الكتاب : المحاسن والأضداد
المؤلف : أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ البصري

صفائح نور ، ورشق السحر عن لحظها بأسهم حداد ، ولقد تأملت فوجدت للبدر نوراً من بعض نورها . وذكر أعرابي امرأة قال : هي شمس تباهي بها شمس سمائها ، وليس لي شفيع إليها غيرها في اقتضائها ، ولكني كتوم لفيض النفس عند امتلائها . وذكر أعرابي امرأة فقال : ما أحسن من حبها نعاساً ، ولا أنظر إليها إختلاساً ، وكل امرئ منها يرى ما أحب . وذكر أعرابي امرأة فقال : لها جلد من لؤلؤ رطب مع رائحة المسك الأذفر ، في كل عضو منها شمس طالعة . ومما جاء في الحسن من الشعر : قال عبد الله بن المعتز : أنشدني أبو سهل إسماعيل بن علي ، لأبي الصواعق : ومريض طرفٍ ليس يصرف طرفه . . . نحو المدى إلا رماه بحتفه طبيٌ له نظرٌ ضعيفٌ كلما . . . قصد القوي أتى عليه بضعفه قد قلت لما مر يخطر مائساً . . . والردف يجذب خصره من خلفه يا من يسلم خصره من ردفه . . . سلم فؤاد محبه من طرفه فقلت في هذا المعنى وعلى هذا الوزن : وحياة من جرح الفؤاد بطرفه . . . لأحبرن قصائدي في وصفه قمرٌ به قمر السماء متيمٌ . . . كالغصن يعجب نصفه من نصفه إني عجبت لخصره من ضعفه . . . ماذا تحمل من ثقالة ردفه هذا وما أدري بأيى فتنةٍ . . . جرح الفؤاد بلطفه أم ظرفه أم بالدلال أم الجمال أم الضيا . . . من وجهه أم بالقفا من خلفه وأنشد أبو الحسين بن فهم لأبي نواس : كفاك ما مر على راسي . . . من شادن قطع أنفاسي أكثر ما أبلغ في وصفه . . . تحيري من قلبه القاسي

أغار أن أنعت منه الذي . . . ينعته الناس من الناس ولم أر العشاق قبلي رأوا . . . بوصف من يهوون من باس كل أحاديثي نعتٌ له . . . منكشفٌ مني لجلاسي فقلت في هذا المعنى ، وهذا الروي ، والوزن : لو عشر ما مر على راسي . . . مر بصلد حجرٍ قاسي لانصدعت فيه صدوع كما . . . صدع قلبي طول وسواسي يا غصن آس ومحالٌ إذا . . . قصرت تشبيهك بالآس ماذا على طرفك لو أنه . . . أعار لحظاً منه قرطاسي ليتك عللت بمطل ولم . . . تقطع رجائي منك بالياس وقال آخر : وزائرةٍ يحتثها الشوق طارقه . . . أتتنا من الفردوس لا شك آبقه إذا ما تثنت قال للريح قدها . . . كذا حركي الأغصان إن كنت صادقه وقال آخر : قد أقبل البدر في قراطقه . . . يسلب بالدل قلب عاشقه يسطو عليه بسيف مقلته . . . لا بالذي شد في مناطقه وقال آخر : قل للملاح الحدق . . . وللحسان الخلق هل في فؤادي للقوى . . . أو جسدي شئٌ بقي إن لم ترووا عطشي . . . بخلاً فبلوا رمقي

يا مقلةً أجفانها . . . محشوةٌ بالأرق بقيت في رق الهوى . . . سقيةً فيمن شقي وقال آخر : يا ملاح الدلال والإغتناج . . . ما أرى القلب من هواكن ناجي أنت ذرفت فوق خديك صدغاً . . . من عبير على صفائح عاج أشرقت وجنتاك بالنور حتى . . . أغنتا الخلق عن ضياء السراج فعلت مقلتاك بالقلب مني . . . فعلة القرمطي بالحجاج يا هلالاً أنست منه بضوءٍ . . . جنح الليل من الظلام الداجي وقال آخر : نشرت غدائر فرعها لتظلني . . . حذر العيون من العيون الرمق فكأنها وكأنه وكأنني . . . صبحان باتا تحت ليلٍ مطبق وقال آخر : يا غزالاً وهلالاً . . . وقضيباً وكثيبا كم وكم أضمر وجداً . . . بك مكتوماً عجيباً كيف يرجى برء من قد . . . كتم الداء الطبيبا وقال آخر : شمسٌ ممثلةٌ في خلق جاريةٍ . . . كأنما بطنها طي الطوامير فالجسم من جوهرٍ والشعر من سبجٍ . . . والثغر من لؤلؤ والوجه من عاج وقال آخر : نتيح دلالٍ حار في حسنه الطرف . . . ففكرته قبرٌ ومنطقه لطف

بديع جمال زانه العقل والظرف . . . سماوي لونٍ لا يحيط به وصف له ريقةٌ علت بماء قرنفلٍ . . . يمازجها التفاح والخمرة الصرف تجسم في جسم من النور ساطعٍ . . . تمكن في دعصٍ ينوء به ردف على صحن خديه بهارٌ منورٌ . . . ووردٌ جنيٌ لا يليق به القطف تكامل فيه الحسن والنور والبها . . . كبدر الدجى إذ تم من شهره النصف براه إلهي لي عذاباً وفتنةً . . . فما عنده عدلٌ ولا عنده عطف وقال آخر : لك من قلبي المكان المصون . . . كل لومٍ علي فيك يهون قدر الله أن أكون ضقياً . . . بك والصبر عنك ما لا يكون يا غزالاً بلحظه يفتن النا . . . س وفي طرفه الردى والمنون لك صبرٌ وليس لي عنك صبرٌ . . . فأنا اليوم هائمٌ محزون قد خلعت العذار فيك حبيبي . . . ما أبالي بما رمتني الظنون وقال آخر : يا نظرةً جاءت على ياس . . . من ساحر المقلة مياس أطرافه تعقد من لينها . . . وقلبه كالحجر القاسي يلومني الناس على حبه . . . أعانني الله على الناس وقال آخر : يا ويح جسمٍ يذوب من قلقه . . . من حبٍ من لم أقف على خلقه من حب ظبيٍ مهفهفٍ لبقٍ . . . يهتز مثل القضيب في ورقه

لم تر عيني ولن ترى أبداً . . . أحسن من نحره ومن عنقه كأنما المسك حين تسحقه . . . بماء وردٍ يفوح من عرقه أو خمرةٌ في الزجاج صافيةٌ . . . شيبت بماء السحاب في نسقه وقال آخر : أربعةٌ قرحت فؤادي . . . فطال وجدي وعيل صبري مقلة خشفٍ وقد غصنٍ . . . وطيب وردٍ وحسن بدر نفسي ومالي فداء ظبيٍ . . . أذاب جسمي وليس يدري فمن لصب أسير شوقٍ . . . قتيل صبٍ بسيف هجر وقال آخر : وما ريح ريحانٍ بمسك وعنبر . . . يعل بكافورٍ ودهنة بان بأطيب من ريا حبيبي لو أنني . . . وجدت حبيبي خالياً بمكان
محاسن التزويج
روي أن رجلاً أتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال : يا رسول الله ، إني أريد أن أتزوج ، فادع الله أن يرزقني زوجة صالح ، فقال : لو دعا جبريل وميكائيل وأنا معهما ما تزوجت إلا المرأة التي كتب الله لك فإنه ينادي في السماء ألا إن امرأة فلان بن فلان ، فلانة بنت فلانة . وقال ( صلى الله عليه وسلم ) : عليكم بالإبكار فإنهن أطيب أفواهاً ، وأنتق أرحاماً . وقال عمر رضي الله عنه : عليكم بالإبكار ، واستعيذوا بالله من شرار النساء ، وكونوا من خيارهن على حذر ، قال الشاعر : ل

ا تنكحن عجوزاً إن دعيت لها . . . وإن حبيت على تزويجها الذهبا فإن أتوك وقالوا إنها نصفٌ . . . فإن أطيب نصفيها الذي ذهبا وقال آخر : عليك إذا ما كنت لابد ناكحاً . . . ذوات الثنايا الغر والأعين النجل وكل هضيم الكشح خفاقة الحشا . . . قطوف الخطا ، بلهاء ، وافرة العقل وقال الحارث بن كلدة : لا تتكحوا من النساء إلا الشابة ، ولا تأكلوا من الحيوان إلا الفتى ، ولا من الفاكهة إلا النضيج . وقال مغيرة بن شعبة : حصنت تسعاً وتسعين امرأة ، ما أمسكت واحدة منهن على حب ، ولكني أحفظها لمنصبها وولدها ، فكنت أسترضيهن بالباه شاباً ، فلما إن شبت وضعفت عن الحركة استرضيهن بالعطية . وقال بعضهم : لذة المرأة على قدر شهوتها ، وغيرتها على قدر لذتها . وروي عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه

قال : إنما النساء لعب فإذا تزوج أحدكم فليستحسن . وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : تزوجها سمراء ذلفاء عيناه ، فإن فركتها فعلى صداقها ، وقال الحجاج بن يوسف : من تزوج قصيرة فلم يجدها على ما يريد فعلى صداقها . وروي عن علي ، صلوات الله عليه ، أن رجلاً أتاه فقال : إني تزوجت امرأة مجنونة ، فقالت المرأة : يا أمير المؤمنين إنه يأخذني عند الجماع غشية ، فقال للرجل : ما أنت لها بأهل . وفي حديث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : إياكم وخضراء الدمن ، وهي المرأة الحسناء في المنبت السوء ، وقال بعضهم : لا تتزوجن حنانة ولا أنانة ولا منانة ولا عشبة الدار ، ولا كية القفا . فأما الحنانة ، فالتي قد تزوجها رجل من قبل ، فهي تحن إليه . والأنانة ، التي تئن من غير علة . والمنانة ، التي لها مال تمتن . وعشبة الدار ، الحسناء في أصل السوء . وكية القفا ، التي إذا قام زوجها من المجلس ، قال الناس : فعلت امرأة هذا كذا . وقال محمد بن علي رضي الله عنهما : اللهم ارزقني امرأة تسرني إذا نظرت ، وتطيعني إذا أمرت ، وتحفظني إذا غبت ، وروي عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : إذا خطب أحدكم امرأة ، فلا جناح عليه أن ينظر إليها ، وإن كانت لا تعلم . وقال بعض الشعراء في تزويج الشبه : إذا أردت حرةً تبغيها . . . كريمةً فانظر إلى أخيها ينبيك عنها وإلى أبيها . . . فإن أشباه أبيها فيها وقال آخر : إذا كنت مرتاداً لنفسك أيما . . . لنجلك فانظر من أبوها وخالها فإنهما منها كما هي منهما . . . كما النعل إن قيست بنعل مثالها وقال آخر : إذا كنت عن عين الصبية باحثاً . . . فأبصر تر عين الصبي فذلكا قال خالد بن صفوان لدلال : أطلب لي امرأة بكراً ، كبكر خصاناً عند جارها ، ماجنة عند زوجها ، قد أدبها الغنى ، وذللها الفقر ، لا ضرعةً صغيرة ، ولا عجوزاً كبيرة ، قد عاشت في نعمة ، وأدركتها حاجة ، لها عقل وافر ، وخلق طاهر ، وجمال ظاهر ، صلة الجبين ، سهلة العرنين ، سوداء المقلتين ، خدلجة الساقين ، لفاء الفخذين ، نبيلة المقعد ، كريمة المحتد ، رخيمة المنطق ، لم يداخلها صلف ، ولم يشن وجهها كلف ، ريحها أرج ، ووجهها بهج ، لينة الأطراف ، ثقيلة الأرداف ، لونها كالرق ، وثديها كالحق ، أعلاها عسيب ، وأسفلها كئيب ، لها بطن مخطف ، وخصر مرهف ، وجيد أتلع ، ولب مشبع ، تتثنى تثني الخيزران ، وتميل ميل السكران ، حسنة المآق ، في حسن البراق ، لا الطول أزرى بها وال القصر . قال الدلال : استفتح أبواب الجنان ، فإنك سوف تراها . وقال أيضاً : لا تتزوج واحدة فتحيض إذا حاضت ، وتنفس إذا نفست ، وتعود إذا عادت ، وتمرض إذا مرضت ، ولا تتروج اثنتين فتقع فيما بين الجمرتين ، ولا تتزوج ثلاثاً فتقع بين أثافي ، ولا تتزوج أربعاً ، فيحقرنك ويهزمنك ويفلسنك . فقال له رجل : حرمت ما أحل الله . فقال : طمران وكوزان ورغيفان وعبادة الرحمن . وعن صالح بن حسان قال : رأيت امرأة بالمدينة يقال لها حواء ، وهي

التي علمت نساء المدينة النقع ، وهو النخر والحركة والغربلة والرهز ، وكانت لها سقيفة تتحدث إليها رجالات قريش ، ولم يكن في الدنيا أهل بيت إلا وتأخذ صبيانهم ، وتمصهم ثديها ، أو ثدي إحدى بناتها ، فكان أهل المدينة يسمونها حواء . ولم يكن بالمدينة شريف ممن يجلس في سقيفتها إلا واصل إليها في السنة ثلاثين وسقاً وأكثر من طعام وتمر ، مع الدنانير والدراهم ، والخدم والكساء . فجاءها ذات يوم مصعب بن الزبير ، وعمرو بن سعيد العاص ، وابن لعبد الرحمن ابن أبي بكر ، فقالوا لها : يا خالة قد خطبنا نساء من قريش ، ولسنا ننتفع إلا بنظرك إليهن ، فأرشدينا بفضل علمك فيهن ، فقالت لمصعب : يا بن أبي عبد الله ومن خطبت ؟ قال : عائشة بنت طلحة ؛ قالت : فأنت يا بن الصديق ، قال : أم القاسم بنت زكريا بن طلحة ، قالت : فأنت يا بن أبي أحيحة ، قال : زينب عمرو بن عثمان ، فقالت : يا جارية علي بمنقلي - تعني خفيها - فأتتها بهما ، فخرجت ومعها خادم لها ، فأتت عائشة بنت طلحة ، فقالت : مرحباً بك يا خالة ، فقالت : يا بني أنا كنا في مأدبة لقريش ، فلم تبق امرأة لها جمال إلا ذكرت وذكر جمالك ، فلم أدر كيف أصفك ، فتجردي لأنظرك ، فألقت درعها ، ثم مشت ، فارتج كل شئ منها ، ثم أقبلت على مثل ذلك ، فقالت : فداك أبي وأمي ، خذي ثوبيك . وأتتهن جميعاً على مثل ذلك ، ثم رجعت إلى السقيفة فقالت : يا بن أبي عبد الله ، ما رأيت مثل بنت طلحة عائشة قط ممتلئة الترائب ، زجاء العينين ، هدبة الأشفار ، مخطوطة المتنين ، ضخمة العجيزة ، لفاء الفخذين ، مسرولة الساقين ، واضحة الثغر ، نقية الوجه ، فرعاء الشعر ، إلا أنني رأيت خلتين هما أعيب ما رأيتها فيها : أما أحدهما فيواريها الخف وهي عظم القدم ، والأخرى يواريها الخمار وهي عظم الأذن ، وأما أنت يا بن أحيحة فيواريها الخف وهي عظم ، والأخرى يواريها الخمار وهي عظم الأذن ، وأما أنت با بن أحيحة فما رأيت مثل زينب بنت عمرو فراهة قط ، إلا أن في الوجه ردة ، ولكني مشيرة عليك بأمر تستأنس إليه ، وهي ملاحة تعتز بها ، وأما أنت يا بن الصديق ، فو الله ما رأيت مثل أم القاسم ، ما شبهتها إلا بخوط بأنة تتثنى ، أو خشف يتقلب على رمل ، ولم أرها إلا فوق الرجل ، وإذا زادت على الرجل المرأة لم تحسن ، لا والله ، إلا من يملأ المنكبين ، فتزوجوهن . وقال أعرابي في أخت له تزوجت بغير كفؤ :

ولو ركبت ما حرم الله لم يكن . . . بأقبح عند الله مما استحلت قال : وكان بالمدينة رجل قد أعطي جودة الرأي ، ولم يكن فيها من يريد إبرام أمر إلا شاوره ، فأراد رجل من قريش أن يتزوج ، فأتاه فقال : أنا أريد أن أضم إلي أهلاً فأشر علي ، قال : افعل تحصن دينك ، وتصن مؤونتك ، وإياك والجماع البارع ، قال : ولم نهيتني ، وإنما هو نهاية ما يطلب الناس ؟ قال : لأنه ما فاق الجمال إلا لحقه قول ، أما سمعت قول الشاعر : ولن تصادف مرعة مونقاً أبداً . . . إلا وجدت به آثار مأكول قيل : وكانت جارية من بنات الملوك تكره التزويج ، فاجتمع عندها نسوة فتذاكرن التزويج ، وقلن لها : ما يمنعك منه ؟ قالت : وما فيه من الخير ؟ قلن : وهل لذة العيش إلا في التزويج ؟ قالت : فلنصف كل واحدة منكن ما عندها فيه من الخير حتى أسمع ؟ فقالت إحداهن : زوجي عوني في الشدائد ، وهو عائدي دون كل عائد ، إن غضبت عطف ، وإن مرضت لطف ، قالت : نعم الشيء هذا ، قالت الأخرى : زوجي لما عناني كافٍ ، ولما أسقمني شافٍ ، عرقه المسك المعراق ، وعناقه كالخلد ، ولا يمل طول أفرد . فتزوجت ، فقلن لها : يا فلانة ، كيف رأيت ؟ قالت : أنعم النعيم ، وسروراً لا يوصف ، ولذة ليس منها خلف .
أمثال في التزويج
قيل : إن أول من قال : لا هنك أنقيت ، ولا ماءك أبقيت ، الضب بن أروى الكلاعي ، وذاك أنه خرج من أرضه ، فلما سار أياماً ، حار في تلك المفارز التي تعسفها ، وتخلف عن أصحابه ، وبقي فرداً يعسف فيها ثلاثة أيام ، حتى دفع إلى قوم لا يدري من هم . فنزل عليهم ، وحدثهم ؛ وكان جميلاً ، وإن امرأة من أفاضل أولئك ، هويته ، فأرسلت إليه أن أخطبني ، فخطبها ، وكانوا

لا يزوجون إلا شاعراً أو رجلاً يزجر الطير أو يعرف عيون الماء ، فسألوه ، فلم يحسن شيئاً من ذلك ، فلم يزوجوه ؛ فلما رأت المرأة ذلك ، زوجته نفسها على كره من قومها ؛ فلبث فيهم ما لبث ؛ ثم إن رجلاً من العرب أعار عليهم في خيل ، فاستأصلهم ، فتطيروا بضب ، وأخرجوه وامرأته ، وهي طامث ؛ فانطلقا ، واحتمل ضب شيئاً من ماء ، ومشيا يوماً وليلة إلى الغد ، حتى اشتد الحر ، وأصابهما عطش شديد ، فقالت له : ادفع إلي السقاء حتى أغتسل به ، فإنا ننتهي إلى الماء ، ونسقي ، ونستقي . فاغتسلت بما في السقاء ، ولم يقع منها موقعاً ، وأتيا العين فوجداها ناضبةً وأدركهما العطش ، فقال ضب : لا هنك أنقيت ولا ماءك أبقيت ، فذهبت مثلاً . ثم استظلا تحت شجرة كبيرة ، فأنشأ ضب يقول : تالله ما ظلةٌ أصاب بها . . . سواد قلبي قارع العطب ظل كئيب الفؤاد مضطرباً . . . وتكتسي من غدائر قلب أن يعرف الماء تحت صم صفاً . . . أو يخبر الناس منطق الخطب أخرجني قومها بأن رحىً . . . دارت بشؤم لهم على قطب فلما سمعت ذلك فرحت وقالت : قم فارجع إلى قومي فإنك شاعر فانطلقا راجعين حتى انتهيا إليهم ، فاستقبلوهم بالسيف والعصا ، فقال لهم ضب : اسمعوا شعري ، ثم إن بدا لكم أن تقتلوني بعد ، فافعلوا ، فتركوه فصار فيهم عزيزاً . وقيل إن أول من قال : في الصيف ضعيف اللبن ، قتول بنت عبد ، وكانت تحت رجل من قومها ، فطلقها وأنها رغبت في أن يراجعها ، فأبى عليها ، فلما يئست خطبها رجل ، يقال له عامر بن شوذب ، فتزوجها فلما بنى بها ، بدا للزوج الأول مراجعتها ، وهوى بها هوى شديداً ، فجاء يطلبها ويرنو بنظره إليه ، ففطنت به فقالت : أتركتني حتى إذا . . . علقت أبيض كالشكن أنشأت تطلب وصلنا . . . في الصيف ضيعت اللبن

فذهبت مثلاً ، فقال لها زوجها الأول واسمه الأشق : فهل بقي شئ ؟ قالت : نعم فاصله عن جميع مالك وطلاقي ، فإن فصلته ، تزوجتك ، فرضي بذلك ؛ ثم راجع نفسه فقال لها ذلك ، فقالت : أما إذا ضننت بمالك فانطق إلى مكان إذا أنت تكلمت سمع زوجي كلامي وكلامك ، ثم اقعد كأنك لا تشعر به وقل : لحا الله بنت العبد إن وصالها . . . وصال ملولٍ لا تدوم على بعل تحدثني أن سوف تقتل عامراً . . . لأن لم يكن في ماله عامرٌ مثلي فهيهات تزويج التي تقتل الفتى . . . إذا ما أبت يوماً وإن كان من أجلي فتقتلني يوماً إذا هويت فتىً . . . سواي وأني اليوم من وصلها مجلي فانطلق الأشق ففعل ما أمرته به ، فسمعه عامر ، فوقع في قلبه قوله ، وقد كان عرف حبها له ، فصدق ذلك ودخل عليها ، فطلقها ، وتزوجها الأشق . وذكروا أن بطناً من قريش اشتدت عليهم السنة ، وكان فيهم جارية يقال لها زينب ، من أكمل نسائهم جمالاً ، وأتمهن تماماً . وأشرفت فرآها شاب يقال له عروة ، فوقعت في قلبه ، فجعل يطالعها ، ولا يقدر على أكثر من ذلك ، فاشتد وجده بها ، فلما انتقضت السنة ، وأرادوا الرجوع إلى منازلهم ، دعا بعض جواري الحي ، فقال : يا ابنة الكرام هل لك في يد تتخذين بها عندي شكراً ؟ قالت : وما أحوجني إلى ذلك ، قال : تنطلقين إلى خيمة فلانة كأنك تقتبسين ناراً ، فإذا أنت جلست فقولي حيث تسمع زينب : ألا هل لنا قبل التفرق ليلةٌ . . . ويومٌ فتقضي كل نفسٍ مناها فانطلقت الجارية ففعلت ذلك ، فلما سمعت زينب قولها وكانت تفلي رأس زوجها ، وكان عنده أخ له ، فقالت مجيبة لها : لعمري لقد طال المقامة هاهنا . . . لو أن لحب حاجةً لقضاها فسمع أخو الزوج قول الجارية ، وجواب زينب ، فقال :

ألا يعلم الزوج المفلى بأنها . . . رسالة مشغوف الفؤاد رجاها فانتبه الزوج لأمرهم ، وعرف ما أرادت ، فقال : لحى الله من لا يستقيم بوده . . . ومن يمنح النفس الطروب هواها انطلقي يا زينب فأنت طالق ، فخرجت من عنده وبعثت إلى عروة فأعلمته ، وأقامت حتى انقضت عدتها ، ثم تزوجته .
في الناشزة
ذكروا أن الأخطل كانت عنده امرأة ، وكان بها معجباً ، فطلقها وتزوج بمطلقة رجل من بني تغلب ، وكانت بالتغلبي معجبة ، فبينا هي ذات يوم جالسة مع الأخطل ، إذ ذكرت زوجها الأول ، فتنفست الصعداء ، ثم ذرفت دموعها ، فعرف الأخطل ما بها ، فذكر امرأته الأولى ، وأنشأ يقول : كلانا على وجدٍ يبيت كأنما . . . بجنبيه من مس الفراش قروح على زوجها الماضي تنوح وزوجها . . . على الطلة الأولى كذاك ينوح قيل : وخاصمت امرأة زوجها إلى زياد فجعلت تعيبه ، وتقع فيه ، فقال الزوج : أصلح الله الأمير ، إن شر المرأة كبرها ، إن المرأة إذا كبرت عقم رحمها ، وبذأ لسانها ، وساء خلقها ، والرجل إذا كبر استحكم رأيه ، وقل جهله . قال : صدقت ، وحكم له بها . وذكروا أن امرأة أتت عبيد الله بن زياد ، وكانت ذات شحم وجسم وجمال ، مستعدية على زوجها ، وكان أسود دميم الخلقة ، فقال : ما بال هذه المرأة تشكوك ؟ قال : أصلح الله الأمير سلها عما ترى من جسمها وشحمها أمن طعامي أم من طعام غيري ؟ قالت : من طعامك ، أفتمن علي بطعام أطعمتنيه ، والكلاب تأكل ؟ قال : سلها كسوتها من مالي هي أم من مال غيري ؟ قالت من مالك ، أفتمن علي بثوب كسوتنيه ، قال وسلها عما في بطنها مني

هو أم من غيري ؟ قالت : منك ووددت أنه في بطني من كلب ، قال الرجل : أصلح الله الأمير فما تريد المرأة إلا أن تطعم وتكسي وتنكح ، قال : صدقت فخذ بيدها . قال : خرج رجل مع قتيبة بن مسلم إلى خراسان ، وخلف امرأة يقال لها هند من أجمل نساء زمانها ، فلبث هناك سنين ، فاشترى جارية اسمها جمانة ، وكان له فرس يسميه الورد ، فوقعت الجارية منه موقعاً ، فأنشأ يقول : ألا لا أبالي اليوم ما فعلت هند . . . إذا بقيت عندي الجمانة والورد شديد مناط القصريين إذا جرى . . . وبيضاء مثل الرئم زينها العقد فهذا لأيام الهياج وهذه . . . لحاجة نفسي حين ينصرف الجند فبلغ ذلك هنداً فكتبت إليه : ألا أقره مني السلام وقل له . . . عنينا بفتيان غطارفةٍ مرد فهذا أمير المؤمنين أميرهم . . . سبانا وأغناكم أراذلة الجند إذا شاء منهم ناشئٌ مد كفه . . . إلى كبد ملساء أو كفلٍ نهد فلما قرأ كتابها ، أتى به إلى قتيبة ، فأعطاه إياه ، فقال له : أبعدك الله ، هكذا يفعل بالحرة وأذن له في الانصراف . قال وسمع عمر بن الخطاب امرأة تنشد وتقول : فمنهن من تسقى بعذبٍ مبردٍ . . . نقاخٍ فتلكم عند ذلك قرت ومنهن من تسقى بأخضر آجنٍ . . . أجاجٍ فلولا خشية الله فرت فأمر بإحضار زوجها ، فوجده متغير الفم ، فخيره جارية من المغنم أو خمسمائة درهم على طلاقها ، فاختار الخمسمائة ، فدفعت إليه ، وخلى سبيلها . وحكي عن الفضل بن الربيع أنه كان بمكة ، ومعه الفرج الرخجي ، وكان الفضل صبيحاً ظريفاً ، والفرج دميماً قبيحاً ، فخرجا إلى الطواف ، ثم انصرفا إلى بعض طرقات مكة ، وقعدا يتغديان ؛ فينما هما كذلك على طعامهما ، إذ وقفت عليهما امرأة جميلة بهية ، حسنة شكلة ، وعليها برقع ، فرفعته عن

وجهها ، فإذا وجه كالدينار ، وذراع كالجمار ، فسلمت وقعدت ، وجعلت تأكل . قال الفضل : فأعجبني ما رأيت من جمالها وهيئتها ، فقلت : هل لك من بعل ؟ قالت : لا ، قلت : فهل لك في بعل من أصحاب أمير المؤمنين ، حسن الخلق والخلق ؟ قالت : وأين هو ؟ فأشار إلى فرج ، فقالت : جوابك عند فراغنا ، فلما أكلت قالت للفضل : تقرأ شيئاً من كتاب الله ؟ قال : نعم ، قالت : أفتؤمن به ؟ قال : نعم ، قالت : فإن الله يقول : ومن يكن الشيطان له قريناً فساء قريناً ، فضحك الفضل ، ودخل على الرشيد فأخبره فأمر بإحضارها ، فلما نظر إليها ، أعجب بها ، فتزوجها وحملها إلى مدينة السلام . قال : وحج إسماعيل بن طريح ، فوقفت عليه أعرابية جميلة . قال : فقال لها : هل لك أن تزوجيني نفسك ؟ فقالت من غير توقف : بكى الحسب الزكي بعينٍ غزيرةٍ . . . من الحسب المنقوص أن يجمعا معا وانصرفت . قال العتبي : كنت كثير التزوج ، فمررت بامرأة فأعجبتني فأرسلت إليها : ألك زوج ؟ قالت : لا ، فصرت إليها ، فوصفت لها نفسي ، وعرفتها موضعي فقالت : حسبك قد عرفناك ، فقلت لها : زوجيني نفسك ، فقالت : نعم ولكن ههنا شئ تحتمله ، قلت : وما هو ؟ قالت : بياض في مفرق رأسي ، قال : فانصرفت ، فصاحت بي : ارجع ، فرجعت إليها فأسفرت عن رأسها فنظرت إلى وجه حسن ، وشعر أسود ، فقالت : إنا كرهنا منك ، عافاك الله ، ما كرهت منا ، وأنشدت : أرى شيب الرجال من الغواني . . . بموضع شيبهن من الرجال وعن عطاء بن مصعب قال : جاءت امرأة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالت : يا أمير المؤمنين لا أنا ولا زوجي ، فقال لها : وما لك من زوجك ؟ قالت : مر بإحضاره ، فأحضر ، فإذا رجل قذر الثياب قد طال شعر جسده وأنفه ورأسه ، فأمر عمر أن يؤخذ من شعره ، ويدخل الحمام ، ويكسى ثوبين أبيضين ، ثم يؤتى به ، ففعل ذلك ، ودعا المرأة فلما رأت الزوج قالت : الآن فقال لها عمر : اتقي الله ، وأطيعي زوجك ، قالت : افعل يا أمير المؤمنين . فلما ولت قال عمر : تصنعوا للنساء فأنهن يحببن منكم

ما تحبون منهن . ويقال : إن المرأة تحب أربعين سنة ، وتقوى على كتمان ذلك ، تبغض يوماً واحداً ، فيظهر ذلك بوجهها ولسانها ، والرجل يبغض أربعين سنة فيقوى على كتمان ذلك ، وإن أحب يوما واحداً شهدت جوارحه . ؟
نساء الخلفاء
قال علي بن محمد بن سليمان : أبي يقول : كان المنصور شرط بأم موسى الحميرية أن لا يتزوج عليها ، ولا يتسرى ، وكتبت عليه بذلك كتاباً أكدته ، وأشهدت عليه بذلك ، فبقي مدة عشر سنين في سلطانه يكتب إلى الفقيه بعد الفقيه من أهل الحجاز وأهل العراق ، وجهد أن يفتيه واحد منهم في التزويج ، وابتياع السراري ، فكانت أم موسى إذا علمت مكانه بادرته ، وأرسلت إليه بمال ، فإذا عرض عليه أبو جعفر الكتب ، لم يفته ، حتى ماتت بعد عشر سنين من سلطانه ببغداد ، فأتته وفاتها وهو بحلوان ، فأهديت إليه مائة بكر ، وكان المنصور أقطع أم موسى الضيعة المسماة بالرحبة ، فوقفتها قبل موتها على المولدات الإناث دون الذكور ، فهي وقف عليها إلى هذا الوقت . حدثنا يحيى بن الحسن عن محمد بن هشام قاضي مكة ، قال : كانت الخيزران لرجل من ثقيف ، فقالت لمولاها الثقفي : إني رأيت رؤيا ، قال : وما هي ؟ قالت : رأيت كأن القمر خرج من قبلي ، وكأن الشمس خرجت من دبري ، قال لها : لست من جواري مثلي ، أنت تلدين خليفتين . فقدم بها مكة ، فباعها في الرقيق فاشتريت ، وعرضت على المنصور فقال : من أين أنت ؟ قالت : المولد مكة والمنشأ بجرش . قال : فلك أحد ؟ قالت : ما لي أحد إلا الله ، وما ولدت أمي غيري ، قال : يا غلام اذهب بها إلى المهدي وقل له : تصلح للولد ، فأتى بها المهدي ، فوقعت منه كل موقع ، فلما ولدت موسى وهرون ، قالت : إن لي أهل بيت بجرش ، قال : ومن لك ؟ قالت : لي أختان اسمهما أسماء وسلسل ، ولي أم وأخوان ، فكتب فأتى بهم ، فتزوج جعفر بن المنصور سلسل ، فولدت منه زبيدة ، واسمها سكينة ، تزوجها الرشيد ، وبقيت أسماء بكراً ، فقال المهدي للخيزوان : قد ولدت رجلين ، وقد بايعت لهما ، وما أحب أن

تبقين أمة ، وأحب أن أعتقك ، وتخرجين إلى مكة ، وتقدمين فأتزوجك . قالت : الصواب رأيت ، فأعتقها وخرجت إلى مكة ، فتزوج المهدي أختها أسماء ، ومهرها ألف ألف درهم ، فلما أحس بقدوم الخيزران ، استقبلها فقالت : ما خبر أسماء ، وكم وهبت لها ؟ قال : من أسماء ؟ قالت : امرأتك ، قال : أما إذا علمت ، فقد مهرتها ألف ألف درهم ، ووهبت لها ألف ألف درهم ، ثم تزوج الخيزران . قال : كانت نخلة ، جارية الحسين الخلال ، قبل أن يتولى المتوكل الخلافة ، تقعد بين يديه وتغنيه ، فولدت للحسين ابناً ، فلما ولي المتوكل الخلافة ، طرقه ليلاً ، فقال له الحسين : زرتنا ، جعلت فداك ، قال : اشتهيت أن أسمع غناء نخلة . فأخرجها إليه مطمومة الشعر ، فقال : يا خلال أليس قد ولدت منك ابناً ؟ قال : بلى ، قال : فأنا أحب أن تعتقها . قال : فإنها حرة ، قال : فأشهد إني قد تزوجتها ، قومي يا نخلة . فاشتد ذلك على الحسين ، فعوضه منها خمسة عشر ألف دينار ، وحول إليه نخلة . قيل : ووصف للمتوكل ابنة لسليمان بن القاسم بن عيسى بن موسى الهادي ، وعدة من الهاشميات ، فحملن إليه ، وعرضن عليه ، فاختارها من بينهن ، وصرف البواقي ، ونزلت منه منزلة حتى ساوى بينها وبين قبيحة في المنزلة ؛ وكانت جارية لها لباقة وملاحة ، ووصفت له ريطة بنت العباس بن علي ، فحملت إليه ، فتزوجها ثم سألها أن تطم شعرها ، وتتشبه بالمماليك ، فأبت عليه ، فأعلمها إن لم تفعل فارقها . فاختارت الفرقة ، فطلقها ؛ ووصفت له عائشة بنت عمرو بن الفرج الرخجي ، فوجه في جوف الليل ، والسماء تهطل ، إلى عمر أن أحمل إلي عائشة ، فسأله أن يصفح عنها ، فإنها القيمة بأمره ، فأبى ، فانصرف عمر وهو يقول : اللهم قني شر عبدك جعفر ، ثم حملها بالليل فوطئها ، ثم ردها إلى منزل أبيها قال : وكان الهادي يشاور من أصحابه عبد العزيز بن موسى ، وعيسى ابن دأب ، والعزيزي ، وعبد الله بن مالك ، فخرج ذات يوم إليهم وهو مغضب ، كأنه جمل هائج ، منتفخ الأوداج ، منتقع اللون ، فأقبل حتى جلس في مجلسه ، وكان العزيزي أجرأهم عليه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إنا نرى بوجهك ما كدر علينا عيشنا ، وبغض الدنيا إلينا ، فإن رأى أمير المؤمنين أن يخبرنا بالسبب ، فإن كان عندنا حيلة أعلمناه بها ، وإن تكن مشورة أشرنا بها ، وإن أمكن احتمال الغم وقيناه بأنفسنا ، وحملنا الغم عنه . قال : فأطرق طويلاً ، والعزيزي

