كتاب : غزوات الرسول وسراياه
المؤلف : ابن سعد

بسم الله الرحمن الرحيم
ذكر عدد مغازي رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وسراياه وأسمائها وتواريخها وجمل ما كان في كل غزاة
وسرية منها.
أخبرنا محمد بن عمر بن واقد الأسلمي أخبرنا عمر بن عثمان بن عبد الرحمن ابن سعيد بن يربوع المخزومي، وموسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، ومحمد بن عبد الله بن مسلم ابن أخي الزهري، وموسى بن يعقوب ابن عبد الله بن وهب بن ربيعة بن الأسود، وعبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن ابن المسور بن مخرمة الزهري، ويحيى بن عبد الله بن أبي قتادة الأنصاري، وربيعة بن عثمان بن عبد الله بن الهدير التيمي، وإبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الأشهلي، وعبد الحميد بن جعفر الحكمي، وعبد الرحمن بن أبي الزناد، ومحمد بن صالح التمار قال محمد بن سعد: وأخبرني رؤيم بن يزيد المقري قال: أخبرنا هارون بن أبي عيسى عن محمد بن إسحاق، وأخبرني حسين بن محمد عن أبي معشر، وأخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس المدني عن إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن عمه موسى بن عقبة، دخل حديث بعضهم في حديث بعض قالوا: كان عدد مغازي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، التي غزا بنفسه سبعاً وعشرين غزوة، وكانت سراياه التي بعث بها سبعاً وأربعين سرية، وكان ما قاتل فيه من المغازي تسع غزوات: بدر القتال وأحد والمريسع والخندق وقريظة وخيبر وفتح مكة وحنين والطائف، فهذا ما اجتمع لنا عليه.
وفي بعض روايتهم: أنه قاتل في بني النضير ولكن الله جعلها له نفلاً خاصة، وقاتل في غزوة وادي القرى منصرفه من خيبر وقتل بعض أصحابه، وقاتل في الغابة.
قالوا: وقدم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، المدينة، حين هاجر من مكة، يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول، وهو المجتمع عليه، وقد روى بعضهم: أنه قدم لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول، فكان أول لواء عقده رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لحمزة بن عبد المطلب ابن هاشم في شهر رمضان على رأس سبعة أشهر من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لواء أبيض، فكان الذي حمله أبو مرثد كناز بن الحصين الغنوي حليف حمزة بن عبد المطلب، وبعثه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في ثلاثين رجلاً من المهاجرين.
قال بعضهم: كانوا شطرين من المهاجرين والأنصار، والمجتمع عليه أنهم كانوا جميعاً من المهاجرين، ولم يبعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أحداً من الأنصار مبعثاً حتى غزا بهم بدراً، وذلك أنهم شرطوا له أنهم يمنعونه في دارهم، وهذا الثبت عندنا.
وخرج حمزة يعترض لعير قريش قد جاءت من الشأم تريد مكة، وفيها أبو جهل بن هشام، في ثلثمائة رجل، فبلغوا سيف البحر، يعني ساحله، من ناحية العيص، فالتقوا حتى اصطفوا للقتال فمشى مجدي بن عمرو الجهني، وكان حليفاً للفريقين جميعاً، إلى هؤلاء مرة وإلى هؤلاء مرة حتى حجز بينهم ولم يقتتلوا، فتوجه أبو جهل في أصحابه وعيره إلى مكة وانصرف حمزة بن عبد المطلب في أصحابه إلى المدينة.
سرية عبيدة بن الحارث
ثم سرية عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف إلى بطن رابغ في شوال على رأس ثمانية أشهر من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عقد له لواء أبيض كان الذي حمله مسطح بن أثاثة بن المطلب بن عبد مناف، بعثه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في ستين رجلاً من المهاجرين ليس فيهم أنصاري، فلقي أبا سفيان بن حرب، وهو في مائتين من أصحابه، وهو على ماء يقال له أحياء من بطن رابغ على عشرة أميال من الجحفة، وأنت تريد قديداً عن يسار الطريق، وإنما نكبوا عن الطريق ليرعوا ركابهم، فكان بينهم الرمي ولم يسلوا السيوف ولم يصطفوا للقتال، وإنما كانت بينهم المناوشة، إلا أن سعد بن أبي وقاص قد رمي يومئذ بسهم، فكان أول سهم رمي به في الاسلام، ثم انصرف الفريقان على حاميتهم.
وفي رواية ابن إسحاق: أنه كان على القوم عكرمة بن أبي جهل.
سرية سعد بن أبي وقاص

ثم سرية سعد بن أبي وقاص إلى الخرار في ذي القعدة على رأس تسعة أشهر من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عقد له لواء أبيض حمله المقداد بن عمرو البهراني، وبعثه في عشرين رجلاً من المهاجرين يعترض لعير قريش تمر به، وعهد إليه أن لا يجاوز الخرار، والخرار حين تروح من الجحفة إلى مكة أبار عن يسار المحجة قريب من خم، قال سعد: فخرجنا على أقدامنا فكنا نكمن النهار ونسير الليل حتى صبحناها صبح خمس، فنجد العير قد مرت بالأمس فانصرفنا إلى المدينة.

غزوة الأبواء
ثم غزوة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الأبواء في صفر على رأس اثني عشر شهراً من مهاجره، وحمل لواءه حمزة بن عبد المطلب، وكان لواء أبيض، واستخلف على المدينة سعد بن عبادة، وخرج في المهاجرين، ليس فيهم أنصاري، حتى بلغ الأبواء يعترض لعير قريش فلم يلق كيداً، وهي غزوة ودان، وكلاهما قد ورد، وبينهما ستة أميال وهي أول غزوة غزاها بنفسه.
وفي هذه الغزوة وادع مخشي بن عمرو الضمري، وكان سيدهم في زمانه، على أن لا يغزو بني ضمرة ولا يغزوه، ولا يكثروا عليه جمعاً، ولا يعينوا عدواً، وكتب بينه وبينهم كتاباً.
وضمرة من بني كنانة. ثم انصرف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى المدينة، وكانت غيبته خمس عشرة ليلة.
أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس، أخبرنا كثير بن عبد الله المزني عن أبيه عن جده قال: غزونا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أول غزوة غزاها الأبواء.
غزوة بواط
ثم غزوة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بواط في شهر ربيع الأول على رأس ثلاثة عشر شهراً من مهاجره، وحمل لواءه سعد بن أبي وقاص، وكان لواء أبيض، واستخلف على المدينة سعد بن معاذ، وخرج في مائتين من أصحابه يعترض لعير قريش فيها أمية بن خلف الجمحي ومائة رجل من قريش وألفان وخمسمائة بعير، فبلغ بواط، وهي جبال من جبال جهينة من ناحية رضوى، وهي قريب من ذي خشب مما يلي طريق الشأم، وبين بواط والمدينة نحو من أربعة برد، فلم يلق رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كيداً فرجع إلى المدينة.
غزوة طلب كرز بن جابر الفهري
ثم غزوة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لطلب كرز بن جابر الفهري في شهر ربيع الأول على رأس ثلاثة عشر شهراً من مهاجره، وحمل لواءه علي بن أبي طالب، وكان لواء أبيض، واستخلف على المدينة زيد بن حارثة، وكان كرز بن جابر قد أغار على سرح المدينة فاستقاه، وكان يرعى بالجماء والسرح ما رعوا من نعمهم، والجماء جبل ناحية العقيق إلى الجرف، بينه وبين المدينة ثلاثة أميال، فطلبه رسول الله، صلى الله عليه وسلم حتى بلغ وادياً يقال له سفوان من ناحية بدر، وفاته كرز بن جابر فلم يلحقه، فرجع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى المدينة.
غزوة ذي العشيرة
ثم غزوة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ذا العشيرة في جمادى الآخرة على رأس ستة عشر شهراً من مهاجره، وحمل لواءه حمزة بن عبد المطلب، وكان لواء أبيض، واستخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي، وخرج في خمسين ومائة، ويقال في مائتين من المهاجرين ممن انتدب، ولم يكره أحداً على الخروج، وخرجوا على ثلاثين بعيراً يعتقبونها، خرج يعترض لعير قريش حية أبدأت إلى الشأم، وكان قد جاءه الخبر بفصولها من مكة فيها أموال قريش، فبلغ ذا العشيرة، وهي لبني مدلج بناحية ينبع، وبين ينبع والمدينة تسع برد، فوجد العير التي خرج لها قد مضت قبل ذلك بأيام، وهي العير التي خرج لها أيضاً يريدها حين رجعت من الشأم فساحلت على البحر، وبلغ قريشاً خبرها فخرجوا يمنعونها، فلقوا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ببدر فواقعهم وقتل منهم من قتل، وبذي العشيرة كنى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، علي بن أبي طالب أبا تراب. وذلك أنه رآه نائماً متمرغاً في البوغاء فقال: اجلس، أبا تراب ! فجلس. وفي هذه الغزوة وادع بني مدلج وحلفاءهم من بني ضمرة ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيداً.
سرية عبد الله بن جحش الأسدي

ثم سرية عبد الله بن جحش الأسدي إلى نخلة، في رجب على رأس سبعة عشر شهراً من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بعثه في اثني عشر رجلاً من المهاجرين، كل اثنين يعتقبان بعيراً إلى بطن نخلة، وهو بستان ابن عامر الذي قرب مكة، وأمره أن يرصد بها عير قريش، فوردت عليه، فهابهم أهل العير وأنكروا أمرهم، فحلق عكاشة بن محصن الأسدي رأسه، حلقه عامر ابن ربيعة ليطمئن القوم، فأمنوا وقالوا: هم عمار لا بأس عليكم منهم، فسرحوا ركابهم وصنعوا طعاماً وشكوا في ذلك اليوم أهو من الشهر الحرام أم لا ؟ ثم تشجعوا عليهم فقاتلوهم، فخرج واقد بن عبد الله التميمي يقدم المسلمين، فرمى عمرو بن الحضرمي فقتله، وشد المسلمون عليهم فاستأسر عثمان بن عبد الله ابن المغيرة والحكم بن كيسان وأعجزهم نوفل بن عبد الله بن المغيرة، واستاقوا العير، وكان فيها خمر وأدم وزبيب جاءوا به من الطائف، فقدموا بذلك كله على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فوقفه وحبس الأسيرين، وكان الذي أسر الحكم بن كيسان المقداد بن عمرو، فدعاه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى الإسلام فأسلم وقتل ببئر معونة شهيداً.
وكان سعد بن أبي وقاص زميل عتبة بن غزوان على بعير لعتبة في هذه السرية، فضل البعير بحران، وهي ناحية معدن بني سليم، فأقاما عليه يومين يبغيانه، ومضى أصحابهم إلى نخلة فلم يشهدها سعد وعتبة، وقدما المدينة بعدهم بأيام، ويقال: إن عبد الله بن جحش لما رجع من نخلة خمس ما غنم وقسم بين أصحابه سائر الغنائم، فكان أول خمس خمس في الإسلام.
ويقال: إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقف غنائم نخلة حتى رجع من بدر، فقسمها مع غنائم بدر وأعطى كل قوم حقهم، وفي هذه السرية سمى عبد الله بن جحش أمير المؤمنين.

غزوة بدر
ثم غزوة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بدر القتال، ويقال: بدر الكبرى؛ قالوا: لما تحين رسول الله، صلى الله عليه وسلم، انصراف العير من الشأم التي كان خرج لها يريدها حتى بلغ ذا العشيرة، بعث طلحة بن عبيد الله التيمي وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل يتحسسان خبر العير، فبلغا التجبار من أرض الحوراء، فنزلا على كشد الجهني، فأجارهما وأنزلهما وكتم عليهما حتى مرت العير، ثم خرجا وخرج معهما كشد خفيراً حتى أوردهما ذا المروة، وساحلت العير وأسرعت، فساروا بالليل والنهار فرقاً من الطلب، فقدم طلحة وسعيد المدينة ليخبرا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خبر العير، فوجداه قد خرج، وكان قد ندب المسلمين للخروج معه وقال: هذه عير قريش فيها أموالهم لعل الله أن يغنمكوموها؛ فأسرع من أسرع إلى ذلك وأبطأ عنه بشر كثير.

وكان من تخلف لم يلم لأنهم لم يخرجوا على قتال إنما خرجوا للعير، فخرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من المدينة يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان على رأس تسعة عشر شهراً من مهاجره، وذلك بعدما وجه طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد بعشر ليال، وخرج من خرج معه من المهاجرين، وخرجت مع الأنصار في هذه الغزاة، ولم يكن غزا بأحد منهم قبل ذلك، وضرب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عسكره ببئر أبي عنبة، وهي على ميل من المدينة، فعرض أصحابه ورد من استصغر، وخرج في ثلثمائة رجل وخمسة نفر، كان المهاجرون منهم أربعة وسبعين رجلاً، وسائرهم من الأنصار، وثمانية تخلفوا لعلة، ضرب لهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بسهامهم وأجورهم ثلاثة من المهاجرين: عثمان بن عفان خلفه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على امرأته رقية بنت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكانت مريضة فأقام عليها حتى ماتت، وطلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد بعثهما يتحسسان خبر العير، وخمسة من الأنصار: أبو لبابة بن عبد المنذر خلفه على المدينة، وعاصم بن عدي العجلاني خلفه على أهل العالية، والحارث بن حاطب العمري رده من الروحاء إلى بني عمرو بن عوف لشيء بلغه عنهم، والحارث بن الصمة كسر بالروحاء، وخوات بن جبير كسر أيضاً، فهؤلاء يمانية لا اختلاف فيهم عندنا، وكلهم مستوجب. وكانت الإبل سبعين بعيراً يتعاقب النفر البعير، وكانت الخيل فرسين: فرس للمقداد بن عمرو، وفرس لمرثد بن أبي مرثد الغنوي. وقدم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أمامه عينين له إلى المشركين يأتيانه بخبر عدوه وهما: بسبس بن عمرو، وعدي ابن أبي الزغباء، وهما من جهينة حليفان للأنصار، فانتهيا إلى ماء بدر فعلما الخبر ورجعا إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكان بلغ المشركين بالشأم أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يرصد انصرافهم فبعثوا ضمضم بن عمرو حين فصلوا من الشأم إلى قريش بمكة يخبرونهم بما بلغهم عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ويأمرونهم أن يخرجوا فيمنعوا عيرهم، فخرج المشركون من أهل مكة سراعاً، ومعهم القيان والدفوف، وأقبل أبو سفيان بن حرب بالعير، وقد خافوا خوفاً شديداً حين دنوا من المدينة، واستبطؤوا ضمضماً والنفير حتى ورد بدراً، وهو خائف من الرصد، فقال لمجدي بن عمرو: هل أحسست أحداً من عيون محمد ؟ فإنه، والله، ما بمكة من قرشي ولا قرشية له نش فصاعداً إلا قد بعث به معنا. فقال مجدي: والله ما رأيت أحداً أنكره إلا راكبين أتيا إلى هذا المكان، وأشار له إلى مناخ عدي وبسبس، فجاء أبو سفيان فأخذ أبعاراً من بعيريهما ففته، فإذا فيه نوى فقال: علائف يثرب هذه عيون محمد، فضرب وجوه العير فساحل بها وترك بدراً يساراً وانطلق سريعاً، وأقبلت قريش من مكة، فأرسل إليهم أبو سفيان بن حرب قيس ابن امرىء القيس يخبرهم أنه قد أحرز العير ويأمرهم بالرجوع، فأبت قريش أن ترجع وردوا القيان من الجحفة، ولحق الرسول أبا سفيان بالهدة، وهي على سبعة أميال من عسفان إذا رحت من مكة عن يسار الطريق، وسكانها بنو ضمرة وناس من خزاعة، فأخبره بمضي قريش فقال: واقوماه ! هذا عمل عمرو بن هشام، يعني أبا جهل بن هشام، وقال: والله لا نبرح حتى نرد بدراً، وكانت بدر موسماً من مواسم الجاهلية يجتمع بها العرب، بها سوق، وبين بدر والمدينة ثمانية برد وميلان، وكان الطريق الذي سلكه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى بدر على الروحاء وبين الروحاء والمدينة أربعة أيام، ثم بريد بالمنصرف، ثم بريد بذات أجذال، ثم بريد بالمعلاة، وهي خيف السلم، ثم بريد بالأثيل ثم ميلان إلى بدر. وكانت قريش قد أرسلت فرات ابن حيان العجلي، وكان مقيماً بمكة حين فصلت قريش من مكة، إلى أبي سفيان يخبره بمسيرها وفصولها، فخالف أبا سفيان في الطريق فوافى المشركين بالجحفة، فمضى معهم فجرح يوم بدر جراحات وهرب على قدميه، ورجعت بنو زهرة من الجحفة، أشار عليهم بذلك الأخنس بن شريف الثقفي، وكان حليفاً لهم، وكان فيهم مطاعاً، وكان اسمه أبي. فلما رجع ببني زهرة قيل: خنس بهم، فسمي الأخنس، وكان بنو زهرة يومئذ مائة رجل، وقال بعضهم: بل كانوا ثلثمائة رجل. وكانت بنو عدي بن كعب مع النفير، فلما بلغوا ثنية لفت عدلوا في السحر إلى الساحل منصرفين إلى مكة، فصادفهم أبو سفيان بن حرب فقال: يا بني

عدي، كيف رجعتم لا في العير ولا في النفير ؟ فقالوا: أنت أرسلت إلى قريش أن ترجع. ويقال: بل لقيهم بمر الظهران، فلم يشهد بدراً من المشركين أحد من بني زهرة ولا من بني عدي، ومضى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كان دون بدر أتاه الخبر بمسير قريش، فأخبر به رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أصحابه واستشارهم، فقال المقداد بن عمرو البهراني: والذي بعثك بالحق، لو سرت بنا إلى برك الغماد لسرنا معك حتى ننتهي إليه. ثم قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أشيروا علي، وإنما يريد الأنصار. فقام سعد بن معاذ فقال: أنا أجيب عن الأنصار، كأنك يا رسول الله تريدنا ؟ قال: أجل. قال: فامض يا نبي الله لما أردت، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت هذا البحر فخضته لخضناه معك ما بقي منا رجل واحد. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: سيروا على بركة الله، فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين، فوالله لكأني أنظر إلى مصارع القوم. وعقد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يومئذ الألوية، وكان لواء رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يومئذ الأعظم لواء المهاجرين مع مصعب بن عمير، ولواء الخزرج مع الحباب بن المنذر، ولواء الأوس مع سعد بن معاذ، وجعل رسول لله، صلى الله عليه وسلم، شعار المهاجرين: يا بني عبد الرحمن، وشعار الخزرج: يا بني عبد الله، وشعار الأوس: يا بني عبيد الله، ويقال: بل كان شعار المسلمين جميعاً يومئذ: يا منصور أمت.ي، كيف رجعتم لا في العير ولا في النفير ؟ فقالوا: أنت أرسلت إلى قريش أن ترجع. ويقال: بل لقيهم بمر الظهران، فلم يشهد بدراً من المشركين أحد من بني زهرة ولا من بني عدي، ومضى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كان دون بدر أتاه الخبر بمسير قريش، فأخبر به رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أصحابه واستشارهم، فقال المقداد بن عمرو البهراني: والذي بعثك بالحق، لو سرت بنا إلى برك الغماد لسرنا معك حتى ننتهي إليه. ثم قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أشيروا علي، وإنما يريد الأنصار. فقام سعد بن معاذ فقال: أنا أجيب عن الأنصار، كأنك يا رسول الله تريدنا ؟ قال: أجل. قال: فامض يا نبي الله لما أردت، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت هذا البحر فخضته لخضناه معك ما بقي منا رجل واحد. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: سيروا على بركة الله، فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين، فوالله لكأني أنظر إلى مصارع القوم. وعقد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يومئذ الألوية، وكان لواء رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يومئذ الأعظم لواء المهاجرين مع مصعب بن عمير، ولواء الخزرج مع الحباب بن المنذر، ولواء الأوس مع سعد بن معاذ، وجعل رسول لله، صلى الله عليه وسلم، شعار المهاجرين: يا بني عبد الرحمن، وشعار الخزرج: يا بني عبد الله، وشعار الأوس: يا بني عبيد الله، ويقال: بل كان شعار المسلمين جميعاً يومئذ: يا منصور أمت.

وكان مع المشركين ثلاثة ألوية: لواء مع أبي عزيز بن عمير، ولواء مع النضر بن الحارث، ولواء مع طلحة بن أبي طلحة، وكلهم من بني عبد الدار، ونزل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أدنى بدر عشاء ليلة جمعة لسبع عشرة مضت من شهر رمضان، فبعث علياً والزبير وسعد بن أبي وقاص وبسبس ابن عمرو يتحسسون خبر المشركين على الماء، فوجدوا روايا قريش فيها سقاؤهم، فأخذوهم. وبلغ قريشاً خبر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأنه قد أخذ سقاءهم، فمج العسكر وأتي بالسقاء إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: أين قريش ؟ فقالوا: خلف هذا الكثيب الذي ترى. قال: كم هي ؟ قالوا: كثير. قال: كم عددهم ؟ قالوا: لا ندري. قال: كم ينحرون ؟ قالوا: يوماً عشراً ويوماً تسعاً. فقال، صلى الله عليه وسلم: القوم ما بين الألف والتسعمائة. فكانوا تسعمائة وخمسين إنساناً، وكانت خيلهم مائة فرس. وقال الحباب بن المنذر: يا رسول الله، إن هذا المكان الذي أنت به ليس بمنزل، انطلق بنا إلى أدنى ماء إلى القوم فإني عالم بها وبقلبها، بها قليب قد عرفت عذوبة مائه لا ينزح، ثم نبني عليه حوضاً فنشرب ونقاتل ونعور ما سواه من القلب. فنزل جبريل على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: الرأي ما أشار به الحباب. فنهض رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ففعل ذلك، فكان الوادي دهساً، فبعث الله، تبارك وتعالى، السماء فلبدت الوادي ولم يمنع المسلمين من المسير، وأصاب المشركين من المطر ما لم يقدروا أن يرتحلوا معه، وإنما بينهم قوز من الرمل، وأصاب المسلمين تلك الليلة النعاس، وبني لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، عريش من جريد فدخله النبي وأبو بكر الصديق، وقام سعد بن معاذ على باب العريش متوشحاً بالسيف، فلما أصبح صف أصحابه قبل أن تنزل قريش، وطلعت قريش ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، يصفف أصحابه ويعدلهم كأنما يقوم بهم القدح، ومعه يومئذ قدح يشير به إلى هذا: تقدم، وإلى هذا: تأخر، حتى استووا، وجاءت ريح لم يروا مثلها شدةً، ثم ذهبت فجاءت ريح أخرى، ثم ذهبت فجاءت ريح أخرى، فكانت الأولى جبريل، عليه السلام، في ألف من الملائكة مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والثانية ميكائيل، عليه السلام، في ألف من الملائكة عن ميمنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والثالثة إسرافيل في ألف من الملائكة عن ميسرة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكان سيماء الملائكة عمائم قد أخروها بين أكتافهم خضر وصفر وحمر من نور، والصوف في نواصي خيلهم. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لأصحابه: إن الملائكة قد سومت فسوموا، فأعلموا بالصوف في مغافرهم وقلانسهم، وكانت الملائكة يوم بدر على خيل بلق، قال: فلما اطمأن القوم بعث المشركون عمير بن وهب الجمحي، وكان صاحب قداح، فقالوا احزر لنا محمداً وأصحابه، فصوب في الوادي وصعد ثم رجع فقال: لا مدد لهم ولا كمين، القوم ثلثمائة إن زادوا زادوا قليلاً، ومعهم سبعون بعيراً وفرسان يا معشر قريش، البلايا تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليست لهم منعة ولا ملجأ إلى سيوفهم، أما ترونهم خرساً لا يتكلمون، يتلمظون تلمظ الأفاعي ؟ والله ما أرى أن تقتل منهم رجلاً حتى يقتل منا رجل، فإذا أصابوا منكم عددهم فما خير في العيش بعد ذلك، فروا رأيكم. فتكلم حكيم بن حزام ومشى في الناس، وأتى شيبة وعتبة وكانا ذوي تقية في قومهما فأشاروا على الناس بالانصراف، وقال عتبة: لا تردوا نصيحتي ولا تسفهوا رأيي، فحسده أبو جهل حين سمع كلامه، فأفسد الرأي وحرش بين الناس، وأمر عامر بن الحضرمي أن ينشد أخاه عمراً، وكان قتل بنخلة، فكشف عامر وحثا على استه التراب وصاح: واعمراه ! يخزي بذلك عتبة لأنه حليفه من بين قريش. وجاء عمير بن وهب فناوش المسلمين فثبت المسلمون على صفهم ولم يزولوا، وشد عليهم عامر بن الحضرمي ونشبت الحرب، فكان أول من خرج من المسلمين مهجع مولى عمر بن الخطاب، فقتله عامر بن الحضرمي. وكان أول قتيل قتل من الأنصار حارثة بن سراقة، ويقال: قتله حبان بن العرقة، ويقال: عمير بن الحمام، قتله خالد بن الأعلم العقيلي. ثم خرج شيبة وعتبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة، فدعوا إلى البراز فخرج إليهم ثلاثة من الأنصار بنو عفراء معاذ ومعوذ وعوف بنو الحارث، فكره رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يكون أول

قتال لقي فيه المسلمون المشركين في الأنصار، وأحب أن تكون الشوكة ببني عمه وقومه، فأمرهم فرجعوا إلى مصافهم وقال لهم خيراً، ثم نادى المشركون: يا محمد أخرج إلينا الأكفاء من قومنا. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم يا بني هاشم ! قوموا قاتلوا بحقكم الذي بعث الله به نبيكم إذ جاؤوا بباطلهم ليطفئوا نور الله. فقام حمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف فمشوا إليه، فقال عتبة: تكلموا نعرفكم، وكان عليهم البيض، فقال حمزة: أنا حمزة بن عبد المطلب أسد الدين وأسد رسوله فقال عتبة: كفؤ كريم، وأنا أسد الحلفاء، من هذان معك ؟ قال: علي بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث، قال: كفآن كريمان. ثم قال لابنه: قم يا وليد، فقام إليه علي بن أبي طالب، فاختلفا ضربتين، فقتله علي، ثم قام عتبة وقام إليه حمزة، فاختلفا ضربتين، فقتله حمزة، ثم قام شيبة وقام إليه عبيدة بن الحارث، وهو يومئذ أسن أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فضرب شيبة رجل عبيدة بذباب السيف، يعني طرفه، فأصاب عضلة ساقة فقطعها، فكر حمزة وعلي على شيبة فقتلاه، وفيهم نزلت: هذان خصمان اختصموا في ربهم. ونزلت فيهم سورة الأنفال أو عامتها: يوم نبطش البطشة الكبرى، يعني يوم بدر، وعذاب يوم عقيم وسيهزم الجمع ويولون الدبر؛ قال: فرأى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في أثرهم مصلتاً للسيف يتلو هذه الآية وأجاز على جريحهم وطلب مدبرهم واستشهد يومئذ من المسلمين أربعة عشر رجلاً: ستة من المهاجرين، وثمانية من الأنصار، فيهم عبيدة بن الحارث ابن المطلب بن عبد مناف، وعمير بن أبي وقاص وعاقل بن أبي البكير، ومهجع مولى عمر بن الخطاب، وصفوان بن بيضاء، وسعد بن خيثمة، ومبشر بن عبد المنذر، وحارثة بن سراقة، وعوف ومعوذ ابنا عفراء، وعمير بن الحمام، ورافع بن معلى، ويزيد بن الحارث بن فسحم. وقتل من المشركين، يومئذ، سبعون رجلاً، وأسر منهم سبعون رجلاً. وكان في من قتل منهم شيبة وعتبة ابنا ربيعة بن عبد شمس، والوليد بن عتبة، والعاص ابن سعيد بن العاص، وأبو جهل بن هشام، وأبو البختري، وحنظلة بن أبي سفيان بن حرب، والحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف، وطعيمة بن عدي، وزمعة بن الأسود بن المطلب ونوفل بن خويلد، وهو ابن العدوية، والنضر بن الحارث قتله صبراً بالأثيل، وعقبة بن أبي معيط قتله صبراً بالصفراء، والعاص بن هشام بن المغيرة خال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وأمية بن خلف، وعلي بن أمية بن خلف، ومنبه بن الحجاج، ومعبد بن وهب. وكان في الأسارى نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وعقيل بن أبي طالب، وأبو العاص بن الربيع، وعدي بن الخيار، وأبو عزيز بن عمير، والوليد بن الوليد بن المغيرة، وعبد الله بن أبي بن خلف، وأبو عزة عمرو بن عبد الله الجمحي الشاعر، ووهب بن عمير بن وهب الجمحي، وأبو وداعة بن ضبيرة السهمي، وسهيل بن عمرو العامري.ل لقي فيه المسلمون المشركين في الأنصار، وأحب أن تكون الشوكة ببني عمه وقومه، فأمرهم فرجعوا إلى مصافهم وقال لهم خيراً، ثم نادى المشركون: يا محمد أخرج إلينا الأكفاء من قومنا. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم يا بني هاشم ! قوموا قاتلوا بحقكم الذي بعث الله به نبيكم إذ جاؤوا بباطلهم ليطفئوا نور الله. فقام حمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف فمشوا إليه، فقال عتبة: تكلموا نعرفكم، وكان عليهم البيض، فقال حمزة: أنا حمزة بن عبد المطلب أسد الدين وأسد رسوله فقال عتبة: كفؤ كريم، وأنا أسد الحلفاء، من هذان معك ؟ قال: علي بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث، قال: كفآن كريمان. ثم قال لابنه: قم يا وليد، فقام إليه علي بن أبي طالب، فاختلفا ضربتين، فقتله علي، ثم قام عتبة وقام إليه حمزة، فاختلفا ضربتين، فقتله حمزة، ثم قام شيبة وقام إليه عبيدة بن الحارث، وهو يومئذ أسن أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فضرب شيبة رجل عبيدة بذباب السيف، يعني طرفه، فأصاب عضلة ساقة فقطعها، فكر حمزة وعلي على شيبة فقتلاه، وفيهم نزلت: هذان خصمان اختصموا في ربهم. ونزلت فيهم سورة الأنفال أو عامتها: يوم نبطش البطشة الكبرى، يعني يوم بدر، وعذاب يوم عقيم وسيهزم الجمع ويولون الدبر؛ قال: فرأى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في أثرهم مصلتاً للسيف يتلو هذه الآية وأجاز على جريحهم وطلب مدبرهم واستشهد يومئذ من المسلمين أربعة عشر رجلاً: ستة من المهاجرين، وثمانية من الأنصار، فيهم عبيدة بن الحارث ابن المطلب بن عبد مناف، وعمير بن أبي وقاص وعاقل بن أبي البكير، ومهجع مولى عمر بن الخطاب، وصفوان بن بيضاء، وسعد بن خيثمة، ومبشر بن عبد المنذر، وحارثة بن سراقة، وعوف ومعوذ ابنا عفراء، وعمير بن الحمام، ورافع بن معلى، ويزيد بن الحارث بن فسحم. وقتل من المشركين، يومئذ، سبعون رجلاً، وأسر منهم سبعون رجلاً. وكان في من قتل منهم شيبة وعتبة ابنا ربيعة بن عبد شمس، والوليد بن عتبة، والعاص ابن سعيد بن العاص، وأبو جهل بن هشام، وأبو البختري، وحنظلة بن أبي سفيان بن حرب، والحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف، وطعيمة بن عدي، وزمعة بن الأسود بن المطلب ونوفل بن خويلد، وهو ابن العدوية، والنضر بن الحارث قتله صبراً بالأثيل، وعقبة بن أبي معيط قتله صبراً بالصفراء، والعاص بن هشام بن المغيرة خال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وأمية بن خلف، وعلي بن أمية بن خلف، ومنبه بن الحجاج، ومعبد بن وهب. وكان في الأسارى نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وعقيل بن أبي طالب، وأبو العاص بن الربيع، وعدي بن الخيار، وأبو عزيز بن عمير، والوليد بن الوليد بن المغيرة، وعبد الله بن أبي بن خلف، وأبو عزة عمرو بن عبد الله الجمحي الشاعر، ووهب بن عمير بن وهب الجمحي، وأبو وداعة بن ضبيرة السهمي، وسهيل بن عمرو العامري.

وكان فداء الأسارى كل رجل منهم أربعة آلاف إلى ثلاثة آلاف إلى ألفين إلى ألف إلا قوماً لا مال لهم، من عليهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، منهم أبو عزة الجمحي، وغنم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ما أصاب منهم، واستعمل على الغنائم عبد الله بن كعب المازني من الأنصار، وقسمها رسول الله بسير شعب بالصفراء، وهي من المدينة على ثلاث ليال قواصد، وتنفل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سيفاً ذا الفقار، وكان لمنبه بن الحجاج، فكان صفيه يومئذ. وسلم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الغنيمة كلها للمسلمين الذين حضروا بدراً وللثمانية النفر الذين تخلفوا بإذنه، فضرب لهم بسهامهم وأجورهم، وأخذ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سهمه مع المسلمين، وفيه جمل أبي جهل، وكان مهرياً، فكان يغزو عليه ويضرب في لقاحه. وبعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، زيد بن حارثة بشيراً إلى المدينة يخبرهم بسلامة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والمسلمين وخبر بدر وما أظفر الله به رسوله وغنمه منهم، وبعث إلى أهل العالية عبد الله ابن رواحة بمثل ذلك، والعالية قباء وخطمة ووائل وواقف وبنو أمية بن زيد وقريظة والنضير، فقدم زيد بن حارثة المدينة حين سوى على رقية بنت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، التراب بالبقيع. وكان أول الناس إلى أهل مكة بمصاب أهل بدر وبهزيمتهم الحيسمان بن حابس الخزاعي، وكانت وقعة بدر صبيحة يوم الجمعة لسبع عشرة مضت من شهر رمضان على رأس تسعة عشر شهراً من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا وكيع عن سفيان وإسرائيل وأبيه عن أبي إسحاق عن البراء، وأخبرنا عبيد الله بن موسى قال: أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال: كانت عدة أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوم بدر ثلثمائة وبضعة عشر، وكانوا يرون أنهم على عدة أصحاب طالوت يوم جالوت الذين جازوا النهر. قال: وما جاز معه النهر يومئذ إلا مؤمن.
أخبرنا وكيع بن الجراح عن ثابت بن عمارة عن غنيم بن قيس عن أبي موسى قال: كان عدة أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوم بدر على عدة أصحاب طالوت يوم جالوت.
أخبرنا محمد بن عبد الله الأسدي، أخبرنا مسعر عن أبي إسحاق عن البراء قال: كان عدة أهل بدر عدة أصحاب طالوت.
أخبرنا عفان بن مسلم وأبو الوليد الطيالسي ووهب بن جرير بن حازم قالوا: أخبرنا شعبة عن أبي إسحاق عن البراء قال: كان المهاجرون يوم بدر نيفاً على ستين وكانت الأنصار نيفاً على أربعين ومائتين.
أخبرنا الحسن بن موسى الأشيب، أخبرنا زهير عن أبي إسحاق عن البراء قال: حدثني أصحاب محمد من شهد بدراً أنهم كانوا عدة أصحاب طالوت الذين جازوا معه النهر بضعة عشر وثلثمائة؛ قال البراء: ولا والله ما جاز معه النهر إلا مؤمن.
أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري، أخبرنا هشام بن حسان حدثني محمد ابن سيرين، حدثني عبيدة قال: كان عدة أهل بدر ثلثمائة وثلاثة عشر أو أربعة عشر، سبعون ومائتان من الأنصار، وبقيتهم من سائر الناس.
أخبرنا نصر بن باب الخراساني عن الحجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أنه قال: كان أهل بدر ثلثمائة وثلاثة عشر، كان المهاجرون منهم ستةً وسبعين، وكانت هزيمة أهل بدر يوم الجمعة لسبع عشرة مضت من رمضان.
أخبرنا خالد بن خداش، أخبرنا عبد الله بن وهب حدثني حيي عن أبي عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو قال: خرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوم بدر بثلثمائة وخمسة عشر من المقاتلة، كما خرج طالوت، فدعا لهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حين خرجوا فقال: اللهم إنهم حفاة فاحملهم، اللهم إنهم عراة فاكسهم، اللهم إنهم جياع فأشبعهم. ففتح الله يوم بدر، فانقلبوا حين انقلبوا، وما فيهم رجل إلا قد رجع بحمل أو حملين واكتسوا وشبعوا.
أخبرنا الحكم بن موسى، أخبرنا ضمرة عن ابن شوذب عن مطر قال: شهد بدراً من الموالي بضعة عشر رجلاً، فقال مطر: لقد ضربوا فيهم بضربة صالحة.
أخبرنا عفان بن مسلم وسعيد بن سليمان قالا: أخبرنا خالد بن عبد الله، أخبرني عمرو بن يحيى عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عامر بن ربيعة البدري قال: كان يوم بدر يوم الاثنين لسبع عشرة من رمضان.

