كتاب : البصائر والذخائر
المؤلف : أبو حيان التوحيدي

حدّثنا القاضي أبو حامد قال: كان لي عمٌّ بمرورّوذ، وكان وجيهاً في البلد، وكان شديد المقت لي فاحش الإعراض عنّي؛ واتفق أنّي حضرت بعض العشيّات مجلس رئيس البلد، ودخل عمّي بعدي وكنت في كلامٍ، فسمع بقيّة ما كنت فيه، فقال للرئيس: من هذا الفتى الكامل الفاضل؟ فوالله ما رأيت أحداً في سنّه أكثر عقلاً، ولا أحسن كلاماً منه، وإنّما أنكرني الاختلاط ظلام الليل، فقال الرئيس: إنّه أبو حامد، قال: ومن أبو حامد؟ قال: ابن أخيك، قال: لعنه الله وقبّحه، فما أعرف نسمةً أبغض منه إليّ، وإنك لو عرفت باطنة لما استحسنت ظاهرة ونهض متلوياً من حسد نار به ومناقضةٍ أتى بها، وحالٍ فجأته، وكامن ظهر عليه. وكان القاضي أبو حامد يحدّثني بهذا العمّ، وكان شديد العداوة، قاطع الرّحم، قبيح الجفاء، وكان يقول: والله لا ورثتني، ولأهبن مالي لبختيار - وكان أمير بغداد - ولساسته، ولا أتركه لك، ثمّ أبى الله ذلك.
قال: وحدّثني أبو حامدٍ بحديثه مع عمّه حين حدّثته أنّ عمّي كان قاعداً في بعض العشيّات في قطيعة الرّبيع، فاجتزت به متوجّهاً إلى مجلس أبي الحسن ابن القطّان الفقيه الشافعيّ، فقال له جلساؤه: إنّ ابن أخيك با أبا العبّأس مجتهدٌ في طلب العلم، يغدو ويروح، ولقد سمعنا تلاوته للقرآن فاستجدناها، ولقد سمعنا منطقه فاستأنسنا به، وقد كتب الحديث الكثير، وسافر وتصّوف، فقال للجماعة: هذا كلّه كما تقولون، ولكن له عيبٌ واحد، قالوا: وما هو؟ قال: يأكل في كلّ يوم أربعة أرغفةٍ، فورد على الجماعة ما حيّرها وأضحكها. وقد رأينا أعماماً قطعوا أرحاماً، فقطع الله أعمارهم، وأقفر ديارهم، وأورثهم خسارهم. وإنّما سقت هذا ناهياً عن قطيعة الرّحم، وحاثّاً على حفظ القرابة، مذكّراً عواقب القطيعة، ومحذّراً من قبيح القالة، وإلى الله تعالى نفزع في كلّ ما دقّ وجلّ، فهو المنتهى وإليه الرجعى.
احتضر ابن أخٍ لأبي الأسود الدؤلي - هكذا الفصيح يفتح الهمزة - فقال: يا عمّ، أموت والناس يحيون؟ قال: كما حييت والناس يموتون.
قال ابن السّمّاك: أهل القبور على الاختبار، وأهل الدّور على الاضطرار والانتظار، فأمّا أهل القبور فندموا على ما قدّموا، وأمّا أهل الدّور فيقتتلون على ما عليه أهل القبور ندموا، فلا هؤلاء إلى هؤلاء يوجعون، ولا هؤلاء بهؤلاء يعتبرون.
شاعر: الوافر
أنا ابن محفّضٍ والسّكب خالي ... إذا أنا من بني رجل الحمار
أسود إلى العلى بأبٍ وجدٍّ ... إذا عظمت مراهنة الخطار
شيوخاً طال ما سادوا وقادوا ... تميماً في الملمّات الكبار
فلا تمدد يديك بلا قديمٍ ... إلى أهل القديم ولا نجار
فلا يستطيع إلهاب المذكّي ... لدى الغايات أفلاء المهار
يسطيع إسطاعاً لغة، فلا تنكر الضّمّ في الياء، فإنّه يقال: أسطاع يسطيع إسطاعاً، واسطاع يسطيع اسطياعاً، واستطاع يستطيع استطاعةً، والاستطاعة: طلب الطّاعة.

478 - والاستطاعة عند المعتزلة قبل الفعل، زعموا، كما أن العين قبل الإدراك، واليد قبل الضّرب. وقال خصومهم: الاستطاعة مع الفعل، وبعض مجّان المتكلّمين يقول: بعد الفعل، والحقّ من ذلك أنّ الاستعداد والتهيّؤ قائمان بالإنسان التامّ المزاج العلة، فإذا أنشأ الفعل تقدّمته همّةٌ، وبعثته إرادةٌ، وساعدته قوةٌ، وتمّمته استطاعةٌ، فبانتظام هذه القوى فيه، وانبعاثها منه، والتصاقها به، سمّي قادراً، ومرّةً مستطيعاً، ومرّةً قوياً، والصّفات تعتوره من بعد على قدر درجاته في هذه الأحوال، وهذه القوّة والاستطاعة هو عواريّ عند الإنسان، تزداد مرةً بامتداد المعير، وتنقص على ذلك التّقدير، ولهذا لم يكن الإنسان قادراً على الإطلاق، ولا عاجزاً على الإطلاق، بل كان وعاءً لهما، محمولاً عليهما، ولو عري من القدرة رأساً لما كلّف، ولو ملك الاستطاعة رأساً لما لجأ إلى الله ولا تضرّع، فهو بين قدرة من أجلها أمر، وبين عجزٍ من أجله اضطرّ وعذر، ولو كان مستطيعاً على الحقيقة لبطر وأشر، ولو كان عاجزاً على الحقيقة لما كلّف ولا أمر، فسبحان من خلق هذا الخلق، وصرّفهم على الكمال والنّقص، وضربهم بالسعادة والنّحس، وألجاهم إلى النّفس والحدس، ليعرفوا بكمالهم كمال مكمّلهم، ويعرفوا بنقصهم استئثار مدبّرهم، فيعتمدوا عليه، ولولا هذا التدبير المنطوي على الحكمة، الجاري على نظام العقول السّليمة، لكانت قدرتهم تنسيهم عجزهم، وإذا نسوا مواضع العجز فتنوا بمواضع القدرة، ألا ترى أنّ الخلق مع تعاور الآفات عليه، وتسارع النّكبات إليه، وتحكّم البلاء فيه، وتفسّخ عزائمه وتداعي أواخيه، كيف يثبون ويأشرون، ويبطشون وينتقمون، ويتظالمون، حتى كأنّهم لم يشهدوا من دهرهم فقد حميم، ولا اختطاف عزيز، ولا ابتذال ذخر، ولا ارتجاع موهبة، ولا هدم بنيّة، ولا قطع أمنيّة، ولا حلول قارعة، ولا زوال ملك، ولا عثار مستمرّ، ولا انتكاس متطاول، ولا خرس منطق. خالق الخلق أعلم بما أودع طينتهم، ومزج به أرومتهم، وقصر عليه طباعهم، وبعث إليه أبصارهم، وكتب عنده آثارهم، وأحصى عددهم، وتابع مددهم، ورتّب كلاً مرتبةً إن تجاوزها هلك، وإن قصّر ليم، وإن ثبت عندها نجا؛ له الملك والعظمة، والقدرة والسطوة، والحكمة واللّطف والنّعمة، والعفو والرحمة، فإيّاه نسأل خير ما عنده، وإليه نفزع من شرّ ما عندنا، إنّه صارف الشرّ عنّا، وموصل الخير من لدنه إلينا، وهو على ما يشاء قدير، وبجميع عباده خبيرٌ بصير، يجمع بين المحروم والمرزوق في شرك الاختبار، ويؤلّفهم في نظام الأمر والنّهي، ويطالبهم بالصبر والشكر، ويمدّهم باللّطف والرّفق، ويضمن لهم الربح والنجح، ويدّخر لهم الخلاص والثّواب.
فاعتبر أيّها السامع أفاعيله، وتصفّح حقائقه، واستجل أسراره، واستنّ حكمه، وتزود الشّكر على أوائل إحسانه إليك، وفواتح إنعامه عليك، واجعل المتجلّي منها مثالاً لما خفي، والخافي مسلّماً بما وضح، فإنّ هذا الاعتبار يثمر لك عاقبة الحمد، وينزلك دار الصدق، وينقلك إلى عالم الحقّ، ولا يغرنّك ما أنت به باقٍ ها هنا، فإنّ البقاء ها هنا فناء، إّلا أنّ فناءك هنا بقاءٌ هناك، ومتى لاح لك الرّمز والحقّ الذي يتضمنه، صرفت سعيك وجدّك وتشميرك واستعدادك، وزادك إلى حظٍّ أنت به باقٍ وثابتٌ معه، ولست تفهم هذه المعاني، ولا تطّلع على هذه المعالي ما دمت أسير ما تراه عينك، وتلمسه يدك، وتتمنّاه شهوتك، لا والله حتى تتخلّى منك، أعني من جلبابك وقشرك وغشائك، نعم وحتى تتعرّى من جسدك، أعني من جوانحه وزينته وكرامته، وتأخذ ممّا لا بدّ لك منه، مكرّماً بذلك ذاتك، ومهيناً لما دنّسك وأهلكك.

واعلم أن بقاءك بصفاتك، وصفاءك بتفاني هذه الأشياء عنك، واعلم أنّ فناءك بكدرك، وكدرك بتعاور هذه الأشياء عليك، فانج ما كنت على جوادك، فيوشك أن يعثر بك فيلقيك في هوةٍ لا تنتعش منها أبداً، فإن باشرت الشكوك بقلبك، وطرحت المواعظ عن سمعك، وثقلت النّائح على عقلك، فاعلم أنّك ميت وإن كنت في مسك حيّ، وعليلٌ وإنّ كنت في ثياب صحيح، ومخذولٌ وإن تتابع لك النّصر، ومحرومٌ وإن اتسّع عليك الرّزق، ومحبوسٌ وإن كنت في صورة مسيّب، ومرحومٌ وإن كنت في ظاهر مرضيٍّ عنه، ومعذبٌ وإن طال بك الاستمتاع، فعليك السلام، فقد وقع اليأس منك، وانقطع الرجاء عليك، وما أحوجك عند هذه العاقبة إلى نائحةٍ تبكي عليك، وتندب شبابك، وتعدّد محاسنك، وما أخوفني أنّك إلى الشماتة بك أقرب، وبالانتقام بك أحقّ، لأنّ من عشي عن الذّكر، وألف إهمال الفكر، وأغفل حقّ النّعمة بالشّكر، وسكن مساكن الظالمين، ووقف مواقف العائدين، وتجاهل وهو يعلم، وتعامى وهو يبصر، وتغافل وهو يدري، وتشكّك وهو يتيقنّ، وتمارض وهو صحيح، وتناكر وهو عارف، حقيقٌ بأن يشمت به العارف بحاله، المطلع على أمره.
اللهمّ لا ترسلنا من يدك، ولا تلنا بكيدك، وكن بنا أرأف منّا، إنّك أهل ذلك، واللاّطف به.
478ج - افترّ هذا الحديث الطويل عن تفسيره قوله: يسطيع، ولو نهلت على حسب إرادتي لأفردت هذا الكلام عن المكان وتثبّتّ فيه، ولما قنعت له بخاطرٍ عابر، وهاجسٍ سانح، ولفظٍ لم يخدمه التّنقيح، ولم يشقّق عليه الرأي، ولم يستعن عليه بالسّهر، ولم يجتلب إليه المعنى المبيّت المخمّر، وعلى هذا جرى الكتاب من أوّله، والله تعالى أسأل بلوغ آخره، مشفّعاً بالقول والعمل، غير مغترٍّ بامتداد أجل، واختيال أمل.
478د - لا تسرع إلى ذمّي حتى تقف على عذري، وتعرف حقيقة أمري، فوالله لقد أصبحت وما لي صديقٌ أتنفّس معه، ولا عدوٌّ أنافسه، ولا غنىً أستمتع به، ولا حالٌ أغبط بها، ولا مرتبةٌ أحسد عليها، ولمّا أفضى بي الزمان إلى هذه الخلّة المشكوّة، وأفضيت بنفسي ما حوى هذا الكتاب معللاً نفساً قد باءت بسخظٍ من الله إن لم تكن شاكرةً لله تعالى، مسلّمةً لأقدار الله عزّ ذكره، راضيةً بقضاء الله، عارفةً باختيار الله جلّ اسمه، فلا تزدني بلومك حرقةً، وبمنازعتك أسفاً، وبلجاجك ضجراً؛ واعلم أني بشريٌّ أزلّ إن قلت، وأضل إذا ارتأيت، وأخطئ إذا توخّيت، وأصيب إذا وفّقت، وأحقّق إذا ألهمت، وأنال إذا قرّبت، وأسعد إذا لوطفت، وأتخلّص إذا رحمت، فإذا لمت فليكن لوماً هوناً، فإنّك لو نصبت نفسك في موضعي لم تخل من لسانٍ هو أعضب من لسانك، ومديةٍ هي أحزّ من مديتك.
478ه - وقوله: إلهاب المذكّي، هو العدو، يقال: ألهب يلهب، أي أحمى العادي نفسه فهو بمنزلة نارٍ تلهّب، ويقال: أهذب أيضاً في هذا المعنى، والمذكّي: المسنّ، فيقال: ذكّى الرجل وغيره إذا أسنّ؛ والأفلاء: جمع فلوٌّ، ولا تقل: فلواً، ويقال إنه قبل له فلوٌّ لأنّه افتلي عن أمّه أي أخذ وقطع، ومنه يقال: فليت رأسه بالسيف، والفوالي: نساءٌ يفلين ثيابهن ويطلبن ثيابهنّ ويطلبن هوامّ أبدانهن، يقال: تفلّى فلانٌ وتفلّت المرأة، وفلت الأمّ رأسها، وفلّت رأسها، والفلّ: القوم المنهزمون، والفلول: آثارٌ في السّيوف من طول الضّراب، وإيّاه عنى الشاعر: الطويل
ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم ... بهنّ فلولٌ من قراع الكتائب
أي لا عيب فيهم، لأنّ من هذا عيبهم فلا عيب فيهم. كما تقول: لا عيب له إّلا في كماله. وأما الفلّ - بكسر الفاء - فأرض لا تمطر وجعه أفلال، والفلال: المفالّة أي المقاطعة، واستفلّ فلانٌ فلاناً مجازه: أخذ منه حديثاً، وفلان لا يستفلّ صبر صدره، ولا يستغلّ عزم صدره، والفليلة: قطعةٌ من الشّعر جمعها فلائل، وفلّ فلانٌ غرب فلانٍ أي قطع حدّه، فأمّا فال يفيل في الرأي إذا زلّ، وفلانٌ فيّل الرأي وفائل الرأي، وفلانٌ يستفيل رأي فلانٍ، قال الشاعر في فال يفيل: الطويل
وسمّيته يحيى ليحيا فلم يكن ... إلى ردٌ أمر الله فيه سبيل
تيمّمت فيه الفأل حتى رزقته ... ولم أدر أنّ الفال فيه يفيل
والفائلان: عوقان مستنبطان الفخذين؛ وأمّا المهار فجمع مهرٍ وهو الذي لم يرض بعد ولم يركب، ويقال أيضاً: أمهار، وفي الحماسة: الكامل
يقذفن بالمهرات والأمهار

ويقال في الجمع فعالٌ كثيرٌ، ومنه رماحٌ وأرماح، وشرارٌ وأشرارٌ، وخيارٌ وأخيارٌ، وليس لباب الجمع قياس.
نظر رجلٌ زاهدٌ إلى آخر مغتمّاً بالرّزق فقال: أتوقن أنّك تعيش إلى غدٍ؟ قال: لا، قال: أفتخاف أن تعيش وليس لك رزق؟ قال: لا، قال: فأيّ شيءٍ تخاف؟ قال: أخاف أن يكون قليلاً، قال: أفخوفك هذا يذهب بقلّته ويأتيك بكثرته؟ قال: لا، قال: فأراك قد اتخذت الحزن ضجيعاً، والتحفت عليه بلا منفعة.
قال فيلسوف: أصاب الدّنيا من حذرها، وأصابت الدّنيا من أمنها.
قيل لزاهد: ما بال الشيخ أحرث على الدّنيا من الشّاب؟ قال: لأنه ذاق من طعم الدّنيا ما لم يذقه الشّاب.
عوتب سهيل بن عليّ في كثرة الصّدقة فقال: لو أراد رجلٌ أن ينتقل من دارٍ إلى دار، أكان يترك في الأولى شيئاً؟ لا والله.
دخل لصٌّ على بعض الزّهّاد فلم ير في داره شيئاً فقال: يا هذا أين متاعك؟ قال: حوّلته إلى الدار الآخرة.
ذكرت الدّنيا عند الحسن فقال: هو المحبوبة التي لا تحبّ أبداً، المزومة التي لا تلزم أحداً، يوفى لها فتغدر، ويصدّق لها فتكذب.
قال فيلسوف: لا تلبسوا اللّئام ملابس الحكم، فإنّ أجسادهم أخشن من أن تتزيّن ببرودها، ورقابهم أنذل من أن تتحلّى بعقودها.
للمأمون: السريع
أما ترى ذا الفلك السّائرا ... أبيت من همٍّ به ساهرا
مفكّراً فيه وفي أمره ... فما أرى خلقاً به خابرا
يخبر عن لطف تدابيره ... وكيف أضحى للورى حاضرا
يا ليت شعري هل أرى مرّةً ... أكون في أبراجه سائرا
أكون مع طالعه طالعاً ... طوراً ومع غائره غائرا
حتى أرى جملة تدبيره ... وأعرف المستور والظّاهرا
قال أعرابيّ: ما كلّ رقبةٍ تحسن فيها القلائد، ولا كلّ نفسٍ تحتمل عليها الفوائد.
قال فيلسوف: لا تشمّ الأخشم ريحاناً، ولا تنل السّفية برهاناً.
قال أبو عبد الله بن حرون: دعا الرشيد بعبد الملك بن صالح وعنده ولاة أمره وقوّاد جنده، فجيء به يرسف في قيده، فلما مثل بين يدي الرشيد أنشد الرشيد: الوافر
أريد حياته ويريد قتلي ... عذيرك من خليلك من مراد
والله لكأني أنظر إلى شؤبوبها وقد همع، وإلى عارضها قد لمع، وإلى الوعيد قد أروى ناراً، فأقلع عن رؤوسٍ بلا غلاصم، ومعاصم بلا راجم؛ مهلاً مهلاً بني هاشم فبي سهل لكم الوعر، وصفا لكم الكدر، ونذار نذار من حلول داهيةٍ إدٍّ، خيوطٍ باليد، لبوطٍ بالرّجل.
فقال عبد الملك: يا أمير المؤمنين، أتكلّم فذّاً أم تؤاماً؟ فقال:بل فذّاً، فقال: اتّق الله يا أمير المؤمنين فيما استرعاك، ولا تجعل الشّكر بموضع الكفر لقول قائلٍ ينهس اللّحم، ويلغ الدّم، فوالله لقد حدوت القلوب على طاعتك، وذلّلت الرجال بمحبّتك، وكنت في ذلك كما قال أخو بني كلاب: الرمل
ومقامٍ سيّءٍ فرّجته ... بلساني ومقامي وجدل
لو يقوم الفيل أو فيّاله ... زلّ عن مثل مقامي وزحل
فأمر به فردّ إلى محبسه ثم قال: لقد دعوت به وأنا أرى مكان السيف من صليف رقبته ثمّ ها أنا قد رثيت له، وليس من الاحتياط أن يترك.
489ب - تفسير حروفٍ في هذا الكلام للرشيد قد اشتمل على عربيّةٍ علويّةٍ، وقد روي أوّل الكلام لعبد الحميد، والنسب إليه أكثر، وهو به أليق، وماأضع بهذا من الرشيد، ولكن للصناعة موضعٌ لا تأتي عليه الخلافة: أما قوله يرسف فمعناه: يمشي مشي المقيّد، وصورته شائعة لأنّ المقيّد يقصر خطوته، يقال منه: رسف - بالسّين غير معجمة - ؛ والماشي كذلك راسفٌ.

وأما قوله مثل بين يديه فمعناه وقف وقام، وكأنّه صار مثالاً، لأنّ المثال يقابل المماثل، وقيل في قوله: " مثلهم في التّوراة ومثلهم في الإنجيل " أي صفتهم، وجمع المثال مثل؛ وفيما ترجم من كلام أفلاطون أنّ الأشياء قبل الوجود كانت مثلاً في نفس الباري، فعلى ذلك اخترعها، وهذا رأيٌ فاسدٌ خيالٌ مضمحلّ لأنّ قوله: الأشياء قبل الوجود باطلٌ عنده، لأنّ القبل من الأشياء، ويستحيل أن تكون الأشياء تسبق شيئاً من جملة الأشياء، وهذا لا قوام له من العقل، وقوله: قبل الوجود مغالطةٌ لأنّ الوجود أيضاً مغمورٌ بالاسم العامّ للأشياء، وأما قوله: مثلاً في نفس الباري، فما أبعد هذا من الحقّ، هل كانت المثل - إن كانت أيضاً - إلاّ أشياء، وكأنّه قال: الأشياء كانت أشياء في نفس الباري، ومتى جاز مع هذا أن تكون نفس الباري ظرفاً للمثل، لأن قوله: في نفس الباري، وامئٌ بهذا، ومشيرٌ إلى هذا، وعاطفٌ على هذا، فإن كان ضيق العبارة أفضى به إلى هذا، فليأت ببيان أتمّ من هذا، وباعتذارٍ يقرّب هذا، وليس الفنّ غرضي هاهنا، ولكن عنّ هذا على عادة ما تضمّن هذا الكتاب، فتكلمت حسب الطاقة، نافياً عن الله المستحيل، وناصراً للتوحيد.
وجمع المثال: أمثال، وجمع الأمثال: أمثلة " وضرب الله مثلاً " أي بيّن الله أمراً في معرضٍ ليس عندكم، وعلى هذا تقول لصاحبك: إنّما مثلك مثل رجلٍ قال كذا وفعل كذا، ويقول كذا ويفعل كذا، فيعرض شأنك عليه في صورةٍ يسرع إليها وهمه، ويقرب منها فهمه، فتسقط المنازعة ويتسهّل المراد.
فأما البيت فقديم، أعني الذي أنشد الرشيد، وسمعت بعض الشّيعة يقول: البيت لعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قاله لعبد الرحمن بن ملجم لعنه الله، حين علم أنّه ضاربه على هامته، وسائلٌ دمه على شيبته، قال: والدليل على ذلك قوله من مراد، وعبد الرحمن مراديّ، وأصحابنا يأبون هذا الكلام، ويقولون: البيت لعمرو بن معدي كرب، وقد جاء في ديوانه، ولكنّ الشيعة إذا سمعوا هذا الكلام رموا قائله ببغض عليٍّ، وقذفوه بكلّ قبيح، والفتنة منهم شديدة، والبلاء عظيم، ولو لم يكن من عجائبهم إلاّ تشريف عليّ، ونشر فضائله، والاقتداء بأفعاله، لكان ذلك حقّاً وصدقاً وطاعةً، ولكن يتّصل بهذا ما يهدم هذا، ونعوذ بالله من الحور بعد الكور.
وأمّا نصبه عذيرك فإجماعٌ من النّحويين، قالوا: معناه من يعذرك، وإنّ الفعل أوجب النّصب لأنّك لو خفضت بغير خافضٍ ولو رفعت استحال خبراً، وليس الغرض المرميّ ولا المراد المغزوّ أن يكون عذيرك من خليلك من مراد، فلما بطل الوجهان صحّ الثالث أعني النّصب، كأنّه أريد به خيراً ويريد بي شرّاً، أي هات الآن من يعذرك ومن عاذرك، وكأنّ العذير هاهنا فعيل بمعنى فاعل، ولهذا نظائر.
وأما قوله شؤبوبها فجمعه شآبيب وهي الدّفع، ويسمع أيضاً في وصف الناس، يقال: خرجت في شؤبوبٍ من الناس أي دفعة، في قطعةٍ، في فوجٍ.
وأمّا قوله قد همع فمعناه سال، وأمّا العارض فهو الذي يستطير من البرق كأنّه يعرض أو يطول لأنه يكون ذا طولٍ مرّةً وذا عرضٍ مرّةً. لمع معناه لاح وأخذ العين، ويقال: التمع فلانٌ إذا أبصر شيئاً يحسر عينه، ومعناه يكلّ أي يأخذ حدّتها ويذهب بضيائها ويفرق شعاعها، والشّعاع إذا تفرّق من منبثّ البصر كلّ الناظر، وصار المغرب من الناس - أعني من اشقرّت أهداب عينه، وإن قيل: أشفار على الجوار جاز - لا يجود إبصاره، لأنّ شفر عينه يفرّق الشّعاع المنبثّ المضاء، فأمّا السّواد فجامعٌ لأقطار الضوء وناظمٌ ما تفرّق من النّور، ومسدّدٌ بالنظر نحو المقابل، وهذا أيضاً تطويلٌ لا يدخل فيما نحن منه بسبيل، فما أصنع وحلاوة الحديث قد أخذت بسمعي وبصري، وعرّضتني للائمة من يعزّ عليّ؟ وأمّا قوله أورى ناراً فمعناه استخرج، يقال: ورت النار ووريت، يقال في كلام العرب: وريت بك زنادي، وزهرت بك ناري، فأمّا وراني ورياً، ينصبون على مذهب الدّعاء، أي ألزمك الله تعالى هذا، وفي خلافه يقولون: عمراً وشباباً.
فأما الغلاصم فجمع غلصمة، وهي العجر التي على ملتقى اللّهاة والمريء، إذا ازداد الآكل اللقمة فزلّت عن الحلق ودخلت في الغلصمة، والحنجرة رأس الغلصمة؛ هذا لفظ الأصمعي.
وأما المعاصم فجمع معصمٍ وهو موضع السّوارين وأسف ذلك قليلاً.

وأما البراجم واحدتها برجمةٌ، وهي ملتقى رؤوس السّلاميات من ظهر الكفّ، إذا قبض الإنسان كفّه نشزت وارتفعت، وبها سمّيت البراجم من بني تميم؛ هذا أيضاً لفظ الأصمعي.
وأما قوله الوعر فالخشن، ولا يقال إلاّ في الطريق، ولا يقال في الثوب الخشن وعرٌ لا مجازاً ولا تحقيقاً، يقال: طريقٌ وعرٌ. وقد سمع وعرٌ - بحركة العين - ، وطرقٌ أوعارٌ، ورأيت شاعراً قال: طرقٌ وعرٌ، فعيب عليه وقيل له: أنت لا تقول: قومٌ قائمٌ، لا تصف الواحد بصفة الجماعة، ولا تصف الجماعة بصفة الواحد، فقال: أنتم لا تقولون قومّ نائمٌ وقد قال الله تعالى: " فوجٌ مقتحمٌ " ، ودار الكلام وانتهى.
وأما قوله نذار فمعناه النّذير والإنذار، وكأنّ الإنذار إعلامٌ إلا أنه مع تحذير، وليس كذلك التّبشير، فإنه مقصورٌ على إعلام الخبر، وسمعت من يقول: فلم قال الله تعالى: " فبشّرهم بعذاب أليم " وهذا محذورٌ، فقلت: أرجو أن أحكيهما لك وأعرضهما على عقلك، ليكونا عندك: إنّما قال الله لهم ذلك على وجه التّهزّؤ بهم، ألا ترى أنه قال تعالى: " ذق إنك أنت العزيز الكريم " وهو الذّليل اللئيم، كما تقول للرجل: يا عاقل، كانياً عن حمقه، لأنّك تكره اللفظ لبشاعته، وتضمر المعنى للحاجة إليه، ولو أفصحت باللفظ الأخصّ عن المعنى الأخصّ عاد سفهاً وصار خصومةً. والجواب الآخر أنه قال: إنّ هذا الإعلام قد تعلّق بخبرٍ لأنّه قد حاشهم إلى الجنّة بهذا التحذير، ويقال: معنى بشّرته أي أظهرت على بشرته ذلك.
وأما كسر نذار فبناءٌ، نظيره: حذار ونزال وتراك، وقطام وحذام وقيل: إنهم أشارو بهذا البناء إلى تكرير الفعل كأنّهم قنعوا به عن قولهم: احذر، واترك، والله أعلم.
وأمّا قوله داهيةٍ إدّ فهي الشّديدة، من قولهم: آدني الأمر أي أثقلني، يؤودني، وقد ردّ هذا جماعةٌ من العلماء وقالوا: لا يكون منه إدّ إنما يكون آيدٌ، مثل قال يقول فهو قائلٌ، وأدري يأدو إذا قتل الصيد فهو آدٌّ، يا هذا، وقد يلتبس الأمر على من لم يكن ذا مهارةٍ في هذه المواضع الخفيّة؛ وكان القاضي أبو حامد يقول: من كان نصف طبيبٍ فإنّه يقتل العليل، ومن كان نصف فقيهٍ فإنّه يحلّل المحرّم، ومن كان نصف نحويٍّ فإنّه يلحن أبداً، ومن كان نصف لغويٍّ فإنه يصحّف أبداً؛ هذا قوله وليس الكمال مأمولاً للخلق، لكنّ الحكم للغالب الأكثر، والشائع الأفشى.
وأما قوله خبوطٍ باليد فهو ضروبٌ باليد على جهلٍ بمواضع الضّرب، وكذلك اللّبوط بالرّجل.
وأمّا قوله أتكلّم فذّاً فالفذّ الواحد، ولا يطلق في ذات الله تعالى الواحد الفرد، ولا ندري لم ذاك، ويطلق الوتر وإن لم يكن واحداً بالإطلاق، بل يكون واحداً وثلاثةً وخمسةً وسبعةً، وعلى هذا جرّاً؛ وأما الفرد في أسماء الله تعالى فسائغٌ شائع. قال أبو حامد: ولا يقال في الله تعالى هو فريدٌ وحيدٌ، وإن قيل فردٌ واحدٌ، ولم يوضح وجه المنع من ذلك، والنّفس تشهد بصحّة ما قال، ولكنّ البرهان مفقود، وشهادة النّفس مع فقد الدليل كصدودها بعد ظهور الدّليل.
وأمّا قوله تؤاماً فإنّ أصحابنا يقولون هذا خطأ، لأنّ الواحد لا يكون تؤاماً، إنّما يكون الاثنان توأمين، هكذا قال يعقوب: هذا توأم هذا، أي هذا ولد مع هذا، واعتذر لعبد الملك بعض أصحابنا فقال: لعله أراد تؤاماً على الجمع كما قال الشاعر: الرجز
قالت لنا ودمعها تؤامُ ... كالدّرّ إذ أسلمه النّظام
على الذين ارتحلوا السّلام
قال: كأنه أراد بالتّؤام التّوائم، والتّؤام في شعر المرقّش الأصغر: ودرّاً توائماً، كأنّه جمع تائمةٍ وإن لم يسمع.
وأما قوله نهس اللحم فمعناه يأخذه بأسنانه ومقاديم فمه، ومنه: تناهست الكلاب الجيفة، وجمعها جيفٌ.

وأمّا قوله يلغ الدم فهو من نعت الكلب إذا احتسى الدم وجرع فيه، والميلغة: ما يلغ فيه الكلب، اللام مفتوحة، والمولغ: صاحب الكلب، والوالغ والمولغ: الكلب، وفي الناس استعارةً إذا كثر سفكهم للدماء. والشافعي يروي خبراً في نجاسة الكلب، ويوجب غسل الآنية من ولوغه سبع مرّات، أولاهنّ أو أخراهنّ بالتراب، وأبو حنيفة يواطئه على النّجاسة ولا يغسل هكذا، ويرى له ثمناً، والشافعي يرى له قيمةً لنجاسة عينه، ومالكٌ يرى أنّ الكلب طاهرٌ ولحمه مأكولٌ، ووجوه اختلاف الفقهاء متقاربةٌ، وأدرّتهم مستوسقة، وإنّما البلاء كلّه من أصحاب الكلام الذي يظنّون أنّ التوحيد لا يصحّ إلا بنظرهم، والدّين لا يثبت إلاّ بنصرتهم، والحقّ لا يعرف إلاّ بمقاييسهم، وهم عن أسرار التوحيد في أبعد مطرحٍ وأنأى منزح، والله تعالى أجلّ من أن يصحّح توحيده عقول خلقه، ومقاييس عباده، وظنون العاجزين عن الحقائق، وآراء المضروبين بالنّقص.
وأنشد لأبي علي البصير: الهزج
أتينا بعدكم مكّ ... ة حجّاجاً وزوّارا
وحرّمنا لربّ النّا ... س أشعاراً وأبشارا
ولبّيناه لا نسأ ... م إقبالاً وإدبارا
لكي يغفر إنّ الل ... ه قدماً كان غفّارا
وقلّدنا وسقنا البد ... ن قد أشعرن إشعارا
ومن جمعٍ تزوّدنا ... إلى الجمرة أحجارا
ومسّحنا من الكعب ... ة أركاناً وأستاراً
وجئنا القبر قبر المص ... طفى أحمد زوّارا
وقال الناس هل أحد ... ث هذا لك إقصارا
وهل أحسنت للتّوب ... ة من قلبك إضمارا
فلمّا شارف الحير ... ة حادي إبلي حارا
وقد كاد يغور النّج ... م للإصباح أو غارا
فقلت أحطط به رحلي ... ولا تحفل بمن سارا
فجدّدنا عهوداً س ... لفت منّا وآثارا
وقضّينا لباناتٍ ... لنا كانت وأوطارا
وما ذقنا بها لهواً ... وبستاناً وخمّارا
إذا حكّمته جار ... وإن حاربته جارا
فما ظنّك بالحلفا ... ء أدنيت لها النّارا
كشفنا لك أخباراً ... ودامجناك أخبارا
قال أبو عمر الجرمي: الحلفاء: نبتٌ؛ والقبعثري: الجمل الشّديد، والأنثى: قبعثراة؛ واليعملة من النّوق: السّريعة؛ واليرمع: الحجر وغيره، وهو الحجر الليّن؛ والحديبة: الأرض الغليظة؛ والقرنوة: نبات، والعضرفوط: ذكر العظاء؛ والأفكل: الرّعدة، وزيادة الهمزة والميم غير أول من الشّاذ القليل نحو: شمأل يريدون الشمال، وزرقم: يريدون الأزرق؛ والعنسل: النّاقة السّريعة، وكذلك العسول؛ والجحنفل: الجبل العظيم، مأخوذٌ من الجحفل، وهي الكتيبة؛ والرّعشن: مأخوذ من الارتعاش؛ والعرضنة: مشيةٌ فيها اعتراضٌ من المرح؛ والعقربان: دخّال الأذن، وقيل: ذكر العقارب؛ والشّطب: شجر؛ قال والمرمريس من المراسة، يقال: داهيةٌ مرمريس إذا كانت شديدة، زيدت في موضع الفاء فموضعها فعفعيل.
قيل لأبي حاتم: من أشعر الناس؟ قال: الذي يقول: الخفيف
ولها مبسمٌ كغرّ الأقاحي ... وحديثٌ كالوشي وشي البرود
نزلت في السّواد من حبّة القل ... ب ونالت زيادة المستزيد
عندها الصّبر عن لقائي وعندي ... زفراتٌ يأكلن صبر الجليد
قال أعرابيّ: خرجت في ليلةٍ حندسٍ قد ألقت أكارعها على الأرض فمحت صور الأبدان، فما كنّا نتعارف إلاّ بالآذان، فسرنا حتى أخذ الليل صبغه.
لأعرابيّ كان يتعشّق امرأةً: المتقارب
وأحلى من الشّهد موعودها ... وأكذب من بارقٍ خلّب
وأدنى إلى المرء من نفسه ... وأبعد وصلاً من الكوكب
قال ثعلب: النّدمان واحدٌ وجمعٌ: من نادمك؛ قال ابن درستويه: لا يجوز جمع ندمان على ندمان، وإنما ندمان واحد، وجمع نديم: ندمان بكسر النون، فأمّا ندمان فلا يكون جمعاً، وجمع النّدمان ندامى، ويقال: فلانٌ حسن الندامة والرّدافة.
العرّ: الجرب، والعرّ: تسلّخ جلد البعير، وإنّما يكوى من العرّ، ولا يكوى من العرّ؛ الثّماليل: العطبة التي تأخذ فيها النار.

لابن شماس السّعدي: الرجز
قد أغتدي والليل في جريمه ... معسكراً نشّم في أديمه
يدعّه بضفّتي حيزومه ... دعّ الصّبيّ لحيتي يتيمه
شاعر: الرجز
ألمّ بزينب بالرّكب لمم ... قد برحاها بالفؤاد وحلم
ولم يكن خيالها إذا ألم ... يلمّ إلاّ بعفافٍ وكرم
قال فيلسوف: قس شبرك بفترك، لعلّك تصيب مكان رشدك.
قرئ من قبر يعقوب بن اللّيث الصفّار: الطويل
سلامٌ على الدّنيا وطيب نعيمها ... كأن لم يكن يعقوب فيها مملّكا
كأن لم يقد جيشاً من الدّهر ساعةً ... ولا رام ما رام الرجال مصعلكا
وقرئ على قبر البصري العلويّ صاحب الزّنج: الطويل
عليك سلام الله يا خير منزلٍ ... رحلنا وخلّفناك غير ذميم
فإن تكن الأيام أحدثن فرقةً ... فمن ذا الذي من رميها بسليم
وأمر أبو العتاهية أن يكتب على قبره: الخفيف المجزوء
أذن حيٍّ تسمّعي ... ثم عي بعده وعي
أنا رهنٌ بمضجعي ... فاحذري مثل مصرعي
ليس زادٌ سوى التّقى ... فخذي منه أو دعي
ليس ميتٌ براجعٍ ... كيف ما شئت فاصنعي
شاعر: الكامل المجزوء
كنت السّواد لمقلتي ... فبكى عليك الناظر
ما شاء بعدك فليمت ... فعليك كنت أحاذر
آخر: البسيط
تطاول الليل لا تسري كواكبه ... أم حار حتى حسبت النّجم حيرانا
فأجابه آخر: البسيط
ما طال ليلي ولا حارت كواكبه ... ليل المحبّ طويلٌ حيث ما كانا
قال أبو سعيد الخرّاز، قال أبو عبد الله ابن الجرّاح: قصدني أحمد بن حنبل فسألني أن أخرج إليه شيئاً من العلم، فأخرجت إليه كتاب العقل لداود بن المحبّر، فانتخب منه أحاديث وردّ الكتاب، فسألته عن ذلك فقال: لم أر فيه أحاديث صحاحاً، قال ابن الجرّاح: كلّه صحيح، قال أحمد: ومن أين عرفت؟ قال لأني استعملته فوجدته كلّه صحيحاً، فقال ردّ الكتاب إليّ حتى أنتفع به كما انتفعت.
قال أنس: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على ناقته الجدعاء وليست بالعضباء فقال: " أيّها النّاس كأنّ الموت فيها على غيرنا كتب، وكأنّ الحقّ فيها على غيرنا وجب، وكأنّ الذي يشيّع من الأموات سفرٌ عمّا قليل إلينا راجعون، نبّوئهم أجداثهم ونأكل تراثهم كأنّا مخلّدون بعدهم، قد نسينا كلّ واعظة، وأمنّا كلّ جائحة، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، وأنفق من مالٍ كسبه من غير معصية، ورحم أهل الذّلّ والمسكنة، وخالط أهل الفقه والحكمة، طوبى لمن أذلّ نفسه، وحسّن خليقته، وأصلح سريرته، وعزل عن الناس شرّه، طوبى لمن عمل بعلمه، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله، ووسعته السّنّة، ولم يتعدّها إلى البدعة " .
قال هبيرة بن خزيمة: أتيت الربيع بن خثيم بني الحسين بن علي رضوان الله عليهما، وقلنا: اليوم يتكلّم، فقال: أقتلوه؟! - ومدّ بها وصوته - اللهمّ فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشّهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون.
قال شعيب بن حرب: إن كنت تريد أن تكون عالماً فسلّس للعمل قيادك، وسلّ عن الجهل فؤادك، واجعل هواك تبعاً للعلم.
قال يوسف بن أسباط: كأنّ القوم ألهموا العلم وأبكموا الكلام، ونحن ألهمنا القول وأبكمنا العمل.
قال ابن أبي نجيح: لقي أبي طاووس فقال له أبي: إن لقمان قال: إنّ الصّمت حكمٌ وقليلٌ فاعله، فقال طاووس: يا أبا نجيح، إنّ من تكلّم واتّقى الله خيرٌ ممن صمت واتّقى الله.
قال الأحنف: الصّمت لا يعدو فضله صاحبه، والكلام ينتفع به من يسمعه، ويرجع إليه فضله.
قال ابن الكوّاء للرّبيع بن خثيم: ما نراك تذمّ أحداً، قال: ويلك يا ابن الكوّاء ما أنا عن نفسي براضٍ فأتحوّل عن ذمّي إلى ذمّ الناس؟! إنّ الناس خافوا الله تعالى على ذنوب العباد وأمنوه على ذنوبهم.
وقال الرّبيع: ذروا ما قد علمتم وكلوا ما قد جهلتم إلى عالم الخير، فما كلّ الذي نزل على محمد صلّى الله عليه وسلّم علمناه، ولا بالذي علمنا عملنا، وما نتّبع الخير حقّ اتّباعه، وما نتّقي الشّر حقّ تقاته، وما خيارنا اليوم بخيار، ولكنّهم خيرٌ ممّن هو شرٌّ منهم.

