كتاب : عيون الأخبار
المؤلف : ابن قتيبة الدينوري

عبد اللّه بن الزبير والصيام دعا عبد اللّه بن الزبير الحسين فحضر وأصحابه، فأكلوا ولم يأكل؛ فقيل له: ألا تأكل! فقال: إنّي صائمٌ، ولكن تحفة الصائم قيل: وما هي؟ قال: الدّهن والمجمر.
أخبار من أخبار الأكلةالأصمعيّ قال: قال رجلٌ: أحبّ أن أرزق ضرساً طحوناً، ومعدةً هضوماً، وسرماً نثوراً.
لأنس بن مالك عن إسحاق بن عبد الّه قال: سمعت أنس بن مالك يقول: رأيت عمر يلقي إليه لصلع من التمر فيأكله حتى حشفه.
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:
همّ الكريم كريم الفعل يفعله ... وهمّ سعدٍ بما يلقي إلى المعدة
لرجل سمين وقيل لرجل رئي سميناً: ما أسمنك؟ قال: أكلي الحارّ، وشربي القارّ، واتكائي على شمالي، وأكلي من غير مالي.
وقيل لآخر: ما أسمنك؟ قال: قلّة الفكرة، وطول الدّعة، والنّوم على الكظّة.
الحجاج والغضبان بن القبعثري قال الحجّاج للغضبان بن القبعثري في حبسه ما أسمنك؟ قال: القيد والدّعة، ومن كان في ضيافة الأمير فقد سمن.
وقال آخر لرجل رآه سميناً: أرى عليك قطيفةً من نسج أضراسك.
وقيل لآخر: إنك لحسن الشّحمة ليّن البشرة. فقال: آكل لباب البرّ بصغار المعز، وأدّهن بدهن البنفسج، وألبس الكتّان.
طعام ميسرة الأكول قيل لميسرة الأكول وأنا أسمع: كم تأكل في كل يوم؟ قال: من مالي أو من مال غيري؟ قالوا: من مالك قال: دونان. قالوا: فمن مال غيرك؟ قال: اخبز واطرح.
والعرب تقول: " العاشية تهيج الآبية " . يريدون أنّ الذي لا يشتهي أن يأكل إذا نظر إلى من يأكل هاجه ذلك على الأكل.
جرير يهجو بني الهجيم قال جرير:
وبنو الهجيم سخيفةٌ أحلامهم ... ثطّ اللّحى متشابهو الألوان
لا يسمعون بأكلةٍ أو شربةٍ ... بعمان أصبح جمعهم بعمان
متأبطين بنيهم وبناتهم ... صعر الأنوف لريح كلّ دخان
بين المغيرة ورجل يؤاكله قعد رجلٌ على مائدة المغيرة وكان منهوماً وجعل ينهش ويتعرّق، فقال المغيرة: ناولوه سكّيناً. فقال الرجل: كلّ امرىءٍ سكّينه في رأسه.
لأعرابي في اللحم وقيل لأعرابيّ: ما لكم تأكلون اللحم وتدعون الثريد؟ فقال: لأن اللحم ظاغن والثريد باقٍ.
وقيل لآخر: ما تسمعون المرق؟ قال: السّخين. قال: فإذ برد؟ قال: لا ندعه يبرد نهم هلال بن أسعر وزوجته قال أبو اليقظان: كان هلال بن أسعر التّميميّ، من بني دارم بن مازن شديداً أكولاً؛ يزعمون أنه أكل جملاً إلا ما حمل على ظهره منه، وأكل مرةً فصيلاً، وأكلت امرأته فصيلاً، فلما ضاجعها لم يصل إليها؛ فقال: كيف تصل إليّ وبننا بعيران! أيضاً في نهم هلال بن أسعر الأصمعيّ قال: دعا عبّاد بن أخضر هلال بن أسعر إلى وليمةٍ، فأكل مع الناس حتى فرغوا ثم أكل ثلاث جفانٍ تصنع كلّ جفنةٍ لعشرة أنفسٍ؛ فقال له: شبعت؟ قال: لا؛ فأتوه بكل خبزٍ في البيت فلم يشبع، فبعثوا إلى الجيران؛ فلّما اختلفت ألوان الخبز علم أنه قد أضرّ بهم فأمسك؛ فقالوا: هل لك في تمر شهريزٍ ولبنٍ؟ فأتوه به فأكل منه قواصر؛ فقالوا له: أشبعت؟ قال: لا؛ قالوا: فهل لك في السّويق؟ قال: نعم؛ فأتوه بجرابٍ ضخم مملوء؛ فقال: هل عندكم نبيذٌ؟ قالوا: نعم؛ قال: أعندكم تورٌ تغتسلون فيه من الجنابة؟ فأتي به فغسله وصبّ السّويق فيه وصبّ عليه النبيذ، فما زال يفعل ذلك حتى فني.
نهم سليمان بن عبد الملك

الشّمردل وكيل آل عمرو بن العاص قال: قدم سليمان بن عبد الملك الطائف وقد عرفت شجاعته، فدخل هو وعمر بن عبد العزيز " وأيوب ابنه بستاناً لعمرو؛ قال: فجال في البستان ساعةً ثم قال " : ناهيك بمالكم هذا " مالاً " لاولا جرارٌ فيه! فقلت: يا أمير المؤمنين، إنها ليست بجرارٍ ولكنها جرب الزّبيب. فجاء حتى أقلى صدره على غصن، ثم قال: ويلك يا شمردل! أما عندك شيء تطعمني؟ قلت: بلى واللّه! إن عندي لجدياً تغدو عليه بقرةٌ وتروح أخرى؛ قال: اعجل به؛ فأتيته به كأنه عكّةٌ، وتشمّر فأكل ولم يدع ابنه ولا عمر حتى أبقى فخذاً. فقال: يا أبا حفصٍ هلمّ؛ قال: إنّي صائمٌ؛ ثم قال: ويلك يا شمردل! أما عندك شيء؟ فقلت: بلى واللّه! دجاجاتٌ ستٌ كأنهن رئلان النّعام. فأتيته بهنّ، فكان يأخذ رجل الدجاجة حتى يعري عظمها ثم يلقيها " بفيه " حتى أتى عليهنّ: ثم قال: ويلك! أما عندك شيء؟ فقلت: بلى واللّه! إن عندي لحريرةً كقراضة الذّهب. فقال: اعجل بها؛ فأتيته بعسٍّ يغيب فيه الرأس، فجعل يتلقّمها بيده ويشرب، فلما فرغ تجشّأ كأنه صاح في جبّ؛ ثم قال: يا غلام، أفرغت من غدائنا؟ قال: نعم. قال: وما هو؟ قال: نيفٌ وثمانون قدراً،؛ قال: فأتني بها قدراً قدراً؛ فأتاه به وبقناع عليه رقاقٌ؛ فأكثر ما أكل من قدرٍ ثلاث لفمٍ وأقلّ ما أكله لقمةٌ، ثم مسح يده واستلقى على فراشه، وأذن للناس ووضعت الخوانات فجعل يأكل مع الناس.
الخطّابيّ عن الدّيرانيّ أنه قال: إني لأعرف الطعام الذي يأكله سليمان؛ قال: لما استخلف سليمان قال لي: لا تقطع عنّي ألطافك التي كنت تلطفني بها قبل أت أستخلف. فأتيته بزنبيلين أحدهما بيضلإ والآخر تينٌ؛ فقال: لقّمنيه، فجعلت أقشر البيضة وأقرنها بالتينة حتى أكل الزّنبيلين.
طعام عبيد اللّه بن زياد العتبي عن أبيه قال: كان عبيد اللّه بن زياد يأكل كلّ يومٍ أربع جرادق أصبهانية وجبناً قبل غدائه.
طعام الحجاج وعن سلم بن قتيبة قال: عددت للحجاج أربعاً وثمانين لقمةً رغيفٌ من خبز لماء فيه ملء كفّه سمكٌ طريٌ.
معاوية وعبد الرحمن بن أبي بكرة وكان لعبد الرحمن بن أبي بكرة ابن أكولٌ؛ فقال له " معاوية " : مافعل ابنك التّلقامة؟ قال: اعتلّ. قال: مثله لا يعدم علّةً.
لأبي الأسود أكل أبو الأسود الدؤلي وأقعد معه أعرابياً فرأى له لقماً منكراً؛ فقال له: ما اسمك؟ قال: لقمان؛ قال: صدق أهلك، إنك لقمان.
مساور الوراق وابن أبي ليلى ولد لابن أبي ليلى غلامٌ فعمل الأخبصة للجيران، فلما أكلوا قام مساورٌ الورّاق فقال:
من لا يدسّم بالثريد سبالنا ... بعد لثّريد فلا هناه الفارس
وقال العجيف في أمه:
يا ليتما أمنا شالت نعامتها ... إمّا إلى جنّة إمّا إلى نار
ليست بشعبى وإن أسكنتها هجراً ... ولا بريّاً ولو حلّت بذي قار
تلّهم الوسق مشدوداً أشظّته ... كأنما وجهها قد طلي بالقار
خرقاء في الخير لا تهدي لوجهته ... وهي صناع الأذى في الأهل والجار
لأبي الحارث جميز رأى أبو الحارث جميّزٌ سلّةُ بين يدي رجلٍ من الملوك، فقال له: جعلت فداك، أيّ شيء في تلك السّلّة؟ فقال: بظر أمّك. قال: فأعضّني به.
نهم الحارثيّ قيل للحارثيّ: لم لا تأكل الناس؟ فقال: لو لم تأكل أترك مؤاكلتهم إلا لنزوعي عن الأسواريّ لتركتها، ما ظنّكم برجل نهش بضعة لحم بقرٍ فانقلع ضرسه وهو لا يدري. وكان إذا أكل ذهب عقله وجحظت عيناه وسكر وسدر وتربّد وجهه وغضب ولم يسمع ولم يبصر، فلما رأيته وما يعتريه ويعتري الطعام منه صرت لا آذن له إلا ونحن نأكل الجوز والتمر وتناول القطعة منه كجمجمة الثّور كدمها كدماً، ونهشها طولاً وعرضاً، ورفعاً وخفضاً، حتى يأتي عليها؛ ثم لا يقع عضّه إلا على الأنصاف والأثلاث؛ ولا رمى بنواةٍ قطّ، ولا نزع قمعاً ولا نفى عنه قشراً، ولا فتّشه مخافة السوس والدود.
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:
تبيت تدهده القرّان حولي ... كأنك عند رأسي عقربان
فلو أطعمتني حملاً سميناً ... شكرتك والطعام له مكان
وقال بعض الأعراب:
وإنّ طعاماً ضمّ كفيّ وكفّها ... لعمرك عندي في الحياة مبارك

فمن أجلها أستوعب الزاد كلّه ... ومن أجلها أهوي يدي فأدارك
وقال آخر:
عريض البطان جديد الخوان ... قريب المراث من المرتع
فنصف النهار لكرياسه ... ونصفٌ لمأكله أجمع
لأعربي في عسل قصب السكر الأصمعيّ قال: قيل لأعرابيّ: ما يعجبك من هذا القند؟ قال: يعجبني خضده وبرده قال الأصمعيّ: الخضد: المضغ والأكل الشديد خالد بن صفوان وجاريته قال خالد بن صفوان يوماً لجريته: يا جارية، أطعمينا جبنً، فإنه يشهيّ الطعام ويهيج المعدة، وهو يعدّ من حمض العرب، قالت: ما عندنا منه شيء. قال: لأعلمك إنه واللّه ما علمت ليقدح في الأسنن ويستولي على البطن وأنه من طعام أهل الذمّة.
كان يقل: إذا كثرت المقدرة، ذهبت الشهوة.
شعر لبعض الظرفاء وقال بعض الظرفاء:
زرعنا فلما سلّم اللّه زرعنا ... وأوفى عليه منجلٌ بحصاد
بلينا بكوفّي حليف مجاعةٍ ... أضرّ علينا من دبي وجراد
من حديث النبي صلى اللّه عليه وسلم عن نافع عن ابن عمر قال: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: " من دخل على غير دعوة دخل سارقاً وخرج مغيراً ومن لم يجب الدعوة فقد عصى اللّه ورسوله " عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: " إذا دعي أحدكم فجاء مع الرسول فإنّ ذلك له إذنٌ " ابن عمر وعن مجاهد: أن ابن عمر كان إذا دعي إلى طعام وهو صائم يجيب، وكان يهيء اللقمة بيده ثم يقول: كلوا باسم اللّه فإني صائم للنبي صلى اللّه عليه وسلم وعن أسماء بنت رفيد قالت: دخلنا على النبي صلى اللّه عليه وسلم، فأتي بطعام فعرض علينا فقلنا: لا نشتهيه. فقال: " لا تجمعنّ كذباً وجوعاً " لعلي بن أبي طلب رضي اللّه عنه دعا رجل عليّ بن أبي طالب رضوان اللّه عليه إلى طعام، فقال: نأتيك على ألاّ تتكلّف ما ليس عندك، ولا تدّخر عن ما عندك.
وكان يقول: شرّ الإخوان من تكلّف له.
من آداب الدعوة دعا رجل رجلاً إلى الغداء ثم قال له: هذه بكر زيارة ولم نستعدد، فلعل تقصيراً فيم أحبّ بلوغه. فقال الآخر: حرصك على كرامتي يكفيك مؤونة التكلّف.
بين إسحاق لموصلي والزبير بن دحمان قال إسحاق بن إبراهيم الموصليّ: أتني الزبير بن دحمان يوماً فسألته أن يقيم عندي، فقال: قد أرسل إليّ الفضل بن الربيع وليس يمكنني التخلّف عنه. فقلت له:
أقم يا أبا العواّم ويحك نشرب ... ونله مع اللاّهين يوماً ونطرب
إذا ما رأيت اليوم قد خيره ... فخذه بشكر واترك الفضل يغضب
وقال بعض المحدثين:
نحن قوم متى دعينا أجبنا ... ومتى نلس يدعنا التطفيل
ونقل علّنا دعينا فغبنا ... وأتانا فلم يجدنا الرسول
نصيحة طفيل العرائس لأصحابه كان طفيل العرائس الذي ينسب إليه الطّفيليونّ يوصي أصحابه فيقول لأحدهم: إذا دخلت عرساً فلا تتلّفت تلّفت المريب، وتخّير المجالس، وأجد ثيابك، واعمل على أنها العقدة التي تشغل. وإن " كان " العرس كثير الزحام فمر وأنه ولا تنظر في عيون أهل المرأة ولا عيون أهل الرجل، فيظن هؤلاء أنك من هؤلاء أنك من هؤلاء. وإن كان البوّاب غليظاً وقاحاً فأبدأ به ومره وانهه من غير أن تعنّف عليه، وعليك بكلام بين النصيحة والإدلال.
عرض رجل على رقبة الغداء؛ فقال: إن أقسمت عليّ وإلا فدعني.
شعر لطفيلي ومن أشعار الطّفيلين:
دعوت نفسي حين لم تدعني ... فالحمد لي لا لك في الدعوة
وقلت ذا أحسن من موعدٍ ... إخلافه يدعو إلى جفوه
وقال آخر:
إذا جاء ضيفّ جاء للضيف ضيفن ... فأودي بما تقرى الضيوف الضّيافن
شعر لإسحاق الموصلي وقال إسحاق بن إبراهيم الموصليّ:
نعم الصديق صديقٌ لا يكلّفني ... ذبح الدّجاج ولا شىءّ الفراريج
يرضي بلونين من كشك ومن عدس ... وإن تشهّى فزيتون بطسّوج
لسعيد بن أسعد الأنصاري كان سعيد بن أسعد الأنصاري إمام الجامع بالبصرة طفيليّاً؛ فإذا كانت وليمةٌ سبق الناس إليها، فربما بسط معهم البسط وخدم. فقيل له في ذلك فقال: إني أبادر برد الماء، وصفو لقدور، ونشاط الخباز، وخلاء المكان، وغفلة الذّبّان، وجفاف المنديل.
لطفيلي

وقيل لبعض الطفيليّين: كم اثنان في اثنين قال: أربعة أرغفةٍ.
باب الضيافة وأخبار البخلاء على الطعاممن حديث النبي صلى اللّه عليه وسلم في حق الضيف عن المقدام أبي كريمة أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلميقول: " أيّما مسلم ضافه قومٌ فأصبح الضيف محروماً كان له على كلّ مسلم نصره حتى يأخذ بقربى ليلته من زرعه وماله " .
لأبي هريرة روى ابن العجلان عن أبيه قال: قال أبو هريرة: إذا نزلت برجل ولم يقرك فقاتله.
للنبي صلى اللّه عليه وسلم عن أنس قال: قال رسول الّه صلى اللّه عليه وسلم: " الخير أسرع إلى مطعم الطّعام من الشّفرة في سنام البعير " .
الحسن وداود داود قال: قلت للحسنك إنك تنفق من هذه الأطعمة وتكثر. قال: ليس في الطعام سرفٌ.
للثوري وقال الثوريّ: ليس في الطعام ولا في النساء سرفٌ.
من حديث النبي صلى الّله عليه وسلم، ثم لابن عباس عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال : " إنّ من السّنّة أن يمشي الرجل مع ضيفه إلى باب الدار " .
عن عبد الرحمن بن عباس قال: رأيت ابن عباس في وليمة فأكل وألقى للخبّاز درهماً.
في قرى الضيف الأصمعيّ قال: سئل أقرى أهل اليمامة للضيف: كيف ضبطتم القرى؟ قال: بأنا لا نتكلّف ما ليس عندنا.
عن بعض النّساك قال: قد أعياني أن أنزل على رجل يعلم أني لست آكل من رزقه شيئاً.عن عون بن عبد اللّه قال: ضلّ رجلٌ صائمٌ في عام سنةٍ، فابتلي برجل عند فطره وقد أتي بقرصين فألقى إليه أحدهما، ثم قال: ما هذا بمشبعه ولا بمشبعي، ولأن يشبع واحد خير من أن يجوع اثنان؛ وألقى إليه الآخر. فلما أوى إلى فراشه آتاه آت فقال: سل. فقال: أسأل المغفرة. قال: قد فعل ذلك بك. قال: فإني أسأل أن يغاث الناس.
عن الحسن: أنّ رجلاً جهده الجوع، ففطن له رجلٌ من الأعيان، فلمّا أمسى أتى به رحله، فقال لامرأته: هل لك أن نطوي ليلتنا هذه لضيفنا؟ قالت: نعم. قال: فإذا قدّمت الطعام فادني إلى السراج كأنك تصلحيه فأطفئيه. ففعلت وجاءت بثريدة كأنها قطاة فوضعتها بين أيديهما، ثم دنت إلى السراج كأنّها تصلحه فأطفأته، فجعل الأنصاريّ يضع يده في القصعة ثم يرفعها خالية؛ فأطلع على ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؛ فلما أصبح الأنصاريّ صلّى مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الفجر، فلما سلّم أقبل على الأنصاريّ وقال: " أنت صاحب الكلام الليلة؟ " ؛ ففزع الأنصاريّ وقال: أيّ كلامٍ يا رسول اللّه؟ قال: كذا وكذا - قوله لامرأته - قال: كن ذاك يا رسول اللّه. قال: " فواللّه لقد عجب اللّه من صنعكما الليلة " .
لعمر بن عبد العزيز الأصمعيّ قال: كان عمر بن عبد العزيز إذا قدم عليه بريدٌ قال: هل رأيت في الناس العرسات؟ يعني الخصب للمسلمين.
وقيل لأعرابيّ كان في مجلس: فيم كنتم؟ قال: كنا في قدر تفور، وكأس تدور، وغناء يصور، وحديث لا يخور.
عذري يحدّث بما رأى في حضر المسلمين

بلغني أن محمد " بن خالد " بن يزيد بن معاوية كان نازلاً بحلب على الهيثم بن يزيد التّنوخيّ، فبعث إلى ضيف له من عذرة فقال: حدّث أبا عبد اللّه ما رأيت في حاضرة المسلمين من أعاجيب لأعراس. قال: نعم، ؤرأيت أموراً معجبة: منها أني رأيت قرية عاصم بن بكر الهلالّي، فإذا أنا بدورٍ متباينة، وإذا أخصاصٌ منظّمٌ بعضها إلى بعض ، وإذا بها ناس كثيرٌ مقبلون ومدبرون وعليهم ثياب حكو بها ألوان الزّهر،فقلت لنفسي: هذا أحد العيدين الأضحى أو الفطر؛ثم رجع إليّ ما عزب عنّي من عقلي، فقلت: خرجت من أهلي في عقب صفر وقد مضى العيدان قبل ذلك؛ فبينما أنا واقفٌ ومتعجّب أتاني رجل فأخذ بيدي " فأدخلني داراً قوراء " وأدخلني بيتاً قد نجّد في وجهه فرش قد مهّدت وعليها شابٌ ينال فروع شعره كتفيه، والناس حوله سماطان؛ فقلت في نفسي: هذا الأمير الذي يحكى لنا جلوسه وجلوس الناس حوله؛ فقلت وأنا ماثلٌ بين يديه: السلام عليك أيها الأمير ورحمة اللّه وبركاته؛ فجذب رجلٌ بيدي وقال: اجلس فإن هذا ليس بالأمير؛ فقلت: ومن هو؟ قال عروس؛ قلت: واثكل أمّاه! ربّ عروسٍ رأيت بالبادية أهون على أصحابه من هن أمّه؛ فلم ألبث إذ دخلت الرجال عليها هناتٌ مدوّراتٌ من خشب وقضبان، أمّا ما خفّ فيحمل حملاً، وأمّا ما ثقل فيدحرج، فوضعت أمامنا وتحلّق القوم حلقاً حلقاً، ثم أتينا بخرقٍ بيضٍ فألقيت بين أيدينا، فظننتها ثياباً وهممت عندها أن أسأل القوم خرقاً أقطع منها قميصاً، وذلك أني رأيت نسجاً متلاحكاً لا تبين له سدىً ولا لحمة؛ فلما بسط القوم أيديهم إذا هو يتمزّق سريعاً وإذا هو " فيما زعموا " صنف من الخبز لا أعرفه ثم أتينا بطعام كثير من حلوٍ وحامضٍ وحارّ وبارد، فأكثرت منه وأنا لاأعرف ما في عقبه من التّخم والبشم. ثم أتينا بشرابٍ أحمر في عساس، فلما نظرت إليه قلت: لا حاجة لي فيه، أخاف أن يقتلني. وكان في جانبي رجل ناصح لي - أحسن اللّه جزاءه - كان ينصح لي من بين أهل المجلس، فقال: يا أعرابيّ، إنك قد أكثرت من الطّعام، وإن شربت الماء انتفخ بطنك - فلما ذكر البطن تذكرت شيئاً كان أوصاني به " أبي و " الأشياخ " من أهلي " قالوا: لا تزال حيّاً م دام شديداً " يعني البطن " فإذا اختلف فأوص - فلم أزل أتداوى به ولا أملّ من شربه، فتداخلني - نالك الخير - صلف لا أعرفه " من نفسي، وبكاء لا أعرف سببه ولا عهد لي بمثله، واقتدارٌ على أمر أظن معه أني لو أردت نيل السقف لبلغته ولو شأوت الأسد لقتلته، وجعلت ألتفت إلى الرجل الناصح لي فتحدثني نفسي " بهتم أسنانه وهشم أنفه، وأهم أحياناً بأن أقول له: يابن الزنية؛ فينما نحن كذلك إذ هجم علينا شياطين ربعةٌ: أحدهم قد علّق في عنقه جعبة فارسية مشنجة الطرفين دقيقة الوسط قد شبحت بالخيوط شبحاً منكراً، وقد ألبست قطعة فرو كأنهم يخافون علها القرّ. ثم بدر الثاني فاستخرج من كمّه هنة " سوداء " كفيشلة الحمر فوضع طرفها في فيه فضرب فيها فاستتمّ بها أمرهم، ثم حسبعلى جحرة فيها فاستخرج منها صوتاً ملائماً مشاكلاً بعضه بعضاً " كأنه - علم اللّه - ينطق " . ثم بدر الثالث عليه عليه قميص وسخ وقد غرق شعره بالدّهن معه مرآتان فجعل يمري إحداهما على الأخرى مرياً. ثم بدر الرابع عليه قميصٌ قصير وسراويل قصير وخفّان أجذمان لا ساقين لهما، فجعل يقفز كأنه يثب على ظهور العقارب، ثم التبط بالأرض، فقلت: معتوه وربّ الكعبة! ثم ما برح مكانه حتى كان أغبط القوم عندي، ورأيت الناس يحذفونه بالدراهم حذفاً منكراً. ثم أرسلت إلينا النساء أن أمتعونا من لهوكم، فبعثوا بهم إليهن وبقيت الأصوات تدور في آذاننا. وكان معنا في البيت شابٌ لا آبه له، فعلت الأصوات له بالدعاء، فخرج فجاء بخشبة عينها في صدرها فيه خويطاتٌ أربعة، فاستخرج من جنبها عوداً فوضعه على أذنه، ثم زمّ الخيوط الظاهرة، فلما أحكمها وعرك آذانها حرّكها بمجسةٍ في يده، فنطقت وربّ الكعبة! وإذ هي أحسن قينة رأيتها قطّ، " وغنىً عليه " فاستخفنيّ في مجلسي حتى قمت فجلست بين يديه، فقلت: بأبي أنت وأميّ! ماهذه الدابّة؟ " فلست أعرفها " للأعراب وما خلقت إلا حديثاً! فقال: يا أعرابيّ، هذا البربط الذي سمعت به فقلت: بأبي أنت وأمي! فما هذا الخيط الأسفل؟ قال: زير؛ قلت: فما الذي يليه؟ قال: مثنى؛ قلت: فالثالث؟ قال: المثلث؛ قلت: فالرابع؟ قال: ألبمّ؛ قلت: آمنت

باللّه أوّلاً وبالبم ثانياً.ه أوّلاً وبالبم ثانياً.
شعر للخريمي في إكرامه الضيف وقال الخريمي:
أضاحك ضيفي قبل إنزال رحله ... ويخصب عندي والمحلّ جديب
وما الخصب للأضياف أن يكثر القرى ... ولكنّما وجه الكريم خصيب
مثله لأرطأة بن سهية، وغيره وقال أرطأة بن سهيّة:
وإنّي لقوامٌ إلى الضيف موهناً ... إذا أغدف السّتر البخيل المواكل
دعا فأجابته كلابٌ كثيرةٌ ... على ثقةٍ منّي بما أنا فاعل
وما دون ضيفي من تلادٍ تحوزه ... لي النفس إلا تصان الحلائل
آخر:
إذ نزل الأضياف كان عذوّراً ... على الأهل حتى تستقلّ مراجله
يقول: يسوّىء خلقه حتى يطعم أضيافه، لإعجاله إياهم ولخوف تقصيرٍ يكون منهم.
لدعبل وقال دعبل:
وإني لعبد الضيف من غير ذلةٍ ... وما فيّ إلا تلك من شيمة العبد
وقال آخر:
لحافي لحاف الضّيف والبيت بيته ... ولم يلهني عنه الغزال المقنّع
أحدثه، إن الحديث من القرى ... وتعلم نفسي أنه سوف يهجع
وقال الفرزدق في العذافر:
لعمرك ما الأرزاق يوم اكتيالها ... بأكثر خيراً من خوان عذافر
ولو ضافه الدّجّال يلتمس القرى ... وحلّ على خبّازه بالعساكر
بعدّة يأجوجٍ ومأجوج كلّهم ... لأشبعهم يوماً عداء العذافر
وقال مسكين الدارميّ:
ناري ونار الجار واحدةٌ ... وإليه قبلي تنزل القدر
ما ضرّ جاراً لي أجاوره ... ألاّ يكون لبابه ستر
بين أبي الرمكاء ورجل ضافه ضاف رجلٌ من كلب أبا الرّمكاء الكلبيّ، ومع الرجل فضلة من حنطة، فراحت معزى " أبي " الرّمكاء، فحلب وشرب، ثم حلب وسقى ابنه، ثم حلب وسقى امرأته؛ فقال الرجل: ألا تسقون ضيفكم؟ فقال أبو الرّمكاء: ما فيها فضل. فاستخرج الرجل ما عكمه من طعام وقال: هل من رحىً؟ فأسرعوا بها نحوه، فطحن وعجن وأوقد خبزته فنفضها، فإذا رسول أبي الرمكاء يقول: يقول لك أبو الرمكاء: لا عهد لنا بالخبز؛ فقال الرجل: ما فيها فضل. ثم أكل وارتحل ، وقال:
بات أبو الرمكاء لم يسق ضيفه ... من المحض ما يطوي عليه فيرقد
فقمت إلى حنّانةٍ فوق أختها ... ونارٍ وباتت وهي تورى وتوقد
فلما نفضت الخبز بالعود أقبلت ... رسائل تشكو الجوع والحيّ سهّد
وقال أبو الرمكاء بالخبز عهده ... قديمٌ له حولٌ كريب مطّرد
فقلت ألا لا فضل فيها لباخلٍ ... ولا مطمعٌ حتى يلوح لنا الغد
فبات أبو الرمكاء من فرط ريحها ... يئن كما أنّ السليم المسهّد
أعرابي يصف قوماً بخلاء ذكر أعرابيّ قوماً فقال: ألغوا من الصلاة الأذان، مخافة أن تسمعه الآذان، فيهلّ عليهم الضّيفان.
لبعضهم وغيره في البخلاء وقال بعضهم في ذلك:
أقاموا الدّيدبان على يفاعٍ ... وقالوا لا تنم للدّيدبان
فإن أبصر شخصاً من بعيدٍ ... فصفّق بالبنان على البنان
تراهم خشية الأضياف خرساً ... يصلّون الصلاة بلا أذان
وقال زياد الأعجم:
وتكعم كلب الحي من خشية القرى ... وقدرك كالعذراء من دونها ستر
وقال آخر:
وإني لأجفو الضيف من غير عسرة ... مخافة أن يضرى بنا فيعود
وقال آخر:
أعددت للضيفان كلباً ضارياً ... عندي وفضل هراوةٍ من أرزن
ومعاذراً كذباً ووجهاً باسراً ... متشكياً عض الزمان الألزن
رأى رجلٌ الحطيئة وبيده عصا؛ فقال: ما هذه؟ قال: عجراء من سلم، قال: إني ضيف. قال: للضيفان أعددتها.
وقال آخر:
وأبغض الضيف ما بي جلّ مأكله ... إلا تنفخه حولي إذا قعدا
ما زال ينفخ جنبيه وحبوته ... حتى أقول لعلّ الضيف قد ولدا
حميد الأرقط يذكر ضيفاً وقال حميدٌ الأرقط يذكر ضيفاً:
إذا ما أتانا وارد المصر مرملاً ... تأوب ناري أصفر العقل قافل

فقلت لعبدي اعجلا بعشائه ... وخير عشاء الضيف ما هو عاجل
فقال وقد ألقى المراسي للقرى ... أبن لي ما الحجاج بالناس فاعل
فقلت ما لهذا طرقتنا ... فكل ودع الأخبار ما أنت آكل
تجهّز كفّاه فيحدر حلقه ... إلى الزور ما ضمّت عليه الأنامل
أتانا ولم يعدله سحبان وائلٍ ... بياناً وعلماً بالذي هو قائل
فما زل منه اللقم حتى كأنه ... من العيّ لما أن تكلّم باقل
وقال أيضاً في نحو ذلك:
ومرملين على الأقتاب برهم ... حقائب وعباءٌ فيه بعرين
مقدمين أنوفاً في عصائبهم ... هجناً، ألا جدعت تلك العرانين
يسطرون لنا الأخبار إذ نزلوا ... وكلّ ما سطروا للقم تمكين
باتوا وجلتنا الصهباء بينهم ... كأن أظفارهم فيها سكاكسن
فأصبحوا والنوى عالي معرّسهم ... وليس كلّ النوى تلقي المساكين
وقال أيضاً في نحو ذلك:
وعاوٍ عوى والليل مستحلس الندى ... وقد ضجعت للغور تالية النجم
فسلّم تسليم الصّديق ولم يكن ... صديقاً لنا إلاليأنس باللقم
فقلت له والنار تأخذ صدره ... لقمت لسمتٍ أم سريت على علم
لبعض الرجاز وقال بعض الرجاز:
برّح بالعينين خطّاب الكثب ... يقول إني خاطبٌ وقد كذب
وإنما يطلب عسّاً من حلب
وقال آخر:
إني لمثلكم من سوء فعلكم ... إن زرتكم أبداً إلا معي زادي
حماد عجرد يهجو حريثاً وقال حمّد عجرد:
حريثٌ أبو الصلت ذو خبرةٍ ... بما يصلح المعدة الفاسده
تخوّف تخمة أضيافه ... فعوّدهم أكلةً واحده
زياد وغيلان بن خرشة عن قتادة قال: قال زيادٌ لغيلان بن خرشة: أحبّ أن تحدثني عن العرب وجهدها وضنك عيشها، لنحمد الله على النعمة التي أصبحنا بها. فقال غيلان: حدّثني عمّي قال: توالت على العرب سنون تسعٌ في الجاهلية حطمت كل شيء، فخرجت على بكرٍ لي في العرب. فمكثت سبعاً لا أطعم شيئاً إلا ما ينال منه بعيري أو من حشرات الأرض، حتى دفعت في اليوم السابع إلى حواء عظيم، فإذا بيتٌ جحش عن الحيّ فعملت إليه فخرجت إليّ امرأة طوالةٌ حسّانةٌ، فقالت: من؟ قلت: طارق ليلٍ يلتمس القرى. فقالت: لو كان عندنا شيء لآثرناك به، والدّالّ على الخير كفاعله، حسّ هذه البيوت ثم انظر إلى أعظمها، فإن يك في شيء منها خير ففيه. ففعلت حتى دفعت إليه، فرحب بي صاحبه وقال: من؟ قلت: طارق ليل يلتمس القرى. فقال: يا فلان؛ فأجابه، فقال: هل عندك طعامٌ؟ فقال لا؛ فوالله ما وقر في أذني شيء كان أشدّ منه. قال: فهل عندك شراب؟ قال لا؛ ثم تأوه فقال: بلى، قد بقّينا في ضرع الفلانة شيئاً لطارق إن طرقك. قال: فأت به. فأتى العطن فابتعثها. فحدّثي عمّي أنه شهد فتح أصبهان وتستر ومهرجا وكور الأهواز وفارس وجاهه عند السلطان وكثرة ماله وولده، قال: فما سمعت شيئاً قطّ كان أشد من شخب تيك الاقة في تلك العلبة؛ حتى إذا ملأها " و " فاضت من جوانبها وارتفعت عليها شمكرةٌ كجمة الشيخ، أقبل بها يهوي نحوي، فعثر بعود أو حجر، فسقطت العلبة من يده، فحدّثني أنه أصيب بأبيه وأمّه وولده وأهل بيته فما أصيب بمصيبةٍ أعظم من ذهاب العلبة. فلما رأى ذلك ربّ البيت خرج شاهراً سيفه فبعث الإبل ثم نظر إلى أعظمها سناماً ودفع إليه مدية وقال: يا عبد الله اصطل واحتمل. قال: فجعلت أهوي بالبضعة إلى النار فإذا بلغت إناها أكلتها، ثم مسحت ما في يدي من إهالتها على جلدي وقد كا قحل عليّ عظمي حتى كنه شنٌّ، ثم شربت شربة ماءٍ وخررت مغشياً عليّ فما أفقت إلى السحر. وقطع زيادٌ الحديث وقال: لا عليك ألا تخبرنا بأكثر من هذا، فمن المنزول به؟ قلت: أبو علي عامر بن الطّفيل.
لبعض الشعراء يهجو قوماً قال بعض الشعراء يهجو قوماً:
وتراهم قبل الغداء لضيفهم ... يتخللون صبابةً للزاد
لآخر يهجو أبي المقاتل وقال آخر:
إستبق ودّ أبي المقا ... تل حين تأكل من طعامه
سيّان كسر رغيفه ... أو كسر عظمٍ من عظامه

فتراه من خوف النز ... يل به يرّوع في منامه
فإذا مررت ببابه ... فاحفظ رغيفك من غلامه
وقال آخر:
صدّق أليّته إن قال مجتهداً ... لا والرغيف، فذاك البرّ من قسمه
قد كان يعجبني لو أنّ غيرته ... على جراذقه كانت على حرمه
إن رمت قتلته بخبزته ... فإن موقعها من لحمه ودمه
طعام أبي دلف قلت لرجل كان يأكل مع أبي دلف: كيف كان طعامه؟ قال: كان على مائدته رغيفا بينهما نقرة جوزةٍ؛ وقال:
أبو دلفٍ يضيّع ألف ألفٍ ... ويضرب بالحسام على الرغيف
أبو دلفٍ لمطبخه قتارٌ ... ولكن دونه ضرب السيوف
لأبي الشمقمق، ثم لدعبل
وقال أبو الشمقمق:
رأيت الخبز عزّ لديك حتى ... حسبت الخبز في جوّ السحاب
وما روحتنا لتذبّ عنا ... ولكن خفت مرزئة الذئاب
وقال دعبل:
إ من ضنّ بالكنيف على الضي ... ف بغير الكنيف كيف يجود!
ما رأينا ولا سمعا بحشٍّ ... قبل هذا لبابه إقليد
إ يكن في الكنيف شيء تخبّا ... ه فعندي إن شئت فيه مزيد
ولهذا الشعر قصة قد ذكرتها في باب الشعراء: بخل جعفر بن سليمان الهاشمي قال أبو محمد: شوي لجعفر بن سلمان الهاشمي دجاجٌ ففقد فخذٌ من دجاجةٍ فأمر فنودي في داره: من هذا الذي تعاطى فعقر! والله لا أخبز في هذا التنور شهراً أو يردّ! فقال ابنه الأكبر: أتؤاخذنا بما فعل السفهاء منا!.
قال بعض الشعراء:
يا تارك البيت على الضيف ... وهارباً منه من الخوف
ضيفك قد جاء بخبزٍ له ... فارجع فكن ضيفاً على الضيف
أبو نواس وخبز إسماعيل وقال أبو نواس:
خبز إسماعيل كالوش ... ي إذا ما شقّ يرفا
عجباً من أثر الصن ... عة فيه كيف يخفى
إن رفاءك هذا ... أحذق الأمة كفّا
فإذا قابل بالنصر ... ف من الجردق نصفا
مثل ما جاء من التن ... ور ما غادر حرفا
أحكم الصنعة حتى ... لا يرى موضع إشفى
وله في الماء أيضاً ... عملٌ أبدع ظرفا
مزجه العذب بماء ال ... بئر كي يزداد ضعفا
فهو لا يشرب منه ... مثل ما يشرب صرفا
بين عبد العزيز بن عمران وبنت ابن هرمة عن عبد العزيز بن عمران قال: نزلت ببنت " ابن " هرمة فقلت: انحروا لا جزوراً؛ قالت: والله ما هي عندنا؛ قلت: فبقرة، قالت: لا؛ فشاة؛ قالت: لا، قلت: فدجاجة؛ قالت: لا؛ قلت: فأين قول أبيك:
لا أمتع العوذ بالفصال ولا ... أبتاع إلا قريبة الأجل
قالت: ذاك أفناها. فبلغ ابن هرمة ما قالت، قال: أشهد أنها ابنتي، وأشهد أن داري لها دون الذكور من أولادي.
بخل ابن أبي فنن قال ابن أبي فنن:
لا أشتم الضيف ولكنني ... أدعو له بالقرب من طوق
بقرب من إن زاره زائرٌ ... مات إلى الخبز من الشوق
من أخبار البخلاء دخل على ابنٍ لرجلٍ من الأشراف داخلٌ وبين يديه فراريج، فغطّى الطبق بمنديله وأدخل رأسه في جيبه وقال للداخل عليه: كن في الحجرة الأخرى حتى أفرغ من بخوري.
وفيما أجاز لنا عمرو بن بحر من كتبه قال: دخل رجل على رجلٍ قد تغدّى مع قومٍ ولم ترفع المائدة قال لهم: كلوا وأجهزوا على الجرحى. يريد كلوا ما كسر ونيل منه ولا تعرضوا إلى الصحيح.
قال: وقال لقوم يؤاكلونه: يزعمون أن خبزي صغار! أيّ ابن زانيةٍ يأكل من هذا رغيفين!. قال: ويقول لزائره إذا أطال عنده المكث: تغدّيت اليوم؟ فإن قال نعم، قال: لولا أنك تفدّيت لغدّيتك بطعامٍ طّيب. وإن قال لا، قال: لو كنت تغدّيت لسقيتك خمسة أقداح. فلا يكون له على الوجهين لا قليلٌ ولا كثير.
بين أبي نواس وخراساني وحكي عن أبي نواس أنه قال: قلت لرجلٍ من أهل خراسان: لم تأكل وحدك؟ قال: ليس عليّ في هذا الموضع سؤال، إنما السؤال على من آكل مع الجماعة، لأن ذاك تكلّف وأكلي وحدي هو الأكل الأصليّ.
بخل الحزاميّ

