كتاب : الشريعة للآجري
المؤلف : الآجري

الشريعة للآجري
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا محمد النبي ، وعلى آل محمد وصحبه وسلم ، عمر بن إبراهيم عفا الله عنه ، أخبرنا الفقيه الإمام أبو الحسن أحمد بن مقبل أيده الله وسدده قال : أنا الفقيه الإمام أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله بن مسعود البريهي - رحمه الله - قال : أخبرنا الفقيه الحافظ أبو الحسن علي بن أبي بكر بن حمير بن تبع بن فضل قال : أنا الشيخ الفقيه أسعد بن خير بن يحيى بن عيسى بن ملامس - رحمه الله - عن أبيه خير بن يحيى قال : أنا أبو بكر أحمد بن محمد البزار المكي ، عن محمد بن الحسين الآجري - رحمة الله عليه - ، قال محمد بن الحسين الآجري - رحمه الله - : أحق ما ابتدأت به الكلام : الحمد لله مولانا الكريم ، وأجل الحمد ما حمد به الكريم نفسه ، فأنا أحمده به : الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين (1) ، و الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ، وله الحمد في الآخرة ، وهو الحكيم الخبير ، يعلم ما يلج في الأرض ، وما يخرج منها ، وما ينزل من السماء ، وما يعرج فيها ، وهو الرحيم الغفور ، و الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ، و الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ، ولم يكن له شريك في الملك ، ولم يكن له ولي من الذل ، وكبره تكبيرا (2) ، أحمده شكرا لما تفضل به علينا من نعمه الدائمة ، وأياديه القديمة ، حمد من يعلم أن مولاه الكريم يحب الحمد ، فله الحمد على كل حال ، وصلى الله على البشير النذير السراج المنير ، سيد ولد آدم عليه السلام ، المذكور نعته في التوراة والإنجيل ، الخاتم لجميع الأنبياء ، ذلك محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله الطيبين ، وعلى أصحابه المنتخبين ، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين ، يرزقنا الله وإياكم التمسك بطاعته ، وبطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وبما كان عليه صحابته والتابعون لهم بإحسان ، وبما كان عليه الأئمة من علماء المسلمين ، وعصمنا وإياكم من الأهواء المضلة ، إنه سميع قريب
__________
(1) سورة : الفاتحة آية رقم : 2
(2) سورة : الإسراء آية رقم : 111

1 - أخبرنا أبو بكر جعفر بن محمد الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد قال : ثنا سعيد بن عبد الجبار الحمصي قال : ثنا معان بن رفاعة السلامي قال : نا إبراهيم بن عبد الرحمن العذري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « يتحمل هذا العلم من كل خلف (1) عدوله ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين »
__________
(1) الخَلَف بالتحريك والسكون : كل من يجيء بعد من مضى، إلا أنه بالتحريك في الخَير، وبالتسكين في الشَّرّ. يقال خلَفُ صِدْقٍ، وخَلْفُ سُوءٍ

2 - أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي قال : ثنا أبو الربيع الزهراني قال : نا حماد بن زيد ، عن بقية بن الوليد ، عن معان بن رفاعة ، عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يحمل هذا العلم من كل خلف (1) عدوله ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين »
__________
(1) الخَلَف بالتحريك والسكون : كل من يجيء بعد من مضى، إلا أنه بالتحريك في الخَير، وبالتسكين في الشَّرّ. يقال خلَفُ صِدْقٍ، وخَلْفُ سُوءٍ

3 - أخبرنا محمد بن بكير ، عن جعفر بن سليمان ، عن عبد الصمد بن معقل ، عن وهب بن منبه قال :

: الفقيه العفيف الزاهد المتمسك بالسنة : أولئك أتباع الأنبياء في
كل زمان قال محمد بن الحسين : جعلنا الله وإياكم ممن تحيا بهم السنن ، وتموت بهم البدع ، وتقوى بهم قلوب أهل الحق ، وتنقمع بهم نفوس أهل الأهواء ، بمنه وكرمه
باب ذكر الأمر بلزوم الجماعة والنهي عن الفرقة
بل الاتباع وترك الابتداع قال محمد بن الحسين رحمه الله : إن الله عز وجل بمنه وفضله أخبرنا في كتابه عمن تقدم من أهل الكتابين اليهود والنصارى أنهم إنما هلكوا لما افترقوا في دينهم ، وأعلمنا مولانا الكريم أن الذي حملهم على الفرقة عن الجماعة والميل إلى الباطل الذي نهوا عنه إنما هو البغي والحسد بعد أن علموا ما لم يعلم غيرهم ، فحملهم شدة البغي والحسد إلى أن صاروا فرقا فهلكوا فحذرنا مولانا الكريم أن نكون مثلهم فنهلك كما هلكوا بل أمرنا عز وجل بلزوم الجماعة ، ونهانا عن الفرقة ، وكذلك حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من الفرقة وأمرنا بالجماعة ، وكذلك حذرنا أئمتنا ممن سلف من علماء المسلمين كلهم يأمرون بلزوم الجماعة ، وينهون عن الفرقة ، فإن قال قائل : فاذكر لنا ذلك لنحذر ما تقوله ، والله الموفق لنا إلى سبيل الرشاد ، قيل له : سأذكر من ذلك ما حضرني ذكره مبلغ علمي الذي علمني الله عز وجل ، نصيحة لإخواني من أهل القرآن وأهل الحديث ، وأهل الفقه وغيرهم من سائر المسلمين ، والله الموفق لما قصدت له ، والمعين عليه إن شاء الله قال الله تعالى في سورة البقرة : كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم (1) وقال عز وجل : تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ، ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد (2) وقال تعالى في سورة آل عمران : إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب (3) وقال تعالى في سورة الأنعام : إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون (4) وقال تعالى في سورة يونس : ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا حتى جاءهم العلم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون (5) قال تعالى في سورة حم عسق : وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب (6) وقال تعالى في سورة لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب قوله تعالى : وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة (7) قال محمد بن الحسين رحمه الله : فأعلمنا مولانا الكريم أنهم أوتوا علما ، فبغى بعضهم على بعض ، وحسد بعضهم بعضا ، حتى أخرجهم ذلك إلى أن تفرقوا فهلكوا فإن قال قائل : فأين المواضع من القرآن التي فيها نهانا الله تعالى أن نكون مثلهم حتى نحذر ما حذرنا مولانا الكريم من الفرقة بل نلزم الجماعة ؟ قيل له : قال الله تعالى في سورة آل عمران : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ، ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم (8) ، وقال تعالى في سورة الأنعام : وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون (9) وقال تعالى في سورة الروم : فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون (10) وقال تعالى في سورة حم عسق : شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب (11) قال محمد بن الحسين رحمه الله : فهل يكون من البيان أشفى من هذا عند من عقل عن الله تعالى وتدبر ما به حذره مولاه الكريم من الفرقة ؟ ثم اعلموا رحمنا الله تعالى وإياكم أن الله تعالى قد أعلمنا وإياكم في كتابه أنه لا بد من أن يكون الاختلاف بين خلقه ليضل من يشاء ، ويهدي من يشاء جعل الله عز وجل ذلك موعظة يتذكر بها المؤمنون ، فيحذرون الفرقة ، ويلزمون الجماعة ويدعون المراء والخصومات في الدين ، ويتبعون ولا يبتدعون ، فإن قال قائل : أين هذا من كتاب الله تعالى ؟ قيل له : قال الله تعالى في سورة هود : ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين (12) ثم إن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتبع ما أنزله إليه ، ولا يتبع أهواء من تقدم من الأمم فيما اختلفوا فيه ، ففعل صلى الله عليه وسلم ، وحذر أمته الاختلاف والإعجاب واتباع الهوى ، قال الله تعالى في سورة حم الجاثية : ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين وآتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا ، وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض ، والله ولي المتقين (13) ، ثم قال الله تعالى : هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون (14)
__________
(1) سورة : البقرة آية رقم : 213
(2) سورة : البقرة آية رقم : 253
(3) سورة : آل عمران آية رقم : 19
(4) سورة : الأنعام آية رقم : 159
(5) سورة : يونس آية رقم : 93
(6) سورة : الشورى آية رقم : 14
(7) سورة : البينة آية رقم : 4
(8) سورة : آل عمران آية رقم : 102
(9) سورة : الأنعام آية رقم : 153
(10) سورة : الروم آية رقم : 30
(11) سورة : الشورى آية رقم : 13
(12) سورة : هود آية رقم : 118
(13) سورة : الجاثية آية رقم : 16
(14) سورة : الجاثية آية رقم : 20

4 - أخبرنا أبو بكر عمر بن سعيد القراطيسي قال : ثنا أحمد بن منصور الرمادي قال : أنا أبو صالح عبد الله بن صالح قال : ثنا معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تعالى : إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا (1) وقوله : ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا (2) وقوله : فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه (3) وقوله : وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم (4) وقوله : ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله (5) وقوله : أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه (6) قال ابن عباس : أمر الله المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والفرقة وأخبرهم أنه إنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله تعالى قال محمد بن الحسين : هذا ما حضرني ذكره مما أمر الله تعالى به أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن يلزموا الجماعة ويحذروا الفرقة فإن قال قائل : فاذكر من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حذر أمته ذلك قيل له : نعم ، وواجب عليك أن تسمعه ، وتحذر الفرقة وتلزم الجماعة وتستعين بالله العظيم على ذلك
__________
(1) سورة : الأنعام آية رقم : 159
(2) سورة : آل عمران آية رقم : 105
(3) سورة : آل عمران آية رقم : 7
(4) سورة : النساء آية رقم : 140
(5) سورة : الأنعام آية رقم : 153
(6) سورة : الشورى آية رقم : 13

باب ذكر أمر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بلزوم الجماعة
وتحذيره إياهم الفرقة

5 - حدثنا أبو محمد عبد الله بن العباس الطيالسي قال : حدثنا سعيد بن يحيى الأموي قال : نا أبو بكر بن عياش ، عن عاصم ، عن زر ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «

من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة فإن الشيطان مع الواحد
وهو من الاثنين أبعد »

6 - أخبرنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا سعيد بن يحيى الأموي قال : نا أبو بكر بن عياش ، عن عاصم ، عن زر قال : خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالشام فقال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل قيامي فيكم ، فقال : «

من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة فإن الشيطان مع الواحد
، وهو من الاثنين أبعد »

7 - وأخبرنا أبو بكر جعفر بن محمد الفريابي قال : ثنا هدبة بن خالد قال : نا أبان بن يزيد قال : حدثنا يحيى بن أبي كثير أن زيدا حدثه ، أن أبا سلام حدثه ، أن الحارث الأشعري حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن الله تعالى أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات يعمل بهن ويأمر بني إسرائيل يعملون بهن » وذكر الحديث بطوله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «

وأنا آمركم بخمس أمرني الله تعالى بهن : الجماعة
، والسمع والطاعة ، والهجرة ، والجهاد في سبيل الله ، فمن فارق الجماعة شبرا فقد خلع ربقة (1) الإسلام من رأسه إلا أن يراجع »
__________
(1) الرّبْقة : في الأصل عُرْوة في حَبْل تُجعل في عُنُق البهيمة أو يَدِها تُمسِكها ، فاسْتعارها للإسلام ، يعني ما يَشدُّ به المُسلم نفْسَه من عُرَى الإسلام : أي حُدُوده وأحكامه وأومِره ونواهيه

8 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري قال : حدثنا حماد بن زيد قال : نا أيوب ، عن غيلان بن جرير ، عن زياد بن رياح القيسي ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «

من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات ، فميتة جاهلية
»

9 - وأخبرنا أبو بكر عبد الله بن أبي داود السجستاني قال : نا محمد بن بشار ، ومحمد بن المثنى ، أن محمد بن جعفر ، حدثهم ، عن شعبة ، عن غيلان بن جرير ، عن زياد بن رياح ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله : «

من فارق الجماعة وخالف الطاعة مات ميتة جاهلية ومن اعترض
أمتي برها وفاجرها لا يحتشم من مؤمنها ، ولا يفي لذي عهدها ، فليس من أمتي ، ومن قتل تحت راية عمية (1) ، يغضب للعصبية ويقاتل للعصبية ويدعو لعصبة له ووالى لعصبة مات ميتة جاهلية » لفظ حديث أبي موسى
__________
(1) عمية : الأمر الذي لا يستبين وجهه ، وقيل : كناية عن جماعة مجتمعين على أمر مجهول لا يعرف أنه حق أو باطل

10 - أخبرنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : ثنا محمد بن سليمان لوين قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن غيلان بن جرير ، عن زياد بن رياح ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «

من خرج من الطاعة وفارق الجماعة ، مات ميتة جاهلية
»

11 - وأخبرنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : نا أبو هشام الرفاعي قال : نا أبو بكر بن عياش قال : نا عاصم ، عن زر عن عبد الله قال : كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ :

وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن
سبيله (1) فخط خطا فقال : « هذا الصراط » ثم خط حوله خططا ، فقال : « وهذه السبل ، فما منها سبيل إلا وعليه شيطان يدعو إليه »
__________
(1) سورة : الأنعام آية رقم : 153

12 - وأخبرنا ابن عبد الحميد أيضا قال : نا زهير بن محمد المروزي قال : أنا سليمان بن حرب قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن عاصم بن بهدلة ، عن أبي وائل ، عن عبد الله قال : خط رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما خطا وقال بأصبعه على الأرض خطة قال : « هذا سبيل الله » ثم خط خطوطا عن يمين الخط ويساره ، وقال : « هذه سبل على كل سبيل (1) منها شيطان يدعو إليه » ثم تلا :

وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن
سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون (2) الخطوط التي عن يمنيه ويساره
__________
(1) السبيل : الطريق
(2) سورة : الأنعام آية رقم : 153

13 - وحدثنا أبو جعفر أحمد بن إسحاق بن البهلول القاضي قال : ثنا أبو سعيد عبد الله بن سعيد الأشج قال : حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن جابر قال : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فخط خطا ، وخط خطين عن يمينه ، وخط خطين عن يساره ثم وضع يده في الخط الأوسط ، فقال : « هذا سبيل الله » ، ثم تلا هذه الآية :

وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن
سبيله (1)
__________
(1) سورة : الأنعام آية رقم : 153

14 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا ميمون بن الأصبغ ، وأبو مسعود أحمد بن الفرات قالا : نا عبد الله بن صالح أبو صالح قال : نا معاوية بن صالح ، أن عبد الرحمن بن جبير ، حدثه عن أبيه ، عن النواس بن سمعان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «

ضرب الله مثلا صراطا مستقيما ، وعلى جنبتي الصراط سوران
بينهما ، وأبوب مفتحة وعلى الأبواب ستور مرخاة ، وعلى باب الصراط داع يقول : يا أيها الناس ادخلوا الصراط جميعا ولا تعوجوا ، وداع يدعو من فوق الصراط ، فإذا أراد إنسان فتح شيء من تلك الأبواب قال : ويحك لا تفتحه ، فإنك إن تفتحه تلجه فالصراط الإسلام ، والستور : حدود الله ، والأبواب المفتحة محارم الله ، وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله ، والداعي من فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم »

15 - وأخبرنا أبو بكر بن أبي داود قال : ثنا يزيد بن محمد بن عبد الصمد قال : حدثنا آدم بن أبي إياس قال نا الليث بن سعد ، عن معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير عن أبيه عن النواس بن سمعان الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «

ضرب الله مثلا صراطا مستقيما وعلى جنبتي الصراط سوران
، بينهما أبواب مفتحة ، وعلى الأبواب ستور مرخاة ، وعلى باب الصراط داع يقول : يا أيها الناس ادخلوا الصراط جميعا ولا تتفرقوا ، وداع يدعو من فوق الصراط ، فإذا أراد إنسان فتح شيء من تلك الأبواب قال له : ويحك لا تفتحه ، فإنك إن تفتحه تلجه ، فالصراط : الإسلام ، والستور : حدود الله ، والأبواب : محارم الله تعالى ، والداعي على رأس الصراط : كتاب الله ، والداعي من فوق الصراط : واعظ الله في قلب كل مسلم »

16 - وأخبرنا الفريابي قال : أخبرنا عثمان بن أبي شيبة قال : نا جرير ، عن منصور ، عن أبي وائل قال : قال عبد الله : «

إن هذا الصراط محتضر يحضره الشياطين ينادون : يا عبد
الله هلم هذا الصراط ليصدوا عن سبيل الله ، فاعتصموا بحبل الله فإن حبل الله هو كتاب الله »

17 - أخبرنا أبو شعيب عبد الله بن الحسن الحراني قال : نا جدي قال : نا موسى بن أعين ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن مجالد بن سعيد ، عن الشعبي ، عن ثابت بن قطبة أن عبد الله بن مسعود قال في خطبته : « يا أيها الناس ،

عليكم بالطاعة والجماعة ، فإنها حبل الله الذي أمر به
، وما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة »

18 - أخبرنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : نا زهير بن محمد المروزي قال : حدثنا عبد الله بن موسى ، عن عيسى الحناط ، عن الشعبي قال : كان يقال : « من أراد بحبحة (1) الجنة فعليه بجماعة المسلمين »
__________
(1) البحبحة : التمكن في الحلول والمقام

19 - وأخبرنا ابن عبد الحميد أيضا قال نا زهير بن محمد قال : أخبرنا سليمان بن حرب قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن عاصم الأحول قال : قال أبو العالية :

تعلموا الإسلام ، فإذا تعلمتموه فلا ترغبوا عنه ، وعليكم
بالصراط المستقيم فإنه الإسلام ، ولا تحرفوا الصراط يمينا ولا شمالا ، وعليكم بسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم والذي عليها أصحابه ، فإنا قد قرأنا القرآن من قبل أن يفعلوا الذي فعلوه خمس عشرة سنة ، وإياكم وهذه الأهواء التي تلقي بين الناس العداوة والبغضاء (1) قال : فحدثت به الحسن فقال : صدق ونصح ، وحدثت به حفصة بنت سيرين ، فقالت : يا بني أحدثت بهذا محمدا ؟ قلت : لا ، قالت : فحدثه إذن قال محمد بن الحسين : علامة من أراد الله به خيرا : سلوك هذا الطريق ، كتاب الله ، وسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسنن أصحابه رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان ، وما كان عليه أئمة المسلمين في كل بلد إلى آخر ما كان من العلماء مثل الأوزاعي وسفيان الثوري ومالك بن أنس ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، والقاسم بن سلام ، ومن كان على مثل طريقتهم ، ومجانبة كل مذهب يذمه هؤلاء العلماء ، وسنبين ما يرضونه إن شاء الله تعالى
__________
(1) البغضاء : شدة الكُرْهِ والمقت
باب ذكر افتراق الأمم في دينهم
وعلى كم تفترق هذه الأمة ؟ قال محمد بن الحسين رحمه الله : أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم : عن أمة موسى عليه السلام : « أنهم اختلفوا على إحدى وسبعين ملة ، كلها في النار إلا واحدة » ، وأخبرنا عن أمة عيسى عليه السلام أنهم اختلفوا عليه على اثنتين وسبعين ملة ، إحدى وسبعون منها في النار وواحدة في الجنة ، قال صلى الله عليه وسلم : « وتعلو أمتي الفريقين جميعا تزيد عليهم فرقة واحدة ، ثنتان وسبعون منها في النار وواحدة في الجنة » ثم إنه سئل صلى الله عليه وسلم : « من الناجية ؟ » فقال في حديث : « ما أنا عليه وأصحابي » وفي حديث قال : « السواد الأعظم » وفي حديث قال : « واحدة في الجنة ، وهي الجماعة » قلت أنا : ومعانيها واحدة إن شاء الله تعالى

20 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا المسيب بن واضح قال : سمعت يوسف بن أسباط يقول : «

أصول البدع أربع : الروافض ، والخوارج ، والقدرية ،
والمرجئة ، ثم تتشعب كل فرقة ثماني عشرة طائفة ، فتلك اثنتان وسبعون فرقة ، والثالثة والسبعون الجماعة التي قال النبي صلى الله عليه وسلم : » إنها الناجية «

21 - أخبرنا أبو محمد عبد الله بن صالح البخاري قال : حدثنا عبدة بن عبد الرحيم المروزي قال : نا النضر بن شميل قال : نا محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «

تفرق اليهود والنصارى على إحدى ، أو اثنتين وسبعين فرقة
وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة »

22 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا علي بن خشرم قال : أخبرنا الفضل بن موسى ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «

تفرقت اليهود على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة ، واختلف
النصارى على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة ، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة »

23 - وأخبرنا أبو عبد الله أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي قال : حدثنا الهيثم بن خارجة قال : حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ، عن عبد الله بن يزيد ، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «

ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل : تفرق
بنو إسرائيل على اثنتين وسبعين ملة وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين ، تزيد عليهم ، كلها في النار إلا ملة واحدة ، فقالوا : من هذه الملة الواحدة ؟ قال : ما أنا عليها وأصحابي »

24 - حدثنا أبو الفضل جعفر بن محمد الصندلي قال : نا أبو بكر بن زنجويه قال : حدثنا محمد بن يوسف الفريابي قال : حدثنا سفيان يعني الثوري ، عن عبد الرحمن بن زياد ، عن عبد الله بن يزيد ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «

ليأتين على أمتي مثل ما أتى على بني إسرائيل مثلا
بمثل حذو (1) النعل بالنعل ، وإن بني إسرائيل تفرقوا على اثنتين وسبعين ملة ، وإن أمتي ستفترق على ثلاث وسبعين ملة ، كلها في النار إلا ملة واحدة » قيل : من هي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال عليه السلام : « ما أنا عليه اليوم وأصحابي »
__________
(1) حذوَ الشيء : في موازاته ومقابلته ومساواته

25 - حدثنا أبو شعيب عبد الله بن الحسن الحراني قال : حدثنا عاصم بن علي قال : نا أبو معشر وأخبرنا أبو عبد الله أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي قال : حدثنا ابن بكار قال : حدثنا أبو معشر ، عن يعقوب بن زيد بن طلحة ، عن زيد بن أسلم ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه ذكر حديثا طويلا قال فيه : وحدثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأمم فقال : «

تفرقت أمة موسى عليه السلام على إحدى وسبعين ملة
، سبعون منها في النار وواحدة في الجنة ، وتفرقت أمة عيسى عليه السلام على اثنتين وسبعين ملة ، إحدى وسبعون منها في النار وواحدة في الجنة » وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « وتعلو أمتي على الفرقتين جميعا بملة واحدة ، اثنتان وسبعون منها في النار ، وواحدة في الجنة » ، قالوا : من هم يا رسول الله ؟ قال : « الجماعة » قال يعقوب بن زيد : فكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه إذا حدث بهذا الحديث ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا فيه قرآنا ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون (1) ثم ذكر أمة عيسى فقرأ ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ، منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون (2) قال : ثم ذكر أمتنا فقرأ وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون (3)
__________
(1) سورة : الأعراف آية رقم : 159
(2) سورة : المائدة آية رقم : 65
(3) سورة : الأعراف آية رقم : 181

26 - وأخبرنا أبو عبيد علي بن الحسين بن حرب القاضي قال : حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني قال : حدثنا شبابة يعني ابن سوار قال : أخبرنا سليمان بن طريف ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يا ابن سلام ، على كم تفرقت بنو إسرائيل ؟ » قال : على واحدة وسبعين أو اثنتين وسبعين فرقة ، كلهم يشهد على بعض بالضلالة ، قالوا : أفلا تخبرنا لو قد خرجت من الدنيا فتفرق أمتك ، على ما يصير أمرهم ؟ قال نبي الله صلى الله عليه وسلم : « بلى ، إن

بني إسرائيل تفرقوا على ما قلت وستفترق أمتي على ما افترقت
عليه بنو إسرائيل ، وستزيد فرقة واحدة لم تكن في بني إسرائيل » وذكر الحديث

27 - وحدثنا أبو عبد الله أحمد بن أبي عوف البزوري قال : حدثنا سويد بن سعيد قال : حدثنا مبارك بن سحيم ، عن عبد العزيز بن صهيب ، عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «

افترقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين فرقة ، وإن أمتي
ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا السواد الأعظم »

28 - وحدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا زهير بن محمد المروزي قال : نا أحمد بن عبد الله بن يونس قال : نا أبو بكر بن عياش ، عن موسى بن عبيدة ، عن ابنة سعد ، عن أبيها سعد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «

افترقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين ملة ، ولن تذهب
الأيام والليالي حتى تفترق أمتي على مثلها أو قال : عن مثل ذلك ، وكل فرقة منها في النار إلا واحدة وهي الجماعة »

29 - أخبرنا إبراهيم بن موسى الجوزي قال : نا محمد بن هارون أبو نشيط ، وإبراهيم بن هانئ النيسابوري قالا : حدثنا أبو المغيرة قال : حدثنا صفوان قال : حدثني أزهر بن عبد الله الحرازي ، عن أبي عامر الهوزني ، عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما أنه قام حين صلى الظهر بالناس بمكة فقال : ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فينا فقال : « ألا إن

من كان قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين ملة
، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ، اثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة ، وهي الجماعة » قال محمد بن الحسين رحمه الله : رحم الله عبدا حذر هذه الفرق ، وجانب البدع ولم يبتدع ، ولزم الأثر فطلب الطريق المستقيم ، واستعان بمولاه الكريم

30 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا معاذ قال : حدثنا ابن عون ، عن محمد يعني ابن سيرين قال : كانوا يقولون : إذا كان الرجل على الأثر (1) فهو على الطريق
__________
(1) الأثر : هدي النبي والسلف الصالح

باب ذكر خوف النبي صلى الله عليه وسلم على أمته وتحذيره
إياهم سنن من قبلهم من الأمم

31 - حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني قال : حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال : حدثنا ابن أبي ذئب ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «

ليأخذن أمتي بأخذ الأمم والقرون قبلها شبرا بشبر ، وذراعا
بذراع » قيل : يا رسول الله ، كما فعلت فارس والروم ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ومن الناس إلا أولئك ؟ »

32 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا زهير بن محمد المروزي قال : أخبرنا سنيد بن داود قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج : أخبرني زياد بن سعد ، عن محمد بن زيد بن المهاجر ، عن أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «

لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر ، وذراعا بذراع
وباعا بباع ، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه »

33 - وحدثنا ابن عبد الحميد أيضا قال : حدثنا زهير بن محمد قال : أنا إسماعيل بن أبي أويس قال : حدثنا كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني ، عن أبيه ، عن جده قال : كنا قعودا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده بالمدينة ، فجاءه جبريل عليه السلام بالوحي ، فذكر حديثا طويلا قال فيه : جاءكم جبريل عليه السلام يتعاهد دينكم « لتسلكن سنن الذين من قبلكم حذو (1) النعل بالنعل ولتأخذن بمثل أخذهم ، إن شبرا بشبر ، وإن ذراعا بذراع ، وإن باعا بباع ، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتم فيه »
__________
(1) حذوَ الشيء : في موازاته ومقابلته ومساواته

34 - أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدثنا علي بن الجعد قال : أخبرنا عبد الحميد بن بهرام قال : حدثنا شهر يعني ابن حوشب قال : حدثنا عبد الرحمن بن غنم أن شداد بن أوس حدثه : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «

ليحملن شرار هذه الأمة على سنن الذين خلوا من قبلهم
حذو (1) القذة (2) بالقذة »
__________
(1) حذوَ الشيء : في موازاته ومقابلته ومساواته
(2) القذة بالقذة : المراد أنهم يسيرون على نهج واحد ولا يختلفان ويتبع بعضهم بعضا

35 - حدثنا إسحاق بن أبي حسان الأنماطي قال : حدثنا هشام بن عمار الدمشقي قال : حدثنا عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين قال : حدثنا الأوزاعي قال : ثنا يونس بن يزيد ، عن الزهري ، عن الصنابحي ، عن حذيفة بن اليمان قال : « » لتتبعن أثر من كان قبلكم حذو (1) النعل بالنعل ، لا تخطئون طريقتهم ولا تخطئنكم ، ولتنقضن عرى (2) الإسلام عروة فعروة ، ويكون أول نقضها الخشوع حتى لا يرى خاشعا ، وحتى يقول أقوام : ذهب النفاق من أمة محمد فما بال الصلوات الخمس ؟ لقد ضل من كان قبلنا حتى ما يصلون بينهم أولئك المكذبون بالقدر ، وهم أسباب الدجال ، وحق على الله أن يلحقهم بالدجال قال محمد بن الحسين : من تصفح أمر هذه الأمة من عالم عاقل ، علم أن أكثرهم العام منهم يجري أمورهم على سنن أهل الكتابين ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى سنن كسرى وقيصر وعلى سنن أهل الجاهلية وذلك مثل السلطنة وأحكامهم وأحكام العمال والأمراء وغيرهم ، وأمر المصائب والأفراح والمساكن واللباس والحلية ، والأكل والشرب والولائم ، والمراكب والخدم والمجالس والمجالسة ، والبيع والشراء ، والمكاسب من جهات كثيرة ، وأشباه لما ذكرت يطول شرحها تجري بينهم على خلاف السنة والكتاب ، وإنما تجري بينهم على سنن من قبلنا ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، والله المستعان ، ما أقل من يتخلص من البلاء الذي قد عم الناس ، ولن يميز هذا إلا عاقل عالم قد أدبه العلم ، والله الموفق لكل رشاد ، والمعين عليه
__________
(1) حذوَ الشيء : في موازاته ومقابلته ومساواته
(2) العروة : ما يُستمسك به ويُعتصم من الدين

باب ذم الخوارج وسوء مذاهبهم ، وإباحة قتالهم وثواب من قتلهم
أو قتلوه قال محمد بن الحسين : لم يختلف العلماء قديما وحديثا أن الخوارج قوم سوء عصاة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، وإن صلوا وصاموا ، واجتهدوا في العبادة ، فليس ذلك بنافع لهم ، نعم ، ويظهرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وليس ذلك بنافع لهم ؛ لأنهم قوم يتأولون القرآن على ما يهوون ، ويموهون على المسلمين ، وقد حذرنا الله تعالى منهم ، وحذرنا النبي صلى الله عليه وسلم ، وحذرناهم الخلفاء الراشدون بعده ، وحذرناهم الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان ، والخوارج هم الشراة الأنجاس الأرجاس ، ومن كان على مذهبهم من سائر الخوارج يتوارثون هذا المذهب قديما وحديثا ، ويخرجون على الأئمة والأمراء ويستحلون قتل المسلمين ، فأول قرن طلع منهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم : هو رجل طعن على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو يقسم الغنائم ، فقال : اعدل يا محمد ، فما أراك تعدل ، فقال صلى الله عليه وسلم : « ويلك ، فمن يعدل إذا لم أكن أعدل ؟ » فأراد عمر رضي الله عنه قتله ، فمنعه النبي صلى الله عليه وسلم من قتله وأخبر : « أن هذا وأصحابا له يحقر أحدكم صلاته مع صلاته وصيامه مع صيامه ، يمرقون من الدين » وأمر في غير حديث بقتالهم ، وبين فضل من قتلهم أو قتلوه ، ثم إنهم بعد ذلك خرجوا من بلدان شتى ، واجتمعوا وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، حتى قدموا المدينة ، فقتلوا عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وقد اجتهد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن كان بالمدينة في أن لا يقتل عثمان ، فما أطاقوا على ذلك رضي الله عنهم ثم خرجوا بعد ذلك على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ولم يرضوا لحكمه ، وأظهروا قولهم وقالوا : لا حكم إلا لله ، فقال علي رضي الله عنه : كلمة حق أرادوا بها الباطل ، فقاتلهم علي رضي الله عنه فأكرمه الله تعالى بقتلهم ، وأخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم بفضل من قتلهم أو قتلوه ، وقاتل معه الصحابة فصار سيف علي رضي الله عنه في الخوارج سيف حق إلى أن تقوم الساعة
باب ذكر السنن والآثار فيما ذكرناه

36 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا عيسى بن حماد زغبة قال : أخبرنا الليث بن سعد ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله قال : أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عند منصرفه من خيبر ، وفي ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فضة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقبض منها فيعطي ، فقال : يا محمد ، اعدل فقال : « ويلك ومن يعدل إذا لم أكن أعدل ؟ لقد خبت (1) وخسرت إذا لم أكن أعدل » فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : يا رسول الله دعني فأقتل هذا المنافق فقال : « معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي إن هذا وأصحابه يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون (2) من الدين كما يمرق (3) السهم من الرمية (4) »
__________
(1) خاب : لم يظفر بما طلب
(2) يمرقون : يجوزون ويخرقون ويخرجون
(3) مرق السهم من الرمية : اخترقها وخرج من الجانب الآخر في سرعة
(4) الرمية : الهدف الذي يرمى

37 - وحدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف قال : حدثنا ابن أبي عمر يعني محمدا العدني قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن أبي الزبير ، عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم الغنائم (1) بالجعرانة ، غنائم حنين ، والتبر في حجر بلال ، فقال له رجل : يا رسول الله ، اعدل ، فإنك لم تعدل قال : « ويلك ، فمن يعدل إذا لم أكن أعدل ؟ » فقال عمر : دعني يا رسول الله أضرب عنقه ، فقال : « لا ، دعه فإن هذا في أصحاب له يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم (2) يمرقون (3) من الدين كما يمرق (4) السهم من الرمية »
__________
(1) الغنائم : جمع الغنيمة ، وهي ما يؤخذ من المحاربين في الحرب قهرا
(2) التَّراقِي : جمع تَرْقُوَة : وهي عظمة مشرفة بين ثغرة النحر والعاتق وهما ترقوتان
(3) يمرقون : يجوزون ويخرقون ويخرجون
(4) مرق السهم من الرمية : اخترقها وخرج من الجانب الآخر في سرعة

38 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا ابن المقرئ قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن أبي الزبير ، عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم الغنائم (1) بالجعرانة ، فقام رجل فقال : اعدل ، فإنك لم تعدل فقال : « ويحك : فمن يعدل إذا لم أكن أعدل ؟ » فقال عمر رضي الله عنه : دعني أضرب عنق هذا المنافق ، فقال : « دعه فإن هذا أصحاب له - أو في أصحاب له - يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم (2) ، يمرقون (3) من الدين كما يمرق (4) السهم من الرمية (5) »
__________
(1) الغنائم : جمع الغنيمة ، وهي ما يؤخذ من المحاربين في الحرب قهرا
(2) التَّراقِي : جمع تَرْقُوَة : وهي عظمة مشرفة بين ثغرة النحر والعاتق وهما ترقوتان
(3) يمرقون : يجوزون ويخرقون ويخرجون
(4) مرق السهم من الرمية : اخترقها وخرج من الجانب الآخر في سرعة
(5) الرمية : الهدف الذي يرمى