أخبرنا الفضل بن دكين، أخبرنا عمر بن شبة عن الزهري قال: سألت أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن ليلة بدر فقال: ليلة الجمعة لسبع عشرة مضت من رمضان.
أخبرنا خالد بن خداش، أخبرنا حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: كانت بدر لسبع عشرة من رمضان يوم الجمعة.
قال محمد بن سعد: وهذا الثبت أنه يوم الجمعة، وحديث يوم الاثنين شاذ. أخبرنا قتيبة بن سعيد، أخبرنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن معمر بن أبي حبيبة عن ابن المسيب أنه سأله عن الصوم في السفر، فحدثه أن عمر بن الخطاب قال: غزونا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلمن في رمضان غزوتين: يوم بدر، ويوم الفتح، فأفطرنا فيهما.
أخبرنا عبيد الله بن موسى، أخبرنا موسى بن عبيدة عن عبد الله بن عبيدة: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، غزا غزوة بدر في شهر رمضان فلم يصم يوماً حتى رجع إلى أهله.
أخبرنا الفضل بن دكين، أخبرنا عمرو بن عثمان بن عبد الله بن موهب: سمعت موسى بن طلحة يقول: سئل أبو أيوب عن يوم بدر فقال: إما لسبع عشرة خلت، أو لثلاث عشرة بقيت، أو لإحدى عشرة بقيت، أو لتسع عشرة خلت.
أخبرنا يونس بن محمد المؤدب، أخبرنا حماد بن سلمة عن عاصم عن زر عن ابن مسعود قال: كنا يوم بدر كل ثلاثة على بعير، وكان أبو لبابة وعلي زميلي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فكان إذا كانت عقبة النبي قالا: اركب حتى نمشي عنك؛ فيقول: ما أنتما بأقوى على المشي مني وما أنا أغنى عن الأجر منكما.
أخبرنا عبيد الله بن موسى عن شيبان عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة بن عبد الله عن أبيه قال: لما أسرنا القوم يوم بدر قلنا: كم كنتم ؟ قالوا: كنا ألفاً.
أخبرنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن أبيه قال: أخذنا رجلاً منهم، يعني من المشركين، يوم بدر فسألناه عن عدتهم فقال: كنا ألفاً.
أخبرنا هشيم بن بشير، أخبرنا مجالد عن الشعبي قال: كان فداء أسارى بدر أربعة آلاف إلى ما دون ذلك، فمن لم يكن عنده شيء أمر أن يعلم غلمان الأنصار الكتابة.
أخبرنا الفضل بن دكين، أخبرنا إسرائيل عن جابر عن عامر قال: أسر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوم بدر سبعين أسيراً، وكان يفادي بهم على قدر أموالهم، وكان أهل مكة يكتبون وأهل المدينة لا يكتبون، فمن لم يكن له فداء دفع إليه عشر غلمان من غلمان المدينة فعلمهم، فإذ حذقوا فهو فداؤه.
أخبرنا محمد بن الصباح، أخبرنا شريك عن قريش عن عامر قال: كان فداء أهل بدر أربعين أوقية أربعين أوقية، فمن لم يكن عنده علم عشرة من المسلمين الكتابة، فكان زيد بن ثابت ممن علم.
أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري، أخبرنا هشام بن حسان، أخبرنا محمد بن سيرين عن عبيدة: أن جبريل نزل على النبي، صلى الله عليه وسلم، في أسارى بدر فقال: إن شئتم قتلتموهم، وإن شئتم أخذتم منهم الفداء واستشهد قابل منكم سبعون؛ قال: فنادى النبي، صلى الله عليه وسلم، في أصحابه فجاؤوا أو من جاء منهم فقال: هذا جبريل يخيركم بين أن تقدموهم فتقتلوهم وبين أن تفادوهم واستشهد قابل منكم بعدتهم؛ فقالوا: بل نفاديهم فنتقوى به عليهم ويدخل قابل منا الجنة سبعون، ففادوهم.
أخبرنا الحسن بن موسى، أخبرنا زهير، أخبرنا سماك بن حرب قال: سمعت عكرمة يقول: قيل لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، لما فرغ من أهل بدر: عليك بالعير ليس دونها شيء؛ قال: فناداه العباس أنه لا يصلح ذلك لك؛ قال: لم ؟ قال: لأن الله تعالى وعدك إحدى الطائفتين فقد أعطاك ما وعدك.
أخبرنا محمد بن عبد الله، أخبرنا يونس بن أبي إسحاق عن العيزار بن حريث قال: أمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فنادى يوم بدر ألا إنه ليس لأحد من القوم عندي منة إلا لأبي البختري، فمن كان أخذه فليخل سبيله؛ وكان رسول الله قد آمنه قال: فوجد قد قتل.
أخبرنا الحسن بن موسى، أخبرنا زهير، أخبرنا أبو إسحاق عن عمرو ابن ميمون عن عبد الله بن مسعود قال: استقبل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، البيت فدعا على نفر من قريش سبعة، فيهم أبو جهل وأمية بن خلف وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وعقبة بن أبي معيط، فأقسم بالله لقد رأيتهم صرعى على بدر قد غيرتهم الشمس، وكان يوماً حاراً.

أخبرنا خلف بن الوليد الأزدي، أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن حارثة عن علي قال: لما كان يوم بدر وحضر البأس اتقينا برسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكان من أشد الناس بأساً يومئذ، وما كان أحد أقرب إلى المشركين منه.
أخبرنا خلف بن الوليد الأزدي، أخبرنا يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة، حدثني إسماعيل بن أبي خالد عن البهي قال: لما كان يوم بدر برز عتبة وشيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة، فخرج إليهم حمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث، فبرز شيبة لحمزة فقال له شيبة: من أنت ؟ فقال: أنا أسد الله وأسد رسوله ! قال: كفء كريم، فاختلفا ضربتين فقتله حمزة، ثم برز الوليد لعلي فقال: من أنت ؟ فقال: أنا عبد الله وأخو رسوله؛ فقتله علي، ثم برز عتبة لعبيدة بن الحارث فقال عتبة: من أنت ؟ قال: أنا الذي في الحلف، قال: كفء كريم؛ فاختلفا ضربتين أوهن كل منهما صاحبه فأجاز حمزة وعلي على عتبة.
قال أبو عبد الله محمد بن سعد: والثبت على الحديث الأول أن حمزة قتل عتبة، وأن علياً قتل الوليد، وأن عبيدة بارز شيبة.
أخبرنا حجين بن المثنى وقتيبة بن سعيد قالا: أخبرنا الليث بن سعد عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن يزيد بن رومان: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لم يكن معه يوم بدر إلا فرسان، فرس عليه المقداد بن عمرو حليف الأسود خال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وفرس لمرثد ابن أبي مرثد الغنوي حليف حمزة بن عبد المطلب، وكان مع المشركين يومئذ مائة فرس. قال قتيبة في حديثه: كانت ثلاثة أفراس فرس عليه الزبير بن العوام.
أخبرنا سليمان بن حرب، أخبرنا حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة: أن النبي، صلى الله عليه وسلم، بعث عدي بن أبي الزغباء وبسبس بن عمرو طليعة، يوم بدر، فأتيا الماء فسألا عن أبي سفيان فأخبرا بمكانه، فرجعا إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقالا: يا رسول الله نزل ماء كذا يوم كذا، وننزل نحن ماء كذا يوم كذا، وينزل هو ماء كذا يوم كذا، وننزل نحن ماء كذا يوم كذا حتى نلتقي نحو وهو على الماء، قال: فجاء أبو سفيان حتى نزل ذلك الماء فسأل القوم: هل رأيتم من أحد ؟ قالوا: لا إلا رجلين، قال: أروني مناخ ركابهما، قال: فأروه، قال: فأخذ البعر ففته فإذا فيه النوى فقال: نواضح يثرب والله ! قال: فأخذ ساحل البحر وكتب إلى أهل مكة يخبرهم بمسير النبي، صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا سليمان بن حرب، أخبرنا حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة قال: استشار رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يومئذ الناس، فقال سعد بن عبادة أو سعد بن معاذ: يا رسول الله سر إذا شئت وانزل حيث شئت وحارب من شئت وسالم من شئت، فوالذي بعثك بالحق لو ضربت أكبادها حتى تبلغ برك الغماد من ذي يمن تبعناك ما تخلف عنك منا أحد ! قال: وقال لهم يومئذ عتبة بن ربيعة: ارجعوا بوجوهكم هذه التي كأنها المصابيح عن هؤلاء الذين كأن وجوههم الحيات، فوالله لا تقتلونهم حتى يقتلوا منكم مثلهم فما خيركم بعد هذا ؟ قال: وكانوا يأكلون يومئذ تمراً، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ابتدروا جنة عرضها السموات والأرض، قال: وعمير بن الحمام في ناحية بيده تمر يأكله فقال: بخ بخ ! فقال له النبي، صلى الله عليه وسلم: مه ! قال: لن تعجز عني، ثم قال: لا أزيد عليكن حتى ألحق بالله، فجعل يأكل ثم قال: هيه حبستني ! ثم قذف ما في يده وقام إلى سيفه وهو معلق ملفوف بخرق، فأخذه ثم تقدم فقاتل حتى قتل، وكانوا يومئذ يميدون من النعاس ونزلوا على كثيب أهيل، قال: فمطرت السماء فصار مثل الصفا يسعون عليه سعياً، وأنزل الله، جل ثناؤه: " إذْ يُغشّيكُمُ النّعاسَ أمَنَةً مِنهُ ويُنَزّلُ علَيْكُمْ مِنَ السّماء ماء ليُطَهّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رجس الشّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبّتَ بِهِ الأقْدَامَ " .
قال: وقال عمر لما نزلت " سَيُهْزَمُ وَيُوَلّونَ الدُّبُرَ " قال: قلت وأي جمع يهزم ومن يغلب ؟ فلما كان يوم بدر نظرت إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يثب في الدرع وثباً وهو يقول: " سَيُهزَمُ الجمعُ وَيُوَلّونَ الدُّبُرَ " ، فعلمت أن الله، تبارك وتعالى، سيهزمهم.

أخبرنا سليمان بن حرب، أخبرنا حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة قال: ونزلت هذه الآية: " واذْكرُوا إذْ أنْتُمْ قَليلٌ مُسْتَضْعَفونَ في الأرْض " ؛ قال: نزلت في يوم بدر، قال: ونزلت هذه الآية: " إذا لَقِيتُمُ الّذين كَفَرُوا زَحفاً فَلا تُوَلّوهُمُ الأدبارَ " ؛ قال: نزلت في يوم بدر. قال: ونزلت هذه الآية: " يَسْألونَكَ عن الأنْفالِ " ، يوم بدر.
أخبرنا سليمان بن حرب، أخبرنا حماد بن زيد، أخبرنا أيوب ويزيد ابن حازم، أنهما سمعا عكرمة يقرأ: فَثَبّتُوا الّذين آمَنوا، قال حماد: وزاد أيوب قال: قال عكرمة: فاضربوا فوق الأعناق، قال: كان يومئذ يندر رأس الرجل لا يدري من ضربه وتندر يد الرجل لا يدري من ضربه.
أخبرنا سليمان بن حرب، أخبرنا حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يومئذ: اطلبوا أبا جهل، فطلبوه فلم يوجد فقال: اطلبوه فإن عهدي به وركبته محوزة، فطلبوه فوجدوه وركبته محوزة. قال: وبلغ فداء أهل بدر يومئذ أربعة آلاف فما دون ذلك، حتى إن كان الرجل يحسن الخط ففودي على أن يعلم الخط.
أخبرنا عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي قال: أخبرنا عبيد الله بن عبد الرحمن ابن موهب، حدثني إسماعيل بن عون بن عبيد الله بن أبي رافع عن عبد الله ابن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه محمد بن عمر عن علي بن أبي طالب قال: لما كان يوم بدر قاتلت شيئاً من قتال ثم جئت مسرعاً إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، لأنظر ما فعل، فإذا هو ساجد يقول: يا حي يا قيوم ! يا حي يا قيوم ! لا يزيد عليهما، ثم رجعت إلى القتال، ثم جئت وهو ساجد يقول ذلك، ثم ذهبت إلى القتال، ثم رجعت وهو ساجد يقول ذلك، ففتح الله عليه.
أخبرنا سعيد بن منصور، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: تنفل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سيفه ذا الفقار يوم بدر.
أخبرنا عتاب بن زياد، أخبرنا عبد الله بن المبارك، أخبرنا هشام بن عروة عن عباد بن حمزة بن الزبير قال: نزلت الملائكة يوم بدر عليهم عمائم صفر وكان على الزبير يوم بدر ريطة صفراء قد اعتجر بها.
أخبرنا عتاب بن زياد بن المبارك، أخبرنا أبو بكر بن أبي مريم الغساني عن عطية بن قيس قال: لما فرغ النبي، صلى الله عليه وسلم، من قتال أهل بدر أتاه جبريل على فرس أنثى حمراء عاقداً ناصيته، يعني جبريل عليه درعه ومعه رمحه قد عصم ثنيته الغبار، فقال: يا محمد إن الله، تبارك وتعالى، بعثني إليك وأمرني أن لا أفارقك حتى ترضى، هل رضيت ؟ قال: نعم رضيت، فانصرف.
أخبرنا عفان بن مسلم، أخبرنا حماد بن زيد قال: سمعت أيوب عن عكرمة: إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى؛ قال: وكان هؤلاء على شفير الوادي وهؤلاء على الشفير الآخر قال: وهكذا قرأه عفان بالعدوة.
أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس، أخبرنا زهير، أخبرنا جابر عن عامر قال: خرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى بدر فاستخلف على المدينة عمرو بن أم مكتوم.
أخبرنا أبو المنذر البزاز، أخبرنا سفيان عن الزبير بن عدي عن عطاء بن أبي رباح: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، صلى على قتلى بدر.
أخبرنا الفضل بن دكين، أخبرنا زكرياء بن أبي زائدة عن عامر قال: سمعته يقول إن بدراً إنما كانت لرجل يدعى بدراً، قال: يعني ميراً.
قال محمد بن سعد: قال محمد بن عمر: وأصحابنا من أهل المدينة ومن روى السيرة يقولون: اسم الموضع بدر.

سرية عمير بن عدي

ثم سرية عمير بن عدي بن خرشة الخطمي إلى عصماء بنت مروان من بني أمية بن زيد لخمس ليال بقين من شهر رمضان على رأس تسعة عشر شهراً من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكانت عصماء عند يزيد ابن زيد بن حصن الخطمي، وكانت تعيب الإسلام وتؤذي النبي وتحرض عليه وتقول الشعر، فجاءها عمير بن عدي في جوف الليل حتى دخل عليها بيتها، وحولها نفر من ولدها نيام منهم من ترضعه في صدرها، فجسها بيده، وكان ضرير البصر، ونحى الصبي عنها ووضع سيفه على صدرها حتى أنفذه من ظهرها، ثم صلى الصبح مع النبي، صلى الله عليه وسلم، بالمدينة فقال له رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أقتلت ابنة مروان ؟ قال: نعم، فهل علي في ذلك من شيء ؟ فقال: لا ينتطح فيها عنزان ! فكانت هذه الكلمة أول ما سمعت من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وسماه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عميراً البصير.

سرية سالم بن عمير
ثم سرية سلم بن عمير العمري إلى أبي عفك اليهودي في شوال على رأس عشرين شهراً من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكان أبو عفك من بني عمرو بن عوف شيخاً كبيراً قد بلغ عشرين ومائة سنة، وكان يهودياً، وكان يحرض على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ويقول الشعر، فقال سالم بن عمير، وهو أحد البكائين وقد شهد بدراً: علي نذر أن أقتل أبا عفك أو أموت دونه؛ فأمهل يطلب له غرة حتى كانت ليلة صائفة، فنام أبو عفك بالفناء وعلم به سالم بن عمير، فأقبل فوضع السيف على كبده ثم اعتمد عليه حتى خش في الفراش، وصاح عدو الله، فثاب إليه ناس ممن هم على قوله فأدخلوه منزله وقبروه.
غزوة بني قينقاع
ثم غزوة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بني قينقاع يوم السبت للنصف من شوال على رأس شعرين شهراً من مهاجره، وكانوا قوماً من يهود حلفاء لعبد الله بن أبي بن سلول، وكانوا أشجع يهود، وكانوا صاغة فوادعوا النبي، صلى الله عليه وسلم، فلما كانت وقعة بدر أظهروا البغي والحسد ونبذوا العهد والمرة، فأنزل الله، تبارك وتعالى، على نبيه: وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على حد سواء إن الله لا يحب الخائنين، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أنا أخاف بني قينقاع، فسار إليهم بهذه الآية. وكان الذي حمل لواءه يومئذ حمزة بن عبد المطلب، وكان لواء رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أبيض ولم يكن الرايات يومئذ، واستخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر العمري ثم سار إليهم فحاصرهم خمس عشرة ليلة إلى هلال ذي القعدة، فكانوا أول من عدر من اليهود وحاربوا وتحصنوا في حصنهم، فحاصرهم أشد الحصار حتى قذف الله في قلوبهم الرعب، فنزلوا على حكم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، أموالهم وأن لهم النساء والذرية، فأمر بهم فكتفوا، واستعمل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على كتافهم المنذر بن قدامة السلمي من بني السلم، رهط سعد بن خيثمة، فكلم فيهم عبد الله بن أبي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وألح عليه فقال: خلوهم لعنهم الله ولعنه معهم ! وتركهم من القتل وأمر بهم أن يجلوا من المدينة، وولى إخراجهم منها عبادة بن الصامت فلحقوا بأذرعات فما كان أقل بقاءهم بها، وأخذ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من سلاحهم ثلاث قسي: قوساً تدعى الكتوم كسرت بأحد، وقوساً تدعى الروحاء، وقوساً تدعى البيضاء، وأخذ درعين من سلاحهم: درعاً يقال لها الصغدية وأخرى فضة، وثلاثة أسياف سيف قلعي وسيف يقال له بتار وسيف آخر، وثلاثة أرماح، ووجدوا في حصنهم سلاحاً كثيراً وآلة الصياغة فأخذ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، صفيه والخمس وفض أربعة أخماس على أصحابه، فكان أول خمس خمس بعد بدر، وكان الذي ولي قبض أموالهم محمد بن مسلمة.
غزوة السويق

ثم غزوة النبي، صلى الله عليه وسلم، التي تدعى غزوة السويق. خرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوم الأحد لخمس خلون من ذي الحجة على رأس اثنين وعشرين شهراً من مهاجره، واستخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر العمري، وذلك أن أبا سفيان بن حرب لما رجع المشركون من بدر إلى مكة حرم الدهن حتى يثئر من محمد وأصحابه، فخرج في مائتي راكب، في حديث الزهري، وفي حديث ابن كعب في أربعين راكباً، فسلكوا النجدية فجاؤوا بني النضير ليلاً فطرقوا حيي بن أخطب ليستخبروه من أخبار رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، فأبى أن يفتح لهم، وطرقوا سلام بن مشكم ففتح لهم وقراهم وسقاهم خمراً وأخبرهم من أخبار رسول الله، صلى الله عليه وسلم؛ فلما كان بالسحر خرج أبو سفيان بن حرب فمر بالعريض، وبينه وبين المدينة نحو من ثلاثة أميال، فقتل به رجلاً من الأنصار وأجيراً له وحرق أبياتاً هناك وتبناً، ورأى أن يمينه قد حلت ثم ولى هارباً، فبلغ ذلك رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فندب أصحابه وخرج في مائتي رجل من المهاجرين والأنصار في أثرهم يطلبهم، وجعل أبو سفيان وأصحابه يتخففون فيلقون جرب السويق وهي عامة أزوادهم، فجعل المسلمون يأخذونه فسميت غزوة السويق ولم يلحقوهم، وانصرف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى المدينة وكان غاب خمسة أيام.

غزوة قرقرة الكدر
ويقال: قرارة الكدر.
ثم غزوة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قرقرة الكدر، ويقال قرارة الكدر، للنصف من المحرم على رأس ثلاثة وعشرين شهراً من مهاجره، وهي بناحية معدن بني سليم قريب من الأرحضية وراء سد معونة، وبين المعدن وبين المدينة ثمانية برد وكان الذي حمل لواءه، صلى الله عليه وسلم، علي بن أبي طالب، واستخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم، فكان بلغه أن بهذا الموضع جمعاً من سليم وغطفان، فسار إليهم فلم يجد في المجال أحداً، وأرسل نفراً من أصحابه في أعلى الوادي واستقبلهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في بطن الوادي فوجد رعاءً فيهم غلام يقال له يسار، فسأله عن الناس فقال: لا علم لي بهم إنما أورد لخمس وهذا يوم ربعي والناس قد ارتفعوا إلى المياه ونحن عزاب في النعم. فانصرف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقد ظفر بالنعم فانحدر به إلى المدينة فاقتسموا غنائمهم بصرار، على ثلاثة أميال من المدينة، وكانت النعم خمسمائة بعير، فأخرج خمسة وقسم أربعة أخماس على المسلمين، فأصاب كل رجل منهم بعيران، وكانوا مائتي رجل، وصار يسار في سهم النبي، صلى الله عليه وسلم، فأعتقه؛ وذلك أنه رآه يصلي. وغاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خمس عشرة ليلة.
سرية قتل كعب بن الأشرف

ثم سرية قتل كعب بن الأشرف اليهودي، وذلك لأربع عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول على رأس خمسة وعشرين شهراً من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكان سبب قتله أنه كان رجلاً شاعراً يهجو النبي، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه ويحرض عليهم ويؤذيهم، فلما كانت وقعة بدر كبت وذل وقال: بطن الأرض خير من ظهرها اليوم، فخرج حتى قدم مكة فبكى قتلى قريش وحرضهم بالشعر، ثم قدم المدينة فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: اللهم اكفني ابن الأشرف بما شئت في إعلانه الشر وقوله الأشعار، وقال أيضاً: من لي بابن الأشرف فقد آذاني ؟ فقال محمد بن مسلمة: أنا به يا رسول الله وأنا أقتله، فقال: افعل وشاور سعد بن معاذ في أمره. واجتمع محمد بن مسلمة ونفر من الأوس منهم عباد بن بشر وأبو نائلة سلكان بن سلامة والحارث بن أوس بن معاذ وأبو عبس بن جبر فقالوا: يا رسول الله نحن نقتله فأذن لنا فلنقل؛ فقال: قولوا. وكان أبو نائلة أخا كعب بن الأشرف من الرضاعة فخرج إليه، فأنكره كعب وذعر منه فقال: أنا أبو نائلة إنما جئت أخبرك أن قدوم هذا الرجل كان علينا من البلاء، حاربتنا العرب ورمتنا عن قوس واحدة ونحن نريد التنحي منه، ومعي رجال من قومي على مثل رأيي وقد أردت أن آتيك بهم فنبتاع منك طعاماً وتمراً ونرهنك ما يكون لك فيه ثقة، فسكن إلى قوله وقال: جىء بهم متى شئت. فخرج من عنده على ميعاد فأتى أصحابه فأخبرهم، فأجمعوا أمرهم على أن يأتوه إذا أمسى، ثم أتوا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأخبروه فمشى معهم حتى أتى البقيع ثم وجههم وقال: امضوا على بركة الله وعونه؛ قال: وفي ليلة مقمرة، فمضوا حتى انتهوا إلى حصنه، فهتف له أبو نائلة فوثب، فأخذت امرأته بملحفته وقالت: أين تذهب ؟ إنك رجل محارب ! وكان حديث عهد بعرس، قال: ميعاد علي وإنما هو أخي أبو نائلة، وضرب بيده الملحفة وقال: لو دعي الفتى لطعنة أجاب، ثم نزل إليهم فحادثوه ساعة حتى انبسط إليهم وأنس بهم، ثم أدخل أبو نائلة يده في شعره وأخذ بقرون رأسه وقال لأصحابه: اقتلوا عدو الله ! فضربوه بأسيافهم فالتفت عليه فلم تغن شيئاً ورد بعضها بعضاً ولصق بأبي نائلة؛ قال محمد بن مسلمة: فذكرت مغولاً كان في سيفي فانتزعته فوضعته في سرته ثم تحاملت عليه فقططته حتى انتهى إلى عانته، فصاح عدو الله صيحة ما بقي أطم من آطام يهود إلا أوقدت عليه نار؛ ثم حزوا رأسه وحملوه معهم، فلما بلغوا بقيع الغرقد كبروا وقد قام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تلك الليلة يصلي، فلما سمع تكبيرهم كبر وعرف أن قد قتلوه، ثم انتهوا إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلمن فقال: أفلحت الوجوه ! فقالوا: ووجهك يا رسول الله، ورموا برأسه بين يديه، فحمد الله على قتله، فلما أصبح قال: من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه ! فخافت اليهود فلم يطلع منهم أحد ولم ينطقوا وخافوا أن يبيتوا كما بيت ابن الأشرف.
أخبرنا محمد بن حميد العبدي عن معمر بن راشد عن الزهري، في قوله تعالى: " وَلَتَسمعُنّ مِنَ الّذينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الّذينَ أشْركُوا أذىً كثِيراً " ؛ قال: هو كعب بن الأشرف، وكان يحرض المشركين على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه يعني في شعره، يهجو النبي، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه. فانطلق إليه خمسة نفر من الأنصار فيهم محمد بن مسلمة ورجل آخر يقال له أبو عبس، فأتوه وهو في مجلس قومه بالعوالي، فلما رآهم ذعر منهم وأنكر شأنهم، قالوا: جئناك في حاجة، قال: فليدن إلي بعضكم فليخبرني بحاجته، فجاءه رجل منهم فقالوا: جئناك لنبيعك أدراعاً عندنا لنستنفق بها، فقال: والله لئن فعلتم لقد جهدتم مذ نزل بكم هذا الرجل. فواعدوه أن يأتوه عشاء حين تهدأ عنهم الناس، فنادوه، فقالت امرأته: ما طرقك هؤلاء ساعتهم هذه لشيء مما تحب ! قال: إنهم حدثوني بحديثهم وشأنهم.

أخبرنا محمد بن حميد عن معمر عن أيوب عن عكرمة أنه أشرف عليهم فكلموه وقال: ما ترهنون عندي ؟ أترهنوني أبناءكم ؟ وأراد أن يسلفهم تمراً، قالوا: إنا نستحي أن يعير أبناؤنا فقال هذا رهينة وسق وهذا رهينة وسقين ! قال: فترهنوني نساءكم ؟ قالوا: أنت أجمل الناس ولا نأمنك، وأي امرأة تمتنع منك لجمالك ؟ ولكنا نرهنك سلاحنا وقد علمت حاجتنا إلى السلاح اليوم ! قال: نعم ائتوني بسلاحكم واحتملوا ما شئتم، قالوا: فانزل إلينا نأخذ عليك وتأخذ علينا، فذهب ينزل، فتعلقت به امرأته وقالت: أرسل إلى أمثالهم من قومك يكونوا معك، قال: لو وجدني هؤلاء نائماً ما أيقظوني، قالت: فكلمهم من فوق البيت، فأبى عليها فنزل إليهم تفوح ريحه فقالوا: ما هذه الريح يا فلان ؟ قال: عطر أم فلان لامرأته، فدنا بعضهم يشم رأسه ثم اعتنقه وقال: اقتلوا عدو الله ! فطعنه أبو عبس في خاصرته وعلاه محمد بن مسلمة بالسيف فقتلوه، ثم رجعوا فأصبحت اليهود مذعورين، فجاؤوا النبي، صلى الله عليه وسلم، فقالوا: قتل سيدنا غيلةً ! فذكرهم النبي، صلى الله عليه وسلم، صنيعه وما كان يحض عليهم ويحرض في قتالهم ويؤذيهم، ثم دعاهم إلى أن يكتبوا بينه وبينهم صلحاً أحسبه. قال: وكان ذلك الكتاب مع علي، رضي الله عنه، بعد.

غزوة رسول الله غطفان
صلى الله عليه وسلم
ثم غزوة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، غطفان إلى نجد، وهي ذو أمر، ناحية النخيل، في شهر ربيع الأول على رأس خمسة وعشرين شهراً من مهاجره، وذلك أنه بلغ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن جمعاً من بني ثعلبة ومحارب بذي أمر قد تجمعوا يريدون أن يصيبوا من أطراف رسول الله، صلى الله عليه وسلم. جمعهم رجل منهم يقال له دعثور بن الحارث من بني محارب، فندب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، المسلمين وخرج لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول في أربعمائة وخمسين رجلاً، ومعهم أفراس، واستخلف على المدينة عثمان بن عفان، فأصابوا رجلاً منهم بذي القصة يقال له جبار من بني ثعلبة، فأدخل على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأخبره من خبرهم وقال: لن يلاقوك لو سمعوا بمسيرك هربوا في رؤوس الجبال وأنا سائر معك، فدعاه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى الإسلام فأسلم. وضمه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى بلال ولم يلاق رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أحداً إلا أنه ينظر إليهم في رؤوس الجبال. وأصاب رسول الله وأصحابه مطر، فنزع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثوبيه ونشرهما ليجفا وألقاهما على شجرة واضطجع، فجاء رجل من العدو يقال له دعثور بن الحارث ومعه سيف حتى قام على رأس رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثم قال: من يمنعك مني اليوم ؟ قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: الله ! ودفع جبريل في صدره فوقع السيف من يده، فأخذه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقال له: من يمنعك مني ؟ قال: لا أحد ! أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله ! ثم أتى قومه فجعل يدعوهم إلى الإسلام ونزلت هذه الآية فيه: " يَا أيّهَا الّذينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نعمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إذْ هَمّ قَوْمٌ الآية " ثم أقبل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى المدينة ولم يلق كيداً وكانت غيبته إحدى عشرة ليلة.
غزوة رسول الله بني سليم
صلى الله عليه وسلم
ثم غزوة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بني سليم ببحران لست خلون من جمادى الأولى على رأس سبعة وعشرين شهراً من مهاجره، وبحران بناحية الفرع وبين الفرع والمدينة ثمانية برد، وذلك أنه بلغه أن بها جمعاً من بني سليم كثيراً، فخرج في ثلاثمائة رجل من أصحابه واستخلف على المدينة ابن أم المكتوم، وأغذ السير حتى ورد بحران فوجدهم قد تفرقوا في مياههم، فرجع ولم يلق كيداً، وكانت غيبته عشر ليال.
سرية زيد بن حارثة

ثم سرية زيد بن حارثة إلى القردة، وكانت لهلال جمادى الآخرة على رأس ثمانية وعشرين شهراً من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهي أول سرية خرج فيها زيد أميراً، والقردة من أرض نجد بين الربذة والغمرة ناحية ذات عرق، بعثه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يعترض لعير قريش، فيها صفوان بن أمية وحويطب بن عبد العزى وعبد الله بن أبي ربيعة، ومعه مال كثير نقر وآنية فضة وزن ثلاثين ألف درهم. وكان دليلهم فرات بن حيان العجلي، فخرج بهم على ذات عرق طريق العراق، فبلغ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أمرهم فوجه زيد بن حارثة في مائة راكب فاعترضوا لها فأصابوا العير وأفلت أعيان القوم، وقدموا بالعير على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فخمسها فبلغ الخمس فيه عشرين ألف درهم، وقسم ما بقي على أهل السرية، وأسر فرات بن حيان فأتي به النبي، صلى الله عليه وسلم، فقيل له: إن تسلم تترك ! فأسلم فتركه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من القتل.

غزوة رسول الله أحدا
ً
صلى الله عليه وسلم.

ثم غزوة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أحداً يوم السبت لسبع ليال خلون من شوال على رأس اثنين وثلاثين شهراً من مهاجره. قالوا: لما رجع من حضر بدراً من المشركين إلى مكة وجدوا العير التي قدم بها أبو سفيان بن حرب موقوفةً في دار الندوة، فمشت أشراف قريش إلى أبي سفيان فقالوا: نحن طيبو أنفس إن تجهزوا بربح هذه العير جيشاً إلى محمد، فقال أبو سفيان، وأنا أول من أجاب إلى ذلك وبنو عبد مناف معي؛ فباعوها فصارت ذهباً فكانت ألف بعير والمال خمسين ألف دينار، فسلم إلى أهل العير رؤوس أموالهم وأخرجوا أرباحهم، وكانوا يربحون في تجارتهم للدينار ديناراً، وفيهم نزلت: " إنّ الّذينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أموَالَهُمْ لِيَصُدّوا عن سَبِيلِ اللّهِ " ؛ وبعثوا رسلهم يسيرون في العرب يدعونهم إلى نصرهم، فأوعبوا وتألب من كان معهم من العرب وحضروا، فأجمعوا على إخراج الظعن، يعني النساء، معهم ليذكرنهم قتلى بدر فيحفظنهم فيكون أحد لهم في القتال. وكتب العباس ابن عبد المطلب بخبرهم كله إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأخبر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سعد بن الربيع بكتاب العباس، وأرجف المنافقون واليهود بالمدينة، وخرجت قريش من مكة ومعهم أبو عامر الفاسق، وكان يسمى قبل ذلك الراهب، في خمسين رجلاً من قومه، وكان عددهم ثلاثة آلاف رجل فيهم سبعمائة دارع، ومعهم مائتا فرس وثلاثة آلاف بعير، والظعن خمس عشرة امرأة، وشاع خبرهم ومسيرهم، في الناس حتى نزلوا ذا الحليفة، فبعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عينين له أنساً ومؤنساً ابني فضالة الظفريين، ليلة الخميس لخمس ليال مضين من شوال، فأتيا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بخبرهم وأنهم قد خلوا إبلهم وخيلهم في الزرع الذي بالعريض حتى تركوه ليس به خضراء، ثم بعث الحباب بن المنذر بن الجموح إليهم أيضاً فدخل فيهم فحزرهم وجاءه بعلمهم، وبات سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وسعد بن عبادة، في عدة ليلة الجمعة، عليهم السلاح في المسجد بباب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وحرست المدينة حتى أصبحوا. ورأى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تلك الليلة كأنه في درع حصينة، وكأن سيفه ذا الفقار قد انفصم من عند ظبته، وكأن بقراً تذبح، وكأنه مردف كبشاً، فأخبر بها أصحابه، وأولها فقال: أما الدرع الحصينة فالمدينة، وأما انفصام سيفي فمصيبة في نفسي، وأما البقر المذبح فقتل في أصحابي، وأما مردف كبشاً فكبش الكتيبة يقتله الله إن شاء الله، فكان رأي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن لا يخرج من المدينة لهذه الرؤيا، فأحب أن يوافق على مثل رأيه فاستشار أصحابه في الخروج فأشار عليه عبد الله بن أبي بن سلول أن لا يخرج، وكان ذلك رأي الأكابر من المهاجرين والأنصار، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: امكثوا في المدينة واجعلوا النساء والذراري في الآطام. فقال فتيان أحداث لم يشهدوا بدراً فطلبوا من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الخروج إلى عدوهم ورغبوا في الشهادة وقالوا: اخرج بنا إلى عدونا، فغلب على الأمر الذي يريدون الخروج، فصلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الجمعة بالناس ثم وعظهم وأمرهم بالجد والجهاد وأخبرهم أن لهم النصر ما صبروا، وأمرهم بالتهيؤ لعدوهم ففرح الناس بالشخوص، ثم صلى بالناس العصر وقد حشدوا وحضر أهل العوالي، ثم دخل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بيته ومعه أبو بكر وعمر فعمماه ولبساه وصف الناس له ينتظرون خروجه، فقال لهم سعد بن معاذ وأسيد بن حضير: استكرهتم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على الخروج والأمر ينزل عليه من السماء فردوا الأمر إليه. فخرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قد لبس لأمته وأظهر الدرع وحزم وسطها بمنطقة من أدم من حمائل السيف، واعتم وتقلد السيف وألقى الترس في ظهره، فندموا جميعاً على ما صنعوا وقالوا: ما كان لنا أن نخالفك فاصنع ما بدا لك، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: لا ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين أعدائه، فانظروا ما أمرتكم به فافعلوه وامضوا على اسم الله فلكم النصر ما صبرتم. ثم دعا بثلاثة أرماح فعقد ثلاثة ألوية، فدفع لواء الأوس إلى أسيد بن حضير، ودفع لواء الخزرج إلى الحباب بن المنذر، ويقال إلى سعد بن عبادة، ودفع لواءه لواء المهاجرين إلى علي بن أبي طالب، رضي

الله عنه، ويقال إلى مصعب بن عمير، واستخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم، ثم ركب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فرسه وتنكب القوس وأخذ قناة بيده والمسلمون عليهم السلاح قد أظهروا الدروع فيهم مائة دارع، وخرج السعدان أمامه يعدوان: سعد بن معاذ وسعد بن عبادة، وكل واحد منهما دارع والناس عن يمينه وشماله. فمضى حتى إذا كان بالشيخين، وهما أطمان، التفت فنظر إلى كتيبة خشناء لها زجل فقال: ما هذه ؟ قالوا: حلفاء ابن أبي من يهود؛ فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: لا تستنصروا بأهل الشرك على أهل الشرك. وعرض من عرض بالشيخين فرد من رد وأجاز من أجاز، وغابت الشمس وأذن بلال المغرب فصلى النبي، صلى الله عليه وسلم، بأصحابه وبات بالشيخين وكان نازلاً في بني النجار، واستعمل على الحرس تلك الليلة محمد بن مسلمة في خمسين رجلاً يطيفون بالعسكر. وكان المشركون قد رأوا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حيث راح ونزل، فاجتمعوا واستعملوا على حرسهم عكرمة بن أبي جهل في خيل من المشركين، وأدلج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في السحر ودليله أبو حثمة الحارثي فانتهى إلى أحد إلى موضع القنطرة اليوم فحانت الصلاة، وهو يرى المشركين، فأمر بلالاً وأذن وأقام فصلى بأصحابه الصبح صفوفاً، وانخزل ابن أبي من ذلك المكان في كتيبة كأنه هيق يقدمهم وهو يقول: عصاني وأطاع الولدان ومن لا رأي له، وانخزل معه ثلاثمائة، فبقي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في سبعمائة ومعه فرسه وفرس لأبي بردة بن نيار، وأقبل يصف أصحابه ويسوي الصفوف على رجليه، وجعل ميمنةً وميسرةً وعليه درعان ومغفر وبيضة، وجعل أحداً خلف ظهره واستقبل المدينة، وجعل عينين جبلاً بقناة عن يساره وجعل عليه خمسين من الرماة، واستعمل عليهم عبد الله بن جبير وأوعز إليهم فقال: قوموا على مصافكم هذه فاحموا ظهورنا، فإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا، وإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا، وأقبل المشركون قد صفوا صفوفهم واستعملوا على الميمنة خالد بن الوليد وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل، ولهم مجنبتان مائتا فرس، وجعلوا على الخيل صفوان ابن أمية، ويقال عمرو بن العاص، وعلى الرماة عبد الله بن أبي ربيعة، وكانوا مائة رام، ودفعوا اللواء إلى طلحة بن أبي طلحة، واسم أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي. وسأل رسول الله، صلى الله عليه وسلم: من يحمل لواء المشركين ؟ قيل: عبد الدار، قال: نحن أحق بالوفاء منهم، أين مصعب بن عمير ؟ قال: هأنذا، قال: خذ اللواء، فأخذه مصعب بن عمير فتقدم به بين يدي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فكان أول من أنشب الحرب بينهم أبو عامر الفاسق، طلع في خمسين من قومه فنادى: أنا أبو عامر، فقال المسلمون: لا مرحباً بك ولا أهلاً، يا فاسق ! قال: لقد أصاب قومي بعدي شر، ومعه عبيد قريش، فتراموا بالحجارة هم والمسلمون حتى ولى أبو عامر وأصحابه، وجعل نساء المشركين يضربن بالأكبار والدفوف والغرابيل ويحرضن ويذكرنهم قتلى بدر ويقلن:الله عنه، ويقال إلى مصعب بن عمير، واستخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم، ثم ركب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فرسه وتنكب القوس وأخذ قناة بيده والمسلمون عليهم السلاح قد أظهروا الدروع فيهم مائة دارع، وخرج السعدان أمامه يعدوان: سعد بن معاذ وسعد بن عبادة، وكل واحد منهما دارع والناس عن يمينه وشماله. فمضى حتى إذا كان بالشيخين، وهما أطمان، التفت فنظر إلى كتيبة خشناء لها زجل فقال: ما هذه ؟ قالوا: حلفاء ابن أبي من يهود؛ فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: لا تستنصروا بأهل الشرك على أهل الشرك. وعرض من عرض بالشيخين فرد من رد وأجاز من أجاز، وغابت الشمس وأذن بلال المغرب فصلى النبي، صلى الله عليه وسلم، بأصحابه وبات بالشيخين وكان نازلاً في بني النجار، واستعمل على الحرس تلك الليلة محمد بن مسلمة في خمسين رجلاً يطيفون بالعسكر. وكان المشركون قد رأوا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حيث راح ونزل، فاجتمعوا واستعملوا على حرسهم عكرمة بن أبي جهل في خيل من المشركين، وأدلج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في السحر ودليله أبو حثمة الحارثي فانتهى إلى أحد إلى موضع القنطرة اليوم فحانت الصلاة، وهو يرى المشركين، فأمر بلالاً وأذن وأقام فصلى بأصحابه الصبح صفوفاً، وانخزل ابن أبي من ذلك المكان في كتيبة كأنه هيق يقدمهم وهو يقول: عصاني وأطاع الولدان ومن لا رأي له، وانخزل معه ثلاثمائة، فبقي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في سبعمائة ومعه فرسه وفرس لأبي بردة بن نيار، وأقبل يصف أصحابه ويسوي الصفوف على رجليه، وجعل ميمنةً وميسرةً وعليه درعان ومغفر وبيضة، وجعل أحداً خلف ظهره واستقبل المدينة، وجعل عينين جبلاً بقناة عن يساره وجعل عليه خمسين من الرماة، واستعمل عليهم عبد الله بن جبير وأوعز إليهم فقال: قوموا على مصافكم هذه فاحموا ظهورنا، فإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا، وإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا، وأقبل المشركون قد صفوا صفوفهم واستعملوا على الميمنة خالد بن الوليد وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل، ولهم مجنبتان مائتا فرس، وجعلوا على الخيل صفوان ابن أمية، ويقال عمرو بن العاص، وعلى الرماة عبد الله بن أبي ربيعة، وكانوا مائة رام، ودفعوا اللواء إلى طلحة بن أبي طلحة، واسم أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي. وسأل رسول الله، صلى الله عليه وسلم: من يحمل لواء المشركين ؟ قيل: عبد الدار، قال: نحن أحق بالوفاء منهم، أين مصعب بن عمير ؟ قال: هأنذا، قال: خذ اللواء، فأخذه مصعب بن عمير فتقدم به بين يدي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فكان أول من أنشب الحرب بينهم أبو عامر الفاسق، طلع في خمسين من قومه فنادى: أنا أبو عامر، فقال المسلمون: لا مرحباً بك ولا أهلاً، يا فاسق ! قال: لقد أصاب قومي بعدي شر، ومعه عبيد قريش، فتراموا بالحجارة هم والمسلمون حتى ولى أبو عامر وأصحابه، وجعل نساء المشركين يضربن بالأكبار والدفوف والغرابيل ويحرضن ويذكرنهم قتلى بدر ويقلن:

