كتاب : الحماسة البصرية
المؤلف : أبو الحسن البصري

وأَفْرَحُ بالمُحاقِ وبالدَّآدِي ... يَسُقْنَ البِيضَ في أَكْنافِ سُودِ
وفِي تَكْرارِهِنَّ نَفَادُ عُمْرِي ... ولكنْ كَي يَشِبَّ أبو الوَلِيدِ
غُلامٌ مِن سَراةٍ بَنِي لُؤَيٍّ ... مَنافِيُّ العُمُومَةِ والجُدُودِ
خَشاشٌ يَسْتَحِيلُ الطَّرْفُ منه ... بناظِرَتَيْ قِطامِيٍّ صَيُودِ
خَلِيقٌ عن تَكَامُلِ خَمْسِ عَشْرٍ ... بإنْجازِ المَواعِدِ والوَعِيدِ
وقال الحُمام الأَزْدِي
كُنّا نُدارِيها فَقَدْ مُزِّقَتْ ... واتَّسَعَ الخَرْقُ على الرَّاقِعِ
كالثَّوْبِ إذْ أَنْهَجَ فيه البِلَى ... أَعْيا على ذِي الحِيلَة الصّانِعِ
وقال أبو الأسْوَد الدُّؤلِيّ
إذا قلتُ: أَنْصِفْنِي ولا تَظْلِمَنَّي ... رَمَى كُلَّ حَقٍّ أَدَّعِيهِ بِباطِلِ
فَمَاطَلْتُهُ حتَّى ارْعَوَى وهْوَ كارِهٌوقَدْ يَرْعَوِي ذو الشَّغْبِ بَعْدَ التَّحامُلِ
فإِنَكَ لَمْ تَعْطِفْ على الحَقِّ ظالِماً ... بِمثْلِ خَصِيمٍ عاقِلٍ مُتجاهِلِ
وقال عُرْوَة بن لَقِيط الأزْديّ
فَخِيْرُ الأَيادِي ما شُفِعْنَ بمِثْلِها ... وخَيْرُ البَوادِي ما أَتَيْنَ عوائِدا
ولستَ تَرَى مالاً على الدَّهْرِ خالِداً ... وحَمْدُ الفَتى يَبْقَى على الدَّهْرِ خالِدا
وقال مُويال بن جَهْم المَذْحِجِيّ
وتُروى لمُبَشِّر بن الهُذَيْل الفَزارِيّ
وإنِّيَ لا أَخْزَى إذا قِيلَ: مُمْلِقٌ ... جَوادٌ، وأَخْزَى أَنْ يُقالَ بَخِيلُ
فإلاَّ يَكُنْ جِسْمِي طَويلاً، فإنَّنِي ... له بالخِصَالِ الصَّالِحاتِ وَصُولُ
إذا كنتُ في القَوْمِ الطِّوالِ عَلَوْتُهُمْ ... بِعارِفَةٍ حتّى يُقالَ طَوِيلُ
ولا خَيْرَ في حُسْنِ الجُسُومِ وطُولِها ... إذا لم يَزِنْ حُسْنَ الجُسُومِ عُقُولُ
وكَمْ قد رَأَيْنا مِنْ فُرُوعٍ كَثِيرةٍ ... تَمُوتُ إذا لَمْ تُحْيِهِنَّ أُصُولُ
ولَمْ أَر كالمَعْرُوفِ، أمَّا مَذاقُهُ ... فَحُلْوٌ، وأما وجْهُهُ فَجَمِيلُ
وقال المُغِيرة بن حَبْناء التَّمِيميّ
أَعُوذُ بالله من حالٍ تُزَيِّنُ لي ... لَوْمَ العَشيرةِ أو تُدْنِي من النّارِ
لا أَدْخُلُ البَيْتَ أَحْبُو مِنْ مُؤَخَّرِهِولا أُكَسِّرُ في ابْنِ العَمِّ أَظْفارِي
إنْ يَحْجُبِ اللهَ أَبْصاراً أُراقِبُها ... فَقَدْ يَرَى اللهُ حالَ المُدْلِجِ السَّارِي
وقال عبد الله بن مُعاوية
بن جعْفَر الطَّالِبِيّ من شعراء الدولتين
ولَسْتَ براءٍ عَيْبَ ذِي الوُدِّ كُلَّهُ ... ولا بَعْضَ ما فِيه إذا كنتَ راضِيا
فَعَيْنُ الرِّضا عن كُلِّ عَيْبٍ كَلِيلَةٌ ... ولكنَّ عَيْنَ السُّخْطِ تُبْدِي المَساوِيا
أَأنتَ أَخِي ما لضمْ تَكُنْ ليَ حاجَةٌ ... فإنْ عَرَضَتْ أيقَنْتُ أنْ لا أَخالِيا
فلا زادَ ما بَيْنِي وبَيْنَكَ بَعْدَما ... بَلَوْتُكَ في الحالَيْنِ إلاّ تَمادِيا
كِلانا غَنِيٌّ عن أَخِيهِ حَياتَهُ ... ونحنُ إذا مُتْنا أَشَدُّ تَغانَيا
وقال والِبَةَ بن الحُباب
ولَيْسَ فَتَى الفِتْيانِ مَنْ راحَ أو غَدا ... لشُرْبِ صَبُوحٍ أو لشُرْبِ غَبُوقِ
ولكنْ فَتى الْفِتْيانِ من راحَ أو غَدا ... لضَرِّ عَدُوٍّ أو لنَفْعِ صَدِيقِ
وقال زَرافَة بن سُبَيْع الأَسَدِيّ
وتُروَى لخالِد بن نَضْلَة الجَحْوانِي الأَسَدِيّ
لَعَمْرِي لرَهْطُ المَرْءِ خَيْرُ بَقِيَّةٌ ... عَليه، وإنْ عالَوْا به كُلَّ مَرْكَبِ
مِن الجانِبِ الأَقْصَى وإنْ كانَ ذا غِنىً ... جَزِيلٍ، ولَمْ يُخْبِرْكَ مِثْلُ مُجَرَّبِ
إذا كنتَ في قَوْمٍ عِدىً لستَ مِنهُمُ ... فكُلْ ما عُلِفْتِ مِن خَبِيثٍ وطَيِّبِ

وإن حَدَّثَتْكَ النَّفْسُ أنَّكَ قادِرٌ ... على ما حَوَتْ أَيْدِي الرِّجالِ فَكَذِّبِ
وقال ضابِئ بن الحارِث البُرْجُمِيّ
ومَنْ يَكُ أمْسَى في المَدِينةِ رَحْلُهُ ... فإنِّي، وقَيَّارٌ، بِها لَغَرِيبُ
وما عاجِلاتُ الطَّيْرِ يُدْنِينَ مِلْ فَتَى ... نَجاحاً، ولا فِي رَيْثِهِنَّ يَخِيبُ
ورُبَّ أُمُورٍ لا تَضِيرُكَ ضَيْرَةً ... وللقَلْبِ مِن مَخْشاتِهِنَّ وَجِيبُ
ولا خَيْرَ فِيمَنْ لا يُوَطِّنُ نَفْسَهُ ... على نائِباتِ الدَّهْرِ حينَ تَنُوبُ
وفي الشَّكِّ تَفْرِيطٌ، وفي العَزْمِ قُوَّةٌ ... ويُخْطِي الفَتَى في حَدْسِهِ ويُصِيبُ
وقال طَرَفَة بن العَبْد
قد يَبْعَثُ الأَمْرَ العَظِيمَ صَغِيرُهُ ... حتَّى تظَلَّ له الدِّماءُ تَصَبَّبُ
والإثْمُ داءٌ لا يُرَجَّى بُرْؤُه ... والبِرُّ بُرْؤٌ لَيْسَ فيه مَعْطَبُ
وقِرابُ مَنْ لا يَسْتَفِيقُ دَعارةً ... يُعْدِي كما يُعْدِي الصَّحيحَ الأَجْرَبُ
وقال أبو جَعْفَر المَنْصُور
إذا كنتَ ذا رأيْ فكُنْ ذا عَزِيمَةٍ ... فإنَّ فَسادَ الرَّأْيِ أنْ تَتَردَّدا
ولا تُمْهِلِ الأَعْداءَ يَوْماً لِقُدْرَةٍ ... وبادِرْهُمُ أنْ يَمْلِكُوا مِثْلَها غَدا
وقال بَشّار بن بُرْد العُقَيْلِي
وقيل هو مَوْلَى بني سَدُوس
إذا بَلَغَ الرَّأْيُ المَشُورَةَ فاسْتَعِنْ ... بَرَأْيِ لَبِيبٍ أو مَشُورَةِ حازِمِ
ولا تَحْسِبِ الشُّورَى عليكَ غَضاضَةً ... فإنَّ الخَوافِي قُوَّةٌ للقَوادِمِ
وخَلِّ الهُوَيْنا للضَّعِيفِ ولا تكُنْ ... نَؤُوماً، فإنَّ الحَزْمَ ليس بنائِمِ
فإنَّكَ لا تَسْتَطْرِدُ الهَمَّ بالمُنَى ... ولا تَبْلُغُ العَلْيا بغَيْرِ المَكارِمِ
وقال عبد الله بن جَعْفَر الطّالِبِيّ
ومنهم مَن نَسَبها إلى صالح بن عبد القُدُّوس
إن اللَّبِيبَ الذي يَرْضَى بِعِيشَتِهِ ... لا مَنْ يَظَلُّ على ما فاتَ مُكْتَئِبا
لاَ تَحْقِرَنَّ مِن الأقْوامِ مُحْتَقَرا ... كُلُّ امْرِئٍ سَوْفَ يُجْزَى الذي اكْتَسَبا
لا تُفْشِ سِرّاً إلى غَيْرِ اللّبِيبِ ولا ال ... خَرْقِ المُشِيعِ له يوماً إذا غَضِبا
قد يَحْقِرُ المَرْءُ ما يَهْوَى فيَرْكَبَهُ ... حتّى يكونَ إلى تَوْرِيطِهِ سَبَبا
شَرُّ الأَخِلاّءِ مَنْ كانَتْ مَوَدَّتُهُ ... مع الزَّمانِ إذا ما خاف أو رَغِبا
إذا وَتَرْتَ امرءاً فاحْذَرْ عَداوَتَهُمَنْ يَزْرَعِ الشَّوْكَ لا يَحْصِدْ بهِ عِنَبا
إنَّ العَدُوَّ، وإنْ أَبْدَى مُسالَمَةً، ... إذا رَأَىَ مِنْكَ يَوْماً فُرْصَةً وَثْبَا

وقال أيضا
ً
إذا كنت في حاجَةٍ مُرْسِلاً ... فأَرْسِلْ حَكِيماً ولا تُوصِهِ
وإنْ بابُ أَمْرٍ عليكَ الْتَوَى ... فشاوِرْ لَبِيباً ولا تَعْصِهِ
وإنْ ناصِحٌ مِنْكَ يَوْماً دَنا ... فلا تَنْأَ عَنْه ولا تُقْصِهِ
وذا الحَقِّ لا تَنْتَقِصْ حَقَّهُ ... فإنَّ القَطِيعةَ في نَقْصِهِ
ولا تَذْكُرِ الدَّهْرَ في مَجْلِسٍ ... حَدِيثاً إذا أنت لَمْ تُحْصِهِ
ونُصَّ الحَدِيثَ إلى أَهْلِهِ ... فإنَّ الأَمانَةَ في نَصِّهِ
فَكمْ مِن فَتىً عازِبٍ لُبُّهُ ... وقَدْ تَعْجَبُ العَيْنُ مِن شَخْصِهِ
وآخَرَ تَحْسِبُهُ أَنْوَكاً ... ويَأْتِيكَ بالأمْرِ مِن فَصِّهِ
وقال أبو المِنْهال بُقَيْلَة الأكْبَر
وإنَّما الشَّعْرُ لُبُّ المَرْءِ يَعْرِضُهُ ... على المَجالِسِ إنْ كَيْساً وإنْ حُمُقا
وإنَّ أشْعَرَ بَيْتٍ أنتَ قائِلُهُ ... بَيْتٌ يُقالُ إذا أَنْشَدْتَهُ صَدَقا

الْبَسْ جَدِيدَكَ إنِّي لابِسٌ خَلَقِي ... و لا جَدِيدَ لِمَنْ لا يَلْبِسُ الخَلَقا
وقال حُمارِس بن عَدِيّ العُذْرِيّ
إنِّي لأَسْكُتُ عن عِلْمٍ ومَعْرِفَةٍ ... خَوْفَ الجَوابِ وما فِيهِ مِن الخَطَلِ
أَخْشَى جَوابَ جَهُولٍ لَيْسَ يُنْصِفُنِي ... ولا يَهابُ الذي يَأْتِيهِ مِن زَلَلِ
وقال قيْس بن عاصِم المِنْقَرِيّ
وتروى لمِسْكِين الدَّارِمِيّ
أخاكَ أخاكَ، إنَّ مَنْ لا أخَا لهُ ... كَساعٍ إلى الهَيْجا بغِيرِ سِلاحِ
وإنَّ ابنَ عَمِّ المَرْءِ فاعْلَمْ جَناحُهُ ... وهَلْ يَنْهَضُ البازِي بغَيْرِ جَناحِ
وقال عَقِيل بن هاشِم القَيْنِيّ
يا آل عَمْرو أَمِيتُوا الضِّغْنَ بَيْنَكُمُ ... إنَّ الضَّغائِنَ كَسْرٌ ليس يَنْجَبِرُ
قد كانَ في آلِ مَرْوانٍ لكُمْ عِبَرٌ ... إذا هُمْ مُلُوكٌ وإذ ما مِثْلَهُمْ بَشَرُ
تَحاسَدُوا بَيْنَهُمْ بالغِشِّ فاخْتُرِمُوا ... فما تُحَسُّ لَهُمْ عَيْنُ ولا أَثَرُ
وقال الهَيْثَم بن الأَسْوَد النَّخْعِيّ
بَنِي عَمِّنا، إنَّ العَداوَةَ شَرُّها ... ضَغائِنُ تَبْقَى في نُفُوسِ الأَقارِبِ
تكُونُ كَداءِ البَطْنِ لَيْس بظاهِرٍ ... فَيَبْرا، وداءُ البَطْنِ مِن شَرِّ صاحبِ
بَنِي عَمّنا، إنَّ الجَناحَ يشُلُّهُ ... تَنَقُّصُ نَسْلِ الرِّيشِ مِن كُلِّ جانِبِ
وقال يَحْيَى بن زِياد الحارِثِي
تَهادَى رِجالٌ أنْ مَرِضْتُ، سَفاهَةً ... بذاكَ، وأَيُّ النّاسِ سالَمَهُ الدَّهْرُ
وإنَّ امْرَأً بالمَوْتِ أَصْبَحَ شامِتاً ... لَرَهْنٌ به يوماً وإنْ غَرَّهُ العُمْرُ
وقال الأَعْشَى ميْمُون
ومَنْ يَغْتَربْ عن قَوْمِهِ لا يَزَل يَرَى ... مصَارِع مَظْلُومٍ مَجَرّاً ومَسْحَبا
تُدْفَنُ منه الصَّالِحاتُ، وإنْ يُسِئْ ... يكُنْ، ما أَساءَ، النَّارَ في رأَسِ كَبْكَبا
لَيْسَ مُجِيراً، إنْ أَتَى الحَيَّ خائِفٌ ... ولا قائِلاً إلاَّ هو المُتَعِّيبا
وقال الأحْوَص
إنِّي لأَسْتَحْيِكُمُ أَنْ يَقُودَنِي ... إلى غَيْرِكِمْ من سائِرِ النّاسِ مَطْمَعُ
أَنْ أجْتَدِي للنَّفْعِ غَيْرَكَ مِنْهُمُ ... وأنتَ إِمامٌ للبَرِيَّةِ مَقْنَعُ
وقال حُطائِط بن يَعْفُر
أخو الاَسْود النَّهْشَلِيّ
كقُول ابنةُ العَبَّابِ رُهْمٌ: حَرَبْتَنا ... حُطائِطُ، لم تَتْرُك لنَفْسِكَ مَقْعَدا
إذا ما أَفْدْنا صِرْمَةً بعْدَ هَجْمَةٍ ... تكونُ عَلَيْها كابْن أُمِّكَ أَسْوَدا
قلتُ، ولَمْ أَعْيَ الجَوابَ تَبَيَّنِي ... أَكانَ الهُزالُ حَتْفَ زَيْدٍ وأَرْبَدا
أرِينِي أَكُنْ لِلْمالِ رَبّاً ولا يَكُنْ ... لِيَ المالُ رَبَّاً تَحْمَدِي غِبَّهُ غَدا
َرِيني جَواداً ماتَ هَزْلاً لَعلَّنِي ... أَرَى ما تَرَيْنَ أو بَخِيلاً مُخَلَّدا
وقال حَسّان بن ثابت الأَنْصارِيّ
أَصُونُ عِرْضِي بمالِي لا أُدَنِّسُهُ ... لا بارَكَ اللهُ بَعْدَ العِرْضِ في المالِ
أَحْتالُ للمالِ إنْ أَودَى فأَكْسِبُهُ ... ولسْتُ للعِرْضِ إنْ أَوْدَى بِمُحتالِ
وقال كُلثُوم بن عَمْرو التَّغْلِبِيّ

من شعراء الدولة العباسية
إنَّ الكَرِيمَ لَيُخْفِي عَنْكَ عُسْرَتَهُ ... حَتَّى تَراهُ غَنِياً، وهْوَ مَجْهُودُ
وللبَخِيلِ على أَمْوالِهِ عِلَلٌ ... زُرْقُ العُيُونِ عَلَيْها أَوْجُهٌ سُودُ
ذا تَكَرَّمْتَ عن بَذْلِ القَلِيلِ ولَمْ ... تَقْدِرْ على سَعَةٍ لم يَظْهَرِ الجُودُ
بثَّ النَّوالَ،لا تَمْنَعْكَ قِلَّتُهُ ... فكُلُّ ما سَدَّ فَقْراً فهْوَ مَحْمُودُ
وقال قَيْس بن الخَطِيم

إذا جاوَزَ الإِثْنَيْنِ سِرٌّ فإنَّهُ ... بنَثٍّ وتَكْثِيرِ الحَدِيثِ قَمِينُ
وإنْ ضَيَّعَ الإِخوانُ سِرَّاً فإِنَّنِي ... كَتُومٌ لأَسْرارِ العَشيرِ أَمِينُ
أَبَى الذَّمَّ لِي آباءُ تَنْمِي جُدُودُهُمْ ... وفِعْلِي بِفعْلِ الصَّالِحينَ مُعِينُ
سَلِي مَنْ جَلِيسِي في النَّدِيِّ ومَأْلَفِي ... ومَنْ هو لِي عِنْدَ الصَّفاءِ خَدِينُ
وإنِّي لأَعْتامُ الرِّجالَ بخُلَّتِي ... إلى الرَّأْيِ في الأحْداثِ حينَ تَحِينُ
فأُبْرِي لَهُمْ صَدْرِي، وأُصْفِي مَوَدَّتِي، ... وسِرُّكَ عِنْدِي بَعْدَ ذاكَ مَصُونُ
أَمُرُّ على الباغِي، ويَغْلِظُ جانِبِي ... وذُو الوُدِّ أحْلَوْلِي له وأَلِينُ

وقال آخر
لا يَعْلَمُ المَرْءُ لَيلاً ما يُصَبِّحُهُ ... إلاَّ كَواذِبَ مِمَّا يُخْبِرُ الفالُ
والفالُ والزَّجْرُ الكُهَّانُ كُلُّهُمُ ... يُضَلِّلُونَ، ودُونَ الغَيْبِ أَقْفالُ
؟
وقال
جَبَلَة العُذْرِي
عبد المَسِيح بن بُقَيْلَة الغَسّابِيّ
اسْتَقْدِرِ الله خَيْراً وارْضيَنَّ به ... فَبَيْنَما العُسْرُ إِذْ دارَتْ مَياسِيرُ
تَأْتِي أُمورُ فما تَدْرِي أعاجِلُها ... خَيْرٌ لنَفْسِكَ أَمْ ما فِيه تَأْخِيرُ
وبَيْنَما المَرْءُ في الأحْياءِ مُغْتبِطاً ... إذْ صارَ في الرَّمْسِ تَعْفُوهُ الأعاصِيرُ
يَبْكِي الغَرِيبُ عَلَيه لَيْسَ يَعْرِفُهُ ... وذُو قَرابَتِهِ في الحَيِّ مَسْرُورُ
حَتَّى كأَنْ لم يُكنْ إلاّ تَذَكُّرُهُ ... والدَّهْرُ أَيَّتَما حالٍ دَهارِيرُ
الخيرُ والشَّرُّ مَقْرُونانِ في قَرَنٍ ... والخَيْرُ مُتَّبَعٌ والشَرُّ مَحْذُورُ
والنّاسُ أوْلادُ عَلاّتٍ فَمنْ عَلِمُوا ... أنْ قد أَقَلَّ فمَجْفُوٌّ ومَحْقُورٌ
وهُمْ بنُو الأُمِّ إنْ رَأَوْا له نَشَباً ... فذاكَ بالغَيْبِ مَحْفُوظٌ ومَخْفُورُ
وقال النَّمِر بن تَوْلَب
أَعاذِلَ إنْ يُصْبِحْ صَدايَ بقَفْرَةٍ ... بَعِيداً نَآنِي صاحِبِ وقَرِيبِي
تَرَى أنَّ ما أَبْقَيْتُ لَمْ أكُ رَبَّهُ ... وأنَّ الذي أَنْفَقْتُ كانَ نَصِيبِي
وذِي إبِلٍ يَسْعَى ويَحْسِبُها له ... أَخِي نَصَبٍ في رَعْيِها ودُؤُوبِ
غَدَتْ، وغدا رَبٌّ سِواهُ يَسُوقُها ... وبُدِّلَ أَحْجاراً وجالَ قَلِيبِ
وقال أبو الأَسْود الدُّؤلِيّ
أَفْنَى الشَّبابَ الذي أَبْلَيْتُ جِدَّتَهُ ... كَرُّ الجَدِيدَيْنِ مِن آتٍ ومُنْطَلِقٍ
لَمْ يَتْرُكا لي في طُولِ اخْتِلافِهما ... شَيْئاً أَخافُ عليه لَذْعَةَ الحَدَقِ
وقال مالِك بن أَسْماء الفَزارِيّ
كَتَمْتُ شَيْبِي لِيَخْفى بَعْدَ رَوْعَتِهِ ... فلاحَ مِنْهُ وَمِيضٌ ليس يَنْكَتِمُ
راعَ الغَوانِي، فما يَقْرَبْنَ ناحِيَةً ... رَأَيْنَ فِيها بُرُوقَ الشَّيْبِ تَبْتَسِمُ
وقال الحارِث بن كَلَدَة الثَّقَفِيّ
وتروى لغَيْلان بن سَلَمَة الثَّقَفِيّ
ألا أَبْلِغْ مُعاتَبَتِي وقوْلِي ... بَنِي عَمِّي، فقدْ حَسُنَ العِتابُ
وسَلْ هل كان لي ذَنْبٌ إليهِمْ ... هُمُ مِنْهُ، فأَعْتِبُهُمْ، غِضابُ
كَتَبْتُ إليهمُ كُتُباً مِراراً ... فَلمْ يَرجِعْ إليَّ لها جَوابُ
فما أَدْرِي أَغَيَّرَهُمْ تَناءٍ ... وطُولُ العَهْدِ، أمْ مالٌ أَصابُوا
فمَنْ يكُ لا يَدُومُ له وَفاءٌ ... وفِيه حينَ يَغْتَرِبُ انْقِلابُ
فعَهْدِي دائِمٌ لَهُمُ ووُدِّي ... على حالٍ إذا شَهِدُوا وغابُوا
وقال آخر
وإذا صاحَبْتَ فاصْحَبْ ماجِداً ... ذا حَياءٍ وعَفَافٍ وكَرَمْ

قَوْلُهُ للشَّيء: لا، إنْ قُلْتَ: لا ... وإذا قُلْتَ: نَعَمْ، قال: نَعَمْ
وقال الحُطَيْئَةُ العَبْسِيّ
ولَسْتُ أَرَى السَّعادَةَ جَمْعَ مالٍ ... ولكنَّ التَّقِيَّ هو السَّعِيدُ
وتَقْوَى الله خَيْرُ الزّادِ ذُخْراً ... وعندَ الله للأَتْقَى مَزِيدُ
وما لا بُدَّ أنْ يَأْتِي قَريبٌ ... ولكنَّ الذي يَمْضِي بَعِيدُ
وقال هُدْبَة بن خَشْرَم