قائم ، فقال له : اجلس يا عزيزي ، فإني لم أر كصاحب الدنيا قط أكثر آفات ، وأعظم نائبة ، ولا أنغص عيشاً ، قال العزيزي : وما ذاك يا أمير المؤمنين ؟ قال : لبابة بنت جعفر بن أبي جعفر قد علمتم موقعها مني ، وأثرتها عندي ، كلمتني بإدلال فأغلظت ، فلم يكن لها عندي احتمال ، ولا عندها اقصار ، حتى وثبت عليه وضربتها ضرباً موجعاً . قال : وسكت ، فقال ابن دأب : يا أمير المؤمنين ، إنك والله لم تأت منكراً ، ولا بديعاً ، قد كان أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يؤدبون نساءهم ، ويضربونهن . هذا الزبير بن العوام ، حواري رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وابن عمته ، وثب على امرأته أسماء بنت أبي بكر ، وهي أفضل نساء أهل زمانها ، فضربها في شئ عتب عليها فيه ضرباً مبرحاً ، حتى كسر يدها ، وكان ذلك سبب فراقها ، وذلك أنها استغاثت بولدها عبد الله ، فجاء يخلصها من أبيه فقال : هي طالق إن حلت بيني وبينها ، ففعل وبانت منه ، وهذا كعب بن مالك الأنصاري ، عتب على امرأته ، وكانت من المهاجرات ، فضربها حتى حال بنوها بينه وبينها ، فقال : فلولا بنوها حولها لخبطتها . . . كخبطة فروجٍ ولم أتلعثم قال : فسري عن موسة الغضب وطابت نفسه ودعا بالطعام فأكلنا وأمر له بعشرة آلاف درهم وثلاثين ثوبا فتلهفت وتعجبت من انقطاعي عن الحديثين وهما في بالي وأنا أعلم بهما منه ؟ ؟ ؟ ؟
المطلقات
قيل : كانت أم الحجاج بن يوسف ، الفارغة بنت همام بن عروة بن مسعود ، وكانت عند المغيرة بن شعبة ، فرآها يوماً تتخلل بكرة ، فقال : أنت طالق ، والله لئن كان هذا من غذاء يومك لقد شرهت ، وإن كان من عشاء أمسك لقد انتنت . فقالت : لا يبعد الله غيرك ، والله ما هو إلا من السواك ، فخلف عليها بعده يوسف أبو الحجاج ، فأولدها الحجاج ، وفيها أشعار ، منها :

أهاجتك الظعائن يوم بانوا . . . بذي الزي الجميل من الأثاث ظعائن أسلكت نقب المنقى . . . تحث إذا ونت أي احتثاث كأن على الحدائج يوم بانوا . . . نعاجاً ترتعي بقل البراث تومل أن تلاقي أهل بصرى . . . فيالك من لقاء مستراث تهيجنا الحمام إذا تداعى . . . كما سجع النوائح بالمراثي وفي زينب أخت الحجاج ، يقول النميري : ولم تر عيني مثل سربٍ رأيته . . . خرجن من التنعيم معتمرات ولما رأت ركب النميري أعرضت . . . وكن من أن يلقينه حذرات تضوع مسكاً بطن نعمان إذ مشت . . . به زينبٌ في نسوةٍ عطرات مرزن بفخ ثم رحن عشيةً . . . يلبين للرحمن مؤتجرات دعت نسوةً شم العرانين بدناً . . . نواعم لا شعثاً ولا غبرات فأدنين لما قمن يحجبن دونها . . . حجاباً من القسي والحبرات أجل الذي فوق السموات عرشه . . . أوانس بالبطحاء معتجرات يخبين أطراف البنان من التقى . . . ويخرجن بالأسحار معتمرات قال عوانة عن محمد بن زياد عن شيخ من كندة : خرج الحارث بن سليل الأسدي زائراً لمعلقة بن حفصة الطائي ، فلما قدم عليه ، بصر بابنة له يقال لها الزباء ، وكانت من أجمل نساء أهل عصرها ، فأعجب بها فقال لأبيها : أتيتك زائراً ، وقد ينكح الخاطب ، ويكرم الطالب ، ويفلح الراعب ، فقال : أنت امرؤ كريم يقبل منك الصفو ، ويؤخذ منك العفو ، فأقم ننظر في أمرك ، ثم انكفأ إلى أهله فقال : إن الحارث بن سليل سيد قومه منصباً وحسباً وبيتاً فلا ينصرفن من عندنا إلا بحاجته ، فأريدي ابنتك عن نفسها ، فخلت بالزباء فقالت :

يا بنية أي الرجال أحب إليك ، الكحل الجحجاح ، الفاضل المناح ، أم الفتى الوضاح ، قالت : الزمور الطماح ، قالت : يا بنية إن الشيخ يميرك ، ولا يغيرك ، وليس الكهل الفاضل الكثير النائل ، كالحديث السن ، الكثير الظن ، قالت : يا أماه أخشى الشيخ أن يدنس ثيابي ، ويشمت بي أترابي ، ويبلي شبابي . قال : فلم تزل بها أمها حتى غلبتها على رأيها ، فتزوجها الحارث بن سليل على خمسين ومائة من الإبل وألف درهم وابتنى بها ثم رحل بها إلى قومه ، فبينما هو جالس ذات يوم ، وهي إلى جانبه ، إذ أقبل فتية من بني أسد نشاوى يتبخترون ، فلما نظرت إليهم تنفست الصعداء ، وبكت فقال : ما شأنك ؟ قالت : مالي وللشيوخ الناهضين كالفروخ ؟ قال : ثكلتك أمك ؛ تجوع الحرة ، ولا تأكل بثدييها ، فذهبت مثلاً . أما وأبيك ، لرب غارةٍ شهدتها ، وخيل وزعتها ، وسبية أردفتها ، وخمرة شربتها . الحقي بأهلك ، فأنت طالق . وقال : تهزأت أن رأتني لابساً كبراً . . . وغاية الناس بين الموت والكبر فإن يكن قد علا رأسي وغيره . . . صرف الزمان ، وتغييرٌ من الشعر فقد أروح للذات الفتى جذلاً . . . وقد أصيد بها أعيناً من البقر عني إليك فإني لا توافقني . . . غور الكلام ، ولا شربٌ على الكدر قال : وقال الحجاج لابن القرية : ما تقول في التزويج ؟ قال : وجدت أسعد الناس في الدنيا ، وأقرهم عيناً ، وأطيبهم عيشاً ، وأبقاهم سروراً ، وأرخاهم بالاً ، وأشبهم شباباً ، من رزقه الله زوجة مسلمة أمينة عفيفة حسنة لطيفة نظيفة مطيعة ، إن ائتمنها زوجها وجدها أمينة ، وإن قتر عليها وجدها قانعة ، وإن غاب عنها كانت له حافظة ، تجد زوجها أبداً ناعماً ، وجارها سالماً ، ومملوكها آمناً ، وصبيها طاهراً ، قد ستر حلمها جهلها ، وزين دينها عقلها ، فتلك كالريحانة والنخلة لمن يجتنبها ، وكاللؤلؤة التي لم تثقب ، والمسكة التي لم تفتق قوامه صوامة ضاحكة بسامة ، إن أيسرت شكرت ، وإن عسرت صبرت ، فأفلح وأنجح من رزقه الله مثل هذه ، وإنما مثل المرأة السوء كالحمل الثقيل على الشيخ الضعيف ، يجره في الأرض جراً ، فبعلها مشغول ، وجارها مقبول ، وصبيها مرذول ، وقطها مهزول . قال : يا بن القرية ، قم الآن

فاخطب لي هنداً بنت أسماء ، ولا تزد على ثلاث كلمات . فأتاهم ، فقال : جئت من عند من تعلمون ، والأمير يعطيكم ما تسألون ، أفتنكحون أم تدعون ؟ قالوا : أنكحنا وغنمنا . فرجع إلى الحجاج ، فقال : أصلح الله الأمير ، صلاح من رضي عمله ، ومد في الخيرات أجله ، وبلغ به أمله ، جمع الله شملك ، وأدام طولك ، وأقر عينك ، ووقاك حينك ، وأعلى كعبك ، وذلل صعبك ، وحسن حالك على الرفاء والبنين والبنات ، والتيسير والبركة ، وأسعد السعود وأيمن الجدود ، وجعلها الله ودوداً ولوداً ، وجمع بينكما على الخير والبركة ، فتزوجها الحجاج ، ثم إنه دخل ذات يوم عليها ، وهي تقول : وما هند إلا مهرةٌ عربيةٌ . . . سليلة أفراس تجللها بغل فإن نتجت مهراً كريماً فبالحرى . . . وإن يك أقرافٌ فما أنجب الفحل فخرج من عندها مغضباً ، ودعا ابن القرية ، فدفع إليه مائة ألف درهم وقال : أدخل إلى هند وطلقها عني ، ولا تزد على كلمتين ، وادفع إليها المال ، فحمل ابن القرية المال ، ودخل عليها فقال : إن الأمير يقول : كنت فبنت ، وهذه المائة ألف صداقك . فقالت : يا بن القرية ما سررت به إذ كان ، ولا جزعت عليه إذ بان ، وهذا المال بشارة لك لما جئتنا به ، فكان القول أشد على الحجاج من فراقها . وذكروا أن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه كانت عنده عاتكة بنت زيد ابن نفيل فأحبها حباً شديداً فأمره أبوه بفراقها وأن يطلقها تطليقة واحدة ، ففعل ثم ندم على فعله فقال : فلم أر مثلي طلق اليوم مثلها . . . ولا مثلها في غير جرمٍ تطلق لها خلقٌ سهلٌ وحسنٌ ومنصبٌ . . . وخلقٌ سويٌ ما يعاب ومنطق أعاتك قلبي كل يومٍ وليلةٍ . . . إليك بما تخفي القلوب معلق أعاتك ما أنساك ماذر شارقٌ . . . وما لاح نجمٌ في السماء محلق فسمع أبو بكر ذلك فرق له ، وأمره بمراجعتها . وعن علي بن دعبل قال : حدثني أبي قال : خرجت ومعي إعرابي ونبطي إلى موضع يقال له بطياثا من أمصار دجلة ،

متنزهين ، فأكلنا وشربنا ، فقال الأعرابي : قل بيت شعر فقلت : نلنا لذيذ العيش في بطياثا فقال الأعرابي : لما حثثنا أقدحاً ثلاثا فقال النبطي : وامرأتي طالقٌ ثلاثا وما زال يبكي حتى الصباح فقلت له : ما يبكيك ؟ فقال ذهبت امرأتي بقافية . قال إسحاق بن إبراهيم الموصلي : كنت أنا والحسين بن الضحاك يوماً عند المعتصم ، وحضرت قينة تعرض عليه ، فأعجب بها فقال للمدنيين : كيف ترونها ؟ فقال أحدهم : امرأته طالق أن كان رأى مثلها ، وقال آخر : امرأته طالق إن لم . . . . ، وسكت ، فقال المعتصم : إن لم . . . ، قال : لا شئ ، فضحك وقال له : ويحك ما دعاك إلى طلاق أهلك بلا سبب ، فقال : يا أمير المؤمنين كلنا قد طلق امرأته بلا سبب . ومما قيل في ذلك من الشعر : رحلت أمية بالطلاق . . . ونجوت من رق الوثاق بانت فلم يجزع لها . . . قلبي ولم تدمع مآقي لو لم أرح بفراقها . . . لأرحت نفسي بالإباق وخصيت نفسي لا أريد حليلةً حتى التلاقي وقال آخر : رأيت أثاثها فطمعت فيها . . . وقد نصبت لعيرك بالأثاث فطلقها وعد النفس عنها . . . سريعاً ، إن نفسك في التواث وإلا فالسلام عليك إني . . . سآخذ من غدٍ لك في المراثي

محاسن وفاء النساء
قال الكسروي : كتب بلاش بن فيروز إلى ملك الهند يخطب ابنته ، فلم ينعم له ، ورد رسوله خائباً ، فتجشم ، وسار إليه في خيله ورجله ، فلما اصطف الخيلان ، دعاه بلاش إلى المبارزة ، وقال : إنه عار على الملوك أن يوردوا جنودهم الهلاك ، ويفوزوا بأنفسهم . فبرز إليه ملك الهند ، فاختلفت بينهما ضربتان ، فمنعت بلاشاً حصانه درعه ، وضرب بلاش الهندي على عاتقه ، فقطع حبله ، حتى انتهى السيف إلى ثندؤته ، فخر ميتاً ، وانهزمت خيله ، فافتتح بلاش مدينته ، وأمر ثقاته ، فأحدقوا بقصر ابنة الملك ، فلما احتوى على أمواله ، بعث إلى ابنة الملك أن تأتيه ، فقالت للرسول ، وهي تبكي : قل للملك المزين بالحلم ، المحبب في رعيته ، السعيد بالظفر ، إنك قد ملكتني ، وصرت ممن يستحق عطفك ورأفتك ، فإن رأيت أن تطيب نفساً عن النظر إلي ، حتى ترجع إلى دار مملكتك فافعل . فانصرف الرسول إلى بلاش ، فأخبره ، فأجابها إلى ما سألت ، وسار وحملها حتى قدم دار المملكة ، فهيأ لها مقصورة مفردة عن سائر حرمه ، فأنزلها فيها ، وأمر لها بعتيق الديباج ، وفاخر الجوهر ، وإسفاط من الذهب ، والصلات والجوائز والأثاث ، ما لم يأمر لغيرها من نسائه واستأذنها في الدخول عليها ، فأذنت له ؛ فدخل عليها ، وأقام عندها سبعة أيام ولياليها وعجباً منه بها ، لا يحير إليها جواباً ، ولا يخف عن صدر مجلسها ؛ فخرج من عندها ، اليوم الثامن ، وقد وقع في قلبه ما أظهرت من خفة مجلسه عليها ، ولبثت أشهراً لا يدخل عليها ، فقالت يوماً لحاضنتها : ما أعجب أمر الملك بذل دمه في طلبي ، حتى إذا ظفر ، سلا عني . انطلقي حتى تسألي عن عدة نسائه ، وأيهن أكرم عليه ، وأتيني بعلم ذلك . فانطلقت حتى عرفت ذلك ، وانصرفت فقالت : إني وجدت له أربعمائة امرأة ما بين أمة وحرة ، وليس فيهن أكرم عليه من ابنه سائس من سواسه ، أعجبته ، فتزوج بها . فقالت : انطلقي إليها ، وأقرئيها مني السلام ، وأعلميها أني أريد مؤاخاتها ، والانقطاع إليها . فانطلقت الحاضنة إلى ابنة السائس ، فأبلغتها رسالة مولاتها ، فقالت لها : أقرئيها مني السلام ، وأعلميها أني قد أحببتها وأجبتها إلى ما سألت ، فتصير إلي . فانصرفت ، فأخبرتها بما قالت ؛ فتهيأت بأحسن هيئة

وأقبلت إليها ودخلت عليها فرفعت مجلسها واقبلت عليها فذكرت حبها لها ، ورغبتها في مواصلتها ، فردت عليها ابنة السائس أحسن الرد ، وأعلمتها سرورها بذلك ، ثم تحدثتا ساعة ؛ وانصرفت ، وجعلت الهندية تأتيها غباً ، وتظهر الأنس ؛ فلما أنست بها ، قالت لها : إنك قد استلبت قلب الملك ، وقهرت جميعنا بفضلك ، وليس لواحدة منا نصيب ، فأعلمينا الأمر فضلتنا به لنزداد سروراً بما أوتيت ، ومحبة لك ، والانقطاع إليك . قالت : إني لما عرفت ضعف نسبي ، وقلة جمالي ، علمت أنه لا يرجع الملك مني إلى شئ أحظى به عنده مثل المؤاتاة في الخلوة ، وأن أبسطه إذا هم بالحركة ، وأستميل قلبه باللطف وفضل الخدمة . فلما رآني على ذلك مستمرة ، ورأى من سائر نسائه أنفة الأكفاء ، وزهو الجمال ، وخيلاء الملك ، وعلمت أني إن أخذت ما أخذته ، مع خمول نسبي ، وقلة جمالي ، ودقة خطري ، لا يليق بي مثل الذي يليق بهن ، ففضلني على جميع نسائه بذلك . فلما سمعت ابنة الملك ذلك ، علمت أن قلوب الرجال لا تستمال إلا بالمؤاتاة ، وسرعة الإجابة في الباه عند المشغلة ؛ فعزمت أن تجعل ذلكً لاستعطاف قلب الملك . فانصرفت إلى قصرها ، وقالت لبعض جواريها : اذهبي إلى فلانة تعني ابنة السائس ، فإن رأيت الملك عندها فأعلميها أني عليلة من وجع عرض لي . فانطلقت الجارية ، فإذا الملك عندها ؛ فأخبرتها بذلك ، فرق الملك لها ، وذكر غربتها ، وقتله أباها ، فقال لابنة السائس : ما ترين في إتيانها ؟ فقالت : أيها الملك ؟ إنه ليس في نسائك من لها عندي مثل منزلتها فصر إليها ، فإنها غريبة قد فارقت أهلها ، وهي في موضع رحمة . فقام الملك ، حتى دخل عليها ، وانتهى إلى باب مجلسها ، فقامت إليه تمشي بأحسن هيئتها ، متكسرة في حليها ، وزينتها عبقةٌ بطيبها وعطرها ، فقبلت بين عينيه ، وأخذت بيده حتى أجلسته في صدر فراشها ، وجعلت تقبل يديه ورجليه ، ضاحكةً إليه مظهرةً السرور به . فجذبها إلى نفسه ودعاها إلى المضاجعة ، فأتته ؛ ولم يرد في الخلوة شيئاً إلا أجابته إليه ؛ فلما قضى حاجته نازعها إلى المحادثة ، فقال : أين ما ذكر رسولك من وجعك ؟ قالت : يا سيدي ، كنت متوجعة لفراقك حتى شفاني لقاؤك ، وقلت ذلك لما نالني من تباريح الشوق إليك وطول صدودك وسلوتك . ثم أخذ معها في المداعبة ، وأقام عندها سبعة أيام ، فبينما هما يتلاعبان ويتذاكران ويتعانقان ، إذ دخلت جارية لابنة السائس ، فحيت الملك بتحية الملوك ، ثم قالت

للهندية : إن سيدتي تعني ابنة السائس تقول : قد اجتمع فيك ثلاث خصال : الأولى الغدر بمعلمتك ، والثانية فضل تطاولك ، والثالثة كفران النعمة للمنعم ، وإني عن قريب رادتك من الملك إلى غصص الغيظ . فأفحمتها ، وهملت عيناها ، ونظرت إلى الملك كالمستغيثة به فقال لها الملك : يا حبيبتي ؟ ما تنكرين من أمتك ؟ قد وهبتها لك وجميع ما تملك . فتجلي عنها غمها ، فقالت لرسولتها : انطلقي فأعلميها إن الملك قد وهبها وما تملك لي ، وقولي لها : أرجعك فحش نفسك إلى لؤم حسبك ، وإهمال أدبك . ائتيني ، الساعة ، بصغار المذلة ، ورقة العبودية . فلما أبلغتها الرسول ذلك ، أقبلت فدخلت عليها فحيت الملك وقامت بين يديه ؛ فقالت لها الهندية : ما كان أعظم زهوك في رسالتك ؟ قالت : يا سيدتي ، أتأذنين لي في الكلام ؟ قالت : تكلمي ، قالت : أيتها السيدة ، لست متوجهة إليك بشيء هو أملك بك من حلمك ، ولا أعطف علي من فضلك ؛ ولم يظلم من رفع فوقي من هو أفضل مني ، وكل فرع يرجع إلى أصله ، وكل زهر ينسب إلى سنخه ، فقالت : صدقت ، فدعي عنك كلام الأدب ، فقد ملكتك على رغم أنفك ، وأما مزوجتك من فلان خادمي ، فليس لك فضل عليه . قالت : ابنة السائس : من اعتاد معالي الأمور ، لم تطب نفسه بأسافلها ، ومن صاحب العظماء ، أبت غريزته الأدنياء ؛ وإنما ترقبت عطفك ، ورجوت حسن نظرك ؛ فأما إذا عزمت على هذا ، فقد طاب الموت ، وما الذي استبقي منك ؟ ثم قالت : أيها الملك إن جذل المسرة منك لا يستقر ويقع موقعه إلا بعد المخالفة عندك . فاحترس من هذه الهندية ، فإنها لا تؤمن عليك ، لأنها ليست من جنسك فيعطفها عليك الرحم ، ولا من أهل مملكتك ، فتعرف تطولك عليها . وإنما هي شبيهة بموتورةٍ قد قتلت أباها ، وهدمت عزها ، فاحترس منها ، ولا يلهينك موقعها من قلبك ، فإنها متى احتالت في قتلك ، لم يكن في أيدينا من الظفر إلا قتلها ، كما كان من أمر الثعلب وعظيم الطير ، فقال الملك : وما كان من حديثهما ؟ قالت : يقال إن ثعلباً جاع في ليلة ، فرقي شجرة ليأكل منها ، فسال الوادي الذي فيه تلك الشجرة بسيل شديد ، فاقتلعها والثعلب عليها ، ثم رفعها ووضعها ، حتى ألقى الثعلب إلى أرض بعيدة من أرضه ؛ فأصبح ، وقد ألقاه السيل ، إلى سفح جبل كثير الأشجار ، مثمر الأغصان ، وعلى تلك الأشجار جنس من الطير لا يحصى عدداً ؛ فأقعى إلى شجرة قصياً ، مقشعراً ، لا يعرف أرضه ، ولا يقدر على

مؤالفة الدواب . فمر به عظيم الطير ، فقال له : ما أنت ؟ فقال : أنا دابة سال بي السيل ، فألقاني في جبلكم ، وقد أصبحت غريباً . فقال له عظيم الطير : فهل لك حرفة ؟ قال : نعم . أعرف الثمار إذا بلغت حد بلوغها ، وأصنع للطير أكنافاً في الأرض ، تكن فيها فراخها من الحر والبرد ، فقال له عظيم الطير : قد أدركت عندنا بغيتك ، فأقم عندنا نواسك ، ونعرف حتى مجاورتك . فأقام الثعلب عند ملك الطير ؛ فكان يعرفهم الثمار المدركة ، ويحفر لهن بمخاليبه قبوراً في الأرض يفرخن فيها ؛ وكان الثعلب ، إذا جن عليه الليل ، وقرم إلى اللحم ، أدخل يده في جحر من تلك الأحجرة ، فأخرج طيراً أو فراخاً ، فأكله ودفن ريشه ، وجعلت الطير تتفقد ما كان يأكل واحداً بعد واحد ، فقال بعضها لبعض : ما فقدنا أفاضلنا إلا منذ صارت هذه الدابة بين أظهرنا ، وكانت هذه الطير تطيل الغيبة ، وما تدري ما دهاها . فقال عظيمها : إن هذا حسدٌ منكن لهذه الدابة ، فلا تغفلن ما أصبحتن فيه من فضل المطعم ، وما فيه فراخكن من هذه الأكفان التي لا يخاف عليها برد فيها ولا حر : فقالت الطير : أنت سيدنا ، وأبصر بالأمور منا . قال : وعلي أن اقطع هذا القول ، وأبين حق ذلك من باطله بنفسي . فلما أظلم الليل نزل من الشجرة ، فدخل بعض تلك الأكفان وأقبل الثعلب على العادة التي اعتادها إلى ذلك الكن ، فأدخل يده ، فقبض على رأس الملك ، فقال الملك للثعلب : لقد نصحتني الطير لو قبلت نصحها . قال الثعلب : أنت هو ؟ قال : نعم ؛ قال : ما ظننت أن يبلغ من حمقك كل هذا ؟ قال ملك الطير : دعني أردك في منزلتك بحسب ما رأيت من فضل علمك ، ولطيف حيلتك . قال له الثعلب : إن أبوي أدباني أن لا أعلق أنيابي بشيء ، وأتركه إذ ليس من جهلك أن لا تتجزأ من الثمار ، ومن الأكفان ، بما كان آباؤك يكتفون به ؛ ولم ترضى حتى اختبرت أمري بنفسك ، ولم تجعل التعزير في ذلك بغيرك . ثم أكله ، ودفن ريشه ، وفقدت الطير عظيمها ، فاستوحشت ، وضربت وضربت الثعلب ضرباً بمخاليبها ومناقيرها حتى قتلته ، ولم يصلن في عظيم خطر ملكهن إلى أكثر من قتل الثعلب . فاحترس من هذه الهندية . قالت الهندية : إنما تقرعين المرأة بأربعة رجال : بأبيها وأخيها وولدها وبعلها ، وأفضل النساء المختارة بعلها على جميع أهلها ، والمؤثرة له على نفسها ، فكيف بمن ذهب أبوها وأخوها ، فبقي بعلها ؟ أفتحب أن تهلكه ؟ على أن مثلك ، في رداءة همتك ، وخبث نيتك ، مثل الغراب والحمامة . قال الملك :

وما كان من حديثهما ؟ قالت : زعموا أن غراباً ألف مطبخاً لبعض الملوك ، فأخذ من أطيب اللحمان التي قد صارت فيه شيئاً ، فظنوا أن الغراب أخذه لقلة وفائه ، ولؤم جوهره ، فطردوه عن مطبخهم ، وقالوا : ما نرجو من هذا الغراب ، وهو من الطيور التي تعاف ، ويتطير منها ؟ فأفشى ذلك الغراب أمره إلى حمامة قد كان بينهما معرفة ، وفزع إلى رأيها ، وأخبرها ما كان فيه من نعيم المأكل والمشرب . فقالت له الحمامة : انطلق بي حتى تريني هذا المطبخ . فانطلق حتى أتى سطح المطبخ ، فقالت الحمامة : إني أرى في هذا البيت ليس فيه موضع مدخل ، فاحفر لي بمنقارك قدر ما أدخل ، فإن منقاري يضعف عن ذلك . فحفر الغراب في سقف البيت بمنقاره ، حتى دخلت فيه الحمامة ، وتوسطت في البيت ، فأعجبهم حسن خلقها ، وصفاء لونها ، فجعل لها خازن المطبخ موضعاً تأوي إليه ، فلبثت في ذلك البيت قريرة عينٍ ، فناداها الغراب : ما هكذا قدرت فيك . فقالت الحمامة : لو وفيت لك ، حل بي غدرك ، وإن القوم عرفوا وفائي ، وحسن جواري ، وعرفوا غدرك ، وقلة وفائك ، ونكث عهدك . فهذا مثلي ومثلك ، يا ابنة السائس إني لو وفيت لك ، أرداني غدرك ، وقتلني مكرك . قالت ابنة السائس : أيتها السيدة إن الذي سمعت مني ، كان لشدة الأنفة ، فأردت أن أنفي عن نفسي الذي أردت من إنكاحي خادمك فلاناً . قالت الهندية : لابد من ذلك . فقالت ابنة السائس : من اعتاد معالي الأمور ، لم تطب نفسه بأسافلها ، الآن استعذبت الموت ، فعمدت إلى سم كان معها ، فقذفته في فيها ، فخرت ميتة ، ووفت الهندية لزوجها ، فأفلحا . ومنهن شيرين ، امرأة أبرويز ، فإن شيرويه بن أبرويز ، لما قتل أباه ، وتوطد له الملك ، بعث إلى شيرين يدعوها إلى نفسه ، فامتنعت عليه ، وأبت أن تجيبه إلى ذلك ، فغصبها ضياعها ، وعقارها ، وذخائرها ، وأموالها ، وقذفها بكل فاحشة ، ورماها بكل معضلة ، فلما بلغها ذلك ، هان عليها ما أخذه من أموالها ، مع ما رماها به ، فبعثت إليه ، وقالت : آيها الرجل إن لم يكن مما سألت بد ، فاقض لي ثلاث حوائج حتى أتابعك على ما تريد . فقال : وما هذه الحوائج ؟ قالت : إحداها أن ترد علي ضياعي وأموالي ، والثانية أن تصعد منبرك بمحضر من مرازبتك ، وأساورتك ، وعظماء أهل مملكتك ، وتتبرأ مما قذفتني به ، والثالثة أن أباك أودعني وديعة ، فتأمر أن يفتح لي باب الناموس . . . . . . . لها ومعها خاتم ، وفيه سم ساعة ، فنثرته في فيها ، وعانقت قبر زوجها ، فماتت .

و
ضده
، قيل : كان لكسرى أبرويز خال يقال له بسطام ، فخاف على كسرى ، وجمع جمعاً كثيراً ، وواقع أبرويز . فلما أعيت أبرويز الحيلة فيه ، دعا بكردي ، أخي بهرام جور ، ويقال أن كردياً كان غلاماً له ، رباه ، وبلغ منه مبلغ الرجال ، وكان من خاصته ، والناصحين له ، فقال له : قد ترى ما نزل بنا من هذا العدو بسطام ، وقد رأيت رأياً ، إن طابقتني عليه ، رجوت الظفر . قال كردي : وما ذاك ، أيها الملك ؟ أخبرني ، فما شئ يزيدك الله به عزاً ، ويزيد أعداءك به ذلاً ، إلا بادرت إليه بنصحٍ وصدقٍ ، لعظيم حقك ، ووجوب طاعتك . قال له كسرى : قد عرفت حال كردية ، أختك ، امرأة بسطام ، وجراءة قلبها ، وبسطام يأوي إليها كل ليلة ، إذا انصرف عن الحرب ، وأنا جاعل لها عهد الله ، وميثاقه ، وذمة أنبيائه ، إن هي أراحتني من بسطام ، واحتالت لي في قتله ، أن أتزوجها ، وأجعلها سيدة نسائي ، وأبلغ في إكرامها والسمو لها ، أفضل ما بلغ ملك بأمرته . قال كردي : يا أيها الملك ما أشك في قدرتها عليه ، فاكتب إليه بخطك بما رأيت ، لأوجهه في الكتاب إليها ، مع امرأتي أرجية ، فإن لها عقلاً ورفقاً وبصيرة . فكتب كسرى بخطه : بسم الله الرحمن الرحيم . هذا كتابٌ لكردية بنت بهرام جستاسب ، كتبه لها كسرى أبرويز بن هرمز ، إن لك عندي عهد الله ، وذمته ، وذمة أنبيائه ورسله ، إن أنت قتلت بسطام ، وأرحتني منه ، أن أتزوج بك ، وأجعلك سيدة نسائي ، وأبلغ من كرامتك ما لا يبلغ ملك من الملوك لأحد ، وأشهد الله على ذلك ، وكفى بالله شهيداً . وكتب كسرى بخطه ، وختمه بخاتمه يوم كذا من شهر كذا . فسارت أرجية ، حتى دخلت عسكر بسطام كهيئة الزائرة لكردية بالنظر إليها ، وكان بينهما قرابة ، فلما جلست وسكنت ، دفعت إليها كتاب كسرى ، وقالت لها : يا ابنة العم ، أجيبي الملك إلى ما سألك ، واغنمي بذلك الرجوع إلى وطنك . فرغبت لشدة شوقها إلى أهلها ، فأجابتها إلى ذلك . وانصرفت أرجية إلى عسكر كسرى ، وعرفت زوجها ما كان بينها وبين كردية ، فمضى كردي إلى كسرى فأعلمه . ثم أن بسطام دخل على كردية ، فأتته بعشاء ، فتناول منه ، ثم أتته بشراب فسقته ،

وجعلت تحدثه ، وتظهر له المحبة ، حتى مضى ثلث الليل ؛ فنام بسطام ، فلما استثقل نوماً ، قامت إليه كردية بسيفها ، فوضعته على ثندوءته ، ثم اتكأت فأخرجته من ظهره فمات ؛ وعمدت من ساعتها إلى داوبها ، فحملت جشمها وأثقالها على البغال ، وخرجت نحو عسكر كسرى ؛ وقد كانت وجهت مع أرجية إلى أخيها أن يجلس لها على الطريق ، فلما وافته ، سار معها حتى أدخلها على كسرى ، ففرح بذلك فرحاً شديداً . فلما أصبح أصحاب بسطام ، ورأوه قتيلاً ، ولوا هاربين على وجوههم ؛ فانصرف كسرى إلى المدائن ، فاتخذ لكردية تاجاً مكللاً بالدرر وصنوف الجوهر ، وأعد لها وليمة عظيمة دعا فيها جنوده ، فطعموا وشربوا ، ثم دعا كردياً أخاها ، فزوجه إياها ، ومهرها ، وأعطاها خاتماً ، فصه من الكبريت الأحمر ، يضئ في الليلة الظلماء كما يضئ السراج فلما دخل بها كسرى ، ونظر إلى جمالها وعقلها ، سر بها ، وأعطاها الأموال ، وأقطعها الضياع ، وأكرم أخاها كردياً ، وولاه أرض فارس ، وبلغ بها من رفعه إياها ، وتشريفه لها ، ما لم تبلغه امرأة قبلها ولا بعدها . ثم إن كردية قالت لكسرى : يا سيدي ، أخرج بنا إلى الميدان لألعب ، بين يديك ، بالكرة والصولجان . فخرج معها إلى الميدان ، وخرجت امرأته شيرين ، وخواص نسائه ، ودعا بخيل ، فأسرجت ، وركبت وركب هو ، وجعلت تلاعبه بالصوالج ، وتناولت السيف ، وركضت في الميدان ، ولعبت بالسيف لعباً معجباً ، ثم أخذت الرمح فلعبت به . فقالت شيرين : أيها الملك ما يؤمنك من هذه الشيطانة ؟ قال : هيهات إنها أعرف بحقنا ، وأشد حباً لنا من أن نخافها على أنفسنا . فلما نزلت ، قال كسرى : لنا في كل ربع من أرباع مملكتنا قائدٌ في اثني ألف رجل ؛ وفي قصري اثنا عشر ألف امرأة ، وقد جعلتك قائداً عليهن . قالت : يا سيدي ، ما للنساء والفروسية ؛ وإنما علينا أن نتزين لك ، ونتطيب ، ونسرك بأنفسنا ؛ وأردت ، بما كان مني ، سروري وتسليه همومك . فأمر كسرى بحمل طعامه وشرابه إلى منزلها ، وبقي عندها أسبوعاً ، لم يخرج إلى الناس ، ولم يأذن لأحدٍ بالدخول عليه ، ثم خرج من عندها إلى منزل شيرين ، فأتاه صياد بسمكة عظيمة ، فأعجب بها ، وأمر له بأربعة آلاف درهم . فقالت له شيرين : أمرت لصياد بأربعة آلاف درهم ، فإن أمرت بها برجل من الوجوه ، قال : إنما أمر لي بمثل ما أمر للصياد . فقال : كيف أصنع ، وقد أمرت له ؟ قالت : إذا أتاك ، فقل له : أخبرني عن السمكة ، أذكرٌ هي أم أنثى ؟ فإن قال : أنثى ، فقل : لا تقع عيني

عليك حتى تأتيني بالذكر . وإن قال : ذكر ، فقل مثل ذلك . فلما غدا الصياد على الملك ، قال له : أخبرني عن السمكة ، أذكرٌ هي أم أنثى ؟ قال : بل أنثى . قال : فاتني بذكرها فقال : عمر الله الملك ؟ إنها كانت بكراً لم تتزوج بعد . قال الملك : زه ، زه ، وأمر له بأربعة آلاف درهم ؛ وأمر أن يكتب في ديوان الحكمة : إن الغدر ومطاوعة النساء يورثان الغرم . وقال : وكان الموبذان إذا دخل على كسرى ، قال : عشت ، أيها الملك ، بسعادة الجد ، ورزفت على أعدائك الظفر ، وأعطيت الخير ، وجنبت طاعة النساء . فغاظ ذلك شيرين ، وكانت أجمل نساء عصرها ، وأتمهن عقلاً ، فقالت لكسرى : أيها الملك إن هذا الموبذان قد طعن في السن ، ولست مستغنياً عن رأيه ومشورته . وقد رأيت لحاجتك إليه أن أهب له مسكدانة ، جاريتي ؛ وقد عرفت عقلها وجمالها ، فإن رأيت أن تسأله قبولها ، فافعل . فكلم كسرى الموبذان في ذلك ، فهش للجارية لمعرفته بجمالها وفضلها ، فقال : قد قبلتها أيها الملك ، لا يثارها إياي بأفضل جواريها . فقالت شيرين لمسكدانة : إني أريد أن تأتي هذا الشيخ ، فتبدي له محاسنك ، وتجيدي خدمته ؛ فإذا هش لمضاجعتك ، فامتنعي عليه حتى توكفيه وتركبيه ، وتعلميني الوقت الذي يتهيأ لك ذلك حتى لا يعود أن يزيد في تحية الملك : ووقيت طاعة النساء فقالت مسكدانة : أفعل يا سيدتي . ثم انطلقت إلى الشيخ ، فصارت عنده في داره التي يحتلها من قصر الملك ؛ فجعلت تخدمه ، وتبره ، وتظهر له الكرامة ، وهي مع ذلك تبرز له محاسنها ، وتكشف له عن صدرها ونحرها ، وتبدي له ساقيها وفخذيها ، فارتاح الموبذان إليها وشرح صدره لمضاجعتها ، فجعلت تمتنع عليه ، فيزداد في ذلك حرصاً . فلما ألح عليها ، قالت له : أيها القاضي ما أنا بمجيبتك إلى ما سألت ، حتى أوكفك وأركبك ؛ فإن أجبتني إلى ذلك ، صرت طوع يدك فيما تريد وتدعو إليه من مسرتك . فامتنع عليها أياماً ، وبقيت تتزين له بزينتها ، وتكشف له عن محاسنها ، حتى عيل صبره ، فقال لها : افعلي ما أحببت . فهيأت له برذعة صغيرة ، وإكافاً صغيراً ، وحزاماً وثفراً ، وأقامته عرياناً على أربع ، ووضعت على ظهره البرذعة ، والأكاف ، وجعلت الثفر تحت خصيتيه ، وهي قائمة ، وركبته وهي تقول خر خر . وأرسلت إلى سيدتها شيرين تعلمها بذلك ، فقالت شيرين للملك : اصعد بنا إلى ظهر بيت الموبذان ، لننظر من الروزنة ما يكون بينه وبين الجارية فصعدا ،