قال بشّار: من جيّد قولي: الرمل
أنفس الشّوق ولا ينفسني ... وإذا قارعني الهمّ رجع
أصرع القرن إذا نازلته ... وإذا صارعني الخبّ صرع
عمرك الله أما تعرفني ... أنا حرّاث المنايا في الفزع
أنا كالسيف إذا وادعته ... لم يروّعك وإن هزّ قطع
قال أبو عمرو بن العلاء، قال محمد بن عبد العزيز: تعلّموا العلم فإنّه زينٌ للغنيّ، وعونٌ للفقير، إني لا أقول يطلب به ولكن يدعوه إلى القناعة.
قالت عائشة: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن يوم تبدّل الأرض غير الأرض والسماوات، أين يكون الناس؟ فقال: " على الصّراط " .
قال أعرابيّ: أبناء دينك آنس بك من أبناء نسبك.
أصاب وجه سعيد بن جبير شيءٌ من سواد القدر، فقالت له ابنته: ما هذا السّواد الذي أراه بوجهك؟ فصاح وسقط مغشيّاً عليه، فلمّا أفاق سئل عن ذلك فقال: خفت الله أن يكون قد سوّد وجهي في الدّنيا قبل الوصول إلى الآخرة.
قال أحمد بن أبي الحواري: سألت أبا سليمان الدّاري عن قوله: إذا استكملت المعرفة في القلب سلب العارف العمل.
ما كان أحوج أبا سليمان أن يوضح علّة هذا فإنّه شنيع، وقد رأيت من أبناء التصوّف من هجر العبادة بمثل هذا القول، وإذا أفردنا الكلام في فنونهم أتينا على شبههم بظنونهم إن شاء الله.
قال فيلسوف: اعتقد لولدك كتب آدابٍ تنعم أرواحهم، لا عقد مالٍ تنعم أشياحهم.
قيل لأعرابيّ: هل تحدّث نفسك بدخول الجنّة؟ قال: والله ما شككت قطّ أنّي سوف أخطو في رياضها، وأشرب من حياضها، وأستظلّ بأشجارها، وآكل من ثمارها، وأتفيّأ بظلالها، وأترشّف من قلالها، وأستمتع بحورها في غرفها وقصورها، قيل له: أفبحسنةٍ قدّمتها أم بصالحةٍ أسلفتها؟ قال: وأيّ حسنةٍ أعلى شرفاً، وأعظم خطراً من إيماني بالله تعالى، وجحودي لكلّ معبودٍ سوى الله تبارك وتعالى، قيل له: أفلا تخشى الذّنوب؟ قال: خلق الله المغفرة للذنوب، والرحمة للخطأ، والعفو للجرم، وهو أكرم من أن يعذّب محبّيه في نار جهنّم، فكان الناس في مسجد البصرة يقولون: لقد حسن ظنّ الأعرابيّ بربّه، وكانوا لا يذكرون حديثه إلا ّانجلت غمامة اليأس عنهم، وغلب سلطان الرّجاء عليهم.
يقال: ما المعذول، وما المعدول، والمعلول، والمعبول، والمعتول، والمعزول، والمفضول، والمقلول، والمسلول، والمشلول، والمطلول، والمهبول، والمهطول، والمعقول، والمألول، والمقذول، والمفلول، والمغلول، والمكبول، والمضلول، والمغمول، والمعسول، والمغسول، والمفسول، والمقصول، والمسمول، والمنصول، والمغزول، والمتلول، والمبلول، والمثلول، والمجلول، والمحلول، والمخلول، والمدلول، والمرمول، والمزمول، والمشمول، والملمول، والمملول، والموبول، والمهزول، والمأبول، والمرطول، والمتبول، والمنسول، والمنحول، والمبتول، والمنبول، والمنجول، والممطول، والمقبول، والمنضول، والمكفول، والمنزول، والمأمول، والمأزول، والمشكول، وسيمرّ لك شرح هذه الكلمات على إيجازٍ، فإنّ الأطناب فيه يثقل عليك، ويوكل الضجر بك، وأكثره عتيدٌ عندك: أمّا المعذول فالملوم، يقال: عذلته أعذله - الذّال مضمومة - عذلاً، والعواذل جمع عاذلة، وأبو العواذل من أدباء الجبل، واعتذل فلانٌ إذا قبل العذل وأصغى إليه.
وأمّا المعدول - من العدل - فهو للمال، يقال: عدلته فاعتدل وانعدل، ويقال: فلانٌ يعدل عندي ابني، أي يكون عدل ابني، أي مثل ابني، والأعدال جمع عدلٍ، لأنّ الحمل عدلان، وكلّ واحدٍ من العدلين مثل صاحبه.
وأمّا المعلول فما عللته من الشّراب، وهو سقيك الماء مرّةً بعد أخرى، وشربه ثانيةً بعد أولى، وقول المتكلّمين خطأ من العلّة.
وأمّا المعبول فهو من عبلك الشجرة، وهو هزّ ك أغصانها وخبطك ورقها.
وأمّا المعتول فالمدفوع، من قوله: " فاعتلوه إلى سواء الجحيم " ، والتاء تضمّ وتكسر، والعتلّ: الضخم، كأنّه الجافي الشديد، والعتلة: فأسٌ عظيمة.
وأمّا المعزول فمعروف، يقال: عزل الوالي أي صرف عن عمله، وانعزل فلانٌ خطأ، وكان السّيرافي يأباه ونظائر له، كقول العامة ينذبح وينقتل وينحفظ وينضبط وينصرع، وقال غيره: جائزٌ مقبول.

وأمّا المفضول فمن قولك: فاضلته ففضلته، فأنا فاضلٌ وهو مفضول، وقولهم: فلانٌ يقول بإمامة المفضول، هذا يراد به كأنّ أبا بكرٍ قد فضله عليٌّ فهو مفضولٌ، لكنّه إمام، ولولا التباعد من حومة ما نحن عليه لسقنا الكلام في الفضل ما هو، والفاضل من هو، والمفضول كيف هو، وإن أمكن ذلك أتينا به متوخّين فائدتك إن شاء الله.
وأما المقول فالذي تضرب قلّته، لا أعرف غيرذلك، وسألت السّيرافي فقال: قول العامة هذا على المقلول خطأٌ لا وجه له في العربية البتّة.
وأمّا المسلول فالمستخرج بالجذب، يقال: غلامٌ مسلول، وسلّت بيضتاه، ويقال: رجلٌ مسلولٌ إذا ناله السّلّ، وهو داءٌ يدقّ به الجسم ويذوب معه البدن.
وأمّا المشلول فمن قولك: شلّ العير أتنه إذا طردها وكسعها وكذلك الشّجاع إذا هزم منازله، ويقال: شللت الثوب إذا لقطت بإبرتك غرزها دفعةً واحدة ولم تفرد.
وأمّا المطلول فهو الذي أصابه طلٌّ، يقال: دمٌ مطلولٌ أي باطلٌ لا طالب له.
وأمّا المهبول فالمفقود بالموت، يقال هبلته أمّه إذا ثكلته، والولد مهبول.
وأمّا المهطول فهو مكانٌ أتى عليه مطرٌ هاطل.
وأمّا المعقول فالمشدود بالعقال، والمعقول: هو العقل أيضاً، وقيل: سمّي العقل عقلاً لأنّه يحبس صاحبه عن التقحّم.
وأمّا المألول فهو من تضربه بالألّة وهي الحربة، فأنت آلٌّ.
وأمّا المقذول فمن تضرب قذاله، وهو ما اكتنف قفاه.
وأمّا المفلول فهو المكسور.
وأمّا المغلول - بالغين - فمن علّق على عنقه الغلّ، أو غلّت يده، قالت اليهود: " يد الله مغلولةٌ " كأنّها كفّت عن ضيق الرّزق.
وأمّا المكبول فالمقيّد، والكبل: القيد.
وأمّا المضلول فمن قولك: ضاللته فضللته أي كنت أضلّ منه.
وأمّا المغمول فالمغطّى المستتر.
وأمّا المعسول فما خلط به العسل.
وأمّا المغسول - بالغين - فمعروف.
وأمّا المفسول - بالفاء - فهو الرّذل الفسل، وهو الرّكيك الرأي الذي لا خير عنده ولا غناء البتّة، وقولك: البتّة بالفتح، والتعريف لا وجه له غير ذلك، هكذا قال الخليل.
وأمّا المقصول فالمقطوع، والقصيل هو الحشيش لأنّه مقطوع.
وأمّا المسمول فإنّه يقال: سمل السلطان عين فلانٍ إذا أعماه، ولا يقال ذلك حتى يدخل ميلٌ قد أحمي في عينيه.
وأمّا المنصول فما أصلحت عليه نصلك، وهو في السّهم أشيع.
وأمّا المغزول فهو من غزلت المرأة قطنها، وكأنّ قولهم: غازلت المرأة أي مايلتها في الغزل أي قاربتها في فعلها حتى ختلتها وخلبتها من هذا، ومعنى خلبتها أصبت خلبها، والخلب: غشاء القلب.
وأمّا المتلول فمن قوله تعالى: " وتلّه للجبين " أي صرعه، وأنت التّالّ يا هذا وهو متلول.
وأمّا المبلول فمن بللت الشيء بلاًّ، والبلّة حالةٌ، والبلال منه.
وأمّا المثلول فمن قولك: ثلّ الله عرشهم إذا حطّه وهدمه.
وأمّا المجلول فمن قولك جلت الشاة طعمها: إذا أخذته وأكلته.
وأمّا المحلول فمن حللت أحلّ إذا فتحت أو أنزلت أيضاً، والحلال منه لأنه مفتوح مأخوذ، والحلال - بكسر الحاء - النازلون.
وأمّا المخلول فما شددته بالخلال.
وأمّ المدلول فمن دللته على شيءٍ فهو مدلولٌ وأنت دالٌّ.
وأمّا المرمول فما أصلحت من الخوص.
وأمّا المزمول فما زملته أي حملته، وكذلك ازدملته.
وأمّا المشمول فما أصابه الشمأل، وهو أيضاً من شمله الشيء - بكسر الميم - وهو أفصح، وقد أجاز الفتح يعقوب.
وأمّا الملمول فمن قولك: ململته أي أقلقته.
وأمّا المملول فمن الملل، معروفٌ.
وأمّا الموبول: فمن الوبل، يقال: وبلت هذه الأرض إذا مطرت وبلاً، وقولهم: استوبلت هذه الأرض: استكثرت وبلها فكرهتها، وطبرستان كذلك، واجتويتها إذا كرهتها مع مدافعتها.
وأمّا المهزول فمن قلّ لحمه وذهب سمنه، وسمعت بدوياً يقول: هذا كلامٌ مهزولٌ، وهو استعارة.
وأمّا المأبول فمن أبل يأبل، إذا قام بالإبل وأحسن رعيها، يقال: فلانٌ من آبل الناس.
وأمّا المرطول فمن قولك: رطلته، أي أخذته بيدك وقدّرت وزنه.
وأمّا المبتول فالمقطوع.
وأمّا المنسول فما نسلته الناقة وغيرها.
وأمّا المنحول فمن قولك: نحلت فلاناً كذا وكذا، إذا وهبته له أو نسبت إليه كلاماً.
وأمّا المتبول فمن التّبل وهو الحقد.
وأمّا المنبول فالذي يرمى بالنبل، وأنت النّابل والنّبّال.

وأمّا المنجول فمن قولك: نجله بالرّمح أي طعنه، ونجّله.
وأمّا الممطول فمن تدافعه بماله عليك، وتطيل زمان تردّده إليك.
وأمّا المقبول فمن قولك قبلته قبولاً.
وأمّا المنضول فمن قولك: ناضله فنضله، والنّضال: الرّمي، قال الشاعر: الطويل
ولكنّ عهدي بالنضال قديم
وأمّا المكفول فمن كفلته، قال الله تعالى: " وكفّلها زكريّا " وكفلت به إذا صرت كفيلاً، والله تبارك وتعالى كفيلٌ أي كافل، فهو فعيل بمعنى فاعل.
وأمّا المنزول فالمكان تنزله.
وأمّا المأمول فالمرجوّ.
وأمّا المأزول فالمحبوس، يقال: أزلوا مالهم أي حبسوه عن المرعى.
وأمّا المشكول فما شددّته بشكالٍ كالدّابة، وكذلك شكلت الكتاب وأعجمته.
وقد أتينا على هذه الحروف حسب الطاقة، فخذ ما حلا بعينك، وراق قلبك، وقوّم أوداً إن مرّ بك، واجبر نقصاً يظهر لك، وكن للخير أهلاً، وبالجميل خليقاً.
وقف رجلٌ على عبد الله بن عمر بن الخطّاب فقال: يا أبا عبد الرحمن، هل كان عثمان ممّن شهد بدراً؟ فقال: لا، فرفع الرجل صوته وقال: الله أكبر، قال: هل كان عثمان ممّن تولّى يوم التقى الجمعان؟ فقال عبد الله: اللهمّ نعم، فقال الرجل: الله أكبر، ثم قال: هل كان عثمان ممّن شهد بيعة الرضوان؟ قال عبد الله: اللهمّ لا، فرفع الرجل صوته وقال: الله أكبر، ثم ولّى الرجل فقال عبد الله: ردّوه عليّ، فلمّا وقف قال له عبد الله: وأمّا قولك هل كان عثمان ممّن شهد بدراً فإنّه لمّا أذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الخروج إلى بدر، استأذنه عثمان في المقام على بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المرض الذي ماتت فيه، فأذن له، فلما فتح الله تعالى عليه ضرب لعثمان بسهمٍ، ثم قال له عثمان: وأجري يا رسول الله، قال " وأجرك " ، وكان ممن شهد بدراً.
وأمّا قولك: هل كان عثمان ممّن تولّى يوم التقى الجمعان فإنّ الله تعالى يقول في كتابه: " إنّ الذين تولّوا منكم يوم التقى الجمعان إنّما استنزلهم الشّيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم " .
وكان عثمان ممّن شهد بيعة الرّضوان فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا خرج معتمراً إلى مكّة ومنعته قريشٌ أن يدخل إلى مكّة قال لأبي بكر: " اذهب إلى قريشٍ فقل لهم: دعونا حتى ندخل فنطوف سبعاً وننحر هدينا ونخرج عنهم " ، فقال له أبو بكرٍ: إنه ليس لي بها عشيرة، فلو أرسلت عمر بن الخطّاب، فقال لعمر: فقال عمر: إنّي أخافهم على نفسي، فلو أرسلت عثمان فإنّ له بها عشيرة، فقال لعثمان، فذهب عثمان إلى قريشٍ وواعده العصر، فلمّا صلّى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وعلى آله خشي أن يكون عثمان قد احتبس، فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أصحابه للبيعة فبايعوا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " هذه يدي عن عثمان " ، فكانت يد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم خيراً من يد عثمان.
ثم قال عبد الله: أخبرني هل أنت من المهاجرين؟ قال: اللهمّ لا، فرفع صوته وقال: الله أكبر، ثم قال: أفمن الأنصار الذين تبوّءوا الدّار وآووا ونصروا؟ قال: اللهمّ لا، فرفع عبد الله صوته وقال: الله أكبر، قال أفمن الذين تبوّءوا الدّار والإيمان من قبلهم؟ قال الرجل: اللهمّ لا، فرفع صوته وقال: الله أكبر، فقال: ولا من الذين جاءوا من بعدهم يقولون: " ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان " ؟ اخرج لا أمّ لك.
قال ابن كناسة: لما صلب زيد بن عليٍّ رضي الله عنهما ما أمسى حتى نسج العنكبوت على عورته.
وقال يوسف بن عمر: إنّ عاملي كتب إليّ يذكر أنّه زرع كلّ خقٍّ ولقٍّ، فقال: إنّه عنى الأرض المطمئنّة والنّاشزة.
وأنشد: البسيط
شطّ المزار بخذوا وانتهى الأمل ... فلا مزارٌ ولا رسمٌ ولا طلل
إلاّ رجاء فما ندري أندركه ... أم نستمرّ فيأتي دونه الأجل
قلت لبعض الأدباء: كيف وجدت فلاناً، أعني رئيساً، فقال: وجدته قليل الكرم، حادّ اللّؤم، دنس الجيب، مولعاً بالعيب، كأنّه خلق عبثاً، سفهه ينفي حكمة خالقه، وغناه يدعو إلى الكفر برازقه.
قال المنتصر: لذّة العفو أطيب من لذّة التّشفّي وذلك لأن لذة العفو يلحقها حمد العاقبة، ولذة التشفي يلحقها ذمّ النّدم.
للحكم بن قنبر المازني: البسيط

ويلي على من أطار النوم فامتنعا ... وزاد قلبي إلى أوجاعه وجعا
كأنّما الشمس في أعطافه لمعت ... حسناً أو البدر من أزراره طلعا
مستقبلٌ بالذي يهوى وإن كثرت ... منه الذّنوب ومعذورٌ بما صنعا
في وجهه شافعٌ يمحو إساءته ... من القلوب وجيهٌ حيث ما شفعا
قال محمد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان: بعثني أبي إلى المعتمد في شيءٍ فقال: اجلس، فاستعظمت ذلك، فأعاد فاعتذرت بأنّ ذلك لا يجوز، فقال: يا محمد إنّ أدبك في القبول مني خيرٌ لك من أدبك في خلافي.
كتب القاضي الزّنجاني: وأنا في رياض نعم الله راتع، وفي سوابغ مواهبه رابع، تتداولني أيدي أقداره بالتذليل، وتتناولني عيون عنايته بالتأميل، فأنا في طريق الاستسلام لأقضيته كالرّضيع موقناً بأن لا كائن إلاّ ما يقضيه، ولا حادث إلاّ ما يمضيه، ولله حقيقة الأمر المطلق، والشكر المحقّق.
شاعر: الكامل المجزوء
إنّ الغريب بحيث ما ... حطّت ركائبه ذليل
ويد الغريب قصيرةٌ ... ولسانه أبداً كليل
وتراه حيث رأيته ... أبداً وليس له خليل
والنّاس ينصر بعضهم ... بعضاً وناصره قليل
قال عبد الملك لرجلٍ حدّثني، قال: يا أمير المؤمنين افتح، فإنّ الحديث يفتح بعضه بعضاً.
تكلّم رجلٌ عند النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال النبيّ عليه السلام: " كم دون لسانك من حجاب " ؟ قال: شفتاي وأسناني، فقال: " إنّ الله يكره الانبعاق في الكلام " .
قال رجلّ لآخر: إن قتل كلمةً سمعت عشراً، فقال: لو قلت عشراً ما سمعت مني واحدةً.
قال أبو مسهر: مال الرجل نفسه، فمن جاد بماله فقد جاد بنفسه.
يقال: اضطرّ النّاس في قديم الدهر إلى ملكٍ فجاءوا بوغدٍ ووضعوا التّاج على رأسه فقال: هذا ضيّق، فتطيّروا من ذلك، وجاءوا بتاجٍ وطمعوا أن يقول: هذا واسع، فيكون ضدّ قوله الأول، فقال: أريد أضيق من هذا، فنفوه وقالوا: أنت والله وغدٌ، وقد خفنا شؤمك.
قال ابن الأعرابيّ: قال الخسّ لابنته: إنّي أريد أن أشتري فحلاً فصفيه لي، فقالت:اشتره أسجح الخدّين، غائر العينين، مؤلّل الأذنين، أعكى أكوم أرقب أحزم، إن عصي غشم، وإن أطيع تجرثم.
قال ابن الأعرابي، قال لها: أمخضت ناقتك؟ قالت: لا، قال: فصفيها، قالت: صلاها نفّاج، وعينها وهّاج، ومشيها تفاجّ، قال: قد مخضت فاعقليها، قالت: قد عقلتها، قال: وكيف عقلتها؟ قالت عقلتها عقلاً استرخت له أزري، واضطربت له عذري.
شاعر: الرجز
تأكل بقل الرّيف حتى تحبطا ... فبطنها كالوطب حين اثرنمطا
أو جائش المرجل حين عطعطا
فقيل له: ما الحبط؟ قال: أن تأكل حتى تدغص، قيل: وكيف تدغص؟ قال: لا تجد أمتاً، قيل: وما الأمت؟ قال: البقية تبقى في الجراب حين تملؤه، قيل: فما الأثرنماط؟ قال: اطمحرار السّقاء، قيل: وما اطمحرار السّقاء؟ قال: شدّة انتفاخه إذا راب ورغا وكرثأ، قيل: وكيف يكرثئ؟ قال: يصير بمنزلة اللّبن الخثر، قيل: وما الخثر؟ قال: الذي مصل ماؤه، قيل: وكيف مصل ماؤه؟ قال: يسيل.
قال أبو عبيدة: شرب حتى اطمخرّ، ونقع ونصع حتى كأنّه ظرف.
قال فيلسوف: ما ورّثت الأسلاف الأخلاف كنزاً أفضل من الكتب، ولا حلّت الآباء الأبناء حلياً أزين من الأدب.
قال عمرو بن معد يكرب لعمر بن الخطّاب: يا أمير المؤمنين، أأبرّ بنو المغيرة أم بنو مخزوم؟ قال وكيف ذاك؟ قال: تضيّفت خالد بن الوليد فأتاني بقوسٍ وكعبٍ وثور، قال: إنّ في ذلك لشبعاً، قال: لي أو لك؟ قال: لي ولك، قال: حلاًّ يا أمير المؤمنين، إني لآكل الجذعة من الإبل أنتقيها عظماً عظماً، وأشرب السّحيل من اللّبن رثيئةً أو صريفاً. والسّحيل: سقاء عظيم، والكعب: القطعة من السمن، والقوس: أسفل الجلّة من التّمر.
قال جعفر بن محمد رضي الله عنهما: ريح الملائكة ريح الورد، وريح الأنبياء ريح السّفرجل، وريح الحور ريح الآس.
امتحن يحيى بن أكثم رجلاً أراده للقضاء فقال: ما تقول في رجلين زوّج كلّ واحدٍ منهما الآخر أمّه فولد لكلّ واحدٍ ولدٌ من امرأته، ما قرابة ما بين الولدين؟ فقال: كلّ واحدٍ منهما عمّ الآخر.
قال طفيليّ: ليس شيءٌ أضرّ على الضّيف من أن يكون ربّ البيت شبعان.

قال جعفر بن محمد رضي الله عنهما: تسريح اللّحية يذهب الغمّ، والخلال يجلب الرّزق.
كانت تحيّة العرب: صبحتك الأنعمة، وطيّبتك الأطعمة، وتقول: صبحتك الأفالح، وكلّ طيرٍ صالح.
قال بعض العلماء في قوله جلّ وعلا: " وقالوا قلوبنا غلفٌ " أي أغطيةٌ، جمع غلاف، فإن سكّنت اللام فهو جمع أغلف، أي مغطاة.
وقيل في قوله: " ويبقى وجه ربّك ذو الجلال والإكرام " أي يبقى ربّك، ويدلّك على أن الوجه هو نفسه رفع ذو لأنّه نعت الوجه. وقال في السّورة: " تبارك اسم ربّك " لأن الاسم غيره.
وقال الفرّاء في قوله: " الرّحمن على العرش استوى له ما في السّماوات " على القطع والابتداء، واستواؤه إقبالٌ.
وقال بعض العلماء: الدلالة على أن علم الآخرة يقينٌ وعلم الدّنيا مدخولٌ قوله تعالى: " لقد كنت في غفلةٍ من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديدٌ " ، وكذلك قوله تعالى: " يخافون يوماً تتقلّب فيه القلوب والأبصار " تنقلب عن الحال التي كانت عليها من الارتياب والشّكوك إلى الحق واليقين لما يظهر من آيات الله.
قال أبو طاهر ابن حمزة العلويّ: حدّثني ثقةٌ أنه رأى رجلاً من أصحاب الإماميّة يضع على حكم بزرجمهر أسانيد أهل البيت رضوان الله عليهم، فقيل له: ما هذا؟ فقال: ألحق الحكمة بأهلها.
وقال ابن حمزة: قلت لبعض الإماميّة: أين صاحبكم؟ قال: قد رفع عن إقليم آدم، قلت: فأين هو؟ قال: إنّ الله جلّت عظمته خلق سبعين إقليماً، في كلّ إقليمٍ من النّاس أكثر ممّا في إقليم آدم، ولم يعلموا أنّ الله خلق آدم وولده حجّةً عليهم لله تعالى غير هؤلاء.
وقال المرّيسي: لو أنّ رجلاً حلف فقال: لا والرحمن لا فعلت كذا، ثم فعل، إن كان أراد سورة الرحمن فلا كفّارة عليه، لأنّه حلف بغير الله، وإن كان أراد الرحمن فعليه كفّارة.
قال بعض العلماء: إن قيل: خالق كلّ شيء، يدلّ اشتماله وعمومه على أنّه خالقٌ لنفسه، قيل له: هذا باطلٌ لأنه بمنزلة قولك: خالفت النّاس كلّهم، وأنت لا تريد أنّك خالفت نفسك.
قال أبو بكر محمد بن أحمد بن شيبة: وجدت في كتاب جدّي، سمعت أحمد بن المعذّل يقول: دفع إلينا سليمان بن داود صحيفةً فيما كان صار إلى أيّوب من كتب أبي قلابة، قال لنا سليمان: كان حمّاد بن زيد ربّما حدّثنا ببعض ما فيها، وكتابٌ من عمر، وكتابٌ من عثمان إلى أهل البصرة في شأن المصاحف، وما جمع منها، وكتبٌ كثيرة من عمر إلى عمّاله.
وكان كتاب عثمان: بسم الله الرحمن الرحيم، من عثمان أمير المؤمنين إلى من بالبصرة من المؤمنين والمسلمين، سلامٌ عليكم؛ أمّا بعد، فإنّ هذا الأمر محفوظ، من يرد فيه الإصلاح يهده الله ويصلحه، ومن يسئ فإنّ سوءه على نفسه، فاتقوا الله تعالى فإنّ الله " قد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين " وأطيعوا فمن أطاع فليس عليه سبيلٌ " فمن نكث فإنّما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً " وإنّ الله قد أفضل عليكم أن هداكم من الضّلالة، وبصّركم من العمى، وأوسع عليكم من الرّزق، واستخلفكم في الأرض، فانظروا كيف تعملون، وإنّ الله قد أحضركم القتال في سبيله، فاشكروا لله نعمته فإنّه زائدكم ما شكرتم، إنّ الله غفورٌ شكور.
أمّا بعد ذلك فأعينوا أميركم على أمر الله تعالى، وآزروه مؤازرةً حسنةً جميلة، ومن رأيتم ينتهك حدود الله فانهكوه ولا تهاونوا، فإنّه من يقم على أمر الله جلّ اسمه فإنّ الله تعالى ناصره، وليست منزلة المسيء كمنزلة المصلح، وعد الله المصلح الجنّة ووعد المسيء النار، قال الله وقوله الحقّ: " أم نجعل الذّين آمنوا وعملوا الصّالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتّقين كالفجّار " .

أمّا بعد ذلكم فإني كتبت إليكم في شأن المصاحف، ولم أفعل فيها الذي فعلت حتى اختلف فيها كثيرٌ من النّاس فظلموا أنفسهم فيها، وحتى إن الرجل ليحلف بالله ما يسرني أنّي كتبت من مصحف فلانٍ فإنّ لي مالاً عظيماً - يرضى ما عنده، ويزكي نفسه، ويسخط ما عند صاحبه. وإنّ كتاب هذا المصحف من فضل الله جلّ اسمه على عباده، وتمام نعمته عليهم يكون أمرهم جميعاً ولا يختلفون فيه كما اختلف أهل الكتاب قبلهم، وإنّا قد حرصنا أن نستثبث فيه وإن عمر أمير المؤمنين كان من آنسنا بالقرآن، وأحرصنا على تعليمه، وقد كان كتب عامّته من فم رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله، فجمع به رهطاً من المسلمين ممّن نفع بقراءته، وظنّوا أنّ عنده علماً بالكتاب منهم، فقام هو وهم فكتبوا جميعاً، وحرصوا أن يستثبتوا بقرب العهد. وإنّا حرصنا على أن تكتب هذا المصحف من نسخة ذلك الكتاب الذي أكتبه منه عمر أمير المؤمنين من فم رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله، وحرصنا على حفظه، وألحقنا فيه قرآناً أنزل بعد ما كتبت المصاحف بإقامة البيّنة، وإني والله ما ألوتكم ونفسي من خير، وما هدانا لهذا إلاّ الله تعالى بعد ما أشفقت من اختلاف الناس في القرآن، وإنّ الله عزّ وجلّ أنزل الكتاب على عبده بالحقّ فيما ليس فيه اختلاف، وإنّ لكم في القيام عليه حياةً وخيراً كثيراً، فليقم على ذلك سراركم، ويلن قلوبكم، ويزكّ عملكم.
وأمّا بعد ذلك، فإنّي أحسب عامّة أمركم خيراً، وإنّ عامّةً منكم يحرصون على السّمع والطّاعة ويجاهدون في سبيل الله، وينشطون للخير إذا دعوا إليه ويحرصون على أن يكون أمر النّاس صالحاً، وإنّ خلال ذلك من الناس قوماً ظلمةً لأنفسهم يتعمّقون ويتبعون السّمعة ليتبعهم جهلة الناس، ويحسبون أنّ عندهم شيئاً، وإنّما يجني الظالم على نفسه " وسيعلم الّذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون " . وقد بلغني أنّ أقواماً منكم يتكلّفون ويقولون ما ليس لهم به علمٌ، وإنّي لم أكن سابقاً إليهم ببعض العقوبة حتى أعذر إلى الله تعلى ثم إليكم في شأنكم، أو ينتهوا عن ظلمهم، فإني لا أحبّ أن يلجّوا في الشّرك.
وأما بعد ذلكم فقوموا على ما أمرتكم به في شأن المصحف، ومن كان منكم سامعاً مطيعاً عنده مصحفٌ فليكتبه عليه في أقرب ذلك، وأمرت من حولي فكتبوا على ذلك والسلام؛ وكتب أنس بن أبي فاطمة في شهر ربيع الأول سنة ثلاثين.
قال الشعبيّ في الشّيعة: أخذوا بصدورٍ لا أعجاز لها، وأعجازٍ لا صدور لها، لو كانوا من الطّير لكانوا رخماً، ولو كانوا من البهائم لكانوا حمراً.
قال سليمان بن جرير: إنّ الرافضة احتالت لأنفسها بحيلتين لا يطاقون معهما، إحداهما: القول بالبداء، والأخرى إذا وقع اختلافٌ قالوا بالتقيّة، فهاتان خصلتان.
سمعت بعض الشّيعة يحكي قال، قال أبو حنيفة يوماً لجعفر بن محمد رضي الله عنهما: بما فضلتم النّاس؟ قال: فضلناهم بأنّ الأمّة كلّها تمنّت أنّها منّا، ولم نتمنّ أنّا منها.
وقال جعفر رضي الله عنه: يا أبا حنيفة، ما الأمر بالمعروف؟ قال: أن تعظ بالجميل، وتأمر بالخير، وتنهى عن المنكر، قال: ليس كذا، إن المعروف أمير المؤمنين، والمنكر الذي ظلمه وجحده ميراثه وحمل النّاس على بغضه.
يا أبا حنيفة، ما النّعيم الذي يسأل الناس عنه في قوله تعالى: " لتسألنّ يومئذٍ عن النّعيم " ؟ قال: صحّة البدن والقوت من الطعام والشّراب، قال: لا، ولكنّ النّعيم أهل البيت رضي الله عنهم.
يا أبا حنيفة، أخبرني عن سليمان بن داود كيف تفقّد الهدهد من بين الطير كلّها؟ قال: لا أدري، قال: لأنّ الهدهد يرى الماء في الأرض كما يرى الدهن في القارورة، فضحك أبو حنيفة قال: فلم لا يرى الفخّ حين يأخذ بعنقه؟ قال: إذا نزل القدر عمي البصر.
يا أبا حنيفة، ما الملوحة في عينك، والمرارة في أذنيك، والعذوبة في ريقك، والماء والحرارة في الخياشيم؟ قال: لا أدري، قال: فبم ألقى الله الحيض والدّم على المرأة، ولم حبس عن الحبلى؟ وأين مكان الكاتبين من ابن آدم؟ وأخبرني عن سورةٍ أولها تحميدٌ وأوسطها إخلاصٌ وآخرها دعاءٌ، وعن حرفْ أوّله كفرٌ وآخره إيمان، وعن وضع الرجل يده على مقدّم رأسه عند الحزن، والمرأة على خدّها؟ قال: لا أأدري.

قال جعفر رضي الله عنه: أمّا الملوحة في العينين فلأنّهما شحمتان، ولولا ذاك لذابات في حرّ الشمس؛ وأمّا المرارة في الأذنين فحجابٌ للدّماغ، ولولا ذلك لسارعت الهوامّ إلى الأذن؛ وأمّا العذوبة في الرّيق فلمعرفة الطّعوم؛ وأمّا الماء والحرارة في الخياشيم فراحةٌ للدّماغ، ولولا ذلك لأنتن الدّماغ؛ وأمّا ما ألقى الله تعالى على المرأة من الحيض فمن أجل حوّاء حين عقرتالشّجرة؛ وأمّا الدّم الذي حبسه الله تعالى عن الحبلى فرزقٌ للمولود؛ وأمّا وضع الرجل يده على رأسه والمرأة على خدّها فمن أجل آدم وحوّاء عند ركوبهما المعصية؛ وأمّا موصع الكاتبين فعلى النّاجذين؛ وأمّا السّورة التي أولها تحميدٌ وأوسطها إخلاصٌ وآخرها دعاءٌ ففاتحة الكتاب؛ وأمّا الحرف الذي أوّله كفرٌ وآخره إيمانٌ فكلمة الإخلاص.
يا أبا حنيفة، القتل عندك أشدّ أم الزّنا؟ قال: بل القتل، قال: فكيف أمر الله تعالى في القتل بشاهدين، وفي الزّنا بأربعة؟ يا أبا حنيفة، النساء أضعف عن المكاسب أم الرجال؟ قال: بل النّساء، قال: فكيف جعل الله للمرأة سهماً واحداً وللرجل سهمين؟ يا أبا حنيفة، الغائط أقذر أم المنيّ؟ قال: بل الغائط، قال: فلم يغتسل من المنيّ ولا يغتسل من الغائط؟ قال: ولم صارت الحمامة تفتدى بشاةٍ وليست الشّاة مثلاً للحمامة؟ قال فيلسوف: العلم يلقى طالبه على ثلاثة أوجهٍ: على نحو القوت، أو على نحو الكفاية، أو على نحو الغنى ليصحّ الترتيب.
وقال فيلسوف: الإنسان إمّا أن يكون ملك النّفس والحال، أو يكون ملك النفس غير ملك الحال، أو يكون ملك الحال غير ملك النّفس.
خرج شبيب بن شيبة من دار المهدي فقيل له: كيف تركت الناس؟ قال: تركت الداخل راجياً، والخارج راضياً.
خرج المسيبي من دار ابن عبّاد فقلت له: كيف رأيت الناس؟ قال: رأيت الداخل ساقطاً، والخارج شاخصاً.
قال ابن وهب: طرف الصّداقة أملح من طرف العلاقة، والنّفس بالصديق آنس منها بالعشيق.
وقرئ بخطّه: إذا أقبلت الدول كثرت العدد وقلّ العدد، وإذا أدبرت كثر العدد وقلّت العدد.
قال المدائني: ينبغي للملك أن يتفقّد أمر خاصّته في كلّ يوم، وأمر عامّته في كلّ شهر، وأمر سلطانه في كلّ ساعة.
لقي رجلٌ بعض الأمراء في أطمارٍ رثّةٍ وقال: لا تنظر - أصلحك الله - إلى هيئتي ولكن انظر إلى همّتي، وإن رأيت أن تسمني بعرفك، وتترع قلبي من شكرك، وتجعله علماً يدلّ على مجدك، فإني كما قال الأوّل: الطويل
فإن أك قصداً في الرجال فإنّني ... إذا حلّ أمرٌ ساحتي لجسيم
شاعر: الكامل المجزوء
المرء يهوى أن يعي ... ش وطول عمرٍ قد يضرّه
تبلى بشاشته ويأ ... تي بعد حلو العيش مرّه
وتسوءه الأيّام حتّ ... ى ما يرى شيئاً يسرّه
كم شامتٍ بي إن هلك ... ت وقائلٍ لله درّه
قال أبو عبيدة: خرج النّابغة الجعدي على النّاس وقد فني وذهب به السّنّ، عاصباً رأسه بعصابةٍ، فأنشدهم:
المرء يهوى أن يعيش...
قال ابن مكرم: من زعم أنّ أبا العيناء دون عبد الحميد في الكتابة إذا أحسّ بكرمٍ فقد كذب، وذلك أنه كتب إلى عبيد الله بن سليمان وقد نكبه وأباه المعتمد وهما يطالبان بمالٍ يبيعان له ما يملكان من عقارٍ وأثاثٍ وعبدٍ وأمةٍ، وكان لهما خادمٌ أسود عرضاه للبيع فطلب بخمسين ديناراً، فكتب إليه أبو العيناء: وقد علمت - أطال الله بقاءك - أنّ الكريم المنكوب أجدى على الأحرار من اللئيم الموفور، لأنّ اللئيم يزيد مع النّعمة لؤماً، ولا تزيد المحنة الكريم إلاّ كرماً، هذا متّكلٌ على رازقه، وهذا يسيء الظّنّ بخالقه، وعبدك إلى ملك كافور الخادم فقير، وثمنه على ما اتّصل به يسير، فإن سمحت به فتلك منك عادتي، وإن أمرت بأخذ ثمنه فماله منك مادتي، أدام الله لنا دولتك، واستقبل بالنّعمة نكبتك، وأدام عزّك وكرامتك. فوجّه إليه بالخادم.
قال عمر بن الخطّاب: إنّما الدّنيا أملٌ مخترم، وأجلٌ منتقص، وبلاغٌ إلى دارٍ غيرها، وسيرٌ إلى الموت ليس فيه تعريج، فرحم الله امرءاً فكّر في أمره، ونصح لنفسه، وراقب ربّه، واستقال ذنبه.

كان ابن عبّاس إذا ذكر عليٌّ عليه السلام يقول: كان والله الكنز الكبير، والبحر الغزير، والغيث المطير، والشّجاع الخطير، الذي لم يكن له في الورى نظير، مؤدّب الأدباء، وسيّد الخطباء، وقائد النّجباء، ومن إذا عرضت مشكلةٌ أجاب عنها والناس سكوت.
شاعر: الوافر
تبحبح في الكتابة كلّ وغدٍ ... فقبحاً للكتابة والعماله
ترى الآباء نسبتهم جميعاً ... إلى الأبناء من فرط النّذاله
لأبي الشّيص: المتقارب
مزجت المدام بريق الغمام ... وقد زرّ جيب قميص الظّلام
فشابت نواصي الدّجى وانفرى ... عن الصّبح سربال ليل التّمام
حبوتهما صحن قارورةٍ ... وأضحكتها عن لسان الضّرام
يطوف علينا بها أحورٌ ... فعولٌ بعينيه فعل المدام
غزالٌ نسجنا له حلّتين ... من الورد والآس في يوم رام
قال الحكيم: إذا أنا فعلت ما أمرت به وكان خطأً لم أذمم عليه، وإذا فعلت ما لم أؤمر به وكان صواباً لم أحمد عليه، أي لا أتعدّى.
شاعر: الطويل
وليلٍ رقيق الطّرّتين كأنّما ... ترود به النفاس مسكاً تضوّعا
ترى فيه آفاق السماء كأنّما ... كساها ظلام الليل برداً موسّعا
كأنّ الثّريّا فيه درٌّ تقاربت ... مساقطه عن سلكه فتجمّعا
أخذت بقطريه وأحببت طوله ... أغازل مثل الرّيم ريع فأتلعا
أقول له والصّبح يطرف ناظري ... فدىً لك نفسي ظاعناً ومودّعا
نظر إبراهيم بن سيّار النّظّام إلى وجهٍ صبيحٍ وألحّ، فقيل له في ذلك فقال: ولم لا أتأمل ما أستحسنه ممّا أحلّ الله، وفيه دليلٌ على صنعة الله تعالى، وفيه اشتياقٌ إلى ما وعد الله تعالى؟ لأبي الحسن البصري: الطويل
أيا ضرّة الشمس المضرّة بالشّمس ... ويا سؤل نفسي ما جنيت على نفسي
غرست الهوى حتى إذا تمّ واستوى ... قطعت مجاري الماء عن ذلك الغرس
قال الجاحظ: لا زلت في عداد من يسأل ويبحث، ولا زلنا في محلّ من يشرح ويوضح.
وقال: ليس مع العيان وحشة، ولا مع الضرورة وجمة، ولا دون اليقين وقفة.
وقال أيضاً: النّاس بين معاندٍ يحتاج إلى التّقريع، ومحاجٍّ يحتاج إلى الإرشاد، ووليٍّ يحتاج إلى المادّة.
وقلت لبعض الأدباء: كيف رأيت فلاناً؟ قال: طويل العنان في اللّؤم، قصير الباع في الكرم، وثّاباً على الشّرّ، زمناً على الخير، كافراً بالنّعم، متحكّكاً بالنّقم.
وقال عليّ بن عبيدة: كان عندي ثلاثة تلامذة فجرى كلامٌ فقال أحدهم: هذا كلامٌ يجب أن يكتب بالغوالي في خدود الغواني، وقال الثاني: هذا كلامٌ يجب أن يكتب بأنامل الحور في ورق النّور، وقال الثالث: هذا كلامٌ يجب أن يكتب بأقلام النّعم على ورق الكرم.
وقال الجاحظ في فصلٍ من كتاب: وقد أسقط عنه مؤونة الرّويّة، وأورثه إلف السّكون، وكفاه خلاج الشكّ، واضطراب النّفس، وجولان القلب.
سمع بعض الأدباء كلاماً فقال: هذا كلامٌ يجب أن يكتب بدموع الهجران على خدود القيان.
شاعر: السريع
جاريةٌ أقلقني هجرها ... لمّا جفاني بالهوى أسرها
قد قال لي العاذل في حبّها ... ما أمرك اليوم وما أمرها
أقدّها أضناك أم دلّها ... أم وجهها المشرق أم نحرها
أم طرفها الفاتر أم ظرفها ... أم ريقها البارد أم ثغرها
أم حسن تفّاحٍ بدا مونقاً ... مدوّراً أنبته صدرها
قلت له أعشق ذا كلّه ... ونصف حرّان وثلثي رها
مرّ شبيب بن يزيد الخارجيّ على غلام قد استنقع في الفرات فقال: يا غلام، اخرج أسائلك، فقال: إنّي أخاف، قال: ومن أيّ شيءٍ تخاف؟ قال فأنا في أمنٍ حتى أخرج؟ قال: نعم، قال: فوالله لا أخرج اليوم، فقال شبيبٌ: أوّه، خدعني الغلام، وأمر رجلاً يحفظه لئلا يصيبه أحدٌ بمكروهٍ، ومضى وخرج الغلام.