نحن بنات طارق ... نمشي على النّمارق
إن تقبلوا نعانق ... أو تدبروا نفارق
فراق غير وامق
قال: ودنا القوم بعضهم من بعض والرماة يرشقون خيل المشركين بالنبل فتولى هوازن، فصاح طلحة بن أبي طلحة صاحب اللواء: من يبارز ؟ فبرز له علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، فالتقيا بين الصفين فبدره علي فضربه على رأسه حتى فلق هامته فوقع، وهو كبش الكتيبة، فسر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بذلك وأظهر التكبير، وكبر المسلمون وشدوا على كتائب المشركين يضربونهم حتى نغضت صفوفهم، ثم حمل لواءهم عثمان بن أبي طلحة أبو شيبة وهو أمام النسوة يرتجز ويقول:
إنّ على أهل اللّواء حقّاً ... أن تخضب الصّعدة أو تندقّا
وحمل عليه حمزة بن عبد المطلب فضربه بالسيف على كاهله فقطع يده وكتفه حتى انتهى إلى مؤتزره وبدا سحره، ثم رجع وهو يقول: أنا ابن ساقي الحجيج، ثم حمله أبو سعد بن أبي طلحة فرماه سعد بن أبي وقاص فأصاب حنجرته فأدلع لسانه إدلاع الكلب فقتله، ثم حمله مسافع بن طلحة بن أبي طلحة فرماه عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح فقتله، ثم حمله الحارث ابن طلحة بن أبي طلحة فرماه عاصم بن ثابت فقتله، ثم حمله كلاب بن طلحة ابن أبي طلحة فقتله الزبير بن العوام، ثم حمله الجلاس بن طلحة بن أبي طلحة فقتله طلحة بن عبيد الله، ثم حمله أرطاة بن شرحبيل فقتله علي بن أبي طالب، ثم حمله شريح بن قارظ فلسنا ندري من قتله، ثم حمله صؤاب غلامهم وقال قائل: قتله سعد بن أبي وقاص، وقال قائل: قتله علي بن أبي طالب، وقال قائل: قتله قزمان، وهو أثبت القول.
فلما قتل أصحاب اللواء انكشف المشركون منهزمين لا يلوون على شيء، ونساؤهم يدعون بالويل، وتبعهم المسلمون يضعون السلاح فيهم حيث شاؤوا حتى أجهضوهم عن العسكر، ووقعوا ينتهبون العسكر ويأخذون ما فيه من الغنائم، وتكلم الرماة الذين على عينين واختلفوا بينهم، وثبت أميرهم عبد الله بن جبير في نفر يسير دون العشرة مكانهم، وقال: لا أجاوز أمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ووعظ أصحابه وذكرهم أمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقالوا: لم يرد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، هذا، قد انهزم المشركون فما مقامنا ها هنا ؟ فانطلقوا يتبعون العسكر ينتهبون معهم وخلوا الجبل، ونظر خالد بن الوليد إلى خلاء الجبل وقلة أهله فكر بالخيل وتبعه عكرمة ابن أبي جهل فحملوا على من بقي من الرماة فقتلوهم، وقتل أميرهم عبد الله ابن جبير، رحمه الله، وانتقضت صفوف المسلمين واستدارت رحاهم وحالت الريح فصارت دبوراً، وكانت قبل ذلك صباً. ونادى إبليس لعنه الله أن محمداً قد قتل. واختلط المسلمون فصاروا يقتتلون على غير شعار ويضرب بعضهم بعضاً ما يشعرون به من العجلة والدهش، وقتل مصعب بن عمير فأخذ اللواء ملك في صورة مصعب، وحضرت الملائكة يومئذ ولم تقاتل، ونادى المشركون بشعارهم: يا للعزى ! يا لهبل ! وأوجعوا في المسلمين قتلاً ذريعاً، وولى من ولى منهم يومئذ وثبت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ما يزول يرمي عن قوسه حتى صارت شظايا ويرمي بالحجر، وثبت معه عصابة من أصحابه أربعة عشر رجلاً: سبعة من المهاجرين فيهم أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، وسبعة من الأنصار، حتى تحاجزوا ونالوا من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في وجهه ما نالوا، أصيبت رباعيته وكلم في وجنتيه وجبهته وعلاه ابن قميئة بالسيف فضربه على شقه الأيمن، واتقاه طلحة بن عبيد الله بيده فشلت إصبعه، وادعى ابن قميئة أنه قد قتله، وكان ذلك مما رعب المسلمين وكسرهم.

من قتل من المسلمين يوم أحد
وقتل يومئذ حمزة بن عبد المطلب، رحمه الله، قتله وحشي، وعبدا لله ابن جحش، قتله أبو الحكم بن الأخنس بن شريق، ومصعب بن عمير، قتله ابن قميئة، وشماس بن عثمان بن الشريد المخزومي، قتله أبي بن خلف الجمحي، وعبد الله وعبد الرحمن ابنا الهبيب من بني سعد بن ليث، ووهب ابن قابوس المزني، وابن أخيه الحارث بن عقبة بن قابوس.

وقتل من الأنصار سبعون رجلاً، فيهم عمرو بن معاذ أخو سعد بن معاذ، واليمان أبو حذيفة، قتله المسلمون خطأ، وحنظلة بن أبي عامر الراهب، وخيثمة أبو سعد بن خيثمة، وخارجة بن زيد بن أبي زهير صهر أبي بكر، وسعد بن الربيع، ومالك بن سنان أبو أبي سعيد الخدري، والعباس بن عبادة ابن نضلة، ومجذر بن ذياد، وعبد الله بن عمرو بن حرام، وعمرو بن الجموح في ناس كثير من أشرافهم.
وقتل من المشركين ثلاثة وعشرون رجلاً، فيهم حملة اللواء وعبد الله ابن حميد بن زهير بن الحارث بن أسد بن عبد العزى، وأبو عزيز بن عمير، وأبو الحكم بن الأخنس بن شريق الثقفي، قتله علي بن أبي طالب، وسباع ابن عبد العزى الخزاعي، وهو ابن أم أنمار قتله حمزة بن عبد المطلب، رضي الله عنه، وهشام بن أبي أمية بن المغيرة، والوليد بن العاص بن هشام، وأمية ابن أبي حذيفة بن المغيرة، وخالد بن الأعلم العقيلي، وأبي بن خلف الجمحي قتله رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بيده، وأبو عزة الجمحي واسمه عمرو بن عبد الله بن عمير بن وهب بن حذافة بن جمح، وقد كان أسر يم بدر فمن عليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: لا أكثر عليك جمعاً، ثم خرج مع المشركين يوم أحد فأخذه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أسيراً ولم يأخذ أسيراً غيره فقال: من علي يا محمد ! فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، لا ترجع إلى مكة تمسح عارضيك تقول: سخرت بمحمد مرتين، ثم أمر به عاصم بن ثابت ابن أبي الأقلح فضرب عنقه.
فلما انصرف المشركون عن أحد أقبل المسلمون على أمواتهم وأتي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بحمزة بن عبد المطلب فلم يغسله ولم يغسل الشهداء وقال: لفوهم بدمائهم وجراحهم، أنا الشهيد على هؤلاء، ضعوهم. فكان حمزة أول من كبر عليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أربعاً ثم جمع إليه الشهداء، فكان كلما أتي بشهيد وضع إلى جنب حمزة فصلى عليه وعلى الشهيد حتى صلى عليه سبعين مرة، وقد سمعنا من يقول: لم يصل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على قتلى أحد. وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: احفروا وأعمقوا وأوسعوا وقدموا أكثرهم قرآناً. فكان ممن نعرف أنه دفن في قبر واحد عبد الله بن عمرو بن حرام، وعمرو بن الجموح في قبر، وخارجة ابن زيد وسعد بن الربيع في قبر، والنعمان بن مالك وعبدة بن الحسحاس في قبر واحد، فكان الناس أو عامتهم قد حملوا قتلاهم إلى المدينة فدفنوهم في نواحيها. فنادى منادي رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ردوا القتلى إلى مضاجعهم. فأدرك المنادي رجلاً واحداً لم يكن دفن فرد، وهو شماس بن عثمان المخزومي.
ثم انصرف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يومئذ فصلى المغرب بالمدينة وشمت ابن أبي والمنافقون بما نيل من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في نفسه وأصحابه، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: لن ينالوا منا مثل هذا اليوم حتى نستلم الركن، وبكت الأنصار على قتلاهم فسمع ذلك رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: لكن حمزة لا بواكي له. فجاء نساء الأنصار إلى باب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فبكين على حمزة فدعا لهن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأمرهن بالانصراف؛ فهن إلى اليوم إذا مات الميت من الأنصار بدأ النساء فبكين على حمزة ثم بكين على ميتهن.
أخبرنا جرير بن عبد الحميد عن عطاء بن السائب عن الشعبي قال: مكر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوم أحد بالمشركين، وكان ذلك أول يوم مكر فيه.
أخبرنا هشيم بن بشير قال: أخبرنا حميد الطويل عن أنس بن مالك أن النبي، صلى الله عليه وسلمن كسرت رباعيته يوم أحد وشج في جبهته حتى سال الدم على وجهه، صلوات الله عليه ورضوانه ورحمته وبركاته. فقال: كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم ؟ فنزلت هذه الآية: " لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أوْ يُعَذّبَهُمْ فَإنّهُمْ ظَالِمُونَ " .

أخبرنا أبو أسامة حماد بن أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: لما كان يوم أحد هزم المشركون فصاح إبليس: أي عباد الله أخراكم. قال: فرجعت أولاهم فاجتلدت هي وأخراهم، فنظر حذيفة فإذا هو بأبيه اليمان فقال: عباد الله، أبي ! أبي ! قالت: والله ما احتجزوا حتى قتلوه، فقال حذيفة: غفر الله لكم. قال عروة: فوالله ما زال في حذيفة منه بقية خير حتى لحق بالله.
أخبرنا عفان بن مسلم قال: أخبرنا حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: رأيت كأني في درع حصينة ورأيت بقراً منحرة فأولت أن الدرع المدينة والبقر نفر، فإن شئتم أقمنا بالمدينة، فإن دخلوا علينا قاتلناهم فيها. فقالوا: والله ما دخلت علينا في الجاهلية فتدخل علينا في الإسلام. قال: فشأنكم إذاً، فذهبوا فلبس رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لأمته. فقالوا: ما صنعنا ؟ رددنا على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، رأيه. فجاؤوا فقالوا: شأنك يا رسول الله. فقال: الآن ليس لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل.
حدثنا محمد بن حميد العبدي عن معمر عن قتادة: أن رباعية النبي، صلى الله عليه وسلم، أصيبت يوم أحد، أصابها عتبة بن أبي وقاص وشجه في جبهته، فكان سالم مولى أبي حذيفة يغسل عن النبي، صلى الله عليه وسلم، الدم والنبي، صلى الله عليه وسلم، يقول: كيف يفلح قوم صنعوا هذا بنبيهم ؟ فأنزل الله، تباك وتعالى: " لَيسَ لَكَ من الأمرِ شَيْءٌ أوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أوْ يُعَذّبَهُمْ " إلى آخر الآية.
أخبرنا محمد بن حميد عن معمر عن الزهري أن الشيطان صاح يوم أحد: إن محمداً قد قتل. قال كعب بن مالك: فكنت أنا أول من عرف النبي، صلى الله عليه وسلم، عرفت عينيه تحت المغفر فناديت بصوتي الأعلى: هذا رسول الله ! فأشار إلي أن أسكت فأنزل الله، تعالى جده: " ومَا مُحَمّدٌ إلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرّسُلُ أفَإنْ مَاتَ أوْ قُتِلَ " الآية.
أخبرنا قتيبة بن سعيد البلخي، أخبرنا ليث بن سعد عن عبد الرحمن بن خالد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن أبي بن خلف الجمحي أسر يوم بدر، فلما افتدي من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال لرسول الله، صلى الله عليه وسلم: إن عندي فرساً أعلفها كل يوم فرق ذرة لعلي أقتلك عليها، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: بل أنا أقتلك عليها إن شاء الله، فلما كان يوم أحد أقبل أبي بن خلف يركض فرسه تلك حتى دنا من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فاعترض رجال من المسلمين له ليقتلوه فقال لهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم: استأخروا استأخروا ! فقام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بحربة في يده فرمى بها أبي بن خلف فكسرت الحربة ضلعاً من أضلاعه، فرجع إلى أصحابه ثقيلاً فاحتملوه حتى ولوا به وطفقوا يقولون له: لا بأس بك ! فقال لهم أبي: ألم يقل لي: بل أنا أقتلك إن شاء الله ؟ فانطلق به أصحابه فمات ببعض الطريق فدفنوه، قال سعيد بن المسيب: وفيه أنزل الله، تبارك وتعالى: " وَمَا رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ وَلَكِنّ اللّهَ رَمَى " الآية.
أخبرنا عتاب بن زياد، أخبرنا عبد الله بن المبارك عن سفيان بن عيينة عن يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد أو غيره قال: كانت على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوم أحد درعان.
أخبرنا عتاب بن زياد، أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا سفيان بن عيينة قال: لقد أصيب مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوم أحد نحو من ثلاثين كلهم يجيء حتى يجثو بين يديه، أو قال: يتقدم بين يديه، ثم يقول: وجهي لوجهك الوفاء ونفسي لنفسك الفداء وعليك سلام الله غير مودع.

أخبرنا الحسن بن موسى الأشيب وعمرو بن خالد المصري قالا: أخبرنا زهير بن معاوية، أخبرنا أبو إسحاق عن البراء بن عازب قال: لما كان يوم أحد جعل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على الرماة، وكانوا خمسين رجلاً، عبد الله بن جبير الأنصاري ووضعهم موضعاً وقال: إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا قد هزمنا القوم وظهرنا عليهم وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم، قال: فهزمهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأنا والله رأيت النساء يشتددن على الجبل قد بدت أسؤقهن وخلاخلهن رافعات ثيابهن، فقال أصحاب عبد الله بن جبير: الغنيمة ! أي قوم الغنيمة ! قد ظهر أصحابكم فما تنظرون ؟ فقال عبد الله بن جبير: أنسيتم ما قال لكم رسول الله، صلى الله عليه وسلم ؟ فقالوا: إنا والله لنأتين الناس فنصيبن من الغنيمة. قال: فلما أتوهم صرفت وجوههم فأقبلوا منهزمين، فذلك إذ يدعوهم الرسول في أخراهم فلم يبق مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، غير اثني عشر رجلاً فأصابوا منا سبعين رجلاً. وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم وأصحابه، أصاب من المشركين يوم بدر أربعين ومائة: سبعين أسيراً وسبعين قتيلاً، فأقبل أبو سفيان فقال: أفي القوم محمد ؟ ثلاث مرات، قال: فنهاهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يجيبوه، ثم قال: أفي القوم ابن أبي قحافة ؟ أفي القوم ابن أبي قحافة ؟ أفي القوم ابن أبي قحافة؟ أفي القوم ابن الخطاب ؟ أفي القوم ابن الخطاب ؟ أفي القوم ابن الخطاب ؟ قال أبو إسحاق: اتهم، قال الحسن بن موسى أي ليس فوقهم أحد. ثم أقبل أبو سفيان على أصحابه فقال: أما هؤلاء فقد قتلوا وقد كفيتموهم، فما ملك عمر نفسه أن قال: كذبت والله يا عدو الله ! إن الذين عددت لأحياء كلهم وقد بقي لك ما يسوءك. قال: فقال يوم بيوم بدر والحرب سجال ثم إنكم ستجدون في القوم مثلةً لم آمر بها ولم تسؤني. ثم جعل يرتجز ويقول: أعل هبل، أعل هبل ! فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ألا تجيبونه ؟ قالوا: يا رسول الله بماذا نجيبه ؟ قال: قولوا الله أعلى وأجل. قال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزى لكم ! فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ألا تجيبونه ؟ قالوا: وبماذا نجيبه يا رسول الله ؟ قال: قولوا الله مولانا ولا مولى لكم.
أخبرنا خالد بن خداش، أخبرنا عبد العزيز بن أبي حازم، حدثني أبي عن سهل بن سعد قال: كسرت رباعية رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوم أحد وجرح وجهه وكسرت البيضة على رأسه، فكانت فاطمة عليها السلام، تغسل جرحه وعلي يسكب الماء عليها بالمجن يعني الترس، فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة أخذت فاطمة قطعة حصير فأحرقته فألصقته عليه فاستمسك الدم.
أخبرنا خالد بن خداش، أخبرنا الفضل بن موسى السيناني عن محمد ابن عمرو عن سعد بن المنذر عن أبي حميد الساعدي: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خرج يوم أحد حتى إذا جاوز ثنية الوداع إذا هو بكتيبة خشناء فقال: من هؤلاء ؟ قالوا: هذا عبد الله بن أبي بن سلول في ستمائة من مواليه من اليهود من أهل قينقاع، وهم رهط عبد الله بن سلام. قال: وقد أسلموا؟ قالوا: لا يا رسول الله. قال: قولوا لهم فليرجعوا فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين.
أخبرنا أبو المنذر البزاز، أخبرنا سفيان الثوري عن حصين عن أبي مالك: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، صلى على قتلى أحد.

غزوة رسول الله حمراء الأسد
صلى الله عليه وسلم.

ثم غزوة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حمراء الأسد يوم الأحد لثماني ليال خلون من شوال على رأس اثنين وثلاثين شهراً من مهاجره. قالوا: لما انصرف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من أحد مساء يوم السبت بات تلك الليلة على بابه ناس من وجوه الأنصار وبات المسلمون يداوون جراحاتهم، فلما صلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الصبح يوم الأحد أمر بلالاً أن ينادي أن رسول الله يأمركم بطلب عدوكم ولا يخرج معنا إلا من شهد القتال بالأمس، فقال جابر بن عبد الله: إن أبي خلفني يوم أحد على أخوات لي فلم أشهد الحرب فأذن لي أن أسير معك، فأذن له رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فلم يخرج معه أحد لم يشهد القتال غيره. ودعا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بلوائه وهو معقود لم يحل فدفعه إلى علي بن أبي طالب، ويقال إلى أبي بكر الصديق، رضي الله عنهما، وخرج وهو مجروح في وجهه ومشجوج في جبهته ورباعيته قد شظيت وشفته السفلى قد كلمت في باطنها، وهو متوهن منكبه الأيمن من ضربة ابن قميئة وركبتاه مجحوشتان، وحشد أهل العوالي ونزلوا حيث أتاهم الصريخ وركب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فرسه وخرج الناس معه فبعث ثلاثة نفر من أسلم طليعة في آثار القوم، فلحق اثنان منهم القوم بحمراء الأسد، وهي من المدينة على عشرة أميال طريق العقيق متياسرةً عن ذي الحليفة إذا أخذتها في الوادي، وللقوم زجل وهم يأتمرون بالرجوع وصفوان بن أمية ينهاهم عن ذلك، صلى الله عليه وسلم، بأصحابه حتى عسكروا بحمراء الأسد، فدفن الرجلين في قبر واحد، وهما القرينان، وكان المسلمون يوقدون، تلك الليالي، خمسمائة نار حتى ترى من المكان البعيد، وذهب صوت معسكرهم ونيرانهم في كل وجه، فكبت الله، تبارك وتعالى، بذلك عدوهم. فانصرف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى المدينة فدخلها يوم الجمعة وقد غاب خمس ليال، وكان استخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم.

سرية أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي
ثم سرية أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي إلى قطن، وهو جبل بناحية فيد به ماء لبني أسد بن خزيمة، في هلال المحرم على رأس خمسة وثلاثين شهراً من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم. وذلك أنه بلغ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن طليحة وسلمة ابني خويلد قد سارا في قومهما ومن أطاعهما يدعوانهم إلى حرب رسول الله، صلى الله عليه وسلم. فدعا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أبا سلمة وعقد له لواءً وبعث معه مائة وخمسين رجلاً من المهاجرين والأنصار وقال: سر حتى تنزل أرض بني أسد فأغر عليهم قبل أن تلاقى عليك جموعهم، فخرج فأغذ السير ونكب عن سنن الطريق وسبق الأخبار وانتهى إلى أدنى قطن، فأغار على سرح لهم فضموه وأخذوا رعاءً لهم مماليك ثلاثةً، وأفلت سائرهم فجاؤوا جمعهم فحذروهم فتفرقوا في كل ناحية، ففرق أبو سلمة أصحابه ثلاث فرق في طلب النعم والشاء فآبوا إليه سالمين قد أصابوا إبلاً وشاءً ولم يلقوا أحداً، فانحدر أبو سلمة بذلك كله إلى المدينة.
سرية عبد الله بن أنيس

ثم سرية عبد الله بن أنيس إلى سفيان بن خالد بن نبيح الهذلي بعرنة. خرج من المدينة يوم الاثنين لخمس خلون من المحرم على رأس خمسة وثلاثين شهراً من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه بلغ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن سفيان بن خالد الهذلي ثم اللحيان وكان ينزل عرنة وما والاها في ناس من قومه وغيرهم، قد جمع الجموع لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، فبعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عبد الله ابن أنيس ليقتله فقال: صفه لي يا رسول الله، قال: إذا رأيته هبته وفرقت منه وذكرت الشيطان، قال: وكنت لا أهاب الرجال، واستأذنت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن أقول فأذن لي فأخذت سيفي وخرجت أعتزي إلى خزاعة حتى إذا كنت ببطن عرنة لقيت يمشي ووراءه الأحابيش ومن ضوى إليه، فعرفته بنعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهبته فرأيتني أقطر فقلت: صدق الله ورسوله، فقال: من الرجل ؟ فقلت: رجل من خزاعة سمعت بجمعك لمحمد فجئتك لأكون معك. قال: أجل إني لأجمع له، فمشيت معه وحدثته واستحلى حديثي حتى انتهى إلى خبائه وتفرق عنه أصحابه حتى إذا هدأ الناس وناموا اغتررته فقتلته وأخذت رأسه ثم دخلت غاراً في الجبل وضربت العنكبوت علي، وجاء الطلب فلم يجدوا شيئاً فانصرفوا راجعين. ثم خرجت فكنت أسير الليل وأتوارى بالنهار حتى قدمت المدينة فوجدت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في المسجد فلما رآني قال: أفلح الوجه ! قلت: أفلح وجهك يا رسول الله ! فوضعت رأسه بين يديه وأخبرته خبري فدفع إلي عصاً وقال: تخصر بهذه في الجنة ! فكانت عنده، فلما حضرته الوفاة أوصى أهله أن يدرجوها في كفنه ففعلوا، وكانت غيبته ثماني عشرة ليلة وقدم يوم السبت لسبع بقين من المحرم.

سرية المنذر بن عمرو

ثم سرية المنذر بن عمرو الساعدي إلى بئر معونة في صفر على رأس ستة وثلاثين شهراً من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قالوا: وقدم عامر بن مالك بن جعفر أبو براء ملاعب الأسنة الكلابي على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأهدى له فلم يقبل منه وعرض عليه الإسلام فلم يسلم ولم يبعد وقال: لو بعثت معي نفراً من أصحابك إلى قومي لرجوت أن يجيبوا دعوتك ويتبعوا أمرك، فقال: إني أخاف عليهم أهل نجد. فقال: أنا لهم جار إن يعرض لهم أحد. فبعث معه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سبعين رجلاً من الأنصار شببةً يسمون القراء وأمر عليهم المنذر بن عمرو الساعدي، فلما نزلوا ببئر معونة، وهو ماء من مياه بني سليم وهو بين أرض بني عامر وأرض بني سليم، كلا البلدين يعد منه وهو بناحية المعدن، نزلوا عليها وعسكروا بها وسرحوا ظهرهم وقدموا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى عامر بن الطفيل فوثب على حرام فقتله واستصرخ عليهم بني عامر فأبوا وقالوا: لا يخفر جوار أبي براء، فاستصرخ عليهم قبائل من سليم عصية ورعلاً وذكوان فنفروا معه ورأسوه. واستبطأ المسلمون حراماً فأقبلوا في أثره فلقيهم القوم فأحاطوا بهم فكاثروهم فتقاتلوا فقتل أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وفيهم سليم بن ملحان والحكم بن كيسان في سبعين رجلاً، فلما أحيط بهم قالوا: اللهم إنا لا نجد من يبلغ رسولك منا السلام غيرك فأقرئه منا السلام. فأخبره جبرائيل، صلى الله عليه وسلم، بذلك فقال: وعليهم السلام؛ وبقي المنذر بن عمرو فقالوا: إن شئت آمناك، فأبى وأتى مصرع حرام فقاتلهم حتى قتل فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أعنق ليموت، يعني أنه تقدم على الموت وهو يعرفه، وكان معهم عمرو بن أمية الضمري فقتلوا جميعاً غيره، فقال عامر بن الطفيل: قد كان على أمي نسمة فأنت حر عنها، وجز ناصيته. وفقد عمرو بن أمية عامر ابن فهيرة من بين القتلى فسأل عنه عامر بن الطفيل فقال: قتله رجل من بني كلاب يقال له جبار بن سلمى، لما طعنه قال: فزت والله ! ورفع إلى السماء علواً. فأسلم جبار بن سلمى لما رأى من قتل عامر بن فهيرة ورفعه وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إن الملائكة وارت جثته وأنزل عليين. وجاء رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خبر أهل بئر معونة، وجاءه تلك الليلة أيضاً مصاب خبيب بن عدي ومرثد بن أبي مرثد وبعث محمد بن مسلمة فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: هذا عمل أبي براء، قد كنت لهذا كارهاً. ودعا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على قتلتهم بعد الركعة من الصبح فقال: اللهم أشدد وطأتك على مضر ! اللهم سنين كسني يوسف ! اللهم عليك ببني لحيان وعضل والقارة وزغب ورعل وذكوان وعصية فإنهم عصوا الله ورسوله. ولم يجد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على قتلى ما وجد على قتلى بئر معونة، وأنزل الله فيهم قرآناً حتى نسخ بعد: " بَلّغوا قَوْمَنَا عَنّا أنّا لَقِينَا رَبّنَا فَرَضِيَ عَنّا ورَضِينَا عنْهُ " . وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: اللهم اهد بني عامر واطلب خفرتي من عامر بن الطفيل. وأقبل عمرو بن أمية سار أربعاً على رجليه، فلما كان بصدور قناة لقي رجلين من بني كلاب قد كان لهما من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أمان فقتلهما وهو لا يعلم ذلك ثم قدم على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأخبره بمقتل أصحاب بئر معونة، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أبت من بينهم. وأخبر النبي، صلى الله عليه وسلم، يقتل العامريين فقال: بئس ما صنعت! قد كان لهما مني أمان وجوار، لأدينهما، فبعث بديتهما إلى قومهما.
أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري، أخبرنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك: أن رعلاً وذكوان وعصية وبني لحيان أتوا رسول الله، صلى الله عليه وسلم. فاستمدوه على قومهم فأمدهم سبعين رجلاً من الأنصار، وكانوا يدعون فينا القراء، كانوا يحطبون بالنهار ويصلون بالليل، فلما بلغوا بئر معونة غدروا بهم فقتلوهم، فبلغ ذلك نبي الله، صلى الله عليه وسلم، فقنت شهراً في صلاة الصبح يدعو على رعل وذكوان وعصية وبني لحيان. قال: فقرأنا بهم قرآناً زماناً ثم إن ذلك رفع أو نسي: " بَلّغُوا عنّا قَوْمَنَا أنّا لَقِينّا رَبّنَا فَرَضيَ عَنّا وَأرْضَانَا " .

أخبرنا يحيى بن عباد، أخبرنا عمارة بن زاذان، حدثني مكحول قال: قلت لأنس بن مالك: أبا حمزة القراء، قال: ويحك قتلوا على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كانوا قوماً يستعذبون لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، ويحطبون حتى إذا كان الليل قاموا إلى السواري للصلاة.
أخبرنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري عن أبيه عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب، أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ورجال من أهل العلم: أن المنذر بن عمرو الساعدي قتل يوم بئر معونة، وهو الذي يقال له: أعنق ليموت، وكان عامر بن الطفيل استنصر لهم بني سليم فنفروا معه فقتلوهم غير عمرو بن أمية الضمري، أخذه عامر بن الطفيل فأرسله، فلما قدم على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال له رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أبت من بينهم. وكان من أولئك الرهط عامر بن فهيرة، قال ابن شهاب: فزعم عروة بن الزبير أنه قتل يومئذ فلم يوجد جسده حين دفنوا. قال عروة: كانوا يرون أن الملائكة هي دفنته.
أخبرنا عتاب بن زياد، أخبرنا عبد الله بن المبارك، قال: أخبرنا مالك ابن أنس عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال: أنزل في الذين قتلوا ببئر معونة قرآن حتى نسخ بعد: " بَلّغُوا قَوْمَنَا أنّا قَدْ لَقِينَا رَبّنَا فَرَضيَ عَنّا وَرَضِينَا عَنْهُ " . ودعا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على الذين قتلوهم ثلاثين غداة، يدعو على رعل وذكوان وعصية عصت الله ورسوله.
أخبرنا الفضل بن دكين، أخبرنا سفيان بن عيينة عن عاصم قال: سمعت أنس بن مالك قال: ما رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وجد على أحد ما وجد على أصحاب بئر معونة.

سرية مرثد بن أبي مرثد
ثم سرية مرثد بن أبي مرثد الغنوي إلى الرجيع في صفر على رأس ستة وثلاثين شهراً من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا عبد الله بن إدريس الأودي، أخبرنا محمد بن إسحاق عن عاصم ابن عمر بن قتادة بن النعمان الظفري، وأخبرنا معن بن عيسى الأشجعي، أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عمر بن أسيد بن العلاء بن جارية، وكان من جلساء أبي هريرة، قال: قدم على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، رهط من عضل والقارة وهم إلى الهون بن خزيمة فقالوا: يا رسول الله إن فينا إسلاماً فابعث معنا نفراً من أصحابك يفقهونا ويقرئونا القرآن ويعلمونا شرائع الإسلام. فبعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، معهم عشرة رهط: عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح ومرثد بن أبي مرثد وعبد الله بن طارق وخبيب ابن عدي وزيد بن الدثنة وخالد بن أبي البكير ومعتب بن عبيد، وهو أخو عبد الله بن طارق لأمه وهما من بلي حليفان في بني ظفر، وأمر عليهم عاصم بن ثابت، وقال قائل: مرثد بن أبي مرثد، فخرجوا حتى إذا كانوا على الرجيع، وهو ماء لهذيل بصدور الهدة، والهدة على سبعة أميال منها، والهدة على سبعة أميال من عسفان، فغدروا بالقوم واستصرخوا عليهم هذيلاً، فخرج إليهم بنو لحيان فلم يرع القوم إلا الرجال بأيديهم السيوف قد غشوهم، فأخذ أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سيوفهم فقالوا لهم: إنا والله ما نريد قتالكم إنما نريد أن نصيب بكم ثمناً من أهل مكة ولكم العهد والميثاق ألا نقتلكم. فأما عاصم بن ثابت ومرثد بن أبي مرثد وخالد بن أبي البكير ومعتب بن عبيد فقالوا. وأما زيد بن الدثنة وخبيب بن عدي وعبد الله بن طارق فاستأسروا وأعطوا بأيديهم، وأرادوا رأس عاصم ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن شهيد، وكانت نذرت لتشربن في قحف عاصم الخمر، وكان قتل ابنيها مسافعاً وجلاساً يوم أحد، فحمته الدبر فقالوا: أمهلوه حتى تمشي، فإنها لو قد أمست ذهبت عنه. فبعث الله الوادي فاحتمله وخرجوا بالنفر الثلاثة حتى إذا كانوا بمر الظهران انتزع عبد الله بن طارق يده من القران وأخذ سيفه واستأخر عنه القوم فرموه بالحجارة حتى قتلوه، فقبره بمر الظهران، وقدموا بخبيب وزيد مكة. فأما زيد فابتاعه صفوان بن أمية فقتله بأبيه، وابتاع حجير بن أبي إهاب خبيب بن عدي لابن أخته عقبة بن الحارث بن عامر بن نوفل ليقتله بابيه فحبسوهما حتى خرجت الأشهر الحرم ثم أخرجوهما إلى التنعيم فقتلوهما، وكانا صليا ركعتين ركعتين قبل أن يقتلا، فخبيب أول من سن ركعتين عند القتل.

أخبرنا عبد الله بن إدريس، حدثني عمرو بن عثمان بن عبد الله بن موهب مولى الحارث بن عامر قال: قال موهب قال لي خبيب وكانوا جعلوه عندي: يا موهب أطلب إليك ثلاثاً: أن تسقيني العذب وأن تجنبني ما ذبح على النصب وأن تؤذني إذا أرادوا قتلي.
أخبرنا عبد الله بن إدريس عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة: أن نفراً من قريش فيهم أبو سفيان حضروا قتل زيد فقال قائل منهم: يا زيد أنشدك الله، أتحب أنك الآن في أهلك وأن محمداً عندنا مكانك نضرب عنقه ؟ قال: لا والله ما أحب أن محمداً يشاك في مكانه بشوكة تؤذيه وأني جالس في أهلي؛ قال: يقول أبو سفيان والله ما رأيت من قوم قط أشد حباً لصاحبهم من أصحاب محمد له.

غزوة رسول الله بني النضير
صلى الله عليه وسلم.
ثم غزوة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بني النضير في شهر ربيع الأول سنة أربع على رأس سبعة وثلاثين شهراً من مهاجره، وكانت منازل بني النضير بناحية الغرس وما والاها مقبرة بني خطمة اليوم فكانوا حلفاء لبني عامر.
قالوا: خرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوم السبت فصلى في مسجد قباء ومعه نفر من أصحابه من المهاجرين والأنصار ثم أتى بني النضير فكلمهم أن يعينوه في دية الكلابيين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري فقالوا: نفعل يا أبا القاسم ما أحببت. وخلا بعضهم ببعض وهموا بالغدر به. وقال عمرو بن جحاش بن كعب بن بسيل النضري: أنا أظهر على البيت فأطرح عليه صخرةً، فقال سلام بن مشكم: لا تفعلوا والله ليخبرن بما هممتم به وإنه لنقض العهد الذي بيننا وبينه. وجاء رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الخبر بما هموا فنهض سريعاً كأنه يريد حاجةً، فتوجه إلى المدينة ولحقه أصحابه فقالوا: أقمت ولم نشعر ؟ قال: همت يهود بالغدر فأخبرني الله بذلك فقمت. وبعث إليهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، محمد بن مسلمة أن أخرجوا من بلدي فلا تساكنوني بها وقد هممتم بما هممتم به من الغدر وقد أجلتكم عشراً. فمن رئي بعد ذلك ضربت عنقه، فمكثوا على ذلك أياماً يتجهزون وأرسلوا إلى ظهر لهم بذي الجدر وتكاروا من ناس من أشجع إبلاً، فأرسل إليهم ابن أبي: لا تخرجوا من دياركم وأقيموا في حصنكم فإن معي ألفين من قومي وغيرهم من العرب يدخلون معكم حصنكم فيموتون عن آخرهم وتمدكم قريظة وحلفاؤكم من غطفان، فطمع حيي فيما قال ابن أبي فأرسل إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إنا لا نخرج من ديارنا فاصنع ما بدا لك. فأظهر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، التكبير وكبر المسلمون لتكبيره وقال: حاربت يهود، فصار إليهم النبي، صلى الله عليه وسلم، في أصحابه فصلى العصر بفضاء بني النضير وعلي، رضي الله عنه، يحمل رايته، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، فلما رأوا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قاموا على حصونهم معهم النبل والحجارة واعتزلتهم قريظة فلم تعنهم، وخذلهم ابن أبي وحلفاؤهم من غطفان فأيسوا من نصرهم، فحاصرهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقطع نخلهم فقالوا: نحن نخرج عن بلادك، فقال: لا أقبله اليوم ولكن أخرجوا منها ولكم دماؤكم وما حملت الإبل إلا الحلقة. فنزلت يهود على ذلك، وكان حاصرهم خمسة عشر يوماً، فكانوا يخربون بيوتهم بأيديهم، ثم أجلاهم عن المدينة وولى إخراجهم محمد ابن مسلمة، وحملوا النساء والصبيان وتحملوا على ستمائة بعير، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: هؤلاء في قومهم بمنزلة بني المغيرة في قريش، فلحقوا بخيبر وحزن المنافقون عليهم حزناً شديداً، وقبض رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الأموال والحلقة فوجد من الحلقة خمسين درعاً وخمسين بيضة وثلاثمائة سيف وأربعين سيفاً. وكانت بنو النضير صفياً لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، خالصةً له حبساً لنوائبه ولم يخمسها ولم يسهم منها لأحد، وقد أعطى ناساً من أصحابه ووسع في الناس منها، فكان ممن أعطي ممن سمي لنا من المهاجرين أبو بكر الصديق بئر حجر وعمر بن الخطاب بئر جرم وعبد الرحمن بن عوف سوالة وصهيب بن سنان الضراطة والزبير بن العوام وأبو سلمة بن عبد الأسد البويلة وسهل بن حنيف وأبو دجانة مالاً يقال له مال ابن خرشة.