وكنّا عند داود بن أبي بواسط أيام ولايته كسكر، فأتته من البصرة هدايا، وكان فيها زقاق دوشابٍ فقسمها بيننا، فكلّنا أخذ ما أعطي، غير الحزاميّ، فأنكرنا ذلك وقلنا: إنما يجزع الحزاميّ من الإعطاءوهو عدوّه، فأما الآخذ فهو ضالّته وأمنيّته؛ فإته لو أعطي أفاعي سجستان، وثعابين مصر، وجرّارات الأهواز لأخذها، إذ كان اسم الأخذ واقعاً عليها؛ فسألناه عن سبب ذلك، فتعسّر قليلاً ثم باح بسرّه وقال: وضيعته أضعاف ربحه، وأخذه من أسباب الإدبار؛ قلت: أوّل وضائعه احتمال ثقل السّكر؛ قال: هذا لم يخطر ببالي قطّ،، ولكن أوّل ذاك كراء الحمّال، فإذا صار إلى المنزل صار سبباً لطلب العصيدة والارزّة والستندفود، فإن بعته فراراً من هذا البلاء صيّرتموني شهرة، وإن أنا حبسته ذهب في العصائد وأشباهها، وجذب ذلك شراء السّمن، ثم جذب السمن غيره، وصار هذا الدّوشاب علينا أضرّ من العيال؛ وإن أنا جعلته نبيذاً احتجت إلى كراء القدور وإلى شراء الحبّ وإلى شراء الماء، وإلى كراء من يوقد تحته؛ فإن ولّيت ذلك الخادم اسودّ ثوبها وغّرمتنا ثمن الأشنان ولصابون، وازدادت في لطّعم على قدر الزيادة في العمل؛ فإن فسد ذهبت النفقة باطلاً ولم نستخلف منها عوضاً بوجه من الوجوه، لأن خلّ الدّاذيّ يخصب اللّحم ويغيّر الطّعم ويسوّد المرقة ولا يصلح " إلا " للاصطباغ. وإن سلم - وأعوذ باللّه - وجاد وصفا فلم نجد بدّا من شربه ولم تطب أنفسنا بتركه؛ فإن قعدت في البيت أشربه لم يمكن ذلك إلا بترك سلاف الفارسيّ المعسّل، والدّجاج المسمّن، وجداء كسكر وفاكهة الجبل والنّقل الهشّ والرّيحان الغضّ، عند من لا يغيض ماله، ولا تنقطع مادّته، وعند من لا يبالي على أي قطريه سقط، مع فوت الحديث المؤنس والسّماع الحسن؛ وعلى أني إن جلست في البيت أشربه لم يكن بدّ من واحد، وذلك الواحد لا بدّ له من لحمٍ بدرهم، ونقلٍ بطسّوج، وريحانٍ بقيراط، ومن أبرارٍ للقدر وحطبٍ للوقود؛ وهذا كله غرم وشؤم وحرمان وحرفة وخروجٍ من العادة الحسنة. فإن كان النديم غير موافقٍ فأهل السجن أحسن حالاً مني، وإن كان موافقاً فقد فتح اللّه على مالي به باباً من التلّف، لأنه حينئذ يسير في مالي كسيري في مال غيري ممّن هو فوقي. فإذا علم الصديق أن عندي داذياً أو نبيذاً دقّ على الباب دقّ المدلّ، فإن حجبناه فبلاء، وإن أدخلناه فشقاء. وإن بدا لي في استحسان حديث الناس كما يستحسنه " مني " من أكون عنده، فقد شاركت المسرفين، وفارقت إخواني الصالحين، وصرت من إخوان الشياطين؛ واللّه تقدّست أسماؤه يقول: " إنّ المبذرين كانوا إخوان الشياطين " ؛ فإذا صرت كذلك فقد ذهب كسبي من مال غيري، وصار غيري يكتسب منّي؛ وأنا لو ابتليت بأحدهما لم أقم به فكيف إذا ابتليت بأن أعطي ولا آخذ، وبأن أوكل ولا آكل! أعوذ باللّه من الخذلان بعد العصمة، ومن الحور بعد الكور؛ ولو كان هذا في الحداثة أهون. هذا الدّوشاب دسيسٌ من الحرفة، وكيدٌ من الشيطان، وخدعةٌ من الحسود، وهو الحلاوة التي تعقب المرارة. ما أخوفني أن يكون أبو سليمان قد ملّني فهو يحتال لي الحيل!.
الحارثي

وحكي عن الحارثي أنه قال: الوحدة خيرٌ من جليس السوء، وجليس السوء خير من أكيل السوء؛ لأن كل أكيلٍ جليس وليس كل جليس أكيلاً؛ فإن كان لا بدّ من المؤاكلة ولا بدّ من المشاركة فمع من لايستأثر عليّ بالمخ، ولا ينتهز بيضة البقيلة؛ ولا يلتقم كبد الدجاج، ولا يبادر إلى دماغ السّلاّءة، ولا يختطف كلية الجدي، ولا يزدرد قانصة الكركيّ، ولا ينتزع شاكلة الحمل، ولا يبتلع سرّة السمك، ولا يعرض لعيون الرؤوس، ولا يستولي على صدور الدّرّاج، ولا يسابق إلى أسقاط الفراخ، ولا يتناول إلا " ما " بين يديه، ولا يلاحظ ما بين يدي غيره، ولا يمتحن الإخوان بالأمور الثمينة، ولا ينتهك استار الناس بأن يشتهي ما عسى ألا يكون موجوداً؛ فكيف تصلح الدنيا ويطيب العيش بمن إذا رأى جزورية التقط الأكباد والأسمنة، وإذا عاين بقريةً استولى على العراق والقطنة، وإن عاين بطن سمكةٍ اخترق كلّ شيء فيه، وإنأتوا بجنب شواءٍ اكتسح ما عليه، ولا يرحم ذا سنٍّ لضعفه، ولا يرقّ على حدثٍ لحدّة شهوته، ولا ينظر للعيال، ولا يبالي كيف دارت الحال. وأشدّ من كل ما وصفناه أن الطبّاخ ربما أتى باللون الظريف الطّريف، والعادة في مثل ذلك اللون أن يكون لطيف الشخص صغير الحجم، فيقدّمه حارّاً ممتنعاً، وربما كان من جوهرٍ بطيء الفتور، وأصحابنا في سهولة ازدراد الحارّ عليهم في طبائع النّعام، وأنا في شدة الحارّ " عليّ " في طباع السّباع، فإن نظرت إلى أن يمكن أتوا على آخره، وإن أنا بادرت مخافة الفوت وأردت أن أشاركهم في بعضه لم آمن ضرره؛ والحارّ ربما قتل وربما أعقم وربما أبال الدم.
قال: وعوتب على تركه إطعام الناس معه وهو يتخذ فيكثر، فقال: أنتم لهذا أترك مني، فإن زعمتم أنني أكثر مالاً وأعدّ عدّةً، فليس بين حالي وحالكم من التفاوت أن أطعم أبداً وتأكلوا أبداً، فإذا أتيتم من أموالكم من البذل على قدر احتمالكم، علمت أنكم الخير أردتم، وإلى تزييني ذهبتم، وإلا فإنكم إنما تحلبون حلباً لكم شطره.
لأبي ثمامة قال: كان أبو ثمامة أفطر ناساً وفتح بابه فكثر عليه الناس، فقال: إن اللّه لا يستحي من الحق، وكلّكم واجب الحق، ولو استطعنا أن نعمّكم بالبرّ كنتم فيه سواءً ولم يكن بعضكم أولى به من بعضٍ؛ كذلك أنتم إذا عجزنا أو بدا لنا، فليس بعضكم أحقّ بالحرمان والإعتذار إليه من بعض، ومتى قرّبت بعضكم وفتحت بابي لهم وباعدت الآخرين، لم يك في إدخال البعض عذرٌ، ولا في منع الآخرين حجّة. فانصرفوا ولم يعودوا.
بخل محمد بن أبي المؤمل قال: وكان محمد بن أبي المؤمّل يقول: قاتل اللّه رجالاً كنّا نؤاكلهم، ما رأيت قصعةً رفعت من بين أيديهم إلا وفيها فضلٌ، وكانوا يعلمون أن إحضار الجدي إنما هو شيء من آيين الموائد الرّفيعة، وإنما جعل كالقافية وكالخاتمة وكالعلامة لليسر والفراغ، ولم يحضر للتفريق والتخريب، وأن أهله لو أرادوا به سوءاً لقدّموه لتقع الحدّة به. ولذلك قال أبو الحارث جميّز حين رآه لا يمسّ: هذا المدفوع عنه.
ولقد كانوا يتحامون بيضة البقيلة، ويدعها كلّ واحدٍ لصاحبه، وأنت اليوم إذا أردت أن تمتّع عينيك بنظرة واحدة منها ومن بيضة السّلاّءة لم تقدر على ذلك.
وكان يقول: الآدام أعداء الخبز، وأعداها له المالح؛ فولا أن اللّه أعان عليها بالماء وطلب آكله له لأتى على الحرث والنّسل.
وكان يقول: ما بال الرجل إذا قال: اسقني ماءً أتاه بقلّة على قدر الرّيّ أو أصغر، وإذا قال: أطعمني شيئاً أو هات لفلان طعاماً، أتاه من الخبز بما يفضل عن الجماعة، والطعام والشّراب أخوان. أما إنه لولا رخص الماء وغلاء الخبز لما كلبوا على الخبز وزهدوا في الماء؛ ولناس أشدّ شيءٍ تعظيماً للمأكول إذا كثر ثمنه وكان قليلاً في منبته وعنصره. هذا الجزر الصافي والباقلاء الأخضر أطيب من كمّثرى خراسان والموز البستاني، وهذا الباذنجان أطيب من الكمأة، ولكنهم لقصر هممهم وأذهانهم في التقليد والعادة لا يشتهون إلا على قدر الثمن.
وكان يقول: لو شرب الناس الماء على طعامهم لما اتّخموا. وذلك أن الرجل لا يعرف مقدار ما أكل حتى ينال من الماء شيئاً، لأنه ربما كان شبعان وهو لا يدري. وفي قول الناس:

ماءٌ دجلة مرأ من ماء الفرات، وماء مهران أمرأ من ماء " نهر " بلخ؛ وفي قول العرب: هذا ماءٌ نميرٌ يصلح عليه " المال " دليلٌ على أن الماء يمرىء؛ حتى قالوا: إن المء الذي يكون عليه النفّاطات أمرأ من الماء الذي تكون عليه القيّارات. فعليكم بشرب الماء على الغداء " فإنّ ذلك أمرأ " .
الثوريّ وعياله قال: وكان الثّوريّ يقول لعياله: لا تلقوا نوى التمر والرّطب وتعوّدوا ابتلاعه، فإن النوى يعقد الشحم في البطن، ويدفىء الكليتين بذلك الشّحم؛ واعتبروا ذلك ببطون الصّفايا وجميع ما يعتلف النّوى. واللّه لو حملتم أنفسكم على قضم الشّعير واعتلاف القتّ لوجدتموها سريعة القبول، وقد يأكل الناس القتّ قداحاً، والشّعير فريكاً، ونوى البسر الأخضر، ونوى العجوة؛ وإنما بقيت عليكم الآن عقبة؛ أنا أقدر أن أبتلع النوى وأعلفه الشّاء، ولكني أقول هذا بالنظر لكم.
وكان يقول لهم: كلوا الباقلاء بقشوره، فإن الباقلاء يقول: من كلني بقشوري فقد أكلني، ومن لم يأكلني بقشوري فإن آكله؛ فما حاجتكم " إلى " أن تصيروا طعاماً لطعامكم، وأكلاً لما جعل أكلاً لكم.
قال: وحمّ هو وعياله فلم يقدروا على أكل الخبز، فربح قواتهم في تلك الأيام؛ ففرح وقال: لو كان في منزلي سوق الأهواز ونطاة خيبر رجوت أن أستفضل في كل سنة مائة دينار.
موسى بن جناح وجيرانه قال: ودعا موسى بن جناح جماعةً من جيرانه ليفطروا عنده " في شهر رمضان " ، فلما وضعت المائدة أقبل عليهم ثم قال لهم: لا تعجلوا، فإنّ العجلة من عمل الشيطان. ثم وقف وقفةً ثم قال: وكيف لا تعجلون واللّه تعالى يقول: " وكان الأنسان عجولاً " . اسمعوا ما أقول لكم، فإن فيه حسن المؤاكلة والتبعّد من الأثرة، والعاقبة الرشيدة، والسيرة المحمودة: إذا مدّ أحدكم يده ليسقي ماءً فأمسكوا أيديكم حتى يفرغ، فإنكم تجمعون عليه خصالاً: منها أنكم تنغّصون عليه في شربه، ومنها أنه إذ أراد اللّحاق بكم فلعلّه يتسرع إلى لقمةٍ حارّة فيموت، وأدنى ذلك أن تبعثوه على الحرص وعلى عظم اللّقم. ولهذا قال بعضهم وقد قيل له: لم تبدأ بأكل اللحم؟ قال: لأن اللّحم ظاعنٌ والثريد مقيمٌ. وأنا وإن كان الطعام طعامي فإني كذلك أفعل؛ فإذ رأيتم فعلي يخالف قولي فلا طاعة لي عليكم. قال بعضهم: فربما نسي بعضنا فمدّ يده وصاحبه يشرب، فيقول له يدك يا ناسي، ولولا شيء لقلت لك: يا متغافل. قال: فأتانا بأرزّةٍ لو شء أحدنا أن يعدّ حباتها لعدّها، لتفرّقها وقلّتها، وهي مقدار نصف سكرّجة؛ فوقعت في فمي قعطةٌ، وكنت إلى جنبه، فسمع صوتاً حين مضغتها، فقال: اجرش يا أبا كعب.
اللئيم الراضع قال: وكنّا نسمع باللئيم الراضع، وهو الذي يرضع الحلب فلا يحلبه في الإناء لئلاّ يسمع صوت الحلب - وقال بعضهم: لئلا يضيع من اللبن شيءٌ - ثم رأيت أبا سعيد المدائني قد صنع أعظم من ذلك: ارتضع من دنّ خلاّ حتى فني ولم يخرج منه شيء.
من أخبار الكندي قال: وكان الكنديّ لا يزال يقول للساكن من سكّاننا - " وربما قال " للجار - : إن في داري امراةً بها حبلٌ، والوحمى ربما أسقطت من ريح القدر الطّيبة، فإذا طبختم فردّو شهوتها بغرفة أو بعلقة فإن النفس يردّها اليسير، وإن لم تفعل ذلك وأسقطت فعليك غرّةٌ: عبدٌ أو أمة.
وقال بعضهم: نزلنا داراً بالكراء للكنديّ على شروط، فكان في شرطه على السكّان أن يكون له روث الدابّة، وبعر الشاة، ونشوار العلوفة؛ وألا يخرجوا عظماً ولا يخرجوا كناسة، وأن يكون له نوى التمر، وقشور الرّمان، والغرفة من كل قدر تطبخ للحبلى في بيته؛ وكان في ذلك يتنزّل عليهم، فكانوا لطيبه وإفراط بخله يحتملون ذلك.
من بخل سهل بن هارون

وقال دعبل: أقمنا يوماً عند سهل بن هارون، فأطلنا الحديث حتى اضطره الجوع إلى أن دعا بغدائه، فأتي بصحفةٍ عدمليّة فيها مرق لحم ديكٍ عاسٍ هرمٍ ليس قبلها ولا بعدها غيرها، لا تخزّ فيه السكين، ولا تؤثر فيه الأضراس، فاطّلع في القصعة وقلّب بصره فيها، فأخذ قطعة خبز يابسٍ فقلب بها جميع ما في الصفحة ففقد الرأس، فبقي مطرقاً ساعةً، ثو رفع رأسه إلى الغلام وقال: أين الرأي؟ قال: رميت به؛ قال: ولم؟ قال: ما ظننت أنك تأكله " ولا تسأل عنه " ! قال: ولأيّ شيءٍ ظننت ذلك؟ فواللّه إني لأمقت من يومي برجله فكيف من يرمي برأسه! والرأس رئيس، وفيه الحواس الخمس، ومنه يصيح الديك، ولولا صوته ما أريد، وفيه عرفه الذي يتبرّك به، وفيه عينه التي يضرب بها المثل فيقال: " شراب كعين الديك " ، ودماغه عجبٌ لوجع الكلية، ولن ترى عظماً قطّ أهشّ من عظم رأسه؛ فإن كان من نبلٍ أنك لا تأكله فإنّ عندنا من يأكله. أو ما علمت أنه خيرٍ من طرف الجناح ومن الساق ومن العنق! أنظر أين هو. قال: لا واللّه لا أدري أين هو، رميت به. قال: لكني أدري أنك رميت به في بطنك، واللّه حسبك.
لبعضهم في بخيلين وحكي عن رجل أنه قال: مررت ببعض طرقات الكوفة، فإذا رجل يخاصم جاراً له، فقلت: ما بالكما تختصمان؟ فقال " أحدهما " : لا واللّه إلا أنّ صديقاً لي زارني فاشتهى عليّ رأساً، فاشتريته وتغذّينا به وأخذت عظامه فوضعتها على باب داري أتجمّل بها عند جيراني فجاء هذا فأخذها وتركها على باب داره يوهم أنه اشتراه.
أيضاً في البخل قال: وتناول رجل من بين يدي أميرٍ من الأمرء بيضةً وهو معه، فقال: خذها فإنها بيضة العقر. ولم يأذن له بعد ذلك.
قال: وقدّمت مائدة لرجلٍ عليها أرغفة على عدد الرؤوس ورغيفٌ زائد يوضع على الصّحاف، فلما أنفد القوم خبزهم التفت إلى رجلٍ إلى جانبه فقال: إكسر هذ الرغيف وفرّقه بينهم. فتغافل، فأعاد عليه، فقال: يبتلي على يد غيري.
من بخل المغيرة الثقفي قال المدائنيّ: كان المغيرة بن عبد اللّه الثقفيّ وهو على الكوفة جديٌ يوضع على مائدته بعد الطعام لا يمسّه هو ولا غيره، فقدم أعرابيٌ يوماً فأكل لحمه وتعرّق عظامه؛ فقال: يا هذا، أتطالب هذا البائس بذهل؟! هل نطحتك أمه! قال: وأبيك إنك لشفيق عليه! هل أرضعتك أمّه!.
بين زياد بن عبد اللّه الحارثي وأشعب قال المدائني: كان لزياد بن عبد اللّه الحارثي جديٌ لا يمسه " أحد " ، فعشّى في شهر رمضان قوماً فيهم أشعب، فعرض أشعب يوماً للجدي من بين القوم، فقال زياد حين رفعت المائدة: أما لأهل السجن إمامٌ يصلّي بهم؟ قالوا: لا. قال: فليصلّ بهم أشعب. قال أشعب: أو غير ذلك أيها الأمير؟ قال: وما هو؟ قال: لا آكل لحم جدي أبداً.
المغيرة بن عبد اللّه الثقفي قال: وكان المغيرة بن عبد اللّه الثّقفيّ يأكل وأصحابه تمراً فانطفأ السراج، وكانوا يلقون النّوى في طستٍ، فسمع صوت نواتين؛ فقال: من ذا يلعب بالكعبتين؟ شعر للأعشى، ولآخرين قال الأعشى:
تبيتون في المشتي ملاءً بطونكم ... وجاراتكم سغبٌ يبتن خمائصا
وقال آخر:
وضيف عمروٍ وعمروٌ ساهران معا ... فذاك من كظّةٍ والضيف من جوع
وقال آخر:
وجيرةٍ لا ترى في الناس مثلهم ... إذا يكون لهم عيدٌ وإفطار
إن يوقدوا يوسعونا من دخانهم ... وليس يبلغنا ما تنضج النار
وقال سماعة بن أشول:
نزلنا بسهمٍ والسماء تلفّنا ... لحي اللّه سهماً ما أدقّ وألأما
فلما رأينا أنه عاتم القرى ... بخيلٌ ذكرنا ليلة لهضب كردما
فقمنا وحملنا على الأين والوجى ... جلالا بأوصال الرّديفين مرجما
يدقّ خراطيم القنان كأنما ... يدقّ بصوان الجلاميد حتما
فجئنا وقد باض الكرى في عيوننا ... فتىً من عيون النعرقين مسلماً
تناج إليه هجمةٌ واتكيّة ... رعت بالجواء البقل حولاً مجرّما
كأنّ بأحقيها إذا ما تنعّمت ... مزاداً سقا فيه المزوّد معصما
فبات رفيقي بعد ما ساء ظنّه ... بمنزلةٍ من آخر الليل مكرما
ولو أنها لم يدفع العيس زّمها ... رأى بعضها من بعض أنسائها دما

وقال حميد الأرقط:
ومستنبحٍ بعد الهدوء وقد جرت ... له حرجفٌ نكباء والليل عاتم
رفعت له مخلوطةً فاهتدى بها ... يشبّ لها ضوء من النار جاحم
فأطعمته حتى غدا وكأنما ... تنازعه في أخدعيه المحاجم
كزمهان يفطو المشي لو جعلت له ... رعايا الحمى لم يلتفت وهو قائم
حريصٌ على التسليم لو يستطيعه ... فلم يستطع لما غدا وهو عاتم
وقال الأعشى:
إذا حلّت معاوية بن عمرو ... على الأطواء خنّقت الكلابا
وقال آخر:
أيا بنة عبد اللّه وابنة مالكٍ ... ويابنة ذي البردين والفرس الورد
إذا ما عملت الزاد فالتمسي له ... أكيلاً فإني غير آكله وحدي
بعيداً قصيّاً أو قريباً فإنني ... أخاف مذمّات الأحاديث من بعدي
وكيف يسيغ المرء زاداً وجاره ... خفيف المعى بادي الخصاصة والجهد
وللموت خيرٌ من زيادة باخلٍ ... يلاحظ أطراف الأكيل على عمد
وقال مرّة بن محكان السّعدي:
فقلت لما غدوا أصي قعيدتنا ... غدّي بينك فلن تلفيهم حقبا
أدعى أباهم ولم أقرف بأمهم ... وقد هجعت ولم أعرف لهخم نسبا
لحماد عجرد في بخيل وقال حمّاد عجرد:
زرت امرأً في بيته مرّةً ... له حياءٌ وله خير
يكره أن يتخم إخوانه ... إنّ أذى التّخمة محذور
ويشتهي أن يؤجروا عنده ... بالصوم والصائم مأجور
مثله لبعض المحدثين وقال بعض المحدثين:
أبو نوحٍ نزلت عليه يوماً ... فغدّاني برائحة الطعام
وجاء بلحمٍ لا شيءٍ سمينٍ ... فقدّمه على طبق الكلام
فلما أن رفعت يدي سقاني ... مدامً بعد ذاك بلا مدام
فكان كمن سقى الظمآن آلا ... وكنت كمن تغدّى في المنام
لعروة بن الورد وقال عروة بن الورد:
إني امرؤٌ عافي إنائي شركةٌ ... وأنت امرؤٌ عافي إنائك واحد
أتهزأ منّي أن سمنت وأن ترى ... بجسمي مسّ الحقّ والحقّ جاهد
أقسّم جسمي في جسومٍ كثيرةٍ ... وأحسو قراحالماء والماء بارد
باب القدور والجفانالفرزدق وقدر ابن جبار ذكر الفرزدق عقبةً بن جبّار المنقري وقدره فقال:
لو أن قدراً من طول محبسها ... على الحفوف بكت قدر ابن جبّار
ما مسّها دسمٌ مذ فضّ معدنها ... ولا رأت بعد نار القين من نار
وقال:
كأنّ تطلّع التّرعيب فيها ... عذارٍ يطّلعن إلى عذار
الكميت وقال الكميت:
كأنّ الغطامط من غليها ... أراجيز أسلم تهجو غفاراً
وقال آخر:
وقدرٍ كجوف الليل أحمشت غليها ... ترى الفيل فيها طافياً لم يفصّل
ابن الزبير يمدح ابن خارجة وقال ابن الّزبير يمدح أسماء بن خارجة:
ترى البازل البختيّ فوق خوانه ... مقطّعةً أعضاؤه ومفاصله
الرقاشي وابن يسير وقال الرّقاشيّ:
لنا من عطاء اللّه دهماء جونةٌ ... تناول بعد الأقربين الأقصيا
جعلت ألالاً والرّجام وطخفةً ... لها فاستقلّت فوقهنّ الأثافيا
مؤدّيةً عنا حقوق محمدٍ ... إذا ما أتانا يابس الجنب طاويا
أتى بن يسيرٍ كي ينفّس كربه ... إذا لم يرح وافي مع الصبح غاديا
فأجابه ابن يسير:
وثرماء ثلماء النواحي ولا يرى ... بها أحدٌ عيباً سوى ذاك باديا
إذا انقاض منها بعضها لم تجد لها ... رؤوب لما قد كان منها مدانيا
وإن حاولوا أن يشعبوها فإنها ... على الشّعب لا تزداد إلا تداعيا
معوّذة لإرجال لم توف مرقباً ... ولم تمتط الجون الثلاث الأثافيا
ولا اجتزعت من نحو مكة شقّةً ... إلينا ولا جازت بها العيس واديا
ولكنّها في أصلها موصليّةٌ ... مجاورةٌ فيضاً من البحر جاريا

أتتنا تزجّيها المجاذيف نحونا ... وتعقب فيما بين ذاك المزاديا
يقول لمن هذي القدور التي أرى ... تهيل عليها الرّيح ترباً وسافيا
فقالوا ولن يخفي على كل ناظرٍ ... قدور رقاشٍ إن تأمّل دانيا
فقلت متى باللحم عهد قدوركم ... فقالوا إذ ما لم يكنّ عواريا
من اضحى إلى أضحى وإلاّ فإنها ... تكون بنسسج العنكبوت كما هيا
فلما استبان لجهد لي في وجوههم ... وشكواهم أدخلتهم في عياليا
ينادي ببعضٍ بعضهم عند طلعتي ... ألا أبشروا هذا اليسيريّ جائبا
لأبي نواس وقال أبو نواس:
ودهماء تثفيها رقاشٌ إذا شتت ... مركّبة لآذان أمّ عيال
يغصّ بحيزوم لبعوضة صدرها ... وتنزلها عفواً بغير جعال
ولو جئتها ملاي عبيطاً مجزّلاً ... لأخرجت ما فيهاا بعود خلال
هي القدر قدر الشيخ بكر بن وائلٍ ... ربيع اليتامى عام كلّ هزال
وقال أيضاً:
رأيت قدور الناس سوداً من الصّلى ... وقدرالرّقاشيّين زهراء كالبدر
ولو جئته ملأي عبيطاً مجزّلاً ... لأحرجت ما فيها على طرف الظّفر
يثبّتها للمعتفي بفنائهم ... ثلاثٌ كحظّ الثاء من نقط الحبر
تروح على حيذ الرّباب ودارمٍ ... وسعدٍ وتعروها فراضبة الفزر
وللحيّ عمرٍ ونفحةٌ من سجالها ... وتغلب والبيض االلّهاميم من بكر
إذا ما ينادي بالرحيل سعى بها ... أمامهم الحوليّ من ولد الذّرّ
جفنة ابن جدعان وقال أبو عبيدة: كان لعبد اللّه بن جدعان جفنة يأكل منها القائم والراكب. وذكر غيره أنه وقع فيها صبيّ فغرق.
للأشعر وقال الأشعر:
وأنت مليخٌ كلحم الحوار ... فلا أنت حلوٌ ولا أنت مرّ
وقد علم الضيف والطارقون ... بأنك للضيف جوعٌ وقرٌ
بين يحيى بن خالد وأبي الحارث سأل يحيى بن خالد أبا الحارث جمّيزاً عن طعام رجلٍ، فقال: أما مائدته فمقنة وأما صحافه فمنقورةٌ من حبّ الخشخاش، وبين الرغيف والرغيف نقرة جوزة، وبين اللون واللون فترة نبيّ.
قال: فمن يحضرها؟ قال: الكرام الكاتبون. قال: فيأكل معه أحدٌ؟ قال: نعم، الذّباب. قال: فلهذا ثوبك مخرّق ولا يكسوك وأنت معه وبفنائه؟! قال أبو الحارث: جعلت فداءك، واللّه لو ملك بيتاً من بغداد إلى الكوفة مملوءاً إبراً، في كل إبرةٍ خيط، ثم جاءه جبريل وميكائيل معهما يعقوب يضمنان عنه إبرة يخيط بها قميص يوسف لذي قدّ من دبرٍ، ما أعطاهم.
لبعضهم في بخيل وقال بعضهم:
ولو عليك اتكالي في الغذاء إذاً ... لكنت أوّل مدفونٍ من الجوع
سياسة الأبدان بما يصلحها من الطعام وغيرهنصيحة تياذوق طبيب الحجاج قال الحجاج لتياذوق متطبّبه: صف لي صفةً آخذ بها " في نفسي " ولا أعدوها، قال تياذوق: لا تتزوّج من النساء إلا شابّة، ولا تأكل من اللحم إلا فتيّا، ولا تأكله حتى ينعم طبخه، ولا تشر بنّ دواءً إلا من علةً، ولا تأكل من الفاكهة إلا نضيجها، ولا تأكل طعاماً إلا أجدت مضغه، وكل ما أحببت من الطعام واشؤب عليه، وإذا شربت فلا تأكل عليه شيئاً، ولا تحبس الغائط والبول، وإذا أكلت بالنهار فنم، وإذا أكلت بالليل فتمشّ ولو مائة خطوةٍ.
يهود خيبر روى عبد العزيز بن عمران عن الحليس بن حيّان الأشجعيّ قال: حدّثني أبي عن شيوخ من أشجع قال: سألنا يهود خيبر: بم صححتم بخيبر؟ قالوا: بشرب الخمر، وأكل الفوم، وسكون اليفاع، وتجنّب بطون الأودية، والخروج من خيبر عند طلوع الفجر وسقوطه.
بين الحجاج والحكم بن المنذر بن الجارود قال الحجّاج للحكم بن المنذر بن الجارود: أخبرني عن صفاء لونك وغلظ قصرتك، أشرب اللبن فهو منه؟ قال: لا. ولم؟ قال: لأنه منتنةٌ منفخةٌ. قال فما شرابك؟ قال: نبيذ الدّقل في الصيف ونبيذ العسل في الشتاء.
بين عبد الملك وأعرابي قال عبد الملك لأعرابي: إنك حسنٌ الكدنة. قال: إني أدفىء رجليّ في الشتاء، وأغفل غاشية الغمّ، وآكل عند الشهوة.

لعلي بن أبي طالب رضي اللّه عنه عن عليّ رضي اللّه عنه أنه قال: من ابتدأ غذاءه بالملح أذهب اللّه عنه سبعين نوعاً من البلاء. ومن أكل كلّ يومٍ سبع تمرات عجوةٍ قتلت كلّ داء في بطنه. ومن أكل كلّ يوم إحدى وعشرين زبيبةٍ حمراء لم ير في بدنه شيئاً يكرهه. واللحم ينبت اللحم والثريد طعام العرب. ولحم البقر داء، ولبنها شفاء، وسمنها دواء. والشّحم يخرج مثليه من داءٍ ولم يستشف الناس بشيء أفضل من الرّطب والسّمك يذيب الجسد وقراءة القرآن والسواك يذهب البلغم. ومن أراد البقاء - ولا بقاء - فليباكر الغداء وليقلل غشيان النّساء ويخّفف الرداء، وليلبس الحذاء قيل: وما خفّة الرّداء في البقاء؟ قال: قلّة الدّين.
لبعضهم في سياسة البدن قيل لرجل: إنك لحسن السّحّنة. فقال: آكل لباب البرّ بصغار المعز، وأدّهن بحام البنفسج، وألبس الكتّان.
في أشياء تورث الهزال ويقال: ثلاثة أشياء تورث الهزال: شرب الماء على الرّيق، والنوم على غير وطأةٍ، وكثرة الكلام برفع الصوت.
ويقال: أربع خصالٍ يهدمن العمر وربما قتلن: دخول الحمامّ على بطنةٍ، والمجامعة على الأمتلاء، وأكل القديد الجافّ، وشرب الماء البارد على الرّيق، وقيل: مجامعة العجوز.
من الأثر وفي الحديث: " ثلاثة أشياء تورث النّسيان أكل التّفّاح الحامض وسؤر الفأرة ونبذ القملة " .
وفي حديث آخر: " الحجامة في النّقرة والبول في الماء الراكد " ويقال: أربعة أشياء تقصد إلى العقل بالأفساد: الإكثار من البصل، والباقلاء، والجماع، والخمار.
لإبراهيم النظام وقال النّظّام: ثلاثة أشياء تخلق العقل وتفسد الذّهن: طول النّظر في المرآة والأستغراب في الضّحك، ودوام النّظر إلى البحر.
وكان يقال: عشاء الليل يورث العشا.
ويروى في الحديث: " ترك العشاء مهرمة " والعرب تقول: ترك العشاء بلحم الأليتين
باب الحميةللحارث بن كلدة قال الحارث بن كلدة طبيب العرب: الدواء هو الأزم يعني الحمية لجالينوس وقيل لجالينوس: إنك تقلّ من الطّعام؛ قال: غرضي من الطّعام أن آكل لأحيا وغرض غيري من الطعام أن يحيا ليأكل للعمّي في الحمية وقال العميّ: من احتوى فهو على يقينٍ من المكروه، وفي شكّ مما يأمل من العافية. وكان يقال: ليس الطبيب من حمى الملك ومنعه الشهوات، إنما الطبيب من خلاّه وما يريد وساس بدنه لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:
ورّبت حزمٍ للسّقم علّةً ... وعلة برء الداء خبط المغفّل
ويقال: الحمية للصحيح ضارّة كما أنها للعليل نافعة.
الحمية في الحديث الشريف وفي الحديث: أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رأى صهيباً يأكل تمراً وبه رمدّ، فقال له: " أتأكل التمر وبك رمد؟ " فقال: يا رسول اللّه إنما أمضغ بهذه إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن جدّه: قال: قال رسول اللذه صلى اللّه عليه وسلم: " لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشّراب فإن اللّه يطعمهم ويسقيهم "
باب شرب الدواءللنبي صلى اللّه عليه وسلم قال عبد اللّه بن بكر السّهميّ: حدثنا بعض أصحابنا يرفعه إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: " من استقل بدائه فلا يتداوين فإنه ربّ دواء يورث الداء " لبعض الحكماء في شرب الدواء وكانت الحكماء تقول: إياك وشرب الدواء ما حملت صحتّك داءك وقالوا: مثل شرب الدواء مثل الصابون للثوب ينقيه، ولكنه يخلقه ويبليه.
لطبيب كسرىة عن يزيد بن الأصمّ قال: لقيت " طبيب " كسرى شيخاً " كبيراً " قد أوثق حاجبيه بخرقة، وسألته عن دواء المشي؛ قال: سهمٌ يرمي به في جوفك أخطأ أو أصاب.
لأبقراط قال أبقراط: الدواء من فوق، والدواء من تحت، والدواء لا فوق ولا تحت. وفسّره المفسّر فقال: من كان داؤه في بطنه فوق سرّته سقي الدواء، ومن كان داؤه تحت سرّته حقن، ومن لم يكن به داءٌ في بطنه فوق سرتّه سقي الدواء، ومن كان داؤه تحت سرتّه حقن، ومن لم يكن به داءٌ لا من فوق ولا من تحت لم يسق الدواء، فإن الدواء إذا لم يجد داء يعمل فيه وجد الصحّة فعمل فيها.
عبد العزى بن عبد المطلب

قال أبو اليقظان: كان عبد العزّى بن عبد المطّلب يشتكي عينه وهو مطرقٌ أبداً؛ وكان يقول: ما بعيني بأس، ولكن أخي الحارث إذا اشتكت عينه يقول: اكحلوا عين عبد العزّى معي؛ فيأمر من يكحّلني معه ليرضيه بذلك فأمرض عيني.
لابن الأحمر قال ابت أحمر شفي بطنه:
شربت الشّكاعى والتددت ألدّة ... وأقبلت أفواه العروق المكاويا
شربنا وداوينا وما كان ضارنا ... إذا اللّه حمّ المرء أن لا تداويا
في لأثر وفي الحديث: " داووا مرضاكم بالصّدقة ووحصّنوا أموالكم بالزّكاة واستقبلوا أنواع البلايا بالدعاء " .
الحدث والحقنة والتّخمة
لقمان لابنه عن وهب قال: قال لقمان لابنه: إن طول الجلوس على الخلاء يرفع الحرارة إلى الرأس، ويورث االباسور وتيجع له الكبد؛ فأجلس هوينى وقم هوينى. فكتب حكمته على باب الحشّ.
وكان يقال: إذا خرج االطعام قبل ستّ ساعات فهو مكروه، وإذا بقي أكثر من أربع وعشرين ساعة فهو مرض.
شكاية أبي ذفافة وشعر لأعرابي وكان أبو ذفافة الباهليّ اشتكى، فأشار عليه الأطبّاء بالحقنة فامتنع؛ فأنشأ أعربيّ يقول:
لقد سرّني واللّه وقّاك شرّها نفارك منها إذ أتاك يقودها
كفى سوءةً لاّ تزل مجبّياً ... على شكوة وفراء في استك عودها
عبيد اللّه بن زياد والحقنة وأشاروا على عبيد بن زياد بالحقنة فتفحّشها؛ فقالوا: إنما يتولاّها منك لطبيب. فقال: أنا بالصاحب آنس.
الحجاج وجلسائه قل المدائنيّ: سأل الحجّاج جلساءه: ما أذهب الأشياء للإعياء؟ فقل بعضهم: أكل التّمر. وقال بعضهم: الحمام. وقال بعضهم: التّمريخ.
لفيروز وقال فيروز: أذهب الأشياء للإعياء قضاء الحاجة.
وحدثني بعض الأطباء أن رجلاً شرب خبث الحديد المعجون فبقي في جوفه، فاشتد عليه وجعه؛ فسحقت له قطعةٌ من المغناطيس وسقي إياه، فتعلق بالخبث وخرج مع الغائط.
لتياذوق طبيب الحجاج قال: وقال تياذوق طبيب الحجاج للحجاج: إن اللحم على اللحم يقتل السباع في البرية.
ثم قال لي جعفر: قالت جارية لنا: كان لي ظبيٌ فمر بعجين قد هييء للخشكنان، فكل منه فحفس - والحفس: الحبط وانتفاخ البطن - فسلخ فوجد قد شرق بالدم.
وقال يونس (طبيب لنا): هكذا يصاب الإنسان إذا بشم.
لبعض الأعراب يدعو الله الأصمعي: قال بعض الأعراب: اللهم إني أسألك ميتةً كميتة أبي خارجة، أكل بذجاً، وشرب معسلاً، ونام في الشمس، فلقي الله شبعان ريّان دفآن.
وقال آخر من الأعراب: اللهم اجعل التخمة دائي وداء عيالي.
لابن شبابة قل ابن شبابة مولى بني أسد: من بال ولم يضرط كتبت استه من الكاظمين الغيظ.
باب القيءلجعفر بن سليمان عن جعفر بن سليمان أنه قال لإنسان أكول يقيء إذا أكل. لا تفعل، فإن المعدة تضفز إلى القيء كما تضفز الدابة إلى العلف، فلا ينضج الطعام.
لمزبّد وأخذ مزبّد شارباً فاستنكه، فأتي به الوالي فاستنكهوه، فقالوا: نكهته لا تنبيء عنه. قال مزيد: إن لم أقيء نبيذاً فمن لي عشاءً.
رئي الجمّال يأكل فقيل له: ما تأكل؟ قال: قيء كلب في قحف خنزير.
النكهةلتياذوق الطبيب في البخر سئل تياذوق عن البخر فقال: دواؤه الزبيب يعجن بسعتر ثم يؤكل أسبوعين أو ثلاثة فجرّب فذهب.
للروم في البخر وتقول الروم في الكرفس: إنه يطيب الفم ويذهب البخر؛ ويحتاج إلى أكله من يشاهد السلطان ومحافل الناس وكان أكثر كلامه السرار.
لمنع رائحة البصل والثوم من الفم قالت الأطباء: الجزر المشوي والخبز المقلو بالزيت أو بالسمن إذا مضغ ورمي بثفله قاطعٌ لرائحة البصل من الفم. والفوم إن أكله آكلٌ فأحب أن يقطع رائحته مضغ ورق الزيتون الطري وتمضمض بعده بالخل.
والسعد قاطع لرائحة النبيذ من الفم. وحبّ الأترج مطيّب للنّكهة. والبخر لا يكاد يكون في الملاحين لأكلهم الملاح.
ما يورث البخر وقرأت في الآيين: أن رئيس الحرم أمر جواري الملك ألا يأكلن الثوم والبصل والكرّاث واللفّاح والحمّص الرطب والمشمش؛ فإنه يورث البخر.
باب المياه والأشربةللأطباء في المياه قالت الأطباء: معرفة خفّة الماء بأن يكون سريع الغليان ويكون سريع البرد. وأحمد المياه ما كان قبالة المشرق ومجراه مجرى الشمال ومروره على الطين الأحمر وعلى الرمل.