39 - حدثنا أبو حفص عمر بن أيوب السقطي قال : حدثنا منصور بن أبي مزاحم قال : حدثنا يزيد بن يوسف ، عن الأوزاعي ، عن الزهري ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، والضحاك الهمداني ، عن أبي سعيد الخدري قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم ذات يوم قسما إذ قال ذو الخويصرة التميمي : يا رسول الله اعدل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ويحك : فمن يعدل إذا لم أكن أعدل » فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : يا رسول الله ، أتأذن لي أضرب عنقه ؟ قال : « لا ، إن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاته ، وصيامه مع صيامه ، يمرقون (1) من الدين كما يمرق السهم من الرمية (2) ، ينظر إلى نصله (3) فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر إلى نضيه فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء ، سبق الفرث والدم ، يخرجون على حين فرقة من الناس ، آيتهم (4) رجل أدعج (5) إحدى يديه مثل ثدي المرأة ، أو مثل البضعة (6) ، تدردر (7) » قال أبو سعيد : أشهد : لسمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشهد أني كنت مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين قتلهم والتمس في القتلى ، فأتى به على النعت الذي نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
(1) يمرقون : يجوزون ويخرقون ويخرجون
(2) الرمية : الهدف الذي يرمى
(3) النصل : حديدة الرمح والسهم والسكين
(4) الآية : العلامة
(5) الدعج : شدة سواد العينين مع سعتهما
(6) البضعة : القطعة من اللحم
(7) تتدردر : تترجرج وتضطرب وتتحرك وتجيء وتذهب

40 - حدثنا عمر بن أيوب قال : حدثنا منصور بن أبي مزاحم قال : حدثنا يزيد بن يوسف ، عن الأوزاعي ، عن قتادة بن دعامة ، عن أنس بن مالك ، وأبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «

سيكون في أمتي اختلاف وفرقة ، ثم قوم يحسنون القيل
ويسيئون الفعل ، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم (1) ، يمرقون (2) من الدين كما يمرق (3) السهم من الرمية (4) ، ثم لا يرجعون حتى يرتد على فوقه ، هم شر الخلق والخليقة ، طوبى (5) لمن قتلهم أو قتلوه ، يدعون إلى كتاب الله ، وليسوا منه في شيء ، من قتلهم كان أولى بالله منهم » قالوا : يا رسول الله ، ما سيماهم (6) ؟ قال : « التحليق »
__________
(1) التَّراقِي : جمع تَرْقُوَة : وهي عظمة مشرفة بين ثغرة النحر والعاتق وهما ترقوتان
(2) يمرقون : يجوزون ويخرقون ويخرجون
(3) مرق السهم من الرمية : اخترقها وخرج من الجانب الآخر في سرعة
(4) الرمية : الهدف الذي يرمى
(5) طوبى : اسم الجنة ، وقيل هي شجرة فيها
(6) السيما : العلامة أو الدليل

41 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا هارون بن عبد الله قال : حدثنا سيار بن حاتم قال : حدثنا جعفر بن سليمان قال : حدثنا أبو عمران الجوني ، عن عبد الله بن رباح الأنصاري ، عن كعب الأحبار قال :

للشهيد نوران ، ولمن قتله الخوارج عشرة أنوار له
، ولجهنم سبعة أبواب : باب منها للحرورية ، ولقد خرجوا على داود نبي الله في زمانه قال محمد بن الحسين : هذه صفة الحرورية ، وهم الشراة الخوارج ، الذين قال الله تعالى : فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله (1) الآية ، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته ممن هذه صفته
__________
(1) سورة : آل عمران آية رقم : 7

42 - حدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف قال : حدثنا ابن أبي عمر قال : حدثنا عبد الوهاب الثقفي ، عن أيوب ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ :

هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب
وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله (1) الآية ، فقال : « إذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عنى (2) الله تعالى ، فاحذروهم »
__________
(1) سورة : آل عمران آية رقم : 7
(2) عنى : أراد وقصد

43 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا يحيى بن حكيم قال : حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد قال : حدثنا أيوب ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة قالت : إن النبي صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية :

هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب
(1) إلى قوله : وما يذكر إلا أولو الألباب فقال : « يا عائشة ، إذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عنى (2) الله تعالى ، فاحذروهم »
__________
(1) سورة : آل عمران آية رقم : 7
(2) عنى : أراد وقصد

44 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا المثنى بن أحمد قال : حدثنا عمرو بن خالد قال : حدثنا ابن لهيعة ، عن عطاء بن دينار ، عن سعيد بن جبير ، في قوله تعالى : وأخر متشابهات (1) قال : « أما المتشابهات : فهن آي في القرآن يتشابهن على الناس إذا قرءوهن ، من أجل ذلك يضل من ضل ممن ادعى هذه الكلمة ، كل فرقة يقرءون آيات من القرآن ، ويزعمون أنها لهم أصابوا بها الهدى ومما تتبع الحرورية من المتشابه قول الله تعالى : ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون (2) ويقرءون معها : ثم الذين كفروا بربهم يعدلون (3) فإذا رأوا الإمام يحكم بغير الحق قالوا : قد كفر ، ومن كفر عدل بربه فقد أشرك فهؤلاء الأئمة مشركون ، فيخرجون فيفعلون ما رأيت ؛ لأنهم يتأولون هذه الآية »
__________
(1) سورة : آل عمران آية رقم : 7
(2) سورة : المائدة آية رقم : 44
(3) سورة : الأنعام آية رقم : 1

45 - وحدثنا أبو بكر بن عبد الحميد قال : حدثنا ابن المقرئ قال : ثنا سفيان ، عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه قال : ذكر لابن عباس الخوارج وما يصيبهم عند قراءة القرآن ؟ قال : «

يؤمنون بمحكمه ، ويضلون عن متشابهه وقرأ وما يعلم تأويله
إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به (1) »
__________
(1) سورة : آل عمران آية رقم : 7

46 - حدثنا ابن عبد الحميد أيضا قال : حدثنا ابن المقرئ قال : حدثنا سفيان ، عن عبيد الله بن أبي يزيد قال : سمعت ابن عباس وذكر له الخوارج واجتهادهم وصلاتهم ، قال : «

ليس هم بأشد اجتهادا من اليهود والنصارى ، وهم على
ضلالة »

47 - وأخبرنا عبد الله بن صالح البخاري قال : حدثنا مخلد بن الحسن بن أبي زميل قال : حدثنا أبو المليح الرقي ، عن سليمان بن أبي نشيط ، عن الحسن : وذكر الخوارج فقال : «

حيارى سكارى ، ليس بيهود ولا نصارى ، ولا مجوس
فيعذرون »

48 - وحدثنا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن شاهين قال : حدثنا الصلت بن مسعود قال : حدثنا جعفر بن سليمان قال : حدثنا المعلى بن زياد قال : قيل للحسن : يا أبا سعيد ، خرج خارجي بالخريبة ، فقال :

المسكين رأى منكرا فأنكره ، فوقع فيما هو أنكر منه
قال محمد بن الحسين : فلا ينبغي لمن رأى اجتهاد خارجي قد خرج على إمام عدلا كان الإمام أو جائرا ، فخرج وجمع جماعة وسل سيفه ، واستحل قتال المسلمين ، فلا ينبغي له أن يغتر بقراءته للقرآن ، ولا بطول قيامه في الصلاة ، ولا بدوام صيامه ، ولا بحسن ألفاظه في العلم إذا كان مذهبه مذهب الخوارج ، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قلته أخبار لا يدفعها كثير من علماء المسلمين ، بل لعله لا يختلف في العلم بها جميع أئمة المسلمين

49 - حدثنا أبو شعيب عبد الله بن الحسن الحراني قال : حدثنا عاصم بن علي ، قال حدثنا أبو معشر وأخبرنا أبو عبد الله أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي قال : ثنا محمد بن بكار قال : حدثنا أبو معشر ، عن يعقوب بن زيد بن طلحة ، عن زيد بن أسلم ، عن أنس بن مالك قال : ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجل ذو نكاية للعدو واجتهاد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما أعرف هذا » فقالوا : يا رسول الله ، نعته كذا وكذا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما أعرفه » ، فبينا هم كذلك إذ طلع الرجل ، فقالوا : هذا ، يا رسول الله ، فقال : « ما كنت أعرف هذا ،

هذا أول قرن رأيته في أمتي ، إن به لسفعة من
الشيطان » قال : فلما دنا الرجل ، سلم ، فرد عليه القوم السلام قال : فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : « نشدتك بالله ، هل حدثت نفسك حين طلعت علينا ، أن ليس في القوم أحد أفضل منك ؟ قال : اللهم نعم ، قال : فدخل المسجد يصلي قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : » قم فاقتله « فدخل أبو بكر المسجد فوجده قائما يصلي ، فقال أبو بكر في نفسه : إن للصلاة لحرمة وحقا ولو استأمرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : فجاء إليه ، فقال له : » أقتلته ؟ « قال : لا ، رأيته قائما يصلي ، ورأيت للصلاة حقا وحرمة ، وإن شئت أن أقتله ، قتلته قال » لست بصاحبه « ثم قال : » اذهب يا عمر فاقتله « قال : فدخل عمر المسجد ، فإذا هو ساجد قال : فانتظره طويلا ، ثم قال : في نفسه : إن للسجود لحقا ، ولو أني استأمرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد استأمره من هو خير مني قال : فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : » أقتلته ؟ « قال : لا ، رأيته ساجدا ، ورأيت للسجود حقا ، وإن شئت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقتله قتلته قال : » لست بصاحبه « قم يا علي فاقتله ، أنت صاحبه إن وجدته » قال : فدخل علي كرم الله وجهه المسجد ، فلم يجده قال : فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لو قتل اليوم ما اختلف رجلان من أمتي حتى يخرج الدجال » وذكر باقي الحديث

50 - حدثنا أبو بكر قاسم بن زكريا المطرز قال : حدثنا فضل بن سهل الأعرج قال : حدثنا زيد بن الحباب قال : أخبرني موسى بن عبيدة قال : حدثني هود بن عطاء الحنفي ، عن أنس بن مالك قال : كان فينا شاب ذو عبادة وزهد ، فوصفناه للنبي صلى الله عليه وسلم ، وسميناه باسمه ، فلم يعرفه ، فبينا نحن كذلك إذ أقبل ، فقلنا : يا رسول الله هو ذا ، فقال : « إني لأرى على وجهه سفعة (1) من الشيطان » فجاء فسلم على القوم ، فردوا السلام ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أجعلت في نفسك أن ليس في القوم أحد خير منك ؟ « قال : نعم ، ثم ولى ، فدخل المسجد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » من يقتل الرجل ؟ « فقال أبو بكر : أنا يا رسول الله ، فدخل المسجد ، فوجده يصلي فقال أبو بكر : وجدته يصلي ، وقد نهيتنا عن ضرب المصلين ، فقال » من يقتل الرجل ؟ فقال عمر رضي الله عنه : أنا يا رسول الله فدخل المسجد فوجده ساجدا ، فقال : أقتل رجلا يصلي وقد نهانا عن ضرب المصلين « فجاء ، فقال له النبي : » مه يا عمر « قال وجدته ساجدا ، وقد نهيتنا عن ضرب المصلين ، ثم قال : » من يقتل الرجل ؟ « فقال علي كرم الله وجهه : أنا ، فقال : » أنت تقتله إن وجدته « ، فذهب علي فجاء فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : » مه يا علي « قال : وجدته قد خرج ، فقال : » أما إنك لو قتلته لكان أولهم وآخرهم ، وما اختلف من أمتي اثنان «
__________
(1) سفعة : تغَيُّر إلى السَّواد

باب ذكر قتل علي بن أبي طالب كرم الله وجهه للخوارج
مما أكرمه الله تعالى بقتالهم

51 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا صفوان بن صالح قال : حدثنا الوليد بن مسلم قال : حدثنا ابن لهيعة قال : حدثني بكير بن عبد الله بن الأشج ، عن بسر بن سعيد ، عن عبيد الله بن أبي رافع ، مولى أم سلمة : أن الحرورية ، لما خرجوا وهم مع علي بن أبي طالب ، قالوا : لا حكم إلا لله ، فقال علي : أجل ، كلمة حق أريد بها باطل ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف أناسا ، إني لأعرف صفتهم ، يقولون الحق لا يجاوز هذا منهم وأشار إلى حلقه ،

هم أبغض خلق الله إلى الله ، فيهم أسود إحدى يديه
طبي (1) شاة ، أو حلمة ثدي فلما قتلهم علي رضي الله عنه قال : انظروا ، فنظروا فلم يجدوا شيئا ، فقال : ارجعوا فوالله ما كذبت ولا كذبت مرتين أو ثلاثة ، ثم وجدوه في خربة (2) ، فأتوا به علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، حتى وضعوه بين يديه قال عبيد الله بن أبي رافع : أنا حضرت ذلك من أمرهم
__________
(1) طبي الشاة : ضرعها
(2) الخرب : البناء المتهدم

52 - وحدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا أحمد بن صالح قال : حدثنا عبد الله بن وهب قال : أخبرني عمرو يعني ابن الحارث ، عن بكير يعني ابن الأشج ، عن بسر بن سعيد ، عن عبيد الله بن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الحرورية لما خرجت وهم مع علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قالوا : لا حكم إلا لله ، فقال علي كرم الله وجهه : كلمة حق أريد بها باطل ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف ناسا إني لأعرف صفتهم في هؤلاء يقولون الحق بألسنتهم ، ولا يجاوز تراقيهم (1) وأشار إلى حلقه

هم أبغض خلق الله إليه تعالى ، منهم أسود ، إحدى
يديه طبي (2) شاة ، أو حلمة شاة قال : فلما قتلهم علي رضي الله عنه قال : انظروا فنظروا ، فلم يجدوا شيئا ، فقال : ارجعوا ، فوالله ما كذبت ولا كذبت مرتين أو ثلاثا ثم وجدوه في خربة (3) فأتوا به حتى وضعوه بين يديه قال عبيد الله : وأنا حاضر ذلك من أمرهم ، وقول علي فيهم
__________
(1) التَّراقِي : جمع تَرْقُوَة : وهي عظمة مشرفة بين ثغرة النحر والعاتق وهما ترقوتان
(2) طبي الشاة : ضرعها
(3) الخرب : البناء المتهدم

53 - أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله بن محمد بن ناجية قال : حدثنا محمد بن سليمان لوين قال : ثنا جعفر بن سليمان الضبعي قال : حدثنا عوف ، وهشام ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة يعني السلماني قال : شهدت مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه النهر ، فلما قتلت الخوارج قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : إن فيهم رجلا مخدج (1) اليد أو مودن (2) اليد ، قال : فنظروا فلم يقدروا عليه ، فقال ذلك ثلاثا ثم قال : انظروا وقلبوا القتلى ، فاستخرجوا رجلا آدم مثدنا (3) يده اليمنى كأنها ثدي المرأة ،

فلما رآه استقبل القبلة ورفع يديه فحمد الله وأثنى عليه وشكر
الله الذي ولاه قتلهم ، والذي أكرمه بقتالهم ، ثم أقبل علينا بوجهه ، فقال : لولا أن تبطروا (4) لحدثتكم بما سبق على لسان النبي صلى الله عليه وسلم من الكرامة لمن قاتل هؤلاء القوم قال عبيدة : فقلت : يا أمير المؤمنين ، أشيء بلغك عن النبي صلى الله عليه وسلم أو شيء سمعته منه ؟ قال : بل شيء سمعته منه ورب الكعبة
__________
(1) المخدج : القصير اليد ، والمراد رجل من الخوارج وصفه لهم النبي صلى الله عليه وسلم
(2) مودن اليد : ناقص اليد صغيرها
(3) المثدن : صَغير اليَد مُجْتَمِعُها، وقيل : المثدن مقلوب ثنَدَ، يُرِيد أنه يُشْبه ثُنْدُوَة الثَّدْي
(4) البَطر : الطُّغْيان عند النّعْمة وطُولِ الْغِنَى، والتكبر

54 - وأخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن صالح البخاري قال : حدثنا عبد الله بن عمر الكوفي قال : حدثنا وكيع ، عن جرير بن حازم ، وأبي عمرو بن العلاء النحوي ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة السلماني ، عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سيخرج قوم فيهم رجل مودن (1) اليد ، أو مثدون (2) اليد ، أو مخدج (3) اليد ، ولولا أن تبطروا (4) لأنبأتكم ما وعد الله تعالى الذين يقتلونهم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم قال عبيدة : فقلت لعلي رضي الله عنه : أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، سمعته ورب الكعبة ، سمعته إي ورب الكعبة ، سمعته إي ورب الكعبة سمعته
__________
(1) مودن اليد : ناقص اليد صغيرها
(2) مثدون اليد : صغير اليد مجتمعها
(3) المخدج : القصير اليد ، والمراد رجل من الخوارج وصفه لهم النبي صلى الله عليه وسلم
(4) البَطر : الطُّغْيان عند النّعْمة وطُولِ الْغِنَى، والتكبر

55 - وأخبرنا أبو محمد عبد الله بن صالح البخاري قال : حدثنا لوين محمد بن سليمان قال : حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن عبد الله بن شريك العامري ، عن جندب قال :

لما كان يوم قتل علي رضي الله عنه الخوارج نظرت إلى
وجوههم وإلى شمائلهم ، فشككت في قتالهم ، فتنحيت عن العسكر غير بعيد ، فنزلت عن دابتي ، وركزت رمحي ، ووضعت درعي (1) تحتي ، وعلقت برنسي (2) مستترا به من الشمس ، وأنا معتزل من العسكر ناحية ، إذ طلع أمير المؤمنين رضي الله عنه على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت في نفسي : ما لي وله ؟ أنا أفر منه ، وهو يجيء إلي ، فقال لي : يا جندب ، ما لك في هذا المكان تنحيت عن العسكر ؟ فقلت : يا أمير المؤمنين ، أصابني وعك (3) ، فشق علي الغبار ، فلم أستطع الوقوف قال : فقال : أما بلغك ما للعبد في غبار العسكر من الأجر ؟ ثم ثنى رحله ، فنزل ، فأخذت برأس دابته ، وقعد فقعدت ، فأخذت البرنس بيدي فسترته من الشمس ، فقال : فوالله إني لقاعد إذ جاء فارس يركض (4) ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إن القوم قد قطعوا الجسر ذاهبين ، قال : فالتفت إلي ، فقال : إن مصارعهم دون النهر ، قال : وإن الرجل الذي أخبره عنده واقف ، إذ جاء رجل آخر ، فقال : يا أمير المؤمنين ، قد والله عبروا ، فما بقي منهم أحد قال : ويحك ، إن مصارعهم دون النهر ، قال : فجاء فارس آخر يركض ، فقال : يا أمير المؤمنين ، والذي بعث نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق لقد رجعوا ، ثم جاء الناس ، فقالوا : قد رجعوا ، حتى إنهم ليتساقطون في الماء زحاما على العبور قال : ثم إن رجلا جاء ، فقال : يا أمير المؤمنين إن القوم قد صفوا الصفوف ، ورموا فينا ، وقد جرحوا فلانا ، فقال علي رضي الله عنه : هذا حين طاب القتال قال : فوثب فقعد على بغلته ، فقمت إلى سلاحي فلبسته ، ثم شددته علي ، ثم قعدت على فرسي ، وأخذت رمحي ، ثم خرجت ، فلا والله يا عبد الله بن شريك ، ما صليت العصر ، قال أبو جعفر لوين : أو قال : الظهر حتى قتلت بيدي سبعين
__________
(1) الدرع : قميص المرأة
(2) البرنس : كل ثوب رأسُه منه مُلْتَزق به
(3) الوعك : الحمى ، وقيل أَلَمُها
(4) يركض : يعدو

56 - وأخبرنا أبو عبد الله أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي قال : حدثنا محمد بن بكار قال : حدثنا إسماعيل بن زكريا ، عن يزيد بن أبي زياد قال : سألت سعيد بن جبير ، عن أصحاب النهر ، ؟ فقال : حدثني مسروق ، قال سألتني عائشة رضي الله عنها فقالت : «

هل أبصرت أنت الرجل الذي يذكرون ذا الثدية ؟
» قال : قلت لم أره ، ولكن قد شهد عندي من قد رآه ، قالت « فإذا قدمت الأرض فاكتب إلي بشهادة نفر قد رأوه أمناء » فجئت والناس أشياع قال : فكلمت من كل سبع عشرة ممن قد رآه قال : فقلت : كل هؤلاء عدل رضى ، فقالت : « قاتل الله فلانا ، فإنه كتب إلي أنه أصابه بمصر »

57 - قال إسماعيل : قال يزيد : وحدثني من ، سمع عائشة رضي الله عنها تقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إنهم شرار أمتي يقتلهم خيار أمتي » قالت : وما كان بيني وبينهم إلا ما كان بين المرأة وأحمائها قال محمد بن الحسين رحمه الله : رضي الله عن علي بن أبي طالب ورضي عن عائشة أم المؤمنين ، ونفعنا بحبهما ، وحب جميع الصحابة رضي الله عنهم

باب ذكر ثواب من قاتل الخوارج فقتلهم أو قتلوه

58 - حدثنا موسى بن هارون أبو عمران قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان (1) ، سفهاء الأحلام ، يقولون من خير قول الناس ، يمرقون (2) من الإسلام كما يمرق (3) السهم من الرمية (4) فمن لقيهم فليقتلهم ، فإن قتلهم أجر عند الله »
__________
(1) الأسنان : الأعمار
(2) يمرقون : يجوزون ويخرقون ويخرجون
(3) مرق السهم من الرمية : اخترقها وخرج من الجانب الآخر في سرعة
(4) الرمية : الهدف الذي يرمى

59 - أخبرنا أبو سعيد المفضل بن محمد الجندي ، بالمسجد الحرام قال : حدثنا علي بن زياد اللحجي قال : حدثنا أبو قرة موسى بن طارق قال : سمعت الأزهر بن صالح يقول : حدثني أبو غالب أنه سمع أبا أمامة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : خرجت خارجة بالشام فقتلوا ، وألقوا في جب (1) ، أو بئر قال : فأقبل أبو أمامة وأنا معه ، حتى وقف عليهم ، ثم بكى ، ثم قال : سبحان الله ، ما فعل الشيطان بهذه الأمة ؟ كلاب النار ، كلاب النار ، ثلاثا ، شر قتلى تحت ظل السماء ، شر قتلى تحت ظل السماء ، خير قتلى تحت ظل السماء ، خير قتلى تحت ظل السماء ، خير قتلى تحت ظل السماء من قتلوه قال : قلت يا أبا أمامة ، أشيء تقوله برأيك ، أم شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : إني إذن لجريء ، إني إذن لجريء ، ثلاثا ، بل سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة ، ولا مرتين ، ولا ثلاثا ، حتى عد عشرا ، سمعت من رسول الله يقول : « سيأتي قوم يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم (2) ، أو لا يعدو تراقيهم ، يمرقون (3) من الإسلام ، كما يمرق (4) السهم من الرمية ، لا يعودون في الإسلام حتى يعود السهم على فوقه ، طوبى (5) لمن قتلوه أو قتلهم »
__________
(1) الجب : البئر
(2) التَّراقِي : جمع تَرْقُوَة : وهي عظمة مشرفة بين ثغرة النحر والعاتق وهما ترقوتان
(3) يمرقون : يجوزون ويخرقون ويخرجون
(4) مرق السهم من الرمية : اخترقها وخرج من الجانب الآخر في سرعة
(5) طوبى : اسم الجنة ، وقيل هي شجرة فيها

60 - وحدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا عمي قال : حدثنا عصمة بن المتوكل قال : حدثني المبارك بن فضالة ، عن أبي غالب قال : كنت بالشام ، وبها صدي بن عجلان أبو أمامة ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان لي صديقا قال : فجيء برءوس الحرورية ، فألقيت بالدرج ، فجاء أبو أمامة فصلى ركعتين ، ثم توجه نحو الرءوس قال : فقلت : لأتبعنه حتى أسمع ما يقول ، قال : فتبعته حتى وقف عليهم فبكى ، ثم قال : « سبحان الله ما صنع إبليس بأهل هذه الأمة » قال ثم قال : «

كلاب أهل النار ، كلاب النار ، كلاب النار
، ثلاثا » ، ثم قال : « شر قتلى قتلوا تحت ظل السماء ، وخير قتلى الذين قتلوهم » قال : ثم تلا هذه الآية هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله (1)
__________
(1) سورة : آل عمران آية رقم : 7

61 - وحدثنا أبو بكر بن أبي داود أيضا قال حدثنا يعقوب بن سفيان قال : حدثني بكر بن خلف قال : حدثنا قطن بن عبد الله الحداني قال : حدثني أبي قال : حدثني أبو غالب قال : كنت في مسجد دمشق فجاءوا بسبعين رأسا من رءوس الخوارج ، فنصبت على درج (1) المسجد ، فجاء أبو أمامة فنظر إليهم فقال :

كلاب جهنم ، شر قتلى قتلوا تحت ظل السماء
، ومن قتلوا خير قتلى تحت ظل السماء ، وبكى فنظر إلي ، فقال : يا أبا غالب ، إنك ببلد هؤلاء به كثير قال : قلت : نعم قال : أعاذك الله تعالى منهم ، ثم قال : تقرأ القرآن ؟ قلت : نعم قال : هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات ، هن أم الكتاب وأخر متشابهات (2) إلى قوله والراسخون في العلم يقولون آمنا به قال : قلت : يا أبا أمامة : إني رأيت تغرغرت لهم عيناك قال : رحمة لهم ، إنهم كانوا من أهل الإسلام قال : فقال له رجل : يا أبا أمامة ، أمن رأيك تقوله ، أم شيء سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : إني إذا لجريء ، سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة ولا مرتين ، ولا ثلاث ولا أربع ولا خمس ولا ست ولا سبع
__________
(1) الدرج : الطريق
(2) سورة : آل عمران آية رقم : 7

62 - حدثنا حامد بن شعيب البلخي قال : حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب قال : حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق ، عن الأعمش ، عن ابن أبي أوفى : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « الخوارج كلاب النار » قال محمد بن الحسين : قد ذكرت من التحذير من مذاهب الخوارج ما فيه بلاغ لمن عصمه الله تعالى ، عن مذهب الخوارج ، ولم ير رأيهم ، وصبر على جور الأئمة ، وحيف الأمراء ، ولم يخرج عليهم بسيفه ، وسأل الله تعالى كشف الظلم عنه ، وعن المسلمين ، ودعا للولاة بالصلاح ، وحج معهم ، وجاهد معهم كل عدو للمسلمين وصلى معهم الجمعة والعيدين ، فإن أمروه بطاعة فأمكنه أطاعهم ، وإن لم يمكنه اعتذر إليهم ، وإن أمروه بمعصية لم يطعهم ، وإذا دارت الفتن بينهم لزم بيته وكف لسانه ويده ، ولم يهو ما هم فيه ، ولم يعن على فتنة ، فمن كان هذا وصفه كان على الصراط المستقيم إن شاء الله

باب في السمع والطاعة لمن ولي أمر المسلمين
والصبر عليهم وإن جاروا ، وترك الخروج عليهم ما أقاموا الصلاة

63 - أخبرنا أبو زكريا يحيى بن محمد بن البختري الحنائي قال : حدثنا محمد بن عبيد بن حساب قال : حدثنا حماد بن زيد قال : حدثنا عمر بن يزيد ، صاحب الطعام قال : سمعت الحسن أيام يزيد بن المهلب قال : وأتاه رهط (1) فأمرهم أن يلزموا بيوتهم ، ويغلقوا عليهم أبوابهم ، ثم قال :

والله لو أن الناس إذا ابتلوا من قبل سلطانهم صبروا
ما لبثوا أن يرفع الله ذلك عنهم ، وذلك أنهم يفزعون إلى السيف فيوكلوا إليه ، ووالله ما جاءوا بيوم خير قط ، ثم تلا : وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه ، وما كانوا يعرشون (2)
__________
(1) الرهط : الجماعة من الرجال دون العشرة
(2) سورة : الأعراف آية رقم : 137

64 - أخبرنا أبو جعفر أحمد بن يحيى الحلواني قال : حدثنا أحمد بن حنبل قال : حدثني يحيى بن سعيد ، عن هشام قال : نا الحسن ، عن ضبة بن محصن ، عن أم سلمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «

يكون عليكم أمراء تعرفون وتنكرون ، فمن عرف برئ
، ومن كره سلم ، ولكن من رضي وتابع » قالوا : أفلا نقاتلهم ؟ قال : « لا ما صلوا »

65 - وحدثنا أيضا أحمد بن يحيى الحلواني قال : حدثنا هدبة بن خالد قال : حدثنا همام قال : حدثنا قتادة ، عن الحسن ، عن ضبة بن محصن ، عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «

يكون عليكم أمراء تعرفون وتنكرون ، فمن عرف برئ
، ومن كره سلم ، ولكن من رضي وتابع » قالوا : أفلا نقاتلهم ؟ قال : « لا ما صلوا »

66 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري قال حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة قال حدثني أبو التياح عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «

اسمعوا وأطيعوا ، وإن استعمل عليكم حبشي كأن رأسه زبيبة
»

67 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد ، عن مالك بن أنس ، عن يحيى بن سعيد قال : أخبرني عبادة بن الوليد قال : أخبرني أبي ، عن أبيه قال : «

بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة
في اليسر والعسر والمنشط (1) والمكره ، وأن لا ننازع الأمر أهله ، وأن نقوم أو نقول بالحق حيثما كنا ، لا نخاف في الله لومة (2) لائم »
__________
(1) المنشط : الأمر الذي تنشط له وتحبه وترغب فيه
(2) اللوم : العَذَل والتعنيف

68 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا عبد الوهاب ، يعني الثقفي قال : سمعت يحيى بن سعيد يقول : أخبرني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت ، أن الوليد بن عبادة قال : أخبرني أبي قال : «

بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة
في العسر واليسر والمكره والمنشط » فذكر مثله

69 - حدثنا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن شاهين قال : حدثنا محمد بن بكار قال : حدثنا فرج بن فضالة ، عن لقمان بن عامر ، عن أبي أمامة الباهلي : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : « اسمعوا لهم وأطيعوا في عسركم ويسركم ومنشطكم (1) ومكرهكم ، وأثرة (2) عليكم ، ولا تنازعوا الأمر أهله ، وإن كان لكم »
__________
(1) المنشط : الأمر الذي تنشط له وتحبه وترغب فيه
(2) الأثرة والاستئثار : الانفراد بالشيء دون الآخرين

70 - وأخبرنا أحمد بن يحيى الحلواني قال : حدثنا أحمد بن حنبل قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن سماك بن حرب ، عن علقمة بن وائل الحضرمي ، عن أبيه قال : سأل يزيد بن سلمة الجعفي رسول الله صلى الله عليه وسلم : أرأيت إن قامت علينا أمراء ، فسألونا حقهم ، ومنعونا حقنا ، فما تأمرنا ؟ فأعرض عنه ، ثم سأله الثانية أو الثالثة ، فجبذه (1) الأشعث بن قيس ، وقال : «

اسمعوا وأطيعوا ، فإنما عليهم ما حملوا ، وعليكم ما
حملتم »
__________
(1) الجبذ : الشد والجذب بقوة

71 - حدثنا أبو شعيب عبد الله بن الحسن الحراني قال : حدثني جدي قال : حدثنا موسى بن أعين ، عن إبراهيم بن عبد الأعلى ، عن سويد بن غفلة قال : قال لي عمر بن الخطاب : «

لعلك أن تخلف بعدي ، فأطع الإمام ، وإن كان
عبدا حبشيا وإن ضربك فاصبر ، وإن حرمك فاصبر ، وإن دعاك إلى أمر منقصة في دنياك فقل : سمعا وطاعة ، دمي دون ديني »

72 - وأخبرنا أبو زكريا يحيى بن محمد الحنائي قال : حدثنا محمد بن عبيد بن حساب قال : حدثنا حماد بن زيد قال : حدثنا ليث ، عن إبراهيم بن عبد الأعلى ، عن سويد بن غفلة قال : قال لي عمر بن الخطاب رضي الله عنه : « لا أدري

لعلك أن تخلف بعدي فأطع الإمام ، وإن أمر عليك عبد
حبشي مجدع (1) ، وإن ظلمك فاصبر ، وإن حرمك فاصبر ، وإن دعاك إلى أمر ينقصك في دنياك فقل : سمعا وطاعة ، دمي دون ديني » قال محمد بن الحسين : فإن قال قائل : إيش الذي يحتمل عندك قول عمر رضي الله عنه فيما قاله ؟ قيل له : يحتمل والله أعلم أن نقول : من أمر عليك من عربي أو غيره أسود أو أبيض أو عجمي فأطعه فيما ليس لله فيه معصية ، وإن حرمك حقا لك ، أو ضربك ظلما لك ، أو انتهك عرضك ، أو أخذ مالك ، فلا يحملك ذلك على أن تخرج عليه بسيفك حتى تقاتله ، ولا تخرج مع خارجي يقاتله ، ولا تحرض غيرك على الخروج عليه ، ولكن اصبر عليه وقد يحتمل أن يدعوك إلى منقصة في دينك من غير هذه الجهة يحتمل أن يأمرك بقتل من لا يستحق القتل ، أو بقطع عضو من لا يستحق ذلك ، أو بضرب من لا يحل ضربه ، أو بأخذ مال من لا يستحق أن تأخذ ماله ، أو بظلم من لا يحل له ولا لك ظلمه ، فلا يسعك أن تطيعه ، فإن قال لك : لئن لم تفعل ما آمرك به وإلا قتلتك أو ضربتك ، فقل : دمي دون ديني ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم « لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق عز وجل » ولقوله صلى الله عليه وسلم « إنما الطاعة في المعروف »
__________
(1) المجدع : المقطوع

73 - حدثنا أبو جعفر أحمد بن خالد البردعي في المسجد الحرام سنة تسع وسبعين ومائتين قال : حدثنا علي بن سهل الرملي قال : حدثنا الوليد بن مسلم عن ابن جابر ، قال : حدثني رزيق مولى بني فزارة قال : سمعت مسلم بن قرظة الأشجعي ، يقول : سمعت عمي عوف بن مالك الأشجعي يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «

خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ، وتصلون عليهم ويصلون عليكم
، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم ، وتلعنونهم ويلعنونكم » قلنا : يا رسول الله : أفلا ننابذهم (1) على ذلك ؟ قال : لا ، ما أقاموا فيكم الصلاة ، لا ما أقاموا فيكم الصلاة ، ألا من ولي عليكم منهم ، فرآه يأتي شيئا من معصية الله عز وجل ، فلينكر ما يأتي به من معصية الله ، ولا تنزعن يدا من طاعة الله عز وجل « قلت لرزيق : الله ، يا أبا المقدام لسمعت مسلم بن قرظة ، يقول : سمعت عمي عوف بن مالك ، يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : ما أخبرت به عنه ؟ قال ابن جابر : فجثا رزيق على ركبتيه ، واستقبل القبلة ، وحلف على ما سألته أن يحلف عليه قال ابن جابر : ولم أستحلفه اتهاما له ، ولكني استحلفته استثباتا
__________
(1) المنابذة : المكاشفة بالعداوة والمقاتلة
باب فضل القعود في الفتنة عن الخوض فيها
وتخوف العقلاء على قلوبهم أن تهوى ما يكرهه الله تعالى ولزوم البيوت والعبادة لله تعالى

