فيه أن المصدر مضاف إلى الفاعل، ومفعول المصدر محذوف المعنى إنما بغى بعضكم على بعض عائد على أنفسكم ف على هذا يتعلق بالمحذوف دون المصدر المبتدأ وهذا في المعنى كقوله تعالى " ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله " و " فمن نكث فغنما ينكث على نفسه " وفي قوله ثم بغى عليه لينصرنه الله إبانة عن هذا المعنى، ألا ترى أن المبغى عليه إذا نصره الله لم ينفذ فيه بغي الباغي عليه ولا كيده، فإذا لم ينفذ فيه صار كالعائد على الباغي فإذا رفعت متاع الحياة الدنيا على هذا التأويل كان خبر مبتدأ محذوف، كأنك قلت ذلك متاع الحياة الدنيا، أو هو متاع الحياة الدنيا ومن نصب متاع الحياة الدنيا احتمل النصب فيه وجهين أحدهما أن تجعل على من صلة المصدر، فيكون الناصب للمتاع هو المصدر الذي هو البغي ويكون خبر المبتدأ محذوفاً وحسن حذفه لطول الكلام، ولأن بغيكم يدل على تبغون فيحسن الحذف لذلك وهذا الخبر المقدر لو أظهرته لكان يكون مذموماً أو منهياً عنه والآخر أن تجعل على من قوله على أنفسكم خبر المبتدأ فإذا حملته على هذا، احتمل نصب متاع وجهين أحدهما تتمتعون متاعاً، فيدل انتصاب المصدر عليه والآخر أن تضمر تبغون لأن ما يجري مجرى ذكره قد تقدم، كأنه لو أظهر لكان تبغون متاع الحياة الدنيا، فيكون مفعولاً به وأما قوله تعالى " ويقولون طاعة " وقوله " قل لا تقسموا طاعة معروفة " وقوله " طاعة وقول معروف " فالمبتدأ مضمر في جميع ذلك، والتقدير ويقولون أمرك طاعة، وقل لا تقسموا أمرنا طاعة وكذلك طاعة وقول معروف " أي أمرنا طاعة فحذف المبتدأ، كقوله " فصبر جميل " أي فشأني صبر جميل وقدره قوم على أن الخبر مضمر، أي طاعة وقول معروف أمثل من غيرهما وقال أبو إسحاق بل قوله " طاعة وقول معروف " تقديره ويقول الذين آمنوا لولا أنزلت سورة ذات طاعة، فحذف المضاف وأما قوله تعالى " قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار وعدها الله " والتقدير هي النار ويجوز أن يكون مبتدأ، و وعدها الله خبره ومن ذلك قوله تعالى " لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ " أي ذلك بلاغ، فحذف المبتدأ وأبقي الخبر وقال " سورة أنزلناها " أي هذه سورة أنزلناها وقال " كتاب أنزل إليك " أي هذا كتاب أنزل إليك وقال الفراء تقديره " ألمص كتاب " ، أي بعض حروف كتاب أنزل إليك، فحذف الاسمين المضاف أحدهما إلى صاحبه وأنكره الزجاج وقال حذف المبتدأ أحسن وقال " آلر كتاب أنزلناه " أي هذا كتاب أنزلناه وقال " تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم " أي هذا تنزيل الكتاب، والجار خبر بعد خبر ويجوز أن يكون هو من الله

وعلى هذا " حم تنزيل الكتاب " و " حم تنزيل من الرحمن الرحيم " و " ألم تنزيل الكتاب " أي هذا تنزيل الكتاب، ومثله " تنزيل العزيز الرحيم " أي هذا تنزيل العزيز ومثله " تنزيل من رب العالمين " ومما جاء وقد حذف منه المبتدأ قوله تعالى " قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم " موضع الذين رفع بأنه خبر مبتدأ، ولا يكون رفعا بأنه وصف ل هؤلاء ألا ترى أنك لو جعلته صفة لكان أغويناهم الخبر فإذا جعلته الخبر لم يستقم، لأنك لا تفيد به إلا ما استفيد من المبتدأ، فصار بمنزلة قولك الذاهبة جاريته صاحبها؛ ونحو ذلك فإن قلت فهلا جعلت أغوينا الخبر، وجعلت الذين صفة المبتدأ، واستجزت أن يكون الخبر، لاتصال كما به، وجواز الكاف أن يكون وما اتصل به في موضع الخبر، كما يكون في موضع الحال فإذا كان كذلك صار فيه فائدة لم تكن في قوله أغوينا الذي في الصلة قيل لا يستقيم ذلك؛ لأن الجزء الذي هو خبر ينبغي أن يكون مفيداً بنفسه، فإذا افتقر إلى اتصال ما هو فضلة به لم يفد إلا كذلك، لم يجز ألا ترى أنك لا تجيز زيداً ضرب، إذا كان الضمير الذي فيه لزيد، لأن المفعول الذي هو فضلة يصير محتاجاً إليه وغير مستغنى عنه فإذا لم يجز ذلك في الفاعل لم يجز في خبر المبتدأ أيضاً، لأن خبر المبتدأ كالفاعل عند سيبويه فقوله أغوينا جملة مستأنفة، واستغنت عن حرف العطف لتضمنها الذكر مما تقدم ولا يجوز على حلو حامض فتجعل الذين أغوينا وأغويناهم كما غوينا خبرين، ولم يجز أن تجعله كالمفرد، ألا ترى أنك لم تستفد من قولك هذا حلو حامض واحداً من الخبرين ونظير ما منعنا منه في الخبر منع سيبويه منه في الصفة في قوله
إذا كان يوم ذو كواكب أشهبا
قال عثمان الفضلة قد تصير معتمد الكلام دون الخبر والصلة، في نحو قامت هند في داره ولولا الفضلة فسد الكلام، وكذا الذي قمت إليه قمت في داره فينبغي أن يصير " الذين أغوينا أغويناهم " خبراً؛ ف أغوينا بالفضلة معتمد الكلام وفي التنزيل " إن الله لا يخفى عليه شئ في الأرض " لولا الفضلة أعنى عليه لم يجز للجملة أن تجري على إن ومن حذف المبتدأ قوله تعالى ذكر رحمة ربك أي هذا ذكر رحمة ربك، فحذف المبتدأ وقوله تعالى " ذلك عيسى ابن مريم قول الحق " قرئ بالرفع والنصب فالرفع على أن قوله " ذلك عيسى ابن مريم كلام، والمبتدأ المضمر ما دل عليه هذا الكلام، أي هذا الكلام قول الحق ويجوز أن تضمر هو وتجعله كناية عن عيسى فيكون الرافع قول الحق، أي هو قول الحق؛ لأنه قد قيل فيه روح الله، وكلمته، والكلمة قول ومن ذلك قوله تعالى " رب السموات والأرض وما بينهما فاعبده " يجوز أن يكون خبر مبتدأ مضمر، أي هو رب السموات والأرض ويجوز أن يكون بدلاً من اسم كان في قوله " وما كان ربك نسياً رب السموات والأرض " ويجوز على قول الأخفش أن يكون مبتدأ وخبره فاعبده لأنه يجيز إدخال الفاء في خبر المبتدأ وسيبويه لا يجيز ذلك في قوله
وقائلة خولان فانكح فتاتهم ... وأكرومة الحيين خلو كما هيا
أي هذه خولان ولم يجز أن يكون فانكح مسندا إلى خولان لأنه لا يرى الفاء في خبر المبتدأ إلا في الموصول والنكرة الموصوفة، وقد قلنا ما يقتضيه قول أبي الحسن
يا رب، موسى أظلمى وأظلمه ... فاصبب عليه ملكاً لا يرحمه
من أن التقدير يا رب، اظلمنا فاصبب على أينا أظلم ومن ذلك قوله تعالى " يسألونك ماذا ينفقون قل العفو " أي الذي ينفقون العفو، فيمن رفع، ومن نصب نصبه بفعل مضمر ومن ذلك قوله تعالى " ولا تقولوا ثلاثة " أي لا تقولوا هو ثالث ثلاثة، أي لا تقولوا الله ثالث ثلاثة، لأنه حكى عنهم في قوله " لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة " فنهاهم عن قول ما حكى عنهم فالمبتدأ مضمر والمضاف محذوف، لأنهم لم ينتهوا عن قول ثلاثة التي تنقص عن أربعة ومثله " كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين وما أدراك ما عليون " قد ثبت أن عليين موضع، بقوله لفي عليين وبما في الحديث من قوله عليه السلام إن أهل الجنة ليتراءون أهل عليين، كما ترون الكوكب الذي في أفق السماء فالمعنى إن كتاب الأبرار في هذا الموضع وقال " وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم " فالمعنى عليون موضع كتاب مرقوم، فحذف المبتدأ والمضاف وهذا الموضع يشهده المقربون من الملائكة

