كتاب : الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام وإظهار محاسن الإسلام
المؤلف : محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح القرطبي

وأن ادعوا نسخ شيء منها طالبناهم بدليل النسخ ولا يجدون سبيلا إلى ذلك ومع ذلك فتركوا العمل بما أمر الله به وارتكبوا ما نهى الله عنه
ولقد وقفت على بعض كتبهم في الفقه فذكر هذه المحرمات مؤلفة ثم تأولها بزعمه وأنا الآن أذكر ماذكر في ذلك الكتاب ليقضى العاقل من تواقحهم وجهلهم العجب العجاب ويعلم أنهم مفترون ويكذبون على رب الأرباب
قال ذلك الجاهل بعد ذكر المحرمات
فهذه أمثلة ضربت في التوراة التي هي أم الإنجيل وأول الكتب كلها ففسر المسيح سيدنا في الإنجيل حيث قال لم آت لنقض الكتاب بل لتمامه فتمام الكتاب التأويل
فأما الميتة في التوراة فإنما نعنى بذلك ألا تميتوا الأحياء ولا تغموا الحق في الشهادة ولا ترفعوا الطعام وتمنعوه السائل والجائع فأما الميتة والمنخنقة فما في أكلها غبطة لذي عقل فمن شاء أكل ومن شاء ترك وأما الدم فيعنى به ألا يقتل أحد بريئا ويهريق دمه وعنى بالخنزير الزنا والكفر بالله إذ المعروف من الخنزير الإلتطاخ في المطائق فنهانا عن فعله وأما أكله فما فيه منفعة ولا مضرة فمن شاء أكله ومن شاء تركه وعنى بالنطيحة ألا يتناطح ملك جبار وفقير مسكين وعنى بالموقوذة ألا تزدري بمن هو تحت ظلم غيرك وعنى بالمنخنقة ألا تخنق أحدا إذا كان لك قبله حق فتضايقه وعنى بالقردة ألا تحاكى أحدا فتفعل كفعلها وعنى بالدب واللب ألا تأكل مع غيرك بالهجم والغارة وعنى بالأرانب ألا تفعلوا فعل الأرانب فتكونوا كقوم لوط فإن الأرانب الذكور يأتي بعضها بعضا لكثرة شهوتها
وعنى بالبازي والشدانق والعقاب وكل طير يبغى بمخلبه ألا يقتل أحدا ولا يهريق دم أحد ولا يغلب أحدا على متاعه ولا تحسد جارا فتفعل كفعلها وعنى بالدابة التي ليست مشقوقة الحافر الكفرة الذين يعبدون الأوثان ويسبحون لها أيام حياتهم ولا يقسمون أيامهم مشاطرة

وعنى بالحوت الذي ليس له سفانق الإنسان المذنب الذي يتلون في دينه وعبادته وعنى بحرث الثور مع الحمار الإنسان الكافر وعنى بحمل الخيل على الحمير والحمير على الخيل ألا يتزوج الكافر مؤمنة ولا المؤمن كافرة
وعنى بالجدي في لبن أمه ألا تأخذ مال اليتيم ظلما وعنى بالملتصقة الرئه الإنسان الحسود الحقود الذي يوسوس الشر في صدره طول حياته وعنى بالخبز المختمر ألا ينفخنا الشيطان ويهيج فينا الكبرياء وعنى بالفطير أن تكون أنفسنا ضامرة بلا انتفاخ
وعنى بالحمام واليمام المؤمنين الذين جعلوا أنفسهم لله قربانا
قال فهذا هو المراد بتحريم هذه الأشياء وأما تلك المذكورات بأعيانها فمن شاء أكلها ومن شاء تركها
هذا مذهب النصارى أجمعين ولا يأباه أحد منهم إلا الأقلين فينبغي لنا أن نوبخ هؤلاء الجاهلين ونعرض عليهم من الإلزامات المفحمة ما كانوا عنه معرضين ونقول لهم ما الذي حملكم على أن حرفتم كتاب الله وغيرتم شرع الله فأحللتم ما حرم عليكم من غير دليل وصرتم إلى تأويل لم تضمكم إليه ضرورة عقل ولا معارضة قول رسول فيا للعجب ما أثقب أذهانكم وأصح أفهامكم إذ قد فهمتم من كتاب رب العالمين ما لم يفهمه أحد من النبيين بل قد زاد فهمكم على فهم موسى بن عمران وعيسى عليهما السلام إذ كانا قد عملا على تحريم ما فهمتم أنتم تحليله من الأحكام
وعلى ذلك عملت بنوا إسرائيل مدة مديدة من الأعوام إلى زمان بولش المفسد لدين المسيح الذي جاءكم بمكر خالص وكفر صريح فتلقيتم منه هذيانه ولم تعرفوا شأنه فحرفتم كتاب الله وانحرفتم عن الدين القويم دين المسيح حين حرف الدين الذي لم تروا منه أثرا ولا سمعتم له خبرا
ثم نقول يا معشر المحرفين لكتاب الله أخبرونا هل كان موسى بن عمران وعيسى ابن مريم ومن بينهما من أنبياء بني إسرائيل علموا من هذه الأحكام ما علمتم أنتم أم لا فإن كانوا قد علموا فما بالهم

نصوا على خلاف ذلك وحكموا بتحريم تلك الأشياء فلم يرو قط عن واحد منهم أنه أكل خنزيرا ولا ميتة ولا دما ولا شيئا مما ذكر تحريمه وأنتم تقولون هذا وتساعدون عليه فكيف يمتنعون من أكل ما يحل لهم ثم يصرحون بتحريمه فعلى هذا يلزمكم أنهم كذبوا على الله ولبسوا في أحكام الله إذا كانوا علموا تحليل تلك الأشياء ثم صرحوا بتحريمها والنهي عنها وإن لم يعلموا شيئا مما علمتموه أنتم فمن أين علمتموه أنتم أشافهتكم بذلك الملائكة أم أرسل إليكم بذلك رسل أخر أم خلق لكم بذلك علم ضروري وكل ذلك لا تقدرون على ادعائه فلم يبق إلا أنكم جاهلون بشرع الله محرفون كتاب الله متواقحون على الله كاذبون عليه ومتهاونون برسله وستقفون بين يديه ويسألكم عما افتريتم عليه فتحيط بكم النيران وتجركم على وجوهكم إليها ملائكة غلاظ شداد لا يطيقهم إنسان ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين
فتنادون إذ ذاك يا أسقفنا بولش انظرنا فما منا إلا متخرق عاطش عاطش فيقال لكم هو في أسفل سافلين فتصيروا إليه أجمعين فإذا اجتمعتم معه لعن بعضكم بعضا وجحد بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين
ثم نقول لهم إن جاز أن نتأول الفاظ الشارع وكلماته من غير ضرورة داعية إلى ذلك وندفع النصوص بالتحكم بطلت الكتب كلها والألسنة ولم يقدر واحد أن يفهم منها شيئا إذ كل لفظ يتكلم به متكلم يمكن صرفه عن بابه وعن موضوعه الأصلي ونصابه
وإذا أمكن ذلك لم تقدروا على أن تثبتوا نبوة عيسى على اليهود بما قدمتم فإن من نص ما عندكم من كلام الأنبياء على نبوته قول يعقوب لا ينقطع قضيب الملك من نسل يهوذا حتى يأتي المسيح فيسوغ لليهودي أن يقول إنما عنى بالملك دينهم الذي ورثوه عن كتابهم وأنبيائهم ولم يعن الملك الذي هو الإمارة والولاية وقد

يسمى الدين الملك وقد جاء في التوراة حيث قال الله تعالى لإبراهيم الملوك من صلبك يخرجون وإنما أراد بذلك الأنبياء وأهل الدين ولم يرد بذلك الأمراء فقط
وعلى هذا التأويل تحاجكم اليهود ويقولون لكم هذا ديننا باق لم ينقطع فإنا نقيم التوراة وأحكامها فلم يأت بعد المسيح وهذا التأويل في هذا الموضع أسوغ مما تأولتم به أنتم أحكام التوراة
فإن أنكرتم هذا التأويل أنكروا تأويلكم وخطؤوكم وشهدوا عليكم أنكم غيرتم كتاب الله وحرفتموه
هذا ما جنى عليكم تأويلكم إذ قد شككتم في مسيحكم ففي مثلكم يضرب المثل يداك أوكتا وفوك نفخ
ولو شئنا لأبدينا لكم من التأويلات وأريناكم من المناقضات أكثر من هذا لفعلنا ولكن منعنا من ذلك من ذلك ما قدمنا ولا يصح أن يقول قائل منهم إن تحريم هذه المحرمات كلها التي تثبت في التوراة نسخ بقول عيسى في الإنجيل ليس ينجس المرء ما يدخل فاه وإنما ينجسه ما يخرج من فيه لأنا نقول قول عيسى هذا إذا سلم مفهومه نفى التنجيس لا نفى التحريم إذ هما حكمان متغايران مختلفان فإن الحكم بتحريم هذه المذكورات إنما يرجع إلى منع أكلها ثم يجوز أن تتناول بالأخذ والإعطاء وأنواع من التصرفات كما نقول في الحمار الأهلي والبغل فإنه يحرم علينا أكله ويحل لنا تصريفه في أنواع من المنافع غير الأكل والحكم بالتنجيس إنما يرجع لمنع التناول مطلقا أعنى يمتنع فيه الأكل والتصرف
هذا إذا كان ذلك النجس محكوما بنجاسته مطلقا فإن حكم بنجاسته في حال دون حال كان ذلك وصح أن يقال عليه أيضا نجس مثال ذلك أن محكم الشرائع بأن العذرة يحرم علينا أن نصلي بها فلا يجوز أن نصلي بها ولا نحملها في تلك الحال ويجوز لنا أن نتناولها ونحملها في غير حال الصلاة فقد بان الفرق ما بين

الحكم بالتنجيس والحكم بالتحريم ثم لو سلمنا أنهما اسمان للتحريم لما كان لتأويلكم السخيف معنى لطيف فلأي معنى تأولتم وقلتم ما لا يصلح حمل اللفظ عليه ولم لم تقولوا إنه منسوخ فهذا خطأ آخر وجهل لا يبوء به إلا من كان مثلكم فإنه جمع بين التأويل والنسخ وهما متناقضان
فإن معنى التأويل أن اللفظ المؤول معمول به على وجه ومعنى النسخ أن المنسوخ مرفوع الحكم على كل وجه غير معمول به أصلا
فقد ظهر من الفصلين السابقين أن هؤلاء القوم متحكمون بأهوائهم في دين الله تاركون للعمل بكتاب الله وسنن رسل الله وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون
وقد نجز غرضنا من الصدر فلنشرع في الفن الأول الموعود

الفن الأول
شعائر الدين النصراني وطقوسه
غرضنا من هذا الفن أن نجمع مسائل من قواعد أديانهم ونبين فسادها وأنهم ليسوا على شيء فيها بل تركوا فيها نصوص التوراة والإنجيل وعملوا بخلافها من غير حجة ولا دليل ولقد كان لنا فيما قدمنا كفاية أوصلتنا من فضيحتهم وخزيهم إلى أقصى غاية لكنا أردنا أن نبين خطأهم وضلالهم في أكثر قواعد دينهم حتى يتضح للناظر أنهم في جميع أحوالهم وأعمالهم مبطلون وأنهم من كل وجه مضلون
فنقول اعلم أنه لو تصفح جميع ما انتحلوه من أديانهم لوجد مبنيا على ما مثل ما تقدم من هذيانهم
لكنا نقتصر من ذلك على مسائل نباحثهم فيها ونبين ضلالهم وتلاعبهم في دينهم فإذا فرغنا من هذا الغرض ذكرنا في الفن الثاني جملة من أحكام شريعتنا ونقتصر من ذلك على ما عابوه علينا منها
وإنما فعلنا ذلك لأن هذا السائل الذي حركنا إلى تأليف هذا الكتاب هددنا بأن قال في كتابه إني أبعث إلى كل بلد كتابا بنص شريعتكم وبكل ما نعرف فيها من الأقاويل التي لا تقدرون على إنكارها فلو بصر الله هذا الجاهل المغلط بعيوبه لكان سترها وكتمانها أعظم مطلوبه لكن جهل فقال وحيث وجب أن يسجد بال
فنقول يا هذا ألنا يقعقع بالشنان آلآخذ بالحنيفية يدان كلا والله فليس مع الشمس سراج ولا شجر المرخ من الساج وها نحن نبتدئ بالمسائل تترى إن شاء الله تعالى
مسألة في المعمودية
أطبقت النصارى على اختلاف فرقهم على القول بالمعمودية وصفتها عندهم
أن الذي يريد أن يدخل في دينهم أو التائب منه تتقدم الأقسة منه فيمنعونه من اللحم والخمر أياما ثم يعلمونه إعتقادهم وإيمانهم فإذا تعلم ذلك اجتمع له القسيسون فتكلم بعقيدة إيمانهم أمامهم ثم يغطسونه في ماء يغمروه وقد اختلفوا هل يغطسونه مرة واحدة أو مرتين أو ثلاثا فإذا هو خرج من ذلك الماء دعى له الأسقف بالبركة ووضع يده على رأسه
هكذا كانت صفة معموديتهم قديما في الأندلس وأما اليوم فلعلهم قد غيروا بعض أحكامها وربما اختلفوا في بعض تلك الأحوال وهي عندهم عبادة مؤكدة وقاعدة ممهدة ومن لم يقبلها عندهم فهو كافر وليس له من ذنوبه غافر
وقد كتب الأسقف ليون إلى أساقفة صقليه رسالة ذكر لهم فيها أمر المعمودية وفضيلتها فقال المعمودية هي إماتة الذنوب وقتلها وتأويل الغطسات الثلاث مكث المسيح في قبره ثلاث أيام والخروج عن الماء هو الخروج عن القبر
ومنهم من تأول في هذه الغطسات الثلاث أنه التثليث الذي يعتقدون
وهذا التعميد لم يجر له في التوراة ذكر ولم يشرع الله قط لموسى لكن كتب النصارى في الإنجيل ان يحيى عمد عيسى بوادي الأردن فخرج منه روح القدس كالحمامة على الماء وزعمت النصارى أيضا أن عيسى قال للحواريين إذا مررتم بالأجناس فعمدوهم على اسم الآب والإبن والروح القدس وزعموا أن بيطر عمد ثلاثة آلاف رجل في يوم نيقشتان
وهذه المسألة عندهم ظاهرة المستند قوية المعتمد فإنهم قد أسندوا نقلها إلى الأنبياء والحواريين كما تقدم ولكنا مع ذلك

نطالبهم فيها مطالبات تؤذن بأنهم يرجعون إلى الترهات فنقول سلمنا لكم جدلا ما ذكرتم من إستناد المعمودية إلى ما ذكرتم لكن لم قلتم كما فعلها يحيى والحواريون نفعلها نحن ولعل الله تعالى خص يحيى والحواريين بعمل المعمودية ولم يشرعها لغيرهم فإن ادعوا أن الله شرعها لهم كما شرعها للحواريين طالبناهم بالنص من كتبهم الذي به يجب على من دون الحواريين التعميد ولا يجدون شيئا من ذلك أبدا
ثم نقول لعل الحواريين ويحيى إنما عمدوا الناس لأن ماءهم كان مقدسا ودعاءهم متقبلا لكون يحيى نبيا والحواريون كذلك عندكم وأما أنتم فلستم أنبياء وليس ماؤكم مقدسا فلستم مثلهم فكان ينبغي لكم ألا تعمدوا أحدا لكنكم وضعتم لأنفسكم شرعا بالتوهم وزدتم فيه أمورا بالتحكم ثم نقول سلمنا جدلا أن المعمودية شرع لكم فمن أين زدتم فيها العدد ووضع اليد على الرأس والنفخ في الوجه كما فعله بعض من مضى منكم ولم تكفرون من لا يستعملها ولم ينزل بشيء من ذلك سلطان ولا حكم بذلك إنجيل ولا فرقان لولا محض التلاعب بالأديان والتحكم في دين الله والخذلان
ثم نقول هذا الماء الذي تعمدون فيه أهو مقدس أو غير مقدس فإن كان مقدسا فمن قدسه فإن قلتم إن الله قدسه فمن أين علمتم ذلك ثم إن قلتم ذلك عورضتم بنقيضه وقيل لكم بل نجسه الله وإن قلتم نحن قدسناه قلنا فمن أنتم حتى شيئا وهل يصلح أن يقدس من ليس بمقدس أو يطهر من ليس بمطهر بل أنتم مذنبون تتزايد ذنوبكم في كل وقت وحين قكيف تقدسون غيركم وأنتم لا تقدسون أنفسكم فليت العجل يهضم نفسه
فحصل من هذا أن ماءكم الذي تعمدون فيه غير مقدس ولذا كان كذلك فلأي شرط تشترطون في المعمودية أن تكون بالماء وهلا عمدتم في البول فإنه ليس بنجاسة عندكم ولا فرق بينه وبين الماء إذ كل واحد منهما ليس بمقدس
ثم نقول زعم النصارى أجمعهم وكتبوا في كتبهم أن يحيى عمد عيسى المسيح بوادي الأردن

فنقول لهم هل كان عيسى عليه السلام قبل أن يعمده يحيى مقدسا أم لم يكن فإن قلتم أنه كان مقدسا فلا فائدة لفعل يحيى ولأي شيء لم ينزل عليه روح القدس قبل التعميد وأنتم تقولون أنه لما عمده نزل عليه الروح القدس مثل حمامة بيضاء وإن كان غير مقدس فكيف يكون من ليس بمقدس إلها أو ابن إله وأنتم تزعمون بجهلكم على اختلاف أقوالكم أنه اتحد بناسوته اللاهوت وهو في بطن أمه وكيف يتحد اللاهوت بمن ليس بمقدس وهل هذا كله منكم إلا هذيان وضرب من الخذلان تمجه القلوب والآذان

مسألة في غفران الأساقفة والقسيسين ذنوب المذنبين وإختراعهم الكفارة
للعاصين
أعلم أن هؤلاء القوم وضعوا لأنفسهم قوانين توافقوا عليها وارتبطوا لها من غير أن يشهد بصحة تلك القوانين شاهد من توراة ولا من إنجيل فمن خالفها عندهم سموه خارجيا تارة وكافرا أخرى والخروج عن تلك القوانين هو الذنب عندهم ثم تلك الذنوب منقسمة إلى ما لا يغفرونه وإلى ما يغفرونه فإذا غفرو ذنب واحد منهم أدخلوه الكنيسة وقبلوا قربانه وإذا لم يغفروا له أبعدوه عن كنائسهم وطردوه وهولوا عليه ولم يقبلوا برهانه ولا بد للذنب المغفور من كفارة وتلك الكفارة بحسب ما يظهر لأقستهم ويرونه موافقا لغرضهم فتارة يوجبون عليه خدمة الكنيسة وتارة لا يدخلها بل يقف عندها متذللا وربما يبقى على ذلك أعواما عديدة وتارة يوجبون عليه مالا إما لملكهم وإما لهم ولكنائسهم
ولا بد من بيان ذلك بالأمثلة على ما وجدنا في كتبهم ولنذكر من كل مسألة مثالا لئلا يطول الكتاب وإنما أنقل ألفاظهم من كتبهم لئلا يتقول متقول علينا بالباطل أو يظن بنا الجهل بمذهبهم أو ينسبونا إلى الكذب في شيء مما حكيناه عنهم
مثال القسم الأول العابثون بالصبيان
العابثون بالصبيان لا يغفرون لهم بوجه ولا يعطونهم قربانا

أبدا ولا عند وفاتهم على هذا أجمع أساقفة طليطلة في ولاية ايفة الملك وقالوا دعتنا هذه الفاحشة المنتنة أن يحكم بأجمعنا أن كل من أتى هذه الفاحشة أن يفعل به عقاب فإن كان راكب هذه الفاحشة أسقفا فليعزل ويبعد إبعادا شديدا دائما وإن كان من غيرهم فلينكل به نكالا شديدا ويضرب الفاعل والمفعول مائة سوط وينفيان النفى الدائم ولا يعطيهم أحد من الأقسة توبة ومن أعطاها لهم وتقبل قربانهم عزل وأبعد ولم يعط هو أيضا توبة وأغرموه خمسة أرطال ذهبا للملك
هذا قانونهم الأول القديم ولا أدري ما أحدثوه الآن إذ الأحداث عنهم في كل زمان
ومثال الثاني نكاح القرابات
وذلك أن نكاحهن حرام بنص التوراة زعموا فإن نكح رجل قريبته إلى سبع بطون فإن أصر على ذلك فلا يغفر له ولا يعطى قربانا وإن مات وإن أقلع عنها حرم القربان خمسة عشر سنة وكلفوا أعدادا من الصلوات ومن العبادات وربما زادوا عليه خمسا فكملوا له عشرين سنة وربما بلغه بعضهم خمسا وعشرين وذلك بحسب ستة عندهم فإذا كان بعد ذلك قبلوا توبته وأعطوه القربان وأما المرأة فقد أبوا أن يعطوها القربان إلا عند وفاتها
وأما الذي يأتي البهيمة
فإن كان له زوجة لم يعط القربان إلا بعد ثلاثين سنة وإن لم تكن له زوجة فبعد خمس وعشرين سنة
مثال ما يغرمون فيه الأموال
من تزوج من غير بركة القسيس فإنه يغرم للملك مائة دينار ويضرب الزوجان مائة سوط مائة سوط
وقد حكموا على قاتل عبده
بحرمان القربان سنتين وعلى قاتل العمد غير عبد بحرمان القربان وبخضوعه عند الكنيسة إلى آخر وفاته

وأما قاتل الخطأ
فقانونهم الأول يقضى بأن يحرم القربان سبع سنين والقانون الثاني يقضى بأن يحرم خمس سنين
وعلى الجملة
فهذياناهم وتحكماتهم أكثر من أن تحصى ومن اطلع على كتب فقههم رأى فيها غرائب وعجائب ومقصودنا التمثيل وقد حصل والحمدلله فنقول
من وقف على هذه المواضع وأمثالها لم يشك في أن القوم يصنعون أحكاما ويخترعونها ويلتزمونها ولسنا ننكر أن الشرائع لو جاءت بمثل هذا الكفارات والتحكمات لقبلناها والتزمناها
وإنما ننكر عليهم أن يجعلوا أنفسهم شارعين وينزلوا أنفسهم منزلة رب العالمين فإنه إنما ينبغي الحكم والتحكم له إذ له أن يفعل ما يريد ويحكم ما يشاء في العبيد وأما الأنبياء فلا يحكمون من عند أنفسهم وإنما يبلغون أحكام الله ثم أعجب من ذلك جرأتهم على الله واستهزاؤهم بكتاب الله فإن هذه الذنوب التي قدمت ذكرها قد شرع الله أحكامها في التوراة نصوصا وبين حدودها فجعل في أكثر تلك المواضع القتل ولم يحكم فيها بشيء مما اخترعوه وليس في إنجيلهم أيضا من هذه الأحكام شيء وعند هذا تبين أنهم خالفوا كتب الله وتركوا سنة رسل الله وتحكموا في ذلك بأهوائهم وتركوا سنن أنبيائهم فحقت عليهم لعنة الله أبد الآبدين وغضبه إلى يوم الدين
فإن قالوا تلك الأحكام التي في التوراة منسوخة بكتابنا وعلى لسان مسيحنا قلنا لهم هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين بل نقول إن عيسى عليه السلام جاء متمما لأحكام التوراة ولم يجيء مغيرا لأحكامها ولا ناقضا لها وكذلك نقلتم في إنجيلكم أن عيسى قال إنما جئت متمما ولم آت لأنقض شريعة من قبلي
وهذا خلاف ما تدعونه من النسخ بل يقتضى هذا بحكم ظاهره أنه لا ينسخ شريعة من قبله وإنما يوضحها ويحيى ما أميت منها ثم لا يبعد أن يكون قد نسخ بعض أحكام التوراة وغاية ما يوجد

له من النسخ قوله وقيل من فارق امرأته فليكتب لها كتاب طلاق وأنا أقول من فارق امرأته منكم فقد جعل لها سبيلا إلى الزنا ومن تزوج مطلقة فهو فاسق
ثم قال بلغكم أنه قيل العين بالعين والسن بالسن وأنا أقول لكم لا تكافئوا أحدا بسيئة ولكن من لطم خدك الأيمن فأعطه الآخر ومن أراد نزع قميصك فزده ردائك
فمثل هذا يمكن أن يقال فيه إنه نسخ وإذا بحث عن كتابكم كما يجب لم يوجد فيه نص من هذا على النسخ فمن ادعى منكم أن شيئا مما ذكر في التوراة تحريمه منسوخ فليأت بناسخ يشبه هذا القول فإن لم تأتوا بشيء من ذلك دل على أنكم متحكمون هنالك
مطالبة وهي أنا نقول لهم
لأي معنى حرمتم من نكح قريبته خمسا وعشرين سنة من القربان وحرمتموه من نكح بهيمة ثلاثين سنة ولو عكستم ذلك كان أشبه فإن نكاح الآدمية القريبة أشنع من حيث أنها محرمة من نكاح بهيمة لا احترام لها وكذلك نعكس عليهم كل ما ذكروه حتى يتبين فساد قولهم
ونقول لهم أيضا لأي معنى لم تجعلوا مكان الثلاثين ثمانية وعشرين أو إثنين وثلاثين ولأي معنى خصصتم هذا العدد دون غيره وعند هذا يتبين بطلان تحكمهم وفساد رأيهم وكذلك نقول لأي معنى شرعتم في العابث مائة سوط ولم تشرعوه فيمن نكح قريبته مع أن التوراة قد أمرت بقتل كل واحد منهما فكان ينبغي أن تسووا في الحكم بينهما فأما أن تضربوا كل واحد منهما مائة سوط أو لا تضربوهما فظهر من هذا أنكم تركتم حكم التوراة ثم لم تعدلوا فيما تحكمتم به ثم من أعظم تواقحكم أنكم سهلتم

الفواحش على أنفسكم وصعبتموها على غيركم فحكمتم على الأسقف الذي يعبث بأن يبعد فقط وعلى غيرهم بأن يبعدوا وينكلوا ويجلدوا إذا فعلوا تلك الفاحشة ولو عكستم ذلك لكان أشبه فإن التغليط على الأقسة مناسب لحالهم فإن المعاصي تقبح في حقهم أكثر مما تقبح في حق غيرهم فإن من كلام النبوة أن من أشد الناس عذابا عالم لم ينفعه الله بعلمه ومن كلام الحكماء حسنات الأبرار سيئات المقربين ثم هذا المعنى معلوم من عادة الملوك فإنهم يعاقبون وزراءهم والوقافين على رؤوسهم ويؤاخذونهم على أمور لا يحسن منهم أن يؤاخذوا بها سائس الدواب بل لكل مقام مقال ولكل عمل رجال وكيف لا تقبح المعاصي في حق الأقسة و الأساقفة وهم قد نزلوا أنفسهم منزلة الأنبياء حيث شرعوا الشرائع وتحكموا بوضعها بل تنزلوا منزلة المكلف الغافر الذي له الخلق والأمر
فإنهم قد قالوا للعوام إن غفراننا لكم غفران الله وحرماننا لكم حرمان الله فإذا أعطينا نحن القربان فقد قبله الله وإذا لم نعطه لم يقبله الله وإذا غفرنا نحن الذنب فقد غفره الله فإن غركم الشيطان وقد فعل بأن تقولوا إن لنا لأجل القسيسية منزلة وحظوة فاتركوا العمل بشريعتكم لأجل مالكم عند الله من الفضل ولا تحرموا على أنفسكم شيئا من الفواحش وقد سمعنا هذا النوع عن بعض أقسة أرغون فعليهم لعنة الله ولعنة اللاعنين ثم نقول لهم يا معشر الأساقفة الجاهلين والقسيسين المتحكمين من أنتم حتى تكونوا شارعين أأنتم عقاب رب العالمين أحصلتم على رضاه أجمعين بل ينبغي أن تتحققوا أنكم في العذاب خالدون حيث كفرتم برسالة سيد المرسلين مع ما دلت عليها من الشواهد والبراهين فلقد صدق الله وهو أصدق القائلين حيث قال مخبرا عن الأخبار والقسيسين وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السموات والأرض وما بينهما وإليه المصير

