كتاب : فتح القدير
المؤلف : كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي

مَا هُوَ الْأَرْفَقُ وَالْأَوْفَقُ لِمَنْ يَقَعُ الشِّرَاءِ لَهُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا ظَهَرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْبَائِعِ بَلْ يَخْتَصُّ خِيَارُ التَّعْيِينِ بِالْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا حَاجَةَ لَهُ إلَى اخْتِيَارِ الْأَوْفَقِ وَالْأَرْفَقِ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ كَانَ مَعَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ وَهُوَ أَدْرَى بِمَا لَاءَمَهُ مِنْهُ فَيُرَدُّ جَانِبُ الْبَائِعِ إلَى الْقِيَاسِ ؛ فَلِهَذَا نَصَّ فِي الْمُجَرَّدِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي جَانِبِ الْبَائِعِ .
وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ يَجُوزُ مَعَ خِيَارِ الْمُشْتَرِي فَيَجُوزُ مَعَ خِيَارِ الْبَائِعِ قِيَاسًا عَلَى الشَّرْطِ ، وَأَنْتَ عَرَفْت الْفَرْقَ .
ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي أَنَّهُ هَلْ مِنْ شَرْطِ جَوَازِ هَذَا الْبَيْعِ أَعْنِي الْبَيْعَ الَّذِي فِيهِ خِيَارُ التَّعْيِينِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الصُّورَةِ .
قِيلَ نَعَمْ كَمَا ( هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ) تَصْوِيرًا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ ، وَنَسَبَهُ قَاضِي خَانْ إلَى أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ .
وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ : فِي جَامِعِهِ هُوَ الصَّحِيحُ ( وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ ) وَغَيْرِهِ ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ الصُّورَةِ وَقَعَ اتِّفَاقًا لَا قَيْدًا ، وَصَحَّحَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فَقَالَ : الصَّحِيحُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شُجَاعٍ .
وَجْهُ الِاشْتِرَاطِ وَهُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى جَوَازَ هَذَا الْعَقْدِ لِجَهَالَةِ وَقْتِ الْمَبِيعِ وَقْتَ لُزُومِ الْعَقْدِ ، وَإِنَّمَا جَازَ اسْتِحْسَانًا بِمَوْضِعِ السُّنَّةِ وَهُوَ شَرْطُ الْخِيَارِ فَلَا يَصِحُّ بِدُونِهِ ، وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ هَذَا الْكَلَامِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ شَرْطَ الْإِلْحَاقِ بِالدَّلَالَةِ أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلِّ الصُّورَةِ الْمُلْحَقَةِ الصُّورَةُ الثَّابِتَةُ بِالْعِبَارَةِ ، وَكَانَ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَصِحَّ الْبَيْعُ بِخِيَارِ النَّقْدِ إلَّا فِي بَيْعِ خِيَارِ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْبَيْعِ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ

الثَّمَنَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ مِمَّا أُثْبِتَ بِدَلَالَةِ نَصِّ خِيَارِ الشَّرْطِ ، وَلَا يُعْلَمُ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهُمَا إنْ تَرَاضَيَا عَلَى خِيَارِ الشَّرْطِ مَعَ خِيَارِ التَّعْيِينِ ثَبَتَ حُكْمُهُ ، وَهُوَ جَوَازُ أَنْ يَرُدَّ كُلًّا مِنْ الثَّوْبَيْنِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَوْ بَعْدَ تَعْيِينِ الثَّوْبِ الَّذِي فِيهِ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ التَّعْيِينِ فِي هَذَا الْبَيْعِ الَّذِي فِيهِ شَرْطُ الْخِيَارِ أَنَّهُ عَيْنُ الْمَبِيعِ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ لَا أَنَّهُ يَسْقُطُ خِيَارُهُ ، وَلَوْ رَدَّ أَحَدَهُمَا كَانَ بِخِيَارِ التَّعْيِينِ وَيَثْبُتُ الْبَيْعُ فِي الْآخَرِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ، وَلَوْ مَضَتْ الثَّلَاثَةُ قَبْلَ رَدِّ شَيْءٍ وَتَعْيِينِهِ بَطَلَ خِيَارُ الشَّرْطِ وَانْبَرَمَ الْبَيْعُ فِي أَحَدِهِمَا ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُعَيِّنَ وَلَوْ مَاتَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الثَّلَاثَةِ تَمَّ بَيْعُ أَحَدِهِمَا وَعَلَى الْوَارِثِ التَّعْيِينُ ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ لَا يُورَثُ وَالتَّعْيِينُ يَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ لِيُمَيِّزَ مِلْكَهُ مِنْ مِلْكِ غَيْرِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ؛ وَلِهَذَا لَا يُتَوَقَّفُ فِي حَقِّ الْوَارِثِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الشَّرِيكِ الْمُخْتَلِطِ مَالُهُ بِمَالِ غَيْرِهِ ، فَمَا لَمْ يَطْلُبْ شَرِيكُهُ الْقِسْمَةَ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ وَلَا يَفُوتُ وَقْتُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَتَرَاضَيَا عَلَى خِيَارِ الشَّرْطِ مَعَهُ لَا بُدَّ مِنْ تَوْقِيتِ خِيَارِ التَّعْيِينِ بِالثَّلَاثَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُهُ ، وَعِنْدَهُمَا أَيُّ مُدَّةٍ تَرَاضَيَا عَلَيْهَا بَعْدَ كَوْنِهَا مَعْلُومَةً ، وَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ فَمَضَتْ الْمُدَّةُ حَتَّى انْبَرَمَ فِي أَحَدِهِمَا وَلَزِمَ التَّعْيِينُ أَنْ يَتَقَيَّدَ التَّعْيِينُ بِثَلَاثَةٍ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ ، وَحِينَئِذٍ فَإِطْلَاقُ الطَّحَاوِيِّ قَوْلَهُ خِيَارُ الشَّرْطِ مُؤَقَّتٌ بِالثَّلَاثِ فِي قَوْلِهِ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ بِهَا عِنْدَهُمَا وَخِيَارُ التَّمْيِيزِ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ فِيهِ نَظَرٌ ، وَقَدْ طُولِبَ بِالْفَرْقِ

عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ حَيْثُ قَصَرَ الْمُدَّةَ عَلَى الثَّلَاثِ فِي خِيَارِ النَّقْدِ أَخْذًا بِالْقِيَاسِ وَلَمْ يُقْصِرْ فِي خِيَارِ التَّعْيِينِ عَلَيْهَا .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِي خِيَارِ النَّقْدِ تَعَلُّقًا صَرِيحًا بِأَدَاةِ الشَّرْطِ فَلَا يَكُونُ الْوَارِدُ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَارِدًا فِيهِ بِخِلَافِ خِيَارِ التَّعْيِينِ لَيْسَ فِي صَرِيحِ التَّعْلِيقِ فَكَانَ فِي مَعْنَاهُ ، وَهَذَا يُوجِبُ أَنَّ أَخْذَهُ فِي خِيَارِ النَّقْدِ فِي الثَّلَاثَةِ بِأَثَرٍ لِابْنِ عُمَرَ فِيهِ ، وَنَفْيُ الزَّائِدِ بِالْقِيَاسِ ، وَأَثَرُ ابْنِ عُمَرَ نَقَلَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ مَوْلَى ابْنِ الْبَرْصَاءِ قَالَ : بِعْت مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ جَارِيَةً عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَنَا ، فَأَجَازَ ابْنُ عُمَرَ هَذَا الْبَيْعَ .
وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافُهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يُطَابِقُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِي مَسْأَلَةِ خِيَارِ النَّقْدِ فِيمَا تَقَدَّمَ ؛ فَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأَصْلِ بِالْأَثَرِ ، وَفِي هَذَا بِالْقِيَاسِ ( قَوْلُهُ وَلَوْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا أَوْ تَعَيَّبَ لَزِمَهُ الْبَيْعُ فِيهِ بِثَمَنِهِ وَتَعَيَّنَ الْآخَرُ لِلْأَمَانَةِ لِامْتِنَاعِ الرَّدِّ بِالتَّعَيُّبِ ) عَلَّلَهُ الْمُصَنِّفُ بِامْتِنَاعِ الرَّدِّ بِالتَّعْيِيبِ فَيُعْرَفُ مِنْهُ أَنَّ هَذَا إذَا كَانَ بَعْدَ أَنْ قَبَضَهُمَا لِامْتِنَاعِ رَدِّهِ بِسَبَبِ الْعَيْبِ الَّذِي حَدَثَ فِيهِ عِنْدَهُ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْهَلَاكَ لَا يَعْرَى عَنْ مُقَدِّمَةِ عَيْبٍ ، فَلَوْ هَلَكَ الْآخَرُ بَعْدَهُ هَلَكَ بِغَيْرِ شَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ أَنَّهُ أَمَانَةٌ ، أَمَّا لَوْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ تَعَيَّبَ فَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ ، وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِثَمَنِهِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ ، وَلَوْ هَلَكَ الْكُلُّ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْبَيْعُ ( وَلَوْ هَلَكَا مَعًا ) بَعْدَ الْقَبْضِ ( لَزِمَهُ نِصْفُ ثَمَنِ كُلِّ

وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِشُيُوعِ الْبَيْعِ وَالْأَمَانَةِ ) فَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِكَوْنِهِ الْمَبِيعَ مِنْ الْآخَرِ ، وَكَذَا إذَا هَلَكَا عَلَى التَّعَاقُبِ وَلَمْ يُدْرَ السَّابِقُ مِنْهُمَا .
وَأَثَرُ هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ إذَا كَانَ ثَمَنُهُمَا مُتَفَاوِتَ الْكَمْيَّةِ ، فَإِنْ كَانَا مُتَّفِقَيْنِ فَلَا ، وَكَذَا إذَا هَلَكَا عَلَى التَّعَاقُبِ فَاخْتَلَفَا فِي الْهَالِكِ أَوَّلًا فَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ أَكْثَرُهُمَا ثَمَنًا وَقَالَ الْمُشْتَرِي الْأَقَلُّ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ عَلَى مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ .
وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ أَوَّلًا يَتَحَالَفَانِ فَأَيُّهُمَا نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى الْآخَرِ ، وَإِنْ حَلَفَا يُجْعَلُ كَأَنَّهُمَا هَلَكَا مَعًا ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَأَيُّهُمَا بُيِّنَ قُبِلَ ، فَإِنْ أَقَامَاهَا قُضِيَ بِبَيِّنَةِ الْبَائِعِ لِإِثْبَاتِهَا الزِّيَادَةَ ، وَلَوْ تَعَيَّبَا مَعًا بَطَلَ خِيَارُ الشَّرْطِ وَامْتَنَعَ عَلَيْهِ رَدُّهُمَا وَخِيَارُ التَّعْيِينِ عَلَى حَالِهِ فَيُمْسِكُ أَيَّهُمَا شَاءَ بِثَمَنِهِ وَيَرُدُّ الْآخَرَ ، وَلَا يَغْرَمُ مِنْ قِيمَةِ عَيْبِ الْمَرْدُودِ شَيْئًا اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ الْمَعِيبَ مَحَلٌّ لِابْتِدَاءِ الْبَيْعِ أَيْضًا ، بِخِلَافِ الْهَالِكِ لَيْسَ مَحَلًّا لِابْتِدَائِهِ فَلَيْسَ مَحَلًّا لِتَعْيِينِهِ ، وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا فَقَبَضَهُمَا فَأَحَدُهُمَا مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ وَالْآخَرُ أَمَانَةٌ ، وَلَوْ مَاتَا جَمِيعًا ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ نِصْفَ ثَمَنِ كُلٍّ .
فَإِنْ قِيلَ : مِنْ أَيْنَ يَتَعَيَّنُ الْمَعِيبُ لِلْبَيْعِ دُونَ الْأَمَانَةِ وَأَحَدُهُمَا لَا عَلَى التَّعْيِينِ مَبِيعٌ كَمَا أَنَّ أَحَدَهُمَا لَا عَلَى التَّعْيِينِ أَمَانَةٌ وَامْتِنَاعُ الرَّدِّ لِلْعَيْبِ الْمُعَلَّلِ بِهِ فَرْعُ اعْتِبَارٍ أَنَّهُ هُوَ الْمَبِيعُ وَفِيهِ التَّحَكُّمُ .
إذْ اعْتِبَارُ أَنَّهُ الْمَبِيعُ لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِهِ الْأَمَانَةَ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ اعْتِبَارَهُ الْمَبِيعَ عَمَلٌ

بِالدَّلِيلِ الْحَادِثِ وَهُوَ الْبَيْعُ فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِإِيجَابِ الضَّمَانِ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْغَنِيِّ فِي مُخْتَلِفَاتِهِ .
وَأَمَّا عَدَمُ الضَّمَانِ عَلَى الْأَمِينِ فَبِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ .
فَإِنْ قِيلَ : لِمَ لَمْ يَضْمَنُ الْآخَرُ إذَا هَلَكَ ثَانِيًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَقْبُوضٌ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ ؟ الْجَوَابُ بِمَنْعِ أَنَّهُ كَتِلْكَ بَلْ الْمَقْبُوضُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى حَقِيقَةِ الشِّرَاءِ لِأَحَدِهِمَا ، وَلَيْسَ هُنَا شَيْءٌ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ ؛ لِأَنَّ مَا عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ لَا يُنْجَزُ فِيهِ عَقْدٌ بَلْ تَعَيُّنُ الثَّمَنِ فَقَطْ وَهُنَا تُنْجَزُ تَمَامُ الْعَقْدِ فَلَزِمَ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ قَبْضَ الْعَيْنَيْنِ عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا غَيْرُ عَيْنٍ مَبِيعًا وَأَحَدَهُمَا غَيْرُ عَيْنٍ أَمَانَةً ، فَإِذَا فُرِضَ وُجُودِ مَا يُعَيِّنُ الْمَبِيعَ مِنْهُمَا مِنْ الْأَسْبَاب تُعِيِّنَ الْآخَرُ لِلْأَمَانَةِ .
فَإِنْ قِيلَ : لِأَيِّ شَيْءٍ انْعَكَسَ حُكْمُ طَلَاقِ إحْدَى الزَّوْجَتَيْنِ وَعِتْقُ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ هُنَا حَيْثُ يَتَعَيَّنُ لِلطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ الْبَاقِي لَا الْهَالِكُ وَهُنَا يَتَعَيَّنُ الْهَالِكُ لِلْبَيْعِ ؟ أَجَابَ عَلِيٌّ الْقُمِّيُّ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْحَاصِلِ ؛ لِأَنَّ الْهَالِكَ يَهْلِكُ عَلَى مِلْكِهِ فِي الْمَسَائِلِ كُلِّهَا ، غَيْرَ أَنَّهُ إذَا هَلَكَ كُلٌّ مِنْ الزَّوْجَةِ وَالْعَبْدِ عَلَى مِلْكِهِ تَعَيَّنَ الْبَاقِي بِالضَّرُورَةِ لِلطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ، فَإِذَا هَلَكَ الْعَبْدُ هُنَا عَلَى مِلْكِهِ تَعَيَّنَ الْبَاقِي لِلْأَمَانَةِ ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ حَقِيقَةَ السُّؤَالِ أَنَّهُ لِأَيِّ شَيْءٍ جُعِلَ الْهَالِكُ هُنَا هُوَ الْمَحَلُّ لِلتَّصَرُّفِ دُونَ الْبَاقِي ، وَهُنَاكَ جُعِلَ الْمَحَلُّ لِلتَّصَرُّفِ الْبَاقِي دُونَ الْهَالِكِ مَعَ التَّصَرُّفِ فِي الْكُلِّ فِي الْأَحَدِ الدَّائِرِ بَيْنَ الْمُعَيَّنَاتِ ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْفَرْقِ ، وَهُوَ أَنَّ الْعَبْدَ هُنَا لَمَّا أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِلرَّدِّ بِالْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَاهُ مِنْ الْمُخْتَلِفَاتِ فَتَعَيَّنَ الْعَقْدُ فِيهِ بِتَعَيُّنِ الْبَاقِي لِلضَّرُورَةِ

، وَحِينَ أَشْرَفَتْ الزَّوْجَةُ وَالْعَبْدُ عَلَى الْهَلَاكِ لَمْ يَخْرُجَا عَنْ كَوْنِهِمَا مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ، هُوَ التَّصَرُّفُ فَتَعَيَّنَ الْبَاقِي لَهُمَا ضَرُورَةً ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَشْرَةٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ .
فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ رَدُّ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ تَنَاوَلَهُمَا جَمِيعًا حَتَّى مَلَكَ إتْمَامَ الْعَقْدِ فِيهِمَا ، فَإِذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ رَدُّ أَحَدِهِمَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ رَدِّ الْآخَرِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَى الْبَائِعِ قَبْلَ التَّمَامِ ، وَهُنَا الْعَقْدُ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ أَحَدَهُمَا حَتَّى لَا يَمْلِكَ إتْمَامَ الْعَقْدِ فِيهِمَا .

قَالَ ( وَمَنْ اشْتَرَى دَارًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فَبِيعَتْ دَارٌ أُخْرَى بِجَنْبِهَا فَأَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ فَهُوَ رِضًا ) ؛ لِأَنَّ طَلَبَ الشُّفْعَةِ يَدُلُّ عَلَى اخْتِيَارِهِ الْمِلْكَ فِيهَا ؛ لِأَنَّهُ مَا ثَبَتَ إلَّا لِدَفْعِ ضَرَرِ الْجِوَارِ وَذَلِكَ بِالِاسْتِدَامَةِ فَيَتَضَمَّنُ ذَلِكَ سُقُوطَ الْخِيَارِ سَابِقًا عَلَيْهِ فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّ الْجِوَارَ كَانَ ثَابِتًا ، وَهَذَا التَّقْرِيرُ يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً .

( قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى دَارًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ) ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ عِنْدَهُمَا ( فَبِيعَتْ دَارٌ إلَى جَنْبِهَا فَأَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ فَهُوَ رِضًا ) بِالْبَيْعِ فَيَسْقُطُ خِيَارُهُ ، وَاسْتَفَدْنَا مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ اشْتَرَى دَارًا بِالْخِيَارِ لَهُ أَنْ يَشْفَعَ بِهَا فِيمَا يُبَاعُ بِجَنْبِهَا ؛ لِأَنَّ لَهُ الْإِجَازَةَ وَالرِّضَا وَالشُّفْعَةُ بِهَا رِضًا بِهَا ؛ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى اخْتِيَارِهِ لِلْمِلْكِ فِيمَا يُشْفَعُ بِهِ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الشَّأْنُ ( مَا ثَبَتَتْ ) الشُّفْعَةُ ( إلَّا لِدَفْعِ ضَرَرِ الْجِوَارِ وَذَلِكَ ) أَيْ ضَرَرُ الْجِوَارِ يَحْصُلُ ( بِاسْتِدَامَةِ ) الْمِلْكِ فَحَيْثُ شَفَعَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَقِيمٌ لِلْمِلْكِ ( فَيَتَضَمَّنُ سُقُوطَ الْخِيَارِ سَابِقًا عَلَيْهِ فَيَثْبُتُ الْمَلِكُ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّ الْجِوَارَ كَانَ ثَابِتًا ، وَهَذَا التَّقْرِيرُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً ) ؛ لِأَنَّهُ الْقَائِلُ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَشْفَعُ بِهَا ، وَقَدْ قَالَ يَشْفَعُ بِهَا فَاحْتَاجَ إلَى جَعْلِهِ فِعْلًا يُفِيدُ الرِّضَا بِالْبَيْعِ فَيَنْبَرِمُ الْبَيْعُ فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ مِنْ وَقْتِ عَقْدِ الْخِيَارِ فَيَكُونُ سَابِقًا عَلَى شِرَاءِ مَا فِيهِ الشُّفْعَةُ ، أَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَلَا حَاجَةَ ؛ لِأَنَّهُمَا قَائِلَانِ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ مَلَكَهَا فَتَتَّجِهُ لَهُ الشُّفْعَةُ بِهَا .
وَالْوَجْهُ أَنَّهُمَا أَيْضًا يَحْتَاجَانِ إلَى زِيَادَةٍ ضِمْنِيَّةٍ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ وَإِنْ كَانَ ثَابِتًا عِنْدَهُمَا فَلَهُ رَفْعُهُ فَهُوَ مُزَلْزَلٌ وَالشُّفْعَةُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْمُسْتَمِرِّ ، فَحِينَ شَفَعَ دَلَّ عَلَى قَصْدِهِ اسْتِبْقَاءَ الْمِلْكِ فَيَسْقُطُ خِيَارُهُ فَلَا يُفْسَخُ بَعْدَ ذَلِكَ .
وَفِي الْمَبْسُوطِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعَدَمُ هَذَا التَّقْرِيرِ قَالَ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَحَقَّ بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا ، وَذَلِكَ يَكْفِيهِ لِاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ بِهَا

كَالْمَأْذُونِ الْمُسْتَغْرَقِ بِالدَّيْنِ وَالْمُكَاتَبِ فَإِنَّهُمَا يَسْتَحِقَّانِ الشُّفْعَةَ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكَا رَقَبَةَ الدَّارِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ هُنَاكَ لَمْ يَصِرْ أَحَقَّ بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا ، وَلَوْ اُعْتُبِرَ الْمَأْذُونُ وَالْمُكَاتَبُ كَالْوَكِيلِ عَنْ السَّيِّدِ فِي الْحَالِ كَانَ حَسَنًا وَرَجَعَ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ ، وَهَذَا وَلَوْ كَانَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يَشْفَعَ فِي الدَّارِ الْمَبِيعَةِ إلَى جَانِبِهَا ، وَلَا يَسْقُطُ بِهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ حَتَّى إذَا رَآهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بَعْدَمَا شَفَعَ بِهَا ، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَوْ أَسْقَطَ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ صَرِيحًا لَا يَسْقُطُ ؛ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالرُّؤْيَةِ فَقَبْلَهَا هُوَ عَدَمٌ ، فَحَقِيقَةُ قَوْلِنَا ثَبَتَ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ أَنَّهُ إذَا رَآهَا ثَبَتَ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ ، وَكَذَا لَا يَبْطُلُ خِيَارُ الْعَيْبِ بِالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ بِهِ .

قَالَ ( وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلَانِ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا فَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يَرُدَّهُ ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا : لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ خِيَارُ الْعَيْبِ وَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ ، لَهُمَا أَنَّ إثْبَاتَ الْخِيَارِ لَهُمَا إثْبَاتُهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِ صَاحِبِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهِ .
وَلَهُ أَنَّ الْمَبِيعَ خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ غَيْرَ مَعِيبِ الشَّرِكَةِ ، فَلَوْ رَدَّهُ أَحَدُهُمَا رَدَّهُ مَعِيبًا بِهِ وَفِيهِ إلْزَامُ ضَرَرٍ زَائِدٍ ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ إثْبَاتِ الْخِيَارِ لَهُمَا الرِّضَا بِرَدِّ أَحَدِهِمَا لِتَصَوُّرِ اجْتِمَاعِهِمَا عَلَى الرَّدِّ .
.

( قَوْلُهُ وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلَانِ عَبْدًا ) مَثَلًا ( عَلَى أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ وَرَضِيَ أَحَدُهُمَا بِالْبَيْعِ ) بَطَلَ خِيَارُ الْآخَرِ ( فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا : لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ خِيَارُ الْعَيْبِ وَالرُّؤْيَةِ ) بِأَنْ اشْتَرَى الرَّجُلَانِ شَيْئًا فَاطَّلَعَا عَلَى عَيْبٍ فَرَضِيَ بِهِ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ رَدُّهُ عِنْدَهُ ، وَعِنْدَهُمَا لَهُ ذَلِكَ أَوْ اشْتَرَيَا وَلَمْ يَرَيَا فَعِنْدَ الرُّؤْيَةِ رَضِيَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ ( وَلَهُمَا أَنَّ إثْبَاتَ الْخِيَارِ لَهُمَا إثْبَاتُهُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا يَسْقُطُ حَقُّهُ بِإِسْقَاطِ صَاحِبِهِ ) حَقَّهُ ( وَلَهُ أَنَّ الْمَبِيعَ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ غَيْرَ مَعِيبٍ بِعَيْبِ الشَّرِكَةِ فَلَوْ رَدَّهُ أَحَدُهُمَا رَدَّهُ مَعِيبًا بِهِ وَفِيهِ إلْزَامُ ضَرَرٍ زَائِدٍ ) فَإِنَّ الْبَائِعَ كَانَ بِحَيْثُ يَنْتَفِعُ بِهِ مَتَى شَاءَ كَيْفَ شَاءَ فَصَارَ بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِطَرِيقِ الْمُهَايَأَةِ ، وَالْخِيَارُ مَا شُرِعَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ أَحَدِهِمَا بِإِلْحَاقِ الضَّرَرِ بِالْآخَرِ .
فَإِنْ قِيلَ : هَذَا الضَّرَرُ حَصَلَ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ .
قُلْنَا مَمْنُوعٌ ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ فَإِنَّ مَعَ خِيَارِ الْمُشْتَرِي يَخْرُجُ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ .
فَإِنْ قِيلَ : لَمَّا شَرَطَ الْخِيَارُ لَهُمَا فَقَدْ رَضِيَ بِهَذَا الْعَيْبِ .
أُجِيبَ أَنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ بِهِ فِي مِلْكِهِمَا .
فَإِنْ قِيلَ : بَلْ رَضِيَ بِهِ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ مَعْلُومٌ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عِنْدَ فَسْخٍ وَقَدْ يَكُونُ عِنْدَ إبْرَامٍ فَشَرْطُهُ رِضًا بِكُلٍّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ .
أَجَابَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ ( وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةٍ إلَى آخِرِهِ ) يَعْنِي لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ شَرَطَهُ لَهُمَا أَنْ يَكُونَ رَاضِيًا بِفَسْخِ أَحَدِهِمَا لِجَوَازِ كَوْنِهِ لِرِضَاهُ بِفَسْخِهِمَا ، فَإِذَا جَازَ هَذَا كَانَ هُوَ الظَّاهِرَ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّصَرُّفَ مِنْ الْعَاقِلِ إذَا احْتَمَلَ كُلًّا مِنْ أَمْرَيْنِ فِي أَحَدِهِمَا

ضَرَرٌ دُونَ الْآخَرِ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ الْمُحْتَمَلَ الَّذِي لَا ضَرَرَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ بَلْ اللَّازِمَ عَدَمُ قَصْدِ الْعَاقِلِ إلَى مَا يَضُرُّهُ بِلَا فَائِدَةٍ .