أموي الشعر
وكُنْ مَعْقِلاً للحِلمِ، واصْفَحْ عن الخَنا ... فإنَّك راءٍ ما حَيِيتَ وَسامِعُ
فأَحْبِبْ إذا أَحْبَبْتَ حُبَّاً مُقارِباً ... فإنَّكَ لا تَدْرِي مَتَى أنتَ نازِعُ
وأبْغِضْ إذا أَبْغَضْتَ بُغْضاً مُقارِباً ... فإنَّكَ لا تَدْرِي مَتَى أنتَ راجِعُ
وقال الأَعْوَر الشَّنِّيّ
جُهَيْم بن الحارث، من بني عائِذَة بن شَنّ
لَقد عَلِمَتْ عُمَيْرَةُ أن جارِي، ... إذا ضَنَّ المُثَمِّرُ، مِن عِيالِي
وأنِّي لا أَضَنُّ على ابنِ عَمِّي ... بنَصْرِي في الخُطُوبِ ولا نَوالِي
ولستُ بقائِلٍ قَوْلاً لأحْظَى ... بقَوْلٍ لا يُصَدِّقُهُ فَعالِي
وما التَّقْصِيرُ، قد عَلِمَتْ مَعَدٌّ ... وأَخْلاقُ الدَّنِيَّةِ مِن خِلالِي
وأَكْرَمُ ما تُكونُ عليَّ نَفسِي ... إذا ما قَلَّ في اللَّزباتِ مالِي
فَتحْسُنُ نُصْرَتِي، وأَصُونُ عِرْضِي ... وَيَجْمُلُ عِنْدَ أَهْلِ الرَّأْيِ حالِي
وإنْ نِلْتُ الغِنَى لَمْ أَغْلُ فِيهِ ... ولَمْ أَخْصُصْ بجَفْوَتِيَ المُوالِي
وقدْ أَصْبَحْتُ لا أَحْتاجُ ممّا ... بَلَوْتُ مِن الأمُورِ إلى سُؤالِ
وذلكَ أَنِّنِي أَدَّبْتُ نَفْسِي ... وما حَلْتُ الرِّجالَ ذَوِي المِحالِ
إذا ما المَرْءُ قَصَّرَ ثُمّ مَرَّتْ ... عَليه الأَرْبَعُون، من الرِّجالِ
ولَمْ يَلْحَقْ بصالِحهِمْ فدَعْهُ ... فلَيْسَ بلاحِقٍ أُخْرَى اللَّيالِي
وقال المُتَلَمِّس
واسمه جرير
وأعَلمَ علم حَقٍّ غَيْرَ ظَنٍّ ... وتَقْوَى الله مِن خَيْرِ العَتادِ
لَحِفْظُ المالِ خَيْرٌ مِن بُغاهُ ... وضَرْبٍ في البِلادِ بغَيْرِ زادِ
وإصْلاحُ القِليلِ يَزِيدُ فِيهِ ... ولا يَبْقَى الكَثِيرُ مع الفَسادِ
وقال الأفْوَه الأوْدِيّ
صَلاءَة بن عَمْرو بن الحارث
البَيْتُ لا يُبْتَنَى إلا لهُ عَمَدٌ ... ولا عِمادَ إذا لَمْ تُرْسَ أَوْتادُ
وإنْ تَجَمَّعَ أَوْتادٌ وأَعْمِدَةٌ ... وساكِنٌ بَلَغُوا الأَمْرَ الذي كادُوا
لا يَصْلُحُ النَّاسُ فَوْضَى لا سَراة لَهُمْ ... و لا سراة إذا جالهم سادوا
تُلْفَى الأُمُورُ بأَهْلِ الرَّأْيِ ما صَلَحَتْ ... فإنْ تَوَلَّتْ فبِالأَشْرارِ تَنْقادُ
إذا تَوَلَّى سَراةُ القَوْمِ أَمْرَهُمْ ... نَمَى على ذاكَ أَمْرُ القَوْمِ وازْدادُوا
أَمارَةُ الغَيِّ أَنْ يُلْفَى الجَمِيعُ لَدَى الإِبْرامِ للأمْرِ والأَذْنابُ أَكْتادُ
كَيْفَ الرَّشادُ إذا ما كنتَ مِن نَفَرٍ ... لهُمْ عن الرُّشْدِ أَغْلالٌ وأَقيادُ
أَعطَوا غُواتَهُمُ جَهْلاً مَقادتَهُمْ ... فُكُّلهُمْ في حِبالِ الغَيِّ مُنْقادُ
حانَ الرَّحِيلُ إلى قومٍ وإنْ بَعُدُوا ... فيهِمْ صَلاحٌ لِمُرْتادٍ وإرشادُ
فسَوْفَ أَجْعَلُ بُعْدَ الأرْضِ دُونَكُمُ ... وإنْ دَنَتْ رَحِمٌ منكُمْ ومِيلادُ
وقال المُغِيرة بن حَبْناء
خذ مِن أخيكَ العَفْوَ واغْفِرْ ذُنْوبَهُ ... ولا تَكُ في كُلِّ الأُمُورِ ومُعاتِبُة
فإنَّكَ لَنْ تَلْقَى أَخاكَ مُهَذَّباً ... وأيُّ امْرئٍ يَنْجُو مِن العَيْبِ صاحِبهُ

أَخُوكَ الذي لا يَنْقُضُ النَّأْيُِ عَهْدَهُولا عِنْدَ صَرْفِ الدَّهْرِ يَزوَرُّ جانِبُه
ولَيْسَ الذي يَلْقاكَ بالبِشْرِ والرِّضَى ... وإنْ غِبْتَ عنه لَسَّعَتْكَ عَقارِبُهُ
وقال أيضاً، وتُرْوى للجَعْجاع الزِّيادي
إذا المَرْءُ أُوْلاَك الهَوانَ فأَوْلِهِ ... هَواناً، وإنْ كَانَتْ قَريباً أَواصِرُهْ
فإنْ أنْتَ لَمْ تَقْدِرْ على أَنْ تُهِنَهُ ... فدَعْهُ إلى اليومِ الذي أنتَ قادِرُهْ
وقارِبْ إذا لم تَجِدْ لكَ حِيلَةً ... وصَمِّمْ إذا أَيْقَنْتَ أنَّكَ عاقِرُه
وإنِّي لأَجْزِي بالمَودَّةِ أهْلَها ... وبالشَّرِّ حتَّى يَسْأَمَ الشَّرَّ حافِرُهْ
وأَغْضَبُ للموْلَى فأَمْنَعُ ضَيْمَهُ ... وإنْ كان غِشَّاً ما تُجِنُّ ضَمائِرُهْ
فأَحْلُمُ ما لَمْ أَلْقَ في الحِلْمِ ذِلَّةً ... وللجاهِلِ العِرِّيضِ عِندِيَ زاجِرُهْ
وقال حاتِم الطّائِيّ
أَماوِيَّ قد طالَ التَّجَنَّبُ والهَجْرُ ... وقَدْ عَذَرَتْنِي في طِلابِكُمُ العُذْرُ
أَماوِيَّ إنَّ المالَ غادٍ ورائِحٌ ... ويَبْقَى مِن المالِ الأَحادِيثُ والذِّكْرُ
أَماوِيَّ إنْ يُصْبِحْ صَدايَ بقَفْرَةٍ ... مِن الأرْضِ لا مالٌ لَدَيَّ ولا خَمْرُ
تَرَىْ أنَّ ما أنْفَقْتُ لَمْ يَكُ ضَرَّنِي ... وأنَّ يَدِي مِمّا بَخِلْتُ به صِفْرُ
أَماوِيّ ما يُغْنِي الثَّراءُ عن الفَتَى ... إذا حَشْرَجَتْ يَوْماً وضاقَ بِها الصَّدْرُ
وقَدْ عَلِمَ الأَقْوامُ لو أنَّ حاتِماً ... أَرادَ ثَراءَ المالِ كانَ لهُ وَفْرُ
وأَنِّيَ لا آلُو لِمالِي صَنِيعَةً ... فأَوَّلُهُ زادٌ وآخِرُهُ ذُخْرُ
يُفَكُّ به العانِي ويُؤْكَلُ طَيِّباً ... ولا أَنْ تُعَرِّيهِ القِداحُ ولا الخَمْرُ
غَنِينا زَماناً بالتَّصَعْلُكِ والغِنَى ... وكُلاًّ سَقاناهُ بِكَأْسَيْهِما الدَّهْرُ
وما ضَرَّ جاراً يا ابنةَ القَوْمِ فاعْلَمِي ... يُجاوِرُني أنْ لا يَكُونَ له سِتْرُ
بِعَيْنِيَ عن جاراتِ قَوْمِيَ غَفْلَةٌ ... وفِي السَّمْعِ مِنِّي عن حَدِيثِهمُ وَقْرُ
وقال عامر بن عَمْرو
من بني البَكّاء
خُذِي العَفْوَ مِنِّي تَسْتَدِيمي مَوَدَّتِي ... ولا تَنْطِقي في سَوْرَتِي حينَ أَغْضَبُ
ولا تَنْقُرِينِي نَقْرَكِ الدُّفَّ دائِماً ... فإنَّكِ لا تَدْرِينَ كَيفَ المُغَيَّبُ
فإنِّي رَأَيْتُ الحُبَّ في القَلْبِ والأَذَىإذا اجْتَمعا لم يَلْبَثِ الحُبُّ يَذْهَبُ
وقال أعْرابي من بني قَرِيْع
مَتَى ما يَرَ النَّاسُ الغَنِيَّ، وجارُهُ ... فَقِيرٌ، يَقُولُوا: عاجِزٌ وجَليدُ
وليس الغِنَى والفَقْرُ من حِيلَةِ الفَتَى ... ولكنْ أَحاظٍ قُسّمَتْ وجُدُودُ
إذا المَرْءُ أَعْيَتْهُ السِّيادَةُ ناشِئاً ... فَمطْلَبُها كَهْلاً عليه شَدِيدُ
وكائِنْ رَأَيْنا مِن غِنيٍّ مُذمَّمٍ ... وصُعْلُوكِ قَوْمٍ ماتَ وهْوَ حَمِيدُ
وقال عمّار بن جابِر الهِلالِيّ
يا رُبَّ قائِلةٍ يَوْماً لِجارَتها: ... هل أنتِ مُخْبِرَتِي ما شأْنُ عَمَّارِ
قالَتْ: أَرَى رَجُلاً عارٍ أشاجِعُهُ ... كَأَنَّه ناقِهٌ أو نِضْوُ أَسفارِ
إمِّا تَرَيْنِي لجِسْمِي غيرَ مُحْتَشِدٍ ... فإنَّنِي حَشِدٌ للضَّيْفِ والجارِ
وما على الحُرِّ أنْ تَعْرَى أشاجِعُهُ ... ويَلْبَسُ الخَلَقَ المَرْقُوعَ مِن عارِ

وقال آخر
لِلجِدِّ ما خُلِقَ الإنْسانُ، فالْتَمِسَنْ ... بالجِدِّ حَظَّكَ لا باللَّهْوِ واللّعِبِ

لا يَلْبَثُ الهَزْلُ أَنْ يَجْنِي لِصاحِبهِ ... ذَمَّاً ويُذْهِبَ عَنْهُ بَهْجَةَ الأدَبِ
وقالت مَيْسُون الكَلْبِيّة
لما تَزوّج بها معاوِية
لَبَيْتٌ تَخْفِقُ الأَرْواحُ فِيهِ ... أحَبُّ إليَّ من قَصْرٍ مُنِيفِ
وأَصْواتُ الرِّياحِ بكُلِّ فَجٍّ ... أَحب إلي من نقر الدُّفُوفِ
وكَلْبٌ يَتْبَعُ الأظْعانَ صَعْبٌ ... أَحَبُّ إليّ مِن هِرٍّ أَلِيفِ
ولُبْسُ عَباءَةٍ وتَقِرَّ عَيْنِي ... أَحَبُّ إليَّ مِن لُبْسِ الشُّفُوفِ
وخِرْقٌ مِن بَنِي عَمِّي نَجِيبٌ ... أَحَبُّ إليَّ مِن عِلْجٍ عَلِيفِ
فقال معاوية: ما كفى أن جَعَلْتَنِي عِلْجاً حتَّى جَعَلْتَنِي عَلِيفاً، ثم أوْلَدَها يَزِيد.

وقال آخر
إنِّي سأَسْتُر ما ذُو العَقْلِ ساتِرهُ ... مِن حاجةٍ، وأمِيتُ السِّرَّ كِتْمانا
وحاجةٍ دُونَ أُخْرَى قد سَنَحْتُ بِها ... جَعلْتُ للَّتِي أَخْفَيْتَ عُنْوانا
وقال مالِك بن أَسْماء بن خارِجَة
وتُرْوَى لأبِي دَهْبَل الجُمَحِيّ، والأوّل أكثر. وتروى لأيْمَن بن خُرَيْم
أَتانِي بِها يَحْيَى وقَدْ نِمْتُ نَوْمَةًوقَدْ غابَتِ الجَوْزاءُ وانْحَدَرَ النَّسْرُ
فقلتُ: اصْطَبِحْها، أو لغَيْرِيَ سَقِّها ... فما أنا بَعْدَ الشَّيْبِ ويْبَكَ والخَمْرُ
إذا المَرْءُ وَفَّى الأَرْبَعِينَ ولَمْ يَكُنْ ... لَه دُونَ ما يَأْتِي حَياءٌ ولا سِتْرُ
فذَرْهُ ولا تَنْفَس عليه الذي أَتى ... ولَوْ مَدَّ أسْبابَ الحَياةِ له الدَّهْرُ
وقال النابِغَة الجَعْدِيّ
وَبَيْضاءَ مِثْلِ الرِّئْمِ، لو شِئْتُ قد صَبَتْ ... إليَّ، وفِيها للمُخاتِلِ مَلْعَبُ
تَجَنَّبْتُها، إِنِّي امْرُوٌ في شَيْبَتِي ... وتَلْعابَتِي عن جانِبِ الجارِ أَجْنَبُ
وصَهْباءَ لا تَنْفِي القَذَى وهْيَ دُونَهُ ... تُصَفَّقُ في راوُوقِها ثم تُقْطَبُ
تَمَزَّزْتُها والدِّيكُ يَدْعُو صَباحَهُ ... إذا ما بَنُو نَعْشٍ دَنَوْا فَتَصوَّبُوا
وقال أبو الأَسْوَد الدُّؤلِيّ
دَعِ الخَمْرَ يَشْرَبْها الغُواةُ، فإنَّنِي ... رَأَيْتُ أَخاها مُغْنِياً لِمَكانِها
فإلاّ يَكُنْها أَو تَكُنْهُ، فإنَّهُ ... أَخُوها غَذَتْهُ أُمُّها بِلِبانِها
وقال حارِثَة بن بَدْر
إذا ما شَرِبْتُ الرَّاحَ أَبْدَتْ مَكارِمِي ... وجُدْتُ بِما حازَتْ يَدايَ مِن الوَفْرِ
وإنْ مَسَّنِي جَهْلاً نَدِيمِيَ لم أَزِدْ ... علي: اشْرَبْ هَداكَ اللهُ، طَيِّبَة النشْرِ
أَرَى ذاكَ حَقَّاً واجِباً لمُنادِمِي ... إذا قال لي غَيْرَ الجَمِيلِ مِن السُّكْرِ
وقال الأُقَيشِر المُغِيرَة
بن عبد الله بن عَمْرو
لا تَشْرَبَنْ أَبَداً راحاً مُسارَقَةً ... إلاّ مع الغُرِّ أَبْنَاءِ البَطارِيقِ
أَفْنَى تِلادِي وما جَمَّعْتُ مِن نَشَبٍ ... قَرْعُ القَواقِيزِ أَفْواهَ الأَباريقِ
كأنَّهُنَّ وأيْدِي القَوْمِ مُعْمَلَةٌ ... إذا تلألأْنَ في أيْدِي الغَرانِيقِ
عليكَ كُلَّ فَتَى سَمْحٍ خَلائِقُهُ ... مَحْضُ العُرُوقِ كَرِيمٌ غيرُ مَمْذُوقِ
وقال بَكْر بن النَّطّاح
بن أَبِي حِمار الحَنَفِي
إذا ما طَوَى دُونِي امرؤٌ بَطْنَ كَفِّهِ ... طَوَيْتُ يَمِينِي دُونَهُ وشِمالِيا
يَبِينُ لنا ذُو الحِلْمِ مِن حُلَمائِنا ... إذا ما تَعاطَيْنا الزُّجاجَ تَعاطِيا
أَرَى الكَأْسَ تُهْدِي للَّئِيمِ مَلامَةً ... وتَتْرُكُ أخْلاقَ الكَرِيمِ كما هيا
رأَيْتُ أَقَلَّ النَّاسِ عَقْلاً إذا انْتَشَى ... اقَلّهُمُ عَقْلاً إذا كانَ صاحِيا
وقال قَعْنَب بن أُمِّ صاحِبِ
ونَسَبها ثَعْلَب إلى طيلة الفَزارِيّ

مَهْلاً أعاذِلَ قد جَرَّبْتِ مِن خُلُقِي ... أَنّي أَجُودُ لأقْوامٍ وإنْ ضَنِنُوا
مِثْلُ العَصافِيرِ أَحْلاماً ومَقْدِرَةً ... لو يُوزَنُونَ بِزِفِّ الرِّيشِ ما وَزَنُوا
مالِي أَكَفْكِفُ عن سَعْدٍ وتَشْتِمُنِي ... ولَوْ شَتَمْتُ بَنِي سَعْدٍ لقَدْ سِكَنُوا
جَهْلاً عَلَيْنا وجُبْناً عن عَدُوِّهُمُ ... لَبِئسَتْ الخَلَّتانِ الجَهْلُ والجُبُنُ
إنْ يَسْمَعُوا رِيَبَةً طارُوا بها فَرَحاً ... عنِّي، وما سَمِعُوا مِن صالِحٍ دَفَنُوا
وقَدْ عَلمْتُ على أَنِّي أُعاشِرُهُمْ ... لا تَبْرَحُ الدَّهْرَ إلاّ بَيْنَنا إحَنُ
كُلٍّ يُداجِي على البَغْضاءِ صاحِبَهُ ... ولَنْ أُعالِنَهُمْ إلا كما عَلَنُوا
ولَنْ يُراجِعَ قَلْبِي وُدَّهُمْ أَبَداً ... زُكِنْتُ مِن بُغْضِهِمْ مِثْلَ الذي زَكَنُوا

وقال آخر
تَعَلَّمْ، فَلَيْسَ المَرْءُ يُولَدُ عالِماً ... ولَيْسَ أَخُو عِلْمٍ كمَنْ هو جاهِلُ
وإنَّ كَبِيَر القومِ لا عِلْمَ عِنْدَهُ ... صَغِيرٌ إذا الْتَفَّتْ عليه المَحافِلُ
وقال الرَّبِيع بن أبي الحُقَيْق اليَهُودِيّ
إنَّا إذا مالَتْ دَواعِي الهَوَى ... وأَنْصَتَ السَّامِعُ للقَائِلِ
واعْتَلَجَ القَوْمُ بأَلْبابِهِمْ ... نَقْضِي بحُكُمْ عادِلٍ فاصِلِ
نَكْرَهُ أَنْ نَسْفَهَ أَحْلامَنا ... فنَخْمُلَ الدَّهْرَ مع الخامِلِ
لا نَجْعَلُ الباطِلَ حَقَّاً ولا ... نَلِطُّ دُونَ الحَقِّ بالباطِلِ
وقال آخر
أَلَمْ تَعْلَم، جزَاكَ الله خَيْراً ... بأن أَخا المَكارِمِ لا يَخُونُ
وحِلْفُ الخَيْرِ مُؤْتَمَنٌ حَفُوظٌ ... ولكنْ قَلَّ في النَّاسِ الأَمِينُ
وقال آخر
سأَرْعَى كُلَّ ما اسْتُودِعْتُ جُهْدِي ... وقَدْ يَرْعَى أَمانَتَهُ الأمِينُ
وذُو الخَيْرِ المُؤَثَّلِ ذو وَفاءٍ ... كَرِيمٌ لا يَمَلُّ ولا يخُونُ
وقال حُنَيْف بن عُمَيْرِ اليَشْكُرِيّ
وتُروى لنَهار ابن أخت مُسَيْلَمَة الكَذّاب
اصْبِرِ النَّفْسَ عِنْدَ كُلِّ مُلِمِّ ... إنَّ في الصَّبْرِ حِيلَةَ المُحْتالِ
لا تَضِيقَنَّ بالأُمُورِ فقدْ تُكْ ... شَفُ غَمّاؤُها بِغَيْرِ احْتِيالِ
رُبَّما تَكْرَهُ النُّفُوسُ مِن الأمْ ... رِ له فَرْجَةٌ كَحَلِّ العِقالِ
وقال مالِك بن قُرَّة، أموي الشعر
وذِي حَنْقٍ عَليَّ يَوَدُّ أنِّي ... أَتَى دُونِي الصَّفائِحُ والتُّرابُ
تَرَكْتُ عِتابَهُ وصَفَحْتُ عَنْهُ ... ويَبْقَى الوُدُّ ما بَقِيَ العِتابُ
وقال آخر
إنَّ الكَرِيمَ إذا ما كانَ ذا كَذِبٍ ... شانَ التَّكَرُّمَ مِنْهُ ذلكَ الكَذِبُ
والصِّدْقُ أَفْضَلُ شَيْءٍ أَنتَ فاعِلُهُ ... لا شَيْءَ كالصِّدْقِ لا فَخْرٌ ولا حَسَبُ
وقال الحَجَّاج السُّلَمِيّ
بَخِيلٌ يَرَى في الجُودِ عاراً، وإنَّما ... على المَرْءِ عارٌ أَنْ يَضَنَّ ويَبْخَلا
إذا المرْءُ أَثْرَى، ثُمَّ لَمْ يَرْجُ نَفْعَهُ ... صَدِيقٌ، فلاقتْهُ المَنِيَّةُ أَوَّلا
وقال آخر
وما أُبالي إذا ضَيْفٌ تَضَيَّفَنِي ... ما كان عِنْدِي إذا أعْطَيْتُ مَجْهُودِي
وقال امرؤُ القَيْس بن حُجْر الكِنْدِيّ
إذا ما لم تَكُنْ إِبِلٌ فمِعْزَى ... كَأَنَّ قُرُونَ جِلَّتِها قِسِيُّ
فَتملأُ بَيْتَنا أَقِطاً وسَمْناً ... وحَسْبُكَ مِن غِنَى شِبَعٌ ورِيُّ
تَرُوحُ كَأَنَّها مِمَّا أَصابَتْ ... مُعَلَّقَةٌ بأحقِيها الدُّلِيُّ
وقال آخر
أَجُودُ بمالِي دُونَ عِرْضِي، ومَنْ يُرِدْرَزِيَّةَ عِرْضِي يَعْتَرِضْ دُونَه البُخُلُ

إذا المَرْءُ أَثْرَى ثُم ضَنَّ بمالِهِ ... أَبَى النَّاسُ يوماً أَنْ يكُونَ له الفَضْلُ
وقال الحَكَم بن عَبْدَل الأُسَدِيّ
وإنّ لأسْتَغْنِي فما أَبْطَرُ الغِنَى ... وأَبْذُلُ مَيْسُورِي لمَنْ يَبْتَغِي قَرْضِي
وأُعْسِرُ أَحْياناً فتَشْتَدُّ عِزَّتِي ... وأُدْرِكُ مَيْسُورَ الغِنَى ومَعِي عِرْضِي

وقال آخر
تُعَلِّمُنِي بالعَيْشِ عِرْسِي كَأَنَّما ... تُعَلِّمُنِي الأمْرَ الذي أنا جاهِلُهْ
يَعِيشُ الفَتَى بالفَقْرِ يَوْماً وبالغِنَى ... وكُلاً كأَنْ لم يَلْقَ حينَ يُزايِلُهْ
وقال الأُقَيْشِر الأسَدِيّ
إنْ كنتَ تَبْغِي العِلْمَ أو أهْلَهُ ... أو شاهِداً يُخْبِرُ عن غائِبِ
فاعْتَبِرِ الأرْضَ بأَرْبابِها ... واعْتَبِرِ الصاحِبَ بالصَّاحِبِ
وقال عُيَيْنَة بن هُبَيْرَة
وما صاحِبِي عِنْدَ الرَّخاءِ بِصاحِبٍ ... إذا لم يَكُنْ عندَ الأُمورِ الشَّدائِدِ
إذا ما رَأى وَجْهِي فأَهْلاً وَمَرْحَباً ... وَيَرْمِي وَرائِي بالسِّهامِ القَواصِدِ
إذا انْتَقَدَ النَّاسُ الكِرامَ رَأَيْتَهُ ... يَطِنُّ طَنِينَ الزَّيْفِ في كَفِّ ناقِدِ
وقال عُرْوَة بن أُذَيْنَة القُرَشِيّ
أموي الشعر
لقَدْ عَلِمْتُ، وما الإشْرافُ مِن خُلُقِي ... أنَّ الذي هو رِزْقِي سَوْفَ يَأْتِينِي
أَسْعَى له فيُعَنِّينِي تَطَلُّبُهُ ... ولو قَعَدْتُ أَتانِي لا يُعَنِّيني
لا أَرْكَبُ الأَمْرَ تَزْرِي بي عواقِبُهُ ... ولا يُعابُ به عِرْضِي ولا دِيني
كم مِن فَقِيرٍ غَنِيَّ النَّفْسِ تَعْرِفُهُ ... ومنْ غَنِيٍّ فَقِيرِ النَّفْسِ مِسْكِينِ
إِنِّي لأنْطِقُ فِيما كانَ مِن أرَبِي ... وُكْثِرُ الصَّمْتَ عَمَّا ليس يَعْنِينِي
لا خَيْرَ في طَمَعٍ يُدْنِي إلى طَبَعٍ ... وغُبَّرٌ من كِفافِ العَيْشِ تَكْفِيني
وقال أبو الرُّبَيْس الثَّعْلَبِيّ
أَيُّ عَيْشٍ عَيْشِي إذا كُنْتُ فيه ... بَيْنَ حَلٍّ وبَيْنَ وَشْكِ رَحِيلِ
كُلُّ فَجٍّ مِن البِلادِ كأَنِّي ... طالِبٌ بَعْضَ أهْلِهِ بذُحُول
ما أَرَى الفَضْلَ والتَّكَرُّمَ إِلاّ ... تَرْكَكَ النَّفْسَ عن طِلابِ الفُضُول
وبلاءٌ حَمْلُ الأيادِي وأنْ تَسْ ... مَعَ مَنَّاً تُؤْتَى به مِن مُنِيلِ
وقال الأَعْوَر الشَّنِّيّ
أَلَمْ تَرَ مِفْتاحَ الفُؤادِ لِسانَهُ ... إذا هو أَبْدَى ما يَقُولُ مِن الفَمِ
وكائِنْ تَرَى مِن صامِتٍ لكَ مُعْجِبٍ ... زِيادَتُهُ أو نَقْصُهُ في التَّكَلُّمِ
لِسانُ الفَتَى نِصْفٌ ونِصْفٌ فُؤادُهُ ... فَلَمْ يَبْقَ إلا صُورَةُ اللَّحْمِ والدَّمِ
وقال جَرِير بن الخَطَفَي
وكنتُ إذا عَلِقْتُ حِبالَ قَوْمٍ ... صَحِبْتُهُمُ وشِيمَتِيَ الوَفاءُ
فأُحْسِنُ حِينَ يُحْسِنُ مُحْسِنُوهُمْ ... وأَجْتَنِبُ الإساءَةَ إنْ أَساءُوا
وأَنْظُرُ ما بِعَيْنِهمُ بعَيْنِي ... عَلَيْها مِن عُيُوبِهِمُ غِطاءُ
وقال فَضَالَة بن زَيْد العَدْوانِيّ
وكان من المعمرين
إذا جَلَّ خَطْبٌ صُلْتُ بالمالِ حَيْثُما ... تَوَجَّهْتُ من أَرْضى فَصِيحٍ وأَعْجَمِ
وهابَكَ أَقوامٌ وإنْ لَمْ تُصِبْهُمُ ... بِنَفْعٍ، ومَنْ يَسْتَغْنَ يُحْمَدْ ويُكْرِمِ
وفي الفَقْرِ ذُلٍّ للرِّقابِ، وطالما ... رَأَيْتُ فَقِيراً غيرَ نِكْسٍ مُذَمَّمِ
يُلامُ وإنْ كان الصَّوابُ بكَفِّهِ ... وتُحْمَدُ آلاءُ البَخِيلِ المُدَرْهَمِ
كذلكَ هذا الدَّهْرُ يَرْفَعُ ذا الغِنى ... بلا كَرَمٍ مِنْه ولا بتَحَلُّم
وقال أبُو جِلْدَة

