كتاب : الشريعة للآجري
المؤلف : الآجري

- حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا الحسين بن الحسن المروزي قال : أنبأنا ابن المبارك قال : حدثنا المبارك بن فضالة قال : أنبأنا الحسن ، عن سعد بن هشام قال : قلت لعائشة رضي الله عنها : ما كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت : قال الله عز وجل : وإنك لعلى خلق عظيم (1) فخلقه القرآن
__________
(1) سورة : القلم آية رقم : 4

1010 - وحدثنا ابن صاعد قال : حدثنا الحسين قال : أنبأنا ابن المبارك قال : أنبأنا الفضل بن مرزوق ، عن عطية العوفي في قول الله عز وجل : وإنك لعلى خلق عظيم (1) قال : أدب القرآن
__________
(1) سورة : القلم آية رقم : 4

1011 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد العطشي قال : حدثنا أحمد بن يحيى بن مالك السوسي قال : حدثنا داود بن المحبر قال : حدثنا عباد بن كثير ، عن أبي إدريس ، عن وهب بن منبه قال : قرأت أحدا وسبعين كتابا ، فوجدت في جميعها أن الله عز وجل لم يعط جميع الناس ، من بدء الدنيا إلى انقضائها من العقل في جنب عقل محمد صلى الله عليه وسلم ، إلا كحبة رمل من بين جميع رمال الدنيا ، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم أرجح الناس عقلا وأفضلهم رأيا « قال محمد بن الحسين رحمه الله : وأنا أبين من غريب حديث أبي هالة ، الذي ذكرناه على ما بينه من تقدم من العلماء مثل : أبي عبيد ، وغيره ، فإنه علم حسن لأهل العلم وغيرهم ، قوله في أول الحديث : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخما مفخما يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر : معناه : عظيما ، معظما ، يقال : فخم بين الفخامة ويقال : أتينا فلانا ففخمناه ، أي عظمناه ورفعنا من شأنه وقال الشاعر : نحمد مولانا الأجل الأفخما وقوله : أقصر من المشذب : المشذب : الطويل البائن ، وأصل التشذيب التفريق يقال : شذبت المال إذا فرقته ، فكان المفرط الطويل خلقه ولم يجمع ، يريد أن النبي صلى الله عليه وسلم ، لم يكن مفرط الطول ولكنه بين الربعة وبين المشذب ، وقوله : إن انفرقت عقيقته فرق : يريد شعره ، يريد أنه كان لا يفرق شعره إلا أن يفترق الشعر من قبله ، ويقال : كان هذا في أول الإسلام ، ثم فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقوله : أزهر اللون : يريد أبيض اللون مشرقا ، مثل قولهم : سراج يزهر ، أي يضيء ، ومنه سميت الزهرة لشدة ضوئها ، فأما الأبيض غير المشرق فهو الأمهق ، وقوله : أزج الحواجب : يعني طول الحاجبين ودقتهما ، وسبوغهما إلى مؤخر العينين ثم وصف الحواجب فقال : سوابغ في غير قرن ، والقرن أن يطول الحاجبان حتى يلتقي طرفاهما قال الأصمعي : كانت العرب تكره القرن ، ويستحب البلج ، والبلج أن ينقطع الحاجبان فيكون ما بينهما نقيا ، وقوله : أقنى العرنين : يعني المعطس وهو المرسن والقنا فيه ، طوله ودقة أرنبته وحدب في وسطه ، وقوله : يحسبه من لم يتأمله أشم : يعني ارتفاع القصبة وحسنها واستواء أعلاها ، وإشراف الأرنبة قليلا ، يقول : يحسن قنا أنفه اعتدال يحسبه قبل التأمل أشمه ، وقوله : ضليع الفم : يعني عظيمه ، يقال : ضليع بين الضلاعة ، ومنه قول الجني لعمر رضي الله عنه ، إني منهم لضليع وكانت العرب تحمد ذلك وتذم صغر الفم ، قوله : دقيق المسربة : والمسربة الشعر المسترق ما بين اللبة إلى السرة قوله : كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة : يعني الجيد العنق ، والدمية الصورة وشبهها في بياضها بالفضة ، وقوله : بادن متماسك : والبادن : الضخم ، يقال : بدن الرجل ، وبدن بالتشديد إذا أسن ، ومعنى قوله : متماسك : يريد أنه مع بدانته متماسك اللحم ، ليس بمسترخيه ، وقوله : سواء البطن والصدر : يعني أن بطنه غير مستفيض فهو مساو لصدره وأن صدره عريض فهو مساو لبطنه وقوله : ضخم الكراديس : يعني الأعضاء هو في وصف علي رضي الله عنه له أنه كان جليل المشاش أي عظيم رءوس العظام مثل الركبتين والمرفقين والمنكبين ، وقوله : أنور المتجرد : يعني ما جرد عنه الثوب من بدنه ، وهو أنور من النور ، يريد شدة بياضه ، وقوله : طويل الزندين : والزند من الذراع ما انحسر عنه اللحم ، وللزند رأسان : الكوع ، والكرسوع ، فالكرسوع رأس الزند الذي يلي الخنصر ، والكوع رأس الزند الذي يلي الإبهام يقال عن الحسن البصري : أنه كان عريض زنده شبرا ، وقوله : رحب الراحة : يريد أنه واسع الراحة ، وكانت العرب تحمد ذلك وتمدح به وتذم صغر الكف وضيق الراحة ، قوله : شثن الكفين والقدمين : يعني أنهما إلى الغلظ والقصر ، قوله : سائل الأطراف : يعني الأصابع ، أنها طوال ليست بمتعقدة ولا منقبضة ، وقوله : خمصان الأخمصين : يعني الأخمص في القدم من تحتها وهو ما ارتفع عن الأرض في وسطها ، أراد بقوله خمصان الأخمصين أن ذلك منهما مرتفع وأنه ليس بأرح والأرح هو الذي يستوي باطن قدمه حتى يمس جميعه الأرض ويقال للمرأة الضامرة البطن خمصانة ، قوله : مسيح القدمين : يعني أنه ممسوح القدمين فالماء إذا صب عليهما مر عليهما مرا سريعا لاستوائهما ، قوله : إذا زال زال تقلعا : هو بمنزلة ما وصف علي رضي الله عنه إذا مشى تقلع ، وقوله : يخطو تكفؤا ويمشي هونا : يعني أنه يمتد إذا خطا ويمشي في رفق غير مختال ، لا يضرب غطفا ، والهون بفتح الهاء الرفق قال الله عز وجل : وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا (1) فإذا ضممت الهاء فهو الهوان قال الله عز وجل : عذاب الهون (2) قوله : ذريع المشية : يريد أنه مع هذا المشي سريع المشية ، يقال : فرس ذريع بين الذراعة ، إذا كان سريعا ، وامرأة تذراع إذا كانت سريعة الغزل ، قوله : إذا مشى كأنما ينحط من صبب : معنى الصب الانحدار قال محمد بن الحسين ، رحمه الله : فهذه صفات خلقه ، وأما صفات أخلاقه صلى الله عليه وسلم ، قوله : يسوق أصحابه : يريد أنه إذا مشى مع أصحابه قدمهم بين يديه ومشى وراءهم ، وفي حديث آخر : يبسر أصحابه : والبسر السوق ، قوله : دمثا : والدمث من الرجال السهل اللين ، قوله : ليس بالجافي ولا المهين : يريد أنه لا يحقر الناس ولا يهينهم وليس بالجافي الغليظ الفظ ولا الحقير الضعيف ، قوله : يعظم النعمة وإن دقت : يقول : إنه لا يستصغر شيئا أوتيه ، وإن كان صغيرا ، ولا يحقره ، وقوله : ولا يذم ذواقا ولا يمدحه : يعني أنه كان لا يصف الطعام بطيب ولا فساد إن كان فيه ، وقوله : إذا غضب أعرض وأشاح : معنى أعرض عدل بوجهه وذلك فعل الحذر من الشيء والكاره للأمر ، وأشاح ، الإشاحة تكون بمعنيين : أحدهما الجد في الأمر والإعراض بالوجه ، يقال : أشاح إذا عدل بوجهه وهذا معنى الحرف في هذا ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : » اتقوا النار ولو بشق تمرة « ثم أعرض وأشاح ، أي عدل بوجهه وذلك فعل الحذر من الشيء والكاره الأمر وقوله : يفتر : أي يبتسم ومنه يقال : فررت الدابة إذا نظرت إلى سنها ، وقوله : عن مثل حب الغمام يعني : البرد شبه ثغره به ، والغمام السحاب ، وقوله : في دخوله : جزأ جزأه بينه وبين الناس : ويرد ذلك بالخاصة على العامة : يعني أن العامة كانت لا تصل إليه في منزله كل وقت ولكنه كان يوصل إليها حقها من ذلك الجزء بالخاصة التي تصل إليه ، فتوصله إلى العامة ، وقوله : يدخلون روادا : هو جمع رائد والرائد أصله الذي يبعث به القوم يطلب لهم الكلأ ومساقط الغيث ولم يرد الكلأ في هذا الموضع ولكنه ضربه مثلا لما يلتمسون عنده من العلم والنفع في دينهم ودنياهم ، وقوله : لا يتفرقون إلا عن ذواق : الذواق أصله الطعم ، ولم يرد الطعم ها هنا ، ولكنه ضربه مثلا لما ينالونه عنده من الخير ، وقوله : يخرجون أدلة : يعني يخرجون من عنده بما قد تعلموه ، فيدلون عليه الناس وينبئونهم به وهو جمع دليل ، مثل : شحيح وأشحة ، وسرير وأسرة ، وقوله : وذكر مجلسه : لا تؤبن فيه الحرم : يعني لا تقذف فيه ، يقال : أبنته بكذا من الشر ، إذا رميته ومنه حديث الإفك : أشيروا علي في أناس أبنوا أهلي بمن والله ، ما علمت عليه من سوء قط ومنه رجل مأبون أي : معروف بخلة سوء رمي بها ، وقوله : ولا تثنى فلتاته : يعني أي لا يتحدث بهفوة أو زلة إن كانت في مجلسه من بعض القوم ، ومنه يقال : ثنوت الحديث إذا أذعته ، والفلتات جمع فلتة وهى ها هنا الزلة والسقطة ، وقوله : إذا تكلم أطرق جلساؤه ، كأن على رءوسهم الطير : يعني أنهم يسكنون ، فلا يتحركون ويغضون أبصارهم ، والطير لا تسقط إلا على ساكن ، ويقال للرجل إذا كان حليما وقورا : إنه لساكن الطائر ، وقوله : لا يقبل الثناء إلا عن مكافئ : عنى إذا ابتدئ بمدح كره ذلك فإذا اصطنع معروفا فأثنى عليه مثن وشكره قبل ثناءه
__________
(1) سورة : الفرقان آية رقم : 63
(2) سورة : الأنعام آية رقم : 93

باب ذكر ما خص الله عز وجل به النبي صلى الله
عليه وسلم ، أنه أسري به إليه قال محمد بن الحسين ، رحمه الله : ومما خص الله عز وجل به النبي صلى الله عليه وسلم ، مما أكرمه به ، وعظم شأنه زيادة منه له في الكرامات أنه أسري بمحمد صلى الله عليه وسلم بجسده وعقله حتى وصل إلى بيت المقدس ثم عرج به إلى السماوات فرأى من آيات ربه الكبرى ، رأى ملائكة ربه عز وجل ورأى إخوانه من الأنبياء حتى وصل إلى مولاه الكريم فأكرمه بأعظم الكرامات ، وفرض عليه وعلى أمته خمس صلوات وذلك بمكة في ليلة واحدة ، ثم أصبح بمكة سر الله الكريم به أعين المؤمنين وأسخن به أعين الكافرين وجميع الملحدين ، قال الله عز وجل : سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير (1) وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم كيف أسري به وكيف ركب البراق وكيف عرج به ونحن نذكره إن شاء الله تعالى
__________
(1) سورة : الإسراء آية رقم : 1

1012 - حدثنا أبو بكر جعفر بن محمد الفريابي قال : حدثنا يزيد بن خالد بن موهب الرملي قال : حدثنا عبد الله بن وهب قال : حدثنا يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب الزهري ، عن أنس بن مالك قال : كان أبو ذر يحدث : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « فرج سقف بيتي وأنا بمكة ، فنزل جبريل عليه السلام ، ففرج صدري ، ثم غسله من ماء زمزم ، ثم جاء بطست من ذهب مملوء حكمة وإيمانا معا فأفرغها في صدري ثم أطبقه ، ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء ، فلما جاء السماء الدنيا قال : جبريل لخازن السماء : افتح قال : من هذا ؟ قال : جبريل قال : هل معك أحد ؟ قال : نعم ، محمد صلى الله عليه وسلم قال : أرسل إليه ؟ قال : نعم فافتح ففتح قال : فلما علونا السماء الدنيا إذا رجل عن يمينه أسودة ، وعن يساره أسودة ، فإذا نظر قبل يمينه ضحك ، وإذا نظر قبل شماله بكى فقال : مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح قال : قلت : يا جبريل من هذا ؟ قال : هذا آدم ، وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه ، فأهل اليمين منهم أهل الجنة ، والأسودة عن شماله أهل النار فإذا نظر عن يمينه ضحك ، وإذا نظر عن شماله بكى ، قال : ثم عرج بي جبريل عليه السلام حتى أتينا السماء الثانية ، فقال : لخازنها : افتح ففتح ، فقال : له خازنها مثل ما قال له خازن سماء الدنيا ففتح » قال أنس : فذكر أنه وجد في السماوات آدم ، وإدريس ، وعيسى ، وموسى ، وإبراهيم عليهم الصلاة والسلام ، ولم يثبت كيف منازلهم غير أنه قد ذكر أنه وجد آدم في سماء الدنيا ، وإبراهيم في السادسة ، وقال : فلما مر جبريل ورسول الله صلى الله عليه وسلم بإدريس عليه السلام قال : مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح ، قال : « ثم مررت فقلت : من هذا ؟ قال : هذا إدريس قال : ثم مررت بموسى قال : مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح ، قلت : من هذا ؟ قال : هذا موسى قال : ثم مررت بعيسى ، فقال : مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح قلت : من هذا ؟ قال : هذا عيسى قال : ثم مررت بإبراهيم عليه السلام ، فقال : مرحبا بالنبي الصالح ، والابن الصالح ، قلت : من هذا ؟ قال : هذا إبراهيم » قال ابن شهاب : فأخبرني ابن حزم ، أن ابن عباس وأبا حبة الأنصاري كانا يقولان : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ثم عرج بي حتى ظهرت بمستوى العرش » قال ابن حزم وأنس بن مالك : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ففرض الله عز وجل على أمتي خمسين صلاة » قال : « فرجعت بذلك حتى مررت بموسى عليه الصلاة والسلام ، فقال : موسى ، ماذا فرض ربك على أمتك ؟ قال : قلت : » فرض عليهم خمسين صلاة « قال : موسى ، راجع ربك ، فإن أمتك لا تطيق ذلك قال : » فراجعت ربي عز وجل ، فوضع شطرها « قال : فرجعت إلى موسى ، فأخبرته قال : راجع ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك ، قال : » فراجعت ربي ، عز وجل ، « فقال : » هي خمس ، وهى خمسون ما يبدل القول لدي (1) « قال : » فرجعت إلى موسى « فقال : راجع ربك فقلت : » قد استحييت من ربي عز وجل « قال : » ثم انطلق بي حتى أتى بي سدرة المنتهى فغشاها ما غشى من ألوان ما أدري ما هي « قال : » ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذ (2) اللؤلؤ ، وإذا ترابها المسك «
__________
(1) سورة : ق آية رقم : 29
(2) الجنابذ : جمع جنبذة ، وهو ما ارتفع من الشيء واستدار كالقبة

1013 - وحدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف قال : حدثنا ابن أبي عمر العدني قال : حدثنا عبد الرزاق وعبيد الله بن معاذ قالا : أنا معمر ، عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري في قول الله عز وجل : سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى (1) قال : حدثنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ليلة أسري به قال نبي الله صلى الله عليه وسلم : « أتيت بدابة هي أشبه الدواب بالبغل ، له أذنان مضطربتان وهو البراق التي كانت الأنبياء تركبه قبلي ، فركبته فانطلق بي تقع يداه عند منتهى بصره ، فسمعت نداء عن يميني : يا محمد ، على رسلك أسألك ، فمضيت ، فلم أعرج عليه ، ثم سمعت نداء عن شمالي : يا محمد ، على رسلك أسألك ، فمضيت ولم أعرج عليه ، ثم استقبلتني امرأة عليها من كل زينة الدنيا رافعة يديها تقول : على رسلك أسألك ، فمضيت فلم أعرج عليها ، ثم أتيت بيت المقدس أو قال : المسجد الأقصى ، فنزلت عن الدابة فأوثقته بالحلقة التي كانت الأنبياء توثق بها ، ثم دخلت المسجد فصليت فيه ، فقال لي جبريل عليه السلام : ماذا رأيت في وجهك ؟ فقلت : سمعت نداء عن يميني : يا محمد على رسلك أسألك ، فمضيت ولم أعرج عليه فقال : ذلك داعي اليهود ، أما إنك لو وقفت عليه لتهودت أمتك قلت : ثم سمعت نداء عن يساري : يا محمد على رسلك أسألك ، فمضيت ولم أعرج عليه فقال : ذاك داعي النصارى أما إنك لو وقفت عليه تنصرت أمتك قلت : ثم استقبلتني امرأة عليها من كل زينة الدنيا رافعة يديها ، تقول : على رسلك ، أسألك ، فمضيت ولم أعرج عليها فقال : تلك الدنيا تزينت لك ، أما إنك لو وقفت عليها لاخترت الدنيا على الآخرة ، قال : ثم أتيت بإناءين : أحدهما فيه لبن ، والآخر : فيه خمر ، فقيل لي : خذ فاشرب أيهما شئت ، فأخذت اللبن فشربته ، فقال له جبريل : أصبت الفطرة أو أخذت الفطرة » قال معمر : وحدثني الزهري ، عن ابن المسيب ، أنه قيل له : أما إنك لو أخذت الخمر ، غوت أمتك ، وقال : أبو هارون : عن أبي سعيد : عن النبي صلى الله عليه وسلم : « ثم جيىء بالمعراج الذي تعرج فيه أرواح بني آدم فإذا أحسن ما رأيت : ألم تروا إلى الميت كيف يحد ببصره إليه ؟ فعرج بنا حتى انتهينا إلى باب سماء الدنيا فاستفتح جبريل ، فقيل : من هذا ؟ قال : جبريل ، قالوا : ومن معك ؟ قال : محمد قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، ففتحوا لي وسلموا علي وإذا ملك يحرس السماء ، يقال له : إسماعيل ، معه سبعون ألف ملك ، مع كل ملك منهم مائة ألف ملك قال : وما يعلم جنود ربك إلا هو (2) قال : فإذا أنا برجل كهيئته يوم خلقه الله عز وجل لم يتغير منه شيء وإذا هو تعرض عليه أرواح ذريته ، فإذا كان روح مؤمن قال : روح طيب وريح طيبة ، اجعلوا كتابه في عليين ، وإذا كان روح كافر قال : ريح خبيثة وروح خبيث ، اجعلوا كتابه في سجين (3) فقلت : يا جبريل ، من هذا ؟ قال : هذا أبوك آدم فسلم علي ورحب بي ، ثم قال : مرحبا بالنبي الصالح ، ثم نظرت فإذا أنا بقوم لهم مشافر كمشافر الإبل وقد وكل بهم من يأخذ بمشافرهم ويجعل في أفواههم صخرا من نار ، فتخرج من أسافلهم ، فقلت : يا جبريل ، من هؤلاء ؟ فقال : هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا (4) الآية ثم نظرت فإذا أنا بقوم تجبذ لحومهم فتدس في أفواههم فيقال : كلوا كما أكلتم فإذا أكره ما خلق الله عز وجل ذلك ، فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء الهمازون ، اللمازون ، الذين يأكلون لحوم الناس ، ثم نظرت ، فإذا أنا بقوم على مائدة عليها لحم مشوي كأحسن ما رأيت من اللحم وإذا حولهم الجيف ، فجعلوا يقبلون على الجيف ، يأكلون منها ويدعون ذلك اللحم ، فقلت : يا جبريل ، من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء الزناة عمدوا إلى ما حرم الله عز وجل عليهم وتركوا ما أحل الله عز وجل لهم ، ثم نظرت فإذا أنا بقوم لهم بطون كأنها التنور وهم على سابلة آل فرعون ، فإذا مر بهم آل فرعون ثاروا فتميل بأحدهم بطنه فيقع فيطؤهم آل فرعون بأرجلهم وهم يعرضون على النار غدوا وعشيا ، فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء أكلة الربا في بطونهم فمثلهم كمثل الذي يتخبطه الشيطان من المس (5) ثم نظرت فإذا أنا بنساء معلقات بأرجلهن فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء اللاتي يزنين ، ويقتلن أولادهن ، ثم صعدنا إلى السماء الثانية فإذا أنا بيوسف ، وحوله تبع من أمته ووجهه مثل القمر ليلة البدر فسلم علي ورحب بي ، ثم مضينا إلى السماء الثالثة فإذا أنا بابني الخالة ، يحيى ، وعيسى ، شبيه أحدهم بصاحبه ثيابهما وشعرهما فسلما علي ورحبا بي ، ثم مضينا إلى السماء الرابعة ، فإذا أنا بإدريس عليه السلام ، فسلم علي ورحب بي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وقد قال الله عز وجل : ورفعناه مكانا عليا (6) ، ثم مضينا إلى السماء الخامسة فإذا أنا بهارون المحبب في قومه وحوله تبع كثير من أمته فوصفه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : طويل اللحية ، تكاد لحيته تمس سرته ، فسلم علي ورحب بي ، ثم مضينا إلى السماء السادسة ، فإذا أنا بموسى ، فسلم علي ورحب بي ، فوصفه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : رجل كثير الشعر ، لو كان عليه قميصان خرج شعره منها ، فقال موسى : يزعم الناس أني أكرم الخلق على الله عز وجل ، وهذا أكرم على الله مني ، ولو كان وحده لم أبال ولكن كل نبي ومن اتبعه من أمته ، ثم مضينا إلى السماء السابعة فإذا أنا بإبراهيم عليه السلام ، وهو جالس مسندا ظهره إلى البيت المعمور ، فسلم علي وقال : مرحبا بالنبي الصالح فقيل لي : هذا مكانك ومكان أمتك ، ثم تلا : إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين (7) ثم دخلت البيت المعمور ، فصليت فيه فإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ، ثم لا يعودون فيه إلى يوم القيامة ، ثم نظرت ، فإذا أنا بشجرة إن كانت الورقة منها لمغطية هذه الأمة وإذا في أصلها عين تخرج فانشعبت شعبتين ، فقلت : ما هذا يا جبريل ؟ فقال : أما هذا فهو نهر الرحمة ، وأما هذا فهو الكوثر الذي أعطاكه الله عز وجل ، فاغتسلت من نهر الرحمة فغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر ، ثم أخذت على الكوثر حتى دخلت الجنة ، فإذا فيها ما لا عين رأت ولا خطر على قلب بشر ، وإذا فيها رمان كأنه جلود الإبل المقتبة ، وإذا فيها طير كأنها البخت (8) ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : يا رسول الله إن هذه لطير ناعمة فقال : آكلها أنعم منها يا أبا بكر ، وإني لأرجو أن تأكل منها ، ورأيت جارية فسألتها : لمن أنت ؟ فقالت : لزيد بن حارثة فبشر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا قال : ثم قال : » إن الله عز وجل أمرني بأمر وفرض علي خمسين صلاة ، فمررت على موسى فقال : بم أمرك ربك ؟ قلت : « فرض علي خمسين صلاة قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ، فإن أمتك لن يقوموا بهذا فرجعت إلى ربي عز وجل فسألته ، فوضع عني عشرا ، ثم رجعت إلى موسى ، فلم أزل أرجع إلى ربي إذا مررت بموسى حتى فرض علي خمس صلوات فقال لي موسى : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فقلت له : لقد رجعت حتى استحييت أو قال : ما أنا براجع فقيل لي : فإن لك بهذه الخمس خمسين صلاة ، الحسنة بعشر أمثالها ومن هم بالحسنة ثم لم يعملها كتبت له حسنة ، ومن عملها كتبت له عشرا ، ومن هم بالسيئة ولم يعملها لم يكتب عليه شيء ، فإن عملها كتبت واحدة »
__________
(1) سورة : الإسراء آية رقم : 1
(2) سورة : المدثر آية رقم : 31
(3) سجين : قيل هو جب في جهنم أو هو صخرة أسفل الأرض السابعة
(4) سورة : النساء آية رقم : 10
(5) سورة : البقرة آية رقم : 275
(6) سورة : مريم آية رقم : 57
(7) سورة : آل عمران آية رقم : 68
(8) البُخْتِية : الأنثى من الجِمال البُخْت، والذكر بُخْتِيٌّ، وهي جِمال طِوَال الأعناق

1014 - حدثنا أبو حفص عمر بن أيوب السقطي قال : حدثنا محفوظ بن أبي توبة قال : حدثنا عبد الرزاق قال : حدثنا معمر ، عن قتادة ، عن أنس : أن النبي صلى الله عليه وسلم : « أتي بالبراق ليلة أسري به مسرجا (1) ملجما (2) فاستصعب عليه ، فقال له جبريل : اسكن ، فما ركبك أحد أكرم على الله عز وجل منه فارفض عرقا »
__________
(1) أسرج الدابة : شد عليها السرج
(2) ملجم : موضوع فيه اللجام : وهو الحديدة التي توضع في فم الفرس وما يتصل بها من سيور

1015 - أنبأنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله الكشي قال : حدثنا علي بن عبد الله المديني قال : حدثنا صفوان بن عيسى قال : حدثنا عوف قال : حدثنا زرارة بن أوفى قال : حدثنا ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لما كان ليلة أسري بي قال : ثم أصبحت بمكة قال : فضقت بأمري وعلمت أن الناس مكذبي فقعدت معتزلا حزينا فمر بي عدو الله أبو جهل فجاء حتى جلس إلي ، ثم قال كالمستهزئ : هل من شيء ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » نعم « قال : ما هو ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » أسري بي الليلة « قال : فقال : إلى أين ؟ قلت : » إلى بيت المقدس « قال : فقال أبو جهل : ثم أصبحت بين ظهرانينا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » نعم « قال : فلم يره أنه مكذبه مخافة أن يجحد الحديث قال : فقال : إن دعوت إليك قومك أتحدثهم مثل ما حدثتني ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » نعم « قال : فقال أبو جهل : يا معشر بني كعب بن لؤي هلموا إلي قال : فانتقضت المجالس فجاءوا حتى جلسوا إليهما قال : فقال أبو جهل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : حدث قومك ما حدثتني ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » أسري بي الليلة « فقالوا : إلى أين ؟ فقلت : » إلى بيت المقدس « قالوا : ثم أصبحت بين ظهرانينا ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » نعم « قال : فبين مصفق وآخر واضع يده على رأسه مستعجبا للكذب زعم ، قال : فقال القوم : تستطيع أن تنعت لنا المسجد ؟ قال : وفي القوم من قد سافر إلى ذلك البلد ورأى المسجد قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » فذهبت أنعت فما زلت أنعت حتى لبس (1) علي بعض النعت قال : فجيء بالمسجد وأنا أنظر إليه حتى وضع دون دار عقيل وأنا أنظر إليه قال : فقال القوم : أما النعت فقد أصبت «
__________
(1) ألبس عليه الأمر : اشتبه واختلط

1016 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدثنا أبو بكر بن زنجويه قال : حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري في حديثه عن عروة قال : سعى رجال من المشركين إلى أبي بكر رضي الله عنه فقالوا له : هذا صاحبك يزعم أنه قد أسري به الليلة إلى بيت المقدس ، ثم رجع من ليلته ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : أو قال ذاك ؟ قالوا : نعم ، قال أبو بكر رضي الله عنه : فأنا أشهد إن كان قال ذاك لقد صدق ، قالوا : تصدقه أنه قد جاء الشام في ليلة واحدة ورجع قبل أن يصبح ؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه : نعم ، أنا أصدقه بأبعد من ذلك ، أصدقه بخبر السماء غدوة وعشية فلذلك سمي أبو بكر رضي الله عنه : الصديق « قال محمد بن الحسين رحمه الله : من ميز جميع ما تقدم ذكري له علم أن الله عز وجل أسرى بمحمد صلى الله عليه وسلم ، إليه بجسده وعقله ، لا أن الإسراء كان مناما وذلك أن الإنسان لو قال : وهو بالمشرق رأيت البارحة في النوم كأني بالمغرب لم يرد عليه قوله ولم يعارض وإذا قال : كنت ليلتي بالمغرب ، لكان قوله كذبا ، وكان قد تقول بعظيم إذا كان مثل ذلك البلد غير واصل إليه في ليلته لا خلاف في هذا ، فالنبي صلى الله عليه وسلم لو قال : لأبي جهل ولسائر قومه : » رأيت في المنام كأني ببيت المقدس على وجه المنام لقبلوا منه ذلك ولم يتعجبوا من قوله ولقالوا له : صدقت وذلك أن الإنسان قد يرى في النوم كأنه في أبعد مما أخبرتنا ولكنه لما قال لهم صلى الله عليه وسلم : « أسري بي الليلة إلى بيت المقدس » كان خلافا للمنام عند القوم وكان هذا في اليقظة بجسده وعقله ، فقالوا له : في ليلة واحدة ذهبت إلى الشام وأصبحت بين أظهرنا ؟ ثم قولهم : لأبي بكر رضي الله عنه : هذا صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس ثم رجع من ليلته وقول أبي بكر رضي الله عنه لهم وما رد عليهم ، كل هذا دليل لمن عقل وميز علم أن الله عز وجل خص نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بأنه أسرى به بجسده وعقله وشاهد جميع ما في السماوات ، ودخوله الجنة ، وجميع ما رأى من آيات ربه عز وجل ، وفرض عليه الصلاة كل ذلك لا يقال منام بل بجسده وعقله ، وفضلة خصه الله الكريم بها ، فمن زعم أنه منام ، فقد أخطأ في قوله وقصر في حق نبيه صلى الله عليه وسلم ، ورد القرآن والسنة وتعرض لعظيم وبالله التوفيق

باب ذكر ما خص الله عز وجل به النبي صلى الله
عليه وسلم من الرؤية لربه عز وجل

1017 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا عبد الوهاب الوراق قال : حدثنا أبو النضر هاشم بن القاسم ، عن قيس بن الربيع ، عن عاصم الأحول ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : « إن الله عز وجل اصطفى إبراهيم عليه السلام بالخلة ، واصطفى موسى عليه السلام بالكلام ، واصطفى محمدا صلى الله عليه وسلم بالرؤية »

1018 - حدثنا أبو جعفر محمد بن الحسين الكوفي الأشناني قال : حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا عبدة بن سليمان ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن ابن عباس : ولقد رآه نزلة أخرى (1) قال : « رأى ربه عز وجل »
__________
(1) سورة : النجم آية رقم : 13

1019 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا الحسن بن يحيى بن كثير العنبري قال : حدثنا أبي قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « رأيت ربي عز وجل »

1020 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا محمد بن عباد بن آدم قال : حدثنا أبو بكر بن سليمان قال : أنبأنا محمد بن إسحاق قال : حدثني عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش ، عن عبد الله بن أبي سلمة ، أن عبد الله بن عمر بن الخطاب بعث إلى عبد الله بن عباس يسأله : هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل ؟ قال : فأرسل إليه عبد الله بن عباس : أن نعم ، فرد إليه عبد الله بن عمر رسوله أن كيف رآه ؟ فأرسل إليه أنه رآه في روضة خضراء من دونه فراش من ذهب على كرسي من ذهب يحمله أربعة من الملائكة : ملك في صورة رجل ، وملك في صورة نسر ، وملك في صورة أسد ، وملك في صورة ثور

1021 - حدثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد الأعرابي قال : حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي قال : حدثنا يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق ، عن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش ، عن عبد الله بن أبي سلمة قال : بعث عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن عباس يسأله : هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل ؟ فبعث إليه : أن نعم ، قد رآه فرد رسوله إليه ، فقال : فكيف رآه ؟ قال : رآه على كرسي من ذهب ، تحمله أربعة من الملائكة : ملك في صورة رجل ، وملك في صورة أسد ، وملك في صورة ثور ، وملك في صورة نسر في روضة خضراء دونه فراش من ذهب

1022 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا محمد بن عباد قال : حدثنا بكر بن سليمان ، عن محمد بن إسحاق قال : حدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس ، عن عكرمة ، عن عبد الله بن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنشد قول : أمية بن أبي الصلت الثقفي : رجل وثور تحت رجل يمينه والنسر للأخرى وليث مرصد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « صدق »

1023 - وحدثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد قال : حدثنا العطاردي قال : حدثنا يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق قال : حدثني يعقوب بن عتبة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : أنشد رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول أمية بن أبي الصلت : رجل وثور تحت رجل يمينه والنسر للأخرى وليث مرصد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « صدق »

1024 - حدثنا أبو جعفر محمد بن الحسين الكوفي الأشناني قال : ثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن عباد بن منصور قال : سمعت عكرمة وسئل : هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل ؟ قال : « نعم فما زال يقول : رآه ، حتى انقطع نفسه »

1025 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري وإسحاق بن راهويه قالا : حدثنا معاذ بن هشام قال : حدثني أبي ، عن قتادة ، عن أبي قلابة ، عن خالد بن اللجلاج ، عن عبد الله بن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، « رأيت ربي عز وجل ؟ ، فقال : يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ قلت : » رب في الكفارات ، المشي على الأقدام إلى الجماعات ، وإسباغ (1) الوضوء في المكروهات ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فمن حافظ عليهن عاش بخير ، ومات بخير وكان من ذنوبه كيوم ولدته أمه «
__________
(1) إسباغ الوضوء : إتمامه وإكماله واستيعاب أعضائه بالغسل

1026 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا أحمد بن إبراهيم قال : حدثنا ريحان بن سعيد قال : حدثنا عباد بن منصور ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن خالد بن اللجلاج ، أن عبد الله بن عباس حدثه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، غدا (1) يوما على أصحابه مستبشرا يعرفون في وجهه السرور ، فقال لهم : « إن ربي عز وجل أتاني الليلة في أحسن صورة ، فقال : يا محمد ، قلت : لبيك ربي وسعديك قال : هل تعلم فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ قلت : نعم يا رب ، يختصمون في الكفارات (2) المشي على الأقدام إلى الجماعات ، وإسباغ (3) الوضوء في السبرات ، فقال : صدقت يا محمد ، من فعل ذلك عاش بخير وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه »
__________
(1) الغدو : السير والذهاب والتبكير أول النهار
(2) الكفارة : الماحية للخطأ والذنب
(3) إسباغ الوضوء : إتمامه وإكماله واستيعاب أعضائه بالغسل

1027 - حدثنا أبو عبد الله أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي قال : حدثنا سليمان بن عمر الرقي قال : حدثنا عيسى بن يونس قال : حدثنا الأوزاعي ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال : سمعت خالد بن اللجلاج ، يحدث مكحولا ، عن عبد الرحمن بن عايش قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : « رأيت ربي عز وجل في أحسن صورة ، فقال لي : فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد ؟ قلت أنت أعلم أي ربي قال : فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ قلت : أنت أعلم أي رب ، فوضع كفه عز وجل بين كتفي فعلمت ما في السماوات وما في الأرض ثم تلا : وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين (1) ثم قال لي : فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد ؟ قلت : في الدرجات قال : وما الدرجات ؟ قلت : المشي إلى الجماعات ، والجلوس في المساجد خلف الصلوات ، وإسباغ (2) الوضوء في السبرات قال : وفيم ؟ قلت : في الكفارات (3) قال : وما هي ؟ قلت : إطعام الطعام ، وبذل السلام ، والصلاة بالليل والناس نيام ، قال : قل : اللهم إني أسالك فعل الحسنات ، وترك المنكرات ، وحب المساكين ، وأن تتوب علي ، وتغفر لي ، وترحمني ، وإذا أردت بقوم فتنة فتوفني وأنا غير مفتون ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فتعلموهن فوالذي نفسي بيده إنهن لحق »
__________
(1) سورة : الأنعام آية رقم : 75
(2) إسباغ الوضوء : إتمامه وإكماله واستيعاب أعضائه بالغسل
(3) الكفارة : الماحية للخطأ والذنب