قَالَ ( وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ أَوْ كَاتِبٌ وَكَانَ بِخِلَافِهِ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ ) ؛ لِأَنَّ هَذَا وَصْفٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ فَيُسْتَحَقُّ فِي الْعَقْدِ بِالشَّرْطِ ، ثُمَّ فَوَاتُهُ يُوجِبُ التَّخْيِيرَ ؛ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِهِ دُونَهُ ، وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى اخْتِلَافِ النَّوْعِ لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ فِي الْأَغْرَاضِ ، فَلَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ بِعَدَمِهِ بِمَنْزِلَةِ وَصْفِ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ فِي الْحَيَوَانَاتِ وَصَارَ كَفَوَاتِ وَصْفِ السَّلَامَةِ ، وَإِذَا أَخَذَهُ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ لِكَوْنِهَا تَابِعَةً فِي الْعَقْدِ عَلَى مَا عُرِفَ .

( قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ أَوْ كَاتِبٌ ) أَيْ حِرْفَتُهُ ذَلِكَ ( فَكَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ ، فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ ) وَلَوْ مَاتَ هَذَا الْمُشْتَرِي انْتَقَلَ الْخِيَارُ إلَى وَرَثَتِهِ إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّهُ فِي ضِمْنِ مِلْكِ الْعَيْنِ ، وَهَذَا الشَّرْطُ حَاصِلُهُ شَرْطُ وَصْفٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ فِي الْبَيْعِ ، وَلَوْ كَانَ مَوْجُودًا فِيهِ دَخَلَ فِي الْعَقْدِ وَكَانَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِهِ ، فَكَانَ شَرْطُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ غَرَرٌ صَحِيحًا ، وَالْأَصْلُ فِي اشْتِرَاطِ الْأَوْصَافِ أَنَّ مَا كَانَ وَصْفًا لَا غَرَرَ فِيهِ فَهُوَ جَائِزٌ ، وَمَا فِيهِ غَرَرٌ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ اشْتِرَاطُهُ بِمَعْنَى الْبَرَاءَةِ مِنْ وُجُودِهِ ، وَهُوَ مَا لَيْسَ مَرْغُوبًا فِيهِ ، فَعَلَى هَذَا يَتَفَرَّعُ مَا لَوْ بَاعَ نَاقَةً أَوْ شَاةً عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ أَوْ تَحْلِبُ كَذَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ زِيَادَةً مَجْهُولَةً لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِهَا ، حَتَّى لَوْ شَرَطَ أَنَّهَا حَلُوبٌ جَازَ ، كَمَا إذَا شَرَطَ فِي الْفَرَسِ أَنَّهُ هِمْلَاجٌ وَفِي الْكَلْبِ أَنَّهُ صَائِدٌ حَيْثُ يَصِحُّ ، وَمِنْهُ شَرْطُ كَوْنِهِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَشَرْطُ كَوْنِ الثَّمَنِ مَكْفُولًا بِهِ .
أَمَّا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ فَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ .
قِيلَ لَا يَجُوزُ كَالنَّاقَةِ وَالشَّاةِ ، وَقِيلَ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْحَبَلَ فِي الْجَوَارِي عَيْبٌ بِخِلَافِ الْبَهَائِمِ فَكَانَ ذِكْرُهُ لِلْبَرَاءَةِ عَنْ هَذَا الْعَيْبِ ، وَقِيلَ إنْ اشْتَرَاهَا لِيَتَّخِذَهَا ظِئْرًا فَشَرَطَ أَنَّهَا حَامِلٌ يَعْنِي ذَكَرَ غَرَضَهُ ذَلِكَ لِلْبَائِعِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ زِيَادَةً مَجْهُولَةً فِي وُجُودِهَا غَرَرٌ فَكَانَتْ كَالنَّاقَةِ ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ جَازَ حَمْلًا لِقَصْدِ الْبَرَاءَةِ مِنْ عَيْبِ الْحَبَلِ وَمِنْهُ لَوْ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ مَعِيبٌ فَوَجَدَهُ سَلِيمًا صَحَّ ، وَكَانَ لَهُ .
هَذَا وَمَذْهَبُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي شَرْطِ

الْحَمْلِ فِي الْبَقَرِ وَالْجَارِيَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ .
وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي اشْتِرَاطِ أَنَّهَا حَلُوبَةٌ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ هُنَا أَصْلٌ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ اللَّبَنُ ، قَالَ مُحَمَّدٌ فِي مَسْأَلَتِنَا : فَإِنْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَوَجَدَهُ كَاتِبًا أَوْ خَبَّازًا عَلَى أَدْنَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ لَا يَكُونُ لَهُ حَقُّ الرَّدِّ ، وَمَعْنَاهُ : أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ أَدْنَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْكَاتِبِ وَالْخَبَّازِ : أَعْنِي الِاسْمَ الَّذِي يُشْعِرُ بِالْحِرْفَةِ ، فَإِنْ فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ كَانَ لَهُ حَقُّ الرَّدِّ بِأَنْ يَكْتُبَ شَيْئًا يَسِيرًا نَاقِصًا فِي الْوَضْعِ أَوْ يَخْبِزُ قَدْرَ مَا يَدْفَعُ عَنْهُ الْهَلَاكَ بِأَكْلِهِ ، وَإِذَا لَمْ يَجِدْهُ كَمَا ذَكَرَ وَامْتَنَعَ الرَّدُّ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ بِأَنْ يُقَوَّمَ الْعَبْدُ كَاتِبًا وَغَيْرَ كَاتِبٍ فَيَرْجِعُ بِالتَّفَاوُتِ .
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي بِالشَّرْطِ لَا بِالْعَقْدِ ، وَتَعَذُّرُ الرَّدِّ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ لَا يُوجِبُ الرُّجُوعَ عَلَى الْبَائِعِ فَكَذَا هَذَا ، وَالصَّحِيحُ مَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ عَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِهِ وَصْفَ السَّلَامَةِ كَمَا فِي الْعَيْبِ .
وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ بَعْدَ مُدَّةٍ فَقَالَ الْمُشْتَرِي : لَمْ أَجِدْهُ كَاتِبًا وَقَالَ الْبَائِعُ سَلَّمْته إلَيْك كَاتِبًا وَلَكِنَّهُ نَسِيَ عِنْدَك وَالْمُدَّةُ تَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَنْسَى فِي مِثْلِهَا فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي .
وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْقَوْلَ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِالْأَصْلِ وَأَنَّ الْعَدَمَ فِي الصِّفَاتِ الْعَارِضَةِ أَصْلٌ وَالْوُجُودُ فِي الصِّفَاتِ الْأَصْلِيَّةِ ، وَشَهَادَةُ النِّسَاءِ بِانْفِرَادِهِنَّ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ حُجَّةٌ إذَا تَأَيَّدَتْ بِمُؤَيِّدٍ ، وَإِنْ لَمْ تَتَأَيَّدْ تُعْتَبَرُ فِي ثُبُوتِ تَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ لَا فِي إلْزَامِ الْخَصْمِ .
إذَا عُرِفَ هَذَا ،

فَإِذَا اخْتَلَفَا قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ فَقَالَ الْمُشْتَرِي : لَيْسَ بِهَذَا الْوَصْفِ وَقَالَ الْبَائِعُ : هُوَ بِهَذَا الْوَصْفِ لِلْحَالِ يُؤْمَرُ بِالْخَبْزِ وَالْكِتَابَةِ ، فَإِنْ فَعَلَ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ وَلَا يُرَدُّ وَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُ الْعَبْدِ فِي ذَلِكَ ، وَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ : سَلَّمْته بِهَا وَنَسِيَ عِنْدَك وَالْمُدَّةُ تَحْتَمِلُ ذَلِكَ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي وَيَرُدُّهُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ هَذِهِ الصِّفَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَهُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَبْضِهِ وَدَفْعِ الثَّمَنِ حَتَّى تُعْرَفَ هَذِهِ الصِّفَةُ .
وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ ثُمَّ اخْتَلَفَا قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ فَقَالَ الْبَائِعُ : بِكْرٌ لِلْحَالِ وَقَالَ الْمُشْتَرِي ثَيِّبٌ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُرِيهَا النِّسَاءَ ، فَإِنْ قُلْنَ بِكْرٌ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ بِلَا يَمِينِ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُنَّ تَأَيَّدَتْ هُنَا بِمُؤَيِّدٍ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْبَكَارَةُ ، وَإِنْ قُلْنَ ثَيِّبٌ لَمْ يَثْبُتْ حَقُّ الْفَسْخِ بِشَهَادَتِهِنَّ ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ حَقٌّ قَوِيٌّ وَشَهَادَتُهُنَّ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ لَمْ تَتَأَيَّدْ بِمُؤَيِّدٍ ، لَكِنْ يَثْبُتُ حَقُّ الْخُصُومَةِ لِتَتَوَجَّهَ الْيَمِينُ عَلَى الْبَائِعِ ، إذْ لَا بُدَّ لِلْمُشْتَرِي مِنْ الدَّعْوَى وَالْخُصُومَةِ ، وَالْخُصُومَةُ حَقٌّ ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَقْصُودَةٍ لِذَاتِهَا فَجَازَ أَنْ تَثْبُتَ بِشَهَادَتِهِنَّ ، فَيَحْلِفُ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ لَقَدْ سَلَّمْتهَا بِحُكْمِ الْبَيْعِ وَهِيَ بِكْرٌ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ لَقَدْ بِعْتهَا وَهِيَ بِكْرٌ ، فَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ عَلَيْهِ ، وَإِنْ حَلَفَ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهَا تُرَدُّ بِشَهَادَتِهِنَّ قَبْلَ الْقَبْضِ بِلَا يَمِينٍ مِنْ الْبَائِعِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْقَاضِي مِنْ النِّسَاءِ مَنْ يَثِقُ بِهِنَّ لَا يَحْلِفُ الْبَائِعُ ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ لَمْ يَثْبُتْ لِلْحَالِ فَلَا يَثْبُتُ حَقُّ الْخُصُومَةِ فَلَا

يَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ عَلَى الْبَائِعِ فَتَلْزَمُ الْجَارِيَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي إلَى أَنْ يَحْضُرَ مِنْ النِّسَاءِ مَنْ يُوثَقُ بِهِنَّ ، وَلَوْ قَالَ : بِعْتهَا وَسَلَّمْتهَا إلَيْك وَهِيَ بِكْرٌ وَزَالَتْ بَكَارَتُهَا فِي يَدِك فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هِيَ الْبَكَارَةُ ، وَلَا يُرِيهَا الْقَاضِي النِّسَاءَ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ مُضَرٌّ بِزَوَالِ الْبَكَارَةِ ، وَإِنَّمَا يَقُولُ زَالَتْ فِي يَدِك .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا شَرَطَ فِي الْبَيْعِ مَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ فَوَجَدَهُ بِخِلَافِهِ فَتَارَةً يَكُونُ الْبَيْعُ فَاسِدًا وَتَارَةً يَسْتَمِرُّ عَلَى الصِّحَّةِ وَيَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ ، وَتَارَةً يَسْتَمِرُّ صَحِيحًا وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَهُوَ مَا إذَا وَجَدَهُ خَيْرًا مِمَّا شَرَطَهُ وَضَابِطُهُ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى فَفِيهِ الْخِيَارُ ، وَالثِّيَابُ أَجْنَاسٌ : أَعْنِي الْهَرَوِيَّ وَالْإِسْكَنْدَرِيّ وَالْمَرْوِيَّ وَالْكَتَّانَ وَالْقُطْنَ .
وَالذَّكَرُ مَعَ الْأُنْثَى فِي بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ ، وَفِي سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ جِنْسٌ وَاحِدٌ .
وَالضَّابِطُ فُحْشُ التَّفَاوُتِ فِي الْأَغْرَاضِ وَعَدَمُهُ ، فَإِنْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ إسْكَنْدَرِيٌّ فَوَجَدَهُ بَلَدِيًّا ، أَوْ هِنْدِيٌّ فَوَجَدَهُ مَرْوِيًّا ، أَوْ كَتَّانٌ فَوَجَدَهُ قُطْنًا ، أَوْ أَبْيَضُ مَصْبُوغٌ بِعُصْفُرٍ فَإِذَا هُوَ بِزَعْفَرَانٍ ، أَوْ دَارًا عَلَى أَنَّ بِنَاءَهَا آجُرٌّ فَإِذَا هُوَ لَبِنٌ ، أَوْ عَلَى أَنْ لَا بِنَاءَ وَلَا نَخْلَ فِيهَا فَإِذَا فِيهَا بِنَاءٌ أَوْ نَخْلٌ ، أَوْ أَرْضًا عَلَى أَنَّ جَمِيعَ أَشْجَارِهَا مُثْمِرَةٌ فَوَجَدَ وَاحِدَةً غَيْرَ مُثْمِرَةٍ ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ عَبْدٌ فَإِذَا هُوَ جَارِيَةٌ ، أَوْ فَصًّا عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ فَإِذَا هُوَ زُجَاجٌ فَهُوَ فَاسِدٌ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ .
وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا مُوَلِّدَةُ الْكُوفَةِ فَإِذَا هِيَ مُوَلِّدَةُ بَغْدَادَ ، أَوْ غُلَامٌ عَلَى أَنَّهُ تَاجِرٌ أَوْ كَاتِبٌ فَإِذَا هُوَ لَا يُحْسِنُهُ أَوْ عَلَى أَنَّهُ فَحْلٌ فَإِذَا هُوَ خَصِيٌّ أَوْ عَكْسُهُ أَوْ أَنَّهَا بَغْلَةٌ فَإِذَا هُوَ بَغْلٌ أَوْ نَاقَةٌ فَكَانَ

جَمَلًا أَوْ لَحْمُ مَاعِزٍ فَكَانَ لَحْمَ ضَأْنِ أَوْ عَلَى عَكْسِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَلَهُ الْخِيَارُ وَلَوْ اشْتَرَى عَلَى أَنَّهُ بَغْلٌ فَوَجَدَهُ بَغْلَةً أَوْ حِمَارٌ أَوْ بَعِيرٌ فَإِذَا هُوَ أَتَانٌ أَوْ نَاقَةٌ أَوْ جَارِيَةٌ عَلَى أَنَّهَا رَتْقَاءُ أَوْ حُبْلَى أَوْ ثَيِّبٌ فَإِذَا هِيَ بِخِلَافِهِ جَازَ وَلَا خِيَارَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ صِفَةٌ أَفْضَلُ مِنْ الصِّفَةِ الْمَشْرُوطَةِ وَيَنْبَغِي فِي مَسْأَلَةِ الْبَعِيرِ وَالنَّاقَةِ أَنْ يَكُونَ فِي الْعَرَبِ وَأَهْلِ الْبَوَادِي الَّذِينَ يَطْلُبُونَ الدَّرَّ وَالنَّسْلَ أَمَّا أَهْلُ الْمُدُنِ وَالْمُكَارِيَةُ فَالْبَعِيرُ أَفْضَلُ وَلَوْ بَاعَ دَارًا بِمَا فِيهَا مِنْ الْجُذُوعِ وَالْخَشَبِ وَالْأَبْوَابِ وَالنَّخِيلِ فَإِذَا لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي

( بَابُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ ) قَالَ ( وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ ، وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ ، إنْ شَاءَ أَخَذَهُ ) بِجَمِيعِ الثَّمَنِ ( وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ أَصْلًا ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَجْهُولٌ .
وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ } ؛ وَلِأَنَّ الْجَهَالَةَ بِعَدَمِ الرُّؤْيَةِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُوَافِقْهُ يَرُدُّهُ ، فَصَارَ كَجَهَالَةِ الْوَصْفِ فِي الْمُعَايِنِ الْمُشَارِ إلَيْهِ .

( بَابُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ ) قَدَّمَهُ عَلَى خِيَارِ الْعَيْبِ ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ تَمَامَ الْحُكْمِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ لُزُومَ الْحُكْمِ وَاللُّزُومُ بَعْدَ التَّمَامِ ، وَالْإِضَافَةُ مِنْ قَبِيلِ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى شَرْطِهِ ؛ لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ شَرْطُ ثُبُوتِ الْخِيَارِ ، وَعَدَمُ الرُّؤْيَةِ هُوَ السَّبَبُ لِثُبُوتِ الْخِيَارِ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ ( قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ ، وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ ) سَوَاءً رَآهُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي وُصِفَتْ لَهُ أَوْ عَلَى خِلَافِهَا ، مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ جِرَابًا فِيهِ أَثْوَابٌ هَرَوِيَّةٌ أَوْ زَيْتًا فِي زِقٍّ ، أَوْ حِنْطَةً فِي غِرَارَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرَى شَيْئًا ، وَمِنْهُ أَنْ يَقُولَ بِعْتُك دُرَّةً فِي كُمِّي صِفَتُهَا كَذَا أَوْ ثَوْبًا فِي كُمِّي صِفَتُهُ كَذَا أَوْ هَذِهِ الْجَارِيَةُ وَهِيَ حَاضِرَةٌ مُنْتَقِبَةٌ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَأَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ .
وَفِي الْمَبْسُوطِ : الْإِشَارَةُ إلَيْهِ أَوْ إلَى مَكَانِهِ شَرْطُ الْجَوَازِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُشِرْ إلَيْهِ وَلَا إلَى مَكَانِهِ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ انْتَهَى .
لَكِنَّ إطْلَاقَ الْكِتَابِ يَقْتَضِي جَوَازَ الْبَيْعِ سَوَاءٌ سَمَّى جِنْسَ الْمَبِيعِ أَوْ لَا ، وَسَوَاءٌ أَشَارَ إلَى مَكَانِهِ أَوْ إلَيْهِ وَهُوَ حَاضِرٌ مَسْتُورٌ أَوْ لَا ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ بِعْت مِنْك مَا فِي كُمِّي ، بَلْ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ قَالُوا : إطْلَاقُ الْجَوَابِ يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ عِنْدَهُ .
وَطَائِفَةٌ قَالُوا : لَا يَجُوزُ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِطْلَاقِ مَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَغَيْرُهُ كَصَاحِبِ الْأَسْرَارِ وَالذَّخِيرَةِ لِبُعْدِ الْقَوْلِ بِجَوَازِ مَا لَمْ يُعْلَمْ جِنْسُهُ أَصْلًا كَأَنْ يَقُولَ بِعْتُك شَيْئًا بِعَشَرَةٍ .
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ ( وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ أَصْلًا ) هُوَ فِيمَا لَمْ يُسَمِّ جِنْسَهُ قَوْلًا وَاحِدًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ، وَأَمَّا فِيمَا سَمَّى جِنْسَهُ وَصِفَتَهُ عَلَى مَا نُقِلَ فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ

وَالْحِلْيَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَى قَوْلِهِ الْقَدِيمِ وَعَلَى قَوْلِهِ الْجَدِيدِ لَا يَجُوزُ .
وَعَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ مِثْلُ قَوْلِنَا ، وَاخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيَّةِ مِنْهُمْ الْقَفَّالُ ، وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَطَلْحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا .
وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي وَجْهِ قَوْلِهِ أَنَّ الْمَبِيعَ مَجْهُولٌ مُقْتَصَرًا عَلَيْهِ : يَعْنِي وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِنَهْيِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ ، وَنَهْيِهِ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ ، وَمَا ذَلِكَ إلَّا لِلْجَهَالَةِ .
قُلْنَا : أَمَّا النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَك فَالْمُرَادُ مِنْهُ مَا لَيْسَ فِي الْمِلْكِ اتِّفَاقًا لَا مَا لَيْسَ فِي حَضْرَتِك ، وَنَحْنُ شَرَطْنَا فِي هَذَا الْبَيْعِ كَوْنَ الْمَبِيعِ مَمْلُوكًا لِلْبَائِعِ فَقَضَيْنَا عُهْدَتَهُ ، وَأَمَّا بَيْعُ الْغَرَرِ فَلَفْظُهُ يُفِيدُ أَنَّهُ غَيْرُهُ ، وَذَلِكَ لَيْسَ إلَّا بِأَنْ يَظْهَرَ لَهُ مَا لَيْسَ فِي الْوَاقِعِ فَيُبْنَى عَلَيْهِ فَيَكُونُ مَغْرُورًا بِذَلِكَ فَيَظْهَرُ لَهُ خِلَافُهُ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ وَكَيْف كَانَ فَلَا شَكَّ بَعْدَ الْقَطْعِ ، وَنَحْنُ نَقْطَعُ بِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ مَا يَلْزَمُ الضَّرَرُ فِيهِ ، وَنَقْطَعُ بِأَنْ لَا ضَرَرَ فِيمَا أَجَزْنَا مِنْ ذَلِكَ إنَّمَا يَلْزَمُ الضَّرَرُ لَوْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ .
فَأَمَّا إذَا أَوْجَبْنَا لَهُ الْخِيَارَ إذَا رَآهُ فَلَا ضَرَرَ فِيهِ أَصْلًا بَلْ فِيهِ مَحْضُ مَصْلَحَةٍ وَهُوَ إدْرَاكُ حَاجَةِ كُلٍّ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ بِهِ حَاجَةٌ وَهُوَ غَائِبٌ وَأَوْقَفْت جَوَازَ الْبَيْعِ عَلَى حُضُورِهِ وَرُؤْيَتِهِ رُبَّمَا تَفُوتُ بِأَنْ يَذْهَبَ فَيُسَاوِمُهُ فِيهِ آخَرُ رَآهُ فَيَشْتَرِيه مِنْهُ فَكَانَ فِي شَرْعِ هَذَا الْبَيْعِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ إثْبَاتِ الْخِيَارِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ مَحْضُ مَصْلَحَةٍ لِكُلٍّ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ غَيْرَ لُحُوقِ شَيْءٍ مِنْ الضَّرَرِ فَأَنَّى يَتَنَاوَلُهُ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَالْأَحْكَامُ لَمْ تُشْرَعْ إلَّا

لِمَصَالِح الْعِبَادِ قَطْعًا فَكَانَ مَشْرُوعًا قَطْعًا ، فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ الْحَدِيثُ عَلَى الْبَيْعِ الْبَاتِّ الَّذِي لَا خِيَارَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُوجِبُ ضَرَرَ الْمُشْتَرِي ، وَالنَّهْيُ قَطْعًا لَيْسَ إلَّا لِذَلِكَ ، فَظَهَرَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْحَدِيثَيْنِ لَمْ يَنْفِ مَا أَجَزْنَاهُ فَكَانَ نَفْيُهُ قَوْلًا بِلَا دَلِيلٍ ، وَكَفَانَا فِي إثْبَاتِهِ الْمَعْنَى ، وَهُوَ أَنَّهُ مَالٌ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ لَا ضَرَرَ فِي بَيْعِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فَكَانَ جَائِزًا ، وَيَبْقَى الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنَّفُ زِيَادَةً فِي الْخَبَرِ ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ مُرْسَلًا .
حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ مَكْحُولٍ رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ ، إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ } وَالْمُرْسَلُ حُجَّةٌ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَتَضْعِيفُ ابْنِ أَبِي مَرْيَمَ بِجَهَالَةِ عَدَالَتِهِ لَا يَنْفِي عِلْمَ غَيْرِ الْمُضَعِّفِينَ بِهَا .
وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَيْضًا الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَسَلَمَةُ بْنُ الْمُحَبَّقِ وَابْنُ سِيرِينَ وَهُوَ رَأْيُ ابْنِ سِيرِينَ أَيْضًا ، وَعَمِلَ بِهِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ ، وَهُوَ مِمَّنْ نُقِلَ عَنْهُ تَضْعِيفُ ابْنِ أَبِي مَرْيَمَ ، فَدَلَّ قَبُولُ الْعُلَمَاءِ عَلَى ثُبُوتِهِ .
وَالْحَقُّ أَنَّ عَمَلَ مَنْ ضَعَّفَ ابْنَ أَبِي مَرْيَمَ عَلَى وَفْقِ حَدِيثِهِ يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ عَلَى وَفْقِ الْحَدِيثِ هَلْ هُوَ تَصْحِيحٌ لَهُ ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الْأُصُولِيِّينَ ، وَالْمُخْتَارُ لَا ، مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ عَمَلَهُ عَنْ الْحَدِيثِ ، وَقَدْ رُوِيَ الْحَدِيثُ أَيْضًا مَرْفُوعًا ، رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ الْهَيْثَمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ } وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنَّ

فِي طَرِيقِهِ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ عُمَرَ بْنَ إبْرَاهِيمَ الْكُرْدِيَّ نُسِبَ إلَى وَضْعِ الْحَدِيثِ .
هَذَا وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ فِي الْحَدِيثِ بِالرُّؤْيَةِ الْعِلْمُ بِالْمَقْصُودِ فَهُوَ مِنْ عُمُومِ الْمَجَازِ ، عَبَّرَ بِالرُّؤْيَةِ عَنْ الْعِلْمِ بِالْمَقْصُودِ فَصَارَتْ حَقِيقَةُ الرُّؤْيَةِ مِنْ أَفْرَادِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ ، وَهَذَا لِوُجُودِ مَسَائِلَ اتِّفَاقِيَّةٍ لَا يُكْتَفَى بِالرُّؤْيَةِ فِيهَا .
مِثْلُ مَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا يُعْرَفُ بِالشَّمِّ كَمِسْكٍ اشْتَرَاهُ وَهُوَ يَرَاهُ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لَهُ عِنْدَ شَمِّهِ فَلَهُ الْفَسْخُ عِنْدَ شَمِّهِ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ ، وَكَذَا لَوْ رَأَى شَيْئًا ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَوَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الرُّؤْيَةَ غَيْرُ مُعَرَّفَةٍ لِلْمَقْصُودِ الْآنَ ، وَكَذَا اشْتِرَاءُ الْأَعْمَى يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ عِنْدَ الْوَصْفِ لَهُ فَأُقِيمَ فِيهِ الْوَصْفُ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ .
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ ( فَصَارَ كَجَهَالَةِ الْوَصْفِ فِي الْمُعَايِنِ الْمُشَارِ إلَيْهِ ) يَعْنِي فِيمَا لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا مُشَارًا إلَيْهِ لَا يُعْلَمُ عَدَدُ ذُرْعَانِهِ يُرِيدُ تَشْبِيهَهُ بِذَلِكَ فِي مُجَرَّدِ ثُبُوتِ الْجَوَازِ لَا بِقَيْدِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ ؛ لِأَنَّهُ لَا خِيَارَ فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ ، أَعْنِي الثَّوْبَ وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى لُزُومِ ذِكْرِ الْجِنْسِ فِي هَذَا الْبَيْعِ فَيَبْقَى الْفَائِتُ مُجَرَّدَ عِلْمِ الْوَصْفِ ،

( وَكَذَا إذَا قَالَ رَضِيت ثُمَّ رَآهُ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ ) لِأَنَّ الْخِيَارَ مُعَلَّقٌ بِالرُّؤْيَةِ لِمَا رَوَيْنَا فَلَا يَثْبُتُ قَبْلَهَا ، وَحَقُّ الْفَسْخُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ بِحُكْمِ أَنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ لَا بِمُقْتَضَى الْحَدِيثِ ، وَلِأَنَّ الرِّضَا بِالشَّيْءِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِأَوْصَافِهِ لَا يَتَحَقَّقُ فَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ رَضِيت قَبْلَ الرُّؤْيَةِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ رَدَدْت .