ما يَسَّرَ الله مِن خَيْرٍ قَنِعْتُ به ... ولا أَمُوتُ على ما فاتَنِي جَزَعَا
ولا أُخاتِلُ جارَ البَيْتِ غَفْلَتَهُ ... ولا أَقْولُ لشَيْءٍ فاتَ ما صَنعا
وقال زُهَيْر
ومَنْ لا يُقَدِّمْ رِجْلَهُ مُطْمَئِنَّةً ... فيُثْبِتَها في مُسْتَوَى الأَرْضِ تَزْلَقِ
وفي الحِلْمِ إدْهانٌ، وفي العَفْوِ دُرْبَةٌوفي الصِّدْقِ مَنْجاةٌ مِن الشَّرِّ، فاصْدُقِ
ومَنْ يَلْتَمِسْ حُسْنَ الثَّناءِ بِمالِهِ ... يَصُنْ عِرْضَهُ مِن كُلِّ شَنْعاءَ مُوبِقِ
وقال عبيد بن الأَبْرَص
مَن يَسْأَلِ النَّاسَ يَحْرِمُوهُ ... وسائِلُ الله يَخِيبُ
وكُلُّ ذِي أَوْبَةٍ يَئُوبُ ... وغائِبُ المَوْتِ لايَئوبُ
أَفْلِحْ بما شِئْتَ فقدْ يُبْلَغُ بال ... ضَّعْفِ وقَدْ يُخْدَعُ الأَرِيبُ
والمَرْءُ ما عاشَ في تَكْذِيبٍ ... طُولُ الحَياةِ له تَعْذِيبُ
آخِرُ بابِ الأَدَب
باب النسيب والغَزل
وقال أبو دُواد عَدِيّ بن الرِّقاع
أموي الشعر، هو عَدِي بن زَيْد بن مالِك بن عَدِيّ بن الرِّقاع
لَوْلا الحَياءُ وأَنَّ رَأْسِيَ قد عَسا ... فيه المَشِيبُ لَزُرْتُ أُمَّ القاسِمِ
فكأَنَّها بَيْنَ النِّساءِ أعارَها ... عَيْنَيْهِ أَحْوَرُ مِن جَآذِرِ جاسِمِ
وَسْنانُ أَقْصَدَهُ النُّعاسُ فَرَنَّقَتْ ... في عَيْنِهِ سِنَّةٌ ولَيْسَ بِنائِمِ
يَصْطادُ يَقْظانَ الرِّجالِ حَدِيثُها ... وتَطِيرُ لَذَتُهُ بِرُوحِ النّائِمِ
ومنَ الضَّلالَة بَعْدَما ذَهَبَ الصِّبا ... نَظَرِي إلى حُورِ العُيُونِ نَواعِمِ
وقال قَيْس بن الخَطِيم

أموي الشعر
تَبَدَّتْ لَنا كالشَّمْس تَحْتَ غَمامَةٍ ... بَدا حاجِبٌ مِنْها وضَّنتْ بحاجِبِ
ولَمْ أَرَها إلا ثلاثاً على مِنىً ... وأُحْسِنْ بِها عَذْراءَ ذات ذوائِبِ
دِيارُ التي كادَتْ ونحنُ على مِنىً ... تَجُلُّ بِنا لَوْلا نَجاءُ الرَّكائِبِ
وقال أبو حَيَّة النُّمَيْرِي
وأَخْبَرَكِ الوَاشُونَ أَنْ لا أُحِبَّكُمْ ... بَلَى وسُتُورِ اللهِ ذاتِ المَحارِمِ
أَصُدُّ، وما الصَّدُّ الذي تَعْلَمينَهُ ... عَزاءً بِنا إلاَّ ابْتِلاعُ العَلاقِمِ
حَياءً وبُقْيا أنْ تَشِيعَ نَمِيمَةٌ ... بِنا وبِكُمْ، أُفٍّ لأَهْلِ النَّمائِمِ
وإنَّ دَماً لو تَعْلَمِينَ جَنَيْتِهِ ... على الحَيِّ جانِي مِثْلِهِ غيرُ سالِمِ
أَما إنَّه لو كانَ غيْرُكِ أَرْقَلَتْ ... إليه القَنا بالرَّاعِفاتِ اللَّهاذِمِ
ولكنْ لَعَمْرُ اللهِ ما طَلَّ مُسْلِماً ... كَغُرِّ الثَّنايا واضِحاتِ المَلاغِمِ
إذا هُنَّ ساقَطْنَ الأَحادِيثَ للفَتَى ... سِقاطَ حَصَى المَرْجانِ مِن كَفِّ ناظِمِ
رَمَيْنَ فأْنَفَذْنَ القُلُوبَ فلا تَرَى ... دَماً مائِراً إلاّ جَوىً في الحَيازِمِ
وقال آخر وتُرْوَى لذِي الرُّمَّة
وإنَّا ليَجْرِي بَيْنَنا حينَ نَلْتَقِي ... حَدِيثٌ له وَشْيٌ كَوَشْي المَطارِفِ
حَدِيثٌ كَوقْعِ القَطْرِ في المَحْلِ يُشْتَفَىبِهِ مِن جَوىً في داخِلِ القَلْبِ شاعِفِ
وقال حسّان بن ثابت الأنصارِي
يا لَقَوْمِي هل يَقْتُلُ المَرَْ مِثْلِي ... واهِنُ البَطْشِ والعِظامِ سَؤُومُ
شَأْنُها العِطْرُ والفِراشُ ويَعْلُو ... ها لُجَيْنٌ ولُؤْلُؤٌ مَنْظُومُ
لو يَدِبُّ الحَوْلِيُّ مَنَ وَلَدِ الذَّرِّ ... عَلِيها لأَنْدَبَتْها الكُلُومُ
لَمْ تَفُقْها شَمْسُ النَّهارِ بِشَيْءٍ ... غَيْرَ أَنَّ الشَّبابَ ليس يَدُومُ
وقال جَرِير بن عَطِيّة
بن الخَطَفَي، أموي الشعر واسم الخَطَفَي حُذَيْفَة بن بَدْر اليَرْبُوعِيّ

إنَّ العُيُونَ التي في طَرْفِها مَرَضٌ ... قَتَلْنَنا ثمَّ لَمْ يُحْيِينَ قَتْلانا
يَصْرَعْنَ ذا اللُّبِّ حتَّى لا حِراكَ بهِ ... وهُنَّ أَضْعَفُ خَلْقَ اللهِ إنْسانا
يا حَبَّذا جَبَلُ الرَّيّانِ مِن جَبَلٍ ... وحَبَّذا ساكنُ الرَّيّانِ مَنْ كانا
وحَبَّذا نَفَحاتٌ مِن يَمانِيَةٍ ... تأْتِيكَ مِن قِبَلِ الرَّيانِ أَحْيانا
هَبَّتْ شَمالاً، فذِكْرى ما ذَكَرْتُكُمُ ... عِنْدَ الصَّفاةِ التي شَرْقِيَّ حَوْرانا
يا رُبَّ غابِطِنا لو كان يَطْلُبُكُمْ ... لاقَى مُباعَدَةً مِنْكُمْ وحِرْمانا
ما كنتُ أَوّلَ مُشْتاقٍ أخِي طَرَبٍ ... هاجَتْ له غَدَواتُ البَيْنِ أَحْزانا
حَيِّ المَنازِلَ، إذْ لا نَبْتَغِي بَدَلاً ... بالدَّارِ دَاراً ولا الجِيرانِ جِيرانا
هل يَرْجِعَنَّ، ولَيْسَ الدَّهْرُ مُرْتَجَعاً، ... عَيْشٌ بها طالَما احْلَوْلَى وما لانا
وقال امرُؤُ القَيْس
بن حُجْر الكِنْدِيّ، جاهلي
كأَنَّ المُدَامَ وصَوْبَ الغَمامِ ... ورِيحَ الخُزامَى ونَشْرَ القُطُرْ
يُعَلَّ بهِ بَرْدُ أنْيَابِها ... إذا غَرَّدَ الطَّائِرُ المُسْتَحِرّ
فلمّا دَنَْتُ تَسدَّيْتُها ... فَثوْبٌ نَسِيتُ وثَوْبٌ أُجُرّ
وقدْ رابَنِي قَوْلُها: يا هَنا ... هُ، ويْحَكَ أَلْحَقْتَ شَرّاً بِشَرّ
وقال جَرِير بن عَطِيّة بن الخطَفَي
لَقَد طالَ كِتْمانِي أُمامَةَ حُبَّها ... فَهذا أَوانُ الحُبِّ تَبْدُو شَواكِلُهُ
وإنِّي، وإن لامَ العَواذِلُ، مُولَعٌ ... بحُبِّ الغَضا مِن حُبِّ مَنْ لا يُزايِلُهْ
ولمّا اسْتَقَرَّ الحَيُّ أَلْقِيَتِ العَصا ... وماتَ الهَوى لمَّا أُصِيبَتْ مَقاتِلُهْ
وقُلْنَ: تَرَوَّحْ، لا تكُنْ لكَ حاجَةٌ ... وقَلْبَكَ لا تَشْغَل، وهُنَّ شواغِلُهْ
وقال جَمِيل بن عبد الله
بن قَمِيئَة العُذْرِيّ
إنّي لأَحْفَظُ غَيْبَكُمْ ويَسُرُّنِي ... لو تَعْلَمِينَ بصالِحٍ أنْ تُذْكَرِي
ويَكُون يومٌ لا أَرَى لكِ مُرْسَلاً ... أو نَلْتَقِي فيه عليَّ كأَشْهُرِ
وكأَنَّ طارِقَها على عَلَلِ الكَرَى ... والنَّجْمُ وَهْناً وقد دَنا لِتَغَوُّرِ
يَسْتافُ رِيحَ مُدامَةٍ مَعْلُولَةٍ ... بِرُضابِ مِسْكٍ في ذَكِيِّ العَنْببَرِ
يا لَيْتَنِي أَلْقَى المَنِيّةَ بَغْتَةً ... إنْ كانَ يومُ لِقائِكُمْ لمْ يُقْدَرِ
ما أنتِ والوَعْدَ الذي تَعِدِينَنِي ... إلاَّ كَبَرْقِ سَحابَةٍ لم تُمْطِرِ

وقال أيضا
ً
نَصُدُّ إذا ما النَّاس بالقَوْلِ أَكْثَرُوا ... عَلَيْنا، وتَجْرِي بالصَّفاءِ الرَّسائِلُ
فإنْ غَفَلَ الواشُونَ عُدْنا لِوَصْلِنا ... وعادَ التَّصافِي بَيْنَنا والتَّراسُلُ
فيا حُسْنَها إذْ يَغْسِلُ الدَّمْعُ كُحْلَهاوإذْ هي تُذْرِى الدَّمْعَ مِنْها الأَنامِلُ
أَلاَ رُبَّ لاحٍ لو بَلَى الحُبَّ لَمْ يَلُمْ ... ولكنَّه مِن سَوْرَةِ الحُبِّ جاهِلُ
وقال قَيْس بن المُلَوّح
ولَمْ أَرَ لَيْلَى بَعْدَ مَوْقِفِ ساعَةٍ ... بَخيْفِ مِنىً تَرْمِي جِمارَ المُحَصَّبِ
ويُبْدِي الحَصا مِنْها إذا قَذَفَتْ بهِ ... مِن البُرْدِ أَطْرافَ البَنانِ المُخَضَّبِ
فأَصْبَحْتُ مِن لَيْلَى الغَداةَ كناظِرٍ ... مع الصُّبْحِ في أَعْقابِ نَجْمٍ مُغرِّبِ
أَلاَ إنَّما غادَرْتِ يا أُمَّ مالِكٍ ... صَدّي أيْنَما تَذْهَبْ به الرِّيحُ يَذْهَبِ
وقال الكُمَيْت بن مَعْروف الأسَدِيّ
أموي الشعر
يَمْشِينَ مَشْيَ قَطا البِطاحِ تَأَوُّداً ... قُبَّ البُطُونِ رَواجِحَ الأَكْفالِ

وإذا أَرَدْنَ زِيارَةً فكأَنَّما ... يَنْقُلْنَ أَرْجُلَهُنَّ مِن أَوْحالِ
مِن كُلِّ آنِسَةِ الحَدِيثِ حَيِيَّةٍ ... لَيْسَتْ بفاحِشَةٍ ولا مِتْفالِ
وتكُونُ رِيقَتُها إذا نَبَّهْتَها ... كالشَّهْدِ، أو كسُلافَةِ الجِرْيالِ
أَقْصَى مَذاهِبِها إذا لاقَيْتَها ... في الشَّهْرِ بَيْنَ أَسِنَّةٍ وحِجالِ
وقال الأعْشَى مَيْمُون بن قَيْس
من قَيْس بن ثَعْلَبَة، جاهلي
غَرّاءُ فَرْعاءُ مَصْقُولٌ عَوارِضُها ... تَمْشِي الهُوَيْنى كما يَمْشِي الوَجَى الوَحِلُ
كأَنَّ مِشْيَتَها مِن بَيْتِ جارَتِها ... مَرُّ السَّحابَةِ لا رَيْثٌ ولا عَجَلُ
صِفْرُ الوِشاحِ، ومِلْءُ الدِّرْعِ، بَهْكَنَةٌ،إذا تَأَتَّى يَكادُ الخَصْرُ يَنْخَزِلُ
وقال ابن أُبي بن مُقْبِل
يَمْشِين هَيْلَ النَّقا مالَتْ جوانِبُهُ ... يَنْهالُ حِيناً، ويَنْهاهُ النَّدى حِينا
يَهْزُزْنَ للمَشي أَعْطافاً مُنَعَّمَةً ... هَزَّ الجَنُوبِ ضُحىً عِيدانَ يَبْرِينا
أو كاهْتِزازِ رُدَيْنِيٍّ تَجاذَبَهُ ... أيْدِي الكُماةِ فزادَتْ مَتْنَهُ لِينا
بِيضٌ يُجْرّدْنَ مِن أَلْحاظِهِنَّ لَنا ... بِيضاً، ويَغْمِدْنَ ما جَرَّدْنَهُ فِينا
إذا نَطَقْنَ رَأَيت الدُّرَّ مُنْتَثِراً ... وإنْ صَمَتْنَ رَأَيْتَ الدُّرَّ مَكْنُوناً

وقال آخر
أَبَتْ الرَّوادِفُ والثُّدِيُّ لِقُمْصِها ... مَسَّ البُطُونِ وأنْ تَمَسَّ ظُهُوراً
وإذا الرِّياحُ تَناوَحَتْ بِنَسِيمِها ... نَبَّهْنَ حاسِدَةً وهِجْنَ غَيورَا
وقال رجُل من بَنِي كِلاب
ألا يا سَنا بَرْقٍ عَلا قُلَلَ الحِمَى ... لَهِنَّكَ مِن بَرْقٍ عليَّ كَرِيمُ
لَمَعْتَ اقْتِذاءَ الطَّيْرِ والقَوْمُ هُجَّعٌ ... فهَيَّجْتَ أَحْزاناً وأَنتَ سَلِيمُ
فبِتُّ بحدِّ المِرْفَقَيْنِ أَشِيمُهُ ... كأَنِّي لِبقٍ بالسِّتارِ حَمِيمُ
فهَلْ مِن مُعِيرٍ طَرْفَ عَيْنٍ جَلِيَّةٍ ... فإِنْسانُ طَرْفِ العامِرِيِّ سَقِيمُ
رَمَى قَلْبَهُ البَرْقُ المُلالِيُّ رَمْيَةً ... بذِكْرِ الحِمَى وَهْناً فَباتَ يَهِيمُ
وقال أَعْرابِيّ مِن طَيئ
خَلِيلَيَّ بالله اقْعُدا فَتَبيَّنا ... وَمِيضاً أَرَى الظَّلْماءَ عنه تَقَدَّدُ
يُكَشِّفُ أَعْراضَ السَّحابِ كأَنَّهُ ... صَفِيحَةُ هِنْدِيٍّ تُسَلُّ وتُغْمَدُ
فبِتُّ على الأجْبالِ لَيْلاً أَشِيمُهُ ... أَقُومُ له حتَّى الصَّباحِ وأَقْعُدُ
وقال آخر
صَبا البَرْقُ نَجْدِياً فهاجَ صَباتَنِي ... كأَنِّي لِنَجْدِيِّ البُرُوقِ نَسِيبُ
بَدا كانْصِداعِ اللَّيْلِ عن وَجْهِ صُبْحِهِ ... وتَطْرُدُهُ بَيْنَ الأَراكِ جَنُوبُ
فطَوْراً تَراهُ ضاحِكاً في ابْتِسامَةٍ ... وطَوراً تَراهُ قد عَلاهُ قُطُوبُ
إذا هاجَ بَرْقُ الغَوْرِ غَوْرِ تِهامَةٍ ... تَهَيَّجَ مِن شَوْقِي عليَّ ضُرُوبُ
وقال سُحَيْم بن المُحَرَّم
ألا أيُّها البَرْقُ، الذي باتَ يَرْتَقِيويَجْلُو دُجَى الظَّلْماءِ، أَذْكَرْتَنِي نَجْداً
وهَيَّجْتَنِي مِن أَذْرِعاتٍ ولا أَرَى ... بنَجْدٍ على ذِي حاجَةٍ طَرِبٍ بُعْدا
ألَمْ تَرَ أَنَّ اللَّيلَ يَقْصُرُ طُولُهُ ... بنَجْدٍ وتَزدادُ الرِّياحُ به بَرْدا
فأَشْهَدُ لَوْلا أنتِ قد تَعْلَمِينَهُ ... وحُبِّيكِ ما بالَيْتُ أَنْ لا أَرَى نَجْدا
وقال آخر
فوا كَبِدِي مِمّا أُحِسُّ مِن الهَوَى ... إذا ما بَدا بَرْقٌ مِن اللَّيْلِ يَلْمَحُ
لَئِنْ كانَ هذا الدَّهْرُ نَأْياً وغُرْبَةًعن الأَهْلِ والأَوطانِ، فالمَوْتُ أَرْوَحُ

وقال جامِع الكِلابيّ
أَعِنِّي على بَرْقٍ أُرِيكَ وَمِيضَهُ ... تُضِيءُ دُجُنّاتِ الظَّلامِ لَوامِعُهْ
إذا اكْتَحَلَتْ عَيْنا مُحبٍّ بضَوْئِهِ ... تَجافَتْ به حتّى الصَّباحِ مَضاجِعُهْ
فباتَ وِسادِي ساعِدٌ قَلَّ لَحْمُهُ ... عن العَظْمِ حتّى كادَ يَبْدُو أَشاجِعُه
وقال أعْرابِيّ قُدِّمَ لتُضْرَبَ عُنُقُه
تأَلَّقَ البّرْقُ نَجْدِياً، فقلتُ له: ... يا أيُّها البَرْقُ إنِّي عَنْكَ مَشْغُولُ
أَلَيْسَ يَكْفِيكَ هذا ثائِرٌ حَنِقٌ ... في كَفِّهِ صارِمٌ كالمِلْحِ مَسْلُولُ
وقال جَمِيل بن مَعْمَر
أَلاَ إنَّ ناراً دُوَنها رَمْلُ عالِجٍ ... وهَضْبُ النَّقا مِن مَنْظَرٍ لَبَعِيدُ
تَبَدَّتْ كما يَبْدُو السُّها غَيْرَ أَنَّها ... أَنارَتْ بِبِيضٍ عَيْشُهُنَّ رَغِيدُ
يُمَنِّينَنا وصْلاً بَعِيدً قَرِيبُهُ ... وأكْثَرُ وَصْلِ الغانِياتِ صُدُودُ
وقال قَيْس بن المُلَوِّح العُذْرِيّ
وإنِّي لِنارٍ، دُونُها رَمْلُ عالِجْ ... على مابِعَيْنِي مِن قَذىً، لَبصِيرُ
كأَنَّ نَسِيمَ الرِّيح حينَ يُنِيرُها ... كَنَجْمٍ خَفِيٍّ في الظَّلامِ يُنِيرُ
متى تُذكَري للقَلْبِ يَنْهَضْ بِرَوْعَةٍ ... جَناحُ الهَوَى حتَّى يَكادَ يَطِيرُ
وقال الشِّمّاخ بن ضِرار
وتُرْوَى لأخِيه مُزَرِّد
لِلَيْلَى بالعُنَيْزَةِ ضَوْءُ نارٍ ... تَلُوحُ كأنَّها الشِّعْرَى العَبُورُ
إذا ما قُلْتُ قد خَمَدَتْ، زَهاها ... سَوادُ اللَّيْل والرِّيحُ الدَّبُورُ
وقال كُثَيِّر بن أبِي جُمْعَة الخُزاعِيّ
نَظَرْتُ وأَصْحابِي بأَيْلَةَ مَوْهِناً ... وقَد حانَ مِن نَجْمِ الثُّرَيّا تَصَوُّبُ
لَعَزَّةَ ناراً ما تَبُوخُ كأَنَّها ... إذا ما رَمَقْناها مِن البُعْدِ كَوْكَبُ
إذا ما خَبَتْ مِن آخِرِ اللَّيْلِ خَبْوَةً ... أُعِيدَ لَها بالمَنْدَلِيِّ فتَثْقَبُ
وقال عبد الله بن الدُّمَيْنَة
ألاَ أيُّها الرَّكْبُ الذين دَلَيلُهُمْ ... سُهَيْلٌ، أما مِنْكُمْ عليَّ دَلِيلُ
أَلِمُّوا بأَهْلِ الأَبْرَقَيْنِ فَسَلِّمُوا ... وذاكَ لأَهْلِ الأَبْرَقَيْنِ قَلِيلُ

وقال أيضا
ً
إذا ما سُهَيْلٌ أَبْرَزَتْهُ غَمامَةٌ ... على مَنْكِبٍ مِن جانِبِ الطُّورِ يَلْمحُ
دَعا بَعْضُنا بَعْضاً فبِتْنا كأَنَّنا ... رَأَيْنا حَبِيباً كانَ يَنْأَى ويَنْزَحُ
وذلك أَنّا واثِقُون بِقُرْبِكُمْ ... وأَنَّ النَّوَى عَمّا قَلِيل تَزَحْزَحُ
وقال عبد الله بن شَبِيب
هَوَى صاحِبِي رِيحَ الشَّمالِ إذا جَرَتْ ... وأَهْوَى لِنَفْسِيَ أَنْ تَهُبَّ جَنُوبُ
يَقُولُونَ: لو عَزَّيْتَ قَلْبَكَ لارْعَوَى، ... فقُلْتُ: وهَلْ للعاشِقِينَ قُلُوبُ
وقال الأَقْرَع بن مُعاذ العامِرِيّ
ويُكْنَى أبا جُوثَة
إذا راحَ رَكْبٌ مُصْعِدُونَ، فقَلْبُهُ ... مع الرَّائِحِين المُصْعِدِينَ جَنِيبُ
وإِنْ هَبَّ عُلْوِيُّ الرِّياحِ وَجَدْتُنِي ... كأَنِّي لِعُلْوِيّاتِهِنَّ نَسيبُ
وقال قَيٍس بن المُلَوِّح
أيا جَبَلَىْ نَعْمانَ باللهِ خَلِّيا ... طَرِيقَ الصَّبا يَخْلُصْ إليَّ نَسِيمُها
أَجِدْ بَرْدَها، أو تَشْفِ منِّي صَبابَةً ... على كَبِدٍ لم يَبْقَ إلاّ صَمِيمُها
فإنَّ الصَّبا رِيحٌ إذا ما تَنَسَّمَتْ ... على نَفْسِ مَهْمُومٍ تَجَلَّتْ هُمُومُها
أَلا إنَّ أَهْوائِي بلَيْلَى قَدِيمَةٌ ... وأَقْتَلُ أَدْواءِ الرِّجالِ قَدِيمُها
وقال عبد الله بن الدُّمَيْنَة
ألا يا صَبا نَجْدٍ مَتى هِجَتِ مِن نَجْدِ ... لقَدْ زادَنِي مَسْراكِ وَجْداً على وَجْدِ