باب ذكر ما فضل الله عز وجل به نبينا صلى الله
عليه وسلم في الدنيا من الكرامات على جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام

1028 - حدثنا أبو شعيب عبد الله بن الحسن الحراني قال : حدثني جدي قال : حدثنا موسى بن أعين ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي : أرسلت إلى الأبيض والأسود والأحمر ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، ونصرت بالرعب ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ، وأعطيت جوامع الكلم »

1029 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا يحيى بن أبي بكير قال : حدثنا زهير بن محمد ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن محمد بن علي ابن الحنفية أنه سمع عليا رضي الله عنه يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أعطيت ما لم يعط أحد من الأنبياء » قلنا : ما هو يا رسول الله ؟ قال : « نصرت بالرعب ، وأعطيت مفاتيح الأرض ، وسميت أحمد ، وجعل التراب لي طهورا ، وجعلت أمتي خير الأمم »

1030 - وحدثنا أبو القاسم أيضا قال : حدثنا علي بن المنذر الطريقي قال : حدثنا ابن فضيل قال : حدثنا أبو مالك الأشجعي ، عن ربعي بن حراش ، عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « فضلنا على الناس بثلاث : جعلت لنا الأرض كلها مسجدا ، وجعلت تربها لنا طهورا ، وجعلت صفوفنا كصفوف الملائكة ، وأوتيت هؤلاء الآيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يعط أحد منه قبلي ولا يعطى أحد منه بعدي »

1031 - وحدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد ، وهارون بن إسحاق الهمداني قالا : حدثنا ابن فضيل ، عن أبي مالك الأشجعي ، عن ربعي بن حراش ، عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « فضلنا على الناس بثلاث : جعلت لنا الأرض مسجدا ، وجعل ترابها لنا طهورا إذا لم نجد الماء ، وجعلت صفوفنا كصفوف الملائكة ، وأوتيت هؤلاء الآيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يعط منه أحد قبلي ولا أحد بعدي »

1032 - وحدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا محمد بن فضيل ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن مجاهد ، ومقسم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « أعطيت خمسا فلا أقول فخرا : بعثت إلى الأحمر والأسود ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، وأحل لي المغنم ، ولا يحل لأحد قبلي ، ونصرت بالرعب فهو يسير أمامي مسيرة شهر ، وأعطيت الشفاعة فأخذتها لأمتي وهي إن شاء الله نائلة لمن لم يشرك بالله عز وجل »

1033 - وأنبأنا أبو القاسم أيضا قال : حدثنا عبد الله بن مطيع قال : حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « فضلت على الأنبياء بست : أعطيت جوامع الكلم ، ونصرت بالرعب ، وأحلت لي الغنائم (1) ، وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا ، وأرسلت إلى الخلق كافة ، وختم بي النبيون »
__________
(1) الغنائم : جمع الغنيمة ، وهي ما يؤخذ من المحاربين في الحرب قهرا

1034 - أنبأنا أبو عبيد بن الحسين بن حرب قال : حدثنا أبو الأشعت أحمد بن المقدام قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سليمان التيمي ، عن سيار ، عن أبي أمامة : أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن الله عز وجل فضلني على الأنبياء ، أو قال : أمتي على الأمم بأربع : أرسلني إلى الناس كافة ، وجعل الأرض كلها مسجدا وطهورا ، فأينما أدركت الرجل من أمتي الصلاة فإنه مسجده وعنده طهوره ، ونصرت بالرعب يسير بين يدي مسيرة شهر قذف في قلوب أعدائي وأحلت لي الغنائم (1) »
__________
(1) الغنائم : جمع الغنيمة ، وهي ما يؤخذ من المحاربين في الحرب قهرا

باب ذكر دلائل النبوة
مما شاهده الصحابة رضي الله عنهم من النبي صلى الله عليه وسلم مما خصه بها مولاه الكريم

1035 - حدثنا موسى بن محمد بن هارون بن إبراهيم قال : حدثنا الصلت بن مسعود الجحدري قال : حدثنا سهل بن أسلم قال : حدثنا يزيد بن أبي منصور ، عن أنس بن مالك أن أبا طلحة أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عاصب (1) بطنه من الجوع بحجر ، فخرج إلى أهله فقال يا أم سليم لو صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما فإني رأيته عصب بطنه من الجوع بحجر فصنعت له شيئا قد ذكره الصلت فانطلقت فدعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لأهل الصفة : « قوموا » فقام ثمانون رجلا ، فقال أبو طلحة : يا رسول الله إنما هي خبزة شعير صنعتها لك فقال : « ادع بها » فجاء بالخبزة فدعا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بالبركة فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجماعة أصحابه حتى شبعوا ، وأكل أهل البيت حتى شبعوا وأهدينا «
__________
(1) عصب : ربط وشد

1036 - وحدثنا أبو بكر جعفر بن محمد الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد ، عن مالك بن أنس ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، أنه سمع أنس بن مالك قال : قال أبو طلحة لأم سليم : لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفا أعرف فيه الجوع ، فهل عندك من شيء ؟ قالت : نعم فأخرجت أقراصا من شعير ثم أخذت خمارا لها فلفت الخبز بنصفه ورداء تبين بنصفه ، ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فذهبت فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ومعه الناس فقمت عليهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أبو طلحة أرسلك ؟ » فقلت : نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه : « قوموا » قال : فانطلق ، وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته ، فقال أبو طلحة : يا أم سليم ، قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس عندنا من الطعام ما نطعمهم ، فقالت : الله ورسوله أعلم فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو طلحة ، حتى دخلا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « هلمي يا أم سليم ، ما عندك ؟ » فأتت بذلك الخبز فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففت ، وعصرت أم سليم عكة لها فأدمته فقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما شاء الله أن يقول ثم قال : « ائذن لعشرة » فأذن لهم ، فأكلوا حتى شبعوا ، ثم خرجوا ، ثم قال : « ائذن لعشرة » فأكلوا حتى شبعوا ثم قال : « ائذن لعشرة » فأكل القوم حتى شبعوا ، والقوم سبعون أو ثمانون رجلا

1037 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف قال : حدثنا عبد الأعلى ، عن سعيد الجريري ، عن أبي الورد ، عن أبي محمد الحضرمي ، عن أبي أيوب الأنصاري قال : صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولأبي بكر رضي الله عنه قدر ما يكفيهما فأتيتهما به ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « اذهب فادع لي ثلاثين من أشراف الأنصار » قال : فشق ذلك علي ، ما عندي شيء أزيده قال : فكأني تثاقلت ، فقال : « اذهب وادع لي ثلاثين رجلا من أشراف الأنصار » فدعوتهم فجاءوا ، فقال : « اطعموا » فأكلوا حتى صدروا ، ثم شهدوا أنه رسول الله ، ثم بايعوه قبل أن يخرجوا ، ثم قال : « اذهب فادع لي ستين من أشراف الأنصار » قال أبو أيوب : فوالله لأنا بالستين أجود مني بالثلاثين قال : فدعوتهم قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ترفعوا » فأكلوا حتى صدروا ، ثم شهدوا أنه رسول الله وبايعوه قبل أن يخرجوا ثم قال : « اذهب فادع لي تسعين من الأنصار » قال : فلأنا أجود مني بالتسعين مني بالستين والثلاثين ، فدعوتهم فأكلوا حتى صدروا ، ثم شهدوا أنه رسول الله ، وبايعوه قبل أن يخرجوا قال : فأكل من طعامي مائة وثمانون رجلا كلهم من الأنصار

1038 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري قال : حدثنا يزيد بن هارون قال : أنبأنا سليمان التيمي ، عن أبي العلاء ، عن سمرة بن جندب : أن النبي صلى الله عليه وسلم : « أتي بقصعة (1) فيها لحم فتعاقبوها من غدوة (2) إلى الظهر ، يقوم قوم ويقعد آخرون قال : فقيل لسمرة : هل كانت تمد ؟ قال : فمن أي شيء تعجب ؟ ما كانت تمد إلا من ها هنا وأشار إلى السماء »
__________
(1) القصعة : وعاء يؤكل ويُثْرَدُ فيه وكان يتخذ من الخشب غالبا
(2) الغُدْوة : البُكْرة وهي أول النهار

1039 - حدثنا أبو محمد جعفر بن أحمد بن عاصم الدمشقي قال : حدثنا هشام بن عمار قال : حدثنا الوليد بن مسلم قال : حدثنا الأوزاعي ، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب المخزومي ، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري ، عن أبيه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة فأصابت الناس مخمصة (1) ، فاستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في نحر بعض ظهورهم ، وقالوا : يبلغنا الله عز وجل به ، فقال عمر رضي الله عنه : كيف بنا إذا لقينا عدونا رجالا ولكن إن رأيت يا رسول الله ؛ أن تدعو الناس ببقية أزوادهم فتجمعها ثم تدعو فيها بالبركة ، فإن الله عز وجل سيبلغنا بدعوتك أو يبارك لنا في دعوتك ، فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ببقية أزوادهم فجاءوا به يجيء الرجل بالحثية من الطعام وفوق ذلك قال : فكان أعلاهم الذي جاء الصاع (2) من التمر فجمعه على نطع (3) ثم دعا الناس بأوعيتهم فما بقي في الجيش وعاء إلا ملأه وبقي مثله ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه وقال : « أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أني رسول الله ، وأشهد عند الله عز وجل لا يلقى الله عز وجل عبد مؤمن بهما إلا حجبتاه عن النار يوم القيامة »
__________
(1) المخمصة : المجاعة
(2) الصاع : مكيال المدينة تقدر به الحبوب وسعته أربعة أمداد ، والمد هو ما يملأ الكفين
(3) النطع : بساط من جلد ، والخوان والوعاء

1040 - وحدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا أبو هشام الرفاعي قال : حدثنا حفص بن غياث ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع فقال : « اجمعوا أزوادكم (1) » فجعل الرجل يجيء بالحفنة من التمر ، وبالحفنة من السويق (2) ، وطرحوا الأنطاع والعباء أو قال الأكسية فوضع صلى الله عليه وسلم يده عليها ، ثم قال : « كلوا » ، فأكلنا حتى شبعنا ، وأخذنا في مزاودنا ، ثم قال : « أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، من جاء بهما غير شاك فيهما دخل الجنة »
__________
(1) الزاد : هو الطعام والشراب وما يُتَبَلَّغُ به، ويُطْلق على كل ما يُتَوصَّل به إلى غاية بعينها
(2) السويق : طعام يصنع من دقيق القمح أو الشعير بخلطه بالسمن والعسل

1041 - حدثنا ابن صاعد أيضا قال : حدثنا عبد الجبار بن العلاء قال : حدثني يحيى بن سليم قال : أخبرني عبد الله بن خثيم قال : سمعت أبا الطفيل يقول : سمعت ابن عباس يقول : لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مرا في صلح قريش بلغه أن قريشا تقول : ما يتتابع أصحاب محمد هزلا ولا ضعفا ، فقالوا : يا رسول الله لو انتحرنا من ظهرنا (1) ، فأكلنا من لحومها وشحومها أصبحنا غدا إذا غدونا على القوم وبنا جمام فقال : « لا ولكن ايتوني بفضل أزوادكم » فبسطوا أنطاعا فصبوا عليها ما فضل من أزوادهم (2) ، فدعا لهم فيها بالبركة ، فأكلوا حتى تضلعوا شبعا ، ثم كفتوا ما فضل من فضول أزوادهم في جربهم «
__________
(1) الظهر : الدواب التي تحمل الأمتعة
(2) الزاد : هو الطعام والشراب وما يُتَبَلَّغُ به، ويُطْلق على كل ما يُتَوصَّل به إلى غاية بعينها

1042 - حدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف قال : حدثنا ابن أبي عمر العدني قال : حدثنا محمد بن فضيل ، عن عبد الواحد بن أيمن ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله قال : لما حفر صلى الله عليه وسلم الخندق أصاب المسلمين جهد وجوع شديد حتى ربط رسول الله صلى الله عليه وسلم على بطنه صخرة من الجوع قال جابر : فانطلقت إلى أهلي فذبحت عناقا (1) كانت عندي ، وقلت لأهلي : أعندكم دقيق ؟ قالوا : عندنا أمداد من دقيق شعير قال : فأمرتهم فخبزوه وصنعوا طعامهم ، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسول الله إني صنعت لك ولنفر من أصحابك طعاما فقال : « انطلق فهيئ طعامك حتى آتيك » قال : ففعلت قال : ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم ، والجيش جميعا قال : فقلت : يا رسول الله إنما هي عناق صنعتها وشيء من دقيق شعير لك ولنفر من أصحابك قال : فدعا بالقصعة وقال : « ائدم فيها » قال : ففعلت ، ثم ذكر عليه اسم الله عز وجل ودعا بالبركة ثم قال : « أدخل علي عشرة » ففعلت حتى إذا طعموا وشبعوا ثم خرجوا قال : « أدخل علي عشرة أخر » ففعلت حتى إذا شبعوا أدخلت عشرة آخرين حتى شبع الجيش جميعا وإن الطعام نحوا مما كان
__________
(1) العناق : الأنثى من المعز إذا قويت ما لم تستكمل سنة

1043 - وحدثنا البغوي عبد الله بن محمد بن عبد العزيز قال : حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب قال : حدثنا جعفر بن سليمان قال : حدثنا الجعد أبو عثمان ، عن أنس بن مالك ، عن جابر بن عبد الله قال : شكى الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش قال : فدعا بعس (1) ، ودعا بماء فصبه فيه ، ثم وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده في العس ثم قال : « استقوا » فرأيت العيون تنبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
(1) العس : القدح الكبير وجمعه : عِساس وأعساس

1044 - أنبأنا أبو عبيد علي بن الحسين بن حرب القاضي قال : حدثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام قال : حدثنا خالد بن الحارث قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك قال : « أتي النبي صلى الله عليه وسلم ، بإناء فيه ماء ما يغمر أصابعه أو لا يكاد يغمر أصابعه شك سعيد فجعلوا يتوضئون ، وجعل الماء ينبع من بين أصابعه قال : فقلنا لأنس : كم كنتم : قال : زهاء ثلاثمائة »

1045 - حدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف قال : حدثنا ابن أبي عمر يعني محمدا العدني قال : ثنا عبد الله بن يزيد أبو عبد الرحمن المقرئ قال : حدثنا عبد الرحمن بن زياد بن أنعم من أهل مصر ، حدثنا زياد بن نعيم الحضرمي قال : سمعت زياد بن الحارث الصدائي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلا حتى إذا طلع الفجر نزل فتبرز ، ثم انصرف إلي وقد تلاحق أصحابه فقال : « هل من ماء يا أخا صداء » قلت : لا إلا شيء قليل لا يكفيك فقال : « اجعله في إناء ثم ائتني به » فأتيته به فوضع كفه في الإناء فرأيت بين كل أصبعين من أصابعه عينا تفور فقال : « لولا أني أستحيي من ربي عز وجل يا أخا صداء لسقينا واستقينا ، ناد في أصحابي من له حاجة في الماء » فناديت فيهم فأخذ من أراد منهم

1046 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدثنا عبيد الله بن محمد العيشي قال : حدثنا عبد العزيز بن مسلم قال : حدثنا يزيد بن أبي منصور ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : أصبت بثلاث : بموت النبي صلى الله عليه وسلم ، وكنت صويحبه وخويدمه ، وبقتل عثمان رحمة الله عليه ، والمزودة ، وما المزودة ؟ قالوا : يا أبا هريرة وما المزودة ؟ قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصاب الناس مخمصة (1) قال : فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يا أبا هريرة هل من شيء ؟ » قلت : نعم ، شيء من تمر في مزود قال : « فأتيني به » فأتيته به فأدخل يده فأخرج قبضة فبسطها ثم قال : « ادع لي عشرة » فدعوت له عشرة ، فأكلوا حتى شبعوا ثم أدخل يده فأخرج قبضة فبسطها ثم قال : « ادع لي عشرة » فدعوت له عشرة فأكلوا حتى شبعوا ، فما زال يصنع ذلك حتى أكل الجيش كلهم وشبعوا ، ثم قال لي : « خذ ما جئت به وأدخل يدك واقبضه ولا تكبه » قال أبو هريرة : فقبضت على أكثر مما جئت به قال أبو هريرة : ألا أحدثكم عما أكلت منه ؟ أكلت حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأطعمت ، وأكلت حياة أبي بكر رضي الله عنه وأطعمت ، وحياة عمر رضي الله عنه ، وأطعمت ، وحياة عثمان رضي الله عنه ، وأطعمت ، فلما قتل عثمان رضي الله عنه ، انتهب مني فذهب المزود
__________
(1) المخمصة : المجاعة

1047 - حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي قال : حدثني أبي قال : حدثنا عمر بن ذر قال : أخبرنا مجاهد ، عن أبي هريرة قال : والذي لا إله غيره إن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع ، وإن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع ، ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه ، فمر بي أبو بكر رضي الله عنه ، فسألته عن آية من كتاب الله عز وجل ما أسأله عنها إلا ليستتبعني ، فمر ولم يفعل ، ثم مر بي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم ، فعرف ما في نفسي وما في وجهي ، فتبسم ثم قال : « أبا هر الحق ، فاتبعته ، فدخل فأذن لي فوجد صلى الله عليه وسلم لبنا في قدح فقال لأهله : » من أين لكم هذا اللبن ؟ « قالوا : أهداه لك فلان أو آل فلان فقال لي : » يا أبا هريرة انطلق إلى أهل الصفة فادعهم « قال : فأحزنني ذلك ، وأهل الصفة أضياف الإسلام ، لا يأوون إلى أهل ولا مال ، إذا جاءت صدقة أرسل بها إليهم ، ولم يذر منها شيئا ، وإذا جاءته هدية أرسل إليهم فأشركهم فيها وأصاب منها ، فأحزنني إرساله إياي ، وقلت : كنت أرجو أن أشرب من هذا اللبن شربة أتغذى بها ، فما يغني هذا اللبن من أهل الصفة وأنا الرسول ، فإذا جاءوا أمرني وكنت أعطيهم قال : ولم يكن من طاعة الله ومن طاعة رسوله بد ، فانطلقت إليهم فدعوتهم فأقبلوا ، استأذنوا ، فأذن لهم ، فأخذوا مجالسهم من البيت ، فقال : » أي أبا هر « قلت : لبيك يا رسول الله قال : » قم فأعطهم « قال : فأخذت القدح أعطي الرجل فيشرب حتى يروى ، ثم يرده إلي ، ثم أعطي الآخر ، فيشرب حتى يروى ، ثم يرده إلي ، حتى روي جميع القوم وانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذ القدح فوضعه على يده ، ثم رفع رأسه إلي فنظر إلي فتبسم وقال : » أبا هر « قلت : لبيك يا رسول الله قال : » اقعد فاشرب « فقعدت فشربت وقال : » اشرب « فشربت وقال : » اشرب « فشربت ، فما زال يقول : » اشرب « وأشرب ، حتى قلت : والذي بعثك بالحق ما أجد له مسلكا قال : فرددت إليه الإناء فسمى وحمد الله وشرب منه

1048 - وحدثنا أبو محمد بن صاعد قال : حدثنا محمد بن عوف بن سفيان الطائي الحمصي قال : حدثنا عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار قال : حدثنا محمد بن مهاجر ، عن عروة بن رويم أنه ذكر له أن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : نزل بنا ضيف بدوي فجلس به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أمام بيوته ، فجعل يسأله عن الناس كيف فرحهم بالإسلام وكيف حزنهم في الصلاة ، فما زال يخبره من ذلك بالذي يسره حتى رأيت وجه رسول الله نضرا ، حتى إذا انتفخ النهار ، وحان أكل الطعام أن يؤكل ، دعاني فأشار إلي مستخفيا لا يألوا أن ائت بيت عائشة رضي الله عنها فأخبرها أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ضيفا ، قالت : والذي بعثك بالهدى ودين الحق ما أصبح في بيتنا شيء يأكله أحد من الناس فردني إلى نسائه ، كلهن يعتذرن بما اعتذرت به عائشة رضي الله عنها ، حتى رأيت لون رسول الله صلى الله عليه وسلم كسف (1) ، وكان البدوي عاقلا ففطن ، فما زال البدوي يعارض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى قال : إنا أهل البادية معانون في زماننا لسنا كأهل الحضر ، إنما يكفي أحدنا القبضة من التمر يشرب عليها أو الشربة من اللبن فذلك الخصب ، فمرت عند ذلك عنز لنا قد احتلبت ، كنا نسميها ثمراء فدعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، باسمها وقال : « ثمرا ثمرا » ، فأقبلت إليه تحمحم فأخذ برجلها ومسح ضرعها وقال : « باسم الله » فحفلت ، فدعاني بمحلب لنا ، فأتيته به فحلب وقال : « باسم الله ، فملأه ، ثم قال : » ادفع باسم الله « فدفعت إلى الضيف فشرب منه شربة ضخمة ، ثم أراد أن يضعه ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : » عد « فعاد ، ثم أراد أن يضعه فقال له رسول الله : » عد « فكرر حتى امتلأ وشرب ما شاء الله ، ثم حلب فيه وقال : » باسم الله « وملأه ثم قال : » أبلغ هذا عائشة فلتشرب منه ما بدا لها « ثم رجعت إليه فحلب فيه وقال : » باسم الله « فملأه ثم أرسلني إلى نسائه كلما شربت امرأة ردني إلى الأخرى وقال : » باسم الله « حتى ردهن كلهن ، ثم رددت إليه وقال : » باسم الله « وقال : » ارفع إلي « فرفعته فقال : » باسم الله « فشرب ما شاء الله ثم أعطاني ، فلم آل أن أضع شفتي على درج القدح فشربت شرابا أحلى من العسل وأطيب من المسك وقال : » اللهم بارك لأهلها فيها «
__________
(1) الكسوف : احتجاب الشمس أو القمر وذهاب ضوئهما

1049 - وحدثنا ابن صاعد قال : حدثنا يوسف بن موسى القطان قال : حدثنا العلاء بن عبد الجبار قال : حدثنا حماد بن سلمة قال ابن صاعد : وحدثنا محمد بن عبد الملك بن زنجويه قال : حدثنا أبو النعمان عارم قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن عبد الرحمن بن أبي رافع ، عن عمته سلمى ، عن أبي رافع قال : دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندنا شاة مصلية (1) فقال : « يا أبا رافع ، ناولني الذراع » فناولته فأكله ، ثم قال : « يا أبا رافع ، ناولني الذراع » فناولته فأكله ، ثم قال : « يا أبا رافع ، ناولني الذراع » فقلت : وهل للشاة إلا ذراعان ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لو سكت لأعطيتني ما دعوت بها »
__________
(1) مصلية : مشوية

1050 - وحدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف بن زياد قال : حدثنا ابن أبي عمر يعني محمدا العدني قال : حدثنا حسين بن علي الجعفي قال : حدثنا زائدة بن قدامة الثقفي ، عن حصين ، عن سالم بن أبي الجعد قال : حدثنا النعمان بن مقرن قال : قدمنا على رسول الله في أربعمائة من مزينة قال : فأمرنا رسول الله ، ببعض أمره ، فقال بعض القوم : يا رسول الله ما معنا طعام نتزوده ، فقال رسول الله : « يا عمر زودهم » فقال عمر : يا رسول الله ما عندي إلا فضل من تمر ما أرى أن يغني عنهم شيئا قال : « فانطلق فزودهم » قال : فانطلق بنا ففتح عليه فإذا فيها فضلة من تمر مثل البعير الأورق قال : فأخذ القوم حاجتهم وكنت في آخر القوم فالتفت وما أفقد منه موضع تمرة وقد احتمل منه أربعمائة رجل «

1051 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا أبو هشام الرفاعي قال : حدثنا أبو بكر بن عياش قال : حدثنا عاصم ، عن زر ، عن عبد الله يعني ابن مسعود قال : كنت أرعى غنما لعقبة بن أبي معيط ، فأتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعه أبو بكر ، فقال : « يا غلام هل معك من لبن ؟ » قلت : لا يا رسول الله قال : « فأدنني شاة » ، فأتيته بجذعة لم يمسها الفحل ، فمسح ضرعها ودعا بالبركة ، ثم حلب في قعب فشرب ، ثم ناول أبا بكر فشرب ثم قال للضرع : « اقلص » فقلص

حديث الحنانة

1052 - حدثنا أبو جعفر أحمد بن يحيى الحلواني قال : حدثنا سعيد بن سليمان ، عن سليمان بن كثير ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، عن جابر بن عبد الله قال : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذع نخلة من قبل أن يوضع المنبر ، فلما وضع المنبر ، وصعد النبي صلى الله عليه وسلم ، حن ذلك الجذع حتى سمعنا حنينه ، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم ، فوضع يده عليه فسكن »

1053 - وأخبرنا أبو عبيدة علي بن الحسين بن حرب القاضي قال : أخبرنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن أبي نضرة ، عن جابر قال : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم إلى جنب صخرة أو خشبة أو شيء يستند عليه يخطب ثم اتخذ منبرا فكان يقوم عليه فحنت تلك التي كان يقوم عندها حنينا سمعه أهل المسجد فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمسحها أو قال : فمسها فسكنت »

1054 - وحدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي قال : حدثنا شيبان بن أبي شيبة قال : حدثنا مبارك بن فضالة قال : حدثنا الحسن ، عن أنس بن مالك قال : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إلى جنب خشبة يسند ظهره إليها ، فلما كثر الناس قال : » ابنوا لي منبرا « فبنوا له عتبتين ، فلما قام على المنبر يخطب ، حنت الخشبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أنس : وأنا في المسجد فسمعت الخشبة تحن حنين الواله ، فما زالت تحن حتى نزل إليها فاحتضنها فسكنت قال : فكان الحسن إذا حدث بهذا بكى ثم قال : » يا عباد الله الخشبة تحن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقا إليه لمكانه من الله عز وجل ، فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه «

1055 - وحدثنا أبو محمد بن صاعد قال : حدثنا الحسين بن الحسن المروزي قال : أخبرنا عبد الله بن المبارك قال : أخبرنا المبارك بن فضالة ، عن الحسن قال : حدثني أنس بن مالك : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان يخطب يوم الجمعة ويسند ظهره إلى خشبة فلما كثر الناس قال : « ابنوا لي منبرا » فبنوا له منبرا ، إنما كان عتبتين فتحول من الخشبة إلى المنبر فحنت والله الخشبة حنين الواله قال : فقال أنس : فأنا والله في هذا المسجد أسمع ذلك ، فوالله ما زالت تحن حتى نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فمشى إليها فاحتضنها فسكنت فبكى الحسن وقال : يا معشر المسلمين الخشب يحن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أفليس الرجال الذين يرجون لقاءه أحق أن يشتاقوا إليه ؟

1056 - حدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف قال : حدثنا ابن أبي عمر قال : حدثنا المقرئ عبد الله بن يزيد قال : حدثنا المسعودي ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد قال : لما كثر الناس بالمدينة جعل الرجل يجيء والقوم يجيئون فلا يكادون يسمعون كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى يراجعوا من عنده ، فقال الناس : يا رسول الله إن الناس قد كثروا وإن الجائي يجيء فلا يكاد يسمع كلامك حتى يرجع ، فلو أنك اتخذت شيئا تخطب عليه مرتفعا من الأرض فتسمع الناس كلامك قال : « فما شئتم » قال : فأرسل إلى غلام لامرأة من الأنصار نجار وإلى طرفاء (1) الغابة فجعلوا له منه مرقاتين (2) ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس عليه ويخطب عليه ، فلما فعل ذلك حنت الخشبة التي كان يقوم عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم إليها فوضع يده عليها فسكنت
__________
(1) الطرفاء : من شجر البادية وهو الأثل
(2) المرقاة : الدرجة التي يرتقي عليها

باب ذكر سجود البهائم لرسول الله صلى الله عليه وسلم
تعظيما له وإكراما له صلى الله عليه وسلم

1057 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا إبراهيم بن العلاء الزبيدي الحمصي قال : حدثنا عباد بن يوسف الكندي أبو عثمان ، عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أنس بن مالك قال : دخل النبي حائطا (1) للأنصار ومعه أبو بكر ، وعمر رضي الله عنهما في رجال من الأنصار قال : وفي الحائط غنم فسجدت له ، فقال أبو بكر : يا رسول الله ؛ كنا نحن أحق بالسجود لك من هذه الغنم فقال : « إنه لا ينبغي في أمتي أن يسجد أحد لأحد ، ولو كان ينبغي لأحد أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها »
__________
(1) الحائط : البستان أو الحديقة وحوله جدار

1058 - وأخبرنا الفريابي قال : حدثنا إبراهيم بن الحجاج السامي قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن عائشة : رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في نفر من المهاجرين والأنصار فجاء بعير فسجد له ، فقال أصحابه : يا رسول الله سجدت لك البهائم والشجر ، فنحن أحق أن نسجد لك قال : « اعبدوا ربكم وأكرموا أخاكم ، فإنه لا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد ، ولو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ، ولو أن رجلا أمر امرأته أن تنقل من جبل أسود إلى جبل أحمر ، ومن جبل أحمر إلى جبل أسود ، لكان نولها أن تفعل »

1059 - وأخبرنا الفريابي قال : قرأت على أبي مصعب وكتبت من أصل كتابه وقرأت عليه وهو ينظر في كتابه ، قلت : حدثك عبد العزيز بن أبي حازم ، عن يزيد بن الهاد ، عن ثعلبة بن أبي مالك قال : اشترى إنسان من بني سلمة بعيرا ينضح عليه ، فأدخله المربد (1) فحرب الجمل ، فلا يقدر أحد أن يدخل عليه إلا تخبطه ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر ذلك له ، فقال : « افتحوا عنه » فقالوا : إنا نخشى عليك يا رسول الله منه فقال : « افتحوا عنه » ففتحوا عنه ، فلما رآه الجمل خر ساجدا ، فقال القوم : يا رسول الله كنا أحق أن نسجد لك من هذه البهيمة قال : « كلا لو انبغى لشيء من الخلق أن يسجد لشيء من دون الله عز وجل لانبغى للمرأة أن تسجد لزوجها » قال محمد بن الحسين رحمه الله : وفي هذا باب طويل مما شاهده الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم
__________
(1) المربد : مأوى الأبل والغنم ومحبسها

باب ذكر فضل نبينا صلى الله عليه وسلم في الآخرة على
سائر الأنبياء عليهم السلام

1060 - حدثنا موسى بن هارون قال : حدثنا محمد بن عباد قال : حدثنا سفيان قال : حدثنا ابن جدعان ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أنا سيد ولد آدم ولا فخر ، بيدي لواء الحمد ، وما من نبي آدم فمن دونه إلا وهو تحت لوائي »

1061 - حدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف قال : حدثنا ابن أبي عمر يعني محمدا العدني قال : حدثنا سفيان ، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أنا سيد ولد آدم ولا فخر ، بيدي لواء الحمد ولا فخر ، وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي »

1062 - وحدثنا حامد بن شعيب البلخي قال : حدثنا يحيى بن أيوب العابد قال : ثنا عبد الله بن جعفر ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أنا سيد ولد آدم ولا فخر »

1063 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد قال : حدثنا الليث بن سعد ، عن خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن أنس بن مالك ، أن الأنبياء ، ذكروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : « والذي نفسي بيده إني لسيد الناس يوم القيامة ولا فخر وإن بيدي لواء الحمد إن تحته لآدم ومن دونه ولا فخر » قال محمد بن الحسين رحمه الله : فإن قال قائل : إيش يحتمل قول النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا فخر ؟ قيل له والله أعلم : يحتمل من تواضعه صلى الله عليه وسلم ، لمولاه الكريم وللمؤمنين ، أي إني لست أفخر عليكم بهذا ولكني أحدثكم بنعم الله الكريم علي ، إذ كان الله عز وجل قد قال له : ( وأما بنعمة ربك فحدث (1) ) فحدثهم بنعم الله الكريم عليه
__________
(1) سورة : الضحى آية رقم : 11

باب ما روي أن نبينا صلى الله عليه وسلم أول الناس
دخولا الجنة

1064 - حدثنا موسى بن هارون قال : ثنا محمد بن عباد قال : ثنا سفيان بن عيينة ، عن ابن جدعان ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أنا أول من يأخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها (1) »
__________
(1) أقعقع : أحرك

1065 - وحدثنا موسى بن هارون قال : حدثنا أبو بكر ، وعثمان ابنا أبي شيبة قالا : حدثنا معاوية بن هشام قال : حدثنا سفيان الثوري ، عن مختار بن فلفل ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أنا أول من يقرع باب الجنة »

1066 - وحدثنا موسى بن هارون قال : حدثنا إسحاق بن داود بن صبيح وعبد الله بن محمد بن يحيى ، وإسحاق بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عمر ، وأحمد بن منيع ، ومحمد بن الجنيد ، وعلي بن سهل بن مغيرة ، والحسن بن عرفة قالوا : أخبرنا أبو النضر هاشم بن القاسم قال : حدثنا سليمان بن المغيرة ، عن ثابت ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « آتي باب الجنة فأستفتح فيقول الخازن : من أنت ؟ ، فأقول : محمد ، فيقول : بك أمرت ، لا أفتح لأحد قبلك »

1067 - وحدثنا موسى قال : حدثنا محمد بن عباد : قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن ابن جدعان قال : سمعت أنس بن مالك يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أنا أول من يأخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها (1) » قال أنس : كأني أنظر إلى يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : « فأقعقعها » قال ابن عباد مرة أخرى : قال : وقال أنس : كأني أنظر إلى يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركها ووصفها سفيان ووصفه لنا ابن عباد وجعل يقول : هكذا يمينا وشمالا قال محمد بن الحسين رحمه الله : وضم موسى بن هارون يده وجعل يحركها ، وضم أبو بكر الآجري يده وجعل يحركها ، وضم أبو القاسم يده وحركها ، وضم أبو بكر بن أبي الفضل يده وحركها
__________
(1) أقعقعها : أحركها حتى تصدر صوتا

1068 - وحدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف قالا : حدثنا ابن أبي عمر قال : حدثني الحسين الجعفي قال : حدثني زائدة بن قدامة قال : حدثني المختار بن فلفل قال : قال أنس : قال النبي صلى الله عليه وسلم : « أنا أول من في الجنة »

باب ذكر ما أعطي النبي صلى الله عليه وسلم من الشفاعة
للخلق في يوم القيامة خصوصا له قال محمد بن الحسين رحمه الله : قد تقدم ذكر ما في هذا الكتاب ، أعني كتاب الشريعة في باب : من كذب بالشفاعة فلم أحب إعادته خشية أن يطول به الكتاب . وباب : الحوض الذي أعطي النبي صلى الله عليه وسلم ، ذكرته في باب : من كذب بالحوض فلم أحب إعادته ونذكر ها هنا ما لم يتقدم ذكره
باب ذكر الكوثر الذي أعطي النبي صلى الله عليه وسلم في
الجنة

1069 - أخبرنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله الكشي قال : حدثنا علي بن عبد الله المديني قال : حدثنا إسماعيل يعني ابن إبراهيم قال : حدثنا عطاء بن السائب قال : قال لي محارب بن دثار : ما قال سعيد بن جبير في الكوثر ؟ قلت : قال ابن عباس : « هو الخير الكثير »

1070 - قال ابن عمر : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب يجري على الدر والياقوت »

1071 - وأخبرنا أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح العكبري قال : حدثنا هناد بن السري قال : ثنا محمد بن فضيل ، عن عطاء بن السائب ، عن محارب بن دثار ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب ومجراه على الدر والياقوت ، تربته من أطيب من المسك ، وماؤه أحلى من العسل ، وأشد بياضا من الثلج »