قالوا: ومما يصفّي من الماء الكدر فيصفو سريعاً أن يلقى فيه قطعٌ من خشب الساج أو قطعٌ من آجرٍّ جديدٍ.
قال بعض المحدثين:
يمنع أمه بالشمال ... وماؤها البارد الزلال
يصيح فيها وقايتونا ... يجري به الثلج في مثال
في تحلية الماء المرّ الغليظ وقال صاحب الفلاحة: من أراد أ يعذب له الماء الزّعاق جعله في قدر جديدة من خزف وغطى فاها بأسحال ثم أوقد تحتها حتى تغلي ويحصل فيها نصف ذلك الماء ثم صفّاه وتركه، فإنه يجده شروباً.
في ماء دجلة وقالوا: ماء دجلة يقطع شهوة الرجال ويذهب بصهيل الخيل ونشاطها، ومن لم يأكل الدسم عليه انحل عظمه ويبس جلده، وهو مع هذا أهضم للطعام من غيره من المياه وأسرعها برداً.
ماء النيل قال: والنّيل يستقبل الشمال وينصب في وقت زيادة الأدوية ويزيد في وقت نقصانها. وزيادة أوّله وآخره معها؛ ولا تكون التماسيح إلا فيه؛ قال الشاعر:
أضمرت للنيل هجراناً ومقليةً ... إذ قيل لي إنما التمساح في النيل
فمن رأى النيل رأى العين من كثبٍ ... فما أرى النيل إلا في البواقيل
والسقنقور أيضاً لا يخرج إلا منه.
لابن مزاحم وروي في الحديث عن الضحّاك بن مزاحم أنه قال: قذف الفرات في المدّ رمّانةً كأنها البعير البارك، وتحدّث أهل الكتاب أنها من الجنّة.
لابن ماسويه وقال ابن ماسويه: ينبغي للماء الغليظ الذي ليس يعذب أن يطبخ حتى يذهب منه نصفه، ثم يطرح فيه السويق أو الطين الأحمر فإنه يلطفه ويذهب غائلته ويعذبه ويمنع مدره.
منافع الفقع والجلاب والسكنجبين قالت الأطباء: الفقّاع المتخذ من دقيق الشعير نافع من الجذام. الجلاب قاطع لكثرة دم الحيض. السكنجبين نافع من الذّبحة إذا كانت من حرار، يشرب ويتغرغر به.
باب اللحمان وما شاكلهاللأطباء في لحم الماعز والضأن قالت الأطباء: لحم الماعز يورث الهمّ، ويحرك السوداء، ويرث النسيان، ويخبل الأولاد ويفسد الدم؛ وهو ضارٌّ لمن سكن البلاد الباردة. وأحمد اللحمان ما خصي من لمعز. والضأن نافع من المرّة السوداء إلا أن الممروري الذين يصرعون إذا أكلوا لحم الضان اشتد بهم ذلك حتى يصرعوا في غير أوا الصرع. وأوان الصرع الأهلّة وأنصاف الشهور.
في اللحم قال الشاعر:
كأن القوم عشّوا لحم ضأنٍ ... فهم نعجون قد مالت طلاهم
قالوا: واللحم أقلّ الطعام نجواً. ولحم الدجاج الهوم شرّ اللحمان وأغلظها.
في البيض، وحب الرمان والبيض إن سلق بالخلّ ثم أكل بالسماق وحبّ الرمان المفلّق والملح والمرّي عقل الطبيعة.
منافع الزبد والمخ والدماغ والزبد إن طلي على منابت أسنان الطفل كان معيناً على نباتها وطلوعها، والمخ والدماغ يفعلان ذلك.
مضارّ الأطعمة ومنافعها
للنبي ( في الكمأة والعجوة الكمأة والفطر - عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج عليهم وهم يذكرون الكمأة وبعضهم يقول جدري الأرض، فقال: " الكمأة من المنّ وماؤها شفاءٌ للعين والعجوة من الجنة وهي شفاء من السقم " للأصمعي في الجراد والفطر ولحوم والإبل الأصمعي عن بعض مشايخه قال: ثلاثة أشياء ربّما صرعت أهل البيت عن آخرهم الجراد، ولحوم الإبل، والفطر.
أردأ الفطر وتقول الأطباء: إن أردأ الفطر ما نبت تحت ظلال الشجر، وأردأه كلّه ما كان في ظلّ شجر الزيتون فإنه قتال.
قالوا: والكمثّرى إذا طبخ مع الفطر أذهب ضرره.
قالوا: والفطر يورث الذبحة.
لأعرابي أكل فطراً فأصيب بذبحة قدم أعرابي المصر فأكل فطراً، فأصابته ذبحة، فقيل له: إن الطبيب بعث أن يحلب في فيك. فقال: مازلت أسمع باللئيم الراضع ولا والله لا أكونه. قالوا: فتموت إذاً. قال: وإن متّ.
ترياق الفطر وتقول الأطباء: إن أكل آكلٌ الفطر فأضرّ به، سقي الكرنب المعصور وسقي من خرء الدجاج وزن درهمين مع خل وعسلٍ مطبوخ وقيء به.
مضار الكمأة قالوا: والكمأة تورث وجع القولنج والسكتة والفالج ووجع المعدة.
قالوا: والذباب لا يقرب قدراً فيه كمأة.
ومن أراد اتخاذ الكمأة اليابسة جعلها في الطين الحرّ يوماً وليلةً ثم غسلها واستعملها.
أعرابي يبيع الكمء

بلغني عن فتىً من أهل الكتاب أنه قال: كنا في طريق مكة بالخزيمية، فأتانا أعرابيٌّ بكمأةٍ في كساءٍ قدر ما أطاق، فقلنا: بكم الكمأة؟ قال: بدرهمين. فاشتريناها منه ودفعنا الثمن إليه، فلما نهض قال له بعضنا: " في است المغبو عودٌ " . قال: بل عودان؛ وضرب الأرض برجله، فإذا نحن على الكمأة.
قال بعض الشعراء:
جنيتها تملأ كفّ الجاني ... سوداء مما قد سقى السواني
كأنها مدهونةٌ بالبان
وهذه صفة أجود الكماة وأقلّها أذىً.
البصل والثومنصر بن سيّر والبصل دخل داخلٌ على نصر بن سيّار وحوله بنون له صغارٌ، فقال: هل تدرون ما ولدي هؤلاء؟ هؤلاء بنو البصل؛ وكان يأكله نيئاً ومطبوخاً.
منافع البصل والأطبّاء تقول في البصل: إنه يشهّي إلى الطعام إن أكل مشويّاً أو نيئاً، ويشهّي إلى الجماع. وإن دقّ وشم وعطّس وشهّى الطعام. وإن اكتحل بمائه مع العسل جلا البصر. وإن وضع مع الملح والسّذاب على عضّة الكلب الذي ليس بكلبٍ نفع. والإكثار منه يفسد العقل.
والمسلوق منه يدر البول والدمعة.
العصافير إن أكلت بالزّنجبيل والبصل هيجت شهوة الجماع وأكثرت المنيّ.
بين سليمان النبي ورجل عن طارق بن شهاب قال: بعث سليمان النبيّ عليه السلام بعض عفاريته وبعث معه رجلاً وقال: ردّه إليّ وانظر إلى صنيعه. فمرّ على أهل بيت يبكون فضحك، ودخل إلى السوق ونظر إلى الناس فرفع رأسه إلى السماء وهزّه، ونظر إلى الثّوم وهو يكال " كيلاً " والفلفل " وهو " يوزن وزناً، فضحك. فلما ردّه إلى سليمان عليه السلام وأخبره بما جرى منه، قال: لم ضحكت من أهل البيت؟ ولم هززت رأسك حين نظرت إلى السوق؟ ولم ضحكت من الثّوم والفلفل؟ قال: أمّا أهل البيت فإنّ اللّه أدخل ميّتهم الجنّة وهم يبكون عليه؛ ونظرت إلى الناس في السّوق والملائكة من فوق رؤوسهم والناس يملون والملائكة سراعا يكتبون، فهززت رأسي؛ ونظرت إلى الثوم وهو شفاءٌ يكال كيلاً، وإلى الفلفل وهو داءٌ يوزن وزناً.
وعن وهبٍ: أن سليمان عليه السلام قل: مم كنت تضحك؟ قال: " إني مررت برجلٍ يشتري خفّين ويقول لصاحبها: شرطي عليك أنّ ألبسها عشر سنين لا يتخرّقان؛ فعجبت كيف شرط أمله ونسي أجله. ومررت بعجوز دهرية تتكهّن وتخبر الناس بما لا يعلمون والذيّ سخرّ لك الريح وأذلّ لك الجنّ وعبدّ لك الشياطين إنّي لأعلم في بيتها تحت فراشها مطمورة فيها قناطير من ذهب وفضّةٍ وهي لا تدري ما تحتها، وقد ماتت هزلاً وجوعاً وحاجةً. ومررت بإخرى دهريةٍ تطّبب وكان بها مرّةً داءٌ، فأكلت البصل فصادفت منه برءاً، فظّنت أنه حسم داءها وشفاها، فهي تصفه للناس من كل داء؛ وقد كانت في ظهرها ريحٌ حبست منذ زمانٍ فأكلت الثّوم أحداً وعشرين يوماً فشفيت منه؛ فعجبت لها كيف تدع أن تصفه ومررت برجلٍ على شاطىء نهر يستقي منه في قلةٌ له ومعه بغلة، فلما سقى البغلة ملأ القّلة بأذن القلةّ وذهب لبعض حاجته فنفرت البغلة وكسرت القلة؛ فجعل يلعن الشيطان وبرّأ عقله ونسي فعله. ومررت بقومٍ يذكرون اللّه فاجتهدوا ونصبوا وابتهلوا، فلما أظلّت الرحمة ملّ رجل منهم فقام، وجاء آخر لم ينصب معهم فجلس مجلسه، فنزلت لرحمة فدخل فيها معها وحرمها الأوّل؛ فعجبت من سعادة هذ وشقوة هذ.
منافع الثوم وتقول الأطبّاء: إنّ الثّوم إذا شوي بالنار ووضع على الضّرس المأكول ودلكت به الأسنان لتي يعرض فيه لوجع من الرطوبة ولريح، أذهب ما فيها بإذن اللهّ من الوجع.
قال: وهو ينفع من العطش الحدث من البلغم، ويقوم مقام التّرياق في لسع الهوامّ، والأمراض الباردة.
للروم في الثوم وتقول الروم في الثّوم: إنه دواء لمن صابه وجع السّقي في بطنه. وإن أكله من ظهر " فيه " حرّةٌ من شرىً أو غيره أبرأه. وإن دقّ الثّوم يابساً فأغلي بسمن ولبن ثم جعله من يشتكي ضرسه في فيه سخناً فأمسكه ساعة، ذهب وجع ضرسه؛ وهو نافع لمن اجتوى.
الكراثقالت الأطباء: الكرّاث النّبطيّ إذا أدمن كانت فيه أحلامٌ رديئة، وولّد بخاراً في الرأس رديئاً.
وإن صبّ في مائه خلٌ ودقاق كندر واستعط به سكّن الصّداع. وإن سلق أو طحن وأكل أو ضمّد به البواسير العارضة من الرطوبة نفع فيها.

وماء الكراث إذا خلط بمثله من ألبان النساء ودهن الورد والكندر وكحّل به عين من أصابته غشاوة في عينه فلم يبصر ليلاً نفعه. وأكل البصل نافعٌ لذلك أيضاً.
الكرنب والقنّبيط
قالوا: الكرنب معينٌ على الأكثار من النبيذ إذا أكل وهو مدرٌ للبول.
للروم في منافع الكرنب وقالت الروم: بين الكرنب والكرم عداوةٌ؛ ولا يكاد يصلح الكرم والكرنب إذا تجاوزا .
قالت الأطباء: إن احتملت " المرأة " بزر الكرنب بعد الحيض أسهل المنيّ وأفسد ولم يكن معه حمل، وشرب مائه مع الشّيح الأرمنيّ غير المطبوخ أو ماء الترمس المنقع مخرجٌ لحبّ القرع نت البطن والقسط أيضاً خاصةً بزره يفسد المنيّ إذ احتملته المرأة بعد طهرها ومقدار ما يحتمل وزن درهمين.
أيضاً من منافع الكرنب وتقول الروم: الكرنب إن طبخ وخلط ماؤه بالحندقوق وسقي المرأة التي تأخر حيضها حاضت لحينها.
قالوا: وإذا خلط ماء الكرنب بالبنج كان نافعاً للسّعال وصفة حنين الطبيب لعلة في الحلق قال أبو محمد: شكوت إلى حنينٍ الطبيب علةً كنت أجدها في حلقي لا أكاد أبتلع معها ريقي؛ فقال: هي بينةّ في عينك. فتغرغر بعقيد العنب مع خميرٍ ثلاثة أيام في كل يوم ثلاث مرات؛ ففعلت ذلك يوماً واحداً فذهب.
لعلاج البرص والجرب قالوا: وإذا دقّ الكرنب وخلط به شيء من زاج الأساكفة وشيء من خلّ فأوجف ذلك بالخطمي ثم طلي به برص أو جربٌ نفع بإذن اللّه تعالى.
السّلجم والفجل
منافع الفجل تقول الأطباء في الفجل: إنه مهيجّ للجماع زائد في المني، وبزره نافعٌ من السموم قالوا: والفّجل هاضمٌ للطعام فإن أكل بزره بعسل كان دواء من السّعال والفواق وإذا شدخت قطعة فجل فطرحت على عقرب ماتت؛ وماؤه وبزره للسموم بمنزلة التّرياق. وإذا طلى أحدٌ يده بمائه ثم قبض على حيّةٍ و غيرها من الهوام لم يضارّ ذلك الموضع قالوا: وإن دقّ بزره مع الكندر وطلي به البهق الأسود في الحّمام أذهبه، وإن شرب ماء ورقه نفع من الأرقان الحادث من الطحال.
الباذنجانلأبي الحارث في الباذنجان قالوا: والباذنجان مكلف للوجه يورث داء السرطان والأورام الصّلبة وحدّثني إبي عن أبي الحارث جمّيزٍ أنه سمعه يقول في الباذنجان: لا آكله لون العقرب وشبه المحجمة قيل له: فقد رأيناك تأكله على خوان فلانٍ! قال: كان ميتةً وأنا مضطرّ.
الخيار والقثّاء
قالوا: شمّ الخيار نافع لمن أصابه الغشي من الحرارة. وبزر القثّاء إذا شربه من به حمّى الأسى نفعه. وإن أصابت رضيعاً حمّى فألزقت به خيارتين تمسّان جلده إحداهما عن يمينه والأخرى عن شماله، أقلعت الحمّى عنه.
السّلق
قالوا: والسّلق إن دقّ مع أصله وعصر ماؤه وغسل به الرأس ذهب بالأتربة وأطال الشعر
الهليونقالوا: والهليون مدرّ للبول، نافع من القولنج
القرعقالوا: إذا شوي القرع بالنار ثم عصر فجعل من مائه في أذن من اشتكى أذنه نفعه، وإن دهنت منابت شعر اللّحية بدهن القرع المرّ، قثاء الحمار مذاباً فيه شيحٌ أرمنيّ أسرع فيها نبات الشّعر
البقولالجرجير قالوا: والجرجير زائد في الباه والإنعاظ مدرّللبول.
وتذكر الروم أنّ من أكل الجرجير ثم ضرب بالسياط هوّن عليه بعض ذلك الجلد.
قالوا: وهو ينفع من ذفر الإبطين إذا أكل على الريق وطلي الإبطان بمائه. وتزعم الروم أنّ ماءه ينفع من عضّة ابن عرسٍ.
وقال بعض الأطباء: إن ذرّ بزر الجاجير مدقوقاً في البيض وحشي كان ذلك زائداً في الباه والإنعاظ زيادة بيّنة.
قال أبو حاتم عن القحذمي قال: أكله أعرابيّ فأنعظ شهراً، فقال الفرزدق يفخر به:
ومنا التميميّ الذي قام أيره ... ثلاثين يوماً ثم زادهم عشرا
السّذاب قالوا: والسّذاب قاطع لشهوة الجماع.
وقالت الروم: إن أكلت امرأة حاملٌ أربعة مثاقيل كلّ يوم بماء سخنٍ أو نبيذ خمسة عشر يوماً أسقطت ولدها.
وقال بعض الشعرء:
كم نعمةٍ للسّذاب ... جليلةٍ في الرّقاب
الناس عنها غفولٌ ... إلاّ ذوي الألباب
فالحمد للّه شكراً ... لولا مكان السّذاب
لغّيب الأرض نسل ال ... مغنّيات القحاب
البقلة الحمقاء " الرجلة " والهندباء

قالوا: والبقلة الحمقاء إذا مضغت أذهبت الطّرش، وإذا أكلت أذهبت شهوة الجماع.
والروم تقول: إن نظر ناظرٌ عند رؤية الهلال إلى الهندباء فحلف بإله القمر ألاّ يأكل هندباء ولا لحم فرسٍ، سلم في كلّ شهر يحلف فيه من وجع الضرس.
الخس قالت الأطباء: الخسّ إذا أكل على الريق نافعٌ لتغيير الماء ومن يتأذّى باحتلام. وإذا شرب بزره بماءٍ باردٍ " قطع شهوة الجماع " .
الخردل قالوا: والخردل إن أكثر من أكله أورث ضعفاً في البصر، وهو مكثّر للّبن مدرّ للبول، وهو نافع من الصّرع. وإن اكتحل بمائه بعد أن يغلى عليه ويصفّى جلا البصر الضعيف من الرطوبة. وتزعم الروم أن ماءه يصلح للأطفال من الحمّى إذا أصابتهم. وهو يفسد الذهن ويورث االنّسيان ويضعف البصر.
النعناع والحبق قالت الأطباء: النّعناع يسكّن القيء، وينفع من الفواق الحادث من البلغم إذا شرب مع النّمّام.
وتقول الروم: الحبق الذي على شطوط الأنهار نافعٌ للرّمد إذا دقّ ونخل واكتحل به، وإن مضغه ماضعٌ ووضعه على عينه نفعه.
الفوذنج والحندقوق والطرخون وأما الفوذنخ النّهري - " فإنه " يدر الطّمث. وإن أخذ من الفوذنخ الجبليّ أوقيّة وطبخ بنصف رطل من ماءٍ حتى يبقى الثلث ويشرب، سهّل السّوداء.
وقالت الأطباء: الحندقوق يورث وجع الحلق، ويذهب بضرره من يأكل بعده الكزبرة الرّطبة والبقلة الحمقاء والهندباء.
والطّرخون يؤكل مع الكرفس.
الراسن والكشوث قالوا: والراسن ينفع من قطار البول إذا كان من بردٍ، ويقوّي المثانة.
قالوا: والكشوث يذهب بالأرقان.
عنب الثعلب والكرفس قالوا: وعنب الثعلب قاطعٌ لدم الحيض إن شرب أو احتمل.
وقالوا: الكرفس إذا طبخ وشرب كان دواءً من وجع الكليتين ومن الأسر.
باب الحبوب والبزورحب الفلفل والحبة الخضراء والحمص تقول الأطبّاء في حبّ الفلفلك إذا خلط بالسّمسم وعجن بعسل الطّبرزذ يزيد في الجماع.
والعرب تزعم أنّ الحبّة الخضراء وشرب ألبان الإيّل عليها تبعث الشّهوة.
قال جرير:
أجعثن قد لاقيت عمران شارباً ... على الحبّة الخضراء ألبان إيّل
والحمّص زائد في الجماع، مكثرٌ للمنيّ، محسّن للّون، زائدٌ في لبن المرضع، يدرّ دم الحيض، وإن خلط بالباقلاء أسمن.
سويق العدس الأصمعيّ قال: قلت لابن أبي عطارد: بلغني أنّ أباك كان ذا منزلةٍ من ابن سيرين، فما حفظت عنه؟ قال: قال أبي: قال لي ابن سيرين: يا أبا عطارد، إن سويق العدس بارد وهو يدفع الدّم.
الخردل، الحرف، والباقلاء قالت الأطبّاء: إنّ الخردل نافعٌ من حمّى الرّبع والحمّيات المتقادمة ووجع الأرحام ويجفّف ... من البلغم، وينزل الرطوبة من الرأس وإن أكل مع السّلق المسلوق نفع من الصّرع، وإن طلي البرص به زال.
وقالت الأطباء: الحرف يخرج حبّ القرع من البطن وينفع من عرق النّسا ووجع الورك. وإن سخّن بالماء الحارّ وشرب منه وزن أربعة دراهم أو خمسة أسهل الطبيعة ونفع من القولنج.
وقال رجل من قدماء الأطّباء في الباقلاء: إنه إذا أدمن أكلّ البصر، وأحال الأحلام أضغاثاً لا ينتفع بها ولا يجد عابر الرؤيا إلى تأويلها سبيلاً.
دهن الشاهدانج " القنبّ " ودهن الشّاهدانج نافعٌ لوجع الأذن العارض من البرد والعلل المتقادمة منها.
باب الفاكهةلعلي بن أبي طالب في الزمان عن معمر بن خثم عن جدّته قالت: سمعت عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه يقول: إذا أكلتم الرمّان فكلوه يشحمه فإنه دباغ للمعدة. وذلك يوم الجمعة على المنبر.
لأعرابي في الرمّان الأصمعيّ: قيل لأعرابيّ: لم تبغض الرمّان؟ قال: لأنه مبخرة مجفرة مجعرة.
ليحيى بن خالد في ما يورث القمل قال: وقال يحيى بن خالد: شيئان يورثان القمل: التينّ اليابس إذا أكل، وبخار اللّبان إذا تبخرّ به.
الخوخ والأتّرج وقالت الأطباء: ورق الخوخ وأقماعه إن دقّ وعصر وشرب أسهل حبّ القرع والدّيدان والحّيات المتولّدة في البطن، وإن صبّ ماء ورقه في الأذن أمات الديدان فيها، وإن تدّلك بورقه بعد النّورة قطع ريحها.
وحمّاض الأترج إن لطخ به الكلف والقوب أذهبه. وحبّ الأترج نافعٌ من السّموم التفاح وورق التفّاح الغضّ إن دقّ بالرّفق خمسةً أو ستةً ثم ضمد به الوشم قلعه من غير أن يقرح موضعه.
الجزر

عن الزّهريّ قال: حدّثني رجلٌ من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: " من بات وفي بطنه جزرةٌ أو جزرتان أو ثلاث أمن القولنج والدّبلية " الفستق واللّفاح والفستق: إن دقّ وشرب بالمطبوخ الشديد نفع من لسع الهوامّ.س واللّفاح: سمّ، وربما قتل آكله. وتدفع مضرّته بالقيء بالشّراب والعسل والإسهال وشمّ الفلفل والخردل والجندبادستر والسّذاب والتّعطس.
لبزر جمهر في الأترجّ قال: وحدّثني شيخٌ من الدّهاقين عالمٌ بأيام العجم: أن بزر جمهر قال لأهل الحبس: سلوا الملك أن يرزقكم مكان الأدم الأترجّ، ليكون القشر لطيبكم، ولحمته لفاكهتكم، والحمّاض لصباغكم، والحبّ لدهنكم. فكان ذلك أوّل ما عرفت به حكمته.
باب مصالح الطعامفي ملك العجين قال رئيس من رؤوساء الطبّاخين: االعجين يملك.
وفي الحديث المرفوع: " أملكوا العجين فإنه أحد الرّيعين " .
في ما يصلح الطعام السّويق: يغسل بالماء الحارّ مرّات ثم بالبارد ويشرب.
والملح: يتقبّل به الطبيخ.
والخلّ: ينضج العدس ويصلحه للأكل.
الباقلّى: ينقع ثم يطبخ. ولا يؤكل من الفاكهة إلا ما نضج على شجره، ويلقى ثفله وعجمه، ويؤكل على ريق النّفس.
والعنب: يقطف ويمهل أيّاماً ثم يؤكل. ولا يؤكل من القنّب إلا لبّه. ولا يؤكل من الرأس إلا أسنانه وعيونه.
الباذنجان: يشقّ ويحشى بالملح، ويترك ساعةً في الماء البارد، ثم يصبّ عنه ويعاد إلى الماء مراراً، ثم يسلق بعد ذلك.
الكبر: يؤكل بالخلّ بعد غسله بالماء من الخلّ.
الزيتون: يؤكل وسط الطعام ويصبّ في الخل.
ويؤكل من الأشترغاز خلّه ولا يعرض لجسمه.
والكمأة: تنصّف ويقشر عنها قشرها، وتسلق بالماء والملح ثم تستعمل بالسّعتر والفلفل، وتقلى بالزّيت الرّكابيّ، وكذلك الفطر.
السّلق والكرنب: يسلقان بالماء والملح، ويصبّ ماؤهما ثم يستعملان.
والبقول: تمسح ثم تؤكل ولا تغسل بالماء.
وأحمد التّمور الهيرون. وأحمد البسور الجيسران. وما اصفرّ أحمد مما اسودّ.
السمك: خيره وشرّه وخير السّمك الشّبّوط والبنانيّ والميّاح. ولا يؤكل السمك الطّريّ إلا حارّاً بالخردل في الشتاء، وفي الصيف بالخلّ وبالأباريز. وأقلّ السّمك أذّى الممقور. وشرّ السّمك كباره السماريس. وخير السماريس البيض، " وأكلها " خيرٌ من أكل الحمر،وشرّها السّود.
البيض وخير البيض بيض الشّوابّ من الدجاج، ولا خير في بيض الهرمة، وأخفّ البيض الرقيق، وأثقله البيض الصلب.
ولا يعرض من الرأس للدّماغ ولا للّسان، ولا الغلصمة ولا الخراطيم.
لحم عنق الشاة ولحم العنق خفيفٌ سريع الإنهضام. وفي الحديث المرفوع: " العنق هادية الشاة وهي أبعدها من الأذى " والقفّاع: يشرب قبل الطّعام ولا يشرب بعده.
واللّبن: لا يؤكل ولا يشرب إلا بعد وضع الشاة بشهرٍ ونحوه والباقلّى: يؤكل بعده الفوذنج فإنه يذهب بنفخته اللّوبياء: يؤكل بعده الخردل الرّطب، ويشرب بعده ماء الرّمّان والسّكنجبين المعمول بالسكّر.
الهريسة: تؤكل بالفلفل الكثير والمرّيّ ولا يجعل فيها السّمن.
والمضيرة: تطبخ بالفوذنج والسّذاب والكرفس.
الزيت الزيت الرّكابيّ: إذا خلط بالخلّ أو أغلي على النار ثم رفعت رغوته عاد كالمغسول.
وفي الحديث: أن عمر رضي اللّه عنه قال: عليكم بالزّيت، فإن خفتم ضرره فأثخنوه بالماء فأنه يصير كالسّمن.
من حديث الرسول صلى اللّه عليه وسلم في زيت الزيتون عن عقبة بن عامر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " عليكم بالشّجرة التي نادى اللّه منها موسى عليه السلام زيت الزّيتون ادّهنوا به فإنه شفاءٌ من الباسور " الخردل الخردل: يعجن بالخلّ ويغسل بالماء ورماد البلّوط أو رماد الكرم مراراً بعد أن ينعم دقهّ ونخله، ثم يغسل بالماء القراح ويرشّ بالماء حتى تخرج رغوته ويكثر خلّه، ويخلط معه اللّوز الحلو أو ماء الرّمان الحامض وماء الزّبيب.
جاء بعد خاتمة الجزء التاسع من النسخة الخطية التي نقل عنها الأصل الفتوغرافي في " أ " ما يأتي " الأصمعي وهارون الرشيد

قال الأصمعيّ: دخلت على هارون الرشيد وبين يديه بدرةٌ، فقال: يا أصمعيّ، إن حدّثني بحديثٍ في العجز فأضحكتني وهبتك هذه البدرة. فقال: نعم يا أمير المؤمنين؛ بينا أنا في صحارى الأعراب في يومٍ شديد البرد والرّيح وإذا بأعرابيّ قاعدٍ على أجمةٍ وهو عريان، قد احتملت الرّيح كساءه، فألقته على الأجمة؛ فقلت له: يا أعرابيّ؛ ما أجلسك ها هنا على هذه الحالة؟ فقال: جاريةٌ وعدتها يقال لها سلمى، أنا منتظر لها. فقلت: وما يمنعك من أخذ كسائك؟ فقال: العجز يوقفني عن أخذه. فقلت له: فهل قلت في سلمى شيئاً؟ فقال: نعم. فقلت: أسمعني للّه أبوك! فقال: لا أسمعك حتى تأخذ كسائي وتلقي عليّ. قال: فأخذته فألقيته عليه؛ فأنشأ يقول:
لعلّ اللّه أن يأتي بسلمى ... فيبطحها ويلقيني عليها
ويأتي بعد ذاك سحاب مزنٍ ... تطهّرنا ولا نسعى إليها
فضحك الرشيد حتى استلقى على ظهره، وقال: أعطوه البدرة. فأخذها الأصمعيّ وانصرف.
بين الحسن بن زيد وابن هرمة ويروى أن الحسن بن زيد لما ولي المدينة قال لابن هرمة: إني لست كمن باعك دينه رجاء مدخك أو خوف ذمّك فقد رزقني اللّه بولادة نبيّه عليه السلام الممادح وجنبني المقابح، وإنّ من حقّه عليّ ألاّ أغضي على تقصير في حقّ ربّه. وأنا أقسم لئن أتيت بك سكران لاضربنّك حدّاً للخمر وحدّاً للسكر، ولأزيدن لموضع حرمتك بي. فليكن تركك لها للّه تعن عليه ولا تدعها للناس فتوكل إليهم؛ فنهض ابن هرمة وهو يقول:
نهاني ابن الرسول عن المدام ... وأدّبني بآداب الكرام
وقال لي اصطبر عنها ودعها ... لخوف اللّه لا خوف الأنام
وكيف تصبّري عنها وحبّي ... لها حبّ تمكّن في عظامي
أرى طيب الحلال عليّ خبثاً ... وطيب النفس في خبث الحرام
ذكر هذا الخبر أبو العباس المبرّد في كتاب الكامل
بسم اللّه الرحمن الرحيم
كتاب النساء

في أخلاقهن وخلقهن وما يختار منهن وما يكره
للنبي صلى اللّه عليه وسلم
عن مجاهد عن يحيى بن جعدة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " تنكح المرأة لدينها وحسبها وحسنها فعليك بذات الدّين تربت يداك " . ثم قال: " ما أفاد رجلٌ بعد الإسلام خيراً من امرأةٍ ذات دين تسرّه إذا نظر أليها وتطيعه وتحفظه في نفسها وماله إذا غاب عنها " .
لعائشة رضي اللّه عنها وعن عائشة رضي اللّه عنها قالت: لا تدخل المرأة على زوجها في أقلّ من عشر سنين.
قالت عائشة: وأدخلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأن بنت تسع سنين.
في أصناف النساء والرجال الأصمعيّ قال: أخبرنا شيخٌ من بني العنبر قال: كان يقال: النساء ثلاث: فهينّةٌ ليّنةٌ عفيفة مسلمة تعين أهلها على العيش ولا تعين العيش على أهلها، وأخرى وعاءٌ للولد، وأخرى " غلٌ قملٌ " يضعه اللّه في عنق من يشاء ويفكّه عمن يشاء. والرجال ثلاثة: فهينٌ ليّنٌ عفيفٌ مسلمٌ، يصدر الأمور مصادرها، ويوردها مواردها، وآخر ينتهي إلى رأي ذي اللّبّ والمقدرة فيأخذ بأمره، وينتهي إلى قوله، وآخر حائرٌ بائرٌ، لا يأتمر لرشدٍ، ولا يطيع مرشداً.
لعلي بن أبي طالب في خير النساء عن جعفر بن محمد عن أبيه عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال: خير نسائكم العفيفة في فرجها، الغلمة لزوجها.
لعروة بن الزبير وعن عروة بن الزّبير قال: ما رفع أحدٌ نفسه بعد الإيمان باللّه بمثل منكح صدقٍ، ولا وضع نفسه بعد الكفر باللّه بمثل منكح سوء. ثم قال: لعن اللّه فلانة، ألقت بني فلان بيضاً طوالاً فقلبتهم سوداً قصاراً.
لبعض الشعراء قال بعض شعراء بني أسد:
وأوّل خبث الماء خبث ترابه ... وأوّل خبث القوم خبث المناكح
لابن زبير، ثم لعمر قال الأصمعيّ: قال ابن زبير: لا يمنعكم من تزوّج امرأةٍ قصيرةٍ قصرها، فإنّ الطويلة تلد القصير والقصيرة تلد الطويل؛ وإياكم والمذكّرة فإنها لا تنجب.
أبو عمرو بن العلاء قال: قال رجل: لا أتزوّج امرأةً حتى أنظر إلى ولدي منها. قيل له: كيف ذاك؟ قال: أنظر إلى أبيها وأمهّا فإنها تجرّ بأحدهما.
عن ابن ملكية أنّ عمر قال: يا بني السائب، إنكم قد أضويتم فانكحوا في النزائع.
في أنواع النساء

الأصمعيّ قال: قال رجل: بنات العمّ أصبر، والغرائب أنجب، وما ضرب رؤوس الأبطال كابن أعجميّة.
عن أوفى بن دلهم أنه كان يقول: النساء أربع، فمنهنّ معمع لها شيئها أجمع، ومنهن تبع تضرّ ولا تنفع، ومنهنّ صدع تفرّق ولا تجمع، ومنهن غيث همع إذا وقع ببلد أمرع.
قال الأصمعيّ: فذكرت بعض هذا الحديث لأبي عوانة فقال: كان عبد اللّه بن عمير يزيد فيه: ومنهن القرثع: وهي التي تلبس درعها مقلوباً، وتكحل إحدى عينيها وتدع الأخرى.
لعمر بن الخطاب في ثلاث دواهي عن عليّ بن يزيد قال: قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: ثلاث من الفواقر: جار مقامةٍ، أن رأى حسنةً سترها، وإن رأى سيئةً أذاعها؛ وامرأةٌ إن دخلت لسنتك، وإن غبت عنها لم تأمنها؛ وسلطانٌ إن أحسنت لم يحمدك، وإن أسأت قتلك.
الزبرقان في أحب كنائنه وأبغضهم إليه الأصمعيّ قال: حدّثنا جميع بن أبي غاضرة - وكان شيخاً مسناً من أهل البادية من ولد الزّبرقان بن بدر من قبل النساء - قال: كان الزبرقان يقول: أحبّ كنائني إليّ الذليلة في نفسها، العزيزة في رهطها، البرزة الحييّة التي في بطنها غلام ويتبعها غلام. وأبغض كنائني إليّ الطّلعة الخبأة، التي تمشي الدّفقّى وتجلس الهبنقعة، الذليلة في رهطها، العزيزة في نفسها، التي في بطنها جارية وتتبعها جاريةٌ.
لخالد بن صفوان بلغني عن خالد بن صفوان أنه قال: من تزوجّ امرأةً فليتزوّجها عزيزةً في قومها، ذليلةً في نفسها، أدّبها الغنى وأذّلها الفقر. حصاناً من جارها، ماجنةً على زوجها.
الفرزدق يصف النساء وقال الفرزدق يصف النساء:
يأنسن عند بعولهنّ إذا خلوا ... وإذا هم خرجوا فهنّ خفار
لخالد بن صفوان يطلب امرأة، ولآخرين وقال خالد بن صفوان " الدلال " : أطلب لي بكراً كثيّب أو ثيباً كبكر، لا ضرعاً صغيراً ولا عجوزاً كبيرة " لم تقر فتحنن ولم تفت فتمحن " ، قد عاشت في نعمة وأدركتها حاجةٌ، فخلق النعمة معها وذلّ الحاجة فيها، حسبي من جمالها أن تكون ضخمةً من بعيد، مليحةً من قريب، وحسبي من حسبها أن تكون واسطةً في قومها، ترضى مني بالسنّة، إن عشت أكرمتها وإن متّ ورّثتها.
وقال رجل لصاحب له: ابغني امرأةً بيضاء البياض، سوداء السواد، طويلة الطول، قصيرة القصر. يريد: كلّ شيء منها أبيض فهو شديد البياض، وكل شيء منها أسود فهو شديد السواد، وكذلك الطول والقصر.
وقال آخر: ابغني امرأةً لا تؤهل داراً " أي لا تجعل دارها آهلة بدخول الناس عليها " ، ولا نؤنس جاراً " أي لا تؤنس الجيران بدخولها عليهم " ، ولا تنفث ناراً " أي لا تنم وتغري بين الناس " قال الأصمعيّ: قال أعرابيّ لابن عمّه: اطلب لي امرأة بيضاء، مديدةً فرعاء. جعدةً، تقوم فلا تصيب قميصهامنها إلا مشاشة منكبيها، وحلمتي ثديها ورانفتي أليتيها ورضاف ركبتيها، إذا استلقت فرميت تحتها بالأترجّة العظيمة نفذت من الجانب الآخر. فقال له ابن عمه: وأنّى بمثل هذه إلا في الجنان!.
ونحو قوله في الأترجّة قوم أمّ زرعٍ: خرج أبو زرعٍ والأوطاب تمخض، فلقي امرأةً معها ولدان لها كالفهدين يلعبان تحت خصرها برمّانتين فطلّقني ونكحها.
في اختيار الجواري وقال آخر: ابغني امرأةً شقّاء مقّاء، طويلة الإلقاء، منهوسة الفخذين، نافحة الصّقلين.
شعر لابن الأعرابي أنشد ابن الأعرابيّ:
إذا كنت تبغي أيّماً بجهالة ... من الناس فانظر من أبوها وخالها
فإنهما منها كما هي منهما ... كقدّك نعلا إن أريد مثالها
فإن الذي ترجو من المال عندها ... سيأتي عليه شؤمها وخبالها
في البكر والثيب وكان يقال: البكر كالذّرة تطحنها وتعجنها وتخبزها، والثّيب عجالة راكبٍ تمرٌ وسويقٌ. لابن الأعرابي في تطليق زياد لزوجته وقال ابن الأعرابيّ: طلقّ زيادٌ امرأته حين وجدها لثغاء، وقال: أخاف أن يجيء ولدي ألثغ، وقال:
لثغاء تأتي بحيفسٍ ألثغ ... تميس في الموشيّ والمصبّغ
أقوالهم في المرأة ويقال: المرأة غلٌّ فانظر ماذا تضع في عنقك؛ وهو من قول ابن المقفّع: الدّين رقٌّ فانظر عند من تضع نفسك.
أنشد ابن الأعرابيّ:
أحبّ الخلاويّ النزيه من الهوى ... وأكره أن أسقى على عطشٍ فضلا