مسألة في الصلوبية وقولهم فيها
لاخلاف عند النصارى أن إنكار صلب المسيح كفر ومن شك فيه فهو كافر وأنا الآن أذكر كلامهم في الصلوبية وفي معناها عندهم
قالوا
الكلمة هو الله وهو مخلوق من طريق الجسم وخالق من طريق النفس وهو خلق جسمه وهو خلق أمه وأمه كانت من قبله بالناسوت وهو كان من قبلها باللاهوت وهو الإله التام وهو الإنسان التام ومن تمام رحمته على الناس أنه رضى بهرق دمه عنهم في خشبة الصلب فمكن اليهود أعداءه من نفسه ليتم سخطه عليهم فأخذوه وصلبوه وغار دمه في إصبعه لأنه لو وقع شيء من دمه على الأرض ليبست إلا شيء وقع فيها فنبت في موضعه النوار
لأنه لما لم يمكن في الحكمة الأزلية أن ينتقم الله من عبده العاصي آدم الذي ظلمه واستهان بحقه فلم يرد الله الإنتقام منه لاعتلاء منزلة السيد وسقوطه منزل العبد أراد أن ينتصف من الإنسان الذي هو إله مثله فانتصف من خطيئة آدم بصلب عيسى المسيح الذي هو إله متساو معه فصلب ابن الله الذي هو الله في الساعة التاسعة من يوم الجمعة
هذا نص كلامهم من غير زيادة ولا نقصان
وقال بليون الجاثليق في رسالته لليون الملك كبول أسرتنا لا يمكن أن تحل إلا بان يطلع إنسان من جنسنا وطبيعتنا من لا تضبطه معصية الذنب على ضد آدم ومن بدمه الطاهر تمحو أزلات الريق المهلك الذي كان حتمه الله وقضى به منذ البدء فتم ذلك الفعل عند إنقضاء الزمان المحدود وذلك ليتم الوعد الموعود
مفهوم هذا الكلام أن ذنب آدم كان في رقاب بنيه إلى أن قتل عيسى وانتقم منه لأجل آدم وحينئذ عفى عن آدم وبنيه
ولهذه الحكمة كانت صلوبية المسيح عندهم يا معشر العقلاء أنظروا بعين الإعتبار جهل هؤلاء الأغمار وجرأتهم على العزيز

الجبار وقولهم بالشتيمة في الأنبياء الأخيار فلقد ارتكبوا من المحالات وقالوا من الأكاذيب والترهات ما لم يقله أحد من المخلوقات ثم لم يكتفوا بهذه العظائم حتى أضافوا لله ولأنبيائه أعظم النقائص والشتائم فلله سر في أبعاد بعض العباد ومن يضلل الله فما له من هاد
فهؤلاء كما قال الله العظيم في كتابه الكريم صم بكم عمى فهم لا يرجعون
واعلم أنا لو تتبعنا تناقض هذا الكلام وأوردنا الإلزامات عليه لكتبنا في هذه المسألة وحدها سفرا على أن العقلاء يعلمون فساد هذا المذهب بالضرورة عند مجرد الوقوف عليه ولذلك لم يصر إلى نحو هذا المذهب السخيف والقول القبيح أحد من الأمم لا من العرب ولا من العجم لا في الحديث ولا في القدم وإنما صار إليه هؤلاء النصارى الجهال لكونهم ليسوا من العقال بل حظهم من العقل حظ المجانين والأطفال فكلامهم أشبه شيء بكلام الموسوسين والمختلطين المبرسمين
ولقد كان يقتضى ما يعلم من حالهم الكف عن مناظرتهم وجدالهم لكن سكوت النبيه ربما كان داعية لتطاول السفيه وقد تقدم هذا الإعتذار عن هذا في أول الكتاب ولكن مع هذا لا بد للمجانين من العزائم وتعليق الأجراس والنمائم فلنورد عليهم من الإلزامات ما يبطل تلك الترهات ويبين تلك الأكذوبات فنقول
وقد ذكرنا فيما تقدم أن أمر الصلوبية إنما شرعها لهم قسطنطين بن هيلانة الملك وهو الذي سنها وكتبها لهم في الإنجيل ليوغر صدور عامته ورعيته على اليهود وأنه احتال عليهم بالرؤية التي اخترعها فتم له مراده منهم ولم يكن عنده من أمر عيسى إلا خبر جملى
ثم اختلق لهم في شأنه أمورا تفصيلية هي محال في نفسها لكنها مهولة على العامة الرعاع كقولهم في الإلتحام وفي لاهوت المسيح

لم يتركه ألم الصلب والإهانة وإنما أدرك ذلك لحمته وكإطلاق لفظ الطبيعتين على لاهوته وناسوته إلى ما عندهم من الهذيانات التي هي محال بالضروريات
وقد قدمنا في ذلك ما يغنى عن إعادته
واعلم أن النصارى يدعون أن اليهود قتلت المسيح عيسى يقينا وأن اليهود يدعون أنهم قتلوا رجلا ادعى نسخ التوراة بعد أن ادعى النبوة ولم يقم عليها شاهدا
ونحن ندعى أن عيسى ابن مريم عليه السلام لم يقتله اليهود ولا غيرهم بل رفعه الله إليه من غير قتل ولا موت ونحن نبين أن الفريقين في شك منه وغير عالمين بشيء مما يدعونه في صلبه فنقول
إن مستند النصارى في قولهم بالصلب إنما هو الإنجيل وقد بينا فيما تقدم أنه قابل للتحريف والتبديل وقد أرينا فيه التناقض والتحريف عيانا وأوضحنا على ذلك برهانا مع ما قدمنا من أن نقله ليس نقلا متواترا يفيد العلم وهذا يكفى مع أنهم ليسوا عالمين بشيء مما يتضمنه ولو سلمنا أنه متواتر يحصل بنقله العلم لقلنا أن الأخبار التي فيه التي تتضمن الصلب لا تنص نصية قاطعة للشك على أن المصلوب هو المسيح بعينه بل هي محتملة لأن المصلوب غيره ولم تتفطن النصارى بغباوتهم لوجوه الإحتمال ونحن نسرد نصوصهم في أناجيلهم ونبين ذلك ووجه الإحتمالات فيها إن شاء الله مستعينين به ومتوكلين عليه
قال متاؤوش في إنجيله
وقف على المسيح يهوذا أحد الإثنى عشر ومعه جماعة برماح وعصى وكان معهم قواد القسيسين وأكابر بني إسرائيل وكان يهوذا قد قال لأولئك الأعوان من قبطته من الجماعة فهو

المراد فاحبسوه وفي ذلك الوقت دنا يهوذا إلى ياشوا
وقال السلام عليك يا معلم فقال له ياشوا يا صديق لم أقبلت هنا فعند ذلك تعلقت الجماعة به وحبسته
زاد ماركش
أنه لما قبضوا عليه تخلى عنه التلاميذ وهربوا فاتبعه شاب عريانا وهو ملتف في ردائه فقبضوا عليه فأسلم لهم الرداء ونجا عريانا
زاد لوقا
أن بلاط لما أخبر أنه جلجالي وعلم أنه من طاعة هيرودس بعثه إليه
زاد في إنجيل يوحنا
أن ياشوا تقدم لجماعة وقال لهم من تريدون فقالوا له ياشوا الناذري فقال لهم ياشوا أنا هو وكان يهوذا المدل عليه معهم واقفا فلما قال لهم أنا هو قهقروا إلى خلف فتساقطوا في الأرض ثم دنا منهم وقال لهم من تريدون فقالوا له ياشوا الناذري فقال لهم من تريدون فقالوا له ياشوا الناذري فقال لهم ياشوا قد قلت لكم إني أنا هو فإن كنتم إنما تريدونني أنا فأطلقوا سبيل هؤلاء
وذكر متى
أن يهوذا الدال عليه لما أبصر ما فعل به ندم ورد الثلاثين درهما على قواد القسيسين وقال أخطأت إذ سلمت دما صالحا فقالوا له ما علينا أنت ترى فألقى الدارهم في البيت وتوجه إلى موضع خنق فيه نفسه

هذه نصوص أناجيلهم ومستند إعتقاداتهم ليس شيء منها يدل دلالة قاطعة على أن المصلوب هو المسيح بعينه بل إذا اعتبر العاقل تلك الحكايات المذكورات ولفق متلفقها وحقق النظر فيها تفطن لموضع الأشكال وتنبه لمثار الشك فيها والإحتمال
ونحن نبين ذلك بعون الله فنقول ما سودناه من أناجيلهم فيه أحتمالات
منها
أن يهوذا كذب لليهود في قوله هو ذا فإن اليهود كانت لا تعرفه ولم تأخذه إلا بشهادته أنه هو ألا ترى أن يهوذا عرفهم إياه بالعلامة
وكذلك يدل على ذلك سؤالهم عنه وكذلك سؤال بلاط عن بلده حين أخبر أنه من جلجال يدل على أنه كان لا يعرفه
فهذا كله يدل على أنهم كانوا لا يعرفونه وإنما عولوا في تعيينه لهم على يهوذا فإذا ثبت ذلك فيحتمل أن يكون يهوذا إنما أشار إلى غيره لأنه كان ندم على بيعه كما تقدم نصه في كتبكم
ويدل على أنه تاب من ذلك وندم عليه وحسنت توبته قول عيسى له فيما زعمتم حين سلم عليه يا صديق لم أقبلت ولو كان مصرا على الدل عليه وعلى ما كان هم به لما كان يحل لعيسى أن يقول له يا صديق فإنه كان يكون كافرا ولا يمكن أن يقول للكافر يا صديق فإنه كذب لأن الكافر عدو فيلزم هنا أحد ثلاثة أمور
أما أن يكون يهوذا تاب في ذلك الوقت وندم على ما فرط منه فعفى عنه وتوبته لا تصح في تلك الحال أعنى حال الدلالة عليه إلا بأن يعدل عنه ولا يدل عليه وكذلك فعل والله أعلم
أو يكون عيسى كاذبا فيما قال له حيث أخبر أنه صديق وعيسى عليه السلام منزه عن الكذب
أو يكون كتابكم باطلا ومحرفا
فاختاروا من هذه الثلاث واحدة وأي شيء التزمتم منها فهي مبطلة لقولكم وفاسدة

ويدل على حسن توبته وصدقها أنه رمى بالدراهم واعترف بالخطية وقتل نفسه وهذا يدل على غاية الصدق في الندم
ومقصود هذا الكلام أن يهوذا ندم ولا بد على ما فرط منه فيحتمل أن يكون دل على غيره من أصحابه وأن ذلك الغير رضى بأن يقتل مكان المسيح فتعرض بنفسه لليهود فأخذوه ورفع عيسى مكانه إلى السماء كما رفع أخنوخ النبي وهو إدريس عليه السلام وهذا كما تقولون أنتم أنه لما صلب وحيى اجتمع بأصحابه بجلجال ثم رفع إلى السماء
فقد توافقنا على الرفع وأنتم تقولون أنه بعد الصلب والصفع والإهانة ونحن نجله ونكرمه عن ذلك ونقول أنه رفع من غير صلب وإهانة بل صانه الله من أن يظفر به عدوا وأكرمه حتى أحله مكانا عليا ولو كنتم عقلاء لجحدتم أمر الصلوبية ولم تعترفوا بها ولقبلتم قولنا فيها ولو فعلتم ذلك لكان أليق بكم وأستر لجهلكم فإنكم تريدون أن تجمعوا بين نقيضين حيث حكمتم عليه بأمرين محالين الهية وصلوبية
ومنها
أن يحتمل أن يكون المسيح في الجماعة الذين أطلق الأعوان سبيلهم وكان المتكلم معهم غيره ممن يريد أن يبيع نفسه من الله ويقى المسيح به
فقال ذلك المتكلم أنا المسيح فحبسوه وخلوا سبيل غيره فانفلت المسيح في جملتهم ويقوى هذا الإحتمال أن يهوذا كان واقفا ناحية ولم ينبه عليه لكونه كان نادما لما قد تبين وبعد ذلك رفع
ومنها
أن أولئك الأعوان أخذوا عليه رشوة فأطلقوه وعلى هذا يدل حديث رداء الشاب حيث قال ماركش إن الشاب أسلم اليهم الرادء لما تقبضوا عليه وإذا جاز أن يأخذ يهوذا الأشكريوث وهو حواريه على قتله ثلاثين درهما جاز أن يأخذ الأعوان على إطلاقه رداء

ومنها
أنه لا يبعد أن يكون الله تعالى رفع المسيح إلى السماء وصور لهم شيطانا أو غيره بصورة تشبه صورته فاعتقدوا أنه هو فصلبوه وإلى هذا يشيء سكوته حيث سألوه فسكت ولم يجاوبهم وفي الوقت الذي تكلم لهم نزلت تلك الصورة نفسها منزلته وهذا كله ممكن لا يدفعه عقل فإن الله على كل شيء قدير ولا يدفعه ايضا نقل
فإن كل ما نقلتموه ليس نصا قاطعا ولا نقل نقلا متواترا فحصل من هذا أنكم غير عالمين بصلبه ولا موقنين بقتله
وأما اليهود فليسوا أيضا عالمين بشيء من ذلك إذ لا يصدقون كتابكم وليس عندهم نقل متواتر بذلك على التفصيل وغايتهم أن يعتقدوا على الجملة أن رجلا كان فيما مضى غير بعض أحكام التوراة فشهد عليه بذلك فقتل وكتابكم يدل على أنهم إنما قتلوا رجلا شهد لهم فيه يهوذا الأشكريوث أنه المسيح الذي ادعى أنه ابن الله فحصل من هذا أن اليهود في شك منه وأنكم أنتم على غير علم به وهكذا قال كتاب الله الناطق على لسان رسوله الصادق وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه وما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما
وحين بينا أنهم في شك من الصلوبية ينبغي أن نتتبع بالنقض كلامهم المتقدم فنقول
أما قولهم من رحمته على الناس أنه رضى بهرق دمه عنهم في خشية الصلب فتواقح لا يفوه به من له من الحياء أقل نصيب يا عجبا كيف يجترئ أن ينطق بهذه القبائح عاقل أم كيف يرضى لنفسه بمثل هذه المخازي فاضل وهلا كان يرحم عباده بأن يغفر لأبيهم ولا يحتاج إلى هذا كله أو ليس كان يكون غفران الذنب أهون عليه ابتداء وأليق بالحكمة والرحمة والرأفة من أن يعاقب من لم يجن ثم ذلك المعاقب الذي لم يجن الذنب ابنه بل وهو عندكم

نفسه بإعتبار ما حل فيه منه فلم يرض من عقوبة الذنب الذي جناه آدم حتى عاقب نفسه أو ابنه فأنتم في هذا القول الوقاح والإفك الصراح بمنزلة رجل أخطأ عليه عبده فبقى بعد مدة غاضبا عليه وعلى غيره من عبيده ناويا على معاقبتهم حتى ولد لنفسه ولد فعمد إليه فقتله بذنب العبد الذي كان أذنب ثم لم يقنع بذلك حتى ضرب نفسه ولامها وأهانها على ما صنع عبده مع أنه قد كان متمكنا من أن يغفر لعبده ولا يفعل هذا بولده ولا بنفسه فأي تشف يحصل له مما فعل بل يحصل له كل ألم ونقص وخلل مثل السفيه الأحمق الجاهل بل يزيده ذلك في كربته ويدعو إلى دوام حزنه وحسرته
ويلزمكم على ذلك أن يكون الله تعالى لم يتب على آدم عليه السلام إلا بعد أن صلب المسيح وبذلك تكذيب كتب الأنبياء فإنها تقتضى أن آدم بكى على خطيته ودعا الله تعالى حتى تاب عليه واجتباه ويلزمكم أيضا عليه أن يكون نوح وإبراهيم وموسى وما بينهم من النبيين عصاة بذنب آدم حتى صلب عيسى وحينئذ غفر لهم
وقد صرح بعض أقستكم لعنه الله أن آدم وجميع ولده إلى زمان عيسى كانوا كلهم ثاويين في الجحيم بخطيئة أبيهم حتى فداهم عيسى بهرق دمه في الخشبة فلما صلب نزل جهنم وأخرج منها جميعهم إلا يهوذا الأشكريوث
فانظر هل يستجرئ مجنون موسوس على أن يقول أن نوحا وإبراهيم الخليل وموسى الكليم ومن بينهم من النبيين مثل يعقوب وإسحق وغيرهما من الأبناء صلوات الله عليهم أجمعين كلهم في نار الجحيم والعذاب الأليم وفي السخط العظيم حتى صلب الإله نفسه وإبنه
فانظر هل سب الأنبياء بأقبح من هذه الشتائم أو هل تجرأ أحد قط أن يقول على الله وعلى رسله مثل هذه العظائم فسبحان الحليم الذي يمهلكم والكريم الذي يرزقكم ولكن إنما يعجل من يخاف الفوت أو يجزع من الموت ويوم القيامة ترى الذي كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين

ثم يلزمكم عليه أيضا نسبة الله إلى الجور وإلى أنه يأخذ بالذنب غير فاعله ويعاقب على الزور غير قائله وهذا يهون عليكم إذ ليس للإله قدر عندكم إذ قد صرحتم بأن آدم ظلمه وأنه لا يمكن أن ينتقم ممن ظلمه واستهان بقدره
فياليت شعري لأي شيء لم يمكنه أن ينتقم من عبده العاجز عن ذلك أم لأنه لا يقدر على عقاب أحد ممن هنالك أم بحكمة أنه يعاقب غير الجاني أم لحكمة قتل ولده في جناية عبده
قاتلكم الله ما أسخف عقولكم وما أرك فروعكم وأصولكم ثم أعجب من ذلك أنهم يقولون الكلمة هي الله والله هو المسيح ثم يقولون إنه لم يمكنه أن ينتقم من عبده العاصي الذي ظلمه وإنما انتقم من إله مثله
فانظر إلى هذا التناقض الشنيع كيف يعتقدونه تارة أنه هو فيلزم عليه أنه هو المنتقم والمنتقم منه والمعاقب والمعاقب وتارة يعتقدون أن الإهانة والصلب لم يحل بلاهوته بل حل بناسوته
وناسوته ليس بإله فيلزم على هذا القول الآخر أنه لم ينتقم من إله مثله وكيف ما كان فالتناقض لهم لازم والمحال
وهكذا يفعل الله بالجهال أهل الضلال ثم انظر سخف جرأتهم على الكذب وقولهم بالمحال من غير سبب حيث قال فأخذوه وصلبوه فغار دمه في اصبعه وهذا لم يرد منه شيء في كتبهم بل هو من كذبهم وإختراعهم
ولو كان هذا حقا لكان أولى بالنقل من نقلهم جعل الصليب على عنقه وأنه رفع إليه إناء خل ليشربه وكتب على خشبته بالرومية والعبرانية والعجمية هذا ملك اليهود فهذا ولابد كذب وتواقح فإن كابروا في ذلك على عادتهم قلنا لهم فأتوا بالإنجيل فاتلوه إن كنتم صادقين
ثم انظر كيف تناقض ذلك المتكلم على الفور في قوله لأنه

لو وقع شيء من دمه على الأرض ليبست ثم إنه أثر ذلك قال ألا شيء وقع فيها نبت منه النوار فكيف يصح في عقل مجنون فأحرى في عقل عاقل أن يتكلم بمثل هذا الهذيان أو يستحل أن يتحرك له بذلك لسان فإنه كذب فاسد متناقض فلعمري لو أن شيطانا يتقول على ألسنتهم وهو يريد الإضحاك بهم ما بلغ منهم بأكثر مما بلغوا من أنفسهم بهذا القول السفساف الذي اتفق العقلاء على فساده وإستحالته من غير خلاف
ولقد أحسن بعض عقلاء الشعراء في إفحام هؤلاء الأغبياء فقال ... عجبى للمسيح بين النصارى ... وإلى أي والد نسبوه ... أسلموه إلى اليهود وقالوا ... أنهم بعد قتله صلبوه ... فإذا كان ما تقولون حقا ... وصحيحا فأين كان أبوه ... حين حل ابنه رهين الأعادي ... أتراهم قد رضوه أم أغضبوه ... فلئن كان راضيا بأذاهم ... فاحمدوهم لأنهم عذبوه ... وإذا كان ساخطا فاتركوه ... واعبدوهم لأنهم غلبوه ...
فقد جعلتم أنفسكم ضحكة العقلاء حيث ارتكبتم كل قبيحة شنعاء وما بالنا نطول الكلام مع من تبين عارهم ومحالهم للخاص والعام فقدر هؤلاء القوم عند العقلاء أحقر من قلامة في قمامة وأخس من بقة في حقه ولولا أن هذيانهم ومحالهم طبق الوجود لما كان ينبغي أن يتكلم معهم من العقلاء موجود فإن الكلام معهم مخل بالعقول محوج لحكاية القبائح والفضول
وقد قدمت في صدر الكتاب ما يمهد العذر ويزيل العتاب وأنا استغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأسأله التوبة من حكاية قبائحهم وأسأله جزيل الأجر في إبداء فضائحهم

مسألة في تركهم الختان
لا خلاف بينهم أن عيسى عليه السلام كان مختونا وأن الختان من أحكام التوراة وثابت فيها وإن أنكر ذلك متواقح جاهل ذكرنا له نص التوراة
قال في التوراة إذ حبلت امرأة وولدت ذكرا تكون نجسة سبعة أيام كما تكون أيام حيضتها وفي اليوم الثامن يختن الصبي ونكون نجسة تجلس مكانها ثلاثة وثلاثين يوما وهذا نص لا إشكال فيه ثم إن النصارى بتحكمهم وإستهانتهم بالشرائع تركوا العمل وذلك من غير أصل يعتمدون عليه و لانسخ يثبت عندهم له ومن ادعى منهم شيئا من ذلك طالبناه بنص من الإنجيل وليس لذلك من سبيل غير التحكم بالقال والقيل
وقد وجدت في كتبهم الفقهية أنهم قالوا في تأويل حكم الختان قولا أتوا فيه على التوراة بالباطل والبهتان قالوا إنما عنى بالختان نقاوة القلوب وصفاء النية وذهاب الغلوفة كالذي يقول الكتاب عن اليهود إن رقابهم قاسية وقلوبهم غلف ولذلك علمنا أن الله استقذر غلوفة القلب وليس غلوفة اللحم فما على الإنسان أن يختن لحمه إذ لامنفعة له في ذلك فمن شاء اختتن ومن شاء ترك والأحسن أن تترك الأجساد تامة غير ناقصة كما بها خلقنا الله عز و جل
هذا نص كلامهم في كتبهم فانظر أيها العاقل إن كنت منصفا ما الذي ارتكبوه من العظائم ونسبوه إلى الله ورسله من الشائم
فأولها
أنهم كذبوا على الله حيث قالوا إنما أراد الله بهذه الحكم إزالة غلوفية القلوب ولو كان ذلك حقا لبينه موسى للناس ولما جاءهم بالختان ولما فعله ولما فعل بيحيى وعيسى وسائر الأنبياء الذين حكموا بالتوراة ولم يزالوا يختتنون ويأمرون بالختان إلى زمان المسيح ثم إن المسيح لم ينه عنه ولا أمر بتركه فهذا على الله ورسله كذب صراح وقول وقاح

وثانيها
أنهم سفهوا أحكام الله ورسل الله حيث قالوا لا منفعة في ذلك مع أن الله قد حكم به وشرعه وبلغ ذلك أنبياؤه ورسله وعلموه الناس فكيف يجوز على الله وعلى أنبيائه أن يتعبدوا الناس بحكم لا فائدة له لا في الدنيا ولا في الآخرة فهذا غاية الإفتراء على الله وعلى رسله ثم يلزمهم على ذلك أن يكونوا عابثين في أفعالهم وأن وجود الشرائع وعدمها بمثابة واحدة وكذلك إرسال الرسل وإنزال الكتب ولا كفر أعظم من هذا
ثم إنا نبدي فوائد الختان حتى يظهر كذبهم وجهلهم وتواقحهم لكل إنسان ونقول في الختان فوائد كثيرة منها
أولا أنها عبادة في بدن الإنسان إذا فعلها أثيب وإن تركها عوقب على القول بوجوبه ولا فائدة أعظم من هذا
وثانيا أنه لا يتأتى مع وجود الغلفة مبالغة في النظافة ومع زوالها يتأتى ذلك
وثالثا أنه ألذ في الجماع وأسرع لمجئ شهوة الوقاع ومع وجودها يكون أبعد للشهوة وقد تكون الغرلة إذا طالت مكسلة عن الإنزال
ورابعا أن خروج الماء الدافق من غير غلفة وإنزعاجه أشد فإن الغلفة إذا طالت ربما نقصت من إنزعاجه وفترته وإذا كان كذلك وخرج الماء فاترا قد لا يقع في المحل الذي ينعقد فيه النطفة فلا ينعقد الولد ويكون هذا كالعزل ومقصود الشرع في الغالب تكثير النسل
فهذه أربع فوائد محققة لا يتصور إنكارها وقد لا يبعد أن يقصد الشرع جميعها أو بعضها فإذن قد تبين أن النصارى كذبوا على الله وجهلوا شرع الله
وثالثها
أنهم تركوا حكم الله بالتوهم بل بالهوى والتحكم وتأولوا من غير حاجة للتأويل ورفعوا النص والتنزيل فهم أهل التحريف والتبديل ثم العجب من كذبهم وظهور تناقضهم حيث حكوا عن عيسى أنه قال لم آت لأنقض شريعة من قبلي وإنما أتيت

لأتممها فإن كان هذا القول حقا عندهم فلأي شيء نقضوا شريعة من قبله حرفا حرفا وإن كان كذبا فكفاك بذلك فسادا وخلفا
ورابعها
أنهم لما نقضوا حكم الله فضلوا بحكمهم وأهوائهم على شرع رسول الله حيث قال والأحسن أن تترك الأجسام تامة غير ناقصة وهذه مبالغة في تسفيه موسى والنبيين وفي تسفيه المسيح فإنهم قد تركوا الأحسن وفعلوا الأسوأ والأفسد فاعتبر أحوالهم فما أعجبها وجهالاتهم فما أغربها مذمومون
وهم يتوهمون أنهم يمدحون ومخالفون ويظنون أنهم متبعون ثم مع ظهور عوراتهم لكل عاقل يتعرضون للشريعة الصحيحة بكل جهل وباطل ويموهون بخرافات وترهات لا يلتفت إليها عاقل يظنون أن دين الإسلام كدينهم المستند إلى الترهات والأوهام التي لا يقبلها سليم الفطرة من العوام
وسنبين أصول دين الإسلام ومستنداتهم في أحكامهم بحول الله في الفن الثاني من هذا الباب إن شاء الله تعالى مسأله في صيامهم
قال حفص بن البر منهم في بعض كتبه وقد سأله سائل عن صيامهم فقال أول من صام الأربعين يوما موسى ابن عمران وبعد ذلك صامها إلياس النبي الذي رفعه الله في عصر بني إسرائيل ثم بعد ذلك صامها المسيح وأما العلماء فأكملوا ثلاثة وأربعين يوما وإنما هي عشر أيام السنة كما قال بولش الحواري في بعض رسائله كما تؤدون العشرات من أموالكم فأدوا العشرات من أبدانكم فهذا هو الصيام المفروض
اعلم يا هذا أن هذا القس الذي هو حفص هو من أكيسهم وأفصحهم على أنه ليس في القوم رجل رشيد ولا ذو عقل سديد وإنما كان كذلك لأنه قد ضربت عليه الجزية ولزمه الصغار والذلة إذ كان قد نشأ في ذمة المسلمين وتعلم من علومهم ما فاق به النصارى أجمعين