مرّ سليمان بن عبد الملك بميلٍ في بعض أسفاره فقال: من هاهنا يخبرنا على كم هذا الميل من البريد؟ فلم يجد أحداً، فقال أعرابيٌّ يعدو بين يديه: أنا أخبرك، قال: وكيف وأنت لا تقرأ، فعدا ثم عاد فقال: ما رأيت؟ قال: رأيت محجناً، وحلقةً وثلاثةً كأطباء الكلبة ومثل رأس القطاة بمنقارها، فقال: قد أخبرت وأبلغت، هو خمسةٌ من البريد.
قيل لأعرابيّ: أيّ الزّاد أحبّ إليك؟ قال: الغريض النّضيج.
قيل لأعرابيّ: ما بال مراثيكم أجود، قال: لأنّا نقولها وأكبادنا تحترق.
شاعر: مخلع البسيط
واحسرتا من فراق قومٍ ... كانوا هم الكهف والحصون
والموت والأسد والرّواسي ... والأمن والخفض والسّكون
لم تتنكّر لنا الليالي ... حتى توفّتهم المنون
وكلّ نارٍ لنا قلوبٌ ... وكلّ ماءٍ لنا عيون
قال أعرابيٌّ لآخر: فيك ملق الإماء، ودخن الأعداء.
ذكر أعرابيٌّ قوماً فقال: أقبلوا كالفحول، يمشون مشي الوعول، فلمّا تصافحوا بالسّيوف، فغرت المنايا أفواهها.
أنشدني شيخ من غنيّ لنافع بن خليفة الغنوي: الطويل
بني عمّنا لا تظلمونا فإنّنا ... نرى الظّلم أحياناً يشلّ ويعرج
ويترك أعراض الرّجال كأنّها ... فريسة لحمٍ ليس عنها مهجهج
وكربة جوعٍ لا يكاد فقيرها ... من الجهد يستحيي ولا يتحرّج
تجلّت ولم يعلق بثوبي عارها ... إذا عدّ فيها الطّعم والمتولّج
قال بعض السّلف: جعل الله البهاء والهوج في الطويل الكبير، والدّمامة في القصير، وجمع الخير فيما بين ذلك وهو الرّبع.
قيل لجعفر بن محمد الصّادق رضي الله عنهما: كيف صار مولى القوم منهم؟ قال: خلق الله تعالى المعتق من طينة المعتق، ثم أجراهم في أصلاب الرّجال وأرحام النساء، فأخرجهم الله تعالى بالولاء، فلذلك صار مولى القوم منهم.
قال أعرابيّ: اتّقوا الدّنيا فإنها اسحر من هاروت وماروت.
قال بعض السّلف: كان يقال: استطرد لعدوّك واتّقه بإظهار الرّضا عنه والمداراة، حتى تصيب الفرصة فتأخذه على غرّة.
قال أعرابيّ: أعظم بخطرك أن لا يرى عدوّك أنّه عدوّك.
قال أعرابيّ: الصّورة الظّاهرة ترجمان الصّورة الباطنة.
قال أعرابيّ: يحسب من منعه عدم المال من الجزاء أن يبسط جدة الشكر بالثّناء.
قال أعرابيّ: من ظفر بالغنى أتبعه، ومن فاته أنصبه.
وقال أبو مرحوم الصّوفي: لولا أن الخلاف موكّلٌ بكلّ شيءٍ لكانت منفعة الإهليلج في اللّوزينج.
قال أبو حازم الأعرج: إن عوفينا من شرّ ما أعطينا، لم يضرّنا فقد ما زوي عنّا.
أضلّ أعرابيٌّ غلاماً له فنشده فقيل له: صفه، قال: في رجله جنف، وفي أيره قلف، وفي أنفه ذلف، وفي مشيه دلف.
وقالت أعرابيةٌ لخصيّ: اسكت فما لك حزم الرجال ولا رقّة النّساء.
باع أعرابيٌّ غلاماً له فجعل سقّاءً، فلقيه الأعرابيّ فقال له: كيف حالك؟ قال: أنا في سفرٍ لا ينقضي، وغديرٍ لا ينزح، وقومٍ لا يروون.
ونظرت امرأةٌ إلى زوجها يخضخض، فلما حضر العشاء اعتزلت، فقال: ما لك لا تتعشّين؟ قالت: أكره أن أزاحم ضرّتي على المائدة.
وقال المدائني لجعفر بن سليمان: لو قسم البلاء بين الناس بالحصص لم يصبنا أكثر ممّا أصابنا، بعثنا بشاتنا إلى التيّاس مع الجارية، فعادت الشاة حائلاً والجارية حاملاً.

كتب رجلٌ إلى هشام الواسطيّ أن اكتب إليّ بما أنت عليه، فإنّا نلقى من القدريّة والرّافضة شدّةً، فكتب إليه: إن كنت تحبّ أن تكون على ما كان عليه السّلف من أصحاب محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم فلا تكفّرنّ أحداً من هذه الأمّة بذنبٍ يكون منه، ومن زعم أنّه يكون في قدرة المخلوق ما لا يريد الخالق فقد عجّز الخالق، ومن تبرأ من أبي بكرٍ وعمر وعثمان فقد تبرّأ من عليٍّ، ومن تبرّأ من عليٍّ فقد تبرّأ من هؤلاء كلّهم، والبراء بدعةٌ، والولاية بدعةٌ، وذلك أن يقول الرجل: إنّي أتبرّأ من فلانٍ وأتولّى فلاناً، فإن حاجّك محاجٌّ ممّن حسن مذهبه وذهب عقله، فاتل عليه: " لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشّجرة " هذا موضع الرّضا عنهم فأين موضع السّخط؟ فإن كفر بهذا فقد كفر بالقرآن. وأخبرك بثلاثٍ لا يضرّهنّ عدل عادلٍ، ولا جور جائرٍ: الصّلاة خلف كلّ برٍّ وفاجر، والحجّ مع كلّ برٍّ وفاجر، والجهاد مع كلّ برٍّ وفاجر.
لو لم يؤخذ بهذا الحديث لعطّلت الأحكام.
لعمارة بن عقيل: الوافر
وما ينفكّ من سعدٍ إلينا ... قطوع الرحم فارية الأديم
ونغفرها كأن لم يفعلوها ... وبعض العفو أذرب للظّلوم
ورميك من رماك أخفّ ثقلاً ... عليك غداً وأمنع للحريم
قيل لأعرابيّ: كيف ابنك؟ قال: عذابٌ رعف به الدهر، فليتني قد أودعته القبر، فإنه بقاءٌ لا يقاومه الصبر، وفائدةٌ لا يجب فيها الشّكر.
رقّص أعرابيٌّ ابنه فقال: الرجز
أحبّه حبّ الشّحيح ماله ... قد ذاق طعم الفقر ثم ناله
إذا أراد بذله بدا له
آخر: البسيط
إذا رأيت ازوراراً من أخي ثقةٍ ... ضاقت عليّ برحب الأرض أوطاني
فإن صددت بوجهي كي أكافئه ... فالعين غضبى وقلبي غير غضبان
يقال: سلقى بناءه يسلقيه أي جعله مستلقياً ولم يجعله شكّاً، والشكّ: المستقيم.
جرى بين أي الصّقر بن بلبل وبين ابن ثوابة كلامٌ أربى فيه ابن ثوابة عليه، وكان أبو العيناء منقطعاً إلى أبي الصّقر، فقال لابن ثوابة منتصراً له: ما منع أبا الصّقر من كلامك إلاّ أنّه سهل عليه دمك أن يسفكه، وعاف لحمك أن يأكله، ولم يجد لك شرفاً فيهدمه، ولا فضلاً فيثلمه، فقال له ابن ثوابة: ما أنت والدخول بيني وبين هؤلاء يا مكدّي؟ فقال أبو العيناء: يحقّ لمن ذهب بصره، وضعفت قوّته، وجفاه سلطانه، ونقصت عمالته، أن يعود على إخوانه فيأخذ من أموالهم فيستعين بها على دهره، ولكن أسوأ حالاً منّي من يستنزل الماء من أصلاب الرّجال في بطنه فيعظّم إجرامهم، ويقطع أنسابهم، فقال ابن ثوابة: ما استبّ اثنان إلاّ غلب ألأمهما، فقال أبو العيناء: فبذلك غلبت أبا الصّقر.
شاعر: المتقارب
ترحّل ما ليس بالقافل ... وأعقب ما ليس بالآفل
فلهفي على السّلف الراحل ... ولهفي من الخلف النازل
أبكي على ذا وأبكي لذا ... بكاء المولّهة الثّاكل
تبكّي من ابنٍ لها قاطعٍ ... وتبكي على ابنٍ لها واصل
قال صالح بن عبد القدّوس: ليس شيءٌ إلاّ وفيه منفعة، فقال له رجل: وأيّ منفعةٍ في أن يعلّق رجلٌ من إحدى يديه، فقال: سبحان الله، لا يعرق إبطه.
كان أبو خزيمة المديني يقول: اللهمّ ارزقني، فإن كنت لا ترزقني لكرامتي عليك فقد رزقت من هو خيرٌ مني سليمان بن داود، وإن كنت لا ترزقني لهواني عليك فقد رزقت من هو شرٌّ منّي وهو فرعون ذو الأوتاد.
وشكا أبو خزيمة يوماً نكبات الدهر فقال له رجل: هوّن فإنّ الله يدّخر لك ثوابها، فقال له أبو خزيمة: الآخرة خيرٌ أم الدّنيا؟ قال: بل الآخرة، قال: فإنّه ليس يعطيني من أبغضهما إليه، يعطيني من أكرمهما عليه؟! يقال في قوله تعالى: " مسوّمين " معلمين، من سيماء وسيمياء، ومن قال مسوّمين أراد مرسلين، مأخوذٌ من الإبل السّائمة المرسلة في مراعيها، فأمّا الحجارة فمسوّمةٌ لا غير أي معلّمةٌ.
دعا أعرابيٌّ على رجلٍ فقال: اللهمّ أبح ذماره، وعجّل بواره، وباعد داره.
وصف أعرابيٌّ رجلاً فقال: قد تقمّص الشّحناء، وادّرع البغضاء، وتسربل العوراء.
وصف أعرابيٌّ آخر فقال: هو أفعوان البلاد، وعقربان الصّلاد.

وصف أعرابيٌّ جيشاً فقال: تكتّب فرسانه، وتحرّب أقرانه، واستعدّ شبّانه.
وصف أعرابيٌّ رجلاً فقال: هو كالمخدر الأكّال، والذئب العسّال.
قال أعرابيّ: بالله تعالى واثق، وبنفسي سابق، وإلى المبادهة تائق.
قال بعض السّلف: العلم لا ينفد ولا يبيد، ولا يندم حامله، ولا يعطب من تمسّك به، ولا يفتضح من استند إليه، ولا تسقط منفعته، ولا يخسر جامعه.
تقول العرب في صفة الأعداء: زرق العيون، سود الأكباد، صهب السّبال.
قيل لأبي المدوّر السّعدي: لم لا تجتمع مع النّاس؟ قال: إنّه لا يزال منكم عبدٌ أحمق، محجوم القفا، معلم الكمّ، يكنى أبا إسماعيل وأبا إبراهيم وأبا إسحاق، يدلظني بمنكبه، أي يدفعني.
يقال: عنا يعنو إذا صار أسيراً، وأعنيته: استأسرته.
يقال: هلممت القوم أي دعوتهم.
قال بعض اللغويين: الوفرة ما لم يجز الأذن، والجمّة: ما جاوزت الأذن، واللّمّة: ما ألمّت بالمنكب، والذّوائب والغدائر: ما لحق الكتفين.
وقال العلماء: أيام الشهر ثلاثةٌ غرر، وثلاثةٌ نفل، وثلاثةٌ تسع، وثلاثةٌ عشر، وثلاثةٌ بيضٌ، وثلاثةٌ دآدي، وثلاثةٌ حنادس، وثلاثةٌ سرار، وثلاثةٌ محاق؛ وأيّام الشّهر كنايةٌ عن الليالي، وإذا قلت الليالي قلت: ثلاثٌ غرر، وثلاث نفل، وقد يقال لها أيّام، ألا ترى أنّك تقول: صمت البيض، والصّوم لا يكون ليلاً.
بثّ رجلٌ في وجه أبي عبيدة مكروهاً فأنشأ يقول: الطويل
لو أنّ لحمي إذ وهى لعبت به ... سباع حرامٍ أو ضباغٌ وأذؤب
لهوّن وجدي أو لسلّى مصيبتي ... ولكنّما أودى بلحمي أكلب
قيل لبعض العلماء: كيف كانت بلاغة الأمين؟ قال: والله لقد أتته الخلافة في يوم جمعة، فما كان إلاّ ساعة حتى نودي الصلاة قائمة، فخرج ورقى المنبر، فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: أيّها النّاس، وخصوصاً يا بني العبّاس، إنّ المنون مراصد ذوي الأنفاس، حتمٌ من الله لا يدفع حلوله، ولا ينكر نزوله، فارتجعوا قلوبكم الحزن على الماضي إلى السّرور بالباقي، تجزون ثواب الصّابرين، وأجور الشّاكرين. فتعجّب النّاس من جرأته، وبلّة ريقه، وجودة عارضته.
يقال: من علامة الرّشد أن تكون النّفس إلى بلدها توّاقة، وإلى مسقط رأسها مشتاقة.
وقال آخر: احفظ بلداً رشّحك غذاؤه، وأكنّك فناؤه.
وقال أعرابيّ: يحنّ الكريم إلى جنابه، كما يحنّ الأسد إلى غابه.
خطب الناس هاشم بن عبد مناف فقال: أيّها النّاس، الحلم شرف، والصبر خلف، والجود سؤدد، والمعروف كنز، والجهل سفه، والعجز ذلّة، والحرب خدعة، والظفر دول، والأيّام عبر، والمرء منسوبٌ إلى فعله، ومأخوذٌ بعمله، فاصطنعوا المعروف تكسبوا الحمد، واستشعروا الحمد تفوزوا به، ودعوا الفضول تجانبكم السّفهاء، وأكرموا الجليس يعمر ناديكم، وحاموا عن الخليط يرغب في جواركم، وأنصفوا من أنفسكم يرفق بكم، وعليكم بمكارم الأخلاق فإنّها رفعة، وإيّاكم والأخلاق الدنيّة فإنها تضع الشّرف وتهدم المحلّ.
شاعر: الكامل
عجباً لحفظي سرّها في غيبها ... ولمثل ذاك تعجّب المتعجّب
بكرت مشرّقةً ورحت مغرّباً ... شتّان بين مشرّقٍ ومغرّب
إنّي لآمل من حبيبي نظرةً ... والقلب بين مصدّقٍ ومكذّب
آخر: الخفيف
خلق المال واليسار لقومٍ ... وأراني خلقت للإملاق
أنا فيما أرى بقيّة قومٍ ... خلقوا بعد قسمة الأرزاق
قال الرّقاشيّ في قصصه: يا أهل الدّيار الموحشة التي نطق بالخراب فناؤها، وشيّد في التراب بناؤها، فمحلّها مقترب، وساكنها مغترب، أهل محلّةٍ لا يتواصلون تواصل الإخوان، ولا يتزاورون تزاور الجيران، قد طحنهم الدّهر بكلكله، وأكلهم الثّرى بجندله، فعليهم منّا التّرحّم والسلام، ومن ربّهم العفو والإكرام.
قال فيلسوف: انتقم من حرصك باليأس، كما تنتقم من عدوّك بالقصاص.
وقال أعرابيّ: الجمال في الأنف، والملاحة في العينين، والظرف في الفم.
شاعر: المتقارب
أتتني تؤنّبني بالبكاء ... فأهلاً بها وبتأنيبها
تقول وفي قولها حشمةٌ ... أتبكي بعينٍ تراني بها
فقلت متى استحسنت غيركم ... أمرت الدموع بتأديبها
جاء مجنون إلى باب رئيس فقال: البسيط

عليك إذنٌ فإنّا قد تغدّينا ... لسنا نعوذ لأنّا قد تعدّينا
يا أكلةً سلفت أبقت حرارتها ... داءً بصدرك ما صمنا وصلّينا
قال الماهاني: دخلت مارستان بلدٍ فرأيت مجنوناً ظريفاً نظيفاً، فسألته أن ينشدني، فأنشدني في وردٍ يقطّع جسده: المنسرح
أما ترى الورد في أكفّهم ... يجتثّ للناظرين من ورقه
كالقلب نار الهوى تلذّعه ... والقلب يهوى الهوى على حرقه
قال بعض السّلف: لا ترض قول أحدٍ حتى ترضى فعله، ولا ترض فعل أحدٍ حتّى ترضى قوله وعقله، ولا ترض عقل أحدٍ حتى ترضى حياءه.
قال: ابن آدم مطبوع على كرم ولؤم فإذا قوي الحياء قوي الكرم وإذا ضغف الحياء قوي اللؤم شاعر: الوافر
له قلبٌ تقلّبه الليالي ... على فرشٍ من السّفر البعيد
ونفسٌ ما تقرّ على دنيٍّ ... من العيش المصرّد والزّهيد
وهمٌّ لا يطيف به التّمنّي ... وعزمٌ نيط بالبأس الشديد
فتى الدّنيا إذا ما سيل عنه ... ليوم كريهةٍ أو يوم جود
وكفٌّ ما تملّ من العطايا ... وقلبٌ ما يخاف من الوعيد
قال موسى بن عيسى أمير الكوفة لأبي شيبة قاضي الرّيّ: لم لا تغشانا فيمن يغشانا؟ فقال: لأني إن جئتك فقرّبتني فتنتني، وإن أقصيتني حزنتني، وليس عندي ما أخافك عليه، ولا عندك ما أرجوك له، فلأيّ شيء أغشاك؟ فسكت موسى.
شاعر: الوافر
إذا لم تخش عاقبة الليالي ... ولم تستحي فافعل ما تشاء
فلا والله ما في العيش خيرٌ ... ولا الدّنيا إذا ذهب الحياء
يعيش المرء ما استحيا كريماً ... ويبقى العود ما بقي اللّحاء
عزّى صالح المرّي رجلاً عن ابنه فقال: يا هذا إن كان مصيبتك بابنك لم تحدث لك موعظةً في نفسك، فمصيبتك جللٌ عند مصيبتك بنفسك، فإيّاها فابك.
قال فيلسوف: حدّ الفضيلة اعتياد فعلٍ ممدوحٍ يقتفى به أثر سلفٍ مرضيّ، وهي واسطة بين رذيلتين؛ قال: وإنّما قلت اعتياد فعلٍ لأنّه يمكن فعلها وفعل ضدّها، قال: فقلت: عدلٌ لأنه واسطة بين رذيلتين لفساد كلتا حاشيتيهما، أعني السّرف والتقصير.
وقال فيلسوف: كونوا من المسرّ المدغل أخوف منكم من المكاشف المعلن، فإنّ مداواة العلل الظّاهرة أهون من مداواة ما خفي وبطن.
وقال أرسطاطاليس: أعجب العجب ترك العجب من العجب.
قال أعرابيّ: عليك بالأدب، فلأن يذمّ بيانك خيرٌ من أن يعاب عيّك.
قال الباقر رضي الله عنه في قوله تعالى: " ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتّقه " قال: يطع الله: فيوحّده، ورسوله: فيصدّقه، ويخشى الله: على ما سلف من ذنوبه، ويتّقه: فيما بقي من عمره، فأولئك هم الفائزون غداً بالجنّة.
قال سفيان بن عيينة: صحبت النّاس خمسين سنةً ما ستر أحدٌ لي عورةً، ولا ردّ عني غيبةً، ولا عفا لي عن مظلمةٍ، ولا قطعته فوصلني، وأخصّ إخواني لو خالفته في رمّانةٍ فقلت: حامضة، وقال: حلوة، لسعى فيّ حتى يشيط دمي.
أصابت إسماعيل بن يسار خصاصةٌ فطيّن على نفسه حتى مات هزلاً، ولم يسأل الناس.
قال أعرابيّ: إن أطعت الغضب أضعت الأدب.
قال بعض الحكماء: أوّل صناعة الكاتب كتمان السّرّ.
قال بعض المغفّلين في الطّواف: ربّ ارحم ترحم، واغفر ما تعلم وما لا تعلم.
قال عمر بن الخطّاب: بئس الجار الغنيّ، يأخذك ما لا يعطيك من نفسه، فإن أبيت لم يعذرك.
قال أمير المؤمنين عليٌّ رضي الله عنه: بئس الجار الغنيّ يبعث عليك ما لا يعينك عليه.
قال ابن مكرم لأبي العيناء: ألست عفيفاً؟ قال: أنت عفيف النّفس زاني الحرم، قال: إنّما صار هذا مذ تزوّجت أمّك.
قال بعض السّلف: من أطلق من عمله بصّر في عمله، ومن مدّ عينه إلى النّاس كثر غمّه وقلّ شكره، ومن أمن البلاء كان جزوعاً إذا نزل به، ومن عوّد نفسه أكل الشهوات مات قلبه، ومن لم يعزم على الصّبر لم يظفر بما يحبّ.

قال أرسطاطاليس: إنّا جدراء أن نتّخذ مرآةً من الحكمة مجلوّةً فنبدأ بالنّظر إلى الأمور فيها قبل اعتقاد شيءٍ منها واعتماله في همومنا، وذلك أنّا قد رأينا ناساً يفرّون من العيوب والجهالة، وقد يحتويهم الخسران، وقد يتعجّب، الحكماء من أمور هذا العالم ولا يدرون كيف يتأوّلون له، لأنّ أحاديثه ملتبسة، والبغية فيه مكتومة.
قال فيلسوف: العلماء يشهدون حيث يقال: مات فلانٌ وإنّ حكمته لم تمت.
قال أعرابيّ: من استضعف عدوّاً فقد اغترّ، ومن اغترّ فقد أمكن من نفسه.
قال بعض السلف: أمورٌ أبداً تبعٌ لأمور، فالمروءة تبعٌ للعقل، والعقل تبعٌ للمودّة، والعمل تبعٌ للعلم، والجدّ تبعٌ للتوفيق.
نظر أعرابيٌّ إلى خالد بن صفوان وهو يتكلّم فقال: كيف لم يسد هذا مع بيانه، فقال خالد: منعتهم مالي، وكرهت السّيف.
لابن دريد: الطويل
وقالوا تيمّم أرض حجرٍ تسد بها ... وما أرض حجرٍ من سمائي ولا أرضي
ولكنّما أرض العراق التي بها ... تملّيت عيشي الغضّ في الزّمن الغضّ
وأول أرضٍ مسّ جلدي ترابها ... ورنّق في عيني بها طارف الغمض
شاعر: المتقارب
لك الحمد إمّا على نعمةٍ ... وإمّا على نقمةٍ تصرف
تطاع لأنّك لا تستطاع ... وتعرف من حيث لا توصف
قال النّضر بن شميل في كتابٍ يسميه المنطق: تمضّ في كتابك: أي امض فيه، واستجدّ الناس السلطان أكالاً: أي يأكل أموالهم. وقالوا: جاءوا بأطعماتهم فتطاعموا، وبأعشياتهم فتعشّوا، وبأغدياتهم فتغدّوا، وقال: فلان طاعمٌ من طعامكم، وقال: رجلٌ شبعان، وامرأةٌ شبعى للأمة، والحرّة لا يقال لها ذاك؛ وقال النّضر: ما لك بهذا الأمر يدٌ: أي ما لك به ضباطةٌ ولا قوّةٌ؛ ويقال: رجلٌ ملوعٌ: أي أصابه غيظٌ كأنّه من اللّوعة؛ وقال: الهائع: الجائع.
وقال أبو عبيدة: ما يمكن أن يكون في الدّنيا مثل النّظّام، سألته وهو صبيٌّ عن عيب الزجاج، فقال: سريع الكسر، بطيء الجبر؛ ومدحوا النّخلة عنده فقال: صعبة المرتقى، وبعيدة المهوى، خشنة المسّ، قليلة الظّلّ. وذكر الخليل عنده فقال: توحّد به العجب فأهلكه، وصوّر له الاستبداد صواب رأيه فتعاطى ما لا يحسنه ورام ما لا يناله، وفتنته دوائره التي لا يحتاج إليها غيره.
وقال المريسيّ لأبي الهذيل بحضرة المأمون بعد كلام جرى: كيف ترى هذه السّهام؟ فقال: ليّنة كالزّبد، حلوة كالشّهد، فكيف ترى سهامنا؟ قال: ما أحسست بها، قال: لأنّها صادفت جماداً.
شاعر: المنسرح
أيا أخاً كان لي وكنت له ... أشفق من والدٍ على ولد
حتّى إذا قارب الحوادث من ... خطوي وشدّ الزمان من عقدي
أحولّ عنّي وكان ينظر من ... عيني ويرمي بساعدي ويدي
قال رجل لمزبّد: من شجّك هاهنا - يعني استه - ؟ قال: الذي شجّ أمّك في موضعين.
قالت امرأة الغاضري، وقد قطع لها قميصاً: ما أخشن هذا القميص!! قال لها: أهذا أخشن أم الطّلاق؟ قالت: بل الطلاق.
قال رجلٌ لعمر: أيضحّى بالضّبي، فقال له عمر: قل: الظّبي - بالظاء، قال: إنّها لغةٌ، قال: انقطع العتاب بيني وبينك.
قال رجلٌ للحسن البصري: يا أبا سعيد أنا أفسو في ثوبي وأصلّي، يجوز؟ قال: نعم لا كثّر الله في المسلمين مثلك.
أبو العتاهية: الكامل المجزوء
الشّمس تنعى ساكن الدّ ... نيا ويسعدها القمر
أين الذين عليهم ... ركم الجنادل والمدر
أفناهم غلس العش ... يّ يهزّ أجنحة السّحر
ما للقلوب رقيقةً ... وكأنّ قلبك من حجر
ولقلّ ما تبقى وعو ... دك كلّ يومٍ يعتصر
قال ابن الزّبير في جوابٍ لمعاوية: ربّ آكل عبيطٍ سيقدّ عليه، وشارب صفوٍ سيغصّ به. والقداد: داءٌ.
قال رجل لناجية المدائني لمّا مات أبوه: أجرك الله تعالى، فقال: رزقنا الله مكافأتك.
شاعر: الوافر
وربّ مدامةٍ كفتيت مسكٍ ... تضوّع دنّها وسط الدّنان
كلون الجلّنار إذا أديرت ... وإن مزجت كلون الأرجوان
كخدّ حبيبةٍ همّت بأمرٍ ... ففاجأها الرّقيب على مكان

وبين الرّقّتين لنا ليالٍ ... سرقناهنّ من ريب الزّمان
جعلناهنّ تاريخ الليالي ... وعنوان التذكّر والأماني
لابن غريض اليهوديّ: الكامل
يا ليت شعري حين أندب هالكاً ... ماذا تؤبّنني به أنواحي
ولقد كففت عن العشيرة ريبتي ... ولقد أخذت الحقّ غير ملاح
قد كنت شهماً في الحروب ومدرهاً ... وأكفّ من ذي الغرب بعد طماح
ولليلةٍ قد بتّ فيها ناعماً ... يغدى عليّ بقينةٍ وبراح
في فتيةٍ بيض الوجوه مساعرْ ... ما بين نشوانٍ وآخر صاح
إنّ امرءاً خاف الحوادث جاهلاً ... ورجا الخلود كضاربٍ بقداح
خرج رجلٌ مرةً إلى الصحراء فرأى في زرعه فساداً من بردٍ فقال: يا ربّ أنت تنهى عن الفساد، فهذا حسن؟! قال بعض الأطباء: شرب النبيذ الحديث الصافي أوفق للكبد، والعتيق أوفق للمعدة، ومن شرب العتيق فليقطع فيه التّفاح والسفرجل.
يقال: في الخصيّ ثمان خصال: تلين بشرته، ويخشن قلبه، وتتّسع مقعدته، وتسترخي معدته، وتطول ساقاه، ويقصر أعلاه، ويسوء خلقه، وتذهب رحمته، وذلك أنه لم يدرك أباه فيعرف رحمة الآباء للأبناء، ولم يولد له فيعرف رقّة الآباء على الأبناء، وينتقل في عمره إلى ثلاث خصالٍ مذمومةٍ: في أوله ينكح، وفي أوسطه يزني، وفي آخره يقود.
قال أبو عبيدة كان أبو هريرة يقول: اللهمّ ارزقني ضرساً طحوناً، ومعدةً هضوماً، ودبراً نثوراً.
قيل لأبي مرّة: أيّ الطعام أحبّ إليك؟ قال: ثريدةٌ دكناء من الفلفل، رقطاء من الحمّص، ذات حفافين من اللحم، لها جناحان من العراق؛ قيل: وكيف أكلك لها؟ قال: أصدع بهاتين - يعني السّبّابة والوسطى، وأشدّ بهذه - يعني الإبهام، وأجمع ما شذّ منها بهذه - يعني الخنصر، وأضرب فيها ضرب والي السّوء في مال اليتيم.
أخذ ملكٌ من العجم رجلاً وجد عليه فأمر بقتله، فقال الرجل: أيّها الملك إن قتلتني وأنا صادقٌ كثر عتبك، وإن تركتني وأنا كاذب قلّ وزرك، وأنت من وراء ما تريده، والعجلة يوكّل بها الزّلل، فعفا عنه.
أتي مصعب بن الزّبير برجلٍ من أصحاب المختار فأمر بضرب عنقه فقال: أيّها الأمير، ما أقبح بك أن أقوم يوم القيامة إلى صورتك هذه الحسنة، ووجهك هذا الذي يستضاء به، فأتعلق بأطرافك وأقول: أي رّ سل مصعباً لماذا قتلني، فقال: أطلقوه، فقال: أيّها الأمير، اجعل ما وهبت لي من حياتي في خفض عيشٍ، فقال: أعطوه مائة ألف درهم، قال: أشهد الله تعالى أنّي جعلت لابن قيس الرّقيّات منها خمسين ألف درهم، قال: ولم؟ قال: لقوله: الخفيف
إنّما مصعبٌ شهابٌ من الل ... ه تجلّت عن وجهه الظّلماء
فضحك مصعبٌ وقال: فيك موضعٌ للصّنيعة، وأمره بملازمته ومؤانسته.
شاعر: الطويل
ومولىً لو أنّ السّمّ كان بكفّه ... سقاني من ذيفانه فقضاني
معنّىً ببغضي والأواصر بيننا ... جزى الله عنه نفعه وجزاني
أليس يرى أنّا إلى وقت غايةٍ ... وأنّ يدي من دونه ولساني
وأنّي وإن أمسيت رمساً بقفرةٍ ... وأقبرت لم يسلم من الحدثان
قال القطامي من قصيدة: الوافر
لقد علمت كهولهم القدامى ... إذا قعدوا كأنّهم النّسار
وشقّ البحر عن أصحاب موسى ... وغرّقت الفراعنة الكفار
وقول المرء ينفذ بعد حينٍ ... أماكن لا تجاوزها الإبار
تسمّع من نوازله صريفاً ... كما صاحت على الحدب الصّقار
قال: النّسار جمع نسر، والكفار جمع كافر، والإبار جمع إبرة، والصّقار: جمع صقر، ولهذا رويناه.
شاعر: الطويل
سأشرب كاسيك اللّتي أنت شاربٌ ... وإن كانتا والله صاباً وعلقما
وأدخل كفّي إثر كفّك في الذي ... عناك ولو أدخلتها جحر أرقما
قال أعرابيٌّ لصاحبٍ له: أنت والله كالقمر الزّاهر عند الشّرب، والسّحاب الماطر لدى اللّزب، والأسد الخادر عند الحرب.
قيل لأبي عمرة: كيف امرأتك؟ قال: مسقاط اللّيل، معثار الذّيل.
يقال: الرّاحة للرجال غفلة وللنّساء غلمة.

ويقال: الشّيب خطام المنيّة، ووافد الحمام، وتاريخ الكتاب في عنوان العمر، وبريد الفناء، ورائد الموت، وتمهيد الهلاك، وأول مراحل الآخرة.
لهلال بن العلاء الرقّي: البسيط
لمّا عفوت ولم أحقد على أحدٍ ... أرحت نفسي من غمّ العداوات
إنّي أحيّي عدوّي عند رؤيته ... لأدفع الشرّ عنّي بالتّحيّات
وأظهر البشر للإنسان أبغضه ... كأنّه قد ملا قلبي محبّات
والنّاس داءٌ وداء النّاس قربهم ... وفي الجفاء لهم قطع الأخوّات
فلست أسلم ممن لست أعرفه ... فكيف أسلم من أهل المودّات
لبعض المتكلّمين: الطويل
إذا أمر الله الورى ونهاهم ... بما لم يركّب فيهم علم ذلك
فلا بدّ عندي من دليلٍ يدلّهم ... وإلاّ فلا عتبٌ على كلّ هالك
قيل للإسكندر: إنّ فلاناً يثلبك فلو عاقتبه، قال: هو عند العقاب أعذر.
لما فتح قتيبة سمرقند أفضى إلى أثاثٍ لم ير مثله وإلى آلاتٍ لم يسمع بمثلها، فأحبّ أن يرى الناس ذلك، فأمر بالفرش ففرش، وأحضر قدوراً يرتقى إليها بسلالم، ودخل عليه الحضين بن المنذر بن الحارث بن وعلة الرّقاشيّ، فلمّا رآه عبد الله بن مسلم سأل قتيبة أن يأذن له في كلامه فقال: لا ترده فإنّه خبيث، فأبى عليه فأذن له، وكان عبد الله يضعّف، وكان قد تسوّر حائطاً إلى امرأةٍ قبل ذلك، فقال للحضين: أمن الباب دخلت يا أبا ساسان؟ قال: أجل، أسنّ عمّك عن تسوّر الحيطان، قال: أرأيت هذه القدور؟ قال: هي أعظم من أن لا ترى، قال: ما أحسب بكر بن وائلٍ رأى مثلها، قال: لا ولا عيلان، ولو كان رآها سمّي شبعان ولم يسمّ عيلان، قال عبد الله: أتعرف الذي يقول: الطويل
عزلنا وولّينا وبكر بن وائلٍ ... تجرّ خصاها تبتغي من تحالف
قال: أعرفه وأعرف الذي يقول: الوافر
وخيبة من يخيب على غنيٍّ ... وباهلة بن يعصر والرّكاب
قال له: أتعرف الذي يقول: الطويل
كأنّ فقاح الأزد حول ابن مسمعٍ ... وقد عرقت أفواه بكر بن وائل
قال: أعرفه وأعرف الذي يقول: الكامل
قومٌ قتيبة أمّهم وأبوهم ... لولا قتيبة أصبحوا في مجهل
وحجز قتيبة بينهما.
قال قتادة بن مغرّب اليشكريّ: الرجز
رأيت عبد القيس لاقت ذلاّ ... إذا تعشّوا بصلاً وخلاًّ
وجوفياً ومالحاً قد صلاّ ... باتوا يسلّون الفساء سلاّ
سلّ النّبيط القصب المبتلاّ
قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: " الخيل بطونها كنز، وظهورها عزٌّ " .
وقال عليه السلام في النّخل: " الراسخات في الوحل، المطعمات في المحل " .
وقال عليه السلام: " يغرس في أرضٍ خوّارة، ويشرب من عينٍ خرّارة " .
وقال عليه السلام: " إيّاكم والمشارّة فإنّها تيمت الغرّة، وتحيي العرّة.
اختصم بلال بن جرير وبكر بن الأحنف الحمّاني في ماء، فخشي بلالٌ أن يذكر أمّه وهي أمّ حكيم، وكانت أمةً للحجّاج فوهبها لجرير فولدت بلالاً ونوحاً، فقال بلال: إني لأعلم والله أنّك ستذكر أمّ حكيم، إنها لسبيئة زمام، وعطيّة ملك، وبنت دهقان، وزوج كريم، ليست كأمّك تغدو على أثر ضأنها بالمروت، والله أعلم بما وجد عليها فحلف ليهبنّها لألأم العرب، فلم جد ألأم من أبيك فوهبها له.
وجد في صندوقٍ لعبد الله بن الزّبير صحيفةٌ فيها مكتوب: إذا كان الحديث جلفاً، والميعاد خلفاً والمقيت إلفاً، والولد غيظاً، وغاص الكرام غيضاً، وفاض اللئام فيضاً، فأعنزٌ جفر، في بلدٍ قفر، خيرٌ من ملك بني النّضر.
قال العبّاس حين استسقى به عمر: اللهمّ إنّه لا ينزل بلاءٌ إلاّ بذنب، ولا يكشف إلاّ بتوبة، وقد توجّه بي القوم إليك لمكاني من نبيّك، وهذه أبداننا بالذّنوب، ونواصينا بالتّوبة، فاسقنا الغيث.
قال بعض قدماء العرب: أفضل النّساء أطولهنّ إذا قامت، وأعظمهنّ إذا نامت، وأصدقهنّ إذا قالت، التي إذا غضبت حلمت، وإذا ضحكت ابتسمت، وإذا صنعت جوّدت، التي تلزم بيتها، ولا تعصي بعلها العزيزة في قومها، الذّليلة في نفسها.