وَقَوْلُهُ ( وَكَذَا إذَا قَالَ رَضِيت ) إلَى آخِرِهِ ، أَيْ وَكَذَا لَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ : يَعْنِي إذَا قَالَ رَضِيت كَائِنًا مَا كَانَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ ثُمَّ رَآهُ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ مُعَلَّقٌ فِي النَّصِّ بِالرُّؤْيَةِ حَيْثُ قَالَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ ، وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ عُدِمَ قَبْلَ وُجُودِهِ وَالْإِسْقَاطُ لَا يَتَحَقَّقُ قَبْلَ الثُّبُوتِ .
وَقَوْلُهُ وَحَقُّ الْفَسْخِ إلَخْ جَوَابٌ عَنْ مُقَدَّرٍ وَهُوَ طَلَبُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ .
فَإِنَّهُ إذَا أَجَازَ قَبْلَهَا لَا يَلْزَمُ ، وَإِذَا فَسَخَ قَبْلَهَا لَزِمَ مَعَ اسْتِوَاءِ نِسْبَةِ التَّصَرُّفَيْنِ فِي تَعْلِيقِهِمَا بِالشَّرْطِ فِي الْحَدِيثِ وَلَا وُجُودَ لِلْمُعَلَّقِ قَبْلَ الشَّرْطِ .
وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ هُوَ عَدَمٌ قَبْلَ وُجُودِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبَبٌ غَيْرُ ذَلِكَ الشَّرْطِ ، فَإِنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَثْبُتُ بِأَسْبَابٍ كَثِيرَةٍ ؛ فَالْحَدِيثُ لَمَّا عَلَّقَ الْخِيَارَ بِالرُّؤْيَةِ ثَبَتَ بِهِ تَعْلِيقُ كُلٍّ مِنْ الْإِجَازَةِ وَالْفَسْخِ بِهَا ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْخِيَارِ أَنَّ لَهُ أَنْ يُجِيزَ وَأَنْ يَفْسَخَ ، ثُمَّ لَمْ تَثْبُتْ الْإِجَازَةُ بِسَبَبٍ آخَرَ فَبَقِيَ عَلَى الْعَدَمِ حَتَّى يَثْبُتَ سَبَبُهُ وَهُوَ الرُّؤْيَةُ ، بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ سَبَبُهُ وَهُوَ الْعَيْبُ قَائِمٌ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ ، فَإِذَا قَالَ رَضِيت قَبْلَ الرُّؤْيَةِ سَقَطَ خِيَارُهُ إذَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ لِرِضَاهُ بِالْعَيْبِ قَبْلَ ذَلِكَ .
وَأَمَّا الْفَسْخُ فَثَبَتَ لَهُ سَبَبٌ آخَرُ وَهُوَ عَدَمُ لُزُومِ هَذَا الْعَقْدِ عَلَى الْمُشْتَرِي ، وَمَا كَانَ غَيْرَ لَازِمٍ عَلَيْهِ لَهُ أَنْ يَفْسَخَهُ بِالضَّرُورَةِ كَالْعَارِيَّةِ الْوَدِيعَةِ وَإِلَّا فَهُوَ لَازِمٌ وَقَدْ فَرَضَ غَيْرَ لَازِمٍ ، هَذَا خُلْفٌ .
وَقَدْ سَلَكَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ مَسْلَكَ الطَّحَاوِيِّ فِي عَدَمِ نَقْلِ خِلَافٍ فِي جَوَازِ الرَّدِّ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ ، وَنَقَلَ فِي التُّحْفَةِ فِيهِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ مِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ وَأَنَّهُ لَا رِوَايَةَ فِيهِ .
وَأَمَّا قَوْلُ

الْمُصَنِّفِ ( وَلِأَنَّ الرِّضَا بِالشَّيْءِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِأَوْصَافِهِ لَا يَتَحَقَّقُ فَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ رَضِيتُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ ) فَلَوْ تَمَّ لَزِمَ أَنْ لَا يَصِحَّ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ الرِّضَا بِالْبَيْعِ قَبْلَ رُؤْيَةِ الْعَيْبِ ، ثُمَّ لِمَنْ يَمْنَعُ الْفَسْخَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ أَنْ يَمْنَعَ وُجُودَ سَبَبٍ آخَرَ غَيْرَ الرُّؤْيَةِ ، وَقَوْلُكُمْ عَدَمُ اللُّزُومِ سَبَبٌ آخَرُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ .
قُلْنَا : نَمْنَعُ تَحَقُّقَ عَدَمِ اللُّزُومِ بَلْ نَقُولُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ الْبَيْعُ بَاتٌّ فَلَيْسَ لَهُ فَسْخُهُ ، فَإِنَّ الشَّارِعَ عَلَّقَ إثْبَاتَ قُدْرَةِ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ الَّتِي هِيَ الْخِيَارُ بِالرُّؤْيَةِ فَقَبْلَهُ يَثْبُتُ حُكْمُ السَّبَبِ وَهُوَ اللُّزُومُ إلَى غَايَةِ الرُّؤْيَةِ ثُمَّ يَرْفَعُهُ عِنْدَهَا فَتَثْبُتُ قُدْرَةُ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ مَعًا .
وَاعْلَمْ أَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ يَثْبُتُ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ لَيْسَ غَيْرَ شِرَاءِ الْأَعْيَانِ وَالْإِجَازَةِ .
وَالصُّلْحُ عَنْ دَعْوَى مَالٍ عَلَى عَيْنٍ وَالْقِسْمَةِ ، وَعُرِفَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ فِي الدُّيُونِ فَلَا يَكُونُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ وَلَا فِي الْأَثْمَان الْخَالِصَةِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْبَيْعُ إنَاءً مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ فَإِنَّ فِيهِ الْخِيَارَ .
وَلَوْ تَبَايَعَا مُقَايَضَةً ثَبَتَ الْخِيَارُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ، وَمَحَلُّهُ كُلُّ مَا كَانَ فِي عَقْدٍ يَنْفَسِخُ بِالْفَسْخِ لَا مَا لَا يَنْفَسِخُ كَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ الْقِصَاصِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَإِنْ كَانَتْ أَعْيَانًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ فِيهَا ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ لَمَّا لَمْ يُوجِبْ الِانْفِسَاخَ بَقِيَ الْعَقْدُ قَائِمًا ، وَقِيَامُهُ يُوجِبُ الْمُطَالَبَةَ بِالْعَيْنِ لَا بِمَا يُقَابِلُهَا مِنْ الْقِيمَةِ ، فَلَوْ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ أَبَدًا ، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُطَالِبَ الْمُشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ مَا لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ مِنْهُ وَلَا يَتَوَقَّفُ الْفَسْخُ عَلَى قَضَاءٍ وَلَا رِضًا بَلْ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ رَدَدْت يَنْفَسِخُ قَبْلَ

الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ ، لَكِنْ بِشَرْطِ عِلْمِ الْبَائِعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا هُوَ خِلَافُهُمْ فِي الْفَسْخِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ

قَالَ : ( وَمَنْ بَاعَ مَا لَمْ يَرَهُ فَلَا خِيَارَ لَهُ ) وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ : أَوَّلًا لَهُ الْخِيَارُ اعْتِبَارًا بِخِيَارِ الْعَيْبِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ لُزُومَ الْعَقْدِ بِتَمَامِ الرِّضَا زَوَالًا وَثُبُوتًا وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِالْعِلْمِ بِأَوْصَافِ الْمَبِيعِ ، وَذَلِكَ بِالرُّؤْيَةِ فَلَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ رَاضِيًا بِالزَّوَالِ .
وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ أَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالشِّرَاءِ لِمَا رَوَيْنَا فَلَا يَثْبُتُ دُونَهُ .
وَرُوِيَ " أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ بَاعَ أَرْضًا لَهُ بِالْبَصْرَةِ مِنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ فَقِيلَ لِطَلْحَةَ : إنَّك قَدْ غُبِنْت ، فَقَالَ : لِي الْخِيَارُ ؛ لِأَنِّي اشْتَرَيْت مَا لَمْ أَرَهُ .
وَقِيلَ لِعُثْمَانَ : إنَّك قَدْ غُبِنْت ، فَقَالَ : لِي الْخِيَارُ ؛ لِأَنِّي بِعْت مَا لَمْ أَرَهُ .
فَحَكَّمَا بَيْنَهُمَا جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ " .
فَقَضَى بِالْخِيَارِ لِطَلْحَةَ ، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ .

( قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ مَا لَمْ يَرَهُ ) بِأَنْ وَرِثَ عَيْنًا مِنْ الْأَعْيَانِ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى فَبَاعَهَا قَبْلَ أَنْ يَرَاهَا ( فَلَا خِيَارَ لَهُ .
وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ أَوَّلًا : لَهُ الْخِيَارُ اعْتِبَارًا بِخِيَارِ الْعَيْبِ ) فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ حَتَّى جَازَ أَنْ يَرُدَّ الثَّمَنَ بِالزِّيَافَةِ ( وَخِيَارُ الشَّرْطِ ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُمَا .
وَلَوْ اخْتَصَرَ عَلَى خِيَارِ الْعَيْبِ كَانَ أَقْرَبَ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ فِي الْعَيْبِ مَعْقُولٌ لِاحْتِبَاسِ مَا هُوَ بَعْضُ الْمَبِيعِ عِنْدَ الْبَائِعِ ، فَكَانَ بِسَبِيلٍ مِنْ تَرْكِ حَقِّهِ أَوْ أَخْذِهِ بِأَخْذِ الثَّمَنِ وَرَدِّ الْمَبِيعِ ، بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ ، وَفِي عَدَمِ الرُّؤْيَةِ لِتَحْصِيلِ شَرْطِ الْبَيْعِ وَهُوَ الْعِلْمُ التَّامُّ بِالْمَبِيعِ غَيْرَ أَنَّهُ جَوَّزَ مُتَأَخِّرًا لِلْمَصْلَحَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا .
ثُمَّ تَقْرِيرُ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ قَالَ ( وَهَذَا ؛ لِأَنَّ لُزُومَ الْعَقْدِ بِتَمَامِ الرِّضَا زَوَالًا ) يَعْنِي فِي حَقِّ الْبَائِعِ ( وَثُبُوتًا ) فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي ( وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ ) أَيْ تَمَامُ الرِّضَا ( إلَّا بِالْعِلْمِ بِأَوْصَافِ الْمَبِيعِ ، وَذَلِكَ بِالرُّؤْيَةِ ) يَخَالُ أَنَّهُ قِيَاسٌ يُجَامِعُ عَدَمَ الرِّضَا بِالْبَيْعِ عَلَى الْبَتَاتِ وَهُوَ تَعْلِيلٌ بِالْعَدَمِ .
وَحَاصِلُهُ أَنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ لِعَدَمِ تَمَامِ الرِّضَا بِأَحْكَامِ الْعَقْدِ فَكَذَا هُنَا .
وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ : أَعْنِي خِيَارَ الشَّرْطِ مُتَوَقِّفٌ شَرْعًا عَلَى تَرَاضِيهمَا ، فَقِيَاسُهُ أَنْ يَكُونَ هَكَذَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ بِتَرَاضِيهِمَا لَا إذَا سَكَتَا عَنْهُ فَيَلْزَمُ حِينَئِذٍ فَكَذَا هُنَا ، وَلَيْسَ الْوَاقِعُ هَذَا لِظُهُورِ اخْتِلَافِ حُكْمِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ ، وَلَوْ لَمْ يَخْتَلِفَا فَالْأَصْلُ مَعْدُولٌ عَنْ الْقِيَاسِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ ، فَلِذَا حَقَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ .
وَذَكَرَ لِلْمَرْجُوعِ إلَيْهِ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : ( أَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالشِّرَاءِ لِمَا رَوَيْنَا فَلَا يَثْبُتُ دُونَهُ ) وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ نَفْيٌ لِلْحُكْمِ بِمَفْهُومِ

الشَّرْطِ إذْ حَاصِلُهُ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ .
وَالثَّانِي مَا أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ " أَنَّ طَلْحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اشْتَرَى مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَالًا ، فَقِيلَ لِعُثْمَانَ : إنَّك قَدْ غُبِنْت ، فَقَالَ عُثْمَانُ : لِي الْخِيَارُ ، لِأَنِّي بِعْت مَا أَرَهُ ، وَقَالَ طَلْحَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : لِي الْخِيَارُ ؛ لِأَنِّي اشْتَرَيْت مَا لَمْ أَرَهُ ، فَحَكَّمَا بَيْنَهُمَا جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَقَضَى أَنَّ الْخِيَارَ لِطِلْحَةٍ وَلَا خِيَارَ لِعُثْمَانَ " .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا يَكُونُ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ؛ لِأَنَّ قَضِيَّةً يَجْرِي فِيهَا التَّخَالُفُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ كَبِيرَيْنِ ثُمَّ إنَّهُمَا حَكَّمَا فِيهَا غَيْرَهُمَا فَالْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ شُهْرَتُهَا وَانْتِشَارُ خَبَرِهَا فَحِينَ حَكَمَ جُبَيْرٌ بِذَلِكَ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ خِلَافُهُ كَانَ إجْمَاعًا سُكُوتِيًّا ظَاهِرًا

ثُمَّ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ بَلْ يَبْقَى إلَى أَنْ يُوجَدَ مَا يُبْطِلُهُ ، وَمَا يُبْطِلُ خِيَارَ الشَّرْطِ مِنْ تَعَيُّبٍ أَوْ تَصَرُّفٍ يُبْطِلُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ ، ثُمَّ إنْ كَانَ تَصَرُّفًا لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ كَالْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ أَوْ تَصَرُّفًا يُوجِبُ حَقًّا لِلْغَيْرِ كَالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ وَالرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ يُبْطِلُهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ وَبَعْدَهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَزِمَ تَعَذُّرُ الْفَسْخِ فَبَطَلَ الْخِيَارُ وَإِنْ كَانَ تَصَرُّفًا لَا يُوجِبُ حَقًّا لِلْغَيْرِ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ، وَالْمُسَاوَمَةُ وَالْهِبَةُ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ لَا يُبْطِلُهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْبُو عَلَى صَرِيحِ الرِّضَا وَيُبْطِلُهُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ لِوُجُودِ دَلَالَةِ الرِّضَا .

( قَوْلُهُ ثُمَّ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ غَيْرُ مُوَقَّتٍ ) بِوَقْتٍ خِلَافًا لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الْمَشَايِخِ مِنْ أَنَّهُ مُؤَقَّتٌ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ بِقَدْرِ مَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ الْفَسْخِ ، فَإِذَا تَمَكَّنَ مِنْ الْفَسْخِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ فَلَمْ يَفْسَخْ بَطَلَ خِيَارُهُ وَلَزِمَ الْبَيْعُ فِيهِ ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّتُ ( بَلْ يَبْقَى إلَى أَنْ يُوجَدَ مَا يُبْطِلُهُ ، وَ ) يُبْطِلُهُ ( مَا يُبْطِلُ خِيَارَ الشَّرْطِ مِنْ تَعَيُّبٍ ) يَعْنِي بَعْدَ الرُّؤْيَةِ ( أَوْ تَصَرُّفٍ يُبْطِلُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ ) بِقَيْدِ تَفْصِيلٍ نَذْكُرُهُ فِي التَّصَرُّفِ لَا مُطْلَقًا فَلِذَا وَصَلَهُ بِقَوْلِهِ ( ثُمَّ إنْ كَانَ تَصَرُّفًا لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ ) لِلْمُتَصَرِّفِ ( كَالْإِعْتَاقِ ) لِلْعَبْدِ الَّذِي اشْتَرَاهُ وَلَمْ يَرَهُ ( وَتَدْبِيرِهِ أَوْ تَصَرُّفًا يُوجِبُ حَقًّا لِلْغَيْرِ ) كَالْبَيْعِ وَلَوْ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي لِخُلُوصِ الْحَقِّ فِيهِ لِلْمُشْتَرِي .
وَقَوْلُهُ ( كَالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ ) إنَّمَا يُرِيدُ بِهِ الْمُطْلَقَ عَنْ شَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ بِهِ لَا يَخْرُجُ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِهِ وَكَالْهِبَةِ مَعَ التَّسْلِيمِ ( وَالرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ يُبْطِلُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ ) سَوَاءً وُجِدَتْ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ أَوْ قَبْلَهَا ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْحُقُوقَ مَانِعَةٌ مِنْ الْفَسْخِ .
( وَإِذَا تَعَذَّرَ الْفَسْخُ شَرْعًا بَطَلَ الْخِيَارُ ) وَوَجَبَ تَقْدِيرُ قَيْدٍ فِي الْحَدِيثِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ } مُقَيَّدًا بِمَا إذَا لَمْ يُوجِبْ مُوجِبٌ شَرْعِيٌّ عَدَمَهُ إذَا رَآهُ ، وَحَاصِلُهُ تَقْدِيرٌ مُخَصَّصٌ بِالْعَقْلِ ( وَإِنْ كَانَ تَصَرُّفًا لَا يُوجِبُ حَقًّا لِلْغَيْرِ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ) لِلْبَائِعِ ( وَالْمُسَاوَمَةِ ، وَهِبَتِهِ بِلَا تَسْلِيمٍ لَا يُبْطِلُهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ ) لِأَنَّهُ لَوْ أَبْطَلَ الْخِيَارَ كَانَ بِاعْتِبَارِ دَلَالَتِهِ عَلَى الرِّضَا ، وَصَرِيحُ الرِّضَا قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لَا يُبْطِلُ الْخِيَارَ فَبِدَلَالَتِهِ أَوْلَى ، وَيُبْطِلُهُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ لِوُجُودِ دَلَالَةِ

الرِّضَا .
وَلَمَّا كَانَ قَوْلُهُ وَمَا يُبْطِلُ خِيَارَ الشَّرْطِ يُبْطِلُهُ مُقَيَّدًا بِالتَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ سَقَطَ الِاعْتِرَاضُ بِالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَبِالْعَرْضِ عَلَى الْبَيْعِ ، فَإِنَّهُمَا إذَا وُجِدَا مِنْ الْمُشْتَرِي الَّذِي لَهُ خِيَارُ الشَّرْطِ يَبْطُلُ خِيَارُهُ وَلَا يَبْطُلُ بِهِمَا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ ، بَلْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ يَرُدَّ الدَّارَ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ دَلَالَةَ الرِّضَا لَا تَعْمَلُ فِي إسْقَاطِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ ثُمَّ فِي التَّصَرُّفِ الَّذِي تَعَلَّقَ فِيهِ حَقُّ الْغَيْرِ لَوْ عَادَ إلَى مِلْكِهِ بِرَدٍّ بِقَضَاءٍ أَوْ بِفَكِّ الرَّهْنِ أَوْ فَسْخِ الْإِجَارَةِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ ثُمَّ رَآهُ لَا خِيَارَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ سَقَطَ فَلَا يَعُودُ إلَّا بِسَبَبٍ جَدِيدٍ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ، وَثُبُوتُ الْخِيَارِ لَهُ بِظَاهِرِ النَّصِّ تَقَدَّمَ وُجُوبُ تَخْصِيصِهِ فَكَانَتْ هَذِهِ الرُّؤْيَةُ الْكَائِنَةُ بَعْدَ الْعَوْدِ مِنْ مُحَالِ التَّخْصِيصِ .
وَمِمَّا يُسْقِطُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ أَنْ يَقْبِضَهُ إذَا رَآهُ لِدَلَالَةِ الْقَبْضِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ عَلَى الرِّضَا بِهِ

( قَالَ : وَمَنْ نَظَرَ إلَى وَجْهِ الصُّبْرَةِ ، أَوْ إلَى ظَاهِرِ الثَّوْبِ مَطْوِيًّا أَوْ إلَى وَجْهِ الْجَارِيَةِ أَوْ إلَى وَجْهِ الدَّابَّةِ وَكَفَلِهَا فَلَا خِيَارَ لَهُ ) وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ رُؤْيَةَ جَمِيعِ الْمَبِيعِ غَيْرُ مَشْرُوطٍ لِتَعَذُّرِهِ فَيَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْعِلْمِ بِالْمَقْصُودِ .
وَلَوْ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ أَشْيَاءُ ، فَإِنْ كَانَ لَا تَتَفَاوَتُ آحَادُهَا كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ ، وَعَلَامَتُهُ أَنْ يَعْرِضَ بِالنَّمُوذَجِ يَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ وَاحِدٍ مِنْهَا إلَّا إذَا كَانَ الْبَاقِي أَرْدَأَ مِمَّا رَأَى فَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ .
وَإِنْ كَانَ تَتَفَاوَت آحَادُهَا كَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا ، وَالْجَوْزُ وَالْبَيْضُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فِيمَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ لِكَوْنِهَا مُتَقَارِبَةً .
إذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ : النَّظَرُ إلَى وَجْهِ الصُّبْرَةِ كَافٍ ؛ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ وَصْفَ الْبَقِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ مَكِيلٌ يُعْرَضُ بِالنَّمُوذَجِ ، وَكَذَا النَّظَرُ إلَى ظَاهِرِ الثَّوْبِ مِمَّا يَعْلَمُ بِهِ الْبَقِيَّةَ إلَّا إذَا كَانَ فِي طَيِّهِ مَا يَكُونُ مَقْصُودًا كَمَوْضِعِ الْعَلَمِ ، وَالْوَجْهُ هُوَ الْمَقْصُودُ فِي الْآدَمِيِّ ، وَهُوَ وَالْكَفَلُ فِي الدَّوَابِّ فَيُعْتَبَرُ رُؤْيَةِ الْمَقْصُودِ وَلَا يُعْتَبَرُ رُؤْيَةُ غَيْرِهِ .
وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ رُؤْيَةَ الْقَوَائِمِ .
وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ .
وَفِي شَاةِ اللَّحْمِ لَا بُدَّ مِنْ الْجَسِّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ اللَّحْمُ يُعْرَفُ بِهِ .
وَفِي شَاةِ الْقُنْيَةِ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ الضَّرْعِ .
وَفِيمَا يُطْعَمُ لَا بُدَّ مِنْ الذَّوْقِ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُعَرِّفُ لِلْمَقْصُودِ .

( قَوْلُهُ وَمَنْ نَظَرَ إلَى وَجْهِ الصُّبْرَةِ أَوْ إلَى ظَاهِرِ الثَّوْبِ مَطْوِيًّا أَوْ إلَى وَجْهِ الْجَارِيَةِ إلَخْ ) وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ رُؤْيَةَ جَمِيعِ أَجْزَاءِ ( الْمَبِيعِ غَيْرُ مَشْرُوطٍ ) فِي انْتِفَاءِ ثُبُوتِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ ( لِتَعَذُّرِهِ ) عَادَةً وَشَرْعًا ، وَإِلَّا لَجَازَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى عَوْرَةِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ اللَّذَيْنِ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِيَهُمَا ، وَلَزِمَ فِي صِحَّةِ بَيْعِ الصُّبْرَةِ النَّظَرُ إلَى كُلِّ حَبَّةٍ مِنْهَا ، وَلَا قَائِلَ بِذَلِكَ فَيَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ ، فَإِذَا رَآهُ جَعَلَ غَيْرَ الْمَرْئِيِّ تَبَعًا لِلْمَرْئِيِّ ، فَإِذَا سَقَطَ الْخِيَارُ فِي الْأَصْلِ سَقَطَ فِي التَّبَعِ .
إذَا عُرِفَ هَذَا انْبَنَى عَلَيْهِ أَنَّ مَنْ نَظَرَ إلَى وَجْهِ الْجَارِيَةِ أَوْ الْعَبْدِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَرَأَى الْبَاقِيَ فَلَا خِيَارَ لَهُ فَلَيْسَ لَهُ رَدُّهُ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَأْي بَطْنَهُمَا أَوْ ظَهْرَهُمَا وَسَائِرَ أَعْضَائِهِمَا إلَّا الْوَجْهَ فَإِنَّ لَهُ الْخِيَارَ إذَا رَأَى وَجْهَهُمَا ؛ لِأَنَّ سَائِرَ الْأَعْضَاءِ فِي الْإِمَاءِ وَالْعَبِيدِ تَبَعٌ لِلْوَجْهِ وَلِذَا تَتَفَاوَتُ الْقِيمَةُ إذَا فُرِضَ تَفَاوُتُ الْوَجْهِ مَعَ تَسَاوِي سَائِرِ الْأَعْضَاءِ .
وَفِي الدَّوَابِّ يُعْتَبَرُ رُؤْيَةُ الْوَجْهِ وَالْكَفَلِ ؛ لِأَنَّهُمَا الْمَقْصُودَانِ فَيَسْقُطُ بِرُؤْيَتِهِمَا وَلَا يَسْقُطُ بِرُؤْيَةِ غَيْرِهِمَا مِنْهَا وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ .
وَقِيلَ لَا يَسْقُطُ مَا لَمْ يَرَ قَوَائِمَهَا .
وَنَقَلَ صَاحِبُ الْأَجْنَاسِ عَنْ الْمُجَرَّدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الدَّابَّةِ إذَا رَأَى عُنُقَهَا أَوْ سَاقَهَا أَوْ فَخِذَهَا أَوْ جَنْبَهَا أَوْ صَدْرَهَا لَيْسَ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ .
وَإِنْ رَأَى حَوَافِرَهَا أَوْ نَاصِيَتَهَا فَلَهُ الْخِيَارُ .
وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَكْفِي الْوَجْهُ اعْتِبَارًا بِالْعَبْدِ .
وَفِي رِوَايَةِ الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ : يُعْتَبَرُ فِي الدَّوَابِّ عُرْفُ التُّجَّارِ ( فَإِنْ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ أَشْيَاءُ ، فَإِنْ كَانَتْ الْآحَادُ لَا تَتَفَاوَتُ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ ، وَعَلَامَتُهُ

