كتاب : المغازي
المؤلف : الواقدي

الجزء الأول
بسم الله الرحمن الرحيم

أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي بن محمد الجوهري، قال: حدثنا أبو عمر محمد بن العباس بن محمد بن زكريا بن حيويه لفظاً، قال: قرىء علي أبي القاسم عبد الوهاب بن أبي حية من كتابه وأنا أسمع، وأقر به، يوم السبت بالغداة، في دار أبي عبد الله الوراق، مربعة شبيب، باب الشام، في باب الذهب، في درب البلخ، في جمادى الآخرة سنة ثمانى عشرة وثلثمائة، قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن شجاع الثلجي، قال: حدثني محمد بن عمر الواقدي، قال: حدثني عمر بن عثمان بن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع المخزومي، وموسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، ومحمد بن عبد الله بن مسلم، وموسى بن يعقوب بن عبد الله بن وهب بن زمعة، وعبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة، وأبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة، وسعيد بن عثمان بن عبد الرحمن بن عبد الله التيمي، ويونس بن محمد الظفري، وعائذ بن يحيى، ومحمد بن عمرو، ومعاذ بن محمد الأنصاري، ويحيى بن عبد الله ابن أبي قتادة، وعبد الرحمن بن عبد العزيز بن عبد الله بن عثمان بن حنيف، وابن أبي حبيبة، ومحمد بن يحيى بن سهل بن أبي حثمة، وعبد الحميد بن جعفر، ومحمد بن صالح بن دينار، وعبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر، ويعقوب بن محمد بن أبي صعصة، وعبد الرحمن بن أبي الزناد، وأبو معشر، ومالك بن أبي الرجال، وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، وعبد الحميد بن عمران بن أبي أنس، وعبد الحميد بن أبي عبس، فكل قد حدثني من هذا بطائفة، وبعضهم أوعى لحديثه من بعضٍ، وغيرهم قد حدثني أيضاً، فكتبت كل الذي حدثوني، قالوا: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة يوم الاثنين لاثنتي عشرة مضت من شهر ربيع الأول، ويقال لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول، والثابت لاثنتي عشرة. فكان أول لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم لحمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه في شهر رمضان، على رأس سبعة أشهر من مهاجرة النبي صلى الله عيه وسلم، يعترض لعير قريش. ثم لواء عبيدة بن الحارث في شوال على ثمانية أشهر من الهجرة إلى رابغ وهي على عشرة أميال من الجحفة وأنت تريد قديد وكانت في شوال على رأس تسعة أشهر. ثم سرية سعد بن أبي وقاص إلى الخرار، على رأس تسعة أشهر في ذي القعدة. ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفر، على رأس أحد عشر شهراً، حتى بلغ الأبواء، ثم رجع ولم يلق كيداً، وغاب خمس عشرة ليلة. ثم غزا بواط في شهر ربيع الأول، على رأس ثلاثة عشر شهراً، يعترض لعير قريش، فيها أمية بن خلف ومائة رجل من قريش، وألفان وخمسمائة بعير، ثم رجع ولم يلق كيداً، وبواط هي من الجحفة قريب. ثم غزا في شهر ربيع الأول على رأس ثلاثة عشر شهراً، في طلب كرز بن جابر الفهري حتى بلغ بدراً، ثم رجع. ثم غزا في جمادى الآخرة على رأس ستة عشر شهراً، يعترض لعيرات قريش حين بدت إلى الشام، وهي غزوة ذى العشيرة، ثم رجع. فبعث عبد الله بن جحش إلى نخلة في رجب، على رأس سبعة عشر شهراً. ثم غزا بدر القتال، صبيحة سبع عشرة من رمضان يوم الجمعة، على رأس تسعة عشر شهراً. ثم سرية عصماء بنت مروان، قتلها عمير بن عدي بن خرشة. حدثني عبد الله بن الحارث بن الفضل، عن أبيه، أنه قال: قتلها لخمس ليالٍ بقين من رمضان، على رأس تسعة عشر شهراً. ثم سرية سالم بن عمير، قتل أبا عفك في شوال، على رأس عشرين شهراً. ثم غزوة قنقاع في النصف من شوال، على رأس عشرين شهراً. ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة السويق في ذي الحجة، على رأس اثنين وعشرين شهراً. ثم غزا النبي صلى الله عليه وسلم بني سليم بالكدر في المحرم، على رأس ثلاثة وعشرين شهراً. ثم سرية قتل ابن الأشرف في ربيع الأول، على رأس خمسة وعشرين شهراً. ثم غزوة غطفان إلى نجد، وهي ذو أمر، في ربيع الأول على رأس خمسة وعشرين شهراً. ثم سرية عبد الله بن أنيس إلى سفيان بن خالد بن نبيح الهذلي. قال عبد الله: خرجت من المدينة يوم الاثنين لخمس ليال خلون من المحرم، على رأس خمسة وثلاثين شهراً، فغبت ثماني عشرة ليلة، وقدمت يوم السبت لسبعٍ بقين من المحرم. ثم غزا النبي صلى الله عليه وسلم بني سليم ببحران في جمادى الأولى، على رأس سبعة وعشرين شهراً. ثم سرية القردة، أميرها زيد بن حارثة، في جمادى الآخرة على رأس ثمانية وعشرين شهراً، فيها أبو سفيان بن حرب. ثم غزا

النبي صلى الله عليه وسلم أحداً في شوال، على رأس اثنين وثلاثين شهراً. ثم غزا النبي صلى الله عليه وسلم حمراء الأسد في شوال، على رأس اثنين وثلاثين شهراً. ثم سريةٌ أميرها أبو سلمة بن عبد الأسد إلى قطن إلى بني الأسد، على رأس خمسة وثلاثين شهراً في المحرم. ثم بئر معونة، أميرها المنذر بن عمرو، في صفر على رأس ستة وثلاثين شهراً. ثم غزوة الرجيع في صفر، على رأس ستة وثلاثين شهراً، أميرها مرثد. ثم غزا النبي صلى الله عليه وسلم بني النضير في ربيع الأول، على رأس سبعة وثلاثين شهراً. ثم غزا النبي صلى الله عليه وسلم بدر الموعد في ذي القعدة، على رأس خمسة وأربعين شهراً. ثم سرية ابن عتيك إلى ابن أبي الحقيق فزعت يهود إلى سلام بن مشكم بخيبر فأبى أن يرأسهم، فقام أسير بن زارم بحربهم. ثم غزا النبي صلى الله عليه وسلم ذات الرقاع في المحرم، على رأس سبعة وأربعين شهراً. ثم غزا دومة الجندل في ربيع الأول، على رأس تسعة وأربعين شهراً. ثم غزا النبي صلى الله عليه وسلم المريسيع، في شعبان سنة خمس. ثم غزا النبي صلى الله عليه وسلم الخندق في ذي القعدة سنة خمس. ثم غزا النبي صلى الله عليه وسلم بني قريظة في ليالٍ من ذي القعدة وليالٍ من ذي الحجة سنة خمس. ثم سرية ابن أنيس إلى سفيان بن خالد بن نبيح، في المحرم سنة ست، ثم سرية محمد بن مسلمة في المحرم سنة ست إلى القرطاء. ثم غزوة النبي صلى الله عليه وسلم بني لحيان، إلى الغابة، في ربيع الأول سنة ست. ثم سرية أميرها عكاشة بن محصن إلى الغمر، في ربيع الآخر سنة ست. ثم سرية محمد بن مسلمة إلى ذي القصة، في ربيع الآخر سنة ست. ثم سريةٌ أميرها أبو عبيدة بن الجراح إلى ذي القصة، في ربيع الآخر سنة ست. ثم سرية زيد بن حارثة إلى بني سليم بالجموم، في ربيع الآخر سنة ست، وكانتا في شهرٍ واحد الجموم ما بين بطن نخل والنقرة. ثم سرية زيد بن حارثة إلى العيص في جمادى الأولى سنة ست. ثم سرية زيد بن حارثة إلى الطرف في جمادى الآخرة سنة ست والطرف على ستة وثلاثين ميلاً من المدينة. ثم سرية زيد بن حارثة إلى حسمى في جمادى الآخرة سنة ست وحسمى وراء وادي القرى. ثم سرية زيد بن حارثة إلى وادي القرى في رجب سنة ست. ثم سريةٌ أميرها عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل في شعبان سنة ست. ثم غزوة علي عليه السلام إلى فدك في شعبان سنة ست. ثم غزوة زيد بن حارثة إلى أم قرفة في رمضان سنة ست ناحية وادي القرى إلى جانبها. ثم غزوة ابن رواحة إلى أسير بن زارم في شوال سنة ست. ثم سرية كرز بن جابر إلى العرنيين في شوال سنة ست. ثم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم عمرة الحديبية في ذي القعدة سنة ست. ثم غزا النبي صلى الله عليه وسلم خيبر في جمادى الآخرة، فقاتل بها سنة سبع. ثم سرية عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى تربة في شعبان بن أبي قحافة رضي الله عنه في شعبان إلى نجد، سنة سبع. ثم سرية بشير بن سعد إلى فدك في شعبان سنة سبع. ثم سرية غالب بن عبد الله إلى الميفعة في رمضان سنة سبع والميفعة ناحية نجد. ثم سرية بشير بن سعد إلى الجناب، في شوال سنة سبع. ثم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم عمرة القضية في ذي القعدة سنة سبع. ثم غزوة ابن أبي العرجاء السلمى في ذي الحجة سنة سبع. ثم غزوة غالب بن عبد الله إلى الكديد، في صفر سنة ثمان والكديد وراء قديد. ثم سرية شجاع بن وهب، في ربيع الأول سنة ثمان، إلى بني عامر بن الملوح. ثم غزوة كعب بن عمير الغفاري في سنة ثمان، في ربيع الأول، إلى ذات أطلاح وأطلاح ناحية الشام من البلقاء على ليلة. ثم غزوة زيد بن حارثة إلى مؤتة، سنة ثمان. ثم غزوةٌ أميرها عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل، في جمادى الآخرة سنة ثمان. ثم غزوة الخبط أميرها أبو عبيدة بن الجراح، في رجب سنة ثمان. ثم سرية خضرة، أميرها أبو قتادة، في شعبان سنة ثمان وخضرة ناحية نجد على عشرين ميلاً عند بستان ابن عامر. ثم سرية أبي قتادة إلى إضم، في رمضان سنة ثمان. ثم غزا النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح، في ثلاث عشرة مضت من رمضان سنة ثمان. ثم هدم العزى لخمس ليالٍ بقين من رمضان سنة ثمان، هدمها خالد بن الوليد. ثم هدم سواع، هدمه عمرو بن العاص، وكان في رمضان. ثم هدم مناة، هدمها سعد بن زيد الأشهلي في رمضان سنة ثمان. ثم غزوة بني جذيمة، غزاها خالد بن الوليد في

شوال سنة ثمان. ثم غزا النبي صلى الله عليه وسلم حنيناً في شوال سنة ثمان. ثم غزا النبي صلى الله عليه وسلم الطائف في شوال سنة ثمان. وحج الناس سنة ثمان. ويقال إن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل عتاب بن أسيد على الحج، ويقال حج الناس أوزاعاً بلا أمير. ثم سرية عيينة بن حصن إلى بني تميم في المحرم سنة تسع. ثم سرية قطبة بن عامر إلى خثعم في صفر سنة تسع. ثم سرية بني كلاب في ربيع الأول سنة تسع، أميرها الضحاك بن سفيان، ثم سرية علقمة بن محرز إلى الحبشة، في ربيع الآخر سنة تسع. ثم سرية علي عليه السلام إلى الفلس، في ربيع الآخر سنة تسع. ثم غزوة النبي صلى الله عليه وسلم تبوك، في رجب سنة تسع. ثم سرية خالد بن الوليد إلى أكيدر، في رجب سنة تسع. ثم هدم ذى الكفين صنم عمرو بن حممة الدوسي. وحج الناس سنة تسع، وحج أبو بكر سنة تسع. ثم غزوة خالد بن الوليد إلى بني عبد المدان، في ربيع الأول سنة عشر. وسرية علي عليه السلام إلى اليمن، يقال مرتين إحداهما في رمضان سنة عشر. وحج النبي صلى الله عليه وسلم بالناس سنة عشر، ورجع من مكة فمرض بضع عشرة ليلة. وعقد لأسامة بن زيد في مرضه إلى الشام، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يخرج حتى بعثه أبو بكر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وتوفي يوم الاثنين لثنتي عشرة مضت من ربيع الأول سنة إحدى عشرة. سنة ثمان. ثم غزا النبي صلى الله عليه وسلم حنيناً في شوال سنة ثمان. ثم غزا النبي صلى الله عليه وسلم الطائف في شوال سنة ثمان. وحج الناس سنة ثمان. ويقال إن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل عتاب بن أسيد على الحج، ويقال حج الناس أوزاعاً بلا أمير. ثم سرية عيينة بن حصن إلى بني تميم في المحرم سنة تسع. ثم سرية قطبة بن عامر إلى خثعم في صفر سنة تسع. ثم سرية بني كلاب في ربيع الأول سنة تسع، أميرها الضحاك بن سفيان، ثم سرية علقمة بن محرز إلى الحبشة، في ربيع الآخر سنة تسع. ثم سرية علي عليه السلام إلى الفلس، في ربيع الآخر سنة تسع. ثم غزوة النبي صلى الله عليه وسلم تبوك، في رجب سنة تسع. ثم سرية خالد بن الوليد إلى أكيدر، في رجب سنة تسع. ثم هدم ذى الكفين صنم عمرو بن حممة الدوسي. وحج الناس سنة تسع، وحج أبو بكر سنة تسع. ثم غزوة خالد بن الوليد إلى بني عبد المدان، في ربيع الأول سنة عشر. وسرية علي عليه السلام إلى اليمن، يقال مرتين إحداهما في رمضان سنة عشر. وحج النبي صلى الله عليه وسلم بالناس سنة عشر، ورجع من مكة فمرض بضع عشرة ليلة. وعقد لأسامة بن زيد في مرضه إلى الشام، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يخرج حتى بعثه أبو بكر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وتوفي يوم الاثنين لثنتي عشرة مضت من ربيع الأول سنة إحدى عشرة.
فكانت مغازي النبي صلى الله عليه وسلم التي غزا بنفسه سبعاً وعشرين غزوة. وكان ما قاتل فيها تسعاً: بدر القتال، وأحد، والمريسيع، والخندق، وقريظة، وخيبر، والفتح، وحنين، والطائف. وكانت السرايا سبعاً وأربعين سرية، واعتمر ثلاث عمر. ويقال قد قاتل في بني النضير ولكن الله جعلها له نفلاً خاصة. وقاتل في غزوة وادي القرى في منصرفة عن خيبر، وقتل بعض أصحابه. وقاتل في الغابة حتى قتل محرز بن نضلة، وقتل في العدو ستة.

قالوا: واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في مغازية على المدينة: في غزوة ودان سعد بن عبادة، واستخلف في غزوة بواط سعد بن معاذ، وفي طلب كرز بن جابر الفهري زيد بن حارثة، وفي غزوة ذي العشيرة أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي، وفي غزوة بدر القتال أبا لبابة بن عبد المنذر العمري، وفي غزوة السويق أبا لبابة بن عبد المنذر العمري، وفي غزوة الكدر ابن أم مكتوم المعيصي، وفي غزوة ذي أمر عثمان بن عفان، وفي غزوة بحران ابن أم مكتوم، وفي غزوة أحد ابن أم مكتوم، وفي غزوة حمراء الأسد ابن أم مكتوم، وفي غزوة بني نضير ابن أم مكتوم، وفي غزوة بدر الموعد عبد الله بن رواحة، وفي غزوة ذات الرقاع عثمان بن عفان، وفي غزوة دومة الجندل سباع بن عرفطة، وفي غزوة المريسيع زيد بن حارثة، وفي غزوة الخندق ابن أم مكتوم، وفي غزوة بني قريظة ابن أم مكتوم، وفي غزوة بني لحيان ابن أم مكتوم، وفي غزوة الغابة ابن أم مكتوم، وفي غزوة الحديبية ابن أم مكتوم، وفي غزوة خيبر سباع بن عرفطة الغفاري، وفي عمرة القضية أبا رهم الغفاري، وفي غزوة الفتح وحنين والطائف ابن أم مكتوم، وفي غزوة تبوك ابن أم مكتوم، ويقال محمد بن مسلمة الأشهلي، وفي حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم.
وكان شعار رسول الله صلى الله عليه وسلم في القتال، في بدر: يا منصور أمت، ويقال جعل شعار المهاجرين: بني عبد الرحمن، والخزرج: بني عبد الله، والأوس: بني عبيد الله، وفي يوم الأحد: أمت أمت، وفي بني النضير: أمت أمت، وفي المريسيع: أمت أمت وفي الخندق: حم لا ينصرون، وفي قريظة والغابة لم يسم أحداً، وفي حنين: يا منصور أمت، وفي الفتح شعار المهاجرين: بني عبد الرحمن، وجعل شعار الخزرج: بني عبد الله، والأوس: بني عبيد الله، وفي خيبر: بني عبد الرحمن للمهاجرين، وللخزرج: بني عبد الله، وللأوس: بني عبيد الله، وفي الطائف لم يسم أحداً.
سرية حمزة بن عبد المطلبوكانت سرية حمزة بن عبد الملطلب في رمضان، على رأس سبعة أشهر من مهاجرة النبي صلى الله عليه وسلّم.
قالوا: أول لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلّم بعد أن قدم المدينة لحمزة بن عبد المطلب، بعثه في ثلاثين راكباً شطرين، خمسة عشر من المهاجرين وخمسة عشر من الأنصار، فكان من المهاجرين: أبو عبيدة ابن الجراح، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وسالم مولة أبى حذيفة، وعامر بن ربيعة، وعمرو بن سراقة، وزيد بن حارثة، وكناز بن الحصين وابنه مرثد بن كناز، وأنسة مولى رسول صلى الله عليه وسلّم، في رجال. ومن الأنصار: أبى بن كعب، وعمارة بن حزم، وعبادة بن الصامت، وعبيد بن أوس، وأوس بن خولى، وأبو دجانة، والمنذر بن عمرو، ورافع ابن مالك، وعبد الله بن عمرو بن حرام، وقطبة بن عامر بن حديدة، في رجال لم يسموا لنا.
فبلغوا سيف البحر يعترض لعير قريش قد جاءت من الشام تريد مكة، فيها أبو جهل في ثلاثمائة راكب من أهل مكة. فالتقوا حتى اصطفوا للقتال، فمشى بينهم مجدى بن عمرو، وكان حليفاً للفريقين جميعاً، فلم يزل يمشى إلى هولاء وإلى هؤلاء حتى انصرف القوم وانصرف حمزة راجعاً إلى المدينة في أصحابه، وتوجه أبو جهل في عيره وأصحابه إلى مكة، ولم يكن بينهم قتال. فلما رجع حمزة إلى النبي صلى الله عليه وسلّم خبره بما حجز بينهم مجدى، وأنهم رأوا منه نصفة لهم، فقدم رهط، مجدىً على النبي صلى الله عليه وسلّم فكساهم وصنع إليهم خيراً، وذكر مجدى بن عمرو فقال: إنه ما علمت ميمون النقيبة مبارك الأمر. أو قال: رشيد الأمر.
حدثني عبد الرحمن بن عياش، عن عبد الملك بن عبيد، عن ابن المسيب وعبد الرحمن بن سعيد بن يربوع، قالا: لم يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلّم أحداً من الأنصار مبعثاً حتى غزا بنفسه إلى بدر، وذلك أنه ظن أنهم لا ينصرونه إلا في الدار، وهو المثبت.
سرية عبيدة بن الحارث إلى رابغ

ثم عقد لواء لعبيدة بن الحارث، في شوال على رأس ثمانية أشهر، إلى رابغ ورابغ على عشرة أميال من الجحفة وأنت تريد قديداً. فخرج عبيدة في ستين راكباً، فلقى أبا سفيان بن حرب على ماءٍ له أحياء من بطن رابغ، وأبو سفيان يومئذ في مائتين. فكان أول من رمى بسهمٍ في الإسلام سعد بن أبي وقاص، نثر كنانته وتقدم أمامه أصحابه وترس أصحابه عنه. قال: فرمى بما في كنانته حتى أفناها، ما فيها سهمٍ إلا ينكى به. ويقال: كان في الكنانة عشرون سهماً، فليس منها سهمٌ إلا يقع فيجرح إنساناً أو دابةً. ولم يكن سهم يومئذٍ إلا هذا، لم يسلوا السيوف ولم يصطفوا للقتال أكثر من هذا الرمى والمناوشة، ثم انصرف هؤلاء على حاميتهم، وهؤلاء على حاميتهم. فكان سعد بن أبي وقاص يقول فيما حدثني ابن أبي سبرة، عن المهاجر بن مسمار، قال: كان الستون كلهم من قريش. قال سعد: فقلت لعبيدة: لو اتبعناهم لأصبناهم، فإنهم قد ولوا مرعوبين. قال: فلم يتابعني على ذلك، فانصرفوا إلى المدينة.
سرية سعد بن أبي وقاص إلى الخرارثم عقد رسول الله صلى الله عليه وسلّم لواء لسعد بن أبي وقاص إلى الخرار - والخرار من الجحفة قريب من خم - في ذي القعدة، على رأس تسعة أشهر من مهاجرة رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
فحدثني أبو بكر بن إسماعيل بن محمد، عن أبيه، عن عامر بن سعد، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: اخرج يا سعد حتى تبلغ الخرار، فإن عيراً لقريش ستمر به. فخرجت في عشرين رجلاً أو أحدٍ وعشرين على أقدامنا، فكنا نكمن النهار ونسير الليل حتى صبحناها صبح خمسٍ، فنجد العير قد مرت بالأمس. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم عهد إلى ألا أجاوز الخرار، ولولا ذلك لرجوت أن أدركهم.
فيقال: لم يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلّم أحداً من الأنصار مبعثاً حتى غزا بهم بدراً، وذلك لأنهم شرطوا له أن يمنعوه في دارهم. حدثني بذلك عبد الرحمن بن عياش المخزومي، عن عبد الملك بن عبيد بن سعيد بن يربوع، عن سعيد بن المسيب، وعبد الرحمن بن سعيد بن يربوع.
غزوة الأبواءثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، في صفر على رأس أحد عشر شهراً، حتى بلغ الأبواء يعترض لعير قريش، فلم يلق كيداً، وفي هذه الغزاة وادع بني ضمرة من كنانة على ألا يكثروا عليه، ولا يعينوا عليه أحداً. ثم كتب بينهم كتاباً، ثم رجع، وكانت غيبته خمس عشرة ليلة.
غزوة بواطثم غزا بواط - وبواط حيال ضبة من ناحية ذي خشب، بين بواط والمدينة ثلاثة برد - في ربيع الأول على رأس ثلاثة عشر شهراً، يعترض لعير قريش، فيها أمية بن خلف ومائة ردلٍ من قريش، وألفان وخمسمائة بعير، ثم رجع ولم يلق كيداً.
غزوة بدر الأولثم غزا في ربيع الأول على رأس ثلاثة عشر شهراً في طلب كرز بن جابر الفهري، أغار على سرح المدينة، وكان يزعى بالجماء ونواحيها، حتى بلغ بدراً ولم يدركه.
غزوة ذي العشيرةثم غزا في جمادى الآخرة على رأس ستة عشر شهراً، يعترض لعيرات قريش حين أبدأت إلى الشام، فندب أصحابه فخرج في خمسين ومائة - ويقال في مائتين - وكان قد جاءه الخبر بفصول العير من مكة تريد الشام، قد جمعت قريش أموالها فهي في تلك العير، فسلك على نقب من بني دينار بيوت السقيا، وهي غزوة ذي العشيرة.
سرية نخلةثم سريةٌ أميرها عبد الله بن جحش إلى نخلة، ونخلة وادي بستان، ابن عامر، في رجب على رأس سبعة عشر شهراً.

قالوا: قال عبد الله بن جحش: دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلّم حين صلى العشاء فقال: واف مع الصبح، معك سلاحك، أبعثك وجهاً! قال: فوافيت الصبح وعى سيفي وقوسي وجعبتي ومعي درقتي، فصلى النبي صلى الله عليه وسلّم بالناس الصبح ثم انصرف، فيجدني قد سبقته واقفاً عند بابه، وأجد نفراً معي من قريش. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أبى بن كعب فدخل عليه، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلّم وكتب كتاباً. ثم دعانتي فأعطاني صحيفةً من أديمٍ خولاني فقال: قد استعملتك على هؤلاء النفر، فامض حتى إذا سرت ليلتين فانشر كتابي، ثم امض لما فيه. قلت: يا سول الله، أي ناحية؟ فقال: اسلك النجدية، تؤم ركية قال: فانطلق حتى إذا كان ببئر ابن ضميرة نشر الكتاب فقرأه فإذا فيه: سر حتى تأتي بطن نخلة على اسم الله وبركاته، ولا تكرهن أحداً من أصحابك على المسير معك، وامض لأمري فيمن تبعك حتى تأتي بطن نخلة فترصد بها عير قريش. فلما قرأ عليهم الكتاب قال: لست مستكرهاً منكم أحداً، فمن كان يريد الشهادة فليمض لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم ومن أراد الرجعة فمن الآن! فقالوا أجمعون: نحن سامعون ومطيعون لله ورسوله ولك، فسر على بركة الله حيث شئت. فسار حتى جاء نخلة فوجد عيراً لقريش فيها عمرو بن الحضرمي، والحكم بن كيسان المخزومي، وعثمان بن عبد الله بن المغيرة المخزومي، ونوفل بن عبد الله المخزومي. فلما رأوهم أصحاب العير هابوهم وأنكروا أمرهم، فحلق عكاشة رأسه من ساعته، ثم أوفى ليطمئن القوم.
قال عامر بن ربيعة: فحلقت رأس عكاشة بيدي وقد رأى واقد ابن عبد الله وعكاشة أن يغيروا عليهم فيقول لهم: عمار! نحن في شهر حرام! فأشرف عكاشة فقال المشركون بعضهم لبعض: لا بأس، قومٌ عمار! فأمنوا في أنفسهم، وقيدوا ركابهم وسرحوها، واصطنعوا طعاماً. تشاور أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم في أمرهم - وكان آخر يوم من رجب، ويقال أول يوم من شعبان - فقالوا: إن أخرتم عنهم هذا اليوم دخلوا الحرم فامتنعوا، وإن أصبتموهم ففي الشهر الحرام. وقال قائل: لا ندري أمن الشهر الحرام هذا اليوم أم لا. وقال قائل: لا نعلم هذا اليوم إلا من الشهر الحرام، ولا نرى أن تستحلوه لطمع أشفيتم عليه. فغلب على الأمر الذين يريدون عرض الدنيا، فشجع القوم فقاتلوهم. فخرج واقد ابن عبد الله يقدم القوم، قد أنبض قوسه وفوق بسهمه، فرمى عمرو بن الحضرمي - وكان لا يخطى رميته - بسهم فقتله. وشد القوم عليهم، فاستأسر عثمان بن عبد الله بن المغيرة، وحكم بن كيسان، وأعجزهم نوفل ابن عبد الله بن المغيرة، واستاقوا العير.
حدثنا محمد قال: حدثنا محمد قال: حدثني علي بن يزيد بن عبد الله بن وهب بن زمعة الأسدي، عن أبيه عن عمته، عن أمها كريمة ابنة المقداد، عن المقداد بن عمرو، قال: أنا أسرت الحكم ابن كيسان، فأراد أميرنا ضرب عنقه، فقلت: دعه، نقدم به على رسول الله صلى الله عليه وسلم! فقدمنا به على رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام، فأطال رسول الله صلى الله عليه وسلّم كلامه، فقال عمرو بن الخطاب رضي الله عنه: تكلم هذا يا رسول الله؟ والله لا يسلم هذا آخر الأبد، دعني أضرب عنقه ويقدم إلى أمه الهاوية! فجعل النبي صلى الله عليه وسلّم لا يقبل على عمر حتى أسلم الحكم، فقال عمر: فما هو إلا أن رأيته قد أسلم، وأخذني ما تقدم وتأخر وقلت: كيف أراد على النبي صلى الله عليه وسلّم أمراً هو أعلم به مني، ثم أقول: إنما أردت بذلك النصيحة لله ولرسول! قال عمر: فأسلم والله فحسن إسلامه، وجاهد في الله حتى قتل شهيداً يوم بئر معونة، ورسول الله صلى الله عليه وسلّم راضٍ عنه ودخل الجنان.

حدثنا محمد قال: حدثنا الواقدي قال: وحدثني محمد بن عبد الله، عن الزهري قال: قال الحكم: وما الإسلام؟ قال: تعبد الله وحده لا شريك له، وتشهد أن محمداً عبده ورسوله. قال: قد أسلمت. فالتفت النبي صلى الله عليه وسلّم إلى أصحابه فقال: لو أطعتكن فيه آنفاً فقتلته، دخل النار قالوا: واستاقوا العير، وكانت العير فيها خمرٌ وادمٌ وزبيبٌ جاءوا به من الطائف، فقدموا به على النبي صلى الله عليه وسلّم. فقالت قريش: قد استحل محمد الشهر الحرام، فقد أصاب الدم والمال، وقد كان يحرم ذلك ويعظمه. فقال من يرد عليهم: إنما أصبتم في ليلةٍ من شعبان. وأقبل القوم بالعير، فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقف العير فلم يأخذ منها شيئاً، وحبس الأسيرين، وقال لأصحابه: ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام.
فحدثني ابن أبي سبرة، عن سليمان بن سحيم قال: ما أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالقتال في الشهر الحرام ولا غير الشهر الحرام، إنما أمرهم أن يتحسسوا أخبار قريش.
قالوا: وسقط في أيدي القوم، وظنوا أن قد هلكوا، وأعظم ذلك من قدموا عليه، فعنفوهم ولاموهم، والمدينة تفور فور المرجل، وقالت اليهود: عمرو بن الحضرمي قتله واقد بن عبد الله التميمي، عمرو عمرت الحرب، والحضرمي حضرت الحرب، وواقد وقدت الحرب! قال ابن واقد: قد تفاءلوا بذلك، فكان ذلك من الله على يهود.
قالوا: وبعثت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلّم في فداء أصحابهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: لن نفديهما حتى يقدم صاحبانا! يعني سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان.
فحدثني أبو بكر بن إسماعيل بن محمد، عن أبيه قال، قال سعد ابن أبي وقاص: خرجنا مع عد الله بن جحش حتى ننزل ببحران - وبحران ناحية معدن بني سليم - فأرسلنا أباعرنا، وكنا اثني عشر رجلاً، كل اثنين يتعاقبان بعيراً. فكنت زميل عتبة بن غزوان وكان البعير له، فضل بعيرنا، وأقمنا عليه يومين نبغيه. ومضى أصحابنا وخرجنا في آثارهم فأخطأناهم، فقدموا المدينة قبلنا بأيام، ولم نشهد نخلة، فقدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهم يظنون أنا قد أصبنا، وقد أصابنا في سفرنا مجاعة، لقد خرجنا من المليحة وبين المليحة وبين المدينة ستة برد، وبينها وبين المعدن ليلة بين معدن بني سليم وبين المدينة. قال: لقد خرجنا من المليحة نوبةً، وما معنا ذواق حتى قدمنا المدينة. قال قائلٌ: أبا إسحاق، كم كان بين ذلك وبين المدينة؟ قال: ثلاث، كنا إذا بلغ منا أكلنا العضاه وشربنا عليه الماء، حتى قدمنا المدينة فنجد نفراً من قريش قد قدموا في فداء أصحابهم، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن يفاديهم وقال: إني أخاف على صاحبي. فلما قدمنا فاداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قالوا: وكان من قول رسول الله صلى الله عليه وسلّم لهم: إن قتلتم صاحبي قتلت صاحبيكم. وكان فداؤهما أربعين أوقية فضةً لكل واحد، والأوقية أربعون درهماً.
فحدثني عمر بن عثمان الجحشي، عن أبيه، عن محمد بن عبد الله بن جحش، قال: كان في الجاهلية المرباع، فلما رجع عبد الله بن جحش من نخلة خمس ما غنم، وقسم بين أصحابه سائر الغنائم، فكان أول خمس خمس في الإسلام حتى نزل بعد " واعلموا أنما غنمتم من شيءٍ فأن لله خمسه " .
فحدثني محمد بن يحيى بن سهل، عن محمد بن سهل بن أبي حثمة، عن رافع بن خديج، عن أبي بردة بن نيار، أن النبي صلى الله عليه وسلّم وقف غنائم أهل نخلة، ومضى إلى بدر، حتى رجع من بدر فقسمها مع غنائم أهل بدر، وأعطى كل قوم حقهم.
قالوا: ونزل القرآن " يسئلونك عن الشهر الحرام " ، فحدثهم الله في كتابه أن القتال في الشهر الحرام كما كان، من صدهم عن سبيل الله حتى يعذبوهم ويحبسوهم أن يهاجروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكفرهم بالله وصدهم المسلمين عن المسجد الحرام في الحج والعمرة، وفتنتهم إياهم عن الدين، ويقول: " والفتنة أشد من القتل " . قال: عنى به إساف ونائلة.
فحدثني معمر، عن الزهري، عن عروة، قال: فودى رسول الله صلى الله عليه وسلّم عمرو بن الحضرمي، وحرم الشهر الحرام كما كان يحرمه، حتى أنزل عز وجل " براءة " .

فحدثني أبو بكر بن أبي سبرة، عن عبد المجيد بن سهل، عن كريب، قال: سألت ابن عباس: هل ودي رسول الله صلى الله عليه وسلّم ابن الحضرمي؟ قال: لا. قال ابن واقد: والمجتمع عليه عندنا أنه لم يود. وفي تلك السرية سمى عبد الله بن جحش أمير المؤمنين، حدثني بذلك أبو معشر.
تسمية من خرج مع عبد الله بن جحش في سريتهثمانية نفر: عبد الله بن جحش، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وعامر بن ربيعة، وواقد بن عبد الله التميمي، وعكاشة بن محصن، وخالد ابن أبي البكير، وسعد بن أبي وقاص، وعتبة بن غزوان، ولم يشهدا الواقعة. ويقال كانوا اثني عشر، ويقال كانوا ثلاثة عشر، والثابت عندنا ثمانية.
بدء القتالقالوا: ولما تحين رسول الله صلى الله عليه وسلّم انصراف العير من الشام، ندب أصحابه للعير، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلّم طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد، قبل خروجه من المدينة بعشر ليال، يتحسسان خبر العير، حتى نزلا على كشد الجهني بالنخبار من الحوراء - والنخبار من وراء ذي المروة على الساحل - فأجارهما، وأنزلهما، ولم يزالا مقيمين عنده في خباءٍ حتى مرت العير، فرفع طلحة وسعيد على نشزٍ من الأرض، فنظرا إلى القوم، وإلى ماتحمل العير، وجعل أهل العير يقولون: يا كشد، هل رأيت أحداً من عيون محمد؟ فيقول: أعوذ بالله، وأني عيون محمد بالنخبار؟ فلم راحت العير باتا حتى أصبحا ثم خرجا، وخرج معهما كشد خفيراً، حتى أوردهما ذا المروة. وساحلت العير فأسرعت، وساروا الليل والنهار فرقاً من الطلب. فقدم طلحة بن عبيد الله وسعيد المدينة اليوم الذي لاقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم ببدر، فخرجا يعترضان النبي صلى الله عليه وسلّم، فلقياه بتربان وتربان بين ملل والسيالة على المحجة، وكانت منزل ابن أذينة الشاعر. وقدم كشد بعد ذلك، فاخبر النبي صلى الله عليه وسلّم سعيد وطلحة إجارته إياهما، فحياه رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأكرمه وقال: ألا أقطع لك ينبع؟ فقال: إني كبيرٌ وقد نفد عمري، ولكن أقطعها لابن أخي. فقطعها له.
قالوا: وندب رسول الله صلى الله عليه وسلّم المسلمين وقال: وهذه عير قريش فيها أموالهم، لعل الله يغنمكموها. فأسرع من أسرع، حتى إن كان الرجل ليساهم أباه في الخروج، فكان ممن ساهم سعد بن خيثمة وأبوه في الخروج إلى بدر، فقال سعد لأبيه: إنه لو كان غير الجنة آثرتك به، إني لأرجو الشهادة في وجهي هذا! فقال خيثمة: آثرني، وقر مع نسائك! فأبى سعد، فقال خيثمة: إنه لا بد لأحدنا من أن يقيم. فاستهما، فخرج سهم سعد فقتل ببدر.
وأبطأ عن النبي صلى الله عليه وسلّم بشرٌ كثيرٌ من أصحابه، كرهوا خروجه، وكان فيه كلامٌ كثيرٌ واختلاف. وكان من تخلف لم يلم لأنهم ما خرجوا على قتال، وإنما خرجوا للعير. وتخلف قوم من أهل نيات وبصائر، لو ظنوا أنه يكون قتال ما تخلفوا. وكان ممن تخلف أسيد بن حضير، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له أسيد: الحمد لله الذي سرك وأظهرك على عدوك! والذي بعثك بالحق، ما تخلفت عنك رغبةً بنفسي عن نفسك، ولا ظننت أنك تلاقي عدواً، ولا ظننت إلا أنها العير. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلّم: صدقت! وكانت أول غزوة أعز الله فيها الإسلام، وأذل فيها أهل الشرك.
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم بمن معه حتى انتهى إلى نقب بني دينار، ثم نزل بالبقع وهي بيوت السقيا - البقع نقب بني دينار بالمدينة، والسقيا متصل ببيوت المدينة - يوم الأحد لاثنتي عشرة خلت من رمضان. فضرب عسكره هناك، وعرض المقاتلة، فعرض عبد الله بن عمر، وأسامة ابن زيد، ورافع بن خديج، والبراء بن عازب، وأسيد بن ظهير، وزيد بن أرقم، وزيد بن ثابت، فردهم ولم يجزهم.
فحدثني أبو بكر بن إسماعيل، عن أبيه، عن عامر بن سعد، عن أبيه، قال: رأيت أخي عمير بن أبي وقاص قبل أن يعرضنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوارى، فقلت: ما لك يا أخي؟ قال: إني أخاف أن يراني رسول الله صلى الله عليه وسلّم ويستصغرني فيردني، وأنا أحب الخروج، لعل الله يرزقني الشهادة. قال: فعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلّم فاستصغره، فقال: ارجع! فبكى عمير، فأجازه رسول الله صلى الله عليه وسلّم. قال: فكان سعد يقول: كنت أعقد له حمائل سيفه من صغره، فقتل ببدر وهو ابن ست عشرة سنة.

فحدثني أبو بكر بن عبد الله قال: حدثني عياش بن عبد الرحمن الأشجعي أن النبي صلى الله عليه وسلّم أمر أصحابه أن يستقوا من بئرهم يومئذٍ، وشرب رسول الله صلى الله عليه وسلّم من ماء بئرهم. فحدثني عبد العزيز بن محمد، عن عمرو بن أبي عمرو، أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان أول من شرب من بئرهم ذلك اليوم. حدثني عبد العزيز بن محمد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يستعذب له من بيوت السقيا بعد ذلك.
فحدثني ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم عند بيوت السقيا، ودعا يومئذٍ لأهل المدينة فقال: اللهم، إن إبراهيم، عبدك وخليلك ونبيك، دعاك لأهل مكة! وإني محمدٌ عبدك ونبيك، أدعوك لأهل المدينة، أن تبارك لهم في صاعهم ومدهم وثمارهم! اللهم، حبب إلينا المدينة، واجعل ما بها من الوباء بخمٍّ، اللهم، إني قد حرمت ما بين لابتيها كما حرم إبراهيم خليلك مكة! وخم على ميلين من الجحفة.
قالوا: وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلّم عدي بن أبي الزغباء وبسبس بن عمرو من بيوت السقيا. قالوا: وجاء عبد الله بن عمرو بن حرام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم يومئذ، فقال: يا رسول الله، لقد سرني منزلك هذا، وعرضك فيه أصحابتك، وتفاءلت به، إن هذا منزلنا - بني سلمة - حيث كان بيننا وبين أهل حسيكة ما كان - حسيكة الذباب، والذباب جبل بناحية المدينة، كان بحسيكة يهود، وكان لهم بها منازل كثيرة - فعرضنا ها هنا أصحابنا، فأجزنا من كان يطيق السلاح ورددنا من صغر عن حمل السلاح، ثم سرنا إلى يهود حسيكة، وهم أعز يهود كانوا يومئذٍ، فقتلناهم كيف شئنا، فذلت لنا سائر يهود إلى اليوم، وأنا أرجو يا رسول الله أن نلتقي نحن وقريش، فيقر الله عينك منهم.
وكان خلاد بن عمرو بن الجموح يقول: لما كان من النهار رجع إلى أهله بخربي، فقال له أبوه عمرو بن الجموح: ما ظننت إلا أنكم قد سرتم! فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم يعرض الناس بالبقع. قال عمرو: نعم الفأل، والله إني لأرجو أن تغنموا وأن تظفروا بمشركي قريش! إن هذا منزلنا يوم سرنا إلى حسيكة. قال: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قد غير اسمه، وسماه السقيا. قال: فكانت في نفسي أن أشتريها، حتى اشتراها سعد بن أبي وقاص ببكرين، ويقال بسبع أواقٍ. قال: فذكر للنبي صلى الله عليه وسلّم عشية الأحد من بيوت السقيا، لاثنتي عشرة مضت من رمضان. وخرج المسلمون معه، وهم ثلثمائة وخمسة، وثمانية تخلفوا فضرب لهم بسهامهم وأجورهم. وكانت الإبل سبعين بعيراً، وكانوا يتعاقبون الإبل، الاثنين، والثلاثة، والأربعة. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وعلي بن أبي طالب عليه السلام، ومرثد - ويقال زيد بن حارثة مكان مرثد - يتعاقبون بعيراً واحداً. وكان حمزة بن عبد المطلب، وزيد بن حارثة، وأبو كبشة، وأنسة مولى النبي صلى الله عليه وسلّم على بعير. وكانت عبيدة بن الحارث، والطفيل، والحصين، ابنا الحارث، ومسطح بن أثاثة على بعيرٍ لعبيدة بن الحارث ناضحٍ، ابتاعه من ابن أبي داود المازني. وكان معاذ، وعوف، ومعوذ، بنو عفراء، ومولاهم أبو الحمراء على بعير، وكان أبي بن كعب، وعمارة بن حزم، وحارثة بن النعمان على بعير، وكان خراش بن الصمة، وقطبة بن عامر بن حديدة، وعبد الله بن عمرو بن حرام على بعير، وكان عتبة بن غزوان، وطليب ابن عمير على جملٍ لعتبة بن غزوان، يقال له العبيس. وكان مصعب ابن عمير، وسويبط بن حرملة، ومسعود بن ربيع على جملٍ لمصعب، وكان عمار بن ياسر، وابن مسعود على بعير، وكان عبد الله بن كعب، وأبو داود المازني، وسليط بن قيس على جملٍ لعبد الله بن كعب، وكان عثمان، وقدامة، وعبد الله بن مظعون، والسائب بن عثمان، على بعير يتعاقبون، وكان أبو بكر، وعمر، وعبد الرحمن بن عوف على بعير، وكان سعد ابن معاذ، وعمر، وعبد الرحمن بن عوف على بعير، وكان سعد ابن معاذ، وأخوه، وابن أخيه الحارث بن أوس، والحارث بن أنس، على جملٍ لسعد بن معاذ ناضحٍ، يقال له الذيال، وكان سعد بن زيد، وسلمة ابن سلامة، وعباد بن بشر، ورافع بن يزيد، والحارث بن خزمة على ناضحٍ لسعد بن زيد، ما تزود إلا صاعاً من تمر.