أخبرنا محمد بن حرب المكي وهاشم بن القاسم الكناني قالا: أخبرنا الليث بن سعد عن نافع عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حرق نخل النضير، وهي البويرة، فأنزل الله تعالى: " مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلى أُصُولِهَا " .
أخبرنا هوذة بن خليفة، أخبرنا عوف عن الحسن: أن النبي، صلى الله عليه وسلم، لما أجلى بني النضير قال: امضوا فإن هذا أول الحشر وأنا على الأثر.

غزوة رسول الله بدر الموعد
صلى الله عليه وسلم.
ثم غزوة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بدر الموعد وهي غير بدر القتال وكانت لهلال ذي القعدة على رأس خمسة وأربعين شهراً من مهاجره.
قالوا: لما أراد أبو سفيان بن حرب أن ينصرف يوم أحد نادى: الموعد بيننا وبينكم بدر الصفراء رأس الحول نلتقي بها فنقتتل. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لعمر بن الخطاب: قل نعم إن شاء الله. فافترق الناس على ذلك ثم رجعت قريش فخبروا من قبلهم بالموعد وتهيؤوا للخروج. فلما دنا الموعد كره أبو سفيان الخروج وقدم نعيم بن مسعود الأشجعي مكة فقال له أبو سفيان: إني قد وأعدت محمداً وأصحابه أن نلتقي ببدر، وقد جاء ذلك الوقت، وهذا عام جدب وإنما يصلحنا عام خصب غيداق وأكره أن يخرج محمد ولا أخرج فيجترىء علينا فنجعل لك عشرين فريضةً يضمنها لك سهيل بن عمرو على أن تقدم المدينة فتخذل أصحاب محمد، قال: نعم. ففعلوا وحملوه على بعير فأسرع السير فقدم المدينة فأخبرهم بجمع أبي سفيان لهم وما معه من العدة والسلاح. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لأخرجن وإن لم يخرج معي أحد ! فنصر الله المسلمين وأذهب عنهم الرعب. فاستخلف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على المدينة عبد الله بن رواحة وحمل لواءه علي بن أبي طالب وسار في المسلمين، وهم ألف وخمسمائة، وكانت الخيل عشرة أفراس، وخرجوا ببضائع لهم وتجارات، وكانت بدر الصفراء مجتمعاً يجتمع فيه العرب وسوقاً تقوم لهلال ذي القعدة إلى ثمان تخلو منه ثم يتفرق الناس إلى بلادهم، فانتهوا إلى بدر ليلة هلال ذي القعدة وقامت السوق صبيحة الهلال فأقاموا بها ثمانية أيام وباعوا ما خرجوا به من التجارات فربحوا للدرهم درهماً وانصرفوا، وقد سمع الناس بسيرهم، وخرج أبو سفيان بن حرب من مكة في قريش وهم ألفان ومعهم خمسون فرساً حتى انتهوا إلى مجنة، وهي مر الظهران، ثم قال: ارجعوا فإنه لا يصلحنا إلا عام خصب غيداق نرعى فيه الشجر ونشرب فيه اللبن، وإن عامكم هذا عام جدب فإني راجع فارجعوا. فسمى أهل مكة ذلك الجيش جيش السويق، يقولون: خرجوا يشربون السويق. وقدم معبد بن أبي معبد الخزاعي مكة بخبر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وموافاته بدراً في أصحابه فقال صفوان بن أمية لأبي سفيان: قد نهيتك يومئذ أن تعد القوم وقد اجترؤوا علينا ورأوا أن قد أخلفناهم ثم أخذوا في الكيد والنفقة والتهيؤ لغزوة الخندق.
أخبرنا حجاج بن محمد عن ابن جريج عن مجاهد: الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم، قال هذا أبو سفيان، قال يوم أحد: يا محمد موعدكم بدر حيث قتلتم أصحابنا ! فقال محمد، صلى الله عليه وسلم: عسى ! فانطلق النبي، صلى الله عليه وسلم، لموعده حتى نزلوا بدراً فوافقوا السوق، فذلك قول الله تبارك وتعالى: فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء. والفضل ما أصابوا من التجارة، وهي غزوة بدر الصغرى.
غزوة رسول الله ذات الرقاع
صلى الله عليه وسلم.

ثم غزوة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ذات الرقاع في المحرم على رأس سبعة وأربعين شهراً من مهاجره، قالوا: قدم قادم المدينة بجلب له فأخبر أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن أنماراً وثعلبة قد جمعوا لهم الجموع؛ فبلغ ذلك رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فاستخلف على المدينة عثمان بن عفان وخرج ليلة السبت لعشر خلون من المحرم في أربعمائة من أصحابه، ويقال سبعمائة. فمضى حتى أتى محالهم بذات الرقاع، ومر جبل فيه بقع حمرة وسواد وبياض قريب من النخيل بين السعد والشقرة، فلم يجد في محالهم أحداً إلا نسوة فأخذهن وفيهن جارية وضيئة، وهربت الأعراب إلى رؤوس الجبال، وحضرت الصلاة فخاف المسلمون أن يغيروا عليهم فصلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، صلاة الخوف فكان ذلك أول ما صلاها. وانصرف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، راجعاً إلى المدينة فابتاع من جابر بن عبد الله في سفره ذلك جمله بأوقية وشرط له ظهره إلى المدينة وسأله عن دين أبيه وأخبره به، فاستغفر له رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في تلك الليلة خمساً وعشرين مرةً وبعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، جعال بن سراقة بشيراً إلى المدينة بسلامته وسلامة المسلمين، وقدم صراراً يوم الأحد لخمس ليال بقين من المحرم، وصرار على ثلاثة أميال من المدينة، وهي بئر جاهلة على طريق العراق، وغاب خمس عشرة ليلة.
أخبرنا عفان بن مسلم، أخبرنا أبان بن يزيد وحدثني يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله قال: أقبلنا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كنا بذات الرقاع كنا إذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: فجاء رجل من المشركين وسيف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، معلق بشجرة فأخذه فاخترطه وقال لرسول الله، صلى الله عليه وسلم: أتخافني ؟ قال: لا. قال: فمن يمنعك مني ؟ قال: الله يمنعني منك ! قال: فتهدده أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأغمد السيف وعلقه. قال: فنودي بالصلاة. قال: فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا. وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين فكانت لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، أربع ركعات وللقوم ركعتان.

غزوة رسول الله دومة الجندل
صلى الله عليه وسلم.
ثم غزوة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، دومة الجندل في شهر ربيع الأول على رأس تسعة وأربعين شهراً من مهاجره. قالوا: بلغ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن بدومة الجندل جمعاً كثيراً وأنهم يظلمون من مر بهم من الضافطة وأنهم يريدون أن يدنوا من المدينة، وهي طرف من أفواه الشأم بينها وبين دمشق خمس ليال، وبينها وبين المدينة خمس عشرة أو ست عشرة ليلةً، فندب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الناس واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري وخرج لخمس ليال بقين من شهر ربيع الأول في ألف من المسلمين فكان يسير الليل ويكمن النهار، ومعه دليل له من بني عذرة يقال له مذكور، فلما دنا منهم إذا هم مغربون، وإذا آثار النعم والشاء فهجم على ماشيتهم ورعاتهم فأصاب من أصاب وهرب من هرب في كل وجه، وجاء الخبر أهل دومة فتفرقوا ونزل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بساحتهم فلم يجد بها أحداً فأقام بها أياماً وبث السرايا وفرقها فرجعت ولم تصب منهم أحداً، وأخذ منهم رجل فسأله رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عنهم فقال: هربوا حيث سمعوا أنك أخذت نعمهم، فعرض عليه الإسلام فأسلم ورجع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى المدينة ولم يلق كيداً لعشر ليال بقين من شهر ربيع الآخر. وفي هذه الغزاة وادع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عيينة بن حصن أن يرعى بتغلمين وما والاه إلى المراض، وكان ما هناك قد أخصب وبلاد عيينة قد أجدبت، وتغلمين من المراض على ميلين، والمراض على ستة وثلاثين ميلاً من المدينة على طريق الربذة.
غزوة رسول الله المريسيع
صلى الله عليه وسلم.
ثم غزوة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، المريسيع في شعبان سنة خمس من مهاجره.

قالوا: إن بملصطلق من خزاعة، هم من حلفاء بني مدلج وكانوا ينزلون على بئر لهم يقال لها المريسيع، بينها وبين الفرع نحو من يوم، وبين الفرع والمدينة ثمانية برد، وكان رأسهم وسيدهم الحارث بن أبي ضرار فسار في قومه ومن قدر عليه من العرب فدعاهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجابوه وتهيؤوا للمسير معه إليه، فبلغ ذلك رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فبعث بريدة بن الحصيب الأسلمي يعلم علم ذلك، فأتاهم ولقي الحارث بن أبي ضرار وكلمه ورجع إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأبره خبرهم فندب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الناس إليهم فأسرعوا الخروج وقادوا الخيول وهي ثلاثون فرساً في المهاجرين منها عشرة، وفي الأنصار عشرون، وخرج معه بشر كثير من المنافقين لم يخرجوا في غزاة قط مثلها، واستخلف على المدينة زيد بن حارثة وكان معه فرسان لزاز والظرب. وخرج يوم الاثنين لليلتين خلتا من شعبان. وبلغ الحارث بن أبي ضرار ومن معه مسي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأنه قد قتل عينه الذي كان وجهه ليأتيه بخبر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فسيء بذلك الحارث ومن معه وخافوا خوفاً شديداً وتفرق عنهم من كان معهم من العرب، وانتهى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى المريسيع وهو الماء فاضطرب عليه قبته، ومعه عائشة وأم سلمة، فتهيؤوا للقتال وصف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أصحابه ودفع راية المهاجرين إلى أبي بكر الصديق، وراية الأنصار إلى سعد بن عبادة، فرموا بالنبل ساعةً ثم أمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أصحابه فحملوا حملة رجل واحد، فما أفلت منهم إنسان وقتل عشرة منهم وأسر سائرهم وسبى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الرجال والنساء والذرية والنعم والشاء ولم يقتل من المسلمين إلا رجل واحد، وكان ابن عمر يحدث أن النبي، صلى الله عليه وسلم، أغار عليهم وهم غارون ونعمهم تسقى على الماء فقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم، والأول أثبت، وأمر بالأسارى فكتفوا واستعمل عليهم بريدة بن الحصيب وأمر بالغنائم فجمعت واستعمل عليها شقران مولاه، وجمع الذرية ناحيةً واستعمل على مقسم الخمس وسهمان المسلمين محمية بن جزء، واقتسم السبي وفرق وصار في أيدي الرجال، وقسم النعم والشاء فعدلت الجزور بعشر من الغنم وبيعت الرثة في من يزيد، وأسهم للفرس سهمان ولصاحبه سهم وللراجل سهم، وكانت الإبل ألفي بعير والشاء خمسة آلاف شاة، وكان السبي مائتي أهل بيت وصارت جويرية بنت الحارث ابن أبي ضرار في سهم ثابت بن قيس بن شماس وابن عم له فكاتباها على تسع أواقي ذهب فسألت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في كتابتها وأداها عنها وتزوجها، وكانت جارية حلوة، ويقال: جعل صداقها عتق كل أسير من بني المصطلق، ويقال: جعل صداقها عتق أربعين من قومها، وكان السبي منهم من من عليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بغير فداء، ومنهم من افتدي فافتديت المرأة والذرية بست فرائض، وقدموا المدينة ببعض السبي فقدم عليهم أهلوهم فافتدوهم فلم تبق امرأة من بني المصطلق إلا رجعت إلى قومها، وهو الثبت عندنا، وتنازع سنان بن وبر الجهني حليف بني سالم من الأنصار وجهجاه بن سعيد الغفاري على الماء فضرب جهجاه سناناً بيده فنادى سنان: يا للأنصار ! ونادى جهجاه: يا لقريش ! يا لكنانة ! فأقبلت قريش سراعاً وأقبلت الأوس والخزرج وشهروا السلاح، فتكلم في ذلك ناس من المهاجرين والأنصار حتى ترك سنان حقه وعفا عنه واصطلحوا، فقال عبد الله ابن أبي: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل؛ ثم أقبل على من حضر من قومه فقال: هذا ما فعلتم بأنفسكم؛ وسمع ذلك زيد بن أرقم فأبلغ النبي، صلى الله عليه وسلم، قوله فأمر بالرحيل وخرج من ساعته وتبعه الناس، فقدم عبد الله بن عبد الله بن أبي الناس حتى وقف لأبيه على الطريق، فلما رآه أناخ به وقال: لا أفارقك حتى تزعم أنك الذليل ومحمد العزيز، فمر به رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: دعه فلعمري لنحسنن صحبته ما دام بين أظهرنا ! وفي هذه الغزاة سقط عقد لعائشة فاحتبسوا على طلبه، فنزلت آية التيمم فقال أسيد بن الحضير: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر. وفي هذه الغزاة كان حديث عائشة وقول أهل الإفك فيها. قال: وأنزل الله، تبارك وتعالى، براءتها. وغاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في غزاته

هذه ثمانية وعشرين يوماً وقدم المدينة لهلال شهر رمضان. ثمانية وعشرين يوماً وقدم المدينة لهلال شهر رمضان.

غزوة رسول الله الخندق
وهي غزاة الأحزاب
صلى الله عليه وسلم.
ثم غزوة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الخندق، وهي غزوة الأحزاب في ذي القعدة سنة خمس من مهاجره.

قالوا: لما أجلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بني النضير ساروا إلى خيبر، فخرج نفر من أشرافهم ووجوههم إلى مكة فألبوا قريشاً ودعوهم إلى الخزرج إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وعاهدوهم وجامعوهم على قتاله ووعدوهم لذلك موعداً، ثم خرجوا من عندهم فأتوا غطفان وسليماً ففارقوهم على مثل ذلك، وتجهزت قريش وجمعوا أحابيشهم ومن تبعهم من العرب فكانوا أربعة آلاف، وعقدوا اللواء في دار الندوة وحمله عثمان بن طلحة بن أبي طلحة، وقادوا معهم ثلاثمائة فرس، وكان معهم ألف وخمسمائة بعير، وخرجوا يقودهم أبو سفيان بن حرب بن أمية ووافتهم بنو سليم بمر الظهران، وهم سبعمائة يقودهم سفيان بن عبد شمس حليف حرب بن أمية، وهو أبو أبي الأعور السلمي الذي كان مع معاوية بصفين، وخرجت معهم بنو أسد يقودهم طلحة بن خويلد الأسدي، وخرجت فزارة فأوعبت، وهم ألف بعير يقودهم عيينة بن حصين، وخرجت أشجع وهم أربعمائة يقودهم مسعود بن رخيلة، وخرجت بنو مرة وهم أربعمائة يقودهم الحارث بن عوف، وخرج معهم غيرهم، وقد روى الزهري أن الحارث بن عوف رجع ببني مرة فلم يشهد الخندق منهم أحد، وكذلك روت بنو مرة، والأول أثبت أنهم قد شهدوا الخندق مع الحارث ابن عوف، وهجاه حسان بن ثابت فكان جميع القوم الذين وافوا الخندق ممن ذكر من القبائل عشرة آلاف، وهم الأحزاب، وكانوا ثلاثة عساكر وعناج الأمر إلى أبي سفيان بن حرب؛ فلما بلغ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فصولهم من مكة ندب الناس وأخبرهم خبر عدوهم وشاورهم في أمرهم، فأشار عليه سلمان الفارسي بالخندق، فأعجب ذلك المسلمين وعسكر بهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى سفح سلع وجعل سلعاً خلف ظهره، وكان المسلمون يومئذ ثلاثة آلاف، واستخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم ثم خندق على المدينة، وجعل المسلمون يعملون مستعجلين يبادرون قدوم عدوهم عليهم وعمل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، معهم بيده لينشط المسلمين، ووكل بكل جانب منه قوماً فكان المهاجرون يحفرون من ناحية راتج إلى ذباب، وكانت الأنصار يحفرون من ذباب إلى جبل بني عبيد، وكان سائر المدينة مشبكاً بالبنيان فهي كالحصن، وخندقت بنو عبد الأشهل عليها مما يلي راتج إلى خلفها حتى جاء الخندق من وراء المسجد، وخندقت بنو دينار من عند جرباً إلى موضع دار ابن أبي الجنوب اليوم، وفرغوا من حفره في ستة أيام ورفع المسلمون النساء والصبيان في الآطام، وخرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوم الاثنين لثماني ليال مضين من ذي القعدة، وكان يحمل لواءه لواء المهاجرين زيد بن حارثة، وكان يحمل لواء الأنصار سعد بن عبادة، ودس أبو سفيان ابن حرب حيي بن أخطب إلى بني قريظة يسألهم أن ينقضوا العهد الذي بينهم وبين رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ويكونوا معهم عليه، فامتنعوا من ذلك ثم أجابوا إليه، وبلغ ذلك النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: حسبنا الله ونعم الوكيل ! قال: ونجم النفاق وفشل الناس وعظم البلاء واشتد الخوف وخيف على الذراري والنساء، وكانوا كما قال الله، تبارك وتعالى: " إذْ جاؤوكُمْ منْ فَوْقكُمْ وَمنْ أسْفَلَ منْكُمْ وَإذْ زَاغَتِ الأبصَارُ وَبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَنَاجرَ " . ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، والمسلمون وجاه العدو لا يزولون غير أنهم يعتقبون خندقهم ويحرسونه. وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يبعث سلمة بن أسلم في مائتي رجل وزيد بن حارثة في ثلاثمائة رجل يحرسون المدينة ويظهرون التكبير، وذلك أنه كان يخاف على الذراري من بني قريظة، وكان عباد بن بشر على حرس قبة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مع غيره من الأنصار يحرسونه كل ليلة؛ فكان المشركون يتناوبون بينهم فيغدوا أبو سفيان بن حرب في أصحابه يوماً ويغدو خالد بن الوليد يوماً ويغدو عمرو ابن العاص يوماً ويغدو هبيرة بن أبي وهب يوماً ويغدوا ضرار بن الخطاب الفهري يوماً، فلا يزالون يجيلون خيلهم ويتفرقون مرةً ويجتمعون أخرى ويناوشون أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ويقدمون رماتهم فيرمون؛ فرمى حبان بن العرقة سعد بن معاذ بسهم فأصاب أكحله فقال: خذها وأنا ابن العرقة ! فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: عرق الله وجهك في النار ! ويقال: الذي رماه أبو أسامة الجشمي؛ ثم أجمع رؤساؤهم أن يغدوا يوماً فغدوا جميعاً ومعهم رؤساء سائر

الأحزاب وطلبوا مضيقاً من الخندق يقحمون منه خيلهم إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه فلم يجدوا ذلك وقالوا: إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تصنعها؛ فقيل لهم: إن معه رجلاً فارسياً أشار عليه بذلك قالوا: فمن هناك إذاً ! فصاروا إلى مكان ضيق أغفله المسلمون فعبر عكرمة بن أبي جهل ونوفل بن عبد الله وضرار ابن الخطاب وهبيرة بن أبي وهب وعمرو بن عبد ود، فجعل عمرو بن عبد ود يدعو إلى البراز ويقول:أحزاب وطلبوا مضيقاً من الخندق يقحمون منه خيلهم إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه فلم يجدوا ذلك وقالوا: إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تصنعها؛ فقيل لهم: إن معه رجلاً فارسياً أشار عليه بذلك قالوا: فمن هناك إذاً ! فصاروا إلى مكان ضيق أغفله المسلمون فعبر عكرمة بن أبي جهل ونوفل بن عبد الله وضرار ابن الخطاب وهبيرة بن أبي وهب وعمرو بن عبد ود، فجعل عمرو بن عبد ود يدعو إلى البراز ويقول:
ولقد بححت من النّدا ... ء لجمعهم: هل من مبارز ؟

وهو ابن تسعين سنة، فقال علي بن أبي طالب: أنا أبارزه يا رسول الله، فأعطاه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سيفه وعممه وقال: اللهم أعنه عليه؛ ثم برز له ودنا أحدهما من صاحبه وثارت بينهما غبرة وضربه علي فقتله وكبر، فعلمنا أنه قد قتله وولى أصحابه هاربين وظفرت بهم خيولهم. وحمل الزبير بن العوام على نوفل بن عبد الله بالسيف فضربه فشقه باثنين، ثم اتعدوا أن يغدوا من الغد فباتا يعبئون أصحابهم وفرقوا كتائبهم ونحوا إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كتيبة غليظةً فيها خالد بن الوليد فقاتلوهم يومهم ذلك إلى هوي من الليل ما يقدرون أن يزولوا من موضعهم ولا صلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولا أصحابه ظهراً ولا عصراً ولا مغرباً ولا عشاءً حتى كشفهم الله فرجعوا متفرقين إلى منازلهم وعسكرهم وانصرف المسلمون إلى قبة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأقام أسيد بن الحضير على الخندق في مائتين من المسلمين وكر خالد بن الوليد في خيل من المشركين يطلبون غرةً من المسلمين، فناوشوهم ساعة ومع المشركين وحشي، فزرق الطفيل بن النعمان من بني سلمة بمزراقه فقتله وانكشفوا وصار رسول الله، صلى الله عليه وسلمن إلى قبه فأمر بلالاً فأذن وأقام الظهر فصلى، ثم أقام بعد كل صلاة إقامةً إقامةً وصلى هو وأصحابه ما فاتهم من الصلوات وقال: شغلونا عن الصلاة الوسطى، يعني العصر، ملأ الله أجوافهم وقبورهم ناراً! ولم يكن لهم بعد ذلك قتال جميعاً حتى انصرفوا إلا أنهم لا يدعون يبعثون الطلائع بالليل يطمعون في الغارة. وحصر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه بضع عشرة ليلة حتى خلص إلى كل امرىء منهم الكرب، فأراد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يصالح غطفان على أن يعطيهم ثلث الثمرة ويخذلوا بين الناس وينصرفوا عنه، فأبت ذلك الأنصار فترك ما كان أراد من ذلك. وكان نعيم بن مسعود الأشجعي قد أسلم فحسن إسلامه فمشى بين قريش وقريظة وغطفان وأبلغ هؤلاء عن هؤلاء كلاماً وهؤلاء عن هؤلاء كلاماً يري كل حزب منهم أنه ينصح له، فقبلوا قوله وخذله عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، واستوحش كل حزب من صاحبه، وطلبت قريظة من قريش الرهن حتى يخرجوا فيقاتلوا معهم، فأبت ذلك قريش واتهموهم واعتلت قريظة عليهم بالسبت وقالوا: لا نقاتل فيه لأن قوماً منا عدواً في السبت فمسخوا قردةً وخنازير. فقال أبو سفيان بن حرب: ألا أراني أستعين بإخوة القردة والخنازير. وبعث الله الريح ليلة السبت ففعلت بالمشركين وتركت لا تقر لهم بناء ولا قدراً. وبعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حذيفة بن اليمان إليهم ليأتيه بخبرهم، وقام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يصلي تلك الليلة، فقال أبو سفيان بن حرب: يا معشر قريش إنكم لستم بدار مقام، لقد هلك الخف والحافر وأجدب الجناب وأخلفتنا بنو قريظة ولقد لقينا من الريح ما ترون فارتحلوا فإني مرتحل؛ وقام فجلس على بعيره وهو معقول، ثم ضربه فوثب على ثلاث قوائم فما أطلق عقله إلا بعدما قام، وجعل الناس يرحلون وأبو سفيان قائم حتى خف العسكر، فأقام عمرو بن العاص وخالد ابن الوليد في مائتي فارس ساقةً للعسكر وردءاً لهم مخافة الطلب، فرجع حذيفة إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأخبره بذلك كله وأصبح رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وليس بحضرته أحد من العساكر قد انقشعوا إلى بلادهم فأذن النبي، صلى الله عليه وسلم، للمسلمين في الانصراف إلى منازلهم فخرجوا مبادرين مسرورين بذلك، وكان فيمن قتل أيضاً في أيام الخندق أنس بن أوس ابن عتيك من بني عبد الأشهل قتله خالد بن الوليد، وعبد الله بن سهل الأشهلي وثعلبة بن عنمة بن عدي بن نابىء قتله هبيرة بن أبي وهب، وكعب بن زيد من بني دينار قتله ضرار بن الخطاب، وقتل أيضاً من المشركين عثمان بن منبه ابن عبيد بن السباق من بني عبد الدار بن قصي، وحاصرهم المشركون خمس عشرة ليلة وانصرف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوم الأربعاء لسبع ليال بقين من ذي القعدة سنة خمس.
أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء قال: أخبرنا حميد الطويل عن أنس ابن مالك قال: خرج المهاجرون والأنصار يحفرون الخندق في غداة باردة فجعل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: اللهم إن الخير خير الآخره فاغفر للأنصار والمهاجره، فأجابوه: نحن الذين بايعوا محمداً على الجهاد ما بقينا أبداً.

أخبرنا عفان بن مسلم، أخبرنا حماد بن سلمة قال: أخبرنا ثابت عن أنس بن مالك، أن أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، كانوا يقولون وهم يحفرون الخندق: نحن الذين بايعوا محمداً على الجهاد ما بقينا أبداً، والنبي، صلى الله عليه وسلم، يقول: اللهم إن الخير خير الآخره، فاغفر للأنصار والمهاجره. وأتي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بخبز شعير عليه إهالة سنخة فأكلوا منها وقال النبي، صلى الله عليه وسلم: إنما الخير خير الآخرة.
أخبرنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب، أخبرنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سهل بن سعد قال: جاءنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ونحن نحفر الخندق وننقل التراب على أكتافنا فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: لا عيش إلا عيش الآخره، فاغفر للأنصار والمهاجره.
أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء، أخبرنا شعبة عن أبي إسحاق الهمداني عن البراء بن عازب قال: كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوم الأحزاب ينقل معنا التراب وقد وارى التراب بياض بطنه ويقول:
لا همّ لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدّقنا ولا صليّنا،
فأنزلن سكينةً علينا ... وثبّت الأقدام، إن لاقينا
إنّ الأولى لقد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنةّ أبينا
أبينا يرفع بها صوته، صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا أبو الوليد الطيالسي، أخبرنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد ابن جبير قال: كان يوم الخندق بالمدينة، قال: فجاء أبو سفيان بن حرب ومن معه من قريش ومن تبعه من كنانة، وعيينة بن حصن ومن تبعه من غطفان، وطليحة ومن تبعه من بني أسد، وأبو الأعور ومن تبعه من بني سليم وقريظة كان بينهم وبين رسول الله، صلى الله عليه وسلمن عهد فنقضوا ذلك وظاهروا المشركين فأنزل الله تعالى فيهم: وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم. فأتى جبريل، عليه السلام، ومعه الريح فقال حين رأى جبريل: ألا أبشروا، ثلاثاً، فأرسل الله عليهم الريح فهتكت القباب وكفأت القدور ودفنت الرحال وقطعت الأوتاد فانطلقوا لا يلوي أحد على أحد، فأنزل الله تعالى: " إذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأرْسَلْنَا عَلَيْهمْ رِيحاً وجنُوداً لم تَرَوْهَا " . فرجع رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
قال أبو بشر: وبلغني أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لما رجع إلى منزله غسل جانب رأسه الأيمن وبقي الأيسر، قال: فقال له، يعني جبريل، صلى الله عليه وسلم: ألا أراك تغسل رأسك فوالله ما نزلنا بعد، انهض؛ فأمر سول الله، صلى الله عليه وسلم، أصحابه أن ينهضوا إلى بني قريظة.
أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري حدثني هشام بن حسان، أخبرنا محمد بن سيرين، أخبرنا عبيدة، أخبرنا علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال يوم الخندق: ملأ الله قبورهم وبيوتهم ناراً كما حبسونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس.
أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابي، أخبرنا همام بن يحيى عن قتادة عن أبي حسان عن عبيدة عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، أنهم لم يصلوا يوم الأحزاب العصر حتى غربت الشمس، أو قال: آبت الشمس، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: اللهم املأ بيوتهم نارً كما حبسونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس، أو قال: آبت الشمس، قال: فعرفنا أن صلاة الوسطى هي العصر.
أخبرنا عارم بن الفضل، أخبرنا حماد بن زيد عن عاصم عن زر بن حبيش عن علي قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوم الخندق: ما لهم ملأ الله قبورهم ناراً كما شغلونا عن صلاة الوسطى، وهي العصر.
أخبرنا محمد بن معاوية النيسابوري، أخبرنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن محمد بن عبد الله بن عوف عن أبي جمعة وقد أدرك النبي، صلى الله عليه وسلم، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، عام الأحزاب صلى المغرب فلما فرغ قال: هل علم أحد منكم أني صليت العصر ؟ قالوا: يا رسول الله، صلى الله عليك، ما صليناها، فأمر المؤذن فأقام الصلاة فصلى العصر ثم أعاد المغرب.
أخبرنا الحسن بن موسى، أخبرنا زهير، أخبرنا أبو إسحاق عن المهلب ابن أبي صفرة قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حين حفر الخندق وخاف أن يبيته أبو سفيان فقال: إن بيتم فإن دعواكم حم لا ينصرون.

حدثنا الفضل بن دكين، أخبرنا شريك عن أبي إسحاق عن المهلب ابن أبي صفرة قال: حدثني رجل من أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: قال النبي، صلى الله عليه وسلم، ليلة الخندق: وإني لا أرى القوم إلا مبيتيكم الليلة، كان شعاركم حم لا ينصرون.
أخبرنا عارم بن الفضل، أخبرنا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد قال: قال سعيد بن المسيب: حاصر النبي، صلى الله عليه وسلم، المشركون في الخندق أربعاً وعشرين ليلة.
أخبرنا محمد بن حميد العبدي عن معمر عن الزهري عن أبي المسيب قال: لما كان يوم الأحزاب حصر النبي، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه بضع عشرة ليلةً حتى خلص إلى كل امرىء منهم الكرب وحتى قال النبي، صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إنك إن تشأ لا تعبد؛ فبينا هم على ذلك أرسل النبي، صلى الله عليه وسلم، إلى عيينة بن حصن بن بدر: أرأيت إن جعلت لكم ثلث ثمر الأنصار أترجع بمن معك من غطفان وتخذل بين الأحزاب ؟ فأرسل إليه عيينة: إن جعلت لي الشطر فعلت. فأرسل النبي. صلى الله عليه وسلم، إلى سعد بن عبادة وسعد بن معاذ فأخبرهما بذلك فقالا: إن كنت أمرت بشيء فامض لأمر الله. قال: لو كنت أمرت بشيء ما أستأمر بكما ولكن هذا رأي أعرضه عليكما؛ قالا: فإنا نرى أن لا نعطيهم إلا السيف.
قال محمد بن حميد، قال معمر عن ابن أبي نجيح: فبينا هم على ذلك إذ جاء نعيم بن مسعود الأشجعي، وكان يأمنه الفريقان جميعاً، فخذل بين الناس فانطلق الأحزاب منهزمين من غير قتال فذلك قوله: وكفى الله المؤمنين القتال.
أخبرنا عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي البصري، أخبرنا كثير بن زيد قال: سمعت عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال: سمعت جابر بن عبد الله قال: دعا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في مسجد الأحزاب يوم الاثنين ويوم الثلثاء ويوم الأربعاء فاستجيب له يوم الأربعاء بين الصلاتين الظهر والعصر فعرفنا البشر في وجهه، قال جابر: فلم ينزل بي أمر مهم غائظ إلا توخيت تلك الساعة من ذلك اليوم فدعوت الله فأعرف الإجابة.
أخبرنا عتاب بن زياد، أخبرنا عبد الله بن المبارك، قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد أنه سمع عبد الله بن أبي أوفى يقول: دعا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوم الأحزاب على المشركين فقال: اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب ! اللهم اهزمهم وزلزلهم !

غزوة رسول الله إلى بني قريظة
صلى الله عليه وسلم.

ثم غزوة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بني قريظة في ذي القعدة سنة خمس من مهاجره، قالوا: لما انصرف المشركون عن الخندق ورجع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فدخل بيت عائشة أتاه جبريل فوقف عند موضع الجنائز فقال: عذيرك من محارب ! فخرج إليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فزعاً فقال: إن الله يأمرك أن تسير إلى بني قريظة فإني عامد إليهم فمزلزل بهم حصونهم. فدعا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، علياً، رضي الله عنه، فدفع إليه لواءه وبعث بلالاً فنادى في الناس أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يأمركم ألا تصلوا العصر إلا في بني قريظة، واستخلف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على المدينة عبد الله بن أم مكتوم ثم سار إليهم في المسلمين وهم ثلاثة آلاف والخيل ستة وثلاثون فرساً، وذلك يوم الأربعاء لسبع بقين من ذي القعدة، فحاصرهم خمسة عشر يوماً أشد الحصار ورموا بالنبل فانجحروا فلم يطلع منهم أحد، فلما اشتد عليهم الحصار أرسلوا إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أرسل إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر، فأرسله إليهم فشاوروه في أمرهم فأشار إليهم بيده أنه الذبح ثم ندم فاسترجع وقال: خنت الله ورسوله ! فانصرف فارتبط في المسجد ولم يأت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى أنزل الله توبته، ثم نزلوا على حكم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأمر بهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، محمد بن مسلمة فكتفوا ونحوا ناحيةً وأخرج النساء والذرية فكانوا ناحيةً، واستعمل عليهم عبد الله بن سلام وجمع أمتعتهم وما وجد في حصونهم من الحلقة والأثاث والثياب فوجد فيها ألف وخمسمائة سيف وثلاثمائة درع وألفا رمح وألف وخمسمائة ترس وحجفة وخمر وجرار سكر فأهريق ذلك كله ولم يخمس، ووجدوا جمالاً نواضح وماشيةً كثيرة. وكلمت الأوس رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يهبهم لهم، وكانوا حلفاءهم، فجعل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الحكم فيهم إلى سعد بن معاذ فحكم فيهم أن يقتل كل من جرت عليه المواسي وتسبى النساء والذرية وتقسم الأموال، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: لقد حكمت بحكم الله من فوق سبعة أرقعة. وانصرف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوم الخميس لسبع ليال خلون من ذي الحجة ثم أمر بهم فأدخلوا المدينة وحفر لهم أخدوداً في السوق وجلس رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ومعه أصحابه وأخرجوا إليه رسلاً رسلاً فضربت أعناقهم فكانوا ما بين ستمائة إلى سبعمائة. واصطفى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ريحانة بنت عمرو لنفسه وأمر بالغنائم فجمعت فأخرج الخمس من المتاع والسبي، ثم أمر بالباقي فبيع في من يزيد وقسمه من المسلمين، فكانت السهمان على ثلاثة آلاف واثنين وسبعين سهماً، للفرس سهمان ولصاحبه سهم، وصار الخمس إلى محمية بن جزء الزبيدي فكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يعتق منه ويهب منه ويخدم منه من أراد، وكذلك صنع ما صار إليه من الرثة.
أخبرنا كثير بن هشام، أخبرنا جعفر بن برقان، أخبرنا يزيد، يعني ابن الأصم، قال: لما كشف الله الأحزاب ورجع النبي، صلى الله عليه وسلم، إلى بيته فأخذ يغسل رأسه أتاه جبريل، عليه السلام، فقال: عفا الله عنك ! وضعت السلاح ولم تضعه ملائكة الله، إئتنا عند حصن بني قريظة؛ فنادى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في الناس أن ائتوا حصن بني قريظة، ثم اغتسل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأتاهم عند الحصن.
أخبرنا مالك بن إسماعيل أبو غسان النهدي، أخبرنا جويرية بن أسماء عن نافع عن ابن عمر أن الأحزاب لما انصرفوا نادى فيهم، يعني النبي، صلى الله عليه وسلم: لا يصلين أحد الظهر إلا في بني قريظة؛ فتخوف ناس فوت الصلاة فصلوا وقال آخرون: لا نصلي إلا حيث أمرنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وإن فات الوقت، قال: فما عنف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، واحداً من الفريقين.
أخبرنا شهاب بن عباد العبدي، أخبرنا إبراهيم بن حميد الرؤاسي عن إسماعيل بن أبي خالد عن البهي وغيره أن النبي، صلى الله عليه وسلم، لما أتى قريظة ركب على حمار عري والناس يمشون.
أخبرنا موسى بن إسماعيل، أخبرنا جرير بن حازم عن حميد عن أنس بن مالك قال: كأني أنظر إلى الغبار ساطعاً في زقاق بني غنم موكب جبريل، عليه السلام، حين سار رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى بني قريظة.

أخبرنا الفضل بن دكين، أخبرنا عبد العزيز بن أبي سلمة أخبرني عمي الماجشون قال: جاء جبريل، عليه السلام، إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوم الأحزاب على فرس عليه عمامة سواء قد أرخاها بين كتفيه، على ثناياه الغبار وتحته قطيفة حمراء، فقال: أوضعت السلاح قبل أن نضعه ؟ إن الله يأمرك أن تسير إلى بني قريظة.
أخبرنا عارم بن الفضل، أخبرنا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال: حاصر نبي الله، صلى الله عليه وسلم، بني قريظة أربع عشرة ليلة.
أخبرنا الفضل بن دكين، أخبرن سفيان وأخبرنا عمرو بن الهيثم عن شعبة جميعاً عن عبد الملك بن عمير، أخبرنا عطية القرظي قال: كنت فيمن أخذ يوم قريظة فكانوا يقتلون من أنبت ويتركون من لم ينبت فكنت فيمن لم ينبت.
أخبرنا عمرو بن عاصم، أخبرنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال قال: كان بين النبي، صلى الله عليه وسلم، وبين قريظة ولث من عهد، فلما جاءت الأحزاب بما جاؤوا به من الجنود نقضوا العهد وظاهروا المشركين على رسول الله، صلى الله عليه وسلم بعث الله الجنود والريح فانطلقوا هاربين وبقي الآخرون في حصنهم، قال: فوضع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه السلاح فجاء جبريل، صلى الله عليه وسلم، إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فخرج إليه، فنزل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو متساند إلى لبان الفرس قال: يقول جبريل ما وضعنا السلاح بعد وإن الغبار لعاصب على حاجبه، انهد إلى بني قريظة؛ قال: فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إن في أصحابي جهداً فلو أنظرتهم أياماً؛ قال: يقول جبريل، عليه السلام، انهد إليهم، لأدخلن فرسي هذا عليهم في حصونهم ثم لأضعضعنها؛ قال: فأدبر جبريل، عليه السلام، ومن معه من الملائكة حتى سطع الغبار في زقاق بني غنم من الأنصار وخرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فاستقبله رجل من أصحابه فقال: يا رسول الله اجلس فلنكفك ! قال: وما ذاك ؟ قال: سمعتهم ينالون منك. قال: قد أوذي موسى بأكثر من هذا. قال: وانتهى إليهم فقال: يا إخوة القردة والخنازير، إياي إياي ! قال: فقال بعضهم لبعض: هذا أبو القاسم ما عهدناه فحاشاً. قال: وقد كان رمي أكحل سعد بن معاذ فرقأ الجرح وأجلب ودعا الله أن لا يميته حتى يشفي صدره من بني قريظة. قال: فأخذهم من الغم في حصنهم ما أخذهم فنزلوا على حكم سعد بن معاذ من بين الخلق. قال: فحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم. قال حميد: قال بعضهم وتكون الديار للمهاجرين دون الأنصار. قال: فقالت الأنصار إخوتنا كنا معهم؛ فقال: إني أحببت أن يستغنوا عنكم. قال: فلما فرغ منهم وحكم فيهم بما حكم مرت عليه عنز وهو مضطجع، فأصابت الجرح بظلفها، فما رقأ حتى مات. وبعث صاحب دومة الجندل إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ببغلة وجبة من سندس فجعل أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يعجبون من حسن الجبة، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن، يعني من هذا.