) أَيْ عَلَامَةُ مَا لَا يَتَفَاوَتُ آحَادُهُ ( أَنْ يَعْرِضَ بِالنَّمُوذَجِ فَيَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ وَاحِدٍ مِنْهَا ) فِي سُقُوطِ الْخِيَارِ ( إلَّا إذَا كَانَ الْبَاقِي أَرْدَأَ مِمَّا رَأَى حِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ ) يَعْنِي خِيَارَ الْعَيْبِ لَا خِيَارَ الرُّؤْيَةِ ذَكَرَهُ فِي الْيَنَابِيعِ .
وَفِي الْكَافِي : إذَا كَانَ أَرْدَأَ لَهُ الْخِيَارُ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ بِالصِّفَةِ الَّتِي رَآهَا لَا بِغَيْرِهَا وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُفِيدُ أَنَّهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَهُوَ مُقْتَضَى سَوْقِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ .
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ خِيَارُ عَيْبٍ ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ اخْتِلَافُ الْبَاقِي يُوَصِّلُهُ إلَى حَدِّ الْعَيْبِ وَخِيَارُ رُؤْيَةٍ إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ لَا يُوَصِّلُهُ إلَى اسْمِ الْمَعِيبِ بَلْ الدُّونِ .
وَقَدْ يَجْتَمِعَانِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى ذَكَرَ لَهُ الْبَائِعُ بِهِ عَيْبًا ثُمَّ أَرَاهُ الْمَبِيعَ فِي الْحَالِ ( وَإِنْ كَانَ آحَادُهُ مُتَفَاوِتَةً كَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ وَالْعَبِيدِ فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ كُلِّ وَاحِدٍ لَكِنْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا ) : أَعْنِي رُؤْيَةَ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ( وَالْجَوْزُ وَالْبِيضُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فِيمَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ ) قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ لِكَوْنِهَا مُتَقَارِبَةً ) وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْمُجَرَّدِ هُوَ الْأَصَحُّ .
ثُمَّ السُّقُوطُ بِرُؤْيَةِ الْبَعْضِ فِي الْمَكِيلِ إذَا كَانَ فِي وِعَاءٍ وَاحِدٍ ، أَمَّا إذَا كَانَ فِي وِعَاءَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ اخْتَلَفُوا ، فَمَشَايِخُ الْعِرَاقِ عَلَى أَنَّ رُؤْيَةَ أَحَدِهِمَا كَرُؤْيَةِ الْكُلِّ ، وَمَشَايِخُ بَلْخٍ لَا يَكْفِي بَلْ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ كُلِّ وِعَاءٍ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَبْطُلُ بِرُؤْيَةِ الْبَعْضِ ؛ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ حَالَ الْبَاقِيَ ، هَذَا إذَا ظَهَرَ لَهُ أَنَّ مَا فِي الْوِعَاءِ الْآخَرِ مِثْلُهُ أَوْ أَجْوَدُ ، أَمَّا إذَا كَانَ أَرْدَأَ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَفَاوَتُ آحَادُهُ كَالْبِطِّيخِ وَالرُّمَّانِ

فَلَا يَكْفِي رُؤْيَةُ بَعْضِهَا فِي سُقُوطِ خِيَارِهِ فِي الْبَاقِي ، وَلَوْ قَالَ رَضِيت وَأَسْقَطْت خِيَارِي ، وَفِي شِرَاءِ الرَّحَى بِآلَاتِهِ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ الْكُلِّ ، وَكَذَا السَّرْجُ بِأَدَاتِهِ وَلَبَدِهِ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ الْكُلِّ ( وَفِي شَاةِ اللَّحْمِ لَا بُدَّ مِنْ الْجَسِّ ) بِالْيَدِ فَلَا يُكْتَفَى بِالرُّؤْيَةِ مَا لَمْ يَجِسَّهَا ( لِأَنَّ الْمَقْصُودَ اللَّحْمُ ، وَفِي شَاةِ الْقُنْيَةِ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ الضَّرْعِ ، وَفِيمَا يُطْعَمُ لَا بُدَّ مِنْ الذَّوْقِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُعَرِّفُ لِلْمَقْصُودِ ) فَلَا يَسْقُطُ الْخِيَارُ بِدُونِ ذَلِكَ .
وَكَذَا إذَا رَأَى وَجْهَ الثَّوْبِ مَطْوِيًّا ؛ لِأَنَّ الْبَادِيَ يَعْرِفُ مَا فِي الطَّيِّ ، فَلَوْ شَرَطَ فَتْحَهُ لَتَضَرَّرَ الْبَائِعُ بِتَكَسُّرِ ثَوْبِهِ وَنُقْصَانِ بَهْجَتِهِ وَبِذَلِكَ يَنْقُصُ ثَمَنُهُ عَلَيْهِ ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ وَجْهَانِ فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ كِلَا الْوَجْهَيْنِ ، أَوْ يَكُونَ فِي طَيِّهِ مَا يُقْصَدُ بِالرُّؤْيَةِ كَالْعَلَمِ .
ثُمَّ قِيلَ : هَذَا فِي عُرْفِهِمْ ، أَمَّا فِي عُرْفِنَا فَمَا لَمْ يَرَ بَاطِنَ الثَّوْبِ لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ اخْتِلَافُ الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ فِي الثِّيَابِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ .
وَفِي الْمَبْسُوطِ : الْجَوَابُ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ ، وَفِي الْبِسَاطِ : لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ جَمِيعِهِ ، وَلَوْ نَظَرَ إلَى ظُهُورِ الْمَكَاعِبِ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ ، وَلَوْ نَظَرَ إلَى وَجْهِهَا دُونَ الصِّرْمِ يَبْطُلُ .
قِيلَ : وَيَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ إلَى الصِّرْمِ فِي زَمَانِنَا لِتَفَاوُتِهِ وَكَوْنِهِ مَقْصُودًا .
وَفِي الْجُبَّةِ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ بِرُؤْيَةِ بَاطِنِهَا وَيَبْطُلُ بِرُؤْيَةِ ظَاهِرِهَا إلَّا إذَا كَانَتْ الْبِطَانَةُ مَقْصُودَةً بِأَنْ كَانَ فِيهَا فَرْوٌ ، وَأَمَّا الْوِسَادَةُ الْمَحْشُوَّةُ إذَا رَأَى ظَاهِرَهَا ، فَإِنْ كَانَتْ مَحْشُوَّةً مِمَّا يُحْشَى بِهَا مِثْلُهَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُحْشَى بِهِ مِثْلُهَا فَلَهُ الْخِيَارُ ، هَذَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ وَاحِدًا

( قَالَ وَإِنْ رَأَى صَحْنَ الدَّارِ فَلَا خِيَارَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُشَاهِدْ بُيُوتَهَا ) وَكَذَلِكَ إذَا رَأَى خَارِجَ الدَّارِ أَوْ رَأَى أَشْجَارَ الْبُسْتَانِ مِنْ خَارِجٍ .
وَعِنْدَ زُفَرَ لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِ دَاخِلِ الْبُيُوتِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ جَوَابَ الْكِتَابِ عَلَى وِفَاقِ عَادَتِهِمْ فِي الْأَبْنِيَةِ ، فَإِنَّ دُورَهُمْ لَمْ تَكُنْ مُتَفَاوِتَةً يَوْمَئِذٍ ، فَأَمَّا الْيَوْمُ فَلَا بُدَّ مِنْ الدُّخُولِ فِي دَاخِلِ الدَّارِ لِلتَّفَاوُتِ ، وَالنَّظَرُ إلَى الظَّاهِرِ لَا يُوقِعُ الْعِلْمَ بِالدَّاخِلِ .

( قَوْلُهُ وَإِنْ رَأَى صَحْنَ الدَّارِ فَلَا خِيَارَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُشَاهِدْ بُيُوتَهَا ، وَكَذَا إذَا رَأَى خَارِجَ الدَّارِ وَرَأَى أَشْجَارَ الْبُسْتَانِ مِنْ خَارِجٍ ) ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى جَمِيعِ أَجْزَائِهَا مُتَعَذِّرٌ ، إذْ لَا يُمْكِنُ النَّظَرُ إلَى مَا تَحْتَ السُّرَرِ وَإِلَى مَا بَيْنَ الْحِيطَانِ مِنْ الْجُذُوعِ فَيَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا ( وَعِنْدَ زُفَرَ لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِ الْبُيُوتِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ جَوَابَ الْكِتَابِ عَلَى وَفْقِ عَادَتِهِمْ فِي الْأَبْنِيَةِ ) فِي الْكُوفَةِ ( فَإِنَّ دُورَهُمْ لَمْ تَكُنْ مُتَفَاوِتَةً ) وَأَمَّا فِي دِيَارِنَا ( فَلَا بُدَّ مِنْ الدُّخُولِ دَاخِلَ الدَّارِ ) كَمَا قَالَ زُفَرُ ( لِتَفَاوُتِ الدُّورِ ) بِكَثْرَةِ الْمَرَافِقِ وَقِلَّتِهَا فَلَا يَصِيرُ مَعْلُومًا بِالنَّظَرِ إلَى صَحْنِهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَهَذَا لَا يُفِيدُ .
إلَّا أَنْ يُقَالَ : وَكُلٌّ مِنْ ذَلِكَ مَقْصُودٌ ، وَعَلَى هَذَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الْعُلُوِّ إلَّا فِي بَلَدٍ يَكُونُ الْعُلُوُّ مَقْصُودًا كَمَا فِي سَمَرْقَنْدَ ، وَلَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الْمَطْبَخِ وَالْمَزْبَلَةِ عَلَى خِلَافِ بِلَادِنَا بِدِيَارِ مِصْرَ .
وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ رُؤْيَةَ الْكُلِّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَالْأَشْبَهُ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ ، وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي دِيَارِ مِصْرَ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ .
وَأَمَّا مَا ذَكَرَ فِي الْأَشْجَارِ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِرُؤْيَةِ رُءُوسِ الْأَشْجَارِ أَوْ رُؤْيَةِ خَارِجِهِ فَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَقَالَ : الْمَقْصُودُ مِنْ الْبُسْتَانِ بَاطِنُهُ فَلَا يُكْتَفَى بِرُؤْيَةِ ظَاهِرِهِ .
وَفِي جَامِعِ قَاضِي خَانَ : لَا يُكْتَفَى بِرُؤْيَةِ الْخَارِجِ وَرُءُوسِ الْأَشْجَارِ انْتَهَى .
وَفِي الْكَرْمِ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ عِنَبِ الْكَرْمِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ شَيْئًا ، وَفِي الرُّمَّانِ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ الْحُلْوِ الْحَامِضِ .
وَلَوْ اشْتَرَى دُهْنًا فِي زُجَاجَةٍ فَرُؤْيَتُهُ مِنْ خَارِجِ الزُّجَاجَةِ لَا تَكْفِي حَتَّى يَصُبَّهُ فِي كَفِّهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ الدُّهْنَ حَقِيقَةً لِوُجُودِ

الْحَائِلِ .
وَعَنْ مُحَمَّدٍ : يَكْفِي ؛ لِأَنَّ الزُّجَاجَ لَا يُخْفِي صُورَةَ الدُّهْنِ ، وَرَوَى هِشَامُ أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَفِي التُّحْفَةِ : لَوْ ظَهَرَ فِي الْمِرْآةِ فَرَأَى الْمَبِيعَ قَالُوا لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ ؛ لِأَنَّهُ مَا رَأَى عَيْنَهُ بَلْ مِثَالَهُ ، وَلَوْ اشْتَرَى سَمَكًا فِي الْمَاءِ يُمْكِنُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِ اصْطِيَادٍ فَرَآهُ فِي الْمَاءِ ، قَالَ بَعْضُهُمْ يَسْقُطُ خِيَارُهُ ؛ لِأَنَّهُ رَأَى عَيْنَ الْمَبِيعِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَسْقُطُ وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَا يُرَى فِي الْمَاءِ عَلَى حَالِهِ بَلْ يُرَى أَكْبَرَ مِمَّا هُوَ ، فَهَذِهِ الرُّؤْيَةُ لَا تُعَرِّفُ الْمَبِيعَ .
وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مُغَيَّبًا فِي الْأَرْضِ كَالْجَزَرِ وَالْبَصَلِ وَالثُّومِ وَالْفُجْلِ وَنَحْوِهَا لَمْ يَذْكُرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ .
وَرَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ شَيْئًا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ بَعْدَ الْقَلْعِ كَالثُّومِ وَالْبَصَلِ وَالزَّعْفَرَانِ وَالسَّلْجَمِ إنْ بَاعَهُ بَعْدَمَا نَبَتَ نَبَاتًا يُفْهَمُ بِهِ وُجُودُهُ تَحْتَ الْأَرْضِ جَازَ الْبَيْعُ ، فَإِنْ قَلَعَ الْبَعْضَ هَلْ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ حَتَّى إذَا رَضِيَ بِهِ يَلْزَمُ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ إنْ قَلَعَ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِ الْبَائِعِ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ ، فَلَوْ رَضِيَ بِهِ لَزِمَ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ لِمَا عُرِفَ أَنَّ رُؤْيَةَ بَعْضِ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ كَرُؤْيَةِ الْكُلِّ ، وَإِنْ قَلَعَهُ الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ إذْنِهِ إنْ كَانَ الْمَقْلُوعُ شَيْئًا لَهُ ثَمَنٌ بَطَلَ خِيَارُهُ فِي الْكُلِّ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ رَضِيَ بِالْمَقْلُوعِ أَوْ لَمْ يَرْضَ وُجِدَ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ الْأَرْضِ أَقَلُّ مِنْهُ أَوْ لَمْ يُوجَدْ ؛ لِأَنَّ بِالْقَلْعِ صَارَ الْمَقْلُوعُ مَعِيبًا ؛ لِأَنَّهُ كَانَ حَيًّا يَنْمُو وَبَعْدَهُ صَارَ مَوَاتًا .
وَالتَّعَيُّبُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ الرَّدَّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْلُوعُ شَيْئًا لَا ثَمَنَ لَهُ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ كَعَدَمِهِ .
وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يُبَاعُ

عَدَدًا إنْ قَلَعَهُ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِهِ لَهُ الْخِيَارُ فِي الْبَاقِي ، حَتَّى لَوْ رَضِيَ بِهِ لَا يَلْزَمُ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ ؛ لِأَنَّهُ عَدَدِيٌّ مُتَفَاوِتٌ ، فَرُؤْيَةُ بَعْضِهِ لَا تَكُونُ كَرُؤْيَةِ كُلِّهِ ، وَإِنْ قَلَعَهُ الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ بَطَلَ خِيَارُهُ .
وَقَدْ حُكِيَ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَبَيْنَهُمَا فَمَا ذَكَرْنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : رُؤْيَةُ بَعْضِهِ كَرُؤْيَةِ كُلِّهِ ، وَجَعَلَاهُ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ ؛ لِأَنَّ بِبَعْضِهَا يُسْتَدَلُّ فِي الْعَادَةِ عَلَى الْكُلِّ ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي الْقَلْعِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي : أَخَاف إنْ قَلَعْته لَا يَصْلُحُ لِي وَلَا أَقْدِرُ عَلَى الرَّدِّ ، وَقَالَ الْبَائِعُ : لَوْ قَلَعْته فَقَدْ لَا تَرْضَى بِتَطَوُّعِ إنْسَانٍ بِالْقَلْعِ فَإِنْ تَشَاحَّا فَسَخَ الْقَاضِي الْعَقْدَ بَيْنَهُمَا

قَالَ ( وَنَظَرُ الْوَكِيلِ كَنَظَرِ الْمُشْتَرِي حَتَّى لَا يَرُدَّهُ إلَّا مِنْ عَيْبٍ ، وَلَا يَكُونُ نَظَرُ الرَّسُولِ كَنَظَرِ الْمُشْتَرِي ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا : هُمَا سَوَاءٌ ، وَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ ) قَالَ مَعْنَاهُ الْوَكِيلُ بِالْقَبْضِ ، فَأَمَّا الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ فَرُؤْيَتُهُ تُسْقِطُ الْخِيَارَ بِالْإِجْمَاعِ ، لَهُمَا لِأَنَّهُ تَوَكَّلَ بِالْقَبْضِ دُونَ إسْقَاطِ الْخِيَارِ فَلَا يَمْلِكُ مَا لَمْ يَتَوَكَّلْ بِهِ وَصَارَ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَالشَّرْطِ وَالْأَسْقَاطِ قَصْدًا .
وَلَهُ أَنَّ الْقَبْضَ نَوْعَانِ : تَامٌّ وَهُوَ أَنْ يَقْبِضَهُ وَهُوَ يَرَاهُ .
وَنَاقِصٌ ، وَهُوَ أَنْ يَقْبِضَهُ مَسْتُورًا وَهَذَا ؛ لِأَنَّ تَمَامَهُ بِتَمَامِ الصَّفْقَةِ وَلَا تَتِمُّ مَعَ بَقَاءِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالْمُوَكِّلُ مَلَكَهُ بِنَوْعَيْهِ ، فَكَذَا الْوَكِيلُ .
وَمَتَى قَبَضَ الْمُوَكِّلُ وَهُوَ يَرَاهُ سَقَطَ الْخِيَارُ فَكَذَا الْوَكِيلُ لِإِطْلَاقِ التَّوْكِيلِ .
وَإِذَا قَبَضَهُ مَسْتُورًا انْتَهَى التَّوْكِيلُ بِالنَّاقِصِ مِنْهُ فَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ قَصْدًا بَعْدَ ذَلِكَ ، بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ فَيَتِمُّ الْقَبْضُ مَعَ بَقَائِهِ ، وَخِيَارُ الشَّرْطِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ .
وَلَوْ سُلِّمَ فَالْمُوَكِّلُ لَا يَمْلِكُ التَّامَّ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِقَبْضِهِ ؛ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالْخِيَارِ يَكُونُ بَعْدَهُ ، فَكَذَا لَا يَمْلِكُهُ وَكِيلُهُ ، وَبِخِلَافِ الرَّسُولِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا وَإِنَّمَا إلَيْهِ تَبْلِيغُ الرِّسَالَةِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ ، وَالتَّسْلِيمَ إذَا كَانَ رَسُولًا فِي الْبَيْعِ .

( قَوْلُهُ وَنَظَرُ الْوَكِيلِ ) إلَى الْمَبِيعِ مَكْشُوفًا : يَعْنِي الْوَكِيلَ بِالْقَبْضِ كَمَا فَسَرَّهُ الْمُصَنِّفُ ، وَهُوَ مَنْ يَقُولُ لَهُ الْمُوَكِّلُ وَكَّلْتُك بِقَبْضِهِ أَوْ كُنْ وَكِيلًا عَنِّي بِقَبْضِهِ ( كَنَظَرِ الْمُشْتَرِي حَتَّى لَا يَرُدُّهُ ) الْمُشْتَرِي بَعْدَ قَبْضِ الْوَكِيلِ وَرُؤْيَتِهِ ( إلَّا مِنْ عَيْبٍ ، وَلَا يَكُونُ نَظَرُ الرَّسُولِ كَنَظَرِ الْمُرْسِلِ ) وَالرَّسُولُ هُوَ مَنْ يَقُولُ لَهُ الْمُشْتَرِي قُلْ لِفُلَانٍ يَدْفَعُ إلَيْك الْمَبِيعَ أَوْ أَنْتَ رَسُولِي إلَيْهِ فِي قَبْضِهِ أَوْ أَرْسَلْتُك لِقَبْضِهِ أَوْ أَمَرْتُك بِقَبْضِهِ ، وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ اذْهَبْ فَاقْبِضْهُ يَكُونُ رَسُولًا لَا وَكِيلًا ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَا صَدَقَاتِ أَمَرْتُك ، وَقَدْ قِيلَ : لَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّسُولِ وَالْوَكِيلِ فِي فَصْلِ الْأَمْرِ بِأَنْ قَالَ اقْبِضْ الْمَبِيعَ فَلَا يَسْقُطُ الْخِيَارُ .
وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَى هَذَا الْقَوْلَ فِيمَا إذَا قَالَ أَمَرْتُك بِمَادَّةِ أَلِفٍ مِيمٍ رَاءٍ ( وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ وَقَالَا : هُمَا ) يَعْنِي الرَّسُولَ وَالْوَكِيلَ بِالْقَبْضِ ( سَوَاءٌ ) فَيَرُدُّ الْمُوَكِّلُ الَّذِي لَهُ الْخِيَارُ مَا قَبَضَهُ وَكِيلُهُ كَمَا يَرُدُّ مَا قَبَضَهُ رَسُولُهُ ( فَأَمَّا الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ فَرُؤْيَتُهُ تُسْقِطُ الْخِيَارَ بِالْإِجْمَاعِ .
لَهُمَا أَنَّهُ تَوَكَّلَ ) أَيْ قَبِلَ الْوَكَالَةَ ( بِالْقَبْضِ دُونَ إسْقَاطِ الْخِيَارِ فَلَا يَمْلِكُ مَا لَمْ يَتَوَكَّلْ بِهِ ) وَإِذَا لَمْ يَمْلِكْهُ لَا يَثْبُتُ عَنْ فِعْلِهِ ( وَصَارَ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَالشَّرْطِ ) بِأَنْ اشْتَرَى مَعِيبًا لَمْ يَرَ عَيْبَهُ ثُمَّ وَكَّلَ بِقَبْضِهِ فَقَبَضَهُ لَا يَسْقُطُ خِيَارُ الشَّرْطِ ( و ) صَارَ أَيْضًا ( كَالْإِسْقَاطِ قَصْدًا ) بِأَنْ قَبَضَهُ الْوَكِيلُ بِالْقَبْضِ مَسْتُورًا ثُمَّ رَآهُ فَأَسْقَطَ الْخِيَارَ قَصْدًا لَا يَسْقُطُ ( وَلَهُ أَنَّ الْقَبْضَ عَلَى نَوْعَيْنِ ) قَبْضٌ ( تَامٌّ ) وَهُوَ أَنْ يَقْبِضَهُ وَهُوَ يَرَاهُ .
وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا قَبْضًا تَامًّا ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ يَبْطُلُ بِهَذَا الْقَبْضِ وَبَقَاءَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ يَمْنَعُ تَمَامَ الْقَبْضِ ،

فَلَمَّا بَطَلَ بِهَذَا الْقَبْضِ مِنْ الْمُشْتَرِي كَانَ هَذَا الْقَبْضُ تَامًّا ( وَنَاقِصٌ وَهُوَ أَنْ يَقْبِضَهُ مَسْتُورًا ) وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الْقَبْضُ مَعَ الرُّؤْيَةِ مُتَضَمِّنًا لِسُقُوطِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِاسْتِلْزَامِهِ تَمَامَ الصَّفْقَةِ وَلَا يَتِمُّ دُونَهُ ( ثُمَّ الْمُوَكِّلُ مَلَكَ الْقَبْضَ بِنَوْعَيْهِ ، فَكَذَا وَكِيلُهُ لِإِطْلَاقِ التَّوْكِيلِ ) بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْقَطَ الْخِيَارَ قَصْدًا بِأَنْ قَبَضَهُ مَسْتُورًا ثُمَّ رَآهُ فَأَسْقَطَ الْخِيَارَ ؛ لِأَنَّ بِقَبْضِهِ ( مَسْتُورًا انْتَهَى التَّوْكِيلُ ) بِالْقَبْضِ ( النَّاقِصِ فَلَا يَمْلِكُ ) الْوَكِيلُ بَعْدَ ذَلِكَ ( إسْقَاطَهُ ) لِانْتِفَاءِ وِلَايَتِهِ ، وَنُقِضَ بِمَسْأَلَتَيْنِ لَمْ يَقُمْ الْوَكِيلُ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِيهِمَا .
إحْدَاهُمَا : أَنَّ الْوَكِيلَ لَوْ رَأَى قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَسْقُطْ بِرُؤْيَتِهِ الْخِيَارُ ، وَالْمُوَكِّلُ لَوْ رَأَى وَلَمْ يَقْبِضْ يَسْقُطُ خِيَارَهُ .
وَالثَّانِيَةُ : لَوْ قَبَضَهُ الْمُوَكِّلُ مَسْتُورًا ثُمَّ رَآهُ بَعْدَ الْقَبْضِ فَأَبْطَلَ الْخِيَارَ بَطَلَ ، وَالْوَكِيلُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَبْطُلْ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ سُقُوطَ الْخِيَارِ بِقَبْضِ الْوَكِيلِ إنَّمَا يَثْبُتُ ضِمْنًا لِتَمَامِ قَبْضِهِ بِسَبَبِ وِلَايَتِهِ بِالْوَكَالَةِ ، وَلَيْسَ هَذَا ثَابِتًا فِي مُجَرَّدِ رُؤْيَتِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَنَقُولُ : بَلْ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ لِلْمُوَكِّلِ ، وَهُوَ سُقُوطُ خِيَارِهِ إذَا رَآهُ إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مُجَرَّدَ مُضِيِّ مَا يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ الْفَسْخِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ يَسْقُطُ الْخِيَارُ ، وَلَيْسَ هُوَ بِالصَّحِيحِ ، وَبِعَيْنِ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ يَقَعُ الْفَرْقُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ ضِمْنًا لِلْقَبْضِ الصَّحِيحِ ، بَلْ ثَبَتَ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْوَكَالَةِ بِالْقَبْضِ النَّاقِصِ .
وَقَوْلُهُ ( بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ ؛ لِأَنَّهُ ) يَثْبُتُ مَعَ ( تَمَامِ الصَّفْقَةِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ لِتَتْمِيمِ الْقَبْضِ بَلْ لِتَسْلِيمِ الْجُزْءِ الْفَائِتِ ضِمْنِ الْقَبْضِ مَعَ بَقَاءِ الْخِيَارِ ، وَلِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ

الْمَعِيبَ وَحْدَهُ فِيمَا إذَا اشْتَرَى شَيْئَيْنِ .
وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ إلَّا مِنْ عَيْبٍ .
قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ : يُحْتَمَلُ إلَّا مِنْ عَيْبٍ لَمْ يَعْلَمْهُ الْوَكِيلُ ، فَإِنْ كَانَ عَلِمَهُ يَجِبُ أَنْ يُبْطِلَ خِيَارَ الْعَيْبِ ، كَذَا ذَكَرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ ، وَلَمْ يُسَلِّمْ مَسْأَلَةَ خِيَارِ الْعَيْبِ .
وَالصَّوَابُ عِنْدَنَا أَنْ لَا يَمْلِكَ الْوَكِيلُ بِالْقَبْضِ إبْطَالَ خِيَارِ الْعَيْبِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ .
وَقَوْلُهُ ( وَخِيَارُ الشَّرْطِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ إلَخْ ) يَعْنِي وَخِيَارُ الشَّرْطِ لَا نَصَّ فِيهِ ، فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَهُ فَيَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْهِنْدُوَانِيُّ ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ التَّامَّ لَا يَحْصُلُ بِخِيَارِ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ يُجِيزُ الْفَسْخَ فَلَا يَتِمُّ الْقَبْضُ مَعَ ذَلِكَ كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ بِعَيْنِهِ ( وَلَئِنْ سَلَّمَ ) أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالْقَبْضِ التَّامِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ ( فَالْمُوَكِّلُ لَا يَمْلِكُ التَّامَّ مِنْهُ ) فَإِذَا فَرَضْنَا أَنَّ التَّامَّ لَا يَكُونُ مَعَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ فَلَا يَمْلِكُهُ الْوَكِيلُ ( بِخِلَافِ الرَّسُولِ ) بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ ( فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا ) مِنْ الْقَبْضِ لَا التَّامِّ وَلَا النَّاقِصِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِالْقَبْضِ بَلْ بِأَدَاءِ الرِّسَالَةِ ، وَلِذَا لَا يَمْلِكُ التَّسْلِيمَ أَيْضًا ، وَصُوَرُ الْإِرْسَالِ فِي الْبَيْعِ تَقَدَّمَتْ أَوَائِلَ كِتَابِ الْبُيُوعِ ، وَصُورَتُهَا بِالشِّرَاءِ أَنْ يَقُولَ قُلْ لِفُلَانٍ إنِّي اشْتَرَيْت مِنْك كَذَا وَكَذَا بِمُعَيَّنِ كَذَا وَكَذَا

قَالَ ( وَبَيْعُ الْأَعْمَى وَشِرَاؤُهُ جَائِزٌ وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا اشْتَرَى ) لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ ( ثُمَّ يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِجَسِّهِ الْمَبِيعَ إذَا كَانَ يُعْرَفُ بِالْجَسِّ ، وَيَشُمُّهُ إذَا كَانَ يُعْرَفُ بِالشَّمِّ ، وَيَذُوقُهُ إذَا كَانَ يُعْرَفُ بِالذَّوْقِ ) كَمَا فِي الْبَصِيرِ ( وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ فِي الْعَقَارِ حَتَّى يُوصَفَ لَهُ ) لِأَنَّ الْوَصْفَ يُقَامُ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ كَمَا فِي السَّلَمِ .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ إذَا وَقَفَ فِي مَكَان لَوْ كَانَ بَصِيرًا لَرَآهُ وَقَالَ : قَدْ رَضِيتُ سَقَطَ خِيَارُهُ ، لِأَنَّ التَّشَبُّهَ يُقَامُ مَقَامَ الْحَقِيقَةِ فِي مَوْضِعِ الْعَجْزِ كَتَحْرِيكِ الشَّفَتَيْنِ يُقَامُ مَقَامَ الْقِرَاءَةِ فِي حَقِّ الْأَخْرَسِ فِي الصَّلَاةِ ، وَإِجْرَاءُ الْمُوسَى مَقَامَ الْحَلْقِ فِي حَقِّ مَنْ لَا شَعْرَ لَهُ فِي الْحَجِّ .
وَقَالَ الْحَسَنُ : يُوَكِّلُ وَكِيلًا بِقَبْضِهِ وَهُوَ يَرَاهُ وَهَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْوَكِيلِ كَرُؤْيَةِ الْمُوَكِّلِ عَلَى مَا مَرَّ آنِفًا .

