كتاب : السيرة النبوية لابن هشام
المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري

أَمْرُ سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ
[ ص 656 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا قُبِضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ انْحَازَ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ إلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ ، وَاعْتَزَلَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَالزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ فِي بَيْتِ فَاطِمَةَ وَانْحَازَ بَقِيّةُ الْمُهَاجِرِينَ إلَى أَبِي بَكْرٍ ، وَانْحَازَ مَعَهُمْ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَل ِ فَأَتَى آتٍ إلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ ، فَقَالَ إنّ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ مَعَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ ، قَدْ انْحَازُوا إلَيْهِ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ بِأَمْرِ النّاسِ حَاجَةٌ فَأَدْرِكُوا قَبْلَ أَنْ يَتَفَاقَمَ أَمْرُهُمْ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي بَيْتِهِ لَمْ يُفْرَغْ مِنْ أَمْرِهِ قَدْ أَغْلَقَ دُونَهُ الْبَابَ أَهْلُهُ . قَالَ عُمَرُ فَقُلْت لِأَبِي بَكْرٍ انْطَلِقْ بِنَا إلَى إخْوَانِنَا هَؤُلَاءِ مِنْ الْأَنْصَارِ ، حَتّى نَنْظُرَ مَا هُمْ عَلَيْهِ

[ ابْنُ عَوْفٍ وَمَشُورَتُهُ عَلَى عُمَرَ بِشَأْنِ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ ]
[ ص 657 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ السّقِيفَةِ حِينَ اجْتَمَعَتْ بِهَا الْأَنْصَارُ ، أَنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ ، حَدّثَنِي عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزّهْرِي ّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَن عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، قَالَ وَكُنْت فِي مَنْزِلِهِ بِمنَى أَنْتَظِرُهُ وَهُوَ عِنْدَ عُمَرَ فِي آخِرِ حِجّةٍ حَجّهَا عُمَرُ قَالَ فَرَجَعَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ مِنْ عِنْدِ عُمَرَ فَوَجَدَنِي فِي مَنْزِلِهِ بِمنَى أَنْتَظِرُهُ وَكُنْت أُقْرِئُهُ الْقُرْآنَ قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ ، فَقَالَ لِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ : لَوْ رَأَيْت رَجُلًا أَتَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَلْ لَك فِي فُلَانٍ يَقُولُ وَاَللّهِ لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ لَقَدْ بَايَعْت فُلَانًا ، وَاَللّهِ مَا كَانَتْ بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ إلّا فَلْتَةٌ فَتَمّتْ . قَالَ فَغَضِبَ عُمَرُ فَقَالَ إنّي إنْ شَاءَ اللّهُ لَقَائِمٌ الْعَشِيّةَ فِي النّاسِ فَمُحَذّرُهُمْ هَؤُلَاءِ الّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْصِبُوهُمْ أَمْرَهُمْ قَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ فَقُلْت : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا تَفْعَلْ فَإِنّ الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رِعَاعَ النّاسِ وَغَوْغَاءَهُمْ وَإِنّهُمْ هُمْ الّذِينَ يَغْلِبُونَ عَلَى قُرْبِك ، حِينَ تَقُومُ فِي النّاسِ وَإِنّي أَخْشَى أَنْ تَقُومَ فَتَقُولُ مَقَالَةً يَطِيرُ بِهَا أُولَئِكَ عَنْك كُلّ مَطِيرٍ وَلَا يَعُوهَا وَلَا يَضَعُوهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا ، فَأَمْهِلْ حَتّى تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ فَإِنّهَا دَارُ السّنّةِ وَتَخْلُصُ بِأَهْلِ الثّقَةِ وَأَشْرَافِ النّاسِ فَتَقُولُ مَا قُلْت بِالْمَدِينَةِ مُتَمَكّنًا ، فَيَعِيَ أَهْلُ الْفِقْهِ مَقَالَتَك ، وَيَضَعُوهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا ، قَالَ فَقَالَ عُمَرُ أَمَا وَاَللّهِ إنّ شَاءَ اللّهُ لَأَقُومَنّ بِذَلِكَ أَوّلَ مَقَامٍ أَقُومُهُ بِالْمَدِينَةِ