وقال " إن كتاب الفجار لفي سجين وما أدراك ما سجين " فا لسجين فعيل من السجن كأنه موضع متأخر فالقول في كتاب مرقوم كالقول فيما تقدم ذكره قال ابن بحر ظاهر التلاوة، قد فسر السجين فقال وما أدراك ما سجين كتاب مرقوم فأخبر أن السجين كتاب مرقوم وكأن المعنى إن الذي كتبه الله على الفجار أي أوجبه عليهم من الجزاء هو في هذا الكتاب المسمى سجينا ويكون لفظ تسميته من السجن والشدة، واشتمال الصخرة، على معنيين أحدهما أن مصير أصحابه إلى ضيق وشدة وسفال والآخر أن يكون ما كتب عليهم لا يتبدل ولا ينمحى، كالنقش في الحجر، فإنه لا يزال باقيا كبقاء النقش في الحجر وقال في قوله تعالى إن كتاب الأبرار لفي عليين ظاهر التلاوة يدل على أن عليين اسم للكتاب، وإن كان على بناء الجمع؛ أي الذي أوجبه الله للأبرار لفي كتابه المسمى عليين، وهو كتاب مرقوم يشهده الملائكة المقربون وذكر بعضهم أن عليين الملائكة فإن كان في حديث صحيح فإن وجهه أن يكون قوله كتاب مرقوم خبر إن مؤخراً؛ وتقديره إن كتاب الأبرار كتاب مرقوم في عليين، أي في محل الملائكة فعلى هذا يكون قد حذف المضاف، وتكون اللام داخلة على الفضلة، كقولهم إن زيداً لطعامك آكل وكان هذا لا يصح؛ لأن الاختيار إدخال اللام على الخبر دون الفضلة وشئ آخر، وهو أنهم قالو إن كل ما جاء في التنزيل من قوله وما أدراك فإنه فسره كقوله " وما أدراك ما هيه نار حاميه " وما أدراك ما الحطمة نار الله الموقدة " " وما أدراك ما العقبة فك رقبة " وها هنا إذا جعلت كتاباً مرقوماً خبر إن لم يكن ل سجين ولا ل عليين تفسير وهذا نظير قولهم على هذا القول إن زيداً فافهم ما أقول رجل صدق، فيكون اعتراضاً بين اسم إن وخبره وهناك شئ آخر، وهو أنك إذا قلت إن التقدير إن كتاب الأبرار كتاب مرقوم في عليين، وجب أن تعلق الجار بمضمر يكون خبراً ثانياً، على تقدير كائن في عليين ثابت فيه ولا تعلقه ب مرقوم لأنك قدمته على الموصوف ب مرقوم، وما تعمل فيه الصفة لا يتقدم على الموصوف، لأنه يوجب تقديم الصفة على الموصوف، لأن العامل يقع حيث يقع المعمول، ولا يجوز أن تعلقه بمحذوف يكون صفة ل كتاب لما ذكرناه من أن الصفة لا تتقدم على الموصوف فإن جعلته خبر إن أعني في عليين، وجعلت كتاباً مرقوماً خبراً أيضاً، لم يجز، لأنه لا فائدة فيه أكثر مما في الاسم وقد قالوا إن الذاهبة جاريته صاحبها، لا يجوز فثبت أن القول قول أبي علي، وهو ما قدمناه ومن ذلك قوله تعالى " كدأب آل فرعون " أي دأبهم كدأب آل فرعون، فحذف المبتدأ، وقيل بل الكاف في موضع النصب، أي يتوقدون في النار توقدا مثل توقد آل فرعون، وكدأب آل فرعون ومنه قوله تعالى " ذلك ومن يعظم " أي الأمر ذلك وكذا " ذلك ومن عاقب " أي الأمر ذلك فأما قوله تعالى " ذلك بما قدمت أيديكم " فذلك مبتدأ والباء خبره ولا يجوز أن يكون التقدير الأمر ذلك، لأنه يبقى الباء لا تعلق له بشئ وأما قوله تعالى " ويقولوا سحر مستمر " فالتقدير هو سحر مستمر، أو هي سحر مستمر ومثله " هذا ذكرو إن للمتقين " " هذا وإن للطاغين " أي الأمر هذا وأما قوله " هذا فليذوقوه " اعتراض وقوله " حميم وغساق " خبر والغساق، هو الحميم كما يقول زيد ظريف وكاتب، فتجعل الكاتب صفة للظريف، فتخبر عنه بهما ولو كان الحميم غير الغساق لوجب تثنية المبتدأ الذي هو هذا وقال أبو إسحاق حميم رفع من جهتين إحداهما على معنى هذا حميم وعساق فليذوقوه ويجوز أن يكون هذا على معنى التفسير، أي هذا فليذوقوه ثم قال بعد هو حميم وغساق ويجوز أن يكون هذا في موضع نصب على هذا التفسير ويجوز أن يكون في موضع رفع فإذا كان موضع نصب، فعلى فليذوقوه هذا فليذوقوه كما قال " وإياي فاتقون " ومثله هذا زيد فاضربه ومن رفع فبالابتداء، ويجعل الأمر في موضع خبر الابتداء، مثل " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما " قال أبو علي اعلم أنه لا يجوز أن يكون هذا في موضع رفع بالابتداء، ويكون الأمر في موضع خبره، لمكان الفاء؛ ألا ترى أن الفاء قد دخل في الأمر، فإذا كان كذلك لم يكن في موضع خبره، ولو جاز هذا لجاز زيد فمنطلق، على أن يكون منطلق خبر الابتداء

فأما تشبيهه له بالسارق والسارقة فلا يشبه قوله هذا فليذوقوه قوله والسارق والسارقة، لأن في السارق والسارقة معنى الجزاء في الصلة، وهو مثل قوله " والذين ينفقون أموالهم " ثم قال " فلهم أجرهم عند ربهم " وليس في هذا الاسم معنى الشرط والجزاء، ويجوز دخول الفاء فيما وقع موقع خبره، ألا ترى أن سيبويه حمل قول من قال
وقائلة خولان فانكح فتاتهم
على أن خولان من جملة أخرى، فقال كأنه قال هذه خولان، أو هؤلاء خولان؛ فيكون عطف جملة على جملة، ولا يكون مثل زيد فمنطلق وأما قوله تعالى " وآخر من شكله أزواج " فالتقدير ولهم آخر، أي عذاب آخر من شكله أزواج، أي ثابت من شكله، أي من شكل العذاب أنواع فيرتفع أزواج بالظرف، لكون الظرف وصفا ل آخر فيرفع ما بعده بالاتفاق وجوز أن يكون وآخر فيمن أفرد مبتدأ، والظروف مع ما ارتفع به خبر والعائد إلى المبتدأ الهاء المضاف إليه في من شكله، كما تقول زيد ما في داره عمرو ويجوز عندي أن يكون وآخر معطوفاً على غساق أيوحميم وغساق وآخر من شكل الغساق أزواج، ويكون من شكله وصفاً ومن قال وآخر على الجميع فهو مبتدأ، وأزواج خبره، ومن شكله وصف، أي من شكل الحميم وأما قوله " ذلكم فذوقوه وإن للكافرين عذاب النار " التقدير الأمر ذلك، والأمر أن للكافرين عذاب النار وقال أبو علي إن شئت جعلت قوله " فَذُوقُوهُ " اعتراضاً بين الابتداء والخبر، فأضمرت الخبر، وإن شئت أضمرت الخبر بعدها ولم تجعل " فَذُوقُوهُ " اعتراضاً، كما جعلت في الوجه الأول، وعطفته على الوجهين جميعاً على خبر الابتداء، المعنى أن الأمر هذا وهذا ومما يدل على الوجه الأول، قوله تعالى " هذا فليذوقوه حميم وغساق " وإن شئت جعلت ذلكم ابتداء، وجعلت الخبر ذوقوه على أن تجعل الفاء زائدة، فإن جعلته كذلك احتمل أن يكون رفعاً على قول من قال زيداً اضربه، ونصبا على قول من قال زيداً اضربه ومثله قوله تعالى " قال كذلك الله يفعل ما يشاء " وقوله " قال كذلك الله يخلق ما يشاء " وقوله " قال كذلك قال ربك " التقدير في كلهن الأمر كذلك، فحذف المبتدأ ومن ذلك قوله " يوم ينفخ فى الصور عالم الغيب والشهادة " التقدير أي هو عالم الغيب والشهادة فيجوز أن يرتفع " عالُم " بفعل دل عليه ينفخ أي ينفخ فيه عالم الغيب، كقوله تعالى " يسبح له فيها بالغدو والآصال " فهو من باب قوله لبيك يزيد ضارع لخصومه ألا ترى أنه حمل ضارع على إضمار فعل دل عليه ليبك فزعم أن هذا الكلام يدل على أن له باكيا، فصار كأنه قال ليبك ضارع به ومثله قراءة بعضهم زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم " على أن يكون زين مرتباً للمفعول، وارتفع قتل به مضافاً إلى أولادهم ويكون شركاؤهم محمولا على فعل آخر، لأن التقدير كأنه قال زينه شركاؤهم وهذه القراءة مروية عن السلمى، والحسن، ويحيى بن الحارث الذمارى، عن أهل الشام وقال سيبويه في هذا القول أبو علي وأظنني مربى من كلام غلامه أنه حمل رفع شركائهم على المصدر، أي أن قتل أولادهم شركأوهم ويحكى ذلك أيضاً عن قطرب وهذا وإن كان محمولا على العامل الأقرب، فإنما الإخبار في الآية عن تزيين الشركاء قتل أولاد المشركين وقراءة السلمى إنما يكون الشركاء قاتلين أولادهم بتشبيبهم وتربيتهم والكلام في هذا طويل والله أعلم ومن ذلك قوله تعالى " قال موعدكم يوم الزينة وإن يحشر الناس ضحى " فيمن نصب تقديره موعدكم في يوم الزينة، وموعدكم في حشر الناس فقوله أن يحشر في موضع الرفع خبر مبتدأ محذوف دل عليه وقوله موعدكم الأول ومن رفع كان التقدير موعدكم موعد يوم الزينة، فحذف المضاف، يدل على ذلك قوله وأن يحشر، أي موعد حشر الناس، أو وقت حشر الناس، فحذف وأما قوله تعالى " اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة " فإن جعلت في لهم ضمير يعود إلى ما كان في رفع آلهة وجهان أحدهما إضمار هي، أي هي آلهة والآخر إبدالها من الضمير في الظرف وزعم ابن عيسى أنه يجوز أن تكون ما كافة، فيستأنف الكلام بعدها، ويجوز في ما أن تكون موصولة بلهم كأنه قيل اجعل لنا إلهاً كالذي لهم، فيجوز الجر على هذا الوجه في آلهة، كأنه قيل اجعل لنا إلهاً كآلهة لهم ويجوز على هذا الوجه النصب في آلهة على الحال، ففيه ثلاثة أوجه الرفع، والنصب، والجر، ولا يجوز على الكافة إلا الرفع