قال بعض السّلف: لعليٍّ أربع خصالٍ ضوارس قواطع: سطةٌ في العشيرة، وصهرٌ بالرسول، وعلمٌ بالتأويل، وصبرٌ إذا دعيت نزال؛ سطةٌ من وسطة، كعدةٍ من وعدة، وصفةٍ من وصفة، وزنةٍ من وزنة.
شقيق بن السّليك الغاضري: المتقارب
إذا ما نكحت فلا بالرّفاء ... وإمّا ابتنيت فلا بالبنينا
تزوّجت أصلع في غربةٍ ... تجنّ الحليلة منه جنونا
إذا ما نقلت إلى بيته ... أعدّ لجنبيك سوطاً أمينا
يشمّك أخبث أضراسه ... إذا ما دنوت لتستنشقينا
كأنّ المساويك في شدقه ... إذا هنّ أكرهن حمّلن طينا
كأنّ توالي أضراسه ... وبين ثناياه غسلاً لجينا
قال بعض السّلف: ما استنبط الصّواب بمثل المشورة، ولا حصّنت النّعم بمثل المواساة، ولا اكتسبت البغضة بمثل الكبر.
أتي الهادي برجلٍ مذنبٍ فجعل يقرّعه فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، اعتذاري ممّا تقرّعني به ردٌّ عليك، وإقراري بما تعتدّ به عليّ يلزمني ذنباً، ولكني أقول: الطويل
فإن كنت ترجو في العقوبة راحةً ... فلا تزهدن عن المعافاة بالأجر
قدم عبد الصمد بن المفضّل الرّقاشي الرّيّ وخالد بن ديسم العربي على الديوان، فكتب إليه: الطويل
أخالد إنّ الرّيّ قد أجحفت بنا ... وضاق علينا كسبها ومعاشها
وقد أطمعتنا منك يوماً سحابةٌ ... أضاءت لنا برقاً وكفّ رشاشها
فلا غيمها يضحي فييأس طامعٌ ... ولا عيشها يأتي فتروي عطاشها
وقد طال إتعابي إليك مطيّتي ... فلم يبق إلاّ عظمها ومشاشها
ولو طاوعتني النّفس في بدو أمرها ... لألفيتها قد حدّ عنك انكماشها
فأقلل بها غنماً ونفعاً ونائلاً ... مواعيد لا يبدو عليّ رياشها
أيدفعني بالباب وهبٌ وعامرٌ ... وقد ولدتني ذهلها ورقاشها
سأل أعرابيٌّ فقال: لقد جعت حتى أكلت النّوى المحرق، ومشيت حتى انتعلت الدّم، وحتّى سقط من رجلي نحض لحم، وتمنّيت أنّ وجهي حذاءٌ لقدمي، فهل من أخٍ يرحم؟ لمّا استخلف عمر بن عبد العزيز بعث أهل بيت الحجّاج إلى الحارث بن عمرو الطائي، وكان على البلقاء، وكتب إليه: أما بعد، فإنّي قد بعثت إليك بآل أبي عقيل، وبئس والله أهل البيت في دين الله تعالى وهلاك المسلمين، فأنزلهم بقدر هوانهم على الله تعالى وعلى أمير المؤمنين.
قدم معاوية المدينة فدخل دار عثمان فقالت ابنته عائشة: واأبتاه! فقال لها معاوية: يا بنت أخي، إنّ النّاس أعطونا طاعةً وأعطيناهم أماناً، وأظهرنا لهم حلماً تحته غضب، وأظهروا لنا طاعةً تحتها حقد، فإن نكثنا بهم نكثوا بنا، فلا يدري أعلينا يكون أم لنا، فلأن تكوني بنت عمّ أمير المؤمنين خيرٌ من أن تكوني امرأةً من المسلمين.
لما صافّ قتيبة بن مسلم التّرك وهاله أمرهم، سأل عن محمد بن واسع فقيل: هو في أقصى الميمنة جانحاً على سية قوسه، ينضنض بإصبعه نحو السماء، فقال قتيبة: لتلك الإصبع الفاردة خيرٌ من ألف سيفٍ شهيرٍ، وسهمٍ طرير.
قال بعض القدماء: إن كنت حافظاً للسّلطان في ولايتك، حذراً منه عند تقريبه، أميناً له إذا ائتمنك، تشكر له ولا تكلّفه الشكر لك، تعلّمه وكأنّك تتعلم منه، وتؤدّبه وكأنّه يؤدّبك، بصيراً بهواه، مؤثراً لمنفعته، ذليلاً إن ضامك، قانعاً إن حرمك، وإلاّ فابعد منه كلّ البعد.
اجتاز أبو الأسود الدّؤليّ بقومٍ فقال بعضهم: كأنّ غضون قفاه فقاحٌ، فقال: هل تعرف فقحة أمّك يا فتى؟ فأخجله.
سأل كيسان خلفاً وكان به صمم فقال له: يا أبا محرز، علقمة بن عبدة جاهليٌّ أو من ضبّة؟ فقال له خلف: يا مجنون صحّح المسألة حتى يصحّ الجواب.
قال أعرابيّ: أصابنا مطرٌ دغر الأرض.
وقال أعرابيّ: النساء فرشٌ، وخيرهنّ أوثرهنّ.
كان أعشى همدان منقطعاً إلى عتّاب بن ورقاء التّميميّ، وكان ينادمه، فقال: يا أبا المصبّح، لئن أصبت إمرةً إنها لك خاصة، خاتمي في يدك تقضي في أمور النّاس؛ فاستعمل على أصفهان، فجاءه الأعشى فجفاه فقال: الوافر
تمنّيني إمارتها تميمٌ ... وما أمّي بأمّ بني تميم

وكان أبو سليمانٍ خليلي ... ولكنّ الشّراك من الأديم
أتينا أصبهان فأهزلتنا ... وكنّا قبل ذلك في نعيم
أتذكر يا خويلد إذ غزونا ... وأنت على بغيلك ذي الوشوم
ويركب رأسه في كلّ وعثٍ ... ويعثر في الطريق المستقيم
وليس عليك إلا طيلسانٌ ... نصيبيٌّ وإلاّ سحق نيم
لما مات النبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسمع بذلك نساءٌ من كندة وحضرموت، خضبن أيديهنّ وضربن بالدّفوف، فقال رجلٌ منهم: الكامل
أبلغ أبا بكرٍ إذا ما جئته ... أنّ البغايا رمن كلّ مرام
أظهرن من موت النبيّ شماتةً ... وخضبن أيديهنّ بالعلاّم
فاقطع هديت أكفّهنّ بصارمٍ ... كالبرق أومض في جفون غمام
شاعر: البسيط
ما من صديقٍ وإن تمّت صداقته ... يوماً بأنجح في الحاجات من طبق
إذا تلثّم بالمنديل منطلقاً ... لم يخش نبوة بوّابٍ ولا غلق
لا تكذبنّ فإنّ النّاس مذ خلقوا ... لرغبةٍ يكرمون النّاس أو فرق
مرّ خالد بن صفوان على أبي الجهم وتحته حمار فقال: ما هذا يا ابن صفوان؟ فقال: عيرٌ من بنات الكداد، أصحر السّربال، محملج القوائم، يحمل الرّجلة، ويبلّغ المنزل، ويمنعني من أن أكون جباراً عنيداً.
بعث النعمان إلى الحارث بن أبي شمر جيشاً وقال: من يعرف عدوّنا الذي أنفذنا إليه جيشنا؟ فقال بعض بني عجل: أنا، فقال النّعمان: صفه، فقال: قطفٌ نطف، صلفٌ قصف، فقام الرّديم وهو عمرو بن ضرار فقال: أبيت اللّعن، أوطأك العشوة: هو والله حليم النّشوة، شديد السّطوة، قال: صدقت، كذا ينبغي أن يكون عدوّنا.
لورد بن عاصم المبرسم في الحسن بن زيد العلوي: الوافر
له حقٌّ وليس عليه حقٌّ ... ومهما قال فالحسن الجميل
وقد كان الرسول يرى حقوقاً ... عليه لأهلها وهو الرّسول
فطلبه فهرب منه، ثم لم يشعر يوماً إلاّ وهو بين يديه يقول: الوافر
ستأتي عذرتي الحسن بن زيدٍ ... وتشهد لي بصفّين القبور
قبورٌ لو بأحمد أو عليٍّ ... يكون مجيرها حفظ المجير
هما أبواك من وضعا فضعه ... وأنت برفع من رفعا جدير
فاستخفّ الحسن كرمه، فقام فبسط رداءه وأجلسه عليه وأمّنه.
قال بعض أهل اللغة: لببت الشيء ألبّه لبّاً إذا شددته بحبلٍ أو خيط؛ ونادى أعرابيٌّ غلامه فقال: لبّيك، فقال: لبّ الحبل جنبيك؛ هكذا قال أبو محمد الأندلسيّ، وكان كبيراً في اللغة، ورد بغداد وهو نحويٌّ، ولزم أبا سعيد السّيرافي، وأنشد لبعض أهل المغرب: البسيط
الجود والغول والعنقاء ثالثةٌ ... أسماء أشياء لم تخلق ولم تكن
وأنشد لآخر منهم: الخفيف
لو قضى الله للمنون بحتفٍ ... صيّر البين للمنون منونا
وكان أشحّ النّاس، وهذه شيمة أهل المغرب، وكان ربّما قرض البيت، إلا أنّه كان ركيك الشّعر رديء النّثر سيّء العبارة، كثير الحفظ جيّد الإتقان، ومات ببغداد سنة خمسٍ وسبعين وثلاثمائة.
للوليد بن عقبة: الطويل
وكنّا إذا ما حيّةٌ أعيت الرّقى ... وكان زعافاً يقطر السّمّ نابها
دسسنا لها تحت الظلام ابن ملجمٍ ... جريّاً إذا ما جاء نفساً حسابها
أبا حسنٍ ذقها على الرأس ضربةً ... بكفّ كريمٍ بعد وقتٍ ثوابها
أمات ابن عفّانٍ فلم تبق دمنةٌ ... ونحن موالي غمرةٍ لا نهابها
فألقى على المصريّ ثوب ظلامةٍ ... كما سلخت شاةٌ فطار انكعابها
قال أعرابيّ: لا يكشف منسدل الهمّ إلاّ مشمّر الصّبر.
739ب - قد سألت السّيرافيّ عن الانسدال والانشمار فقال: مسموعان.
قال بعض الفرس: الصّبر ربيع القلب.
وقال آخر: الصّبر يقلّم أظفار الخطوب.
كان أبو طالب نديماً لمسافر بن أبي عمرو، وهلك مسافرٌ فرثاه أبو طالب فقال: الخفيف
ليت شعري مسافر بن أبي عم ... روٍ وليتٌ يقولها المحزون
رجع الرّكب سالمين جميعاً ... وخليلي في مرمسٍ مدفون

قال بعض أهل اللغة: في الفم اثنتان وثلاثون سنّاً، ثنيّتان من فوق وثنيّتان من تحت، ورباعيّتان من فوق ورباعيّتان من تحت، ونابان من فوق ونابان من تحت، وضاحكتان من فوق وضاحكتان من تحت، وثلاث أرحاءٍ من فوق وثلاث أرحاءٍ من تحت، وثلاث أرحاءٍ من فوق وثلاث أرحاءٍ من تحت، وناجذان من فوق وناجذان من تحت.
وقّع أبو صالح محمد بن يزداد إلى عاملٍ أخّر أمراً: جعلنا إهمالنا لك وتعطّفنا ورفقنا بك مطيّةً لمطلك، وسبباً لدفعك ما لزمك ووجب عليك، فامح ببدارك إساءتك، وبتعجيلك مدافعتك، وأحضر حسابك مفصّلاً في باقي أسبوعك، ولا تحوج إلى عنفٍ بك، واستقصاءٍ عليك، إن شاء الله.
وكتب إلى جعفر بن محمود: ما زلت - أيّدك الله - أذمّ الدهر بذمّه إياك، وأنتظر لنفسي لك عقباه، وأتمنّى زوال حال من لا ذنب له إلى رجاء عاقبةٍ محمودةٍ تكون لك بزوال حاله، وتركت الإعذار في الطّلب على اختلالٍ شديدٍ إليه، ضنّاً بالمعروف عندي إلاّ عن أهله، وحبساً لشكري إلاّ عن مستحقه.
فوقّع جعفر: لم أؤخّر ذكرك تناسياً لحقّك، ولا إغفالاً لواجبك، ولا إرجاءً لمهمّ أمرك، ولكني رجوت اتساع الحال بانفساح الأعمال، لأخصّك بأسناها خطراً، وأجلّها قدراً وأعودها بنفعٍ عليك، وأوفرها رزقاً لك، وأقربها مسافةً منك، وإذا كنت ممّن يحفزه الإعجال، ولا يتّسع له الإهمال، فسأختار لك خير ما يشير إليه، وأقدّم النظر فيه، وأجعله أول ما أمضيه، إنّ شاء الله.
خطب يزيد بدمشق فقال: أيّهاالناس، سافروا بأبصاركم في كرّ الجديدين، ثمّ ارجعوها كليلةً عن بلوغ الأمل، وإنّ الماضي عظةٌ للباقي، ولا تجعلوا الغرور سبيل العجز عن الجدّ فتنقطع حجتكم في موقفٍ الله تعالى سائلكم فيه ومحاسبكم على ما أسلفتم. أيّها النّاس، أمس شاهدٌ فاحذروه، واليوم مؤدّبٌ فاعرفوه، وغدٌ رسولٌ فأكرموه، وكونوا على حذرٍ من هجوم القدر، فإن أعمالكم مطيّات أبدانكم، والصّراط ميدان يكثر فيه العثار، والسالم ناجٍ والعاثر في النّار.
قال محمد بن العلاء السّجزي: لما ولي عبيد الله بن سليمان الوزارة، أوصلت إليه كتاباً من عبيد الله بن عبد الله بن طاهر، وفيه يقول: الطويل
أبى دهرنا إسعافنا في أمورنا ... وأسعفنا فيمن نحبّ ونكرم
فقلت له نعماك فيهم أتمّها ... ودع أمرنا إنّ المهمّ المقدّم
ذكر أعرابيٌّ امرأةً فقال: إن دعت القلوب لم تبطء عنها، وإن قتلت لم يعد عليها.
قال الهيثم بن عديّ: قال جعفر بن معاوية لخالد بن صفوان: ما منعك أن يكون عندك امرأةٌ شريفةٌ من أشراف أهل البصرة؟ قال: فابغني امرأةً، قال: فأيّ النساء تريد؟ قال: ابغني امرأة بكراً كثيّبٍ وثيّباً كبكر، لا ضرعاً صغيرةً ولا عجوزاً كبيرة، عاشت في نعمةٍ وأدركتها حاجة، فخلق النّعمة معها وذلّ الحاجة فيها، وحسبي من حسبها أن تكون واسطةٌ في قومها، وحسبي من جمالها أن تكون فخمةً من بعيد، مليحةً من قريب، ترضى منّي بالسّنّة، وترفع عنّي المنّة، إن عشت أكرمتها، وإن متّ ورّثتها، لا ترفع رأسها إلى السماء رفعاً، ولا تضعه في الأرض وضعاً، أديبةً عاقلةً فصيحة. فقال جعفر: يا أبا صفوان، الناس في طلب هذه منذ زمانٍ حتى يبايعوها على الخلافة فلا يقدرون عليها، فاسل فإنّك حالم.

لمّا سيّر عليّ بن الجهم إلى خراسان كتب إلى بعض إخوانه على لسان غلامٍ له: أمّا بعد، فإنّ الله إذا أراد أمراً جعل له من قضائه سبباً يجري بعلمه، وينتهي إلى قدره، ولا إله إلاّه، أحصى كلّ شيءٍ عدداً، وأحاط بكلّ شيءٍ علماً، وجعل لكلّ قدراً، ومن أسباب قدره أن سهّل لي بعدك من الشّعر ما أخاطب به الشاهد وأكاتب الغائب، وأجتدي به وأستزيد، وأبلغ ما أريد، وهو يؤنسني إذا أوحشت، ويطيعني إذا عصيت، ويصدع عنّي إذا شيت، بليغ الخطبة، جميل العشرة، كريم الصّحبة، يرد الأندية، ويلج الأخبية، سائراً في البلاد، مسافراً من غير زاد، راضياً إن رضيت، مؤذياً إن أوذيت، جازياً بما أوليت، باقياً إذا أفنيت، معترضاً في الأسمار، عالماً بالأخبار، ومعزّياً عن الأوتار، يحضر إن غبت، ويجسر إن هبت، ولا يحظر بالحظر، ولا يوزع بالزّجر، إذا قيّد رتك، وإذا أغمد بتك، وإذا جرّد فتك، يلقح به الغزل ويعلل به الشمل ويأنس به الوجل وقد أتحفتك منه ببعض ما يجدّد عندك ذكرنا، وتعرف به خبرنا، وهو شعرٌ قلته في مقامٍ واحدٍ لم أزل أعجب منه، وسأصف لك المقام لتحمد الله تعالى عليه: لمّا كان اليوم الذي وردنا نيسابور، وقصدنا باب الأمير، وقد احتشد لنا الناس وكان من قدّر ذلك يتوهّم مع الخبر الشائع الذي حملنا له أنّ الداعي علينا سيكثر، وأنّ الشّامت بنا سيظهر، إذ كنّا في حالٍ لم يحمل على مثلها بابك ولا المازيار، وما منهما إلاّ قد رأينا؛ فبينا الناس كذلك إذ اقبل به في محملٍ قليل الوطاء، مسلوب الغطاء، فلمّا توسطنا الجماعة، ونظروا إليه، فلم يكن في ظاهره ما يسمج، ولا في قديمه ما ينكر، ولا في مساعيه ما ينقم، ولا في قدر الذّنب الذي ذكر أنه فعله ما يبلغ به ذلك عند الناس، وجد الوليّ إلى الدّعاء له بالخير سبيلاً، وساعده من حضر، وارتجّ الجميع بالدعاء له، فصار ما نعي عليه معونةً له، وأبى الله تعالى، المحسن إلينا، أن يسلبه السّتر الجميل، إذ سلبه الآدميّون الغطاء، وألاّ يزيل نعمه إذ زال كلّ ما كان فيه، وألا يجعل لأعدائه إلى الشّماتة به سبيلاً، والسلام.
قال عمر بن الخطّاب: ما رأيت صغير الهمّة إلاّ رأيته مذموم الأحدوثة.
جلد صهيبٌ المدينيّ في الشّراب، وكان جسيماً، وكان الجلاّد قصيراً قميئاً فقال له: تقاصر لينالك السّوط، فقال: ويلك، إلى أكل الفالوذج تدعوني؟! والله لوددت أنّي أطول من عوج، وأنت أقصر من يأجوج.
ضرب طويسٌ في الشّراب فقيل له: كيف كان جلدك على وقع السّياط؟ قال: بلغني أنّي كنت صبوراً.
شاعر: المتقارب
لكلّ أديبٍ ترى همّةً ... وهدياً يدلّ على همّته
ولم ار مثل فتىً ماجدٍ ... يداري الأمور على فطنته
يجازي الصّديق بإحسانه ... ويرجي العدوّ إلى غفلته
ويلبس الدهر تبّانه ويخضع للقرد في دولته.
بلوت الرجال وجرّبتهم ... فكلٌّ يدور على لذّته
قال تميم بن نصر بن سيّار لأعرابيّ: هل أصابتك تخمةٌ قطّ؟ قال: أمّا من طعامك وطعام أبيك فلا.
شاعر: الكامل المجزوء
ودّعته فتناولت ... عيناه من عيني دموعا
؟أسف الزمان عليّ أن نبقى كما كنا جميعا
وأحلّني في غربةٍ ... وأحلّه البلد الشّسيعا
وما كنت أحسب أن يكو ... ن كذا تفرّقنا سريعا
قال أعرابيّ: قبحاً لدهرٍ لا تصفوا أيامه، ولا تنصف أحكامه، وأنشد: الطويل
فإن تك أحزانٌ وفائض عبرةٍ ... أثرن دماً من داخل الجوف منقعا
تجرّعتها من عاصمٍ واحتسيتها ... وأعظم منها ما احتسى من تجرّعا
فليت المنايا خلّفت لي عاصماً ... فعشنا جميعاً أو ذهبن بنا معا
قال أعرابيٌّ لرجل: إنّ فلاناً وإن ضحك إليك، فإنّ قلبه يضحك منك، ولئن أظهر شفقته عليك فإن عقاربه تسري إليك، فإن لم تتخذه عدوّا في علانيتك فلا تجعله صديقاً في سريرتك.
شاعر: الكامل المجزوء
وكلت قلبي بالولو ... ع وجفن عيني بالدّموع
إذ لا سبيل إلى الوصا ... ل ولا طريق إلى الرّجوع
أما ولوعات الفرا ... ق يشبّها بين الضّلوع
لا مال قلبي ما حيي ... ت من النّزاع إلى النّزوع

كلاّ ولا ذاقت جفو ... ني بعده طيب الهجوع
قال أحمد بن الطّيب: نظر بعض الأفاضل إلى رجلين أحدهما قد حمل ديكاً ليقاتل به والآخر قد حمل محبرةً وورقاً ليستفيد أدباً فقال: إنّ سعيكما لشتّى.
لسلمان الفارسيّ: الوافر
أبي الإسلام لا أب لي سواه ... إذا افتخروا ببكرٍ أو تميم
بدعوى الجاهلية لم أجبهم ... ولا يدعوا بها غير الأثيم
دعي القوم ينصر مدّعيه ... ليلحقه بذي الحسب الصميم
قال سليمان التّميمي: دخلت على الأعمش وعنده نبيذٌ في إناء فقلت: ألا تغطّيه لئلا يقع فيه الذّباب؟ فقال: هذا أكرم من أين يقع الذّباب.
قال أبو هاشم: سمعت عمّي يقول: كان بين الأعمش وبين رقبة ابن مصقلة معارضةٌ، كتب إليه الأعمش كتاباً يتوعّده، فأجابه رقبة، أمّا بعد، يريبني منك أباً محمدٍ أنّك تضرع في وعيدك، وتستعين بأمثال غيرك، لو شئت لأضربنّ قذالك بتصريف المقال، ثم لأتبعنّها بنوافذ الأمثال؛ فوضع الأعمش يده على رأسه وقال: ما لنا ولخطباء عبد القيس.
قال عيسى بن موسى وهو يلي الكوفة لابن أبي ليلى: اجمع الفقهاء وأحضروني، فجاء الأعمش في جبّة فروٍ وقد ربط وسطه بشريط، فأبطأوا، فقام الأعمش وقال: إن أردتم أن تعطونا شيئاً وإلا فخلّوا سبيلنا، فقال عيسى: أبا ليلى، قلت لك تأتيني بالفقهاء فجئتني بهذا؟ فقال: هذا سيّدنا، هذا الأعمش.
قال أبو معاوية الضّرير: كتب هشام بن عبد الملك إلى الأعمش أن اكتب إليّ بمناقب عثمان ومساوئ عليّ، فأخذ القرطاس فأدخله في فم الشّاة فأكلته وقال: قل له: هذا جوابه، فرجع الرسول وعاد فأتى الأعمش فقال الرسول: إنه بدا لي أن يقتلني، وتحمّل عليه بإخوانه، فقالوا: يا أبا محمد أنقذه من القتل، فلمّا ألحّوا قال له: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، أمّا بعد، فلو كانت لعثمان مناقب أهل الأرض ما نفعتك، ولو كان لعليٍّ مساوئ أهل الأرض ما ضرّتك، فعليك بخويّصة نفسك والسلام.
قال أعرابيّ: سمعت خبراً استكّت منه مسامعي، واستهلّت له مدامعي.
قال أبو عبد الرحمن المقرئ: كنّا عند المقام وفينا مالك بن أنس، فطلع علينا أبو حنيفة فقال مالك: لقد جاءكم رجلٌ لو ناظر الشيطان قطعه.
قال عبد العزيز الدراورديّ: كان مالك ينظر في كتب أبي حنيفة ليتفقّه بها.
قال الشافعيّ: قلت لمالك: أرأيت أبا حنيفة؟ قال: نعم رأيت رجلاً لو قال إنّ هذه السّاريةمن ذهبٍ لاحتجّ له.
قال مالك، إن أبا حنيفة قال في الإسلام ستّون مسألةً.
قال الأوزاعي: لا أنقم على أبي حنيفة أنه رأى كما أرى.
قال يحيى بن الزّبير بن عبادةبن حمزة بن عبد الله بن الزّبير، وكان من العبّاد: شكوت إلى هشام بن عروة ما ألقى من بعض أهلي فقال: يا ابن أخي اصبر عليهم فهكذا كنت مع إخوتي، ثم إني أصبحت لأبنائهم أباً، ولمنازلهم ربّاً.
قال هارون بن صالح: كنّا نعطي الغسّال الدراهم الكثيرة حتى يغسل ثيابنا في أثر ثياب عمر بن عبد العزيز من كثرة الطّيب فيها.
دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على عائشة وهي تبكي فقال: " ما يبكيك " ؟ فقالت: لفلانة مسكتان من ذهبٍ ولي مسكتان من ورقٍ، قال: " خلّقيهما بزعفران يأتيان كأنّهما ذهب " .
قال مالك بن أنس: كانت جلسة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يحتبي بيديه وينصب ركبتيه.
دخل المسور على معاوية فقال له: كيف تركت قريشاً؟ قال: أنت سيّدها يا أمير المؤمنين، أعلاها كعباً، وأسودها أباً، وأرفعها ذكراً، وأجلّها قدراً.
/الجزء التاسع

بسم الله الرحمن الرحيم
رب أعن
اللهم أسألك خفايا لُطفك وفواتح توفيقك، ومألوف برك، وعوائد إحسانك، وجاه المقدمين من ملائكتك، ومنزلة المصطفين من رُسلك، ومكانة الأولياء من خلقك، وعاقبة المتقين من عبادن؛ أسألك القناعة برزقك، والرضا بحكمك، والنزاهة عن محظورك، والورع في شبهاتك، والقيام بحججك، والاعتبار بما أبديت، والتسليم لما أخفيت، والإقبال على ما أمرت، والوقوف عما زجرت، حتى أتخذ الحق جنة عند ما خف وثقل، والصدق سنة فيما عسر وسهل، وحتى أرى أن شعار الزاهد أعز شعار، ومنظر الباطل أشره منظر، فأتبختر في ملكوتك بالدعاء إليك، وأبلغ الغاية القصوى بين خلقك بالثناء عليك، متيقناً أن الاقتصاد أوطأ سبيلاً وأعز حريماً.

هذا الجزء التاسع من البصائر، وكان عذري فيه - أعني الكتاب - أنه يتم بما يسر الناظر، وأرى العجز قد قهر، والاستعفاء قد حسن، والعذر قد وجب، لأن البقية من مذاكرة الأدب إذا اختصها هذا الجزء بقيت بقية في الصوفية، وقد كان الوعد سلف إفرادها عن سائر الفنون، وبقيت بقية أخرى من فلسفة الفلاسفة. وقال لي بعض إخواني: قدم من هذين الفنين ما إذا تخلص من الجملة كان لأثره وقع، فاقتصرت على ذلك، ولعمري إن الوصف على ما يأتي عليه، ولكن ليس الرأي على ما أرشد إليه، لأني فقير إلى ما يستغني هو ونظراؤه عنه، وضماني لا يزول برأي غيري، وحاجَتي لا تسقط بكفاية من سواي، وأنا جار على المصلحة المنوية في هذا الكتاب لنفسي ولمن يجري مجراي، ويعتذر إلى من خالفني في هذا الرأي. ولم يختر هذا التطويل، لأن الرغبة الصادقة في العلم تخفف علي كل (ثقيل)، وتذلل كل صعب، وتزيل كل زهد، وترسل على الجساء ناعماً، و(تجعل) منظر الشوهاء رائعاً، وبعيد المطلوب دانياً، ووعر المحتاج إليه سهلاً، وأبي المتمني سمحاً، وعصي المراء طيعاً. واعلم أن المحظوظ من أنعم بالعلم عليه، ووفق للإخلاص فيه، وحشي سره طمأنينة، وبوشر قلبه بالسكون، ورفع همه عن الإشناق إلى ما لا يليق به واستشراف ما لا يصل إليه، ولن يحسن هذا المحظوظ عشرة هذه النعمة، ولا يستمتع بنضرتها، ولا يحمد غبها، دون أن يكون رائضاً للسانه على الشكر، وعامراً لصدره بالإخلاص، وهاجراً للهوينا في ما اجتلب الزيادة، مجانباً للتفريط في ما وكل به المقت والتصق به العار أو وصمته القالة؛ ولن ينتفع بهذه المقدمات كلها دون أن يعلم أن الدنيا دار عمل، والآخرة دار جزاء، وأن من فاتته في العاجل صنع له، وأن ما نال منها وبال، وأن القرار في دار الآخرة التي من سلك سبيلها نجا، ومن راغ عن سنتها ضل وغوى.
فاعرف - حفظك الله - هذه الوصايا، وأدب سرك بهذه المواعظ، واستيقن أن زائدها وإن اتصل ناقص، وظلها وإن امتد قالص، ومقيمها وإن تلوم شاخص، وكن مقبوض الكف، مغضوض الطرف، إلا عما أباح الله ورخص فيه وأذن لك أن تتناوله؛ واحذر الانهماك فإنه شوط عسير، وغاية ذات ندامة، وضرب (ليس) من حزب الفضلاء، واعمر عمرك بالصالح من العمل، والصادق من القول، والصحيح من الاعتقاد، ولا تبحث عما زوى الله سره عنك، ونزه حكمته عن تحصيلك، واستأثر بغيبه عن احتجاجك بقلبك، ولا تعترض على خالقك لالتباس يرد عليك، أو لشبهة تغالب فطنتك، فإن النظام جار على التمام، والخير واصل إلى الخاص والعام، فاحمد الله الذي أفردك بالصلاح في دهر الفساد، وزينك بالكرم في زمان اللؤم، وحبب إليك الإحسان بين أهل الإساءة.
وسل الله مزيداً لك، ورفقاً بك، وأخذاً بيدك، وعافية في جسمك، وحراسة للنعمة عندك، وصرفاً للصروف عن ساحتك، فإنه جواد واجد، ملك ماجد.
اللهم إني أشكو إليك سوانح نفسي، وفلتات ضجري، وقوارص لساني، وسيئات عملي، وخوادع أملي، فكن لي نصيراً وبي رحيماً، فلا قوة لي إلا بك، ولا توفيق إلا منك، ولا منال إلا على يدك، قلبني بين ما تحب وترضى، وقربني من حياضك الممدودة، ورياضك الممطورة، واسقني بكاس الرضا سلوة عن الدنيا، وامح أثرها من صدري، واجعل نازل قضاياك قريناً لصبري، وأحيني في طاعتك ناضر الوجه، صريح اللب، مرجواً مأمون الغوائل، ثم اقبضني إلى مقام الصادقين، واحشرني في حزبك، ألا إن حزب الله هم الغالبون؛ وصل على أمين خلقك، وحامل وحيك، الواسطة بينك وبين عبادك، ما لمع بارق، وذر شارق، إنك على ذلك أقدر القادرين وأجود الجائدين.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: خمس من أتى الله بهن أو بواحدة منهن أو جب له الجنة: من سقى هامة صاديةً، أو أطعم كبد هافية، أو كسا جلدة عارية، أو حمل قدماً حافية، أو أعتق رقبة عانية.

قوله سقى و أسقى، وقد فصل قوم بينهما، فقال: سقى أي جعل له ما يسقي به نفسه، وأسقى أي حصل له ماء سقيا، والسقي - بكسر السين - فنصيبه الباقي من المسقي، فأما السقي فمصدر على بابه المعتاد. والهامة الصادية: الإنسان العطشان، وفي سقي الماء آثار مأثورة: والصدى مقصور، يقال: صدي يصدى صدىً وهو صادٍ. والكتاب يقولون:أن صاد إلى لقاؤك، على الاستعارة، فهو كلام العرب، وأما الصدى فهو الذي يجيبك إذا ناديت بين جبلين، وذلك تراجع الصوت على الحقيقة ليس إن حيواناً يرد عليك وتقول في الأول أن صادٍ وصديان وهي صادية وصديا، ويقال: فلان صدى مالٍ إذا كان سائساً له لا هم له سواه. وقوله: " كبداً هافية " من الجوع فإن الكبد تهفو أي تخف، يقال: فلان قلبه هافٍ وأمره غافٍ وسره وافٍ، هكذا سمعت الحراني بمكة، وكان فصيحاً. وأما الرقبة العانية فهي المماليك، لأنهم أسرة قبضة. وإنما قلت هذا لأن بعض ما يضيق عطنه عن الاتساع في الاستعارة قال: فإن أعتق عانياً لا يجوز، وهذا يعوزه تمييز تصحيح الكلام من سقيمه.
خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذات يوم وعليه حلة، فنظر الناس إليه مستريبين، فلما رآهم كذلك أنشد:
لا شيء فيما ترى إلا بشاشته ... يبقى الإله ويفنى المال والولد
والله ما الدنيا في الآخرة إلا كنفجة أرنب. هكذا سمعت ابن الجعابي يروي، قال: وقال بعض جفاة النساك: ما لبس عمر حلة قط. وهذا أيضاً جهل آخر، قد لبس رسول الله صلى الله عليه وسلم الحلة، وركب الجواد، وشرب الحلو والبارد، وباشر النساء، ولم يله عن الله عز وجل في خلال ذلك، لقوة عزيمته في الإيمان، ولشدة منته في التقوى، وكذلك الصالحون من هذه الأمة على درجاتهم، لا يصغر شيء من هذا، ومتى كان التناول لله والترك لله لم يكن للباطل بين ما الله وما بالله موقع، ولا للحق فيه منزع.
قيل لحاتم الأصم: لو قرأت لنا شيئاً من القرآن فقال: نعم، فاندفع يقرأ: آلم. ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للشقيين الذين لا يؤمنون بالغيب ولا يقيمون الصلاة ومما رزقناهم يكنزون. قالوا:ليس هكذا قال: صدقتم. ولكن كذا أنتم قال يحيى بن وثاب في بغداد مدينة السلام وقبة الإسلام معدن الخلاف ومعقل الأناقة جعلها الله لخليفته مثوى ولشيعته مهوى.
قال ثعلب:يقال فلان كالبدر ليلة تمامه وكدرة شق عنها الصدف، وفلان أمضى من السيف، وأدفأ من النار، ولسان فلان كالمبرد ووجه فلان كالمسن، وجبينه كاللجين قال الناشئ الكبير
العيش فانٍ فمن عد الغنى كدراً ... فعف ثم اكتفى بالعفو منه صفا
أشدد يديك بمن تهوى فما أحد ... يمضي فيدرك حقاً بعده خلفا
واستعتب الحر إن أنكرت شيمته ... والحر يستأنف العتبى إذا أنفا
ولم تجد من له في قصده سبق ... إلا وجدت له عن حظه جنفا
من ذا الذي نال حظاً دون صاحبه ... يوماً وأنصفه في الود أو نصفا
لا خير في رجل يعطيك مهجته ... حتى إذا أعجبته حاله انحرفا
وله:
فإن تكن الأيام خانت فربما ... أرتنا زمام الحر في قبضة العبد
وله:
ملكنا وكل المماليك ميسما ... ودنا وكنا للديانة موسما
قال جحا لأمه: اخبزي، قالت: ليس لنا دقيق، قال: فاخبزي فطير لليثي في قتل محمد بن زيد وآله:
آل زيد رماكم الده ... ر واجتث أصلكم
بدد القتل بالصوا ... رم والسمر شملكم
لا أرى الذنب للذي ... أحدث الآن قتلكم
بل أراه لمعشر ... أسسوا ذاك قبلكم
لما صار امرؤ القيس بمدينة تدعى أنقرة مرض وأحس بالموت فقال:
رب خطبة مسحنفره ... وطعنة مثعنجره
وجفنة مدعثرة ... متروكة بأنقره
ورأى قبراً لمرأة من بعض بنات ملوك الروم فقال:
أجارتنا إلى الخطوب تنوب ... وأني مقيم ما أقام عسيب
أجارتنا إنا غريبان هاهنا ... وكل غريب للغريب نسيب
وكان وسيماً جسيماً وكان مع ذلك مفركاً،قال لامرأة: ما تكره النساء مني؟ قالت له: لأن ريحك إذا عرقت ريح كلب، قال: صدقت

قال ثعلب: الشبادع العقارب، وقال: الأزيب: الدعي، وهو في بيت الأعشى: الذكي، والأزيب من الرياح.
قال شبيب بن شيبة: اشتريت جارية فأصبت منها ما يصيب الشيخ من الشابة، ثم خرجت لحاجتي ورجعت وقد عصبت رأسها، فقلت: ما لك؟ قالت: لا جزاك الله خيراً، ما زدت على أن هيجته وتركته يتقطع في أوصالي قال الأصمعي، قال أبو عبيدة: رأيت بطريقي مكة أعرابية تبيع الخوص لم أر أجمل منها قط، فوقفت أنظر إليها متعجباً من جمالها، إذا أقبل شيخ فقير فأخذ بأذنها فسار بها، فقلت من هذا؟ قالت: زوجي، قلت: كيف يرضى مثلك بمثله؟ قالت: إن له قصة، ثم أنشدت:
أيا عجباً للخود يجري وشاحها ... تزف إلى شيخ من القوم تنبال
دعاني إليه أنه ذو قرابة ... فويل الغواني من بني العم والخال
قرأت في مجموع لابن المعتز من أخبار شارية المغنية:
جعلت طريقي على بابكم ... وما كان بابكم لي طريقا
صرمت الأقارب من أجلكم ... وصافيت من لم يكن لي صديقا
سمع عمر بن الخطاب راكباً بفلاة يتغنى فقال: إن الغناء زاد الراكب.
قال أبو العيناء لرجل: والله ما فيك من العقل شيء إلا بمقدار ما تجب به الحجة عليك، والنار لك.
كاتب: إن الشكر من الله بأحسن المواضع، فازدد منه تزدد به، وحافظ عليه تحفظ به.
قال الناشئ الكبير، قال الحكماء: متى كانت الهمة فوق النعمة كان الفقر أحسن من السؤال.
شاعر:
العبد عبدك فاحكم فيه واحتكم ... وأعدل وجر غير مأخوذ بلا ولم
لا رد عندي لما تأتي به أبداً ... ولو حكمت لأعدائي بسفك دمي
اصدد إذا شئت أن يعتادني سقم ... وصل إذا شئت أن أبرا من السقم
ونور وجهك لولا ما أؤمله ... من نور طيفك لي في النوم لم أنم
قال أحمد بن أبي طاهر، حدثني حبيب - يعني أبا تمام - قال، حدثني كرامة قال: قدم علينا رجل من ولد معدان بن عبيد المغني بغداد، وكان شاعراً قد ناله من البرامكة مال كثير، فقلت له: كيف تركت آل برمك؟ قال: تركتهم وقد أنست بهم النعمة حتى كأنها منهم أو بعضهم. قال كرامة: فحدثت بهذا الحديث ثعلبة بن الضحاك العامري فقال: قد سمعت من بعض أعرابكم نحواً من هذا، قلت: وما هو؟ قال: قدم علينا فلان في عنفوان خلافة هشام، فرأى آل خالد بن عبد الله القسري فقال: إني أرى النعمة قد لصقت بهؤلاء القوم حتى كأنها منهم، قلت: فإن صاحب هذا الكلام ابن عم صاحب ذلك الحديث في ما أرى.
قال أحمد، حدثني حبيب قال، حدثني أبو محسن الأزدي، قال، حدثني عمرو بن سراقة قال: قدم علينا شيخ من أزد البصرة وكان حدثاً قال: سأل رجل عبيد الله بن أبي بكرة فأغناه، فجاء الرجل بعشيرته شاكرين له، فالتفت عبيد الله إلى بعض ولده فقال: ما أخوفني أن يكون الحمد في الرياء!! فقال له: قد أمنك الله من هذا أيها الشيخ، قال: صدقت ويلك، أما ترى قليل ما أعطيناه وكثير ما أخذناه؟ قال أذاراي: الدهر زمان ساكن، والزمان دهر يفسد ما يحركه.
قال أفلاطون: من زعم أن الحركة يلزمها الخفة والثقل من جهة الإبطاء والسرعة وهي متناهية ذات أشكال كثيرة، وليس متناه ذو أشكال كثيرة إلا وأشكاله منفصلة، لم تنفصل إلا عن شيء لزم بعضها دون بعض.
قال أفلاطون: الإيضاح على نحوين: أحدهما من تلقائنا والآخر من تلقاء الطبيعة، فالذي من تلقاء الطبيعة كلي، والذي من تلقائنا جزئي.
وقال: لولا أن العقل شكله شكل فلكي لكان منقطعاً، وهو مع أنه يوصف بالحركة على نحو ما ساكن.
قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: إلى كم أغضي الجفون على القذى، وأسحب ذيلي على الأذى، وأقول لعل وعسى.
سمعت بدوياً ببطن نخل يقول في كلام له: رب مطرق على شجىً، ومعنق على وجىً.
قال أعرابي في وصف سيده: هو نبعة أرومته، وأبلق كتيبته، ومدره عشيرته، ونابهم الذي عنه يفترون، وبابهم الذي إليه يضطرون.
قال أعرابي في وصف رجل: إذا ناضل كشف القناع، وإذا فاضل ترك الخداع، وإذا حارب حسر اللثام، وإذا سالم أصلح النظام.
سمعت بدوياً بفيدٍ يقول في وصف آخر: إن مد باعه إلى الكرم قصر، وإن أطلق لسانه في الجدل حصر.
وقال دريد بن الصمة لهوازن يوم حنين: أين أنتم؟ قالوا: بأوطاس، قال: لا حزم ضرس، ولا سهل دهس.