ومع ذلك فإذا أخذ يتكلم في علوم النصارى وأحكامهم تلجلج لسانه وقصر بيانه لأنه ينزل على آرائهم الفاسدة وتحكماتهم الباردة
وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر
نبين لك يا هذا أن كلامه في هذا الفصل فاسد واحتجاجه بارد وذلك أنه ادعى أن صوم الثلاثة والأربعين واجب وحين أخذ يستدل على وجوبها استدل على وجوب الأربعين ثم أخبر أن علماءهم زادوا من عند أنفسهم ثلاثة أيام
فنقول لهم وهذه الثلاثة الأيام التي ادعيتم وجوبها هل علم موسى وعيسى ومن بينهما من الأنبياء أنها من فرض الصيام أو لم يعلموا فإن كانوا قد علموا فلأي معنى لم يبلغوا ولم يبينوا ويلزم معصية الأنبياء من وجهين من حيث أنهم لم يصوموا ما هو فرض الله ومن حيث لم يبلغوا الشرع وذلك محال عليهم وإن كانوا لم يعلموا وجوب هذه الأيام الثلاثة فمن أين علم الجهال أمثالكم وجوبها والأحكام إنما تستند إلى أقوال الأنبياء وكتبهم
فإن قالوا أوجبها بولش الحواري قلنا ذلك هو الذي أفسد عليكم أديانكم وأعمى بصائركم وأذهانكم ذلك هو الذي غير دين المسيح الصحيح الذي لم تسمعوا له بخبر ولا وقفتم منه على أثر على ما تقدم
هو الذي صرفكم عن القبلة وحلل لكم كل محرم كان في الملة ولذلك كثرت أحكامه عندكم وتداولتموها بينكم
ويدلك على ذلك أنك إذا سمعت له قولا في حكم فتكاد لا تحده إلا مغيرا للأحكام المتقدمة مخالفا لها فتارة يزيد وأخرى ينقص وأخرى يرفع يعرف هذا من وقف على كتبهم وعلى ما ينقلون عنه ثم لو سلمنا أنه لم يفعل شيئا من ذلك لما كان ينبغي لكم أن تأخذوا بقوله وتتركوا فعل موسى وعيسى والياس وقولهم
وهل فعل ذلك إلا جهل لا ينبغي أن يصار إليه ولا يلتزمه أحد حكما عليه فإن المبلغين عن الله المبينين شرع الله إنما هم موسى وعيسى ومن تنزل منزلتهم وبإتفاق منكم أن بولش

ليس منزلا منزلة موسى ولا منزلة عيسى وغايته إذا سلم مما ذكر عنه في كتب التواريخ أن يكون حواريا لم تكثر صحبته لعيسى بل صحبه أياما قلائل بدعواه وليست صحبته له كصحبة متاؤوش ولا يوحنا ولا أحد من الأحد عشر حواريا ثم لو سلمنا أنه صحبة صحبتهم فلعله ارتد بعد رفع عيسى كما فعله الأشكريوث بزعمكم ثم لو سلمنا أنه لم يرتد فمن أين يلزم إتباع حكمه ولا سيما إذا غير الأحكام المتقدمة وحكم بخلافها وليس بنبي ولا رسول فإن قلتم إنه نبي فقد قدمنا ما يكذب قولكم ويرد عليكم زعمكم فقد تبين من هذا أن حفص بن البر على جلالة قدره عندهم قبل ما كان ينبغي له أن يرد ورد ما كان ينبغي له أن يقبل فإنه رد فعل موسى وعيسى وإلياس وقبل قول عامة الناس فهو وهم من الأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا
ولو تتبعنا أحكام صيامهم لأظهرنا فيها كثيرا من هذيانهم فلنأخذ من كل باب مسألة واحدة بحول الله وحسن عونه

مسألة في أعيادهم المصانة
قال حفص
أما بعد فإن الذي أردت علمه من الأعياد السبعة التي أمر القانون بصيانتها فهي معروفة فأول يوم منها إذ بشر جبريل الملك مريم بإيلاد المسيح واليوم الثاني إذ ولد المسيح والثالث إذ ختن إلى ثمانية أيام والرابع إذ ظهر للهجين وأهدوا إليه ذهبا ولوبانا ومرا وهو يوم النجم والخامس يوم الفصح إذ قام عن القبر والسادس إذ تخطفته السحابة ورقى إلى السماء بمحضر الحواريين والسابع إذا نزل روح القدس على الحواريين وتكلموا بجميع الألسن

وأما غيرها من الأيام التي استشهد فيها الشهداء ويصونها الناس ويتصدقون فيها على المساكين والضعفاء فواجب على كل ذي عقل أن يصونها إما في مدينة وإما في قرية
فنقول له ولهم هذه الأيام المصانة عندكم هل صيانتها واجب عندكم بالشرع أو ليس واجبا بالشرع فإن قالوا ليس بواجب بالشرع قلنا لهم فلأي معنى تعملونها وتلتزمون صيانتها حتى أن من كان في قرية أو في موطن لا ينبغي له أن يرتحل عنه حتى يتمها فقد التزمتم ما ليس بلازم وأوجبتم ما ليس بواجب فإن قالوا هي واجبة بالشرع قلنا لهم بأي شرع وجبت بشرع موسى أو شرع عيسى فإن قالوا بشرع موسى كذبوا وقلنا لهم فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين ولا شك في أنهم لا يجدون شيئا منها في التوراة ولا في الإنجيل وغايتهم أن يقولوا ما قال عالمهم حفص هذه أيام شريع لأنها اتفق فيها أمور شريفة من أحوال المسيح
فنقول لهم هب أنه اتفق ما تقولون فمن أخبركم من الأنبياء أنه إذا أتفق أمر من تلك الأمور فافعلوا كذا واصنعوا ذلك اليوم عيدا وفي أي كتاب من كتبكم وجدتموه ولا شك في أنهم لا يجدون شيئا مما ادعوه فلم يبق لهم إلا محض التحكم ثم يلزمهم على مساق هذا أن يبحثوا عن أيام عيسى وعن عددها ويتخذوا تلك الأيام أعيادا فإن أيامه كلها ومحاضرة كانت شريفة إذ كانت أيامه لا تخلو عن كرامة يكرمه الله بها وعن بركة من بركاته وعن معجزة من معجزاته فلأي معنى خصصتم تلك الأيام لولا محض الهوى والتحكم الباطل ثم نقول لهم هل كان عيسى يعلم فضيلة تلك الأيام أو لا يعلم فإن كان يعلمها فلأي معنى لم يفعل فيها ما تفعلون أو لأي معنى لم يبين شرعه فيها لو كان له فيها شرع وإن لم يعلم فضيلتها فكيف لم يعلم هو ما علمتم أنتم ثم كيف يجهل شيئا علمتموه أنتم وهو عندكم قد اتحد به علم الله
فحصل من هذا أنها ليست فاضلة ولا لله فيها حكم إذ لو كانت فاضلة لله فيها حكم لعلمها ولو علمها لبينها فلما

لم يعلم ولم يبين علم أنه ليس لله فيها شيء مما اخترعتمون لكنكم تحكمتم بإختراع ما جهلتم وشرعتم ما لم يشرع لكم نبيكم فإن قالوا هذه أيام اتخذناها لفعل الخير نتصدق فيها على مساكيننا ونطعم فيها جياعنا وهذه أفعال خير وبهذه جاءت الشرائع كلها
قلنا لهم لا ننكر أن الشرائع جاءت بإعانة المساكين لكن لم خصصتم لها أياما بالتحكم ثم أوجبتم صيانة تلك الأيام أو لأي شيء لم تقولوا أنه ينبغي إطعام المساكين أبدا وسد خلاتهم متى ظهرت ولم تحتاجوا إلى وضع أحكام بالتوهم ولو كنتم موفقين لسلكتم مسلك اتباع المسيح تفعلون ما فعل وتتركون ما ترك ولو فعلتم ذلك لكان موافقا لتعظيمه
ولو فرضنا عبدين أمرهما سيدهما بالإقتداء به وبإتباع سنته فأخذ الواحد منهما يقفو أثر سيده في أفعاله فلا يزيد فيها ولا ينقص منها بل هو مواظب عليها غير خارج عنها ولا زائد فيها وهو مع ذلك معتقد لتعظيمه محب له وأخذ الآخر يزيد تارة في حكم وينقص تارة من حكم وهو مع ذلك معظم لسيده فلو فرضنا أن السيد قال للأول ما صنعت فيما أمرتك فقال له لم أزد على ما رأيتك تفعل ولا نقصت لأني خفتك وأيضا فإني أحبك وأعظمك فأحببتك وأحببت فعلك الذي رأيتك تفعله فلا شك أن العقلاء يستحسنون هذا الفعل ويرون أن هذا العبد في أعلى درجات العقل والطاعة لسيده والمحبة له والتعظيم وإن مثل هذا ينبغي للسيد أن يعتقه ويثبه
وأما الثاني فإذا قال له سيده ما فعلت فيما أمرتك فيقول فعلت ما رأيتك تفعل وما أمرتني به إلا أني زدت أفعالا لم تأمرني بها ونقصت أيضا فإني تركت أفعالا رأيتك تفعلها فيقول له لأي شيء زدت ما لم آمرك به ونقصت مما رأيتني فعلت فلا يصح له أن يقول لأني عظمتك وأحببتك فإن هذا لا يناسب تعظيمه ولا محبته بل يناسب بغضه وإهانته فلا شك أن العقلاء يحكمون أن مثل هذا العبد لم يطع سيده في جميع ما أمره به وأنه كاذب في تعظيمه ومحبته وأنه مستوجب لنكال سيده

وهذا المثال الأخير هو مثالكم مع المسيح فإنكم تدعون تعظيمه وتخالفونه في أفعاله وتزيدون عليه في أحكامه فأنتم مستحقون لتوبيخه وعقاب مرسله ومتجمعكم مع من شرع لكم هذه الأحكام نار حامية تسمى الهاوية

مسألة في قربانهم
قال حفص اعلم أن الذي أردت معرفته من خبر القربان وشرحه
أن الأنبياء وبني إسرائيل كانوا يقربون القربان على ما تحكيه التوراة العجول والجزر والخرفان فأما ملكي صادق فإنه أول من قرب القربان من الخبز والخمر وكان قسيس الله في البدء وإليه أدى إبراهيم العشرات المفروضة وقد حكى داوود النبي في الزبور خبر ملكي صادق إذ بشر بالمسيح سيدنا وأنزله منزلته وأحله محله وجعله قسا إلى الأبد فقال الرب أقسم يمينا وليس يندم أنت أبدا قسيس لي في خطة القسيسين على رتبة ملكي صادق فأما الحواريون وأتباعهم فإنهم فرضوا هذا القربان الذي يقدسه الأساقفة والقساوس على المذبح من الخمر والخبز على ما تقدم من فعل ملكي صادق وكما قال المسيح في الإنجيل من أكل لحمي وشرب دمي كان في وكنت فيه وأما الخبز النازل من السماء فمن أكلني يحيا بي
أنظر ما أعجب حال هؤلاء في تركهم شرعية التوراةفي القربان وعدولهم عنها الى ما هو ضرب من الهذيان وذلك أن الله تعالى افترض القربان في التوراة بالعجول والجزر والخرفان كما ذكر وعملت بذلك بنو إسرائيل من غير تغيير ولا تبديل إلى مدة هؤلاء المغيرين لأحكام التوراة فغيروا وبدلوا وعدلوا إلى الخبز والخمر من غير أن ينسخ لهم عيسى شيئا من ذلك ولا بدله بغيره لكنهم يكرهون العمل بأحكام التوراة فيعدلون عنها إلى العمل بأهوائهم

مع أنهم متعبدون بأحكامها إذ الأحكام في الإنجيل قليلة جدا ولم يتركوا لآرائهم حتى يتحكموا بأهوائهم ثم إنهم يتحكمون بآرائهم فإن اتفق لهم شيء يتمسكون به كان ذلك مؤكدا لأغراضهم وإن لم يتفق لهم ذلك استغنوا عنه وحكموا بأغراضهم ويبين هذا أنهم استثقلوا العجول والجزر والخرفان لارتفاع أثمانها وأنه لا يوجد فيها ما يوجد في الخمر من اللذة والطرب الداعين إلى شربها
ولذلك عدلوا للخمر مع خفة مؤنتها وقلة ثمنها فإنهم أشد الناس بخلا فإن قيل لهم بأي شيء عدلتم عن قربان التوراة قالوا لأن ملكي صادق أول من قرب الخمر والخبز ولأن المسيح قال من أكل لحمي وشرب دمي كان في وأنا فيه ولأن الحواريين فرضوا هذا القربان
هذا غاية ما يحتجون به ولا بد من تتبع ذلك وبيان تحكمهم وباطلهم فنقول
أما قولكم بفعل ملكي صادق فباطل من أوجه
أحدها
أنه لم يكن نبيا فإن ادعيتم أنه نبي فلا بد من الدليل على ذلك فعليكم إثباته ولو سلم ذلك لتبقى عليكم أن تثبتوا أن شرعه شرع لكم ولو سلم أن شرعه شرع لكم لكان ينبغي أن تعلموا أن التوراة قد نسخت ذلك الشرع إذ قد استقر أن موسى عمل بخلافه وكذلك الأنبياء بعده ولو كان ذلك الحكم باقيا صحيحا لما كان ينبغي لموسى أن يعدل عنه ولما جاءكم بغيره فترككم التوراة التي أنتم مخاطبون بأحكامها وشرعها إلى مالم تخاطبوا به ولا شرع لكم إستهانة بشرع التوراة وأحكامها بل إستخفاف بالذي أنزلها وبالذي أنزلت عليه فقد بطل إستدلالكم بفعل ملكي صادق من أوجه
وأما استدلالكم بقول عيسى فهذيان لا يلتفت إليه لأنه إنما أراد من عمل بعملي أو تعلم من علمي أحببته وأحبني وما ذكره مثل محسوس قصد به التنبيه على معنى معقول ودليل ذلك من قوله قوله أنا الخبز النازل من السماء انما اراد أنه بمنزلة الخبر الذي يغتذي به لأنه قد جاء بغذاء الأرواح

وبخبزها وهذا استعارة حسنة مستعملة وكثيرا ما يقال في الكلام العلم والمعاني الشريفة خبز الأرواح كما أن الطعام المعروف خبز الأشباح
ولكلامه عليه السلام عامل آخر وتأويلات جارية غير ما ذكرتم يجوزها العقل ولا يبعدها إستعمال اللفظ لا يخرج شيء منها إلى الهذيان الذي صرتم إليه الذي أفضى بكم لجهلكم إلى ترك حكم وترك العمل بمقتضاه ولولا التطويل لذكرنا منها وجوها وبهذا اللفظ وما يشبهه ضللتم حيث قلتم بالإتحاد ولم تفهموا منه المراد فكابرتم العقلو وحرفتم المنقول وحملتم من الشناعة والقباحة مالا يرضى به عليم ولا جهول وقد ذكرنا إبطال ذلك فيما تقدم
وأما استدلالهم بفعل الحواريين فذلك من فن الكذب عليهم أجمعين ولو سلمنا أنه صحيح وصدق لما كان في فعلهم حجة بل إن كتاب الله تعالى يخالف فعلهم بل الحجة كتاب الله ولا يرتفع شيء من ذلك إلا إذا بين عيسى عليه السلام أنه منسوخ ويبلغكم ذلك عنه بنص قاطع على شروط النسخ على ما هو معروف عند أهله بل قد أوردوا في إنجيلهم أن عيسى قال للمبروص الذي شفاه أمض واعرض نفسك على القسيسين واهد قربانك الذي أمر به موسى في عهده
وهذا نص على أن القربان عند عيسى إنما هو الذي حكم به موسى وهو العجول والجزر والخرفان لا كما شرعتم أنتم من الهذيان
فقد حصل من هذا أنكم خالفتم عيسى وقلتم عليه البهتان وأما استدلالهم بفعل القسيسين فأولئك المغيرون للدين والمحرفون لكتاب رب العالمين
كدينك من أم الحويرث قبلها وجارتها أم الرباب بماسل فقد ظهر من هذا أنهم تركوا قربان التوراة لغير شيء وأنهم على غير شيء فعليهم لعنة كل ميت وحي

مسألة في تقديسهم دورهم وبيوتهم بالملح
قال حفص أما الملح الذي نقدس به الدور والبيوت وأردت فهم ذلك فأنا وجدنا في سير إلياس النبي الذي رفعه الله أن تلميذه اليسع مكث بمدينة أريحا زمانا فقال له أهلها إن عندنا عينا جارية تنفجر منها مياه كثيرة مرة لا نفع فيها فأمر أن يؤتى إليه بإناء جديد فأدخل فيه الملح وقدس به ماء العين فمن هذا السبب صرنا نقدس الدور والبيوت بالملح المقدس بعد مايتلو عليه القساوس آيات من النبوة
فنقول لهم يا هؤلاء المتلاعبون بأديانهم المستمرون على هذيانهم كيف جعلتم مثل هذا دليلا على ثبوت حكم عليكم وليس فيه دليل من وجوه كثيرة لكنا نقتصر من ذلك على نكتة كافية وهي أن اليسع لم يفعل ذلك على جهة بيان أنه حكم وإنما فعل ذلك على جهة إظهار الكرامة والمعجزة فإن ذلك الماء عذب وطاب فظهرت كرامته ومعجزاته كما ظهرت على عيسى حين مس المبروص وبرأ وكذلك مس الأعميين فأبصرا إلى غير ذلك وقد حكيتم في بعض أناجيلكم أن أعمى سأل من عيسى أن يرد عليه بصره فأخذ قطعة من طين فجعلها في عينه فأبصر وهذا بمثابة ما فعل اليسع فكان ينبغي لكم أن تقدسوا دوركم بالتراب والطين كما فعل عيسى وهو أولى بكم إذ هو مفضل عندكم على اليسع وغيره بزعمكم
ومع ذلك فتركتم الإقتداء به وأقتديتم بمن هو دونه وذلك عكس ما كان ينبغي لكم وهذا نتيجة جهلكم ومن سوء فعلكم
مسألة في تصليبهم على وجوههم في صلاتهم
قال حفص إنما نصلب على وجوهنا لأنا وجدنا في كتب علمائنا السالفين أنه لما أراد ملك قسطنطينية أن يغزو بعض أعدائه تراءى له في السماء صورة صليب من لهب وملك من الملائكة

يخاطبه ويقول له إن كنت تريد غلبة أعدائك فأجعل هذه الصورة علامة تكون قدامك فإنك غالب ظافر بها على جميع أعدائك فآمن وفعل كما قال له الملك وهو الذي بحث وكشف عن صليب المسيح حتى وجده مدفونا وعمل من المسامير التي كانت فيه لجاما لفرسه وزين جبينه بصليب من ذهب فلم يزل من حينئذ أهل ملة المسيح يستعملون هذه العلامة لأنها علامة السبق والظفر
هذا الذي ذكره حفص هنا يصدق ما حكيناه عن قسطنطين فيما تقدم فإن كذبنا أحد منهم فيما ذكرناه عنه فليكذب أسقفه حفصا
على أن ما ذكرناه مشهور عند أهل التاريخ الذين اعتنوا بنقل أخبار الأزمان الماضية والقرون السالفة
وبعد هذا نقول لمن استدل على أن الصليب مشروع لهم من أين عرفت صدق قسطنطين فيما حكام وقاله ولعله كذب وأراد به بذلك إصلاح رعيته وحالته وإيغار صدور العامة على من خالفه وذلك داخل في باب السياسات إلى يسلكها من لم يتقيد بالشرعيات وكثيرا ما يشاهد من الملوك مثلها
ثم لو سلمنا أنه صدق في رؤياه فمن أين علم أن الذي كلمه ملك فلعله شيطان قصد إضلالكم وكذلك كان حتى تعتقدوا الصلوبية التي هي أعظم كل بلية ومحمل على العصبية ثم لو سلمنا أنه ملك فلأي معنى جعلتم ذلك التصليب في صلاتكم وزدتم على ما علمكم عيسى
ولقد كان ينبغي لكم أن تفعلوا في الصلاة مثل فعله ولا تزيدوا على ذلك ثم يلزمكم على ذلك أن يقال لكم لا يخلو ذلك التصليب أن يكون حكما من أحكام الصلاة أو لا يكون فإن كان حكما ولم تنقلوه عن عيسى ولا أنه علمه لكم فقد نسبتم عيسى إلى أنه كتم حكم الله ولم يبلغه وهذا محال على عيسى وعلى كل رسول أرسله الله إلى أمة وإن قلتم أنه ليس بحكم فلم تفعلون في الصلاة ما ليس بحكم شرعي وإن قلتم شرعه لنا أئمتنا وأساقفتنا قلنا لكم ومن جعل لأئمتكم أن يتحكموا في شرع الله ويفتروا على الله وهم مذنبون عاصون لا يملكون لأنفسهم صرا ولا نفعا ولا عطاء ولا منعا

ثم نقول لهم هذه الصلاة التي يصلب فيها على الوجه أفضل أم الصلاة التي لا يصلب فيها فإن قالوا الصلاة التي يصلب فيها فيلزمكم على هذا أن تكون صلاتهم أفضل من صلاة المسيح وكفى هذا شناعة وحماقة وإن كانت الصلاة التي لا يصلب فيها هي الأفضل فينبغي ألا تفعلوا مالا فضيلة فيه وهذا كله يبين أن هؤلاء القوم لا يعولون على الأنبياء في أحكامهم ولا يرجعون إلى قوانينهم بل يعولون على أغراضهم وشهواتهم
فلقد تمكن الشيطان منهم فأضلهم حتى استدرجهم عن الشرائع وأزلهم
فهذه المسائل التي ذكرناها هي من معظم قواعدهم وأصولهم وإذا كان عملهم في هذه القواعد مثل ما رأيت فناهيك بفروعهم ولنقتصر على ما ذكرنا إذ فيه تنبيه على ما لم نذكر ثم إن أحوجونا إلى مزيد تتبعنا كبار كتبهم بأن ننقضها حرفا حرفا ونبين فسادها لفظا لفظا
بقيت علينا مسألة واحدة وهي بيان إعتقاداتهم في الدار الآخرة وعذابها ونعيمها وبها اختتام هذا الفن إن شاء الله تعالى

مسألة في قولهم في النعيم والعذاب الأخراوين
قال صاحب كتاب المسائل
لسنا ننتظر في المكافأة الإلهية شيئا من الأرضيات الفانيات كالذي ينتظره شيعة ملسيان ولا تزويج العرائس كالذي يشتهيه جرنش ومركش ولا ما ينتسب إلى المأكول والمشروب كالذي يسوغه بابيه وجماعة ولا ننتظر أن يكون ملك المسيح في الأرض ألف سنة بعد القيامة ليمتلك الصالحون معه متنعمين كتعليم قابوش الذي خيل بقيامتين الأولى للصالحين والثانية للكافرين فقال إن ما بين هاتين القيامتين تمسك الأحباس الجاهلة بالله في زوايا الأرض في أجسامهم ثم يحملهم الشيطان بعد تملك الصالحين في الأرض ألف سنة على محاربة الصالحين المتملكين فيدفعهم الله عنهم بأمطار النيران محاربا عنهم فيموتون هكذا

مع سائرهم الذين ماتوا في الكفر ثم يحيون في لحم غير متغير للعذابات الدائمة
قد بين هذا المتكلم الحاكي خبط النصارى وإختلاف فرقها في هذه المسألة بما أغنى عن البحث عن كثير من فرقهم على أن فرقهم لا تنحصر وإختلافهم لا ينضبط فإن إختلافهم كإختلاف المجانين إذا اجتمعوا فكل واحد منهم يتكلم بما لا يعقل وما لا حجة له عليه ولا معول
لكن مذهب جماهيرهم ومعظمهم ومن ينتسب إلى التدين منهم أن الخلق لابد أن يجتمعوا في القيامة وأن عيسى محاسبهم فينعم ويعذب لكن ليس عذابا بنيران وسلاسل وأغلال وغير ذلك مما نعتقده نحن وليس نعيما أيضا بمأكول ومشروب والتذاذ بنكاح
ويشبه والله أعلم مذهبهم في هذه المسألة مذهب الفلاسفة حيث ينكرون العذاب المحسوس والنعيم ويصرفون ذلك إلى الإلتذاذ الروحاني لكنهم لا يصرحون به كما تصرح به الفلاسفة إذ لا يقدرون على تبيين أغراضهم لقصورهم ونحن نتكلم هنا مع من ينكر ذلك من المتشرعين فإنهم قد اجتمعوا على إعادتنا كما كنا أول مرة إذ قد اجتمعت على ذلك الشرائع كلها من غير اختلاف بينها فيه
فنقول لمنكر ذلك لا يخلو أن ما تنكره أما من جهة العقل أو من جهة الشرع فإن قال من جهة العقل قلنا له كذبت وأخطأت فإن العقل لا يدل على استحالة ذلك بل يدل على جوازه إذ ليس في ذلك إلا أن الذي خلقنا أول مرة ومكننا أن نتنعم نعيما محسوسا ونتألم ألما محسوسا قادر على أن يعيدنا بعد أن يفنينا كما بدأنا
فإن الإعادة إنما هي خلق ثان ومن قدر على الخلق الأول قدر على الخلق الثاني وهذا معلوم بنفسه فهو إذن فعل ممكن في نفسه ليس من قبيل الممتنع والله تعالى قادر على كل ممكن فيجب وصفه بالقدرة على ذلك فإن قالوا إن كان في الجنة أكل

وشراب ونكاح ولباس فيلزم عليه أن يكون في الجنة غائط وبول وولادة وتمزيق الثياب وتخريقها
وكل ذلك محال أن يكون في الجنة قلنا هذا جهل ولا يلزم شيء مما ذكرتم فيها بل نقول هناك أكل وشرب وليس هنالك غائط ولا بول وهذا غير منكر إذ لا يلزم في كل طعام أن يكون له فضلة ولو سلمنا أن تكون له فضلة لما لزم أن يكون فضلة مستقذرة بل قد تكون فضلات كثيرة طيبا يتطيب به وشرابا يشرب مثل المسك فإنه دم حيوان أو رجيعه أو العسل فإنه فضل حيوان معروف وليس شيء من ذلك مستقذرا بل هو مستطاب مستلذ ولا يبعد أن تكون فضلات الجنة بل هو هكذا
وقد جاءنا على لسان الصادق أن أهل الجنة لا يبولون ولا يتغوطون إنما هو عرق يجرى من أجسادهم مثل المسك
وأما الحمل فلا يلزم شيء منه إذ قد نجد من النساء العواقر وهن اللواتي لا يلدن فكذلك نساء أهل الجنة لا يلدن ولا يحضن
وأما اللباس فلا يتمزق ولا يفنى وفي لباس بني إسرائيل في المفاز دليل على بطلان ما يخيل هذا السائل فالذي يبقى الثياب إلى مدة قادر على أن يبقيها أبد الآبدين
وهذه أمور لا ينكرها إلا كل غبي جاهل ليس له معقول حاصل فإذا دل العقل على جوازه فينبغي أن يستدل على وقوع ذلك ووجوده بكلام الصادقين صلوات الله عليهم أجمعين فنقول لمنكر ذلك شرعا
لا يصح لك أن تستدل على إنكارك بشيء من كلام الأنبياء إذ لا تجده بل سنريك نصوص كلامهم على إثباته
منها أن من المعلوم أن آدم عليه السلام كان يأكل في الجنة ويشرب وينكح فإن قالوا الجنة التي كان فيها آدم قبل هبوطه إلى الأرض إنما كانت في الأرض وهي جنة عدن التي قال فيها في التوراة وغرس الله فردوسا بعدن من قبل وأسكنه آدم