[ خُطْبَةُ عُمَرَ عِنْدَ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ ]
قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ : فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فِي عَقِبِ ذِي الْحَجّةِ فَلَمّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ عَجّلْت الرّوَاحَ حِينَ زَالَتْ الشّمْسُ فَأَجِدُ سَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ جَالِسًا إلَى رُكْنِ الْمِنْبَرِ فَجَلَسْت حَذْوَهُ تَمَسّ رُكْبَتَيْ رُكْبَتَهُ فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ ، فَلَمّا رَأَيْته مُقْبِلًا ، قُلْت لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ لَيَقُولَنّ الْعَشِيّةَ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ مَقَالَةً لَمْ يَقُلْهَا مُنْذُ اسْتَخْلَفَ قَالَ فَأَنْكَرَ عَلَيّ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ ذَلِكَ وَقَالَ مَا عَسَى [ ص 658 ] قَالَ أَمّا بَعْدُ فَإِنّي قَائِلٌ لَكُمْ الْيَوْمَ مَقَالَةً قَدْ قُدّرَ لِي أَنْ أَقُولَهَا ، وَلَا أَدْرِي لَعَلّهَا بَيْنَ يَدَيْ أَجَلِي ، فَمَنْ عَقَلَهَا وَوَعَاهَا فَيَأْخُذَ بِهَا حَيْثُ انْتَهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ وَمَنْ خَشِيَ أَنْ لَا يَعِيَهَا فَلَا يَحِلّ لِأَحَدِ أَنْ يَكْذِبَ عَلَيّ إنّ اللّهَ بَعَثَ مُحَمّدًا ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ فَكَانَ مِمّا أَنَزَلَ عَلَيْهِ آيَةَ الرّجْمِ فَقَرَأْنَاهَا وَعُلّمْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا ، وَرَجَمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ فَأَخْشَى إنْ طَالَ بِالنّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ وَاَللّهِ مَا نَجِدُ الرّجْمَ فِي كِتَابِ اللّهِ فَيَضِلّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنَزَلَهَا اللّهُ وَإِنّ الرّجْمَ فِي كِتَابِ اللّهِ حَقّ عَلَى مَنْ زَنَى إذَا أُحْصِنَ مِنْ الرّجَالِ وَالنّسَاءِ وَإِذَا قَامَتْ الْبَيّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبْلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ ثُمّ إنّا قَدْ كُنّا نَقْرَأُ فِيمَا نَقْرَأُ مِنْ كِتَابِ اللّهِ لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ فَإِنّهُ كُفْرٌ بِكُمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ أَلَا إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ " لَا تُطْرُونِي كَمَا أُطْرِيَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ، وَقُولُوا : عَبْدُ اللّهِ وَرَسُولُهُ " ، ثُمّ إنّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنّ فُلَانًا قَالَ وَاَللّهِ لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ لَقَدْ بَايَعْت فُلَانًا ، فَلَا يَغُرّنّ امْرَأً أَنْ يَقُولُ إنّ بَيْعَةَ أَبِي بَكْر ٍ كَانَتْ فَلْتَةً فَتَمّتْ وَإِنّهَا قَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ إلّا أَنّ اللّهَ قَدْ وَقَى شَرّهَا ، وَلَيْسَ فِيكُمْ مَنْ تَنْقَطِعُ الْأَعْنَاقُ إلَيْهِ مِثْلَ أَبِي بَكْر ٍ فَمَنْ بَايَعَ رَجُلًا عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَإِنّهُ لَا بَيْعَةَ لَهُ هُوَ وَلَا الّذِي بَايَعَهُ تَغِرّةً أَنْ يَقْتُلَا ، إنّهُ كَانَ مِنْ خَبَرِنَا حِينَ تَوَفّى اللّهُ نَبِيّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ الْأَنْصَارَ خَالَفُونَا ، فَاجْتَمَعُوا بِأَشْرَافِهِمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ ، وَتَخَلّفَ عَنّا عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَالزّبِيرُ بْنُ الْعَوّامِ وَمَنْ مَعَهُمَا ، وَاجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ إلَى أَبِي بَكْرٍ فَقُلْت لِأَبِي بَكْرٍ انْطَلِقْ بِنَا إلَى إخْوَانِنَا هَؤُلَاءِ مِنْ الْأَنْصَارِ ، فَانْطَلَقْنَا نَؤُمّهُمْ حَتّى لَقِيَنَا مِنْهُمْ رَجُلَانِ صَالِحَانِ فَذَكَرَا لَنَا مَا تَمَالَأَ عَلَيْهِ الْقَوْمُ وَقَالَ أَيْنَ [ ص 659 ] قُلْنَا : نُرِيدُ إخْوَانَنَا هَؤُلَاءِ مِنْ الْأَنْصَارِ ، قَالَا : فَلَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَقْرَبُوهُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ اقْضُوا أَمْرَكُمْ . قَالَ قُلْت : وَاَللّهِ لَنَأْتِيَهُمْ . فَانْطَلَقْنَا حَتّى أَتَيْنَاهُمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ ، فَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ رَجُلٌ مُزَمّلٌ فَقُلْت : مَنْ هَذَا ؟ فَقَالُوا : سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ، فَقُلْت : مَا لَهُ ؟ فَقَالُوا : وَجِعَ . فَلَمّا جَلَسْنَا تَشَهّدَ خَطِيبُهُمْ فَأَثْنَى عَلَى اللّهِ بِمَا هُوَ لَهُ أَهْلٌ ثُمّ قَالَ أَمّا بَعْدُ فَنَحْنُ أَنْصَارُ اللّهِ وَكَتِيبَةُ الْإِسْلَامِ وَأَنْتُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ رَهْطٌ مِنّا ، وَقَدْ دَفّتْ دَافّةٌ مِنْ قَوْمِكُمْ قَالَ وَإِذَا هُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَحْتَازُونَا مِنْ أَصْلِنَا ، وَيَغْصِبُونَا الْأَمْرَ فَلَمّا سَكَتَ أَرَدْت أَنْ أَتَكَلّمَ وَقَدْ زَوّرَتْ فِي نَفْسِي مَقَالَةٌ قَدْ أَعْجَبَتْنِي ، أُرِيدُ أَنْ أُقَدّمَهَا بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ وَكُنْت أَدَارِي مِنْهُ بَعْضَ الْحَدّ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى رِسْلِك يَا عُمَرَ فَكَرِهْت أَنْ أُغْضِبَهُ فَتَكَلّمَ وَهُوَ كَانَ أَعْلَمَ مِنّي وَأَوْقَرَ فَوَاَللّهِ مَا تَرَك مِنْ كَلِمَةٍ أَعْجَبَتْنِي مِنْ تَزْوِيرِي إلّا قَالَهَا فِي بَدِيهَتِهِ أَوْ مِثْلَهَا أَوْ أَفْضَلَ حَتّى سَكَتَ قَالَ أَمّا مَا ذَكَرْتُمْ فِيكُمْ مِنْ خَيْرٍ فَأَنْتُمْ لَهُ أَهْلٌ وَلَنْ تَعْرِفَ الْعَرَبُ هَذَا الْأَمْرَ إلّا لِهَذَا الْحَيّ مِنْ قُرَيْشٍ ، هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ نَسَبًا وَدَارًا ، وَقَدْ رَضِيتُ لَكُمْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرّجُلَيْنِ فَبَايِعُوا أَيّهمَا شِئْتُمْ وَأَخَذَ بِيَدَيْ وَبِيَدِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرّاحِ وَهُوَ جَالِسٌ بَيْنَنَا ، وَلَمْ أَكْرَهْ شَيْئًا مِمّا قَالَهُ غَيْرُهَا ، كَانَ وَاَللّهِ أَنْ أُقَدّمَ فَتُضْرَبُ عُنُقِي ، لَا يُقَرّبُنِي ذَلِكَ إلَى إثْمٍ أَحَبّ إلَيّ مِنْ أَنْ أَتَأَمّرَ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ . قَالَ قَائِلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ : أَنَا جُذَيْلُهَا الْمُحَكّكُ وَعُذَيْقُهَا [ ص 660 ] قُرَيْشٍ . قَالَ فَكَثُرَ اللّغَطُ وَارْتَفَعَتْ الْأَصْوَاتُ حَتّى تَخَوّفْت الِاخْتِلَافَ فَقُلْت : اُبْسُطْ يَدَك يَا أَبَا بَكْرٍ فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعْته ، ثُمّ بَايَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ ، ثُمّ بَايَعَهُ الْأَنْصَارُ ، وَنَزَوْنَا عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ . قَالَ فَقُلْت : قَتَلَ اللّهُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ .

[ تَعْرِيفٌ بِالرّجُلَيْنِ اللّذَيْنِ لَقِيَا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فِي طَرِيقِهِمَا إلَى السّقِيفَةِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : قَالَ الزّهْرِيّ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزّبَيْرِ أَنّ أَحَدَ الرّجُلَيْنِ اللّذَيْنِ لَقَوْا مِنْ الْأَنْصَارِ حِينَ ذَهَبُوا إلَى السّقِيفَةِ عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ وَالْآخَرُ مَعَنُ بْنُ عَدِيّ أَخُو بَنِي الْعَجْلَانِ . فَأَمّا عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ فَهُوَ الّذِي بَلَغَنَا أَنّهُ قِيلَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ الّذِينَ قَالَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ لَهُمْ { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبّونَ أَنْ يَتَطَهّرُوا وَاللّهُ يُحِبّ الْمُطّهّرِينَ } ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نِعْمَ الْمَرْءُ مِنْهُمْ عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ ؛ وَأَمّا مَعْنُ بْنُ عَدِيّ فَبَلَغَنَا أَنّ النّاسَ بَكَوْا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ تَوَفّاهُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ وَقَالُوا : وَاَللّهِ لَوَدِدْنَا أَنّا مُتْنَا قَبْلَهُ إنّا نَخْشَى أَنْ نَفْتَتِنَ بَعْدَهُ . قَالَ مَعَنُ بْنُ عَدِيّ لَكِنّي وَاَللّهِ مَا أُحِبّ أَنّي مُتّ قَبْلَهُ حَتّى أُصَدّقَهُ مَيّتًا كَمَا صَدّقْته حَيّا ؛ فَقُتِلَ مَعَنٌ يَوْمَ الْيَمَامَةِ شَهِيدًا فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ يَوْمَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذّابِ

[ خُطْبَةُ عُمَرَ قَبْلَ أَبِي بَكْرٍ عِنْدَ الْبَيْعَةِ الْعَامّةِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي الزّهْرِيّ ، قَالَ حَدّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ، قَالَ لَمّا بُويِعَ أَبُو بَكْر ٍ فِي السّقِيفَةِ وَكَانَ الْغَدُ جَلَسَ أَبُو بَكْر ٍ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَامَ عُمَرُ فَتَكَلّمَ قَبْلَ أَبِي بَكْرٍ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمّ قَالَ أَيّهَا النّاسُ إنّي كُنْت قُلْت لَكُمْ بِالْأَمْسِ مَقَالَةً مَا كَانَتْ مِمّا وَجَدْتهَا فِي كِتَابِ اللّهِ وَلَا كَانَتْ عَهْدًا عَهِدَ إلَيّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَكِنّي قَدْ كُنْت أَرَى أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَيُدَبّرُ أَمَرْنَا ؛ يَقُولُ يَكُونُ آخِرُنَا وَإِنّ اللّهَ قَدْ أَبْقَى فِيكُمْ كِتَابَهُ الّذِي بِهِ [ ص 661 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ هَدَاكُمْ اللّهُ لِمَا كَانَ هَدَاهُ لَهُ وَإِنّ اللّهَ قَدْ جَمَعَ أَمْرَكُمْ عَلَى خَيْرِكُمْ صَاحِبِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثَانِي اثْنَيْنِ إذْ هُمَا فِي الْغَارِ فَقُومُوا فَبَايِعُوهُ فَبَايَعَ النّاسُ أَبَا بَكْرٍ بَيْعَةَ الْعَامّةِ بَعْدَ بَيْعَةِ السّقِيفَة