قال أعرابي: لا يشق غباره، ولا ينال طواره ولا يرتق فتقه، ولا يبلغ عمقه.
قال بعض النساك: أمارة الاغترار بالله، الإصرار على سخط الله.
قال أعرابي: سخيف لا يرعى، حقه لا يرعى.
سمعت أبا فرعون التميمي يقول: ما أسهل السرب على الماتح، وأهون المصيبة على النائح.
أفلاطون: المتعلم يحتاج إلى لم، كما أن الفيلسوف يحتاج إلى ما.
وقال أيضاً: تبيان المسالة حسن الوضع.
وقال صاحب المنطق: الإيضاح لا يكون من الممكنات ولكن من المضطرات.
قال أرسطاطاليس في كتابه الذي بعد الطبيعة: فوق جوهر السماء جوهر لا عظم له ولا قدر من الأقدار، يستحيل بنوع من الاستحالات، لا نهاية لقوته، ومن أجل ذلك يفعل فعله بلا زمان، وهو فعال بذاته، فلذلك هو دائم الفعل، وليس فعله بحركة، ولا فيه شيء بالقوة، لكن الأشياء فيه بالفعل، وقوته منبعة في العالم دائماً.
كتب بعض الأدباء إلى ابن سعدان في وزارته رقعة دل بها على أنه كان. على الخير لا الشر، لكني وجدتها مليحة التلطف: عبد مولانا - أطال الله بقاءه - وإن كان منبوذاً بالعراء، مقصوداً بالجبه، لا يلحظ بعناية. ولا يضاف إلى كفاية، فإنه لنصح جيبه، ونقاء ضميره، وتعصبه لهذه الدولة الميمونة، وعشقه لهذه الأيام المأمونة، يستقري الجلي متعرفاً ويستنبط الخفي مستشفاً، ثم ينهيهما على رسم الخدمة، ليكونا مادة لرفع ولي وتقديمه، وقمع عدو وتقويمه، وكان كذا وكذا، وأنهيت ذلك على مذهب الخدم ليكون رأيه من ورائه، فإن رأى - لازالت كف السعادة له مصافحة، ولسان الدولة ناصحة، ما تعاقب الجديدان وتصافح اللديدان - أن يعرف انتصابي للخدمة، ونفيي والقذى عن المملكة، فعل إن شاء الله.
فلما قرأ أبو عبد الله قال: ما أحسن ما احتال في شكوى حاله بين أضعاف مدحه، جئني برقاعه وحاجته، فقضى كل حاجة كانت له.
قال كاتب: القلم الدوائ كالولد العاق وقالوا القلم أحد اللسانين، والعم أحد الأبوين، والتثبت أحد العفوين، والمطل أحد المنعين، وقلة العيال أحد اليسارين، والقناعة أحد الرزقين، والوعد أحد الصرفين، والإصلاح أحد الكسبين، والراوية أحد الهاجيين، والهجر أحد الفراقين، واليأس أحد النجحين، والمزاح أحد السبابين.
سألت السيرافي عن قول من قال: المزاح سمي مزاحاً لأنه أزيح عن الحق، فقال: هذا محكي عن ابن دريد، وهو باطل، الميم من سنخ الكلمة في (مزحت أمزح) ومن (أزيح) تكون زائدة.
وقال أبو سعيد: كان أبو بكر ضعيفاً في التصريف والنحو خاصة، وفي كتاب (الجمهرة) خلل كثير، قلنا له: فلو فصلت بالبيان عن هذا الخلل وفتحت لنا باباً من العلم فقال: نحن إلى ستر زلات العلماء أحوج منا إلى كشفها، وانتهى الكلام، فلما نهضنا من مجلسه قال بعض أصحابنا: قد كان ينبغي لنا أن نقول له: حراسة العلم أولى من حراسة العالم، وفي السكوت عن أبي بكر إجلال ولكن خيانة للعلم.
فاخر صاحب سيف صاحب قلم، فقال صاحب السيف: القلم خادم السيف إن بلغ مراده، وإلا فإلى السيف معاده.
شاعر:
تعس الزمان لقد أتى بعجاب ... ومحا سطور الفضل والآداب
واتى بكتاب لو انطلقت يدي ... فيهم رددتهم إلى الكتاب
نعم من الأنعام إلا أنهم ... من بينهم خلقوا بلا أذناب
قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أعظم النساء بركة أحسنهن وجهاً وأرخصهن مهراً " .
وقال عليه السلام: " أفضل ما أفاد المسلم بعد الإسلام امرأة مؤمنة، إذا رآها سرته، وإذا أقسم عليها برته " .
يقال: التزويل هو أن يمتد الأير ولا يشتد، والإكسال أن يجامع الرجل ولا ينزل.
قال الكسائي: أفدت المال أعطيته غيري، وأفدته استفدته، قال الناس: يقال: فاد المال نفسه لفلان يفيد إذا ثبت له مال، والاسم الفائدة، وفاد الرجل إذا مات.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنما النساء لعب، فليستحسن الرجل لعبته " .
وقال عليه السلام: خير نساء ركبن الإبل هن صوالح قريش،أحناهن على والد، وأرعاهن على زوج في ذات يدٍ.
مات أعرابي عن أعرابية يقال لها طيبة، وخلف عليها بنياً، وتزوجت المرأة سراً والغلام لا يعلم، وكانت تختضب وتكتحل ويرى الغلام ما لا يعجبه، وكان الرجل يأتيها ليلاً وينصرف مع الصبح، فقال الغلام:
ياطيب ما هذا بفعل حانيه
أكل يوم حلة مدانية
وكحل عينين وكف قانيه

إما على بعل وإما زانيه
والله ما أرضى بهذا ثانيه
الحانية: المتعطفة، والمصدر الحنو، فأما قولهم: حنت النعجة فيريدون اشتهت الذكر.
قال أعرابي: في وصف الجارية يقال: ناصعة اللون، جيدة الشطب، نقية الثغر، حسنة العين والأنف، ظريفة اللسان، واردة الشعر، يقال في اللغة: التليعة:الطويلة العنق، ويقال:فيها تلع.
قيل لأعرابي: أتحسن وصف النساء؟ فقال: إذا عذب طرفاها، وسهل خداها، ونهد ثدياها، ولطف كفاها، وبض ساعداها، وعرض وراكها، والتف فخذاها، واخدلج ساقاها، فهي هم النفس ومناها.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: للمسلم على أخيه حقوق لا براء منها إلا بأداء أو عفو، ومنها: يغفر زلته ويرجم عبرته، ويقدم نصيحته، ويديم صلته،ويعود مرضته ويجيب دعوته ويقبل هديته ويكافئ صلته ويشكر نعمته، ويحسن نصرته، ويحفظ حليلته، ويقضي حاجته، ويشفع مسألته، ويشمت عطسته، وينشد ضالته، ويرد سلامه، ويطيب كلامه، ويبر إنعامه، ويصدق أقسامه، ويواليه ولا يعاديه. وينصره ظالماً ومظلوماً، وأما نصرته له ظالماً فيرده عن ظلمه، وأما نصرته مظلوماً فمفهوم، ولا يخذله، ويحب له من الخير ما يحب لنفسه، ويكره له من الشر ما يكره لنفسه.
ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله يقول: " إن أحدكم ليدع من حقوق أخيه شيئاً فيطالب به يوم القيامة فيقضى له عليه " .
وقال أيضاً: " إن أحدكم ليدع تشميت أخيه إن عطس فيطالب به يوم القيامة " قال الحكم الأعرابي. قال روح بن حاتم: بينا أنا واقف على بعض ولاة البصرة إذ أقبل خالد بن صفوان، فنظر إلي وقال: يا ابن أخي، والله ما بكرت ولا هجرت إلى باب أحد من الولاة إلا رأيتك واقفاً عليه، أكل هذا حب منك للدنيا وحرص عليها؟ قال: فأجللته عن الجواب وقلت إنما هو عم، ولعله أراد أن ينفرني ليعلم ما عندي في جوابه، فقلت: والله ياعم، حسبك برؤيتك إياي عليها طلباً منك للدنيا، فضحك وقال: يا ابن أخي، إن قلت ذاك لقد ذهب ماء الوجه وسناء البصر، واقترب العهد العلل،والله ما أتت علينا ساعة من أعمارنا إلا ونحن نؤثر الدنيا على ما سواها، ثم ما نزداد لها إلا تحلياً، ولا تزداد عنا إلا تولياً.
قيل لأعرابي: ما خلفت لأهلك؟ قال: الحافظين، قيل:وما هما؟ قال: أعريهن فلا يبرحن، وأجيعهن فلا يمرحن.
وقال كعب بن جعيل:
مدحت قريشاً واصطفيت ابن خالدٍ ... وللخير آيات بها يتوسم
وكنت كمرتاد بمنقاره الثرى ... وصادف عين الماء إذا يترسم
غياث الجياع والمراضيع إ ن ... بمكة يوم ذو أهابي أيتم
فإن يسأل الله الشهور شهادةً ... ينبأ جمادى عنكم والمحرم
بأنكم من خير من وطئ بالحصى ... إذا طفق المعطي يضن ويسأم
قال ابن أبي بردة: غزا قوم الديلم فأسروا، وأسر الديلم شديد، قال: فاشتكى ابن ملك الديلم فقالت أمه: اذهبوا به إلى العرب لعل عندهم دواء، فجاءت به امرأة فقال لها رجل: هاتيه، فقال له رفيقه: أنشدك الله لا تعرضنا للهلكة، قال: هاتيه، فجعل يعوذه ويقول:
أيا أم ذا المولود لا شب قرنه ... ولا زال فيه سقمه يتردد
ويا أم ذا المولود جودي بكسرة ... لشيخين من همدان قيس ومرثد
قال: فما أتت له ثالثة حتى برأ، فخلي عنهم كلهم.

قال الناشئ في كتاب (نقد الشعر): ومخاطبات النساء تحلو في الشعر وتعذب في القريض، لا سيما لغانية قد أطر الفتاء شاربها، وزوى الإباء حاجبها، وأشط الجمال قوامها، وأفرد الحسن تمامها، وأنجل الهوى عينيها، وأمرض الزهو جفنيها، وأرابت الصبابة ألفاظها، وفتر الرنو ألحاظها، وأرهف الظرف أعطافها، وألانت النعمة أطرافها، ولذ للراشف مبسمها، وأطرد ماء النعيم بين رياضها وجناتها، وترقرق جريال الشباب على سحناتها، وجدل للضم قدها، ومالت للجاذب جمائرها، ودالت للقاضب غدائرها، وشخصت للوفور مآكمها، وظمأت للذيول فضولها، وسهلت للعيون حجولها، وطابت للمتنسم ملاغمها، وأرجت للمتنعم فواغمها، فكيف إذا هي برزت من حجابها وسفرت عن نقابها، وتهادت بين أترابها، وقد هز الريح أردانها، استعز المراح أكنانها. بل كيف إذا هي أملها سائلها، وأكلها مقاولها، وأعرضت عنه صدوغاً، وتأوهت منه عزوفاً، وقد قطب التيه جبينها، واستغض الأنف عرنينها، واستخفها الطرب، واستهواها العجب، فافترت مبتسمة عن شتيت أنيابها، ومعسول رضابها، وكيف تقر نفس عاشقها إذا هي لسنته بعتابها، ولحنته بسبابها، وقد لاثت ذوابل أثوابها، وحسرت فواضل أسلابها، وطفقت تعد ذنوبه بحناجرها، وتأبى معاذره بمكاسرها،وهل تطوع لها أمنية إذ أعتبته من صدها، وبذلت له مصون ودها، ثم أسعفته بزورة وسنت لها عين راقبها، وغيلت بها نفس عاقبها، قد التفعت إليه ملاء ليل، أو وطئت إليه أعقاب قيل، قد خزل الأين أياطلها، وبل البهر غلائلها، وقصرت له أعاليها وأسافلها، وأوجل الوجل فرائصها، وأوجى العجل أخامصها، ثم طفقت تستعتب نفسها وتستكفها، حتى إذا أسمحت بها قرونتها، وأسجحت له سجيتها، وسكن إلى الإيناس قلقها، وأسرع إلى الإبساس علقها، ناسمته من حديثها بما هو أقر لعينه، وأشهى إلى نفسه من طول بقائها، ودوام نعمائها. ولنا في هذا الباب ما لم يخرج عن مذهب القوم، منه:
فديتك لو أنهم يعقلون ... لردوا النواظر عن ناظريك
ألم يقرءوا ويحهم ما يرون ... من وحي قلبك في مقلتيك
وقد جعلوك رقيباً علينا ... فمن ذا يكون رقيباً عليك
سأل سعيد بن فلان عبيد الله بن زياد أن يتغدى عنده، فأجابه وأمر بحمل البسط والفرش، ووجه إليه الخبازين والطباخين، فلما دخل عبيد الله قال: هات ما عملت، وبعث إلى منزله فحمل وأكل، فلما فرغ قال له سعيد: أصلح الله الأمير، لا يخرج من منزلي شيء، قال: دعنا نخرج.
قال المدائني: قال سلم بن زياد لرجل يقال له طلحة الخزاعي: إني أريد أن أصل رجلاً له حق وصحبة بألف ألف، فما ترى؟ قال: أرى أن تجعل هذه لعشرة. قال: فخمس مائة ألف، قال:كثير قال:رجل بمائة ألف؟ قال: نعم، قال: وبها يقضى ذمام رجل له صحبة؟ قال: نعم. قال: هي لك فما أردت غيرك، قال: أقلني، قال: لا فعلت أبداً.
قال الأصمعي: دهاة العرب أربعة كلهم ولدوا بالطائف: معاوية، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، والسائب بن الأقرع.
قال: لما أتي سليمان بن عبد الملك برأس قتيبة كتب لوكيع بن أبي سود عهده على خراسان، فقال يزيد بن المهلب لابراهيم بن الأهتم: إن رددت أمير المؤمنين عن رأيه في وكيع فلك مائة ألف، فقام ابن الأهتم فتكلم بكلام تفرق الناس عن استحسانه فقال: يا أمير المؤمنين، إن وكيعاً أدرك في الثأر، وبالغ في الطاعة، فجزاه الله خيراً، غير أني لو خفت من إحدى يدي خلافاً على أمير المؤمنين لأحببت انبتاتها من صاحبتها، وإن وكيعاً لم يملك مائتي عناق قط فحدث نفسه بالطاعة، فلا تأخذنا بحديث إن كان منه، فقال سليمان: ويلك فمن لخرسان؟ قال: العبد في الطاعة، والأخ في النصيحة، يزيد، فولاه.
قال بعض جلساء الأمراء: والله لقولة (يا غلام، هات الطعام) أحب إلي من صوت ابن سريج.
قال: كان الحجاز يوضع له في كل يوم ألف خوان لأهل الشام، على كل خوان قفيز من دقيق وسبعة أرطال قديد وجنب شواء وسمكة وجرة لبن وجرة ماء وعسل، فشكوا يوماً قلة المرق، فدعا صاحب الطعام وضربه مائتي صوت وقال: يشكون قلة المرق وأنت على دجلة؟ قال الأصمعي: قلت لأعرابي:هل لك في ثريدة؟ قال:
ثريدة محمومه ... في صحفة مكمومه
قد ألحفت رقاقا ... وجللت عراقا

أتى أبو دلامة ابا جعفر المنصور وهو سكران،فأمر بحبسه في السجن، فلما أصبح وصح كتب إليه:
أمير المؤمنين فدتك نفسي ... علام حبستني وخرقت ساجي
أمن صهباء صافية المزاج ... كأن شعاعها لهب السراج
تسر به القلوب وتشتهيها ... إذا برزت تقرقر في الزجاج
وقد طبخت بنار الله حتى ... لقد صارت على النطف النضاج
أقاد إلى السجون بغير جرم ... كأني بعض عمال الخراج
ولو معهم حبست لطاب عيشي ... ولكني حبست مع الدجاج
وقد كانت تخبرني ذنوبي ... بأني من عذابك غير ناج
على أني وإن لاقيت شراً ... لخيرك بعد ذاك الشر راج
قال ابن المعتز: قلت لبعض أصحابنا: كم تكون تاركاً للتوبة مماطلاً به؟! فقال: قد قال الله تعالى: " خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئا " ً عسى الله أن يتوب عليهم " التوبة:102، وعسى إطماع، والكريم إذا أطمع فعل، قلت: فأين قول الله تعالى: " ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره " الزلزلة:8، فقال: يراه فيغفر له.
قال ابن المعتز: قال بعض أصحابنا: لا تنزل الهم إلى قلبك إلا على أشخاص، فإن الهم يتعلق بعضه ببعض.
قال الصوفي: لا تباغض نفسك فلا بد من أن تغتر قليلاً وإلا فسدت دنياك وأسأت معاشرة نفسك.
قال ابن المعتز: لما جاء جعفر بن يحيى من الرقة شيعه عبد الملك بن صالح، فلما أراد الانصراف قال: حاجة، قال: وما هي؟ قال: أن تكون كما قال الشاعر:
وكوني على الواشين لداء شغبة ... كما أنا للواشي ألد شغوب
فقال جعفر: بل نكون كما قال الشاعر:
وإذا الواشي أتى يسعى بها ... نفع الواشي بما جاء يضر
قال ابن المعتز: وإنما أراد أن يؤنب جعفراً فأنبه جعفر.
لأبي نواس:
مقرطقة لم يشقها سحب ذيلها ... ولا نازعتها الريح فضل البنائق
كأن مخط الصدغ في صحن وجهها ... بقية أنقاس بإصبع لائق
وقال ابن المعتز: قرأت بخط أبي المعسكر المسمعي، حدثني أبو عبيد قال، حدثنا أبو سعيد البصري قال، حدثنا الحسن بن عرفة قال، حدثني عيسى بن يونس عن الأوازي قال: وثب خالد بن عبد الله القسري على امرأة فقبلها، فشكته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليه فاعترف وقال: إن شاءت فلتقتص مني، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أو لا تعود، قال: لا أعود يا رسول الله.
ولا أدري من هذا القسري وكيف هذه الرواية.
بشر بن يزيد الكاتب:
أيا دمن الدار لولا الخدود ... ولولا الجفون ولولا المقل
ولولا الأقاحي ولولا النحور ... ولولا السوالف من ذات دل
ولولا القدود ولولا الخصور ... ولولا ضفائر وحف رجل
ولولا التعانق عند اللقاء ... بعد الفراق ولولا القبل
لهانت على العاشقين الديار ... ورسم الربوع ومحو الطلل
آخر:
يا رب كأس قد سبقت بها ... عذل العذول وغرة الشمس
وكأنما اليوم الطويل بها ... قصراً وطيباً قبلة الخلس
آخر:
صبحتهم والصبح ينفض رأسه ... قد هم بالإسفار أو لم يسفر
والليل منهزم الظلام يشله ... صبح كناصية الحصان الأشقر
لعمارة بن طارق:
فصبحت قبل الصباح الفائق ... وقبل عصفور الأذان الناطق
والصبح كالسربال ذي البنائق ... والنجم كالزند أمام السائق
وقيل لجمعة الإيادية: أي الغيث أحب إليك؟ قالت: ذو الهيدب المنبعق، الأضخم المؤتلق، والصخب المنبثق.
شاعر:
جادك يا بغداد من بلاد ... صيب كل رائح وغاد
يا ليت شعري والحنين زادي ... هل لي إلى ظلك من معاد
لله ما هجت على البعاد ... لقلب حران إليك صاد
بدل من ربعك بالبوادي ... وقفرة موحشة الأطواد
مجهولة مجدبة حماد ... ورملة متعبة الإصعاد
تخال في كثبانها الجعاد ... خطوط أقلام بلا مداد

قال أرسطاطاليس في كتاب (الحيوان): إذا جاع الثعلب ولم يقدر على صيد يأكله استلقى على ظهره ونفخ في بطنه، فتحسبته الطير قد مات فيقعن عليه، فيثب ويأخذ بعضها.
وقال في الضبع أيضاً: تصير مرةً أنثى وتصير مرة ذكراً، وتبدل في كل سنة، تلقح أحياناً كالذكر، وتقبل اللقاح كالأنثى، لاختلاط جوهرها وتلونه، وزعم أنها إذا رأت الكلب في ليلة مقمرة يمشي على الإجار وطئت ظله فوقع، وأن من كان معه لسان ضبعة فمر بين الكلاب لم تكلب عليه، وأن من مر في مكان كثير الضباع وأخذ بيده أصلاً من أصول الحنظل هربت من بين يديه.
قال، وقال في الذئب: إن يرى إنساناً قد خافه اجترأ عليه، وإن حمل عليه تأخر عنه، وذكر أنه خفي عليه مكان الغنم عوى حتى تسمع الكلاب صوته وتنبح فيقصدها للغنم التي معها فإذا اقرب من الغنم عوى فتقصد الكلاب صوته وتجتمع إلى ناحيته، ثم يخالفها فيقصد ناحية خالية منها فيختطف من الغنم، وزعم أن الذئب إن وطئ على العنصل مات من ساعته، والثعلب يأتي بهذه البقلة فيضعها في جحره لئلا يأتيه الذئب فيأكل جراءه.
وقال في الجراد: أنه إن ظعن ظعن كله مثل العسكر العظيم، وإن حل حل جميعه، وإن وقع في المزارع لا يتحرك ساعة وقوعه حتى يأتيه وحي من السماء، وليس من طبيعته، وقال لابن المعتز: فهذا يكذب بالوحي إلى الآدميين، ويصدق به إلى الجراد.
وأنشد للراعي:
فبت وبات الحاطبان وراءها ... بجرداء محل يألسان الأفاعي
فما برحا حتى أجنا فروخها ... وضما من العيدان رطباً وذاويا
إذا حمشاها بالوقود تغيظت ... على اللحم حتى تترك العظم باديا
وله:
من الأثل أما ظلها فهو بارز ... أثيث وأما نبتها فأنيق
لها هدبات فوق ميثاء سهلة ... نواعم ما في ظلهن فتوق
جمع هدبة، وهي أغصان الأثل والأرض.
شاعر:
لعمرك إنني لأحب نجداً ... ولست أرى إلى نجد سبيلا
خليلي اقعدا لي عللاني ... وضما من وسادي أن تميلا
ألم تريا جنوحي واعتمادي ... على الأحشاء والصبر الجميلا
خرج المهدي يتصيد، فعاربه فرسه حتى دفع إلى خباء أعرابي، فقال: يا أعرابي، هل من قرىً؟ قال: نعم، فأخرج له فضلة من ملة فأكلها، وفضلة من كرش فيه لبن فسقاه، ثم أتاه بنبيذ في زكرة فسقاه قعباً، فلما شرب المهدي قال: يا أعرابي، أتدري من أنا؟ قال: لا، قال: أنا من خدم الخاصة، فقال: بارك الله لك في موضعك، ثم سقاه آخر فلما شربه قال: يا أعرابي، أتدري من أنا؟ قال: نعم، زعمت أنك من خدم الخاصة: قال: لا بل أنا من قواد أمير المؤمنين، فقال: رحبت دارك، وطاب مزارك، ثم سقاه قدحاً ثالثاً، فلما فرغ منه قال: يا أعرابي، أتدري من أنا؟ قال: زعمت أنك من القواد، قال: لا ولكني أمير المؤمنين، فاخذ الأعرابي الزكرة فأوكاها وقال: والله لئن شربت الرابع لتقولن إنك رسول الله، فضحك المهدي، وأحاطت به الخيل وأبناء الملوك والأشراف، فطار لب الأعرابي، فقال له المهدي: لا بأس عليك، وأمر له بصلة.
لعوف بن محلم:
أفي كل عام غربة ونزوح ... أما للنوى من ونية فتريح
لقد طلح البين المشت ركائبي ... فهل أرين البين وهو طليح
وأرقني بالري نوح حمامة ... فنحت وذو الشجو الحزين ينوح
على أنها ناحت ولم تذر عبرة ... ونحت وأسراب الدموع سفوح
وناحت وفراخاها بحيث تراهما ... ومن دون أفراخي مهامه فيح
عسى جود عبد الله أن يعكس النوى ... فتلقى عصا التطواف وهي طريح
فإن الغنى يدني الفتى من صديقه ... وعدم الفتى للمقترين طروح
قال أنس بن مالك لمصعب بن الزبير في رجل من الأنصار: احفظ فينا وصية النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فنزل مصعب عن سريره وتمرغ في التراب ووضع خده على الأرض وقضى حاجته.
مرداس السلمي:
وغيث خصيب ماؤه تحت بقله ... يروعني منه غراب وناهق
تبطنته والطير في وكناتها ... يدافع ركني سائم الطرف ناتق
قويرح أعوام كأن سراته ... سراة طراف مددته الجوالق

قال محمد بن يزيد الأموي البشري - من ولد بشر بن مروان يصف حماراً اصطاده:
يظل مفارقاً للعين يكبو ... ومن دفع الدماء له إزار
كأن النقع ممتداً عليه ... رواق في حواشيه احمرار
قال الحجاج: أيها الناس، اتقوا الغبار فإنه سريع الدخول بطيء الخروج.
شاعر:
لا أستلذ حديث غانية ... وأرى حديثك كله حسناً
ووعدتني وعداً فخست به ... ومطلتني فكفى بذا حزنا
آخر:
بكيت الجياد وفرسانها ... فلم أبك كالفرس الأبلق
رمته المنايا فماذا رمت ... من الجري والحسب المعرق
طويل الذراع قصير الكراع ... إذا شاهد الجري لم يسبق
كميت تجول على متنه ... أساريع من لونه المشرق
وكانت به الريح مغلولة ... متى ما تخص بحره تغرق
وأدنى الشآبيب من جريه ... إذا انهل كالعارض المطلق
قال ابن المعتز: أخبرني اسماعيل بن يحيى قال، حدثنا مؤرج قال: كان زكريا بن حسان من بني ربيعة بن مالك غرس فسائل له حتى إذا حسنت رمى عنهن يعني سافر عنهن - فمكث زماناً طويلاً فظن أنهن قد هلكن، فأتاهن فرآهن يتسامين فقال:
كأنها وهي تناهى بالعبل ... غيد العذارى برزت من الحجل
يرسلن للورد إذا الساقي غفل ... أرشية لم يثنها متن الحيل
تنفي حصى البيداء عن نجل غلل ... معتلج لا ثمد ولا وشل
فهي ترامى ثقلاً بعد ثقل ... فمرتقيها خائف على وجل
من يهو منها يهومن مهوى زلل ... ناء من الأرض بعيد المنتقل
قال ابن المعتز: من فضائل الليل التهجد الذي مدح الله أنبيائه به فقال: " كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون " الذاريات:17، وفي الليل تنقطع الأشغال، وتجم الأذهان، وتدر الخواطر، ويتسع مجال القلب، والليل أضوأ في مذاهب الفكر، وأخفى لعمل البر، وأعون على السر، وأصح لتلاوة الذكر،قال الله تعالى: " إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلاً " المزمل:6، وقال الشاعر:
ولم أر مثل الليل جنة فاتك ... إذا هم أمضى، أو غنيمة ناسك
وفيه ينجو الهارب، ويدرك الطالب، ويفرق بين الشجاع والجبان.
قال أبو دلف:
أنا ابن الليل والخيل ... فنزال ورحال
وللأبطال قتال ... وللأثقال حمال
بشار:
قد نام واش وغاب ذو حسد ... فاشرب هنيئاً خلا لك العطن
آخر:
ومنادم نبهته ... والليل ملتف الستور
فكأنه متعلق ... طرباً بأجنحة النسور
قال أبو هفان: رأى أبو نواس في سوق الكرخ غلماناً فقال: أما ننظر إلى الظباء، طوبى لمن كان جليس هؤلاء، واحسرتي عليهم إذ لا سبيل إليهم.
قيل لعبد العزيز بن عمر: إن بنيك يشربون، فقال: صفوهم، فقالوا: أما فلان فإن يتقيأ في ثيابه فقال وهذا يدعو النبيذ قالوا وأما فلان فإذا شرب خرق ثيابه وثياب من معه وعربد، قال: هذا النبيذ، قالوا: وأما فلان فأسكن ما يكون وأحلمه، ولا ينال أحداً بسوء، قال: هذا لا يدع النبيذ.
سلم رجل على إبراهيم القارئ فقال: كم تسلم علي؟! سلفني سلام شهر وأرحني.
قال رجل للشعبي: ما زلت أطلبك، فقال: وما زلت فأراً منك.
قال آخر: الإخوان بمنزلة النار، قليلها متاع، وكثيرها صداع.
قال الأحنف: كانت المودة قبل اليوم محضاً، فليتها اليوم كانت مذقاً.
لابن همام السلولي:
حصر إن يسيل خيراً لم يجد ... وإذا ما سال الناس ألح
كحمار السوء إن أشبعته ... عض من نال وإن جاع رمح
أقرب الأشياء من أخلاقه ... كل لون لونت قوس قزح
وقال آخر: ما احتنك قط رجل إلا أحب الخلوة.
قال ابن المعتز: سمع الصوفي قول إبراهيم بن العباس الصولي:
أبا جعفر خف نبوة بعد دولة ... وخفض قليلا من مدى غلوائكا
فإن يك هذا اليوم يوماً حويته ... فإن رجائي في غد كرجائكا
فقال: هذا رجل موسر من الفطنة.
وسألت الصوفي عن ابن منارة فقال: ذاك في عقله خمسون كلباً سوى السنانير، كذا قال ابن المعتز.

وقالوا: لا تجالس عدوك فإنه يحفظ عيوبك، ويماريك في صوابك.
وقالوا: من استضاف بخيلاً استغنى عن الكنيف.
وقال آخر: البغيض إذا بغض نفسه فإن أعوانه على ذلك كثير.
قال عبد الله بن أحمد بن يوسف: دخلت على ابن منارة وبين يديه كتاب فقلت: ما هذا؟ فقال:هذا كتاب عملته مدخلاً إلى التوراة، فناظرته فيه وقلت: الناس ينكرون هذا، فقال: الناس كلهم جهال، قلت: فأنت إذن ضدهم؟ قال: نعم، قلت: فينبغي أن يكون ضدهم جاهلاً عندهم؟ قال: صدقت، قلت: قد ثبت أنك جاهل بإجماع الناس والناس جهال بقولك.
عثر بعض أصحابنا في مجلس ثم عثر بعده آخر، فقال الصوفي: أرانا نعاشر قوماً تطرح قوائم.
منصور بن باذان:
وليس يخفى عليكم ... من المنازل طينه
ولو رأيتم دخاناً ... في البحر صرتم سفينه
قال الأصمعي: عوتب أعرابي على التطفيل فقال: إنما بنيت المنازل لتدخل، ووضعت الموائد لتؤكل، وما لي لا أدخل وأقعد مستأنساً، وأبسط وجهي إذا كان رب البيت عابساً.
تطفل قوم على مزبد وهو يطبخ قدراً له، فنشل أحدهم قطعة لحم فأكلها وقال: تحتاج إلى خل، ونشل الآخر أخرى فأكلها وقال: تحتاج إلى أبزار، وفعل آخر مثل ذلك وقال: تحتاج إلى ملح، فأخذ مزبد قطعة فأكلها وقال: تحتاج إلى لحم، فضحكوا وقاموا عنه.
رأى رجل مزبداً بالرها وعليه جبة خز، وكان قد خرج إلى الرها فحسنت حاله فقال له: يا مزبد تهب لي هذه الجبة؟ فقال: ما أملك غيرها، قال الرجل: إن الله تعالى يقول: " ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة " الحشر:9 فقال مزبد: إن الله تعالى أرحم بعباده من أن ينزل هذا بالرها في كانون وكانون، وإنما نزلت بالحجاز في حزيران وتموز.
قال المدائني: مات رجل بالحيرة في بيت خمار، فأخذه أهله وقالوا: أنت قتلته، فقال الخمار: والله ما قتلته إلا كلمة كان يرددها، قالوا: وما هي؟ قال: وأخرى تداويت منها بها قيل لبعض أصحاب النبيذ: أي صلاة تصلي؟ قال: الغداة والظهر والعصر، قالوا: فالمغرب؟ قالوا فالمغرب؟ قال: تعرف وتنكر، فالعتمة؟ قال: ما كانت لنا في حساب قط.
وقيل: لم يداو السكر بشيء أفضل من نومة يطفأ بها ما التهب من شر طبيعته.
قال ابن المعتز: حدثني بعض أصحابنا قال قلت لطباخ مرة: ما أطيب طبيخك لولا أنك تصغر البرمة، فقال: إنما يكمل طيب البرمة بأن يأكل منها القوم لقمة لقمة فيستطيبونها، وهؤلاء إذا طلبوا أخرى لم يجدوها.
قدم إلى بعضهم لوزينج غليظ القشور فقال: ما عمل هذا إلا من عقب. العقب: العصب.
قال ابن أبي برذعة:
إذا عد عيش ناعم وتذوكرت ... غرائب أيام السرور الطرائف
فمن خير أيام الحياة التي خلت ... وأطيبها يوم من العيش سالف
أصبنا به من غرة الدهر خلسة ... كما نال ورد الماء هيمان خائف
خرجنا وستر الله يجمع شملنا ... وكل لكل مسعد ومساعف
وقد اخذت زهر الرياض حليها ... وألبست الأرض الفضاء الزخارف
لجين وعقيان ودر وجوهر ... تؤلفه أيدي الربيع اللطائف
وأهدت إلينا الأرض عذراء لم يطف ... بها من سوانا قبل ذلك طائف
يباكرها وجه من الشمس طالع ... ويعقبها دمع من المزن واكف
فتمت جمالاً واعتدالاً ونضرة ... وداف لنا الكافور والمسك دائف
ومالت بنا منها غصون نواعم ... كما هز قضبان المتون الروادف
يدير علينا الكأس رطب بنانه ... وصيف جفت في الشكل عنه الوصائف
تسير إلينا من يديه وطرفه ... كؤوس لأسرار القلوب كواشف
فرحنا وما فعل الزمان مذمم ... لدينا ولا وجه من العيش كاسف
ومالت غصون البان بين رحالنا ... وجرت على وشي الرياض المطارف
ولا مثل ذاك اليوم لولا انقضاؤه ... ولا مثلنا لو أخطأتنا المتالف
وقال: سمعت مدينية تقول: ما في بيتي طحين ولا خبيز.
شاعر:
إلى الروض الذي قد أضحكته ... شآبيب السحائب بالبكاء

قال ابن الأعرابي عن المفضل: تقول العرب: يدك من اللحم غمرة، ومن الشحم زهمة، ومن الزيت قنمة، ومن الدهن نمسة، ومن الخلوق ردعة، ومن الحناء عصمة، ومن اللبن ضرة، ومن السمك صمرة، ومن الحديد سهكة.
أنشد التوزي:
يا إبلي روحي إلى الأضياف ... إن لم يكن فيك صبوح كاف
فأبشري بالقدر والأثافي ... وقادح ومغرف غراف
قال أرسطاطاليس في كتاب الحيوان: ليس للسمك نوم ولا صوت، ومنه ما يعظم حتى يصير كالجزائر والجبال. وذكر أن من أجناس السمك وما لا قشور له ولا أجنحة، لا زمة قعر الماء الدهر كله.
وزعم أن دابة بحرية تزمر أصواتاً طيبة تكاد بحلاوتها ولذتها تسلب أفهام السامعين، من سرتها إلى فوق تشبه الإنسان، ومن السرة إلى أسفل تشبه الفرس.
وزعم أن السرطان يلتذ أكل لحم الصدف الذي فيه اللؤلؤ، وأنه لا يقدر عليه حتى يفتح صدفته، فإذا فعل جعل بينهما حجراً، وزعم أن السرطان يسلخ جلده في السنة سبع مرات، ومن قبل ذلك يعمل لحجره بابين: أحدهما شارع إلى الماء، والآخر إلى الشمس، فإذا سلخ جلده سد الشارع الذي إلى الماء لئلا يدخل السمك إليه فيأكله.
قال ابن المعتز: سألت الصوفي عن بلدان طوف فيها فقلت: كم رأيت من البلاد؟ لا تسأل فإني شيطاني كان من الفيوج.
وقال مرة عندي ونحن بسر من رأى: هذا النسيم يجندر الروح.
قال التمار يصف نصيبين في قصيدة:
أرض كأن رياضها ... أبداً بماء المسك تسقى
وكأن تربة أرضها اج ... تذبت من الكافور عرقا
يعقوب بن الربيع:
لما وردت الثعلب ... ية عند مجتمع الرفاق
وشممت من أرض الحجا ... ز نسيم أرواح العراق
أيقنت لي ولمن أح ... ب بجمع شمل واتفاق
وضحكت من فرح اللقا ... ء كما بكيت من الفراق
قال: وقال الجاحظ في بعض كتبه وذكر العراق فقال: هي موضع التميمة، وواسطة القلادة، بها تلاحقت الطبائع، وصرحت عن اللب الأصيل والخلق الجميل.
وصف أعرابي بلداً فقال: ارتحلت عنه ربات الخدور، وأقامت به رواحل القدور.
قال الحجاج: الكوفة امرأة حسناء عاطل، والبصرة عجوز قد أوتيت من كل شيء.
قال عبد الملك للحارث بن خالد بن العاص: أي البلاد أحب إليك؟ قال: ما حسنت فيه حالي، وعرض فيه جاهي.
قال بعض الظرفاء: الكمأة بيض الأرض.
وصف أعرابي غيثاً فقال: بكرنا وسمي خلفه ولي، فالأرض بساط أحكم نسجه وأبدع وشيه.
قال بعض من تعصب للنرجس على الورد: النرجس أشبه بالعيون من الورد، فقال المتعصب عليه: يشبه عيون المرضى وأصحاب اليرقان ومن قد غلبت عليه المرة.
وكان المأمون يشبه الأترج بالمقفع الزمن.
قال بعضهم:لعن الله المرزنجوش والزادرخت، كأن هذا آذان الفار، وكأن هذا كف بق.
وكان بعضهم يبغض السرو ويقول: كأنه نساء عليهن حداد. ومرة كان يقول: السرو ذنب ابن عرس.
وقال: قلت للصوفي يوماً: لم تؤثر النرجس على غيره ولا تنتفع به في حال سوى شمه طرياً؟ فقال: النرجس روح كله، فإذا مات لم يخلف عندنا جسماً.
قال أبو الحارث جمين، ورأى سرواً: كأنه دخان يخرج من كوة.
وصف أعرابي الماء فقال: إن قلت هو متصل فبذاك يشهد انتظامه، وإن قلت متبايناً فعلى ذاك يدل انقسامه، أوائله جاذبة لأواخره، وأعجازه طوع صدره، هو طبيب الأرض من سقامها، تقذف بما تضمنت بطونها على ظهورها.
وصف بعض الظرفاء الماء فقال: ما ظنكم بشيء إذا أجن وصار ملحاً أخرج العنبر وأثمر الجوهر.
قال ابن الأعرابي في نوادره عن أعرابي:فأرسل الله سبحانه سبحاناً مستكفاً نشره، ضخاماً قطره، جواداً صوبه.
شاعر:
جاءت تهادى في محل نائي ... يضحك فيها البرق بالضياء
وتارة تلمح باستحياء ... كلمحة من ذي هوىً مرائي
تلوح منها الأرض في قباء ... وأصبحت في حلة خضراء
يا حبرة في الصيف والشتاء العتابي:
قلت للفرقدين والليل ملق ... سود أكنافه على الآفاق
أبقيا ما استطعتما فسيرمى ... بين شخصيكما بسهم الفراق
غر من ظن أن يفوت المنايا ... وعراها قلائد الأعناق

قال: وقلت لبعض أصحابنا، وقد خرج القمر من الكسوف:شبهه لي، فقال: درهم ندر عن سكة.
العرب تقول: قد هراق الليل أوله، إذا مضت منه ساعة.
قال ابن المعتز: أخبرني الأسدي عن الرياشي عن محمد بن سلام عن يونس بن حبيب عن أبي عمرو بن العلاء قال: دفعت إلى ناحية فيها نفر من الأعراب، فرأيتها مجدبة فقلت لبعضهم: ليس لكم زرع ولا ضرع فكيف تعيشون؟ فقال:نحرش الضباب ونصيد الدواب فنأكلها، قلت: فكيف صبركم عليه؟ فقال: يا هناه! نسأل الله خالق الأرض هل سويت، فيقول: بل رضيت، هكذا بخط ابن المعتز.
وقال بلال ابن أبي بردة لابن السماك: أي الطعام أحب إليك؟ فقال: إذا اشتد ضرس الجوع فليس شيء بأجود من ثريدة قد أكثر بلها وسطع ريحها، ثم أطرق قليلاً وقال: فإن جاءت صغار القصاع بعد الكبرى زاد ذلك فيما نهوى. قال: فما تقول في لوزينجة لان قشرها، وغرقت في سكرها ووهن لوزها فقلت ما أشد الوصف إذا عدم الموصوف إلى ها هنا من كتاب ابن المعتز.
وهذه نتف ألفتها ها هنا، فبعضها مسموع من العامة، وبعضها مروي عن الخاصة التي تروي عن العامة، وهي تجري مجرى الأمثال المبتذلة، فيها طيب ومع الطيب عبرة، ومع العبرة فائدة، وقد خلت من الأصول الدالة على الفروع، ومن العلل المقتضية للأحكام، وقد عرضتها على علية الناس أسأل عن أسرارها ومدارها، وكيف كان قديمها وفاتحتها، وكيف انتشرت الآن بين العامة، وكيف أشكل على الجميع معانيها، فلم ألحق الناس إلا رجلاً واحداً في الجهل بها وبأسبابها، وقد سردتها لتشركنا في التعجب والطيب إن شاء الله: 1 - يقولون: إذا دخل الذباب في ثياب أحدهم مرض.
2 - وإذا حكته يده قال: آخذ دراهم.
3 - وإذا حكته رجله قال: أمشي إلى مكان بعيد.
4 - وإن حكه أنفه قال: آكل لحم، هكذا يقولون، فلا تؤاخذ العامة باللحن، فإن الصواب في المعنى والإعراب في اللفظ عريان من قضاتك وعدولك وشيوخك.
5 - وإن حكه وسطه قال: آكل السمك.
6 - وإن اختلجت عينه من فوق قال: أرى إنساناً لم أره منذ حين، وإذا اختلجت من أسفل قال: سوف أبكي، أسأل الله السلامة.
7 - وإذا وجد ثقلاً في المنام من المرة السوداء قال: وقع على بختي، وعض ابهام نفسه وقال: دلني على كنز.
8 - ولا يقول بالليل: حية ويقولون: طويلة وإذا غلط أحدهم فقال: حية. قالها ثلاث مرات.
9 - وإذا أشار إلى صاحبه بالسكين غرزها في الأرض وقال: الشيطان يعمل عمله.
10 - وإذا كسف القمر ضربوا بالطست وقالوا: يا رب خلصه.
11 - وإذا طنت أذن أحدهم قال: ترى من ذكرني؟ 12 - وإذا أراد أحدهم أن يبول بالليل بصق أولاً ثم بال.
13 - وإذا صاح الغراب قالوا: خير خير، وأنت شر طير.
14 - وإذا أراد أحدهم أن يشد زره إذا انقطع أخذ في فيه تبنة وقال: حتى لا يكذب علي أحد.
15 - ولا يقولون: عقرب، ويزعمون أنها تعرف اسمها فتهرب، ويقولون: تمرة.
16 - وإذا ذكروا الجن بالليل أخذوا بأطراف آذانهم.
17 - ويكرهون البول في الميزاب ويقولون: هي منازل القمر.
18 - ويقولون: دية نملة تمرة.
19 - ويقولون: في كل رمانة حبتين من الجنة.
20 - وإذا مسح أحدهم يده بثوب صاحبه بصق وقال: حتى لا أبغضه.
21 - وإذا رش أحدهم على وجه إنسان ماءً قبّل يده وقال: حتى لا يصير نمش.
22 - وإذا صاحت البومة قالوا: منا السكين ومنك اللحم.
23 - وإذا رأوا الخنفساء في ليالي الشتاء قالوا: مباركة ميمونة وإذا رأوها في ليالي الصيف قالوا: رسول العقرب.
24 - وإذا طار الخفاش بالليل فسمعوا صوته قالوا: هذه الساحرة تطير، لا إله إلا الله، كأنما طيرانها ثوب يشق، ويكبون الطست ويقولون: باطل " وبطل ما كانوا يعملون " الأعراف:117.
25 - وإذا غاب لأحدهم غائب صوتوا في البئر ونخلوا الرماد بالليل، وزعموا أن الجن يثبتون حاله في الرماد.
26 - وإذا صدع أحدهم قالوا: انشرخ رأسه، وربطوه بتكة.
27 - ويطرحون في حب الدقيق جوزة لها ثلاثة خطوط يزعمون فيها بركة.
28 - وإذا رأوا الشمس حارة قالوا: يجيء غداً مطر.
29 - وإذا طارت من السراج شرارة إلى فوق قالوا: ينقص من أهل البيت واحد، وإذا وقعت إلى أسفل قالوا: يجيء غداً زائر.
30 - وإذا غسلت السنورة وجهها قالوا: هدية.
31 - ويزعمون أن عوج بن عنق كان يصيد السمك م قرار البحر بيده ويشويه في عين الشمس.
32 - ويزعمون أنه لا يرتفع إلى السماء من الدخان إلا قتار الكندر.