وإنما كانت تلك بستانا من بساتين الدنيا قلنا ليس في التوراة نص قاطع يدل على أن الجنة التي يرجع الناس إليها يوم الجزاء ليست هي التي أسكن الله فيها آدم بل التوراة محتملة لذلك وأما كتابنا فيدل على أنها هي
ثم لو سلمنا أنها ليست هي لحصل لنا من ذلك دليل جواز الأكل والشرب والنكاح في الجنة فإنه كما جاز أن آدم أكل وشرب فيها كذلك يجوز أن يأكل ويشرب وينكح في الجنة التي يرجعون إليها وهذا بين بنفسه عند المنصف
ومنها أن في الإنجيل أن المسيح قال لتلاميذه ليلة أكل معهم الفصح وقد سقاهم كأسا من الخمر وقال لهم إني لا أشربها معكم أبدا حتى تشربوها معي في الملكوت عن يمين الله وهذا نص لا يحتمل التأويل إلا مع ضعف وفيه أيضا في قصة العازر الذي كان مطروحا على باب الغنى والكلاب تلحس جراح قروحه وأن ذلك الغنى نظر إليه في الجنة متكئا على حجر إبراهيم الخليل فناداه الغنى وهو في النار يا أبي إبراهيم ابعث العازر إلى بشيء من ماء أبل به لساني وهذا نص آخر أبين من الأول
وفيه أيضا أنه قال لليهود يا ثعابين بني الأفاعي كيف لكم والنجاة من عذاب النار
وفيه أيضا أن الجماعة قالت للمسيح بكفر ناحوم متى جئت إلى هنا يا معلم فقال لهم آمين آمين أقول لكم تطلبونني ليس لأنكم رأيتم عجائب بل لأنكم أكلتم من الخبز فشبعتم فارغبوا في طعام لا يفنى في الجنة الدائمة
وفيه أيضا أنه قال لتلاميذه في وصية وصاهم بها لتطعمن ولتشربن في مائدتي في ملك الله

وفيه أيضا أنه قال لليهود إن كان موسى أطعمكم خبزا في المفاز فأنا أطعمكم خبزا سماويا يريد الجنة
وقال أشعياء يا معشر العطاش توجهوا إلى الماء الورد ومن لا فضة له فليذهب وليأكل ويشرب ويأخذ من الخبز واللبن بغير فضة ولا ثمن
وهذا كثير في كتب الأنبياء بلا شك ولا إمتراء فإن قالوا فلأي معنى لم يصرح موسى في التوراة بذلك وبأخبار القيامة قلنا الله ورسوله أعلم وعلى سبيل التنبيه تحتمل وجوها
أحدها لعتو بني إسرائيل وتمردهم ولكلال أفهامهم
ثانيها لبعد زمان ذلك
ثالثها ليعجل لهم جزاء أعمالهم فإنما كانوا يهددون ويخوفون بالعقوبات العاجلة ويوعدون باللذات العاجلة من الملك وتكثير الرزق وخصب البلاد إلى غير ذلك
رابعها لأنه قد كان سبق في علم الله تعالى أنه يرسل رسولا في آخر الزمان ليس بعده نبي ولا رسول يبين أمور الآخرة بيانا شافيا وهو محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم وذلك لقرب القيامة من زمانه وليحصل لنبينا صلى الله عليه و سلم من فضيلة العلم والأعلام ما لم يحصل لأحد غيره ولتختص أمته بعلم ليس لأحد غيرها وهذا الوجه هو أقرب الوجوه والله أعلم
ويدل على ذلك قوله في التوراة حين بشر بنبينا عليه السلام وذكر كثيرا من علاماته ومعه كتاب ناري وقد تقدم ذكر ذلك والدليل عليه أيضا أنك لا تجد عند أمة من الأمم من أخبار القيامة أمور الآخرة ما عندهم

فالحمد لله الذي جعل لنا كل الفضائل وخصنا بمحمد صلى الله عليه و سلم خير نبي وفاضل
فقد ظهر من هذا النظر أن ما انتحلوه من إنكار النعيم والعذاب المحسوسين باطل بشهادة العقول وبنصوص كلام الأنبياء المنقول
وقد فرغنا في الفن الأول والحمد لله كثيرا

الفن الثاني
محاسن دين الإسلام
تمهيد
الغرض من هذا الفن
أن نبين فيه عقيدة الإسلام وجملا من أصول أحكامه ومواضع من فروع دينه أنكرتها النصارى عليه وإنما فعلنا ذلك لغرضين
أحدهما
أن السائل الذي حركنا لهذا الكتاب هددنا وزعم أنه أن سب وشتم كتب كتابا بنص شريعتنا ووجهه للبلاد حتى يقف الناس عليها فأردت أن أتولى ذكر شريعتنا لئلا يتعاطى ذكرها ونقلها جهول لا يحسن ما ينقل ولا ما يقول
كي يقف العقلاء عليها وينظروا فيها على أن شرعنا ليس بالخفي بل قد طبق الأرض شرقا وغربا وقرع من العقلاء سمعا وقلبا فلم يسمع بمن مجه وطرحه غير معاند كبثه شرعنا وفضحه فإنه جار على المنهاج المعقول المستحسن عند أرباب العقول
وسأبين ذلك إن شاء الله تعالى على أني لم أتعرض لهذه السائل ولا لأحد من ملتهم بالسب أكثر من تبيين جهلهم وركاكة هذيانهم وقولهم وربما أغاظوا في بعض الأقوال لما ارتكبوا فيها من القبيح والمحال فأطلقت عليهم اللعنة حسب ما تقتضيه البغضاء والأحنة وتعويلا على ما في التوراة من لعنتهم وركاكة شرعتهم
فإن في التوراة ملعون ملعون من يعلق بالصليب يريد

بذلك من اعتقد الصليب وإدعاه وعظمه وهذا نص بلعنتهم وموجب لبغضهم وهذا ما نعلمه مع ديننا وواضح سبيلنا
والغرض الثاني
أنه لا يبعد أن يقف على هذا الكتاب نصراني أو يهودي لم يسمع قط من ديننا تفصيلا ولا تصريحا بل إنما سمع له سبا وتقبيحا فأردت أن أسرده على الجملة ليتبين حسنه لمن كان ذكي العقل صحيح الفطرة فلعل ذلك يكون سبب هداه وجلاء عماه وما توفيقي إلا بالله
وفي هذا الفن فصلان
وانقسم هذا الفن إلى فصلين لأن شريعة الإسلام مشتملة على إعتقاد بالقلوب وعمل بالجوارح فالفصلين نذكر في أحدهما قواعد الإعتقاد وفي الثاني ندافع عن الإعتقاد وعن التشريع فنقول

الفصل الأول
إعتقاد المسلمين
أما إعتقاد المسلمين فهو أن كل موجود سوى الله تعالى فهو محدث مخلوق مخترع على معنى أنه لم يكن موجودا ثم صار موجودا وأن له محدثا موجودا قديما لا يشبه شيئا من الموجودات الحادثة بل يتعالى عن شبهها من كل وجه فليس بجسم ولا يحل في الأجسام ولا جوهر ولا يحل في الجواهر ولا عرض ولا تحله الأعراض وأنه إله واحد لا شريك له في فعله ولا نظير له في ذاته وطوله لا ينبغي له الصاحبة ولا الولد ولم يكن له من خلقه كفؤا أحد وأنه عالم قادر مريد حي موصوف بصفات الكمال من السمع والبصر والكلام وغير ذلك مما يكون كمالا في حقه وأنه منزه عن صفات النقص والقصور وأنه يفعل في ملكه ما يريد ويحكم في خلقه بما يشاء لا يفتقر إلى شيء وإليه يفتقر كل شيء وبيده ملك كل جماد وحي لايجب عليه لمخلوق حق وتجب حقوقه على الخلق لا يتوجه عليه متى ولا أين ولا لم ولا كيف فلا يقال متى وجد ولا أين وجد ولا كيف هو ولا لم فعل لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون
وإن إرسال الرسل من أفعاله الجائزة وأنه قد أرسل الرسل وأنزل الكتب وكلف الخلق وشرع لهم شرائع على ألسنة رسله وأن رسله صادقون في قولهم ومؤيدون بالمعجزات من عند ربهم وأنهم عبيد الله ورسله وأنهم بشر مثلنا إلا أن الله تعالى فضلهم بأن جعلهم واسطة بينه وبين خلقه وأطلعهم على ما شاء من غيبه وأنهم بلغوا عن الله ما أمروا بتبليغه وأنهم كلهم صادقون مصدقون لا نفرق بين أحد منهم وأن محمدا بن عبدالله بن عبدالمطلب العربي

القرشي الهاشمي رسول من الله إلى الناس كافة بشير ونذيرا وأن الله تعالى أيده بالمعجزات على صدقه كما فعل بالرسل من قبله
وأن شرعه وإجابته لازمان لكل من بلغته دعوته حيث كان من أقطار الأرض وجهاتها وعلى أي دين كان من أديانها
لا يقبل ممن كفر به يوم القيامة ما هو عليه من دين بل يكون مخلدا في العذاب أبد الآبدين كما أن المؤمن به وبكل ما جاء به مخلد في الجنة أبد الآبدين
وأن شرعه ناسخ لكل الشرائع المتقدمة على الجملة وهادم ما قبله من الأحكام السالفة وأن كل ما جاء به عن الله حق من العذاب والحشر والنشر بعد الموت والصراط والميزان والحوض والمحاسبة وشفاعة محمد صلى الله عليه و سلم لأهل الموقف ولأهل الكبائر من أمته خاصة
والجنة ونعيمها والنار وعذابها وأنهما محسوسان ليسا معنويين وأن خلود أهل الجنة سرمد وعذاب أهل النار الكافرين سرمد ولا إنقطاع لواحد منهما إلى غير ذلك مما هو مفصل في الشريعة مما يعرفه أهله ولا يسعهم جهله
وهذه قواعد إعتقاد أهل الإسلام مجردة عن أدلتها ومقتضبة من شواهدها إذ ما منها قاعدة إلا ويعضدها برهان عقلي لا يشك فيه عاقل ودليل سمعي لا ينكره فاضل ومن أراد تعرف ذلك طلبه من مواضعه وأما مستندات أحكامهم فهي كتاب الله وسنة رسول الله لا يعدلون لمحة عنها ولا يخرجون لحظة منها إلا أن وجوه إستدلالاتهم لا يحيط بها متطفل عليها لكثرتها ولنقاوة درجاتها
فإن كتاب الله تعالى وسنة رسوله لا يستدل بهما من لا يعرف منظوم اللفظ ومفهومه وفحواه ومعقوله ويعرف من المنظوم النص والظاهر والمؤول والمحمل والعموم والخصوص والإستثناء والمطلق والمقيد ويعرف من المفهوم أحكامه وأقسامه وكذلك من الفحوى والمعقول على ما هو معروف في علم الأصول الذي هو علم خاص بأمة محمد صلى الله عليه و سلم بل هو من كرامات أهل الإسلام

إذ ليس في ملة من الملل المتقدمة من التحقيق ما عندهم ولا اجتمع لأحد قبلهم من العلوم مثل الذي اجتمع لهم
ذلك بأنهم آخر الأمم وكتابهم آخر الكتب وأفضلها ورسولهم آخر الرسل وأفضلهم ولسانهم أحكم الألسنة وأفصحها على ما يعرفه من تصفح شريعتهم وعرف لغتهم ونظر إليها بعين الإنصاف وترك طريق التعصب والإعتساف فالحمدلله على ما أولاه وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق
ومما يبين للعاقل حسن شريعة الإسلام وجمال طريقتها إنها مبنية على مراعاة مصالح الدنيا والآخرة وإتمام مكارم الأخلاق الحسنة
أما بيان مصالح الآخرة فهو أن هذا الشرع يبين وجوهها ولم يغفل شيئا منها بل فسرها وأوضحها غاية الوضوح لئلا يجهل شيء منها فوعد بنعيمها وتوعد بعذابها بخلاف الشرائع المتقدمة فإنها إنما كانت تتوعد على المخالفة بعقاب دنيوي كما فعل بنوا إسرائيل غير مرة وتوعد بثواب دنيوي ولم يبين لهم شيء مما بين لنا على ما يقتضيه نسق التوراة إذ ليس فيها ذكر جنة ولا نار إلا تنبيهات قليلة وكذلك الإنجيل ليس فيه شيء من ذلك إلا ما ذكرناه
ومع ذلك فإنه تعبدنا بعبادات محضة ذوات فعال وأركان كالصلاة والحج وغير ذلك وكل ركن من أركانها فالمقصود به تعظيم الله تعالى وخضوع له بالظاهر والباطن حتى تؤدي كل جارحة من الجوارح حظها من تعظيم الله تعالى مع ما ينضاف إلى ذلك من المعاني الشريفة والأدعية الرفيعة الفصيحة التي يعرف معانيها أهلها حسب ما فسروه في كتبهم وليس كما تقولون أنتم في صلاتكم
يا أبانا الذي في السماء

فإن ظاهر هذا مستبشع في العرف محال في العقل أما استبشاعه في العرف فإنه يقبح بالعبد أن يخاطب سيده بلفظ الأبوة
هذا مع أن معنى الأبوة جائز في حقوقنا فكيف لا يقبح إطلاقه في حق من لا تجوز الأبوة في حقه فإطلاق مثل هذه اللفظ في حق الله تعالى ينبغي ألا يجوز ولا يطلق وأما إحالته في العقل فإن ظاهر قوكم في السماء يفهم منه أن السماء محيط به وإن جاز ذلك جاز أن يكون جسما وأنتم تأبون ذلك وهو محال في حقه تبارك وتعالى
وكذلك قولكم في بقية هذا الدعاء
وعجل لنا خبزنا الدائم واغفر لنا كما يغفر بعضنا لبعض فإنه لفظ مستثقل مستقبح ومعناه مستغث مسترك ولولا خوف التطويل لأبدينا ما يحتمل ذلك من قبيح التأويل
فإن قلتم هكذا علمنا عيسى في الإنجيل فقال لنا إذا صليتم فقولوا قلنا لا نسلم أن هذا مما علمه عيسى ولا مما جاء به بل هو إختراع من لا يحسن ما يقول وليس له إلى المعارف وصول
وقد تقدم أن كتابكم قابل للتحريف والتصحيف فهذا الذي ذكرنا ينبه على المصالح الأخروية وأما المصالح الدنيوية فقد بينا أن مقصود شرعنا حفظ الأديان والنفوس والأموال والأنساب والأعراض والعقول ولأجل ذلك شرع القتل والديات والعقوبات وحرم السرقة والخيانة وجميع وجوه أكل المال بالباطل وحرم الزنا وفعل اللوطى وغير ذلك من الفواحش
وكذلك حرم الغيبة والنميمة والقذف والبهتان والزور وجميع أصناف الكذب والغش والخداع والمكر إلى غير ذلك من أنواع المفاسد
ولأجل ذلك أيضا حرم الخمر فإنها تذهب العقل الذي هو مناط التكليف وبه يعرف الباري تبارك وتعالى والسكر آفة تناقضه وتضاده فهذه الأمور كلها محفوظة بالحدود والزواجر المشاكلة للعقوبات الثابتة عن النبي صلى الله عليه و سلم إما بالكتاب وإما بالسنة وليس شيء منها موضوعا بالتشهي والتحكم كما فعلتم أنتم

وقد بينا ذلك بمستنده للشارع ولا نعدل عنه طرفة عين بل نقف عند ما أمر وننتهي عما نهانا ويعرف ذلك على التفصيل أهله ومن وقف عليه من العقلاء المنصفين
وأما مكارم الأخلاق التي تضمنها شرعنا فلا تخفى على متأمل
وذلك أن شرعنا أمرنا بها ظاهرا وباطنا ونهانا عن رذائلها وسفسافها فمن المكارم الظاهرة النظافة والطهارة والتنزه عن الأقذار والأوساخ فمن النظافة تطهير الثياب والأبدان فإنها ينبغي أن تنزه عن الأقذار مثل البول والغائط والمنى والمذى والدم والقيح وما شاكل ذلك
ومن النظافة أيضا التطيب وتحسين الهيئة فالطيب لا يخفى على عاقل استعماله وكذلك تحسين الهيئة ومن تحسين الهيئة قص الشارب وإعفاء اللحية فقص الشارب لتتأتى النظافة في الأكل إذ لا تتأتى مع طوله إذ يدخل الشعر في الفم وينغص الأكل ويقذره
هذا مع ما يلحق الشارب من قذارة المخاط إذ كان الشارب كبيرا ومع ذلك فلا يحلق عندنا كله ويمحق رسمه فإن ذلك مثله وتشويه وكذلك اللحي إذا حلقت فينبغي أن توفر توفيرا لا يخل بمروءة الإنسان ولا يخرج عن عادة الناس وخير الأمور أوساطها
وأما حلق اللحية فتشويه ومثلة لا ينبغي لعاقل أن يفعلها بنفسه
والعجب من جهل النصارى بالشرائع وبما يستحسنه ذووا المروءات فإنهم يحلقون لحاهم ويشوهون أنفسهم ويوفرون غلوفتهم التي ينبغي أن تزال لما في إزالتها من الفوائد على ما ذكرنا من النظافة المأمور بها تقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة وغسل البراجم والمغابن بالماء وهذا كله من شرعنا مبالغة في النظافة ومحافظة على مكارم الأخلاق وعلى عادة ذوي العقول والمروءات
وأما التنزه عن الأقذار فإنه حرم علينا الخبائث من الميتة والدم ولحم الخنزير والأنجاس كلها على ما تقتضيه عادة العقلاء والمروءات وأمرنا بأكل الطيبات وإستعمال المستحسنات ونهانا عن السرف والتبذير

ولأجل هذا نهانا عن إستعمال أواني الذهب والفضة وعن لباس الحرير للذكور وذلك لما فيه من التبذير والسرف
وأيضا فإن فيه ترفها يناسب ترفه أهل الجنة ويشبهه ولا ينبغي أن يفعل ذلك ولأجل ذلك قال نبينا عليه السلام من شرب في آنية الذهب والفضة لم يشرب بها في الآخرة ومن لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة
وهذا كله لأن الدنيا دار عمل والآخرة دار جزاء ولأجل ذلك قال الحكماء الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تتعمروها فهذه نبذة من النظافة الطاهرة وأحكامها كثيرة تعرف في مواضعها
وأما النظافة الباطنية فترجع إلى التخلي عن مذموم الأخلاق والتحلي بمحامدها ومستحسنها وهي كثيرة فلنذكر الأخلاق المذمومة التي يتنظف منها وبعدها نذكر الأخلاق المحمودة التي ينبغي الإتصاف بها
أما الأخلاق المذمومة فكثيرة لكن أمهاتها ما نذكره وهي الغضب والحسد والبخل ومهانة النفس ودناءتها والرعونة وحب الجاه وحب الدنيا الذي منه كل خطيئة والكبر والعجب والرياء إلى غير ذلك من الأخلاق المذمومة التي من اتصف بها كان منجس الباطن بمثابة من كان متنجس الظاهر فعليه تنظيفه
إلا أن نظافة النجاسة الظاهرة بالماء ونظافة النجاسة الباطنة بالإتصاف بالأخلاق المحمودة التي هي التوبة من المعاصي وحسن الصحبة مع الخلق والنصيحة لهم والعدل في الأمور كلها والتواضع وكرم النفس وبغض الدنيا والزهد فيها والإخلاص والخوف والصبر والشكر والصدق والتوكل ومحبة الله تعالى ومحبة رسله
إلى غير ذلك من الأوصاف المحمودة التي من اتصف بها فقد تتقي من أوصاف البشرية وتطهر الطهارة المعنوية

فهذه أنموذج وقانون يعرف العاقل المنصف به حسن شريعتنا وجمال طريقتنا وأنها جارية على نهج العقول ومستحسنه عند من له محصول ومن أراد أن يتبين محاسن شريعتنا على التفصيل فلا يصل إلى ذلك إلا ببحث كثير وتطويل
فإن وقف فأمعن النظر وأستدت منه الكفر قضى من عجائبها كل عجب وعلم على القطع والبتات أنها حق من الله من غير شك ولا ريب وأن الذي جاء بها لا يجوز عليه الغلط ولا الكذب
فها نحن معشر المسلمين قد أرصدنا شريعتنا للإستعراض ونادينا عليها في سوق الإعتراض لئلا يعترض أحد أو يعارض فيدمغه ناقد لقوله وحافظ ولم نكل حكايتها إلى غبي غافل عن مقاصد شرعنا جاهل
وقد آن أن نذكر ما اعترض به النصارى على ديننا ونتصل عنه إن شاء الله تعالى وعند ذلك يتبين صميم جهلهم وسوء صنيعهم وفعلهم

الفصل الثاني
دفاع عن الإسلام
أعلم أن النصارى يعيبون دين الإسلام ويقبحونه عند جهالهم وعامتهم بأمور من فروع الإسلام لا ينبغي لمنصف أن يعيبها ولا يعيب شرعا هي فيه
وقد كنا بينا فيما تقدم أنه لا ينبغي أن ننبذ الشرائع أو نجحدها بما تجوزه العقول بل يتلقى ذلك المجوز عقلا الذي جاءت به الشرائع بالقبول إذا علم صدق ذلك الشرع بل ينبغي للعاقل أن ينظر في دليل صدق ذلك الشرع فإن وجده دليلا صحيحا قبل منه كل ما يقول فإنه صادق والصادق لا يقول ما تكذبه العقول نعم قد يقول ما يقصر العقل عن إدراكه وليس ذلك طعنا على قول الصادق وإنما العجز في حق العقل فليس كل ما تأتي به الشرائع يعرف العقل جوازه قبل وقوعه بل قد يكون منه ما يجهله
وهذا بين عند الفهم المنصف وقد كنا قررنا ذلك بأبلغ من هذا فيما تقدم
فإذا تقرر ذلك قلنا للنصارى كان يجب عليكم أن تنظروا في الأدلة التي بها استدل هذا النبي على صدقه فإذا صحت لزمكم قبول قوله وإن لم تصح لديكم رددتم كلية شرعه ولا تعترضوا ببعض ما جاء به مما يجوزه العقل على ما تقرر
ونحن قد أثبتنا الأدلة القاطعة على صدقه وأنواعها فيجب عليكم أن تقبلوا شرعه إذ قال أنا رسول الله إلى الناس كلهم وإلى اليهود والنصارى وقد ظهر صدقه في قوله وإن لم تفعلوا فقد وجبت عليكم اللعنة وحاقت بكم الطامة وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار

ونحن نذكر إن شاء الله تعالى ما اعترضوا به على ديننا ونحكي اعتراضهم كما ذكروه في كتبهم ونسبوه إلى أساقفتهم
قال صاحب كتاب الحروف بعد أن ذكر وصية عيسى التي قال فيها احذروا أنبياء الكذب الذين يأتونكم بلباس الحملان يعني سمة الأبرار وزي العباد وباطنهم ذئاب خاطفة قال بعد ذلك معرضا بنبينا ومستنقصا لديننا وقد رأينا نفاذ قوله هذا فبمن ادعى النبوة فأظهر سمة الحملان ثم عمل عمل الذئاب فأمر بخلاف هذه الوصايا من العداوة للناس عامة والتحريض على قتل من خالفه والأمر بالقصاص والإنتقام
ثم أمر بالإكثار من النساء ورخص في طلاقهن وأحل تزويج المطلقات الفاجرات ثم ردهن إلى الأزواج الأولين بعد طلاق ثان وأحل ذلك لهن من الرجل الثاني إلى الأول ثم ما وصف الله به من الجور والقساوة والظلم إذ زعم أنه يهدي بعضا ويضل بعضا
وقال القوطي الذي قدمنا ذكره لا فائدة في شريعتكم لأنا نجد الأحكام الشرعية حكمين الأول التوراوي الذي هو من لطمك فالطمه
الآخر الإنجيلي الذي هو من لطم خدك اليمنى فانصب له اليسرى
وأنت ترى فضل هذا على الأول ثم لا تجد لهذين الحكمين ثالثا إلا كان داخلا فيهما
هذا منتهى ما يعترض به من ينتمي إلى النظر من أقستهم وإن كان بعيدا عن التحقيق
وأما عامتهم ومن لا مبالاة بهم فقد تقولوا العظائم وجاهروا

بالتواقح والشتائم ونحن نجيب هذين القسمين على ما قالاه جوابا يرفع الإشتباه ونرجو به التقرب من الإله فنقول للأول
أما استدلالك على رد نبوة نبينا بقول عيسى فتجهيل للعامة وتلبيس عليهم فإنك أدخلته في جملة أنبياء الكذب وقد شهد الأنبياء بصدقه كما قدمنا بل قد شهد كتابك بصدقه وبنبوته فإنه قد جاء فيه من قول عيسى مالا يمكنك إنكاره حيث ذكر البرقليط وأخبر أنه يأتي ووصفه بما ينبغي له وقد قدمنا ذلك مستوفى
فهذا منك ياهذا جهل بكتبك وتكذيب لأنبيائك ورسلك وإنما الذي حذر منه عيسى وغيره من الأنبياء إنما هم أنبياء الكذب كما قال ولم تزل الأنبياء يحذرون من الأنبياء الكذابين
ولقد أكثر من مثل هذا التحذير نبينا عليه السلام حتى قال يكون في آخر الزمان ثلاثون كذبا كلهم يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين فلا رسول بعدي ولا نبي وقد وجد بعضهم ولا بد من أن يوجد الباقي كما قال الصادق
وأما قولك أن سمة نبينا سمة الحملان وعمله عمل الذئاب فكذب صراح وإفك وقاح ونحن قد بينا سمته وعمله ومنهاجه وقد عرف حاله القريب والبعيد بل سمته سمت الأنبياء وعمله عملهم ولا فرق بينه وبينهم إلا أنه أفضلهم وأكملهم وإنما قلنا ذلك لأن في صحف أشعياء أنه قال أتت أيام الإفتقادات أيام الكمال ثم قال لتعلموا يا بني إسرائيل الجاهلين أن الذي تسمونه ضالا هو صاحب النبوة تفترون بذلك على كثرة ذنوبكم وعظم فجوركم
وإنما قلنا إنما عنى نبينا ولم يرد غيره لأنه قال يا بني إسرائيل وهذا خطاب لجميعهم ولم تكذب جميع بني إسرائيل بنبوة نبي إلا نبوة محمد صلى الله عليه و سلم إلى غير ذلك مما تقدم وأما عيسى وغيره فكان منهم من آمن به وصدقه على ما هو معروف
وأما قولك أمر بخلاف هذه الوصايا من العدواة للناس فكذب وتشنيع لا يرضى به سفلة الناس بل قد أمر بالألفة والإجتماع والتحاب في الله والمؤاخاة في ذاته والتعاون على البر والتقوى ونهى عن التباغض والتدابر والتخاذل على ما بيناه من شرعه