ونظرا ، فإذا هي قد ركبته فوق الأكاف ، فناداه كسرى : ويحك أي شئ هذا ؟ فرفع الموبذان رأسه ، ونظر إلى الروزنة ، ورأى الملك فقال : هو ما كنت أقول لك في اجتناب طاعة النساء . فضحك كسرى وقال : قبحك الله من شيخ ، وقبح مستشيرك بعد هذا . حديث الزباء ومنهن الزباء ، واسمها هند ، وملكت الشام بعد عمها الصنور ، وكان جذيمة الأبرش قتل عمها ، فبعث إليها جذيمة يخطبها ، فأظهرت البشر والسرور لرسوله ، وكتبت إليه بالقدوم عليها لتزوجه نفسها ، فاستشار نصحاءه ، فقالوا : أيها الملك إن تزوجت بها ، جمعت ملك الشام ، وملك الجزيرة إلى ملكك . فاستخلف ابن أخيه عمرو بن عدي ، وسار في ألف فارس من خاصته ؛ فلما انتهى إلى مكان يسمى بقة ، وهو حد مملكتها ومملكته ، نزل في ذلك المكان ، واستشار أصحابه أيضاً في المصير إليها بالانصراف ، فزينوا له الإلمام بها وقالوا : إنك ، إن انصرفت من ههنا ، أنزله الناس منك على جبنٍ ووهن . فدنا منه مولى يقال له قصير بن سعد ، فقال له : أيها الملك ، لا تقبل محورة هؤلاء ، وانصرف إلى مملكتك حتى يتبين لك أمرها ، فإنها امرأة موتورة ، ومن شأن النساء الغدر . فلم يحفل بقوله ، ومضى حتى اقتحم مملكتها ، فقال قصير : ببقةٍ صرم الأمر ، ثم أرسلها مثلاً . فلما بلغ المرأة قدومه عليها ، أمرت جنودها ، فاستقبلوا الملك ؛ فقال قصير : أيها الملك إني رأيت جنودها لم يترجلوا لك ، كما يترجل للملوك ؛ ولست آمن عليك ، فاركب العصا ، وانج بنفسك والعصا كانت فرساً لجذيمة ، لا يشق غبارها ؛ فلم يعبأ جذيمة بقوله ، وسار حتى دخل المدينة ، وأمرت هند الزباء بأصجابه أن ينزلوا فأنزلوا ، وأخذت منهم أسلحتهم ودوابهم ؛ وأذنت لجذيمة ، فدخل عليها ، وهي في قصر لها ، ولم يكن معها في قصرها إلا الجواري ، فأومأت إليهن أن يأخذنه ؛ واجتمعن عليه ليكنفنه ، فامتنع عليهن ، فلم يزلن يضربنه بالأعمدة حتى أثخنه وكتفنه . ثم دعت بنطع ، فأجلسته فيه ، وكشفت عن عورتها ؛ فنظر جذيمة ، فإذا لها شعرة وافية . فقالت : كيف ترى عروسك ؟ أشوار عروس أم ماترى ؟ أرى بنظراً ناتئاً ، ونبتاً فاشياً ، ولا أعلم ما وراء ذلك ؟ قالت : أما وإنه ليس من عدم المواسي أو لقلة الأواسي ، ولكنه شمةٌ من أناسي . ثم أمرت به ، فقطعت عروقه ، فجعلت دماؤه تشخب في النطع ، فقالت : لا يحزنك ما ترى . فإنه دم هراقه أهله ، فأرسلتها مثلاً . واحتال قصير للعصا حتى

وصل إليها وركبها ، ثم دفعها ، فجعلت تهوي به كأنها الريح . وكان المكان الذي قصد فيه جذيمة مشرفاً على الطريق ، فنظر جذيمة إليه وقد دفع الفرس ، فقال : لله حزم على رأس العصا ، فلم تزل دماؤه تشخب حتى مات . ثم أمرت بأصحابه ، فقتلوا بأجمعهم . وكان عمرو بن عدي يركب كل يوم من الحيرة ، فياتي طريق الشام ، يتجسس عن خبره وحاله ، فلم يبلغه أحد خبره . فبينا هو ذات يوم في ذلك ، إذ نظر إلى فرس مقبل على الطريق ، فلما دنا منه ، عرف الفرس ، وقال : يا خير ما جاءت به العصا ، فذهبت مثلاً ، فلما دنا منه قصير ، قال له : ما وراءك ؟ قال : قتل خالك وجنوده جميعاً ، فاطلب بثأرك . قال : وكيف لي بها ، وهي أمنع من عقاب الجو ؟ فذهبت مثلاً . ثم إن قصيراً أمر بأنف نفسه فجدع ، ثم ركب وسار نحو الزباء ، فاستأذن عليها ، فقيل لها : إن مولى لجذيمة وقهرمانة وأكرم الناس عليه قد أتاك مجدوعاً . فأذنت له ، فدخل عليها . قالت : من صنع بك هذا ؟ قال : أيتها الملكة هذا فعل عمرو بن عدي ، اتهمني وتجنى علي الذنوب ، وزعم إني أشرت على خاله بالمصير إليك ، حتى فعل بي ما ترين ، ولم آمنه أن يقتلني ، فخرجت هارباً إليك ، وقد أتيتك لأكون معك ، وفي خدمتك ؛ ولي جداء ، وعندي غناء . قالت : نعم أقم ، فعندي لك ما تحب ، وولته نفقتها ، فخف لها ، ورأت منه الرشاقة فيما أسندته إليه ، فأقام عندها حولاً ، ثم قال لها : أيتها الملكة إنه لي بالعراق مالاً كثيراً ، فإذا أذنت لي في الخروج لحمله ، فافعلي . فدفعت إليه مالاً كثيراً ، وأمرته أن يشتري له ثياباً من الخز والوشي ولآلئ وياقوتاً ومسكاً وعنبراً وألنجوجاً . فانطلق حتى أتى عمراً فأخبره ، فأخذ منه ضعفي مالها ، وانصرف نحوها ، فاسترخصت ما جاء به ، وردته الثانية والثالثة ، فكان يأخذ في كل مرة مثل أضعاف مالها ، فيشتري لها جميع ما تريد ، فتسترخصه . ووقع قصير بقلبها ، فاستخلفته ، ثم بعثته في الدفعة الرابعة بمال عظيم ، وأمرته أن يشتري أثاثاً ومتاعاً وفرشاً وآنية ، فانطلق إلى عمرو ، فقال : قد قضيت ما علي ، وبقي ما عليك ، فقال : وما الذي تريد ؟ قال : أخرج معي في ألفي فارس من خدمك ، وكونوا في أجواف الجواليق ، على كل بعير رجلان . فانتخب عمرو ألفي فارس من أصحابه ، فخرج ، وخرجوا معه في الجواليق ، كل رجل بسيف ، وكان يسير النهار ، فإذا أمسى الليل ، فتح الجواليق ليخرجوا ويطعموا ويشربوا ويقضوا حوائجهم ، حتى إذا كان بينه وبين مدينتها مقدار ميل ، تقدم

قصير حتى دخل عليها ، وقال : أيتها الملكة اصعدي على القصر لتنظري ما أتيتك به ، فصعدت فنظرت إلى ثقل الأحمال على الجمال ، فقالت : ما للجمال مشيها وئيدا . . . أجندلاً يحملن أم حديدا أم صرفاناً بارداً شديدا فأجابها قصير سراً : بل الرجال جثما قعودا . فقال : لما عليها من المتاع الثقيل النفيس . فأمرت بالأحمال ، فأدخلت قصرها ، وكان وقت المساء ، فقالت : إذا كان غداً نظرنا إلى ما أتيتنا به . فلما جن عليهم الليل ، فتحوا الجواليق ، وخرجوا ، فقتلوا جميع من في القصر . وكان لها سربٌ قد أعدته للفزع والهرب ، إن حل بها روع ، تخرج إلى الصحراء ؛ وقد كان قصير عرف ذلك المكان ، ووصفه لعمرو ، فبادر عمرو إلى السرب ، فاستقبلته الزباء ، فولت هاربة نحو السرب ، فاستقبلها بالسيف ، فمصت فصها ، وكان مسموماً ، وقالت : بيدي لا بيديك يا عمرو ، ولا بيدي العبد ، فقال عمرو : يده ويدي سواء ، وفي كليهما شفاء ، وضربها بسيفه حتى قتلها ؛ وأقبل قصير حتى وقف عليها ، فجعل يدخل سيفه في فرجها ويقول : ولو رأوني وسيفي يوم أدخله . . . في جوف زباء ماتوا كلهم فرحا وغنم عمرو وأصحابه من مدينتها أموالاً جليلة ، وانصرفوا إلى الحيرة ، فكان الملك ، بعد خاله جذيمة ، وعمرو هذا هو جد النعمان بن المنذر بن عمرو بن عدي ؛ ومنهن صاحبة الجعد بن الحسين أبي صخر بن الجعد ، وكان جعد قد طعن في السن ، وكان يكنى أبا الصموت ، وكانت له وليدة سوداء ، فقالت : يا أبا الصموت زعم بنوك أن يقتلوني إذا أنت مت ، قال : ولم ذاك ؟ قالت : ما لي إليهم ذنب غير حبك ، فأعتقني ، فأعتقها ، فبقيت يسيراً ، ثم قالت : يا أبا الصموت هذا عرابة من أهل عدن يخطبني قال : ما كان هذا ظني بك ، قالت : إنما أريد ماله لك ، فقال : ائتيني به ، فجاءت به ، فزوجها منه ، فولدت منه ، وقربته من مال

جعد ، وكانت تأتي الجعد ، فتخضب رأسه ، ثم قطعته ، فقال الجعد : أبلغ لديك بني عمرٍ مغلغلةً . . . عوفاً وعمراً ، فما قولي بمردود بأن بيتي أمسى فوق داهيةٍ . . . سوداء قد وعدتني شر موعود تعطى عرابة بالكفين مختضباً . . . من الخلوق ، وتعطيني على العود أمسى عرابة ذا مالٍ وذا ولدٍ . . . من مال جعدٍ ، وجعدٌ غير محمود ومنهن امرأة مروان بن الحكم ، وكانت أم خالد بن يزيد بن معاوية وهي ابنة هشام بن عتبة ، فأراد مروان الخروج إلى مصر ، فقال لخالد : أعرني سلاحك ، فأعاره ، فلما رجع ، قال له خالد : رد علي سلاحي ، فأبى عليه . وكان مروان فحاشاً ، فقال له : يا بن الربوخ الرطبة ، فجاء خالد إلى أمه ، فقال : هذا ما صنعت بي . سبني على رؤوس الملأ ، وقال لي كيت وكيت ، قالت : اسكت ، فإني أكفيك أمره . فجاء مروان ، فرقد عندها ، فأمرت جواريها ، فطرحن عليه الشوادكين يعني الملاحف ، ثم غططنه حتى قتلنه ، وخرجن يصحن : وا أمير المؤمنيناه فدعا عبد الله بامرأة أبيه ليقتلها ، فقالت : إن الذي يبقى عليك من العار أعظم من قتل أبيك ؛ قال : وما ذاك ؟ قالت : يقول الناس : إن أباك قتلته امرأة ، فأمسك عنها .
محاسن مكر النساء
ذكروا أن الحجاج بن يوسف أرق ، ذات ليلة ، فبعث إلى ابن القرية ، فقال : أرقت ، فحدثني حديثاً يقصر على طول ليلي ، ولكن من مكر النساء وفعالهن . فقال : أصلح الله الأمير ذكروا أن رجلاً يقال له عمرو بن عامر من أهل البصرة ، كان معروفاً بالنسك والسخاء . وكانت له زوجة يقال لها جميلة ، وله صديق من النساك . فاستودعه عمرو ألف دينار ، وقال : إن حدثت بي حادثة ، ورأيت أهلي محتاجين ، فأعطهم هذا المال . فعاش ما عاش ، ثم دعي فأجاب ، فمكثت جميلة بعده حيناً ، ثم ساءت حالها ، وأمرت خادمتها يوماً

ببيغ خاتمها لغداء يوم أو عشاء ليلة . فبينا الخادمة تعرض الخاتم على البيع ، إذ لقيها الناسك صديق عمرو ، فقال : فلانة ؟ قالت : نعم . قال : حاجتك ؟ فأخبرته بسوء الحال ، وما اضطرت إليه مولاتها من بيع خاتمها ، فهملت عيناه دموعاً ، ثم قال : إن لعمرو قبلي ألف دينار ، فأعلمي بذلك صاحبتك . فأقبلت الجارية ضاحكة مستبشرة ، وهي تقول : رزق حلال عاجل من كد مولاي الكريم الفاضل . فلما سمعت مولاتها ذلك ، سألتها عن القصة ، فأخبرتها ، فخرت ساجدة ، وحمدت ربها ، وبعثت بالجارية إلى الناسك ، فأقبل الناسك ومعه المال ، فلما دخل الدار ، كره أن يدفع المال إلى أحد سواها ؛ فخرجت ، فلما نظر إلى جمالها وكمالها ، أخذت مجامع قلبه ، وفارقه النهى ، وذهب عنه الحياء ، وأنشأ يقول : قد سلبت الجسم والقلب معاً . . . وبريت العظم مما تلحظين فارددي قلب عميدٍ واقبلي . . . صلة الضعفين مما ترتجين فأطرقت جميلة لقوله طويلاً ، ثم قالت : ويحك ، ألست المعروف بالنسك المنسوب إلى الورع ؟ قال : بلى . ولكن نور وجهك سل جسمي ، فتداركيني بكلمة تقيمين لها أودي . فهذا مقام اللائذ بك قالت : أيها المرائي المخادع أخرج عني مذموماً مدحوراً . فخرج عنها ، وقد هام قلبه ، وأضحت جميلة تعمل الحيلة في استخراج حقها ، فأتت الملك ترفع إليه ظلامتها ، فلم تصل إليه ، فأتت الحاجب ، فشكت إليه ، فأعجب بها إعجاباً شديداً ، وقالت : إن لوجهك صورة أدفعها عن هذا ، ولا يجعل بمثلك الخصومة فهل لك في ضعفي مالك في ستر ورفق ؟ فقالت : سوءة لامرأة حرة تميل إلى ريبة . فانصرفت إلى صاحب الشرطة ، فأنهت ظلامتها إليه ، فأعجب بها وقال : إن حجتك على الناسك لا تقبل إلا بشاهدين عدلين ، وأنا مشترٍ خصومتك ، إن أنت نزلت عند مسرتي . فانصرفت عنه إلى القاضي ، فشكت إليه ، فأخذت بقلبه ، وكاد القاضي يجن إعجاباً بها ، وقال : يا قرة العين إنه لا يزهد في أمثالك ، فهل لك في مواصلتي وغناء الدهر ؟ فانصرفت ، وباتت تحتال في استخراج حقها ، فبعثت الجارية إلى نجار ، فعمل لها تابوتاً بثلاثة أبواب ، كل منها مفرد ؛ ثم بعثت الجارية إلى الحاجب أن يأتيها إذا أصبح ، وإلى صاحب الشرطة أن يأتيها ضحوة ، وإلى القاضي أن يأتيها إذا تعالى النهار ، وإلى

الناسك أن يأتيها إذا انتصف النهار . فأتاها الحاجب ، فأقبلت عليه تحدثه ، فما فرغت من حديثها حتى قالت لها الجارية : صاحب الشرطة بالباب ، فقالت للحاجب : ليس في البيت ملجأ إلا هذا التابوت ، فأدخل أي بيت شئت منه . فدخل الحاجب بيتاً من التابوت فأقفلت عليه . ودخل صاحب الشرطة ، فأقبلت جميلة عليه تضاحكه وتلاطفه ، فما كان بأسرع من أن قالت الجارية : القاضي بالباب ؛ فقال صاحب الشرطة : أين أختبئ ؟ فقالت : لا ملجأ إلا هذا التابوت ، وفيه بيتان ، فادخل أيهما شئت ، فدخل ، فأقفلت عليه ، فلما دخل القاضي ، قالت : مرحباً وأهلاً ، وأقبلت عليه بالترحيب والتلطيف . فبينا هي كذلك ، إذ قالت الجارية : الناسك بالباب ، فقال القاضي : ماذا ترين في رده ؟ فقالت : مالي إلى رده سبيل . قال : فكيف الحيلة ؟ قالت : إني مدخلتك هذا التابوت ، ومخاصمته ، فاشهد لي بما تسمع ، واحكم بيني وبينه بالحق . قال : نعم ، فدخل البيت الثالث ، فأقفلت عليه . ودخل الناسك ، فقالت له : مرحباً بالزائر الجاني ، كيف بدا لك في زيارتنا ؟ قال : شوقاً إلى رؤيتك ، وحنيناً إلى قربك . قالت : فالمال ، ما تقول فيه : أشهد الله على نفسك برده ، اتبع رأيك . . . قال : اللهم إنني أشهدك الله لجميلة عندي ألف دينار وديعة زوجها . فلما سمعت ذلك هتفت بجاريتها ، وخرجت مبادرة نحو باب الملك ، فأنهت ظلامتها إليه ، فأرسل الملك إلى الحاجب ، وصاحب الشرطة ، والقاضي ، فلم يقدر على واحد منهم ؛ فقعد لها ، وسألها البينة ، فقالت : يشهد تابوت عندي فضحك الملك وقال : يحتمل ذلك لجمالك . فبعث بالعجلة فوضع التابوت فيها ، وحمل إلى بين يدي الملك ، فقامت وضربت بيدها إلى التابوت وقالت : أعطي الله عهداً لتنطقن بالحق ، وتشهدن بما سمعت ، أو لأضرمنك ناراً ، فإذا ثلاثة أصوات من جوف التابوت تشهد على إقرار الناسك لجميلة بألف دينار . فكبر ذلك على الملك ، فقالت جميلة : لم أجد في المملكة قوماً أوفى ولا أقوم بالحق من هؤلاء الثلاثة فأشهدتهم على غريمي ، ثم فتحت التابوت وأخرجت ثلاثة النفر ، وسألها الملك عن قصتها فأخبرته ، وأخذت حقها من الناسك ، فقال : الحجاج : لله درها ما أحسن ما احتالت لاستخراج حقها . قال : وكان يعقوب بن يحيى المدائني ، ويحيى الكاتب ، كاتب سهل بن رستم ، يتحدثان إلى مهدية ، جارية سليمان بن الساحر ، فقال يعقوب يوماً ليحيى : أنا أشتهي أن أرى بطن مهدية ، فقال يحيى : ما تجعل لي إن أنا احتلت لك بحيلة حتى تراه ؟ قال : ما شئت قال : برذونك هذا ،

قال : نعم . قال : فتوثق منه ، وأتى مهدية فقال لها : كان لي برذون موافق فاره فنفق ، وأنت لو شئت لحملتني على برذون فاره ، قالت : أنا أفعل وأشتريه لك بما بلغ الثمن ، قال : أنت قادرة عليه بغير الثمن ، قالت : كيف ذلك ؟ فأخبرها بالقصة فقالت : قد حملك الله على البرذون ، أربحك النظر إلى بطن حسن ، فإذا كان غداً فتعال أنت ويعقوب فاجلسا ، فإن سليمان يعبث بوصيفته فلانة كثيراً ، فإذا فعل ذلك وجئت أنا ، فقل : أنت يا مهدية لو علمت ما صنع فلان لقتلته ، قال : نعم ، فلما جاءت مهدية ، قال لها : إن أمر سليمان مع وصيفته أشنع مما تقدرينه ، فوثبت مستشيطة غضباً وقالت : مثلك يا بن الساحر يفعل هذا مرة بعد أخرى ، وشقت جيبها إلى أن جاوزت أسفل البطن وهي قائمة ، فنظر إلى بطنها فتأملناها ساعة وهي تشتم ابن الساحر ، فقام إليها يترضاها ويسكنها ، ويعقوب يقول : وابرذوناه فأخذه منه يحيى . وعن المساور قال : كان عندنا بالأهواز رجل متأهل ، وكانت له أرض بالبصرة ، وكان في السنة يأتيها مرة أو مرتين ، فتزوج بها امرأة ليس لها إلا عم في الدار ؛ وكان يكثر الانحدار بعد ذلك إلى البصرة ، فأنكرت الأهوازية حاله فدست من يعرف خبره ، ثم احتالت وبعثت من أورد خطاً لعم المرأة البصرية ، وسألت من كتب كتاباً من عم البصرية إلى زوجها على خطه بأن ابنة أخيه توفيت ، ويسأله القدوم لأخذ ما خلفت ، ودست الكتاب مع إنسان شبيه بالملاح . فلما أتى بالكتاب خرج إليه فدفع الكتاب ، ولم يشك أن امرأته البصرية ماتت ، فقال لامرأته : اجعلي لي سفرة ، قالت : ولم ؟ قال : أريد الخروج إلى البصرة ، قالت : وكم هذه البصرة ؟ قد رابني أمرك ، وما أشك أن هنالك لك امرأة ، فأنكر ذلك ، فقالت : إن كنت صادقاً فاحلف بطلاق كل امرأة لك غيري ، فقال في نفسه : تلك قد ماتت ، وليس علي أن أحلف بطلاقها فأرضي هذه ، فحلف لها بطلاق كل امرأة له سوى الأهوازية ، فقالت الأهوازية : يا جارية هات السفرة ، فقد أغناه الله عن الخروج ، قال : وما ذلك ؟ قالت : قد طلقت الفاسقة ، وقصت عليه القصة ، فعرف مكرها ، وأقام .

مساوئ مكر النساء
وذكروا أن لقمان بن عاد صاحب لبد ، خرج يجول في قبائل العرب ، فنزل بحي من العماليق ، فبينا هو كذلك إذ ظعن القوم ، فظعن معهم ، فسمع بامرأة تقول لزوجها : فلان لو حملت سفطي هذا وحتى تجاوز به الثنية ، فإن فيه من متاع النساء ما لابد لهن منه ، ولعل البعير يقع فيتكسر وذلك من لقمان بمنظر ومسمع ، فقال : أفعل . فاحتمله على عاتقه ، فلما انحدر ، وجد بللاً في صدره فشمه ، فإذا هو ريح بول قد جاء من السفط الذي على رأسه ففتح السفط فإذا هو بغلام قد خرج منه يعدو ، فلما نظر لقمان قال : يا إحدى بنات طبق ، وبنات الطبق أن أن تأتي الحية السلحفاة ، فتلتوي عليها ، فتبيض بيضة واحدة ، فتخرج منها حية شبراً أو نحوه ، لا تضرب شيئاً إلا أهلكته - فتبعه لقمان حتى لحقه ، فجاء به يحمله ، واجتمع الناس إليه ، وقالوا : يا لقمان أحكم فيما ترى ، فقال : ردوا الغلام في السفط يكون له مثوى حتى يرى ويعلم أن العقاب فيما أتى وتحمله المرأة بفعلها ، حملوها ما حملت زوجها ، ثم شدوا عليها ، فإن ذلك جزاء مثلها . فعمدوا إلى الغلاء ، فشدوه في السفط ، ثم شدوه في عنق المرأة ، ثم تركوهما حتى ماتا . ثم فارقهم لقمان ، فأتى قبيلة أخرى فنزل بهم ، فبينا هو كذلك ، إذ بصر بامرأة قد قامت عن بنات لها ، فسألت إحداهن : أين تذهبين ؟ قالت : إلى الخلاء ، ثم خرجت إلى بيوت الحي فعارضها رجل فمضيا جميعاً ، ولقمان ينظر ، فوقع الرجل عليها ، وقضى حاجته منها ، فقالت المرأة : هل لك أن أتماوت على أهلي ، فإنما هو ثلاثة أيام أكون في رجمي ، ثم تجئ : فتستخرجني فنتمتع ، فقال الرجل : افعلي ؛ وكان اسمه الخلي ، وزوج المرأة اسمه الشجي فقال لقمان : ويل للشجي من الخلي فذهبت مثلاً ، فلم تلبث المرأة إلا أياما حتى تماوتت على أهلها ، وكان الميت منهم إذا مات تجعل فوقه الحجارة ولم تكن إذ ذاك قبور ، فلما كان اليوم الثالث ، جاءها خليلها فأخرجها ، وانطلق بها إلى منزله ، وتحول الحي من ذلك المكان ، وخافت المرأة أن تعرف فجزت شعرها ، وتركت لنفسها جمة ، فبينا هم كذلك ، إذ خرج بنات المرأة فإذا هن بامرأة جالسة ذات جمة ، فقالت الصغرى : أمي والله ، قالت الوسطى : صدقت والله ، قالت المرأة :

كذبتما ما أنا لكما بأم ، قالت الكبرى : صدقت والله لقد دفنا أمنا غير ذات جمة ، ما كان لأمنا إلا لمة قالت الصغرى : هبك أنكرت أعلاها ، أما تعرفين أخراها فتعلقت به ، فقالت : صغراهن مراهن ، فذهبت مثلاً . واجتمع الناس ، وجاء زوج المرأة ، فارتفعوا إلى لقمان فقالوا : أحكم بيننا ، فقال لقمان : عند جهينة الخبر اليقين فذهبت مثلاً . وكان يلقب بجهينة ، فقال لقمان للمرأة : أخبرك أم تخبريني ؟ قالت : بل قل ، قال : إنك قلت لهذا إني متماوتة على أهلي ، فإذا دفنوني في رجمي ، جئت فاستخرجتني ، وأتنكر لهم فلا يعرفونني ، فنتنعم ما بقينا ، فاعترفت المرأة فقيل للقمان : أحكم بيننا ، قال : ارجموها كما رجمت نفسها ، فحفر لها حفرة وألقوها ، فيها ورجموها ، وكانت أول مرجومة في العرب ، ثم إن زوجها تعلق بالخلي فقال : يا لقمان هذا فراق بيني وبين أهلي ، فقال لقمان : لكل ذكر أنثى ، ولكل أول آخر ، فرق بينك وبين أنثاك ، ونفرق بين ذكره وبين أنثييه ، فقطع ذكره ، فمات .
محاسن الغيرة
روي أنه إذا أغير الرجل في أهله ، أو في بعض مناكحه ، أو مملوكته فلم يغر ، بعث الله ، جل اسمه ، إليه طيراً يقال له : القرقفنة حتى يسقط على عارضة بابه ، ثم يمهله أربعين صباحاً يهتف به : إن الله غيور يحب كل غيور ، فإن هو تغير وأنكر ذلك ، وإلا طار حتى يسقط على رأسه ، فيخفق بجناحيه على عينيه ، ثم يطير عنه فينزع الله منه روح الإيمان ، وتسميه الملائكة : الديوث . وقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : باعدوا بين أنفاس الرجال والنساء فإن كانت المعاينة واللقاء كان الداء الذي لا دواء له . وروي أن امرأة ذات عقل ورأي حملت من فاجر ، فقيل لها في ذلك ، فقالت : قرب الوساد وطول السهاد ، تريد قرب مضجعه منها وطول مسارته إياها . وقال ( صلى الله عليه وسلم ) : ' النساء حبائل الشيطان ' ، وقال سعيد بن مسلم : لأن يرى حرمتي آلف رجل على حال تكشف وهي لا تراهم ، أحب إلي من

أن ترى حرمتي رجلاً مواجهة وقيل لعقيل بن علفة : ألا تزوج بناتك ؟ فقال : أجيعهن فلا يأشرن ، وأعريهن فلا يظهرن ، فوافق إحدى كلمتيه قول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' الصوم وجاء السيئة ' ، والأخرى قول عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه : استعينوا عليهن بالعري . وغاية أموال الرجال وكسبهم وهمهم وما يملكون ، إنما هو مصروف إلى النساء ، فلو لم يكن إلا ما يعد لهن من الطيب والحلى ، والكساء والفرش والآنية ، كان في ذلك ما كفى ، ولو لم يكن إلا الاهتمام بالحفظ والحراسة وخوف العار من خيانتهن ، والجناية عليهن ، لكان في ذلك المئونة العظيمة ، والمشقة الشديدة ، غير أن أولى الأشياء بالرجال حفظهن وحراستهن ، فليس شئ لهن أصلح من مباعدتهن عن الرجال ، وقمعهن بالعري والجوع ، ومن حق الملوك أن لا يرفع أحد من خاصتها وبطانتها ، رأسه إلى حرمة لها ، صغرت أم كبرت ، فكم من فيل وطئ هامة عظيم ، وبطنه حتى بدت أمعاؤه ؟ وكم من شريف وعزيز قوم ، قد مزقته السباع ونهشته ؟ وكم من جارية كريمة على قومها عزيزة في أهلها ، وقد أكلها حيتان البحر وطير الماء ؟ وكم من جمجمة كانت تصان ، وتعل بالمسك والبان قد ألقيت بالعراء ، وغيبت جثتها في الثرى ، بسبب الحرم والخدم والغلمان ، ولم يأت الشيطان أحداً قط من باب حتى يراه بحيث أن من يهوى مستقيم اللحم والأعضاء ، وهو أبلغ من مكيدته ، وأخرى أن يرى فيه أمنية من هذا الباب إذ كان من ألطف مكايده ، وأدق وساوسه ، وأجل تزايينه . وقيل لابنة الخس : لم زنيت بعبدك ولم تزن بحر ؟ قالت : طول السهاد وقرب الوساد . وقيل : لو أن أقبح الناس وجهاً ، وأنتنهم رائحة ، وأظهرهم فقراً ، وأوسطهم نفساً ، وأوضعهم حسباً قال لامرأة تمكن من كلامها ، ومكنته من سمعها : والله يا مولاتي قد اسهرت ليلي ، وأرقت عيني ، وشغلتني عن مهم أمري ، فما أعقل أهلاً ولا ولداً ، ولو كانت أبرع الناس جمالاً ، وأكملهم كمالاً ، وأملحهم ملاحة ، وإن كانت عينه تدمع بذلك ، ثم كانت تكون مثل أم الدرداء ، أو معاذة العدوية ، أو رابعة القيسية لمالت إليه وأحبته . ومنها قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : اضربوهن بالعري ، فإن النساء يخرجن إلى الأعراس ، ويقمن في المناحات ، ويظهرن في الأعياد ، ومتى كثر خروجهن لم يعد بد أن يرين من هو شكلهن ، ولو كان بعلهن أتم حسناً ، وأحسن وجهاً ، والذي رأت أنقص حسنا ، ولكان ما لا تملكه أظرف عندها مما

تملكه ، ولكان ما لم تملكه أو تستكثر منه أشد لها اشتغالاً واجتذاباً . قال الشاعر : وللعين ملهى بالنساء ولم يقد . . . هوى النفس شئٌ كاقتياد الطرائف وكانت إلا كاسرة إذا امتحنت الخاصة من أصحابها ، وخف الواحد عنهم على قلب الملك ، وكان الرجل عالماً بالحكمة ، موضعاً للأمانة في الدماء والفروج والأموال على ظاهره ، فيأمره أن يتحول إلى منزله ، وأن تفرغ إليه حجرة ، وأن لا يتحول إليه بامرأة ولا جارية ، ولا حرمة ، ويقول له : أريد بك الأنس في ليلي ونهاري ، وإن كان معك بعض حرمك قطعك عني فاجعل منصرفك إلى منزلك في كل خمس ليال ، فإذا تحول الرجل أنس به ، وخلا معه ، وكان آخر من ينصرف من عنده ، فيتركه على هذه الحالة أشهراً . امتحن أبرويز رجلاً من خاصته بهذه المحنة ، ثم دس إليه جارية من بعض جواريه ، ووجه معها إليه بألطاف وهدايا ، وأمرها أن لا تقعد عنده في أول مرة ، فأتته بألطاف الملك ، وقامت بين يديه ، ولم تلبث أن انصرفت حتى إذا كانت المرة الثانية ، أمرها أن تقعد هنيهة ، وأن تبدي عن محاسنها حتى يتأملها ففعلت ، ولاحظها الرجل وتأملها ، وجعل الرجل يحد النظر إليها ، ويسر بمحادثتها ، ومن شأن النفس أن تطلب بعد ذلك الغرض من هذه المطايبة ، فلما أبدى ما عنده ، قالت : أخاف أن يعثر علينا ولكن دعني حتى أدبر في هذا ما يتم به الأمر بيننا ، ثم انصرفت فأخبرت الملك بذلك ، وبكل شئ جرى بينهما ، فلما كانت المرة الثالثة أمرها أن تطيل القعود عنده ، وأن تحدثه ، وإن أرادها على الزيادة في المحادثة أجابته إليه ففعلت ، ووجه إليه أخرى من خواص جواريه ، وثقافتهن بألطافه وهداياه ، فلما جاءت قال لها : ما فعلت فلانة ؟ قالت : اعتلت فاربد لون الرجل ، ثم لم تطل القعود عنده كما فعلت الأولى ، ثم عاودته فقعدت أكثر من المقدار الأول ، وأبدت بعض محاسنها ، حتى تأملها ، وعاودته في المرة الثالثة ، وأطالت القعود والمضاحكة والمهازلة ، فدعاها إلى ما في تركيب النفس من الشهوة ، فقالت : أنا من الملك على خطى يسيرة ، ومعه في دار واحدة ، ولكن الملك يمضي بعد ثلاثٍ إلى بستانه الذي بموضع كذا ، فيقيم هناك ، فإن أرادك على الذهاب معه ، فأظهر أنك عليل وتمارض ، فإن خيرك بين الانصراف إلى نسائك أو المقام هنا ، فاختر المقام ، وأخبره أنك

لا تقدر على الحركة ، فإن أجابك إلى ذلك ، جئت من أول الليل ، فأكون معك إلى آخره . فسكن الرقيع إلى قولها ، وانصرفت الجارية ، فأخبرت الملك بكل ما دار بينهما ؛ فلما كان الوقت الذي وعدته أن يخرج الملك فيه ، دعاه الملك فقال للرسول : أخبره أني عليل ، فلما جاءه الرسول وأخبره ، تبسم وقال : هذا أول الشر . فوجه إليه محفة يحمل فيها ، فأتاه وهو معصب ، فلما بصر به ، قال : والمحفة الشر الثاني ، فتبين العصابة فقال : والعصابة الشر الثالث . فلما دنا من الملك ، سجد ، فقال له : متى حدثت بك هذه العلة ؟ قال : هذه الليلة . قال : فأي الأمرين أحب إليك : الانصراف إلى نسائك لتمريضك ، أم المقام هنا لوقت رجوعي ؟ قال : المقام ههنا ، أيها الملك ، أوفق لقلة الحركة . فتبسم أبرويز وقال : حركتك ههنا ، إن تركت ، أكثر من حركتك في منزلك . ثم أمر له بعصا الزناة التي كان يوسم بها من زنى ، فأيقن الرجل بالشر ، وأمر أن يكتب ما كان من أمره حرفاً حرفاً ، فيقرأ على الناس إذا حضروا ، وأن ينفى إلى أقصى مملكته ، وتجعل العصا في رأس رمح يكون معه حيث كان ، ليحذر من يعرفه منه . فلما خرج الرجل من المدائن ، متوجهاً به نحو فارس ، أخذ مدية كانت مع بعض الموكلين به ، فجب بها ذكره ، وقال : من أطاع عضواً صغيراً من أعضائه أفسد عليه جميع أعضائه ، فمات من ساعته . وفيما يذكر عن أنو شروان أنه اتهم رجلاً من خاصته في بعض حرمه ، فلم يدر كيف يقتله ؟ لا هو وجد أمراً ظاهراً يحكم بمثله الحاكم فيسفك به دمه ، ولا قدر على كشف ذنبه لما في ذلك من الهوان على الملك والمملكة ، ولا وجد عذراً لنفسه في قتله غيلة ، إذ لم يكن في شرائع دينهم ، ووراثة سلفهم ، فدعا الرجل بعد جنايته بسنة في خلوة ، فقال : قد حزبني أمر من أسرار ملك الروم ، وبي حاجة إلى عملها ، وما أجدني أسكن إلى أحد سكوني إليك ، إذ حللت من قلبي المحل الذي أنت به ، وقد رأيت أن تحمل لي مالاً إلى هناك للتجارة ، وتدخل بلاد الروم فتقيم بها ، فإذا بعت ما معك ، حملت مما في بلادهم من تجاراتهم ، وأقبلت إلي ، وفي خلال ذلك تصغي إلى أخبارهم ، وتطلع إلي ما بنا الحاجة إلى معرفته من أمورهم وأسرارهم . فقال : أفعل أيها الملك ، وأرجو أن أبلغ في ذلك محبة الملك ورضاه . فأمر له بمال ، وتجهز الرجل وخرج بتجارته ، فأقام في بلاد الروم حتى باع واشترى ، وفهم من كراسهم ولغاتهم ما عرف به مخاطباتهم ، وبعض أسرار ملكهم .