يقول: أكره المرأة التي أكثرت الأزواج وإن كنت مضطراً إليها.
خالد الحذاء وامرأة خطبها وعن خالد الحذّاء قال: خطبت امرأةً من بني أسد فجئت لأنظر إليها وبيني وبينها رواقٌ يشفّ، فدعت بجفنةٍ مملوءة ثريداً مكلّلة باللحم فأتت على آخرها، وأتت بإناء مملوءٍ لبناً أو نبيذاً فشربته حتى كفأته على وجهها، ثم قالت: يا جارية ارفعي السّجف؛ فإذا هي جالسةٌ على جلد أسدٍ وإذا شابةٌ جميلةٌ، فقالت: يا عبد اللّه: أنا أسدة من بني أسد على جلد أسد وهذا مطعمي ومشربي، فإن أحببت أن تتقدّم فافعل، فقلت: أستخير اللّه وأنظر. فخرجت ولم أعد.
للنبي صلى اللّه عليه وسلم وعن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأمّ سليم تنظر إلى امرأة فقال: " شمّي عوارضها وانظري إلى عقبها " .
شعر للنابغة وقال النابغة:
ليست من السّود أعقاباً إذا انصرفت ... ولا تبيع بجنبي نخلة البرما
وقال الأصمعيّ: إذا اسودّ عقب المرأة اسودّ سائرها.
رد علي بن الحسين على عبد الملك في جارية تزوجها تزوّج عليّ بن الحسين أمّ ولدٍ لبعض الأنصار، فلامه عبد الملك في ذلك، فكتب إليه: إن اللّه قد رفع باالإسلام الخسيسة وأتمّ النقيصة، وأكرم به من اللؤم فلا عار على مسلم، هذا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد تزوّج أمته وامرأة عبده. فقال عبد الملك:إن عليّ بن الحسين يتشرّف من حيث يتّضع الناس.
للأصمعي في رغبة الناس بالسراري الأصمعيّ قال: كان أهل المدينة يكرهون اتّخاذ أمهات الأولاد حتى نشأ فيهم عليّ بن الحسين والقاسم بن محمد " بن أبي بكر " ، وسالم بن عبد اللّه " بن عمر " ، ففاقوا أهل المدينة فقهاً وورعاً فرغب الناس في السّراري.
لمسلمة بن عبد الملك وقال مسلمة بن عبد الملك: عجبنا من رجل أخفى شعره ثم أعفاه، أو قصّر شاربه ثم أطاله، أو كان صاحب سراريّ فاتّخذ المهيرات.
شعر لمديني قال رجلٌ من أهل المدينة:
لا تشتمنّ امرأً في أن تكون له ... أمّ من الروم أو سوداء عجماء
فإنما أمّهات الناس أوعيةٌ ... مستودعات وللأحساب آباء
وربّ واضحةٍ ليست بمنجبةٍ ... وربما أنجبت للفحل سوداء
لرجل شاور حكيماً في التزوّج بلغني أن رجلاً شاور حكيماً في التّزوّج فقال له: افعل، وإيّاك والجمال الفائق، فإنه مرعىً أنيق. فقال: ما نهتني إلا عما أطلب. فقال: أما سمعت قول القائل:
ولن تصادف مرعىً ممرعاً أبدا ... إلا وجدت به آثار منتجع
عمر بن الوليد والوليد بن يزيد وقال عمر بن الوليد للوليد بن يزيد: إنك لمعجب بالإماء. قال: وكيف لا أعجب بهنّ وهنّ يأتين بمثلك.
لأبي الدرداء في خير النساء وشرهنّ ويروى عن أبي الدّرداء أنه قال: خير نسائكم التي تدخل قيساً وتخرج ميساً وتملأ بيتها أقطاً وحيساً، وشرّ نسائكم السّلفعة، التي تسمع لأضراسها قعقعة، ولا تزال جارتها مفزّعة. وقد فسرت هذا في كتاب غريب الحديث.
بين معاوية وعقيل بن أبي طالب في أشهى النساء وأسوأهن وقال معاوية لعقيل بن أبي طالب: أيّ النساء أشهى؟ قال: المؤاتية لما تهوى. قال: فأيّ النساء أسوأ؟ قال: المجانية لما ترضى. قال معاوية: هذا واللّه النّقد العاجل. قال عقيل: بالميزان العادل.
الأكفاء من الرجالللنبي صلى اللّه عليه وسلم عن أبي هريرة قال: قال النبيّ صلى اللّه عليه وسلم: " إذا جاءكم من ترضون خلقه وخلقه فزوّجوه إنكم إلا تفعلوه تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ عريض.
وعن الحسن عن سمرة عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: " الحسب المال والكرم التقوى " .
وعن أنسٍ قال: قالت أمّ حبيبة: يا رسول اللّه، المرأة منّا يكون لها الزوجان في الدنيا فتموت فلأيّهما تكون في الآخرة؟ قال: " لأحسنهما " خلقاً " يا أمّ حبيبة، ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة " .
عن عطيّة بن قيس قال: خطب معاوية أمّ الدّرداء فقالت: قال أبو الدّرداء: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " المرأة لآخر زوجيها " فلست بمتزوّجة بعد أبي الدرداء حتى أتزوّجه في الجنة إن شاء اللّه تعالى.
ويقال: إنما حرم أزواج النبيّ صلى اللّه عليه وسلم على من بعده لأنّهنّ أزواجه في الجنّة.
لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه

عن هشام بن عروة عن أبيه قال: قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: لا تكرهوا فتياتكم على الرجل القبيح فإنّهنّ يحببن ما تحبّون.
لابنة الخُسّ ابن الأعرابيّ قال: قيل لابنة الخُسّ: ألا تتزوّجين؟ فقالت: بلى، لا أريده أخا فلان ولا ابن فلان ولا الظريف المتظرّف ولا السمين الألحم، ولكن أريده كسوباً إذا غدا، ضحوكاً إذا أتى.
بينها وبين أبيها وكان أبوها قد كفّ بصره فقال: ما بال ناقتك؟ قالت: عينها هاجّ وملؤها راجّ وتمشي وتفاجّ؛ فقال: يا بنيّة عقليها. فعقلتها؛ فقال: ما صنعت حتى اضطرمت.
لأعرابي في كفاية الزوج قيل لعرابيّ: فلانٌ يخطب فلانة. قال: أموسر من عقلٍ ودينٍ؟ قالوا: نعم. قال: فزوّجوه.
عن عيسى بن عمر قال: قال رجل لأعرابيّ: أمنكحي أنت؟ قال: لا. قال: ولم؟ قال: لأنك أصبح اللّحية.
عقيل بن علفة وعبد الملك بن مروان وكان عقيل بن عّلفة غيوراً، فخطب إليه عبد الملك بن مروان ابنته على حد بنيه، وكانت لعقيل إليه حوائج، فقال له: إن كنت لا بدّ فاعلاً فجنّبني هجناءك.
وله مع إبراهيم بن هشام وخطب إليه إبراهيم بن هشام بن إسماعيل - وكان " إبراهيم بن " هشام ولي المدينة وخال هشام بن عبد الملك - فردّه لأنه كان أبيض شديد البياض، فقال:
رددت صحيفة لقرشيّ لمّا ... بت عرقه إلاّ احمرارا
يعني العجم يسمّون الحمراء.
بين عبد الملك بن مروان وقرشية بن الأعرابي قال: قال عبد الملك بن مروان لامرأةٍ من قريشٍ تزّوجت رجلاً مغموصاً عليه: أتنكح الحرّة عبدها؟ فقالت: يا أمير المؤمنين
إنّ المهور تنكح الأيامي ... النّسوة الأرامل اليتامى
المرء لا تبغي له سلاماً
لابن الأعربي وقال ابن الأعرابي: خطب رجلٌ إلى رجلٍ فلم يرضه فأنشأ يقول:
قل للذين سعوا يبغون رخصتها ... ما رخّص الجوع عندي أمّ كلثوم
الموت خير لها من بعل منقصةٍ ... ساقت إليه أباها جلّةٌ كوم
عمر الخير وكان عمر الخير نكّاحاً " فكن " في عام سنةٍ يقول: لعل الضيفة تحملهم على أن ينكحوا غير الاكفاء.
بين المساور والمرّار وقال المساور للمرّار:
ما سرني أن أمي من بني أسدٍ ... وأن ربّي ينجيني من النار
وأنهم زوّجوني من بناتهم ... وأن لي كل يومٍ ألف دينار
فأجابه المرار:
فلست للأم من عبسٍ ومن أسدٍ ... وإنما أنت دينار ابن دينار
وإن تكن أنت من عبس وأمهم ... فإن أمكم من جارة الجار
دينار ابن دينار: عبد ابن عبد. وجارة لجار: الاست. والجار: الفرج.
لأعرابي في امراة دلته على زوجة وقال بعض الاعراب:
أقول لها لما أتتني تدلّني ... على امرأةٍ موصوفةٍ بجمال
أصبت لها ولله بعلاً كما اشتهت ... إن اغتفرت مني ثلاث خصال
فمنهن فسقٌ لا يبارى وليده ... ورقّة إسلامٍ وقلّة مال
بين ابن هبيرة ورجل وقال رجل لابن هبيرة: أنا ابن الذي خطب إلى معاوية؛ فقال ابن هبيرة: أفزوّجه؟ قال: لا؛ فقال ما صنعت شيئاً.
لشيخ في رجل من بني كلاب خطب امرأة أبو الحسن المدائني قال: خطب رجل من بني كلاب امرأة، فقالت له أمها: حتى أسأل عنك. فانصرف فسأل عن أكرم الحيّ عليها، فدلّ على شيخ فيهم كان يحسن المحضر في الأمر يسأل عنه، فسأله أن يحسن عليه الثناء وانتسب له فعرفه؛ ثم إن العجوز شمرت فسألته عنه فقال: أنا ربيته، قالت: كيف لسانه؟ قال: مدرة قومه وخطيبهم. قالت: كيف شجاعته؟ قال: حامي قومهم وكهفهم. قالت: فكيف سماحته؟ قال: ثمال قومه وربيعهم. فأقبل الفتى فقال الشيخ: ما أحسن والله ما أقبل! ما انثنى ولا انحنى. فدنا الفتى فقال الشيخ: ما أحسن والله ما سلّم! ما جار ولا خار. ثم جلس، فقال: ما أحسن والله ما جلس! ما دنا ولا ثنى. فذهب الفتى ليتحرك فضرط، فقال الشيخ: ما أحسن والله ما ضرط! ما أغنها ولا أطنها. ولا بربرها ولا فرفرها. فنهض الفتى خجلاً فقال: ما أحسن والله ما نهض! ما انفتل ولا انخزل. فأسرع الفتى، فقال: ما أحسن والله ما خطا! ما ازور ولا اقطوطى. قالت العجوز: وجّه إليه من يرده لو سلح لزوّجناه.
خالد بن صفوان يخطب امرأة

خطب خالد بن صفوان امرأة فقال: أنا خالد بن صفوان؛ والحسب على ما قد علمتيه، وكثرة المال على ما قد بلغك، وفيّ خصال سأبينها لك فتقدمين عليّ و تدعين. قالت: وما هي؟ قال: إن الحرة إذا دنت مني أملتني، وإذا تباعدت عني أعلتني، ولا سبيل إلى درهمي وديناري، ويأتي عليّ ساعةٌ من الملال لو أن رأسي في يدي نبذته. فقالت: قد فهمنا مقالتك ووعينا ما ذكرت، وفيك بحمد الله خصالٌ لا نرضاها لبنات إبليس، فانصرف رحمك الله.
لبعض الشعراء قال بعض الشعراء:
ألا يا ليل إن خيّرت فينا ... بعيشك فانظري أين الخيار
فلا تستنكحي قدما غبيا ... له ثارٌ وليس عليه ثار
وقال آخر لامرأته:
فإما هلكت فلا تنكحي ... ظلوم العشيرة حسّادها
يرى مجده ثلب أعراضها ... لديه ويبغض من سادها
وقال آخر:
فلا تنكحي إن فرّق الدهر بيننا ... أغمّ القفا والوجه ليس بأنزعا
من القوم ذا لونين وسّع بطنه ... ولكن أذيّا حلمه ما توسّعا
ضروباً بلحييه على عظم زوره ... إذا لقوم هشّوا للفعال تقنعا
لإبراهيم بن النعمان وقد زوّج ابنته لمولى عثمان بن عفان زوّج إبراهيم بن النعمان بن بشير يحيى بن " أبي " حفصة مولى عثمان بن عفان ابنته على عشرين ألف درهم، فعيّر فقال:
فما تركت عشرون ألفاً لقائل ... مقالاً فلا تحفل مقالة لائم
فإن أك قد زوّجت مولى فقد مضت ... به سنةٌ قبلي وحبّ الدراهم
ويحيى هذا جدّ مروان الشاعر، وكان يهودياً فأسلم على يد عثمان. وتزوج أيضاً خولة بنت مقاتل بن طلبة بن قيس بن عاصم سيّد أهل الوبر. فقال القلاخ:
نبئت خولة قالت حين أنكحها ... لظالماً كنت منك العار أنتظر
أنكحت عبدين ترجو فضل مالهما ... في فيك مما رجوت الترب والحجر
للّه درّ جيادٍ أنت سائسها ... برذنتها وبها التحجيل والغرر
بين ابن عباس ورجل خطب يتيمة له خطب رجلٌ إلى ابن عباس يتيمةً له؛ فقال ابن عباس: لا أرضاها لك. قال: ولم، وفي حجرك نشأت؟ قال: لأنها تتشرف وتنظر. قال: وما هذا! فقال ابن عباس: الآن لا أرضاك لها.
زياد وسعيد بن العاص كتب زيادٌ إلى سعيد بن العاص يخطب إليه أمّ عثمان بنت سعيد وبعث إليه بمالٍ كثير؛ فلما قرأ الكتاب أمر حاجبه بقبض المال والهدايا، فلم قبضه أمره بقسمه بين جلسائه. فقال الحاجب: إنه أكثر من ذلك. فقال: أنا أكثر منها. ففعل؛ ثم كتب إلى زيدٍ: بسم اللّه الرحمن الرحيم. أما بعد، فإنّ الإنسان ليطغى ن رآه استغنى.
بين لقيط بن زرارة وقيس بن خالد خطب لقيط بن زرارة إلى قيس بن خالد ذي الجدّين الشّيبانيّ؛ فقال له قيس: ومن أنت؟ قال: لقيط بن زرارة. قال: وما حملك أن تخطب إليّ علانيةً؟ فقال: لأنّي عرفت أنّي إن عالنتك لم أفضحك وإن ساررتك لم أخدعك. فقل: كفء كريم، لا تبيت واللّه عندي عزباً ولا غريباً.
فزوّجه ابنته وساق عنه.
للحسن في الزوج قال رجل للحسن: إن لي بنيّة وإنها تخطب، فممّن أزوّجه؟ فقال: زوّجها ممن يتقي اللّه، فإن أحبّها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها.
أمّ أبان وخطّابها قال أبو اليقظان: خطب عمر بن الخطّاب أمّ أبان بنت عتبة بن ربيعة بعد أن مات عنها يزيد بن أبي سفيان، فقالت: لا يدخل إلا عابساً ولا يخرج إلا عابساً، يغلق أبوابه ويقلّ خيره. ثم خطبها الزّبير، فقالت: يدٌ له على قروني ويدٌ له في السّوط. وخطبها عليّ، فقالت: ليس للنساء منه حظّ إلا أن يقعد بين شعبهن الأربع لا يصبن منه غيره. وخطبها طلحة فأجابت فتزوّجها؛ فدخل عليها عليّ بن أبي طالب فقال لها: رددت من رددت منّا وتزوّجت ابن بنت الحضرميّ! فقالت: القضاء والقدر. فقال: أما إنك تزوّجت أجملنا مرآةً وأجودنا كفّاً وأكثرنا خيراً على أهله.
الحضّ على النكاح وذمّ التبتّل
للنبي صلى اللّه عليه وسلم في الحض على النكاح عن عكّاف بن وداعة الهلاليّ: أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال له: " يا عكّاف ألك امرأة؟ " قال: لا. قال: " فأنت إذاً من إخوان الشياطين إن كنت من رهبان النصارى فالحق بهم وإن كنت منّا فمن سنّتنا النكاح " .

عن طاوس أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: " لا زمام ولا خزام ولا رهبانيّة في الإسلام ولا تبّتل ولا سياحة في الإسلام " .
طاوس لإبراهيم بن ميسرة عن إبراهيم بن ميسرة قال: قال لي طاوس: لتنكحنّ أو لأقولنّ لك ما قال عمر لأبي الزوائد. ما يمنعك من النكاح إلا عجزٌ أو فجور.
علقمة لامرأته عن إبراهيم قال: قال علقمة لامرأته: خذي أحسن زينتك ثم اجلسي عند رأسي، لعلّ اللّه أن يرزقك من بعض عوّادي خيراً.
وفي بعض الأخبار: أربعٌ من سنن المرسلين: التّعطّر، والنّكاح، والسّواك، والختان.
باب الحسن والجمالبين الرسول صلى اللّه عليه وسلم وعائشة رضي اللّه عنها عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: خطب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم امرأة من كلبٍ، فبعثني أنظر إليها؛ فقال لي: " كيف رأيت " ؟ فقلت: ما رأيت طائلاً؛ فقال: " لقد رأيت خالاً بخدّها اقشعرّ كل شعرةٍ منك على حدةٍ " . فقالت: ما دونك سرّ.
بين أبي الأسود الدؤلي وعبيد اللّه بن زياد القحذميّ:ّ قال: دخل أبو الأسود على عبيد اللّه بن زياد فقال: أصبحت جميلاً، فلو تعلّقت معاذةً فظنّ أنه يهزأ به فقال:
أفني الشباب الذي أبليت جدّته ... مرّ الجديدين من آتٍ ونطلق
لم يبقيا لي في طول اختلافهما ... شيئاً يخاف عليه لذعة الحدق
قتادة بن ملحان وحيان بن عمير عن حيّان بن عمير قال: دخلت على قتادة بن ملحان، فمرّ رجل في أقصى الدار فرأيته في وجه قتادة، فقال: إنّ النبي صلى اللّه عليه وسلم مسح وجهه.
لعون بن عبد اللّه عن عون بن عبد للّه قال: كان يقال: من كان في صورةٍ حسنةٍ ونصب لا يشينه ووسّع عليه في الرزق، كان من خالصة اللّه.
أبيات في الحسن والجمال وقال الحكم بن قنبر:
ليس فيها ما يقال له ... كملت لو أنّ ذا كملا
كلّ جزءٍ من ملاحتها ... كائنٌ من حسنها مثلا
لو تمنّت في متاعتها ... لم ترد من نفسها بدلا
وقال بعض المحدثين:
فلما رأوك العاذلون حججتهم ... بحسنك حتّى كلّهم لي غادر
وقال أيضاً:
تحيّر من حسنه فهمه ... وتاه وحقّ له أن يتيها
رأى غيره ورأى نفسه ... فلم ير فيه لشيءٍ شبيها
وقال الأعشي في وصف امرأة:
فأفضيت منها إلى جنّةٍ ... تدلّت عليّ بأثمارها
لعائشة رضي اللّه عنها فيمن يؤم القوم عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: يؤمّ القوم أقرؤهم لكتاب اللّه، فإن كانوا في القراءة سواءً فأصبحهم وجهاً.
لجميل بن معمر في حسن مصعب وقال جميل بن معمر: ما رأيت مصعباً يختال بالبلاط إلا غرت على بثينة، وبينهما ثلاثة أيّام.
مصعب بن الزبير والشعبي عن الشّعبيّ قال: دخلت المسجد باكراً، وإذا بمصعب بن الزّبير والناس حوله، فلما أردت الإنصراف قال لي: أدن. فدنوت منه حتى وضعت يدي على مرفقته؛ فقال: إذا أنا قمت فاتبعني؛ وجلس قليلاً، ثم نهض فتوجّه نحو دار موسى بن طلحة فتتبّعته؛ فلما أمعن في الدار التفت إليّ وقال: أدخل. فدخلت " معه ومضى نحو حجرته وتبعته، فالتفت إليّ فقال: أدخل، فدخلت معه " فإذا حجلةٌ، فطرحت لي وسادةٌ فجلست عليها، ورفع سجف القبّة، فإذا أجمل وجهٍ رأيته قطّ؛ فقال: يا شعبيّ، هل تعرف هذه؟ قلت: نعم، هذه سيّدة نساء العالمين عائشة بنت طلحة؛ فقال: هذه ليلى، ثم تمثّل:
وما زلت من ليلى لدن طرّ شاربي ... إلى اليوم أخفي إحنةً وأداجن
وأحمل في ليلى قومٍ ضغينةً ... وتحمل في ليلى عليّ الضغائن
ثم قال: إذا شئت يا شعبيّ " فقم " . فخرجت؛ " فلما كن العشيّ رحت " إلى المسجد فإذا مصعبٌ بمكانه؛ فقال لي: ادن. فدنوت؛ فقال لي: هل رأيت مثل ذلك لإنسانٍ " قطّ " ؟ قلت: لا؛ قال: أتدري دخلناك؟ قلت: لا؛ قال: لتحدّث بما رأيت. ثم التفت إلى " عبد اللّه بن " أبي فروة فقال: أعطه عشرة آلاف درهم وثلاثين ثوباً.فما انصرف " يومئذٍ " أحدٌ بمثل ما انصرفت به: بعشرة آلاف " درهم " ، وبمثل كارة القصّار، ونظري إلى عائشة.
لأبي الغصن الأعرابي

أبو الغصن الأعرابيّ قال: خرجت حاجّاً، فلمّا بقباء تداعى أهله وقالوا: الصّقيل الصّقيل! فنظرت وإذا جارية كأنّ وجهها سيفٌ صقيلٌ، فلمّا رميناها بالحدق ألقت البرقع على وجهها، فقلنا: إنّا سفرٌ وفينا أجرٌ، فأمتعينا بوجهك؛ فانصاعت وأنا أعرف الضّحك في وجهها وهي تقول:
وكنت متى أرسلت طرفك رائداً ... لقلبك يوماً أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كلّه أنت قادرٌ ... عليه ولا عن بعضه أنت صابر
بين فتاة حسناء وعمتها ومرّ رجلٌ بناحية البادية فإذا فتاة كأحسن ما تكون؛ فوقف ينظر إليها، فقالت له عجوز من ناحية: ما يقيمك على الغزال النّجدي ولا حظّ لك فيه؟ فقالت الجارية: يا عمتاه، يظنّ كما قال ذو الرّمّة:
وإن لم يكن إلاّ تعلّل ساعةٍ ... قليلاً فإنّي نافع لي قليلها
وقال بعض المحدثين:
الخال يقبح بالفتى في خدّه ... والخال في خدّ الفتاة مليح
والشّيب يحسن بالفتى في رأسه ... والشيب في رأس الفتاة قبيح
وقال جعفر بن محمد: الجمال مرحومٌ: بين شريح ورجل رأى رجلٌ شريحاً يجول في بعض الطّرق فقال: ما غدا بك؟ فقال: عسيت أن أنظر إلى صورة حسنة.
بين خالد بن صفوان وامرأة قالت امرأة خالد بن صفوان له يوماً: ما أجملك! قال: ما تقولين ذاك وما لي عمود الجمال، ولا عليّ رداؤه ولا برنسه. قالت: ما عمود الجمال وما رداؤه وما برنسه؟ قال: أما عمود الجمال فطول القوام وفي قصرٌ؛ وأمّا رداؤه فالبياض ولست بأبيض؛ وأما برنسه فسواد الشعر وأنا أصلع. ولكن لو قلت: ما أحلاك وما أملحك، كان أولى.
لأبي اليقظان في جيش ابن الأشعب أبو اليقظان قال: كان يسمّي جيش ابن الأشعب جيش الطواويس، لكثرة من كان فيه من الفتيان المنعوتين بالجمال.
عمر بن الخطاب ومعقل بن سنان قال: وقال أبو اليقظان: سمع عمر بن الخطاب قائلاً بالمدينة يقول:
أعوذ بربّ الناس من شرّ معقلٍ ... إذا معقلٌ راح البقيع مرجّلا
يعني معقل بن سنان الأشجعيّ، وكان قدم المدينة؛ فقال له عمر: إلحق بباديتك.
في جمال نصر بن حجاج البهزيّ وسمع امرأةً ذات ليلة تقول:
ألا سبيل إلى خمرٍ فأشربها ... أم هل سبيلٌ إلى نصر بن حجّاج
وهذا نصر بن حجّاج بن علاط البهزيّ، وكان من أجمل الناس، فدعا به عمر فسيره إلى البصرة - فأتى مجاشع بن مسعود السّلميّ فدخل عليه يوماً وعنده امرأته شميلة وكان مجاشع أميّاً، فكتب نصر على الأرض: أحبّك حبّاً لو كان فوقك لأظلك أوتحتك لأقلّك. فكتبت هي وأنا واللّه كذلك. فكبّ مجاشعٌ على الكتابة إناءً ثم أدخل كاتباً فقرأه، فأخرج نصراً وطلّقها - فقال نصر بن حجّاج:
وما لي ذنبٌ غير ظنّ ظننته ... وفي بعض تصديق الظنون أثام
لعمري إن سيّرتني أو حرمتني ... وما نلت ذنباً إنّ ذا لحرام
أأن غنّت الذّلفاء ليلاً بمنيةٍ ... وبعض أمانيّ النساء غرام
ظننت بي الظنّ الذي ليس بعده ... بقاءٌ وما لي في النّديّ كلام
فأصبحت منفيّاً على غير ريبةٍ ... وقد كان لي بالمكّتين مقام
ويمنعني ممّا تمنّت تكرّمي ... وآباء صدقً سالفون كرام
ويمنعها ممّا تمنّت حياؤها ... وحالٌ لها مع عفّةٍ وصيام
وهاتان حالانا فهل أنت راجعي ... وقد خفّ منّي كاهلٌ وسنام
وأنا أحسب هذا الشعر مصنوعاً: شعر للقيط بن زرارة، ولغيره قال لقيط بن زرارة:
أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم ... دجى الليل حتى نظّم الجزع ثاقبه
قال أبو الطّمحان القيني:
يكاد الغمام الغرّ يرعد أن رأى ... وجوه بني لأمٍ وينهل بارقه
وقال آخر:
وجوهٌ لو أنّ المعتفين اعتشوا بها ... صدعن الدّجى حتى ترى الليل ينجلي
لعمر بن الخطاب، ثم لعلي بن أبي طالب قال عمر بن الخطاب " رضي اللّه عنه " : إنّا سمعنا بكم شعرنا أحسنكم وجوهاً، وإذا اختبرناكم كانت الخبرة أولى بكم.

قال عليّ بن أبي طالب كرّم اللّه وجهه: خصصنا بخمس: بصباحة، وفصاحة، وسماحة، ورجاحة، وحظوة " يعني " عند " النساء " . وسئل عن أميّة فقال: هم أغدر وأفجر وأمكر؛ ونحن أفصح وأصبح وأسمح.
لامرأة في الزبير وعليّ ومصعب رأت امرأة الزبير فقالت: من هذا الذي هو أرقم يتلمّظ؟ ورأت عليّاً فقالت: من هذا الذي كأنه كسر ثم جبر؟ ورأت طلحة فقالت: من هذا الذي كأنه دينارٌ هرقلي؟ لسكينة بنت الحسين في ابنتها ألبست سكينة بنت الحسين ابنةً درّاً كثيراً وقالت: واللّه ما ألبستها أيّاه إلاّ لتفضحه.
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء يذكر نساءً مع جارية:
أقبلن في رأد الضّحاء بها ... وسترن وجه الشمس بالشمس
ذكر بعض الأعراب امرأةً قال: خلوت بها والقمر يرينيها، فلمّا غاب أرتينه.
وقال بعض الشعراء:
غلامٌ رماه اللّه بالحسن يافعاً ... له سيمياء لا تشقّ على البصر
كأنّ الثّريّا علّقت في جبينه ... وفي أنفه الشّعري وفي وجهه القمر
ولمّا رأى المجد استعيرت ثيابه ... تردّى بثوبٍ واسع الذّيل وأتزر
إذا قيلت العوراء أغضى كأنه ... ذليل بلاً ذلّ ولو شاء لانتصر
بين أعرابي وأمه قال غلامٌ من الأعراب لأمّه:
نشدتك باللّه هل تعلمين ... بأنّي طويلٌ وأنّي حسن
قالت: قبحك اللّه!فكان ماذا! قال:
وأنّي أقمّص بالدّار عين ... غداة الصّباح وأحمي الظعّن
قال عمّه: فهلاّ كان ذا قبل! قال الشاعر:
بيضاء تسحب من قيام شعرها ... وتغيب فيه وهو جثل أسحمٌ
فكأنّها فيه نهارٌ ساطع ... وكأنه ليلٌ عليها مظلم
وقال الطائيّ:
بيضاء تبدو في الظلام فيكتسي ... نوراً وتبدو في النهار فيظلم
أعرابي يصف امرأة وصف أعرابيّ امرأة فقال: كاد الغزال يكونها، لولا ما تمّ منها ونقص منه لابن الأعرابي في الحلاوة والجمال والملاحة قال ابن الأعرابيّ: الحلاوة في العينين، والجمال في الأنف، والملاحة في الفم.
قال أعرابيّ يصف امرأةً:
خزاعّية الأطراف مرّية الحشا ... فزاريّة العينين طائّية الفم
المقنع الكندي كان المقّنع الكندي من أجمل الناس وكان يتقنع لأنه كان متى سفر لقع " أي أصيب بعينٍ " ، وهو القائل:
وفي الظّعائن والأحداج أملح من ... حلّ العراق وحلّ الشام واليمنا
جنيّةٌ من نساء الإنس أحسن من ... شمس النهار وبدر الليل لو قرنا
الحكم بن صخر وجارية الحكم بن صخر الثّقفيّ قال: خرجت حاجّاً مختفياً، فلمّا كنت ببعض الطريق أتتني جاريتان من بني عقيل لم أر أحسن منهما وجوهاً، ولا أظرف ألسنةً ولا أكثر علماً وأدباً، فقصّرت بهما يومي فكسوتهما. ثم حججت من قابلٍ ومعي أهلي، وقد أصابتني علّةٌ فنصل لها خضابي، فلمّا صرت إلى ذلك الموضع فإذا أنا بإحداهما، فدخلت عليّ، فسألت مسألة منكر فقلت: فلانة! قالت: فدىً لك أبي وأمي! تعرفني وأنكرك؟! قلت: أنا الحكم بن صخر. قالت: إني رأيتك عاماً أوّل شابّاً سوقةً وأراك العام ماكاً شيخاً، وفي دون هذا ينكر المرء صاحبه. قلت: ما فعلت أختك؟ قالت: تزوجها ابن عمٍّ لها وخرج بها إلى نجد فذلك حيث يقول:
إذا ما قفلنا نحو نجدً وأهله ... فحسبي من الدّنيا قفولٌ إلى نجد
فقلت: لو أدركتها لتزوّجتها. فقالت: ما يمنعك من شقيقتها في حسبها، ونظيرتها في جمالها؟ - تعني نفسها - قلت: يمنعني من ذلك ما قال كثيّر:
إذا وصلتنا خلّةٌ كي تزيلنا ... أبينا وقلنا الحاجبيّة أوّل
فقالت: فكثيّر بيني وبينك، أليس هو القائل:
هل وصل عزّة إلا وصل غانيةٍ ... في وصل غانيةٍ من وصلها خلف
فسكت عيّاً عن جوابها.
أبو حازم المدني وامرأة حسناء التقاها في موسم الحج قل أبو حازم المدنيّ: بينا أنا أرمي الجمار رأيت امرأة سافرةً من أحسن الناس وجهاً ترمي الجمار، فقلت: يا أمة اللّه، أما تتقين اللّه! تسفرين في هذا الموضع فتفتنين الناس! قالت: أنا واللّه يا شيخ من اللواتي قل فيهنّ الشاعر:
من اللاّء لم يحججن يبغين حسبة ... ولكن ليقتلن لبريء المغفّلا

قلت: فإنّي أسأل اللّه ألاّ يعذّب هذا الوجه بالنار.
شعر لأعرابي، ولآخرين قال أعرابيّ:
يا زين من ولدت حوّاء من ولدٍ ... لولاك لم تحسن الدنيا ولم تطب
أنت التي من أراه اللّه صورتها ... نال الخلود فلم يهرم ولم يشب
وقال أعرابيّ:
إذا هنّ أبدين الخدود وحسّرت ... ثغورٌ عن الأفواه كي تتبسّما
أجاد القضاة العادلون قضاءهم ... لهنّ بلا وهمٍ وإن كنّ أظلما
" وقال عروة بن أذينة " :
إنّ التي زعمت فؤادك ملّها ... خلقت هواك كما خلقت هوىً لها
فإذا وجدت لها وساوس سلوةٍ ... شفع الفؤاد إلى الضمير فسلّها
بيضاء باكرها النعيم فصاغها ... بلباقةٍ فأدقّها وأجلّها
وقال أعرابيّ يرقص ابناً له:
يا ربّ ربّ مالكٍ بارك فيه ... بارك لمن يحبّه ويدينه
ذكرني لمّا نظرت في فيه ... أجزع نورٍ غربت أواخيه
والوجه لما أشرقت نواحيه ... دينار عينٍ بيدٍ تبريه
لابن شبرمة وقال ابن شبرمة: ما رأيت لباساً على رجل أزين من فصاحةٍ، ولا رأيت لباساً على امرأةٍ أزين من شحمٍ.
لأعرابي حسن الكدنة قيل لأعرابيّ: إنك لحسن الكدنة فقال: ذلك عنوان نعمة اللّه عندي.
للحجاج قال الحجّاج: لا يحسن نحر المرأة حتى يعظم ثدياها.
شعر للمرار العدوي وقال المرّار العدويّ:
صلته الخدذ طويلٌ جيدها ... ضخمة الثّدي ولمّا ينكسر
لعلي بن أبي طالب وقال عليّ بن أبي طالب عليه السلام: لا تحسن المرأة حتى تروي الرضيع، وتدفىء الضّجيع.
بين أسدي وامرأة عن رجل من بني أسدٍ قال: أضللت إبلاً لي، فخرجت في طلبهنّ، فهبطت وادياً وإذا أنا بفتاةٍ أعشى نور وجهها نور بصري؛ فقالت لي: يا فتى، ما لي أراك مدلّها؟ فقلت: أضللت إبلاً لي فأنا في طلبها. قالت: أفأدلّك على من هي عنده وإن شاء أعطاكها؟ قلت: نعم ولك أفضلهنّ. قالت: الذي أعطاكهنّ أخذهنّ وإن شاء ردهنّ، فسله من طريق اليقين لا من طريق الإختبار. فأعجبني ما رأيت من جمالها وحسن كلامها، فقلت: ألك بعلٌ؟ قالت: قد كان، ودعي فأجاب فأعيد إلى ما خلق منه. قلت: فما قولك في بعل تؤمن بوائقه، ولا تذمّ خلائقه؟ فرفعت رأسها وتنفّست وقالت:
كنّا كغصنين في أصلٍ غذاؤهما ... ماء الجداول في روضات جنّات
فاجتثّ خيرهما من جنب صاحبه ... دهرٌ يكرّ بترحاتٍ وفرحات
وكان عاهدني إن خانني زمنٌ ... ألاّ يضاجع أنثى بعد مثواتي
وكنت عاهدته إن خانه زمنٌ ... ألاّ أبوء ببعل طول محياتي
فلم نزل هكذا والوصل شيمتنا ... حتى توفّي قريباً مذ سنيّات
فاقبض عنانك عمّن ليس يردعه ... عن الوفاء خلافٌ بالتحيّات
بين متمّم بن نويرة وعمر بن الخطاب قال أبو اليقظان: دخل متمّم بن نويرة على عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه فقال له عمر: ما أرى في أصحابك مثلك! قال: يا أمير المؤمنين، أما واللّه إنّي مع ذلك لأركب الجمل الثّفال، وأعتقل الرّمحٍ الشّطون، وألبس الشّملة الفلوت. ولقد أسرني بنو تغلب في حديث، فأطلقوني له بغير فداءٍ.
كان يقال: المنظر محتاجٌ إلى القبول، والحسب محتاجٌ إلى الأدب، والسّرور محتاجٌ إلى الأمن، والقرابة محتاجة إلى المودّة، والمعرفة محتاجة إلى التّجارب، والشرف محتاج إلى التّواضع، والنجدة محتاجةٌ إلى الجدّ.
قال الحسن بن وهب:
ما لمن تمّت محاسنه ... أن يعادي طرف من نظرا
لك أن تبدي لنا حسناً ... ولنا أن نعمل البصرا
باب القبح والدّمامة
لأمير من أمراء العراق في امرأة قبيحة أخبرنا بعض أشياخ البصرة أنّ رجلاً وامرأته اختصما إلى أمير من أمراء العراق، وكانت المرأة حسنة المنتقب قبيحة المسفر، وكان لها لسانٌ، فكأن العامل مال معها، فقال: يعمد أحدكم إلى المرأة الكريمة فيتزوّجها ثم يسيء إليها. فأهوى الزوج فألقى النّقاب عن وجهها، فقال العامل: عليك اللعنة، كلام مظلوم ووجه ظالم.
لرجل من البصرة تزوج ومنع من الخروج