فحدثني عبيد بن يحيى، عن معاذ بن رفاعة، عن أبيه، قال: خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلّم إلى بدر، وكان كل ثلاثة يتعاقبون بعيراً، فكنت أنا وأخي خلاد بن رافع على بكرٍ لنا، ومعنا عبيد بن زيد ابن عامر، فكنا نتعاقب. فسرنا حتى إذا كنا الروحاء، أذم بنا بكرنا، فبرك علينا، وأعيا، فقال أخي: اللهم، إن لك على نذراً، لئن رددتنا إلى المدينة لأنحرنه. قال: فمر بنا النبي صلى الله عليه وسلّم ونحن على تلك الحال، فقلنا: يا رسول الله، برك علينا بكرنا. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بماءٍ، فتمضمض وتوضأ في إناءٍ، ثم قال: افتحا فاه! ففعلنا، ثم صبه في فيه، ثم على رأسه، ثم على عنقه، ثم على حاركه، ثم على سنامه، ثم على عجزه، ثم على ذنبه، ثم قال: اركبا! ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فلحقناه أسف المنصرف وإن بكرنا لينفر بنا، حتى إذا كنا بالمصلى راجعين من بدر برك علينا، فنحره أخي، فقسم لحمه وتصدق به.
وحدثني يحيى بن عبد العزيز بن سعيد بن سعد بن عبادة، عن أبيه، قال: حمل سعد بن عبادة في بدر على عشرين جملاً.
فحدثني أبو بكر بن إسماعيل، عن أبيه، عن سعد بن أبي وقاص، قال: خرجنا إلى بدرٍ مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم ومعنا سبعون بعيراً، فكانوا يتعاقبون، الثلاثة، والأربعة، والاثنان، على بعير. وكنت أنا من أعظم أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام عنه غناءً، أرجلهم رجلةً، وأرماهم بسهم، لم أركب خطوة ذاهباً ولا راجعاً.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم حين فصل من بيوت السقيا: اللهم، إنهم حفاةٌ فاحملهم، وعراةٌ فاكسهم، وجياعٌ فأشبعهم، وعالةٌ فأغنهم من فضلك! قال: فما رجع أحدٌ منهم يريد أن يركب إلا وجد ظهراً، للرجل البعير والبعيران، واكتسى من كان عارياً، وأصابوا طعاماً من أزوادهم، وأصابوا فداء الأسرى فأغنى به كل عائل. واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلّم على المشاة قيس بن أبي صعصة - واسم ابن صعصعة عمرو بن زيد ابن عوف بن مبذول - وأمره النبي صلى الله عليه وسلّم حين فصل من بيوت السقيا أن يعد المسلمين. فوقف لهم ببئر أبي عنبة فعدهم، ثم أخبر النبي عليه الصلاة والسلام. وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم من بيوت السقيا حتى سلك بطن العقيق، ثم سلك طريق المكتمن حتى خرج على بطحاء ابن أزهر، فنزل تحت شجرة هناك، فقام أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى حجار، فبنى تحتها مسجداً، فصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلّم. وأصبح يوم الاثنين فهو هناك، وأصبح ببطن ملل وتربان، بين الحفيرة وملل. وقال سعد بن أبي وقاص: لما كنا بتربان قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلّم: يا سعد، انظر إلى الظبي، قال: فأفوق له بسهمٍ، وقام رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فوضع ذقنه بين منكبي وأذني، ثم قال: ارم، اللهم سدد رميته! قال: فما أخطأ سهمي عن نحره. قال: فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم. قال: وخرجت أعدو، فأجده وبه رمق، فذكيته فحملناه حتى نزلنا قريباً، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقسم بين أصحابه. حدثني بذلك محمد بن بجاد، عن أبيه، عن سعد.
قالوا: وكان معهم فرسان، فرس لمرثد بن أبي مرثد الغنوي، وفرس للمقداد بن عمرو البهراني حليف بني زهرة. ويقال فرس للزبير. ولم يكن إلا فرسان، ولا اختلاف عندنا أن المقداد له فرسٌ.
حدثني موسى بن يعقوب، عن عمته، عن أبيها، عن ضباعة بنت الزبير، عن المقداد بن عمرو، قال: كان معي فرس يوم بدر يقال له سبحة. وحدثني سعد بن مالك الغنوي، عن آبائه، قال: شهد مرثد بن أبي مرثد الغنوي يومئذٍ على فرسٍ له، يقال له السيل.
قالوا: ولحقت قريشٌ بالشام في عيرها، وكانت العير ألف بعير، وكانت فيه أموال عظام، ولم يبق بمكة قرشي ولا قرشيةٌ له مثقالٌ فصاعداً، إلا بعث به في العير، حتى إن المرأة لتبعث بالشيء التافه. فكان يقال: إن فيها لخمسين ألف دينار، وقالوا أقل، وإن كان ليقال إن أكثر ما فيها من المال لآل سعيد بن العاص أبي أحيحة إما مالٌ لهم، أو مال مع قوم قراض على النصف، فكانت عامة العير لهم. ويقال كان لبني مخزوم فيها مائتا بعير، وخمسة أو أربعة آلاف مثقال ذهب، وكان يقال للحارث بن عامر بن نوفل فيها ألف مثقال، وكان لأمية بن خلف ألفا مثقال.

فحدثني هشام بن عمارة بن أبي الحويرث قال: كان لبني عبد مناف فيها عشرة آلاف مثقال، وكان متجرهم إلى غزة من أرض الشام، وكانت عيرات بطون قريش فيها يعني العير.
فحدثني عبد الله بن جعفر، عن أبي عون مولى المسور، عن مخرمة ابن نوفل، قال: لما لحقنا بالشام أدركنا رجلٌ من جذام، فأخبرنا أن محمداً كان عرض لعيرنا في بدأتنا، وأنه تركه مقيماً ينتظر رجعتنا، قد حالف علينا أهل الطريق ووادعهم. قال مخرمة: فخرجنا خائفين نخاف الرصد، فبعثنا ضمضم بن عمرو حين فصلنا من الشام. وكان عمرو بن العص يحدث يقول: لما كنا بالزرقاء - والزرقاء بالشام بناحية معان من أذرعات على مرحلتين - ونحن منحدرون إلى مكة، لقينا رجلاً من جذام، فقال: قد كان عرض محمد لكن في بدأتكم في أصحابه. فقلنا: ما شعرنا! قال: بلى، فأقام شهراً ثم رجع إلى يثرب، وأنتم يوم عرض محمد لكم مخفون، فهو الآن أحرى أن يعرض لكم، إنما يعد لكم الأيام عدّاً، فاحذروا على عيركم وارتأوا آراءكم، فوالله ما أرى من عدد، ولا كراع، ولا حلقة. فأجمعوا أمرهم، فبعثوا ضمضماً، وكان في العير، وقد كانت قريش مرت به وهو بالساحل مع بكرانٍ له، فاستأجروه بعشرين مثقالاً. وأمره أبو سفيان أن يخبر قريشاً أن محمداً قد عرض لعيرهم، وأمره أن يجدع بعيره إذا دخل، ويحول رحله، ويشق قميصه من قبله ودبره ويصيح: الغوث! الغوث! ويقال إنما بعثوه من تبوك. وكان في العير ثلاثون رجلاً من قريش، فيهم عمرو بن العاص، ومخرمة بن نوفل.
قالوا: وقد رأت عاتكة بنت عبد المطلب قبل ضمضم بن عمرو رؤيا رأتها فأفزعتها، وعظمت في صدرها. فأرسلت إلى أخيها العباس فقالت: يا أخي، قد رأيت والله رؤيا الليلة أفظعتها، وتخوفت أن يدخل على قومك منها شرٌ ومصيبةٌ، فاكتم على أحدثك منها. قالت: رأيت راكباً أقبل على بعيرٍ حتى وقف بالأبطح، ثم صرخ بأعلى صوته: يا آل غدر، انفروا إلى مصارعكم في ثلاث! فصرخ بها ثلاث مرات، فأرى الناس اجتمعوا إليه، ثم دخل المسجد والناس يتبعونه إذ مثل به بعيره على ظهر الكعبة، فصرخ بمثلها ثلاثاً، ثم مثل له بعيره على رأس أبي قبيس، ثم صرخ بمثلها ثلاثاً. ثم أخذ صخرة من أبي قبيس فأرسلها، فأقبلت تهوى حتى إذا كانت بأسفل الجبل ارفضت، فما بقي بيت من بيوت مكة، ولا دار من دور مكة، إلا دخلته منها فلذة. فكان عمرو بن العاص يحدث فيقول: لقد رأيت كل هذا، ولقد رأيت في دارنا فلقة من الصخرة التي انفلقت من أبي قبيس، فلقد كان ذلك عبرة، ولكن الله لم يرد أن نسلم يومئذٍ لكنه أخر إسلامنا إلى ما أراد.

قالوا: ولم يدخل داراً ولا بيتاً من دور بني هاشم ولا بني زهرة من تلك الصخرة شيءٌ. قالوا: فقال أخوها: إن هذه لرؤيا! فخرج مغتماً حتى لقي الوليد بن عتبة بن ربيعة، وكان له صديقاً، فذكرها له واستكتمه، ففشا الحديث في الناس. قال: فغدوت أطوف بالبيت، وأبو جهل في رهط، من قريش يتحدثون قعوداً برؤيا عاتكة، فقال أبو جهل: ما رأت عاتكة هذه! فقلت: وما ذاك؟ فقال: يا بني عبد المطلب، أما رضيتم أن يتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم؟ زعمت عاتكة أنها رأت في المنام كذا وكذا الذي رأت فسنتربص بكم ثلاثاً، فإن يك ما قالت حقًّا فسيكون، وإن مضت الثلاث ولم يكن نكتب عليكم أنكم أكذب أهل بيتٍ في العرب. فقال: يا مصفر استه، أنت أولى بالكذب واللؤم منا! قال أبو جهل: إنا استبقنا المجد وأنتم فقلتم: فينا السقاية! فقلنا: لا نبالي، تسقون الحاج! ثم قلتم: فينا الحجابة! فقلنا: لا نبالي، تحجبون البيت! ثم قلتم: فينا الندوة! فقلنا: لا نبالي، تلون الطعام وتطعمون الناس، ثم قلتم: فينا الرفادة! فقلنا: لا نبالي، تجمعون عندكم ما ترفدون به الضعيف! فلما أطعمنا الناس وأطعمتم، وازدحمت الركب، واستبقنا المجد، فكنا كفرسي رهان، قلتم: منا نبي! ثم قلتم: منا نبية! فلا واللات والعزى، لا كان هذا أبداً! قال: فوالله، ما كان مني من غيرٍ إلا أني جحدت ذلك، وأنكرت أن تكون عاتكة رأت شيئاً. فلما أمسيت لم تبق امرأة أصابتها ولادة عبد المطلب إلا جاءت، فقلن: رضيتم بهذا الفاسق الخبيث يقع في رجالكم، ثم قد تناول نساءكم وأنت تسمع، ولم يكن لك عند ذلك غيرة؟ قال: والله ما فعلت إلا ما لا بال به؟ والله لأعترضن له غداً، فإن عاد لأكفيكموه. فلما أصبحوا من ذلك اليوم الذي رأت فيه عاتكة ما رأت قال أبو جهل: هذا يوم! ثم الغد قال أبو جهل: هذان يومان! فلما كان في اليوم الثالث، قال أبو جهل: هذه ثلاثة أيام، ما بقي! قال: وغدوت في اليوم الثالث وأنا حديد مغضب، أرى أن قد فاتني منه أمرٌ أحب أن أدركه، وأذكر ما أحفظتني النساء به من مقالتهن لي ما قلن، فوالله إني لأمشي نحوه - وكان رجلاً خفيفاً، حديد الوجه، حديد اللسان، حديد النظر - إذ خرج نحو باب بني سهم يشتد، فقلت: ما باله، لعنه الله؟ أكل هذا فرقاً من ان أشاتمه؟ فإذا هو قد سمع صوت ضمضم ابن عمرو وهو يقول: يا معشر قريش، يا آل لؤي بن غالب، اللطيمة، قد عرض لها محمد في أصحابه! الغوث، الغوث! والله، ما أرى أن تدركوها! وضمضم ينادي بذلك ببطن الوادي، قد جدع أذني بعيره، وشق قميصه قبلاً ودبراً، وحول رحله. وكان يقول: لقد رأيتني قبل أن أدخل مكة وإني لأرى في النوم، وأنا على راحلتي، كأن وادي مكة يسيل من أعلاه إلى أسفله دماً، فاستيقظت فزعاً مذعوراً، وكرهتها لقريش، ووقع في نفسي أنها مصيبة في أنفسهم. وكان يقال: إن الذي نادى يومئذٍ إبليس، تصور في صورة سراقة بن جعشم، فسبق ضمضماً فأنفرهم إلى عيرهم، ثم جاء ضمضم بعده. فكان عمير بن وهب يقول: ما رأيت أعجب من أمر ضمضم قط، وما صرخ على لسانه إلا شيطان، إنه لم يملكنا من أمورنا شيئاً حتى نفرنا على الصعب والذلول. وكان حكيم بن حزام يقول: ما كان الذي جاءنا فاستنفرنا إلى العير إنسانٌ، إن هو إلا شيطان! فقيل: كيف يا أبا خالد؟ فقال: إني لأعجب منه، ما ملكنا من أمورنا شيئاً!

قالوا: وتجهز الناس، وشغل بعضهم عن بعض، وكان الناس بين رجلين، إما خارجٍ، وإما باعث مكانه رجلاً. فأشفقت قريش لرؤيا عاتكة، وسرت بنو هاشم. وقال قائلهم: كلا، زعمتم أنا كذبنا وكذبت عاتكة! فأقامت قريش ثلاثةً تتجهز، ويقال يومين، وأخرجت قريش أسلحتها واشتروا سلاحاً، وأعام قريهم ضعيفهم. وقام سهيل بن عمرو في رجالٍ من قريش فقال: يا معشر قريش، هذا محمد والصباة معه من شبانكم، وأهل يثرب، قد عرضوا لعيركن ولطيمة قريش، - واللطيمة: التجارة قال أبو الزناد: اللطيمة جميع ما حملت الإبل للتجارة. وقال غيره: اللطيمة العطر خاصة - فمن أراد ظهراً فهذا ظهر، ومن أراد قوة فهذه قوة. وقام زمعة بن الأسود فقال: إنه واللت والعزى، ما نزل بكم أمرٌ أعظم من هذا، إن طمع محمد وأهل يثرب أن يعترضوا لعيركم فيها حرائبكم فأرعبوا، ولا يتخلف منكم أحدٌ، ومن كان لا قوة له فهذه قوة! والله، لئن أصابها محمد لا يروعكم بهم إلا وقد دخلوا عليكم. وقال طعيمة بن عيد: يا معشر قريش، إنه والله ما نزل بكم أمرٌ أجل من هذا، أن تستباح عيركم ولطيمة قريش، فيها أموال وحرائبكم. والله ما أعلم رجلاً ولا امرأة من بني عبد مناف له نشٌّ فصاعداً إلا وهو في هذه العير، فمن كان لا قوة به فعندنا قوة، نحمله ونقويه. فحمل على عشرين بعيراً، وقواهم وخلفهم في أهلم بمعونة. وقام حنظلة بن أبي سفيان، وعمرو بن أبي سفيان، فحرضا الناس على الخروج، ولم يدعوا إلى قوة ولا حملان. فقيل لهما: ألا تدعوان إلى ما دعا إليه قومكما من الحملان؟ فقالا: والله ما لنا مال وما المال إلا لأبي سفيان. ومشى نوفل بن معاوية الديلي إلى أهل القوة من قريش، فكلمهم في بذل النفقة والحملان لمن خرج، فكلم عبد الله ابن أبي ربعية فقال: هذ خمسمائة دينار، فضها حيث رأيت، وكلم حويطب بن عبد العزى فأخذ منه مائتي دينار أو ثلثمائة، ثم قوى بها السلاح والظهر.
قالوا: وكان لا يتخلف أحدٌ من قريش إلا بعث مكانه بعيثاً، فمشت قريش إلى أبي لهب فقالوا: إنك سيد من سادات قريش، وإنك إن تخلفت عن النفير يعتبر بك غيرك من قومك، فاخرج أو ابعث أحداً. فقال: واللت والعزى لا أ خرج ولا أبعث أحداً! فجاءه أبو جهل فقال: قم يا أبا عتبة، فوالله ما خرجنا إلا غضباً لدينك ويدين آبائك! وخاف أبو جهل أن يسلم أبو لهب، فسكت أبو لهب فلم يخرج ولم يبعث، وما منع أبا لهب أن يخرج إلا إشفاق من رؤيا عاتكة، فإنه كان يقول: إنما رؤيا عاتكة أخذٌ باليد. ويقال إنه بعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة، وكان له عليه دين، فقال: اخرج وديني لك! فخرج عنه.
قالوا: وأخرج عتبة وشيبة دروعاً لهما، ونظر إليهما عداس وهما يصلحان دروعهما وآلة حربهما، فقال: ما تريدان؟ قالا: ألم تر إلى الرجل الذي أرسلناك إليه بالعنب في كرمنا بالطائف؟ قال: نعم. قالا: نخرج فنقاتله. فبكى وقال: لا تخرجا، فوالله إنه لنبي! فأبيا فخرجا، وخرج معهما فقتل ببدر معهما.
قالوا: واستقسمت قريش بالأزلام عند هبل للخروج، فاستقسم أمية بن خلف، وعتبة، وشيبة عند هبل بالآمر والناهي، فخرج القدح الناهي للخروج، فأجمعوا المقام حتى أزعجهم أبو جهل فقال: ما استقسمت ولا نتخلف عن عيرنا! ولما توجه زمعة بن الأسود خارجاً، وكان بذي طوى، أخرج قداحه فاستقسم بها، فخرج الناهي للخروج، فلقي غيظاً، ثم أعادها الثانية فخرج مثل ذلك، فكسرها، وقال: ما رأيت كاليوم قداحاً أكذب من هذه! ومر به سهيل بن عمرو وهو على تلك الحال، فقال: ما لي أراك غضبان يا أبا حكيمة؟ فأخبره زمعة فقال: امض عنك أيها الرجل، وما أكذب من هذه القداح! قد أخبرني عمير بن وهب مثل الذي أخبرتني أنه لقيه. ثم مضيا على هذا الحديث.
حدثنا محمد قال: حدثنا الواقدي قال: حدثني موسى بن ضمرة بن سعيد، عن أبيه، قال: قال أبو سفيان بن حرب لضمضم: إذا قدمت على قريش فقل لها لا تستقسموا بالأزلام.
حدثني محمد بن عبد الله، عن الزهري، عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة، قال: سمعت حكيم بن حزام يقول: ما وجهت وجهاً قط. كان أكره لي من مسيري إلى بدر، ولا بان لي في وجهٍ قط. ما بان لي قبل أن أخرج. ثم يقول: قدم ضمضم فصاح بالنفير، فاستقسمت بالأزلام، كل ذلك يخرج الذي أكره، ثم خرجت على ذلك حتى نزلنا مر الظهران.

فنحر ابن الحنظلية جزراً، فكانت جزور منها بها حياة، فما بقي خباءٌ من أخبية العسكر إلا أصابه من دمها، فكان هذا بيناً، ثم هممت بالرجوع، ثم أذكر ابن الحنظلية وشؤمه، فيردني حتى مضيت لوجهي.
فكان حكيم يقول: لقد رأيتنا حين بلغنا الثنية البيضاء - والثنية البيضاء التي تهبطك على فخ وأنت مقبل من المدينة - إذا عداس جالسٌ عليها والناس يمرون، إذ مر عليه ابنا ربيعة، فوثب إليهما فأخذ بأرجلهما في غرزهما، وهو يقول: بأبي وأمي أنتما، والله إنه رسول الله، وما تساقان إلا إلى مصارعكما! وإن عينيه لتسيل دموعهما على خديه، فأردت أن أرجع أيضاً، ثم مضيت، ومر به العاص بن منبه بن الحجاج، فوقف عليه حين ولى عتبة وشيبة، فقال: ما يبكيك؟ فقال: يبكيني سيداي وسيدا أهل الوادي، يخرجان إلى مصارعهما، ويقاتلان رسول الله. فقال العاص: وإن محمداً رسول الله؟ قال: فانتفض عداس انتفاضةً، واقشعر جلده، ثم بكى وقال: إي والله، إنه لرسول الله إلى الناس كافةً. قال: فأسلم العاص بن منبه، ثم مضى وهو على الشك حتى قتل مع المشركين على شك وارتياب. ويقال رجع عداس ولم يشهد بدراً، ويقال شهد بدارً وقتل يومئذٍ والقول الأول أثبت عندنا.
قالوا: وخرج سعد بن معاذ معتمراً قبل بدر فنزل على أمية بن خلف، فأتاه أبو جهل فقال: أتنزل هذا، وقد آوى محمداً وآذناً بالحرب؟ فقال سعد بن معاذ: قل ما شئت، أما إن طريق عيركم علينا. قال أمية بن خلف: مه، لا تقل هذا لأبي الحكم، فإنه سيد أهل الوادي! قال سعد بن معاذ: وأنت تقول ذلك يا أمية، أما والله لسمعت محمداً يقول لأقتلن أمية بن خلف. قال أمية: أنت سمعته؟ قال، قلت: نعم. قال: فوقع في نفسه، فلما جاء النفير أبي أمية أن يخرج معهم إلى بدر، فأتاه عقبة بن أبي معيط. وأبو جهل، ومعه عقبة مجمرة فيها بخور، ومع أبي جهل مكحلة ومرود، فأدخلها عقبة تحته وقال: تبخر، فإنما أنت امرأة! وقال أبو جهل: اكتحل، فإنما أنت امرأة! قال أمية: ابتاعوا لي أفضل بعيرٍ في الوادي. فابتاعوا له جملاً بثلاثمائة درهم من نعم بني قشير، فغنمه المسلمون يوم بدر، فصار في سهم خبيب بن يساف.
قالوا: وما كان أحد ممن خرج إلى العير أكره للخروج من الحارث ابن عامر، وقال: ليت قريشاً تعزم على القعود، وأن مالي في العير تلف، ومال بني عبد مناف أيضاً. فيقال: إنك سيد من ساداتها، أفلا تزعها عن الخروج؟ قال: إني أرى قريشاً قد أزمعت على الخروج، ولا أرى أحداً به طرق تخلف إلا من علة، وأنا أكره خلافها، وما أحب أن تعلم قريش ما أقول الآن، مع أن ابن الحنظلية رجل مشئوم على قومه، ما أعلمه إلا يحرز قومه أهل يثرب. ولقد قسم مالاً من ماله بين ولده، ووقع في نفسه أنه لا يرجع إلى مكة. وجاءه ضمضم بن عمرو، وكانت للحارث عنده أيادٍ، فقال: أبا عامر، رأيت رؤيا كرهتها، وإني كاليقظان على راحلتي، وأرى كأن واديكم يسيل دماً من أسفله إلى أعلاه. قال الحارث: ما خرج أحدٌ وجهاً من الوجوه أكره له من وجهي هذا. قال: يقول ضمضم له: والله، إني لأرى أن تجلس. فقال الحارث: لو سمعت هذا منك يتيمنون به، قالوا: فكيف نصنع بالرجوع إن نرجع؟ قال الأخنس: نخرج مع القوم، فإذا أمسيت سقطت عن بعيري فتقولون نهش الأخنش! فإذا قالوا امضوا فقولوا لا نفارق صاحبنا حتى نعلم أهو حي أم ميت فندفنه، فإذا مضوا رجعنا. ففعلت بنو زهرة، فلما أصبحوا بالأبواء راجعين تبين للناس أن بني زهرة رجعوا، فلم يشهدها أحدٌ من بني زهرة. قالوا: وكانوا مائة أو أقل من المائة، وهو أثبت، وقد قال قائل كانوا ثلثمائة. وقال عدي ابن أبي الزغباء في منحدره إلى المدينة من بدر، وانتشرت الركاب عليه، فجعل عدي يقول:
أقم لها صدورها يا بسبس ... إن مطايا القوم لا تحبس
وحملها على الطريق أكيس ... قد نصر الله وفر الأخنس

حدثنا محمد بن شجاع الثلجي، قال: حدثنا محمد بن عمر الواقدي قال: حدثني أبو بكر بن عبد الله، عن أبي بكر بن عمر بن عبد الرحمن ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب، قال: خرجت بنو عدي مع النفير حتى كانوا بثنية لفت، فلما كانوا في السحر عدلوا في الساحل منصرفين إلى مكة، فصادفهم أبو سفيان فقال: يا بني عدي، كيف رجعتم لا في العير ولا في النفير؟ قالوا: أنت أرسلت إلى قريش أن يرجع، فرجع من رجع ومضى من مضى! فلم يشهدها أحدٌ من بني عدي. ويقال إنه لاقاهم بمر الظهران فقال تلك المقالة لهم. قال محمد بن عمر الواقدي: رجعت زهرة من الجحفة، وأما بنو عيد فرجعوا من الطريق، ويقال من مر الظهران.
ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وكان صبيحة أربع عشرة من شهر رمضان بعرق الظبية، فجاء أعرابيٌّ قد أقبل من تهامة، فقال له أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل لك علم بأبي سفيان بن حرب؟ قال: ما لي بأبي سفيان علم. قالوا: تعال، سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلّم. قال: وفيكم رسول الله؟ قالوا: نعم. قال: فأيكم رسول الله؟ قالوا: هذا. قال: أنت رسول الله؟ قال: نعم. قال الأعرابي: فما في بطن ناقتي هذه إن كنت صادقاً؟ قال سلمة بن سلامة بن وقش: نكحتها فهي حبلى منك! فكره رسول الله صلى الله عليه وسلّم مقالته، وأعرض عنه.
ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتاه الروحاء ليلة الأربعاء للنصف من شهر رمضان، فصلى عند بئر الروحاء.
حدثني محمد بن شجاع الثلجي قال: حدثنا محمد بن عمر الواقدي قال: فحدثني عبد الملك بن عبد العزيز، عن أبان بن صالح، عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لما رفع رأسه من الركعة الأخيرة من وتره لعن الكفرة وقال: اللهم لا تفلتن أبا جهل فرعون هذه الأمة، اللهم لا تفلتن زمعة بن الأسود، اللهم وأسخن عين أبي زمعة بزمعة، اللهم أعم بصر أبي زمعة، اللهم لا تفلتن سهيلاً، اللهم أنج سلمة ابن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين! والوليد بن الوليد لم يدع له يومئذٍ، أسر ببدر ولكنه لما رجع من مكة بعد بدر أسلم، فأراد أن يخرج إلى المدينة فحبس، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلّم بعد ذلك. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم لأصحابه بالروحاء: هذه سجاسج - يعني وادي الروحاء - هذا أفضل أودية العرب.
قالوا: وكان خبيب بن يساف رجلاً شجاعاً، وكان يأبى الإسلام، فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلّم إلى بدر خرج وهو وقيس بن محرث، وهما على دين قومهما، فأدركا النبي صلى الله عليه وسلّم بالعقيق، وخبيب مقنعٌ بالحديق، فعرفه رسول الله صلى الله عليه وسلّم من تحت المغفر، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى سعد بن معاذ، وهو يسير إلى جنبه، فقال: أليس بخبيب بن يساف؟ قال: بلى! قال: فأقبل خبيب حتى أخذ ببطان ناقة النبي صلى الله عليه وسلّم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولقيس بن محرث يقال قيس بن المحرث، وقيس بن الحارث، ما أخرجكما معنا؟ قالا: كنت ابن أختنا وجارنا، وخرجنا مع قومنا للغنيمة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: لا يخرجن معنا رجلٌ ليس على ديننا. قال خبيب: قد علم قومي أني عظيم الغناء في الحرب، شديد النكاية، فأقاتل معك للغنيمة ولن أسلم! قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: لا، ولكن أسلم ثم قاتل. ثم أدركه بالروحاء فقال: أسلمت لله رب العالمين، وشهدت أنك رسول الله. فسر رسول الله صلى الله عليه وسلّم بذلك، وقال: امضه! وكان عظيم الغناء في بدر وغير بدر. وأبي قيس بن محرث أن يسلم ورجع إلى المدينة، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم من بدر أسلم، ثم شهد أحداً فقتل.
قالوا: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فصام يوماً أو يومين، ثم رجع ونادى مناديه: يا معر العصاة، إني مفطرٌ فأفطروا! وذلك أنه قد كان قال لهم قبل ذلك أفطروا فلم يفعلوا.

قالوا: ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان دوين بدر أتاه الخبر بمسير قريش، فأخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم بمسيرهم، واستشار رسول الله صلى الله عليه وسلّم الناس، فقام أبو بكر فقال فأحسن، ثم قام عمر فقال فأحسن، ثم قال: يا رسول الله، إنها والله قريش وعزها، والله ما ذلت منذ عزت، والله ما آمنت منذ كفرت، والله لا تسلم عزها أبداً، ولتقاتلنك، فاتهب لذلك أهبته وأعد لذلك عدته. ثم قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول الله، امض لأمر الله فنحن معك، والله لا نقول لك كما قلت بنو إسرائيل لنبيها: " فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون " ، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، والذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لسرنا معك وبرك الغماد من وراء مكة بخمس ليالٍ من وراء الساحل مما يلي البحر، وهو على ثمان ليال من مكة إلى اليمن. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلّم خيراً، ودعا له بخير. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: أشيروا علي أيها للناس! وإنما يريد رسول الله صلى الله عليه وسلّم الأنصار، وكان يظن أن الأنصار لا تنصره إلا في الدار، وذلك أنهم شرطوا له أن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم وأولادهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: أشيروا علي! فقام سعد بن معاذ فقال: أنا أجيب عن الأنصار، كأنك يا رسول الله تريدنا! قال: أجل. قال: إنك عسى أن تكون خرجت عن أمرٍ قد أوحى إليك في غيره، وإنا قد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن كل ما جئت به حقٌّ، وأعطيناك موائيقنا وعهودنا على السمع والطاعة، فامض يا نبي الله، فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما بقي منا رجل، وصل من شئت، واقطع من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، وما أخذت من أموالنا أحب إلينا مما تركت. والذي نفسي بيده، ما سلكت هذا الطريق قط. ومالي بها من علمٍ، وما نكره أن يلقانا عدونا غداً، إنا لصبرٌ عند الحرب، صدقٌ عند اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك.
حدثنا محمد قال: حدثنا الواقدي قال: فحدثني محمد بن صالح، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد قال: قال سعد: يا رسول الله، إنا قد خلفنا من قومنا قوماً ما نحن بأشد حباً لك منهم، ولا أطوع لك منهم، لهم رغبةٌ في الجهاد ونبةٌ، ولو ظنوا يا رسول الله أنك ملاقٍ عدوا ما تخلفوا، ولكن إنما ظنوا أنها العير. نبني لك عريشاً فتكون فيه ونعد لك رواحلك، ثم نلقى عدونا، فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا، وإن تكن الأخرى جلست على رواحلك فلحقت من وراءنا. فقال له النبي صلى الله عليه وسلّم خيراً، وقال: أو يقضي الله خيراً من ذلك يا سعد! قالوا: فلما فرغ سعد من المشورة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: سيروا على بركة الله، فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين. والله، لكأني أنظر إلى مصارع القوم. قال: وأرانا رسول الله صلى الله عليه وسلّم مصارعهم يومئذٍ، هذا مصرع فلان، وهذا مصرع فلان، فما عدا كل رجلٍ مصرعه قال: فعلم القوم أنهم يلاقون القتال، وأن العير تفلت، ورجوا النصر لقول النبي صلى الله عليه وسلم.

حدثنا محمد قال: حدثنا الواقدي قال: فحدثني أبو إسماعيل بن عبد الله بن عطية بن عبد الله بن أنيس، عن أبيه، قال: فمن يومئذٍ عقد رسول الله صلى الله عليه وسلّم الألوية، وهي ثلاثة، وأظهر السلاح، وكان خرج من المدينة على غير لواء معقودٍ. وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم من الروحاء. فسلك المضيق، ثم جاء إلى الخبيرتين فصلى بينهما، ثم تيامن فتشاءم في الوادي حتى مر على خيف المعترضة، فسلك في ثنية المعترضة حتى سلك على التيا، وبها لقي سفيان الضمري، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم قد تعجل، معه قتادة بن النعمان الفري ويقال عبد الله بن كعب المازني، ويقال معاذ بن جبل فلقي سفيان الضمري على التيا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: من الرجل؟ فقال الضمري: بلى من أنتم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: فأخبرنا ونخبرك! قال الضمري: وذاك بذاك؟؟ قال النبي صلى الله عليه وسلّم: نعم! قال الضمري: فسلوا عما شئتم! فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: أخبرنا عن قريش. قال الضمري: بلغني أنهم خرجوا يوم كذا وكذا من مكة، فإن كان الذي أخبرني صادقاً فإنهم بجنب هذا الوادي. قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: فأخبرنا عن محمد وأصحابه. قال: خبرت أنهم خرجوا من يثرب يوم كذا وكذا، فإن كان الذي خبرني صادقاً فهم بجانب هذا الوادي. قال الضمري: فمن أنتم؟ قال النبي صلى الله عليه وسلّم: نحن من ماء. وأشار بيده نحو العراق. فقال الضمري: من ماء العراق! ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى أصحابه ولا يعلم أحدٌ من الفريقين بمنزل صاحبه، بنهم قوزٌ من رمل وكان قد صلى بالدبة، ثم صلى بسير، ثم صلى بذات أجدال، ثم صلى بخيف عين العلاء، ثم صلى بالخبيرتين، ثم نظر إلى جبلين فقال: ما اسم هذين الجبلين؟ قالوا: مسلح ومخرى. فقال: من ساكنهما؟ قالوا: بنو النار وبنو حراق. فانصرف من عند الخبيرتين فمضى حتى قطع الخيوف، وجعلها يساراً حتى سلك في المعترضة، ولقيه بسبس وعدي بن أبي الزغباء فأخبراه الخبر.
ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وادي بدر عشاء ليلة الجمعة لسبع عشرة مضت من رمضان، فبعث عليًّا والزبير وسعد بن أبي وقاص وبسبس ابن عمرو يتحسسون على الماء، وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى ظريب فقال: أرجو أن تجدوا الخبر عند هذا القليب الذي يلي الظريب والقليب بئر بأصل الظريب، والظريب جبل صغير. فاندفعوا تلقاء الظريب فيجدون على تلك القليب التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم روايا قريش فيها سقاوهم. ولقي بعضهم بعضاً وأفلت عامتهم، وكان ممن عرف أنه أفلت عجير، وكان أول من جاء قريشاً بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فنادى فقال: يا آل غالب، هذا ابن أبي كبشة وأصحابه قد أخذوا سقاءكم! فماج العسكر، وكرهوا ما جاء به.

قال حكيم بن حزام: وكنا في خباءٍ لنا على جزور نشوى من لحمها، فما هو إلا أن سمعنا الخبر، فامتنع الطعام منا، ولقي بعضنا بعضاً، ولقيني عتبة بن ربيعة فقال: يا أبا خالد، ما أعلم أحداً يسير أعجب من مسيرنا، إن عيرنا قد نجت، وإنا جئنا إلى قومٍ في بلادهم بغياً عليهم. فقال عتبة لأمرٍ حم: ولا رأى لمن لا يطاع، هذا شؤم ابن الحنظلية! يا أبا خالد، أتخاف أن يبيتنا القوم؟ قلت: لا آمن ذلك. قال: فما الرأي يا أبا خالد؟ قال: نتحارس حتى نصبح وترون من وراءكم. قال عتبة: هذا الرأي! قال: فتحارسنا حتى أصبحنا. قال أبو جهل: ما هذا؟ هذا عن أمر عتبة، قد كره قتال محمد وأصحابه! إن هذا لهو العجب، أتظنون أن محمداً وأصحابه يعترضون لجمعكم؟ والله لأنتحين ناحية بقومي، فلا يحرسنا أحدٌ. فتنحى ناحية، والسماء تمطر عليه. يقول عتبة: إن هذا لهو النكد، وإنهم قد أخذوا سقاءكم. وأخذ تلك الليلة يسار غلام عبيد ابن سعيد بن العاص، وأسلم غلام منبه بن الحجاج، وأبو رافع غلام أمية ابن خلف، فأتى بهم النبي صلى الله عليه وسلّم، وهو قائم يصلي، فقالوا: سقاء قريش بعثونا نسقيهم من الماء. وكره القوم خبرهم، ورجوا أن يكونوا لأبي سفيان وأصحاب العير، فضربوهم، فلما أذلقوهم بالضرب قالوا: نحن لأبي سفيان، ونحن في العير، وهذه العير بهذا القوز. فيمسكون عنهم، فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلّم من صلاته، ثم قال: إن صدقوكم ضربتموهم وإن كذبوكم تركتموهم! فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم: يخبروننا يا رسول الله أن قريشاً قد جاءت. قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم. صدقوكم، خرجت قريش تمنع عيرها، وخافوكم عليها. ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلّم على السقاء فقال: أين قريش؟ قالوا: خلف هذا الكثيب الذي ترى. قال: كم هي؟ قالوا: كثير. قال: كم عددها؟ قالوا: لا ندري كم هم. قال: كم ينحرون؟ قالوا: يوماً عشرة ويوماً تسعة. قال: القوم ما بين الألف والتسعمائة. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للسقاء: من خرج من مكة؟ قالوا: لم يبق أحدٌ به طعم إلا خرج. فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلّم على الناس، فقال: هذه مكة، قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها. ثم سألهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم. هل رجع أحدٌ منهم؟ قالوا: رجع ابن أبي شريق ببني زهرة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرشده وما كان برشيدٍ، وإن كان ما علمت لمعادياً لله ولكتابه. قال: أحدٌ غيرهم؟ قالوا: بنو عدي بن كعب.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم لأصحابه: أشيروا علي في المنزل فقال الحباب بن المنذر: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزلٌ أنزلكه الله فليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحر والمكيدة؟ قال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة. قال: فإن هذا ليس بمنزل! انطلق بنا إلى أدنى ماء القوم، فإني عالم بها وبقلبها، بها قلبي قد عرفت عذوبة مائه، وماءٌ كثير لا ينزح، ثم نبني عليها حوضاً ونقذف فيه الآنية، فنشرب ونقاتل، ونغور، ما سواها من القلب.
حدثنا محمد قال: حدثنا الواقدي قال: فحدثني ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: نزل جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فقال: الرأي ما أشار به الحباب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: يا حباب، أشرت بالرأي! فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلّم ففعل كل ذلك.

حدثنا محمد قال: حدثنا الواقدي قال: فحدثني عبيد بن يحيى، عن معاذ بن رفاعة، عن أبيه، قال: بعث الله السماء وكان الوادي دهساً - والدهس الكثير الرمل - فأصابنا ما لبد الأرض ولم يمنعنا من المسير، وأصاب قريشاً ما لم يقدروا أن يرتحلوا منه، وإنما بينهم قوزٌ من رمل. قالوا: وأصاب المسلمين تلك الليلة النعاس، ألقى عليهم فناموا، وما أصابهم من المطر ما يؤذيهم. قال الزبير بن العوام: سلط علينا النعاس تلك الليلة حتى إني كنت لأتشدد، فتجلدني الأرض فما أطيق إلا ذلك، ورسول الله صلى الله عليه وسلّم وأصحابه على مثل تلك الحال. وقال سعد ابن أبي وقاص: رأيتني وإن ذقني بين يدي، فما أشعر حتى أقع على جنبي. قال رفاعة بن رافع بن مالك: غلبني النوم، فاحتملت حتى اغتسلت آخر الليل. قالوا: فلما تحول رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى المنزل بعد أن أخذ السقاء، أرسل عمار بن ياسر وابن مسعود، فأطافا بالقوم ثم رجعا إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فقالا: يا رسول الله، القوم مذعورون فزعون، إن الفرس ليريد أن يصهل فيضرب وجهه، مع أن السماء تسح عليهم. فلما أصبحوا قال نبيه بن الحجاج، وكان رجلاً يبصر الأثر، فقال: هذا أثر ابن سمية وابن أم عبد، أعرفه، قد جاء محمد بسفهائنا وسفهاء أهل يثرب! ثم قال:
لم يترك الجوع لنا مبيتاً ... لا بد أن نموت أو نميتا
قال أبو عبد الله: فذكرت قول نبيه بن الحجاج لم يترك الجوع لنا مبيتا لمحمد بن يحيى بن سهل بن أبي حثمة فقال: لعمري لقد كانوا شباعاً، لقد أخبرني أبي أنه سمع نوفل بن معاوية يقول: نحرنا تلك الليلة عشر جزائر، فنحن في خباءٍ من أخبيتهم نشوي السنام والكبد وطيبة اللحم، ونحن نخاف من البيات، فنحن نتحارس إلى أن أضاء الفجر، فأسمع منبهاً يقول بعد أن أسفر الصبح: هذا أثر ابن سمية وابن مسعود! وأسمعه يقول:
لم يترك الخوف لنا مبيتاً ... لا بد أن نموت أو نميتا
يا معشر قريش، انظروا غداً إن لقينا محمداً وأصحابه، فابقوا في أنسابكم هؤلاء، وعليكم بأهل يثرب، فإنا إن نرجع بهم إلى مكة يبصورا ضلالتهم وما فارقوا من دين آبائهم.
حدثنا محمد قال: حدثنا الواقدي قال: حدثني محمد بن صالح، عن عاصم بن عمر، عن محمود بن لبيد، قال: لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلّم على القليب بني له عريشٌ من جريد، فقام سعد بن معاذ على باب العريش متوشح السيف، فدخل النبي صلى الله عليه وسلّم هو وأبو بكر.
فحدثني يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة، عن عبد الله بن أبي بكر ابن حزم، قال: صف رسول الله صلى الله عليه وسلّم أصحابه قبل أن تنزل قريش، وطلعت قريشٌ ورسول الله يصفهم، وقد أترعوا حوضاً، يفرطون فيه من السحر، ويقذفون فيه الآنية. ودفع رايته إلى مصعب بن عمير، فتقدم بها إلى موضعها الذي يريد رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن يضعها فيه. ووقف رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى الصفوف، فاستقبل المغرب، وجعل الشمس خلفه، وأقبل المشركون فاستقبلوا الشمس، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالعدوة الشامية ونزلوا بالعدوة اليمانية عدوتا النهر والوادي جنبتاه فجاء رجلٌ من أصحابه فقال: يا رسول الله، إن كان هذا منك عن وحيٍ نزل إليك فامض له، وإلا أراها بعثت بنصرك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: قد صففت صفوفي ووضعت رايتي، فلا أغير ذلك! ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ربه تبارك وتعالى، فنزل عليه جبري بهذه الآية: " إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألفٍ من الملائكة مردفين " ، بعضهم على إثر بعض.
حدثنا محمد قال: حدثنا الواقدي قال: حدثني معاوية بن عبد الرحمن، عن يزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير قال: عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدحٍ في بطن سواد بن غزية، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلّم: استو يا سواد! فقال له سواد: أوجعتني، والذي بعثك بالحق نبياً، أقدني! فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن بطنه، ثم قال: استقد! فاعتنقه وقبله، وقال له: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: حضر من أمر الله ما قد ترى، وخشيت القتل، فأردت أن يكون آخر عهدي بك، أن أعتنقك. قالوا: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يسوي الصفوف يومئذٍ، وكأنما يقوم بها القداح.