أَأَنْ هَتَفَتْ وَرْقاءُ في رَوْنَقِ الضُّحَىعلى فَنَنٍ عَضِّ النَّباتِ مِن الرَّنْدِ
بَكَيْتَ كما يَبْكِي الوَلِيدُ، ولَمْ تكُنْجَلِيداً، وأَبْدَيْتَ الذي لَمْ تكُنْ تُبْدِي
وقَدْ زَعَمُوا أَنَّ المُحِبَّ إذا دَنَايَمَلُّ، وأَنَّ النَّأْيَ يَشْفِي مِن الوَجْدِ
بِكُلِّ تَداوَْنا، فلم يُشْفَ ما بِنا ... على أنَّ قُرْبَ الدّارِ خَيْرٌ من البُعْدِ
على أَنَّ قُرْبَ الدَّارِ لَيْسَ بنافِعٍ ... إذا كانَ مَنْ تَهْواهُ لَيْسَ بِذِي وُدِّ
وقال القَتّال الكِلابيّ
إذا هَبَّتِ الأرْواحُ، كان أَحَبُّها ... إِليَّ التي مِن نَحْوِ نَجْدٍ هُبُوبُها
وإنّي لَتَدْعُونِي إلى طاعَةِ الهَوَى ... كَواعِبُ أَتْرابٌ مِراضٌ قُلُوبُها
كأنَّ الشِّفاهَ الحُوَّ مِنْهُنَّ حُمِّلَتْ ... ذَرَى بَرَدٍ يَنْهَلُّ مِنْها غُرُوبُها
بِهِنَّ مِن الدَّاءِ الذي أَنا عارفٌ ... وما يَعْرِفُ الأَدْواءَ إلاّ طَبِيبُها
وقال جَحْدَر العُكلِيّ
رَأَيْتُ بِذِي المَجازَةِ ضَوْءَ نارٍ ... تَلأْلأُ وهْيَ نازِحَةُ المَكانِ
فَشَبَّهَ صاحِبايَ بِها سُهَيْلاً ... فقلْتُ: تَبَيَّنا ما تَنْظُرانِ
أناراً أوقِدَتْ لِتَنَوَّراها ... بَدَتْ لكُما أَمِ البَرْقُ اليَمانِي
كَأَنَّ الرِّيحَ تَرْفَعُ مِن سَناها ... بنائِقُ حُلَّةٍ من أرْجُوانِ
ومِمّا هاجَنِي فازْدَدْتُ شَوْقاً ... بُكاءُ حَمامَتَيْنِ تَجاوَبانِ
تَجاوَبَتا بلَحْنٍ أَعْجَمِيٍّ ... على غُصْنَيْنِ مِن غَرْبٍ وبانِ
فكانَ البانُ أَنْ بانَتْ سُلَيْمَى ... وفي الغَرْبِ اغْتِرابٌ غَيْرُ دانِ
أَلَيْسَ اللَّيْلُ يَجْمَعُ أُمَّ عَمْرو ... وإيّانا، فذاكَ لَنا تَدانِ
نَعَمْ، وتَرَى الهِلالَ كما أَراهُ ... ويَعْلُوها النَّهارُ كما عَلانِي
وقال آخر في مَعْناه
رَأَيْتُ غُراباً ساقِطاً فَوْقَ هَضْبةٍ ... مِنَ القَضْبِ لم يَنْبُتْ له وَرَقٌ نَضْرُ
فقلتُ: غُرابٌ لاغْتِرابٍ، وقَضْبَةٌ ... لِقَضْبِ النَّوَى، هَذِي العِيافَةُ والزَّجْرُ
وقال أبو صَخْر الهُذلِيّ
بِيَدِ الذي شَعَفَ الفُؤادَ بِكُمْ ... تَفْرِيجُ ما أَلْقَى مِنَ الهَمِّ
ويُقِرُّ عَيْنِي وهْيَ نازِحَةٌ ... ما لا يُقِرُّ بعَيْنِ ذِي الحِلْمِ
أَنِّي أَرَى وأَظُنُّ أَنْ سَتَرى ... وَضَحَ النَّهارِ وعالِيَ النَّجمِ
وَلَليْلَةٌ مِنْها تَعُودُ لَنا ... فِي غَيْرِ ما رَفَثٍ ولا إِثْمِ
أَشْهَى إلى نَفْسِي ولَوْ نَزَحَتْ ... مَمّا مَلَكْتُ ومِنْ بَنَى سَهْمِ
قد كانَ صُرْمٌ في المَماتِ لَنا ... فَعَجِلْتِ قَبْلَ المَوْتِ بالصُّرْمِ
ولَما بَقِيتِ لَيَبْقَيَنَّ جَوَى ... بَيْنَ الجَوانِحِ مُضْرِعٌ جِسْمِي
فَتَعلَّمِي أَنْ قد كَلِفْتُ بِكُمْ ... ثُم افْعَلِي ما شِئْتِ عن عِلْمِ
وقال جَمِيل بن مَعْمَر العُذْرِيّ
وإنِّي لأَرْضَى مِن بُثَيْنةَ بالذي ... لَوَ أيْقَنَهُ الواشِي لَقَرَّتْ بَلابِلُهْ
بِلا، وبأَنْ لا أَسْتَطِيعُ، وبالمُنَى، ... وبالأَمَلِ المَرْجوِّ قد خابَ آمِلُهْ
وبالنَّظْرَةِ العَجْلَى، وبالحَوْلِ تَنْقَضِي ... أَواخِرُهُ لا نَلْتَقِي وأَوائِلُهْ
وقال قَيْس بن الخَطِيم
رَدَّ الخَلِيطُ الجِمالَ فانْصَرَفُوا ... ماذا عليهِمْ لَوَ أنَّهُمْ وَقَفُوا
لو وَقَفُوا ساعَةً نُسائِلُهُمْ ... رَيْثَ يُضَحِّي جِمالَهُ السَّلَفُ
فِيهِمْ رَقُودُ العِشاءِ، آنِسَةُ الدَّ ... لِّ، عَرُوبٌ يَسُوءُها الخُلُفُ

تَغْتَرِقُ الطَرْفَ وهْيَ لاهِيَةٌ ... كأَنَّما شَفَّ وَجْهَها نُزُفُ
بَيْنَ شُكُولِ النِّساءِ خِلْقَتُها ... حَذْواً، فلا جَبْلَةٌ ولا قَضَفُ
قَضَى لها اللهُ حينَ صَوَّرَها ال ... خالِقُ أَلاَّ يُجِنَّها سَدَفُ
تَنامُ عن كِبْرِ شَأْنِها، فإذا ... قامت تَمَشَّى تَكادُ تَنْغَرِفُ
خَوْدٌ، يَغِثُّ الحَدِيثُ ما صَمَتَتْ، ... وهْوَ بِفِيها ذُو لَذَةٍ طَرِفُ
تَخْزِنُهُ، وهْوَ مُشْتَهىً حَسَنٌ ... وهْوَ إذا ما تَكَلَّمَتْ اُنُفُ
حَوْراءُ، جَيْداءُ، يُسْتَضاءُ بِها، ... كأَنَّها خُوطُ بانةٍ قَصِفُ
كَأَنَّها دُرَّةٌ أَحاطَ بِها ال ... غَّوَاصُ، يَجْلُو عن وَجْهِها الصَّدَفُ
واللهِ ذِي المَسْجِدِ الحَرَامِ وما ... جُلِّلَ مِن يُمْنَةٍ لَها خُنُفُ
إنِّي لأَهْواكِ غَيْرَ ما كَذِبٍ ... قد شُفَّ مِنِّي الأحْشاءُ والشَّغَفُ
إنِّي على ما تَرَيْنَ مِن كِبَرِي ... أعْلَمُ مِن أَيْنَ تُؤْكَلُ الكَتِفُ
يا رَبِّ لا تُبْعِدَنْ دِيارَ بَنِي ... عُذْرَةَ حيثُ انْصَرَفْتُ وانْصَرَفُوا
وقال ذُؤَيْب الهُذَلِيّ
وإنّ حَدِيثاً مِنْكِ لو تَبْذُلِينَهُ ... جَنَى النَّحْلِ في أَلْبانِ عُوذٍ مَطافِلِ
لَعَمْرِي لأَنْتَ البَيْتُ أُكْرِمَ أَهْلُهُ ... وأَقْعُدُ في أَفْيائِهِ بالأصائِلِ
وما ضَرَبٌ بَيْضاءُ يَأْوِي مَلِيكُها ... إلى طُنُفٍ أَعْيا بِراقٍ ونازِلِ
بأَطْيَبَ مِن فِيها إذا جِئْتُ طارِقاً ... وأَشْهَى إذا نامَتْ كِلابُ الأَسافِلِ
وتلكَ التي لا يَبْرَحُ القَلْبَ حُبُّها ... ولا ذِكْرُها ما أَرْزَمَتْ أُمُّ حائِلِ
وحتّى يَؤُوبَ القارِظانِ كِلاهُما ... ويُنْشَرَ في القَتْلَى كُلَيْبٌ لِوائِلِ
وقال ذُو الرُّمّة
وَقَفْنا فقُلْنا: إِيهِ عن أُمِّ سالِمٍ ... وما بالُ تَكْلِيمِ الدِّيارِ البَلاقِعِ
فما كَلَّمَتْنا دارُها غيرَ أَنَّها ... ثَنَتْ هاجِساتٍ مِن خَبالٍ مُراجِعِ
هي الشَّمْسُ إشْراقاً إذا ما تَزَيَّنَتْ ... وشِبهُ النَّقا مُغْتَرَّةً في المَوادِعِ
ولمَّا تَلاقَيْنا جَرَتْ مِن عُيُونِنا ... دُمُوعٌ كَفَفْنا ماءَها بالأصابِعِ
ونِلْنا سِقاطاً مِن حَدِيثٍ كأَنَّهُ ... جَنَى النَّحْلِ مَمْزُوجاً بماءِ الوَقائِعِ

وقال أيضا
ً
وما يَرْجِعُ الوَجْدُ الزَّمانَ الذي مَضَى ... ولا للفَتَى مِن دِمْنَةِ الدّارِ مَجْزَعُ
عَشِيَّةَ مالِي حِيلَةٌ غَيْرَ أنَّنِي ... بِلَقْطِ الحَصَى والخَطِّ في التُرْبِ مُولَعُ
أخُطُّ وأَمْحُو الخَطَّ ثُم أُعِيدُه ... بِكَفَّيَّ، والغِرْبانُ في الدَّارِ وقَّعُ
لَيالِيَ لا مَيٌّ بَعِيدٌ مَزارُها ... ولا قَلْبُهُ شَتَّى الهَوَى مُتَشَبَّعُ
وتَبْسِمُ عن عَذْبٍ كأَنَّ! غُرُوبَهُ ... أَقاحٍ تَرَوّاها مِن الرَّمْلِ أَجْرَعُ
كأَنَّ السُّلافَ المَحْضَ مِنْهُنَّ طَعْمُهُ ... إذا جَعَلَتْ أَيْدِي الكَواكِبِ تضْجَعُ
وقال أبو صَخْر الهُذَلِيّ
ألا أيُّها الرَّكْبُ المُخِبُّونَ هل لكُمْ ... بساكِنِ أَجْراعِ الحِمَى بَعْدَنا خُبْرُ
فقالُوا: طَوَيْنا ذاكَ لَيلاً، وإنْ يكُنْ ... به بَعْضُ مَنْ تَهْوَى فما شَعَرَ السَّفْرُ
أما والذي أَبْكَى وأَضْحَكَ، والذي ... أماتَ وأَحْيا، والذي أَمْرُهُ الأَمْرُ
لقَدْ تَرَكَتْنِي أَحْسُدُ الوَحْشَ أَنْ أَرَىأَلِيفَيْنِ مِنْها لا يَرُوعُهُما الذُّعْرُ

هَجَرْتُكِ، حتّى قِيلَ: لا يَعْرِفُ الهَوَى ... وزُرْتُكِ، حتّى قِيلَ: لَيْسَ له صَبْرُ
وإنِّي لَتَعْرُونِي لِذِكْرِاكَ رِعْدَةٌ ... كما انْتَفَضَ العُصْفُور بَلَّلَهُ القَطْرُ
فيا هَجْرَ لَيْلَى قد بَلَغْتَ بِيَ المَدى ... وزِدْتَ علي ما لَمْ يكُنْ بَلَغَ الهَجْرُ
فيا حُبَّها زِدْنِيَ جَوىً كُلَّ لَيْلَةٍ ... ويا سَلْوَةَ الأَياّمِ مَوْعِدُكِ الحَشْرُ
عَجِبْتُ لسَعْي الدَّهْرِ بَيْنِي وبَيْنَهافَلمَّا انْقَضى ما بَيْنَنا سَكَنَ الدَّهْرُ
لَقَدْ كنتُ آتِيها وفي النَّفْسِ هَجْرُهابَتاتاً لأخْرَى الدَّهْرِ ما طَلَعَ الفَجْرُ
فما هو إلاَّ أنْ أراها فُجاءَةً ... فُبْهَتُ، لا عُرْفٌ لَدَيَّ ولا نُكْرُ
وأَنْسَى الذي قد كنتُ فِيه هَجَرْتُها ... كما قد تُنَسِّي لُبَّ شارِبِها الخَمْرُ
تَكادُ يَدِي تَنْدَى إذا ما لَمَسْتُها ... ويَنْبُتُ في أَطْرافِها الوَرَقُ الخُضْرُ
وقال قَيْس بن دَرِيح
أَلاَ يا غُرابَ البَيْنِ مالَكَ كُلَّما ... تَذَكَّرْتُ لُبْنَى طِرْتَ لي عن شِماليا
أعندَكَ عِلْمُ الغَيْبِ، أمْ أنتَ مُخْبِرِي ... عن الحَيِّ إلاّ بالذي قد بَدا لِيا
فلا حَمَلَتْ رِجلاكَ عُشَّا لِبَيْضَةٍ ... ولا زالَ عَظْمٌ مِن جَناحَيكَ واهِيا
أُحِبُّ مِن الأَسْماءِ ما وافَقَ اسْمَها ... وأَشْبَهَهُ أو كانَ مِنْه مُدانِيا
وما ذُكِرَتْ عِنْدِي لَها من سَمِيّةٍ ... مِن النّاسِ إلاّ بَلَّ دَمْعِي رِدائِيا
سلِي النَّاسَ هل خَبَّرْتُ سِرَّكِ منهُم ... أخا ثِقَةٍ أو ظاهِرَ الغِشِّ بادِيا
وأَخْرُجُ مِن بَيْنِ البُيُوتِ لَعَلَّنِي ... أُحَدِّثُ عنكِ النَّفْسَ في السِّرِّ خالِيا
وإنِّي لأَسْتَغْشِي وما بِيَ نَعْسَةٌ ... لَعَلَّ خَيالاً مِنْكِ يَلْقَى خَيالِيا
أقولُ إذا نَفْسِي مِن الوَجْدِ أَصْعَدَتْ ... بَها زَفرَةٌ تَعْتادُها هي ما هِيا
أَشوْقاً ولمَّا تَمْضِ لي غيرُ لَيْلَةٍ ... رُوَيْدَ الهَوَى حتَّى يُغِبَّ لَيالِيا
تَمُرُّ اللَّيالِي والشُّهُورُ ولا أَرَى ... غَرامِي بكُمْ يَزْدادُ إلاّ تَمادِيا
فقَد يَجْمَعُ الله الشِّتِيتَيْنِ بَعْدَما ... يَظُنّانِ كُلَّ الظَّنِّ أنْ لا تَلاقِيا
تَساقَطُ نَفْسِي حينَ أَلْقاكِ أَنْفُساً ... يَرِدْنَ فَما يَصْدُرْنَ إلاّ صَوادِيا
فإنْ أَحْيَ أو أَهْلِكْ فَلَسْتُ بزائِلٍ ... لكُمْ حافِظاً ما بَلَّ رِيقٌ لِسانِيا

وقال أيضا
ً
فأُقْسِمُ ما عُمْشُ العُيُونِ شَوارِفٌ ... روائِمُ بَوٍّ حائِماتٌ على سَقْبِ
بأَوْجَدَ مِنّي يَوْمَ وَلَّتْ حُمُولُهاوقَدْ طَلَعَتْ أُولَى الرِّكابِ مِن النَّقْبِ
وكُلُّ مُلِمّاتِ الزَّمانِ وَجدْتُها ... سِوَى فُرْقَةِ الأحْبابِ، هَيِّنَةَ الخَطْبِ
وقلتُ لقلْبِي حينَ لَجَّ بِيَ الهَوَى ... وكَلَّفَنِي ما لا يُطِيقُ مِن الحُبِّ
ألا أيُّها القَلْبُ الذي قادَهُ الهَوَى ... أَفِقْ، لا أَقَرَّ الله عَيْنَكَ مِن قَلْبِ
وقال مُضَرس بن قُرْط المُزَنِيّ
أَرُدُّ سَوَامَ الطَّرْفِ عَنْكِ، ومالَهُ ... إلى أَحَدٍ إلاّ إليكِ طَرِيقُ
فَلوْ تَعْلَمِينَ الغَيْبَ أَيْقَنْتِ أَنَّنِي ... وَرَبِّ الهَدايا المُشْعَراتِ صَدُوقُ
تَتُوقُ إليكِ النَّفْسُ، ثُم أَرُدُّها ... حَياءً، ومِثْلِي بالحَياءِ حَقِيقُ
سَلِي هل قَلانِي مِن عَشِيرٍ صَحِبْتُهُ ... وهَلْ ذَمَّ رحَلْي في الرِّحالِ رَفِيقُ
سَعَى الدَّهْرُ والواشُون بَيْنِي وبَيْنَها ... فقُطّعَ حَبْلُ الوَصْلِ وهْوَ وَثِيقُ

تَكادُ بِلادُ الله يا أمَّ مَعْمَرٍ ... بِما رَحُبَتْ يوماً عليَّ تَضِيقُ
وهَيَّجَنِي للوَصْلِ أَيّامُنا الأُلَى ... مَرَرْنَ عَلَيْنا والزَّمانُ ورَيِقُ
أَتَجْمَعُ قَلْباً بالعِراقِ فَرِيقُهُ ... ومِنْهُ بأطْلالِ الأراكِ فَرِيقُ
فكَيْفَ بِها، لا الدَّارُ جامِعَةُ الهَوَى ... ولا أنْتَ يَوماً عن هَواكَ تُفِيقُ
صَبُوحِي إذا ما ذَرَّتِ الشمسُ ذِكْرُكُمْ ... ولِي ذِكْرُكُمْ عِنْدَ المَساءِ غَبُوقُ
وخَبَّرْتِني يا قَلْبُ أنَّكَ صابِرٌ ... على البُعْدِ مِن سُعْدِي، فسوفَ تَذُوقُ
فمُتْ كَمَداً، أو عِشْ وحِيداً، فإنَّما ... أراكَ تُكَلِّفُنِي ما لا أَراكَ تُطِيقُ
وقال ابن مَيّادة
تُرى إنْ حَجَجْنا نَلْتَقِي يا أمَّ مالِكٍ ... وتَجْمَعُنا والنَّخْلَتَيْنَ طَرِيقُ
وتَصْطَكُّ أَعْناقُ المَطِيِّ وبَيْنَنا ... حَدِيثٌ وسِرٌّ لَمْ يُذِعْهُ صَدِيقُ
وقال المُضَرَّب
عُقْبَة بن كَعْب بن زُهَيْر
ولمَّ قَضَيْنا مِن مِنىً كُلَّ حاجَةٍ ... ومَسَّح بالأرْكان مَن هو ماسِحُ
وشُدَّتْ على حُدْبِ المَطايا رِحالُنا ... ولا يَنْظُرُ الغادِي الذي هو رائِحُ
أَخّذْنا بأَطْرافِ الأحادِيثِ بَيْنَنا ... وسالَتْ بأَعْناقِ المَطِيِّ الأباطِحُ
؟

وقال آخر
ولمَّا قَضَيْنا مِن مِنىً كُلُّ حاجَةٍ ... ولمَم يَبْقَ إلاَّ أنْ تُزَمَّ الرَّكائِبُ
وَقَفْنا فسَلَّمْنا سَلامَ مُوَدَّعٍ ... فرَدَّتْ عَلَيْنا أَعْيْنٌ وحَواجِبُ
وقال كثير بن أبي جمعة
رَمَتْنِي بُعْدٍ بُثَيْنَةُ بَعْدَما ... تَوَلَّى شَبابِي وارْجَحَنَّ شَبابُها
بعَيْنَيْنِ نَجْلاوَيْنِ لو رَقْرَقْتُهما ... لِنَوْءِ الثُّرَيَّا لاسْتَهَلَّ سَحابُها
ولكَّنما تَرْمِينَ نَفْساً كَرِيمَةً ... لِعَزَّةَ مِنْها صَفْوُها ولُبابُها
؟
وقال
سَوَادَة بن كِلاب القُشَيْرِيّ
أَلا حَبَّذا الوادِي الذي قابَلَ النَّ؟قَا ... ويا حَبَّذا مِن أَجْلِ ظَمْياءَ حاضِرُهْ
إذا ابْتَسَمَتْ ظَمْياءُ واللَّيْلُ مُسْدِفٌتَجَلَّى ظَلامُ اللَّيْلِ حينَ تُباشِرُهْ
أَلَمَّتْ بأَصْحابِ الرِّكابِ فَنَبَّهتْ ... بنَفْحَةِ مِسْكٍ أَرَّقَ الرَّكْبَ تاجِرُهْ
لو سَأَلَتْ للنّاسِ يَوْماً بوَجْهِها ... سَحابَ الثُّرَيّا لاسْتَهَلَّتْ مَواطِرُهْ
وقال الرَّمّاح بن مَيّادَة
وما اخْتَلَجَتْ عَيْنايَ إلاّ رَأَيْتُها ... على رَغْمْ واشِيها وغَيْظِ المُكاشِحِ
فيا لَيْتَ عَيْنِي طالَ مَنْها اخْتِلاجُها ... فكَمْ يَوْمِ لَهْوٍ لِي بذلكَ صالِحِ
وقال الأُقَيْشِر
أيا صاحِبِي أَبْشِرْ بِزَوْرَتِنا الحِمَى ... وأَهْلَ الحِمَى مِن مُبْغِضٍ ووَدُودِ
قد اخْتَلَجَتْ عَيْنِي فدَلَّ اخْتِلاجُها ... على حُسْنِ وَصْلٍ بَعْدَ قُبْحِ صُدُودِ
وقال الاُقَيْشَرِ أيضاً
وما خَدِرَتْ رِجْلايَ إلاّ ذَكَرْتُكُمْ ... فَيَذْهَبُ عن رِجْلَيَّ ما تَجِدانِ
وما اخْتَلَجَتْ عَيْنايَ إلاَّ تَبادَرَت ... دُمُوعُهما بالسَّحِّ والهَمَلانِ
سُرُوراً بما جَرَّبْتُهُ مِن لِقائِكُمْ ... إذا اخْتَلَجَتْ عَيْنايَ كُلَّ أَوانِ
وقال جَمِيل بن مَعْمَر العُذْرِيّ
ألا لَيْتَ أَيَّام الصَّفاءِ جَدِيدُ ... ودَهْرٌ تَوَلَّ يا بُثَيْنَ يَعُودُ
عَلِقْتُ الهَوَى مِنْها وَلِيداً فلم يَزَلْ ... إلى اليومِ يَنْمِي حُبُّها ويَزِيدُ
وأَفْنَيْتُ عُمْرِي في انْتِظارِ نَوالِها ... وأَفْنَتْ بذاكَ الدَّهرَ وهْوَ جَدِيدُ

فلا أنا مَرْدُودٌ بِما جِئْتُ طالِباً ... ولا حُبُّها فِيما يَبِيدُ يَبِيدُ
إذا قلتُ: ما بِي يا بثينةُ قاتِلِي ... مِن الحبِّ، قالَتْ ثابِتٌ ويَزِيدُ
وإنْ قلتُ: رُدِّي بَعْضَ عَقْلِي أَعِشْ به ... مع النَّاسِ، قالَتْ: ذاكَ منكَ بَعِيدُ
يموتُ الهَوَى مِنِّي إذا ما لَقِيتُها ... ويَحْيا إذا فارَقْتُها ويَعُودُ
وما أَنْسَ مِلْ أَشْياءِ لا أَنْسَ قَوْلَها، ... وقد قَرًَّبَتْ نِضْوِي: أَمِصْرَ تُرِيدُ
ولا قَوْلَها: لَوْلا العُيُونُ التي تَرَى ... لَزُرْتُكَ، فاعْذِرْنِي فَدَتْكَ جُدُودُ
خَلِيلَيَّ ما أُخْفِي مِنَ الوَجْدِ ظاهِرٌ ... ودَمْعِي بِما قُلْتُ الغَداةَ شَهِيدُ
لكُلِّ حَدِيثٍ بَيْنَهُنَّ بَشاشَةٌ ... وكُلُّ قَتِيلٍ بَيْنَهُنَّ شَهِيدُ
أَلاَ ليتَ شِعْرِي هل أَبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بِوادِي القُرَى إِنِّي إِذَنْ لَسَعِيدُ
وهَلْ أَلْقَيَنْ سُعْدَى مِن الدَّهْرِ لُقْيَةً ... وما رَثَّ مِن حَبْلِ الوِصالِ جَدِيدُ
فقدْ تَلْتَقِي الأَهْواءُ بَعْدَ تَفاوُتٍ ... وقَدْ تُطْلَبُ الحاجاتُ وهْيَ بَعِيدُ

وقال آخر
ولمّا شَكَوْتُ الحُبَّ، قالَتْ: أَما تَرَى ... مَناطَ الثُّرَيَّا، وهْيَ مِنْكَ بَعِيدُ
فقُلْتُ لها: إنَّ الثّرَيَّا وإِنْ نَأَتْ ... يَصُوبُ مِراراً نَوْؤُها فَيجُودُ
وقال عبد الله بن الدُّمَيْنَة
قِفِي يا أُمَيْمَ القَلْبِ نَقْرَ تَحِيَّةًونَشْكُ الهَوَى، ثَم افْعَلِي ما بَدا لَكِ
سَلِي البانَةَ الغَنّاءَ بالأَجْرَعِ الذي ... به البانُ هل حَيَّيْتُ أَطْلالَ دارِكِ
وهَلْ قُمْتُ في أَطْلالِهِنَّ عَشِيَّةً ... مَقامَ أَخِي البَأْساءٍ واخْتَرْتُ ذلكِ
وهَلْ هَمَلَتْ عَيْنايَ في الدَّارِ غُدْوَةً ... بدَمْعٍ كنظْمِ اللُؤْلؤِ المُتهالِكِ
أَيا بانَةَ الوادِي أَلَيْسَ مُصِيبَةً ... مِن الله أَنْ تُحْمَى عليَّ ظِلالُكِ
أَرَى النَّاسَ يَرْجُونَ الرَّبِيعَ وإنَّما ... رَبِيعِي الذي أرْجُو جَدي مِن نَوالِكِ
أرى الناس يخشون السنين وإنما ... سنى التي أخشى صروف احتمالك
تَعالَلْتِ كي أشْجَى، وما بِكِ عِلَّةٌ ... تُرِيدِينَ قَتْلِي، قد ظَفِرْتِ بذلكِ
وقَوْلُكِ للعُوَّادِ: كَيْفَ تَرَوْنَهُ؟ ... فقالُوا: قَتِيلاً، قُلْتِ: أَهْوَنُ هالِكِ
لَئِنْ ساءَنِي أَنْ نِلْتِنِي بَمَساءَةٍ ... لقَدْ سَرَّنِي أَنِّي خَطَرْتُ ببالِكِ
عَدِمْتُكِ مِن نَفْسٍ، فأنْتِ سَقَيْتِنِيبكَأْسِ الهَوَى مِن حُبِّ مَنْ لَمْ يُبالِكِ
ومَنَّيْتِنِي لُقْيانَ مَنْ لَسْتُ لاقِياً ... نَهارِي ولا لَيْلِي ولا بَيْنَ ذلكِ
لِيَهْنِكِ إمْساكِي بكَفِّي على الحَشا ... ورَقْراقُ عَيْنِي رَهْبَةً مِن زِيالِكِ
فَلوْ قُلْتِ: طَأْ في النَّارِ، أَعْلَمُ أَنَّهُرِضىً مِنك أو مُدْنٍ لَنا مِن وِصالِكِ
لَقَدَّمْتُ رِجْلِي نَحْوَها فَوَطِئْتُها ... هُدىً مِنكِ لي أْو ضَلَّةً مِن ضَلالِكِ
فواللهِ ما مَنَّيْتِنا منكِ مَحْرَماً ... ولكنَّما أَطْمَعْتِنا في حَلالِكِ
؟
وقال أيضا
ً
أَيا رَبِّ أَدْعُوكَ العَشِيَّةَ مُخْلِصاً ... لِتَعْفُوَ عَن نَفْسٍ كَثِيرٍ ذُنُوبُها
قَضَيْتَ لها بالبُخْلِ ثم ابْتَلَيْتَها ... بحُبِّ الغَوانِي، ثُم أَنتَ حَسِيبُها
خَلِيلَيَّ ما مِن حَوْبَةٍ تَعْلمانِها ... بِجِسْمِيَ إلاَ أُمُّ عَمْرٍو طَبِيبُها
وقَدْ زَعَمُوا أَنَّ الرِياحَ إذا جَرَتْ يَمانِيَةً يَشْفِي المُحِبَّ دَبِيبُها
وقَدْ كَذَبُوا، لاَ، بَلْ يَزِيدْ صَبابَةً ... إذا كانَ مِن نَحْوِ الحَبِيبِ هُبُوبُها