أبو زيد الكلابيّ: قدم رجلٌ منّا البصرة فتزوّج امرأةً، فلمّا دخل بها وأرخيت السّتور وأغلقت الأبواب عليه، ضجر الأعرابيّ وطالت ليلته، حتى إذا أصبح وأراد الخروج منع من ذلك وقيل له: لا ينبغي لك أن تخرج إلا بعد سبعة أيام؛ فقال:
أقول وقد شدّوا عليها حجابها ... ألا حبّذا الأرواح والبلد القفر
ألا حبّذا سيفي ورحلي ونمرقي ... ولا حبّذا منها الوشاحان والشّذر
أتوني بها قبل المحاق بليلةٍ ... فكان محاقاً كلّه ذلك السهر
وما غرّني إلاّ خضابٌ بكفّها ... وكحلٌ بعينيها وأثوابها الصّفر
تسائلني عن نفسها هل أحبّها ... فقلت ألا لا والذي أمره الأمر
تفوح رياح المسك والعطر عندها ... وأشهد عند اللّه ما ينفع العطر
لبعض الشعراء يصف امرأة قبيحة وقال آخر:
أعوذ باللّه من زلاّء فاحشةٍ ... كأنما نيط ثوباها على عود
لا يمسك الحبل حقواها إذا انتطقت ... وفي الذّنابي وفي العرقوب تحديد
أعوذ باللّه من ساقٍ لها حنبٌ ... كأنها من حديد القين سفّود
وقال أخر:
موتّرة العلباء القفا ... لها ندبٌ من حكّها غير دارس
إذا ضحكت حالت غضونٌ كأنها ... غباب حرباءٍ تحوّز شامس
كأن وريديها رشاء محالةٍ ... مغاران من جلدٍ من القدّ يابس
وقال آخر:
يا عجبا والدّهر ذو تعاجيب ... هل يصلح الخلخال في رجل الذّيب
اليابس الكعب الحديد العرقوب
لأخر في عجوز تزوّجها وقال آخر:
لها جسم برغوثٍ وساقا بعوضةٍ ... ووجهٌ كوجه القرد بل هو أقبح
وتبرق عيناها إذا ما رأيتها ... وتعبس في وجه الضّجيع وتكلح
وتفتحلا كانت فماً لو رأيتهتوهّمته باباً من النار يفتح
فما ضحكت في الناس إلا ظننتها ... أمامهم كلباً يهرّ وينبح
إذا عاين الشيطان صورة وجهها ... تعوّذ منها حين يمسي ويصبح
وقد أعجبتها نفسهافتملّحت ... بأيّ جمال ليت شعري تملحّ
لأعرابي في امرأة كالغول رأى أعرابيّ امرأة في شارةٍ وهيئة، فظّن بها جمالاً، فلما سفرت فإذا هي غولٌ؛ فقال:
فأظهرها ربيّ بمنّ وقدرةٍ ... عليّ ولولا ذاك متّ من الكرب
فلمّا بدت سبّحت من قبح وجهها ... قلت لها السّاجور خيرٌ من الكلب
بين سعيد بن بيان والأخطل كان سعيد بن بيانٍ التغّلبيّ سيدّ بني تغلب، وكانت تحته برّة وكانت من أجمل النساء، فقدم الأخطل الكوفة على بشر بن مروان، فدعاه سعيد بن بيانٍ واحتفل ونجّد بيوته واستجاد طعامه وشرابه، فلما شرب الأخطل جعل ينظر إلى وجه برّة وجمالها، وإلى وجه سعيد وقبحه، فقال له سعيد: يا أبا مالك، أنت رجل تدخل على الخلفاء والملوك فأين ترى هيئتنا من هيئتهم! فقال الأخطل: ما لبيتك عيبٌ غيرك. فقال سعيد: أنا واللّه أحمق منك يا نصرانيّ حين أدخلك منزلي. وطرده فخرج الأخطل وهو يقول:
وكيف يداويني الطبيب من الجوى ... وبرّة عند الأعور ابن بيان
فهلاّ زجرت الطّير إذ جاء خاطباً ... بضيقة بين النّجم والدّبران
عبد بني الحساس يذكر قبحه قال عبد بني الحسحاس يذكر قبحه:
أتيت نساء الحارثيّين غدوةً ... بوجهٍ براه اللّه غير جميل
فشبّهنني كلباً ولست بفوقه ... ولا دونه إن كان غير قليل
بين الأحنف ورجل عابه بقبحه قال رجل للأحنف: " تسمع بالمعتديّ لا أن تراه " ؛ فقال: ما ذممت منّي يابن أخي؟ قال: الدّمامة وقصر القامة. قال: لقد عبت عليّ ما لم أؤامر فيه.
قبح الأحنف قال عبد الملك بن عمير: قدم علينا الأحنف الكوفة مع مصعب بن الزّبير، فما رأيت خصلةً تذمّ إلا وقد رأيتها في الأحنف: كان صعل الرأس، متراكب الأسنان، أشدق، مائل الذّقن، ناتىء الوجه، غائر العين، خفيف العارض، أحنف الرّجل، ولكنه إذا تكلّم جلا عن نفسه.
شعر لهبنّقة في قبح محارش أبو اليقظان قال: كان المحارش قبيحاً فقال فيه هبنّقة:

لو كان وجهي مثل وجه محارشٍ ... إذاً ما قربت الدّهر باب أمير
قال:وأخذ محارش قذاةً عن عبيد اللّه بن زياد؛ فقال: صرف عنك السّوء؛ فقال جلساؤه: إذاً يصرف عنه وجهه.
سئل مدنيّ عن حلية رجلٍ، فقال: حليته محجمه.
المأمون ومحمد بن الجهم قال المأمون لمحمد بن الجهم: أنشدني يبتاً حسناً أولّك به كورةً؛ فقال:
قبحت مناظرهم فحين خبرتهم ... حسنت مناظرهم لقبح المخبر
فاستزاده، فأنشده:
أرادوا ليخفوا قبره عن عدوّه ... فطيب تراب القبر دلّ على القبر
فولاّه الدّينور وهمذان.
لأعرابي في امرأته قال أعرابيّ في امرأته:
ولا تستطيع الكحل من ضيق عينها ... فإن عالجته صار فوق المحاجر
وفي حاجبيها حرّةٌ لغرارةٍ ... فإن حلقا كانا ثلاث غرائر
وثديان أمّا واحدٌ فكموزةٍ ... وآخر فيه قربةٌ لمسافر
بين إسحاق الموصلي وقريبة ابن سيابة وقال إسحاق الموصليّ: رأت قريبة ابن سيلبة مولى ابن أأسد عندي، فقلت لها: يا أمّ البهلول كيف ترين هذا؟ قالت: ما له قبّحه " اللّه " عامّةً؟؟! لو كان داءً ما بريء منه.
شعر فاتك في سعيد بن مسلم وقال فاتكٌ في سعيد بن سلم:
وإنّ من غاية حرص الفتى ... طلابه المعروف في باهله
كبيرهم وغدٌ ومولودهم ... تلعنه من قبحه القابلة
الأسعر الجعفي يذكر قوماً قال الأسعر الجعفيّ يهجو قوماً:
زعانف سودٌ كخبث الحدي ... يد يكفي الثلاثة شقّ الإزار
أبو نواس يذكر امرأة وقال أبو نواس يذكر امرأةً:
وقائلةٍ لها في وجه نصحٍ ... علام قتلت هذا المستهاما
فكان جوابها في حسن سرٍّ ... أأجمع وجه هذا والحراما
من أخبار المغيرة بن شعبة كان المغيرة بن شعبة قبيحاً أعور، فخطب امرأةً، فأبت أن تتزّوجه، فبعث إليها: إن تزوّجتيني ملأت بيتك خيراً، ورحمك أيراً. فتزوّجت به.
وسئلت عنه امرأةٌ طلّقها فقالت: عسلٌ يمانيةُ في ظرف سوء.
شعر لدعبل، ولغيره أنشدنا دعبل:
بليت بزمّردةٍ كالعصا ... ألصّ وأسرق من كندش
لها شعر قردٍ إذا ازّينت ... ووجه كبيض القطا الأبرش
كأنّ الثاليل في وجهها ... إذا سفرت بدد الكشمش
وقال أعرابيّ:
جزى اللّه البراقع من ثيابٍ ... عن الفتيان شراًّ ما بقينا
يوارين الملاح فلا نراها ... ويزهين القباح فيزّهينا
وقال آخر:
رأوه فازدروه وهو حرّ ... وينفع أهله الرجل القبيح
ذو الرمة وميّة كان ذو الرّمّة يشبّب بميّة، وكانت من أجمل النساء ولم تره قطّ، فجعلت للّه عليها بدنةً حين تراه، فلما رأته رأته رجلاً دميماً أسود، فقالت: واسوءتاه! وابؤساه! فقال ذو الرّمة:
على وجه ميٍّ مسحةٌ من ملاحةٍ ... وتحت الثياب الشّين لو كان باديا
ألم تر الماء يخبث طعمه ... وإن كان لون الماء أبيض صافيا
أعرابية تصف حمدونة بنت الرشيد إسحاق الموصليّ قال: دخلت أعرابية على حمدونة بنت الرشيد، فلما خرجت سئلت عنها، فقالت: وما حمدونة! واللّه لقد رأيتها وما رأيت طائلاً، كأنّ بطنها قربة، وكأنّ ثديها دبةّ، وكأن استها رقعة، وكأن وجهها وجه ديكٍ قد نفش عفريته يقاتل ديكاً.
أعرابي يصف امرأة ذكر أعرابيّ امرأةً حسناء اللفظ قبيحة الوجه، فقال: ترخي ذيلها على عرقوبي نعامة، وتسدل خمارها على وجه كالجعالة " وهي الخرقة التي تنزل بها القدر عن النار " شعر لدعبل في كاتب وقال دعبل في كاتبٍ:
تمّت مقابح وجهه فكأنه ... طللٌ تحمّل ساكنوه فأوحشا
لو كان لاستك ضيق صدرك أو لصد ... رك رحب دبرك كنت أكمل من مشى
لبعض المعلمين كان بعض المعلّمين يقعد أبناء المياسير والحسان الوجوه في الظلّ، ويقعد الآخرين في الشّمس، ويقول: يا أهل الجنة، ابزقوا في وجوه أهل النار.
لرجل من أبناء المهاجرين وقال رجل من أبناء المهاجرين: أبناء هذه الأعاجم كأنهم نقبوا الجنّة وخرجوا منها، وأولادنا كأنهم مساجر التّنانير.
بين أبي المهلهل وميّ

أبو المهلهل الحدائيّ قال: ارتحلت إلى الرمل في طلب ميّ صاحبة ذي الرّمّة، فما زلت أطلب موضعها حتى أرشدت إليه، فإذا خيمةٌ كبيرة على بابها عجوزٌ هتماء، فسلّمت عليها ثم قلت: أين منزل ميّ؟ قالت: أنا ميّ؛ فتعجّبت وقلت: عجباً من ذي الرمّة وكثرة قوله فيك! قالت: لا تعجبنّ فإني سأقوم بعذره عندك، ثم قالت: يا فلانة، فخرجت من الخيمة جاريةٌ ناهدة عليها برقع فقالت: اسفري؛ فلما سفرت تحيّرت لما رأيت من جمالها وبراعتها؛ فقالت: علقني ذو الرمّة وأنا في سنّها. فقلت: عذره اللّه ورحمه، فاستنشدتها فجعلت تنشد وأنا أكتب.
أبو نواس في الرقاشي وقال أبو نواسٍ في الرّقاشيّ:
قل للرّقاشيّ إذا جئته ... لو متّ يا أخرق لم أهجكا
دونك عرضي فاهجه راشداً ... لا تدنس الأعراض من شعركا
واللّه لو كنت جريراً لما ... كنت بأهجى لك من وجهكا
باب السّواد
لمدّني في السواد الأصمعيّ قال: قيل لمدنيّ: ما رغبتكم في السّواد؟ قال: لو وجدنا بيضاء لسفدناها.
شعر لأبي حازم المدني يتغزل بالسود وكان أبو حازم المدنيّ ينشد:
ومن يك معجباً ببنات كسرى ... فإنّي معجبٌ ببنات حام
لأبي حنش، وغيره، في وصف السود وقال أبو حنش:
رأيت أبا الحجناء في الناس حائراً ... ولون أبي الحجناء لون البهائم
تراه على ما لاحه من سواده ... وأن كان مظلوماً له وجه ظالم
وقال آخر في وصف أسود:
كأنما وجهك ظلّ من حجر
وقال آخر:
كأنما قمّص من ليط جعل
وقال آخر في وصف سوداء:
كأنها والكحل في مرودها ... تكحل عينيها ببعض جلدها
لبعضهم في سوداء نظر رجل إلى سوداء عليها معصفرٌ، فقال: بعرة عليها رعاف.
الأصمعيّ قال: قيل لرجل: أيّ الرجال أخفّ أرواحاً؟ قال: الذين أعرقت فيهم السّودان.
لعلي بن أبي طالب وقال عليّ بن أبي طالب عليه السّلام: من تزوّج سمراء فطلّقها فعليّ مهرها.
يقال: قالت: الخنفساء لأمّها: يا أمّاه، ما أمرّ بأحدٍ إلابزق عليّ. فقالت: يا بنيّة تعوّذين.
عبد الملك ووفد أهل الكوفة وفد على عبد الملك وفد أهل الكوفة، فلما دخلوا عليه وكلّهم، رأى فيهم أدلم عالي الجسم، فلما كلّمه راقه بيانه، فلما تولّى تمثّل عبد الملك بقول عمرو بن شأسٍ:
فإن عراراً إن يكن غير واضحٍ ... فإنّي أحبّ الجون ذا المنكب العمم
فالتفت الأدلم إلى عبد الملك وضحك؛ فقال: عليّ به. " فلما جيء به قال " : ما الذي أضحكك؟ فقال: أنا واللّه عرارٌ من بني بني أثرى. فقدّمه وسامره حتى خرج.
لبعض الشعراء في جارية سوداء قال رجل من الشعراء في جاريةٍ سوداء:
أشبهك المسك وأشبهته ... قائمةً في لونه قاعده
لا شكّ إذ لونكما واحد ... أنكما من طينةٍ واحدة
وقال جرير:
ترى التّيميّ يزحف كالقرنبي ... إلى تيميّةٍ كعصا المليل
تشين الزعفران عروس تيم ... وتمشي مشية الجعل الدّحول
يقول المجتلون عروس تيم ... شوى أمّ الحبين ورأس فيل
وقال آخر:
أحبّ لحبّها السّودان حتى ... أحبّ لحبّها سود الكلاب
باب العجز والمشايخلرجل خاصم امرأته إلى زياد الأصمعيّ قال: خاصم رجلٌ امرأته إلى زيادٍ، فكأن زياداً شددّ عليه، فقال الرجل: أصلح اللّه الأمير، إنّ خير نصفي الرجل آخرهما، يذهب جهله ويثوب حلمه ويجتمع رأيه، وإن شرّ نصفي المرأة آخرهما، يسوء خلقها ويحدّ لسانها وتعقم رحمها؛ فقال: اسفع بيدها.
لبعض الأعراب في عجوز وقال بعض الأعراب:
لا تنكحنّ عجوزاً إن دعوك لها ... وإن حبوك على تزويجها الذّهبا
وإن أتوك وقالوا إنها نصفٌ ... فإنّ أطيب نصفيها الذي ذهبا
لأعرابي ضجر من امرأته وقد شاخت الأصمعيّ قال: ضجر أعرابيّ بطول حياة امرأته، فقال:
ثلاثين حولاً لا أرى منك راحةً ... لهنّك في الدنيا لباقية العمر
فإن أنفلت من حبل صعبة مرّةً ... أكن من نساء الناس في بيضة العقر
أبو الأسود في امرأته وقال أبو الأسود في امرأته أمّ عوف:

أبي القلب إلا أمّ عوف وحبّها ... عجوزاً ومن يحبب عجوزاً يفنّد
كسحق اليماني قد تقادم عهده ... ورقعته ما شئت في العين واليد
لبعضهم يشبب بعجوز وقال آخر يشبب بعجوزٍ:
عجوزٌ عليها كرةٌ وملاحة ... وقاتلتي يا للرّجال عجوز
عجوزٌ لو أن الماء ملك يمينها ... لما تركتنا بالمياه نجور
كانت لرجل من الأعراب امرأة عجوز، وكانت تشتري العطر بالخبز؛ فقال:
عجوزٌ ترجّى أن تكون فتيّةً ... وقد غارت العينان واحدودب الظهر
تدسّ إلى العطّار سلعة أهلها ... ولن يصلح العطّار ما أفسد الدّهر
بين أبي الجندي وامرأته طلّق أبو الجنديّ امرأته؛ فقلت له: بعد صحبة خمسين سنة! فقال: ما لك عندي ذنبٌ غيره لبعض الأعراب وقال بعض الأعراب:
لا بارك اللّه في ليل يقربني ... إلى مضاجعةٍ كالدّلك بالمسد
لقد لمست معرّاها فما وقعت ... فيما لمست يدي إلا على وتد
وكلّ عضو لها قرنٌ تصلّ به ... جسم الضّجيع فيضحي واهي الجسد
للطائي، وغيره، في أحلى الرجال عند النساء وقال الطائي:
أحلى الرجال من النساء مواقعاً ... من كان أشبههم بهنّ خدودا
وقال امرؤ القيس:
أراهنّ لا يحببن من قلّ ماله ... ولا من رأين الشيب فيه وقوّسا
وقال علقمة بن عبدة:
فإن تسألوني بالنساء فإننّي ... خبيرٌ بأدواء النساء طبيب
إذا شاب رأس المرء أو قلّ ماله ... فليس له في ودّهنّ نصيب
يردن ثراء المال حيث علمنه ... وشرخ الشباب عندهنّ عجيب
وقال آخر:
أرى شيب الرجال من الغواني ... كموضع شيبهنّ من الرجال
وقال آخر:
أيا عجباً للخود يجري وشاحها ... تزفّ إلى شيخ من القوم تنبال
دعاها إليه أنه ذو قرابةٍ ... فويل الغواني من بني العمّ والخال
وقال ذو الرّمة بخلاف قول الأول:
وما الفقر أزرى عندّهن بوصلنا ... ولكن جرت أخلاقهن على البخل
وقال المّرار في مثله:
وليس الغواني للجفاء ولا الذي ... له عن تقاضي دينهنّ هموم
ولكنّما يستنجز الوعد تابعٌ ... مناهنّ حلاّفٌ لهنّ أثيم
وما جعلت ألبابهن لذي لغنى ... فييأس من ألبابهنّ عديم
عثمان بن عفان رضي اللّه عنه وزوجته بنت الفرافصة كن عثمان بن عفّان رضي اللّه عنه تزوّج نائلة بنت الفرافصة الكلبيّ - والفرافصة يومئذٍ نصرانيّ - وكان وليّها مسلماً وهو أخوها، فحملها الفرافصة. فلما قدمت على عثمان وضع لها سريراً وله آخر، فقال لها عثمان: إمّا أن تقومي إليّ وإمّا ان أقوم إليك. فقالت: ما تجشّمت إليك من عرض السّماوة أبعد ممّا بيننا، بل أقوم أنا. فقامت حتى جلست معه على السرير، فوضع قلنسوته فإذا هو أصلع، فقال: يا بنة الفراقصة، لا يهولنّك ما ترين من صلعتي، فإن وراء ذلك ما تحبيّن. قالت: إني لمن نسوة أحبّ بعولتهن إليهنّ الكهول الصّلع. فقال: اطرحي درعك؛ ثم قال: اطرحي إزارك. قالت: ذك إليك. ومسح رأسها ودعا لها بالبركة؛ فكانت أحبّ نسائه إليه، وولدت منه جاريةً يقال لها مريم.
لخنساء بنت عمرو في دريد الصمة وقد خطبها بن الكلبيّ قال: خطب دريد بن الصّمةّ خنساء بنت عمرو، فبعث جاريتها فقالت: أنظري إذا بال أيقعي أم يبعثر؟ فقالت لها الجارية: وهويبعثر. فقالت: لا حاجة لي فيه.
لرجل تزوج عجوزاً الاصمعيّ قال: تزوّج رجل امرأة بالمدينة فقالوا له: إنها شابةٌ طريةٌ من أمرها ومن مرها؛ ويدلسون له عجوزاً، فلما دخل بها زع نعليه، وهم يظنون أنه يضربها، فقلدها إياهما وقال: لبيك اللهم لبيك، هذه بدنةٌ؛ فأسكتوه وافتدوا منه.
أطوار عمر المرأة عن عبد الله بن محمد بن عمران القاضي عن أبيه قال: شباب المرأة من خمس عشرة سنة إلى ثلاثين سنةً، وفيها من الثلاثين إلى الأربعين مستمتعٌ، وإذا اقتحمت العقبة الأخرى حسلت.
شعر لجهم في عجوز تزوجها

تزوج جمهمٌ امرأة من بني فقعسٍ وباع إبلاً له ومهرها، فلما دخل بها إذا هي عجوز، فقال:
وما لمت نفسي مذ فطمت بلحيةٍ ... كما لمت نفسي في عجوز بني شمس
وبنت ولم أغبن غداة اشتريتها ... وبعت تلاد المال بالثمن البخس
فإن مات جهمٌ غيلةً فاقتلوا به ... قمامة إن النفس تقتل بالنفس
لبعض الشعرء:
كفاك بالشيب ذنباً عند غانيةٍ ... وبالشباب شفيعاً أيها الرجل
خبر الحارث بن سليل الأسدي وزوجته خطب الحارث بن سليل الأسدي إلى علقمة بن حفصة الطائي وكان شيخاً، فقال لأم الجارية: أريدي ابنتك على نفسها. فقالت: أي بنية. أي الرجال أحب إليك: الكهل الجحجاح، الواصل المنّاح، أم الفتى الوضّاح، الذهول الطماح؟ قالت: يا أمتاه.
إن الفتاة تحب الفتى ... كحبّ الرعاء أنيق الكلا
فقالت: يا بنية، إن الشباب شديد الحجاب، كثير العتاب. قالت: يا أمتاه، أخشى من الشيخ أن يدنس ثيابي، ويبلي شبابي، ويشمت بي أترابي. فلم تزل بها حتى غلبتها على رأيها؛ فتزوج به الحارث ثم رحل بها إلى قومه؛ فإنه لجالس يوماً بفناء لمظلته وهي إلى جانبه، إذ أقبل شباب من بني أسد يعتلجون، فتنفست ثم بكت؛ فقال لها: ما يبكيك؟ قالت: ما لي وللشيوخ الناهضين كالفروخ!؛ فقال: ثكلتك أمك " تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها " - فذهبت مثلاً - . أما وأبيك لرب غارةٍ شهدتها؛ فالحقي بأهلك، ولا حاجة لي فيك.
بين رجل وزوجته أراد أن يغيرها الرياشي قال: خرج رجل إلى الغزو فأصاب جارية وضيئة، وكان يغزو على فرسه ويرجع إليها، فوجد يوماً فضلاً من القول فقال:
ألا لا أبالي اليوم ما فعلت هند ... إذا بقيت عندي الحمامة والورد
شديد مناط المنكبين إذا جرى ... وبيضاء صنهاجيةٌ زانها العقد
فهذا لأيام الحروب وهذه ... لحاجة نفسي حين ينصرف الجند
فنمي الشعر إليها فقالت:
ألا أقره مني السلام وقل له ... غينا وأغنتنا غطارفة المرد
بحمد أمير المؤمنين أقرّهم ... شباباً وأغزاكم حواقلة الجند
إذا شئت غناني رفلٌ مرجّلٌ ... ونازعني في ماء معتصر ورد
وإن شاء منهم ناشئ مد كفه ... على كتدٍ ملساء أو كفل نهد
فما كنتم تقضون حاجة أهلكم ... شهوداً فتقضوها على النأي والبعد
فلما بلغه الشعر أتاها، وقال: أكنت فاعلةً؟ فقالت: الله أجلّ في عيني، وأنت أهون علي.
لأبي عمرو بن العلاء في الشباب قال أبو عمرو بن العلاء: ما بكت العرب شيئاً ما بكت الشباب، وما بلغت ما هو أهله.
لبعض الأعراب وقد أسن كانت لبعض الأعراب امرأة لا تزال تشارّه وقد كان أسن وامتنع من النكاح، فقال له رجل: ما يصلح بينكما أبداً؟ فقال: لا، إنه قد مات الذي كان يصلح بيننا " يعني ذكره " .
شعر رجل لصديق له تزوج عجوزاً قال رجلٌ لصديقٍ له:
أعنّست نفسك حتى إذا ... أتيت على الخمس والأربعينا
تزوّجتها شارفاً فخمةً ... فلا بالرّفاء ولا بالبنينا
فلا ذات مال تزوّجتها ... ولا ولد ترتجي أن يكونا
بها أبداً فالتمس غيرها ... لعلّك تعطى بغثٍّ سمينا
لأنو شروان قال أنوشروان: كنت أخاف إذا أنا شخت لا تريدي النساء، فإذا أنا لا أريدهنّ.
شعر لأعرابي في العجوز قل أعرابيّ:
إنّ العجوز فاركٌ ضجيعها ... تسيل من غير بكىً دموعها
تمدّد الوجه فلا يطيعها ... كأنّ م يضيفها يضيعها
لأبي النجم في أم الخيار وقال أبو النجم:
قد زعمت أمّ الخيار أنّي ... شبت وحنّى ظهري المحنّي
وأعرضت فعل الشّموس عنّي ... فقلت ما داؤك إلا سنّي
" لن تجمعي ودّي وأن تضنّي " في الشيب والخضاب قال يزيد بن الحكم بن " أبي " العاص:
فما منك الشّباب ولست منه ... إذا سألتك لحيتك الخضابا
وما يرجو الكبير من الغواني ... إذا ذهبت شبيبته وشابا
وقال آخر:
" " فالغواني ... وافر عن ملاحظة القتير

فقلت لها المشيب نذير عمري ... ولست مسوّداً وجه النّذير
لسعد بن أبي وقاص، لآخرين في الخضاب كان سعد بن أبي وقاص يخضب بالسّواد، ويقول:
أسوّد أعلاها وتأبى أصولها ... فيا ليت ما يسودّ مها هو الأصل
وقال أسود بن دهيم:
لما رأيت الشّيب عيب بياضه ... تشببت وابتعت الشباب بدرهم
وقال محمود الورّاق:
يا خاضب الشّيب الذي ... في كلّ ثالثةٍ يعود
إنّ النّصول إذا بدا ... فكأنه شيبٌ جديد
وله بديهة روعةٍ ... مكروهها أبداً عتيد
فدع المشيب كما أرا ... د فلن يعود كما تريد
لابن الأعرابي، ولغيره في الشيب أنشد ابن الأعرابيّ:
ولقد أقول لشيبةٍ أبصرتها ... في مفرقي فمنحتها إعراضي
عنّي إليك فلست من خير ولو ... عمّمت منك مفارقي ببياض
ولقلّما أرتاع منك وإنني ... فيما ألذّ وإن فزعت لماضي
فعليك ما اسطعت الظهور بلمّتي ... وعليّ أن ألقاك بالمقراض
وقال الفرزدق:
تفاريق شيبٍ في السّواد لوامعٌ ... وما خير ليل ليس فيه نجوم
وقال غيلان بن سلمة:
الشّيب إن يظهر فإنّ وراءه ... عمراً يكون خلاله متنفّس
لم ينتقص منّي المشيب قلامةً ... ولنحن حين بدا ألبّ وأكيس
وقال الطائي:
ابدت أسىً أن رأتني مخلس القصب ... وآل ما كان من عجبٍ إلى عجب
لا تنكري منه تخديداً تخلّله ... فالسيف لا يزدرى أن كان ذا شطب
ولا يؤرقك إيماض القتير به ... فإنّ ذاك ابتسام الرأي والأدب
وقال آخر:
يقولون هل بعد الثلاثين ملعبٌ ... فقلت وهل قبل الثلاثين ملعب
لقد جلّ قدر الشّيب إن كان كلّما ... بدت شيبةٌ يعرى من اللّهو مركب
باب الخلق

الطول والقصر
للنبي صلى اللّه عليه وسلم عن عمرو بن شعيب: أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وسلم رأى رجلاً قصيراً - و شديد القصر - فسجد. عن سالم بن عبد اللّه عن أبيه عن جدّه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " من رأى منكم مبتلى فقال الحمد للّه الذي عافاني مما ابتلاك به وفضّلني على كثيرٍ ممن خلقه تفضيلاً عافاه اللّه من ذلك البلاء كائناً ما كان " .
لبعض الشعرء وقال بعض الشعراء:
من تعادر من يسامح ... من تطاول بزياد
من تباراني نسيني ... ببعيد من إياد
إسحاق الموصلي في غلامه وقال إسحاق الموصليّ في غلامه:
ذهبت سماجةً وذهبت طولاً ... كأنك من فراسخ دير سعد
ليزيد بن الحكم وقل أبو اليقظان: كان يعلى بن الحكم بن " أبي " العاص يعّير أخاه يزيد بالقصر؛ فقال يزيد:
همّ الرّجال العلا أخذاً بذروتها ... وإنما همّ يعلى الطول والقصر
مما قيل في القصار وقال أبو حاتم:
يكاد خليلي من تقارب شخصه ... يعضّ القراد باسته وهو قائمٌ
وقال آخر وكان قصيراً:
فإلاً يكن عظمي طويلاً فإننيّ ... له بالخصال الصالحات وصول
وقال أوفى بن مولةٍ في مثل ذلك:
فإن أك قصداً في الرجال فإننّي ... إذا حلّ أمرٌ ساحتي لجسيم
وقال آخر:
ولمّا التقى الصّفان واختلف القنا ... نهالاً وأسباب المنايا نهالها
تبينّ لي أنّ القماءة ذلةً ... وأنّ أشداءّ الرّجال طوالها
وقال الغطمّش الضّبيّ:
ولو وجدوا نعل الغطمّش لا حتذوا ... لأرجلهم منها ثماني أنعل
كان جرير بن عبد اللّه يثفل إلى ذروة البعير من طوله، وكانت نعله ذراعًا الأصمعيّ قال: دخل المغيرة بن شعبة على معاوية، فقال معاوية:
إذا راح في قوهيّةٍ متلبساً ... تقل جعلّ يستنّ في لبنٍ محض
وأقسم لو خرّت من استك بيضةٌ ... لما انكسرت من قرب بعضك من بعض
اللحىلبعض الحكماء فيمن لا لحية له قال بعض الحكماء: لا تصافين من لا شعر على عرضيه وإن كانت الدنيا خراباً إلاّ منه

لعائشة رضي اللّه عنها كانت عائشة ربّما قالت: والذّي زيّن الرجال باللحى وقال بعض المحدثين:
يا لحيةً طالت على نوكها ... كأنها لحية جبريل
لو كان ما يقطر من دهنها ... ليلاً لوفّى ألف قنديل
ولو تراها وهي قد سرّحت ... حسبتها بنداً على الفيل
لبعض مجانين الكوفة قال رجل لبعض مجانين الكوفة: ما هذه اللّحية؟ - وكانت كبيرةً - فقال: " والبلد الطّيب يخرج نباته بإذن ربّه والذي خبث لا يخرج إلا نكداً " .
لابن أبي حفصة في لحية رباح وقال مروان بن أبي حفصة:
لقد كانت مجالسنا فساحاً ... فضيّقتها بلحيته رباح
مبعثرة الأسافل والأعالي ... لها في كلّ زويةٍ جناح
وقال آخر:
أنفّش لحيةً عرضت وطالت ... من الهدبات تملأ عرض صدري
أكاد إذا قعدت أبول فيها ... إذا أنا لم أعقّصها بظفري
وقال أعرابي:
لا تفخرنّ بلحيةٍ ... عظمت جوانبها طويله
تجري بمفرقها الر ... ياح كأنها ذنب الحسيله
العيونبين إبراهيم النخعي والأعمش قال إبراهيم النّخعيّ لسليمان الأعمش وأراد أن يماشيه: إن الناس إذا رأونا معاً قالوا: أعور وأعمش. قال: ما عليك أن يأثموا ونؤجر. قال: ما عليك أن يسلموا ونسلم.
لابن عباس لما كفّ بصره وقال ابن عباس بعد ما كفّ بصره:
إن يأخذ اللّه من عينيّ نورهما ... ففي فؤادي وسمعي منهما نور
قلبي ذكيّ وعرضي غير ذي دخلٍ ... وفي فمي صارمٌ كالسيف مأثور
للخريميّ فأخذ الخريميّ هذا المعنى فقال:
فإن تك عيني خبا نورها ... فكم قبلها نور عينٍ خبا
فلم يعم قلبي ولكنمّا ... أرى نور عيني إليه سرى
فأسرج فيه إلى ضوئه ... سراجاً من العلم يشفي العمى
وقال الخريميّ أيضاً:
أصغي إلى قائدي ليخبرني ... إذا التقيا عمن يحيّيني
أريد أن أعدل السّلام وأن ... أفصل بين الشّريف والدّون
أسمع ما لا أرى فأكره أن ... أخطئ والسّمع غير مأمون
للّه عيني التي فجعت بها ... لو أن دهراً بها يواتيني
لو كنت خيّرت، ما خذت بها ... تعمير نوحٍ في ملك قارون
لأعور وتماشى أعوران، فقال أحدهما:
ألم ترني وعمراً حين نمشي ... نريد السوق ليس لنا نظير
أماشيه على يمنى يديه ... وفيما بيننا رجلٌ ضرير
شعر في طاهر بن الحسين وقال قائلٌ في طاهر بن الحسين:
يا ذا اليمينين وعينٍ واحده ... نقصان عينٍ ويمينٌ زئده
لأعور أصيبت عينه الصحيحة وقال الأصمعيّ: جاءت رجلاً أعور نشّابةٌ فأصابت عينه الصحيحة، فقال: يا ربّ وأنا يضاً على محمل.
لأبي الأسود في جارية حولاء شترى أبو الأسود جاريةً حولاء فغار امرأته أمّ عوفٍ، وكانت ابنة عمّه، وكانت تشارّه في كلّ يوم وتقول: من يشتري حولاء؛ فلمّا كثرت عليه قال:
يعيبونها عندي ولا عيب عندها ... سوى أنّ في العينين بعض التأخّر
فإن يك في العينين سوءٌ فإنها ... مهفهفة لأعلى رداح المؤخّر
هشام بن عبد الملك وأبي النجم أنشد بو النجم هشام بن عبد الملك ارجوزته التي أوّلها: الحمد للّه الوهوب المجزل فلم يزل هشام يصفّق بيديه استحساناً لها، حتى إذا بلغ قوله في صفة الشمس
فهي في الأفق كعين الأحول ... صغواء قد كادت ولمّا تفعل
أمر بوجء رقبته وإخراجه. وكان هشام أحول.
لبعض الشعراء في زرقة العيون وقال آخر:
يقولون نصرانيّةٌ أمّ خالدٍ ... فقلت دعوها كلّ نفسٍ ودينها
فإن تك نصرانيّةً أمّ خالدٍ ... فقد صوّرت في صورةٍ لا تشينها
أحبك أن قالوا بعينك زرقةٌ ... كذاك عتاق الطير زرقاً عيونها
من كتاب الآيين وقرأت في الآيين أن الرجل إذا اجتمع فيه قصر وسبوطة وحولٌ وعسم وشدقٌ ... كان لا يستعمل في دار الملك، ويحال بينه وبين التصدير للملك، وكذلك المرأة البرشاء والبرصاء.