سرية محمد بن مسلمة إلى القرطاء
ثم سرية محمد بن مسلمة إلى القرطاء، خرج لعشر ليال خلون من المحرم على رأس تسعة وخمسين شهراً من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بعثه في ثلاثين راكباً إلى القرطاء، وهم بطن من بني بكر من كلاب وكانوا ينزلون البكرات بناحية ضرية، وبين ضرية والمدينة سبع ليال، وأمره أن يشن عليهم الغارة، فسار الليل وكمن النهار وأغار عليهم فقتل نفراً منهم وهرب سائرهم واستاق نعماً وشاءً ولم يعرض للطعن، وانحدر إلى المدينة، فخمس رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ما جاء به وفض على أصحابه ما بقي فعدلوا الجزور بعشر من الغنم، وكانت النعم مائة وخمسين بعيراً والغنم ثلاثة آلاف شاة، وغاب تسع عشرة ليلة وقدم لليلة بقيت من المحرم.
غزوة رسول الله بني لحيان
صلى الله عليه وسلم

ثم غزوة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بني لحيان، وكانوا بناحية عسفان، في شهر ربيع الأول سنة ست من مهاجره. قالوا: وجد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على عاصم بن ثابت وأصحابه وجداً شديداً، فأظهر أنه يريد الشأم وعسكر لغرة هلال شهر ربيع الأول في مائتي رجل ومعهم عشرون فرساً، واستخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم ثم أسرع السير حتى انتهى إلى بطن غران، وبينها وبين عسفان خمسة أميال حيث كان مصاب أصحابه، فترحم عليهم ودعا لهم فسمعت بهم بنو لحيان فهربوا في رؤوس الجبال فلم يقدروا على أحد، ثم خرج حتى أتى عسفان، فبعث أبا بكر في عشرة فوارس لتسمع به قريش فيذعرهم، فأتوا الغميم ثم رجعوا ولم يلقوا أحداً، ثم انصرف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى المدينة وهو يقول: آئبون تائبون عابدون لربنا حامدون ! وغاب عن المدينة أربع عشرة ليلة.
أخبرنا عبد الله بن إدريس عن محمد بن إسحاق، حدثني عاصم بن عمر وعبد الله بن أبي بكر: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خرج في غزوة بني لحيان وأظهر أنه يريد الشأم ليصيب منهم غرة، فخرج من المدينة فسلك على غراب ثم على مخيض ثم على البتراء ثم صفق ذات اليسار، فخرج على بيبن ثم على صخيرات الثمام ثم استقام به الطريق على السيالة فأغذ السير سريعاً حتى نزل على غران، هكذا قال ابن إدريس، وهي منازل بني لحيان، فوجدهم قد تمنعوا في رؤوس الجبال، فلما أخطأه من عدوه ما أراد قالوا: لو أنا هبطنا عسفان فنري أهل مكة أنا قد جئناها، فخرج في مائتي راكب من أصحابه حتى نزل عسفان ثم بعث فارسين من أصحابه حتى بلغا كراع الغميم ثم كرا وراح قافلاً؛ فكان جابر بن عبد الله يقول: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: تائبون آئبون، إن شاء الله، حامدون لربنا عابدون ! أعوذ بالله من وعثاء السفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في الأهل والمال.
أخبرنا روح بن عبادة، أخبرنا حسين المعلم عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سعيد مولى المهدي عن أبي سعيد الخدري قال: بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بعثاً إلى بني لحيان من هذيل وقال: لينبعث من كل رجلين أحدهما والأجر بينهما.
أخبرنا إسماعيل بن عبد الكريم الصنعاني، حدثني إبراهيم بن عقيل ابن معقل عن أبيه عن وهب قال: أخبرني جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول أول ما غزا عسفان ثم رجع: آئبون تائبون عابدون لربنا حامدون !

غزوة رسول الله الغابة
صلى الله عليه وسلم.
ثم غزوة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الغابة وهي على بريد من المدينة طريق الشأم في شهر ربيع الأول سنة ست من مهاجره.
قالوا: كانت لقاح رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهي عشرون لقحة ترعى بالغابة، وكان أبو ذر فيها، فأغار عليهم عيينة بن حصن ليلة الأربعاء في أربعين فارساً فاستاقوها وقتلوا ابن أبي ذر، وجاء الصريخ فنادى: الفزع الفزع ! فنودي: يا خيل الله اركبي، وكان أول ما نودي بها، وركب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فخرج غداة الأربعاء في الحديد مقنعاً فوقف، فكان أول من أقبل إليه المقداد بن عمرو وعليه الدرع والمغفر شاهراً سيفه، فعقد له رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لواء في رمحه وقال: امض حتى تلحقك الخيول، إنا على أثرك. واستخلف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على المدينة عبد الله بن أم مكتوم وخلف سعد بن عبادة في ثلاثمائة من قومه يحرسون المدينة. قال المقداد: فخرجت فأدركت أخريات العدو وقد قتل أبو قتادة مسعدة فأعطاه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فرسه وسلاحه، وقتل عكاشة بن محصن أثار بن عمرو بن أثار، وقتل المقداد بن عمرو حبيب ابن عيينة بن حصن وقرفة بن مالك بن حذيفة بن بدر، وقتل من المسلمين محرز بن نضلة قتله مسعدة، وأدرك سلمة بن الأكوع القوم وهو على رجليه فجعل يراميهم بالنبل ويقول: خذها!
وأنا ابن الأكوع ... اليوم يوم الرّضع !

حتى انتهى بهم إلى ذي قرد، وهي ناحية خيبر مما يلي المستناخ. قال سلمة: فلحقنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والناس والخيول عشاءً فقلت: يا رسول الله إن القوم عطاش فلو بعثتني في مائة رجل استنقذت ما بأيديهم من السرح وأخذت بأعناق القوم؛ فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: ملكت فأسجح، ثم قال: إنهم الآن ليقرون في غطفان. وذهب الصريخ إلى بني عمرو بن عوف فجاءت الأمداد فلم تزل الخيل تأتي والرجال على أقدامهم وعلى الإبل حتى انتهوا إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بذي قرد فاستنقذوا عشر لقائح وأفلت القوم بما بقي وهي عشر، وصلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بذي قرد صلاة الخوف وأقام به يوماً وليلة يتحسس الخبر، وقسم في كل مائة من أصحابه جزوراً ينحرونها، وكانوا خمسمائة، ويقال سبعمائة، وبعث إليه سعد بن عبادة بأحمال تمر وبعشر جزائر فوافت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بذي قرد، والثبت عندنا أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أمر على هذه السرية سعد بن زيد الأشهلي، ولكن الناس نسبوها إلى المقداد لقول حسان بن ثابت:
غداة فواس المقداد
فعاتبه سعد بن زيد فقال: اضطرني الروي إلى المقداد. ورجع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى المدينة يوم الاثنين وقد غاب خمس ليال.
أخبرنا هاشم بن القاسم، أخبرنا عكرمة بن عمار العجلي، أخبرنا إياس ابن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: خرجت أنا ورباح غلام النبي، صلى الله عليه وسلم، بظهر النبي، صلى الله عليه وسلم، وخرجت بفرس لطلحة بن عبيد الله كنت أريد أن أنديه مع الإبل، فلما أن كان بغلس أغار عبد الرحمن بن عيينة على إبل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقتل راعيها وخرج يطردها هو وأناس معه في خيل فقلت: يا رباح اقعد على هذا الفرس فألحقه بطلحة، وأخبر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أنه قد أغير على سرحه. قال: وقمت على تل فجعلت وجهي من قبل المدينة ثم ناديت ثلاث مرات: يا صباحاه ! ثم اتبعت القوم ومعي سيفي ونبلي فجعلت أرميهم وأعقر بهم وذلك حين يكثر الشجر فإذا رجع إلي فارس جلست له في أصل شجرة ثم رميت، فلا يقبل علي فارس إلا عقرت به، فجلت أرميهم وأقول:
أنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرّضّع !

فألحق برجل فأرميه وهو على رحله فيقع سهمي في الرجل حتى انتظمت كبده فقلت: وأنا ابن الأكوع، واليوم يوم الرضع ! فإذا كنت في الشجرة أحدقتهم بالنبل، وإذا تضايقت الثنايا علوت الجبل فرميتهم بالحجارة، فما زال ذلك شأني وشأنهم أتبعهم وأرتجز حتى ما خلق الله شيئاً من ظهر النبي، صلى الله عليه وسلم، إلا خلفته وراء ظهري واستنقذته من أيديهم ثم لم أزل أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين رمحاً وأكثر من ثلاثين بردةً يستخفون منها ولا يلقون من ذلك شيئاً إلا جعلت عليه حجارة وجمعته على طريق رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى إذا امتد الضحى أتاهم عيينة بن بدر الفزاري مدداً لهم، وهم في ثنية ضيقة، ثم علوت الجبل فأنا فوقهم. قال عيينة: ما هذا الذي أرى ؟ قالوا: لقينا من هذا البرح ما فارقنا بسحر حتى الآن وأخذ كل شيء في أيدينا وجعله وراء ظهره، فقال عيينة: لولا أن هذا يرى أن وراءه طلباً لقد ترككم، ثم قال: ليقم إليه نفر منكم؛ فقام إلي نفر منهم أربعة فصعدوا في الجبل فلما أسمعتهم الصوت قلت لهم: أتعرفونني ؟ قالوا: ومن أنت ؟ قلت: أنا ابن الأكوع، والذي كرم وجه محمد لا يطلبني رجل منكم فيدركني ولا أطلبه فيفوتني ! فقال رجل منهم: إن ذا ظن. قال: فما برحت مقعدي ذلك حتى نظرت إلى فوارس رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يتخللون الشجر، وإذا أولهم الأخرم الأسدي وعلى أثره أبو قتادة فارس رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وعلى أثر أبي قتادة المقداد، فولى المشركون مدبرين وأنزل من الجبل فأعرض للأخرم فآخذ عنان فرسه قلت: يا أخرم انذر القوم ! يعني احذرهم، فإني لا آمن أن يقتطعوك فاتئد حتى يلحق رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، قال: يا سلمة إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر وتعلم أن الجنة حق والنار حق فلا تحل بيني وبين الشهادة ! فخليت عنان فرسه فيلحق بعبد الرحمن بن عيينة ويعطف عليه عبد الرحمن، فاختلفا طعنتين فعقر الأخرم بعبد الرحمن، فطعنه عبد الرحمن فقتله، فتحول عبد الرحمن على فرس الأخرم فيلحق أبو قتادة بعبد الرحمن فاختلفا طعنتين فعقر بأبي قتادة وقتله أبو قتادة، وتحول أبو قتادة على فرس الأخرم ثم إني خرجت أعدو في أثر القوم حتى ما أرى من غبار أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، شيئاً ويعرضون إلى شعب فيه ماء يقال له ذو قرد، فأرادوا أن يشربوا منه فأبصروني أعدو وراءهم فعطفوا عنه وأسندوا في الثنية ثنية ذي دبر وغربت الشمس فألحق رجلاً فأرميه فقلت: خذها !
وأنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرّضّع !

فقال: يا ثكل أمي ! أأكوعي بكرة ؟ قال: قلت نعم يا عدو نفسه ! فكان الذي رميته بكرة فاتبعته بسهم آخر فعلق فيه سهمان ويخلفون فرسين فجئت بهما أسوقهما إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو على الماء الذي حلأتهم عنه ذو قرد، فإذا نبي الله في خمسمائة، وإذا بلال قد نحر جزوراً مما خلفت فهو يشوي لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، من كبدها وسنامها، فأتيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله خلني فأنتخب من أصحابك مائة فآخذ على الكفار بالعشوة فلا يبقى منهم مخبر إلا قتلته؛ قال: أكنت فاعلاً ذلك يا سلمة ؟ قلت: نعم، والذي أكرمك ! فضحك رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى رأيت نواجذه في ضوء النار ثم قال: إنهم الآن يقرون بأرض بني غطفان، فجاء رجل من غطفان فقال: مروا على فلان الغطفاني فنحر لهم جزوراً، فلما أخذوا يكشطون جلدها رأوا غبرةً فتركوها وخرجوا هراباً، فلما أصبحنا قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: خير فرساننا اليوم أبو قتادة وخير رجالتنا اليوم سلمة، فأعطاني رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سهم الراجل والفارس ثم أردفني وراءه على العضباء راجعين إلى المدينة، فلما كان بيننا وبينها قريباً من ضحوة، وفي القوم رجل من الأنصار كان لا يسبق جعل ينادي: هل من مسابق ؟ ألا رجل يسابق إلى المدينة؟ فأعاد ذلك مراراً وأنا وراء رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مردفي فقلت له: ما تكرم كريماً ولا تهاب شريفاً ؟ قال: لا إلا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي خلني فلأسابق الرجل ! فقال: إن شئت؛ فقلت: اذهب إليك. فطفر عن راحلته وثنيت رجلي فطفرت عن الناقة ثم إني ربطت عليه شرفاً أو شرفتين يعني استبقيت نفسي ثم إني عدوت حتى ألحقه فأصك بين كتفيه بيدي. قلت: سبقتك والله إلى فوزه أو كلمة نحوها، قال: فضحك وقال: إني إن أظن حتى قدمنا المدينة.

سرية عكاشة بن محصن الأسدي إلى الغمر
ثم سرية عكاشة بن محصن الأسدي إلى الغمر غمر مرزوق، وهو ماء لبني أسد على ليلتين من فيد طريق الأول إلى المدينة، وكانت في شهر ربيع الأول سنة ست من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قالوا: وجه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عكاشة بن محصن إلى الغمر في أربعين رجلاً فخرج سريعاً يغذ السير ونذر به القوم فهربوا فنزلوا علياء بلادهم ووجدوا دارهم خلوفاً، فبعث شجاع بن وهب طليعةً فرأى أثر النعم فتحملوا فأصابوا ربيئةً لهم، فأمنوه فدلهم على نعم لبني عم له، فأغاروا عليها فاستاقوا مائتي بعير فأرسلوا الرجل وحدروا النعم إلى المدينة وقدموا على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولم يلقوا كيداً.
سرية محمد بن مسلمة إلى ذي القصة
ثم سرية محمد بن مسلمة إلى ذي القصة في شهر ربيع الآخر سنة ست من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قالوا: بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، محمد بن مسلمة إلى بني ثعلبة وبني عوال من ثعلبة وهم بذي القصة، وبينها وبين المدينة أربعة وعشرون ميلاً طريق الربذة في عشرة نفر، فوردوا عليهم ليلاً فأحدق به القوم، وهم مائة رجل، فتراموا ساعةً من الليل ثم حملت الأعراب عليهم بالرماح فقتلوهم، ووقع محمد بن مسلمة رجل من المسلمين فحمله حتى ورد به المدينة، فبعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أبا عبيدة بن الجراح في أربعين رجلاً إلى مصارع القوم فلم يجدوا أحداً ووجدوا نعماً وشاءً فساقه ورجع.
سرية أبي عبيدة بن الجراح إلى ذي القصة

ثم سرية أبي عبيدة بن الجراح إلى ذي القصة في شهر ربيع الآخر سنة ست من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قالوا: أجدبت بلاد بني ثعلبة وأنمار، ووقعت سحابة بالمراض إلى تغلمين والمراض على ستة وثلاثين ميلاً من المدينة، فسارت بنو محارب وثعلبة وأنمار إلى تلك السحابة، وأجمعوا أن يغيروا على سرح المدينة، وهو يرعى بهيفا موضع على سبعة أميال من المدينة، فبعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أبا عبيدة بن الجراح في أربعين رجلاً من المسلمين حين صلوا المغرب، فمشوا إليهم حتى وافوا ذا القصة مع عماية الصبح، فأغاروا عليهم فأعجزوهم هرباً في الجبال، وأصاب رجلاً واحداً فأسلم وتركه، فأخذ نعماً من نعمهم فاستاقه ورثةً من متاعهم وقدم بذلك المدينة فخمسه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقسم ما بقي عليهم.

سرية زيد بن حارثة إلى بني سليم بالجموم
ثم سرية زيد بن حارثة إلى بني سليم بالجموم في شهر ربيع الآخر سنة ست من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قالوا: بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، زيد بن حارثة إلى بني سليم فسار حتى ورد الجموم ناحية بطن نخل عن يسارها، وبطن نخل من المدينة على أربعة برد، فأصابوا عليه امرأةً من مزينة يقال لها حليمة، فدلتهم عن محله من محال بني سليم فأصابوا في تلك المحلة نعماً وشاءً وأسرى، فكان فيهم زوج حليمة المزنية، فلما قفل زيد بن حارثة بما أصاب وهب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، للمزنية نفسها وزوجها فقال بلال بن الحارث في ذلك شعراً:
لعمرك ! ما أخنى المسول ولا ونت ... حليمة حتى راح ركبهما معا
سرية زيد بن حارثة إلى العيص
ثم سرية زيد بن حارثة إلى العيص، وبينها وبين المدينة أربع ليال، وبينها وبين ذي المروة ليلة، في جمادى الأولى سنة ست من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قالوا: بلغ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن عيراً لقريش قد أقبلت من الشأم فبعث زيد بن حارثة في سبعين ومائة راكب يتعرض لها، فأخذوها وما فيها وأخذوا يومئذ فضة كثيرة لصفوان بن أمية وأسروا ناساً ممن كان في العير، منهم أبو العاص بن الربيع، وقدم بهم المدينة فاستجار أبو العاص بزينب بنت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأجارته ونادت في الناس حين صلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الفجر: إني قد أجرت أبا العاص ! فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: وما علمت بشيء من هذا وقد أجرنا من أجرت، ورد عليه ما أخذ منه.
سرية زيد بن حارثة إلى الطرف
ثم سرية زيد بن حارثة إلى الطرف في جمادى الآخرة سن ست من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قالوا: بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، زيد بن حارثة إلى الطرف، وهو ماء قريب من المراض دون النخيل على ستة وثلاثين ميلاً من المدينة طريق البقرة على المحجة، فخرج إلى بني ثعلبة في خمسة عشر رجلاً فأصاب نعماً وشاءً وهربت الأعراب وصبح زيد بالنعم المدينة، وهي عشرون بعيراً، ولم يلق كيداً وغاب أربع ليال وكان شعارهم: أمت أمت !
سرية زيد بن حارثة إلى حسمى

ثم سرية زيد بن حارثة إلى حسمى وهي وراء وادي القرى في جمادى الآخرة سنة ست من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قالوا: أقبل دحية بن خليفة الكلبي من عند قيصر وقد أجاره وكساه، فلقيه الهنيد بن عارض وابنه عارض بن الهنيد في ناس من جذام بحسمى، فقطعوا عليه الطريق فلم يتركوا عليه إلا سمل ثوب، فسمع بذلك نفر من بني الضبيب فنفروا إليهم فاستنقذوا لدحية متاعه، وقدم دحية على النبية، صلى الله عليه وسلم، فأخبره بذلك فبعث زيد بن حارثة في خمسمائة رجل ورد معه دحية، فكان زيد يسير الليل ويكمن النهار، ومعه دليل له من بني عذرة، فأقبل بهم حتى هجم بهم مع الصبح على القوم، فأغاروا عليهم فقتلوا فيهم فأوجعوا وقتلوا الهنيد وابنه وأغاروا على ماشيتهم ونعمهم ونسائهم، فأخذوا من النعم ألف بعير، ومن الشاء خمسة آلاف شاة، ومن السبي مائة من النساء والصبيان، فرحل زيد بن رفاعة الجذامي في نفر من قومه إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فدفع إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كتابه الذي كان كتب له ولقومه ليالي قدم عليه، فأسلم وقال: يا رسول الله لا تحرم علينا حلالاً ولا تحل لنا حراماً؛ فقال: كيف أصنع بالقتلى ؟ قال أبو يزيد بن عمرو: أطلق لنا يا رسول الله من كان حياً ومن قتل فهو تحت قدمي هاتين، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: صدق أبو يزيد ! فبعث معهم علياً، رضي الله عنه، إلى زيد بن حارثة يأمره أن يخلي بينهم وبين حرمهم وأموالهم، فتوجه علي فلقي رافع بن مكيث الجهني بشير زيد بن حارثة على ناقة من إبل القوم، فردها علي على القوم، ولقي زيداً بالفحلتين، وهي بين المدينة وذي المروة، فأبلغه أمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فرد إلى الناس كل ما كان أخذ لهم.

سرية زيد بن حارثة إلى وادي القرى
ثم سرية زيد بن حارثة إلى وادي القرى في رجب سنة ست من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قالوا: بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، زيداً أميراً سنة ست.
سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل
ثم سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل في شعبان سنة ست من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قالوا: دعا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عبد الرحمن بن عوف فأقعده بين يديه وعممه بيده وقال: اغز بسم الله وفي سبيل الله فقاتل من كفر بالله ! لا تغل ولا تغدر ولا تقتل وليداً ! وبعثه إلى كلب بدومة الجندل وقال: إن استجابوا لك فتزوج ابنة ملكهم، فسار عبد الرحمن حتى قدم دومة الجندل فمكث ثلاثة أيام يدعوهم إلى الإسلام فأسلم الأصبغ بن عمرو الكلبي، وكان نصرانياً وكان رأسهم، وأسلم معه ناس كثير من قومه وأقام من أقام على إعطاء الجزية وتزوج عبد الرحمن تماضر بنت الأصبغ وقدم بها إلى المدينة، وهي أم أبي سلمة بن عبد الرحمن.
سرية علي بن أبي طالب إلى بني سعد بن بكر بفدك
ثم سرية علي بن أبي طالب إلى بني سعد بن بكر بفدك في شعبان سنة ست من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قالوا: بلغ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن لهم جمعاً يريدون أن يمدوا يهود خيبر، فبعث إليهم علي بن أبي طالب في مائة رجل، فسار الليل وكمن النهار حتى انتهى إلى الهمج، وهو ماء بين خيبر وفدك، وبين فدك والمدينة ست ليال، فوجدوا به رجلاً فسألوه عن القوم فقال: أخبركم على أنكم تؤمنوني، فآمنوه فدلهم، فأغاروا عليهم فأخذوا خمسمائة بعير وألفي شاة وهربت بنو سعد بالظعن ورأسهم وبر بن عليم فعزل علي صفي النبي، صلى الله عليه وسلم، لقوحاً تدعى الحفذة ثم عزل الخمس وقسم سائر الغنائم على أصحابه وقدم المدينة ولم يلق كيداً.
سرية زيد بن حارثة إلى أُم قرفة بوادي القرى

ثم سرية زيد بن حارثة إلى أُم قرفة بناحية بوادي القرى، على سبع ليال من المدينة؛ في شهر رمضان سنة ست من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قالوا: خرج زيد بن حارثة في تجارة إلى الشأم ومعه بضائع لأصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم. فلما كان دون وادي القرى لقيه ناس من فزارة من بني بدر فضربوه وضربوا أصحابه وأخذوا ما كان معهم، ثم استبل زيد وقدم على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأخبره فبعثه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إليهم فكمنوا النهار وساروا الليل، ونذرت بهم بنو بدر ثم صبحهم زيد وأصحابه فكبروا وأحاطوا بالحاضر وأخذوا أم قرفة، وهي فاطمة بنت ربيعة بن بدر، وابنتها جارية بنت مالك بن حذيفة بن بدر، فكان الذي أخذ الجارية مسلمة بن الأكوع فوهبها لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، فوهبها رسول الله بعد ذلك لحزن بن أبي وهب، وعمد قيس بن المحسر إلى أم قرفة، وهي عجوز كبيرة، فقتلها قتلاً عنيفاً: ربط بين رجليها حبلاً ثم ربطها بين بعيرين ثم زجرهما فذهبا فقطعاها، وقتل النعمان وعبيد الله ابني مسعدة بن حكمة بن مالك بن بدر، وقدم زيد بن حارثة من وجهه ذلك فقرع باب النبي، صلى الله عليه وسلم، فقام إليه عرياناً يجر ثوبه حتى اعتنقه وقبله وسايله فأخبر بما ظفره الله به.

سرية عبد الله بن عتيك إلى أبي رافع
ثم سرية عبد الله بن عتيك إلى أبي رافع سلام بن أبي الحقيق النضري بخيبر في شهر رمضان سنة ست من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قالوا: كان أبو رافع بن أبي الحقيق قد أجلب في غطفان ومن حوله من مشركي العرب، وجعل لهم الحفل العظيم لحرب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فبعث رسول الله عبد الله بن عتيك وعبد الله بن أنيس وأبا قتادة والأسود بن خزاعي ومسعود بن سنان وأمرهم بقتله، فذهبوا إلى خيبر فكمنوا، فلما هدأت الرجل جاؤوا إلى منزله فصعدوا درجةً وله قدموا عبد الله بن عتيك لأنه كان يرطن باليهودية، فاستفتح وقال: جئت أبا رافع بهدية، ففتحت له امرأته فلما رأت السلاح أرادت أن تصيح فأشاروا إليها بالسيف فسكتت، فدخلوا عليه فما عرفوه إلا ببياضه كأنه قبطية فعلوه بأسيافهم؛ قال ابن أنيس: وكنت رجلاً أعشى لا أبصر فأتكىء بسيفي على بطنه حتى سمعت خشه في الفراش وعرفت أنه قد قضى، وجعل القوم يضربونه جميعاً، ثم نزلوا وصاحت امرأته فتصايح أهل الدار واختبأ القوم في بعض مناهر خيبر، وخرج الحارث أبو زينب في ثلاثة آلاف في آثارهم يطلبونهم بالنيران فلم يروهم، فرجعوا ومكث القوم في مكانهم يومين حتى سكن الطلب ثم خرجوا مقبلين إلى المدينة كلهم يدعي قتله، فقدموا على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: أفلحت الوجوه ! فقالوا: أفلح وجهك يا رسول الله ! وأخبروه خبرهم فأخذ أسيافهم فنظر إليها فإذا أثر الطعام في ذباب سيف عبد الله بن أنيس، فقال: هذا قتله !
سرية عبد الله بن رواحة إلى أسير بن زارم

ثم سرية عبد الله بن رواحة إلى أسير زارم اليهودي بخيبر في شوال سنة ست من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قالوا: لما قتل أبو رافع سالم بن أبي الحقيق أمرت يهود عليهم أسير بن زارم فسار في غطفان وغيرهم يجمعهم لحرب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وبلغ ذلك رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فوجه عبد الله بن رواحة في ثلاثة نفر في شهر رمضان سراً فسأل عن خبره وغرته فأخبر بذلك، فقدم على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأخبره فندب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الناس فانتدب له ثلاثون رجلاً، فبعث عليهم عبد الله بن رواحة فقدموا على أسير فقالوا: نحن آمنون حتى نعرض عليك ما جئنا له ؟ قال: نعم، ولي منكم مثل ذلك ؟ وقالوا: نعم؛ فقلنا: إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بعثنا إليك لتخرج إليه فيستعملك على خيبر ويحسن إليك؛ فطمع في ذلك فخرج وخرج معه ثلاثون رجلاً من اليهود مع كل رجل رديف من المسلمين، حتى إذا كنا بقرقرة ثبار ندم أسير فقال عبد الله بن أنيس، وكان في السرية: وأهوى بيده إلى سيفي ففطنت له ودفعت بعيري وقلت: غدراً أي عدو الله ! فعل ذلك مرتين، فنزلت فسقت بالقوم حتى انفد لي أسير فضربته بالسيف فأندرت عامة فخذه وساقه وسقط عن بعيره وبيده مخرش من شوحط فضربني فشجني مأمومةً، وملنا على أصحابه فقتلناهم كلهم غير رجل واحد أعجزنا شداً، ولم يصب من المسلمين أحد، ثم أقبلنا إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فحدثناه الحديث فقال: قد نجاكم الله من القوم الظالمين !

سرية كرز بن جابر الفهري إلى العرنيين
ثم سرية كرز بن جابر الفهري إلى العرنيين في شوال سنة ست من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قالوا: قدم نفر من عرينة ثمانية على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأسلموا واستوبأ والمدينة، فأمر بهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى لقاحه وكانت ترعى بذي الجدر ناحية قباء قريباً من عير، على ستة أميال من المدينة، فكانوا فيها حتى صحوا وسمنوا فغدوا على اللقاح فاستاقوها فيدركهم يسار مولى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ومعه نفر فقاتلهم فقطعوا يده ورجله وغرزوا الشوك في لسانه وعينيه حتى مات. وبلغ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الخبر فبعث في أثرهم عشرين فارساً واستعمل عليهم كرز بن جابر الفهري فأدركوهم فأحاطوا بهم وأسروهم وربطوهم وأردفوهم على الخيل حتى قدموا بهم المدينة. وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالغابة فخرجوا بهم نحوه فلقوه بالزغابة بمجتمع السيول، وأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم فصلبوا هناك وأنزل على رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " إنّما جَزَاءُ الّذيِنَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ في الأرْضِ فَسَاداً " الآية فلم يسمل بعد ذلك عيناً. وكانت اللقاح خمس عشرة لقحة غزاراً فردوها إلى المدينة ففقد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، منها لقحةً تدعى الحناء، فسأل عنها فقيل: نحروها.
سرية عمرو بن أمية الضمري

ثم سرية عمرو بن أمية الضمري وسلمة بن أسلم بن حريس إلى أبي سفيان بن حرب بمكة، وذلك أن أبا سفيان بن حرب قال لنفر من قريش: ألا أحد يغتال محمداً فإنه يمشي في الأسواق؟ فأتاه رجل من الأعراب فقال: قد وجدت أجمع الرجال قلباً وأشده بطشاً وأسرعه شداً، فإن أنت قويتني خرجت إليه حتى أغتاله ومعي خنجر مثل خافية النسر فأسوره ثم آخذ في عير وأسبق القوم عدواً فإني هاد بالطريق خريت ! قال: أنت صاحبنا. فأعطاه بعيراً ونفقة وقال: اطو أمرك، فخرج ليلاً فسار على راحلته خمساً وصبح ظهر الحرة صبح سادسة ثم أقبل يسأل عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى دل عليه؛ فعقل راحلته ثم اقبل إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو في مسجد بني عبد الأشهل، فلما رآه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: إن هذا ليريد غدراً ! فذهب ليجني على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فجذبه أسيد بن الحضير بداخلة إزاره فإذا الخنجر فسقط في يديه وقال: دمي ! دمي ! فأخذ أسيد بلبته فذعته، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، اصدقني ما أنت ؟ قال: وأنا آمن ؟ قال: نعم ! فأخبره بأمره وما جعل له أبو سفيان، فخلى عنه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأسلم وبعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عمرو بن أمية وسلمة بن اسلم إلى أبي سفيان بن حرب وقال: إن أصبتما منه غرة فاقتلاه ! فدخلا مكة ومضى عمرو بن أمية يطوف بالبيت ليلاً فرآه معاوية بن أبي سفيان فعرفه، فأخبر قريشاً بمكانه فخافوه وطلبوه، وكان فاتكاً في الجاهلية، وقالوا: لم يأت عمر لخير؛ فحشد له أهل مكة وتجمعوا وهرب عمرو وسلمة، فلقي عمرو عبيد الله بن مالك بن عبيد الله التيمي فقتله، وقتل آخر من بني الديل سمعه يتغنى ويقول:
ولست بمسلمٍ ما دمت حيّا ! ... ولست أدين دين المسلمينا !
ولقي رسولين لقريش بعثتهما يتحسبان الخبر فقتل أحدهما وأسر الآخر فقدم به المدينة، فجعل عمرو يخبر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خبره ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، يضحك.

غزوة رسول الله الحديبية
صلى الله عليه وسلم.

ثم غزوة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الحديبية. خرج للعمرة في ذي القعدة سنة ست من مهاجره. قالوا: استنفر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أصحابه إلى العمرة فأسرعوا وتهيأوا ودخل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بيته فاغتسل ولبس ثوبين وركب راحلته القصواء وخرج، وذلك يوم الاثنين لهلال ذي القعدة، واستخل على المدينة عبد الله بن أم مكتوم ولم يخرج معه بسلاح إلا السيوف في القرب وساق بدناً وساق أصحابه أيضاً بدناً، فصلى الظهر بذي الحليفة ثم دعا بالبدن التي ساق فجللت ثم أشعرها في الشق الأيمن وقلدها وأشعر أصحابه أيضاً وهن موجهات إلى القبلة، وهي سبعون بدنة فيها جمل أبي جهل الذي غنمه يوم بدر، وأحرم ولبى وقدم عباد بن بشر أمامه طليعةً في عشرين فرساً من خيل المسلمين، وفيهم رجال من المهاجرين والأنصار، وخرج مع من المسلمين ألف وستمئة، ويقال ألف وأربعمئة. ويقال ألف وخمسمئة وعشرون رجلاً، وأخرج معه زوجته أم سلمة، رضي الله عنها، وبلغ المشركين خروجه فأجمع رأيهم على صده عن المسجد الحرام وعسكروا ببلدح وقدموا مائتي فارس إلى كراع الغميم، وعليهم خالد بن الوليد، ويقال عكرمة بن أبي جهل، ودخل بسر بن سفيان الخزاعي مكة فسمع كلامهم وعرف رأيهم فرجع إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فلقيه بغدير الأشطاط وراء عسفان فأخبره بذلك. ودنا خالد ابن الوليد في خيله حتى نظر إلى أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عباد بن بشر فتقدم في خيله فأقام بإزائه وصف أصحابه وحانت صلاة الظهر وصلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بأصحابه صلاة الخوف؛ فلما أمسى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال لأصحابه: تيامنوا في هذا العصل فإن عيون قريش بمر الظهران وبضجنان؛ فسار حتى دنا من الحديبية، وهي طرف الحرم على تسعة أميال من مكة، فوقعت يدا راحلته على ثنة تهبطه على غائط القوم فبركت؛ فقال المسلمون: حل حل ! يزجرونها، فأبت أن تنبعث، فقالوا: خلأت القصواء؛ فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: إنها ما خلأت ولكن حبسها حابس الفيل، أما والله لا يسألوني اليوم خطةً فيها تعظيم حرمة الله إلا أعطيتهم إياها، ثم زجرها فقامت فولى راجعاً عوده على بدئه حتى نزل بالناس على ثمد من أثماد الحديبية ظنون قليل الماء، فانتزع سهماً من كنانته فأمر به فغرز فيها فجاشت لهم بالرواء حتى اغترفوا بآنيتهم جلوساً على شفير البئر. ومطر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالحديبية مراراً وكرت المياه. وجاءه بديل بن ورقاء وركب من خزاعة فسلموا عليه، وقال بديل: جئناك من عند قومك كعب بن لؤي وعامر بن لؤي قد استنفروا لك الأحابيش ومن أطاعهم معهم العوذ والمطافيل والنساء والصبيان يقسمون بالله لا يخلون بينك وبني البيت حتى تبيد خضراؤهم؛ فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: لم نأت لقتال أحد، إنما جئنا لنطوف بهذا البيت فمن صدنا عنه قاتلناه ! فرجع بديل فأخبر بذلك قريشاً فبعثوا عروة ابن مسعود الثقفي فكلمه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بنحو مما كلم به بديلاً فانصرف إلى قريش فأخبرهم، فقالوا: نرده عن البيت في عامنا هذا ويرجع من قابل فيدخل مكة ويطوف بالبيت. ثم جاء مكرز بن حفص بن الأخيف فكلمه بنحو مما كلم به صاحبيه فرجع إلى قريش فأخبرهم، فبعثوا الحليس بن علقمة، وهو يومئذ سيد الأحابيش وكان يتأله، فلما رأى الهدي عليه القلائد قد أكل أوباره من طول الحبس رجع ولم يصل إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إعظاماً لما رأى، فقال لقريش: والله لتخلن بينه وبين ما جاء له أو لأنفرن بالأحابيش ! قالوا: فاكفف عنا حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به. وكان أول من بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى قريش خراش بن أمية الكعبي ليخبرهم ما جاء له، فعقروا به وأرادوا قتله فمنعه من هناك من قومه، فأرسل عثمان بن عفان فقال: اذهب إلى قريش فأخبرهم أنا لم نأت لقتال أحد وإنما جئنا زواراً لهذا البيت معظمين لحرمته، معنا الهدي ننحره وننصرف، فأتاهم فأخبرهم فقالوا: لا كان هذا أبداً ولا يدخلها علينا العام ! وبلغ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن عثمان قد قتل، فذلك حيث دعا المسلمين إلى بيعة الرضوان فبايعهم تحت الشجرة وبايع لعثمان، رضي الله عنه، فضرب بشماله على يمينه لعثمان، رضي الله عنه، وقال:

إنه ذهب في حاجة الله وحاجة رسوله. وجعلت الرسل تختلف بين رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وبين قريش فأجمعوا على الصلح والموادعة فبعثوا سهيل بن عمرو في عدة من رجالهم فصالحه على ذلك وكتبوا بينهم: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو، واصطلحا على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض، على أنه لا إسلال ولا إغلال، وأن بيننا عيبةً مكفوفةً، وأنه من أحب أن يدخل في عهد محمد وعقده فعل، وأنه من أحب أن يدخل في عهد قريش وعقدها فعل، وأنه من أتى محمداً منهم بغير إذن وليه رده إليه، وأنه من أتى قريشاً من أصحاب محمد لم يردوه، وأن محمداً يرجع عنا عامه هذا بأصحبه ويدخل علينا قابلاً في أصحابه فيقيم بها ثلاثاً، لا يدخل علينا بسلاح إلا سلاح المسافر السيوف في القرب. شهد أبو بكر بن أبي قحافة وعمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعثمان بن عفان وأبو عبيدة بن الجراح ومحمد بن مسلمة وحويطب ابن عبد العزى ومكز بن حفص بن الأخيف. وكتب علي صدر هذا الكتاب فكان هذا عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكانت نسخته عند سهيل بن عمرو. وخرج أبو جندل بن سهيل بن عمرو من مكة إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يرسف في الحديد فقال سهيل: هذا أول من أقاضيك عليه، فرده إليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقال: يا أبا جندل، قد تم الصلح بيننا وبين القوم، فاصبر حتى يجعل الله لك فرجاً ومخرجاً. ووثبت خزاعة فقالوا: نحن ندخل في عهد محمد وعقده، ووثبت بنو بكر فقالوا: نحن ندخل مع قريش في عهدها وعقدها؛ فلما فرغوا من الكتاب انطلق سهيل وأصحابه ونحر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، هديه وحلق حلقه خراش بن أمية الكعبي ونحر أصحابه وحلق عامتهم وقصر الآخرون. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: رحم الله المحلقين ! قالها ثلاثاً ! قيل: يا رسول الله والمقصرين ؟ قال: والمقصرين. وأقام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالحديبية بضعة عشر يوماً، ويقال عشرين يوماً، ثم انصرف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فلما كانوا بضجنان نزل عليه: إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً؛ فقال جبريل، عليه السلام: يهنئك يا رسول الله، وهنأه المسلمون. ذهب في حاجة الله وحاجة رسوله. وجعلت الرسل تختلف بين رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وبين قريش فأجمعوا على الصلح والموادعة فبعثوا سهيل بن عمرو في عدة من رجالهم فصالحه على ذلك وكتبوا بينهم: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو، واصطلحا على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض، على أنه لا إسلال ولا إغلال، وأن بيننا عيبةً مكفوفةً، وأنه من أحب أن يدخل في عهد محمد وعقده فعل، وأنه من أحب أن يدخل في عهد قريش وعقدها فعل، وأنه من أتى محمداً منهم بغير إذن وليه رده إليه، وأنه من أتى قريشاً من أصحاب محمد لم يردوه، وأن محمداً يرجع عنا عامه هذا بأصحبه ويدخل علينا قابلاً في أصحابه فيقيم بها ثلاثاً، لا يدخل علينا بسلاح إلا سلاح المسافر السيوف في القرب. شهد أبو بكر بن أبي قحافة وعمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعثمان بن عفان وأبو عبيدة بن الجراح ومحمد بن مسلمة وحويطب ابن عبد العزى ومكز بن حفص بن الأخيف. وكتب علي صدر هذا الكتاب فكان هذا عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكانت نسخته عند سهيل بن عمرو. وخرج أبو جندل بن سهيل بن عمرو من مكة إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يرسف في الحديد فقال سهيل: هذا أول من أقاضيك عليه، فرده إليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقال: يا أبا جندل، قد تم الصلح بيننا وبين القوم، فاصبر حتى يجعل الله لك فرجاً ومخرجاً. ووثبت خزاعة فقالوا: نحن ندخل في عهد محمد وعقده، ووثبت بنو بكر فقالوا: نحن ندخل مع قريش في عهدها وعقدها؛ فلما فرغوا من الكتاب انطلق سهيل وأصحابه ونحر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، هديه وحلق حلقه خراش بن أمية الكعبي ونحر أصحابه وحلق عامتهم وقصر الآخرون. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: رحم الله المحلقين ! قالها ثلاثاً ! قيل: يا رسول الله والمقصرين ؟ قال: والمقصرين. وأقام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالحديبية بضعة عشر يوماً، ويقال عشرين يوماً، ثم انصرف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فلما كانوا بضجنان نزل عليه: إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً؛ فقال جبريل، عليه السلام: يهنئك يا رسول الله، وهنأه المسلمون.