ومن هذا الباب قوله تعالى " الحق من ربك " أي هذا الحق من ربك وقوله تعالى " فالحق والحق أقول لأملأن جهنم " أي قال فأنا الحق وأقول الحق ومن نصبهما قال فأقول الحق حقاً ومن رفعهما جميعاً قال فأنا الحق، وقولي لأملأن جهنم الحق، فيصير قولي في صلة الحق، ويرتفع الحق باليمين، وكأنه قال والحق يميني، ويكون الحق الأول خبر مبتدأ محذوف، على التقدير الذي ذكرنا ويجوز أن يكون المبتدأ والتقدير فالحق مني ويجوز أن يكون فيمن نصب الحق أن يكون حالا ل أملأن جواب قوله فالحق، ويكون قوله والحق أقول اعتراضاً بين القسم وجوابه، وجاز ذلك لأنه يوضح الأول، ويكون التقدير فبالحق لأملأن، كما تقول الله لأفعلن وأما قوله تعالى " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به " فلا يجوز ارتفاع قوله وصد عن سبيل الله من أن يكون بالعطف على الخبر الذي هو كبير، كأنه قال قتال فيه كبير وصد وكفر، أي القتال قد جمع أنه كبير وأنه صد وكفر أو يكون مرتفعاً بالابتداء، وخبره مضمر محذوف، لدلالة كبير المتقدم عليه، كأنه قال والصد كبير، كقولك زيد منطلق وعمرو أو يكون مرتفعاً بالابتداء والخبر مظهر، فيكون الصد ابتداء وما بعده من قوله وكفر به وإخراج أهله، مرتفع بالعطف على المبتدأ، والخبر قوله أكبر عند الله فلا يجوز الوجهان الأولان، وهما جميعاً أجازهما الفراء أما الوجه الأول فلأن المعنى يصير قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والقتال وإن كان كبيراً فيمكن أن يكون صداً، لأنه ينفر الناس عنه، فلا يجوز أن يكون كفراً، لأن أحداً من المسلمين لم يقل ذلك، ولم يذهب إليه فلا يجوز أن يكون خبر المبتدأ شيئاً لا يكون المبتدأ، ويمنع من ذلك أيضاً بعد " وإخراج أهله منه أكبر عند الله " ومحال أن يكون إخراج أهله منه أكبر من الكفر، لأنه لا شئ أعظم منه ويمتنع الوجه الثاني أيضاً، لأن التقدير فيه يكون قتال فيه كبير، وكبير الصد عن سبيل الله والكفر به، وكذلك مثله الفراء وقدره، فإذا صار كذلك، فكأن المعنى وإخراج أهل المسجد الحرام أكبر عند الله من الكفر، فيكون بعض خلال الكفر أعظم منه كله، وإذا كان كذلك امتنع الأول، وإذا امتنع هذان ثبت الوجه الثالث، وهو أن يكون قوله وصد عن سبيل الله ابتداء وكفر به وإخراج أهله معطوفان عليه، وأكبر خبر فيكون المعنى وصد عن سبيل الله، أي منعهم لكم أيها المسلمون عن سبيل الله وعن المسجد الحرام وإخراجكم منه وأنتم ولاته، والذين هم أحق به منهم، وكفر بالله من قتال في الشهر الحرام وأما قوله تعالى " والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم " قريء والأنصار بالرفع على أن يجعل الأنصار ابتداء، ولا تجعلهم من السابقين الذين هم المهاجرون دليل هذه القراءة قوله " والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان " والذين جاءوا من بعدهم الأنصار والذين في موضع جر، لأنه معطوف على قوله " للفقراء المهاجرين " ، ففي الآية من وجهين على أن المهاجرين هم السابقون في قوله " والذين جاءوا من بعدهم " وقوله " الذين سبقونا بالإيمان " وعلى هذا ما روى عن خالد بن الوليد أنه قال لعمار إن كنت أقدم منى سابقة فليس لك أن تنازعني فالسابقون على هذا هم المهاجرون من دون الأنصار ويقوى ذلك ما روى من قوله عليه السلام لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ووجه الجر في الأنصار أن يجعل الأنصار مع المهاجرين السابقين والمعنى أن كلا القبيلين سبقوا غيرهم ممن تأخر عن الإيمان إلى الإيمان ويقوى هذه القراءة أن في بعض الحروف من المهاجرين ومن الأنصار حكاه أبو الحسن وقوله تعالى والذين اتبعوهم يجوز أن يكون مبتدأ ويكون الخبر رضى الله عنهم ويجوز أن يكون والذين اتبعوهم عطفاً على الصنفين المتقدمين وإذا رفعت الأنصار بالابتداء يكون التقدير هؤلاء في الجنة فأضحر الخبر ويجوز أن يكون والسابقون الأولون أي وفيما يتلى عليكم والسابقون الأولون، أو منهم وأما قوله تعالى " وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب " الجار يتعلق بمحذوف خبر ثان ل أن ولا يتعلق ب بادون إلا أن تعنى أنهم خرجوا إلى البدو وفيهم ويجوز أن يكون حالا من الضمير في بادون

ويجوز في يسألون أن يكون صفة للنكرة، وأن يكون حالا مما في بادون حكاية لحال، أو من باب صائداً به غداً من قولك مررت برجل معه صقر صائداً به غدا وقوله " هدياً بالغ الكعبة " ومن ذلك قوله تعالى " وقالوا اتخذ الرحمن ولداً سبحانه بل عباد مكرمون " ، التقدير بل هم عباد مكرمون، فأضمر المبتدأ فأما ما ذهب إليه أبو إسحاق في قوله تعالى " للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها " من أنه يجوز أن يرتفع جنات بإضمار مبتدأ على تقدير ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار، فحذف المبتدأ، فباطل أن يبقى قوله خالدين فيها لا ناصب له ولا عامل يعمل فيه، وإنما يرتفع جنات بالظرف، على قول الأخفش فيكون خالدين حالا من المجرور باللام وإن رفعته بالابتداء وجعلت في الظرف ضميراً كان الحال عنه ومن ذلك قوله تعالى " منها قائم وحصيد " قال أبو علي يبين أن الخبر محذوف في نحو قوله منها قائم وحصيد ظهوره في قوله
لاشئ في ريدها إلا نعامتها ... منها هزيم ومنها قائم باقي
وكذلك منها قسى وزائف لا يكون إلا على إضمار منها لأن القسى غير الزائف كما أن الهزيم غير القائم فكذلك، الحصيد غير، القائم والتقدير ومنها حصيد ومن ذلك قوله في قول أبي إسحاق إن هذان لساحران أي إنهما ساحران، فحذف المبتدأ وإنما أضمره عنده وعند عالمه لأنه يرى أن إن بمعنى نعم، وهذان مبتدأ فلو حمل على الظاهر لدخل اللام على الخبر فأضمر المبتدأ فقال أبو علي ليس هذا بصحيح؛ لان الإضمار ضد التأكيد، واللام للتأكيد فإنما تلا هذا على لغة من قال
إن أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها
ومن ذلك قوله تعالى " ماذا أراد الله بهذا مثلاً يضل به كثيراً " قال أبو علي هذا خبر مبتدأ وليس بصفة ل مثلٍ، بدلالة قوله " كذلك يضل الله " في الأخرى ومن ذلك قوله تعالى " عوان بين ذلك " أي هي عوان، ويكون بين ذلك بدلاً من عوان كحامض بعد حلو ومن ذلك قوله تعالى " إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيهاً " فقوله منه اسمه المسيح ابن مريم أي هو ابن مريم، خبر ابتداء مضمر قال أبو علي ينبغي أن يكون عيسى بدلاً من المسيح من المبدل الذي هو هو، ولا يكون إلا كذلك ألا ترى أن المسيح اسم، وأن الاسم مبتدأ، فيجب أن يكون خبره إذا كان مفرداً شيئاً هو هو في المعنى، ولا يجوز أن يكون عيسى خبراً أيضاً من حيث كان الاسمان له، لأنه لو كان كذلك لكان أسماه على المعنى أو أسماه على الكلمة وإذا كان على ما ذكرنا لم يجز أن يكون ابن مريم وصفاً لعيسى في هذا الموضع، وإن كان يجوز أن يكون وصفاً له في غير هذا الموضع، وإنما كان كذلك لأن عيسى هنا عبارة عن غير شخص ألا ترى أنه خبر عن الاسم، والاسم لا يكون الشخص، فوجب من هذا أن يكون ابن مريم في هذه الآية خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ محذوف الخبر، أي هو ابن مريم، أو ابن مريم هذا المذكور ومن ذلك قوله تعالى " فيه آيات بينات مقام إبراهيم " أي منها مقام إبراهيم وأما قوله تعالى " إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله " إذا للمفاجأة وفريق مبتدأ، وإذا خبره، ويخشون خبر ثان أو حال من الضمير في إذا عند سيبويه، وعند الأخفش من فريق أي فبالحضرة فريق وأما قوله تعالى " إن ربك هو أعلم من يضل " ف من استفهام مرفوع بالابتداء، وخبره يضل، ويجوز فيه النصب بفعل مضمر، ولمجئ الجار في موضع آخر ومثله " أعلم من جاء بالهدى " و " أعلم بمن جاء بالهدى " من هو؟ ومن يكون؟ ومن ذلك قوله تعالى " أو آباؤنا الأولون " فمن فتح الواو كان الخبر مضمراً، أي مبعوثون أو يكون محمولاً على موضع أن أو على الضمير في مبعوثون ومنه قوله تعالى " عن اليمين وعن الشمال قعيد " أي عن اليمين قعيد، وعن الشمال قعيد ومن ذلك قوله " لأقسم بيوم القيامة " فيمن قصر، عن ابن كثير والحسن وتقديره لأنا أقسم فاللام لام المبتدأ والمبتدأ محذوف هذا هو الصحيح واضطرب كلامه فقال مرة اللام لام القسم، وإن لم يدخل النون واحتج بأن النون ينفرد عن اللام، واللام ينفرد عن النون، كقوله

وقال مرة إنها رد ثم رجع عن هذا، وتذكر قول الخليل في قوله " والشمس وضحاها والقمر " من أن القمر لا يدخل على القسم، فقال اللام زيادة، مثلها في قراءة ابن جبير " إلا أنهم ليأكلون " بالفتح، وقوله
ولكنني من حبها لكميد
وبيت آخر في ديوان ابن الأعرابي ومن ذلك قوله تعالى " ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض " فقوله طوافون خبر مبتدأ مضمر، أي أنتم طوافون وقوله بعضكم بدل من الضمير في قوله طوافون أي أنتم يطوف بعضكم بعض هذا أيضاً من طرائف العربية، لأن الضمير في قوله طوافون يعود إلى أنتم وأبدل منه قوله بعضكم وقد مررت بك المسكين، ممتنع ولكن يكون من باب قوله وما ألفيتني حلمي وأوعدني رجلي وزعم الفراء أن التقدير هم طوافون، وأنت لا تقول هم يطوف بعضكم على بعض ولو قلت إن المبدل منه في تقدير الثبات كحاجبيه معين فربما يمكن أن يقال ذلك وحمل قوم قوله بعضكم على بعض على الابتداء والخبر، أي بعضكم من بعض، وجعل على بمنزلة من وقال قوم يدخل بعضكم على بعض، فأضمر يدخل لأن ذكر الطواف يدل عليه وأما قوله تعالى " قالوا سلاماً قال سلام " فقد قال أبو علي في نصب الأول إنه لم يحك شيئاً تكلموا به فيحكى كما يحكى الجمل ولكن هو معنى ما تكلمت به الرسل، كما أن المؤذن إذا قال لا إله إلا الله قلت حقاً، وقلت إخلاصاً، أعملت القول في المصدرين، لأنك ذكرت معنى ما قال ولم تحك نفس الكلام الذي هو جملة تحكى، فلذلك نصب سلاماً في قوله قالوا سلاماً، لما كان معنى ما قيل ولم يكن نفس المقول بعينه وقوله قال سلام أي أمرى سلام، كقوله " فافصح عنهم " وقل سلام أي أمرى سلام، فحذف المبتدأ، وقدر مرة حذف الخبر، أي سلام عليكم، كما حذف من قوله فصبر جميل يبين ذلك قوله تعالى " قالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم " وأكثر ما يستعمل سلام بغير ألف ولام، وذلك أنه في موضع الدعاء فهو مثل قولهم خبر بين يديك؛ لما كان المعنى المنصوب استجيز فيه الابتداء بالنكرة ومن ذلك قوله تعالى " قال سلام عليك سأستغفر لك ربي " وقال " والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم " وقال " سلام على نوح في العالمين " " سلام على إبراهيم " " وسلام على عباد الذين اصطفى " وقد جاءت بالألف واللام، قال الله تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام " والسلام على يوم ولدت " فمن ألحق الألف واللام حمله على العهد، ومن لم يلحقه حمله على غير المعهود قال سيبويه وزعم أبو الخطاب أن قولك للرجل سلاماً وأنت تريد تسلماً منك، كما تقول براءة منك، تريد ألا ألتبس بشئ من أمرك وزعم أن أبا ربيعة كان يقول إذا لقيت فلاناً فقل له سلاماً فزعم أنه سأله، وفسر له معنى، براءة منك وزعم أن هذه الآية " وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما " بمنزلة ذلك؛ لأن الآية فيما زعموا مكية، ولم يؤمر المسلمون يومئذ أن يسلموا على المشركين، ولكنه على قولك، براءة منكم، أو تسلما لا خير بيننا وبينكم ولا شر انتهت الحكاية عن سيبويه وفي كتاب أبي علي هذا غلط، وإيضاح هذا ووجهه أنه لم يؤمر المسلمون يومئذ بقتال المشركين، إنما كان شأنهم المناركة، ولكنه على قوله براءة ومما يقرب من هذا الباب قول عدي
أنت فانظر لأي ذاك تصير
ذكر فيه وجوهاً، منها حمله على حذف الخبر، أي أنت الهالك؛ ولم يحمله على حذف المبتدأ، على تقدير هذا أنت، لأنك لا تشير إلى المخاطب، إلى نفسه، ولا يحتاج إلى ذلك، فإنما تشير إلى غيره ألا ترى أنك لو أشرت إلى شخصه فقلت هذا أنت، لم يستقم وقال في حد الإضمار وزعم الخليل أن ها هنا التي مع ذا قلت هذا، وإنما أرادوا أن يقولوا هذا أنت، ولكنهم جعلوا أنت بين ها وذا وأرادوا أن يقولوا أنا هذا، وهذا أنا فقدموها وصارت أنت وأنا بينهما وزعم أبو الخطاب أن العرب الموثوق بهم يقولون أنا هذا، وهذا أنا وبمثلها قال الخليل هذا البيت
انا اقتسمنا المال نصفين بيننا ... فقلت لها هذا لها وهذا ليا