وانصرف إلى أنو شروان بذلك ، فأراه الإيثار به ، وزاد في بره ، ورده إلى بلادهم ، وأمره بالمقام والتربص بتجارته ، ففعل حتى عرف ، واستفاض ذكره ، فلم تزل تلك حاله ست سنين ، حتى إذا كانت السنة السابعة أمر الملك أن تصور صورة الرجل في جام من جاماته التي يشرب فيها ، وتجعل صورته بازاء صورة أنو شروان ، ويجعل مخاطباً لأنو شروان ، ومشيراً عليه وإليه ، ويدني رأسه من رأس الملك في تلك الصورة ، كأنه يساره ، ثم وهب ذلك الجام لبعض خدمه ، وقال : إن الملوك يرغبون في مثل هذا الجام ، فإذا أردت بيعه فادفعه إلى فلان إذا خرج نحو بلاد الروم بتجارته وقل له ، يبيعه من الملك نفسه فإنه ينفعك ، فإن لم يمكنه بيعه من الملك ، باعه من وزيره أو بعض خاصته . فجاء غلام الملك بالجام ، وقد وضع الرجل رجله في الركاب ، فسأله أن يبيع جامه من الملك ، وأن يتخذ عنده بذلك يداً . وكان الملك يعز ذلك الغلام ، وكان من خاصة غلمانه ، وصاحب شرابه ، فأجابه إلى ذلك ، وأمر بدفع الجام إلى صاحب خزانته ، وقال : احفظه ، فإذا صرت إلى باب الملك فليكن مما أعرضه عليه . فلما صار إلى باب الملك ، دفع صاحب الخزانة إليه الجام ، فعرضه على الملك فيما عرض عليه ، فلما وقع الجام في يد الملك ، نظر إليه ، ونظر إلى صورة أنوشروان فيه ، وإلى صورة الرجل وتركيبه عضواً عضواً ، وجارحة جارحة ، فقال للرجل : أخبرني هل يصور مع صورة الملك رجل خسيس ؟ قال : لا ، قال : فهل تصور في آنية الملك صورة لا أصل لها ولا علة ؟ قال : لا ، قال : فهل في دار الملك اثنان يتشابهان في صورة واحدة حتى يكون هذا كأنه ذاك في الصورة وكلاهما نديماً الملك ؟ قال : لا أعرفه ، قال له : قم قائماً ، فقام ، فوجد صورته في الجام ، فقال له : أدبر فأدبر ، فتأمل صورته في الجام فوجدهما بحكاية واحدة ، فضحك ، ولم يجسر الرجل أن يسأله عن سبب ضحكه ، إجلالاً له وإعظاماً ، فقال ملك الروم : الشاة أعقل من الإنسان إذ كانت تخفي مديتها وتدفنها ، وإنما أهديت إلينا مديتك بيدك . فقال للرجل : تغديت ؟ قال : لا ، قال : قربوا له طعاماً ، قال : أيها الملك أنا عبد ، والعبد لا يأكل بحضرة الملك ، قال الملك : أنت عبد ما دمت عند ملك الروم ، مطلعاً على أموره ، متتبعاً لأسراره ، وملك إذا قدمت بلاد فارس ، ونديم ملكها . أطعموه ، فأطعم وسقى الخمر حتى إذا ثمل ، قال : من سير ملوكنا أن لا نقتل الجاسوس إلا في أعلى موضع نقدر عليه ، ولا نقتله جائعاً ، ولا عطشاناً .

فأمر به ، فأصعد إلى سطح كان يشرف منه على كل من كان في المدينة إذا صعد ، فضربت عنقه هناك ، وألقيت جثته من ذلك السطح ، ونصب رأسه للناس ؛ فلما بلغ ذلك كسرى ، أمر صاحب الجرس أن يضرب بأجراس الذهب ، ويمر على دور نساء الملك وجواريه ، ويقول : كل نفس ذائقة الموت ، كل أحد إذا وجب عليه القتل ففي الأرض يقتل ، إلا من تعرض لحرمة الملك ، فإنه يقتل في السماء ، فلم يدر أحد من أهل المملكة ما أراد به حتى مات . ومثله من أخبار العرب : ذكروا أنه كان لطسم وجديس ملك يقال له عمليق ظلوم غشوم ، وكانت لا تزف جارية إلى زوجها إلا بدوءه بها ، فافترعها ، وردها إلى بعلها ، ثم إن رجلاً من جديس تزوج غفيرة بنت غفار ، عظيم جديس ورئيسها ، فلما أرادوا أن يهدوها إليه ، بدأوا بها عمليق فأدخلوها عليه والقيان معها يتغنين ويضربن بالدفوف ويقلن : ابدي بعمليق ومعه فاركبي . . . وبادري الصبح بأمرٍ معجب فسوف تلقين الذي لم تطلبي . . . ولم يكن من دونه من يذهب فجعلت تقول وهي تزف : ما أحدٌ أذل من جديس . . . أهكذا يفعل بالعروس يرضى بهذا يا لقومي حر . . . من بعد ما أهدى وسيق المهر لأن يلاقي المرء موت نفسه . . . خيرٌ له من فعل ذا بعرسه فلما دخلت عليه افترعها ، ثم خلى سبيلها ، فخرجت ووقفت على أخيها الأسود بن غفار ، وهو قاعد في نادي قومه ، وقد رفعت ثوبها عن عورتها وأنشأت تقول : أيصلح ما يؤتى إلى فتيانكم . . . وأنتم رجالٌ كثرةً عدد الرمل وترضون هذا يا لقومي لأختكم . . . عشية زفت في النساء إلى البعل فإن أنتم لم تغضبوا بعد هذه . . . فكونوا نساءً في المنازل والحجل

ودونكم طيب النساء وإنما . . . خلقتم جميعاً للتزين والكحل فلو أننا كنا رجالاً وكنتم . . . نساءً لكنا لا نقيم على ذحل فقبحاً لبعلٍ ليس فيه حميةٌ . . . ويختال يمشي بيننا مشية الفحل فموتوا ضراماً أو أصيبوا عدوكم . . . بداهيةٍ توري ضراماً من الجزل وإلا فخلوا داركم وترحلوا . . . إلى بلدٍ قفرٍ خلاءٍ من الأهل ولا تخرجوا للحرب يا قوم إنها . . . تقوم بأقوامٍ شدادٍ على رجل فيهلك فيها كل وغدٍ مواكلٍ . . . ويسلم فيها ذو الطعان وذو القتل فلما سمعت جديس شعرها ، أنفت أنفاً شديداً ، وأخذتهم الحمية ، فتآمروا بينهم وعزموا على اغتيال الملك ، وجنوده فقالوا : إن نحن بادهناكم بالحرب لم نقو عليهم لكثرة جندهم وأنصارهم ، فاتفقوا على ذلك ، ثم إن الأسود أتى الملك فقال : إني أحب أن تجعل غداءك عندي أنت وجنودك ، فقال عمليق : إن عدد القوم كثير ، وأحسب أن البيوت لا تسعهم ، فقال الأسود : فنخرج لهم الطعام إلى بطن الوادي ، فقال لقومه : إذا اشتغل القوم بالأكل فسلوها سيوفكم ، واعملوا على أن تحملوا حملة رجل واحد واقتلوهم عن آخرهم ، وهيأ الأسود ما احتاج إليه من الطعام ، وجاء الملك ، فلما أكب القوم على الأكل ، بادرت جديس إلى سيوفهم ، ثم حملت على الملك وعلى جنوده والأسود يرتجز ويقول : يا صبحةً يا صبحة العروس . . . حتى تمشت بدمٍ جميس يا طسم ما لقيت من جديس . . . هلكت يا طسم فهيسي هيسي فقتلوه وجنوده جميعاً . ومثله الفطيون ملك تهامة والحجاء ، فإنه سلك مسلك عمليق في ملك طسم وجديس في أمر النساء ، فأمر أن لا تزف من اليهود في مملكته امرأة إلا بدءوه بها ، فلبث على ذلك عدة أحوال حتى زوجت امرأة من اليهود من ابن عم لها ، وكانت ذات جمال رائع ، وكانت أخت مالك بن عجلان من الرضاعة ، فلما أراد أن يهدوها

إلى زوجها ، خرجت إلى نادي الأوس والخزرج ، رافعة ثوبها إلى سرتها ، فقام إليها مالك بن العجلان فقال : ويحك وما دهاك ؟ فقالت : وما يكون من الداهية أعظم من أن ينطلق بي إلى غير بعلي بعد ساعة ؟ فأنف من ذلك أنفاً شديداً ، فدعا ببزة امرأة فلبسها ، فلما انطلقوا بالمرأة إلى الفطيون صار كواحدة من نسائها اللواتي ينطلقن بها متشبها بامرأة ، وقد أعد سكيناً في خفه ، فلما دخلت المرأة على الفطيون ، مال مالك إلى خزانة في ذلك البيت ، فدخلها ، فلما خرج النساء ودخلت المرأة قام إليها ليفترعها ، فخرج إليه مالك بالسكين فوجأه فقتله ، ثم قال لليهود : دونكم جنوده فاقتلوهم ، فاجتمعت عليهم فقتلوهم عن آخرهم . ومنه أخبار وأمثال : ذكروا أن أول من قال العجب كل العجب بين جمادى ورجب عاصم بن المقشعر الضبي ، وذلك الخنيفس بن خشرم كان أغير أهل زمانه وأشجعهم ، وكان لعاصم أخ يقال له عبيدة ، عزيز في قومه ، فهوي امرأة كانت تأتي الخنيفس ، فبلغ الخنيفس ذلك ، فتواعده عبيدة وركب الخنيفس فرسه وأخذ رمحه وانطلق يتربص عبيدة ، حتى وقف على ممره فأقبل عبيدة وقد قضى من المرأة وطراً ، وهو يقول : ألا إن الخنيفس فاعلموه . . . كما سماه والده لعين بهيم اللون محتقرٌ ضئيلٌ . . . لئيماتٌ خلائقه ضنين أيوعدني الخنيفس من بعيدٍ . . . ولما يلق مأبضه الوتين لهوت بجاريته وحاد عني . . . ويزعم أنه أنفٌ شفون فعارضه الخنيفس وهو يقول : أيا بن المقشعر لقيت ليثاً . . . له في جوف أيكته عرين تقول له صددت حذار حينٍ . . . وأنك نشو أبطالٍ مبين وأنك قد لهوت بجارتينا . . . فهاك عبيد لاقاك القرين ستعلم أينا أحمى ذماراً . . . إذا قصرت شمالك واليمين

لهوت بها لقد أبدلت قبراً . . . وباكيةً عليك لها رنين فقال عبيدة : أذكرك الله وحرمة خشرم ، فقال : والله لأقتلنك ، فقتله ، فلما بلغ أخاه عاصماً ، خرج إليه ، ولبس أطماراً ، وركب فرسه ، وكان في آخر يوم من جمادة ، فأقبل ببادر دخول رجب ، لأنهم كانوا لا يقتلون في رجب أحداً ، فانطلق حتى وقف بباب خنيفس ليلاً ، وقال : أجب المرهوق ، قال : وما ذاك ؟ قال : العجب كل العجب بين جمادى ورجب ، وإني رجل من ضبة غصب أخ لي امرأة فخرج يستنقذها ، فقتل ، وقد عجزت عن قاتله ، فخرج الخنيفس مغضباً ، وأخذ رمحه ، وركب معه ، فلما نحا به عن قومه ، دنا منه ، فقنعه بالسيف ، فأبان رأسه . ويقال أن أول من قال : سبق السيف العذل ضمضم ابن عمرو اللخمي ، كان يهوى امرأة فطلبها بكل حيلة ، فأبت عليه ، وطلبها عزيز بن عبيد بن ضمضمة ، فأتته وتأبت على ضمضم ، وكان ضمضم من أشد قومه بأساً ، فاغتاظ لذلك ليلة ، وهو متقلد سيفه حتى صار بمكان يراهما إذا اجتمعا ولا يريانه ، فلما نام الناس ، وطال هدو ضمضم إذا العزيز قد أقبل على فرسه ، وهو يقول : أما توليني وتأبى بنفسها . . . على ضمضم تعساً ورغماً لضمضم وضمضم يسمع ، فنزل وربط فرسه ، ومشى إلى ناحية خبائها ، فصدح صدوح الهام ، وكان آية بينهما ، فخرجت إليه ، فعانقها وضمضم ينظر ثم واقعها ، فلما رآها مشى إليهما بالسيف وهو يقول : ستعلم أني لست أعشق مبغضاً . . . فكان بنا عنها وعنك عزاء وقتله ، فعلم القوم بضمضم فأخذوه . فلما أصبح ، أبرز إلى النادي ليقتل ، فجعلوا يلومونه على قتله ابن عمه فقال : سبق السيف العذل . ويقال أن أول من قال : خير قليل وفضحت نفسي ، فائرة امرأة مرة الأسدي ، وكانت من أجمل النساء في زمانها ، وكان زوجها غاب عنها أعواماً ، فهويت عبداً له حبشياً يرعى إبلها ، فأمرته أن يحضر مضجعها ، وكان زوجها منصرفاً قد نزل تلك الليلة منها على مسيرة يوم ، فبينا هو يطعم ومعه أصحابه ، إذ نعق غراب ،

فأخبره أن امرأته لم تعهر قط ، ولا تعهر إلا تلك الليلة ، فركب فرسه ومر مسرعاً ، وهو يرجو إن هو منعها تلك الليلة أمنها فيما بقي ، فانتهى إليها حين قام العبد عنها ، وندمت وهي تقول : خير قليل وفضحت نفسي ، فسمعها زوجها وهو يرعد لما به من الغيظ ، فقالت له : ما يرعدك ، فقال يعلمها أنه قد علم : خير قليل وفضحت نفسي ، فشهقت شهقة خرت ميتة ، فقتل زوجها العبد ، وجعل يقول : لعمرك ما تعتادني منك لوعةٌ . . . ولا أنا من وجدٍ بذكراك أسهد قيل : وكانت هند بنت عتبة تحت الفاكه بن المغيرة المخزومي ، وكان الفاكه من فتيان قريش ، وكان له بيت ضيافة يغشاه الناس من غير إذن ، فخلا ذلك البيت يوماً فضجع الفاكه ، وهند فيه ، فخرج الفاكه لبعض حوائجه ، وأقبل رجل ممن كان يغشى ذلك البيت فولجه ، فلما رأى المرأة ولى هارباً ، فرآه الفاكه وهو خارج من البيت ، فأقبل إلى هند فضربها برجله ، وقال : من هذا الرجل الذي خرج من عندك ؟ قالت : ما رأيت أحداً ولا انتبهت حتى نبهتني فقال لها : الحقي بأهلك ، فتكلم الناس فيها ، فقال لها أبوها : يا بنية إن الناس قد أكثروا فيك فاصدقيني ، فإن كان الرجل في قوله صادقاً ، سببت له من يقتله فتنقطع عنك القالة ، وإن كان كاذباً حاكمته إلى بعض كهان اليمن ، فحلفت له بما يحلفون به في الجاهلية إنه لكاذب ، فقال عتبة للفاكه : يا هذا إنك قد رميت ابنتي بأمر عظيم فحاكمني إلى بعض كهان اليمن ، فخرج عتبة في جماعة من بني عبد مناف ، وخرج فاكه في جماعة من بني مخزوم . وأخرجوا معهم هنداً ونسوة معها ، فلما شارفوا البلاد قالوا : غداً نرد على الكاهن ، فتغير لون هند ، فقال لها أبوها : إني أرى ما بك ، فهلا كان هذا قبل خروجنا ، قالت : لا والله يا أبتاه ما ذلك لمكروه ، ولكن سنأتي بشراً يخطئ ويصيب فلا نأمن أن يسومني مما يكون فيه سبة على باقي عمري ، قال : إني سوف أختبره قبل أن ينظر في أمرك ، فأخذ حبة حنطة ، فأدخلها في إحليل فرسه ، وأوكى عليها بسير ، فلما دخلوا على الكاهن قال له عتبة : ما كان مني في طريقي ؟ قال : ثمرة في كمرة ، قال : احتجاج إلى أبين من هذا ، قال : حبة بر في إحليل مهر ، قال : صدقت ، فما بال هؤلاء النسوة ؟ فجعل يدنو من إحداهن فيضرب بمنكبها ، حتى أتى

إلى هند فضرب بمنكبها ، وقال : انهضي غير رسحاء ، ولا فاحشة ، ولتلدين ملكاً يقال له معاوية ، فوثب إليها الفاكه ، فأخذ بيدها ، فنزعت يدها من يده ، وقالت : إليك عني والله لأجهدن أن يكون ذلك من غيرك . فتزوجها أبو سفيان بن حرب فجاءت بمعاوية . قيل : وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعس بنفسه ، فسمع امرأة تقول : ألا سبيلٌ إلى خمرٍ فأشربها . . . أم هل سبيلٌ إلى نصر بن حجاج إلى فتى ماجد الأخلاق ذي كرمٍ . . . سهل المحيا كريمٍ غير ملجاج فقال عمر : أما مادام عمر إماماً فلا ، فلما أصبح قال : علي بنصر بن الحجاج ، فأتي به ، فإذا هو رجل جميل ، فقال : اخرج من المدينة قال : ولم ما ذنبي ؟ قال : اخرج فو الله ما تساكنني ، فخرج حتى أتى البصرة وكتب إلى عمر رضي الله عنه : لعمري لئن سيرتني وحرمتني . . . ولم آت إثماً ذا الحرام ومالي ذنبٌ غير ظنٍ ظننته . . . وبعض تصاديق الظنون إثام وإن غنت الذلفاء يوماً بمنيةٍ . . . فبعض أماني النساء غرام فظن بي الظن الذي لو أتيته . . . لما كان لي في الصالحين مقام ويمنعني مما تمنت حفيظتي . . . وآباء صدقٍ سالفون كرام ويمنعها مما تمنت صلاتها . . . وبيتٌ لها في قومها وصيام فهذان حالانا فهل أنت مرجعي . . . فقد جب مني غاربٌ وسنام قال : فرده عمر بعد ذلك لما وصف من عفته . ويروى أيضاً أن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، كان يعس بالمدينة ذات ليلى ، إذ سمع امرأة تهتف وتقول : تطاول هذا الليل واسود جانبه . . . وأرقني إذ لا خليل ألاعبه فو الله لولا الله لا رب غيره . . . لزعزع من هذا السرير جوانبه

ولكن ربي والحياء يكفني . . . وأكرم بعلي إن توطأ مراكبه قال : فرجع عمر إلى منزله ، فسأل عن المرأة ، فإذا زوجها غائب ، فسأل ابنته حفصة : كم تصبر المرأة عن الرجل ؟ فسكتت ، واستحيت ، وأطرقت فقال : أربعة أشهر ، خمسة أشهر ، ستة أشهر ؟ فرفعت طرفها تعلم أنها لا تصبر أكثر من ستة أشهر ، فكتب إلى صاحب الجيش أن يقفل من الغزو الرجال إذا أتت ستة أشهر إلى أهاليهم . وغزا رجل من الأنصار وله جار يهودي ، فأتى امرأته ، واستلقى ذات ليلة على ظهره ، وأنشأ يقول : وأشعث غره الإسلام مني . . . خلوت بعرسه ليل التمام أبيت على ترائبها ويضحي . . . على جرداء لاحقة الحزام فسمع ذلك جار له ، فضربه بالسيف حتى قطعه ، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : أنشد الله رجلاً كان عنده من هذا علم إلا قام . فقام الرجل فحدثه ، فقال : أحسنت أحسنت ، وتمام الأبيات : كأن مجامع الزبلات منها . . . فئامٌ قد جمعن إلى فئام ومنه أخبار العرب ، قيل : لما خرج امرؤ القيس بن حجر إلى قيصر ملك الروم ليسأله النصرة على بني أسد لقتلهم أباه حجر بن الحارث راسل بنت قيصر ، وأراد أن يختدعها عن نفسها ، وبلغ ذلك قيصر ، وأراد أن يقتله ، فتذمم من ذلك ، وأمر بقميص فغمس في السم ، وقال لامرئ القيس : البس هذا القميص فإني أحببت أن أوثرك به على نفسي لحسنه وبهائه ، فعمل السم ، فمد جسمه ، وكثرت فيه القروح ، فمات منها ، فسمي ذا القروح ، وقد كان قيل لقيصر قبل ذلك إنه هجاه فعندما يقول : ظلمت له نفسي بأن جئت راغباً . . . إليه وقد سيرت فيه القوافيا فإن أك مظلوماً فقدماً ظلمته . . . وبالصاع يجزي مثل ما قد جزانيا قيل : وكان النابغة يشيب بالمتجردة امرأة النعمان بن المنذر ، وكانت أكمل أهل عصرها جمالاً ، فبلغ ذلك النعمان ، فهم بقتل النابغة فهرب منه ، وسار حتى أتى الشام ، والملك

بها جبلة بن الأيهم الغساني ، فنزل عليه وأقام عنده ، وكتب إلى النعمان : خلفت فلم أترك لنفسك ريبةً . . . وليس وراء الله للمرء مذهب لئن كنت قد بلغت عني خيانة . . . لمبلغك الواشي أغش وأكذب قيل : وكانت امرأة شداد أبي عنترة ذكرت له أن عنترة أرادها عن نفسها ، فأخذه أبوه فضربه ضرب التلف ، فقامت المرأة فألقت نفسها عليه لما رأت ما به من الجراحات ، وبكته ، وكان اسمها سمية ، فقال عنترة : أمن سمية دمع العين مذروف . . . لو كان ذا منك قبل اليوم معروف كأنها يوم صدت ما تكلمنا . . . ظبيٌ بعسفان ساجي العين مطروف قامت تجللني لما هوى قبلي . . . كأنها صنمٌ يعتاد معكوف المال مالكم والعبد عبدكم . . . فهل عذابك عني اليوم مصروف قيل : ولما أنشد عبد الحسحاس عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، قصيدته التي يقول فيها : توسدني كفاً وتمضي بمعصمٍ . . . علي وتنحو رجلها من ورائيا فما زال بردي طيباً من ثيابها . . . إلى الحول حتى أنهج البرد باليا وهبت لنا ريح الشمال بقوةٍ . . . ولا برد إلا درعها وردائيا أميل بها ميل الرديف وأتقي . . . بها الريح والشفان من عن شماليا رأت قتباً رثاً وأخلاق شملةٍ . . . وأسود مما يلبس الناس عاريا تجمعن شتى من ثلاثٍ وأربع . . . وواحدةٍ حتى كملن ثمانيا سليمى وسلمى والرباب وتربها . . . وأروى وريا والمنى وقطاميا وأقبلن من أقصى البلاد يعدنني . . . ألا إنما بعض العوائد دائيا

قال عمر رضي الله عنه : أنت مقتول ، فلما قال : ولقد تحدر من كريمة معشرٍ . . . عرقٌ على متن الفراش وطيب وجدوه شارباً ثملاً ، فعرضوا عليه نسوة حتى مرت به التي يطلبونها ، فأهوى إليها ، فقتلوه .
مساوئ شدة الغيرة والعقوبة عليها
حكى عن سليمان بن عبد الملك أنه كان في بعض أسفاره ، فسمر معه قوم ، فلما تفرقوا عنه ، دعا بوضوء ، فجاءت به جارية ، فبينا هي تصب الماء على يده ، إذ استمدها ، وأشار إليها مرتين أو ثلاثاً فلم تصب عليه ، فأنكر ذلك ، ورفع رأسه ، فإذا هي مصغية بسمعها ، مائلة بجسدها إلى صوت غناء من ناجية العسكر ، فأمرها فتنحت ، فسمع الصوت فإذا رجل يغني ، فأنصت له حتى فهم ما غنى ، فدعا بجارية غيرها فتوضأ ، فلما أصبح ، أذن للناس ، فأجرى ذكر الغناء ، فلم يزل يخوض فيه حتى ظن القوم أنه يشتهيه ؛ فأفاضوا فيه وذكروا ما جاء في الغناء ، والتسهيل لمن سمعه ، وذكروا من كان يسمعه من سروات الناس ، فقال : هل بقي أحد يسمع منه ؟ فقال رجل من القوم : عندي رجلان من أهل الأبلة محكمان ، قال : فأين منزلك من العسكر ؟ فأومأ إلى ناحية الغناء ، فقال سليمان : ابعث إليهما ، ففعل ، فوجد الرسول أحدهما وأقبل به ، وكان اسمه سمير ، فسأله عن الغناء ، وكيف هو فيه ، قال : محكم ، قال : متى عهدك به ؟ قال : البارحة ، قال : وفي أي النواحي كنت ؟ فذكر الناحية التي سمع منها الصوت قال : وما اسم صاحبك ؟ قال : سنان . قال : فأقبل سليمان على القوم فقال : هدر الفحل فضبعت الناقة ، ونب التيس فشكرت الشاة ، وهدل الحمام فزافت الحمامة ، وغنى الرجل فطربت المرأة ، ثم أمر به فخصي ، وسأل عن الغناء أين أصله ؟ قالوا : بالمدينة وهم المخنثون ، فكتب إلى عامله أن أخص من قبلك من المخنثين . وحدث الأصمعي أن الشعر الذي سمعه سليمان يتغنى به هو : محجوبةٌ سمعت صوتي فأرقها . . . من آخر الليل لما بلها السحر

تدني على الخد منها من معصفرةٍ . . . والحلي باد على لباتها خصر في ليلة البدر ما يدري مضاجعها . . . أوجهها عنده أبهى أم القمر لم يمنع الصوت أبوابٌ ولا حرسٌ . . . فدمعها لطروق اللحن ينحدر لو تستطيع مشت نحوي على قدمٍ . . . تكاد من رقةٍ للمشي تنفطر ثم دخل سليمان مضرب الخدم ، فوجد جارية على هذه الصفة ، قاعدة تبكي ، فوجه إلى سنان فأحضره ، ووجهت الجارية رسولاً إلى سنان يحذره ، وجعلت للرسول عشرة آلاف درهم إن سبق رسول سليمان ، فلما حضر أنشأ يقول : استبقني إلى الصباح أعتذر . . . إن لساني بالشراب منكسر فأرسل المعروف في قومٍ نكر فأمر به فخصي ، وكان بعد ذلك يسمى الخصي . وعن علي بن يقطين ، قال : كنت عند موسى الهادي ، ذات ليلة ، مع جماعة من أصحابه ، إذ أتاه خادم فساره بشيء ، فنهض سريعاً فقال : لا تبرحوا ؛ فمضى فأبطأ ، ثم جاء وهو يتنفس ساعة ، حتى استراح ومعه خادم يحمل طبقاً مغطى بمنديل ، فقام بين يده ، فأقبل يرعد ، وعجبنا من ذلك ، ثم جلس ، وقال للخادم : ضع ما معك فوضع الطبق ، وقال : ارفع المنديل فرفعه فإذا على الطبق رأسا جاريتين لم أر ، والله ، أحسن من وجهيهما قط ، ولا من شعورهما ، فإذا على رأسيهما الجوهر منظوم على الشعر ، وإذا رائحة طيبة تفوح فأعظمنا ذلك ، فقال : أتدرون ما شأنهما ؟ قلنا : لا ، قال : بلغني إنهما تحابا ، فوكلت هذا الخادم بهما لينهي إلي أخبارهما ، فجاءني وأخبرني إنهما قد اجتمعا ، فجئت فوجدتهما كذلك في لحاف ، فقتلتهما ، ثم قال : يا غلام ارفع ، ورجع في حديثه ، كأنه لم يصنع شيئاً . وحدثنا إبراهيم بن إسماعيل عن ابن القداح ، قال : كانت للربيع جارية يقال لها أمة العزيز ، فأهداها للمهدي ، فلما رأى حسنها وجمالها وهيئتها قال : هذه لموسى أصلح ، فوهبها له ، فكانت أحب الخلق إليه ، وولدت له بنيه الأكابر . ثم إن بعض أعداء الربيع

قال لموسى إنه سمع الربيع يقول : ما وضعت بيني وبين الأرض مثل أمة العزيز فغار موسى ، فدعا الربيع ، فتغدى معه ، وناوله كأساً فيه شراب ؛ فقال الربيع : فعلمت إن نفسي فيها وإني أن رددتها من يدي ضرب عنقي ، فشربتها وانصرفت ، فجمع ولده وقال : إني ميت ، فقال الفضل ابنه : ولم تقول ذلك ، جعلت فداك ؟ قال : إن موسى سقاني شربة فأنا أجد عملها في بدني ، ثم أوصى بماله ومات في يومه . قيل : وطرب الرشيد إلى الغناء متنكراً ، ومعه خادمه مسرور ، حتى انتهى إلى باب إسحاق بن إبراهيم الموصلي ، فقال : يا مسرور اقرع الباب ، فخرج إسحاق ، فلما رأى الرشيد انكب على رجله ، فقبلها ، ثم قال : إن رأى أمير المؤمنين أن يدخل منزل عبده ، فنزل الرشيد . فدخل فرأى أثر الدعوى ، فقال : يا إسحاق إني أرى موضع الشرب من كان عندك ؟ قال : ما كان عندي يا أمير المؤمنين سوى جاريتي كنت أطارحها ، قال : فهما حاضرتان ؟ قال : نعم ، قال : فأحضرهما ، فدعا الجاريتين ، فخرجتا ، مع إحداهما عود ، حتى جلستا ، فأمر الرشيد صاحبة العود أن تغني فغنت : بني الحب على الجور فلو . . . أنصف المعشوق فيه لسمج ليس يستحسن في وصف الهوى . . . عاشقٌ يكثر تأليف الحجج فقليل الحب صرفاً خالصاً . . . هو خيرٌ من كثيرٍ قد مزج فقال الرشيد : يا إسحاق لمن الشعر والغناء فيه ؟ قال : لا علم لي به يا أمير المؤمنين ، فنكس رأسه ساعة ، ينكث في الأرض ، ثم رفع رأسه ، وأخذ العود من حجر هذه فوضعه في حجر الأخرى ، ثم قال لها : غني ، فغنت : إن يمس حبلك بعد طول تواصلٍ . . . خلقاً ، وأصبح بيتكم مهجوراً فلقد أراني والجديد إلى بلىً . . . زمنا بوصلك راضياً مسروراً كنت الهوى وأعز من وطئ الحصى . . . عندي وكنت بذاك منك جديراً فقال : يا إسحاق لمن الشعر والغناء فيه ؟ قال : لا علم لي يا سيدي ، فرد المسألة على الجارية ، فقالت لستي ، قال : ومن سنك ؟ قالت : علية ، أخت أمير المؤمنين ، فنكس رأسه ساعة ، ثم وثب

وقال لمسرور خادمه ، امض بنا إلى منزل علية ، فلما وقف بالباب ، قال : استأذن يا مسرور ، فخرجت جارية ، فلما رأت الخليفة ، رجعت تبادر تعلم ستها ، فخرجت تستقبله وتفديه ، فقال : يا علية هل عندك ما نأكل ؟ قالت : نعم يا سيدي ، قال : وما نشرب ؟ قالت : نعم ، فدخل وجلس ، فقدمت إليه الطعام ، فأكل حاراً ، وبارداً ، ورطباً ، ويابساً ، ثم رفع الطعام ، ووضع الشراب والطيب وأنواع الرياحين ، ودعت جواريها وكان عندها ثلاثون جارية يغنيين ، فألبستهن أنواع الثياب ، وصفتهن في الإيوان ، وتناول الرشيد الشراب ، فأمر الجواري أن يغنين ، ثم سقى أخته حتى أخذ الشراب منها ، واحمرت وجنتاها ، وفترت أجفانها ، وكانت من أجمل النساء . فضرب الرشيد إلى حجر بعض الجواري في أخذ العود وقال : يا علية بحياتي غني : بني الحب على الجور فلو فعلمت إنها داهية ، فبكت ، فصاح الرشيد ، فخرج الجواري وبقي هو وهي ، فدفعها وأخذ وسادة فجعلها على وجهها ، وجلس عليها فاضطربت شديداً ، ثم بردت فنحى الوسادة عنها ، وقد قضت نحبها ، فخرج وقال للخادم : إذا كان غداً فادخل وعزني ، وركب متوجهاً إلى قصره ، فلما كان الغد ، عزاه مسرور فبكى ، فقال : قبرٌ عزيزٌ علينا . . . لو أن من فيه يفدى أسكنت قرة عيني . . . ومهجة النفس لحدا ما إن أرى عليها . . . من التوجع بدا ومنه ما حكي عن البهائم ، قال شيخ من بني قشير : كنا في نتاج ، فامتنع فرس من حجرة ، فشددنا عينه ، فنزا عليها ، فلما فرغ فتحنا العصلة فرأى الحجرة وكانت أمه ، فعمد إلى ذكره بأسنانه فقطعه . ومنه في خفة الغيرة ، قال سليمان بن داود الهاشمي لابنه : لا تكثر الغيرة على أهلك فترمى بالشر من أجلك ، وإن كانت بريئة ، ولا تكثر الضحك ، فيستخفك فؤاد الرجل الحليم ، وعليك بخشية الله ، فإنها غلبت كل شئ . وقال عبد الله بن جعفر لابنته : إياك والغيرة ، فإنها مفتاح الطلاق ، وإياك وكثرة العتب ، فإنه يورث البغضاء ، وعليك بالكحل

فإنه أزين الزينة ، وأطيب الطيب الماء . قيل : وكان كسرى أبرويز يتعشق امرأة رجل كان من مرازبته ، يقال له البارجان ، وكانت تأتيه سراً ، فبلغ زوجها ذلك فأمسك عن امرأته ، واجتنبها ، ودخل إلى كسرى ذات يوم ، فقال كسرى : بلغني أن لك عين ماء عذبة ، وأنك قد اجتنبتها فلا تقربها ، ففطن ، فقال له : أيها الملك بلغني أن الأسد ينتاب تلك العين ، فاجتنبها خوفاً منه ، فأعجب كسرى بمقالته وأمر أن يتخذ له تاج لا قيمة له ، ثم دخل كسر دار نسائه فقاسمهن نصف حليهن ، فاجتمع من الجوهر ما لا يحصى فبعث به إلى امرأة البارجان بالقادسية ، ووقع ذلك الجوهر إلى السائب بن الأقرع ، وكان على المقسم ، فباعه وجعل للمسلمين بكتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه . وقال بعضهم : كنت أغار على امرأتي فأشرفت علي يوماً وأنا مع جارية لي ، فلقيت منها أذى حتى حلفت أن أبيع الجارية ، فخرجت أريد شراء حوائج لي ومعي الجارية ، فأتيت دكان خلال لشري الخل ، فوجدته خالياً فقلت له : يا هذا تأذن لي في ملامسة جاريتي هذه في دكانك فإني أريد بيعها . قال : نعم جعلت فداك ادخل حيث شئت ، فأصبت من الجارية ، فلما خرجت إذا الخلال قد كمن ناحية وهو في قميص قد أنعظ فقال : فرغت ، قلت : نعم ، قال : بسم الله ، أتأذن لي جعلت فداك ، قلت : ويلك ما تريد قال : اقضي وطري منها ، قلت : يا بن الفاعلة حرمتي ، قال : لا يضرك شيئاً ، فإني أسرع . ثم وثب كأنه السبع ، فضاربته حتى تخلصت الجارية بعد كل جهد . قال : ودخل رجل من بني زهرة من أهل المدينة على قينة ، فسمع غناءها عند مولاها ، فخرج مولاها في حاجة ثم رجع ، فإذا جاريته على بطن الزهري ، فقامت مذعورة ، فقعدت تبكي ، فقال : ما يبكيك ؟ قالت : لأنك لا تقبل لأجله عذراً ، قال : يا زانية لو رأيتك على فقال لقلت : صريع مغلوب ، ولو رأيتك على وجهك لقلت : وعاء مكبوب ، إنما رأيتك فارساً مصلوباً . وحكي عن ثمامة إنه قال للمهدي : إن النساء شققن شقاً ، وإن هشيمة نقبت نقباً ، وكانت هشيمة امرأة ثمامة ، فسأله المهدي أن ينزل عنها ففعل ، وأقام المهدي حتى انقضت عدتها ثم تزوجها ، وبنى بها ثم طلقها ، وخرج إلى بيت المقدس ، فلما انقضت عدتها راجعها زوجها . وقال أبو طاهر أنشدني بعض الشعراء يهجو بني القعقاع :

بني القعقاع أكرمكم لئيمٌ . . . وأعظم مجدكم ركبٌ حليق وأنتم في نسائكم اتساعٌ . . . وفي أخلاقكم نكدٌ وضيق وعن عبد الله بن ياسين قال : كان في المهدي غزل ، وشدة حب للخلوة بالنساء ، فبلغه عن ابنة لأبي عبيد الله كاتبه ، جمال ، فقال للخيزران : استزيريها ، فزارتها ، وجاءت إليها ، فقالت لها : هل لك في الحمام ؟ قالت : نعم ، فلما دخلت الحمام ، وافاها المهدي ، فبرزت له ، ولم تستتر عنه ، فقال لها المهدي : إنا وليك فزوجيني نفسك ، فقالت : أنا أمتك ، فتزوجها ونال منها ، فلما انصرفت أخبرت أخوتها بما كان ، فقالوا : أمسكي عنه ، فلما كان بعد مدة ، قالوا لها : استزيري الخيزران ، فاستزارتها ، فلما صارت إليها قالت : هل لك في الحمام ؟ قالت : نعم ، فلما دخلتا معاً ما شعرت الخيزران إلا ببني أبي عبيد الله قد عمدوا عليها فاستترت عنهم ، فقالوا : لو أردنا أن نفعل كما فعلتم بحرمتنا لفعلنا ، ولكنا لا نستحل ، فقالت لهم : والله لو رمتم ذلك لأمرت الخدم بقتلكم ، فانصرفوا ، فلما رجعت الخيزران ، أخبرت المهدي بذلك ، فكان السبب في قتل المهدي محمد بن أبي عبيد الله على الزندقة . وبلغه أيضاً عن عونة بنت أبي عون ، جمال وهيئة ، فقال للخيزران : استزيريها فاستزارتها ، فقالت لها الخيزران : هل لك في الحمام ؟ قالت : نعم ، فلما دخلتا ما شعرت إلا بالمهدي قد وافاها ، فاستترت بالخيزران وقالت : والله لئن دنوت مني لأضربن بالكرنيب وجهك ، فقال : ويلك إنما أردت أن أتزوجك ، قالت : لا سبيل إلى ذلك ، فانصرف عنها ، فأخبرت أباها ، فقال : أحسنت في فعلك .
محاسن القيادة
قال الحسن الجرجاني : حدثني سهم بن عبد الحميد الحنفي قال : خرجت من الكوفة أريد بغداد ، فلما نزلت ، بسط غلماننا وهيأوا غداءنا ، فإذا نحن برجل حسن الوجه