1072 - وأخبرنا أبو بكر جعفر بن محمد الفريابي قال : حدثنا عبد الأعلى بن حماد النرسي قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، أن أنس بن مالك أنبأهم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « بينما أنا أسير في الجنة إذ عرض لي نهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف ، فقال الملك : أتدري ما هذا ؟ هذا الكوثر الذي أعطاك ربك ، وضرب بيده إلى أرضه فأخرج من طينه المسك »

1073 - وأخبرنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد قال : حدثنا معن بن عيسى ، عن ابن أخي الزهري ، عن أبيه عبد الله بن مسلم قال : أخبرني أنس بن مالك أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ما الكوثر ؟ فقال رسول الله : « هو نهر أعطانيه ربي عز وجل في الجنة أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، فيه طيور أعناقها كأعناق الجزر » ، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : يا رسول الله إنها لناعمة فقال : « آكلها أنعم منها »

1074 - وحدثنا أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح العكبري قال : حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا ابن فضيل ، عن المختار بن فلفل قال : سمعت أنس بن مالك يقول : أغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة فرفع رأسه متبسما ، فإما قال لهم وإما قالوا له : يا رسول الله لم ضحكت ؟ قال : « إنه أنزلت علي آنفا سورة ، فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم : إنا أعطيناك الكوثر حتى ختمها فلما قرأها قال : » هل تدرون ما الكوثر ؟ « ، قالوا : الله ورسوله أعلم قال : » فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل في الجنة عليه خير كثير ، عليه حوض يرد عليه أمتي يوم القيامة ، آنيته كعدد الكواكب «

1075 - وحدثنا أبو محمد بن صاعد قال : حدثنا الحسين بن الحسن المروزي قال : حدثنا محمد بن أبي عدي قال : حدثنا حميد ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « دخلت الجنة فرأيت فيها نهرا حافتاه خيام اللؤلؤ ، فضربت بيدي إلى ما يجري فيه الماء فإذا مسك أذفر ، فقلت : يا جبريل ما هذا ؟ قال هذا الكوثر الذي أعطاكه الله عز وجل »

1076 - وأخبرنا ابن ذريح العكبري قال : حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا أبو زبيد ، عن مطرف ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة قال : قالت عائشة رحمها الله : الكوثر نهر أعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في بطنان الجنة قال : قلت : وما بطنان الجنة قالت : وسط الجنة ، شاطئاه در مجوف أو درة مجوفة

1077 - وأخبرنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدثنا محمد بن سليمان لوين قال : حدثنا إسماعيل بن زكريا ، عن محمد بن عون ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : في قول الله عز وجل : ( إنا أعطيناك الكوثر (1) ) قال : « هو نهر في الجنة عمقه سبعون ألف فرسخ ، ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل ، شاطئاه من لؤلؤ وزبرجد وياقوت ، خص الله عز وجل به نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم دون الأنبياء عليهم السلام »
__________
(1) سورة : الكوثر آية رقم : 1

باب ذكر ما خص الله عز وجل به النبي صلى الله
عليه وسلم من المقام المحمود يوم القيامة قال محمد بن الحسين رحمه الله : اعلموا رحمنا الله وإياكم أن الله عز وجل أعطى نبينا صلى الله عليه وسلم ، من الشرف العظيم والحظ الجزيل ما لم يعطه نبيا قبله مما قد تقدم ذكرنا له ، وأعطاه المقام المحمود يزيده شرفا وفضلا ، جمع الله الكريم له فيه كل حظ جميل من الشفاعة للخلق والجلوس على العرش ، خص الله الكريم به نبينا صلى الله عليه وسلم ، وأقر له به عينه يغبطه به الأولون والآخرون سر الله الكريم به المؤمنين مما خص به نبيهم من الكرامة العظيمة والفضيلة الجميلة تلقاها العلماء بأحسن القبول فالحمد لله على ذلك ، قال الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ( ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا (1) )
__________
(1) سورة : الإسراء آية رقم : 79

1078 - حدثنا أبو بكر قاسم بن زكريا المطرز قال : حدثنا أحمد بن منيع قال : حدثنا إسحاق الأزرق قال : حدثنا سفيان يعني الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن صلة بن زفر ، عن حذيفة بن اليمان في قول الله عز وجل : ( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا (1) ) قال : « يجمع الله الخلق في صعيد واحد ، يسمعهم الداعي ، وينفذهم البصر ، عراة ، حفاة ، قياما ، سكونا ، فينادي محمد صلى الله عليه وسلم ، فيقول : » لبيك رب وسعديك ، والخير بيديك ، والمهدي من هديت ، وعبدك بين يديك ، ومنك وإليك ، ولا منجا ولا ملجأ منك إلا إليك ، تباركت وتعاليت ، سبحانك رب البيت « قال : فذلك المقام المحمود قال إسحاق : وحدثناه شريك بهذا الإسناد فزاد : » الذي يغبطه به الأولون والآخرون « حدثنا أيضا قاسم المطرز قال : حدثنا أبو بكر بن زنجويه قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، والثوري ، عن أبي إسحاق ، عن صلة بن زفر العبسي قال : سمعت حذيفة يقول في قول الله عز وجل : ( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ) فذكر مثل حديث إسحاق الأزرق سواء وزاد : المقام المحمود الذي قال الله عز وجل : ( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا )
__________
(1) سورة : الإسراء آية رقم : 79

1079 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود السجستاني قال : حدثنا يونس بن حبيب الأصبهاني قال : ثنا أبو داود الطيالسي قال : حدثنا المسعودي ، عن عاصم ، عن أبي وائل ، عن عبد الله يعني ابن مسعود قال : إن الله عز وجل اتخذ إبراهيم خليلا ، وإن صاحبكم خليل الله ، وإن محمدا سيد ولد آدم يوم القيامة ، وأكرم الخلائق على الله عز وجل ، وقرأ : ( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا (1) )
__________
(1) سورة : الإسراء آية رقم : 79

1080 - حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا محمد بن عبد الملك بن زنجويه قال : حدثنا محمد بن يوسف الفريابي قال : حدثنا قيس ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن زر ، عن عبد الله بن مسعود قال : « إن الله عز وجل اتخذ إبراهيم خليلا ، وإن صاحبكم خليل الله ، وإن محمدا صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم يوم القيامة ثم قرأ : ( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا (1) ) »
__________
(1) سورة : الإسراء آية رقم : 79

1081 - وحدثنا أبو محمد بن صاعد قال : حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، وزهير بن محمد ، واللفظ لزهير قال : أخبرنا عبد الرحمن بن المبارك قال : حدثنا الصعق بن حزن ، عن علي بن الحكم ، عن عثمان بن عمير ، عن أبي وائل ، عن ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إني لقائم يومئذ المقام المحمود » قال : فقال منافق لشاب من الأنصار : سله ما المقام المحمود ، فسأله قال : « يوم ينزل الله تبارك وتعالى على كرسيه يئط (1) به كما يئط الرحل الحديد وهو كسعة ما بين السماء والأرض ، ويجاء بكم عراة حفاة فيكون أول من يكسى إبراهيم عليه السلام يقول الله عز وجل : اكسوا خليلي ، فيؤتى بريطتين (2) بيضاوين من رياط الجنة ، ثم أكسى على أثره فأقوم عن يمين الله عز وجل مقاما محمودا يغبطني به الأولون والآخرون ، ويسير لي نهر من الكوثر إلى حوضي » قال : يقول المنافق : لم أسمع كاليوم قط لقلما جرى نهر إلا على حال ورضراض (3) ، فسله فيم يجري النهر ، فقال : « في حالة من المسك ورضراض » قال : يقول المنافق : لم أسمع كاليوم قط لقلما يجري نهر قط إلا كان له نبات قال الأنصاري : يا رسول الله هل لذلك النهر نبات ؟ قال : « نعم » قال : وما هو قال : « قضبان الذهب » قال : فسله هل لتلك القضبان ثمر قال : « نعم اللؤلؤ والجوهر » قال : فسله عن شراب الحوض قال الأنصاري : يا رسول الله فما شراب الحوض ؟ قال : « أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل من سقاه الله عز وجل منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا ، ومن حرمه لم يرو بعدها أبدا »
__________
(1) يئط : يخرج صوتا
(2) الريطة : كل ثوب كالملاءة رقيق لين وكله نسيج واحد وقطعة واحدة فهو ريطة
(3) الرَّض : الدَّق الجَرِيشُ والكسر ، والرضاض ضغار الحصى المنكسر

1082 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود السجستاني وأبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قالا : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي صفوان الثقفي قال : حدثنا يحيى بن كثير العنبري قال : حدثنا سلم بن جعفر قال : حدثنا سعيد الجريري قال : حدثنا سيف السدوسي ، عن عبد الله بن سلام قال : « إذا كان يوم القيامة جيء بنبيكم فأقعد بين يدي الله عز وجل على كرسيه ، فقال : رجل لأبي سعيد الجريري : يا أبا سعيد : إذا كان على كرسيه فهو معه قال : ويلكم ، هذا أقر حديث في الدنيا لعيني »

1083 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدثنا عبد الله بن عمر أبو عبد الرحمن الكوفي قال : حدثنا وكيع قال : حدثنا داود يعني ابن يزيد ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عبد الرحمن : وحدثنا أبو أسامة ، عن داود بن يزيد ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا (1) ) قال : « الشفاعة » وفي حديث أبي أسامة : « هو المقام الذي يشفع فيه لأمته »
__________
(1) سورة : الإسراء آية رقم : 79

1084 - وحدثنا أبو محمد بن صاعد قال : حدثنا الحسين بن الحسن المروزي قال : حدثنا محمد بن عبيد قال : حدثنا داود الأودي ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، في قول الله عز وجل : ( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا (1) ) قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : « هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي »
__________
(1) سورة : الإسراء آية رقم : 79

1085 - حدثنا أبو عبد الله أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي قال : حدثنا سليمان بن عمر الرقي قال : حدثنا عيسى بن يونس ، عن رشدين بن كريب ، عن أبيه ، عن ابن عباس في قول الله عز وجل : ( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا (1) ) قال : المقام المحمود : الشفاعة قال محمد بن الحسين رحمه الله : وأما حديث مجاهد في فضيلة النبي صلى الله عليه وسلم ، وتفسيره لهذه الآية : أنه يقعده على العرش ، فقد تلقاها الشيوخ من أهل العلم والنقل لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تلقوها بأحسن تلق ، وقبلوها بأحسن قبول ، ولم ينكروها ، وأنكروا على من رد حديث مجاهد إنكارا شديدا وقالوا : من رد حديث مجاهد فهو رجل سوء قلت : فمذهبنا والحمد لله قبول ما رسمناه في هذه المسألة مما تقدم ذكرنا له ، وقبول حديث مجاهد ، وترك المعارضة والمناظرة في رده ، والله الموفق لكل رشاد والمعين عليه ، وقد حدثناه جماعة
__________
(1) سورة : الإسراء آية رقم : 79

1086 - حدثنا أبو عبد الله أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي قال : حدثنا الحارث بن شريح قال : حدثنا محمد بن فضيل ، عن ليث ، عن مجاهد ، ( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا (1) ) قال : « يقعدك معه على العرش » وحدثناه أبو بكر بن أبي داود السجستاني قال : حدثنا علي بن المنذر الطريقي قال : حدثناه ابن فضيل
__________
(1) سورة : الإسراء آية رقم : 79

1087 - قال ابن أبي داود : وحدثنا علي بن حرب الموصلي قال : حدثنا ابن فضيل ، عن ليث ، عن مجاهد ، ( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا (1) ) قال : « يقعده معه على العرش »
__________
(1) سورة : الإسراء آية رقم : 79

1088 - وحدثنا حامد بن شعيب البلخي قال : حدثنا الحسن بن حماد سجادة قال : حدثنا محمد بن فضيل ، عن ليث ، عن مجاهد ، في قول الله عز وجل : ( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا (1) ) قال : « يقعده على العرش »
__________
(1) سورة : الإسراء آية رقم : 79

1089 - وحدثناه أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا خلاد بن أسلم قال : حدثنا محمد بن فضيل ، عن ليث ، عن مجاهد : في قول الله عز وجل : ( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا (1) ) قال : « يجلسه على العرش »
__________
(1) سورة : الإسراء آية رقم : 79

1090 - وحدثناه أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدثنا عبد الرحمن بن صالح الأزدي قال : حدثنا محمد بن فضيل ، عن ليث ، عن مجاهد : ( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا (1) ) قال : « يجلسه أو يقعده على العرش »
__________
(1) سورة : الإسراء آية رقم : 79

1091 - وحدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا أحمد بن يحيى الأودي قال : حدثنا زيد بن الحباب قال ابن صاعد : وحدثنا أحمد بن منصور بن سيار قال : حدثنا ابن أبي مريم قالا : حدثنا ابن لهيعة ، عن بكر بن سوادة ، عن زياد بن نعيم الحضرمي ، عن وفاء بن شريح الحضرمي ، عن رويفع بن ثابت الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وقال زيد بن الحباب في حديثه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : « من قال : اللهم صل على محمد وأنزله المقعد المقرب عندك يوم القيامة وجبت له شفاعتي » قال ابن صاعد : وهذه الفضيلة في القعود على العرش لا ندفعها ولا نماري فيها ، ولا نتكلم في حديث فيه فضيلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء يدفعه ولا ينكره . قال ابن صاعد : وهذا الحديث يقارب الأحاديث في معنى يقعده على العرش قال محمد بن الحسين رحمه الله : فإن قال قائل : إيش معنى قول الله عز وجل : ( ومن الليل فتهجد به نافلة لك (1) ) أهي نافلة للنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره من الناس ؟ وهل قيام الليل واجب على غيره ؟ أو نافلة له خاصة ؟ قيل له : معناه معنى حسن اعلم أنه كان قيام الليل واجبا على النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى أمته وهو قول الله عز وجل : ( يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا (2) ) فكان صلى الله عليه وسلم ، يقومه وأمته ، ويصعب على المؤمنين تقدير الليل للقيام ، فتفضل الله الكريم على نبيه وعلى أمته فنسخ عنه وعنهم قيام الليل ؛ وهو قوله عز وجل : ( والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن (3) ) إلى آخر السورة ، فصار قيام الليل من شاء قامه ، ومن شاء لم يقمه إذا أدى فرائضه كما أمره الله عز وجل ، فمن قامه كفر الله عز وجل به عنه سيئاته ، وقوله عز وجل : ( نافلة لك ) معناه : أن الله عز وجل قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، فليس لك ذنوب تكفر عنك ، وإنما قيامك الليل وجميع أعمال الطاعات فضل لك في درجاتك عند ربك عز وجل نافلة لك ، وسائر أمتك ما عملوه من الطاعات من قيام الليل وغيره ، إنما يعملون في كفارات الذنوب ، وأنت فلا ذنوب لك تكفرها قيام الليل نافلة لك يا محمد
__________
(1) سورة : الإسراء آية رقم : 79
(2) سورة : المزمل آية رقم : 1
(3) سورة : المزمل آية رقم : 20

1092 - حدثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد الشاهد قال : حدثنا الحسن بن عفان الكوفي قال : حدثنا أبو أسامة ، عن أبي عثمان ، عن عبد الله بن كثير ، عن مجاهد ، في قول الله عز وجل : ( ومن الليل فتهجد به نافلة لك (1) ) قال : « لم تكن النافلة لأحد إلا للنبي صلى الله عليه وسلم ، خاصة من أجل أنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فما عمل من عمل مع المكتوبات فهو نافلة له سوى المكتوبة ، من أجل أنه لا يعمل في كفارة (2) الذنوب ، والناس يعملون ما سوى المكتوبة في كفارة ذنوبهم ، فليس للناس نوافل إنما هي للنبي صلى الله عليه وسلم » قال محمد بن الحسين رحمه الله : فضائل النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة ، والحمد لله في الدنيا والآخرة ، وقد وعده الله عز وجل أنه سيعطيه في الآخرة من الكرامات حتى يرضى وهو قوله عز وجل : ( ولسوف يعطيك ربك فترضى (3) )
__________
(1) سورة : الإسراء آية رقم : 79
(2) الكفارة : الماحية للخطأ والذنب
(3) سورة : الضحى آية رقم : 5

1093 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا محمود بن خالد قال : حدثنا عمر يعني ابن عبد الواحد ، عن الأوزاعي ، عن إسماعيل بن عبيد الله قال : حدثني علي بن عبد الله بن عباس ، عن أبيه قال : عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو مفتوح على أمته كفرا كفرا فسر بذلك ، فأنزل الله عز وجل ( والضحى (1) ) إلى قوله : ( ولسوف يعطيك ربك فترضى (2) ) ، فأعطاه الله عز وجل ألف قصر في الجنة من لؤلؤ ؛ ترابهن المسك ، في كل قصر ما ينبغي له من الأزواج والخدم
__________
(1) سورة : الضحى آية رقم : 1
(2) سورة : الضحى آية رقم : 5

1094 - وحدثنا ابن أبي داود قال : حدثنا يحيى بن عبد الرحيم الأعمش قال : حدثنا عمرو بن هاشم قال : سمعت الأوزاعي يقول : حدثني إسماعيل بن عبيد الله ، عن علي بن عبد الله بن عباس ، عن أبيه عبد الله بن عباس قال : عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو مفتوح على أمته من بعده كفرا كفرا ، فسر بذلك ، فأنزل الله عز وجل : ( ولسوف يعطيك ربك فترضى (1) ) قال : فأعطاه الله عز وجل في الجنة ألف قصر ، في كل قصر ما ينبغي له من الأزواج والخدم
__________
(1) سورة : الضحى آية رقم : 5

1095 - وحدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم النهشلي شاذان قال : حدثنا سفيان ، عن الأوزاعي ، عن إسماعيل بن عبيد الله ، عن علي بن عبد الله بن عباس ، عن ابن عباس : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : رأيت ما هو مفتوح على أمتي كفرا كفرا ، فسرني ذلك فنزلت ( والضحى والليل إذا سجى (1) ) إلى قوله عز وجل : ( ولسوف يعطيك ربك فترضى (2) ) قال : أعطي ألف قصر من لؤلؤ ترابها المسك ، في كل قصر ما ينبغي له
__________
(1) سورة : الضحى آية رقم : 1
(2) سورة : الضحى آية رقم : 5

باب ذكر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم

1096 - حدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف التاجر قال : حدثنا محمد بن أبي عمر قال : حدثنا بشر بن السري قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس قال : « والله ما رأيت يوما أضوأ ولا أنور ولا أحسن من يوم دخل علينا محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا رأيت يوما أظلم ولا أقبح من يوم مات فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم »

1097 - وحدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري قال : حدثنا جعفر بن سليمان قال : حدثنا ثابت ، عن أنس قال : « لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شيء ، فلما مات أظلم منها كل شيء »

1098 - وحدثنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عفير الأنصاري قال : حدثنا محمد بن يحيى الأزدي قال : حدثنا المثنى بن بحر القشيري قال : حدثنا عبد الواحد بن سليمان ، عن الحسن بن الحسن بن علي ، عن أبيه ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : لما كان قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، بثلاثة أيام هبط عليه جبريل عليه السلام ، فقال : يا محمد أرسلني إليك من هو أعلم منك بما تجد خاصة لك وإكراما لك وتفضيلا لك ، يقول لك : « كيف تجدك » قال : « أجدني يا جبريل مغموما وأجدني يا جبريل مكروبا » فلما كان اليوم الثاني هبط عليه جبريل عليه السلام فقال : يا محمد أرسلني إليك من هو أعلم بما تجد منك خاصة لك وإكراما لك وتفضيلا لك يقول لك : « كيف تجدك » قال : « أجدني يا جبريل مغموما ، وأجدني يا جبريل مكروبا » ، فلما كان اليوم الثالث هبط جبريل ومعه ملك الموت ومعه ملك على شماله يقال له : إسماعيل ، جنده سبعون ألف ملك ، جند كل ملك منهم مائة ألف ، ( وما يعلم جنود ربك إلا هو (1) ) ، استأذن ربه عز وجل في لقاء محمد صلى الله عليه وسلم ، والتسليم عليه ، فسبقهم جبريل عليه السلام ، فقال : السلام عليك يا محمد أرسلني إليك من هو أعلم بما تجد منك خاصة لك وإكراما لك وتفضيلا لك ، يقول لك : كيف تجدك قال : « أجدني مغموما وأجدني مكروبا » قال : واستأذن ملك الموت فقال جبريل : يا محمد هذا ملك الموت يستأذن عليك واعلم أنه لم يستأذن على أحد قبلك ولا يستأذن على أحد بعدك قال : « ائذن له يا جبريل » قال : فدخل فقال : السلام عليك يا محمد ، أرسلني إليك ربي وربك عز وجل وأمرني أن أطيعك فيما تأمرني به ، إن أمرتني أن أقبض نفسك قبضتها وإن كرهت تركتها قال : « وتفعل ذلك يا ملك الموت » قال : بذلك أمرت يا محمد قال : فأقبل عليه جبريل فقال : يا محمد إن الله عز وجل قد اشتاق إليك وأحب لقاءك ، فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم ، على ملك الموت فقال : « امض لما أمرت به » فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسمعنا قائلا يقول وما نرى شيئا : في الله عزاء من كل هالك ، وعوض من كل مصيبة ، وخلف من كل ما فات ، فبالله فثقوا ، وإياه فارجوا ، فإن المحروم من حرم الثواب قال محمد بن الحسين رحمه الله : قد رسمت في كتاب فضائل النبي صلى الله عليه وسلم وفاته ، وغسله ، وكيف صلي عليه ، ووقت دفنه ، وكيف الصلاة عليه بعده ، وثواب من صلى عليه حالا بعد حال ، ونذكر بعد هذا فضل أصحابه رضي الله عنهم الذين اختارهم الله عز وجل له أصهارا وأنصارا ، ووزراءهم المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم ، ونفعنا بحبهم قال محمد بن الحسين : بلغني أنه لما دفن النبي صلى الله عليه وسلم ، جاءت فاطمة رضي الله عنها ، فوقفت على قبره فأنشأت تقول : أمسى بخدي للدموع رسوم أسفا عليك وفي الفؤاد كلوم والصبر يحسن في المواطن كلها إلا عليك فإنه مذموم لاعيب في حزني عليك لو أنه كان البكاء لمقلتي يدوم بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين قال محمد بن الحسين رحمه الله : الحمد لله المتفضل علينا بالنعم الدائمة ، والأيادي الجميلة ظاهرة وباطنة ، سرا وعلانية ، حمد من يعلم أن مولاه الكريم يحب الحمد ، فله الحمد على كل حال ، وصلى الله على سيد الأولين والآخرين ، ذاك محمد رسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم وعلى آله الطيبين وأصحابه المنتجبين وأزواجه أمهات المؤمنين ، أما بعد : فإنه مما يسر الله الكريم لي من رسم كتاب الشريعة ، يسر لي أن رسمت فيه من فضائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وأذكر بعد ذلك فضائل صحابته رضي الله عنهم ، الذين اختارهم الله عز وجل له ، فجعلهم وزراءه وأصهاره وأنصاره والخلفاء من بعده في أمته ، وهم المهاجرون والأنصار الذين نعتهم الله عز وجل في كتابه بأحسن النعت ووصفهم بأجمل الوصف ، وأخبرنا الله عز وجل في كتابه أنه نعتهم في التوراة والإنجيل بأحسن النعت ووصفهم بأجمل الوصف ، ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم (2) ) فأما المهاجرون رضي الله عنهم ، فإنهم آمنوا بالله وبرسوله ، وصدقوا الإيمان بالعمل ، صبروا مع النبي صلى الله عليه وسلم في شدة ، آثروا الذل في الله عز وجل على العز في غير الله ، وآثروا الجوع في الله عز وجل على الشبع في غير الله ، عادوا في الله عز وجل القريب والبعيد ، وهاجروا مع الرسول صلى الله عليه وسلم وفارقوا الآباء والأبناء والأهل والعشائر ، وتركوا الأموال والديار وخرجوا فقراء ، كل ذلك محبة منهم لله تبارك وتعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، كان الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم آثر عندهم من جميع من ذكرناه بإيمان صادق ، وعقول مؤيدة ، وأنفس كريمة ، ورأي سديد ، وصبر جميل بتوفيق من الله عز وجل رضي الله عنهم ورضوا عنه ، ( أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون (3) ) وأما الأنصار رضي الله عنهم ، فهم قوم اختارهم الله عز وجل لنصرة دينه واتباع نبيه ، فآمنوا به بمكة ، وبايعوه ، وصدقوا في بيعتهم إياه فأحبوه ، ونصروه ، ( واتبعوا النور الذي أنزل معه (4) ) ، وأرادوا أن يخرجوه معهم إلى المدينة محبة منهم له ، فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم ، تركه إلى وقت ، ثم خرجوا إلى المدينة فأخبروا إخوانهم بإيمانهم فآمنوا وصدقوا ، فلما هاجر إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم ، استبشروا بذلك ، وسروا بقدومه عليهم ، فأكرموه ، وعظموه ، وعلموا أنها نعمة من الله عز وجل عليهم ، ثم قدم المهاجرون بعدهم ، ففرحوا بقدومهم ، وأكرموهم بأحسن الكرامة ، ووسعوا لهم الديار ، وآثروهم على الأهل ، والأولاد ، وأحبوهم حبا شديدا ، وصاروا إخوة في الله عز وجل ، وتآلفت القلوب بتوفيق من المحبوب بعد أن كانوا أعداء ، قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم ( هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم ، لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم (5) ) ثم قال عز وجل للجميع : ( واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها (6) ) فأجمعوا جميعا على محبة الله عز وجل ، ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وعلى المعاونة على نصرته ، والسمع والطاعة له في العسر واليسر ، والمنشط والمكره ، لا تأخذهم في الله لومة لائم ، فنعت الله عز وجل المهاجرين ، والأنصار في كتابه في غير موضع منه بكل نعت حسن جميل ، ووعدهم الجنة خالدين فيها أبدا ، وأخبرنا أنه قد رضي عنهم ورضوا عنه ، ( أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ) ، فإن قال قائل : فاذكر لنا من كتاب الله عز وجل ما يدل على ما قلت ؛ قيل له : لا يسعنا أن ننطق بشيء إلا بما وافق الكتاب والسنة ، وأقاويل الصحابة رضي الله عنهم ، وسأذكر لك من ذلك ما يقر الله الكريم به أعين المؤمنين ويسخن به أعين المنافقين ، والله الموفق لما قصدنا له ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
__________
(1) سورة : المدثر آية رقم : 31
(2) سورة : الحديد آية رقم : 21
(3) سورة : المجادلة آية رقم : 22
(4) سورة : الأعراف آية رقم : 157
(5) سورة : الأنفال آية رقم : 62
(6) سورة : آل عمران آية رقم : 103

باب ذكر ما مدح الله عز وجل به المهاجرين والأنصار في
كتابه مما أكرمهم الله به قال الله عز وجل : ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم (1) ) وقال عز وجل : ( إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض (2) ) وقال عز وجل : ( والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم (3) ) وقال عز وجل : ( للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم (4) ) إلى قوله : ( فأولئك هم المفلحون (5) ) وقال عز وجل : ( الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار (6) ) إلى قوله : ( فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض (7) ) إلى قوله عز وجل : ( والله عنده حسن الثواب ) وقال عز وجل : ( لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم (8) ) وقال عز وجل : ( ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما (9) ) وقال عز وجل : ( ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله (10) ) الآية ، وقال عز وجل : ( هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم ، لو أنفقت ما في الأرض جميعا (11) ) إلى آخر الآية . وقال عز وجل : ( ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم (12) ) وقال عز وجل : ( والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون (13) ) وقال عز وجل : ( يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون : ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير (14) ) وقال عز وجل : ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا (15) ) وقال عز وجل : ( لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون (16) ) وقال عز وجل : ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا (17) ) إلى قوله : ( منهم مغفرة وأجرا عظيما ) وقال عز وجل : ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا (18) ) قال محمد بن الحسين رحمه الله : فقد والله أنجز الله عز وجل الكريم للمهاجرين والأنصار ما وعدهم به ، جعلهم الخلفاء من بعد الرسول ، ومكنهم في البلاد ، ففتحوا الفتوح ، وغنموا الأموال ، وسبوا ذراري الكفار ، وأسلم على أيديهم من الكفار خلق كثير ، وأعزوا دين الله عز جل ، وأذلوا أعداء الله عز وجل ، وظهر أمر الله ولو كره المشركون ، وسنوا للمسلمين السنن الشريفة ، وكانوا بركة على جميع الأمة ، أبو بكر وعمر ، وعثمان ، وعلي ( رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ) يقال : من أحب أبا بكر فقد أقام الدين ، ومن أحب عمر ، فقد أوضح السبيل ، ومن أحب عثمان فقد استنار بنور الله عز وجل ، ومن أحب علي بن أبي طالب ، فقد استمسك بالعروة الوثقى ، ومن قال الحسنى في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فقد برئ من النفاق قال محمد بن الحسين ، رحمه الله : ولكل واحد منهم من الفضائل ما لا يحصى كثرة ، نفعنا الله بحبهم إنه سميع قريب ، وأنا أذكر إن شاء الله بعد هذا ما فضلهم به النبي صلى الله عليه وسلم
__________
(1) سورة : التوبة آية رقم : 100
(2) سورة : الأنفال آية رقم : 72
(3) سورة : الأنفال آية رقم : 74
(4) سورة : الحشر آية رقم : 8
(5) سورة : الأعراف آية رقم : 8
(6) سورة : آل عمران آية رقم : 191
(7) سورة : آل عمران آية رقم : 195
(8) سورة : التوبة آية رقم : 88
(9) سورة : النساء آية رقم : 100
(10) سورة : الأعراف آية رقم : 43
(11) سورة : الأنفال آية رقم : 62
(12) سورة : النحل آية رقم : 110
(13) سورة : النحل آية رقم : 41
(14) سورة : التحريم آية رقم : 8
(15) سورة : الفتح آية رقم : 18
(16) سورة : المجادلة آية رقم : 22
(17) سورة : الفتح آية رقم : 29
(18) سورة : النور آية رقم : 55
باب ذكر ما نعتهم به النبي صلى الله عليه وسلم من
الفضل العظيم والحظ الجزيل

1099 - أخبرنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله الكشي قال : حدثنا سليمان بن داود الشاذكوني قال : حدثنا أبو بكر بن عياش قال : حدثنا عاصم بن أبي النجود ، عن أبي وائل ، عن جرير بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « المهاجرون والأنصار بعضهم أولياء بعض في الدنيا والآخرة »

1100 - وحدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم الشهيد قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن عاصم ، عن زر ، وأبي وائل ، عن جرير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « المهاجرون والأنصار بعضهم أولياء بعض في الدنيا والآخرة »

1101 - حدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف قال : حدثنا ابن أبي عمر العدني قال : حدثنا سفيان ، عن يحيى بن سعيد قال : سمعت أنس بن مالك يقول : دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار ليقطع لهم البحرين ، فقالوا : حتى تقطع لإخواننا من المهاجرين مثله فقال « إنكم تلقون بعدي أثرة ، فاصبروا حتى تلقوني »

1102 - وحدثنا الفريابي قال : قرأت على أبي مصعب ، عن عبد العزيز بن أبي حازم ، عن كثير بن زيد ، عن ابن أبي سعيد الخدري ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « للمهاجرين منابر من ذهب يجلسون عليها يوم القيامة قد أمنوا من الفزع »

1103 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا صفوان بن صالح قال : حدثنا الوليد بن مسلم قال : حدثنا يحيى بن الحارث الذماري ، وشيبة بن الأحنف الأوزاعي قالا : سمعنا أبا سلام الأسود يحدث عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر حوضه ، فقالوا : يا رسول الله من أول الناس ورودا له ؟ فقال : « فقراء المهاجرين الشعثة رءوسهم ، الدنسة ثيابهم ، الذين لا تفتح لهم السدد ، ولا ينكحون المتنعمات »

1104 - حدثنا أبو عبد الله جعفر بن إدريس القزويني قال : حدثنا يحيى بن عبدك القزويني بقزوين قال : حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ قال : حدثنا سعيد بن أبي أيوب قال : حدثني معروف بن سويد الجذامي ، عن أبي عشانة المعافري ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « هل تدرون أول من يدخل الجنة من خلق الله عز وجل ؟ » قالوا : الله أعلم ورسوله قال : « إن أول من يدخل الجنة من خلق الله عز وجل المهاجرون الذين تسد بهم الثغور (1) ، ويتقى بهم المكاره ، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء ، فيقول الله عز وجل لمن شاء من ملائكته : » إيتوهم فحيوهم « فتقول الملائكة : ربنا نحن سكان سمائك وخيرتك من خلقك أفتأمرنا فنسلم عليهم ؟ قال : » إنهم كانوا عبادا لي يعبدونني لا يشركون بي شيئا ، وتسد بهم الثغور ، وتتقى بهم المكاره ، يموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء « قال : فيأتيهم الملائكة عند ذلك فيدخلون عليهم من كل باب ( سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار (2) )
__________
(1) الثغر : الموضع الذي يكون حَدّا فاصلا بين بلاد المسلمين والكفار، وهو موضع المخافة من أطراف البلاد
(2) سورة : الرعد آية رقم : 24

1105 - حدثنا موسى بن هارون قال : حدثنا محمد بن عباد قال : حدثنا سفيان ، عن ابن جدعان ، سمع أنسا يقول : علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الشعب (1) أحرز من الوادي ، فقال : « لو سلك الأنصار شعبا ، وسلك الناس واديا ، لسلكت شعب الأنصار ، ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ، اقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم ، الأنصار عيبتي (2) وكرشي ، أما ترضون أن يذهب الناس بالشاء (3) والبكرات ، وتذهبوا برسول الله صلى الله عليه وسلم » ، ثم قال : أما لو شئتم لقلتم : جئتنا طريدا فآويناك ، وخذلك الناس فنصرناك « فبكوا ، وقالوا : لله ولرسوله المنة علينا
__________
(1) الشعب : الطريق في الجبل أو الانفراج بين الجبلين
(2) عيبتي : جماعتي وصحابتي الذين أُطلعهم على سري وأَثق بهم وأعتمد عليهم
(3) الشاء : جمع الشاة وهي الواحدة من الغنم وقيل : الواحدة من الضأن والمَعز والظَّباءِ والبَقَر والنعامِ وحُمُرِ الوحش

1106 - وحدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا الحسن بن عطاء شاذويه قال : حدثنا بكر بن بكار قال : حدثنا شعبة ، عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « لو أن الناس سلكوا واديا ، وسلكت الأنصار واديا ، لسلكت وادي الأنصار ، ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار » قال أبو هريرة : لقد آووا ونصروا رحمة الله عليهم

1107 - وحدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا أبو هريرة وهب الله بن رزق الله المصري قال : حدثنا محمد بن إدريس الشافعي ، وخالد بن نزار قالا : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم ، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : إنما مثلنا ومثل الأنصار كما قال الغنوي لبني جعفر : جزى الله عنا جعفرا حين أشرفت بنا نعلنا في الواطئين فزلت أبوا أن يملونا ولو أن أمنا تلاقي الذي يلقون منا لملت

1108 - حدثنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عفير الأنصاري قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال : حدثنا عبد الله بن إدريس ، عن محمد بن إسحاق ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، عن محمود بن لبيد ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الأنصار شعار ، والناس دثار (1) ، ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار »
__________
(1) الدثار : الثوب الذي يكون فوق الشعار

1109 - وحدثنا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن شاهين قال : حدثنا عبد الأعلى بن حماد قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن إسحاق بن عبد الله ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار »

1110 - وحدثنا أبو بكر قاسم بن زكريا المطرز قال : حدثنا نصر بن علي قال : أخبرني بشر بن المفضل قال : حدثنا ابن حرملة ، عن أبي ثفال ، عن رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب أنه سمع جدته ، تحدث عن أبيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « لا يؤمن بي من لا يحب الأنصار »

1111 - وحدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا أبو هشام الرفاعي قال : حدثنا يزيد بن هارون قال : حدثنا يحيى بن سعيد أن سعد بن إبراهيم أخبره عن الحكم بن مينا ، عن يزيد بن جارية قال : كنت جالسا مع نفر من الأنصار فخرج علينا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما ، فسألنا فقلنا : كنا في حديث من حديث الأنصار ، فقال : أولا أزيدكم حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « من أحب الأنصار أحبه الله ، ومن أبغض الأنصار أبغضه الله »

1112 - أنبأنا أبو محمد عبد الله بن صالح البخاري قال : حدثنا عبد الأعلى بن حماد النرسي قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، أن مصعب بن الزبير هم بعريف الأنصار أن يقتله ، فدخل عليه أنس بن مالك فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « استوصوا بالأنصار خيرا أو معروفا اقبلوا من محسنهم ، وتجاوزوا عن مسيئهم » قال : فنزل مصعب من سريره على بساطه ، فألزق عنقه ، أو قال : خده ، أو قال : تمعك ، فقال : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرأس والعين ، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرأس والعين

1113 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا أحمد بن صالح المصري قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أنبأنا عمر ، عن قتادة ، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « اللهم اغفر للأنصار ، ولأبناء الأنصار ، ولأبناء أبناء الأنصار »

1114 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا أحمد بن صالح المصري قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أنبأنا معمر ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أنس : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « اللهم اغفر للأنصار ، ولأبناء الأنصار ، ولأبناء أبناء الأنصار »

1115 - حدثنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله الكشي قال : حدثنا سليمان بن داود الشاذكوني قال : حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي حبيبة ، عن عوف بن سلمة بن عوف ، عن أبيه ، عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « اللهم ، اغفر للأنصار ، ولأبناء الأنصار ، ولأبناء أبناء الأنصار ، ولموالي الأنصار »

1116 - حدثنا أبو جعفر أحمد بن يحيى الحلواني ، وأبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قالا : حدثنا علي بن الجعد قال : حدثنا شعبة ، عن معاوية بن قرة ، عن أنس بن مالك : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة ، فاغفر للأنصار والمهاجرة »

1117 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال حدثنا أبو يزيد محمود بن محمد بن محمود بن ثابت بن قيس الظفري قال : حدثنا أيوب بن النجار ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما آمن بي من لم يحبني ، وما أحبني من لم يحب الأنصار »

1118 - أنبأنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عفير الأنصاري قال : حدثنا شعيب بن سلمة بن محمود بن الأشعث بن رفاعة بن رافع بن خديج الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : حدثنا أبو زكريا يحيى بن عبد الله بن يزيد الأنصاري ، عن ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري ذكره عن أبيه ، عن جده قال : جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة في مجلس من المهاجرين والأنصار ، فجاء رجل يقال له : رزين أو ابن رزين فقال : من سعد بن عبادة ؟ فرفع النبي صلى الله عليه وسلم إليه رأسه ، وهو مغضب فقال : « لا تؤذوا الأنصار ، من آذاهم فقد آذاني ، ومن نصرهم ، فقد نصرني ، ومن أحبهم فقد أحبني ، ومن أبغضهم فقد أبغضني ، ومن بغى عليهم فقد بغى علي ، ومن قضى لهم حاجة كنت في حاجته يوم القيامة أسرع » قال : فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أهذا لسعد أم للأنصار عامة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « بل للأنصار عامة ، ولأعقابهم ، ولأعقاب أعقابهم أبد الأبد »

1119 - وأنبأنا ابن عفير قال : حدثنا شعيب قال : حدثني العوفي القاضي ، عن أبيه ، والحسن بن عمارة جميعا ، عن جده عطية العوفي ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من أحبني فبحبي أحب الأنصار ، ومن أبغضني ، فببغضي أبغض الأنصار ، لا يحبهم منافق ، ولا يبغضهم مؤمن ، من أحبهم أحبه الله ، ومن أبغضهم أبغضه الله ، الناس دثار (1) والأنصار شعار ، ولو سلكت الأنصار واديا وسلك الناس واديا ، لسلكت وادي الأنصار ، ولولا الهجرة لكنت رجلا من الأنصار ، اللهم اغفر للأنصار ، ولأبناء الأنصار ، ولأبناء أبناء الأنصار ، وإن الله عز وجل اختار دارهم دارا لإعزاز دينه ، ولنبيه أنصارا ، والله ما شرع لله من شريعة ، ولا سن لله عز وجل من سنة ، ولا فرض لله عز وجل من فريضة ، ولا جمع لله عز وجل من جمعة ، ولا ازدحمت مناكب الرجال في الصلاة إلا في دورهم ، وبين ظهرانيهم وبأسيافهم »
__________
(1) الدثار : الثوب الذي يكون فوق الشعار

باب ذكر حزن النبي صلى الله عليه وسلم على الأنصار السبعين
الذين قتلوا يوم بئر معونة

1120 - حدثنا موسى بن هارون قال : حدثنا محمد بن عباد قال : حدثنا سفيان قال : حدثنا عاصم يعني : الأحول ، عن أنس بن مالك قال : « ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وجد (1) على سرية ما وجد على أهل بئر معونة » قال سفيان : ويقال : إنهم كانوا أصحاب قرآن
__________
(1) الوجد : الغضب ، والحزن والمساءة وأيضا : وَجَدْتُ بِفُلانَة وَجْداً، إذا أحْبَبْتها حُبّا شَديدا.