كأنه أراد أن يقول وهذا ليا، فصير الواو بين ها وذا، زعم أن مثل ذلك أي ها الله ذا، إنما هو هذا وقد يكون ها في ها أنت ذا، غير مقدمة، وإنما تكون بمنزلتها للتنبيه في هذا يدلك على ذلك قوله تعالى " ها أنتم هؤلاء " فلو كانت " ها " ها هنا هي التي تكون أولا إذا قلت هؤلاء لم تعد ها ها هنا بعد أنتم حدثنا يونس تصديقاً لقول أبي الخطاب أن العرب تقول هذا أنت تقول كذا وكذا، ولم ترد بقولك هذا أنت، أن تعرفه نفسه؛ كأنك تريد أن تعلمه أنه ليس غيره هذا محال ولكنه أراد أن ينبههه كأنه قال الحاضر عندنا أنت، والحاضر القائل كذا وكذا أنت وإن شئت لم تقدم ها في هذا الباب قال الله تعالى " ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم " قال أبو سعيد ها أنا ذا، وها نحن أولاء، وها هو ذاك، وها أنت ذا، وها أنتم هؤلاء، وها أنتن أولاء؛ فها للتنبيه، والأسماء بعدها مبتدآت، والخبر أسماء أشارة؛ ذا، وذاك وإن شئت جعلت الضمير المقدم هو الخبر، والإشارة هي الاسم وأما ها فيجوز أن يكون مع ذا وفصل بينهما بأنت، المراد ب هذا أن يكون مع ذا والتقدير أنا هذا، ويجوز أن يكون التنبيه للضمير، لأنهما مشتركان في الإبهام فأما من قدرها مع ذا وإن فصل بينهما، فإنه يحتج بقول زهير
تعلمن ها لعمر الله ذا قسماً ... فاقدر بذرعك وانظر أين تنسلك
و فقلت لهم هذا لها ها وذاليا والتقدير هذا لها وذا لى، فصير الواو بين ها وذا ويحتج أيضاً بقولهم لا ها الله ذا، واسم الله ظاهر لا يدخل عليه هاء التنبيه، كما لا يدخل على زيد ونحوه وإنما معناه لا والله هذا وإن من يقدر أن ها داخلة على أنت غير منوى دخولها على ذا فإنه يحتج بقوله ها أنتم هؤلاء فأتى ب ها فأدخلها على أنتم ثم أعادها في الأولاء فلو كانت ها أولاء بمعنى الاولى منوياً بها التأخير، لكانت ها الأولى والثانية جميعاً لأولاء وهذا بعيد وهذه حجة سيبويه ومعنى قوله وقد يكون ها في ها أنت ذا غير متقدمة، أي موضعها ل أنت، غير متقدمة من ذا إلى أنت قال أبو سعيد وإنما يقول القائل ها أنا ذا، إذا طلب رجل لم يدر أحاضر هو أم غائب، فقال المطلوب ها أنا ذا أي الحاضر عندك أنا وإنما يقع جواباً لقول القائل أين من يقوم بالأمر؟ فيقول له الآخر ها أنا ذا، أو ها أنت ذا أي أنا في الموضع الذي التمست فيه من التمست، أو أنت في ذلك الموضع وأكثر ما يأتي في كلام العرب هذا بتقديم ها والفصل بينها و بين ذا بالضمير المنفصل والذي حكاه أبو الخطاب عن العرب من قوله هذا أنا و أنا هذا هو في معنى أنا ذا ولو ابتدأ إنسان على غير الوجه الذي ذكرناه فقال هذا أنت، وهذا أنا، يريد أن يعرفه نفسه، كان محالاً؛ لأنه إذا أشار له إلى نفسه بالإخبار عنه ب أنا و بأنت لا فائدة فيه، لأنك إنما تريد أن تعلمه أنه ليس خبره ولو قلت ما زيد غير زيد، وليس زيد غير زيد، كان لغواً لا فائدة فيه أو قلت هذا أنت، والإشارة إلى غير المخاطب، كان معناه هذا مثلك، كما تقول زيد عمرو، على معنى زيد مثل عمرو والذي حكاه يونس عن العرب هذا أنت، تقول أنت تفعل كذا وكذا هو مثل قوله " ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم " لأن قولهم هذا أنت، كقولك أنت هذا، أحدهما مبتدأ والآخر خبره، أيهما شئت جعلته المبتدأ والآخر الخبر، وقوله تفعل كذا وكذا في موضع الحال عند البصريين، كأنك قلت هذا زيد فاعلاً كذا والعامل فيه معنى التنبيه وعند الكوفيين أن المنصوب في هذا بمنزلة الخبر، لأن المعنى عندهم زيد فاعل كذا ثم أدخلوا هذا للوقت الحاضر،كما يدخلون كان لما مضى فإذا ادخلوا هذا وهو اسم، ارتفع به زيد وارتفع هذان به على ما لو اختير حكم المبتدأ والخبر والذي بعده فارتفاع زيد بهذا ويسمى أهل الكوفة هذا التقريب ومنزلة ها عند منزلة كان لأن كان دخلت على زيد قائم به فانتصب به ولا يجوز إسقاط المنصوب، لأن الفائدة به، معقودة والقصد إليه ويجوز عند الكوفيين هذا زيد القائم، كما يجوز كان زيد القائم ولا يجوز عند البصريين هذا زيد القائم، لأن مجراه عندهم مجرى الحال، بخلاف خبر كان، إذ ليس هو بحال وأما قوله تعالى " ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم " ففيه ثلاثة أقوال أحدها مذهب أصحابنا، وهو أن أَنْتُمُ و هَؤُلاء مبتدأ وخبر وتقتلون أنفسكم في موضع الحال، تقديره قاتلين أنفسكم

وعلى مذهب الكوفيين تقتلون خبر التقريب، على ما ذكرناه من مذهبهم وقال ثعلب هؤلاء في معنى الذين وتقتلون في صلتها كأنه قال ثم أنتم تقتلون أنفسكم، كما قال ابن مفرع
عدس ما لعباد عليك إمارة ... أمنت وهذا تحملين طليق
وكان ينبغي على ما قدره ثعلب أن يقرأ " ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم " ، على تقدير أنتم الذين تقتلون أنفسكم ويجوز عند البصريين ثم أنتم الذين أنفسكم، في الضرورة، وليس بالمختار وأنشدوا فيه لمهلهل
وإن الذي قتلت بكر بالقنا ... ويركب منها غير ذات سنام
والوجه وإن الذي قتل والآخر
يا أيها الذكر الذي قد سؤتنى ... وفضحتني وطردت أم عياليا
والوجه يا أيها الذي قد ساءني والآخر
يا مرو يابن واقع ياأنتا ... أنت الذي طلقت عام جعتا
حتى إذا اصطبحت واغتبقتا ... أقبلت مرتاداً لما تركتا
والوجه الذي طلق عام جاع، لأن الضمير في طلق يعود إلى الذي وهو غائب، فوجب أن يكون ضمير غائب ومثله " ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم " و " ها أنتم أولاء تحبونهم " فيها الوجوه التي ذكرنا فإن قال قائل إذا زعمتم أن قوله " تقتلون أنفسكم " في موضع الحال، والحال فضلة في الكلام فهل يجوز أن يقول ثم أنتم هؤلاء؟ قيل له إذا كان المقصد الإخبار، فما أوجب حكم اللفظ فيه أن يكون حالاً وجب أن يجري لفظه على الحال، وتصير الحال لازمة عما أوجبه المعنى، كما أن الصفة في بعض المواضع لازمة، كقولك بمن صالح، ويا أيها الرجل فصالح والرجل، لازمتان لا يجوز إسقاطهما من الكلام، وإن أصل الصفة أن تكون مستغنى عنها وأيضاً فإنا رأينا الحال مع المصادر لا يستغنى عنها في مثل قولك شربك السويق ملتوتاً، ونحوه وأما قوله هذا لها وذاليا بمعنى وهذا ليا فإنما جاز تقديم ها على الواو لأن ها تنبيه، والتنبيه قد يدخل على الواو إذا عطفت بها جملة على جملة، كقولك ألا إن زيداً خارج، ألا إن عمراً مقيم ونحو هذا، فاعرفه وأما القول في الهاء التي في ها أنتم هؤلاء فقد روى بالمد والقصر فوجه ها أنتم أنه قد أبدل من الهمزة الهاء، أراد أنتم فأبدل من الهمزة الهاء ولا يمتنع أن تبدل من الهمزة الهاء، كما لم يمتنع إبدال الواو والتاء والباء في القسم، وإن كان على حرف واحد؛ ولا يحمل على حرف الألف من ها هنا في هلم فإنه جاز، لأن اللام في تقدير السكون، لأن الحركة نقلت إليها من غيرها فحذفت الألف لالتقاء الساكنين وهذا الاستفهام بمعنى التقرير وأما ها أنتم فإنها للتنبيه، ولحقت الجملة كما لحقت يا في ذا البيت
يا قاتل الله صبياناً تجئ بهم ... أم الضبيغس من زند لها وارى
ويجوز أن تكون في ها أنتم بدلاً من همزة الاستفهام، كما كان بدلاً منها في قول من قال ها أنتم، وتكون الألف التي تدخل بين الهمزة لتفصل بينهما، لأن الهاء بمنزلة الهمزة في حمراء؛ في حكم الألف، بدلالة ترك الصرف ومما أضمر فيه المبتدأ قولهم من مسائل الكتاب لا سواء والتقدير هذان لا سواء فحذفوا المبتدأ وصارت لا كافة عوضاً منها، وسواء خبر المبتدأ، وكما صارت لا هنا عوضاً عن المبتدأ صارت كذلك عوضاً عنه في قولك " أزيد عندك أم لا؟ قال التقدير أم هو لا فلم يظهر، لأن لا قد صار عوضاً عنه كما صار عوضاً في سية قوله لا سواء والمعنى لا هما سواء، ولا هذان سواء فلم يكرر لا لم يستقبح ذلك، كما استقبحوا لا زيد عندك حتى يقال ولا عمرو، لأنه كما أنه لو أظهر المبتدأ لم يلزم تكرير لا كذلك لم يلزم تكريره فيما هو بدل منه وأما خبر المبتدأ المضمر، فاستغنى عن إظهاره كما استغنى عن إظهار الخبر، نحو زيد عندك وعمرو وحسن هذا الكلام أن لا قد حذفت بعدها الجمل في نحو قول ذى الرمة
خليلى هل من حيلة تعلمانها
تقديره هل من حيلة تعلمانها، أو لا حيلة لكم؟ واعلم أن أم لا تخلو من أن تكون الكائنة مع الهمزة بمنزلة أى أو المنقطعة، فلو كانت التي بمعنى أى مع الألف لوجب أن يكون بعدها اسم أو فعل، كقولك أزيد قام أم عمرو؟ و أقام زيد أم عمرو قعد؟ ولو كانت المنقطعة لوجب أن يكون بعدها جملة، كقولك عندك زيد أم عمرو؟ فلم يجئ واحد من الضربين