والهيئة ، على برذون فاره ، فصحت بالغلمان فأخذوا دابته ، فدعوت بالغداء ، فبسط يده غير محتشم ، وما أكرمته بشيء إلا قبله ، وكنا كذلك إذ جاء غلمانه بثقل كثير ، وهيئة جميلة ، فتناسبنا فإذا هو طريح بن إسماعيل الثقفي ، فارتحلنا في قافلة منا لا يدرك طرفاها ، فقال طريح : ما حاجتنا إلى هذا الزحام ، وليست بنا إليهم وحشة ، ولا علينا خوف ، فإذا خلونا بالخانات والطرق كان أروح لأبداننا ، قلت : ذلك إليك ، فنزلنا من الغد الخان ، وتغدينا وإلى جانبنا نهر ظليل بالشجر ، فقال : هل لك أن تستنقع فيه ؟ فمررنا إليه ، فلما نزع ثيابه إذا بين جنبيه آثار ضرب كثير ، فوقع في نفسي منه شر ، فنظر إلي ففطن وتبسم ، وقال : قد رأينا ذعرك بما ترى ، وحديث ذلك يجري إذا سرنا بالعشية ، فلما سرنا قلت له : الحديث قال : نعم قدمت من عند الوليد بن يزيد بالغناء واليسار ، وكتب إلى يوسف بن عمر ، فلما أتيته ملأ يدي خيراً ، فخرجت مبادراً إلى الطاثف ، فلما امتد بي الطريق وليس يصحبني فيه أحد ، عن لي إعرابي على قعود له ، فحدث أحسن الحديث ، وروى الشعر ، فإذا هو راوية ، فأنشد فإذا هو شاعر ، فقلت : من أين أقبلت ؟ قال : لا أدري ، قلت : وما القصة ؟ قال : أنا عاشق لامرأة قد أفسدت علي عيشي ، وقد حذرني أهلها ، وجفاني لها أهلي ، وإنما أستريح بأن أنحدر إلى الطريق مع منحدر ، وأصعد مع مصعد ، قلت : فأين هي ؟ قال : تنزل غداً بازائها ، فلما نزلنا أراني طريقاً عن يسار الطريق ، فقال : ترى ذلك الطريق ؟ فقلت : أراه ، قال : فترى الخيم التي هناك ؟ قلت : نعم قال : فإنها في الخيمة الحمراء ، فأدركتني أريحية الحدث ، فقلت : والله إني آتيها برسالتك ، فمضيت حتى انتهيت إلى الخيم ، فإذا امرأة ظريفة جميلة كأنها مهرة عربية ، فذكرته لها ، فزفرت زفرة كادت تنتقض أضلاعها ، وقالت : أو حي هو قلت : نعم ، تركته في رحلي وراء هذا الطريق قالت : بأبي أنت وأمي ، أرى لك وجهاً حسناً يدل على الخير ، فهل لك في أمر ؟ قلت : فقير إليه قالت : البس ثيابي ، فأقم مكاني ، ودعني حتى آتيه وذلك عند مغيربان الشمس ، فإنك إذا أظلم الليل أتاك زوجي ، فقال لك : يا فاجرة ، ويا هنة ابنة الهنة ، فيوسعك شتماً فأوسعه صمتاً . ثم يقول في آخر كلامه : اقمعي سقاءك ، يا عدوة الله ، فضع القمع في هذا السقاء ، وإياك وهذا السقاء الآخر فإنه واه قلت : نعم ، فأجبتها إلى ما سألت ، فجاء الزوج على ما وصفت ،

وقال : اقمعي سقاءك فحيرني الله إن تركت الصحيح ، وقمعت الواهي ، فما شعر إلا باللبن يتسبب بين رجليه ، فعدا إلى كسر الخيمة ، وحل متاعه ، وتناول رشاء من قد مدبوغ ثم ثناه باثنتين ، فجعل لا يتقي رأساً ولا وجهاً ولا رجلاً ، حتى خشيت أن يبدو له وجهي ، فاكون الأخرى ، فألزمت وجهي الأرض ، فعمل بظهري ما ترى ، فلما تغيب عني ، جاءت المرأة باكية ، فرأت ما بي من الشر ، واعتذرت وأخذت ثيابي وانصرفت . قال وحدث بهذا الحديث محمد بن صالح بن عبد الله ابن الحسن بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه بسر من رأى ، سنة أربعين ومائتين ، وكان حمل من البادية إلى المتوكل فأطلقه ، وكان إعرابياً فصيحاً ، فعجب منه ، وكان حسن الوجه نجيباً ، قلما رأيت في الفتيان مثله ، قال : كان منا فتى يقال له الأشتر بن عبد الله ، وكان سيد بني هلال ، وأحسنهم وجهاً ، وأسخاهم كفاً ، وكان معجباً بجارية يقال لها جيداء ، بارعة الجمال ، فلما اشتهر أمرهما ، وظهر خبرهما ، وقع الشر بين أهل بيتيهما ، حتى قتل بينهما القتلى ، فافترقوا فريقين ، فلما طال على الأشتر البلاء ، جاءني يوماً وقال : يا نمير ، هل فيك خير ؟ قلت : عندي ما أحببت ، قال : تساعدني على زيارة جيداء قلت : بالحب والكرامة ، فانهض إذا شئت . قال : فركبنا وسرنا يوماً وليلة والغداة حتى المساء ، فنظرنا إلى أدني سرب لهم ، فأنخنا رواحلنا في شعب وقعدنا هناك ، وقال : يا نمير ، اذهب وأنشد واذكر لمن يلقاك إنك طالب ضالة ، ولا تعرض بذكرى بشفة ولا لسان ، إلى أن تلقى جاريتها فلانة ، راعية الضأن ، فتقرئها مني السلام ، وتسألها عن الخبر ، وتعلمها بمكاني . قال : فخرجت لا أتعدى ما أمرني به ، حتى لقيت الجارية ، فأبلغتها الرسالة ، وأعلمتها بمكانة وسألتها عن الخبر ، فقال : هي مشدد عليها ، محتفظ بها ، وعلى ذلك فموعدكما عند الشجيرات اللواتي عند أعقاب البيوت ، مع صلاة العشاء ، فانصرفت فأخبرته ، ثم قدنا رواحلنا حتى أتينا الموعد في الوقت الذي وعدتنا فيه ، فلم نلبث إلا قليلاً حتى إذا جيداء تمشي ، فدنت منا ، فوثب إليها الأشتر ، فتصافحا وسلم عليها ، ووثبت مولياً عنهما فقالا : أقسمنا عليك إلا رجعت ، فو الله ما بيننا من ريبة ولا قبيح نخلو به دونك ، فانصرفت إليهما ، وجلست معهما ، فقال الأشتر : ما فيك حيلة يا جيداء فنتزود منك الليلة ؟ قالت : لا ، والله ، ما إلى ذلك سبيل إلا أن أرجع إلى الذي تعلم من البلاء والشر فقال : لابد من ذلك ولو وقعت السماء على الأرض ، قالت : فهل بصاحبك خير ؟ قلت :

بلى ، وهل الخير إلا عندي ؟ فاسألي ما بدا لك ، فإني منته إليه ، ولو كان في ذلك كله ذهاب نفسي ، فألبستني ثيابها ، وأخذت ثيابي ثم قالت : اذهب إلى خبائي فادخل في ستري ، فإن زوجي يأتيك مع العتمة ، فيطلب منك القدح ليحلب فيه ، فلا تعطه من يدك فكذلك كنت أفعل ، فيحلب ثم يأتيك بأقداح ملآنا لبناً فيقول : هاك فلا تأخذه منه حتى يطيل عليك نكدك ، ثم خذه أو ذره حتى يضعه ثم يستبد بردائه ، ولست تراه حتى يصبح ، فذهبت ففعلت ما أمرتني به حتى جاء بالقدح فيه اللبن فأطلت نكدي عليه ، ثم أهويت لآخذه فاختلفت يدي ويده ، وانكفأ القدح ، فاندفق منه اللبن ، فقال : إن هذا الطماح مفرط ، وضرب يده إلى جانب الخباء فاستخرج سوطاً ، فضربني مقدار ثلاثين سوطاً حتى جاءت أمه وأخواته فانتزعوني منه ، ولا والله ما فعلوا ذلك حتى زايلتني روحي ، وهممت أن أوجره بالسكين ، فلما خرجوا عني وهو معهم ، قعدت كما كتب الله ، فما لبثت إن جاءت أم جيداء ، فحدثتني وهي تحسبني ابنتها فألقيتها بالسكوت ، وتغطيت بثوبي دونها ، فقالت : يا بنية اتقي الله ، ولا تتعرضي للمكروه من زوج ، فذلك أولى بك ، ثم خرجت من عندي فقالت : سأرسل إليك أختك تؤنسك وتبيت الليلة عندك ، فلم ألبث أن جاءت الجارية تبكي ، وتدعو على من ضربني ، وأنا لا أكلمها ثم اضطجعت إلى جانبي فلما استمكنت منها ، شددت يدي على فمها ، وقلت : يا هذه تلك أختك مع الأشتر ، وقد قطع ظهري بسببها ، وأنت أولى من ستر عليها فاختاري لنفسك ولها فو الله لئن تكلمت لتكونن فضيحة شاملة ، ثم رفعت يدي عن فيها ، فاهتزت مثل القصبة من الروع ، وباتت معي ونلت منها الشهوة التامة ، ورافقتني أصلح رفيق رافقته ، ولم أذق شيئاً إلذ مما ذقت منها قط ، فلم نزل نتحدث وتضحك مني ومما بليت به ، حتى برق النور ، وجاءت جيداء فلما رأتنا ارتاعت وقالت : من هذا عندك ؟ قلت : أختك ، قالت : وما ، السبب ؟ قلت : هي تخبرك فإنها عالمة به ، وأخذت ثيابي ، وأتيت صاحبي فأخبرته بما أصابني ، وكشفت له عن ظهري ، فإذا فيه ما الله به عليم ، فقال : لقد عظمت منتك عندي ، ووجب شكرك ، وخاطرت بنفسك ، فلا حرمني الله مكافأتك . وعن رجل من بني عامر أنه خرج وهو غلام ما بقل وجهه ، وكان ذا جمال وهيئة ، صاحب غزل ، فهجم على قوم يتحملون ، وقد شدوا أثقالهم وبرزوا ، وإذا امرأة جميلة قد تخلفت على جمل لها لإصلاح شأنها ،

قال : فوقفت عليها ، فإذا هي أحسن خلق الله وجهاً ، وأغزله وأملحه ، فتلاقينا كلاماً غير كثير ، فقالت : أسألك شيئاً فهل لك به علم ؟ قلت : سلي ، قالت : أيهما أحسن جردة الرجل أم المرأة ، قلت : الرجل ، قالت : بل المرأة ، فإن أحببت أن تعلم ذلك علمته ، قلت : وكيف أعلمه ؟ قالت : أتجرد لك من ثيابي وأرميها عني ثم أمشي حتى أبلغ الأكمة ، ثم أقبل حتى آتيك فتعطيني عهد الله وميثاقه لتفعلن كما فعلت ، فقلت : لك عهد الله إن فعلت لأفعلنه ، قال : فألقت ثيابها عن أحسن ما نظرت إليه قط ، بياضاً ونظافة وحسناً ، فلما انتهت إلي قالت : الوفاء ، قلت : الوفاء ، ونعمة عيني ، فخلعت ثيابي وأنا كأبهى الفتيان وأهيأهم حتى مضت بعد الغاية ، فلما انتصف بي المدى سمعت خرخرة جملي ، فإذا هي قد جالت على ظهره لا بسة ثيابي ، متنكبة قوسي ، قد لزمت المحجة ، فناديتها فلم تعرج علي ، ولبست ثيابها وتخمرت بخمارها ، وركبت بعيرها وزجرته ، فانبعث بي أثر الحي وأخذت شق الوحشي ، حتى ما أراها وجعلت أكف عن الجمل ، وإذ خشيت أن الحق الظعن حتى رأوني من بعيد ، وجعلوا ينادون : ويحك أقبلي وأنا صامت لا أتكلم ولا أتقدم ، فلما طال عليهم أمري ، بعثوا بجارية لهم مولدة ، فأقبلت تعدو حتى أتتني ونشطت خطام الجمل من يدي ، وأنا متبرقع أحسن الناس وجهاً وعيناً . فنظرت الجارية في وجهي ساعة ، ثم قالت : لقد أمسيت حديدة الطرف ، وقادت الجمل حتى أتت الحي ، فقالت أم الجارية : يا بنية لقد استحيت من الناس مما دعوتك العشية ، ثم تأملت ونظرت وسائر النساء . وقالت إحداهن : والله إنه لرجل فطن ، وأنزلتني العجوز وأدخلتني الستر ؛ وقالت : من أنت لا أفلحت ؟ قلت : بل ابنتك لا أفلحت ، ولا أنجحت ، وقصصت عليها قصتها ، فقالت : نشدتك الله ألا أعرتني نفسك هزيعاً من الليل فإنا كنا على أن نبني بابنتي صاحبة الجمل الليلة وما في الحي رجل غير زوجها ، وهو إنسان فيه لوثة ولابد من أن أدخلك عليه فإنك غلام أمرد ، فلا ينكرك ولا أراه أقوى منك إن اعتركتما فلك عندي يد بيضاء . وأقبلت وأخت لابنتها وخالتها فألبسنني ثوب العروس وطينني ، ثم دلفن بي نحو الرجل ، بعيد العتمة ، وقالت أمها : أنا لك الفداء ، تجلد ساعة بالامتناع ، فإنه منصرف عنك . وستأتيك الكافرة . فأدخلتني على مثل الأسد إلا أن به لوثة كما قالت فاعتركنا حتى أعيا ، وكف عني ، وطال

بي الليل حتى سمعت خرخرة جملي ، فلم ألبث إلا هنيهة حتى جاءت أمها وخالتها وهي معهما ، فجعلتها مكاني ، وفتشت عن سرها فإذا هي قد ظلت مع إنسان كانت تهواه . وأتيت ثيابي ، فنهضت مبادراً لا ألوي على شئ حذراً مما لقيت . قال : وملك النعمان بن المنذر أربعين سنة ، فلم تر منه سقطة غير هذه ، وهو أنه ركب يوماً فبصر بجارية قد خرجت من الكنيسة ، فأعجبته لجمالها ، فدعا بعدي بن يزيد ، وكان نديمه ووزيره ، فقال له : يا عدي لقد رأيت جارية لئن لم أظفر بها إنه الموت ، ولابد من أن أتلطف أو تتلطف لي حتى تجمع بيني وبينها ، قال : ومن هي ؟ قال : سألت عنها فقيل : هي امرأة حكم بن عمرو رجل من أشراف الحيرة . قال : فهل أعلمت أحداً قال : لا ، قال : فاكتمه فإذا أصبحت ، فجدد الحكم كرامة وبراً . فلما أذن للناس بدأ به فأجلسه معه على سريره وكساه ، فاستعظم الناس ذلك ، فلما أصبح بدأ أيضأ بالأذن له وجمله فأنكر الناس ذلك . فقالوا : ما هذا إلا لأمر . فصنع به ذلك أياماً ؛ ثم قال له عدي : أيها الملك ، عندك عشر نسوة ، فطلق إحداهن ، ثم قل له فليتزوجها ، ففعل ، فلما دخل عليه ، قال : يا حكم ما كانت نفسي تسمح بهذا لولد فتزوج فلانة ، فقد طلقتها ، فخرج حكم إلى عدي فقال : يا أبا عويمر ، ما صنع الملك بأحد ما صنع بي ، وما أدري بما أكافيه . قال له عدي : طلق امرأتك كما طلق لك امرأته ، ففعل وحظي بها عدي عنده ، وعلم حكم أنه قد مكر به في امرأته . وفيه يقول الشاعر : ما في البرية من أنثى تعادلها . . . إلا الذي أخذ النعمان من حكم وحدث الفضل بن العباس عن الزبير بن بكار ، عن محمد بن بشير الخارجي قال : قدم علينا رجلان من أهل المدينة يصيدان ومعهما نسوة ، والفساطيط مضروبة . وكان سليمان بن عبد الله الأسلمي وابن أخ له مقيمين بناحية الروحاء . فأرسل النسوة إلى سليمان وابن أخيه : أما لكما حاجة في الحديث ؟ فرد الرسول : إن يكن لنا فيه حاجة ، فكيف لنا بذلك مع أزواجكن ؟ فقلن : إنما خرج أزواجنا للصيد وقد بلغنا إن لكم صاحباً يعرف من طلب الصيد ما لا يعرفه غيره فلو طرح لهم شيئاً من ذكره لأسرعوا إليه ، وتخلفتم وتحدثتم

ما شئتم ، يعنين به محمداً بن بشير ، فمضى إليه سليمان وابن أخيه فقال : يا أبا محمد أرسل إلينا النسوة بكذا وكذا ، وسألنني أن أخرجك إلى الصيد ، فقلت : لا والله لا أفعل ولا أتعب ولا أنصب وأنتم تتلهون وتتحدثون أنا لذا أشد حباً ، وأكثر صبابة وشوقاً فأرسلا إلى النسوة بمقالتي ، فأرسلن إلي رسول وعاهدنني لئن أخرجتهم ليحتلن لي حتى أخلو معهن ليلة حتى الصبح ، فصرت إليهم ، وذكرت لهم الصيد فخرجوا معي ، فما زلت أحدثهم بالصدق حتى أخذت في الكذب مما يضارع الصدق حتى أفنيته ، فأقمت معهم ثلاثة أيام ولياليها ، ثم انصرفوا من غير أن اصطدنا شيئاً ، فقلت في ذلك : إني انطلقت معي قومٌ ذوو حسبٍ . . . ما في خلائقهم زهوٌ ولا حمق إني لأعجب منهم كيف أخدعهم . . . أم كيف آفك قوماً ما بهم رهق أظل في الأرض ألهيم وأخبرهم . . . أخبار قومٍ وما كانوا ولا خلقوا ولو صدقت لقلت القوم قد دخلوا . . . حين انطلقنا وإني ساعة انطلقوا فلو أجاهد ما جاهدت دونكم . . . في المشركين لأدركت الأولى سبقوا إن كنت أبداً جاري من حلائلكم . . . والدهر ذو عنفٍ أيامه طرق فإن كل جديدٍ عائدٌ خلقاً . . . فلن يعود جديداً ذلك الخلق قال : فظفر أصحابي بالحديث والمعازلة ، وأنا بالجهد والخيبة مع أتم القيادة والتعب وكذب المحادثة . وحدثنا وهب بن سليمان عن عمه الحسن بن وهب قال : خرج محمد بن عبد الملك الزيات من عند الواثق ومزيد بن محمد بن أبي الفرج الهاروني وكيل عبد الله بن طاهر ، فإذا بجارية حسناء في منظرة لها ، فلما بصرت به ورأت موكبه ، وكان جميلاً ظريفاً ، أومأت إليه السلام وأمأت بيدها إلى صدرها ، فأعجب بها فلما صار إلى منزله ، دخلت إليه ، فرأيته بخلاف ما عهدت ، وكان لا يكتمني شيئاً فقلت : مالي أراك مدلهاً يا أبا الحسن ؟ قال : رأيت شيئاً أنا فيه مفكر ، ثم أنشأ يقول :

وابأبي مخضبٌ . . . أومى إلينا بيده أومى بها يخبرني . . . راحته في كبده أن الضنى في جسدي . . . يخبرني عن جسده فليس للحاسد إلا . . . خصلةٌ من حسده ثم شرح لي القصة ، ثم انصرفت من عنده ، ووافيت مولى الجارية ، فسألته أن يبيعها ، فقال : اشتريتها للأمير عبد الله بن طاهر ، وليس إلى بيعها من سبيل ، فلم أزل به حتى اشتريتها بخمسين ألف درهم ، ووجهت بها إليه ، وكتبت إليه : هذا محبك مطويٌ على كمده . . . عبرى مدامعه تجري على جسده له يدٌ تسأل الرحمن راحتها . . . مما به ، ويدٌ أخرى على كبده فقبلها ، وحسن موقعها عنده ، فولاني خراج ديار ربيعة ، فأصبت فيها آلف درهم . قال السجستاني : أرق الرشيد ذات ليلة ، فوجه إلى عبد الملك الأصمعي ، وإلى الحسين الخليع ، فأحضرهما ، وشكا إليهما مدافعة نومه ، وشدة أرقه ، وقال لهما : عللاني بأحاديثكما ، وابدأ أنت يا حسين . قال : نعم يا أمير المؤمنين خرجت في بعض السنين منحدراً إلى البصرة ، وممتدحاً لآل سليمان ، فقصدت محمد بن سليمان بقصيدتي ، فقبلها وأمرني بالمقام ، فخرجت ذات يوم إلى المربد ، وجعلت المهالبة طريقي ، فأصابني حر وعطش ، فدنوت من باب دار كبير لأستسقي ، فإذا بجارية أحسن ما يكون كأنها قضيب يتثنى ، وسناء العينين ، زجاء الحاجبين ، مهفهفة الخصر ، حاسرة الرأس ، مفتوحة الجربان ، عليها قميص لاذ جلناري ، ورداء عدني ، قد علت شدة بياض بدنها حمرة قميصها ، تتلألأ من تحت القميص بثديين كرمانتين ، وبطن كطي القباطي ، وعكن مثل القراطيس ، لهما جمة جعدة ، بالمسك محشوة ، وهي ، يا أمير المؤمنين ، متقلدة خرزاً من ذهب ، والجوهر يزهو بين ترائبها ، وعلى صحن جبينها طرة كالسبج ، وحاجبان مقرونان ، وعينان كحلاوان ، وخدان أسيلان ، وأنف أقنى ، تحته ثغر كاللؤلؤ وأسنان كالدر ، وقد غلب جريانها سواد المسك والغالية

ودابر العود الهندي ، على لبتها ، عبق الخلوق وهي والهة حيرى ، واقفة في الدهليز ، وجائية تخطر في مشيتها ، قد خالط صرير نعلها أصوات خلخالها كأنها تخطر على أكباد محبيها ، فهي كما قال الأفوه الأودي : ليس منها ما يقال لها . . . كملت لو أن ذا كملا كل جزءٍ من محاسنها . . . كائنٌ من حسنها مثلا لو تمنت في براعتها . . . لم نجد في حسنها بدلا فهبتها ، والله ، يا أمير المؤمنين ؛ ثم دنوت منها لأسلم عليها ، فإذا الدار والدهليز والشارع قد عبقت بالمسك . فسلمت عليها ، فردت السلام بلسان منكسر ، وقلب حزين محرقٍ ، فقلت لها : يا سيدتي إني شيخ غريب أصابني عطش ، فأمري لي بشربةٍ من ماءٍ ، تؤجري . قالت : إليك عني ، يا شيخ ، فإني مشغولة عن سقي الماء وادخار الأجر فقلت لها : يا سيدتي ، لأية علة ؟ قالت : لأني عاشقة من لا ينصفني ، وأريد من لا يريدني ، ومع ذلك فإني ممتحنة برقباء فوق رقباء . قلت لها : يا سيدتي ، هل على بسيط الأرض من تريدينه ولا يريدك ؟ قالت : إنه لعمري على ذلك الفضل الذي ركب الله فيه من الجمال والدلال . قلت لها : يا سيدتي ، فما وقوفك في الدهليز ؟ قالت : هو طريقه ، وهذا أوان اجتيازه . قلت لها : يا سيدتي ، هل اجتمعتما في خلوة في وقت من الأوقات ، أم حب مستحدث فتنفست الصعداء ، وأرخت دموعها على خديها كطل على ورد ، وأنشأت تقول : وكنا كغصني بانةٍ وسط وردةٍ . . . نشم جنة اللذات في عيشةٍ رغد فأفرد هذا الغصن من ذاك قاطعٌ . . . فيا من رأى فرداً يحن إلى فرد قلت لها : يا هذه ، ما بلغ من عشقك هذا الفتى ؟ قالت : أرى الشمس على حائطهم أحسن منها على حائط غيرهم ؛ وربما أراه بغتة ، فأبهت وتهرب الروح عن جسدي ، وأبقى الأسبوع والأسبوعين بغير عقل ؛ قلت لها : عزيز علي ، وأنت على مابك من الضنى وشغل القلب بالهوى ، وانحلال الجسم وضعف القوى ، ما أرى من صفاء اللون ، ورقة

البشرة فكيف لو لم يكن بك من الهوى شئ ، أراك كنت مفتنة في أرض البصرة . قالت : كنت ، والله ، يا شيخ ، قبل محبتي لهذا الغلام ، تحفه الدلال والجمال والكمال ، ولقد فتنت جميع ملوك البصرة ، وفتنني هذا الغلام . فقلت : يا هذه ، ما الذي فرق بينكما قالت : نوائب الدهر ، وأوابد الحدثان ، ولحديثي وحديثه شأنٌ من الشان ، وأنبيك أمري : إني كنت أفصدت ، في بعض أيام النيروز ، فأمرت ، فزين لي وله مجلس بأنواع الفرش ، وأواني الذهب ؛ ونضدنا الرياحين والشقائق والمنثور وأنواع البهار ، وكنت دعوت لحبيبي عدة من متظرفات البصرة ، فيهن من الجواري ، جارية شهران ، وكان شراؤها عليه من مدينة عمان ثمانمائة ألف درهم ؛ وكانت الجارية ولعت بي ، وكانت أول من أجابت الدعوة ، وجاءتني منهن ؛ فلما حصلت عندي ، رمت بنفسها علي ، تقطعني عضاً وقرصاً . ثم خلونا نتمزز القهوة إلى أن يدرك طعامنا ، ويجتمع من دعونا ، فتارة هي فوقي ، وتارةً أنا فوقها ، فحملها السكر على أن ضربت يدها على تكتي فحلتها ، ونزعت هي سراويلها ، وصارت بين فخذي كمصير الرجال من النساء . فبينا نحن كذلك ، إذ دخل علي حبيبي ، وقد التزق قرطي بخلخالي ؛ فلما نظر إلينا ، اشمأز لذلك ، وصدف عني وعنها صدوف المهرة العربية إذا سمعت صلاصل اللجم ، وعض على أنامله ، وولى خارجاً . فأنا ، يا شيخ ، منذ ثلاث سنين ، اسل سخيمته ، وأستعطفه فلا ينظر إلي بعين ، ولا يكتب إلى بحرف ، ولا يكلم لي رسولاً . قلت لها : يا هذه ، أفمن العرب هو أم من العجم ؟ قالت : هو من جلة ملوك البصرة . قلت : من أولاد نيابها أو من أولاد تجارها . قالت : من عظيم ملوكها . قلت لها : أشيخ هو أم شاب ؟ فنظرت إلي شزراً وقالت : إنك لأحمق . أقول : هو مثل القمر ليلة البدر ، أمرد أجرد ، وطرة رقعاء كحنك الغراب ، تعلوه شقرة في بياض ، عطر لباس ، ضارب بالسيف ، طاعن بالرمح ، لاعب بالنرد والشطرنج ، ضارب بالعود والطنبور ، يغني وينقر على أعدل وزن ، لا يعيبه شئ إلا انحرافه عني ، لا نقصاً لي منه بل حقداً لما رآني عليه . قلت : يا هذه ، وكيف صبرك عنه ؟ فأنشأت تقول : أما النهار ، فمستهامٌ والهٌ . . . وجفون عيني ساجفاتٌ تدمع

والليل ، قد أرعى النجوم مفكراً . . . حتى الصباح ومقلتي لا تهجع كيف اصطباري عن غزالٍ شادن . . . في لحظ عينيه سهامٌ تصدع وجهٌ يضئ ، وجاجبان تقوسا . . . وكأن جبهته سراجٌ يلمع وبياض وجهٍ قد أشيب بجمرةٍ . . . في وجنتيه كأنه مستجمع والقد منه كالقضيب إذا زها . . . والغصن في قنوائه يترعرع تمت خلائقه ، وأكمل حسنه . . . كمثال بدرٍ ، بعد عشرٍ ، أربع قلت لها : يا سيدتي ، ما اسمه ، وأين يكون ؟ قالت : تصنع به ماذا ؟ قلت : أجهد في لقائه ، وأتعرف الفضل بينكما في الحال ، قالت : على شريطة قلت : وما هي ؟ قالت : تلقانا إذا لقيته ، وتحمل لنا إليه رقعة . قلت : لا أكره ذاك . قالت : هو ضمرة بن المغيرة بن المهلب بن أبي صفرة ، يكنى بأبي شجاع ، وقصره في المربد الأعلى ، وهو أشهر من أن يخفى . ثم صاحت في الدار : يا جواري ، دواةً وقرطاساً وشمرت عن ساعدين كأنهما طومارا فضة ، ثم حملت القلم وكتبت : بسم الله الرحمن الرحيم ، سيدي : تركي الدعاء في صدر رقعتي ، ينبئ عن تقصيري ، ودعائي ، إن دعوت ، يكون هجنة . فلولا أن بلوغ المجهود يخرج عن حد التقصير ، لما كان لما تكلفته خادمتك من كتب هذه الرقعة معنى ، مع إياسها منك ، وعلمها بتركك الجواب . سيدي ، فجد بنظرة ، وقت اجتيازك في الشارع إلى الدهليز ، تحي بها أنفساً ميتةً أسرى ؛ واخطط بخط يدك ، بسطها الله بكل فضيلة ، رقعة فأجعلها عوضاً من تلك الخلوات التي كانت بيننا في الليالي الخاليات التي أنا ذاكرتها . سيدي ، ألست لك محبة ، وبك مدنفة ؟ فإن رجعت ، مولاي ، إلى الأشبه بك ، وأنقذتني من عوارض التلف ، كنت لك خادمة ، ولك شاكرة . فلما فرغت من الكتاب ، يا أمير المؤمنين ، ناولتني إياه ، فقلت لها : يا سيدتي ، قد وجب حقك علي ، ولزمتك حرمتي لطول وقوفي عليك . وكنت قد سألت شربة ماء . قالت : استغفر الله ، ما فهمنا عنك . ثم صاحت في الدار : أخرجن إلينا شراباً من ماء وغير ماء . فما كان إلا أن أقبل ثلاثون وصيفة ، بأيديهن الطاسات والجامات والأقداح ، مملوءة ماء

وثلجاً وفقاعاً وشراباً ، فشربت الماء ثم قلت : يا سيدتي ، مع قدرتك على هذا من استواء الحال ، وكثرة الخدم والعبيد والجواري ، فلم لا تأمرين إحدى الجواري أن تقف مراعية للغلام ، حتى إذا مر أعلمتك ، فتخرجين إليه ؟ قالت : لا تغلط يا شيخ ، فتمثلت ؟ عبالة عنق الليث من أجل أنه . . . إذا رام أمراً قام فيه بنفسه ثم انصرفت عنها ، يا أمير المؤمنين ؛ فلما أصبحت غدوت على محمد بن سليمان فوجدت مجلسه محتفلاً بالملوك ، ورأيت غلاماً قد زان المجلس ، وفاق من فيه حسناً وجمالاً ، قد رفعه الأمير فوقه ، فسألت عنه ، فقيل : ضمرة بن المغيرة ، فقلت في نفسي : بالحقيقة حل بالمسكينة ما حل ، هو ، والله ، قاتلها فيما أرى . ثم قمت فقصدت المربد ، ووقفت على باب داره ، فإذا هو قد ورد في موكب جليل ، فوثبت إليه ، وبالغت في الدعاء والثناء ؛ ثم دنوت منه ، وفاوضته في الذي بيني وبينها ، وناولته الرقعة ، فلما قرأها ضحك ، ثم قال : يا شيخ قد استبدلنا بها ، فهل لك في أن تنظر إلى البديل ؟ قلت : نعم . فصاح في الدار : يا جواري ، أخرجن إلينا لذيذاً . فما كان إلا أن طلعت جارية وضيئة الكمين ، ناهدة الثديين ، تمشي مشية مستوحل ، ترتج من دقة خصرها على كبر عجزه ذات فخذين وعجيزتين تختطفان الأنفس اختطافاً ، على رأسها بطيخة من الكافور ، مكتوب علي جبينها : آه من الحب آه . . . ما أقتل الحب وأضناه ودون ذلك مكتوب : عيارةٌ قياسةٌ في الخط . . . رخيمة الدل ، صيودٌ للرجال وقد كتبت بالغالية على عصابتها ثلاثة أسطر ، وهي : إذا غضبت رأيت الناس قتلى . . . وإن رضيت فأرواحٌ تعود لها في عينها لحظات سحرٍ . . . تميت بها ، وتحيي من تريد وتسبي العالمين بمقلتيها . . . فكل العالمين لها عبيد فناولها الرقعة ، وقال : اقرئي وأجيبي صاحبتك . فلما قرأت الرقعة ، اصفرت ، وعرقت ،

ومزقتها ، وضربت بها في وجه الغلام ، وغابت في الستر . فقال لي : أما أنت ، يا شيخ ، فاستغفر الله مما مشيت فيه . قلت : بل أنت استغفر الله من هجرانك إياها ، وتركك إتيانها . والله ما أرى لها في البشر نظيراً . قال : لا أفعل ، ولو أنها في حسن يوسف وكمال حواء . فخرجت ، يا أمير المؤمنين ، وأنا أجر ذيلي حتى وردت عليها ؛ فاستأذنت ودخلت ، فبدأت بي ، فقالت : ما وراء الشيخ ؟ قلت : البؤس واليأس . قالت : لا عليك . فأين الله والقدر ؟ ثم أمرت لي بخمسمائة دينار ، وعشرة أثواب ، وخرجت من عندها وأنا ممتدح لآل سليمان . فلم يكن لي ، والله ، إلا معرفة خبرها في العام الذي عدت فيه إلى البصرة ، فوردت عليها ، فوجدت على بابها أمراً ، ونهياً ، وأسباباً لا تكون إلا على باب الخلفاء . فاستأذنت ، فدخلت ، فإذا فوق رأسها ثلاثون رجلاً من شيوخ وشبان وخدم ، وقوف بسيوفهم ، فلما نظرت إلي ، عرفتني ، ووثبت إلي ، وقبلت رأسي ، وقالت : يا شيخ الحمد لله الذي جعل العبيد بالصبر ملوكاً ، وجعل الملوك بالتيه عبيداً ، إن الذين تراهم وقوفاً ، أصحاب ضمرة ، يسلون سخيمتي ، ويسألونني الرجوع له ، والله ، لا نظرت إليه في وجه ، ولو أنه في حسن يوسف وكمال حواء . فسجدت ، يا أمير المؤمنين ، شماتة بضمرة ، وتقرباً إلى الجارية . فقال بعض حجاب ضمرة : مهلاً يا شيخ ، فمن طاب محضره ، طاب مولده . ثم انصرفوا . فناولتني خريطة فيها أوراق ، فقالت : هذا أول ما ورد علينا منه ، فإذا ثوب خز أبيض يفق ، مكتوب فيه بماء الذهب : بسم الله الرحمن الرحيم . لولا تغاضي عليك ، أدام الله حياتك ، لو صفت شطراً من غدرك ، ولبسطت سوط عتبي عليك ، وحكمت سيف ظلامتي فيك ، إذ كنت الجانية على نفسك ، والمظهرة لسوء العهد وقلة الوفاء ، المؤثرة علينا غيرنا ، فخالفت هواي ، وفرشت نفسك لها ، على حالتي جد وهزل ، وصحو وسكر ، والمستعان الله على ما كان من سوء اختيارك . وقد ضمنت رقعتي هذه ، أبيات شعر ، أنت المتفضلة بالنظر إليها ، وهي : قطع قلبي فراقكم قطعا . . . وكدت أقضي بينكم جزعا ما تكحل العين بالرقاد ولا . . . ينام جنبي في الليل مضطجعا لا عيش لي مذ نأت ولا وجدت . . . عيناي في الأرض قط متسعا قلت لها : أفلا تحدثينني كيف سليت عنه ، وابتلى ؟ قالت : كيف لا أحدثك ؟ افتصدت