1121 - وحدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف بن زياد قال : حدثني ابن أبي عمر العدني قال : حدثنا سفيان ، عن عاصم الأحول قال : سمعت أنس بن مالك يقول : « ما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أحد ما وجد على السبعين رجلا الذين أصيبوا يوم بئر معونة » قال سفيان : نقباء الأنصار سعد بن عبادة ، وسعد بن الربيع ، وسعد بن خثيمة ، وأسعد بن زرارة ، وعبد الله بن رواحة ، وعبد الله بن عمرو ، وعبد الله بن عمرو ، وهذا هو أبو جابر بن عبد الله ، وأبو الهيثم بن التيهان ، والحارث بن القاسم ، ورافع بن مالك ، وأسيد بن حضير ، والبراء بن معرور ، وأبو أمامة بن سهل

1122 - حدثنا موسى بن هارون قال : حدثنا محمد بن عباد قال : حدثنا سفيان ، عن ابن جدعان قال : سمعت أنسا يقول : يا رب سبعين من الأنصار ، قتل يوم أحد سبعون ، وقتل يوم بئر معونة سبعون ، وقتل يوم اليمامة سبعون ، وقتل يوم كذا وكذا حتى عد خمس ( كذا ) مواطن

1123 - حدثنا موسى بن هارون قال : حدثنا كامل بن طلحة الجحدري وإبراهيم بن الحجاج السامي قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس أنه قال : يا رب سبعين من الأنصار يوم أحد ، وسبعين يوم بئر معونة ، وسبعين يوم مؤتة ، وسبعين يوم اليمامة

باب ذكر بيعة الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام
بمكة وتصديقهم إياه

1124 - أنبأنا أبو محمد عبد الله بن صالح البخاري قال : حدثنا ابن أبي عمر العدني ، وإسحاق يعني ابن إبراهيم المروزي قالا : حدثنا يحيى بن سليم ، عن ابن خثيم ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري . وحدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدثنا خلف بن هشام البزار قال : حدثنا داود بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن خثيم ، عن أبي الزبير محمد بن مسلم أنه حدثه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبث عشر سنين يتبع الحاج في منازلهم في الموسم وبمجنة وعكاظ ومنازلهم من منى فيقول : « من يؤويني وينصرني حتى أبلغ رسالات ربي ، وله الجنة » فلا يجد أحدا ينصره ، ولا يؤويه ، حتى إن الرجل ليرحل من مصر أو من اليمن إلى ذي رحمه ، فيأتيه قومه فيقولون له : احذر غلام قريش لا يفتنك ، ويمشي بين رحالهم يدعوهم إلى الله عز وجل فيشيرون إليه بالأصابع حتى بعثنا الله عز وجل من يثرب ، فيأتيه الرجل منا فيؤمن به ، ويقرئه القرآن ، فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه ، حتى لم يبق دار من دور يثرب إلا فيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام ، وبعثنا الله عز وجل إليه فأتمرنا ، واجتمعنا سبعون رجلا منا فقلنا : حتى متى نذر رسول الله صلى الله عليه وسلم يطرد في جبال مكة ويخاف ؟ فرحلنا حتى قدمنا عليه في الموسم ، فواعدنا شعب (1) العقبة ، فقال عمه العباس رضي الله عنه : يا ابن أخي ، لا أدري ما هؤلاء القوم الذين جاءوك ؟ إني ذو معرفة بأهل يثرب ، واجتمعنا عنده من رجل ورجلين فلما نظر العباس في وجوهنا قال : هؤلاء قوم لا نعرفهم ، هؤلاء أحداث قلنا : يا رسول الله علام نبايعك ؟ قال : « تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل ، وعلى النفقة في العسر واليسر ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وعلى أن تقولوا في الله لا تأخذكم فيه لومة لائم ، وعلى أن تنصروني إذا قدمت إليكم ، وتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ، ولكم الجنة » فقمنا نبايعه ، فأخذ بيده أسعد بن زرارة وهو أصغر السبعين إلا أنا ، فقال : رويدا يا أهل يثرب ، إنا لم نضرب إليه أكباد المطي (2) إلا ونعلم أنه رسول الله ، وإن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة ، وقتل خياركم ، وأن تعضكم السيوف ، فإما أنتم قوم تصبرون عليها إذا مستكم ، وعلى قتل خياركم ، ومفارقة العرب كافة ، فخذوه وأجركم على الله عز وجل ، وإما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه فهو أعذر لكم عند الله عز وجل ، قالوا : يا أسعد ، أمط عنا يدك ، فوالله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها ، فقمنا إليه رجلا رجلا ، فأخذ علينا شرطه العباس ، ويعطينا على ذلك الجنة وحدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف قال : حدثنا ابن أبي عمر ، قال حدثني يحيى بن سليم ، عن ابن خثيم ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، وذكر الحديث ، بطوله مثله
__________
(1) الشعب : الطريق في الجبل أو الانفراج بين الجبلين
(2) المطي : جمع مطية وهي الدابة التي يركب مطاها أي ظهرها ، أو هي التي تمط في سيرها أي تمدُّ

1125 - وحدثنا أبو حفص عمر بن محمد بن بكار القافلائي قال : حدثنا أبو الأصبغ محمد بن عبد الرحمن بن كامل الأسدي قال : حدثنا أبي قال : حدثنا علوان بن داود البجلي ، عن الليثي يعني : أبا المصبح ، عن أبي الزناد قال : لما اشتد المشركون على النبي صلى الله عليه وسلم ، بمكة قال لعمه العباس : « يا عم امض إلى عكاظ ، فأرني منازل أحياء العرب حتى أدعوهم إلى الله عز وجل ، وأن يمنعوني ويؤوني حتى أبلغ عن الله عز وجل ما أرسلني به » ، فقال له العباس : نعم ، فأنا ماض معك ، حتى أدلك على منازل الأحياء قال محمد بن الحسين : فذكر حديث عرضه على القبائل قبيلة قبيلة ، فكل لم يجبه ، وكان مع النبي صلى الله عليه وسلم العباس بن عبد المطلب وأبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم ثم انصرف عنهم ، اختصرت أنا الحديث قال فيه : فلما جاء العام المقبل لقي النبي صلى الله عليه وسلم الستة النفر الخزرجيون : أسعد بن زرارة ، وأبو الهيثم بن التيهان ، وعبد الله بن رواحة ، وسعد بن الربيع ، والنعمان بن حارثة ، وعبادة بن الصامت ، فلقيهم النبي صلى الله عليه وسلم ، في أيام منى عند جمرة العقبة ليلا ، فجلس إليهم فدعاهم إلى الله عز وجل ، وإلى عبادته ، والمؤازرة على دينه الذي بعث به أنبياءه ورسله ، فسألوه أن يعرض عليهم مما أوحي إليه ، فقرأ عليهم من سورة إبراهيم : ( وإذ قال إبراهيم : رب اجعل هذا البلد آمنا (1) ) إلى آخر السورة ، فرق القوم وأخبتوا حين سمعوا منه ما سمعوا ، فأجابوه فمر العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه وهم يكلمونه ويكلمهم ، فعرف صوت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا ابن أخي من هؤلاء الذين عندك ؟ قال : « سكان يثرب من الأوس والخزرج ، وقد دعوتهم إلى ما دعوت إليه من قبلهم من الأحياء ، فأجابوني وصدقوني وذكروا أنهم يخرجونني معهم إلى بلادهم ، فنزل العباس وعقل راحلته ، ثم قال : يا معشر الأوس والخزرج هذا ابن أخي وهو أحب الناس إلي ، ثم ذكر ما جرى بينهم وبين العباس من الخطب الطويل ، قال : فقام أسعد بن زرارة وهو أصغر القوم فقال فيما خاطب به العباس : وأما ما ذكرت أنك لا تطمئن إلينا في أمره حتى نأخذ مواثيقنا ، فهذه خصلة (2) لا نردها على أحد أرادها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فخذ ما شئت ، والتفت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ؛ خذ لنفسك ما شئت واشترط لربك ما شئت ، فقال صلى الله عليه وسلم : » أشترط لربي عز وجل ، أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، ولنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأبناءكم ونساءكم « ، قالوا : فذلك لك يا رسول الله قال : فقال العباس : عليكم بذلك ذمة الله مع ذمتكم ، وعهد الله مع عهودكم في هذا الشهر الحرام ، والبلد الحرام تبايعونه وتبايعون الله ربكم ، يد الله عز وجل فوق أيديكم لتجدن في نصرته ، ولتشدن من أزره ، ولتوفن له بعهده بدفع أيديكم وصرح ألسنتكم ونصح صدوركم ، ثم لا تمنعنكم رغبة أشرفتم عليها ، ولا رهبة أشرفت عليكم ، ولا يؤتى من قبلكم » قالوا جميعا : نعم قال : اللهم إنك سامع شاهد ، فإن ابن أخي قد استرعاهم دمه واستحفظهم نفسه ، اللهم : فكن لابن أخي عليهم شهيدا ، فرضي القوم بما أعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه ، ورضي النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد كانوا قالوا له : يا رسول الله ، إذا أعطيناك ذلك فما لنا ؟ قال : « لكم رضوان الله والجنة » : قالوا : رضينا وقبلنا ، فأقبل ابن التيهان ، على أصحابه فقال : ألستم تعلمون أن هذا رسول الله إليكم ، وقد آمنتم به وصدقتموه ، فقالوا : بلى قال : أولستم تعلمون أنه في البلد الحرام ومسقط رأسه وعشيرته ومولده ، قالوا : بلى ، قال : فإن كنتم خاذليه أو مسلميه يوما من الدهر لبلاء ينزل بكم فالآن ، فإن العرب سترميكم فيه عن قوس واحدة ، فإن طابت أنفسكم عن الأنفس والأموال والأولاد في ذات الله عز وجل ، فما عند الله من الثواب خير من أنفسكم وأموالكم وأولادكم فأجاب القوم جميعا : لا ، بل نحن معه بالوفاء والصدق ، ثم أقبل على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله لعلك إذا حاربنا الناس فيك ، وقطعنا ما بيننا وبينهم من الحلف والجوار والأرحام ، وحملتنا الحرب على شيشائها ، وكشفت لنا عن قناعها ، ولحقت ببلدك وتركتنا ، وقد حاربنا الناس فيك ، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : « الدم الدم ، الهدم الهدم » ، فقال عبد الله بن رواحة : خل بيننا يا أبا الهيثم حتى نبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسبقهم أبو الهيثم إلى بيعته ، فقال : أبايعك يا رسول الله على ما بايع عليه الاثنا عشر نقيبا من بني إسرائيل موسى بن عمران عليه السلام ، وقال عبد الله بن رواحة : أبايعك يا رسول الله على ما بايع عليه الاثنا عشر من الحواريين عيسى ابن مريم عليه السلام ، وقال أسعد بن زرارة : أبايع الله يا رسول الله وأبايعك على أن أتم عهدي بوفائي وأصدق قولي بفعلي في نصرك ، وقال النعمان بن حارثة : أبايع الله يا رسول الله ، وأبايعك على الإقدام في أمر الله لا أراقب فيه القريب ولا البعيد ، فإن شئت والله ملنا بأسيافنا ساعتنا هذه على أهل منى ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « لم أؤمر بذلك » وقال عبادة بن الصامت : أبايعك يا رسول الله ، على أن لا تأخذني في الله لومة لائم وقال سعد بن الربيع : أبايع الله وأبايعك يا رسول الله على أن لا أعصي لكما أمرا ولا أكذبكما حديثا وانصرف القوم إلى بلدهم مسرورين ، فنشروا ما أعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي ، وحسنت إجابة قومهم لهم حتى وافوه من قابل وهم سبعون رجلا ، فصاح إبليس تلك الليلة حين رأى جماعتهم صيحة أسمعت جماعة قريش ، وذلك في أيام التشريق (3) ، فنادى يا أهل منى : هذا محمد وأهل يثرب ، قد اجتمعوا على الحمل عليكم واستباحة حريمكم قال : ويشبه صوته بصوت منبه بن الحجاج السهمي ، قال عمرو بن العاص : فكان أول من أتاني فزعا يجر ثوبه أبو جهل وقد أفزعني ما أفزعه ، وأخذتني العروي وهي الرعدة ، وقمت لأبول ، فلما فرغت جاءني أبو جهل فأعجلني فقال : قم أنائم أنت ؟ أما أفزعك ما أفزعنا ؟ وتوجه إلى عتبة بن ربيعة ، فأخبره بصوت منبه بن الحجاج ، يخبر إن محمدا وأهل يثرب قد أجمعوا على الحمل عليكم ، واستباحة حريمكم ، قال عمرو بن العاص : فأتينا رجلا وقورا ، معه ذهنه لم يرعه ما راعنا ، يعني عتبة ، فقال عتبة : هل أتاكم فأخبركم بهذا ؟ قالوا : لا ، ولكنا سمعنا صوته قال : فلعله الخيثعوز ، يعني : إبليس الكذاب ثم قال : انهضوا فمضى القوم نحو السبعين قال عمرو : والله لقالوا سبعين ، فظننا أنهم سبعمائة ، فدفعنا إلى القوم معدين ، فكان أول من سبق إليهم ، وكلم القوم أبو سفيان بن حرب ، فقال : يا أهل يثرب ساء ما ظننتم ، إذ منتكم أنفسكم أنكم تخرجون بأخينا من غير ملاء منا ولا مشورة تقحما منكم علينا وظهورا ، ولئن ظننتم أنا نقر بذلك أو نرضى به ، لبئس ما رأيتم ، فقال النعمان بن حارثة : بل نخرجه وأنفك راغم ، والله لو نعلم أنه أمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن نخرجك معنا لأعلقنا في عنقك حبلا ، ثم سقناك ذليلا ، قال : فارتدع أبو سفيان ، وقال : ما تلك لكم بعادة ، ولو تكلمت بهذا في جمع من الموسم لكذبك غير واحد ، إن العرب لتعلم أنا أعز أهل البطحاء وأمنعه ، أفما عندكم من الجواب غير هذا ؟ قال : يقول عبد الله بن رواحة : بل تنصرفون عنا ، فإنه أجمل في الرأي ، وأحسن لذات البين ، وأمثل ، قال أبو سفيان : ونغادره عندكم ؟ فقال عبد الله بن رواحة : نعم ، تغادرونه عند قوم يحبهم ويحبونه غير خاذلين له ، ولا أضناء عليه ، قال أبو سفيان : فماذا نقول لنسائنا ؟ قال : تقولون لهن : فلما رأينا القوم دون نبيهم كأسد حمت عريشها وعرينا صددنا صدودا كان خير بقية لنسواننا من بعدنا وبنينا ولم نر إلا ذاك وجها أو الردى وطلقا لنا ورنينا وقلنا انصراف القوم من الردى أو الحرب تدري أعظما وشئونا قال : وتعاظم الأمر بين القوم حتى كاد بعضهم أن ينهض إلى بعض ، فلما رأى ذلك أبو جهل وخشي الفضيحة لكثرة القوم وقلة أصحابه تقدم فقال : أيها القوم ، إنا لم نأت لهذا ، اسكتوا واسمعوا قولي هذا وخذوا أو دعوا ، فسكت القوم ، وابتدأ خطيبا فقال : اللات مجدنا والعزى عصمتنا ، ونحن أهل الله وفي بيته المحجوب ، وواديه المحرم أعز به حرمتنا ، ودفع به عن بيضتنا ، وجعلنا ولاة بيته ، ومنتهى طرق المناسك ، وأهل ألوية الموسم ، وسقاية الحاج ، وحجابة البيت ، ورفادة الكل ، لاتنكرون ذلك ، ولا تدفعونه ، ثم إنكم يا أهل يثرب قد كنتم إخواننا وجيراننا ، وتودونا ونودكم حتى ارتكبتم منا أمرا لم نكن لنرتكبه منكم تقحما منكم علينا ، وظهورا بحقنا ، ثم أردتم أن تخرجوا بأخينا من غير ملإ منا ولا مشورة ولا رضى ، خلوا بيننا وبينه على مثل هذه الحرة وفي مثل اليوم ، فإن لكم في سائر ذلك من الأيام ما تلتمسون ذلك منه في غير ثائرة ولا قطيعة ، هذه أيام عظيمة الحرمة واجبة الحق ، القطيعة فيها مرفوعة ، والعقوبة إليها سريعة ، ثم سكت ، فقام سعد بن عبادة فقال : الحمد لله الذي هدانا من الضلالة ، وبصرنا من العمى ، واستنقذنا بنور الإسلام من ظلمة الجهالة ، فعبدنا ربا واحدا ، وجعلنا ما سواه من الأنداد والأوثان دين الشيطان أنصابا (4) نصبها الناس بأيديهم لا تملك لهم ضرا ولا نفعا ، ثم إنكم معشر قريش قد تكلمتم ؛ وشر القول ما لا حقيقة له ، زعمتم أنا انتهكنا حرمتكم في ابن أخيكم ، إن أجبنا دعوته ، وشرفنا منزلته واتبعنا أمره ، فما أسأنا في ذلك بكم ولا به ، إذا كانت تلك منزلته عندنا ، ولقد قطعنا فيه من هو أقرب نسبا وأرحاما منكم ، فما التمسنا بذلك سخطهم ، ولا أردنا بذلك رضاكم ، فإن كنتم إنما فزعتم إلى مساءته لمكاننا منه ، فطال ما أردتم به تلك وهو بين ظهرانيكم ، ثم لا تصلون إليه فالآن إذا عقدنا حبلنا بحبله التمستموه فأنتم اليوم منها أبعد ، دماؤنا دون دمه ، وأنفسنا دون نفسه ، فإن كان هذا منكم مصانعة للناس ، وأنفا لسخطهم ، فنحن لله عز وجل بعد الذي أعطيناه من أنفسنا أشد خوفا ، وعلى عهودنا بالوفاء أشد حدبا ، فلا سبيل إلى مالا سبيل إليه ، ولكنا سنعرض عليكم رأيا بما لو توسلتم إلينا به من الصهر (5) والجوار ، إن شئتم أن تبايعوه كما بايعناه ، ونحن له ولكم تبع ، وإن كرهتم ذلك وكان ظنكم دائرة تخافونها من الناس طلبتم إلى ابن أخيكم وكنا لكم شفعاء ، فأخذتم ما تأمنون به عنده غدا ، وإن كان هذا منكم الحسد والبغي كنا لابن أخيكم جنة (6) ، فإن ظفر فأخوكم وإلا هلكنا دونه وسلمتم وكفيتم الشوكة فليسعكم رأيكم ولتسعكم أحلامكم ، فلما كثر لغط القوم ، قام عتبة بن ربيعة فقال : يا معشر الأوس والخزرج أنتم الإخوة والجيران والأصهار ، وقد عرضتم في أمر هذا الرجل ، وهذا أمر نريد أن نفكر فيه ، وننظر ثم نعرض عليكم رأينا ، فأمهلونا حتى نتشاور فيه حتى يجتمع أمرنا على أمر يكون لنا ولكم فيه سعة ورضى قالوا : ذلك إليك ، فتنحى عتبة بأصحابه حجرة يعني : ناحية فقال : هل رأيتم ما رأيت ؟ قال أبو جهل : قد رأينا ما رأيت ، قال : فإن كنت رأيت ما رأيت فقد والله سمعت منطقا يقطر دما ، ورأيت قوما قد أشرفوا في أنفسهم على حظ عظيم ، لا يعدله عندهم شيء ما هم ميتون دونه ساعتنا هذه أفتطيب أنفسكم بالموت ؟ قال أبو جهل وقد ضرع إلى المنازعة : أفنرجع بغير شيء ؟ قال : أظنك والله سترجع بغير شيء أو بشيء عليك لا لك ، فإن أذنتم لي كلمت القوم وآتيتهم من وجه لعلهم يحسنون إجابتكم فيه ، قال عمرو بن العاص : فبدرت القوم فقلت : نعم يا أبا الوليد ، تكلم بما شئت ، وقل ما شئت فنحن طوع يديك ، ولن نخرج من رأيك ، فقام عتبة إلى القوم فقال : يا معشر الأوس والخزرج إنه لم يزل الذي بيننا وبينكم حسنا ، تعرفون ذلك لنا ونعرفه لكم ، وتعرفون منزلتنا من الله في حرمة هذا البيت ، إذ جعلنا ولاة أمره وأكرمنا به ، ولسنا نحب أن يصل إليكم على أيدينا ، ولا على ألسنتنا أمر نندم عليه ، وتندمون حين لا تنفع الندامة ، قد عرضتم في هذا الرجل وقد علمتم أن الذي يدعو إليه مخالف لجميع أهل الموسم ، إذ طعن في دينهم وعاب آلهتهم وسفه رأي آبائهم ، وقد عرض نفسه على جميع القبائل ، فلم يقبله منهم أحد ، وبالله لا آمن أن لو صاح صائح في جميع الموسم فأخبره بمكانه ومكانكم أن يميلوا عليكم ميلة واحدة ، وهذا أمر ليس ننتهزه ونحن على وفاز تحت الليل ، وسنعرض عليكم الرأي الذي رأيناه واتفقنا عليه ، إن شئتم أن تخلوا بيننا وبين هذا الرجل ، وتجعلوا بيننا وبينكم أجلا ، ونعطيكم عهد الله وميثاقه علينا وعلى من بعدنا ، لا نؤذيه ولا نعرض له إلا بخير ، ولا لأحد من أصحابه حتى تنتهي مدة الأجل ، والأجل ثلاثة أشهر ، فمن أحب أن يسير إليكم ويكون معكم من أصحابه الذين صدقوه لم نعرض له ، ولا لمن تبعه في هذه الأشهر ، ولا نعرض لمن سار إليكم ، ولا لمن أقام معه منكم ، وفي ذلك يقضي الله في هذه الأشهر ما أحب إليه ، فنظر القوم بعضهم إلى بعض ، وقالوا : قد أعطينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، منا أمرا لا نحب إلا الوفاء به ، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يسمع مقالتكم ، والرأي رأيه ، والأمر أمره ، ليس معه لنا أمر ، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالة أهل يثرب ومقالة قريش ابتدأ خطيبا ، فكان أول ما ابتدأ به فاتحة سورة الأنعام حتى قرأ منها عشر آيات وهي في قريش ، وقد كان بدء قوله أن قال : « إنكم تكلمتم يا معشر من أسلم من الأوس والخزرج ، فأصبتم ووفقتم وأرضيتم الله ورسوله ، وقد تكلمت قريش وسألوكم ما سألوكم ، والله أعلم ما الذي تريد قريش فيما تكلمت به ، وفيما سألوا ، فإن ترد الوفاء لله ولرسوله فالله لهم بالخير ، يوفيهم أجورهم ، ويزيدهم من فضله ، وإن أرادوا غير ذلك فالله لقريش بالمرصاد ، ولرسوله بالنصر والكفاية ( قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون (7) ) أعطوا القوم ما سألوا ، فالذي صبر عليه رسول الله من أذاهم في السنين الماضية أطول من هذا الأجل الذي سألوه ، فأعطوهم وخذوا عليهم العهود التي أعطوها من أنفسهم ، فإن في ذلك تنفيسا لكم ولهم ، ومعذرة من الله عز وجل إليهم ، وحجة له عليهم ، فأعطاهم القوم ما أرادوا ، وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قريش ، فكان أول من هاجر من المسلمين إلى المدينة أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي ، ومصعب بن عمير من بني عبد الدار ، وعمار بن ياسر ، وعياش بن أبي ربيعة ، أخو أبو جهل لأمه ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير ، وعمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر ، وجماعة من المهاجرين ، وأسلم في تلك الأشهر وهاجر أكثر من الكثير ، وواستهم الأوس والخزرج في أموالهم ودورهم ، فلما رأى ذلك المشركون كبر عليهم ، وهموا بالغدر حتى أجمعوا لذلك في دار الندوة ، فأجمع لذلك المكر الذي أرادوه وجوههم وأشرافهم وأتاهم إبليس لعنه الله في صورة سراقة بن جعشم المدلجي من كنانة قريش في زي رجل من أهل نجد عليه برد ، فلما رأوه قالوا : ما أنت ؟ قال : شيخ من أهل نجد ، بلغني ما اجتمعتم له في أمر هذا الرجل ، فأردت أن أحضر ذلك ، ولعله لم يعدمكم مني رأي ، فتكلم عتبة ، فقال : أرى أن تخرجوه من بين أظهركم فتكفيكموه الأحياء ، فإن ظفر كان ذلك لكم ، وإن كان غير ذلك كفتكموه الأحياء ولم يبدو شيئا من أمره ، فقال النجدي : ما هذا برأي ، أما سمعتم حلاوة منطقه ، وأخذه بالقلوب ، فما آمن لو وقع في حي من الأحياء فاستقاد أهواءهم ، أن يسير بهم إليكم حتى يفرق جماعتكم ، قال آخر : أرى أن يوثق ، ويحبس حتى يجيئه أجله وهو في حبسه ، قال النجدي : ليس هذا برأي ، أما علمتم أن له حامة وأهل بيت لا يرضون بذلك ، فيقع الحرب بينكم ، فيكون في ذلك توهين لأمركم ، وتفريق لجماعتكم ، قال أبو جهل : إني لأرى رأيا لئن أخذته فهو الرأي ، قالوا : وما هو يا أبا الحكم ؟ قال : يؤخذ من هذه الأحياء الخمسة أحياء قريش من كل حي رجل شاب ، فيعطى كل رجل سيفا فيأتونه في مضجعه الذي يبيت فيه ، فيضربونه ضربة رجل واحد ، فلا يقدر أهل بيته على أن يقتلوا هؤلاء ، فيتفرق دمه في القبائل ، ويكون دية ، فقال النجدي : لله دره أصاب الرأي ، ثم قال النجدي : وهو إبليس ، لعنه الله : الرأي رأيان ، رأي ليس يعرفه هاد ورأي كصدر السيف معروف يكون أوله يسري لآخره يوما ، وآخره مجد وتشريف فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، جبريل عليه السلام ، فأخبره ، فأتى أبا بكر رضي الله عنه نصف النهار ، فأخبره الخبر ، فخرج إليهم أبو بكر رضي الله عنه فأصابهم حين خرجوا من دار الندوة فماشى إبليس لعنه الله ساعة ، ثم قال : أين تريد ؟ قال : أصحابي في هذا الوادي قال : أي عدو الله ، الحمد لله الذي أظهر دينه وخذلك ، فخفي عليه ، هذا آخر الحديث قال محمد بن الحسين رحمه الله تعالى : ثم هاجر النبي صلى الله عليه وسلم ، ومعه أبو بكر رضي الله عنه
__________
(1) سورة : إبراهيم آية رقم : 35
(2) الخصلة : خلق في الإنسان يكون فضيلة أو رزيلة
(3) أيام التشريق : الأيام الثلاثة التي تلي يوم عيد الأضحى
(4) الأنصاب : جمع نُصُب وهو حجر كان ينصب ويذبح عليه فيحمر بالدم ويعبد
(5) الصِّهر : القريب بالزواج
(6) جنة : وقاية وحماية
(7) سورة : النحل آية رقم : 26

1126 - حدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف قال : حدثنا ابن أبي عمر قال : حدثنا بشر بن السري قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس قال : كان أبو بكر رضي الله عنه رديف (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم حين هاجر وكان أبو بكر يعرف الطريق ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرفها ، قال : فيمر بالقوم فيقولون : يا أبا بكر من هذا الفتى أمامك ؟ قال : فيقول : هذا يهديني السبيل ، فلما دنوا من المدينة نزلوا بالحرة ، وأرسلا إلى الأنصار فجاءوه ، فقالوا : قوما آمنين مطاعين قال أنس : فوالله ما رأيت يوما أضوأ ولا أنور ولا أحسن من يوم دخل علينا محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا رأيت يوما أظلم ولا أقبح من يوم مات فيه النبي صلى الله عليه وسلم
__________
(1) الرديف : الراكب خلف قائد الدابة

باب ذكر فضل جميع الصحابة رضي الله عنهم
قال محمد بن الحسين رحمه الله : قد ذكرت من فضل المهاجرين والأنصار ما حضرني ذكره ، وأنا أذكر فضل جميع الصحابة من المهاجرين والأنصار ، وغيرهم من سائر الصحابة رضي الله عنهم

1127 - حدثنا أبو محمد يحيى بن صاعد قال : حدثنا محمد بن يزيد أبو هشام الرفاعي ، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي ، والحسن بن عرفة قالوا : حدثنا أبو بكر بن عياش قال : حدثنا عاصم ، عن زر بن حبيش ، عن عبد الله بن مسعود قال : « إن الله تعالى نظر في قلوب العباد ، فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم ، خير قلوب العباد ، فاصطفاه لنفسه ، وبعثه برسالته ، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم ، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد ، فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه » وحدثني أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا أبو هشام الرفاعي وأحمد بن عبد الجبار الصوفي قالا : حدثنا أبو بكر بن عياش ، وذكر الحديث مثله

1128 - وحدثنا أبو العباس أحمد بن سهل الأشناني قال : حدثنا الحسين بن علي بن الأسود العجلي قال : حدثنا يحيى بن آدم قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن زر بن حبيش ، عن عبد الله قال : « إن الله عز وجل نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم ، خير قلوب العباد ، فاصطفاه لنفسه ، وابتعثه برسالته ، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد ، فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه ، فما رآه المؤمنون حسنا فهو عند الله حسن ، وما رآه المؤمنون سيئا فهو عند الله سيئ »

1129 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد قال : حدثني أبي ، عن جدي قال : حدثني ابن عجلان ، عن أبيه عجلان ، عن أبي هريرة قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أي الناس خير ؟ قال : « أنا ومن معي ، ثم الذين على الأثر ، ثم الذين على الأثر » ثم كأنه رفض من بقي

1130 - حدثنا أبو جعفر أحمد بن يحيى الحلواني قال : حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال : حدثنا هشيم قال : حدثنا أبو بشر ، عن عبد الله بن شقيق العقيلي ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « خير أمتي القرن الذي بعثت فيهم ، ثم الذين يلونهم » ثم الله أعلم أذكر الثالث أم لا ؟

1131 - وحدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا زياد بن أيوب قال : حدثنا هشيم قال : أنبأنا أبو بشر ، عن عبد الله بن شقيق ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « خير أمتي القرن الذين بعثت فيهم ، ثم الذين يلونهم » والله أعلم أذكر الثالث أم لا ؟

1132 - وحدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا محمد بن مصفى قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن شيبان بن عبد الرحمن ، عن منصور بن المعتمر ، عن شقيق بن سلمة ، عن عبد الله يعني ابن مسعود قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أي الناس خير ؟ قال : « قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم »

1133 - وحدثنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار قال : حدثنا محمد بن إسماعيل الحساني قال : حدثنا أبو معاوية قال : حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عبيدة ، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم » وذكر الحديث

1134 - وحدثنا ابن عبد الحميد قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي قال : حدثنا وكيع قال : حدثنا الأعمش ، عن هلال بن يساف ، عن عمران بن حصين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم »

1135 - وحدثنا أبو محمد عبد الله بن صالح البخاري قال : حدثنا الحسن بن علي الحلواني قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثنا نافع بن يزيد ، عن زهرة بن معبد ، عن سعيد بن المسيب ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الله عز وجل اختار أصحابي على جميع العالمين ، إلا النبيين والمرسلين ، واختار لي من أصحابي أربعة ، أبا بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعليا ، فجعلهم خير أصحابي ، وفي أصحابي كلهم خير ، واختار أمتي على سائر الأمم ، واختار من أمتي أربعة قرون بعد أصحابي ، القرن الأول والثاني والثالث تترى (1) والرابع فذا »
__________
(1) تترى : تتابع على فترات بينها

1136 - حدثنا أبو بكر بن عبد الحميد قال : حدثنا محمد بن رزق الله الكلوذاني قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني نافع بن يزيد قال : أخبرني أبو عقيل زهرة بن معبد ، عن سعيد بن المسيب ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الله تبارك وتعالى اختار أمتي على جميع الأمم ، واختار من أمتي أصحابي على جميع العالمين سوى النبيين والمرسلين ، واختار لي من أصحابي أربعة أبا بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعليا ، فجعلهم خير أصحابي ، وفي أصحابي كلهم خير ، واختار من أمتي أربعة قرون بعد أصحابي ، القرن الأول والثاني والثالث تترى (1) والقرن الرابع فذا »
__________
(1) تترى : تتابع على فترات بينها

1137 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان قال : حدثني حسين بن علي الجعفي ، عن مجمع بن يحيى الأنصاري ، عن سعيد بن أبي بردة ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع رأسه إلى السماء وكان كثيرا ما يرفع رأسه إلى السماء فقال : « النجوم أمنة للسماء ، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد ، وأنا أمنة لأصحابي ، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون ، وأصحابي أمنة لأمتي ، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون »

1138 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان ، ومحمد بن رزق الله الكلوذاني قالا : حدثنا حسين بن علي الجعفي قال : حدثنا مجمع بن يحيى ، عن سعيد بن أبي بردة ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى قال : صلينا من النبي صلى الله عليه وسلم المغرب فقال : « النجوم أمنة للسماء ، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد ، وأنا أمنة لأصحابي ، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون ، وأصحابي أمنة لأمتي ، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون »

1139 - حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا الحسين بن الحسن المروزي قال : أنبأنا عبد الله بن المبارك قال : أنبأنا إسماعيل المكي ، عن الحسن ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن مثل أصحابي في أمتي كالملح في الطعام ، لا يصلح الطعام إلا بالملح » قال الحسن : فقد ذهب ملحنا فكيف نصلح ؟

1140 - وحدثنا أبو بكر بن عبد الحميد قال : حدثنا الحسن بن يحيى الجرجاني قال : أنبأنا عبد الرزاق قال : أنبأنا معمر ، عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « مثل أصحابي في الناس كمثل الملح في الطعام » قال : يقول الحسن : هيهات ذهب ملح القوم

1141 - وحدثنا ابن عبد الحميد أيضا قال : حدثنا محمد بن عبد الرحيم قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا تقوم الساعة حتى يبتغى الرجل من أصحابي ، كما تبتغى الضالة لا توجد »

1142 - وحدثنا ابن عبد الحميد قال : حدثنا إسماعيل بن أسد قال : حدثنا جعفر بن عون قال : أنبأنا الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر رفعه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ليأتين على الناس زمان يخرج الجيش فيقال : هل فيكم أحد من أصحاب محمد ؟ فيقال : نعم ، فيستفتحون به ، فيفتح لهم ، ثم يأتي على الناس زمان يخرج الجيش ، فيقال : هل فيكم أحد من أصحاب محمد ؟ فيطلبونه فلا يجدونه ، فيقال : هل فيكم أحد رأى أحدا من أصحاب محمد ؟ فيطلبونه فلا يجدونه ، فيقال : هل فيكم أحد رأى أحدا من أصحاب محمد ؟ فلا يجدونه ، فلو كان الرجل من أصحابي من وراء البحر لأتوه »

1143 - وحدثنا ابن عبد الحميد قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي قال : حدثنا حكام بن سلم الرازي ، عن عمرو بن أبي قيس ، عن عبد ربه قال : كنا عند الحسن في مجلس ، فذكر كلاما ، وذكر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال : « أولئك أصحاب محمد كانوا أبر هذه الأمة قلوبا ، وأعمقها علما ، وأقلها تكلفا ، قوم اختارهم الله عز وجل لصحبة نبيه ، وإقامة دينه ، فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم ، فإنهم كانوا ورب الكعبة على الهدي المستقيم »

1144 - وحدثنا ابن عبد الحميد قال : حدثنا زيد بن أخزم قال : حدثنا أبو قتيبة قال : حدثنا إسماعيل ، عن سماك بن حرب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قول الله عز وجل : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس (1) ) قال : « هم الذين هاجروا مع محمد صلى الله عليه وسلم »
__________
(1) سورة : آل عمران آية رقم : 110

1145 - حدثنا ابن عبد الحميد أيضا قال : حدثنا محمد بن معمر قال : حدثنا مؤمل بن إسماعيل قال : حدثنا أبو مودود بحر بن موسى قال : سمعت الحسن ، قرأ هذه الآية ( فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه (1) ) قال : « والله ما هي لأهل حروراء ، ولكنها لأبي بكر ، وعمر ، وأصحابهما »
__________
(1) سورة : المائدة آية رقم : 54

1146 - وحدثنا ابن عبد الحميد أيضا قال : حدثنا الفضل بن زياد قال : حدثنا عبد الصمد بن يزيد قال : سمعت الفضيل بن عياض يقول : « حب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ذخر أدخره ثم قال : رحم الله من ترحم على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، وإنما يحسن هذا كله بحب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قال : وسمعت فضيلا يقول : قال ابن المبارك : » خصلتان من كانتا فيه الصدق وحب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، أرجو أن ينجو ويسلم

1147 - حدثنا أبو جعفر أحمد بن إسحاق بن البهلول القاضي قال : حدثني أبي رحمه الله قال : حدثني أبي رضي الله عنه ، عن سلام بن سلم التميمي ، عن زيد العمي ، عن أبي الصديق الناجي ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن أرحم هذه الأمة بها أبو بكر ، وأقواهم في دين الله عمر ، وأفرضهم زيد بن ثابت ، وأقضاهم علي بن أبي طالب ، وأصدقهم حياء عثمان بن عفان ، وأمين هذه الأمة أبو عبيد بن الجراح ، وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب ، وأبو هريرة وعاء من العلم ، وسلمان علم لا يدرك ، ومعاذ بن جبل أعلم الناس بحلال الله وحرامه ، وما أظلت الخضراء ، ولا أقلت البطحاء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر »

1148 - حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن سعد الزهري قال : حدثني عمي يعني : يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا سلام أبو عبد الله التميمي قال ابن صاعد : ابن سلم الطويل المدائني ، عن زيد العمي ، عن أبي الصديق الناجي ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن أرحم هذه الأمة لها أبو بكر ، وأقواهم في دين الله عمر ، وأصدقهم حياء عثمان بن عفان ، وأقضاهم علي ، وأقرأهم لكتاب الله عز وجل أبي بن كعب ، وأفرضهم زيد بن ثابت ، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ، ومعاذ بن جبل أعلم الناس بحلال الله وحرامه ، وأبو هريرة وعاء من العلم ، وسلمان علم لا يدرك » وذكر صدق أبي ذر قال محمد بن الحسين رحمه الله تعالى : وقد حدثنا ابن صاعد بهذا الحديث من غير طريق عن أبي سعيد ، وعن ابن عمر ، وغيرهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال محمد بن الحسين رحمه الله : وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم » قلت : فلو فعل إنسان فعلا كان له فيه قدوة بأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان على الطريق المستقيم ، ومن فعل فعلا يخالف فيه الصحابة فنعوذ بالله منه ، ما أسوأ حاله

1149 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدثنا عمرو بن محمد الناقد قال : حدثنا عمرو بن عثمان قال : حدثنا أبو شهاب ، عن حمزة الجزري ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إنما أصحابي مثل النجوم ، فأيهم أخذتم بقوله اهتديتم » قلت : فمن صفة من أراد الله عز وجل به خيرا ، وسلم له دينه ، ونفعه الله الكريم بالعلم ، المحبة لجميع الصحابة ، ولأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والاقتداء بهم ، ولا يخرج بفعل ولا بقول عن مذاهبهم ، ولا يرغب عن طريقتهم ، وإذا اختلفوا في باب من العلم فقال بعضهم : حلال وقال الآخر : حرام نظر : أي القولين أشبه بكتاب الله عز وجل وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسأل العلماء عن ذلك إذا قصر علمه ، فأخذ به ولم يخرج عن قول بعضهم ، وسأل الله عز وجل السلامة ، وترحم على الجميع بسم الله الرحمن الرحيم وبه أستعين

باب ذكر الشهادة للعشرة بالجنة رضي الله عنهم أجمعين
قال محمد بن الحسين رحمه الله : واجب على كل مسلم عقل عن الله عز وجل وصانه عن مذاهب الرافضة والناصبة ، أن يشهد لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة إذ كان على حراء فتزلزل به الجبل ، ومعه أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي رضي الله عنهم وتمام سائر العشرة فقال له : « اسكن فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد » وكذا كانوا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : رضي الله عنهم وعن جميع الصحابة الذين ضمن الله لهم في كتابه أنه لا يخزيهم ، وأنه يتم لهم نورهم يوم القيامة ، ويغفر لهم ، وأخبر أنه قد رضي عنهم ورضوا عنه ، وأنه أعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ، فرضي الله عنهم ، ونفعنا بحبهم ، وبحب أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبحب أزواجه رضي الله عنهم أجمعين

1150 - أنبأنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن ناجية قال : حدثنا حمزة بن عون المسعودي قال : حدثنا أبو إبراهيم محمد بن القاسم الأسدي قال : حدثنا سفيان ، وشريك ، وأبو بكر بن عياش ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن زر بن حبيش قال : إني لقاعد عند علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فسمعته يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « عشرة في الجنة وهو على حراء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل »

1151 - وحدثنا أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح العكبري قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن حصين ، عن هلال بن يساف ، عن عبد الله بن ظالم ، عن سعيد بن زيد قال : أشهد على التسعة أنهم في الجنة ، ولو شهدت على العاشر لصدقت قال : قلت : وما ذاك ؟ قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، على حراء وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ، وسعد ، وعبد الرحمن بن عوف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « اثبت حراء فإنه ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد » قال : قلت : فمن العاشر ؟ قال : أنا

1152 - وحدثنا أبو بكر بن أبي داود السجستاني قال : حدثنا أبو عبيد الله أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال : حدثني عمي وهو عبد الله بن وهب قال : حدثنا معاوية بن صالح ، عن يحيى بن سعيد ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان على حراء ، ومعه أبو بكر ، وعمر ، وعثمان بن عفان ، وعلي بن أبي طالب ، وعبد الرحمن بن عوف ، والزبير بن العوام ، وطلحة بن عبيد الله ، وسعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل فتحرك الجبل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « اسكن حراء فليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد » فسكن الجبل

1153 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدثنا أبو الربيع الزهراني قال : حدثنا إسماعيل بن زكريا ، عن النضر الخزاز ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على حراء ، فتزلزل الجبل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « اثبت فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد » وعليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ، وابن عوف ، وسعد ، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل قال محمد بن الحسين رحمه الله : ولكل حديث من هذه طرق جماعة نكتفي منها بما ذكرنا

1154 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا عمرو بن محمد الناقد قال : حدثنا أبو النضر هاشم بن القاسم قال : حدثنا شيبان أبو معاوية ، عن أبي يعفور ، عن يزيد بن الحارث العبدي قال : قدم سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل الكوفة فدخل على المغيرة بن شعبة وهو أمير ، فأوسع له إلى جنبه ، فقال : أشهد أني سمعت أبا بكر الصديق رضي الله عنه يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ليتني قد رأيت رجلا من أهل الجنة : فقال : « أنا من أهل الجنة » فقال : إني لست عنك أسأل ، قد عرفت أنك من أهل الجنة قال : « فأنا من أهل الجنة ، وأنت من أهل الجنة وعمر من أهل الجنة ، وعثمان من أهل الجنة ، وعلي من أهل الجنة ، وطلحة من أهل الجنة ، والزبير من أهل الجنة ، وسعد من أهل الجنة ، وعبد الرحمن من أهل الجنة » ولو شئت لسميت العاشر قال : عزمت عليك لما سميته قال : أنا يعني : سعيد بن زيد وحدثنا أبو بكر قاسم بن زكريا المطرز قال : حدثنا محمد بن عثمان بن كرامة قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن شيبان ، عن أبي يعفور ، عن يزيد بن الحارث العبدي قال : قدم سعيد بن زيد الكوفة فدخل على المغيرة بن شعبة فذكر مثل حديث الفريابي

1155 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد قال : حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي وحدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال : حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي ح وحدثنا أبو بكر قاسم بن زكريا المطرز قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم المروزي قال : أنبأنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، عن عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن جده عبد الرحمن بن عوف قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أبو بكر في الجنة ، وعمر في الجنة ، وعثمان في الجنة ، وعلي في الجنة ، وطلحة في الجنة ، والزبير في الجنة ، وعبد الرحمن في الجنة ، وسعد في الجنة ، وسعيد بن زيد في الجنة ، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة »

باب ذكر خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي
رضي الله عنهم ونفعنا بمحبتهم قال محمد بن الحسين رحمه الله : اعلموا رحمنا الله وإياكم أن خلافة أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي رضي الله عنهم بيانها في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبيان من قول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبيان من قول التابعين لهم بإحسان ، ولا ينبغي لمسلم عقل عن الله عز وجل أن يشك في هذا ، فأما دليل القرآن فإن الله عز وجل قال : ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا (1) ) قال محمد بن الحسين رحمه الله : فقد والله أنجز الله الكريم لهم ما وعدهم به ، جعلهم الخلفاء من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكنهم في البلاد ، وفتحوا الفتوح ، وغنموا الأموال ، وسبوا ذراري الكفار ، وأسلم في خلافتهم خلق كثير ، وقاتلوا من ارتد عن الإسلام حتى أجلوهم ، ورجع بعضهم ، كذلك فعل أبو بكر الصديق رضي الله عنه فكان سيفه فيهم سيف حق إلى أن تقوم الساعة ، وكذلك الخليفة الرابع وهو علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان سيفه في الخوارج سيف حق إلى أن تقوم الساعة ، فأعز الله الكريم دينه بخلافتهم ، وأذلوا الأعداء ، وظهر أمر الله ، ولو كره المشركون ، وسنوا للمسلمين السنن الشريفة ، وكانوا بركة على جميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم من أهل السنة والجماعة ، وأما ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه روى سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : « الخلافة ثلاثون سنة » ثم قال : أمسك أبو بكر سنتين ، وعمر عشرا ، وعثمان ثنتا عشرة ، وعلي ستا ، وكذا ولوها ، وكذا روى أبو بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم شبيها بهذا ، وقال صلى الله عليه وسلم : « الأئمة من قريش » وقول النبي صلى الله عليه وسلم : « عليكم بسنتي ، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضوا عليها بالنواجذ » وسنذكر السنن والآثار في ذلك
__________
(1) سورة : النور آية رقم : 55

1156 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدثنا علي بن الجعد قال : أخبرني حماد بن سلمة ، عن سعيد بن جمهان ، عن سفينة قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : « الخلافة ثلاثون سنة » ثم قال : أمسك ، خلافة أبي بكر سنتان ، وعمر عشر ، وعثمان ثنتا عشرة ، وعلي ست قال علي بن الجعد : قلت لحماد بن سلمة : سفينة القائل : أمسك قال : نعم

1157 - وحدثني عمر بن أيوب السقطي قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال : حدثنا يزيد بن هارون ، وهشيم بن بشير قالا : أنبأنا العوام بن حوشب قال : حدثنا سعيد بن جمهان قال : سمعت سفينة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الخلافة في أمتي ثلاثون سنة » فحسبنا فوجدنا أبا بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعليا رضي الله عنهم

1158 - وأنبأنا إبراهيم بن موسى الجوزي قال : حدثنا محمد بن إشكاب قال : حدثنا عمرو بن عون قال : حدثنا هشيم ، عن العوام ، عن سعيد بن جمهان ، عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الخلافة في أمتي ثلاثون سنة » قال : فعدوا ذلك فوجدوه قال محمد بن الحسين رحمه الله : ولحديث سفينة طرق جماعة

1159 - وحدثنا أبو بكر عبد الله بن أبي داود قال حدثنا إبراهيم بن الحسن المقسمي قال ابن أبي داود : ولم نكتبه إلا عنه ، وكان أبي يسأل عنه قال : حدثنا الحجاج بن محمد قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال : وفدنا مع زياد على معاوية رحمه الله فلما دخلنا عليه قال لأبي : يا أبا بكرة حدثنا بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « الخلافة ثلاثون ، ثم تكون ملكا »

1160 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا محمد بن رزق الله الكلوذاني قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني الليث بن سعد قال : حدثني خالد بن يزيد قال : حدثني سعيد بن أبي هلال ، عن ربيعة بن سيف ، عن شفي بن ماتع قال : سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « ليكونن منكم اثنا عشر خليفة أبو بكر الصديق ، لا يلبث بعدي إلا قليلا ، وصاحب رحا دارة العرب يعيش حميدا ، ويموت شهيدا » فقال رجل : من هو يا رسول الله ؟ قال : « عمر بن الخطاب » ثم التفت إلى عثمان بن عفان فقال : « وأنت يسألك الناس أن تخلع قميصا كساكه الله عز وجل فوالذي بعثني بالحق لئن خلعته لم تدخل الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط » فقال رجل من قومه : ما لنا ولهذا ، إنما جلسنا لتذكرنا قال : فقال : أما لو تركتني لأخبرتك بما قال فيهم واحدا واحدا «

1161 - وأنبأنا أبو عبد الله أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي قال : حدثنا يحيى بن معين قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثنا الليث بن سعد ، عن خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن ربيعة بن سيف قال : كنا عند شفي الأصبحي ، فقال : سمعت عبد الله بن عمرو يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « يكون خلفي اثنا عشر خليفة ، أبو بكر لا يلبث خلفي إلا قليلا ، وصاحب رحا داره العرب يعيش حميدا ، ويموت شهيدا » قالوا : ومن هو ؟ قال : « عمر بن الخطاب » قال : ثم التفت إلى عثمان فقال : « يا عثمان ، إن كساك الله قميصا ، فأرادك الناس على خلعه ، فلا تخلعه فوالذي نفسي بيده لئن خلعته ، لا ترح ريح الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط » قال محمد بن الحسين رحمه الله : وقد ولي الخلافة بعد أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي رضي الله عنهم خلق كثير فمنهم من عدل فأجره على الله ، ومنهم من قصر فيما يجب لله عز وجل عليه وأسرف ، وقد ورد الجميع إلى الله عز وجل وهو أحكم الحاكمين ، وقد أمرنا نحن بالسمع والطاعة لهم في غير معصية ، وبالصلاة خلفهم ، وبالجهاد معهم ، وبالحج معهم ، مع البر منهم والفاجر ، والعدل منهم والجائر ، ولا نخرج عليهم ، والصبر حتى يفرج الله عز وجل ، قال رجل للحسن : يا أبا سعيد ما تقول في أمرائنا هؤلاء ؟ فقال الحسن : « ما عسى أن أقول فيهم ، هم لحجنا ، وهم لغزونا ، وهم لقسم فيئنا ، وهم لإقامة حدودنا ، والله إن طاعتهم لغيظ ، وإن فرقتهم لكفر ، وما يصلح الله بهم أكثر مما يفسد » وقيل للحسن : يا أبا سعيد إن خارجيا خرج بالحريبة ، فقال : « المسكين رأى منكرا فأنكره ، فوقع فيما هو أنكر منه »

باب بيان خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه بعد رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال محمد بن الحسين رحمه الله : اعلموا رحمنا الله وإياكم أنه لم يختلف من شمله الإسلام وأذاقه الله الكريم طعم الإيمان أنه لم يكن خليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلا أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، لا يجوز لمسلم أن يقول غير هذا ، وذلك لدلائل خصه الله الكريم بها ، وخصه بها النبي صلى الله عليه وسلم في حياته ، وأمر بها بعد وفاته ، منها : أنه أول من أسلم من الرجال ، وأول من صدق الرسول صلى الله عليه وسلم ، وصحبه وأحسن الصحبة ، وأنفق عليه ماله ، وصاحبه في الغار ، والمنزل عليه السكينة ، وعاتب الله عز وجل الخلق كلهم في النبي صلى الله عليه وسلم إلا أبا بكر ، فإنه أخرجه من المعاتبة ، وهو قوله عز وجل : ( إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار (1) ) الآية ، والصابر معه بمكة في كل شدة ، ورفيقه في الهجرة ، ومرض النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم يمكنه الخروج إلى الصلاة فأمر أن يتقدم أبو بكر ، فيصلي بالناس ، ولا يتقدم غيره ، وصلى صلى الله عليه وسلم خلفه ، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم يصلح بين بني عمرو بن عوف ، وقال لبلال : « إن أبطأت فقدم أبا بكر فليصل بالناس » وقال صلى الله عليه وسلم : « إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر » وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وهما في الغار وقد علم صلى الله عليه وسلم أن أبا بكر إنما حزنه على النبي صلى الله عليه وسلم وإشفاقه عليه ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : « يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما ؟ » فكل هذه الخصال الشريفة الكريمة دلت على أنه الخليفة بعده ، لا يشك في هذا مؤمن وأما ما كان بعد وفاته فإنه رواه جبير بن مطعم أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم ، فكلمته في شيء فأمرها أن ترجع إليه فقالت : يا رسول الله ، أرأيت إن لم أجدك تعرض بالموت فقال لها : « إن لم تجديني فأتي أبا بكر » ثم بايعه المهاجرون والأنصار معرفة منهم بحق أبي بكر وفضله ، وبايعه علي بن أبي طالب رضي الله عنه لهو أول من بايعه من بني هاشم وروى الشعبي عن شقيق بن سلمة قال : قيل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وقت ما قتل : استخلف علينا ؟ فقال : ما أستخلف ، ولكن إن يرد الله عز وجل بهذه الأمة خيرا يجمعهم على خيرهم كما جمعهم بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم ، على خيرهم وروي أن أبا بكر رضي الله عنه قام بعدما بويع له وبايع له علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وأصحابه قام ثلاثا يقول : أيها الناس قد أقلتكم بيعتكم ، هل من كاره ؟ قال : فيقوم علي رضي الله عنه في أوائل الناس فيقول : لا والله لا نقيلك ولا نستقيلك ، قدمك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمن ذا الذي يؤخرك ؟ وقال علي رضي الله عنه في حديث طويل ، وقد دخل عليه عبد الله بن الكوا ، وقيس بن عباد ، وقد سألاه بعد رجوعه من قتال الجمل فقالا : هل معك عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : أما أن يكون عندي عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلا والله ، ولو كان عندي عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما تركت أخا تيم بن مرة ولا ابن الخطاب على منبره ، ولو لم أجد إلا يدي هذه ، ولكن نبيكم صلى الله عليه وسلم ، نبي رحمة لم يمت فجأة ، ولم يقتل قتلا ، مرض ليالي وأياما ، وأياما وليالي ، يأتيه بلال فيؤذنه بالصلاة ، فيقول : « مروا أبا بكر فليصل بالناس » وهو يرى مكاني ، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرنا في أمرنا فإذا الصلاة عضد الإسلام وقوام الدين ، فرضينا لدنيانا من رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا ، فولينا الأمر أبا بكر ، فأقام أبو بكر رحمه الله بين أظهرنا ، الكلمة جامعة ، والأمر واحد لا يختلف عليه منا اثنان ، ولا شهد أحد منا على أحد بالشرك ، ولا يقطع منه البراءة ، فكنت والله آخذ إذا أعطاني ، وأغزو إذا أغزاني ، وأضرب بيدي هذه الحدود بين يديه فلما حضرت أبا بكر الوفاة ولاها عمر رضي الله عنه قال محمد بن الحسين رحمه الله : ثم ذكر علي رضي الله عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فذكر من فضله ومن شرفه وبيعته له ورضاه بذلك والسمع والطاعة له ، وسنذكر ما قاله في الجميع إن شاء الله وصدق علي رضي الله عنه ، وروي عن الحسن قال : قال علي رضي الله عنه قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رحمه الله فصلى بالناس ، وقد رأى مكاني ، وما كنت غائبا ولا مريضا ، ولو أراد أن يقدمني لقدمني فرضينا لدنيانا من رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا وروى عبد خير قال : سمعت علي بن أبي طالب كرم الله وجهه يقول : قبض الله تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم على خير ما قبض عليه نبي من الأنبياء قال : فأثنى عليه قال : ثم استخلف أبو بكر رضي الله عنه فعمل بعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسنته ، ثم قبض أبو بكر رضي الله عنه على خير ما قبض الله عز وجل عليه أحدا ، وكان خير هذه الأمة بعد نبيها ، ثم استخلف عمر رضي الله عنه فعمل بعملهما وسنتهما ، ثم قبض على خير ما قبض عليه أحد ، وكان خير هذه الأمة بعد نبيها ، وبعد أبي بكر ، وقال علي رضي الله عنه : سبق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وثنى أبو بكر ، وثلث عمر ، يعني سبق رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفضل ، وثنى أبو بكر بعده بالفضل ، وثلث عمر بالفضل بعد أبي بكر قال محمد بن الحسين : هذا كله مع ما يروى عن علي رضي الله عنه ، في فضل أبي بكر ، وعمر رضي الله عنهما ما يدل على ما قلنا ، وسنذكر فضلهما من قول علي رضي الله عنهم ما يقر الله الكريم به أعين المؤمنين ، ويسخن به أعين المنافقين ، ويذل نفس كل رافضي وناصبي قد خطى بهم عن طريق الحق ، وسلك بهما طرق الشيطان فاستحوذ عليهم ، فهم في غيهم يترددون ، وعن طريق الرشاد متنكبون
__________
(1) سورة : التوبة آية رقم : 40
باب ذكر الأخبار التي دلت على ما قلنا

1162 - حدثنا أبو العباس عبد الله بن الصقر السكري قال : حدثنا أبو مروان محمد بن عثمان العثماني قال : حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن أبيه ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه قال : أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة فكلمته في شيء فأمرها أن ترجع إليه فقالت : يا رسول الله : أرأيت إن لم أجدك ؟ كأنها تعني الموت فقال : « إن لم تجديني ائتي أبا بكر »

1163 - وحدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد قال : حدثنا محمد بن رزق الله الكلوذاني قال : حدثنا يزيد بن هارون قال : حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن أبيه قال : أخبرني محمد بن جبير بن مطعم أن أباه جبير بن مطعم حدثه أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكلمته في شيء فأمرها بأمر فقالت : إن جئت يا رسول الله فلم أجدك ؟ تعرض بالموت فقال لها : « إن لم تجديني فأتي أبا بكر »

1164 - وحدثنا أبو بكر قاسم بن زكريا المطرز قال : حدثنا عمار بن الحسن ومحمد بن حميد الرازي قالا : حدثنا أبو تميلة وهو يحيى بن واضح قال : حدثنا نافع بن عمر ، عن ابن أبي مليكة قال : قال رجل لأبي بكر : يا خليفة الله قال : « لست بخليفة الله ، ولكني خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم »

1165 - وأنبأنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدثني جدي قال : حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة قال : حدثني نافع بن عمر ، عن ابن أبي مليكة قال : قيل لأبي بكر رضي الله عنه : يا خليفة الله قال : « أنا خليفة محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنا راض بذلك يعني فكره أن يقال : يا خليفة الله عز وجل »

1166 - وأنبأنا أبو القاسم أيضا قال : حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب قال : حدثنا يحيى بن سليم الطائفي قال : حدثنا جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن عبد الله بن جعفر الطيار رضي الله عنهم قال : ولينا أبو بكر رضي الله عنه « فخير خليفة أرحمه بنا وأحناه علينا »

1167 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا أيوب بن منصور الضبعي قال : حدثنا شبابة يعني : ابن سوار قال : حدثنا شعيب بن ميمون ، عن حصين بن عبد الرحمن ، وأبي حباب كلاهما عن الشعبي ، عن شقيق بن سلمة قال : قيل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه : استخلف علينا قال : « ما أستخلف ، ولكن إن يرد الله عز وجل بهذه الأمة خيرا يجمعهم على خيرهم كما جمعهم بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم على خيرهم »

1168 - وحدثنا ابن أبي داود قال : حدثنا أيوب بن محمد الوزان قال : حدثنا مروان قال : حدثنا مساور الوراق ، عن عمرو بن سفيان قال : خطبنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم الجمل فقال : أما بعد ، فإن الإمارة لم يعهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها عهدا فنتبع أمره ، ولكنا رأيناها من تلقاء أنفسنا ، استخلف أبو بكر رحمه الله فأقام واستقام ، ثم استخلف عمر فأقام واستقام

1169 - وحدثنا أبو حفص عمر بن أيوب السقطي قال : حدثنا محمد بن معاوية بن مالج قال : حدثنا علي بن هاشم ، عن أبيه ، عن أبي الجحاف ، قال : قام أبو بكر رضي الله عنه بعدما بويع له وبايع له علي رضي الله عنه وأصحابه قام ثلاثا يقول : « أيها الناس ، قد أقلتكم بيعتكم هل من كاره ؟ قال : فيقوم علي رضي الله عنه أوائل الناس يقول : لا والله لا نقيلك ، ولا نستقيلك قدمك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمن ذا الذي يؤخرك »

1170 - أنبأنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار قال : حدثنا محمد بن هارون الفلاس قال : حدثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل قال : حدثنا أبو إدريس تليد بن سليمان قال : حدثنا أبو الجحاف قال : احتجب أبو بكر رضي الله عنه عن الناس ثلاثا يشرف عليهم كل يوم فيقول : « قد أقلتكم بيعتي فبايعوا من شئتم » قال : فيقوم علي بن أبي طالب رضي الله عنه فيقول : لا والله لا نقيلك ، ولا نستقيلك قدمك رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن ذا الذي يؤخرك «

1171 - حدثنا أبو محمد عبد الله بن العباس الطيالسي قال : حدثنا هلال بن العلاء الرقي قال : حدثنا أبي قال : حدثنا إسحاق الأزرق قال : حدثنا أبو سنان ، عن الضحاك بن مزاحم ، عن النزال بن سبرة الهلالي قال : وافقنا من علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ذات يوم طيب نفس ومزاحا فقلنا : يا أمير المؤمنين حدثنا عن أصحابك ، قال : « كل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابي » قلنا : حدثنا عن أصحابك خاصة ، قال : « ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب إلا كان لي صاحبا » قلنا : حدثنا عن أبي بكر قال : « ذاك امرؤ سماه الله عز وجل صديقا على لسان جبريل عليه السلام ، وعلى لسان محمد صلى الله عليه وسلم ، كان خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضيه لديننا فرضيناه لدنيانا » . . . . . . وذكر الحديث

1172 - حدثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد الأعرابي قال : حدثنا إبراهيم بن فهد قال : حدثنا محمد بن خالد الواسطي قال : حدثنا شريك ، عن أبي بكر الهذلي ، عن الحسن قال : قال علي رضي الله عنه : « قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أبا بكر رضي الله عنه يصلي بالناس وقد رأى مكاني ، وما كنت غائبا ولا مريضا ، ولو أراد أن يقدمني لقدمني ، فرضينا لدنيانا من رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا »

1173 - وحدثنا أبو حفص عمر بن أيوب السقطي قال : حدثنا الحسن بن عرفة قال : حدثنا أبو معاوية الضرير ، عن أبي بكر الهذلي ، عن الحسن قال : دخل عبد الله بن الكوا ، وقيس بن عباد على علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعدما فرغ من قتال الجمل فقالا له : أخبرنا عن مسيرك هذا الذي سرت : رأيا رأيته حين تفرقت الأمة ، واختلفت الدعوة ، إنك أحق الناس بهذا الأمر ، فإن كان رأيا رأيته أجبناك في رأيك ، وإن كان عهدا عهد إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنت الموثوق المأمون على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما تحدث عنه ، قال : فتشهد علي رضي الله عنه قال : وكان القوم إذا تكلموا تشهدوا ، قال : فقال : أما أن يكون عندي عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا والله ، ولو كان عندي عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تركت أخا تيم بن مرة ، ولا ابن الخطاب على منبره ، ولو لم أجد إلا يدي هذه ، ولكن نبيكم صلى الله عليه وسلم نبي رحمة ، لم يمت فجأة ، ولم يقتل قتلا ، مرض ليالي وأياما ، وأياما وليالي ، فيأتيه بلال فيؤذنه بالصلاة ، فيقول مروا أبا بكر فليصل بالناس ، وهو يرى مكاني ، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نظرنا في أمرنا ، فإذا الصلاة عضد الإسلام وقوام الدين فرضينا لدنيانا من رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لديننا فولينا الأمر أبا بكر رضي الله عنه ، فأقام أبو بكر رحمه الله بين أظهرنا ، الكلمة جامعة ، والأمر واحد لا يختلف عليه منا اثنان ، ولا يشهد أحد منا على أحد بالشرك ، ولا نقطع منه البراءة ، فكنت والله آخذ إذا أعطاني ، وأغزو إذا أغزاني ، وأضرب بيدي هذه الحدود بين يديه ، فلما حضرت أبا بكر الوفاة ولاها عمر رحمه الله فأقام عمر بين أظهرنا ، الكلمة جامعة والأمر واحد لا يختلف عليه منا اثنان ، ولا يشهد أحد منا على أحد بالشرك ، ولا نقطع منه البراءة ، فكنت والله آخذ إذا أعطاني ، وأغزوا إذا أغزاني ، وأضرب بيدي هذه الحدود بين يديه فلما حضرت عمر رضي الله عنه الوفاة ظن أنه إن يستخلف خليفة فيعمل ذلك الخليفة بخطيئة إلا لحقت عمر في قبره ، فأخرج منها ولده وأهل بيته ، وجعلها في ستة رهط من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فيها عبد الرحمن بن عوف ، فقال : هل لكم أن أدع نصيبي منها على أن أختار لله ولرسوله وأخذ ميثاقنا على أن نسمع ونطيع لمن ولاه أمرنا ، فضرب بيده يد عثمان فبايعه فنظرت في أمري ، فإذا طاعتي قد سبقت بيعتي ، وإذا الميثاق في عنقي لعثمان فاتبعت عثمان رحمه الله لطاعته حتى أديت له حقه

1174 - حدثنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار قال : حدثنا أبو جعفر أحمد بن عبد الله بن زياد التستري قال : حدثنا سليمان بن الحكم قال : حدثنا سليمان بن عمرو النخعي ، عن عبد الملك بن عمير ، عن سويد بن غفلة قال : لما بايع الناس أبا بكر الصديق رضي الله عنه ، قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : « يا أيها الناس ، أذكركم بالله ، أيما رجل ندم على بيعتي لما قام على رجليه قال : فأكب الناس كأنما صب على رءوسهم السخن قال : فقام إليه علي بن أبي طالب ، ومعه السيف ، فدنا منه حتى وضع رجلا على عتبة المنبر والأخرى على الحصبا فقال : والله لا نقيلك ولا نستقيلك قدمك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمن ذا الذي يؤخرك »