74 - حدثنا أبو جعفر أحمد بن يحيى الحلواني قال : حدثنا سعيد بن سليمان ، عن إبراهيم بن سعد ، عن أبيه ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «

تكون فتنة القاعد فيها خير من الماشي ، والماشي فيها
خير من الساعي (1) ، من يستشرف لها تستشرف له ، ومن وجد منها ملجأ أو معاذا (2) فليعذ (3) به »
__________
(1) السعي : المشي السريع القريب من الجري
(2) المعاذ : الملاذ والمأوى والملجأ الذي نعتصم به
(3) عاذ : لجأ وتحصن واعتصم واحتمى

75 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا وهب بن بقية الواسطي ، قال : أنا خالد ، يعني ابن عبد الله الواسطي ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «

تكون فتن كرياح الصيف ، القاعد فيها خير من القائم
، والقائم فيها خير من الماشي ، من استشرف (1) لها استشرفته »
__________
(1) استشرف : رغب وتطلع

76 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدثنا شيبان بن فروخ قال : ثنا سليمان بن المغيرة ، عن حميد بن هلال ، عن رجل كان مع الخوارج ثم فارقهم ، قال أبو القاسم وحدثني جدي ، وأبو خيثمة قالا : نا إسماعيل بن إبراهيم ، عن أيوب ، عن حميد بن هلال ، عن رجل من عبد القيس كان مع الخوارج ، ثم فارقهم قال : دخلوا قرية فخرج عبد الله بن خباب ذعرا (1) ، يجر رداءه (2) ، فقالوا لم ترع (3) ؟ لم ترع ؟ مرتين ، فقال : والله لقد رعتموني قالوا : أنت عبد الله بن خباب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : نعم ، قالوا : فهل سمعت من أبيك حديثا يحدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحدثناه ؟ قال : سمعته يقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إنه

ذكر فتنة ، القاعد فيها خير من القائم ، والقائم فيها
خير من الماشي ، والماشي فيها خير من الساعي ، قال : فإن أدركتها فكن عبد الله المقتول » قال أيوب : ولا أعلمه إلا قال : ولا تكن عبد الله القاتل ، قالوا : أنت سمعت هذا من أبيك يحدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال نعم ، فقدموه على ضفة النهر ، فضربوا عنقه ، فسال دمه كأنه شراك (4) ما اخذفر يعني ما اختلط بالماء الدم وبقروا (5) أم ولده عما في بطنها «
__________
(1) الذعر : الفزع والخوف الشديد
(2) الرداء : ما يوضع على أعالي البدن من الثياب
(3) الروع : الخوف الشديد والفزع
(4) الشراك : أحد السيور من الجلد والتي تمسك بالنعل على ظهر القدم
(5) بقر : شَقَّ

77 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد أيضا قال : حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب قال : حدثنا عبد الواحد بن زياد قال : أنا عاصم ، عن أبي كبشة قال : سمعت أبا موسى يقول على المنبر : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «

إن بين أيديكم فتنا كقطع الليل المظلم ، يصبح الرجل
فيها مؤمنا ، ويمسي كافرا ، ويمسي مؤمنا ، ويصبح كافرا ، القاعد فيها خير من القائم ، والقائم فيها خير من الماشي ، والماشي فيها خير من الساعي (1) » قالوا : فما تأمرنا ؟ قال : « كونوا أحلاس (2) بيوتكم »
__________
(1) السعي : المشي السريع القريب من الجري
(2) الأحلاس : جمع حلس : وهو الكساء الذي يلي ظهر البعير تحت القتب ، ومعنى : كونوا أحلاس البيوت أي الزموها

78 - وحدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا عبد الملك بن شعيب قال : حدثني ابن وهب قال : حدثني الليث بن سعد ، عن يحيى بن سعيد ، عن خالد بن أبي عمران ، أن الحكم بن مسعود النجراني ، حدثه ، أن أنس بن أبي مرثد الأنصاري حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « ستكون فتنة بكماء (1) صماء عمياء ، المضطجع فيها خير من القاعد ، والقاعد فيها خير من القائم ، والقائم فيها خير من الماشي ، والماشي خير من الساعي (2) ، ومن أبى فليمدد عنقه »
__________
(1) بكماء : لا تنطق والمعنى لا ينطق أحد فيها بالحق أو النصح
(2) السعي : المشي السريع القريب من الجري

79 - وحدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا أسيد بن عاصم الأصبهاني قال : حدثنا إسماعيل بن عمرو قال : أخبرنا قيس ، عن حصين بن عبد الرحمن ، عن شقيق بن سلمة ، عن حذيفة وعن مجالد ، عن عامر ، عن مسروق ، عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «

تتقارب الفتن ، ولا ينجو منها إلا من كرهها
، ولم يأخذ المال ، فإن أخذ المال فهو شريكهم في الدماء وغيرها » قال محمد بن الحسين : قد ذكرت هذا الباب في كتاب الفتن في أحاديث كثيرة ، وقد ذكرت هاهنا طرفا منها ؛ ليكون المؤمن العاقل يحتاط لدينه ، فإن الفتن على وجوه كثيرة ، وقد مضى منها فتن عظيمة ، نجا منها أقوام ، وهلك فيها أقوام باتباعهم الهوى ، وإيثارهم للدنيا ، فمن أراد الله به خيرا فتح له باب الدعاء ، والتجأ إلى مولاه الكريم ، وخاف على دينه ، وحفظ لسانه ، وعرف زمانه ، ولزم المحجة الواضحة السواد الأعظم ، ولم يتلون في دينه ، وعبد ربه تعالى ، فترك الخوض في الفتنة ، فإن الفتنة يفتضح عندها خلق كثير ، ألم تسمع إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو محذر أمته الفتن ؟ قال : « يصبح الرجل مؤمنا ، ويمسي كافرا ، ويمسي مؤمنا ، ويصبح كافرا »

80 - حدثنا أبو العباس عبد الله بن الصقر السكري قال : حدثنا محمد بن المصفى قال : حدثنا الوليد بن مسلم قال : ثنا الوليد بن سليمان بن أبي السائب ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «

ستكون فتن يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا ، إلا
من أحياه الله بالعلم »

81 - حدثنا أبو بكر محمد بن هارون بن المجدر قال : حدثنا أحمد بن الحسن بن خراش قال حدثنا عمرو بن عاصم قال : حدثنا معتمر قال : سمعت أبي يحدث عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة : عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «

بادروا بالأعمال ، ستكون فتن كقطع الليل المظلم ، يصبح
الرجل مؤمنا ، ويمسي كافرا ، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا ، يبيع الرجل دينه بعرض من الدنيا »

82 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا عبد الوهاب الوراق قال : أنا هاشم بن القاسم ، عن الأشجعي ، عن سفيان يعني الثوري ، عن أبي سنان الشيباني ، عن سعيد بن جبير قال : قال لي راهب : يا سعيد

في الفتنة يتبين لك من يعبد الله تعالى ، ومن يعبد
الطاغوت

83 - أخبرنا أبو محمد عبد الله بن صالح البخاري قال : حدثنا محمد بن سليمان لوين قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن المعلى بن زياد ، عن معاوية بن قرة ، عن معقل بن يسار قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « العبادة في الهرج (1) كالهجرة إلي » وحدثنا علي بن إسحاق بن زاكيا قال : حدثنا محمد بن سليمان لوين قال : حدثنا حماد بن زيد وذكر الحديث ، مثله إلى آخره
__________
(1) الهرج : الفتنة والاختلاط والقتل، وأصل الهرج الكثرة في الشيء والاتساع

باب الحث على التمسك بكتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى
الله عليه وسلم وسنة أصحابه رضي الله عنهم وترك البدع وترك النظر والجدال فيما يخالف فيه الكتاب والسنة وقول الصحابة رضي الله عنهم

84 - أخبرنا الفريابي قال حدثنا حبان بن موسى قال : أنا عبد الله بن المبارك ، عن سفيان الثوري ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته : « نحمد الله بما هو أهله » ثم يقول «

من يهد الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا
هادي له ، أصدق الحديث كتاب الله عز وجل ، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار »

85 - حدثنا أبو بكر محمد بن الليث الجوهري قال : نا أبو هشام الرفاعي قال : حدثنا أبو بكر بن عياش قال : حدثنا أبو حصين ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «

إن أحسن الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد
، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة »

86 - أخبرنا إبراهيم بن موسى الجوزي قال : حدثنا داود بن رشيد قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، عن ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان ، عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي ، وحجر الكلاعي قالا : دخلنا على العرباض بن سارية ، وهو الذي نزلت فيه : ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم (1) الآية وهو مريض قال : فقلنا له : إنا جئناك زائرين وعائدين ، ومقتبسين ، فقال عرباض : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الغداة (2) ، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ، ذرفت (3) منها العيون ووجلت (4) منها القلوب فقال قائل : يا رسول الله : إن هذه لموعظة مودع ، فما تعهد إلينا ؟ قال : «

أوصيكم بتقوى الله ، والطاعة والسمع ، وإن كان عبدا
حبشيا ، فإنه من يعش منكم بعدي سيرى اختلافا كثيرا ، فعليكم بسنتي ، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضوا عليها بالنواجذ (5) ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة » وحدثنا أبو الفضل جعفر بن محمد الصندلي قال : حدثنا الفضل بن زياد قال : حدثنا أبو عبد الله أحمد بن حنبل قال : حدثنا الوليد بن مسلم قال : حدثنا ثور بن يزيد ، وذكر الحديث مثله إلى آخره
__________
(1) سورة : التوبة آية رقم : 92
(2) الغداة : الصبح
(3) ذرفت العيون : سال منها الدمع
(4) الوجل : الخوف والخشية والفزع
(5) النواجذ : هي أواخُر الأسنان. وقيل : التي بعد الأنياب.

87 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال حدثنا أحمد بن صالح المصري قال : حدثنا أسد بن موسى قال : نا معاوية بن صالح قال : حدثنا ضمرة بن حبيب ، عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي ، أنه سمع عرباض بن سارية السلمي يقول : وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت (1) منها العيون ، ووجلت (2) منها القلوب ، قلنا : يا رسول الله ، إن هذه موعظة مودع ، فما تعهد إلينا ؟ قال : «

قد تركتكم على البيضاء ، ليلها ونهارها ، ولا يزيغ
عنها بعدي إلا هالك ، ومن يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا ، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين وعليكم بالطاعة ، وإن عبدا حبشيا ، عضوا عليها بالنواجذ (3) » حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا زهير بن محمد المروزي قال : أنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد ، عن ثور بن يزيد ، وذكر الحديث نحوا منه إلى آخره
__________
(1) ذرفت العيون : سال منها الدمع
(2) الوجل : الخوف والخشية والفزع
(3) النواجذ : هي أواخُر الأسنان. وقيل : التي بعد الأنياب.

88 - وحدثنا ابن عبد الحميد أيضا قال : حدثنا زهير قال : أنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن أبي إدريس الخولاني قال : أخبرني يزيد بن عميرة ، أنه سمع معاذ بن جبل ، رضي الله عنه يقول في كل مجلس يجلسه : «

هلك المرتابون ، إن من ورائكم فتنا يكثر فيها المال
، ويفتح فيها القرآن ، حتى يأخذه الرجل والمرأة والحر والعبد ، والصغير والكبير ، فيوشك الرجل أن يقرأ القرآن في ذلك الزمان فيقول : ما بال الناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآن ، فيقول : ما هم بمتبعي حتى أبتدع لهم غيره ، فإياكم وما ابتدع ، فإنما ابتدع ضلالة »

89 - وأخبرنا إبراهيم بن موسى الجوزي قال : حدثنا أبو بكر بن زنجويه قال : حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري قال : سمعت أبا إدريس الخولاني ، يقول : أدركت أبا الدرداء ووعيت عنه ، وأدركت عبادة بن الصامت ووعيت عنه ، وأدركت شداد بن أوس ووعيت عنه ، وفاتني معاذ بن جبل ، فأخبرني يزيد بن عميرة ، أنه كان يقول في كل مجلس يجلسه : «

الله حكم عدل قسط ، تبارك اسمه ، هلك المرتابون
، إن من ورائكم فتنا يكثر فيها المال ، ويفتح فيها القرآن ، حتى يأخذ الرجل والمرأة ، والحر والعبد ، والصغير والكبير ، فيوشك الرجل أن يقرأ القرآن في ذلك الزمان فيقول : قد قرأت القرآن فما للناس لا يتبعوني ، وقد قرأت القرآن ثم يقول : ما هم بمتبعي حتى أبتدع لهم غيره ، فإياكم وما ابتدع ، فإن ما ابتدع ضلالة ، اتقوا زيغة (1) العالم ، فإن الشيطان يلقي على في (2) الحكيم كلمة الضلالة ، ويلقي المنافق كلمة الحق قال : قلنا : وما يدرينا رحمك الله أن المنافق يلقي كلمة الحق ، وأن الشيطان يلقي على في الحكيم كلمة الضلالة ؟ قال : اجتنبوا من كلمة الحكيم كل متشابه ، الذي إذا سمعته قلت : ما هذه ؟ ولا ينأينك ذلك عنه ، فإنه لعله أن يراجع ، ويلقي الحق إذا سمعه ، فإن على الحق نورا »
__________
(1) الزيغ : البعد عن الحق ، والميل عن الاستقامة
(2) فيه : أي فمه

90 - أخبرنا الفريابي قال : نا الحسن بن علي الحلواني ، بطرسوس سنة ثلاث وثلاثين ومائتين قال : سمعت مطرف بن عبد الله يقول : سمعت مالك بن أنس إذا ذكر عنده الزائغون في الدين يقول : قال عمر بن عبد العزيز : «

سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر من
بعده سننا ، الأخذ بها اتباع لكتاب الله تعالى ، واستكمال لطاعة الله تعالى ، وقوة على دين الله ، ليس لأحد من الخلق تغييرها ، ولا تبديلها ، ولا النظر في شيء خالفها ، من اهتدى بها فهو مهتد ، ومن استنصر بها فهو منصور ، ومن تركها اتبع غير سبيل المؤمنين ، وولاه الله ما تولى ، وأصلاه جهنم وساءت مصيرا »

91 - حدثنا أبو محمد الحسن بن علويه القطان قال : حدثنا عاصم بن علي قال : حدثنا الليث بن سعد ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن بكير بن عبد الله بن الأشج : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : «

إن ناسا يجادلونكم بشبيه القرآن ، فخذوهم بالسنن ، فإن
أصحاب السنن أعلم بكتاب الله تعالى »
باب التحذير من طوائف يعارضون سنن النبي صلى الله عليه وسلم
بكتاب الله تعالى وشدة الإنكار على هذه الطبقة قال محمد بن الحسين : ينبغي لأهل العلم والعقل إذا سمعوا قائلا يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء قد ثبت عند العلماء ، فعارض إنسان جاهل فقال : لا أقبل إلا ما كان في كتاب الله تعالى ، قيل له : أنت رجل سوء ، وأنت ممن يحذرناك النبي صلى الله عليه وسلم ، وحذر منك العلماء وقيل له : يا جاهل ، إن الله أنزل فرائضه جملة ، وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبين للناس ما أنزل إليهم قال الله عز وجل وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون (1) فأقام الله تعالى نبيه عليه السلام مقام البيان عنه ، وأمر الخلق بطاعته ، ونهاهم عن معصيته ، وأمرهم بالانتهاء عما نهاهم عنه ، فقال تعالى : وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا (2) ، ثم حذرهم أن يخالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تعالى : فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم (3) وقال عز وجل : فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما (4) ثم فرض على الخلق طاعته صلى الله عليه وسلم في نيف وثلاثين موضعا من كتابه تعالى وقيل لهذا المعارض لسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا جاهل قال الله تعالى : وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة (5) أين تجد في كتاب الله تعالى أن الفجر ركعتان ، وأن الظهر أربع ، والعصر أربع ، والمغرب ثلاث ، وأن العشاء الآخرة أربع ؟ أين تجد أحكام الصلاة ومواقيتها ، وما يصلحها وما يبطلها إلا من سنن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ ومثله الزكاة ، أين تجد في كتاب الله تعالى من مائتي درهم خمسة دراهم ، ومن عشرين دينارا نصف دينار ، ومن أربعين شاة شاة ، ومن خمس من الإبل شاة ، ومن جميع أحكام الزكاة ، أين تجد هذا في كتاب الله تعالى ؟ وكذلك جميع فرائض الله ، التي فرضها الله في كتابه ، لا يعلم الحكم فيها إلا بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا قول علماء المسلمين ، من قال غير هذا خرج عن ملة الإسلام ، ودخل في ملة الملحدين ، نعوذ بالله من الضلالة بعد الهدى وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن صحابته رضي الله عنهم مثل ما بينت لك فاعلم ذلك
__________
(1) سورة : النحل آية رقم : 44
(2) سورة : الحشر آية رقم : 7
(3) سورة : النور آية رقم : 63
(4) سورة : النساء آية رقم : 65
(5) سورة : البقرة آية رقم : 43

92 - حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني قال : حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن سالم أبي النضر ، عن عبيد الله بن أبي رافع ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا ألفين أحدكم متكئا (1) على أريكته (2) يبلغه الأمر عني ، فيقول : ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه لم أجد هذا في كتاب الله تعالى »
__________
(1) اتكأ : اضطجع متمكنا والاضطجاع الميل على أحد جنبيه
(2) الأريكة : كل ما اتكئ عليه من سرير أو فراش أو منصة

93 - وحدثنا أبو العباس أحمد بن سهل الأشناني قال : حدثنا الحسين بن علي بن الأسود العجلي قال : حدثنا يحيى بن آدم قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن محمد بن المنكدر ، عن سالم أبي النضر ، عن عبيد الله بن أبي رافع ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا أعرفن أحدكم متكئا (1) على أريكته (2) ، يأتيه الأمر من أمري ، مما أمرت به ، أو نهيت عنه فيقول : لا ندري ، ما وجدنا في كتاب الله تعالى اتبعناه »
__________
(1) اتكأ : اضطجع متمكنا والاضطجاع الميل على أحد جنبيه
(2) الأريكة : كل ما اتكئ عليه من سرير أو فراش أو منصة

94 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا زهير بن محمد المروزي قال : أنا عاصم بن علي قال : حدثنا أبو معشر قال : ثنا سعيد ، عن أبي هريرة : قال رسول الله : «

لا أعرفن أحدا منكم أتاه عني حديث ، وهو متكئ
(1) على أريكته (2) يقول اتل به قرآنا »
__________
(1) اتكأ : اضطجع متمكنا والاضطجاع الميل على أحد جنبيه
(2) الأريكة : كل ما اتكئ عليه من سرير أو فراش أو منصة

95 - أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عفير الأنصاري قال : ثنا نصر بن علي الجهضمي قال حدثنا أبي قال : حدثنا حريز بن عثمان ، عن عبد الرحمن بن أبي عوف ، عن المقدام بن معد يكرب الكندي : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

ألا إني أوتيت الكتاب ومثله ، ألا إني أوتيت القرآن
ومثله ، ألا إني أوتيت القرآن ومثله ، ألا إنه يوشك رجل شبعان على أريكته (1) يقول : عليكم بهذا القرآن ، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه ، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه وذكر الحديث
__________
(1) الأريكة : كل ما اتكئ عليه من سرير أو فراش أو منصة

96 - أخبرنا أحمد بن سهل الأشناني قال : حدثنا الحسين بن علي بن الأسود قال : حدثنا يحيى بن آدم قال : حدثنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن أبي نضرة ، عن عمران بن الحصين أنه قال لرجل : « إنك امرؤ أحمق ،

أتجد في كتاب الله تعالى الظهر أربعا لا تجهر فيها بالقراءة
؟ ثم عدد عليه الصلاة والزكاة ونحوهما ، ثم قال : أتجد هذا في كتاب الله تعالى مفسرا ؟ إن كتاب الله أحكم ذلك ، وإن السنة تفسر ذلك »

97 - وحدثنا أحمد بن سهل قال : حدثنا الحسين بن علي قال : حدثنا يحيى بن آدم قال : حدثنا ثوبان ، عن حماد بن سلمة ، عن يعلى بن حكيم ، عن سعيد بن جبير أنه حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا فقال رجل : إن الله تعالى قال في كتابه : كذا وكذا فقال :

ألا أراك تعارض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب
الله تعالى ، رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بكتاب الله تعالى

98 - حدثنا أحمد بن سهل قال : حدثنا الحسين بن علي قال : حدثنا يحيى بن آدم قال : حدثنا قطبة بن عبد العزيز ، وأبو بكر بن عياش ، عن عبد الرحمن بن يزيد أنه رأى محرما عليه ثيابه ، فنهى المحرم ، فقال : ائتني بآية من كتاب الله تعالى بنزع ثيابي ، فقرأ عليه :

وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا
(1)
__________
(1) سورة : الحشر آية رقم : 7

99 - حدثنا أبو محمد الحسن بن علوية القطان قال : حدثنا عاصم بن علي قال : حدثنا الليث بن سعد ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن بكير بن عبد الله بن الأشج : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال :

إن ناسا يجادلونكم بشبيه القرآن ، فخذوهم بالسنن ، فإن أصحاب
السنن أعلم بكتاب الله تعالى

100 - وحدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا عيسى بن حماد زغبة قال : حدثنا الليث بن سعد ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن بكير بن الأشج قال : إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال :

سيأتي ناس يجادلونكم بشبهات القرآن فخذوهم بالسنن ، فإن أصحاب السنن
أعلم بكتاب الله تعالى

101 - وأخبرنا يوسف بن يعقوب القاضي قال : حدثنا أبو الربيع يعني الزهراني قال : حدثنا جرير يعني ابن عبد الحميد ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة قال : قال عبد الله : لعن الله الواشمات (1) والمستوشمات (2) والمتفلجات (3) للحسن ، المغيرات لخلق الله تعالى فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب كانت تقرأ القرآن فأتته فقالت له : ما حديث بلغني عنك أنك لعنت الواشمات والمتوشمات والمتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله تعالى ؟ فقال عبد الله : وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله تعالى ، فقالت : لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدت هذا ، قال : فقال عبد الله : لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه ، ثم قال : وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا (4)
__________
(1) الواشمة : هي فاعلة الوشم وهو أن يغرز الجلد بإبرة ثم يحشى بكحل أو نيل فيزرق أثره أو يخضر
(2) المستوشمة : التي تطلب من يطبع النقوش على جلدها طلبا للحسن
(3) المتفلجات : المفرقات بين الأسنان طلبا للجمال
(4) سورة : الحشر آية رقم : 7

102 - أخبرنا يوسف بن يعقوب قال : حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله قال : « لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشمات » فذكر نحو الحديث قبله حدثنا أحمد بن سهل الأشناني قال : حدثنا الحسين بن علي قال : حدثنا يحيى بن آدم قال : حدثنا المفضل بن المهلهل ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله ، أن امرأة من بني أسد وذكر الحديث نحوه

103 - وحدثنا أحمد بن سهل أيضا قال : حدثنا الحسين بن علي قال : حدثنا يحيى بن آدم قال : حدثنا ابن المبارك ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء : في قول الله تعالى فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول (1) قال : إلى الله : إلى كتاب الله ، وإلى الرسول إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
(1) سورة : النساء آية رقم : 59

104 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا زهير بن محمد المروزي قال : أنا الحوطي عبد الوهاب بن نجدة قال : حدثنا بقية بن الوليد قال : حدثنا سوادة بن زياد ، وعمرو بن مهاجر ، عن عمر بن عبد العزيز ، أنه كتب إلى الناس : إنه

لا رأي لأحد مع سنة سنها رسول الله

105 - وأخبرنا أحمد بن عبد الجبار الصوفي قال : حدثنا هاشم بن القاسم الحراني قال : حدثنا عيسى يعني ابن يونس ، عن الأوزاعي ، عن مكحول قال :

السنة سنتان : سنة الأخذ بها فريضة ، وتركها كفر وسنة
الأخذ بها فضيلة ، وتركها إلى غير حرج قال محمد بن الحسين : فيما ذكرت في هذا الجزء من التمسك بشريعة الحق ، والاستقامة على ما ندب الله تعالى إليه أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وندبهم إليه الرسول صلى الله عليه وسلم : ما إذا تدبره العاقل علم أنه قد ألزمه التمسك بكتاب الله تعالى ، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبسنة الخلفاء الراشدين ، وجميع الصحابة رضي الله عنهم ، وجميع من تبعهم بإحسان ، وأئمة المسلمين ، وترك الجدال والمراء والخصومة في الدين ، ولزم مجانبة أهل البدع ، والاتباع ، وترك الابتداع ، فقد كفانا علم من مضى من أئمة المسلمين الذين لا يستوحش عن ذكرهم ، من مذاهب أهل البدع والضلالات ، والله الموفق لكل رشاد ، والمعين عليه
باب ذم الجدال والخصومات في الدين

106 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا زهير بن محمد المروزي قال : أنا يعلى بن عبيد قال : نا الحجاج بن دينار ، عن أبي غالب ، عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل
، ثم قرأ : ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون (1)
__________
(1) سورة : الزخرف آية رقم : 58

107 - وحدثنا أبو حفص عمر بن أيوب السقطي قال : حدثنا محفوظ بن أبي توبة قال : حدثنا محمد بن بشر العبدي قال : حدثنا حجاج بن دينار ، عن أبي غالب ، عن أبي أمامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أتوا الجدل
، ثم تلا هذه الآية : ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون (1)
__________
(1) سورة : الزخرف آية رقم : 58

108 - وحدثنا عمر بن أيوب السقطي ، أيضا قال محمد بن الصباح الجرجرائي قال : حدثنا كثير بن مروان الفلسطيني ، عن عبد الله بن يزيد الدمشقي قال : حدثني أبو الدرداء ، وأبو أمامة ، وواثلة بن الأسقع ، وأنس بن مالك قالوا : خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتمارى في شيء من الدين ، فغضب غضبا شديدا لم يغضب مثله ، ثم انتهرنا ، فقال : «

يا أمة محمد ، لا تهيجوا على أنفسكم وهج النار
ثم قال : أبهذا أمرتم ؟ أو ليس عن هذا نهيتم ، أو ليس إنما هلك من كان قبلكم بهذا ؟ ثم قال : ذروا (1) المراء لقلة خيره ، ذروا المراء ، فإن نفعه قليل ، ويهيج العداوة بين الإخوان ، ذروا المراء ، فإن المراء لا تؤمن فتنته ، ذروا المراء ، فإن المراء يورث الشك ويحبط العمل ، ذروا المراء ، فإن المؤمن لا يماري (2) ، ذروا المراء ، فإن المماري قد تمت حسراته ، ذروا المراء ، فكفى بك إثما لا تزال مماريا ، ذروا المراء فإن المماري لا أشفع له يوم القيامة ، ذروا المراء ، فأنا زعيم بثلاثة أبيات في الجنة : في وسطها ، ورباضها ، وأعلاها لمن ترك المراء وهو صادق ، ذروا المراء ، فإن أول ما نهاني ربي تعالى عنه بعد عبادة الأوثان ، وشرب الخمر ، المراء ذروا المراء فإن الشيطان قد أيس أن يعبد ولكنه قد رضي منك بالتحريش ، وهو المراء في الدين ، ذروا المراء ، فإن بني إسرائيل افترقوا على إحدى وسبعين فرقة ، والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة ، وإن أمتي ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة ، كلها على الضلالة ، إلا السواد الأعظم » قالوا : يا رسول الله ، ما السواد الأعظم ؟ قال : « من كان على ما أنا عليه وأصحابي ، من لم يمار في دين الله تعالى ولم يكفر أحدا من أهل التوحيد بذنب » وذكر الحديث قال محمد بن الحسين : لما سمع هذا أهل العلم من التابعين ومن بعدهم من أئمة المسلمين لم يماروا في الدين ، ولم يجادلوا ، وحذروا المسلمين المراء والجدال ، وأمروهم بالأخذ بالسنن ، وبما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم ، وهذا طريق أهل الحق ممن وفقه الله تعالى ، وسنذكر عنهم ما دل على ما قلنا إن شاء الله تعالى
__________
(1) ذروا : اتركوا
(2) المراء : المجادلة على مذهب الشك والريبة

109 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا يحيى بن آدم قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن محمد بن واسع ، عن مسلم بن يسار أنه كان يقول : « إياكم والمراء (1) فإنها ساعة جهل العالم ، وبها يبتغي الشيطان زلته »
__________
(1) المراء : المجادلة على مذهب الشك والريبة

110 - وحدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا زهير بن محمد المروزي ، قال حدثنا سريج بن النعمان قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن محمد بن واسع ، عن مسلم بن يسار قال : إنه كان يقول : « إياكم والمراء (1) ، فإنها ساعة جهل العالم ، وبها يبتغي الشيطان زلته »
__________
(1) المراء : المجادلة على مذهب الشك والريبة

111 - وحدثنا الفريابي قال : ثنا قتيبة بن سعيد قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب قال : كان أبو قلابة يقول :

لا تجالسوا أهل الأهواء ، ولا تجادلوهم ، فإني لا
آمن أن يغمسوكم في الضلالة ، أو يلبسوا عليكم في الدين بعض ما لبس عليهم

112 - حدثنا عمر بن أيوب السقطي قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال : حدثنا هشيم بن بشير ، عن العوام بن حوشب ، عن معاوية بن قرة قال :

الخصومات في الدين تحبط الأعمال

113 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن يحيى بن سعيد ، أن عمر بن عبد العزيز قال :

من جعل دينه غرضا للخصومات أكثر التنقل

114 - وحدثنا الفريابي ، أيضا قال : حدثني إبراهيم بن المنذر الحزامي قال : حدثنا معن بن عيسى قال : انصرف مالك بن أنس يوما من المسجد ، وهو متكئ على يدي فلحقه رجل يقال له : أبو الجويرية كان يتهم بالإرجاء ، فقال : يا أبا عبد الله اسمع مني شيئا أكلمك به وأحاجك وأخبرك برأيي قال : فإن غلبتني ؟ قال : إن غلبتك اتبعتني قال : فإن جاء رجل آخر ، فكلمنا فغلبنا ؟ قال : نتبعه قال مالك رحمه الله : يا عبد الله ، بعث الله عز وجل محمدا صلى الله عليه وسلم بدين واحد ، وأراك تنتقل من دين إلى دين قال عمر بن عبد العزيز :

من جعل دينه غرضا للخصومات أكثر التنقل

115 - وحدثنا الفريابي قال : ثنا محمد بن داود الفريابي قال : حدثنا محمد بن عيسى قال ثنا مخلد ، عن هشام يعني ابن حسان قال : جاء رجل إلى الحسن فقال : يا أبا سعيد ، تعال حتى أخاصمك في الدين ، فقال الحسن :

أما أنا فقد أبصرت ديني ، فإن كنت أضللت دينك فالتمسه

116 - وحدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : ثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا حماد بن مسعدة قال : كان عمران القصير يقول :

إياكم والمنازعة والخصومة ، وإياكم وهؤلاء الذين يقولون أرأيت أرأيت

117 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا أبو الخطاب ، زياد بن يحيى قال : ثنا سعيد بن عامر قال : حدثنا سلام بن أبي مطيع : أن رجلا من أصحاب الأهواء قال لأيوب السختياني يا أبا بكر ؟ أسألك عن كلمة قال :

فولى أيوب ، وجعل يشير بإصبعه : ولا نصف كلمة ولا
نصف كلمة

118 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا سعيد بن عامر قال سمعت جدي ، أسماء بن خارجة يحدث قال : دخل رجلان على محمد بن سيرين من أهل الأهواء ، فقالا : يا أبا بكر نحدثك بحديث ؟ قال : لا قالا : فنقرأ عليك آية من كتاب الله عز وجل ؟ قال :

لا ، لتقومن عني أو لأقومن

119 - وحدثنا ابن عبد الحميد قال : حدثنا زهير بن محمد قال : حدثنا موسى بن أيوب الأنطاكي قال : حدثنا عتاب بن بشير ، عن خصيف ، قال :

مكتوب في التوراة يا موسى لا تخاصم أهل الأهواء يا موسى
لا تجادل أهل الأهواء ، فيقع في قلبك شيء ، فيرديك فيدخلك النار

120 - قال زهير : سمعت أحمد بن حنبل رحمه الله يقول : سمعت مروان بن شجاع يقول : سمعت عبد الكريم الجزري يقول :

ما خاصم ورع قط في الدين

121 - وحدثنا ابن عبد الحميد قال : حدثنا زهير قال ، أخبرنا أبو خالد قال : حدثنا سفيان ، عن عمرو يعني ابن قيس قال : قلت للحكم :

ما اضطر الناس إلى الأهواء ؟ قال : الخصومات

122 - حدثنا عمر بن أيوب السقطي قال : حدثنا محفوظ بن أبي توبة قال : حدثنا محمد بن بشر العبدي ، عن زياد بن كليب قال : قال أبو حمزة لإبراهيم : يا أبا عمران أي هذه الأهواء أعجب إليك ؟ فإني أحب أن آخذ برأيك وأقتدي بك ، قال :

ما جعل الله في شيء منها مثقال ذرة من خير
، وما هي إلا زينة الشيطان وما الأمر إلا الأمر الأول

123 - حدثنا عمر بن أيوب قال : حدثنا محفوظ قال : حدثنا إبراهيم بن خالد الصنعاني قال : حدثنا رباح بن زيد ، عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه : أن رجلا قال لابن عباس : الحمد لله الذي جعل هوانا على هواكم قال : فقال ابن عباس :

الهوى كله ضلالة

124 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا العباس بن الوليد بن مزيد قال : أخبرني أبي قال : سمعت الأوزاعي يقول :

عليك بآثار من سلف ، وإن رفضك الناس ، وإياك وآراء
الرجال ، وإن زخرفوا لك بالقول

125 - حدثنا أبو زكريا يحيى بن محمد الحنائي قال : حدثنا محمد بن عبيد بن حساب قال : حدثنا حماد بن زيد قال : حدثنا محمد بن واسع قال : رأيت صفوان بن محرز وأشار بيده إلى ناحية من المسجد ، وشببة قريب منه ، يتجادلون ، فرأيته ينفض ثوبه وقام وقال :

إنما أنتم جرب إنما أنتم جرب

126 - حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا الحسين بن الحسن المروزي قال : حدثنا عبد الله بن المبارك ، أنا أبو الحكم قال : أنا موسى بن أبي كردم وقال غيره : ابن أبي درم ، عن وهب بن منبه قال : بلغ ابن عباس عن مجلس ، كان في ناحية باب بني سهم ، يجلس فيه ناس من قريش فيختصمون ، فترتفع أصواتهم ، فقال ابن عباس : انطلقوا بنا إليهم ، فانطلقنا حتى وقفنا ، فقال لي ابن عباس : أخبرهم عن كلام الفتى الذي كلم به أيوب عليه السلام وهو في بلائه ، قال وهب : فقلت : قال الفتى : يا أيوب