تفاحة ، جارية محمد بن سليمان ، فدعينا إلى خورنق لمحمد بن سليمان ، فلما طعمنا ، دعت لنا بالشراب ، فبينا نحن كذلك ، إذا بحراقة سلطانية قد وردت ، وفيها عدة من أبناء الملوك ، وفيهم هذا العيار ، ولا علم لي بمكانه ، وكنت حملت العود وغنيت : أبلى فؤادي وشفني الأرق . . . والدمع من مقلتي يستبق من حب ظبيٍ أغن ذي دعجٍ . . . وقلبه للشفاء منطبق فلما وجبت العتمة انصرفنا ، وأبطأت الجارية ، وأتاني هؤلاء القوم من عنده يسلون سخيمتي ، ويستعطفونني عليه . ثم انصرفت عنها ، يا أمير المؤمنين ، ودخلت الحمام من ساعتي ، فما كان إلا دخلت ، حتى أتاني غلامي ، فقال : جماعة من جلة الناس قد طرقوا دارك يطلبونك . فلبست ثيابي ، وخرجت مسرعاً ، فإذا بضمرة قد كبس داري في عدة من الرؤساء ، فقال : والله ، لا برحنا ، حتى تنفق علينا الخمسمائة دينار التي أخذتها من الجارية ، سيدتي . قلت : أي والله ، بالسمع والطاعة . ثم جذبني إلى نفسه ، فلم يزل يناظرني في أمرها حتى أقبل المساء ، ثم انصرف إلى رحله . فلما كان من الغد ، وردت له رقعة مع خادم ، وكيس فيه الف دينار ، واستزارني ، فقبلت ذلك ، وصرت معه إليه . فلما نظر إلي ، تنحى عن مقعده ، وأقعدني ، ثم قال : هذا قد أعددته ، للنيروز ، لسيدتي هدية ، وأنت أولى من تجشم مع الخادم إليها . قلت : السمع والطاعة . ثم صاح في الدار : هاتوا الهدية . فإذا مائة تخت من ثياب ، وصندوق من ذهب مقفل عليه ، فقال لي : في التخت والصندوق مبلغ ثلاثين ألف دينار ، وأنت أولى من تفضل بالإيصال . فصرنا إليها ، واستأذنا ، فلما مثلنا بين يديها ، أنكرتني وقالت : من الشيخ ؟ قلت : الخليع ، شاعر العراق ؛ ومعي هدية عبدك ضمرة . فصاحت في الدار : تملك فإذا جارية كأنها الظبية المنفلتة من الشبكة ، قالت لها : خذي هذه الهدايا ، وفرقيها على جواري الدار ، ثم قالت : أيطمع الخنوص أن يجتمع معي ، بعد قبولي الهدية ، في ثلاثين سنة ؟ قلت لها : العفو عند المقدرة يعدل عتق رقبة ، قالت : ففي خمس عشرة سنة ؟ قلت لها : أنقصيها ، أولى بك . قالت : ففي ثلاث سنين ، قلت لها : حطة أخرى ، وقد اجتمعنا ، قالت : لا ، والله ، لا آكل ولا أشرب حتى آتيه . وأمرت أن يسرج ؛ وبادرت إلى باب ضمرة مبشراً ،

فما وصلت أو سمعت صلاصل اللجم ، فإذا هي قد سبقتني في جواريها وخدمها . فدخلت ، فإذا هما يتعانقان ويتعاقبان ، فقلت : يا سيدتي ، ما أنتما إلى شئ أحوج منكما إلى خلوة . قالا : هو ذاك فانصرفت عنهما ، ثم بكرت عليهما ، فإذا هي في المرقد الأول جالسة ، عليها جبة وشئ مطير ، وهي تعصر الماء عن ذوائبها ، وتصلح قرونها ، فاستحيتني وقالت : لا تفكرن في ريبة ، فو الله ما صلينا البارحة ، حتى بعثت إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى القاضي ، فزوجت نفسي سيدي . ولكن صر إليه في المرقد الثاني . فصعدت إليه ، فلما نظر إلي ، وثب إلي ، وقبل بين عيني وقال : يا شيخ ، قد جمع الله بيني وبين سيدتي بك . ثم دعا بدواة وقرطاس ، وكتب إلى ابن نوح الصيرفي في ثلاثة آلاف دينار ؛ فرجعت إليها ، فقالت : بماذا برك سيدي ؟ فأقرأتها الرقعة ، فقالت : نعجل إليك مثلها ، فدعت بمال وطيار ووزنت ثلاثة آلاف دينار ، ودعت بعشرة أثواب من ثياب مصر ، وقالت : هذه وظيفتك علينا كل عام ، فخرجت من عندي ، وأخذت مرفوعي من آل سليمان ، وانصرفت إلى العراق . وكان الرشيد متكئاً ، فاستوى جالساً وقال : أوه يا حسين لولا أن ضمرة سبقني إليها ، لكان لي ولها شأن من الشأن . مع الشعراء : ومنه مع الشعراء ، قال : استأذنت بنت لعبد الملك بن مروان في الحج فأذن لها ، وكتب إلى الحجاج يأمره بالتقدم إلى عمر بن أبي ربيعة أن لا يذكرها في شعره ، فلما بلغ عمر مقدمها ، لم يكن له همة إلا أن يتهيأ بأجمل ما يقدر عليه من الحلل والثياب . وضربت لها قبة في المسجد الحرام ، فكانت تكون فيها نهاراً ، فإذا أمست ، تحولت إلى منزلها لتنظر إليه وتجلس بازاء القبة ، وقد خبر عمر بشأنها ، فإذا أرادت الطواف ، أمرت جواريها فيسترنها بالمطاريف ، فكانت تتطلع إلى عمر كثيراً ، وكانت تسأل من دخل عليها عنه ، رجاء أن يكون قد قال شيئاً ، فلم يفعل ، حتى قضت الحج ، ورحلت ، ونزلت من مكة على أميال ، فأقبل راكب من مكة ، فسألته : من أين أقبلت ؟ قال : من مكة ، قالت : عليك وعلي فرقة أنت منها ، لعنة الله . قال : ولم يا ابنة عبد الملك ؟ قالت : قدمنا مكة فأقمنا أشهراً ، فما استطاع الفاسق عمر بن أبي ربيعة أن يزودنا من شعره أبياتاً ، كنا نلهو بها في سفرنا هذا . قال : فلعله قد فعل ، قالت : فاذهب إليه واسأله ، ولك في كل بيت يأتيني به منه عشرة دنانير . فأقبل الرجل ، وأتى عمر بن أبي ربيعة ، فأخبره الخبر ، فقال له : قد فعلت ، ولكن أحب أن تكتم علي . قال : أفعل ، ثم أنشده :

راع الفؤاد تفرق الأحباب . . . يوم الرحيل فهاج لي أطرابي فظللت مكتئباً أكفكف عبرةً . . . سحاً يفيض كوابل الأسراب لما تنادوا للرحيل وقربوا . . . بزل الجمال لطيةٍ وذهاب كاد الأسى يقضي عليك صبابةً . . . والوجه منك لبين إلفك كابي قالت سعيدة ، والدموع ذوارفٌ . . . منها على الخدين والجلباب ليت المعيري الذي لم نجزه . . . فيما أطال تصيدي وطلابي كانت ترد لنا المنى أيامنا . . . إذ لا نلام على هوىً تصابي أيام نكتم ودنا ونوده . . . سراً ، مخافة منطق المغتاب أخبرت ما قالت ، فبت كأنما . . . يرمى الحشا بنوافذ النشاب فبعثت جاريتي وقلت لها : اذهبي . . . قولي لها في خفيةٍ وقراب أسعيد ، ما ماء الفرات وطيبه . . . مني على ظمأ وطيب شراب بألذ منك ، وإن نأيت وقلما . . . ترعى النساء أمانة الغياب إن تبذلي لي نائلاً أشفي به . . . سقم الفؤاد ، فقد أطلت عذابي وعصيت فيك أقاربي ، فتقطعت . . . بيني وبينهم عرى الأسباب فبقيت كالمهريق فضله مائه . . . في حر هاجرةٍ للمع سراب ثم أتى إليها بالأبيات ، فأعجبت بها ، وأمرت جواريها بحفظها ؛ ثم وفت له بما وعدت ، وسلمت إليه في كل بيت عشرة دنانير . وقال : أخبرنا محمد بن خلف ، قال : أخبرني أبو بكر العامري ، قال : حدثني موسى بن أفلح ، مولى فاطمة بنت الوليد بن عبد شمس بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، قال : حدثني بلال ، مولى ابن أبي عتيق ، قال : قام

الحارث بن عبد الله بن عباس بن أبي ربيعة من الحج ، فأتاه ابن أبي عتيق ، فقال : كيف تركت أبا الخطاب ؟ فقال : هجرت الثريا عمر ، فقال : من رسولي إلى الثريا ، فإني . . . ضقت ذرعاً بهجرها ، والكتاب سلبتني مجاجة المسك عقلي . . . فسلوها بما يحل اغتصابي أبرزوها مثل المهاة ، تهادى . . . بين خمس كواعبٍ أتراب وهي ممكورةٌ ، تحير منها . . . في أديم الخدين ماء الشباب وتكنفتها كواعب بيضٌ . . . واضحات الخدود والأقراب في سخاب من القرنفل والدر . . . نفيسٍ ، واهاً له من سخاب قلت لما ضربن بالسجف دوني . . . ليس هذا لودنا بثواب فتبدت ، حتى إذا جن قلبي . . . حال دوني ولائدٌ بالثياب حين شب القتول والعنق منها . . . حسن لونٍ يرف كالزرياب ذكرتني ببهجة الشمس لما . . . طلعت في دجنةٍ وسحاب دميةٌ عند راهبٍ وقسيسٍ . . . صوروها في مذبح المحراب فارجحنت في حسن خلقٍ عميمٍ . . . تتهادى في مشيها كالحباب ثم قالوا : تحبها ؟ قلت ، بهراً . . . عدد الرمل ، والحصى ، والتراب وقال لغلامه : انطلق بكتابي هذا إلى ابن عتيق بالمدينة ، فادفعه إليه ، فأقبل الغلام بالكتاب ، حتى دفعه إليه . فلما قرأه ، قال : والله ، أنا رسوله إليها . فسار ، حتى قدم مكة لا يعلم به أهله ؛ فأتى منزله ، فوجده غائباً ، فانطلق غلام عمر إلى عمر ، فقال : إن رجلاً قدم وهو يطلبك ، من شأنه وهيئته كذا قال : ويحك ، ذاك ابن أبي عتيق ، اذهب إليه فقل له : إن مولاي يأتيك الآن . وكان عمر على فرسخين ، بل على رأس ثلاثة أميال من مكة ، فأتاه الغلام

فأخبره ، فقال : اسرج لي أنت برذون عمر ، فإن دابتي قد تعبت وكلت . فاسرجه له ، فركب وأتى الحمى ، فصهل البرذون ، وسمعت الثريا صهيله ، فقالت لجواريها : هذا هو برذون الخبيث عمر . ثم دعت ببغلةٍ لها ، فوضعت عليه رحلها ، فخرجت ، فإذا هي باين عتيق ، فقالت : مرحباً بعمي . ما جاء بك يا عم ، قال : أنت والفاسق حئتما بي ، قالت : أما والله لو بغيرك تحمل علينا ، ما أجبناه ؛ ولكن ليس لك مدفع أمر ربنا نحوه ؛ فأقبل حتى انتهى إلى عمر ، فخرج عمر إليه ، وقبل يده ، ثم قال : انزل ، جعلني الله فداك . فقال : ماء مكة حرام علي حتى أخرج منها . ثم دعا ببغلته فركبها ، وانصرف إلى المدينة ، وخلا عمر بالثريا . وحدث الزبير بن بكار عن أبي محرم عن إبراهيم بن قدامة ، قال : قال عمر بن أبي ربيعة : ألا أحدثك حديثاً حلواً ؟ قال : قلت : نعم قال : بينا أنا جالسٌ ، إذ جاءني خالد الخريت ، فقال : يا أبا الخطاب هل لك في هند وصواحبها ، فقد خرجن إلى نزهة ؟ قلت : وكيف لي بذلك ؟ قال : تلبس لبسة أعرابي ، وتعتم عمامة ، وتركب مركبة كأنك ناشدٌ ضالةً . قال : ففعلت وجئت ، حتى وقفت عليهن أنشد ضالتي ، فقلن : انزل ، فنزلت ، وقعدت أحادثهن وأغازلهن ؛ فلما رمت النهوض ، قالت لي هند : اجلس ، لا جلست أنت . ألا ترى أنك وقفت علينا غريباً ؛ ونحن ، والله ، وقفنا على غربتك . نحن بعثنا خالداً وخدعناه وأطمعناه في أنفسنا ، حتى جاء بك . فقال خالد : صدقن والله خدعنني وخدعنك . فجلست وتحدثنا ، فأنشدتهن فقالت هند : يا سيدي ، لقد رأيتني منذ أيام ، وقد أصبحت عند أهلي ، فأدخلت رأسي في حبيبي ، ونظرت إلى هني ، فإذا هو ملء الكف ومنية المتمني فناديت : يا عمراه ، يا عمراه . قال عمر : فقلت : يا لبيك ، يا لبيك ، يا لبيك ، ثلاثاً ، ومددت في الثالثة صوتي ، فضحكت ؛ وحادثتهن ساعة ، ثم ودعتهن وانصرفت ، فذلك قولي : عرفت مصيف الحي والمتربعا . . . ببطن خلياتٍ دوارس بلقعا إلى السفح من وادي المغمس بدلت . . . معالمه وبلاً ، ونكباء زعزعا لهندٍ وأتراب لهندٍ إذ الهوى . . . جميعٌ ، وإذ لم نخش أن يتصدعا وإذ نحن مثل الماء كان مزاجه . . . إذا صفق الساقي الرحيق المشعشعا

وإذ لا نطيع الكاشحين ولانرى . . . لواشنٍ لدينا يطلب الصرم مطمعا وقال عمر : ما رأيت يوماً غابت عواذله ، وحضرت عواذره ، بأحسن من يومنا ، ولا صبوة كصبوتنا ، ولا كقيادة خالد ، ولا أملح ؛ ولقد وصفت ذلك في شعر ، فقلت في تمام ما تقدم : أتاني رسولٌ من ثلاث حرائرٍ . . . ورابعةً يزكو لها الحسن أجمعا فقلت لمطريهن في الحسن إنما . . . ضررت ، فهل تسطيع نفعاً فتنفعا لئن كان ماحدثت حقاً لما أرى . . . كمثل الألى أطريت في الناس أربعا وهجت قلباً كان قد ودع الصبا . . . وأشياعه ، فاشفع عسى أن تشفعا فقال : تعال انظر فقلت : فكيف لي . . . أخاف مقاماً أن يشيع ويشنعا فقال : اكتفل ، ثم التثم وأت باغياً . . . فسلم ولا تكثر بأن تتورعا فإني سأخفي العين عنك ولا ترى . . . مخافة أن يفشو الحديث فيسمعا فأقبلت أهوي مثل ما قال صاحبي . . . لموعده أزجي قعوداً موقعا فلما توافقنا ، وسلمت ، أشرقت . . . وجوهٌ زهاها الحسن أن تتقنعا تبالهن بالعرفان لما عرفنني . . . فقلن امرؤٌ باغٍ أضل وأوضعا فلما تنازعن الأحاديث قلن لي : . . . أخفت علينا أن نغر ونخدعا فما جئتنا إلا على وفق موعدٍ . . . على ملإ منا خرجنا له معا رأينا خلاء من عيونٍ ومجلساً . . . دميث الثرى سهل المحلة ممرعا وقلن : كريمٌ نال وصل كرائمٍ . . . وحقٌ له في اليوم أن يتمتعا وفيهن هندٌ تكمل الهم والمنى . . . وإخداع عيني كلما رمت مهجعا

قال : ولما أنشد عمر بن أبي ربيعة ، ابن أبي عتيق ، قصيدته التي فيها يقول : فأتتها طبةٌ عالمةٌ . . . تخلط الجد مراراً باللعب ترفع الصوت إذا لانت لها . . . وتراخي عند سورات الغضب قال ابن أبي عتيق : امرأتي طالقٌ إن لم يكن الناس في طلب مثل هذه ، منذ قتل عثمان ، يجعلونها خليفة ، فلم يقدروا عليها ، وأنت تريدها قواده . قال : ولما هجا كثيرٌ بني ضمرة ، فقال : ويحشر نور المسلمين أمامهم . . . ويحشر في أستاه ضمرة نورها اشتدت بنو ضمرة عليه وعلى عزة ، وأرادوا قتله ، ووضعوا له العيون ، فمكث شهراً لا يصل إليها ؛ فالتقى جميل وكثير ، فشكى أحدهما إلى صاحبه ما يلقى ، فقال جميل : أنا رسولك إلى عزة ، فأخبرني بما كان بينكما . قال : آخر ما لقيتها بالطلحة ، مع أتراب لها . قال : فأتاهم جميل ، وهو ينشد ذوداً له ، ففطنت عزة ، فقالت : تحت الطلحة التمس ذوداً هناك . فانصرف جميل ، فأخبر كثيراً ؛ فلما كان في بعض الليل ، أتيا الطلحة ، وأقبلت عزة وصاحبة لها ، فتحدثا ملياً ، وجعل كثير يرى عزة تنظر إلى جميل ، وكان جميلاً ، وكثير دميماً ، فغضب كثير ، وغار عليها ، وقال لجميل : انطلق بنا قبل أن يصبح علينا الصبح فانطلق ، فعند ذلك يقول : رأيت ابنة الشبلي عزة أصبحت . . . كمحتطب ما يلق بالليل يحطب وكانت تمنينا ، وتزعم أننا . . . كبيض الأنوق في الصفا المتغيب ثم فال كثير لجميل : متى عهدك ببثينة ؟ قال : في أول الصف بوادي الدم ، ومعها جواريها يغسلن ثياباً . فخرج كثير حتى أناخ بهم ، وهو يقول : وقلت لها يا عز أرسل صاحبي . . . على بعد دارٍ ، والرسول موكل بأن تجعلي بيني وبينك موعداً . . . وأن تأمريني بالذي فيه أفعل أما تذكرين العهد يوم لقيتكم . . . بأسفل وادي الدوم ، والترب يغسل فعلمت بثينة ما أراد ، فصاحت : اخسأ ، اخسأ ، فقال عمها : ما دهاك ، يا بثينة ؟ قالت : إن كلباً يأتينا

يأتينا من وراء هذا التل ، فيأكل ما يجد ، ثم يرجع . فرجع كثير ، وقال لجميل : قد وعدتك التل ، فدونك . فخرج جميل وكثير حتى انتهيا إلى الدومات ، وقد جاءت بثينة ، فلم تزل معه حتى برق الصبح ، وكان كثير يقول : ما رأيت مجلساً قط أحسن منه . قال عمر بن شبة عن إسحاق بن إبراهيم الموصلي : حدثني شيخ من خزاعة ، قال : ذكرنا ذا الرمة ، وعندنا عصمة بن مالك الفزاري ، وهو يومئذ ابن عشرين ومائة سنة ، فقال : إياي فاسألوا عنه . كان من أظراف الناس ، خفيف العارضين ، آدم حلو المضحك ، إذا أنشد اختصر ، وأتاني يوماً فقال : إن مية منقرية ، وإن بني منقر أخبث حي ، وأعلمه بأثر ، فهل عندك من ناقة نزورها عليها ؟ فقلت : إي والله ، عندي اثنتان ، قال : فسرنا ، فخرجنا حتى أشرفنا على الحي وهم خلوف ، فعرف النساء ذا الرمة ، فعدلن بنا إلى بيت مي ، وأنخنا عندها ، فقلن لذي الرمة : أنشدنا يا أبا الحارث ، فقال : أنشدهن ، فأنشدتهن قوله : نظرت إلى أظعان مي كأنها . . . ذرى النخل أو أثلٌ تميد ذوائبه فأشعلت النيران والصدر كاتمٌ . . . بمغرورقٍ تمت عليه سواكبه بكى وامقٌ جاء الفراق ولم تجل . . . جوائلها أسراره ومعاتبه فقالت ظريفة منهن : ابكي اليوم ، فمررت فيها حتى انتهيت إلى قوله : إذا سرحت من حب مي سوارحٌ . . . على القلب ، آبته جميعاً عوازبه فقالت الظريفة : قتلته ، قتلك الله فقالت : ما أصحه ، وهنيئاً له . فتنفس ذو الرمة تنفساً كادت حرارته تساقط لحمي ، ثم مررت فيها حتى انتهيت إلى قوله : وقد حلفت بالله مية ، ما الذي . . . أقول لها إلا الذي أنا كاذبه إذاً ، فرماني الله من حيث لا أرى . . . ولا زال في أرضي عدوٌ أحاربه فالتفتت مي إلى ذي الرمة ، فقالت : ويحك خف عواقب الله ، ثم أنشدت إلى أن انتهيت إلى قوله :

إذا نازعتك القول مية ، أو بدا . . . لك الوجه منها ، أو نضا الدرع سالبه فيا لك من خد أسيلٍ ومنطقٍ . . . رخيمٍ ، ومن خلقٍ يعلل جاذبه فقالت تلك الظريفة : أما القول ، فقد نازعتك ، والوجه فقد بدا لك . فمن لنا بأن ينضو الدرع سالبه ؟ فقالت لها مي : قاتلك الله ما أنكر ما تجيئين به اليوم . فتحادثنا ساعة ، ثم قالت تلك الظريفة : ما أحوج هذين إلى الخلوة ، فنهضت وسائر النساء ، فصرت إلى بيت قريب منهما حيث أراهما ، فما ارتبت بشيء ، ولا رأيت أمراً كرهته ، فلبث ساعة ، ثم أتاني ، ومعه قارورة وثلاث قلائد ، فقال : هذا طيب زودتناه مي ، وقلائد أتحفتك بها ابنة الجودي . فكنا نختلف إليها حتى انقضى المربع ، ودعانا الصيف ، فرحلوا قبلنا ، وأتاني ذو الرمة فقال : قد ظعنت مي ، فلم يبق إلا الديار ، والنظر إلى الآثار ، فاخرج بنا إلى دارها ، فخرجت معه ، حتى إذا وقفنا عليها ، أنشأ يقول : ألا فاسلمي يا دار مي على البلى . . . ولا زال منهلاً بجرعائك القطر حتى أتى على آخرها ، ثم انهملت عيناه بصبره . فقلت له : ما هذا ؟ فقال : إني لجليد ، وإن كان مني ماترى . فما رأيت أحداً أحسن شوقاً وصبابة وعزاء منه . وعن سليمان ، راوية أبي نواس ، قال : كنت مع أبي نواس أسير حتى انتهينا إلى درب القراطيس ، فخرج من الدرب شيخ نصراني ، وخلفه غلامٌ كأنه غصن بانٍ يتثنى كأحسن ما رأيت ، فقال : يا سليمان ، أما ترى الدرة خلف البصرة ؟ ثم قال : هل لك أن تأخذ مني رقعة فتوصلها إليه ؟ قلت : بلى . فكتبها ، ودفعها إلي ، فأوصلتها إليه ، فإذا أملح غلام وأخفه روحاً ، فقال : من صاحب الرقعة ؟ قلت : أبو نواس ، قال : أين هو ؟ قلت : على باب درب القراطيس . قال : فليقف مكانه حتى أروح ، وكان في الرقعة : تمر فأستحييك أن أتكلما . . . ويثنيك زهو الحسن عن أن تسلما ويهتز في ثوبيك كل عشيةٍ . . . قضيبٌ من الريحان أضحى منعما فحسبك أن الجسم قد شفه الهوى . . . وأن جفوني فيك قد ذرفت دما

أليس عجيباً عند كل موحدٍ . . . غزالٌ مسيحي يعذب مسلما فلولا دخول النار بعد تنصرٍ . . . عبدت مكان الله عيسى بن مريما وحدثنا الجمباز ، قال : كنت يوماً على باب عدي الدراع ، فمر بي أبو نواس شبيهاً بالمجنون ، فإذا خلفه غلام كأنه مهر عربي ، فقلت له : مالك ؟ فقال : إن الرزية لا رزية مثلها . . . عوز المكان وقد تهيا المركب فعدلت به وبالغلام ، فأقاما سائر يومهما . قال : وكان عبيد الله بن يحي يتعشق غلاماً من دار المتوكل ، يقال له رشيق ، فلا يصل إليه حتى طال ذلك عليه ، وكان أبو الأخطل يخلفه في المركب ، وينبسط إليه ، فقال له أبو عبيد الله يوماً : يا أبا الأخطل من لي برشيق ؟ فقال : الصفر الصفار ، والبيض الصحاح . وجعل عبيد الله يلقى رشيقاً في الدار ، فيخلو به ويساره ، ويعطيه مائة دينار في كل لقية ، إلى أن علم رشيق بما في نفس عبيد الله ، وكان يتعذر عليهما الإجتماع لقضاء الوطر واللذة ، فركب أمير المؤمنين يوماً ، ومعه أبو الأخطل ، فطلب عبيد الله ، وتعمد أبو الأخطل رشيقاً ، فرده إليه ؛ فلما ظفر به في منزله خالياً ، قضى حاجته منه ، وركب يريد أمير المؤمنين مسرعاً ، فوصل إلى الموكب ، وقد تصبب عرقاً ، فقال أبو الأخطل : لا خير عندي في الخلي . . . ل ، ينام عن سهر الخليل قولوا لأكفر من رأي . . . ت لكل معروفٍ جليل هل تشكون لي الغدا . . . ة تلطفي لك في الرسول إذ نحن في صيد الجبا . . . ل ، وأنت في صيد السهول ما قيل فيه من الشعر : وتمشيت في الجميل فأسرعت . . . وإن كنت لست تأتي جميلا إن من مد للقيادة رجلاً . . . لحريٌ بأن يكون نبيلا وقال

آخر : لهواه لإتلاف . . . وملاه لاختلاف ليس يقرا من كتاب . . . الله إلا لإيلاف وقال آخر : إن الرقاشي من تكرمه . . . بلغه الله منتهى هممه يبلغ من بره ورأفته . . . حملان أضيافه على حرمه ومن محاسن ذلك ، حدثنا علي بن الحسين بن علي بن عثمان بن علي بن الحسن ، قال : كانت ضمير جارية مولدة لميمونة بنت الحسن بن علي بن زيد ؛ فأدبتها وعلمتها الغناء فبرعت فيه ؛ وكانت من أحسن الناس وجهاً وبدناً ، وأبرعهم غناء وضرباً ، فأعطيت بها مولاتها عشرة آلاف دينار ؛ فلما أرادت أن تبيعها ، وأحضر المال ، بكت وقالت : يا سيدتي ، ربيتني واتخذتني ولداً ، ثم تريدين بيعي ، فأتغرب عنك ولا أرى وجهك ، قالت : أشهد الله ومن حضر أنك حرة لوجه الله فلما ماتت ميمونة ، خطبها آل أبي طالب وغيرهم ، فغلب عليها جعفر ابن حسن بن حسين ، فتزوجها وأحبها حباً شديداً ، فقدم بها البصرة ، فقال علي بن الحسين ، وكان يجالسها ويسمع غناءها ؛ فأردت الخروج إلى الرضي بخراسان ، فودعت جعفراً وخرجت ، فأقمت بالأهواز أياماً أتهيأ للخروج على طريق فارس ، فورد علي كتاب جعفر أنه قد وقع بينه وبين ضمير شر ، وإنها قد أغلظت له حتى تناولها ضرباً ، وأنها على مفارقته ، وسألني القدوم لأصلح بينهما . فقال علي بن الحسين : وكانت لي حاجة بالرضي ، وكنت أرجو لذلك في وجهي منه ومن المأمون الغنى ؛ فلما قرأت كتابه ، لم أعط صبراً حتى انصرفت راجعاً إلى البصرة ، فجئت إلى جعفر ، فأوقعت به شتماً وعذلاً ، ثم أرسلت إليها : أقسمت عليك بحقي ألا رجعت ؛ فخرجت مرهاء ، شعثة ، وسخة الثياب ، حتى جلست بينهما ، فأقبل جعفر يعطيني من نفسها لها كل ما أريد وهي ساكتة ، ثم قلت : يا جارية ، هاتي العود ؛ فأخذته ، فأصلحت منه حتى تغنت وهي تبكي ، ودموعها تكف :

أرتجي خالقي وأعلم حقاً . . . أنه ما يشاء ربي كفاني لا تلمني ، وارفق خليلي بشأني . . . إنه ما عناك يوماً عناني قال علي بن الحسين : فو الله ما رأيت أحسن منها ، ولا أرق من غنائها بهذا الصوت ، فما برحت حتى اصطلحا ، وألهتني ، والله ، عن الغنى ؛ فأقمت بالبصرة . وعن الكلبي ، قال : بينا عمر بن أبي ربيعة يطوف بالبيت في حال نسكه ، فإذا هو بشاب قد دنا من شابة ظاهرة الجمال ؛ فألقى إليها كلاماً ، فقال له عمر : يا عدو الله ، في بلد الله الحرام ، وعند بيته تصنع هذا ؟ فقال : يا عماه ، إنها ابنة عمي ، وأحب الناس إلي ، وإني عندها لكذلك ، وما كان بيني وبينها من سوء قط أكثر مما رأيت . قال : ومن أنت ؟ قال : أنا فلان بن فلان ، قال : أفلا تتزوجها ؟ قال : أبى علي أبوها ، قال : ولم ؟ قال : يقول ليس لك مال ، فقال : انصرف ، والقني ، فلقيه بعد ذلك ، فدعا ببغلته فركبها ، ثم أتى عم الفتى في منزله ، فخرج إليه فرحاً بمجيئه ، ورحب وقرب ، فقال : ما حاجتك ، يا أبا الخطاب ؟ قال : لم أرك منذ أيام فاشتقت إليك ، قال : فانزل ، فأنزله وألطفه ، فقال له عمر في بعض حديثه : إني رأيت ابن أخيك ، فأعجبني تحركه ، وما رأيت من جماله وشبابه ، قال له : أجل ما يغيب عنك أفضل مما رأيت ، قال : فهل لك من ولد ؟ قال : لا ، إلا فلانة . قال : فما يمنعك أن تزوجه إياها ؟ قال : إنه لا مال له قال : فإن لم يكن له مال ، فلك مال ، قال : فإني أضن به عنه ، قال : لكني لا أضن به عنه ، فزوجه واحتكم ، قال : مائة دينار ، قال : نعم . فدفعها عنه وتزوجها الفتى ، وانصرف عمر إلى منزله ، فقامت إليه جارية من جواريه ، فأخذت رداءه ، وألقى نفسه على فراشها وجعل يتقلب ؛ فأتته بطعام ، فلم يتعرض له ، فقالت : أظنك ، والله ، قد وجدت بعض ما كان يعرض بك من حكم النساء ، فلا تكتمها ، فقال : هاتي الدواة ، فكتب : تقول وليدتي لما رأتني . . . طربت ، وكنت قد أقصرت حينا أراك اليوم قد أحدثت شوقاً . . . وهاج لك الهوى داء دفينا وكنت زعمت أنك ذو عزاء . . . إذا ما شئت فارقت القرينا بعيشك هل أتاك لها رسولٌ . . . يسرك أم لقيت لها خدينا

فقلت شكا إلي أخٌ محبٌ . . . كبعض زماننا إذ تعلمينا وذو القلب المصاب ولو تعزى . . . مشوقٌ حين يلقى العاشقينا فقص علي ما يلقى بهندٍ . . . وأشبه ذاك ما كنا لقينا فكم من خلةٍ أعرضت عنها . . . وكنت بودها دهراً ضنينا أردت فراقها ، فصبرت عنها . . . ولو جن الفؤاد بها جنونا قال : وقال عمر بن أبي ربيعة : بينا أنا خارج محرماً ، إذ أتتني جارية كأنها دمية في صفاء اللجين ، في ثوب قصب كقضيب على كثيب ، فسلمت علي ، وقالت : أنت عمر بن أبي ربيعة ، فتى قريش وشاعرها ؟ قلت : أنا ، والله ، ذاك . قالت : فهل لك أن أريك أحسن الناس وجهاً ؟ قلت : ومن لي بذلك ؟ قالت : أنا والله بذلك ، على شريطة ، قلت : وما هي ؟ قالت : أعصبك وأربط عينيك وأقودك ليلاً ، قلت : لك ذاك . قال : فاستخرجت معجراً من قصب عجرتني به ، وقادتني حتى أتت مضرباً ، فلما توسطته ، فتحت العجارة عن عيني ، فإذا أنا بمضرب ديباج أبيض مزرر بحمرة مفروش بوشي كوفي ، وفي المضرب ستارة مضروبة من الديباج الأحمر ، عليها تماثيل ذهب ، ومن ورائها وجه لم أحسب أن الشمس وقعت على مثله حسنا وجمالاً ، فقامت كالخجلة ، وقعدت قبالتي ، وسلمت علي ، فخيل لي أن الشمس تطلع من جبينها ، وتغرب في شقائق خدها ، قالت : أنت عمر ابن أبي ربيعة ، فتى قريش وشاعرها ؟ قلت : أنا ذلك ، يا منتهى الجمال قالت : أنت القائل : بينما ينعتنني ، أبصرنني . . . دون قيد الميل ، يعدو بي الأغر قالت الكبرى : أتعرفن الفتى ؟ . . . قالت الوسطى : نعم ، هذا عمر قالت الصغرى ، وقد تيمتها : . . . قد عرفناه ، وهل يخفى القمر ؟ قلت : أنا ، والله ، قائلها يا سيدتي ، قالت : ومن هؤلاء ؟ قلت : يا سيدتي ، ماهو عن قصد مني ، ولا في جارية بعينها ، ولكني رجل شاعر أحب الغزل وأقول في النساء قالت :

يا عدو الله ، يا فاضح الحرائر . أنت قد فشا شعرك بالحجاز ، وأنشده الخليفة والأمراء ، ولم يكن في جارية بعينها ؟ يا جواري ، أخرجنه . فخرجت الوصائف ، فأخرجنني ، ودفعنني إلى الجارية ، فعجرتني ، وقادتني إلى مضربي ، فبت بليلة كانت أطول من سنة ، فلما أصبحت ، بقيت هائماً لا أعقل ما أصنع ، فما زلت أرقب الوقت ؛ فلما كان وقت المساء ، جاءتني الجارية ، وسلمت علي ، وقالت :

يا عمر هل رأيت ذلك الوجه قلت : أي والله . قالت : فتحب أن أريكه ثانية ؟ قلت : إذا تكرمت ، فتكونين أعظم الناس علي منه فقالت : على الشريطة ؛ فاستخرجت المعجر ، وعجرتني وقادتني ، فلما توسطت المضرب ، فتحت العصابة ، عن وجهي ، فإذا أنا بمضرب ديباج أحمر مدثر ببياض مفروش بفرش ارمني ، فقعدت على نمرقة من تلك النمارق ، فإذا أنا بالشمس الضاحية قد أقبلت من وراء الستر تتمايل من غير سكر ، فقعدت كالخجلة ، فسلمت علي ، وقالت : أنت عمر بن أبي ربيعة ، فتى قريش وشاعرها ؟ قلت : أنا ذاك قالت : أنت القائل : وناهدة الثديين قلت لها : اتكي . . . على الرمل في ديمومةٍ لم توسد فقالت : على اسم الله أمرك طاعةٌ . . . وإن كنت قد كلفت ما لم أعود فما زلت في ليلٍ طويلٍ ملثماً . . . لذيذ رضاب المسك كالمتشهد فلما دنا الإصباح قالت فضحتني ، . . . فقم غير مطرودٍ ، وإن شئت فازدد فما ازددت منها ، واتشحت بمرطها . . . وقلت لعيني : اسفحا الدمع من غد فقامت تعفى بالرداء مكانها . . . وتطلب شذراً من جمان مبدد قلت : أنا قائلها . قالت : فمن الناهدة الثديين ؟ قلت : يا سيدتي ، قد سبق في الليلة الأولى ؛ والله ، ما هو مني قصد ، ولا في جارية بعينها ، ولكني رجل شاعر أحب الغزل وأقول في النساء . قالت : يا عدو الله ، أنت قد فشا شعرك بالحجاز ، ورواه الخليفة ، وتزعم أنه لم يكن في جارية بعينها ؟ يا جواري ، ادفعنه . فوثبت الجواري ، فأخرجنني ودفعنني إلى الجارية ، فعجرتني ، وقادتني إلى مضربي ، فبت في ليلة كانت أطول من الليلة الأولى . فلما أصبحت ، أمرت بخلوق ، فضرب لي ، وبقيت ارقب الوقت هائما ؛ فلما كان وقت المساء ، جاءتني الجارية ، فسلمت علي وقالت : يا عمر هل رأيت ذلك الوجه ؟ قلت : أي والله ، قالت : أفتحب أن أريكه الثالثة ؟ قلت : إذن تكونين أعظم الناس علي منة . قالت : على الشريطة ؟ قلت : نعم . فاستخرجت المعجر ، وعجرتني به ، وقادتني حتى أتت بي المضرب ، فلما توسطته ، فتحت العصابة عن عيني ، فإذا أنا في مضرب ديباج أخضر مدثر بحمرة ، مفروش بخز أحمر ، وإذا أنا بالشمس الضاحية قد أقبلت من وراء الستر كحور الجنان ، فسلمت علي وقالت : أنت عمر بن أبي ربيعة ، فتى قريش ، وشاعرها ؟ قلت : أنا ذاك قالت : أنت القائل : نعب الغراب ببين ذات الدملج . . . ليت الغراب ببينها لم يشحج ما زلت أتبعهم وأتبع عيسهم . . . حتى دفعت إلى ربيبة هودج قالت : وعيش أخي ، وحرمة والدي . . . لأنبهن الحي إن لم تخرج فلثمت فاها آخذاً بقرونها . . . شرب النزيف ببرد ماء الحشرج فتناولت كفي لتعرف مسها . . . بمخضب الأطراف غير مشنج قلت : أنا قائلها ، قالت : يا عدو الله ، أنت الذي فضحتها ونفسك ، وجهي من وجهك حرام ، إن عدت إلي . يا جواري أخرجنه فوثب إلي الوصائف ، وأخرجنني ، ودفعنني إلى الجارية ، فعجرتني وقادتني ، وقد كنت عند خروجي من مضربي ضربت يدي بالخلوق ، وأسدلت عليها ردائي ؛ فلما صرت إلى باب مضربها ، أخرجت يدي ، ووضعتها على جانب المضرب وضعاً بيناً ، فلما أصبحت ، صحت بغلماني وعبيدي ، ولي ألف عبد : من أتاني بخبر المضرب الذي ضرب فيه بكذا وكذا ، فهو حر لوجه الله . فلما كان في وقت المساء ، أتتني وليدة سوداء ، فقالت : قد عرفت المضرب ، وهو لرملة أخت عبد الملك بن مروان . فأعتقتها ، وأمرت لها بمائتي دينار ، وأمرت بمضربي ، فقلع ، وضرب بحذاء مضربها ، وكتب بالخبر إلى عبد الملك بن مروان ، فكتب إليها بالرحيل ؛ فركبت هودجها ، وركبت فرسي ، فزاحمتها في بعض الطريق ، فأشرفت علي من هودجها ، فقالت : إليك عني ، أيها الرجل قلت : خاتم أو قميص أذكرك به . فقالت لبعض جواريها : ألقي إليه قميصاً من قمصي . فأخذته