1175 - وحدثني عمر بن أيوب السقطي قال : حدثنا محمد بن معاوية بن مالج قال : حدثنا كثير بن مروان الفلسطيني ، عن الحسن بن عمارة ، عن المنهال بن عمرو ، عن سويد بن غفلة قال : مررت بنفر من الشيعة يتناولون أبا بكر ، وعمر رضي الله عنهما وينتقصونهما ، فدخلت على علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقلت : يا أمير المؤمنين ، مررت بنفر من أصحابك يذكرون أبا بكر ، وعمر بغير الذي هما فيه من الأمة أهل ، ولولا أنهم يرون أنك تضمر لهما مثل ما أعلنوا ما اجترءوا على ذلك قال علي رضي الله عنه : « أعوذ بالله ، أعوذ بالله أن أضمر لهما إلا الذي أتمنى عليه المضي ، لعن الله من أضمر لهما إلا الحسن الجميل ، أخوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصاحباه ووزيراه رحمة الله عليهما ، ثم قام دامع العين يبكي قابضا على يدي حتى دخل المسجد فصعد المنبر ، وجلس عليه متمكنا قابضا على لحيته ينظر فيها ، وهى بيضاء ، حتى اجتمع له الناس ، ثم قام فتشهد بخطبة موجزة بليغة ، ثم قال : » ما بال أقوام يذكرون سيدي قريش وأبوي المسلمين بما أنا عنه متنزه ، وعما قالوا عنه بريء ، وعلى ما قالوا معاقب ، أما والذي فلق الحبة ، وبرأ النسمة ، لا يحبهما إلا مؤمن تقي ، ولا يبغضهما إلا فاجر رديء ، صحبا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدق والوفاء يأمران وينهيان ويقضيان ويعاقبان ، فما يجاوزان فيما يصنعان رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يرى مثل رأيهما رأيا ، ولا يحب كحبهما أحدا ، مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو عنهما راض ، والمؤمنون عنهما راضون ، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر على صلاة المؤمنين ، فصلى بهم سبعة أيام في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قبض الله تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم ، واختار له ما عنده ، وولاه المؤمنون ذلك ، وفوضوا الزكاة إليه لأنهما مقرونتان ، ثم أعطوه البيعة طائعين غير مكرهين ، أنا أول من سن ذلك له من بني عبد المطلب ، وهو لذلك كاره يود أحدا منا كفاه ذلك ، وكان والله خير من بقي ، وأرأفه رأفة ، وأحسنه ورعا ، وأقدمه سنا وإسلاما ، شبهه رسول الله صلى الله عليه وسلم بميكائيل رأفة ورحمة ، وبإبراهيم عفوا ووقارا ، فسار فينا سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى مضى على أجله ذلك ، ثم ولى الأمر بعده عمر رحمه الله واستأمر المسلمين في هذا فمنهم من رضي به ، ومنهم من كره ، وكنت فيمن رضي فلم يفارق الدنيا حتى رضي به من كان كرهه ، فأقام الأمر على منهاج النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه ، يتبع آثارهما كاتباع الفصيل أثر أمه ، وكان والله رفيقا رحيما بالضعفاء ، وللمؤمنين عونا ، وناصرا للمظلومين على الظالمين ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، ثم ضرب الله عز وجل بالحق على لسانه ، وجعل الصدق من شأنه حتى كنا نظن أن ملكا ينطق على لسانه ، فأعز الله بإسلامه الإسلام ، وجعل هجرته للدين قواما ، وألقى الله عز وجل له في قلوب المنافقين الرهبة ، وفي قلوب المؤمنين المحبة ، شبهه رسول الله صلى الله عليه وسلم بجبريل عليه السلام فظا غليظا على الأعداء ، وبنوح حنقا مغتاظا على الكفار ، الضراء على طاعة الله آثر عنده من السراء على معصية الله ، فمن لكم بمثلهما رحمة الله عليهما ، ورزقنا المضي على أثرهما والحب لهما ، فمن لكم بمثلهما فإنه لا يبلغ مبلغهما إلا باتباع أثرهما ، والحب لهما ، فمن أحبني فليحبهما ، ومن لم يحبهما فقد أبغضني ، وأنا منه بريء ، ولو كنت تقدمت إليكم في أمرهما لعاقبت على هذا أشد العقوبة ، ولكنه لا ينبغي أن أعاقب قبل التقدم ، ألا فمن أتيت به يقول هذا بعد اليوم فإن عليه ما على المفتري ، ألا وإن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ، وعمر ، ثم الله أعلم بالخير أين هو ، أقول قولي هذا ويغفر الله لي ولكم « قال محمد بن الحسين رحمه الله : ونذكر في هذا الباب قصة وفاة أبي بكر رضي الله عنه لما قبض أبو بكر رضي الله عنه ، وسجي عليه ارتجت المدينة بالبكاء كيوم قبض النبي صلى الله عليه وسلم ، فجاء علي بن أبي طالب رضي الله عنه باكيا مسرعا مسترجعا وهو يقول : اليوم انقطعت خلافة النبوة ، حتى وقف على باب البيت الذي فيه أبو بكر ، وأبو بكر رضي الله عنه مسجى فقال : رحمك الله أبا بكر كنت إلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنيسه ومستراحه وثقته وموضع سره ومشاورته ، وكنت أول القوم إسلاما ، وأخلصهم إيمانا ، وأشدهم يقينا ، وأخوفهم لله تبارك وتعالى ، وأعظمهم غناء في دين الله عز وجل ، وأحوطهم على رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأحدبهم على الإسلام ، وأيمنهم على أصحابه ، وأحسنهم صحبة ، وأكثرهم مناقب ، وأفضلهم سوابق ، وأرفعهم درجة ، وأقربهم وسيلة ، وأشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم هديا وسمتا ورحمة وفضلا ، أشرفهم منزلة ، وأكرمهم عليه وأوثقهم عنده ، فجزاك الله عن الإسلام وعن رسوله خيرا ، كنت عنده بمنزلة السمع والبصر ، صدقت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كذبه الناس فسماك الله في تنزيله صديقا فقال في كتابه : ( والذي جاء بالصدق وصدق به (1) ) أبو بكر وآسيته حين بخلوا ، وأقمت معه عند المكاره حين عنه قعدوا ، وصحبته في الشدة أكرم الصحبة ، وصاحبته في الغار ، والمنزل عليه السكينة ، ورفيقه في الهجرة وخلفته في دين الله عز وجل وفي أمته أحسن الخلافة حين ارتد الناس فقمت بالأمر ما لم يقم به خليفة نبي ، فنهضت حين وهن أصحابه ، وبرزت حين استكانوا ، وقويت حين ضعفوا ، ولزمت منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكنت خليفته حقا ، لم تنازع ولم تصدع بزعم المنافقين ، وكبت الكافرين ، وكره الحاسدين ، وفسق الفاسقين وغيظ الباغين ، وقمت بالأمر حين فشلوا وذكر الحديث إلى آخره ، ثم قال : رضينا عن الله قضاه ، وسلمنا له أمره ، والله لن يصاب المسلمون بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بمثلك أبدا وذكر الحديث ، وسنذكره بطوله في موضع آخر إن شاء الله تعالى قال محمد بن الحسين رحمه الله : من يقول على علي بن أبي طالب رضي الله عنه في خلافة أبي بكر رضي الله عنه ، غير ما ذكرنا من بيعته له ورضاه بذلك ، ومعونته له وذكر فضله فقد افترى على علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ونحله إلى ما قد برأه الله عز وجل منه من مذاهب الرافضة الذين قد خطئ بهم عن سبيل الرشاد ، فإن قال : فإنه قد روي أن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه لم يبايع أبا بكر رضي الله عنه ، إلا بعد أشهر ، ثم بايعه قيل له : إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عند من عقل عن الله عز وجل أعلى قدرا ، وأصوب رأيا مما تنحله إليه الرافضة ، وذلك أن الذي ينحل هذا إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه عليه فيه أشياء لو عقل ما يقول كان سكوته أولى به من الاحتجاج به ، بل ما يعرف عن علي رضي الله عنه ، غير ما تقدم ذكرنا له من الرضا والتسليم بخلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وكذا أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشهدون لأبي بكر رضي الله عنه بالخلافة والفضل
__________
(1) سورة : الزمر آية رقم : 33

1176 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي قال : حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب قال : ثنا يحيى بن سليم قال : حدثنا جعفر بن محمد ، عن أبيه عن عبد الله بن جعفر الطيار رضي الله عنه قال : ولينا أبو بكر رحمه الله « فخير خليفة أرحمه بنا وأحناه علينا » قال محمد بن الحسين رحمه الله : فإن قال قائل : فقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : كانت بيعة أبي بكر فلتة ، وقى الله شرها قيل له : إن كنت ممن يعقل فاعلم أن هذا مدح لبيعة أبي بكر رضي الله عنه ، وليس هو ذما لها يا جاهل ، فإن قال : كيف ؟ قيل له : لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم ، ودفن اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة فمضى إليهم أبو بكر ومعه عمر رضي الله عنهما ، وخشي أن يحدثوا شيئا لا يستدرك سريعا فكلمهم بما يحسن ، ويجمل من الكلام ، ووعظهم فقال منهم قائل : منا أمير ومنكم أمير قال محمد بن الحسين رحمه الله : فلو تم هذا لكان فيه بلاء عظيم ، واختلفت الكلمة ؛ لأنه لا يجوز أن يكونا خليفتين في وقت واحد ، فقام عمر رضي الله عنه بتوفيق الله الكريم له فقال : لأن أقدم فتضرب عنقي أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر ، ثم قال لأبي بكر : مد يدك أبايعك ، فمد يده فبايعه ، فعلمت الأنصار وجميع المهاجرين أن الحق فيما فعله عمر فبايعه الجميع طائعين غير مكرهين لم يختلفوا عليه ، وجاء علي بن أبي طالب فبايعه ، وجاء الزبير فبايعه ، وجاء بنو هاشم فبايعوه ، فقول عمر رضي الله عنه : كانت بيعة أبي بكر فلتة يعني : افتلتت من أن يكون للشيطان فيها نصيب ، لم يسفك فيها دم ، ولم يختلف عليه الناس ، فهذا مدح لها ليس بذم يا من يطلب الفتنة اعقل إن كنت تعقل

1177 - حدثنا أبو الفضل العباس بن علي بن العباس النسائي قال : حدثنا مشرف بن سعيد الواسطي قال : حدثنا أحمد بن داود أبو سعيد قال : حدثنا محمد بن يزيد الواسطي ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن زر ، عن عبد الله بن مسعود قال : « كان رجوع الأنصار يوم سقيفة بني ساعدة بكلام قاله عمر رضي الله عنه : ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم أبا بكر فصلى بالناس ؟ قالوا : اللهم نعم قال : فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر ؟ قالوا : كلنا لا تطيب نفسه نحن نستغفر الله عز وجل »

1178 - حدثنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار قال : حدثنا الحسن بن عرفة قال : حدثنا أبو معاوية محمد بن خازم الضرير ، عن عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي ، عن عبد الله بن أبي مليكة ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : لما ثقل (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن بن أبي بكر : « ائتني بكتف حتى أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه بعدي قالت : فلما قام عبد الرحمن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » أبى الله والمؤمنون أن يختلف على أبي بكر « قال محمد بن الحسين رحمه الله : كان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ما اختلف على أبي بكر رضي الله عنه بل تتابع المهاجرون والأنصار وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وبنو هاشم على بيعته والحمد لله على رغم أنف كل رافضي مقموع ذليل ، قد برأ الله عز وجل علي بن أبي طالب أمير المؤمنين رضي الله عنه عن مذهب السوء
__________
(1) الثقل : ضعف الحركة لشدة المرض أو لكبر السن أو لامتلاء الجسم أو لِلْهَم وغيره

باب ذكر خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب
رضي الله عنه وعن جميع الصحابة أجمعين قال محمد بن الحسين رحمه الله : وكان أحق الناس بالخلافة بعد أبي بكر رضي الله عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما جعل الله الكريم فيه من الأحوال الشريفة الكريمة والدليل على ذلك أنه لما علم أبو بكر الصديق رضي الله عنه موضع عمر من الإسلام وأن الله عز وجل أعز به الإسلام وعلم موضعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، علم قدر ما خصه الله الكريم به من الفضائل فناصح أبو بكر ربه عز وجل في أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فاستخلف عليهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وعلم أن الله مسائله عن ذلك فما ألي جهدا في النصيحة للمسلمين ، ولقد عارض رجل من المهاجرين لأبي بكر رضي الله عنه ، فقال له : أذكرك الله عز وجل واليوم الآخر فإنك قد استخلفت على الناس رجلا فظا غليظا ، وإن الله عز وجل سائلك ، فقال أبو بكر : أجلسوني ، فأجلسوه فقال : أتفرقوني إلا بالله ؟ فإني أقول له تبارك وتعالى إذا لقيته : استخلفت عليهم خير أهلك قال محمد بن الحسين رحمه الله : وصدق أبو بكر الصديق رضي الله عنه وكيف لا يكون عمر رضي الله عنه عنده كذلك والنبي صلى الله عليه وسلم قال : « لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب » وقال النبي صلى الله عليه وسلم : « اقتدوا باللذين من بعدي : أبي بكر وعمر » وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : ما كنا نبعد أن السكينة تنطبق على لسان عمر وقال أيضا علي رضي الله عنه : إن عمر عبد ناصح الله عز وجل فنصحه ، وزوج علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ابنته أم كلثوم بعمر رضي الله عنه ، وقتل عمر رضي الله عنه وهى عنده وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : سبق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وثنى أبو بكر رضي الله عنه ، وثلث عمر رضي الله عنه يعني سبق رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفضل ، وثنى أبو بكر بعده بالفضل ، وثلث عمر بعدهما بالفضل وقال ابن مسعود رحمه الله : « لما أسلم عمر رضي الله عنه قال المشركون : انتصف القوم منا كان إسلام عمر عزا ، وكانت هجرته نصرا ، وكانت خلافته رحمة ، والله ما استطعنا أن نصلي ظاهرين حتى أسلم عمر ، وإني لأحسب أن بين عيني عمر رحمه الله ملكا يسدده فإذا ذكر الصالحون فحي هلا بعمر وقال ابن عباس : » لما أسلم عمر رضي الله عنه قال المشركون : انتصف القوم منا « ، وقال ابن عباس : » لما أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه نزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا محمد لقد استبشر أهل السماء اليوم بإسلام عمر ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : « اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك إما بعمر بن الخطاب ، وإما بأبي جهل بن هشام » فسبقت الدعوة في عمر لأن الله عز وجل كان يحبه وقال النبي صلى الله عليه وسلم : « إن الله عز وجل جعل الحق على لسان عمر وقلبه » وقال صلى الله عليه وسلم : « قد كان يكون في الأمم محدثون فإن يكن في أمتي أحد فعمر بن الخطاب » وروي عن أنس بن مالك أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : « أقرئ عمر السلام ، وأخبره أن غضبه عز ، ورضاه عدل » قال محمد بن الحسين رحمه الله : ولعمر بن الخطاب رضي الله عنه من الفضائل ما يكثر ذكرها ، وسنذكرها في غير هذا الموضع ثم قال علي رضي الله عنه وقد خطب الناس بالكوفة في خلافته رضي الله عنه على منبر الكوفة لم يكرهه أحد على قوله ، ولم تأخذه في الله لومة لائم فقال : « إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ، ثم عمر » وروى هذا عنه جميع أصحاب علي رضي الله عنه ، ممن مثلهم يصدق على علي رضي الله عنه وروى عنه ابنه محمد ابن الحنفية رضي الله عنه ، فبهذه الأحوال الشريفة وغيرها استخلفه أبو بكر رضي الله عنه ، ورضي به جميع الصحابة ومن بعدهم من التابعين ، وجميع المؤمنين إلى أن تقوم الساعة ، فالحمد لله على ذلك

1179 - أنبأنا أبو جعفر أحمد بن يحيى الحلواني قال : حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال : حدثنا عبد العزيز وهو ابن أبي سلمة قال : حدثني زيد بن أسلم ، عن أبيه ، فيما أعلم قال : كتب عثمان بن عفان رضي الله عنه وصية أبي بكر الصديق رضي الله عنه هذه إلى الخليفة من بعده قال : حتى إذا لم يبق إلا أن يسمي الرجل أخذت أبا بكر غشية قال : وفرق عثمان أن يموت ولم يسم أحدا ، وعرف أنه لا يعدو عمر بن الخطاب ، فكتب في الصحيفة عمر بن الخطاب ، ثم طواها فأفاق أبو بكر وقد علم أنه لم يسم أحدا قال : فرغت قال : نعم قال : من سميت ؟ قال : عمر بن الخطاب قال : رحمك الله وجزاك خيرا فوالله لو توليتها لرأيتك لها أهلا

1180 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا عمرو بن عثمان الحمصي قال : حدثنا بشر بن شعيب ، عن أبيه ، عن الزهري قال : حدثني القاسم بن محمد أن أسماء بنت عميس ، أخبرته أن رجلا من المهاجرين دخل على أبي بكر رضي الله عنه ، حين اشتد وجعه الذي توفي فيه ، فقال : قد استخلف على الناس رجلا فظا غليظا ، فقال أبو بكر : « أتفرقوني بالله عز وجل ؟ فإني أقول لله تعالى : استخلفت عليهم خير أهلك »

1181 - أنبأنا أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح العكبري قال : حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا عبدة يعني : ابن سليمان ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن زبيد اليامي قال : لما حضرت أبا بكر الصديق رضي الله عنه الوفاة بعث إلى عمر رضي الله عنه ليستخلفه ، فكان مما قال له : « إني موصيك بوصية إن حفظتها إن لله عز وجل حقا عليك في الليل لا يقبله في النهار ، وحقا في النهار لا يقبله في الليل ، وإنه لا يقبل نافلة حتى تؤدى الفريضة ، وإنها ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في الدنيا ، وثقله عليهم وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الحق أن يكون ثقيلا ، وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل ، وخفته عليهم وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الباطل أن يكون خفيفا » ثم قال في آخر وصيته : « فإن حفظت قولي هذا لم يكن غائب أحب إليك من الموت ، ولابد لك منه ، وإن ضيعت قولي لم يكن غائب أبغض إليك من الموت ، ولابد لك منه ولن تعجزه » قال محمد بن الحسين رحمه الله تعالى : لقد حفظ عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وصية الله ووصية رسوله صلى الله عليه وسلم ، ووصية خليفة رسول الله في نفسه وفي رعيته بالحق الذي أمر حتى خرج من الدنيا زاهدا فيها وراغبا في الآخرة ، لم تأخذه في الله لومة لائم لا يشك في هذا مؤمن ذاق حلاوة الإيمان

1182 - حدثنا أبو بكر جعفر بن محمد الفريابي قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال : حدثنا عبد الله بن يزيد أبو عبد الرحمن المقرئ قال : حدثنا حيوة بن شريح ، عن بكر بن عمرو ، وعن مشرح بن هاعان قال : سمعت عقبة بن عامر يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب »

1183 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا محمد بن أبي السري العسقلاني قال : حدثنا بشر بن بكر قال : حدثنا أبو بكر بن أبي مريم ، عن حبيب بن عبيد ، عن غضيف بن الحارث ، عن بلال قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « جعل الحق على قلب عمر ولسانه »

1184 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا محمود بن غيلان المروزي قال : قال أنبأنا عبد الرزاق ، قال أنبأنا معمر ، عن عاصم ، عن زر ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : « ما كنا نبعد أن السكينة (1) تنطق على لسان عمر رضي الله عنه »
__________
(1) السكينة : الطمأنينة والمهابة والوقار

1185 - وحدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا محمد بن رزق الله الكلوذاني قال : حدثنا يحيى بن إسحاق السالحيني قال : حدثنا سلمة بن الأسود قال : أخبرني أبو عبد الرحمن قال : دخل علي بن أبي طالب رضي الله عنه على عمر رضي الله عنه وقد سجي (1) بثوبه فقال : ما أحد أحب إلي أن ألقى الله عز وجل بصحيفته من هذا المسجى (2) بينكم ثم قال : رحمك الله ابن الخطاب إن كنت بذات الله لعليما ، وإن كان الله في صدرك لعظيما ، وإن كنت لتخشى الله في الناس ، ولا تخشى الناس في الله عز وجل ، كنت جوادا بالحق ، بخيلا بالباطل ، خميصا من الدنيا ، بطينا من الآخرة ، لم تكن عيابا ، ولا مداحا
__________
(1) سجي : غطي
(2) مسجى : مغطى

1186 - وحدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا محمد بن رزق الله الكلوذاني قال : حدثنا يزيد بن هارون قال : قال : أخبرنا المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن مسعود رحمه الله قال : كان إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه عزا ، وكانت هجرته نصرا ، وكانت خلافته رحمة ، والله ما استطعنا أن نصلي ظاهرين حتى أسلم عمر ، وإني لأحسب أن بين عيني عمر ملكا يسدده ، فإذا ذكر الصالحون فحي هلا بعمر قال محمد بن الحسين رحمه الله : ولعمر بن الخطاب رضي الله عنه من الفضائل عند الله وعند رسوله وعند جميع الصحابة ، رضي الله عنهم ما سنذكره في موضعه إن شاء الله

باب ذكر خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه
، وعن جميع الصحابة قال محمد بن الحسين رحمه الله : لما طعن عمر رضي الله عنه ، وتيقن أنه الموت كان من حسن توفيق الله الكريم له ، ونصيحته لله عز وجل في رعيته ، وحسن النظر لهم حيا وميتا ، أنه جعل الأمر بعده شورى بين جماعة من الصحابة الذين قبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض ، وقد شهد لهم بالجنة ، وأخرج ولده من الخلافة ومن المشورة ، وقال لهم : « من اخترتم منكم أن يكون خليفة فهو خليفة » وهم ستة عثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ، وسعد ، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم ، وجزاهم عن الأمة خيرا ، فما قصروا في الاجتهاد ، فرضي القوم بعثمان بن عفان رضي الله عنه ، فبايعه علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وسائر الصحابة ، لم يختلف عليه واحد منهم لعلمهم بفضله ، وقديم إسلامه ، ومحبته لله ولرسوله ، وبذله لماله لله ولرسوله ، ولفضل علمه ولعظيم قدره عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإكرام النبي صلى الله عليه وسلم له ، لا يشك في ذلك مؤمن عاقل ، وإنما يشك في ذلك جاهل شقي قد خطئ به عن سبيل الرشاد ، ولعب به الشيطان ، وحرم التوفيق فإن قال قائل : فاذكر من بعض مناقبه ، ما إذا سمعها من جهل فضل عثمان رضي الله عنه ، رجع عن مذهبه الخطأ إلى الصواب ، قيل له : أول مناقبه تصديقه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإسلامه ، وتزويج النبي صلى الله عليه وسلم إياه ابنتيه ، ولم يزوجه إلا بوحي من السماء ، روى ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الله تعالى أوحى إلي أن أزوج كريمتي من عثمان بن عفان » قال محمد بن الحسين رحمه الله : زوجه أولا رقية ، فلما ماتت قال النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان رضي الله عنه : « يا عثمان ، هذا جبريل عليه السلام يخبرني أن الله عز وجل ، قد زوجك أم كلثوم بمثل صداق رقية ، وعلى مثل صحبتها » ، وروى أبو هريرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على قبر ابنته الثانية التي كانت عند عثمان ، رضي الله عنه فقال : « ألا أبو أيم ، ألا أخو أيم يزوجها عثمان ، فلو كان لي عشر لزوجتهن عثمان ، وما زوجته إلا بوحي من السماء » ثم اعلموا ، رحمكم الله ، أنه إنما يسمى عثمان ذا النورين ، لأنه لم يجمع بين ابنتي نبي في التزويج واحدة بعد الأخرى من لدن آدم عليه السلام ، إلا عثمان بن عفان رضي الله عنه ، فلذلك سمي ذا النورين ، فهذه أحد مناقبه الشريفة ، ومنها أن عبد الرحمن بن سمرة قال : جاء عثمان بن عفان إلى النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، وفي كمه ألف دينار فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم ثم ولى « قال عبد الرحمن بن سمرة : فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقلبها بيده في حجره ويقول : » ما ضر عثمان ما فعل بعد هذا اليوم أبدا « وقال قتادة : » إن عثمان رضي الله عنه جهز في جيش العسرة تسعمائة وثلاثين بعيرا وسبعين فرسا « وقال ابن شهاب الزهري : » حمل عثمان بن عفان رضي الله عنه في غزوة تبوك على تسعمائة بعير وأربعين بعيرا ، ثم جاء بستين فرسا فأتم بها الألف « وقال النبي صلى الله عليه وسلم : » من يشتري بئر رومة ، فيجعلها سقاية للمسلمين ، غفر الله له « فاشتراها عثمان رضي الله عنه ، ثم ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : » اجعلها سقاية للمسلمين وأجرها لك « وقال النبي صلى الله عليه وسلم : » لكل نبي رفيق ورفيقي عثمان بن عفان « وقال النبي صلى الله عليه وسلم : » إن الملائكة لتستحيي من عثمان بن عفان « وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : » يشفع عثمان بن عفان يوم القيامة لمثل ربيعة ومضر « ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بفتن كائنة تكون بعده ، وأخبر أن عثمان ، رضي الله عنه بريء منها وأخبر أنه يقتل مظلوما ، وأمره بالصبر ، فصبر رضي الله عنه ، حتى قتل مظلوما وقد اجتهد أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم ورحم أصحابه - في نصرته ، فمنعهم وقال : أنتم في حل من بيعتي ، وإني لأرجو أن ألقى الله عز وجل سالما مظلوما » و « كان يحيي الليل كله بركعة يختم فيها القرآن » ومناقبه كثيرة شريفة عند من يعقل ممن نفعه الله الكريم بالعلم ، سنذكرها إن شاء الله في موضعها

1187 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي قال : سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول : لو لم يكن في عثمان رضي الله عنه إلا هاتان الخصلتان كفتاه : « جمعه المصحف ، وبذله دمه دون دماء المسلمين » وروي عن جندب قال : قال حذيفة رحمه الله : قد ساروا إليه ، والله ليقتلنه قال : قلت : فأين هو ؟ قال : في الجنة . قال : قلت : فأين قتلته ؟ قال : في النار والله

1188 - وحدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال : حدثنا ابن المبارك ، عن ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب قال : بلغني أن عامة الركب ، الذي ساروا إلى عثمان رضي الله عنه جنوا « قال ابن المبارك : وكان الجنون لهم قليلا قال محمد بن الحسين رحمه الله : ولقد أنكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل عثمان رضي الله عنه إنكارا شديدا ، وبكوا عليه ، ورثوه . أولهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه ألقى عن رأسه عمامة سوداء ، ونادى ثلاثا : اللهم ، إني أبرأ إليك من دم ابن عفان ، اللهم لا أرضى قتله ، ولا آمر به . وبكى عليه زيد بن ثابت بكاء شديدا ، ورثاه كعب بن مالك الأنصاري ، وأنكر ذلك عبد الله بن سلام ، وحذيفة ، وسعيد بن زيد قال لهم أعني الذين ساروا إليه فقتلوه : » لو أن أحدا انقض لما صنعتم بعثمان لكان محقوقا أن ينقض ، وحمل الحسن بن علي رضي الله عنهما من دار عثمان رضي الله عنه جريحا . وأما ذكرنا قصة ما جعل عمر رضي الله عنه الأمر إلى من ذكرنا من الصحابة رضي الله عنهم المشهود لهم بالجنة ، حتى اختاروا عثمان بن عفان رضي الله عنه خليفة للمسلمين

1189 - فحدثنا أبو شعيب عبد الله بن الحسن الحراني قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي قال : حدثنا عبيد الله بن عمر ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن عمرو بن مرة ، عن خيثمة بن عبد الرحمن قال : لما حضر عمر بن الخطاب رضي الله عنه الموت أمر الستة النفر بالشورى ، وكان طلحة غائبا ، وأمر صهيبا أن يصلي بالناس ثلاثا حتى يستقيم أمرهم على رجل ، قال عمر : « إن استقام أمركم قبل أن يقدم طلحة فأمضوه على ما استقام أمركم عليه ، وإن قدم طلحة قبل أن يستقيم أمركم فأدنوه منكم ، فإنه رجل من المهاجرين » ، فلما اجتمعوا وكانوا خمسة ، فإذا أمرهم لا يستقيم ، فقال عبد الرحمن بن عوف رحمه الله : إنكم لا تستقيمون على أمر وأنتم خمسة . . ، فليعاد كل رجل منكم ، وأنا عديد الغائب « ، فتعاد علي والزبير ، فولى الزبير أمره عليا ، وتعاد عثمان وسعد ، فولى سعد أمره عثمان ، فقال عبد الرحمن للزبير وسعد : وليتما أمركما عليا وعثمان ، فاعتزلا ، وخلا عبد الرحمن وعلي وعثمان ، فقال عبد الرحمن لعلي وعثمان : أنتما بنو عبد مناف ، فاختارا : إما أن تتبرءا من الإمرة ، فأوليكما الأمر ، فتختارا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم رجلا ، وإما أن تولياني ذلك وأبرأ من الإمرة . فولياه ذلك ، فدعا ربه ساعة ، ورفع يديه ، ثم أخذ بيد علي فقال : الله عليك راع إن أنا بايعتك لتعدلن في أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ولتتقين الله عز وجل وإن أنا لم أبايعك لتسمعن ولتطيعن لمن بايعت . فقال علي رضي الله عنه : نعم ثم أخذ بيد عثمان رضي الله عنه فقال : الله عليك راع إن أنا بايعت غيرك ، لتسمعن ولتطيعن ، قال عثمان : نعم ، ثم صفق على يد عثمان رضي الله عنهم أجمعين

1190 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدثنا أبو عبيد الله المخزومي المكي قال : حدثنا سفيان ، عن يحيى بن صبيح ، عن قتادة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن معدان بن أبي طلحة ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : « قد جعلت الأمر من بعدي إلى هؤلاء الستة الذين قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض : عثمان ، وعلي ، وعبد الرحمن ، وسعد وطلحة ، والزبير ، فمن استخلفوا منهم فهو الخليفة »

1191 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد قال : حدثنا عبد الله بن إدريس ، عن شعبة ، عن عبد الملك بن ميسرة ، عن النزال بن سبرة الهلالي قال : ما خطب عبد الله بن مسعود خطبة إلا شهدتها ، فشهدته حين نعي عمر بن الخطاب رضي الله عنه وذكر عثمان رضي الله عنه فقال : « أمرنا خير من بقي ولم نألوا »

1192 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا منجاب بن الحارث قال : حدثنا علي بن مسهر ، عن مسعر بن كدام ، عن عبد الملك بن ميسرة ، عن النزال بن سبرة قال : سمعت عبد الله بن مسعود : حين استخلف عثمان يقول : « أمرنا خير من بقي ولم نألوا »

1193 - أخبرنا أبو زكريا يحيى بن محمد بن البختري الحنائي قال : حدثنا محمد بن عبيد بن حساب قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن عبد الله بن المختار ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن أبي وائل قال : قدم علينا عبد الله بن مسعود ، فنعى (1) إلينا عمر رضي الله عنه فلم أر يوما أكثر باكيا حزينا منه ، ثم قال عبد الله : « والذي نفسي بيده ، لو أنى أعلم أن عمر كان يحب كلبا لأحببته ، وإنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أجمعنا فبايعنا عثمان ، فلم نألوا عن خيرنا وأفضلنا ذا فوق »
__________
(1) النعي : الإخبار بالموت يقال : نَعَى الميِّتَ يَنْعاه نَعْياً ونَعِيّاً، إذا أذاعَ موته، وأخْبَر به، وإذا ندَبَه

باب ذكر خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله
عنه وعن ذريته الطيبة قال محمد بن الحسين رحمه الله : اعلموا رحمنا الله وإياكم أنه لم يكن بعد عثمان رضي الله عنه أحد أحق بالخلافة من علي رضي الله عنه لما أكرمه الله عز وجل به من الفضائل التي خصه الله الكريم بها ، وما شرفه الله عز وجل به من السوابق الشريفة ، وعظيم القدر عند الله عز وجل وعند رسوله صلى الله عليه وسلم ، وعند صحابته رضي الله عنهم وعند جميع المؤمنين ، قد جمع له الشرف من كل جهة ، ليس من خصلة شريفة إلا وقد خصه الله عز وجل بها : ابن عم الرسول ، وأخو النبي صلى الله عليه وسلم ، وزوج فاطمة الزهراء رضي الله عنها وأبو الحسن والحسين ريحانتي النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن كان النبي صلى الله عليه وسلم له محبا ، وفارس العرب ومفرج الكرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمر الله عز وجل نبيه بالمباهلة لأهل الكتاب لما دعوه إلى المباهلة ، فقال الله عز وجل : ( قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم (1) ) فأبناؤنا وأبناؤكم : فالحسن والحسين رضي الله عنهما ونساؤنا ونساؤكم : فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنفسنا وأنفسكم : علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : « لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله » ، ثم دعا عليا رضي الله عنه فدفع إليه الراية ، وذلك يوم خيبر ؛ ففتح الله الكريم على يديه ، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه محب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، وأن الله عز وجل ورسوله محبان لعلي رضي الله عنه ، وروى بريدة الأسلمي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « أمرني ربي عز وجل بحب أربعة ، وأخبرني أنه يحبهم إنك يا علي منهم ، إنك يا علي منهم ، إنك يا علي منهم ثلاثا » ، وسئلت عائشة رضي الله عنها عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقالت : « ما رأيت رجلا قط كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ، ولا امرأة أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من امرأته » وروي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال « يا محمد إن الله عز وجل يأمرك أن تحب عليا وتحب من يحب عليا » وروى أنس بن مالك قال : أتي النبي صلى الله عليه وسلم بطير جبلي ، فقال : « اللهم ، ائتني برجل يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله » ، فإذا علي بن أبي طالب يقرع الباب ، فقال أنس : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشغول ، ثم أتى الثانية والثالثة ، فقال : « يا أنس ، أدخله ، فقد عنيته » فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « اللهم ؛ إلي اللهم ؛ إلي » وقال النبي صلى الله عليه وسلم : « أنت مني بمنزلة هارون من موسى » وذلك لما خلفه في غزوة تبوك على المدينة ، فقال قوم من المنافقين كلاما لم يحسن ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « إنما خلفتك على أهلي فهلا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي » وقال صلى الله عليه وسلم : « من كنت مولاه فعلي مولاه » وقال صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه : « لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق » وقال النبي صلى الله عليه وسلم : « من آذى عليا فقد آذاني » وقال جابر بن عبد الله : ما كنا نعرف منافقينا معشر الأنصار إلا ببغضهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وروي عن أبي عبد الله الحبلي قال : دخلت على أم سلمة فقالت لي : أيسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكم ؟ فقلت : معاذ الله فقالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « من سب عليا فقد سبني » ولما آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه وعلي رضي الله عنه حاضر لم يؤاخ بينه وبين أحد فقال له علي رضي الله عنه في ذلك فقال : « والذي بعثني بالحق ما أخرتك إلا لنفسي ، فأنت مني بمنزلة هارون من موسى ، غير أنه لا نبي بعدي ، وأنت أخي ووارثي » وقال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها لما زوجها لعلي رضي الله عنه : « لقد زوجتك سيدا في الدنيا وسيدا في الآخرة » وروى أبو سعيد الخدري قال : كنا عند بيت النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من المهاجرين والأنصار ، فخرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم فقال : « ألا أخبركم بخياركم ؟ » قلنا : بلى . قال : « خياركم الموفون المطيبون إن الله عز وجل يحب الخفي التقي » قال ومر علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « الحق مع ذا الحق مع ذا » قال محمد بن الحسين رحمه الله : ومناقب علي رضي الله عنه وفضائله أكثر من أن تحصى ، ولقد أكرمه الله عز وجل بقتال الخوارج ، وجعل سيفه فيهم ، وقتاله لهم سيف حق إلى أن تقوم الساعة فلما قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه وبرأه الله من قتله وأفضت الخلافة إليه كما روى سفينة وأبو بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : « الخلافة بعدي ثلاثون سنة » فلما مضى أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم كان علي رضي الله عنه الخليفة الرابع ، فاجتمع الناس بالمدينة إليه ، فأبى عليهم ، فلم يتركوه فقال : فإن بيعتي لا تكون سرا ، ولكن أخرج إلى المسجد فمن شاء أن يبايعني بايعني ، فخرج إلى المسجد فبايعه الناس
__________
(1) سورة :