الحادي عشر ما جاء في التنزيل من الاشمام والروم

والإشمام يكون في الرفع دون الجر، والروم يكون في الرفع والجر جميعاً وذكر ذلك سيبويه في كتابه حيث قال فأما الذين أشموا فأرادوا أن يفرقوا بين ما يلزمه التحريك في الوصل، وبين ما يلزمه الإسكان على كل حال وأما الذين لم يشموا فقد علموا أنهم لا يقفون أبدا إلا عند حرف ساكن، فلما سكن في الوقف جعلوه بمنزلة ما يسكن على كل حال لأنه وافقه في هذا الموضوع وأما الذين راموا الحركة فإنهم دعاهم إلى ذلك الحرص على أن يخرجوها من حال ما لزمه إسكان على كل حال وأن يعلموا أن حالها عندهم ليس كحال ما سكن على كل حال وذاك أراد الذين أشموا، إلا أن هذا أشد توكيداً قال وأما ما كان في موضع نصب أو جر، فإنك تروم فيه الحركة وتضاعف، وتفعل به ما تفعل بالمجزوم على كل حال، وهو أكثر في كلامهم فأما الإشمام فليس إليه سبيل، وإنما كان ذا في الرفع، لأن الضمة من الواو، فأنت تقدر أن لسانك في أي موضع من الحروف شئت، ثم تضم شفتيك، لأن ضمك شفتيك كتحريكك بعض جسدك، وإشمامك في الرفع للرؤية، وليس بصوت للأذن ألا ترى أنك لو قلت هذا معن فأشممت، كان عند الأعمى بمنزلتها إذا لم تشمم، فأنت قد تقدر على أن تضع لسانك موضع الحرف قبل تزجية الصوت، ثم تضم شفتيك، ولا تقدر على أن تفعل ذلك، ثم تحرك موضع الألف والياء، فالنصب والجر لا يوافقان الرفع في الإشمام انتهت الحكاية عن سيبويه فأما القراء فإنهم يطلقون على الروم في المجرور اسم الإشمام والحقيقة ما ذكرت لك عن سيبويه وأكثر ما يجئ الإشمام والروم في إدغام أبي عمرو، فإذن أدغم المضموم أو المكسور فيما بعده وقد وقع الإجماع على إشمام حرف مضموم مدغم فيما بعده، وهو قوله " قالوا يا أبانا مالك لا تأمنا على يوسف " والقراء مجمعون على إشمام الضمة في النون الأولى من تأمنا، ولم يختلفوا فيه إلا في رواية شذت عن نافع قال أبو علي وجه الإشمام أن الحرف المدغم بمنزلة الحرف الموقوف عليه من حيث جمعهما السكون، فمن حيث أشموا الحرف الموقوف عليه، إذا كان مرفوعاً في الإدراج، أشموا النون المدغمة في تأمنا وقد يجوز ذلك في وجه آخر في العربية وهو أن يبين ولا تدغم، ولكنك تخفي الحركة، وإخفاؤها هو ألا تشبعها بالتمطيط، ولكنك تختلسها اختلاساً وجاز الإدغام والبيان جميعاً، لأن الحرفين ليسا يلزمانه، فلما لم يلزما صارا بمنزلة اقتتلوا في جواز البيان فيه والإدغام جميعاً فمما جاء فيه الإشمام عن أبي عمرو في سورة البقرة ينقسم إلى قسمين مضموم، ومرفوع فالحروف المضمومة ثمانية قوله تعالى " ونحن نسبح بحمدك " " حيث شئتما " " حيث شئتم " ونحن له مسلمون " " ونحن له عابدون " " ونحن له مخلصون " حيث ثقفتموهم " والحروف المرفوعة خمسة قوله تعالى " وإسماعيل ربنا " " شهر رمضان " " يشفع عنده " " الأنهار له " " المصير لا " وأما المجرور الذي فيه الروم قوله تعالى " فيه هدى " " ثم عفونا عنكم من بعد ذلك " " ثم توليتم من بعد ذلك " ثم قست قلوبكم من بعد ذلك " " بالبينات ثم اتخذتم " " قل إن هدى الله هو " " آيات الله هزوا " " النكاح حتى " فأما قوله تعالى " يحكم بينهم " فقد اختلف القراء فيه فذهب ذاهبون إلى أنه إدغام، وذهب آخرون إلى أنه إخفاء ومما جاء في سورة عمران فيه روم المكسور وهو حرف واحد، وهو قوله تعالى " ومن يبتغ غير الإسلام ديناً " والمجرور تسعة أحرف " والحرث ذلك " " إلى يوم القيامة ثم " " من بعد ذلك " " ففي رحمة الله هم " " القيامة ثم " " الغرور لتبلون " " والنهار لآيات " " النار ربنا " " الأبرار ربنا " فأما قوله تعالى " قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السموات " ففي كتاب أبي عمرو عن مجاهد قال اليزيدي ويعلم ما رفع، وإذا أدغم لم يشم الميم المدغمة للضم وقال عباس يشم قلت ولعل عباساً إنما يشم ليعلم أنه ليس كقوله تعالى " ويعلم يجادلون في آياتنا " فيمن نصب كما رواه نعيم بن ميسرة، عن أبي عمرو ويعلم ما بالنصب على الصرف ومن لم يشم أجراه على الأصل والرفع هو الوجه، لأنه ليس جواباً للشرط؛ إذ علم ما في السموات غير متعلق بالإخفاء والإبداء، فأما ما يعلمه الله فعلى المجازاة وكذا ويعلم الذين يجادلون إنما هو على الوعيد والجزاء وأين هؤلاء من هذا الفرق والتخريج ومما جاء في سورة النساء يشم إشمام الضم فستة أحرف

" حيث ثقفتموهم " " فتحرير رقبة " " وتحرير رقبة " " الملائكة ظالمى " " يريد ثواب الدنيا " والمجرور " ولتأت طائفة " " وعملوا الصالحات سندخلهم " " وعملوا الصالحات سندخلهم " " وإلى الرسول رأيت " ومما جاء في سورة المائدة من ذلك أحد عشر حرفاً يشم إشمام الضم " تطلع على خائنة " " يبين لكم " " يبين لكم على فترة " " يعذب من " " ويغفر لمن " ينفق كيف " " ثالث ثلاثة " " كيف نبين لهم " " والله هو السميع " " أو تحرير رقبة " " قال الله هذا " الحروف المكسورة " بالبينات ثم " " من بعد ظلمه " " من بعد ذلك " " فإن حزب الله هم الغالبون " " الصيد تناله " " الموت تحبسونهما " " الآيات ثم " " الصالحات جناح " " الصالحات ثم " فهذه تسعة ومما جاء في سورة الأنعام أربعة أحرف تشم إشمام الضم " نحن نرزقكم " " الموت توفته " " الليل رأى " " حيث يجعل رسالته " والمكسورة " الأنثيين نبئونى " " الآيات ثم " والمجرور حرف واحد " قل إن هدى الله هو الهدى " ومما جاء في سورة الأعراف الحروف المضمومة " حيث شئتما " " حيث شئتم " " نحن لك " " ينزع عنهما " " ونطبع على قلوبهم " " السحرة ساجدين " " ويضع عنهم " " سيغفر لنا " والمكسور " السيئات ثم " " من الرزق قل " " عن أمر ربهم " " من الشيطان نزغ " ومما جاء في سورة الأنفال المضموم " الأنفال لله " والمكسور " الشوكة تكون " و " الفئتان نكص " ومما جاء في سورة التوبة المضمومة " نحن نتربص " " نحن نعلمهم " " زادته هذه إيماناً " " ويؤمن للمؤمنين " والمكسورة " والمؤمنات جنات " " من بعد ذلك " " وكلمة الله هي العليا " " في الفتنة سقطوا " ومما جاء في سورة يونس المضمومة " وما نحن لكما " " نطبع على " " الغرق قال " والمكسورة " بالخير لقضى " " من بعد ضراء " وهما مجروران " السيئات جزاء " ومما جاء في سورة هود المضمومة " وما نحن لك " " أطهر لكم " " لما جاء أمر ربك " المكسورة " ومن حزي يومئذ " " الآخرة ذلك " " ففي النار لهم " ومما جاء في سورة يوسف المضمومة " نحن نقص " " سوف أستغفر لكم " المكسورة " إنك كنت " " والآخرة توفنى " وأما قوله " يخل لكم " فإني قرأته بالإظهار، وقرأت " يبتغ غير الإسلام " بالإدغام، مع استوائهما في أنهما منقوصان والفرق بينهما أن يبتغ كلمة طويلة فاحتملت الإدغام، ويخل كلمة على ثلاثة أحرف وقد سقطت منها الواو، فلو أدغمت الواو لبقى بينهما حرفان، فكان ذلك مودياً إلى الإجحاف بها ومما جاء في سورة الرعد المضمومة " الكفار لمن " المكسورة " الثمرات جعل " " بالنهار له معقبات " " المحال له " " الصالحات طوبى " ومما جاء في سورة إبراهيم، صلوات الله عليه المضمومة قوله " وتغشى وجوههم النار ليجزي الله " المكسورة " في الأصفاد سرابيلهم " وهو مجرور والثاني قوله " وعملوا الصالحات جنات " ومما جاء في سورة الحجر المضمومة " نحن نزلنا " " وإنا لنحن نحيي " " حيث تؤمرون " ومما جاء في سورة النحل ال مضمومة " الملائكة ظالمى " الأنهار لهم " " الملائكة طيبين " " أمر ربك " " أكبر لو كانوا " " يؤذن للذين " المكسورة " وبنعمة الله هم " " والبغى يعظكم " " إن ما عند الله هو خير " " لهم من بعد ذلك " " البنات سبحانه " ومما جاء في سورة بنو إسرائيل المضمومة قوله " نحن نرزقهم " المكسورة " في البحر لتبتغوا " " وضعف الممات " ثم " من أمر ربى " ومما جاء في سورة الكهف المضمومة " نحن نقص " " تريد زينة " " أبرح حتى " " فهل نجعل لك " المكسورة " ففسق عن أمر ربه " ومما جاء في سورة مريم المضمومة " نحن نرث " " أخاه هارون " " ذكر رحمت ربك " " الرأس شيباً " " سأستغفر لك " " وأحسن ندياً " " سيجعل لهم " المكسورة " النخلة تساقط " " في المهد صبياً " " أمر ربك " " الصالحات سيجعل " ومما جاء في سورة طه المضمومة " نحن نرزقك " " كيد ساحر " " السحرة سجداً " المكسورة " وأطراف النهار لعلك " ومما جاء في سورة الأنبياء المضمومة " يقال له إبراهيم " المكسورة " ذكر ربهم " ومما جاء في سورة الحج المضمومة " يدافع عن " المكسورة " الساعة شيء " " للناس سواء " " بالله هو مولاكم " " الصالحات جنات " في موضعين ومما جاء في سورة المؤمنون المضمومة " وما نحن له بمؤمنين " " وأخاه هارون " " أنؤمن لبشرين " المكسورة " يوم القيامة تبعثون " ومما جاء في سورة النور المضمومة