وأنا أقول : فلا وأبيك ما صوت الغواني . . . ولا شرب التي هي كالفصوص أردت برحلتي وأريد خطاً . . . ولا أكل الدجاج ، ولا الخبيص قميصٌ ما يفارقني حياتي . . . أنيسٌ في المقام وفي الشخوص وجعلت أنزل بنزولها ، وأركب بركوبها ، حتى كنا من الشام على ثلاث مراحل ؛ فاستقبلها عبد الملك في خاصته ، فدخل إليها ثم قال : يا رملة ، ألم أنهك أن تطوفي بالبيت إلا ليلاً ، يحفك الجواري ، ويحف الجواري الخدم ، ويحف الخدم الوكلاء لئلا يراك عمر بن أبي ربيعة ؟ قالت : والله ، وحياة أمير المؤمنين ، ما رآني ساعة قط ، فخرج من عندها ، فبصر بمضربي ، فقال : لمن المضرب قيل : لعمر بن أبي ربيعة . قال : علي به . فأتيته بلا رداء ، ولا حذاء ، فدخلت عليه وسلمت عليه ؛ قال : يا عمر ، ما حملك على الخروج من الحجاز من غير إذني ؟ قلت : شوقاً إليك ، يا أمير المؤمنين ، وصبابة إلى رؤيتك . فأطرق ملياً ، ينكت في الأرض بيده ، ثم رفع رأسه فقال : يا عمر ، هل لك في واحدة ؟ قلت : وما هي ، يا أمير المؤمنين ؟ قال : رملة ، أزوجكها ، قلت : يا أمير المؤمنين ، وإن هذا لكائن ، قال : أي ، ورب السماء ، ثم قال : قد زوجتك ، فادخل عليها من غير أن تعلم ، فدخلت عليها ، فقالت : من أنت ؟ هبلتك أمك . فقلت : يا سيدتي ، أنا المعذب في الثلاث ، فارتحلت وأنا عديلها ، فأنشأت أقول : لعمري ، لقد نلت الذي كنت أرتجي . . . وأصبحت لا أخشى الذي كنت أحذر فليس كمثلي اليوم كسرى وهرمزٌ . . . ولا الملك النعمان مثلي ، وقيصر فلم أزل معها بأحسن عيشة وغبطة .
محاسن الدبيب
قال الأصمعي : أخبرني رجل من بني أسد أنه خرج في طلب إبل قد ضلت ؛

فبينا هو يسير في بلاء وتعب ، وقد أمسى في عشية باردة ، إذ رفعت له أعلام ، قال : فقصدت بيتاً منها ، فإذا أنا بامرأة جميلة ذات جزالة ، فسلمت فردت علي السلام ، ثم قالت : أدخل ، فدخلت ، فبسطت لي ، ومهدت ، وإذا في حجرها صبي أطيب ما يكون من الولدان . فبينا هي تقبله ، إذ أقبل رجل أمام الإبل ، دميم المنظر ، ضئيل الجسم ، كأنه بعرةٌ دمامةً واحتقاراً ، فلما بصر به الصبي ، هش إليه وعدا في تلقائه ، فاحتمله وجعل يقبله ويفديه ، فقلت في نفسي : أظنه عبداً لها . فجاءني ووقف بباب الخيمة وسلم ، فرددت عليه السلام ؛ فقال : من ضيفكم هذا ؟ فأخبرته ، فجلس إلى جانبها ، وجعل يداعبها ، فطفقت أنظر إليها تارةً ، وإليه أخرى ، أتعجب من اختلافهما ، كأنها الشمس حسناً ، وكأنه القرد قبحاً ، ففطن لنظري ، وقال : يا أخا بني أسدٍ ، أترى عجباً ؟ قال : تقول أحسن الناس وجهاً ، وأقبح الناس وجهاً ، فليت شعري كيف جمع بينهما ؟ أخبرك كيف كان ذلك ؟ قلت : ما أحوجني إلى ذلك قال : كنت سابع أخوتي كلهم ، لو رأيتني معهم ظننتني عبداً لهم ، وكان أبي وأخوتي كلهم أصحاب إبل وخيل ، وكنت من بينهم مطروحاً لكل عمل دنيء ، للعبودية تارة ، ولرعي الإبل أخرى ؛ فبينا أنا ذات يوم تعبٌ مكتئبٌ ، إذ ضل لنا بعير ، فتوجه أخوتي كلهم في بغائه ، فلم يقدروا عليه ، فأتوا أبي وقالوا : ابعث فلاناً ينشد لنا هذا البعير ، فدعاني أبي وقال : أخرج فانشد هذا البعير . فقلت : والله ما أنصفتني ولا بنوك . أما إذا الإبل درت ألبانها ، وطارت ركوبها ، فأنتم جماعة أهل البيت أربابها ، وإذ ندت ضلالها فأنا باغيها . فقال : قم ، يا لكع ، فإني أراه آخر يومك . فغدوت مقهوراً ، خلق الثياب ، حتى أتيت بلاداً لا أنيس بها ، فطفقت يومي ذلك أجول في القفر ؛ فلما أمسيت ، رفعت لي أبيات ، فقصدت أعظم بيت منها ، فإذا امرأة جميلة مخيلة للسؤدد والجزالة ، فبدأتني بالتحية وقالت : انزل عن الفرس ، وأرح نفسك . فأتتني بعشاء ، فتعشيت ، وأقبلت هذه تسخر مني وتقول : ما رأيت كالعشب أطيب ريحاً منك ، ولا أنظف ثوباً ، ولا أجمل وجهاً . فقلت : يا هذه دعيني وما أنا فيه ، فإني عنك في شغل شاعل ، فأبت علي وقالت : هل لك أن تلج على السجف إذا نام الناس ؟ فأغراني - والله - الشيطان ؛ فلما شبعت من القرى ، وجاء أبوها وأخوتها ، فضجعوا أمام الخيمة ، قمت ووكزته برجلي . قالت : ومن أنت ؟ قلت : الضيف . قالت : لا حياك الله ، أخرج ، عليك لعنة الله ؛ فعلمت أني لست

في شئ من أمرها ؛ فوليت راجعاً ، فواثبني كلب كأنه السبع لا يطاق ، فأراد أكلي ، فأنشب أنيابه في مدرعة صوف كانت علي ، وجعل يمزقني ، فردني القهقرى ، وتعذر علي الخلاص ، فأهويت أنا والكلب من قبل عقبي في بئر أحسن الله إلي أنه لا ماء فيها ؛ فلما سمعت المرأة الواغية ، أتت بحبلٍ فأدلته ، وقالت : إرتق ، لعنك الله ؛ فو الله لولا أنه يقتص أثري غداً ، لوددت أنها قبرك . فاعتنقت الحبل ، فلما كدت أن أتناول يدها ، قضي أن تهور ما تحت قدميها ، فإذا أنا ، وهي ، والكلب في قرارة البئر ؛ بئر أيما بئر ؟ إنما هي حفرة لا طي لها ، ولا مرقاة ، كأشد بلية بنا عضاً : الكلب ينبح من ناحية ، وهي تدعي بالويل والثبور من ناحية ، وأنا منقبع قد برد جلدي على القتل من ناحية . فلما أصبحت أمها ، فقدتها ، فلما لم ترها ، أتت أباها ، فقالت : يا شيخ ، أتعلم أن ابنتك ليس لها أثر يحس ؟ وكأن ابوها عالماً بالآثار ، تابعاً لها ، فلما وقف على شفير البئر ، ولى راجعاً ، فقال لولده : يا بني أتعلمون أن أختكم وضيفكم وكلبكم في البئر ؟ فبادروا كالسباع ، فمن بين آخذٍ حجراً ، وآخذٍ سيفاً أو عصاً ، وهم يومئذ يريدون أن يجعلوا البئر قبري وقبرها ؛ فلما وقفوا على شفير البئر ، قال أبوهم : إن قتلتم هذا الرجل ، طولبتم بدمه ، وإن تركتموه افتضحتم . وقد رأيت أن أزوجها إياه ، فو الله ما يقدح لها في نسب ولا في حسب . ثم قال لي : أفيك خيراً ؟ فلما شممت روح الحياة ، وثاب إلي عقلي ، قلت : وهل الخير كله إلا في ؟ فهات أحتكم . فقال : مائة بكرة وبكرة ، وجارية وعبد ، فقلت : لك ذلك ، وإن شئت فازدد . فأخرجت أولاً ، والكلب ثانياً ، وأخرجت ثالثاً ، فأتيت أبي ، فقال : لا أفلحت ، فأين البعير ؟ قلت : أربع عليك ، أيها الشيخ ، فإنه كان من القصة كيت وكيت ، قال : أفعل ، والله ، ولا أخذلك . فدعا بالإبل ، فعد منها مائة بكرة وبكرة ، وسقناها مع جارية وعبد وأخذت منه هذه غرة نفسها . قال : والله كذلك ، وجعلت تصدف عن حديث زوجها صدوف المهرة العربية سمعت لجامها ، وربما قالت : لا أطاب الله خبرك .

ضده مساوئ الدبيب
قال : وقيل لخراش الأعرابي : حدثنا ببعض هناتك . قال خرجت في بغاء ذود لي ، فدفعت في عشية شاتية إلى أخبية كثيرة ، فضافوا وحيوا ورحبوا ، فلما أدرت النوم ، أقاموا فتاة لهم من موضع مبيتها ، وجعلوني مكانها لئلاً أتأذى بالغنم . وإني لمضطجع ، إذا أنا بيد إنسان يجامشني ، ويريد في الظلمة مؤاتاتي ؛ فقعدت ، فإذا أنا برجل يمد يده ، ومعه علبة فيها أرنب مشوية ، فأخذتها وجعلتها في شئ كان معي . ثم مد يده ثانياً ، فناولته يدي ، فأقتبضني على غرمول كمثل الوتد ، فلم أنفر منه ، ولم أره وحشة ؛ وجررت ما عندي ، وتناوبت يده ، فأقبضته على مثل ما أقبضني عليه ، ففطن ، ورمى بملحفة خز كانت عليه ، ووثب مذعوراً ، فنفرت الإبل ، وهاجت الغنم ، وكدت أغشى لما بي من الضحك ، وأخفيت ما بي وكتمته . فلما أصبحت ، ركبت راحلتي ، ومعي الملحفة والعلبة والأرنب . امتد الضحى ، إذا أنا بإبل فأخذت نحوها ، فإذا شابٌ حسن الهيئة ؛ فسلمت عليه ، فرد السلام ثم قال : إن كان معك ما نأكل مصب من هذا الوطب . فأخرجت العلبة ، فلما رآها عرفها ، وقال : إنك هو ؟ قلت : وما هو ؟ قال : صاحب البارحة ؟ قلت : نعم ، إن كنت إياه ، قال : الحمد لله الذي أتى بك ، لو لم تأت لظننت أني أوسوس وذلك أني لصاحبة الستر عاشق ؛ وتعلم ما فعلت وما فعلت البارحة ، ولا تطيقت حتى ابتلاني الله بك البارحة ، وجعلت أقول حين أقبضتني عليه : أتراها تحولت رجلاً ؟ وإني لفي شك من أمري حتى أتاني الله بك . فأكلت أنا وهو ، الأرنب ، وشربنا من اللبن ، وصرنا أصدقاء . قال الأصمعي : أتى خالد بن عبد الله أعرابي ، فأضافه وأحسن إليه وبذل له صحن الدار ؛ فلما كان في بعض الليل ، اشرف عليه يتعاهد منه ما كان يتعاهد من ضيفه ، فإذا هو قد دب على جارية ، وهو على بطنها ، فأعرض عنه ؛ فما لبث الإعرابي أن فرغ وقام يمسح فيشلته ، فضربته عقرب ، فصاح واستغاث ، وأشرف خالد عليه وهو يقول : وداري إذا نام سكانها . . . تقيم الحدود بها العقرب إذا غفل الناس عن دينهم . . . فإن عقاربنا تغضب

قال : وكان أعرابي ضيفاً لقومٍ ، فنظر إلى جارية جميلة ، فدب إليها ، فإذا عجوز في صحن الدار تصلي ، فعاد إلى فراشه ، ثم عاودها فنبح الكلب ، ثم عاد إليها ، فإذا القمر قد طلع ، فنشأ يقول : لم يخلق الله خلقاً كنت أكرهه . . . إلا العجوز وعين الكلب والقمر هذا يصيح وهذا يستضاء به . . . وهذه شيخةٌ قوامة السحر وقال : وشرب سعيد بن حميد البصري عند راشد ، فدب على غلامه ، فكتب إليه سعيد : ما سمعنا من قبلها بأديبٍ . . . بارع الظرف ، ماجدٍ ، قمقام ضل عنه ، وهو المهذب علماً . . . فتكات الكؤوس بالأحلام أين ما جاء من حديث رسول ال . . . له مولاي سيد الأحكام ما على مثقلٍ من النوم ، والسك . . . ران عيبٌ فيما أتى من أثام ثم أين الذي به حكم المأ . . . مون في الظرف منه ، والإسلام أيما ماجد أراد سروراً . . . باجتماعٍ من معشر الندام ، فعليه طي البساط بما قد . . . سنة السكر من قبيحٍ وذام حلت بيني وبين عقلي بأرطا . . . لك ، والمترعات من كل جام ثم وكلت في العسوف رشيقاً . . . فسقاني بظرفه والمدام ، ثم باكرتني بعتبك واللو . . . م ، لقد حدت عن سبيل الكرام وتغضبت أنني قدت عمراً . . . ثم ثنيت ، بعده ، بغرام هل رأيت الإله يأخذ مجنو . . . ناً بسكرٍ ، أو حالما في منام لن تراني معاشراً لك ما عش . . . ت ، ولو دمت عائشاً ألف عام

أو ترى تائباً ، وتستغفر الل . . . ه ، لما كان من شنيع الكلام فأجابه راشد ، فقال : يا أبا جعفرٍ ، سليل المعالي . . . ونجيب الأخوال والأعمام إن يكن قد أتاك عني موحٌ . . . لم يكن عن حقيقةٍ في الكلام أو أكن فيه كالذي كان يغدو . . . بملامٍ عليك في اللوام إنني عالمٌ بأنك لم تأ . . . ت قبيحاً ولا ارتكاب الأثام هو ذنب المدام لا ذنب خلٍ . . . لم يزل حافظاً لعهد الذمام ثم ذنب العيون يا بن حميدٍ . . . فله الذنب بعد إست غرام قعدا في طريق أيرك حتى . . . عرضاه للظن والإتهام فتغمد أخاك بالصفح فالصف . . . ح دليلٌ على سجايا الكرام إنني تائبٌ واستغفر الل . . . ه لما كان من شنيع الكلام ما قيل في ذلك من الشعر : فما أعينٌ على ساق نرجسٍ . . . تضاحك عين الشمس بالمقل الصفر بأحسن ممن زارني بعد هجعةٍ . . . يميس هوينا في الظلام على ذعر قال : ودب رجل على قينةٍ في مجلس ، فغنت : ماذا يشوش طرتي . . . يا قوم في وقت السحر ماذا يعالج تكتي . . . ويلاه عذبني السهر وقال علي بن حمزة : متورد الخدين من خجل . . . متخاذل الأعضاء من كسل

خاض الدجا ، والشوق يحمله . . . وأتاك يمشي غير منتعل ما راعني إلا تدافعه . . . كالغصن بين الصدر والكفل وقال عمر بن أبي ربيعة المخزومي : قالت ، وأبثثتها سري وبحت به : . . . قد كنت عندي تحب الستر ، فاستتر ألست تبصر من حولي ؟ فقلت لها : . . . غطى هواك ، وما ألقى ، على بصري
محاسن الباه
حكي عن عالج ، جارية مكشوح ، أنها حدثت مولاتها أنها كانت تغتسل كل يوم . فسألتها عن ذلك ، فقالت : يا هذه إنه يجب على المرأة ما يجب على الرجل بعد احتلامه . قالت : أو تحتلمين ؟ قالت : إنه لا تأتي علي ليلة لا أجامع فيها إلا وأحتلم . قالت : فكيف يكون ذلك ؟ قالت : أرى كأن رجلاً يجامعني . ولقد رأيت ليلة كأني مررت بدكان أبي مالك الطحان وبغل له واقف قد أدلى ، ورماني تحته ، وأولجه ، فاحتلمت ؛ ثم انتبهت ، وأنا أجد معكة في مراق بطني ، ولذة في سويداء قلبي . وكان هذا البغل إذ أدلى حك الأرض برأس أيره ، وضرب به في بطنه ، فترى الغبار يتطاير عن يمينه وشماله . قال : وكانت مهدية بنت جبير التغلبية تقول : ما في بطن الرجل بضعة أحب إلى المرأة من بضعة تناط بعقد الحالبين ، ومنفرح الرجلين . حدثني جهمٌ قال . قلت لامرأة من كلب : ما أحب الأشياء من الرجال إلى النساء ؟ قالت : ما يكثر الأعداد ، ويزيد في الأولاد ، حربة في غلاف تناط بحقوي رجل جاف ، إذا غامس أوهى ، وإذا جامع أنجى . قال : وقال أبو ثمامة لامرأة من زبيد ، وهي تبكي عند قبر من الميت : لم تبكين ؟ قالت : كان يجمع بين حاجبي والساق ، ويهزني هز الصارم الأعناق ، والله لولا ما ذكرته لك ، ما استهلت بالدموع عيناي ، وقد كذبتك امرأة تبكي على زوجها لغير ما أعلمتك . قال : وركب الرشيد حماراً مصرياً ، وطاف على جواريه ، فقالت له واحدة : يا مولاي ، ما أكثر

ما تركب هذا الحمار قال : لأنه يسب طيغور ، قالت : فمن يسب طيغور يركب ؟ قال : نعم . قالت : ففي حر أم طيفور . قال : فنزل ووقعها . وأنشد في مثله : نظرت إليها حين مرت كأنها . . . على ظهر عادي فتاةٌ من الجن ولي نظرٌ لو كان يحبل ، ناظرٌ . . . بنظرته أنثى ، لقد حبلت مني
ضده في مساوئ العنين
قال بعضهم : تزوج العجاج امرأة يقال لها الدهناء بنت مسحل ، فلم يقدر عليها ، فشكت ذلك إلى أهلها ، فسألوه فراقها ، فأبى ، وقال لأبيها : تطلب لابنتك الباه ؟ قال : نعم ، عسى أن ترزق ولداً ، فإن مات كان فرطاً ، وإن عاش كان قرة عين . فقدموه إلى السلطان ، فأجله شهراً ثم قال : قد ظنت الدهنا وظن مسحل . . . أن الأمير بالقضاء يعجل عن كسلاتي والحصان يكسل . . . عن السفاد وهو طرفٌ هيكل ثم أقبل على امرأته ، فضمها إلى صدره ، فقالت : تنح لن تملكني بضم . . . ولا بتقبيل ولا بشم إلا بزعزاعٍ يسلي همي . . . يسقط منه فتحي في كمي يطير منه حزني منه حزني وغمي وروى ابن أبي الدنيا أن إعرابياً أخبره أن امرأة منهم زفت إلى رجل ، فعجز عنها ، فتذاكر الحي أمر الضعفاء من الأزواج عن الباه ، وامرأة الأعرابي تسمع . فتكلمت بكلام ليس في الأرض أعف منه ، ولا أدل على عجز الرجل عن النساء ، فقالت متمثلة : تبيت المطايا حائداتٍ عن الهدى . . . إذا ما المطايا لم تجد من يقيمها قال

الرقاشي : حدثني أبو عبيدة ، قال : سمعت ناساً من الحجاز يقولون : تزوج رجل منا امرأة ، فعجز عنها ، إلا أنه إذا لامسها ، ابتأر فيها ، فقضي أن حملت ، وما مكثت إلا أن رأس ولدها ، فجلس في المجلس ، فقال له قائل : لقد جئت من بلل قليل ، قال : جئت من بلل لو أصاب مغيض أمك لكان كما قال الشاعر : رطب الطباع إذا حركت جوهره . . . وجدت أعضاءه غرقى من البلل ولم أهجنه إلا أنه رجلٌ . . . قلت سلامته من جانب الكفل قال الهلالي : رأيت وافر بن عصام يساير المهدي ، فحدثه بحديث فضحك ، فقلت له : ما لهن عندي إلا حديث ابن حرم ، قال : وما حديثه ؟ قلت : عمر حتى بلغ الثمانين ، فتزوج ابنة عم له ، فلما أهديت إليه ، قعد بين شقيها ، فأكسل ، وأراق على بطنها ، فأقبل عليها كالمعتذر ، فقال : هذا خير من الزناء ، قالت : كل ذلك لا خير فيه . قال : وشكت امرأة زوجها ، وأخبرت عن عجزه إنه إذا سقط عليها انطبق ، والنساء يكرهن وقوع الرجل على صدورهن ، فقالت : زوجي عياياء ، طباقاء ، وكل داء له دواء . وقيل في ذلك : جزاك الله شراً من رفيقٍ . . . إذ بلغت من ركب النساء رماك الله من عرق بأفعى . . . ولا عافاك من جهد البلاء أجبنا في الكريهة حين تلقة . . . ونفطاً حين تغبر في الخلاء ؟
محاسن النيروز والمهرجان
قال الكسروي : كان أول من أبدع النيروز ، وأسس منازل الملوك ، وشيد معالم السلطان ، واستخرج الفضة والذهب والمعدن ، واتخذ من الحديد آلات ، وذلل الخيل وسائر الدواب ،

واستخرج الدر وجلب المسك والعنبر وسائر الطيب ، وبنى القصور واتخذ المصانع ، وأجرى الأنهار كيا خسرو بن أبرويز جهان وتفسيره : حافظ الدنبا بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السلام . وكان الأصل فيه أنه ، في النيروز ، ملك الدنيا ، وعمر أقاليم إيران شهر ، وهي أرض بابل ، فيكون النيروز في أول ما اجتمع ملكه ، واستوت أسبابه ، فصارت سنة ، وكان في ملكه ألف سنة وخمسين سنة ، ثم قتله البيوراسف ، وملك بعده ألف سنة إلى أفريدون بن أثفيان ، وفيه يقول حبيب : وكأنه الضحاك في فتكاته . . . بالعالمين ، وأنت أفريدون فطلب البيوراسف ، وملك بعده ألف سنة وخمسين سنة ، وأسره بأرض المغرب ، وكبله وسجنه بحبل دنياوند ، واستوفى عدة ما كتب الله له من عمره ، واتفق لأفريدون سجن البيوراسف يوم النصف من مهرماه ومهرروز ، فسمى ذلك اليوم المهرجان ؛ فالنيروز لحم ، والمهرجان لأفريدون . والنيروز أقدم من المهرجان بألفي وخمسين سنة . وقسم جمه أيام الشهر ، وجعل الخمسة الأيام الأولى للأشراف ، وبعد خمسة أيام نيروز الملك ، يهب فيها ويصل ، ثم بعدها خمسة أيام لخدم الملك ، وخمسة أيام لخواص الملك ، وخمسة أيام لجنده ، وبعدها خمسة أيام للرعاع ، فذلك ثلاثون يوماً . وابتدع المهرجان أفريدون لما أسر البيوراسف روزمهر ، وكان الملك إذا لبس زينته ، ولزم مجلسه في هذين اليومين ، أتاه رجل رضي الإسم ، مختبر باليمن ، طلق الوجه ، ذلق اللسان ، فيقوم قبالة الملك ، ويقول : ائذن لي بالدخول فيسأله : من أنت ؟ ومن أين جئت ؟ وأين تريد ؟ ومن سار بك ؟ ومع من قدمت ؟ وما الذي معك ؟ فيقول : جئت من عند الأيمنين ، وأريد الأسعدين ، وسار بي كل منصور ، واسمي خجسته ، أقبلت معي السنة الجديدة ، وأوردت إلى الملك بشارة ، وسلاماً ، ورسالة . فيقول الملك : ائذنوا له ، فيقول له الملك : ادخل ، ويضع بين يديه كوباً من فضة ، قد جمع في نواحيه أرغفة قد خبزت من أنواع الحبوب من البر والشعير والدخن والذرة والحمص والعدس والأرز والسمسم والباقلي واللوبيا ، وجمع من كل صنف من هذه الحبوب سبع حبات ، فجعل في جوانب الخوان ، ووضع في وسطه سبعة من قضبان الشجر التي يتفاءل بها وباسمها ،

ويتبرك بالنظر إليها كالخلاف والزيتون والسفرجل والرمان ، منها ما يقطع على عقدة ، ومنها على عقدتين ، ومنها على ثلاثة ، ويجعل كل قضيب باسم كورة من الكور ، ويكتب في مواضع ابزود وابزائد وابزون وبروار وفراخى وفراهيه تأويله زاد ويزيد وزيادة ورزق وفرح وسعة ، ويوضع سبع سكرجات بيض ، ودراهم بيض من ضرب سنته ، ودينار جديد ، وضغث من أسبند ، ويتناول ذلك كله ، ويدعو له بالخلود ودوام الملك والسعادة والعز ، ولا يؤامر يومه في شئ ، إشفاقا من أن يبدو منه ما يكره ، فجرى على سنته ، وكان أول ما يقدم إليه صينية ذهب أو فضة ، عليها سكر أبيض ، وجوز هندي مقشر رطب ، وجامات فضة أو ذهب ، ويبتدئ باللبن الحليب الطري منه ، قد أنقع فيه تمر طري ، فيتناول بالنارجيل تميرات ، ويتحف من أحب منه ، ويذوق ما أحب من الحلوى ، وكان يرفع في كل يوم من أيام النيروز باز أبيض ، وكان ممن يتيمن بابتدائه في هذا اليوم ، لقمة من اللبن الصرف الطري والجبن الطري ، وكان جميع ملوك فارس يتبركون بذلك ، وكان يسرق له في كل يوم نيروز ماء في جرة من حديد أو فضة ، ويقول : استرق هذين الأسعدين ، ويتحمل الأيمنين ، وجعل في عنق الجرة قلادة من يواقيت خضر منظمة في سلك الذهب ممدود ، فيها خرز من زبرجد أخضر ، ولم يكن يسرق ذلك الماء إلا الأبكار من أسافل دارات الأرحاء ، وصنائع الغنى ، فكان متى اجتمع النيروز في يوم السبت ، أمر الملك لرأس الجالوت بأربعة آلاف درهم ، ولم يعرف له سبب أكثر من أن السنة جرت منهم بذلك ، فصارت كالجزية ، فكان يبنى قبل النيروز بخمسة وعشرين يوماً ، في صحن دار الملك ، اثنتا عشرة اسطوانة من لبن ، تزرع اسطوانة منها براً ، واسطوانة شعيراً ، وأخرى أرزاً ، وأخرى عدساً ، وأخرى باقلى ، وأخرى دخناً ، وأخرى ذرة ، وأخرى لوبياء ، وأخرى حمصاً ، وأخرى سمسماً ، وأخرى ماشاً ؛ ولم يكن يحصد ذلك إلا بغناء وترنم ولهو . وكان يوم السادس من يوم النيروز ، وإذا حصد بثر في المجلس ، ولم يكسر إلى روز مهر من ماه فرور دين ، وإنما كانوا يزرعون هذه الحبوب للتفاؤل بها ، ويقال : أجودها نباتاً ، وأشدها استواءً ، دليل على جودة نبات ما زرع منها في تلك السنة . فكان الملك يتبرك بالنظر إلى نبات الشعير خاصة ، وكان مؤدب الرماة يناول الملك يوم النيروز قوساً وخمس نشابات ، ويناول الملك قيمه على دار المملكة أترجه ،

فكان فيما يغني بين يدي الملك ، غناء المخاطبة ، وأغاني الربيع ، وأغاني يذكر فيها أبناء الجبابرة ، وتوصف الأنواء ، وأغاني أفرين ، والخسرواني ، والماذراستاني ، والفهليد . وكان أكثر ما يغني العجم ، الفهليد مع أيام كسرى أبرويز ، وكان من أهل مرو ، وكان من أغانيه مديح الملك ، وذكر أيامه ومجالسه وفتوحه ، وذلك بمنزلة الشعر في كلام العرب ، يصوغ له الألحان ، ولا يمضي يوم إلا وله شعر جديد ، وضربٌ بديع . وكان يذكر الأغاني التي يستعطف بها الملك ، ويستميحه لمرازبته وقواده ، ويستشفع لمذنب ، وإن حدثت حادثة ، أو ورد خبره كرهوا إنهاءه إليه ، قال فيه شعراً ، وصاغ له لحناً ، كما كان فعل حين نفق مركوبه شبديز ، ولم يجسروا على إنهاء ذلك ، فغنى بها وذكر أنه ممدود في آرية ، ماد قوائمه لا يعتلف ولا يتحرك ، فقال الملك : هذا قد نفق إذن . قال : أنت قلت ذلك أيها الملك ، وكان يضطره بأشعاره أن يتكلم بالذي يكره عما له أن يستقبلوه به . العلة في صب الماء : ذكروا أن العلة في صب الماء ، أنه كان أول من تكلم في المهد ، قبل المسيح ، زو بن طهماسب ، وكان مات أبوه على قحط شديد قد شمل الأقاليم ، فتكلم ، ودعا الله تبارك وتعالى ، فسقي الناس الغيث ، وأخصبت أرضهم ، وعاشت مواشيهم ، فجعلوا صب الماء فيه سنة . وقد حكي أيضاً عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين ، عليهم السلام ، أنه قال في ذلك : إن أناساً من بني إسرائيل أصابهم الطاعون ، فخرجوا من مدينتهم هاربين إلى أرض العراق ، فبلغ كسرى خبرهم ، فأمر أن تبنى لهم حظيرة يجعلون فيها ، لترجع أنفسهم إليهم ؛ فلما صاروا في الحظيرة ماتوا ، وكانوا أربعة آلاف نفس . ثم أن الله تعالى أوحى إلى بني ذلك الزمان : إن رأيت محاربة بلاد كذا ، فحاربهم ببني فلان . فقال : يا رب ، كيف أحاربهم ، وقد ماتوا ؟ فأوحى الله إليه : إني أحييهم لتحارب بهم ، وتظفر بعدوك ، فأمطر الله عز وجل ليلة صب الماء ، فأصبحوا أحياء ، فهم الذين قال الله تعالى فيهم : ' ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوفٌ حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم ' . قال : هؤلاء قوم أصابتهم محنة من الأزل ، قحطوا زماناً فهزلوا ، وأجدب بلدهم ، فغيثوا في هذا اليوم برشة من مطر ، فعاشوا وأخصبت بلادهم ، فجعله الفرس سنة . صفة الأيام : قال كسرى : يوم الريح للنوم ، ويوم الغيم للصيد ، ويوم المطر للهو والشراب . وقال

غيره : يوم السبت يوم مكر وخديعة ، والأحد يوم غرس وبناء ، ويوم الإثنين يوم سفر وطلب رزق ، والثلاثاء يوم حجامة ، والأربعاء يوم ضنك ونحس ، والخميس يوم الحج ، والجمعة يوم مسجد ونساء وكساء . في البرد : سئل بعض الحكماء عن البرد ، أيه أشد ؟ فقال : إذا أصبحت السماء نقية ، والأرض ندية ، والريح شامية .
محاسن الهدايا
قال : وكتب الناس في الهدايا ، فأكثروا من الكلام المنثور ، والشعر الموزون ، وكل يكتب ويقول بمقدار عقله وعلمه ، حتى قالوا : إنها قرابة وصلة كالرحم الماسة ، والقرابة القريبة ، وكلحمة النسب ؛ وأكثروا من الشفيع ، لقول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : تهادوا تحابوا ، وقيل : الهدية تفتح الباب المصمت ، وتسل سخيمة القلب . وروي عن عائشة أنها قالت : اللطفة عطفة ، وتزرع في القلوب المحبة . قال : كان رسول الله ، ( صلى الله عليه وسلم ) ، بقبل الهدية ، ويثيب عليها ما هو خير منها . وقال عليه الصلاة والسلام : لو أهدي إلي ذراع لقبلت ، ولو دعيت إلى كراع لأجبت . وقال عليه الصلاة والسلام : الهدية رزق من الله عز وجل ، فمن أهدي إليه شئ فليقبله . وقال ( صلى الله عليه وسلم ) : نعم الشئ الهدية أمام الحاجة ، ما أرضي الغضبان ، ولا استعطف ولا أستميل الهاجر ، ولا توقي المحذور بمثل الهدية والبر . وقال الله عز وجل : وإني مرسلةٌ إليهم بهديةٍ فناظرةٌ بم يرجع المرسلون ، فلما جاء سليمان قال : أتمدونني بمالٍ فما آتاني الله خيرٌ مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون . وروي أن عاملاً لعلي ، رضي الله عنه ، قدم من بعض الأطراف ، فأهدى إلى الحسن والحسين ، سلام الله عليهما ، ولم يهد إلى ابن الحنفية ، فقال متمثلاً : وما شر الثلاثة ، أمر عمروٍ . . . بصاحبك الذي لا تصحبينا فأهدى العامل إليه كما أهدى إلى أخويه . وروي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام ، أن قوماً من الدهاقين أهدوا إليه جامات فضة ، فيها الأخبصة ، فقال : ما هذا ؟ فقالوا : يوم نيروز

فقال : نيروزنا كل يوم ، فأكل الخبيص ، وأطعم جلساءه ، وقسم الجامات بين المسلمين ، وحسبها لهم في خراجهم . وقيل : إن جلساء المهدي إليه شركاؤه في الهدية ، والهدية ، تجلب المودة ، وتزرع المحبة ، وتنفي الضغينة ؛ وتركها يورث الوحشة ، ويدعو إلى القطيعة . والهدية تصير البعيد قريباً ، والعدو صديقاً ، والبغيض ولياً ، والثقيل خفيفاً ، والعبد حراً ، والحر عبداً . وفيها يقول الشاعر : ما من صديقٍ ، وإن أبدى مودته . . . يوماً بأنجح في الجاجات من طبق إذا تفتح بالمنديل منطلقاً ، . . . لم يخش نبوة بوابٍ ولا غلق لا تكثرن ، فإن الناس مذ خلقوا . . . لرغبةٍ كل ما يعطون أو فرق وقال آخر : إذا أردت قضاء الحاج من أحدٍ . . . قدم لنجواك ما أحببت من سبب إن الهدايا لها حظٌ إذا وردت . . . أحظى من الابن عند الوالد الحدب وقد قيل : كل يهدي على قدره . وذكروا أن سليمان بن داوود ، عليه السلام ، بينا هو يسير بالريح ، إذ أتى على عش قنبرة ، فيها فراخ لها ، فأمر الريح ، فعدلت عن العش ؛ فلما نزل ، وافق يومه ذلك النيروز ، فجاءت تلك القنبرة ، حتى رفرفت على رأس سليمان ، وألقت في جحره جرادة ، فقيل له في ذلك ، فقال : كل يهدي على قدره . وكان مما تهديه ملوك الأمم إلى ملوك فارس ، طرائف ما في بلدهم ؛ فمن الهند الفيلة والسيوف والمسك والجلود ، ومن تبت والصين المسك والحرير والسك والأواني ، ومن السنك الطواويس والببغاء ، ومن الروم الديباج والبسط ، وكان القواد والمرازبة والأساورة يهدون النشاب والأعمدة المصمتة من الذهب والفضة ، والوزراء والكتاب والخاصة من قرابانهم جامات الذهب والفضة المرصعة بالجوهر ، وجامات الفضة الملونة بالذهب ، والعظماء والأشراف ، البزاة والعقبان والصقور والشواهين والفهود والسروج وآلاتها ؛ وربما أهدي الرجل الشريف سوطاً فقبله . وكان الحكماء يهدون الحكمة ، والشعراء الشعر ، وأصحاب الجوهر الجوهر ، وأصحاب نتاج الدواب ، الفرس