1194 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد الواسطي قال : حدثنا أبو بكر الأثرم قال : قال لي أحمد بن حنبل : اكتب هذا الحديث ، فإنه حديث حسن في خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ثم قال : حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق قال : حدثنا عبد الملك عن سلمة بن كهيل ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن محمد بن الحنفية قال : كنت مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعثمان رضي الله عنه محصور (1) قال : فأتاه رجل فقال : إن أمير المؤمنين مقتول الساعة قال : فقام علي رضي الله عنه فأخذت بوسطه تخوفا عليه ، فقال : خل ، لا أم لك قال : فأتى علي بن أبي طالب رضي الله عنه الدار ، وقد قتل عثمان رضي الله عنه فأتى داره فدخلها وأغلق عليه بابه ، فأتاه الناس فضربوا عليه الباب ، فدخلوا عليه ، فقالوا : إن عثمان قد قتل ، ولابد للناس من خليفة ، ولا نعلم أحدا أحق بها منك ، فقال لهم علي رضي الله عنه : « لا تزيدون ، فإني أكون لكم وزيرا خير من أمير قالوا : لا ، والله ما نعلم أحدا أحق بها منك ، قال : فإن أبيتم علي فإن بيعتي لا تكون سرا ، ولكن أخرج إلى المسجد فمن شاء أن يبايعني بايعني . قال : فخرج إلى المسجد فبايعه الناس » وحدثنا ابن عبد الحميد قال : حدثنا أبو يحيى العطار قال : حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق ، . . . وذكر الحديث بإسناده مثله قال محمد بن الحسين رحمه الله : فهذا مذهبنا في علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه الخليفة الرابع كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : « الخلافة ثلاثون سنة » وقد روي عن حذيفة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : « وإن وليتموها أبا بكر فزاهد في الدنيا ، راغب في الآخرة ، وإن وليتموها عمر فقوي أمين ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، وإن وليتموها عليا فهاد مهدي ، يقيمكم على طريق مستقيم » . قال محمد بن الحسين رحمه الله : كما قال حذيفة : لم يزل علي رضي الله عنه منذ نشأ مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن قبض النبي صلى الله عليه وسلم على الطريق المستقيم ، ثم بايع لأبي بكر رضي الله عنه فكان على الطريق المستقيم ، فلما قبض أبو بكر رضي الله عنه بايع عمر رضي الله عنهما فكان معه على الطريق المستقيم ، فلما قبض عمر رضي الله عنه بايع عثمان بن عفان رضي الله عنه فكان معه على الطريق المستقيم ، فلما قتل عثمان رضي الله عنه ظلما برأه الله من قتله ، وكان قتله عنده ظلما مبينا ، ثم ولي الخلافة بعدهم رضي الله عنه فكان والحمد لله على الطريق المستقيم ، متبعا لكتاب الله عز وجل متبعا لسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، متبعا لأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم لم يغير من سنتهم ، ولم يبدل ، زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة ، متواضعا في نفسه ، رفيعا عند الله عز وجل وعند المؤمنين حتى قتل شهيدا ، لعن الله قاتله وأخزاه في الدنيا والآخرة
__________
(1) الحصر : المنع والحبس

1195 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد قال : حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، عن جعفر بن محمد ، عن ، عن أبيه ، أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : « قطع قميصا سنبلانيا ، فأتى به فلبسه ، فكأنه جاوز كماه أصابعه ، فقطع ما جاوز الأصابع من الكمين »

1196 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد قال : حدثنا هارون بن مسلم بن هرمز ، عن أبيه ، : أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : أعطى الناس في عام واحد ثلاث عطيات قال : ثم قدم عليه خراج أصبهان ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : يا أيها الناس ، اغدوا إلى العطاء الرابع فخذوه ، فإني والله ما أنا لكم بخازن ، فقسمه فيهم ، ثم أمر بيت المال فكسح ونضح (1) ، فصلى فيه ركعتين ، ثم قال : يا دنيا ، غري غيري
__________
(1) النضح : الرش بالماء

1197 - أخبرنا أبوعبد الله الحسين بن محمد بن عفير الأنصاري قال : حدثنا إسحاق بن داود القنطري العبد الصالح قال : حدثنا الحسن بن الربيع قال : حدثنا سعيد بن عبد الغفار قال : حدثنا ابن لهيعة ، عن عبد الله بن هبيرة ، عن عبد بن زرير الغافقي قال : دخلنا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه في يوم عيد أضحى أو فطر فقرب إلينا خزيرة (1) ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، لو قربت إلينا من هذا الوز والبط ، فإن الله عز وجل قد أكثر الخير ؟ فقال علي رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « لا يحل للخليفة من مال المسلمين إلا قصعتان (2) : قصعة يأكل هو وأهل بيته ، وقصعة لأصحابه » قال محمد بن الحسين : قد ذكرت من خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه الخليفة الرابع ما فيه الكفاية لمن عقل ؛ ليزيد المؤمنين محبة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي لا يحبه إلا مؤمن ، ولا يبغضه إلا منافق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم
__________
(1) الخزير : لحم يقطع ثم يطبخ بماء كثير وملح فإذا نضج يذر عليه الدقيق ويعصد به
(2) القصعة : وعاء يؤكل ويُثْرَدُ فيه وكان يتخذ من الخشب غالبا

1198 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال : حدثنا وكيع بن الجراح ، ويحيى بن عيسى قالا : حدثنا الأعمش ، عن عدي بن ثابت ، عن زر بن حبيش ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : عهد إلي النبي صلى الله عليه وسلم : « إنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق »

1199 - وحدثنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار قال : حدثنا أبو بكر محمد بن خلف قال : حدثنا محمد بن كثير قال : حدثنا الحارث بن حصيرة ، عن أبي داود ، عن عمران بن حصين قال : كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلي رضي الله عنه إلى جنبه ، إذ تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : ( أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ، ويجعلكم خلفاء الأرض (1) ) قال : فارتعد علي رضي الله عنه فأمسكه النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال : « ما لك يا علي ؟ » قال : يا رسول الله ، قرأت هذه الآية ، فخشيت أن أبتلي بها ، فلم أملك نفسي ، فأصابني ما رأيت ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « والذي نفسي بيده لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق إلى يوم القيامة » وقال ابن مخلد قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن خلف : جاءني جعفر الطيالسي فسألني عن هذا الحديث
__________
(1) سورة : النمل آية رقم : 62

1200 - وحدثنا أبو بكر بن أبي داود السجستاني قال : حدثنا عيسى بن عبد الله الطيالسي قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثنا مندل يعني ابن علي ، عن إسماعيل بن سلمان قال : حدثنا أبو عمرو ، مولى بشر بن غالب ، عن محمد بن الحنفية : في قوله تعالى : ( سيجعل لهم الرحمن ودا (1) ) قال : « لا تلقى مؤمنا إلا وفي قلبه ود لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وأهل بيته »
__________
(1) سورة : مريم آية رقم : 96

آخر ذكر خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله
عنه قال محمد بن الحسين رحمه الله : ومذهبنا أنا نقول في الخلافة والتفضيل بأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم هذا طريق أهل العلم

1201 - حدثنا أبو سعيد الحسن بن علي الجصاص قال : حدثنا الربيع بن سليمان قال : سمعت الشافعي يقول : « في الخلافة والتفضيل لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنه قال محمد بن الحسين رحمه الله : وهذا قول أحمد بن حنبل رحمه الله قال محمد بن الحسين : فقد أثبت من بيان خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ما إذا نظر فيها المؤمن سره ، وزاده محبة للجميع ، وإذا نظر فيها رافضي خبيث أو ناصبي ذليل مهين ، أسخن الله الكريم بذلك أعينهما في الدنيا والآخرة ؛ لأنهما خالفا الكتاب والسنة ، وما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم واتبعا غير سبيل المؤمنين ، قال الله عز وجل ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين ، نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا (1) ) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : » عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضوا عليها بالنواجذ « ، فهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ومن اتبعهم بإحسان
__________
(1) سورة : النساء آية رقم : 115

باب ذكر تثبيت محبة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله
عنهم في قلوب المؤمنين قال محمد بن الحسين رحمه الله : من علامة من أراد الله عز وجل به خيرا من المؤمنين وصحة إيمانهم محبتهم لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم كذا قال النبي صلى الله عليه وسلم

1202 - حدثنا أبو العباس أحمد بن موسى بن زنجويه القطان قال : حدثنا إبراهيم بن الوليد قال : حدثنا أبو النضر هاشم بن القاسم قال : حدثنا عبد العزيز بن النعمان القرشي ، عن يزيد بن حبان ، عن عطاء ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا يجتمع حب هؤلاء الأربعة إلا في قلب مؤمن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي »

1203 - وحدثني أبو بكر بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا العباس بن أبي طالب قال : حدثنا أبو النضر ، عن عبد العزيز بن النعمان القرشي قال : حدثنا يزيد بن حيان ، عن عطاء ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا يجتمع حب هؤلاء الأربعة إلا في قلب مؤمن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم »

1204 - حدثنا أبو العباس أحمد بن سهل الأشناني قال : حدثنا الربيع بن ثعلب قال : حدثنا إسماعيل بن علية ، عن حميد الطويل قال : قال أنس بن مالك : قالوا : « إن حب عثمان وعلي لا يجتمعان في قلب مؤمن وكذبوا ، قد جمع الله عز وجل حبهما بحمد الله في قلوبنا »

1205 - وحدثنا ابن عبد الحميد قال : حدثنا زياد بن أيوب الطوسي قال : حدثنا إسماعيل ابن علية قال : أخبرنا حميد قال : قال أنس بن مالك : قالوا : « إن حب عثمان وعلي رضي الله عنهما لا يجتمع في قلب مؤمن ، وكذبوا ، قد اجتمع حبهما بحمد الله في قلوبنا »

1206 - وحدثنا عبد الله بن الصقر السكري قال : حدثنا عبد الله بن أيوب المخرمي قال : حدثنا خالد يعني الواسطي قال : سمعت أبا شهاب ، يقول : « لا يجتمع حب أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم إلا في قلوب أتقياء هذه الأمة »

1207 - أخبرنا أبو محمد عبد الله بن صالح البخاري قال : حدثنا مخلد بن الحسين قال : حدثنا أبو المليح الرقي قال : كان ميمون بن مهران يقول : « إن أقواما يقولون : لا يسعنا أن نستغفر لعثمان وعلي ، وأنا أقول غفر الله لعثمان وعلي وطلحة والزبير »

1208 - حدثنا ابن عبد الحميد قال : حدثنا فضل بن زياد قال : حدثنا محمد بن مقاتل العباداني ، عن بعض أهل العلم ، عن حماد بن سلمة ، عن أيوب السختياني قال ابن عبد الحميد : حدثنا محمد بن حبيب البزاز قال : حدثنا عبد الصمد ، عن محمد بن مقاتل قال : سمعت أبي يذكر ، عن حماد بن سلمة ، عن أيوب السختياني قال : « من أحب أبا بكر فقد أقام الدين ، ومن أحب عمر فقد أوضح السبيل ، ومن أحب عثمان فقد استنار بنور الله عز وجل ومن أحب عليا فقد استمسك بالعروة الوثقى ، ومن أحسن القول في أصحاب محمد فقد برئ من النفاق » وقال ابن حبيب : ومن قال الحسنى في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فقد برئ من النفاق

1209 - حدثنا أبو عبد الله محمد بن مخلد قال : حدثنا أحمد بن إسحاق الرقي قال : حدثنا عبد الله بن جعفر قال : حدثنا محمد بن مروان ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس في قول الله عز وجل : ( آمنوا كما آمن الناس (1) ) قال : « أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم » أنشدنا أبو بكر بن أبي الطيب لبعضهم : إني رضيت عليا قدوة علما كما رضيت عتيقا صاحب الغار وقد رضيت أبا حفص وشيعته وما رضيت بقتل الشيخ في الدار كل الصحابة عندي قدوة علم فهل علي بهذا القول من عار إن كنت تعلم أني لا أحبهم إلا لوجهك فاعتقني من النار
__________
(1) سورة : البقرة آية رقم : 13

باب ذكر أتباع علي بن أبي طالب رضي الله عنه في
خلافته لسنن أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ، ونفعنا بحب الجميع قال محمد بن الحسين رحمه الله : فإن قال قائل : فهل غير علي بن أبي طالب في خلافته شيئا مما سنه أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ؟ قيل له : معاذ الله ، بل كان لهم متبعا ، وسيذكر من ذلك ما لا يخفى ذكره عند العلماء ممن سلمه الله عز وجل من مذهب الرافضة والناصبة ، ولزم الطريق المستقيم . من ذلك أن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه لما ولي الخلافة أجرى أمر فدك ، وقبل من أبي بكر ما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : « لا نورث ، ما تركنا صدقة » ، أعني أبا بكر القائل ، فلما أفضت الخلافة إلى علي رضي الله عنه أجراه على ما أجراه أبو بكر رضي الله عنه وكان عنده أن الحق فيما فعله أبو بكر رضي الله عنه ولو كان الحق عنده في غير ما فعله أبو بكر لرده ، ولم يأخذه في الله لومة لائم ، خلاف ما قالته الرافضة الأنجاس ، وهذا مشهور لا يمكن أحد أن يقول غير هذا ، فأما ما سنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فلم يغيره علي رضي الله عنه ، واتبعه على ذلك

1210 - فحدثنا أبو جعفر أحمد بن يحيى الحلواني قال : حدثنا عبيد بن جناد الحلبي قال : حدثنا عطاء بن مسلم ، عن صالح المرادي ، عن عبد خير قال : رأيت عليا رضي الله عنه صلى العصر فصف له أهل نجران صفين ، فلما صلى أومأ (1) رجل منهم فأخرج كتابا فناوله إياه ، فلما قرأه دمعت عيناه ، ثم رفع رأسه إليهم ، فقال : يا أهل نجران ، أو يا أصحابي ، هذا والله خطي بيدي وإملاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالوا : يا أمير المؤمنين ، أعطنا ما فيه ، قال : ودنوت منه ، فقلت : إن كان رادا على عمر رضي الله عنه يوما ما فاليوم يرد عليه ، فقال : لست براد على عمر اليوم شيئا صنعه ، إن عمر كان رجلا رشيد الأمر ، وإن عمر أخذ منكم خيرا مما أعطاكم ، ولم يجر عمر رضي الله عنه ما أخذ منكم لنفسه ، إنما أجراه لجماعة المسلمين
__________
(1) الإيماء : الإشارة بأعضاء الجسد كالرأس واليد والعين ونحوه

1211 - حدثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد الشاهد قال : حدثنا الحسن بن عفان الكوفي قال : حدثنا أبو يحيى الحماني ، عن الأعمش ، عن سالم بن أبي الجعد وقال أبو سعيد : وحدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي قال : حدثنا أبو معاوية الضرير ، عن الأعمش ، عن سالم بن أبي الجعد قال : جاء أهل نجران إلى علي رضي الله عنه فقالوا : يا أمير المؤمنين ، كتابك بيدك ، وشفاعتك بلسانك ، أخرجنا عمر من أرضنا فارددنا إليها ، فقال : « ويحكم ، إن عمر كان رجلا رشيد الأمر ، فلا أغير شيئا صنعه عمر » قال الأعمش : وكانوا يقولون : لو كان في نفسه شيء عليه لاغتنم هذه وأخبرنا أبو سعيد قال : أخبرنا علي بن عبد العزيز قال أبو عبيد القاسم بن سلام قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن سالم بن أبي الجعد قال : جاء أهل نجران إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وذكر الحديث مثله

1212 - وأخبرنا أبو سعيد قال : أخبرنا علي بن عبد العزيز قال : قال أبو عبيد : حدثنا أبو معاوية ، عن حجاج ، عمن سمع الشعبي يقول : قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما قدم الكوفة : « ما قدمت لأحل عقدة عقدها عمر رضي الله عنه قال محمد بن الحسين رحمه الله : هذا رد على الرافضة الذين خطئ بهم عن طريق الحق ، وأسخن الله تعالى أعينهم ، ونسبوا علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى ما قد برأه الله عز وجل مما ينحلونه إليه في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما لو علم علي رضي الله عنه أن الحق في غير ما حكم به أبو بكر لرده ، ولم يأخذه في الله لومة لائم ، ولكن علم أن الحق هو الذي فعله أبو بكر ، فأجراه على ما فعل أبو بكر رضي الله عنهما ، وكذا فعل عمر في أهل نجران ، وكذا لما سن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قيام شهر رمضان ، وجمع الناس عليه ، أحيا بذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلاها الصحابة في جميع البلدان ، وصلاها علي بن أبي طالب رضي الله عنه فلما أفضت الخلافة إليه ، صلاها وأمر بالصلاة ، وترحم على عمر رضي الله عنه فقال : » نور الله قبرك يا ابن الخطاب ، كما نورت مساجدنا وقال : أنا أشرت على عمر بذلك « ، وهذا رد على الرافضة الذين لا يرون صلاتها ، خلافا على عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وعلى جميع المسلمين

1213 - حدثنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار قال : حدثنا محمد بن أبي الحارث ، بباب الشام قال : حدثنا عبيد بن إسحاق قال : حدثنا سيف بن عمر قال : حدثني سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة قال : قال علي رضي الله عنه : « لأنا حرضت عمر رحمه الله ، ورضي الله عنه على قيام شهر رمضان ، أخبرته أن فوق السماء السابعة حظيرة ؛ يقال لها : حظيرة القدس ، فيها قوم يقال لهم : الروح ، فإذا جاءت ليلة القدر استأذنوا ربهم عز وجل في النزول إلى الدنيا ، فلا يمرون بأحد يصلي ، أو يستقبلونه في طريق إلا أصابه من ذلك بركة قال : فقال عمر رضي الله عنه : إذن ، والله يا أبا الحسن ، نعرض الناس للبركة ، فأمرهم بالقيام »

1214 - وحدثنا ابن مخلد قال : حدثنا أبو العباس محمد بن عبد الرحمن بن يونس السراج قال : حدثنا عبد الله بن محمد يعني ابن ربيعة قال : حدثنا خالد بن عبد الله الواسطي ، عن حصين بن عبد الرحمن ، عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : أمنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قيام شهر رمضان قال : ومر ببعض مساجد أهل الكوفة ، وهم يصلون القيام فقال : « نور الله قبرك يا ابن الخطاب كما نورت مساجدنا »

1215 - وحدثنا ابن مخلد قال : حدثنا عبيد الله بن جرير بن جبلة العتكي قال : حدثنا الحكم يعني ابن مروان قال : حدثنا الحسن بن صالح ، عن عمرو بن قيس ، عن أبي الحسناء ، أن عليا رضي الله عنه « أمر رجلا أن يصلي بالناس في رمضان خمس ترويحات عشرين ركعة » قال محمد بن الحسين رحمه الله : وهكذا بايع علي بن أبي طالب رضي الله عنه عثمان بن عفان رضي الله عنه في جمعه المصحف ، وصوب رأيه في جمعه ، وقال : أول من جمعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأنكر علي بن أبي طالب كرم الله وجهه على طوائف من أهل الكوفة ممن عاب عثمان رضي الله عنه بجمعه للمصحف ، فأنكر عليهم إنكارا شديدا خلاف ما قالته الرافضة

1216 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري قال : حدثنا سفيان الثوري ، عن السدي ، عن عبد خير ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : « إن أعظم الناس أجرا في المصاحف أبو بكر الصديق رضي الله عنه كان أول من جمع القرآن بين اللوحين »

1217 - وحدثنا الفريابي قال ، حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان ، عن السدي ، عن عبد خير ، عن علي رضي الله عنه قال : سمعته يقول : « رحم الله أبا بكر ، هو أول من جمع القرآن بين اللوحين »

1218 - وحدثنا أبو بكر أحمد بن عبد الله بن سيف السجستاني قال : حدثنا السري بن يحيى بن أخي هناد بن السري قال : حدثنا سعيد بن إبراهيم التيمي قال : حدثنا سيف بن عمر التميمي الأسيدي قال : حدثنا محمد بن أبان ، عن علقمة بن مرثد ، عن العيزار بن جرول ، عن سويد بن غفلة الجعفي قال : سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول : أيها الناس ؛ الله الله ، وإياكم والغلو في عثمان رضي الله عنه وقولكم : خراق المصاحف ، فوالله ما خرقها إلا عن ملاء منا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم جمعنا فقال : ما تقولون في هذه القراءة التي قد اختلف فيها الناس ، يلقى الرجل الرجل فيقول : قراءتي خير من قراءتك ، وقراءتي أفضل من قراءتك ، وهذا شبيه بالكفر ، فقلنا : ما الرأي يا أمير المؤمنين ؟ قال : أرى أن أجمع الناس على مصحف واحد ، فإنكم إن اختلفتم اليوم كان من بعدكم أشد اختلافا ، فقلنا : فنعم ما رأيت ، فأرسل إلى زيد بن ثابت وسعيد بن العاص ، فقال : يكتب أحدكما ويمل الآخر ، فإذا اختلفتما في شيء فارفعاه إلي ، فكتب أحدهما وأملى الآخر ، فما اختلفا في شيء من كتاب الله عز وجل إلا في حرف في سورة البقرة ، فقال أحدهما : التابوت . وقال الآخر : التابوه ، فرفعاه إلى عثمان رضي الله عنه فقال : التابوت ، قال : وقال علي رضي الله عنه : لو وليت مثل الذي ولي لصنعت مثل الذي صنع قال : فقال القوم لسويد بن غفلة : الله الذي لا إله إلا هو ، لسمعت هذا من علي رضي الله عنه ؟ قال : الله الذي لا إله إلا هو ، لسمعت هذا من علي رضي الله عنه

1219 - وحدثنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار قال : حدثنا أبو بكر محمد بن إسحاق الصاغاني قال : حدثنا سلم بن قادم قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن شعبة ، عن علقمة بن مرثد ، عن رجل ، عن سويد بن غفلة قال : قال علي رضي الله عنه : « لو وليت لفعلت الذي فعل عثمان ، يعني في المصاحف » قال محمد بن الحسين رحمه الله تعالى : ومن أصح الدلائل وأوضح الحجج على كل رافضي مخالف لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أن عليا كرم الله وجهه لم يزل يقرأ بما في مصحف عثمان رضي الله عنه ، ولم يغير منه حرفا واحدا ، ولا قدم حرفا على حرف ولا أخر ، ولا زاد فيه ولا نقص ، ولا قال : إن عثمان فعل في هذا المصحف شيئا لي أن أفعل غيره ، ما يحفظ عنه شيء من هذا رضي الله عنه ، وهكذا ولده رضي الله عنه ، لم يزالوا يقرءون بما في مصحف عثمان رضي الله عنه حتى فارقوا الدنيا ، وهكذا أصحاب علي رضي الله عنه لم يزالوا يقرئون المسلمين بما في مصحف عثمان رضي الله عنه ، لا يجوز لقائل أن يقول غير هذا ، من قال غير هذا فقد كذب ، وأتى بخلاف ما عليه أهل الإسلام . قال محمد بن الحسين رحمه الله : مرادنا من هذا أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لم يزل متبعا لما سنه أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ، متبعا لهم ، يكره ما كرهوا ، ويحب ما أحبوا ، حتى قبضه الله عز وجل شهيدا ، الذي لا يحبه إلا مؤمن تقي ولا يبغضه إلا منافق شقي

باب ذكر فضائل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما
قال محمد بن الحسين رحمه الله : المحمود الله على كل حال وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم ، اعلموا رحمنا الله وإياكم أنه قد تقدم ذكرنا لفضائل المهاجرين والأنصار ، ولفضائل العشرة ، أولهم أبو بكر وعمر ، ولأبي بكر رضي الله عنه فضائل على الانفراد نذكرها إن شاء الله تعالى ، ولأبي بكر وعمر رضي الله عنهما فضائل اجتمعا فيها ، نذكر فضلهما جميعا ، ولعمر رضي الله عنه فضائل خصه الله الكريم بها ، نذكرها إن شاء الله على حسب ما تأدى إلينا والله الموفق
باب تصديق أبي بكر رضي الله عنه لرسول الله صلى الله
عليه وسلم وأنه أول الناس إسلاما

1220 - حدثنا أبو بكر قاسم بن زكريا المطرز قال : حدثنا عمران بن الحسن الشامي قال : حدثنا عبد الرحمن بن مغر الدوسي قال : حدثنا مجالد ، عن الشعبي قال : سئل ابن عباس رضي الله عنهما : من أول من أسلم ؟ فقال : أبو بكر رضي الله عنه ، أما سمعت قول حسان بن ثابت رضي الله عنه : إذا تذكرت شجوا من أخي ثقة فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا خير البرية أتقاها وأفضلها إلا النبي وأولاها بما حملا والثاني التالي المحمود شيمته وأول الناس منهم صدق الرسلا

1221 - وحدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدثنا محمد بن حميد الرازي قال : حدثنا عبد الرحمن بن مغر ، عن مجالد ، عن الشعبي قال : سألت ابن عباس رضي الله عنه : من أول من أسلم ؟ قال : أبو بكر الصديق رضي الله عنه ثم قال : أما سمعت قول حسان بن ثابت رضي الله عنه : إذا تذكرت شجوا من أخي ثقة فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا خير البرية أتقاها وأعدلها بعد النبي وأولاها بما حملا الثاني التالي المحمود مشهده وأول الناس منهم صدق الرسلا

1222 - وحدثنا أبو بكر قاسم بن زكريا المطرز قال : حدثني عبد الله بن سعيد الأشج قال : حدثني عقبة بن خالد أملاه علي من كتابه قال : حدثنا شعبة قال : حدثني سعيد الجريري ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : ألست أحق الناس بها ؟ ألست أول من أسلم ؟ ألست صاحب كذا ؟ ألست صاحب كذا ؟

1223 - وحدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدثنا أبو سعيد عبد الله بن سعيد الأشج ، قال : حدثنا عقبة بن خالد السكوني ، عن شعبة ، عن الجريري ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد قال : قال أبو بكر رضي الله عنه : ألست أحق الناس بها ؟ ألست أول من أسلم ؟ ألست صاحب كذا ؟ ألست صاحب كذا ؟

1224 - وحدثنا أبو بكر قاسم بن زكريا المطرز قال : حدثنا أبو كريب ، وأبو سعيد الأشج قالا : حدثنا ابن إدريس قال المطرز : وحدثنا محمد بن المثنى ، وبندار قالا : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي حمزة ، عن زيد بن أرقم قال : « أول من أسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه ؛ قال : فذكرت ذلك لإبراهيم ، فأنكره وقال : » أول من أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر رضي الله عنه «

1225 - وحدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدثنا علي بن الجعد ، أنبأنا شعبة ، عن عمرو بن مرة قال : سمعت أبا حمزة الأنصاري يقول : سمعت زيد بن أرقم يقول : « أول من صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم علي رضي الله عنه قال عمرو بن مرة : فذكرت ذلك لإبراهيم فأنكره ، وقال : » أبو بكر «

1226 - وحدثنا أبو القاسم أيضا ؛ قال : حدثني جدي يعني أحمد بن منيع قال : حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن مغيرة ، عن إبراهيم قال : « أول من أسلم أبو بكر رضي الله عنه »

1227 - وحدثنا قاسم المطرز أيضا ؛ قال : حدثنا أبو سعيد الأشج قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم قال : « أبو بكر أول من أسلم »

1228 - حدثني أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : حدثني أبي رحمه الله قال : حدثنا يوسف بن يعقوب الماجشون قال : أدركت مشيختنا ومن نأخذ عنه ، منهم : ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، ومحمد بن المنكدر ، وعثمان بن محمد الأخشني يقولون : أبو بكر أول الرجال إسلاما

1229 - وحدثني أبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي قال : حدثنا علي بن مسلم الطوسي قال : حدثنا يوسف بن يعقوب قال : سمعت مشيختنا أهل الفقه منهم : سعد بن إبراهيم ، وصالح بن كيسان ، وربيعة بن أبي عبد الرحمن ، وعثمان بن محمد الأخشني ، وغير واحد يذكرون « أن أبا بكر رضي الله عنه أول من أسلم »

1230 - وحدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد الواسطي قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي قال : حدثنا يحيى بن أبي بكير قال : حدثنا زائدة ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله يعني ابن مسعود قال : « أول من أظهر إسلامه سبعة : رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ، وعمار ، وأمه سمية ، وصهيب ، والمقداد ، وبلال رضي الله عنهم »

1231 - وحدثنا أبو القاسم البغوي قال : حدثنا محمد بن إسحاق الصاغاني قال : حدثنا يحيى بن أبي بكير قال : حدثنا زائدة ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله بن مسعود قال : « كان أول من أظهر الإسلام سبعة : رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر ، وعمار ، وأمه سمية ، وصهيب ، وبلال ، والمقداد رضي الله عنهم »

1232 - حدثنا قاسم بن زكريا المطرز قال : حدثنا القاسم بن سعيد بن المسيب بن شريك قال : حدثنا علي بن عاصم ، عن الجريري ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال أبو بكر : لعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما : « قد علمت أني كنت في هذا الأمر قبلك » قال : صدقت يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فمد يده فبايعه ، فلما جاء الزبير رحمه الله قال : « أما علمت أني كنت في هذا الأمر قبلك ؟ قال : فمد يده فبايعه »

1233 - وحدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الملك بن زنجويه قال : حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري في حديثه عن عروة قال : سعى رجال من المشركين إلى أبي بكر رضي الله عنه فقالوا : هذا صاحبك ، يزعم أنه قد أسري به الليلة إلى بيت المقدس ، ثم رجع من ليلته ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : « أو قال ذاك » ؟ قالوا : نعم ، قال أبو بكر : « فأنا أشهد إن كان قال ذاك لقد صدق » قالوا : تصدقه بأنه جاء إلى الشام في ليلة واحدة ورجع قبل أن يصبح ، قال أبو بكر رضي الله عنه : « نعم أصدقه بأبعد من ذلك ، أصدقه بخبر السماء غدوة (1) وعشية ، فلذلك سمي أبو بكر الصديق رضي الله عنه »
__________
(1) الغُدْوة : البُكْرة وهي أول النهار

1234 - حدثنا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن شاهين قال : حدثنا إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة الحراني قال : حدثنا محمد بن سلمة ، عن أبي عبد الرحيم ، عن أبي عبد الملك ، عن القاسم ، عن أبي أمامة قال : كان بين رجل من الأنصار وبين أبي بكر رضي الله عنه بعض المعاتبة ، فاعتذر أبو بكر رضي الله عنه إليه ، فأبى أن يقبل ، قال : فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فاشتد وجده (1) ، فلما راح أقبل الرجل فجلس إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فأعرض عنه ، فقام فجلس عن شماله فأعرض عنه ، ثم قام فجلس بين يديه فأعرض عنه ، فقال : يا رسول الله ، إني قد أرى أنك تعرض عني ، وقد علمت أنك تفعل ذلك لشيء بلغك عني أو لسخط في نفسك علي ، فما خير دنياي وأنت تعرض عني ، والذي بعثك بالحق ما أبالي أن لا أحيا في الدنيا ساعة وأنت ساخط ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أنت الذي ابتدأك أبو بكر فأبيت أن تقبل منه ، إن الله عز وجل بعثني إليكم جميعا فقلتم : كذبت وقال صاحبي : صدقت » ثم قال : « هل أنتم تاركي وصاحبي ؟ هل أنتم تاركي وصاحبي ؟ هل أنتم تاركي وصاحبي ؟ »
__________
(1) الوجد : الغضب ، والحزن والمساءة وأيضا : وَجَدْتُ بِفُلانَة وَجْداً، إذا أحْبَبْتها حُبّا شَديدا.