33 - ويقولون: إن للزنادقة كبش تنتثر الدراهم من صوفه، فإذا اشتروا بها تحولت عند البائع ورق آس.
34 - وإن الشيطان يحسد على الزكام والدمل.
35 - وإن الأسد محموم بالنهار فإذا كان الليل أفاق.
36 - وإن الحمار لا يدفأ إلا يوماً من أيام تموز، وهو في سائر أيام السنة مقرور.
37 - وإذا نكس أحدهم في مرضه أخذوا له دهناً من سبع دور ودهنوا به رأسه.
38 - وإذا خرج بأحدهم دمل شد على تكته عفصة غير مثقوبة.
39 - وإذا بكى الصبي لطخوا أسفل رجليه بنيلج.
40 - وإذا أصابته العين أخذوا له من بول سبعة أنفس أحدهم حبشي ماء وصبوه عليه.
41 - وإذا حم أحدهم الربع بخروه بقرن كبش، وإذا أخذه الفواق عقد بيديه أربعاً وثلاثين وزعم أنه يسكن.
42 - وإذا خرج به قوباء خط حولها خاتم سليمان ومسحه بالتراب وقال بالغداة: كيف أمسيت لا أصبحت، وبالعشي: كيف أصبحت لا أمسيت؟ 43 - وإذا لسعته عقرب غسلوا الحصى وسقوه ماءه.
44 - وإذا خرج على لسانه بثرة قال: خبأ لي إنسان شيئاً طيباً وأكله.
45 - وإذا اشتكى فم معدته ذهبوا به إلى اللواية.
46 - وإذا رأوا في الدار حية بخروها بقرن أيل وقشور البيض.
47 - وزعموا أن من أكل لحم سنور أسود لم يعمل فيه السحر.
48 - وإذا رأوا في الأفق حمرة قالوا: في السماء نار وصاحوا: الصلاة الصلاة.
49 - ويضربون بالشعير وينظرون في البخت، وأنت ترى أحدهم إذا عثر بصاحبه أخذ يده وصافحه، وربما قالوا: لئلا نتخاصم.
50 - وزعموا أن عبد الله بن هلال صديق إبليس كان يغوص بالكوفة في الطست ويخرج من ساعته بتاهرت.
وهذه أبواب خفية ليس يثبت معها روية، ولا يصح لمن اعتقدها عزم، وربما غلط فيها من هو فوق الناقص الغبي، ودون النحرير الذكي فيحسبها حقاً.
ومن أمثال العامة: 1. لا تري الصبي بياض أسنانك فيريك سواد آسته.
2. - ليس من قال: النار، احترق فمه.
3. - الخنفساء في عين أمها مليحة.
4. - من يشتهي الداح لا يقول أواح.
5. - تمره وزنبوره كلما يكبر يدبر.
6. - أنا أجرّه إلى المحراب وهو يخرا في الجراب.
7. - نفس العجز في القبة.
8. - من يأكل ولا يحسب، يخرب بيته ولا يعلم.
9. - إن كان معلم وإلا فدحرج.
10. - من صير نفسه نخالة بحثتها الدجاج.
11. - أنذل من فار الحبس.
12. - أعتق من الحنطة.
13. - أحمق من الجمل.
14. - يضربون أسته ويصيح راسه.
15. - من لم ير اللحم أعجبته الرية.
16. - من يقفز على وتدين يدخل في أسته واحد.
17. - من يأكل بيدين يختنق.
18. - ما أطيب العرس لولا النفقة.
19. - من كان له دهن كثير يطلي أسته.
20. - من كان دليله البوم كان مأواه الخراب.
21. - كل التمر على أنه كان مرة رطب.
22. - إيش الذبابة وإيش مرقها.
23. - ليت كل أرملة مثل بنت الملك.
24. - إذا كان بولك صافي فاضرب به وجه الطبيب.
25. - البحر ملان ماء والكلب يلحس بلسانه.
26. - من شاء سلح على أصحابه وقال في بطنه وجع.
27. - خبز لم تخبزه أمك كله بأضراسك كلها.
28. - لو كان في البومة خير ما تركها الصايد.
29. - إن كان ذا وجه فليس في الدنيا است.
30. - أهلك الله بدنك، ولا يسر كفنك، ولا آجر من دفنك.
31. - كف إنما وجهك خف.
32. - راسك في است القس كلما عرق اندس.
33. - ليت اليسار استقبلني من باب الدار.
34. - سد البالوعة واسقني بالبير.
51 - وإذا كانت يد أحدهم غمرة قال: من يغسل يده من الخير.
52 - وإن عطس قالوا: تعست، وإن تجشأ قالوا:خرا، وإن سعل قالوا: شوك، وإن ضحك قالوا: ضحك الأفعى في جراب النورة، وإن قرقر البطن قالوا: إن صدق الوعد مطرنا خرا.
كان لرجل جاريتان فأرادت إحداهما أن تكيد الأخرى، وكان قد واقعها مولاها، فصاحت: يا مولاي ليس لنا دقيق وقد فني الخبز، فنام أيره ونهض عن الجارية.

قد ضربت من أمثال العامة أشياء تتصل بأغراض صحيحة على سوء التأليف، وخبث اللفظ، وفيها فوائد عجيبة، فاعرف الخبيث والطيب، واختر أنفعهما لك في موضعه وأجدهما عليك عند استعماله، فلم ينبث هذا كله هذا في العالم إلا ليعرف ويميز، وليكون بعضه باعثاً على بعض وناهياً عن بعض، وباختلاف الأشياء تختلف الظنون وتنقسم الآفكار في طلب الحق وترخي الصواب وليس الحق شخصاً في محل يطوي إليه. فلا تصرف وجهك عن اللفظة السخيفة والكلمة الضعيفة، فإن المعنى الذي فيهما فوق كراهتك، وليس العالم تابعاً رايك ومحمولاً على استحسانك واستقباحك، بل يجل عن مقاحم فكرك، ويعلو على غايات فهمك، فإنك ترى لنفسك محلاً ليست به فتقول هذا حسن وهذا قبيح، دون أن تقف على حقائق ذلك الحسن والقبح بعقل ما شانه الهوى، ولا تحيفه الإلف ولا ضيعته العادة، ولا أفسده أقران السوء، ولا مني بالتخليط الرديء والمرة المسرفة، ومن لك بالكمال؟ بل من لك ببعض هذه الأحوال؟ هيهات! وأنت متردد بين غالب عليك، وقادح فيك، وآخذ منك، وهابط بك، إلا أن يأخذ الله بيدك، ويصرف كيد السوء عنك، ويحبس فعال الشيطان دونك، ويكون لك قائماً بالصنع، هادياً إلى النجاة.
لأبي النجم الفضل بن قدامة في باز:
أزرق يغذى بطري اللحم ... قد جاء منقضاً كمثل النجم
بأحجن الكلوب أقنى الخطم ... به تضاح من دم المستدمي
ينتزع الأرواح قبل النظم وله في المنجنيق:
كأنها حين ثناها الناس ... جنية في رأسها أمراس
بها سكون وبها شماس ... يخرج منها الحجر الكباس
تمر لا يحبسها الحباس ... لا واضع الترس ولا تراس
ضخم الجبين مهزم مرداس ... يأخذ من وقعتها الوسواس
قال بعض العلماء: الإتاوة للملك، والخراج للسلطان، والفيء للمسلمين، والجزية من أهل الذمة، والصدقة للنعم، والزكاة للمال، والفطرة للصوم، والكفارة للإيمان، وجزاء الصيد للمحرم، والبر لبني القربى، والرزق لمن تمون، والفقة لمن يعنيك، والصداق والصدقة للنساء، والمتاع والتحميم للمطلقة، والعدة نفقة الإعتداد، والربح للتاجر، والمرباع للسيد وهو ربع الغنيمة.
قال أعرابي: قد كشرت الفتنة أضراسها، وحسرت راسها، وشمرت أردانها، وهيجت فتيانها، وذمرت فرسانها، ونازلت أقرانها.
يقال: ما الجرب، والجراب، والجريب، والحرب، والخرب، والذرب، والسرب، والشرب، والصرب، والطرب، والضرب، والعرب، والعرب أيضاً، والغرب، والقرب، والهرب، والكرب، والكرب أيضاً، والأرب، والدرب.
وسيأتي جواب كل حرف على حدة، وإن أملك بعض الإملال أفادك كل الإفادة، ولا تبد هذا العجز الذي يدل على خور طباعك وسوء سليقتك، وانتهز فرصة العلم فربما تحمد عاقبة العمل به.
قال بعض السلف: أنت في طلب الدنيا مع الحاجة معذور، وأنت في طلبها مع الإستغناء عنها مغرور.
قال الحسن: أحسن الدنيا أقبحها عن مبصرها، وذلك أنها تشغل عما هو أحسن منها.
سمع أعرابي رجلاً يقرأ: " فإن زللتم من بعدما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله غفور رحيم " البقرة: 209، فقال: لا يكون هكذا، هكذا يهدد، فقيل: إنما هو " عزيز حكيم " قال: هذا نعم، هذا يكون مع التهدد.
أما الجرب فالداء المعروف، يقال: رجل جرب وامرأة جربة وجربى، وأجرب الرجل: إذا جربت أبله، والجراب: المزود - بكسر الجيم، وأبو حاتم يقول: الفتح من لحن العامة، وجمعه جرب، والجريب: قطعة من الأرض وجمعه جربان. وقلت لبعض العلماء: هل يقول فيمن يتحذ الجرب (جراب)؟ قال: ما سمع.

وأما الخرب فمن قولك:حرب فلان ماله فهو حريب ومحروب، والفاعل حارب، وقال بعض النساك: سمي المحراب محراباً لان الشيطان يحارب فيه بالطاعة لله تعالى، ويقال أن هذا التأويل مهزول، وإنما المحراب أشرف مكان في البيت، ومحاريب اليمن هي أمكنة شريفة في القصور، وكأن المحراب في المسجد من ذلك لموقف الإمام. وقال أبو حامد: المحراب عند بعض الفقهاء ليس من المسجد، ولهذا قيل: من بات في المسجد وحفزته بطنه ولم يمكنه الخروج فأولى به أن تقع ذات بطنه في المحراب. قال أبو حامد: ولم يقل ذلك لهذه العلة، إنما قيل ذلك لأنه مكان الإمام وحده، فإذا أصابه ذلك أصاب واحداً وهو ينتبه عليه، ويستدرك الحال هكذا، ولو وضع في ناحية أخرى فإنه يصير سبيلاً إلى نجاسة أكثر من واحد من حاضري الصلاة.
وأما الحرب فذكر الحبارى، وقد سمعت جمعه على خربان، والخراب ضد العامر، والخرابات كلام مهزول، كذا قال الثقة. وقال بعض الجوالين: الخرابات ببخارى كالمواخير بالعراق. والخارب: اللص وجمعه خراب، وكأنه استحق ذلك الفساد حاله. يقال: فلان ما عرفت له خربة - بالباء - ، وخرمة منكر، هكذا قيل في هذا المعنى، وإنما الخرمة من خرم إذا ثقب، والمخارم في الطرق، وهي المهاوي والمقاطع، والأخرم: الذي إن خرم أنفه، والمسور بن مخرمة، وكأن هذين الاسمين أخذا من سار يسور إذا علا، ومن خرم إذا أثر، والكتاب يقولون: فلان من خراب البلاد، وشذاذ المدن، وأخابث الناس.
وأما الذرب ففساد في المدة، وقيل: وهو حدور الماء، ولذلك يقال: لسانه ذرب إذا كان حديداً، والسنان المذرب: أي المحدد، والأسنة المذربة.
وأما السرب فالنفق، وهو كالسرداب - بكسر السين - هكذا يختار العلماء وكذلك السرقين والدهليز، وكل ذلك خارج عن العربية في الأصل ومجرى فيها بالاستعمال. والسرب: الماء المنصب، وكأن النفق لما كان شقاً أسرب في الأرض كالماء، والسارب: الجاري، كذا قيل في قوله تعالى: " ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار " الرعد:10، كأنه لابس الخفاء، هو الكساء، وجمعه أخفية، وقيل له خفاء لما يخفى فيه، وسارب بالنهار: أي ظاهر وقال بعض القرامطة حين دخلوا الكوفة سنة خمس وتسعين ومائتين: نحن جباة المال، وحماة السروب، واحدها سرب، والسرب: القطيع من الغنم والظباء وغير ذلك.
أما الشرب فجمع شربة، والشرب: جرعك الماء، وأنت شارب والماء مشروب، والمشرب: ما يشرب به، والماء الشريب والمشروب: ما أمكن شربه على كراهية، والشرب: الندماء كالصحب. وقد تعجب بعض العلماء من قول الناس ببغداد للذي يريد أن يسقي الناس ويحمل الماء: شارب، وقالوا: هو ساقٍ، فلما قيل: شارب؟ ولم يظهر خفي هذا إلى الساعة، ورجل شريب إذا كان كثير الشرب كسكير وخمير وفسيق، وباب هذا موقوف على السماع ولا يقال بالقياس كقولك: هو إكيل من الأكل، ولا عليم من العلم، فاحفظ السماع وافرد القياس، ولا تحمل أحدهما على الآخر.
واعلم أن القياس في اللغة من نحوين: نحو أيده السماع ودل عليه الطباع، فالقول حسن والمصير إليه جائز. سمعت هذا من أبي سعيد السيرافي. وكان أبو حامد المروروذي يقول: القياس باطل في اللغة، لأن اللغة في الأصل اصطلاح، وفي الفرع اتباع، والقياس استحسان وانتزاع، ولو وضعت اللغة بالقياس لصرفت بالقياس، فلما وضعت بالاصطلاح أخذت بالسماح، والكلام في اللغة طويل، لأن العلم بأحوالها واعتياد أهلها وأخذ بعضها عن بعضها في أصل الخلق وأول النطق وحين فتح الفاتح فاه، وعزا بعقله معنى وتوخاه، ثم صاغ له لفظاً وسماه، وأفرده بنفسه عما عداه، وقطع الصوت وأفرده من غيره بالإشارة إليه، وكيف فهم عنه السامع وكيف قرع أذنه، وكيف وصل إلى صميم عقله، وكيف عرف به مراد قلبه، وكيف وقع التمازج به والاتفاق عليه؟ علم إلهي، وسر خفي، وأمر غيبي، لا يقف عليه ولا يحيط بكنهه إلا خالق الخلق، ومبدئ العالم، ومنشئ الكون، ومالك الجملة.
وأما الصرب فالصمغ.
وأما الطرب فالخفة في الفرح، قال معاوية: الكريم طروب، أي الماجد مرتاح إلى الخير هشاش، والأطراب جمع طرب، وتطرب الرجل إذا تكلف ذلك وأما الضرب فالعسل، ويقال: هو الأبيض المحبب الذي كأن فيه حبوباً، ولا أحفظ فيه أكثر من هذا.

وأما العرب فهذا الجيل في هذه الجزيرة، وهي ألف فرسخ، والعرب أيضاً جمع عربة، وهي ناعورة، وسميت بذلك لأنها تنعر أي تصوت، ويقال: نعر فلان، وفلان تعار في الفتن، ونعر العرق: إذا فار الدم منه.
والعرب أيضاً، يقال: هي النفس، واحدتها عربة، والخيل العراب معروف. وفلان أعرابي إذا كان بدوياً، وهو عربي أيضاً. والنقطة: الإفصاح،وهذا لم يفصح الكلام، ثم بحركاته وسكناته يقع البيان، ويقال:أعرب الفرس إذا صهل فعرف بصهيله أنه من الخيل العراب. والعرب جمع عروب، وهي المحبة لبعلها، هكذا فسر في التنزيل والحكمة والبيان القويم.
وأما الغرب فشجر معروف.
وأما القرب فليلة ورود الماء من صبيحتها.
وأما الهرب فمعروف.
وأما الكرب فأصول السعف، والكرب أيضاً: حبل يشد بحبل الدلو.
وأما الأرب فالحاجة.
وأما الدرب فالمهارة، يقال: درب يدرب درباً.
كتبت من حظ ابن المعتز: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لعاصم بن زياد الحارثي، وكان عاصم قد لبس الخشن وترك الملاء: يا عاصم. أترى أن الله تعالى أحل لك الطيبات وهو يكره أخذك منها؟ أنت والله أهون عليه، قال: يا أمير المؤمنين، فأنت آثرت لبس الخشن، قال: ويحك يا عاصم، إن الله فرض على أئمة العدل أن يقدروا أنفسهم بالعوام لئلا يتبيغ بالفقير فقره، قال: فألقى عاصم العباء ولبس الملاء.
وقالوا: العفو زكاة العقل. ولو قيل: زكاة القدرة كان أنبل، هذا عندي، ولا أثق بجل ما عندي وقال علي رضي الله عنه: الجزع والشره والبخل والحسد فروع أصلها كلها واحد قيل لابن صوحان، وذكر يوماً من أيام علي: أين كنت؟ قال: كنت مع الخواص أضرب خيشوم الباطل.
قال عبد الله بن الزبير بن العوام لعمرو بن العاص: إنك لكالعشواء تخبط في جلبوب ليل خداري، هكذا كان بخطه، ولعله جلباب.
قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: لكل نعمة عاهة، وعاهة هذه النعمة عيابون طعانون، طغام مثل النعام، أتباع كل ناعق، يعني بالنعمة الخلافة فيما أظن.
قال أبو حمزة الشاري، وذكر بني أمية: ذبان طمع وفراش نار.
للناشئ الكبير:
لم تبن في الدنيا سماء مكارم ... إلا ونحن بدورها ونجومها.
وإذا سمت يوماً للمس أديمها ... يوماً أبالسها فنحن رجومها
وإذا سمعت بنعمة محروسة ... من كل حادثة فنحن حريمها
وإذا أليحت للأنام بوارق ... تندى فمنا تستهل غيومها
قال ابن المعتز: فيما تزندق فيه أبو العتاهية قوله:
إذا ما استجزت الشك في بعض ما ترى ... فما لا تراه العين أمضى وأجوز
قال ابن المعتز: لما قال:
فاضرب بطرفك حيث شئ ... ت فلن ترى إلا بخيلا
قيل له: بخلت الناس، قال: فاكذبوني بواحد.
قال ابن المعتز: وحدثني أبو سعيد عن الأثرم قال: كانت أم جعد، وهي امرأة من غدانة بن يربوع واقعت أوس بن حجر في الجاهلية فقالت:
أنعت عيراً هو أير كله ... حافره ورأسه وظله
كأن حمى خيبر تمله ... أنعظ حتى طار عنه جله
يدخل في فقحة أوس كله.
فهرب أوس منها فاتبعته وهي تقول:
أطلب أوساً لا أريد غيره ... نايكته فشق بظري أيره
شاعر:
مررت بأير بغل مسبطر ... فويق الأرض كالعنق المطوق
فما إن زلت أمرسه بكفي ... إلى أن صار كالسهم المفوق
فلما أن ربا ومذى وأمذى ... ضربت به حر أم أبي الشمقمق
قال ابن أذينة لعبد العزيز بن مروان في كلام جرى: لا، ولكنك ملول، قال: لو كنت ملولاً ما صبرت على مواكلتك سنة وأنت أبرص.
لعبادة بن البر الجعدي:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... جميع الهوى قد راجع النفس طيبها
قال بعض النحويين: بين قولك: ما زيد كعمرو ولا شبيهاً به، وبين قولك: ما زيد كعمرو ولا شبيه به فرق، أن القول الأول في النصب نفي لزيد عن مشابهته، وفي الجر نفي عن كونه شبيهاً به. وهذا فيه تحكم، وكثير من أصحابنا لا يطمئنون إلى هذا الفرق.
قال بعض النحويين: معنى قولك: أنت لو لا أن أباك أبوك هو: أنت الكامل لولا أبوك، كأنه إشارة إلى فضله التام إلا من جهة الوضع من أبيه.
شاعر:

ما ذاق طعم النوم أو ما غمضا ... إذا الكرى في عينه تمضمضا
لأبي نخيلة:
ها أنا سيف من سيوف الهند ... ما شمت إلا نظرة في غمد
فإن تقلدني فعد لي حدي ... وكل ما سرك عندي عندي
دخل عبد الرحمن بن قديد العذري على معاوية يستعدي على هدبة بن الخشرم فقال: يا أمير المؤمنين، هؤلاء وطئوا حريمي، وروعوا حرمي، وقتلوا أخي.
ذم أعرابي قوماً فقال: ما زلت فيهم خميرة سوء يبقيها الماضي للباقي حتى أورثوها فلاناً فعجنها بيده وأكلها بفيه.
انظر إلى استعارة العرب وإلى اقتدارها في الكلام وركوبها كل متن ووجيفها في كل واد.
قال الحسن: اللهم اجعل أهل العراق صخرة تجري عليها دماؤنا، فما ينال بهم حق، ولا يرتق بهم فتق، وذلك لما تفرق عنه أصحابه.
وقف أعرابي بباب بعض الملوك فقال: أعينوا الجائع الضعيف، فقال البواب، وكان سميناً: لعنكم الله فما اكثر جائعكم، فقال: والله لو فرق قوت جسمك في أبدان عشرة منا لكفانا شهراً، وإنك لعظيم السرطة، جسيم الضرطة، ولو ذري بجيفتك بيدر لكفته.
وروي عن عمر أنه قال: إذا تناجى القوم في دينهم دون العامة فهم على تأسيس ضلالة.
طلق أعرابي امرأته فقالت: ولم تطلقني؟ قال: لقبح منظرك، وسوء مخبرك، والله إنك ما علمت لدائمة الذرب، كثيرة الصخب، مبغضة في الأهل، مشنوءة عند البعل، قصيرة الأنامل، متقاربة القصب، جبهتك نابية، وعورتك بادية، أكرم الناس عليك من أهانك، وأهون الناس عليك من أكرمك، قالت: وأنت والله إن نطق القوم أفحمت، وإن ذكر الجود انقمعت، ضيفك جائع، وجارك ضائع، القليل منك إلى غيرك كثير،والكثير من غيرك إليك قليل.
قال أنس: قيل: يا رسول الله متى يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال: إذا ظهر فيكم ما ظهر في بني اسرائيل، قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: إذا ظهر الإدهان في خياركم، والفاحشة في شراركم، وتحول الملك إلى صغاركم، والفقه في رذالكم.
قال الحسن البصري: لا يرد جوائز الأمراء إلا مراء أو أحمق.
قال الأصمعي: لما قتل المختار أخذ رأسه وحمل بدنه على بغل، فكان كلما مال مسك بأيره، فكان أيره سكانه. هذا لفظ الأصمعي.
لأبي الخطاب النحوي:
أما والله لولا خوف هجر ... يكون من التنازع والعتاب
وأمر لست أدري كيف آتي ... إذا فكرت فيه بالجواب
لقلت مقالة فيها شفاء ... لنفسي من هموم واكتئاب
ولكن سوف أصبر فاصطباري ... على المكروه أولى بالصواب
قال ابن السماك: عجباً للفتى المترف الذي تعود النعيم في الدنيا، والطعام الطيب، والمركب الوطيء، والمنزل الواسع، كيف لا يعمل ها هنا مخافة أن يفوته ذاك في الآخرة، وعجباً للفقير المجهود الذي لا يقدر من الدنيا على حاجته كيف لا يعمل رجاء أن يذهب إلى نعيم وروح ويستريح مما هو فيه.
قال عبيد الله بن زياد: إياكم والطمع فإنه دناءة، والله لقد رأيتني على باب الحجاج، وخرج الحجاج فأردت أن أعلوه بالسيف فقال: يا ابن ظبيان، هل لقيت يزيد بن أبي مسلم؟ قلت: لا، قال: فألقه فإنا قد أمرناه أن يعطيك عهدك على الري، قال فطمعت فكففت، وإنه عاد إلى يزيد بن أبي مسلم فلم يكن معه عهد ولا شيء، وإنما قال الحجاج ما قال حذراً منه.
شعر:
ما يألف الدرهم المنقوش خرقتنا ... إلا لماماً قليلاً ثم ينطلق
إنا إذا كثرت يوماً دراهمنا ... ظلت إلى سبل الخيرات تستبق
وجد عمرو بن العاص في الوهط - ضيعته - رجلاً يقطف عنباً فقال: ويلك ما علمت ما أنزل الله على موسى؟ قال: ما هو؟ قال: من تسور وهطين وأخذ قطفين فإنه يدخل نارين فقال لا والله على عيسى قال من سرق مصرين، وأنفق وهطين، فإنه يدخل نارين، فقال عمرو: والله أنزل الله تعالى هذا ولا ذاك.

لما ولي سوار القضاء كتب إلى أخ له يسكن الثغور: إنه إنما حملني على الدخول في القضاء مخافة أن أدخل فيما هو أعظم منه - وذكر كثرة العيال، وشدة الزمان، وجفوة السلطان، وقلة المواساة، فرق له وكتب إليه: فإني أوصيك بتقوى الله تعالى يا سوار، الذي جعل التقوى عوضاً من كل فائدة من الدنيا، ولم يجعل شيئاً من الدنيا عوضاً من التقوى، فإن الدنيا عقدة كل عاقل، بها يستنير وإليها يستروح، ولم يظفر أحد في عاجل الدنيا وآجل الآخرة بمثل ما ظفر به أولياء الله الذين شربوا بكأس حبه، وكانت قرة أعينهم في ذلك، لأنهم أعملوا أنفسهم في حريم الأدب، وراضوها رياضة الأصحاء الصادقين، وظلفوها عن الشهوات، وألزموها القوت المعلق، وجعلوا الجوع والعطش شعاراً لها، حتى انقادت وأذعنت لهم عن فضول الشهوات، فلما ظعن حب فضول الدنيا عن قلوبهم، وزايلته أهواؤهم، وكانت الآخرة نصب أعينهم، ومنتهى أملهم، ورث الله تعالى قلوبهم الحكمة،وقلدت قلائد العصمة، وجعلت نوراً للعالم الذي يلمون منه الشعث ويشبعون الصدع، فما لبثوا إلا يسيراً حتى جاءهم من الله موعود صادق اختص العالمين به والعاملين له، فإذا سرك أن تسمع صفة الأبرار الأتقياء فصفة هؤلاء فاستمع، وشمائلهم فاتبع، وإياك يا سوار وبنيات الطريق.
قال الأصمعي: لزياد الأعجم في قتيبة بن مسلم:
فما سبقت يمينك من يمين ... ولا سبقت شمالك من شمال
قال عبد الملك بن عمير: المرأة السوداء بنت السيد أحب إلي من المرأة الحسناء بنت الرجل الدنيء.
قال عبد الملك بن صالح: قال رجل لابن السماك: أما بلغك أن القصص بدعة، وكان عريفاً، قال: فبلغك أن العرافة سنة؟!.
كان لقيط راوية أهل الكوفة، قال: تقدم رجل من التجار إلى العريان بن الهيثم، كان التاجر فصيحاً صاحب غريب، ومعه خصم، فقال التاجر: أصلحك الله، إني ابتعت من هذا عنجداً واستنسأته شهراً أؤديه مياومة، ولم ينقض الأجل، ولقد أديت بعض حقه فليس يلقاني في لقم إلا فثأني عن وجهي، وأنا مهيء ماله إلى انقضاء الأجل، فقال له العريان: من أنت؟ قال: رجل من التجار، قال: أي عاض بظر أمه، تتكلم بهذا الكلام؟ ضعوا ثيابه،فأهوت الشرط إلى ثيابه فقال: أصلحك الله إن إزاري مرعبل، فضحك العريان وقال: لو ترك الغريب في موضع لتركه ها هنا، خلوا عنه.
أصابت أبا علقمة الحمى فأرسل إلى الطبيب فقال: أنظر إلي، فأخذ بيده وحبس عروقه فقال: أصلحك الله، أي شيء يوجد لك؟ فقال: أجد رسيساً في أسناخي، وأزاً فيما بين الوابلة إلى الأطرة من دأيات العنق قال: أصلحك الله هذا وجع القريس، قال: أبو علقمة: وأين سعد من قريش؟! والناس بنو آدم،قال: إن شئت ولد آدم وإن شئت ولد عيسى، ليس عندنا لهذا الكلام دواء.
دعا أبو علقمة حجاماً فقال له: أخرج منك دماً قليلاً أو دماً كثيراً؟ فقال: اشدد قصب الملازم، وأرهف ظبى المبازع، وخفف الوقع، وعجل القطع، ولا تستكرهن أبياً، ولا تدون ايتا واسفف ولا تسفف، فقام الحجام وقال: جعلني الله فداك، ليس لي علم بالحرب. يقال: أسفف أي قارب بين الشرط، ولا تسفف، يقول: لا تفرق بين الشرط.
قال الزبير بن بكار: لأمية أبيات نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إنشادها وهي:
ماذا ببدر فالعقن ... قل من مرازبة جحاجح
شيب وشبان بها ... ليل مخاريق دحادح
فمدافع البرقين فال ... حنان من طرف الأواشح
هلا بكيت على الكرا ... م بني الكرام أولي المنادح
كبكا الحمام على فرو ... ع الأيك في الطير الجوانح
يبكين حرى مستكي ... نات يرحن مع الروائح
من يبكهم يعول على ... حذر ويصرف كل مادح
أو لا يرون كما ارى ... ولقد يبين لكل لائح
أن قد تغير بطن مك ... كة فهي موحشة الأباطح
من كل بطريق لبط ... ريق نقي اللون واضح
القائلين الفاعلي ... ن الآمرين بكل صالح
المطعمين الشحم فو ... ق اللحم شحماً كالأنافح
خف الخميس إلى الخمي ... س إلى جفان كالمناضح

ليست بأصدار لمن ... يعفو ولا رح رحارح
قال أحمد بن أبي طاهر: حدثني حبيب قال، حدثني بعض المشايخ قال: سمعت رجلاً يقول:لو صور الصدق لكان أسداً، ولو صور الكذب لكان ثعلباً، وما صاحبهما منهما ببعيد.
قال أحمد: وحدثني حبيب قال، حدثني رجل من الحي قال: كان فينا شيخ شريف، فأتلف ماله في الجود، فصار يعد ولا يفي، فقيل له: أصرت كذاباً؟ قال: نصرة الحق أفضت بي إلى الكذب.
قال: وعد رجل رجلاً فلم يقدر على إنجاز ما وعد، فقال: كذبتني، فقال: لا ولكن مالي كذبك.
قال أكثم بن صيفي: دعامة العقل الحلم، والمسألة مفتاح التوثق، وفي المشورة مادة الرأي.
كتب معاوية إلى زياد: اعزل حريث بن جابر، فإني ما أذكر فتنة صفين إلا كانت حزازة في قلبي، فكتب إليه زياد: خفض عليك يا أمير المؤمنين، فقد بسق حريث بسوقاً لا يرفعه عمل، ولا يضعه عزل.
وذكر أعرابي قوماً فقال: كلام الناس أشجار وكلامهم ثمار.
وقيل لصعصعة بن صوحان: كيف كان طلحة - وسئل عن جماعة من الصحابة - فقال: كان حلو الصداقة، مر المذاقة، ذا أبهة شاحطة.
قال عمرو بن عتبة: تألفوا النعمة بحسن مجاورتها، والتمسوا المزيد فيها بالشكر عليها، واحملوا أنفسكم على مطية لا تبطئ إذا ركبت، ولا تسبق وإن تقدمت، قالوا: ما هذه المطية؟ قال: التوبة.
قال الأحنف في صفين: أما إذا حكمتم أبا موسى فأدفئوا ظهره بالرجال.
يقال: المواعيد رؤوس الحوائج والإنجاز أبدانها.
سمع أعرابي شعراً جيداً فقال: هذا رخيص المسمع، غالي المطلب.
قال أبو العيناء: غنانا علويه في منزل إسحاق، وكان اليزيدي معنا، فقال له اليزيدي، وكان علويه يضرب باليسار: أسأل الله الذي جعل سرورنا بيسارك أن يعطيك كتابك بيمينك.
قيل لرجل: لم فضلت الغلام على الجارية؟ فقال: لأنه الطريق صاحب، وع الإخوان نديم، وفي الخلوة أهل.
قال عبد الملك بن مروان لعمر بن عبد العزيز وهو صبي: كيف نفقتك علة عيالك؟ فقال: حسنة بين سيئتين، فقال لمن حوله: أخذه من قول الله تعالى " والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً " الفرقان: 67.
قال أبو الدرداء: التمسوا الخير دهركم، وتوسموا له ما استطعتم، وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن الله تعالى نفحات يصيب بها من يشاء من عباده، وأسأل الله تعالى أن يستر العورة، ويؤمن الروعة.
قيل لفيلسوف: ما أعم الأشياء نفعاً؟ فقد الأشرار.
قدم بعضهم عجوزاً دلالة إلى قاض فقال: أصلح الله القاضي، زوجتني هذه امرأة عرجاء، فقالت: أعزك الله، زوجته امرأة يجامعها لم أزوجه حمارة يحج عليها.
يقال: إذا كان لك فكرة، ففي كل شيء لك عبرة.
شاعر:
بان الأحبة والأرواح تتبعهم ... فالدمع ما بين موقوف ومسفوح
قالوا نخاف عليك السقم قلت لهم ... ما يصنع السقم في جسم بلا روح
قال العباس بن الحسن في كاتب: ما رأيت أوقر من علمه، ولا أطيش من قلمه.
قال فيلسوف: الإنسان مستور ما أتبع قبيحه حسناً.
قال أعرابي: رب جواد عثر في استنانه، وكبا في عنانه، وقصر في ميدانه.
قال رجل لأبي سعيد الحداد: أخطأت، قال: أخطأت أنت حين تظن أني لا أخطئ.
قال رجل لرجل: غلامك ساحر، قال: قل له يسحر لنفسه قباءً وسراويل.
قال رجل: أريد أن أعتقد لولدي ما يعيشون به بعدي، فقال له زاهد: أنت ممن لا يعبد الله إلا بكفيل.
كان عامر بن عبد الله يقول: أربع آيات في كتاب الله إذا قرأتهن ما أبالي على ما أصبح وأمسي: قوله: " ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده " فاطر:2، وقوله عز وجل: " وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو " يونس:107، وقوله: " سيجعل الله بعد عسر يسراً " الطلاق:7، وقوله: " وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها " هود:6.
كتب بعض الكتاب إلى صديق له وقد تأخر عنه كتابه: إن كنت لا تحسن أن تكتب فهذه زمانة، وإن كنت تكتب ولا تكاتب إخوانك فهذا كسل، وإن كان ليس لك قرطاس ودواة فهذا سوء تدبير، وإن اعتذرت بعد ما كتبت إليك فهذه وقاحة.
شاعر:
وإذا تبسم سيفه ... بكت النساء من القبائل
وإذا تخضب بالدما ... ء نهضن في سود الغلائل
لا شيء أحسن عنده ... من نائل في كف سائل

نظر ابن سيابة إلى مبارك التركي وتحته دابة، فرفع رأسه إلى السماء وقال: يا رب، هذا حمار وله دابة، وأنا إنسان وليس لي حمار!!.
تاب مخنث فلقيه مخنث آخر فقال: يا فلان أيش حالك؟ قال: قد تبت، قال: فمن أين معاشك؟ قال: بقيت له فضلة من الكسب القديم، قال: إذا كانت نفقتك من ذلك الكسب فلحم الخنزير طري خير منه قديد.
قال ابن أبي فنن: دخلت يوماً إلى الفتح بن خاقان أسأله إيصالي إلى المتوكل لأنشد شعراً، وأنشدته:
إذا كنت أرجو نوال الإمام ... وفتح بن خاقان لي شافع
فقل للغريم أتاك الغياث ... وللضيف منزلنا واسع
قال: وكان الفتح يشرب، فأمرني بالجلوس وقدم إلي النبيذ وأمرني بالشرب، فقلت: ما أكلت شيئاً أيها الأمير، فجاءني بعض الخدم فأخذ بيدي إلى خزانة وقدم لي طعاماً، فأكلت وعدت إلى مكاني فجلست، فقال لي الفتح: خذ ما تحت مصلاك، فنظرت فإذا بصرتين، فقال: أما إحداهما ففيها مائة دينار وهي لجائزتك، وأما الأخرى ففيها مائة دينار لحسن أدبك وقولك: إني ما أكلت شيئاً.
جحظة:
غنت فهاجت حربي ... وضاع فيها طربي
فشعرها من فضة ... وثغرها من ذهب
قيل لمزيد وقد اشترى حماراً: ما في حمارك عيب إلا أنه ناقص الجسم يحتاج إلى عصا، قال: إنما كنت أغتم لو كان يحتاج إلى بزماورد، فأما العصا فأمرها هين.
خطب معاوية الناس فقال: إن الله تعالى يقول في كتابه: " وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما تنزله إلا بقدر معلوم " الحجر:21، فعلام تلومونني إذا قصرت في اعتياتكم؟ فقام إليه الأحنف فقال: إنا والله ما نلومك يا معاوية على ما في خزائن الله ولكن على مانزله ألينا من خزائنه فجعلته في خزائنك وحلت بيننا وبينه، قال: فكأنما ألقمه حجراً.
قال بزر جمهر: من عيب الدنيا أنها لا تعطي أحداً استحقاقه، إما أن تزيده وإما أن تنقصه.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: جعل عزي في ظل سيفي وفي رأس رمحي.
قال مسلمة لنصيب: أمدحت فلاناً؟ قال: نعم، قال: فما فعل معك؟ قال: حرمني، قال: فهلا هجوته؟ قال: لا أفعل، قال: ولم؟ قال: لأني أحق بالهجو منه إذ رأيته أهلاً لمدحي، فأعجب به وقال له: سلني، قال: كفك بالعطية أبسط من لساني بالمسألة، فأمر له بألف دينار.
صاح رجل براهب في صومعته فقال له: ما الذي علقك في هذه الصومعة؟ قال: من مشى على الأرض عثر.
قيل لرجل: مات عدوك، قال: وددت لو أنكم قلتم: تزوج.
قال الحجاج يوماً لرجل: أنا أطول أم أنت؟ قال: الأمير أطول عقلاً وأنا أبسط قامة.
وصف النظام الكواكب وحسنها، وكان الخاركي حاضراً، وكان يتهم بالزندقة، فقال: وأي شيء حسنها؟ ما أشبهها إلا بجوز كان في كم صبي فتناثر فوقع متفرقاً: ها هنا ثلاثة، وها هنا أربعة، وها هنا اثنتان.
أنا والله أرحم هذا القائل، وهو بالغيظ عليه أولى، بل تنفيذ حكم الله فيه أحق، فقد الحد في الدين وأرصد للمؤمنين، وشبه على الضعفاء المبتدئين، أما يعلم أن هذا الظاهر المنتشر موشح بالباطن المنتظم، وأن هذا البادي المتباين مربوط بذلك الخافي المتصل، وأنه لو جرى الأمر على وصف هذا المقترح، وترصيع هذا المعترض، لكان النقص يعتوره، والخلل يدخله، وحق لعقل قصير، واعتبار ممزوج، وفكر مضطرب، أن يؤدي صاحبه إلى هذا الاختلاط.

هيهات جل خلقه عن إدراك خلقه، وعلا عن إحاطة شيء بكنهه، فليس لعقل مجال في سره، ولا لوهم منال من غيبه، ولا لمعترض ثبات عند اختلاف أفانين قدرته، وإنما عليك أن تعرف نقصك في كمالك، وعجزك في قدرتك، وسفهك في حكمتك، ونسيانك في حفظك، وخبطك في توفيقك، وجهلك في علمك، ونيلك عند بأسك، وتهتكك في احتراسك، وإخفاقك مع تحققك، ونكولك في تصميمك، فإذا عرفت هذه المعاني، وسكنت هذه المغاني، وضح لك خفي الغيب ببادي الشهادة، وتداركت الأدلة بشفاء اليقين، ورحلت عن صدرك غلبات الهم، وتشاهدت السواء في كثرتها بتوحيد الواحد، وأشارت إلى الفيض الغامر، وأوصلتك إلى حقائق ما تراءى لعينك، وتخيل لوهمك، وهجس ببالك، وخنس عن عقلك، ونفى عن طرفك فيما لحقك الشك، وتميز من وهمك ما استحال بتحصيلك، وطرد عن قلبك ما طرقك بالشبه، هنالك تعلم أن العالم في إحدى جهتيه يشكل على العاقل الفحص عنه، وفي الجهة الثانية يحرم على المنصف التشكك فيه، لأنه إن كان فيما يوجد من انتثاره ما يفدح في حقائق التوحيد، ففيما يوجد من انتظامه ما يفتح أبواب التحقيق، وإن كان فيما ترى من اختلافه ما يبعث الحيرة، ففيما يعقل من اتساقه ما يفضي إلى التمييز، وإن كان فيما يجهل سره ما يتصل بالراحة، وإن كان بعض الحرمان غيظاً فإن بعض النبل غبطة، وإن كان طرف العجز جاذباً إلى اليأس إن في طرف القوة ما يستحصف به أسباب الأمل، فلا ترع، فليس ما جل عنك وجب أن يبطل عليك، ولا ما دق عن فهمك وجب أن يبهرجه نقدك، حاكم نفسك إلى نفسك، وعقلك إلى عقلك، فإنهما إن نكلا عن الشهادة في موضع استقصاء العلانية فإنهما يمران الشهادة في موضع ثقة بالحقيقة، ولا تكن إلباً عليهما فتخسر وأنت حاكم، وتحشر وأنت واهم.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما تكلم أحد بالفارسية إلا خب، ولا خب إلا ذهبت مروءته.
شاعر:
أما ترى الورد في أكفهم ... يجتث للقاطفين من ورقه.
كالقلب نار الهوى تلذعه ... والقلب يهوى الهوى على حرقه
قال أفلاطون: لولا قولي إني لا أعلم شيئاً إني أعلم لقلت: إني لا أعلم.
قال فيلسوف: ما كسبت فضيلة من العلم إلا علمي بأني لا أعلم.
قال بعض أصحابنا: العالم قد يكون معانداً من حيث يخالف ما يعلمه، فأما الجاهل فلا يكون منصفاً لجهله بالإنصاف وفقد علمه بشرفه.
قيل لعالم: ما السرور؟ قال: معنى صح بالقياس، ولفظ وضح بعد التباس.
قيل لشجاع: ما السرور؟ قال: ضرب سريع، وقرن صريع.
قيل لملك: ما السرور؟ قال: إكرام ودود، وإرغام حسود.
قيل لعاقل: ما السرور؟ قال: عدو تداجيه، وصديق تناجيه.
قيل لأكار: ما السرور؟ قال: رفع غلة، وسد خلة.
قيل لمغن: ما السرور؟ قال: مجلس يقل هذره، وعود ينطق وتره.
قيل لناسك: ما السرور؟ قال: عبادة خالصة من الرياء ورضى النفس بالقضاء.
للعطوي:
يا نفس دومي على العبادة والص ... صبر فخير العلقين في يدك
إني وإن كنت لابساً سملا ... فهمتي فوق كاهل الفلك
قال بعض الأدباء: الجالي عن مسقط رأسه ومحل رضاعته كالعير الناشط عن بلده الذي هو لكل عير فريسة، ولكل رام دريئة.
قالت الفرس: تربة الصبا تغرس في القلب حرمة وحلاوة، وكما تغرس الولادة رقة وجفاوة.
قال فيلسوف: فطرة الرجل معجونة بحب الوطن.
وكان بقراط يقول: يجب أن يداوى كل عليل بعقاقير أرضه، فإن الطبيعة تتطلع إلى هوائها، وتنزعو إلى غذائها.
قال ابن عباس: لو قنع الناس بأرزاقهم كقناعتهم بأوطانهم ما اشتكى عبد الرزق.
شاعر:
سكر الولاية طيب ... وخمارها صعب شديد
لازلت في درك الشقا ... حتى تعاين ما تريد
قال ابن جريج: قرأت في موضع:
عش موسراً إن شئت أو معسراً ... لا بد في الدنيا من الغم
فكلما زادك في نعمة ... زاد الذي زادك في الهم
إني رأيت الناس في عصرنا ... لايطلبون العمل للعلم
إلا مباهاة لأصحابه ... وعدة للغشم والظلم
قال أعرابي: ما السيف عن الظالم بصائم، ولا الليل عن النهار بنائم.