( قَوْلُهُ وَبَيْعُ الْأَعْمَى وَشِرَاؤُهُ جَائِزٌ ) بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا يَجُوزُ إلَّا فِي السَّلَمِ ، وَالشِّرَاءُ يُمَدُّ فِي لُغَةِ الْحِجَازِ ، وَيَقْصُرُ لِأَهْلِ نَجْدٍ ( وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا اشْتَرَى ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ ) فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ { مَنْ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ } ( وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ ) فِي أَوَّلِ الْبَابِ ؛ وَلِأَنَّ النَّاسَ تَعَارَفُوا مُعَامَلَةَ الْعُمْيَانِ بَيْعًا وَشِرَاءً ، وَالتَّعَارُفُ بِلَا نَكِيرٍ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ بِمَنْزِلَةِ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ ( ثُمَّ يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِجَسِّهِ الْمَبِيعَ إذَا كَانَ يُعْرَفُ بِالْجَسِّ ) كَالشَّاةِ ( وَيَشُمُّهُ إذَا كَانَ يُعْرَفُ بِالشَّمِّ ) كَالطِّيبِ ( وَبِذَوْقِهِ إذَا كَانَ يُعْرَفُ بِالذَّوْقِ ) كَالْعَسَلِ .
وَقَوْلُهُ ( كَمَا فِي الْبَصِيرِ ) ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْبَصِيرَ إذَا لَمْ يَرَ الْمَبِيعَ وَلَكِنْ شَمَّهُ فَقَطْ وَهُوَ مِمَّا يُعْرَفُ بِالشَّمِّ كَالْمِسْكِ وَنَحْوِهِ فَرَضِيَ بِهِ ثُمَّ رَأَى فَلَا خِيَارَ لَهُ ( وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ فِي الْعَقَارِ حَتَّى يُوصَفَ لَهُ ) فِي جَامِعِ الْعَتَّابِيِّ هُوَ أَنْ يُوقَفَ فِي مَكَان لَوْ كَانَ بَصِيرًا لَرَآهُ ثُمَّ يَذْكُرُ لَهُ صِفَتَهُ .
وَلَا يَخْفَى أَنَّ إيقَافَهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الْوَصْفِ وَسُقُوطُ الْخِيَارِ بِهِ فَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمَبْسُوطِ ، وَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْوَصْفِ ( لِأَنَّ الْوَصْفَ قَدْ أُقِيمَ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ كَمَا فِي السَّلَمِ ) وَمِمَّنْ أَنْكَرَهُ الْكَرْخِيُّ ، وَقَالَ : وُقُوفُهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ فِي أَنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ بِهِ عِلْمًا ( وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا وَقَفَ فِي مَكَان لَوْ كَانَ بَصِيرًا لَرَأَى الْعَقَارَ ، وَقَالَ : رَضِيَتْ سَقَطَ خِيَارُهُ ؛ لِأَنَّ التَّشَبُّهَ يُقَامُ مَقَامَ الْحَقِيقَةِ فِي مَوْضِعِ الْعَجْزِ كَتَحْرِيكِ الشَّفَتَيْنِ يُقَامُ مَقَامَ الْقِرَاءَةِ لِلْأَخْرَسِ ، وَإِجْرَاءُ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِ

مَنْ لَا شَعْرَ لَهُ ) فِي الْإِحْلَالِ مِنْ الْإِحْرَامِ ، وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ عَنْ الْوَصْفِ فَإِنَّ الْقَائِمَ مَقَامَ الشَّيْءِ بِمَنْزِلَتِهِ ، وَقَدْ ثَبَتَ شَرْعًا اعْتِبَارُهُ بِمَنْزِلَتِهِ فِي السَّلَمِ ، وَوُجُوبُ إجْرَاءِ الْمُوسَى مُخْتَلَفٌ فِيهِ ، وَكَذَا التَّحْرِيكُ غَيْرُ لَازِمٍ لِلْأُمِّيِّ .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا أَنَّهُ اعْتَبَرَ الْوَصْفَ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ أَيْضًا وَلَمْ يَعْتَبِرْ الشَّمَّ وَلَا الذَّوْقَ وَالْجَسَّ ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ يَقُومُ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ كَمَا ذَكَرْنَا .
وَقَالَ مَشَايِخُ بَلْخٍ : يَمَسُّ الْحِيطَانَ وَالْأَشْجَارَ ، فَإِذَا قَالَ : رَضِيتُ سَقَطَ خِيَارُهُ ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَى إذَا كَانَ ذَكِيًّا يَقِفُ عَلَى مَقْصُودِهِ بِذَلِكَ ، وَهُوَ رِوَايَةُ بِشْرٍ وَابْنِ سِمَاعَةَ فِي الدَّارِ .
وَفِي رِوَايَةِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْوَصْفَ مَعَ كُلٍّ مِنْ الذَّوْقِ وَاللَّمْسِ وَالْجَسِّ ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ الْكَامِلَ فِي حَقِّهِ يَثْبُتُ بِهَذَا إلَّا فِيمَا لَا يُمْكِنُ جَسُّهُ كَالثَّمَرِ عَلَى رُءُوسِ الشَّجَرِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْوَصْفُ لَا غَيْرَ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَاتِ ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِأَبِي اللَّيْثِ ( وَقَالَ الْحَسَنُ : يُوَكِّلُ وَكِيلًا بِقَبْضِهِ وَهُوَ يَرَاهُ ) فَيَسْقُطُ بِذَلِكَ خِيَارُهُ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ : ( وَهَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ جَعَلَ رُؤْيَةَ الْوَكِيلِ رُؤْيَةَ الْمُوَكِّلِ ) وَلَوْ وَصَفَ لِلْأَعْمَى ثُمَّ أَبْصَرَ لَا خِيَارَ لَهُ ؛ لِأَنَّ خِيَارَهُ سَقَطَ فَلَا يَعُودُ إلَّا بِسَبَبٍ جَدِيدٍ ، وَلَوْ اشْتَرَى الْبَصِيرُ ثُمَّ عَمِيَ انْتَقَلَ الْخِيَارُ إلَى الْوَصْفِ

قَالَ ( وَمَنْ رَأَى أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ فَاشْتَرَاهُمَا ثُمَّ رَأَى الْآخَرَ جَازَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُمَا ) لِأَنَّ رُؤْيَةَ أَحَدِهِمَا لَا تَكُونُ رُؤْيَةَ الْآخَرِ لِلتَّفَاوُتِ فِي الثِّيَابِ فَبَقِيَ الْخِيَارُ فِيمَا لَمْ يَرَهُ ، ثُمَّ لَا يَرُدُّهُ وَحْدَهُ بَلْ يَرُدُّهُمَا كَيْ لَا يَكُونَ تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ لَا تَتِمُّ مَعَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ ، وَلِهَذَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّدِّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا وَيَكُونُ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ .

( قَوْلُهُ وَمَنْ رَأَى أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ فَاشْتَرَاهُمَا ثُمَّ رَأَى الْآخَرَ جَازَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُمَا ؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ أَحَدِهِمَا لَيْسَتْ رُؤْيَةً لِلْآخَرِ لِلتَّفَاوُتِ فِي الثِّيَابِ فَيَبْقَى الْخِيَارُ فِيمَا لَمْ يَرَهُ ) فَلَهُ رَدُّهُ بِحُكْمِ الْخِيَارِ ( ثُمَّ لَا ) يَتَمَكَّنُ مِنْ رَدِّهِ وَحْدَهُ ( فَيَرُدُّهُمَا ) إنْ شَاءَ ( كَيْ لَا يَكُونُ تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ ) عَلَى الْبَائِعِ ( قَبْلَ التَّمَامِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ لَا تَتِمُّ مَعَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ ) كَخِيَارِ الشَّرْطِ بِدَلِيلِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَفْسَخَهُ ( بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا وَيَكُونُ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ ) لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الرِّضَا قَبْلَهُ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِصِفَاتِ الْمَبِيعِ وَلِذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ وَالرِّضَا ، فَإِنْ قِيلَ : مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا اسْتَحَقَّ أَحَدَهُمَا لَا يَرُدُّ الْبَاقِيَ ، وَهُنَا وَفِي خِيَارِ الشَّرْطِ يَرُدُّ الْآخَرَ إذَا رَدَّ أَحَدَهُمَا بَعْدَ الْقَبْضِ .
أُجِيبَ أَنَّ رَدَّ أَحَدِهِمَا فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ يُوجِبُ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ لِمَا عُلِمَ أَنَّ الصَّفْقَةَ لَا تَتِمُّ مَعَهُمَا ، وَفِي الِاسْتِحْقَاقِ : لَوْ رَدَّ كَانَ بَعْدَ التَّمَامِ ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَمَّتْ فِيمَا كَانَ مِلْكُ الْبَائِعِ ظَاهِرًا فَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْبَاقِي عَيْبُ الشَّرِكَةِ ، حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَبْدًا وَاحِدًا فَاسْتَحَقَّ بَعْضَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ أَيْضًا كَمَا فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْأَعْيَانِ الْمُجْتَمِعَةِ عَيْبٌ ، وَالْمُشْتَرِي لَمْ يَرْضَ بِهَذَا الْعَيْبِ فِي فَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ ، وَلَوْ كَانَ قَبَضَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يَقْبِضْ الْآخَرَ ثُمَّ اسْتَحَقَّ أَحَدَهُمَا لَهُ الْخِيَارُ لِتَفَرُّقِهَا قَبْلَ التَّمَامِ ، وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا فَاسْتَحَقَّ بَعْضَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يُخَيَّرُ ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ فِيهِ ، وَلَوْ اسْتَحَقَّ قَبْلَ الْقَبْضِ يُخَيَّرُ لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ قَبْلَ

التَّمَامِ ، وَلَوْ وَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَحْدَهُ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتِمُّ قَبْلَ الْقَبْضِ .
هَذَا وَالْمَعْنَى فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ وَجَوَازِهَا بَعْدَهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْأَكْبَرِ ، وَذَلِكَ أَنَّ فِي تَفْرِيقِهَا ثُبُوتَ ضَرَرَيْنِ دَائِمًا ، غَيْرَ أَنَّهُ قَبْلَ التَّمَامِ يَكُونُ ضَرَرُ الْبَائِعِ أَكْثَرَ فَإِنَّهُ ضَرَرُ مَالٍ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَرُوجُ أَحَدُهُمَا إلَّا بِالْآخَرِ لِجَوْدَةِ أَحَدِهِمَا وَرَدَاءَةِ الْآخَرِ ، وَهُوَ فَوْقَ ضَرَرِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّ ضَرَرَهُ لَيْسَ إلَّا بِبُطْلَانِ مُجَرَّدِ قَوْلِهِ إذَا أَلْزَمْنَاهُ رَدَّهُمَا ، وَبَعْدَ الْقَبْضِ ضَرَرُ الْمُشْتَرِي أَكْثَرُ ؛ لِأَنَّهُ مَتَى رَدَّ الْكُلَّ يَبْطُلُ حَقُّهُ عَنْ الْيَدِ وَضَرَرُ الْبَائِعِ مَوْهُومٌ إذْ قَدْ يَبِيعُ الْمَرْدُودَ بِثَمَنٍ جَيِّدٍ فَعَمِلْنَا بِدَفْعِ أَعْلَى الضَّرَرَيْنِ فِيهِمَا

وَمَنْ مَاتَ وَلَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ بَطَلَ خِيَارُهُ ) لِأَنَّهُ لَا يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ عِنْدَنَا ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ ( وَمَنْ رَأَى شَيْئًا ثُمَّ اشْتَرَاهُ بَعْدَ مُدَّةٍ ، فَإِنْ كَانَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي رَآهُ فَلَا خِيَارَ لَهُ ) لِأَنَّ الْعِلْمَ بِأَوْصَافِهِ حَاصِلٌ لَهُ بِالرُّؤْيَةِ السَّابِقَةِ ، وَبِفَوَاتِهِ يَثْبُتُ الْخِيَارُ إلَّا إذَا كَانَ لَا يَعْلَمُهُ مَرْئِيَّهُ لِعَدَمِ الرِّضَا بِهِ ( وَإِنْ وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا فَلَهُ الْخِيَارُ ) لِأَنَّ تِلْكَ الرُّؤْيَةَ لَمْ تَقَعْ مُعْلِمَةً بِأَوْصَافِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي التَّغَيُّرِ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ حَادِثٌ وَسَبَبُ اللُّزُومِ ظَاهِرٌ ، إلَّا إذَا بَعُدَتْ الْمُدَّةُ عَلَى مَا قَالُوا لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لِلْمُشْتَرِي ، بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهَا أَمْرٌ حَادِثٌ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُهُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ .

( قَوْلُهُ وَمَنْ مَاتَ وَلَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ بَطَلَ خِيَارُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ ) عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْوَجْهِ ( فِي خِيَارِ الشَّرْطِ ) وَتَقَدَّمَ أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ لَا يُوَرَّثَانِ وَخِيَارَ الْعَيْبِ وَالتَّعْيِينِ يُوَرَّثَانِ بِالِاتِّفَاقِ ( قَوْلُهُ وَمَنْ رَأَى شَيْئًا ثُمَّ اشْتَرَاهُ بَعْدَ مُدَّةٍ فَإِنْ وَجَدَهُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي رَآهُ ) عَلَيْهَا ( فَلَا خِيَارَ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِأَوْصَافِهِ حَاصِلٌ لَهُ بِالرُّؤْيَةِ السَّابِقَةِ ) فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ } ؛ لِأَنَّهُ بِإِطْلَاقِهِ يَتَنَاوَلُ الرُّؤْيَةَ عِنْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَهُ ( إلَّا إذَا كَانَ ) الْمُشْتَرِي ( لَا يَعْلَمُهُ مَرْئِيَّهُ ) أَيْ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الْمَبِيعَ كَمَا قَدْ رَآهُ فِيمَا مَضَى كَأَنْ رَأَى جَارِيَةً ثُمَّ اشْتَرَى جَارِيَةً مُنْتَقِبَةً لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا الَّتِي كَانَ رَآهَا ثُمَّ ظَهَرَتْ إيَّاهَا كَانَ لَهُ الْخِيَارُ ( لِعَدَمِ ) مَا يُوجِبُ الْحُكْمَ عَلَيْهِ ( بِالرِّضَا ) أَوْ رَأَى ثَوْبًا فَلُفَّ فِي ثَوْبٍ وَبِيعَ فَاشْتَرَاهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ ذَلِكَ ( وَإِنْ وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا ) عَنْ الْحَالَةِ الَّتِي كَانَ رَآهُ عَلَيْهَا ( فَلَهُ الْخِيَارُ ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الرُّؤْيَةَ لَمْ تَقَعْ مُعْلِمَةً بِأَوْصَافِهِ ) فَكَانَتْ رُؤْيَتُهُ وَعَدَمُهَا سَوَاءً ( فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي التَّغَيُّرِ ) فَقَالَ الْبَائِعُ : لَمْ يَتَغَيَّرْ وَقَالَ الْمُشْتَرِي : تَغَيَّرَ ( فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ ) دَعْوَى ( التَّغَيُّرِ ) بَعْدَ ظُهُورِ سَبَبِ لُزُومِ الْعَقْدِ وَهُوَ رُؤْيَةُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ مِنْ الْبَيْعِ دَعْوَى أَمْرٍ ( حَادِثٍ ) بَعْدَهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ فَلَا تُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ( بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الرُّؤْيَةِ ) فَقَالَ الْبَائِعُ : رَأَيْته وَقَالَ الْمُشْتَرِي : لَمْ أَرَهُ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي أَمْرًا عَارِضًا هُوَ الْعِلْمُ بِصِفَتِهِ ( وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُهُ

فَالْقَوْلُ لَهُ ) وَكَذَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَرُدَّهُ فَقَالَ الْبَائِعُ : لَيْسَ هَذَا الَّذِي بِعْتُكَهُ .
وَقَالَ الْمُشْتَرِي : بَلْ هُوَ هُوَ ، الْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي بَيْعٍ بَاتٍّ أَوْ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ أَوْ الرُّؤْيَةِ .
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : الْغَالِبُ فِي الْبِيَاعَاتِ كَوْنُ الْمُشْتَرِينَ رَأَوْا الْمَبِيعَ فَدَعْوَى الْبَائِعِ رُؤْيَةَ الْمُشْتَرِي تَمَسُّكٌ بِالظَّاهِرِ ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ هُوَ الظَّاهِرُ ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْقَوْلَ لِمَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ لَا لِمَنْ يَتَمَسَّكُ بِالْأَصْلِ إلَّا إنْ لَمْ يُعَارِضْهُ ظَاهِرُ الْوَجْهِ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ لِلْبَائِعِ فِي الرُّؤْيَةِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَهُ خِيَارُ الْعَيْبِ فَإِنَّ الْقَوْلَ لِلْبَائِعِ فِي أَنَّهُ غَيْرُ الْمَبِيعِ مَعَ يَمِينِهِ ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ فِي الْخِيَارَيْنِ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِفَسْخِهِ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى رِضَا الْآخَرِ بَلْ عَلَى عِلْمِهِ عَلَى الْخِلَافِ ، وَإِذَا انْفَسَخَ يَكُونُ الِاخْتِلَافُ بَعْدَ ذَلِكَ اخْتِلَافًا فِي الْمَقْبُوضِ ، فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْقَابِضِ ضَمِينًا كَانَ أَوْ أَمِينًا كَالْغَاصِبِ وَالْمُودِعِ ، بِخِلَافِ الْفَسْخِ بِالْعَيْبِ لَا يَنْفَرِدُ الْمُشْتَرِي بِفَسْخِهِ وَلَكِنَّهُ يَدَّعِي ثُبُوتَ حَقِّ الْفَسْخِ فِي الَّذِي أَحْضَرَهُ وَالْبَائِعُ يُنْكِرُهُ .
وَقَوْلُهُ ( إلَّا إذَا بَعُدَتْ الْمُدَّةُ ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ : أَيْ إلَّا فِي صُورَةِ مَا إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ ( عَلَى مَا قَالُوا ) أَيْ الْمَشَايِخُ ( لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لِلْمُشْتَرِي ) إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَبْقَى الشَّيْءُ فِي دَارِ التَّغَيُّرِ وَهِيَ الدُّنْيَا زَمَانًا طَوِيلًا لَمْ يَطْرُقْهُ تَغَيُّرٌ .
قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : أَرَأَيْت لَوْ رَأَى جَارِيَةً ثُمَّ اشْتَرَاهَا بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ أَوْ عِشْرِينَ سَنَةً وَقَالَ تَغَيَّرَتْ : أَنْ لَا يُصَدَّقَ ، بَلْ يُصَدَّقَ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ .
قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ : وَبِهِ أَفْتَى الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَالْإِمَامُ الْمَرْغِينَانِيُّ فَنَقُولُ : إنْ

كَانَ لَا يَتَفَاوَتُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ غَالِبًا فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ ، وَإِنْ كَانَ التَّفَاوُتُ غَالِبًا فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي .
مِثَالُهُ : لَوْ رَأَى دَابَّةً أَوْ مَمْلُوكًا فَاشْتَرَاهُ بَعْدَ شَهْرٍ وَقَالَ تَغَيَّرَ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ فِي مِثْلِهِ قَلِيلٌ

قَالَ ( وَمَنْ اشْتَرَى عِدْلَ زُطِّيٍّ وَلَمْ يَرَهُ فَبَاعَ مِنْهُ ثَوْبًا أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ لَمْ يَرُدَّ شَيْئًا مِنْهَا إلَّا مِنْ عَيْبٍ ، وَكَذَلِكَ خِيَارُ الشَّرْطِ ) ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الرَّدُّ فِيمَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ ، وَفِي رَدِّ مَا بَقِيَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ يَمْنَعَانِ تَمَامَهَا ، بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَتِمُّ مَعَ خِيَارِ الْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَتِمُّ قَبْلَهُ وَفِيهِ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ .
فَلَوْ عَادَ إلَيْهِ بِسَبَبٍ هُوَ فَسْخٌ فَهُوَ عَلَى خِيَارِ الرُّؤْيَةِ ، كَذَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَعُودُ بَعْدَ سُقُوطِهِ كَخِيَارِ الشَّرْطِ ، وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الْقُدُورِيُّ .

( قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى عِدْلَ زُطِّيٍّ لَمْ يَرَهُ وَقَبَضَهُ فَبَاعَ ثَوْبًا مِنْهُ أَوْ وَهَبَهُ ) ثُمَّ رَأَى الْبَاقِيَ ( لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ شَيْئًا مِنْهَا إلَّا مِنْ عَيْبٍ ) وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى الْعِدْلَ الْمَذْكُورَ عَلَى أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَهُوَ شَرْطُ الْخِيَارِ وَالْبَاقِي بِحَالِهِ : أَعْنِي فَبَاعَ بَعْضَهَا أَوْ وَهَبَهُ سَقَطَ خِيَارُهُ فِي الْبَاقِي وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ بِخِيَارِ الشَّرْطِ بَلْ إنْ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ ، وَهَذَا ( لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الرَّدُّ فِيمَا أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ ) فَلَوْ رَدَّ الْبَاقِيَ فَقَطْ كَانَ تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ عَلَى الْبَائِعِ قَبْلَ التَّمَامِ ، لِمَا مَرَّ مِنْ .
( أَنَّ ) قِيَامَ ( خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ يَمْنَعُ تَمَامَهَا ) وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ ( بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ فَإِنَّ الصَّفْقَةَ تَتِمُّ مَعَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ ، وَفِيهِ ) أَيْ فِي الْمَقْبُوضِ ( وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ ) ؛ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ مُقَيَّدَةً بِهِ لَمْ تَصِحَّ صُورَتُهَا إذْ لَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا لَمْ يَقْبِضْ وَهِبَتُهُ ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ كَانَتْ الْخِيَارَاتُ كُلُّهَا سَوَاءً وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ أَحَدَهُمَا بَلْ يَرُدُّهُمَا بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ إنْ شَاءَ فَلَا يَصِحُّ حِينَئِذٍ قَوْلُهُ إلَّا مِنْ عَيْبٍ ؛ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى شَيْئَيْنِ وَلَمْ يَقْبِضْهُمَا حَتَّى وَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا لَا يَرُدُّ الْمَعِيبَ خَاصَّةً بَلْ يَرُدُّهُمَا إنْ شَاءَ .
لَا يُقَالُ : فِي عَدَمِ رَدِّ الْبَاقِي عِنْدَ رُؤْيَتِهِ تُرِكَ الْعَمَلُ بِحَدِيثِ الْخِيَارِ لِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ مَعَ أَنَّهُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ فَإِنَّ تَفْرِيقَهَا جَائِزٌ بَعْدَ تَمَامِهَا وَحَدِيثُ الْخِيَارِ أَقْوَى .
قُلْنَا : لَمْ نَقُلْ بِعَدَمِ رَدِّهِ مُطْلَقًا ، بَلْ قُلْنَا : إذَا رَدَّهُ يَرُدُّ مَعَهُ الْآخَرَ ، فَزِدْنَا شَرْطًا فِي الرَّدِّ عَمَلًا بِحَدِيثِ الصَّفْقَةِ لِنَكُونَ عَامِلِينَ بِالْحَدِيثَيْنِ مَعًا جَمْعًا بَيْنَهُمَا .
وَالْعِدْلُ : الْمِثْلُ ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْغِرَارَةُ الَّتِي هِيَ عِدْلُ غِرَارَةٍ

أُخْرَى عَلَى الْجَمَلِ أَوْ نَحْوِهِ : أَيْ يُعَادِلُهَا وَفِيهَا أَثْوَابٌ .
وَالزُّطُّ فِي الْمَغْرِبِ : جِيلٌ مِنْ الْهِنْدِ تُنْسَبُ إلَيْهِمْ الثِّيَابُ الزُّطِّيَّةُ ، وَقِيلَ جِيلٌ بِسَوَادِ الْعِرَاقِ .
وَذَكَرَ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ فَبَاعَ مِنْهُ عَلَى لَفْظِ الْعِدْلِ ثُمَّ أَنَّثَهُ فِي قَوْلِهِ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا مِنْهَا عَلَى مَعْنَاهُ ، فَكَانَ نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى { وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ } هَذَا ( وَلَوْ عَادَ ) الثَّوْبُ الَّذِي بَاعَهُ مِنْ الْعِدْلِ أَوْ وَهَبَهُ ( إلَى الْمُشْتَرِي بِسَبَبٍ هُوَ فَسْخٌ ) مَحْضٌ كَالرَّدِّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَوْ الشَّرْطِ أَوْ الْعَيْبِ بِالْقَضَاءِ أَوْ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ ( فَهُوَ ) أَيْ الْمُشْتَرِي لِلْعِدْلِ ( عَلَى خِيَارِهِ ) أَيْ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْكُلَّ حِينَئِذٍ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِارْتِفَاعِ الْمَانِعِ مِنْ الْأَصْلِ وَهُوَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ ( كَذَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ ) .
وَهُوَ رِوَايَةُ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ عَنْهُ ( أَنَّهُ ) أَيْ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ ( لَا يَعُودُ ) ؛ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ ( كَخِيَارِ الشَّرْطِ ) إلَّا بِسَبَبٍ جَدِيدٍ ، وَصَحَّحَهُ قَاضِي خَانَ ( وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الْقُدُورِيُّ ) وَحَقِيقَةُ الْمَلْحَظِ مُخْتَلِفٌ ، فَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ لَحَظَ الْبَيْعَ وَالْهِبَةَ مَانِعًا زَالَ فَيَعْمَلُ الْمُقْتَضِي وَهُوَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ عَمَلَهُ ، وَلَحَظَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ مُسْقَطًا ، وَإِذَا سَقَطَ لَا يَعُودُ بِلَا سَبَبٍ وَهَذَا أَوْجَهُ ؛ لِأَنَّ نَفْسَ هَذَا التَّصَرُّفِ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا وَيَبْطُلُ الْخِيَارُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ وَبَعْدَهَا ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .

( بَابُ خِيَارِ الْعَيْبِ ) .
( وَإِذَا اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ فِي الْمَبِيعِ ) فَهُوَ بِالْخِيَارِ ، إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي وَصْفَ السَّلَامَةِ ، فَعِنْدَ فَوْتِهِ يَتَخَيَّرُ كَيْ لَا يَتَضَرَّرَ بِلُزُومِ مَا لَا يَرْضَى بِهِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهُ وَيَأْخُذَ النُّقْصَانَ ؛ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فِي مُجَرَّدِ الْعَقْدِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِزَوَالِهِ عَنْ مِلْكِهِ بِأَقَلَّ مِنْ الْمُسَمَّى فَيَتَضَرَّرُ بِهِ ، وَدَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ الْمُشْتَرِي مُمْكِنٌ بِالرَّدِّ بِدُونِ تَضَرُّرِهِ ، وَالْمُرَادُ عَيْبٌ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَلَمْ يَرَهُ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الْبَيْعِ وَلَا عِنْدَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ رِضًا بِهِ .
.

( بَابُ خِيَارِ الْعَيْبِ ) تَقَدَّمَ وَجْهُ تَرْتِيبِ الْخِيَارَاتِ وَالْإِضَافَةُ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ إضَافَةُ الشَّيْءِ إلَى سَبَبِهِ وَالْعَيْبُ وَالْعَيْبَةُ وَالُعَابُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ ، يُقَالُ عَابَ الْمَتَاعُ : أَيْ صَارَ ذَا عَيْبٍ ، وَعَابَهُ زَيْدٌ يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى فَهُوَ مَعِيبٌ وَمَعْيُوبٌ أَيْضًا عَلَى الْأَصْلِ ، وَالْعَيْبُ : مَا تَخْلُو عَنْهُ أَصْلُ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ مِمَّا يُعَدُّ بِهِ نَاقِصًا ( قَوْلُهُ وَإِذَا اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ فِي الْمَبِيعِ ) وَلَمْ يَكُنْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ ( فَهُوَ بِالْخِيَارِ ، إنْ شَاءَ أَخَذَ ) ذَلِكَ الْمَبِيعَ ( بِجَمِيعِ الثَّمَنِ ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ ) هَذَا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إزَالَتِهِ بِلَا مَشَقَّةٍ ، فَإِنْ تَمَكَّنَ فَلَا كَإِحْرَامِ الْجَارِيَةِ فَإِنَّهُ بِسَبِيلٍ مِنْ تَحْلِيلِهَا وَنَجَاسَةِ الثَّوْبِ ، وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى ثَوْبٍ لَا يَفْسُدُ بِالْغَسْلِ وَلَا يُنْتَقَصُ ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ لَهُ هَذَا الْخِيَارُ ( لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ ) وَهُوَ مَا لَمْ يُشْرَطْ فِيهِ عَيْبٌ ( يَقْتَضِي وَصْفَ السَّلَامَةِ ، فَعِنْدَ فَوَاتِهِ يَتَخَيَّرُ ) بَيَانُ الْأَوَّلِ مِنْ الْمَنْقُولِ وَالْمَعْنَى .
أَمَّا الْمَنْقُولُ فَمَا عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ حَيْثُ قَالَ : وَيُذْكَرُ عَنْ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ : { كَتَبَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَذَا مَا اشْتَرَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ ، بَيْعُ الْمُسْلِمِ مِنْ الْمُسْلِمِ عَبْدًا لَا دَاءَ وَلَا خِبْثَةً وَلَا غَائِلَةَ } ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ : وَقَالَ قَتَادَةُ : الْغَائِلَةُ الزِّنَا وَالسَّرِقَةُ وَالْإِبَاقُ .
وَرَوَى ابْنُ شَاهِينِ فِي الْمُعْجَمِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْقُرَشِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ لَيْثٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ وَهْبٍ أَبُو وَهْبٍ قَالَ : قَالَ لِي الْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدٍ بْنُ هَوْذَةَ : { أَلَا أُقْرِئُكَ كِتَابًا كَتَبَهُ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : قُلْت بَلَى ، فَأَخْرَجَ لِي

كِتَابًا هَذَا مَا اشْتَرَى الْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدِ بْنِ هَوْذَةَ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدًا أَوْ أَمَةً لَا دَاءَ وَلَا غَائِلَةَ وَلَا خِبْثَةَ بَيْعَ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ } فَفِي هَذَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْعَدَّاءُ .
وَفِي الْأَوَّلِ أَنَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَصُحِّحَ فِي الْمُغْرِبِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ كَانَ الْعَدَّاءَ وَتَعْلِيقُ الْبُخَارِيِّ إنَّمَا يَكُونُ صَحِيحًا إذَا لَمْ يَكُنْ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ كَيُذْكَرُ بَلْ بِنَحْوِ قَوْلِهِ ، وَقَالَ مُعَاذٌ لِأَهْلِ الْيَمَنِ .
فَفِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { بَيْعُ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ } دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَيْعَ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ مَا كَانَ سَلِيمًا ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالرَّدِّ فِيهِ عَلَى مَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِسَنَدِهِ إلَى عَائِشَةَ { أَنَّ رَجُلًا ابْتَاعَ غُلَامًا فَأَقَامَ عِنْدَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُقِيمَ ، ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا ، فَخَاصَمَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ الرَّجُلُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ اسْتَغَلَّ غُلَامِي ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ } وَفَسَّرَ الْخَطَّابِيُّ الدَّاءَ بِمَا يَكُونُ بِالرَّقِيقِ مِنْ الْأَدْوَاءِ الَّتِي يُرَدُّ بِهَا كَالْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَنَحْوِهَا ، وَالْخِبْثَةَ مَا كَانَ خَبِيثَ الْأَصْلِ مِثْلُ أَنْ يَسْبِيَ مَنْ لَهُ عَهْدٌ يُقَالُ هَذَا سَبْيُ خِبْثَةٍ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَحْرُمُ سَبْيُهُ ، وَهَذَا سَبْيٌ طَيِّبَةٌ بِوَزْنِ خَيِّرَةٍ ضِدُّهُ .
وَمَعْنَى الْغَائِلَةِ مَا يَغْتَالُ حَقَّك مِنْ حِيلَةٍ وَمَا يُدَلِّسُ عَلَيْك فِي الْمَبِيعِ مِنْ عَيْبٍ ، وَتَفْسِيرُهُ لِلدَّاءِ يُوَافِقُ تَفْسِيرَ أَبِي يُوسُفَ لَهُ .
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَفَسَّرَهُ فِيمَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْهُ بِالْمَرَضِ فِي الْجَوْفِ وَالْكَبِدِ وَالرِّئَةِ ، وَفَسَّرَ أَبُو يُوسُفَ الْغَائِلَةَ بِمَا يَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْأَفْعَالِ كَالْإِبَاقِ وَالسَّرِقَةِ وَهُوَ قَوْلُ الزَّمَخْشَرِيِّ

الْغَائِلَةُ : الْخَصْلَةُ الَّتِي تَغُولُ الْمَالَ : أَيْ تُهْلِكُهُ مِنْ إبَاقٍ وَغَيْرِهِ ، وَالْخِبْثَةُ : هُوَ الِاسْتِحْقَاقُ ، وَقِيلَ هُوَ الْجُنُونُ ، وَأَمَّا الْمَعْنَى : فَلِأَنَّ السَّلَامَةَ لَمَّا كَانَتْ هِيَ الْأَصْلُ فِي الْمَخْلُوقِ انْصَرَفَ مُطْلَقُ الْعَقْدِ إلَيْهَا ؛ وَلِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْقَصْدَ إلَى مَا هُوَ مُتَحَقِّقٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الْحَاجَةِ عَلَى التَّمَامِ بِهِ يَكُونُ ، وَالنَّاقِصُ مَعْدُومٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ إلَّا بِذِكْرِهِ وَتَعْيِينِهِ ، وَلَمَّا كَانَ الْقَصْدُ إلَى السَّالِمِ هُوَ الْغَالِبُ صَارَ كَالْمَشْرُوطِ فَيَتَخَيَّرُ عِنْدَ فَقْدِهِ ( كَيْ لَا يَتَضَرَّرَ بِإِلْزَامِ مَا لَمْ يَرْضَ بِهِ ) ( قَوْلُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهُ وَيَأْخُذَ النُّقْصَانَ ) أَيْ نُقْصَانَ الْعَيْبِ .
وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ خِلَافًا لِأَحْمَدَ ، لِأَنَّ الْخِيَارَ يَثْبُتُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُشْتَرِي فَلَا يَتَحَقَّقُ عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ ضَرَرًا عَلَى الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ الْتِزَامٍ لَهُ ، وَالْبَائِعُ يَلْتَزِمُهُ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ بَاعَهُ بِالْمُسَمَّى لَمْ يَرْضَ بِزَوَالِهِ عَنْ مِلْكِهِ إلَّا بِهِ ، وَإِنْ كَانَ مَعِيبًا ، وَهَذَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعْرِفَتُهُ بِالْعَيْبِ فَأُنْزِلَ عَالِمًا بِهِ لِطُولِ مُمَارَسَتِهِ لَهُ فِي مُدَّةِ كَوْنِهِ فِي يَدِهِ ، وَلِذَا بِعَيْنِهِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ إذَا بَاعَهُ عَلَى أَنَّهُ مَعِيبٌ فَوَجَدَهُ سَلِيمًا لَا خِيَارَ لَهُ .
وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مَا رَضِيَ بِالثَّمَنِ الْمُسَمَّى إلَّا عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهُ مَعِيبٌ فَلَا يَكُونُ رَاضِيًا بِهِ حِينَ وَجَدَهُ سَلِيمًا لِأَنَّهُ أُنْزِلَ عَالِمًا بِوَصْفِ السَّلَامَةِ فِيهِ فَحَيْثُ بَاعَهُ بِالْمُسَمَّى كَانَ رَاضِيًا بِالثَّمَنِ عَلَى اعْتِبَارِهِ سَلِيمًا فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ ، كَمَا جُعِلَ عَالِمًا بِالْعَيْبِ فَأُنْزِلَ غَيْرَ رَاضٍ فِيهِ مَعِيبًا إلَّا بِذَلِكَ الثَّمَنِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ بَلْ يَتَخَيَّرُ فِي أَخْذِهِ أَوْ رَدِّهِ ، فَإِنَّ بِذَلِكَ يَعْتَدِلُ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي دَفْعِ ضَرَرٍ لَمْ يَلْتَزِمْهُ وَاحِدٌ

مِنْهُمَا بِهِ فَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الْأَوْجَهُ .
وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ قَبْلَ قَوْلِهِ ( وَلِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ ) فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ فِي مُقَابَلَةِ فَوَاتِهِ شَيْئًا ؛ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ عُيِّنَ فَإِنَّمَا يُقَابِلُهُ مِثْلُهُ ، وَالْوَصْفُ دُونَهُ فَإِنَّهُ عَرَضٌ لَا يُحْرَزُ بِانْفِرَادِهِ فَلَا يُقَابَلُ بِهِ إلَّا تَبَعًا لِمَعْرُوضِهِ غَيْرَ مُنْفَرِدٍ عَنْهُ .
وَقَوْلُهُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا صَارَتْ مَقْصُودَةً بِالتَّنَاوُلِ حَقِيقَةً ، كَمَا لَوْ ضَرَبَ الْبَائِعُ الدَّابَّةَ فَتَعَيَّنَتْ فَإِنَّ الْوَصْفَ حِينَئِذٍ يُفْرَدُ بِالضَّمَانِ وَيَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي ، وَكَذَا إذَا قَطَعَ الْبَائِعُ يَدَ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ نِصْفُ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالتَّنَاوُلِ ، أَوْ حُكْمًا بِأَنْ امْتَنَعَ الرَّدُّ لِحَقِّ الْبَائِعِ كَأَنْ تَعَيَّبَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ آخَرَ أَوْ لِحَقِّ الشَّرْعُ بِأَنْ جَنَى جِنَايَةً .
وَلِذَا قُلْنَا : إنَّ مَنْ اشْتَرَى بَقَرَةً فَحَلَبَهَا وَشَرِبَ لَبَنَهَا ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ عَيْبٌ لَا يَرُدُّهَا ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الزِّيَادَةَ الَّتِي أَتْلَفَهَا جُزْءٌ مَبِيعٌ لَا أَنَّهَا تَبَعٌ مَحْضٌ .
[ فَرْعٌ ] لَوْ صَالَحَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ عَنْ حَقِّ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ عَلَى مَالٍ يَجُوزُ ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي وَجْهٍ ، وَفِي وَجْهٍ لَا يَجُوزُ ، وَالِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِهِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ .

قَالَ ( وَكُلُّ مَا أَوْجَبَ نُقْصَانَ الثَّمَنِ فِي عَادَةِ التُّجَّارِ فَهُوَ عَيْبٌ ) ؛ لِأَنَّ التَّضَرُّرَ بِنُقْصَانِ الْمَالِيَّةِ ، وَذَلِكَ بِانْتِقَاصِ الْقِيمَةِ وَالْمَرْجِعُ فِي مَعْرِفَتِهِ عُرْفُ أَهْلِهِ .
( قَوْلُهُ وَكُلُّ مَا أَوْجَبَ نُقْصَانَ الثَّمَنِ ) الَّذِي اُشْتُرِيَ بِهِ ( فِي عَادَةِ التُّجَّارِ فَهُوَ عَيْبٌ ) وَهَذَا ضَابِطُ الْعَيْبِ الَّذِي يُرَدُّ بِهِ .
وَهَذَا ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ لِتَضَرُّرِ الْمُشْتَرِي وَمَا يُوجِبُ نُقْصَانَ الثَّمَنِ يَتَضَرَّرُ بِهِ ، وَالْمَرْجِعُ فِي كَوْنِهِ عَيْبًا أَوْ لَا لِأَهْلِ الْخِبْرَةِ بِذَلِكَ وَهُمْ التُّجَّارُ أَوْ أَرْبَابُ الصَّنَائِعِ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ مِنْ الْمَصْنُوعَاتِ .
وَبِهَذَا قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ ، وَسَوَاءٌ كَانَ يُنْقِصُ الْعَيْنَ أَوْ لَا يُنْقِصُهَا وَلَا يُنْقِصُ مَنَافِعَهَا بَلْ مُجَرَّدُ النَّظَرِ إلَيْهَا كَالظُّفْرِ الْأَسْوَدِ الصَّحِيحِ الْقَوِيِّ عَلَى الْعَمَلِ .
وَكَمَا فِي جَارِيَةٍ تُرْكِيَّةٍ لَا تَعْرِفُ لِسَانَ التَّرْكِ .

( وَالْإِبَاقُ وَالْبَوْلُ فِي الْفِرَاشِ وَالسَّرِقَةُ فِي الصَّغِيرِ عَيْبٌ مَا لَمْ يَبْلُغْ ، فَإِذَا بَلَغَ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِعَيْبٍ حَتَّى يُعَاوِدَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ ) وَمَعْنَاهُ : إذَا ظَهَرَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ فِي صِغَرِهِ ثُمَّ حَدَثَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فِي صِغَرِهِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ ذَلِكَ ، وَإِنْ حَدَثَتْ بَعْدَ بُلُوغِهِ لَمْ يَرُدَّهُ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُهُ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ سَبَبَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَخْتَلِفُ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ ، فَالْبَوْلُ فِي الْفِرَاشِ فِي الصِّغَرِ لِضَعْفِ الْمَثَانَةِ ، وَبَعْدَ الْكِبَرِ لِدَاءٍ فِي بَاطِنِهِ ، وَالْإِبَاقُ فِي الصِّغَرِ لِحُبِّ اللَّعِبِ وَالسَّرِقَةُ لِقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ ، وَهُمَا بَعْدَ الْكِبَرِ لِخُبْثٍ فِي الْبَاطِنِ ، وَالْمُرَادُ مِنْ الصَّغِيرِ مَنْ يَعْقِلُ ، فَأَمَّا الَّذِي لَا يَعْقِلُ فَهُوَ ضَالٌّ لَا آبِقٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ عَيْبًا .
.

( قَوْلُهُ وَالْإِبَاقُ وَالْبَوْلُ فِي الْفِرَاشِ وَالسَّرِقَةُ عَيْبٌ فِي الصَّغِيرِ ) وَقَوْلُهُ ( مَا لَمْ يَبْلُغْ ) بِمَعْنَى مُدَّةِ عَدَمِ بُلُوغِهِ يَجْرِي مَجْرَى الْبَدَلِ مِنْ الصَّغِيرِ ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ عَيْبًا فِي الصَّغِيرِ فَظَهَرَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ ثُمَّ وُجِدَتْ أَيْضًا عِنْدَ الْمُشْتَرِي فِي الصِّغَرِ أَنْ يَرُدَّهُ بِهِ .
ثُمَّ قَالَ الْقُدُورِيُّ ( فَإِذَا بَلَغَ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِعَيْبٍ حَتَّى يُعَاوِدَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ ) وَقَدْ أَعْطَى الْمُصَنِّفُ مَعْنَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ حَيْثُ قَالَ ( وَمَعْنَاهُ ) أَيْ مَعْنَى قَوْلِهِ فَإِذَا بَلَغَ إلَى آخِرِهِ ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ عِنْدَ الْبَائِعِ فِي صِغَرِهِ وَوُجِدَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبُلُوغِ لَمْ يَرُدَّهُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ ذَلِكَ الَّذِي كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَبَيَّنَهُ ( بِأَنَّ سَبَبَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَخْتَلِفُ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ ، فَالْبَوْلُ فِي الْفِرَاشِ ) لِلصَّغِيرِ ( لِضَعْفِ الْمَثَانَةِ ، وَبَعْدَ الْكِبَرِ لِدَاءٍ فِي الْبَاطِنِ ، وَالْإِبَاقُ فِي الصِّغَرِ لِحُبِّ اللَّعِبِ وَالسَّرِقَةُ ) فِي الصَّغِيرِ ( لِقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ ، وَهُمَا بَعْدَ الْكِبَرِ لِخُبْثٍ فِي الْبَاطِنِ ) فَإِذَا اخْتَلَفَ سَبَبُهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَقَبْلَهُ كَانَ الْمَوْجُودُ مِنْهَا بَعْدَهُ غَيْرَ الْمَوْجُودِ مِنْهَا قَبْلَهُ .
وَإِذَا كَانَ غَيْرَهُ فَلَا يُرَدُّ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ حَادِثٌ عِنْدَهُ ، بِخِلَافِ مَا إذَا ظَهَرَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي الصِّغَرِ أَوْ ظَهَرَتْ عِنْدَهُمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِهَا ، وَإِذَا عَرَفَ الْحُكْمَ وَجَبَ أَنْ يُقَرِّرَ اللَّفْظَ الْمَذْكُورَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَهُوَ قَوْلُهُ فَإِذَا بَلَغَ فَلَيْسَ ذَلِكَ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ عِنْدَ الْبَائِعِ بِعَيْبٍ إذَا وُجِدَ بَعْدَهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي حَتَّى يُعَاوِدَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَعْدَمَا وُجِدَ بَعْدَهُ عِنْدَ الْبَائِعِ ، وَاكْتَفَى بِلَفْظِ الْمُعَاوَدَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُعَاوَدَةَ لَا تَكُونُ حَقِيقَةً إلَّا إذَا اتَّحَدَ الْأَمْرُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ

عَادَ زَيْدٌ فِيمَا إذَا ابْتَدَأَ غَيْرَهُ ، فَعَرْضُ تَحَقُّقِ الْمُعَاوَدَةِ بَعْدَ الْبُلُوغِ يُوجِبُ وُجُودَهُ مِنْهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ أَيْضًا وَإِلَّا فَلَا مُعَاوَدَةَ .
وَقَوْلُهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ : أَيْ لَا يُرَدُّ بِهِ ، وَقَوْلُهُ وَالْمُرَادُ مِنْ الصَّغِيرِ إلَى آخِرِهِ تَقْيِيدٌ لِلصَّغِيرِ الَّذِي ذُكِرَ أَنَّهُ إذَا وُجِدَ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ عِنْدَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي يُرَدُّ بِأَنْ يَكُونَ صَغِيرًا يَعْقِلُ .
وَأَمَّا الصَّغِيرُ الَّذِي لَا يَعْقِلُ فَهُوَ إذَا فُقِدَ ضَالٌّ لَا آبِقٌ ، وَكَذَا لَا يَكُونُ بَوْلُهُ وَسَرِقَتُهُ عَيْبًا .
قَالَ فِي الْإِيضَاحِ : السَّرِقَةُ وَالْبَوْلُ فِي الْفِرَاشِ قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَ وَحْدَهُ وَيَشْرَبَ وَحْدَهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْقِلُ مَا يَفْعَلُ وَبَعْدَ ذَلِكَ عَيْبٌ مَا دَامَ صَغِيرًا .
وَكَذَا رَوَى أَبُو يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ : وَيَسْتَنْجِي وَحْدَهُ ، وَإِذَا قَدَّرَ بِهَا حَذْوَ مَا قَدَّرَ بِهِ فِي الْحَضَانَةِ اقْتَضَى أَنْ يَكُونَ ابْنَ سَبْعِ سِنِينَ إذَا صَدَرَ مِنْهُ ذَلِكَ لَا يُرَدُّ بِهِ ؛ لِأَنَّهُمْ قَدَّرُوا الَّذِي يَأْكُلُ وَحْدَهُ إلَى آخِرِهِ بِذَلِكَ ، لَكِنْ وُضِعَ التَّصْرِيحُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ بِتَقْدِيرِهِ بِدُونِ خَمْسِ سِنِينَ .
وَفِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ هُنَا مَسْأَلَةٌ عَجِيبَةٌ ، هِيَ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا صَغِيرًا فَوَجَدَهُ يَبُولُ فِي الْفِرَاشِ كَانَ لَهُ الرَّدُّ ، وَلَوْ تَعَيَّبَ بِعَيْبٍ آخَرَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالنُّقْصَانِ ، فَإِذَا رَجَعَ بِهِ ثُمَّ كَبُرَ الْعَبْدُ هَلْ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ النُّقْصَانَ لِزَوَالِ ذَلِكَ الْعَيْبِ بِالْبُلُوغِ .
لَا رِوَايَةَ فِيهَا .
قَالَ : وَكَانَ وَالِدِي يَقُولُ : يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَرَدَّ اسْتِدْلَالًا بِمَسْأَلَتَيْنِ أَحَدُهُمَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَجَدَهَا ذَاتَ زَوْجٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا ، وَلَوْ تَعَيَّبَتْ بِعَيْبٍ آخَرَ رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ ، فَإِذَا رَجَعَ بِهِ ثُمَّ أَبَانَهَا الزَّوْجُ كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ النُّقْصَانَ لِزَوَالِ ذَلِكَ الْعَيْبِ

، فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ .
وَالثَّانِيَةُ إذَا اشْتَرَى عَبْدًا فَوَجَدَهُ مَرِيضًا كَانَ لَهُ الرَّدُّ ، وَلَوْ تَعَيَّبَ بِعَيْبٍ آخَرَ رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ ، فَإِذَا رَجَعَ ثُمَّ بَرِئَ بِالْمُدَاوَاةِ لَا يُسْتَرَدُّ وَإِلَّا اُسْتُرِدَّ ، وَالْبُلُوغُ هُنَا لَا بِالْمُدَوَاةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَرَدَّ انْتَهَى .
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ : اشْتَرَى جَارِيَةً وَادَّعَى أَنَّهَا لَا تَحِيضُ وَاسْتَرَدَّ بَعْضَ الثَّمَنِ ثُمَّ حَاضَتْ ، قَالُوا : إذَا كَانَ الْبَائِعُ أَعْطَاهُ عَلَى وَجْهِ الصُّلْحِ عَنْ الْعَيْبِ كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ ذَلِكَ .
وَفِيهَا أَيْضًا اشْتَرَى عَبْدًا وَقَبَضَهُ فَحُمَّ عِنْدَهُ وَكَانَ يُحَمُّ عِنْدَ الْبَائِعِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ : الْمَسْأَلَةُ مَحْفُوظَةٌ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ إنْ حُمَّ فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ يُحَمُّ فِيهِ عِنْدَ الْبَائِعِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ ، وَفِي غَيْرِهِ فَلَا ، فَقِيلَ لَهُ : فَلَوْ اشْتَرَى أَرْضًا فَنَزَّتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَقَدْ كَانَتْ تَنِزُّ عِنْدَ الْبَائِعِ ، قَالَ : لَهُ أَنْ يَرُدَّ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ النَّزِّ وَاحِدٌ وَهُوَ تَسَفُّلُ الْأَرْضِ وَقُرْبُ الْمَاءِ ، إلَّا أَنْ يَجِيءَ مَاءٌ غَالِبٌ أَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي رَفَعَ شَيْئًا مِنْ تُرَابِهَا فَيَكُونُ النَّزُّ غَيْرَ ذَلِكَ أَوْ يَشْتَبِهُ فَلَا يَدْرِي أَنَّهُ عَيْنُهُ أَوْ غَيْرُهُ .
قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ : يُشْكِلُ بِمَا فِي الزِّيَادَاتِ : اشْتَرَى جَارِيَةً بَيْضَاءَ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ وَلَا يَعْلَمُ ذَلِكَ فَانْجَلَى الْبَيَاضُ عِنْدَهُ ثُمَّ عَادَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ ، وَجُعِلَ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ ، وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً بَيْضَاءَ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ وَهُوَ يَعْلَمُ ذَلِكَ فَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى انْجَلَى ثُمَّ عَادَ عِنْدَ الْبَائِعِ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ ، وَجُعِلَ الثَّانِي عَيْنُ الْأَوَّلِ الَّذِي رَضِيَ بِهِ إذَا كَانَ الثَّانِي عِنْدَ الْبَائِعِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ عَيْنَهُ إذَا عَادَ الْبَيَاضُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَقَالَ : لَا يَرُدُّ ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ كُنْت أُشَاوِرُ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ

الْحَلْوَانِيِّ وَهُوَ يُشَاوِرُ مَعِي فِيمَا كَانَ مُشْكِلًا إذَا اجْتَمَعْنَا فَشَاوَرْتُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَمَا اسْتَفَدْت مِنْهُ فَرْقًا .