لبعض الشعراء في رجل من المعمرين وقال بعض الشعراء في صحة البصر مع الهرم:
إن معاذ بن مسلمٍ رجلٌ ... ليس يقيناً لعمره أمد
قل لمعاذٍ إذا مررت به ... قد ضجّ من طول عمرك الأبد
قد شاب رأس الزمان واكتهل الدّ ... هر وأثواب عمره جدد
يا نسر لقمان كم تعيش وكمٍ ... تسحب ذيل الحياة يا لبد
قد أصبحت دار آدمٍ طللاً ... وأنت فيها كأنك الوتد
تسأل غربانها إذا حجلت ... كيف يكون الصداع والرمد
الأنوفلأعرابي عظيم الأنف عن أبي زيد قال: " رأيت " أعرابياً أنفه كأنه كورٌ من عظمه، فرآنا نضحك فقال: ما يضحككم! والله لقد كنا في قوم ما يسمّوننا إلا الأفيطس.
بين عقيل بن أبي طالب وامرأته عن الوليد بن بشار أن امرأة عقيل بن أبي طالب، وهي بنت عتبة بن ربيعة، قالت: يا بني هاشم لا يحبّكم قلبي أبداً، إنّ أبي وابن عمي أبو فلان بن فلان كان أعناقهم أباريق فضةٍ، ترد أنوفهم قبل شفاههم. فقال لها عقيلٌ: إذا دخلت النار فخذي على يسارك.
لبعض الشعراء في كبر الأنف قال بعض الشعراء يذكر الكبر:
أرى شعراتٍ على حاجبيّ ... بيضاً نبتن جميعاً تؤاما
ظللت أهاهي بهنّ الكلا ... ب أحسبهنّ صياراً قياما
وأحسب أنفي إذا ما مشي ... ت شخصاً أمامي رآني فقاما
وقال بعض المحدثين:
إذا أنت أقبلت في حاجةٍ ... إليه فكلّمه من خلفه
فإن أنت واجهته في الكلا ... م لم يسمع الصوت من أنفه
وقال آخر:
إن عيسى أنف أنفه ... أنفه ضعفٌ لضعفه
وهو لو يستنشق الثو ... ب بقرنيه وظلفه
لثوى في منخرٍ يس ... تغرق الخلق بنصفه
لو تراه راكباً والت ... يه قد مال بعطفه
لرأيت الأنف في السر ... ج وعيسى ردف أنفه
وقال قنعب في الوليد بن عبد الملك:
فقدت الوليد وأنفاً له ... كمثل المعين أبى أن يبولا
أتيت الوليد فألفيته ... كما يعلم الناس وخماً ثقيلا
البخر والنتنفي شدة بخر عبد الملك بن مروان قال أبو اليقظان: كان يقال لعبد الملك بن مروان: أبو الذّبّان لشدة بخره. يريدون أن الذباب يسقط إذا قارب فاه من شدّة رائحته. قال: ونبذ إلى امراةٍ له تفّاحةً قد عضّها، فأخذت سكّيناً؛ فقال لها: ما تصنعين؟ قالت: أميط عنها الأذى، فطلقها.
وقال مسلمٌ:
أنت تفسو إذا نطقت ومن سبّ ... ح من فسوفاك إثماً وزورا
وقال آخر:
لا تدن فاك من الأمير ونحّه ... حتى يداوي ما بأنفك أهرن
إن كان للظّربان جحرٌ منتنٌ ... فلجحر أنفك يا محمد أنتن
شقيق بن السليك لامرأته وقال شقيق بن السليك العامريّ لامرأته:
إذا ما نكحت فلا بالرّفاء ... وإما أتيت فلا بالبنينا
تزوّجت أصلع في غربةٍ ... تجنّ الحليلة منه جنونا
إذا ما نقلت إلى بيته ... أعدّ لجنبيك سوطاً متينا
كأنّ المساوك في شدقه ... إذا هنّ أكرهن يقلعن طينا
كأن توالي أضراسه ... وبين ثناياه غسلاً لجينا
الحكم بن عبدل يهجو محمد بن حسان وقال الحكم بن عبدل لمحمد بن حسّان بن سعد:
فما يدنو إلى فمه ذبابٌ ... ولو طليت مشافره بقند
يرين حلاوةً ويخفن موتاً ... وشيكاً إذا هممن له بورد
لأعرابي، ثم لعبد الرحمن بن عائشة وقال أعرابي:
كأن إبطيّ وقد طال المدى ... نفحة خرءٍ من كواميخ القرى
وقال عبد الرحمن بن أبي عبد الرحمن بن عائشة:
من يكن إبطه كآباط ذا الخل ... ق فإبطاي في عدا الفقاح
لي إبطان يرميان جليسي ... بشبيه السلاح أو بالسلاح
فكأني من نتن هذا وهذا ... جالسٌ بين مصعبٍ وصباح
يعني مصعب بن عبد الله بن مصعب، وصباح بن خاقان الأهتمي.
البرص

برص بلعاء بن قيس كان بلعاء بن قيس برص؛ فقال له قائل: ما هذا بك يا بلعاء؟ فقال: سيف الله جلاه.
شعر لابن حبناء، ثم لأبي مسهر وقال لابن حبناء:
إني امرؤٌ حنظليٌّ حين تنسبني ... لا ملعتيك ولا أخوالي العوق
لا تحسبنّ بياضاً فيّ منقصةً ... إن اللهاميم في أقرابها بلق
لأبي مسهر وقال أبو مسهرٍ:
أيشتمني زيدٌ بأن كنت أبرصاً ... فكلّ كريمٍ لا أبا لك أبرص
لبعض النهشليين في البرص وقال بعض النهشليين:
نفرت سودة منّي إذا رأت ... صلع الرأس وفي الجلد وضح
قلت يا سودة هذا والذي ... يفرج الكربة عنّا والكلح
هو زينٌ لي في الوجه كما ... زيّن الطّرف تحاسين القزح
وقال آخر:
يا كأس لا تستنكري نحولي ... ووضحاً أوفى على خصيلي
فإنّ نعت الفرس الرّحيل ... يكمل بالعزة والتحجيل
وقال آخر:
يا أخت سعدٍ لا تعيبي بالزّرق ... لا يضرر الطّرف تواليع البهق
إذا جرى في حلبة الخيل سبق
لبيد يهجو الربيع بن زياد العبسي ونساء بني عبس لما أنشد لبيدٌ النعمان بن المنذر قوله في الربيع بن زيادٍ العبسي:
مهلاً أبيت اللعن لا تأكل معه ... إن استه من برصٍ ملمّعه
قال الربيع: أبيت اللعن! والله لقد نكت أمّه! فقال لبيدٌ: إن كنت فعلت لقد كانت يتيمةً في حجرك ربّيتها، وإلا تكن فعلت ما قلت فما أولاك بالكذب! وإن كانت هي الفاعلة فإنها من نسوةٍ فعّلٍ لذلك. يعني أنّ نساء بني عبسٍ فواجر.
لزياد الأعجم، ومثله لكثير وقال زيادٌ الأعجم:
ما إن يدبّح منهم خارىءٌ أبداً ... إلا رأيت على باب استه القمرا
يعني أنهم برص الأستاه.
وقال كثيّر في نحو ذلك:
ويحشر نور المسلمين أمامهم ... ويحشر في أستاه ضمرة نورها
بشر بن مروان وأيمن بن خريم الأبرص المدائني قال: كان أيمن بن خريمٍ أبرص وكان أثيراً عند العزيز بن مروان، فعتب عليه أيمن يوماً فقال له: أنت طرفٌ ملولة. فقال له: أنا ملولة وأنا أؤاكلك مذ كذا!. فلحق ببشر بن مروان فأكرمه واختصّه ولم يكن يؤاكله. فدخل عليه يوماً وبين يديه لبن قد وضع؛ فقال له: قد حدّثت نفسي البارحة بالصوم، فلما أصبحت أتوني بهذا وهم لا يعلمون، ولا أرى أحداً أحقّ به منك، فدونكه.
برص أبي عزة الجحمي وشفاءه منه عن أبي جعدة قال: أصاب أبا عزّة الجحميّ وضحٌ، فكان لا يجالس، فأخذ شفرة وطعن في بطنه فمارت الشفرة وخرج ماءٌ أصفر وبرىء، فقال:
لا همّ ربّ وائل ونهد ... وربّ من يرعى بياض لحدي
أصبحت عبداً لك وابن عبد ... أبرأتني من وضحٍ بجلدي
مع ما طعنت اليوم في معدّي
العرجلشاعر أعرج في دولة العرجان كان عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أعرج وولي شرطة الكوفة، والقعقاع بن سويد كان أعرج، فقال بعض الشعراء وكان أعرج:
ألق العصا ودع التناوش والتمس ... عملاً فهذي دولة العرجان
لأميرنا وأمير شرطتنا معاً ... يا قومنا لكليهما رجلان
شعر لرجل أعرج، ولغيره وقال رجل من العُرج:
وما بي من عيب الفتى غير أنني ... ألفت قناتي حين أوجعني ظهري
وقال آخر:
وما بي من عيب الفتى غير أنني ... جعلت العصا رجلاً أقيم بها رجلي
وقال أبو زياد الكلابي:
ألفت عصا الطرفاء حتى كأنما ... أرى بعصا الطرفاء إحدى النجائب
وقال أبو الخطاب النّهدليّ:
قد صرت أمشي بثلااث أرجل
وقال آخر:
قد كنت أمشي على رجلين معتمدا ... فاليوم أمشي على أخرى من الشجر
وقال الأعشى:
إذا كان هادي الفتى في البلا ... د صدر القناة أطاع الأميرا
الأدرلأحدب صار آدراً قال أبو الخطاب: كان عندنا رجل أحدب، فسقط في بئر فذهبت حدبته فصار آدر، فدخلوا يهنئونه، فقال: الذي جاء شرٌ من الذي ذهب.
شعر لطرفة وقال طرفة:
ما ذنبنا في أن أداءات خصاكم ... وأن كنتم في قومكم معشراً أدرا

إذا جلسوا خيّلت تحت ثيابهم ... خرانق توفي بالضّغيب لها نذرا
الجعدي يصف آدراً وقال الجعدي:
كذي داءٍ بإحدى خصيتيه ... وأخرى لم توجّع من سقام
فضمّ ثيابه من غير برءٍ ... على شعراء تنقض بالبهام
الجذامللنبيصلى الله عليه وسلم عن أبي محيريز قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وفرّوا من المجذوم كالفرار من الأسد " وفي حديث آخر: " لا تديموا النظر إلى المجذومين فإذا كلّمتموهم فليكن بينكم وبيهم حجاب قيد رمح " .
عن قتادة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ادهن بدأ بحاجبه الأيمن ثم قال: " باسم الله " .
وقال: " نبات الشعر في الأنف أمانٌ من الجذام " عبد اللّه بن الحارث ومجذوم وعن قتادة: أنّ مجذوماً دخل على عبد اللّه بن الحارث فقال: أخرجوه قالوا: ولم؟ قال: بلغني أنه ملعون.
إحراق سليمان بن عبد الملك للمجذومين أبو الحسن قال: مرّ سليمان بن عبد الملك بالمجذومين في طريق مكة، فأمر بإحراقهم، وقال: لو كان اللّه يريد بهؤلاء خيراً ما ابتلاهم بهذا البلاء.
عن إبراهيم قال: اشمأزّ رجلٌ من رجل به بلاء، فما مات حتى ابتلي بمثل ذلك البلاء.
باب المهورمهر أم سليم ملحان الأنصارية إسحاق بن عبد اللّه بن أبي طلحة قال: خطب جدّي أبو طلحة أمّ سليم فأبت أن تتزوجّه حتى يسلم وكان مشركاً وقالت: إذا أسلم فهو صداقي فأسلم فكان صداقها إسلامه.
عن المطّلب بن أبي وداعة السّهمي قال: زوّج سعيدٌ ابنته على درهمين.
صداق فاطمة بنت النبي صلى اللّه عليه وسلم أخبرنا محمد بن عليّ بن أبي طالب أنّ عليّاً أصدق فاطمة بنت النبّي صلى اللّه عليه وسلم بدناً من حديد. قال محمد: وأخبرني ابن أبي نجيح قال: بلغني أنا البدن الذي تزوّج عليه فاطمة كان ثمنه ثلثمائة درهم.
عن ابن أبي عيينة عن ابن أبي نجيح عن أبيه أنّ عليّاً عليه السلام قال: أتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالدّرع فباعها بأربعمائة وثمانين درهماً وزوّجني عليها.
للنبي صلى اللّه عليه وسلم عن مجاهد عن ابن عبّاس أنّ النبّي صلى اللّه عليه وسلم قال: " أعظم النّكاح بركةً أيسره موؤنة " وقال في الحديث الآخر: " اللّهم أذهب ملك غسّان وضع مهور كندة " لجارية من العرب أخبرنا بعض أصحاب الأخبار " قال " : قالت جارية من العرب لبنات عمّ لها: السعيدة التي يتزوجهاّ ابن عمها فيمهرها بتيسين وكلبين وعيرين فينبتّ التيّسان وبنبح الكلبان وينهق العيران، والشقّية التي يتزوّجها الحضرّي فيطعمها الخمير، ويلبسها الحرير، ويحملها ليلة الزّفاف على عودٍ؛ " تعني إكافاً أو سرجاً " ما بذله خاطب كمهر ويقال: جاء خاطبٌ إلى قوم فقال: أنا فلان بن فلان، وأنتم لا تسألون عنّي أعلم بي منكم. قالوا: فما تبذل؟ فأنشأ يقول:
ألا بلغ لديك بني يزيدٍ ... بأنّي لا أريد إلى النساء
سوى ودّي لهنّ وأنّ عندي ... ثريداً بالغداة وبالعشاء
فقال شيخ منهم: أقم كفيلاً بالقصعتين وصل به. فبقي عاراً عليهم إلى اليوم ما أصدق به عمرو بن الخطاب وابنه وابن سيري قال بعض نقلة الأخبار: أصدق عمر بن الخطّاب أمّ كلثوم بنت عليّ أربعين ألفاً، وأصدق عبد اللّه بن عمر ابنة أبي عبيد أخت المختار عشرة آلاف درهم، وأصدق محمد بن سيرين امرأته السّدوسيّة عشرة آلاف درهم.
لأعرابي في المهور قال أعرابيّ:
يقولون تزويجٌ وأشهد أنه ... هو البيع إلا أنّ من شاء يكذب
أوقات عقد النكاحعن ضمرة بن حبيب أنه قال: كان أشياخنا يستحبّو يوم الجمعة سبب اختيار آخر النهار على أوله في النكاح وقال بعض العلماء: سمعت من يخبر عن اختيار الناس آخر النهار على أوّله في النّكاح، قال: ذهبوا إلى تأويل القرآن واتّباع السنّة في الفأل، لأن اللّ سمّى الليل في كتابه سكناً وجعل النهار نشوراً؛ وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الطيّرة: " أصدقها الفأل " ؛ فأثر الناس استقبال الليل لعقدة النّكاح تيمّناً بما فيه من الهدوء والإجتماع، على صدر النهار لما فيه من التفرّق والإنتشار.
النكاح في شوال

قال: وأما كراهية الناس للنكاح في شوّال، فإن أهل الجاهليّة كانوا يطيّرون منه ويقولون: إنه يشول بالمرأة فعلقه الجهّال منهم، وأبطله اللّه بالنبي صلى اللّه عليه وسلم، لأنه نكح عائشة رضي اللّه عنها في شوّال.
خطب النكاحمن خطب خالد القسري في النكاح قال: حدّثني محمد بد داود قال: حدّثنا أبو غسّان مالك عبد الواحد عن معتمر عن خالد القسريّ قال - وكان جمع الخطب فكا يستحسن هذه ويذكرها - : ذكرتم أمراً حسناً جميلاً، وعد اللّه فيه الغني والسّعة، فلا خلف لموعود اللّه ولا رادّ لقضاء اللّه، إذا أراد جماع أمرٍ فلا فرقة له، وإذا أراد فرقة أمر فلا جماع له. عرضت كذا، فإذا قال: نعم. قال: قد نكحت.
لعمر بن عبد العزيز وخطب محمد بن الوليد " بن " عتبة إلى عمر بن عبد العزيز أخته؛ فقال: الحمد للّه العزّة والكبرياء وصلى اللّه على محمد خاتم الأنبياء. أما بعد، فقد حسن ظنّ من أودعك حرمته واختارك ولم يختره عليك؛ وقد زوّجناك على ما في كتاب اللّه: إمساكٌ بعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ.
لبلال الحبشي خطب بلالٌ على أخيه امرأةً من بني حسل من قريش فقال: نحن من قد عرفتم، كنّا عبدين فأعتقنا اللّه، وكنّا ضاليّن فهدانا اللّه، وفقيرين فأغنانا اللّه، وأنا أخطب على أخي خالدٍ فلانة، فإن تنكحوه فالحمد للّه، وإن تردوه فاللّه أكبر، فأقبل بغضهم على بعضٍ فقالوا: هو بلالٌ، وليس مثله يدفع، فزوّجوا أخاه. فلما نصرفا قال خالد لبلالٍ: يغفر اللّه لك! ألا ذكرت سوابقنا ومشاهدنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم! قال بلال: مه! صدقت فأنكحك الصّدق.
خطبة الحسن البصري كان الحسن البصريّ يقول في خطبة النّكاح بعد حمد اللّه والثناء عليه: أما بعد، فإن اللّه جمع بهذا النكاح الأرحام المتقطعة، والأسباب المتفرّقة، وجعل ذلك في سنّةٍ من دينه ومنهاج واضح من أمره؛ وقد خطب إليكم فلان وعليه من اللّه نعمة، وهو يبذل من الصّداق كذا، فاستخيروا اللّه وردّوا خيراً " يرحمكم اللّه " .
للأصمعي في رجالات قريش قال الأصمعيّ: كان رجالات قريشٍ من العرب تستحبّ من الخاطب الإطالة، ومن المخطوب إليه الإيجاز.
لعمر بن عبد العزيز وأتى رجلٌ عمر بن عبد العزيز يخطب أخته، فتكلّم بكلام جاز الحفظ؛ فقال عمر: الحمد للّه ذي الكبرياء وصلى اللّه عللى خاتم الأنبياء؛ أما بعد، فإن الرّغبة منك دعت إلينا، والرغبة فيك أجابت منا؛ وقد زوّجناك على ما في كتاب اللّه: إمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ.
لسّوار القاضي العتبيّ قال: لما زوج شيبٌ ابنه سوّارٍ القاضي قلنا: اليوم يعبّ عبابه. فلمّا اجتمعوا فقال: الحمد للّه، وصلى اللّه على رسول اللّه. أما بعد، فإنّ المعرفة منا ومنكم وبنا وبكم تمنعنا من الإكثار، وإنّ فلاناً ذكر فلانة.
لابن الفقير العتبيّ قال: حدّثني رجل قال: حضرت ابن الفقير يخطب على نفسه امرأةً من باهلة فقال:
فما حسنٌ أن يمدح المرء نفسه ... ولكن أخلاقاً تذمّ وتمدح
" وإن فلانة ذكرت لي " لأبي عثمان يذكر إجابة خاطب قال: وحدّثني أبو عثمان قال: مررت بحاضر وقد اجتمع فيه، فسألت بعضهم: ما جمعهم؟ فقالوا: هذا سيّد الحيّ يريد أن يتزوّج منّا فتاةً. فوقفت أنظر، فتكلّم الشيخ فقال: الحمد للّه، وصلى اللّه على رسول اللّه، أما بعد ذلك، ففي غير ملالةٍ من ذكره والصلاة على رسوله؛ فإن اللّه جعل المناكحة التي رضيها فعلاً وأنزلها وحياً سبباً للمناسبة. وإن فلاناً ذكر فلانة وبذل لها من الصذداق كذا، وقد زوّجته إيّاها، وأوصيته اللّه لها. ثم قال للفتيان على رأسه: هاتوا نثاركم. فقلبي على رؤؤسنا غرائر التّمر.
خطبة أعرابي قال: وقال شبّة بن عقّال: ما تمنّيت أن لي بقليلٍ من كلامي كثيراً من كلام غيري إلا يوماً واحداً، فإنّا خرجنا مع صاحب لنا نريد أن زوّجه، فمررنا بأعرابيٍّ فأتبعنا، فتكلّم القوم فجاء بخطبةٍ فيها ذكر السموات والأرض والجبال؛ فلما فرغ قلنا: من يجيبه؟ قال الأعرابيّ: أنا.

فجثا لركبته ثم أقبل على القوم فقال: واللّه ما أدري ما تحتاطك وتلصاقك منذ اليوم! ثم قال: الحمد للّه ربّ العالمين وصلى اللّه على مجمدٍ خير المرسلين. أمّا بعد فقد توسّلت بحرمةٍ، وذكرت حقّاً وعظمت عظيماً، فحبلك موصول، وفرضك مقبول؛ وقد زوّجناها إيّاك وسلمّناها لك؛ هاتوا خبيصكم.
لسلم بن قتيبة قال ابن عائشة: زوّج سلم بن قتيبة ابنته من يعقوب بن الفضل فقال: الحمد للّه، قد ملكت باسم اللّه.
للمأمون حضر المأمون إملاكاً وهو أمير، فسأاله بعض من حضر أن يخطب، فقال: المحمود اللّه والمصطفى رسول اللّه، وخير ما عمل به كتاب اللّه؛ قال اللّه تعالى: " وأنكحوا الأيامى منكم والصّالحين من عبادكم وإمائكم " ولم يكن في المناكحة آيةٌ منزلّة ولا سنةٌ متبّعةٌ إلا ما جعل اللّه في ذلك من تألف البعيد وبرّ القريب، وليسلرع إليها الموّفق ويبادر إليها العاقل اللّبيب وفلانٌ من قد عرفتموه في نسب لم تجهلوه خطب إليكم فلانة فتاتكم وقد بذل لها من الصّداق كذا، فشفّعوا شافعنا وأنكحوا خاطبنا، وقولوا خيراً تحمدوا عليه وتؤجروا؛ أقول قولي هذا، وأستغفر اللّه لي ولكم.
وصايا الأولياء للنساء عند الهداءلعامر بن الظرب العتبيّ قال: حدّثنا إبراهيم العامريّ قال: زوّج عامر بن الظّرب ابنته من ابن أخيه، فلما أراد تحويلها قال لأمّها: مري ابنتك ألاّ تنزل مفازةً إلا ومعها ماءٌ فإنه للأعلى جلاءٌ وللأسفل نقاء؛ ولا تكثر مضاجعته، فإنه إذا ملّ البدن ملّ القلب؛ ولا تمنعه شهوته، فإن الحظوة في الموافقة. فلم تلبث إلا شهراً حتى جاءته مشجوجةً؛ فقال لابن أخيه: يا بنيّ ارفع عصاك عن بكرتك، فإن كانت نفرت من غير أن تنفّر فذلك الداء الذي ليس له دواء، وإن لم يكن بينكما وفاقٌ، ففراق الخلع أحسن من الطلاق؛ ولن تترك مالك وأهلك. فردّ عليه صداقه وخلعها؛ فهو أوّل من خلع من العرب.
وصية الفرافصة الكلبي لابنته، ومثله للزبرقان قال الفرافصة الكلبيّ لابنته حين جهّزها إلى عثمان رضي اللّه عنه: يا بنيّة إنك تقدمين على نساء قريشٍ وهنّ أقدر على الطّيب منك، فلا تغلبي على خصلتين: الكحل والماء، تطهّري حتى يكون ريحك ريح شنّ أصابه المطر.
كان الزّبرقان بن بدر إذا زوّج ابنةً له دنا من خدرها وقال: أتسمعين؟ لا أعرّفنّ ما طلبت، كوني له أمةً يكن لك عبداً.
امرأة لابنتها أبو الحسن: قالت امرأةٌ لابنتها عند هدائها: اقلعي زجّ رمحه فإن أقرّ فاقلعي سنانه، فإن أقرّ فاكسري العظام بسيفه، فإن أقرّ فاقطعي اللّحم على ترسه، فإن أقرّ فضعي الإكاف على ظهره فإنما هو حمار.
وصية أبو الأسود الدؤلي لابنته قال أبو الأسود لابنته: إيّاك والغيرة فإنها مفتاح الطّلاق، وعليك بالزينة، وأزين الزينة الكحل؛ وعليك بالطّيب، وأطيب الطّيب إسباغ الوضوء؛ وكوني كما قلت لأمك في بعض الأحايين:
خذي العفو مني تستديمي مودّتي ... ولا تنطقي في سورتي حي أغضب
فإني وجدت الحبّ في الصدر والأذى ... إذا اجتمعتا لم يلبث الحبّ يذهب
باب سياسة الّنساء ومعاشرتهنّ
للنبي صلى الله عليه وسلم عيسى بن يونس قال: حدّثنا شيخٌ لنا قال: سمعت سمرة بن جندبٍ يقول على منبرٍ البصرة: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " إنما المرأة خلقت من ضلع عوجاء فإن تحرص على إقامتها تكسرها فدارها تعش بها " .
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:
هي الضّلع العوجاء لست تقيمها ... ألا إنّ تقويم الضلوع انكسارها
أتجمع ضعفاً واقتداراً على الفتى ... ألبس عجيباً ضعفها واقتدارها
لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه عن الحسن قال: قال عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه: النساء عورةٌ فاستروها بالبيوت، وداووا ضعفهنّ بالسكوت.
وفي حديث آخر لعمر: لا تسكنوا نساءكم الغرف، ولا تعلّموهنّ الكتاب، واستعينوا عليهنّ بالعري، وأكثروا لهنّ من قول، فإنّ نعم تغريهنّ على المسألة.
من غيرة عقيل بن علفة قال الأصمعيّ: قيل لعقيل بن علّفة وكان غيوراً: من خلّفت في أهلك؟ فقال: الحافظين، العري والجوع. يعني أنه يجيعهنّ فلا يمزحن، ويعريهنّ فلا يمرحن.
شعر لكثير وقال كثيّر:
وكنت إذا ما جئت أجللن مجلسي ... وأبدين منّي هيبةً لا تجهّما

يحاذرن منّي غيرةً قد علمنها ... قديماً فما يضحكن إلاّ تبسّما
تراهنّ إلاّ أن يؤدّين نظرةً ... بمؤخر عينٍ أو يقلّبن معصما
كواظم لا ينطقن إلاّ محورةً ... رجيعة قول بعد أن تتفهّما
وكنّ إذا ما قلن شيئاً يسرّه ... أسرّ الرّضا في نفسه وتحرّما
لابن المقفع في سياسة النساء وقال ابن المقفّع: إيّاك ومشاورة النساء، فإن رأيهنّ إلى أفنٍ، وعزمهنّ إلى وهنٍ. واكفف عليهنّ من أبصارهنّ بحجابك إيّاهنّ، فإنّ شدّة الحجاب، خيرٌ لك من الارتياب. وليس خروجهنّ بأشدّ من دخول من لا تثق به عليهنّ، فإن استطعت ألاّ يعرفن عليك فافعل. ولا تمّلكنّ امرأةً ما جاوز نفسها، فإن ذلك أنعم لحالها وأرخى لبالها؛ وأدوم لجمالها، وإنما المرأة ريحانة وليست بقهرمانة، فلا تعد بكرامتها نفسها، ولا تعطها أن تشفع عندك لغيرها. ولا تطل الخلوة مع النساء فيمللنك وتملّهنّ؛ واستبق من نفسك بقيّةً، فإنّ إمساكك عنهنّ وهنّ يردنك باقتدار، خير من أن يهجمن عليك على انكسار. وإيّاك والتغاير في غير موضع غيرة، فإنّ يدعو الصحيحة منهنّ إلى السّقم.
المأمون في الغيرة كان المأمون يقول: الغيرة بهيميّة. وقال أيضاً: هي ضرب من البخل.
شعر الخريمي في الغيرة أنشدني محمد بن عمر للخريميّ:
ما أحسن الغيرة في حينها ... وأقبح الغيرة في غير حين
من لم يزل متهماً عرسه ... متّبعاً فيها لقول الظّنون
يوشك أن يغريها بالذي ... يخاف أن يبرزها للعيون
حسبك من تحصينها وضعها ... منك إلى عرضٍ صحيح ودين
لا يطلعن منك على ريبةٍ ... فيتبع المقرون حبل القرين
للشنفرى، ولآخرين وقال الشنفرى:
إذا أصبحت بين جبال قوٍّ ... وبيضا القرى لم تحذريني
وإما أن تؤذيني وترعى ... أمانتكم وإما أن تخوني
إذا ما جئت ما أنهاك عنه ... ولم أنكر عليك فطلّقيني
فأنت البعل يومئذٍ فقومي ... بسوطك لا أبا لك فاضربيني
أنشدني عبد الرحمن عن عمه للرخيم العبدي:
كنا ولا تعصي الحليلة بعلها ... فاليوم تضربه إذا ما هو عصى
ويقلن بعداً للشيوخ سفاهةً ... والشيخ أجدر أن يهاب ويتقى
وقال آخر:
وإني لأخلي للفتاة خباءها ... كثيراً فترعى نفسها أو تضيعها
وإني لعفٌّ عن مطاعم جمةٍ ... إذا زيّن الفحشاء للنفس جوعها
قال جران العود:
ولكن سمعن الشيخ قد قال قولةً ... عليكم إذا ما ربنكم بالضرائر
ولا تأمنوا مكر النساء وأمسكوا ... عرى المال عن أبنائهن الأصاغر
فإنك لم ينذرك أمراً تخافه ... إذا كنت منه جاهلاً مثل خابر
لجعفر بن سليمان الأصمعيّ عن جعفر بن سليمان قال: منعني علمي بالنساء كثيراً منهن، فقد غشيت ألف امرأة. وإن الله لو يحلّ لرجل ابنته لم تنفعه أو تعزبه.
الحجاج ونسائه أبو الحسن قال: قيل للحجاج: أيمازح الأمير أهله؟ قال: ما تروي إلا شيطاناً! والله لربّما قبّلت أخمص إحداهنّ.
لرجل من العرب في حسن المعاشرة قيل لرجل من العرب كان يجمع الضرائر: كيف تقدر على جمعهنّ؟ قال: كان لنا شبابٌ يصابرهنّ علينا، ثم كان لنا مالٌ يصبّرهنّ لنا، ثم بقي خلق حسن، فنحن نتعاشر به ونتعايش.
للنبي صلى الله عليه وسلم عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: : " كلّ شيء يلهو به الرجل باطلٌ إلا تأديبه فرسه، ورميه عن قوسه، وملاعبته أهله " .
في الأولاد والعيال ويقال: العيال سوس المال.
للكسائي في ترك التزوج عوتب الكسائي في ترك التزوج، فقال: وجدت مكابدة العزبة أيسر من مكابدة العيال.
لعمارة بن حمزة عن عمارة بن حمزة قال: يخبز في بيتي كلّ يومٍ ألف رغيفٍ، كلهم يأكله حلالاً غيري. وكان يأكل رغيفاً واحداً. ويقولون: فلانٌ ربّ البيت، وإنما هو كلب البيت.
لعيسى بن عليّ عن عيسى بن علي قال في مرضٍ مرضه بمدينة السلام للناس: إن في قصري الساعة لألف محمومةٍ.
للنبي صلى الله عليه وسلم في الإنفاق على الأهل

عن مجاهد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " دينار أعطيته مسكيناً ودينار أعطيته في رقبةٍ ودينار أعطيته في سبيل الله ودينار أنفقته على أهلك هو أعظم أجراً " .
محادثة النساءلبشار في محادثة النساء قال بشار:
وحديثٍ كأنه قطع الرو ... ض وفيه الصفراء والبيضاء
مثله لابن الأعرابي وغيره وأنشد ابن الأعرابي:
وحديثها كالغيث يسمعه ... راعي سنين تتابعت جدبا
فأصلح مستمعاً لدرّته ... ويقول من فرحٍ هيا ربّا
وقال القطامي:
وهنّ ينبذن من قول يصبن به ... مواقع الماء م ذي الغلة، الصادي
وقال الأخطل:
قد تكون بها سلمى تحدّثني ... تساقط الحلي حاجاتي وأسراري
شبه كلامها بعقدٍ انقطع فتساقط لؤلؤه.
وقال جران العود:
حديث لو أن اللحم يصلى بحره ... غريضاً أتى أصحابه وهو منضج
وقال بشّار وذكر امرأة: " كأن حديثها سكر الشّراب " وقال أعرابيّ:
ونازعتنا ضحياً خفيّاً كأنه ... على المجتنى الريحان أمرغ خاضله
بوحي لو أن العصم تسمع رجعه ... تقضّض من أعلى أبانٍ عواقله
وقال بشار:
وكأنّ تحت لسانها ... هاروت ينفث فيه سحرا
وكأن رجع حديثها ... قطع الرّياض كسين زهرا
لأعرابي أحمق وقال بعض الأعراب الحمقى:
حديثك أشهى حين آتيك طارقاً ... من الماء والدّوشاب يمتزجان
كأنّ على عينيك تسعين جلّةً ... كثيراً من االبرنيّ والصّرفان
آخر:
كأنّ على فيها وما ذقت طعمه ... لبا نعجةٍ سوّطته بدقيق
رمتني بسهمٍ نصله قرويةّ ... وفوقاه سمنٌ والنضيّ سويق
لذي الرّمة والحسن في هذا قول ذي الرّمّة:
ولما تلاقينا جرت من عيوننا ... دموعٌ كففنا ماءها بالأصابع
ونلنا سقاطاً من حديث كأنه ... جنى النحل مموزجاً بماء الوقائع
وقال آخر:
أنخ فاختبر قرصاً إذا اعترك الهوى ... بزيتٍ لكي يكفيك فقد الحبائب
إذا اجتمع الجوع المبّرح والهوى ... نسيت وصال الغانيات الكواعب
فدع عنك تطلاب الغواني وحبّها ... وراجع تمر مع لبأ ورائب
باب النظرللمسيح عليه السلام في النظر قال المسيح عليه السلام: لا يزني فرجك ما غضضت بصرك في الأحتفاظ من العين وقال رجلٌ لأخيه: احتفظ من العين، فإنها أنمّ عليك من اللسان وقال بشار:
على النفس من عينها شاهدٌ ... فكاتم حديثك أونمّه
وقال الفرزدق:
فلا تدخل بيوت بني كليبٍ ... ولا تقرب لهم أبداً رحالا
فإنّ بها لوامع مبرقاتٍ ... يكدن ينكن بالحدق الرجالا
بين أشعب وابنه نظر أشعب يوماً إلى ابنه وهو يديم النظر إلى امرأة، فقال: يا بنيّ نظرك هذا يحبل.
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء في هذا المعنى:
ولي نظرةٌ لو كان يحبل ناظرٌ ... بنظرته أثنى لقد حبلت منّي
ذو الرمة وقال ذو الرّمة - وذكر الظبية وخشفها - :
وتهجره إلاّ اختلاساً بطرفها ... وكم من محبٍ رهبة العين هاجر
لأعرابية في بني نمير مرّت أعرابيّةٌ بقوم من بني نمير، فأداموا النظر إليها، فقالت: يا بني نمير، واللّه ما أخذتم بواحدةٍ من اثنتين: لا بقول اللّه: " قل للمؤمنين يغضّوا من أبصارهم " . ولا بقول جرير:
فغضّ الطّرف إنك من نميرٍ ... فلا كعباً بلغت ولا كلابا
فاستحيا القوم من كلامها وأطرقوا.
للطائي وقال الطائيّ:
مريب الحزن في القلوب ... وناصر العزم في الذنوب
ما شئت من منطق أريبٍ ... فيه ومن منظرٍ عجيب
لمّا رأى رقبة الأعادي ... على مغنّى به كئيب
جرّد لي من هواه طرفاً ... صار رقيباً على الرقيب
فصاحة الطرف ويقال: ربّ طرفٍ أفصح من لسانٍ.
وقال الشاعر:
ومراقبين يكتّمان هواهما ... جعلا الصدور لما تجنّ قبورا

يتلاحظان تلاحظاً فكأنما ... يتناسخان من الجفون سطورا
وقال أعرابيّ:
إن كاتمونا القلى نمّت عيونهم ... والعين تظهر ما في القلب أو تصف
وقال آخر في مثله:
إذا القلوب أظهرت غير ما ... تضمره أنبتك عنها العيون
وقال آخر:
أما تبصر في عينيّ ... عنوان الذي أبدي
وقالت أعرابيةّ:
ومودّع يوم الفراق بلحظه ... شرقٍ من العبرات ما يتكلّم
وقال أعرابيّ:
وما خاطبتها مقلتاي بنظرةٍ ... فتفهم نجوانا العيون النواظر
ولكن جعلت الوهم بيني وبينها ... رسولاً فأدّى ما تجنّ الضمائر
ونحوه قول أبي العتاهيّة:
أما والذي لو شاء لم يخلق النوى ... لئن غبت عن عيني لما غبت عن قلبي
يوهّمنيك الشوق حتّى كأنني ... أناجيك عن قربٍ وما أنت في قربي
وقال أحمد بن صالح بن أبي فنن:
دعا طرفه فأقبل مسرعاً ... فأثّر في خدّيه فاقتصّ من قلبي
شكوت إليه ما ألاقي من الهوى ... فقال على رغمٍ فتنت فما ذنبي
في أربع لا يشبعن من أربع كان يقال: أربعٌ لا يشبعن من أربع: عينٌ من نظر، واثنى من ذكر، وأرضٌ من مطر، وأذنٌ من خبر.
بين إسحاق بن أحمد ورجل حدّثني إسحاق بن أحمد بن أبي نهيك قال: رأيت رجلاً في طريق مكة وعديله جاريةٌ في المحمل وقد شدّ عينيها وكشف الغطاء؛ فقلت له في ذلك؛ فقال: إنما أخاف عليها عينيها لا عيون الناس.
وكان عند بعض القرشّيين امرأةٌ عربيّةٌ، ودخل عليها خصيّ لزوجها وهي واضعةٌ خمارها، فحلقت رأسها وقالت: ما كان ليصحبني شعرٌ نظر إليه غير ذي محرمٍ.
باب القيان والعيدان والغناءبين جعفريّ وجارية يهواها قال إسحاق بن إبراهيم: كان رجلٌ من آل جعفر بن أبي طالب، يهوى جاريةً، فطال ذلك به، فقال للزّبيريّ: قد شغلتني هذه عن ضيعتي وعن كل أمري فاذهب بنا حتى نكاشفها، فقد وجدت بعض السّلوّ. فأتيناها؛ فلما أتيناها قال لها الجعفريّ أتغنيّن:
وكنت أحبّكم فسلوت عنكم ... عليكم في دياركم السلام
فقالت: لا، ولكني أغنّي:
تحمّل أهلها منها فبانوا ... على آثار من ذهب العفاء
فاستحيا وأطرق ساعةً وازداد كحلفاً، ثم قال: أتغنيّن:
وأخنع للعتبى إذا كنت ظالماً ... وإن ظلمت كنت الذي أتنصّل
قالت: نعم، وأغنيّ:
فإن تقبلوا بالودّ نقبل بمثله ... وإن تدبروا أدبر على حال باليا
فتقاطعا في بيتين، وتواصلا في بيتين، ولم يشعر بهما أحدٌ.
وقال أحمد بن صالح بن أبي فنن:
أعددت للحرب شرب كأسٍ ... وميل سمعٍ إلى قيان
تظلّ أوتارهنّ تحكي ... فصاحةً منطق اللسان
ما بين يمنى وبين يسرى ... وحي بنانٍ إلى بنان
ضمير قلب بقرع كفٍّ ... أبداه بمّان ناطقان
لبعض الكتاب في العود وقال بعض الكتّاب وذكر العود:
وناطق بلسان لا ضمير له ... كأنه فخذٌ نيطت إلى قدم
يبدي ضمير سواه في الكلام كما ... يبدي ضمير سواه منطقٌ لفم
لشاعر يذكر مغنية وقال آخر يذكر مغنيّة:
ألم ترها لا يبعد اللّه دارها ... إذا رجّعت في صوتها كيف تصنع
تمدّ نظام القول ثم تردّه ... إلى صلصل في حلقها يترجّع
شعر في القيان وقال بعض المحدثين في القيان:
إذا رأين القيان أحمق ذا ... مالٍ يقلّبن نحوه الحدقا
وبالتغنّي وبالتدلّل يس ... لبن فؤاداً بحبّه علقا
حتى إذا ما سلخن جلدته ... سلخاً رفيقاً وبدّد الورقا
قلن ادخلوا، ذا الطّوير قد طرح الرّ ... يش، وشدّوا من دونه الغلقا
فبتن يرعين في دراهمه ... وبات يرعى الهموم والأرقا
للقاسم بن محمد في الغناء

ذكر عند القاسم بن محمد الغناء والسّلو عنه، فقال لهم: أخبروني، إذا ميّز أهل الحقّ وأهل الباطل ففي أيّ الفريقين يكون الغناء؟ قالوا: في فريق الباطل. قال: فلا حاجة لي فيه.
بين سكينة بنت الحسين والغريض ومعبد قدمت سكينة بنت الحسين مكة، فأتاها الغريض ومعبد فغنياها:
عوجي علينا ربّة الهودج ... إنك إن لم تفعلي تحرجي
فقالت: والله ما لكما مثلٌ: إلا الجديين الحار والبارد لا يدرى أيها أطيب.
في إجادة الغناء والإساءة فيه قال بعضهم: ليس يخلو أحدٌ في بيته ولا في سفره إلا وهو يشدو، فإن هو أساء في ذلك ستر الله عليه، وإن هو أحسن فضحه الله.
لشريح قال الهيثم: خرج شريحٌ إلى مكة فشيّعه قوم، فانصرف بعضهم من النجف بعد السفرة، ومضى معه قوم، فلما أرادوا أن يودعوه، قال: أما أصحاب النجف فقد قضينا حقّهم بالطعام، وأما أنتم فأغنّيكم، ورفع عقيرته وغنّى:
إذا زينب زارها أهلها ... حشدت وأكرمت زوّارها
وإن هي زارتهم زرتها ... وإن لم يكن لي هوىً دارها
خبر القاص بمرو عن عليّ بن هشام قال: كان عندنا بمرو قاصٌّ يقصّ فيبكينا، ثم يخرج بعد ذلك طنبوراً صغيراً من كمّه فيضرب ويغني ويقول:
يا إين تيمار بايد أندكي شادي
معناه: ينبغي مع هذا الغم قليل فرحٍ.
ابن عيينة ومجيب له عن ابن جامع قدم ابن جامع مكة بخيرٍ كثير، فقال ابن عيينة: علام تعطيه الملوك هذه الأموال ويحبونه هذا الحباء؟ قالوا: يغنيهم. قال: ما يقول؟ فاندفع رجل يحكيه وقال:
أطوّف بالبيت فيمن يطوف ... وأارفع من مئزري المسبل
قال: أحسنت، هيه! فقال:
وأسجد بالليل حتى الصبا ... ح أتلو من المحكم المنزل
فقال: جزاه الله عن نفسه خيراً! هيه! فقال:
عسى كاشف الكرب عن يوسفٍ ... يسخر لي ربّة المحمل
فقال: آه! أمسك أمسك، قد علمت ما نحا الخبيث، اللهم لا تسخرها له!.
التقبيلمن أخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن ابن أسد قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اختلى مع نسائه أقعى وقبّل.
بين أم البنين وعزّة قالت أمّ البنين لعزّة صاحبة كثير: أخبريني عن قول كثير:
قضى كلّ ذي دينٍ فوفّى غريمه ... وعزّة ممطولٌ مغنّى غريمها
أخبريني ما ذلك الدّين؟ قالت: وعدته قبلةً فحرجت منها. قالت أم البنين: أنجزيها وعليّ إثمها.
بين رجل وأعرابي في معنى الزنا قال رجل لأعرابيّ: ما الزنا عندكم؟ قال: القبلة والضّمة. قال: ليس هذا زنا عندنا. قال فما هو؟ قال: أن يجلس بين شعبها الأربع ثم يجهد نفسه. فقال الأعرابي: ليس هذا زنا، هذا طالب ولد.
لبعض الشعراء في التقبيل وقال " آخر " :
فدخلت مختفياً أصرّ ببيتها ... حتى ولجت على خفيّ المولج
قالت وعيش أخي ونعمة والدي ... لأنبّهنّ الحيّ إن لم تخرج
فخرجت خيفة قولها فتبسمت ... فعلمت أن يمينها لم تحرج
فلثمت فاها قابضاً بقرونها ... شرب النزيف ببرد ماء الحشرج
فتناولت رأسي لتعرف مسه ... بمخضّب الأطراف غير مشنج
وقال بعض الشعراء:
وما نلت منها محرماً غير أنني ... أقبّل بساماً من الثغر أبلجا
وألثم فاها تارةً بعد تارةٍ ... وأترك حاجات النفوس تحرّجا
وقال آخر:
لعمري إني ما صبوت وما صبت ... وإنّي إليها من صباً لحليم
سوى قبلةٍ أستغفر الله ذنبها ... وأطعم مسكيناً بها وأصوم
لأبي نواس وقال أبو نواس:
وعاشقين التفّ خدّاهما ... عند التثام الحجر الأسود
فاشتفيا من غير أن يأثما ... كأنما كانا على موعد
لولا دفاع الناس إيّاهما ... لما استفاقا آخر المسند
بين المتوكل وبختيشوع قال المتوكل، أو غيره من الخلفاء، لبختيشوع: ما أخفّ النقل على النبيذ؟ فقال له: نقل أبي نواس. فقال: ما هو؟ فأنشده:
ما لي في الناس كلهم مثل ... مائي خمرٌ ونفلي القبل
وقال بعض المحدثين:
غضبت من قبلةٍ بالكره وجدت بها ... فهاك قد جئت فاقتصيه أضعافا