حدثنا محمد قال: حدثنا الواقدي: قال: فحدثني موسى بن يعقوب، عن أبي الحويرث، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن رجلٍ من بني أود، قال: سمعت عليًّا عليه السلام يقول: وهو يخطب بالكوفة: بينا أنا أميح في قليب بدر - أميح يعني أستقي، وهو من ينزع الدلاء، وهو المتح أيضاً - جاءت ريح لم أر مثلها قط شدة، ثم ذهبت فجاءت ريح أخرى، لم أر مثلها إلا التي كانت قبلها، ثم جاءت ريح أخرى، لم أر مثلها إلا التي كانت قبلها ثم جاءت ريح أخرى، لم أر مثلها إلا التي كانت قبلها، وكانت الأولى جبريل في ألفٍ مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم، والثانية ميكائيل في ألفٍ عن ميمنة رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأبي بكر، وكانت الثالثة إسرافيل في ألف، نزل عن ميسرة رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وأنا في الميسرة، فلما هزم الله عز وجل أعداءه حملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرسه، فجمزت بي، فلما جمزت خررت على عنقها، فدعوت ربي فأمسكني حتى استويت، وما لي وللخيل، وإنما كنت صاحب غنم! فلما استويت طعنت بيدي هذه حتى اختضبت مني ذا يعني إبطه.
قالوا: وكان يومئذٍ على الميمنة أبو بكر رضي الله عنه، وكان على خيل المشركين زمعة بن الأسود. فحدثني يحيى بن المغيرة بن عبد الرحمن، عن أبيه، قال: كان على خيل المشركين الحارث بن هشام، وعلى الميمنة هبيرة بن أبي وهب، وعلى الميسرة زمعة بن الأسود. وقال قائل: كان على الميمنة الحارث بن عامر، وعلى ميسرتهم عمرو بن عبد.
حدثنا محمد قال: حدثنا الواقدي قال: فحدثني محمد بن صالح، عن يزيد بن رومان، وابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، قالا: ما كان على الميمنة - ميمنة النبي صلى الله عليه وسلّم - يوم بدر ولا على ميسرته أحدٌ يسمى، وكذلك ميمنة المشركين وميسرتهم، ما سمعنا فيها بأحد. قال ابن واقد: وهذا الثبت عندنا.
حدثنا محمد قال: حدثنا الواقدي قال: حدثني محمد بن قدامة، عن عمر بن حسين، قال: كان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلّم يومئذ الأعظم لواء المهاجرين مع مصعب بن عمير ولواء الخزرج مع الحباب ابن المنذر، ولواء الوس مع سعد بن معاذ. ومع قريش ثلاثة ألوية، لواء مع أبي عزيز، ولواء مع النضر بن الحارث، ولواء مع طلحة بن أبي طلحة.
قالوا: وخطب رسول الله صلى الله عليه وسلّم يومئذٍ، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: وهو يأمرهم، ويحثهم، ويرغبهم في الأجر: أما بعد، فإني أحثكم على ما حثكم الله عليه، وأنهاكم عما نهاكم الله عنه، فإن الله عظيم شأنه، يأمر بالحق، ويحب الصدق، ويعطي على الخير أهله، على منازلهم عنده، به يذكرون وبه يتفاضلون، وإنكم قد أصبحتم بمنزل من منازل الحق، لا يقبل الله فيه من أحدٍ إلا ما ابتغى به وجهه. و إن الصبر في مواطن البأس مما يفرج الله به الهم، وينجي به من الغم، وتدركون به النجاة في الآخرة. فيكم نبي الله يحذركم ويأمركم، فاستحيوا اليوم أن يطلع الله عز وجل على شيءٍ من أمركم يمقتكم عليه، فإن الله يقول: " لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم " . انظروا إلى الذي أمركم به من كتابه، وأراكم من آياته، وأعزكم بعد ذلةٍ، فاستمسكوا به يرض ربكم عنكم. وأبلوا ربكم في هذه المواطن أمراً، تستوجبوا الذي وعدكم به من رحمته ومغفرته، فإن وعده حقٌّ، وقوله صدقٌ، وعقابه شديدٌ. وإنما أنا وأنتم بالله الحي القيوم، إليه ألجانا ظهورنا، وبه اعتصمنا، وعليه توكلنا، وإليه المصير، يغفر الله لي وللمسلمين!.
حدثنا محمد قال: حدثنا الواقدي قال: فحدثني محمد بن عبد الله، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، ومحمد بن صالح، عن عاصم بن عمر، عن يزيد بن رومان، قالا: لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلّم قريشاً تصوب من الوادي، وكان أول من طلع زمعة بن الأسود على فرسٍ له، يتبعه ابنهن فاستجال بفرسه يريد أن يتبوأ للقوم منزلاً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: اللهم، إنك أنزلت على الكتاب، وأمرتني بالقتال، ووعدتني إحدى الطائفتين، وأنت لا تخلف الميعاد! اللهم، هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها، تحادك وتكذب رسولك! اللهم، نصرك الذي وعدتني! اللهم أحنهم الغداة! وطلع عتبة بن ربيعة على جملٍ أحمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: إن يك في أحدٍ من القوم خيرٌ ففي صاحب الجمل الأحمر، إن يطيعوه يرشدوا.

حدثنا محمد قال: حدثنا الواقدي قال، حدثني محمد بن عبد الله، عن الزهري، عن عبد الله بن مالك، قال: وكان إيماء بن رحضة قد بعث إلى قريش ابناً له بعشر جزائر حين مروا به، أهداها لهمن وقال: إن أحببتم أن نمدكم بسلاحٍ ورجالٍ فإنا معدون لذلك مؤدون فعلنا. فأرسلوا: أن وصلتم رحمٌ، قد قضيت الذي عليك، فلعمري لئن كنا إنما نقاتل الناس ما بنا ضعفٌ عنهم، ولئن كنا نقاتل الله كما يزعم محمد، فما لأحدٍ بالله طاقة.
حدثنا محمد قال: حدثنا الواقدي قال: فحدثني عبد الرحمن بن الحارث، عن جده عبيد بن أبي عبيد، عن خفاف بن إيماء بن رحضة، قال: كان أبي ليس شيءٌ أحب إلهي من إصلاحٍ بني الناس، موكل بذلك. فلما مرت قريش أرسلني بجزائر عشر هديةً لها، فأقبلت أسوقها وتبعني أبي، فدفعتها إلى قريش فقبلوها، فوزعوها في القبائل. فمر أبي على عتبة بن ربيعة وهو سيد الناس يومئذٍ فقال: يا أبا الوليد، ما هذا المسير؟ قال: لا أدري والله غلبت! قال: فأنت سيد العشيرة، فما يمنعك أن ترجع بالناس وتحمل دم حليفك، وتحمل العير التي أصابوا بنخلة فتوزعها على قومك؟ والله، ما تطلبون قبل محمد إلا هذا؟ والله، يا أبا الوليد، ما تقتلون بمحمدٍ وأصحابه إلا أنفسكم.
حدثني ابن أبي الزناد، عن أبيه، قال: ما سمعنا بأحدٍ ساد بغير مالٍ إلا عتبة بن ربيعة.
حدثنا محمد قال: حدثنا الواقدي قال: فحدثني موسى بن يعقوب، عن أبي الحويرث، عن محمد بن جبير بن مطعم، قال: لما نزل القوم أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلّم عمر بن الخطاب إلى قريش فقال: ارجعوا، فإنه يلي هذا الأمر مني غيركم أحب إلى من أن تلوه مني، وأليه من غيركم أحب إلى من أن أليه منكم. فقال حكيم بن حزام: قد عرض نصفاً، فاقبلوه. والله لا تنصرون عليه بعد ما عرض من النصف. قال: قال أبو جهل: والله، لا نرجع بعد أن أمكننا الله منهم، ولا نطلب أثراً بعد عين، ولا يعترض لعيرنا بعد هذا أبداً.
قالوا: وأقبل نفرٌ من قريش حتى وردوا الحوض منهم حكيم بن حزام فأراد المسلمون تجليتهم - يعني طردهم - فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: دعوهم! فوردوا الماء فشربوا، فما شرب منه أحدٌ إلا قتل، إلا ما كان من حكيم بن حزام.
فحدثني أبو إسحاق، عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد ، عن سعيد بن المسيب، قال: نجا حكيم من الدهر مرتين لما أراد الله به من الخير. خرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم على نفرٍ من المشركين، وهو جلوسٌ يريدونه، فقرأ يس وذر على رءوسهم التراب، فما انفلت منهم رجلٌ إلا قتل إلا حكيم، وورد الحوض يوم بدر فما رود الحوض يومئذٍ أحدٌ إلا قتل إلا حكيمٌ.
قالوا: فلما اطمأن القوم بعثوا عمير بن وهب الجمحي وكان صاحب قداح فقالوا: احزر لنا محمداً وأصحابه. فاستحال بفرسه حول المعسكر فصوب في الوادي وصعد، يقول: عسى أن يكون لهم مددٌ أو كمين. ثم رجع فقال: لا مدد ولا كمين، القوم ثلثمائة إن زادوا قليلاً، ومعهم سبعون بعيراً، ومعهم فرسان، ثم قال: يا معشر قريش، البلايا تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، قومٌ ليست لهم منعةٌ ولا ملجأ إلا سيوفهم! ألا ترونهم خرساً لا يتكلمون، يتلمظون تلمظ، الأفاعي! والله، ما أرى أن يقتل منهم رجلٌ حتى يقتل منا رجلاً، فإذا أصابوا منكم مثل عددهم فما خيرٌ في العيش بعد ذلك! فارتأوا رأيكم! حدثنا محمد قال: حدثنا الواقدي قال: فحدثني يونس بن محمد الظفري، عن أبيه قال: لما قال لهم عمير بن وهب هذه المقالة، أرسلوا أبا أسامة الجشمي وكان فارساً فأطاف بالنبي صلى الله عليه وسلّم وأصحابه، ثم رجع إليهم فقالوا له: ما رأيت؟ قال: والله، ما رأيت جلداً، ولا عدداً، ولا حلقة، ولا كراعاً. ولكني والله رأيت قوماً لا يريدون أن يئوبوا إلى أهليهم، قوماً مستميتين، ليست لهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم، زرق العيون كأنهم الحصى تحت الحجف، ثم قال: أخشى أن يكون لهم كمين أو مدد. فصوب في الوادي ثم صعد، ثم رجع إليهم، ثم قال: لا كمين ولا مدد، فروا رأيكم!

حدثنا محمد قال: حدثنا الواقدي قال: فحدثنا محمد بن عبد الله، عن الزهري، عن عروة ومحمد بن صالح، عن عاصم بن عمر، وابن رومان، قالوا: لما سمع حكيم بن حزام ما قال عمير بن وهب مشى في الناس، وأتى عتبة بن ربيعة فقال: يا أبا الوليد، أنت كبير قريش وسيدها، والمطاع فيها، فهل لك ألا تزال منها بخيرٍ آخر الدهر، مع ما فعلت يوم عطاظ! وعتبة يومئذٍ رئيس الناس، فقال: وما ذاك يا أبا خالد؟ قال: ترجع بالناس وتحمل دم حليفك، وما أصاب محمد من تلك العير ببطن نخلة. إنكم لا تطلبون من محمدٍ شيئاً غير هذا الدم والعير. فقال عتبة: قد فعلت وأنت على بذلك. قال: ثم جلس عتبة على جمله، فسار في المشركين من قريش يقول: يا قوم، أطيعوني ولا تقاتلوا هذا الرجل وأصحابه، واعصبوا هذا الأمر برأسي وادعلوا جبنها بي، فإن منهم رجالاً قرابتهم قريبة، ولا يزال الرجل منكم ينظر إلى قاتل أبيه وأخيه، فيورث ذلك بينهم شحناء وأضغاناً، ولن تخلصوا إلى قتلهم حتى يصيبوا منكم عددهم، مع أني لا آمن أن تكون الدائرة عليكم، وأنتم لا تطلبون إلا دم هذا الرجل والعير التي أصاب، وأنا أحتمل ذلك وهو علي! يا قوم، إن يك محمد كاذباً يكفيكموه ذؤبان العرب - ذؤبان العرب صعاليك العرب - وإن يك ملكاً أكلتم في ملك ابن أخيكم، وإن يك نبياً كنتم أسعد الناس به! يا قوم، لا تردوا نصيحتي، ولا تسفهوا رأيي! قال: فحسده أبو جهل حين سمع خطبته وقال: إن يرجع الناس عن خطبة عتبة يكن سيد الجماعة وعتبة أنطق الناس، وأطولهم لساناً، وأجملهم جمالاً. ثم قال عتبة: أنشدكم الله في هذه الوجوه التي كأنها المصابيح، أن تجعلوها أنداداً لهذه الوجوه التي كأنها وجوه الحيات! فلما فرغ عتبة من كلامه قال أبو جهل: إن عتبة يشير عليكم بهذه لأن ابنه مع محمد، ومحمد ابن عمه، وهو يكره أن يقتل ابنه وابن عمه. امتلأ، والله، سحرك يا عتبة، وجبنت حين التقت حلقنا البطان! الآن تخذل بيننا وتأمرنا بالرجوع؟ لا والله، لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد! قالك فغضب عتبة فقال: يا مصفر استه، ستعلم أينا أجبن وألأم، وستعلم قريش من الجبان المفسد لقومه! وأنشد....
هل جبانٌ وأمرت أمرى ... فبشرى بالثكل أم عمرو
ثم ذهب أبو جهل إلى عامر بن الحضرمي أخي المقتول بنخلة، فقال، هذا حليفك - يعني عتبة يريد أن يرجع بالناس وقد رأيت ثأرك بعينيك، ويخذل بين الناس، قد تحمل دم أخيك وزعم أنك قابل الدية. ألا تستحي تقبل الدية، وقد قدرت على قاتل أخيك؟ قم فانشد خفرتك. فقام عامر بن الحضرمي فاكتشف، ثم حثا على رأسه التراب، ثم صرخ: واعمراه! يخزي بذلك عتبة لأنه حليفه من بين قريش، فأفسد على الناس الرأي الذي دعاهم إليه عتبة، وحلف عامر لا يرجع حتى يقتل من أصحاب محمد. وقال لعمير بن وهب: حرش بين الناس! فحمل عمير، فناوش المسلمين لأن ينقض الصف، فثبت المسلمون على صفهم ولم يزولوا، وتقدم ابن الحضرمي، فشد على القوم فنشبت الحر.
حدثنا محمد قال: حدثنا الواقدي قال: فحدثني عائذ بن يحيى، عن أبي الحويرث، عن نافع بن جبير، عن حكيم بن حزام، قال: لما أفسد الرأي أبو جهل على الناس، وحرش بينهم عامر بن الحضرمي فأقحم فرسه، فكان أول من خرج إليه مهجع مولى عمر، فقتله عامر.
وكان أول قتيل قتل من الأنصار حارثة بن سراقة، قتله حبان بن العرقة ويقال عمير بن الحمام قتله خالد بن الأعلم العقيلي. حدثنا محمد قال: حدثنا الواقدي قال: ما سمعت أحداً من المكيين يقول إلا حبان بن العرقة.
قالوا: وقال عمر بن الخطاب في مجلس ولايته: يا عمير بن وهب، أنت حازرنا للمشركين يوم بدر، تصعد في الوادي وتصوب، كأني أنظر إلى فرسك تحتك، تخبر المشركين أنه لا كمين لنا ولا مدد! قال: إي والله يا أمير المؤمنين! وأخرى، أنا والله الذي حرشت بين الناس يومئذٍ، ولكن الله جاء بالإسلام وهدانا له، فما كان فينا من الشرك أعظم من ذلك. قال عمر: صدقت!

قالوا: كلم عتبة حكيم بن حزام فقال: ليس عند أحد خلافٌ إلا عند ابن الحنظلية، اذهب إليه فقل له إن عتبة يحمل دم حليفه ويضمن العير. قال حكيم: فدخلت على أبي جهل وهو يتخلق بخلوق ودرعه موضوعة بين يديه، فقلت: إن عتبة بعثني إليك. فأقبل على مغضباً فقال: أما وجد عتبة أحداً يرسله غيرك؟ فقلت: أما والله لو كان غيره أرسلني ما مشيت في ذلك، ولكن مشيت في إصلاحٍ بين الناس، وكان أبو الوليد سيد العشيرة. فغضب غضبة أخرى فقال: وتقول أيضاً سيد العشيرة؟ فقلت: أنا أقوله؟ قريش كلها تقوله! فأمر عامراً أن يصيح بخفرته، واكتشف وقال: إن عتبة جاع فاسقوه سويقاً! وجعل المشركون يقولون: إن عتبة جاع فاسقوه سويقاً! وجعل أبو جهل يسر بما صنع المشركون بعتبة. قال حكيم: فجئت إلى منبه بن الحجاج، فقلت له مثل ما قلت لأبي جهل، فوجدته خيراً من أبي جهل. قال: نعم ما مشيت فيه وما دعا إليه عتبة! فرجعت إلى عتبة فوجدته قد غضب من كلام قريش، فنزل عن جمله، وقد طاف عليهم في عسكرهم يأمرهم بالكف عن القتال. فيأبون. فحمى، فنزل فلبس درعه وطلبوا له بيضة تقدر عليه، فلم يجد في الجيش بيضة تسع رأسه من عظم هامته. فلما رأى ذلك اعتجر ثم برز بين أخيه شيبة وبين ابنه الوليد بن عتبة، فبينا أبو جهل في الصف على فرسٍ أنثى، حاذاه عتبة وسل عتبة سيفه، فقيل: هو والله يقتله! فضرب بالسيف عرقوبي فرس أبي جهل، فاكتسعت الفرس، فقلت: ما رأيت كاليوم! قالوا: قال عتبة: انزل، فإن هذا اليوم ليس بيوم ركوب، ليس كل قومك راكباً. فنزل أبو جهل، وعتبة يقول: ستعلم أينا أشأم عشيرته الغداة! ثم دعا عتبة إلى المبارزة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش وأصحابه على صفوفهم، فاضطجع فغشيه النوم، وقال: لا تقاتلوا حتى أوذنكم، وإن كثبوكم فارموهم ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم. قال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله، قد دنا القوم وقد نالوا منا. فاستيقظ رسول الله، وقد أراه الله إياهم في منامه قليلاً، وقلل بعضهم في أعين بعض، ففزغ رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو رافعٌ يديه، يناشد ربه ما وعده من النصر، ويقول: اللهم، إن تظهر على هذه العصارة يظهر الشرك، ولا يقم لك دين. وأبو بكر يقول: والله، لينصرنك الله وليبيضن وجهك. وقال ابن رواحة: يا رسول الله، إني أشير عليك ورسول الله صلى الله عليه وسلّم أعظم وأعلم بالله من أن يشار عليه إن الله أجل وأعظم من أن تنشده وعده. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: يا ابن رواحة، ألا أنشد الله وعده؟ إن الله لا يخلف الميعاد! وأقبل عتبة يعمد إلى القتال، فقال له حكيم بن حزام: أبا الوليد، مهلاً، مهلاً! تنهي عن شيء وتكون أوله! وقال خفاف بن إيماء: فرأيت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يسلون السيوف، وقد أنبضوا القسي، وقد ترس بعضهم عن بعض بصفوفٍ متقاربة، لا فرج بينها، والآخرون قد سلوا السيوف حين طلعوا. فعجبت من ذلك فسألت بعد ذلك رجلاً من المهاجرين فقال، أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ألا نسل السيوف حتى يغشونا.
قالوا: فلما تزاحف الناس قال الأسود بن عبد الأسد المخزومي حين دنا من الحوض: أعاهد الله لأشربن من حوضهم، أو لأهدمنه، أو لأموتن دونه. فشد الأسود بن عبد الأسد حتى دنا من الحوض، فاستقبله حمزة ابن عبد المطلب، فضربه فأطن قدمه، فزحف الأسود حتى وقع في الحوض فهدمه برجله الصحيحة، وشرب منه، وأتبعه حمزة فضربه في الحوض فقتله.

والمشركون ينظرون على صفوفهم وهم يرون أنهم ظاهرون، فدنا الناس بعضهم من بعض، فخرج عتبة وشيبة والوليد حتى فصلوا من الصف، ثم دعوا إلى المبارزة، فخرج إليهم فتيانٌ ثلاثةٌ من الأنصار، وهم بنو عفراء: معاذ ومعوذ وعوف، بنو الحارث، ويقال ثالثهم عبد الله بن رواحة، والثبت عندنا أنهم بنو عفراء فاستحيي رسول الله صلى الله عليه وسلّم من ذلك، وكره أن يكون أول قتال لقي المسلمون فيه المشركين في الأنصار، وأحب أن تكون الشوكة لبني عمه وقومه، فأمرهم فرجعوا إلى مصافهم، وقال لهم خيراً. ثم نادى منادي المشركين: يا محمد، أخرج لنا الأكفاء من قومنا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم: يا بني هاشم، قوموا فقاتلوا بحقكم الذي بعث الله به نبيكم، إذ جاءوا بباطلهم ليطفئوا نور الله. فقام حمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، وعبيدة بن الحارث ابن المطلب بن عبد المناف، فمشوا إليهم، فقال عتبة: تكلموا نعرفكم وكان عليهم البيض فأنكروهم فإن كنتم أكفاء قاتلناكم. فقال حمزة: أنا حمزة بن عبد المطلب، أسد الله وأسد رسوله. قال عتبة: كفءٌ كريمٌ. ثم قال عتبة: وأنا أسد الحلفاء، ومن هذان معك؟ قال: علي ابن أبي طالب وعبيدة بن الحارث. قال: كفآن كريمان.
قال ابن أبي الزناد، عن أبيه، قال: لم أسمع لعتبة كلمة قط. أوهن من قوله أنا أسد الحلفاء، يعني بالحلفاء الأجمة. ثم قال عتبة لابنه: قم يا وليد. فقام الوليد، وقام إليه علي، وكان أصغر النفر، فقتله علي عليه السلام. ثم قام عتبة، وقام إليه حمزة، فاختلفا ضربتين فقتله حمزة رضي الله عنه. ثم قام شيبة، وقام إليه عبيدة بن الحارث وهو يومئذٍ أسن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب شيبة رجل عبيدة بذباب السيف، فأصاب عضلة ساقه فقطعها. وكر حمزة وعلي على شيبة فقتلاه، واحتملا عبيدة فحازاه إلى الصف، ومخ ساقه يسيل، فقال عبيدة: يا رسول الله، ألست شهيداً؟ قال: بلى. قال: أما والله، لو كان أبو طالب حياً لعلم أنا أحق بما قال منه حين يقول:
كذبتم وبيت الله نخلى محمداً ... ولما نطاعن دونه ونناضل
ونسلمه حتى نصرع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل
ونزلت هذه الآية: " هذان خصمان اختصموا في ربهم " .
حمزة أسن من النبي صلى الله عليه وسلّم بأربع سنين. والعباس أسن من النبي صلى الله عليه وسلّم بثلاث سنين.
قالوا: وكان عتبة بن ربيعة حين دعا إلى البراز قام إليه ابنه أبو حذيفة يبارزه. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلّم: اجلس! فلما قام إليه النفر أعان أبو حذيفة بن عتبة على أبيه بضربة.
حدثنا محمد قال: حدثنا الواقدي قال: حدثنا ابن أبي الزناد، عن أبيه، قال: شيبة أكبر من عتبة بثلاث سنين.
حدثنا محمد قال: حدثنا الواقدي قال: فحدثني معمر بن راشد، عن الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير، قال: واستفتح أبو جهل يوم بدر. فقال: اللهم، أقطعنا للرحم، وآتانا بما لا يعلم، فأحنه الغداة ، فأنزل الله تبارك وتعالى: " إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خيرٌ لكم.. " الآية.
فحدثني عمر بن عقبة، عن شعبة مولى ابن عباس، قال: سمعت ابن عباس يقول: لما تواقف الناس أغمي على رسول الله صلى الله عليه وسلّم ساعةً، ثم كشف عنه فبشر المؤمنين بجبريل في جندٍ من الملائكة في ميمنة الناس، وميكائيل في جند آخر في ميسرة الله صلى الله عليه وسلّم ، وإسرافيل في جندٍ آخر بألف. وإبليس قد تصور في صورى سراقة بن جعشم المدلجي يذمر المشركين ويخبرهم أنه لا غالب لهم من الناس، فلما أبصر عدو الله الملائكة نكص على عقبيه، وقال: إني بريءٌ منكم إني أرى ما لا ترون! فتشبث به الحارث بن هشام، وهو يرى أنه سراقة لما سمع من كلامه، فضرب في صدر الحارث فسقط الحارث، وانطلق إبليس لايرى حتى وقع في البحر، ورفع يديه وقال: يا رب، موعدك الذي وعدتني!.

وأقبل أبو جهل على أصحابه، فحضهم على القتال وقال: لا يغرنكم خذلان سراقة بن جعشم إياكم، فإنما كان على ميعاد من محمدٍ وأصحابه، سيعلم إذا رجعنا إلى قديد ما نصنع بقومه! لا يهولنكم مقتل عتبة وشيبة والوليد، فإنهم عجلوا وبطروا حين قاتلوا! وايم الله، لا نرجع اليوم حتى نقرن محمداً وأصحابه في الحبال، فلا ألفين أحداً منكم قتل منهم أحداً، ولكن خذوهم أخذاً، نعرفهم بالذي صنعوا لمفارقتهم دينكم ورغبتهم عما كان يعبد آباؤهم! حدثنا محمد قال: حدثنا الواقدي قال: فحدثني ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، عن عروة، عن عائشة، قالت: جعل النبي صلى الله عليه وسلّم شعار المهاجرين يوم بدر: يا بني عبد الرحمن! وشعار الخزرج: يا بني عبد الله! وشعار الأوس: يا بني عبيد الله! حدثنا محمد قال: حدثنا الواقدي قال: فحدثني عبد الله بن محمد بن عمر بن علي، عن إسحاق بن سالم، عن زيد بن علي، قال: كان شعار رسول الله صلى الله عليه وسلّم يوم بدر: يا منصور أمت! قالوا: وكان فتية من قريش سبعة قد أسلموا، فاحتبسهم آباؤهم فخرجوا معهم إلى بدر وهم على الشك والارتياب: قيس بن الوليد بن المغيرة، وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة، والحارث بن زمعة، وعلي بن أمية بن خلف، والعاص بن منبه بن الحجاج. فلما قدموا بدراً، ورأوا قلة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم، قالوا: غر هؤلاء دينهم! يقول الله عز وجل: " ومن يتوكل على الله فإن الله عزيزٌ حكيمٌ " . وهم مقتولون الآن. يقول الله تبارك وتعالى: " إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرضٌ غر هؤلاء دينهم " . ثم ذكر الذين كفروا شر الذكر فقال: " إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون " . " الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرةٍ وهم لا يتقون " . إلى قوله: " فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون " . يقول: يقبلون نكل بهم من وراءهم من العرب كلها. " وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم " . يقول: وإن قالوا قد أسلمنا علانية، فاقبل منهم. " وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين " . " وألف بين قلوبهم " . يقول: ألف بين قلوبهم على الإسلام. " لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيزٌ حكيمٌ " .

حدثنا محمد قال: حدثنا الواقدي قال: فحدثني عبد الرحمن بن محمد بن أبي الرجال، عن عمرو بن عبد الله، عن محمد بن كعب القرظي، قال: جعل الله المؤمنين يوم بدر من القوة أن يغلب العشرون إذا كانوا صابرين مائتين، ويمدهم يوم بدر بألفين من الملائكة، فلما علم أن فيهم الضعف خفف عنهم، وأنزل الله عز وجل، مرجع رسوله صلى الله عليه وسلّم من بدر، فيمن أصيب ببدر ممن يدعي الإسلام على الشك وقتل مع المشركين يومئذٍ وكانوا سبعة نفر حبسهم آباؤهم مثل حديث ابن أبي حبيبة، وفيهم الوليد بن عتبة بن ربيعة وفيمن أقام بمكة لا يستطيع الخروج، فقال: " الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم " . إلى آخر ثلاث آيات. قال: وكتب بها المهاجرون إلى من بمكة مسلماً، فقال جندب بن ضمرة الجندعي: لا عذر لي ولا حجة في مقامي بمكة. وكان مريضاً، فقال لأهله: اخرجوا بي لعلي أجد روحاً. قالوا: أي وجهٍ أحب إليك؟ قال: نحو التنعيم. قال: فخرجوا به إلى التنعيم وبين التنعيم ومكة أربعة أميال من طريق المدينة فقال: اللهم إني خرجت إليك مهاجراً! فأنزل الله عز وجل فيه: " ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله. " ، إلى آخر الآية. فلما رأى ذلك من كان بمكة ممن يطيق الخروج خرجوا، فطلبهم أبو سفيان في رجالٍ من المشركين فردوهم وسجنوهم، فافتتن منهم ناسٌ، فكان الذين افتتنوا حين أصابهم البلاء. فأنزل الله عز وجل: " ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله.. " ، إلى آخر الآية، وآيتين بعدها. فكتب بها المهاجرون إلى من بمكة مسلماً، فلما جاءهم الكتاب بما نزل فيهم قالوا: اللهم، إن لك علينا إن أفلتنا ألا نعدل بك أحداً! فخرجوا الثانية، فطلبهم أبو سفيان والمشركون، فأعجزوهم هرباً في الجبال حتى قدموا المدينة. واشتد البلاء على من ردوا من المسلمين، فضربوهم وآذوهم، وأكرهوهم على ترك الإسلام. ورجع ابن أبي سرح فقال لقريش: ما كان يعلمه إلا ابن قمطة، عبد نصراني، قد كنت أكتب له فأحول ما أردت. فأنزل الله عز وجل: " ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشرٌ لسان الذي يلحدون إليه أعجميٌّ وهذا لسانٌ عربيٌّ مبينٌ.. " والتي تليها وأنزل الله فيمن رد أبو سفيان وأصحابه ممن أصابه البلاء: " إلا من أكره وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان.. " وثلاث آيات بعدها. وكان ممن شرح صدره بالكفر ابن أبي سرح. ثم أنزل الله عز وجل في الذين فروا من أبي سفيان إلى النبي صلى الله عليه وسلّم، الذين صبروا على العذاب بعد الفتنة: " ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا.. " إلى آخر الآية.
أخبرنا أبو القاسم عبد الوهاب بن أبي حية قال: حدثنا محمدبن شجاع الثلجي قال: حدثنا محمد بن عمر الواقدي قال: فحدثني أبو إسحاق بن محمد، عن إسحاق بن عبد الله، عن عمر بن الحكم قال: نادى يومئذٍ نوفل بن خويلد بن العدوية: يا معشر قريش، إن سراقة قد عرفتم قومه وخذلانهم لكم في كل موطن، فاصدقوا القوم الضرب فإني أعلم أن ابني ربيعة قد عجلا في مبارزتهما من بارزا.
أخبرنا الواقدي قال: حدثني عبيد بن يحيى، عن معاذ بن رفاعة ابن رافع، عن أبيه، قال: إن كنا لنسمع لإبليس يومئذٍ خواراً، ودعا بالثبور والويل، وتصور في صورة سراقة بن جعشم، حتى هرب فاقتحم البحر، ورفع يديه مداً يقول: يا رب، ما وعدتني! ولقد كانت قريش بعد ذلك تعير سراقة بما صنع يومئذٍ، فيقول: والله، ما صنعت منه شيئاً.
حدثني محمد، قال: حدثنا الواقدي قال: فحدثني أبو إسحاق الأسلمي. عن الحسن بن عبيد الله بن حنين مولى بني العباس، عن عمارة ابن أكيمة الليثي، قال: حدثني شيخٌ عراك عراك: صياد من الحي كان يومئذٍ على الساحل مطلاً على البحر، قال: سمعت صياحاً: يا ويلاه! ملأ الوادي! يا حزناه! فنظرت فإذا سراقة بن جعشم، فدنوت منه فقلت: ما لك فداك أبي وأمي؟ فلم يرجع إلى شيئاً، ثم أراه اقتحم البرح ورفع يديه مداً يقول: يا رب، ما وعدتني! فقلت في نفسي: جن وبيت الله سراقة! وذلك حين زاغت الشمس، وذاك عند انهزامهم يوم بدر.
قالوا: وكان سيماء الملائكة عمائم قد أرخوها بين أكتافهم، خضراً وصفراً وحمراً من نور، والصوف في نواصي خيلهم.

حدثنا محمد قال: حدثنا الواقدي قال، فحدثني محمد بن صالح، عن عاصم بن عمر، عن محمود بن لبيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : إن الملائكة قد سومت فسوموا. فأعلموا بالصوف في مغافرهم وقلانسهم.
أخبرنا الواقدي قال: وحدثني موسى بن محمد، عن أبيه، قال: كان أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم يعلمون في الزحوف: حمزة بن عبد المطلب معلم يوم بدر بريشة نعامة، وكان علي عليه السلام معلماً بصوفة بيضاء، وكان الزبير معلماً بعصابة صفراء. وكان الزبير يحدث: إن الملائكة نزلت يوم بدر على خيلٍ بلق، عليها عمائم صفر. فكان على الزبير يومئذٍ عصابة صفراء، وكان أبو دجانة يعلم بعصابة حمراء.
حدثنا الواقدي قال: فحدثني عبد الله بن موسى بن أمية بن عبد الله ابن أبي أمية، عن مصعب بن عبد الله، عن مولى لسهيل، قال: سمعت سهيل بن عمرو يقول: لقد رأيت يوم بدر رجالاً بيضاً على خيلٍ بلق بين السماء والأرض، معلمين، يقتلون ويأسرون، وكان أبو أسيد الساعدي يحدث بعد أن ذهب بصره قال:لو كنت معكم الآن ببدر ومعي بصري لأريتكم الشعب وهو الملص الذي خرجت منه الملائكة، لا أشك فيه ولا أمتري. فكان يحدث عن رجلٍ من بني غفار حدثه، قال: أقبلت وابن عمٍّ لي يوم بدر حتى صعدنا على جبلٍ، ونحن مشركان، ونحن على إحدى عجمتي بدر العجمة الشامية، العجمة من رمل، ننتظر الوقعة على من تكون الدائرة فننتهب مع من ينتهب، إذ رأيت سحابة دنت منا، فسمعت فيها حمحمة الخيل وقعقعة اللجم والحديد، وسمعت قائلاً يقول: أقدم حيزوم! فأما ابن عمي فانكشف قناع قلبه فمات، وأما أنا فكدت أهلك، فتماسكت وأتبعت البصر حيث تذهب السحابة، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلّم وأصحابه، ثم رجعت وليس فيها شيءٌ مما كنت أسمع.
حدثنا محمد قال: حدثنا الواقدي قال: فحدثني خارجة بن إبراهيم ابن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس، عن أبيه، قال: سأل رسول الله صلى الله عليه وسلّم جبريل: من القائل يوم بدر من الملائكة أقدم حيزوم؟ فقال جبريل: يا محمد، ما كل أهل السماء أعرف.
قال: وحدثني عبد الرحمن بن الحارث، عن أبيه، عن جده عبيد ابن أبي عبيد، عن أبي رهم الغفاري، عن ابن عمٍّ له، قال: بينما أنا وابن عمٍّ لي على ماء بدر، فلما رأينا قلة من مع محمد وكثرة قريش، قلنا: إذا التقت الفئتان عمدنا إلى عسكر محمد وأصحابه، فانطلقنا نحو المجنبة اليسرى من أصحاب محمد، ونحن نقول: هولاء ربع قريش! فبينما نحن نمشي في الميسرة، إذ جاءت سحابةٌ فغشيتنا، فرفعنا أبصارنا إليها فسمعنا أصوات الرجال والسلاح، وسمعنا رجلاً يقول لفرسه: أقدم حيزوم! وسمعناهم يقولون: رويداً، تتام أخراكم! فنزلوا على ميمنة رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ثم جاءت أخرى مثل تلك، وكانت مع النبي صلى الله عليه وسلّم، فنظرنا إلى النبي صلى الله عليه وسلّم وأصحابه فإذا هم الضعف على قريش، فمات ابن عمي، وأما أنا فتماسكت وأخبرت النبي صلى الله عليه وسلّم. وأسلم وحسن إسلامه.
قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: ما رؤي الشيطان يوماً هو فيه أصغر، ولا أحقر، ولا أغيظ منه في يوم عرفة وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة، وتجاوز الله عن الذنوب العظام إلا ما رأى يوم بدر. قيل: وما رأى يوم بدر؟ قال: أما إنه رأى جبريل يزع الملائكة. قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم يومئذٍ: هذا جبريل يسوق الريح كأنه دحية الكلبي، إني نصرت بالصبا، وأهلكت عادٌ بالدبور.
حدثنا محمد قال: حدثنا الواقدي قال: فحدثني أبو إسحاق بن أبي عبد الله، عن عبد الواحد بن أبي عون، عن صالح بن إبراهيم، قال: كان عبد الرحمن بن عوف يقول: رأيت يوم بدر رجلين، عن يمين النبي صلى الله عليه وسلّم أحدهما، وعن يساره أحدهما، يقاتلان أشد القتال، ثم ثلثهما ثالثٌ من خلفه، ثم ربعهما رابعٌ أمامه.
حدثنا محمد قال: حدثنا الواقدي قال: فحدثني أبو إسحاق بن أبي عبد الله، عن عبد الواحد بن أبي عوق، عن زياد، مولى سعد، عن سعد، قال: رأيت رجلين يوم بدر يقاتلان عن النبي صلى الله عليه وسلّم، أحدهما عن يساره، والآخر عن يمينه، وإني لأراه ينظر إلى ذا مرةً وإلى ذا مرة، سروراً بما ظفره الله تعالى.

حدثنا محمد قال: حدثنا الواقدي قال: حدثني إسحاق بن يحيى، عن حمزة بن صهيب، عن أبيه، قال: ما أدري كم يدٍ مقطوعة وضربةٍ جائفة لم يدم كلمها يوم بدر قد رأيتها.
حدثنا محمد قال: حدثنا الواقدي قال: فحدثني محمد بن يحيى، عن أبي عفير، عن رافع بن خديج، عن أبي بردة بن نيار، قال: جئت يوم بدر بثلاثة رءوس، فوضعتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فقلت: يا رسول الله، أما رأسان فقتلتهما، وأما الثالث فإني رأيت رجلاً أبيض طويلاً ضربه فتدهدي أمامه، فأخذت رأسه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: ذاك فلانٌ من الملائكة. وكان ابن عباس يقول: لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر.
فحدثني ابن أبي حبيبة، عن داود بن حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان الملك يتصور في صورة من يعرفون من الناس يثبتونهم، فيقول: إني قد دنوت منهم فسمعتهم يقولون: لو حملوا علنيا ما ثبتنا، ليسوا بشيء، وذلك قول الله تبارك وتعالى: " إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا.. " ، إلى آخر الآية.
فحدثني موسى بن محمد، عن أبيه، قال: كان السائب بن أبي حبيش الأسدي يحدث في زمن عمر بن الخطاب يقول: والله، ما أسرني أحدٌ من الناس. فيقال: فمن؟ فيقول: لما انهزمت قريش انهزمت معها، فيدركني رجل أبيض طويل على فرسٍ أبلق بين السماء والأرض، فأوثقني رباطاً، وجاء عبد الرحمن بن عوف فوجدني مربوطاً، وكان عبد الرحمن بنادي في المعسكر: من أسر هذا؟ فليس أحد يزعم أنه أسرني، حتى انتهى بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلّم: يا ابن أبي حبيش، من أسرك؟ فقلت: لا أعرف، وكرهت أن أخبره بالذي رأيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسره ملك من الملائكة كريم، اذهب يا ابن عوف بأسيرك! فذهب بي عبد الرحمن.
فقال السائب: فما زالت تلك الكلمة أحفظها، وتأخر إسلامي حتى كان ما كان من إسلامي.
حدثنا محمد قال: حدثنا الواقدي قال: فحدثني عائذ بن يحيى، عن أبي الحويرث، عن عمارة بن أكيمة الليثي، عن حكيم بن حزام، قال: لقد رأيتنا يوم بدر وقد وقع بوادي خلص بجادٌ من السماء قد سد الأفق ووادي خلص ناحية الرويثة فإذا الوادي يسيل نملاً، فوقع في نفسي أن هذا شيءٌ من السماء أيد به محمد، فما كانت إلا الهزيمة، وهي الملائكة.
قالوا: ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن قتل أبي البختري، وكان قد لبس السلاح يوماً بمكة في بعض ما كان بلغ من النبي صلى الله عليه وسلّم من الأذى، فقال: لا يعترض اليوم أحدٌ لمحمد بأذى إلا وضعت فيه السلاح. فشكر ذلك له النبي صلى الله عليه وسلّم. قال أبو داود المازني: فلحقته فقلت: إن رسول الله قد نهى عن قتلك إن أعطيت بيدك. قال: وما تريد إلى؟ إن كان نهى عن قتلي قد كنت أبليته ذلك، فأما أن أعطى بيدي، فو اللات والعزى لقد علم نسوة بمكة أني لا أعطي بيدي، وقد عرفت أنك لا تدعني، فافعل الذي تريد. ورماه أبو داود بسهم، وقال: اللهم سهمك، وأبو البختري عبدك، فضعه في مقتل! وأبو البختري دارع، ففتق السهم الدرع فقتله. ويقال إن المجذر بن ذياد قتل أبا البختري ولا يعرفه. وقال المجذر في ذلك شعراً عرف أنه قتله. ونهى النبي صلى الله عليه وسلّم عن قتل الحارث بن عامر بن نوفل، وقال: ائسروه ولا تقتلوه! وكان كارهاً للخروج إلى بدر، فلقيه خبيب بن يساف فقتله ولا يعرفه، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلّم فقال: لو وجدته قبل أن تقتله لتركته لنسائه. ونهى عن قتل زمعة بن الأسود، فقتله ثابت بن الجذع ولا يعرفه.
قالوا: ولما لحم القتال، ورسول الله صلى الله عليه وسلّم رافع يديه يسأل الله تعالى النصر وما وعده، يقول: اللهم إن ظهر على هذه العصابة ظهر الشرك، ولا يقول لك دين! وأبو بكر رضي الله عنه يقول: والله، لينصرنك الله وليبيضن وجهك. فأنزل الله عز وجل ألفاً من الملائكة مردفين عند أكناف العدو. قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: يا أبا بكر أبشر، هذا جبريل معتجر بعمامة صفراء، آخذٌ بعنان فرسه، بين السماء والأرض. فلما نزل إلى الأرض تغيب عني ساعةً ثم طلعن على ثناياه النقع، يقول: أتاك نصر الله إذ دعوته.