؟قال فيلسوف: إنك لن تجد الناس إلا أحد رجلين: إما مؤخراً في نفسه قدمه حظه، أو مقدماً في نفسه أخره دهره، فأرض بما أنت فيه اختياراً، وإلا رضيت اضطراراً.
قال رجل لسقراط: ما أقبح وجهك، قال: ما تقبيح صورتي إلى فأذم، ولا تحسين صورتك إليك فتحمد، قال: قد علمت، قال: فإذا عبت الصنعة مع علمك فقد عبت الصانع.
قيل لفيلسوف: ألا تحدثنا؟ قال: لا، قيل: لم؟ قال: لأنكم تجلون عن دقيقي وأدق عن جليلكم.
قيل لسقراط: ما تأمرنا أن نصنع بك إذا مت؟ قال: ليعن بذلك من يحتاج إلى المكان.
قال أعرابي: من لم يؤدب في صغره لم يفلح في كبره.
قال بعض الرؤساء: دع الوعد يتربص ثلاثاً، فإن كثير العطاء قبل الوعد صغير، وجليله حقير.
قال أعرابي: ما زلت أقوت عيني النوم حتى وقعت في لجته وعرقت في بحره.
قال يحيى بن خالد: الوعد شبكة من شباك الكرام، يصطادون بها محامد الإخوان.
قال الموبذ بمرو: الوعد سحابة والإنجاز مطرة.
وقال آخر: لقح المعروف بالموعد، وأنتجه بالفعال، وأرضعه بالزيادة.
سئل ابن مسعود عن الوسوسة يجدها الرجل فقال: ذاك برازخ الإيمان.
يقال: عين العقل أبصر من عين الجسد.
نظر أعرابي إلى بعض أولاد الملوك فرآه سميناً فقال: لحاك الله ما ثناك الخبز.
قال قسطا بن لوقا: الخط هو مقدار ذو نعت واحد، وهو الطول بلا عرض ولا عمق، وهو لا يدرك على الانفراد بالعقل والوهم لا بالحس، وأما وجوده بالحس فإنه في البسيط إذ هو نهايته، فإن البسيط إذا ألقي منه عرضه بقي طوله فقط، وذلك هو الخط؛ ونهاية الخط نقطتان: فالنقطة هي شيء لا بعد له، أعني لا طول ولا عرض ولا عمق، وهي موجودة على الانفراد بالعقل والوهم لا بالحس، وأما وجودها بالحس فهو في الخط.
قال ابن المعتز في رسالة يذكر فيها محاسن أبي تمام ومساوئه: سهل الله لكم سبل الطلب، ووقاكم مكاره الزلل؛ ربما رأيت من تقديم بعضكم الطائي على غيره من الشعراء إفراطاً ظاهراً، وهو أوكد أسباب تأخير بعضكم إياه عن منزلته في الشعر لما يدعو إليه اللجاج، فأما قولي فيه فإنه بلغ غايات الإساءة والإحسان، فكأن شعره قوله:
إن كان وجهك لي تترى محاسنه ... فإن فعلك بي تترى مساويه
وقد جمعنا محاسن شعره ومساوئه في رسالتنا هذه، ورجونا بذلك ارتداع المسهب في امتداحه، ورد الراغب عنه إلى إنصافه، واختصرنا الكلام إشارة لقصد ما نزعنا إليه، وتوقياً لإطالة ما يكتفى بالإيجاز فيه، ولئن قدمنا مساوئه على محاسنة ففي ذلك الجور عليه، وإن قرب العهد بمحاسنه لأدعى للقلوب إليه.
قال أعرابي: إذا استشرت الشر شري.
كتب عبد الملك إلى الحجاج: أرهب أهل الخيانة وأرغب أهل الأمانة، فإن البريء، إذا لم يأمن العقوبة وخاف مثل ما يؤتى إلى أهل الخيانة، طأطأ ركضاً في السرقة.
قيل لعمرو بن عبيد: ما البلاغة؟ قال: كلام ألحمه التقوى ونسجه الإخلاص.
قال عامر بن عبد القيس: الدنيا والده الموت.
قال عياض بن عبد الله: الحب أعمى.
وقال بعض الزهاد: المساجد سوق الآخرة.
قال العتبي: سئل أعرابي عن أخوين له فقيل له: أخبرنا عن زيد، فقال: أسكن الناس فوراً، وأبعدهم غوراً، وأثبتهم عند الحجة، قالوا: فأخبرنا عن الآخر، قال: كان والله شديد العقدة، لين العطفة، يرضيه أقل ما يسخطه، قالوا: فأخبرنا عن نفسك، قال: والله إن أفضل ما في معرفتي بهما.
قال رجل لعتبة بن أبي سفيان: قدمت إليك أخوض المتالف، وأقطع لجج السراب مرة، وألتحف بالليل أخرى، مضمراً حسن الظن بك، هارباً من اليأس إلى رجائك.
وصف قطري الدنيا فقال: ما نال أحد منها حبرة إلا أعقبته عبرة، ولم يملأ من سرائها بطناً إلا منحته من ضرائها ظهراً، ولم يجد منها غنيمة رخاء إلا هطلت عليه مزنة بلاء، ولم يمس منها أمرؤ في جناح أمن إلا أصبح على قوادم خوف.
ذكر المدائني في كتاب نوادر القضاة أنه حضر وليمة على مائدة وأعرابي يحاذيه على مائدة أخرى فقال: أتحول إليك يا أبا العباس؟ قال: ما بنا إليك من وحشة فلا تجعلنا سلماً للشهوة.
تقدم رجل إلى شريح ليشهد فقال: إنك لتنشط للشهادة، قال: إنها لم تحقد علي، قال: لله درك، وقبل شهادته.
سئل رجل عن اليمن فقال: سيف اليمن قضاعة، وهامتها همدان، وسنامها مذحج، وريحانتها كندة، ولكل قوم قريش، وقريش اليمن الأنصار.

كتب بعض الحكماء إلى أخ له: إنك قد أوتيت علماً فلا تطفئن نور علمك بظلمة الذنوب فتبقى في الظلمة يوم يسعى أهل العلم بنورهم.
قال النضر بن معبد: لا يتكلم أحد بكلمة حتى يزمها ويخطمها، فعسى أن يكون في القوم من هو أعلم منه، فإن سكت سكت وهو قادر عليه، وإن بكته وجد للتبكيت موضعاً.
قال داود بن علي: احمدوا الله تعالى على النعمة التي أصبحتم ترتضعون درتها، وتتفيئون ظلها، وتفترشون وسادها ومهادها.
وقال آخر: الدنيا سوق الشر.
وقال آخر: الدنيا عين تبصر بها الآخرة.
ويقال: الصدق يدل على اعتدال وزن العقل.
وقال آخر: الإسناد كسوة الحديث.
وقال ابن مسعود: كونوا جدو القلوب خلقان الثياب، تجفون في الأرض وتعرفون في السماء.
قال شداد بن أوس: إني أخاف عليكم شهوة خفية ونعمة ملهية، وذاك حين تشبعون من الطعام وتجوعون من العلم.
لما ماج أهل مكة لوفاة النبي صلى الله عليه وسلم استبشر أبو سفيان بن حرب، فقام سهيل بن عمرو فقال: والله إني لأعلم أن هذا الدين سيمتد امتداداً كالشمس في طلوعها إلى غروبها، فلا يغرنكم هذا من أنفسكم، وأشار إلى أبي سفيان، فإنه يعلم من هذا الأمر ما أعلم، ولكن حسد بني هاشم جاثم على صدره.
لما دنا خالد من أصحاب مسيلمة انتضوا سيوفهم قبل أن يلتقوا، فقال خالد، فشل قومك يا مجاعة، قال: كلا ولكنها اليمانية لا تلين حتى تشرق متونها، قال: ما أشد ما تحب قومك، قال: لأنهم حظي من ولد آدم، فقال خالد يوم ذلك:
إن السهام بالردى مفوقه ... والحرب ورهاء العقال مطلقه
وخالد من دينه على ثقه قال أبو قلابة: لا تجالسوا أصاب الأهواء فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم، أو يلبسوا عليكم بعض ما تعرفون.
وقال: إن الله تعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما صفا ورق وصلب، فأما صفاؤها فلله، وأما رقتها فللإخوان، وأما صلابتها فعلى الكفار.
من خط ابن المعتز:
إذا رأين علماً ممتداً ... معمماً بالآل أو مردى
يحسبه الرائي حصاناً وردا ... مجللاً كتابة أو بردا
صددن عن عرنينه أو صدا آخر:
قلق لأفنان الرما ... ح للاقح منها وحائل
حتى إذا صغت المط ... ي بعيد هرولة العساقل
ومعطل أشب يخر ... ق ذي الأعالي والأسافل
قد بت أدأبه إلي ... ك بغيهب هدب العياطل
آخر:
تم لوعة للندى وكم قلق ... للجود والمكرمات في قلقك
ألبسك الله منه عافية ... في نومك المعتري وفي أرقك
ينزع من جسمك السقام كما ... نزعت حبل اللئام من عنقك
ابتلع ثعلب عظماً فبقي في حلقه، فطلب من يعالجه ويخرجه، فجاء إلى كركي فجعل له أجراً على أن يخرج العظم من حلقه، فأدخل رأسه في فم الثعلب وأخرج العظم بمنقاره ثم قال للثعلب: هات الأجرة، فقال الثعلب: أنت أدخلت رأسك في فمي وأخرجته صحيحاً، لا ترضى حتى تطلب أجراً زيادة؟! قيل لثعلب: أتحمل كتاباً إلى الكلب وتأخذ مائة؟ قال: أما الكراء فواف تام، ولكن الخطر عظيم.
ووقع في شرك صياد ثعلبان فقال أحدهما: يا أخي، أين نلتقي؟ فقال: في دكان الفراء بعد ثلاث.
قالت قحبة لصاحبتها: متى يكون الرجل أطيب للمرأة؟ قالت: إذا حلق هو مثل أمس، وانتفت هي مثل اليوم، فدخلت أصول شعرته في أصول شعرتها، فقالت لها الأخرى: قتلتيني، الساعة أصب!! وكانتا في غرفة تحتها خياط وقد سمع ما قالتا فصاح: يا قحاب، ثياب الناس في الدكان، لا يكف علينا!! قال الجماز: رأيت عجوزاً تسأل وتقول: من تصدق علي أطعمه الله من طيبات باب الطاق.
شاعر:
أقاموا الديدبان على يفاع ... وقالوا لا تنم للديدبان
إذا أبصرت شخصاً من بعيد ... فصفق بالبنان على البنان
تراهم خشية الأضياف عجلى ... يقيمون الصلاة بلا أذان
قيل للحسن بن شهريار، وكان كاتباً لوصيف: لا تنصرف إلى منزلك إلى نصف النهار، فقال: ما أعجب هذا!! فإن لم يجيء نصف النهار إلى بعد العصر أقعد؟! رفع وكيل لبعض بني هاشم في حساب ثلاثمائة درهم في جلاء مرآة، فقال جمين: والله لو صدئ القمر لجلي بأقل من هذا.

قال بعضهم: قلت لمديني وهو محرم يتغنى على حماره: أما تتقي الله تتغنى وأنت محرم؟ فقال: إني أخاف النعاس وأن أقع عن حماري، قلت: فأين أنت عن القرآن؟ قال: جربناه فوجدناه يزيد في النوم.
قال عبد الله بن دينار: خرجت مع ابن عمر إلى السوق فرأى جارية صغيرة تغني فقال: لو ترك الشيطان شيئاً لترك هذه.
قال أعرابي لخمار: أعندك شيء يشبه قول الأعشى:
تريك القذى من دونها وهي دونه ... إذا ذاقها من ذاقا يتمطق
قال: نعم، وناوله قدحاً، فشرب وقال: ليس هذا أريد، أعندك ما قال الأخطل:
صهباء قد عنست من طول ما حبست ... في مخدع بين جنات وأنهار
قال: نعم.
قال عبد الله بن المعتز، قال عبد العزيز بن مسلم: رأيت قبر أبي محجن بأرمينية عليه شجرات كرم.
قال الجماز: كنت في منظره وإذا على غلوى شيخ معه صبي في يوم بارد، فكنت أسمع الشيخ يقول للصبي: أعطني فروتي، فيناوله شيئاً لا أثبته، فنظرت عند الشيخ قنينة كلما طلب من الصبي فروته سقاه قدحاً منها، قال الشاعر:
إذا شربنا خمسة خمسة ... فقد لبسنا الفرو من داخل
قال أعرابي: من كلام العرب: نعم لباس المرء التقوى، ونعم حشو الدرع السخاء، وأنبل بالحياء خلقاً، وبالوقار مهابة، وبالبيان ارتفاعاً، وبالتواضع عزاً، وبالوفاء جمالاً، وبصدق الحديث مروءة.
قال بعض السلف: العجب ممن يشتري المماليك بالدراهم كيف لا يشتري الأحرار بالمكارم.
سرق رجل من مجلس أنوشروان جام ذهب، وأنوشروان يراه، فتفقده صاحب الشراب فقال: لا يخرجن أحد حتى يفتش، فقال أنوشروان: لا تعرضوا لأحد فقد أخذه من لا يرده، ورآه من لا ينم عليه.
زور رجل كتاباً عن المأمون إلى محمد بن الجهم في دفع مال إليه، فارتاب به محمد فأدخله على المأمون، فقال المأمون: لم أذكر هذا، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، أكل معروفك تذكر؟ قال: لا، قال: فلعل هذا مما نسيت، قال: لعله، ادفع إليه يا محمد ما في الكتاب.
مر عبد العزيز بن مروان بمصر فسمع امرأة تصيح بابنها: يا عبد العزيز، فوقف وقال: من المسمى باسمنا؟ ادفعوا إليه خمسمائة دينار؛ فما ولد في تلك الأيام ولد بمصر إلا سمي به.
مدح رجل رجلاً عند خالد بن عبد الله فقال: والله لقد دخلت إليه فرأيته أسرى الناس داراً وفرشاً وآلة وخدماً، فقال خالد: لقد ذممته، هذه حال من لم تدع فيه شهوته للمعروف فضلاً، ولا للكرم موضعاً.
قال أبو العيناء: قيل للحسن بن سهل: بالباب رجل راغب فقال: سلوه ما وسيلته؟ قال: وسيلتي أني أتيتك عام أول فبررتني، فقال: مرحباً بمن توسل إلينا بنا، ووصله.
صار عطاء بن أبي رباح إلى رجل من أشرف قريش فقال إني أتيتك بهدية فتفضل بقبولها، فقال: هاتها، قال: فلان كانت عليه نعمة فزالت فلو نظرت له، فقال: جزاك الله على هديتك خيراً، فما أحسبنا ننهض بمجازاتها، فقال عطاء: بل جزاك الله على قبولك إياها أفضل الجزاء.
وقل ما ترى في عصرنا من يقبل هدية مثل هذه، والله إني لأستحيي من رواية هذه المكارم في عصر يتباهى فيه باللؤم، ويتبجح بالسخف، ويحتج بالحزم في البخل، وقد تواصي الناس بكلام الكندي لعنة الله - حيث يوصي ابنه: يا بني، أما بعد فكن مع الناس كلاعب الشطرنج، تحفظ شاهك وتأخذ شاههم، فإن مالك إذا خرج عن يدك لم يعد إليك، وأعلم أن الدينار محموم فإذا صرفته مات، وأعلم أنه ليس شيء أسرع فناء من الدينار إذا كسر، والقرطاس إذا نشر، والجلد إذا قشر، والثوب إذا قصر. ومثل الدرهم مثل الطير الذي هو لك ما دام في يدك، فإذا طار صار لغيرك قال المتلمس:
قليل المال تصلحه فيبقى ... ولا يبقى الكثير مع الفساد
لحفظ المال أيسر من بغاة ... وسير في البلاد بغير زاد
وأعرف بيتاً قد بيت أكثر من مائة ألف في المساجد، وهو قول القائل:
فسر في بلاد الله والتمس الغنى ... تعش ذا يسار أو تموت فتعذرا
فاحذر يا بني أن تلحق بهم فتكون منهم.
لحا الله هذا الموصي وقبح هذه الوصية وأبعد قائلها والعامل بها.
قال علي كرم الله وجهه: إنما أمهل فرعون مع دعواه لسهولة إذنه وبذل طعامه.
قال بعض السلف: إذا استشرت فانصح، وإذا قدرت فاصفح قال ماجن لآخر: كم صمت من هذا الشهر؟ قال: وتدعني امرأتك أصوم منه شيئاً؟!

لعبد الصمد بن المعذل:
صرفت الود فانصرفا ... ولم ترع الذي سلفا
وبنت فلم أمت أسفا ... عليك ولم تمت أسفا
لابن أبي فنن:
وعرصة مجد يكسب الحمد ربها ... ممهدة للمجتدين قبابها
إذا صدرت عنها وفود تتابعت ... وفود تلاها بالنجاح إيابها
أرتها وجوه الصادرين بشارة ... وتصدقها أفراسها وعيابها
جعلتك حصناً دون كل ملمة ... تخاوص عيناها ويصرف نابها
ولبيت لما أن دعوت مشمراً ... ولا خير في ذي دعوة لا يجابها
وله:
أقصرت شرتي وولى العرام ... وارتجاع الشباب ما لا يرام
أخلقت مرة الليالي جديداً ... والليالي يخلقن والأيام
فعلى ما عهدته من شبابي ... وعلى الغانيات مني السلام
يحرم الماجد المجد وقد ير ... زق قوم وإنهم لنيام
فدع الحرص والحريص ولا تم ... تهن النفس إنها أقسام
سر من عاش ماله فإذا حا ... سبة الله سره الإعدام
أرق المأمون ذات ليلة فوجه إلى محمد بن حازم الباهلي، فلما دخل عليه قال: قل بيتين الساعة، فقال:
أنت سماء ويدي أرضها ... والأرض قد تأمل غيث السما
فازرع يداً عندي محمودة ... تحصد بها عندي حسن الثنا
فقال المأمون: عشرة آلاف درهم، فقد أبى إلا أخذ مالنا وخديعتنا، فقال محمد:
وإذا الكريم أتيته بخديعة ... فرأيته فيما تحب يسارع
فاعلم بأنك لم تخادع جاهلاً ... إن الكريم بفضله يتخادع
فأمر له بعشرة آلاف درهم أخرى وقال: أخرجوه لا يفني بيت المال.
قال المبرد: أنشد أبو العالية الشام لنفسه:
ترحل فما بغداد دار إقامة ... ولا عند من يرجى ببغداد طائل
بلاد ملوك سمنهم في أديمهم ... وكلهم من حلية المجد عاطل
ولا غرو أن شلت يد الجود والندى ... وقل سماح من أناس ونائل
إذا غضغض البحر الغطامط ماءه ... فليس عجيباً أن تغيض الجداول
أهدى عبيد الله بن السري إلى عبد الله بن ظاهر لما دخل مصر مائة مملوك، مع كل مملوك ألف دينار، وأرسلها ليلاً، فردها عبد الله وقال: لو كنت أقبل هديتك ليلاً قبلتها نهاراً، " بل أنتم بهديتكم تفرحون " النمل 36.
لما خطب للمأمون على منابر خراسان، كتب إليه الحارث بن سبيع السمرقندي: قد أظلنا الله بخلافة أمير أمير المؤمنين تحت جناح الطمأنينة، وبلغنا بها مدى الأمنية، فأدام الله من كرامته ما يتظلل به أقاصي وأداني رعيته، وجعله أعز خليفة، وجعلنا أسمع وأطوع رعية، فقال المأمون للفضل بن سهل: أتعرف قيمة هذا الكلام؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، يلقيك إياه بالسرور، فأعجبه قوله واستحسنه.
لأبي العالية الشامي:
من ذا الذي رد هتم الموت إذا وقعا ... أو استطاع من الأقدار ممتنعا
هيهات ما دون ورد الموت من عصر ... كل سيشرب من أنفاسه جرعا
يا عظم رزء يزيد إذ فجعت به ... لا در در الردى ماذا به فجعا
لله در أخ من زائر جدثا ... ماذا نعى منه ناعيه غداة نعى
قد كنت أمنح لومي قبل مهلكه ... من استكان لريب الدهر أو خشعا
حتى رمتني المنايا من مصيبته ... بنكبة رمت فيها الصبر فامتنعا
أخي ظعنت وخلفت المقيم على ... كر الليالي لما لاقيته تبعا
ماذا أضفت إلى الإحشاء من حرق ... لما استجبت لداعي الموت حين دعا
وما منحت قلوباً فيك موجعة ... كادت تقطع من غمر الأسى قطعا
أغريت بالعين إذ هيجت عبرتها ... دمعاً إذا هيجته حرقة دفعا
يا غيبة منه ما أرجو الإياب لها ... قرعت قلبي بها إذ بنت فانصدعا
كادت توافق بي حتفاً بلا أجل ... لما طوى يأسها من أوبك الطمعا

يا حبل عز أذود الحادثات به ... دبت عليه صروف الدهر فانقطعا
أصحى صدى الترب في لحد ثويت به ... من ماء وجهك بعد الصوب قد نقعا
آليت بعدك لا أبكي على بشر ... ولا أقول له عند العثار لعا
كتب صاحب أرمينية إلى المنصور: إن الجند قد شغبوا علي، وطلبوه أرزاقهم وكسروا أقفال بيت المال وانتبهوه، فعزله ووقع في جوابه: لو عدلت لم يشغبوا، ولو قويت لم يتوثبوا.
ووقع المنصور في رقعة رجل سأله شيئاً: آتاك الله سعة تصون عرضك وتقي دينك.
كتب صاحب جيش عبد الملك بن مروان يخبره بكثرة من لقي من جيش الروم، فوقع إليه: " إن ينصركم الله فلا غالب لكم " آل عمران.
ووقع المنصور في قصة رجل ذكر أن أمير المؤمنين أمر بأرزاق وأن الفضل أبطأ بها: " ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها " فاطر:2 أهدى رجل إلى عمرو بن سعيد في يوم نيروز وهو والي كسكر وكور دجلة عصافير على طبق تحت مكبة ورقعة فيها:
عصافير بعثت بها ملاحاً ... ليضحك لا ليأكلها الأمير
وما أهدى سواي إلى أمير ... عصافيراً على طبق تطير
فلما وضع بين يديه ورفع المكبة طارت العصافير، فأخذ الرقعة فقرأ الشعر وضحك وأمر له بجائزة.
نظر ثعلب إلى جمل يعدو فقال: ما وراءك؟ قال: جعلت فداك، سخرت الحمير والبغال، فقال: وما أنت والحمير والبغال؟ فقال: أخاف جور السلطان.
دخل كلب مسجداً خراباً فبال في محرابه، وفي المسجد قرد نائم، فقال للكلب: أما تستحي أن تبول في المحراب؟ فقال الكلب: ما أحسن ما صورك حتى تتعصب له! رأى كلب رغيفاً يتدحرج فتبعه فقال له: إلى أين؟ قال: إلى النهروان، قال الكلب: قل إلى عمان إن تركتك.
قيل للكلب: لماذا رأيت السبع تنبح؟قال: أفزعه، قيل: فلم تضرط؟ قال: من فزعه.
قيل لرجل: ما بال الكلب إذا بال رفع رجله؟ قال: يخاف أن تتلوث دراعته، فهو يتوهم أنه بدراعه.
أنشد عبد الصمد:
يا غزالا لحظ عيني ... ه لنا سم ذباح
ما ترد الطرف إلا ... وبنا منك جراح
أنت للحسن مصون ... ولك الحسن مباح
أنشد ثعلب:
كيف السلو ولا أزال أرى لها ... رسما كحاشية اليماني المخلق
ربعا لواضحة الجبين غريرة ... كالشمس طالعة رخيم المنطق
قد كنت أعهدها به في غرة ... والعيش صاف العدى لم تنطق
حتى إذا نطقوا وأذن فيهم ... داعي الشتات برحلة وتفرق
خلت الديار فزرتها وكأنني ... ذو حية من سمها لم يفرق
قال ثعلب: العرب تقول: خذ على رسلك، أي على هينتك.
قال ابن أبي الرعد: لقي أبو علي البصير علي بن الجهم، فتجهمه علي في بعض ما جرى بينهما، فقال له أبو علي: لا تزد يا أبا الحسن في أعدائك فلعله أن يقع عليك مطبوع من الشعراء يسهل عليه من حوك القريض ما يعسر على غيره، واعلم أن مع الملوك ملالة فلا تأتهم من حيث لا يحبون فينبو بك منهم المطمئن، فقال ابن الجهم: نصيحة، وإن كان مخرج الكلام مخرج تهدد.
قال ابن المعتز: قال لي ابن أبي فنن: لما قال علي بن الجهم وهو محبوس في تشبيه نفسه بالسيف:
قالت حبست فقلت ليس بضائري ... حبسي وأي مهند لا يغمد
أذعن له شعراء زمانه.
قال محمد بن موسى البربري: سمعت علي بن الجهم يصف أبا تمام ويمدحه، فقال له رجل: لو كان أخاك ما زاد على هذا، فقال علي: إلا يكن أخا بالنسب فإنه أخ بالأدب، أما سمعت ما خاطبني به:
إن يكد مطرف الإخاء فإننا ... نغدو ونسري في إخاء تالد
أو يختلف ماء الوصال فماؤنا ... عذب تحدر من غمام واحد
أو يفترق نسب يؤلف بيننا ... أدب أقمناه مقام الوالد
قيل للأعمش أيام زيد بن علي: ألا تخرج؟ فقال: أما والله ما أعرف أحداً أجعل عرضي دونه، فكيف دمي؟! أهدى ملك هدية إلى فيلسوف فردها إليه فقال: لم رددت هديتي؟ قال: لأن بذل الموجود وترك طلب المفقود يكونان عن غنى النفس وعزها، وأخذ الموجود وطلب المفقود يكونان عن فقر النفس وشحها، فما أحب أن تسخو وأشح، وتغنى وأفتقر.

أهدى ملك آخر إلى فيلسوف هدية فردها ولم يقبلها، فتنكد الملك من ذك وقال: لم فعلت هذا؟ قال: لم أفعله لحال رفعت نفسي عن الملك، ولا لجهل عرض بمعرفة الحظ وحسن موضعه، ولكنني قفوت في الفضل فضلك، وحثني على المكارم كرمك، فآثرتك بما آثرتني به، وسخت نفسي لك بما سخت نفسك به، ولم أحب أن أكون مظنة فضل، ورهين إحسان.
أنشد المأمون:
والله لا تختلف النجوم ... وتغرب الشمس فلا تقوم
وقمر في فلك يعوم ... إلا لأمر شأنه عظيم
تقصر دون علمه العلوم طرد أعرابي الطير عن زرعه في جدب وقال:
عجبت من نفسي ومن إشفاقها ... ومن طرادي الطير عن أرزاقها
في سنة قد كشفت عن ساقها ... حمراء تبري اللحم عن عرقاها
والموت في عنقي وفي أعناقها قال ابن درستويه، قيل للمبرد: أكنت أنت وأحمد بن يحيى جميعاً مع محمد بن عبد الله بن طاهر؟ قال: نعم، كنت معه جليساً ونديماً، وكان معه معلماً ومؤدباً.
قال رجل للمبرد: أسمعني فلان في نفسي مكروهاً فاحتملته ثم أسمعني فيك فجعلتك أسوتي فاحتملته، فقال له: لسنا بسواء، احتمالك في نفسك حلم وفي صديقك غدر.
كتب المبرد إلى بشر بن سعد المرثدي: اقتضائي إياك - جعلني الله فداك - اقتضاء من تجب مطالبته لضروب: أحدها لاعتمادي عليك في الحاجة، وقصدي إياك بها مع كثرة الصديق وإمكان الشفيع، وقد قلت:
وقاك الله من إخلاف وعد ... وهضم أخوة أو نقض عهد
فأنت المرتضى أدباً وعلماً ... وبيتك في الذؤابة من معد
وتجمعنا أواصر لازمات ... شداد الأسر من سبب وود
إذا لم تأت حاجاتي سراعاً ... وقد ضمنتها بشر بن سعد
فأي الناس آمله لنفع ... وأرجوه لحل أو لعقد
وما كنت أخاف خلفاً ممن كرم أدبه، وشرف مركبه، وطاب حسبه، وإن كان قد أحوج إلى أن يعاتب بقول الشاعر:
أتناسيت أم نسيت إخائي ... والتناسي شر من النسيان
ولقد كان ظني فيك علمي بك أنه لو توسل بي إليك لأضعاف ما سألتك لما احتيج فيه إلا إلى الخطاب اليسير، فلا تنكر هذا الإطناب في العتاب، فإنما يهز الصارم ويذكر المؤمن، وقد قال الشاعر:
أعاتب ليلى إنما الهجر أن ترى ... صديقك يأتي ما أتى لا تعاتبه
وأعاذني الله فيك أن تعتقد في قول الشاعر:
إذا مطلت امرءاً لحاجته ... فامض على مطله ولا تجد
قد أكثرت هازلاً في التوبيخ، واستحييت عائباً من التأنيب، والذي عندي في الحقيقة قول أبي العتاهية:
لا تكربنك حاجاتي أبا عمر ... فأنت منهن بين النجح والعذر
ما يقض منها فإن الله يسره ... وما تعذر فاحمله على القدر
احتيج أن يكتب على المعتضد كتاب ويشهد فيه عليه العدول، فكتب ابن ثوابة: في صحة من عقله، وجواز أم له وعليه؛ فلما عرضت النسخة على عبيد الله بن سليمان قال: هذا لا يجب أن يقال للخليفة، فضرب عليه وكتب: في سلامة من جسمه وأصالة من رأيه.
وقع علي بن أبي طالب إلى الحسن ابنه: رأي الشيخ خير من مشهد الغلام.
كتب عمرو بن العاصي إلى معاوية يسأله أن يعطي عبد الله بن كريب نهر معقل فإنه قد سأله، فوقع: " قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين " المائدة:102 قرئ للمأمون توقيع بنقطة، وذلك أن رجلاً كان سابق الحاج فورد مرة بعدما ورد غيره وكتب قصة يطلب رزقه، فلما قرأ المأمون وقع بنقطة ثانية تحت الباء فصار: سايق الحاج.
اشتكى الأسد علة شديدة، فعاده جميع السباع إلا الثعلب، فدخل عليه الذئب فقال: أصلح الله الملك، إن السباع قد زارتك وعادتك ما خلا الثعلب فإنه مستخف بك، فبلغ ذلك الثعلب فاغتم به، فلما جاءه قال له الأسد: ما لي لم أرك يا أبا الحصين؟ فقال: أصلح الله الأمير، بلغني وجعك فلم أزل أطوف في البلدان أطلب دواء لك حتى وجدته، فقال له: وأي شيء هو؟ قال: مرارة الذئب، قال الأسد: وكيف لي بذاك؟ قال: أرسل الساعة إليه والثعلب عنده، فأتى الذئب فوثب الأسد عليه، وكان ضعيفاً من وجعه فلم يتمكن منه وسلخ جلد إسته وأفلت الذئب، وخرج الثعلب يصيح به: يا صاحب السراويل الأحمر، إذا جلست عند الملوك فاعقل كيف تتكلم؛ فعلم الذئب الثعلب دل عليه.

لقي ثعلب عراقي ثعلباً شامياً فقال: عرفني ما عندك من حيل ثعالب الشام، فقال: عندي مائة حيلة ودستان، فقال العراقي: والله لأصحبنه حتى أستفيد منه، فلزمه؛ فبينما هما كذلك وقد اصطحبا في سفر حتى قال له العراقي: يا أخي، إن لقينا الأسد كيف الحيلة في التخلص منه؟ قال: لا يهمنك أمره فإن عندي حيلاً، فما انقضى كلامه حتى طلع الأسد، فقال العراقي للشامي: خذ في الحيلة، قال: والله ما عندي حيلة في هذا الوقت، قال إنا لله، ولم أخطرت نفسك وغررت أخاك؟ الآن لا تنطق بحرف، فلما دن الأسد قال لهما: من أين أقبلتما؟ قال العراقي: إياك أردنا وإليك قصدنا، قال: في ماذا؟ قال: إن أخي هذا يكون بالشام وأنا بالعراق في مالي، وإن أبانا مات وورثنا شويهات، فجاء أخي هذا يريد أن يذهب بها فقلت له: هلم إلى سيد السباع ليحكم بيننا، فمهما قال التزمناه، وكان الأسد جائعاً فقال في نفسه: لا أعجل في أكل هذين لكن أصبر عليهما ساعة حتى أقف على أمر الغنم وهما في قبضتي، قال: أين الشاء؟ قالا: في هذا البستان، وأشارا إلى بستان حصين له مجرى ماء ضيق، وقال أحدهما: أرسل أخي حتى يخرج الغنم فيقسمها الملك، قال: نعم، فقال للشامي: ادخل وأخرج الغنم وعجل، فدخل الشامي واقبل يأكل من الثمار، فلما أبطأ قال العراقي: قد قلت للملك إنه ظالم، فتأذن لي حتى أدخل خلفه وأخرجه إليك مع الشاء قميئاً ذليلاً؟ قال: ادخل وعجل، فدخل الثعلب البستان وأقبل يأكل من الثمار حتى شبع، ثم أشرف من الحائط على الأسد فقال له: يا أبا الحارث، اعلم أنا قد اصطلحنا فامض في دعة الله، فجعل الأسد يضرب بذنبه الأرض ويستشيط، فقال له الثعلب: إنما أنت قاض وما رأيت قاضياً يغضب من الصلح غيرك.
قالت ماجنة لجارة لها: اعلمي أن صديقي يوافي غداً، قالت: ومن أين علمت؟ قالت: حري يختلج، قالت: ومتى صار حرك يعبر الرؤيا؟ قال رجل لامرأة: غطي صدرك، قالت: سبحان الله، تجمش بالتقوى؟! قال الجماز: سمعت ماجنة تقول: إذا دخلت جهنم فقال لي مالك: كلي من هذا الزقوم واشربي من هذا المهل، قلت: لا وحياتك يا أبا نصر ما أشتهيه وأخاف يغثي نفسي، فيقول: الشأن في معرفتها بكنيتي.
دخل عمارة بن حمزة على المنصور فجلس مجلسه، فقام رجل فصاح فقال: مظلوم يا أمير المؤمنين، قال: ومن ظلمك؟ قال: عمارة بن حمزة ظلمني وغصب ضيعتي، فقال المنصور: قم يا عمارة فاقعد مع خصمك، فقال عمارة: ما هو لي بخصم، قال: وكيف؟ قال: إن كانت الضيعة له فلست أنازعه، وإن كانت لي فقد جعلتها له، ولا أقوم من مكان شرفني به أمير المؤمنين لأجل ضيعة.
هجم قوم على زنجي ينيك شيخاً، فهرب الزنجي وعلقوا الشيخ، فقال: ما لكم؟ قالوا يا عدو الله، تتكلم؟! قال: ما لي لا أتكلم؟ ما لنا لا نناك؟ من أجل أنّا فقراء؟ احتسبوا على الفضل بن الربيع وعلى الحارث ابن زيادة وعلى غطريف بن أحمد - وعد قوماً من العسكر - إنما يحتسبون علينا لأنّا فقراء.
دخل رجل على محمد بن سليمان فقال له محمد: أين كنت فإني لم أرك منذ أيام، فأراد أن يقول التواني فقال: التهاون، فقال محمد: أنت علينا أهون.
قيل لأعرابي: صف نفسك، قال: إن كان أكل فقرب، وإن كان نبيذ فجرب، وإن كان قتال فغرب.
قال المبرد: كنت أغشى مجلس جعفر بن القاسم، وكان يتقلد إمارة البصرة للواثق، وأنا حدث السن، ليس في المجلس أصغر مني سناً، وكان يخلطني بحداثتي ويخاطبني، ثم تأخرت عنه لأسباب، فلما عدت قال لي: ما أخرك عنا؟ قلت: عله مرة وغيبة مرة، قال: وتوان مرة وتقصير مرة، فقلت: والله ما أغيب عن الأمير إلا بود حاضر، ولا أعصيه إلا بنية طائع فضحك ثم أنشد بيتين لإبراهيم بن المهدي، أحدهما:
ما إن عصيتك والغواة تمدني ... أسبابها إلا بنية طائع
فقلت: أعز الله الأمير، إذا كان سارق لفظ لا يفوتك فكيف يفوتك سارق مال؟ فضحك وقال أنا احب حضورك.
قال المبرد: وقال لي يوماً وقد استحسن كلامي: أنت اليوم عالم، ثم قال: لا تظن أن قولي لك: أنت اليوم عالم أنك لم تكن عندي قبل كذلك، إن الله تعالى يقول: " والأمر يومئذ لله " الانفطار:19، وقد كان له الأمر قبل ذلك.

دخل رجل على عبد الملك بن مروان فقال: إني قد تزوجت امرأة وزوجت ابني أمها، ولا غنى لي عن رفد أمير المؤمنين، فقال عبد الملك: إن أخبرتني ما قرابة ما بين أولادكما إذا ولدتا فعلت ذلك، فغلب ذلك الرجل فقال: يا أمير المؤمنين، هذا حميد قد قلدته سيفك، ووليته ما وراء بابك، فسله عنها فإن أجاب لزمني الحرمان، فسأل حميداً فقال حميد: يا أمير المؤمنين، إنك ما قدمتني على العلم ولا نصبتني له، بل قدمتني على العمل بالسيف والطعن بالرمح، إلا أني أجيبه، ثم أقبل على الرجل وقال له: يا ابن المعروكة، يكون أحدهما عما للآخر والآخر خالاً له، فانخزل الرجل، فقال عبد الملك: أجاب وأصاب، وسكت وجهلت، ولكنك تستحق ما طلبت منا بامتحاننا إياك وصبرك علينا.
جاء رجل إلى سيفويه القاص فقال: إني أريد أن أتوب فأيش تشير علي؟ أحلق رأسي ولحيتي أو أشتري سلماً أو أنحدر إلى واسط؟! فر مزبد من والي المدينة وتوارى، وطلبه الوالي، فبينما هو في الطلب إذ سمع من المقابر صوت طنبور، فأقبل حتى وقف على قبر محفور وفيه سراج، وفوق القبر بواري، فكشف فإذا مزبد قائم وبيده طنبور في جوف القبر وعنده نبيذ، فقال له: اخرج يا عدو الله، قال مزبد: لا والله لا أخرج إليك ولا هذا من عملك، إنما عملك في العمارة، وليس لك علي سلطان.
كتب يزيد بن معاوية إلى أهل المدينة: أما بعد يا أهل المدينة، فوالله لقد رفقت بكم حتى أخرقتكم، ولبستكم حتى أخلقتكم، والله لأبو سفيان أحلم من حرب، ولمعاوية أحلم من أبي سفيان، وليزيد أحلم من معاوية، ثم أنشد:
إذا ما حلمنا كان آخر حلمنا ... زيادة باع عن يد المتطاول
وقد كتب إليكم أمير المؤمنين كتاباً فاسمعوه: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله يزيد أمير المؤمنين: سلام عليكم، أما بعد يا أهل المدينة، فوالله لقد حملتكم على رأسي ثم على عيني ثم على أنفي ثم على نحري، ووالله لئن جعلتكم تحت قدمي لأطأنكم وطأة المتثاقل، ولأشردنكم عن أوطانكم، ولأتركنكم أحاديث وأيادي سبا، تنسخ فيها كتبكم ككتب عاد وثمود، ثم أنشد:
أظن الحلم دل علي قومي ... وقد يستجهل الرجل الحليم
ومارست الرجال ومارسوني ... فمعوج علي ومستقيم
كتب مويس بن عمران إلى الجاحظ يدعوه: عندي قدران طبختهما بيدي يحكيان المسك الأذفر، فإن رأيت أن تصير إلي متفضلاً فعلت. فكتب إليه الجاحظ: مجلسك المجلس الذي يمنع المصر من التوبة، وينقض عزمه الأواه الحليم، وأنا علة من قرني إلى قدمي من حملي على نفسي ما ليس من عادتها، فهب لي نفسي هذا الأسبوع ثم أنا بين يديك تقتادني حيث شئت، فعلت إن شاء الله.
قام رجل إلى عمر بن عبد العزيز فقال: يا أمير المؤمنين، أنا فلان بن فلان، شهد أبي بدراً وأحداً والخندق وحنيناً - وجعل يعدد المشاهد - ولم ألبس الخز ولم أركب ولم أتزوج، فقال عمر: مشاهد والله ما تشبه مرج راهط ولا دير الجماجم، والله لأكسونك ولأزوجنك ولأحملنك، فكساه وزوجه وحمله وأثبت اسمه في شرف العطاء، وقال: بمثل هذا فليمت إلينا المتوسلون.