أما كان في عظمة الله وذكر الموت ما يكل لسانك ويقطع
قلبك ويكسر حجتك ، يا أيوب أما علمت أن لله تعالى عبادا أسكنتهم خشية الله من غير عي (1) ولا بكم ، وإنهم لهم النبلاء الفصحاء الطلقاء الألباء العالمون بالله وأيامه ، ولكنهم إذا ذكروا عظمة الله تعالى تقطعت قلوبهم وكلت ألسنتهم وطاشت عقولهم وأحلامهم فرقا من الله تعالى وهيبة له فإذا استفاقوا من ذلك استبقوا إلى الله بالأعمال الزاكية ، لا يستكثرون لله الكثير ولا يرضون له بالقليل يعدون أنفسهم مع الظالمين الخاطئين ، وإنهم لأنزاه ، أبرار ، أخيار ، ومع المضيعين المفرطين ، وإنهم لأكياس أقوياء ، ناحلون دائبون ، يراهم الجاهل فيقول : مرضى وليسوا بمرضى ، وقد خولطوا وقد خالط القوم أمر عظيم
__________
(1) العي : العجز عن التعبير اللفظي بما يفيد المعنى المقصود

127 - حدثنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار قال : حدثنا محمد بن حسان بن فيروز الأزرق قال : حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد قال : حدثني موسى بن أبي درم ، عن يوسف يعني ابن ماهك ، عن ابن عباس أنه بلغه عن مجلس في ناحية بني سهم فيه شباب من قريش يختصمون ويرتفع أصواتهم ، فقال ابن عباس لوهب بن منبه : انطلق بنا إليهم قال : فانطلقا حتى وقفنا عليهم ، فقال ابن عباس لوهب بن منبه : أخبر القوم عن كلام الفتى الذي كلم به أيوب عليه السلام وهو في بلائه ، فقال وهب : قال الفتى :

لقد كان في عظمة الله عز وجل ، وذكر الموت
، ما يكل لسانك ، ويقطع قلبك ، ويكسر حجتك ؟ أفلم تعلم يا أيوب أن لله عبادا ، أسكتتهم خشية الله من غير عي (1) ولا بكم ، وإنهم لهم الفصحاء الطلقاء العالمون بالله وأيامه ، ولكنهم إذا ذكروا عظمة الله تعالى تقطعت قلوبهم ، وكلت ألسنتهم ، وكلت أحلامهم فرقا من الله تعالى وهيبة له ، حتى إذا استفاقوا من ذلك ابتدروا إلى الله تعالى بالأعمال الزاكية ، لا يستكثرون لله الكثير ، ولا يرضون له بالقليل ، ناحلون ذائبون ، يراهم الجاهل فيقول : مرضى ، وقد خولطوا ، وقد خالط القوم أمر عظيم
__________
(1) العي : العجز عن التعبير اللفظي بما يفيد المعنى المقصود

128 - وحدثنا ابن عبد الحميد قال : حدثنا زهير قال : حدثنا أبو حذيفة الصنعاني قال : حدثني عبد الصمد بن معقل ، أنه سمع وهبا يقول : دع المراء (1) والجدال عن أمرك ، فإنك لا تعجز أحد رجلين : رجل هو أعلم منك ، فكيف تماري وتجادل من هو أعلم منك ؟ ورجل أنت أعلم منه ، فكيف تماري وتجادل من أنت أعلم منه ، ولا يطيعك ، فاقطع ذلك عليك قال محمد بن الحسين رحمه الله : من كان له علم وعقل ، فميز جميع ما تقدم ذكري له من أول الكتاب إلى هذا الموضع علم أنه محتاج إلى العمل به ، فإن أراد الله به خيرا لزم سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان من أئمة المسلمين في كل عصر ، وتعلم العلم لنفسه ، لينتفي عنه الجهل ، وكان مراده أن يتعلمه لله تعالى ولم يكن مراده ، أن يتعلمه للمراء والجدال والخصومات ، ولا للدنيا ، ومن كان هذا مراده سلم إن شاء الله تعالى من الأهواء والبدع والضلالة ، واتبع ما كان عليه من تقدم من أئمة المسلمين الذين لا يستوحش من ذكرهم ، وسأل الله تعالى أن يوفقه لذلك فإن قال قائل : فإن كان رجل قد علمه الله تعالى علما ، فجاءه رجل يسأله عن مسألة في الدين ، ينازعه فيها ويخاصمه ، ترى له أن يناظره ، حتى تثبت عليه الحجة ، ويرد عليه قوله ؟ قيل له : هذا الذي نهينا عنه ، وهو الذي حذرناه من تقدم من أئمة المسلمين فإن قال قائل : فماذا نصنع ؟ قيل له : إن كان الذي يسألك مسألته مسألة مسترشد إلى طريق الحق لا مناظرة ، فأرشده بألطف ما يكون من البيان بالعلم من الكتاب والسنة ، وقول الصحابة ، وقول أئمة المسلمين رضي الله عنهم وإن كان يريد مناظرتك ، ومجادلتك ، فهذا الذي كره لك العلماء ، فلا تناظره ، واحذره على دينك ، كما قال من تقدم من أئمة المسلمين إن كنت لهم متبعا فإن قال : فندعهم يتكلمون بالباطل ، ونسكت عنهم ؟ قيل له : سكوتك عنهم وهجرتك لما تكلموا به أشد عليهم من مناظرتك لهم كذا قال من تقدم من السلف الصالح من علماء المسلمين
__________
(1) المراء : المجادلة على مذهب الشك والريبة

129 - حدثنا أبو بكر بن عبد الحميد قال : حدثنا زهير بن محمد قال : أنا منصور ، عن سفيان قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب أنه قال :

لست براد عليهم ، أشد من السكوت

130 - أخبرنا الفريابي قال : حدثنا أبو تقي هشام بن عبد الملك الحمصي قال : حدثنا محمد بن حرب ، عن أبي سلمة سليمان بن سليم ، عن أبي حصين ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس قال :

لا تجالس أهل الأهواء ، فإن مجالستهم ممرضة للقلوب

131 - حدثنا الفريابي قال : حدثني محمد بن داود قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم قال : حدثنا مهدي بن ميمون قال : سمعت محمدا يعني ابن سيرين : وماراه رجل في شيء فقال محمد :

إني أعلم ما تريد ، وأنا أعلم بالمراء منك ، ولكني
لا أماريك قال محمد بن الحسين : ألم تسمع رحمك الله إلى ما تقدم ذكرنا له من قول أبي قلابة : لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم ، فإني لا آمن أن يغمسوكم في الضلالة ، أو يلبسوا عليكم في الدين بعض ما لبس عليهم أو لم تسمع إلى قول الحسن وقد سأله عن مسألة فقال : ألا تناظرني في الدين ؟ فقال له الحسن : أما أنا فقد أبصرت ديني ، فإن كنت أنت أضللت دينك فالتمسه أو لم تسمع إلى قول عمر بن عبد العزيز : من جعل دينه غرضا للخصومات أكثر التنقل قال محمد بن الحسين رحمه الله : فمن اقتدى بهؤلاء الأئمة سلم له دينه إن شاء الله تعالى ، فإن قال قائل : فإن اضطرني في الأمر وقتا من الأوقات إلى مناظرتهم ، وإثبات الحجة عليهم ألا أناظرهم ؟ قيل له : الاضطرار إنما يكون مع إمام له مذهب سوء ، فيمتحن الناس ويدعوهم إلى مذهبه ، كفعل من مضى في وقت أحمد بن حنبل : ثلاثة خلفاء امتحنوا الناس ، ودعوهم إلى مذهبهم السوء ، فلم يجد العلماء بدا من الذب عن الدين ، وأرادوا بذلك معرفة العامة الحق من الباطل ، فناظروهم ضرورة لا اختيارا ، فأثبت الله تعالى الحق مع أحمد بن حنبل ومن كان على طريقته وأذل الله تعالى المعتزلة وفضحهم وعرفت العامة أن الحق ما كان عليه أحمد ومن تابعه إلى يوم القيامة ، أرجو أن يعيذ الله الكريم أهل العلم من أهل السنة والجماعة من محنة تكون أبدا وبلغني عن المهتدي رحمه الله أنه قال : ما فظع أبي يعني الواثق إلا شيخ جيء به من المصيصة ، فمكث في السجن مدة ، ثم إن أبي ذكره يوما ، فقال : علي بالشيخ ، فأتي به مقيدا ، فلما أوقف بين يديه سلم فلم يرد عليه السلام ، فقال له الشيخ : يا أمير المؤمنين ، ما استعملت معي أدب الله تعالى ، ولا أدب رسوله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى : وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها (1) وأمر النبي صلى الله عليه وسلم برد السلام ، فقال له : وعليك السلام ، ثم قال لابن أبي دؤاد : سله ، فقال يا أمير المؤمنين : أنا محبوس مقيد ، أصلي في الحبس بتيمم ، منعت الماء فمر بقيودي تحل ، ومر لي بماء أتطهر وأصلي ، ثم سلني قال : فأمر ، فحل قيده وأمر له بماء ، فتوضأ وصلى ثم قال : لابن أبي دؤاد : سله ، فقال الشيخ : المسألة لي ، تأمره أن يجيبني فقال : سل ، فأقبل الشيخ على ابن أبي دؤاد فقال : أخبرني عن هذا الذي تدعو الناس إليه ، أشيء دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : لا ، قال : فشيء دعا إليه أبو بكر الصديق بعده ؟ قال : لا ، قال : فشيء دعا إليه عمر بن الخطاب بعدهما ؟ قال : لا ، قال : فشيء دعا إليه عثمان بن عفان بعدهم ؟ قال : لا ، قال : فشيء دعا إليه علي بن أبي طالب بعدهم ؟ قال : لا ، قال : فشيء لم يدع إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ، ولا عمر ولا عثمان ، ولا علي رضي اللهم عنهم ، تدعو أنت الناس إليه ؟ ليس يخلو أن تقول : علموه أو جهلوه ، فإن قلت : علموه ، وسكتوا عنه ، وسعنا وإياك ما وسع القوم من السكوت ، وإن قلت : جهلوه وعلمته أنا ، فيا لكع بن لكع ، يجهل النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون رضي الله عنهم شيئا تعلمه أنت وأصحابك ؟ قال المهتدي : فرأيت أبي وثب قائما ودخل الحبزي ، وجعل ثوبه في فيه ، يضحك ؟ ثم جعل يقول : صدق ، ليس يخلو من أن يقول : جهلوه أو علموه ، فإن قلنا : علموه وسكتوا عنه وسعنا من السكوت ما وسع القوم ، وإن قلنا : جهلوه وعلمته أنت ، فيا لكع بن لكع يجهل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه شيئا تعلمه أنت وأصحابك ؟ ثم قال : يا أحمد ، قلت : لبيك ، قال : لست أعنيك ، إنما أعني ابن أبي دؤاد ، فوثب إليه فقال : أعط هذا الشيخ نفقته وأخرجه عن بلدنا قال محمد بن الحسين : وبعد هذا نأمر بحفظ السنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسنن أصحابه رضي الله عنهم ، والتابعين لهم بإحسان ، وقول أئمة المسلمين مثل مالك بن أنس ، والأوزاعي ، وسفيان الثوري ، وابن المبارك وأمثالهم ، والشافعي رضي الله عنه وأحمد بن حنبل ، والقاسم بن سلام ، ومن كان على طريقة هؤلاء من العلماء ، وينبذ من سواهم ، ولا نناظر ، ولا نجادل ولا نخاصم ، وإذا لقي صاحب بدعة في طريق أخذ في غيره ، وإن حضر مجلسا هو فيه قام عنه هكذا أدبنا من مضى من سلفنا
__________
(1) سورة : النساء آية رقم : 86

132 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا أبو الأصبغ عبد العزيز بن يحيى الحراني ، قال : حدثنا أبو إسحاق الفزاري ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير قال :

إذا لقيت صاحب بدعة في طريق فخذ في غيره

133 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن أبي قلابة أنه كان يقول :

إن أهل الأهواء أهل الضلالة ، ولا أرى مصيرهم إلا إلى
النار

134 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا إبراهيم بن عثمان المصيصي قال : حدثنا مخلد بن الحسين ، عن هشام بن حسان ، عن الحسن قال :

صاحب البدعة لا تقبل له صلاة ولا صيام ولا حج ولا
عمرة ولا جهاد ، ولا صرف (1) ولا عدل (2)
__________
(1) الصرف : التوبة وقيل : النافلة
(2) العدل : الفدية وقيل : الفَرِيضَة

135 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا عبد الأعلى بن حماد قال حدثنا وهيب ، قال : حدثنا أيوب ، عن أبي قلابة قال :

ما ابتدع الرجل بدعة إلا استحل السيف

136 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا الحسن بن علي الحلواني ، بطرسوس سنة ثلاث وثلاثين ومائتين قال : سمعت مطرف بن عبد الله يقول سمعت مالك بن أنس إذا ذكر عنده الزائغون في الدين يقول : قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله :

سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر من بعده
سننا ، الأخذ بها اتباع لكتاب الله ، واستكمال لطاعة الله ، وقوة على دين الله ليس لأحد من الخلق تغييرها ولا تبديلها ، ولا النظر في شيء خالفها ، من اهتدى بها فهو مهتد ومن استنصر بها فهو منصور ، ومن تركها واتبع غير سبيل المؤمنين ، ولاه الله ما تولى ، وأصلاه جهنم وساءت مصيرا قال محمد بن الحسين : فإن قال قائل : هذا الذي ذكرته وبينته قد عرفناه ، فإذا لم تكن مناظرتنا في شيء من الأهواء التي ينكرها أهل الحق ، ونهينا عن الجدال والمراء والخصومة فيها ، فإن كانت مسألة من الفقه في الأحكام ، مثل الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والنكاح والطلاق ، وما أشبه ذلك من الأحكام ، هل لنا مباح أن نناظر فيه ونجادل ، أم هو محظور علينا ، عرفنا ما يلزم فيه كيف السلامة ، قيل له : هذا الذي ذكرته ما أقل من يسلم من المناظرة فيه ، حتى لا يلحقه فيه فتنة ولا مأثم ، ولا يظفر فيه الشيطان فإن قال كيف ؟ قيل له : هذا ، قد كثر في الناس جدا في أهل العلم والفقه في كل بلد يناظر الرجل الرجل يريد مغالبته ، ويعلو صوته ، والاستظهار عليه بالاحتجاج ، فيحمر لذلك وجهه ، وتنتفخ أوداجه ، ويعلو صوته ، وكل واحد منهما يحب أن يخطئ صاحبه ، وهذا المراد من كل واحد منهما خطأ عظيم ، لا يحمد عواقبه ولا يحمده العلماء من العقلاء ؛ لأن مرادك أن يخطئ مناظرك : خطأ منك ، ومعصية عظيمة ، ومراده أن تخطئ خطأ منه ومعصية ، فمتى يسلم الجميع ؟ فإن قال قائل : فإنما نناظر لتخرج لنا الفائدة ؟ قيل له : هذا كلام ظاهر ، وفي الباطن غيره وقيل له : إذا أردت وجه السلامة في المناظرة لطلب الفائدة ، كما ذكرت ، فإذا كنت أنت حجازيا ، والذي يناظرك عراقيا ، وبينكما مسألة ، تقول أنت : حلال ، ويقول هو : بل حرام فإن كنتما تريدان السلامة ، وطلب الفائدة ، فقل له : رحمك الله هذه المسألة قد اختلف فيها من تقدم من الشيوخ ، فتعال حتى نتناظر فيها منا صحة لا مغالبة فإن يكن الحق فيها معك ، اتبعتك ، وتركت قولي ، وإن يكن الحق معي ، اتبعتني وتركت قولك ، لا أريد أن تخطئ ولا أغالبك ، ولا تريد أن أخطئ ، ولا تغالبني فإن جرى الأمر على هذا فهو حسن جميل ، وما أعز هذا في الناس فإذا قال كل واحد منهما : لا نطيق هذا ، وصدقا عن أنفسهما قيل : لكل واحد منهما ، قد عرفت قولك وقول صاحبك وأصحابك واحتجاجهم ، وأنت فلا ترجع عن قولك ، وترى أن خصمك على الخطأ وقال خصمك كذلك ، فما بكما إلى المجادلة والمراء والخصومة حاجة إذا كان كل واحد منكما ليس يريد الرجوع عن مذهبه ، وإنما مراد كل واحد منكما أن يخطئ صاحبه ، فأنتما آثمان بهذا المراد ، أعاذ الله العلماء العقلاء عن مثل هذا المراد فإذا لم تجر المناظرة على المناصحة ، فالسكوت أسلم ، قد عرفت ما عندك وما عنده وعرف ما عنده وما عندك ، والسلام ثم لا نأمن أن يقول لك في مناظرته : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتقول له : هذا حديث ضعيف ، أو تقول : لم يقله النبي صلى الله عليه وسلم كل ذلك ، لترد قوله ، وهذا عظيم ، وكذلك يقول لك أيضا ، فكل واحد منكما يرد حجة صاحبه بالمخارقة والمغالبة وهذا موجود في كثير ممن رأينا يناظر ويجادل ونتجادل ، حتى ربما خرق بعضهم على بعض هذا الذي خافه النبي صلى الله عليه وسلم على أمته ، وكرهه العلماء ممن تقدم والله أعلم
باب ذكر النهي عن المراء في القرآن

137 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود السجستاني قال : حدثنا أبو الطاهر أحمد بن عمرو قال : أنا ابن وهب قال : أخبرني سليمان بن بلال ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « مراء (1) في القرآن كفر »
__________
(1) المراء : المجادلة على مذهب الشك والريبة

138 - حدثنا أبو حفص عمر بن أيوب السقطي قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا يحيى بن يعلى التيمي ، عن منصور ، عن سعد بن إبراهيم ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « المراء (1) في القرآن كفر »
__________
(1) المراء : المجادلة على مذهب الشك والريبة

139 - حدثنا الفريابي قال : ثنا محمد بن عبيد بن حساب قال : حدثنا حماد بن زيد قال : حدثنا أبو عمران الجوني قال : كتب إلي عبد الله بن رباح الأنصاري : إني سمعت عبد الله بن عمرو يقول : هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما إذ سمع صوت رجلين اختلفا في آية من القرآن فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف في وجهه الغضب ، فقال : «

إنما هلك من كان قبلكم باختلافهم في الكتاب
»

140 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا زهير بن محمد المروزي قال : أنا عبد الرزاق قال : أنا معمر ، عن الزهري ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو قال : سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما يتدارءون (1) في القرآن ، فقال : «

إنما هلك من كان قبلكم بهذا ضربوا كتاب الله عز
وجل بعضه ببعض وإنما كتاب الله يصدق بعضه بعضا ، فلا تكذبوا بعضه ببعض ، فما علمتم منه فقولوا به ، وما جهلتم فكلوه (2) إلى عالمه »
__________
(1) يتدارءون : يختلفون
(2) وكَلْتُ الأمر إلى فلان : أي ألْجأته إليه واعتَمَدْتُ فيه عليه. ووكَّل فلانٌ فلاناً، إذا اسْتكْفاه أمرَه ثقةً بكفايَتِه، أو عَجْزاً عن القِيام بأمر نفسِه

141 - حدثنا عمر بن أيوب السقطي قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا عبد الله بن نمير قال : موسى بن عبيدة قال : أنا عبد الله بن يزيد ، عن عبد الرحمن بن ثوبان ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « دعوا المراء (1) في القرآن ، فإن الأمم قبلكم لم يلعنوا حتى اختلفوا في القرآن ، وإن المراء في القرآن كفر »
__________
(1) المراء : المجادلة على مذهب الشك والريبة

142 - وحدثنا أبو بكر بن عبد الحميد قال : حدثنا زهير بن محمد قال : حدثنا عبد الله بن المبارك قال : حدثنا سويد أبو حاتم ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبي أمامة قال : بينما نحن نتذاكر عند باب رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن ، ينزع هذا بآية وهذا بآية فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأنما صب على وجهه الخل ، فقال : « يا هؤلاء ،

لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض ، فإنه لم تضل أمة
إلا أوتوا الجدل » قال محمد بن الحسين رحمه الله : فإن قال قائل : عرفنا هذا المراء الذي هو كفر ، ما هو ؟ قيل له : نزل هذا القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبعة أحرف ، ومعناها : على سبع لغات ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقن كل قبيلة من العرب القرآن على حسب ما يحتمل من لغتهم ، تخفيفا من الله تعالى بأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فكانوا ربما إذا التقوا ، يقول بعضهم لبعض : ليس هكذا القرآن ، وليس هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويعيب بعضهم قراءة بعض فنهوا عن هذا : اقرءوا كما علمتم ، ولا يجحد بعضكم قراءة بعض ، واحذروا الجدال والمراء فيما قد تعلمتم ، والحجة فيما قلنا

143 - ما حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا أبو هشام محمد بن يزيد الرفاعي قال : حدثنا أبو بكر بن عياش قال حدثنا عاصم ، عن زر ، عن عبد الله قال : قلت لرجل : أقرئني من الأحقاف ثلاثين آية ، فأقرأني خلاف ما أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلت لآخر : أقرئني من الأحقاف ثلاثين آية ، فأقرأني خلاف ما أقرأني الأول ، وأتيت بهما النبي صلى الله عليه وسلم ، فغضب ، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه عنده جالس فقال علي كرم الله وجهه : قال لكم : «

اقرءوا كما علمتم
»

144 - وحدثنا أيضا أبو محمد بن صاعد قال : حدثنا أحمد بن سنان القطان قال : حدثنا يزيد بن هارون ، أنا شريك ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله أنه قال : أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة ، فدخلت المسجد فقلت : أفيكم من يقرأ ؟ فقال رجل من القوم : أنا أقرأ فقرأ السورة التي أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا هو يقرأ بخلاف ما أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فانطلقنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والرجل ، وإذا عنده علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فقلنا : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفنا في قراءتنا ، فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال علي كرم الله وجهه : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «

إنما هلك من كان قبلكم بالاختلاف ، فليقرأ كل رجل
منكم ما أقرئ »

145 - وأخبرنا إبراهيم بن موسى الجوزي قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال : أنا مالك بن أنس ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عبد الرحمن بن عبد القاري ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : سمعت هشام بن حكيم ، يقرأ سورة الفرقان في الصلاة على غير ما أقرؤها ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأنيها ، فأخذت بثوبه ، فذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ، إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها ، فقال : « » اقرأ « » فقرأ القراءة التي سمعتها منه ، فقال : « » هكذا أنزل إن

هذا القرآن نزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه
« » قال محمد بن الحسين : فصار المراء في القرآن كفرا بهذا المعنى يقول هذا : قراءتي أفضل من قراءتك ، ويقول الآخر : بل قراءتي أفضل من قراءتك ، ويكذب بعضهم بعضا ، فقيل لهم : ليقرأ كل إنسان كما علم ، ولا يعب بعضكم قراءة غيره ، واتقوا الله ، واعملوا بمحكمه ، وآمنوا بمتشابهه ، واعتبروا بأمثاله ، وأحلوا حلاله ، وحرموا حرامه قال محمد بن الحسين رحمه الله : وقد ذكرت في تأليف كتاب المصحف ، مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه الذي أجمعت عليه الأمة والصحابة ، ومن بعدهم من التابعين ، وأئمة المسلمين في كل بلد ، وقول السبعة الأئمة في القرآن ما فيه كفاية ، ولم أحب ترداده هاهنا ، وإنما مرادي هاهنا ترك الجدال والمراء في القرآن ، فإنا قد نهينا عنه ، ولا يقول إنسان في القرآن برأيه ، ولا يفسر القرآن ، إلا ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أحد من الصحابة ، أو عن أحد من التابعين أو عن إمام من أئمة المسلمين ، ولا يماري ولا يجادل ، فإن قال قائل : فإنا قد نرى الفقهاء يتناظرون في الفقه ، فيقول أحدهم : قال الله تعالى كذا ، وقال النبي كذا وكذا ، فهل يكون هذا من مراء في القرآن ؟ قيل : معاذ الله ، ليس هذا مراء فإن الفقيه ربما ناظره الرجل في مسألة ، فيقول له على جهة البيان والنصيحة حجتنا فيه قال الله تعالى كذا وقال النبي صلى الله عليه وسلم على جهة النصيحة والبيان ، لا على جهة المماراة ، فمن كان هكذا ، ولم يرد المغالبة ، ولا أن يخطئ خصمه ويستظهر عليه سلم ، وقبل إن شاء الله تعالى كما ذكرنا في الباب الذي قبله قال الحسن : المؤمن لا يداري ولا يماري ، ينشر حكمة الله ، فإن قبلت حمد الله وإن ردت حمد الله عز وجل وعلا وبعد هذا فأكره الجدال والمراء ورفع الصوت في المناظرة في الفقه إلا على الوقار والسكينة الحسنة وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : تعلموا العلم ، وتعلموا للعلم السكينة والحلم ، وتواضعوا لمن تتعلمون منه وليتواضع لكم من تعلمونه ولا تكونوا جبابرة العلماء ، فلا يقوم علمكم بجهلكم
باب تحذير النبي صلى الله عليه وسلم أمته الذين يجادلون بمتشابه
القرآن وعقوبة الإمام لمن يجادل فيه

146 - أخبرنا أبو زكريا يحيى بن محمد الحنائي قال : حدثنا محمد بن عبيد بن حساب قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن عبد الله بن أبي مليكة ، أن عائشة رضي الله عنها قالت : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما هذه الآية :

هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب
، وأخر متشابهات (1) إلى آخر الآية فقالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « فإذا رأيتم الذين يجادلون فيه ، أو به ، فهم الذين عنى الله تعالى ، فاحذروهم »
__________
(1) سورة : آل عمران آية رقم : 7

147 - حدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف قال : حدثنا محمد بن أبي عمر العدني قال : حدثنا عبد الوهاب الثقفي ، عن أيوب ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ :

هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات ، هن أم
الكتاب وأخر متشابهات (1) إلى آخر الآية فقال : « إذا رأيتم الذين يجادلون فيه ، فهم الذين عنى الله تعالى ، فاحذروهم »
__________
(1) سورة : آل عمران آية رقم : 7

148 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : ثنا يحيى بن حكيم قال : ثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد ، قال : ثنا أيوب ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية : هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات (1) إلى قوله : أولو الألباب فقال : « يا عائشة إذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عنى الله فاحذروهم » ولهذا الحديث طرق جماعة
__________
(1) سورة : آل عمران آية رقم : 7

149 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا إسماعيل بن أبي الحارث قال : حدثنا مكي بن إبراهيم قال : حدثنا الجعيد بن عبد الرحمن ، عن يزيد بن خصيفة ، عن السائب بن يزيد قال : أتي عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالوا : يا أمير المؤمنين ، إنا لقينا رجلا يسأل عن تأويل القرآن ، فقال : اللهم أمكني منه قال : فبينا عمر ذات يوم يغدي الناس ، إذ جاءه رجل عليه ثياب وعمامة يتغدى حتى إذا فرغ قال : يا أمير المؤمنين والذاريات ذروا ، فالحاملات وقرا (1) فقال عمر : أنت هو ؟ فقام إليه فحسر عن ذراعيه فلم يزل يجلده حتى سقطت عمامته ، فقال : والذي نفس عمر بيده ،

لو وجدتك محلوقا لضربت رأسك ، ألبسوه ثيابه ، واحملوه على
قتب (2) ، ثم أخرجوه حتى تقدموا به بلاده ، ثم ليقم خطيبا ، ثم ليقل : إن صبيغا طلب العلم فأخطأه فلم يزل وضيعا في قومه حتى هلك وكان سيد قومه
__________
(1) سورة : الذاريات آية رقم : 1
(2) القتب : هو الرحل الذي يوضع حول سنام البعير تحت الراكب

150 - أخبرنا أبو عبيد علي بن الحسين بن حرب القاضي قال : حدثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن يزيد بن حازم ، عن سليمان بن يسار : أن رجلا من بني تميم يقال له : صبيغ بن عسل ، قدم المدينة ، وكانت عنده كتب ، فجعل يسأل عن متشابه القرآن ، فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فبعث إليه وقد أعد له عراجين (1) النخل ، فلما دخل عليه جلس ، فقال له عمر : من أنت ؟ فقال : أنا عبد الله صبيغ فقال عمر : وأنا عبد الله عمر ، ثم أهوى إليه فجعل يضربه بتلك العراجين ، فما زال يضربه حتى شجه ، فجعل الدم يسيل على وجهه ، فقال : حسبك يا أمير المؤمنين ، فقد والله ذهب الذي كنت أجد في رأسي قال محمد بن الحسين : فإن قال قائل : فمن يسأل عن تفسير والذاريات ذروا فالحاملات وقرا (2) استحق الضرب ، والتنكيل به والهجرة قيل له : لم يكن ضرب عمر رضي الله عنه له بسبب عن هذه المسألة ، ولكن لما تأدى إلى عمر ما كان يسأل عنه من متشابه القرآن من قبل أن يراه علم أنه مفتون ، قد شغل نفسه بما لا يعود عليه نفعه ، وعلم أن اشتغاله بطلب علم الواجبات من علم الحلال والحرام أولى به ، وتطلب علم سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى به ، فلما علم أنه مقبل على ما لا ينفعه ، سأل عمر الله تعالى أن يمكنه منه ، حتى ينكل به ، وحتى : يحذر غيره ؛ لأنه راع يجب عليه تفقد رعيته في هذا وفي غيره ، فأمكنه الله تعالى منه وقد قال عمر رضي الله عنه : سيكون أقوام يجادلونكم بمتشابه القرآن فخذوهم بالسنن ، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله تعالى
__________
(1) العرجون : هو العُود الأصْفر الذي فيه شَمَاريخ العِذْق
(2) سورة : الذاريات آية رقم : 1

151 - حدثنا أبو محمد الحسن بن علوية القطان قال : حدثنا عاصم بن علي قال : حدثنا الليث بن سعد ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن بكير بن عبد الله بن الأشج قال : إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال :

إن ناسا يجادلونكم بشبه القرآن ، فخذوهم بالسنن ، فإن أصحاب
السنن أعلم بكتاب الله تعالى قال محمد بن الحسين رحمه الله : وهكذا كان من بعد عمر ، علي بن أبي طالب رضي الله عنهما ، إذا سأله إنسان عما لا يعنيه عنفه ورده إلى ما هو أولى به روي أن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال يوما : سلوني ، فقام ابن الكواء فقال : ما السواد الذي في القمر ؟ فقال له : قاتلك الله ، سل تفقها ، ولا تسأل تعنتا ، ألا سألت عن شيء ينفعك في أمر دنياك أو أمر آخرتك ؟ ثم قال : ذلك محو الليل قلت : وقد كان العلماء قديما وحديثا يكرهون عضل المسائل ويردونها ، ويأمرون بالسؤال عما يعني خوفا من المراء والجدال الذي نهوا عنه نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قيل وقال ، وكثرة السؤال ونهى عن الأغلوطات وقال النبي صلى الله عليه وسلم : « أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم ، فحرم من أجل مسألته » كل هذا خوفا من المراء والجدال ، فاتقوا الله يا أهل القرآن ، ويا أهل الحديث ، ويا أهل الفقه ، ودعوا المراء والجدال والخصومة في الدين واسلكوا طريق من سلف من أئمتكم ، يستقم لكم الأمر الرشيد ، وتكونوا على المحجة الواضحة إن شاء الله تعالى ، فقد أثبت في ترك المراء والجدال ما فيه كفاية لمن عقل ، والله الموفق لمن أحب
باب ذكر الإيمان بأن القرآن كلام الله تعالى ، وأن كلامه
ليس بمخلوق ومن زعم أن القرآن مخلوق فقد كفر قال محمد بن الحسين : اعلموا رحمنا الله وإياكم أن قول المسلمين الذين لم يزغ قلوبهم عن الحق ، ووفقوا للرشاد قديما وحديثا أن القرآن كلام الله تعالى ليس بمخلوق ؛ لأن القرآن من علم الله ، وعلم الله لا يكون مخلوقا ، تعالى الله عن ذلك دل على ذلك القرآن والسنة ، وقول الصحابة رضي الله عنهم وقول أئمة المسلمين لا ينكر هذا إلا جهمي خبيث ، والجهمي فعند العلماء كافر قال الله تعالى : وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله (1) ، وقال تعالى : وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه (2) وقال تعالى لنبيه عليه السلام قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت ، فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته (3) وهو القرآن ، وقال لموسى عليه السلام إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي (4) قال محمد بن الحسين : ومثل هذا في القرآن كثير وقال تعالى : فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم (5) وقال تعالى ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين (6) قال محمد بن الحسين رحمه الله : لم يزل الله عالما متكلما سميعا بصيرا بصفاته قبل خلق الأشياء ، من قال غير هذا كفر وسنذكر من السنن والآثار وقول العلماء الذين لا يستوحش من ذكرهم ما إذا سمعها من له علم وعقل ، زاده علما وفهما ، وإذا سمعها من في قلبه زيغ ، فإن أراد الله هدايته إلى طريق الحق رجع عن مذهبه ، وإن لم يرجع فالبلاء عليه أعظم
__________
(1) سورة : التوبة آية رقم : 6
(2) سورة : البقرة آية رقم : 75
(3) سورة : الأعراف آية رقم : 158
(4) سورة : الأعراف آية رقم : 144
(5) سورة : آل عمران آية رقم : 61
(6) سورة : البقرة آية رقم : 145

152 - حدثنا أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح العكبري قال : حدثنا محمد بن عبد المجيد التميمي قال حدثنا أبو إسحاق الفزاري ، عن الحسن بن عبيد الله النخعي ، عن سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول على منبره : أيها الناس

إن هذا القرآن كلام الله فلا أعرفن ما عطفتموه على أهوائكم
، فإن الإسلام قد خضعت له رقاب الناس ، فدخلوه طوعا وكرها ، وقد وضعت لكم السنن ، ولم يترك لأحد مقالا إلا أن يكفر عبد عمدا عينا ، فاتبعوا ولا تبتدعوا ، فقد كفيتم ، اعملوا بمحكمه ، وآمنوا بمتشابهه

153 - أخبرنا أبو محمد عبد الله بن صالح البخاري قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال : حدثنا جرير ، عن ليث بن أبي سليم ، عن سلمة بن كهيل ، عن أبي الزعراء عبد الله بن هانئ قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :

القرآن كلام الله فلا تصرفوه على آرائكم

154 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدثنا داود بن رشيد قال : حدثنا أبو حفص الأبار ، عن منصور ، عن هلال بن يساف ، عن فروة بن نوفل قال : أخذ خباب بن الأرت بيدي فقال : يا هناه ،

تقرب إلى الله تعالى بما استطعت ، فإنك لست تتقرب إليه
بشيء أحب إليه من كلامه

155 - حدثنا أبو عبد الله أحمد بن أبي عوف البزوري قال : حدثنا سويد بن سعيد قال : حدثنا معاوية بن عمار قال : سئل جعفر بن محمد رضي الله عنهما عن القرآن ، أخالق أو مخلوق ؟ قال : «