قالوا: وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فأخذ من الحصباء كفًّا فرماهم بها، وقال: شاهت الوجوه! اللهم، ارعب قلوبهم وزلزل أقدامهم! فانهزم أعداء الله لا يلوون على شيءٍ، والمسلمون يقتلون ويأسرون، وما بقي منهم أحدٌ إلا امتلأ وجهه وعيناه، ما يدري أين يتوجه من عينيه، والملائكة يقتلونهم والمؤمنون.
وقال عدي بن أبي الزغباء يوم بدر:
أنا عديٌّ والسحل ... أمشي بها مشي الفحل
يعني درعه. فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: من عدي؟ فقال رجل من القوم: أنا يا رسول الله عدي. قال: وماذا؟ قال: ابن فلان. قال: لست أنت عدياً! فقال عدي بن أبي الزغباء: أنا رسول الله عدي. قال: وماذا؟ قال: والسحل أمشي بها مشى الفحل. قال النبي صلى الله عليه وسلّم: وما السحل؟ قال: الدرع. قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: نعم العدي، عدي بن أبي الزغباء! وكان عقبة بن أبي معيط بمكة، والنبي صلى الله عليه وسلّم مهاجر بالمدينة، فكان يقول:
يا راكب الناقة القصواء هاجرنا ... عما قليلٍ تراني راكب الفرس
أعل رمحي فيكم ثم أنهله ... والسيف يأخذ منكم كل ملتبس
أنشدنيها ابن أبي الزناد. فقال النبي صلى الله عليه وسلّم وبلغه قوله: اللهم أكبه لمنخره واصرعه! قال: فجمع به فرسه يوم بدر، فأخذه عبد الله بن سلمة العجلاني، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلّم عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، فضرب عنقه صبراً.
وكان عبد الرحمن بن عوف يقول: إني لأجمع أدراعاص لي يوم بدر بعد أن ولي الناس، فإذا أمية بن خلف، وكان لي صديقاً في الجاهلية، وكان اسمى عبد عمرو فلما جاء الإسلام سميت عبد الرحمن، فكان يلقاني فيقول: يا عبد عمرو، فلا أجيبه. فيقول: إني لا أقول لك عبد الرحمن، إن مسيلمة باليمامة يتسمى بالرحمن فأنا لا أدعوك إليه.فكان يدعوني عبد الإله، فلما كان يوم بدر رأيته على جمل أورق، ومعه ابنه علي، فناداني: يا عبد عمرو. فأبيت أن أجيبه. فنادي: يا عبد الإله. فأجبته، فقال: أما لكم حاجةٌ في اللبن؟ نحن خير لك من أدراعك هذه. فقلت: امضيا! فجعلت أسوقهما أمامي. وقد رأى أمية أنه قد أمن بعض الأمن، فقال لي أمية: رأيت رجلاً فيكم اليوم معلماً، في صدره ريشة نعامة، من هو؟ قلت: حمزة بن عبد المطلب. فقال: ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل. ثم قال: فمن رجل دحداح قصير، معلم بعصابة حمراء؟ قال، قلت: ذاك رجل من الأنصار يقال له سماك بن خرشة. فقال: وبذاك أيضاً يا عبد الإله صرنا اليوم جزراً لكم! قال: فبينا هو معي أزجيه أمامي، ومعه ابنه، إذ بصر به بلالٌ وهو يعجن عجيناً له، فترك العجين وجعل يفتل يديه من العجين فتلاً ذريعاً، وهو ينادي: يا معشر الأنصار، أمية بن خلف رأس الكفر، لا نجوت إن نجا! قال عبد الرحمن: فأقبلوا كأنهم عوذٌ حنت إلى أولادها، حتى طرح أمية على ظهره، واضطجعت عليه، وأقبل الحباب بن المنذر فأدخل سيفه فاقتطع أرنبة أنفه، فلما فقد أمية أنفه قال: إيه عنك! أي خل بيني وبينهم. قال عبد الرحمن: فذكرت قول حسان أو عن ذلك الأنف جادع وأقبل إليه خبيب بن يساف فضربه حتى قتله، وقد ضرب أمية خبيب بن يساف حتى قطع يده من المنكب، فأعادها النبي صلى الله عليه وسلّم فالتحمت واستوت، فتزوج خبيب بعد ذلك ابنة أمية بن خلف، فرأت تلك الضربة فقالت: لا يشل الله يد رجلٍ فعل هذا! فقال خبيب: وأنا والله قد أوردته شعوب.
فكان خبيب يحدث قال: فأضربه فوق العاتق، فأقطع عاتقه حتى بلغت مؤتزره وعليه الدرع. وأنا أقول: خذها وأنا ابن يساف! وأخذت سلاحه، ودرعه مقطوعة. وأقبل علي بن أمية، فيعترض له الحباب فقطع رجله، فصاح صيحة ما سمع مثلها قط جزعاً، ولقيه عمار فضربه ضرة فقتله. ويقال إن عماراً لاقاه قبل الضربة، فاختلفا ضربات فقلته. والأول أثبت أنه ضربه بعد ما قطعت رجله، وقد سمعنا في قتل أمية غير ذلك.
حدثنا الواقدي قال: حدثني عبيد بن يحيى، عن معاذ بن رفاعة بن رافع، عن أبيه، قال: لما كان يوم بدر وأحدقنا بأمية بن خلف، وكان له فيهم شأن، ومعي رمحي ومعه رمحه، فتطاعنا حتى سقطت رماحنا ثم صرنا إلى السيفين فتضاربنا بهما حتى انثلما، ثم بصرت بفتق في درعه تحت إبطه، فخششت السيف فيه حتى قتلته، وخرج السيف وعليه الودك. وقد سمعنا وجهاً آخر.

حدثني محمد بن قدامة بن موسى، عن أبيه، عن عائشة بنت قدامة، قالت: قال صفوان بن أمية بن خلف لقدامة بن مظعون: يا قدامة، أنت المشلى بأبي يوم بدر الناس! فقال قدامة: لا والله، ما فعلت، ولو فعلت ما اعتذرت من قتل مشرك. قال صفوان: فمن يا قدام المشلي به يوم بدر الناس؟ قال: رأيت فتية من الأنصار أقبلوا إليه، فيهم معمر بن حبيب بن عبيد بن الحارث، يرفع سيفه ويضعه فيه. فيقول صفوان: أبو قرد! وكان معمر رجلاً دميماً، فسمع بذلك الحارث بن حاطب فغضب له، فدخل على أم صفوان، وهي كريمة بنت معمر بن حبيب، فقال: ما يدعنا صفوان من الأذى في الجاهلية والإسلام! فقالت: وما ذاك؟ فأخبرها بمقالة صفوان لمعمر حين قال أبو قرد. فقالت أم صفوان: يا صفوان، تنتقص معمر بن حبيب من أهل بدر؟ والله، لا أقبل لك كرامةً سنةً. قال صفوان: يا أمه، والله لا أعود أبداً، تكلمت بكلمة لم ألق بها بالاً.
حدثنا محمد قال: حدثني الواقدي قال: فحدثني محمد بن قدامة، عن أبيه، عن عائشة بنت قدامة، قالت: قيل لأم صفوان بن أمية، ونظرت إلى الحباب بن المنذر بمكة: هذا الذي قطع رجل علي بن أمية يوم بدر. قالت: دعونا من ذكر من قتل على الشرك! قد أهان الله عليًّا بضربة الحباب بن المنذر، وأكرم الله الحباب بضربه عليًّا، قد كان على الإسلام حين خرج من ها هنا، فقتل على غير ذلك.
قالوا: وقال الزبير بن العوام: لما كان يومئذٍ لقيت عبيدة بن سعيد ابن العاص على فرسٍ، عليه لأمة كاملة لا يرى منه إلا عيناه، وهو يقول - وقد كانت له صبية صغيره يحملها، وكان له بطين وكانت مسقمةً - أنا أبو ذات الكرش! أنا أبو ذات الكرش! قال: وفي يدي عنزة فأطعن بها في عينه ووقع، وأطأ برجلي على خده حتى أخرجت العنزة من حدقته وأخرجت حدقته. وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلّم العنزة، فكانت تحمل بين يديه، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، رضوان الله عليهم.
ولما جال المسلمون واختلطوا، أقبل عاصم بن أبي عوف بن صبيرة السهمي كأنه ذئب يقول: يا معشر قريش، عليكم بالقاطع، مفرق الجماعة، الآتي بما لا يعرف، محمد! لا نجوت إن نجا! ويعترضه أبو دجانة، فاختلفا ضربتين وضربه أبو دجانة فقتله. ووقف على سبله يسلبه، فمر عمر بن الخطاب وهو على تلك الحال، فقال: دع سلبه حتى يجهض العدو، وأنا أشهد لك به، ويقبل معبد بن وهب، فضرب أبا دجانة ضربة، برك أبو دجانة كما يبرك الجمل، ثم انتهض، وأقبل عليه أبو دجانة فضربه ضربات لم يصنع سيفه شيئاً، حتى يقع معبد بحفرة أمامه لا يراها، وبرك عليه أبو دجانة، فذبحه ذبحاً، وأخذ سلبه.
قالوا: ولما كان يومئذٍ، ورأت بنو مخزوم مقتل من قتل، قالوا: أبو الحكم، لا يخلص إليه، فإن ابني ربيعة قد عجلا وبطرا، ولم تحام عليهما عشيرتهما. فاجتمعت بنو مخزوم فأحدقوا به، فجعلوه في مثل الحرجة. وأجمعوا أن يلبسوا لأمة أبي جهل رجلاً منهم، فألبسوها عبد الله ابن المنذر بن أبي رفاعة، فصمد له علي عليه السلام فقتله وهو يراه أبا جهل، ومضى عنه وهو يقول: خذها وأنا من بني عبد المطلب! ثم ألبسوها أبا قيس بن الفاكه بن المغيرة، فصمد له حمزة وهو يراه أبا جهل فضربه فقتله، وهويقول: خذها وأنا ابن عبد المطلب! ثم ألبسوها حرملة بن عمرو، فصمد له علي عليه السلام فقتله، وأبو جهل في أصحابه. ثم أرادوا أن يلبسوها خالد بن الأعلم، فأبى أن يلبسها يومئذ. فقال معاذ بن عمرو ابن الجموح: نظرت إلى أبي جهل في مثل الحرجة، وهم يقولون: أبو الحكم، لا يخلص إليه! فعرفت أنه هو، فقلت: والله لأموتن دونه اليوم أو لأخلصن إليه! فصمدت له حتى إذا أمكنتني منه غرة حملت عليه، فضربته ضربة وطرحت رجله من الساق، فشبهتها بالنواة تنزو من تحت المرضخ. ثم أقبل ابنه عكرمة علي، فضربني على عاتقي، وطرح يدي من العاتق، إلا أنه قد بقيت جلدة، فإني أسحب يدي بجلدة من خلفي، فلما آذتني وضعت عليها رجلي، فتمطيت عليها حتى قطعتها. ثم لاقيت عكرمة وهو يلوذ كل ملاذ، فلو كانت يدي معي لرجوت يومئذ أن أصيبه. ومات معاذ في زمن عثمان.

حدثنا محمد قال: حدثنا الواقدي قال: فحدثني أبو مروان، عن إسحاق بن عبد الله، عن عامر بن عثمان، عن جابر بن عبد الله، قال: أخبرني عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلّم نفل معاذ بن عمرو بن الجموح سيف أبي جهل وهو عند آل معاذ بن عمرو اليوم، به فلٌّ بعد أن أرسل النبي صلى الله عليه وسلّم إلى عكرمة بن أبي جهل فسأله: من قتل أباك؟ قال: الذي قطعت يده. فدفعه رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى معاذ بن عمرو، وكان عكرمة قد قطع يده يوم بدر.
حدثني ثابت بن قيسن عن نافع بن جبير بن مطعم أنه سمعه يقول: ما كان بنو المغيرة يشكون أن سيف أبي الحكم صار إلى معاذ بن عمرو بن الجموح، وهو الذي قتله يوم بدر.
حدثنا محمد بن شجاع قال: حدثنا الواقدي قال: فحدثني أبو إسحاق، عن يونس بن يوسف، قال: حدثني من حدثةة معاذ بن عمرو أنه قضى له النبي صلى الله عليه وسلّم بسلب أبي جهل. قال: فأخذت درعه وسيفه، فبعت سيفه بعد. وقد سمعت في قتله غير هذا وأخذ سلبه.
حدثني عبد الحميد بن جعفر، عن عمرو بن الحكم بن ثوبان، عن عبد الرحمن بن عوف، قال: عبأنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بليلٍ فصفنا، فأصبحنا ونحن على صفوفنا، فإذا بغلامين ليس منهما واحدٌ إلا وقد ربطت حمائل سيفه في عنقه، فالتفت إلى أحدهما فقال: يا عم، أيهم أبو جهل؟ قال، قلت: وما تصنع به يا ابن أخي؟ قال: بلغني أنه يسب رسول الله، فحلفت لئن رأيته لأقتلنه أو لأموتن دونه. فأشرت له إليه، والتفت إلى الآخر فقال لي مثل ذلك، فأشرت له إليه فقلت: من أنتما؟ قالا: ابنا الحارث. قال: فجعلا لا يطرفان عن أبي جهل حتى إذا كان القتال خلصا إليه فقتلاه وقتلهما.
حدثنا محمد قال: حدثنا الواقدي قال: فحدثني محمد بن عوف من ولد معوذ بن عفراء، عن إبراهيم بن يحيى بن زيد بن ثابت، قال: لما كان يومئذٍ قال عبد الرحمن، ونظر إليهما عن يمينه وعن شماله: ليته كان إلى جنبي من هو آيد من هذين الفتيين. فلم أنشب أن التفت إلى عوفٌ، فقال: أيهم أبو جهل؟ فقلت: ذاك حيث ترى. فخرج يعدو إليه كأنه سبع، ولحقه أخوه، فأنا أنظر إليهما يضطربان بالسيوف، ثم نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم مر بهما في القتلى وهما إلى جنبه.
حدثنا محمد قال: حدثنا الواقدي قال: أخبرنا محمد بن رفاعة بن ثعلبة بن أبي مالك قال: سمعت أبي ينكر ما يقول الناس في ابني عفراء من صغرهم، ويقول: كانا يوم بدر أصغرهما ابن خمس وثلاثين سنة، فهذا يربط حمائل سيفه؟ والقول الأول أثبت.
حدثنا محمد قال: حدثنا الواقدي قال: فحدثني عبد الحميد بن جعفر، وعبد الله بن أبي عبيد، عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، عن ربيع بنت معوذ، قالت: دخلت في نسوة من الأنصار على أسماء بنت مخربة أم أبي جهل في زمن عمر بن الخطاب، وكان ابنها عبد الله بن أبي ربيعة يبعث إليها بعطرٍ من اليمن، وكانت تبيعه إلى لأعطيه، فكنا نشتري منها، فلما جعلت لي في قواريري، ووزنت لي كما وزنت لصواحبي، قالت: اكتبن لي عليكن حقي. فقلت: نعم، أكتب لها على الربيع بنت معوذ. فقالت أسماء: حلقي، وإنك لابنة قاتل سيده؟ قالت، قلت: لا. ولكن ابنة قاتل عبده. قالت: والله، لا أبيعك شيئاً أبدا. فقلت: وأنا، والله، لا أشتري منك شيئاً أبداً! فوالله، ما هو بطيبٍ ولا عرفٍ! والله يا بني ما شممت عطراً قط كان أطيب منه، ولكن يا بني، غضبت!

قالوا: ولما وضع الحرب أوزارها أمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن يلتمس أبو جهل. قال ابن مسعود: فوجدته في آخر رمقٍ، فوضعت رجلي على عنقه فقلت: الحمد لله الذي أخزاك! قال: إنما أخزى الله عبد ابن أم عبد ! لقد ارتقيت مرتقي صعباً يا رويعي الغنم، لمن الدائرة؟ قلت: لله ولرسوله. قال ابن مسعود: فأقتلع بيضته عن قفاه، فقلت: إني قاتلك يا أبا جهل! قال: لست بأول عبد قتل سيده! أما إن أشد ما لقيته اليوم في نفسي لقتلك إياي، ألا يكون ولي قتلي رجلٌ من الأحلاف أو من المطيبين! فضربه عبد الله ضربة، ووقع رأسه بين يديه، ثم سلبه، فلما نظر إلى جسده، نظر إلى حصره كأنها السياط. وأقبل بسلاحه، ودرعه، وبيضته، فوضعها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: أبشر، يا نبي الله بقتل عدو الله أبي جهل! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: أحقاً، يا عبد الله؟ فو الذي نفسي بيده، لهو أحب إلى من حمر النعم أو كما قال، قال: وذكرت للنبي صلى الله عليه وسلّم ما به من الآثار، فقال: ذلك ضرب الملائكة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: قد أصابه جحش من دفعٍ دفعته في مأدبة ابن جدعان، فجحشت ركبته. فالتمسوه فوجدوا ذلك الأثر. ويقال إن أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي كان عند النبي صلى الله عليه وسلّم تلك الساعة، فوجد في نفسه وأقبل على ابن مسعود فقال: أنت قتلته؟ قال: نعم، الله قتله. قال أبو سلمة: أنت وليت قتله؟ قال: نعم. قال: لو شاء لجعلك في كمه. فقال ابن مسعود: فقد والله قتلته وجردته. قال أبو سلمة: فما علامته؟ قال: شامة سوداء ببطن فخذه اليمنى. فعرف أبو سلمة النعت، وقال: جردته! ولم يجرد قرشي غيره! قال ابن مسعود: والله، إنه لم يكن في قريش ولا في حلفائها أحدٌ أعدي لله ولا لرسوله منه، وما أعتذر من شيء صنعته به. فأسكت أبو سلمة، فسمع أبو سلمة بعد ذلك يستغفر من كلامه في أبي جهل.
وفرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل أبي جهل، وقال: اللهم، قد أنجزت ما وعدتني، فتمم على نعمتك! وقال: فآل ابن مسعود يقولون: سيف أبي جهل عندنا، محلى بفضة، غنمه عبد الله بن مسعود يومئذ. فاجتمع قول أصحابنا أن معاذ بن عمرو وابني عفراء أثبتوه، وضرب ابن مسعود عنقه في آخر رمق، فكلٌّ قد شرك في قتله.
قالوا: ووقف رسول الله صلى الله عليه وسلّم على مصرع ابنى عفراء فقال: يرحم الله ابنى عفراء، فإنهما قد شركا في قتل فرعون هذه الأمة ورأس أئمة الكفر! فقيل: يا رسول الله، ومن قتله معهما؟ قال: الملائكة، وذافه ابن مسعود، فكلٌّ قد شرك في قتله.
حدثنا محمد قال: حدثنا الواقدي قال: فحدثني معمر، عن الزهري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: اللهم، اكفني نوفل بن خويلد! وأقبل نوفل يومئذٍ وهو مرعوب، قد رأى قتل أصحابه، وكان في أول ما التقوا هم والمسلمون، يصيح بصوتٍ له زجل، رافعاً صوته: يا معشر قريش، إن هذا اليوم يوم العلاء والرفعة! فلما رأى قريشاً، قد انكسرت جعل يصيح بالأنصار: ما حاجتكم إلى دمائنا؟ أما ترون ما تقتلون؟ أما لكم في اللبن من حاجة؟ فأسره جبار بن صخر فهو يسوقه أمامه، فجعل نوفل يقول لجبار ورأى علياًّ مقبلاً نحوه قال: يا أخا الأنصار، من هذا؟ واللات والعزى، إني لأرى رجلاً، إنه ليريدني! قال: هذا علي بن أبي طالب. قال: ما رأيت كاليوم رجلاً أسرع في قومه منه. فيصمد له علي عليه السلام فيضربه، فنشب سيف علي في حجفته ساعة، ثم نزعه فيضرب ساقيه، ودرعه مشمرة، فقطعهما، ثم أجهز عليه فقتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: من له علمٌ بنوفل بن خويلد؟ فقال علي: أنا قتلته. قال: فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقال: الحمد لله الذي أجاب دعوتي فيه! وأقبل العاص بن سعيد يحث للقتال، فالتقى هو وعلي، فقتله علي فكان عمر بن الخطاب يقول لابنه سعيد بن العاص: إني لأراك معرضاً، تظن أني قتلت أباك؟ في أصل ابن أبي حية، والله ما قتلت أباك ولا أعتذر من قتل مشرك، ولقد قتلت خالي بيدي، العاص بن هشام بن المغيرة، فقال سعيد: لو قتلته لكان على الباطل وأنت على الحق. قال: قريش أعظم الناس أحلاماً، وأعظمها أمانةً، لا يبغيهم أحدٌ الغوائل إلا كبه الله لفيه.

وكان علي عليه السلام يقول: إني يومئذٍ بعد ما ارتفع النهار، ونحن المشركون قد اختلطت صفوفنا وصفوفهم، خرجت في إثر رجل منهم، فإذا رجلٌ من المشركين على كثيب رمل وسعد بن خيثمة، وهما يقتتلان حتى قتل المشرك سعد بن خيثمة. والمشرك مقنع في الحديد، وكان فارساً، فاقتحم عن فرسه، فعرفني وهو معلمٌ ولا أعرفه، فناداني: هلم ابن أبي طالب للبراز! قال: فعطفت عليه فانحط إلى مقبلاً، وكنت رجلاً قصيراً، فانحططت راجعاً لكي ينزل إلي، فكرهت أن يعوني بالسيف. فقال: يا ابن أبي طالب، فررت؟ فقلت: قريباً مفرٌّ، ابن الشتراء! قال: فلما استقرت قدماي وثبت أقبل، فلما دنا مني ضربني، فاتقيت بالدرفة فوقع سيفه فلحج يعني لزم فأضربه على عاتقه وهو دارع، فارتعش، ولقد فض سيفي درعه، فظننت أن سيفي سيقتله، فإذا بريق سيف من ورائي، فطأطأت رأسي ويقع السيف فأطن قحف رأسه بالبيضة، وهو يقول: خذها وأنا ابن عبد المطلبّ فالتفت من ورائي فإذا حمزة بن عبد المطلب.
حدثنا محمد قال: حدثنا الواقدي قال: فحدثني عمر بن عثمان الجحشي عن أبيه، عن عمته، قالت: قال عكاشة بن محصن: انقطع سيفي في يوم بدر، فأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلّم عوداً، فإذا هو سيف أبيض طويل، فقاتلت به حتى هزم الله المشركين فلم يزل عنده حتى هلك.
حدثنا محمد قال: أخبرنا الواقدي قال، حدثني أسامة بن زيد: عن داود بن الحصين، عن رجالٍ من بني عبد الأشهل عدة، قالوا: انكسر سيف سلمة بن أسلم بن حريش يوم بدر، فبقي أعزل لا سلاح معه، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلّم قضيباً كان في يده من عراجين ابن طاب، فقال: اضرب به! فإذا هو سيفٌ جيد، فلم يزل عنده حتى قتل يوم جسر أبي عبيد. وقال: بينا حارثة بن سراقة كارعٌ في الحوض، إذ أتاه سهمٌ غرب فوقع في نحره، فلقد شرب القوم آخر النهار من دمه. فبلغ أمه وأخته وهما بالمدينة مقتله، فقالت أمه: والله، لا أبكي عليه حتى يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأسأله، فأن كان ابني في الجنة لم أبك عليه، وإن كان ابني في النار بكيته لعمر الله فأعولته! فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلّم من بدر جاءت أمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقالت: يا رسول الله، قد عرفت موقع حارثة من قلبي، فأردت أن أبكي عليه فقلت: لا أفعل حتى أسأل رسول الله، فإن كان في الجنة لم أبك عليه، وإن كان في النار بكيته فأعولته. فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: هبلت، أجنةٌ واحدة؟ إنها جنان كثيرة، والذي نفسي بيده إنه لفي الفردوس الأعلى قالت: فلا أبكي عليه أبداً! ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بإناءٍ من ماءٍ فغمس يده فيه ومضمض فاه، ثم ناول أم حارثة فشربت، ثم ناولت ابنتها فشربت، ثم أمرهما فنضحتا في جيوبهما، ففعلتا فرجعتا من عند النبي صلى الله عليه وسلّم، وما بالمدينة امرأتان أقر أعيناً منهما ولا أسر.
قالوا: وكان هبيرة بن أبي وهب لما رأى الهزيمة انخزل ظهره فعقر فلم يستطع أن يقوم، فأتاه أبو أسامة الجشمي حليفه، ففتق درعه عنه واحتمله، ويقال ضربه أبو داود المازني بالسيف فقط درعه، ووقع لوجهه وأخلد إلى الأرض وجاوزه أبو داود، وبصر به ابنا زهير الجشميان، أبو أسامة ومالك وهما حليفاه، فذبا عنه حتى نجوا به، واحتمله أبو أسامة فنجا به، وجعل مالك يذب عنه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم. حماه كلباه! الحليف مثل أبي أسامة كأنه رقل! الرقل النخلة الطويلة ويقال إن الذي ضربه مجذر بن ذياد.
حدثنا محمد قال: حدثنا الواقدي قال: فحدثني موسى بن يعقوب، عن عمه، قال: سمعت أبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة قال: سمعت مروان بن الحكم يسأل حكيم بن حزام عن يوم بدر، فجعل الشيخ يكره ذلك حتى ألح عليه، فقال حكيم: التقينا فاقتتلنا، فسمعت صوتاً وقع من السماء إلى الأرض مثل وقع الحصاة في الطست، وقبض النبي صلى الله عليه وسلّم القبضة فرمى بها فانهزمنا.
حدثنا محمد قال: حدثنا الواقدي قال: فحدثني أبو إسحاق بن محمد، عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد، عن عبد الله بن ثعلبة بن صغير، قال: سمعت نوفل بن معاوية الديلي يقول: انهزمنا يوم بدر ونحن نسمع كوقع الحصا في الطساس بين أيدينا ومن خلفنا، فكان ذلك أشد الرعب علينا.

وكان حكيم بن حزام يقول: انهزمنا يوم بدر فجعلت أسعى وأقول: قاتل الله ابن الحنظلية! يزعم أن النهار قد ذهب، والله إن النهار لكما هو! قال حكيم: وما ذاك بي إلا حبًّا أن يأتي الليل فيقصر عنا طلب القوم. فيدرك حكيماً عبيد الله وعبد الرحمن ابنا العوام على جمل لهما، فقال عبد الرحمن لأخيه: انزل فاحمل أبا خالد. وكان عبيد الله رجلاً أعرج لا رجلة به، فقال عبيد الله: إنه لا رجلة بي كما ترى. قال عبد الرحمن: والله إن منه بد، ألا نحمل رجلاً إن متنا كفانا ما خلفنا من عيالنا، وإن عشنا حمل كلنا! فنزل عبد الرحمن وأخوه وهو أعرج، فحملاه، فكانوا يتعاقبون الجمل، فلما دنا من مكة فكان بمر الظهران، قال: والله، لقد رأيت ها هنا أمراً ما كان يخرج على مثله أحدٌ له رأى، ولكنه شؤم ابن الحنظلية! إن جزوراً نحرت ها هنا فلم يبق خباء إلا إصابه من دمها. فقالا: قد رأينا ذلك، ولكن رأيناك وقومنا مضيتم فمضينا معكم، فلم يكن لنا أمرٌ معكم.
بسم الله الرحمن الرحيم، قرىء على أبي القاسم بن أبي حية، قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن شجاع قال: حدثني محمد بن عمر الواقدي قال: فحدثني عبد الرحمن بن الحارث، عن مخلد بن خفاف، عن أبيه، قال: كانت الدروع في قريش كثيرة، فلما انهزموا جعلوا يلقونها، وجعل المسلمون يتبعونهم ويلقطون ما طرحوا، ولقد رأيتني يومئذٍ ألتقط ثلاثة أدرع جئت بها أهلي، كانت عندنا بعد، فزعم لي رجلٌ من قريش ورأى درعاً منها عندنا فعرفها فقال: هذه درع الحارث بن هشام.
قال الوافدي: فحدثني محمد بن أبي حميد، عن عبد الله بن عمرو ابن أمية، قال: سمعت أبي عمرو بن أمية قال: أخبرني من انكشف يومئذٍ منهزماً ، وإنه ليقول في نفسه: ما رأيت مثل هذا الأمر فر منه إلا النساء! قالوا: وكان قباث بن أشيم الكناني يقول: شهدت مع المشركين بدراً، وإني لأنظر إلى قلة أصحاب محمد في عيني وكثرة ما معنا من الخيل والرجال، فانهزمت فيمن انهزم، فلقد رأيتني وإني لأنظر إلى المشركين في كل وجهٍ، وإني لأقول في نفسي: ما رأيت مثل هذا الأمر فر منه إلا النساء! وصاحبني رجلٌ، فبينا هو يسير معي إذ لحقنا من خلفنا، فقلت لصاحبي: أبك نهوض؟ قال: لا والله، ما هو بي، قال: وعقر، وترفعت، فلقد صبحت غيقة عن يسار السقيا بينها وبين الفرع ليلة، والمدينة ثمانية برد قبل الشمس، كنت هادياً بالطريق ولم أسلك المحاج، وخفت من الطلب فتنكبت عنها، فلقيني رجلٌ من قومي بغيقة فقال: ما وراءك؟ قلت: لا شيء! قتلنا وأسرنا وانهزمنا، فهل عندك من حملان؟ فقال: فحملني على بعيرٍ، وزودني زاداً حتى لقيت الطريق بالجحفة، ثم مضيت حتى دخلت مكة، وإني لأنظر إلى الحيسمان بن حابس الخزاعي بالغميم، فعرفت أنه يقدم ينعي قريشاً بمكة، فلو أردت أن أسبقه لسبقته، فتنكبت عنه حتى سبقني ببعض النهار، فقدمت وقد انتهى إلى مكة خبر قتلاهم، وهم يلعنون الخزاعي ويقولون: ما جاءنا بخبر! فمكثت بمكة، فلما كان بعد الخندق قلت: لو قدمت المدينة فنظرت ما يقول محمد! وقد وقع في قلبي الإسلام. فقدمت المدينة فسألت عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقالوا: هو ذاك في ظل المسجد مع ملإ من أصحابه.
فأتيته، وأنا لا أعرفه من بينهم، فسلمت فقال: يا قباث بن أشيم، أنت القائل يوم بدر ما رأيت مثل هذا الأمر فر منه إلا النساء؟ قلت: أشهد أنك رسول الله، وأن هذا الأمر ما خرج مني إلى أحدٍ قط. وما ترمرمت به إلا شيئاً حدثت به نفسي، فلولا أنك نبي ما أطلعك الله عليه، هلم حتى أبايعك. فعرض علىّ الإسلام فأسلمت.

قالوا: فلما تصاف المسلمون والمشركون، قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: من قتل قتيلاً فله كذا وكذا، ومن أسر أسيراً فله كذا وكذا. فلما انهزموا كان الناس ثلاث فرق، فرقةٌ قامت عند خيمة النبي صلى الله عليه وسلّم وأبو بكر رضي الله عنه معه في الخيمة وفرقةٌ أغارت على النهب، وفرقةٌ طلبت العدو فأسروا وغنموا. فتكلم سعد بن معاذ، وكان ممن أقام على خيمة النبي صلى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله، ما منعنا أن نطلب العدو زهادةٌ في الأجر، ولا جبنٌ عن العدو. ولكنا خفنا أن يعري موضعك فتميل عليك خيلٌ من خيل المشركين ورجالٌ من رجالهم، وقد أقام عند خيمتك وجوه الناس من المهاجرين والأنصار، ولم يشذ أحدٌ منهم، والناس يا رسول الله كثير، ومتى تعط هؤلاء لا يبق لأصحابك شيءٌ، والأسرى والقتلى كثيرٌ والغنيمة قليلةٌ. فاختلفوا، فأنزل الله عز وجل: " يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول " ، فرجع الناس وليس لهم من الغنيمة شيء. ثم أنزل الله عز وجل: " واعلموا أنما غنمتم من شيءٍ فأن لله خمسه وللرسول " ، فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلّم بينهم.
فحدثني يعقوب بن مجاهد أبو حزرة، عن عبادة بن الوليد بن عبادة، عن أبيه، عن جده، عبادة بن الصامت، قال: سلمنا الأنفال لله ولرسوله، ولم يخمس رسول الله صلى الله عليه وسلّم بدراً، ونزلت بعد: " واعلموا أنما غنمتم من شيءٍ فأن لله خمسه " . فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالمسلمين الخمس فيما كان من أول غنيمة بعد بدر. فحدثني عبد المهيمن بن عباس بن سهل، عن أبيه، عن أبي أسيد الساعدي، مثله.
وحدثنا أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة، عن سليمان بن سحيم، عن عكرمة، قال: اختلف الناس في الغنائم يوم بدر، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالغنائم أن ترد في المقسم، فلم يبق منها شيء إلا رد. فظن أهل الشجاعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم يخصهم بها دون غيرهم من أهل الضعف. ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن تقسم بنهم على سواءٍ، فقال سعد: يا رسول الله، أيعطي فارس القوم الذي يحميهم مثل ما يعطي الضعيف؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: ثكلتك أمك، وهل تنصرون إلا بضعفائكم؟ فحدثني عبد الحميد بن جعفر قال: سألت موسى بن سعد بن زيد ابن ثابت: كيف فعل النبي صلى الله عليه وسلّم يوم بدر في الأسرى، والأسلاب، والأنفال؟ فقال: نادى مناديه يومئذٍ: من قتل قتيلاً فله سلبه، ومن أسر أسيراً فهو له! فكان يعطي من قتل قتيلاً سلبه. وأمر بما وجد في العسكر وما أخذوا بغير قتلا، فقسمه بينهم عن فواق. فقلت لعبد الحميد بن جعر: فمن أعطى سلب أبي جهل؟ قال: اختلف فيه عندنا، فقال قائل: أخذه معاذ بن عمرو بن الجموح، وقال قائل: أعطاه ابن مسعود فقلت لعبد الحميد: من أخبرك؟ قال: أما الذي قال دفعه إلى معاذ بن عمرو فأخبرنيه خارجة بن عبد الله بن كعب، وأما الذي قال ابن مسعود فإنه حدثنيه سعيد بن خالد القارظي. قالوا: وقد أخذ علي عليه السلام درع الوليد بن عتبة ومغفره وبيضته، وأخذ حمزة سلاح عتبة، وأخذ عبيدة بن الحارث درع شيبة بن ربيعة حتى وقعت إلى ورثته.
فحدثني محمد بن يحيى بن سهل، عن عمه محمد بن سهل بن أبي حثمة، قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن يرد الأسرى والأسلاب وما أخذوا في المغنم، ثم أقرع بينهم في الأسرى، وقسم الأسلاب التي نفل الرجل نفسه في المبارزة، وما أخذه في العسكر، فقسمه بينهم عن فواق. والثبت عندنا من هذا أن كل ما جعله لهم فإنه قد سلمه لهم، وما لم يجعل فقد قسمه بينهم، فقد جمعت الغنائم واستعمل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلّم عد الله بن كعب بن عمر المازني. حدثني بذلك محمد بن يحيى بن سهل بن أبي حثمة، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلّم، وقسمها بسير سير شعب بمضيق الصفراء. وقد قيل إن النبي صلى الله عليه وسلّم استعمل عليها خباب بن الأرت.

فحدثني ابن أبي سبرة، عن المسور بن رفاعة، عن عبد الله بن مكنف الحارثي من حارثة الأنصار قال: لما جمعت الغنائم كان فيها إبلٌ ومتاع وأنطعا وثياب، فقسمها الوالي فجعل يصيب الرجل البعير ورثةٌ معه، وآخر بعيران، وآخر أنطاع. وكانت السهمان على ثلاثمائة وسبعة عشر سهماً، والرجال ثلاثمائة وثلاثة عشر، والخيل فرسان لهما أربعة أسهم. وثمانية نفرٍ لم يحضروا وضرب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم بسهامهم وأجورهم، فكلهم مستحق في بدر، ثلاثة من المهاجرين لا اختلاف فيهم عندنا: عثمان بن عفان، خلفه رسول الله صلى الله عليه وسلّم على ابنته رقية، وماتت يوم قدوم زيد بن حارثة، وطلحة بن عبيد الله، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، بعثهما رسول الله صلى الله عليه وسلّم يتحسسان العير، بلغا الحوراء الحوراء وراء ذي المروة بينها وبينها ليلتان على الساحل، وبين ذي المروة والمدينة ثمانية بردٍ أو أكثر قليلاً. ومن الأنصار: أبو لبابة بن عبد المنذر، خلفه على المدينة، وعاصم بن عدي، خلفه على قباء وأهل العالية، والحارث بن حاطب، أمره بأمره في بني عمرو ابن عوف، وخوات بن جبير، كسر بالروحاء، والحارث بن الصمة، كسر بالروحاء فهؤلاء لا اختلاف فيهم عندنا. وقد روي أن سعد بن عبادة ضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلّم بسهمه وأجره، وقال حين فرغ من القتال ببدر: لئن لم يكن شهدها سعد بن عبادة، لقد كان فيها راغباً. وذلك أن سعد بن عبادة لما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلّم في الجهاد، كان يأتي دور الأنصار يحضهم على الخروج، فنهش في بعض تلك الأماكن فمنعه ذلك من الخروج، فضرب له بسهمه وأجره. وضرب لسعد بن مالك الساعدي بسهمه وأجره، وكان تجهز إلى بدر فمرض بالمدينة فمات خلافه وأوصى إلى النبي صلى الله عليه وسلّم. وضرب لرجلٍ من الأنصار، وضرب لرجلٍ آخر، وهؤلاء الأربعة ليس بمجتمعٍ عليهم كاجتماعهم على الثمانية.
حدثني ابن أبي سبرة، عن يعقوب بن زيد، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم ضرب لقتلى بدر، أربعة عشر رجلاً قتلوا ببدر.
قال زيد بن طلحة: حدثني عبد الله بن سعد بن خيثمة قال: أخذنا سهم أبي الذي ضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلّم حين قسم الغنائم، وحمله إلينا عويم بن ساعدة.
حدثني ابن أبي سبرة عن المسور بن رفاعة، عن عبد الله بن مكنف، قال: سمعت السائب بن أبي لبابة يخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أسهم لمبشر بن عبد المنذر، وقدم بسهمه علينا معن بن عدي.
وكانت الإبل التي أصابوا يومئذٍ مائة بعير وخمسين بعيراً، وكان معهم أدمٌ كثير حملوه للتجارة، فغنمه المسلمون يومئذٍ. وكانت يومئذٍ فيما أصابوا قطيفة حمراء، فقال بعضهم: ما لنا لا نرى القطيفة؟ ما نرى رسول الله إلا أخذها. فأنزل الله عز وجل: " وما كان لنبيٍّ إن يغل " إلى آخر الآية. وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إن فلاناً غل قطيفة. فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلّم الرجل، فقال: لم أفعل يا رسول الله! فقال الدال: يا رسول الله، احفروا ها هنا. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فحفروا هناك فاستخرجت القطيفة. فقال قائل: يا رسول الله، استغفر لفلان! مرتين أو مراراً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: دعونا من آتي جرم! وكانت الخيل فرسين، فرسٌ للمقداد يقال لها سبحة، وفرسٌ للزبير، ويقال لمرثد. فكان المقداد يقول: ضرب لي رسول الله صلى الله عليه وسلّم يومئذٍ بسهمٍ ولفرسي بسهم. وقائل يقول: ضرب رسول الله يومئذٍ للفرس بسهمين ولصاحبه بسهم.
فحدثني عبد المجيد بن أبي عبس، عن أبي عفير محمد بن سهل، قال: رجع أبو بردة بن نيار بفرسٍ قد غنمه يوم بدر، وكان لزمعة بن الأسود، صار في سهمه. وأصاب المسلمون من خيولهم عشرة أفراس، وأصابوا لهم سلاحاً وظهراً. وكان جمل أبي جهل يومئذٍ فيها، فغنمه النبي صلى الله عليه وسلّم، فلم يزل عنده يضرب عليه في إبله ويغزو عليه حتى ساقه في هدى الحديبية، فسأله المشركون يومئذٍ الجمل بمائة بعير، فقال: لولا أنا سميناه في الهدى لفعلنا. وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلّم صفي من الغنيمة قبل أن يقسم منها شيء.

فحدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن ذكوان، عن أبيه، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، ومحمد بن عبد الله، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، قالا: تنفل رسول الله صلى الله عليه وسلّم سيفه ذا الفقار يومئذٍ، وكان لمنبه بن الحجاج، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم قد غزا إلى بدر بسيفٍ وهبه له سعد بن عبادة يقال له العضب، ودرعه ذات الفضول. فسمعت ابن أبي سبرة يقول: سمعت صالح بن كيسان يقول: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم يوم بدر وما معه سيف. وكان أول سيف تقلده سيف منبه بن الحجاج، غنمه يوم بدر.
وكان أبو أسيد الساعدي يحدث فميا حدثني به عبد المهيمن بن عباس ابن سهل، عن أبيه، عن أبي أسيد، وكان إذا ذكر أرقم بن أبي الأرقم قال: ما يومي منه بواحد! فيقال: ما هو؟ فقال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم المسلمين أن يردوا ما في أيديهم مما أخذوا من الأنفال. قال: فرددت سيف ابن عائذ المخزومي، واسم السيف المرزبان، وكان له قيمة وقدر، وأنا أطمع أن يرده إلى. فكلم رسول الله فيه، وكان النبي صلى الله عليه وسلّم لا يمنع شيئاً يسأله، فأعطاه السيف. وخرج بني لي يفعة، فاحتملته الغول فذهبت به متوركة ظهراً. فقيل لأبي أسيد: وكانت الغيلان ذلك الزمان؟ قال: نعم، ولكنها قد هلكت، فلقي ابني ابن الأرقم، فبهش إليه ابني وبكى مستجيراً به، فقال: من أنت؟ فأخبره، فقالت الغول: أنا حاضنته. فلها عنه، والصبي يكذبها، فلم يعرج عليه. وخرج من داري فرسٌ لي فقطع رسنه، فلقيه بالغابة، فركبه حتى إذا دنا من المدينة أفلت منه، فتعذر إلى أنه أفلت مني، فلم أقدر عليه حتى الساعة.
حدثني أبو بكر بن إسماعيل بن محمد، عن أبيه، عن عامر بن سعد، عن أبيه، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلّم سيف العاص ابن منبه يوم بدر فأعطانيه، ونزلت في: " يسئلونك عن الأنفال.. " .
قالوا: وأحذى رسول الله صلى الله عليه وسلّم مماليك حضروا بدراً ولم يسهم لهم، ثلاثة أعبد: غلامٌ لحاطب بن أبي بلتعة، وغلامٌ لعبد الرحمن ابن عوف، وغلامٌ لسعد بن معاذ. واستعمل شقران غلام النبي صلى الله عليه وسلّم على الأسرى، فأحذوه من كل أسيرٍ ما لو كان حراً ما أصابه في المقسم.
فحدثني أبو بكر بن إسماعيل، عن أبيه، عن عامر بن سعد، عن أبيه، قال: رميت يوم بدر سهيل بن عمرو فقطعت نساه، فأتبعت أثر الدم حتى وجدته قد أخذه مالك بن الدخشم، وهو آخذٌ بناصيته. فقلت: أسيري، رميته! فقال مالك: أسيري، أخذته! فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأخذه منهما جميعاً. فأفلت سهيل بالروحاء من مالك ابن الدخشم، فصاح في الناس فخرج في طلبه، فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: من وجده فليقتله! فوجده النبي صلى الله عليه وسلّم فلم يقتله.
فحدثني عيسى بن حفص بن عاصم، عن أبيه، قال: أصاب أبو بردة بن نيار أسيراً من المشركين يقال له معبد بن وهب، من بني سعد ابن ليث. فلقيه عمر بن الخطاب، وكان عمر رضي الله عنه يحض على قتل الأسرى، لا يرى أحداً في يديه أسيراً إلا أمر بقتله، وذلك قبل أن يتفرق الناس. فلقيه معبد، وهو أسيرٌ مع أبي بردة، فقال: أترون يا عمر أنكم قد غلبتم؟ كلا واللات والعزى! فقال عمر: عباد الله المسلمين! أتكلم وأنت أسيرٌ في أيدينا؟ ثم أخذه من أبي بدرة فضرب عنقه. ويقال إن أبا بردة قتله.
فحدثني أبو بكر بن إسماعيل، عن أبيه، عن عامر بن سعد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: لا تخبروا سعداً بقتل أخيه، فيقتل كل أسيرٍ في أيديكم.
فحدثني خالد بن الهيثم مولى بني هاشم، عن يحيى بن أبي كثير، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يتعاطى أحدكم أسير أخيه فيقتله. ولما أتى بالأسرى كره ذلك سعد بن معاذ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: يا أبا عمرو، كأنه شق عليك الأسرى أن يؤسروا. قال: نعم يا رسول الله، كانت أول وقعة التقينا فيها والمشركون، فأحببت أن يذلهم الله وأن يثخن فيهم القتل.

وكان النضر بن الحارث أسره المقداد يومئذ، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم من بدر وكان بالأثيل عرض عليه الأسرى، فنظر إلى النضر بن الحارث فأبده البصر، فقال لرجلٍ إلى جنبه: محمد والله قاتلي، لقد نظر إلي بعينين فيهما الموت! فقال الذي إلى جنبه: والله ما هذا منك إلا رعب. فقال النضر لمصعب بن عمير: يا مصعب، أنت أقرب من ها هنا بي رحماً. كلم صاحبك أن يجعلني كرجل من أصحابي، هو والله قاتلي إن لم تفعل. قال مصعب: إنك كنت تقول في كتاب الله كذا وكذا. وتقول فيه نبيه كذا وكذا. قال: يا مصعب فليجعلني كأحد أصحابي، إن قتلوا قتلت، وإن من عليهم من علي. قال مصعب: إنك كنت تعذب أصحابه. قال: أما والله، لو أسرتك قريشٌ ما قتلت أبداً وأنا حي. قال مصعب: والله، إني لأراك صادقاً، ولكن لست مثلك قطع الإسلام العهود! فقال المقداد: أسيري! قال النبي صلى الله عليه وسلّم: اضرب عنقه، اللهم أغن المقداد من فضلك! فقتله علي بن أبي طالب عليه السلام صبراً بالسيف بالأثيل.
ولما أسر سهيل بن عمرو، قال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله، انزع ثنيتيه! يدلع لسانه فلا يقوم عليك خطيباً أبداً! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أمثل به فيمثل الله بي وإن كنت نبياً، ولعله يقوم مقاماً لا تكرهه. فقام سهيل بن عمرو حين جاءه وفاة النبي صلى الله عليه وسلّم بخطبة أبي بكر رضي الله عنه بمكة كأنه كان يسمعها. قال عمر حين بلغه كلام سهيل: أشهد إنك لرسول الله! يريد حيث قال النبي صلى الله عليه وسلّم " لعله يقوم مقاماً لا تكرهه " .
وكان علي عليه السلام يحدث يقول: أتى جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلّم يوم بدر فخيره في الأسرى أن يضرب أعناقهم، أو يأخذ منهم الفداء ويستشهد منكم في قابل عدتهم. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أصحابه فقال: " هذا جبريل يخيركم في الأسرى بين أن نضرب رقابهم، أو نأخذ منهم الفدية ويستشهد منكم في قابلٍ عدتهم " . قالوا: بل نأخذ الفدية ونستعين بها، ويستشهد منا فندخل الجنة، فقبل منهم الفداء وقتل منهم في قابلٍ عدتهم بأحد.
قالوا: ولما حبس الأسرى ببدر استعمل عليهم شقران، وكانا المسلمون قد اقترعوا عليهم طمعوا في الحيا فقالوا: لو بعثنا إلى أبي بكر فإنه أوصل قريش لأرحامنا، ولا نعلم أحداً آثر عند محمد منه! فبعثوا إلى أبي بكر، فأتاهم فقالوا: يا أبا بكر، إن فينا الآباء والأبناء والإخوان والعمومة وبني العم، وأبعدنا قريب. كلم صاحبك فليمن علينا أن يفادنا. فقال: نعم إن شاء الله، لا آلوكم خيراً! ثم انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم. قالوا: ابعثوا إلى عمر بن الخطاب فإنه من قد علمتم، فلا نأمن أن يفسد عليكم، لعله يكف عنكم. فأرسلوا إليه فجاءهم فقالوا له مثل ما قالوا لأبي بكر، فقال: لن آلوكم شراً! ثم انصرف إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فوجد أبا بكر والناس حوله، وأبو بكر يلينة ويفثؤه ويقول: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي! قومك فيهم الآباء والأبناء والعمومة والإخوان وبنو العم، وأبعدهم منك قريب، فامنن عليهم من الله عليك، أو فادهم يستنقذهم الله بك من النار فتأخذ منهم ما أخذت قوةً للمسلمين، فلعل الله يقبل بقلوبهم إليك! ثم قام فتنحى ناحية، وسكت رسول الله صلى الله عليه وسلّم فلم يجبه، ثم جاء عمر فجلس مجلس أبي بكر، فقال: يا رسول الله، هم أعداء الله، كذبوك وقاتلوك وأخرجوك! اضرب رقابهم، هم رءوس الكفر وأئمة الضلالة، يوطىء الله عز وجل بهم الإسلام ويذل بهم أهل الشرك! فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلّم فلم يجبه، وعاد أبو بكر إلى مقعده الأول فقال: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي! قومك فيهم الآباء والأبناء والعمومة والإخوان وبنو العم، وأبعدهم منك قريب، فامنن عليهم أو فادهم، هم عترتك وقومك، لا تكن أول من يستأصلهم، يهديهم الله خير من أن تهلكهم. فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلّم فلم يرد عليه شيئاً.

وتنحى ناحية، فقام عمر فجلس مجلسه فقال: يا رسول الله، ما تنتظر بهم؟ اضرب أعناقهم، يوطئ الله بهم الإسلام ويذل أهل الشرك، هم أعداء الله، كذبوك وقاتلوك وأخرجوك! يا رسول الله، اشف صدور المؤمنين، لو قدروا على مثل هذا منا ما أقالوناها أبداً! فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلّم فلم يجبه، فقام ناحية فجلس، وعاد أبو بكر فكلمه مثل كلامه الذي كلمه به، فلم يجبه فتنحى ناحية، ثم قام عمر فكلمه كلامه فلم يجبه. ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلّم فدخل قبته فمكث فيها ساعة، ثم خرج والناس يخوضون في شأنهم، يقول بعضهم: القول ما قال أبو بكر! وآخرون يقولون: القول ما قال عمر! فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: ما تقولون في صاحبيكم هذين؟ دعوهما فإن لهما مثلاً، مثل أبي بكر كمثل ميكائيل ينزل برضاء الله وعفوه عن عباده، ومثله في الأنبياء كمثل إبراهيم، كان ألين على قومه من العسل، أوقد له قومه النار وطرحوه فيها، فما زاد على أن قال: " أفٍّ لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون " . وقال: " فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفورٌ رحيمٌ " . ومثله مثل عيسى إذ يقول: " إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم " . ومثل عمر في الملائكة كمثل جبرين ينزل بالسخطة من الله والنقمة على أعداء الله، ومثله في الأنبياء كمثل نوح، كان أشد على قومه من الحجارة إذ يقول: " رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً " . فدعا عليهم دعوة أغرق الله الأرض جميعها، ومثل موسى إذ يقول: " ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يومنوا حتى يروا العذاب الأليم " . وإن بكم عيلة، فلا يفوتنكم رجلٌ من هؤلاء إلا بفداءٍ أو ضربة عنق. فقال عبد الله بن مسعود: يا رسول الله، إلا سهيل بن بيضاء قال ابن واقد: هذا وهمٌ، سهيل بن بيضاء من مهاجرة الحبشة، ما شهد بدراً، إنما هو أخٌ له يقال له سهل فإني رأيته يظهر الإسلام بمكة. فسكت النبي صلى الله عليه وسلّم فلم يرد عله. قال عبد الله: فما مرت على ساعةٌ قط. كانت أشد علي من تلك الساعة، فجعلت أنظر إلى السماء أتخوف أن تسقط علي الحجارة، لتقدمي بين يدي الله ورسوله بالكلام. فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلّم رأسه فقال: إلا سهيل بن بيضاء! قال: فما مرت رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل ليشدد القلب فيه حتى يكون أشد من الحجارة، وإنه ليلين القلب فيه حتى يكون ألين من الزبد. وقبل رسول الله صلى الله عليه وسلّم منهم الفداء، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: لو نزل عذابٌ يوم بدر ما نجا منه إلا عمر. كان يقول: اقتل ولا تأخذ الفداء. وكان سعد بن معاذ يقول: اقتل ولا تأخذ الفداء.
فحدثني معمر، عن الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم يوم بدر: لو كان مطعم بن عدي حيًّا لوهبت له هؤلاء النتيى. وكانت لمطعم بن عيد عند النبي صلى الله عليه وسلّم إجارةٌ حين رجع من الطائف.
فحدثني محمد بن عبد الله، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، قال:أمن رسول الله صلى الله عليه وسلّم من الأسرى يوم بدر أبا عزة عمرو ابن عبد الله بن عمير الجمحي، وكان شاعراً، فأعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وقال: لي خمس بنات ليس لهن شيءٌ، فتصدق بي عليهن يا محمد. ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وقال أبو عزة: أعطيك موثقاً لا أقاتلك ولا أكثر عليك أبداً. فأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فلما خرجت قريش إلى أحد جاءه صفوان بن أمية فقال: اخرج معنا! فقال: إني قد أعطيت محمداً موثقاً ألا أقاتله ولا أكثر عليه أبداً، وقد من علي ولم يمن على غيري حتى قتله أو أخذ منه الفداء. فضمن صفوان أن يجعل بناته مع بناته إن قتل، وإن عاش أعطاه مالاً كثيراً لا يأكله عياله. فخرج أبو عزة يدعة العرب ويحشرها، ثم خرج مع قريش يوم أحد، فأسر ولم يوسر غيره من قريش، فقال: يا محمد، إنما خرجت مكرهاً، ولي بنات فامنن علي! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: أين ما أعطيتني من العهد والميثاق؟ لا والله، لا تمسح عارضيك بمكة تقول سخرت بمحمدٍ مرتين!

حدثني إسحاق بن حازم، عن ربيعة بن يزيد، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلّم: إن المؤمن لا يلدغ من جحرٍ مرتين، يا عاصم بن ثابت، قدمه فاضرب عنقه! فقدمه عاصم فضرب عنقه.
قالوا: وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم يوم بدر بالقلب أن تغور، ثم أمر بالقتلى فطرحوا فيها كلهم إلا أمية بن خلف، فإنه كان مسمناً انتفخ من يومه، فلما أرادوا أن يلقوه تزايل لحمه، فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: اتركوه! ونظر رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى عتبة يجر إلى القليب، وكان رجلاً جسيماً، في وجهه أثر الجدري، فتغير وجه ابنه أبي حذيفة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلّم: يا أبا حذيفة كأنك ساءك ما أصاب أباك. قال: لا والله يا رسول الله، ولكني رأيت لأبي عقلاً وشرفاً، كنت أرجو أن يهديه الله إلى الإسلام، فلما أخطأه ذلك ورأيت ما أصابه غاظني. قال أبو بكر: كان والله يا رسول الله أبقى في العشيرة من غيره، وقد كان كارهاً لوجهه، ولكن الحين ومصارع السوء! قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: الحمد لله الذي جعل خذ أبي جهل الأسفل، وصرعه وشفانا منه! فلما توافوا في القليب، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يطوف عليهم وهم مصرعون، وأبو بكر يخبره بهم رجلاً رجلاً، ورسول الله صلى الله عليه وسلّم يحمد الله ويشكره ويقول: الحمد لله الذي أنجز ما وعدني، فقد وعدني إحدى الطائفتين.
قال: ثم وقف رسول الله صلى الله عليه وسلّم على أهل القليب، فناداهم رجلاً رجلاً: يا عتبة بن ربيعة، يا شيبة بن ربيعة، ويا أمية بن خلف، ويا أبا جهل بن هشام، هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً؟ فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقاً. بئس القوم كنتم لنبيكم، كذبتموني وصدقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس! قالوا: يا رسول الله، تنادى قوماً قد ماتوا! قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم قد علموا أن ما وعدهم ربهم حق! قالوا: وكان انهزام القوم وتوليهم حين زالت الشمس، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلّم ببدر وأمر عبد الله بن كعب بقبض الغنائم وحملها، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم نفراً من أصحابه أن يعينوه، فصلى العصر ببدر ثم راح فمر بالأثيل الأثيل واد طوله ثلاثة أميال وبينه وبين بدر ميلان، فكأنه بات على أربعة أميال من بدر قبل غروب الشمس فنزل به، وبات به وبأصحابه جراحٌ، وليست بالكثيرة، وقال لأصحابه من رجلٌ الليلة يحفظنا؟ فأسكت القوم، فقام رجلٌ فقال: من أنت؟ قال: ذكوان بن عبد قيس. قال: اجلس.ثم عاد النبي صلى الله عليه وسلّم، فقام رجلٌ فقال: من أنت؟ فقال: ابن عبد قيس. قال النبي صلى الله عليه وسلّم: اجلس. ثم مكث ساعة، ثم قام رجلٌ فقال: من أنت؟ فقال: أبو سبع. ثم مكث ساعة وقال: قوموا ثلاثتكم. فقام ذكون بن عبد قيس وحده، فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: فأين صاحباك؟ قال: يا رسول الله، أنا الذي أجبتك الليلة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: فحفظك الله! فكان يحرس المسلمين تلك الليلة، حتى كان آخر الليل، فارتحل. قال: ويقال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم العصر بالأثيل فلما صلى ركعة تبسم، فلما سلم سئل عن تبسمه، فقال: مر بي ميكائيل وعلى جناحه النقع، فتبسم إلي وقال إني كنت في طلب القوم، وأتاه جبرين حين فرغ من قتال أهل بدر، على فرسٍ أنثى معقود الناصية، قد عصم ثنيته الغبار، فقال: يا محمد، إن ربي بعثني إليك وأمرني ألا أفارقك حتى ترضى، هل رضيت؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: نعم.

وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالأسرى، حتى إذا كان بعرق الظبية أمر عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح أن يضرب عنق عقبة بن أبي معيط، وكان أسره عبد الله بن سلمة العجلاني، فجعل عقبة يقول: يا ويلي، علام أقتل يا معشر قريش من بين من ها هنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: لعداوتك لله ولرسوله. قال: يا محمد، منك أفضل، فاجعلني كرجل من قومي، إن قتلتهم قتلتني وإن مننت عليهم مننت علي، وإن أخذت منهم الفداء كنت كأحدهم، يا محمد، من للصبية؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: النار، قدمه يا عاصم، فاضرب عنقه! فقدمه عاصم فضرب عنقه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: بئس الرجل كنت والله ما علمت، كافراً بالله وبرسوله وبكتابه، مؤذياً لنبيه، فأحمد الله الذي هو قتلك وأقر عيني منك! ولما نزلوا سير شعب بالصفراء قسم رسول الله صلى الله عليه وسلّم الغنائم بها بين أصحابه. حدثني بذلك محمد بن يحيى بن سهل بن أبي حثمة، عن أبيه، عن جده.
وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلّم زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة من الأثيل، فجاءوا يوم الأحد شد الضحى، وفارق عبد الله زيداً بالعقيق، فجعل عبد الله ينادي على راحلته: يا معشر الأنصار، أبشروا بسلامة رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقتل المشركين وأسرهم! قتل ابنا ربيعة، وابنا الحجاج، وأبو جهل، وقتل زمعة بن الأسود، وأمية بن خلف، وأسر سهيل بن عرو ذو الأنياب في أسرى كثيرة. قال عاصم بن عدي: فقمت إليه فنحوته فقلت: أحقاً ما تقول، يا ابن رواحة؟ قال: إي والله، وغداً يقدم رسول الله إن شاء الله ومعه الأسرى مقرنين.ثم اتبع دور الأنصار بالعالية العالية بنو عمرو بن عوف وخطمة ووائل، منازلهم بها فبشرهم داراً داراً، والصبيان يشتدون معه ويقولون: قتل أبو جهل الفاسق! حتى انتهوا إلى بني أمية بن زيد.
وقدم زيد بن حارثة على ناقة النبي صلى الله عليه وسلّم القصواء يبشر أهل المدينة، فلما جاء المصلي صاح على راحلته: قتل عتبة وشيبة ابنا ربيعة، وابنا الحجاج، وأبو جهل، وأبو البختري، وزمعة بن الأسود، وأمية بن خلف، وأسر سهيل بن عمرو ذو الأنياب في أسرى كثيرة. فجعل الناس لا يصدقون زيد بن حارثة، ويقولون: ما جاء زيد إلا فلاًّ! حتى غاظ المسلمين ذلك وخافوا، وقدم زيد حين سووا على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلّم التراب بالبقيع.
فقال رجلٌ من المنافقين لأسامة بن زيد: قتل صاحبكم ومن معه. وقال رجلٌ من المنافقين لأبي لبابة بن عبد المنذر: قد تفرق أصحابكم تفرقاً لا يجتمعون منه أبداً، وقد قتل علية أصحابه وقتل محمد، هذه ناقته نعرفها، وهذا زيد لا يدري ما يقول من الرعب، وجاء فلاًّ. قال أبو لبابة: يكذب الله قولك! وقالت يهود: ما جاء زيد إلا فلاًّ! قال أسامة بن زيد: فجئت حتى خلوت بأبي، فقلت: يا أبه، أحق ما تقول؟ قال: إي والله حقاًّ يا بني! فقويت في نفسي، فرجعت إلى ذلك المنافق فقلت: أنت المرجف برسول الله وبالمسلمين، ليقدمنك رسول الله إذا قدم فليضربن عنقك! فقال: يا أبا محمد، إنما هو شيء سمعت الناس يقولونه.
فقدم بالأسرى وعليهم شقران، وهم تسعة وأربعون رجلاً الذين أحصوا وهم سبعون في الأصل، مجتمع عليه، لا شك فيه، واستعمل عليهم شقران غلام النبي صلى الله عليه وسلّم، قد شهد بدراً ولم يعتقه يومئذ، ولقيه الناس يهنئونه بالروحاء بفتح الله، فلقيه وجوه الخزرج، فقال سلمة بن سلامة بن وقش: ما الذي تهنئوننا به؟ فوالله ما قتلنا إلا عجائز صلعاً. فتبسم النبي صلى الله عليه وسلّم وقال: يا ابن أخي، أولئك الملأ، لو رأيتهم لهبتهم، ولو أمروك لأطعتهم، ولو رأيت فعالك مع فعالهم لاحتقرته، وبئس القوم كانوا على ذلك لنبيهم! فقال سلمة: أعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله، إنك يا رسول الله لم تزل عني معرضاً منذ كنا بالروحاء في بدأتنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: أما ما قلت للأعرابي وقعت على ناقتك فهي حبلى منك، ففحشت وقلت ما لا علم لك به! وأما ما قلت في القوم، فإنك عمدت إلى نعمةٍ من نعم الله تزهدها. فاعتذر إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فقبل منه رسول الله صلى الله عليه وسلّم معذرته، فكان من علية أصحابه.

فحدثني محمد بن عبد الله، عن الزهري، قال: ولقيه أبو هند البياضي مولى فروة بن عمرو، ومعه حميتٌ مملوءٌ حيساً، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم: إنما أبو هند رجلٌ من الأنصار فأنكحوه! وأنكحوا إليه.
وحدثني ابن أبي سبرة، عن عبد الله بن أبي سفيان، قال: ولقيه أسيد ابن حضير فقال: يا رسول الله، الحمد لله الذي ظفرك وأقر عينك! والله يا رسول الله، ما كان تخلفي عن بدر وأنا أظن أنك تلقى عدواً، ولكني ظننت أنها العير، ولو ظننت أنه عدوٌ ما تخلفت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: صدقت.
وحدثني عبد الله بن نوح، عن خبيب بن عبد الرحمن، قال: لقيه عبد الله بن أنيس بتربان فقال: يا رسول الله، الحمد لله على سلامتك وما ظفرك! كنت يا رسول الله ليالي خرجت موروداً، فلم يفارقين حتى كان بالأمس فأقبلت إليك. فقال: آجرك الله! وكان سهيل بن عمرو لما كان بشنوكة شنوكة فيما بين السقيا وملل، كان مع مالك بن الدخشم الذي أسره فقال: خل سبيلي للغائط. فقام به، فقال سهيل: إني أحتشم فاستأخر عني! فاستأخر عنه، ومضى سهيل على وجهه، انتزع يده من القران ومضى، فلما أبطأ سهيل على مالك أقبل فصاح في الناس، فخرجوا في طلبه. وخرج النبي صلى الله عليه وسلّم في طلبه. فقال: من وجده فليقتله! فوجده رسول الله صلى الله عليه وسلّم قد دفن نفسه بين سمرات، فأمر به فربطت يداه إلى عنقه، ثم قرنه إلى راحلته، فلم يركب خطوة حتى قدم المدينة فلقي أسامة بن زيد.
فحدثني إسحاق بن حازم، عن عبد الله بن مقسم، عن جابر بن عبد الله، قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد، ورسول الله على راحلته القصواء، فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلّم بين يديه، وسهيل مجنوب، ويداه إلى عنقه، فلما نظر أسامة إلى سهيل قال: يا رسول الله، أبو يزيد! قال: نعم، هذا الذي كان يطعم بمكة الخبز.
وحدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم، عن يحيى بن عبد الله، عن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وقدم بالأسرى حين قدم بهم، وسودة بنت زمعة عند آل عفراء في مناحتهم على عوف ومعوذ، وذلك قبل أن يضرب الحجاب. قالت سودة: فأتينا فقيل لنا: هؤلاء الأسرى قد أتي بهم. فخرجت إلى بيتي ورسول الله صلى الله عليه وسلّم فيه، وإذا أبو يزيد مجموعةٌ يداه إلى عنقه في ناحية البيت، فوالله إن ملكت حين رأيته مجموعةً يداه إلى عنقه أن قلت: أبا يزيد، أعطيتم بأيديكم! ألا متم كراماً؟ فوالله ما راعني إلا قول رسول الله صلى الله عليه وسلّم من البيت: يا سودة أعلى الله وعلى رسوله؟ فقلت: يا نبي الله، والذي بعثك بالحق نبياً ما ملكت نفسي حين رأيت أبا يزيد مجموعةً يداه إلى عنقه أن قلت ما قلت.
فحدثني خالد بن إياس قال: حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي جهم قال: دخل خالد بن هشام بن المغيرة وأمية بن أبي حذيفة بن المغيرة في منزل أم سلمة، وأم سلمة في مناحة آل عفراء، فقيل لها: أتي بالأسرى. فخرجت فدخلت عليهم، فلم تكلمهم حتى رجعت، فتجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة، فقالت: يا رسول الله، إن بني عمي طلبوا أن يدخل بهم علي فأضيفهم، وأدهن رءوسهم، وألم من شعثهم، ولم أحب أن أفعل ذلك حتى أستأمرك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: لست أكره شيئاً من ذلك! فافعلى من ذلك ما بدا لك.
فحدثني محمد بن عبد الله، عن الزهري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: استوصوا بالأسرى خيراً. فقال أبو العاص بن الربيع: كنت مع رهط من الأنصار جزاهم الله خيراً، كنا إذا تعشينا أو تغدينا آثروني بالخبز وأكلوا التمر، والخبز معهم قليل والتمر زادهم، حتى إن الرجل لتقع في يده الكسرة فيدفعها إلي. وكان الوليد بن الوليد بن المغيرة يقول مثل ذلك ويزيد: وكانوا يحملوننا ويمشون.
فحدثني محمد بن عبد الله، عن الزهري، قال: قدم بالأسرى قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلّم بيوم. ويقال قدموا في آخر النهار من اليوم الذي قدم فيه.
قالوا: ولما توجه المشركون إلى بدر كان فتيان ممن تخلف عنهم سماراً، يسمرون بذي طوًى في القمر حتى يذهب الليل، يتناشدون الأشعار ويتحدثون، فبينا هم كذلك ليلةً إلى أن سمعوا صوتاً قريباً منهم، ولا يرون القائل، رافعاً صوته يتغنى:

أزار الحنيفيون بدراً مصيبةً ... سينقض منها ركن كسرى وقيصرا
أرنت لها صم الجبال وأفزعت ... قبائل ما بين الوتير وخيبرا
أجازت جبال الأخشبين وجردت ... حرائر يضربن الترائب حسرا
أنشدنيه عبد الله بن أبي عبيدة، عن محمد بن عمار بن ياسر، فاستمعوا للصوت فلا يرون أحداً، فخرجوا في طلبه فلا يرون أحداً، فخرجوا فزعين حتى جازوا الحجر فوجدوا مشيخة منهم جبلةً سماراً، فأخبروهم الخبر فقالوا لهم: إن كان ما تقولون حقاً، إن محمداً وأصحابه يسمون الحنيفية وما يعرفون اسم الحنيفية يومئذ. فما بقي أحدٌ من الفتيان الذين كانوا بذي طوًى إلا وعك، فما مكثوا إلا ليلتين أو ثلاثاً حتى قدم الحيسمان بن حابس الخزاعي بخبر أهل بدر ومن قتل منهم، فهو يخبرهم قتل عتبة وشيبة ابني ربيعة، وابني الحجاج، وأبي البختري، وزمعة بن الأسود.
قال: وصفوان بن أمية في الحجر جالسٌ يقول: لا يعقل هذا شيئاً مما يتكلم به، سلوه عني! فقالوا: صفوان بن أمية، لك به علم؟ قال: نعم، ذاك في الحجر، وقد رأيت أباه وأخاه مقتولين قال: ورأيت سهيل بن عمرو أسر، والنضر بن الحارث. قالوا: وما يدريك؟ قال: رأيتهما مقرونين في الحبال.
قالوا: بلغ النجاشي مقتل قريش بمكة وما ظفر الله به نبيه، فخرج في ثوبين أبيضين، ثم جلس على الأرض، ثم دعا جعفر بن أبي طالب وأصحابه فقال: أيكم يعرف بدراً؟ فأخبروه، فقال النجاشي: أنا عارف بها، قد رعيت الغنم في جوانبها، هي من الساحل على بعض نهار، ولكني أردت أن أتثبت منكم، قد نصر الله رسوله ببدر، فأحمد الله على ذلك. قال بطارقته: أصلح الله الملك! إن هذا لشيءٌ لم تكن تصنعه، تلبس ثوبين وتجلس على الأرض! فقال: إني من قومٍ إذا أحدث الله لهم نعمةً ازدادوا بها تواضعاً. ويقال إنه قال: إن عيسى بن مريم عليه السلام كان إذا حدثت له نعمةٌ ازداد بها تواضعاً.
ولما رجعت قريش إلى مكة قام فيهم أبو سفيان بن حرب فقال: يا معشر قريش، لا تبكوا على قتلاكم، ولا تنح عليهم نائحة، ولا يبكهم شاعرٌ، وأظهروا الجلد والعزاء، فإنكم إذا نحتم عليهم وبكيتموهم بالشعر أذهب ذلك غيظكم، فأكلكم ذلك عن عداوة محمد وأصحابه، مع أنه إن بلغ محمداً وأصحابه شمتوا بكم، فيكون أعظم المصيبتين شماتتهم، ولعلكم تدركون ثأركم، والدهن والنساء على حرامٌ حتى أغزو محمداً. فمكثت قريش شهراً لا يبكيهم شاعرٌ ولا تنوح عليهم نائحةٌ.
فلما قدم بالأسرى أذل الله بذلك رقاب المشركين والمنافقين واليهود، ولم يبق بالمدينة يهودي ولا منافقٌ إلا خضد عنقه لوقعة بدر. فقال عبد الله بن نبتل: ليت أنا كنا خرجنا معه حتى نصيب معه غنمية! وفرق الله في صبحها بين الكفر والإيمان، وقالت اليهود فيما بينها: هو الذي نجده منعوتاً، والله لا ترفع له راية بعد اليوم إلا ظهرت. وقال كعب بن الأشرف: بطن الأرض اليوم خيرٌ من ظهرها، هؤلاء أشراف الناس وساداتهم، وملوك العرب، وأهل الحرم والأمن، قد أصيبوا. فخرج إلى مكة فنزل على أبي وداعة بن ضبيرة، فجعل يرسل هجاء المسلمين ورثاء قتلى بدر من قريش، فأرسل أبياته هذه، يقول:
طحنت رحى بدرٍ لمهلك أهله ... ولمثل بدرٍ تستهل وتدمع
قتلت سراة الناس حول حياض ... لا تبعدوا إن الملوك تصرع
ويقول أقوامٌ أذل بسخطهم ... إن ابن أشرف ظل كعباً يجزع
صدقوا فليت الأرض ساعة قتلوا ... ظلت تسيخ بأهلها وتصدع
نبئت أن الحارث بن هشامهم ... في الناس يبني الصالحات ويجمع
ليزور يثرب بالجموع وإنما ... يسعى على الحسب القديم الأروع

قال الواقدي: أملاها علي عبد الله بن جعفر، ومحمد بن صالح، وابن أبي الزناد، قالوا: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلّم حسان بن ثابت الأنصاري فأخبره بمنزله عند أبي وداعة، فجعل يهجو من نزل عنده حتى رجع كعبٌ إلى المدينة. فلما أرسل هذه الأبيات أخذها الناس منه وأظهروا المراثي وجعل من لقي من الصبيان والجواري ينشدون هذه الأبيات بمكة، ثم إنهم رثوا بها، فناحت قريش على قتلاها شهراً، ولم تبق دارٌ بمكة إلا فيها نوح، وجز النساء شعر الرءوس، وكان يؤتي براحلة الرجل منهم أو بفرسه فتوقف بين أظهرهم فنوحون حولها، وخرجن إلى السكك فسترن الستور في الأزقة وقطعن الطرق فخرجن ينحن، وصدقوا رؤيا عاتكة وجهيم بن الصلت.
وكان الأسود بن المطلب قد ذهب بصره، وقد كمد على من قتل من ولده، كان يحب أن يبكي على ولده، وتأبى ذلك عليه قريش، فكان يقول لغلامه بين اليومين: احمل معي خمراً واسلك بي الفج الذي سلك أبو حكيمة. فيأتي به على الطريق عند فج، فيجلس فيسقيه حتى ينتشي، ثم يبكي على أبي حكيمة وإخوته، ثم يحثى التراب على رأسه ويقول لغلامه: ويحك! اكتم علي أن تعلم بي قريش، فإني أراها لم تجمع البكاء على قتلاها.
فحدثني مصعب بن ثابت، عن عيسى بن معمر، عن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن عائشة، قالت: قالت: قريش حين رجعوا إلى مكة وقتل أهل بدر: لا تبكوا على قتلاكم فيبلغ محمداً وأصحابه فيشمتوا بكم، ولا تبعثوا في أسراكم فيأرب بكم القوم، ألا فأمسكوا عن البكاء! قالت: وكان الأسود بن المطلب أصيب له ثلاثة من ولده زمعة، وعقيل، والحارث بن زمعة فكان يحب أن يبكي على قتلاه. فبينا هو كذلك إذ سمع نائحة من الليل، فقال لغلامه وقد ذهب بصره، هل بكت قريشٌ على قتلاها؟ لعلي أبكي على أبي حكيمة يعني زمعة فإن جوفي قد احترق! فذهب الغلام ورجع إليه فقال: إنما هي امرأة تبكي على بعيرها قد أضلته. فذلك حين يقول:
تبكي أن يضل لها بعيرٌ ... ويمنعها من النوم السهود
فلا تبكي على بكرٍ ولكن ... على بدرٍ تصاغرت الخدود
فبكي إن بكيت على عقيل ... وبكى حارثاً أسد الأسود
وبكيهم ولا تسمى جميعاً ... وما لأبي حكيمة من نديد
على بدرٍ سراة بني هصيصٍ ... ومخزومٍ ورهط أبي الوليد
ألا قد ساد بعدهم رجالٌ ... ولولا يوم بدرٍ لم يسودوا
أخبرني ابن أبي الزناد قال: سمعت أبي ينشد، تصاغرت الخدود. ولا ينكر الجدود: قالوا: ومشى نساء قريش إلى هند بنت عتبة فقلن: ألا تبكين على أبيك وأخيك وعمك وأهل بيتك؟ فقالت: حلقي، أنا أبكيهم فيبلغ محمداً وأصحابه فيشمتوا بنا، ونساء بني الخزرج! لا والله، حتى أثأر محمداً وأصحابه، والدهن على حرامٌ إن دخل رأسي حتى نغزو محمداً. والل، لو أعلم أن الحزن يذهب من قلبي بكيت، ولكن لا يذهبه إلا أن أرى نأري بعيني من قتلة الأحبة. فمكثت على حالها لا تقرب الدهن، وما قربت فراش أبي سفيان من يوم حلفت حتى كانت وقعة أحد.
وبلغ نوفل بن معاوية الديلي، وهو في أهله، وقد كان شهد معهم بدراً، أن قريشاً بكت على قتلاها، فقدم فقال: يا معشر قريش، لقد خفت أحلامكم، وسفه رأيكم، وأطعتم نساءكم، ومثل قتلاكم يبكي عليهم؟ هم أجل من البكاء، مع أن ذلك يذهب غيظكم عن عداوة محمد وأصحابه، فلا ينبغي أن يذهب الغيظ عنكم إلا أن تدركوا ثأركم من عدوكم. فسمع أبو سفيان بن حرب كلامه فقال: يا أبا معاوية، غلبت والله! ما ناحت امرأةٌ من بني عبد شمس على قتيلٍ لها إلى اليوم، ولا بكاهن شاعرٌ إلا نهيته، حتى ندرك ثأرنا من محمد وأصحابه، وإني لأنا الموتور الثائر، قتل ابني حنظلة وسادة أهل هذا الوادي، أصبح هذا الوادي مقشعراً لفقدهم.

فحدثني معاذ بن محمد الأنصاري، عن عاصم بن عمر بن قتادة، قال: لما رجع المشركون إلى مكة وقتل صناديدهم وأشرافهم، أقبل عمير ابن وهب بن عمير الجمحي حتى جلس إلى صفوان بن أمية في الحجر، فقال صفوان بن أمية: قبح الله العيش بعد قتلي بدر. قال عمير بن وهب: أجل والله، ما في العيش بعدهم خيرٌ، ولولا دين علي لا أجد له قضاءً، وعيالٌ لا أدع لهم شيئاً، لرحلت إلى محمدٍ حتى أقتله إن ملأت عيني منه. فإنه بلغني أنه يطوف في الأسواق، فإن لي عندهم علة. أقول: قدمت على ابني هذا الأسير. ففرح صفوان بقوله ذلك وقال: يا أبا أمية، وهل نراك فاعلاً؟ قال: إي ورب هذه البنية! قال صفوان: فعلي دينك، وعيالك أسوة عيالي، فأنت تعلم أنه ليس بمكة رجل أشد توسعاً على عياله مني. فقال عمير: قد عرفت بذلك يا أبا وهب. قال صفوان: فإن عيالك مع عيالي، لا يسعني شيءٌ ويعجز عنهم، ودينك علي. فحمله صفوان على بعيرٍ وجهزه، وأجرى على عياله مثل ما يجري على عيال نفسه. وأمر عمير بسيفه فشحذا وسم، ثم خرج إلى المدينة وقال لصفوان: اكتم علي أياماً حتى أقدمها. وخرج فلم يذكره صفوان، وقدم عميرٌ فنزل على باب المسجد وعقل راحلته، وأخذ السيف فتقلده. ثم عمد نحو رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فنظر عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو في نفرٍ من أصحابه يتحدثون ويذكرون نعمة الله عليهم في بدر، فرأى عميراً وعليه السيف، ففزع عمر منه وقال لأصحابه: دونكم الكلب! هذا عدو الله الذي حرض بيننا يوم بدر، وحزرنا للقوم، وصعد فينا وصوب، يخبر قريشاً أنه لا عدد لنا ولا كمين. فقاموا إليه فأخذوه، فانطلق عمر رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، هذا عمير بن وهب، قد دخل المسجد ومعه السلاح، وهو الغادر الخبيث الذي لا نأمنه على شيء. فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: أدخله علي! فخرج عمر فأخذ بخماله سيفه فقبض بيده عليها، وأخذ بيده الأخرى قائمة السيف، ثم أدخله على رسول الله صلى الله عليه وسلّم. فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: يا عمر، تأخر عنه! فلما دنا عمير من النبي صلى الله عليه وسلّم قال: أنعم صباحاً! قال النبي صلى الله عليه وسلّم: قد أكرمنا الله عن تحيتك وجعل تحيتنا السلام، وهي تحية أهل الجنة. قال عمير: إن عهدك بها لحديث. قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أبدلنا الله بها خيراً منها، فما أقدمك يا عمير؟ قال: قدمت في أسيري عندكم تقاربوننا فيه، فإنكم العشيرة والأهل. قال النبي صلى الله عليه وسلّم: فما بال السيف؟ قال: قبحها الله من سيوف، وهل أغنت من شيءٍ؟ وإنما نسيته حين نزلت وهو في رقبتي، ولعمري إن لي لهماً غيره! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلّم: اصدق، ما أقدمك؟ قال: ما قدمت إلا في أسيرى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: فما شرطت لصفوان بن أمية في الحجر؟ ففزع عمير فقال: ماذا شرطت له؟ قال: تحملت له بقتلي على أن يقضي دينك ويعول عيالك، والله حائلٌ بيني وبينك. قال عمير: أشهد أنك رسول الله وأنك صادقٌ، وأشهد أن لا إله إلا الله! كنا يا رسول الله نكذبك بالوحي وبما يأتيك من السماء. وإن هذا الحديث كان بيني وبين صفوان كما قلت، فلم يطلع عليه غيري وغيره، وقد أمرته أن يكتم عني ليالي مسيري فأطلعك الله عليه، فآمنت بالله ورسوله، وشهدت أن ما جئت به حقٌّ، الحمد لله الذي ساقني هذا المساق! وفرح المسلمون حين هداه الله، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لخنزير كان أحب إلي منه حين طلع، وهوالساعة أحب إلي من بعض ولدي. فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: علموا أخاكم القرآن وأطلقوا له أسيره. فقال عمير: يا رسول الله، إني كنت جاهداً على أطفاء نور الله، فله الحمد أن هداني، فائدن لي فألحق قريشاً فأدعوهم إلى الله وإلى الإسلام، فلعل الله يهديهم ويستنقذهم من الهلكة. فأذن له فخرج فلحق بمكة، فكان صفوان يسأل عن عمير كل راكب يقدم من المدينة ويقول: هل حدث بالمدينة من حدث؟ ويقول لقريش: أبشروا بوقعةٍ تنسيكم وقعة بدر. فقدم رجلٌ من المدينة، فسأله صفوان عن عمير فقال: أسلم. فلعنه صفوان ولعنه المشركون بمكة وقالوا: صبأ عمير! فحلف صفوان ألا يكلمه أبداً ولا ينفعه، وطرح عياله. وقدم عمير عليهم على تلك الحال، فدعاهم إلى الإسلام وخبرهم بصدق رسول الله صلى الله

عليه وسلّم، فأسلم معه بشرٌ كثير.يه وسلّم، فأسلم معه بشرٌ كثير.
فحدثني محمد بن أبي حميد، عن عبد الله بن عمرو بن أمية، قال: لما قدم عمير بن وهب نزل في أهله ولم يقرب صفوان بن أمية، فأظهر الإسلام ودعا إليه، فبلغ صفوان فقال: قد عرفت حين لم يبدأ بي قبل منزله، وإنما رحل من عندي، أنه قد ارتكس، ولا أكلمه من رأسي أبداً، ولا أنفعه ولا عياله بنافعة أبداً. فوقف عليه عمير، وهو في الحجر، فقال: أبا وهب! فأعرض عنه، فقال عمير: أنت سيد من ساداتنا، أرأيت الذي كنا عليه من عبادة حجر والذبح له، أهذا دين؟ شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله. فلم يجبه صفوان بكلمة.
المطعمون من المشركين ببدروكان المطعمون في عبد مناف، الحارث بن عامر بن نوفل، وشيبة وعتبة ابني ربيعة، ومن بني أسد: زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد، ونوفل بن خويلد بن العدوية، ومن بني مخزوم: أبو جهل، ومن بني جمح: أمية بن خلف، ومن بني سهم: نبيه ومنبه ابنا الحجاج، قال: وكان سعيد بن المسيب يقول: ما أطعم أحدٌ ببدر إلا قتل. قال: وقد اختلف علينا فيهم، وهذا أثبت عندنا. وقد ذكروا عدة، منهم سهيل وأبو البختري وغيرهما.
فحدثني هشام بن عمارة، عن عثمان بن أبي سليمان، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن أبيه، قال: قدمت على النبي صلى الله عليه وسلّم المدينة في فداء الأسرى، فاضطجعت في المسجد بعد العصر، وقد أصابني الكرى فنمت، فأقيمت صلاة المغرب فقمت فزعاً بقراءة النبي صلى الله عليه وسلم في المغرب " والطور " " وكتاب مسطورٍ " ، فاستمعت قراءته حتى خرجت من المسجد، فكان يومئذٍ أول ما دخل الإسلام قلبي.
فحدثني عبد الله بن عثمان بن أبي سليمان، عن أبيه، قال: قدم من قريش أربعة عشر رجلاً في فداء أصحابهم.
وحدثني شعيب بن عبادة، عن بشير بن محمد بن عبد الله بن زيد، قال: قدم خمسة عشر رجلاً، فكان أول من قدم المطلب بن أبي وداعة، ثم قدموا بعده بثلاث ليال.
فحدثني محمد بن صالح، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن يزيد ابن النعمان بن بشير، عن أبيه، قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلّم الفداء يوم بدر أربعة آلاف لكل رجل.
فحدثني إسحاق بن يحيى قال: سألت نافع بن جبير: كم كان الفداء؟ قال: أرفعهم أربعة آلاف، إلى ثلاثة آلاف، إلى ألفين، إلى ألف، إلى قومٍ لا مال لهم، من عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم في أبي وداعة: إن له بمكة ابناً كيساً له مال، وهومغلٍ فداءه. فافتداه بأربعة آلاف، وكان أول أسير افتدى. وذلك أن قريشاً قالت لابنه المطلب ورأته يتجهز، يخرج إلى أبيه، فقالوا: لا تعجل، فإنا نخاف أن تفسد علينا في أسارانا، ويرى محمد تهالكنا فيغلي علينا الفدية، فإن كنت تجد فإن كل قومك لا يجدون من السعة ما تجد. فقال: لا أخرج حتى تخرجوا. فخادعهم حتى إذا غفلوا خرج من الليل مشرقاً على راحلته، فسار أربع ليال إلى المدينة، فافتدى أباه بأربعة آلاف. فلامته في ذلك قريش فقال: ما كنت لأترك أبي أسيراً في أيدي القوم وأنتم متضجعون. قال أبو سفيان بن حرب: إن هذا غلامٌ حدثٌ، معجبٌ برأيه، وهو مفسد عليكم! إني والله غير مفتد عمرو بن أبي سفيان ولو مكث سنة أو يرسله محمد! والله ما أنا بأعوز كم، ولكني أكره أن يدخل علي أو أدخل عليكم ما يشق عليكم، ويكون عمرو كأسوتكم.
أسماء النفر الذين قدموا في الأسرىمن بني عبد شمس: الوليد بن عقبة بن أبي معيط وعمرو بن الربيع أخو أبي العاص، ومن بني نوفل بن عبد مناف: جبير بن مطعم، ومن عبد الدار: طلحة بن أبي طلحة، ومن بني أسد: عثمان بن أبي حبيش، ومن بني محزوم: عبد الله بن أبي ربيعة، وخالد بن الوليد، وهشام بن الوليد بن المغيرة، وفروة بن السائب، وعكرمة بن أب جهل، ومن بني جمح: أبي بن خلف، وعمير بن وهب، ومن بني سهم: المطلب بن أبي وداعة، وعمرو بن قيس، ومن بني مالك بن حسل: مكرز بن حفص بن الأخيف.