الفاره ، والشهري النادر ، والحمار المصري ، والبغال الهماليج ؛ والظرفاء ، قرب الحرير الصيني مملوءة ما ورد ؛ والمقلقلة القسي والرماح والنشاب ؛ والصيافلة والزرادون ، نصول السيوف والدروع والجواشن والبيض والأسنة ؛ وكانت نسوة الملك تهدي إحداهن الجارية الناهدة ، والوصيفة الرائعة ، والأخرى الدرة النفيسة ، والجوهرة المثمنة ، وفص خاتم ، وما لطف وخف ؛ وأصحاب البز ، الثوب المرتفع من الخز والوشي والديباج وغير ذلك ، والصيارفة نقر الذهب والفضة ، وجامات الفضة مملوءة دنانير ، وأوساط الناس دنانير ودراهم من ضرب سنتهم ، مودعة أترجة أو سفرجلة أو تفاحة ، والكاتب واقف يكتب كل مهدٍ ، وجائزة كل من يجيزه الملك على هديته ليودع ذلك ديوان النيروز . ومن الهدايا التي لم يسمع السامعون بمثلها ، هدية أبرويز إلى ملك الروم ، بعقب محاربة بهرام جوبين ، وقد شارف الروم ، فأنفذ رسولاً يستنجده ، وبعث إليه مائة غلام من أبناء الأتراك مختارين في صورهم ونفوسهم ، في آذانهم أقرطة الذهب ، معلق فيها حب الدر على مراكب بسروج الذهب ، منظمة باليواقيت والزمرد ، وبعث معه بمائدة من عنبر ، فتحها ثلاثة أذرع ، مكللة المستدار بالدر ، لها ثلاث قوائم من ذهب : إحداها ساعد أسد مع كفه ، والأخرى ساق وعل مع ظلفه ، والثالثة كف عقاب . في كف الأسد ياقوتة خضراء ، وبين ظلفي الوعل ياقوتة حمراء ، وفي كف العقاب قبجة من اللازورد ، عيناها ياقوتتان حمراوان تتوقدان حمرة ، وفي وسط المائدة جام من جزع يماني فاخر ، فتحة شبر في شبر ، مملوء يواقيت حمراً ؛ وسفط ذهب فيه مائة درة ، كل درة مثقال ، ومائة لؤلؤة ، كل لؤلؤة مثقال : ومائة خاتم من ذهب مرصع بالجوهر ، مشبك الأعلى ، حشوه مسك وعنبر ، ووصل رسل أبرويز إلى ملك الروم لهذه الهدية ، فأنجده ، وأرسل إليه عشرين ألف فارس بالسلاح الشاك ، وبعث إليه بألفي ألف دينار لأرزاق جنده ، وألف ثوب منسوج ، وعشرين جارية من بنات ملوك الصقالبة بأقبية الديباج المطير . في آذانهن أقرطة الذهب المزينة بالدر والياقوت وعلى رؤوسهن ، أكلة الجوهر . وأنفذ إليه عشرين مركباً ، على كل مركب صليب تحت كل صليب ألف فارس وألف برذون وألف شهري وألف بغلة وألف نجيب ، بسروج مذهبة ، وأكف مذهبة ، ولجم من ذهب مصبوب ، وبرادع مذهبة ، وجلال وبراقع ديباج منسوج

بالذهب واللؤلؤ ، وأوقر البغال ، من السندس والأستبرق والذهب واللؤلؤ . وبعث إليه مساحة جريب أرض من ذهب ، فيه نخلٌ من ذهب ، سعفه الزمرد ، وطلعه اللؤلؤ ، وشماريخه الياقوت الأحمر ، وكربه الجزع . وبعث إليه ألف ألف لؤلؤة ، كل لؤلؤة ألف دينار ؛ وبعث إليه ألف ألف درهم ، مثاقيله ألف ألف دينار خسرواني ، وأتى به ، واعتذر إليه من التقصير ، فقابله ملك الروم عامه المقبل يوم النيروز ، بفارس من ذهب على شهري من فضة ، عينا الشهري جزع أبيض ، محدق بسواد ، وناصيته وعرقه وذنبه شعر أسود ، بيد الفارس صولجان من ذهب ، وإلى جانبه ميدان من فضة ، في وسط الميدان كرة عقيق أحمر ، يحمل الميدان ثوران من فضة ، والشهري يبول الماء ؛ فإذا بال ، انحط الصولجان على الكرة ، فمر بها إلى أقصى الميدان ، فتحرك بحركاتها الثوران والميدان ، ويركض الفارس على عجل تحت حوافر الشهري . فأما أهل الإسلام ، فلم يسمع بمثل هدية حسان النبطي إلى هشام بن عبد الملك ؛ فإنه أهدى إليه وإلى أمهات أولاده هدايا كثيرة من الكساء والعطر والجوهر وغيرها ، فاستكثرها هشام ، وقال : بيت المال أحق بهذا ، ثم أمر فنودي عليها ، فبلغت مائة ألف دينار ، فبعث حسان أثمانها ، وقال : يا أمير المؤمنين ، قد طابت الآن ، هذه مائة ألف دينار تحمل إلى بيت المال ، فأقبل هديتي ؛ فقبلها ، ونادى على مناديه حسان ، سيد موالي أمير المؤمنين : قد طابت الآن هذه . واستملح المأمون من أبي سلمة ذكر هدية لطيفة ، قال : أهدي إلى أمير المؤمنين خوان من جزع ، ميلاً في ميل ، فقال المأمون : أو قبضت الهدية ؟ قيل : نعم . قال : أفهي في داري أم داري فيها ؟ قال : بل هي في منديل . فدعى بهديته ، فإذا خوان من جزع عليه ميل من ذهب ، قد صنع من مائة مثقال بطول الخوان وعرضه ، فاستملحه وقبله . وأهدت أسماء بنت داود إلى أسماء بنت المنصور مائة مركن من فضة ، فيها أنواع اللخالخ والريحان المطيب ، ومائة جفنة مطيبة ، وأنواع من الأطعمة والأشربة ، وعشراً من الوصائف في قد واحد ، فقومت هديتها ، فبلغت خمسين ألف دينار . وبعث الحسن بن وهب إلى المتوكل بجام من ذهب ، فيه ألفا مثقال من العنبر ، وكتب إليه : يا إمام الهدى ، سعدت من الدهر بركن من الإله ، عزيز

وبظلٍ من النعيم مديدٍ ، . . . وبحرزٍ من الليالي ، حريز لا تزل ألف حجةٍ مهرجانٍ . . . أنت تفضي به إلى النيروز ونعيمٍ ألذ من نظر المعشو . . . ق ، من بعد نبوةٍ ونشوز قال خالد المهلبي : أهديت إلى المتوكل في يوم نيروز ثوب وشيٍ منسوج بالذهب ، ومشمة عنبر ، عليها فصوص جوهر مشبك بالذهب ، ودرعاً مضاعفة ، وخشبة بخور نحو القامة ، وثوباً بغدادياً يقطع ثوباً . فأعجبه حسنه ، ثم دعا به ، فلبسه ، وقال : يا مهلبي ، إنما لبسته لأسرك به ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، لو كنت سوقة لوجب على الفتيان تعلم الفتوة منك ، فكيف وأنت سيد الناس ، وأحسن من جميع ما تقدم ذكره ، قول عبد الله العباسي ، والي الحرمين ، فإنه قال : هذا يوم يهدى فيه إلى السادة والعظماء ، والواجب أن أهدي سيدي الأكبر . ثم دعا بعشرة آلاف دينار ، فقسمها على أهل الحرمين ، فكانت فكرته في هذا ، أحسن من فعله . التلطف في الهدايا : كتب سعيد بن حميد إلى بعضهم : النفس لك ، والمال منك . غير أني كرهت أن أخلي هذا اليوم من سنة ، فأكون من المقصرين ، أو أدعي أن في ملكي ما يفي بحقك ، فأكون من الكاذبين . وقد وجهت إليك بالسفرجل لجلالته ، والسكر لحلاوته ، والدرهم لنفاقه ، والدينار لعزه ؛ فلا زلت جليلاً في العيون ، مهيباً في القلوب ، حلواً لأخوانك كحلاوة السكر ، عزيزاً عند الملوك ، لا تحسن أمنيتهم إلا بك ، ولا زلت نافقاً كنفاق الدرهم . وأهدى أحمد بن يوسف إلى إبراهيم بن المهدي ، وكتب إليه : الأمراء ، أعزك الله ، تسهل سبيل الملاطفة في البر ، فأهديت هدية من لا يحتشم إلى من لا يغتنم مالاً ، فلا أكثره تبجحاً ولا أقله ترفعاً . هدايا النيروز : قال : كتب الحسن بن وهب إلى المتوكل في يوم نيروز بهذه الرقعة : أسعدك الله ، يا أمير المؤمنين ، بكر الدهور ، وتكامل السرور ، وبارك لك في إقبال الزمان ، وبسط بين خلافتك الآمال ، وخصك بالمزيد ، وأبهجك بكل عيد ، وشد بك أزر التوحيد ، ووصل

لك بشاشة أزهار الربيع المونق ، بطيب أيام الخريف المغدق ، وقرب لك التمتع بالمهرجان والنيروز ، بدوام بهجة أيلول وتموز ، وبمواقع تمكين لا يجاوزه الأمل ، وغبطة إليها نهاية ضارب المثل ؛ وعمر ببلائك الإسلام ، وفسح لك في القدرة والمدة ، وأمتع برأفتك وعدلك الأمة ، وسربلك العافية ، ورداك السلامة ، ودرعك العز والكرامة ، وجعل الشهور لك بالإقبال متصدية ، والأزمنة إليك راغبة متشوقة ، والقلوب نحوك سامية ، تلاحظك عشقاً ، وترفرف نحوك طرباً وشوقاً . وكتب في آخره : فداك الزمان ، وأهل الزمان . . . إمام الهدى بك مستبشرينا وقد ألقوا إليك مقاليدهم . . . جميعاً مطيعين ، مستوثقينا ولا زلت زيناً لأعيادنا . . . وللدين كهفاً وحصناً حصينا يعز بدولتك الصالحون . . . ويشقى بك الشرك والمشركونا فيا رب مشكلةٍ أبرقت . . . فجللتها السيف حقاً يقينا بصدق عزيمة مستبصرٍ . . . وضربٍ يقد الطلى والمتونا وسمت النصارى بشيطانها . . . وذللت منها الأغر البطينا وكم فعلةٍ لك في المشركين . . . أقرت عيوناً ، وأبكت عيونا وكتب آخر : المهرجان لنا يومٌ نسر به . . . يومٌ تعظمه الأشراف والعجم وأنت فيه لنا بدرٌ يضئ كما . . . أن السماء ببدر الليل تبتسم وكتب آخر : عيدٌ جديدٌ ، وأنت جدته . . . يا من به للزمان تجديد لا زال طول الزمان يرجعه . . . وظل ملكٍ عليك ممدود

وقيل للمازني : أي هؤلاء أظرف في شعره الذي يقول : جعلت فداك ، للنيروز حقٌ . . . فأنت علي أعظم منه حقاً ولو أهديت فيه جميع ملكي . . . لكان جليله لك مستدقا فأهديت الثناء بنظم شعرٍ . . . وكنت لذاك مني مستحقا أم الذي يقول : دخلت السوق أبتاع . . . وأستطرف ما أهدي فما استطرفت للإهدا . . . ء إلا طرف الحمد إذا نحن مدحناك . . . رعينا حرمة المجد أم الذي يقول : وكم من مرسلٍ لك قد أتاني . . . لما يهدي الخليل إلى الخليل فأظهرت السرور وقلت : أهلاً . . . وسهلاً بالهدية والرسول فقال : أشعرهم جميعهم ، وأظرفهم الذي يقول : فو الله لا أنفك أهدي شوارداً . . . إليك يحملن الثناء المبجلا ألذ من السلوى ، وأطيب نفحة . . . من المسك مفتوتاً ، وأيسر محملا وبعث سعيد بن حميد إلى أحمد بن أبي طاهر قارورة ما ورد ، وكتب إليه : وزائرةٍ حوريةٍ فارسيةٍ . . . كنشر حبيبٍ حاد يوماً عن الصد ترد ربيعاً في مصيفٍ بنفحةٍ . . . إذا فقدت ورداً تنوب عن الورد حكى نشرها منه خلائق نشره . . . كنشر نسيم الروض في جنة الخلد وشبهتها في صفوها بصفائه . . . لإخوانه في القرب منه وفي البعد

وأهدت لنا منه النسيم نسيمةٌ . . . وإن كان إن حالت ، يدوم على عهد وعن إسحاق بن إبراهيم الموصلي ، قال : دار كلام بين الأمين ، وبين إبراهيم بن المهدي ؛ قال : فوجد عليه الأمين ، فهجره ، فوجه إليه إبراهيم بوصيفة مغنية مع عبد هندي ، فأبى الأمين أن يقبلهما ، فكتب إليه : هتكت الضمير برد اللطف . . . وكشفت هجرك لي فانكشف فإن كنت تحقد شيئاً مضى . . . فهب للخلافة ما قد سلف وجد لي بعفوك عن زلتي . . . فبالفضل تأخذ أهل الشرف فرضي عنه ، ودعاه للمنادمة هدايا الفصد : قال ابن حمدون النديم : افتصد المأمون ، فأهدى إليه إبراهيم بن المهدي جارية ، معها عود ورقعة فيها : عفوت وكان العفو منك سجيةً . . . كما كان معقوداً بمفرقك الملك فإن أنت أتممت الرضى فهو المنى . . . وإن أنت جازيت المسئ فذا الهلك فقال المأمون : خرف الشيخ . يوم مثل هذا ، يذكر الثواب والآخرة ، فلا يقبل الوصيفة ؛ واغتم إبراهيم ، وكتب إليه مع الوصيفة ؟ لا والذي تسجد الجباه له . . . ما لي بما دون ثوبها خبر ولا بفيها ، ولا هممت بها ، . . . ما كان إلا الحديث والنظر فقال المأمون : نعم الآن أقبلها ، فقبلها . قال أبو القاسم بن أبي داوود : كنت عند أحمد بن محمد العلوي ، وقد افتصد ، فخرج بعض الخدم ، ومعه طبق من فضة ، عليه تفاح طيب مكتوب حواليه بالذهب : سر ، الغداة ، بوجهك اللغب ، . . . وجرى بيمن فصادك الطرب

وتداعت العيدان في زجلٍ . . . وتناولت راحاتها النخب فأشرب بهذا الجام يا ملكي . . . شرباً حثيثاً ، إنه عجب واجعل لمن قد خف في لطفٍ . . . من زوره يخشى ويرتقب فقال للخادم : أخرجها إلى الستارة ، فخرجت ، وخلا ليلته بها . وقيل : افتصد المعتصم ، وأهديت إليه شمائل صينية عقيق ، عليها قدح أسبل عليها منديل مطيب مكتوب عليه بالعنبر ، في كل ربع منه بيت شعر : خضب الخليفة كفه من فصده . . . بدمٍ يحاكي عبرة المشتاق تاه الفصاد فما يقام لتيهه . . . إذ صار مفتصداً أبو إسحاق وتوافت العيدان عند حضوره . . . قب البطون ، ذوابل الأعناق ملكٌ إذا خطر الشراب بباله . . . لبس السرور غلائل الإشراق فلما قرأه أمر بإحضار إسحاق بن إبراهيم الموصلي ، وأمره أن يجعل له لحناً ، وأمر مسروراً بإخراجها من وراء الستارة ؛ ثم لم يزل إسحاق يردد هذه الأبيات حتى أحكمتها شمائل ، وغنت ، فكأن سفط الدر يتناثر من فيها ؛ وأمر لإسحاق بمال ، وللجارية بخمس وصائف ، وخمسة آلاف دينار . قال المبرد : أهدى اليزيدي إلى الرشيد ، يوم فصد ، جام بلور ، وشمامات غالية ، وكتب إليه : يا أمير المؤمنين ، تفاءلت في الشرب في الحمام بجمام النفس ، ودوام الأنس ، والغالية للغلو في السرور ، ولازدياد من الخير والحبور ، وقلت : دم الفصد من يدك العاليه . . . يداعي لجسمك بالعافية كسا الدهر ثوباً من الأرجوان . . . بديع الطرازين والحاشية وعصفر صفحة وجه الربيع ، . . . بصبغٍ من أسراره الجارية فكم روضةٍ نشرت وشيها ، . . . وزهرة روضٍ غدت زاهيه

إمامٌ أسال دم المكرمات . . . فشجج أقتالها الحاميه فلا زال في عيشةٍ راضيه . . . ودامت له النعمة الكافيه قال اليزيدي : افتصد المأمون ، فأهدت إليه رباح أترجة عنبر عليه مكتوب بماء الذهب : تعالج من هويت بفصد عرقٍ . . . فأضحى السقم في خلع الخضوع وجاءت تحفة الأحباب تسعى . . . بوردٍ فائضٍ فيض الدموع فقال المأمون لليزيدي : ويحك ، ما تقول فيمن كتب هذين البيتين ؟ قال : يكافأ بالدنيا وما استدق منها ، فأمر لها بمال كثير ، ووصلني ببعضه . قال : وافتصد عبد الله بن طاهر ، فأهدى له أبو دلف جميع ما أصاب في السوق من الورد ، وكتب إليه : تضاحك الورد في وجهي ، فقلت له : . . . لم ذا ؟ فقال : أبو العباس مفتصد فقمت أطلب ما أهديه من طرفٍ . . . للفصد في السوق حتى خانني الجلد يوم الفصاد له أزرٌ مطيبةٌ . . . محجوبةٌ لا يراها الجرد والزرد فاشرب على الورد مسروراً بطلعته . . . يا بن الكرام ، فأنت السيد النجد قال عمرو بن بانة : اعتل المعتصم ، فأشار عليه بختيشوع بالفصد ، وأنا عنده ، فأخرجت إليه هدايا الفصد ، وكان فيما أخرج ، طبق صندل مكتوب عليه بجزع ، كما يدور عليه شمامات مسك وعنبر ، فأمر بقراءة ما عليه ، فإذا هو : فصد الإمام لعلةٍ في جسمه . . . فشفى الإله السقم بالفصد وجرى إلى الطشت السقام مبادراً . . . وجرى الشفاء إليه بالسعد يا مالكاً ملك العباد بجوده . . . إسلم ، سلمت ، بعيشة رغد فقال : يا عمرو من يلومني على حب هذه الجارية ، والله ما أراها إلا تزايدت في عيني ، وخليقٌ أن تنجب ، فإن لها همة . فولدت له غلاماً ، وكانت آثر جواريه عنده ، وأحظاهن لديه .

وأخبرنا إبراهيم القارئ قال : كنت عند المأمون ، فأحتاج إلى الفصد ، فقال الأطباء : البلد بارد ، فقال : لابد لي منه ؛ ففصدوه ، فلما كان وقت الظهر ، حضروا ، فراموا فجر العرق ، فإذا هو قد التحم ، فشدوا الرباط ، وفيهم متحا يدق ، فما ظهر الدم ، فقال لهم المأمون : عقرتموني ، فحلوا الرباط ، وعلى رأسه بختيشوع وابن ماساويه ، فقال : ما تقولون ؟ قالوا : ما ندري ما نقول ؟ قال : فأشاروا هناك إن جلالة الخليفة ، ربما أدهشت الحاذق بالصناعة ، والمتقدم في الرياسة ؛ فاعتزلوا ناحية ، وأبطأوا عليه ، فقال لأسودٍ كان على رأسه : أدن ، فمص الجرح ففعل ، فثار الدم فقال : أدع هؤلاء الحاكة ، فجاؤوا ، وشهدوا خروج الدم ؛ قال : أين كنتم ؟ قال ابن ماسويه : لو فعل جالينوس ، ما زاد عليه . قال : وافتصد أحمد بن عيسى بالري ، وهو أميرها ، فكتب إليه جعفر الشيباني : فصدت بأرض الري ، طاب لك الفصد . . . وفارق نجم النحس طالعك السعد فأعقبك الحسنى التي لا مدى لها ، . . . ولا زال برديك الجلالة والحمد توردت الدنيا بفصدك مثل ما . . . بفصدك يا بن المصطفى ضحك الورد فلا أبصرت عيناك ما عشت شانياً . . . ومن كل ما تهواه ، لا خانك العهد وفي مثله : يا فاصداً من يدٍ جلت أياديها . . . ونال منه الذي يرجوه راجيها يد الندى هي ، فارفق لا ترق دمها . . . فإن آمال طلاب الندى فيها قال : وكتب الحمدوني إلى الفضل بن جعفر ، وقد افتصد : أل يا طبيب الفصد ، هل أنت عالمٌ . . . بما صنعت كفاك في كف ذي المجد أسلت دماً من ساعدٍ ينثني بها . . . حياءٌ ندى فاقصد بذرعك في الفصد فداويت كفاً تعلم الناس أنها . . . دواءٌ من الأمحال في الزمن النكد ولما أتانا المخبرون بفصده . . . أردت بأن أهدي على قدر ما عندي

وشاورت فاستصحبت آلي وجيرتي . . . فلم أر أمرى من ثناءٍ ومن حمد وقال آخر : تؤنق من ثنائك في الهدايا . . . غداة أردت فضل الباسليق فلم أر كالدعاء أتم نفعاً . . . وأجمل في مكافأة الصديق وأكثرت الدعاء ، وقلت : ربي . . . يقيك شرور آفات العروق وقال آخر : على طيب أيام التمتع بالورد . . . فصدت ، فأصبحت السلامة في الفصد ولا زلت ، لا زلت من الله أنعمٌ . . . عليك قرير العين ، مغتبط الحسد لقد رمت جهدي طرفةً وهديةً . . . إليك ، فكان الشكر أكثر ما عندي وقال آخر : أيها الفاصد العليل الصحيح . . . بأبي ذلك الجراح الجريح ، إن من علق الدراع من الفص . . . د إلى الجيد ذاك شئٌ مليح أيها الفاصد المهنا له الورد . . . وفي وجنتيه وردٌ يلوح وقال آخر : أيها السيد الذي فصد العرق . . . وأرخى دوني ذيول السرور كم تمنيت أن أكون طبيباً . . . ومنى الصب ترهات الغرور وقال آخر : أجمل ، جعلت فداك ، بالجلد . . . وامنن علي بأجمل الرد لو عاينت عيناك مضطربي . . . وتفردي بالمد والشد

وتخشعي عند الطبيب كأنه . . . مولى يريد عقوبة العبد كالنار مبضعه يقلبه . . . ويدير مقلة حازمٍ جلد حتى اعتزمت على محاجزةٍ . . . وصددت عنه أيما صد ما كان من ألمٍ شعرت به . . . إلا كموقع شرطة الجلد إذ سال منبعثاً سوابقه . . . كالنار خارجةً من الزند فسلمت والرحمن سلمني . . . ذو المن والآلاء والحمد ما بعد طباخي لمفتخرٍ . . . فخرٌ لمن قبلي ومن بعدي نصب القدور بنفسه كرماً . . . لنصيب شهوتنا على عمد فأجاد صنعتها وعجلها . . . من غير ما تعبٍ ولا جهد ونبيذنا صافٍ ومجلسنا . . . في الطيب يحكي جنة الخلد فهلم واحضر غير محتشمٍ . . . واجعل غذاءك ، سيدي ، عندي لا تجمعن علي محتسباً . . . ضعف العليل ، ووحشة الفرد

محاسن الوصائف المغنيات
قال الأصمعي : بعث إلي هرون الرشيد ، وهو بالرقة ، فحملت إليه ، فأنزلني الفضل بن الربيع ، ثم أدخلني عليه وقت الغروب ، فاستدناني ، وقال : يا عبد الملك وجهت إليك بسبب جاريتين أهديتا إلي ، وقد أخذتا طرفاً من الأدب أحببت إن تبرز ما عندهما ، وتسير على الصواب فيهما ، ثم أمر بإحضارهما فحضرت جاريتان ما رأيت مثلهما قط ، فقلت لإحداهما : ما عندك من العلم ؟ قالت : ما أمر الله في كتابه ، ثم ما ينظر فيه الناس من الأشعار والأخبار . فسألتها عن حروف القرآن ، فأجابتني كأنها تقرأ في كتاب الله . ثم سألتها عن الأشعار والأخبار والنحو والعروض ، فما قصرت عن جوابي في كل من أخذت فيه . فقلت لها : فأنشدينا شيئاً فأنشدت : يا غياث البلاد في كل محل . . . ما يريد العباد إلا رضاكا لا ومن شرف الإمام ، وأغلى . . . ما أطاع الإله عبدٌ عصاكا فقلت : يا أمير المؤمنين ما رأيت امرأة في نسك رجل مثلها ؛ وخبرت الأخرى ، فوجدتها دونها ؛ فأمر أن تصنع تلك الجارية لتحمل إليه في تلك الليلة ، ثم قال لي : يا عبد الملك ، أنا ضجرٌ ، وأحب أن تسمعني حديثاً مما سمعت من أعاجيب الزمان نفرح به . فقلت : يا أمير المؤمنين كان لي صاحب في بدو بني فلان ، وكنت أغشاه ، وأتحدث معه ، وقد أتت عليه ست وتسعون سنة ، وهو اصح الناس ذهناً ، وأقواهم بدناً ؛ فغبت عنه ، ثم أتيته ، فوجدته ناحل البدن ، كاسف البال ، فسألته عن سبب تغيره ، فقال : قصدت بعض القرابة ، فألفيت عندهم جارية قد طلت بالورس بدنها ، وفي عنقها طبل تنشد عليه : محاسنها سهامٌ للمنايا . . . مريشةٌ بأنواع الطيوب ترى ريب المنون بهن سهماً . . . تصيب بنصله مخ القلوب فقلت :

قفي شفتي من موضع الطبل ترتعي . . . كما قد أبحت الطبل في جيدك الحسن فهبني عوداً جوفه تحت متنه . . . يمتعني ما بين نحرك والذقن فلما سمعت شعري رمت بالطبل في وجهي ، ودخلت الخيمة ، فوقفت حتى حميت الشمس على مفرقي ولم تخرج ، فانصرفت قريح القلب ؛ فهذا التغير من عشقي لها . فضحك الرشيد حتى استلقى ، وقال : ويلك ، يا عبد الملك ابن ستٍ وتسعين وتعشق ؟ فقلت : قد كان هذا فقال : يا عباس ، أعط عبد الملك مائة ألف درهم ، ورده إلى مدينة السلام . فانصرفت ؛ ثم أتاني خادم ، فقال : أنا رسول ابنتك يعني الجارية ، تقول لك : إن أمير المؤمنين قد أمر لها بمال ، وهذا نصيبك ؛ فدفع إلي ألف دينار ، ولم تزل تواصلني بالبر الواصل حتى كانت فتنة محمد ، وانقطع خبرها ، وأمر الفضل لي بعشرة آلاف درهم . وقال علي بن الجهم : لما أفضت الخلافة إلى المتوكل ، أهدى إليه الناس على أقدارهم ؛ فأهدى إليه ابن طاهر جارية أديبة تسمى قبيحة ، تقول الشعر وتلحنه ، وتحسن من كل علم أحسنه ، فحلت من قلب المتوكل محلاً جليلاً ، فدخلت يوماً للمنادمة ، وخرج المتوكل وهو يضحك ، وقال : يا علي ، دخلت فرأيت قبيحة ، كتبت على خدها بالمسك جعفر ، فما رأيت أحسن منه ، فقل فيه شيئاً ، فسبقتني محبوبة ، وأخذت عودها فغنت : وكاتبةٍ بالمسك في الخد جعفرا . . . بنفسي خط المسك من حيث أثرا لئن أودعت سطراً من المسك خدها . . . لقد أودعت قلبي من الوجد أسطرا فيا من لمملوكٍ يظل مليكه . . . مطيعاً له فيما أسر وأجهرا ويا من لعيني من رأى مثل جعفرٍ . . . سقى الله صوب المسكرات لجعفرا قال : فنقلت خواطري ، حتى كأني ما أحسن حرفاً من الشعر ، وقلت للمتوكل : أقل ، فقد ، والله ، غرب عني ذهني ، فلم يزل يعيرني به ، ثم دخلت عليه للمنادة ، بعد ذلك ، فقال : يا علي ، أعلمت أني قد غاضبت محبوبة ، وأمرتها بلزوم مقصورتها ، ومنعت أهل القصر من كلامها ؟ فقلت : يا سيدي ، إن غاضبتها اليوم ، فصالحها غداً ، فدخلت عليه من الغد ، فقال :

ويحك ، يا علي ، رأيت البارحة في النوم كأني صالحت محبوبة ؛ فقالت جاريته : شاطر يا سيدي ، لقد سمعت الآن في مقصورتها هينمة ؛ فقال : ننظر ما هي ، فقام حافياً حتى وصلنا مقصورتها ، فإذا هي تغني : أدور في القصر كي أرى أحداً . . . أشكو إليه فلا يكلمني فمن شفيعٌ لنا إلى ملكٍ . . . قد زارني في الكرى يعاتبني حتى إذا ما الصباح عاد لنا ، . . . عاد إلى هجره ففارقني فصفق المتوكل طرباً ، فلما سمعته ، خرجت تقبل رجليه ، وتمرغ خدها في التراب ، حتى أخذ بيدها ، راضياً عنها . حدث أبو علي بن الأسكري المصري ، وأسكر هي القرية التي ولد فيها موسى عليه السلام ، قال : كنت من جلاس تميم بن تميم ، وممن يخف عليه ، فأتى من بغداد بجارية رائعة فائقة الغناء ، فدعا بجلسائه ، وقدمت الستارة ، فغنت : وبدا له ، من بعد ما اندمل الهوى . . . برقٌ تألق موهناً لمعانه يبدو كحاشية الرداء ، ودونه . . . صعب الزرى ، متمنعٌ أركانه وبدا لينظر كيف لاح ، ولم يطق . . . نظراً إليه ، وهده هيجانه فالنار ما اشتملت عليه ضلوعه . . . والماء ما سحت به أجفانه قال : فأحسنت ما شاءت ؛ فطرب تميم ومن حضر ؛ ثم غنت : سيسليك مما دون دولة مفضلٍ . . . أوائله محمودةٌ وأواخره ثنى الله عطفيه ، وألف شخصه . . . على البر مذ شدت عليه مآزره فطرب تميم ومن حضر ، ثم غنت : استودع الله في بغداد لي قمراً . . . بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه فأفرط تميم في الطرب جداً ، وقال لها : تمني ما شئت ، فلك مناك ، قالت : أتمنى أيها الأمير ، عافيته وسلامته ، فقال : والله لابد أن تتمني فقالت : على الوفاء ، أتمنى أن أغني

هذه النوبة ببغداد . فتغير وجه تميم ، وتكدر المجلس ، وقمنا ، فلحقني بعض خدمه ، فردني ؛ فلما وقفت بين يديه ، قال : ويحك ، أرأيت ما امتحنا به ، ولابد لنا من الوفاء ، ولم أثق في هذا بغيرك ، فتأهب لحملها إلى بغداد ، فإذا غنت هناك ، فاصرفها ، فقلت : سمعاً وطاعة . ثم أصحبها جارية سوداء تخدمها وتعدلها ، وأمر بناقة لي ، فحمل عليها هودج ، وأدخلت فيه ، وسرنا مع القافلة إلى مكة ، فقضينا حجنا ، ثم لما وردنا القادسية ، أتتني السوداء فقالت : تقول لك سيدتي أين نحن ؟ فقلت : نحن الآن بالقادسية ، فأخبرتها ، فسمعت صوتاً قد ارتفع منشداً : لما رأينا القادسية . . . حيث مجتمع الرفاق وشممت من أرض الحجاز . . . نسيم أنفاس العراق أيقنت لي ولمن أحب . . . بجمع شملٍ واتفاق وضحكت من فرح اللقا . . . ء ، كما بكيت من الفراق فصاح الناس من أقطار القافلة : أعيدي بالله ؛ فلم يسمع لها كلمة . فلما نزلنا الناصرية ، على خمسة أميال من بغداد ، في بساتين متصلة ، تبيت الناس فيها ، ثم يبكرون ببغداد ، فلما قرب الصياح ، إذ السوداء قد أتتني مذعورة ، فقالت : إن سيدتي ليست بحاضرة ؛ فلم أجدها ، ولا وجدت لها ببغداد خبراً ، فقضيت حوائجي ، وانصرفت إلى تميم ، وأخبرته خبرها ؛ فلم يزل واجماً عليها . وأخبار القينات كثيرة ، فنقتصر منها على هذا القدر .
محاسن الجواري مطلقا
قيل : كان يقال : من أراد قلة المؤونة ، وخفة النفقة ، وحسن الخدمة ، وارتفاع الحشمة ، فعليه بالإماء دون الحرائر . وكان مسلمة بن مسلمة يقول : عجبت لمن استمتع بالسراري ، كيف يتزوج المهائر ؟ وقال : السرور باتخاذ السراري ؛ أهل المدينة يكرهون اتخاذ الإماء أمهات أولادهم ، حتى نشأ فيهم علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم ،

وفاق أهل المدينة فقهاً وعلماً وورعاً ، فرغب الناس في اتخاذ السراري ؛ قال : وليس من خلفاء بني العباس من أبناء الحرائر إلا ثلاثة : السفاح ، والمنصور ، والأمين ، والباقون كلهم أبناء الجواري ، وقد علقت الجواري لأنهن يجمعن عز العرب ، ودهاء العجم .
ضده
إذا لم يكن في منزل المرء حرةٌ . . . رأى خللاً فيما تولى الولائد فلا يتخذ منهن حرٌ قعيدةٌ . . . فهن لعمر الله ، شر القعائد وكان يقال : الجواري كخبز السوق ، والحرائر كخبز الدور . ومن أمثال العرب : لا تمازح أمة ، ولا تبك على أكمة ، وقال بعضهم : لا تفترس من تداولتها أيدي النخاسين ووقع ثمنها في الموازين ، وقال : لا خير في بنات الكفر ، وقد نودي عليهن في الأسواق ، ومرت عليهن أيدي الفساق .
محاسن الموت
في الحديث المرفوع : ' الموت راحة ' . وقال بعض السلف : ما من مؤمن إلا والموت خير له من الحياة ، لأنه إن كان محسناً فالله يقول : ' وما عند الله خيرٌ للأبرار ' . وإن كان مسيئاً ، فالله تعالى جده يقول أيضاً : ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي ليزدادوا إثماً . وقال ميمون بن مهران : أتيت عمر بن العزيز ، فكثر بكاؤه ، ومسألته الله الموت . فقلت : يا أمير المؤمنين تسأل ربك الموت ، وقد صنع الله على يدك خيراً كثيراً ، أحييت سنناً ، وأمت بدعاً ، وفعلت وصنعت ، ولبقاؤك رحمة للمؤمنين ، فقال : ألا أكون كالعبد الصالح حين أقر الله عينه ، وجمع له أمره ، قال : رب قد آتيتني من الملك ، وعلمتني من تأويل الأحاديث إلى قوله : وألحقني بالصالحين فما دار عليه

أسبوع حتى مات ، رحمه الله . قالت الفلاسفة : لا يستكمل الإنسان حد الإنسانية إلا بالموت ، لأن حد الإنسانية إنه حي ناطق ميت . وقال بعض السلف : الصالح إذا مات استراح ، والطالح ، إذا مات ، استريح منه . قال الشاعر : وما الموت إلا راحةٌ غير أنه . . . أبر بنا من كل بر وأرأف وقال آخر : جزى الله عنا الموت خيراً ، فإنه . . . أبر بنا من كل بر وأرأف يعجل تخليص النفوس من الأذى . . . ويدني من الدار التي هي أشرف وقال منصور الفقيه : قد قلت ، إن مدحوا الحياة ، فأسرفوا . . . في الموت ألف فضيلةٍ لا تعرف منها أمان بقائه بلقائه . . . وفراق كل معاشرٍ لا ينصف وقال أحمد بن أبي بكر الكاتب : من كان يرجو أن يعيش فإنني . . . أصبحت أرجو أن أموت فأعتقا في الموت ألف فضيلةٍ لو أنها . . . عرفت لكان سبيله أن يعشقا وقال لنكك البصري : نحن ، والله ، في زمانٍ غشوم . . . لو رأيناه في المنام فزعنا أصبح الناس فيه من سوء حالٍ . . . حق من مات منهم أن يهنأ
ضده
في الحديث المرفوع : أكثر ؟ وأذكرها ذم اللذات يعني الموت . قال الشاعر : يا موت ما أجفاك من نازلٍ . . . تنزل بالمرء على رغمه

تستلب العذراء من خدرها . . . وتأخذ الواحد من أمه وقال : وكل ذي غيبةٍ له إيابٌ . . . وغائب الموت لا يؤوب وقال بعضهم : الناس في الدنيا أغراض تنتصل فيها سهام المنايا . وقال ابن المعتز : الموت كسهم مرسل إليك ، وعمرك بقدر سفره نحوك . وقال بعضهم : الموت أشد مما قبله ، وأهون مما بعده . ونظر الحسن رضي الله عنه إلى ميت يدفن ، فقال : إن شيئاً أوله هذا لحقيق أن يخاف آخره ، وإن شيئاً هذا آخره لحقيقٌ أن يزهد في أوله . وسئل بعض الفلاسفة عن الموت ، فقال : مفازة ، من ركبها ضل خبره ، وعفى أثره . والله أعلم بالصواب ، وإليه المرجع والمآب . بحمد المنزه عن المساوى والأنداد تم طبع كتاب المحاسن والأضداد وكان ذلك في اليوم الأخير من جمادى الأولى من شهور سنة 1324 هجرية وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم .

أقسام الكتاب
1 2