[ خُطْبَةُ أَبِي بَكْرٍ ]
فَتَكَلّمَ أَبُو بَكْر ٍ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِاَلّذِي هُوَ أَهْلُهُ ثُمّ قَالَ أَمّا بَعْدُ أَيّهَا النّاسُ فَإِنّي قَدْ وُلّيت عَلَيْكُمْ وَلَسْت بِخَيْرِكُمْ فَإِنْ أَحْسَنْت فَأَعِينُونِي ؛ وَإِنْ أَسَأْت فَقَوّمُونِي ؛ الصّدْقُ أَمَانَةٌ وَالْكَذِبُ خِيَانَةٌ وَالضّعِيفُ فِيكُمْ قَوِيّ عِنْدِي حَتّى أُرِيحَ عَلَيْهِ حَقّهُ إنْ شَاءَ اللّهُ وَالْقَوِيّ فِيكُمْ ضَعِيفٌ عِنْدِي حَتّى آخُذَ الْحَقّ مِنْهُ إنْ شَاءَ اللّهُ لَا يَدَعُ قَوْمٌ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللّهِ إلّا ضَرَبَهُمْ اللّهُ بِالذّلّ وَلَا تَشِيعُ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطّ إلّا عَمّهُمْ اللّهُ بِالْبَلَاءِ أَطِيعُونِي مَا أَطَعْت اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِذَا عَصَيْتُ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَلَا طَاعَةَ لِي عَلَيْكُمْ . قُومُوا إلَى صَلَاتِكُمْ يَرْحَمُكُمْ اللّهُ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ وَاَللّهِ إنّي لَأَمْشِي مَعَ عُمَرَ فِي خِلَافَتِهِ وَهُوَ عَامِدٌ إلَى حَاجَةٍ لَهُ وَفِي يَدِهِ الدّرّةُ وَمَا مَعَهُ غَيْرِي ، قَالَ وَهُوَ يُحَدّثُ نَفْسَهُ وَيَضْرِبُ وَحْشِيّ قَدَمهُ بِدِرّتِهِ . قَالَ إذْ الْتَفَتَ إلَيّ فَقَالَ يَا بْنَ عَبّاسٍ هَلْ تَدْرِي مَا كَانَ حَمَلَنِي عَلَى مَقَالَتِي الّتِي قُلْتُ حِينَ تُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ؟ قَالَ قُلْت : لَا أَدْرِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْتَ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنّهُ وَاَللّهِ إنْ كَانَ الّذِي حَمَلَنِي عَلَى ذَلِكَ إلّا أَنّي كُنْت أَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النّاسِ وَيَكُونَ الرّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } ، فَوَاَللّهِ إنْ كُنْت لَأَظُنّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَيَبْقَى فِي أُمّتِهِ حَتّى يَشْهَدَ عَلَيْهَا بِآخِرِ أَعْمَالِهَا ، فَإِنّهُ لِلّذِي حَمَلَنِي عَلَى أَنْ قُلْت مَا قُلْت

جَهَازُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَدَفْنُهُ
[ ص 662 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا بُويِعَ أَبُو بَكْر ٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَقْبَلَ النّاسُ عَلَى جَهَازِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ الثّلَاثَاءِ فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِنَا : أَنّ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ، وَالْعَبّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَالْفَضْلَ بْنَ الْعَبّاسِ وَقُثَمَ بْنَ الْعَبّاسِ ، وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَشُقْرَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هُمْ الّذِينَ وُلُوا غَسْلَهُ وَأَنّ أَوْسَ بْنَ خَوْلِيّ . أَحَدَ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، قَالَ لِعَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنْشُدُك اللّهَ يَا عَلِيّ وَحَظّنَا مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ أَوْسُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَهْلِ بَدْرٍ قَالَ اُدْخُلْ فَدَخَلَ فَجَلَسَ وَحَضَرَ غَسْلَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَسْنَدَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إلَى صَدْرِهِ وَكَانَ الْعَبّاسُ وَالْفَضْلُ وَقُثَمُ يُقَلّبُونَهُ مَعَهُ وَكَانَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَشُقْرَانُ مَوْلَاهُ هُمَا اللّذَانِ يَصُبّانِ الْمَاءَ عَلَيْهِ وَعَلِيّ يُغَسّلُهُ قَدْ أَسْنَدَهُ إلَى صَدْرِهِ وَعَلَيْهِ قَمِيصُهُ يُدَلّكُهُ بِهِ مِنْ وَرَائِهِ لَا يُفْضَى بِيَدِهِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَلِيّ يَقُولُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي ، مَا أَطْيَبَك حَيّا وَمَيّتًا وَلَمْ يُرَ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ شَيْءٌ مِمّا يُرَى مِنْ الْمَيّتِ

[ كَيْفَ غُسّلَ الرّسُولُ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمّا أَرَادُوا غَسْلَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اخْتَلَفُوا فِيهِ . فَقَالُوا : وَاَللّهِ مَا نَدْرِي ، أَنُجَرّدُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ ثِيَابِهِ كَمَا نُجَرّدُ مَوْتَانَا ، أَوْ نُغَسّلُهُ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ ؟ قَالَتْ فَلَمّا اخْتَلَفُوا أَلْقَى اللّهُ عَلَيْهِمْ النّوْمَ حَتّى مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إلّا ذَقْنُهُ فِي صَدْرِهِ ثُمّ كَلّمَهُمْ مُكَلّمٌ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَيْتِ لَا يَدْرُونَ مَنْ هُوَ أَنْ اغْسِلُوا النّبِيّ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ قَالَتْ فَقَامُوا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَغَسّلُوهُ وَعَلَيْهِ قَمِيصُهُ يَصُبّونَ الْمَاءَ فَوْقَ الْقَمِيصِ وَيَدْلُكُونَهُ وَالْقَمِيصُ دُونَ أَيْدِيهِمْ

[ تَكْفِينُ الرّسُولِ ]
[ ص 663 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا فُرِغَ مِنْ غَسْلِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كُفّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثَوَابَ ثَوْبَيْنِ صُحَارِيّيْنِ وَبُرْدٍ حَبِرَةٌ أُدْرِجَ فِيهَا إدْرَاجًا كَمَا حَدّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ عَلِيّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ عَلِيّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَالزّهْرِيّ ، عَنْ عَلِيّ بْنِ الْحُسَيْنِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ لَمّا أَرَادُوا أَنْ يَحْفِرُوا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرّاحِ يَضْرَحُ كَحَفْرِ أَهْلِ مَكّةَ ، وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ هُوَ الّذِي يَحْفِرُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ، فَكَانَ يَلْحَدُ فَدَعَا الْعَبّاسُ رَجُلَيْنِ فَقَالَ لِأَحَدِهِمَا : اذْهَبْ إلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرّاحِ وَلِلْآخَرِ اذْهَبْ إلَى أَبِي طَلْحَةَ . اللّهُمّ خِرْ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَوَجَدَ صَاحِبَ أَبِي طَلْحَةَ أَبَا طَلْحَةَ فَجَاءَ بِهِ فَلَحَدَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ

[ دَفْنُ الرّسُولِ وَالصّلَاةُ عَلَيْهِ ]
فَلَمّا فُرِغَ مِنْ جَهَازِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ الثّلَاثَاءِ وُضِعَ فِي سَرِيرِهِ فِي بَيْتِهِ وَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ اخْتَلَفُوا فِي دَفْنِهِ . فَقَالَ قَائِلٌ نَدْفِنُهُ فِي مَسْجِدِهِ وَقَالَ قَائِلٌ بَلْ نَدْفِنُهُ مَعَ أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : إنّي سَمِعْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ مَا قُبِضَ نَبِيّ إلّا دُفِنَ حَيْثُ يُقْبَضُ ، فَرُفِعَ فِرَاشُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الّذِي تُوُفّيَ عَلَيْهِ فَحُفِرَ لَهُ تَحْتَهُ ثُمّ دَخَلَ النّاسُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُصَلّونَ عَلَيْهِ أَرْسَالًا ، دَخَلَ الرّجَالُ حَتّى إذَا فَرَغُوا أُدْخِلَ النّسَاءُ حَتّى إذَا فَرَغَ النّسَاءُ أُدْخِلَ الصّبْيَانُ . وَلَمْ يَؤُمّ النّاسَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَحَدٌ . [ ص 664 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ وَسَطِ اللّيْلِ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ عُمَارَةَ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَسَعْدَ بْنِ زُرَارَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا ، جَوْفَ اللّيْلِ مِنْ لَيْلَةِ الْأَرْبِعَاءِ .
[ مَنْ تَوَلّى دَفْنَ الرّسُولِ ]
وَكَانَ الّذِينَ نَزَلُوا فِي قَبْرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ، وَالْفَضْلَ ابْنَ عَبّاسٍ ، وَقُثَمَ بْنَ عَبّاسٍ وَشُقْرَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَقَدْ قَالَ أَوْسُ بْنُ خَوْلِيّ لِعَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ يَا عَلِيّ ، أَنْشُدُك اللّهَ وَحَظّنَا مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهِ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَهُ انْزِلْ فَنَزَلَ مَعَ الْقَوْمِ وَقَدْ كَانَ مَوْلَاهُ شُقْرَانُ حِينَ وَضَعَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي حُفْرَتِهِ وَبَنَى عَلَيْهِ قَدْ أَخَذَ قَطِيفَةً وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَلْبَسُهَا وَيَفْتَرِشُهَا ، فَدَفَنَهَا فِي الْقَبْرِ وَقَالَ وَاَللّهِ لَا يَلْبَسُهَا أَحَدٌ بَعْدَك أَبَدًا . قَالَ فَدُفِنَتْ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ

[ أَحْدَثُ النّاسِ عَهْدًا بِالرّسُولِ ]
وَقَدْ كَانَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ يَدّعِي أَنّهُ أَحْدَثُ النّاسِ عَهْدًا بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ أَخَذْت خَاتَمِي ، فَأَلْقَيْته فِي الْقَبْرِ ، وَقُلْت : إنّ خَاتَمِي سَقَطَ مِنّي ، وَإِنّمَا طَرَحْته عَمْدًا لِأَمَسّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَكُونُ أَحْدَثَ النّاسِ عَهْدًا بِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ ، عَنْ مِقْسَمٍ أَبِي الْقَاسِمِ مَوْلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ ، عَنْ مَوْلَاهُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَارِثِ ، قَالَ اعْتَمَرْت مَعَ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِ فِي زَمَانِ عُمَرَ أَوْ زَمَانِ عُثْمَانَ ، فَنَزَلَ عَلَى أُخْتِهِ [ ص 665 ] أُمّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ ، فَلَمّا فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ رَجَعَ فَسُكِبَ لَهُ غِسْلٌ فَاغْتَسَلَ فَلَمّا فَرَغَ مِنْ غَسْلِهِ دَخَلَ عَلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ ، فَقَالُوا : يَا أَبَا حَسَنٍ جِئْنَا نَسْأَلُك عَنْ أَمْرٍ نُحِبّ أَنْ تُخْبِرَنَا عَنْهُ ؟ قَالَ أَظُنّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يُحَدّثُكُمْ أَنّهُ كَانَ أَحْدَثَ النّاسِ عَهْدًا بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالُوا : أَجَلْ عَنْ ذَلِكَ جِئْنَا نَسْأَلُك ؛ قَالَ كَذَبَ قَالَ أَحْدَثُ النّاسِ عَهْدًا بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قُثَمُ بْنُ عَبّاسٍ

[ خَمِيصَةُ الرّسُولِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ ، عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنّ عَائِشَةَ حَدّثَتْهُ قَالَتْ كَانَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ حِينَ اشْتَدّ بِهِ وَجَعُهُ قَالَتْ فَهُوَ يَضَعُهَا مَرّةً عَلَى وَجْهِهِ وَمَرّةً يَكْشِفُهَا عَنْهُ وَيَقُولُ قَاتَلَ اللّهُ قَوْمًا اتّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ يَحْذَرُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أُمّتِهِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ ، عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ كَانَ آخِرُ مَا عَهِدَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ قَالَ لَا يُتْرَكُ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ

[ افْتِتَانُ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ مَوْتِ الرّسُولِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا تُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَظُمَتْ بِهِ مُصِيبَةُ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَتْ عَائِشَةُ ، فِيمَا بَلَغَنِي ، تَقُولُ لَمّا تُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ارْتَدّتْ الْعَرَبُ ، وَاشْرَأَبّتْ الْيَهُودِيّةُ والنصرانية ، وَنَجَمَ النّفَاقُ وَصَارَ الْمُسْلِمُونَ كَالْغَنَمِ الْمَطِيرَةُ فِي اللّيْلَةِ الشّاتِيَةِ لِفَقْدِ نَبِيّهِمْ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى جَمَعَهُمْ اللّهُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ أَكْثَرَ أَهْلِ مَكّةَ لَمّا [ ص 666 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَمّوا بِالرّجُوعِ عَنْ الْإِسْلَامِ وَأَرَادُوا ذَلِكَ حَتّى خَافَهُمْ عَتّابُ بْنُ أَسِيدٍ ، فَتَوَارَى ، فَقَامَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو ، فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمّ ذَكَرَ وَفَاةَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ إنّ ذَلِكَ لَمْ يَزِدْ الْإِسْلَامَ إلّا قُوّةً ، فَمَنْ رَابَنَا ضَرَبْنَا عُنُقَهُ فَتَرَاجَعَ النّاسُ وَكَفّوا عَمّا هَمّوا بِهِ وَظَهَرَ عَتّابُ بْنُ أَسِيدٍ . فَهَذَا الْمَقَامُ الّذِي أَرَادَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي قَوْلِهِ لِعُمَرِ بْنِ الْخَطّابِ إنّهُ عَسَى أَنْ يَقُومَ مَقَامًا لَا تَذُمّهُ .