وكل ذلك من حاله وحالهم معروف بحيث لا يجهل ومشهور بحيث لا ينكر نعم رحمته للمؤمنين وغلظته على الكافرين
وكذلك وصفه الله في كتبه وعلى لسان رسله قال الله العظيم في محكم وحيه الكريم لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم وكذلك كانت أحوال أصحابه قال الله تعالى محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم وليس كما تقولونه أنتم عن أصحاب عيسى أنه لما تقبضت اليهود عليه فروا عنه وأنكروه وحلفوا على أنهم لم يعرفوه فأسلموه وتركوه
وقد بينا فيما تقدم ما ذكرت الأنبياء من أوصافه وعلى أنه لم يغلظ على الكافرين حتى تمردوا على الله وكذبوا رسالات الله وذلك أنه أقام بين أظهرهم عشر سنين أو نيفا عليها يدعوهم إلى الله على سبيل الوعظ والإنذار والتعليم والتبليغ وإظهار الآيات والعجائب ملينا لهم القول ومظهرا لهم الإشفاق وباذلا لهم النصيحة صابرا بنفسه على ما يلقى من أذاهم ومن سبهم وهم مع ذلك يبالغون في ضرره بكل ما يمكن وكلما ألح عليهم بالإنذار زادوا في الإضرار حتى هموا بقتله وطرده عن بلده وأهله
وبعد ذلك أمره الله بالإنتصار ممن ظلمه وإخراج من أخرجه ولذلك أنزل الله تعالى عليه أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير
وأما قوله والتحريض على قتال من خالفه فهذا لا ينبغي أن يعاب به دين فإن الكافر بالحق لا حرمة له وجنايته أكبر من كل جناية فعقوبته ينبغي أن تكون أكبر من كل عقوبة لا سيما بعد أن تقدم للكافرين بالأعذار وبولغ لهم في الإنذار ولأجل أن الكافر لا حرمة له عند الله يعاقبه في الدار الآخرة عقوبة لا إنقطاع لها بإتفاق الشرائع
وإن جاز أن يعاب شرعنا لأنه جاء بقتال الكافرين جاز أن يعاب شرع موسى فإنه جاء بقتال الجبارين على ما لا يخفى على

أحد من المتشرعين فقد لزم هذا المنكر لشرعنا من حيث أنه شرع فيه القتال أن ينكر ما يدين به ويعتقده من شرع موسى بن عمران وينبغي له أن يسفه فعل يشوع بن نون حيث أذاق الجبارين أشد القتل وأعظم الهون ثم أعجب من ذلك جهلهم بما في كتبهم أو مجاهرتهم بإنكارها
وذلك أنه يجدون في كتبهم أوصاف النبي صلى الله عليه و سلم ويجدون فيها أنه يبعث بالقتل والسيف ثم ينكرون ذلك ويباهتون فيه وقد ذكرنا من ذلك ما فيه كفاية ومن ذلك ما قد جاء في كتاب أشعياء أنه أخبر عن هزيمة العرب وقتل اشرافهم فقال لما ذكر النبي صلى الله عليه و سلم يدوسون الأمم كدوس البيادر وينزل البلاء بمشركي العرب وينهزمون ثم قال وينهزمون بين يدي سيوف مسلولة وقسى موتورة من شدة الملحمة
وكذلك قال حبقوق تضيء لنوره الأرض وستنزع في قسيك إغراقا وترتوي السهام بأمرك يا محمد إرتواء وهذه نصوص على إسمه وصفته كما تقدم
وقد أشار إنجيلكم إلى هذا فإنكم تزعمون أن عيسى قال لتلاميذه إني كنت أرسلتكم وليس معكم مزود ولا خف فهل ضركم ذلك أو نقصكم شيئا قالوا لا قال أما الآن فمن لم يكن له كيس فليأخذ كيسا ومزود فليشتر مزودا ومن لم يكن له سيف فليبع من ثيابه وليشتر سيفا
فأمرهم بإشتراء السيوف للقتال بعد أن كان نهاهم عن القتال لعلمه أن محمدا يبعث بعده بالسيف وهذا كثير بحيث لا يحتمل التأويل

وخير من ذلك كله أنهم قد ذكروا في إنجيلهم أن عيسى قال لهم لا تحسبوا أني قدمت لأصلح بين أهل الأرض لم آت لاصلاحهم لكن لألقى المحاربة بينهم إنما قدمت لأفرق بين المرء وإبنه والمرأة وإبنتها وأعداء المرء أهل بيته
وهذا نص بأن عيسى إنما جاء بالمحاربة وإلقاء العداوة بين الناس وهذا عين ما أنكروه علينا ثم قد زاد وأعلى ذلك أنهم حكوا أنه قال لم آت لأصلح أهل الأرض لم آت لإصلاحهم وظاهر هذا إنما جاء بفساد أهل الأرض
وهذا لايصح أن يقوله عيسى عليه السلام ولا غيره من الأنبياء وهو من كذبهم وتحريفهم وقد قدمنا ذلك فيما سبق ومن العجب أنهم يقولون أن ملة المسيح وشريعته لم تأت بقتال ويتمدحون بأنها لم تظهر بقتال وإنما ظهرت بما ظهر على أيدي الحواريين من العجائب وهم مع ذلك يعترفون بمحاربة قسطنطين وبمقاتلته من خالفه وأنه الذي تلقيت عنه الشريعة الصليبية فإنه أرى في النوم صورة الصليب وقيل له بهذا تنصر ففعله وأعتقده وقاتل فنصر
وأعجب من ذلك تلبسهم بالقتال والإكثار منه أبد الدهر إلى اليوم وهم مع ذلك يدعون أن القتال غير مشروع لهم ويذمون الشريعة التي جاءت به فهم قد ناقضت أفعالهم أقوالهم وشهدت على كذبهم أحوالهم ثم نقول لقسطنطين ولجماعة النصارى المقاتلين
قتالكم من خالفكم لا يخلو إما أن يكون مشروعا لكم أو غير مشروع لكم فإن كان مشروعا لكم فلأي معنى تخالفونا في ذلك وتذموا شرعنا لأجله وإن لم يكن مشروعا لكم فلأي معنى تركتم شرعكم وفعلتم خلافه
وكيف حل لكم ذلك فأنتم بين أمرين قبيحين عليكم إما أن تعترفوا بأن قتال الأعداء جائز حسن فلا تذموا شرعنا لأجله وإما أن تعترفوا بأنه غير جائز وقبيح فيلزمكم التناقض والسفه والخروج عن شريعة المسيح فأنتم على المثل السائر أعور بأي عينيه شاء

فإن قالوا إنما نقتصر بالقتال لأنفسنا ونمتنع ممن يريد به ظلمنا قلنا ومن شرع لكم أن تنتصفوا ممن ظلمكم أو تنتصروا لأنفسكم بل قد حكيتم في إنجيلكم أنه قال لكم احفظوا أعداءكم وأكرموا من أساء إليكم فإن لم تحفظوا إلا إخوانكم فما أجرؤكم على ذلك
وهذا نص على أنه ينبغي لكم أن تستسلموا عن قاتلكم ولا تنتصروا ممن ظلمكم فإن لم تفعلوا ذلك فقد تركتم شرعكم واستهنتم بسنة نبيكم ثم يلزمكم على ذلك أن تعترفوا بأن شرعكم ناقص إذ قد بين لكم نبيكم بعض المصالح وترك بعضها وهو القتال الذي استدركتموه بنظركم من حيث كان ضروريا ومحتاجا إليه وتعترفوا بكمال الشرع الذي جاء بالقتال الذي هو شرعنا
وعند هذا يتبين فساد قولهم إن الحكم حكمان لا ثالث لهما ويفسد عيبهم علينا القصاص وذلك أنهم يزعمون أن حكم التوراة يقتضى القصاص وحكم الإنجيل يقتضى العفو ثم زعم ذلك الجاهل أن لا حكم ثالث ولم يشر بثالث متوسط هو أكملهما وأتمهما وهو الحكم الفرقاني حيث قال الله العظيم وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين وقال ولمن صبر وغفر أن ذلك لمن عزم الأمور وقال تعالى ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل
ثم العجب من هؤلاء الجهال كيف يذمون شريعتنا ويكذبونها من حيث أنها تضمنت القصاص ويؤمنون بشريعة موسى وقد صرحت بالقصاص فيلزمهم على قولهم أن يكذبوا بشريعة موسى ويذمونها من ذلك الوجه
ثم أعجب من ذلك كله مدحهم شريعتهم من حيث كانت مبنية على العفو والصفح ثم مع ذلك أبوا أن يجوزوا عفو الله تعالى عن آدم حين أكل من الشجرة حتى قالوا أن جميع بني آدم

كانوا مرتهنين بمعصية أبيهم حتى فداهم المسيح بنفسه بل لم يتصور عندهم عفو الله حتى انتقم من إله مثله تعالى الله وتقدس عما يقول الظالمون علوا كبيرا
فعلى هذا نقول لهم لا يخلو العفو من أن يكون هو الأولى مطلقا أو الإنتقام هو الأفضل أو الحالة الثالثة فإن كان العفو هو الأولى فلم لم يعف الله تعالى عن آدم من غير أن يعاقبه وبنيه على ما زعمتم وإن كان الإنتقام هو الأولى فلم لم ينتقم من آدم وبنيه مطلقا
فلم يبق على هذا إلا أن الأولى هو الحالة الثالثة وهو الإنتقام في حال من مستحقه والعفو في حال أخرى عن مستحق العقاب تفضلا وتكرما حسب ما يريده الباري تعالى
وعلى هذا المنهاج السديد والأمر الرشيد جاءت شريعتنا فهي كاملة متممة والحمدلله ثم إذا كان العفو هو الأولى والأفضل وبه جاءت شريعتكم فلأي معنى تتركون شريعتكم الأولى
فقد اعترفتم بألسنتكم وتناقضتم بأفعالكم وكم لكم منها وكم
وأما إعتراضه على شرعنا بتحليل نكاح الكثير من النساء فذلك مالا ينبغي أن ينكره أحد من العقلاء فإنه من مجوزات العقول وقد ورد بذلك الشرع الصادق المنقول ثم قد ورد عن جماعة من الرسل وقد جاءت بذلك الكتب ألم يجيء في التوراة أن إبراهيم كانت له سارة وهاجر وكذلك ورد فيها أن يعقوب جمع بين أختين ليئة وراحيل وقد ثبت أيضا أن سليمان كانت له مائة إمرأة أو تسعة وتسعون بل قد روى في الإسرائيليات أنه كان له ثلاث مائة إمرأة حرة وسبع مائة سرية
فإن كذبتم شرعنا لأجل أنه اشتمل على جواز نكاح نساء كثيرة فلتكذبوا بنبوة إبراهم ويعقوب وسليمان ولا فرق بين نبينا وبين هؤلاء الأنبياء في أن كل واحد منهم رسول الله يبلغ

حكم الله فما لكم تنكرون ما بمثله تعترفون وتكذبون عين ما تصدقون فلعل المعتوه الذي لا يعرف مابه يفوه
ثم لا ينكر عاقل حكمة الله تعالى في شرعية كثرة النساء إذ مقصوده بذلك إنما هو تكثير النسل وعمارة الدنيا بالذراري ليكثر الصالحون لما أراد الله بهم من الكرامة وليكثر الطالحون لما أراد الله بهم من الشقاوة والتعذيب ولتنفذ على خلقه أحكامه وتجري عليهم أقداره لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون
وأما إعتراضه بالطلاق ورد المطلقات فقد تقدم ذكره على أوضح المقالات وأشفينا في الجواب على أحسن الغايات فلينظره من أراده في باب النبوات
وأما إعتراضهم على إعتقادنا أن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء فقد قدمنا فيه قولا كافيا ولكنا مع ذلك نؤيده أيضاحا فنقول
قد قام الدليل القاطع والبرهان الصادع على أن الله تعالى منفرد بخلق الموجودات ومريد لكل الحادثات لا يخرج عن قدرته ممكن ولا يشذ عن إرادته حادث والهدى والضلال من الحوادث فإذن هما مستندان إليه وموجودان بإرادته وتحقيق هذا البرهان يعرف في موضعه
ثم نقول لا يشك عاقل أن الهدى والضلال وما في معناهما أمور محدثة وأفعال موجودة بعد أن لم تكن وكل فعل محدث فلا بد له من فاعل محدث بالضرورة ففاعل الهدى والضلال وخالقهما إما أن يكون الله سبحانه أو غيره محال أن يكون غير الله لاستحالة وجود خالقين ويلزم منه إمتناع الخلق كما قدمنا حين ذكرنا دلالة التمانع فلم يبق إلا أن يكون الفاعل هو الله تعالى إذ لا خالق إلا هو ولا مبدع سواه
ثم نقول للنصارى صلب المسيح وقتله إما أن يكون ضلالا وإما أن يكون هدى ومحال أن يكون هدى فإنكم تكفرون من فعل ذلك

وتضللونهم ولأجل ذلك الفعل حاق الغضب وحاقت اللعنة على اليهود بزعمكم فلم يبق إلا أن يكون ضلالا
وإذا كان كذلك فقد لزمكم أن الله فعل الضلال فإنكم قد صرحتم بأن الله إنما فعل ذلك لأجل خطية آدم ولا من أحد من ولده وإنما أراد أن ينتقم من إله مثله فقد صرحتم ونصصتم أن الله تعالى أراد الضلال وفعله على أقبح ما سمع وأشنع ما به يتحدث ثم إنا لا ندير مما يكون التعجب أكثر إن كان من ذهاب عقولكم أو من جهلكم بكتبكم
فأما نقص عقولكم فإنكم تقولون أقوالا تتناقضون فيها ولا تشعرون وتلتزمون ضروبا من المحالات وتنكرون أمورا جائزات كما قدمنا آنفا ولم نزل نبين ذلك من أول كلمة من هذا الكتاب إلى آخره
وأما جهلكم بكتبكم فقد جاء في كتابكم نصا هذا المعنى الذي أنكرتموه علينا وذلك أن عيسى قال حين دنا أجله يا أبتاه إنك قادر على جميع الأشياء فزح عني هذه الكأس ولكن لست أسألك أن تفعل مشيئتي بل مشيئتك وهذا نص على أن الله على كل شيء قدير وأنه يفعل ما يريد وأنه أراد صلب المسيح بزعمكم وكان ضلالا لليهود بلا شك
فما لكم تخبطون وعن كتبكم تعرضون بل أنتم عن عقولكم مصروفون وفي ورطة الجهل مرتبكون وفي بحبوحة الضلال عمهون
فلقد صدق الذي قال اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضلال
والكلام على الهدى والضلال والطبع والختم يستدعي تطويلا وشرحا وتفصيلا ومن طلبه وجده إذا ساعده التحقيق ورافقه التوفيق
وقد حصل غرضنا من مكالمة هؤلاء وإفحامهم والحمدلله
وأما قوله ودعواه أنا وصفنا الباري تعالى بالجور والقساوة والظلم فعلى المثل السائر رمتني بدائها وانسلت

أما نحن فننزه الله تعالى عن كل ما ذكر ولا نقول بقول يؤدي إلى ذلك وكيف يصح في حقه تعالى الظلم والجور وهو إنما يتصرف في ملكه وملكه وخلقه ولا يجب عليه لأحد من خلقه حق بل هو متفضل بكل ما يفعل وإنما يتصور الظلم والجور في حق من تصرف في ملك غيره أو عدل عن فعل ما وجب عليه وهذا كله في حق الله تعالى محال
وإنما يلزم وصفه بالظلم والجور والقساوة لمن قال إن آدم عصاه ثم جعل ذنبه على جميع ولده ثم لم يقنع بشيء من دمائهم بل ولا من دمائهم كلهم حتى انتقم من اله مثله وأجرى دمه على خشبة الصليب فهذا ظلم من حيث حمل الذنب من لم يفعله وجور من حيث قتل إلها لأجل لقمة من شجرة أكلها غيره وقساوة من حيث قتل ولده وحبيبه في عبده العاصي عندكم ولم يعف
نعوذ بالله من هذه القبائح ومن إلتزام هذه الفضائح وتتبع جهالات الجهال بحق معقول العقال
على أن كلام هؤلاء القوم لا يستحق أن يسمع إذ ليس لهم في العقول مطمع ولكثرة فساد كلامهم يحار النحرير الناظر في هذيانهم فيظل متعجبا وينشد متمثلا ... تفرقت الظباء على خراش ... فلايدري خراش ما يصيد ...
وأنا أكرر الإستغفار من حكايات كلامهم وأسأله النفع بإظهار فساد مرامهم ومع ذلك فقد أصبنا منهم غرضا وصادفنا منهم مقتلا ولئن زادوا زدنا وإن عادوا عدنا ... إن عادت العقرب عدنا لها ... وكانت النعل لها حاضرة ...
وينبغي أن نختم الكتاب بدعاء مأثور عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فلعل الواقف على كتابي هذا يؤمن عند خاتمته وعسى الله أن يشركنا في صالح دعوته

فأقول اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا من لا يرحمنا آمين آمين
والحمدلله رب العالمين والصلاة على محمد سيد المرسلين وسلام عليه وعليهم في العالمين وعلى صحبه أجمعين وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين
نجز الكتاب المبارك بحمدالله وعونه وحسن توفيقه على يد العبد الفقير إلى الله تعالى علي بن محمد بن عانبه الفيومي نسبا والشافعي مذهبا حامدا لله ومصليا ومسلما على رسول الله صلى الله عليه و سلم وعلى جميع الأنبياء والمرسلين في سابع عشرين شهر ربيع أول سنة تسع وسبعين وثماني مائة
قال في أصل النسخة وكان الفراغ منه ضحوة سادس شهر شعبان سنة ست وعشرين وسبع مائة بدمشق المحروسة والحمدلله رب العالمين
تم الجزء الرابع من كتاب الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام وإظهار محاسن دين الإسلام وإثبات نبوة نبينا محمد عليه الصلاة و السلام وبتمامه تم الكتاب كله بعون الله وكان الفراغ من تحقيقه والتعليق عليه والتقديم له في يوم السبب العشرين من شهر شوال سنة ثمان وتسعين وثلثمائة وألف من الهجرة الموافق الثالث والعشرين من شهر سبتمبر سنة ألف وتسعائة وثمان وسبعين من الميلاد في مدينة القاهرة

ملحق
في تقديمنا لهذا الكتاب تحدثنا في مبحثين إثنين هما 1 الأقانيم 2 والمسيا المنتظر بفتح الميم وكسر السين وتشديد الياء مفتوحة ومع كتابتهما كتبت مبحثا ثالثا عن مبادئ النصرانية ورأيت أن أضعه في نهاية الكتاب كملحق لأن فهمه يتعسر على القارئ أو السامع إذا لم يقرأ قبله المبحثين وكتاب الإعلام هذا أو كتبا فيها ما يساعد على الفهم وعلى الله قصد السبيل د أحمد حجازي السقا
المبحث الثالث
مبادئ النصرانية
أي سفر من أسفار الكتب المقدسة عند النصارى يمكن أن تظهر لنا منه بوضوح مبادئ النصرانية
ليس غير سفر أعمال الرسل المسمى باللغة اليونانية الأبركسيس فإن هذا السفر الموضوع بعد الأناجيل الأربعة لا يحكى فقط عن نمو الجماعة النصرانية الأولى بل يحكى للناس جميعا كيف اتفق بطرس وبولس ويعقوب ومن نحا نحوهم فيما ذهبوا إليه على تغيير دعوة المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام الأصلية وقبل أن نبين ما اتفقوا عليه نقول أولا لماذا أتفقوا على ما ذهبوا إليه هل حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق كما في القرآن الكريم
إنهم يعلمون علم اليقين من أ توراة موسى عليه السلام الأسفار الخمسة ب ومن أسفار الأنبياء الذين ظهروا من بعد موسى عليه السلام يعلمون أن نبيا سيظهر للعالم قال عنه بطرس فإن موسى قال للآباء أن نبيا مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم من إخوتكم له تسمعون في كل ما يكلمكم به ويكون أن كل نفس لا تسمع لذلك النبي تباد من الشعب وهذا النبي يعلمون أنه ليس عيسى عليه السلام لأنه من بني إسرائيل ولو كان النبي الآتي من بني إسرائيل لقال من أنفسكم ولأنه ليس مماثلا لموسى في 1 الحروب 2 المعجزات 3 والإنتصار على الأعداء فإن الذي لم يسمع لكلامه لم يبده الرب من الشعب على يديه كما أبادهم على يد نبي الإسلام صلى الله عليه و سلم

وهذا النبي يعلمون أنه سيكون ناسخا لشريعة موسى عليه السلام فإن من أوصافه له تسمعون في كل ما يكلمكم به لقد اتفقوا على إستبدال نبي بني نبي تحدثت عنه نبوءات التوراة وهو محمد صلى الله عليه و سلم بنبي لم يرد له ذكر في أي سفر وهو عيسى عليه السلام وفي سبيل ذلك لا بد من أن يتفادوا أمرين إثنين لا ثالث لهما الأول النبوءات التي تحدثت عن محمد صلى الله عليه و سلم والثاني الشريعة التي سيبلغها النبي المنتظر للناس عن أمر الله عز و جل مناسبة للزمان الذي سيظهر فيه فماذا قولوا لتفادي هذين الأمرين
قالوا إن النبوءات يجب أن تطبق على عيسى عليه السلام وقالوا نعمل شريعة جديدة فيها من تعاليم موسى وفيها من تعاليم الرومانيين وننسبها إلى عيسى عليه السلام وكيف ينسبونها إليه وقد رفع إلى السماء وهو لا يعلم عنها شيئا هذا أشكال اعترضهم ولكنهم تفادوه أيضا بزعمهم أن عيسى عليه السلام نزل من السماء بعد سنين من رفعه إليها وقابل بولس وهو منطلق إلى مدينة دمشق في رؤيا وقال له يا بولس انطلق بإذني وأمري بدعوتي إلى 1 أمم 2 وملوك 3 وبني إسرائيل ونسوا أن يبينوا ما هي الدعوة الجديدة التي لقنها عيسى لبولس ما بينوا قط لأن الظاهرة من رسائل بولس أنه يدعو بدعوة من تلقاء نفسه ويشرع للناس ما استحسنه من تلقاء نفسه وينصح تلاميذه بما يصلح المعدة والبطن وخلاصة دعوته في هذه العبارة الدعوة التي دعى فيها كل واحد فليلبث فيها أي إذا دعا اليهودي إلى النصرانية وقبل الدعوة فليعمل بحسب شريعته التي درج عليها وهي شريعة موسى وإذا دعى اليوناني إلى النصرانية وقبل الدعوة فليعمل بحسب قوانين بلاده التي تحكم المواطنين وبحسب العادات والتقاليد التي درج عليها وهكذا يكون إسم النصرانية كمظلة على رؤوس الكل والناس أحرار في أعمالهم تحت المظلة ثم قال على سبيل الإذن أقول لغير المتزوجين وللأرامل انه حسن لهم إذا لبثوا كما أنا ولكن إن لم يضبطوا أنفسهم فليتزوجوا لأن التزوج أصلح من التحرق وأما المتزوجون فأوصيهم لا أنا بل الرب أن لا تفارق المرأة رجلها وإن فارقته فلتلبث غير متزوجة أو لتصالح رجلها

ولا يترك الرجل امرأته وأما الباقون فأقول لهم أنا لا الرب إن كان أخ له امرأة غير مؤمنة وهي ترتضى أن تسكن معه فلا يتركها الخ كورنثوس الأولى 7
ومن نصائحه لتيموثاوس في رسالته الأولى إليه لا تكن في ما بعد شراب ماء بل استعمل خمرا قليلا من أجل معدتك وأسقامك الكثيرة
وليلاحظ ما نبديه الآن وهو
أن دعوة موسى عليه السلام في أصلها كانت لبني إسرائيل ومعاصريهم من الأمم فإن موسى طلب من فرعون الإيمان بالله رب العالمين وعدم العلو عليه وموسى حث بني إسرائيل بعد الخروج من مصر على فتح البلاد لنشر الإيمان والعمل بالشريعة وبين لهم أن الجنة تحت ظلال السيوف كما بين نبي الإسلام وعيسى عليهما السلام للأتباع الصادقين ففي القرآن الكريم يقول الله عز و جل إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن
وأن دعوة موسى عليه السلام حرفها عزرا في مدينة بابل من بعد سنة 586 ق م ومن التحريف الذي أقره فيها أن تكون دعوة موسى عليه السلام لبني إسرائيل من دون الناس ولما ظهر عيسى عليه السلام وبخ علماء بني إسرائيل على تقصيرهم في دعوة الأمم في قوله ويل لكم أيها الناموسيون لأنكم أخذتم مفتاح المعرفة ما دخلتم أنتم والداخلون منعتموهم ثم قال لتلاميذه
1 - انطلقوا أولا بالضرورة إلى بني إسرائيل بالدعوة
2 - ثم ثانيا بعد أن يعلم ويفهم جميع بني إسرائيل إنطلقوا إلى الأمم
قال متى عن الأمر الأول والثاني هؤلاء الإثنا عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم قائلا إلى طريق أمم لا تمضوا وإلى مدينة

للسامريين لا تدخلوا بل اذهبوا بالحرى إلى خراف بيت إسرائيل الضالة وفيما أنتم ذاهبون أكرزوا قائلين إنه قد اقترب ملكوت السماوات
وقال متى عن الأمر الأول والثاني أن إمرأة من نساء الكنعانيين أهل فلسطين طلبت من المسيح أن يشفى ابنتها من الجنون فلم يجبها بكلمة فتقدم تلاميذه وطلبوا إليه قائلين اصرفها لأنها تصيح وراءنا فأجاب وقال لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة فأتت وسجدت له أي أعطته التحية قائلة يا سيد أعنى فأجاب وقال ليس حسنا أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب فقالت نعم يا سيد والكلاب أيضا تأكل من الفتات الذي يسقط من مائدة أربابها حينئذ أجاب يسوع وقال لها يا امرأة عظيم إيمانك ليكن لك كما تريدين فشفيت ابنتها من تلك الساعة بإستثناء تشبيه الأمم بالكلاب في هذا النص ومستبعد أن يحدث هذا التشبيه من المسيح صاحب الخلق الرفيع فإنه نص في دعوة الأمم بعد ما يفهم الدعوة بنو إسرائيل الذين يشبهون الخراف الضالة في فلاة من الأرض بسبب إلتواء علماء بني إسرائيل في تعليمهم
وقال متى عن الأمر الثاني إن المسيح بعدما رفع إلى السماء نزل ثانية إلى الأرض وكلمهم قائلا اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم
وإنطلاق التلاميذ إلى الأمم حسب كلام المسيح نفسه على النحو التالي
1 - أن تؤمن الأمم بالإله الواحد المتصف بكل كمال والمنزه عن كل نقص الذي لا يرى ولا يقدر أحد أن يراه وليس كمثله شيء كما نص كتاب موسى عليه السلام
2 - أن تعمل الأمم بشريعة موسى عليه السلام
3 - أن يعلموا أن نبيا من العرب سيظهر لينسخ شريعة موسى هو محمد صلى الله عليه و سلم
4 - وعلى الأمم إذا ظهر هذا النبي العربي أن يتركوا العمل بشريعة موسى وأن يعملوا بشريعة محمد صلى الله عليه و سلم