ليس خالقا ولا مخلوقا ، ولكنه كلام الله تعالى
»

156 - حدثنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار قال : حدثنا أبو داود السجستاني قال : حدثنا الحسن بن الصباح البزار قال : حدثنا معبد أبو عبد الرحمن ثقة ، عن معاوية بن عمار قال : سألت جعفر بن محمد بن حسين عن القرآن ؟ فقال :

ليس بخالق ولا مخلوق ، ولكنه كلام الله تعالى وهو معبد
بن راشد كوفي روى عن موسى بن داود ورويم بن يزيد

157 - وحدثنا أبو عبد الله جعفر بن إدريس القزويني قال : حدثنا حمويه بن يونس إمام مسجد جامع قزوين قال : حدثنا جعفر بن محمد بن فضيل الرأسي ، رأس العين ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، كاتب الليث بن سعد قال : حدثنا معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، في قوله تعالى : قرآنا عربيا غير ذي عوج (1) قال : غير مخلوق وقال حمويه بن يونس : بلغ أحمد بن حنبل هذا الحديث ، فكتب إلى جعفر بن محمد بن فضيل ، يكتب إليه بإجازته فكتب إليه بإجازته فسر أحمد بهذا الحديث وقال كيف فاتني عن عبد الله بن صالح هذا الحديث
__________
(1) سورة : الزمر آية رقم : 28

158 - حدثنا أبو حفص عمر بن أيوب السقطي قال : حدثنا الحسن بن الصباح البزار قال : حدثني أخ لي من الأنصار ، عن أبي زكريا يحيى بن يوسف الزمي قال : سمعت عبد الله بن إدريس : وسأله رجل عمن يقول : القرآن مخلوق فقال : من اليهود ؟ قال : لا ، قال : من النصارى ؟ قال : لا ، قال : من المجوس ؟ قال : لا ، قال : فممن ؟ قال : من أهل التوحيد ، قال : معاذ الله أن يكون هذا من أهل التوحيد ، هذا زنديق ،

من زعم أن القرآن مخلوق فقد زعم أن الله تعالى مخلوق
، يقول الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم (1) فالرحمن لا يكون مخلوقا ، والرحيم لا يكون مخلوقا ، والله لا يكون مخلوقا ، فهذا أصل الزندقة قال محمد بن الحسين : وحدثنا أحمد بن أبي عوف قال : سألت الحسن بن علي الحلواني ، فقلت له : إن الناس قد اختلفوا عندنا في القرآن ، فما تقول رحمك الله ؟ قال : القرآن كلام الله غير مخلوق ، ما نعرف غير هذا قال أحمد بن أبي عوف : وسمعت هارون القزويني يقول : لم أسمع أحدا من أهل العلم بالمدينة ، وأهل السنن ، إلا وهم ينكرون على من قال : القرآن مخلوق ، ويكفرونه قال هارون : وأنا أقول بهذه السنة وقال لنا أحمد بن أبي عوف : وأنا أقول بمثل ما قال هارون قال ابن أبي عوف ، وسمعت هارون يقول : من وقف على القرآن بالشك ، ولم يقل غير مخلوق ، فهو كمن قال هو مخلوق
__________
(1) سورة : الفاتحة آية رقم : 1

159 - وحدثنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار قال : ثنا أبو داود السجستاني قال : حدثنا حمزة بن سعيد المروزي وكان ثقة مأمونا قال : سألت أبا بكر بن عياش فقلت : يا أبا بكر ، قد بلغك ما كان من أمر ابن علية في القرآن ، فما تقول فيه ؟ فقال : اسمع إلى ويلك

من زعم أن القرآن مخلوق فهو عندنا كافر زنديق عدو لله
تعالى ، لا تجالسه ولا تكلمه

160 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدثنا حسين بن علي العجلي قال : حدثنا أحمد بن يونس قال سمعت عبد الله بن المبارك قرأ شيئا من القرآن ثم قال :

من زعم أن هذا مخلوق ، فقد كفر بالله العظيم

161 - أخبرنا أبو محمد عبد الله بن صالح البخاري قال : حدثنا العمري قال : سمعت إسماعيل بن أبي أويس يقول : سمعت مالك بن أنس ، يقول :

القرآن كلام الله ، وكلام الله من الله ، وليس من
الله شيء مخلوق

162 - حدثنا عمر بن أيوب السقطي قال : حدثنا الحسن بن الصباح البزار قال : حدثنا سريج بن النعمان قال : حدثنا عبد الله بن نافع قال : كان مالك بن أنس يقول :

القرآن كلام الله ، ويستفظع قول من يقول : القرآن مخلوق
، قال مالك : يوجع ضربا ، ويحبس حتى يموت

163 - حدثنا عمر بن أيوب قال : حدثنا الحسن بن الصباح قال : حدثنا إبراهيم بن زياد قال : سألت عبد الرحمن بن مهدي فقلت : ما تقول فيمن يقول : القرآن مخلوق ؟ فقال :

لو أني على سلطان لقمت على الجسر ، فكان لا يمر
بي رجل إلا سألته ، فإذا قال : القرآن مخلوق ، ضربت عنقه ، وألقيته في الماء

164 - وحدثنا ابن مخلد قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري قال : قال عبد الرحمن بن مهدي :

لو كان لي الأمر لقمت على الجسر ، فلا يمر بي
أحد يقول : القرآن مخلوق ، إلا ضربت عنقه ، وألقيته في الماء

165 - حدثني عمر بن أيوب قال : حدثنا الحسن بن الصباح قال : قال يزيد بن هارون :

وذكر الجهمية قال : هم والله الذي لا إله إلا هو
زنادقة ، عليهم لعنة الله

166 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز قال : حدثنا حنبل بن إسحاق قال : سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل وسأله يعقوب الدورقي عمن قال : القرآن مخلوق ؟ فقال :

من زعم أن علم الله وأسماءه مخلوقة فقد كفر ، يقول
الله تعالى : فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم (1) أفليس هو القرآن ؟ فمن زعم أن علم الله وأسماءه وصفاته مخلوقة فهو كافر لا يشك في ذلك ، إذا أعتقد ذلك ، وكان رأيه ومذهبه وكان دينا يتدين به ، كان عندنا كافر
__________
(1) سورة : آل عمران آية رقم : 61

167 - أخبرنا أبو القاسم أيضا قال : حدثني سعيد بن نصير أبو عثمان الواسطي في مجلس خلف البزار قال : سمعت ابن عيينة يقول : ما يقول هذه الدويبة ؟ يعني بشرا المريسي قالوا : يا أبا محمد يزعم أن القرآن مخلوق فقال : كذب قال الله تعالى : ألا له الخلق والأمر (1) فالخلق : خلق الله ، والأمر : القرآن
__________
(1) سورة : الأعراف آية رقم : 54

168 - أخبرنا أبو القاسم قال : نا إسحاق بن إبراهيم البغوي وحدثنا ابن عم أحمد بن حنبل قال : سمعت أحمد بن حنبل :

وسئل عمن قال : القرآن مخلوق ؟ فقال : كافر

169 - قال أبو القاسم : أنا وهب بن بقية الواسطي قال : سمعت وكيعا يقول :

من قال : القرآن مخلوق فهو كافر

170 - حدثنا أبو بكر محمد بن هارون العسكري الفقيه قال : حدثنا محمد بن يوسف بن الطباع قال : سمعت رجلا سأل أحمد بن حنبل ، فقال : يا أبا عبد الله ،

أصلي خلف من يشرب المسكر ؟ قال : لا ، قال
: فأصلي خلف من يقول : القرآن مخلوق ؟ قال : سبحان الله أنهاك عن مسلم ، وتسألني عن كافر ؟

171 - أخبرنا ابن مخلد قال : حدثنا أبو داود قال سمعت أحمد بن حنبل ، وذكر له رجل أن رجلا قال : إن أسماء الله مخلوقة والقرآن مخلوق فقال أحمد : كفر بين ، قلت لأحمد :

من قال : القرآن مخلوق فهو كافر ؟ قال : أقول
: هو كافر

172 - حدثنا أبو الفضل جعفر بن محمد الصندلي قال حدثنا الفضل بن زياد قال : حدثنا أبو طالب قال : قال لي أحمد : يا أبا طالب ليس شيء أشد عليهم مما أدخلت علي من قال : القرآن مخلوق ، قلت : علم الله مخلوق ؟ قالوا : لا ، قلت : فإن

علم الله هو القرآن قال الله تعالى : ولئن اتبعت أهواءهم
من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين (1) وقال تعالى : فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم (2) هذا في القرآن في غير موضع
__________
(1) سورة : البقرة آية رقم : 145
(2) سورة : آل عمران آية رقم : 61

173 - حدثنا الحسن بن علي الجصاص قال : حدثنا الربيع بن سليمان قال : سمعت الشافعي يقول وذكر القرآن وما يقول حفص الفرد ، وكان الشافعي يقول : حفص المنفرد ، وناظره بحضرة وال كان بمصر فقال له الشافعي رضي الله عنه في المناظرة : كفرت والله الذي لا إله إلا هو ، ثم قاموا ، فانصرفوا ، فسمعت حفصا يقول : أشاط والله الذي لا إله إلا هو الشافعي بدمي قال الربيع : وسمعت الشافعي رحمه الله تعالى يقول :

القرآن كلام الله غير مخلوق ، ومن قال : مخلوق فهو
كافر

174 - حدثنا علي بن حسنويه القطان قال : حدثنا محمد بن إسحاق الصاغاني قال : سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام يقول : «

من قال : القرآن مخلوق فقد افترى على الله
، وقال على الله ما لم يقله اليهود ولا النصارى » قال محمد بن الحسين رحمه الله : وقد احتج أحمد بن حنبل رحمه الله بحديث ابن عباس : إن أول ما خلق الله من شيء القلم وذكر أنه حجة قوية على من يقول : إن القرآن مخلوق ، كأنه يقول : قد كان الكلام قبل خلق القلم ، وإذا كان أول خلق الله من شيء القلم دل على أن كلامه ليس بمخلوق ؛ ولأنه قبل خلق الأشياء

175 - حدثنا أبو الفضل جعفر بن محمد الصندلي قال : حدثنا الفضل بن زياد قال : سألت أبا عبد الله عن عباس النرسي ، فقلت : كان صاحب سنة ؟ فقال : رحمه الله قلت : بلغني عنه أنه قال : ما قولي : القرآن غير مخلوق ، إلا كقولي : لا إله إلا الله ، فضحك أبو عبد الله ، وسر بذلك ، قلت : يا أبا عبد الله ، أليس هو كما قال ؟ قال : بلى ، ولكن هذا الشيخ دلنا عليه لؤين على شيء لم يفطن له ، قوله :

إن أول ما خلق الله تعالى من شيء خلق القلم
، والكلام قبل القلم ، قلت : يا أبا عبد الله ، أنا سمعته يقوله قال : سبحان الله ، ما أحسن ما قال كأنه كشف عن وجهي الغطاء ، ورفع يده إلى وجهه ، قلت : إنه شيخ قد نشأ بالكوفة ، فقال أبو عبد الله : إن واحد الكوفة واحد ، ثم ذكر حديث ابن عباس : إن أول ما خلق الله من شيء القلم فقال : كم ترى ، قد كتبناه ؟ ثم قال : نظرت فيه ، فإذا قد رواه خمسة عن ابن عباس قال محمد بن الحسين : وقد خرجت هذا الباب في كتاب القدر ، وأنا أذكره ههنا لتقوى به حجة أهل الحق على أهل الزيغ

176 - أخبرنا الفريابي قال : حدثنا أبو مروان هشام بن خالد الدمشقي يعني الأزرق قال : حدثنا الحسن بن يحيى الخشني ، عن أبي عبد الله مولى بني أمية ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «

أول شيء خلق الله القلم ، ثم خلق بعده النون
، وهي الدواة ، ثم قال : اكتب قال : وما أكتب ؟ قال : اكتب ما يكون ، وما هو كائن من عمل ، أو أثر ، أو رزق ، فكتب ما يكون ، وما هو كائن إلى يوم القيامة ، فذلك قوله عز وجل : ن والقلم وما يسطرون (1) ثم ختم على القلم ، فلم ينطق ، ولا ينطق إلى يوم القيامة »
__________
(1) سورة : القلم آية رقم : 1

177 - وأخبرنا الفريابي قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا زيد بن الحباب قال : حدثنا معاوية بن صالح قال : حدثني أيوب بن زياد الحمصي ، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت ، عن أبيه أنه دخل على عبادة وهو مريض يرى فيه الموت فقال : يا أبت أوصني واجتهد قال : اجلس ، إنك لن تجد طعم الإيمان ، ولن تبلغ حقيقة الإيمان ، حتى تؤمن بالقدر خيره وشره ، قلت وكيف لي أن أعلم خيره وشره ؟ قال : تعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك ، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك ، سمعت رسول الله يقول : «

إن أول شيء خلق الله تعالى القلم ، فقال له
: اجر ، فجرى تلك الساعة إلى يوم القيامة بما هو كائن ، فإن مت وأنت على غير ذلك ، دخلت النار »

178 - حدثنا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن شاهين قال : حدثنا عبد الله بن عمر الكوفي قال : حدثنا إسحاق بن سليمان ، عن معاوية بن يحيى ، عن الزهري ، عن محمد بن عبادة بن الصامت قال : دخلت على أبي فقال : إلي بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «

إن أول شيء خلق الله القلم فقال : اكتب
، قال : وما أكتب ؟ قال : اكتب القدر ، فجرى تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة » ولهذا الحديث طرق جماعة

179 - وحدثنا ابن شاهين قال : حدثنا أبو هشام الرفاعي قال : حدثنا محمد بن الفضيل قال : حدثنا عطاء ، عن أبي الضحى ، عن ابن عباس قال : «

أول ما خلق الله تعالى : القلم ، فقال :
اكتب قال : وما أكتب ؟ قال : اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة ، ثم خلق النون فكبس على ظهره الأرض ، فذلك قوله : ن والقلم وما يسطرون (1) »
__________
(1) سورة : القلم آية رقم : 1

180 - وأخبرنا الفريابي قال : حدثنا منجاب بن الحارث قال : أخبرنا ابن مسهر ، عن الأعمش ، عن أبي ظبيان ، عن ابن عباس قال : « إن أول ما خلق الله القلم » وذكر الحديث

181 - وأخبرنا أبو عبيد علي بن الحسين بن حرب القاضي قال : حدثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام قال : حدثنا المعتمر بن سليمان قال : حدثنا عصمة أبو عاصم ، عن عطاء بن السائب ، عن مقسم ، عن ابن عباس قال : «

إن أول ما خلق الله تعالى من شيء القلم .
. . » وذكر الحديث ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما طرق جماعة قال محمد بن الحسين : وفي حديث آدم مع موسى عليهما السلام حجة قوية أن القرآن كلام الله تعالى ، ليس بمخلوق ، وسنذكره إن شاء الله تعالى

182 - حدثنا أبو العباس عبد الله بن الصقر السكري قال : حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي قال : حدثنا عبد الله بن وهب ، وحدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا أحمد بن صالح المصري ، وأبو الطاهر أحمد بن عمرو قالا : حدثنا ابن وهب ، وأخبرنا الفريابي قال : حدثنا أبو مسعود أحمد بن الفرات قال : أصبغ بن الفرج قال : حدثنا عبد الله بن وهب قال : حدثنا هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله : « إن

موسى عليه السلام قال : يا رب ، أرنا آدم الذي
أخرجنا من الجنة ، فأراه الله تعالى آدم ، فقال : أنت أبونا آدم ؟ فقال له آدم : نعم ، قال : أنت الذي نفخ الله فيك من روحه ، وعلمك الأسماء كلها ، وأمر ملائكته فسجدوا لك ؟ قال : نعم قال : فما حملك على أن أخرجتنا ونفسك من الجنة ؟ قال له آدم : ومن أنت ؟ قال : أنا موسى قال : أنت نبي بني إسرائيل ، أنت الذي كلمك الله تعالى من وراء حجاب ، ولم يجعل بينك وبينه رسولا من خلقه ؟ قال : نعم قال : فما وجدت في كتاب الله تعالى أن ذلك كان في كتاب الله تعالى قبل أن أخلق ؟ قال نعم قال : فلم تلومني في شيء سبق من علم الله تعالى فيه القضاء قبلي ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك : » فحج (1) آدم موسى « قال محمد بن الحسين : فإن قال قائل : أين موضع الحجة فيما قلت ؟ قيل له : قول آدم لموسى : أنت الذي كلمك الله من وراء حجاب ، ولم يجعل بينك وبينه رسولا من خلقه ؟ وإنما كان بينهما الكلام فدل على أن كلام الله تعالى ليس بمخلوق ، إذ قال : » لم يجعل بينك وبينه رسولا ، من خلقه « فتفهموا هذا تفقهوا إن شاء الله
__________
(1) حج غيره : غلبه بالدليل والبرهان

183 - حدثنا ابن مخلد قال : حدثنا أبو داود قال سمعت إسحاق بن راهويه ، وهناد بن السري ، وعبد الأعلى بن حماد ، وعبيد الله بن عمر ، وحكيم بن سيف الرقي ، وأيوب بن محمد ، وسوار بن عبد الله ، والربيع بن سليمان ، صاحب الشافعي وعبد الوهاب بن عبد الحكم ، ومحمد بن الصباح ، وعثمان بن أبي شيبة ، ومحمد بن بكار بن الريان ، وأحمد بن جواس الحنفي ، ووهب بن بقية ، ومن لا أحصيهم من علمائنا ، كل هؤلاء سمعتهم يقولون :

القرآن كلام الله ليس بمخلوق ، وبعضهم قال : غير مخلوق
قال محمد بن الحسين : فيما ذكرت من هذا الباب بلاغ لمن عقل وسلم له دينه ، والله الموفق لكل رشاد
باب ذكر النهي عن مذاهب الواقفة
قال محمد بن الحسين : وأما الذين قالوا : القرآن كلام الله ووقفوا فيه وقالوا : لا نقول : غير مخلوق ، فهؤلاء عند كثير من العلماء ممن رد على من قال بخلق القرآن ، قالوا : هؤلاء الواقفة : مثل من قال : القرآن مخلوق وأشر ؛ لأنهم شكوا في دينهم ، ونعوذ بالله ممن يشك في كلام الرب : إنه غير مخلوق وأنا أذكر ما تأدى إلينا منه ممن أنكر على الواقفة من أهل العلم

184 - حدثنا ابن مخلد قال : حدثنا أبو داود السجستاني قال : سمعت أحمد يسأل :

هل لهم رخصة أن يقول الرجل : القرآن كلام الله
، ثم يسكت ؟ فقال : ولم يسكت ؟ لولا ما وقع فيه الناس كان يسعه السكوت ، ولكن حيث تكلموا فيما تكلموا ، لأي شيء لا يتكلمون ؟ قال محمد بن الحسين : معنى قول أحمد بن حنبل في هذا المعنى يقول : لم يختلف أهل الإيمان أن القرآن كلام الله تعالى ؟ فلما جاء جهم بن صفوان فأحدث الكفر بقوله : القرآن مخلوق لم يسع العلماء إلا الرد عليه بأن القرآن كلام الله غير مخلوق بلا شك ، ولا توقف فيه ، فمن لم يقل غير مخلوق سمي واقفيا ، شاكا في دينه

185 - وحدثنا ابن مخلد قال : حدثنا أبو داود قال : سمعت أحمد : وذكر رجلين كانا وقفا في القرآن ، ودعوا إليه فجعل يدعو عليهما وقال لي :

هؤلاء فتنة عظيمة ، وجعل يذكرهما بالمكروه قال أبو داود :
ورأيت أحمد سلم عليه رجل من أهل بغداد ، ممن وقف فيما بلغني ، فقال له : اغرب ، لا أراك تجيء إلى بابي في كلام غليظ ، ولم يرد عليه السلام وقال له : ما أحوجك أن يصنع بك ما صنع عمر بن الخطاب بصبيغ ودخل بيته ورد الباب

186 - حدثنا ابن مخلد قال : حدثنا أبو داود قال : سمعت إسحاق بن راهويه يقول :

من قال لا أقول القرآن غير مخلوق فهو جهمي

187 - قال أبو داود : وسمعت قتيبة بن سعيد :

وقيل له الواقفة ، فقال : هؤلاء الواقفة شر منهم
، يعني ممن قال : القرآن مخلوق

188 - قال أبو داود : وسمعت عثمان بن أبي شيبة يقول :

هؤلاء الذين يقولون : القرآن كلام الله ويسكتون شر من هؤلاء
، يعني ممن قال : القرآن مخلوق

189 - قال أبو داود : وسألت أحمد بن صالح : عمن قال : القرآن كلام الله ، ولا يقول غير مخلوق ، ولا مخلوق ؟ فقال :

هذا شاك ، والشاك كافر

190 - وحدثنا ابن مخلد قال : حدثنا أبو داود قال : سمعت أحمد بن إبراهيم ، يقول : سمعت محمد بن مقاتل العباداني وكان من خيار المسلمين يقول في

الواقفة : هم عندي شر من الجهمية

191 - حدثنا جعفر بن محمد الصندلي قال : حدثنا الفضل بن زياد قال حدثنا أبو طالب قال : سألت أبا عبد الله عمن أمسك فقال : لا أقول : ليس هو مخلوقا ، إذا لقيني في الطريق وسلم علي ، أسلم عليه ؟ قال :

لا تسلم عليه ؟ ولا تكلمه ، كيف يعرفه الناس إذا
سلمت عليه ؟ وكيف يعرف هو أنك منكر عليه ؟ فإذا لم تسلم عليه عرف الذل ، وعرف أنك أنكرت عليه ، وعرفه الناس

192 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن أبي بزة قال : سمعت المؤمل بن إسماعيل يقول :

القرآن كلام الله ، وليس بمخلوق قال ابن أبي بزة :
من قال : القرآن مخلوق ، أو وقف ، ومن قال : لفظي بالقرآن مخلوق ، أو شيء من هذا ، فهو على غير دين الله تعالى ، ودين رسوله حتى يتوب
باب ذكر اللفظية ، ومن زعم أن هذا القرآن حكاية للقرآن
الذي في اللوح المحفوظ كذبوا قال محمد بن الحسين : احذروا رحمكم الله هؤلاء الذين يقولون : إن لفظه بالقرآن مخلوق ، وهذا عند أحمد بن حنبل ، ومن كان على طريقته منكر عظيم ، وقائل هذا مبتدع ، خبيث ولا يكلم ، ولا يجالس ، ويحذر منه الناس ، لا يعرف العلماء غير ما تقدم ذكرنا له ، وهو أن القرآن كلام الله غير مخلوق ، ومن قال مخلوق ، فقد كفر ، ومن قال : القرآن كلام الله ووقف فهو جهمي ، ومن قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي أيضا ، كذا قال أحمد بن حنبل ، وغلظ فيه القول جدا وكذا من قال : إن هذا القرآن الذي يقرءوه الناس ، وهو في المصاحف حكاية لما في اللوح المحفوظ ، فهذا قول منكر ، ينكره العلماء يقال لقائل هذه المقالة القرآن يكذبك ، ويرد قولك ، والسنة تكذبك وترد قولك قال الله تعالى : وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله (1) فأخبر الله تعالى : إنه إنما يسمع الناس كلام الله ، ولم يقل : حكاية كلام الله ، وقال تعالى : وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون (2) فأخبر أن السامع إنما يسمع القرآن ، ولم يقل : حكاية القرآن . وقال تعالى : إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم (3) ، وقال تعالى : وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين ، قالوا : يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه ، يهدي إلى الحق ، وإلى طريق مستقيم (4) وقال تعالى : قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن ، فقالوا : إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به (5) ولم يقل يستمعون حكاية القرآن ولا قالت الجن : إنا سمعنا حكاية القرآن ، كما قال من ابتدع بدعة ضلالة ، وأتى بخلاف الكتاب والسنة وبخلاف قول المؤمنين وقال تعالى : فاقرءوا ما تيسر من القرآن (6) قال محمد بن الحسين : وهذا في القرآن كثير لمن تدبره ، وقال النبي : « خيركم من تعلم القرآن وعلمه » وقال : « إن الرجل الذي ليس في جوفه من القرآن شيء ، كالبيت الخرب » وقال : « مثل القرآن مثل الإبل المعقلة ، إن تعاهدها صاحبها أمسكها ، وإن تركها ذهبت » وقال صلى الله عليه وسلم : « لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو » وقال : في حديث آخر « لا تسافروا بالمصاحف إلى العدو ، فإني أخاف أن ينالوها » وقال : « لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله عز وجل القرآن ، فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار » وقال : « إن الله تعالى : قرأ طه ، ويس قبل أن يخلق آدم بألف عام ، فلما سمعت الملائكة القرآن ، قالوا : طوبى لأمة ينزل عليهم هذا ، وطوبى لألسن تتكلم بهذا ، وطوبى لأجواف تحمل هذا » وقال ابن مسعود رضي الله عنه : « تعلموا القرآن واتلوه ، فإن لكم بكل حرف عشر حسنات وفي السنن مما ذكرناه كثير ، والحمد لله قال محمد بن الحسين : فينبغي للمسلمين أن يتقوا الله تعالى ، ويتعلموا القرآن ، ويتعلموا أحكامه ، فيحلوا حلاله ويحرموا حرامه ، ويعملوا بمحكمه ، ويؤمنوا بمتشابهه ، ولا يماروا فيه ، ويعلموا أنه كلام الله تعالى ، غير مخلوق ، فإن عارضهم إنسان جهمي فقال : مخلوق ، أو قال : القرآن كلام الله ووقف ، أو قال : لفظي بالقرآن مخلوق ، أو قال : هذا القرآن حكاية لما في اللوح المحفوظ فحكمه أن يهجر ولا يكلم ، ولا يصلى خلفه ، ويحذر منه ، وعليكم بعد ذلك بالسنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسنن أصحابه رضي الله تعالى عنهم ، وقول التابعين ، وقول أئمة المسلمين مع ترك المراء والخصومة والجدال في الدين ، فمن كان على هذا الطريق رجوت له من الله تعالى كل خير ، وسأذكر بعد ذلك ما لا بد لمن كان هذا مذهبه وعلمه ، عمل به من معرفة الإيمان ، وشريعة الإسلام ، حالا بعد حال ، والله الموفق لكل رشاد ، والمعين عليه إن شاء الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
__________
(1) سورة : التوبة آية رقم : 6
(2) سورة : الأعراف آية رقم : 204
(3) سورة : الإسراء آية رقم : 9
(4) سورة : الأحقاف آية رقم : 29
(5) سورة : الجن آية رقم : 1
(6) سورة : المزمل آية رقم : 20

193 - حدثنا أبو عبد الله جعفر بن إدريس القزويني قال : حدثنا أحمد بن الممتنع بن عبيد الله القرشي التيمي قال : أنا أبو الفضل صالح بن علي بن يعقوب بن المنصور الهاشمي وكان من وجوه بني هاشم وأهل الجلالة ، والشأن منهم قال :

حضرت المهتدي بالله أمير المؤمنين ، وقد جلس ينظر في أمور
المسلمين في دار العامة ، فنظرت إلى قصص الناس تقرأ عليه من أولها إلى آخرها فيأمر بالتوقيع فيها وإنشاء الكتب لأصحابها ، ويختم ويدفع إلى صاحبه ، بين يديه ، فسرني ذلك ، وجعلت أنظر إليه ، ففطن ونظر إلي ، فغضضت عنه حتى كان ذلك مني ومنه مرارا ثلاثا ، وإذا نظر غضضت ، وإذا اشتغل نظرت ، فقال لي : يا صالح ، فقلت : لبيك يا أمير المؤمنين ، فقمت قائما ، فقال : في نفسك منا شيء يجب أن تقوله ؟ أو قال : تريد أن تقوله ؟ فقلت : نعم ، يا سيدي يا أمير المؤمنين قال لي : عد إلى موضعك ، فعدت ، وعاد في النظر ، حتى إذا قام قال للحاجب : لا يبرح صالح ، فانصرف الناس ثم أذن لي ، وقد أهمتني نفسي فدخلت فدعوت له ، فقال لي : اجلس ، فجلست ، فقال : يا صالح ، تقول لي ، ما دار في نفسك ، أو أقول أنا : ما دار في نفسي أنه دار في نفسك ؟ قلت : يا أمير المؤمنين ، ما تعزم عليه ، وما تأمر به فقال : وأقول : كأني بك وقد استحسنت ما رأيت منا ، فقلت : أي خليفة خليفتنا ، إن لم يكن يقول : القرآن مخلوق ؟ فورد على قلبي أمر عظيم ، وأهمتني نفسي ، ثم قلت : يا نفس ، هل تموتين إلا مرة ؟ وهل تموتين قبل أجلك ؟ وهل يجوز الكذب في جد أو هزل ؟ فقلت : والله يا أمير المؤمنين ، وما دار في نفسي إلا ما قلت ، ثم أطرق (1) مليا (2) ، ثم قال لي : ويحك ، اسمع مني ما أقول ، فوالله لتسمعن مني الحق ، فسري عني فقلت : يا سيدي ومن أولى بقول الحق منك ، وأنت خليفة رب العالمين ، وابن عم سيد المرسلين ، من الأولين والآخرين فقال لي : ما زلت أقول : إن القرآن مخلوق صدرا من خلافة الواثق ، حتى أقدم علينا أحمد بن أبي دؤاد شيخا من أهل الشام من أهل أذنة فأدخل الشيخ على الواثق مقيدا ، وهو جميل الوجه تام القامة ، حسن الشيبة ، فرأيت الواثق قد استحيى منه ، ورق له ، فما زال يدنيه ويقربه ، حتى قرب منه ، فسلم الشيخ فأحسن السلام ، ودعا فأبلغ الدعاء ، وأوجز ، فقال له الواثق اجلس ثم قال له : يا شيخ ، ناظر ابن أبي دؤاد على ما يناظرك عليه فقال الشيخ : يا أمير المؤمنين ، ابن أبي دؤاد يقل ويضيق ، ويضعف عن المناظرة فغضب الواثق ، وعاد مكان الرأفة له غضبا عليه ، فقال : أبو عبد الله بن أبي دؤاد يصبو ويقل ويضعف عن مناظرتك أنت ؟ فقال له الشيخ : هون عليك يا أمير المؤمنين ما بك وائذن لي في مناظرته ، فقال الواثق : ما دعوتك إلا للمناظرة فقال الشيخ : يا أحمد بن أبي دؤاد ، إلى ما دعوت الناس ودعوتني إليه ؟ فقال : إلى أن تقول : القرآن مخلوق ؛ لأن كل شيء دون الله مخلوق فقال الشيخ : إن رأيت يا أمير المؤمنين أن تحفظ علي وعليه ما نقول ، قال : أفعل ، قال الشيخ : أخبرني يا أحمد عن مقالتك هذه ، أواجبة داخلة في عقد الدين ، فلا يكون الدين كاملا حتى يقال فيه ما قلت ؟ قال : نعم قال الشيخ : يا أحمد أخبرني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثه الله تعالى إلى عباده ، هل ستر رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا مما أمر الله تعالى به في دينه ؟ قال : لا قال الشيخ : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمة إلى مقالتك هذه ؟ فسكت ابن أبي دؤاد فقال الشيخ : تكلم فسكت ، فالتفت الشيخ إلى الواثق ، فقال : يا أمير المؤمنين ، واحدة فقال الواثق : واحدة ، فقال الشيخ : يا أحمد ، أخبرني عن الله تعالى ، حين أنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ، ورضيت لكم الإسلام دينا (3) أكان الله تعالى الصادق في إكمال دينه ، أم أنت الصادق في نقصانه ، فلا يكون الدين كاملا حتى يقال فيه بمقالتك هذه ؟ فسكت ابن أبي دؤاد فقال الشيخ : أجب يا أحمد ، فلم يجبه ، فقال الشيخ : يا أمير المؤمنين ، اثنتان فقال الواثق : اثنتان فقال الشيخ : يا أحمد أخبرني عن مقالتك هذه ، أعلمها رسول الله صلى الله عليه وسلم أم جهلها ؟ قال ابن أبي دؤاد : علمها قال الشيخ : فدعا الناس إليها ؟ فسكت ابن أبي دؤاد فقال الشيخ : يا أمير المؤمنين ، ثلاث فقال الواثق : ثلاث فقال الشيخ : يا أحمد ، فاتسع لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ علمها كما زعمت ، ولم يطالب أمته بها ؟ قال : نعم قال الشيخ : واتسع لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ؟ فقال ابن أبي دؤاد : نعم فأعرض الشيخ عنه ، وأقبل على الواثق ، فقال : يا أمير المؤمنين ، قد قدمت لك القول أن أحمد يصبو ويقل ويضعف عن المناظرة يا أمير المؤمنين ، إن لم يتسع لك الإمساك عن هذه المقالة ، ما اتسع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ، فلا وسع الله على من لم يتسع له ما اتسع لهم من ذلك فقال الواثق : نعم إن لم يتسع لنا من الإمساك عن هذه المقالة ما اتسع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ، فلا وسع الله علينا ، اقطعوا قيد الشيخ ، فلما قطع ضرب الشيخ بيده إلى القيد ليأخذه فجاذبه الحداد عليه ، فقال الواثق : دع الشيخ ليأخذه ، فأخذه الشيخ فوضعه في كمه ، فقال الواثق : لم جاذبت عليه ؟ قال الشيخ : لأني نويت أن أتقدم إلى من أوصي إليه إذا مت أن يجعله بيني وبين كفني ، حتى أخاصم به هذا الظالم عند الله تعالى يوم القيامة ، فأقول : يا رب ، سل عبدك هذا لم قيدني وروع أهلي وولدي وإخواني بلا حق وأوجب ذلك علي ؟ وبكى الشيخ فبكى الواثق وبكينا ، ثم سأله الواثق أن يجعله في حل وسعة مما ناله فقال الشيخ : والله يا أمير المؤمنين ، لقد جعلتك في حل وسعة من أول يوم إكراما لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ كنت رجلا من أهله فقال الواثق : لي إليك حاجة فقال الشيخ : إن كانت ممكنة فعلت فقال الواثق : تقيم فينا فينتفع بك فتياننا ، فقال الشيخ : يا أمير المؤمنين ، إن ردك إياي إلى الموضع الذي أخرجني منه هذا الظالم أنفع لك من مقامي عليك ، ولأخبرك بما في ذلك : أصير إلى أهلي وولدي وأكف دعاءهم عليك ، فقد خلفتهم على ذلك فقال له الواثق : فتقبل منا صلة ما تستعين بها على دهرك فقال الشيخ : يا أمير المؤمنين لا تحل لي ، أنا عنها غني ، وذو مرة (4) سوي قال : فسل حاجتك قال : أو تقضيها يا أمير المؤمنين ؟ قال : نعم قال : فخل سبيلي إلى الثغر (5) الساعة ، وتأذن لي قال : قد أذنت لك ، فسلم الشيخ ، وخرج قال صالح : قال المهتدي بالله رحمة الله عليه : فرجعت عن هذه المقالة منذ ذلك اليوم ، وأظن الواثق بالله كان رجع عنها من ذلك الوقت
__________
(1) أطرق : أمال رأسه إلى صدره وسكت فلم يتكلم
(2) مليا : وقتا طويلا
(3) سورة : المائدة آية رقم : 3
(4) المرة : القوة
(5) الثغر : الموضع الذي يكون حَدّا فاصلا بين بلاد المسلمين والكفار، وهو موضع المخافة من أطراف البلاد