أَهُمُّ بجَذِّ الحَبْلِ ثُم يَرُدُّنِي ... مِن القَصْدِ رَيّاً أُمُّ عَمْرٍو وطِيبُها
وقال تَوْبَة بن الحُمَيِّر
وأُغْبَطُ مِن لَيْلَى بِما لا أنالُهُ ... ألا كُلُّ ما قَرَّتْ به العَيْنُ صالِحُ
فَلْو أَنَّ لَيْلَى الأَخْيَلِيَّةَ سَلَّمَتْ ... عليَّ ودُونِي جَنْدَلٌ وصَفائِحُ
لَسَلَّمْتُ تَسْلِيمَ البَشاشَةِ، أو زَقا ... إلَيْها صَدَىً مِن جانِبِ التُرْبِ صائِحُ
فهَلْ في غَدٍ، إنْ كانَ في اليومِ عِلَّةٌ، ... شِفاءٌ لِما تَلْقَى النُّفُوسُ الطَّوامِحُ
وهَلْ تَبْكِيَنْ لَيْلَى إذا مُتُّ قَبْلَها ... وقامَ على قَبْرِي النِّساءُ النَّوائِحُ
كما لَوْ أَصابَ المَوْتُ لَيْلَى بَكَيْتُها ... وجادَ لَها جارٍ مِن الدَّمْعِ سافِحُ
وقال مَعْقِل بن جَناب
وتروى لجَعْدَة بن مُعاوِية العُقَيْلِيّ
أقُولُ لصاحِبِي والعِيسُ تَهْوِي ... بِنا بَيْنَ المُنِيفَةِ فالضِّمارِ
تَمَتَّعْ مِن شَمِيمِ عَرارِ نَجْدٍ ... فما بَعْدَ العَشِيَّةِ مِن عِرارِ
أَلاَ يا حَبَّذا نَفَحاتُ نَجْدٍ ... ورَيَّا رَوْضِهِ غِبَّ القِطارِ
وأَهْلُكَ غذْ يَحُلُّ الحَيُّ نَجْداً ... وأنتَ على زَمانِكَ غيرُ زارِ
شُهُورٌ يَنْقَضِينَ وما شَعَرْنا ... بِأَنْصافٍ لهُنَّ ولا سِرارِ
وقال شَيْبان بن الحارِث
تَصَدَّتْ بأَسْبابِ المَوَدَّةِ بَيْنَنا ... فلمَّا حَوَتْ قَلْبِي ثَنَتْ بِصُدُودِ
فلَوْ شِئْتَ يا ذا العَرْشِ حينَ خَلَقْتَنِي ... شَقِيّاً بِمَنْ أهْواهُ غَيْرَ سَعِيدِ
عَطَفْتَ عَلَيَّ القَلْبَ مِنْها برَحْمَةٍ ... ولَوْ كانَ أَقْسَى مِن صَفاً وحَدِيدِ
وقال الرَّمّاحُ بن مَيّادَة
أُمَوِي الشعر
يُمَنُّونَنِي منكِ اللِّقاءَ وإِنَّنِي ... لأَعْلَمُ ما أَلْقاكِ مِن دُونِ قابِلِ
ولَمْ يَبْقَ مِمّا كانَ بَيْنِي وبَيْنَها ... مِن الوُدِّ إلاّ مُخْفَياتُ الرَّسائِلِ
فما أَنْسَ مِلْ أَشْياءِ لا أَنْسَ قَوْلَها ... وأَدْمُعُها يُذْرِينَ حَشْوَ المَكاحِلِ
تَمَتَّعْ بِذا اليومِ القَصِيرِ فإنَّهُ ... رَهِينٌ بأَيّامِ الشُّهُورِ الأطاوِلِ
وعَطَّلْتُ قَوْسَ اللَّهْوِ مِن شَرَعاتِها ... وعادَتْ سِهامِي بَيْنَ رَثٍّ وناصِلِ

وقال أيضا
ً
وكَواعِبٍ قد قُلْنَ يومَ تواعُدٍ ... قَوْلَ المُجِدِّ وهُنَّ كالمُزَّاحِ
يا لَيْتَنا مِنْ غَيْرِ أَمْرٍ نائِرٍ ... طَلَعَتْ عَلَيْنا العِيسُ بالرِّماحِ
بَيْنا كذاكَ رَأَيْنَنِي مُتَعَصِّباً ... بالبُرْدِ فَوْقَ جُلالَةٍ سِرْداحِ
فيهِنَّ صَفْراءُ التَّرائِبِ طَفْلَةٌ ... بَيْضاءُ مِثْلُ غَرِيضَة التُّفّاحِ
فنَظَرْنَ من خَلَِ السُّتُورِ بأُعيُنٍ ... مَرْضَى مُخالِطُها السَّقَامُ صِحاحِ
وارْتَشْنَ، حينَ أَرَدْنَ أَنْ يَرْمِيَنَنِي، ... نَبْلاً مُقَذَذَةً بِغَيْرِ قِداحِ
وقال أيضا
ً
وإنِّي لأَخْشَى أن أُلاقِي مِن الهَوَى ... ومِنْ زَفَراتِ الحُبِّ حينَ تَزُولُ
كما كانَ لاقَى في الزَّمانِ الذي مَضَى ... عُرَيَّةُ مِن شَحْطِ النَّوَى وجَمِيلُ
وإنِّي لأَهْوَى، والحَياةُ شَهِيَّةٌ، ... وَفاتِي إذا قِيلَ الحَبِيبُ يَزُولُ
وتَخْتَصُّ مِن دُونِي به غَرْبَةُ النَّوَى ... ويُضْمِرُهُ بَعْدَ الدُّنُوِّ رَحِيلُ
فإنْ سَبَقَتْ قَبْلَ البِعادِ مَنِيَّتِي ... فإنِّي، وأَرْبابِ الغَرَمِ، نَبِيلُ
وقال أيضا
ً
ألا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ إلى جَحْدَرٍ ... سَبِيلٌ، فأمَّا الصَّبْرُ عَنْها فلا صَبْرا

يَمِيلُ بِنا شَحْطُ النَّوَى ثُم نَلْتَقِي ... عِدادَ الثُّرَيّا صادَفَتْ لَيْلَةً بَدْرا
وإنِّي لأستَنْشِي الحَدِيثَ مِن أجْلِها ... لأسْمَعَ مِنْها، وهي نازِحَةٌ، ذِكْرا
فبَهْراً لقَوْمِي إذْ يَبِيعُونَ مُهْجَتِي ... بغانَيِةٍ بَهْراً لَهُمْ بَعْدَها بَهْرا
وقال عُرْوَة بن أُذَيْنَة القُرَشِيّ
بِيضٌ نَواعِمُ ما هَمَمْنَ بِرِيبَةٍ ... كَظِباءِ مَكَّة صَيْدُهُنَّ حَرامُ
يُحْسَبْنَ مِن لِينِ الكَلامِ زَوانِياً ... ويَصُدُّهُنَّ عن الخَنا الإسْلامُ
وقال إسماعيل بن يَسار

من مخضرمي الدولتين
أَوفِي بما قُلْتِ ولا تَنْدَمِي ... إنَّ الوَفِيَّ القَوْلِ لا يَنْدَمُ
آيَةَ ما جئْتُ على رِقْبَةٍ ... بَعْدَ الكَرَى، والحَيُّ قد هَوَّمُوا
حتّى دَخَلْتُ البَيْتَ فاسْتَذْرَفَتْ ... مِن شَفَقٍ عَيْناكِ لِي تَسْجُمُ
ثم انْجَلَى الحُزْنُ ورَوْعاتُهُ ... وغِّيبَ الكاشِحُ والمُبْرِمُ
ولَيْسَ إلاّ الله لي صاحِبٌ ... إليكُمُ والصَّارِمُ اللَّهْذَمُ
فبِتُّ فِيما شِئْتُ مِن غِبْطَةٍ ... يَمْنَحُنِيها نَحْرُها والفَمُ
حتّى إذا الصُّبْحُ بَدا ضَوْؤهُ ... وغابَتِ الجَوْزاءُ والمِرْزَمُ
خَرَجْتُ، والوَطْءُ خَفِيٌّ، كما ... يَنْسابُ مِن مَكْمَنِهِ الأَرْقَمُ
وقال وَضَّاح اليَمَن
قالَتْ: لقَدْ أَعْيَيْتَنا حُجَّةً ... فَاْتِ إذا هَجَعَ السّامِرُ
واسْقُطْ عَلَيْنا كسُقُوطِ النَّدى ... لَيْلَةَ لا ناهٍ ولا آمِرُ
وقال عُمَر بن أبِي رَبِيعة
القُرَشيّ
حتّى، إذا ما اللَّيْلُ جَنَّ ظَلامُهُ ... ونَظَرْتُ غَفْلَةَ كاشِحٍ أَنْ يَغْفُلا
واسْتَنْكَحَ النَّوْمُ الذين نَخافُهُمْ ... وسَقَى الكَرَى بَوّابَهُمْ فاسْتُثْقِلا
خَرَجَتْ تَأَطَّرُ في الثِّيابِ كَأنَّها ... أَيْمٌ يَسِيبُ على كَثِيبٍ أَهْيَلا
وقال أيضا
ً
أَمِنْ آلِ نُعْمٍ أنتَ غادٍ فمُبْكِرُ ... غَداةَ غَدٍ أم رائحٌ فمُهَجَّرُ
تَهِيمُ إلى نُعْمٍ، فلا الشَّمْلُ جامِعٌ،ولا الحَبْلُ مَوْصُولٌ، ولا القَلْبُ مُقْصِرُ
ولا قُرْبُ نُعْمٍ إنْ دَنَتْ لكَ نافِعٌ، ... ولا بُعْدُها يُسْلِي، ولا أنتَ تَصْبِرُ
إذا زُرْتُ نُعْماً لم يَزَلْ ذُو قَرابَةٍ ... لَها كُلَّما لاقَيْتُها يَتَنمَّرُ
أَشارَتْ بمِدْراها وقالت لتِرْبِها ... أَهذا المُغَيْرِيُّ الذي كان يُذْكَرُ
فقالَتْ: نَعَمْ، لا شَكَّ غَيَّرَ لَوْنَهُسُرَى اللَّيْلِ يُحْيِي نَصَّهُ والتَّهَجُّرُ
لَئِنْ كانَ إيَّاهُ لقَدْ حالَ بَعْدَنا ... عن العَهْدِ، والإنْسانُ قد يَتَغَيَّرُ
رَأَتْ رَجُلاً أمَّا إذا الشَّمسُ عارَضَتْ ... فَيَضْحى، وأمَّا بالعَشِيِّ فيَخْصَرُ
أخا سَفَرٍ، جَوابَ أَرْضٍ، تَقَاذَفَتْ ... به فَلَواتٌ فهْوَ أَشْعَثُ أَغْبَرُ
قَلِيلٌ على ظَهْرِ المَطِيَةِ ظِلّهُ ... سِوَى ما نَفَى عَنْهُ الرَّداءُ المُحَبَّرُ
فلمَّا فَقَدْتُ الصّوْتَ مِنْهُمْ، وأُطْفِئَتْ ... مَصابيحُ شُبَّتْ بالعِشاءِ وأَنْوُرُ
وغابَ قُمَيْرٌ كنتُ أَهْوَى غُيُوبَهُ ... ورَوَّحَ رُعْيانٌ، ونَوَّمَ سُمَّرُ
وباتَتْ قَلُوصِي بالعَراءِ، ورَحْلُها ... لِطارِقِ لَيْلٍ أو لِمَنْ جاءَ مُعْوِرُ
ونَفَّضْتُ عنِّي النَّوْمَ أَقْبَلْتُ مِشْيَةَ الحُبابِ ورُكْنِي خِيفَةَ الحَيّ أَزْوَرُ
وقالتْ، وعَضَّتْ بالبَنانِ: فَضَحْتَنِي ... وأنتَ امروءٌ مَيْسُورُ أمْرِكَ أعْسَرُ
أَرَيْتَكَ إذْ هُنّا عليكَ، أَلَمْ تَخَفْ ... رَقِيباً، وحَوْلِي مِن عَدُوِّكَ حُضَّرُ

فو الله ما أَدْرِي أَتَعْجِيلُ حاجَةٍ ... سَرَتْ بِكَ أَمْ قد نامَ مَن كنتَ تَحْذَرُ
فقلتُ لَها: بل قادَنِي الشَّوْقُ والهَوَى ... إليكِ، وما عَيْنٌ مِن النّاسِ تَنْظُرُ
فبِتُّ قَرِيرَ العَيْنِ أُعْطِيتُ حاجَتِي ... أُقَبِلُ فاها في الخَلاءِ فأُكْثِرُ
فيالَكَ مِن لَيْلٍ تَقَاصَرَ طُولُهُ ... وما كانَ لَيْلِي قَبْلَ ذلكَ يَقْصُرُ
يَمُجُّ ذَكِيَّ المِسْكِ مِنْها مُفَلَّجٌ ... رَقِيقُ الحَواشِي ذُو غُرُوبٍ مُؤَشَّرُ
يَرِفُّ إذا تَفَتَرُّ عَنْهُ كأَنَّهُ ... حَصَى بَرَدٍ أو أُقْحُوانٌ مُنَوِّرُ
وتَرْنُو بعَيْنيْها إليَّ كما رَنا ... إلى رَبْرَبٍ وَسْطَ الخَمِيلَةِ جُؤْذَرُ
فلمَّا تَقَضَّى الليلُ إلاّ أَقَلَّهُ ... وكادَتْ تَوالِي نَجْمِهِ تَتَغَوَّرُ
أَشارَتْ بأَنَّ الحيَّ قد حانَ مِنْهُمُ ... هُبُوبٌ، ولكنْ مَوْعِدٌ لكَ عَزْوَرُ
فما راعَنِي إلاَّ مُنادٍ برحْلَةٍ ... وقَدْ لاحَ مَفْتُوقٌ مِن الصُّبْحِ أَشْقَرُ
فلمَّا رَأَتْ مَن قد تَنَبَّهَ منهُمُ ... وأَيْقاظَهُمْ، قالَتْ: أَشِرْ كيفَ تَأْمَرُ
فقلتُ: أُبادِيهمْ، فإمّا أَفُوتُهُمُ ... وإمّا يَنالُ السَّيْفُ ثَأْراً فيَثْأَرُ
فقالَتْ: أَتَحْقِيقاً لِما قالَ كاشِحٌ ... عَلَيْنا، وتَصْدِيقاً لِما كانَ يُؤْثَرُ
فإنْ كانَ مما لا بُدَّ مِنْهُ، فغَيْرُهُ ... مِن الأَمْرِ أَدْنَى للخَفاءِ وأَسْتَرُ
أَقُصُّ على أُخْتَيَّ بَدَْ حَدِيثنا ... وماليَ مِن أنْ تَعْلَما مُتَأَخَّرُ
فقالَتْ لأُخْتَيْها أَعِينا علي فتىً ... أَتَى زائِراً، والأَمْرُ للأَمْرِ يُقدَرُ
فقالَتْ لَها الصُّغْرَى سأُعْطِيهِ مُطْرَفِيوبُرْدِي وهذا الدِّرْعَ، إنْ كان يَحْذَرُ
يَقُومُ فيَمْشِي بَيْنَنا مُتَنَكِّراً ... فلا سِرُّنا يَفْشُو ولا هُو يُبْصَرُ
فكانَ مِجَنِّي دُون مَنْ كنتُ أتقى ... ثلاث شخوص كاعبان ومعصر
فلمَّا أجَزْنا ساحَةَ الرَّكْبِ قُلْنَ لِي:أَما تَتَّقِي الأعْداءَ واللَّيْلُ مُقْمِرُ
وقال عُبَيْد بن أوْس الطَّائِيّ
في أخْت عَدِيّ بن أوْس
قالَتْ: وعَيْشٍ أَهخي وحُرْمَةِ والِدِي ... لأُنَبِّهَنَّ الحَيَّ إنْ لَمْ تَخْرُجِ
فخَرَجْتُ خَوْفَ يَمِينِها، فَتَبَسَّمَتْ ... فَعلِمْتُ أنَّ يَمِينَها لَمْ تَحْرَجِ
وَتناوَلَتْ رَأْسِي لِتَعْرِفَ مَسَّهُ ... بِمُخضَّبِ الأَطْرافِ غَيْرِ مُشَنَّجِ
فَلثَمْتُ فاهاً آخِذاً بقُرُونِها ... شُرْبَ النَّزِيفِ بِبَرْد ماءِ الحَشْرَجِ
وقال عُمَر بن أَبِي رَبِيعة
أَأَلْحَقُ، إنْ دارُ الرَّبابِ تَباعَدَتْ ... أوِ انْبَتَّ حَبْلٌ، أَنَّ قَلْبَكَ طائِرُ
أَفِقْ، قد أَفاقَ العاشِقُونَ وفارَقُوا ال ... هَوَى واسْتَمرَّتْ بالرَِّجالِ المَرائِرُ
أَمِتْ حُبَّها، واجْعَلْ قَدِيمَ وصالِهَا ... وعِشْرَتِها كبَعْضِ مَنْ لا تُعاشِرُ
زَعِ القلْبَ، واسْتَبْقِ الحَياءَ، فإنَّما ... تُباعِدُ أو تُدْنِي الرَّبابَ المَقادِرُ
وَهْبَها كشَيْء لم يَكُنْ، أو كنازِحٍ ... به الدّارُ، أو مَنْ غَيَّبَتْهُ المَقابِرُ
وكالنّاسِ عُلِّقْتَ الرَّبابَ، فلا تَكُنْ ... أَحادِيثَ مَنْ يَبْدُو ومَنْ هُو حاضِرُ
وقال النَّجاشِيّ الحارِثِيّ
وكَذَبْتُ طَرْفِي فِيكِ، والطَّرْفُ صادِقٌ ... وأسْمَعْتُ أُذنِي عنكِ ما لَيْسَ يُسْمَعُ
ولَمْ أَسْكُنِ الأَرْضَ التي تَسْكُنِينَها ... لِئَلاَّ يقُولُوا: صابِرٌ ليس يجْزَعُ

فلا كَمَدِي يَفْنَى، ولا لكِ رِقَّةٌ، ... ولا عنكِ إقْصارٌ، ولا فيكِ مَطْمَعُ
وقال قَيْس بن ذَرِيح
فإنْ تكُنِ الدُّنْيا بُلبْنَى تَقَلَّبَتْ ... فلِلدَّهْرِ والدُّنْيا بطُونٌ وأَظْهُرُ
لقَدْ كانَ فِيها للأَمانَةِ مَوْضِعٌ، ... وللكَفِّ مُرْتادٌ، وللعَيْنِ مَنْظَرُ
وللحائِمِ الصَّدْيانِ رِيٌّ بِقُرْبِها ... وللمَرِحِ الذَيّالِ طِيبٌ ومُسْكِرُ
وقال قَيْس بن مُعاذ
ويُروى لنُصَيْب بن رَباح، والأوَّل أكثر
كَأنَّ القَلْبَ لَيْلَةَ قِيلَ يُغْدَى ... بِلَيْلَى العامِرِيَّةِ أو يُراحُ
قَطاةٌ عَزَّها شَرَكٌ فباتَتْ ... تُجاذِبُهُ وقَدْ عَلِقَ الجَناحُ
لَها فَرْخانِ قد تُركا بِوَكْرٍ ... فَعُشُّهُما تُصَفِّقُهُ الرَّياحُ
إذا سَمِعا هُبُوبَ الرِّيح نَصَّا ... وقَدْ أَوْدَى بِها القَدَرُ المُتاحُ
فَلا في الليلِ نالَتْ ما تَمَنَّتْ ... ولا في الصُّبْحِ كانَ لَها بَراحُ
وقال ابن عَجْلان النَّهْدِيّ
حِجازِيُّ الهَوَى عَلِقٌ بَنَجْدٍ ... ضَمِينٌ لا يَعِيشُ ولا يَمُوتُ
تَخالُ فُؤادَهُ كَفَّيْ طَرِيدٍ ... كأنَّهُما بِشاطِي البَحْرِ حُوتُ
وقال بَشّار بن بُرْد
أقولُ، ولَيْلَتِي تَزْدادُ طُولاً: ... أما للَّيْلِ بَعْدَهُمُ نَهارُ
جَفَتْ عَيْنِي عن التَغْمِيضِ حتَّى ... كأَنَّ جُفُونَها عَنْها قِصارُ
كأَنَّ جُفُونَها كُحِلَتْ بِشَوْكٍ ... فَليْسَ لِوَسْنَةٍ فِيها قَرارُ
تَخالُ فُؤادَهُ كُرَةً تَنَزَّى ... حِذارَ البَيْنِ، لو نَفَعَ الحِذارُ
يُرَوِّعُهُ السِّرارُ بكُلِّ شَيْءٍ ... مَخافَةَ أن يكُونَ به السِّرارُ
وقال المُؤَمَّل بن أُمَيْل المُحارِبِيِّ
من شعراء المَنْصُور
شَفَّ المُؤَمَّلَ يومَ الحِيرَةِ النَّظَرُ ... لَيْتَ المُؤَمَّلَ لم يُخْلَقْ له بَصَرُ
صِفْ للأَحِبَّةِ ما لاقَيْتَ مِن سَهَرٍ ... إِنَّ الأَحِبَّةَ لا يَدْرُونَ ما السَّهَرُ
إِنْ كنتِ جاهِلَةً بالحُبِّ فانْطَلِقِي ... إلى القُبُورِ، ففي مَن حَلَّها عِبَرُ
أَمْسَيْتِ أَحْسَنَ خَلْقِ الله كُلِّهُمْ ... فخبرينا أشمس أنت أم قمر
لا تمسيني غنيا عن محبتكم ... إنِّي إِليكِ، وإنْ أَيْسَرْتُ، مُفْتَقِرُ
إنَّ الحَبِيبَ يُرِيدُ السَّيْرَ في صَفَرٍلَيْتَ الشُّهُورَ هَوَى مِن بَيْنِها صَفَرُ
حَسْبُ الخَلِيلَيْنِ في الدُّنْيا عَذابُهُمُ ... والله لا عَذَبَتْهُمْ بَعْدَها سَقَرُ
لمَّا رَمَتْ مُهْجَتِي قالَتْ لِجارَتِها: ... إنِّي قتَلْتُ قَتِيلاً ما لَهُ خَطَرُ
قتَلْتُ شاعِرَ هذا الحَيِّ من مُضَرٍ ... والله يَعْلَمُ ما تَرْضَى بذا مُضَرُ
شَكَوْتُ ما بِيَ مِن هِنْدٍ فما اكْتَرَثَتْ ... يا قَلْبَها أُحَدِيدٌ أَنْتَ أم حَجَرُ
أَحْبَبْتُ مِن أَجْلِها قَوْماً ذَوِي إِحَنٍبَيْنِي وبَيْنَهُمُ النِّيرانُ تَسْتَعِرُ
وقال عبد الله بن عَمْرو العَرْجِيّ

أموي الشعر
مَحْجُوبَةٌ سَمِعَتْ صَوْتِي فأَرَّقَها ... مِن آخِرِ اللَّيْلِ لمَّا مَسَّها السَّحَرُ
تَثْنِي على جِيدِها ثِنْيَىْ مُعَصْفَرَةٍ ... والحَلْيُ مِنْها على لَبّاتِها خَصْرُ
لَمْ يَحْجُبِ الصَّوْتَ أَحْراسٌ ولا حَلَقٌ ... فدَمْعُها لطُرُوقِ الصَّوْتِ مُنْحَدِرُ
في لَيلةِ النِّصْفِ لا يَدْرِي مُضاجِعُها ... أَوَجْهُها عِنْدَه أَبْهَى أمِ القَمَرُ
لو خُلِّيَتْ لَمَشَتْ نَحْوِي على قَدَمٍ ... تكادُ مِن رِقَّةٍ للمَشْي تَنْفَطِرُ
وقال آخر، ومنهم مَن يَنْسبها إلى يَزِيد بن مُعاوِية

وسِرْبِ نِساءٍ مِن عُقَيْلٍ وَجَدْنَنِي ... وَراءَ بُيُوتِ الحَيِّ مُرْتَجِزاً أَشْدُو
وفيهِنَّ هِنْدٌ، وهْيَ خَوْدٌ غَرِيرَةٌ ... ومُنْيَةُ قَلْبِي، دُونَ أَتْرابِها، هِنْدُ
فَسدَّدْنَ أَخْصاصَ البُيُوتِ بِأَعْيُنٍ ... حَكَتْ قُضْباً في كُلِّ قَلْبٍ لَها غِمْدُ
وقُلْنَ: أَلاَ مِنْ أَيْنَ أَقْبَل ذا الفَتَى ... ومَنْشَؤُهُ إِمّا تِهامَةُ أَوْ نَجْدُ
وفي لَفْظِهِ عُلْوِيَّةٌ مِن فَصاحَةٍ ... وقَدْ كادَ مِن أَعْطافِهِ يَقْطُرُ المَجْدُ