" تحسبونه هينا " " يكاد زيتها " " والأبصار ليجريهم الله " " يكاد سنا برقه " المكسورة " المحصنات ثم " " بأربعة شهداء " في موضعين " من بعد ذلك " " عند الله هم " " ومن بعد صلاة العشاء " ومما جاء في سورة الفرقان المضمومة " فجعلناه هباء منثوراً " " إلهه هواه " " أخاه هرون " والمكسورة " بالساعة سعيراً " ومما جاء في سورة الشعراء المضمومة " السحرة ساجدين " " أنؤمن لك " " وإنه لتنزيل رب " المكسورة " من ورثة جنة " " من دون الله هل " ومما جاء في سورة النمل المكسورة " بالآخرة ربنا " " من فضل ربي " " عرشك قالت " ومما جاء في سورة القصص المضمومة " ونجعل لكما " " القول ربنا " ويقدر لولا " والمكسورة " النار لملكم " " من عند الله " " هو أهدى " ومما جاء في سورة العنكبوت المضمومة " ونحن له مسلمون " " لا تحمل رزقها " " ويقدر له " المكسورة " ذائقة الموت ثم " ومما جاء في سورة الروم المكسورة " آثار رحمت الله " " من بعد ضعف " ليس في لقمان شئ ومما جاء في سورة السجدة المكسورة " الأكبر لعلهم " ومما جاء في سورة الأحزاب المضمومة " من قبل لا يولون " " أطهر لقلوبكم " المكسورة " إذا نكحتم المؤمنات ثم " ومما جاء في سورة سبأ المضمومة " ويقدر له " ومما جاء في سورة الملائكة المضمومة " فلله العزة جميعاً " ومما جاء في سورة يس المضمومة " إنا نحن نحيي " " نعلم ما يسرون " ومما جاء في سورة الصافات المكسورة " والصافات صفاً فالزاجرات زجراً " المضمومة " قول ربنا " ومما جاء في سورة ص المضمومة " خزائن رحمة ربك " " القهار رب " المكسورة " عن ذكر ربي " ومما جاء في سورة الزمر المضمومة " أكبر لو " " الشفاعة جميعاً " المكسورة " في النار لكن " " ويوم القيامة ترى " " بنور ربها " " إلى الجنة زمراً " ومما جاء في سورة المؤمن المضمومة " وينزل لكم " " البصير لخلق " المكسورة " ذى الطول لا " " الدرجات ذو العرش " " الغفار لا " " لخزنة جهنم " " الطيبات ذلكم " ومما جاء في سورة حم السجدة المضمومة " النار لهم " " والقمر لا تسجدوا " " ما يقال لك " المكسورة " من الشيطان نزغ " " بالذكر لما " " من بعد ضراء " ومما جاء في سورة حم عسق المضمومة " البصير له مقاليد " المكسورة " ولولا كلمة الفصل لقضى بينهم " ومما جاء في سورة الزخرف المكسورة " من يعش على ذكر الرحمن نقيض " ليس في الدخان شيء ومما جاء في سورة الجاثية المضمومة " بصائر للناس " " إلهه هواه " المكسورة " اتخذتم آيات الله هزواً " " الصالحات سواء " ومما جاء في سورة الأحقاف المكسورة " اتخذتم آيات الله " " بأمر ربها " ومما جاء في سورة محمد، صلى الله عليه وآله المضمومة " القتال رأيت " المكسورة " الصالحات جنات تجري " ومما جاء في سورة الفتح المضمومة " يغفر لمن يشاء " المكسورة " الكفار رحماء " " السجود ذلك " " والمؤمنات جنات " ومما جاء في سورة الحجرات المكسورة " الأمر لعنتم " ومما جاء في سورة ق المضمومة " ما يبدل القول لدى " " إنا نحن نحيي " ومما جاء في سورة الذاريات المضمومة " حديث ضيف إبراهيم " المكسورة " والذاريات ذروا " " عن أمر ربهم " ومما جاء في سورة الطور المضمومة " خزائن ربك " ليس في النجم شيء، ولا في القمر ومما جاء في سورة الرحمن المكسورة " فيهما عينان نضاختان " ومما جاء في سورة الواقعة المضمومة " وتصلية جحيم " ومما جاء في سورة المجادلة المضمومة " فتحرير رقبة " المكسورة " ألا إن حزب الله هم " ومما جاء في سورة الحشر المضمومة " المصور له " ومما جاء في سورة الممتحنة المضمومة " المصير ربنا " المكسورة " الكفار لاهن " ومما جاء في سورة الجمعة المضمومة " من قبل لفي " ليس في المنافقين والتغابن شيء ومما جاء في سورة الطلاق المضموم " حيث سكنتم " المكسورة " عتت عن أمر ربها " ومما جاء في سورة التحريم المضمومة " لم تحرم ما " ومما جاء في سورة الملك المضمومة " تكاد تميز " ومما جاء في سورة القلم المضمومة " أكبر لو كانوا " ومما جاء في سورة الحاقة المضمومة " إنه لقول رسول كريم " ومما جاء في سورة نوح عليه السلام المضمومة " لا يؤخر لو كنتم " ومما جاء في سورة الجن المضمومة " ولن نعجزه هرباً " " يجعل له "

المكسورة " ذكر ربه " ومما جاء في سورة المزمل المكسورة " عند الله هو " ومما جاء في سورة المدثر المضمومة " سقر لا " " تذر لواحة " ومما جاء في سورة الإنسان المضمومة " نحن نزلنا " المكسورة " الدهر لم يكن " ومما جاء في سورة والمرسلات المضمومة " ولا يؤذن لهم " المكسورة " ذي ثلاث شعب " ومما جاء في سورة النازعات المضمومة " الراجفة تتبعها " المكسورة " والسابحات سبحا فالسابقات سبقا " ومما جاء في سورة التكوير المضمومة " إنه لقول رسول كريم " ومما جاء في سورة التطفيف المكسورة " الفجار لفى " " الأبرار لفي " ومما جاء في سورة البروج المكسورة " والمؤمنات ثم " ومما جاء في سورة القدر المضمومة " ليلة القدر " المكسورة " ليلة القدر " تشم إشمام الكسر، مطلع الفجر ومما جاء في سورة لم يكن المكسورة " البرية جزاؤهم " ومما جاء في سورة العاديات المكسورة " والعاديات ضبحاً " " فالمغيرات صبحاً " لحب الخير لشديد " ومما جاء في سورة الهمزة " تطلع على الأفئدة " فهذا ما جاء في الإدغام من الإشمام، وجميع ما أدغمه أبو عمرو ومما ذكرنا نشير إلى إعراب الحروف المدغمة في الخفض والرفع إلا الباء في الفاء في الميم، والميم في الميم، والفاء في الميم، والميم في الباء، والباء في الباء، والباء في الميم، فإنه كان لا يشير إلى الإعراب إلا في رواية مدين والمعدل، فإنه كان يشير إلى إعرابهن، كقوله تعالى " يكذب بالدين " و " يعلم ما تبدون " و " يحكم بينهم " و " ويعذب من يشاء " و " تعرف في وجوههم " و " الصيف فليعبدوا " ولا يشم هذا وأمثاله في ظاهر الرواية قال سيبويه زعموا أن أبا عمرو قرأ " يا صالح يتنا " جعل الهمزة ياءً، ثم لم يقلبها واواً ولم يقولوا هذا في الحرف الذي ليس منفصلاً وهذه لغة ضعيفة، لأن قياس هذا أن يقول يا غلام وجل قال أبو علي القول في ذلك أن الفاء من أتى همزة، فإذا أمرت منه أدخلت همزة الوصل على الهمزة التي هي فاء، فاجتمعت همزتان، فقلبت الثانية بحسب الحركة التي على الأولى، فصار حينئذ إيت وهذه الهمزة إذا اتصل الفعل الذي هي فيه بكلام قبله سقطت، فلك في التي هي فاء ضربان إن شئت تركتها مبدلة، وإن شئت خففتها أما وجه التخفيف، فإنك إنما خففت لاجتماع الهمزتين، فلما زالت العلة التي لها أبدلت، عادت مخففة هذا وجهه، وهو قياس إلا أن الوجه الآخر أشبه على مذهب العربية وطرقها، ألا ترى أنا نجد الأفعال يلزم بعضها اعتلال في موضع العلة، فإذا زالت تلك العلة أجرى السائر في الاعتلال، وإن خلا من العلة، جرى ما فيه العلة، وذلك نحو يعد، ويقوم، ويقول، وما أشبهه وكذلك ينبغي أن تترك الهمزة التي هي فاء في الأمر من أتى مخففة فهذا حجة أبي عمرو، وعلى هذا تحمل قراءته يومنون مخففة، لم يحقق الهمزة من يؤمنون بعد أن تكلم بأنها مخففة، كقولك جؤنة، ثم جون ولكنه خفف الهمزة في آمن لاجتماع الهمزتين، وكذلك في أؤمن ثم انتظم المضارع ما في الماضي اللازم فيه القلب، لاجتماع الهمزتين، ما خلا همزة أفعل الزائدة، فصارت حرف المضارعة المضموم الألف المنقلبة عن الهمزة التي هي فاء ساكنة، فقلبها واواً، فخفف يومنون على هذا إتباعاً لبعض الفعل بعضاً، لا على التخفيف في جؤنة وإن كانت اللفظتان متفقتين أيضاً، فعلى هذا أيضاً لم يحقق الهمزة في يا صالح إيتنا، ولم تقلب الياء الهمزة التي هي فاء واواً، وإن كانت ساكنة مضموماً ما قبلها، وشبهها بقيل قال سيبويه وهذه لغة رديئة يلزم من قالها أن يقول يا غلام اوجل يريد أنه كما لم يقلب الياء الساكنة المضموم ما قبلها واواً، كذلك يلزمه ألا يقلب الواو الساكنة المكسورة ما قبلها ياء وهذا الذي ألزمه إياه في قراءة يا صالح يتنا من قوله يا غلام اوجل، لا يقوله أحد قال وأخبرني أبو بكر محمد بن السري، قال أخبرنا أبو العباس، أن أبا عثمان قال لا يلزم أبا عمرو ما ألزمه سيبويه من قوله يا غلام اوجل، وذلك أنه قاس قوله يا صالح يتنا على شئ موجود مثله، وهو قولهم قيل، وسيق، وليس في الكلام متصلة ومنفصلة، مثل يا غلام وجل لا مخففة الحركة ولا مشممتها، فلا يلزمه يا غلام وجل، وقد ثبت قوله يا صالح يتنا قياسا على ما ذكرنا