أخبرنا الفضل بن دكين، أخبرنا شريك عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء يقول: كنا يوم الحديبية ألفاً وأربعمائة.
أخبرنا سليمان بن داود أبو داود الطيالسي، أخبرنا شعبة، أخبرني عمرو بن مرة سمعت عبد الله بن أبي أوفى صاحب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكان قد شهد بيعة الرضوان قال: كنا يومئذ ألفاً وثلاثمائة وكانت أسلم يومئذ ثمن المهاجرين.
أخبرنا سليمان بن داود الطيالسي قال: أخبرنا شعبة عن عمرو بن مرة سمعت سالم بن أبي الجعد قال: سألت جابر بن عبد الله: كم كنتم يوم الشجرة ؟ قال: كنا ألفاً وخمسمئة، وذكر عطشاً أصابهم قال: فأتي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بماء في تور فوضع يده فيه فجعل الماء يخرج من بين أصابعه كأنها العيون. قال: فشربنا ووسعنا وكفانا. قال: قلت كم كنتم ؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا ! كنا ألفاً وخمسمئة ! وأخبرنا موسى بن مسعود أبو حذيفة النهدي، أخبرنا عكرمة بن عمار عن إياس بن سلمة عن أبيه قال: قدمنا الحديبية مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ونحن أربع عشرة مائة وعليها خمسون شاةً ما ترويها، قال: فقعد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على جباها فإما دعا وإما بزق، قال: فجاشت، قال: فسقينا واستقينا.
أخبرنا عبيد الله بن موسى، أخبرنا إسرائيل عن طارق قال: انطلقت حاجاً فمررت بقوم يصلون فقلت: ما هذا المسجد ؟ قالوا: هذه الشجرة حيث بايع النبي، صلى الله عليه وسلم، بيعة الرضوان؛ فأتيت سعيد بن المسيب فأخبرته فقال: حدثني أبي أنه كان في من بايع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تحت الشجرة، قال: فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها فلم نقدر عليها. قال سعيد: إن كان أصحابنا محمد لم يعلموها وعملتموها أنتم فأنتم أعلم.
أخبرنا قبيصة بن عقبة ومحمد بن عبد الله الأسدي قالا: أخبرنا سفيان عن طارق بن عبد الرحمن قال: كنت عند سعيد بن المسيب فتذاكروا الشجرة فضحك ثم قال: حدثني أبي أنه كان ذلك العام معهم وأنه قد شهدها فنسوها من العام المقبل.
أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء العجلي عن زياد بن الجصاص عن الحسن عن عبد الله بن مغفل قال عبد الوهاب: وأخبرني سعيد عن قتادة عن عبد الله بن مغفل قال: كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تحت الشجرة يبايع الناس وأبي رافع أغصانها عن رأسه.
أخبرنا يونس بن محمد المؤدب وأحمد بن إسحاق الحضرمي قالا: أخبرنا يزيد بن بزيع عن خالد الحذاء عن الحكم بن عبد الله الأعرج عن معقل بن يسار قال: كنت مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عام الحديبية وكان يبايع الناس وأنا أرفع بيدي غصناً من أغصان الشجرة عن رأس رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فبايعهم على أن لا يفروا ولم يبايعهم على الموت، فقلنا لمعقل: كم كنتم يومئذ ؟ قال: ألفاً وأربعمائة رجل.
أخبرنا المعلى بن أسد، أخبرنا وهيب عن خالد الحذاء عن الحكم ابن الأعرج عن معقل بن يسار: أن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان يبايع الناس عام الحديبية تحت الشجرة ومعقل بن يسار رافع غصناً من أغصان الشجرة بيده عن رأسه، فبايعهم يومئذ على أن لا يفروا، قال: قلنا كم كنتم ؟ قال: ألفاً وأربعمائة.
أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء، أخبرنا عبد الله بن عون عن نافع قال: كان الناس يأتون الشجرة التي يقال لها شجرة الرضوان فيصلون عندها؛ قال: فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فأوعدهم فيها وأمر بها فقطعت.
أخبرنا وكيع بن الجراح وعبد الله بن نمير عن إسماعيل بن أبي خالد عن عامر قال: إن أول من بايع النبي، صلى الله عليه وسلم، بيعة الرضوان أبو سنان الأسدي.
قال محمد بن سعد: فذكرت هذا الحديث لمحمد بن عمر فقال: هذا وهل، أبو سنان الأسدي قتل في حصار بني قريظة قبل الحديبية، والذي بايعه يوم الحديبية سنان بن سنان الأسدي.

أخبرنا إسماعيل بن عبد الكريم الصنعاني، حدثني إبراهيم بن عقيل ابن معقل عن أبيه عن وهب بن منبه قال: سألت جابر بن عبد الله كم كانوا يوم الحديبية ؟ قال: كنا أربع عشرة مائة فبايعناه تحت الشجرة، وهي سمرة، وعمر آخذ بيده غير جد بن قيس اختبأ تحت إبط بعيره، وسألته: كيف بايعوه ؟ قال: بايعناه على أن لا نفر ولم نبايعه على الموت، وسألته: هل بايع النبي، صلى الله عليه وسلم، بذي الحليفة ؟ فقال: لا ولكن صلى بها ولم يبايع عند الشجرة إلا الشجرة التي بالحديبية، ودعا النبي، صلى الله عليه وسلم، على بئر الحديبية وأنهم نحروا سبعين بدنة، بين كل سبعة منهم بدنة.
قال جابر: وأخبرتني أم مبشر أنها سمعت النبي، صلى الله عليه وسلم، يقول عند حفصة: لا يدخل النار، إن شاء الله، أصحاب الشجرة الذين بايعوا تحتها. قالت حفصة: بلى يا رسول الله، فانتهرها، فقالت حفصة: وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضياً؛ فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: قال الله: " ثُمّ نُنَجّي الّذينَ اتّقَوْا وَنَذَرُ الظّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً " .
وأخبرنا موسى بن مسعود النهدي، أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال: صالح النبي، صلى الله عليه وسلم، المشركين يوم الحديبية على ثلاثة أشياء: على أن من أتاه من المشركين يرد إليهم، ومن أتاهم من المسلمين لم يردوه إليهم، وعلى أن يدخلها من قابل فيقيم بها ثلاثة أيام ولا يدخلها إلا بجلبان السلاح السيف والقوس ونحوه، فجاء أبو جندل يحجل في قيده فرده إليهم.
أخبرنا سليمان بن حرب، أخبرنا حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة قال: لما كتب النبي، صلى الله عليه وسلم، الكتاب الذي بينه وبين أهل مكة يوم الحديبية قال: اكتبوا بسم الله الرحمن الرحيم؛ قالوا: أما الله فنعرفه وأما الرحمن الرحيم فلا نعرفه؛ قال: فكتبوا باسمك اللهم؛ قال: وكتب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في أسفل الكتاب: ولنا عليكم مثل الذي لكم علينا.
أخبرنا موسى بن مسعود النهدي، أخبرنا عكرمة بن عمار عن أبي زميل عن ابن عباس قال: قال عمر بن الخطاب: لقد صالح رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أهل مكة على صلح وأعطاهم شيئاً لو أن نبي الله أمر على أميراً فصنع الذي صنع نبي الله ما سمعت له ولا أطعت، وكان الذي جعل لهم أن من لحق من الكفار بالمسلمين يردوه ومن لحق بالكفار لم يردوه.
أخبرنا أبو سهل نصر بن باب عن الحجاج عن أبي إسحاق عن البراء ابن عازب أنه قال: اشترط أهل مكة على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من الحديبية ألا يدخل أحد من أصحابه مكة بسلاح إلا سلاحاً في قراب.
أخبرنا إسحاق بن يوسف الأزرق، أخبرنا شريك عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال: اشترط المشركون على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عام الحديبية ألا يدخلها بسلاح، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إلا جلبان السلاح؛ قال: وهو القراب وما فيه السيف والقوس.
وأخبرنا محمد بن حميد العبدي عم معمر عن قتادة قال: لما كان سفر الحديبية صد المشركون النبي، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه عن البيت فقاضوا المشركين يومئذ قضية أن لهم أن يعتمروا العام المقبل في هذا الشهر الذي صدوهم فيه، فجعل الله شهراً حراماً يعتمرون فيه مكان شهرهم الذي صدوا فيه، فذلك قوله: الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص.
أخبرنا هشام أبو الوليد الطيالسي، أخبرنا أبو عوانة عن حصين عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود: أن أبا سفيان بن حرب قال: حين قدم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مكة عام الحديبية كان بينهم وبين رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عهد أن لا يلج علينا بسلاح ولا يقيم بمكة إلا ثلاث ليال، ومن خرج منا إليكم رددتموه علينا ومن أتانا منكم رددناه إليكم.
أخبرنا أبو معاوية الضرير ومحمد بن عبيد قالا: أخبرنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: نجر النبي، صلى الله عليه وسلم، سبعين بدنةً عام الحديبية، البدنة عن سبعة، وزاد محمد بن عبيد في حديثه: وكنا يومئذ ألفاً وأربعمائة ومن لم يضح يومئذ أكثر ممن ضحى.

أخبرنا عبيد الله بن موسى قال: أخبرنا موسى بن عبيدة عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: خرجنا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، غزوة الحديبية فنحرنا مائة بدنة ونحن بضع عشرة مائة ومعهم عدة السلاح والرجال والخيل، وكان في بدنه جمل أبي جهل فنزل بالحديبية فصالحته قريش على أن هذا الهدي محله حيث حبسناه.
أخبرنا إسحاق بن عيسى، أخبرني مالك بن أنس عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: نحرنا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عام الحديبية، البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة.
أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء قال: أخبرنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن جابر بن عبد الله قال: نحر أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، يوم الحديبية سبعين بدنة عن سبعة سبعة.
أخبرنا عفان بن مسلم، أخبرنا أبو عوانة عن أبي بشر بن سليمان ابن قيس عن جابر بن عبد الله قال: نحرنا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوم الحديبية سبعين بدنة، البدنة عن سبعة.
أخبرنا محمد بن عبد الله الأسدي، أخبرنا سفيان الثوري عن أبي الزبير عن جابر قال: نحرنا يوم الحديبية سبعين بدنة، البدنة عن سبعة، وقال لنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ليشترك منكم النفر الهدي.
أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري، أخبرنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك: أنهم نحروا يوم الحديبية سبعين بدنة، عن كل سبعة بدنةً.
أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء قال: أخبرنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال: ذكر لنا أن نبي الله، صلى الله عليه وسلم، خرج يوم الحديبية فرأى رجالاً من أصحابه قد قصروا فقال: يغفر الله للمحلقين؛ قالوا: يا رسول الله وللمقصرين ؟ قال ذلك ثلاثاً وأجابوه بمثل ذلك، فقال عند الرابعة: وللمقصرين.
أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء قال: أخبرنا هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي إبراهيم عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، رأى أصحابه حلقوا رؤوسهم عام الحديبية غير عثمان بن عفان وأبي قتادة الأنصاري، فاستغفر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، للمحلقين ثلاث مرات وللمقصرين مرة.
أخبرنا يونس بن محمد المؤدب. أخبرنا أوس بن عبيد الله النصري، أخبرنا بريد بن أبي مريم عن أبيه مالك بن ربيعة: أنه سمع النبي، صلى الله عليه وسلم، يقول: اللهم اغفر للمحلقين؛ فقال رجل: وللمقصرين ؟ فقال في الثالثة أو في الرابعة: وللمقصرين قال: وأنا محلوق يومئذ فما سرني حمر النعم أو خطر عظيم.
أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس عن مجمع بن يعقوب عن أبيه أنه قال: لما صدر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه وحلقوا بالحديبية ونحروا بعث الله ريحاً عاصفاً فاحتملت أشعارهم فألقتها في الحرم.
حدثنا الفضل بن دكين، أخبرنا شريك عن ليث عن مجاهد: إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً؛ قال: نزلت عام الحديبية.
أخبرنا الفضل بن دكين عن سفيان بن عيينة عن ابن جريج عن مجاهد: إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً؛ إنا قضينا لك قضاء مبيناً، فنحر النبي، صلى الله عليه وسلم، بالحديبية وحلق رأسه.
أخبرنا هاشم بن القاسم الكناني، أخبرنا شعبة عن قتادة سمعت أنس ابن مالك يقول: نزلت هذه الآية حين رجع النبي، صلى الله عليه وسلم، من الحديبية: " إنّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبيناً ليَغْفرَ لَكَ اللّهُ مَا تَقَدّمَ منْ ذَنْبكَ وَمَا تَأخّرَ " .
أخبرنا قبيصة بن عقبة، أخبرنا سفيان الثوري عن داود عن الشعبي قال: الهجرة ما بين الحديبية إلى الفتح والحديبية هي الفتح.

أخبرنا يونس بن محمد المؤدب، أخبرنا مجمد بن يعقوب، حدثني أبي عن عمه عبد الرحمن بن يزيد عن مجمع بن جارية قال: شهدت الحديبية مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فلما انصرفنا عنها إذا الناس يوجفون الأباعر، قال: فقال الناس بعضهم لبعض ما للناس ؟ قالوا: أوحي إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: فخرجنا نوجف مع الناس حتى وجدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، واقفاً عند كراع الغميم، فلما اجتمع إليه بعض ما يريد من الناس قرأ عليهم: " إنّا فَتَحنَا لكَ فَتحاً مُبيناً " ؛ قال: قال رجل من أصحاب محمد يا رسول الله أو فتح هو ؟ قال: إي والذي نفسي بيده إنه لفتح ! قال: ثم قسمت خيبر على أهل الحديبية على ثمانية عشر سهماً وكان الجيش ألفاً وخمسمائة، فيهم ثلاثمائة فارس، وكان للفارس سهمان.
أخبرنا مالك بن إسماعيل، أخبرنا زهير، أخبرنا أبو إسحاق قال: قال البراء: أما نحن فنسمي الذين يسمون فتح مكة يوم الحديبية بيعة الرضوان.
أخبرنا علي بن محمد عن جويرية بن أسماء عن نافع قال: خرج قوم من أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بعد ذلك بأعوام فما عرف أحد منهم الشجرة واختلفوا فيها؛ قال ابن عمر: كانت رحمة من الله.
أخبرنا عبد الله بن الوهاب بن عطاء العجلي قال: أخبرنا خالد الحذاء، أخبرني أبو المليح عن أبيه قال: أصابنا يوم الحديبية مطر لم يبل أسافل نعالنا فنادى منادي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن صلوا في رحالكم.

غزوة رسول الله خيبر
صلى الله عليه وسلم

ثم غزوة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خيبر في جمادى الأولى سنة سبع من مهاجره، وهي على ثمانية برد من المدينة. قالوا: أمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أصحابه بالتهيؤ لغزوة خيبر ويجلب من حوله يغزون معه فقال: لا يخرجن معنا إلا راغب في الجهاد، وشق ذلك على من بقي بالمدينة من اليهود فخرج، واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري وأخرج معه أم سلمة زوجته، فلما نزل بساحتهم لم يتحركوا تلك الليلة، ولم يصح لهم ديك حتى طلعت الشمس، وأصبحوا وأفئدتهم تخفق وفتحوا حصونهم وغدوا إلى أعمالهم معهم المساحي والكرازين والمكاتل، فلما نظروا إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قالوا: محمد والخميس! يعنون بالخميس الجيش، فولوا هاربين إلى حصونهم وجعل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: الله أكبر خربت خيبر ! إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين ! ووعظ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الناس وفرق فيهم الرايات ولم يكن الرايات إلا يوم خيبر إنما كانت الألوية فكانت راية النبي، صلى الله عليه وسلم، السوداء من برد لعائشة تدعى العقاب ولواؤه أبيض ودفعه إلى علي بن أبي طالب، وراية إلى الحباب بن المنذر، وراية إلى سعد بن عبادة، وكان شعارهم: يا منصور أمت ! فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، المشكرين، قاتلوه أشد القتال وقتلوا من أصحابه عدةً وقتل منهم جماعة كثيرة، وفتحها حصناً حصناً، وهي حصون ذوات عدد منه النطاة ومنها حصن الصعب بن معاذ وحصن ناعم وحصن قلعة الزبير والشق، وبه حصون منها حصن أبي وحصن النزار، وحصون الكتيبة منها القموص والوطيح وسلالم، وهو حصن بني أبي الحقيق، وأخذ كنز آل أبي الحقيق الذي كان في مسك الجمل، وكانوا قد غيبوه في خربة فدل الله رسوله عليه فاستخرجه وقتل منهم ثلاثةً وتسعين رجلاً من يهود، منه الحارث أبو زينب ومرحب وأسير وياسر وعامر وكنانة بن أبي الحقيق وأخوه، وإنما ذكرنا هؤلاء وسميناهم لشرفهم، واستشهد من أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، بخيبر ربيعة بن أكثم وثقف بن عمرو بن سميط ورفاعة بن مسروح، وعبد الله بن أمية بن وهب حليف لبني أسد بن عبد العزى، ومحمود بن مسلمة، وأبو ضياح بن النعمان من أهل بدر، والحارث بن حاطب من أهل بدر، وعدي بن مرة بن سراقة وأوس بن حبيب وأنيف بن وائل ومسعود ابن سعد بن قيس، وبشر بن البراء بن معرور مات من الشاة المسمومة، وفضيل بن النعمان، وعامر بن الأكوع أصاب نفسه فدفن هو ومحمود بن مسلمة في غار واحد بالرجيع بخيبر، وعمارة بن عقبة بن عباد بن مليل، ويسار العبد الأسود ورجل من أشجع، فجميعهم خمسة عشر رجلاً، وفي هذه الغزاة سمت زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أهدت له شاة مسمومة فأكل منها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وناس من أصحابه فيهم بشر بن البراء بن معرور فمات منها، فيقال إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قتلها وهو الثبت عندنا، وأمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالغنائم فجمعت واستعمل عليها فروة ابن عمرو البياضي ثم أمر بذلك فجزىء خمسة أجزاء وكتب في سهم منها لله وسائر السهمان أغفال، وكان أول ما خرج سهم النبي، صلى الله عليه وسلم، لم يتخير في الأخماس فأمر ببيع الأربعة الأخماس في من يزيد فباعها فروة وقسم ذلك بين أصحابه. وكان الذي ولي إحصاء الناس زيد بن ثابت فأحصاهم ألفاً وأربعمائة والخيل مئتي فرس، وكانت السهمان على ثمانية عشر سهماً لكل مائة رأس وللخيل أربعمائة سهم، وكان الخمس الذي صار إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يعطى منه على ما أراه الله من السلاح والكسوة، وأعطى منه أهل بيته ورجالاً من بني عبد المطلب ونساء واليتيم والسائل، وأطعم من الكتيبة نساءه وبني عبد المطلب وغيرهم، وقدم الدوسيون فيهم أبو هريرة وقدم الطفيل بن عمرو وقدم الأشعريون ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، بخيبر فلحقوه بها فكلم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أصحابه فهيم أن يشركوهم في الغنيمة ففعلوا، وقدم جعفر بن أبي طالب وأهل السفينتين من عند النجاشي بعد أن فتحت خيبر فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ما أدري بأيهما أنا أسر بقدوم جعفر أو بفتح خيبر ؟ وكانت صفية بنت حيي ممن سبى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بخيبر فأعتقها وتزوجها. وقدم الحجاج بن علاط

السلمي على قريش بمكة فأخبرهم أن محمداً قد أسرته يهود وتفرق أصحابه وقتلوا، وهم قادمون بهم عليكم، واقتضى الحجاج دينه وخرج سريعاً فلقيه العباس بن عبد المطلب فأخبره خبر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على حقه وسأله أن يكتم عليه حتى يخرج، ففعل العباس، فلما خرج الحجاج أعلن بذلك العباس وأظهر السرور وأعتق غلاماً يقال له أبو زبيبة.لمي على قريش بمكة فأخبرهم أن محمداً قد أسرته يهود وتفرق أصحابه وقتلوا، وهم قادمون بهم عليكم، واقتضى الحجاج دينه وخرج سريعاً فلقيه العباس بن عبد المطلب فأخبره خبر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على حقه وسأله أن يكتم عليه حتى يخرج، ففعل العباس، فلما خرج الحجاج أعلن بذلك العباس وأظهر السرور وأعتق غلاماً يقال له أبو زبيبة.
أخبرنا وهب بن جرير بن حازم قال: أخبرنا هشام الدستوائي عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: خرجنا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى خيبر لثماني عشرة مضت من شهر رمضان، فصام طوائف من الناس وأفطر آخرون، فلم يعب على الصائم صومه ولا على المفطر فطره.
أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري، أخبرنا حميد الطويل عن أنس قال: انتهينا إلى خير ليلاً، فلما أصبحنا وصلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الغداة ركب وركب المسلمون معه فخرج وخرج أهل خيبر حين أصبحوا بمساحيهم ومكاتلهم كما كانوا في أرضيهم، فلما رأوا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قالوا: محمد والله ! محمد والجيش ! ثم رجعوا هراباً إلى مدينتهم، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: الله أكبر خربت خيبر ! إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين ! قال أنس: وأنا رديف أبي طلحة وإن قدمي لتمس قدم رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا روح بن عبادة، أخبرنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس ابن مالك عن أبي طلحة قال: لما صبح رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خيبر وقد أخذوا مساحيهم وغدوا إلى حروثهم وأرضيهم، فلما رأوا نبي الله، صلى الله عليه وسلم، ومعه الجيش نكصوا مدبرين فقال نبي الله، صلى الله عليه وسلم: الله أكبر الله أكبر ! إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين ! أخبرنا عفان بن مسلم، أخبرنا حماد بن سلمة، أخبرنا ثابت عن أنس قال: كنت رديف أبي طلحة يوم خيبر وقدمي تمس قدم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: فأتيناهم حين بزغت الشمس وقد أخرجوا مواشيهم وخرجوا بفؤوسهم وكماتلهم ومرورهم وقالوا: محمد والخميس ! قال: وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: الله أكبر الله أكبر ! إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين ! قال: فهزمهم الله.
أخبرنا سليمان بن حرب، أخبرنا حماد بن زيد عن ثابت عن أنس أن النبي، صلى الله عليه وسلم، صلى الصبح بغلس وهو قريب من خيبر ثم أغار عليهم فقال: الله أكبر خربت خيبر ! إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين ! فدخل عليهم فخرجوا يسعون في السكك ويقولون: محمد والخميس ! محمد والخميس ! قال: فقتل المقاتلة وسبى الذرية.
أخبرنا عفان بن مسلم، أخبرنا حماد بن سلمة قال: أخبرنا عبيد الله بن عمر قال: وأظنه عن نافع عن ابن عمر، قال: أتى رسول الله، عليه السلام، أهل خيبر عند الفجر فقاتلهم حتى أجلأهم إلى قصرهم وغلبهم على الأرض والنخل، فصالحهم على أن يحقن دماءهم ولهم ما حملت ركابهم وللنبي، صلى الله عليه وسلم، الصفراء والبيضاء والحلقة، وهو السلاح، ويخرجهم، وشرطوا للنبي، صلى الله عليه وسلم، أن لا يكتموه شيئاً، فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد، فلما وجد المال الذي غيبوه في مسك الجمل سبى نساءهم وغلب على الأرض والنخل ودفعها إليهم على الشطر، فكان ابن رواحة يخرصها عليهم ويضمنهم الشطر.
أخبرنا عبد الله بن نمير، أخبرنا يحيى بن سعيد عن صالح بن كيسان قال: كان مع النبي، صلى الله عليه وسلم، يوم خيبر مائتا فرس.

أخبرنا عفان بن مسلم، أخبرنا وهيب، أخبرنا سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوم خيبر: لأدفعن الراية إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ويفتح عليه، قال: قال عمر فما أحببت الإمارة قبل يومئذ فتطاولت لها واستشرفت رجاء أن يدفعها إلي؛ فلما كان الغد دعا علياً فدفعها إليه فقال: قاتل ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك؛ فسار قريباً ثم نادى: يا رسول الله علام أقاتل ؟ قال: حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله.
أخبرنا هاشم بن القاسم، أخبرنا عكرمة بن عمار، أخبرني إياس ابن سلمة بن الأكوع قال: أخبرني أبي قال: بارز عمي يوم خيبر مرحب اليهودي فقال مرحب:
قد علمت خيبر أنّي مرحب ... شاكي السّلاح بطلٌ مجرّب
إذا الحروب أقبلت تلهّب
فقال عمي عامر
قد علمت خيبر أنّي عامر ... شاك السّلاح بطلٌ مغامر
فاختلفا ضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر وذهب عامر يسفل له، فرجع السيف على ساقه فقطع أكحله فكانت فيها نفسه، قال سلمة ابن الأكوع: فلقيت ناساً من أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقالوا: بطل عمل عامر قتل نفسه ! قال سلمة: فجئت إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أبكي فقلت: يا رسول الله أبطل عمل عامر ؟ قال: ومن قال ذاك ؟ قلت: أناس من أصحابك ! قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: كذب من قال ذاك ! بل له أجره مرتين، إنه حين خرج إلى خيبر جعل يرجز بأصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وفيهم النبي يسوق الركاب وهو يقول:
تاللّه، لولا اللّه ما اهدتينا ... وما تصدّقنا وما صلّينا
إنّ الّذين كفروا علينا ... إذا أرادوا فتنةً أبينا
ونحن عن فضلك ما استغنينا ... فثبّت الأقدام إن لاقينا
وأنزلن سكينةً علينا
فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: من هذا ؟ قالوا: عامر يا رسول الله ! قال: غفر لك ربك ! قال: وما استغفر لإنسان قط يخصه إلا استشهد، فلما سمع ذلك عمر بن الخطاب قال: يا رسول الله لوما متعتنا بعامر، فتقدم فاستشهد. قال سلمة: ثم إن نبي الله، صلى الله عليه وسلم، أرسلني إلى علي فقال لأعطين الراية اليوم رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله؛ قال: فجئت به أقوده أرمد فبصق رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في عينيه ثم أعطاه الراية فخرج مرحب يخطر بسيفه فقال:
قد علمت خيبر أنّي مرحب ... شاك السّلاح بطلٌ مجرّب
إذا الحروب أقبلت تلهّب
فقال علي، صلوات الله عليه وبركاته:
أنا الّذي سمّتني أمّي حيدره ... كليث غاباتٍ كريه المنظره
أكيلهم بالصّاع كيل السّندره !
ففلق رأس مرحب بالسيف، وكان الفتح على يديه.
أخبرنا بكر بن عبد الرحمن قاضي الكوفة، حدثني عيسى بن المختار ابن عبد الله بن أبي ليلى الأنصاري عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال: لما ظهر النبي، صلى الله عليه وسلم، على خيبر صالحهم على أن يخرجوا بأنفسهم وأهليهم ليس لهم بيضاء ولا صفراء، فأتي بكنانة والربيع، وكان كنانة زوج صفية والربيع أخوه وابن عمه، فقال لهما رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أين آنيتكما التي كنتما تعيرانها أهل مكة ؟ قالا: هربنا فلم تزل تضعنا أرض وترفعنا أخرى فذهبنا فأنفقنا كل شيء؛ فقال لهما: إنكما إن كتمتاني شيئاً فاطلعت عليه استحللت به دماء كما وذراريكما؛ فقالا: نعم ! فدعا رجلاً من الأنصار فقال: اذهب إلى قراح كذا وكذا ثم ائت النخل فانظر نخلة عن يمينك أو عن يسارك فانظر نخلةً مرفوعة فأتني بما فيها. قال: فانطلق فجاءه بالآنية والأموال فضرب أعناقهما وسبى أهليهما، وأرسل رجلاً فجاء بصفية فمر بها على مصرعهما فقال له نبي الله، صلى الله عليه وسلم: لم فعلت ؟ فقال: أحببت يا رسول الله أن أغيظها. قال: فدفعها إلى بلال وإلى رجل من الأنصار فكانت عنده.

أخبرنا هاشم بن القاسم، أخبرنا عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله قال: لما كان يوم خيبر أصاب الناس مجاعة، فأخذوا الحمر الإنسية فذبحوها وملؤوا منها القدور فبلغ ذلك نبي الله، صلوات الله عليه؛ قال جابر: فأمرنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فكفأنا القدور وهي تغلي، فحرم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الحمر الإنسية ولحوم البغال وكل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير وحرم المجثمة والخلسة والنهبة.
أخبرنا عفان بن مسلم، أخبرنا حماد بن زيد، أخبرنا عمرو بن دينار عن محمد بن علي عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر وأذن في لحوم الخيل.
أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري، أخبرنا هشام بن حسان، أخبرنا محمد، أخبرنا أنس بن مالك قال: أتى آت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوم خيبر فقال: يا رسول الله أكلت الحمر ! ثم أتاه آت فقال: يا رسول الله أفنيت الحمر ! فأمر أبا طلحة فنادى: إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر فإنها رجس، فأكفئت القدور.
أخبرنا عفان بن مسلم وهاشم بن القاسم قالا: أخبرنا شعبة عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال: أصبنا حمراً يوم خيبر، قال: فنادى منادي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن اكفؤوا القدور.
أخبرنا عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، أخبرنا عبد الله بن نمير عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن عمرو بن ضمرة الفزاري عن عبد الله بن أبي سليط عن أبيه أبي سليط، وكان بدرياً، قال: أتانا نهي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن لحوم الحمر يوم خيبر وإنا جياع فكفأناها.
أخبرنا يزيد بن هارون، أخبرنا يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لما أفاء الله عليه خيبر قسمها على ستة وثلاثين سهماً، جمع كل سهم مائة سهم، وجعل نصفها لنوائبه وما ينزل به، وعزل النصف الآخر فقسمه بين المسلمين وسهم النبي، صلى الله عليه وسلم، فيما قسم بين المسلمين الشق ونطاة وما حيز معهما، وكان فيما وقف الوطيحة والكتيبة وسلالم وما حيز معهن، فلما صارت الأموال في يد النبي، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه لم يكن لهم من العمال ما يكفون عمل الأرض فدفعها النبي، صلى الله عليه وسلم، إلى اليهود يعملونها على نصف ما يخرج منها، فلم يزالوا على ذلك حتى كان عمر بن الخطاب وكثر في يدي المسلمين العمال وقووا على عمل الأرض، فأجلى عمر اليهود إلى الشأم وقسم الأموال بين المسلمين إلى اليوم.
أخبرنا سليمان بن حرب قال: أخبرنا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار قال: لما افتتح النبي، صلى الله عليه وسلم، خيبر أخذها عنوةً فقسمها على ستة وثلاثين سهماً، فأخذ لنفسه ثمانية عشر سهماً وقسم بين الناس ثمانية عشر سهماً، وشهدها مائة فرس وجعل للفرس سهمين.
أخبرنا موسى بن داود، أخبرنا محمد بن راشد عن مكحول: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أسهم يوم خيبر للفارس ثلاثة أسهم: سهمان لفرسه وسهم له.
أخبرنا عتاب بن زياد، أخبرنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا ابن لهيعة عن محمد بن زيد أخبرني عمير مولى آبي اللحم قال: غزوة مع سيدي يوم خيبر فشهدت فتحها مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فسألته أن يقسم لي معهم فأعطاني من خرثي المتاع ولم يقسم لي.
أخبرنا عتاب بن زياد، أخبرنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا ابن لهيعة، حدثني الحارث بن يزيد الحضرمي عن ثابت بن الحارث الأنصاري قال: قسم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عام خيبر لسهلة بنت عاصم ابن عدي ولابنة لها ولدت.

أخبرنا عتاب بن زياد، أخبرنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن فلان الجيشاني أو قال عن أبي مرزوق مولى تجيب عن حنش قال: شهدت فتح جربة مع رويفع بن ثابت البلوي قال فخطبنا فقال: شهدت فتح خيبر مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فسمعته يقول: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسق ماءه زرع غيره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقض على امرأة من السبي حتى يستبرئها، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبع مغنماً حتى يقسم، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها في فيء المسلمين، أو يلبس ثوباً حتى إذا أخلقه رده في فيء المسلمين.
أخبرنا عفان بن مسلم وهاشم بن القاسم قالا: أخبرنا شعبة قال: قال الحكم: أخبرني عبد الرحمن بن أبي ليلى في قوله: وأثابهم فتحاً قريباً؛ قال: خيبر. وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها؛ قال: فارس والروم.
أخبرنا موسى بن داود قال: أخبرنا ليث بن سعد إن شاء الله عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة أنه قال: لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، شاة فيها سم فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: اجمعوا من كان ها هنا من اليهود، فجمعوا له فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إني سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقي عنه ؟ قالوا: نعم يا أبا القاسم؛ فقال لهم سول الله، صلى الله عليه وسلم: من أبوكم ؟ قالوا: أبونا فلان؛ فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: كذبتم ! أبوكم فلان؛ قالوا: صدقت وبررت؛ فقال: هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم ؟ قالوا: نعم يا أبا القاسم، فإن كذبناك عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا؛ فقال لهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم: من أهل النار ! فقالوا: نكون فيها يسيراً ثم تخلفونا فيها؛ فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: اخسؤوا فيها ولا نخلفكم فيها أبداً؛ ثم قال لهم: هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه ؟ قالوا: نعم يا أبا القاسم؛ قال لهم: هل جعلتم في هذه الشاة سماً ؟ قالوا: نعم؛ قال: ما حملكم على ذلك ؟ قالوا: أردنا إن كنت كاذباً استرحنا منك وإن كنت نبياً لم يضررك.
أخبرنا بكر بن عبد الرحمن قاضي أهل الكوفة، أخبرنا عيسى بن المختار عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال: لما أراد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يخرج من خيبر قال القوم: الآن نعلم أسرية صفية أم امرأة، فإن كانت امرأةً فإنه سيحجبها، وإلا فهي سرية؛ فلما خرج أمر بستر فستر دونها فعرف الناس أنها امرأة، فلما أرادت أن تركب أدنى فخذه منها لتركب عليها فأبت ووضعت ركبتها على فخذه ثم حملها، فلما كان الليل نزل فدخل الفسطاط ودخلت معه، وجاء أبو أيوب فبات عند الفسطاط معه السيف واضع رأسه على الفسطاط، فلما أصبح رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سمع الحركة فقال: من هذا ؟ فقال: أنا أبو أيوب ! فقال: ما شأنك ؟ قال: يا رسول اله جارية شابة حديثة عهد بعرس، وقد صنعت بزوجها ما صنعت، فلم آمنها، قلت إن تحركت كنت قريباً منك. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: رحمك الله يا أبا أيوب ! مرتين.
أخبرنا عفان بن مسلم، أخبرنا حماد بن سلمة قال: أخبرنا ثابت عن أنس قال: وقعت صفية في سهم دحية، وكانت جارية جميلة، فاشتراها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بسبعة أرؤس ودفعها إلى أم سليم تصنعها وتهيئها، وجعل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وليمتها التمر والأقط والسمن، قال: ففحصت الأرض أفاحيص وجيء بالأنطاع فوضعت فيها ثم جيء بالأقط والسمن والتمر فشبع الناس؛ قال: وقال الناس ما ندري أتزوجها أم اتخذها أم ولد ؟ قال فقالوا: إن حجبها فهي امرأته وإن لم يحجبها فهي أم ولد؛ قال: فلما أراد أن يركب حجبها حتى قعدت على عجز البعير، قال: فعرفوا أنه قد تزوجها.
أخبرنا سليمان بن حرب، أخبرنا حماد بن زيد عن ثابت عن أنس قال: كان في ذلك السبي صفية بنت حيي فصارت إلى دحية الكلبي ثم صارت بعد إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فأعتقها ثم تزوجها وجعل عتقها صداقها. قال حماد: قال عبد العزيز لثابت يا أبا محمد أنت قلت لأنس ما أصدقها ؟ قال: أصدقها نفسها؛ قال: فحرك ثابت رأسه كأنه صدقه.