وقال أيضا
ً
وسِرْبٍ كعِينِ الرَّمْلِ، مِيلٍ إلى الصِّبا ... رَوادِعَ بالجادِيِّ، حُورِ المَدامِعِ
إذا ما تَنازَعْنَ الحَدِيثَ عن الصِّبا ... تَبَسَّمْنَ إِيماضَ البُرُوقِ اللَّوامِعِ
سَمِعْنَ غِنائِي بَعْدَما نِمْنَ نَوْمَةً ... من اللَّيلِ فاقْلَوْلَيْنَ فوقَ المضَاجِعِ
قَنِعْتُ بِطَيْفٍ من خَيالٍ بَعَثْنَهُ ... وكنتُ بوَصْلٍ منهمُ غيرَ قانِعِ
إذا رُمْتُ مِن لَيْلَى على البُعْدِ نَظْرَةًلِتُطْفِي جَوىً بَيْنَ الحَشا والأَضالِعِ
يقولُ رِجالُ الحَيَِّ: تَطْمَعُ أَنْ تَرَى ... مَحاسِنَ لَيْلَى، مُتْ بداءِ المَطامِعِ
وتَلْتَذُ مِنْها بالحَدِيثِ وقدْ جَرَى ... حَدِيثُ سِواها في خُرُوتِ المَسامِعِ
وكَيْفَ تَرَى لَيْلَى بعَيْنٍ تَرَى بِها ... سِواها وما طَهَّرْتَها بالمَدامِعِ
أُجِلُّكِ يا لَيْلَى عن العَيْنِ إِنَّما ... أَراكِ بقَلْبٍ خاشِعٍ لكِ خاضِعِ
وقال جَمِيل بن مَعْمَر العُذْرِيّ
إذا ما تَراجَعْنا الذي كان بَيْنَنا ... جَرَى الدَّمْعُ مِن عَيْنَيْ بُثَيْنَةَ بالكُحْلِ
كِلانا بَكَى، أو كادَ يَبْكِي، صَبَابَةًإلى إِلْفِهِ، واسْتَعْجَلَتْ عَبْرَةً قَبْلِي
فَلو تَرَكْتْ عَقْلِي مَعي ما طَلَبْتُها ... ولكنْ طِلابِيها لِما فاتَ مِن عَقْلِي
فيا وَيْحَ نَفْسِي حسب نفسي الذي بها ... ياويح أهلي ما أصيب به أهلي
خليلي فيما عِشْتُما هل رَأَيْتُما ... قَتِيلاً تبَكَى من حُبِّ قاتِلِهِ قَبْلِي
تَداعَيْنَ، واسْتَعْجَلْنَ مَشْياً بِذِي الغَضادَبِيبَ القَطا الكُدْرِيِّ في الدَّمِثِ السَّهْلِ
وقال أيضا
ً
ألا يا خَلِيلَ النَّفْسِ هل أَنتَ قائِلٌ ... لِبَثْنَةَ سِراً: هَلْ إِليكِ سَبِيلُ
فإِنْ هي قالَتْ: لا سَبِيلَ، فقُلْ لها: ... عَناءُ الفََتَى العُذْرِيِّ منكِ طَوِيلُ
وقال آخر
ولَيْسَ المُعَنَّى بالَّذِي لا يَهِيجُهُ ... إلى الشَّوْقِ إلاَّ الهاتِفاتُ السَّواجِعُ
ولا بالذي إِنْ بانَ يوماً حَبِيبُهُ ... يقولُ، ويُبْدِي الصَّبْرَ: إِنِّيَ جازِعُ
ولكنَّهُ سُقْمُ الهَوَى ومِطالُهُ ... وطُولُ الجَوَى ثُم الشُّؤُونُ الدَّوامِعُ
رِشاشاً وتَوْكافاً ووَبْلاً ودِيمَةً ... فذلك يُبْدِي ما تُجِنُّ الأَضالِعُ
وقال امرؤُ القَيْس
أَمِنْ أَجْلِ نَبْهْانِيَّةٍ حَلَّ أَهْلُها ... بجِزْعِ المَلا عَيْناكَ تَبْتَدِرانِ
فدَمْعُهُما سَكْبٌ وسَحٌّ ودِيمَةٌ ... ووَبْلٌ وتَوْكافٌ وتَنْهِمِلانِ
؟
وقال
أبو حَيّة النُّمَيْرِيّ
نَظَرْتُ كأَنِّي مِن وَراءِ زُجاجَةٍ ... إلى الدّارِ مِن ماءِ الصّبابَةِ أَنْظُرُ
فعَيْنايَ طَوْراً تَغْرَقانِ مِن البُكا ... فأَعْشَى، وحِيناً تَحْسِرانِ فأُبْصِرُ
وقال جَمِيل بن مَعْمَر العُذْرِيّ
وممّا شَجانِي أَنَّها يَوْمَ وَدَّعَتْ ... تَوَلَّت، وماءُ العَيْنِ في الجَفْنِ حائِرُ
فلمَّا أَعادَتْ مِن بَعِيدٍ بنَظْرَةٍ ... إليَّ التِفاتاً أَسْلَمَتْهُ المَحاجِرُ
وقال آخر

وكنتَ مَتَى أَرْسَلْتَ طَرْفَكَ رائِداً ... لقَلْبِكَ يوماً أَتْعَبَتْكَ المَناظِرُ
رَأَيْتَ الذي لا كُلُّهُ أنتَ قادِرٌ ... عليهِ، ولا عن بَعْضِهِ أنتَ صابِرُ
وقال كُثَيِّر بن عبد الرحمن الخُزاعِيّ
أموي، وفيها أبيات تروى لجَمِيل
إلى الله أَشْكو، لا إلى النّاسِ، حُبَّها ... ولا بُدَّ مِن شَكْوَى حَبِيبٍ يُوَدَّعُ
إذا قلتُ هذا حينَ أَسْلُو ذَكَرْتُها ... فظَلَّتْ لها نَفْسِي تَتُوقُ وتَنْزِعُ
أَلاَ تَتَّقِينَ الله في حُبِّ عاشِقٍ ... له كَبِدٌ حَرَّى عليكِ تَصَدَّعُ
غَرِيبٌ مَشُوقٌ مُولَعٌ بِادِّكارِكُمْ ... وكُلُّ غَرِيبِ الدَارِ بالشَّوْقِ مُولَعُ
وَجَدْتُ غَداةَ البَيْنِ إذْ بِنْتِ زَفْرَةً ... كادَتْ لَها نَفْسِي عليكِ تَقَطَّعُ
وأَصْبَحْتُ مِمَّا أحْدَثَ الدَّهْرُ خاشِعاً ... وكنتُ لرَيْبِ الدَّهْرِ لا أَتَضَعْضَعُ
فَما في حَياةٍ بَعْدَ مَوْتِكِ رَغْبَةٌ ... ولا فِي وِصالٍ بَعْدَ هَجْرِكِ مَطْمَعُ
وما لِلهَوَى والحُبِّ بَعْدَكِ لَذَةٌ ... وماتَ الهَوَى والحُبُّ بَعْدَكِ أَجْمَعُ
فإنْ يَكُ جُثْمانِي بأَرْضٍ سِواكُمُ ... فإنَّ فؤادِي عِنْدَكِ الدَّهْرَ أَجْمَعُ
إذا قلتُ هذا حينَ أَسْلُو وأجْتَرِي ... على هَجْرِها ظَلَّتْ لها النَّفْسُ تَشْفَعُ
وإنْ رُمْتُ نَفْسِي كيفَ آتِي لِهَجْرِها ... ورُمْتُ صُدُوداً ظَلَّتْ العَيْنُ تَدْمَعُ
فيا قَلْبُ خَبِّرْنِي ولَسْتَ بفاعِلٍ ... إذا لَمْ تنل واسْتَأْثَرتْ، كَيْفَ تَصْنَعُ
وقَدْ قَرَعَ الواشُونَ مِنْها يَدَ العَصا ... وإنَّ العَصا كانتْ لِذِي الحِلْمِ تُقْرعُ
وأعْجَبَنِي يا عَزُّ مِنْكِ خلائِقٌ ... كِرامٌ، إذا عُدَّ الخَلائِقُ، أَرْبَعُ
دُنُوُّكِ حتَّى يَرْفَعَ الجاهِلُ الصِّبَا ... ورَفْعُكِ أَسْبابَ الهَوَى حِينَ يَطْمَعُ
فيا رَبِّ حَبِّبْنِي إِلَيْها، وأَعْطِنِي ال ... مَوَدَّةَ مِنْها، أنتَ تُعْطِي وتَمْنَعُ

وقال أيضا
ً
حَيَّتْكَ عَزَّةُ يومَ البَيْنِ وانْصَرَفَتْ ... فحَيِّ وَيْحَكَ مَن حَيَّاكَ يا جَمَلُ
لو كنتَ حَيَّيْتَها ما زِلْتَ ذا مِقَةٍ ... عندي وما مسك الإدلاج والعمل
ليت التحية كانت لي فأشكرها ... مكانَ يا جَمَلٌ حُيِّيتَ يا رَجُلُ
فحَنَّ مِن جَزَعٍ إذْ قلتُ ذاكَ له ... ورامَ تَكْلِيمَها لو تَنْطِقُ الإِبِلُ
وقال أيضا
ً
خَلِيلَيَّ هذا رَبْعُ عَزَّةَ فاعْقِلا ... قَلُوصَيْكُما ثُم انْظُرا حيثُ حَلَّتِ
وما كنتُ أَدْرِي قَبْلَ عَزَّةَ ما البُكا ... ولا مُوجِعات البَيْنَ حتّى تَوَلَّتِ
وكانَتْ لقَطْعِ الحَبْلِ بَيْنِي وبَيْنَها ... كناذِرَةٍ نَذْراً فأَوفَتْ وحَلَّتِ
فقَلتُ لها يا عَزُّ: كُلُّ مُصِيبَةٍ ... إذا وُطِّنَتْ يوماً لها النَّفْسُ ذَلَّتِ
كأَنِّي أُنادِي صَخْرَةً حينَ أُعْرَضَتْ ... مِن الصُّمِّ لو تَمْشي بِها العُصْمُ زَلَّتِ
فلَيْتَ قَلُوصِي عندَ عَزَّةَ قُيِّدَتْ ... بحَبْلٍ ضَعِيفٍ غُرَّ مِنْها فَضَلَّتِ
وغُودِرَ في الحَيِّ المُقِيمِينَ رَحْلُها ... وكانَ لها باغٍ سِوايَ فبَلَّتِ
وكنتُ كذِي رِجْلَيْنِ: رِجْلٍ صَحِيحَةٍ ... ورِجْلٍ رَمَى فِيها الزَّمانُ فشَلَّتِ
وكنتُ كذاتِ الظَّلْعِ لمَّا تَحامَلَتْ ... على ظَلْعِها بَعْدَ العِثارِ اسْتَقَلَّتِ
هَنِيئاً مَرِيئاً غيرَ داءٍ مُخامِرٍ ... لِعَزَّة مِن أَعْراضِنا ما اسْتَحَلَّتِ

فوالله ما قارَبْتُ إلا تَباعَدَتْ ... بصُرْمٍ ولا أَكْثَرْتُ إلاّ أَقَلَّتِ
فإنْ تكُنِ العُتْبَى فأَهْلاً ومَرْحَباً ... وحُقَّتْ لَها العُتْبَى لَدَيْنا وقَلَّتِ
وإنْ تكُنِ الأخْرَى فإنْ وراءنَا ... مَنادِحَ لو سارَتْ بِها العِيسُ كَلَّتِ
أَسِيئِي بِنا أو أحْسِنِي لا مَلُومَةً ... لَدَيْنا ولا مَقْلِيَّةً إنْ تَقَلَّتِ
فلا يَحْسِبُ الواشُونَ أنَّ صَبابَتِي ... بَعزَّةً كانتْ غَمْرَةً فَتَجلَّتِ
فوالله ثُم اللهِ ما حَلَّ قَبْلَها ... ولا بَعْدَها مِن خُلَّةٍ حيثُ حَلَّتِ
فيا عَجَباً للقَلْبِ كيْفَ اصْطِبارُهُ ... وللنَّفْسِ لمّا وُطِّنَتْ كَيْفَ ذَلَّتِ
وإنِّي وَتهيامِي بعزَّةَ بَعْدَما ... تَخَلَّيْتُ مِمّا بَيْنَنا وتَخَلَّتِ
لَكالْمُرْتَجى ظِلَّ الغَمامَةِ كُلَّما ... تَبَوَّأَ مِنْها لِلْمُقِيلِ اضْمَحَلَّتِ
كأَنِّي وإيّاها سَحابَةُ مُمْحِلٌ ... رَجاها، فلمّا جاوَزَتْهُ اسْتَهَلَّتِ
وقال عُمَر بن أبي رَبِيعَة القُرَشيّ
ولمَّا تَفاوَضْنا الحَدِيثَ، وأَسْفَرَتْ ... وُجُوهٌ زَهاها الحُسْنُ أَنْ تَتَقَنَّعا
تَبالَهْنَ بالعِرْفانِ لمَّا عَرَفْنَني ... وقُلْنَ امرؤٌ باغٍ أَكَلَّ وأَوْضَعا
وقَرَّبْنَ أَسْبابَ الهَوَى لمُتَيَّمٍ ... يَقِيسُ ذِراعاً كُلَّما قِسْنَ إصْبَعا
وقُلْتُ لمُطْرِيهِنَّ بالحُسْنِ: إنَّما ... ضَرَرْتَ، فهلْ تَسْطِيعُ نَفْعاً فتَنْفَعا

وقال أيضا
ً
نَظَرْتُ إليها بالمُحَصَّبِ مِن مِنىً ... ولِي نَظَرٌ، لَوْلاَ التَّحَرُّجُ، عارِمُ
فقلتُ: أشَمْسٌ أَمْ مَصابِيحُ بِيعَةٍ ... بدَتْ لكَ خَلْفَ السِّجْفِ أمْ أنتَ حالِمُ
بَعِيدَةُ مَهْوَى القُرْطِ، إمّا لَنَوْفَلٌ ... أبُوها، وإما عَبْدُ شَمْسٍ وهاشِمُ
ومَدَّ عَلَيْها السِّجْفَ يومَ لَقِيتُها ... على عَجَلٍ تُبّاعُها والخَوادِمُ
فلَمْ أَسْتَطِعْها، غيرَ أنْ قد بَدا لَنا ... عَشِيَّةَ رحُنْا وَجْهُها والمَعاصِمُ
مَعاصِمُ لمْ تَضْرِبْ على البَهْمِ بالضُّحَى ... عَصاها، ووَجْهٌ لم تَلُحْهُ السَّمائِمُ
إذا ما دَعَتْ أَتْرابَها فاكْتَنفْنَها ... تَمايَلْنَ، أو مَلَتْ بِهِنَّ المَآكِمُ
طَلَبْنَ الصِّبا، حتَّى إذا ما أَصَبْنَهُ ... نَزَعْنَ، وهُنَّ البادِئاتُ الظَّوالِمُ
حازِم بن مِرْداس
إلى الله أَشْكُو طُولَ شَوْقِيَ إنَّنِي ... أَهِيمُ بقَيْدٍ في الكُبُولِ أَسِيرُ
أَسِيرٌ أَبى إلاّ الصَّابَةَ والهَوَى ... له عَبَراتٌ نَحْوَكُمْ وزَفِيرُ
إذا رامَ بابَ السِّجْنِ أُرِتجَ دُونَهُ ... وسُدَّ بأَغْلاقٍ لهُنَّ صَرِيرُ
وإِنْ رامَ مِنْه مَطْلعاً رَدَّ شَأْوَهُ ... أَمِينانِ في السَّاقَيْنِ فهْوَ حَصِيرُ
فيا لَيْتَ أَنَّ الرِّيحَ عِنْدَ هُبُوبِها ... مُسَخَّرَةٌ لِي حيثُ شِئْتُ تَسِيرُ
فتُبْلِغُنِي النَّكْباءُ عنكُمْ رِسَالَةً ... وتُبْلِغُكُمْ مِنِّي السَّلامَ دَبُورُ
وقالت رَيَّا العُقَيْلِيَّة
وتُرْوى لضاحِيَة الهِلالِيَّة
فما وَجْدُ مَغْلُولٍ بتَيْماءَ مُوثَقٍ ... بِساقَيْهِ مِن ضَرْبِ القُيُونِ كُبُولُ
قَلِيلِ المَوالِي، مُسْلَمٍ بجَرِيرَةٍ، ... له بَعْدَ نَوماتِ العُيُونِ عَوِيلُ
يقولُ له البَوَّابُ: أَنتَ مُعَذَبٌ ... غَداةَ غَدٍ، أَو مُسْلَمٌ فقَتِيلُ
بأَكْثَرَ مِنِّي لَوْعَةً يومَ بانَ لِي ... فِراقُ حَبِيبٍ ما إِليه سَبِيلُ

عَشِيَّةَ أَمْشِي القَصْدَ، ثُم يَرُدُّنِي ... عن القَصْدِ رَوْعاتُ الهَوَى فأَمِيلُ
وقال جَعْفَر بن عُلْبَة الحارِثِيّ
هَوايَ مع الرَّكْبِ اليَمانِينَ مُصْعِدٌ ... جَنِيبٌ وجُثْمانِي بمَكَّةَ مُوثَقُ
عَجِبْتُ لِمَسْراها وأَنَّى تَخَلَّصَتْ ... إِليَّ، وبابُ السَّجْنِ دُونِي مُغْلَقُ
أَلَمَّتْ فحَيَّتْ ثُم قامَتْ فَوَدَّعَتْ ... فَلمَّا تَوَلَّتْ كادَتِ النَّفْسُ تَزْهَقُ
فلا تَحْسَبِي أَنِّي تَخَشَّعْتُ بَعْدَكُمْبِشَيْءٍ، ولا أَنِّي مِنَ المَوْتِ أَفْرَقُ
ولا أَنَّ نَفْسِي يَزْدَهِيها وَعِيدُكُمْ ... ولا أَنَّنِي بالمَشْي في القَيْدِ أَخْرَقُ
ولكنْ عَرَتْنِي مِن هَواكِ صَبابَةٌ ... كما كنتُ أَلْقى مِنْكِ إِذْ أَنا مُطْلَقُ
وقال محمد بن صالِح العَلَوِيّ
متأخِّر
وبَدا له، مِنْ بَعْدِ ما انْدَمَلَ الهَوَى، ... بَرْقٌ تَأَلَّقَ مَوْهِناً لَمَعانُهُ
بَبْدُو كَحاشِيَةِ الرِّداءِ، ودُونَهُ ... صَعْبُ الذُرَى مُتَمَنِّعٌ أَرْكانُهُ
ودَنا ليَنْظُرَ أَينَ لاحَ فلَمْ يُطِقْ ... نَظراً إليه، ورَدَّهُ سَجَّانُهُ
فالنَّارُ ما اشْتَمَلَتْ عليه ضُلُوعُهُ ... والماءُ ما سَمَحَتْ به أَجْفانُهُ
وقال سُحيْم
عَبْد بَنِي الحَسْحاَس، إسلامي
عُمَيْرَةَ وَدِّعْ إِنْ تَجَهَّزْتَ غادِياكَفَى الشَّيْبُ والإِسْلامُ للمَرْءِ ناهِيا
تُرِيكَ غَداةَ البَيْنِ كَفَّاً ومِعْصَماً ... ووَجْهاً كدِينارِ الهِرَقْلِيِّ صافِيا
كأَنَّ الثُّرَيّا عُلِّقَتْ فَوقَ نَحْرِها ... وجَمْرَ غَضىً هَبَّتْ له الرِّيحُ ذاكِيا
فما بَيْضَةٌ باتَ الظَّلِيمُ يَحُفُّها ... ويَرْفَع عَنْها جُؤْجُؤاً مُتَجافِيا
بأَحْسَنَ مِنْها يومَ قالَتْ: أَرائِحٌ ... مع الرَّكْبِ أَمْ ثاوٍ لَدَيْنا لَيالِيا
فإِنْ تَثْوِ لا تُمْلَلْ، وإِنْ تُضحِ غادِياًتُزَوَّدْ، وتَرْجِعْ عن عُمَيْرَة راضِيا
أَلِكْنِي إِليها عَمْرَكَ اللهَ يا فَتىً ... بآيَةِ ما جاءَتْ إِلينا تَهادِيا
تَهادِيَ سَيْلٍ مِن أَباطِحَ سَهْلَةٍ ... إذا ما عَلا صَمْداً تَفَرَّعَ وادِيا
أَمِيلُ بِها مَيْلَ النَّزِيفِ، وأَتَّقِي ... بها البَرْدَ والشَّفّانَ مِن عن شِمالِيا
تُوَسِّدُنِي كَفّاً، وتَثْنِي بمِعْصَمٍ ... عليَّ، وتَحْنُو رِجْلَها مِن وَرائِيا
فما زالَ بُرْدِي طَيِّباً مِن ثِيابِها ... إلى الحَوْلِ، حتَّى أَنْهَجَ البَرْدُ بالِيا
وهَبَّتْ شَمالاً آخِرَ اللَّيْلِ قَرَّةً ... ولا ثَوْبَ إلاَّ بُرْدَها ورِدائِيا
أَلا يا طَبِيبَ الجِنِّ باللهِ داوِنِي ... فإنَّ طَبِيبَ الإنْسِ أَعْياهُ دائِيا
فقالَ: دَواءُ الحُبِّ أَنْ تَلْصَقَ الحَشا ... بأَحْشاءِ مَنْ تَهْوَى إذا كنتَ خالِيا
تَجَمَّعْنَ مِن شَتَّى ثَلاثاً وأَرْبعاً ... وواحِدَةً حتَّى كَمَلْنَ ثمانِيا
سُلَيْمَى وسَلْمَى والرَّبابُ وزَيْنَبٌ ... وريَّا وأَرْوَى والمُنَى وقَطامِيا
وأَقْبَلْنَ مِن أَقْصَى الخِيامِ يَعُدْنَنِي ... نَواهِدَ لا يَعْرِفْنَ خَلْقاً سِوائِيا
يَعُدْنَ مَرِيضاً هُنَّ هَيَّجْنَ داءَهُ ... أَلاَ إنَّما بَعْضُ العَوائِدِ دائِيا
أَلاَ أيُّها الوادِي الذي ضَمَّ سَيْلُهُ ... إِلَيْنا نَوَى ظَيْماءَ حُيِّيتَ وادِيا
فيا لَيْتَنِي والعَامِريَّةَ نَلْتَقِي ... نَرُودُ لأَهْلِينا الرِّياضَ الحَوالِيا
أَلا نادِ في آثارِهِنَّ الغَوانِيا ... سُقِينَ سِماماً، ما لَهُنَّ وما لِيا

أشَارَتْ بِمِدْراها،وقالتْ لِتِرْبِها ... أَعْبدُ بَنِي الحَسْحَاسِ يُزْجِي القَوافِيا
رَأَتْ قَتَباً رَثَّاً وسَحْقَ عَمامَةٍ ... وأَسْوَدَ مِمَّا يَمْلِكُ النَّاسُ عارِيا
فلَوْ كنتُ وَرْداً لَوْنُهُ لَعَشِقْنَنِي ... ولكن ربي شانني بسواديا
يرجلن أقواماً ويتركن لمتي ... وذاك هوان ظاهر قد بدا ليا
وراهن ربي مثل ما قد ورينني ... وأَحْمَي على أَكْبادِهِنَّ المَكاوِيا
وقال إسْحَق بن إبراهيم المَوْصِلِيّ
حَيِّ طَيْفاً مِن الأَحِبَّةِ زارا ... بَعْدَ ما صَرَّعَ الكَرَى السُّمَّارا
طارِقاً في الظَّلامِ تَحْتَ دُجى اللَّيْ ... لِ بَخِيلاً بأَنْ يَزُورَ نَهارا
قلتُ: ما بالُنا جُفِينا وكُنَّ ... قَبْلَ ذاكَ الأسْماعَ والأَبْصارا
قالَ: إنّا كَما عَهِدْتَ، ولكِنْ ... شَغَلَ الحَلْيُ أَهْلَهُ أَنْ يُعارا
وقال محمد بن بَشِير الخارِجِيّ
من بَنِي خارِجَة من الأنصار، وتُرْوَى لأبِي دَهْبَل الجُمَحِيّ
يا أَحْسَنَ النَّاسِ إلاَّ أنَّ نائِلَها ... قِدْماً لمَنْ يَبْتَغِي مَعْروفَها، عَسِيرُ
هل تَذْكُرِينَ كما لَمْ أَنْسَ عَهْدَكُمُ ... وقَدْ يَدُومُ لِوَصْلِ الخُلَّةِ الذِكَرُ
قَوْلِي، ورَكْبُكِ قد مالَتْ عَمائِمُهُمْوقَدْ سَقَى القَوْمَ كَأْسَ النَّعْسَةِ السَّهَرُ
يا لَيْتَ أَنِّي بأَثْوابِي وراحِلَتِي ... عَبْدٌ لأهْلِكِ طُولَ الدَّهْرِ مُؤْتَجَرُ
جِنِّيَّةٌ أوْ لَها جِنٌّ يَعَلِّمُها ... رَمَى القُلُوبِ بِقَوْسِ مالَها وَتَرُ
وقَدْ نَظَرْتُ فما أَلْفَيْتُ مِن أَحَدٍ ... يَعْتادُهُ الشَّوْقُ إلاّ بَدْؤُهُ النَّظَرُ
تَقْضِينَ فيَّ ولا أَقْضِي عليكِ كما ... يَقْضِي المَلِيكُ على المَمْلُوكِ يَقْتَسِرُ
إنْ كان ذا قَدَراً يُعْطِيكِ نافِلَةً ... مِنّا ويَحْرِمُنا ما أَنْصَفَ القَدَرُ