قال أبو علي فالقراءة بتخفيف الهمز وإبداله في قوله " ومنهم من يقول ايذن لى " و " فليؤد الذي لو تمن أمانته " وما أشبه ذلك، مثال " يا صالح يتنا " وما أشبه ذلك هذا أقوى عندي في العربية لما ذكرومما جاء في الإشحام " قيل " و " غيض " و " سيء " و " سيق " و " حيل " و " جئ " جاء في هذه الأوائل إشمام الضم، ليعلم أن أصله كله فعل ألا ترى أنهم قالوا أما كيد زيد يفعل، وما زيل يفعل، وهم يريدون فعل فإذا حركوا الفاء هذه التحريكة أمن بها التباس الفعل المبني للفاعل بالفعل المبني للمفعول، وانفصل بها، فدلت عليه، وكان أشد إبانة للمعنى المراد ومن الحجة في ذلك أنهم قد أشموا نحو رد و عد وما أشبه ذلك من التضعيف المبني على فعل، مع أن الضمة الخالصة تلحق فاءه، فإذا كانوا قد تركوا الضمة الصحيحة إلى هذه في المواضع التي تصح فيها الضمة، فإلزامها حيث تلزم الكسرة فيها في أكثر اللغات أجدر ودل استعمالهم هذه الحركة في رد ونحوه من التضعيف على تمكنها في قيل و بيع وكونها أمارة للفعل المبني للمفعول به، ولولا ذلك لم تنزل الضمة المحضة إليها في نحو قولهم رد ونحوه، من الحجة في ذلك أنهم قد قالوا أنت تغزين، فألزموا الزاي إشمام الضمة و زين من تغزين بمنزلة قيل فكما ألزم الإشمام هنا كذلك يلزم ذلك في قيل ألا ترى أن من قال بيع و قيل قال اختير و انقيد، فأشم ما بعد الخاء والنون لما كان بمنزلة قيل، وبيع، وكما ألزم بالإشمام نحو لا تغزين، لينفصل من باب ترمين كذلك ألزم قيل و بيع الإشمام في الضمة لينفصل من الفعل المبني للفاعل في كيد و زيل وليكون أدل على فعل فإن قلت فهلا ألزم القاف في قيل ونحوه إشمام الضمة كما ألزم تغزين؟ فالقول إن هذه الحركة لما لم تكن ضمة خالصة ولا كسرة محضة ضعفت في الابتداء بخروجها عما عليه الحركات اللاحقة أوائل الكلمة المبتدأ بها ألا ترى أن عمرو لم يشم في الاستئناف في يا صالح يتنا وقد قدمنا أن أبا عمرو في الإدغام يشم المرفوع والمضموم، وأبو علي يفرق بينهما، فزعم أن أبا عمرو لا يشم، يقول إيذن لي، كما يشم يا صالح يتنا والصحيح ما قدمنا ومما يدل على أن هذه التحريكة قد صارت أمارة لبناء الفعل للمفعول به، وأنها مما يختص به الفعل، أنك لو سميت رجلاً بمثل قيل و بيع شيئاً وخلعت منه الضمير الذي كان فيه لأخلصت الكسرة فقلت قيل، و بيع فدل هذا من مذهب سيبويه على أن هذه الحركة أشبه عنده بالفعل، وأشد لزوماً من الأمثلة التي تختص بالفعل، ولا يكون في الاسم، نحو ضُرِب، وضورِب، وضُرِّب ألا ترى أنك لو سميت بشئ من ذلك مجرداً من الضمير لم تغيره عن بنائه إلى ما يختص الاسم، وقد رأى تغيير هذه الحركة وإخلاسها كسرة ومما يقوى قول من قال قيل أن هذه الضمة المنحو بها نحو الكسرة قد جاءت في نحو قولهم شربت من المنقر، وهو بئر ضيقة، وهذا ابن مذعور، وابن بور، فأمالوا هذه الضمات نحو الكسرة لتكون أشد مشاكلة لما بعدها وأشبه به، وهو كسر الراء وإذا أخذوا بهذا التشاكل اللفظ، حيث لا تميز معنى من معنى آخر، فأن يلزموا ذلك حيث يزيل اللبس ويخاص معنى من معنى، أجدر وأولى قال الرازي وإذا ريم إدغام المتحرك سكن، غير أن القرأة يسمون الضم والكسر عند الإدغام إبانة عن الأصل، إذا اختلف حركتا المدغم فيه، أو حركة المدغم وما قبله، أو سكن، وكان الساكن جامدأ، فإن كان ذائباً فأنت مخير فيه بين إشمام الحركة وإتمام المد، أو الجمع بين قليل من المد وقليل من الإشمام، إلا إذا كانت الذائبة واواً قبلها ضمة، وكان المدغم مرفوعاً، أو كانت ياءً قبلها كسرة وكان المدغم مجروراً، فإنك تمده لا غير ولا إشمام للنصب ومنهم من يفرق في ذلك بين حركات البناء والإعراب، فيشم للإعراب فقط، والإشمام للباء والميم الفاء في إدغامها وكان الدوري لا يشم بتة، ولعل ذلك كان منه لضرر كان به، لأن الإشمام مرئى غير مسموع، وهو قول النجاة ومن ترك الإشمام لزمه تفخيم " الأبرار، ربنا " ونحوه حال الإدغام وإشمام الكسر يسمى روماً وإشمام الضم دون الروم

قال الفراء كان أبو عمرو وحمزة والكسائي وخلف يقفون بروم الحركة على المرفوع والمجرور ونحو " نستعين " و " من غفور رحيم " و " يشاء " ونحو ذلك، إلا أن يكون هاء منقلبة عن تاء التأنيث، نحو رحمة فإنهم لا يرومون في ذلك، و الباقون يقفون على السكون ومن هذا الباب ما رواه أبو بكر عن عاصم في قوله تعالى " بأساً شديداً من لدنه " بإشمام الدال الضمة وكسر النون والهاء قال أبو علي هذا ليعلم أن الأصل كان في الكلمة الضمة، ومثل ذلك قولهم أنت تغزين، وقولهم قيل، أشممت الكسرة فيها الضمة لتدل على أن الأصل فيها التحريك بالضم فإن كان إشمام عاصم ليس في حركة خرجت إلى اللفظ، وإنما هو تهيئة العضو لإخراج الضمة ولو كانت مثل الحركة في تغزين لم يلتق ساكنان، ولم يكسر النون لاجتماعهما، ولكن يجتمعان في أن أصل الحرف التحريك بالضم، وإن اختلفا في أن الحركة في تغزين قد خرجت إلى اللفظ ولم تخرج في قوله لدن وأما وصله الهاء بباء في الوصل فحسن، ألا ترى أنه لو قال ببابه، وبعبده، فلم يوصل الهاء بباء لم يحسن، ولكان ذلك مما يجوز في الشعر وكذلك أبو بكر عن عاصم في قوله " من لدنا " يشم الدال شيئاً من الضم، واختلف عن يحيى والله أعلم

الثاني عشر ما جاء في التنزيل ويكون الجار والمجرور في موضع الحال محتملاً ضميراً من صاحب الحال
وذلك معروف في كلامهم، حكى عن العرب خرج زيد بسلاحه أي متسلحاً فمن ذلك قوله تعالى، في أحد التأويلين " الذين يؤمنون بالغيب " قال أبو علي أي يؤمنون إذا غابوا عنكم، ولم يكونوا كالمنافقين الذين يقولون " إنا معكم إنما نحن مستهزئون " وقد قال " الذين يخشون ربهم بالغيب " وقال " من خَشِي الرحمن بالغيب " وقال أبو ذؤيب
أخالد ما راعيت من ذى قرابة ... فتحفظنِي بالغيب أو بعض ما تبدى
فالجار مع المجرور في موضع الحال، أي يحفظنى غائباً ويخشون ربهم غائبين من مراءاة الناس، لا يريدون بإيمانهم التصنع والتقرب رجاء المنالة، ولكن يخلصون إيمانهم لله قال ويجوز فيها وجه آخر وهو أن هذه الآية إجمال ما فصل، في قوله " والمؤمنون كلُّ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله " والموصوفون فيها خلاف من وصف في قوله " ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضلَّ ضلالاً بعيداً " وكفرهم بالملائكة ادعاؤهم بنات الله فيها، كما ادعوا في قوله " أم اتخذ ممَّا يخلق بنات " وقوله " وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً " وكفرهم بالكتاب إنكار له قوله " وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء " وكفرهم بإرسال الرسل إنكارهم إرسالهم، نحو قوله " ولئن أطعتم بشراً مثلكم " وقوله " أهذا الذي بعث الله رسولاً " وكفرهم بالآخرة، قوله " لا تأتينا الساعة قل بلَى وربي " وكل هذه الأمور غيب قد أنكروه ودفعوه، فلم يؤمنوا به ولم يستدلوا على صحته فقال تعالى " الذين يؤمنون بالغيب " أي بهذه الأشياء التي كفروا بها، هؤلاء الذين ذكر كفرهم بها عنهم، وخصهم بالإيقان بالآخرة في قوله " وبالآخرة هم يوقنون " وإن كان الإيمان قد شملها، لما كان من كفر المشركين بها وجحدهم إياها، في نحو ما حكى عنهم في قوله تعالى " وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا " ومن ذلك قوله تعالى " ونحن نسبح بحمدك " أي حامدين لك نظيره " يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده " أي حامدين له نظيره " وإن من شئ إلا يسبح بحمده " أي حامدين له، ومن ذلك قوله " أتيناكم بقوة " أي مجدين مجتهدين نظيره بعده في الأعراف " كأنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوةٍ " أي بجد واجتهاد ومن ذلك قوله تعالى " وأداءٌ إليه بإحسان " أي محسناً، أي له أن يؤدي إليه محسناً لا مماطلاً ومن ذلك قوله " فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف " أي مؤتمرة بأمر الله، فالباء في موضع الحال ومن ذلك قوله تعالى " نزل عليك الكتاب بالحق مصدِّقاً " ف الكتاب مفعول به، وقوله بالحق في موضع نصب على الحال، وهو متعلق بمحذوف ومصدقاً حال من الضمير الذي في قوله بالحق والعامل فيه المعنى، ولا يجوز أن تجعله بدلاً، لأن الاسم لا يبدل من الاسم، هكذا ذكروه، وفيه إشارة إلى أن الظرف لا يتعلق بالاسم، ويكون بدلاً من الاسم قبله