فحدثني المنذر بن سعد، عن عيسى بن معمر، عن عباد بن عبد الله، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلّم في فداء زوجها أبي العاص بن الربيع، وبعثت فيه بقلادة لها كانت لخديجة يقال: إنها من جزع ظفار، كانت خديجة بنت خويلد أدخلته بها على أبي العاص حين بني بها. فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلّم القلادة عرفها ورق لها، وذكر خديجة ورحم عليها، وقال: إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها، وتردوا إليها متاعها فعلتم. فقالوا: نعم، يا رسول الله. فأطلقوا أبا العاص بن الربيع وردوا على زينب متاعها. وأخذ النبي صلى الله عليه وسلّم على أبي العاص أن يخلي سبيلها، فوعده بذلك، وقدم في فدائه عمرو بن الربيع أخوه. وكان الذي أسره عبد الله بن جبير بن النعمان أخو خوات بن جبير.
ذكر سورة الأنفال

" يسئلونك عن الأنفال " قال: لما غنم رسول الله صلى الله عليه وسلّم يوم بدر اختلفوا، فادعت كل طائفة أنهم أحق به، فنزلت هذه الآية، وهي قوله تبارك وتعالى: " إنما المؤمنون الذين إذا ذكر اله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً " يقول: زادتهم يقيناً. وفي قوله: " أولئك هم المؤمنون حقاً " . يقول: يقيناً. وفي قوله: " كما أخرجك ربك من بيتك بالحق " . يقول: لما أمرك ربك أن تخرج إلى بدر هو الحق. وأخبرني ابن جريج، عن محمد بن عباد بن جعفر المخزومي في قوله: " من بيتك " . قال: من المدينة. وفي قوله: " وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون " . كره خروج رسول الله صلى الله عليه وسلّم أقوامٌ من أصحابه إلى بدر، قالوا: نحن قليل وما الخروج برأي! حتى كان في ذلك اختلاف كبير. وفي قوله: " وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم " . لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم دون بدر نزل عليه جبريل عليه السلام فخبره بمسير قريش، وهو يريد عيرها، فوعده الله إما العير وإما لقاء قريش فيصيبهم. فلما كان ببدر أخذوا السقاء، وسألوهم عن العير فجعلوا يخبرونهم عن قريش، فلا يحب ذلك المسلمون لأنها شوكة، ويحبون العير. وفي قوله: " ويريد الله أن يحق الحق بكلماته " . يقول: يظهر الدين. " ويقطع دابر الكافرين " يعني من قتل ببدر من قريش. " ليحق الحق " يعني ليظهر الحق، " ويبطل الباطل " الذي جاءوا به، " ولو كره المجرمون " يعني قريشاً. " إذا تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألفٍ من الملائكة مردفين " يعني بعضهم على أثر بعض. " وما جعله الله إلا بشرى " يعني عدد الملائكة الذين أخبرهم بها، وليعلمن أن الله ينصركم. " إذ يغشيكم النعاس أمنة منه " يقول ألقى عليكم النوم أمناً منه فقذفه في قلوبكم، " وينزل عليكم من السماء ماءً ليطهركم به " وكان بعضهم قد أجنب، " ويذهب عنكم رج الشيطان " يقول: يصلي ولا يغتسل! " وليربط على قلوبكم " بالطمأنينة، " ويثبت به الأقدام " كان الموضع دهساً فلبده. " إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا " فكان الملك يتصور في صورة الرجل فيقول: اثبت فإنهم ليسوا بشيء، " سألقى في قلوب الذين كفروا الرعب " فكانت أفئدتهم تخفق، لها وجبان كالحصاة يرمي بها في الطست، " فاضربوا فوق الأعناق " يعني الأعناق، " واضربوا منهم كل بنانٍ " يداً ورجلاً. " ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله " يقول كفروا بالله وجحدوا رسوله. وفي قوله " ذلكم فذوقوه " يعني القتل ببدر، " وأن للكافرين عذاب النار " . " إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً " إلى قوله: " وبئس المصير " يوم بدر خاصة. " فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم " قول الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم: أنا قتلت فلاناً، " وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى " حين رمى النبي صلى الله عليه وسلّم بالقبضة تراباً: " وليبلي المؤمنين منه بلاءً حسناً " يعني نصره إياهم يوم بدر. " إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح " قول أبو جهل: اللهم، أقطعنا للرحم، وآتانا بما لا يعرف، فأحنه، " وإن تنتهوا " لمن بقي من قريش، " فهو خيرٌ لكم " يعني تسلموا، " وإن تعودوا " للقتال، " نعد " بالقتل لكم، " ولن تغنى عنكم فئتكم شيئاً " قالوا: لنا جماعة بمكة نغزوه غزوة تصيبه. " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون " يعني الدعاء، هذه الآية في يوم أحد، عاتبهم عليها. " لاتخونوا الله والرسولا وتخونوا أماناتكم " يقول: لا تنافقوا وأدوا كل ما استودعتم. " واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنةٌ " يقول: إذا كثر ماله عظمت فتنته وتطاول به، وإذا كان ولده كثيراً رأى أنه عزيزٌ. وفي قوله " يجعل لكم فرقاناً " يعني مخرجاً. " وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك " هذا بمكة قبل الهجرة، حين أراد الخروج إلى المدينة. " وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا.. " إلى آخر الآية. " وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارةً من السماء أو ائتنا بعذابٍ أليمٍ " قال: المتكلم بهذا النضر بن الحارث، فأنزل الله عز وجل فيه " أفبعذابنا يستعجلون " " فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين " يوم بدر. " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم " يعني أهل مكة، " وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " يعني يصلون. ثم رجع فقال " وما لهم ألا

يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام " يعني الهزيمة والقتل. وفي قوله " فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون " يوم بدر. " إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله " إلى قوله " ثم يغلبون " حيث خرجوا إلى بدر حسرةً وندامةً، " ثم يغلبون " فقتلوا ببدر، يقول: ثم " إلى جهنم يحشرون " . " قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف " يقول: إن يسلموا يغفر لهم ما قد مضى من أعمالهم، وإن يعودوا فقد رأيتم من قتل ببدر. " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنةٌ " يعني لا يكون شرك، " ويكون الدين كله لله " لا يذكر إساف ولا نائلة. " واعلموا أنما غنمتم من شيءٍ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل " . قال: الذي لله هو للرسول، والذي لذي القربى قرابة رسول الله، " وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان " يعني يوم بدر فرق بين الحق والباطل. " إذ أنتم بالعدوة الدنيا " يعني أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم حين نزلوا ببدر، والمشركون بالعدوة القصوى، بينهم قوز من رمل، والركب ركب أبي سفيان قد لصق بالبحر أسفل من بدر، " ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد " لا محالة يأتي ركب قبل ركب، " ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً " قتل من قتل ببدر، " ليهلك من هلك عن بينةٍ " يقول: يقتل من قتل عن عذر وحجة، ويحيا من حي منهم عن عذر وحجة. " إذ يريكهم اله في منامك قليلاً " قال: نام النبي صلى الله عليه وسلّم يومئذ فقللوا في عينه، " ولو أراكم كثيراً لفشلتم " يقول: رعبتم، " ولتنازعتم " يقول: اختلفتم، " ولكن الله سلم " يعني الاختلاف بينكم، " إنه عليمٌ بذات الصدور " يعني ضعف قلوبكم. " يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئةً فاثبتوا واذكروا الله كثيراً " يعني جميعاً، فلا تفروا وكبروا. " ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا " يعني على السيف، يقول: كبروا الله في أنفسكم ولا تظهروا التكبير، فإن إظهار في الحرب فشل. " ولا تكونوا كالذين خرجوا من دياركم بطراً ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله " يعني مخرج قريش إلى بدر. " وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جارٌ لكم " هذا كله كلام سراقة بن جعشم، يقول فيما يروون: تصور إبليس في صورته يومئذٍ. " فلما تراءت الفئتان " يعني النبي صلى الله عليه وسلّم وقريشاً نكص إبليس وهو يرى الملائكة تقتل وتأسر وقال: " إني بريءٌ منكم إني أرى ما لا ترون " رأى الملائكة. " إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرضٌ غر هؤلاء دينهم " نفرٌ كانوا أقروا بالإسلام، فلما قلل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم في أعينهم فلوا، وقالوا هذا الكلام فقتلوا على كفرهم. " يضربون وجوههم وأدبارهم " يعني أستاههم ولكنه كنى. أخبرنا بذلك الثوري، عن أبي هاشم، عن مجاهد وأسامة بن زيد، عن أبيه. " كدأب آل فرعون " كفعل آل فرعون. وفي قوله " إن شر الدواب عند الله الذين كفروا " إلى قوله " وهم لا يتقون " يعني قينقاع، بني النضير، وقريظة. " فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم " اقتلهم. " وإما تخافن من قومٍ خيانة " إلى آخر الآية، نزلت في بني قينقاع، سار إليهم النبي صلى الله عليه وسلّم بهذه الآية. " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوةٍ " قال: الرمى، " ومن رباط الخيل " يقول: ارتبطوا لخيل تصهل وترى، " وآخرين من دونهم لا تعملونهم الله يعلمهم " . يعني خيبر. " وإن جنحوا للسلم فاجنح لها " إلى آخر الآية. يعني قربظة. " وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره " يعني قريظة والنضير حين قالوا: نحن نسلم ونتبعك. " يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين " على القتال، " إن يكن منكم عشرون صابرون " نزلت في بدر ثم نسخت بقوله " الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً فإن يكن منكم مائةٌ صابرةٌ يغلبوا مائتين " فصار الرجل يغلب الرجلين " ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض " يعني أخذ المسلمين الأسرى يوم بدر، " تريدون عرض الدنيا " يقول الفداء، " والله يريد الآخرة " يريد أن يقتلوا. " لولا كتابٌ من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذابٌ عظيمٌ " قال سبق إحلال الغنيمة. " فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً " قال: إحلال الغنائم. " إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا " يعني قريشاً الذين هاجروا قبل بدر، وآووا ونصروا الأنصار، وأما قوله: " والذين آمنوا

ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شيءٍ حتى يهاجروا " يقول: ليس بينكم وبينهم وراثة حتى يهاجروا، " وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ " يعني مدة وعهد. " والذين كفروا بعضهم أولياء بعضٍ إلا تفعلوه تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبيرٌ " يقول: لا تولوا أحدا من الكافرين، بعضهم أولياء بعض، ثم نسخ آية الميراث. " وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعضٍ في كتاب الله إن الله بكل شيءٍ عليمٌ " .اجروا مالكم من ولايتهم من شيءٍ حتى يهاجروا " يقول: ليس بينكم وبينهم وراثة حتى يهاجروا، " وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ " يعني مدة وعهد. " والذين كفروا بعضهم أولياء بعضٍ إلا تفعلوه تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبيرٌ " يقول: لا تولوا أحدا من الكافرين، بعضهم أولياء بعض، ثم نسخ آية الميراث. " وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعضٍ في كتاب الله إن الله بكل شيءٍ عليمٌ " .
وفي قوله " يوم نبطش البطشة الكبرى " يوم بدر. " فسوف يكون لزاماً " يوم بدر. " أو يأتيهم عذاب يومٍ عقيمٍ " يوم بدر. " حتى إذا فتحنا عليهم باباً ذا عذابٍ شديدٍ " يوم بدر. " سيهزم الجمع ويولون الدبر " يوم بدر. " وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم " فلم يكن إلا يسيراً حتى كان وقعة بدر. " وذرني والمكذبين أولى النعمة ومهلهم قليلاً " نزلت قبل وقعة بدر بيسير. " واجعل لي من لدنكم سلطاناً نصيراً " يوم بدر. " واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين " من قبل يوم بدر. " ومن يولهم يومئذٍ دبره " قال: يوم بدر خاصة، وكان قد فرض عليهم إذا لقي عشرون مائتين لا يفرون، فإنهم إذا لم يفروا غلبوا. ثم خفف عنهم فقال " فإن يكن منكن مائةٌ صابرةٌ يغلبوا مائتين " فنسخت الأولى، فكان ابن عباس يقول: من فر من اثنين فقد فر، ومن فر من ثلاثة فلم يفر. وفي قوله: " ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار " يعني قريشاً يوم بدر. وفي قوله: " حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب " قال بالسيوف يوم بدر. وفي قوله " ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر " يقول: السيف يوم بدر.
حدثني محمد بن هلال، عن أبيه، عن أبي هريرة، في قوله عز وجل " أخذنا مترفيهم بالعذاب " قال: يوم بدر.
حدثنا الثوري، عن علقمة بن مرثد، عن مجاهد، قال: بالسيوف يوم بدر. حدثنا عمر بن عثمان المخزومي عن عبد الملك بن عبيد، عن مجاهد، عن أبي بن كعب، في قوله: " أو يأتيهم عذاب يومٍ عقيمٍ " قال: يوم بدر.
ذكر من أسر من المشركينحدثني موسى بن محمد بن إبراهيم، عن أبيه، قال: وحدثني محمد ابن صالح، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد قالا: أسر من بني هاشم عقيل بن أبي طالب، قال محمود: أسره عبيد بن أوس الظفري، وأسر نوفل بن الحارث جبار بن صخر، وعتبة حليف لبني هاشم من بني فهر.
حدثني عائذ بن يحيى، عن أبي الحويرث، قال: أسر من بني المطلب بن عبد مناف رجلان: السائب بن عبيد، وعبيد بن عمرو بن علقمة، أسرهما سلمة بن أسلم بن حريش الأشهلي. حدثني بذلك ابن أبي حبيبة، عن عبد الرحمن بن عبد الرحمن الأنصاري. ولم يقدم لهما أحدٌ، وكانا لا مالا لهما، ففك رسول الله صلى الله عليه وسلّم عنهما بغير فدية.

ومن بني عبد شمس بن عبد مناف: عقبة بن أبي معيط قتل صبراً بالصفراء قتله عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح بأمر النبي صلى الله عليه وسلّم، وكان الذي أسره عبد الله بن سلمة العجلاني، والحارث بن أبي وجزة، وكان الذي أسره سعد بن أبي وقاص، فقدم في فدائه الوليد ابن عقبة بن أبي معيط، فافتداه بأربعة آلاف، فحدثني محمد بن يحيى ابن سهل، عن أبي عفير، أن سعد بن أبي وقاص، لما أمر النبي صلى الله عليه وسلّم أن يرد الأسرى، كان الذي رده، أسره سعد أول مرة، ثم اقترعوا عليه فصار أيضاً له. وعمرو بن أبي سفيان، صار في سهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقرعة، كان أسره علي، وأرسله النبي صلى الله عليه وسلّم بغير فدية لسعد بن النعمان بن أكال من بني معاوية، خرج معتمراً فحبس بمكة، وأبو العص بن الربيع، أسره خراش بن الصمة. حدثنيه إسحاق ابن خارجة بن عبد الله، عن أبيه، قال: قدم في فدائه عمرو بن الربيع أخوه. وحليفٌ لهم يقال له أبو ريشة، افتداه عمرو بن الربيع، وعمرو بن الأزرق افتكه عمرو بن الربيع، وكان الذي صار في سهمه تميم مولى خراش بن الصمة، وعقبة بن الحارث بن الحضرمي، وكان الذي أسره عمارة بن حزم، فصار في القرعة لأبي بن كعب، افتداه عمرو بن سفيان ابن أمية، وأبو العاص بن نوفل بن عبد شمس، أسره عمار بن ياسر، فقدم في فدائه ابن عمه.
ومن بني نوفل بن عبد مناف: عدي بن الخيار، وكان الذي أسره خراش بن الصمة حدثني بذلك أيوب بن النعمان وعثمان بن عبد شمس، ابن أخي عتبة بن غزوان، حليفٌ لهم، أسره حارثة بن النعمان، وأبو ثور، افتداهم جبير بن مطعم، وكان الذي أسر أبا ثور أبو مرثد الغنوي في ثلاثة.
ومن بني عبد الدار بن قصي: أبو عزيز بن عمير، أسره أبو اليسر ثم اقترع عليه فصار لمحرز بن نضلة، وأبو عزيز أخوه مصعب بن عمير لأمه وأبيه. فقال معصب لمحزر: اشدد يديك به، فإن له أما بمكة كثيرة المال. فقال له أبو عزيز: هذه وصاتك بي يا أخي؟ فقال مصعب: إنه أخي دونك! فبعثت أمه فيه بأربعة آلاف، وذلك بعد أن سألت أغلى ما تفادى به قريش، فقيل لها أربعة آلاف. والأسود بن عامر بن الحارث ابن السباق، أسره حمزة بن عبد المطلب، فقدم في فدائها طلحة بن أبي طلحة اثنان.
ومن بني أسد بن عبد العزي: السائب بن أبي حبيش بن المطلب بن أسد، أسره عبد الرحمن بن عوف، والحارث بن عائذ بن أسد، أسره حاطب بن أبي بلتعة، وسالم بن شماخ، أسره سعد بن أبي وقاص، قدم في فدائهم عثمان بن أبي حبيش بأربعة آلاف لكل رجل ثلاثة. ومن بين تيم: مالك بن عبد الله بن عثمان، أسره قطبة بن عامر بن حديدة، فمات بالمدينة أسيراً.
ومن بني مخزوم: خالد بن هشام بن المغيرة، أسره سواد بن غزية وأمية بن أبي حذيفة بن المغيرة، أسره بلال، وعثمان بن عبد الله بن المغيرة وكان أفلت يوم نخلة، فأسره وقاد بن عبد الله التميمي يوم بدر، فقال: الحمد لله الذي أمكنني منك، فقد كنت أفلت في المرة الأولى يوم نخلة. فقدم في فدائهم عبد الله بن أبي ربيعة وافتداهم بأربعة آلاف، كل رجلٍ منهم. والوليد بن الوليد بن المغيرة، أسره عبد الله بن جحش، فقدم في فدائه أخوه خالد بن الوليد وهشام بن الوليد، فتمنع عبد الله بن جحش حتى افتكاه بأربعة آلاف، فجعل هشام لا يريد أن يبلغ ذلك، يريد ثلاثة آلاف، فقال خالد لهشام: إنه ليس بابن أمك، والله لو أبي فيه إلا كذا وكذا لفعلت. ثم خرجا به حتى بلغا به ذا الحليفة، فأفلت فأتي النبي صلى الله عليه وسلّم فأسلم، فقيل له: ألا أسلمت قبل أن تفتدي؟ قال: كرهت أن أسلم حتى افتدي بمثل ما افتدي به قومي. فأسلم وحدثني يحيى بن المغيرة، عن أبيه، أنه أخبره بمثل ذلك إلا أنه قال: أسره سليط بن قيس المازني وقيس بن السائب، كان أسره عبدة بن الحسحاس، فحبسه عنده حيناً وهو يظن أن له مالاً، وقدم أخوه فروة بن السائب في فدائه، فأقام أيضاً حيناً، ثم افتداه بأربعة آلاف درهم فيها عرضً.

ومن بني أبي رفاعة: صيفي بن أبي رفاعة بن عابد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وكان لا مال له، أسره رجل من المسلمين، فمكث عندهم ثم أرسله، وأبو المنذر بن أبي رفاعة افتدى بألفين، وعبد الله، وهو أبو عطاء بن السائب بن عابد بن عبد الله، افتدى بألف درهم، أسره سعد ابن أبي وقاص، والمطلب بن حنطب بن الحارث بن عبيد بن عمر بن مخزوم، وكان الذي أسره أبو أيوب الأنصاري، لم يكن له مالٌ فأرسله بعد حين، وخالد بن الأعلم حليفٌ لهم عقيلي، وهو الذي يقول:
ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ... ولكن على أقدامنا يقطر الدما
قدم في فدائه عكرمة بن أبي جهل، كان الذي أسره حباب بن المنذر بن الجموح ثمانية.
ومن بني جمح: عبد الله بن أبي بن خلف، والذي أسره فروة بن عمرو البياضي، قدم في فدائه أبوه أبي بن خلف، فتمنع به فروة حيناً، وأبو عزة عمرو بن عبد الله بن وهب، من عليه النبي صلى الله عليه وسلّم وأحلفه ألا يكثر عليه أحداً، فأرسله بغير فدية، فأسر يوم أحد فضرب عنقه، ووهب بن عمير بن وهب بن خلف، قدم أبوه عمير بن وهب بن خلف في فدائه حين بعثه صفوان إلى النبي صلى الله عليه وسلّم، فأسلم فأرسل له ابنه بغير فداء، وكان الذي أسره رفاعة بن رافع الزرقي، وربيعة بن دراج بن العنبس بن وهبان بن وهب بن حذافة بن جمح، وكان لا مال له فأخذ منه شيئاً وأرسله، والفاكه مولى أمية بن خلف، أسره سعد بن أبي وقاص أربعة.
ومن بني سهم بن عمرو: أبو وداعة بن ضبيرة، وكان أول أسير افتدى، قدم في فدائه ابنه المطلب، افتداه بأربعة آلاف، وفروة بن خنيس بن حذافة بن سعيد بن سعد بن سهم، وكان الذي أسره ثابن بن أقرم قدم في فدائه عمرو بن قيس، افتداه بأربعة آلاف، وحنظلة بن قبيصة بن حذافة بن سعيد بن سعد بن سهم، كان الذي أسره عثمان ابن مظعون، والحجاج بن الحارث بن سعد، أسره عبد الرحمن بن عوف، فأفلت فأخذه أبو داود المازني أربعة.
ومن بني مالك بن حسل: سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود ابن نصر بن مالك، قدم في فدائه مكرز بن حفص بن الأخيف، وكان الذي أسره مالك بن الدخشم، فقال مالك:
أسرت سهيلاً فلم أبتغ ... به غيره من جميع الأمم
وخندف تعلم أن الفتى ... سهيلاً فتاها إذا تظلم
ضربت بذى السيف حتى انحنى ... وأكرهت نفسي على ذى العلم
فلما قدم مكرز انتهى إلى رضاهم في سهيل ودفع الفداء، أربعة آلاف، قالوا: هات مالنا. قال: نعم، اجعلوا رجلاً مكان رجل وخلوا سبيله. فكان عبد الله بن جعفر يقول: رجلاً برجلٍ! وكان محمد بن صالح وابن أبي الزناد يقولان: رجلاً برجلٍ! فخلوا سبيل سهيل وحبسوا مكرز بن حفص، وبعث سهيل بالمال مكانه من مكة. وعبد بن زمعة بن قيس بن نصر بن مالك، أسره عمير بن عوف مولى سهيل بن عمرو، وعبد العزى بن مشنوء بن وقدان بن قيس بن عبد شمس بن عبد ود، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلّم عبد الرحمن، وكان الذي أسره النعمان بن مالك ثلاثة. ومن بني فهر: الطفيل بن أبي قنيع، وابن جحدم.
فحدثني محمد بن عمرو، عن محمد بن يحيى بن حبان، قال: كان الأسرى الذين يحصون تسعة وأربعين.
فحدثني عمر بن عثمان، عن عبد الملك بن عبيد، عن ابن المسيب، قال: كان الأسرى سبعين والقتلى سبعين.
فحدثني حمزة بن عبد الواحد، عن عمرو بن أبي عمرو، عن أبي عكرمةن عن ابن عباس، مثله.
وحدثني محمد، عن الزهري، قال: كان الأسرى زيادة على سبعين والقتلى زيادة على سبعين.
فحدثني يعقوب بن محمد بن أبي صعصعة، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة، قال: أسر يوم بدر أربعة وسبعون.
تسمية المطعمين في طريق بدر من المشركينحدثني عبد الله بن جعفر، عن محمد بن عثمان اليربوعي، عن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع، قال: كان المطعمون في بدر تسعة، من عبد مناف ثلاثة: الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف، وشيبة وعتبة ابنا ربيعة، ومن بني أسد: زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد، ونوفل بن خويلد ابن العدوية اثنان ومن بني مخزوم: أبو جهل بن هشام واحد ومن بني جمح: أمية بن خلف واحد، ومن بني سهم: نبيه ومنبه ابنا الحجاج رجلان.

فحدثني إسماعيل بن إبراهيم، عن موسى بن عقبة، قال: أول من نحر لهم أبو جهل بمر الظهران عشراً، ثم أمية بن خلف بعسفان تسعاً، وسهيل بن عمرو بقديد عشراً. ومالوا إلى المياه من نحو البحر، ضلوا الطريق، فأقاموا بها يوماً فنحر لهم شيبة بن ربيعة تسعة، ثم أصبحوا بالجحفة فنحر لهم عتبة بن ربيعة عشراً، ثم أصبحوا بالأبواء فنحر لهم قيس الجمحي تسعاً، ثم نحر لهم فلان عشراً، ونحر لهم الحارث بن عامر تسعاً، ثم نحر أبو البختري على ماء بدرٍ عشراً، ونحر لهم مقيس على ماء بدر تسعاً، ثم شغلتهم الحرب فأكلوا من أزوادهم. قال ابن أبي الزناد: والله، ما أظن مقيس كان يقدر على واحدة، ولا يعرف الواقدي قيس الجمحي. حدثني عبد الله بن جعفر، عن أم بكر بنت المسور، عن أبيها، قال: كان النفر يشتركون في الطعام، فينسب إلى الرجل الواحد ويسكت عن سائرهم.
تسمية من استشهد من المسلمين ببدرحدثني عبد الله بن جعفر قال: سألت الزهري: كم استشهد من المسلمين ببدر؟ قال: أربعة عشر رجلاً. ثم عدهم علي، فهم هؤلاء الذين سميت. وحدثني محمد بن صالح، عن عاصم بن عمرو بن رومان مثله، ستى من المهاجرين وثمانية من الأنصار، من بني المطلب بن عبد مناف: عبيدة بن الحارث، قتله شيبة بن ربيعة، فدفنه النبي صلى الله عليه وسلّم بالصفراء. ومن بني زهرة: عمير بن أبي وقاص، قتله عمرو بن عبد أخبرنيه أبو بكر بن إسماعيل بن محمد، عن أبيه وعمير بن عبد عمرو ذو الشمالين، قتله أبو أسامة الجشمي. ومن بني عدي بن كعب: عاقل ابن أبي البكير حليف لهم من بني سعد بن بكر، قتله مالك بن زهير الجشمي، ومهجع مولى عمر بن الخطاب قتله عامر بن الحضرمي، أخبرنيه ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، قال: وحدثنيه محمد بن عبد الله، عن الزهري. ويقال أول قتيل قتل من المهاجرين مهجع مولى عمر. ومن بني الحارث بن فهر: صفوان بن بيضاء، قتله طعيمة بن عدي، وحدثني بذلك محرز بن جعفر بن عمرو، عن جعفر بن عمرو، ومن الأنصار، من بني عمرو بن عوف: مبشر بن عبد المنذر، قتله أبو ثور، وسعد بن خيثمة، قتله عمرو بن عبد، ويقال طعيمة بن عدي. ومن بني عدي بن النجار: حارثة بن سراقة، رماه حبان بن العرقة بسهم فأصاب حنجرته فقتله. قال الواقدي: وسمعت المكيين يقولون ابن العرقة. ومن بني مالك بن النجار: عوف ومعوذ ابنا عفراء، قتلهما أبو جهل. ومن بني سلمة بن حرام: عمير بن الحمام بن الجموح، قتله خالد بن الأعلم. حدثني محمد بن صالح قال: أول قتيل قتل من الأنصار في الإسلام عمير ابن الحمام، قتله خالد بن الأعلم، ويقال حارثة بن سراقة، رماه حبان ابن العرقة. ومن بني زريق: رافع بن المعلي، قتله عكرمة بن أبي جهل. ومن بني الحارث بن الخزرج: يزيد بن الحارث بن فسحم، قتله نوفل بن معاوية الديلي. حدثني ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قتل أنسة مولى النبي صلى الله عليه وسلّم ببدر. حدثني الثوري، عن الزبير بن عدي، عن عطاء، أن النبي صلى الله عليه وسلّم على قتلي بدر. وحدثني عبد ربه بن عبد الله، عن عطاء، عن ابن عباس، مثله.
حدثني يونس بن محمد الظفري قال: أراني أبي أربعة قبور بسير شعب من مضيف الصفراء فقال: هؤلاء من شهداء بدر من المسلمين. وثلاثة بالدبة أسفل من العين المستعجلة. وأراني قبر عبيدة بن الحارث بذات أجدال بالمضيق أسفل من الجدول. وحدثني يونس بن محمد، عن معاذ بن رفاعة أن معاذ بن ماعص جرح ببدر فمات من جرحه بالمدينة. وعبيد بن السكن، اشتكى فمات حي قدم.
حدثني يحيى بن عبد العزيز، عن سعيد بن عمرو، قال: أول أنصاري قتل في الإسلام عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، قتله عامر بن الحضرمي ببدر، وأول من قتل من المسلمين من المهاجرين مهجع، قتله عامر بن الحضرمي، ومن الأنصار عمير بن الحمام، قتله خالد بن الأعلم. ويقال أولهم حارثة بن سراقة، قتلة حبان بن العرقة رماه بسهم.
تسمية من قتل من المشركين ببدر

من بني عبد شمس بن عبد مناف: حنظلة بن أبي سفيان بن حرب، قتله علي بن أبي طالب رضي الله عنه. حدثني موسى بن محمد، عن أبيه، بذلك. وحدثني يونس بن محمد، عن أبيه، مثله. قال: وحدثنيه ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين. والحارث بن الحضرمي، قتله عمار ابن ياسر. وعامر بن الحضرمي، قتله عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح. حدثني بذلك عبد الله بن جعفر، عن ابن أبي عون. وعمير بن أبي عمير وابنه، وموليان لهم، قتل سالمٌ مولى أبي حذيفة عمير بن أب عمير. وعبيدة بن سعيد بن العاص، قتله الزبير بن العوام. حدثني بذلك أبو حمزة عبد الواحد بن ميمون، عن عروة بن الزبير، قال ابن حيويه: رأيت في نسخة عتيقة: أبو حمزة عبد الملك بن ميمون. وحدثنيه محمد بن صالح، عن عاصم بن عمر بن قتادة. والعاص بن سعيد، قتله علي بن أبي طالب عليه السلام. حدثني بذلك محمد بن صالح، عن عاصم بن عمرو بن رومان، وموسى بن محمد، عن أبيه، مثله. وعقبة بن أبي معيط قتله عاصم بن ثابت بأمر النبي صلى الله عليه وسلّم بالصفراء صبراً بالسيف. وعتبة بن ربيعة، قتلة حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، وشيبة بن ربيعة، قتله عبيدة بن الحارث، وذفف عليه حمزة وعلي. والوليد بن عتبة بن ربيعة، قتله علي بن أبي طالب عليه السلام، وعامر بن عبد الله حليف لهم من أنمار، قتله علي بن ابي طالب عليه السلام. فحدثني ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، قال: قتله سعد بن معاذ اثنا عشر.
ومن بني نوفل بن عبد مناف، الحارث بن عامر بن نوفل، قتله خبيب بن يساف، وطعيمة بن عدي، قتله حمزة بن عبد المطلب اثنان.
ومن بني أسد: ربيعة بن الأسود، قتله أبو دجانة، أخبرنيه عبد الله ابن جعفر، عن ابن أبي عون. وحدثني عبد الله بن جعفر، عن جعفر بن عمرو، قال: قتله ثابت بن الجذع. والحارث بن ربيعة، قتلة علي بن أبي طالب عليه السلام. وعقيل بن الأسود بن المطلب، قتله حمزة وعلي، شركا في قتله. وحدثني أبو معشر قال: قتله على وحده. وأبو البختري وهو العاص بن هشام، قتله المجذر بن ذياد. حدثني بذلك سعيد بن محمد، عن عمارة بن غزية، عن محمد بن يحيى بن حبان. وحدثني سعيد بن محمد، عن عمارة بن غزية، عن عباد بن تميم، قال: قتله أبو داود المازني. وحدثني يعقوب بن محمد بن أبي صعصعة، عن أيوب ابن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، قال: قتله أبو داود المازني. وحدثني أيوب بن النعمان، عن أبيه، قال: قتله أبو اليسر. ونوفل بن خويلد ابن أسد، وهو ابن العدوية، قتله علي بن أبي طالب رضي الله عنه. حدثني بذلك محمد بن صالح، عن عاصم بن عمرو بن رومان، قال: وحدثني ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصينت، قال: وحدثني عمر بن أبي عاتكة، عن أبي الأسود خمسة.
ومن بني عبد الدار بن قصي: النضر بن الحارث بن كلدة، قتله علي ابن أبي طالب صبراً، بالسيف بالأثيل بأمر النبي صلى الله عليه وسلّم، وزيد ابن مليص مولى عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، قتله علي ابن أبي طالب. حدثني بذلك أيوب بن النعمان، عن عكرمة بن مصعب العبدي. وحدثني عبد الله بن جعفر، عن يعقوب بن عتبة، قال: قتله بلال.
ومن بني تيم بن مرة: عمير بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد ابن تيم، قتله علي بن أبي طالب عليه السلام. حدثني بذلك موسى بن محمد، عن أبيه، وعثمان بن مالك بن عبيد الله بن عثمان، قتله صهيب. حدثني بذلك موسى بن محمد، عن أبيه اثنان.
ومن بني مخزوم بن يقظة، ثم من بني المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم: أبو جهلن ضربه معاذ بن عمرو بن الجموح، ومعوذ وعوف ابنا عفراء، وذفف عليه عبد الله بن مسعود، والعاص بن هشام بن المغيرة، قتله عمر بن الخطاب رضي الله عنه. حدثنيه إبراهيم بن سعد، عن محمد ابن عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن نافع بن جبير، ومحمد بن صالح، عن عاصم بن عمرو بن رومان، مثله ويزيد بن تميم التميمي حليفٌ لهم، قتله عمار بن ياسر. حدثني بذلك عبد الله بن أبي عبيدةن عن أبيه. ويقال علي عليه السلام. وأبو مسافع الأشعري حليفٌ لهم، قتله أبو دجانة. وحرملة بن عمرو بن أبي عتبة، قتله عليٌّ أصحابنا جميعاً على ذلك.
ومن بني الوليد بن المغيرة: أبو قيس بن الوليد قتله عليٌّ عليه السلام. أخبرينه عبد الله بن جعفر، عن جعفر بن عمرو.

ومن بني الفاكه بن المغيرة: أبو قيس بن الفاكه بن المغيرة، قتله حمزة بن عبد المطلب. وقال لي إسحاق بن خارجة: إن حباب بن عمرو ابن المنذر قتله.
ومن بني أمية بن المغيرة: مسعود بن أبي أمية، قتله علي بن أبي طالب رضي الله عنه. ومن بني عابد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، ثم من بني رفاعة، وهو أمية بن عابد: رفاعة بن أبي رفاعة، قتله سعد بن الربيع. وأبو المنذر بن أبي رفاعة، قتله معن بن عدي العجلاني. وعبد الله بن أبي رفاعة، قتله علي بن أبي طالب، وزهير بن أبي رفاعة قتله أبو أسيد الساعدي. حدثني بذلك أبي بن العباس بن سهل، عن أبيه. والسائب بن أبي رفاعة، قتله عبد الرحمن بن عوف.
ومن بني أبي السائب، وهو صيفي بن عابد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم: السائب بن أبي السائب، قتله الزبير بن العوام. والأسود بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، قتله حمزة بن عبد المطلب، أخبرنا أصحابنا جميعاً بذلك. وحليفان لهم من طيىء: عمرو بن سفيان، قتله يزيد بن رقيش، وأخوه جبار بن سفيان، قتله أبو بردة بن نيار.
ومن بني عمران بن مخزوم: حاجز بن السائب بن عويمر بن عائذ، قتله علي بن أبي طالب عليه السلام. وعويمر بن عائذ بن عمران بن مخزوم، قتله النعمان بن أبي مالك تسعة عشر.
ومن بني جمح بن عمرو بن هصيص: أمية بن خلف، قتله خبيب بن يساف وبلال، شركا فيه. أخبرنيه ابن أبي طوالة، عن خبيب بن عبد الرحمن، ومحمد بن صالح، عن عاصم بن عمر، ويزيد بن رومان، بذلك. وحدثني عبيد بن يحيى، عن معاذ بن رفاعة بن رافع، قال: قتله رفاعة بن رافع بن مالك. وعلي بن أمية بن خلف، قتله عمار بن ياسر. وأوس بن المعير بن لوذان، قتله عثمان بن مظعون وعليٌ بن أبي طالب، شركا فيه. وحدثني قدامة بن موسى، عن عائشة بنت قدامة، قالت: قتله عثمان بن مظعون. ومنبه بن الحجاج، قتله أبو اليسر ويقال: علي، ويقال: أبو أسيد الساعدي. حدثني أبي بن عباس، عن أبيه، عن أبي أسيد، قال: أنا قتلت منبه بن الحجاج. ونبيه بن الحجاج، قتله علي بن أبي طالب عليه السلام. والعاص بن منبه، قتله علي بن أبي طالب. وأبو العاص بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم، قتله أبو دجانة. وحدثني أبو معشر، عن أصحابه، قالوا: قتله علي عليه السلام. وحدثني حفص بن عمر بن عبد الله بن جبير مولى علي عليه السلام بذلك. وعاصم ابن أبي عوف بن ضبيرة بن سعيد بن سعد، قتله أبو دجانة سبعة.
ومن بني عامر بن لؤي ثم من بني مالك بن حسل: معاوية بن عبد قيس حليفٌ لهم، قتله عكاشة بن محصن. ومعبد بن وهب، حليفٌ لهم من كلب، قتله أبو دجانة. حدثني بذلك ابن أبي سبرة، عن سعد بن سعيد أخي يحيى. وحدثني عبد الله بن جعفر، عن يعقوب بن عتبة. وحدثني محمد بن صالح، عن عاصم، قال: قتله أبو دجانة. فجميع من يحصى فتله تسعة وأربعون رجلاً.
منهم من قتله أمير المؤمنين على عليه السلام وشرك في قتله اثنان وعشرون رجلاً.
تسمية من شهد بدراً من قريش والأنصار
من شهد الوقعة، ومن ضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلّم بسهم وهو غائب، ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً.
فحدثني محمد بن عبد الله، عن الزهري، عن عروة، قال: وحدثني ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، وحدثني محمد بن صالح، عن عاصم بن عمر، ويزيد بن رومان. وحدثني موسى بن محمد، عن أبيه، بذلك: ثمانية نفر ضرب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم بسهامهم وأجورهم.
وحدثني سليمان بن بلال، عن عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: شهد بدراً من الموالي عشرون رجلاً. وحدثني عبد الله ابن جعفر قال: سمعت عبد الله بن حسن يقول: ما شهد بدراً إلا قرشيٌّ أو أنصاريٌّ، أو حليفٌ لقرشي أو حليفٌ لأنصاري، أو مولى لهم.
من بني هاشم: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلّم الطيب المبارك، وحمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، ويزيد بن حارثة، وأبو مرثد كناز بن حصين الغنوي، ومرثد بن أبي مرثد، حليفان لحمزة، وأنسة مولى النبي صلى الله عليه وسلّم، وأبو كبشة مولى النبي صلى الله عليه وسلّم. وشهدها شقران، وهو مملوك للنبي صلى الله عليه وسلّم، ولم يسهم له بشيء، وكان على الأسرى فأحذاه كل رجل له أسيرٌ، فأصاب أكثر مما أصاب رجلٌ من القوم ثمانية سوى شقران.