وقال آخر
لَعَمُركَ إِنِّي يومَ بانُوا فلَمْ أَمُتْ ... خُفاتاً على آثارِهِمْ لَصَبُورُ
غَداةَ المُنَقَّى إذْ رُمِيتُ بنَظْرَةٍ ... ونحنُ على مَتْنِ الطَّرِيقِ نَسِيرُ
ففاضَتْ دُمُوعُ العَيْن حتًّى كأَنَّها ... لِناظِرِها غُصْنٌ يُراحُ مَطِيرُ
فقلتُ لقَلْبِي حِينَ خَفَّ به الهَوَى ... وكادَ مِن الوَجْدِ المُبِير يَطِيرُ
فهّذا ولمَّا تَمْضِ لِي غيرُ لَيْلَةٍ ... فكَيْفَ إذا مَرَّتْ عليهِ شُهُورُ
وأَصْبَحَ أَعْلامُ الأَحبَّةِ دُونَها ... مِن الأرْضِ غَوْلٌ نازِحٌ ومَسِيرُ
وأَصْبَحْتُ نَجْدِيَّ الهَوَى مُتْهِمَ النَّوَىأَزِيدُ اشْتِياقاً أنْ يَحِنَّ بَعِيرُ
عَسَى الله، بَعْدَ النَّأْيِ، أنْ يُصْقِبَ النَّوَى ... ويُجْمَعَ شَمْلٌ بَعْدَها وسُرُور
وقال كُثَيِّر عَزَّة
وقدْ زَعَمْت أَنِّي تَغَيَّرْتُ بَعْدَها ... ومَنْ ذا الذي يا عَزُّ لا يَتَغَيَّرُ
تَغَيَّرَ جِسْمِي، والخَلِيقَةُ كالتي ... عَهِدْتِ، ولَمْ، يُخْبَرْ بسِرِّكِ مُخْبَرُ
وقال آخر
تَعَطَّلْنَ إِلاّ مِن مَحاسِنِ أَوْجُهٍ ... فهُنَّ خَوالٍ في الصِّفاتِ عَواطِلُ
كَواسٍ عَوارٍ صامِتاتٌ نَواطقٌ ... بِعِفّ الكَلامِ باذِلاتٌ بَواخِلُ
بَرَزْنَ عَفافاً، واحْتَجَبْنَ تَسَتُّراً، ... وشِيبَ بقْولِ الحَقِّ منهُنَّ باطِلُ
فذُو الحِلْمِ مُرْتابٌ، وذُو الجَهْلِ طامِعٌ، ... وهُنَّ عن الفَحْشاءِ حِيدٌ نَواكِلُ
وقال آخر
ألاَ هل إلى أَجْبالِ سَلْمَى بِذِي اللِّوَىلِوَى الرَّمْلِ مِن قَبْلِ المَماتِ مَعادُ
بِلادٌ بِها كُنَّا ونَحْنُ نُحِبُّها ... إذِ النَّاسُ ناسٌ والبِلادُ بِلادُ

وقال كُثِّير عَزَّة
وأَدْنَيْتِنِي حتَّى إذا ما مَلَكْتِنِي ... بِقَوْلٍ يُحِلُّ العُصْمَ سَهْلَ الأباطِحِ
تَجافَيْتِ عنِّي حينَ لا ليَ حِيلَةٌ ... وخَلَّفْتِ ما خَلَّفْتِ بَيْنَ الجَوانِحِ

وقال آخر
أَحَبُّ بِلادِ الله ما بَيْنَ مَنْعِجٍ ... إليّ وسَلْمَى أَنْ يَصُوبَ سَحابُها
بِلادٌ بِها نِيطَتْ عليَّ تَمائِمِي ... وأَوَّلُ أَرْضٍ مَسَّ جِلْدِي تُرابُها
وقال آخر
ذَكَرْتُ بلادِي فاسْتَهَلَّتْ مَدامِعِي ... لشَوْقِي إلى عَهْدِ الصِّبا المُتَقادِمِ
حَنَنْتُ إلى أرْضٍ بِها اخْضَرَّ شارِبي ... وقُطِّعَ عنِّي قَبْلُ عَقْدُ التَّمائِمِ
وقال مَنْظُور بن عُبَيْد بن مَزْيَد
وتُرْوى لابن مَيّادَة
ألاَ لَيْتَ شِعْرِي هل أَبِيتَنَّ ليلةً ... بحَرَّةِ لَيْلَى حيثُ رَبَّتَنِي أَهْلِي
بِلادٌ بِها نِيطَتْ عليَّ تَمائِمِي ... وقُطِّعْنَ عنِّي حينَ اَدْرَكَنِي عَقْلِي
فإنْ كنتَ عن تلكَ المَواقِفِ حابِسِي ... فأَفْشِ علَيَّ الرِّزْقَ واجْمَعْ إذَنْ شَمْلِي
وقال بلال بن حَمامَة
ألا لَيْتَ شِعْرِي هل أبيتَن ليلةً ... بفخٍّ وحَوْلِي إذْخَرٌ وجَلِيلُ
وهَلْ أَرِدَنْ يوماً مِياهَ مَجَنَّةٍ ... وهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شامَةٌ وطَفِيلُ
وقال سوار بن المعرب السعدي
سَقَى الله اليَمامَةَ مِن بِلادٍ ... نَوافِجُها كأَرواحِ الغَوانِي
بها سُقْتُ الشَّبابَ إلى مَشِيبي ... فَقُبِّحَ عِنْدَه حُسْنُ الزَّمانِ
وجَوٌّ زاهِرٌ للرِّيحِ فيهِ ... نَسِيمٌ لا يَرُوعُ التُربَ وانِ
وقال أبو عَدِيّ العَبْلِيّ
أموي الشعر
أَحِنُّ إلى وادِي الأَراكِ صَبابَةً ... لعَهْدِ الصِّبا وتَذْكار أوَّلِ
كَأنَّ نَسِيمَ الرِّيحِ في جَنَباتِهِ ... نَسِيمُ حَبِيبٍ أو لقاءُ مُؤَمَّلِ
فلّله مِن أرضٍ بها ذَرٍّ شارِقِي ... حَياةٌ لذِي هُلْكٍ وخِصْبٌ لمُمْحِلِ
وقال آخر
ألا حَبَّذا نَجْدٌ وطِيبُ ثَرىً بهِ ... تُصافِحُهُ أَيْدِي الرِّياحِ الغَرائِبِ
وَعهْدُ صِبّا فِيه يُنازِعُكَ الهَوَى ... به لكَ أَتْرابٌ عِذابُ المشَارِبِ
تَنالُ الرِّضَى مِنْهُنَّ في كُلِّ مَطْلَبٍ ... عِذابُ الثَّنايا وارِداتُ الذَوائِبِ
وقال بَشّار بن بُرد
مَتَى تَعْرِفِ الدّارَ التي بانَ أَهْلُها ... بسُعْدَِى، فإن العَهْدَ مِنْكَ قَرِيبُ
تُذَكِّرُكَ الأَهْواءَ إذْ أَنتَ يافَعٌ ... لَدَيْها، فَمَغْناها إليكَ حَبيبُ
وقال مَرّار بن هَبّاش الطّائِيّ
وتروى للصِّمَّة القُشَيْرِي
سَقَى الله أَطْلالاً بأَكْثِبَةِ الحِمَى ... وإنْ كُنَّ قَدْ أَبْدَيْنَ للنّاسِ دائِيا
مَنازِلُ لو مَرَّتْ بِهِنَّ جَنازَتِي ... لَقالَ الصَّدَى: يا حامِلَيِّ أرْبَعا بِيا
وقال أبو قَطِيفَة
ألاَ لَيْتَ شِعْرِي هل تَغَيَّرَ بَعْدَنا ... بَقِبعُ المُصَلَّى، أمْ كعَهْدِي القَرائِنُ
وهَلْ أَدْوُرٌ حَوْلَ البَلاطِ عَوامِرٌ ... كَما كُنَّ، أْم هل بالمدِينَةِ ساكِنُ
أَحِنُّ إلى تلكَ البِلادِ وأَهْلِها ... كَأنِّي أسِيرٌ في السَّلاسِلِ راهِنُ
بِلادٌ بِها أَهْلِي ولَهْوِي ومَوْلِدِي ... جَرَتْ لِي طُيُورُ السَّعْدِ فِيها الأَيامِنُ
إذا بَرَقَتْ نَحْوَ الحِجازِ غَمامَةٌ ... دَعا الشَّوْقَ مِنِّي بَرْقُها المُتَيامِنُ
وما إنْ خَرَجْنا رَغْبَةً عن بلادِنا ... ولكنَّهُ ما قَدَّرَ الله كائِنُ
لعَلَّ قُرَيْشاً أنْ تَثُوبَ حُلُومُها ... فتَعْمُرُ بالسّاداتِ مِنْها المَواطِنُ
وقال عبد الله بن الدمينة

رِدا ماءَ حُزْوَى فانْشَحا نِضْوَتَيْكُما ... على حِينَ يُخْلِي ماءَ حُزْوَى رَقِيبُها
وسُوفا الثّرَى حتَّى يُحَلِّىءِ عنكُما ... غَلِيلُ الصَّدَى بَرْدُ الحِياضِ وطِيبُها
فإِنَّ على الماءِ الذي تَرِدانِهِ ... مُفَلَّجَةُ الأَنْيابِ دُرْمٌ كُعُوبُها
فما مُزنَةٌ بَيْنَ السِّماكَيْنِ أَوْمَضَتْ ... مِن الغَورِ ثم اسْتَعْرَضَتْها جَنوبُها
بأَحْسَنَ مِنْها يومَ قالَتْ وحَوْلَنا ... مِن النّاسِ أَوْباشٌ يُخافُ شُغُوبُها
تَغانَيْتَ فاسْتَغْنَيْتَ عنّا بغَيْرِنا ... هَنِيئاً لمَنْ في السِّرِّ أنتَ حَبيبُها
فقلتُ لها: أَنْتِ الحَبِيبَةُ فاعْلَمِي ... إلى يَومِ يَلْقَى كُلَّ نَفْسٍ حَسِيبُها
ودِدْتُ، بلا مَقْتٍ مِن الله، أنَّها نَصِيبِي مِن الدُّنْيا وأَنِّي نَصِيْبُها
وقال ثَعْلَبَة بن أوْس الكِلابيّ
يَقِرُّ بعَيْنِي أَنْ أَرَى مَن مَكانُهُ ... ذُرّى عَقِداتِ الأَبْرَقِ المُتَقاوِدِ
وأَنْ أَرِدَ الماءَ الذي وَرَدَتْ به ... سُلَيْمَى، وقَدْ مَلَّ السُّرَى كُلُّ واخِدِ
وأُلْصِقُ أَحْشائِي بِبَرْدِ تُرابِهِ ... وإنْ كان مَخْلُوطاً بِسُمِّ الأَساوِدِ
وقال عُرْوَة بن جافِي العَجْلانِيّ
أحِنُّ إلى أرضِ الحِجازِ، وحاجَتِي ... بنَجْدٍ، بِلادٌ دُونَها الطَّرْفُ يَقْصُرُ
وما نَظَرِي مِن نَحْوِ نَجْدٍ بنافِعِي ... أَجَلْ لا، ولكنِّي على ذاكَ أَنظُرُ
أَفِي كُلِّ يومٍ نَظْرَةٌ ثُم عَبْرَةٌ ... لعَيْنِكَ حتّى ماؤُها يَتَحَدَّرُ
مَتَى تَسْتَرِيحُ، القَلْبُ إِمّا مُجاوِرٌ ... حَزِينٌ وإِمَّا نازِحٌ يَتَذَكَّرُ
وقالت عُلَيَّة بنت المَهْدِيّ
ومُغْتَرِبٍ بالمَرْجِ يَبْكِي لشَجْوِهِ ... وقَدْ غابَ عنه المُسْعِدُونَ على الحُبِّ
إذا ما أتاهُ الرَّكْبُ مِن نَحْوِ أرْضِهِ ... تَنَشَّقَ يَسْتَشْفِي بِرائِحَةِ الرَّكْبِ

وقالت أيضا
ً
إذا كنتَ لا يُسْلِيكَ عَمَّنْ تُحِبُّهُ ... تَناءٍ، ولا يَشْفِيكَ طُولُ تَلاقِ
فما أنتَ إلاّ مُستَعيرٌ حُشاشَةً ... لِمُهْجَةِ نَفْسٍ آذَنَتْ بِفِراقِ
وقال يَحْيى بن طالِب الحَنَفِيّ
من مخضرمي الدولتين
أحقَّاً عِبادَ الله أنْ لَسْتُ ناظِراً ... إلى قَرْقَرَى يوماً وأَعْلامِها الغُبْرِ
كأَنَّ فُؤادِي كلَّما مَرَّ راكِبٌ ... جَناحُ غُرابٍ رامَ نَهْضاً إلى وَكْرِ
إذا ارْتَحَلَتْ نَحْوَ اليَمامَةِ رُفْقَةٌ ... دَعاكَ الهَوَى واهْتاجَ قَلْبُكَ للذِكْرِ
فيا راكِبَ الوَجْناءِ أُبْتَ مُسْلَّماً ... ولا زِلْتَ مِن رَيْبِ الحَوادِثِ في سِتْرِ
إذا ما أَتَيْتَ العِرْضَ فاهْتِفْ بِجَوِّهِسُقِيتَ على شَحْطِ النَّوَى سَبَلَ القَطْرِ
فإنَّكَ مِن وادٍ إليّ مُرَحَّبٌ ... وإنْ كُنْتَ لا تُزْدارُ إلا على عُفْرِ
فقالَ: لقَدْ يَشْفِي البُكاءُ مِن الجَوَى ... ولا شَيَْ أَجْدَى مِن عَزاءٍ ومِن صَبْرِ
وقال آخر
سَقَى الله أيّاماً لَنا لَسْنَ رُجَّعاً ... وسَقْياً لِعَصْرِ العامِرِيَّةِ مِن عَصْرِ
لَيالِيّ أَعْطَيْتُ البَطَالَةَ مِقْوَدِي ... تَمُرُّ اللَّيالِي والشُّهُورُ ولا نِدْرِي
وقال سُوَيْد بن كُراع العُكْلِي
خَلِيلَيَّ قُوما في عُطالَةَ فانْظُرا ... أناراً تَرَى مِن نَحْوِ يَبْرَين أمْ بَرْقا
وحُطَّا على الأطْلالِ رَحْلِيَ إنَّها ... لأوَّلُ أَطْلالٍ عَرَفْتُ بِها العِشْقا
وقال الصِّمَّة القُشَيْرِي
سَقَى الله أيّاماً لَنا ولَيالِياً ... لَهُنَّ بأكْنافِ الشَّبابِ مَلاعِبُ

إذ العَيْشُ غَضٌّ. والزَّمانُ بِغِبْطَةٍ، ... وشاهِدُ آفاتِ المُحِبِّينَ غائِبُ

وقال أيضا
ً
حَنَنْتَ إلى رَيَّا، ونَفْسُكَ باعَدَتْ ... مَزارَكَ مِن ريّا وشَعْباكُما مَعا
فَما حَسَنٌ أنْ تَأْتِيَ الأَمْرَ طائِعاً ... وتَجْزَعَ إنْ داعِي الصَّبابَةِ أَسْمعا
قَفا وَدِّعا نَجْداً ومَنْ حَلَّ بالحِمى ... وقَلَّ لَنَجْدٍ عِنْدَنا أَنْ يُوَدَّعا
ولمَّا رَأَيْتُ البِشْرَ أَعْرَضَ دُونَنا ... وجالَتْ بَناتُ الشَّوْقِ يَحْنِنَّ نُزَّعا
تلفت نحو المي حتى وجدتني ... وجعت من الإصفاء ليتا وأخدعا
تَلَفَّتُّ عَيْنِيَ اليُمْنَى فلمَّا زَجَرْتُهاعن الجَهْلِ بَعْدَ الحِلْمِ أَسْبَلَتا مَعا
وأَذْكُرُ أيَّامَ الحِمَى ثُمّ أنْثَنِي ... على كَبِدِي مِن خَشْيَةٍ أَنْ تَصَدَّعا
فلَيْسَتْ عَشِيّاتُ الحِمَى برَواجِعٍ ... عليكَ، ولكنْ خَلِّ عَيْنَيْكَ تَدْمَعا
ولَمْ أرَ مِثْلَ العامِرِيَّةِ قَبْلَها ... ولا بَعْدَها يومَ ارْتَحَلْنا مُوَدِّعا
تُرِيكَ غَداةَ البَيْنِ مُقْلَةَ شادِنٍ ... وجِيدَ غَزالٍ في القَلائِدِ أَتْلَعا
فلَيْتَ جِمالَ الحَيِّ يومَ تَرَحَّلُوا ... بِذِي سَلَمٍ أَضْحَتْ مَزاحِيفَ ظُلَّعا
كأنَّكَ بِدْعٌ لَمْ تَرَ البَيْنَ قَبْلَها ... ولَمْ تَكُ بالأُلاَّفِ قَبْلُ مُفَجَّعا
وقال قَيْس بن الحُدادِيَة الخُزاعِيّ
بَكَتْ مِن حَدِيثٍ نَمَّهُ وأشاعَهُ ... ولَفَّقَهُ واشٍ مِن القوْمِ راضِعُ
وقالتْ، وعَيْناها تَفِيضانِ بالبُكا ... مِن الوَجْدِ: خَبِّرْنِي مَتَى أنتَ راجِعُ
فقُلْتُ لَها: تالله يَدْرِي مُسافِرٌ، ... إذا أَضْمَرَتْهُ الأرْضُ، مالله صانِعُ
فلا يَسْمَعْن سِرِّي وسِرَّكِ ثالِثٌ ... فكُلُّ حَدِيثٍ جاوَزَ الإِثْنَيْنِ شائِعُ
وكَيْفَ يَشيعُ السِّرَّ مِنِّي ودُوَنهُ ... حِجابٌ، ومِن دُونِ الحِجابِ الأضالِعُ
وقال محمد بن عَبْد الأزْدِي
وتُرْوَى لرجل من بَنِي كِلاب
ولمَّا قَضَيْنا غُصَّةً مِن حَدِيثِنا ... وقَدْ فاضَ مِن بَعْدِ الحَدِيثِ المَدامِعُ
جَرَى بَيْنَنا مِنَّ رَسِيسٌ يَزِيدُنا ... سَقاماً إذا ما اسْتَيْقَنَتْهُ المَسامِعُ
فهَلْ مِثْلُ أيّامٍ تَسَلَّفْنَ بالحِمَى ... عَوائِدُ أو غَيْثُ السِّتارَيْنِ واقِعُ
وإنَّ نَسِيمَ الرِّيح مِن مَدْرجِ الصِّبا ... لأَورابِ قَلْبٍ شَفَّهُ الحُبُّ نافِعُ
وقال كُثيّر بن أبي جُمْعَة الخُزاعِيّ
إذا قِيلَ: هذا بَيْتُ عَزَّةَ، قادَنِي ... إليه الهَوَى واسْتَعْجَلَتْنِي البوادِرُ
عَجِبْتُ لصَوْنِي الوُدَّ في مُضْمَرِ الحَشا ... لمَنْ هو فيما قد حَلا لِيَ واتِرُ
ألا لَيْتَ حَظِّي مِنْكِ يا عَزُّ أَنَّهُ ... إذا بِنْتِ باعَ الصَّبْرَ لِي عنكِ تاجِرُ
وأنتِ التي حَبَّبْتِ كُلَّ قَصِيرةً ... إليَّ، ولم تَشْعُرْ بذاكَ القَصائِرُ
عَنَيْتُ قَصِيراتِ الحِجالِ، ولَمْ اُرِدْ ... قِصارَ الخُطا، شَرُّ النِّساءِ البَحاتِرُ
وقال آخر
يا صاحِبَيَّ فَدَتْ نَفْسِي نُفُوسَكُما ... وحَيْثُما كُنْتُما لُقِّيتُما رَشَدا
إِن تَحْمِلا حاجَةً لِي خَفَّ مَحْمَلُها ... تَسْتَوجِبا نِعْمَةً مِنِّي بِها ويَدَا
أَنْ تَقْرَآنِ على أَسْماءَ وَيْحَكُما ... مِنِّي السَّلامَ وأَنْ لا تُخْبِرا أَحَدا
وقال الفَرَزْدَق هَمّام
هل تَذْكُرِين إذِ الرِّكابُ مُناخَةٌ ... بِرحالِها لِرَواحِ أَهْلِ المَوْسِمِ
إذْ نحنُ نَسْتَرِقُ الحَدِيثَ وفَوْقَنا ... مِثْلُ الظَّلامِ مِن الغُبارِ الأَقْتَمِ

ونَظَلُّ نُظْهِرُ بالحَواجِبِ بَيْنَنا ... ما فِي النُّفُوسِ ونحنُ لَمْ نَتَكلَّمِ
وقال عُمَر بن أبِي رَبِيعَة المَخْزُومِيّ
أَشارَتْ بطَرْفِ العَيْنِ خِيفَةَ أَهْلِها ... إشارَةَ مَذْعُورٍ ولَمْ تَتَكَلَّمِ
فأَيْقَنْتُ أنَّ الطَّرْفَ قد قال مَرْحَباً ... وأهْلاً وسَهْلاً بالحَبِيبِ المُتَيَّمِ

وقال آخر
إذا ما الْتَقَيْنا، والوشُاةُ بمَجْلِسٍ ... فأَلْسُنُنا حَرْبٌ وأَعْيُنا سِلْمُ
وتَحْتَ مَجارِي الصَّدْرِ مِنّا مَوَدَّةٌ ... تَطَلَّعُ سِرّاً حيثُ لا يَذْهَبُ الوَهْمُ
وقال عَدِيّ بن الرِّقاع
وترى لنُصَيْب بن رَباح
ونَبَّهَ شَوْقِي، بَعْدَ ما كانَ نائِماً، ... هَتُوفُ الضُّحَى مَشْغُوفَةٌ بالتَّرَنُّمِ
بَكَتْ شَجْوَها تحتَ الدُّجَى فَتَساجَمَتْ ... إليها غُرُوبُ الدَّمْعِ مِن كُلِّ مَسْجَمِ
فَلوْ قَبْلَ مَبْكاها بَكَيْتُ صَبابَةًبسُعْدَى شَفَيْتُ النَّفْسَ قَبْلَ التَّنَدُّمِ
ولكنْ بَكَتْ قَبْلِي، فهَيَّجَ لِي البُكا ... بُكاها، فقلتُ: الفَضْلُ للمُتَقَدِّمِ
وقال زِياد الأَعْجَم
تَغَنَّىْ، أنتِ في ذِمَمِي وعَهْدِي ... وذِمَّةِ والِدِي أنْ لَنْ تُضارِي
وبَيْتُكِ فاصْلِحِيهِ ولا تَخافِي ... على زُغْبٍ مُصَعَّرَةٍ صِغارٍ
فإنَّكِ كُلَّما غَنَّيْتِ صَوْتاً ... ذَكَرْتُ أَحِبَّتِي وذَكَرْتُ دارِي
وإمّا يَقْتُلُوكِ طَلَبْتُ ثأْراً ... له نَبَأٌ لأنَّكِ في جِوارِي
وقال طارِق بن نابِي
فيها أبياتٌ تروى لابن الدُّمَينَة وهي، وما وَجْدُ أعْرابية، وطارِق كان في زمن الرَّشِيد.
ألا قاتَلَ الله الحَمامَة غُدْوةً ... على الغُصْنِ ماذا هَيَّجَتْ حينَ غَنَّتِ
تَغَنَّتْ بصَوْتٍ أَعْجَمِيٍّ، وهَيَّجَتْ ... جَوايَ الذي كانتْ ضُلُوعِي أَجَنَّتِ
فيا مُنْشِرَ المَوْتَى أَعِنِّي على التي ... بِها نَهَلَتْ نَفْسِي سَقاماً وعَلَّتِ
لقَدْ بَخِلَتْ حتَّى لَوَ أنَّي سأَلْتُهاقَذَى العَيْنِ مِن سافِي التُّرابِ لَضَنَّتِ
حَلَفْتُ لَها بالله ما أُمُّ واحِدٍ ... إذا ذَكَرَتْهُ آخِرَ اللَّيْلِ حَنَّتِ
وما وَجْدُ أَعْرابِيَّةٍ قَذَفَتْ بِها ... صُرُوفُ النَّوَى مِنْ حَيُْ لمْ تكُ ظَنَّتِ
تَمَنَّتْ أَحالِيبَ الرِّعاءِ وخَيْمَةً ... بنَجْدٍ فلم يُقْدَرْ لَها ما تَمَنَّتِ
إذا ذَكَرَتْ ماءَ العِضاهِ وطِيبَهُ ... وبَرْدَ الحَصَى مِن بَطْنِ خَبْتٍ أرَنَّتِ
بأَعْظَمَ مِنِّي لَوْعَةً غَيْرَ أَنَّنِي ... أُجَمْجِمُ أَحْشائِي على ما أُجَنَّتِ
وكانَتْ رِياحٌ تَحْمِلُ الحاجَ بَيْنَنا ... فقَدْ بَخِلَتْ تِلكَ الرِّياحُ وضَنَّتِ
وقال آخر
أحَقَّاً يا حَمامَةَ بَطْنِ وَجٍّ ... بِهذا النَّوْحِ أَنَّكِ تَصْدُقِينا
فإنِّي مِثْلُ ما تَجِدِينَ وَجْدِي ... ولكنِّي أُسِرُّ وتُعْلِنِينا
غَلَبْتُك بالبُكاءِ بأَنَّ لَيْلِي ... أُواصِلُهُ وأَنَّكِ تَهْجَعِينا
وأَنَّى أَشْتَكِي فأَقُولُ حَقَّاً ... وأَنَّكِ تشْتَكِينَ فَتَكْذِبِينا
وقال عبد الله بن الدُّمَيْنَة
ألَيْسَ عَظِيماً أَنْ نكُونَ بِبَلْدَةٍ ... كِلانا بِها ثاوٍ ولا نَتَكَلَّمُ
أَمِنَّا أناساً في المَوَدَّةِ بَيْنَنا ... فَزادُوا علَيْنا في الحَدِيثِ وأَوْهَمُوا
وقالوا لَنا ما لَمْ يُقَلْ، ثُم أَكْثَرُوا ... عَلَيْنا، وباحُوا بالذي كنتُ أَكْتُمُ
وقَدْ مُنِحَتْ عَيْنِي القَذَى لِفِراقِكُمْ ... وعادَ لَها تَهْتانُها فَهْيَ تَسْجُمُ
مُنَعَّمَةٌ لو دَبَّ ذَرٌّ بجِلْدِها ... لكَانَ دَبِيبُ النَّمْلِ بالجِلْدِ يَكْلِمُ