ولكن بطرس وبولس ويعقوب وأتباعهم غيروا كلام المسيح نفسه وجعلوا النصرانية دينا عالميا لا على كلام المسيح السابق ذكره بل على أن عيسى هو كان النبي المنتظر وما عرفوا أنه هو إلا بعد قتله وصلبه كما يزعمون وعلى أن الإنجيل شريعة يجب التعبد على أحكامها وعلى أن عيسى خاتم النبييين ولا نبي من بعده إلى يوم القيامة
وغير خاف مما قدمنا على ذي بصيرة أنهم اتفقوا لكراهيتم للعرب أبناء إسماعيل عليه السلام أن يخضعوا لأحكامهم وأن لا يكون لهم فضل في دولتهم وإلا لما تفادوا مجيء النبي الآتي منهم من قبل مجيئه وطبقوا النبواءات على واحد من بني إسرائيل لقد فكر اليهود في عالمية الدعوة ثانيا في شكل النصرانية ليكسبوا أنصارا جددا يقاومون بهم العرب إذا ظهر النبي منهم وانضم حوله الأتباع من كل جنس ولأنهم يخزون إذا رجعوا إلى الأصل تظاهر منهم من تظاهر بالإخلاص للمسيح وعملوا العالمية في شخصه لأنه منهم وأتباعه بالضرورة سيكونون لليهود بعضهم أولياء بعض المائدة 51 لأن الأناجيل مبنية على كتاب التوراة وأسفار الأنبياء
ولنبين الأمرين هنا فنقول

أولا النبوءات
يحكى هذا السفر أن بطرس تلميذ عيسى عليه السلام الذي لما نصحه بعدم دخول أورشليم خوفا عليه من اليهود التفت وقال لبطرس اذهب عني يا شيطان أنت معثرة لي لأنك لا تهتم بما لله لكن بما للناس بطرس هذا هو أول من خطب في النصارى وكان عدتهم يومئذ نحو مئة وعشرين مبينا أن نبوءات التوراة وأسفار الأنبياء يجب أن تطبق على عيسى عليه السلام حتى لا ينتظر الناس نبيا من بعده سواء كان آيتا من اليهود كما يدعى اليهود أو كان آتيا من بني إسماعيل كما يقول العرب وعيسى ابن مريم نفسه
وفي الخطبة الثانية لبطرس وهي في الإصحاح الثاني من هذا السفر يواجه اليهود بأن داوود عليه السلام قال في سفر الزبور عن النبي المنتظر إن الله سيضع أعداءه تحت قدميه ونحن نعلم أن

عيسى لم يضع أعداءه تحت قدميه فكيف نطبق هذه النبوة عليه قال بطرس لنقل أن عيسى لم يمت لنقل أنه وإن رفع ما يزال حيا ولسوف يرجع ليحارب أعداءه وينتصر عليهم ويضعهم تحت قدميه والدليل على أنه حي أنه لما قتل ووضع في القبر ردت إليه الروح وانتصر على الموت وصعد إلى السموات العلي ومن كان شأنه هكذا فلا يستبعد منه الرجوع ثانية إلى الدنيا ليدين الأحياء والأموات وما يزال النصارى إلى اليوم يعتقدون في نزول المسيح لينتصر على أعدائه ويزعمون أنه في غيبة والملك له سيرجع كما كان ملك داوود وسليمان عليهما السلام في الزمان القديم لقد عقد مقارنة بين داوود وعيسى في أمرين إثنين هما 1 الملك 2 والموت فقال كان داوود ملكا ومات وقبل موته تنبأ عن عيسى الذي سيكون ملكا قبل موته أي موت عيسى وحيث أن عيسى مات من قبل أن يكون ملكا إذن هو في غيبة وسيرجع حسب تنبوء داوود نفسه ولقد كذب بطرس والحاكي عن بطرس بشهادة المسيح نفسه ذلك لأن بطرس استدل بقول داوود عن النبي المنتظر قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئا لقدميك زاعما أن داوود يشير إلى عيسى عليه السلام مع أن عيسى عليه السلام كما سبق أن بينا قال أن الذي يشير إليه داوود ليس من اليهود عموما لأنه عبر عنه بسيده والإبن لا يكون سيدا لأبيه وفي هذه الخطبة جهر بطرس بأن عيسى عليه السلام ربا ومسيحا من قبل أن يجهر بولس ومن كلام بطرس في هذه الخطبة أيها الرجال الأخوة يسوغ أن يقال لكم جهارا عن رئيس الآباء داوود أنه مات ودفن في قبره عندنا حتى هذا اليوم فإذا كان نبيا وعلم أن الله حلف له بقسم أنه من ثمرة صلبه يقيم المسيح حسب الجسد ليجلس على كرسيه سبق فرأى وتكلم عن قيامة المسيح أنه لم تترك نفسه في الهاوية ولا رأى جسده فسادا فيسوع هذا أقامه الله نحن جميعا شهودا لذلك وإذا ارتفع بيمين الله وأخذ موعد الروح القدس من الآب سكب هذا الذي تبصرونه وتسمعونه لأن داوود لم يصعد إلى السموات وهو نفسه يقول قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئا لقدميك فليعلم يقينا جميع بيت إسرائيل أن الله جعل يسوع هذا الذي صلبتموه أنتم ربا ومسيحا ألخ

وفي الخطبة الثالثة لبطرس وهي في الإصحاح الثالث من سفر الأعمال يطبق كلام موسى في الأسفار الخمسة عن نبي الإسلام صلى الله عليه و سلم على عيسى عليه السلام يقول لليهود لقد قام عيسى من الأموات وغاب عن الدنيا وسيرجع ليملك عليكم وعلى العالم ويؤسس مملكة لن تنقرض أبدا ولماذا لا يرجع وموسى وعد بنبي على مثاله ليس هو غير يسوع المسيح ولقد كذب بطرس والحاكي عن بطرس فإن موسى لما وعد بنبي على مثاله قال أيضا لن يكون مثلي في بني إسرائيل فكيف يكون المماثل لموسى يسوع المسيح وهو من بني إسرائيل ومن كلام بطرس في هذه الخطبة والآن أيها الأخوة أنا أعلم أنكم بجهالة عملتم كما رؤساؤكم أيضا وأما الله فما سبق وأنبأ به بأفواه جميع أنبيائه أن يتألم المسيح قد تممه هكذا فتوبوا وارجعوا لتمحي خطاياكم لكي تأتي أوقات الفرج من وجه الرب ويرسل أي الله يسوع المسيح المبشر به لكم قبل الذي ينبغي أن السماء تقبله إلى أزمنة رد كل شيء التي تكلم عنها الله بفم جميع أنبيائه القديسين منذ الدهر فإن موسى قال للآباء أن نبيا مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم من إخواتكم له تسمعون في كل ما يكلمكم به ويكون أن كل نفس لا تسمع لذلك النبي تباد من الشعب وجميع الأنبياء أيضا من صموئيل فما بعده جميع الذين تكلموا سبقوا وأنبأوا بهذه الأيام أنتم أبناء الأنبياء والعهد الذي عاهد به الله آباءنا قائلا لابراهيم وبنسلك تتبارك جميع قبائل الأرض الخ
لقد تعسف بطرس في تأويل النبوءات تعسفا ممقوتا خرج به عن الواقع الحقيقي فمن ذا الذي يصدق أن عيسى بعد قتله دخل النار ثم خرج من النار حيا ليجلس في السماء ومؤرخو القرن الأول للميلاد كتبوا أن عيسى لم يقتل ولم يصلب لقد تعسف بطرس ليطبق النبوءات على عيسى غير مبال بالحقائق التاريخية الثابتة وغير مبال بالأوصاف التي تدل على النبي المنتظر من نص النبوءات وغير مبال بسياق العبارات ليربط النبوءة بما قبلها وبما بعدها من التعابير وأيضا غير مبال بالمحكم والمتشابه في نصوص التوراة والإنجيل ولكي يبرر النصارى خطؤه العمد وغلطه وتناقضه ادعوا أنه كان من العوام الأميين غير الدارسين وأنه ماقال بما قال إلا بالهام من الروح القدس

ففي سفر الأعمال فلما رأوا مجاهرة بطرس ويوحنا ووجدوا أنهما إنسانان عديما العلم وعاميان تعجبوا فعرفوهما أنهما كانا مع يسوع
وفي الخطبة الرابعة لبطرس وهي في الإصحاح الرابع من سفر الأعمال يعمد إلى تطبيق نبوءة قالها داوود عليه السلام عن نبي الإسلام صلى الله عليه و سلم يعمد إلى تطبيقها على عيسى عليه السلام متجاهلا أن عيسى نفسه كما روى متى لم يطبقها على نفسه بل طبقها على نبي الإسلام صلى الله عليه و سلم
يحكى الكاتب أن بطرس شفى رجلا أعرج ولما استدعاه رؤساء اليهود ليسألوه بأية قوة وبأي اسم صنعت هذا قال لهم يارؤساء الشعب وشيوخ إسرائيل إن كنا نفحص اليوم عن إحسان إلى إنسان سقيم بماذا شفى هذا فليكن معلوما عند جميعكم وجميع شعب إسرائيل أنه باسم يسوع المسيح الناصري الذي صلبتموه أنتم الذي أقامه الله من الأموات بذاك وقف هذا أمامكم صحيحا هذا هو الحجر الذي احتقرتموه أيها البناؤون الذي صار رأس الزاوية الخ
انظر لقد قال لهم إن عيسى ابن مريم هو الحجر فما قصة هذا الحجر
تبدأ قصته من النبي داوود عليه السلام فقد نطق نبوءة عن النبي المنتظر المماثل لموسى عليه السلام في المزمور المئة والثامن عشر بين فيها أن النبي المنتظر سيتألم من إعراض الناس عن دعوته ولكن الله لن يسلمه إلى أيدي أعدائه ليقتلوه وأن هذا النبي سيرفضه اليهود لأنه من غير جنسهم أنه من نسل المصرية هاجر جارية إبراهيم عليه السلام ونسلها لا قيمة له في نظر اليهود كالحجر الذي يرفض البناؤون وضعه في البناء وأن هذا النبي سيكون مباركا من قبل الله ومن عبارات داوود 1 الإحتماء بالرب خير من التوكل على إنسان الإحتماء بالرب خير من التوكل على الرؤساء كل الأمم أحاطوا بي باسم الرب أبيدهم أحاطوا بي واكتنفوني باسم الرب أبيدهم

أحاطوا بي مثل النحل أنطفأوا كنار الشوك بإسم الرب أبيدهم
2 - افتحوا لي أبواب البر أدخل فيها وأحمد الرب هذا الباب للرب الصديقون يدخلون فيه أحمدك لأنك استجبت لي وصرت لي خلاصا الحجر الذي رفضه البناؤون قد صار رأس الزاوية من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيينا
3 - مبارك الآتي باسم الرب
وفي إنجيل متى ومرقس ولوقا نجد عيسى ابن مريم عليه السلام يقول لعلماء بني إسرائيل أن هذا النبي الذي يتحدث عنه داوود سيأتي من بعدي وسيتسلم الملك منكم والشريعة ولما اغتاظوا منه لذلك وأرادوا قتله خافوا من ثورة العامة عليهم لأنهم كانوا يحبون المسيح قال المسيح إنكم يا بني إسرائيل كعمال في حقل ائتمنكم صاحبكم عليه ولما أرسل إليكم ليحاسبكم قتلتم المرسلين وأهنتموهم وما جزاء من يفعل ذلك ألا أن تسحب منه الثقة إلى غيره ليقوم ذلك الغير بالعمل وأداء الحق ولما قال ما معناه هذا قال له العلماء وقد فهموا مغزى كلامه حاشا أي لن يحصل لنا ذلك فنظر إليهم وقال إذن ما هو هذا المكتوب الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية كل من يسقط على ذلك الحجر يترضض ومن سقط هو عليه يسحقه فطلب رؤساء الكهنة والكتبة أن يلقوا الأيادي عليه في تلك الساعة ولكنهم خافوا الشعب لأنهم عرفوا أنه قال المثل عليهم
لقد أشار بالمكتوب إلى الزبور المئة والثامن عشر وطبقه حرفيا على نبي الإسلام صلى الله عليه و سلم وبين أنه لن يقتل كما قال داوود وأنه إذا قصد قوما بالحرب أهلكهم وإذا هم قصدوه أهلكم كالحجر القوى من ينطحه لا يؤثر في الحجر بل يؤثر في نفسه هو وإذا وقع الحجر على شيء أثر فيه أما الحجر نفسه فلا يتأثر ولم يكن بهذه الصفة عيسى عليه السلام
وفي إنجيل متى ولوقا ايضا نجد المسيح يقول سيأتي من بعدي الذي قال عنه داوود مبارك الآتي بإسم الرب قال المسيح لعلماء بني إسرائيل هو ذا بيتكم أي هيكل سليمان في القدس يترك لكم خرابا والحق أقول لكم انكم لا ترونني حتى يأتي وقت تقولون فيه مبارك الآتي بإسم الرب

لقد تجاهل بطرس هذا كله وزعم أن المقصود من كلام داوود عليه السلام هو عيسى عليه السلام مخالفا بذلك كلام عيسى نفسه وما تدل عليه النبوءة من الأوصاف
ورجع بطرس إلى النصارى الذين كانوا قد بلغوا يومئذ نحو خمسة آلاف ليتلو معهم نبوءة أخرى من نبوءات داوود على نبي الإسلام صلى الله عليه و سلم مفسرين لها تفسيرا لا تقره اللغة هي نبوءة ابن الله التي هي أصل أقنوم الإبن عند النصارى يقول داوود عليه السلام في المزمور الثاني لماذا ارتجت الأمم وتفكر الشعوب في الباطل قام ملوك الأرض وتآمر الرؤساء معا على الرب ومسيحه الخ أنه يبين فزع الأمم لا أمة واحدة سيفكرون معا في مقاومة دعوته وأن ملوك الأرض لا ملك أرض واحدة سيقومون متآمرين عليه لهلاكه وأنهم بمناوأته يقاومون الله الذي سيرسله ومن أجل ذلك الرب يستهزئ بهم كما يقول داوود عليه السلام
هذا هو معنى كلام داوود بحسب اللغة ولكن كاتب سفر الأعمال يروى التفسير هكذا أيها السيد يخاطبون الله أنت هو الإله الصانع السماء والأرض والبحر وكل ما فيها القائل بفم داوود فتاك لماذا ارتجت الأمم وتفكر الشعوب بالباطل قامت ملوك الأرض واجتمع الرؤساء معا على الرب وعلى مسيحه لأنه بالحقيقة اجتمع على فتاك القدوس يسوع الذي مسحته هيرودس وبيلاطس البنطي مع أمم وشعوب إسرائيل يريد أن يقول أن هيرودس وبيلاطس الواليان على اليهود هما ملوك جميع الأرض وهما رؤساء دول العالم فهل هذا صحيح ويريد أن يقول أن شعب إسرائيل كله هو أمم العالم وشعوب العالم فهل هذا صحيح أن تفسير اشد التواء من هذا التفسير ومع قوله هذا لم يسلم له انتصار النبي المنتظر لأن نبوءة داوود توضح أنه لن يقتل بيد أعدائه وقد صرحوا بقتل عيسى عليه السلام الذين جعلوه هدفا للنبوءات وليست له

وفي الخطبة التي ألقاها بطرس في مدينة قيصرية أمام كرنيليوس وهي في الإصحاح العاشر من سفر الأعمال زعم أن النبي يحيى عليه السلام كان يبشر بمجيء عيسى عليه السلام ولم يكن يبشر بمجيء محمد صلى الله عليه و سلم قال يحيى عليه السلام يأتي بعدي من هو أقوى مني الذي لست أهلا ان أنحنى وأحل سيور حذائه أنا عمدتكم بالماء وأما هو فسيعمدكم بالروح القدس ولم يكن عيسى من بعده بل كان معه ودعا معه بنفس الدعوة التي دعا بها يوحنا المعمدان النبي يحيى دعوا معا بصوت واحد اقترب ملكون السموات زعم بطرس أمام كرنيليوس ان يسوع المسيح هو الذي قال عنه يوحنا يأتي بعدي من هو أقوى مني الخ مع أن المسيح لم يكن أقوى من يوحنا كانا من الدعاة الفقراء ولم يكونا من الملوك الأغنياء كانا من الأنبياء ولم يكونا من الأنبياء الملوك كداوود وسليمان عليهما السلام
ففتح بطرس فاه وقال بالحق أنا أجد أن الله لا يقبل الوجوه بل في كل أمة الذي يتقيه ويصنع البر مقبول عنده الكلمة التي أرسلها إلى بني إسرائيل يبشر بالسلام بيسوع المسيح هذا هو رب الكل أنتم تعلمون الأمر الذي صار في كل اليهودية مبتدئا من الجليل بعد المعمودية التي كرز بها يوحنا يسوع الذي من الناصرة كيف مسحه الله بالروح القدس والقوه الذي جال يصنع خيرا ويشفى جميع المتسلط عليهم إبليس لأن الله كان معه ونحن شهود بكل ما فعل في كورة اليهودية وفي أورشليم الذي ايضا قتلوه معلقين إياه على خشبة هذا أقامه الله في اليوم الثالث وأعطى أن يصير ظاهرا ليس لجميع الشعب بل لشهود سبق الله فانتخبهم لنا نحن الذين أكلنا وشربنا معه بعد قيامته من الأموات وأوصانا أن نكرز للشعب ونشهد بأن هذا هو المعين من الله ديانا للأحياء والأموات له يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به ينال بإسمه غفران الخطايا
وقد اقتفى بولس أثر بطرس في تطبيق النبوءات قسرا على المسيح ابن مريم عليه السلام إذ أنه انطلق إلى بلاد العرب من

دمشق ثم رجع إليها ثم بعد ثلاث سنين صعد إلى أوشليم ليتعرف ببطرس ومكث عنده خمسة عشر يوما ورأى يعقوب صديق بطرس وحواري المسيح ورأى أيضا يوحنا وبرنابا ورجع ليردد نفس الأفكار التي صرح بها بطرس لا يرددها في أوشليم وحدها بل في كل مكان تطؤه قدماه ففي مدينة أنطاكية بيسيدية دخل مجمعا من مجامع اليهود كما في الإصحاح الثالث عشر من سفر الأعمال وشرح نبوءة يوحنا المعمدان كما شرحها بطرس وشرح أيضا نبوءة المزمور الثاني كما شرح بطرس قال بولس
أيها الرجال الإسرائيليون والذين يتقون الله اسمعوا إله شعب إسرائيل هذا اختار آباءنا ورفع الشعب في الغربة في أرض مصر وبذراع مرتفعة أخرجهم منها ونحو مدة أربعين سنة احتمل عوائدهم في البرية ثم أهلك سبع أمم في أرض كنعان وقسم لهم أرضهم بالقرعة وبعد ذلك في نحو أربعمئة سنة وخمسين سنة أعطاههم قضاة حتى صموئيل النبي ومن ثم طلبوا ملكا فأعطاهم الله شاول ابن قيس رجلا من سبط بنيامين أربعين سنة ثم عزله وأقام لهم داوود ملكا الذي شهد له أيضا إذ قال وجدت داوود بن يسى رجلا حسب قلبي الذي سيصنع كل مشيئتي من نسل هذا حسب الوعد أقام الله لإسرائيل مخلصا يسوع إذ سبق يوحنا فكرز قبل مجيئه بمعمودية التوبة لجميع شعب إسرائيل ولما صار يوحنا يكمل سعيه جعل يقول من تظنون أني أنا لست أنا إياه لكن هو ذا يأتي بعدي الذي لست مستحقا أن أحل حذاء قدميه
أيها الرجال الأخوة بني جنس إبراهيم والذي بينكم يتقون الله إليكم أرسلت كلمة هذا الخلاص لأن الساكنين في أورشليم ورؤساءهم لم يعرفوا هذا
وأقوال الأنبياء التي تقرأ كل سبت تمموها إذ حكموا عليه ومع أنهم لم يجدوا علة واحدة للموت طلبوا من بيلاطس أن يقتل ولما تمموا كل ما كتب عنه أنزلوه عن الخشبة ووضعوه في قبره ولكن الله أقامه من الأموات وظهر أياما كثيرة للذين صعدوا معه من الجليل إلى أورشليم الذين هم شهوده عند الشعب

ونحن نبشركم بالموعد الذي صار لآبائنا إن الله قد أكمل هذا لنا نحن أولادهم إذ أقام يسوع كما هو مكتوب أيضا في المزمور الثاني أنت إبني أنا اليوم ولدتك الخ
وفي مدينة دمشق أيضا جهر بولس بأن يسوع المسيح هو ابن الله الذي تنبأ عنه داوود عليه السلام في المزمور الثاني وأن يسوع المسيح هو المسيا تماما كما قال بطرس زعم بولس أنه رأى المسيح في رؤيا وأن المسيح زجره ووبخه على إضطهاده لأتباعه وصرح له بأن ينطلق إلى الأمم بالإنجيل وأنه كما في الإصحاح التاسع من سفر الأعمال جعل يكرز في المجامع بالمسيح أن هذا هو ابن الله فبهت جميع الذين كانوا يسمعون وقالوا أليس هذا هو الذي أهلك في أورشليم الذين يدعون بهذاالإسم وقد جاء إلى هنا ليسوقهم موثقين إلى رؤساء الكهنه وأما شاول فكان يزداد قوة ويحير اليهود الساكنين في دمشق محققا أن هذا هو المسيح
كان تلميذ من تلاميذ المسيح اسمه فيلبس من القرية التي منها بطرس وهي بيت صيدا قال لصديق له وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة فرد عليه بقوله أمن الناصرة يمكن أن يكون شيء صالح ثم قال للمسيح يامعلم أنت ابن الله أنت ملك إسرائيل يوحنا ففيلبس في محاولة جر رجل صديقه إلى الإيمان بدعوة المسيح زعم أن المسيح هو الذي تحدثت عنه الأسفار الخسمة وأسفار الأنبياء الذين ظهروا من بعد موسى مع أن الأسفار الخمسة وأسفار الأنبياء لا تشير بكلمة واحدة إلى يسوع المسيح لأنه من بني إسرائيل ومستبعد من أنبياء بني إسرائيل نسخ شريعة موسى فلماذا ينبه الله على مجيء نبي من بني إسرائيل إن التنبيه لازم على من يحق له نسخ شريعة موسى لأنها كلام الله في الأصل ولا يترك كلام الله الذي نشأت عليه أجيال إلى من سيقول أن معي كلام الله المناسب لزماننا هذا بسهولة لأن التصريح بنسخ شريعة ليس بالأمر الهين خاصة وأن الشريعة المنسوخة لليهود وأن الناسخ ليس منهم بل من جنس آخر هم العرب أبناء النبي إسماعيل عليه السلام وصديقه يؤمن على

أساس أن المسيح هو ابن الله الذي أشار إليه داوود بظهر الغيب وبين في أوصافه أنه سيكون رئيسا مطاعا أي ملكا والمسيح لم يكن رئيسا ولا ملكا فقد قال أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله ولم يقع كاتب الإنجيل في هذا الخطأ وحده وإنما وقع في خطأ آخر وهو قوله وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء فإن موسى تارك للناموس وليس هو بتارك لأسفار الأنبياء وكيف يترك كتبا نسبت لأصحابها من بعد موتهم وأصحابها ظهروا من بعده بسنين
يحكى لوقا كاتب سفر أعمال الرسل كما يزعمون في بعض الروايات أن فيلبس هذا كان من أهل الخطوة كالياس النبي عليه السلام وقد وجد وزيرا من أهل الحبشة فدعاه إلى النصرانية فقبل الدعوة ولما رأى ماء قال لفيلبس ماذا يمنع أن أعتمد أي أستحم بالماء لأدخل في الدين على طهارة فقال فيلبس إن كنت تؤمن من كل قلبك يجوز فأجاب وقال أنا أؤمن أن يسوع المسيح هو ابن الله فعمده فيلبس لقوله هذا وعلى ذلك كان فيلبس شريكا لبطرس وبولس في تطبيق نبوءة الإبن على عيسى المسيح عليه السلام
واشترك في تطبيق نبوءة المسيا على عيسى عليه السلام معهم يهودي من يهود الإسكندرية إسمه أبلوس فقد جاء عنه في الإصحاح الثامن عشر من سفر الأعمال أنه كان بإشتداد يفحم اليهود جهرا مبينا بالكتب أن يسوع هو المسيح
أما عن نبوءة ابن الإنسان صاحب ملكوت السماوات ويسمى أيضا ملكوت الله فأشهر من طبقها على عيسى عليه السلام رغم أنفه استفانوس وبولس
وأصل نبوءة ابن الإنسان من التوراة من سفر النبي المعظم دانيال كان دانيال في مدينة بابل في عهد الملك نبوخذناصر ورأى الملك هذا أحلاما أطارت عنه النوم ولما طلب من الحكماء تعبير الحلم لم يستطيعوا التعبير لأن الله عز و جل ما ألهم التعبير لغير النبي دانيال الذي سبح الله ومجده بقوله ليكن إسم الله

مباركا من الأزل وإلى الأبد لأن له الحكمة والجبروت وهو يغير الأوقات والأزمنة يعزل ملوكا وينصب ملوكا يعطى الحكماء حكمة ويعلم العارفين فهما هو يكشف العمائق والأسرار يعلم ما هو في الظلمة وعنده يسكن النور وقال دانيال للملك رأيت في حلم تمثالا 1 رأسه من ذهب جيد 2 صدره وذراعاه من فضة 3 بطنه وفخذاه من نحاس 4 ساقاه من حديد 5 قدماه بعضهما من حديد والبعض من خزف
ب ورأيت حجرا هوى بقوة شديدة على التمثال فضرب قدميه فوقع على الأرض مهشما وصار الحجر جبلا كبيرا بعد ما حطم التمثال وهشمه هذا هو الحلم أيها الملك وإليك تعبيره
1 - رأس التمثال مملكة بابل 2 صدر التمثال وذراعاه مملكة أخرى هي مملكة فارس 3 بطن التمثال وفخذاه مملكه ثانية هي مملكة اليونان 4 ساقا التمثال مملكة رابعة هي مملكة الرومان ومملكة الرومان تكون منقسمة على ذاتها إلى شرقية وغربية وفي أيام ملوك الرومان بعد الإنقسام يقيم إله السموات مملكة لن تنقرض أبدا وملكها لا يترك لشعب آخر وتسحق وتفنى كل هذه الممالك وهي تثبت إلى الأبد
وهذا الحلم الذي رآه الملك نبوخذ ناصر رآه أيضا بعد ذلك دانيال نفسه بأيام لكن بصورة غير الصورة التي رآها الملك أما التعبير فغير مختلف عن تعبير رؤيا الملك رأى دانيال في حلم الليل
أ أربع رياح السماء هجمت على البحر الكبير الأبيض المتوسط ب وصعد من البحر أربعة حيوانات عظيمة
1 - أسد 2 دب 3 نمر 4 حيوان هائل وقوى وشديد جدا ثم رأى عقب الحيوان الرابع الهائل والقوي والشديد جدا ابن إنسان أعطاه الله عز و جل ملكا عظيما قال عنه دانيال ما نصه كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه فأعطى سلطانا ومجدا وملكوتا لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول وملكوته ما لاينقرض