لم يأمر الله إلا بالقصاص فلا ... تستجوري ما رآه الله إنصافا
الدخول بالنساء والجماعابن عباس والمتعة عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: ما تقول في متعة النساء؟ - قال: قد أكثر الناس فيها حتى الشاعر:
قد قلت للشيخ لما طال مجلسه ... يا صاح هل لك في فتوى ابن عباس
هل لك في رخصة الأطراف آنسةٍ ... تكون مثواي حتى رجعة الناس
- قال: فنهاني عنها وكرهها.
للأصمعي الأصمعي: أن رجلاً قعد من امرأة مقعد النكاح ثم قال: أبكرٌ أنت أم ثيّبٌ؟ قالت: " وأنت على المجرّب " .
بين الحجاج وابن شماخ قال الحجاج لأكتل بن شمّاخ العكلي: ما عندك للنساء؟ قال: إني لأطيل الظمأ وأورد فلا أشرب.
لمدني في النكاح وقيل لمدني: ما عندك في النكاح؟ قال: إن منعت غضبت، وإن تركت عجزت.
للأحنف قال الأحنف: إذا أردتم الحظوة عند النساء فأفحشوا في النكاح وحسنوا الأخلاق.
لمعاوية قال معاوية: ما رأيت منهوماً بالسناء إلا رأيت ذلك في منّته.
قال آخر: لذة المرأة على قدر شهوتها، وغيرتها على قدر محبتها.
لعيسى بن موسى دعا عيسى بن موسى بجاريةٍ له، فلم يقدر على غشيانها، فقال:
القلب يطمع والأسباب عاجزةٌ ... والنفس تهلك بين العجز والطمع
مقاتل بن طلبة قال مقاتل بن طلبة بن قيس بن عاصم:
رأيت سحيماً فاقد الله بينها ... تنيك بأيديها وتعيا أيورها
وقال آخر:
ويبعث يوم الحشر أما لسانه ... فعيٌّ وأما أيره فخطيب
وقال آخر:
ويعجبني منك عند الجماع ... حياة اللسان وموت النظر
لامرأة في الحارث بن ظالم المدائني قال: أسرت عنزة الحارث بن ظالم، فمرت به امرأةٌ منهم فرأت كمرةً سوداء، فقالت: احتفظوا بأسيركم فإنه ملكٌ وخدن ملك. قالوا: وكيف عرفت ذلك؟ " قالت: " رأيت حشفةً سوداء من فروم النساء.
والفرم: ما تضيّق المرأة به رحمها م رامكٍ أو عجم زبيب أو غيره.
وكتب عبد الملك ب مروان إلى الحجاج: يابن المستفرمة بعجم الزبيب.
بين امرئ القيس وامرأة قال الهيثم: كان امرؤ القيس مفرّكاً، فبينما هو يوماً مع امرأة قالت له: قم يا خير الفتيان قد أصبحت. فلم يقم، فكررت عليه، فقام فوجد الليل بحاله، فرجع إليها فقال لها: ما حملك على ما صنعت؟ قالت: حملني عليه أنّك ثقيل الصدرن خفيف العجز، سريع الإراقة.
بين أبي عبيدة وجارية له قال أبو عبيدة لجاريةٍ له: اصدقيني عمّا تكره النساء مني. قالت: يكرهن منك " أنك " إذا عرقت فحت بريح كلبٍ. قال: أنت صدقتيني، إن أهلي كاوا أرضعوني بلبن كلبةٍ.
بين رجل وامرأته قال الأصمعي: غاضبت امرأة زوجها، فجال عليها يجامعها؛ فقالت: لعنك الله! كلما وقع بيني وبينك شرٌّ جئتني بشفيعٍ لا أقدر على ردّه!.
زواج عبيد الله بن زياد بهند بنت أسماء بن خارجة الهيثم عن ابن عيّاش قال: كتب عبيد الله بن زياد إلى أسماء بن خارجة ووالي البصرة يخطب إليه هند بنت أسماء فزوّجه؛ فلقيه عمرو بن حارثة ومحمد بن الأشعث بن قيس ومحمد بن عمير، فقالوا: خطب إليك وليس له عليك سلطانٌ فزوجته وقد عرفته! فقال: قد كان ما كان. فقال عقيبة الأسديّ:
جزاك الله يا أسماء خيراً ... كما أرضت فيشلة الأمير
بصدرعٍ قد يفوح المسك منه ... عظيم مثل كركرة البعير
لقد زوجتها حسناء بكراً ... تجيد الرهز من فوق السرير
فبلغ الخبر عبيد الله بن زياد، فلما استعمل على الكوفة تزوج عاشة بنت محمد بن الأشعث، وزوّج أخاه سلم بن زيادٍ بنت عمرو بن الحارث بن حريثٍ، وزوّج أخاه عبد الله بن زيادٍ ابنة محمد بن عميرٍ. قال ابن عيّاش: فاشتركوا والله في اللوم جميعاً.
لابن المبارك

قال ابن المبارك: ألستم تعلمون أنّي قد أرميت على المائة! وينبغي لمن كان كذلك أن يكون في وهن الكرّة وموت الشّهوة وانقطاع ينبوع النّطفة، وأن قد يكون قد مال جبينه إلى النساء وبفكره إلى الغزل. قالوا: صدقت. قال: وينبغي أن يكون عوّد نفسه تركهن، وهذا والتخلي بهّ دهراً أن تكون العادة وتمرين الطبيعة وتوطين النفس قد حطّ من ثقل منازعة الشهوة ودواعي الباه، وقد علمت أنّ العادة قد تستحكم ببعضٍ عمن ترك ملابسة النساء. قالوا: صدقت. قال: وينبغي أن يكون لمن لم يذق طعم الخلوة بهنّ ولم يجالسهنّ متبذّلاتٍ ولم يسمع خلابتهن للقلوب واستمالتهن للأهواء، ولم يرهنّ متكشّفاتٍ ولا عارياتٍ أن يكون إذا تقدّم له ذلك مع طول الترك ألاّ يكون بقي معه من دواعيهنّ شيء. قالوا: صدقت. قال: وينبغي لمن علم أنّه مجبوبٌ وأن سببه إلى خلاطهن محسوم أن يكون اليأس من أمتن أسبابه إلى الزهد والسّلوة وإلى موت الخاطر. قالوا: صدقت. قال: وينبغي لمن دعاه الزّهد في الدنيا إلى أن خصى نفسه ولم يكرهه على ذلك أبٌ ولا عدوٌّ ولا سباه ساب أن يكون مقدار ذلك الزّهد يميت الذكر وينسي العزم. قالوا: صدقت. قال: وينبغي لمن سخت نفسه عن الشكر وعن الولد وعن أن يكون مذكوراً بالعاقب الصالح أن يكون قد نسي هذا الباب إن كان مرّةً منه على ذكره، وأنتم تعلمون أني سملت عيني يوم خصيت نفسي " و " قد نسيت كيفية الصّور. قالوا: صدقت. قال: أوليس لو لم أكن هرماً ولم يكن هاهنا اجتناب وكانت الآلة قائمة - إلا أني لم أذق لحماً منذ ثلاثين سنة ولم تمتلىء عروقي من الشّراب مخافة الزيادة في الشّهوة - لكان في ذلك ما يقطع الدواعي ويسكّن حركةً إن هاجت. قالوا: صدقت. قال: فإن بعد ما وصفت لكم لا أسمع نغمةً لامرأة إلا أظن أنّ عقلي قد اختلس، ولربّما تراءى فؤادي عن ضحك إحداهن حتى أظنّ أنه قد خرج من فمي، فكيف ألوم عليهنّ غيري!.
" بين ابن سيرين ورجل " قال رجل لابن سيرين: إذا خلوت بأهلي أتكلّم بكلام أستحي منه. قال: أفحشته اللّذة.
للموصلي في شراعة بن الزندبوذ إسحاق بن إبراهيم الموصليّ قال: كان شراعة بن الزّندبوذ لا يأتي النساء، وكان يقال: إنه عنّينٌ؛ فقال:
قالوا شراعة عنّين فقلت لهم ... اللّه يعلم أنّي غير عنّين
فإن ظننتم بي الظنّ الذي زعموا ... فقرّبوني إلى بيت ابن رامين
وكان ابن رامين صاحب قيانٍ، وكانت الزرقاء جاريته.
بين إسحاق وابن كناسة قال إسحاق: أنشدني ابن كناسة:
لقد كان فيها للأمانة موضعٌ ... وللسّرّ كتمانٌ وللعين منظر
قلت: ما بقي شيء. قال: فأين الموافقة!.
بين الهيثم وصالح بن حسان في أفقه الناس الهيثم قال: قال لي صالح بن حسّان: من أفقه الناس؟ قلت: اختلف في ذلك. قال: أفقه الناس وضّاح اليمن حيث يقول:
إذا قلت هاتي نوّليني تبسّمت ... وقالت معاذ اللّه من فعل ما حرم
فما ناولت حتى تضرّعت عندها ... وأنبأتها ما رخّص اللّهفي اللّمم
بين هشام والأبرش في نساء كلب قال هشام بن عبد الملك للأبرش الكلبيّ: زوّجني امرأة من كلب. فزوّجه؛ فقال له ذات يوم يهزل معه: وتزوّجنا إلى كلب فوجدنا في نسائهم سعة. فقال الأبرش: يا أمير المؤمنين، إن نساء كلبٍ خلقن لرجال كلبٍ.
لكندي في نساء كندة قال: وسمع رجلٌ من كندة رجلاً يقول: وجدنا في نساء كندة سعةً؛ قال الكنديّ: إن نساء كندة مكاحل فقدت مراودها.
بين أعرابي وامرأته تزوّج أعرابيّ امرأةً، فلما دخل بها عابثها فضرطت فخرجت غضبي إلى أهلها، وقالت: لا أرجع حتى يفعل مثل ما فعلت؛ فقال لها: عودي لأفعل. فعادت ففعل؛ فبينما هو يداعبها إذ حبقت أخرى؛ فقال الأعرابي:
طالبتني ديناً فلم أقضك ... واللّه حتى زدت في قرضك
فلا تلوميني على مطله ... إن كان ذا دأبك لم أقضك
لأعرابية عجز عنها زوجها تزوّج رجلٌ أعرابيّة فعجز عنها؛ فقيل لها في ذلك، فقالت: نحن لنا صدوع في صفاً، ليس لعاجزٍ فينا حظّ.
أبو سفيان بن حرب يذكر زوجته صعبة بعدما طلقها

الهيثم عن ابن عياش قال: كانت صعبة أمّ طلحة بن عبيد اللّه من بنات فارس، تزوّجها أبو سفيان بن حربٍ فلم تزل به هندٌ حتى طلّقها، فتزوّج بها عبيد اللّه؛ وتتبّعتها نفس أبي سفيان فقال:
إنا وصعبة فيما ترى ... بعيدان والودّ قريب
فإلاّ يكن نسبٌ ثاقبٌ ... فعند الفتاة جمالٌ وطيب
لها عند سرّي بها نخرةٌ ... يزول بها يذبلٌ أو عسيب
فيا لقصيٍّ ألا فاعجبوا ... فللوبر صار الغزال الربيب
لأعرابية جلس أعرابيٌ إلى أعرابيّةٍ، وعلمت أنه إنما جلس إليها لينظر ابنتها، فضربت بيدها على جنبها وقالت:
وما لك منها غير أنك ناكحٌ ... بعينيك عينيها فهل ذاك نافع
لأيمن بن خريم وقال أيمن بن خريم:
لقيت من الغانيات العجابا ... لو ادرك منّي العذارى الشّبابا
ولكنّ جمع العذارى الحسان ... عناء شديد إذا المرء شابا
يرضن بكل عصا رائضٍ ... ويصبحن كلّ غداةٍ صعابا
علام يكحلنّ حور العيون ... ويحدثن بعد الخضاب الخضابا
ويبرزن إلا لما تعلمون ... فلا تحرموا الغانيات الضّرايا
إذا لم يخالطن كلّ الخلا ... ط أصبحن مخرنطماتٍ غضابا
يميت العتاب خلاط النساء ... ويحيي اجتناب الخلاط العتابا
العرجيّ في يوم غاب عذّاله واعد العرجيّ امرأة من الطائف فجاء على حمار ومعه غلام، وجاءت المرأة على أتان ومعها جارية؛ فوثب العرجيّ على المرأة، والغلام على الجارية، والحمار على الأتان؛ فقال العرجيّ: هذا يومٌ غاب عذّاله.
باب القيادةلعائشة رضي اللّه عنها عن الواصلة عن ابن الأشوع: أنه سئل عن الواصلة فقال: إنك لمنقّر، قالت عائشة رضي اللّه عنها: ليست الواصلة بالتي تعنون، وما بأسٌ إذا كانت المرأة زعراء أن تصل شعرها، ولكن الواصلة أن تكون بغيّاً في شبيبتها، فإذا أسنت وصلته بالقيادة.
خبر ظلمة القوادة قالوا: كانت ظلمة التي يضرب بها المثل في القيادة صبيةً في الكتّاب، فكانت تضرب دويّ الصبيان وأقلامهم، فلما شبت زنت، فلما أسنت قادت، فلما قعدت اشترت تيساً تنزّيه على العنز.
للمدائني وذكر المدائنيّ: أنّ رجلاً من السلطان كان لا يزال يأخذ قوّادة فيحبسها ثم يأتيه من يشفع فيها فيخرجها؛ فأمر صاحب شرطته فكتب في قصّتها: فلانة القوّادة تجمع بين الرجال والنساء لا يتكلّم فيها إلا زانٍ؛ فكان إذا كلّم فيها قال: أخرجوا قصّتها، فإذا قرئت قام الشفيع مستحيياً.
شعر لجران العود وقال جران العود:
يبلّغهنّ الحاج كلّ مكاتب ... طويل العصا أو مقعدٍ يتزّحف
ومكمونةٍ رمداء لا يحذرونها ... مكاتبةٍ ترمي الكلاب وتحذف
رأت ورقاً بيضاً فشدّت حزيمها ... لها فهي أمضى من سليكٍ وألطف
للفرزدق وقال الفرزدق:
يبلّغهنّ وحي القول منّي ... ويدخل رأسه تحت القرام
لحميد بن ثور وقال حميد بن ثور:
خليليّ إني أشتكي ما أصابني ... لتستيقنا ما قد لقيت وتعلما
فلا تفشيا سرّي ولا تخذلا أخاً ... أبثّكما منه الحديث المكتمّا
وقولا إذا جاوزتما أرض عامرٍ ... وجاوزتما الحيّين نهداً وخثعما
نزيعان من جرم بن ربّان إنهم ... أبوا أن يريقوا في الهزاهز محجما
وخبّا على نضوين مكتفليهما ... ولا تحملا إلا زناداً وأسهما
وزاداً غريضاً خفّفاه عليكما ... ولا تبديان سرّاً ولا تحملا دما
وإن كان ليلٌ فالويا نسبيكما ... وإن خفتما أن تعرفا فتلّثما
وقولا خرجنا تاجرين فأبطأت ... ركابٌ تركناها بثليث قوّما
ولو قد أتانا بزّنا ودقيقنا ... تموّل منكم من رأيناه معدما
ومدّا لهم في السّوم حتى تمكّنا ... ولا تستلجّا صفق بيع فيلزما
فإن أنتما اطمأننتما فأمنتما ... وخلّيتما ما شئتما فتكلّما

وقولا لها ما تأمرين بصاحبٍ ... لنا قد تركت القلب منه متيّما
أبيني لنا إنّا رحلنا مطيّنا ... إليك وما نرجوك إلا توهّما
المأمون لرسول بعث به وقال المأمون لرسول بعث به:
بعثتك مرتاداً ففزت بنظرة ... وأخلفتني حتى أسأت بك الظّنا
وناجيت من أهوى وكنت مقرّباً ... فيا ليت شعري عن دنوّك ما أغنى
وردّدت طرفاً في مجالس وجهها ... ومتّعت باستسماع نغمتها أذنا
أرى أثراً منها بعينيك لم يكن ... لقد سرقت عيناك من وجهها حسنا
وقال بعض المحدثين:
يا سوء منقلب الرّسو ... ل مخبراً بخلاف ظنيّ
إنّي أعيذك أن تكو ... ن شغلتني وشغلت عنّي
شعر زيد بن عمرو في أمته وقال زيد بن عمرو في أمته:
إذا طمثت قادت وإن طهرت زنت ... فهي أبداً يزني بها وتقود
باب الزنا والفسوقالعتبي، قال: قيل لرجل في امرأته وكانت لا ترّد يد لامسٍ: علام تحسبها مع ما تعرف منها؟ فقال: إنها جميلة فلا تفرك وأمّ عيال فلا تترك.
لبعض الأعراب وقال بعض الأعراب:
ألمّا على دارٍ لواسعة الحبل ... ألوفٍ تسوّي صالح القوم بالرّذل
يبيت بها الحدّاث حتى كأنمّا ... يبيتون فيها من مدافع من نخل
ولو شهدت حجّاج مكة كلّهم ... لراحوا وكلّ القوم منها على وصل
بين الفرزدق وسليمان بن عبد الملك أنشد الفرزدق لسليمان بن عبد الملك القصيدة التي تقول فيها:
ثلاثٌ واثنتان فهنّ خمسٌ ... وسادسة تميل إلى شمام
فبتن بجانبي مصرعات ... وبتّ أفضّ أغلاق الختام
كأن مفالق الرّمان فيها ... وجمر غضّى قعدن عليه حامي
فقال سليمان: أحللت نفسك يا فرزدق: أقررت عندي بالزنا وأنا إمامٌ، ولا بدّ لي من إقامة الحدّ عليك فقال: بم أوجبت ذلك عليّ يا أمير المؤمنين، فقال: بكتاب اللّه قال: فإن كتاب اللّه يدرأ عنيّ، قال اللّه جلّ ثناؤه: " والشعراء يتبّعهم الغاوون ألم تر أنهّم في كلّ وادٍ يهيمون. وأنهّم ماالا يفعلون " فإنا قلت ما لم أفعل.
أبو الطمحان القيني وليلة الدير قيل لأبي الطّمحان القينيّ: خبّرنا عن أدنى ذنوبك. قال: ليلة الدير. قالوا: وما ليلة الدير؟ قال: نزلت على ديرانيةّ فأكلت طفيشلاً لها بلحم الخنزيرٍ، وشربت من خمرها وزينت بها وسرقت كساءها ومضيت شعر لعمر بن أبي ربيعة وقال عمر بن أبي ربيعة:
يقصد الناس للطواف احتساباً ... وذنوبي مجموعةٌ في الطواف
لجرير في الفرزدق وقال جريرٌ في الفرزدق:
لقد ولدت أمّ الفرزدق فاجراً ... فجاءت بوزوازٍ قصير القوائم
يوصّل حبليه إذا جنّ ليله ... ليرقى إلى جاراته بالسّلالم
وما كان جارٌ للفرزدق مسلمٌ ... ليأمن قرداً ليله غير نائم
أتيت حدود اللّه إذ كنت يافعاً ... وشبت فما ينهاك شيب اللّهازم
تتبّع في الماخور كلّ مريبةٍ ... ولست بأهل المحصنات الكرائم
هو الرجس يأهل المدينة فاحذروا ... مداخل رجسٍ بالخبيثات عالم
لقد كان إخراج الفرزدق عنكم ... طهوراً لما بين المصلّى وواقم
تدلّيت تزني من ثمانين قامة ... وقصّرت عن باع العلا والمكارم
لإسماعيل بن غزوان في امرأة العزيز وقال عمرو بن بحر: قرأ قارىء " قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحقّ " إلى قوله تعالى: " ذلك ليعلم أنّي لم أخنه بالغيب " ، قال إسماعيل بن غزوان: لا واللّه ما سمعت بأغزل من هذه الفاسقة.
وسمع بكثرة مراودتها يوسف عنها فقال إسماعيل: أما واللّه بي تمرست.
لأعرابيّ بات ضيفاً على حضريّ بات أعرابيّ ضيفاً لبعض الحضر فرأى امرأةً فهمّ أن يخالف إليها في أولّ الليل فمنعه الكلب ثم أراد ذلك نصف الليل فمنعه ضوء القمر ثم أراد ذلك في السّحر فإذا عجوزٌ قائمة تصلّي، فقال:
لم يخلق اللّه شيئاً كنت أكرهه ... غير العجوز وغير الكلب والقمر

هذا نبوحٌ وهذا يستضاء به ... وهذه شيخةٌ قوامة السحر
عمر بن أبي ربيعة وامرأة من كلب في موسم الحج المنصور عن أبيه محمد بن عليّ، قال: حججت فرأيت امرأةً من كلبٍ شريفةً قد حجّت فرأها عمر بن أبي ربيعة فجعل يكلّمها ويتبعها كلّ يومٍ، فقالت لزوجها ذات يوم: إني أحبّ أن أتوكأ عليك إذا رحت إلى المسجد. فراحت متوكئة على زوجها فلما أبصرها عمو ولّى فقال: على رسلك يا فتى:
تعدو الذئاب على من لا كلاب له ... وتتّقي مربض المستأسدة الحامي
بين أبي ذؤيب وخالد بن زهير الرّياشي قال: كان أبو ذؤيب يهوى امرأة من قومه، وكان رسوله إليها رجلاً يقال له: خالد بن زهير، فخانه فيها، فقال أبو ذؤيب:
تريدين كيما تجمعيني وخالداً ... وهل يجمع السّيفان ويحك في غمد
أخالد ما راعيت منّي قرابةً ... فتحفظني بالغيب أو بعض ما تبدي
وكان أبو ذؤيب خان فيها ابن عمّ له يقال له: مالك بن عويمر، فأجابه خالدٌ:
ولا تعجبن من سيرةٍ أنت سرتها ... وأوّل راض سنّةً من يسيرها
ألم تتنقّذها من ابن عويمرٍ ... وأنت صفيّ نفسه ووزيرها
سألت امرأةٌ زوجها الحجّ فأذن لها وبعث معها أخاه، فلما انصرفا عنه سأله عنها، فقال:
وما علمت لها عيباً أخبّره ... إلا اتّهامي فيها صاحب الإبل
كنا نهاراً إذا ما السّير جدّ بنا ... يغيّران وما بالرحل من مثل
ويخلفون كثيراً في منازلنا ... فلا نزال نرى آثار مغتسل
فاللّه أعلم ما كانت سرائرهم ... واللّه أعلم بالنيّات والعمل
بين الفرزدق ورجل قال رجلٌ للفرزدق: متى عهدك يا أبا فراسٍ بالزّنا؟ فقال: مذ ماتت العجوز.
لقيط في سوق يحيى ببغداد رمي ببغداد في سوق يحيى قمطرةٌ فيها صبيٌ وتحته مضرّبات حرير، وعند رأسه كيسٌ فيه مائة دينار ورقعةٌ فيها: هذا الشقيّ ابن الشقيّة، ابن السّكباح والقليّة، ابن القدح والرّطلية؛ رحم اللّه من اشترى له بهذا الذهب جاريةً تربيه؛ وفي آخر الرّقعة: هذا جزاء من عضل ابنته.
أعرابي يذكر ماجناً ذكر أعرابيّ رجلاً ماجناً فقال: لو أبصرت فلاناً العيدان لتحّركت أوتارها ولو رأته مومسة لسقط خمارها.
لبعض الأعراب قال بعض الأعراب:
ماذا يظن بليلي إذا ألمّ بها ... مرجّل الرأس ذو بردين مزّاح
حلوٌ فكاهته خزّ عمامته ... في كفهّ من رقى إبليس مفتاح
أيضاً أعرابيّ يذكر ماجناً ذكر أعرابيّ رجلاً ماجناً فقال: هو أكثر ذنوباً من الدّهر، تفد إليه مواكب الضّلالة، ويرجع من عنده مدوّن الأيام.
لآخر يذكر قوماً وذكر آخر قوماً فقال: هم أقلٌ الناس إلى أعدائهم وأكثرهم تجرماً على أصدقائهم يصومون عن المعروف، ويفطرون على الفحشاء.
بين الأصمعي وأمة قال الأصمعيّ: قلت لأمةٍ ظريفة: هل في يديك عملٌ؟ قالت: لا! ولكن في رجليّ.
بين أبي نواس وقيان قالت جوارٍ من القيان لأبي نواس بناتك! فقال أبو نواس......................
شعر لأبي المهند في راهب قال أبو المهند:
وأفجر من راهبٍ يدعدّعي ... بأنّ النساء عليه حرام
يحرّم بيضاء ممكورةً ... ويغنيه في البضع عنها الغلام
إذا ما مشى غضّ من طرفه ... وفي اللّيل بالدّير منه عرام
ودير العذارى فضوحٌ له ... وعند اللّصوص حديث الأنام
هؤلاء اللصوص نزلوا العذارى ليلاً، فأخذوا القسّ فشدّوه وثاقاً، ثم أخذ كلّ رجل منهم جاريةً،، فوجدوهنّ مفتضّاتٍ قد افتضهنّ القسّ كلّهنّ.
لسهل بن هارون في مخنّث قال سهل بن هارون:
إذا نزل المخنّث في رباعٍ ... تحرّك كل ذي خنثٍ إليه
وصارت دونهم مأوىالخبايا ... وصار الرّبع مدلولاً عليه
لآخر وقال آخر:
أقول لها لما أتتني تدلّني ... على امرأةٍ موصوفةٍ بجمال
أصبت لها واللّه زوجاً كما اشتهت ... إن اغتفرت فيه ثلاث خصال
فمنهنّ فسقُ لا ينادي وليده ... ورقّة إسلامٍ وقلّة مال
الأصمعي وابن روح المهلبي

قال الأصمعيّ: دخلت على ابن روح بن حاتم المهلّبيّ وحضر الإذن وهو عاكفّ على غلام، فقلت له: عمدت إلى الموضع الذي كان أبوك يضرب فيه الأعناق ويعطي فيه اللّهى، وتركب فيه ما تركب! فقال:
ورثنا المجد عن آباء صدقٍ ... أسأنا في ديارهم الصّنيعا
إذا الحسب الرفيع تواكلته ... بنات السّوء يوشك أن يضيعا
باب مساوئ النساءلوهب بن منبه عن وهب بن منبّه قال: عاقب اللّه المرأة بعشر خصال: شدّة النّفاس، وبالحيض، وبالنجاسة في بطنها وفرجها، وجعل ميراث امرأتين ميراث رجل واحد، وشهادة امرأتين كشهادة رجل، وجعلها ناقصة العقل والدّين لا تصلي أيام حيضها، ولا يسلّم على النساء، وليس عليهنّ جمعة ولا جماعةٌ، ولا يكون منهنّ نبيّ، ولا تسافر إلا بوليّ.
وكان يقال: ما نهيت امرأة قطّ عن شيء إلا أتته.
وقال طفيل في هذا المعنى:
إن النساء كأشجارٍ نبتن معاً ... منها المرار وبعض المرّ مأكول
إنّ النساء متى ينهين عن خلقٍ ... فإنّه واقعٌ لا بدّ مفعول
لمعاذ في النساء عن رجاء بن حيوة قال: قال معاذ: إنكم ابتليتم بفتنة الضّرّاء فصبرتم، وإني أخاف عليكم فتنة السّرّاء، وإن من أشدّ من ذلكم عندي النساء، إذا تحلّين الذّهب ولبسن ريط الشأم وعصب اليمن، فأتبعن الغنيّ، وكلّفن الفقير ما لا يجد.
لبعض الشعراء قال بعض الشعراء:
تمتّع بها ما ساعفتك ولا تكن ... عليك شجاً يؤذيك حين تبين
وإن هي أعطتك اللّيان فإنّها ... لغيرك من خلاّنها ستلين
وإن حلفت لا ينقصن النأى عهدها ... فليس لمخضوب البنان يمين
خبر عاتكة بنت زيد أبو عليّ الأمويّ قال: كانت عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، عند عبد اللّه بن أبي بكر الصدّيق رضي اللّه عنه، وكانت قد غلبته في كثيرٍ من أمره؛ فقال له أبوه: طلّقها. فطلّقها وأنشأ يقول:
لها خلقٌ سهلٌ وحسنٌ ومنصبٌ ... وخلقٌ سويٌ ما يعاب ومنطق
فرمي يوم الطائف بسهم؛ فلما مات قال ترثيه:
وآليت لا تنفكّ عيني سخينةً ... عليك ولا ينفكّ جلدي أغبرا
فللّه عينٌ ما رأت مثله فتىً ... أعزّ وأحمى في الهياج وأصبرا
إذا شرعت فيه الأسنّة خاضها ... إلى الموت حتى يترك الرّمح أحمرا
ثم خطبها عمر بن الخطّاب، فلما أولم قال عبد الرحمن بن أبي بكر: ياأمير المؤمنين اتأذن لي أن أدخل رأسي على عاتكة؟ قال: نعم، يا عاتكة استتري. فأدخل رأسه فقال:
وآليت لا تنفكّ عيني قريرةً ... عليك ولا ينفكذ جلدي أصفرا
فنشجت نشجاً عالياً؛ فقال عمر: ما أردت إلى هذا! كلّ النساء يفعلن هذا! غفر اللّه لك. ثم تزوّجها الزّبير بعد عمر وقد خلا من سنّها، فكانت تخرج باللّيل إلى المسجد ولها عجيزةٌ ضخممة؛ فقال لها الزّبير: لا تخرجي؛ فقالت: لا أزال أخرج أو تمنعني. وكان يكره أن يمنعها، لقول النبيّ صلى اللّه عليه وسلم: " لا تمنعوا إماء اللّه مساجد اللّه " ، فقعد لها الزّبير متنكراً في ظلمة اللّيل، فلما مرّت به قرص عجيزتها؛ فكانت لا تخرج بعد ذلك؛ فقال لها: ما لك لا تخرجين؟ فقالت: كنت أخرج والناس ناسٌ، وقد فسد الناس فبيتي أوسع لي.
لرجل من العرب يخاطب امرأته قال المدائنيّ: احتضر رجلٌ من العرب وله ابن يدبّ بين يديه؛ وأم الصّبيّ جالسةٌ عند رأسه؛ واسم الصبيّ معمر فقال:
وإنّي لأخشى أن أموت فتنكحي ... ويقذف في أيدي المراضع معمر
وترخى ستورٌ دونه وقلائدٌ ... ويشغلكم عنه خلوقٌ ومجمر
فما لبث أن مات، ثم تزوّجت، ثم صار معمرٌ إلى ما ذكر.
عمر بن الخطاب وشاب قتل يهودياً كان عند امرأة أخيه عن الحسن: أنّ شابّين كانا متآخيين على عهد عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه، فأغزى أحدهما، فأوصى أخاه بأهله؛ فانطلق في ليلةٍ ذات ريح وظلمةٍ إلى أهل أخيه يتعهّدهم، فإذا سراجٌ في البيت يزهر، وإذا يهوديٌّ في البيت مع أهله وهو يقول:
وأشعث غرّه الإسلام منّي ... خلوت بعرسه ليل التّمام
أبيت على ترائبها ويضحي ... على جرداء لاحقة الحزام

كأنّ مجامع الرّبلات منها ... فئامٌ ينهضون إلى فئام
فرجع الشابّ إلى أهله، فاشتمل السيف حتى دخل على أهل أخيه فقتله ثم جرّه وألقاه في الطريق؛ فأصبح اليهود وصاحبهم قتيلٌ لا يدرون من قتله، فأتوا عمر بن الخطاب فدخلوا عليه وذكروا ذلك له، فنادى عمر في الناسّ: الصلاة جامعةً، فاجتمع الناس فصعد المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه، ثم قال: أنشد اللّه رجلاً علم من هذا القتيل علماً إلا أخبرني به. فقامالشابّ فأنشده الشعر وأخبره خبره؛ فقال عمر: لا يقطع اللّه يدك، وهدر دمه لابن عباس في مثل المرأة السوء كان ابن عباس يقول: مثل المرأة السّوء: كان قبلكم رجلٌ صالح له امرأة سوءٍ فعرض له رجل فقال: إني رسول اللّه إليك بأنهّ قد جعل لك ثلاث دعوات فسل ما شئت من دنيا أو آخره ثم نهض. فرجع الرجل إلى منزله؛ فقلت له امرأته: ما لي أراك مفكراً محزوناً؟ فأخبرها؛ فقلت: ألست امرأتك وفي صحبتك وبناتك منيّ! فاجعل لي دعوة. فأبى فأقبل عليه ولده وقلن: أمنّا، فلم يزلن به حتى قال: لك دعوةٌ؛ فقلت: اللهم اجعلني أحسن الناس وجهاً. فصارت كذلك، وجعلت توطىء فراشها وهو يعظها فلا تتّعظ، فغضب يوماً فقال: اللهمّ اجعلها خنزيرةً فتحوّلت كذلك؛ فلما رأين بناته م نزل بأمهنّ بكين وضربن وجوههن ونتفن شعورهن، فرّق لهن قلبه فقال: اللّهم أعدها كما كانت أولاً؛ فذهبت دعواته الثلاث فيها.
بين عبد اللّه بن عكرمة وامرأة عبد الرحمن بن الحارث قال عبد اللّه بن عكرمة: دخلت على عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزوميّ أعوده، فقلت: كيف تجدك؟ فقال: أجدني واللّه بالموت، وما موتي بأشدّ عليّ من تمتّع " أمّ " هشام، أخاف أن تتزوّج - يعني امرأته - . فحلفت له وآلت ألا تتزوّج بعده، فغشي وجه نورٌ، ثم قال: شأن الموت أن ينزل متى شاء. ثم مات. فتزوّجت بعمر بن عبد العزيز؛ فقلت:
فإن لقيت خيراً فلا يهنئنّها ... وإن تعست فلليدين وللفم
فبلغها، فكتبت إليّ: قد بلغني بيتك الذي تمثلّت به، وما مثلي ومثل أخيك إلاّ كما قال الشاعر:
وهل كنت إلا والهاً ذات ترحةٍ ... قضت نحبها بعد الحنين المرجّع
متى تسل عنه تدّكر بعد طيّةٍ ... من الأرض أو تقنع بألفٍ فتربع
فدع عنك من قد وارت الأرض شخصه ... وفي غير من قد وارت الأرض فاطمع
فبلغ ذلك منّي كلّ غيظٍ، واحتسبت حسابها، وإذا هي قد أعجلت عدّتها، وقد بقي عليها أربعة أيّام، فدخلت على عمر فأخبرته بذلك، فنقض النّكاح وعزل عن المدينة.
صخر بن الشريد وزوجته وأمه كان صخر بن الشّريد أخو الخنساء خرج في غزوةٍ فقاتل فيها قتالاً شديداً فأصابه جرحٌ رغيبٌ ،فمرض فطال مرضه وعاده قومه، فقال عائدٌ من عوّاده يوماً لامرأته سلمى: كيف أصبح صخرٌ اليوم؟ قالت: لا حيّا فيرجى ولا ميتاً فينسى. فسمع صخرٌ كلامها فشقّ عليه، وقال لها: أنت القائلة كذا وكذا؟ قالت: نعم غير معتذرةٍ إليك. ثم قال عائدٌ آخر لأمّه: كيف أصبح صخرٌ اليوم؟ فقالت: أصبح بحمد اللّه صالحاً ولا يزال بحمد اللّه بخيرٍ ما رأينا سواده بيننا. فقال صخر:
أرى أمّ صخرٍ ما تملّ عيادتي ... وملّت سليمى مضجعي ومكاني
وما كنت أخشى أن أكون جنازةً ... عليك ومن يغترّ بالحدثان
فأيّ امرئٍ ساوى بأمٍّ حليلةً ... فلا عاش إلاّ في أذى وهوان
أهمّ بأمر الحزم لو أستطيعه ... وقد حيل بين العير والنّزوان
لعمري لقد أنبهت من كان نائماً ... وأسمعت من كانت له أذنان
فلما أفاق عمد إلى سلمى فعلّقها بعمود الفسطاط حتى فاضت نفسها، ثم نكس من طعنته فمات.
أردشير وابنة ملك لسواد وقرأت في سير العجم أنّ أردشير سار إلى الخضر، وكان ملك السّواد متحصناً فيها، وكان من أعظم ملوك الطوائف، فحاصره فيها زماناً لا يجد إليه سبيلاً، حتى رقيت ابنة ملك السّواد يوماً، فرأت أردشير فعشقته فنزلت وأخذت نشابةً وكتبت عليها: إن أنت شرطت لي أن تتزوّجني دللتك على موضع تفتتح منه هذه المدينة بأيسر حيلةٍ وأخفّ مؤونةٍ. ثم رمت بالنشّابة