194 - وأخبرنا أبو عبد الله القزويني أيضا قال : حدثنا يحيى بن عبدك القزويني قال : سمعت يحيى بن يوسف الزمي ، يقول : بينا أنا قائل (1) في بعض بيوت خانات مرو فإذا أنا بهول عظيم ، قد دخل علي ، فقلت : من أنت ؟ قال : ليس تخاف ، يا أبا زكريا قال قلت : فنعم ، من أنت ؟ قال : وقمت وتهيأت لقتاله ، فقال : أنا أبو مرة قال : فقلت : لا حياك الله ، فقال : لو علمت أنك في هذا البيت لم أدخل ، وكنت أنزل بيتا آخر ، وكان هذا منزلي حين آتي خراسان قال : فقلت : من أين أتيت ؟ قال : من العراق قال وقلت : وما عملت بالعراق ؟ قال : خلفت فيها خليفة ، قلت : ومن هو ؟ قال : بشر المريسي ، قلت : وإلى ما يدعو ؟ قال : إلى خلق القرآن قال : وآتي خراسان فأخلف فيها خليفة أيضا قال : قلت : إيش تقول في القرآن أنت ؟ قال : أنا وإن كنت شيطانا رجيما أقول :

القرآن كلام الله غير مخلوق

__________
(1) القائل : النائم أو المستريح في وسط النهار

195 - حدثنا أبو محمد عبد الله بن العباس الطيالسي قال : حدثنا بندار محمد بن بشار وحدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى قال :

كنا نقرأ على شيخ ضرير بالبصرة ، فلما أحدثوا ببغداد القول
بخلق القرآن قال الشيخ : إن لم يكن القرآن مخلوقا ، فمحا (1) الله القرآن من صدري قال : فلما سمعنا هذا من قوله تركناه وانصرفنا عنه ، فلما كان بعد مدة لقيناه ، فقلنا يا فلان ما فعل القرآن ؟ قال : ما بقي في صدري منه شيء ، قلنا : ولا قل هو الله أحد (2) قال : ولا قل هو الله أحد إلا أن أسمعها من غيري يقرؤها
__________
(1) المحو : الإزالة ، والمسح وذهاب الأثر والتنحية، والمحاء المزيل والمنحي للذنوب
(2) سورة : الإخلاص آية رقم : 1
الرد على المرجئة
باب تفريع معرفة الإيمان والإسلام وشرائع الدين
قال محمد بن الحسين : الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، والحمد لله على كل حال ، أما بعد فاعلموا رحمنا وإياكم أن الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة ليقروا بتوحيده ، فيقولوا : لا إله إلا الله محمد رسول الله فكان من قال هذا موقنا من قلبه وناطقا بلسانه أجزأه ، ومن مات على هذا فإلى الجنة ، فلما آمنوا بذلك ، وأخلصوا توحيدهم ، فرض عليهم الصلاة بمكة ، فصدقوا بذلك ، وآمنوا وصلوا ، ثم فرض عليهم الهجرة ، فهاجروا ، وفارقوا الأهل والوطن ، ثم فرض عليهم بالمدينة الصيام ، فآمنوا وصدقوا وصاموا شهر رمضان ، ثم فرض عليهم الزكاة ، فآمنوا وصدقوا ، وأدوا ذلك كما أمروا ، ثم فرض عليهم الجهاد ، فجاهدوا البعيد والقريب ، وصبروا وصدقوا ، ثم فرض عليهم الحج ، فحجوا وآمنوا به ، فلما آمنوا بهذه الفرائض ، وعملوا بها تصديقا بقلوبهم ، وقولا بألسنتهم ، وعملا بجوارحهم قال الله تعالى : اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا (1) ثم أعلمهم أنه لا يقبل في الآخرة إلا دين الإسلام فقال تعالى : ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ، وهو في الآخرة من الخاسرين (2) وقال تعالى : إن الدين عند الله الإسلام (3) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : « بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، وصوم شهر رمضان ، وحج البيت الحرام من استطاع إليه سبيلا » ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم لأمته شرائع الإسلام ، حالا بعد حال ، وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى ، وهذا رحمكم الله طريق المسلمين فإن احتج محتج بالأحاديث التي رويت : « من قال : لا إله إلا الله دخل الجنة » قيل له : هذه كانت قبل نزول الفرائض ، على ما تقدم ذكرنا له ، وهذا قول علماء المسلمين ، ممن نفعهم الله تعالى بالعلم ، وكانوا أئمة يقتدى بهم ، سوى المرجئة الذين خرجوا عن جملة ما عليه الصحابة ، والتابعون لهم بإحسان ، وقول الأئمة الذين لا يستوحش من ذكرهم في كل بلد وسنذكر من ذلك ما حضرنا ذكره إن شاء الله تعالى ، والله سبحانه وتعالى الموفق لكل رشاد ، والمعين عليه ، ولا قوة إلا بالله
__________
(1) سورة : المائدة آية رقم : 3
(2) سورة : آل عمران آية رقم : 85
(3) سورة : آل عمران آية رقم : 19

196 - حدثنا أبو بكر عمر بن سعيد القراطيسي قال : حدثنا أبو بكر أحمد بن منصور الرمادي قال : حدثنا أبو صالح عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قول الله تعالى :

هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم
(1) قال : إن الله تعالى بعث نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بشهادة أن لا إله إلا الله ، فلما صدق بها المؤمنون زادهم الله الصلاة ، فلما صدقوا بها زادهم الله الصيام ، فلما صدقوا به زادهم الزكاة ، فلما صدقوا بها زادهم الحج ، فلما صدقوا به زادهم الجهاد ، ثم أكمل لهم دينهم ، فقال تعالى اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا (2) قال ابن عباس : وكان المشركون والمسلمون يحجون جميعا فلما نزلت براءة نفي المشركون عن البيت الحرام ، وحج المسلمون لا يشاركهم في البيت الحرام أحد من المشركين ، وكان ذلك من تمام النعمة أنزل الله تعالى اليوم يئس الذين كفروا من دينكم ، فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا
__________
(1) سورة : الفتح آية رقم : 4
(2) سورة : المائدة آية رقم : 3

197 - وحدثنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار قال : حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم الصفار قال : حدثني محمد بن عبد الملك المصيصي أبو عبد الله قال : كنا عند سفيان بن عيينة في سنة سبعين ومائة

فسأله رجل عن الإيمان ؟ فقال : قول وعمل قال :
يزيد وينقص ؟ قال : يزيد ما شاء الله ، وينقص حتى لا يبقى شيء منه مثل هذه ، وأشار سفيان بيده ، قال الرجل : كيف نصنع بقوم عندنا يزعمون أن الإيمان قول بلا عمل ؟ قال سفيان : كان القول قولهم قبل أن تنزل أحكام الإيمان وحدوده ، ثم إن الله تعالى بعث نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الناس كلهم كافة أن يقولوا : لا إله إلا الله ، وأنه رسول الله ، فإذا قالوها ، عصموا بها دماءهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله تعالى ، فلما علم الله تعالى صدق ذلك من قلوبهم ، أمره أن يأمرهم بالصلاة ، فأمرهم ففعلوا ، فوالله لو لم يفعلوا ما نفعهم الإقرار الأول ، فلما علم الله صدق ذلك من قلوبهم ، أمره أن يأمرهم بالهجرة إلى المدينة ، فأمرهم ففعلوا ، فوالله لو لم يفعلوا ما نفعهم الإقرار الأول ولا صلاتهم ، فلما علم الله صدق ذلك من قلوبهم أمره أن يأمرهم بالرجوع إلى مكة فيقاتلوا آباءهم وأبناءهم ، حتى يقولوا كقولهم ، ويصلوا صلاتهم ، ويهاجروا هجرتهم ، فأمرهم ففعلوا ، حتى أتى أحدهم برأس أبيه ، فقال : يا رسول الله ، هذا رأس شيخ الكافرين فوالله لو لم يفعلوا ما نفعهم الإقرار الأول ، ولا صلاتهم ، ولا هجرتهم ، ولا قتالهم ، فلما علم الله عز وجل صدق ذلك من قلوبهم ، أمره أن يأمرهم بالطواف بالبيت تعبدا ، وأن يحلقوا رءوسهم تذللا ففعلوا ، فوالله لو لم يفعلوا ما نفعهم الإقرار الأول ، ولا صلاتهم ، ولا مهاجرتهم ، ولا قتل آبائهم ، فلما علم الله صدق ذلك من قلوبهم ، أمره أن يأخذ من أموالهم صدقة تطهرهم ، فأمرهم ففعلوا ، حتى أتوا بها ، قليلها وكثيرها ، والله لو لم يفعلوا ما نفعهم الإقرار الأول ، ولا صلاتهم ، ولا مهاجرتهم ، ولا قتلهم آباءهم ، ولا طوافهم ، فلما علم الله الصدق من قلوبهم فيما تتابع عليهم من شرائع الإيمان وحدوده قال له : قل لهم : اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا (1) قال سفيان : فمن ترك خلة (2) من خلل الإيمان جاحدا كان بها عندنا كافرا ، ومن تركها كسلا أو تهاونا ، أدبناه ، وكان بها عندنا ناقصا ، هكذا السنة أبلغها عني من سألك من الناس
__________
(1) سورة : المائدة آية رقم : 3
(2) الخلة : السمة والخصلة والصفة
باب معرفة أي يوم نزلت هذه الآية قوله تعالى اليوم أكملت
لكم دينكم (1) الآية
__________
(1) سورة : المائدة آية رقم : 3

198 - حدثنا أبو محمد يحيى بن صاعد قال : حدثنا عبد الجبار بن العلاء العطار قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن مسعر وغيره ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب قال : إن رجلا من اليهود قال لعمر رضي الله عنه : لو علينا أنزلت هذه الآية : اليوم أكملت لكم دينكم (1) لاتخذناها عيدا ، فقال عمر :

أنا أعلم أي يوم أنزلت أنزلت يوم عرفة في يوم
جمعة
__________
(1) سورة : المائدة آية رقم : 3

199 - أخبرنا أبو محمد عبد الله بن صالح البخاري قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، وأحمد بن عبد الجبار قالا : نا عبد الله بن إدريس ، عن أبيه ، عن قيس ، عن طارق بن شهاب قال : قال يهودي لعمر رضي الله عنه : لو أنا نعلم أي يوم أنزلت هذه الآية لاتخذناها عيدا : اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا (1) فقال عمر رضي الله عنه :

قد علمت اليوم الذي أنزلت فيه ، أنزلت ونحن وقوف بعرفات
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
(1) سورة : المائدة آية رقم : 3

200 - أخبرنا إبراهيم بن موسى الجوزي قال : حدثنا يوسف بن موسى القطان قال : ثنا وكيع قال : ثنا حماد بن سلمة ، عن عمار مولى بني هاشم قال : قرأ ابن عباس :

اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا
(1) وعنده رجل من أهل الكتاب فقال : لو علمنا في أي يوم أنزلت هذه الآية جعلناها عيدا فقال : « لقد أنزلت يوم عرفة يوم الجمعة » قال محمد بن الحسين : هذا بيان لمن عقل ، يعلم أنه لا يصح الدين إلا بالتصديق بالقلب ، والإقرار باللسان ، والعمل بالجوارح ، مثل الصلاة ، والزكاة والصيام ، والحج ، والجهاد ، وما أشبه ذلك
__________
(1) سورة : المائدة آية رقم : 3
باب على كم بني الإسلام ؟

201 - حدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف بن زياد قال : حدثنا أبي عمر العدني قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن سعير بن الخمس ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «

بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا
الله ، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت »

202 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدثنا محمد بن إسماعيل قال : حدثنا وكيع بن الجراح قال : حدثنا حنظلة بن أبي سفيان الجمحي ، عن عكرمة بن خالد ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «

بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا
الله ، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم شهر رمضان »

203 - وأخبرنا أبو عبيد علي بن الحسين بن حرب القاضي قال : حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني قال : حدثنا شبابة بن سوار قال : حدثنا عاصم ، عن أبيه ، عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «

بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا
الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت »

204 - وحدثنا أبو جعفر محمد بن الحسين الأشناني الكوفي قال : حدثنا محمد بن علي الشقيقي قال : سمعت أبي قال : حدثنا أبو حمزة ، عن جابر ، عن عامر ، عن جرير بن عبد الله قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : «

إن الإسلام بني على خمس : شهادة أن لا إله
إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم رمضان »
باب ذكر سؤال جبريل للنبي عليهما السلام عن الإسلام ما هو
؟ وعن الإيمان ما هو ؟

205 - حدثنا أبو بكر جعفر بن محمد الفريابي قال : حدثنا إسحاق بن راهويه قال : حدثنا النضر بن شميل قال : حدثنا كهمس بن الحسن قال : حدثنا عبد الله بن بريدة ، عن يحيى بن يعمر ، عن عبد الله بن عمر قال : حدثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : بينا نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لا يعرفه أحد منا ، حتى جلس إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فأسند ركبته إلى ركبته ، ووضع كفيه على فخذيه ، ثم قال : يا محمد أخبرني عن الإسلام ، وما الإسلام ؟ قال : أن

تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله
، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا « ، قال : صدقت ، فعجبنا أنه يسأله ويصدقه قال : فأخبرني عن الإيمان ؟ قال : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، والقدر خيره وشره » ، قال : صدقت قال فأخبرني عن الإحسان قال : « أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه ، فإنه يراك » ، قال : فأخبرني عن الساعة ؟ قال : « ما المسؤل عنها بأعلم من السائل » قال عمر : فلبثت مليا (1) ، ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يا عمر ، هل تدري من السائل ؟ » فقلت : الله ورسوله أعلم ، قال : « فإنه جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم »
__________
(1) مليا : وقتا طويلا

206 - وأخبرنا الفريابي قال : حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي قال : حدثنا معاذ بن معاذ قال : حدثنا كهمس بن الحسن ، عن عبد الله بن بريدة ، عن يحيى بن يعمر قال : كان أول من قال بالقدر بالبصرة معبد الجهني ، فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن ، فلقينا عبد الله بن عمر ، فقلنا : إنه قد ظهر قبلنا أناس يقرءون القرآن ويبتغون العلم ، ويزعمون أن لا قدر ، وأن الأمر أنف قال : إذا لقيت أولئك ، فأخبرهم أني منهم بريء ، وهم مني برآء ، والذي حلف به ابن عمر ، لو أن لأحدهم أحدا ذهبا ، فأنفقه ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر ، ثم قال : حدثني أبي عمر رضي الله عنه قال : بينا نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم ، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لا يرى عليه أثر السفر ، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأسند ركبته إلى ركبته ، ووضع كفيه على فخذيه ، فقال : يا محمد أخبرني عن الإسلام ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « أن

تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله
، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا » ، قال : صدقت ، قال : فعجبنا له أنه يسأله ويصدقه قال : فأخبرني عن الإيمان ؟ قال : « أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره » قال : صدقت قال فأخبرني عن الإحسان ؟ قال : « أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك » قال : فأخبرني عن الساعة ؟ قال : « ما المسؤل عنها بأعلم من السائل » قال : فأخبرني عن أمارتها قال : « أن تلد الأمة (1) ربتها ، وأن يرى الحفاة العراة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان ، » قال : ثم انطلق ، فلبثت ثلاثا ، ثم قال لي : « يا عمر تدري من السائل ؟ » قلت : الله ورسوله أعلم قال : « إنه جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم »
__________
(1) الأمة : الجارية المملوكة

207 - حدثنا أبو شعيب عبد الله بن الحسن الحراني قال : حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد الحراني قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن يحيى بن يعمر قال : قلت لابن عمر : إن عندنا بالعراق رجالا يقولون : إن شاءوا عملوا ، وإن شاءوا لم يعملوا ، وإن شاءوا دخلوا الجنة ، وإن شاءوا دخلوا النار ، ويصنعون ما شاءوا ، فقال ابن عمر : أخبرهم أني منهم بريء ، وهم مني برآء ، ثم قال : جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا محمد قال : « لبيك » قال : ما الإسلام ؟ قال : « أن تعبد الله لا تشرك به شيئا ، وتصلي الصلاة المكتوبة وتؤتي الزكاة المفروضة ، وتصوم شهر رمضان ، وتحج البيت » قال : فإذا فعلت ذلك فأنا مسلم ؟ قال : « نعم » قال : صدقت قال : فما الإحسان ؟ قال : « أن تخشى الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك » قال : فإذا فعلت ذلك فأنا محسن ؟ قال : « نعم » قال : صدقت قال : فما الإيمان ؟ قال : « تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث من بعد الموت والجنة والنار ، والقدر كله » قال : فإذا فعلت ذلك فأنا مؤمن ؟ قال : « نعم » : قال صدقت «

208 - أخبرنا أبو عبيد علي بن الحسين بن حرب القاضي قال : حدثنا حسن الزعفراني قال : حدثنا يزيد بن هارون قال : أنا العوام بن حوشب ، عن محارب بن دثار ، عن ابن عمر قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد ، إذ أقبل رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لا يرى عليه أثر السفر ، ولا يعرف ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس بين يديه وأسند ركبتيه إلى ركبتيه ، فقال : يا محمد أخبرني عن الإسلام ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «

تشهد ألا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله
، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ، وتغتسل من الجنابة » فقال : صدقت ، فعجبوا منه أنه يسأله ويصدقه قال : فأخبرني عن الإيمان ؟ قال : « أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والجنة والنار ، والبعث والحساب ، وبالقدر خيره وشره ، وحلوه ومره » قال : صدقت ، فعجبوا منه أنه يسأله ويصدقه ، قال : فأخبرني عن الساعة ؟ قال : « ما المسؤل عنها بأعلم من السائل » قال : صدقت ، ثم ذهب ، فلما كان بعد ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر : « يا عمر ، تدري من الرجل ؟ » قلت : الله ورسوله أعلم قال : « ذلك جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم ، وما أتاني في صورة إلا عرفته فيها ، إلا في صورته هذه »
باب ذكر أفضل الإيمان ما هو ؟ وأدنى الإيمان ما هو
؟

209 - حدثنا أبو جعفر أحمد بن يحيى الحلواني قال : حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحلماني قال : أنا خالد يعني الواسطي ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن عبد الله بن دينار ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الإيمان بضع (1) وستون ، أو بضع وسبعون شعبة (2) ، أفضلها : لا إله إلا الله وأدناها إماطة (3) الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان »
__________
(1) البضع : العدد بين الثلاثة إلى التسعة
(2) الشعبة : القطعة من الشيء والمراد الخَصلة
(3) الإماطة : الإزالة والتنحية

210 - حدثنا حامد بن شعيب البلخي قال : حدثنا يحيى بن أيوب العابد قال : حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن عبد الله بن دينار ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الإيمان بضع (1) وستون ، أو بضع وسبعون شعبة أفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها : إماطة (2) الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة (3) من الإيمان »
__________
(1) البضع : العدد بين الثلاثة إلى التسعة
(2) الإماطة : الإزالة والتنحية
(3) الشعبة : القطعة من الشيء والمراد الخَصلة

211 - وأخبرنا إبراهيم بن موسى الجوزي قال : حدثنا أحمد بن منيع ، ويعقوب الدورقي ، ومجاهد بن موسى ، لفظه ، قالوا : حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن عبد الله بن دينار ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الإيمان بضع (1) وستون شعبة أو بضع وسبعون شعبة ، أفضلها : قول لا إله إلا الله ، وأدناها : إماطة (2) الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة (3) من الإيمان »
__________
(1) البضع : العدد بين الثلاثة إلى التسعة
(2) الإماطة : الإزالة والتنحية
(3) الشعبة : القطعة من الشيء والمراد الخَصلة

باب ذكر ما دل على زيادة الإيمان ونقصانه

212 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا صفوان بن عيسى ، عن ابن عجلان ، عن القعقاع بن حكيم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «

إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه
، فإن تاب ونزع واستغفر ، صقل (1) منها قلبه فإن زاد زادت حتى تعلوا قلبه ، فذلك الران » قال الله تعالى : كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون (2)
__________
(1) الصقل : الجلاء والمراد الجلاء والتطهير من أثار الذنوب
(2) سورة : المطففين آية رقم : 14

213 - وحدثنا أحمد بن يحيى الحلواني قال : حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال : حدثنا إسماعيل بن عياش : حدثني صفوان بن عمرو ، عن عبد الله بن ربيعة الحضرمي ، عن أبي هريرة قال : «

الإيمان يزداد وينقص
»

214 - وحدثنا أيضا الحلواني قال : حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال : حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن عبد الوهاب بن مجاهد ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، وأبي هريرة قالا : «

الإيمان يزداد وينقص
»

215 - وأخبرنا أبو بكر بن عبد الحميد قال : حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن الفضل قال : حدثنا حماد بن سلمة قال : حدثنا أبو جعفر الخطمي ، عن أبيه ، عن جده عمير بن حبيب قال : «

الإيمان يزيد وينقص ، قيل له : وما زيادته ونقصانه
؟ قال : إذا ذكرنا الله عز وجل وحمدناه وخشيناه ، فذلك زيادته ، فإذا غفلنا وضيعنا ، فذلك نقصانه »

216 - حدثنا جعفر بن محمد الصندلي قال : حدثنا الفضل بن زياد قال : حدثنا أبو عبد الله أحمد بن حنبل قال : حدثنا الحسن بن موسى قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن أبي جعفر الخطمي ، عن أبيه ، عن جده عمير بن حبيب قال : «

الإيمان يزيد وينقص ، فقيل : وما زيادته ونقصانه ؟
قال : إذا ذكرنا الله وحمدناه وسبحناه ، فذلك زيادته ، وإذا غفلنا وضيعنا ونسينا ، فذلك نقصانه »

217 - وحدثنا جعفر قال : حدثنا الفضل قال : حدثنا أحمد بن حنبل قال : حدثنا يزيد بن هارون قال : أنا محمد بن طلحة ، عن زبيد ، عن ذر قال كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لأصحابه : «

هلموا نزداد إيمانا ، فيذكرون الله تعالى
»

218 - وحدثنا جعفر قال : حدثنا الفضل قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا وكيع ، عن شريك ، عن هلال ، عن عبد الله بن عكيم قال : سمعت عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول في دعائه : «

اللهم زدني إيمانا ويقينا وفقها
»

219 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب قال : حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للنساء : «

ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لألباب ذوي الرأي
منكن »

220 - وحدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن الفضل قال : حدثنا حماد بن سلمة قال : نا هشام بن عروة ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «

لا يزني العبد حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق
حين يسرق وهو مؤمن »

221 - وحدثنا أبو شعيب عبد الله بن الحسن الحراني قال : حدثنا علي بن الجعد قال : أخبرنا سفيان ، عن الأعمش ، عن ذكوان ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «

لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ، ولا يزني
حين يزني وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن ، والتوبة معروضة بعد »

222 - حدثنا إسحاق بن أبي حسان الأنماطي قال : حدثنا هشام بن عمار الدمشقي قال : حدثنا حاتم بن إسماعيل قال : حدثنا محمد بن عجلان ، عن القعقاع بن حكيم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «

لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يشرب
الخمر حين يشربها وهو مؤمن »

223 - وحدثنا ابن عبد الحميد قال : حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا أبو داود يعني الطيالسي قال : حدثنا شعبة قال : أخبرني فراس قال : سمعت مدرك بن عمارة ، يحدث عن ابن أبي أوفى يعني عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «

لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يشرب
الخمر حين يشربها وهو مؤمن »

224 - حدثنا ابن عبد الحميد أيضا قال : حدثنا أبو هشام الرفاعي قال : حدثنا وهب بن جرير قال : أنا أبي ، عن فضيل بن يسار قال : قيل لأبي جعفر ، في قول النبي صلى الله عليه وسلم : « لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن » قال : فدور دائرة ، فقال : هذا الإسلام ، ثم دور حولها دائرة فقال : وهذا الإيمان محصور في الإسلام ،

فإذا سرق أو زنى خرج من الإيمان إلى الإسلام ، ولا
يخرجه عنه من الإسلام إلا الشرك «

225 - حدثنا أبو نصر محمد بن كردي الفلاس قال : حدثنا أبو بكر المروزي قال : حدثنا أبو عبد الله أحمد بن حنبل قال : حدثنا سليمان بن حرب قال : حدثنا جرير بن حازم ، عن الفضيل بن يسار قال : قال محمد بن علي : « هذا الإسلام ودور دائرة في وسطها أخرى وهذا الإيمان الذي في وسطها مقصور في الإسلام ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : » لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن « ثم قال : »

يخرج من الإيمان إلى الإسلام ، ولا يخرج من الإسلام
، فإذا تاب تاب الله عليه قال ورجع إلى الإيمان « قال محمد بن الحسين : ما أحسن ما قاله محمد بن علي رضي الله عنهما ، وذلك أن الإيمان يزيد وينقص ، يزيد بالطاعات ، وينقص بالمعاصي والإسلام لا يجوز أن يقال : يزيد وينقص وقد روى جماعة ممن تقدم أنهم قالوا : إذا زنى نزع منه الإيمان ، فإن تاب رده الله إليه ، كل ذلك دليل على أن الإيمان يزيد وينقص ، والإسلام ليس كذلك ، ألا ترى إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم : » بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة ، فمن ترك الصلاة فقد كفر « وعن ابن مسعود قال : » إن الله تعالى : قرن الزكاة في كتابه مع الصلاة ، فمن لم يزك فلا صلاة له «

226 - حدثنا أبو شعيب عبد الله بن الحسن الحراني قال : حدثني جدي قال : حدثنا موسى بن أعين ، عن عبيد الله بن عمرو ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :

إن الرجل إذا زنى نزع الله عز وجل منه نور
الإيمان ، فإن شاء رده إليه ، وإن شاء تركه

227 - وحدثنا عمر بن أيوب السقطي قال : حدثنا أبو معمر القطيعي قال : حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن مجاهد قال : كان ابن عباس يسمي غلمانه تسمية العرب ويقول :

لا تزنوا : فإن الرجل إذا زنى نزع منه نور
الإيمان

228 - حدثنا أبو نصر محمد بن كردي قال : حدثنا أبو بكر المروزي قال : حدثنا أحمد بن حنبل قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان ، عن إبراهيم بن المهاجر ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، أنه قال لغلمانه : « من أراد منكم الباءة (1) زوجناه ،

لا يزني منكم زان إلا نزع الله منه نور الإيمان
، فإن شاء أن يرده عليه ، رده ، وإن شاء أن يمنعه منه منعه »
__________
(1) الباءة : النِّكاح والتَّزَوّج

229 - وحدثنا أبو نصر أيضا قال : حدثنا أبو بكر المروزي قال : حدثنا أبو عبد الله أحمد بن حنبل قال : حدثنا يزيد يعني بن هارون قال : أخبرنا العوام قال : حدثني علي بن مدرك ، عن أبي زرعة ، عن أبي هريرة قال : «

الإيمان نزه ، فمن زنا فارقه الإيمان ، فإن لام
نفسه وراجع ، راجعه الإيمان »

230 - وحدثني أبو نصر قال : حدثنا أبو بكر قال : نا أحمد قال : حدثنا وكيع ، عن الفضل بن دلهم ، عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «

لا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ، ينزع الله
منه نور الإيمان كما يخلع أحدكم قميصه فإن تاب تاب الله عليه »

231 - وحدثنا أيضا أبو نصر قال : ثنا أبو بكر قال : حدثنا أحمد قال : حدثني يحيى بن سعيد ، عن أشعث ، عن الحسن : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «

ينزع منه نور الإيمان فإن تاب أعيد إليه الإيمان
»

232 - قال : وحدثنا أبو بكر قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن عوف قال : قال الحسن : «

يجانبه الإيمان ما كان كذلك ، فإن رجع راجعه الإيمان
»

233 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا إسحاق بن رهوايه قال : حدثنا عبد الله بن إدريس قال : حدثنا محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «

أكمل المؤمنين إيمانا : أحسنهم خلقا
»

234 - وحدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : ثنا أبو طاهر أحمد بن عمرو قال : حدثنا أنس بن عياض قال : حدثني محمد بن عجلان ، عن القعقاع ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «

أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا
»

235 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد ، عن مالك بن أنس ، عن ابن شهاب ، عن سالم ، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على رجل من الأنصار ، وهو يعظ أخاه في الحياء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «

دعه ، فإن الحياء من الإيمان
»

236 - وحدثنا أبو نصر محمد بن كردي قال : حدثنا أبو بكر المروزي قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن خيثمة ، عن عبد الله بن عمرو قال :

يأتي على الناس زمان يجتمعون في المساجد ليس فيهم مؤمن

237 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال : حدثنا فضيل بن عياض ، عن الأعمش ، عن خيثمة ، عن عبد الله بن عمرو قال : «

يأتي على الناس زمان يجتمعون في مساجدهم ، ليس فيهم
مؤمن »

238 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا عبيد الله بن معاذ قال : حدثنا أبي قال : حدثنا شعبة ، عن سليمان ، عن خيثمة ، عن عبد الله بن عمرو قال : «

ليأتين على الناس زمان يجتمعون في مساجدهم ، ما فيهم
مؤمن » قال محمد بن حسين : كل هذه الآثار تدل على زيادة الإيمان ونقصانه ، وسنذكر من القرآن ما يدل على ما قلناه وهذا طريق من أراد الله به خيرا قال الله تعالى : وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون (1) وقال تعالى : هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم (2) قال تعالى : والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم (3) وقال تعالى فيما أثنى به على أصحاب الكهف : إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى وربطنا على قلوبهم (4) وقال تعالى : إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون (5) وقال تعالى : ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ، ويزداد الذين آمنوا إيمانا (6) وهذا في القرآن كثير . وقال تعالى الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل (7)
__________
(1) سورة : التوبة آية رقم : 124
(2) سورة : الفتح آية رقم : 4
(3) سورة : محمد آية رقم : 17
(4) سورة : الكهف آية رقم : 13
(5) سورة : الأنفال آية رقم : 2
(6) سورة : المدثر آية رقم : 31
(7) سورة : آل عمران آية رقم : 173

239 - حدثنا أبو حفص عمر بن أيوب السقطي قال : سمعت أبا جعفر محمد بن سليمان لوينا يقول : سمعت سفيان بن عيينة ، يقول غير مرة :

الإيمان قول وعمل قال : ابن عيينة : فأخذناه ممن
قبلنا : قول وعمل ، وإنه لا يكون قول إلا بعمل قيل لابن عيينة : يزيد وينقص ؟ قال : فأي شيء إذا ؟

240 - وحدثنا عمر بن أيوب قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي قال : حدثنا أبو الفتح نصر بن المغيرة قال : قيل لسفيان بن عيينة الإيمان يزيد وينقص ؟ قال : « أليس تقرءون القرآن ؟ فزادهم إيمانا (1) في غير موضع ، قيل : ينقص ؟ قال : ليس شيء يزيد إلا وهو ينقص »
__________
(1) سورة : آل عمران آية رقم : 173

241 - وحدثنا عمر بن أيوب قال : حدثنا يعقوب الدورقي قال : حدثنا محمد بن القاسم الأسدي قال : سمعت سفيان الثوري يقول : « إن

الإيمان يزيد وينقص قال سفيان : وأقول : إن الإيمان يزيد
وينقص قال سفيان : وأقول : إن الإيمان ما وقر في الصدور ، وصدقه العمل »

242 - وحدثنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار قال : حدثنا أبو بكر بن زنجويه قال : حدثنا عبد الرزاق قال : سمعت سفيان الثوري ، وابن جريج ، ومعمرا يقولون :

الإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص

243 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا سلمة بن شبيب قال : حدثنا عبد الرزاق قال : سمعت معمرا ، وسفيان الثوري ، ومالك بن أنس ، وابن جريج ، وسفيان بن عيينة يقولون : «

الإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص
»

244 - أخبرنا خلف بن عمرو العكبري قال : حدثنا الحميدي قال : سمعت ابن عيينة يقول : «

الإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص ، فقال له أخوه
إبراهيم بن عيينة : يا أبا محمد ، لا تقولن يزيد وينقص ، فغضب وقال : اسكت يا صبي ، بلى حتى لا يبقى منه شيء »

245 - أخبرنا أبو العباس أحمد بن موسى بن زنجويه القطان قال : حدثنا إبراهيم بن الوليد القرشي قال : حدثنا فديك يعني ابن سليمان قال : سمعت الأوزاعي يقول : «

الإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص فمن زعم أن الإيمان
يزيد ولا ينقص فاحذروه ، فإنه مبتدع »

246 - وحدثنا ابن مخلد قال : حدثنا أبو داود قال : سمعت أحمد بن حنبل يقول : «

الإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص
»

247 - وحدثنا ابن مخلد قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا سريج بن النعمان قال : حدثنا عبد الله بن نافع قال : كان مالك يقول : «

الإيمان قول وعمل يزيد وينقص
»

248 - حدثنا جعفر بن محمد الصندلي قال : حدثنا الفضل بن زياد قال : حدثنا أبو عبد الله يعني أحمد بن حنبل قال : حدثنا وكيع قال : حدثنا سفيان ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال : «

ما نقصت أمانة عبد إلا نقص إيمانه
»

249 - قال الفضل : وسمعت أبا عبد الله وسئل عن نقصان الإيمان فقال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال : « ما انتقصت أمانة عبد إلا انتقص إيمانه » قال : وقال أحمد : قال وكيع : « الإيمان يزيد وينقص » وهو قول سفيان

250 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا يوسف بن موسى القطان قال : حدثنا وكيع قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي الهيثم ، عن سعيد بن جبير : ولكن ليطمئن قلبي (1) قال : ليزداد إيمانا قال محمد بن الحسين : فيما ذكرت من هذا الباب مقنع لمن وفقه الله تعالى للرشاد ، وسلم من الأهواء الضالة
__________
(1) سورة : البقرة آية رقم : 260