وأعجب من ذا جعله مصدقاً حالاً من نفس الحق، بعد أن قال في قوله " والسَّاعة لا ريب فيها " أنه يجوز أن يكون عطفاً على الضمير في حق وقال غيره وهو رضي به في قوله " إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون " إن نصب مثل راجع إلى الضمير في لحَقّ فلم لا تجعل قوله مصدقاً حالاً من الضمير في قوله بالحق؟ ومثله " وبالحقِّ أنزلناه " حال من الضمير في أنزلناه وأما قوله " وبالحق نزل " فيحتمل الجار فيه ضميرين أحدهما أن يكون التقدير نزل بالحق؛ كما تقول نزلت بزيد ويجوز أن يكون حالاً من الضمير الذي في نزل ومثله " نزل به الروح الأمين " فمن رفع الأمين يكون الجار مثل الذي في مررت بزيد؛ ويكون حالاً، كما تقول نزل زيد بعدته، وخرج بسلاحه وفي التنزيل " وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به " أي دخلوا كافرين وخرجوا كافرين ومثله " منزل من ربك بالحق " ألا ترى أن أنزلت يتعدى إلى مفعول واحد، فإذا بنيته للمفعول لم يبق له متعدًّى إلى مفعول به وقوله من ربك على حد " ولما جاءهم كتاب من عند الله " وبالحق حال من الذكر الذي في منزل ومما جاء الجار فيه حالاً كما جاء في الآى الآخر " أنزله بعلمه " المعنى أنزله وفيه علمه كما أن خرج بعدته تقديره خرج وعليه عدته والعلم المعلوم أي أنزله وفيه معلومه ومثل ذلك قوله تعالى " ويوم تشقق السماء بالغمام " فالمعنى والله أعلم يوم تشقق السماء وعليها الغمام فالجار متعلق بمحذوف في موضع الحال كما تقول خرج زيد بثيابه ومنه قوله تعالى " هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات " الجار في موضع الحال، أي ثابتاً منه آيات محكمات وآيات يرتفع بالظرف هنا على المذهبين ومنه قوله تعالى " وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقاً " أي ثابتاً فيه هدى ونور يدل عليه انتصاب قوله ومصدقاً ويرتفع هدى بالظرف في المذهبين ومن هذا الباب قوله " ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زيد مثله " قوله في النار لا يخلو من أن يكون متعلقاً ب يوقدون أو بمحذوف؛ فلا يجوز أن يكون تعلقه ب يوقدون من حيث لا يستقيم أوقدت عليه في النار إلا أن الموقد عليه إنما يكون في النار فصير في النار على هذا غير مفيد، وكذلك " فأوقدْ لىِ ياهامانُ عَلَى الطِّين " وكما أنه لو قيل هنا أوقد لى يا هامان على الطين في النار، لم يستقم كذلك الآية الأخرى وإذا كان كذلك ثبت أن تعلق في النار من قوله " ومما يوقدون عليه في النار " إنما هو المحذوف، والظرف الذي هو في النار في موضع حال وذو الحال الهاء التي في عليه أي ومما يوقدون عليه ثابتاً في النار، أو كائناً في النار ففي قوله في النار ضمير مرفوع يعود إلى الهاء التي هي اسم ذى الحال ومن ذلك قوله تعالى " إنما يأكلون في بطونهم ناراً " الجار في قوله في بطونهم حال من المذكور، وكان وصفاً له كقوله
لميةً موحشاً طَلَلُ
ولا يتعلق ب يأكلون لأن الأكل لا يكون في بطنه والمعنى إنما يأكلون مثل النار في بطونهم، لأنه يؤدي إلى حصول النار في بطونهم أو يجعله ناراً على الاتساع، لما يصير إليه من ذلك في العاقبة ومن هذا الباب قوله " ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله " فالباء في قوله بحبل متعلق بحذوف في موضع الحال والتقدير ضربت عليهم الذلة في جميع أحوالهم أينما ثقفوا إلا متمسكين بحبل الله فحذف اسم الفاعل وانتقل الضمير إلى الظرف وقال أبو علي الاستثناء من الذلة المعنى يذلون إلا أن يكون معهم حبل من الله، وهو ما يكونون به ذمة ولا يكون متعلقا بقوله ثقفوا ألا ترى أنه لا يصح أينما ثقفوا إلا بحبل من الله؛ لأنه إذا كان معهم حبل من الله لم يثقفوا ومن هذا الباب قوله تعالى " ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا " الكاف في موضع الحال، أي مشابهة أحوالهم أحوال من لم يلبثوا وفيه غير هذا، ذكرناه في باب آخر ومن ذلك قوله تعالى " يا يحيى خذ الكتاب بقوة " أي بجد واجتهاد، أي خذ الكتاب مجداً ومثله خذها بقوة أي بجدٍ، أي مجداًّ ومثله قوله تعالى " وهزِّي إليكِ بجذع النخلة " أي هزى إليك رطبا جنيا متمسكة بجذع النخلة فعلى هذا لا تكون الباء زائدة، بل يكون مفعول هزي فيمن أعمل الأولى رطباً، وأضمر في تساقط ومن أعمل الثاني أضمر في هزى

ومثله " فانبذ إليهم على سواء " أي فانبذ إليهم مستوين كما أن قوله " فقل آذنتكم على سواء " أي آذنتكم مستوين فالحال من الفاعل والمفعول جميعاً كقوله متى ما تلقنى فردين وقوله وإن تلقنى برزين ولأبي علي في هذا كلام طويل ذكر فيه أن الحال كالصفة، من حيث لا يجوز تعريض الصفة لعاملين مختلفين وكذا يقبح في الحال ما يقبح في الصفة من تعريضها لعمل عاملين مختلفين فيهما، كما قبح ذلك في الصفة وقد حمل سيبويه شيئاً منها على المعنى، نحو ما أجازه من قولهم هذا رجل مع رجل قائمين حيث جعل ما عملت فيه مع داخلاً في المعنى الإشارة، فأجاز نصب قائمين على الحال، كما أجاز نصبهما في هذا رجل ورجل قائمين فأما قوله متى ما تلقنى فردين و تعلقت من ليلى صغيرين و إن تلقنى برزين لا يعتد به ولا أعلم لسيبويه في ذلك نصاً، ولا يجوز أن نقول إنه لا يجوز على قياس قوله، لأن السائل الذي منع ذلك فيها عاملان، وليس في هذا إلا عامل واحد فإذا كان هناك عامل واحد، وذو الحال واحد من جهة تعريضه لعاملين، لا يصح لأنه ليس هناك عاملان فإن قلت فهلا فسد حمله على الحال؛ لأن الحال تقتضى أن يكون فيها ذكر من ذى الحال، وذو الحال مفردان وحالهما مثناة، فلا يرجع إذن إليهما من حاليهما ذكر، وإذا لم يرجع فسد أن يكون حالاً لهما، فاحمله على فعل مضمر قلنا لا يفسد أن يكون ذلك حالاً لأنا نحمله على المعنى، ألا تراهم قالوا مررت برجلين قائم وقاعد فرددت الذكر إليهما على المعنى، فكما رددت إلى المثنى المفردين، للحمل على المعنى، كذلك ترد إلى المفردين من المثنى للحمل على المعنى ومن ذلك قوله تعالى " ولقد جئناهم بكتابٍ فصلناه على علمٍ " أي فصلناه عالمين وقال عز وجل " علمها عند ربي في كتاب " والتقدير علمها ثابت في كتاب ثابت عند ربي، ف عند ربي كان صفة للمجرور فلما تقدم انتصب على الحال ومن ذلك قوله تعالى " الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم " أي مضطجعين، ففي الظرف ضمير لوقوعه موقع مضطجعين وقائمين ومثله " وإذا مسَّ الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعداً أو قائماً " أي دعانا مضطجعاً لا بد من ذا التقدير في الموضعين ليصح العطف عليه وأبو إسحاق حمل اللام وما بعده على المس دون الدعاء، وإذا مس الإنسان مضطجعاً أو قائماً أو قاعداً الضُّر دعانا وحمله على الدعاء أولى من حمله على المس لكثرة الآى في ذلك من قوله " الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم " وقوله " وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيين إليه " وغيرهما فأما قوله " وسار بأهله آنس " فقد يكون من هذا الباب، أي لم يخرج منفرداً عن مدين ويجوز أن يكون كقوله " أسرى بعبده " فتعديه بالباء وأما قوله في " أحببت حب الخير عن ذكر ربيِ " أي لزمت حب الخير معرضاً عن ذكر ربي والجار في موضع الحال وأحببت بمعنى لزمت الأرض، من قولهم أحبَّ البعير إذا برك ومن قال أحببت بمعنى آثرت، كان عن بمعنى على، أي آثرت حب الخير على ذكر ربي ومن ذلك قوله تعالى " ولكم فيها ما تدعون نزلاً من غفور رحيم " فيما يتعلق به الجار وما ينتصب عنه " نُزُلاً " أوجه يجوز أن يكون نزلاً جمع نازل، مثل شارف وشُرف قال الأعشى
أو تنزلون فإنا معشرٌ نُزُلُ
فإذا حملته على ذلك أمكن أن يكون حالاً من شيئين أحدهما الضمير المرفوع في تدَّعون والآخر أن يكون من الضمير المجرور في قوله لكم والآخر أن يكون النزل كالتي في قوله " فنزل من حميم وتصلية جحيمٍ " فإذا حملته على هذا كان حالاً للموصول والعامل فيها لكم فأما قوله " من غفور رحيم " فمتعلق بمحذوف، وهو صفة للحال، كقوله جاءني زيد رجلاً صالحاً ولا يجوز أن يكون من متعلقاً ب تدَّعون إذا جعلت نزُلاً حالاً من ما لأنك لا تفصل بين الصلة والموصول بأجنبي ألا ترى أن الحال إذا كانت من الموصول كانت بمنزلة الصفة له، ولا يجوز أن يعترض بها بين الصلة والموصول، كما لا يجوز ذلك في الصفة ولو جعلت نُزُلاً جمع نازل، حالاً من الضمير المرفوع لجاز أن يكون من غفور رحيم متعلقاً ب تدَّعون ولم تكن لتفصل بها؛ لأن الحال والجار جميعاً في الصلة ولو جعلت الحال أعني نزلاً من كُمْ في ولَكُمْ والجار متعلق ب تدَّعون لم يجز أيضاً؛ للفصل بأجنبي بين الصلة والموصول

أقسام الكتاب
1 2 3 4