ثم نطق دانيال بتعبير الحلم فقال ما نصه
هؤلاء الحيوانات العظيمة التي هي أربعة هي أربعة ملوك يقومون على الأرض أما قديسو العلى فيأخذون المملكة ويمتلكون المملكة إلى الأبد وإلى أبد الآبدين
هذه أصل نبوءة ابن الإنسان صاحب ملكوت السموات ولقد فسر هذه النبوءة المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام فقال إن ابن الإنسان هو نبي الإسلام صلى الله عليه و سلم وأن الله عز و جل سيعطيه ملكا عظيما ونسب الملك إلى السموات لأنها جهة العلو في نظر الناس وأن الناس سيتعبدون بشريعته أي يخضعون لله عز و جل على وفق ما فيها من بينات
لقد حكى كتاب الأناجيل والرواية هنا لمتى ما نصه وفي تلك الأيام جاء يوحنا المعمدان يكرز في برية اليهودية قائلا توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السموات من ذلك الزمان ابتدأ يسوع يكرز ويقول توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السموات أي أن المعمدان ويسوع دعوا معا بصوت واحد إلى إقتراب ملكوت السموات الذي تنبأ عنه النبي المعظم دانيال في الإصحاح الثاني والسابع من سفره
وضرب المسيح ابن مريم الأمثال الكثيرة لكيفية إنتشار هذا الملكوت ومن أمثلته هذا المثال يشبه ملكوت السموات حبة خردل أخذها إنسان وزرعها في حقله وهي أصغر جميع البزور ولكن متى نمت فهي أكبر البقول وتصير شجرة حتى أن طيور السماء تأتي وتتآوى في أغصانها أي أن المسلمين في بدء الإسلام يكونون قلة ثم يكثرون رويدا رويدا حتى يملأوا الأرض وهذا هو مثل المسلمين المذكور في القرآن الكريم في سورة الفتح يقول تعالى ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه ولم يرد في إنجيل متى فقط بل ورد في مرقس ولوقا أيضا قال المسيح في رواية مرقس بماذا نشبه ملكوت الله أو بأي مثل نمثله مثل حبة خردل متى زرعت في الأرض فهي أصغر جميع البزور التي على الأرض ولكن متى زرعت تطلع وتصير

أكبر جميع البقول وتصنع أغصانا كبيرة حتى تستطيع طيور السماء أن تتآوى تحت ظلها وقال المسيح في رواية لوقا ماذا يشبه ملكوت الله وبماذا أشبهه يشبه حبة خردل أخذها إنسان وألقاها في بستانه فنمت وصارت شجرة كبيرة وتآوت طيور السماء في أغصانها
هذا هو أصل نبوءة إبن الإنسان صاحب ملكوت السموات وهذا هو تفسير المسيح عيسى عليه السلام للنبوءة فما تفسير النصارى لها من بعد المسيح
في الإصحاح السابع من سفر الأعمال وقف استفانوس خطيبا بحيث يسمعه بولس وصرح بأن ابن الإنسان هو يسوع المسيح وليس هو نبي الإسلام صلى الله عليه و سلم كما صرح عيسى عليه السلام وفي الإصحاح التاسع عشر من هذا السفر وفي مواضع كثيرة يردد بولس عبارات استفانوس الذي لم يشاهد المسيح بعينى رأسه مثل بولس قال استفانوس ها أنا أنظر السموات مفتوحة وابن الإنسان قائما عن يمين الله لما حكى عنه الكاتب وأما هو فشخص إلى السماء وهو ممتلئ من الروح القدس فرأى مجد الله ويسوع قائما عن يمين الله وقال الكاتب عن بولس في مدينة أفسوس ثم دخل المجمع وكان يجاهر مدة ثلاثة أشهر محاجا ومقنعا في ما يختص بملكوت الله
يوم الرب
ولما قال بطرس وتبعه بولس بأن عيسى لم يمت وأنه رفع حيا إلى السماء وأنه سيرجع إلى الدنيا ليحارب أعداءه وينتصر ويؤسس في الدنيا ملكا كملك داوود وسليمان في الزمان القديم علم أن الزمن إذا طال ولم ينزل عيسى سيسأل الناس متى يوم الرب أي متى اليوم الذي سيظهر فيه عيسى ليقيم الملك الدنيوي لأنهم طبقوا بالزور نبوءات التوراة عليه فقال في الإصحاح الثالث من رسالته الثانية سيأتي في آخر الأيام قوم مستهزئين سالكين بحسب

شهوات أنفسهم وقائلين أين هو موعد مجيئه لأنه من حين رقد الآباء كل شيء باق هكذا من بدء الخليقة ورد بقوله لا يخف عليكم هذا الشيء الواحد أيها الأحباء أن يوما واحدا عند الرب كألف سنة وألف سنة كيوم واحد لا يتباطأ الرب عن وعده كما يحسب قوم التباطؤ لكنه يتأنى علينا
والنصارى اليوم طوائفهم العظمى على أن يوم الرب قريب ولكن لن ينزل عيسى بالجسد والروح بل بالروح دون الجسد
ثانيا تغيير التوراة
لاحظ أولا ما يلي
يروى القرطبي الإمام الفقيه المفسر في تفسير قوله تعالى عن عيسى عليه السلام ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم آل عمران 50 قول عن إمام من الإئمة هو أن عيسى عليه السلام ما أحل لهم إلا ما حرمه علماء بني إسرائيل على الناس لا ما حرمه الله بنص في التوراة وهذا القول مع صوابه لم يجزم بصوابه المفسر ولماذا لم يكن لأن العلماء نظروا إلى آيات أربعة في دعوة المسيح الآية الأولى قول الله عن عيسى عليه السلام أنه مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي إسمه أحمد الصف 6 أي أن دعوته في أمرين إثنين الأول أنه مصدق للتوراة غير ناسخ والثاني أنه لم يعط لأتباعه شريعة منفصلة عن شريعة موسى عليه السلام لم يعطهم إلا خبرا بمجيء نبي الإسلام صلى الله عليه و سلم والخبر لا ينسخ التشريع والآية الثانية قول الله عن عيسى عليه السلام أنه قال لقومه ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه الزخرف 63 أي أنه كان على شريعة موسى التي يختلفون في تفسير بعض آياتها فيفسر لهم التفسير الصحيح والآية الثالثة وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه المائدة 47 وقد فهم منها البعض أن الحكم بالإنجيل يعنى أنه شريعة منفصلة عن التوراة وفهم منها البعض وقد أشار إليهم الزمخشري المفسر طيب الله ثراه أن الحكم بالإنجيل هو نفسه الحكم بالتوراة لماذا لأنه مكتوب في الإنجيل رغم تحريفه أن عيسى عليه السلام قال لأتباعه

أتظنون أني جئت لأبطل الشريعة والأنبياء الحق أقول لكم لعمر الله إني لم آت لأبطلها ولكن لأحفظها فعلى قوله هذا إذا أراد النصارى أهل الإنجيل أن يقيموا حكم الله فعليهم بهدى إمامهم وهدى إمامهم معروف من قوله لم آت لأبطلها إذن فليتحاكموا فيما بينهم على قوانينها والآية الرابعة قول الله تعالى عن عيسى علي السلام ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم آل عمران 50 وهذه الآية هي موضع الإشكال في الظاهر حيث فهم البعض أن التصديق لا صلة له البتة بإنجيله الذي أحل فيه وأن التصديق لا يتعارض مع شريعة جديدة تكون معه
وفهمهم هذا يكون صحيحا إذا كان الله تعالى قد صرح في أمر عيسى عليه السلام بأنه مع التصديق مهيمن على التوراة ففي الحالة هذه يجب القول بأن عيسى عليه السلام قد أعطى بناء عن وحي الله شريعة مستقلة عن شريعة موسى عليه السلام لأن معنى الهيمنة السيطرة بقوة على الكتاب أي يصدق على صحيحه ويصرح بباطله ويغير من تشريعاته ما هو غير صالح للناس في زمانه فهل الهيمنة على التوراة من إختصاص عيسى عليه السلام لا ليست من إختصاصه بل من إختصاص محمد نبي الإسلام صلى الله عليه و سلم فإنه هو وحده المصدق والمهيمن وحيث ذلك ثابت فإن تحليل عيسى عليه السلام يجب أن ينظر فيه إلى أي أمر غير تغيير نصوص التوراة التي تحرم ما يريد هو أن يحله وإلا لزم التناقض في مفهوم دعوته بين التصديق فقط وحل ما حرم على بني إسرائيل وهذا هو الذي حدا بي إلى فحص هذا الموضوع بدقة متناهية وقد انتهيت فيه إلى أنه أحل بعض ما حرمه على الناس علماء بني إسرائيل من تلقاء أنفسهم
وما يزال البعض من الناس في عصرنا هذا يعد النصرانية دينا سماويا تاليا للديانة اليهودية سابقا على الإسلام ويزعمون أن الأديان ثلاثة أديان اليهودية والنصرانية والإسلام وأنا أعلم أن زعمهم قائم لا على حسب واقع الناس اليوم بل على أنهم عالمون بأن عيسى عليه السلام قد أضاف جديدا على شريعة موسى عليه السلام ولقد علموا ذلك من الترجمة المتداولة للإنجيل وفيها يقول متى عن عيسى عليه السلام لا تظنوا إني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء ما جئت لأنقض بل لأكمل يفهمون من

قوله لأكمل أنه أضاف جديدا ولم يكلفوا أنفسهم أن يبحثوا عن هذا الجديد المضاف الذي أكمل به عيسى عليه السلام كتاب موسى عليه السلام أي جديد أضافه عيسى عليه السلام وإن أصول الإنجيل باللغة اليونانية فيها بل لأصحح وفي الترجمة التي نقلت عن برنابا لم آت لأبطلها بل لأحفظها وفي الخطاب الأخير يقول للجموع وللتلاميذ على كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه فاحفظوه وافعلوه لقد أوصى فقط بحفظ شريعة موسى والعمل بها ولم يصرح بجديد عليها مضاف إليها وأي جديد يصرح به وقد أحال الأتباع إلى علماء بني إسرائيل ومنهم من يؤمن به ومن لا يؤمن به فأي دليل على هذا الزعم وهذا كلام صاحب الشأن كما هو مكتوب وواضح للعالم والمتعلم
ليست الأديان ثلاثة بل إثنين فقط لا ثالث لهما اليهودية أولا والإسلام آخرا وقد نسخ الدين الأخير الدين الأول الذي حرف من قبل ظهوره وغير وبدل بشهادة أهله فإنه في الإصحاح الثالث والعشرين من سفر أرمياء على لسان الله تعالى لأن الأنبياء والكهنة تنجسوا جميعا بل في بيتي وجدت شرهم يقول الرب وقد رأيت في أنبياء السامرة حماقة تنبأوا بالبعل وأضلوا شعبي إسرائيل وفي أنبياء أورشليم رأيت ما يقشعر منه يفسقون ويسلكون بالكذب ويشددون أيادي فاعلى الشر من عند أنبياء أورشليم خرج نفاق في كل الأرض أما وحي الرب فلا تذكروه بعد لأن كلمة كل إنسان تكون وحيه إذ قد حرفتم كلام الإله الحي رب الجنود إلهنا الخ وأي تصريح أوضح من هذا التصريح
لنتحدث بعد تلك الملاحظات في محاولة بطرس وبولس ويعقوب لتغيير التوراة فنقول
يحكى هذا السفر أن بطرس الذي وصفه المسيح عليه السلام بأنه شيطان هو أول من دعا إلى تغيير التوراة في الشريعة وقد غيرها هو ومن معه من أجل الرومان أولا الذين أرادوا أن يدخلوهم في النصرانية بسهولة
لقد كان من عادة العلماء من بني إسرائيل بعد سبي بابل أن لا يدخلوا بيت خاطئ وأن لا يمشوا معه وأن لا يتعرفوا على رجل

ليس من جنس بني إسرائيل وأن لا يعاشروه وأن لا يدخلوا بيته وأن لا يأكلوا طعامه وليست هذه العادة لأن الله نص عليها في التوراة بل لأنهم ابتدعوها من سبى بابل ولذلك وبخهم المسيح وبكتهم فقد روى متى أنه دخل مع تلاميذه بيت خاطئ ليدعوه إلى التوبة فلما نظره العلماء قالوا لتلاميذه لماذا يأكل معلمكم مع العشارين والخطاة فلما سمع يسوع قال لهم لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى فأذهبوا وتعلموا ما هو إني أريد رحمة لا ذبيحة لأني لم آت لأدعوا أبرارا بل خطاة إلى التوبة وقد اقتفى بطرس أثر المسيح مع الفارق فقد دخل المسيح وأكل حسبما تنص شريعة موسى في الأطعمة ودخل بطرس بيت أممي غير يهودي وأكل ما هو محرم في شريعة موسى من الأطعمة ولما سألوه عن تحليله لما هو محرم لم يجب بأن المسيح أحل ما كان محرما وإنما أجاب بأنه رأى السماء مفتوحة وإناء نازلا عليه مثل ملاءة عظيمة مربوطة بأربعة أطراف ومدلاة على الأرض وكان فيها كل دواب الأرض والوحوش والزحافات وطيور السماء وصار إليه صوت قم يا بطرس اذبح وكل فقال بطرس كلا يا رب لأني لم آكل قط شيئا دنسا أو نجسا فصار إليه أيضا صوت ثانية ما طهره الله لا تدنسه أنت وكان هذا على ثلاث مرات ثم ارتفع الإناء أيضا إلى السماء وقد واجه المجتمعين برأيه في معاشرة الأمميين قال لهم أنتم تعلمون كيف هو محرم على رجل يهودي أن يلتصق بأحد أجنبي أو يأتي إليه وأما أنا فقد أراني الله أن لا أقول عن إنسان ما أنه دنس أو نجس وعلل رأيه بقوله بالحق أنا أجد أن الله لا يقبل الوجوه بل في كل أمة الذي يتقيه ويصنع البر مقبول عنده
ولما رجع بطرس من عند الأممي إلى أورشليم وقد علم اليهود أنه دخل بيت أممي وأكل عنده خاصموه فقص عليهم قصة الإناء الذي يشبه الملاءة فعندئذ سكتوا عن الخصام قال

كاتب السفر في الإصحاح الحادي عشر ولما صعد بطرس إلى أورشليم خاصمه الذين من أهل الختان قائلين إنك دخلت إلى رجال ذوي غلفة وأكلت معهم فابتدأ بطرس يشرح لهم بالتتابع قائلا أنا كنت في مدينة يافا أصلي فرأيت في غيبة رؤيا إناء نازلا مثل ملاءة عظيمة مدلاة بأربعة أطراف من السماء الخ ثم يقول الكاتب فلما سمعوا ذلك سكتوا وكانوا يمجدون الله قائلين إذن أعطى الله الأمم أيضا التوبة للحياة
أي أن بطرس بتلك الرؤيا رؤيا الإناء المشابه للملاءة يريد أن يقول أن كل ما كان محرما في التوراة أصبح حلالا من الأن إن من الأطعمة المحرمة في التوراة الجمل والأرنب والوبر والخنزير والنسر والأنوق والعقاب والحدأة والباشق والشاهين على أجناسه والغراب علىأجناسه والنعامة والظليف والسأف والباز على أجناسه والبوم والكركي والبجع والقوق والرخم والغواص واللقلق والببغاء على أجناسه والهدهد والخفاش وكل دبيب الطير والميتة وتعبر التوراة عن عدم حله بلفظ أنه نجس لكم نجس لكم نجسة لكم في الإصحاح الرابع عشر من سفر التثنية وفي الإصحاح الحادي عشر من سفر اللاويين تعبر التوراة عن عدم حله بلفظ نجس لكم إنها نجسة لكم لا تدنسوا أنفسكم بدبيب يدب ولا تتنجسوا به ولا تكونوا به نجسين ويريد بطرس أن يقول أن ماكان دنسا وما كان نجسا في التوراة أصبح طاهرا ومباحا أكله من يومنا هذا هذا رأي بطرس وهو نفسه رأي بولس فإن بولس يقول الإنسان الذي يحرم طعاما ما على نفسه فله هو وحده هذا الطعام حرام ولكن ليس للناس جميعا أن الإيمان بيسوع المسيح كاف في دخول الجنة بدون أعمال لأنه صلب ليكفر عن خطايا المؤمنين به يقول لأهل غلاطية إنه بأعمال الناموس لا يتبرر جسد ما ويقول لأهل كولوسى لا يحكم عليكم أحد في أكل أو شرب أو من جهة عيد أو هلال أو سبت ويقول لأهل رومية إني عالم ومتيقن في الرب يسوع أن ليس شيء نجسا بذاته إلا من يحسب شيئا نجسا فله هو نجس ويقول بولس لأتباعه تلونوا ونافقوا وداهنوا في الدعوة كما أنا أفعل فإن رأيتم إنسانا يريد الدخول في النصرانية وهو يريد

أن يحرم على نفسه طعاما فلا تجبروه على أكله يقول في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس كل الأشياء تحل لي لكن ليس كل الأشياء توافق كل ما يباع في الملحمة كلوه غير فاحصين عن شيء من أجل الضمير ولكن إن قال لكم أحد هذا مذبوح لوثن فلا تأكلوا كونوا بلا عثرة لليهود ولليونانيين ولكنيسة الله كما أنا أيضا أرضى الجميع في كل شيء غير طالب ما يوافق نفسي بل الكثيرين لكي يخلصوا
ولقد ظل بطرس وبولس على رأيهما هذا إلى أن فارقا الحياة الدنيا ورأيهما هذا هو الذي سارت عليه النصرانية إلى يومنا هذا
أما رأي يعقوب وهو تحريم الدم والمخنوق من الأطعمة فهو رأي لا يعتد به لأنه من من الناس يستسيغ في حالة الإختيار لا في حالة الإضطرار أن يأكل جثة ميتة خنقها بحبل من الناس خانق ومن من الناس يستسيغ في حالة الإختيار أن يأكل الدم لا في حالة الإضطرار ورأى يعقوب أيضا في تحريم المذبوح للأوثان هو نفسه رأى النصارى كلهم لأنهم لا يعبدون أوثانا بل يعبدون آلهة غير مرئية إلا المسيح الذي يزعمون أنهم رأوه إلها في صورة إنسان
وخلاصة المكتوب عن رأى يعقوب في الإصحاح الخامس عشر من سفر أعمال الرسل هكذا
1 - ذهب بولس وبرنابا لدعوة الأمم إلى النصرانية فآمن جمهور كثير من اليهود واليونانيين وهنا قاوم نفر من اليهود دعوة اليونانيين لا على أنها دعوة بل لأنهم دخلوا في النصرانية على عاداتهم وتقاليدهم قال المقاومون ليدخلوا ويعملوا بالتوراة لأن المسيح ما جاء للنسخ بل للإصلاح وقال الداعيان أن يثبتوا في الإيمان وفي ذلك الوقت دخل نفر من علماء بني إسرائيل من الفريسيين بلاد اليونانيين وجعلوا يعلمون الأخوة اليونانيين أنه أن لم تختتنوا حسب عادة موسى لا يمكنكم أن تخلصوا فمن أجل ذلك رأى بولس وبرنابا وأناس آخرون معهما أن يذهبوا إلى أورشليم للتشاور في هذا الموضوع مع حواري عيسى الأولين ولما التقوا بهم في أورشليم أخبروهم بما حدث وقالوا لهم

إن اليونانيين لما قبلوا النصرانية على عاداتهم قام الناس من الذين كانوا قد آمنوا من مذهب الفريسيين وقالوا أنه ينبغي أن يختتنوا ويوصوا بأن يحفظوا ناموس موسى فعندئذ وقف بطرس خطيبا وقال مما قال لماذا تجربون الله بوضع نير على عنق التلاميذ لم يستطع آباؤنا ولا نحن أن نحمله أي يريد إسقاط التكاليف الشرعية عن الأمم ووقف يعقوب بعده خطيبا فكان مما قاله قال
أرى أن لا يثقل على الراجعين إلى الله من الأمم بل يرسل إليهم أن يمتنعوا عن نجاسات الأصنام والزنا والمخنوق والدم لأن موسى منذ أجيال قديمة له في كل مدينة من يكرز به إذ يقرأ في المجامع كل سبت
واستحسن المجتمعون رأيى يعقوب فكتبوا رسالة إلى الذين آمنوا من غير اليهود في مدن أنطاكية وسورية وكليكية وأرسلوها مع أربعة أشخاص هم بولس وبرنابا ويهوذا الملقب برسابا وسيلا وهذا نص الرسالة
الرسل والمشايخ والأخوة يهدون سلاما إلى الأخوة الذين من الأمم في أنطاكية وسورية وكليكية
إذ
قد سمعنا أن أناسا خارجين من عندنا أزعجوكم بأقوال مقلبين أنفسكم وقائلين أن تختتنوا وتحفظوا الناموس الذين نحن لم نأمرهم
رأينا وقد صرنا بنفس واحدة أن نختار رجلين ونرسلها اليكم مع حبيبنا برنابا وبولس رجلين قد بذلا أنفسهما لأجل إسم ربنا يسوع المسيح فقد أرسلنا يهوذا وسيلا وهما يخبرانكم بنفس الأمور شفاها لأنه قد رأى الروح القدس ونحن أن لا نضع عليكم ثقلا أكثر غير هذه الأشياء الواجبة أن تمتنعوا عما ذبح للأصنام وعن الدم والمخنوق والزنا التي إن حفظتم أنفسكم منها فنعما تفعلون كونوا معافين
أنتهى نص الرسالة ولما وصلت إلى أصحابها وقرأوها

فرحوا كما يقول الكاتب وبها ضاع دين عيسى الذي هو نفسه دين موسى
وأصحاب هذه المؤامرة لم يستطيعوا أن يجهروا بها في أورشليم وجهروا في أورشليم بإحترام التوراة ووجوب العمل بها
ويعقوب نفسه الذي اقترح تلك الرسالة خاف على بولس لمارجع إلى أورشليم بعدما أوصل الرسالة إلى أصحابها وقال له مع المشايخ أنت ترى أيها الأخ كم يوجد ربوة من اليهود الذين آمنوا وهم جميعا غيورون للناموس وقد أخبروا عنك أنك تعلم جميع اليهود الذين بين الأمم الإرتداد عن موسى قائلا أن لا يختنوا أولادهم ولا يسلكوا حسب العوائد فإذن ماذا يكون
ولما خاف عليه من اليهود اقترح عليه الإقتراح الآتي
افعل هذا الذي نقول لك عندنا أربعة رجال عليهم نذر خذ هؤلاء وتطهر معهم وأنفق عليهم ليحلقوا رؤوسهم فيعلم الجميع أن ليس شيء مما أخبروا عنك بل تسلك أنت أيضا حافظا للناموس
ولقد نفذ بولس هذا الإقتراح أخذ بولس الرجال في الغد وتطهر معهم ودخل الهيكل مخبرا بكمال أيام التطهير إلى أن يقرب عن كل واحد منهم القربان
فماذا كان من اليهود الذين رأوه في الهيكل لما رآه اليهود الذين من آسيا في الهيكل أهاجوا عليه جميع الساكنين في أورشليم صارخين يأ أيها الرجال الإسرائليون أعينوا هذا الرجل الذي يعلم الجميع في كل مكان ضدا للشعب والناموس وهذا الموضع حتى أدخل يونانيين أيضا إلى الهيكل ودنس هذا الموضع المقدس وللوقت هاجت المدينة كلها وتراكض الشعب وأمسكوا بولس وجروه خارج الهيكل وللوقت أغلقت الأبواب وبينما هم يطلبون أن يقتلوه نما خبر إلى أمير الكتيبة أن أورشليم كلها قد اضطربت فللوقت أخذ عسكرا وقواد مئات وركض إليهم فلما رأوا الأمير والعسكر كفوا عن ضرب بولس ولنشرع بعد ذلك في الحديث عن عالمية الملة النصرانية فنقول

عالمية الملة النصرانية
قلنا من قبل أن شريعة موسى عليه السلام كانت من قبل أن تنسخ بالقرآن الكريم لبني إسرائيل وللأمم أيضا وأنه من قبل ظهور النصرانية كان للشريعة الموسوية دعاة إليها ومدعويون عاملون بالدعوة في كل مكان كما قال يعقوب حواري المسيح لأن موسى منذ أجيال قديمة له في كل مدينة من يكرز أي يبشر به إذ يقرأ في المجامع كل سبت
وقد رأى النصارى الأولون أن ينطلقوا بالدعوة إلى بني إسرائيل والأمم كما أوصى المسيح لكن إلى بني إسرائيل أولا وقد اختلف اليهود فيما بينهم بعد رفع المسيح إلى السماء في مد دعوتهم إلى الأمم وقد كانوا أوقفوا مد الدعوة من بعد سبى بابل إلا نفرا منهم غاروا على دين الله ولم يستجيبوا لقوانين الحرمان والقطيعة التي سنها عزرا وطبقها نحميا على واحد من أبناء يوياداع ابن أليا شيب الكاهن العظيم فرأى بعضهم مد الدعوة ورأى بعضهم قصرها على بني إسرائيل والذين رأوا مد الدعوة إلى الأمم كانوا مخلصين في دعوتهم وأمناء لأنهم دعوا إلى شريعة موسى التي ما نسخها المسيح ولا نقضها
فإن بولس لما فتح للأمم باب الإيمان إلى النصرانية على حسب تقاليدهم انحدر قوم من اليهودية وجعلوا يعلمون الأخوة أنه إن لم تختتنوا حسب عادة ناموس موسى لا يمكنكم أن تخلصوا ولم يدعوا إلى الختان فحسب بل إلى كل أحكام التوراة كما يقول كاتب سفر الأعمال أيضا ولكن قام أناس من الذين كانوا قد آمنوا من مذهب الفريسيين وقالوا أنه ينبغي أن يختنوا ويوصوا بأن يحفظوا ناموس موسى
واليهود الذين رأوا قصر التوراة على بني إسرائيل نظروا بعين العداء وعين البغض إلى إخوانهم الذين ساروا إلى الأمم بالتوراة بنصها دون تفسير أو بالنص والتفسير معا وإلى النصارى الذين لم

يسيروا إلى الأمم بالتوراة كنص يحتاج إلى تفسير بل بتفسير المسيح نفسه للنبوءات التي فيها عن نبي الإسلام صلى الله عليه و سلم ولما نظروا إليهم بعين العداء وعين البغض صبوا عليهم من العذاب الأليم ما قدروا عليه وأوحوا إلى الرومان أن يصبوا عليهم من العذاب الأليم ما يقدرون عليه قائلين للرومان أن أكثرهم يقولون لرعاياكم سيظهر نبي ملك تمتد مملكته إلى أقصى الأرض وسيزيل الدولة الرومانية من فلسطين وقولهم هذا للرعايا يجرؤهم على القياصرة والولاة والرؤساء فلا يعطون كل ذي حق حقه من التوقير والطاعة والإحترام وإذا تجرأت الرعية على الملوك قل العمل وساء النظام وظهرت الفوضى واضطربت المملكة وهذا كله يعجل بفناء الدولة الرومانية ويمحوها من الوجود فامتدت يد الرومان إلى اليهود الأمناء والنصارى الأتقياء بالتعذيب والقتل والنفي والتشريد مما لم يسمع بمثله من قبل ولا من بعد حتى زماني هذا
وأصبح في العالم وقتئذ ثلاث فئات اليهود والنصارى والرومان اليهود الذين يريدون لأنفسهم كيانا مستقلا إلى الأبد ولا يتم لهم ذلك إلا بإنكار النبي الذي سيظهر من العرب أبناء إسماعيل عليه السلام والنصارى الذين يريدون أن يقدموا خدمة لله بإعترافهم بذلك النبي العظيم والرومان الذين يريدون من رعاياهم الطاعة التامة للقياصرة والولاء للدولة ولا يتم لهم ذلك إلا بتكميم أفواه النصارى واليهود الأمناء وقطع أيديهم عن الكتابة حتى لا يقولوا أن النبي العربي قادم ليزيل الدولة
ومن أجل مصالح الكل اجتمعوا للمصالحة فإن النصارى من مصلحتهم أن يخف الإضطهاد عنهم واتفقوا على ما يل
1 - طلب اليهود من النصارى أن لا يجهروا بنبي الإسلام صلى الله عليه و سلم وأن يقولوا أن نبوءات التوراة وأسفار الأنبياء تدل على عيسى ابن مريم وعيسى على جهة الخصوص هو المسيح المتظر
2 - طلب الرومان من النصارى أن لا يجهروا بنبي الإسلام صلى الله عليه و سلم وأن يصوغوا عقائد النصرانية على مثال عقائد الرومان في تعدد الآلهة وأن يسلك الناس في الحياة بحسب عادات أسرهم وتقاليد آبائهم وأجدادهم وإذا سأل الناس عن يوم الرب يوم