باب القول بأن الإيمان تصديق بالقلب ، وإقرار باللسان ، وعمل
بالجوارح لا يكون مؤمنا ، إلا أن تجتمع فيه هذه الخصال الثلاث قال محمد بن الحسين : اعملوا رحمنا الله وإياكم أن الذي عليه علماء المسلمين أن الإيمان واجب على جميع الخلق ، وهو تصديق بالقلب ، وإقرار باللسان ، وعمل بالجوارح ، ثم اعلموا أنه لا تجزئ المعرفة بالقلب والتصديق إلا أن يكون معه الإيمان باللسان نطقا ، ولا تجزيء معرفة بالقلب ، ونطق باللسان ، حتى يكون عمل بالجوارح ، فإذا كملت فيه هذه الثلاث الخصال : كان مؤمنا دل على ذلك القرآن ، والسنة ، وقول علماء المسلمين : فأما ما لزم القلب من فرض الإيمان فقول الله تعالى في سورة المائدة : يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر (1) وقال تعالى : من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم (2) وقال تعالى : قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم (3) الآية فهذا مما يدلك على أن على القلب الإيمان ، وهو التصديق والمعرفة ، ولا ينفع القول إذ لم يكن القلب مصدقا بما ينطق به اللسان مع العمل ، فاعلموا ذلك وأما فرض الإيمان باللسان : فقوله تعالى في سورة البقرة قولوا آمنا بالله ، وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم ، وإسماعيل ، وإسحاق ، ويعقوب ، والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم ، لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ، فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا (4) الآية وقال تعالى من سورة آل عمران : قل آمنا بالله ، وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم (5) الآية وقال النبي صلى الله عليه وسلم : « أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وأني رسول الله » وذكر الحديث فهذا الإيمان باللسان نطقا فرضا واجبا وأما الإيمان بما فرض على الجوارح تصديقا بما آمن به القلب ، ونطق به اللسان : فقوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا (6) إلى قوله تعالى : تفلحون (7) وقال تعالى : وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة (8) في غير موضع من القرآن ، ومثله فرض الصيام على جميع البدن ، ومثله فرض الجهاد بالبدن ، وبجميع الجوارح فالأعمال رحمكم الله بالجوارح : تصديق عن الإيمان بالقلب واللسان ، فمن لم يصدق الإيمان بعمله وبجوارحه : مثل الطهارة ، والصلاة والزكاة ، والصيام والحج والجهاد ، وأشباه لهذه ورضي من نفسه بالمعرفة والقول لم يكن مؤمنا ، ولم ينفعه المعرفة والقول ، وكان تركه للعمل تكذيبا منه لإيمانه ، وكان العمل بما ذكرناه تصديقا منه لإيمانه ، وبالله التوفيق وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون (9) فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم لأمته شرائع الإيمان أنها على هذا النعت في أحاديث كثيرة ، وقد قال تعالى في كتابه ، وبين في غير موضع أن الإيمان لا يكون إلا بعمل ، وبينه النبي صلى الله عليه وسلم خلاف ما قالت المرجئة ، الذين لعب بهم الشيطان قال الله تعالى في سورة البقرة : ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا ، والصابرين في البأساء والضراء (10) إلى قوله تعالى : المتقون قال محمد بن الحسين : سأل أبو ذر النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فتلا عليه هذه الآية
__________
(1) سورة : المائدة آية رقم : 41
(2) سورة : النحل آية رقم : 106
(3) سورة : الحجرات آية رقم : 14
(4) سورة : البقرة آية رقم : 136
(5) سورة : آل عمران آية رقم : 84
(6) سورة : الحج آية رقم : 77
(7) سورة : البقرة آية رقم : 189
(8) سورة : البقرة آية رقم : 43
(9) سورة : النحل آية رقم : 44
(10) سورة : البقرة آية رقم : 177

251 - أخبرنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا سلمة بن شبيب قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أنا معمر ، عن عبد الكريم الجزري ، عن مجاهد قال : إن أبا ذر سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان ؟ فقرأ عليه : ليس البر أن تولوا وجوهكم (1) الآية قال محمد بن الحسين : وبهذا الحديث وغيره يحتج أحمد بن حنبل في كتاب الإيمان أنه قول وعمل ، وجاء به من طرق حدثناه أبو نصر القلاس في كتاب الإيمان قال : حدثنا أبو بكر المروزي قال : حدثنا أبو عبد الله قال : حدثنا عبد الرزاق ، وذكر هذا الحديث وحدثناه ابن أبي داود ، من غير طريق
__________
(1) سورة : البقرة آية رقم : 177

252 - وأخبرنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا محمد بن إسماعيل بن سمرة قال : حدثنا جعفر بن عون قال : أنا عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي ، عن القاسم ، عن أبي ذر قال : جاء رجل ، فسأله عن الإيمان ؟ فقرأ عليه : ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب (1) قال : يعني الرجل : ليس عن البر سألتك ، قال له أبو ذر : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله كما سألتني ؟ فقرأ عليه كما قرأت عليك فأبى أن يرضى كما أبيت أن ترضى ، فقال : ادن مني ، فدنا منه ، فقال : «

المؤمن الذي يعمل حسنة فتسره ويرجو ثوابها ، وإن عمل
سيئة فتسوءه ويخاف عاقبتها » قال محمد بن الحسين : اعلموا رحمنا الله وإياكم يا أهل القرآن ، ويا أهل العلم ، ويا أهل السنن والآثار ، ويا معشر من فقههم الله تعالى في الدين ، بعلم الحلال والحرام أنكم إن تدبرتم القرآن ، كما أمركم الله تعالى علمتم أن الله تعالى أوجب على المؤمنين بعد إيمانهم به وبرسوله : العمل ، وأنه تعالى لم يثن على المؤمنين بأنه قد رضي عنهم وأنهم قد رضوا عنه وأثابهم على ذلك الدخول إلى الجنة ، والنجاة من النار ، إلا الإيمان والعمل الصالح وقرن مع الإيمان العمل الصالح ، لم يدخلهم الجنة بالإيمان وحده ، حتى ضم إليه العمل الصالح ، الذي قد وفقهم له ، فصار الإيمان لا يتم لأحد حتى يكون مصدقا بقلبه ، وناطقا بلسانه ، وعاملا بجوارحه لا يخفى على من تدبر القرآن وتصفحه ، وجده كما ذكرت واعلموا رحمنا الله تعالى وإياكم أني قد تصفحت القرآن فوجدت فيه ما ذكرته في ستة وخمسين موضعا من كتاب الله عز وجل أن الله تبارك وتعالى لم يدخل المؤمنين الجنة بالإيمان وحده ، بل أدخلهم الجنة برحمته إياهم ، وبما وفقهم له من الإيمان به ، والعمل الصالح ، وهذا رد على من قال : الإيمان : المعرفة ، ورد على من قال : المعرفة والقول ، وإن لم يعمل نعوذ بالله من قائل هذا فإن قال : فاذكر هذا الذي بينته من كتاب الله عز وجل ، ليستغنى غيرك عن التصفح للقرآن ، قيل له : نعم ، والله تعالى الموفق لذلك ، والمعين عليه قال الله تبارك وتعالى في سورة البقرة : وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل ، وأتوا به متشابها ، ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون (2) وقال عز وجل : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون (3) وقال تبارك وتعالى في سورة آل عمران : فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين (4) وقال عز وجل في سورة النساء : والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة ، وندخلهم ظلا ظليلا (5) وقال سبحانه وتعالى : والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار ، خالدين فيها أبدا ، وعد الله حقا ومن أصدق من الله قيلا (6) وقال جل وعلا : لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله (7) الآية وقال تبارك وتعالى في سورة المائدة : وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم (8) وقال عز وجل في سورة الأنعام : وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ، فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون (9) وقال عز وجل في سورة الأعراف : والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ، ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون (10) وقال عز وجل في سورة براءة : الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم (11) وقال عز وجل في سورة براءة أيضا : لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم ، وأولئك لهم الخيرات ، وأولئك هم المفلحون (12) قال محمد بن الحسين رحمه الله تعالى : اعتبروا رحمكم الله بما تسمعون ، لم يعطهم مولاهم الكريم هذا الخير كله بالإيمان وحده ، حتى ذكر عز وجل هجرتهم وجهادهم بأموالهم وأنفسهم وقد علمتم أن الله عز وجل ذكر قوما آمنوا بمكة ، ولم يهاجروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ماذا قال فيهم ؟ وهو قوله : والذين آمنوا ولم يهاجروا ، ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا (13) ثم ذكر قوما آمنوا بمكة ، وأمكنتهم الهجرة إليها ، فلم يهاجروا ، فقال فيهم قولا ، هو أعظم من هذا ، وهو قوله عز وجل : إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا (14) ثم عذر جل ذكره من لم يستطع الهجرة ولا النهوض بعد إيمانه ، فقال عز وجل إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ، ولا يهتدون سبيلا ، فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم (15) الآية قال محمد بن الحسين رحمه الله تعالى : كل هذا يدل على أن الإيمان تصديق بالقلب ، وقول باللسان وعمل بالجوارح ، ولا يجوز على هذا ردا على المرجئة ، الذين لعب بهم الشيطان ، ميزوا هذا تفقهوا إن شاء الله ، وقال عز وجل في سورة يونس : إليه مرجعكم جميعا ، وعد الله حقا إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط (16) وقال تعالى إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم (17) وقال تعالى : الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ، ذلك هو الفوز العظيم (18) وقال تعالى في سورة الرعد : الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ، ألا بذكر الله تطمئن القلوب ، الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب (19) وقال تعالى في سورة إبراهيم : وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار ، خالدين فيها بإذن ربهم ، تحيتهم فيها سلام (20) وقال تعالى في سورة سبحان : إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ، ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا (21) وقال تعالى في سورة الكهف : الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ، ولم يجعل له عوجا قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا (22) وقال تعالى إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا (23) وقال تعالى : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا خالدين فيها لا يبغون عنها حولا (24) وقال تعالى في سورة مريم : فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا (25) وقال تعالى في سورة مريم أيضا : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا (26) وقال تعالى في سورة طه : ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلا جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى (27) وقال تعالى : وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى (28) وقال تعالى في سورة الحج : إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار إن الله يفعل ما يريد (29) قال عز وجل : إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير وقال تعالى : قل يا أيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم (30) وقال تعالى : الملك يومئذ لله يحكم بينهم ، فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم (31) وقال تعالى في سورة العنكبوت : والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ، ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون (32) وقال تعالى : والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون (33) وقال تعالى في سورة الروم : ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون ، فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون (34) وقال تعالى في سورة لقمان : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم خالدين فيها ، وعد الله حقا وهو العزيز الحكيم (35) وقال تعالى في سورة السجدة : أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون (36) وقال تعالى في سورة سبأ : ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة ورزق كريم (37) وقال تعالى : وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا ، فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون (38) وقال تعالى في سورة فاطر : الذين كفروا لهم عذاب شديد ، والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير (39) وقال تعالى في سورة الزمر : وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها (40) إلى قوله أجر العاملين وقال تعالى في سورة حم عسق ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير (41) وقال تعالى : ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات (42) وقال تعالى في سورة الزخرف : الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون إلى قوله وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون (43) وقال تعالى في سورة الجاثية : وترى كل أمة جاثية (44) إلى قوله فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ذلك هو الفوز المبين (45) وقال تعالى في سورة الأحقاف : إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون (46) وقال تعالى في سورة محمد صلى الله عليه وسلم : الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم (47) وقال تعالى : إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار (48) إلى قوله مثوى لهم وقال في سورة التغابن : ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم (49) وقال في سورة الطلاق : ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار (50) وقال تعالى في سورة إذا السماء انشقت : فأما من أوتي كتابه بيمينه (51) إلى قوله إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون (52) وقال تعالى في سورة البروج : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير (53) وقال تعالى في سورة التين والزيتون : إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون (54) وقال تعالى في سورة البينة : لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب (55) إلى قوله : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية (56) وقال عز وجل في سورة العصر : والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر (57) قال محمد بن الحسين : ميزوا رحمكم الله قول مولاكم الكريم : هل ذكر الإيمان في موضع واحد من القرآن إلا وقد قرن إليه العمل الصالح ؟ وقال تعالى : إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه (58) فأخبر تعالى بأن الكلم الطيب حقيقة أن يرفع إلى الله تعالى بالعمل ، إن لم يكن عمل بطل الكلام من قائله ، ورد عليه ، ولا كلام طيب أجل من التوحيد ولا عمل من أعمال الصالحات أجل من أداء الفرائض
__________
(1) سورة : البقرة آية رقم : 177
(2) سورة : البقرة آية رقم : 25
(3) سورة : البقرة آية رقم : 277
(4) سورة : آل عمران آية رقم : 56
(5) سورة : النساء آية رقم : 57
(6) سورة : النساء آية رقم : 122
(7) سورة : النساء آية رقم : 172
(8) سورة : المائدة آية رقم : 9
(9) سورة : الأنعام آية رقم : 48
(10) سورة : الأعراف آية رقم : 42
(11) سورة : التوبة آية رقم : 20
(12) سورة : التوبة آية رقم : 88
(13) سورة : الأنفال آية رقم : 72
(14) سورة : النساء آية رقم : 97
(15) سورة : النساء آية رقم : 98
(16) سورة : يونس آية رقم : 4
(17) سورة : يونس آية رقم : 9
(18) سورة : يونس آية رقم : 63
(19) سورة : الرعد آية رقم : 28
(20) سورة : إبراهيم آية رقم : 23
(21) سورة : الإسراء آية رقم : 9
(22) سورة : الكهف آية رقم : 1
(23) سورة : الكهف آية رقم : 30
(24) سورة : الكهف آية رقم : 107
(25) سورة : مريم آية رقم : 59
(26) سورة : مريم آية رقم : 96
(27) سورة : طه آية رقم : 75
(28) سورة : طه آية رقم : 82
(29) سورة : الحج آية رقم : 14
(30) سورة : الحج آية رقم : 49
(31) سورة : الحج آية رقم : 56
(32) سورة : العنكبوت آية رقم : 7
(33) سورة : العنكبوت آية رقم : 58
(34) سورة : الروم آية رقم : 14
(35) سورة : لقمان آية رقم : 8
(36) سورة : السجدة آية رقم : 18
(37) سورة : سبأ آية رقم : 4
(38) سورة : سبأ آية رقم : 37
(39) سورة : فاطر آية رقم : 7
(40) سورة : الزمر آية رقم : 73
(41) سورة : الشورى آية رقم : 22
(42) سورة : الشورى آية رقم : 23
(43) سورة : الزخرف آية رقم : 72
(44) سورة : الجاثية آية رقم : 28
(45) سورة : الجاثية آية رقم : 30
(46) سورة : الأحقاف آية رقم : 13
(47) سورة : محمد آية رقم : 1
(48) سورة : محمد آية رقم : 12
(49) سورة : التغابن آية رقم : 9
(50) سورة : الطلاق آية رقم : 11
(51) سورة : الانشقاق آية رقم : 7
(52) سورة : الانشقاق آية رقم : 25
(53) سورة : البروج آية رقم : 11
(54) سورة : التين آية رقم : 6
(55) سورة : البينة آية رقم : 1
(56) سورة : البينة آية رقم : 7
(57) سورة : العصر آية رقم : 1
(58) سورة : فاطر آية رقم : 10

253 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني قال : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء قال : نا أبو عبيدة الناجي أنه سمع الحسن يقول : قال قوم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم :

إنا لنحب ربنا فأنزل الله تعالى بذلك قرآنا : قل
إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم (1) فجعل اتباع نبيه صلى الله عليه وسلم علما لحبه ، وكذب من خالفه ، ثم جعل على كل قول دليلا من عمل يصدقه ، ومن عمل يكذبه ، وإذا قال قولا حسنا ، وعمل عملا حسنا ، رفع الله قوله بعمله ، وإذا قال قولا حسنا ، وعمل عملا سيئا ، رد الله القول على العمل ، وذلك في كتابه تعالى : إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه (2)
__________
(1) سورة : آل عمران آية رقم : 31
(2) سورة : فاطر آية رقم : 10

254 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا يزيد بن عبد الصمد قال : حدثنا آدم ، يعني ابن أبي إياس قال : حدثنا أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية : في قول الله تعالى : أولئك الذين صدقوا (1) يقول : تكلموا بكلام الإيمان ، وحققوه بالعمل
__________
(1) سورة : البقرة آية رقم : 177

255 - قال الربيع بن أنس : وكان الحسن يقول :

الإيمان كلام ، وحقيقته العمل ، فإن لم يحقق القول
بالعمل ، لم ينفعه القول قال محمد بن الحسين : وكذلك ذكر الله تعالى المتقين في كتابه في غير موضع منه ، ودخولهم الجنة ، فقال : ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون (1) وهذا في القرآن كثير يطول به الكتاب لو جمعته ، مثل قوله في الزخرف الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين (2) إلى قوله وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون (3) ومثل قوله في سورة ق ، والذاريات ، والطور ، مثل قوله : إن المتقين في جنات ونعيم ، فاكهين بما آتاهم ربهم ووقاهم ربهم عذاب الجحيم ، كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون (4) وقال في سورة المرسلات : إن المتقين في ظلال وعيون وفواكه مما يشتهون كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون (5) قال محمد بن الحسين : كل هذا يدل العاقل على أن الإيمان ليس بالتحلي ولا بالتمني ولكن ما وقر في القلوب ، وصدقته الأعمال ، كذا قال الحسن وغيره ، وأنا بعد هذا أذكر ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وعن جماعة من أصحابه ، وعن كثير من التابعين أن الإيمان تصديق بالقلب ، وقول باللسان ، وعمل بالجوارح ، ومن لم يقل عندهم بهذا فقد كفر
__________
(1) سورة : النحل آية رقم : 32
(2) سورة : الزخرف آية رقم : 67
(3) سورة : الزخرف آية رقم : 72
(4) سورة : الطور آية رقم : 17
(5) سورة : المرسلات آية رقم : 41

256 - حدثنا أبو العباس أحمد بن عيسى بن السكين البلدي قال : حدثنا علي بن حرب الموصلي قال : حدثنا عبد السلام بن صالح الخرساني ، قال : حدثني علي بن موسى الرضا ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «

الإيمان قول باللسان ، وعمل بالأركان ، ويقين بالقلب
»

257 - حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن أبي حسان الأنماطي قال : حدثنا هشام بن عمار الدمشقي قال : حدثنا شهاب بن خراش قال : حدثني عبد الكريم الجزري ، عن علي بن أبي طالب ، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما قالا :

لا ينفع قول إلا بعمل ، ولا عمل إلا بقول
، ولا قول وعمل إلا بنية ، ولا نية إلا بموافقة السنة

258 - وأخبرنا خلف بن عمرو العكبري قال : حدثنا الحميدي قال : حدثنا يحيى بن سليم قال : حدثنا أبو حيان قال : سمعت الحسن يقول : «

الإيمان قول ، ولا قول إلا بعمل ، ولا قول
وعمل إلا بنية ، ولا قول وعمل ونية إلا بسنة »

259 - وأخبرنا أيضا خلف بن عمرو قال : حدثنا الحميدي قال : حدثنا يحيى بن سليم قال : سألت سفيان الثوري : عن الإيمان ؟ فقال : « قول وعمل » وسألت ابن الجريح ، فقال : « قول وعمل » وسألت محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان ، فقال : « قول وعمل » ، وسألت نافع بن عمر الجمحي ، فقال : « قول وعمل » ، وسألت مالك بن أنس ، فقال : « قول وعمل » وسألت فضيل بن عياض ، فقال : « قول وعمل » وسألت سفيان بن عيينة ، فقال : « قول وعمل » ، قال الحميدي : وسمعت وكيعا يقول : « أهل السنة يقولون : الإيمان قول وعمل والمرجئة يقولون : الإيمان قول ، والجهمية يقولون : الإيمان المعرفة »

260 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا علي بن خشرم قال : حدثنا يحيى بن سليم الطائفي ، عن هشام ، عن الحسن قال : «

الإيمان قول وعمل وقال يحيى بن سليم : فقلت لهشام
: فما تقول أنت ؟ فقال : » الإيمان : قول وعمل « وكان محمد الطائفي يقول : » الإيمان قول وعمل « . قال يحيى بن سليم : وكان مالك بن أنس يقول : » الإيمان قول وعمل « قال يحيى : وكان سفيان بن عيينة يقول : » الإيمان قول وعمل « ، قال : وكان فضيل بن عياض يقول : » الإيمان قول وعمل «

261 - وحدثنا ابن أبي داود قال : حدثنا سليمة بن شبيب قال : حدثنا عبد الرزاق قال : سمعت معمرا ، وسفيان الثوري ، ومالك بن أنس ، وابن جريج ، وسفيان بن عيينة يقولون : «

الإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص
»

262 - حدثنا ابن مخلد قال : حدثنا أبو داود السجستاني قال : سمعت أحمد بن حنبل قال :

الإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص

263 - قال أحمد : وبلغني أن مالك بن أنس وابن جريج ، وفضيل بن عياض قالوا : «

الإيمان قول وعمل
»

264 - وحدثنا ابن مخلد قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا إبراهيم بن شماس قال : سمعت جرير بن عبد الحميد يقول : « الإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص » قال إبراهيم بن شماس : وسألت بقية بن الوليد وأبا بكر بن عياش فقالا : « الإيمان قول وعمل » قال إبراهيم : وسألت أبا إسحاق الفزاري فقلت : « الإيمان قول وعمل ؟ قال : نعم » قال : وسمعت ابن المبارك يقول : « الإيمان قول وعمل »

265 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن أبي بزة قال : سمعت المؤمل بن إسماعيل يقول :

الإيمان قول وعمل ، ويزيد وينقص قال محمد بن الحسين
رحمه الله : فيما ذكرته مقنع لمن أراد الله عز وجل به الخير ، فعلم أنه لا يتم له الإيمان إلا بالعمل هذا هو الدين الذي قال الله عز وجل فيه : وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة (1)
__________
(1) سورة : البينة آية رقم : 5
باب كفر من ترك الصلاة

266 - حدثنا أبو جعفر أحمد بن يحيى الحلواني قال : حدثنا أبو الربيع الزهراني قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «

بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة
»

267 - حدثنا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن شاهين قال : حدثنا أبو جعفر محمد بن يزيد الأدمي قال : حدثنا يحيى بن سليم قال : سمعت ابن جريج ، سمع أبا الزبير قال : سمعت جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «

ليس بين العبد المسلم وبين الشرك إلا ترك الصلاة
»

268 - حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا الحسن بن عرفة قال : حدثنا أبو حفص الأبار عمر بن عبد الرحمن عن ليث عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «

بين العبد وبين الكفر أو بين العبد وبين الشرك ترك
الصلاة »

269 - حدثنا أبو الفضل جعفر بن محمد الصندلي قال : حدثنا الفضل بن زياد قال : نا أحمد بن حنبل قال : حدثنا زيد بن الحباب قال : حدثني حسين بن واقد قال : حدثني عبد الله بن بريدة ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «

بيننا وبينهم ترك الصلاة ، فمن تركها فقد كفر
»

270 - حدثنا أبو نصر محمد بن كردي قال : حدثنا أبو بكر المروزي قال : نا أحمد بن حنبل قال : نا يحيى بن سعيد ، عن المسعودي ، عن القاسم قال : قال عبد الله يعني ابن مسعود «

الكفر ترك الصلاة
»

271 - حدثنا جعفر بن محمد الصندلي قال : حدثنا الفضل بن زياد قال : نا أحمد بن حنبل قال : حدثنا الوليد بن مسلم قال : سمعت الأوزاعي ، عن القاسم بن مخيمرة : في قول الله تعالى :

فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا
(1) قال : أضاعوا المواقيت ، ولم يتركوها ، ولو تركوها صاروا بتركها كفارا
__________
(1) سورة : مريم آية رقم : 59

272 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا أبو أيوب سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي قال : نا أيوب بن سويد قال : حدثني يونس بن يزيد قال : حدثني الزهري قال : أخبرني سليمان بن يسار : أن المسور بن مخرمة : أخبره حين طعن عمر رضي الله عنه أنه دخل عليه هو وابن عباس ، فلما أصبح أفزعوه فقالوا : الصلاة ، الصلاة ، فقال : « نعم ،

ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة ، فصلى والجرح يثعب
(1) دما »
__________
(1) ثعب : سال وجرى

273 - أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عفير الأنصاري قال : نا نصر بن علي الجهضمي قال : نا وهب بن جرير ، قال : نا قرة بن خالد ، عن عبد الملك بن عمير ، عن جابر بن سمرة ، عن المسور بن مخرمة قال : دخلت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين طعن ، فقالوا : الصلاة يا أمير المؤمنين ، فقال : « الصلاة ها الله إذن ،

ولاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة
»

274 - حدثنا ابن مخلد قال : حدثنا أبو داود قال : سمعت أحمد ، يقول : «

إذا قال : لا أصلي ، فهو كافر
»

275 - أخبرنا إبراهيم بن موسى الجوزي قال : نا زهير بن محمد المروزي قال : حدثنا عبيد الله بن عبد المجيد قال : نا أبو العوام القطان قال : نا قتادة ، وأبان بن أبي عياش كلاهما عن خليد بن عبد الله العصري ، عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «

خمس من جاء بهن يوم القيامة مع إيمان دخل الجنة
، من حافظ على الصلوات الخمس على وجوههن ، وركوعهن ، وسجودهن ، ومواقيتهن ، وأعطى الزكاة من ماله طيب النفس بها : قال : وكان يقول : وايم الله لا يفعل ذلك إلا مؤمن ، وصام رمضان وحج البيت إن استطاع إليه سبيلا ، وأدى الأمانة » قالوا : يا أبا الدرداء وما أداء الأمانة ؟ قال : « الغسل من الجنابة ، فإن الله تعالى لم يأمن ابن آدم على شيء من دينه غيرها »

276 - حدثنا جعفر بن محمد الصندلي قال : حدثنا الفضل بن زياد قال : حدثني أحمد بن حنبل قال : حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ أبو عبد الرحمن قال : حدثني سعيد بن أبي أيوب قال : حدثني كعب بن علقمة ، عن عيسى بن هلال الصدفي ، عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر يوما الصلاة فقال : «

من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ، وإضاءة
، أو قال نجاة يوم القيامة ، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورا ، ولا برهانا ، ولا إضاءة ، أو قال : نجاة ويأتي يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف » حدثنا أحمد قال : نا محمد قال : نا أبو عبد الله جعفر بن إدريس القزويني قال : نا يحيى بن عبدك القزويني قال : نا عبد الله بن يزيد المقرئ وذكر الحديث بإسناده إلى آخره مثله

277 - حدثنا أبو نصر محمد بن كردي قال : نا أبو بكر المروزي قال : نا أحمد بن حنبل قال : نا عبد الله بن نمير ، عن محمد بن أبي إسماعيل ، عن معقل بن معقل الخثعمي قال : أتى رجل عليا رضي الله عنه وهو في الرحبة قال : يا أمير المؤمنين ، ما ترى في المرأة لا تصلي ؟ فقال : «

من لم يصل فهو كافر قال محمد بن الحسين رضي
الله عنه : هذه السنن والآثار في ترك الصلاة وتضييعها مع ما لم نذكره مما يطول به الكتاب ، مثل حديث حذيفة وقوله لرجل لم يتم صلاته » لو مات هذا ، لمات على غير فطرة محمد صلى الله عليه وسلم ومثله عن بلال وغيره ، ما يدل على أن الصلاة من الإيمان ، ومن لم يصل فلا إيمان له ولا إسلام قد سمى الله عز وجل في كتابه الصلاة : إيمانا ، وذلك أن الناس كانوا يصلون إلى بيت المقدس ، إلى أن حولوا إلى الكعبة ومات قوم على ذلك ، فلما حولت القبلة إلى الكعبة قال قوم : يا رسول الله ، فكيف بمن مات من إخواننا ممن كان يصلي إلى بيت المقدس ؟ فأنزل الله عز وجل وما كان الله ليضيع إيمانكم (1) يعني صلاتكم إلى بيت المقدس
__________
(1) سورة : البقرة آية رقم : 143
باب ذكر الاستثناء في الإيمان من غير شك فيه
قال محمد بن الحسين رحمه الله : من صفة أهل الحق ، ممن ذكرنا من أهل العلم : الاستثناء في الإيمان ، لا على جهة الشك ، نعوذ بالله من الشك في الإيمان ، ولكن خوف التزكية لأنفسهم من الاستكمال للإيمان ، لا يدري أهو ممن يستحق حقيقة الإيمان أم لا ؟ وذلك أن أهل العلم من أهل الحق إذا سئلوا : أمؤمن أنت ؟ قال : آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والجنة والنار ، وأشباه هذا ، والناطق بهذا ، والمصدق به بقلبه مؤمن ، وإنما الاستثناء في الإيمان لا يدري : أهو ممن يستوجب ما نعت الله عز وجل به المؤمنين من حقيقة الإيمان أم لا ؟ هذا وطريق الصحابة رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان ، عندهم أن الاستثناء في الأعمال ، لا يكون في القول ، والتصديق بالقلب ، وإنما الاستثناء في الأعمال الموجبة لحقيقة الإيمان ، والناس عندهم على الظاهر مؤمنون ، به يتوارثون ، وبه يتناكحون ، وبه تجري أحكام ملة الإسلام ، ولكن الاستثناء منهم على حسب ما بيناه لك ، وبينه العلماء من قبلنا . روي في هذا سنن كثيرة ، وآثار تدل على ما قلنا . قال الله عز وجل : لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين (1) وقد علم عز وجل أنهم داخلون ، وقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم المقبرة فقال : « السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون » وقال صلى الله عليه وسلم : « إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله عز وجل » وروي أن رجلا قال عند عبد الله بن مسعود : أنا مؤمن فقال ابن مسعود : أفأنت من أهل الجنة ؟ فقال : أرجو فقال ابن مسعود : « أفلا وكلت الأولى كما وكلت الأخرى ؟ وقال رجل لعلقمة : أمؤمن أنت ؟ قال : أرجو إن شاء الله قال محمد بن الحسين رحمه الله تعالى : وهذا مذهب كثير من العلماء ، وهو مذهب أحمد بن حنبل واحتج أحمد بما ذكرنا ، واحتج بمساءلة الملكين في القبر للمؤمن ، ومجاوبتهما له ، فيقولان له : على اليقين كنت ، وعليه مت ، وعليه تبعث يوم القيامة إن شاء الله تعالى ، ويقال للكافر والمنافق : على شك كنت ، وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله
__________
(1) سورة : الفتح آية رقم : 27

278 - حدثني أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا أبو بكر الأثرم قال : سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل سئل عن الاستثناء في الإيمان ما تقول فيه ؟ قال : أما أنا فلا أعيبه قال أبو عبد الله : «

إذا كان يقول إن الإيمان قول وعمل ، واستثنى مخافة
واحتياطا ، ليس كما يقولون على الشك ، إنما تستثني للعمل قال الله عز وجل : لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين (1) فهذا استثناء بغير شك ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : » إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله عز وجل « قال : هذا كله تقوية للاستثناء في الإيمان
__________
(1) سورة : الفتح آية رقم : 27

279 - وحدثنا جعفر الصندلي قال : حدثنا الفضل بن زياد قال : سمعت أبا عبد الله :

يعجبه الاستثناء في الإيمان ، فقال له رجل : إنما
الناس رجلان : مؤمن ، وكافر ، فقال أبو عبد الله : فأين قوله تعالى : وآخرون مرجون لأمر الله ، إما يعذبهم ، وإما يتوب عليهم (1)
__________
(1) سورة : التوبة آية رقم : 106

280 - قال : سمعت أبا عبد الله يقول : سمعت يحيى بن سعيد يقول : «

ما أدركت أحدا إلا على الاستثناء
»

281 - قال : سمعت أبا عبد الله مرة أخرى يقول : سمعت يحيى يقول : «

ما أدركت أحدا من أهل العلم ، ولا بلغني إلا
الاستثناء »

282 - قال : وسمعت أبا عبد الله يقول : سمعت سفيان بن عيينة «

إذا سئل : أمؤمن أنت إن شاء لم يجبه
، وإن شاء قال : سؤالك إياي بدعة ، ولا أشك في إيماني ولا يعنف من قال : إن الإيمان ينقص ، أو قال : إن شاء الله ، ليس يكرهه ، وليس بداخل في الشك »

283 - قال : وسمعت أبا عبد الله يقول : «

إذا قال أنا مؤمن إن شاء الله فليس هو بشاك
، قيل له إن شاء الله ، أليس هو شكا ؟ فقال : معاذ الله ، أليس قد قال الله تعالى لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله (1) وفي علمه أنهم يدخلون ، وصاحب القبر إذا قيل له : وعليه تبعث إن شاء الله ، فأي شك هاهنا ؟ وقال النبي صلى الله عليه وسلم : » وإنا إن شاء الله بكم لا حقون «
__________
(1) سورة : الفتح آية رقم : 27

284 - وسمعت أبا عبد الله يقول : نا وكيع قال : قال سفيان : «

الناس عندنا مؤمنون في الأحكام والمواريث ، ولا يدري كيف
هم عند الله تعالى ؟ ونرجو أن نكون كذلك »

285 - وحدثنا ابن مخلد قال : نا أبو داود قال : سمعت أحمد قال : سمعت سفيان يقول : «

إذا سئل أمؤمن أنت ؟ إن شاء لم يجبه
، أو يقول له : سؤالك إياي بدعة ، ولا أشك في إيماني وقال : إن شاء الله ليس يكره ، وليس بداخل في الشك »

286 - قال : وسمعت أحمد قال : سمعت يحيى بن سعيد قال : «

ما أدركت أحدا من أصحابنا ، ولا بلغني إلا على
الاستثناء ، وقال : قال يحيى : الإيمان : قول وعمل »

287 - وسمعت أحمد قال : نا وكيع قال : قال سفيان : «

الناس عندنا مؤمنون في الأحكام والمواريث ، فنرجو أن نكون
كذلك ، ولا ندري حالنا عند الله تعالى »

288 - وسمعت أحمد قال : قال يحيى بن سعيد : كان سفيان «

ينكر أن يقول : أنا مؤمن
»

289 - وحدثنا جعفر الصندلي قال : نا الفضل بن زياد قال : سمعت أبا عبد الله يقول : حدثني مؤمل قال : نا حماد بن زيد قال : سمعت هشاما ، يذكر قال : كان الحسن ومحمد :

يهابان أن يقولا : مؤمن ، ويقولان : مسلم

290 - وحدثنا أبو نصر محمد بن كردي قال : نا أبو بكر المروزي قال : قيل لأبي عبد الله : يقول : نحن المؤمنون ؟ قال : يقول : نحن المسلمون ، ثم قال أبو عبد الله :

الصوم والصلاة والزكاة من الإيمان ، قيل له فإن استثنيت
في إيماني أكون شاكا ؟ قال : لا

291 - وحدثنا أبو نصر قال : نا أبو بكر المروزي قال : حدثنا أبو عبد الله قال : حدثني علي بن بحر قال : سمعت جرير بن عبد الحميد يقول : « الإيمان قول وعمل قال : وكان الأعمش ، ومنصور ، ومغيرة ، وليث ، وعطاء بن السائب ، وإسماعيل بن أبي خالد ، وعمارة بن القعقاع ، والعلاء بن المسيب ، وابن شبرمة ، وسفيان الثوري ، وأبو يحيى صاحب الحسن وحمزة الزيات يقولون : »