نحو أردشير؛ فكتب الجواب في نشّابةٍ: لك الوفاء بما سألت. ثم ألقاه إليها؛ فكتبت إليه تدلّه على الموضع؛ فأرسل إليه أردشير فافتتحه ودخل هو وجنوده، وأهل المدينة غارّون، فقتلوا ملكها وأكثر مقاتلتها وتزوّجها؛ فبينما هي ذات ليلةٍ على فراشه أنكرت مكانها حتى سهرت لذلك عامّة ليلتها، فنظروا في الفراش فوجدوا تحت المحبس ورقةً من ورق الآس قد أثّرت في جلدها، فسألها أردشير عند ذلك عما كان أبوها يغذوها به؛ فقالت: كان أكثر غذائي الشهد والزّبد والمخّ. فقال أردشير: ما أحدٌ ببالغٍ لك في الحباء والإكرام مبلغ أبيك، ولئن كان جزاؤه عدك على جهد إحسانه مع لطف قرابته وعظم حقّه جهد إساءتك، ما أنا بأمنٍ لمثله منك. ثم أمر بأن تعقد قرونها بذنب فرسٍ شديد المراح جموحٍ ثم يجرى؛ ففعل ذلك حتى تساقطت عضواً عضواً.
بين أخوين وزوجة أحدهما العتبي: سمعت أبي يحدّث ع ناسٍ من أهل الشأم: أن أخوين كان لأحدهما زوجة وكان يغيب ويخلفه " الآخر " في أهله، فهويته امرأة الغائب، فأرادته على نفسها فامتع؛ فلما قدم أاخوه سألها عن حالها، فقالت: ما حال امرأة تراود في كلّ حينٍ! فقال: أخي وابن أميّ!وإني لا أفضحه! ولكن للّه عليّ ألاّ أكلمهّ أبداً. ثم حجّ وحجّ أخوه والمرأة فلما كانوا بوادي الدّوم هلك الأخ ودفوه وقضوا حجّهم ورجعوا؛ فمرّوا بذلك الوادي ليلاً فسمعوا هاتفاً يقول:
أجدّك تمضي الدّوم ليلاً ولا ترى ... عليك لاأهل الدّوم أن تتكلما
وبالدّوم ثاوٍ لو ثويت مكانه ... ومرّ بوادي الدّوم حيّاً لسّلما
فظنتّ المرأة أنّ النداء من السماء، فقلت لزوجها: هذا مقام العائذ كان من أخيك ومنيّ كيت وكيت. فقال: واللّه لو حلّ قتلك لوجدتني سريعاً. ففارقها وضرب خيمةً على قبر أخيه وقال:
هجرتك في طول الحياة وأبتغي ... كلامك لما صرت رمساًوأعظما
ذكرت ذنوباً فيك كنت اجترمتها ... أنا منك فيها كنت أسوا وأظلما
ولم يزل مقيماً حتى مات ودفن بجنب أخيه، فالقبران معروفان.
شعر للأخطل وقال الأخطل:
المهديات لمن هوين مسبةً ... والمحسنات لمن قلين مقالا
يرعين عهدك ما رأيناك شاهداً ... وإذا مذلت يكنّ عنك مذالا
وإذا وعدنك نائلاً أخلفنه ... ووجدت دون عداتهن مطالاً
وإذا دعونك عمهّن فإنه ... نسبٌ يزيدك عندهن خبالاً
قرشيّ وامرأته عن يحيى بن طفيلٍ الجشميّ قال: كان عند رجلٍ من قريش امرأة يحبّها، فسافر عنها، فقالت له: أشيعكّ، فشيعتهّ ثلاث مراحل؛ فلما مضى قالت لخادمها: ناولني بعرةً وروثةً وحصاةً. فناولها، فألقت الروثة وقالت: راث خبرك؛ وألقت البعرة وقالت: وعر سفرك؛ وألقت الحصاة وقالت: حصّ أثرك. فسمعها رجل على الماء فلحقه، فقال له: ما هذه منك؟ قال: امرأتي وأعزّ الناس إليّ. فأخبره بالخبر، فقام على الماء، فلما أمسى أقبل نحو منزله فوجد معها رجلاً، فقتلهما جميعاً.
باب الولادة والولدبين أبي الأسود وزوجته عند زياد في ولدهما خاصمت أمّ عوفٍ - امرأة أبي الأسود الدؤلي - أبا الأسود قبل أن تضعه. فقالت أمّ عوفٍ وضعته شهوةً ووضعته كرهاً، وحملته خفاً وحملته ثقلاً. فقال زياد: صدقت أنت أحقّ به فدفعه إليها.
للرياشي أنشدنا الرّياشي:
غلبت أمّه أباه عليه ... فهو كالكابليّ أشبه خاله
وقال آخر:
واللّه ما أشبهني عصام ... لالاخلق منه ولا قوام
نمت وعرق الخال لا ينام
لبعض بني أسد وقال بعض بني أسدٍ - والقيافة فيهم: لا يخطىء الرجل من أبيه خلةً من ثلاثٍ: رأسه أو صوته أو مشيته.
قيل لرجل: ما أشبه ولدك بك! قال: من ترك وأهله أشبهه ولده قال رجل للجمان: ولدت امرأتي لستة أشهر؛ فقال الجمان: كان أبوها ضارباً للفرزدق وقد عيّرته زوجته بعدم الإنجاب عيّرت نوار - امرأة الفرزدق - الفرزدق بأنه لا ولدّ له؛ فقال الفرزدق:
وقالت أراه واحداً لا أخا له ... يورّثه في الورثين الأباعدا
لعلّك يوماً أن تريني كأنما ... بنيّ حواليّ الأسود الحوارد
فإنّ تميماً قبل أن يلد الحصى ... أقام زماناً وهو في الناس واحد

فولد بعد ذلك ولده: سبطة ولبطة وحبطة وغيرهم.
للزيادي بلغني عن الزّيادي قال: كنت مئناثاً فقيل لي: استغفر إذا جامعت؛ فولد لي بضعة عشر ذكراً.
لابن عباس فيما يكتب للمرأة إذا عسرت ولادتها عن ابن عبّاس قال: مرّ عيسى عليه السلام على بقرة قد اعترض ولدها في بطنها؛ فقالت: يا كلمة اللّه، أدع اللّه أن يخلصني. فقال: يا خالق النّفس من النفس ويا مخرج النفس من النفس خلّصها؛ فألقت ما في بطنها. فإذا عسر على المرأة ولادتها فليكتب لها: باسم اللّه، لا إله إلاّ هو الكريم، سبحان اللّه ربّ العرش العظيم، والحمد للّه ربّ العالمين، " كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلاّ عشيّةً أو ضحاها " ، " كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلاّ ساعةً من نهارٍ " الآية.
باب الطلاقللنبي صلى اللّه عليه وسلم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " إنّ أبغض الحلال إلى اللّه الطّلاق " بين رجل وامرأته عند القاضي ابن حنطب الأصمعيّ قال: كان بالمدينة قاضٍ، يقال له: فلان بن المطّلب بن حنطب المخزوميّ قد أدركته " وأم المطّلب: أخت مروان بن الحكم " ، خاصمت إليه امرأةٌ زوجها، وكانت قالت: أجعلتني وأسأت إليّ، واللّه ما تستطيع فئران بيتك أن يمشين من الجهد وما يقمن إلا على الوطن! فقال: أنت طالقٌ إن كنّ " ما " يقمن إلاّ على الوطن. فخبّرته بما قالت وقال؛ فقال ابن المطّلب يطلب له المعاذير: وربّك إن الإبل لتكون بالمكان الجديب الخسيس المرعى فتقيم به لحبّ الوطن. فقال الزوج حين رآه يحتال لئلا يفرّق بينهما: كأنما أشكلت عليه، هي طالقٌ عشرين.
لابن عباس في رجل طلق امرأته عدد نجوم السماء طلّق رجل امرأته عدد نجوم السماء؛ فقال ابن عبّاس: يكفيه من ذلك هقعة الجوزاء.
لأعرابي طلق امرأته ثم ندم وطلّق رجلٌ من الأعراب امرأةً، وكان له منها ابنٌ يقال له حمّادٌ، وندم فقال:
فديت بالأمّ حمّاداً وقلت له ... أنت ابن ذلفاء مني فادن يا ولدي
لا يقربنّ ثلاثاً منكم أحدٌ ... إني وجدت ثلاثاً أشأم العدد
لعلي بن منظور في الطلاق وقال عليّ بن منظور:
ما للطلاق فقدته ... وفقدت عاقبة الطّلاق
طلّقت خير حليلةٍ ... تحت السموات الطّباق
للأصمعي كان الأصمعيّ طلق امرأةً ثم تبعتها نفسه؛ فكتب إليها:
" و " هل رأيتم بعدنا مثلنا ... فما رأينا بعدكم مثلكم
نصيب من يعجبنا خلوةٌ ... منه ولا نجمع من عندكم
قد اتخذنا بعدكم مبدعاً ... لصونكم وليس من شكلكم
إن شئتم لم نتخذه وكا ... ن الصون والبذل جميعاً لكم
أعرابي لامرأته وقال أعرابيّ لامرأته:
تمنّين الطلاق وأنت منّي ... بعيشٍ مثل مشرقة الشّمال
لأعرابي طلق امرأته أميمة وطلّق أعرابيُّ امرأته وقال:
رحلت أميمة بالطّلاق ... وعتقت من رقّ الوثاق
بانت فلم يألم لها ... قلبي ولم تبك المآقي
لو لم أرح بطلاقها ... لأرحت نفسي بالإباق
ودواء ما لاتشتهي ... ه النفس تعجيل الفراق
والعيش ليس يطيب بي ... ن اثنين في غير اتفاق
لابن كناسة، وغيره كانت لمحمد بن كناسة امرأة يبغضها، فمرّ بمصلوب فقال:
أيا جذع مصلوبٍ أتى دون صلبه ... ثلاثون حولاً كاملاً هل تبادل
وما أنت بالحمل الذي قد حملته ... بأضجر منّي بالذي أنا حامل
وقال آخر:
بتّ بخسفٍ في شرّ منزلةٍ ... لا أنا في لذّةٍ ولا فرسي
هذا على الخسف لا قضيم له ... وأنا ذا لا يسوغ لي نفسي
تجهّزي للطّلاق وارتحلي ... ذاك دواء الجوامح الشّمس
ليلتي حين بت طالقةً ... ألذّ عندي من ليلة العرس
الفرزدق وشيخ من بني مضر عن عيسى بن عمر قال: شكا الفرزدق امرأته، فقال له شيخ من بي مضر كان أسنّ منه: أفلا تكسعها بالمحرجات! " يعني الطلاق " ؛ فقال: قاتلك اللّه! ما أعلمك من شيخ!.
لخالد بن صفوان

قال خالد بن صفوان: ما بتّ ليلةً أحبّ إليّ من ليلةٍ طلّقت فيها نسائي، فأرجع والستور قد هتكت، ومتاع البيت قد نقل، فتبعث إليّ إحداهن بسليلةٍ مع بنتي فيها طعامي، وتبعث لي الأخرى بفراشٍ أنام عليه.
لامرأة كانت تطلّق كثيراً قيل لامرأة كانت تطلّق كثيراً: ما بالك تطلّقين؟ قالت: يريدون التّضييق علينا، ضيق اللّه عليهم!.
لرجل طلق امرأته طلّق رجل امرأته؛ فقيل له: ما صنعت؟ قال: طلّقتها والأرض من ورائها. أي لا أقرب ناحيةً هي بها.
قول أعرابي لامرأتهد وقال أعرابيّ لامرأته:
أنوّهت باسمي في العالمين ... وأفنيت عمري عاماً فعاما
فأنت الطلاق وأنت الطلاق ... وأنت الطلاق ثلاثاً تماما
بين رجل وأبي حازم الأصمعيّ قال: أتى رجلٌ أبا حازم فقال: إنّ الشيطان قد أولع بي يوسوس لي ويحدّثني أني طلّقت امرأتي. فقال له: وأنا أحدّثك أنك قد طلقتها، أو مافعلت؟ فقال: سبحان اللّه يا أبا حازم! أفتكذّبني وتصدّق الشيطان! شعر لأعرابي طلق امرأته وقال أعرابيّ وقد طلق امرأته:
وما أنا إذ فارقت أسماء طائعاً ... بخيرٍ من السّكران رأيا ولا عقلا
وما زال صرف الدهر حتى رأيتني ... أبيت بها ضيفاً كأن لم أكن بعلا
وقال آخر:
لئن كان يهدي برد أنيابها العلا ... لأفقر منّي إنني لفقير
لقد كثر الأخبار أن قد تزوّجت ... فهل يأتينّي بالطلاق بشير
باب العشّاق سوى عشّاق الشعراء
بين محمد بن قيس ويزيد بن عبد الملك في عاشقين محمد بن قيس الأسديّ قال: وجّهني عامل المدينة إلى يزيد بن عبد الملك وهو خليفة فخرجت، فلما قربت المدينة بليلتين أو ثلاث وإذا أنا بامرأةٍ قاعدةٍ على قارعة الطريق، وإذا رجلٌ رأسه في حجرها كلّما سقط رأسه أسندته، فسلّمت فردّت ولم يردّ الشاب؛ ثم تأمّلتني فقالت: يا فتى، هل لك في أجرٍ لا مرزئة فيه؟ قلت: سبحان اللّه! وما أحبّ الأجر أليّ وإن رزئت فيه! فقالت: هذا ابني، وكان إلفاً لابنة عمّ له تربيّا جميعاً، ثم حجبت عنه، فكان يأتي الموضع والخباء، ثم خطبها إلى أبيها فأبى عليه أن يزوّجها؛ ونحن نرى عيباً أن تزوّج المرأة من رجل كان بها مغرماً، وقد خطبها ابن عمّ لها وقد زوّجت منذ ثلاثٍ، فهو على ما ترى لا يأكل ولا يشرب ولا يعقل، فلو نزلت إليه فوعظته! فنزلت إليه فوعظته؛ فأقبل عليّ وقال:
ألا ما للحبيبة لا تعود ... أبخلٌ بالحبيبة أم صدود
مرضت فعادني قومي جميعاً ... فما لك لم تري فيمن يعود
فقدت حبيبتي فبليت وجداً ... وفقد الإلف يا سكنى شديد
وما استبطأت غيرك فاعلميه ... وحولي من بني عمّي عديد
فلو كنت السّقيمة جئت أسعى ... إليك ولم ينهنهني الوعيد
قال: ثم سكن عند آخر كلمته؛ فقالت العجوز: فاضت واللّه نفسه ثلاثاً! فدخلني أمرٌ لا يعلمه إلاّ اللّه، فاغتممت وخفت موته لكلامي. فلما رأت العجوز ما بي قالت: هوّن عليك! مات بأجله واستراح ممّا كان فيه، وقدم على ربّ كريم؛ فهل لك في استكمال الأجر؟ هذه أبياتي منك غير بعيدة، تأتيهم فتنعاه إليهم وتسألهم حضورهم. فركبت فأتيت أبياتاً منها على قدر ميلٍ، فنعيته إليهم وقد حفظت الشعر، فجعل الرجل يسترجع. فبينما أنا أدور إذا امرأة قد خرجت من خبائها تجرّ رداءه ناشرةً شعرها، فقالت: أيها النّاعي، بفيك الكثكث، بفيك الحجر! م تنعى؟ قلت: فلان بن فلان. فقالت: بالذي أرسل محمداً واصطفاه، هل مات؟ قلت: نعم. قالت: فماذا الذي قال قبل موته؟ فأنشدتها الشعر، فو اللّه ما تنهنهت أن قالت:
عداي أن أزورك يا حبيبي ... معاشر كلّهم واشٍ حسود
أشاعوا ما سمعت من الدواهي ... وعابونا وما فيهم رشيد
وأمّا إذ ثويت اليوم لحداً ... فدور الناس كلّهم لحود
فلا طابت لي الدنيا فواقا ... ولا لهم ولا أثرى العبيد

ثم مضت معي ومع القوم تولول حتى انتهينا إليه، فغسّلناه وكفّنّاه وصلّينا عليه، فأكبّت على قبره؛ وخرجت لطيّتي حتى أتيت يزيد بن عبد الملك، وأوصلت إليه الكتاب؛ فسألني عن أمورالناس، قال: هل رأيت في طريقك شيئاً؟ قلت:نعم، رأيت واللّه عجباً.وحدّثته الحديث؛ فاستوى جالساً، ثم قال: للّه أنت يا محمد بن قيس! امض الساعة قبل أن تعرف جواب ما قدمت له، حتى تمرّ بأهل الفتى وبني عمّه، وتمرّ بهم إلى عامل المدينة، وتأمره أن يثبتهم في شرف العطاء، وإن كان أصابها ما أصابه، فافعل ببني عمّها ما فعلت ببني عمه ثم ارجع إليّ حتى تخبرني بالخبر، وتأخذ جواب ما قدمت له. فمررت بموضع القبر، فرأيت إلى جانبه قبراً آخر، فسألت عنه فقيل: قبر المرأة، أكبّت على قبره، ولم تذق طعاماً ولا شراباً، ولم ترفع عنه إلى ثلاثة أيام " إلا " ميتةً. فجمعت بني عمّها وبني عمّه، وأثبتّهم في شرف العطاء جميعاً.
لرجل من بني تميم في عاشقين ماتا عشقاً عن هشام بن حسّان عن رجل من بني تميم قال: خرجت في طلب ناقةٍ لي، حتى وردت على ماءٍ من مياه طيءٍ، فإذا أنا بعسكرين بينهما دعوة فإذا أنا بفتى شابٍّ وجاريةٍ في العسكر، وإذا هو قد سمع نبرةً من كلامها وهو مريض، فرفع عقيرته وقال:
ألا ما للمليحة لا تعود ... أبخلٌ بالمليحة أم صدود
فلو كنت المريضة كنت أسعى ... إليك ولم ينهنهني الوعيد
فسمعتصوته فخرجت تعدو، فأمسكها النساء، وأبصرها فأقبل ينشد، فأمسكه الرجال فأفلت وأفلتت، فاعتنقا وخرّا ميتين؛ فخرج شيخ من تلك الأخبية حتى وقف عليهما، فاسترجع لهما، ثم قال: أما واللّه لئن كنتما لم تجتمعا حييّن لأجمعنّ بينكما ميّتين. قال: فقلت: من هذا؟ قال: هذا ابن أخي، وهذه ابنتي. فدفنهما في قبر ولحد.
عبد اللّه بن عجلان عن ابن سيرين قال: قال عبد اللّه بن عجلان صاحب هند التي عشقها وكانت تحبّه فطلّقها:
ألا إنّ هنداً أصبحت لك محرماً ... وأصبحت من أدنى حموتّها حما
وأصبحت كالمقمور جفن سلاحه ... يقلّب بالكفّين قوساً وأسهما
ومدّ بها صوته ثم مات. قال الأصمعيّ: فيه قال الشاعر:
إن متّ من الحبّ ... فقد مات ابن عجلان
لأعرابي من العذريين قيل لأعرابيّ من العذريينّ: ما بال قلوبكم كأنها قلوب طيرٍ تنماث كما ينماث الملح في الماء! أما تجلدونّ؟ فقال: إننا ننظر إلى محاجر أعينٍ لا تنظرون إليها.
وقيل لأعرابيّ: ممنّ أنت؟ فقال: من قوم إذا أحبواّ ماتوا. فقالت جارية سمعته: عذّريّ وربّ الكعبة!.
لعبد الملك بن عمير في أخوين من بني كنّة عن عبد الملك بن عمير قال: كان أخوان من بني كنّة من ثقيف، أحدهما ذو أهل، والآخر عزبٌ، وكان ذو الأهل إذا غاب خلفه العزب في أهله؛ فغاب غيبةً له؛ فجاء العزب يوماً فطلعت عليه امرأة الأخ، وهي لا تعلم بمكانه، وعليها درع يشفّ، فسترت وجهها بذراعيها، فوقعت في قلبه، وجعل يذوب حتى صار كأنه خيطٌ، فقدم أخوه فقال: يا أخي، ما لك؟ قال: لا أدري. واستحيا أن يذكر ما به؛ فانطلق أخوه إلى الحارث بن كلدة طبيب العرب، فوصفه له؛ فقال: احمله إليّ. فلما نظر إليه قال: أمّا العينان فصحيحتان وأما الجسم فذائب ولا أظن أخاك إلا عاشقاً قال: ترى أخي بالموت وتزعم أنه عاشق! قال: هو ما أقول لك فاسقه الشراب فسقاه الخمر، فقال الشعر ولم يكن الشعر من شأنه فقال:
ألمّا بي إلى الأبيا ... ت بالخيف أزر هنّه
غزال ما رأيت اليو ... م في دور بني كنّه
غزال أكحل العين ... وفي منطقه غنّه
فقال أخوه: واللّه ما أراه إلا كما قال ولكن لا أدري من عني فسقاه شربةً أخرى فقال:
أيها الحيّ اسلموا ... اسلموا ثمت اسلموا
لا تولوا وتعرضوا ... واربعوا كي تكلموا
خرجت مزنة من ال ... بحر ريا تححم
هي ما كنّتي وتز ... عم أني لها حم
قال: يا أخي هي طالقٌ ثلاثاً، فإن شئت فتزوجها. قال: وهي طالقٌ إن تزوجتها. قال غيره. فلما أفاق ذهب على وجهه حياءً ولم يرجع، فهو فقيد ثقيف.
خبر عباس والجارية التي هويها

عن أبي مسكين قال: خرج أناس من بني حنيفة يتنزهون إلى جبل لهم، فبصر فتى منهم يقال له عباس بجاريةٍ فهويها، وقال لأصحابه: والله لا أنصرف حتى أرسل إليها. فطلبوا إليه أن يكفّ وأن ينصرف معهم فأبى، وأقبل يراسل الجارية حتى وقع في نفسها، فأقبل في ليلةٍ إضحيانةٍ متنكباً قوسه وهي بين إخوتها نائمةٌ، فأيقظها؛ فقالت: انصرف وإلا أيقظت إخوتي فقتلوك! فقال: والله للموت أيسر مما أنا فيه، ولكن الله عليّ إن أعطيتني يدك حتى أضعها على فؤادي أن أنصرف. فأمكنته من يدها، فوضعها على فؤاده ثم انصرف؛ فلما كان من القابلة أتاها وهي في مثل حالها، فقالت له مثل مقالتها، وردّ عليها وقال: إن أمكنتيني من شفتيك أرشفهما انصرفت ثم لا أعود إليك. فأمكنته من شفتيها فرشفهما ثم انصرف؛ فوقع في قلبها منه مثل النار؛ ونذر به الحي، فقالوا: ما لهذا الفاسق في هذا الجبل! انهضوا بنا إليه حتى نخرجه منه. فأرسلت إليه: إن القوم يأتونك الله فاحذر، فلما أمسى قعد على مرقب ومعه قوسع وأسهمه، وأصاب الحي من آخر النهار مطرٌ وندىً فلهوا عنه؛ فلما كان في آخر الليل وذهب السحاب وطلع القمر، خرجت وهي تريده وقد أصابها الطل، فنشرت شعرها وأعجبتها نفسها ومعها جاريةٌ من الحي، فقالت: هل لك في عباسٍ؟ فخرجتا تمشيان، ونظر إليهما وهو على المرقب، فظن أنهما ممن يطلبه، فرمى بسهم أخطأ فما قلب الجارية ففلقه! وصاحت الأخرى، فانحدر من الجبل وإذا هو بالجارية في دمها؛ فقال:
نعب الغراب بما كره ... ت ولا إزالة للقدر
تبكي وأنت قتلتها ... فاصبر وإلا فانتحر
ثم وجأ في أوداجه بمشاقصه، وجاء الحي فوجدوهما مقتولين فدفنوهما!.
خبر القس وسلامة المغنية قال خلاد الأرقط: سمعت مشايخنا من أهل مكة يذكرون أن القس، وهو مولى لبني مخزوم، كان عند أهل مكة بمنزلة عطاء بن أبي رباح، وأنه مرّ يوماً بسلامة وهي تغني، فوقف يسمع؛ فرآه مولاها فدنا منه فقال: هل لك " في " أن تدخل وتستمع؟ فأبى، ولم يزل به فقال: أقعدك في موضع لا تراها ولا تراك. ففعل، ثم غنت فأعجبته؛ فقال: هل لك " في " أن أحوّلهاإليك؟ فتأبّي. ثم أجاب، فلم يزل " به " حتى شغف بها وشغفت به. وعلم ذلك أهل مكة. فقالت له يوماً وقد خلوا: أنا والله أحبك؛ فقال: وأنا والله أحبك. قالت: فأنا أحب أن أضع فمي على فمك؛ قال: وأنا والله. قالت: وأنا والله أحب أن أضع صدري على صدرك؛ قال: وأنا والله. قالت فما يمنعك؟ والله إن الموضع لخال! فأطرق ساعةً، ثم قال: إني سمعت الله يقول: " الأخلاء يومئذٍ بعضهم لبعضٍ عدواً إلا المتقين " ، وأنا والله أكره أن تكون خلّة ما بيني وبينك عداوةً يوم القيامة. ونهض وعاد إلى طريقته التي كان عليها. وفيه قيل:
لقد فتنت ريا وسلا القسا ... ولم تتركا للقس عقلاً ولا نفسا
ومن شعره فيها:
أهابك أن أقول بذلت نفسي ... ولو أني أطيع القلب قالا
حياءً منك حتى شفّ جسمي ... وشق عليّ كتماني وطالا
وهو القائل:
قد كنت أعذل في السفاهة أهلها ... فأعجب لما تأتي به الأيام
فاليوم أرحمهم وأعلم أنما ... سبل الغواية والهدى أقسام
وهو القائل:
ألم ترها لا يبعد الله دارها ... إذا مرحت في صوتها كيف تصنع
تمد نظام القول ثم ترده ... إلى صلصل في حلقها فترجع
كتاب منية إلى قابوس ورده عليها كتبت منية إلى قابوس: من سن سنة فليرض بأن يحكم عليه بها. ومن سأل مسألة فليرض من العطية بقدر بذله. لكل عملٍ ثوابٌ، ولكل فعل جزاء. ومن بدأ بالظلم كان أظلم. ومن انتصر فقد أنصف. والعفو أقرب إلى العقل. وغير مسيءٍ من أعتب. وغير مذنبٍ من طوّل. " مع " المخض تبدو الزبدة. عند تناهي البلاء يكون الفرج. كل ذي قرحٍ يشتهي دواء قرحه. كل مطمع منتظر. كل آتٍ قريب. مع كل فرحةٍ ترحةٌ. من خبث سنخه غلظ كبده ونام حقده. الموت أروح من الهوى. اليأس أول سبب الراحة. السحر أنفذ من الشعر. دواء كل محب حبيبه. مع اليوم غدٌ. وكما تدين تدان. استشف الله لما بك، واسأله المدافعة عنك. فأجابها:

من الكرام تكون الرحمة، ومن اللئام تكون القسوة. من كرم أصله لان قلبه ورق وجهه. ومن عاقب بالذنوب ترك الفضل. ومن ترك الفضل أخطأ الحظ. وم لم يغفر لم يغفر له. ومن حقد واضطغن اكتسب الأعداء. أولى الناس بالرحمة من احتاج إليها فحرمها. لكل كربٍ فرجٌ، ولكل عمل ثوابٌ. من أحب رقّ لكل محب. لا داء أدوى من الهوى، ولا أوهن منه لذي القوى. لا ملكة أكرم من ملكة كريم، ولا قدرة ألأم من قدرة لئيم. ملكت فأسجحي: قدرت فاعفي. ويلٌ للشجي من الخلي. من كان في نعمةٍ لم يدر قدر البلية. من سها عقله فسد عيشه، ومن فسد عيشه كان الموت راحته. الآمال مبسوطة، والآجال معدودة. والمتوقع الموت. وحسرة الموت من مات بغصةٍ. خير الخير أعجله. من أراد معروفاً فلا يتطول. الحب أثقل محمول.
وكتب إليها أيضاً: قلّ من حبيبٍ كتاب، وعظم من محب مصاب. لكل آخر أوّل، مرقاةٌ إلى مرقاة. قد ينمو القليل فيكثر، ويضمحل الكثير فيذهب. من طلب وجد. ومن أدمن الاستفتاح فتحت له الأغلاق. أولى الأمور بالنجاح المواظبة. قد يتبع الظفر البصر، ويتبع البصر التغير والاستثقال، ويتبع الاستثقال الاستبدال؛ ولن يدوم شيء على حال. ولكل همّ فرجٌ. والعناء مقرونٌ بالرجاء. قد يستخرج بالكلمة الحية، وتنشأ من الحبة الشجرة. وفي اللقاء شفاء الغليل، وتنفس الهموم. ارتاد امرءٌ قبل حلوله، وتثبت قبل إقدامه. مع العجلة تكون الندامة، وفي التثبت تكون السلامة. العاقل من ابتدأ عملاً في غير حينه فبلغ في حين وقته. لا ينال بغير دواء شفاء. الصعب يمكن بعد منع. الرفق سبب القدرة. الخرق مفتاح الحرمان. من أسر أسراره دامت له لذاته. ربّ أكلةٍ تمنع أكلات، ولقيه تصدّ عن لقيات.
أبياتٌ في الغزل حسانٌ
يقر بعيني أن أرى من مكانه ... ذرى عقدات الأبرق المتقاود
وأن أراد الماء الذي شربت به ... سليمى فقد ملّ السرى كل واخد
وألصق أحشائي برد ترابه ... وإن كان مخلوطاً بسم الأساود
لأبي صخر الهذلي قال أبو صخر الهذلي:
أما والذي أبكى وأضحك والذي ... أمات وأحيا والذي أمره الأمر
لقد تركتني أحسد الوحش أن أرى ... أليقين منها لا يروعهما الذعر
فيا هجر ليلى قد بلغت بي المدى ... وذرت على ما لم يكن بلغ الهجر
ويا حبّها زدني جوىً كل ليلةٍ ... ويا سلوة الأيام موعدك الحشر
وصلتك حتى قيل لا يعرف القلى ... وزرتك حتى قلت ليس له صبر
جبت لسعي الدهر بيني وبينها ... فلما انقضى ما بيننا سكن الدهر
إذا ذكرت يرتاح قلبي لذكرها ... كما انتفض العصفور بلّله القطر
هل الوجد إلا أن قلبي لو دنا ... من الجمر قيد الرمح لاحترق الجمر
وقال آخر:
أيا خلّة النفس التي ليس دونها ... لنا من أخلاء الصفاء خليل
ويا من كتمنا حبّه لم يطع به ... عدوٌّ ولم يؤمن عليه دخيل
أما من مقامٍ أشتكي غربة النوى ... وجور العدا فيه إليك سبيل
وكنت إذا ما جئت جئت بعلةٍ ... فأفنيت علاتي فأيش أقول
وما كلّ يومٍ لي بأرضك حاجةٌ ... وما كل يوم لي إليك رسول
المجنون وقال المجنون:
وإني لأستغشي وما بي نعسةٌ ... لعل خيلاً منك يلقى خياليا
وأخرج من بين الجلوس لعلني ... أحدّث عنك النفس في السر خاليا
وقال أيضاً:
فأدنيتني حتى إذا ما ملكتني ... بقول يحلّ العصم سهل الأباطح
تجافيت عني حين لا لي حيلةٌ ... وخلفت ما خلفت بين الجوانح
للعباس بن الأحنف ونحوه قول العباس بن الأحنف:
أشكو الذين أذاقوني مودّتهم ... حتى إذا أيقظوني في الهوى رقدوا
واستنهضوني فلما قمت منتهضاً ... من ثقل ما حمّلوني في الهوى قعدوا
لبعض المحدثين وقال بعض المحدثين:
من كان يبكي لما بي ... من طول وجدٍ رسيس
فالآن قبل وفاتي ... " لا عطر بعد عروس "
للعباس بن جرير، ولآخرين

وقال العباس بن جرير من ولد خالد بن عبد الله:
ظلّت الأحزان تكحلني ... مضضاً طالت له سنتي
من هوى ظبيٍ كأن له ... أرباً بالصد في ترتي
قد حمى عيني محاسنه ... وحمى تقبيله شفتي
شركت عيناه ظالمة ... في دمي قد عظم ما جنت
لابن الطثرية وقال ابن الطثرية:
وإن كنتم ترجون أن يذهب الهوى ... يقيناً ونروى بالشراب فننقعا
فردّوا هبوب الريح أو غيّروا الجوى ... إذا حلّ ألواذ الحشا فتمنعا
تلفتّ نحو الحيّ حتى وجدتني ... وجعت من الإصغاء ليتاً وأخدعا
وقال ابن ميادة:
بنفسي وأهلي من إذا عرضوا له ... ببعض الأذى لم يدر كيف يجيب
ولم يعتذر عذر البريء ولم يزل ... له سكتةٌ حتى يقال مريب
وقال عليّ بن الجهم في رقعة أتته بخطّ جاريةٍ:
ما رقعةٌ جاءتك مثنية ... كأنها خدٌّ على خدّ
نبذ سوادٍ في بياضٍ كما ... ذرّ فتيت المسك في الورد
ساهمة الأسطر مصروفةٌ ... عن ملح الهزل إلى الجدّ
يا كاتباً أسلمني عتبه ... إليه حسبي منك ما عندي
وقال جريرٌ:
أتجمع قلباً بالعراق فريقه ... ومنه بأظلال الأراك فريق
أوانس أما من أردن عناءه ... فعانٍ ومن أطلقن فهو طليق
دعون الهوى ثم ارتمين قلوبنا ... بأسهم أعداءٍ وهنّ صديق
وقال آخر:
لذان تضنيهما للبين فرقته ... ولا يملان طول الدهر ما اجتمعا
مستقبلان بساهٍ من شبابهما ... إذا دعا دعوة الداعي الهوى شمعا
لا يعجبان لقول الناس عن عرضٍ ... بل يعجبان لما قالا وما سمعا
لأعرابي وقال أعرابيّ:
وقلن لها سرّاً وقيناك لا يقم ... صحيحاً فإن لم تقتليه فألممي
فأذرت قناعاً دونه الشمس واتّقت ... بأحسن موصولين كفّ ومعصم
فراح وما أدري أفي طلعة الضّحى ... يروّخ أم داجٍ من الليل مظلم
وقال آخر:
يا أحسن الناس من قرن إلى قدم ... لم ألق مثلك في حلّ ولا حرم
يا من تلبّس حسن الغانيات به ... قد خطّ قبلك فيما خطّ بالقلم
لذي الرمة وقال ذو الرمةّ:
وقد كنت أبكي والنّوى مطمئنةٌ ... بنا وبكم من علم ما البين صانع
وأشفق من هجرانكم ويشفّني ... مخافة وشك البين والشمل جامع
وأهجركم هجر البغيض وحبّكم ... على كبدي منه شؤونٌ صوادع
وقال أيضاً:
وقد كنت أخفي حبّ ميّ وذكرها ... رسيس الهوى حتى كأنّ لا أريدها
ما زال يغلو حبّ ميّة عندنا ... ويزداد حتى لم نجد ما يزيدها
وقال:
وما زلت أطوي النفس حتى كأنها ... بذي الرّمث لم تخطر على بال ذاكر
حياءٌ وإشفاقاً من الركب أن يروا ... دليلاً على مستودعات الضمائر
وقال آخر:
قل لحادي المطيّ روّح قليلاً ... نجعل العيس سيرهنّ ذميلاً
لا تفقها على السبيل ودعها ... يهدها شوق من عليها السّبيلا
وقال آخر:
فإن يرتحل صحبي بجثمان أعظمي ... يقم قلبي المحزون في منزل الرّكب
ونحوه:
جسدٌ مقيمٌ في الدّيا ... ر وروحه في الطاعنين
وقال آخر:
لعمر أبي المحضير أيّام نلتقي ... بما لا نلاقيها من الدّهر أكثر
يعدّون يوماً واحداً إن أتيتها ... وينسون ما كانت من الدهر تهجر
لحميد بن ثور وقال حميد بن ثور:
وقلن لها قومي فدنياك فاركبي ... فأومت بلا لا غير ما أن تكلّما
يهادينها حتى لوت بزمامه ... بناناً كهدّاب الدّمقس ومعصما
من البيض عاشت بين أمّ عزيزةٍ ... وبين أبٍ برّ أطاع وأكرما
منعّمةٌ لو يصبح الذّر سارياً ... على جلدها نضت مدارجه دما

فما ركبت حتى تطاول يومها ... وكانت لها الأيدي إلى الحدب سلّما
فجرجر لما كان في الخدر نصفها ... ونصفٌ على دأياته ما تحرّما
وما كاد لمّا أن علته يقلّها ... بنهضته حتى اطمأنّ وأعصما
وحتى تداعت بالنّقيص حباله ... وهمّت بواني زوره أن تحطما
وأثّر في صمّ الصّفا نفثاته ... ورّمت سليمى أمره ثم صمّما
فسبّحن واستهللن لما رأينه ... بها ربذاً سهل الأراجيح مرجما
من البيض مكسالٌ إذا ما تلبّست ... بحبل امرىء لم ينج منها مسلّما
رقودٌ الضّحى لا تقرب الجيرة القصى ... ولا الجيرة الأذنين إلا تجشّما
وليست من اللاّتي يكون حديثها ... أمام بيوت الحيّ إنّ وإنّما
لقيس بن ذريح وقال قيس بن ذريح:
تعلّق روحي قبل خلقنا ... ومن بعد ما كنّا نطافاً وفي المهد
فزاد كما زدنا فأصبح نامياً ... فليس وإن متنا بمنفصم العهد
ولكنّه باقٍ كلّ حادثٍ ... وزائرنا في ظلمة القب واللّحد
يكاد حباب الماء يخدش جلدها ... إذا اغتسلت بالماء من رقّة الجلد
ولو لبست ثوباً من الورد خالصاً ... لخدّش منها جلدها ورق الورد
يثقّلها لبس الحرير للينها ... وتشكو إلى جارتها ثقل العقد
وأرحم خدّيها إذا ما لحظتها ... حذاراً للحظي أن يؤثر في الخد
تم كتاب النساء،وهو الكتاب العاشر من عيون الأخبار، لابن قتيبة رحمة اللّه عليه، وتمّ بتمامه كتاب عيون الأخبار. وكتبه الفقير إلى رحمة اللّه تعالى إبراهيم بن عمر ابن محمد بن عليّ الواعظ الجزريّ، في شهور سنة أربع وتسعين وخمسمائة.
والحمد للّه رب العالمين وصلاته وسلامه على خير خلقه ومظهر حقّه محمد وآله أجمعين " جاء في أوّل الجزء العاشر على ظهر الصفحة الأولى من النسخة الخطية التي نقل عنها الأصل الفتوغرافي " أ. " ما يأتي "
قال لي قائل وقد لاح في فو ... ديّ مستشرقاً بياض القتير
لم يعرف البياض بيض الغواني ... قلت علمي وأنت عين الخبير
ليس كره النساء للشّيب إلا ... أنه منذرٌ بنوم الأيور
لعلي عليه السلام في صفة الجماع روي عن عليّ عليه السلام أنه سئل عن صفة الجماع فقال: عوراتٌ تجتمع وحياءٌ يرتفع، إذا ظهر للعيون كان أشبه بالجنون. الإقامة عليه هرم، والإفاقة منه ندم؛ ثمرة حلاله الولد، إن عاش أفتن، وإن مات أحزن:
إذا لم يكن في منزل المرء حرّةٌ ... مدبرةٌ ضاعت مروءة داره
بين عبد الملك بن مروان وجماعة من الشعراء وقيل: اجتمع جماعةٌ من الشعراء عند عبد الملك بن مروان فتذاكروا بيت نصيب وهو قوله:
أهيم بدعدٍ ما حييت فإن أمت ... أوكّل بدعدٍ من يهيم بها بعدي
فما في القوم إلا من عابه وأزرى على نصيب فيه، فقال عبد الملك: فما كنتم تقولون أنتم؟ فقال واحد منهم: كنت أقول يا أمير المؤمنين:
أهيم بدعدٍ ما حييت وإن مت ... فيا ليت شعري من يهيم بها بعدي
فقال له عبد الملك: أنت أسوأ رأياً من نصيب. فقالوا: فماذا كنت تقول أنت يا أمير االمؤمنين؟ قال: كنت أقول:
أهيم بدعدٍ ما حييت وإن أمت ... فلا صلحت دعدٌ لذي خلّةٍ بعدي
فقالوا: أنت واللّه أشعر الثلاثة يا أمير المؤمنين.

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6