الكتاب : تفسير الجلالين
المؤلف : جلال الدين محمد بن أحمد المحلي و جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71)

وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ

"وَامْرَأَته" أَيْ امْرَأَة إبْرَاهِيم سَارَّة "قَائِمَة" تَخْدُمهُمْ "فَضَحِكَتْ" اسْتِبْشَارًا بِهَلَاكِهِمْ "فَبَشَّرْنَاهَا بِإسْحَاق وَمِنْ وَرَاء" بَعْد "إسْحَاق يَعْقُوب" وَلَده تَعِيش إلَى أَنْ تَرَاهُ

قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72)

قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ

"قَالَتْ يَا وَيْلَتَى" كَلِمَة تُقَال عِنْد أَمْر عَظِيم وَالْأَلِف مُبْدَلَة مِنْ يَاء الْإِضَافَة "أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوز" لِي تِسْع وَتِسْعُونَ سَنَة "وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا" لَهُ مِائَة أَوْ وَعِشْرُونَ سَنَة وَنَصْبه عَلَى الْحَال وَالْعَامِل فِيهِ مَا فِي ذَا مِنْ الْإِشَارَة "إنَّ هَذَا لَشَيْء عَجِيب" أَنْ يُولَد وَلَد لِهَرَمَيْنِ

قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73)

قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ

"قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْر اللَّه" قُدْرَته "رَحْمَة اللَّه وَبَرَكَاته عَلَيْكُمْ" يَا "أَهْل الْبَيْت" بَيْت إبْرَاهِيم "إنَّهُ حَمِيد" مَحْمُود "مَجِيد" كَرِيم

فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74)

فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ

"فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إبْرَاهِيم الرَّوْع" الْخَوْف "وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى" بِالْوَلَدِ أَخَذَ "يُجَادِلنَا" يُجَادِل رُسُلنَا "فِي" شَأْن

إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75)

إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ

"إنَّ إبْرَاهِيم لَحَلِيم" كَثِير الْأَنَاة "أَوَّاه مُنِيب" رَجَّاع فَقَالَ لَهُمْ أَتُهْلِكُونَ قَرْيَة فِيهَا ثَلَاثمِائَةِ مُؤْمِن ؟ قَالُوا لَا قَالَ أَفَتُهْلِكُونَ قَرْيَة فِيهَا مِائَتَا مُؤْمِن ؟ قَالُوا لَا قَالَ أَفَتُهْلِكُونَ قَرْيَة فِيهَا أَرْبَعُونَ مُؤْمِنًا ؟ قَالُوا لَا قَالَ أَفَتُهْلِكُونَ قَرْيَة فِيهَا أَرْبَعَة عَشَرَ مُؤْمِنًا ؟ قَالُوا لَا قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ إنْ كَانَ فِيهَا مُؤْمِن وَاحِد قَالُوا لَا قَالَ إنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَم بِمَنْ فِيهَا إلَخْ

يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76)

يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ

فَلَمَّا أَطَالَ مُجَادَلَتهمْ قَالُوا : "يَا إبْرَاهِيم أَعْرِض عَنْ هَذَا" الْجِدَال "إنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْر رَبّك" بِهَلَاكِهِمْ

وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77)

وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ

"وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ" حَزِنَ بِسَبَبِهِمْ "وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا" صَدْرًا لِأَنَّهُمْ حِسَان الْوُجُوه فِي صُورَة أَضْيَاف فَخَافَ عَلَيْهِمْ قَوْمه "وَقَالَ هَذَا يَوْم عَصِيب" شَدِيد

وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78)

وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ

"وَجَاءَهُ قَوْمه" لَمَّا عَلِمُوا بِهِمْ "يُهْرَعُونَ" يُسْرِعُونَ "إلَيْهِ وَمِنْ قَبْل" قَبْل مَجِيئِهِمْ "كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَات" وَهِيَ إتْيَان الرِّجَال فِي الْأَدْبَار "قَالَ" لُوط "يَا قَوْم هَؤُلَاءِ بَنَاتِي" فَتَزَوَّجُوهُنَّ "هُنَّ أَطْهُر لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّه وَلَا تُخْزُونِي" تَفْضَحُونِ "فِي ضَيْفِي" أَضْيَافِي "أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُل رَشِيد" يَأْمُر بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنْ الْمُنْكَر

قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79)

قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ

"قَالُوا لَقَدْ عَلِمْت مَا لَنَا فِي بَنَاتك مِنْ حَقّ" حَاجَة "وَإِنَّك لَتَعْلَم مَا نُرِيد" مِنْ إتْيَان الرِّجَال

قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80)

قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ

"قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّة" طَاقَة "أَوْ آوِي إلَى رُكْن شَدِيد" عَشِيرَة تَنْصُرنِي لَبَطَشْت بِكُمْ فَلَمَّا رَأَتْ الْمَلَائِكَة ذَلِكَ

قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81)

قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ

"قَالُوا يَا لُوط إنَّا رُسُل رَبّك لَنْ يَصِلُوا إلَيْك" بِسُوءٍ "فَأَسْرِ بِأَهْلِك بِقِطَعٍ" طَائِفَة "مِنْ اللَّيْل وَلَا يَلْتَفِت مِنْكُمْ أَحَد" لِئَلَّا يَرَى عَظِيم مَا يَنْزِل بِهِمْ "إلَّا امْرَأَتك" بِالرَّفْعِ بَدَل مِنْ أَحَد وَفِي قِرَاءَة بِالنَّصْبِ اسْتِثْنَاء مِنْ الْأَهْل أَيْ فَلَا تَسِرْ بِهَا "إنَّهُ مُصِيبهَا مَا أَصَابَهُمْ" فَقِيلَ لَمْ يَخْرُج بِهَا وَقِيلَ خَرَجَتْ وَالْتَفَتَتْ فَقَالَتْ وَاقَوْمَاه فَجَاءَهَا حَجَر فَقَتَلَهَا وَسَأَلَهُمْ عَنْ وَقْت هَلَاكهمْ فَقَالُوا "إنَّ مَوْعِدهمْ الصُّبْح" فَقَالَ أُرِيد أَعْجَل مِنْ ذَلِكَ قَالُوا "أَلَيْسَ الصُّبْح بِقَرِيبٍ"

فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82)

فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ

"فَلَمَّا جَاءَ أَمْرنَا" بِإِهْلَاكِهِمْ "جَعَلْنَا عَالِيَهَا" أَيْ قُرَاهُمْ "سَافِلهَا" أَيْ بِأَنْ رَفَعَهَا جِبْرِيل إلَى السَّمَاء وَأَسْقَطَهَا مَقْلُوبَة إلَى الْأَرْض "وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَة مِنْ سِجِّيل" طِين طُبِخَ بِالنَّارِ "مَنْضُود" مُتَتَابِع

مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)

مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ

"مُسَوَّمَة" مُعَلَّمَة عَلَيْهَا اسْم مَنْ يُرْمَى بِهَا "عِنْد رَبّك" ظَرْف لَهَا "وَمَا هِيَ" الْحِجَارَة أَوْ بِلَادهمْ "مِنْ الظَّالِمِينَ" أَيْ أَهْل مَكَّة

وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84)

وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ

"و" أَرْسَلْنَا "إلَى مَدْيَن أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْم اُعْبُدُوا اللَّه" وَحِّدُوهُ "مَا لَكُمْ مِنْ إلَه غَيْره وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَال وَالْمِيزَان إنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ" نِعْمَة تُغْنِيكُمْ عَنْ التَّطْفِيف "وَإِنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ" إنْ لَمْ تُؤْمِنُوا "عَذَاب يَوْم مُحِيط" بِكُمْ يُهْلِككُمْ وَوَصْف الْيَوْم بِهِ مَجَاز لِوُقُوعِهِ فِيهِ

وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85)

وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ

"وَيَا قَوْم أَوْفُوا الْمِكْيَال وَالْمِيزَان" أَتِمُّوهُمَا "بِالْقِسْطِ" بِالْعَدْلِ "وَلَا تَبْخَسُوا النَّاس أَشْيَاءَهُمْ" لَا تُنْقِصُوهُمْ مِنْ حَقّهمْ شَيْئًا "وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْض مُفْسِدِينَ" بِالْقَتْلِ وَغَيْره مِنْ عَثِيَ بِكَسْرِ الْمُثَلَّثَة أَفْسَدَ وَمُفْسِدِينَ حَال مُؤَكِّدَة لِمَعْنَى عَامِلهَا تَعْثَوْا

بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86)

بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ

"بَقِيَّة اللَّه" رِزْقه الْبَاقِي لَكُمْ بَعْد إيفَاء الْكَيْل وَالْوَزْن "خَيْر لَكُمْ" مِنْ الْبَخْس "وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ" رَقِيب أُجَازِيكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ إنَّمَا بُعِثْت نَذِيرًا

قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87)

قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ

"قَالُوا" لَهُ اسْتِهْزَاء "يَا شُعَيْب أَصَلَاتك تَأْمُرك" بِتَكْلِيفِ "أَنْ نَتْرُك مَا يَعْبُد آبَاؤُنَا" مِنْ الْأَصْنَام "أَوْ" نَتْرُك "أَنْ نَفْعَل فِي أَمْوَالنَا مَا نَشَاء" الْمَعْنَى هَذَا أَمْر بَاطِل لَا يَدْعُو إلَيْهِ دَاعٍ بِخَيْرٍ "إنَّك لَأَنْت الْحَلِيم الرَّشِيد" قَالُوا ذَلِكَ اسْتِهْزَاء

قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)

قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ

"قَالَ يَا قَوْم أَرَأَيْتُمْ إنْ كُنْت عَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي رِزْقًا حَسَنًا" حَلَالًا أَفَأُشَوِّبهُ بِالْحَرَامِ مِنْ الْبَخْس وَالتَّطْفِيف "وَمَا أُرِيد أَنْ أُخَالِفكُمْ" وَأَذْهَب "إلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ" فَأَرْتَكِبهُ "إنْ" مَا "أُرِيد إلَّا الْإِصْلَاح" لَكُمْ بِالْعَدْلِ "مَا اسْتَطَعْت وَمَا تَوْفِيقِي" قُدْرَتِي عَلَى ذَلِكَ وَغَيْره مِنْ الطَّاعَات "إلَّا بِاَللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْت وَإِلَيْهِ أُنِيب" أَرْجِع

وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (89)

وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ

"وَيَا قَوْم لَا يَجْرِمَنكُمْ" يَكْسِبَنكُمْ "شِقَاقِي" خِلَافِي فَاعِل يَجْرِم وَالضَّمِير مَفْعُول أَوَّل وَالثَّانِي "أَنْ يُصِيبكُمْ مِثْل مَا أَصَابَ قَوْم نُوح أَوْ قَوْم هُود أَوْ قَوْم صَالِح" مِنْ الْعَذَاب "وَمَا قَوْم لُوط" أَيْ مَنَازِلهمْ أَوْ زَمَن هَلَاكهمْ "مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ" فَاعْتَبِرُوا

وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90)

وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ

"وَاسْتَغْفِرُوا رَبّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ إنَّ رَبِّي رَحِيم" بِالْمُؤْمِنِينَ "وَدُود" مُحِبّ لَهُمْ

قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (91)

قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا

"قَالُوا" إيذَانًا بِقِلَّةِ الْمُبَالَاة "يَا شُعَيْب مَا نَفْقَه" نَفْهَم "كَثِيرًا مِمَّا تَقُول وَإِنَّا لَنَرَاك فِينَا ضَعِيفًا" ذَلِيلًا "وَلَوْلَا رَهْطك" عَشِيرَتك "لَرَجَمْنَاك" بِالْحِجَارَةِ "وَمَا أَنْت عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ" كَرِيم عَنْ الرَّجْم وَإِنَّمَا رَهْطك هُمْ الْأَعِزَّة

قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (92)

قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ

"قَالَ يَا قَوْم أَرَهْطِي أَعَزّ عَلَيْكُمْ مِنْ اللَّه" فَتَتْرُكُوا قَتْلِي لِأَجْلِهِمْ وَلَا تَحْفَظُونِي لِلَّهِ "وَاِتَّخَذْتُمُوهُ" أَيْ اللَّه "وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا" مَنْبُوذًا خَلْف ظُهُوركُمْ لَا تُرَاقِبُونَهُ "إنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيط" عِلْمًا فَيُجَازِيكُمْ

وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (93)

وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ

"وَيَا قَوْم اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتكُمْ" حَالَتكُمْ "إنِّي عَامِل" عَلَى حَالَتِي "سَوْف تَعْلَمُونَ مَنْ" مَوْصُولَة مَفْعُول الْعِلْم "يَأْتِيه عَذَاب يُخْزِيه وَمَنْ هُوَ كَاذِب وَارْتَقِبُوا" انْتَظِرُوا عَاقِبَة أَمْركُمْ "إنِّي مَعَكُمْ رَقِيب" مُنْتَظِر

وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94)

وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ

"وَلَمَّا جَاءَ أَمْرنَا" بِإِهْلَاكِهِمْ "نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتْ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَة" صَاحَ بِهِمْ جِبْرِيل "فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارهمْ جَاثِمِينَ" بَارِكِينَ عَلَى الرُّكَب مَيِّتِينَ

كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (95)

كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ

"كَأَنْ" مُخَفَّفَة : أَيْ كَأَنَّهُمْ "لَمْ يَغْنَوْا" يُقِيمُوا

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (96)

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ

"وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَان مُبِين" بُرْهَان بَيِّن ظَاهِر

إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97)

إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ

"إلَى فِرْعَوْن وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْر فِرْعَوْن وَمَا أَمْر فِرْعَوْن بِرَشِيدٍ" سَدِيد

يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98)

يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ

"يَقْدُم" يَتَقَدَّم "قَوْمه يَوْم الْقِيَامَة" فَيَتَّبِعُونَهُ كَمَا اتَّبَعُوهُ فِي الدُّنْيَا "فَأَوْرَدَهُمْ" أَدْخَلَهُمْ "النَّار وَبِئْسَ الْوِرْد الْمَوْرُود" هِيَ

وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99)

وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ

"وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ" أَيْ الدُّنْيَا "لَعْنَة وَيَوْم الْقِيَامَة" لَعْنَة "بِئْسَ الرِّفْد" الْعَوْن "الْمَرْفُود" رِفْدهمْ

ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ (100)

ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ

"ذَلِكَ" الْمَذْكُور مُبْتَدَأ خَبَره "مِنْ أَنْبَاء الْقُرَى نَقُصّهُ عَلَيْك" يَا مُحَمَّد "مِنْهَا" أَيْ الْقُرَى "قَائِم" هَلَكَ أَهْله دُونه "وَحَصِيد" "و" مِنْهَا "حَصِيد" هَلَكَ بِأَهْلِهِ فَلَا أَثَر لَهُ كَالزَّرْعِ الْمَحْصُود بِالْمَنَاجِلِ

وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (101)

وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ

"وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ" بِإِهْلَاكِهِمْ بِغَيْرِ ذَنْب "وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ" بِالشِّرْكِ "فَمَا أَغْنَتْ" دَفَعَتْ "عَنْهُمْ آلِهَتنَا الَّتِي يَدْعُونَ" يَعْبُدُونَ "مِنْ دُون اللَّه" أَيْ غَيْره "مِنْ" زَائِدَة "شَيْء لَمَّا جَاءَ أَمْر رَبّك" عَذَابه "وَمَا زَادُوهُمْ" بِعِبَادَتِهِمْ لَهَا "غَيْر تَتْبِيب" تَخْسِير

وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102)

وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ

"وَكَذَلِكَ" مِثْل ذَلِكَ الْأَخْذ "أَخْذ رَبّك إذَا أَخَذَ الْقُرَى" أُرِيد أَهْلهَا "وَهِيَ ظَالِمَة" بِالذُّنُوبِ : أَيْ فَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مِنْ أَخْذه شَيْء "إنَّ أَخْذه أَلِيم شَدِيد" رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إنَّ اللَّه لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتهُ ثُمَّ قَرَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "وَكَذَلِكَ أَخْذ رَبّك" الْآيَة

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103)

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ

"إنَّ فِي ذَلِكَ" الْمَذْكُور مِنْ الْقَصَص "لَآيَة" لَعِبْرَة "لِمِنْ خَافَ عَذَاب الْآخِرَة ذَلِكَ" أَيْ يَوْم الْقِيَامَة "يَوْم مَجْمُوع لَهُ" فِيهِ "النَّاس وَذَلِكَ يَوْم مَشْهُود" يَشْهَدهُ جَمِيع الْخَلَائِق

وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (104)

وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ

"وَمَا نُؤَخِّرهُ إلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُود" لِوَقْتٍ مَعْلُوم عِنْد اللَّه

يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105)

يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ

"يَوْم يَأْتِ" ذَلِكَ الْيَوْم "لَا تَكَلَّم" فِيهِ حَذْف إحْدَى التَّاءَيْنِ "نَفْس إلَّا بِإِذْنِهِ" تَعَالَى "فَمِنْهُمْ" أَيْ الْخَلْق "شَقِيّ و" مِنْهُمْ "سَعِيد" كُتِبَ كُلّ فِي الْأَزَل

فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106)

فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ

"فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا" فِي عِلْمه تَعَالَى "فَفِي النَّار لَهُمْ فِيهَا زَفِير" صَوْت شَدِيد "وَشَهِيق" صَوْت ضَعِيف

خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107)

خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ

"خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَاوَات وَالْأَرْض" أَيْ مُدَّة دَوَامهمَا فِي الدُّنْيَا "إلَّا" غَيْر "مَا شَاءَ رَبّك" مِنْ الزِّيَادَة عَلَى مُدَّتهمَا مِمَّا لَا مُنْتَهَى لَهُ وَالْمَعْنَى خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا

وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)

وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ

"وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا" بِفَتْحِ السِّين وَضَمّهَا "فَفِي الْجَنَّة خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَوَات وَالْأَرْض إلَّا" غَيْر "مَا شَاءَ رَبّك" كَمَا تَقَدَّمَ وَدَلَّ عَلَيْهِ فِيهِمْ قَوْله "عَطَاء غَيْر مَجْذُوذ" عَطَاء "غَيْر مَجْذُوذ" مَقْطُوع وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّأْوِيل هُوَ الَّذِي ظَهَرَ وَهُوَ خَال مِنْ التَّكَلُّف وَاَللَّه أَعْلَم بِمُرَادِهِ

فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (109)

فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ

"فَلَا تَكُ" يَا مُحَمَّد "فِي مِرْيَة" شَكّ "مِمَّا يَعْبُد هَؤُلَاءِ" مِنْ الْأَصْنَام إنَّا نُعَذِّبهُمْ كَمَا عَذَّبْنَا مَنْ قَبْلهمْ وَهَذَا تَسْلِيَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَا يَعْبُدُونَ إلَّا كَمَا يَعْبُد آبَاؤُهُمْ" أَيْ كَعِبَادَتِهِمْ "مِنْ قَبْل" وَقَدْ عَذَّبْنَاهُمْ "وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ" مِثْلهمْ "نَصِيبهمْ" حَظّهمْ مِنْ الْعَذَاب "غَيْر مَنْقُوص" أَيْ تَامًّا

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (110)

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ

"وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَاب" التَّوْرَاة "فَاخْتُلِفَ فِيهِ" بِالتَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيب كَالْقُرْآنِ "وَلَوْلَا كَلِمَة سَبَقَتْ مِنْ رَبّك" بِتَأْخِيرِ الْحِسَاب وَالْجَزَاء لِلْخَلَائِقِ إلَى يَوْم الْقِيَامَة "لَقُضِيَ بَيْنهمْ" فِي الدُّنْيَا فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ "وَإِنَّهُمْ" أَيْ الْمُكَذِّبِينَ بِهِ "لَفِي شَكّ مِنْهُ مُرِيب" مُوقِع فِي الرِّيبَة

وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (111)

وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ

"وَإِنْ" بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد "كُلًّا" أَيْ كُلّ الْخَلَائِق "لَمَّا" مَا زَائِدَة وَاللَّام مُوَطِّئَة لِقَسَمٍ مُقَدَّر أَوْ فَارِقَة وَفِي قِرَاءَة بِتَشْدِيدِ لَمَّا بِمَعْنَى إلَّا فَإِنْ نَافِيَة "لَيُوَفِّيَنهمْ رَبّك أَعْمَالهمْ" أَيْ جَزَاءَهَا "إنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِير" عَالِم بِبَوَاطِنِهِ كَظَوَاهِرِهِ

فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112)

فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ

"فَاسْتَقِمْ" عَلَى الْعَمَل بِأَمْرِ رَبّك وَالدُّعَاء إلَيْهِ "كَمَا أُمِرْت و" لِيَسْتَقِمْ "مَنْ تَابَ" آمَنَ "مَعَك وَلَا تَطْغَوْا" تُجَاوِزُوا حُدُود اللَّه "إنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير" فَيُجَازِيكُمْ بِهِ

وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (113)

وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ

"وَلَا تَرْكَنُوا" تَمِيلُوا "إلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا" بِمَوَدَّةٍ أَوْ مُدَاهَنَة أَوْ رِضَا بِأَعْمَالِهِمْ "فَتَمَسّكُمْ" تُصِيبكُمْ "النَّار وَمَا لَكُمْ مِنْ دُون اللَّه" أَيْ غَيْره "مِنْ" زَائِدَة "أَوْلِيَاء" يَحْفَظُونَكُمْ مِنْهُ "ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ" تُمْنَعُونَ مِنْ عَذَابه

وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)

وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ

"وَأَقِمْ الصَّلَاة طَرَفَيْ النَّهَار" الْغَدَاة وَالْعَشِيّ أَيْ : الصُّبْح وَالظُّهْر وَالْعَصْر "وَزُلَفًا" جَمْع زُلْفَة أَيْ : طَائِفَة "مِنْ اللَّيْل" الْمَغْرِب وَالْعِشَاء "إنَّ الْحَسَنَات" كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْس "يُذْهِبْنَ السَّيِّئَات" الذُّنُوب الصَّغَائِر نَزَلَتْ فِيمَنْ قَبَّلَ أَجْنَبِيَّة فَأَخْبَرَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَلِي هَذَا ؟ فَقَالَ "لِجَمِيعِ أُمَّتِي كُلّهمْ" رَوَاهُ الشَّيْخَانِ "ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ" عِظَة لِلْمُتَّعِظِينَ

وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115)

وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ

"وَاصْبِرْ" يَا مُحَمَّد عَلَى أَذَى قَوْمك أَوْ عَلَى الصَّلَاة "فَإِنَّ اللَّه لَا يُضِيع أَجْر الْمُحْسِنِينَ" بِالصَّبْرِ عَلَى الطَّاعَة

فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116)

فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ

"فَلَوْلَا" فَهَلَّا "كَانَ مِنْ الْقُرُون" الْأُمَم الْمَاضِيَة "مِنْ قَبْلكُمْ أُولُو بَقِيَّة" أَصْحَاب دِين وَفَضْل "يَنْهَوْنَ عَنْ الْفَسَاد فِي الْأَرْض" الْمُرَاد بِهِ النَّفْي : أَيْ مَا كَانَ فِيهِمْ ذَلِكَ "إلَّا" لَكِنَّ "قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ" نَهَوْا فَنَجَوْا وَمِنْ لِلْبَيَانِ "وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا" بِالْفَسَادِ وَتَرْك النَّهْي "مَا أُتْرِفُوا" نَعِمُوا

وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)

وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ

"وَمَا كَانَ رَبّك لِيُهْلِك الْقُرَى بِظُلْمٍ" مِنْهُ لَهُمْ "وَأَهْلهَا مُصْلِحُونَ" مُؤْمِنُونَ

وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118)

وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ

"وَلَوْ شَاءَ رَبّك لَجَعَلَ النَّاس أُمَّة وَاحِدَة" أَهْل دِين وَاحِد "وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ" فِيالدِّين

إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)

إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ

"إلَّا مَنْ رَحِمَ رَبّك" أَرَادَ لَهُمْ الْخَيْر فَلَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ "وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ" أَيْ أَهْل الِاخْتِلَاف لَهُ وَأَهْل الرَّحْمَة لَهَا "وَتَمَّتْ كَلِمَة رَبّك" وَهِيَ

وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120)

وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ

"وَكُلًّا" نُصِبَ بِنَقْصٍ وَتَنْوِيَنه عِوَض الْمُضَاف إلَيْهِ أَيْ كُلّ مَا يَحْتَاج إلَيْهِ "نَقُصّ عَلَيْك مِنْ أَنْبَاء الرُّسُل مَا" بَدَل مِنْ كُلًّا "نُثَبِّت" نُطَمِّنُ "بِهِ فُؤَادك" قَلْبك "وَجَاءَك فِي هَذِهِ" الْأَنْبَاء أَوْ الْآيَات "الْحَقّ وَمَوْعِظَة وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ" خُصُّوا بِالذِّكْرِ لِانْتِفَاعِهِمْ بِهَا فِي الْإِيمَان بِخِلَافِ الْكُفَّار

وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121)

وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ

"وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتكُمْ" حَالَتكُمْ "إنَّا عَامِلُونَ" عَلَى حَالَتنَا تَهْدِيد لَهُمْ

وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (122)

وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ

"وَانْتَظِرُوا" عَاقِبَة أَمْركُمْ "إنَّا مُنْتَظِرُونَ" ذَلِكَ

وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)

وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ

"وَلِلَّهِ غَيْب السَّمَاوَات وَالْأَرْض" أَيْ عِلْم مَا غَابَ فِيهِمَا "وَإِلَيْهِ يَرْجِع" بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ يَعُود وَلِلْمَفْعُولِ يُرَدّ "الْأَمْر كُلّه" فَيَنْتَقِم مِمَّنْ عَصَى "فَاعْبُدْهُ" وَحْده "وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ" ثِقْ بِهِ فَإِنَّهُ كَافِيك "وَمَا رَبّك بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ" وَإِنَّمَا يُؤَخِّرهُمْ لِوَقْتِهِمْ وَفِي قِرَاءَة بِالْفَوْقَانِيَّةِ

الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1)

الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ

سُورَة يُوسُف [ مَكِّيَّة إلَّا الْآيَات 1 و2 و3 و7 فَمَدَنِيَّة وَآيَاتهَا 111 نَزَلَتْ بَعْد سُورَة هُود ]

"الر" اللَّه أَعْلَم بِمُرَادِهِ بِذَلِكَ "تِلْكَ" هَذِهِ الْآيَات "آيَات الْكِتَاب" الْقُرْآن وَالْإِضَافَة بِمَعْنَى مِنْ "الْمُبِين" الْمُظْهِر لِلْحَقِّ مِنْ الْبَاطِل

إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2)

إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ

"إنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا" بِلُغَةِ الْعَرَب "لَعَلَّكُمْ" يَا أَهْل مَكَّة "تَعْقِلُونَ" تَفْقَهُونَ مَعَانِيه

نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3)

نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ

"نَحْنُ نَقُصّ عَلَيْك أَحْسَن الْقَصَص بِمَا أَوْحَيْنَا" بِإِيحَائِنَا "إلَيْك هَذَا الْقُرْآن وَإِنْ" مُخَفَّفَة أَيْ وَإِنَّهُ

إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)

إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي

اُذْكُرْ "إذْ قَالَ يُوسُف لِأَبِيهِ" يَعْقُوب "يَا أَبَتِ" بِالْكَسْرِ دَلَالَة عَلَى يَاء الْإِضَافَة الْمَحْذُوفَة وَالْفَتْح دَلَالَة عَلَى أَلِف مَحْذُوفَة قُلِبَتْ عَنْ الْيَاء "إنِّي رَأَيْت" فِي الْمَنَام "أَحَد عَشَر كَوْكَبًا وَالشَّمْس وَالْقَمَر رَأَيْتهمْ" تَأْكِيد "لِي سَاجِدِينَ" جُمِعَ بِالْيَاءِ وَالنُّون لِلْوَصْفِ بِالسُّجُودِ الَّذِي هُوَ مِنْ صِفَات الْعُقَلَاء

قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5)

قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ

"قَالَ يَا بُنَيّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاك عَلَى إخْوَتك فَيَكِيدُوا لَك كَيْدًا" يَحْتَالُونَ فِي هَلَاكك حَسَدًا لِعِلْمِهِمْ بِتَأْوِيلِهَا مِنْ أَنَّهُمْ الْكَوَاكِب وَالشَّمْس أُمّك وَالْقَمَر أَبُوك "إنَّ الشَّيْطَان لِلْإِنْسَانِ عَدُوّ مُبِين" ظَاهِر الْعَدَاوَة

وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6)

وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ

"وَكَذَلِكَ" كَمَا رَأَيْت "يَجْتَبِيك" يَخْتَارك "رَبّك وَيُعَلِّمك مِنْ تَأْوِيل الْأَحَادِيث" تَعْبِير الرُّؤْيَا "وَيُتِمّ نِعْمَته عَلَيْك" بِالنُّبُوَّةِ "وَعَلَى آل يَعْقُوب" أَوْلَاده "كَمَا أَتَمَّهَا" بِالنُّبُوَّةِ "عَلَى أَبَوَيْك مِنْ قَبْل إبْرَاهِيم وَإِسْحَاق إنَّ رَبّك عَلِيم" بِخَلْقِهِ "حَكِيم" فِي صُنْعه بِهِمْ

لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (7)

لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ

"لَقَدْ كَانَ فِي" خَبَر "يُوسُف وَإِخْوَته" وَهُمْ أَحَد عَشَر "آيَات" عِبَر "لِلسَّائِلِينَ" عَنْ خَبَرهمْ

إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (8)

إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ

اُذْكُرْ "إذْ قَالُوا" أَيْ بَعْض إخْوَة يُوسُف لِبَعْضِهِمْ "لَيُوسُف" مُبْتَدَأ "وَأَخُوهُ" شَقِيقه بِنْيَامِين "أَحَبّ" خَبَر "إلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَة" جَمَاعَة "إنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَال" خَطَأ "مُبِين" بَيِّن بِإِيثَارِهِمَا عَلَيْنَا

اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (9)

اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ

"اُقْتُلُوا يُوسُف أَوْ اطْرَحُوهُ أَرْضًا" أَيْ بِأَرْضِ بَعِيدَة "يَخْلُ لَكُمْ وَجْه أَبِيكُمْ" بِأَنْ يُقْبِل عَلَيْكُمْ وَلَا يَلْتَفِت لِغَيْرِكُمْ "وَتَكُونُوا مِنْ بَعْده" أَيْ بَعْد قَتْل يُوسُف أَوْ طَرْحه "قَوْمًا صَالِحِينَ" بِأَنْ تَتُوبُوا

قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (10)

قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ

"قَالَ قَائِل مِنْهُمْ" هُوَ يَهُوذَا "لَا تَقْتُلُوا يُوسُف وَأَلْقُوهُ" اطْرَحُوهُ "فِي غَيَابَة الْجُبّ" مُظْلِم الْبِئْر وَفِي قِرَاءَة بِالْجَمْعِ "يَلْتَقِطهُ بَعْض السَّيَّارَة" الْمُسَافِرِينَ "إنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ" مَا أَرَدْتُمْ مِنْ التَّفْرِيق فَاكْتَفَوْا بِذَلِكَ

قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (11)

قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ

"قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَك لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُف وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ" لَقَائِمُونَ بِمَصَالِحِهِ

أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (12)

أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ

"أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا" إلَى الصَّحْرَاء "نَرْتَع وَنَلْعَب" بِالنُّونِ وَالْيَاء فِيهِمَا نَنْشَط وَنَتَّسِع

قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ (13)

قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ

"قَالَ إنِّي لَيَحْزُنَنِي أَنْ تَذْهَبُوا" أَيْ ذَهَابكُمْ "بِهِ" لِفِرَاقِهِ "وَأَخَاف أَنْ يَأْكُلهُ الذِّئْب" الْمُرَاد بِهِ الْجِنْس وَكَانَتْ أَرْضهمْ كَثِيرَة الذِّئَاب "وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ" مَشْغُولُونَ

قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ (14)

قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ

"قَالُوا لَئِنْ" لَام قَسَم "أَكَلَهُ الذِّئْب وَنَحْنُ عُصْبَة" جَمَاعَة "إنَّا إذًا لَخَاسِرُونَ" عَاجِزُونَ فَأَرْسَلَهُ مَعَهُمْ

فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (15)

فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ

"فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا" عَزَمُوا "أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبّ" وَجَوَاب لَمَّا مَحْذُوف أَيْ فَعَلُوا ذَلِكَ بِأَنْ نَزَعُوا قَمِيصه بَعْد ضَرْبه وَإِهَانَته وَإِرَادَة قَتْله وَأَدْلَوْهُ فَلَمَّا وَصَلَ إلَى نِصْف الْبِئْر أَلْقَوْهُ لِيَمُوتَ فَسَقَطَ فِي الْمَاء ثُمَّ أَوَى إلَى صَخْرَة فَنَادَوْهُ فَأَجَابَهُمْ يَظُنّ رَحْمَتهمْ فَأَرَادُوا رَضْخه بِصَخْرَةٍ فَمَنَعَهُمْ يَهُوذَا "وَأَوْحَيْنَا إلَيْهِ" فِي الْجُبّ وَحْي حَقِيقَة وَلَهُ سَبْع عَشْرَة سَنَة أَوْ دُونهَا تَطْمِينًا لِقَلْبِهِ "لَتُنَبَّئَنَّهُمْ" بَعْد الْيَوْم "بِأَمْرِهِمْ" بِصَنِيعِهِمْ "هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ" بِك حَال الْإِنْبَاء

وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (16)

وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ

"وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاء" وَقْت الْمَسَاء

قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17)

قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا

"قَالُوا يَا أَبَانَا إنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِق" نَرْمِي "وَتَرَكْنَا يُوسُف عِنْد مَتَاعنَا" ثِيَابنَا "فَأَكَلَهُ الذِّئْب وَمَا أَنْت بِمُؤْمِنٍ" بِمُصَدِّقٍ "لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ" عِنْدك لَاتَّهَمْتنَا فِي هَذِهِ الْقِصَّة لِمَحَبَّةِ يُوسُف فَكَيْفَ وَأَنْت تُسِيء الظَّنّ بِنَا

وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18)

وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ

"وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصه" مَحَلّه نَصْب عَلَى الظَّرْفِيَّة أَيْ فَوْقه "بِدَمٍ كَذِب" أَيْ ذِي كَذِب بِأَنْ ذَبَحُوا سَخْلَة وَلَطَّخُوهُ بِدَمِهَا وَذُهِلُوا عَنْ شَقّه وَقَالُوا إنَّهُ دَمه "قَالَ" يَعْقُوب لَمَّا رَآهُ صَحِيحًا وَعَلِمَ كَذِبهمْ "بَلْ سَوَّلَتْ" زَيَّنَتْ "لَكُمْ أَنْفُسكُمْ أَمْرًا" فَفَعَلْتُمُوهُ بِهِ "فَصَبْر جَمِيل" لَا جَزَع فِيهِ وَهُوَ خَبَر مُبْتَدَأ مَحْذُوف أَيْ أَمْرِي "وَاَللَّه الْمُسْتَعَان" الْمَطْلُوب مِنْهُ الْعَوْن "عَلَى مَا تَصِفُونَ" تَذْكُرُونَ مِنْ أَمْر يُوسُف

وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (19)

وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا

"وَجَاءَتْ سَيَّارَة" مُسَافِرُونَ مِنْ مَدْيَن إلَى مِصْر فَنَزَلُوا قَرِيبًا مِنْ جُبّ يُوسُف "فَأَرْسَلُوا وَارِدهمْ" الَّذِي يَرِد الْمَاء لِيَسْتَقِيَ مِنْهُ "فَأَدْلَى" أَرْسَلَ "دَلْوه" فِي الْبِئْر فَتَعَلَّقَ بِهَا يُوسُف فَأَخْرَجَهُ فَلَمَّا رَآهُ "قَالَ يَا بُشْرَايَ" وَفِي قِرَاءَة بُشْرَى وَنِدَاؤُهَا مَجَاز أَيْ اُحْضُرِي فَهَذَا وَقْتك "هَذَا غُلَام" فَعَلِمَ بِهِ إخْوَته فَأَتَوْهُ "وَأَسَرُّوهُ" أَيْ أَخْفَوْا أَمْره جَاعِلِيهِ "بِضَاعَة" بِأَنْ قَالُوا هَذَا عَبْدنَا أَبَقَ وَسَكَتَ يُوسُف خَوْفًا مِنْ أَنْ يَقْتُلُوهُ

وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (20)

وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ

"وَشَرَوْهُ" بَاعُوهُ مِنْهُمْ "بَخْس" نَاقِص "دَرَاهِم مَعْدُودَة" عِشْرِينَ أَوْ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ "وَكَانُوا" أَيْ إخْوَته "فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ" فَجَاءَتْ بِهِ السَّيَّارَة إلَى مِصْر فَبَاعَهُ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِعِشْرِينَ دِينَارًا وَزَوْجَيْ نَعْل وَثَوْبَيْنِ

وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21)

وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ

"وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْر" وَهُوَ قطفير الْعَزِيز "لِامْرَأَتِهِ" زُلَيْخَا "أَكْرِمِي مَثْوَاهُ" مُقَامه عِنْدنَا "عَسَى أَنْ يَنْفَعنَا أَوْ نَتَّخِذهُ وَلَدًا" وَكَانَ حَصُورًا "وَكَذَلِكَ" كَمَا نَجَّيْنَاهُ مِنْ الْقَتْل وَالْجُبّ وَعَطَّفْنَا عَلَيْهِ قَلْب الْعَزِيز "مَكَّنَّا لِيُوسُف فِي الْأَرْض" أَرْض مِصْر حَتَّى بَلَغَ مَا بَلَغَ "وَلِنُعَلِّمهُ مِنْ تَأْوِيل الْأَحَادِيث" تَعْبِير الرُّؤْيَا عُطِفَ عَلَى مُقَدَّر مُتَعَلِّق بمَكَّنَّا أَيْ لِنُمَلِّكهُ أَوْ الْوَاو زَائِدَة "وَاَللَّه غَالِب عَلَى أَمْره" تَعَالَى لَا يَعْجِزهُ شَيْء "وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس" وَهُمْ الْكُفَّار "لَا يَعْلَمُونَ" ذَلِكَ

وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22)

وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ

"وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدّه" وَهُوَ ثَلَاثُونَ سَنَة أَوْ وَثَلَاث "آتَيْنَاهُ حُكْمًا" حِكْمَة "وَعِلْمًا" فِقْهًا فِي الدِّين قَبْل أَنْ يُبْعَث نَبِيًّا "وَكَذَلِكَ" كَمَا جَزَيْنَاهُ "نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ" لِأَنْفُسِهِمْ

وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)

وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ

"وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتهَا" هِيَ زُلَيْخَا "عَنْ نَفْسه" أَيْ طَلَبَتْ مِنْهُ أَنْ يُوَاقِعهَا "وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَاب" لِلْبَيْتِ "وَقَالَتْ" لَهُ "هَيْتَ لَك" أَيْ هَلُمَّ وَاللَّامُ لِلتَّبْيِينِ وَفِي قِرَاءَة بِكَسْرِ الْهَاء وَأُخْرَى بِضَمِّ التَّاء "قَالَ مَعَاذ اللَّه" أَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ "إنَّهُ" الَّذِي اشْتَرَانِي "رَبِّي" سَيِّدِي "أَحْسَنَ مَثْوَايَ" مُقَامِي فَلَا أَخُونه فِي أَهْله "إنَّهُ" أَيْ الشَّأْن "لَا يُفْلِح الظَّالِمُونَ" الزُّنَاة

وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)

وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ

"وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ" قَصَدَتْ مِنْهُ الْجِمَاع "وَهَمَّ بِهَا" قَصَدَ ذَلِكَ "لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَان رَبّه" قَالَ ابْن عَبَّاس مُثِّلَ لَهُ يَعْقُوب فَضَرَبَ صَدْره فَخَرَجَتْ شَهْوَته مِنْ أَنَامِله وَجَوَاب لَوْلَا لَجَامَعَهَا "كَذَلِكَ" أَرَيْنَاهُ الْبُرْهَان "لِنَصْرِف عَنْهُ السُّوء" الْخِيَانَة "وَالْفَحْشَاء" الزِّنَا "إنَّهُ مِنْ عِبَادنَا الْمُخْلِصِينَ" فِي الطَّاعَة وَفِي قِرَاءَة بِفَتْحِ اللَّام أَيْ الْمُخْتَارِينَ

وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25)

وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ

"وَاسْتَبَقَا الْبَاب" بَادَرَ إلَيْهِ يُوسُف لِلْفِرَارِ وَهِيَ لِلتَّشَبُّثِ بِهِ فَأَمْسَكَتْ ثَوْبه وَجَذَبَتْهُ إلَيْهَا "وَقَدَّتْ" شَقَّتْ "قَمِيصه مِنْ دُبُر وَأَلْفَيَا" وَجَدَا "سَيِّدهَا" زَوْجهَا "لَدَى الْبَاب" فَنَزَّهَتْ نَفْسهَا ثُمَّ "قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِك سُوءًا" زِنًا "إلَّا أَنْ يُسْجَن" يُحْبَس فِي سِجْن "أَوْ عَذَاب أَلِيم" مُؤْلِم بِأَنْ يُضْرَب

قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26)

قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ

"قَالَ" يُوسُف مُتَبَرِّئًا "هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِد مِنْ أَهْلهَا" ابْن عَمّهَا رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ فِي الْمَهْد فَقَالَ "إنْ كَانَ قَمِيصه قُدَّ مِنْ قُبُل" قُدَّام

وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27)

وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ

"وَإِنْ كَانَ قَمِيصه قُدَّ مِنْ دُبُر" خَلْف

فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28)

فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ

"فَلَمَّا رَأَى" زَوْجهَا "قَمِيصه قُدَّ مِنْ دُبُر قَالَ إنَّهُ" أَيْ قَوْلك "مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ" إلَخْ "مِنْ كَيْدكُنَّ" أَيّهَا النِّسَاء

يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (29)

يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ

"يُوسُف أَعْرِضْ عَنْ هَذَا" الْأَمْر وَلَا تَذْكُرهُ لِئَلَّا يَشِيع "وَاسْتَغْفِرِي" يَا زُلَيْخَا "لِذَنْبِك إنَّك كُنْت مِنَ الْخَاطِئِينَ" الْآثِمِينَ وَاشْتَهَرَ الْخَبَر وَشَاعَ

وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (30)

وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ

"وَقَالَ نِسْوَة فِي الْمَدِينَة" مَدِينَة مِصْر "امْرَأَة الْعَزِيز تُرَاوِد فَتَاهَا" عَبْدهَا .
"عَنْ نَفْسه قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا" تَمْيِيز أَيْ دَخَلَ حُبّه شِغَاف قَلْبهَا أَيْ غِلَافه "إنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَال" أَيْ فِي خَطَأ "مُبِين" بَيِّن بِحُبِّهَا إيَّاهُ

فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31)

فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ

"فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ" غِيبَتهنَّ لَهَا "أَرْسَلَتْ إلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ" أَعَدَّتْ "لَهُنَّ مُتَّكَئًا" طَعَامًا يُقَطَّع بِالسِّكِّينِ لِلِاتِّكَاءِ عِنْده وَهُوَ الْأُتْرُجّ "وَآتَتْ" أَعْطَتْ "كُلّ وَاحِدَة مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتْ" لِيُوسُف "اُخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ" أَعْظَمْنَهُ "وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهنَّ" بِالسَّكَاكِينِ وَلَمْ يَشْعُرْنَ بِالْأَلَمِ لِشَغْلِ قَلْبهنَّ بِيُوسُف "وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ" تَنْزِيهًا لَهُ "مَا هَذَا" أَيْ يُوسُف "بَشَرًا إنْ" مَا "هَذَا إلَّا مَلَك كَرِيم" لِمَا حَوَاهُ مِنْ الْحُسْن الَّذِي لَا يَكُون عَادَة فِي النَّسَمَة الْبَشَرِيَّة وَفِي الْحَدِيث ( أَنَّهُ أُعْطِيَ شَطْر الْحُسْن )

قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ (32)

قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ

"قَالَتْ" امْرَأَة الْعَزِيز لَمَّا رَأَتْ مَا حَلَّ بِهِنَّ "فَذَلِكُنَّ" فَهَذَا هُوَ "الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ" فِي حُبّه بَيَان لِعُذْرِهَا "وَلَقَدْ رَاوَدْته عَنْ نَفْسه فَاسْتَعْصَمَ" امْتَنَعَ "وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَل مَا آمُرهُ" بِهِ "لَيُسْجَنَن وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ" الذَّلِيلِينَ فَقُلْنَ لَهُ أَطِعْ مَوْلَاتك

قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33)

قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ

"قَالَ رَبّ السِّجْن أَحَبّ إلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِف عَنِّي كَيْدهنَّ أَصْبُ" أَمِلْ "إلَيْهِنَّ وَأَكُنْ" أَصِرْ "مِنَ الْجَاهِلِينَ" الْمُذْنِبِينَ وَالْقَصْد بِذَلِكَ الدُّعَاء فَلِذَا قَالَ تَعَالَى :

فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34)

فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ

"فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبّه" دُعَاءَهُ "فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدهنَّ إنَّهُ هُوَ السَّمِيع" لِلْقَوْلِ "الْعَلِيم" بِالْفِعْلِ

ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35)

ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ

"ثُمَّ بَدَا" ظَهَرَ "لَهُمْ مِنْ بَعْد مَا رَأَوْا الْآيَات" الدَّالَّات عَلَى بَرَاءَة يُوسُف أَنْ يَسْجُنُوهُ دَلَّ عَلَى هَذَا "لَيُسْجَنَنَّهُ حَتَّى حِين" إلَى "حِين" يَنْقَطِع فِيهِ كَلَام النَّاس فَسُجِنَ

وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36)

وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ

"وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْن فَتَيَانِ" غُلَامَانِ لِلْمَلِكِ أَحَدهمَا سَاقِيه وَالْآخَر صَاحِب طَعَامه فَرَأَيَاهُ يَعْبُر الرُّؤْيَا فَقَالَا لِنَخْتَبِرَنَّهُ "قَالَ أَحَدهمَا" وَهُوَ السَّاقِي "إنِّي أَرَانِي أَعْصِر خَمْرًا" أَيْ عِنَبًا "وَقَالَ الْآخَر" وَهُوَ صَاحِب الطَّعَام "إنِّي أَرَانِي أَحْمِل فَوْق رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُل الطَّيْر مِنْهُ نَبِّئْنَا" خَبِّرْنَا "بِتَأْوِيلِهِ" بِتَعْبِيرِهِ

قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37)

قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ

"قَالَ" لَهُمَا مُخْبِرًا أَنَّهُ عَالِم بِتَعْبِيرِ الرُّؤْيَا "لَا يَأْتِيكُمَا طَعَام تُرْزَقَانِهِ" فِي مَنَامكُمَا "إلَّا نَبَّأَتْكُمَا بِتَأْوِيلِهِ" فِي الْيَقَظَة "قَبْل أَنْ يَأْتِيكُمَا" تَأْوِيله "ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي" فِيهِ حَثّ عَلَى إيمَانهمَا ثُمَّ قَوَّاهُ بِقَوْلِهِ "إنِّي تَرَكْت مِلَّة" دِين "قَوْم لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ" تَأْكِيد

وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38)

وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ

"وَاتَّبَعْت مِلَّة آبَائِي إبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب مَا كَانَ" يَنْبَغِي "لَنَا أَنْ نُشْرِك بِاَللَّهِ مِنْ" زَائِدَة "شَيْء" لِعِصْمَتِنَا "ذَلِكَ" التَّوْحِيد "مِنْ فَضْل اللَّه عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاس وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس" وَهُمْ الْكُفَّار "لَا يَشْكُرُونَ" اللَّه فَيُشْرِكُونَ ثُمَّ صَرَّحَ بِدُعَائِهِمَا إلَى الْإِيمَان فَقَالَ :

يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39)

يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ

"يَا صَاحِبَيِ" سَاكِنِي "السِّجْن أَأَرْبَاب مُتَفَرِّقُونَ خَيْر أَمِ اللَّه الْوَاحِد الْقَهَّار" خَيْر ؟ اسْتِفْهَام تَقْرِير

مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40)

مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ

"مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونه" أَيْ غَيْره "إلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا" سَمَّيْتُمْ بِهَا أَصْنَامًا "أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّه بِهَا" بِعِبَادَتِهَا "مِنْ سُلْطَان" حُجَّة وَبُرْهَان "إِنِ" مَا "الْحُكْم" الْقَضَاء "إلَّا لِلَّهِ" وَحْده "أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إلَّا إيَّاهُ ذَلِكَ" التَّوْحِيد "الدِّين الْقَيِّم" الْمُسْتَقِيم "وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس" وَهُمْ الْكُفَّار "لَا يَعْلَمُونَ" مَا يَصِيرُونَ إلَيْهِ مِنْ الْعَذَاب فَيُشْرِكُونَ

يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (41)

يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ

"يَا صَاحِبَيِ السِّجْن أَمَّا أَحَدكُمَا" أَيْ السَّاقِي فَيَخْرُج بَعْد ثَلَاث "فَيَسْقِي رَبّه" سَيِّده "خَمْرًا" عَلَى عَادَته "وَأَمَّا الْآخَر" فَيَخْرُج بَعْد ثَلَاث "فَيُصْلَب فَتَأْكُل الطَّيْر مِنْ رَأْسه" هَذَا تَأْوِيل رُؤْيَاكُمَا فَقَالَا مَا رَأَيْنَا شَيْئًا فَقَالَ "قُضِيَ" تَمَّ "الْأَمْر الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ" سَأَلْتُمَا عَنْهُ صَدَّقْتُمَا أَمْ كَذَّبْتُمَا

وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (42)

وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ

"وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ" أَيْقَنَ "أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا" وَهُوَ السَّاقِي "اُذْكُرْنِي عِنْد رَبّك" سَيِّدك فَقُلْ لَهُ إنَّ فِي السِّجْن غُلَامًا مَحْبُوسًا ظُلْمًا فَخَرَجَ "فَأَنْسَاهُ" أَيْ السَّاقِيَ "الشَّيْطَانُ ذِكْرَ" يُوسُف عِنْد "رَبّه فَلَبِثَ" مَكَثَ يُوسُف "فِي السِّجْن بِضْع سِنِينَ" قِيلَ سَبْعًا وَقِيلَ اثْنَتَيْ عَشْرَة

وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43)

وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا

"وَقَالَ الْمَلِك" مَلِك مِصْر الرَّيَّان بْن الْوَلِيد "إنِّي أَرَى" أَيْ رَأَيْت "سَبْع بَقَرَات سِمَان يَأْكُلهُنَّ" يَبْتَلِعهُنَّ "سَبْع" مِنْ الْبَقَر "عِجَاف" جَمْع عَجْفَاء "وَسَبْع سُنْبُلَات خُضْر وَأُخَر" أَيْ سَبْع سُنْبُلَات "يَابِسَات" قَدْ الْتَوَتْ عَلَى الْخُضْر وَعَلَتْ عَلَيْهَا "يَا أَيّهَا الْمَلَأ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ" بَيِّنُوا لِي تَعْبِيرهَا "إنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ" فَاعْبُرُوهَا

قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ (44)

قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ

"قَالُوا" هَذِهِ "أَضْغَاث أَحْلَام" أَخْلَاط

وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45)

وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِي

"وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا" أَيْ مِنْ الْفَتَيَيْنِ وَهُوَ السَّاقِي "وَادَّكَرَ" فِيهِ إبْدَال التَّاء فِي الْأَصْل دَالًا وَإِدْغَامهَا فِي الدَّال أَيْ تَذَكَّرَ "بَعْد أُمَّة" حِين حَال يُوسُف "أَنَا أُنَبِّئكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِي" فَأَرْسَلُوهُ فَأَتَى يُوسُف فَقَالَ :

يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46)

يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ

يَا "يُوسُف أَيّهَا الصِّدِّيق" الْكَثِير الصِّدْق "أَفْتِنَا فِي سَبْع بَقَرَات سِمَان يَأْكُلهُنَّ سَبْع سُنْبُلَات خُضْر وَأُخَر يَابِسَات لَعَلِّي أَرْجِع إلَى النَّاس" أَيْ الْمَلِك وَأَصْحَابه "لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ" تَعْبِيرهَا

قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47)

قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ

"قَالَ تَزْرَعُونَ" أَيْ ازْرَعُوا "سَبْع سِنِينَ دَأَبًا" مُتَتَابِعَة وَهِيَ تَأْوِيل السَّبْع السِّمَان "فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ" أَيْ اُتْرُكُوهُ "فِي سُنْبُله" لِئَلَّا يَفْسُد "إلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ" فَادْرُسُوهُ

ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48)

ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ

"ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْد ذَلِكَ" أَيْ السَّبْع الْمُخْصِبَات "سَبْع شِدَاد" مُجْدِبَات صِعَاب وَهِيَ تَأْوِيل السَّبْع الْعِجَاف "يَأْكُلْنَ مَا قَدِمْتُمْ لَهُنَّ" مِنْ الْحَبّ الْمَزْرُوع فِي السِّنِينَ الْمُخْصِبَات أَيْ تَأْكُلُونَهُ فِيهِنَّ "إلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ" تَدَّخِرُونَ

ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49)

ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ

"ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْد ذَلِكَ" أَيْ السَّبْع الْمُجْدِبَات "عَام فِيهِ يُغَاث النَّاس" بِالْمَطَرِ "وَفِيهِ يَعْصِرُونَ" الْأَعْنَاب وَغَيْرهَا لِخِصْبِهِ

وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50)

وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ

"وَقَالَ الْمَلِك" لَمَّا جَاءَهُ الرَّسُول وَأَخْبَرَهُ بِتَأْوِيلِهَا "ائْتُونِي بِهِ" أَيْ بِاَلَّذِي عَبَّرَهَا "فَلَمَّا جَاءَهُ" أَيْ يُوسُف "الرَّسُول" وَطَلَبَهُ لِلْخُرُوجِ "قَالَ" قَاصِدًا إظْهَار بَرَاءَته "ارْجِعْ إلَى رَبّك فَاسْأَلْهُ" أَنْ يَسْأَل "مَا بَال" حَال "النِّسْوَة اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيهنَّ إنَّ رَبِّي" سَيِّدِي "بِكَيْدِهِنَّ عَلِيم" فَرَجَعَ فَأَخْبَرَ الْمَلِك فَجَمَعَهُنَّ

قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51)

قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ

"قَالَ مَا خَطْبكُنَّ" شَأْنكُنَّ "إذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُف عَنْ نَفْسه" هَلْ وَجَدْتُنَّ مِنْهُ مَيْلًا إلَيْكُنَّ "قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوء قَالَتْ امْرَأَة الْعَزِيز الْآن حَصْحَصَ" وَضَحَ "الْحَقّ أَنَا رَاوَدْته عَنْ نَفْسه وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ" فِي قَوْله : "هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي" فَأَخْبَرَ يُوسُف بِذَلِكَ فَقَالَ

ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)

ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ

"ذَلِكَ" أَيْ طَلَب الْبَرَاءَة "لِيَعْلَم" الْعَزِيز "أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ" فِي أَهْله "بِالْغَيْبِ" حَال ثُمَّ تَوَاضَعَ لِلَّهِ فَقَالَ :

وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53)

وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ

"وَمَا أُبَرِّئ نَفْسِي" مِنْ الزَّلَل "إِنَّ النَّفْس" الْجِنْس "لَأَمَّارَة" كَثِيرَة الْأَمْر "بِالسُّوءِ إلَّا مَا" بِمَعْنَى مَنْ "رَحِمَ رَبِّي" فَعَصَمَهُ

وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54)

وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ

"وَقَالَ الْمَلِك ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصهُ لِنَفْسِي" أَجْعَلهُ خَالِصًا لِي دُون شَرِيك فَجَاءَهُ الرَّسُول وَقَالَ : أَجِبْ الْمَلِك فَقَامَ وَوَدَّعَ أَهْل السِّجْن وَدَعَا لَهُمْ ثُمَّ اغْتَسَلَ وَلَبِسَ ثِيَابًا حِسَانًا وَدَخَلَ عَلَيْهِ "فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ" لَهُ "إنَّك الْيَوْم لَدَيْنَا مَكِين أَمِين" ذُو مَكَانَة وَأَمَانَة عَلَى أَمْرنَا فَمَاذَا تَرَى أَنْ نَفْعَل ؟ قَالَ : اجْمَعْ الطَّعَام وَازَرْع زَرْعًا كَثِيرًا فِي هَذِهِ السِّنِينَ الْمُخْصِبَة وَادَّخِرْ الطَّعَام فِي سُنْبُله فَتَأْتِي إلَيْك الْخَلْق لِيَمْتَارُوا مِنْك فَقَالَ : وَمَنْ لِي بِهَذَا ؟

قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55)

قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ

"قَالَ" يُوسُف "اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِن الْأَرْض" أَرْض مِصْر "إنِّي حَفِيظ عَلِيم" ذُو حِفْظ وَعِلْم بِأَمْرِهَا وَقِيلَ كَاتِب حَاسِب

وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56)

وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ

"وَكَذَلِكَ" كَإِنْعَامِنَا عَلَيْهِ بِالْخَلَاصِ مِنْ السِّجْن "مَكَّنَّا لِيُوسُف فِي الْأَرْض" أَرْض مِصْر "يَتَبَوَّأ" يَنْزِل "مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء" بَعْد الضِّيق وَالْحَبْس وَفِي الْقِصَّة أَنَّ الْمَلِك تَوَجَّهَ وَخَتَمَهُ وَوَلَّاهُ مَكَان الْعَزِيز وَعَزَلَهُ وَمَاتَ بَعْد فَزَوَّجَهُ امْرَأَته فَوَجَدَهَا عَذْرَاء وَوَلَدَتْ لَهُ وَلَدَيْنِ وَأَقَامَ الْعَدْل بِمِصْرَ وَدَانَتْ لَهُ الرِّقَاب

وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57)

وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ

"وَلَأَجْر الْآخِرَة خَيْر" مِنْ أَجْر الدُّنْيَا وَدَخَلَتْ سُنُو الْقَحْط وَأَصَابَ أَرْض كَنْعَان وَالشَّام

وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (58)

وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ

"وَجَاءَ إخْوَة يُوسُف" إلَّا بِنْيَامِين لِيَمْتَارُوا لِمَا بَلَغَهُمْ أَنَّ عَزِيز مِصْر يُعْطِي الطَّعَام بِثَمَنِهِ "فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ" أَنَّهُمْ إخْوَته "وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ" لَايَعْرِفُونَهُ لِبُعْدِ عَهْدهمْ بِهِ وَظَنّهمْ هَلَاكه فَكَلَّمُوهُ بالعبرانية فَقَالَ كَالْمُنْكِرِ عَلَيْهِمْ : مَا أَقْدَمَكُمْ بِلَادِي ؟ فَقَالُوا لِلْمِيرَةِ فَقَالَ لَعَلَّكُمْ عُيُون قَالُوا مَعَاذ اللَّه قَالَ فَمِنْ أَيْنَ أَنْتُمْ ؟ قَالُوا مِنْ بِلَاد كَنْعَان وَأَبُونَا يَعْقُوب نَبِيّ اللَّه قَالَ وَلَهُ أَوْلَاد غَيْركُمْ ؟ قَالُوا نَعَمْ كُنَّا اثْنَيْ عَشَر فَذَهَبَ أَصْغَرنَا هَلَكَ فِي الْبَرِّيَّة وَكَانَ أَحَبّنَا إلَيْهِ وَبَقِيَ شَقِيقه فَاحْتَبَسَهُ لِيَتَسَلَّى بِهِ عَنْهُ فَأَمَرَ بِإِنْزَالِهِمْ وَإِكْرَامهمْ

وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (59)

وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ

"وَلَمَّا جَهَزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ" وَفَّى لَهُمْ كَيْلهمْ "قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ" أَيْ بِنْيَامِين لِأَعْلَم صِدْقكُمْ فِيمَا قُلْتُمْ "أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْل" أُتِمّهُ مِنْ غَيْر بَخْس

فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ (60)

فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ

"فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْل لَكُمْ عِنْدِي" أَيْ مِيرَة "وَلَا تَقْرَبُونِي" نَهْي أَوْ عَطْف عَلَى مَحَلّ فَلَا كَيْل أَيْ تُحْرَمُوا وَلَا تَقْرَبُوا

قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ (61)

قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ

"قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ" سَنَجْتَهِدُ فِي طَلَبه مِنْهُ "وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ" ذَلِكَ

وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (62)

وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ

"وَقَالَ لِفِتْيَتِهِ" وَفِي قِرَاءَة لِفِتْيَانِهِ غِلْمَانه "اجْعَلُوا بِضَاعَتهمْ" الَّتِي أَتَوْا بِهَا ثَمَن الْمِيرَة وَكَانَتْ دَرَاهِم "فِي رِحَالهمْ" أَوْعِيَتهمْ "لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إذَا انْقَلَبُوا إلَى أَهْلهمْ" وَفَرَّغُوا أَوْعِيَتهمْ "لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" إلَيْنَا لِأَنَّهُمْ لَا يَسْتَحِلُّونَ إمْسَاكهَا

فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (63)

فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ

"فَلَمَّا رَجَعُوا إلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْل" إنْ لَمْ تُرْسِل أَخَانَا إلَيْهِ "فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ" بِالنُّونِ وَالْيَاء

قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64)

قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ

"قَالَ هَلْ" مَا "آمَنَكُمْ عَلَيْهِ إلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ" يُوسُف "مِنْ قَبْل" وَقَدْ فَعَلْتُمْ بِهِ مَا فَعَلْتُمْ "فَاَللَّه خَيْر حَافِظًا" وَفِي قِرَاءَة حِفْظًا تَمْيِيز كَقَوْلِهِمْ لِلَّهِ دَرّه فَارِسًا "وَهُوَ أَرْحَم الرَّاحِمِينَ" فَأَرْجُو أَنْ يَمُنّ بِحِفْظِهِ

وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (65)

وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ

"وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعهمْ وَجَدُوا بِضَاعَتهمْ رُدَّتْ إلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي" مَا اسْتِفْهَامِيَّة أَيْ أَيّ شَيْء نَطْلُب مِنْ إكْرَام الْمَلِك أَعْظَم مِنْ هَذَا وَقُرِئَ بالفوقانية خِطَابًا لِيَعْقُوب وَكَانُوا ذَكَرُوا لَهُ إكْرَامًا لَهُمْ "هَذِهِ بِضَاعَتنَا رُدَّتْ إلَيْنَا وَنَمِير أَهْلنَا" نَأْتِي بِالْمِيرَةِ لَهُمْ وَهِيَ الطَّعَام "وَنَحْفَظ أَخَانَا وَنَزْدَاد كَيْل بَعِير" لِأَخِينَا "ذَلِكَ كَيْل يَسِير" سَهْل عَلَى الْمَلِك لِسَخَائِهِ

قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (66)

قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ

"قَالَ لَنْ أُرْسِلهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُون مَوْثِقًا" عَهْدًا "مِنْ اللَّه" بِأَنْ تَحْلِفُوا "لَتَأْتُنَنِّي بِهِ إلَّا أَنْ يُحَاط بِكُمْ" بِأَنْ تَمُوتُوا أَوْ تُغْلَبُوا فَلَا تُطِيقُوا الْإِتْيَان بِهِ فَأَجَابُوهُ إلَى ذَلِكَ "فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقهمْ" بِذَلِكَ "قَالَ اللَّه عَلَى مَا نَقُول" نَحْنُ وَأَنْتُمْ "وَكِيل" شَهِيد وَأَرْسَلَهُ مَعَهُمْ

وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67)

وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ

"وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا" مِصْر "مِنْ بَاب وَاحِد وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَاب مُتَفَرِّقَة" لِئَلَّا تُصِيبكُمْ الْعَيْن "وَمَا أُغْنِي" أَدْفَع "عَنْكُمْ" بِقَوْلِي ذَلِكَ "مِنْ اللَّه مِنْ" زَائِدَة "شَيْء" قَدَّرَهُ عَلَيْكُمْ وَإِنَّمَا ذَلِكَ شَفَقَة "إِنِ" مَا "الْحُكْم إلَّا لِلَّهِ" وَحْده "عَلَيْهِ تَوَكَّلْت" بِهِ وَثِقْت

وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (68)

وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ

"وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ" أَيْ مُتَفَرِّقِينَ "مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنْ اللَّه" أَيْ قَضَائِهِ "مِنْ" زَائِدَة "شَيْء إلَّا" لَكِنَّ "حَاجَة فِي نَفْس يَعْقُوب قَضَاهَا" وَهِيَ إرَادَة دَفْع الْعَيْن شَفَقَة "وَإِنَّهُ لَذُو عِلْم لِمَا عَلَّمْنَاهُ" لِتَعْلِيمِنَا إيَّاهُ "وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس" وَهُمْ الْكُفَّار "لَا يَعْلَمُونَ" إلْهَام اللَّه لِأَصْفِيَائِهِ

وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (69)

وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ

"وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُف آوَى" ضَمَّ "إلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إنِّي أَنَا أَخُوك فَلَا تَبْتَئِس" تَحْزَن "بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" مِنْ الْحَسَد لَنَا وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يُخْبِرهُمْ وَتَوَاطَأَ مَعَهُ عَلَى أَنَّهُ سَيَحْتَالُ عَلَى أَنْ يُبْقِيه عِنْده

فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (70)

فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ

"فَلَمَّا جَهَزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَة" هِيَ صَاع مِنْ الذَّهَب مُرَصَّع بِالْجَوْهَرِ "فِي رَحْل أَخِيهِ" بِنْيَامِين "ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّن" نَادَى مُنَادٍ بَعْد انْفِصَالهمْ عَنْ مَجْلِس يُوسُف "أَيَّتهَا الْعِير" الْقَافِلَة

قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ (71)

قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ

"قَالُوا وَ" قَدْ "أَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ" مَا الَّذِي "تَفْقِدُونَ" ـهُ

قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72)

قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ

"قَالُوا نَفْقِد صُوَاع" صَاع "الْمَلِك وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْل بَعِير" مِنْ الطَّعَام "وَأَنَا بِهِ" بِالْحَمْلِ "زَعِيم" كَفِيل

قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (73)

قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ

"قَالُوا تَاللَّهِ" قَسَم فِيهِ مَعْنَى التَّعَجُّب "لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِد فِي الْأَرْض وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ" مَا سَرَقْنَا قَطُّ

قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ (74)

قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ

"قَالُوا" أَيْ الْمُؤَذِّن وَأَصْحَابه "فَمَا جَزَاؤُهُ" أَيْ السَّارِق "إنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ" فِي قَوْلكُمْ مَا كُنَّا سَارِقِينَ وَوُجِدَ فِيكُمْ

قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75)

قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ

"قَالُوا جَزَاؤُهُ" مُبْتَدَأ خَبَره "مَنْ وُجِدَ فِي رَحْله" يَسْتَرِق ثُمَّ أُكِّدَ بِقَوْلِهِ "فَهُوَ" أَيْ السَّارِق "جَزَاؤُهُ" أَيْ الْمَسْرُوق لَا غَيْر وَكَانَتْ سُنَّة آل يَعْقُوب "كَذَلِكَ" الْجَزَاء "نَجْزِي الظَّالِمِينَ" بِالسَّرِقَةِ فَصَرَّحُوا لِيُوسُف بِتَفْتِيشِ أَوْعِيَتهمْ

فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76)

فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ

"فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ" فَفَتَّشَهَا "قَبْل وِعَاء أَخِيهِ" لِئَلَّا يُتْهَم "ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا" أَيْ السِّقَايَة "كَذَلِكَ" الْكَيْد "كِدْنَا لِيُوسُف" عَلَّمْنَاهُ الِاحْتِيَال فِي أَخْذ أَخِيهِ "مَا كَانَ" يُوسُف "لِيَأْخُذ أَخَاهُ" رَقِيقًا عَنْ السَّرِقَة "فِي دِين الْمَلِك" حُكْم مَلِك مِصْر لِأَنَّ جَزَاءَهُ عِنْده الضَّرْب وَتَغْرِيم مِثْلَيْ الْمَسْرُوق لَا الِاسْتِرْقَاق "إلَّا أَنْ يَشَاء اللَّه" أَخْذه بِحُكْمِ أَبِيهِ أَيْ لَمْ يَتَمَكَّن مِنْ أَخْذه إلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّه بِإِلْهَامِهِ سُؤَال إخْوَته وَجَوَابهمْ بِسُنَّتِهِمْ "نَرْفَع دَرَجَات مَنْ نَشَاء" بِالْإِضَافَةِ وَالتَّنْوِين فِي الْعِلْم كَيُوسُف "وَفَوْق كُلّ ذِي عِلْم" مِنْ الْمَخْلُوقِينَ "عَلِيم" أَعْلَم مِنْهُ حَتَّى يَنْتَهِي إلَى اللَّه تَعَالَى

قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (77)

قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ

"قَالُوا إنْ يَسْرِق فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْل" أَيْ يُوسُف وَكَانَ سَرَقَ لِأَبِي أُمّه صَنَمًا مِنْ ذَهَب فَكَسَرَهُ لِئَلَّا يَعْبُدهُ "فَأَسَرَّهَا يُوسُف فِي نَفْسه وَلَمْ يُبْدِهَا" يُظْهِرهَا "لَهُمْ" وَالضَّمِير لِلْكَلِمَةِ الَّتِي فِي قَوْله قَالُوا "قَالَ" فِي نَفْسه "أَنْتُمْ شَرّ مَكَانًا" مِنْ يُوسُف وَأَخِيهِ لِسَرِقَتِكُمْ أَخَاكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ وَظُلْمكُمْ لَهُ "وَاَللَّه أَعْلَم" عَالِم "بِمَا تَصِفُونَ" تَذْكُرُونَ مِنْ أَمْره

قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78)

قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ

"قَالُوا يَا أَيّهَا الْعَزِيز إنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا" يُحِبّهُ أَكْثَر مِنَّا وَيَتَسَلَّى بِهِ عَنْ وَلَده الْهَالِك وَيُحْزِنهُ فِرَاقه "فَخُذْ أَحَدنَا" اسْتَعْبِدْهُ "مَكَانه" بَدَلًا مِنْهُ "إنَّا نَرَاك مِنَ الْمُحْسِنِينَ" فِي أَفْعَالك

قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ (79)

قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ

"قَالَ مَعَاذ اللَّه" نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَر حُذِفَ فِعْله وَأُضِيفَ إلَى الْمَفْعُول أَيْ نَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ "أَنْ نَأْخُذ إلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعنَا عِنْده" لَمْ يَقُلْ مَنْ سَرَقَ تَحَرُّزًا مِنَ الْكَذِب "إنَّا إذًا لَظَالِمُونَ" إنَّ أَخَذْنَا غَيْره

فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80)

فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ

"فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا" يَئِسُوا "مِنْهُ خَلَصُوا" اعْتَزَلُوا "نَجِيًّا" مَصْدَر يَصْلُح لِلْوَاحِدِ وَغَيْره أَيْ يُنَاجِي بَعْضهمْ بَعْضًا "قَالَ كَبِيرهمْ" سِنًّا روبيل أَوْ رَأْيًا : يَهُوذَا "أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا" عَهْدًا "مِنَ اللَّه" فِي أَخِيكُمْ "وَمِنْ قَبْل مَا" زَائِدَة وَقِيلَ مَا مَصْدَرِيَّة مُبْتَدَأ خَبَره مِنْ قَبْل "فَلَنْ أَبْرَح" أُفَارِق "الْأَرْض" أَرْض مِصْر "حَتَّى يَأْذَن لِي أَبِي" بِالْعَوْدِ إلَيْهِ "أَوْ يَحْكُم اللَّه لِي" بِخَلَاصِ أَخِي "وَهُوَ خَيْر الْحَاكِمِينَ" أَعْدَلهمْ

ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81)

ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ

"ارْجِعُوا إلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إنَّ ابْنك سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا" عَلَيْهِ "إلَّا بِمَا عَلِمْنَا" تَيَقُّنًا مِنْ مُشَاهَدَة الصَّاع فِي رَحْله "وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ" لِمَا غَابَ عَنَّا حِين إعْطَاء الْمَوْثِق "حَافِظِينَ" وَلَوْ عَلِمْنَا أَنَّهُ يَسْرِق لَمْ نَأْخُذهُ

وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82)

وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ

"وَاسْأَلِ الْقَرْيَة الَّتِي كُنَّا فِيهَا" هِيَ مِصْر أَيْ أَرْسِلْ إلَى أَهْلهَا فَاسْأَلْهُمْ "وَالْعِير" أَصْحَاب الْعِير "الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا" وَهُمْ قَوْم مِنْ كَنْعَان "وَإِنَّا لَصَادِقُونَ" فِي قَوْلنَا فَرَجَعُوا إلَيْهِ وَقَالُوا لَهُ ذَلِكَ

قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83)

قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ

"قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ" زَيَّنَتْ "لَكُمْ أَنْفُسكُمْ أَمْرًا" فَفَعَلْتُمُوهُ اتَّهَمَهُمْ لِمَا سَبَقَ مِنْهُمْ مِنْ أَمْر يُوسُف "فَصَبْر جَمِيل" صَبْرِي "عَسَى اللَّه أَنْ يَأْتِي بِهِمْ" بِيُوسُف وَأَخَوَيْهِ "جَمِيعًا إنَّهُ هُوَ الْعَلِيم" بِحَالِي "الْحَكِيم" فِي صُنْعه

وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84)

وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ

"وَتَوَلَّى عَنْهُمْ" تَارِكًا خِطَابهمْ "وَقَالَ يَا أَسَفَى" الْأَلِف بَدَل مِنْ يَاء الْإِضَافَة أَيْ يَا حُزْنِي "عَلَى يُوسُف وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ" انْمَحَقَ سَوَادهمَا وَبُدِّلَ بَيَاضًا مِنْ بُكَائِهِ "مِنْ الْحُزْن" عَلَيْهِ "فَهُوَ كَظِيم" مَغْمُوم مَكْرُوب لَا يُظْهِر كَرْبه

قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85)

قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ

"قَالُوا تَاللَّهِ" لَا "تَفْتَأ" تَزَال "تَذْكُر يُوسُف حَتَّى تَكُون حَرَضًا" مُشْرِفًا عَلَى الْهَلَاك لِطُولِ مَرَضك وَهُوَ مَصْدَر يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِد وَغَيْره "أَوْ تَكُون مِنَ الْهَالِكِينَ" الْمَوْتَى

قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86)

قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ

"قَالَ" لَهُمْ "إنَّمَا أَشْكُو بَثِّي" هُوَ عَظِيم الْحُزْن الَّذِي لَا يَصْبِر عَلَيْهِ حَتَّى يُبَثّ إلَى النَّاس "وَحُزْنِي إلَى اللَّه" لَا إلَى غَيْره فَهُوَ الَّذِي تَنْفَع الشَّكْوَى إلَيْهِ "وَأَعْلَم مِنَ اللَّه مَا لَا تَعْلَمُونَ" مِنْ أَنَّ رُؤْيَا يُوسُف صِدْق وَهُوَ حَيّ ثُمَّ قَالَ:

يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87)

يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ

"يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُف وَأَخِيهِ" اُطْلُبُوا خَبَرهمَا "وَلَا تَيْأَسُوا" تَقْنَطُوا "مِنْ رَوْح اللَّه" رَحْمَته فَانْطَلَقُوا نَحْو مِصْر لِيُوسُف

فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88)

فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي

"فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيّهَا الْعَزِيز مَسَّنَا وَأَهْلنَا الضُّرّ" الْجُوع "وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاة" مَدْفُوعَة يَدْفَعهَا كُلّ مَنْ رَآهَا لِرَدَاءَتِهَا وَكَانَتْ دَرَاهِم زُيُوفًا أَوْ غَيْرهَا "فَأَوْفِ" أَتِمَّ "لَنَا الْكَيْل وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا" بِالْمُسَامَحَةِ عَنْ رَدَاءَة بِضَاعَتنَا "إنَّ اللَّه يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ" يُثِيبهُمْ فَرَقَّ لَهُمْ وَأَدْرَكَتْهُ الرَّحْمَة وَرَفَعَ الْحِجَاب بَيْنه وَبَيْنهمْ

قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ (89)

قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ

ثُمَّ "قَالَ" لَهُمْ تَوْبِيخًا "هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُف" مِنْ الضَّرْب وَالْبَيْع وَغَيْر ذَلِكَ "وَأَخِيهِ" مِنْ هَضْمكُمْ لَهُ بَعْد فِرَاق أَخِيهِ "إذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ" مَا يَئُول إلَيْهِ أَمْر يُوسُف

قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90)

قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ

"قَالُوا" بَعْد أَنْ عَرَفُوهُ لِمَا ظَهَرَ مِنْ شَمَائِله مُتَثَبِّتِينَ "أَإِنَّك" بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ وَتَسْهِيل الثَّانِيَة وَإِدْخَال أَلِف بَيْنهمَا عَلَى الْوَجْهَيْنِ "لَأَنْتَ يُوسُف قَالَ أَنَا يُوسُف وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ" أَنْعَمَ "اللَّه عَلَيْنَا" بِالِاجْتِمَاعِ "إنَّهُ مَنْ يَتَّقِ" يَخَفِ اللَّه "وَيَصْبِر" عَلَى مَا يَنَالهُ "فَإِنَّ اللَّه لَا يُضِيع أَجْر الْمُحْسِنِينَ" فِيهِ وَضْع الظَّاهِر مَوْضِع الْمُضْمَر

قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91)

قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ

"قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَك" فَضَّلَك "اللَّه عَلَيْنَا" بِالْمُلْكِ وَغَيْره "وَإِنْ" مُخَفَّفَة أَيْ إنَّا "كُنَّا لَخَاطِئِينَ" آثِمِينَ فِي أَمْرك فَأَذْلَلْنَاك

قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92)

قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ

"قَالَ لَا تَثْرِيب" عَتْب "عَلَيْكُمْ الْيَوْم" خَصَّهُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ مَظِنَّة التَّثْرِيب فَغَيْره أَوْلَى وَسَأَلَهُمْ عَنْ أَبِيهِ فَقَالُوا ذَهَبَتْ عَيْنَاهُ فَقَالَ :

اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93)

اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ

"اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا" وَهُوَ قَمِيص إبْرَاهِيم الَّذِي لَبِسَهُ حِين أُلْقِيَ فِي النَّار كَانَ فِي عُنُقه فِي الْجُبّ وَهُوَ مِنْ الْجَنَّة أَمَرَهُ جِبْرِيل بِإِرْسَالِهِ وَقَالَ إنَّ فِيهِ رِيحهَا وَلَا يُلْقَى عَلَى مُبْتَلًى إلَّا عُوفِيَ "فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْه أَبِي يَأْتِ" بَصِيرًا

وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ (94)

وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ

"وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِير" خَرَجَتْ مِنْ عَرِيش مِصْر "قَالَ أَبُوهُمْ" لِمَنْ حَضَرَ مِنْ بَنِيهِ وَأَوْلَادهمْ "إنِّي لَأَجِد رِيح يُوسُف" أَوْصَلْته إلَيْهِ الصِّبَا بِإِذْنِهِ تَعَالَى مِنْ مَسِير ثَلَاثَة أَيَّام أَوْ ثَمَانِيَة أَوْ أَكْثَر "لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ" تُسَفِّهُونِ لَصَدَّقْتُمُونِي

قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ (95)

قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ

"قَالُوا" لَهُ "تَاللَّهِ إنَّك فِي ضَلَالك" خَطَئِك "الْقَدِيم" مِنْ إفْرَاطك فِي مَحَبَّته وَرَجَاء لِقَائِهِ عَلَى بُعْد الْعَهْد

فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (96)

فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ

"فَلَمَّا أَنْ" زَائِدَة "جَاءَ الْبَشِير" يَهُوذَا بِالْقَمِيصِ وَكَانَ قَدْ حَمَلَ قَمِيص الدَّم فَأَحَبَّ أَنْ يُفْرِحهُ كَمَا أَحْزَنَهُ "أَلْقَاهُ" طَرَحَ الْقَمِيص "عَلَى وَجْهه فَارْتَدَّ" رَجَعَ

قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97)

لا يوجد تفسير لهذه الأية

قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98)

قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ

"قَالَ سَوْفَ أَسَتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إنَّهُ هُوَ الْغَفُور الرَّحِيم" أَخَّرَ ذَلِكَ إلَى السَّحَر لِيَكُونَ أَقْرَب إلَى الْإِجَابَة أَوْ إلَى لَيْلَة الْجُمُعَة ثُمَّ تَوَجَّهُوا إلَى مِصْر وَخَرَجَ يُوسُف وَالْأَكَابِر لِتَلَقِّيهمْ

فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (99)

فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ

"فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُف" فِي مَضْرِبه "آوَى" ضَمَّ "إلَيْهِ أَبَوَيْهِ" أَبَاهُ وَأُمّه أَوْ خَالَته "وَقَالَ" لَهُمْ "اُدْخُلُوا مِصْر إنْ شَاءَ اللَّه آمِنِينَ" فَدَخَلُوا وَجَلَسَ يُوسُف عَلَى سَرِيره

وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100)

وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ

"وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ" أَجْلَسَهُمَا مَعَهُ "عَلَى الْعَرْش" السَّرِير "وَخَرُّوا" أَيْ أَبَوَاهُ وَإِخْوَته "لَهُ سُجَّدًا" سُجُود انْحِنَاء لَا وَضْع جَبْهَة وَكَانَ تَحِيَّتهمْ فِي ذَلِكَ الزَّمَان "وَقَالَ يَا أَبَتِي هَذَا تَأْوِيل رُؤْيَايَ مِنْ قَبْل قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي" إلَيَّ "إذْ أَخْرَجَنِي مِنْ السِّجْن" لَمْ يَقُلْ مِنْ الْجُبّ تَكَرُّمًا لِئَلَّا تَخْجَل إخْوَته "وَجَاءَ بِكُمْ مِنْ الْبَدْو" الْبَادِيَة "مِنْ بَعْد أَنْ نَزَغَ" أَفْسَدَ "الشَّيْطَان بَيْنِي وَبَيْن إخْوَتِي إنَّ رَبِّي لَطِيف لِمَا يَشَاء إنَّهُ هُوَ الْعَلِيم" بِخَلْقِهِ "الْحَكِيم" فِي صُنْعه وَأَقَامَ عِنْده أَبُوهُ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ سَنَة أَوْ سَبْع عَشْرَة سَنَة وَكَانَتْ مُدَّة فِرَاقه ثَمَانِي عَشْرَة أَوْ أَرْبَعِينَ أَوْ ثَمَانِينَ سَنَة وَحَضَرَهُ الْمَوْت فَوَصَّى يُوسُفَ أَنْ يَحْمِلهُ وَيَدْفِنهُ عِنْد أَبِيهِ فَمَضَى بِنَفْسِهِ وَدَفَنَهُ ثَمَّةَ ثُمَّ عَادَ إلَى مِصْر وَأَقَامَ بَعْده ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ سَنَة وَلَمَّا تَمَّ أَمْره وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يَدُوم تَاقَتْ نَفْسه إلَى الْمُلْك الدَّائِم فَقَالَ :

رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101)

رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ

"رَبّ قَدْ آتَيْتنِي مِنْ الْمُلْك وَعَلَّمْتنِي مِنْ تَأْوِيل الْأَحَادِيث" تَعْبِير الرُّؤْيَا "فَاطِر" خَالِق "السَّمَوَات وَالْأَرْض أَنْتَ وَلِيّ" مُتَوَلِّي مَصَالِحِي "فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ" مِنْ آبَائِي فَعَاشَ بَعْد ذَلِكَ أُسْبُوعًا أَوْ أَكْثَر وَمَاتَ وَلَهُ مِائَة وَعِشْرُونَ سَنَة وَتَشَاحَّ الْمِصْرِيُّونَ فِي قَبْره فَجَعَلُوهُ فِي صُنْدُوق مِنْ مَرْمَر وَدَفَنُوهُ فِي أَعْلَى النِّيل لِتَعُمّ الْبَرَكَة جَانِبَيْهِ فَسُبْحَان مَنْ لَا انْقِضَاء لِمُلْكِهِ

ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102)

ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ

"ذَلِكَ" الْمَذْكُور مِنْ أَمْر يُوسُف "مِنْ أَنْبَاء" أَخْبَار "الْغَيْب" مَا غَابَ عَنْك يَا مُحَمَّد "نُوحِيهِ إلَيْك وَمَا كُنْت لَدَيْهِمْ" لَدَى إخْوَة يُوسُف "إذْ أَجْمَعُوا أَمْرهمْ" فِي كَيْده أَيْ عَزَمُوا عَلَيْهِ "وَهُمْ يَمْكُرُونَ" بِهِ أَيْ لَمْ تَحْضُرهُمْ فَتَعْرِف قِصَّتهمْ فَتُخْبِر بِهَا وَإِنَّمَا حَصَلَ لَك عِلْمهَا مِنْ جِهَة الْوَحْي

وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103)

وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ

"وَمَا أَكْثَر النَّاس" أَيْ أَهْل مَكَّة "وَلَوْ حَرَصْت" عَلَى إيمَانهمْ

وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (104)

وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ

"وَمَا تَسْأَلهُمْ عَلَيْهِ" أَيْ الْقُرْآن "مِنْ أَجْر" تَأْخُذهُ "إنْ" مَا "هُوَ" أَيْ الْقُرْآن "إلَّا ذِكْر" عِظَة

وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105)

وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ

"وَكَأَيِّنْ" وَكَمْ "مِنْ آيَة" دَالَّة عَلَى وَحْدَانِيَّة اللَّه "فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض يَمُرُّونَ عَلَيْهَا" يُشَاهِدُونَهَا "وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ" لَا يَتَفَكَّرُونَ بِهَا

وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)

وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ

"وَمَا يُؤْمِن أَكْثَرهمْ بِاَللَّهِ" حَيْثُ يُقِرُّونَ بِأَنَّهُ الْخَالِق الرَّازِق "إلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ" بِهِ بِعِبَادَةِ الْأَصْنَام وَلِذَا كَانُوا يَقُولُونَ فِي تَلْبِيَتهمْ : لَبَّيْكَ لَا شَرِيك لَك إلَّا شَرِيكًا هُوَ لَك تَمْلِكهُ وَمَا مَلَكَ يَعْنُونَهَا

أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (107)

أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ

"أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيهِمْ غَاشِيَة" نِقْمَة تَغْشَاهُمْ "مِنْ عَذَاب اللَّه أَوْ تَأْتِيهِمْ السَّاعَة بَغْتَة" فَجْأَة "وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ" بِوَقْتِ إتْيَانهَا قَبْله

قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)

قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ

"قُلْ" لَهُمْ "هَذِهِ سَبِيلِي" وَفَسَّرَهَا بِقَوْلِهِ "أَدْعُو إلَى" دِين "اللَّه عَلَى بَصِيرَة" حُجَّة وَاضِحَة "أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي" آمَنَ بِي عُطِفَ عَلَى أَنَا الْمُبْتَدَأ الْمُخْبَر عَنْهُ بِمَا قَبْله "وَسُبْحَان اللَّه" تَنْزِيهًا لَهُ عَنْ الشُّرَكَاء "وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ" مِنْ جُمْلَة سَبِيله أَيْضًا

وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ (109)

وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ

"وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلك إلَّا رِجَالًا يُوحَى" وَفِي قِرَاءَة بِالنُّونِ وَكَسْر الْحَاء "إلَيْهِمْ" لَا مَلَائِكَة "مِنْ أَهْل الْقُرَى" الْأَمْصَار لِأَنَّهُمْ أَعْلَم وَأَحْلَم بِخِلَافِ أَهْل الْبَوَادِي لِجَفَائِهِمْ وَجَهْلهمْ "أَفَلَمْ يَسِيرُوا" أَهْل مَكَّة "فِي الْأَرْض فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ" أَيْ آخِر أَمْرهمْ مِنْ إهْلَاكهمْ بِتَكْذِيبِهِمْ رُسُلهمْ "وَلَدَار الْآخِرَة" أَيْ الْجَنَّة "خَيْر لِلَّذِينَ اتَّقُوا" اللَّه "أَفَلَا يَعْقِلُونَ" بِالْيَاءِ وَالتَّاء يَا أَهْل مَكَّة هَذَا فَتُؤْمِنُونَ

حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110)

حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ

"حَتَّى" غَايَة لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ "وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلك إلَّا رِجَالًا" أَيْ فَتَرَاخَى نَصْرهمْ حَتَّى "اسْتَيْأَسَ" يَئِسَ "الرُّسُل وَظَنُّوا" أَيْقَنَ الرُّسُل "أَنَّهُمْ قَدْ كُذِّبُوا" بِالتَّشْدِيدِ تَكْذِيبًا لَا إيمَان بَعْده وَالتَّخْفِيف أَيْ ظَنَّ الْأُمَم أَنَّ الرُّسُل أُخْلِفُوا مَا وُعِدُوا بِهِ مِنْ النَّصْر "جَاءَهُمْ نَصْرنَا فَنُنَجِّي" بِنُونَيْنِ مُشَدَّدًا وَمُخَفَّفًا وَبِنُونٍ مُشَدَّدًا مَاضٍ "بَأْسنَا" عَذَابنَا "عَنِ الْقَوْم الْمُجْرِمِينَ" الْمُشْرِكِينَ

لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)

لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ

"لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصهمْ" أَيْ الرُّسُل "عِبْرَة لِأُولِي الْأَلْبَاب" أَصْحَاب الْعُقُول "مَا كَانَ" هَذَا الْقُرْآن "حَدِيثًا يُفْتَرَى" يُخْتَلَق "وَلَكِنْ" كَانَ "تَصْدِيق الَّذِي بَيْن يَدَيْهِ" قَبْله مِنْ الْكُتُب "وَتَفْصِيل" تَبْيِين "كُلّ شَيْء" يُحْتَاج إلَيْهِ فِي الدِّين "وَهُدَى" مِنْ الضَّلَالَة "وَرَحْمَة لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" خُصُّوا بِالذِّكْرِ لِانْتِفَاعِهِمْ بِهِ دُون غَيْرهمْ

المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (1)

المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ

سُورَة الرَّعْد [ مَكِّيَّة إلَّا "وَلَا يَزَال الَّذِينَ كَفَرُوا" الْآيَة "وَيَقُول الَّذِينَ كَفَرُوا أَلَسْت مُرْسَلًا" الْآيَة أَوْ مَدَنِيَّة إلَّا "وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا" الْآيَتَيْنِ 43 أَوْ 44 أَوْ 45 أَوْ 46 آيَة ]

"المر" اللَّه أَعْلَم بِمُرَادِهِ بِذَلِك "تِلْكَ" هَذِهِ الْآيَات "آيَات الْكِتَاب" الْقُرْآن وَالْإِضَافَة بِمَعْنَى مِنْ "وَاَلَّذِي أُنْزِلَ إلَيْك مِنْ رَبّك" أَيْ الْقُرْآن مُبْتَدَأ خَبَره "الْحَقّ" لَا شَكّ فِيهِ "وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس" أَيْ أَهْل مَكَّة "لَا يُؤْمِنُونَ" بِأَنَّهُ مِنْ عِنْده تَعَالَى

اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2)

اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ

"اللَّه الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَات بِغَيْرِ عَمَد تَرَوْنَهَا" أَيْ الْعَمَد جَمْع عِمَاد وَهُوَ الْأُسْطُوَانَة وَهُوَ صَادِق بِأَنْ لَا عَمَد أَصْلًا "ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش" اسْتِوَاء يَلِيق بَهْ "وَسَخَّرَ" ذَلَّلَ "الشَّمْس وَالْقَمَر كُلّ" مِنْهُمَا "يَجْرِي" فِي فَلَكه "لِأَجَلٍ مُسَمًّى" يَوْم الْقِيَامَة "يُدَبِّر الْأَمْر" يَقْضِي أَمْر مُلْكه "يُفَصِّل" يُبَيِّن "الْآيَات" دِلَالَات قُدْرَته "لَعَلَّكُمْ" يَا أَهْل مَكَّة "بِلِقَاءِ رَبّكُمْ" بِالْبَعْثِ

وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3)

وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ

"وَهُوَ الَّذِي مَدَّ" بَسَطَ "الْأَرْض وَجَعَلَ" خَلَقَ "فِيهَا رَوَاسِيَ" جِبَالًا ثَوَابِت "وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلّ الثَّمَرَات جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ" مِنْ كُلّ نَوْع "يُغْشِي" يُغَطِّي "اللَّيْل" بِظُلْمَتِهِ "النَّهَار إنَّ فِي ذَلِك" الْمَذْكُور "لَآيَات" دِلَالَات عَلَى وَحْدَانِيّته تَعَالَى "لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" فِي صُنْع اللَّه

وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4)

وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ

"وَفِي الْأَرْض قِطَع" بِقَاع مُخْتَلِفَة "مُتَجَاوِرَات" مُتَلَاصِقَات فَمِنْهَا طَيِّب وَسَبْخ وَقَلِيل الرِّيع وَكَثِيره وَهُوَ مِنْ دَلَائِل قُدْرَته تَعَالَى "وَجَنَّات" بَسَاتِين "مِنْ أَعْنَاب وَزَرْع" بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى جَنَّات وَالْجَرّ عَلَى أَعْنَاب وَكَذَا قَوْله "وَنَخِيل صِنْوَان" جَمْع صِنْو وَهِيَ النَّخَلَات يَجْمَعهَا أَصْل وَاحِد وَتَتَشَعَّب فُرُوعهَا "وَغَيْر صِنْوَانٍ" مُنْفَرِدَة "يُسْقَى" بِالتَّاءِ أَيْ الْجَنَّات وَمَا فِيهَا وَالْيَاء أَيْ الْمَذْكُور "َبِمَاءٍ وَاحِد وَنُفَضِّل" بِالنُّونِ وَالْيَاء "بَعْضهَا عَلَى بَعْض فِي الْأُكُل" بِضَمِّ الْكَاف وَسُكُونهَا فَمِنْ حُلْو وَحَامِض وَهُوَ مِنْ دَلَائِل قُدْرَته تَعَالَى "إنَّ فِي ذَلِك" الْمَذْكُور "لَآيَات لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ" يَتَدَبَّرُونَ

وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (5)

وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ

"وَإِنْ تَعْجَب" يَا مُحَمَّد مِنْ تَكْذِيب الْكُفَّار لَك "فَعَجَب" حَقِيق بِالْعَجَبِ "قَوْلُهُمْ" مُنْكِرِينَ لِلْبَعْثِ "أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْق جَدِيد" لِأَنَّ الْقَادِر عَلَى إنْشَاء الْخَلْق وَمَا تَقَدَّمَ عَلَى غَيْر مِثَال قَادِر عَلَى إعَادَتهمْ وَفِي الْهَمْزَتَيْنِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ التَّحْقِيق وَتَحْقِيق الْأَوْلَى وَتَسْهِيل الثَّانِيَة وَإِدْخَال أَلِف بَيْنهمَا عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَتَرْكهَا وَفِي قِرَاءَة بِالِاسْتِفْهَامِ فِي الْأَوَّل وَالْخَبَر فِي الثَّانِي وَأُخْرَى وَعَكْسه

وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ (6)

وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ

وَنَزَلَ فِي اسْتِعْجَالهمْ الْعَذَاب اسْتِهْزَاء "وَيَسْتَعْجِلُونَك بِالسَّيِّئَةِ" الْعَذَاب "قَبْل الْحَسَنَة" الرَّحْمَة "وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلهمْ الْمُثُلَات" جَمْع الْمَثُلَة بِوَزْنِ الثَّمُرَة أَيْ عُقُوبَات أَمْثَالهمْ مِنْ الْمُكَذِّبِينَ أَفَلَا يَعْتَبِرُونَ بِهَا ؟ "وَإِنَّ رَبّك لَذُو مَغْفِرَة لِلنَّاسِ عَلَى" مَعَ "ظُلْمهمْ" وَإِلَّا لَمْ يَتْرُك عَلَى ظَهْرهَا دَابَّة "وَإِنَّ رَبّك لَشَدِيد الْعِقَابِ" لِمَنْ عَصَاهُ

وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (7)

وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ

"وَيَقُول الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا" هَلَّا "أُنْزِلَ عَلَيْهِ" عَلَى مُحَمَّد "آيَة مِنْ رَبّه" كَالْعَصَا وَالْيَد وَالنَّاقَة "إنَّمَا أَنْت مُنْذِر" مُخَوِّف الْكَافِرِينَ وَلَيْسَ عَلَيْك إتْيَان الْآيَات "وَلِكُلِّ قَوْم هَادٍ" نَبِيّ يَدْعُوهُمْ إلَى رَبّهمْ بِمَا يُعْطِيه مِنْ الْآيَات لَا بِمَا يَقْتَرِحُونَ

اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8)

اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ

"اللَّه يَعْلَم مَا تَحْمِل كُلّ أُنْثَى" مِنْ ذَكَر وَأُنْثَى وَوَاحِد وَمُتَعَدِّد وَغَيْر ذَلِك "وَمَا تَغِيض" تَنْقُص "الْأَرْحَام" مِنْ مُدَّة الْحَمْل "وَمَا تَزْدَاد" مِنْهُ "وَكُلّ شَيْء عِنْده بِمِقْدَارٍ" بِقَدَرٍ وَحَدٍّ لَا يَتَجَاوَزهُ

عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9)

عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ

"عَالِمُ الْغَيْب وَالشَّهَادَة" مَا غَابَ وَمَا شُوهِدَ "الْكَبِير" الْعَظِيم "الْمُتَعَالِي" عَلَى خَلْقه بِالْقَهْرِ بِيَاءٍ وَدُونهَا

سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10)

سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ

"سَوَاء مِنْكُمْ" فِي عِلْمه تَعَالَى "مَنْ أَسَرَّ الْقَوْل وَمَنْ جَهَرَ بَهْ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ" مُسْتَتِر "بِاللَّيْلِ" بِظَلَامِهِ "وَسَارِب" ظَاهِر بِذَهَابِهِ فِي سِرْبه أَيْ طَرِيقه

لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11)

لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ

"لَهُ" لِلْإِنْسَانِ "مُعَقِّبَات" مَلَائِكَة تَتَعَقَّبهُ "مِنْ بَيْن يَدَيْهِ" قُدَّامه "وَمِنْ خَلْفه" وَرَائِهِ "يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْر اللَّه" أَيْ بِأَمْرِهِ مِنْ الْجِنّ وَغَيْرهمْ "إنَّ اللَّه لَا يُغَيِّر مَا بِقَوْمٍ" لَا يَسْلُبهُمْ نِعْمَته "حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ" مِنْ الْحَالَة الْجَمِيلَة بِالْمَعْصِيَةِ "وَإِذَا أَرَادَ اللَّه بِقَوْمٍ سُوءًا" عَذَابًا "فَلَا مَرَدَّ لَهُ" مِنْ الْمُعَقِّبَات وَلَا غَيْرهَا "وَمَا لَهُمْ" لِمَنْ أَرَادَ اللَّه بِهِمْ سُوءًا "مِنْ دُونه" أَيْ غَيْر اللَّه "مِنْ" زَائِدَة "وَالٍ" يَمْنَعهُ عَنْهُمْ

هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12)

هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ

"هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ الْبَرْق خَوْفًا" لِلْمُسَافِرِينَ مِنْ الصَّوَاعِق "وَطَمَعًا" لِلْمُقِيمِ فِي الْمَطَر "وَيُنْشِئ" يَخْلُق "السَّحَاب الثِّقَال" بِالْمَطَرِ

وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13)

وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ

"وَيُسَبِّح الرَّعْد" هُوَ مَلَك مُوَكَّل بِالسَّحَابِ يَسُوقهُ مُتَلَبِّسًا "بِحَمْدِهِ" أَيْ يَقُول سُبْحَان اللَّه وَبِحَمْدِهِ "و" يُسَبِّح "الْمَلَائِكَة مِنْ خِيفَته" أَيْ اللَّه "وَيُرْسِل الصَّوَاعِق" وَهِيَ نَار تَخْرُج مِنْ السَّحَاب "فَيُصِيب بِهَا مَنْ يَشَاء" فَتُحْرِقهُ نَزَلَ فِي رَجُل بَعَثَ إلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَدْعُوهُ فَقَالَ مَنْ رَسُولُ اللَّه وَمَا اللَّه أَمِنْ ذَهَب هُوَ أَمْ مِنْ فِضَّة أَمْ نُحَاس فَنَزَلَتْ بِهِ صَاعِقَة فَذَهَبَتْ بِقِحْفِ رَأْسه "وَهُمْ" أَيْ الْكُفَّار "يُجَادِلُونَ" يُخَاصِمُونَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "فِي اللَّه وَهُوَ شَدِيد الْمَحَال" الْقُوَّة أَوْ الْأَخَذ

لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (14)

لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ

"لَهُ" تَعَالَى "دَعْوَة الْحَقّ" أَيْ كَلِمَته وَهِيَ لَا إلَه إلَّا اللَّه "وَاَلَّذِينَ يَدْعُونَ" بِالْيَاءِ وَالتَّاء يَعْبُدُونَ "مِنْ دُونه" أَيْ غَيْره وَهُمْ الْأَصْنَام "لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ" مِمَّا يَطْلُبُونَهُ "إلَّا" اسْتِجَابَة "كَبَاسِطِ" أَيْ كَاسْتِجَابَةِ بَاسِط "كَفَّيْهِ إلَى الْمَاء" عَلَى شَفِيرِ الْبِئْر يَدْعُوهُ "لِيَبْلُغ فَاهُ" بِارْتِفَاعِهِ مِنْ الْبِئْر إلَيْهِ "وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ" أَيْ فَاهُ أَبَدًا فَكَذَلِكَ مَا هُمْ بِمُسْتَجِيبِينَ لَهُمْ "وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ" عِبَادَتُهُمْ الْأَصْنَام أَوْ حَقِيقَة الدُّعَاء "إلَّا فِي ضَلَال" ضَيَاع

وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (15)

وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ

"وَلِلَّهِ يَسْجُد مَنْ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض طَوْعًا" كَالْمُؤْمِنِينَ "وَكَرْهًا" كَالْمُنَافِقِينَ وَمَنْ أُكْرِهَ بِالسَّيْفِ "و" يَسْجُد "ظِلَالهمْ بِالْغُدُوِّ" الْبِكْر "وَالْآصَال" الْعَشَايَا

قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16)

قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ

"قُلْ" يَا مُحَمَّد لِقَوْمِك "مَنْ رَبّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض قُلْ اللَّه" إنْ لَمْ يَقُولُوهُ لَا جَوَاب غَيْره "قُلْ" لَهُمْ "أَفَاِتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونه" أَيْ غَيْره "أَوْلِيَاء" أَصْنَامًا تَعْبُدُونَهَا "لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا" وَتَرَكْتُمْ مَالِكهمَا ؟ اسْتِفْهَام تَوْبِيخ "قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِير" الْكَافِر وَالْمُؤْمِن "أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَات" الْكُفْر "وَالنُّور" الْإِيمَان ؟ لَا "أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاء خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْق" أَيْ خَلْق الشُّرَكَاء بِخَلْقِ اللَّه اسْتِفْهَام إنْكَار ؟ أَيْ لَيْسَ الْأَمْر كَذَلِكَ وَلَا يَسْتَحِقّ الْعِبَادَة إلَّا الْخَالِق "عَلَيْهِمْ" فَاعْتَقَدُوا اسْتِحْقَاق عِبَادَتهمْ بِخَلْقِهِمْ ؟ "قُلْ اللَّه خَالِق كُلّ شَيْء" لَا شَرِيك لَهُ فِيهِ فَلَا شَرِيك لَهُ فِي الْعِبَادَة "وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّار" لِعِبَادِهِ

أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (17)

أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ

ثُمَّ ضَرَبَ مَثَلًا لِلْحَقِّ وَالْبَاطِل فَقَالَ : "أَنْزَلَ" تَعَالَى "مِنْ السَّمَاء مَاء" مَطَرًا "فَسَالَتْ أَوْدِيَة بِقَدَرِهَا" بِمِقْدَارِ مِلْئِهَا "فَاحْتَمَلَ السَّيْل زَبَدًا رَابِيًا" عَالِيًا عَلَيْهِ هُوَ مَا عَلَى وَجْهه مِنْ قَذَر وَنَحْوه "وَمِمَّا يُوقِدُونَ" بِالتَّاءِ وَالْيَاء "عَلَيْهِ فِي النَّار" مِنْ جَوَاهِر الْأَرْض كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّة وَالنُّحَاس "ابْتِغَاء" طَلَب "حِلْيَة" زِينَة "أَوْ مَتَاع" يُنْتَفَع بِهِ كَالْأَوَانِي إذَا أُذِيبَتْ "زَبَد مِثْله" أَيْ مِثْل زَبَد السَّيْل وَهُوَ خَبَثه الَّذِي يَنْفِيه الْكِير "كَذَلِكَ" الْمَذْكُور "يَضْرِب اللَّه الْحَقّ وَالْبَاطِل" أَيْ مَثَلهمَا "فَأَمَّا الزَّبَد" مِنْ السَّيْل وَمَا أُوقِدَ عَلَيْهِ مِنْ الْجَوَاهِر "فَيَذْهَب جُفَاء" بَاطِلًا مَرْمِيًّا بِهِ "وَأَمَّا مَا يَنْفَع النَّاس" مِنْ الْمَاء وَالْجَوَاهِر "فَيَمْكُث" يَبْقَى "فِي الْأَرْض" زَمَانًا كَذَلِكَ الْبَاطِل يَضْمَحِلّ وَيَنْحَمِق وَإِنْ عَلَا عَلَى الْحَقّ فِي بَعْض الْأَوْقَات وَالْحَقّ ثَابِت بَاقٍ "كَذَلِكَ" الْمَذْكُور "يَضْرِب" يُبَيِّن

لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18)

لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ

"لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ" أَجَابُوهُ بِالطَّاعَةِ "الْحُسْنَى" الْجَنَّة "وَاَلَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ" وَهُمْ الْكُفَّار "لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا وَمِثْله مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ" مِنْ الْعَذَاب "أُولَئِكَ لَهُمْ سُوء الْحِسَاب" وَهُوَ الْمُؤَاخَذَة بِكُلِّ مَا عَمِلُوهُ لَا يُغْفَر مِنْهُ شَيْء "وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّم وَبِئْسَ الْمِهَاد" الْفِرَاش هِيَ

أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19)

أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ

وَنَزَلَ فِي حَمْزَة وَأَبِي جَهْل "أَفَمَنْ يَعْلَم أَنَّمَا أُنْزِلَ إلَيْك مِنْ رَبّك الْحَقّ" فَآمَنَ بِهِ "كَمَنْ هُوَ أَعْمَى" لَا يَعْلَمهُ وَلَا يُؤْمِن بِهِ لَا "إنَّمَا يَتَذَكَّر" يَتَّعِظ "أُولُو الْأَلْبَاب" أَصْحَاب الْعُقُول

الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20)

الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ

"الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّه" الْمَأْخُوذ عَلَيْهِمْ وَهُمْ فِي عَالَم الذَّرّ أَوْ كُلّ عَهْد "وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاق" بِتَرْكِ الْإِيمَان أَوْ الْفَرَائِض

وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21)

وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ

"وَاَلَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّه بِهِ أَنْ يُوصَل" مِنْ الْإِيمَان وَالرَّحِم وَغَيْر ذَلِك "وَيَخْشَوْنَ رَبّهمْ" أَيْ وَعِيده "وَيَخَافُونَ سُوء الْحِسَاب" تَقَدَّمَ مِثْله

وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22)

وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ

"وَاَلَّذِينَ صَبَرُوا" عَلَى الطَّاعَة وَالْبَلَاء وَعَنْ الْمَعْصِيَة "ابْتِغَاء" طَلَب "وَجْه رَبّهمْ" لَا غَيْره مِنْ أَعْرَاض الدُّنْيَا "وَأَقَامُوا الصَّلَاة وَأَنْفَقُوا" فِي الطَّاعَة "مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَة وَيَدْرَءُونَ" يَدْفَعُونَ "بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَة" كَالْجَهْلِ بِالْحِلْمِ وَالْأَذَى بِالصَّبْرِ "أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّار" أَيْ الْعَاقِبَة الْمَحْمُودَة فِي الدَّار الْآخِرَة هِيَ :

جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23)

جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ

"جَنَّات عَدْن" إقَامَة "يَدْخُلُونَهَا" هُمْ "وَمَنْ صَلَحَ" آمَنَ "مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجهمْ وَذُرِّيَّاتهمْ" وَإِنْ لَمْ يَعْمَلُوا بِعَمَلِهِمْ يَكُونُونَ فِي دَرَجَاتهمْ تَكْرِمَة لَهُمْ "وَالْمَلَائِكَة يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلّ بَاب" مِنْ أَبْوَاب الْجَنَّة أَوْ الْقُصُور أَوَّل دُخُولهمْ لِلتَّهْنِئَةِ

سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)

سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ

يَقُولُونَ "سَلَام عَلَيْكُمْ" هَذَا الثَّوَاب "بِمَا صَبَرْتُمْ" بِصَبْرِكُمْ فِي الدُّنْيَا "فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّار" عُقْبَاكُمْ

وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25)

وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ

"وَاَلَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْد اللَّه مِنْ بَعْد مِيثَاقه وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّه بِهِ أَنْ يُوصَل وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض" بِالْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي "أُولَئِكَ لَهُمْ اللَّعْنَة" الْبُعْد مِنْ رَحْمَة اللَّه "وَلَهُمْ سُوء الدَّار" الْعَاقِبَة السَّيِّئَة فِي الدَّار الْآخِرَة وَهِيَ جَهَنَّم

اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ (26)

اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ

"اللَّه يَبْسُط الرِّزْق" يُوَسِّعهُ "لِمَنْ يَشَاء وَيَقْدِر" يُضَيِّقهُ لِمَنْ يَشَاء "وَفَرِحُوا" أَيْ أَهْل مَكَّة فَرَح بَطَر "بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا" أَيْ بِمَا نَالُوهُ فِيهَا "وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا فِي" جَنْب حَيَاة "الْآخِرَة إلَّا مَتَاع" شَيْء قَلِيل يُتَمَتَّع بِهِ وَيَذْهَب

وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (27)

وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ

"وَيَقُول الَّذِينَ كَفَرُوا" مِنْ أَهْل مَكَّة "لَوْلَا" هَلَّا "أُنْزِلَ عَلَيْهِ" عَلَى مُحَمَّد "آيَة مِنْ رَبّه" كَالْعَصَا وَالْيَد وَالنَّاقَة "قُلْ" لَهُمْ "إنَّ اللَّه يُضِلّ مَنْ يَشَاء" إضْلَاله فَلَا تُغْنِي عَنْهُ الْآيَات شَيْئًا "وَيَهْدِي" يُرْشِد "إلَيْهِ" إلَى دِينه "مَنْ أَنَابَ" رَجَعَ إلَيْهِ وَيُبْدَلُ مِنْ مَنْ

الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)

الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ

"الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنّ" تَسْكُنُ "قُلُوبهمْ بِذِكْرِ اللَّه" أَيْ وَعْده "أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب" أَيْ قُلُوب الْمُؤْمِنِينَ

الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (29)

الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ

"الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات" مُبْتَدَأ خَبَره "طُوبَى" مَصْدَر مِنْ الطِّيب أَوْ شَجَرَة فِي الْجَنَّة يَسِير الرَّاكِب فِي ظِلّهَا مِائَة عَام مَا يَقْطَعهَا "لَهُمْ وَحُسْن مَآب" مَرْجِع

كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (30)

كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ

"كَذَلِكَ" كَمَا أَرْسَلْنَا الْأَنْبِيَاء قَبْلك "أَرْسَلْنَاك فِي أُمَّة قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلهَا أُمَم لِتَتْلُوَ" تَقْرَأ "عَلَيْهِمْ الَّذِي أَوْحَيْنَا إلَيْك" أَيْ الْقُرْآن "وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ" حَيْثُ قَالُوا لَمَّا أُمِرُوا بِالسُّجُودِ لَهُ وَمَا الرَّحْمَن ؟ "قُلْ" لَهُمْ يَا مُحَمَّد

وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31)

وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ

وَنَزَلَ لَمَّا قَالُوا لَهُ إنْ كُنْت نَبِيًّا فَسَيِّرْ عَنَّا جِبَال مَكَّة وَاجَعَل لَنَا فِيهَا أَنْهَارًا وَعُيُونًا لِنَغْرِس وَنَزْرَع وَابْعَثْ لَنَا آبَاءَنَا الْمَوْتَى يُكَلِّمُونَا أَنَّك نَبِيّ "وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَال" نُقِّلَتْ عَنْ أَمَاكِنهَا "أَوْ قُطِّعَتْ" شُقِّقَتْ "بِهِ الْأَرْض أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى" بِأَنْ يُحْيَوْا لَمَّا آمَنُوا "بَلْ لِلَّهِ الْأَمْر جَمِيعًا" لَا لِغَيْرِهِ فَلَا يُؤْمِنُ إلَّا مَنْ شَاءَ إيمَانَهُ دُون غَيْره إنْ أُوتُوا مَا اقْتَرَحُوا وَنَزَلَ لَمَّا أَرَادَ الصَّحَابَة إظْهَار مَا اقْتَرَحُوا طَمَعًا فِي إيمَانهمْ "أَفَلَمْ يَيْأَس" يَعْلَم "الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ" مُخَفَّفَة أَيْ أَنَّهُ "لَوْ يَشَاء اللَّه لَهَدَى النَّاس جَمِيعًا" إلَى الْإِيمَان مِنْ غَيْر آيَة "وَلَا يَزَال الَّذِينَ كَفَرُوا" مِنْ أَهْل مَكَّة "تُصِيبهُمْ بِمَا صَنَعُوا" بِصُنْعِهِمْ أَيْ كُفْرهمْ "قَارِعَة" دَاهِيَة تَقْرَعهُمْ بِصُنُوفِ الْبَلَاء مِنْ الْقَتْل وَالْأَسْر وَالْحَرْب وَالْجَدْب "أَوْ تَحُلّ" يَا مُحَمَّد بِجَيْشِك "قَرِيبًا مِنْ دَارهمْ" مَكَّة "حَتَّى يَأْتِي وَعْد اللَّه" بِالنَّصْرِ عَلَيْهِمْ "إنَّ اللَّه لَا يُخْلِف الْمِيعَاد" وَقَدْ حَلَّ بِالْحُدَيْبِيَةِ حَتَّى أَتَى فَتْح مَكَّة

وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (32)

وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ

"وَلَقَدْ اُسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلك" كَمَا اُسْتُهْزِئَ بِك وَهَذَا تَسْلِيَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "فَأَمْلَيْت" أَمْهَلْت "لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتهمْ" بِالْعُقُوبَةِ "فَكَيْفَ كَانَ عِقَاب" أَيْ هُوَ وَاقِع مَوْقِعه فَكَذَلِكَ أَفْعَل بِمَنْ اسْتَهْزَأَ بِك

أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33)

أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ

"أَفَمَنْ هُوَ قَائِم" رَقِيب "عَلَى كُلّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ" عَمِلَتْ مِنْ خَيْر وَشَرّ وَهُوَ اللَّه كَمَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ مِنْ الْأَصْنَام لَا دَلِيل عَلَى هَذَا "وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاء قُلْ سَمُّوهُمْ" لَهُ مَنْ هُمْ ؟ "أَمْ" بَلْ أَ "تُنَبِّئُونَهُ" تُخْبِرُونَ اللَّه "بِمَا" أَيْ بِشَرِيكٍ "لَا يَعْلَم" ـهُ "فِي الْأَرْض" اسْتِفْهَام إنْكَار أَيْ لَا شَرِيك لَهُ إذْ لَوْ كَانَ لِعِلْمِهِ تَعَالَى عَنْ ذَلِك "أَمْ" بَلْ تُسَمُّونَهُمْ شُرَكَاء "بِظَاهِرٍ مِنْ الْقَوْلِ" بِظَنٍّ بَاطِل لَا حَقِيقَة لَهُ فِي الْبَاطِن "بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرهمْ" كُفْرهمْ "وَصُدُّوا عَنْ السَّبِيل" طَرِيق الْهُدَى

لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (34)

لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ

"لَهُمْ عَذَاب فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا" بِالْقَتْلِ وَالْأَسْر "وَلَعَذَاب الْآخِرَة أَشَقّ" أَشَدّ مِنْهُ "وَمَا لَهُمْ مِنْ اللَّه" أَيْ عَذَابه "مِنْ وَاقٍ" مَانِع

مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (35)

مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ

"مَثَل" صِفَة "الْجَنَّة الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ" مُبْتَدَأ خَبَره مَحْذُوف أَيْ فِيمَا نَقُصّ عَلَيْكُمْ "أُكُلهَا" مَا يُؤْكَل فِيهَا "دَائِم" لا يفنى "وَظِلُّهَا" دَائِم لَا تَنْسَخهُ شَمْس لِعَدِمِهَا فِيهَا "تِلْكَ" أَيْ الْجَنَّة "عُقْبَى" عَاقِبَة "الَّذِينَ اتَّقَوْا" الشِّرْك

وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ (36)

وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ

"وَاَلَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَاب" كَعَبْدِ اللَّه بْن سَلَام وَغَيْره مِنْ مُؤْمِنِي الْيَهُود "يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْك" لِمُوَافَقَتِهِ مَا عِنْدهمْ "وَمِنْ الْأَحْزَاب" الَّذِينَ تَحَزَّبُوا عَلَيْك بِالْمُعَادَاةِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَالْيَهُود "مَنْ يُنْكِرُ بَعْضه" كَذِكْرِ الرَّحْمَن وَمَا عَدَا الْقَصَص "قُلْ إنَّمَا أُمِرْت" فِيمَا أُنْزِلَ إلَيَّ "أَنْ" أَيْ بِأَنْ "أَعْبُدَ اللَّه وَلَا أُشْرِك بِهِ إلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآب" مَرْجِعِي

وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ (37)

وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ

"وَكَذَلِكَ" الْإِنْزَال "أَنْزَلْنَاهُ" أَيْ الْقُرْآن "حُكْمًا عَرَبِيًّا" بِلُغَةِ الْعَرَب تَحْكُم بِهِ بَيْن النَّاس "وَلَئِنْ اتَّبَعْت أَهْوَاءَهُمْ" أَيْ الْكُفَّار فِيمَا يَدْعُونَك إلَيْهِ مِنْ مِلَّتهمْ فَرْضًا "بَعْدَمَا جَاءَك مِنْ الْعِلْم" بِالتَّوْحِيدِ "مَا لَك مِنْ اللَّه مِنْ" زَائِدَة "وَلِيّ" نَاصِر "وَلَا وَاقٍ" مَانِع مِنْ عَذَابه

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38)

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ

وَنَزَلَ لَمَّا عَيَّرُوهُ بِكَثْرَةِ النِّسَاء : "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلك وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّة" أَوْلَادًا وَأَنْتَ مِثْلهمْ "وَمَا كَانَ لِرَسُولِ" مِنْهُمْ "أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إلَّا بِإِذْنِ اللَّه" لِأَنَّهُمْ عَبِيدٌ مَرْبُوبُونَ "لِكُلِّ أَجَلٍ" مُدَّة "كِتَاب" مَكْتُوب فِيهِ تَحْدِيده

يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39)

يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ

"يَمْحُو اللَّه" مِنْهُ "مَا يَشَاء وَيُثْبِت" بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد فِيهِ مَا يَشَاء مِنْ الْأَحْكَام وَغَيْرهَا "وَعِنْده أُمّ الْكِتَاب" أَصْله الَّذِي لَا يَتَغَيَّر مِنْهُ شَيْء وَهُوَ مَا كَتَبَهُ فِي الْأَزَل

وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (40)

وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ

"وَإِمَّا" فِيهِ إدْغَام نُون إنْ الشَّرْطِيَّة فِي مَا الْمَزِيدَة "نُرِيَنَّكَ بَعْض الَّذِي نَعِدهُمْ" بِهِ مِنْ الْعَذَاب فِي حَيَاتك وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف أَيْ فَذَاكَ "أَوْ أَتَوَفَّيَنك" قَبْل تَعْذِيبهمْ "فَإِنَّمَا عَلَيْك الْبَلَاغ" مَا عَلَيْك إلَّا التَّبْلِيغ "وَعَلَيْنَا الْحِسَاب" إذَا صَارُوا إلَيْنَا فَنُجَازِيهِمْ

أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41)

أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ

"أَوَلَمْ يَرَوْا" أَيْ أَهْل مَكَّة "أَنَّا نَأْتِي الْأَرْض" نَقْصِد أَرْضهمْ "نَنْقُصهَا مِنْ أَطْرَافهَا" بِالْفَتْحِ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "وَاَللَّه يَحْكُم" فِي خَلْقه بِمَا يَشَاء "لَا مُعَقِّب" لَا رَادّ

وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42)

وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ

"وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ" مِنْ الْأُمَم بِأَنْبِيَائِهِمْ كَمَا مَكَرُوا بِك "فَلِلَّهِ الْمَكْر جَمِيعًا" وَلَيْسَ مَكْرهمْ كَمَكْرِهِ لِأَنَّهُ تَعَالَى "يَعْلَم مَا تَكْسِب كُلّ نَفْس" فَيُعِدّ لَهَا جَزَاءَهُ وَهَذَا هُوَ الْمَكْر كُلّه لِأَنَّهُ يَأْتِيهِمْ بِهِ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ "وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّار" الْمُرَاد بِهِ الْجِنْس وَفِي قِرَاءَةٍ الْكُفَّار "لِمَنْ عُقْبَى الدَّار" أَيْ الْعَاقِبَة الْمَحْمُودَة فِي الدَّار الْآخِرَة أَلَهُمْ أَمْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه

وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43)

وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ

"وَيَقُول الَّذِينَ كَفَرُوا" لَك "لَسْت مُرْسَلًا قُلْ" لَهُمْ "كَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنكُمْ" عَلَى صِدْقِي "وَمَنْ عِنْده عِلْم الْكِتَاب" مِنْ مُؤْمِنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى

الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1)

الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ

سُورَة إبْرَاهِيم [ مَكِّيَّة إلَّا آيَتَيْ 28 و29 فَمَدَنِيَّتَانِ وَآيَاتهَا 52 أَوْ 54 أَوْ 55 آيَة ]

"الر" اللَّه أَعْلَم بِمُرَادِهِ بِذَلِكَ "كِتَاب" هَذَا الْقُرْآن "أَنْزَلْنَاهُ إلَيْك" يَا مُحَمَّد "لِتُخْرِج النَّاس مِنَ الظُّلُمَات" الْكُفْر "إلَى النُّور" الْإِيمَان "بِإِذْنِ" بِأَمْرِ "رَبّهمْ" وَيُبْدَل مِنْ : إلَى النُّور "إلَى صِرَاط" طَرِيق "الْعَزِيز" الْغَالِب "الْحَمِيد" الْمَحْمُود

اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2)

اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ

"اللَّه" بِالْجَرِّ بَدَل أَوْ عَطْف بَيَان وَمَا بَعْده صِفَة وَالرَّفْع مُبْتَدَأ خَبَره "الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الْأَرْض" مُلْكًا وَخَلْقًا وَعَبِيدًا

الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (3)

الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ

"الَّذِينَ" نَعْت "يَسْتَحِبُّونَ" يَخْتَارُونَ "الْحَيَاة الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَة وَيَصُدُّونَ" النَّاس "عَنْ سَبِيل اللَّه" دِين الْإِسْلَام "وَيَبْغُونَهَا" أَيْ السَّبِيل "عِوَجًا" مُعْوَجَّة "أُولَئِكَ فِي ضَلَال بَعِيد" عَنِ الْحَقّ

وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4)

وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

"وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُول إلَّا بِلِسَانِ" بِلُغَةِ "قَوْمه لِيُبَيِّن لَهُمْ" لِيُفَهِّمهُمْ مَا أَتَى بِهِ "فَيُضِلّ اللَّه مَنْ يَشَاء وَيَهْدِي مَنْ يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيز" فِي مُلْكه "الْحَكِيم" فِي صُنْعه

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5)

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ

"وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا" التِّسْع وَقُلْنَا لَهُ "أَنْ أَخْرِجْ قَوْمك" بَنِي إسْرَائِيل "مِنَ الظُّلُمَات" الْكُفْر "إلَى النُّور" الْإِيمَان "وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّه" بِنِعَمِهِ "إنَّ فِي ذَلِكَ" التَّذْكِير "لَآيَات لِكُلِّ صَبَّار" عَلَى الطَّاعَة "شَكُور" لِلنِّعَمِ

وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (6)

وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ

"و" اُذْكُرْ "إذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اُذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ إذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آل فِرْعَوْن يَسُومُونَكُمْ سُوء الْعَذَاب وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ" الْمَوْلُودِينَ "وَيَسْتَحْيُونَ" يَسْتَبْقُونَ "نِسَاءَكُمْ" لِقَوْلِ بَعْض الْكَهَنَة إنَّ مَوْلُودًا يُولَد فِي بَنِي إسْرَائِيل يَكُون سَبَب ذَهَاب مُلْك فِرْعَوْن "وَفِي ذَلِكُمْ" الْإِنْجَاء أَوْ الْعَذَاب "بَلَاء" إنْعَام أَوْ ابْتِلَاء

وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7)

وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ

"وَإِذْ تَأَذَّنَ" أَعْلَمَ "رَبّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ" نِعْمَتِي بِالتَّوْحِيدِ وَالطَّاعَة "لَأَزِيدَنكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ" جَحَدْتُمْ النِّعْمَة بِالْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَة لَأُعَذِّبَنكُمْ دَلَّ عَلَيْهِ "إنَّ عَذَابِي لَشَدِيد"

وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8)

وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ

"وَقَالَ مُوسَى" لِقَوْمِهِ "إنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْض جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّه لَغَنِيّ" عَنْ خَلْقه "حَمِيد" مَحْمُود فِي صُنْعه بِهِمْ

أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9)

أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ

"أَلَمْ يَأْتِكُمْ" اسْتِفْهَام تَقْرِير "نَبَأ" خَبَر "الَّذِينَ مِنْ قَبْلكُمْ قَوْم نُوح وَعَادٍ" قَوْم هُود "وَثَمُود" قَوْم صَالِح "وَاَلَّذِينَ مِنْ بَعْدهمْ لَا يَعْلَمهُمْ إلَّا اللَّه" لِكَثْرَتِهِمْ "جَاءَتْهُمْ رُسُلهمْ بِالْبَيِّنَاتِ" بِالْحُجَجِ الْوَاضِحَة عَلَى صِدْقهمْ "فَرَدُّوا" أَيْ الْأُمَم "أَيْدِيهمْ فِي أَفْوَاههمْ" أَيْ إلَيْهَا لِيَعَضُّوا عَلَيْهَا مِنْ شِدَّة الْغَيْظ "وَقَالُوا إنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ" فِي زَعْمكُمْ "وَإِنَّا لَفِي شَكّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إلَيْهِ مُرِيب" مُوقِع فِي الرِّيبَة

قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (10)

قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ

"قَالَتْ رُسُلهمْ أَفِي اللَّه شَكّ" اسْتِفْهَام إنْكَار أَيْ لَا شَكّ فِي تَوْحِيده لِلدَّلَائِلِ الظَّاهِرَة عَلَيْهِ "فَاطِر" خَالِق "السَّمَاوَات وَالْأَرْض يَدْعُوكُمْ" إلَى طَاعَته .
"لِيَغْفِر لَكُمْ مِنْ ذُنُوبكُمْ" مِنْ زَائِدَة فَإِنَّ الْإِسْلَام يُغْفَر بِهِ مَا قَبْله أَوْ تَبْعِيضِيَّةٌ لِإِخْرَاجِ حُقُوق الْعِبَاد "وَيُؤَخِّركُمْ" بِلَا عَذَاب "إلَى أَجَل مُسَمًّى" أَجَل الْمَوْت "قَالُوا إنْ" مَا "أَنْتُمْ إلَّا بَشَر مِثْلنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُد آبَاؤُنَا" مِنْ الْأَصْنَام "فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِين" حُجَّة ظَاهِرَة عَلَى صِدْقكُمْ

قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11)

قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ

"قَالَتْ لَهُمْ رُسُلهمْ إنْ" مَا "نَحْنُ إلَّا بَشَر مِثْلكُمْ" كَمَا قُلْتُمْ "وَلَكِنَّ اللَّه يَمُنّ عَلَى مَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده" بِالنُّبُوَّةِ "وَمَا كَانَ" مَا يَنْبَغِي "لَنَا أَنْ نَأْتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ إلَّا بِإِذْنِ اللَّه" بِأَمْرِهِ لِأَنَّنَا عَبِيد مَرْبُوبُونَ "وَعَلَى اللَّه فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ" يَثِقُوا بِهِ

وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12)

وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ

"وَمَا لَنَا أَلَّا أَ" نْ "لَا نَتَوَكَّل عَلَى اللَّه" أَيْ لَا مَانِع لَنَا مِنْ ذَلِكَ "وَقَدْ هَدَانَا سُبُلنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا" عَلَى أَذَاكُمْ

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13)

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ

"وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ" لَتَصِيرُنَّ "فِي مِلَّتنَا" دِيننَا "فَأَوْحَى إلَيْهِمْ رَبّهمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ" الْكَافِرِينَ

وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14)

وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ

"ولنُسْكِنَنّكُم الْأَرْض" أَرْضهمْ "مِنْ بَعْدهمْ" بَعْد هَلَاكهمْ "ذَلِكَ" النَّصْر وَإِيرَاث الْأَرْض "لِمَنْ خَافَ مَقَامِي" أَيْ مَقَامه بَيْن يَدَيَّ "وَخَافَ وَعِيد" بِالْعَذَابِ

وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15)

وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ

"وَاسْتَفْتَحُوا" اسْتَنْصَرَ الرُّسُل بِاَللَّهِ عَلَى قَوْمهمْ "وَخَابَ" خَسِرَ "كُلّ جَبَّار" مُتَكَبِّر عَنْ طَاعَة اللَّه "عَنِيد" مُعَانِد لِلْحَقِّ

مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16)

مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ

"مِنْ وَرَائِهِ" أَيْ أَمَامه "جَهَنَّم" يَدْخُلهَا "وَيُسْقَى" فِيهَا "مِنْ مَاء صَدِيد" هُوَ مَا يَسِيل مِنْ جَوْف أَهْل النَّار مُخْتَلِطًا بِالْقَيْحِ وَالدَّم

يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17)

يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ

"يَتَجَرَّعهُ" يَبْتَلِعهُ مَرَّة بَعْد مَرَّة لِمَرَارَتِهِ "وَلَا يَكَاد يُسِيغهُ" يَزْدَرِدُهُ لِقُبْحِهِ وَكَرَاهَته "وَيَأْتِيه الْمَوْت" أَيْ أَسْبَابه الْمُقْتَضِيَة لَهُ مِنْ أَنْوَاع الْعَذَاب "مِنْ كُلّ مَكَان وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ" بَعْد ذَلِكَ الْعَذَاب "عَذَاب غَلِيظ" قَوِيّ مُتَّصِل

مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (18)

مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ

"مَثَل" صِفَة "الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ" مُبْتَدَأ وَيُبْدَل مِنْهُ "أَعْمَالهمْ" الصَّالِحَة كَصِلَةٍ وَصَدَقَة فِي عَدَم الِانْتِفَاع بِهَا "كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيح فِي يَوْم عَاصِف" شَدِيد هُبُوب الرِّيح فَجَعَلَتْهُ هَبَاء مَنْثُورًا لَا يَقْدِر عَلَيْهِ وَالْمَجْرُور خَبَر الْمُبْتَدَأ "لَا يَقْدِرُونَ" أَيْ الْكُفَّار "مِمَّا كَسَبُوا" عَمِلُوا فِي الدُّنْيَا "عَلَى شَيْء" أَيْ لَا يَجِدُونَ لَهُ ثَوَابًا لِعَدَمِ شَرْطه "ذَلِكَ هُوَ الضَّلَال" الْهَلَاك

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (19)

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ

"أَلَمْ تَرَ" تَنْظُر يَا مُخَاطَب اسْتِفْهَام تَقْرِير "أَنَّ اللَّه خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ" مُتَعَلِّق بِخَلَقَ "إنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ" أَيّهَا النَّاس "وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيد" بَدَلكُمْ

وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (20)

وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ

"وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّه بِعَزِيزٍ" شَدِيد

وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ (21)

وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ

"وَبَرَزُوا" أَيْ الْخَلَائِق وَالتَّعْبِير فِيهِ وَفِيمَا بَعْده بِالْمَاضِي لِتَحَقُّقِ وُقُوعه .
"لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاء" الْأَتْبَاع "لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا" الْمَتْبُوعِينَ "إنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا" جَمْع تَابِع "فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ" دَافِعُونَ "عَنَّا مِنْ عَذَاب اللَّه مِنْ شَيْء" مِنْ الْأُولَى لِلتَّبْيِينِ وَالثَّانِيَة لِلتَّبْعِيضِ "قَالُوا" الْمَتْبُوعُونَ "لَوْ هَدَانَا اللَّه لَهَدَيْنَاكُمْ" لَدَعَوْنَاكُمْ إلَى الْهُدَى "سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزَعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ" زَائِدَة "مَحِيص" مَلْجَأ

وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22)

وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ

"وَقَالَ الشَّيْطَان" إبْلِيس "لَمَّا قُضِيَ الْأَمْر" وَأُدْخِلَ أَهْل الْجَنَّة الْجَنَّة وَأَهْل النَّار النَّار وَاجْتَمَعُوا عَلَيْهِ "إنَّ اللَّه وَعَدَكُمْ وَعْد الْحَقّ" بِالْبَعْثِ وَالْجَزَاء فَصَدَقَكُمْ "وَوَعَدْتُكُمْ" أَنَّهُ غَيْر كَائِن "فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ" زَائِدَة "سُلْطَان" قُوَّة وَقُدْرَة أَقْهَركُمْ عَلَى مُتَابَعَتِي "إلَّا" لَكِنْ "أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسكُمْ" عَلَى إجَابَتِي "مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ" بِمُغِيثِكُمْ "وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ" بِفَتْحِ الْيَاء وَكَسْرهَا "إنِّي كَفَرْت بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي" بِإِشْرَاكِكُمْ إيَّايَ مَعَ اللَّه "مِنْ قَبْل" فِي الدُّنْيَا "إنَّ الظَّالِمِينَ" الْكَافِرِينَ "لَهُمْ عَذَاب أَلِيم" مُؤْلِم

وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ (23)

وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ

"وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار خَالِدِينَ" حَال مُقَدَّرَة "فِيهَا بِإِذْنِ رَبّهمْ تَحِيَّتهمْ فِيهَا" مِنْ اللَّه وَمِنْ الْمَلَائِكَة وَفِيمَا بَيْنهمْ

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24)

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ

"أَلَمْ تَرَ" تَنْظُر "كَيْفَ ضَرَبَ اللَّه مَثَلًا" وَيُبْدَل مِنْهُ "كَلِمَة طَيِّبَة" أَيْ لَا إلَه إلَّا اللَّه "كَشَجَرَةٍ طَيِّبَة" هِيَ النَّخْلَة "أَصْلهَا ثَابِت" فِي الْأَرْض "وَفَرْعهَا" غُصْنهَا

تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25)

تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ

"تُؤْتِي" تُعْطِي "أُكُلهَا" ثَمَرهَا "كُلّ حِين بِإِذْنِ رَبّهَا" بِإِرَادَتِهِ كَذَلِك كَلِمَة الْإِيمَان ثَابِتَة فِي قَلْب الْمُؤْمِن وَعَمَله يَصْعَد إلَى السَّمَاء وَيَنَالهُ بَرَكَته وَثَوَابه كُلّ وَقْت "وَيَضْرِب" يُبَيِّن "اللَّه الْأَمْثَال لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ" يَتَّعِظُونَ فَيُؤْمِنُونَ

وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26)

وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ

"وَمَثَل كَلِمَة خَبِيثَة" هِيَ كَلِمَة الْكُفْر "كَشَجَرَةٍ خَبِيثَة" هِيَ الْحَنْظَل "اُجْتُثَّتْ" اُسْتُؤْصِلَتْ "مِنْ فَوْق الْأَرْض مَا لَهَا مِنْ قَرَار" مُسْتَقَرّ وَثَبَات كَذَلِك كَلِمَة الْكُفْر لَا ثَبَات لَهَا وَلَا فَرْع وَلَا بَرَكَة

يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27)

يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ

"يُثَبِّت اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِت" هِيَ كَلِمَة التَّوْحِيد "فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة" أَيْ فِي الْقَبْر لَمَّا يَسْأَلهُمْ الْمَلَكَانِ عَنْ رَبّهمْ وَدِينهمْ وَنَبِيّهمْ فَيُجِيبُونَ بِالصَّوَابِ كَمَا فِي حَدِيث الشَّيْخَيْنِ "وَيُضِلّ اللَّه الظَّالِمِينَ" الْكُفَّار فَلَا يَهْتَدُونَ لِلْجَوَابِ بِالصَّوَابِ بَلْ يَقُولُونَ لَا نَدْرِي كَمَا فِي الْحَدِيث

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28)

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ

"أَلَمْ تَرَ" تَنْظُر "إلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَة اللَّه" أَيْ شُكْرهَا "كُفْرًا" هُمْ كُفَّار قُرَيْش "وَأَحَلُّوا" أَنْزَلُوا "قَوْمهمْ" بِإِضْلَالِهِمْ إيَّاهُمْ "دَار الْبَوَار" الْهَلَاك

جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29)

جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ

"جَهَنَّم" عَطْف بَيَان "يَصْلَوْنَهَا" يَدْخُلُونَهَا "وَبِئْسَ الْقَرَار" الْمَقَرّ هِيَ

وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30)

وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ

"وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا" شُرَكَاء "لِيُضِلُّوا" بِفَتْحِ الْيَاء وَضَمّهَا "عَنْ سَبِيله" دِين الْإِسْلَام "قُلْ" لَهُمْ "تَمَتَّعُوا" بِدُنْيَاكُمْ قَلِيلًا "فَإِنَّ مَصِيركُمْ" مَرْجِعكُمْ

قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ (31)

قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ

"قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاة وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَة مِنْ قَبْل أَنْ يَأْتِي يَوْم لَا بَيْع" فِدَاء "فِيهِ وَلَا خِلَال" مُخَالَّة أَيْ صَدَاقَة تَنْفَع هُوَ يَوْم الْقِيَامَة

اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32)

اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ

"اللَّه الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَات رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمْ الْفُلْك" السُّفُن "لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْر" بِالرُّكُوبِ وَالْحَمْل "بِأَمْرِهِ" بِإِذْنِهِ

وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33)

وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ

"وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْس وَالْقَمَر دَائِبَيْنِ" جَارِيَيْنِ فِي فَلَكهمَا لَا يَفْتُرَانِ "وَسَخَّرَ لَكُمُ الليل" لِتَسْكُنُوا فِيهِ "وَالنَّهَار" لِتَبْتَغُوا فِيهِ مِنْ فَضْله

وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)

وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ

"وَآتَاكُمْ مِنْ كُلّ مَا سَأَلْتُمُوهُ" عَلَى حَسَب مَصَالِحكُمْ "وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَة اللَّه" بِمَعْنَى إنْعَامه "لَا تُحْصُوهَا" لَا تُطِيقُوا عَدَّهَا "إنَّ الْإِنْسَان" الْكَافِر "لَظَلُوم كَفَّار" كَثِير الظُّلْم لِنَفْسِهِ بِالْمَعْصِيَةِ وَالْكُفْر لِنِعْمَةِ رَبّه

وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35)

وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ

"و" اُذْكُرْ "إذْ قَالَ إبْرَاهِيم رَبّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَد" مَكَّة "آمِنًا" ذَا أَمْن وَقَدْ أَجَابَ اللَّه دُعَاءَهُ فَجَعَلَهُ حَرَمًا لَا يُسْفَك فِيهِ دَم إنْسَان وَلَا يُظْلَم فِيهِ أَحَد وَلَا يُصَاد صَيْده وَلَا يُتَخَلَّى خَلَاهُ "وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ" بَعِّدْنِي عَنْ

رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36)

رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ

"رَبّ إنَّهُنَّ" أَيْ الْأَصْنَام "أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاس" بِعِبَادَتِهِمْ لَهَا "فَمَنْ تَبِعَنِي" عَلَى التَّوْحِيد "فَإِنَّهُ مِنِّي" مِنْ أَهْل دِينِي "وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّك غَفُور رَحِيم" هَذَا قَبْل عِلْمه أَنَّهُ تَعَالَى لَا يَغْفِر الشِّرْك

رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)

رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ

"رَبّنَا إنِّي أَسْكَنْت مِنْ ذُرِّيَّتِي" أَيْ بَعْضهَا وَهُوَ إسْمَاعِيل مَعَ أُمّه هَاجَر "بِوَادٍ غَيْر ذِي زَرْع" هُوَ مَكَّة "عِنْد بَيْتك الْمُحَرَّم" الَّذِي كَانَ قَبْل الطُّوفَان "رَبّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاة فَاجْعَلْ أَفْئِدَة" قُلُوبًا "مِنَ النَّاس تَهْوِي" تَمِيل وَتَحِنّ "إلَيْهِمْ" قَالَ ابْن عَبَّاس لَوْ قَالَ أَفْئِدَة النَّاس لَحَنَّتْ إلَيْهِ فَارِس وَالرُّوم وَالنَّاس كُلّهمْ "وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَات لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ" وَقَدْ فَعَلَ بِنَقْلِ الطَّائِف إلَيْهِ

رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (38)

رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ

"رَبّنَا إنَّك تَعْلَم مَا نُخْفِي" نُسِرّ "وَمَا نُعْلِن وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّه مِنْ" زَائِدَة "شَيْء فِي الْأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء" يَحْتَمِل أَنْ يَكُون مِنْ كَلَامه تَعَالَى أَوْ كَلَام إبْرَاهِيم

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39)

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ

"الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي" أَعْطَانِي "عَلَى" مَعَ "الْكِبَر إسْمَاعِيل" وُلِدَ وَلَهُ تِسْع وَتِسْعُونَ سَنَة "وَإِسْحَاق" وُلِدَ وَلَهُ مِائَة وَاثْنَتَا عَشْرَة سَنَة

رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40)

رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ

"رَبّ اجْعَلْنِي مُقِيم الصَّلَاة وَ" اجْعَلْ "مِنْ ذُرِّيَّتِي" مِنْ يُقِيمهَا وَأَتَى بِمَنْ لِإِعْلَامِ اللَّه تَعَالَى لَهُ أَنَّ مِنْهُمْ كُفَّارًا "رَبّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء" الْمَذْكُور

رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41)

رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ

"رَبّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدِيَّ" هَذَا قَبْل أَنْ يَتَبَيَّن لَهُ عَدَاوَتهمَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقِيلَ أَسْلَمَتْ أُمّه وَقُرِئَ وَالِدِي مُفْرَدًا وَوَلَدِي "وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْم يَقُوم" يَثْبُت

وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42)

وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ

"وَلَا تَحْسَبَن اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَل الظَّالِمُونَ" الْكَافِرُونَ مِنْ أَهْل مَكَّة "إنَّمَا يُؤَخِّرهُمْ" بِلَا عَذَاب "لِيَوْمٍ تَشْخَص فِيهِ الْأَبْصَار" لِهَوْلِ مَا تَرَى يُقَال شَخَصَ بَصَرُ فُلَانٍ أَيْ فَتَحَهُ فَلَمْ يُغْمِضهُ

مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43)

مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ

"مُهْطِعِينَ" مُسْرِعِينَ حَال "مُقْنِعِي" رَافِعِي "رُءُوسهمْ" إلَى السَّمَاء "لَا يَرْتَدّ إلَيْهِمْ طَرْفهمْ" بَصَرهمْ "وَأَفْئِدَتهمْ" قُلُوبهمْ "هَوَاء" خَالِيَة مِنْ الْعَقْل لِفَزَعِهِمْ

وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44)

وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ

"وَأَنْذِرْ" خَوِّفْ يَا مُحَمَّد "النَّاس" الْكُفَّار "يَوْم يَأْتِيهِمْ الْعَذَاب" هُوَ يَوْم الْقِيَامَة "فَيَقُول الَّذِينَ ظَلَمُوا" كَفَرُوا "رَبّنَا أَخِّرْنَا" بِأَنْ تَرُدّنَا إلَى الدُّنْيَا "إلَى أَجَل قَرِيب نُجِبْ دَعْوَتك" بِالتَّوْحِيدِ "وَنَتَّبِع الرُّسُل" فَيُقَال لَهُمْ تَوْبِيخًا : "أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ" حَلَفْتُمْ "مِنْ قَبْل" فِي الدُّنْيَا "مَا لَكُمْ مِنْ" زَائِدَة "زَوَال" عَنْهَا إلَى الْآخِرَة

وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (45)

وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ

"وَسَكَنْتُمْ" فِيهَا "فِي مَسَاكِن الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ" بِالْكُفْرِ مِنْ الْأُمَم السَّابِقَة "وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ" مِنْ الْعُقُوبَة فَلَمْ تَنْزَجِرُوا "وَضَرَبْنَا" بَيَّنَّا "لَكُمُ الْأَمْثَال" فِي الْقُرْآن فَلَمْ تَعْتَبِرُوا

وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)

وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ

"وَقَدْ مَكَرُوا" بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَكْرهمْ" حَيْثُ أَرَادُوا قَتْله أَوْ تَقْيِيده أَوْ إخْرَاجه "وَعِنْد اللَّه مَكْرهمْ" أَيْ عِلْمه أَوْ جَزَاؤُهُ "وَإِنْ" مَا "كَانَ مَكْرهمْ" وَإِنْ عَظُمَ "لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَال" الْمَعْنَى لَا يَعْبَأ بِهِ وَلَا يَضُرّ إلَّا أَنْفُسهمْ وَالْمُرَاد بِالْجِبَالِ هُنَا قِيلَ حَقِيقَتهَا وَقِيلَ شَرَائِع الْإِسْلَام الْمُشَبَّهَة بِهَا فِي الْقَرَار وَالثَّبَات وَفِي قِرَاءَةٍ بِفَتْحِ لَامِ لِتَزُولَ وَرَفْع الْفِعْل فَإِنْ مُخَفَّفَة وَالْمُرَاد تَعْظِيم مَكْرهمْ وَقِيلَ الْمُرَاد بِالْمَكْرِ كُفْرهمْ وَيُنَاسِبهُ عَلَى الثَّانِيَة "تَكَاد السَّمَاوَات يَتَفَطَّرَن مِنْهُ وَتَنْشَقّ الْأَرْض وَتَخِرّ الْجِبَال هَدًّا" وَعَلَى الْأَوَّل مَا قُرِئَ وَمَا كَانَ

فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47)

فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ

"فَلَا تَحْسَبَنّ اللَّهَ مُخْلِف وَعْده رُسُله" بِالنَّصْرِ "إنَّ اللَّه عَزِيز" غَالِب لَا يَعْجِزهُ شَيْء "ذُو انْتِقَام" مِمَّنْ عَصَاهُ

يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48)

يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ

اذْكُر "يَوْم تُبَدَّل الْأَرْض غَيْر الْأَرْض وَالسَّمَاوَات" هُوَ يَوْم الْقِيَامَة فَيُحْشَر النَّاس عَلَى أَرْض بَيْضَاء نَقِيَّة كَمَا فِي حَدِيث الصَّحِيحَيْنِ وَرَوَى مُسْلِم حَدِيث : سُئِلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْنَ النَّاس يَوْمئِذٍ قَالَ : "عَلَى الصِّرَاط" "وَبَرَزُوا" خَرَجُوا مِنْ الْقُبُور

وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49)

وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ

"وَتَرَى" يَا مُحَمَّد تُبْصِر "الْمُجْرِمِينَ" الْكَافِرِينَ "يَوْمئِذٍ مُقَرَّنِينَ" مَشْدُودِينَ مَعَ شَيَاطِينهمْ "فِي الْأَصْفَاد" الْقُيُود أَوْ الْأَغْلَال

سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50)

سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ

"سَرَابِيلهمْ" قُمُصُهُمْ "مِنْ قَطِرَان" لِأَنَّهُ أَبْلَغ لِاشْتِعَالِ النَّار "وَتَغْشَى" تَعْلُو

لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51)

لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ

"لِيَجْزِيَ" مُتَعَلِّق بِبَرَزُوا "اللَّه كُلّ نَفْس مَا كَسَبَتْ" مِنْ خَيْر وَشَرّ "إنَّ اللَّه سَرِيع الْحِسَاب" يُحَاسِب جَمِيع الْخَلْق فِي قَدْر نِصْف نَهَار مِنْ أَيَّام الدُّنْيَا لِحَدِيثٍ بِذَلِكَ

هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)

هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ

"هَذَا" الْقُرْآن "بَلَاغ لِلنَّاسِ" أَيْ أُنْزِلَ لِتَبْلِيغِهِمْ "وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا" بِمَا فِيهِ مِنْ الْحُجَج "أَنَّمَا هُوَ" أَيْ اللَّه "إلَه وَاحِد وَلِيَذَّكَّرَ" بِإِدْغَامِ التَّاء فِي الْأَصْل فِي الذَّال يَتَّعِظ "أُولُو الْأَلْبَاب" أَصْحَاب الْعُقُول

الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (1)

الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ

الْحِجْر [ مَكِّيَّة وَآيَاتهَا 99 ]

"الر" اللَّه أَعْلَم بِمُرَادِهِ بِذَلِكَ "تِلْكَ" هَذِهِ الْآيَات "آيَات الْكِتَاب" الْقُرْآن وَالْإِضَافَة بِمَعْنَى مِنْ "وَقُرْآن مُبِين" مُظْهِر لِلْحَقِّ مِنْ الْبَاطِل عَطْف بِزِيَادَةِ صِفَة

رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (2)

رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ

"رُبَمَا" بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف "يَوَدّ" يَتَمَنَّى "الَّذِينَ كَفَرُوا" يَوْم الْقِيَامَة إذَا عَايَنُوا حَالهمْ وَحَال الْمُسْلِمِينَ "لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ" وَرُبّ لِلتَّكْثِيرِ فَإِنَّهُ يَكْثُر مِنْهُمْ تَمَنِّي ذَلِك وَقِيلَ لِلتَّقْلِيلِ فَإِنَّ الْأَهْوَال تُدْهِشهُمْ فَلَا يُفِيقُونَ حَتَّى يَتَمَنَّوْا ذَلِكَ إلَّا فِي أَحْيَان قَلِيلَة

ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3)

ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ

"ذَرْهُمْ" اُتْرُكْ الْكُفَّار يَا مُحَمَّد "يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا" بِدُنْيَاهُمْ "وَيُلْهِهِمْ" يَشْغَلهُمْ "الْأَمَل" بِطُولِ الْعُمْر وَغَيْره عَنْ الْإِيمَان "فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ" عَاقِبَة أَمْرهمْ وَهَذَا قَبْل الْأَمْر بِالْقِتَالِ

وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ (4)

وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ

"وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ" زَائِدَة "قَرْيَة" أُرِيدَ أَهْلهَا "إلَّا وَلَهَا كِتَاب" أَجَل "مَعْلُوم" مَحْدُود لِإِهْلَاكِهَا

مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (5)

مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ

"مَا تَسْبِق مِنْ" زَائِدَة "أُمَّة أَجَلهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ" يَتَأَخَّرُونَ عَنْهُ

وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6)

وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ

"وَقَالُوا" أَيْ كُفَّار مَكَّة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "يَا أَيّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْر" الْقُرْآن فِي زَعْمه

لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (7)

لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ

"لَوْ مَا" هَلَّا "تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إنْ كُنْت مِنَ الصَّادِقِينَ" فِي قَوْلك إنَّك نَبِيّ وَإِنَّ هَذَا الْقُرْآن مِنْ عِنْد اللَّه

مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ (8)

مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ

"مَا نُنَزِّل" فِيهِ حَذْف إحْدَى التَّاءَيْنِ "الْمَلَائِكَة إلَّا بِالْحَقِّ" بِالْعَذَابِ "وَمَا كَانُوا إذًا" أَيْ حِين نُزُول الْمَلَائِكَة بِالْعَذَابِ "مُنْظَرِينَ" مُؤَخَّرِينَ

إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)

إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ

"إنَّا نَحْنُ" تَأْكِيد لِاسْمِ إنَّ أَوْ فَصْل "نَزَّلْنَا الذِّكْر" الْقُرْآن "وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" مِنْ التَّبْدِيل وَالتَّحْرِيف وَالزِّيَادَة وَالنَّقْص

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (10)

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ

"وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلك" رُسُلًا "فِي شِيَع" فِرَق

وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (11)

وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ

"وَمَا" كَانَ "يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُول إلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ" كَاسْتِهْزَاءِ قَوْمك بِك وَهَذَا تَسْلِيَة لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (12)

كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ

"كَذَلِكَ نَسْلُكهُ" أَيْ مِثْل إدْخَالنَا التَّكْذِيب فِي قُلُوب أُولَئِكَ نُدْخِلهُ "فِي قُلُوب الْمُجْرِمِينَ" أَيْ كُفَّار مَكَّة

لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (13)

لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ

"لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ" بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "وَقَدْ خَلَتْ سُنَّة الْأَوَّلِينَ" أَيْ سُنَّة اللَّه فِيهِمْ مِنْ تَعْذِيبهمْ بِتَكْذِيبِهِمْ أَنْبِيَاءَهُمْ وَهَؤُلَاءِ مِثْلهمْ

وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14)

وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ

"وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاء فَظَلُّوا فِيهِ" فِي الْبَاب "يَعْرُجُونَ" يَصْعَدُونَ

لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15)

لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ

"لَقَالُوا إنَّمَا سُكِّرَتْ" سُدَّتْ "أَبْصَارنَا بَلْ نَحْنُ قَوْم مَسْحُورُونَ" يُخَيَّل إلَيْنَا ذَلِكَ

وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16)

وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ

"وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا" اثْنَيْ عَشَر : الْحَمْل وَالثَّوْر وَالْجَوْزَاء وَالسَّرَطَان وَالْأَسَد وَالسُّنْبُلَة وَالْمِيزَان وَالْعَقْرَب وَالْقَوْس وَالْجَدْي وَالدَّلْو وَالْحُوت وَهِيَ مَنَازِل الْكَوَاكِب السَّبْعَة السَّيَّارَة : الْمِرِّيخ وَلَهُ الْحَمْل وَالْعَقْرَب وَالزُّهْرَة وَلَهَا الثَّوْر وَالْمِيزَان وَعُطَارِد وَلَهُ الْجَوْزَاء وَالسُّنْبُلَة وَالْقَمَر وَلَهُ السَّرَطَان وَالشَّمْس وَلَهَا الْأَسَد وَالْمُشْتَرَى وَلَهُ الْقَوْس وَالْحُوت وَزُحَل وَلَهُ الْجَدْي وَالدَّلْو "وَزَيَّنَّاهَا" بِالْكَوَاكِبِ

وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17)

وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ

"وَحَفِظْنَاهَا" بِالشُّهُبِ "مِنْ كُلّ شَيْطَان رَجِيم" مَرْجُوم

إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ (18)

إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ

"إلَّا" لَكِنْ "مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْع" خَطَفَهُ "فَأَتْبَعَهُ شِهَاب مُبِين" كَوْكَب يُضِيء وَيُحْرِقهُ أَوْ يَثْقُبهُ أَوْ يَخْبِلهُ

وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19)

وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ

"وَالْأَرْض مَدَدْنَاهَا" بَسَطْنَاهَا "وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِي" جِبَالًا ثَوَابِت لِئَلَّا تَتَحَرَّك بِأَهْلِهَا "وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلّ شَيْء مَوْزُون" مَعْلُوم مُقَدَّر

وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (20)

وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ

"وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِش" بِالْيَاءِ مِنْ الثِّمَار وَالْحُبُوب "وَ" جَعَلْنَا لَكُمْ "مَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ" مِنْ الْعَبِيد وَالدَّوَابّ وَالْأَنْعَام فَإِنَّمَا يَرْزُقهُمْ اللَّه

وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21)

وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ

"وَإِنْ" مَا "مِنْ" زَائِدَة "شَيْء إلَّا عِنْدنَا خَزَائِنه" مَفَاتِيح خَزَائِنه "وَمَا نُنَزِّلهُ إلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُوم" عَلَى حَسَب الْمَصَالِح

وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22)

وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ

"وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاح لَوَاقِح" تُلَقِّح السَّحَاب فَيَمْتَلِئ مَاء "فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاء" السَّحَاب "مَاء" مَطَرًا "فأسقيناكموه وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ" أَيّ لَيْسَتْ خَزَائِنه بِأَيْدِيكُمْ

وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (23)

وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ

"وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيت وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ" الْبَاقُونَ نَرِث جَمِيع الْخَلْق

وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24)

وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ

"وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ" أَيْ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ الْخَلْق مِنْ لَدُنْ آدَم "وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ" الْمُتَأَخِّرِينَ إلَى يَوْم الْقِيَامَة

وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (25)

وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ

"وَإِنَّ رَبّك هُوَ يَحْشُرهُمْ إنَّهُ حَكِيم" فِي صُنْعه "عَلِيم" بِخَلْقِهِ

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26)

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ

"وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَان" آدَم "مِنْ صَلْصَال" طِين يَابِس يُسْمَع لَهُ صَلْصَلَة إذَا نُقِرَ "مِنْ حَمَإٍ" طِين أَسْوَد "مَسْنُون" مُتَغَيِّر

وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (27)

وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ

"وَالْجَانّ" أَبَا الْجَانّ وَهُوَ إبْلِيس "خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْل" أَيْ قَبْل خَلْق آدَم "مِنْ نَار السَّمُوم" هِيَ نَار لَا دُخَان لَهَا تَنْفُذ مِنْ الْمَسَامّ

وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28)

وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ

"و" اُذْكُرْ "إذَا قَالَ رَبّك لِلْمَلَائِكَةِ إنِّي خَالِق بَشَرًا مِنْ صَلْصَال مِنْ حَمَإٍ مَسْنُون"

فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29)

فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ

"فَإِذَا سَوَّيْته" أَتْمَمْته "وَنَفَخْت" أَجْرَيْت "فِيهِ مِنْ رُوحِي" فَصَارَ حَيًّا وَإِضَافَة الرُّوح إلَيْهِ تَشْرِيف لِآدَم "فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ" سُجُود تَحِيَّة بِالِانْحِنَاءِ

فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30)

فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ

"فَسَجَدَ الْمَلَائِكَة كُلّهمْ أَجْمَعُونَ" فِيهِ تَأْكِيدَانِ

إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31)

إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ

"إلَّا إبْلِيس" هُوَ أَبُو الْجِنّ كَانَ بَيْن الْمَلَائِكَة "أَبَى" امْتَنَعَ مِنْ أَنْ يَكُون مَعَ السَّاجِدِينَ

قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32)

قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ

"قَالَ" تَعَالَى "يَا إبْلِيس مَا لَك" مَا مَنَعَك "أَ" أَنْ "لَا" زَائِدَة

قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (33)

قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ

"قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُد" لَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَسْجُد

قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34)

قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ

"قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا" أَيْ مِنْ الْجَنَّة وَقِيلَ مِنْ السَّمَاوَات "فَإِنَّك رَجِيم" مَطْرُود

وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (35)

وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ

"وَإِنَّ عَلَيْك اللَّعْنَة إلَى يَوْم الدِّين" الْجَزَاء

قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36)

قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ

"قَالَ رَبّ فَأَنْظِرْنِي إلَى يَوْم يُبْعَثُونَ" أَيْ النَّاس

قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (37)

لا يوجد تفسير لهذه الأية

إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38)

إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ

"إلَى يَوْم الْوَقْت الْمَعْلُوم" وَقْت النَّفْخَة الْأُولَى

قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39)

قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ

"قَالَ رَبّ بِمَا أَغْوَيْتنِي" أَيْ بِإِغْوَائِك لِي وَالْبَاء لِلْقَسَمِ وَجَوَابه "لَأُزَيِّنَن لَهُمْ فِي الْأَرْض" الْمَعَاصِي

إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40)

إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ

"إلَّا عِبَادك مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ" أَيْ الْمُؤْمِنِينَ

قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41)

قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ

"قَالَ" تَعَالَى

إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42)

إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ

وَهُو "إنَّ عِبَادِي" أَيْ الْمُؤْمِنِينَ "لَيْسَ لَك عَلَيْهِمْ سُلْطَان" قُوَّة "إلَّا" لَكِنْ "مَنِ اتَّبَعَك مِنَ الْغَاوِينَ" الْكَافِرِينَ

وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43)

وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ

"وَإِنَّ جَهَنَّم لَمَوْعِدهمْ أَجْمَعِينَ" أَيْ مَنْ اتَّبَعَك مَعَك

لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (44)

لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ

"لَهَا سَبْعَة أَبْوَاب" أَطْبَاق "لِكُلِّ بَاب" مِنْهَا "مِنْهُمْ جُزْء" نَصِيب

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45)

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ

"إنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّات" بَسَاتِين "وَعُيُون" تَجْرِي فِيهَا

ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (46)

ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ

يُقَال لَهُمْ "اُدْخُلُوهَا بِسَلَامٍ" أَيْ سَالِمِينَ مِنْ كُلّ مَخُوف أَوْ مَعَ سَلَام أَيْ سَلِّمُوا وَادْخُلُوا "آمِنِينَ" مِنْ كُلّ فَزَع

وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47)

وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ

"وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ مِنْ غِلٍّ" حِقْد "إخْوَانًا" حَال مِنْهُمْ "عَلَى سُرُر مُتَقَابِلِينَ" حَال أَيْضًا أَيْ لَا يَنْظُر بَعْضهمْ إلَى قَفَا بَعْض لِدَوَرَانِ الْأَسِرَّة بِهِمْ

لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48)

لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ

"لَا يَمَسّهُمْ فِيهَا نَصَب" تَعَب "وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ" أَبَدًا

نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49)

نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ

"نَبِّئْ" خَبِّرْ يَا مُحَمَّد "عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُور" لِلْمُؤْمِنِينَ "الرَّحِيم" بِهِمْ

وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50)

وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ

"وَأَنَّ عَذَابِي" لِلْعُصَاةِ "هُوَ الْعَذَاب الْأَلِيم" الْمُؤْلِم

وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ (51)

وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ

"وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْف إبْرَاهِيم" وَهُمْ الْمَلَائِكَة اثْنَا عَشَر أَوْ عَشْرَة أَوْ ثَلَاثَة مِنْهُمْ جِبْرِيل

إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52)

إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ

"إذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا" أَيْ هَذَا اللَّفْظ "قَالَ" إبْرَاهِيم لَمَّا عَرَضَ عَلَيْهِمْ الْأَكْل فَلَمْ يَأْكُلُوا "إنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ" خَائِفُونَ

قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (53)

قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ

"قَالُوا لَا تَوْجَل" لَا تَخَفْ "إنَّا" رُسُل رَبّك "نُبَشِّرك بِغُلَامٍ عَلِيم" ذِي عِلْم كَثِير هُوَ إسْحَاق كَمَا ذَكَرْنَا فِي سُورَة هُود

قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54)

قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَي

"قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي" بِالْوَلَدِ "عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَر" حَال أَيْ مَعَ مَسّه إيَّايَ "فَبِمَ تُبَشِّرُونَ" فَبِأَيِّ شَيْء اسْتِفْهَام تَعَجُّب

قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ (55)

قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ

"قَالُوا بَشَّرْنَاك بِالْحَقِّ" بِالصِّدْقِ "فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ" الْآيِسِينَ

قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56)

قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ

"قَالَ وَمَنْ" أَيْ لَا "يَقْنَط" بِكَسْرِ النُّون وَفَتْحهَا "مِنْ رَحْمَة رَبّه إلَّا الضَّالُّونَ" الْكَافِرُونَ

قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57)

قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ

"قَالَ فَمَا خَطْبكُمْ" شَأْنكُمْ

قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (58)

قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ

"قَالُوا إنَّا أُرْسِلنَا إلَى قَوْم مُجْرِمِينَ" كَافِرِينَ أَيْ قَوْم لُوط لِإِهْلَاكِهِمْ

إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59)

إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ

"إلَّا آل لُوط إنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ" لِإِيمَانِهِمْ

إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60)

إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ

"إلَّا امْرَأَته قَدَّرْنَا إنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ" الْبَاقِينَ فِي الْعَذَاب لِكُفْرِهَا

فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (61)

فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ

"فَلَمَّا جَاءَ آل لُوط" أَيْ لُوطًا

قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (62)

قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ

"قَالَ" لَهُمْ "إنَّكُمْ قَوْم مُنْكَرُونَ" لَا أَعْرِفكُمْ

قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (63)

قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ

"قَالُوا بَلْ جِئْنَاك بِمَا كَانُوا" أَيْ قَوْمك "فِيهِ يَمْتَرُونَ" يَشُكُّونَ وَهُوَ الْعَذَاب

وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (64)

وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ

"وَآتَيْنَاك بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ" فِي قَوْلنَا

فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (65)

فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ

"فَأَسْرِ بِأَهْلِك بِقِطَعٍ مِنَ اللَّيْل وَاتَّبِعْ أَدْبَارهمْ" امْشِ خَلْفهمْ.
"وَلَا يَلْتَفِت مِنْكُمْ أَحَد" لِئَلَّا يَرَى عَظِيم مَا يَنْزِل بِهِمْ "وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ" وَهُوَ الشَّام

وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (66)

وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ

"وَقَضَيْنَا" أَوْحَيْنَا "إلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْر" وَهُوَ "أَنَّ دَابِر هَؤُلَاءِ مَقْطُوع مُصْبِحِينَ" حَال أَيْ يَتِمّ اسْتِئْصَالهمْ فِي الصَّبَاح

وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67)

وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ

"وَجَاءَ أَهْل الْمَدِينَة" مَدِينَة سدوم وَهُمْ قَوْم لُوط لَمَّا أُخْبِرُوا أَنَّ فِي بَيْت لُوط مُرْدًا حِسَانًا وَهُمْ الْمَلَائِكَة "يَسْتَبْشِرُونَ" حَال طَمَعًا فِي فِعْل الْفَاحِشَة بِهِمْ

قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ (68)

قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ

"قَالَ" لُوط "إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ"

وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ (69)

وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ

"وَاتَّقُوا اللَّه وَلَا تُخْزُونِ" بِقَصْدِكُمْ إيَّاهُمْ بِفِعْلِ الْفَاحِشَة بِهِمْ

قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ (70)

قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ

"قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَك عَنِ الْعَالَمِينَ" عَنْ إضَافَتهمْ

قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (71)

قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ

"قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ" مَا تُرِيدُونَ مِنْ قَضَاء الشَّهْوَة فَتَزَوَّجُوهُنَّ

لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72)

لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ

"لَعَمْرُك" خِطَاب لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيْ وَحَيَاتك "إنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتهمْ يَعْمَهُونَ" يَتَرَدَّدُونَ

فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73)

فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ

"فَأَخَذَتْهُمْ الصَّيْحَة" صَيْحَة جِبْرِيل "مُشْرِقِينَ" وَقْت شُرُوق الشَّمْس

فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74)

فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ

"فَجَعَلْنَا عَالِيهَا" أَيْ قُرَاهُمْ "سَافِلهَا" بِأَنْ رَفَعَهَا جِبْرِيل إلَى السَّمَاء وَأَسْقَطَهَا مَقْلُوبَة إلَى الْأَرْض "وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَة مِنْ سِجِّيل" طِين طُبِخَ بِالنَّارِ

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75)

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ

"إنَّ فِي ذَلِك" الْمَذْكُور "لَآيَات" دَلَالَات عَلَى وَحْدَانِيَّة اللَّه "لِلْمُتَوَسِّمِينَ" لِلنَّاظِرِينَ الْمُعْتَبِرِينَ

وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (76)

وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ

"وَإِنَّهَا" أَيْ قُرَى قَوْم لُوط "لَبِسَبِيلٍ مُقِيم" طَرِيق قُرَيْش إلَى الشَّام لَمْ تَنْدَرِس أَفَلَا يَعْتَبِرُونَ بِهِمْ ؟

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (77)

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ

"إنَّ فِي ذَلِك لَآيَة" لَعِبْرَة

وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ (78)

وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ

"وَإِنْ" مُخَفَّفَة أَيْ إنَّهُ "كَانَ أَصْحَاب الْأَيْكَة" هِيَ غَيْضَة شَجَر بِقُرْبِ مَدْيَن وَهُمْ قَوْم شُعَيْب "لَظَالِمِينَ" بِتَكْذِيبِهِمْ شُعَيْبًا

فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ (79)

فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ

"فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ" بِأَنْ أَهْلَكْنَاهُمْ بِشِدَّةِ الْحَرّ "وَإِنَّهُمَا" أَيْ قُرَى قَوْم لُوط وَالْأَيْكَة "لَبِإِمَامٍ" طَرِيق "مُبِين" وَاضِح أَفَلَا تَعْتَبِرُونَ بِهِمْ يَا أَهْل مَكَّة

وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80)

وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ

"وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَاب الْحِجْر" وَادٍ بَيْن الْمَدِينَة وَالشَّام وَهُمْ ثَمُود "الْمُرْسَلِينَ" بِتَكْذِيبِهِمْ صَالِحًا لِأَنَّهُ تَكْذِيب لِبَاقِي الرُّسُل لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي الْمَجِيء بِالتَّوْحِيدِ

وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (81)

وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ

"وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتنَا" فِي النَّاقَة "فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ" لَا يَتَفَكَّرُونَ فِيهَا

وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ (82)

لا يوجد تفسير لهذه الأية

فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (83)

فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ

"فَأَخَذَتْهُمْ الصَّيْحَة مُصْبِحِينَ" وَقْت الصَّبَاح

فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (84)

فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ

"فَمَا أَغْنَى" دَفَعَ "عَنْهُمْ" الْعَذَاب "مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" مِنْ بِنَاء الْحُصُون وَجَمْع الْأَمْوَال

وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85)

وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ

"وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا إلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَة لَآتِيَة" لَا مَحَالَة فَيُجَازَى كُلّ أَحَد بِعَمَلِهِ "فَاصْفَحْ" يَا مُحَمَّد عَنْ قَوْمك "الصَّفْح الْجَمِيل" أَعْرِضْ عَنْهُمْ إعْرَاضًا لَا جَزَع فِيهِ وَهَذَا مَنْسُوخ بِآيَةِ السَّيْف

إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (86)

إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ

"إنَّ رَبّك هُوَ الْخَلَّاق" لِكُلِّ شَيْء "الْعَلِيم" بِكُلِّ شَيْء

وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87)

وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ

"وَلَقَدْ آتَيْنَاك سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي" قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ الْفَاتِحَة رَوَاهُ الشَّيْخَانِ لِأَنَّهَا تُثَنَّى فِي كُلّ رَكْعَة

لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88)

لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ

"لَا تَمُدَّنّ عَيْنَيْك إلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا" أَصْنَافًا "مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَن عَلَيْهِمْ" إنْ لَمْ يُؤْمِنُوا "وَاخْفِضْ جَنَاحك" أَلِنْ جَانِبك

وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (89)

وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ

"وَقُلْ إنِّي أَنَا النَّذِير" مِنْ عَذَاب اللَّه أَنْ يَنْزِل عَلَيْكُمْ "الْمُبِين" الْبَيِّن الْإِنْذَار

كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (90)

كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ

"كَمَا أَنْزَلْنَا" الْعَذَاب "عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ" الْيَهُود وَالنَّصَارَى

الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (91)

الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ

"الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآن" أَيْ كُتُبهمْ الْمُنَزَّلَة عَلَيْهِمْ "عِضِينَ" أَجْزَاء حَيْثُ آمَنُوا بِبَعْضٍ وَكَفَرُوا بِبَعْضٍ وَقِيلَ الْمُرَاد بِهِمْ الَّذِينَ اقْتَسَمُوا طُرُق مَكَّة يَصُدُّونَ النَّاس عَنْ الْإِسْلَام وَقَالَ بَعْضهمْ فِي الْقُرْآن سِحْر وَبَعْضهمْ كَهَانَة وَبَعْضهمْ شِعْر

فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92)

فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ

"فَوَرَبِّك لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ" سُؤَال تَوْبِيخ

عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)

لا يوجد تفسير لهذه الأية

فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94)

فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ

"فَاصْدَعْ" يَا مُحَمَّد "بِمَا تُؤْمَر" بِهِ أَيْ اجْهَرْ بِهِ وَأَمْضِهِ "وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ" هَذَا قَبْل الْأَمْر بِالْجِهَادِ

إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95)

إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ

"إنَّا كَفَيْنَاك الْمُسْتَهْزِئِينَ" بِك بِإِهْلَاكِنَا كُلًّا مِنْهُمْ بِآفَةٍ وَهُمْ الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة وَالْعَاصُ بْن وَائِل وَعَدِيّ بْن قَيْس وَالْأَسْوَد بْن الْمُطَّلِب وَالْأَسْوَد بْن عَبْد يَغُوث

الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (96)

الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ

"الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّه إلَهًا آخَر" صِفَة وَقِيلَ مُبْتَدَأ وَلِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى الشَّرْط دَخَلَتْ الْفَاء فِي خَبَره وَهُوَ "فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ" عَاقِبَة أَمْرهمْ

وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97)

وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ

"وَلَقَدْ" لِلتَّحْقِيقِ "نَعْلَم أَنَّك يَضِيق صَدْرك بِمَا يَقُولُونَ" مِنْ الِاسْتِهْزَاء وَالتَّكْذِيب

فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98)

فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ

"فَسَبِّحْ" مُلْتَبِسًا "بِحَمْدِ رَبّك" أَيْ قُلْ سُبْحَان اللَّه وَبِحَمْدِهِ "وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ" الْمُصَلِّينَ

وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)

وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ

"وَاعْبُدْ رَبّك حَتَّى يَأْتِيَك الْيَقِين" الْمَوْت

أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1)

أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ

سُورَة النَّحْل [ مَكِّيَّة إلَّا الْآيَات الثَّلَاث الْأَخِيرَة فَمَدَنِيَّة وَآيَاتهَا 128 نَزَلَتْ بَعْد الْكَهْف ]

لَمَّا اسْتَبْطَأَ الْمُشْرِكُونَ الْعَذَاب نَزَلَ "أَتَى أَمْر اللَّه" أَيْ السَّاعَة وَأَتَى بِصِيغَةِ الْمَاضِي لِتَحَقُّقِ وُقُوعه أَيْ قَرُبَ "فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ" تَطْلُبُوهُ قَبْل حِينه فَإِنَّهُ وَاقِع لَا مَحَالَة "سُبْحَانه" تَنْزِيهًا لَهُ "وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ" بِهِ غَيْره

يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2)

يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ

"يُنَزِّل الْمَلَائِكَة" أَيْ جِبْرِيل "بِالرُّوحِ" بِالْوَحْيِ "مِنْ أَمْره" بِإِرَادَتِهِ "عَلَى مَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده" وَهُمْ الْأَنْبِيَاء "أَنْ" مُفَسِّرَة "أَنْذِرُوا" خَوِّفُوا الْكَافِرِينَ بِالْعَذَابِ وَأَعْلِمُوهُمْ "أَنَّهُ لَا إلَه إلَّا أَنَا فَاتَّقُونِي" خَافُونِ

خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3)

خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ

"خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ" أَيْ مُحِقًّا "تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ" بِهِ مِنْ الْأَصْنَام

خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4)

خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ

"خَلَقَ الْإِنْسَان مِنْ نُطْفَة" مَنِيّ إلَى أَنْ صَيَّرَهُ قَوِيًّا شَدِيدًا "فَإِذَا هُوَ خَصِيم" شَدِيد الْخُصُومَة "مُبِين" بَيَّنَهَا فِي نَفْي الْبَعْث قَائِلًا "مَنْ يُحْيِي الْعِظَام وَهِيَ رَمِيم"

وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5)

وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ

"وَالْأَنْعَام" الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم وَنَصْبه بِفِعْلٍ مُقَدَّر يُفَسِّرهُ : "خَلَقَهَا لَكُمْ" مِنْ جُمْلَة النَّاس "فِيهَا دِفْء" مَا تَسْتَدْفِئُونَ بِهِ مِنْ الْأَكْسِيَة وَالْأَرْدِيَة مِنْ أَشْعَارهَا وَأَصْوَافهَا "وَمَنَافِع" مِنْ النَّسْل وَالدَّرّ وَالرُّكُوب "وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ" قَدَّمَ الظَّرْف لِلْفَاصِلَةِ

وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6)

وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ

"وَلَكُمْ فِيهَا جَمَال" زِينَة "حِين تُرِيحُونَ" تَرُدُّونَهَا إلَى مَرَاحهَا بِالْعَشِيِّ "وَحِين تَسْرَحُونَ" تُخْرِجُونَهَا إلَى الْمَرْعَى بِالْغَدَاةِ

وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7)

وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ

"وَتَحْمِل أَثْقَالكُمْ" أَحْمَالكُمْ "إلَى بَلَد لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ" وَاصِلِينَ إلَيْهِ عَلَى غَيْر الْإِبِل "إلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُس" بِجَهْدِهَا "إنَّ رَبّكُمْ لَرَءُوف رَحِيم" بِكُمْ حَيْثُ خَلَقَهَا لَكُمْ

وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8)

وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ

"وَ" خَلَقَ "الْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحَمِير لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَة" مَفْعُول لَهُ وَالتَّعْلِيل بِهِمَا بِتَعْرِيفِ النَّعَم لَا يُنَافِي خَلْقهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ كَالْأَكْلِ فِي الْخَيْل الثَّابِت بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ "وَيَخْلُق مَا لَا تَعْلَمُونَ" مِنْ الْأَشْيَاء الْعَجِيبَة الْغَرِيبَة

وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9)

وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ

"وَعَلَى اللَّه قَصْد السَّبِيل" أَيْ بَيَان الطَّرِيق الْمُسْتَقِيم "وَمِنْهَا" أَيْ السَّبِيل "جَائِر" حَائِد عَنْ الِاسْتِقَامَة "وَلَوْ شَاءَ" هِدَايَتكُمْ "لَهَدَاكُمْ" إلَى قَصْد السَّبِيل "أَجْمَعِينَ" فَتَهْتَدُونَ إلَيْهِ بِاخْتِيَارٍ مِنْكُمْ

هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10)

هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ

"هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاء مَاء لَكُمْ مِنْهُ شَرَاب" تَشْرَبُونَهُ "وَمِنْهُ شَجَر" يَنْبُت بِسَبَبِهِ "فِيهِ تُسِيمُونَ" تَرْعَوْنَ دَوَابّكُمْ

يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11)

يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ

"يُنْبِت لَكُمْ بِهِ الزَّرْع وَالزَّيْتُون وَالنَّخِيل وَالْأَعْنَاب وَمِنْ كُلّ الثَّمَرَات إنَّ فِي ذَلِكَ" الْمَذْكُور "لَآيَة" دَالَّة عَلَى وَحْدَانِيّته تَعَالَى "لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" فِي صُنْعِهِ فَيُؤْمِنُونَ

وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12)

وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ

"وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْل وَالنَّهَار وَالشَّمْس" بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى مَا قَبْله وَالرَّفْع مُبْتَدَأ "وَالْقَمَر وَالنُّجُوم" بِالْوَجْهَيْنِ "مُسَخَّرَات" بِالنَّصْبِ حَال وَالرَّفْع خَبَر "بِأَمْرِهِ" بِإِرَادَتِهِ "إنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ" يَتَدَبَّرُونَ

وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13)

وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ

"وَ" سَخَّرَ لَكُمْ "مَا ذَرَأَ" خَلَقَ "لَكُمْ فِي الْأَرْض" مِنْ الْحَيَوَان وَالنَّبَات وَغَيْر ذَلِكَ "مُخْتَلِفًا أَلْوَانه" كَأَحْمَر وَأَصْفَر وَأَخْضَر وَغَيْرهَا "إنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَة لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ" يَتَّعِظُونَ

وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14)

وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ

"وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ" ذَلَّلَهُ لِرُكُوبِهِ وَالْغَوْص فِيهِ "لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا" هُوَ السَّمَك "وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَة تَلْبَسُونَهَا" هِيَ اللُّؤْلُؤ وَالْمَرْجَان "وَتَرَى" تُبْصِر "الْفُلْكَ" السُّفُن "مَوَاخِر فِيهِ" تَمْخُر الْمَاء أَيْ تَشُقّهُ بِجَرْيِهَا فِيهِ مُقْبِلَة وَمُدْبِرَة بِرِيحٍ وَاحِدَة "وَلِتَبْتَغُوا" عَطْف عَلَى لِتَأْكُلُوا تَطْلُبُوا "مِنْ فَضْله" تَعَالَى بِالتِّجَارَةِ "وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" اللَّه عَلَى ذَلِكَ

وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15)

وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ

"وَأَلْقَى فِي الْأَرْض رَوَاسِيَ" جِبَالًا ثَوَابِت "أَنْ" لَا "تَمِيد بِكُمْ" تَتَحَرَّك "و" جَعَلَ فِيهَا "أَنْهَارًا" .
كَالنِّيلِ "وَسُبُلًا" طُرُقًا "لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" إلَى مَقَاصِدكُمْ

وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16)

وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ

"وَعَلَامَات" تَسْتَدِلُّونَ بِهَا عَلَى الطُّرُق كَالْجِبَالِ بِالنَّهَارِ "وَبِالنَّجْمِ" بِمَعْنَى النُّجُوم "هُمْ يَهْتَدُونَ" إلَى الطُّرُق وَالْقِبْلَة بِاللَّيْلِ

أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (17)

أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ

"أَفَمَنْ يَخْلُق" وَهُوَ اللَّه "كَمَنْ لَا يَخْلُق" وَهُوَ الْأَصْنَام حَيْثُ تُشْرِكُونَهَا مَعَهُ فِي الْعِبَادَة ؟ لَا "أَفَلَا تَذَكَّرُونَ" هَذَا فَتُؤْمِنُونَ

وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18)

وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ

"وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّه لَا تُحْصُوهَا" تَضْبِطُوهَا فَضْلًا أَنْ تُطِيقُوا شُكْرهَا "إنَّ اللَّه لَغَفُور رَحِيم" حَيْثُ يُنْعِم عَلَيْكُمْ مَعَ تَقْصِيركُمْ وَعِصْيَانكُمْ

وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (19)

لا يوجد تفسير لهذه الأية

وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20)

وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ

"وَاَلَّذِينَ تَدْعُونَ" بِالتَّاءِ وَالْيَاء تَعْبُدُونَ "مِنْ دُون اللَّه" وَهُمْ الْأَصْنَام "لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ" يُصَوَّرُونَ مِنْ الْحِجَارَة وَغَيْرهَا

أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21)

أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ

"أَمْوَات" لَا رُوح فِيهِمْ خَبَر ثَانٍ "غَيْر أَحْيَاء" تَأْكِيد "وَمَا يَشْعُرُونَ" أَيْ الْأَصْنَام "أَيَّانَ" وَقْت "يُبْعَثُونَ" أَيْ الْخَلْق فَكَيْفَ يُعْبَدُونَ إذْ لَا يَكُون إلَهًا إلَّا الْخَالِق الْحَيّ الْعَالِم بِالْغَيْبِ

إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22)

إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ

"إلَهكُمْ" الْمُسْتَحِقّ لِلْعِبَادَةِ مِنْكُمْ "إلَه وَاحِد" لَا نَظِير لَهُ فِي ذَاته وَلَا فِي صِفَاته وَهُوَ اللَّه تَعَالَى "فَاَلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبهمْ مُنْكِرَة" جَاحِدَة لِلْوَحْدَانِيَّةِ "وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ" مُتَكَبِّرُونَ عَنْ الْإِيمَان بِهَا

لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23)

لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ

"لَا جَرَم" حَقًّا "أَنَّ اللَّه يَعْلَم مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ" فَيُجَازِيهِمْ بِذَلِكَ "إنَّهُ لَا يُحِبّ الْمُسْتَكْبِرِينَ" بِمَعْنَى أَنَّهُ يُعَاقِبهُمْ

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24)

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ

وَنَزَلَ فِي النَّضْر بْن الْحَارِث "وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَا" اسْتِفْهَامِيَّة "ذَا" مَوْصُولَة "أَنْزَلَ رَبّكُمْ" عَلَى مُحَمَّد "قَالُوا" هُوَ "أَسَاطِير" أَكَاذِيب "الْأَوَّلِينَ" إضْلَالًا لِلنَّاسِ

لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25)

لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ

"لِيَحْمِلُوا" فِي عَاقِبَة الْأَمْر "أَوْزَارهمْ" ذُنُوبهمْ "كَامِلَة" لَمْ يُكَفَّر مِنْهَا شَيْء "يَوْم الْقِيَامَة وَمِنْ" بَعْض "أَوْزَار الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْم" لِأَنَّهُمْ دَعَوْهُمْ إلَى الضَّلَال فَاتَّبَعُوهُمْ فَاشْتَرَكُوا فِي الْإِثْم "أَلَا سَاءَ" بِئْسَ "مَا يَزِرُونَ" يَحْمِلُونَهُ حِمْلهمْ هَذَا

قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (26)

قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ

"قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ" وَهُوَ نَمْرُوذ بَنَى صَرْحًا طَوِيلًا لِيَصْعَد مِنْهُ إلَى السَّمَاء لِيُقَاتِل أَهْلهَا "فَأَتَى اللَّه" قَصَدَ "بُنْيَانهمْ مِنْ الْقَوَاعِد" الْأَسَاس فَأَرْسَلَ عَلَيْهِ الرِّيح وَالزَّلْزَلَة فَهَدَمَتْهُ "فَخَرَّ عَلَيْهِمْ السَّقْف مِنْ فَوْقهمْ" أَيْ هُمْ تَحْته "وَأَتَاهُمْ الْعَذَاب مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ" مِنْ جِهَة لَا تَخْطِر بِبَالِهِمْ وَقِيلَ هَذَا تَمْثِيل لِإِفْسَادِ مَا أَبْرَمُوهُ مِنْ الْمَكْر بِالرُّسُلِ

ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (27)

ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ

"ثُمَّ يَوْم الْقِيَامَة يُخْزِيهِمْ" يُذِلّهُمْ "وَيَقُول" اللَّه لَهُمْ عَلَى لِسَان الْمَلَائِكَة تَوْبِيخًا "أَيْنَ شُرَكَائِيَ" بِزَعْمِكُمْ "الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ" تُخَالِفُونَ الْمُؤْمِنِينَ "فِيهِمْ" فِي شَأْنهمْ "قَالَ" أَيْ يَقُول "الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْم" مِنْ الْأَنْبِيَاء وَالْمُؤْمِنِينَ "إنَّ الْخِزْيَ الْيَوْم وَالسُّوء عَلَى الْكَافِرِينَ" يَقُولُونَهُ شَمَاتَة بِهِمْ

الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28)

الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ

"الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمْ" بِالتَّاءِ وَالْيَاء "الْمَلَائِكَة ظَالِمِي أَنْفُسهمْ" بِالْكُفْرِ "فَأَلْقَوْا السَّلَم" انْقَادُوا وَاسْتَسْلَمُوا عِنْد الْمَوْت قَائِلِينَ "مَا كُنَّا نَعْمَل مِنْ سُوء" شِرْك فَتَقُول الْمَلَائِكَة : "بَلَى إنَّ اللَّه عَلِيم بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" فَيُجَازِيكُمْ بِهِ

فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29)

فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ

وَيُقَال لَهُمْ "فَادْخُلُوا أَبْوَاب جَهَنَّم خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى" مَأْوَى "الْمُتَكَبِّرِينَ"

وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30)

وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ

"وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا" الشِّرْك "مَاذَا أَنْزَلَ رَبّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا" بِالْإِيمَانِ "فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَة" حَيَاة طَيِّبَة "وَلَدَار الْآخِرَة" أَيْ الْجَنَّة "خَيْر" مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا قَالَ تَعَالَى فِيهَا "وَلَنِعْمَ دَار الْمُتَّقِينَ" هِيَ

جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31)

جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ

"جَنَّات عَدْن" إقَامَة مُبْتَدَأ خَبَره "يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ" الْجَزَاء "يَجْزِي اللَّه الْمُتَّقِينَ"

الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32)

الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ

"الَّذِينَ" نَعْت "تَتَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَة طَيِّبِينَ" طَاهِرِينَ مِنْ الْكُفْر "يَقُولُونَ" لَهُمْ عِنْد الْمَوْت "سَلَام عَلَيْكُمْ" وَيُقَال لَهُمْ فِي الْآخِرَة "اُدْخُلُوا الْجَنَّة بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ"

هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (33)

هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ

"هَلْ" مَا "يَنْظُرُونَ" يَنْتَظِر الْكُفَّار "إلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ" بِالتَّاءِ وَالْيَاء "الْمَلَائِكَة" لِقَبْضِ أَرْوَاحهمْ "أَوْ يَأْتِيَ أَمْر رَبّك" الْعَذَاب أَوْ الْقِيَامَة الْمُشْتَمِلَة عَلَيْهِ "كَذَلِكَ" كَمَا فَعَلَ هَؤُلَاءِ "فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ" مِنْ الْأُمَم كَذَّبُوا رُسُلهمْ فَأُهْلِكُوا "وَمَا ظَلَمَهُمْ اللَّه" بِإِهْلَاكِهِمْ بِغَيْرِ ذَنْب "وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ" بِالْكُفْرِ

فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (34)

فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ

"فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَات مَا عَمِلُوا" أَيْ جَزَاؤُهَا "وَحَاقَ" نَزَلَ "بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ" أَيْ الْعَذَاب

وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (35)

وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ

"وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا" مِنْ أَهْل مَكَّة "لَوْ شَاءَ اللَّه مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونه مِنْ شَيْء نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونه مِنْ شَيْء" مِنْ الْبَحَائِر وَالسَّوَائِب فَإِشْرَاكنَا وَتَحْرِيمنَا بِمَشِيئَتِهِ فَهُوَ رَاضٍ بِهِ "كَذَلِك فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ" أَيْ كَذَّبُوا رُسُلهمْ فِيمَا جَاءُوا بِهِ "فَهَلْ" فَمَا "عَلَى الرُّسُل إلَّا الْبَلَاغ الْمُبِين" إلَّا الْبَلَاغ الْبَيِّن وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ الْهِدَايَة

وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)

وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ

"وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلّ أُمَّة رَسُولًا" كَمَا بَعَثْنَاك فِي هَؤُلَاءِ "أَنْ" أَيْ بِأَنْ "اُعْبُدُوا اللَّه" وَحِّدُوهُ "وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوت" الْأَوْثَان أَنْ تَعْبُدُوهَا "فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّه" فَآمَنَ "وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ" وَجَبَتْ "عَلَيْهِ الضَّلَالَة" فِي عِلْم اللَّه فَلَمْ يُؤْمِن "فَسِيرُوا" يَا كُفَّار مَكَّة "فِي الْأَرْض فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة الْمُكَذِّبِينَ" رُسُلهمْ مِنْ الْهَلَاك

إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (37)

إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ

"إنْ تَحْرِص" يَا مُحَمَّد "عَلَى هُدَاهُمْ" وَقَدْ أَضَلَّهُمْ اللَّه لَا تَقْدِر عَلَى ذَلِكَ "فَإِنَّ اللَّه لَا يَهْدِي" بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَلِلْفَاعِلِ "مَنْ يُضِلّ" مَنْ يُرِيد إضْلَاله "وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ" مَانِعِينَ مِنْ عَذَاب اللَّه

وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (38)

وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ

"وَأَقْسَمُوا بِاَللَّهِ جَهْد أَيْمَانهمْ" أَيْ غَايَة اجْتِهَادهمْ فِيهَا قَالَ تَعَالَى "بَلَى" يَبْعَثهُمْ "وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا" مَصْدَرَانِ مُؤَكِّدَانِ مَنْصُوبَانِ بِفِعْلِهِمَا الْمُقَدَّر أَيْ وَعَدَ ذَلِكَ وَحَقَّهُ حَقًّا "وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس" أَيْ أَهْل مَكَّة "لَا يَعْلَمُونَ" ذَلِكَ

لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (39)

لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ

"لِيُبَيِّن" مُتَعَلِّق بِيَبْعَثهُمْ الْمُقَدَّر "لَهُمْ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ" مَعَ الْمُؤْمِنِينَ "فِيهِ" مِنْ أَمْر الدِّين بِتَعْذِيبِهِمْ وَإِثَابَة الْمُؤْمِنِينَ "وَلِيَعْلَم الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ" فِي إنْكَار الْبَعْث

إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (40)

إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ

"إنَّمَا قَوْلنَا لِشَيْءٍ إذَا أَرَدْنَاهُ" أَيْ أَرَدْنَا إيجَاده وَقَوْلنَا مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ "أَنْ نَقُول لَهُ كُنْ فَيَكُون" أَيْ فَهُوَ يَكُون وَفِي قِرَاءَة بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى نَقُول وَالْآيَة لِتَقْرِيرِ الْقُدْرَة عَلَى الْبَعْث

وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41)

وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ

"وَاَلَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّه" لِإِقَامَةِ دِينه "مِنْ بَعْد مَا ظُلِمُوا" بِالْأَذَى مِنْ أَهْل مَكَّة وَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه "لَنُبَوِّئَنَّهُمْ" نُنْزِلهُمْ "فِي الدُّنْيَا" دَارًا "حَسَنَة" هِيَ الْمَدِينَة "وَلَأَجْر الْآخِرَة" أَيْ الْجَنَّة "أَكْبَر" أَعْظَم "لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ" أَيْ الْكُفَّار أَوْ الْمُتَخَلِّفُونَ عَنْ الْهِجْرَة مَا لِلْمُهَاجِرِينَ مِنْ الْكَرَامَة لَوَافَقُوهُمْ

الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42)

الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ

هُمْ "الَّذِينَ صَبَرُوا" عَلَى أَذَى الْمُشْرِكِينَ وَالْهِجْرَة لِإِظْهَارِ الدِّين "وَعَلَى رَبّهمْ يَتَوَكَّلُونَ" فَيَرْزُقهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُونَ

وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)

وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ

"وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلك إلَّا رِجَالًا نُوحِي إلَيْهِمْ" لَا مَلَائِكَة "فَاسْأَلُوا أَهْل الذِّكْر" الْعُلَمَاء بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيل "إنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ يَعْلَمُونَهُ وَأَنْتُمْ إلَى تَصْدِيقهمْ أَقْرَب مِنْ تَصْدِيق الْمُؤْمِنِينَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)

بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ

"بِالْبَيِّنَاتِ" مُتَعَلِّق بِمَحْذُوفٍ أَيْ أَرْسَلْنَاهُمْ بِالْحُجَجِ الْوَاضِحَة "وَالزُّبُر" الْكُتُب "وَأَنْزَلْنَا إلَيْك الذِّكْر" الْقُرْآن "لِتُبَيِّن لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ" فِيهِ مِنْ الْحَلَال وَالْحَرَام "وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ" فِي ذَلِكَ فَيَعْتَبِرُونَ

أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (45)

أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ

"أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا" الْمُنْكَرَات "السَّيِّئَات" بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دَار النَّدْوَة مِنْ تَقْيِيده أَوْ قَتْله أَوْ إخْرَاجه كَمَا ذُكِرَ فِي الْأَنْفَال "أَنْ يَخْسِف اللَّه بِهِمْ الْأَرْض" كَقَارُونَ "أَوْ يَأْتِيَهُمْ الْعَذَاب مِنْ حَيْث لَا يَشْعُرُونَ" أَيْ مِنْ جِهَة لَا تَخْطِر بِبَالِهِمْ وَقَدْ أُهْلِكُوا بِبَدْرٍ وَلَمْ يَكُونُوا يُقَدِّرُونَ ذَلِكَ

أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46)

أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ

"أَوْ يَأْخُذهُمْ فِي تَقَلُّبهمْ" فِي أَسْفَارهمْ لِلتِّجَارَةِ "فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ" بِفَائِتِي الْعَذَاب

أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (47)

أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ

"أَوْ يَأْخُذهُمْ عَلَى تَخَوُّف" تَنَقُّص شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى يَهْلِك الْجَمِيع حَال مِنْ الْفَاعِل أَوْ الْمَفْعُول "فَإِنَّ رَبّكُمْ لَرَءُوف رَحِيم" حَيْثُ لَمْ يُعَاجِلهُمْ بِالْعُقُوبَةِ

أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (48)

أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ

"أَوَلَمْ يَرَوْا إلَى مَا خَلَقَ اللَّه مِنْ شَيْء" لَهُ ظِلّ كَشَجَرَةٍ وَجَبَل "يَتَفَيَّأ" تَتَمَيَّل "ظِلَاله عَنْ الْيَمِين وَالشَّمَائِل" جَمْع شِمَال أَيْ عَنْ جَانِبَيْهِمَا أَوَّل النَّهَار وَآخِره "سُجَّدًا لِلَّهِ" حَال أَيْ خَاضِعِينَ لَهُ بِمَا يُرَاد مِنْهُمْ "وَهُمْ" أَيْ الظِّلَال "دَاخِرُونَ" صَاغِرُونَ نُزِّلُوا مَنْزِلَة الْعُقَلَاء

وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49)

وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ

"وَلِلَّهِ يَسْجُد مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الْأَرْض مِنْ دَابَّة" أَيْ نَسَمَة تَدِبّ عَلَيْهَا أَيْ تَخْضَع لَهُ بِمَا يُرَاد مِنْهَا وَغَلَبَ فِي الْإِتْيَان بِمَا لَا يَعْقِل لِكَثْرَتِهِ "وَالْمَلَائِكَة" خَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ تَفْضِيلًا "وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ" يَتَكَبَّرُونَ عَنْ عِبَادَته

يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50)

يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ

"يَخَافُونَ" أَيْ الْمَلَائِكَة حَال مِنْ ضَمِير يَسْتَكْبِرُونَ "رَبّهمْ مِنْ فَوْقهمْ" حَال مِنْ هُمْ أَيْ عَالِيًا .
عَلَيْهِمْ بِالْقَهْرِ "وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ" بِهِ

وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51)

وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ

"وَقَالَ اللَّه لَا تَتَّخِذُوا إلَهَيْنِ اثْنَيْنِ" تَأْكِيد "إنَّمَا هُوَ إلَه وَاحِد" أَتَى بِهِ لِإِثْبَاتِ الْإِلَهِيَّة وَالْوَحْدَانِيَّة "فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ" خَافُونِ دُون غَيْرِي وَفِيهِ الْتِفَات عَنْ الْغَيْبَة

وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52)

وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ

"وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض" مِلْكًا وَخَلْقًا وَعَبِيدًا "وَلَهُ الدِّين" الطَّاعَة "وَاصِبًا" دَائِمًا حَال مِنْ الدِّين وَالْعَامِل فِيهِ مَعْنَى الظَّرْف "أَفَغَيْر اللَّه تَتَّقُونَ" وَهُوَ الْإِلَه الْحَقّ وَلَا إلَه غَيْره وَالِاسْتِفْهَام لِلْإِنْكَارِ وَالتَّوْبِيخ

وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53)

وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ

"وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَة فَمِنْ اللَّه" لَا يَأْتِي بِهَا غَيْره وَمَا شَرْطِيَّة أَوْ مَوْصُولَة "ثُمَّ إذَا مَسَّكُمْ" أَصَابَكُمْ "الضُّرّ" الْفَقْر وَالْمَرَض "فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ" تَرْفَعُونَ أَصْوَاتكُمْ بِالِاسْتِغَاثَةِ وَالدُّعَاء وَلَا تَدْعُونَ غَيْره

ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54)

لا يوجد تفسير لهذه الأية

لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (55)

لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ

"لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ" مِنْ النِّعْمَة "فَتَمَتَّعُوا" بِاجْتِمَاعِكُمْ عَلَى عِبَادَة الْأَصْنَام أَمْر تَهْدِيد "فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ" عَاقِبَة ذَلِكَ

وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (56)

وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ

"وَيَجْعَلُونَ" أَيْ الْمُشْرِكُونَ "لِمَا لَا يَعْلَمُونَ" أَنَّهَا تَضُرّ وَلَا تَنْفَع وَهِيَ الْأَصْنَام "نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ" مِنْ الْحَرْث وَالْأَنْعَام بِقَوْلِهِمْ هَذَا لِلَّهِ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا "تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ" سُؤَال تَوْبِيخ وَفِيهِ الْتِفَات عَنْ الْغَيْبَة "عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ" عَلَى اللَّه مِنْ أَنَّهُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ

وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ (57)

وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ

"وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَات" بِقَوْلِهِمْ الْمَلَائِكَة بَنَات اللَّه "سُبْحَانه" تَنْزِيهًا لَهُ عَمَّا زَعَمُوا "وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ" أَيْ الْبَنُونَ وَالْجُمْلَة فِي مَحَلّ رَفْع أَوْ نَصْب بِيَجْعَل الْمَعْنَى يَجْعَلُونَ لَهُ الْبَنَات الَّتِي يَكْرَهُونَهَا وَهُوَ مُنَزَّه عَنْ الْوَلَد وَيَجْعَلُونَ لَهُمْ الْأَبْنَاء الَّذِينَ يَخْتَارُونَهُمْ فَيَخْتَصُّونَ بِالْأَسْنَى كَقَوْلِهِ "فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّك الْبَنَات وَلَهُمْ الْبَنُونَ"

وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58)

وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ

"وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدهمْ بِالْأُنْثَى" تُولَد لَهُ "ظَلَّ" صَارَ "وَجْهه مُسْوَدًّا" مُتَغَيِّرًا تَغَيُّر مُغْتَمّ "وَهُوَ كَظِيم" مُمْتَلِئ غَمًّا فَكَيْفَ تُنْسَب الْبَنَات إلَيْهِ تَعَالَى

يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59)

يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ

"يَتَوَارَى" يَخْتَفِي "مِنْ الْقَوْم" أَيْ قَوْمه "مِنْ سُوء مَا بُشِّرَ بِهِ" خَوْفًا مِنْ التَّعْيِير مُتَرَدِّدًا فِيمَا يَفْعَل بِهِ "أَيُمْسِكُهُ" يَتْرُكهُ بِلَا قَتْل "عَلَى هُون" هَوَان وَذُلّ "أَمْ يَدُسّهُ فِي التُّرَاب" بِأَنْ يَئِدهُ "أَلَا سَاءَ" بِئْسَ "مَا يَحْكُمُونَ" حُكْمهمْ هَذَا حَيْثُ نَسَبُوا لِخَالِقِهِمْ الْبَنَات اللَّاتِي هُنَّ عِنْدهمْ بِهَذَا الْمَحَلّ

لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60)

لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

"لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ" أَيْ الْكُفَّار "مَثَل السَّوْء" أَيْ الصِّفَة السُّوأَى بِمَعْنَى الْقَبِيحَة وَهِيَ وَأْدهمْ الْبَنَات مَعَ احْتِيَاجهمْ إلَيْهِنَّ لِلنِّكَاحِ "وَلِلَّهِ الْمَثَل الْأَعْلَى" الصِّفَة الْعُلْيَا وَهُوَ أَنَّهُ لَا إلَه إلَّا هُوَ "وَهُوَ الْعَزِيز" فِي مُلْكه "الْحَكِيم" فِي خَلْقه

وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (61)

وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ

"وَلَوْ يُؤَاخِذ اللَّه النَّاس بِظُلْمِهِمْ" بِالْمَعَاصِي "مَا تَرَكَ عَلَيْهَا" أَيْ .
الْأَرْض "مِنْ دَابَّة" نَسَمَة تَدِبّ عَلَيْهَا "وَلَكِنْ يُؤَخِّرهُمْ إلَى أَجَل مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلهمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ" عَنْهُ "سَاعَة وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ" عَلَيْهِ

وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (62)

وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ

"وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ" لِأَنْفُسِهِمْ مِنْ الْبَنَات وَالشَّرِيك فِي الرِّيَاسَة وَإِهَانَة الرُّسُل "وَتَصِف" تَقُول "أَلْسِنَتهمْ" مَعَ ذَلِكَ "الْكَذِب" وَهُوَ "أَنَّ لَهُمْ الْحُسْنَى" عِنْد اللَّه أَيْ الْجَنَّة لِقَوْلِهِ : "وَلَئِنْ رَجَعْت إلَى رَبِّي إنَّ لِي عِنْده لَلْحُسْنَى" "لَا جَرَم" حَقًّا "أَنَّ لَهُمْ النَّار وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ" مَتْرُوكُونَ فِيهَا أَوْ مُقَدَّمُونَ إلَيْهَا وَفِي قِرَاءَة بِكَسْرِ الرَّاء أَيْ مُتَجَاوِزُونَ الْحَدّ

تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)

تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ

"تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إلَى أُمَم مِنْ قَبْلك" رُسُلًا "فَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَان أَعْمَالهمْ" السَّيِّئَة فَرَأَوْهَا حَسَنَة فَكَذَّبُوا الرُّسُل "فَهُوَ وَلِيّهمْ" مُتَوَلِّي أُمُورهمْ "الْيَوْم" أَيْ فِي الدُّنْيَا "وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيم" مُؤْلِم فِي الْآخِرَة وَقِيلَ الْمُرَاد بِالْيَوْمِ يَوْم الْقِيَامَة عَلَى حِكَايَة الْحَال الْآتِيَة أَيْ لَا وَلِيّ لَهُمْ غَيْره وَهُوَ عَاجِز عَنْ نَصْر نَفْسه فَكَيْفَ يَنْصُرهُمْ

وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64)

وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ

"وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك" يَا مُحَمَّد "الْكِتَاب" الْقُرْآن "إلَّا لِتُبَيِّن لَهُمْ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ" مِنْ أَمْر الدِّين "وَهُدًى" عَطْف عَلَى لِتُبَيِّن "وَرَحْمَة لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" بِهِ

وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65)

وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ

"وَاَللَّه أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْض" بِالنَّبَاتِ "بَعْد مَوْتهَا" يُبْسهَا "إنَّ فِي ذَلِكَ" الْمَذْكُور "لَآيَة" دَالَّة عَلَى الْبَعْث "لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ" سَمَاع تَدَبُّر

وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66)

وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ

"وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَام لَعِبْرَة" اعْتِبَار "نُسْقِيكُمْ" بَيَان لِلْعِبْرَةِ "مِمَّا فِي بُطُونه" أَيْ الْأَنْعَام "مِنْ" لِلِابْتِدَاءِ مُتَعَلِّقَة بِنُسْقِيكُمْ "بَيْن فَرْث" ثُفْل الْكَرِش "وَدَم لَبَنًا خَالِصًا" لَا يَشُوبهُ شَيْء مِنْ الْفَرْث وَالدَّم مِنْ طَعْم أَوْ رِيح أَوْ لَوْن أَوْ بَيْنهمَا "سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ" سَهْل الْمُرُور فِي حَلْقهمْ لَا يُغَصّ بِهِ

وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67)

وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ

"وَمِنْ ثَمَرَات النَّخِيل وَالْأَعْنَاب" ثَمَر "تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا" خَمْرًا يُسْكِر سُمِّيَتْ بِالْمَصْدَرِ وَهَذَا قَبْل تَحْرِيمهَا "وَرِزْقًا حَسَنًا" كَالتَّمْرِ وَالزَّبِيب وَالْخَلّ وَالدِّبْس "إنَّ فِي ذَلِكَ" الْمَذْكُور "لَآيَة" دَالَّة عَلَى قُدْرَته تَعَالَى "لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ" يَتَدَبَّرُونَ

وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68)

وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ

"وَأَوْحَى رَبّك إلَى النَّحْل" وَحْي إلْهَام "أَنْ" مُفَسِّرَة أَوْ مَصْدَرِيَّة "اتَّخِذِي مِنْ الْجِبَال بُيُوتًا" تَأْوِينَ إلَيْهَا "وَمِنْ الشَّجَر" بُيُوتًا "وَمِمَّا يَعْرِشُونَ" أَيْ النَّاس يَبْنُونَ لَك مِنْ الْأَمَاكِن وَإِلَّا لَمْ تَأْوِ إلَيْهَا

ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69)

ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ

"ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِي الثَّمَرَات فَاسْلُكِي" اُدْخُلِي "سُبُل رَبّك" طُرُقه فِي طَلَب الْمَرْعَى "ذُلُلًا" جَمْع ذَلُول حَال مِنْ السُّبُل أَيْ مُسَخَّرَة لَك فَلَا تَعْسُر عَلَيْك وَإِنْ تَوَعَّرَتْ وَلَا تَضِلِّي عَلَى الْعَوْد مِنْهَا وَإِنْ بَعُدَتْ وَقِيلَ مِنْ الضَّمِير فِي اُسْلُكِي أَيْ مُنْقَادَة لِمَا يُرَادُ مِنْك "يَخْرُج مِنْ بُطُونهَا شَرَاب" هُوَ الْعَسَل "مُخْتَلِف أَلْوَانه فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ" مِنْ الْأَوْجَاع قِيلَ لِبَعْضِهَا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ تَنْكِير شِفَاء أَوْ لِكُلِّهَا بِضَمِيمَتِهِ إلَى غَيْره وَبِدُونِهَا بِنِيَّتِهِ وَقَدْ أَمَرَ بِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ اسْتَطْلَقَ عَلَيْهِ بَطْنه رَوَاهُ الشَّيْخَانِ "إنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَة لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" فِي صُنْعه تَعَالَى

وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70)

Microsoft VBScript runtime
error '800a0009'

Subscript out of range: 'i'

/Tafseer/DispTafsser.
asp
, line 477

وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (71)

وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ

"وَاَللَّه فَضَّلَ بَعْضكُمْ عَلَى بَعْض فِي الرِّزْق" فَمِنْكُمْ غَنِيّ وَفَقِير وَمَالِك وَمَمْلُوك "فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا" أَيْ الْمَوَالِي "بِرَادِّي رِزْقهمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانهمْ" أَيْ بِجَاعِلِي مَا رَزَقْنَاهُمْ مِنْ الْأَمْوَال وَغَيْرهَا شَرِكَة بَيْنهمْ وَبَيْن مَمَالِيكهمْ "فَهُمْ" أَيْ الْمَمَالِيك وَالْمَوَالِي "فِيهِ سَوَاء" شُرَكَاء الْمَعْنَى لَيْسَ لَهُمْ شُرَكَاء مِنْ مَمَالِيكهمْ فِي أَمْوَالهمْ فَكَيْفَ يَجْعَلُونَ بَعْض مَمَالِيك اللَّه شُرَكَاء لَهُ "أَفَبِنِعْمَةِ اللَّه يَجْحَدُونَ" يَكْفُرُونَ حَيْثُ يَجْعَلُونَ لَهُ شُرَكَاء

وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72)

وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ

"وَاَللَّه جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسكُمْ أَزْوَاجًا" فَخَلَقَ حَوَّاء مِنْ ضِلْع آدَم وَسَائِر النَّاس مِنْ نُطَف الرِّجَال وَالنِّسَاء "وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَة" أَوْلَاد الْأَوْلَاد "وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَات" مِنْ أَنْوَاع الثِّمَار وَالْحُبُوب وَالْحَيَوَان "أَفَبِالْبَاطِلِ" الصَّنَم "يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّه هُمْ يَكْفُرُونَ" بِإِشْرَاكِهِمْ

وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ (73)

وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ

"وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه" أَيْ غَيْره "مَا لَا يَمْلِك لَهُمْ رِزْقًا مِنْ السَّمَاوَات" بِالْمَطَرِ "وَالْأَرْض" بِالنَّبَاتِ "شَيْئًا" بَدَل مِنْ رِزْقًا "وَلَا يَسْتَطِيعُونَ" يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْء وَهُوَ الْأَصْنَام

فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (74)

فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ

"فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَال" لَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَشْبَاهًا تُشْرِكُونَهُمْ بِهِ "إنَّ اللَّه يَعْلَم" أَنْ لَا مِثْل لَهُ "وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" ذَلِكَ

ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (75)

ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ

"ضَرَبَ اللَّه مَثَلًا" وَيُبْدَل مِنْهُ "عَبْدًا" "عَبْدًا مَمْلُوكًا" صِفَة تُمَيِّزهُ مِنْ الْحُرّ فَإِنَّهُ عَبْد اللَّه "لَا يَقْدِر عَلَى شَيْء" لِعَدَمِ مِلْكه "وَمَنْ" نَكِرَة مَوْصُوفَة أَيْ حُرًّا "رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِق مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا" أَيْ يَتَصَرَّف فِيهِ كَيْفَ يَشَاء وَالْأَوَّل مَثَل الْأَصْنَامِ وَالثَّانِي مَثَلُهُ تَعَالَى "هَلْ يَسْتَوُونَ" أَيْ الْعَبِيد الْعَجَزَة وَالْحُرّ الْمُتَصَرِّف ؟ لَا "الْحَمْدُ لِلَّهِ" وَحْده "بَلْ أَكْثَرهمْ" أَيْ أَهْل مَكَّة "لَا يَعْلَمُونَ" مَا يَصِيرُونَ إلَيْهِ مِنْ الْعَذَاب فَيُشْرِكُونَ

وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (76)

وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ

"وَضَرَبَ اللَّه مَثَلًا" وَيُبْدَل مِنْهُ "رَجُلَيْنِ أَحَدهمَا أَبْكَم" وُلِدَ أَخْرَس "لَا يَقْدِر عَلَى شَيْء" لِأَنَّهُ لَا يَفْهَم وَلَا يُفْهِم "وَهُوَ كَلٌّ" ثَقِيل "عَلَى مَوْلَاهُ" وَلِيّ أَمْره "أَيْنَمَا يُوَجِّههُ" يَصْرِفهُ "لَا يَأْتِ" مِنْهُ "بِخَيْرٍ" يَنْجَح وَهَذَا مَثَل الْكَافِر "هَلْ يَسْتَوِي هُوَ" أَيْ الْأَبْكَم الْمَذْكُور "وَمَنْ يَأْمُر بِالْعَدْلِ" أَيْ وَمَنْ هُوَ نَاطِق نَافِع لِلنَّاسِ حَيْثُ يَأْمُر بِهِ وَيَحُثّ عَلَيْهِ "وَهُوَ عَلَى صِرَاط" طَرِيق "مُسْتَقِيم" وَهُوَ الثَّانِي الْمُؤْمِن ؟ لَا وَقِيلَ هَذَا مَثَل اللَّهِ وَالْأَبْكَمُ لِلْأَصْنَامِ وَاَلَّذِي قَبْله مَثَل الْكَافِر وَالْمُؤْمِن

وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (77)

وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

"وَلِلَّهِ غَيْب السَّمَاوَات وَالْأَرْض" أَيْ عِلْم مَا غَابَ فِيهِمَا "وَمَا أَمْر السَّاعَة إلَّا كَلَمْحِ الْبَصَر أَوْ هُوَ أَقْرَب" لِأَنَّهُ بِلَفْظِ كُنْ فَيَكُون

وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78)

وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ

"وَاَللَّه أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُون أُمَّهَاتكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا" الْجُمْلَة حَال "وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْع" بِمَعْنَى الْأَسْمَاع "وَالْأَبْصَار وَالْأَفْئِدَة" الْقُلُوب "لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" تَشْكُرُونَهُ عَلَى ذَلِكَ فَتُؤْمِنُونَ

أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79)

أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ

"أَلَمْ يَرَوْا إلَى الطَّيْر مُسَخَّرَات" مُذَلَّلَات لِلطَّيَرَانِ "فِي جَوّ السَّمَاء" أَيْ الْهَوَاء بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض "مَا يُمْسِكهُنَّ" عِنْد قَبْض أَجْنِحَتهنَّ أَوْ بَسْطهَا أَنْ يَقَعْنَ "إلَّا اللَّه" بِقُدْرَتِهِ "إنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" هِيَ خَلَقَهَا بِحَيْثُ يُمْكِنهَا الطَّيَرَانُ وَخَلَقَ الْجَوَّ بِحَيْثُ يُمْكِن الطَّيَرَان فِيهِ وَإِمْسَاكهَا

وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (80)

وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ

"وَاَللَّه جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتكُمْ سَكَنًا" مَوْضِعًا تَسْكُنُونَ فِيهِ "وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُود الْأَنْعَام بُيُوتًا" كَالْخِيَامِ وَالْقِبَاب "تَسْتَخِفُّونَهَا" لِلْحَمْلِ "يَوْم ظَعْنكُمْ" سَفَركُمْ "وَيَوْم إقَامَتكُمْ وَمِنْ أَصْوَافهَا" أَيْ الْغَنَم "وَأَوْبَارهَا" أَيْ الْإِبِل "وَأَشْعَارهَا" أَيْ الْمَعَز "أَثَاثًا" مَتَاعًا لِبُيُوتِكُمْ كَبُسُطٍ وَأَكْسِيَة "وَمَتَاعًا" تَتَمَتَّعُونَ بِهِ "إلَى حِين" يَبْلَى فِيهِ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14