فحدثني عبد العزيز بن محمد عن جعفر بن محمد، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلّم ضرب لجعفر بن أبي طالب بسهمه وأجره ولم يذكره أصحابنا، وليس في صدر الكتاب تسميته.
ومن بني المطلب بن عبد مناف: عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب ابن عبد مناف، والحصين بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف، والطفيل بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف، ومسطح بن أثاثة بن عباد بن عبد المطلب بن عبد مناف أربعة.
ومن بني عبد شمس بن عبد مناف: عثمان بن عفان بن أبي العاص ابن أمية بن عبد شمس رضي الله عنه، لم يحضر، تخلف على ابنة النبي صلى الله عليه وسلّم رقية، فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلّم بسهمه وأجره ذكره القوم جميعاً وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وسالم مولى أبي حذيفة. ومن حلفائهم من بني غنم بن دودان: عبد الله بن جحش بن رئاب، وعكاشة بن محصن، وأبو سنان بن محصن، وسنان ابن أبي سنان بن محصن، وشجاعٌ بن وهب، وعتبة بن وهب. وربيعة ابن أكثم، ويزيد بن رقيش، ومحرز بن نضلة بن عبد الله، ومن حلفائهم من بني سليم: مالك بن عمرو، ومدلاج بن عمرو، وثقاف بن عمرو، وحليفٌ لهم من طيء سويد بن مخشى. حدثني به أبو معشر، وابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، قال: وزعم لي عبد الله بن جعفر الزهري أنه أربد بن حميرة، وأنه يكنى أبا مخشى، وأنه من بني أسد بن خزيمة من أنفسهم. وأخبرنا بعض أصحابنا أن صبيحاً مولى العاص تجهز إلى بدر فاشتكى، فحمل على بعيره أبا سلمة بن عبد الأسد، ثم شهد المشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه وسلّم هم ستة عشر سوى صبيح.
ومن بني نوفل بن عبد مناف: عتبة بن غزوان بن جابر بن أهيب ابن نسيب بن مالك بن الحارث بن مازن بن منصور بن عكرمة، أخوه سليمٌ. ومن بني مازن: حباب مولى عتبة بن غزوان اثنان.
ومن بني أسد بن عبد العزي: الزبير بن العوام، وحاطب بن أبي بلتعة حليفٌ لهم، وسعد مولى حاطب ثلاثة.
ومن بني عبد بن قصي: طليب بن عمير بن وهب. حدثني بذلك عبد الله بن جعفر، عن إسماعيل بن محمد، ومحمد بن عبد الله بن عمرو. وحدثنيه قدامة بن موسى، عن عائشة بنت قدامة.
ومن بني عبد الدار بن قصي: مصعب بن عمير، وسويبط بن حرملة بن مالك بن عميلة بن السباق بن عبد الدار بن قصي اثنان.
ومن بني زهرة بن كلاب: عبد الرحمن بن عوف بن عبد الحارث بن زهرة، وسعد بن أبي وقاص بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة، وعمير ابن أبي وقاص. ومن حلفائهم: عبد الله بن مسعو الهذلي، والمقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة، بن ثمامة بن مطرود بن زهير بن ثعلبة ابن مالك بن الشريد بن فأس بن ذريم بن القين بن أهود بن بهراء، وهو الذي كان يقال له المقداد بن الأسود بن عبد يغوث بن عبد بن الحارث بن زهرة، وخباب بن الأرت بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد مولى أم سباع بنت أنمار. أخبرني بنسب خباب، موسى بن يعقوب بن عبد الله بن وهب بن زمعة، عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل بن أسد بن عبد العزي يتيم عروة. ومسعود بن الربيع من القارة، وذو اليدينت عمير بن عبد عمرو بن نضلة بن غبشان بن سليم ابن مالك بن أفصى بن خزاعة ثمانية.
ومن بني تيم: أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وهو عبد اله بن عثمان ابن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم، وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، ضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلّم بسهمه وأجره، وبلال ابن رباح، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر، وصهيب بن سنان خمسة.
ومن بني مخزوم بن يقظة: أبو سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وشماس بن عثمان بن الشريد، وأرقم بن أبي الأرقم، وعمار بن ياسر، ومعتب بن عوف بن الحمراء، حليفٌ لهم من خزاعه خمسة.

ومن بني عدي بن كعب: عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزي ابن رياح، وزيد بن الخطاب، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، كان النبي صلى الله عليه وسلّم بعثه هو وطلحة يتحسبان العير، فضرب له بسهمه وأجره، وعمرو بن سراقة بن المعتمر بن أنس بن أذاة بن رياح. ومن حلفائهم من بني سعد بن ليث: عاقل بن أبي البكير، قتل ببدر، وخالد بن أبي البكير، قتل يوم الرجيع، وإياس بن أبي البكير، وعامر ابن أبي البكير، ومهجع مولى عمر من اليمن، وخولي وابنه حليفان لهم، وعامر بن ربيعة العنزي عنز بطن من ربيعة حليفٌ لهم، وواقد بن عبد الله التميمي، حليفٌ لهم ثلاثة عشر.
ومن بني جمح بن عمرو: عثمان بن مظعون، وقدامة بن مظعون، وعبد الله ابن مظعون، والسائب بن عثمان بن مظعونن ومعمر بن الحارث خمسة.
ومن بني سهم بن عمرو: خنيس بن حذافة بن قيس.
ومن بني مالك بن حسل: عبد الله بن مخرمة بن عبد العزي، وعبد الله ابن سهيل بن عمرو، كان أقبل مع المشركين فانحاز إلى المسلمين، ووهب بن سعد بن أبي سرح. حدثني به محمد بن عبد الله، عن الزهري، قال: وحدثنيه ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، قال: وحدثنيه عبد الله بن جعفر، عن إسماعيل بن محمد. وأبو سبرة ابن أبي رهم، وعمير بن عوف مولى سهيل بن عمرو، وسعد بن خولة، حليف لهم يماني، وحاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود. حدثني به عبد الله بن جعفر، عن عبد ربه بن سعيد، عن محمد بن عمرو بن عطاء، بذلك وهم ستة سوى حاطب. حدثني عطاء بن محمد بن عمرو بن عطاء، عن أبيه، قال: خرج عبد الله بن سهيل مع أبيه في نفقته، وخرج ولا يشك أبوه أنه على دينه، فلما قربوا انحاز حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلّم قبل القتال، فغاظ أباه ذلك. فقال سهيل: فجعل الله لي وله في ذلك خيراً.
ومن بني الحارث بن فهر: أبو عبيدة، واسمه عامر بن عبد الله بن الجراح، وصفوان بن بيضاء، وسهيل بن بيضاء، وعياض بن زهير، ومعمر بن أبي سرح، وعمرو بن أبي عمرو، وهم من بني ضبة وهم ستة.
فحدثني نافع بن أبي نافع أبو الحصيب، وابن أبي سبرة، عن هشام ابن عروة، عن أبيه، قال: كانت سهمان قريش يوم بدر مائة سهم. حدثني موسى بن محمد، عن أبيه، قال: كانت قريش ستة وثمانين رجلاً، والأنصار مائتين وسبعة وعشرين رجلاً. وحدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن أبي الحويرث، عن محمد بن جبير، قال: كانت قريش ثلاثة وسبعين رجلاً، والأنصار أربعين ومائتي رجل.
ومن الأنصار، من بني عبد الأشهل: سعد بن معاذ بن النعمان بن امرىء القيس بن زيد بن عبد الأشهل، وعمرو بن معاذ بن النعمان، والحارث بن أوي بن معاذ بن النعمان: والحارث بن أنس بن رافع بن امرىء القيس.
ومن بني عبد بن كعب بن عبد الأشهل بني زعورا: سعد بن مالك ابن عبد بن كعب، وسلمة بن سلامة بن وقش، وعباد بن بشر بن وقش، وسلمة بن ثابت بن وقش، ورافع بن يزيد بن كرز بن سكن بن زعورا بن عبد الأشهل، والحارث بن خزمة بن عدي بن أبي غنم بن سالم ابن عوف بن عمرو بن عوف، حليفٌ لهم من بني حارثة من القواقلة، داره فيهم، ومحمد بن مسلمة بن خالد بن عدي بن مجدعة بن حارثة ابن الحارث، من بني حارثة، وسلمة بن أسلم بن حريش بن عدي بن مجدعة، قتل يوم جسر أبي عبيد سنة أربع عشرة، وأبو الهيثم بن التيهان، وعبيد بن التيهان، حليفان لهم من بلى، وعبد الله بن سهل خمسة عشر رجلاً.
ومن بني حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس: مسعود بن عبد سعد بن عامر بن عدي بن جشم بن مجدعة بن حارثة، وأبو عبس بن جبر بن عمرو بن زيد بن جشم بن حارثة. ومن حلفائهم أبو بردة بن نيار بن بلى وهم ثلاثة. وحدثني عبد المجيد بن أبي عبس، عن أبيه ومحمد بن صالح، عن عاصم بن عمر، عن محمود بن لبيد مثله عبد المجيد بن أبي عبس بن محمد بن أبي عبس بن جبر.
ومن بني ظفر، من بني سواد بن كعب: قتادة بن النعمان بن زيد، وعبيد بن أوس بن مالك بن سواد.

ومن بني رزاح بن كعب: نصر بن الحارث بن عبد رزاح بن ظفر بن كعب، ومن حلفائهم رجلان من بلى، عبد الله بن طارق بن مالك ابن تيم بن شعبة بن سعد الله بن فران بن بلي بن عمرو بن الحاف بن قضاعة، قتل بالرجيع وأخوه لأمه معتب بن عبيد بن أناس بن تيم ابن شعبة بن سعد الله بن فران بن بلى بن عمرو بن الحاف بن قضاعة ثمانية. حدثني بذلك عبد المجيد بن أبي عبس، عن أبيه، ومحمد ابن صالح، عن عاصم بن عمر، عن محمود بن لبيد. وحدثنيه ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، مثله.
ومن بني أمية بن زيد بن مالك بن عوف: مبشر بن عبد المنذر ابن زنبر، قتل ببدر، ورفاعة بن عبد المنذر، وسعد بن عبيد بن النعمان بن قيس بن عمرو بن أمية بن زيد بن أمية، وعويم بن ساعدة ورافع بن عنجدة اسم أمه عنجدة وعبيد بن أبي عبيد، وثعلبة بن حاطب، وأبو لبابة بن عبد المنذر، استعمله النبي صلى الله عليه وسلّم على المدينة، وضرب له بسهمه وأجره، رده من الروحاء، والحارث بن حاطب، رده من المدينة، ضرب له بسهمه وأجره تسعة.
ومن بني ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف: عاصم ابن ثابت بن قيس وقيس أبو الأقلح، كنيته ابن عصمة بن مالك بن أمية بن ضبيعة، قتل بالرجيع، والأحوص الشاعر من ولده ومعتب بن قشير بن مليل بن زيد بن العطاب وأبو مليل بن الأزعر بن زيد بن العطاف، لا عقب له، وعمير بن معبد بن الأزعر، لا عقب له، وسهل ابن حنيف بن واهب بن عكيم بن الحارث بن ثعلبة خمسة.
ومن بني عبيد بن زيد بن مالك بن عمرو بن عوف: أنيس بن قتادة ابن ربيعة بن خالد بن الحارث بن عبيد بن زيد، قتل يوم أحد، وهو زوج خنساء بنت خذام، لا عقب له. ومن حلفائهم: معن بن عدي ابن الجد بن العجلان قتل يوم اليمامة، وربعي بن رافع، وثابت بن أقرم، قتل يوم طليحة، وعبد الله بن سلمة بن مالك بن الحارث بن عدي بن الجد بن العجلان، وزيد بن أسلم بن ثعلبة بن عدي بن الجد ابن العجلان، لا عقب له. وخرج عاصم بن عدي بن الجد بن العجلان، فرده النبي صلى الله عليه وسلّم وضرب له بأجره وسهمه إلى مسجد الضرار لشيء بلغه عنهمن وسالم مولى ثبيتة بنت يعار، قتل يوم اليمامة.
حدثني أفلح بن سعيد، عن سعيد بن عبد الرحمن بن رقيش، عن أبي البداح بن عاصم بذلك ثمانية.
ومن بني ثعلبة بن عمرو بن عوف: عبد الله بن جبير بن النعمان، قتل يوم أحد، أمير النبي صلى الله عليه وسلّم يوم أحد على الرماة، وعاصم ابن قيس، وأبو ضياح بن ثابت،وأبو حنة وليس في بدرٍ أبو حنة وسالم بن عمير، وهو أحد البكائين، والحارث بن النعمان بن أبي خذمة وخوات بن جبير بن النعمان، كسر بالروحاء. حدثني عبد الملك بن سليمان، عن خوات بن صالح، عن أبيه، ذلك ثمانية.
ومن بني جحجبي بن كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف: المنذر ابن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح بن حريش بن جحجبي بن كلفة، ويكنى أبا عبدة، وليس له عقب، ولأحيحة عقب من غيره ومن حلفائهم من بني أنيف: أبو عقيل بن عبد الله بن ثعلبة بن بيحان، وكان اسن أبي عقيل عبد العزى فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلّم عبد الرحمن عدو الأوثان، قتل باليمامة، وهو أبو عقيل بن عبد الله بن ثعلبة ابن بيحان بن عامر بن أنيف بن جشم بن عبد الله بن تيم بن يراش بن عامر بن عبيلة بن قسميل بن فران بن بلي بن عمرو بن الحاف بن قضاعة اثنان.
ومن بني غنم بن السلم بن امرىء القيس بن مالك بن الأوس بن حارثة: سعد بن خيثمة، قتل ببدر، والمنذر بن قدامة، ومالك بن قدامة، وابن عرفجة، وتميم مولى بني غنم بن السلم خمسة. فهؤلاء الأوس.
ومن بني معاوية بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف: جابر بن عتيك بن الحارث بن قيس بن هيشة بن الحارث بن معاوية، ومالك بن ثابت بن نميلة، حليفٌ لهم من مزينة، ونعمان بن عصر، حليف لهم من بلي، والحارث بن قيس بن هيشة بن الحارث بن أمية، ليس ثبت.
ومن بني مالك بن النجار بن عمرو بن الخزرج، ثم من بني غنم بن مالك، ثم من بني ثعلبة بن عبد عوف بن غنم: أبو أيوب، واسمه خالد ابن زيد بن كليب بن ثعلبة، مات بأرض الروم زمن معاوية.
ومن بني عسيرة بن عبد عوف: ثابت بن خالد بن النعمان بن خنساء بن عسيرة.
ومن بني عمرو بن عبد عوف، عمارة بن حزم بن زيد، وسراقة بن كعب بن عبد العزي بن غزية بن عمرو بن عبد.

ومن بني عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك: حارثة بن النعمان، وسليم ابن قيس بن قهد، واسم قهد خالد بن قيس بن ثعلبة بن عبيد بن ثعلبة ابن غنم.
ومن بني عائذ بن ثعلبة بن غنم: سهيل بن رافع بن أبي عمرو بن عائذ ابن ثعلبة بن غنم، وعدي بن أبي الزغباء، واسم ابن الزغباء سنان بن سبيع ابن ثعلبة بن ربيعة بن بديل بن سعد بن عدي بن نصر بن كاهل بن نصر ابن مالك بن غطفان بن قيس بن جهينة ثمانية.
ومن بني زيد بن ثعلبة بن غنم: مسعود بن أوس بن زيد، وأبو خزيمة ابن أوس بن أصرم بن زيد بن ثعلبة، ورافع بن الحارث بن سواد بن زيد بن ثعلبة ثلاثة.
ومن بني سواد بن مالك بن غنم بن عوف: عوف ومعوذ ومعاذ، بنو الحارث بن رفاعة بن سواد بنو عفراء، وهي ابنة عبيد بن ثعلبة، ونعيمان ابن عمرو بن رفاعة بن الحارث بن سواد، وعامر بن مخلد بن سواد، وعبد الله بن قيس بن خالد بن خلدة بن الحارث بن سواد، وعمرو بن قيس بن سواد، وقيس بن عمرو بن قيس بن زيد بن سواد، وثابت بن عمرو بن زيد بن عدي ين سواد، وعصيمة حليفٌ لهم، ورجلٌ من جهينة يقال له وديعة بن عمرو بن جراد بن يربوع بن طحيل بن عمرو بن غنم ابن الربعة بن رشدان بن قيس بن جهينة. فحدثني عبد الله بن أبي عبيدة، عن أبيه، قال: سمعت الربيع بنت معوذ بن عفراء تقول: أبو الحمراء مولى الحارث بن رفاعة قد شهد بدراً.
قال: فحدثني ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، مثله اثنا عشر بأبي الحمراء. فجميع من شهد من بني غنم بن مالك بن النجار ثلاثة وعشرون بأبي الحمراء.
ومن بني عامر بن مالك بن النجار، ثم من بني عمرو بن مبذول، ثم من بني عتيك بن عمرو بن مبذول: ثعلبة بن عمرو بن محصن بن عمرو ابن عتيك، وسهل بن عتيك بن النعمان بن عمرو بن عتيك، والحارث ابن الصمة بن عمرو بن عتيك، كسر بالروحاء، ضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلّم بسهمه وأجره حدثينه أصحابنا جميعاً وقتل يوم بئر معونة، وهم ثلاثة.
ومن بني عمرو بن مالك، وهم بنو حديلة، ثم من بني قيس بن عبيد ابن زيد بن رفاعة بن معاوية بن عمرو بن مالك: أبي بن كعب بن قيس ابن عبيد، وأنس بن معاذ بن أنس بن قيس بن عبيد اثنان.
ومن بني عدي بن عمرو بن مالك بن النجار: أوس بن ثابت بن المنذر بن حرام، أخو حسان بن ثابت، وأبو شيخ، واسمه أبي بن ثابت ابن المنذر بن حرام بن عمرو، وأبو طلحة، واسمه زيد بن سهل بن الأسود بن حرام ثلاثة.
ومن بني عدي بن النجار: حارثة بن سراقة بن الحارث بن عدي بن ماكل، قتل يوم بدر، وعمرو بن ثعلبة بن وهب بن عدي بن مالك بن عدي، ويكنى عمرو أبا حكيمة، وسليط بن قيس بن عمرو بن عبيد ابن مالك بن عدي بن عامر، وأبو سليط واسمه أسيرة بن عمرو بن عامر ابن مالك، قتل يوم أحد، وعمرو يكنى أبا خارجة بن قيس بن مالك ابن عدي بن عامر بن خنساء بن عمرو بن مالك بن عدي بن عامر، وعامر بن أمية بن زيد بن الحسحاس بن مالك بن عدي بن عامر، ومحرز ابن عامر بن مالك بن عدي بن عامر بن غنم بن عدي، وثابت بن خنساء ابن عمرو بن مالك بن عدي بن عامر، قتل يوم أحد، وسواد بن غزية ابن أهيب، حليفٌ لهم من بلى ثمانية.
ومن بني حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار: قيس ابن السكن بن قيس بن زيد بن حرام، ويكنى قيس أبا زيد، وأبو الأعور كعب بن الحارث بن جندب بن ظالم بن عبس بن حرام بن جندب، وسليم بن ملحان، وحرام بن ملحان بن خالد بن زيد بن حرام خمسة.
ومن بني مازن بن النجار: ثم من بني عوف بن عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن: قيس بن أبي صعصعة، واسم أبي صعصعة عمرو بن زيد بن عوف بن مبذول. فحدثني بن أبي صعصعة، واسم أبي صعصعة عمرو بن زيد بن عوف بن مبذول. فحدثني يعقوب بن محمد، عن عبد الله بن عبد الرحمن، أن النبي صلى الله عليه وسلّم استعمله على المشاة، وهو كان عامل النبي صلى الله عليه وسلّم على المغانم يوم بدر، وعصيم حليفٌ لهم من بني أسد ثلاثة.
ومن بني خنساء بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن: عمير، ويكنى أبا داود بن عامر بن مالك بن خنساء، وسراقة بن عمرو بن عطية بن خنساء ابن مبذول اثنان.
ومن بني ثعلبة بن مازن: قيس بن مخلد بن ثعلبة بن صخر بن حبيب ابن الحارث بن ثعلبة بن مازن.

ومن بني دينار بن النجار، ثم من بني مسعود بن عبد الأشهل بن حارثة بن دينار النعمان بن عبد عمرو بن مسعود بن عبد الأشهل، والضحاك ابن عبد عمرو بن مسعود بن عبد الأشهل، وسليم بن الحارث بن ثعلبة، وهو أخٌ للنعمان والضحاك ابني عبد عمرو لأمهما، وكعب بن زيد، قتل يوم الخندق، وارتث يوم بئر معونة من القتلى، وجابر بن خالد بن عبد الأشهل بن حارثة، وسعيد بن سهيل بن عبد الأشهل بن حارثة بن دينار.
ومن بني قيس بن مالك بن كعب بن حارثة بن دينار: كعب بن زيد ابن مالك وبجير بن أبي بجير حليفٌ لهم وهم ثمانية.
ومن بني الحارث بن الخزرج، ثم من بني امرىء القيس بن ثعلبة. سعد بن ربيع بن عمرو بن أبي زهير بن مالك بن امرىء القيس، قتل بأحد، وعبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرىء القيس، قتل يوم مؤتة، وخلاد بن سويد بن ثعلبة بن عمرو بن حارثة بن امرىء القيس، قتل يوم بني قريظة، وخارجة بن زيد بن أبي زهير بن مالك، وكان صهراً لأبي بكر، ابنته خارجة امرأة أبي بكر، قتل يوم أحد أربعة.
ومن بني زيد بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث ابن الخزرج: بشير بن سعد بن ثعلبة بن جلاس، قتل يوم عين التمر مع خالد بن الوليد، وسبيع بن قيس بن عيشة بن أمية بن عامر بن عدي ابن كعب بن الخزرج، وعبادة بن قيس بن مالك، وسماك بن سعد، وعبد الله بن عمير، ويزيد بن الحارث بن قيس بن مالك بن أحمر بن حارثة بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج، وهو الذي يقال له فسحم ستة.
ومن بني جشم بن الحارث بن الخزرج، ومن بني أخيه، وأخوه زيد ابن الحارث بن الخزرج، وهما التوأمان: خبيب بن يساف بن عنبة ابن عمرو بن خديج بن عامر بن جشم، وعبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه بن زيد بن الخزرج بن الحارث، وهو الذي أرى الأذان، وأخوه حريث بن زيد، حدثني به شعيب بن عبادة، عن بشير بن محمد، عن أبيه، أن حريثاً شهد بدراً، وأصحابنا على ذلك، وسفيان بن بشر خمسة.
ومن بني جدارة بن عوف بن الحارث بن الخزرج: تميم بن يعار ابن قيس بن عدي بن أمية بن جدارة، وعبد الله بن عمير من بني جدارة، ويزيد بن المزين، وعبد الله بن عرفطة أربعة.
ومن بني الأبجر بن عوف بن الحارث بن الخزرج عبد الله بن الربيع ابن قيس بن عباد بن الأبجر واحد.
ومن بني عوف بن الخزرج، ثم من بني عبيد بن مالك بن سالم بن غنم بن الخزرج، وهم بنو الحبلى، وإنما كان سالم عظيم البطن فسمي الحبلى: عبد الله بن عبد الله بن أبي بن مالك بن الحارث بن عبيد بن مالك، ابن السلول، وإنما السلول امرأة وهي أم أبي، وأوس بن خولى بن عبد الله بن الحارث بن عبيد بن مالك اثنان.
ومن بني جوء بن عدي بن مالك بن سالم بن غنم: زيد بن وديعة ابن عمرو بن قيس بن جزء، ورفاعة بن عمرو بن زيد بن عمرو بن ثعلبة ابن مالك بن سالم بن غنم، وعامر بن سلمة بن عامر بن عبد الله، حليف لهم من أهل اليمن، وعقبة بن وهب بن كلدة، حليف لهم من بني عبد الله بن غطفان، ومعبد بن عباد بن قشعر بن القدم بن سالم بن غنم، ويكنى أبا خميصة، وعاصم بن العكير حليفٌ لهم ستة.
ومن بني سالم بن عمرو بن عوف بن الخزرج، ثم من بني العجلان بن غنم بن سالم: نزفل بن عبد الله بن نضلة بن مالك بن العجلان، وغسان ابن مالك بن ثعلبة بن عمرو بن العجلان، ومليل بن وبرة بن خالد بن العجلان، وعصمة بن الحصين بن وبرة بن خالد بن العجلان أربعة.
ومن بني أصرم بن فهر بن غنم بن سالم: عبادة بن الصامت بن أصرم، وأخوه أوس بن الصامت.
ومن بني دعد بن فهر بن غنم: النعمان بن مالك بن ثعلبة بن دعد، وهو الذي يسمى قوقلاً. قال الواقدي: إنما سمي قوقلاً لأنه كان إذا استجار به رجلٌ قال له: قوقل بأعلا يثرب وأسفلها فأنت آمن، فسمي القوقل.
ومن بني قريوش بن غنم بن سالم: أمية بن لوذان بن سالم بن ثابت ابن هزال بن عمرو بن قريوش بن غنم.
ومن بني دعد رجلان.
ومن بني مرضخة بن غنم بن مالك: مالك بن الدخشم واحد.

ومن بني لوذان بن غنم: ربيع بن إياس، وأخوه ورقة بن إياس بن عمرو بن غنم، وعمرو بن إياس، حليفٌ لهم من أهل اليمن. وحلفاؤهم من بلى، ثم من بني غصينة: المجذر بن ذياد بن عمرو بن زمرة بن عمرو ابن عمارة، وعبدة بن الحسحاس بن عمرو بن زمرة، وبحاث بن ثعلبة ابن خزمة بن أصرم بن عمرو بن عمارة، وأخوه عبد الله بن ثعلبة بن خزمة ابن أصرم، وحليفٌ لهم من بهراء، يقال له عتبة بن ربيعة بن خلف بن معاوية. حدثني شعيب بن عبادة، عن بشير بن محمد، عن أبيه، بذلك. قال: وأصحابنا جميعاً أن الحليف ثبت ثمانية.
ومن بني ساعدة بن كعب بن الخزرج، ثم من بني زيد بن ثعلبة ابن الخزرج: أبو دجانة، وهو سماك بن خرشة بن لوذان بن عبد ود ابن ثعلبة، قتل يوم اليمامة، والمنذر بن عمرو، قتل يوم بئر معونة أميراً للنبي صلى الله عليه وسلّم على القوم اثنان.
ومن بني ساعدة، من بني البدي بن عامر بن عوف: أبو أسيد الساعدي، واسمه مالك بن ربيعة بن البدي، ومالك بن مسعود، وهؤلاء بنو البدي. حدثني أبي عن عباس بن سهل، عن أبيه، عن جده، قال: تجهز سعد ابن مالك يخرج إلى بدر فمرض فمات، فموضع قبره عند دار ابن فارط، فأسهم له النبي صلى الله عليه وسلّم بسهمه وأجره. وحدثني عبد المهيمن، عن أبيه، عن جده، قال: مات بالروحاء، وأسهم له النبي صلى الله عليه وسلّم، وهو من بني البدي.
ومن بني طريف بن الخزرج بن ساعدة: عبد ربه بن حق بن أوس ابن قيس بن ثعلبة بن طريف، وكعب بن جماز بن مالك بن ثعلبة حليفٌ لهم من غسان، وضمرة بن عمرو بن كعب بن عدي بن عامر بن رفاعة بن كليب بن مردغة بن عدي بن غنم بن الربعة بن رشدان بن قيس بن جهينة، وبسبس بن عمرو بن ثعلبة بن خرشة بن زيد بن عمرو بن سعيد بن ذبيان بن رشدان بن قيس بن جهينة خمسة.
ومن بني جشم بن الخزرج، ثم من بني سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم، من بني حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة: خراش بن الصمة بن عمرو بن الجموح بن حرام، وعمير بن حرام، وتميم مولى خراش بن الصمة، وعمير بن الحمام بن الجموح، قتل ببدر، ومعاذ بن الجموح، ومعوذ بن عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام، وعبد الله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة، قتل بأحد، وهو أبو جابر، وحباب بن المنذر بن الجموح بن زيد بن حرام بن كعب، وخلاد ابن عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام، وعقبة بن عامر بن نابي بن زيد بن حرام، وحبيب بن الأسود مولى لهم، وثابت بن ثعلبة بن زيد بن ثعلبة الذي يقال له الجذع، وعمير بن الحارث بن ثعلبة بن حرام أحد عشر رجلاً.
حدثني عبد العزيز بن محمد، عن يحيى بن أسامة، عن ابني جابرن عن أبيهما، أن معاذ بن الصمة بن عمرو بن الجموح شهد بدراً، وليس بمجتمع عليه.
ومن بني عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة، ثم من بني خنساء بن سنان بن عبيد: بشر بن البراء بن معرور بن صخر بن سنان بن صيفي بن صخر بن خنساء، وعبد الله بن الجد بن قيس بن صخر بن خنساء، وسنان بن صيفي بن صخر بن خنساء، وعتبة بن عبد الله بن صخر بن خنساء، وحمزة بن الحمير قال: وسمعت أنه خارجة بن الحمير وعبد الله ابن الحمير، حليفان لهم من أشجع من بني دهمان.
ومن بني نعمان بن سنان بن عبيد بن عبد بن عدي بن غنم: عبد اللن ابن عبد مناف بن النعمان بن سنان، ونعمان بن سنان مولى لهم، وجابر بن عبد الله بن رئاب بن النعمان، وخليدة بن قيس بن النعمان بن سنان، ويقال لبدة بن قيس أربعة.
ومن بني خناس بن سنان بن عبيد بن عدي: يزيد بن المنذر بن سرح بن خناس، وأخوه معقل بن المنذر بن سرح بن خناس، وعبد الله ابن النعمان بن بلذمة بن خناس ثلاثة.
ومن بني خنساء بن عبيد: جبار بن صخر بن أمية بن خنساء بن عبيد واحد.
ومن بني ثعلبة بن عبيد: الضحاك بن حارثة بن ثعلبة بن عبيد، وسواد بن زيد بن ثعلبة بن عبيد.
ومن بني عدي بن غنم بن كعب بن سلمة: عبد الله بن قيس بن صخر بن حرام بن ربيعة بن عدي بن غنم، وأخوه معبد بن قيس بن صخر ابن حرام بن ربيعة بن عدي بن غنم.
ومن بني سواد بن غنم بن كعب بن سلمة، ثم من بني حديدة: يزيد ابن عامر بن حديدة، ويكنى يزيد أبا المنذر، وسليم بن عمرو بن حديدة، وقطبة بن عامر بن حديدة، وعنترة مولى سليم بن عمرو بن حديدة.

ومن بني عدي بن نابى بن عمرو بن سواد: عبس بن عامر بن عدي ابن ثعلبة بن غنمة بن عدي، وثعلبة بن غنمة، وأبو اليسر، واسمه كعب بن عمرو بن عباد بن عمرو بن سواد، وسهل بن قيس بن أبي كعب ابن القين، قتل بأحد، ومعاذ بن جبل بن عائد بن عدي بن كعب وثعلبة وعبد الله ابنا أنيس اللذان كسرا أصنام بني سلمة.
ومن بني زريق بن عامر بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم ابن الخزرج، ثم من بني مخلد بن عامر بن زريق: قيس بن محصن ابن خالد بن مخلد، والحارث بن قيس بن خالد بن مخلد، وجبير بن إياس بن خالد بن مخلد، وسعيد بن عثمان بن خالد بن مخلد، ويكنى أبا عبادة، وعقبة بن عثمان بن خالد، وذكوان بن عبد قيس بن خالد ابن مخلد، ومسعود بن خلدة بن عامر بن مخلد سبعة.
ومن بني خالد بن عامر بن زريق: عباد بن قيس بن عامر بن خالد ابن عامر بن زريق واحد.
ومن بني خلدة بن عامر بن زريق: أسعد بن يزيد بن الفاكه بن زيد ابن خلدة بن عامر، والفاكه بن بشر بن الفاكه بن زيد بن خلدة، ومعاذ ابن ماعص بن قيس بن خلدة، وأخوه عائذ بن ماعص، ومسعود بن سعد ابن قيس بن خلدة، قتل يوم بئر معونة خمسة.
ومن بني العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق: رفاعة بن رافع بن مالك بن العجلان، وخلاد بن رافع بن مالك بن العجلان، وعبيد بن زيد ابن عامر بن العجلان ثلاثة.
ومن بني حبيب بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج: رافع بن المعلى بن لوذان بن حارثة بن زيد بن حارثة بن ثعلبة بن عدي ابن مالك، وأخوه هلال بن المعلى، قتل ببدر اثنان.
ومن بني بياضة بن عامر بن زريق بن عامر بن عبد حارثة: زياد بن لبيد بن ثعلبة بن سنان بن عامر بن عدي بن أمية بن بياضة، وفروة بن عمرو بن وذفة بن عبيد بن عامر، وخالد بن قيس بن مالك بن العجلان ابن علي بن عامر بن بياضة، ورحيلة بن ثعلبة بن خالد بن ثعلبة بن بياضة أربعة.
ومن بني أمية بن بياضة: حليفة بن عدي بن عمرو بن مالك بن عامر بن فهيرة بن عامر بن بياضة، وغنام بن أوس بن غنام بن أوس ابن عمرو بن مالك بن عامر بن بياضة، وعطية بن نويرة بن عامر بن عطية ابن عامر بن بياضة. حدثني بذلك خالد بن القاسم، عن زرعة بن عبد الله ابن زياد بن لبيد أن الرجلين ثبت. قال الواقدي: وليس بمجتمع عليهما.
ذكر سرية قتل عصماء بنت مروانحدثني عبد الله بن الحارث، عن أبيه، أن عصماء بنت مروان من بني أمية بن زيد، كانت تحت يزيد بن زيد بن حصن الخطمي، وكانت تؤذي النبي صلى الله عليه وسلّم، وتعيب الإسام، وتحرض على النبي صلى الله عليه وسلّم، وقالت شعراً:
فباست بني مالكٍ والنبيت ... وعوفٍ وباست بني الخزرج
أطعتم أتاوى من غيركم ... فلا من مرادٍ ولا مذحج
ترجونه بعد قتل الرءوس ... كما يرتجي مرق المنضج

قال عمير بن عدي بن خرشة بن أمية الخطمي حين بلغه قولها وتحريضها: اللهم، إن لك علي نذراً لئن رددت رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى المدينة لأقتلنها ورسول الله صلى الله عليه وسلّم يومئذٍ ببدر فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلّم من بدر جاءها عمير بن عدي في جوف الليل حتى دخل عليها في بيتها، وحولها نفرٌ من ولدها نيامٌ، منهم من ترضعه في صدرهان فجسها بيده، فوجد الصبي ترضعه فنحاه عنها، ثم وضع سيفه على صدرها حتى أنفذه من ظهراها، ثم خرج حتى صلى الصبح مع النبي صلى الله عليه وسلّم بالمدينة. فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلّم نظر إلى عمير فقال: أقتلت بنت مروان؟ قال: نعم بأبي أنت يا رسول الله. وخشي عمير أن يكون افتات على النبي صلى الله عليه وسلّم بقتلها فقال: هل علي في ذلك شيء يا رسول الله؟ قال: لا ينتطح فيها عنزان، فإن أول ما سمعت هذه الكلمة من النبي صلى الله عليه وسلّم بقتلها فقال: هل علي في ذلك شيء يا رسول الله؟ قال: لا ينتطح فيها عنزان، فإن أول ما سمعت هذه الكلمة من النبي صلى الله عليه وسلّم. قال عمير: فالتفت النبي صلى الله عليه وسلّم إلى من حوله فقال: إذا أحببتم أن تنظروا إلى رجلٍ نصر الله ورسوله بالغيب، فانظروا إلى هذا الأعمى الذي تشدد في طاعة الله. فقال: لا تقل الأعمى، ولكنه البصير! فلما رجع عمير من عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم وجد بنيها في جماعةٍ يدفنونها، فأقبلوا إليه حين رأوه مقبلاً من المدينة، فقالوا: يا عمير، أنت قتلتها؟ فقال: نعم، فكيدوني جميعاً ثم لا تنظرون، فو الذي نفسي بيده، لو قلتم بأجمعكم ما قالت لضربتكم بسيفي هذا حتى أموت أو أقتلكم. فيومئذٍ ظهر الإسلام في بني خطمة، وكان منهم رجال يستخفون بالإسلام خوفاً من قومهم، فقال حسان بن ثابت يمدح عمير بن عدي، أنشدنا عبد الله بن الحارث:
بني وائلٍ وبني واقف ... وخطمة دون بني الخزرج
متى ما دعت أختكم ويحها ... بعولتها والمنايا تجى
فهزت فتًى ماجداً عرقه ... كريم المداخل والمخرج
فضرجها من نجيع الدماء ... قبيل الصباح ولم يحرج
فأوردك الله برد الجنا ... ن جذلان في نعمة المولج
حدثني عبد الله بن الحارث، عن أبيه، قال: كان قتل عصماء لخمس ليالٍ بقين من رمضان، مرجع النبي صلى الله عليه وسلّم من بدر، على رأس تسعة عشر شهراً.
سرية قتل أبي عفكحدثنا سعيد بن محمد، عن عمارة بن غزية، وحدثناه أبو مصعب إسماعيل بن مصعب بن إسماعيل بن زيد بن ثابت، عن أشياخه، قالا: إن شيخاً من بني عمرو بن عوف يقال له أبو عفك، وكان شيخاً كبيراً، قد بلغ عشرين ومائة سنة حين قدم النبي صلى الله عليه وسلّم المدينة، كان يحرض على عداوة النبي صلى الله عليه وسلّم، ولم يدخل في الإسلام. فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى بدر رجع وقد ظفره الله بما ظفره، فحسده وبغى فقال:
قد عشت حيناً وما إن أرى ... من الناس داراً ولا مجمعا
أجم عقولاً وآتي إلى ... منيبٍ سراعاً إذا ما دعا
فسلبهم أمرهم راكبٌ ... حراماً حلالاً لشتى معا
فلو كان بالملك صدقتم ... وبالنصر تابعتم تبعا
فقال سالم بن عمير، وهو أحد البكائين من بني النجار: علي نذرٌ أن أقتل أبا عفك أو أموت دونه. فأمهل فطلب له غرةً، حتى كانت ليلةٌ صائفةٌ، فنام أبو عفك بالفناء في الصيف في بني عمرو بن عوف، فأقبل سالم بن عمير، فوضع السيف على كبده حتى خش في الفراش، وصاح عدو الله فثاب إليه أناس ممن هم على قوله، فأدخلوه منزله وقبروه. وقالوا: من قتله؟ والله لم نعلم من قتله لقتلناه به! فقالت النهدية في ذلك، وكانت مسلمة، هذه الأبيات:
تكذب دين الله والمرء أحمدا ... لعمر الذي أمناك إذ بئس ما يمنى
حباك حنيفٌ آخر الليل طعنةً ... أبا عفك خذها على كبر السن
فإني وإن أعلم بقاتلك الذي ... أياتك حلس الليل من إنسٍ أو جنى
فحدثني معن بن عمر قال: أخبرني ابن رقيش قال: قتل أبو عفك في شوال على رأس عشرين شهراً.
غزوة قينقاع

غزوة قينقاع يوم السبت للنصف من شوال، على رأس عشرين شهراً، حاصرهم النبي صلى الله عليه وسلّم إلى هلال ذي القعدة.
حدثني عبد الله بن جعفر، عن الحارث بن الفضيل، عن ابن كعب القرظي، قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلّم المدينة، وادعته يهود كلها، وكتب بينه وبينها كتاباً. وألحق رسول الله صلى الله عليه وسلّم كل قوم بلحفائهم، وجعل بينه وبينهم أماناً، وشرط عليهم شروطاً، فكان فيما شرط ألا يظاهروا عليه عدواً. فلما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم أصحاب بدر وقدم المدينة، بغت يهود وقطعت ما كان بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلّم من العهد، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلّم إليهم فجمعهم، ثم قال: يا معشر يهود، أسلموا، فوالله إنكم لتعلمون أني رسول الله، قبل أن يوقع الله بكم مثل وقعة قريش. فقالوا: يا محمد، لا يغرنك من لقيت، إنك قهرت قوماً أغماراً. وإنا والله أصحاب الحرب، ولئن قاتلتنا لتعلمن أنك لم تقاتل مثلنا. فبينا هم على ما هم عليه من إظهار العداوة ونبذ العهد، جاءت امرأةٌ نزيعةٌ من العرب تحت رجلٍ من الأنصار إلى سوق بني قينقاع، فجلست عند صائع في حلي لها، فجاء رجلٌ من يهود قينقاع فجلس من ورائها ولا تشعر، فخل درعها إلى ظهرها بشوكة، فلما قامت المرأة بدت عورتها فضحكوا منها. فقام إليه رجلٌ من المسلمين فاتبعه فقتله، فاجتمعت بنو قينقاع، وتحايشوا فقتلوا الرجل، ونبذوا العهد إلى النبي صلى الله عليه وسلّم وحاربوا، وتحصنوا في حصنهم، فسار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم فحاصرهم، فكانوا أول من سار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وأجلى يهود قينقاع، وكانوا أول يهود حاربت.
فحدثني محمد بن عبد الله، عن الزهري، عن عروة، قال: لما نزلت هذه الآية: " وإما تخافن من قومٍ خيانةً فانبذ إليهم على سواءٍ إن الله لا يحب الخائنين " ، فسار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم بهذه الآية.