باب ذكر مواساة أبي بكر رضي الله عنه للنبي صلى الله
عليه وسلم بنفسه وماله وأهله

1235 - حدثنا أبو بكر جعفر بن محمد الفريابي قال : حدثنا عمرو بن محمد الناقد قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ما نفعنا مال ما نفعنا مال أبي بكر رضي الله عنه »

1236 - وحدثنا أبو بكر قاسم بن زكريا المطرز قال : حدثنا محمد بن الصباح الجرجرائي قال : حدثنا سفيان ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما نفعنا مال ما نفعنا مال أبي بكر رضي الله عنه »

1237 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر » قال : فبكى أبو بكر وقال : هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله ؟ «

1238 - وحدثنا أبو بكر قاسم بن زكريا المطرز قال : حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء ، ويوسف بن موسى القطان ، والمخرمي يعني محمد بن عبد الله قالوا : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر » قال : فبكى أبو بكر وقال : هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله ؟ «

1239 - أنبأنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن ناجية قال : حدثنا محمد بن صالح بن النطاح قال : حدثنا أرطأة أبو حاتم ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما أحد أعظم عندي يدا من أبي بكر ، واساني بنفسه وماله ، وأنكحني ابنته »

1240 - وحدثنا الفريابي قال . حدثنا محمد بن مصفى الحمصي قال : حدثنا بقية بن الوليد قال : حدثنا بحير بن سعد ، عن خالد بن معدان ، عن جبير بن نفير ، أن أبوابا ، كانت مفتحة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بها فسدت غير باب أبي بكر فقالوا : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبوابنا فسدت غير باب أبي بكر خليله ، فبلغه فقام فيهم ، فقال : « أتقولون : سد أبوابنا وترك باب خليله ، فلو كان لي منكم خليل كان هو خليلي ، ولكني خليل الله عز وجل ، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي ؟ فقد واساني بنفسه وماله ، وقال لي : صدق وقلتم : كذب »

1241 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا المعافى بن سليمان الجزري ، حدثنا فليح بن سليمان ، عن سالم بن أبي النضر ، عن عبيد بن جبير ، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس فقال : « إن آمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر ، ولو كنت متخذا من الناس خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكن خلة الإسلام ومودته ، لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر »

1242 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا أبو الوليد هشام بن عمار الدمشقي قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، عن ابن لهيعة ، عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن ، عن عروة ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن عبدا من عباد الله عز وجل خير بين الدنيا وبين ما عند ربه ، فاختار ما عند ربه عز وجل » فبكى أبو بكر رضي الله عنه وعلم أنه يريد نفسه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « سدوا الأبواب الشوارع في المسجد إلا باب أبي بكر ، فإني لا أعلم أحدا أفضل عندي يدا في الصحبة من أبي بكر رضي الله عنه »

1243 - وحدثنا أبو بكر محمد بن محمد بن سليمان الباغندي قال : حدثنا محمد بن حميد الرازي قال : حدثنا علي بن مجاهد ، عن أشعث بن إسحاق ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، في قول الله عز وجل : ( فأنزل الله سكينته عليه (1) ) قال : « على أبي بكر ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم تزل السكينة معه » قال محمد بن الحسين رحمه الله تعالى : لما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر معه في الغار ، وجاء المشركون فوقفوا على الغار حزن أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم من المشركين ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ( لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه ) على أبي بكر رضي الله عنه
__________
(1) سورة : التوبة آية رقم : 40

باب ذكر قضاء أبي بكر دين رسول الله صلى الله عليه
وسلم وعداته بعد موته

1244 - حدثنا أبو بكر جعفر بن محمد الفريابي ؛ قال : حدثنا قتيبة بن سعيد قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، سمع محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لو قد جاء مال البحرين لقد أعطيتك هكذا وهكذا ثلاثا » ، فلم يقدم مال البحرين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما قدم على أبي بكر أمر مناديا فنادى : من كان له عند النبي صلى الله عليه وسلم دين أو عدة فليأتني قال جابر بن عبد الله : فجئت أبا بكر ، فأخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لو قدم مال البحرين ؛ أعطيتك هكذا وهكذا ثلاثا » قال جابر : فأتيت أبا بكر بعد ذلك فسألته فلم يعطني ، ثم أتيته فلم يعطني ، ثم أتيته فلم يعطني ، فقلت له : قد أتيتك فلم تعطني ، فإما أن تعطيني وإما أن تبخل عني فقال : أقلت : تبخل عني ؟ وأي داء أدوأ من البخل ؟ قالها ثلاثا ، ما منعتك من مرة إلا وأنا أريد أن أعطيك «

1245 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد قال : حدثنا سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن محمد بن علي قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : « حثيت حثية ، فقال لي أبو بكر : عدها ، فعددتها فوجدتها خمسمائة ، فقال : خذ مثلها مرتين »

1246 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا علي بن عبد الله المديني قال : حدثنا سفيان بن عيينة قال : حدثنا محمد بن المنكدر قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لو قد جاء مال البحرين ، لقد أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا » فلم يجئ مال البحرين ، حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما جاء مال البحرين . . . فذكر مثله

1247 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا أبو قدامة عبيد الله بن سعيد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : أنبأنا ابن جريج ، أخبرني عمرو بن دينار ، عن محمد بن علي ، عن جابر بن عبد الله قال : وأخبرني محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله قال : لما مات النبي صلى الله عليه وسلم جاء أبا بكر مال من قبل العلاء بن الحضرمي ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : من كان له على النبي صلى الله عليه وسلم دين أو كانت له قبله عدة فليأتنا . قال جابر : فقلت : « وعدني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيني هكذا وهكذا وهكذا » ، فبسط يده ثلاث مرات ، قال جابر : فعد في يدي خمسمائة ، ثم خمسمائة ثم خمسمائة

1248 - وحدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف قال : حدثنا ابن أبي عمر قال : حدثنا سفيان قال : سمعت ابن المنكدر يقول : سمعت جابر بن عبد الله يقول : قال سفيان : وسمعت عمرو بن دينار أيضا يحدث عن محمد بن علي قال : سمعت جابر بن عبد الله وزاد أحدهما على الآخر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لو قد جاء مال البحرين ، لقد أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا وقال بيديه جميعا » فقبض النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يجيء مال البحرين ، فقدم على أبي بكر بعده ، فأمر مناديا : من كانت له على النبي صلى الله عليه وسلم عدة أو دين فليأتني ، فقمت ، فقلت : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لو قد جاء مال البحرين ؛ أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا » فحثى أبو بكر مرة ، فقال لي : عدها . فعددتها ، فإذا هي خمسمائة درهم فقال : « خذ مثليها »

باب ذكر قصة أبي بكر رضي الله عنه في الغار مع
النبي صلى الله عليه وسلم

1249 - حدثنا أبو بكر قاسم بن زكريا المطرز قال : حدثنا حاتم بن الليث الجوهري قال : حدثنا معلى بن أسد العمي قال : حدثنا هلال بن عبد الرحمن الأزدي قال : حدثنا علي بن زيد ، وعطاء بن أبي ميمونة ، عن أنس بن مالك ، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : لما كانت ليلة الغار قلت : يا رسول الله ، دعني فأدخل قبلك ، فإن كان شيء كان بي ، فدخل أبو بكر رضي الله عنه . فالتمس (1) الغار بيده وشق ثوبه ، فكلما رأى جحرا في الغار ألقمه ثوبه ، حتى فعل ذلك بثوبه أجمع ، وبقي جحر منها ، فوضع عقبه عليه ، وقال : يا رسول الله ، ادخل الغار ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما أصبح قال : « يا أبا بكر ، أين ثوبك ؟ » ، فأخبرته بما صنعت فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده وقال : « اللهم اجعل أبا بكر معي في درجتي يوم القيامة » فأوحى إليه أني قد استجبت لك « قال أنس : وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل بيت أبي بكر كأنه بيته ، ويصنع بمال أبي بكر كما يصنع بماله
__________
(1) التمس الشيء : طلبه

1250 - وحدثني أبو حفص عمر بن أيوب السقطي قال : حدثنا محفوظ بن أبي توبة قال : حدثنا عثمان بن صالح قال : حدثنا رشدين بن سعد قال : حدثني موسى بن حبيب ، وجرير بن حازم ، عن الضحاك بن مزاحم ، عن ابن عباس قال : لما كانت ليلة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار ؛ قال لصاحبه أبي بكر : « أنائم أنت ؟ » قال : لا ، وقد رأيت صنعك وتقلبك يا رسول الله ، فما لك بأبي أنت وأمي ، قال : « جحر رأيته قد انهار ، فخشيت أن تخرج منه هامة تؤذيك أو تؤذيني » فقال أبو بكر : يا رسول الله ، فأين هو ؟ فأخبره ، فسد الجحر ، وألقمه عقبه ثم قال : نم بأبي أنت وأمي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « رحمك الله من صديق ، صدقتني حين كذبني الناس ، ونصرتني حين خذلني الناس ، وآمنت بي حين كفر بي الناس ، وآنستني في وحشتي ، فأي منة لأحد علي كمنتك »

1251 - حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا أبو أمية الطرسوسي محمد بن إبراهيم قال : حدثنا يعقوب بن محمد بن عيسى الزهري قال : حدثني عبد الرحمن بن عقبة بن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله قال : حدثني أبي ، عن جابر بن عبد الله : أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما ذهب مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الغار ، فأرادا أن يدخلا الغار ، فدخل أبو بكر ثم قال : كما أنت يا رسول الله ، فضرب برجله فأطار اليمام يعني الحمام الطواري ، وطاف فلم ير شيئا ، وطاف فلم ير شيئا فقال : ادخل يا رسول الله ، فدخل فإذا في الغار جحر ، فألقمه أبو بكر عقبه مخافة أن يخرج على رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شيء ، وغزلت العنكبوت على الغار ، وذهب الطالب في كل مكان ، فمروا على الغار ، وأشفق أبو بكر منهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ( لا تحزن إن الله معنا (1) ) » وذكر الحديث
__________
(1) سورة : التوبة آية رقم : 40

1252 - وحدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف قال : حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، قال : قالت عائشة : فبينا نحن جلوس في بيتنا في نحر (1) الظهيرة قال قائل لأبي بكر : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا متقنعا (2) في ساعة لم يكن يأتينا فيها . قال أبو بكر رضي الله عنه : فداء له أبي وأمي إن جاء به في هذه الساعة لأمر ، قالت عائشة : فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن ، فأذن له ، فدخل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل لأبي بكر : « أخرج من عندك » فقال أبو بكر : إنما هم أهلك بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إنه قد أذن لي في الخروج » فقال أبو بكر رضي الله عنه : الصحبة بأبي أنت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « نعم » فقال أبو بكر : فخذ بأبي أنت يا رسول الله ، إحدى راحلتي هاتين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « بالثمن » قالت : فجهزناهما أحث الجهاز ، وصنعنا لهما سفرة في جراب ، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فأوكت (3) به الجراب ، فلذلك كانت تسمى ذات النطاقين ، ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل يقال له : ثور فمكثا فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر ، وهو غلام شاب ، لقن (4) ، ثقف (5) ، فيدخلهم من عندهم السحر فيصبح مع قريش بمكة كبائت ، فلا يسمع أمرا يكادان به إلا وعاه ، حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام ، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منيحة من غنم ، فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء ، فيثبتان في رسلهما ، حتى ينعق (6) بهما عامر بن فهيرة بغلس (7) ، يفعل ذلك كل ليلة من تلك الليالي واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه رجلا من بني الدئل ، ثم من بني عبد بن عدي هاديا خريتا (8) ، والخريت : الماهر في الهداية ، قد غمس يده في حلف العاص بن وائل وهو على دين كفار قريش ، فأمناه ودفعا إليه راحلتيهما ، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال ، فأتاهما براحلتيهما صبيحة الليالي الثلاث ، فارتحل ، فانطلق معهم عامر بن فهيرة مع أبي بكر والدليل ، وأخذ بهم طريق إذاخر وهي طريق الساحل قال محمد بن الحسين : وقد حدثنا بهذا الحديث الفريابي ، من غير طريق في حديث الزهري رحمه الله عن عروة رضي الله عنه
__________
(1) نحر الظهيرة : المراد وقت اشتداد الحر وبلوغ الشمس منتهاها في الارتفاع
(2) التقنع : تغطية الرأس وأكثر الوجه برداء أو غيره
(3) الإيكاء : سد فتحة الإناء وربط فم القربة
(4) لقن : فاهم ذكي
(5) الثقف : الحاذق الفطن
(6) النعيق : الصياح
(7) الغلس : ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح
(8) الخريت : الدليل الماهر في معرفة الطرق والممرات الخفية

باب ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي
الله عنه وهما في الغار : « ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما »

1253 - حدثنا أبو شعيب عبد الله بن الحسن الحراني قال : حدثنا عفان بن مسلم قال : حدثنا همام قال : حدثنا ثابت ، عن أنس بن مالك ، أن أبا بكر رضي الله عنه حدثه ؛ قال : قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ونحن في الغار : لو أن أحدهم نظر إلى قدميه ؛ لأبصرنا تحت قدميه فقال : « يا أبا بكر ، » ما ظنك باثنين الله ثالثهما ؟ «

1254 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد قال : حدثنا عفان بن مسلم قال : حدثنا همام بن يحيى قال : حدثنا ثابت البناني قال : سمعت أنس بن مالك يقول : سمعت أبا بكر الصديق رضي الله عنه يقول : قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الغار : يا رسول الله ، لو نظر القوم إلينا ؛ لأبصرونا تحت أقدامهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يا أبا بكر ، ما ظنك باثنين الله ثالثهما »

1255 - وحدثنا أبو بكر قاسم بن زكريا المطرز ؛ قال : حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري قال : حدثنا عفان بن مسلم قال : حدثنا همام قال : حدثنا ثابت ، عن أنس بن مالك ، أن أبا بكر رضي الله عنه حدثه قال : قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ونحن في الغار : لو أن أحدهم نظر إلى قدميه ، لأبصرنا تحت قدميه ، فقال : « يا أبا بكر ، ما ظنك باثنين الله ثالثهما ؟ »

باب في قول الله عز وجل : ( فأنزل الله سكينته عليه (1) )
__________
(1) سورة : التوبة آية رقم : 40

1256 - حدثنا أبو بكر محمد بن محمد بن سليمان الباغندي قال : حدثنا محمد بن حميد الرازي قال : حدثنا علي بن مجاهد ، عن أشعث بن إسحاق ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير : في قول الله عز وجل : ( فأنزل الله سكينته عليه (1) ) قال : « على أبي بكر رضي الله عنه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم تزل السكينة معه »
__________
(1) سورة : التوبة آية رقم : 40

1257 - حدثنا أبو حفص عمر بن أيوب السقطي قال : حدثنا إبراهيم بن عبد الله الهروي قال : حدثنا أبو معاوية قال : حدثنا عبد العزيز بن سياة ، عن حبيب بن أبي ثابت ، في قول الله عز وجل : ( فأنزل الله سكينته عليه (1) ) قال : « على أبي بكر رضي الله عنه ، فأما النبي صلى الله عليه وسلم فقد كانت السكينة عليه »
__________
(1) سورة : التوبة آية رقم : 40

باب ما ذكر أن الله عز وجل عاتب جميع الناس في
النبي صلى الله عليه وسلم إلا أبا بكر رضي الله عنه ، فإنه أخرجه من المعاتبة

1258 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا إسماعيل بن أبي الحارث قال : حدثنا داود بن المحبر قال : حدثنا الربيع بن صبيح ، عن الحسن ، في قول الله عز وجل : ( إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار (1) ) « والله لقد عاتب الله عز وجل أهل الأرض جميعا إلا أبا بكر رضي الله عنه »
__________
(1) سورة : التوبة آية رقم : 40

1259 - وحدثنا أيضا ابن عبد الحميد قال : حدثنا إسماعيل بن أبي الحارث قال : حدثنا داود بن المحبر قال : حدثنا أبو عوانة ، عن فراس ، عن الشعبي قال : « لقد عتب الله عز وجل على أهل الأرض جميعا إلا على أبي بكر رضي الله عنه حين ؛ قال : ( إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار (1) ) »
__________
(1) سورة : التوبة آية رقم : 40

1260 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدثنا سوار بن عبد الله القاضي ، قال : حدثنا أبو يعلى التوزي قال : سمعت سفيان بن عيينة قال : « عاتب الله عز وجل المسلمين جميعا في نبيه صلى الله عليه وسلم غير أبي بكر وحده ، فإنه أخرج من المعاتبة وتلا قوله عز وجل ( إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين (1) ) »
__________
(1) سورة : التوبة آية رقم : 40

باب ذكر صبر أبي بكر رضي الله عنه في ذات الله
عز وجل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محبة لله تعالى ولرسوله يريد بذلك وجه الله عز وجل

1261 - أنبأنا الفريابي قال : حدثنا الحسن بن الصباح قال : حدثنا محمد بن كثير ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها ؛ قالت : لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين ، ولم يأت علينا يوم إلا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يأتينا طرفي النهار غدوة (1) وعشية ، فلما ابتلي المسلمون ، خرج أبو بكر مهاجرا قبل أرض الحبشة ، حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارة فقال : أين تريد يا أبا بكر ؟ قال : أخرجني قومي ، فأريد أن أسيح (2) في الأرض ، وأعبد ربي عز وجل ، قال : فإنك لا تخرج ولا يخرج مثلك ، أنت تكسب المعدم ، وتصل الرحم ، وتحمل الكل ، وتقري (3) الضيف ، وتعين على نوائب الحق ، فارجع فاعبد ربك ببلدك فأنا لك جار ، فارتحل ابن الدغنة ومعه أبو بكر حتى أتى كفار قريش ، فقال : إن أبا بكر لا يخرج ولا يخرج ، أتخرجون رجلا يكسب المعدوم ، ويصل الرحم ، ويحمل الكل ، ويقري الضيف ، ويعين على نوائب الحق ؟ فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة ، فقالوا : مر أبا بكر فليعبد ربه في داره ، ويفعل فيها ما يشاء ، وليقرأ فيها ما شاء ، ولا يعلن القراءة ولا الصلاة ، فإنا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا ، قالت عائشة رضي الله عنها : فأتى ابن الدغنة أبا بكر ، فقال له ذلك ، فلبث أبو بكر رضي الله عنه على ذلك ما شاء الله ثم بداله ، فابتنى مسجدا بفناء داره ، فكان يصلي فيه ، فتتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون منه وينظرون إليه ، وكان أبو بكر رضي الله عنه بكاء ، لا يملك دمعه إذا قرأ القرآن ، فأفزع ذلك كفار قريش ، فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا : إنا كنا أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربه في داره ، وإنه قد جاوز ذلك ، وابتنى مسجدا بفناء داره ، وأعلن القراءة ، وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا ، فإن أحب أن يقتصر على ذلك فليفعل ، وإن أبي فأسأله أن يرد عليك ذمتك ، فإنا كرهنا أن نخفرك (4) ، ولسنا نقر لأبي بكر الاستعلان ، فأتاه ابن الدغنة فقال : يا أبا بكر قد علمت الذي عقدت لك عليه ، فإما أن تقتصر عليه ، وإما أن ترجع إلي ذمتي ، فإني لا أحب أن تسمع العرب أنى أخفرت (5) في عقد رجل عقدت له . فقال أبو بكر : فإني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله عز وجل ورسوله ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بمكة حدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف قال : حدثنا ابن أبي عمر قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أنبأنا معمر ، عن الزهري قال : أخبرني عروة ، عن عائشة رحمها الله قالت : لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين وذكر الحديث مثله إلى آخره
__________
(1) الغُدْوة : البُكْرة وهي أول النهار
(2) السياحة : تطلق عدة معان مثل : الذهاب في الأرض والسير، والتجول، والهجرة
(3) القِرَى : ما يقدم إلى الضيف
(4) نخفرك : ننقض عهدك
(5) الخفر : نقض العهد

1262 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا محمود بن آدم المروزي قال : حدثنا بشر بن السري قال : حدثنا مصعب بن ثابت ، عن عامر بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه في قول الله عز وجل ( وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى (1) ) قال : « نزلت في أبي بكر رضي الله عنه »
__________
(1) سورة : الليل آية رقم : 19

1263 - حدثنا حامد بن شعيب أبو العباس البلخي قال : حدثنا منصور بن أبي مزاحم قال : حدثنا أبو سعيد المؤدب ، عن يونس بن أبي إسحاق ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الله بن مسعود قال : « إن أبا بكر رضي الله عنه اشترى بلالا من أمية بن خلف وأبي بن خلف ببردة وعشر أواق ، فأعتقه لله عز وجل ، فأنزل الله تعالى : ( والليل إذا يغشى ، والنهار إذا تجلى ، وما خلق الذكر والأنثى ، إن سعيكم لشتى (1) ) يعني سعي أبي بكر رضي الله عنه ، وأمية ، وأبي . ( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى (2) ) بلا إله إلا الله يعني أبا بكر ( فسنيسره لليسرى (3) ) قال : الجنة ( وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى (4) ) بلا إله إلا الله يعني أمية وأبيا ( فسنيسره للعسرى (5) ) قال : النار ( وما يغني عنه ماله إذا تردى (6) ) قال : إذا مات ( إن علينا للهدى وإن لنا للآخرة والأولى فأنذرتكم نارا تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى (7) ) يعني أمية وأبيا ( وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى (8) ) يعني أبا بكر ( وما لأحد عنده من نعمة تجزى (9) ) قال : لم يصنع ذلك أبو بكر ليد كانت منه إليه ، فيكافئه بها ( إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى (10) ) » قال محمد بن الحسين رحمه الله : جميع ما تقدم ذكرنا له يدل على أن الله عز وجل خص أبا بكر رضي الله عنه بأشياء فضله بها على جميع صحابته رضي الله عنهم أجمعين
__________
(1) سورة : الليل آية رقم : 1
(2) سورة : الليل آية رقم : 5
(3) سورة : الليل آية رقم : 7
(4) سورة : الليل آية رقم : 8
(5) سورة : الليل آية رقم : 10
(6) سورة : الليل آية رقم : 11
(7) سورة : الليل آية رقم : 12
(8) سورة : الليل آية رقم : 17
(9) سورة : الليل آية رقم : 19
(10) سورة : الليل آية رقم : 20

باب ذكر بيان تقدمة أبي بكر رضي الله عنه على جميع
الصحابة رضي الله عنهم في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته

1264 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا محمد بن الصباح قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم حين مرض قال : « مروا إنسانا يصلي بالناس » قالت : فخرج عبد الله بن زمعة ، فلقي عمر ، فقال له : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كذا وكذا ، فتقدم فصل بالناس ، قال فذهب فتقدم يصلي بالناس فسمع النبي صلى الله عليه وسلم صوته فقال : « من هذا ؟ » فقالوا : عمر ، فقال : « لا ، يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر » قال : فقال عمر رضي الله عنه لعبد الله بن زمعة : لم يكن سماني ؟ قال : لا ، قال : فلامه أشد اللئامة وتغيظ عليه وحدثنا أبو بكر قاسم بن زكريا المطرز قال : حدثنا محمد بن الصباح الجرجرائي قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها . . . وذكر الحديث مثله

1265 - حدثنا إبراهيم بن موسى الجوزي قال : حدثنا زهير بن محمد المروزي قال : حدثنا عبد الله بن نفيل قال : حدثنا محمد بن سلمة ، عن محمد بن إسحاق قال : حدثنا الزهري قال : حدثنا عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن هشام ، عن أبيه ، عن عبد الله بن زمعة بن الأسود قال : لما استعين برسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عنده ، في نفر من المسلمين ، دعاه بلال إلى الصلاة ، فقال : « مروا من يصلي بالناس » قال عبد الله بن زمعة : فخرجت فإذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الناس ، وكان أبو بكر رضي الله عنه غائبا فقلت : يا عمر ، قم فصل بالناس فقام فكبر فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته قال : وكان عمر رجلا مجهرا فقال صلى الله عليه وسلم : « فأين أبو بكر ، يأبى الله ذلك والمسلمون ، يأبى الله ذلك والمسلمون » قال : فبعث إلى أبي بكر بعد ما صلى عمر تلك الصلاة فصلى بالناس قال عبد الله بن زمعة : قال لي عمر : ويحك ما صنعت بي يا ابن زمعة ، والله ما ظننت حين أمرتني أن أصلي بالناس إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك بذلك ، ولولا ذلك ما صليت بالناس ، فقلت : والله ما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكني حين لم أر أبا بكر رأيتك أحق من حضر بالصلاة

1266 - وحدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا أحمد بن صالح قال : حدثنا ابن أبي فديك قال : حدثني موسى بن يعقوب الزمعي ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، أن عبد الله بن زمعة أخبره أنه عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي هلك فيه قال عبد الله : ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : « مر الناس فليصلوا » قال : فخرجت فلقيت ناسا ، فلما لقيت عمر لم أبغ من وراءه ، فقلت له صل للناس ، فخرج عمر فصلى للناس ، فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم صوت عمر ، قال ابن زمعة : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أطلع رأسه من حجرته ثم قال : « ألا لا ، ألا لا يصلي للناس إلا ابن أبي قحافة ، ليصل للناس ابن أبي قحافة » فقال ذلك مغضبا قال ابن زمعة فانصرف عمر ، وقال لي عمر : أي أخي أمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تأمرني ؟ قلت لا ، ولكني لما رأيتك لم أبغ من وراءك قال : فوجد (1) من ذلك وجدا شديدا « قال أحمد بن صالح : هذا هو الصحيح قال محمد بن الحسين : يعني أنه لم يتم الصلاة ولكنه لما كبر وجهر بالقراءة سمعه النبي صلى الله عليه وسلم ، قال محمد بن الحسين رحمه الله : وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مرضه : » مروا أبا بكر فليصل بالناس ، فصلى أبو بكر بالناس والنبي صلى الله عليه وسلم حي «
__________
(1) الوجد : الغضب ، والحزن والمساءة وأيضا : وَجَدْتُ بِفُلانَة وَجْداً، إذا أحْبَبْتها حُبّا شَديدا.

1267 - حدثنا أبو بكر بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا محمد بن رزق الله الكلوذاني قال : حدثنا يزيد بن هارون قال : حدثنا سفيان بن حسين ، عن ابن شهاب ، عن أنس بن مالك قال : لما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم مرضه الذي مات فيه ، أتاه بلال فأذنه بالصلاة ، فقال له : « يا بلال ، قد بلغت ، فمن شاء فليصل ومن شاء فليذر » قال : فقال له : يا رسول الله ، فمن يصلي للناس ؟ قال : « أبو بكر ، مروه فليصل بالناس » قال : فلما تقدم أبو بكر ليصلي كشف الستور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فنظرنا إليه كأنه ورقة بيضاء عليه خميصة (1) سوداء فظن أبو بكر رضي الله عنه أنه يريد الخروج فتأخر ، فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم « أي مكانك » قال : فصلى أبو بكر فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات من يومه
__________
(1) الخميصة : ثوب أسود أو أحمر له أعلام

1268 - وحدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف قال : حدثنا ابن أبي عمر قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن أنس بن مالك قال : آخر نظرة نظرتها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين ، كشف الستارة فنظرت إلى وجهه كأنه ورقة مصحف ، والناس صفوف خلف أبي بكر رضي الله عنه وأبو بكر يؤمهم فأشار إليهم : « أن امكثوا » وألقى السجف (1) وتوفي من آخر ذلك اليوم صلوات الله وسلامه عليه «
__________
(1) السجف : الستر

1269 - حدثنا أبو أحمد ، أيضا قال : حدثنا ابن أبي عمر قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أنبأنا معمر ، عن الزهري قال : أخبرني أنس بن مالك قال : لما كان يوم الاثنين كشف النبي صلى الله عليه وسلم ستر الحجرة ، فرأى أبا بكر رضي الله عنه وهو يصلي بالناس ، قال : فنظرنا إلى وجه النبي صلى الله عليه وسلم كأنه ورقة مصحف وهو يبتسم قال : فكدنا أن نفتتن في صلاتنا فرحا برؤية النبي صلى الله عليه وسلم قال : فأراد أبو بكر أن ينكص (1) ؛ قال : فأشار إليه « أن كما أنت » قال : ثم أرخى الستر ، فقبض من يومه ذلك
__________
(1) نكص : رجع وتأخر

1270 - حدثنا أبو بكر بن عبد الحميد الواسطي قال : ثنا محمد بن رزق الله الكلوذاني قال : حدثنا الحسين بن علي الجعفي قال : حدثنا زائدة بن قدامة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن أبي بردة بن أبي موسى ، عن أبيه قال : مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتد مرضه فقال : « مروا أبا بكر فليصل بالناس » فقالت عائشة : يا رسول الله ، إن أبا بكر رجل رقيق ومتى يقم مقامك لا يستطيع أن يصلي بالناس فقال : « مروا أبا بكر فليصل بالناس » قال : فأتاه الرسول فقال له فصلى بالناس حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم

1271 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد قال : حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أن بني عمرو بن عوف كان بينهم شيء فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلح بينهم في أناس معه فحبس رسول الله صلى الله عليه وسلم وحانت الصلاة ، فجاء بلال إلى أبي بكر رضي الله عنه فقال : يا أبا بكر ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حبس ، وقد حانت الصلاة ، فهل لك أن تؤم الناس ؟ قال : نعم فأقام بلال ، وتقدم أبو بكر فكبر للناس وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي حتى قام في الصف ، وأخذ الناس في التصفيق ، وكان أبو بكر رضي الله عنه لا يلتفت في صلاته ، فلما أكثر الناس التفت ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمره أن يصلي ، فرفع أبو بكر يديه فحمد الله ورجع القهقرى (1) وراءه ، حتى قام في الصف وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى للناس ، فلما فرغ أقبل على الناس فقال : « يا أيها الناس ، ما لكم حين نابكم في الصلاة أخذتم في التصفيق ، إنما التصفيق للنساء ، من نابه في الصلاة شيء فليقل : سبحان الله ، فإنه لا يسمعه أحد حين يقول : سبحان الله إلا التفت ، يا أبا بكر ، ما منعك أن تصلي للناس حين أشرت إليك ؟ » فقال أبو بكر : ما كان ينبغي لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم «
__________
(1) القهقرى : الْمَشيُ إلى خَلْف من غير أن يُعيد وجْهَه إلى جِهة مَشْيه

1272 - وأنبأنا إبراهيم بن موسى الجوزي قال : حدثنا هارون بن عبد الله البزاز قال : حدثنا سليمان بن حرب قال : حدثنا حماد بن زيد قال : حدثنا أبو حازم ، عن سهل بن سعد قال : كان بين بني عمرو بن عوف قتال قال : فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس ثم أتاهم يصلح بينهم وقال لبلال : « إن حضرت الصلاة ولم آت فمر أبا بكر فليصل بالناس » فلما حضرت الصلاة أمر أبا بكر فصلى بالناس « قال محمد بن الحسين رحمه الله : هذه السنن يصدق بعضها بعضا ، وتدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر رضي الله عنه بأن يصلي بالناس في حياته إذا لم يحضر ، وفي مرضه إذا لم يقدر ، وقوله لما تقدم عمر رضي الله عنه فقال : » لا ، يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر « دليل على أنه لم يكن أفضل منه ، وعلى أنه الخليفة من بعده ، وكذا قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو الخليفة الرابع وقد ذكر أبا بكر وشرفه وفضله وقال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر فصلى بالناس ، وقد رأى مكاني ، وما كنت غائبا ولا مريضا ، ولو أراد أن يقدمني لقدمني ، فرضينا لدنيانا من رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا . قال محمد بن الحسين رحمه الله تعالى : وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : » لا ينبغي لقوم يكون فيهم أبو بكر يؤمهم غيره «

1273 - وحدثنا أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح العكبري قال : حدثنا نصر بن عبد الرحمن الوشاء قال : حدثنا أحمد بن بشير قال : حدثنا عيسى بن ميمون ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة رحمها الله تعالى قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا ينبغي لقوم يكون فيهم أبو بكر يؤمهم غيره »

1274 - أنبأنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار قال : حدثنا محمد بن هارون الفلاس قال : حدثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل قال : حدثنا أبو إدريس الحارثي تليد بن سليمان قال : حدثنا أبو الجحاف قال : احتجب أبو بكر رضي الله عنه عن الناس ثلاثا يشرف عليهم كل يوم فيقول : « قد أقلتكم بيعتي فبايعوا من شئتم قال : فيقوم علي رضي الله عنه فيقول : والله لا نقيلك ولا نستقيلك ، قدمك رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن ذا الذي يؤخرك »

1275 - حدثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد الأعرابي قال : حدثنا إبراهيم بن فهد قال : حدثنا محمد بن خالد الواسطي قال : حدثنا شريك ، عن أبي بكر الهذلي ، عن الحسن قال : قال علي رضي الله عنه : « قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه فصلى بالناس ، وقد رأى مكاني ، وما كنت غائبا ولا مريضا ، ولو أراد أن يقدمني لقدمني ، فرضينا لدنيانا من رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا »

باب ذكر صلاة النبي صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر
الصديق رضي الله عنه

1276 - أنبأنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد قال : حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن حميد ، عن أنس بن مالك أنه قال : « آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع القوم ، صلى في ثوب واحد متوشحا (1) خلف أبي بكر رضي الله عنه »
__________
(1) توشح بالوشاح : أي يَتَغَشَّى به. والأصْلُ فيه من الوِشاح وهو شَيءٌ يُنْسَجُ عَريضا من أديم، ورُبَّما رُصِّع بالجَوْهَر والخَرَزِ، وَتَشُدُّه المرأة بين عاتِقَيْها وكَشْحَيْها

1277 - وأنبأنا الفريابي قال : حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري قال : حدثنا أنس بن عياض قال : وحدثني حميد ، عن أنس أنه قال : « آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع القوم ، صلى في ثوب واحد متوشحا (1) به خلف أبي بكر رضي الله عنه »
__________
(1) توشح بالوشاح : أي يَتَغَشَّى به. والأصْلُ فيه من الوِشاح وهو شَيءٌ يُنْسَجُ عَريضا من أديم، ورُبَّما رُصِّع بالجَوْهَر والخَرَزِ، وَتَشُدُّه المرأة بين عاتِقَيْها وكَشْحَيْها

1278 - وحدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا محمد بن رزق الله الكلوذاني قال : حدثنا شبابة بن سوار قال : حدثنا شعبة بن الحجاج ، عن نعيم بن أبي هند ، عن أبي وائل ، عن مسروق ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : « صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه خلف أبي بكر رضي الله عنه قاعدا » وأنبأنا أبو عبد الله بن مخلد أيضا العطار قال : ثنا حمدون بن عباد الفرغاني قال : ثنا شبابة بن سوار قال : ثنا شعبة ، وذكر الحديث قبله

1279 - وحدثنا ابن مخلد أيضا قال : ثنا حمدون بن عباد قال : ثنا شبابة قال : حدثني خارج بن مصعب ، والمغيرة بن مسلم ، كلاهما عن يونس ، عن أنس قال : « مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أيام ، فكان أبو بكر يصلي بالناس تسعة أيام فلما كان يوم العاشر وجد خفة ، فخرج يهادي (1) بين الفضل بن العباس . . . فصلى خلف أبي بكر رضي الله عنه قاعدا »
__________
(1) يهادى بين الاثنين : يمشي بينهما يعتمد عليهما من ضعفه وتمايله

باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : « ما طلعت الشمس ولا غربت على أحد بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكر رضي الله عنه »

1280 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدثنا وهب بن بقية الواسطي قال : حدثنا عبد الله بن سفيان الواسطي ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن أبي الدرداء قال : رآني النبي صلى الله عليه وسلم أمشي أمام أبي بكر رضي الله عنه فقال : « يا أبا الدرداء ، أتمشي أمام من هو خير منك في الدنيا والآخرة ؟ ما طلعت الشمس ولا غربت على أحد بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكر »

1281 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا محمد بن مصفى الحمصي قال : حدثنا بقية يعني ابن الوليد عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن أبي الدرداء قال : رآني النبي صلى الله عليه وسلم أمشي بين يدي أبي بكر فقال : « يا أبا الدرداء ، لم تمشي بين يدي من هو خير منك ؟ إن أبا بكر خير من طلعت عليه الشمس أو غربت » قال محمد بن الحسين رحمه الله تعالى : فضائل أبي بكر رضي الله عنه كثيرة ، قد ذكرت منها ما حضرني ذكره ، ونذكر فضائله في غير باب ، جمع الله الكريم فضائله وفضائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنذكرها بابا بابا إن شاء الله تعالى

1282 - أنبأنا إبراهيم بن الهيثم الناقد قال : حدثنا أبو معمر القطيعي قال : حدثنا إسحاق الرازي ، عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس قال : « مكتوب في الكتاب الأول مثل أبي بكر مثل القطر حيث ما وقع نفع » بسم الله الرحمن الرحيم

فضائل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما

1283 - حدثنا أبو جعفر أحمد بن يحيى الحلواني قال : حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال : حدثنا أبو معاوية رضي الله عنه ، عن الحسن بن عمارة ، عن فراس ، عن الشعبي ، عن الحارث الأعور ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : أقبل أبو بكر وعمر رحمهما الله تعالى وأنا جالس ، عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال : « إن هذين سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين ، لا تخبرهما يا علي » قال : فما ذكرت ذلك لهما حتى هلكا

1284 - وحدثنا أبو بكر قاسم بن زكريا المطرز قال : حدثنا محمد بن عمرو بن أبي مذعور قال : حدثنا هشيم بن بشير قال : حدثنا مالك بن مغول ، عن الشعبي ، وأبو إسحاق ، عن الشعبي ، عن الحارث ، عن علي رضي الله عنه قال : أقبل أبو بكر وعمر رضي الله عنهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وكل واحد منهما آخذ بيد صاحبه فلما رآهما قال : « هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين ، لا تخبرهما يا علي »

1285 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا المسيب بن واضح السلمي قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن فراس ، عن الشعبي ، عن الحارث ، عن علي رضي الله عنه قال : كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ، فقال : « يا علي ، هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين ، لا تخبرهما يا علي » قال : فما أخبرتهما حتى ماتا

1286 - أنبأنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن ناجية قال : حدثنا وهب بن بقية الواسطي قال : حدثنا عمر بن يونس اليمامي ، عن عبد الله بن عمر ، عن الحسن بن زيد بن الحسن قال : جاءه نفر من العراق فقالوا : يا أبا محمد ، حديث بلغنا أنك تحدثه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فقال : نعم ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل أبو بكر وعمر ، فقال : « يا علي ، هذان سيدا كهول أهل الجنة بعد النبيين والمرسلين »

1287 - حدثنا أبو سعيد المفضل بن محمد الجندي ، في المسجد الحرام قال : حدثنا علي بن زيد الفرائضي قال : حدثنا محمد بن كثير الصنعاني ، عن الأوزاعي ، عن قتادة ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين » حدثنا ابن مخلد العطار قال : حدثنا العباس بن عبد الله الترقفي قال : ثنا محمد بن كثير المصيصي ، عن الأوزاعي ، . . . وذكر الحديث مثله

1288 - حدثنا ابن مخلد قال : حدثنا يحيى بن مارمة أبو زكريا قال : حدثنا عبيد الله بن موسى قال : حدثنا طلحة بن عمرو ، عن عطاء ، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة »

باب ذكر منزلة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما من رسول
الله صلى الله عليه وسلم

1289 - حدثنا أبو جعفر أحمد بن يحيى الحلواني قال : حدثنا الحكم بن موسى ، ويحيى بن عبد الحميد الحماني وهذا لفظ الحكم قال : أنبأنا سعيد بن مسلمة ، عن إسماعيل بن أمية ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد ، وأبو بكر عن يمينه وعمر عن يساره فقال : « هكذا نبعث يوم القيامة »

1290 - حدثنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار قال : حدثنا علي بن حرب الطائي قال : حدثنا خالد بن يزيد قال : حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن أبيه ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : طلع علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، يده اليمنى على أبي بكر ويده اليسرى على عمر ، فقال : « هكذا أبعث يوم القيامة بين هذين »

أقسام الكتاب

1 2 3 4 5 6