ظهور المسيا الذي قلتم عنه من قبل قولوا قرب إنتهاء الدنيا وقيام القيامة
3 - طلب النصارى في مقابل ذلك أن يخف الإضطهاد أولا ثم تعترف الدولة الرومانية رسميا ثانيا بمذهبهم
وقد تم ذلك وهل كان يتم ذلك في عهد النصارى الأوائل ما كان يتم ذلك لقرب عهدهم من النبوة ولمشاهدة معجزات المسيح بأعينهم ولسماع دعوته بآذانهم أما في هذا الجيل الثالث فإن أبناء أبناء الأوائل ليسوا في القوة كما كان الآباء والأجداد وقد وصلت إليهم مبادئ المسيح سماعا من مغرضين ومعتدلين والمبادئ إذا وصلت إلى النفوس متأرجحة بين الشك واليقين لا تحمس القلب على الدفاع عنها بل تدفعه إلى عدم المبالاة بها حتى يفرغ لها فمن أجل ذلك قبل أبناء الأبناء قرار المصالحة قائلين في أنفسهم أن ما وعد الله به لابد كائن ولنرحم نحن أنفسنا مما ابتلينا به لكن الذين خافوا الله واليوم الآخر صرحوا بأن قرار المصالحة باطل وفضلوا سكنى الأديرة والكهوف عن التكلم بالباطل ومنهم آريوس وأتباعه الذي أشرنا إليهم من قبل ومنهم الرهبان الذين أسسوا الأديرة خوفا من الظلم
ولكي يفهم القارئون معي أكثر وأكثر عن قرار المصالحة هذا عليهم أن يقرأوا الإصحاح السابع عشر من سفر أعمال الرسل عالمين أنه لم ينتشر بصورته هذه إلا في القرن الرابع فمنه يمكنهم أن يفهموا ولا نحيل القارئين إلى غير هذا السفر من الكتب المناوئة للنصرانية التي فصلت القول في قرار المصالحة تفصيلا جيدا لأنه من السهل على نصراني أن يدفع تفاصيلهم بقوله هذا كلام من أعدائنا لا تحتجون به علينا ولا شك أن المكتوب فيه فيه لبس للحق بالباطل ولكن من الممكن استخلاص الحق من الباطل بمضاهاة النصوص بعضها ببعض انه من الذي يقدر أن يقول عن النص الآتي أنه خال من الباطل وحدث بعد هذه الأمور أن الله امتحن إبراهيم فقال له يا إبراهيم فقال ها أنذا فقال خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحق واذهب إلى أرض المريا وأصعده هناك محرقة على أحد الجبال الذي أقول لك أن الباطل في كلمة إسحق فإنه

ليس الإبن الوحيد لإبراهيم أن الإبن الوحيد لإبراهيم هو إسماعيل عليه السلام وأن الباطل في كلمة أرض المريا فإن مريا لم تعين لبني إسرائيل مكانا مقدسا إلا في زمن داوود عليه السلام لما وضع أساس الهيكل وأكمله إبنه سليمان وعرف بهيكل سليمان
ومن الذي لا يقدر على إستخلاص الحق في قرار المصالحة مما سطره لوقا في ذاك الإصحاح من سفر الأعمال
كان لليهود العبرانيين في مدينة تسالونيكي اليونانية مجمع أي موضع لعبادة الله كالمسجد عندنا نحن المسلمين فدخل بولس إليهم حسب عادته وكان يحاجهم ثلاثة سبوت من الكتب موضحا ومبينا أنه كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات وأن هذا هو المسيح يسوع الذي أنا أنادي لكم به فماذا جرى اقتنع قوم وأبى آخرون والذين أبوا وامتنعوا آخذوا رجالا وقفلوا أبواب المدينة وتجمعوا حول البيت الذي دخله بولس لما خرج من المجمع ثم ذهبوا إلى حكام المدينة صارخين أن هؤلاء الذي فتنوا المسكونة حضروا إلى ههنا وهؤلاء كلهم يعملون ضد أحكام قيصر ويقول الكاتب فأزعجوا الجمع وحكام المدينة إذ سمعوا هذا
وبحيلة طريفة هرب بولس إلى مدينة بيرية ثم إلى مدينة أثينا وإذ وجدهم يعبدون تمثالا لاله مجهول وقف في وسطهم وقال أيها الرجال الأثينيون أراكم من كل وجه كأنكم متدينون كثيرا لأنني بينما كنت أجتاز وأنظر إلى معبوداتكم وجدت أيضا مذبحا مكتوبا عليه لاله مجهول فالذي تتقونه وأنتم تجهلونه هذا أنا أنادي لكم به وقال النصارى أنه أراد بالإله المجهول الذي نادى لهم به الله عز و جل الذي هو قد تجسد وتأنس في شخص عيسى ابن مريم كما يزعمون في قوله الله ظهر في الجسد وقد مر البيان
وانتهز بطرس وبولس ومن نحا نحوهما فرصة الجهل في تلك الأزمنة بسبب تقصير علماء بني إسرائيل في الدعوة فاعتمدوا على الخرافات في إقناع الناس بما يريدون وللخرافات كما هو معروف أثر عظيم في العامة ويقل هذا الأثر تدريجيا إذا ظهر العلماء بالحق ونكتفي من خرافاتهم بهذا النص المكتوب في الإصحاح الثامن من سفر الأعمال

ثم إن ملاك الرب كلم فيلبس قائلا قم وإذهب نحو الجنوب على الطريق المنحدرة من أورشليم إلى غزة التي هي برية فقام وذهب وإذا رجل حبشى خصى وزير لكنداكة ملكة الحبشة كان على جميع خزائنها فهذا كان قد جاء إلى أورشليم ليسجد
وكان راجعا وجالسا على مركبته وهو يقرأ النبي أشعياء فقال الروح لفيلبس تقدم ورافق هذه المركبة فبادر إليه فيلبس وسمعه يقرأ النبي أشعياء فقال ألعلك تفهم ما أنت تقرأ فقال كيف يمكنني إن لم يرشدني أحد وطلب إلى فيلبس أن يصعد ويجلس معه وأما فصل الكتاب الذي كان يقرأه فكان هذا مثل شاة سيق إلى الذبح ومثل خروف صامت أمام الذي يجزه هكذا لم يفتح فاه في تواضعه إنتزاع قضاؤه وجيله من يخبر به لأن حياته تنتزع من الأرض فأجاب الخصى فيلبس وقال أطلب إليك عن من يقول النبي هذا عن نفسه أم عن واحد آخر ففتح فيلبس فاه وابتدأ من هذا الكتاب فبشره بيسوع

وفيما هما سائران في الطريق أقبلا على ماء فقال الخصى هو ذا ماء ماذا يمنع أن أعتمد فقال فيلبس إن كنت تؤمن من كل قلبك يجوز فأجاب وقال أنا أؤمن أن يسوع المسيح هو ابن الله فأمر أن تقف المركبة فنزلا كلاهما إلى الماء فيلبس والخصى فعمده ولما صعدا من الماء خطف روح الرب فيلبس فلم يبصره الخصى أيضا وذهب في طريقه فرحا وأما فيلبس فوجد في أشدود
وأصبحت النصرانية دينا عالميا بعد قرار المصالحة هذا الذي تم في عهد القيصر قسطنطين دينا عالميا بجبروت الرومان وقوتهم لا بالإقناع والبيان
وقد قلنا من قبل
أنهم تفادوا النبوءات ولأن النبوءات تدل على شريعة جديدة غير شريعة موسى ستكون مع النبي المنتظر قالوا بشريعة للمسيح ليكون هو المشار إليه بالنبوءات في زعمهم
ونقول أيضا أنهم يعلمون أن النبي المنتظر ستكون دعوته عالمية لجميع أمم الأرض فهل تفادوا هذه الصفة فيه لقد جعلوا النصرانية دينا عالميا بالمبادئ التي قرروها وما أنزل الله بها من سلطان ربما ليتفادوا هذه الصفة فيه ولو أنها عالمية على الأصل الذي دعا إليه المسيح وهو العمل بالتوراة حتى يأتي النبي المنتظر فيدخلون في دينه ما صح لإنسان أن يعترض عليها بأدنى إعتراض لأنها بهذا المعنى فارضة نفسها على العالم من قبل مجيء المسيح لكن قصدهم من العالمية هو تفادي الصفة من جهة وليكسبوا أنصارا يناوئون بهم أتباع النبي المنتظر إذا ظهر في حينه من جهة أخرى وكسب الأنصار عندهم أهم من تفادي الصفة فإنهم لا يعجزون إذا لزم الأمر عن تحريف الكلم عن مواضعه
لقد فهموا صفة االعالمية من النبوءات هكذا
1 - بينت التوراة أن لإسماعيل عليه السلام بركة كما لإسحاق

عليه السلام بركة واليهود يعلمون أن بركة إسحاق تعنى ملكا ونبوة وإسماعيل مثله وأن النبوة في إسحاق لم تكن لنسله فقط لأن موسى عليه السلام الذي اصطفاه الله على الناس عموما برسالاته وبكلامه كانت دعوته لنسل إسحاق وللمصريين وغيرهم
2 - لما حضر يعقوب الموت قال لبنيه عن النبي المنتظر وله يكون خضوع شعوب
3 - لما وصف موسى النبي المنتظر بأوصاف تسعة في الإصحاح الثامن عشر من سفر التثنية قال عنه في ترجمة اليهود ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به بإسمي أنا أطالبه ومن هذه الترجمة يفهم أن الإنسان يكون من جنس اليهود فقط لأن أول النبوءة أقيم لهم نبيا ومن ترجمة بطرس في الإصحاح الثالث من سفر الأعمال ويكون أن كل نفس الخ يفهم أن كل نفس من اليهود أو من غير اليهود وهذا هو قصد بطرس
4 - لما قسم موسى في الإصحاح الثالث والثلاثين من سفر التثنية بركة الله في نسل إبراهيم عليه السلام وتحدث عن بركة من فاران موضع سكنى أبناء إسماعيل عليه السلام قال عقب الحديث عنها أنه أحب الشعب في الترجمة العبرانية وفي الترجمة السامرية قال محب الشعوب أي أن دعوة النبي الذي سيكون من أبناء إسماعيل سكان فاران ستكون عالمية لجميع الشعوب هذا من الأسفار الخمسة ونبوءاتها هي العمدة في الإستدلال
لنذكر الآن من الأدلة التي اعتمد عليها بطرس وبولس في عالمية الدعوة ملاحظتين أنهما ناديا
1 - بعالمية الملة النصرانية
2 - وبتشريعات مخالفة لتشريعات التوراة وعقائد مخالفة أيضا وهما بهذين الأمرين مخالفان للمسيح ابن مريم عليه السلام الذي قال بالعالمية على وفق التوراة وفسر نبوءات التوراة للأتباع قبل أن يأمرهم بالإنطلاق إلى الأمم
اعتمد بطرس وبولس في النداء بعالمية الدعوة على أن الله رب العالمين وليس ربا لليهود وحدهم كما زعم اليهود من بعد سبى بابل

وأن الناس جميعا يهودا أو غير يهود أبناء لآدم وآدم من تراب إذن الناس جميعا إخوة من التراب في البدء خلقوا وإلى التراب في النهاية راجعون إذن على أي أساس يميز الله جنسا على جنس وهم متساوون في المبدء والنهاية وإذا كان مبدأ التمييز غير موجود لعدم ما يقتضيه فلماذا يصر اليهود على قصر الشريعة عليهم وترك الأمم في طغيانهم يعمهون إن الله تعالى لم يفضل اليهود على سائر الأجناس إلا لأنه ائتمنهم على شريعة موسى التي كانت للناس هدى ونورا في ذاك الزمان فلما خانوا الأمانة بالتحريف أولا ثم بقصرها عليهم ثانيا نبذهم وأهملهم وماذا يكون الحال الآن لو جارينا اليهود في كفرهم وعنادهم ليس إلا قلة الأصدقاء وقت ظهور النبي المنتظر فيدوسنا برجليه إذن لا بد من أن نحث اليهود على عالمية الدعوة
قال بطرس في بيت كرنيليوس بالحق أنا أجد أن الله لا يقبل الوجوه بل في كل أمة الذي يتقيه ويصنع البر مقبول عنده
ولما خاصمه اليهود في دعوة الأمم قال لهم إن كان الله قد أعطاهم الموهبة كما لنا أيضا بالسوية مؤمنين بالرب يسوع المسيح فمن أنا أقادر أن أمنع الله
وبعد وعظ من بولس للأمم طلبوا منه ثانية أن يعظهم فانتهره اليهود أن لا يعظهم فقال لهم كان يجب أن تكلموا أنتم أولا بكلمة الله ولكن إذ دفعتموها عنكم وحكمتم أنكم غير مستحقين للحياة الأبدية هو ذا نتوجه إلى الأمم
وفي موضع آخر يقول كاتب سفر الأعمال أن اليهود إذا كانوا يقاومون دعوته ويجدفون عليه نفض ثيابه وقال لهم دمكم على رؤوسكم أنا برئ من الآن أذهب إلى الأمم
وكان استدلال بطرس بنبوءات التوراة ونبوءة يوحنا المعمدان اللاتي فسرها قسرا على المسيح ابن مريم عيله السلام فمثلا إذا تحدثت نبوءة عن أن النور الذي سينزل على النبي المنتظر سيعم المسكونة كلها أي دعوته عالمية يقول بطرس أن ذلك النور هو نور الإنجيل

والعالمية للإنجيل على زعمه وليست للقرآن الكريم كما تدل النبوءات بالحق
أما استدلال بولس فهو بالنبوءات كما فعل بطرس في تفسيرها وهو أيضا بآيات في أسفار التوراة وأسفار الأنبياء
فعن بطرس يحكى الكاتب في الإصحاح الثاني من سفر الأعمال أن كثيرا من الناس في أورشليم في عيد العنصرة الذي بعد عيد الحصاد بخمسين يوما من جميع الأمم من مصر وليبيا وروما وبلاد العرب وغيرهم لما حلت عليهم الروح كما زعموا تكلم كل إنسان بلغة غير لغته فتحير الجميع وارتابوا قائلين بعضهم لبعض ما عسى أن يكون هذا وكان آخرون يستهزئون قائلين أنهم قد امتلأوا سلافة وعندئذ وقف بطرس خطيبا وقال هذا الحال قد أشارت إليه التوراة في سفر النبي يوئيل وهو حال منطبق على أتباع المسيح الآن فآمنوا بدعوته مع أن عبارات يوئيل لا تؤدي إلى غرضه وقف بطرس مع الأحد عشر ورفع صوته وقال لهم أيها الرجال اليهود والساكنون في أورشليم أجمعون
ليكن هذا معلوما عندكم وأصغوا إلى كلامي لأن هؤلاء ليسوا سكارى كما أنتم تظنون لأنها الساعة الثالثة من النهار بل هذا ما قيل بيوئيل النبي يقول الله ويكون في الأيام الأخيرة أنى أسكب من روحي على كل بشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم ويرى شبابكم رؤى ويحلم شيوخكم أحلاما وعلى عبيدي أيضا وإمائي أسكب من روحي في تلك الأيام فيتنبأون وأعطى عجائب في السماء من فوق وآيات على الأرض من أسفل دما ونارا وبخار دخان تتحول الشمس إلى ظلمة والقمر إلى دم قبل أن يجيء يوم الرب العظيم الشهير ويكون كل من يدعو بإسم الرب يخلص
إن هذا كله يا بطرس قبل مجيء يوم الرب ولم يحدث بإعترافك من هذا شيء قبل ظهور المسيح عليه السلام فإن قلت قبل مجيئه قرب القيامة من الأموات يجب عليك أن تثبت دليل المجيء في ذاك الوقت قبل ما تقول شيئا
وعن بطرس أيضا يقول الكاتب أن يوحنا المعمدان لما تنبأ عن

نبي من بعده أقوى منه وبالتأكيد لا يشير إلى عيسى كما بينا قال بطرس أنه يشير إلى عيسى عليه السلام يقول بطرس الكلمة التي أرسلها إلى بني إسرائيل يبشر بالسلام بيسوع المسيح هذا هو رب الكل أنتم تعملون الأمر الذي صار في كل اليهودية مبتدئا من الجليل بعد المعمودية التي كرز بها يوحنا الخ
هذا عن بطرس أما عن بولس فقد وضح في خطبته في مدينة أنطاكية بيسيدية ما وضحه بطرس
قام بولس وأشار بيده وقال
أيها الرجال الإسرائيليون والذين يتقون الله اسمعوا إله شعب إسرائيل هذا اختار آباءنا ورفع الشعب في الغربة في أرض مصر وبذراع مرتفعة أخرجهم منها ونحو مدة أربعين سنة احتمل عوائدهم في البرية ثم أهلك سبع أمم في أرض كنعان وقسم لهم أرضهم بالقرعة وبعد ذلك في نحو أربعمئة خمسين سنة أعطاهم قضاة حتى صموئيل النبي ومن ثم طلبوا ملكا فأعطاهم الله شاول بن قيس رجلا من سبط بنيامين أربعين سنة ثم عزله وأقام لهم داوود ملكا الذي شهد له أيضا إذ قال وجدت داوود بن يسى رجلا حسب قلبي الذي سيصنع كل مشيئتي من نسل هذا حسب الوعد أقام الله لإسرائيل مخلصا يسوع إذا سبق يوحنا فكرز قبل مجيئه بمعمودية التوبة لجميع شعب إسرائيل ولما صار يوحنا يكمل سعيه جعل يقول من تظنون أني أنا لست أنا إياه لكن هو ذا يأتي بعدي الذي لست مستحقا أن أحل حذاء قدميه الخ
ولقد وجه بولس خطابه هذا ليس إلى اليهود المعبر عنهم بالرجال الإسرائيليين بل وجه خطابه أيضا إلى الأمم المعبر عنهم في الخطاب بالذين يتقون الله ثم استدل على أن آخر الأنبياء من نسل داوود بنبوءة في التوراة هي وجدت داوود الخ وأن المسيح ابن مريم جاء من نسل داوود تتميما للنبواءت وأنه هو الذي كان يبشر بمجيئه يوحنا المعمدان ولقد أخطأ بولس خطأ بينا في قوله أن آخر الأنبياء

من داوود فإن يحيى وعيسى وهما خاتما النبيين في بني إسرائيل لم يكونا من نسل داوود بل كانا من نسل هارون النبي أخي موسى عليهم السلام وهذا واضح من الإصحاح الأول في إنجيل لوقا فإن زكريا وامرأته اليصابات أم يحيى من نسل هارون ويقول لوقا أن مريم قريبة لاليصابات أي من السبط الذي هو منه لأن شريعة بني إسرائيل تنص على تميز الأسباط بزواج كل إمرأة بواحد من عشيرة سبط أبيها وإذا ثبت أن مريم قريبة لإليصابات يثبت أن مريم من هارون كما أن اليصابات من هارون
أما عن إستدلال بولس بآيات من التوراة على عالمية الدعوة فهذا ليس في سفر الأعمال بل في الإصحاح التاسع من رسالته إلى أهل رومية والإصحاح العاشر لقد صرح بقوله لا فرق بين اليهودي واليوناني لأن ربا واحدا للجميع غنيا لجميع الذين يدعون به وأقام الأدلة هكذا
قال بولس فماذا نقول ألعل عند الله ظلما حاشا لأنه يقول لموسى إني أرحم من أرحم وأتراءف على من أتراءف فإذن ليس لمن يشاء ولا لمن يسعى بل لله الذي يرحم لأنه يقول الكتاب لفرعون أني لهذا بعينه أقمتك لكي أظهر فيك قوتي ولكي ينادي بإسمي في كل الأرض فإذن هو يرحم من يشاء ويقسى من يشاء فستقول لي لماذا يلوم بعد لأن من يقاوم مشيئته بل من أنت أيها الإنسان الذي تجاوب الله ألعل الجبلة تقول لجابلها لماذا صنعتني هكذا أم ليس للخزاف سلطان على الطين أن يصنع من كتلة واحدة إناء للكرامة وآخر للهوان فماذا إن كان الله وهو يريد ان يظهر غضبه ويبين قوته احتمل بأناة كثيرة آنية غضب مهيأة للهلاك ولكي يبين غنى مجده على آنية رحمة قد سبق فأعدها للمجد التي أيضا دعانا نحن إياها ليس من اليهود فقط بل من الأمم أيضا كما يقول في هوشع أيضا سأدعو الذي ليس شعبي شعبي والتي ليست محبوبة محبوبة ويكون في الموضع الذي قيل لهم فيه لستم شعبي أنه هناك يدعون أبناء الله الحي وأشعياء يصرخ من جهة إسرائيل وإن كان عدد بني إسرائيل كرمل البحر فالبقية ستخلص لأنه متمم

أمر وقاض بالبر لأن الرب يصنع أمرا مقضيا به على الأرض وكما سبق أشعياء فقال لولا أن رب الجنود أبقى لنا نسلا لصرنا مثل سدوم وشابهنا عمورة
فماذا نقول إن الأمم الذين لم يسعوا في أثر البر أدركوا البر البر الذي بالإيمان ولكن إسرائيل وهو يسعى في أثر ناموس البر لم يدرك ناموس البر لماذا لأنه فعل ذلك ليس بالإيمان بل كأنه بأعمال الناموس الخ
استدل بولس من توراة موسى التي بيد اليهود والنصارى الآن على أن الديانة الموسوية كانت ديانة عالمية لجميع الأمم بدليلين الأول قول الله لموسى عليه السلام أتراءف على من أتراءف وأرحم من أرحم فإن من للعموم وهذا النص في الإصحاح الثالث والثلاثين من سفر الخروج الآية التاسعة عشر والثاني قول الله لفرعون على لسان موسى عليه السلام لأجل هذا أقمتك لكي أريك قوتي ولكي يخبر بإسمي في كل الأرض يدل على شيوع هذا الخبر في العالم ليخشوا إله العالم كله وهو الله عز و جل فيعلموا بشريعته وهذا النص في الإصحاح التاسع من سفر الخروج الآية السادسة عشر وإستدل بولس أيضا بأسفار الأنبياء بآيات في سفر هوشع وبآيات في سفر أشعياء والآيات التي استدل بها من هوشع استدل بها بالمعنى لا بنص الألفاظ وهي ادع اسمه لوعمى لأنكم لستم شعبي وأنا لا أكون لكم لكي يكون عدد بني إسرائيل كرمل البحر الذي لا يكال ولا يعد ويكون عوضا عن أن يقال لهم لستم شعبي يقال لهم أبناء الله الحي وآيات سفر أشعياء على العالمية هي لأنه وإن كان شعبك يا إسرائيل كرمل البحر ترجع بقية منه قد قضى بفناء فائض بالعدل لأن السيد رب الجنود يصنع فناء وقصاء في كل الأرض وهي لولا أن رب الجنود أبقى لنا بقية صغيرة لصرنا مثل سدوم وشابهنا عمورة يقصد بالبقية الصغيرة نسل من غير بني إسرائيل على فهم بولس وليس هذا مراد أشعياء وواضح من الأدلة التي ذكرها بولس قوة الإستدلال بآيات من أسفار موسى عليه السلام لا بأسفار الأنبياء

والسؤال الأخير في بحثنا هذا لماذا يعد علماء مقارنة الأديان بولس المؤسس الحقيقي للنصرانية لا عيسى ابن مريم عليه السلام مع أن بولس لم يزد على ما أثبته بطرس ويعقوب هل لكثرة جهاده أكثر من رفقائه هل لكثرة رسائله التي بلغت أربعة عشرة رسالة ولبطرس رسالتان وليعقوب واحدة هل لأنه اختص بدعوة الأمم وغيره دعا بني إسرائيل لا الأمم هل لأنه فلسف المبادئ بأسلوب يقنع العوام والسذج والبسطاء من الناس هل لأنه اجتذب أنصارا أكثر من غيره لقوله الدعوة التي دعى فيها كل واحد فليلبث فيها كما في الإصحاح السابع من رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس ليس لكثرة الجهاد وكثرة الرسائل ولا لإختصاصه بالأمم فإنهم فعلوا كما فعل كما بينا من قبل وإنما لأنه فلسف المبادئ واجتذب أنصارا أكثر من غيره ولا أشك في أنه مات على يهوديته التي حرف من أجلها دعوة المسيح عليه السلام ولعل ما أذكره الآن يصلح دليلا على الحكم عليه
في اليوم الثالث عشر من يناير سنة ألف وأربعمائة وتسع وثمانين من الميلاد كتب شخص يهودي إسمه شامور حاخام حكيم يهود مدينة ارل بفرنسا إلى المجمع اليهودي العالمي في إسطنبول يستشيره حول بعض الحالات الحرجة قائلا
إن الفرنسيين في مدن اكس وارل ومرسيليا يتهددون معابدنا فماذا نعمل
فرد المجمع اليهودي العالمي بما نصه
أيها الأخوة الأعزاء بموسى
تلقينا كتابكم الذي تطلعوننا فيه على ما تقاسونه من الهموم والبلايا فكان وقع الخبر علينا شديد الوطأة إليكم رأى الحاخاميين والربانيين

تقولون إن ملك فرنسا يجبركم على إعتناق الديانة المسيحية فاعتنقوها لأنه ليس بوسعكم أن تقاوموا لكن يجب عليكم أن تبقوا شريعة موسى راسخة في قلوبكم وتقولون إنهم يأمرونكم بالتجرد من ممتلكاتكم فاجعلوا أولادكم تجارا ليتمكنوا رويدا رويدا من تجريد المسيحيين من أملاكهم وتقولون إنهم يعتدون على حياتكم فاجعلوا أولادكم أطباء وصيادلة ليعدموا المسيحيين حياتهم وتقولون إنهم يهدمون معابدكم فاجعلوا أولادكم كهنة واكليريكيين ليهدموا كنائسهم وتقولون أنهم يسومونكم تعديات أخرى كثير فاجعلوا أولادكم وكلاء دعاوى وكتاب عدل ليتدخلوا دوما في القضايا الحكومية ويخضعوا المسيحيين لنيركم فتستولون على زمام السلطة العالية وبذلك يتسنى لكم الإنتقام سيروا بموجب أمرنا هذا فتتعلموا بالإختبار أنكم من مذلتكم وضعتكم تتوصلون إلى ذروة القوة والعظمة
وضح لنا أن مبادئ النصرانية مبدأين إثنين ثم وضحت لنا عالمية دعوتهم وكل ما كتبناه إلزاما لهم أثبتناه من كتب النصارى أنفسهم وقد حاولت تبسيط الأساليب عن المعاني ليفهم المتعلم كما يفهم العالم وإني على يقين من أن الآتين من بعدي سيكونون أقوى مني على الإيضاح والبيان فقد وضعت لهم ما يتكلمون فيه والله ولي التوفيق

أقسام الكتاب

1 2 3