وقال إبراهيم بن هَرْمَة القُرَشِيّ
تقُولُ، والعِيسُ قد شُدُّتْ بأَرْحُلِنا: ... أَلْحَقَّ أنَّكَ مِنّا اليومَ مُنْطَلِقُ
قلتُ: نَعَمْ فاكْظِمِي، قالَتْ: وما جَلَدِي ... وما أَظُنُّ اجْتِماعاً حينَ نَفْتَرِقُ
فارَقْتُها لا فُؤِادِي مِن تَذَكُّرِها ... سالِي الهُمُومِ، ولا حَبْلِي لها خَلَقُ
فاضَتْ علي إِثْرِهِمْ عَيْناكَ أَدْمُعُها ... كما تَتابَعَ يَجْرِي اللُّؤْلُؤُ النَّسقُ
فاسْتَبِق عَيْنَكَ لا يُودِي البُكاءُ بِهاواكْفُفْ مَدامِعَ مِن عَيْنَيْكَ تَسْتَبِقُ
ليس الشُّؤُونُ، وإنْ جادَتْ بِباقِيَةٍ ... ولا الجُفُونُ على هذا ولا الحَدَقُ
وقال آخر، ليَزِيد
أقولُ لعَيْنِي حينَ جادَتْ بِمائِها ... وإنْسانُها في لُجَّةِ الماءِ يَغْرَقُ
خُذِي بنَصِيبٍ مِن مَحاسِنِ وَجْهِها ... دَعِي الدَّمْعَ لليومِ الذي نَتَفرَّقُ
وقال عَمْرو بن شَأْس
إذا نحنُ أَدْلَجْنا وأنْتِ أَمامَنا ... كَفَى لِمَطايانا بِرُؤْياك هادِيا
أَلَيْسَ يَزِيدُ العِيسَ خِفَّةَ أَذْرُعٍ، ... وإنْ كُنَّ حَسْرَى، أَنْ تكُونِي أمامِيا
ذَكَرْتُكِ بالدَّيْرَيْنِ يَوْماً فأَشْرَفَتْبَناتُ الهَوى حتَّى بَلَغْنَ التَّراقِيا
أَعُدُّ اللَّيالِي لَيْلَةً بَعْدَ ليلةٍ ... وقَدْ عِشْتُ دَهْراً لا أَعُدُّ اللَّياليا
إذا ما طَواكِ الدَّهْرُ يا أُمَّ مالِكِ ... فشَأْنُ المَنايا القاضِياتِ وشانِيا
فَما مَسَّ جِلْدِي الأَرْضَ إلاّ ذَكَرْتُها ... وإلاّ وَجَدْتُ طِيبَها في ثِيابِيا
وقال الوَليد بن يَزِيد الأموِيّ
لا أَسَأَلُ الله تَغْيِيراً لِما صَنَعَتْ ... نامَتْ، وإنْ سَهِرَتْ عَيْنايَ، عَيْناها
فاللَّيْلُ أَطْوَلُ شَيءٍ حينَ أَفْقِدُها ... والليلُ أَقْصُرُ شيءٍ حينَ أَلْقاها
وقال يَزِيد بن عَبْد المَلك
لما وَقَف على قَبْر حَبابة
وكُلُّ خَلِيلٍ راءَنِي فهْوَ قائِلٌ: ... مِن أجْلِكِ هذا هامَةُ اليومِ أو غَدِ
فإن تَسْلُ عنكِ النَّفْسُ أو تَدَعِ الصِّبَافبِالْيَأْسِ تَسْلُو عنكِ لا بالتَّجَلُّدِ

وقال آخر
أَيا رَبٍّ إنَّ المالِكِيَّةَ حاجَتِي ... وأَنْتَ على أَنْ تَجْمَعَ الشَّمْلَ قادِرُ
ولَمْ أَرَها إلاَّ بنَعْمانَ مَرَّةً ... وقَدْ عُطِّرَتْ مِنْها البُرَى والضَّفائِرُ
يقُولُونَ لي زُرْ حاجِراً واقْضِ حَقَّها ... وإنْ لَمْ تَزُرْها قِيلَ إنَّكَ غادِرُ
وما حاجِرٌ إلاَّ بلَيْلَى وأَهْلِها ... إذا لَمْ تَكُنْ لَيْلَى فلا كانَ حاجِرُ
وقال عبد الله بن الدُّمَيْنَة
أَلا يا حَمامات اللِّوَى عُدْنَ عَوْدَةً ... فإنِّي إلى أَصْواتِكُنَّ حَزِينُ
فعُدْنَ، فَلَمّا عُدْنَ كِدْنَ يُمِتْنَنِي، ... وكِدْتُ بأَسْرارِي لَهُنَّ أُبِينُ
وعُدْنَ بَقْرقارِ الهَدِيرِ كأَنَّما ... شَرِبْنَ حُمَيَّاً أو بِهِنَّ جُنونُ
فَلَمْ تَرَ عَيْنِي قَبْلَهُنَّ حَمائِماً ... بَكَيْنَ ولَمْ تَدْمَعْ لهُنَّ عُيُونُ
وإنِّي لأَهْوَى النَّوْمَ مِن غَيْرَ نَعْسَةٍ ... لَعَلَّ لِقاءً في المَنامِ يكُونُ
تُحَدِّثُنِي الأَحْلامُ أَنِّي أَراكُمُ ... فيا لَيْتَ أَحْلامَ المَنامِ يَقِينُ
شَهِدْتُ بأَنِّي لم أَحُلْ عن مَوَدَّةٍ ... وأنِّي بكُمْ لو تَعْلَمِينَ ضَنِينُ
وأنَّ فُؤادِي لا يَلِينُ إلى هَوىً ... سِواكِ، وإنْ قالُوا: بَلَى سَيَلِينُ
وقال أيضا
ً
وإذا عَتِبْتِ عليَّ بِتُّ كأَنَّنِي ... باللَّيْلِ مُخْتَلَسُ الرُّقادِ سَلِيمُ

ولَقَدْ أَرَدْتُ الصَّبْر عَنْكِ فَعاقَنِي ... عَلَقٌ بقَلْبِي مِن هَواكِ قَدِيمُ
يَبْقَى على حَدَثِ الزَّمانِ ورَيْبِهِ ... وعلى جَفائِكِ، إنَّه لَكَرِيمُ
وقالت وَجِيهَة بنت أَوْس الضَّبِّيَّة
وعاذِلَةٍ هَبَّتْ بلَيْلٍ تَلُومُنِيعلى الشَّوْقِ، لَمْ تَمْحُ الصَّبابَةَ مِن قَلْبِي
فما لِيَ إِنْ أَحْبَبْتُ أَرْضَ عَشِيرَتِيوأَبْغَضْتُ طَرْفاءَ القُصَيْبَةِ مِن ذَنْبِ
فَلَوْ أَنَّ رِيحاً بَلَّغَتْ وَحْيَ مُرْسِلٍحَفِيٍّ لناجَيْتُ الجَنُوبَ على النَّقَبِ
وقلتُ لها: أَدِّي إِليهمْ تَحِيَّتِي ... ولا تَخْلِطِيها، طالَ سَعْدُكِ، بالتُّرْبِ
فإِنِّي إذا هَبَّتْ شَمالاً سأَلْتُها ... هلِ ازْدادَ صَدَّاحُ النُّمَيْرَةِ من قُرْبِ
وقال عُرْوة بن أُذَيْنَة القُرَشِيّ
إنَّ التي زَعَمَتْ فُؤَادَكَ مَلَّها ... خُلِقَتْ هَواكَ كما خُلِقْتَ هَوىً لَها
فبِكَ الذي زَعَمَتْ بِها، وكلاكُما ... أَبْدَى لصاحِبِهِ الصَّبابَةَ كُلَّها
بَيْضاءُ، باكَرَها النَّعِيمُ فصاغَها ... بلَباقَةٍ، فأَدَقَّها وأَجَلَّها
لمَّا عَرَضْتُ مُسَلِّماً في حاجَةٍ ... أَرْجُو مَعُونَتَها وأَخْشَى ذُلَّها
حَجَبَتْ تَحِيَّتَها، فقلتُ لِصاحِبِي: ... ما كانَ أَكْثَرَها لنا وأَقَلَّها
وإذا وَجَدْتُ لَها وَساوِسَ سَلْوَةٍ ... شَفَعَ الضَّمِيرُ إلى الفُؤادِ فَسَلَّها
ويَبِيتُ بَيْنَ جَوانِحِي حُبٌّ لَها ... لو كانَ تَحْتَ فِراشِها لأَقَلِّها
ولَعَمْرُها لون كان حُبُّكَ فَوْقَها، ... يوماً وقَدْ ضَحِيَتْ، إِذَنْ لأَظَلَّها
وقال أبو الشِّيص الخُزاعِيّ
وَقَفَ الهَوَى بِي حيثُ أَنْتِ، فلَيْسَ لي ... مُتَأَخَّرٌ عَنْهُ ولا مُتَقَدَّمُ
أَجِدُ المَلامَةَ في هَواكِ لَذِيذَةً ... حُبَّاً لذِكْرِكِ، فلْيَلُمْنِي اللَّوَّمُ
أَشْبَهْتِ أَعْدائِي فَصِرْتُ أُحِبُّهُمْ ... إذْ كانَ حَظِّي منكِ حَظِّيَ مِنْهُمُ
وأَهَنْتِنِي، فأَهَنْتُ نَفْسِيَ صاغِراً ... ما مَنْ يَهُونَ عليكِ مِمَّنْ يُكْرَمُ
وقال حُمَيْد بن ثَوْر الهِلالِيّ
وما هاجَ هذا الشَّوْقَ إلاَّ حَمامَةٌ ... دَعَتْ ساقَ حُرٍّ في حَمامٍ تَرَنَّما
مِن الوُرْقِ، حَمَّاءُ العِلاطَيْنِ باكَرَتْعَسِيبَ أَشاءٍ مَطْلِعَ الشَّمْسِ أَسْحَما
إذا زّعْزَعَتْهُ الرِّيحُ أَو لَعِبَتْ بِهِ ... أَرَنَّتْ عليه مائِلاً ومُقَوَّما
إذا شِئْتُ غَنَّتْنِي بأَجْزاعٍ بِيشَةٍ ... أَو النَّخْلِ مِن تَثْلِيثَ أو مِن يَبْنبُما
تُنادِي حَمامَ الجَلْهَتَيْنِ وتَرْعَوِي ... إلى ابنِ ثَلاثٍ بَيْنَ عُودَيْنِ أَعْجَما
كَأَنَّ على أَشْداقِهِ نَوْرَ حَنوَةٍ ... إذا هو مَدَّ الجِيدَ مِنْه لِيَطْعَما
مُحَلاَّةُ طَوْقٍ لَمْ يكُنْ عن جَعِيلَةٍ ... ولا ضَرْبِ صَوَّاغٍ بكَفَّيْهِ دِرْهَما
فمَّا اكْتَسَى الرِّيشَ السُّخامَ ولَمْ تَجِدْ ... له مَعَها في ساحَةِ العُشِّ مَجْثِما
أُتِيح لها صَقْرٌ مُسِفٌّ فلم يَدَعْ ... بمَوْضِعِه إِلاَّ رِماماً وأَعْظُما
تَغَنَّتْ على غُصْنٍ عِشاءً، فَلَمْ تَدَعْ ... لِنائِحَةٍ في نَوْحِها مُتَلَوَّما
عَجبْتُ لَها أَنَّى يكونُ غِناؤُها ... فَصِيحاً، ولَمْ تَفْغَرْ بمَنْطِقِها فَما
فَلمْ أَرَ مِثْلِي شاقَهُ صَوْتُ مِثْلِها ... ولا عَرَبِياً شاقَهُ صَوْتُ أَعْجَما
وأَسْماءُ ما أَسْماءُ لَيْلَةَ أَدْلَجَتْ ... إِليَّ، وأَصْحابِي بِأَيَّ وأَيْنَما

مُنَعَّمَةٌ، لو يُصْبِحُ الذَرُّ سارِياً ... على جِلْدِها بَضَّتْ مَدارِجُهُ دَما
أَرَى بَصَرِي قد خانَنِي بَعْدَ حِدَّةٍ ... وحَسْبُكَ داءً أَنْ تَصِحَّ وتَسْلَما
وقال محمد بن يَزِيدَ الأمويّ
أَشاقَكَ بَرْقٌ أَمْ شَجَتْكَ حَمامَةٌ ... لَها فَوْقَ أَغْصانِ الأراكِ لنئِيمُ
أضافَ إِليها الهَمَّ فِقْدانُ آلِفٍ ... ولَيْلٌ يَسُدُّ الخافِقَيْنِ بَهِيمُ
أَنافَتْ على ساقٍ بلَيْلٍ فَرَجَّعَتْ ... وللوَجْدِ مِنْها مُقْعِدٌ ومُقِيمُ
تَمِيدُ إذا ما الغُصْنُ مادَتْ مُتُونُهُ ... كما مادَ من رَيِّ المُدامِ نَدِيمُ
فباتَتْ تُنادِيهِ، وأَنَّى يُجِيبُها ... مَنُوطٌ بأَطْرافِ الرِّماحِ سَهِيمُ
أُتِيحَ له رامٍ بصَفْراءِ نَبْعَةٍ ... على عَجْسِها ماضِي الشَّباهِ صَمِيمُ
رَماهُ فأَصْماهُ، فطارَتْ ولَمْ يَطِرْ، ... فظَلَّ لها ظِلٍّ عَلَيْهِ يَحُومُ
فراحَتْ بِهَمٍّ لو تَضَمَّنَ مِثْلَهُ ... حَشَى آدَمِيٍّ راحَ وهْوَ رَمِيمُ
وظَلَّتْ بأَجْزاعِ الغَدِيرِ نَهارَها ... مُوَلَّهَةً كُلَّ المَرامِ تَرُومُ
وللبَرْقِ إيماضٌ، وللدَّمْعِ واكِفٌ، ... وللرِّيحِ مِن نَحْوِ العِراقِ نَسِيمُ
فطَوْراً أَشِيمُ البَرْقَ أَيْنَ مَصابُهُ ... وطَوْراً إلى إعْوالِ تلكَ أَهِيمُ
فمِنْ دُونَ ذا يَشْتاقُ مَن كان ذا هوىً ... ويَعْزُبُ عنه الحِلْمُ وهْوَ حَلِيمُ
وقال بَخْتَرِيّ بن عُذافِر الجُرَشِيّ
أَأَنْ هَتَفَتْ يَوْماً بوادٍ حَمامةٌ ... بَكَيْتَ، ولَمْ يَعْذِرْكَ بالجَهْلِ عاذِرُ
دَعَتْ ساقَ حُرٍّ بَعد ما عَلَتِ الضُّحَى ... فهاجَ لكَ الأحْزانَ أَنْ ناح طائِرُ
تُغَنِّي الضُّحَى والصُّبْحَ في مُرْجَحِنَّةٍ ... كثافِ الأعالِي تَحْتَها الماءُ حائِرُ
كَأَنْ لَمْ يكُنْ بالغَيْلِ أَو بَطْنِ وَجْرةٍ ... أو الجِزْعِ من أَهْلِ الأشاءَةِ حاضِرُ
وإِنِّي وإِنْ غالَ التَّقادُمُ حاجَتِي ... مُلِمٍّ على أَوْطانِ لَيْلَى فناظِرُ
وقال رَزِين بن عليّ الخُزاعِيِّ
أخو دِعْبِل
فوا حَسْرَتا لَمْ أقْضِ منكُمْ لُبانَةً ... ولَمْ أَتَمَتَّعْ بالجِوارِ وبالقُرْبِ
يقولونَ: هذا آخِرُ العَهْدِ منكمُ ... فقلتُ: هذا آخِرُ العَهْدِ مِن قَلْبِي
أَلا يا حَمامَ الشِّعْبِ شِعْبِ مُرَيْفِقٍ ... سَقَتْكَ الغَوادِي مِن حَمامٍ ومِن شِعْبِ
وقال قَيْس بن المُلَوِّح
وتروى لنُصَيْب
لقَدْ هَتَفَتْ في جُنْحِ لَيْلٍ حَمامَةٌ ... على فَنَنٍ غَضٍّ، وإنِّي لَنائِمُ
فقلتُ اعْتِذاراً عندَ ذاكَ، وإنَّنِي ... لنَفْسِيَ مِمّا قد رأَيْتُ لَلائِمُ
أَأَزْعُمُ أَنِّي عاشِقٌ ذُو صَبابَةٍ ... بسُعْدَى، ولا أَبْكِي وتَبْكِي البَهائِمُ
كَذَبْتُ، وبَيْتِ الله، لو كُنْتُ عاشِقاً ... لما سَبَقَتْنِ بالبُكاءِ الحَمائِمُ
وقال شَقِيق بن سُلَيْك
الغاضِرِيّ مِن بني أَسَد
لقَدْ هَيَّجَتْ مِنِّي حَمامَةُ أَيْكَةٍ ... مِن الوَجْدِ وَجْداً كنتُ أَكْتُمُهُ وَحْدِي
تُنادِي هَدِيلاً فوقَ أَخْضَرَ ناعِمٍ ... غَذاهُ رَبِيعٌ باكِرٌ في ثَرىً جَعْدِ
فقلتُ: هَلُمِّي نَبْكِ مِن ذِكْرِ ما خَلا ... ونُظْهِرُ مِنْه ما نُسِرُّ وما نُبْدِي
فإن تُسْعِدِينِي تَجرِ عَبْرَتُنا معاً ... وإلاّ فإِنِّي سوفَ أَسْفَحُها وَحْدِي
فإنَّ رِداءَ الحُبِّ مُرْدٍ، فأَقْبِلِي ... على ذاكَ مِنِّي يا اُمامَةُ أوْ صُدِّي

وإنِّيَ لا أَنْفَكُّ مِن غَيْرِ رِيبَةٍ ... أهِمُ بكُمْ حتَّى أُوَسَّدَ في لَحْدِي
وإنِّيَ لا أَنْفَكُّ أَتْبَعُ قائِدِ ... إليكِ، فارْخِي مِن وَثاقِيَ أو شُدِّي
وقلتُ لِواشٍ جَدَّ فيكِ يَلُومُنِي ... تَنَكَّبْ،فلا غَيّيٍ عليكَ ولا رُشْدِي
ألاَ أَيُّها الرَّكْبُ المُكِلُّونَ هل لكُمْبأُخْتِ بَنِي نَهْدٍ أُمامَةَ مِنْ عَهْدِ
أَأَلْقَتْ عَصاها واسْتَقَرَّتْ بِها النَّوىبأَرْضِ بني قابُوسَ أَمْ ظَعَنَتْ بَعْدِي
سَقاها مِن الوَسْمِيٍّ كُلُّ مُجَلْجِلٍ ... سَكُوبِ العَزالَي صادِقِ البَرْقِ والرَّعْدِ
وقال أبو كَبِير الهُذَلِيّ
أَلا يا حَمامَ الأيْكِ إِلْفُكَ حاضِرٌ ... وغُصْنُكَ مَيَّادٌ فَفِيمَ تَنُوحُ
أَفِقْ، لا تَنُحْ في غَيْرِ شَيْءٍ فإِنَّنِي ... بَكَيْتُ زَماناً، والفُؤادُ صَحِيحُ
وَلُوعاً فشَطَّتْ غرْبَةً دارُ زَيْنَبٍ ... فَها أنا أَبْكِي والفُؤادُ قَرِيحُ
وقال عَوْف بن مُحَلِّم السَّعْدِيّ
أَفِي كُلِّ يَوْمٍ غُرْبَةٌ ونُزُوحُ ... أَما للنَّوَى مِنْ وَنْيَةٍ فتُرِيحُ
لَقَدْ طَلَّحَ البَيْنُ المُشِتُّ رَكائِبِي ... فهَلْ أَرَيَنَّ البَيْنَ وهْوَ طَلِيحُ
وأَرَّقَنِي بالرَّيِّ صَوْتُ حَمامَةٍ ... فنُحْتُ، وذُو الشَّجْوِ الغَرِيبُ يَنُوحُ
على أَنَّها ناحَتْ ولَمْ تُذْرِ عَبْرَةً ... ونُحْتُ وأَسْرابُ الدُّمُوعِ سُفُوحُ
وناحَتْ وفَرْخاها بحيثُ تَراهُما ... ومنْ دُونِ أَفْراخِي مَهامِهُ فِيحُ
عَسَى جُودُ عبدِ الله أنْ يَعْكِسَ النَّوَى ... فتُضْحِي عَصا التَّسْيارِ وهْيَ طَرِيحُ
وقال عبد الله بن الدُّمَيْنَة
ذَكَرْتُكِ والنَّجْمُ اليَمانِي كأَنَّهُ ... وقَدْ عارَضَ الشَّعْرَي قَرِيعُ هِجانِ
فقلتُ لأَصْحابِي، ولاحَتْ غَمامةٌ ... بنَجْدٍ: ألا لله ما تَرَيانِ
فَقالا: نَرَى بَرْقاً تَقَطَّعُ دُونَهُ ... مِن الطَّرْفِ أَبْصارٌ لهُنَّ رَوانِي
أَفِي كُلِّ يومٍ أنتَ رامٍ بِلادَها ... بِعَيْنَيْنِ إنْساناهُما غَرِقانِ
فعَيْنَيَّ، يا عَيْنَيَّ حَتَّامَ أنتُما ... بهِجْرانٍ أُمِّ الغَمْرِ تَخْتَلِجانِ
أما أنتُما إلاّ عليّ طَلِيعَةٌ ... على قُرْب أعدائِي وبُعْدِ مَكاني
إذا اغْرَورَقَتْ عَيْنايَ قالَتْ صَحابَتِي: ... إلى كَمْ تُرَى عَيْناكَ تَبْتَدِرانِ
عَذَرْتُكِ يا عَيْنِي الصَّحِيحَةِ بالبُكا ... فما لَكِ يا عَوْراءُ والهَمَلانِ
أَلا فاحْمِلانِي بارَكَ الله فِيكُما، ... إلى حاضِرِي الماءِ الذي تَرِدانِ
فإنَّ على الماءِ الذي تَرِدانِهِ ... غَرِيماً لَوانِي الدَّيْنَ منذُ زَمانِ
لَطِيفُ الحَشا، عَذْبُ اللَّمَى طَيِّبُ النَّثا ... له عِلَلٌ ما تَنْقَضِي لأَوانِ
وقالت أُمُّ المُثَلَّم الهُذَلِيَّة، وتروى لكَرِيمَة بنت أَسَد، وتروى للصِّمَة القُشَيْرِي
وحَنَّتْ قَلُوصِي بَعْدَ هَدْءٍ صَبابَةً ... فيا رَوْعَةً ما راعَ قَلْبِي حَنِينُها
حَنَتْ في عِقالَيْها، وشَبَّ لعَيْنها ... سَنا بارِقٍ يَسْرِي، فجُنَّ جُنُونُها
فَقُلْتُ لها: صَبْراً فكُلُّ قَرِينَةً ... مُفارِقُها لا بُدَّ يوماً قَرِينها
فما بَرِحَتْ حتَّى ارْعَوَيْنا لِصَوْتِها ... وحتَّى انْبَرَى مِنّا مُعِينٌ يُعِينُها
فقلتُ لها: حِنِّي رُوَيْداً فإنَّنِي ... وإيَّاكِ نُبْدِي عَوْلَةً سنُبِينُها
وقالت سالِمَة الكَلْبِيّة
ألاَ لا تَلُومانِي على الشَّوْقِ، وانْظُراإلى العُجْمِ يُبْدِينَ الصَّبابَةَ مِن قَبْلِي

لقَدْ هاجَ لِي شَوْقاً وغالَ صَبابَةً ... حَنِينُ قَلُوصِي حيثُ حَنَّتْ بذي الأَثْلِ
وقال الشَّماخ بن ضِرار
ماذا يَهِيجُكَ مِن ذِكْرِ ابنَةِ الرَّاقِي ... إذْ لا تَزالُ على هَوْلٍ وإشْفاقٍ
قامَتْ تُرِيكَ أَثِيثَ النَّبْتِ مُنْسَدِلاً ... مِثْلَ الأَساوِدِ قد مُسِّحْنَ بالفاقِ
حَرْفٌ صَمُوتُ السُّرَى إلاَّ تَلَفُّتَها ... باللَّيْلِ في خَرَسٍ مِنْها وإطْراقِ
حَنَّتْ على سِكَّةِ السَّارِي فجاوَبَها ... صَلِيبَةٌ مِن حَمامٍ ذاتِ أَطْواقِ
كادَتْ تُساقِطُنِي والرَّحْلَ أنْ نَطَقَتْ ... حَمامَةٌ فدَعَتْ ساقاً على ساقِ
وقال إبراهيم بن العَبّاس الصُّولِيّ
ظَلَّتْ تُشَوِّقُني برَجْعِ حَنِينِها ... وأَزِيدُها شَوْقاً برَجْعِ حَنِينِي
نِضْوَيْنِ مُغْتَرِبَيْنِ بَيْنَ مَهامِهِ ... طَوَيا الضُّلُوعَ على هَوىً مَكْنُونِ
لو سُوئِلَتْ عنّا القَلُوصُ لأخْبَرَتْ ... عن مُسْتَقَرٍّ صَبابَةِ المَحْزُونِ
وقال مالِك بن عَمْرو الهُذْلِيّ
فإمّا تُعْرِضِنَّ أُمَيْمَ عَنِّي ... ويَنْزِعْكِ الوُشاةُ أُلُو السِّياطِ
فحُورٍ قد لَهَوْتُ بهِنَّ عِنٍ ... نَواعِمَ في البُرُودِ وفي الرِّياطِ
أَبِيتُ على مَعارِيَ فاخِراتٍ ... بِهِنَّ مُلَوَّبٌ كدَمِ العِباطِ
يُقالُ لهُنَّ مِن كَرَمٍ وحُسْنٍ ... ظِباءُ تَبالَةَ الأُدْمُ العَواطِي

وقال آخر
أَتَرْحَلُ عن حَبِيبِكَ ثم تَبْكِي ... عليهِ فما دَعاكَ إلى الفِراقِ
كأَنَّكَ لَمْ تَذُقْ للبَيْنِ طَعْماً ... فتَعْلَمَ أَنَّهُ مُرُّ المَذاق
وقال عمر بن أبي ربيعة القرشي
أيها المنكع الثريا سهيلاً
هي شامية إذا ما استقلت

أقسام الكتاب
1 2 3