قالوا: فحصرهم في حصنهم خمس عشرة ليلة أشد الحصار حتى قذف الله في قلوبهم الرعب. قالوا: أفننزل وننطلق؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، إلا على حكمي! فنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فأمر بهم فربطوا. قال: فكانوا يكتفون كتافاً. قالوا: واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلّم على كتافهم المنذر بن قدامة السالمي. قال: فمر بهم ابن أبي وقال: حلوهم! فقال المنذر: أتحلون قوماً ربطهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم؟ والله لا يحلهم رجلٌ إلا ضربت عنقه. فوثب ابن أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلّم، فأدخل يده في جنب درع النبي صلى الله عليه وسلّم من خلفه فقال: يا محمد، أحسن في موالي! فأقبل عليه النبي صلى الله عليه وسلّم غضبان، متغير الوجه، فقال: ويلك، أرسلني! فقال: لا أرسلك حتى تحسن في موالي، أربع مائة دارع وثلثمائة حاسر، منعوني يوم الحدائق ويوم بعاث من الأحمر والأسود، تريد أن تحصدهم في غداةٍ واحدة؟ يا محمد، إني امروءٌ أخشى الدوائر! قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: خلوهم، لعنهم الله، ولعنه معهم! فلما تكلم ابن أبي فيهم تركهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم من القتل وأمر بهم أن يجلوا من المدينة ، فجاء ابن أبي بحلفائه معه، وقد أخذوا بالخروج، يريد أن يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرهم في ديارهم، فيجد على باب النبي صلى الله عليه وسلم عويم بن ساعدة، فذهب ليدخل فرده عويم وقال: لا تدخل حتى يؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لك. فدفعه ابن أبي، فغلظ عليه عويم حتى جحش وجه ابن أبي الجدار فسال الدم، فتصايح حلفاؤه من يهود، فقالوا: أبا الحباب، لا نقيم أبداً بدارٍ أصاب وجهك فيها هذا، لا نقدر أن نغيره. فجعل ابن أبي يصيح عليهم، وهو يمسح الدم عن وجهه، يقول: ويحكم، قروا! فجعلوا يتصايحون: لا نقيم أبداً بدار أصاب وجهك فيها هذا، لا نستطيع له غيراً! ولقد كانوا أشجع يهود، وقد كان ابن أبي أمرهم أن يتحصنوا، وزعم أنه سيدخل معهم، فخذلهم ولم يدخل معهم، ولزموا حصنهم فما رموا بسهم ولا قاتلوا حتى نزلوا على صلح رسول الله صلى الله عليه وسلّم وحكمه، وأموالهم لرسول الله صلى الله عليه وسلّم. فلما نزلوا وفتحوا حصنهم، كان محمد بن مسلمة هو الذي أجلاهم وقبض أموالهم. وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلّم من سلاحهم ثلاث قسيٍّ، قوس تدعى الكتوم كسرت بأحد، وقوس تدعى الروحاء، وقوس تدعى البيضاء، وأخذ درعين من سلاحهم، درعاً يقال له الصغدية وأخرى فضة، وثلاثة أسياف، سيف قلعي، وسيف يقال له بتار، وسيف آخر، وثلاثة أرماح. قال: ووجدوا في حصونهم سلاحاً كثيراً وآلة للصياغة، وكانوا صاغة.
قال محمد بن مسلمة: فوهب لي رسول الله صلى الله عليه وسلّم درعاً من دروعهم، وأعطى سعد بن معاذ درعاً له مذكورة، يقال لها السحل، ولم يكن لهم أرضون ولا قراب يعني مزارع. وخمس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصاب منهم، وقسم ما بقي على أصحابه. وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم عبادة بن الصامت أن يجيلهم، فجعلت قينقاع تقول: يا أبا الوليد، من بين الأوس والخزرج ونحن مواليك فعلت هذا بنا؟ قال لهم عبادة: لما حاربتم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله إني أبرأ إليك منهم ومن حلفهم. وكان ابن أبي وعبادة بن الصامت منهم بمنزلة واحدة في الحلف. فقال عبد الله بن أبي: تبرأت من حلف مواليك؟ ما هذه بيدهم عندك! فذكره مواطن قد أبلوا فيها، فقال عبادة: أبا الحباب، تغيرت القلوب ومحا الإسلام العهود، أما والله إنك لمعصم بأمرٍ سترى غبه غداً! فقالت قينقاع: يا محمد، إن لنا ديناً في الناس. قال النبي صلى الله عليه وسلّم: تعجلوا وضعوا! وأخذهم عبادة بالرحيل والإجلاء، وطلبوا التنفس فقال لهم: ولا ساعةً من نهار، لكن ثلاث لا أزيدكم عليها! هذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولو كانت أنا ما نفستكم. فلما مضت ثلاث خرج في آثارهم حتى سلكوا إلى الشام، وهو يقول: الشرف الأبعد، الأقصى، فأقصى! وبلغ خلف ذباب، ثم رجع ولحقوا بأذرعات. وقد سمعنا في إجلائهم حيث نقضوا العهد غير حديث ابن كعب.

فحدثني محمد، عن الزهري، عن عروة، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لما رجع من بدر حسدوا فأظهروا الغش، فنزل عليه جبريل عليه السلام بهذه الآية: " وإما تخافن من قومٍ خيانةً فانبذ إليهم على سواءٍ إن الله لا يحب الخائنين " . قال: فلما فرغ جبريل، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلّم: فأنا أخافهم. فسار رسول الله صلى الله عليه وسلّم بهذه الآية، حتى نزلوا على حكمه، ولرسول الله أموالهم، ولهم الذرية والنساء.
فحدثني محمد بن القاسم، عن أبيه، عن الربيع بن سبرة، عن أبيه، قال: إني لبالفلجتين مقبل من الشام، إذ لقيت بني قينقاع يحملون الذرية والنساء، قد حملوهم على الإبل وهم يمشون، فسألتهم فقالوا: أجلانا محمدٌ وأخذ أموالنا. قلت: فأين تريدون؟ قالوا: الشام. قال سبرة: فلما نزلوا بوادي القرى أقاموا شهراً، وحملت يهود وادي القرى من كان راجلاً منهم، وقووهم، وساروا إلى أذرعات فكانوا بها، فما كان أقل بقاءهم.
حدثني يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة، عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم، قال: استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلّم أبا لبابة بن عبد المنذر على المدينة ثلاث مرات: بدر القتال، وبني قينقاع، وغزوة السويق.
غزوة السويقغزوة السويق في ذي الحجة، على رأس اثنين وعشرين شهراً. خرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم يوم الأحد لخمس ليالٍ خلون من ذي الحجة، فغاب خمسة أيام.
حدثني محمد بن عبد الله، عن الزهري، وإسحاق بن حازم، عن محمد بن كعب، قالا: لما رجع المشركون إلى مكة من بدر حرم أبو سفيان الدهن حتى يثأر من محمد وأصحابه بمن أصيب من قومه. فخرج في مائتي راكب في حديث الزهري، وفي حديث ابن كعب في أربعين راكباً حتى سلكوا النجدية. فجاءوا بني النضير ليلاً، فطرقوا حيى بن أخطب ليستخبروه من أخبار النبي صلى الله عليه وسلّم وأصحابه، فأبى أن يفتح لهم، وطرقوا سلام بن مشكم ففتح لهم فقراهم، وسقى أبا سفيان خمراً، وأخبره من أخبار النبي صلى الله عليه وسلّم وأصحابه. فلما كان بالسحر خرج فمر بالعريض، فيجد رجلاً من الأنصار مع أجير له في حرثه فقتله وقتل أجيره، وحرق بيتين بالعريض وحرق حرثاً لهم، ورأى أن يمينه قد حلت، ثم ذهب هارباً، وخاف الطلب، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلّم فندب أصحابه فخرجوا في أثره، وجعل أبو سفيان وأصحابه يتخففون فيلقون جرب السويق وهي عامة زادهم فجعل المسلمون يمرون بها فيأخذونها، فسميت تلك الغزوة غزوة السويق لهذا الشأن، حتى انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى المدينة. فقال أبو سفيان، في حديث الزهري، هذه الأبيات:
سقاني فرواني كميتاً مدامةً ... على ظمأ مني سلام بن مشكم
وذاك أبو عمرو يجود وداره ... بيثرب مأوى كل أبيض خضرم
كان الزهري يكنيه أبا عمرو، والناس يكنونه أبا الحكم. واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلّم على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر.
فحدثني محمد، عن الزهري، قال: كانت في ذي الحجة، على رأس اثنين وعشرين شهراً.
غزوة قرارة الكدرإلى بني سليم وغطفان للنصف من المحرم، على رأس ثلاثة وعشرين شهراً، غاب خمس عشرة ليلة.

حدثني عبد الله بن جعفر، عن ابن أبي عون، عن يعقوب بن عتبة، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم من المدينة إلى قرارة الكدر، وكان الذي هاجه على ذلك أنه بلغه أن بها جمعاً من غطفان وسليم. فسار رسول الله صلى الله عليه وسلّم إليهم، وأخذ عليهم الطريق حتى جاء فرأى آثار النعم ومواردها، ولم يجد في المجال أحداً، فأرسل في أعلى الوادي نفراً من أصحابه، واستقبلهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم في بطن الوادي، فوجد رعاءً فيهم غلامٌ يقال له يسار، فسألهم عن الناس فقال يسار: لا علم لي بهم، إنما أورد لخمسٍ وهذا يومٌ ربعي، والناس قد ارتبعوا إلى المياه، وإنما نحن عزاب في النعم. فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقد ظفر بنعم، فانحدر إلى المدينة حتى إذا صلى الصبح فإذا هو بيسار فرآه يصلي. فأمر القوم أن يقسموا غنائمهم، فقال القوم: يا رسول الله، إن أقوى لنا أن نسوق النعم جميعاً، فإن فينا من يضعف عن حظه الذي يصير إليه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: اقتسموا! فقالوا: يا رسول الله، إن كان أنما بك العبد الذي رأيته يصلي، فنحن نعطيكه في سهممك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: قد طبتم به نفساً؟ قالوا: نعم. فقبله رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأعتقه، وارتحل الناس فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلّم المدينة، واقتسموا غنائمهم فأصاب كل رجل منهم سبعة أبعرة، وكان القوم مائتين.
فحدثني عبد الصمد بن محمد السعدي، عن حفص بن عمر بن أبي طلحة، عمن أخبره، عن أبي أروى الدوسي، قال: كنت في السرية وكنت ممن يسوق النعم، فلما كنا بصرار على ثلاثة أميال من المدينة خمس النعم، وكان النعم خمسمائة بعير، فأخرج خمسه وقسم أربعة أخماس على لمسلمين، فأصابهم بعيران بعيران.
حدثنا عبد الله بن نوح، عن أبي عفير، قال: استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلّم على المدينة ابن أم مكتوم، وكان يجمع بهم ويخطب إلى جنب المنبر، يجعل المنبر عن يساره.
قتل ابن الأشرفوكان قتله على رأس خمسة وعشرين شهراً في ربيع الأول.
حدثني عبد الحميد بن جعفر، عن يزيد بن رومان، ومعمر، عن الزهري، عن ابن كعب بن مالك، وإبراهيم بن جعفر، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله، فكل قد حدثني بطائفة، فكان الذي اجتمعوا لنا عليه قالوا: إن ابن الأشراف كان شاعراً وكان يهجو النبي صلى الله عليه وسلّم وأصحابه، ويحرض عليهم كفار قريش في شعره.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم قدم المدينة وأهلها أخلاط منهم المسلمون الذين تجمعهم دعوة الإسلام، فيهم أهل الحلقة والحصون، ومنهم حلفاء للحيين جميعاً الأوس والخزرج. فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلّم حين قدم المدينة استصلاحهم كلهم وموادعتهم، وكان الرجل يكون مسلماً وأبوه مشركاً. فكان المشركون واليهود من أهل المدينة يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأصحابه أذًى شديداً، فأمر الله عز وجل والمسلمين بالصبر على ذلك والعفو عنهم، وفيهم أنزل: " ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذًى كثيراً وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور " . وفيهم أنزل الله عز وجل: " ود كثيرٌ من أهل الكتاب " . الآية.
فلما أبى ابن الأشرف أن ينزع عن أذى النبي صلى الله عليه وسلّم وأذى المسلمين، وقد بلغ منهم، فلما قدم زيد بن حارثة بالبشارة من بدر بقتل المشركين وأسر من أسر منهم، فرأى الأسرى مقرنين، كبت وذل، ثم قال لقومه: ويلكم، والله لبطن الأرض خيرٌ لكن من ظهرها اليوم! هؤلاء سراة الناس قد قتلوا وأسروا، فما عندكم؟ قالوا: عداوته ما حيينا. قال: وما أنتم وقد وطىء قومه وأصابهم؟ ولكني أخرج إلى قريش فأحضهم وأبكي قتلاهم، فلعلهم ينتدبون فأخرج معهم. فخرج حتى قدم مكة ووضع رحله عند أبي وداعة بن ضبيرة السهمي، وتحته عاتكة بنت أسيد ابن أبي العيص، فجعل يرثي قريشاً ويقول:
طحنت بدرٍ لمهلك أهله ... ولمثل بدرٍ تستهل وتدمع
قتلت سراة الناس حول حياضه ... لا بتعدوا إن الملوك تصرع
ويقول أقوامٌ أذل بسخطهم ... إن ابن أشرف ظل كعباً يجزع
صدقوا فليت الأرض ساعة قتلوا ... ظلت تسيخ بأهلها وتصدع

كم قد أصيب بها من ابيض ماجدٍ ... ذي بهجة يأوى إليه الضيع
طلق اليدين إذا الكواكب أخلفت ... حمال أثقالٍ يسود ويربع
نبئت أن بني المغيرة كلهم ... خشعوا لقتل أبي الحكيم وجدعوا
وابنا ربيعة عنده ومنبهٌ ... هل نال مثل المهلكين التبع
فأجابه حسان بن ثابت، يقول:
أبكي لكعبٍ ثم على بعبرةٍ ... منه وعاش مجدعاً لا يسمع
ولقد رأيت ببطن بدرٍ منهم ... قتلى تسح لها العيون وتدمع
فابكى فقد أبكيت عبداً راضعاً ... شبه الكليب للكليبة يتبع
ولقد شفى الرحمن منهم سيداً ... وأحان قوماً قاتلوه وصرعوا
ونجا وأفلت منهم من قلبه ... شغفٌ يظل لخوفه يتصدع
ونجا وأفلت منهم متسرعاً ... فلٌ فليلٌ هاربٌ يتهزع
ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلّم حسان، فأخبره بنزول كعب على من نزل، فقال حسان:
ألا أبلغوا عني أسيداً رسالةً ... فخالك عبدٌ بالسراب مجرب
لعمرك ما أوفى أسيدٌ بجاره ... ولا خالدٌ ولا المفاضة زينب
وعتاب عبدٌ غير موفٍ بذمة ... كذوب شؤون الرأس قردٌ مدرب

فلما بلغها هجاؤه نبذت رحله وقالت: ما لنا ولهذا اليهودي؟ ألا ترى ما يصنع بنا حسان؟ فتحول، فكلما تحول عند قوم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلّم حسان فقال: ابن الأشرف نزل على فلان. فلا يزال يهجوهم حتى نبذ رحله، فلما لم يجد مأوى قدم المدينة. فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلّم قدوم ابن الأشرف قال: اللهم، اكفني ابن الأشرف بما شئت في إعلانه الشر وقوله الأشعار. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: من لي بابن الأشرف، فقد آذاني؟ فقال محمد بن مسلمة: أنا به يا رسول الله، وأنا أقتله. قال: فافعل! فمكث محمد بن مسلمة أياماً لا يأكل، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: يا محمد، تركت الطعام والشراب؟ قال: يا رسول الله، قلت لا قولاً فلا أدري أفي لك به أم لا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: عليك الجهد. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: شاور سعد بن معاذ في أمره. فاجتمع محمد بن مسلمة ونفرٌ من الأوس منهم عباد بن بشر، وأبو نائلة سلكان بن سلامة، والحارث بن أوس، وأبو عبس بن جبر، فقالوا: يا رسول الله نحن نقتله، فأذن لنا فلنقل، فإنه لا بد لنا منه. قال: قالوا! فخرج أبو نائلة إليه، فلما رآه كعب أنكر شأنه، وكاد يذعر، وخاف أن يكون وراءه كمين، فقال أبو نائلة: حدثت لنا حاجةٌ إليك. قال، وهو في نادي قومه وجماعتهم: ادن إلي فخبرني بحاجتك. وهو متغير اللون مرعوبٌ فكان أبو نائلة ومحمد ابن مسلمة أخويه من الرضاعة فتحدثنا ساعة وتناشدا الأشعار، وابنسط كعب وهو يقول بين ذلك: حاجتك! وأبو نائلة يناشده الشعر وكان أبو نائلة يقول الشعر فقال كعب: حاجتك. لعلك أن تحب أن يقوم من عندنا؟ فلما سمع ذلك القوم قاموا. قال أبو نائلة: إني كرهت أن يسمع القوم ذرو كلامنا، فيظنون! كان قدوم هذا الرجل علينا من البلاء، وحاربتنا العرب ورمتنا عن قوسٍ واحدةٍ، وتقطعت السبل عنا حتى جهدت الأنفس وضاع العيال، أخذنا بالصدقة ولا نجد ما نأكل. فقال كعب: قد والله كنت أحدثك بهذا يا ابن سلامة، أن الأمر سيصير إليه. فقال أبو نائلة: ومعي رجالٌ من أصحابي على مثل رأيي، وقد أردت أن آتيك بهم فنبتاع منك طعاماً أو تمراً وتحسن في ذلك إلينا، ونرهنك ما يكون لك فيه ثقة. قال كعب: أما إن رفافي تقصف تمراً، من عجوة تغيب فيها الضرس، أما والله ما كنت أحب يا أبا نائلة أن أرى هذه الخصاصة بك، وإن كنت من أكرم الناس علي، أنت أخي، نازعتك الثدي! قال سلكان: اكتم عنا ما حدثتك من ذكر محمد. قال كعب: لا أذكر منه حرفاً. ثم قال كعب: يا أبا نائلة، اصدقني ذات نفسك، ما الذي تريدون في أمره؟ قال: خذلانه والتنحي عنه. قال: سررتني يا أبا نائلة! فماذ ترهنونني، أبناءكم ونساءكم؟ فقال: لقد أردت أن تفضحنا وتظهر أمرنا! ولكنا نرهنك من الحلقة ما ترضى به. قال كعب: إن في الحلقة لوفاء. وإنما يقول ذلك سلكان لئلا ينكرهم إذا جاءوا بالسلاح. فخرج أبو نائلة من عنده على ميعاد، فأتى أصحابه فأجمعوا أمرهم على أن يأتوه إذا أمسى لميعاده. ثم أتوا النبي صلى الله عليه وسلّم عشاءً فأخبروه، فمشى معهم حتى أتى البقيع، ثم وجههم، ثم قال: امضوا على بركة الله وعونه! ويقال: وجههم بعد أن صلوا العشاء وفي ليلةٍ مقمرةٍ مثل النهار، في ليلة أربع عشرة من ربيع الأول، على رأس خمسة وعشرين شهراً.

قال: فمضوا حتى أتوا ابن الأشرف، فلما انتهى إلى حصنه هتف به أبو نائلة، وكان ابن الأشرف حديث عهدٍ بعرس، فوثب فأخذت امرأته بناحية ملحفته وقالت: أين تذهب؟ إنك رجلٌ محارب، ولا ينزل مثلك في هذه الساعة. فقال: ميعاد، إنما هو أخي أبو نائلة، والله لو وجدني نائماً ما أيقظني. ثم ضرب بيده الملحفة وهو يقول: لو دعي الفتى لطعنةٍ أجاب. ثم نزل إليهم فحياهم، ثم جلسوا فتحدثوا ساعةً حتى انبسط إليهم، ثم قالوا له: يا ابن الأشرف، هل لك أن تتمشى إلى شرج العجوز فنتحدث فيه بقية ليلتنا؟ قال: فخرجوا يتماشون حتى وجهوا قبل الشرج، فأدخل أبو نائله يده في رأس كعب ثم قال: ويحك، ما أطيب عطرك هذا يا أبا الأشرف! وإنما كان كعب يدهن بالمسك الفتيت بالماء والعنبر حتى يتلبد في صدغيه، وكان جعداً جميلاً. ثم مشى ساعةً فعاد بمثلها حتى اطمأن إليه، وسلسلت يداه في شعره وأخذ بقرون رأسه، وقال لأصحابه: اقتلوا عدو الله! فضربوه بأسيافهم، فالتفت عليه فلم تغن شيئاً، ورد بعضها بعضاً، ولصق بأبي نائلة. قال محمد بن مسلمة: فذكرت مغولاً معي كان في سيفي فانتزعته في سرته، ثم تحاملت عليه فقططته حتى انتهى إلى عانته، فصاح عدو الله صيحة ما بقي أطم من آطام يهود إلا قد أوقدت عليه نار. فقال ابن سنينة، يهودي من يهود بني حارثة، وبينهما ثلاثة أميال: إني لأجد ريح دم بيثرب مسفوح. وقد كان أصاب بعض القوم الحارث بن أوس بسيفه وهم يضربون كعباً، فكلمه في رجله. فلما فرغوا احتزوا رأسه ثم حملوه معهم، ثم خرجوا يتشدون وهم يخافون من يهود الأرصاد، حتى أخذوا على بني أمية بن زيد ثم على قريظة، وإن نيرانهم في الآطام لعالية، ثم على بعاث، حتى إذا كانوا بحرة العريض نزف الحارث الدم فأبطأ عليهم فناداهم: أقرءوا رسول الله مني السلام! فعطفوا عليه فاحتملوه حتى أتوا النبي صلى الله عليه وسلّم. فلما بلغوا بقيع الغرقد كبروا. وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلّم تلك الليلة يصلي، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلّم تكبيرهم بالبقيع كبر وعرف أن قد قتلوه. ثم انتهوا يعدون حتى وجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم واقفاً على باب المسجد، فقال: أفلحت الوجوه! فقالوا: ووجهك يا رسول الله! ورموا برأسه بين يديه، فحمد الله على قتله. ثم أتوا بصاحبهم الحارث فتفل في جرحه فلم يؤذه، فقال في ذلك عباد بن بشر:
صرخت فه فلم يجفل لصوتي ... وأوفى طالعاً من فوق قصر
فعدت فقال من هذا المنادي ... فقلت أخوك عباد بن بشر
فقال محمدٌ أسرع إلينا ... فقد جئنا لتشكرنا وتقرى
وترفدنا فقد جئنا سغاباً ... بنصف الوسق من حبٍّ وتمر
وهذى درعنا رهناً فخذها ... لشهرٍ إن وفى أو نصف شهر
فقال معاشرٌ سغبوا وجاعوا ... لقد عدموا الغنى من غير فقر
وأقبل نحونا يهوى سريعاً ... وقال لنا لقد جئتم لأمر
وفي أيماننا بيضٌ حدادٌ ... مجربةٌ بها الكفار نفرى
فعانقه ابن مسلمة المرادي ... به الكفان كالليث الهزبر
وشد بسيفه صلتاً عليه ... فقطره أبو عبس بن جبر
وصلت وصاحباي فكان لما ... قتلناه الخبيث كذبح عتر
ومر برأسه نفرٌ كرامٌ ... هم ناهوك من صدقٍ وبر
وكان الله سادسنا فأبنا ... بأفضل نعمةٍ وأعز نصر
قال ابن أبي حبيبة: أنا رأيت قائل هذا الشعر. قال ابن أبي الزناد: لولا قول ابن أبي حبيبة لظننت أنها ثبت.
قالوا: فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلّم من الليلة التي قتل فيها ابن الأشرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: من ظفرتم به من رجال اليهوج فاقتلوه. فخافت اليهود فلم يطلع عظيمٌ من عظمائهم ولم ينطقوا، وخافوا أن يبيتوا كما بيت ابن الأشرف.

وكان ابن سنية من يهود بني حارثة، وكان حليفاً لحويصة بن مسعود، قد أسلم، فعدا محيصة على ابن سنينة فقتله، فجعل حويصة يضرب محيصة، وكان أسن منه، يقول: أي عدو الله، أقتلته؟ أما والله لرب شحمٍ في بطنك من ماله! فقال محيصة: والله، لو أمرني بقتلك الذي أمرني بقتله لقتلتك. قال: والله، لو أمرك محمد أن تقتلني لقتلتني؟ قال: نعم. قال حويصة: والله، إن ديناً يبلغ هذا لدين معجب. فأسلم حويصة يومئذٍ، فقال محيصة وهي ثبت، لم أر أحداً يدفعها يقول:
يلوم ابن أمي لو أمرت بقتله ... لطبقت ذفراه بأبيض قاضب
حسامٍ كالون الملح أخلص صقله ... متى ما تصوبه فليس بكاذب
وما سرني أني قتلتك طائعاً ... ولو أن لي ما بين بصري ومأرب
ففزعت اليهود ومن معها من المشركين، فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلّم حين أصبحوا فقالوا: قد طرق صاحبنا الليلة وهو سيد من ساداتنا قتل غيلةً بلا جرم ولا حدث علمناه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: إنه لو قر كما قر غيره ممن هو على مثل رأيه ما اغتيل، ولكنه نال منا الأذى وهجانا بالشعر، ولم يفعل هذا أحدٌ منكم إلا كان له السيف. ودعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى أن يكتب بينهم كتاباً ينتهون إلى ما فيه، فكتبوا بينهم وبينه كتابً تحت العذق في دار رملة بنت الحارث. فحذرت اليهود وخافت وذلت من يوم قتل ابن الأشرف.
فحدثني إبراهيم بن جعفر، عن أبيه، قال: قال مروان بن الحكم، وهو على المدينة وعنده ابن يامني النضري: كيف كان قتل ابن الأشرف؟ قال ابن يامين: كان غدراً. ومحمد بن مسلمة جالسٌ شيخ كبير، فقال: يا مروان، أيغدر رسول الله عندك؟ والله، ما قتلناه إلا بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم. والله، لا يؤويني وإياك سقف بيت إلا المسجد. وأما أنت يا ابن يامين، فلله علي إن أفلت، وقدرت عليك وفي يدي سيف إلا ضربت به رأسك! فكان ابن يامين لا ينزل في بني قريظة حتى يبعث له رسولاً ينظر محمد بن مسلمة، فإن كان في بعض ضياعه نزل فقضى حاجته ثم صدر، وإلا لم ينزل. فبينا محمد بن مسلمة في جنازة وابن يامين بالبقيع، فرأى نعشاً عليه جرائد رطبة لامرأة، جاء فحله. فقام الناس فقالوا: يا أبا عبد الرحمن، ما تصنع.؟ نحن نكفيك! فقام إليه فلم يزل يضربه بها جريدةً جريدةً حتى كسر تلك الجرائد على وجهه ورأسه حتى لم يترك فيه مصحاً، ثم أرسله ولا طباخ به، ثم قال: والله، لو قدرت على السيف لضربتك به.
شأن غزوة غطفان بذي أمروكانت في ربيع الأول، على رأس خمسة وعشرين شهراً. خرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم يوم الخميس لثنتي عشرة خلت في ربيع، فغاب أحد عشر يوماً.

حدثني محمد بن زياد بن أبي هنيدة قال: حدثنا ابن أبي عتاب، وحدثني عثمان بن الضحاك بن عثمان، وحدثني عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر، عن عبد الله بن أبي بكر، فزاد بعضهم على بعض في الحديث، وغيرهم قد حدتنا أيضاً، قالوا: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن جمعاً من ثعلبة ومحارب بذي أمر، قد تجمعوا يريدون أن يصيبوا من أطراف رسول الله صلى الله عليه وسلّم، جمعهم رجلٌ منهم يقال له دعثور ابن الحارث بن محارب، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلّم المسلمين، فخرج في أربعمائة رجل وخمسين، ومعهم أفراس، فأخذ على المنقى، ثم سلك مضيق الخبيت، ثم خرج إلى ذي القصة، فأصاب رجلاً منهم بذي القصة يقال له جبار من بني ثعلبة، فقالوا: أين تريد؟ قال: أريد يثرب. قالوا: وما حاجتك بيثرب؟ قال: أردت أن أرتاد لنفسي وأنظر. قالوا: هل مررت بجمع، أو بلغك خبر لقومك؟ قال: لا، إلا أنه قد بلغني أن دعثور بن الحارث في أناس من قومه عزل. فأدخلوه على رسول الله صلى الله عليه وسلّم فدعاه إلى الإسلام فأسلم، وقال: يا محمد، إنهم لن يلاقوك، إن سمعوا بمسيرك هربوا في رءوس الجبال، وأنا سائرٌ معك ودالك على عورتهم. فخرج به النبي صلى الله عليه وسلّم وضمه إلى بلال، فأخذ به طريقاً أهبطه عليهم من كثيب، وهربت منه الأعراب فوق الجبال، وقبل ذلك ما قد غيبوا سرحهم في ذرى الجبال وذراريهم، فلم يلاق رسول الله صلى الله عليه وسلّم أحداً، إلا أنه ينظر إليهم في رءوس الجبال. فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلّم ذا أمر وعسرك معسكرهم فأصابهم مطرٌ كثيرٌ، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلّم لحاجته فأصابه ذلك المطر فبل ثوبه، وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلّم وادي ذي أمر بينه وبين أصحابه. ثم نزع ثيابه فنشرها لتجف، وألقاها على شجرة ثم اضطجع تحتها والأعراب ينظرون إلى كل ما يفعل، فقالت الأعراب لدعثور، وكان سيدها وأشجعها: قد أمكنك محمد، وقد انفرد من أصحابه حيث إن غوث بأصحابه لم يغث حتى تقتله. فاختار سيفاً من سيوفهم صارماً، ثم أقبل مشتملاً على السيف حتى قام على رأس النبي صلى الله عليه وسلّم بالسيف مشهوراً، فقال: يا محمد، من يمنعك مني اليوم؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: الله! قال: ودفع جبريل عليه السلام في صدره، ووقع السيف من يده، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وقام به على رأسه فقال: من يمنعك مني اليوم؟ قال: لا أحد. قال: فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والله، لا أكثر عليك جمعاً أبداً! فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلّم سيفه، ثم أدبر، ثم أقبل بوجهه فقال: أما والله لأنت خير مني. قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: أنا أحق بذلك منك. فأتى قومه فقالوا: أين ما كنت تقول وقد أمكنك والسيف في يدك؟ قال: والله، كان ذلك ولكني نظرت إلى رجل أبيض طويل، دفع في صدري فوقعت لظهري، فعرفت أنه ملك وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والله لا أكثر عليه! وجعل يدعو قومه إلى الإسلام، ونزلت هذه الآية فيه: " يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قومٌ أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم " الآية. وكانت غيبة النبي صلى الله عليه وسلّم إحدى عشرة ليلة، واستخلف النبي صلى الله عليه وسلّم على المدينة عثمان بن عفان رضي الله عنه.
غزوة بني سليم ببحران بناحية الفرعلليالٍ خلون من جمادى الأولى، على رأس سبعة وعشرين شهراً، غاب رسول الله صلى الله عيه وسلم عشراً.
حدثني معمر بن راشد، عن الزهري، قال: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جمعاً من بني سليم كثيراً، ببحران، تهيأ رسول الله صلى الله عليه وسلّم لذلك ولم يظهر وجهاً، فخرج في ثلثمائة رجل من أصحابه فأغذوا السير حتى إذا كانوا دون بحران بليلةٍ، لقي رجلاً من بني سليم فاستخبروه عن القوم وعن جمعهم، فأخبره أنهم قد افترقوا أمس ورجعوا إلى مائهم، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلّم فحبس مع رجل من القوم، ثم سار النبي صلى الله عليه وسلّم حتى ورد بحران، وليس به أحدٌ، وأقام أياماً ثم رجع ولم يلق كيداً، وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلّم الرجل. وكانت غيبته عشر ليال.

حدثني عبد الله بن نوح، عن محمد بن سهل، قال: استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلّم على المدينة ابن أم مكتوم.
؟شأن سرية القردة فيها زيد بن حارثة، وهي أول سرية خرج فيها زيد رضي الله عنه أميراً، وخرج لهلال جمادى الآخرة على رأس سبعة وعشرين شهراً.
حدثني محمد بن الحسن بن أسامة بن زيد، عن أهله، قالوا: كانت قريش قد حذرت طريق الشام أن يسلكوها، وخافوا من رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأصحابه، وكانوا قوماً تجاراً، فقال صفوان بن أمية: إن محمداً وأصحابه قد عوروا علينا متجرنا، فما ندري كيف نصنع بأصحابه، لا يبرحون الساحل، وأهل الساحل قد وادعهم ودخل عامتهم معه، فما ندري أين نسلك، وإن أقمنا نأكل رءوس أموالنا ونحن في دارنا هذه، ما لنا بها نفاق، إنما نزلناها على التجارة، إلى الشام في الصيف وفي الشتاء إلى أرض الحبشة. قال له الأسود بن المطلب: فنكب عن الساحل، وخذ طريق العراق. قال صفوان: لست بها عارفا. قال أبو زمعة: فأنا أدلك على أخبر دليل بها يسلكها وهو مغمض العين إن شاء الله. قال: من هو؟ قال: فرات بن حيان العجلي. قد دوخها وسلكها. قال صفوان: فذلك والله فأرسل إلى فرات. فجاءه فقال: إني أريد الشام وقد عور علينا محمدٌ متجرنا لأن طريق عيراتنا عليه. فأردت طريق العراق. قال فرات: فأنا أسلك بك في طريق العراق، ليس يطأها أحدٌ من أصحاب محمد إنما هي أرض نجد وفيافٍ. قال صفوان: فهذه حاجتي. أما الفيافي فنحن شاتون وحاجتنا إلى الماء اليوم قليل. فتجهز صفوان بن أمية، وأرسل معه أبو زمعة بثلثمائة مثقال ذهب ونقر فضة، وبعث معه رجالاً من قريش ببضائع، وخرج معه عبد الله بن أبي ربيعة وحويطب بن عبد العزي في رجال من قريش. وخرج صفوان بمالٍ كثير نقر فضة وآنية فضة وزن ثلاثين ألف درهم، وخرجوا على ذات عرق.
وقدم المدينة نعيم بن مسعود الأشجعي، وهو على دين قومه، فنزل على كنانة بن أبي الحقيق في بني النضير فشرب معه، وشرب معه سليط بن النعمان بن أسلم ولم تحرم الخمر يومئذٍ وهو يأتي بني النضير ويصيب من شرابهم. فذكر نعيم خروج صفوان في عيره وما معهم من الأموال، فخرج من ساعته إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فأخبره، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلّم زيد بن حارثة في مائة راكب، فاعترضوا لها فأصابوا العير، وأفلت أعيان القوم وأسروا رجلاً أو رجلين، وقدموا بالعير على النبي صلى الله عليه وسلّم فخمسها، فكان الخمس يومئذٍ قيمة عشرين ألف درهم، وقسم ما بقي على أهل السرية. وكان في الأسرى فرات بن حيان، فأتى به فقيل له: أسلم، إن تسلم نتركك من القتل، فأسلم فتركه من القتل.
؟

غزوة أحد
يوم السبت لسبعٍ خلون من شوال، على رأس اثنين وثلاثين شهراً. واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلّم على المدينة ابن أم مكتوم.

حدثنا محمد بن شجاع، قال: حدثنا محمد بن عمر الواقدي قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن مسلم، وموسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث، وعبد الله بن جعفر، وابن أبي سبرة، ومحمد بن صالح بن دينار، ومعاذ ابن محمد، وابن أبي حبيبة، ومحمد بن يحيى بن سهل بن أبي حثمة، وعبد الرحمن بن عبد العزيز، ويحيى بن عبد الله بن أبي قتادة، ويونس بن محمد الظفري، ومعمر بن راشد، وعبد الرحمن بن أبي الزناد، وأبو معشر، في رجال لم أسم، فكلٌّ قد حدثني بطائفة من هذا الحديث، وبعض القوم كان أوعى له من بعض، وقد جمعت كل الذي لدثوني، قالوا: لما رجع من حضر بدراً من المشركين إلى مكة، والعير التي قدم بها أبو سفيان بن حرب من الشام موقوفة في دار الندوة وكذلك كانوا يصنعون فلم يحركها أبو سفيان ولم يفرقها لغيبة أهل العير، مشت أشراف قريش إلى أبي سفيان بن حرب: الأسود بن المطلب بن أسد، وجبير بن مطعم، وصفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل، والحارث بن هشام، وعبد الله ابن أبي ربيعة، وحويطب بن عبد العزي، وحجير بن أبي إهاب، فقالوا: يا أبا سفيان، انظر هذه العير التي قدمت بها فاحتبستها، فقد عرفت أنها أموال أهل مكة ولطيمة قريش، وهم طيبو الأنفس، يجهزون بهذه العير جيشاً إلى محمد، وقد ترى من قتل من آبائنا، وأبنائنا، وعشائرنا. قال أبو سفيان: وقد طابت أنفس قريش بذلك؟ قالوا: نعم. قال: فأنا أول من أجاب إلى ذلك وبنو عبد مناف معي، فأنا والله الموتور الثائر، قد قتل ابن حنظلة ببدر وأشراف قومي. فلم تزل العير موقوفةً حتى تجهزوا للخروج إلى أحد، فباعوها وصارت ذهباً عيناً، فوقف عند أبي سفيان. ويقال إنما قالوا: يا أبا سفيان، بع العير ثم اعزل أرباحها. وكانت العير ألف بعير، وكان المال خمسين ألف دينار، وكانوا يربحون في تجارتهم للدينار ديناراً، وكان متجرهم من الشام غزة، لا يعدونها إلى غيرها. وكان أبو سفيان قد حبس عير زهرة لأنهم رجعوا من طريق بدر، وسلم ما كان لمخرمة بن نوفل ولبني أبيه وبني عبد مناف بن زهرة، فأبي مخرمة أن يقبل عيره حتى يسلم إلى بني زهرة جميعاً. وتكلم الأخنس فقال: ما لعير بني زهرة من بني عيرات قريش؟ قال أبو سفيان: لأنهم رجعوا عن قريش. قال الأخنس: أنت أرسلت إلى قريش أن ارجعوا فقد أحرزنا العير، لا تخرجوا في غير شيء، فرجعنا. فأخذت زهرة عيرها، وأخذ أقوام من أهل مكة أهل ضعف، لا عشائر لهم ولا منعة، كل ما كان لهم من العير. فهذا يبين أنما أخرج القوم أرباح العير. وفيهم نزلت: " إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله الآية.
فلما أجمعوا على المسير قالوا: نسير في العرب فنستنصرهم فإن عب مناة غير متخلفين عنا، هم أوصل العرب لأرحامنا، ومن اتبعنا من الأحابيش.
فاجتمعوا على أن يبعثوا أربعة من قريش يسيرون في العرب يدعونهم إلى نصرهم، فبعثوا عمرو بن العاص، وهبيرة بن أبي وهب، وابن الزبعري، وأبا عزة الجمحي، فأطاع النفر وأبي أبو عزة أن يسير، وقال: من علي محمدٌ يوم بدر ولم يمن على غيري، وحلفت لا أظاهر عليه عدواً أبداً. فمشى إليه صفوان بن أمية فقال: اخرج؟ فأبى فقال: عاهدت محمداً يوم بدر لا أظاهر عليه عدواً أبداً، وأنا أفي له بما عاهدته عليه من علي ولم يمن على غيري حتى قتله أو أخذ منه الفداء. فقال له صفوان: اخرج معنا، فإن تسلم أعطك من المال ما شئت، وإن تقتل كان عيالك مع عيالي. فأبى أبو عزة حتى كان الغد، وانصرف عنه صفوان بن أمية آيساً منه، فلما كان الغد جاءه صفوان وجبير بن مطعم، فقال له صفوان الكلام الأول فأبى، فقال جبير: ما كنت أظن أني أعيش حتى يمشي إليك أبو وهب في أمرٍ تأبى عليه! فأحفظه، فقال: فأنا أخرج! قال: فخرج في العرب يجمعها، وهو يقول:
يا بني عبد مناة الرزام ... أنتم حماةٌ وأبوكم حام
لا تسلموني لا يحل إسلام ... لا تعدوني نصركم بعد العام
قال: وخرج معه النفر فألبوا العرب وجمعوها، وبلغوا ثقيفاً فأوعبوا فلما أجمعوا المسير وتألب من كان معهم من العرب وحضروا، اختلفت قريش في إخراج الظعن معهم.

فحدثني بكير بن مسمار، عن زياد مولى سعد، عن نسطاس، قال: قال صفوان بن أمية: اخرجوا بالظعن، فأنا أول من فعل، فإنه أقمن أن يحفظنكم ويذكرنكم قتلى بدر، فإن العهد حديث ونحن قوم مستميتون لا نريد أن نرجع إلى دارنا حتى ندرك ثأرنا أو نموت دونه. فقال عكرمة بن أبي جهل: أنا أول من أجاب إلى ما دعوت إليه. وقال عمرو بن العاص مثل ذلك، فمشى في ذلك نوفل بن معاوية الديلي فقال: يا معشر قريش هذا ليس برأي، أن تعرضوا حرمكم عدوكم، ولا آمن أن تكون الدائرة لهم، فتفتضحوا في نسائكم، فقال صفوان بن أمية: لا كان غير هذا أبداً! فجاء نوفل إلى أبي سفيان فقال له تلك المقالة، فصاحت هند بنت عتبة: إنك والله سلمت يوم بدر فرجعت إلى نسائك، نعم، نخرج فنشهد القتال، فقد ردت القيان من الجحفة في سفرهم إلى بدر فقتلت الأحبة يومئذٍ. قال أبو سفيان: لست أخالف قريشاً، أنا رجلٌ منها، ما فعلت فعلت، فخرجوا بالظعن.
قالوا: فخرج أبو سفيان بن حرب بامرأتين هند بنت عتبة، وأميمة بنت سعد بن وهب بن أشيم بن كنانة. وخرج صفوان بن أمية بامرأتين، برزة بنت مسعود الثقفي، وهي أمي عبد الله الأكبر، وبامرأته البغوم بنت المعذل بن كنانة، وهي أم عبد الله بن صفوان الأصغر. وخرج طلحة بن أبي طلحة بامرأته سلافة بنت سعد بن شهيد، وهي من الأوس، وهي أم بني طلحة، أم مسافع، والحارث، وكلاب، وجلاس، بني طلحة. وخرج عكرمة بن أبي جهل بامرأته أم جهيم بنت الحارث بن هشام. وخرج الحارث بن هشام بامرأته فاطمة بنت الوليد بن المغيرة. وخرج عمرو بن العاص بامرأته هند بنت منبه بن الحجاج، وهي أم عبد الله بن عمرو بن العاص، وخرجت خناس بنت مالك بن المضرب مع ابنها أبي عزيز بن عمير العبدري. وخرج الحارث بن سفيان بن عبد الأسد بامرأته رملة بنت طارق بن علقمة. وخرج كنانة بن علي بن ربيعة ابن عبد العزي بامرأته أم حكيم بنت طارق. وخرج سفيان بن عويف بامرأته قتيلة بنت عمرو بن هلال. وخرج النعمان وجابر ابنا مسك الذئب بأمهما الدغنية. وخرج غراب بن سفيان بن عويف بامرأته عمرة بنت الحارث بن علقمة، وهي التي رفعت لواء قريش حين سقط حتى تراجعت قريش إلى لوائها. قالوا: وخرج سفيان بن عويف بعشرة من ولده، وحشدت بنو كنانة. وكانت الألوية يوم خرجوا من مكة ثلاثة ألوية عقدوها في دار الندوة لواء يحمله سفيان بن عويف، ولواء في الأحابيش يحمله رجل منهم، ولواء يحمله طلحة بن أبي طلحة. ويقال: خرجت قريش ولفها على لواءٍ واحدٍ يحمله طلحة بن أبي طلحة. قال ابن واقد: وهو أثبت عندنا.

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7