قال مالك بن عمارة: كنت ربما جالست عبد الملك بن مروان وقبيصة بن ذؤيب وعروة بن الزبير في ظل الكعبة أيام الموسم، فنخوض مرة في الفقه ومرة في المذاكرة ومرة في أخبار الناس وأشعار العرب، فكنت لا أجد عند أحد ما أجد عند عبد الملك، من اتساعه في المعرفة، وتصرفه في فنون العلم، وحسن استماعه إذا حدث، وحلاوته إذا حدث؛ قال: فتفرق أصحابنا ذات ليلة وبقيت أنا وهو، فقلت: والله إني بك لمسرور لما أرى من كثرة تصرفك، وحسن حديثك، وإقبالك على جليسك، فقال لي: إنك إن تعش قليلاً فسوف ترى العيون إلي طامحة، والأعناق إلي قاصره، فإذا كان ذلك فلا عليك أن تعمل إلى فلا ملآن يديك فلما أفضت الخلافة إليه اتيته فكان أول ما وقعت عينه علي وهو على المنبر، كشر في وجهي وبسر، فقلت: لم يثبتني معرفة، أو عرفني فأظهر لي نكره، لكني لم أبرح من مكاني حتى قضى الصلاة ودخل المقصورة، فلم يلبث إلا ريثما دخل إذ خرج آذانه فقال: أين مالك بن عمارة قلت ها أنا ذا فأخذا بيدي فادخلني إليه فلما رأني مد يده إلي ثم قال: تراءيت في موضع لم يجز فيه إلا ما رأيت من الإعراض والانقباض، فأما الآن فحي هلا بك، كيف كنت بعدي وكيف كان مسيرك؟ قلت: خير، وعلى ما يحب أمير المؤمنين، فقال: أتذكر ما كنت قلت لك؟ قلت: أجل، هو أعملني إليك يا أمير المؤمنين، قال: والله ما هو ميراث ادعيناه، ولكني أخبرك عن نفسي بشيء سميت بي إلى موضعي هذا: ما داهنت ذا ود ولا قرابة قط، ولا شمت بمصيبة عدو، ولا أعرضت عن محدث حتى ينتهي، ولا قصدت لكبيرة من محارم الله تلذذاً بها ولا واثباً عليها، وكنت من عبد مناف في بيتها، ومن بيتها في واسطة قلادتها، وكنت أرجو بهذه أن يرفع الله تعالى مني وقد فعل، ثم قال: يا غلام بوئه منزلاً في منزلي، فأخذ الغلام بيدي وقال: انطلق، فكنت في أخفض حال وألين بال، حيث يسمع كلامي وأسمع كلامه، فإذا حضر طعامه أو قعد لأصحابه أتاني الغلام فقال: إن شئت صرت إلى أمير المؤمنين فإنه قاعد لبطانته، فأمشي بلا حذاء ولا رداء، فيرفع من مجلسي، ويقبل علي ويحادثني ويسألني عن الحجاز مرة وعن العراق مرة، حتى إذا مضت عشرون ليلة، تعشيت في آخرها معه وقام من حضر، ونهضت لأقوم فقال: على رسلك أيها الرجل، فقعدت، فقال: أي الأمرين أحب إليك؟ المقام قبلنا، فلك النصفة في المحافظة والمخالطةت والمعشرة، أم الشخوص فلك الحباء والكرامة؟ فقلت: خرجت من أهلي على أني زائر لأمير المؤمنين - أكرمه الله - وعائد إليهم، فإن أمرني بالمقام اخترت فناءه على المال والأهل والولد، قال: بل أرى لك الرجوع إلى أهلك فإنهم متطلعون إلى قدومك، فتحدث بهم عهداً ويحدثون بك مثله، والخيار في زيارتنا والمقام فيهم إليك، وقد أمرت لك بعشرين ألف دينار وحملتك وكسوتك، أتراني ملأت يديك؟ فقلت: أراك يا أمير المؤمنين ذاكراً ما قلت؟ قال: أجل، ولا خير فيمن لا يذكر إذاً وعد، ولا ينسى إذا أوعد، ودع إذا شئت صحبتك السلامة؛ قال: فودعته وقبضت المال وانصرفت، فكان آخر العهد به.
خرج إسماعيل بن إبراهيم إلى أخيه إسحاق بن إبراهيم، عليهم السلام، يطالبه بميراثه عن أبيه إبراهيم عليه السلام فقال: أما ترضى وأنت ابن أمتنا أن لا نستعبدك حتى تأتي وتطلب ميراثاً؟! فأوحى الله إلى إسماعيل: وعزتي وجلالي لأخرجن من صلبك من يستعبد أولاد إسحاق إلى يوم القيامة.
قيل لجمعة الإيادية: أي الرجال أحب إليك؟ قالت: أحب الحر النجيب، السهل القريب، السخي الأريب، المصقع الخطيب، الشجاع المهيب.
شاعر:
أريب يغض الطرف لا من غضاضة ... ولكن كبرا أن يقال به كبر
قيل للكلب: أنت تأكل عظاماً وتخرا عظاما، فأيش ربحك؟ قال: أدولب! قال فضيل بن عياض: من لم يصلح على تدبير الله لم يصلح على تدبير نفسه.
قبل لمالك بن دينار. لو تزوجت، قال: لو استطعت لطلقت نفسي.
قال عبد الملك بن مروان: الهدية السحر الحلال.
دعا أعرابي على آخر فقال: صرد الله عليك المشرب، وأفقدك الأقرب.
ودعا أعرابي فقال: إن كنت كاذباً فلا سقيت هاطل الدر، ولا وقيت حادثة الدهر.
قال أعرابي لآخر: لا جادتك السماء بقطرة، ولا باتت بفنائك ذات بعرة، ولا حلبت ذات خف درة، فأماتك الله بهم وحسرة، باذلاً خيار الأسرة، ولا دراً عنك من ذي شر شره: إن كنت ظلمتني مد شعير أو صاع بر.

قيل في قوله تعالى: " إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم " النمل: 30، أي أنه من تعلمون؛ وقيل في قوله تعالى: " وترى الناس سكارى وما هم بسكارى " الحج:2، فلما عرف المعنى حمل على أن قوله: " تراهم سكارى " من الهول وليسوا بسكارى من الشرب؛ وقوله: " لا يموت فيها ولا يحيا " طه:74، لا يموت موت الراحة، ولا يحيا حياة المنفعة.
وقال بعض العلماء: يقوم الشيء مقام الشيء، منه قولهم: إسحاق ذبيح الله ولم يذبح قال: " والله ورسوله أحق أن يرضوه " التوبة:62، ولم يقل يرضوهما إذ كان رضاه رضى رسوله.
سئل عمرو بن عبيد عن النبيذ فقال: إن الأشياء المألوفة والمعروفة والمأكولة والمشروبة وجميع الأغذية حلال حتى يجيء ما يحرمها، وليست بحرام حتى يجيء ما يحللها، وكانت الخمر حلالاً حتى جاء ما حرمها، فإن وجدنا في غيرها مثل ما وجدنا فيها فسبيله سبيلها، وإلا فالحرام حرام والحلال حلال؛ إن الله تعالى حرم الخمر لعلل معروفة وعللك مجهولة، فلذلك صار تحريمها تعبداً، وقد جدنا مسكرة في وقت هي فيه حلال ومسكرة في الوقت الذي يليه وهي فيه حرام، ولم يحسوا من طبائعهم تغيراً، ولو كانت العلة الإسكار وما يصنع السكر في الأموال وما يحدث من الشغل عن الصلاة والذكر لكان هذا موجوداً في طبعها وطبائع شاربيها قبل تجريمها، فدل ذلك على أنها حرمت لعلل مجهولة كما حرمت لعلل معلومة، ولا يقيس على المجهول إلا جاهل.
وقال: الحرام حرامان: حرام في حجة العقل وحرام في حجة السمع، فالذي في حجة العقل على ضربين: أحدهما حرام بعينه وفي عينه فقط، والآخر حرام لعلة مركبة فيه؛ فالحرام في عينه كالكذب والظلم وما لا يجوز أن ننتقل عنه أبداً، والحرام الآخر كذبح البهائم وذبح إبراهيم لإسحاق، لأن الذي حرمه على الإنسان عجزه عن تعويض المذبوح وأنه ليس له امتحان غيره بشيء يحدثه، ولا نعرف مقادير الامتحان ومصالحه، فلما أمر به مالك التعويض والذي له أن يمتحن ويعرف ظاهر المصلحة وباطنها حسن ذلك وجاز.
قال: والحرام في السمع على ضربين: منصوص ومستخرج، فالمنصوص على ضربين: منه حرام لغير علة ومنه حرام لعلة، فما كان منهما لغير علة لم يكن لأحد أن يقيس عليه، وليس فيه متعلق، وما كان ذا علة فالقياس أن كل شيء فيه تلك العلة أنه حرام مثله.
قيل لهند: أي الرجال أحب إليك؟ قالت: أحب الرحب الذراع، الطويل الباع، السخي النفاع، الممتنع الدفاع، الدهثم المطاع، البطل الشجاع.
قال الهيثم بن عدي: زار رجل عمر بن عبيد الله بن معمر القرشي وهو على فارس فلم يحل منه بطائل، فأنشد يقول:
رأيت أبا حفص تجهم مقدمي ... ولط بقولي عذرة أو مواربا
فلا تحسبني إن تجهم مقدمي ... أرى ذاك عاراً أو أرى الخير ذاهبا
ومثلي إذا ما بلدة لم تواته ... ترحل عنها واستدام المعاتبا
ثم مضى، فبلغت الأبيات ابن معمر، فرده، وقال له: ما حملك على هذه الأبيات؟ أبيني وبينك قرابة؟ قال: لا، قال: فصهر؟ قال: لا، قال: فجوار؟ قال: لا، قال: فذمام؟ قال: نعم، قال، قال: ما هو؟ قال: كنت أدخل المسجد كل جمعة فأتخلل الصفوف حتى آتي صفك فأجلس إلى جانبك، قال: لقد متت بما يحفظ، كم أقمت ببابي؟ قال: أربعين ليلة، فأمر له بأربعين ألف درهم وكساه وحمله، فقال:
جزى الله خيراً والجزاء يكفه ... عن الزور يأتيه الجواد ابن معمر
تذمم إذ عاتبته ثم نالني ... بما شئت من مال وبرد محبر
قيل لجمعة: أي السحاب أحسن؟ قالت: زجل ركام ملتف، أسحم وحاف مسف، يكاد يمسه من قام بالكف.
شاعر:
أما ترى الأرض قد أعطتك عذرتها ... مخضرة واكتسى بالنور عاريها
فللسماء بكاء في جوانبها ... وللربيع ابتسام في نواحيها
مضرس بن ربعي:
وفتيان بنيت لهم خباء ... على قوسين طماحاً نزوحا
كأنا رابطون به فلو ... شديد النزو قماصاً رموحا
تبوئه وتهتكه علينا ... سموم تسفع الوجه الوضوحا
فلما أن تمشى النوم فيهم ... وكان النوم عندهم ربيحا
هتكت سماءه والظل آز ... وما أنظرته حتى يسيحا
آز: أي مرتفع

قال ابن المعتز في مخاطبه بعض أصحابه: لو كنت أعلم أنك تحب معرفة خبري لم أبخل به عليك، ولو طمعت في جوابك لسألت عن خبرك، ولو رجوت العتبى منك لأكثرت عتابك، ولو ملكت الخواطر لم آذن لنفسي في ذكرك، ولولا أن يضيع وصف الشوق لأطلت به كتابي، ولولا أن عز السلطان يشغلك عني لشغلك سروري به، والسلام.
أنشد المرزباني:
فلو أني أستزدتك فوق ما بي ... من البلوى لأعوزك المزيد
ولو عرضت على الموتى حياتي ... بعيش مثل عيشي لم يريدوا
قيل لهند: أي السحاب أحب إليك؟ قالت: أحب كل صبيب دلاح، مثعنجر نضاج، متجاوب نواح، كأن برقه مصباح.
قال المفجع: تفاخر رجلان من بني هلال فقال أحدهما: والله الذي لا إله إلا هو ما اتخذت في إبلي قط عصا غير هذه مذ كنت فيها، فقال الآخر: تعست، والذي لا إله إلا هو ما اتخذت في إبلي عصا قط. وإما قول الشاعر:
صلب العصا بالنخس قد دماها ... إذا أرادت رشداً أغواها
تحسبه من إلفه أخاها
فإنه يعني بالعصا ها هنا نفسه، يقال: فلان صلب العصا إذا كانت فيه بقية من قوة، وقال: الرشيد والغوي ضربان من النبت، فيقول: إذا رعت هذا عطفها إلى هذا مخافة أن تبشم.
قال المفجع: يقال: بعير جذع - بالجيم والذال - الذي ركب صغيراً فقطعه ذلك عن النماء وأوهنه، ولا يكاد جسمه ينمي.
ويقال: محوى وحواء، مثل حوى وأحويه للموضع الذي يجتمعون فيه.
وكان يقال: اثنان لا يجتمعان: القنوع والحسد، واثنان لا يفترقان أبداً: الحرص والفجور.
قيل لجمعة: أي الخيل أحب إليك؟ قالت: أبغض كل بليد، وارم الوريد، لا ينجيك هارباً، ولا يظفرك طالباً، ولا يسرك شاهداً ولا غائباً.
وقيل لها: أي النوق أحب إليك؟ وقالت: كل ناقة علكوم، علنداة كتوم، مثل البازل المحجوم، القطم العيهوم.
كاتب: الوعد نافلة والإنجاز فريضة، فلا تفرضن على نفسك وعداً لا تنوي إنجازه، فيعود ما طلبت من المحمدة ذماً، ومن المصافاة معاداة، فإن الأول يقول: وفور العرض خلف من اكتساب المال والذم، وقد تعرض للذم من تبرع بالمواعيد.
قال رجل لأعرابي من بني عذرة: ما بال قلوبكم كأنها قلوب طير تنماث في الهوى كما يذوب الملح في الماء؟ قال: لأنا والله نرى محاجر أعين لا ترونها.
وقيل لبخيل: من أشجع الناس؟ قال: من يسمع وقع أضراس الناس على طعامه ولا تنشق مرارته.
كاتب: عز نفسك بما تعزي به غيرك، واستقبح من فعلك ما تستقبحه من مثلك، وتناول حظك إذا قرب منك قبل أن تطلبه وقد نأى عنك، واعلم أن أمض المصائب فقد سرور وحرمان أجر، فكيف إذا اجتمعا مع اكتساب وزر؟ كاتب: الصبر ينجز لك الموعود، والجزع لا يرد عليك المفقود، فليسبق صبرك جزعك، تسلم من المصيبة بالأجر، وإلا رجعت إليه بعد الفوت حسيراً.
قال بعض الحكماء: العلوم ثلاثة: علم يرفع، وعلم ينفع، وعلم يزين، الرافع الفقه، والنافع الطب، والمزين الأدب.
كان بمرو قاص جيد الكلام، فكان إذا طال مجلسه بالبكاء يخرج من كمه طنبوراً صغيراً وينقره ويقول: مع هذا الغم الطويل يحتاج إلى فرح ساعة.
سمعت بعض المشايخ يقول: فعيل يكون بمعنى فاعل، وربما اشتركا فيه وربما غلب فعيل؛ فمما يشتركان فيه: ضمن فهو ضامن وضمين، ورشد فهو راشد ورشيد، وعلم فهو عالم وعليم؛ وربما غلب عليه فقيل: كثر فهو كثير، وقل فهو قليل، وصح فهو صحيح، ومرض فهو مريض، وعتق فهو عتيق.

ويكون فعيل بمعنى مفعول: فهو خضيب ودهين وكحيل وقتيل ولديغ، فأما السليم فليس من هذا. وهذا الجنس إذا كان فيه نعت المؤنث لم تلحقه الهاء، وإنما لم يلحقوها به لأنهم عدلوه عن مكحولة ومدهونة. وقد كانت الهاء سبقت إلى فعيل الذي يشارك فاعلا، في مثل مريضة وضمنية، فحذفوها، وهذا ليفرقوا بينهما، فإن لم يذكر المؤنث قيل: هذه قبيلة بني فلان، فلحقتها الهاء وقد جاء بغير هاء. ويكون اسماً غير مشتق مثل: شعير وقفير وبعير وجريب ونصيب، ويقع فيه ما أصله مشتق فيجري مجرى الاسم المحض مثل: قليب، كأنها سميت لأنه قلب ما أخرج منها، ثم صار اسماً لازماً. ويكون مصدراً في الأصوات وغيرها مثل: نهيق وشحيج وصهيل وصريف وخبير ورجيب. ويكون بمعنى الجمع وهو قليل مثل: حمير ونفير ومعير. ويكون بمعنى مفاعل، وهو من المعارضة في مثل: شبيه ونظير وعديل وقرين، ومنه: شريك وأكيل وشريب وقسيم.
ويكون بمعنى مفعل نحو قوله: " بديع السماوات " البقرة:117 يعني: مبدع، وكقوله عمرو بن معدي كرب: أمن ريحانة الداعي السميع قال أهل اللغة: أراد المسمع، وقال أبو عبيدة في " عذاب أليم " البقرة: 104: أي مؤلم.
ويكون بمعنى مفعل مثل: عقيد، فإنهم يقولون: أعقدت العسل فهو معقد، وحبل بريم أي مبرم، وعتيد أي معتد.
ويكون بمعنى مفعل مثل: وكلته فهو وكيل وموكل، ومن هذا قيل: موسى كليم الله، وكذلك جريء في معنى وكيل، لأنك جرأته على خصمه.
ويكون بمعنى مستفعل، مثل: استوزر فهو وزير، واستشهد فهو شهيد، واستأجرت أجيراً فهو أجير.
ويكون بمعنى مفتعل مثل: صفي من مصطفى، وعميد من معتمد.
ويكون بمعنى مفعول اسما لازماً مثل: فريسة السبع، وأكيلة الذئب، والذبيحة: الشاة تعد للذبح، والبكلية: تمر يخلط بلبن، والربيكة، دقيق يخلط مع لبن وتمر، والسبيخة: القطعة الملفوفة من القطن المندوفة، ومثلها من الشعر القليلة. ويجوز أن تكون فريسة بمعنى مفترس ومفترسة كالذخيرة بمعنى مدخرة.
ويكون بمعنى فعال مثل: عقيم وعقام، وبخيل وبخال، وكهيم وكهام.
ويكون مشاركاً لفعل مثل: لسان ذلق وذليق، وبهج وبهيج، ولبق ولبيق، وشنع وشنيع.
ويقع موقع المصدر: كالحريق والوعيد.
ويكون واحداً وجمعاً في الصفات مثل: صديق ورفيق، وقد يجمع، قال الله تعالى: " وحسن أولئك رفيقاً " النساء:68.
ويكون نعتاً، فإذا أخبرت أنك قد دخلت تحته ولحقت بأهله ضممت عين الفعل، تقول: فقهت وعلمت، وإذا أخبرت أنك علمت شيئاً بعينه أو أشياء قلت: قد علمت ذلك.
ويكون بمعنى جمع مشتق من اسمه مثل: عدي وذكي وعري ونجي قال الله تعالى: " خلصوا نجيا " يوسف:80.
مر الفرزدق بخالد بن صفوان فقال: يا خالد، لو رأتك بنت شعيب ما قالت: " يا أبة استأجره، إن خير من استأجرت القوي الأمين " القصص:26، قال: وأنت يا أبا فراس، لو رأينك صويحبات يوسف لما أكبرنك ولا قطعن أيديهن.
لجميل بن معمر:
هواك بقلبي يا بثينة كالذي ... أناخ فأحيا العرق وهو دفين
الذي أناخ المطر، والعرق: عرق النخلة والشجر والزرع وغير ذلك.
قيل لحماد الراوية: أما تشبع من هذه العلوم؟ فقال: استفرغنا المجهود، فلما بلغنا المحدود، كنا كما قال الشاعر: إذا قطعنا علما بدا علم ابن الأعرابي قال: قيل لبعض أعراب بلحارث بن كعب: ما البلاغة؟ قال: السلاطة والإصابة والجزالة؛ أراد بالسلاطة: الجرأة على الكلام.
وأنشد:
ولما عصيت العاذلين ولم أبل ... مقالتهم ألقوا على غاربي حبلي
وهازئة مني تود لو ابنها ... على شيمتي أو أن قيمها مثلي
ويقال: شيئان لا يتفقان أبداً: الحرص والقحة. ولست أعرف معنى هذا الكلام لأني لا أرى حريصاً إلا وقحاً.
ويقال: المقدم في الحذق متأخر في الرزق.
قيل لحكيم: ما البلاغة؟ قال: تصحيح الأقسام واختيار الكلام.
كان أبو حية النميري كذاباً، قال مرة: رميت ظبية فلما نفذ السهم ذكرت حبيبة لي شبهتها بها فتبعت السهم فأخذته.
وقال مرة أخرى: عن لي ظبي فرميته فراغ عن سهمي فعارضه، فراغ ثانية فلم يزل السهم يراوغه حتى صرعه ببعض الخبارات.
شاعر:
بان الشباب وكل شيء بائن ... والمرء مرتهن بما هو كائن
ظعنت به أيامه وشهوره ... إن المقيم على الحوادث ظاعن

ذهب الشباب وغاض ماء فرنده ... فاليوم منه كل صاف آجن
درست محاسنه وطار عرابه ... ولقد تكون له عليك محاسن
خان الزمان أخاك في لذاته ... إن الزمان لكل حر خائن
قال يونس: لو أمرنا بالجزع لصبرنا، واعلم أن هذه الأمور لا تملك ولا تدرك إلا برحب الذراع.
ويقال: لا يزال الناس بخير ما تباينوا، فإذا تساووا هلكوا.
يقال: إن مع الثروة التحاسد والتخاذل، ومع القلة التحاشد والتناصر.
قال طريح:
إن يعلموا الخير يخفوه وإن علموا ... شرا أذيع وإن لم يعلموا كذبوا
قال أعرابي: من عاب سفله فقد رفعه، ومن عاب شريفاً فقد وضع من نفسه.
شاعر:
يؤمل حسن الثناء البخيل ... ولم يرزق الله ذاك البخيلا
وكيف يسود أخو بطنه ... يمن كثيراً ويعطي قليلا
شاعر:
نعماك في عنق الزمان قلادة ... وعلى يمين الجود منك سوار
رسخ امتداحك في ثرى أكبادنا ... وكأن مدحك بيننا استغفار
أصاب رجل رغيفين وعراقين فأكل رغيفاً وعراقاً، وأدركه بنوه وكانوا ثلاثة، وكلهم طلب ما بقي وذكر حاجته، فقال: ليصف كل واحد منكم كيف يأكله، فأيكم كان أعرف بأكله فهو أحق به، فقال الأول: أنا آكله حتى لا أدع فيه للذرة مقيلا، وقال الثاني: أنا آكله حتى يمر به المار فلا يدري أعظم العام هو أم عظم العام الأول، وقال الثالث، أما أنا فأجعل عظمه إداماً للحمه، فقال له: أنت صاحبه.
قال أعرابي: الجلل الذاهب عن المقدار صغراً أو كبرا.
شاعر يمدح الفضل بن يحيى:
مضى الفضل والإسلام واليأس والندى ... غداة غدا الفضل بن يحيى إلى الحفره
فصرن له في قبره مؤنساته ... كما كن أيام الحياة له حبره
وألبست الدنيا قتاماً لفقده ... وكانت بوجه الفضل ظاهرة النضره
فقل للذي يسعى ليدرك شأوه ... لقد رمت أمراً دونه تحسر القدره
يقال: خوت النجوم تخوية إذا انصبت لتغور.
لعتبة بن أبي لهب:
إنا أناس من سجيتنا ... صدق الكلام ورأينا حتم
شاعر:
حسب الكذوب من البلي ... ة بعض ما يحكى عليه
فمتى سمعت بكذبة ... من غيره نسبت إليه
وقال الرشيد للفضل بن الربيع في بعض ما كلمه به: كذبت، فقال: يا أمير المؤمنين، وجه الكذاب لا يقابلك، ولسانه لا يقاولك.
قال ابن الأعرابي: يقال: قد سوم فلان غلامه تسويماً، إذا تركه يصنع ما يشاء، وسوم نفسه، وأسام الرجل ماشيته، وفلان يأبى أن يسام خطة الضيم.
ويقال: آرتثا على الرجل رأيه إذا اختلط، أصله من رثيئة اللبن؛ وفي المثل: إن الرثيئة مما يفثأ الغضب.
قال كسرى: الرأي الحزم، فإذا وضح الحزم فاعزم.
قيل للشام شام لأنه شام الكعبة، وبكة، قيل إن الأصل هو الباء لأن الناس يبك بعضهم بعضاً، يقال: ابتك القوم: إذا ازدحموا، ومنى لما يمنى فيه من الدم، والجمرات: لما يجمع فيها من الحصى، والتجمير: الاجتماع، ومنه: لا تجمروا المسلمين فتفتنوهم وتفتنوا نساءهم، أي لا تجمعوهم في المغازي، ولكن ليخلف قوم قوماً.
قال أبو عبيدة في قوله: " إنك لن تخرق الارض " الإسراء: 37: أي لن تقطع الأرض، والخرق: القطع.
وأنشد:
لله قومي معشراً ... أفنوا عدوهم اصطلاما
لا يتركون لوارث ... إلا سناناً أو حساما
أو مقربات بالقنا ... تمريهم عاماً فعاما
ما ذاك من عدم بهم ... لكنهم خلقوا كراما

ولى الحجاج بن يوسف وهرام بن يزداد أصفهان، وكان ابن عم كاتبه زاذان فروخ المجوسي، فكتب من أصفهان إلى الحجاج كتاباً وصف له فيه اختلال حال أصفهان، وسأله النظر إليهم بنقص خراجهم، فكتب إليه الحجاج: أما بعد، فإني استعملتك يا وهرام على أصفهان، أوسع المملكة رقعة وعملا، وأكثرها خراجاً بعد فارس والأهواز، وأزكاها أرضاً، حشيشها الزعفران والورد، وجبلها الفضة والإثمد، وأشجارها الجوز واللوز والكروم الكريمة والفواكه العذبة، ذبابها عوامل العسل، وماؤها فرات، وخيلها الماذيات الجياد، أنظف بلاد الله طعاماً، وألطفها شراباً، وأصحها تراباً، وأوفقها هواء، وأرخصها لحماً، وأطوعها أهلاً، وأكثرها صيداً، فأنخت يا وهرام عليها بكلكلك حتى اضطر أهلها إلى مسألتك ما سألت لهم، لتفوز بما يوضع عنهم، فإن كان ذلك باطلاً - ولا أبعدك عن ظن السوء - فزد وتعلم، وإن صدقت في بعضه فقد أخرجت البلاد؛ أتظن يا وهرام أنا ننفذ لك ما موهت وسخرت من القول وقعدت تشير علنا به؟ فعض يا وهرام على هن أبيك وحرامك، وايم الله لتبعثن إلي خراج أصفهان كله وإلا جعلتك طوابيق على أبواب مدينتها، فاختر لنفسك أوفق الأمرين أو رد، والسلام.
قال بن أبي فنن، قال لي المتوكل: ثيابك يا أحمد في رزمة أو تخت؟ قلت: في رزمة، قال: لا تفعل فهي في التخت أبقى وأنقى.
وقال المتوكل: ابن أبي فنن فأرة مسك.
قال الحسين بن الضحاك: عتب علي المعتصم فقال: والله لأؤدبنه، فحجبني، فكتبت إليه:
غضب الإمام أشد من أدبه ... وبه استعذت وعذت من غضبه
أصبحت معتصماً بمعتصم ... أثنى الإله عليه في كتبه
لا والذي لم يبق لي سبباً ... أرجو النجاة به سوى سببه
ما لي شفيع غير رحمته ... ولكل من أشفى على عطبه
فالتفت إلى هارون الواثق فقال: بمثل هذا الكلام يستعطف الكرام.
قال محمد بن محمد بن عباد البصري، قال لي المأمون: بلغني أن فيك سرفاً، فقلت: منع الموجود سوء ظن بالمعبود.
لأشجع:
تريد الملوك مدى جعفر ... ولا يصنعون كما يصنع
وليس بأوسعهم في الغنى ... ولكن معروفة أوسع
وكيف ينالون غاياته ... وهم يجمعون ولا يجمع
آخر:
وقائلة لم عرتك الهموم ... وأمرك ممتثل في الأمم
فقلت دعيني على غصتي ... فإن الهموم بقدر الهمم
رأيت هذين البيتين في دفتر في جلود كتب أيام بني مروان، ورأيت بعض الرؤساء يدعيهما ويعجب بهما ويعجب له من ذلك، فقلت لبعض الشيوخ من ندمائه: إن الحال فيما أنشد كيت وكيت، فقال لي: لا تتكلم، فإن ما وقفنا موقفنا هذا قط إلا أسعطنا المكروه، وحملنا على الكذب، وكلفنا تحسين القبيح وتحقيق الباطل، وما عيب الرئاسة إلا ما يشوبها من هذه الخلال الحائفة عليها الناقصة منها، ولو عرفت يا بني ما نعرف لما خففت إلى ما نخف إليه؛ احمد الله على ما انطوى عنك، وسله السلامة فيما بدا لك، واعلم أن من أراد فناء الرؤساء صبر على الخشناء والعوصاء.
كاتب: أظلني من مولاي عارض غيث أخلف ودقه، وشاقني لائح غوث كذب برقه، فقل في حران ممحل أخطأه النوء، وحيران مظلم خذله الضوء.
هذا نمط متكلف.
قال أعرابي للحسن بن سهل: لا تدع إحسانك عندي خداجاً، ولا تخلج معروفك إلي خلاجاً، ولا تسمني أن التمس ما قبلك علاجاً.
قال بعض السلف: أربعة أشياء من الدناءة: إقبالك على السفلة من أجل غناه، وإعراضك عن الشريف من أجل فقره.
قال بعض العلماء: الدلالة على أن الله تعالى أمر إبراهيم بما لا يريده أنه فداه بذبح عظيم.

قال أبو زيد البلخي في كتاب السياسة: إن السياسة صناعة، ثم هي من أجل الصناعات قدراً وأعلاها خطراً، إذ كانت صناعة بها تتهيأ عمارة البلاد، وحماية من فيها من العباد، وكل صانع من الناس فليس يستغني في إظهار مصنوعه عن خمسة أشياء تكون عللا لها: أحدها مادة له آلة ومادة يعمل بها؛ والثاني صورة ينحو بفعله نحوها؛ والثالث حركة يستعين بها في توحيد تلك الصورة بالمادة؛ والرابع غرض ينصبه في وهمه من أجله يفعل ما يفعل؛ والخامس آلة يستعملها في تحريك المادة. ومثال ذلك من صناعة البناء أن المادة التي يعمل منها البناء هي التراب والطين والحجارة والخشب، والصورة التي ينحوها بوهمه صورة البيت، والفاعل هو البناء، والغرض الذي من أجله يفعل سكنى البيت وإحراز ما يحرز فيه، والآلة التي بها يعمل هي آلات البناء. ومثال ذلك من صناعة الطب أن المادة التي يفعل به الطبيب إنما هي أجساد الناس المحتملة الصحة والسقم، والصورة التي ينحوها الطبيب بوهمه إنما هي الصحة، والفاعل هو الطبيب المعالج، والغرض الذي بسببه يفعل الطبيب إنما هو بقاء جسم المعالج المدة التي تتهيأ له أن يبقاها، والشيء الذي يتخذه الطبيب آلة في المعالجة وإفادة الصحة هو كالفصد وسقي الأدوية. فإذا نقل هذا المثال إلى صناعة السياسة قلنا: إن المادة فيها أمور الرعية التي يتولى الملك القيام بها، والصورة فيها إنما هي المصلحة التي ينجو نحوها وهي نظير الصحة، لأن المصلحة هي صحة ما، والصحة مصلحة ما، وكذلك المفسدة سقم ما، والسقم مفسدة، والفاعل هو عناية الملك بما يباشره من أمور الرعية، وغرضه فيما يفعله هو بقاء المصلحة ودوامها، والشيء الذي يقوم له مقام الآلة في صناعته إنما هو الترغيب والترهيب: وفعل السائس الذي نظير المعالجة من الطبيب ينقسم بكليته إلى قسمين: أحدهما التعهد والآخر والاستصلاح؛ أما التعهد فحفظ المستقيم وأمور الرعية على استقامة وانتظام من الهدوء والسكون حتى لا يزول عن الصورة الفاضلة؛ وأما الاستصلاح فرد ما عارضه منها الفساد والاختلال إلى الصلاح والالتئام. ونظير هذا التعهد والاستصلاح في صناعة السياسة من صناعة الطب - التي هي سياسة الأجساد - حفظ الصحة وإعادة الصحة، وكما أن الطب كله مدرج في هذين البابين، كذلك السياسة كلها مدرجة في نظيريهما، يعني التعهد والاستصلاح.
وصف أعرابي نفسه بالحفظ فقال: كنت كالرملة لا يقطر عليها شيء إلا شربته.
قال بعض العلماء: المجادل يعرف بأحد الوجوه السبعة: بأن لا يذكر العلة، ومنها أن ينقض العلة، ومنها أن ينهي الكلام إلى محال، ومنها أن ينتقل في الكلام، ومنها أن يقول شيئاً يلزمه القول بمثله فيمتنع، وأن يجيب عن غير ما يسأل عنه، وأن يسكت للعجز.
العتابي: أما بعد، فقد دلف إليك أملي مستجيراً بك من الإعدام، على راحلة من الرجاء، يحدى بيمن الطائر، حتى أناخ بفناء جودك، فتعجل شكر ما أملته منك، تجن حلو ما استغرست لك.
قال الفرزدق لزياد الأعجم: يا أقلف، فقال زياد: يا ابن النمامة، أمك أخبرتك بهذا!! قال رجل للفرزدق: متى عهدك بالزنا؟ قال: مذ ماتت عجوزك، لا رضي الله عنها.
يقال: غشم الليل وأغشم، وعتم وأعتم، ودجا وأجى، وغسق وأغسق، وجنح وأجنح، وغطش وأغطش، وغبش وأغبش، كل هذا إذا أظلم.
قال أبو الحسن العامري: التعاون على البر داعية لاتفاق الآراء، واتفاق الآراء لإيجاد مجلبة المراد، مكسبة للوداد، وكما أن شر الناس من من أبغض الناس، كذلك خير الناس من نفع الناس، ولا نفع مع السباب والتباغي، وأرفع الناس نية أقدرهم على استصلاح البرية، ومن عجز عن تقويم نفسه الخاصة فهو عن تقويم غيره أعجز، والتسرع إلى تكذيب الأقول آفة من آفات النفس، والطمأنينة بها قبل الاختبار مضادة لطريق الحزم، والإصرار على التوقف مذلة لسلطان العقل، ومن لم يخلص لسانه لضميره لم يخلص ضمير غيره له، ومن صبر على استبراء حقائق الأحوال فقد أيد نفسه بالسلامة من الضلال، ومن خفي موقع الطلبة قبله لم ينفعه قرب المطلوب منه، ومن اهتم لغير ما خلق له فقد بدل جوهره بجوهر سواه، وكما أن نور الحق أشرق وأجلى، فهو للعقول الرمدة أضر وأعشى، والمفلوج شخصه لا تستقيم حركاته، وهيهات من نيل السعادة مع الهوينا والبطالة.

يقال: ثلاثة أشياء تستجيب من الصغير وتكره من الكبير: البخل والجبن والحسد، يدل الحسد من الصغير على همة وهو قبيح من الكبير، والبخل يدل منه على حزم لأنه فيه حفظ وهو عيب من فوقه والجبن يدل على عقل لأن فيه حراسة نفسه.
قيل لبزر جمهر: ما بال تعظيمك لمؤدبك أشد من تعظيمك لأبيك؟ قال: لأن أبي كان سبب حياتي الفانية، ومؤبي سبب حياتي الباقية.
شاعر:
وما المرء إلا اثنان عقل ومنطق ... فمن فاته هذا وذاك فقد كفر
ولا سيما إن كان ممن نصيبه ... من الدين والدنيا قليلا إذا حضر
كتب علي بن عيسى الوزير في توقيع له: قد بلغت لك أقصى مرادك، وأنلتك غاية بغتك، وسامحتك مسامحة محاب لك معني بك، وأنت مع ذلك تستقل كثيري لك، وتستقبح حسني فيك، فكيف وأنت كما قال رؤية:
كالحوث لا يكفيه شيء يلهمه ... يصبح ظمآن وفي البحر فمه
وإذا تأملت حقيقة أمرك علمت أني ... عاملتك بما لا أجيب إليه غيرك
ولا أعامل بمثله سواك.
شاعر:
العالم العاقل إبن نفسه ... أغناه جنس علمه عن جنسه
من إنما حياته لنفسه ... فيومه أولى به من أمسه
كم بين من تكرمه لغيره ... وبين من تكرمه لنفسه
هذه الأبيات يرويها أصحابنا لابن معروف القاضي، وما سمعناها منه.
قال الزبير بن بكار، حدثنا العتبي قال، حدثني الحسن بن وصيف قال: أصابتنا ريح ببغداد جاءت بما لم تأت به ريح قط حتى ظننا أنها تؤدي بنا إلى القيامة؛ قال: فجعلت أطلب المهدي خوفاً من أن يسقط عليه شيء، فألفيته ساجداً وهو يقول: اللهم احفظ فينا نبيك عليه السلام، ولا تشمت بنا أعداءنا من الأمم، وإن كنت يا رب أخذت العوام بذنبي فهذه ناصيتي بين يديك يا ارحم الراحمين مع الدعاء كثير حفظت هذا منه فلما أصبح تصدق بألف ألف درهم وأعتق مائة رقبة وأحج مائة رجل؛ قال: ففعل جلة قواده وبطانته والخيزران ومن أشبه هؤلاء في خاص مالهم كنحو ما فعل، فكان الناس بعد ذلك إذا ذكروا الخصب قالوا في أمثالهم: لأخصب من صبيحة ليلة الظلمة.
شاعر:
وما شيء أردت به اكتسابا ... بأجمع للمعيشة من بيان
ما خمسة في سبعة ... مع سبع ذلك في مايه
وكمثل ذلك إذا أضف ... ت إليه جزء ثمانيه
ما نصف ألف في القيا ... س وربع ألف لا ميه
ألقيت ربع ثلاثة ... منه فصح حسابيه
وضربت ما حصلته ... في نصف ثلث ثمانيه
فاتته صورة طبعه ... بكماله متواليه
إن غير الذي سواك كريم ... وسوى من سوى سواك لئيم
يقال: برك الجمل، وربضت الشاة، وجثمت الأرنب، وجثمتها أنا إذا صبرتها. أي حبستها على الموت.
قال الزهري: يحكى أن عرفجة بن أسعد أصيب أنفه يوم الكلاب فاتخذ أنفاً من روق فأنتن، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ أنفاً من ذهب؛ قال الأصمعي: اتخذ أنفاً من الورق أي ورق الشجر، فأما الورق فإنه لا ينتن؛ قيل:إن الأصمعي عني بالورق الرق الذي يكتب عليه، قال ابن قتيبة: كنت أحسب قول الأصمعي صحيحاً أنه لا ينتن حتى خبرني خبير أن الذهب لا يبليه الثرى ولا يصدئه الندى ولا تغلبه الأرض ولا يأكله التراب ولا يتغير ريحه علىالدول، وأنه ألطف شيء شخصاً وأثقل شيء وزنا، وقليلة يلقى في الزنبق فيرسب، وكثير غيره يلقى فيه فيطفو؛ وقال: الفضة تصدأ وتنتن وتبلى في الحرارة؛ وكتب عمر بن عبد العزيز في اليد إذا قطعت أن تختم بالذهب فإنه لا يقيح.
سئل الحسن البصري عن السلف في الزعفران فقال: إذا نقي.
قال دغفل: يفضل العرب على العجم بثلاث: بحفظ الأنساب وضياع أنسابهم، وعفتنا عن حرمنا إذا نكحوا حرمهم من الأمهات والأخوات، والفصاحة طبيعتنا والبيان سجيتنا.
شاعر:
لعل له عذراً وأنت تلوم ... وكم لائم قد لام وهو مليم
قال ابن الأعرابي: النغف: دود يكون في أنوف الإبل والغنم، ولا يكون في البقر، الواحد منها نغفة.
قال: والعرب تقول للشيء المختلف فيه: محلف ومحنث.
شاعر:

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9