سرية عمر بن الخطاب إلى تربة
رحمه الله.

ثم سرية عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، إلى تربة في شعبان سنة سبع من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قالوا: بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عمر بن الخطاب في ثلاثين رجلاً إلى عجز هوازن بتربة، وهي بناحية العبلاء على أربع ليال من مكة طريق صنعاء ونجران، فخرج وخرج معه دليل من بني هلال، فكان يسير الليل ويكمن النهار، فأتى الحبر هوازن فهربوا، وجاء عمر بن الخطاب محالهم فلم يلق منهم أحداً فانصرف راجعاً إلى المدينة.

سرية أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، إلى بني كلاب بنجد
ثم سرية أبي بكر الصديق إلى بني كلاب بنجد ناحية ضربة في شعبان سنة سبع من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا هاشم بن القاسم الكناني، أخبرنا عكرمة بن عمار، أخبرنا إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: غزوة مع أبي بكر إذ بعثه النبي، صلى الله عليه وسلم، علينا فسبى ناساً من المشركين فقتلناهم، فكان شعارنا: أمت أمت ! قال: فقتلت بيدي سبعة أهل أبيات من المشركين.
أخبرنا هاشم بن القاسم، أخبرنا عكرمة بن عمار، أخبرنا إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أبا بكر إلى فزارة وخرجت معه حتى إذا ما دنونا من الماء عرس أبو بكر، حتى إذا ما صلينا الصبح أمرنا فشننا الغارة فوردنا الماء، فقتل أبو بكر من قتل ونن معه؛ قال سلمة: فرأيت عنقاً من الناس فيهم الذراري فخشيت أن يسبقوني إلى الجبل فأدركتهم فرميت بسهم بينهم وبين الجبل، فلما رأوا السهم قاموا فإذا امرأة من فزارة فيهم عليها قشع من أدم، معها ابنتها من أحسن العرب، فجئت أسوقهم إلى أبي بكر فنفلني أبو بكر ابنتها فلم أكشف لها ثوباً حتى قدمت المدينة، ثم باتت عندي فلم أكشف لها ثوباً حتى لقيني رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في السوق فقال: يا سلمة هب لي المرأة ! فقلت: يا نبي الله! والله لقد أعجبتني وما كشفت لها ثوباً ! فكست حتى إذا كان من الغد لقيني رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في السوق ولم أكشف لها ثوباً فقال: يا سلمة هب لي المرأة لله أبوك ! قال: فقلت هي لك يا رسول الله ! قال: فبعث بها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى أهل مكة ففدى بها أسرى من المسلمين كانوا في أيدي المشركين.
سرية بشير بن سعد الأنصاري إلى فدك
ثم سرية بشير بن سعد إلى فدك في شعبان سنة سبع من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قالوا: بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بشير بن سعد في ثلاثين رجلاً إلى بني مرة بفدك، فخرج يلقى رعاء الشاء، فسأل عن الناس فقيل في بواديهم، فاستاق النعم والشاء وانحدر إلى المدينة، فخرج الصريخ فأخبرهم فأدركه الدهم منهم عند الليل، فأتوا يرامونهم بالنبل حتى فنيت نبل أصحاب بشير وأصبحوا، فحمل المريون عليهم فأصابوا أصحاب بشير وقاتل بشير حتى ارتث وضرب كعبه فقيل قد مات، ورجعوا بنعمهم وشائهم، وقدم علبة بن زيد الحارثي بخبرهم على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثم قدم من بعده بشير بن سعد.
سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى الميفعة
ثم سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى الميفعة في شهر رمضان سنة سبع من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قالوا: بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، غالب بن عبد الله إلى بني عوال وبني عبد بن ثعلبة، وهم بالميفعة، وهي وراء بطن نخل إلى النفرة قليلاً بناحية نجد، وبينها وبين المدينة ثمانية برد، بعثه في مائة وثلاثين رجلاً ودليلهم يسار مولى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فهجموا عليهم جميعاً ووقعوا وسط محالهم، فقتلوا من أشرف لهم واستاقوا نعماً وشاءً فحدروه إلى المدينة ولم يأسروا أحداً، وفي هذه السرية قتل أسامة بن زيد الرجل الذي قال لا إله إلا الله، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: ألا شققت قلبه فتعلم صادق هو أم كاذب ؟ فقال أسامة: لا أقاتل أحداً يشهد أن لا إله إلا الله.
سرية بشير بن سعد الأنصاري إلى يمن وجبار

ثم سرية بشير بن سعد الأنصاري إلى يمن وجبار في شوال سنة سبع من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قالوا: بلغ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن جمعاً من غطفان بالجناب قد واعدهم عيينة بن حصن ليكون معهم ليزحفوا إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فدعا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بشير بن سعد فعقد له لواء وبعث معه ثلاثمائة رجل، فساروا الليل وكمنوا النهار حتى أتوا إلى يمن وجبار وهي نحو الجناب، والجناب يعارض سلاح وخيبر وواوي القرى، فنزلوا بسلاح ثم دنوا من القوم فأصابوا لهم نعماً كثيراً وتفرق الرعاء، فحذروا الجمع فتفرقوا ولحقوا بعلياء بلادهم، وخرج بشير بن سعد في أصحابه حتى أتى محالهم فيجدها وليس فيها أحد، فرجع بالنعم وأصاب منهم رجلين فأسرهما وقدم بهما إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأسلما فأرسلهما.

عمرة رسول الله القضية
صلى الله عليه وسلم
ثم عمرة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، القضية في ذي القعدة سنة سبع من مهاجره. قالوا: لما دخل هلال ذي القعدة أمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أصحابه أن يعتمروا قضاءً لعمرتهم التي صدهم المشركون عنها بالحديبية، وأن لا يتخلف أحد ممن شهد الحديبية، فلم يتخلف منهم أحد إلا رجال استشهدوا منهم بخيبر ورجال ماتوا. وخرج مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قوم من المسلمين عماراً فكانوا في عمرة القضية ألفين، واستخلف على المدينة أبا رهم الغفاري وساق رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ستين بدنةً وجعل على هديه ناجية بن جندب الأسلمي، وحمل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، السلاح البيض والدروع والرماح وقاد مائة فرس، فلما انتهى إلى ذي الحليفة قدم الخيل أمامه عليها محمد بن مسلمة، وقدم السلاح واستعمل عليه بشير ابن سعد، وأحرم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من باب المسجد ولبى والمسلمون معه يلبون، ومضى محمد بن مسلمة في الخيل إلى مر الظهران فوجد بها نفراً من قريش فسألوه فقال: هذا رسول اله، صلى الله عليه وسلم، يصبح هذا المنزل غداً إن شاء الله؛ فأتوا قريشاً فأخبروهم ففزعوا ونزل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بمر الظهران وقدم السلاح إلى بطن يأجج حيث ينظر إلى أنصاب الحرم، وخلف عليه أوس بن خولي الأنصاري في مائة رجل، وخرجت قريش من مكة إلى رؤوس الجبال وخلوا مكة، فقدم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الهدي أمامه فحبس بذي طوى، وخرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على راحلته القصواء والمسلمون متوشحون السيوف محدقون برسول الله، صلى الله عليه وسلم، يلبون فدخل من الثنية التي تطلعه على الحجون وعبد الله بن رواحة آخذ بزمام راحلته، فلم يزل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يلبي حتى استلم الركن بمحجنه مضطجعاً بثوبه، وطاف على راحلته والمسلمون يطوفون معه قد اضطجعوا بثيابهم، وعبد الله بن رواحة يقول:
خلّوا بني الكفّار عن سبيله ! ... خلّوا فكلّ الخير مع رسوله !
نحن ضربناكم على تأويله ... كما ضربناكم على تنزيله،
ضرباً يزيل الهام عن مقيله ... ويذهل الخليل عن خليله !
يا رب إنّي مؤمن بقله !

فقال عمر: يا ابن رواحة إيهاً ! فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: يا عمر إني أسمع ! فأسكت عمر وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إيها يا ابن رواحة ! قال: قل لا إله إلا الله وحده نصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده؛ قال فقالها ابن رواحة فقالها الناس كما قال. ثم طاف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن الصفا والمروة على راحلته، فلما كان الطواف السابع عند فراغه وقد وقف الهدي عند المروة قال: هذا المنحر وكل فجاج مكة منحر؛ فنحر عند المروة وحلق هناك وكذلك فعل المسلمون فأمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ناساً منهم أن يذهبوا إلى أصحابهم ببطن يأجج فيقيموا على السلاح ويأتي الآخرون فيقضوا نسكهم ففعلوا، ثم دخل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الكعبة فلم يزل فيها إلى الظهر ثم أمر بلالاً فأذن على ظهر الكعبة وأقام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بمكة ثلاثاً وتزوج ميمونة بنت الحارث الهلالية، فلما كان عند ظهر من اليوم الرابع أتاه سهيل بن عمرو وحويطب ابن عبد العزى فقالا: قد انقضى أجلك فاخرج عنا ! وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لم ينزل بيتاً بل ضربت له قبة من أدم بالأبطح، فكان هناك حتى خرج منها وأمر أبا رافع فنادى بالرحيل وقال: لا يمسين بها أحد من المسلمين، وأخرج عمارة بنت حمزة بن عبد المطلب من مكة وأم عمارة سلمى بنت عميس، وهي أم عبد الله بن شداد بن الهاد، فاختصم فيها علي وجعفر وزيد بن حارثة أيهم تكون عنده فقضى بها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لجعفر من أجل أن خالتها عنده أسماء بنت عميس، وركب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى نزل سرف وتتام الناس إليه. وأقام أبو رافع بمكة حتى أمسى فحمل إليه ميمونة بنت الحارث فبنى عليها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بسرف ثم أدلج فسار حتى قدم المدينة.
أخبرنا سليمان بن حرب، أخبرنا حماد بن زياد وأخبرنا يحيى بن عباد، أخبرنا حماد بن سلمة جميعاً عن أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه قدموا مكة يعني في القضية، فقال المشركون من قريش: إنه يقدم عليكم قوم قد وهنتكم حمى يثرب، قال: وقعدوا مما يلي الحجر فأمر النبي، صلى الله عليه وسلم، أصحابه أن يرملوا الأشواط الثلاثة ليرى المشركون قوتهم، وأن يمشوا ما بين الركنين.
قال ابن عباس: ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا إبقاء عليهم، فلما رملوا قالت قريش: ما وهنتم.

سرية ابن أبي العوجاء السلمي إلى بني سليم
ثم سرية ابن أبي العوجاء إلى بني سليم في ذي الحجة سنة سبع من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قالوا: بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ابن أبي العوجاء السلمي في خمسين رجلاً إلى بني سليم، فخرج إليهم وتقدمه عين لهم كان معه فحذرهم فجمعوا فأتاهم ابن أبي العوجاء، وهم معدون له، فدعاهم إلى الإسلام فقالوا: لا حاجة لنا إلى ما دعوتنا، فتراموا بالنبل ساعة وجعلت الأمداد تأتي حتى أحدقوا بهم من كل ناحية، فقاتل القوم قتالاً شديداً حتى قتل عامتهم وأصيب ابن أبي العوجاء جريحاً مع القتلى ثم تحامل حتى بلغ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقدموا المدينة في أول يوم من صفر سنة ثمان.
سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى بني الملوح بالكديد
ثم سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى بني الملوح بالكديد في صفر سنة ثمان من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم.

أخبرنا عبد الله بن عمرو أبو معمر، أخبرنا عبد الوارث بن سعيد، أخبرنا محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة عن مسلم بن عبد الله الجهني عن جندب بن مكيث الجهني قال: بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، غالب بن عبد الله الليثي ثم أحد بني كلب بن عوف في سرية، فكتب فيهم وأمرهم أن يشنوا الغارة على بني الملوح بالكديد، وهم من بني ليث، قال: فخرجنا حتى إذا كنا بقديد لقينا الحارث بن البرصاء الليثي فأخذناه فقال: إنما جئت أريد الإسلام وإنما خرجت إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قلنا: إن تكن مسلماً لم يضررك رباطنا يوماً وليلةً، وإن تكن على غير ذلك نستوثق منك. قال: فشددناه وثاقاً وخلفنا عليه رويجلاً منا أسود فقال: إن نازعك فاحتز رأسه ! فسرنا حتى أتينا الكديد عند غروب الشمس فكمنا في ناحية الوادي وبعثني أصحابي ربيئةً لهم فخرجت حتى أتيت تلاً مشرفاً على الحاضر يطلعني عليهم حتى إذا أسندت عليهم فيه علوت على رأسه ثم اضطجعت عليه قال: فإني لأنظر إذ خرج رجل منهم من خباء له فقال لامرأته: إني أرى على هذا الجبل سواداً ما رأيته أول من يومي هذا فانظري إلى أوعيتك لا تكون الكلاب جرت منها شيئاً. قال: فنظرت فقالت: والله ما أفقد من أوعيتي شيئاً. قال: فناوليني قوسي ونبلي، فناولته قوسه وسهمين معها، فأرسل سهماً فوالله ما أخطأ بين عيني، قال: فانتزعته وثبت مكاني ثم أرسل آخر فوضعه في منكبي فانتزعته فوضعته وثبت مكاني، فقال لامرأته: والله لو كانت ربيئةً لقد تحركت بعد ! والله لقد خالطها سهماي لا أبا لك ! فإذا أصبحت فانظريهما لا تمضغهما الكلاب، قال: ثم دخل وراحت الماشية من إبلهم وأغنامهم، فلما احتلبوا وعطنوا واطمأنوا فناموا شننا عليهم الغارة واستقنا النعم. قال: فخرج صريخ القوم في قومهم فجاء ما لا قبل لنا به، فخرجنا بها نحدرها حتى مررنا بابن البرصاء فاحتملناه واحتملنا صاحبنا، فأدركنا القوم حتى نظروا إلينا ما بيننا وبينهم إلا الوادي ونحن موجهون في ناحية الوادي إذ جاء الله بالوادي من حيث شاء يملأ جنبتيه ماء، والله ما رأينا يومئذ سحاباً ولا مطراً فجاء بما لا يستطيع أحد أن يجوزه فلقد رأيتهم وقوفاً ينظرون إلينا وقد أسندناها في المسيل، هكذا قال، وأما في رواية محمد بن عمر قال: أسندناها في المشلل نحدرها وفتناهم فوتاً لا يقدرون فيه على طلبنا، قال: فما أنسى قول راجز من المسلمين وهو يقول:
أبى أبو القاسم أن تعزّبي ... في خضلٍ نباته مغلولب
صفرٍ أعاليه كلون المذهب
وزاد محمد بن عمر في روايته:
وذاك قول صادقٍ لم يكذب
قال: فكانوا بضعة عشر رجلاً، قال عبد الوارث: وحدثني هذا الحرف رجل عن محمد بن إسحاق أنه حدثه رجل من أسلم أنه كان شعارهم يومئذ: أمت أمت.
سرية غالب بن عبد الله الليثي أيضاً إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد بفدك
ثم سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى مصاب بشير بن سعد بفدك في صفر سنة ثمان من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا محمد بن عمر، حدثني عبد الله بن الحارث بن الفضيل عن أبيه قال: هيأ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الزبير بن العوام وقال: سر حتى تنتهي إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد فإن أظفرك الله بهم فلا تبق فيهم. وهيأ مع مائتي رجل وعقد له لواءً، فقدم غالب بن عبد الله الليثي من الكديد من سرية قد ظفره الله عليهم، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، للزبير: اجلس ! وبعث غالب بن عبد الله في مائتي رجل، وخرج أسامة بن زيد فيها حتى انتهى إلى مصاب أصحاب بشير وخرج معه علبة بن زيد فيها فأصابوا منهم نعماً وقتلوا منهم قتلى.
أخبرنا محمد بن عمر، حدثني أفلح بن سعيد عن بشير بن محمد بن عبد الله بن زيد قال: خرج مع غالب في هذه السرية عقبة بن عمرو أبو مسعود وكعب بن عجرة وأسامة بن زيد الحارثي.

أخبرنا محمد بن عمر، حدثني شبل بن العلاء بن عبد الرحمن عن إبراهيم بن حويصة عن أبيه قال: بعثني رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في سرية مع غالب بن عبد الله إلى بني مرة فأغرنا عليهم مع الصبح وقد أوعز إلينا، أمرنا ألا نفترق وواخى بيننا فقال: لا تعصوني فإن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: من أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصاه فقد عصاني وإنكم متى ما تعصوني فإنكم تعصون نبيكم، قال: فآخى بيني وبين أبي سعيد الخدري، قال: فأصبنا القوم.

سرية شجاع بن وهب الأسدي إلى بني عامر بالسي
ثم سرية شجاع بن وهب الأسدي إلى بني عامر بالسي في شهر ربيع الأول سنة ثمان من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا محمد بن عمر الأسلمي، حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن عمر بن الحكم قال: بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، شجاع بن وهب في أربعة وعشرين رجلاً إلى جمع من هوازن بالسي ناحية ركبة من وراء المعدن، وهي من المدينة على خمس ليال، وأمره أن يغير عليهم، وكان يسير الليل ويكمن النهار حتى صبحهم وهم غارون، فأصابوا نعماً كثيراً وشاءً واستاقوا ذلك حتى قدموا المدينة واقتسموا الغنيمة، وكانت سهامهم خمسة عشر بعيراً وعدلوا البعير بعشر من الغنم، وغابت السرية خمس عشرة ليلةً.
سرية كعب بن عمير الغفاري إلى ذات أطلاح
ثم سرية كعب بن عمير الغفاري إلى ذات أطلاح، وهي من وراء وادي القرى، في شهر ربيع الأول سنة ثمان من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا محمد بن عمر، حدثني محمد بن عبد الله عن الزهري قال: بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كعب بن عمير الغفاري في خمس عشر رجلاً حتى انتهوا إلى ذات أطلاح من أرض الشأم فوجدوا جمعً من جمعهم كثير، فدعوهم إلى الإسلام فلم يستجيبوا لهم ورشقوهم بالنبل، فلما رأى ذلك أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قاتلوهم أشد القتال حتى قتلوا وأفلت منهم رجل جريح في القتلى، فلما برد عليه الليل تحامل حتى أتى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأخبره الخبر فشق ذلك عليه وهم بالبعث إليهم فبلغه أنهم قد ساروا إلى موضع آخر فتركهم.
سرية مؤتة
ثم سرية مؤتة، وهي بأدنى البلقاء، والبلقاء دون دمشق، في جمادى الأولى سنة ثمان من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
قالوا: بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الحارث بن عمير الأزدي أحد بني لهب إلى ملك بصرى بكتاب، فلما نزل مؤتة عرض له شرحبيل ابن عمرو الغساني فقتله ولم يقتل لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، رسول غيره، فاشتد ذلك عليه وندب الناس فأسرعوا وعسكروا بالجرف، وهم ثلاثة آلاف، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أمير الناس زيد بن حارثة، فإن قتل فجعفر بن أبي طالب، فإن قتل فعبد الله بن رواحة، فإن قتل فليرتض المسلمون بينهم رجلاً فيجعلوه عليهم. وعقد لهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لواءً أبيض ودفعه غل زيد بن حارثة وأوصاهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يأتوا مقتل الحارث بن عمير وأن يدعوا من هناك إلى الإسلام فإن أجابوا وإلا استعانوا عليهم بالله وقاتلوهم، وخرج مشيعاً لهم حتى بلغ ثنية الوداع فوقف وودعهم. فلما ساروا من معسكرهم نادى المسلمون: دفع الله عنكم وردكم صالحين غانمين ! فقال ابن رواحة عند ذلك:
لكنّني أسأل الرّحمن مغفرةً ... وضربةً ذات فرغٍ تقذف الزّبدا

قال: فلما فصلوا من المدينة سمع العدو بمسيرهم فجمعوا لهم وقام فيهم شرحبيل بن عمرو فجمع أكثر من مائة ألف وقدم الطلائع أمامه، وقد نزل المسلمون معان من أرض الشأم وبلغ الناس أن هرقل قد نزل مآب من أرض البلقاء في مائة ألف من بهراء ووائل وبكر ولخم وجذام. فأقاموا ليلتين لينظروا في أمرهم وقالوا: نكتب إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فنخبره الخبر، فشجعهم عبد الله بن رواحة عن المضي، فمضوا إلى مؤتة ووافاهم المشركون فجاء منهم ما لا قبل لأحد به من العدد والسلاح والكراع والديباج والحرير والذهب، فالتقى المسلمون والمشركون فقاتل الأمراء يومئذ على أرجلهم فأخذ اللواء زيد بن حارثة فقاتل، وقاتل المسلمون معه على صفوفهم، حتى قتل طعناً بالرماح رحمه الله، ثم أخذ اللواء جعفر بن أبي طالب فنزل عن فرس له شقراء فعرقبها فكانت أول فرس عرقبت في الإسلام وقاتل حتى قتل، رضي الله عنه، ضربه رجل من الروم فقطعه بنصفين، فوجد في أحد نصفيه بضعة وثلاثون جرحاً ووجد فيما قيل من بدن جعفر اثنتان وسبعون ضربةً بسيف وطعنةً برمح، ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة فقاتل حتى قتل رحمه الله، فاصطلح الناس على خالد بن الوليد فأخذ اللواء وانكشف الناس فكانت الهزيمة، فتبعهم المشركون فقتل من قتل من المسلمين ورفعت الأرض لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى نظر إلى معترك القوم. فلما أخذ خالد بن الوليد اللواء قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: الآن حمي الوطيس ! فلما سمع أهل المدينة بجيش مؤتة قادمين تلقوهم بالجرف، فجعل الناس يحثون في وجوههم التراب ويقولون: يا فرار ! أفررتم في سبيل الله ؟ فيقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ليسوا بفرار ولكنهم كرار إن شاء الله! أخبرنا بكر بن عبد الرحمن قاضي الكوفة، أخبرنا عيسى بن المختار عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن سالم بن أبي الجعد عن أبي اليسر عن أبي عامر قال: بعثني رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى الشأم، فلما رجعت مررت على أصحابي وهم يقاتلون المشركين بمؤتة، قلت والله لا أبرح اليوم حتى أنظر إلى ما يصير إليه أمرهم، فأخذ اللواء جعفر بن أبي طالب ولبس السلاح، وقال غيره: أخذ زيد اللواء وكان رأس القوم ثم حمل جعفر حتى إذا هم أن يخالط العدو رجع فوحش بالسلاح ثم حمل على العدو وطاعن حتى قتل، ثم أخذ اللواء زيد بن حارثة وطاعن حتى قتل، ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة وطاعن حتى قتل، ثم انهزم المسلمون أسوأ هزيمة رأيتها قط حتى لم أر اثنين جميعاً، ثم أخذ اللواء رجل من الأنصار ثم سعى به حتى إذا كان أمام الناس ركزه ثم قال: إلي أيها الناس ! فاجتمع إليه الناس حتى إذا كثروا مشى باللواء إلى خالد بن الوليد فقال له خالد: لا آخذه منك أنت أحق به؛ فقال الأنصاري: والله ما أخذته إلا لك ! فأخذ خالد اللواء ثم حمل على القوم فهزمهم الله أسوأ هزيمة رأيتها قط حتى وضع المسلمون أسيافهم حيث شاؤوا وقال: فأتيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأخبرته فشق ذلك عليه فصلى الظهر ثم دخل، وكان إذا صلى الظهر قام فركع ركعتين ثم أقبل بوجهه على القوم فشق ذلك على الناس، ثم صلى العصر ففعل مثل ذلك، ثم صلى المغرب ففعل مثل ذلك، ثم صلى العتمة ففعل مثل ذلك، حتى إذا كان صلاة الصبح دخل المسجد ثم تبسم، وكان تلك الساعة لا يقوم إليه إنسان من ناحية المسجد حتى يصلي الغداة، فقال له القوم حين تبسم: يا نبي الله بأنفسنا أنت ! ما يعلم إلا الله ما كان بنا من الوجد منذ رأينا منك الذي رأينا ! قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: كان الذي رأيتم مني أنه أحزنني قتل أصحابي حتى رأيتهم في الجنة إخواناً على سرر متقابلين ورأيت في بعضهم إعراضاً كأنه كره السيف ورأيت جعفراً ملكاً ذا جناحين مضرجاً بالدماء مصبوغ القوادم.

سرية عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل
ثم سرية عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل وهي وراء وادي القرى وبينها وبين المدينة عشرة أيام، وكانت في جمادى الآخرة سنة ثمان من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم.

قالوا: بلغ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن جمعاً من قضاعة قد تجمعوا يريدون أن يدنوا إلى أطراف رسول الله، صلى الله عليه وسلم. فدعا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عمرو بن العاص فعقد له لواءً أبيض وجعل معه رايةً سوداء وبعثه في ثلاثمائة من سراة المهاجرين والأنصار ومعهم ثلاثون فرساً، وأمره أن يستعين بمن يمر به من بلي وعذارة وبلقين، فسار الليل وكمن النهار فلما قرب من القوم بلغه أن لهم جمعاً كثيراً فبعث رافع بن مكيث الجهني إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يستمده فبعث إليه أبا عبيدة بن الجراح في مائتين وعقد له لواءً وبعث معه سراة المهاجرين والأنصار، وفيهم أبو بكر وعمر، وأمره أن يحلق بعمرو وأن يكونا جميعاً ولا يختلفا، فلحق بعمرو فأراد أبو عبيدة أن يؤم الناس فقال عمرو: إنما قدمت علي مدداً وأنا الأمير، فأطاع له بذلك أبو عبيدة وكان عمرو يصلي بالناس وسار حتى وطىء بلاد بلي ودوخها حتى أتى إلى أقصى بلادهم وبلاد عذرة وبلقين، ولقي في آخر ذلك جمعاً فحمل عليهم المسلمون فهربوا في البلاد وتفرقوا، ثم قفل وبعث عوف بن مالك الأشجعي بريداً إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأخبره بقفولهم وسلامتهم وما كان في غزاتهم.

سرية الخبط أميرها أبو عبيدة بن الجراح
ثم سرية الخبط أميرها أبو عبيدة بن الجراح وكانت في رجب سنة ثمان من مهاجر رسول الله،
صلى الله عليه وسلم.
قالوا: بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أبا عبيدة بن الجراح في ثلاثمائة رجل من المهاجرين والأنصار، وفيهم عمر بن الخطاب، إلى حي من جهينة بالقبلية مما يلي ساحل البحر، وبينها وبين المدينة خمس ليال، فأصابهم في الطريق جوع شديد فأكلوا الخبط وابتاع قيس بن سعد جزراً ونحرها لهم، وألقى لهم البحر حوتاً عظيماً فأكلوا منه وانصرفوا ولم يلقوا كيداً.
سرية أبي قتادة بن ربعي الأنصاري إلى خضرة
ثم سرية أبي قتادة بن ربعي الأنصاري إلى خضرة، وهي أرض محارب بنجد، في شعبان سنة ثمان من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
قالوا: بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أبا قتادة ومعه خمسة عشر رجلاً إلى غطفان وأمره أن يشن عليهم الغارة، فسار الليل وكمن النهار فهجم على حاضر منهم عظيم فأحاط بهم فصرخ رجل منهم: يا خضرة ! وقاتل منهم رجال فقتلوا من أشرف لهم واستاقوا النعم، فكانت الإبل مائتي بعير والغنم ألفي شاة وسبوا سبياً كثيراً، وجمعوا الغنائم فأخرجوا الخمس فعزلوه وقسموا ما بقي على أهل السرية فأصاب كل رجل منهم اثنا عشر بعيراً فعدل البعير بعشر من الغنم، وصارت في سهم أبي قتادة جارية وضيئة فاستوهبها منه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فوهبها له، فوهبها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لمحميةً ابن جزء، وغابوا في هذه السرية خمس عشرة ليلة.
سرية أبي قتادة بن ربعي الأنصاري إلى بطن إضم
ثم سرية أبي قتادة بن ربعي الأنصاري إلى بطن إضم في أول شهر رمضان سنة ثمان من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
قالوا: لما هم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بغزوة أهل مكة بعث أبا قتادة بن ربعي في ثمانية نفر سريةً إلى بطن إضم، وهي فيما بين ذي خشب وذي المروة، وبينها وبين المدينة ثلاثة برد، ليظن ظان أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، توجه إلى تلك الناحية ولأن تذهب بذلك الأخبار، وكان في السرية محلم بن جثامة الليثي، فمر عامر بن الأضبط الأشجعي فسلم بتحية الإسلام فأمسك عنه القوم وحمل عليه محلم بن جثامة فقتله وسلبه بعيره ومتاعه ووطب لبن كان معه؛ فلما لحقوا بالنبي، صلى الله عليه وسلم، نزل فيهم القرآن: " يّا أيّهَا الّذينَ آمَنُوا إذَا ضَرَبْتُمْ في سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيّنُوا وَلا تَقُولوا لِمَنْ ألْقَى إلَيْكُمُ السّلامَ لَسْتَ مُؤمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الحَيَوةِ الدّنْيا فَعِنْدَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ " إلى آخر الآية فمضوا ولم يلحقوا جمعاً فانصرفوا حتى انتهوا إلى ذي خشب فبلغهم أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قد توجه إلى مكة فأخذوا على بيبن حتى لقوا النبي، صلى الله عليه وسلم، بالسقيا
غزوة رسول الله عام الفتح
صلى الله عليه وسلم.

ثم غزوة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عام الفتح في شهر رمضان سنة ثمان من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم.

قالوا: لما دخل شعبان على رأس اثنين وعشرين شهراً من صلح الحديبية كلمت بنو نفاثة، وهم من بني بكر، أشراف قريش أن يعينوهم على خزاعة بالرجال والسلاح، فوعدوهم ووافوهم بالوتير متنكرين متنقبين، فيهم صفوان بن أمية وحويطب بن عبد العزى ومكرز بن حفص بن الأخيف، فبيتوا خزاعة ليلاً وهم غارون آمنون فقتلوا منهم عشرين رجلاً، ثم ندمت قريش على ما صنعت وعلموا أن هذا نقض للمدة والعهد الذي بينهم وبين رسول الله، صلى الله عليه وسلم. وخرج عمرو بن سالم الخزاعي في أربعين راكباً من خزاعة فقدموا على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يخبرونه بالذي أصابهم ويستنصرونه، فقام وهو يجر رداءه وهو يقول: لا نصرت إن لم أنصر بني كعب مما أنصر منه نفسي ! وقال: إن هذا السحاب ليستهل بنضر بني كعب. وقدم أبو سفيان بن حرب على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، المدينة يسأله أن يجدد العهد ويزيد في المدة، فأبى عليه فقام أبو سفيان فقال: إني قد أجرت بين الناس، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أنت تقول ذلك يا أبا سفيان ! ثم انصرف إلى مكة فتجهز رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأخفى أمره وأخذ بالأنقاب وقال: اللهم خذ على أبصارهم فلا يروني إلا بغتةً ! فلما أجمع المسير كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش يخبرهم بذلك فبعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، علي بن أبي طالب والمقداد بن عمرو فأخذا رسوله وكتابه فجاءا به إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وبعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى من حوله من العرب فجلهم أسلم وغفار ومزينة وجهينة وأشجع وسليم، فمنهم من وافاه بالمدينة ومنهم من لحقه بالطريق فكان المسلمون في غزوة الفتح عشرة آلاف. واستخلف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على المدينة عبد الله بن أم مكتوم وخرج يوم الأربعاء لعشر ليال خلون من شهر رمضان بعد العصر، فلما انتهى إلى الصلصل قدم أمامه الزبير بن العوام في مائتين من المسلمين ونادى منادي رسول الله، صلى الله عليه وسلم: من أحب أن يفطر فليفطر ومن أحب أن يصوم فليصوم ! ثم سار، فلما كان بقديد عقد الألوية والرايات ودفعها إلى القبائل، ثم نزل مر الظهران عشاءً فأمر أصحابه فأوقدوا عشرة آلاف نار ولم يبلغ قريشاً مسيره وهم مغتمون لما يخافون من غزوه إياهم. فبعثوا أبا سفيان ابن حرب يتحسب الأخبار وقالوا: إن لقيت محمداً فخذ لنا منه أماناً. فخرج أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء، فلما رأوا العسكر أفزعهم، وقد استعمل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تلك الليلة على الحرس عمر بن الخطاب فسمع العباس بن عبد المطلب صوت أبي سفيان فقال: أبا حنظلة ؟ فقال: لبيك فما وراءك ؟ فقال: هذا رسول الله في عشرة آلاف، فأسلم ثكلتك أمك وعشيرتك ! فأجاره وخرج به وبصاحبيه حتى أدخلهم على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأسلموا وجعل لأبي سفيان أن من دخل داره فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن ! ثم دخل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مكة في كتبيته الخضراء وهو على ناقته القصواء بين أبي بكر وأسيد بن حضير وقد حبس أبو سفيان فرأى ما لا قبل له به فقال: يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً ! فقال العباس: ويحك ! إنه ليس بملك ولكنها نبوة ! قال: فنعم. وكانت راية رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يومئذ مع سعد بن عبادة فبلغه عنه في قريش كلام وتواعد لهم، فأخذها منه فدفعها إلى ابنه قيس بن سعد، وأمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سعد بن عبادة أن يدخل من كداء والزبير من كدى وخالد بن الوليد من الليط، ودخل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من أذاخر ونهى عن القتال وأمر بقتل سنة نفر وأربع نسوة: عكرمة بن أبي جهل وهبار بن الأسود وعبد الله بن سعد بن أبي مسرح ومقيس بن صبابة الليثي والحويرث بن نقيذ وعبد الله بن هلال بن خطل الأدرمي وهند بنت عتبة وسارة مولاة عمرو بن هاشم وفرتنا وقريبة، فقتل منهم ابن خطل والحويرث بن نقيذ ومقيس بن صبابة، وكل الجنود لم يلقوا جمعاً غير خالد لقيه صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل في جمع من قريش بالخندمة، فمنعوه من الدخول وشهروا السلاح ورموا النبل فصاح خالد في أصحابه وقاتلهم فقتل أربعة وعشرين رجلاً من قريش وأربعة نفر من هذيل وانهزموا أقبح الانهزام. فلما ظهر رسول الله، صلى الله عليه وسلم

على ثنية أذاخر رأى البارقة فقال: ألم أنه عن القتال ؟ فقيل: خالد قوتل فقاتل، فقال: قضاء الله خير. وقتل من المسلمين رجلان أخطآ الطريق أحدهما كرز بن جابر الفهري وخالد الأشقر الخزاعي، وضربت لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، قبة من أدم بالحجون فمضى الزبير بن العوام برايته حتى ركزها عندها، وجاء رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فدخلها فقيل له: ألا تنزل منزلك ؟ فقال: وهل ترك عقيل لنا منزلاً ؟ ودخل النبي، صلى الله عليه وسلم، مكة عنوةً فأسلم الناس طائعين وكارهين، وطاف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالبيت على راحلته وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً، فجعل كلما مر بصنم منها يشير إليه بقضيب في يده ويقول: جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً؛ فيقع الصنم لوجهه، وكان أعظمها هبل، وهو وجاه الكعبة، ثم جاء إلى المقام وهو لاصق بالكعبة فصلى خلفه ركعتين، ثم جلس ناحيةً من المسجد وأرسل بلالاً إلى عثمان بن طلحة أن يأتي بمفتاح الكعبة فجاء به عثمان فقبضه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وفتح الباب ودخل الكعبة فصلى فيها ركعتين وخرج فأخذ بعضادتي الباب والمفتاح معه، وقد لبط بالناس حول الكعبة، فخطب الناس يومئذ ودعا عثمان بن طلحة فدفع إليه المفتاح وقال: خذوها يا بني أبي طلحة تالدةً خالدةً لا ينزعها منكم أحد إلا ظالم ! ودفع السقاية إلى العباس بن عبد المطلب وقال: أعطيتكم ما ترزأكم ولا ترزؤونها ! ثم بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تميم بن أسد الخزاعي فجدد أنصاب الحرم. وحانت الظهر فأذن بلال فوق ظهر الكعبة وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: لا تغزى قريش بعد هذا اليوم إلى يوم القيامة ! يعني على الكفر. ووقف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالحزورة وقال: إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلي، يعني مكة، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت. وبث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، السرايا إلى الأصنام التي حول الكعبة فكسرها، منها: العزى ومناة وسواع وبوانة وذو الكفين. فنادى مناديه بمكة: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع في بيته صنماً إلا كسره. ولما كان من الغد من يوم الفتح خطب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بعد الظهر فقال: إن الله قد حرم مكة يوم خلق السموات والأرض فهي حرام إلى يوم القيامة ولم تحل لي إلا ساعةً من نهر ثم رجعت كحرمتها بالأمس، فليبلغ شاهدكم غائبكم، ولا يحل لنا من غنائمها شيء. وفتحها يوم الجمعة لعشر بقين من شهر رمضان وأقام بها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خمس عشرة ليلة يصلي ركعتين، ثم خرج إلى حنين، واستعمل على مكة عتاب بن أسيد يصلي بهم ومعاذ بن جبل يعلمهم السنن والفقه.ى ثنية أذاخر رأى البارقة فقال: ألم أنه عن القتال ؟ فقيل: خالد قوتل فقاتل، فقال: قضاء الله خير. وقتل من المسلمين رجلان أخطآ الطريق أحدهما كرز بن جابر الفهري وخالد الأشقر الخزاعي، وضربت لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، قبة من أدم بالحجون فمضى الزبير بن العوام برايته حتى ركزها عندها، وجاء رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فدخلها فقيل له: ألا تنزل منزلك ؟ فقال: وهل ترك عقيل لنا منزلاً ؟ ودخل النبي، صلى الله عليه وسلم، مكة عنوةً فأسلم الناس طائعين وكارهين، وطاف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالبيت على راحلته وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً، فجعل كلما مر بصنم منها يشير إليه بقضيب في يده ويقول: جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً؛ فيقع الصنم لوجهه، وكان أعظمها هبل، وهو وجاه الكعبة، ثم جاء إلى المقام وهو لاصق بالكعبة فصلى خلفه ركعتين، ثم جلس ناحيةً من المسجد وأرسل بلالاً إلى عثمان بن طلحة أن يأتي بمفتاح الكعبة فجاء به عثمان فقبضه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وفتح الباب ودخل الكعبة فصلى فيها ركعتين وخرج فأخذ بعضادتي الباب والمفتاح معه، وقد لبط بالناس حول الكعبة، فخطب الناس يومئذ ودعا عثمان بن طلحة فدفع إليه المفتاح وقال: خذوها يا بني أبي طلحة تالدةً خالدةً لا ينزعها منكم أحد إلا ظالم ! ودفع السقاية إلى العباس بن عبد المطلب وقال: أعطيتكم ما ترزأكم ولا ترزؤونها ! ثم بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تميم بن أسد الخزاعي فجدد أنصاب الحرم. وحانت الظهر فأذن بلال فوق ظهر الكعبة وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: لا تغزى قريش بعد هذا اليوم إلى يوم القيامة ! يعني على الكفر. ووقف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالحزورة وقال: إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلي، يعني مكة، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت. وبث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، السرايا إلى الأصنام التي حول الكعبة فكسرها، منها: العزى ومناة وسواع وبوانة وذو الكفين. فنادى مناديه بمكة: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع في بيته صنماً إلا كسره. ولما كان من الغد من يوم الفتح خطب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بعد الظهر فقال: إن الله قد حرم مكة يوم خلق السموات والأرض فهي حرام إلى يوم القيامة ولم تحل لي إلا ساعةً من نهر ثم رجعت كحرمتها بالأمس، فليبلغ شاهدكم غائبكم، ولا يحل لنا من غنائمها شيء. وفتحها يوم الجمعة لعشر بقين من شهر رمضان وأقام بها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خمس عشرة ليلة يصلي ركعتين، ثم خرج إلى حنين، واستعمل على مكة عتاب بن أسيد يصلي بهم ومعاذ بن جبل يعلمهم السنن والفقه.