[ شِعْرُ حَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ فِي مَرْثِيّتِهِ الرّسُولَ ]
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَبْكِي رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا حَدّثَنَا ابْنُ هِشَامٍ ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ [ ص 667 ]
بِطَيْبَةَ رَسْمٌ لِلرّسُولِ وَمَعْهَدُ ... مُنِيرٌ وَقَدْ تَعْفُو الرّسُومُ وَتَهْمُدُ
وَلَا تَمْتَحِي الْآيَاتُ مِنْ دَارِ حُرْمَةٍ ... بِهَا مِنْبَرُ الْهَادِي الّذِي كَانَ يَصْعَدُ
وَوَاضِحُ آثَارٍ وَبَاقِي مَعَالِمَ ... وَرَبْعٌ لَهُ فِيهِ مُصَلّى وَمَسْجِدُ
بِهَا حُجُرَاتٌ كَانَ يَنْزِلُ وَسْطَهَا ... مِنْ اللّهِ نُورٌ يُسْتَضَاءُ وَيُوقَدُ
مَعَارِفُ لَمْ تُطْمَسْ عَلَى الْعَهْدِآيُهَا ... أَتَاهَا الْبِلَى فَالْآيُ مِنْهَا تَجَدّدُ
عَرَفْتُ بِهَا رَسْمَ الرّسُولِ وَعَهْدَهُ ... وَقَبْرًا بِهَا وَارَاهُ فِي التّرْبِ مُلْحِدُ
ظَلِلْت بِهَا أَبْكِي الرّسُولَ فَأَسْعَدَتْ ... عُيُونٌ وَمِثْلَاهَا مِنْ الْجَفْنِ تُسْعَدُ
يُذَكّرْنَ آلَاءَ الرّسُولِ وَمَا أَرَى ... لَهَا مُحْصِيًا نَفْسِي فَنَفْسِيّ تَبَلّدُ
مُفَجّعَةً قَدْ شَفّهَا فَقْدُ أَحْمَدَ ... فَظَلّتْ لِآلَاءِ الرّسُولِ تُعَدّدُ
وَمَا بَلَغَتْ مِنْ كُلّ أَمْرٍ عَشِيرَهُ ... وَلَكِنْ لِنَفْسِي بَعْدَ مَا قَدْ تَوَجّدُ
أَطَالَتْ وُقُوفًا تَذْرِفُ الْعَيْنَ جُهْدَهَا ... عَلَى طَلَلِ الْقَبْرِ الّذِي فِيهِ أَحْمَدُ
فَبُورِكْتَ يَا قَبْرَ الرّسُولِ وَبُورِكَتْ ... بِلَادٌ ثَوَى فِيهَا الرّشِيدُ الْمُسَدّدُ
وَبُورِكَ لَحْدٌ مِنْكَ ضُمّن طَيّبًا ... عَلَيْهِ بِنَاءٌ مِنْ صَفِيحٍ مُنَضّدُ
تَهِيلُ عَلَيْهِ التّرَبَ أَيْدٍ وَأَعْيُنٍ ... عَلَيْهِ وَقَدْ غَارَتْ بِذَلِكَ أَسْعَدُ
لَقَدْ غَيّبُوا حُلْمًا وَعِلْمًا وَرَحْمَةً ... عَشِيّةَ عَلّوْهُ الثّرَى لَا يُوَسّدُ
وَرَاحُوا بِحُزْنٍ لَيْسَ فِيهِمْ نَبِيّهُمْ ... وَقَدْ وَهَنَتْ مِنْهُمْ ظُهُورٌ وَأَعْضُدُ
يُبَكّونَ مَنْ تَبْكِي السّمَوَاتُ يَوْمَهُ ... وَمَنْ قَدْ بَكَتْهُ الْأَرْضُ فَالنّاسُ أَكَمَدُ
وَهَلْ عَدَلَتْ يَوْمًا رَزِيّةُ هَالِكٍ ... رَزِيّةَ يَوْمٍ مَاتَ فِيهِ مُحَمّدُ ؟
تَقَطّعُ فِيهِ مَنْزِلُ الْوَحْيِ عَنْهُمْ ... وَقَدْ كَانَ ذَا نُورٍ يَغُورُ وَيُنَجّدُ
يَدُلّ عَلَى الرّحْمَنِ مَنْ يَقْتَدِي بِهِ ... وَيُنْقِذُ مِنْ هَوْلِ الْخَزَايَا وَيُرْشِدُ
إمَامٌ لَهُمْ يَهْدِيهِمْ الْحَقّ جَاهِدًا ... مُعَلّمُ صِدْقٍ إنْ يُطِيعُوهُ يُسْعَدُوا
عَفْوٌ عَنْ الزّلّاتِ يَقْبَلُ عُذْرَهُمْ ... وَإِنّ يُحْسِنُوا فَاَللّهُ بِالْخَيْرِ أَجْوَدُ
وَإِنْ نَابَ أَمْرٌ لَمْ يَقُومُوا بِحَمْلِهِ ... فَمِنْ عِنْدِهِ تَيْسِيرُ مَا يُتَشَدّدُ
فَبَيْنَا هُمْ فِي نِعْمَةِ اللّهِ بَيْنَهُمْ ... دَلِيلٌ بَهْ نَهْجُ الطّرِيقَةِ يُقْصَدُ
عَزِيزٌ عَلَيْهِ أَنْ يَجُورُوا عَنْ الْهُدَى ... حَرِيصٌ عَلَى أَنْ يَسْتَقِيمُوا وَيَهْتَدُوا
عَطُوفٌ عَلَيْهِمْ لَا يُثَنّى جُنَاحَهُ ... إلَى كَنَفٍ يَحْنُو عَلَيْهِمْ وَيَمْهَدُ
فَبَيْنَا هُمْ فِي ذَلِكَ النّورِ إذْ غَدَا ... إلَى نُورِهِمْ سَهْمٌ مِنْ الْمَوْتِ مُقْصِدُ
فَأَصْبَحَ مَحْمُودًا إلَى اللّهِ رَاجِعًا ... يُبَكّيهِ حَقّ الْمُرْسَلَاتِ وَيُحْمَدُ
وَأَمْسَتْ بِلَادُ الْحُرْمِ وَحْشًا بِقَاعُهَا ... لِغَيْبَةِ مَا كَانَتْ مِنْ الْوَحْيِ تُعْهَدُ
قِفَارًا سِوَى مَعْمُورَةِ اللّحْدِ ضَافَهَا ... فَقِيدٌ يُبَكّينَهُ بَلَاطٌ وَغَرْقَدُ
وَمَسْجِدُهُ فَالْمُوحِشَاتُ لِفَقْدِهِ ... خَلَاءٌ لَهُ فِيهِ مَقَامٌ وَمَقْعَدُ
وَبِالْجَمْرَةِ الْكُبْرَى لَهُ ثَمّ أَوْحَشَتْ ... دِيَارٌ وَعَرَصَاتٌ وَرَبْعٌ وَمَوْلِدُ
فَبَكّي رَسُولَ اللّهِ يَا عَيْنُ عَبْرَةً ... وَلَا أَعْرِفَنّكِ الدّهْرَ دَمْعُك يُجْمَدُ
وَمَا لَكِ لَا تَبْكِينَ ذَا النّعْمَةِ الّتِي ... عَلَى النّاسِ مِنْهَا سَابِغٌ يُتَغَمّدُ
فَجُودِي عَلَيْهِ بِالدّمُوعِ وَأَعْوِلِي ... لِفَقْدِ الّذِي لَا مِثْلُهُ الدّهْرَ يُوجَدُ
وَمَا فَقَدَ الْمَاضُونَ مِثْلَ مُحَمّدٍ ... وَلَا مِثْلُهُ حَتّى الْقِيَامَةِ يُفْقَدُ
أَعَفّ وَأَوْفَى ذِمّةً بَعْدَ ذِمّةٍ ... وَأَقْرَبَ مِنْهُ نَائِلًا لَا يُنَكّدُ
وَأَبْذَلَ مِنْهُ لِلطّرِيفِ وَتَالِدٍ ... إذَا ضَنّ مِعْطَاءٌ بِمَا كَانَ يُتْلَدُ
وَأَكْرَمَ صِيتًا فِي الْبُيُوتِ إذَا انْتَمَى ... وَأَكْرَمَ جَدّا أَبْطَحِيّا يُسَوّدُ
وَأَمْنَعَ ذِرْوَاتٍ وَأَثْبَتَ فِي الْعُلَا ... دَعَائِمَ عِزّ شَاهِقَاتٍ تُشَيّدُ
وَأَثْبَتَ فَرْعًا فِي الْفُرُوعِ وَمَنْبَتًا ... وَعُودًا غَذّاهُ الْمُزْنُ فَالْعُودُ أَغْيَدُ
رَبّاهُ وَلِيدًا فَاسْتَتَمّ تَمَامُهُ ... عَلَى أَكْرَمِ الْخَيْرَاتِ رَبّ مُمَجّدٌ
تَنَاهَتْ وَصَاةُ الْمُسْلِمِينَ بِكَفّهِ ... فَلَا الْعِلْمُ مَحْبُوسٌ وَلَا الرّأْيُ يُفْنَدُ
أَقُولُ وَلَا يُلْقَى لِقَوْلِي عَائِبٌ ... مِنْ النّاسِ إلّا عَازِبُ الْعَقْلِ مُبْعَدُ
وَلَيْسَ هَوَايَ نَازِعًا عَنْ ثَنَائِهِ ... لَعَلّي بِهِ فِي جَنّةِ الْخُلْدِ أَخْلَدُ
مَعَ الْمُصْطَفَى أَرْجُو بِذَاكَ جِوَارَهُ ... وَفِي نَيْلِ ذَاكَ الْيَوْمِ أَسْعَى وَأَجْهَدُ
[ ص 668 ] [ ص 669 ]

وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا ، يَبْكِي رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ
مَا بَالُ عَيْنِكَ لَا تَنَامُ كَأَنّمَا ... كُحِلَتْ مَآقِيهَا بِكُحْلِ الْأَرْمَدِ
جَزَعًا عَلَى الْمَهْدِيّ أَصْبَحَ ثَاوِيًا ... يَا خَيْرَ مَنْ وَطِئَ الْحَصَى لَا تَبْعَدْ
وَجْهِي يَقِيكَ التّرْبَ لَهْفِي لَيْتَنِي ... غُيّبْتُ قَبْلَكَ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ
بِأَبِي وَأُمّي مَنْ شَهِدْتُ وَفَاتَهُ ... فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ النّبِيّ الْمُهْتَدِي
فَظَلِلْتُ بَعْدَ وَفَاتِهِ مُتَبَلّدًا ... مُتَلَدّدًا يَا لَيْتَنِي لَمْ أُولَدْ
أَأُقِيمُ بَعْدَكَ بِالْمَدِينَةِ بَيْنَهُمْ ... يَا لَيْتَنِي صُبّحْت سَمّ الْأَسْوَدِ
أَوْ حَلّ أَمْرُ اللّهِ فِينَا عَاجِلًا ... فِي رَوْحَةٍ مِنْ يَوْمِنَا أَوْ مِنْ غَدٍ
[ ص 670 ] ... مَحْضًا ضَرَائِبُهُ كَرِيمَ الْمَحْتِدِ
يَا بِكْرَ آمِنَةَ الْمَبَارِكَ بِكْرُهَا ... وَلَدَتْهُ مُحْصَنَةٌ بِسَعْدِ الْأَسْعَدِ
نُورًا أَضَاءَ عَلَى الْبَرِيّةِ كُلّهَا ... منْ يُهْد لِلنّورِ الْمُبَارَكِ يَهْتَدِي
يَا رَبّ فَاجْمَعْنَا مَعًا وَنَبِيّنَا ... فِي جَنّةٍ تَثْنَى عُيُونُ الْحُسّدِ
فِي جَنّةِ الْفِرْدَوْسِ فَاكْتُبْهَا لَنَا ... يَا ذَا الْجَلَالِ وَذَا الْعُلَا وَالسّوْدُدِ
وَاَللّهِ أَسْمَعُ مَا بَقِيتُ بِهَالِكٍ ... إلّا بَكَيْتُ عَلَى النّبِيّ مُحَمّدِ
يَا وَيْحَ أَنْصَارِ النّبِيّ وَرَهْطِهِ ... بَعْدَ الْمُغَيّبِ فِي سَوَاءِ الْمَلْحَدِ
ضَاقَتْ بِالْأَنْصَارِ الْبِلَادُ فَأَصْبَحُوا ... سُودًا وُجُوهُهُمْ كَلَوْنِ الْإِثْمِدِ
وَلَقَدْ وَلَدْنَاهُ وَفِينَا قَبْرُهُ ... وَفُضُولَ نِعْمَتِهِ بِنَا لَمْ نَجْحَدْ
وَاَللّهُ أَكْرَمَنَا بِهِ وَهَدَى بِهِ ... أَنْصَارَهُ فِي كُلّ سَاعَةِ مَشْهَدِ
صَلّى الْإِلَهُ وَمَنْ يَحُفّ بِعَرْشِهِ ... وَالطّيّبُونَ عَلَى الْمُبَارَكِ أَحْمَدْ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَبْكِي رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 671 ]
نَبّ الْمَسَاكِينَ أَنّ الْخَيْرَ فَارَقَهُمْ
مَعَ النّبِيّ تَوَلّى عَنْهُمْ سَحَرَا
مَنْ ذَا الّذِي عِنْدَهُ رَحْلِي وَرَاحِلَتِي
وَرِزْقُ أَهْلِي إذَا لَمْ يُؤْنِسُوا الْمَطَرَا
أَمْ مَنْ نُعَاتِبَ لَا نَخْشَى جَنَادِعَهُ
إذَا اللّسَانُ عَتَا فِي الْقَوْلِ أَوْ عَثَرَا
كَانَ الضّيَاءَ وَكَانَ النّورَ نَتْبَعُهُ
بَعْدَ الْإِلَهِ وَكَانَ السّمْعَ وَالْبَصَرَا
فَلَيْتَنَا يَوْمَ وَارَوْهُ بِمُلْحِدِهِ
وَغَيّبُوهُ وَأَلْقَوْا فَوْقَهُ الْمَدَرَا
لَمْ يَتْرُك اللّهُ مِنّا بَعْدَهُ أَحَدًا
وَلَمْ يَعِشْ بَعْدَهُ أُنْثَى وَلَا ذَكَرَا
ذَلّتْ رِقَابُ بَنِي النّجّارِ كُلّهِمْ
وَكَانَ أَمْرًا مِنْ امْرِ اللّهِ قَدْ قُدِرَا
وَاقْتُسِمَ الْفَيْءُ دُونَ النّاسِ كُلّهِمْ
وَبَدّدُوهُ جِهَارًا بَيْنَهُمْ هَدَرًا
وَقَالَ حَسّان بْنُ ثَابِتٍ يَبْكِي رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَيْضًا :
آلَيْتُ مَا فِي جَمِيعِ النّاسِ مُجْتَهِدًا
مِنّي أَلْيَةَ بَرّ غَيْرَ إفْنَادِ
تَاللّهِ مَا حَمَلَتْ أُنْثَى وَلَا وَضَعَتْ
مِثْلَ الرّسُولِ نَبِيّ الْأُمّةِ الْهَادِي
وَلَا بَرَا اللّهُ خَلْقًا مِنْ بَرِيّتِهِ
أَوْفَى بِذِمّةِ جَارٍ أَوْ بِمِيعَادِ
مِنْ الّذِي كَانَ فِينَا يُسْتَضَاءُ بِهِ
مُبَارَكَ الْأَمْرِ ذَا عَدْلٍ وَإِرْشَادِ
أَمْسَى نِسَاؤُك عَطّلْنَ الْبُيُوتَ فَمَا
يَضْرِبْنَ فَوْقَ قَفَا سِتْرٍ بِأَوْتَادِ
مِثْلَ الرواهب يَلْبَسْنَ الْمَبَاذِلَ قَدْ
أَيْقَنّ بِالْبُؤْسِ بَعْدَ النّعْمَةِ الْبَادِي
يَا أَفْضَلَ النّاسِ إنّي كُنْتُ فِي نَهَرٍ
أَصْبَحْتُ مِنْهُ كَمِثْلِ الْمُفْرَدِ الصّادِي
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَجُزُ الْبَيْتِ الْأَوّلِ عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ . انْتَهَى الْجُزْءُ الرّابِعُ مِنْ سِيرَةِ سَيّدِنَا مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبِهِ تَمّ الْكِتَابُ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11