نحن مؤمنون إن شاء الله ، ويعيبون على من لم
يستثن « قال أبو بكر المروزي : سمعت بعض مشيختنا يقول : سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول : » إذا ترك الاستثناء ، فهو أصل الإرجاء «

292 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : نا محمد بن المثنى أبو موسى الزمن قال : نا عبد الأعلى قال : نا يونس ، عن الحسن ، قال رجل عند ابن مسعود : إني مؤمن قال : فقيل له : يا أبا عبد الرحمن ، يزعم أنه مؤمن قال : فسلوه ، أهو في الجنة أو في النار ؟ قال : فسألوه ، فقال الله أعلم فقال :

ألا وكلت الأولى كما وكلت الآخرة

293 - وحدثنا أيضا أبو بكر قال : نا محمد بن المثنى قال : نا عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم قال : قيل لعلقمة : أمؤمن أنت ؟ قال : «

أرجو إن شاء الله تعالى
»

294 - حدثنا أبو بكر أيضا قال : حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم قال : قال رجل لعلقمة : أمؤمن أنت ؟ قال : « أرجو »

295 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد ، عن مالك بن أنس ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى المقبرة فقال : «

السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وإنا إن شاء الله
بكم لاحقون » وذكر الحديث قال محمد بن الحسين : فيما ذكرت من هذا الباب مقنع إن شاء الله ولا قوة إلا به
باب فيمن كره من العلماء لمن يسأل لغيره ، فيقول له
: أنت مؤمن ؟ هذا عندهم مبتدع رجل سوء قال محمد بن الحسين رحمه الله : إذا قال لك رجل : أنت مؤمن ؟ فقل : آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والموت والبعث من بعد الموت والجنة والنار وإن أحببت أن لا تجيبه تقول له : سؤالك إياي بدعة ، فلا أجيبك ، وإن أجبته ، فقلت : أنا مؤمن إن شاء الله تعالى على النعت الذي ذكرناه فلا بأس به ، واحذر مناظرة مثل هذا ، فإن هذا عند العلماء مذموم ، واتبع من مضى من أئمة المسلمين تسلم إن شاء الله تعالى

296 - حدثني عمر بن أيوب السقطي قال : حدثنا محمد بن سليمان لوين قال : قيل لسفيان بن عيينة : الرجل يقول : مؤمن أنت ؟ فقال : فقل : «

ما أشك في إيماني ، وسؤالك إياي بدعة ، وقال
: ما أدري أنا عند الله عز وجل ، شقي أم سعيد ، أمقبول العمل أو لا ؟ »

297 - وحدثني عمر بن أيوب قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان ، عن الحسن بن عبيد الله قال : قال لي إبراهيم :

إذا قيل لك : أمؤمن أنت ؟ فقل : أرجو
إن شاء الله تعالى

298 - حدثنا أبو نصر قال : حدثنا أبو بكر المروزي قال : حدثنا أحمد بن حنبل قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال : حدثني سفيان ، عن محل بن خليفة قال : قال لي إبراهيم : « إذا قيل لك » أمؤمن أنت ؟ فقل : آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله « قال : وحدثني أحمد قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال : حدثني سفيان ، عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، مثله

299 - وبإسناده : حدثنا أحمد قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن يحيى بن عتيق ، وحبيب بن الشهيد ، عن محمد بن سيرين قال :

إذا قيل لك : أمؤمن أنت ؟ فقل : آمنا
بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق (1)
__________
(1) سورة : البقرة آية رقم : 136

300 - وبإسناده عن عبد الرحمن بن مهدي قال : حدثنا سفيان ، عن الحسن بن عمرو ، عن إبراهيم قال : «

إذا قيل لك : أمؤمن أنت ؟ فقل : لا
إله إلا الله »

301 - حدثنا أبو نصر قال : حدثنا أبو بكر قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال : حدثنا حسن بن عياش ، عن مغيرة ، عن إبراهيم قال :

سؤال الرجل الرجل : أمؤمن أنت ؟ بدعة

302 - وحدثنا أبو نصر قال : حدثنا أبو بكر قال : حدثنا أبو عبد الله قال : حدثنا أبو معاوية قال : حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة : وتكلم عنده رجل من الخوارج بكلام كرهه فقال علقمة :

والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما
مبينا (1) فقال له الخارجي : أو منهم أنت ؟ فقال : « أرجو »
__________
(1) سورة : الأحزاب آية رقم : 58

303 - حدثنا أبو نصر قال : حدثنا أبو بكر قال : حدثنا أبو عبد الله قال : حدثنا عبد الرازق قال حدثنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه : أنه كان إذا قيل له : أمؤمن أنت ؟ قال : «

آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله ، لا يزيد على هذا
»

304 - وبإسناده عن أحمد قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن الحسن بن عمرو ، عن فضيل ، عن إبراهيم قال : «

إذا سئلت : أمؤمن أنت ؟ فقل لا إله إلا
الله ، فإنهم سيدعونك »

305 - حدثنا ابن عبد الحميد قال : حدثنا زهير بن محمد قال حدثنا معاوية بن عمرو ، عن أبي إسحاق الفزاري قال : قال الأوزاعي في الرجل سئل : أمؤمن أنت ؟ فقال :

إن المسألة عما سئل بدعة ، والشهادة به تعمق لم نكلفه
في ديننا ولم يشرعه نبينا ليس لمن يسأل عن ذلك فيه إمام ، القول به جدل ، والمنازعة فيه حدث ، ولعمري ما شهادتك لنفسك بالتي توجب لك تلك الحقيقة إن لم تكن كذلك ولا تركك الشهادة لنفسك بها بالتي تخرجك من الإيمان ، إن كنت كذلك ، وإن الذي سألك عن إيمانك ، ليس يشك في ذلك منك ، ولكنه يريد أن ينازع الله عز وجل علمه في ذلك ، حين يزعم أن علمه وعلم الله عز وجل في ذلك سواء ، فاصبر نفسك على السنة ، وقف حيث وقف القوم ، وقل فيما قالوا ، وكف عما كفوا عنه ، واسلك سبيل سلفك الصالح ، فإنه يسعك ما وسعهم وقد كان أهل الشام في غفلة من هذه البدعة ، حتى قذفها إليهم بعض أهل العراق ممن دخل في تلك البدعة ، بعد ما رد عليهم فقهاؤهم وعلماؤهم ، فأشربتها قلوب طوائف منهم ، وأسلحتها ألسنتهم ، وأصابهم ما أصاب غيرهم من الاختلاف ، ولست بآيس أن يدفع الله عز وجل شر هذه البدعة ، إلى أن يصيروا إخوانا في دينهم ، ولا قوة إلا بالله ثم قال الأوزاعي : لو كان هذا خيرا ما خصصتم به دون أسلافكم ، فإنه لم يدخر عنهم خير خبئ لكم دونهم لفضل عندكم ، وهم أصحاب نبينا عليه الصلاة والسلام ، والذين اختارهم الله عز وجل ، وبعثه فيهم ، ووصفه بهم فقال جل وعلا : محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا ، سيماهم في وجوههم من أثر السجود (1) إلى آخر السورة
__________
(1) سورة : الفتح آية رقم : 29
باب في المرجئة ، وسوء مذاهبهم عند العلماء

306 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا زهير بن محمد المروزي قال : حدثنا محمد بن كثير ، عن الأوزاعي ، عن الزهري قال : «

ما ابتدعت في الإسلام بدعة أضر على الملة من هذه
يعني : أهل الإرجاء »

307 - حدثنا إسحاق بن أبي حسان الأنماطي قال : حدثنا هشام بن عمار الدمشقي قال : حدثنا شهاب بن خراش ، عن أبي حمزة الثمالي الأعور قال : قلت لإبراهيم : ما ترى في رأي المرجئة ؟ فقال : « أوه ،

لفقوا قولا ، فأنا أخافهم على الأمة ، والشر من أمرهم
كثير ، فإياك وإياهم »

308 - حدثنا أبو نصر محمد بن كردي قال ثنا أبو بكر المروزي قال حدثنا أبو عبد الله يعني أحمد بن حنبل قال : حدثنا محمد بن بشر قال : حدثني سعيد بن صالح ، عن حكيم بن جبير قال إبراهيم : «

المرجئة أخوف عندي على الإسلام من عدتهم من الأزارقة
»

309 - حدثنا ابن عبد الحميد قال : حدثنا يوسف بن موسى القطان قال : حدثنا الضحاك بن مخلد ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي عمرو السيباني قال : قال حذيفة رضي الله تعالى عنه قال : «

إني لأعرف أهل دينين ، أهل ذلك الدينين في النار
، قوم يقولون الإيمان : كلام وإن زنى وقتل ، وقوم يقولون : إن أولينا الضلال ما بال خمس صلوات ، وإنما هما صلاتان : أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل (1) »
__________
(1) سورة : الإسراء آية رقم : 78

310 - وحدثنا أبو نصر قال : حدثنا أبو بكر قال : حدثنا أبو عبد الله قال : حدثنا الوليد بن مسلم قال : حدثنا أبو عمرو ، عن يحيى بن أبي عمرو السيباني ، عن حذيفة رضي الله تعالى عنه قال : «

إني لأعلم أهل دينين هذين الدينين في النار ، قوم
يقولون : الإيمان كلام ، وقوم يقولون : ما بال الصلوات الخمس ؟ وإنما هما صلاتان »

311 - وحدثنا أبو نصر قال : ثنا أبو بكر قال : حدثنا أبو عبد الله قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال : حدثني حماد بن سلمة ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير قال :

مثل المرجئة مثل الصابئين

312 - وحدثنا أبو نصر قال : حدثنا أبو بكر قال : حدثنا أبو عبد الله قال : حدثنا مؤمل قال : حدثنا حماد بن زيد قال : حدثنا أيوب قال : قال لي سعيد بن جبير : ألم أرك مع طلق قلت : بلى ، فماله ؟ قال :

لا تجالسه فإنه مرجئ . قال أيوب : وما شاورته في
ذلك ، ويحق للمسلم إذا رأى من أخيه ما يكره أن يأمره وينهاه

313 - قال : وحدثنا أبو عبد الله قال : حدثنا عبد الله بن نمير قال : سمعت سفيان : وذكر المرجئة فقال : «

رأي محدث ، أدركنا الناس على غيره
»

314 - قال : وحدثنا أبو عبد الله قال : حدثنا معاوية بن عمرو قال : حدثنا أبو إسحاق يعني الفزاري قال : قال الأوزاعي : قد كان يحيى وقتادة يقولان : «

ليس من هؤلاء شيء أخوف عندهم على الأمة من الإرجاء
»

315 - قال : وحدثنا أبو عبد الله قال : حدثنا عبد الله بن نمير ، عن جعفر الأحمر قال : قال منصور بن المعتمر في شيء : «

لا أقول كما قالت المرجئة الضالة المبتدعة
»

316 - قال : وحدثنا أبو عبد الله قال : حدثنا حجاج قال : سمعت شريكا :

وذكر المرجئة ، قال : هم أخبث قوم وحسبك بالرافضة
خبثا ولكن المرجئة يكذبون على الله عز وجل

317 - قال : حدثنا جعفر بن محمد الصندلي قال : حدثنا الفضل بن زياد قال : سمعت أبا عبد الله : وسئل عن المرجئ فقال : « من قال : إن الإيمان قول »

318 - حدثنا جعفر قال : حدثنا الفضل قال : حدثنا أبو عبد الله قال : حدثنا وكيع قال : حدثنا سلمة بن نبيط ، عن الضحاك بن مزاحم قال : ذكروا عنده من قال : لا إله إلا الله دخل الجنة فقال :

هذا قبل أن تحد الحدود ، وتنزل الفرائض

319 - أخبرنا خلف بن عمرو العكبري قال : حدثنا الحميدي قال : سمعت وكيعا يقول : «

أهل السنة يقولون : الإيمان قول وعمل ، والمرجئة يقولون
: الإيمان قول ، والجهمية يقولون : الإيمان المعرفة » قال محمد بن الحسين : من قال : الإيمان قول دون العمل ، يقال له : رددت القرآن والسنة ، وما عليه جميع العلماء ، وخرجت من قول المسلمين ، وكفرت بالله العظيم فإن قال : بم ذا ؟ قيل له : إن الله عز وجل ، أمر المؤمنين بعد أن صدقوا في إيمانهم : أمرهم بالصلاة والزكاة ، والصيام والحج والجهاد ، وفرائض كثيرة ، يطول ذكرها ، مع شدة خوفهم ، على التفريط فيها ، النار والعقوبة الشديدة ، فمن زعم أن الله تعالى فرض على المؤمنين ما ذكرنا ، ولم يرد منهم العمل ، ورضي منهم بالقول ، فقد خالف الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فإن الله عز وجل لما تكامل أمر الإسلام بالأعمال قال : اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا (1) وقال النبي صلى الله عليه وسلم : « بني الإسلام على خمس » ، وقال صلى الله عليه وسلم : « من ترك الصلاة فقد كفر » ، قال محمد بن الحسين رحمه الله تعالى : ومن قال : الإيمان : المعرفة ، دون القول والعمل ، فقد أتى بأعظم من مقالة من قال : الإيمان : قول ولزمه أن يكون إبليس على قوله مؤمنا ؛ لأن إبليس قد عرف ربه : قال رب بما أغويتني (2) وقال : رب فأنظرني (3) ويلزم أن تكون اليهود لمعرفتهم بالله وبرسوله أن يكونوا مؤمنين قال الله عز وجل : يعرفونه كما يعرفون أبناءهم (4) فقد أخبر عز وجل أنهم يعرفون الله تعالى ورسوله ، ويقال لهم : إيش الفرق بين الإسلام وبين الكفر ؟ وقد علمنا أن أهل الكفر قد عرفوا بعقولهم أن الله خلق السموات والأرض وما بينهما ولا ينجيهم في ظلمات البر والبحر إلا الله عز وجل ، وإذا أصابتهم الشدائد لا يدعون إلا الله ، فعلى قولهم إن الإيمان المعرفة كل هؤلاء مثل من قال : الإيمان : المعرفة على قائل هذه المقالة الوحشية لعنة الله بل نقول والحمد لله قولا يوافق الكتاب والسنة ، وعلماء المسلمين الذين لا يستوحش من ذكرهم ، وقد تقدم ذكرنا لهم : إن الإيمان معرفة بالقلب تصديقا يقينا ، وقول باللسان ، وعمل بالجوارح ، ولا يكون مؤمنا إلا بهذه الثلاثة ، لا يجزئ بعضها عن بعض ، والحمد لله على ذلك
__________
(1) سورة : المائدة آية رقم : 3
(2) سورة : الحجر آية رقم : 39
(3) سورة : الحجر آية رقم : 36
(4) سورة : البقرة آية رقم : 146

320 - قال : حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا يوسف القطان قال : حدثنا جرير ، عن عطاء بن السائب ، عن الزهري قال لي عبد الملك بن مروان : الحديث الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم : « من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ، وإن زنى وإن سرق » قال : فقلت له : أين يذهب بك يا أمير المؤمنين ؟ « هذا قبل الأمر والنهي ، وقبل الفرائض » قال محمد بن الحسين رحمه الله تعالى : احذروا رحمكم الله قول من يقول إن إيمانه كإيمان جبريل وميكائيل ، ومن يقول : أنا مؤمن عند الله ، وأنا مؤمن مستكمل الإيمان هذا كله مذهب أهل الإرجاء

321 - حدثنا إسحاق بن أبي حسان الأنماطي قال : حدثنا هشام بن عمار الدمشقي قال : حدثنا عبد الملك بن محمد قال : حدثنا الأوزاعي قال : «

ثلاث هن بدعة : أنا مؤمن مستكمل الإيمان ، وأنا
مؤمن حقا ، وأنا مؤمن عند الله تعالى »

322 - قال : حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا يوسف بن موسى القطان قال : حدثنا يحيى بن سليم الطائفي قال : حدثنا نافع بن عمر القرشي قال : كنا عند ابن أبي مليكة فقال له جليس له : يا أبا محمد ، إن ناسا يجالسونك يزعمون أن إيمانهم كإيمان جبريل ، وميكائيل ؟ فغضب عبد الله بن أبي مليكة فقال :

ما رضي الله عز وجل لجبريل عليه السلام حتى فضله بالثناء
على محمد صلى الله عليه وسلم فقال : إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين ، مطاع ثم أمين وما صاحبكم بمجنون (1) يعني محمدا صلى الله عليه وسلم قال ابن أبي مليكة : أفأجعل إيمان جبريل ، وميكائيل كإيمان فهدان ؟ لا ولا كرامة ولا حبا قال نافع : قد رأيت فهدان كان رجلا لا يصحو من الشراب قال محمد بن الحسين رحمه الله تعالى : من قال هذا فلقد أعظم الفرية على الله عز وجل ، وأتى بضد الحق ، وبما ينكره جميع العلماء ؛ لأن قائل هذه المقالة يزعم أن من قال : لا إله إلا الله : لم تضره الكبائر أن يعملها ، ولا الفواحش أن يرتكبها ، وأن عنده أن البار التقي الذي لا يباشر من ذلك شيئا ، والفاجر يكونان سواء ، هذا منكر قال الله عز وجل : أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون (2) وقال عز وجل : أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار (3) فقل لقائل هذه المقالة النكرة : يا ضال يا مضل ، إن الله عز وجل لم يسو بين الطائفتين من المؤمنين في أعمال الصالحات ، حتى فضل بعضهم على بعض درجات قال الله عز وجل : لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير (4) فوعدهم الله عز وجل كلهم الحسنى ، بعد أن فضل بعضهم على بعض ، وقال عز وجل لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ، فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة (5) ثم قال : وكلا وعد الله الحسنى وكيف يجوز لهذا الملحد في الدين أن يسوي بين إيمانه وإيمان جبريل ، وميكائيل ، ويزعم أنه مؤمن حقا ؟
__________
(1) سورة : التكوير آية رقم : 19
(2) سورة : الجاثية آية رقم : 21
(3) سورة : ص آية رقم : 28
(4) سورة : الحديد آية رقم : 10
(5) سورة : النساء آية رقم : 95

323 - حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني قال : حدثنا سويد بن سعيد قال : حدثنا شهاب بن خراش ، عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «

ما بعث الله نبيا قبلي ، فاستجمعت له أمته
، إلا كان فيهم مرجئة وقدرية يشوشون أمر أمته من بعده ، ألا وإن الله عز وجل لعن المرجئة والقدرية على لسان سبعين نبيا أنا آخرهم ، أو أحدهم »

324 - أخبرنا الفريابي قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال : حدثنا أبو أسامة ومحمد بن بشر قالا : أخبرنا ابن نزار علي أو محمد ، عن أبيه ، عن عكرمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «

صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب : المرجئة
، والقدرية »

325 - قال : حدثنا أبو علي الحسين بن محمد بن شعبة الأنصاري قال : حدثنا علي بن المنذر الطريقي قال : حدثنا ابن فضيل قال : حدثنا أبي وعلي بن نزار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «

صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب : المرجئة
، والقدرية »
باب الرد على القدرية
قال محمد بن الحسين رحمه الله : حسبي الله وكفى ونعم الوكيل ، والحمد لله أهل الحمد والثناء ، والعزة والبقاء ، والعظمة والكبرياء ، أحمده على تواتر نعمه ، وقديم إحسانه وقسمه ، حمد من يعلم أن مولاه الكريم يحب الحمد ، فله الحمد على كل حال وصلواته على البشير النذير ، السراج المنير ، سيد الأولين والآخرين ، ذلك محمد صلى الله عليه وسلم ، رسول رب العالمين ، وعلى آله الطيبين ، وعلى أصحابه المنتخبين ، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين أما بعد : فإن سائلا سأل عن مذهبنا في القدر ؟ فالجواب في ذلك قبل أن نخبره بمذهبنا أنا ننصح للسائل ، ونعلمه أنه لا يحسن بالمسلمين التنقير والبحث عن القدر ؛ لأن القدر سر من سر الله عز وجل ، بل الإيمان بما جرت به المقادير من خير أو شر واجب على العباد أن يؤمنوا به ، ثم لا يأمن العبد أن يبحث عن القدر فيكذب بمقادير الله الجارية على العباد ، فيضل عن طريق الحق قال النبي صلى الله عليه وسلم : « ما هلكت أمة قط إلا بالشرك بالله عز وجل ، وما أشركت أمة حتى يكون بدو أمرها وشركها : التكذيب بالقدر » قال محمد بن الحسين رحمه الله : ولولا أن الصحابة رضي الله عنهم لما بلغهم عن قوم ضلال شردوا عن طريق الحق ، وكذبوا بالقدر ، فردوا عليهم قولهم ، وسبوهم وكفروهم ، وكذلك التابعون لهم بإحسان سبوا من تكلم بالقدر وكذب به ولعنوهم ونهوا عن مجالستهم ، وكذلك أئمة المسلمين ينهون عن مجالسة القدرية وعن مناظرتهم وبينوا للمسلمين قبيح مذاهبهم فلولا أن هؤلاء ردوا على القدرية لم يسع من بعدهم الكلام على القدر ، بل الإيمان بالقدر : خيره وشره ، واجب قضاء وقدر ، وما قدر يكن ، وما لم يقدر لم يكن ، فإذا عمل العبد بطاعة الله عز وجل ، علم أنها بتوفيق الله له فيشكره على ذاك وإن عمل بمعصيته ندم على ذلك ، وعلم أنها بمقدور جرى عليه ، فذم نفسه واستغفر الله عز وجل ، هذا مذهب المسلمين وليس لأحد على الله عز وجل حجة ، بل لله الحجة على خلقه ، قال الله عز وجل : قل فلله الحجة البالغة ، فلو شاء لهداكم أجمعين (1) ثم اعلموا رحمنا الله وإياكم أن مذهبنا في القدر أن القدر أن نقول : إن الله عز وجل خلق الجنة وخلق النار ، ولكل واحدة منهما أهلا ، وأقسم بعزته أنه يملاء جهنم من الجنة والناس أجمعين ، ثم خلق آدم عليه السلام ، واستخرج من ظهره كل ذرية هو خالقها إلى يوم القيامة ثم جعلهم فريقين فريقا في الجنة وفريقا في السعير وخلق إبليس ، وأمره بالسجود لآدم عليه السلام ، وقد علم أنه لا يسجد للمقدور ، الذي قد جرى عليه من الشقوة التي قد سبقت في العلم من الله عز وجل ، لا معارض لله الكريم في حكمه ، يفعل في خلقه ما يريد عدلا من ربنا قضاؤه وقدره ، وخلق آدم وحواء عليهما السلام ، للأرض خلقهما ، وأسكنهما الجنة ، وأمرهما أن يأكلا منها رغدا ما شاءا ، ونهاهما عن شجرة واحدة أن لا يقرباها ، وقد جرى مقدوره أنهما سيعصيانه بأكلهما من الشجرة ، فهو تبارك وتعالى في الظاهر ينهاهما ، وفي الباطن من علمه : قد قدر عليهما أنهما يأكلان منها : لا يسأل عما يفعل وهم يسألون (2) لم يكن لهما بد من أكلهما ، سببا للمعصية ، وسببا لخروجهما من الجنة ، إذ كانا للأرض خلقا ، وأنه سيغفر لهما بعد المعصية ، كل ذلك سابق في علمه ، لا يجوز أن يكون شيء يحدث في جميع خلقه ، إلا وقد جرى مقدوره به ، وأحاط به علما قبل كونه أنه سيكون خلق الخلق كما شاء لما شاء ، فجعلهم شقيا وسعيدا قبل أن يخرجهم إلى الدنيا ، وهم في بطون أمهاتهم ، وكتب آجالهم ، وكتب أرزاقهم ، وكتب أعمالهم ، ثم أخرجهم إلى الدنيا ، وكل إنسان يسعى فيما كتب له وعليه ، ثم بعث رسله ، وأنزل عليهم وحيه ، وأمرهم بالبلاغ لخلقه ، فبلغوا رسالات ربهم ، ونصحوا قومهم ، فمن جرى في مقدور الله عز وجل أن يؤمن آمن ، ومن جرى في مقدوره أن يكفر كفر قال الله عز وجل : هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن ، والله بما تعملون بصير (3) أحب من أراد من عباده ، فشرح صدره للإيمان والإسلام ، ومقت آخرين ، فختم على قلوبهم ، وعلى سمعهم وعلى أبصارهم فلن يهتدوا إذا أبدا ، يضل من يشاء ويهدي من يشاء : لا يسأل عما يفعل وهم يسألون الخلق كلهم له يفعل في خلقه ما يريد ، غير ظالم لهم ، جل ذكره أن ينسب ربنا إلى الظلم من يأخذ ما ليس له بملك ، وأما ربنا تعالى فله ما في السموات وما في الأرض وما بينهما ، وما تحت الثرى ، وله الدنيا والآخرة ، جل ذكره ، وتقدست أسماؤه ، أحب الطاعة من عباده وأمر بها ، فجرت ممن أطاعه بتوفيقه لهم ، ونهى عن المعاصي ، وأراد كونها من غير محبة منه لها ، ولا للأمر بها ، تعالى عز وجل عن أن يأمر بالفحشاء ، أو يحبها وجل ربنا وعز من أن يجري في ملكه ما لم يرد أن يجري ، أو شيء لم يحط به علمه قبل كونه ، قد علم ما الخلق عاملون قبل أن يخلقهم ، وبعد أن خلقهم ، قبل أن يعلموا قضاء وقدرا قد جرى القلم بأمره تعالى في اللوح المحفوظ بما يكون ، من بر أو فجور ، يثني على من عمل بطاعته من عبيده ، ويضيف العمل إلى العباد ، ويعدهم عليه الجزاء العظيم ، ولولا توفيقه لهم ما عملوا بما استوجبوا به منه الجزاء ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم (4) ، وكذا ذم قوما عملوا بمعصيته ، وتوعدهم على العمل بها وأضاف العمل إليهم بما عملوا ، وذلك بمقدور جرى عليهم ، يضل من يشاء ، ويهدي من يشاء قال محمد بن الحسين رحمه الله : هذا مذهبنا في القدر الذي سأل عنه السائل فإن قال قائل : ما الحجة فيما قلت ؟ قيل له : كتاب الله عز وجل ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وسنة أصحابه رضي الله عنهم ، والتابعين لهم بإحسان ، وقول أئمة المسلمين ، فإن قال : فاذكر من ذلك ما نزداد به علما ويقينا ، قيل له : نعم إن شاء الله تعالى ، والله الموفق لكل رشاد ، والمعين عليه بمنه
__________
(1) سورة : الأنعام آية رقم : 149
(2) سورة : الأنبياء آية رقم : 23
(3) سورة : التغابن آية رقم : 2
(4) سورة : الحديد آية رقم : 21
باب ذكر ما أخبر الله تعالى أنه يختم على قلوب من
أراد من عباده فلا يهتدون إلى الحق ، ولا يسمعونه ، ولا يبصرونه ، لأنه مقتهم فطبع على قلوبهم قال الله تعالى في سورة البقرة : إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ختم الله على قلوبهم ، وعلى سمعهم ، وعلى أبصارهم غشاوة ، ولهم عذاب عظيم (1) وقال تعالى في سورة النساء فبما نقضهم ميثاقهم ، وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق ، وقولهم قلوبنا غلف ، بل طبع الله عليها بكفرهم ، فلا يؤمنون إلا قليلا (2) وقال تعالى في سورة المائدة : ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم (3) ، وقال تعالى في سورة الأنعام : ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها (4) الآية وقال تعالى في هذه السورة : فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ، ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا ، كأنما يصعد في السماء ، كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون (5) وقال تعالى في سورة التوبة : إنما السبيل على الذين يستأذنوك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون وقال تعالى في سورة النحل من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ، ولكن من شرح بالكفر صدرا ، فعليهم غضب من الله ، ولهم عذاب عظيم (6) إلى قوله أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم ، وأولئك هم الغافلون (7) وقال تعالى في سورة بني إسرائيل وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا ، وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا (8) الآية وقال تعالى في سورة الكهف : ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه ، وفي آذانهم وقرا وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا (9) وقال تعالى في سورة الشعراء : ولو نزلناه على بعض الأعجمين فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين كذلك سلكناه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم (10) وقال تعالى في سورة يس : لقد حق القول على أكثرهم ، فهم لا يؤمنون إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون ، وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا ، فأغشيناهم فهم لا يبصرون ، وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون (11) وقال تعالى في حم الجاثية : أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ، وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه ، وجعل على بصره غشاوة ، فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون (12) وقال تعالى في سورة محمد صلى الله عليه وسلم : ومنهم من يستمع إليك ، حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم (13) وقال عز وجل في سورة المنافقين : ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا ، فطبع على قلوبهم ، فهم لا يفقهون (14) قال محمد بن الحسين رحمه الله : جميع ما تلوته من هذه الآيات يدل العقلاء على أن الله عز وجل ختم على قلوب قوم ، وطبع عليها ، ولم يردها لعبادته ، وأرادها لمعصيته ، فأعماها عن الحق فلم تبصره ، وأصمها عن الحق فلم تسمعه ، وأخزاها ولم يطهرها ، يفعل بخلقه ما يريد لا يجوز لقائل أن يقول : لم فعل ذلك بهم ؟ فمن قال ذلك ، فقد عارض الله عز وجل في فعله ، فضل عن طريق الحق ، ثم اختص من عباده من أحب ، فشرح قلوبهم للإيمان وزينه في قلوبهم ، وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم (15) قال محمد بن الحسين رحمه الله : اعقلوا يا مسلمين ما يخاطبكم الله عز وجل به يعلمكم أني مالك للعباد ، أختص منهم من أريد ، فأطهر قلبه ، وأشرح صدره ، وأزين له طاعتي ، وأكره إليه معصيتي ، لا ليد تقدمت منه إلي ، أنا الغني عن عبادي ، وهم الفقراء إلي ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم (16) والمنة لله عز وجل على من هداه للإيمان ، ألم تسمعوا رحمكم الله إلى قول مولاكم الكريم حين امتن قوم بإسلامهم على النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فأنزل الله عز وجل : يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين (17)
__________
(1) سورة : البقرة آية رقم : 6
(2) سورة : النساء آية رقم : 155
(3) سورة : المائدة آية رقم : 41
(4) سورة : الأنعام آية رقم : 25
(5) سورة : الأنعام آية رقم : 125
(6) سورة : النحل آية رقم : 106
(7) سورة : النحل آية رقم : 108
(8) سورة : الإسراء آية رقم : 45
(9) سورة : الكهف آية رقم : 57
(10) سورة : الشعراء آية رقم : 198
(11) سورة : يس آية رقم : 7
(12) سورة : الجاثية آية رقم : 23
(13) سورة : محمد آية رقم : 16
(14) سورة : المنافقون آية رقم : 3
(15) سورة : الحجرات آية رقم : 7
(16) سورة : الحديد آية رقم : 21
(17) سورة : الحجرات آية رقم : 17
باب ذكر ما أخبر الله عز وجل أنه يضل من يشاء
، ويهدي من يشاء وأن الأنبياء لا يهدون إلا من سبق في علم الله أنه يهديه قال الله عز وجل في سورة النساء فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا (1) وقال الله عز وجل في هذه السورة ، وقد ذكر المنافقين فقال : مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ، ولا إلى هؤلاء ، ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا (2) وقال عز وجل في سورة الأنعام : والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم وقال عز وجل في سورة الأنعام : قل فلله الحجة البالغة ، فلو شاء لهداكم أجمعين (3) وقال عز وجل في سورة الأعراف : من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون (4) وقال عز وجل في سورة الرعد : ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه قل إن الله يضل من يشاء ، ويهدي إليه من أناب (5) وقال عز وجل في هذه السورة أفلم ييأس الذين آمنوا ، أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا (6) وقال عز وجل في هذه السورة : بل زين للذين كفروا مكرهم وصدوا عن السبيل ، ومن يضلل الله فما له من هاد (7) وقال الله عز وجل في سورة إبراهيم : وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم ، فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء ، وهو العزيز الحكيم (8) وقال عز وجل في سورة النحل : وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين (9) وقال عز وجل : ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ، ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين (10) وقال عز وجل في سورة الإسراء : من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه وقال عز وجل في سورة الكهف : إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض ، لن ندعو من دونه إلها ، لقد قلنا إذا شططا (11) وقال عز وجل : ذلك من آيات الله من يهد الله فهو المهتد ، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا (12) وقال عز وجل في سورة الحج : وكذلك أنزلناه آيات بينات ، وأن الله يهدي من يريد (13) وقال عز وجل في سورة النور : يهدي الله لنوره من يشاء (14) ثم قال ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور (15) وقال عز وجل : لقد أنزلنا آيات مبينات ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم (16) وقال عز وجل في سورة القصص : إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين (17) وقال عز وجل في سورة الروم : بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم ، فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين (18) وقال الله عز وجل في سورة السجدة : ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ، ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين (19) وقال عز وجل في سورة الملائكة : أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ، إن الله عليم بما يصنعون (20) وقال عز وجل في سورة الزمر : فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب (21) وقال تعالى في هذه السورة : الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ، ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ، ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد (22) وقال تعالى في هذه السورة لمحمد صلى الله عليه وسلم : ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هاد ومن يهد الله فما له من مضل أليس الله بعزيز ذي انتقام (23) وقال تعالى في سورة حم المؤمن : يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ، ومن يضلل الله فما له من هاد (24) وقال تعالى في سورة المدثر : كذلك يضل الله من يشاء ، ويهدي من يشاء (25) قال محمد بن الحسين : اعلموا يا معشر المسلمين أن مولاكم الكريم يخبركم أنه يهدي من يشاء ، فيوصل إلى قلبه محبة الإيمان ، فيؤمن ويصدق ، ويضل من يشاء ، فلا يقدر نبي ولا غيره على هدايته بعد أن أضله الله عن الإيمان
__________
(1) سورة : النساء آية رقم : 88
(2) سورة : النساء آية رقم : 143
(3) سورة : الأنعام آية رقم : 149
(4) سورة : الأعراف آية رقم : 186
(5) سورة : الرعد آية رقم : 27
(6) سورة : الرعد آية رقم : 31
(7) سورة : الرعد آية رقم : 33
(8) سورة : إبراهيم آية رقم : 4
(9) سورة : النحل آية رقم : 9
(10) سورة : النحل آية رقم : 36
(11) سورة : الكهف آية رقم : 13
(12) سورة : الكهف آية رقم : 17
(13) سورة : الحج آية رقم : 16
(14) سورة : النور آية رقم : 35
(15) سورة : النور آية رقم : 40
(16) سورة : النور آية رقم : 46
(17) سورة : القصص آية رقم : 56
(18) سورة : الروم آية رقم : 29
(19) سورة : السجدة آية رقم : 13
(20) سورة : فاطر آية رقم : 8
(21) سورة : الزمر آية رقم : 17
(22) سورة : الزمر آية رقم : 23
(23) سورة : الزمر آية رقم : 36
(24) سورة : غافر آية رقم : 33
(25) سورة : المدثر آية رقم : 31

أقسام الكتاب

1 2 3 4 5 6