وأخبرنا محمد بن عبي الطنافسي قال: أخبرنا محمد بن إسحاق عن محمد بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال: خرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في عشر مضين من رمضان عام الفتح من المدينة فصام حتى إذا كان بالكديد أفطر فكانوا يرون أنه الآخر من أمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا يعقوب بن إبراهيم الزهري عن أبيه عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب أن عبيد الله بن عبد الله أخبره أن ابن عباس أخبره أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خرج عام الفتح في رمضان فصام حتى إذا كان بالكديد واجتمع الناس إليه أخذ قعباً فشرب منه ثم قال: أيها الناس من قبل الرخصة فإن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قد قبلها، ومن صام فإن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قد صام؛ فكانوا يتبعون الأحدث فالأحدث من أمره ويرون المحكم الناسخ.
أخبرنا هاشم بن القاسم، أخبرنا ليث بن سعد، حدثني ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس أنه أخبره أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خرج عام الفتح في شهر رمضان فصام حتى بلغ الكديد ثم أفطر، وكان أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يتبعون الأحدث فالأحدث من أمره.
أخبرنا الضحاك بن مخلد أبو عاصم النبيل عن سعيد بن عبد العزيز التنوخي، أخبرنا عطية بن قيس عن قزعة عن أبي سعيد الخدري قال: أذننا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لليلتين خلتا من شهر رمضان فخرجنا ونحن صوام حتى إذا بلغنا الكديد أمرنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالفطر فأصبحنا شرجين منا الصائم ومنا الفطر حتى إذا بلغنا مر الظهران أعلمنا أنا نلقى العدو وأمرنا بالفطر.
وأخبرنا هشام أبو الوليد الطيالسي، أخبرنا شعبة وأخبرنا مسلم بن إبراهيم عن هشام الدستوائي قالا: أخبرنا قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: خرجنا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حين فتحنا مكة لثماني عشرة أو سبع عشرة من رمضان فصام بعضنا وأفطر بعضنا فلم يعب المفطر على الصائم ولا الصائم على المفطر.
أخبرنا هاشم بن القاسم، قال: أخبرنا شعبة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال: صام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوم فتح مكة حتى أتى قديد فأتي بقدح من لبن فأفطر وأمر الناس أن يفطروا.
أخبرنا طلق بن غنام النخعي، أخبرنا عبد الرحمن بن جريس الجعفري، حدثني حماد عن إبراهيم أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، افتتح مكة في عشر من رمضان وهو صائم مسافر مجاهد.
أخبرنا يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خرج عام الفتح إلى مكة بثمانية آلاف أو عشرة آلاف وخرج من أهل مكة بألفين إلى حنين.
أخبرنا عمر بن سعد أبو داود الحفري عن يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن ابن أبزى قال: دخل النبي، صلى الله عليه وسلم، مكة في عشرة آلاف.
أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده أنه قال: غزونا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عام الفتح ونحن ألف ونيف، يعني قومه مزينة، ففتح الله له مكة وحنيناً.
أخبرنا معن بن عيسى وشبابة بن سوار وموسى بن داود قالوا: أخبرنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن أنس بن مالك قال: دخل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر ثم نزعه؛ قال معن وموسى ابن داود في حديثهما: فجاء رجل فقال: يا رسول الله، ابن خطل متعلق بأستار الكعبة ! فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: اقتلوه ! قال معن في حديثه قال مالك: ولم يكن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يومئذ محرماً.
أخبرنا إسماعيل بن أبان الوراق، أخبرنا أبو أويس، حدثني الزهري أن أنس بن مالك حدثه أنه رأى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عام الفتح وعلى رأسه المغفر فلما نزعه عن رأسه أتاه رجل فقال: يا رسول الله، هذا ابن خطل متعلق بأستار الكعبة ! فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: اقتلوه حيث وجدتموه ! أخبرنا الفضل بن دكين، أخبرنا سفيان، يعني الثوري، عن ابن جريج عن رجل عن طاووس قال: لم يدخل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مكة إلا محرماً إلا يوم الفتح دخل بغير إحرام.

أخبرنا الفضل بن دكين، أخبرنا شريك عن عمار الدهني عن أبي الزبير عن جابر قال: دخل النبي، صلى الله عليه وسلم، عام الفتح وعليه عمامة سوداء.
حدثنا عفان بن مسلم وكثير بن هشام قالا: أخبرنا حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء.
أخبرنا عبد الله بن الزبير الحميدي، أخبرنا سفيان بن عيينة عن هشام عن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله، صلى الله عليه وسلمن دخل يوم الفتح من أعلى مكة وخرج من أسفل مكة.
أخبرنا سويد بن سعيد قال: أخبرنا حفص بن ميسرة أبو عمر الصنعاني عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، دخل عام الفتح من كداء من الثنية التي بأعلى مكة.
أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن خالد السكري، أخبرنا يحيى بن سليم الطائفي عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان يدخل مكة من الثنية العليا ويخرج من الثنية السفلى.
أخبرنا هشام أبو الوليد الطيالسي وشبابة بن سوار وهاشم بن القاسم أبو عمرو بن الهيثم أبو قطن، قالوا: أخبرنا شعبة عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوم فتح مكة لأصحابه: إن هذا يوم قتال فأفطروا. قال شبابة: قال شعبة لم يسمع عمرو بن دينار من عبيد بن عمير إلا ثلاثة أحاديث.
أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء العجلي قال: أخبرنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قالا: لما كان يوم فتح رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مكة كان عبد الله بن أم مكتوم بين يديه وبين الصفا والمروة وهو يقول:
يا حبّذا مكّة من وادي ! ... أرضٌ بها أهلي وعوّادي
أرضٌ بها أمشي بلا هادي ! ... أرضٌ بها ترسخ أوتادي
أخبرنا عفان بن مسلم، أخبرنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أمر بقتل ابن أبي سرح يوم الفتح وفرتنا وابن الزبعرى وابن خطل، فأتاه أبو برزة وهو متعلق بأستار الكعبة فبقر بطنه، وكان رجل من الأنصار قد نذر إن رأى ابن أبي سرح أن يقتله، فجاء عثمان وكان أخاه من الرضاعة فشفع له إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، وقد أخذ الأنصاري بقائم السيف ينتظر النبي متى يومىء إليه أني يقتله، فشفع له عثمان حتى تركه؛ ثم قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، للأنصاري: هلا وفيت بنذرك؟ فقال: يا رسول الله، وضعت يدي على قائم السيف أنتظر متى تومىء فأقتله ! فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: الإيماء خيانة ! ليس لنبي أن يومىء.
أخبرنا أحمد بن الحجاج الخراساني، أخبرنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا معمر عن الزهري عن بعض آل عمر بن الخطاب قال: لما كان يوم الفتح ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، بمكة أرسل إلى صفوان بن أمية بن خلف وإلى أبي سفيان بن حرب وإلى الحارث بن هشام قال عمر: قلت قد أمكن الله منهم أعرفهم بما صنعوا حتى قال النبي، صلى الله عليه وسلم، مثلي ومثلكم كما قال يوسف لإخوته: لا تشريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين. قال عمر: فانفضحت حياء من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كراهية لما كان مني، وقد قال لهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ما قال.
أخبرنا إسماعيل بن عبد الكريم الصنعاني، حدثني إبراهيم بن عقيل ابن معقل عن أبيه عن وهب عن جابر: أن النبي، صلى الله عليه وسلم، أمر عمر بن الخطاب زمن الفتح وهو بالبطحاء أن يأتي الكعبة فيمحو كل صورة فيها، ولم يدخلها النبي، صلى الله عليه وسلم، حتى محيت كل صورة فيها.
أخبرنا موسى بن داود، أخبرنا حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس عن الفضل: أن النبي، صلى الله عليه وسلم، دخل البيت فكان يسبح ويكبر ويدعو ولا يركع.
أخبرنا خالد بن مخلد البجلي، أخبرنا سليمان بن بلال، حدثني عبد الرحمن بن الحارث بن عياش عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: جلس النبي، صلى الله عليه وسلم، عام الفتح على درج الكعبة فحمد الله وأثنى عليه وقال فيما تكلم به: لا هجرة بعد الفتح.
أخبرنا موسى بن داود بن لهيعة عن الأعرج عن أبي هريرة قال: كان يوم الفتح بمكة دخان، وهو قول الله عز وجل: " يَوْمَ تَأتي السّمَاءُ بدُخَانٍ مُبينٍ " .

أخبرنا هشام أبو الوليد الطيالسي، أخبرنا شعبة عن أبي إياس قال: سمعت عبد الله بن المغفل قال: رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوم فتح مكة على ناقة وهو يسير ويقرأ سورة الفتح ويرجع ويقول: لولا أن يجتمع الناس حولي لرجعت كما رجع.
أخبرن هاشم بن القاسم، أخبرنا أبو معشر عن العباس بن عبد الله بن معبد قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الغد من يوم الفتح: أذهبوا عنكم عبية الجاهلية وفخرها بآبائها، الناس كلهم بنو آدم وآدم من تراب ! أخبرنا إسماعيل بن عبد الكريم الصنعاني، أخبرنا إبراهيم بن عقيل ابن معقل عن أبيه عن وهب بن منبه، قال: سألت جابر بن عبد الله هل غنموا يوم الفتح شيئاً ؟ قال: لا.
أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الأسدي عن علي بن زيد بن جدعان عن أبي نضرة عن عمران بن حصين قال: شهدت مع النبي، صلى الله عليه وسلم، الفتح فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين.
أخبرنا الفضل بن دكين، أخبرنا سفيان عن يحيى بن أبي إسحاق قال: سمعت أنس بن مالك قال: خرجنا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقصر حتى أتى مكة وأقمنا بها عشراً يقصر حتى رجع.
أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: أقام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عام الفتح بمكة خمس عشرة ليلةً يقصر الصلاة حتى سار إلى حنين.
أخبرنا الفضل بن دكين، أخبرنا المسعودي عن الحكم: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خرج في رمضان من المدينة لست مضين فسار سبعاً يصلي ركعتين حتى قدم مكة فأقام بها نصف شهر يقصر الصلاة، ثم خرج لليلتين بقيتا من شهر رمضان إلى حنين.
أخبرنا الفضل بن دكين، أخبرنا شريك عن عبد الرحمن بن الأصبهاني عن عكرمة عن ابن عباس قال: أقام النبي، صلى الله عليه وسلم، بمكة بعد الفتح سبعة عشر يوماً يصلي ركعتين.
أخبرنا محمد بن حرب المكي، أخبرنا بكر بن مضر عن جعفر بن ربيعة عن عراك بن مالك: أن النبي، صلى الله عليه وسلم، صلى بمكة عام الفتح خمس عشرة ليلةً يصلي ركعتين ركعتين.
أخبرنا سليمان بن حرب، أخبرنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي نضرة عن عمران بن حصين قال: أقام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، زمن الفتح بمكة ثماني عشرة يصلي ركعتين ركعتين.
أخبرنا عفان بن مسلم، أخبرنا وهيب، أخبرنا عمارة بن غزية، أخبرنا الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه قال: خرجنا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عام الفتح فأقام خمس عشرة من بين يوم وليلة.
أخبرنا كثير بن هشام، أخبرنا الفرات بن سليمان عن عبد الكريم ابن مالك الجزري عن مجاهد عن مولاة لأم هانىء: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حين فتح مكة دعا بإناء فاغتسل ثم صلى أربع ركعات.
أخبرنا يحيى بن عباد، أخبرنا فليح بن سليمان: سمعت سعيد بن أبي سعيد المقبري قال: أخبرني أبو مرة مولى أم هانىء أن أم هانىء أخبرته أنها دخلت منزل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوم الفتح تكلمه في رجل تستأمن له قالت: فدخل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقد وقع الغبار على رأسه ولحيته فستر بثوب فاغتسل، ثم خالف بين طرفي ثوبه فصلى الضحى ثماني ركعات.
أخبرنا هاشم بن القاسم، أخبرنا ليث بن سعد، حدثني يزيد بن أبي حبيب عن سعيد بن أبي هند أن أبا مرة مولى عقيل بن أبي طالب أخبره أن أم هانىء بنت أبي طالب حدثته أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم،... لما كان عام الفتح فر إليها رجلان من بني مخزوم فأجارتهما، فدخل علي عليها فقال: لأقتلنهما ؟ قالت: فلما سمعته يقول ذلك أتيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو بأعلى مكة، فلما رآني رسول الله، صلى الله عليه وسلم، رحب بي وقال: ما جاء بك يا أم هانىء ؟ قلت: يا نبي الله كنت قد آمنت رجلين من أحمائي فأراد علي قتلهما، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: قد أجرنا من أجرت ؟ ثم قام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى غسله فسترته فاطمة بثوب ثم أخذ ثوبه فالتحف به ثم صلى ثماني ركعات سبحة الضحى.

أخبرنا أبو بكر بن محمد بن أبي مرة المكي، حدثني سعيد بن سالم المكي عن رجل قد سماه قال: استعمل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على سوق مكة حين افتتحها سعيد بن سعيد بن العاص بن أمية، فلما أراد النبي، صلى الله عليه وسلم، أن يخرج إلى الطائف خرج معه سعيد بن سعيد فاستشهد بالطائف.
أخبرنا أبو بكر بن محمد بن أبي مرة، حدثني مسلم بن خالد الزنجي عن أبي جريج قال: لما خرج النبي، صلى الله عليه وسلم، إلى الطائف في عام الفتح استخلف على مكة هبيرة بن شبل بن العجلان الثقفي، فلما رجع من الطائف وأراد الخروج إلى المدينة استعمل عتاب بن أسيد على مكة وعلى الحج سنة ثمان.
أخبرنا محمد بن عبيد، حدثني زكرياء بن أبي زائدة عن عامر قال: قال الحارث بن مالك بن برصاء: سمعت النبي، صلى الله عليه وسلم، يوم الفتح يقول: لا تغزى بعدها إلى يوم القيامة.

سرية خالد بن الوليد إلى العزى
ثم سرية خالد بن الوليد إلى العزى لخمس ليال بقين من شهر رمضان سنة ثمان من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
قالوا: بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حين فتح مكة خالد ابن الوليد إلى العزى ليهدمها، فخرج في ثلاثين فارساً من أصحابه حتى انتهوا إليها فهدمها ثم رجع إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأخبره فقال: هل رأيت شيئاً ؟ قال: لا ! قال: فإنك لم تهدمها فارجع إليها فاهدمها؛ فرجع خالد وهو متغيظ فجرد سيفه فخرجت إليه امرأة عريانة سوداء ناشرة الرأس، فجعل السادن يصيح بها، فضربها خالد فجزلا باثنين ورجع إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأخبره فقال: نعم تلك العزى وقد يئست أن تعبد ببلادكم أبداً ! وكانت بنخلة وكانت لقريش وجميع بني كنانة وكانت أعظم أصنامهم وكان سدنتها بنو شيبان من بني سليم.
سرية عمرو بن العاص إلى سواع
ثم سرية عمرو بن العاص إلى سواع في شهر رمضان سنة ثمان من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
قالوا: بعث النبي، صلى الله عليه وسلم، حين فتح مكة عمرو بن العاص إلى سواع، صنم هذيل، ليهدمه. قال عمرو: فانتهيت إليه وعنده السادن فقال: ما تريد ؟ قلت: أمرني رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن أهدمه. قال: لا تقدر على ذلك. قلت: لم ؟ قال: تمنع ! قلت: حتى الآن أنت في الباطل ! ويحك وهل يسمع أو يبصر ! قال: فدنوت منه فكسرته وأمرت أصحابي فهدموا بيت خزانته فلم يجدوا فيه شيئاً، ثم قلت للسادن: كيف رأيت ؟ قال: أسلمت لله.
سرية سعد بن زيد الأشهلي إلى مناة
ثم سرية سعد بن زيد الأشهلي إلى مناة في شهر رمضان سنة ثمان من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
قالوا: بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حين فتح مكة سعد ابن زيد الأشهلي إلى مناة، وكانت بالمشلل للأوس والخزرج وغسان. فلما كان يوم الفتح بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سعد بن زيد الأشهلي يهدمها فخرج في عشرين فارساً حتى انتهى إليها وعليها سادن، فقال السادن: ما تريد ؟ قال: هدم مناة ! قال: أنت وذاك ! فأقبل سعد يمشي إليها وتخرج إليه امرأة عريانة سوداء ثائرة الرأس تدعو بالويل وتضرب صدرها، فقال السادن: مناة دونك بعض غضباتك ! ويضربها سعد بن زيد الأشهلي وقتلها ويقبل إلى الصنم معه أصحابه فهدموه ولم يجدوا في خزانتها شيئاً وانصرف راجعاً إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك لست بقين من شهر رمضان.
سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة من كنانة
ثم سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة من كنانة، وكانوا بأسفل مكة على ليلة ناحية يلملم في شوال سنة ثمان من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو يوم الغميصاء.

قالوا: لما رجع خالد بن الوليد من هدم العزى ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، مقيم بمكة بعثه إلى بني جذيمة داعياً إلى الإسلام ولم يبعثه مقاتلاً، فخرج في ثلاثمائة وخمسين رجلاً من المهاجرين والأنصار وبني سليم، فانتهى إليهم خالد فقال: ما أنتم ؟ قالوا: مسلمون قد صلينا وصدقنا بمحمد وبنينا المساجد في ساحاتنا وأذنا فيها ! قال: فما بال السلاح عليكم ؟ فقالوا: إن بيننا وبين قوم من العرب عداوةً فخفنا أن تكونوا هم فأخذنا السلاح ! قال: فضعوا السلاح ! قال: فوضعوه، فقال لهم: استأسروا، فاستأسر القوم، فأمر بعضهم فكتف بعضاً وفرقهم في أصحابه، فلما كان في السحر نادى خالد: من كان معه أسير فليدافه ! والمدافة الإجهاز عليه بالسيف، فأما بنو سليم فقتلوا من كان في أيديهم، وأما المهاجرون والأنصار فأرسلوا أساراهم، فبلغ النبي، صلى الله عليه وسلم، ما صنع خالد فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد ! وبعث علي بن أبي طالب فودى لهم قتلاهم وما ذهب منهم ثم انصرف إلى رسول الله فأخبره.
أخبرنا العباس بن الفضل الأزرق البصري، أخبرنا خالد بن يزيد الجوني، أخبرنا محمد بن إسحاق عن أبي حدود عن أبيه قال: كنت في الخيل التي أغارت مع خالد بن الوليد على بني جذيمة يوم الغميصاء، فلحقنا رجلاً منهم معه نسوة فجعل يقاتلنا عنهن ويقول:
رخين أذيال الحقاء وأربعن ... مشي حييّاتٍ كأن لم تفزعن
إن يمنع القوم ثلاثٌ تمنعن
قال: فقاتل ثلاثاً عنهن حتى أصعدهن الجبل.
قال: إذ لحقنا آخر معه نسوة قال فجعل يقاتل عنهن ويقول:
قد علمت بيضاء حمراء الإطل ... يحوزها ذو ثلّةٍ وذو إبل
لأغنينّ اليوم ما أغنى رجل
فقاتل عنهن حتى أصعدهن الجبل.
قال: إذ لحقنا آخر معه نسوة فجعل يقاتل عنهن ويقول:
قد علمت بيضاء تلهي العرسا ... لا تملأ اللجين منها نهسا
لأضربنّ اليوم ضرباً وعسا ... ضرب المذيدين المخاض القعسا
فقاتل عنهن حتى أصعدهن الجبل فقال خالد: لا تتبعوهم.
أخبرنا العباس بن الفضل، أخبرنا سفيان بن عيينة، حدثني عبد الملك ابن نوفل بن مساحق القرشي عن عبد الله بن عصام المزني عن أبيه قال: بعثنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوم بطن نخلة فقال: اقتلوا ما لم تسمعوا مؤذناً أو تروا مسجداً، إذ لحقنا رجلاً فقلنا له: كافر أو مسلم ؟ فقال: إن كنت كافراً فمه ! قلنا له: إن كنت كافراً قتلناك ! قال: دعوني أقض إلى النسوان حاجةً ! قال: إذ دنا إلى امرأة منهن فقال لها: اسلمي حبيش على نفد العيش !
أريتك إذ طالبتكم فوجدتكم ... بحلية أو أدركتكم بالخوانق
أما كان أهلاً أن ينوّل عاشقٌ ... تكلّف إدلاج السّرى والودائق ؟
فلا ذنب لي قد قلت إذ نحن جيرةٌ ... أثيبي بودّ قبل إحدى الصّفائق !
أثيبي بودّ قبل أن تشحط النوى ... وبنأى أميري بالحبيب المفارق
فقالت: نعم حييت عشراً وسبعاً وترا وثمانياً تترى ! قال: فقربناه فضربنا عنقه؛ قال: فجاءت فجعلت ترشفه حتى ماتت عليه ! وقال سفيان: وإذا امرأة كثيرة النحض، يعني اللحم.

غزوة رسول الله إلى حنين
صلى الله عليه وسلم.
ثم غزوة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى حنين وهي غزوة هوازن في شوال سنة ثمان من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وحنين واد بينه وبين مكة ثلاث ليال.

قالوا: لما فتح رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مكة مشت أشراف هوازن وثقيف بعضها إلى بعض وحشدوا وبغوا، وجمع أمرهم مالك بن عوف النصري، وهو يومئذ ابن ثلاثين سنة، وأمرهم فجاؤوا معهم بأموالهم ونسائهم وأبنائهم حتى نزلوا بأوطاس، وجعلت الأمداد تأتيهم فأجمعوا المسير إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من مكة يوم السبت لست ليال خلون من شوال في اثني عشر ألفاً من المسلمين: عشرة آلاف من أهل المدينة وألفان من أهل مكة. فقال أبو بكر: لا نغلب اليوم من قلة ! وخرج مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ناس من المشركين كثير، منهم صفوان بن أمية، وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، استعار منه مائة درع بأداتها، فانتهى إلى حنين مساء ليلة الثلثاء لعشر ليال خلون من شوال، فبعث مالك بن عوف ثلاثة نفر يأتونه بخبر أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فرجعوا إليه وقد تفرقت أوصالهم من الرعب. ووجه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي فدخل عسكرهم فطاف به وجاء بخبرهم، فلما كان من الليل عمد مالك بن عوف إلى أصحابه فعبأهم في وادي حنين فأوعز إليهم أن يحملوا على محمد وأصحابه حملةً واحدةً، وعبأ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أصحابه في السحر وصفهم صفوفاً ووضع الألوية والرايات في أهلها، مع المهاجرين لواء يحمله علي بن أبي طالب وراية يحملها سعد بن أبي وقاص وراية يحملها عمر بن الخطاب، ولواء الخزرج يحمله حباب بن المنذر، ويقال لواء الخزرج الآخر مع سعد بن عبادة ولواء الأوس مع أسيد بن حضير، وفي كل بطن من الأوس والخزرج لواء أو راية يحملها رجل منهم مسمى، وقبائل العرب فيهم الألوية والرايات يحملها قوم منهم مسمون. وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قد قدم سليماً من يوم خرج من مكة واستعمل عليهم خالد بن الوليد، فلم يزل على مقدمته حتى ورد الجعرانة. وانحدر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في وادي الحنين على تعبئة وركب بغلته البيضاء دلدل ولبس درعين والمغفر والبيضة، فاستقبلهم من هوازن شيء لم يروا مثله قط من السواد والكثرة، وذلك في غبش الصبح، وخرجت الكتائب من مضيق الوادي وشعبه فحملوا حملةً واحدةً وانكشفت الخيل خيل بني سليم موليةً وتبعهم أهل مكة وتبعهم الناس منهزمين، فجعل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: يا أنصار الله وأنصار رسوله أنا عبد الله ورسوله ! ورجع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى العسكر وثاب إليه من انهزم وثبت معه يومئذ العباس بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب والفضل بن عباس وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وأبو بكر وعمر وأسامة بن زيد في أناس من أهل بيته وأصحابه، وجعل يقول للعباس: ناد يا معشر الأنصار يا أصحاب السمرة يا أصحاب سورة البقرة ! فنادى، وكان صيتاً، فأقبلوا كأنهم الإبل إذا حنت على أولادها يقولون: يا لبيك يا لبيك ! فحملوا على المشركين فأشرف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فنظر إلى قتالهم فقال: الآن حمي الوطيس ! أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب !

ثم قال للعباس بن عبد المطلب: ناولني حصيات، فناولته حصيات من الأرض ثم قال: شاهت الوجوه ! ورمى بها وجوه المشركين وقال: انهزموا ورب الكعبة ! وقذف الله في قلوبهم الرعب، وانهزموا لا يلوي أحد منهم على أحد، فأمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يقتل من قدر عليه، فحنق المسلمون عليهم يقتلونهم حتى قتلوا الذرية، فبلغ ذلك رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فنهى عن قتل الذرية، وكان سيماء الملائكة، يوم حنين، عمائم حمر قد أرخوها بين أكتافهم، وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه. وأمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بطلب العدو فانتهى بعضهم إلى الطائف وبعضهم نحو نخلة وتوجه قوم منهم إلى أوطاس، فعقد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لأبي عامر الأشعري لواءً ووجهه في طلبهم، وكان معه سلمة بن الأكوع، فانتهى إلى عسكرهم فإذا هم ممتنعون فقتل مهم أبو عامر تسعةً مبارزة ثم برز له العاشر معلماً بعمامة صفراء فضرب أبا عامر فقتله، واستخلف أبو عامر أبا موسى الأشعري فقاتلهم حتى فتح الله عليه وقتل قاتل أبي عامر، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: اللهم اغفر لأبي عامر واجعله من أعلى أمتي في الجنة ! ودعا لأبي موسى أيضاً.
وقتل من المسلمين أيضاً أيمن بن عبيد بن زيد الخزرجي، وهو ابن أم أيمن أخو أسامة بن زيد لأمه، وسراقة بن الحارث ورقيم بن ثعلبة بن زيد بن لوذان، واستحر القتال في بني نصر بن معاوية ثم في بني رباب فقال عبد الله بن قيس وكان مسلماً: هلكت بنو رباب ! وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: اللهم اجبر مصيبتهم ! ووقف مالك بن عوف على ثنية من الثنايا حتى مضى ضعفاء أصحابه وتنام آخرهم ثم هرب فتحصن في قصر بلية، ويقال دخل حصن ثقيف، وأمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالسبي والغنائم تجمع، فجمع ذلك كله وحدروه إلى الجعرانة فوقف بها إلى أن انصرف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من الطائف وهم في حظائرهم يستظلون بها من الشمس، وكان السبي ستة آلاف رأس، والإبل أربعة وعشرين ألف بعير، والغنم أكثر من أربعين ألف شاة، وأربعة آلاف أوقية فضة، فاستأنى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالسبي أن يقدم عليه وفدهم وبدأ بالأموال فقسمها وأعطى المؤلفة قلوبهم أول الناس فأعطى أبا سفيان بن حرب أربعين أوقية ومائة من الإبل؛ قال: ابني يزيد؛ قال: أعطوه أربعين أوقية ومائة من الإبل؛ قال: ابني معاوية؛ قال: أعطوه أربعين أوقية ومائة من الإبل. وأعطى حكيم بن حزام مائة من الإبل ثم سأله مائة أخرى فأعطاه إياها، وأعطى النصر بن الحارث بن كلدة مائة من الإبل، وأعطى أسيد بن جارية الثقفي مائة من الإبل، وأعطى العلاء بن حارثة الثقفي خمسين بعيراً، وأعطى مخرمة بن نوفل خمسين بعيراً، وأعطى الحارث بن هشام مائة من الإبل، وأعطى سعيد بن يربوع خمسين من الإبل، وأعطى صفوان بن أمية مائة من الإبل، وأعطى قيس بن عدي مائة من الإبل، وأعطى عثمان بن وهب خمسين من الإبل، وأعطى سهيل بن عمرو مائة من الإبل، وأعطى حويطب بن عبد العزى مائة من الإبل، وأعطى هشام بن عمرو العامري خمسين من الإبل، وأعطى الأقرع بن حابس التميمي مائة من الإبل، وأعطى عيينة بن حصن مائة من الإبل، وأعطى مالك بن عوف مائة من الإبل، وأعطى العباس بن مرداس أربعين من الإبل، فقال في ذلك شعراً فأعطاه مائة من الإبل، ويقال خمسين، وأعطى ذلك كله من الخمس وهو أثبت الأقاويل عندنا، ثم أمر زيد بن ثابت بإحصاء الناس والغنائم ثم فضها على الناس فكانت سهامهم لكل رجل أربع من الإبل وأربعون شاة، فإن كان فارساً أخذ اثني عشر من الإبل وعشرين ومائة شاة، وإن كان معه أكثر من فرس لم يسهم له.

وقدم وفد هوازن على النبي، صلى الله عليه وسلم، وهم أربعة عشر رجلاً ورأسهم زهير بن صرد، وفيهم أبو برقان عم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من الرضاعة فسألوه أن يمن عليهم بالسبي فقال: أبناؤكم ونساؤكم أحبي إليكم أم أموالكم ؟ قالوا: ما كنا نعدل بالأحساب شيئاً. فقال: أما ما لي ولبني عبد المطلب فهو لكم وسأسأل لكم الناس؛ فقال المهاجرون والأنصار: ما كان لنا فهو لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال الأقرع بن حابس: أما أنا وبنو تميم فلا ! وقال عيينة بن حصن: أما أنا وبنو فزارة فلا ! وقال العباس بن مرداس: أما أنا وبنو سليم فلا ! وقالت بنو سليم: ما كان لنا فهو لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال العباس بن مرداس: وهنتموني ! وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إن هؤلاء القوم جاؤوا مسلمين، وقد كنت استأنيت بسبيهم وقد خيرتهم فلم يعدلوا بالأبناء والنساء شيئاً، فمن كان عنده منهم شيء فطابت نفسه أن يرده فسبيل ذلك، ومن أبى فليرد عليهم وليكن ذلك قرضاً علينا ست فرائض من أول ما يفيء الله علينا. قالوا: رضينا وسلمنا، فردوا عليهم نساءهم وأبناءهم ولم يختلف منهم أحد غير عيينة بن حصن، فإنه أبى أن يرد عجوزاً وصارت في يده منهم ثم ردها بعد ذلك.
وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قد كسا السبي قبطيةً قبطية.
قالوا: فلما رأت الأنصار ما أعطى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في قريش والعرب تكلموا في ذلك فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: يا معشر الأنصار أما ترضون أن يرجع الناس بالشاء والبعير وترجعوا برسول الله إلى رحالكم ؟ قالوا: رضينا يا رسول الله بك حظاً وقسماً ! فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار ! وانصرف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وتفرقوا. وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، انتهى إلى الجعرانة ليلة الخميس لخمس ليال خلون من ذي القعدة فأقام بها ثلاث عشرة ليلة، فلما أراد الانصراف إلى المدينة خرج ليلة الأربعاء لاثنتي عشرة بقيت من ذي القعدة ليلاً، فأحرم بعمرة ودخل مكة فطاف وسعى وحلق رأسه ورجع إلى الجعرانة من ليلته كبائت، ثم غدا يوم الخميس فانصرف إلى المدينة فسلك في وادي الجعرانة حتى خرج على سرف ثم أخذ الطريق إلى مر الظهران ثم إلى المدينة، صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا الضحاك بن مخلد الشيباني أبو عاصم النبيل قال: أخبرنا عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى بن كعب الثقفي وأخبرني عبد الله بن عباس عن أبيه: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أتى هوازن في اثني عشر ألفاً، فقتل منهم مثل ما قتل من قريش يوم بدر وأخذ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تراباً من البطحاء فرمى به وجوهنا فانهزمنا.
أخبرنا محمد بن حميد العبدي عن معمر عن الزهري عن كثير بن عباس بن عبد المطلب عن أبيه قال: لما كان يوم حنين التقى المسلمون والمشركون فولى المسلمون يومئذ، فلقد رأيت رسول الله وما معه أحد إلا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب أخذ بغرز النبي، صلى الله عليه وسلم، والنبي ما يألو ما أسرع نحو المشركين، قال: فأتيته حتى أخذت بلجامه وهو على بغلة له شهباء فقال: يا عباس ناد يا أصحاب السمرة ! قال: وكنت رجلاً صيتاً فناديت بصوتي الأعلى أين أصحاب السمرة ؟ فأقبلوا كأنهم الإبل إذا حنت إلى أولادها: يا لبيك، يا لبيك، يا لبيك ! وأقبل المشركون فالتقوا هم والمسلمون. ونادت الأنصار: يا معشر الأنصار ! مرتين، ثم قصرت الدعوى في بني الحارث بن الخزرج فنادوا: يا بني الحارث بن الخزرج ! فنظر النبي وهو على بغلته كالمتطاول إلى قتالهم فقال هذا حين حمي الوطيس، ثم أخذ بيده من الحصى فرماهم بها ثم قال: انهزموا ورب الكعبة ! قال: فوالله ما زال أمرهم مدبراً وحدهم كليلاً حتى هزمهم الله فكأني أنظر إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، يركض خلفهم على بغلة له.

قال الزهري: وأخبرني ابن المسيب أنهم أصابوا يومئذ ستة آلاف من السبي فجاؤوا مسلمين بعد ذلك فقالوا: يا نبي الله أنت خير الناس وقد أخذت أبناءنا ونساءنا وأموالنا ! فقال: إن عندي من ترون وإن خير القول أصدقه فاختاروا مني إما ذراريكم ونساءكم وإما أموالكم؛ قالوا: ما كنا لنعدل بالأحساب شيئاً. فقام النبي، صلى الله عليه وسلم، خطيباً فقال: إن هؤلاء قد جاؤوا مسلمين وإنا قد خيرناهم بين الذراري والأموال فلم يعدلوا بالأحساب شيئاً فمن كان عنده منهم شيء فطابت نفسه أن يرده فسبيل ذلك، ومن لا فليعطنا وليكن قرضاً علينا حتى نصيب شيئاً فنعطيه مكانه؛ قالوا: يا نبي الله قد رضينا وسلمنا؛ قال: إني لا أدري لعل فيكم من لا يرضى فمروا عرفاءكم يرفعون ذلك إلينا؛ فرفعت إليه العرفاء أن قد رضوا وسلموا.
أخبرنا عفان بن مسلم، أخبرنا حماد بن سلمة، أخبرنا يعلى بن عطاء عن أبي همام عن أبي عبد الرحمن الفهري قال: كنا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في غزوة حنين فسرنا في يوم قائظ شديد الحر فنزلنا تحت ظلال الشجر، فلما زالت الشمس لبست لأمتي وركبت فرسي فانطلقت إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو في فسطاطه فقلت: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله ! حان الرواح ؟ فقال: أجل، ثم قال: يا بلال ! فثار من تحت سمرة كأن ظله ظل طائر فقال: لبيك وسعديك وأنا فداؤك ! قال: أسرج لي فرسي، فأخرج سرجاً دفتاه من ليف ليس فيهما أشر ولا بطر. قال: فأسرج فركب وركبنا فصاففناهم عشيتنا وليلتنا فتشامت الخيلان فولى المسلمون مدبرين كما قال الله، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يا عباد الله أنا عبد الله ورسوله، ثم قال: يا معشر المهاجرين أنا عبد الله ورسوله، قال: ثم اقتحم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن فرسه فأخذ كفاً من تراب فأخبرني الذي كان أدنى إليه مني أنه ضرب به وجوههم وقال: شاهت الوجوه ! فهزمهم الله.
قال يعلى بن عطاء: فحدثني أبناؤهم عن آبائهم أنهم قالوا: لم يبق منا أحد إلا امتلأت عيناه وفوه تراباً، وسمعنا صلصلة بين السماء والأرض كإمرار الحديد على الطست الجديد.
أخبرنا عفان بن مسلم وعمرو بن عاصم الكلابي قالا: أخبرنا همام، أخبرنا قتادة عن الحسن عن سمرة: أن يوم حنين كان يوماً مطيراً، قال: فأمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، منادياً فنادى: إن الصلاة في الرحال.
أخبرنا عمرو بن عاصم، أخبرنا همام، أخبرنا قتادة وأخبرنا هاشم ابن القاسم، أخبرنا شعبة قال قتادة أخبرني عن أبي المليح عن أبيه قال: أصابنا مطر بحنين فأمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مناديه فنادى: إن الصلاة في الرحال.
وأخبرنا عتاب بن زياد، أخبرنا عبد الله بن المبارك، أخبرني عبد الرحمن المسعودي عن القاسم عن عبد الله بن مسعود قالوا: نودي في الناس يوم حنين يا أصحاب سورة البقرة ! فأقبلوا بسيوفهم كأنها الشهب فهزم الله المشركين.

سرية الطفيل بن عمرو الدوسي إلى ذي الكفين
ثم سرية الطفيل بن عمرو الدوسي إلى ذي الكفين: صنم عمرو ابن حممة الدوسي في شوال سنة ثمان من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
قالوا: لما أراد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، السير إلى الطائف بعث الطفيل بن عمرو إلى ذي الكفين، صنم عمرو بن حممة الدوسي، يهدمه وأمره أن يستمد قومه ويوافيه بالطائف، فخرج سريعاً إلى قومه فهدم ذا الكفين وجعل يحش النار في وجهه ويحرقه ويقول:
يا ذا الكفّين لست من عبّادكا ... ميلادنا أقدم من ميلادكا
إنّي حششت النّار في فؤادكا
قال: وانحدر معه من قومه أربعمائة سراعاً فوافوا النبي، صلى الله عليه وسلم، بالطائف بعد مقدمه بأربعة أيام، وقدم بدبابة ومنجنيق وقال: يا معشر الأزد من يحمل رايتكم ؟ فقال الطفيل: من كان يحملها في الجاهلية النعمان بن بازية اللهبي؛ قال: أصبتم.
غزوة رسول الله الطائف
صلى الله عليه وسلم.
ثم غزوة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الطائف في شوال سنة ثمان من مهاجره.
أقسام الكتاب
1 2