قَالَ ( وَالْجُنُونُ فِي الصِّغَرِ عَيْبٌ أَبَدًا ) وَمَعْنَاهُ : إذَا جُنَّ فِي الصِّغَرِ فِي يَدِ الْبَائِعِ ثُمَّ عَاوَدَهُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِيهِ أَوْ فِي الْكِبَرِ يَرُدُّهُ ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ الْأَوَّلِ ، إذْ السَّبَبُ فِي الْحَالَيْنِ مُتَّحِدٌ وَهُوَ فَسَادُ الْبَاطِنِ ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ الْمُعَاوَدَةَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى إزَالَتِهِ وَإِنْ كَانَ قَلَّمَا يَزُولُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُعَاوَدَةِ لِلرَّدِّ .
.

( قَوْلُهُ وَالْجُنُونُ عَيْبٌ أَبَدًا ) هَذَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ، فَلَوْ جُنَّ فِي الصِّغَرِ فِي يَدِ الْبَائِعِ ثُمَّ عَاوَدَهُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِي الصِّغَرِ أَوْ فِي الْكِبَرِ يَرُدُّهُ ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ لِلْجُنُونِ فِي حَالِ الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ مُتَّحِدٌ ( وَهُوَ فَسَادُ الْبَاطِنِ ) أَيْ بَاطِنِ الدِّمَاغِ ، فَهَذَا مَعْنَى لَفْظِ أَبَدًا الْمَذْكُورُ فِي لَفْظِ مُحَمَّدٍ ( وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ الْمُعَاوَدَةَ ) لِلْجُنُونِ ( فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ) كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ الْمَشَايِخِ ، فَأَثْبَتُوا حَقَّ الرَّدِّ بِمُجَرَّدِ وُجُودِ الْجُنُونِ عِنْدَ الْبَائِعِ وَإِنْ لَمْ يُجَنَّ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَهَذَا غَلَطٌ ( لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى إزَالَتِهِ ) أَيْ إزَالَةِ سَبَبِهِ ( وَإِنْ كَانَ قَلَّمَا يَزُولُ ) وَقَدْ حَقَّقْنَا كَثِيرًا مِنْ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ جُنُّوا ثُمَّ عُوفُوا بِالْمُدَاوَاةِ ، فَإِنْ لَمْ يُعَاوِدْهُ جَازَ كَوْنُ الْبَيْعِ صَدَرَ بَعْدَ إزَالَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هَذَا الدَّاءَ وَزَوَالِ الْعَيْبِ فَلَا يَرُدُّ بِلَا تَحَقُّقِ قِيَامِ الْعَيْبِ ( فَلَا بُدَّ مِنْ مُعَاوَدَةِ الْجُنُونِ بِالرَّدِّ ) وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ الْكَبِيرِ ، وَاخْتَارَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ .
قَالَ مُحَمَّدٌ بَعْدَ قَوْلِهِ إذَا جُنَّ مَرَّةً وَاحِدَةً فَهُوَ عَيْبٌ لَازِمٌ أَبَدًا بِأَسْطُرٍ ، وَإِنْ طَعَنَ الْمُشْتَرِي بِإِبَاقٍ أَوْ جُنُونٍ وَلَا يَعْلَمُ الْقَاضِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحْلِفُ الْبَائِعَ حَتَّى يَشْهَدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ قَدْ أَبَقَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَوْ جُنَّ ، وَصُرِّحَ بِاشْتِرَاطِ الْمُعَاوَدَةِ فِي الْجُنُونِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ عِنْدَ الْبَائِعِ لَا مِنْ الْبَائِعِ ، أَوْ عِنْدَ آخَرَ فَإِنَّهَا تُرَدُّ عَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَإِنْ لَمْ تَلِدْ ثَانِيًا عِنْدَ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ عَيْبٌ لَازِمٌ ؛ لِأَنَّ الضَّعْفَ الَّذِي حَصَلَ بِالْوِلَادَةِ لَا يَزُولُ أَبَدًا وَعَلَيْهِ

الْفَتْوَى .
وَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْبُيُوعِ : لَا تُرَدُّ .
وَفِي الْمُحِيطِ : تَكَلَّمُوا فِي مِقْدَارِ الْجُنُونِ ، قِيلَ هُوَ عَيْبٌ وَإِنْ كَانَ سَاعَةً .
وَقِيلَ إنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَهُوَ عَيْبٌ ، وَيَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فَمَا دُونَهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ ، وَقِيلَ الْمُطْبِقُ عَيْبٌ وَمَا لَيْسَ بِمُطْبِقٍ لَيْسَ بِعَيْبٍ .
وَالسَّرِقَةُ وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ عَيْبٌ .
وَقِيلَ مَا دُونَ الدِّرْهَمِ نَحْوُ فَلْسٍ أَوْ فَلْسَيْنِ وَنَحْوُهُ لَيْسَ عَيْبًا ، وَالْعَيْبُ فِي السَّرِقَةِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ كَوْنِهِ مِنْ الْمَوْلَى أَوْ مِنْ غَيْرِهِ إلَّا فِي الْمَأْكُولَاتِ ، فَإِنَّ سَرِقَتَهَا لِأَجْلِ الْأَكْلِ مِنْ الْمَوْلَى لَيْسَتْ عَيْبًا وَمِنْ غَيْرِهِ عَيْبٌ ، وَسَرِقَتُهَا لِلْبَيْعِ مِنْ الْمَوْلَى وَغَيْرِهِ عَيْبٌ ، وَنَقْبُ الْبَيْتِ عَيْبٌ وَإِنْ لَمْ يُسْرَقْ مِنْهُ ، وَإِبَاقُ مَا دُونَ السَّفَرِ عَيْبٌ بِلَا خِلَافٍ .
وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ خُرُوجُهُ مِنْ الْبَلَدِ ؟ فَقِيلَ شَرْطٌ ، فَلَوْ أَبَقَ مِنْ مَحَلَّةٍ إلَى مَحَلَّةٍ لَا يَكُونُ عَيْبًا ، وَمِنْ الْقَرْيَةِ إلَى مِصْرَ إبَاقٌ وَكَذَا عَلَى الْعَكْسِ .
وَلَوْ أَبَقَ مِنْ غَاصِبِهِ إلَى الْمَوْلَى فَلَيْسَ بِعَيْبٍ ، وَلَوْ أَبَقَ مِنْهُ وَلَمْ يَرْجِعْ إلَى الْمَوْلَى وَلَا إلَى الْغَاصِبِ ، فَإِنْ كَانَ يَعْرِفُ مَنْزِلَ مَوْلَاهُ وَيَقْوَى عَلَى الرُّجُوعِ إلَيْهِ فَهُوَ عَيْبٌ ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ أَوْ لَا يَقْدِرُ فَلَا .

( قَالَ : وَالْبَخَرُ وَالدَّفْرُ عَيْبٌ فِي الْجَارِيَةِ ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَدْ يَكُونُ الِاسْتِفْرَاشَ وَطَلَبَ الْوَلَدِ وَهُمَا يُخِلَّانِ بِهِ ، وَلَيْسَ بِعَيْبٍ فِي الْغُلَامِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الِاسْتِخْدَامُ وَلَا يُخِلَّانِ بِهِ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ دَاءٍ ؛ لِأَنَّ الدَّاءَ عَيْبٌ ( وَالزِّنَا وَوَلَدُ الزِّنَا عَيْبٌ فِي الْجَارِيَةِ دُونَ الْغُلَامِ ) ؛ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ فِي الْجَارِيَةِ وَهُوَ الِاسْتِفْرَاشُ وَطَلَبُ الْوَلَدِ ، وَلَا يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ فِي الْغُلَامِ وَهُوَ الِاسْتِخْدَامُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الزِّنَا عَادَةً لَهُ عَلَى مَا قَالُوا ؛ لِأَنَّ اتِّبَاعَهُنَّ يُخِلُّ بِالْخِدْمَةِ .

( قَوْلُهُ وَالدَّفْرُ إلَخْ ) هَذِهِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءِ عَيْبٌ فِي الْجَارِيَةِ وَلَيْسَتْ عَيْبًا فِي الْغُلَامِ : الْبَخَرُ ، وَالدَّفْرُ ، وَالزِّنَا ، وَوَلَدُ الزِّنَا ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ قَدْ يُرَادُ مِنْهَا الِاسْتِفْرَاشُ وَهَذِهِ الْمَعَانِي تَمْنَعُ مِنْهُ فَكَانَتْ عَيْبًا ، بِخِلَافِ الْغُلَامِ فَإِنَّهُ لِلِاسْتِخْدَامِ خَارِجَ الْبَيْتِ وَهَذِهِ لَيْسَتْ مَانِعَةً مِنْهُ فَلَا يُعَدُّ عَيْبًا ، إلَّا إذَا كَانَ الْبَخَرُ وَالدَّفْرُ مِنْ دَاءٍ فَيَكُونُ عَيْبًا فِي الْغُلَامِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الدَّاءَ عَيْبٌ .
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ قَالَ : إلَّا أَنْ يَكُونَ فَاحِشًا لَا يَكُونُ مِثْلُهُ فِي عَامَّةِ النَّاسِ فَيَكُونُ عَيْبًا .
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ : الدَّفْرُ لَيْسَ عَيْبًا فِي الْجَارِيَةِ أَيْضًا إلَّا أَنْ يَفْحُشَ فَيَكُونَ عَيْبًا فِيهَا دُونَهُ ، وَقِيلَ إذَا كَانَ الْعَبْدُ أَمْرَدَ يَكُونُ الْبَخَرُ عَيْبًا بِهِ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ أَمْرَدَ وَغَيْرَهُ .
وَالدَّفْرُ : نَتْنُ رِيحِ الْإِبْطِ ، يُقَالُ رَجُلٌ أَدْفَرُ وَامْرَأَةٌ دَفْرَاءُ ، وَمِنْهُ لِلسَّبِّ يُقَالُ يَا دَفَارُ مَعْدُولٌ عَنْ دَافِرَةٍ ، وَيُقَالُ شَمَمْت دَفْرَ الشَّيْءِ وَدَفَرَهُ بِسُكُونِ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا كُلُّ ذَلِكَ وَالدَّالُ مُهْمَلَةٌ وَأَمَّا بِإِعْجَامِ الدَّالِ فَبِفَتْحِ الْفَاءِ لَا غَيْرَ وَهُوَ حِدَّةٌ مِنْ طِيبٍ أَوْ نَتْنٍ ، وَرُبَّمَا خُصَّ بِهِ الطِّيبُ فَقِيلَ مِسْكٌ أَذْفَرْ ذَكَرَهُ فِي الْجَمْهَرَةِ ، وَفِيهَا وَصَفَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْعَرَبِ شَيْخًا فَقَالَتْ : ذَهَبَ ذَفَرُهُ وَأَقْبَلَ بَجَرُهُ .
قِيلَ الرِّوَايَةُ هُنَا وَالسَّمَاعُ بِالدَّالِ غَيْرِ الْمُعْجَمَةِ وَالْبُجْرُ بِالْجِيمِ عَيْبٌ ، وَهُوَ انْتِفَاخٌ تَحْتَ السُّرَّةِ وَمِنْهُ سُمِّيَ بَعْضُ النَّاسِ أَبْجَرَ ، وَفِي الصَّحَابَةِ غَالِبُ بْنُ أَبْجَرَ ، أَوْ قَلْبُهُ وَسُمِّيَ بِهِ فَرَسٌ لِعَنْتَرَةَ ، وَكَذَا الْآدَرُ وَهُوَ عِظَمُ الْخُصْيَتَيْنِ ، وَالْأُذُنُ عَيْبٌ ، وَهُوَ مَنْ يَسِيلُ الْمَاءُ مِنْ مَنْخِرَيْهِ ، وَالْبَخَرُ الَّذِي هُوَ عَيْبٌ هُوَ النَّاشِئُ مِنْ تَغَيُّرِ الْمَعِدَةِ دُونَ مَا يَكُونُ لِقَلَحٍ فِي

الْأَسْنَانِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَزُولُ بِتَنْظِيفِهَا .
وَوَجْهُ كَوْنِ الْجَارِيَةِ وَلَدَ زِنًا عَيْبًا بِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ مِنْ طَلَبِ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ وَلَدَ زِنًا عُيِّرَ الْوَلَدُ بِأُمِّهِ .
وَقَوْلُهُ ( إلَّا أَنْ يَكُونَ الزِّنَا لَهُ عَادَةً ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ دُونَ الْغُلَامِ .
وَقَوْلُهُ ( عَلَى مَا قَالُوا ) يَعْنِي الْمَشَايِخَ ( لِأَنَّ اتِّبَاعَهُنَّ يُخِلُّ بِالْخِدْمَةِ ) إذْ كُلَّمَا وُجِّهَ لِحَاجَةٍ اتَّبَعَ هَوَاهُ .
وَقَالَ : قَاضِي خَانْ : لَوْ كَانَ الزِّنَا مِنْهُ مِرَارًا كَانَ عَيْبًا ؛ لِأَنَّهُ يُضْعِفُهُ عَنْ بَعْضِ الْأَعْمَالِ وَيَزْدَادُ بِالْحُدُودِ ضَعْفًا فِي نَفْسِهِ انْتَهَى .
بَلْ وَفِي عِرْضِهِ وَرُبَّمَا تَأَذَّى بِهِ عِرْضُ سَيِّدِهِ .
وَمِنْ الْعُيُوبِ عَدَمُ الْخِتَانِ فِي الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ الْمَوْلُودَيْنِ الْبَالِغَيْنِ ، بِخِلَافِهِمَا فِي الصَّغِيرَيْنِ ، وَفِي الْجَلِيبِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ لَا يَكُونُ عَيْبًا مُطْلَقًا .
وَفِي الْفَتَاوَى قَاضِي خَانْ : وَهَذَا عِنْدَهُمْ : يَعْنِي عَدَمَ الْخِتَانِ فِي الْجَارِيَةِ الْمُوَلَّدَةِ ، أَمَّا عِنْدَنَا عَدَمُ الْخَفْضِ فِي الْجَوَارِي لَا يَكُونُ عَيْبًا .

قَالَ ( وَالْكُفْرُ عَيْبٌ فِيهِمَا ) ؛ لِأَنَّ طَبْعَ الْمُسْلِمِ يَنْفِرُ عَنْ صُحْبَتِهِ .
وَلِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ صَرْفُهُ فِي بَعْضِ الْكَفَّارَاتِ فَتَخْتَلُّ الرَّغْبَةُ ، فَلَوْ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ كَافِرٌ فَوَجَدَهُ مُسْلِمًا لَا يَرُدُّهُ ؛ لِأَنَّهُ زَوَالُ الْعَيْبِ .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَرُدُّهُ ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا لَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ الْمُسْلِمُ ، وَفَوَاتُ الشَّرْطِ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ .
.
( قَوْلُهُ وَالْكُفْرُ عَيْبٌ فِيهِمَا ) أَيْ فِي الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ ( لِأَنَّ طَبْعَ الْمُسْلِمِ يَنْفِرُ عَنْ صُحْبَةِ الْكَافِرِ ) لِلْعَدَاوَةِ الدِّينِيَّةِ ، وَفِي إلْزَامِهِ بِهِ غَايَةُ الْإِضْرَارِ بِالْمُسْلِمِ ، وَلَا يَأْمَنُهُ عَلَى الْخِدْمَةِ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ كَاِتِّخَاذِ مَاءِ الْوُضُوءِ وَحَمْلِ الْمُصْحَفِ إلَيْهِ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى إعْتَاقِهِ عَنْ كَفَّارَةِ قَتْلِ خَطَإٍ فَتَقِلُّ رَغْبَتُهُ ، وَالْوَجْهُ هُوَ الْأَوَّلُ وَلِذَا قُلْنَا إنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ كَافِرٌ فَوَجَدَهُ مُسْلِمًا لَا يَرُدُّهُ ؛ لِأَنَّهُ زَائِلُ الْعَيْبِ ، وَالنِّكَاحُ وَالدَّيْنُ عَيْبٌ فِي كُلٍّ مِنْ الْجَارِيَةِ وَالْغُلَامِ ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ فِي الدَّيْنِ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ دَيْنًا يَتَأَخَّرُ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ فَلَا خِيَارَ لَهُ يَرُدُّهُ بِهِ كَدَيْنِ مُعَامَلَةٍ بِأَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى ، وَإِنْ كَانَ فِي رَقَبَتِهِ بِأَنْ جَنَى فِي يَدِ الْبَائِعِ وَلَمْ يَفْدِهِ حَتَّى بَاعَهُ فَلَهُ رَدُّهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ : وَبَعْدَ الْعِتْقِ قَدْ يَضُرُّهُ فِي نُقْصَانِ وَلَائِهِ وَمِيرَاثِهِ .

( قَالَ : فَلَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ بَالِغَةً لَا تَحِيضُ أَوْ مُسْتَحَاضَةً فَهُوَ عَيْبٌ ) ؛ لِأَنَّ ارْتِفَاعَ الدَّمِ وَاسْتِمْرَارَهُ عَلَامَةُ الدَّاءِ ، وَيُعْتَبَرُ فِي الِارْتِفَاعِ أَقْصَى غَايَةِ الْبُلُوغِ وَهُوَ سَبْعَ عَشَرَةَ سَنَةً فِيهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِقَوْلِ الْأَمَةِ فَتُرَدُّ إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ نُكُولُ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ .
.

( قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَتْ الْجَارِيَةُ بَالِغَةً لَا تَحِيضُ أَوْ هِيَ مُسْتَحَاضَةٌ فَهُوَ عَيْبَ ؛ لِأَنَّ انْقِطَاعَ الْحَيْضِ ) فِي أَوَانِهِ ( وَاسْتِمْرَارَهُ عَلَامَةُ الدَّاءِ ) فَكَانَ الِانْقِطَاعُ وَالِاسْتِمْرَارُ دَلِيلًا عَلَى الدَّاءِ وَالدَّاءُ عَيْبٌ ، وَقَدْ يَتَوَلَّدُ الْمَرَضُ مِنْ الِانْقِطَاعِ فِي أَوَانِهِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ بِسِنِّ الْإِيَاسِ فَإِنَّ الِانْقِطَاعَ لَيْسَ عَيْبًا حِينَئِذٍ فَحَقِيقَتُهُ التَّعَيُّبُ فِيهِمَا بِالدَّاءِ وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ : إذَا أَرَادَ أَنْ يَرُدَّ بِعَيْبِ الِانْقِطَاعِ فَلَا يَدَّعِي الِانْقِطَاعَ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَدَّعِيَ بِأَحَدِ السَّبَبَيْنِ مِنْ الْحَبَلِ أَوْ الدَّاءِ حَتَّى تُسْمَعَ دَعْوَاهُ ؛ لِأَنَّ الِانْقِطَاعَ بِدُونِهِمَا لَا يُعَدُّ عَيْبًا ، وَالْمَرْجِعُ فِي الْحَبَلِ إلَى قَوْلِ النِّسَاءِ ، وَفِي الدَّاءِ قَوْلُ الْأَطِبَّاءِ ، وَلَا يَثْبُتُ الْعَيْبُ بِقَوْلِ الْأَطِبَّاءِ حَتَّى تُسْمَعَ الْخُصُومَةُ مَعَ الْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَتَّفِقَ مِنْهُمْ عَدْلَانِ ، بِخِلَافِ الْعَيْبِ الَّذِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءُ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ فِي تَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ قَوْلُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَكَذَا فِي الْحَبَلِ .
وَفِي الْكَافِي : نَصَّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ فِي الْمَرَضِ الْبَاطِنِ بِقَوْلِ طَبِيبٍ عَدْلٍ ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ وَلَفْظَةُ الشَّهَادَةُ ، وَهَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَهُوَ أَوْجَهُ ؛ لِأَنَّهُ لِتَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ لَا لِلرَّدِّ .
وَفِي التُّحْفَةِ : إذَا كَانَ الْعَيْبُ بَاطِنًا لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْخَوَاصُّ كَالْأَطِبَّاءِ وَالنَّخَّاسِينَ ، فَإِنْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ مُسْلِمَانِ أَوْ قَالَهُ مُسْلِمٌ عَدْلٌ قُبِلَ ، وَيَثْبُتُ الْعَيْبُ فِي إثْبَاتِ حَقِّ الْخُصُومَةِ .
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ : إنْ أَخْبَرَ بِذَلِكَ وَاحِدٌ ثَبَتَ الْعَيْبُ فِي حَقِّ الْخُصُومَةِ وَالدَّعْوَى ، ثُمَّ يَقُولُ الْقَاضِي : هَلْ حَدَثَ عِنْدَك هَذَا الْعَيْبُ ؟ ( أَقْصَى غَايَةِ الْبُلُوغِ وَهُوَ ) أَنْ يَكُونَ سِنُّهَا ( سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ

) أَيْ الِارْتِفَاعُ وَالِاسْتِمْرَارُ ( بِقَوْلِ الْأَمَةِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ لَهُ إلَّا ذَلِكَ ( فَإِذَا انْضَمَّ إلَيَّ قَوْلِهَا نُكُولُ الْبَائِعِ ) إذَا اُسْتُحْلِفَ ( قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ فِي الصَّحِيحِ رُدَّتْ ) وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ فِي الصَّحِيحِ عَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تُرَدُّ قَبْلَ الْقَبْضِ بِقَوْلِهَا مَعَ شَهَادَةِ الْقَابِلَةِ .
وَعَمَّا عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا كَانَتْ الْخُصُومَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ يُفْسَخُ بِقَوْلِ النِّسَاءِ .
وَجْهُ الصَّحِيحِ أَنَّ شَهَادَتَهُنَّ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ فَلَا يُحْكَمُ بِهَا إلَّا بِمُؤَيِّدٍ وَهُوَ نُكُولُ الْبَائِعِ ، ثُمَّ ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ فِي صِفَةِ الْخُصُومَةِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا ادَّعَى انْقِطَاعَ الْحَيْضِ فَالْقَاضِي يَسْأَلُهُ عَنْ مُدَّةِ الِانْقِطَاعِ ، فَإِنْ ذَكَرَ مُدَّةً قَصِيرَةً لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ ، وَإِنْ ذَكَرَ مُدَّةً مَدِيدَةً سُمِعَتْ .
وَالْمَدِيدَةُ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مُقَدَّرَةٌ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ بِسَنَتَيْنِ ، وَمَا دُونَ الْمَدِيدَةِ قَصِيرَةٌ ، فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي مُجْتَهِدًا أَخَذَ بِمَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ وَإِلَّا أَخَذَ بِمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا وَهُوَ سَنَتَانِ ، وَإِذَا سَمِعَ الدَّعْوَى يَسْأَلُ الْبَائِعَ أَهِيَ كَمَا ذَكَرَ الْمُشْتَرِي ، فَإِنْ قَالَ : نَعَمْ رَدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ بِالْتِمَاسِ الْمُشْتَرِي ، وَإِنْ قَالَ : هِيَ كَذَلِكَ لِلْحَالِ وَمَا كَانَتْ كَذَلِكَ عِنْدِي تَوَجَّهَتْ الْخُصُومَةُ عَلَى الْبَائِعِ لِتَصَادُقِهِمَا عَلَى قِيَامِهَا لِلْحَالِ ، وَإِنْ طَلَبَ الْمُشْتَرِي يَمِينَ الْبَائِعِ يَحْلِفُ الْبَائِعُ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ ، وَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ عَلَيْهِ ، وَإِنْ شَهِدَ لِلْمُشْتَرِي شُهُودٌ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ عَلَى الِانْقِطَاعِ وَتُقْبَلُ عَلَى الِاسْتِحَاضَةِ ؛ لِأَنَّهَا مِمَّا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُ عَلَى الِانْقِطَاعِ الَّذِي يُعَدُّ عَيْبًا ، وَإِنْ أَنْكَرَ الْبَائِعُ الِانْقِطَاعَ فِي الْحَالِ هَلْ يُسْتَحْلَفُ ؟ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ

لَا ، وَعِنْدَهُمَا يُسْتَحْلَفُ ، وَهَذَا يَنْبُو عَنْ تَقْرِيرِ الْكِتَابِ ، وَإِنَّمَا يُوَافِقُ تَقْرِيرَ الْهِدَايَةِ مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ ، هَذَا مَا ذَكَرَ عَنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ : اشْتَرَى جَارِيَةً فَقَبَضَهَا فَلَمْ تَحِضْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي شَهْرًا أَوْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا .
قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ : ارْتِفَاعُ الْحَيْضِ عَيْبٌ ، وَأَدْنَاهُ شَهْرٌ وَاحِدٌ إذَا ارْتَفَعَ هَذَا الْقَدْرُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ انْتَهَى .
وَهَذَا كَمَا تَرَى لَا يَشْتَرِطُ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَلَا أَكْثَرَ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ ، وَمَا تَقَدَّمَ خِلَافٌ بَيْنَهُمْ فِي اسْتِبْرَاءِ مُمْتَدَّةِ الطُّهْرِ ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ سَنَتَانِ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَهُوَ قَوْلٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ ، وَعَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ، وَالرِّوَايَةُ هُنَاكَ لَيْسَتْ وَارِدَةً هُنَا ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ هُنَاكَ يَسْتَدْعِي ذَلِكَ الِاعْتِبَارَ فَإِنَّ الْوَطْءَ مَمْنُوعٌ شَرْعًا إلَى الْحَيْضَةِ لِاحْتِمَالِ الْحَبَلِ فَيَكُونُ سَاقِيًا مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ ، فَقَدَّرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ هُنَاكَ بِسَنَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ ، فَإِذَا مَضَتَا ظَهَرَ انْتِفَاؤُهُ فَجَازَ وَطْؤُهَا وَهُوَ أَقْيَسُ .
وَقَدَّرَهُ مُحَمَّدٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ ؛ لِأَنَّهَا اُعْتُبِرَتْ عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا ؛ وَلِأَنَّ فِيهَا يَظْهَرُ الْحَبَلُ غَالِبًا لَوْ كَانَتْ حَامِلًا ، وَقَدَّرَهُ أَبُو يُوسُفَ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ ؛ لِأَنَّهَا جُعِلَتْ عِدَّةَ الَّتِي لَا تَحِيضُ ، وَالْحُكْمُ هُنَا لَيْسَ إلَّا كَوْنَ الِامْتِدَادِ عَيْبًا فَلَا يَتَّجِهُ إنَاطَتُهُ بِسَنَتَيْنِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْمُدَدِ ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ عَيْبًا بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ يُؤَدِّي إلَى الدَّاءِ وَطَرِيقًا إلَيْهِ ، وَذَلِكَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مُضِيِّ

مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مِمَّا ذُكِرَ .
وَبِمَا ذَكَرْنَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ فِي دَعْوَى الِانْقِطَاعِ لِلرَّدِّ بِهِ إلَى تَعْيِينِ أَنَّهُ عَنْ حَبَلٍ أَوْ دَاءٍ فِي الدَّعْوَى فَإِنَّ كَوْنَهُ عَيْبًا بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مُفْضِيًا إلَى الدَّاءِ لَا لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ دَاءٍ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ ، فَلِذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ فَقِيهُ النَّفْسِ قَاضِي خَانْ لِمَا ذُكِرَ مِنْ تَعْيِينِ كَوْنِ الِانْقِطَاعِ عَنْ أَحَدِهِمَا ، بَلْ إذَا ادَّعَى الِانْقِطَاعَ فِي أَوَانِهِ فَقَدْ ادَّعَى الْعَيْبَ ، وَيَكْفِي شَهْرٌ وَاحِدٌ فَإِنَّ بِهِ يَتَحَقَّقُ الِانْقِطَاعُ فِي أَوَانِهِ وَهُوَ الْعَيْبُ ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ فِي الْوَاقِعِ مُسَبَّبًا عَنْ دَاءٍ فَهُوَ عَيْبٌ وَطَرِيقًا إلَيْهِ ، فَكَذَلِكَ فَيَكْفِي فِي الْخُصُومَةِ ادِّعَاءُ ارْتِفَاعِهِ فَقَطْ وَهُوَ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ ، وَإِلَّا فَقَلَّمَا يَظْهَرُ لِلطَّبِيبِ دَاءٌ بِمُمْتَدَّةِ الطُّهْرِ ، وَكَثِيرًا مَا يَكُونُ الْمُمْتَدُّ طُهْرُهَا شَهْرَيْنِ وَثَلَاثَةٍ صَحِيحَةً لَا يَظْهَرُ بِهَا دَاءٌ ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْهِدَايَةِ ؛ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِقَوْلِ الْأَمَةِ ، وَكَذَا قَالَ الْإِمَامُ الْعَتَّابِيُّ وَغَيْرُهُ إنَّمَا يُعْرَفُ ذَلِكَ عِنْدَ الْمُنَازَعَةِ بِقَوْلِ الْأَمَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقِفُ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُهَا ، فَلَوْ كَانَ اعْتِقَادُهُ لُزُومَ دَعْوَى الدَّاءِ أَوْ الْحَبَلِ فِي دَعْوَى عَيْبِ الِانْقِطَاعِ لَمْ يُتَصَوَّرْ أَنْ يَثْبُتَ بِقَوْلِهَا حِينَئِذٍ تُوَجَّهَ الْيَمِينُ عَلَى الْبَائِعِ ، بَلْ لَا يَرْجِعُ إلَّا إلَى قَوْلِ الْأَطِبَّاءِ أَوْ النِّسَاءِ ، فَظَهَرَ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ مِنْ لُزُومِ دَعْوَى الدَّاءِ أَوْ الْحَبَلِ فِي دَعْوَى انْقِطَاعِ الْحَيْضِ ، ثُمَّ إنَّهُ يُحْتَاجُ فِي تَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ إلَى قَوْلِ الْأَطِبَّاءِ أَوْ النِّسَاءِ لَيْسَ تَقْرِيرَ مَا فِي الْكِتَابِ ، بَلْ مَا ذَكَرَهُ مَشَايِخُ آخَرُونَ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ خَطَؤُهُمْ .
وَكَذَا مَا ذَكَرَ غَيْرُهُ مَنْ جَعَلَ هَذِهِ وِزَانَ الْمُشْتَرَاةِ بِكْرًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا قَالَ

الْمُشْتَرِي لَيْسَتْ بِكْرًا وَقَالَ الْبَائِعُ بِكْرٌ فِي الْحَالِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُرِيهَا النِّسَاءَ ، فَإِنْ قُلْنَ هِيَ بِكْرٌ لَزِمَ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ يَمِينِ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُنَّ تَأَيَّدَتْ بِمُؤَيِّدٍ هُوَ أَنَّ الْأَصْلَ الْبَكَارَةُ ، وَإِنْ قُلْنَ هِيَ ثَيِّبٌ لَا يَثْبُتُ حَقُّ الْفَسْخِ بِشَهَادَتَيْنِ فَيَحْلِفُ الْبَائِعُ لَقَدْ سَلَّمْتهَا بِحُكْمِ الْبَيْعِ وَهِيَ بِكْرٌ إنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ حَلَفَ أَنَّهَا بِكْرٌ غَيْرُ مُوَافِقٍ ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ هُنَا يُوجِبُ حَقَّ الْخُصُومَةِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهَا حَتَّى يَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ وَيَقْضِي بِالنُّكُولِ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ وَالْعَتَّابِيِّ وَغَيْرِهِمَا ، وَفِي الْبَكَارَةِ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ النِّسَاءِ ، وَكَيْفَ وَلَا طَرِيقَ إلَى اسْتِعْلَامِ الِانْقِطَاعِ إلَّا قَوْلُهَا ، بِخِلَافِ الْبَكَارَةِ لَهَا طَرِيقٌ تُسْتَعْلَمُ بِهِ فَلَا يُرْجَعُ فِيهَا إلَى قَوْلِهَا .
وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ هُوَ الصَّحِيحُ إنْ كَانَ احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تُرَدُّ قَبْلَ الْقَبْضِ بِقَوْلِهَا مَعَ شَهَادَةِ الْقَابِلَةِ ، وَمَا ذَكَرْنَا عَنْ مُحَمَّدٍ فَغَيْرُ مُنَاسِبٍ ، فَإِنَّ مَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي دَعْوَى الْبَكَارَةِ وَالرَّتْقِ وَالْقَرَنِ وَقِيَاسُ هَذِهِ عَلَيْهَا غَيْرُ صَحِيحٍ ، إذْ لَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ النِّسَاءِ ، وَقَوْلُ النِّسَاءِ هُنَا إنَّهَا مُنْقَطِعَةُ الْحَيْضِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ ، وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الِانْقِطَاعِ الْكَائِنِ عَيْبًا لَا تُقْبَلُ إذْ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ ، وَتَرْتِيبُ الْخُصُومَةِ عَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَاضِي خَانْ وَالْعَتَّابِيِّ وَهُوَ مَا صَحَّحْنَاهُ أَنْ يَدَّعِيَ الِانْقِطَاعَ فِي الْحَالِ وَوُجُودَهُ عِنْدَ الْبَائِعِ ، فَإِنْ اعْتَرَفَ الْبَائِعُ بِهِمَا رُدَّتْ عَلَيْهِ .
وَإِنْ أَنْكَرَ وُجُودَهُ عِنْدَهُ وَاعْتَرَفَ بِالِانْقِطَاعِ فِي الْحَالِ اُسْتُخْبِرَتْ الْجَارِيَةُ ، فَإِنْ ذَكَرَتْ أَنَّهَا مُنْقَطِعَةٌ اتَّجَهَتْ الْخُصُومَةُ فَيُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ مَا

وُجِدَ عِنْدَهُ ، فَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ عَلَيْهِ ، وَهَذَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ تُرَدُّ إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ نُكُولُ الْبَائِعِ ، وَلَوْ اعْتَرَفَ بِوُجُودِهِ عِنْدَهُ وَأَنْكَرَ الِانْقِطَاعَ فِي الْحَالِ فَاسْتُخْبِرَتْ فَأَنْكَرَتْ الِانْقِطَاعَ ، وَالْغَرَضُ أَنْ لَا تُقْبَلَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَالْمُشْتَرِي يَدَّعِيهِ فَقَدْ صَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا أَنْكَرَ الِانْقِطَاعَ فِي الْحَالِ لَا يُسْتَحْلَفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُسْتَحْلَفُ عِنْدَهُمَا ، وَيَجِبُ كَوْنُ الِاسْتِحْلَافِ عَلَى الْعِلْمِ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهَا مُنْقَطِعَةٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ، فَإِنْ نَكَلَ اتَّجَهَتْ الْخُصُومَةُ وَإِنْ حَلَفَ تَعَذَّرَتْ ، وَلَعَمْرِي قَلَّمَا يَحْلِفُ كَذَلِكَ إلَّا وَهُوَ بَارٌّ ، وَمِنْ أَيْنَ لَهُ الْعِلْمُ بِأَنَّهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَمْ تَحِضْ ، وَكَأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي النِّهَايَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ هُوَ فِي صُورَةِ الْخُصُومَةِ ، وَأَمَّا عَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا فِي الِانْقِطَاعِ ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ أَيْضًا ، وَهَذَا تَعْدَادٌ لِلْعُيُوبِ عِدَّةُ الْجَارِيَةِ عَنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ عَيْبٌ لَا عَنْ بَائِنٍ وَالنِّكَاحُ عَيْبٌ فِيهِمَا ، وَكَثْرَةُ الْخَيَلَانِ وَحُمْرَةُ الشَّعْرِ إذَا فَحُشَتْ بِحَيْثُ يَضْرِبُ إلَى الْبَيَاضِ .
وَكَذَا الشَّمَطُ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ دَلِيلُ الدَّاءِ وَفِي أَوَانِهِ دَلِيلُ الْكِبَرِ ، وَالْعَشَا أَنْ لَا يُبْصِرَ لَيْلًا ، وَالسِّنُّ السَّاقِطَةُ ضِرْسًا أَوْ غَيْرَهُ وَسَوَادُهُ وَسَوَادُ الظُّفْرِ ، وَالْعُسْرُ وَهُوَ أَنْ يَعْمَلَ بِيَسَارِهِ وَلَا يَسْتَطِيعُ الْعَمَلَ بِيَمِينِهِ ، بِخِلَافِ أَعْسَرُ يَسْرٌ وَهُوَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِمَا مَعًا فَإِنَّهُ زِيَادَةُ حُسْنٍ ، وَالْقَشْمُ وَهُوَ يُبُوسَةُ الْجِلْدِ وَتَشَنُّجٌ فِي الْأَعْضَاءِ وَالْغَرَبُ وَهُوَ وَرَمٌ فِي الْأَمَاقِي وَرُبَّمَا يَسِيلُ مِنْهُ شَيْءٌ فَيَصِيرُ صَاحِبُهُ كَصَاحِبِ الْجُرْحِ السَّائِلِ ، وَالْحَوَلُ وَالْحَوَصُ نَوْعٌ مِنْهُ ، وَالشَّتَرُ وَهُوَ انْقِلَابُ الْجَفْنِ وَبِهِ سُمِّيَ الْأَشْتَرُ ، وَالظَّفَرُ هُوَ بَيَاضٌ يَبْدُو فِي

إنْسَانِ الْعَيْنِ وَجَرَبِ الْعَيْنِ وَغَيْرِهَا ، وَالشَّعْرُ وَالْقَبَل فِي الْعَيْنِ ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ يَصِفُ خَيْلًا : تَرَاهُنَّ يَوْمَ الرَّوْعِ كَالْحِدَإِ الْقَبَلِ وَالْمَاءُ فِي الْعَيْنِ وَالسَّبَلُ ، وَالسُّعَالُ الْقَدِيمُ إذَا كَانَ عَنْ دَاءٍ ، فَأَمَّا الْقَدْرُ الْمُعْتَادُ مِنْهُ فَلَا ، وَالْعَزْلُ وَهُوَ أَنْ يَعْزِلَ ذَنَبَهُ إلَى أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ ، وَالْمَشَشُ وَهُوَ وَرَمٌ فِي الدَّابَّةِ لَهُ صَلَابَةٌ ، وَالْفَدَعُ وَهُوَ اعْوِجَاجٌ فِي مَفَاصِلِ الرِّجْلِ ، وَالْفَحَجُ وَهُوَ تَبَاعُدُ مَا بَيْنَ الْقَدَمَيْنِ ، وَالصَّكَكُ وَهُوَ صَكُّ إحْدَى رُكْبَتَيْهِ بِالْأُخْرَى ، وَالرَّتَقُ وَالْقَرَنُ وَالْعَفَلُ وَهُوَ امْتِلَاءُ لَحْمِ الْفَرْجِ ، وَالسِّلْعَةُ وَالْقُرُوحُ وَآثَارُهَا ، وَالدَّخَسُ وَهُوَ وَرَمٌ يَكُونُ بِأَطْرَافِ حَافِرِ الْفَرَسِ وَالْحِمَارِ ، وَالْحَنَفُ وَهُوَ مَيْلُ كُلٍّ مِنْ إبْهَامَيْ الرِّجْلِ إلَى أُخْرَى ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ : الْأَحْنَفُ الَّذِي يَمْشِي عَلَى ظَهْرِ قَدَمَيْهِ ، وَتَنَاسُلُ شَعْرِ الرَّأْسِ وَالصَّدَفُ ، وَهُوَ الْتِوَاءٌ فِي أَصْلِ الْعُنُقِ .
وَقِيلَ مَيْلٌ فِي الْبَدَنِ ، وَالشَّدَقُ سِعَةٌ مُفْرِطَةٌ فِي الْفَمِ ، وَالتَّخَنُّثُ قِيلَ إذَا فَحُشَ أَوْ كَانَ يَأْتِي بِأَفْعَالٍ رَدِيئَةٍ ، وَالْحُمْقُ ، وَكَوْنُهَا مُغَنِّيَةً ، وَشُرْبُ الْغُلَامِ ، وَتَرْكُ الصَّلَاةِ وَغَيْرُهُ مِنْ الذُّنُوبِ ، وَقِلَّةُ الْأَكْلِ فِي الْبَقَرَةِ وَنَحْوِهَا وَكَثْرَتُهُ فِي الْإِنْسَانِ وَقِيلَ فِي الْجَارِيَةِ عَيْبٌ لَا الْغُلَامِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ إذَا أَفْرَطَ ، وَعَدَمُ الْمَسِيلِ فِي الدَّارِ وَالشُّرْبِ لِلْأَرْضِ ، وَكَذَا ارْتِفَاعُهَا بِحَيْثُ لَا تُسْقَى إلَّا بِالسِّكْرِ ، وَكَوْنُ الْجَارِيَةِ مُحْتَرِقَةَ الْوَجْهِ لَا يَدْرِي حُسْنَهَا مِنْ قُبْحِهَا ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ دَمِيمَةً أَوْ سَوْدَاءَ ، وَالْعِثَارُ فِي الدَّوَابِّ إنْ كَانَ كَثِيرًا فَاحِشًا ، وَكَذَا أَكْلُ الْعِذَارِ وَالْجُمُوحُ وَالِامْتِنَاعُ مِنْ اللِّجَامِ ، وَكَذَا الْحَرَنُ عِنْدَ الْعَطْفِ وَالسَّيْرِ وَسَيَلَانُ اللُّعَابِ عَلَى وَجْهٍ يَبِلُّ الْمِخْلَاةَ

إذَا عَلَّقَ عَلَيْهِ فِيهَا ، وَكَثْرَةُ التُّرَابِ فِي الْحِنْطَةِ تُرَدُّ بِهِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُعْتَادًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُمَيِّزَ التُّرَابَ وَيَرْجِعَ بِحِصَّتِهِ ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى خُفًّا أَوْ مُكَعَّبًا لِلُبْسٍ فَلَمْ يَدْخُلْ رِجْلُهُ فِيهِ فَهُوَ عَيْبٌ ، وَلَوْ بَاعَ سَوِيقًا مَلْتُوتًا عَلَى أَنَّ فِيهِ كَذَا مِنْ السَّمْنِ أَوْ قَمِيصًا عَلَى أَنَّ فِيهِ عَشْرَةَ أَذْرُعٍ وَالْمُشْتَرِي يَنْظُرُ إلَيْهِ وَظَهَرَ خِلَافُهُ فَلَا خِيَارَ لَهُ

( قَالَ : وَإِذَا حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِيَ عَيْبٌ فَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالنُّقْصَانِ وَلَا يَرُدُّ الْمَبِيعَ ) ؛ لِأَنَّ فِي الرَّدِّ إضْرَارًا بِالْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ سَالِمًا ، وَيَعُودُ مَعِيبًا فَامْتَنَعَ ، وَلَا بُدَّ مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ فَتَعَيَّنَ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِعَيْبِهِ ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالضَّرَرِ .
.

( قَوْلُهُ وَإِذَا حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ ) بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ ؛ ( لِأَنَّ الرَّدَّ إضْرَارٌ بِالْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ سَالِمًا ) فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ بِهِ مَعِيبًا تَضَرَّرَ ( وَلَا بُدَّ مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُشْتَرِي فَتَعَيَّنَ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِعَيْبِهِ ) الْحَادِثِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَلَهُ ذَلِكَ ( لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالضَّرَرِ ) وَمَا كَانَ عَدَمُ إلْزَامِهِ الْمَبِيعَ إلَّا لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ ، فَإِذَا رَضِيَ فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَمْتَنِعَ أَخْذُهُ إيَّاهُ لِحَقِّ الشَّرْعِ بِأَنْ كَانَ الْمَبِيعُ عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِعَيْبِهِ لَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَمْلِيكِ الْخَمْرِ وَتَمْلِيكُهَا وَمَنْعُهُمَا مِنْ ذَلِكَ حَقُّ الشَّرْعِ فَلَا يَسْقُطُ بِتَرَاضِيهِمَا عَلَى إهْدَارِهِ ، كَمَا لَوْ تَرَاضَيَا عَلَى بَيْعِ الْخَمْرِ وَشِرَائِهَا .
فَإِنْ قِيلَ : يَنْبَغِي أَنْ يُرَجَّحَ جَانِبُ الْمُشْتَرِي فَيَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ وَيَرُدُّ الْمَبِيعَ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ دَلَّسَ عَلَيْهِ فَكَانَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ ، أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ الصَّادِرَةَ عَنْهُ لَا تَمْنَعُ عِصْمَةَ مَالِهِ ، كَالْغَاصِبِ إذَا عَمِلَ فِي الثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ الْخِيَاطَةَ أَوْ الصَّبْغَ بِالْحُمْرَةِ ؛ لِأَنَّ الظَّالِمَ لَا يُظَلَّمُ ، وَالضَّرَرُ عَنْ الْمُشْتَرِي يَنْدَفِعُ بِإِثْبَاتِ حَقِّ الرُّجُوعِ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ ، فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَوْصَافَ لَا حِصَّةَ لَهَا مِنْ الثَّمَنِ بِانْفِرَادِهَا ، أُجِيبَ بِأَنَّهَا اُعْتُبِرَتْ أُصُولًا ضَرُورَةَ جَبْرِ حَقِّ الْمُشْتَرِي وَإِلَّا يُهْدَرُ كَمَا صُيِّرَتْ أُصُولًا بِالْقَصْدِ مِنْ إتْلَافِهِمَا ، وَكُلُّ مَا رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ فَمَعْنَاهُ أَنْ يُقَوَّمَ الْعَبْدُ بِلَا عَيْبٍ ثُمَّ يُقَوَّمُ

مَعَ الْعَيْبِ وَيُنْظَرُ إلَى التَّفَاوُتِ ، فَإِنْ كَانَ مِقْدَارَ عُشْرِ الْقِيمَةِ رَجَعَ بِعُشْرِ الثَّمَنِ ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَعَلَى هَذَا الطَّرِيقِ ، ثُمَّ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ إذَا لَمْ يَمْتَنِعْ الرَّدُّ بِفِعْلٍ مَضْمُونٍ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي ، أَمَّا إذَا كَانَ بِفِعْلٍ مِنْ جِهَتِهِ كَذَلِكَ كَأَنْ قَتَلَ الْمَبِيعَ أَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ أَوْ كَاتَبَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ ، وَكَذَا إذَا قُتِلَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي خَطَأً لَمَّا وَصَلَ الْبَدَلُ إلَيْهِ صَارَ كَأَنَّهُ مَلَكَهُ مِنْ الْقَاتِلِ بِالْبَدَلِ ، فَكَانَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ ، وَلَوْ امْتَنَعَ الرَّدُّ بِفِعْلٍ غَيْرِ مَضْمُونٍ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالنُّقْصَانِ وَلَا يَرُدُّ الْمَبِيعَ .
[ فَرْعٌ ] لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ مَا دَامَ حَيًّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ : لِأَنَّ الرَّدَّ مَوْهُومٌ فَلَا يُصَارُ خَلَفُهُ وَهُوَ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ إلَّا عِنْدَ الْإِيَاسِ مِنْ الْأَصْلِ : وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَرْجِعُ لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ فِي الْحَالِ وَالرَّدُّ مَوْهُومٌ

قَالَ ( وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا رَجَعَ بِالْعَيْبِ ) ؛ لِأَنَّهُ امْتَنَعَ الرَّدُّ بِالْقَطْعِ فَإِنَّهُ عَيْبٌ حَادِثٌ ( فَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ : أَنَا أَقْبَلُهُ كَذَلِكَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ ) ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لِحَقِّهِ وَقَدْ رَضِيَ بِهِ ( فَإِنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ ) ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ بِرِضَا الْبَائِعِ فَيَصِيرُ هُوَ بِالْبَيْعِ حَابِسًا لِلْمَبِيعِ فَلَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ ( فَإِنْ قَطَعَ الثَّوْبَ وَخَاطَهُ أَوْ صَبَغَهُ أَحْمَرَ ، أَوْ لَتَّ السَّوِيقَ بِسَمْنٍ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ رَجَعَ بِنُقْصَانِهِ ) لِامْتِنَاعِ الرَّدِّ بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى الْفَسْخِ فِي الْأَصْلِ بِدُونِهَا ؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ ، وَلَا وَجْهَ إلَيْهِ مَعَهَا ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ بِمَبِيعَةٍ فَامْتَنَعَ أَصْلًا ( وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَهُ ) ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لِحَقِّ الشَّرْعِ لَا لِحَقِّهِ ( فَإِنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَمَا رَأَى الْعَيْبَ رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ ) ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ مُمْتَنِعٌ أَصْلًا قَبْلَهُ فَلَا يَكُونُ بِالْبَيْعِ حَابِسًا لِلْمَبِيعِ .

( قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ ) يَعْنِي وَلَمْ يَخِطْهُ ( ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا رَجَعَ بِالْعَيْبِ ؛ لِأَنَّهُ امْتَنَعَ الرَّدُّ بِالْقَطْعِ ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ حَادِثٌ ، فَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ : أَنَا أَقْبَلُهُ كَذَلِكَ ) أَيْ مَقْطُوعًا ( كَانَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ ) أَيْ امْتِنَاعُ رَدِّهِ لِحَقِّهِ وَقَدْ رَضِيَ بِهِ ) أَيْ بِرَدِّهِ مَعِيبًا فَزَالَ الْمَانِعُ ( فَإِنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي ) أَيْ بَعْدَ الْقَطْعِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْعَيْبِ أَوْ قَبْلَهُ ( لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ لَمْ يَمْتَنِعْ ) بِالْقَطْعِ ( بِرِضَا الْبَائِعِ ) فَحِينَ بَاعَهُ مَعَ عَدَمِ امْتِنَاعِ رَدِّهِ مَقْطُوعًا ( صَارَ حَابِسًا الْمَبِيعَ ) بِالْبَيْعِ ( فَإِنْ ) كَانَ الْمُشْتَرِي ( قَطَعَ الثَّوْبَ وَخَاطَهُ أَوْ صَبَغَهُ أَحْمَرَ أَوْ كَانَ ) الْمَبِيعُ ( سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِسَمْنٍ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ رَجَعَ بِنُقْصَانِهِ ؛ لِأَنَّهُ امْتَنَعَ الرَّدُّ بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ ) الْمُتَّصِلَةِ ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ ( لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلْفَسْخِ فِي الْأَصْلِ ) أَعْنِي الثَّوْبَ بِدُونِهَا كَالصَّبْغِ مَثَلًا وَالْخِيَاطَةِ وَالسَّمْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ وَلَا إلَى الْفَسْخِ مَعَهَا ( لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ مَبِيعَةً ) وَالْفَسْخُ لَا يُرَدُّ عَلَى غَيْرِ الْمَبِيعِ ؛ لِأَنَّهُ رَفْعُ مَا كَانَ مِنْ الْبَيْعِ فَيَبْقَى مَا كَانَ مِنْ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ عَلَى مَا كَانَ ، فَلَوْ رَدَّهُ عَلَى الزِّيَادَةِ لَزِمَ الرِّبَا فَإِنَّ الزِّيَادَةَ حِينَئِذٍ تَكُونُ فَضْلًا مُسْتَحَقًّا فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ بِلَا مُقَابِلٍ وَهُوَ مَعْنَى الرِّبَا أَوْ شُبْهَتُهُ وَلِشُبْهَةِ الرِّبَا حُكْمُ الرِّبَا فَلَا يَجُوزُ ( فَامْتَنَعَ أَصْلًا ، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَهُ ) وَإِنْ رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِتَرْكِ الزِّيَادَةِ ( لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ ) لَمْ يَتَمَحَّضْ لِحَقِّهِ بَلْ لِحَقِّهِ وَحَقِّ الشَّرْعِ بِسَبَبِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ لُزُومِ الرِّبَا ، وَرِضَاهُ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ لَا يَتَعَدَّى إلَى حَقِّ الشَّرْعِ بِالْإِسْقَاطِ .
وَإِذَا امْتَنَعَ الرَّدُّ بِالْفَسْخِ ( فَلَوْ بَاعَهُ

الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ ) لَمَّا امْتَنَعَ لَمْ يَكُنْ الْمُشْتَرِي بِبَيْعِهِ حَابِسًا لَهُ عَنْ الْبَائِعِ ( وَعَنْ هَذَا ) الْأَصْلِ وَهُوَ أَنَّ الرَّدَّ إذَا كَانَ مُمْكِنًا فَأَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ ؛ لِأَنَّهُ حَابِسٌ ، وَإِنْ كَانَ مَعَ عَدَمِ إمْكَانِهِ يَرْجِعُ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ حَابِسٍ ،

وَعَنْ هَذَا ( قُلْنَا : إنَّ مَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ لِبَاسًا لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَخَاطَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ ، وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ كَبِيرًا يَرْجِعُ ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ حَصَلَ فِي الْأَوَّلِ قَبْلَ الْخِيَاطَةِ ، وَفِي الثَّانِيَ بَعْدَهَا بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ ) .
.

( قُلْنَا : إنَّ مَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ لِبَاسًا لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَخَاطَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ ) ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْ الِابْنِ الصَّغِيرِ حَصَلَ بِمُجَرَّدِ الْقَطْعِ لِلْغَرَضِ الْمَذْكُورِ قَبْلَ الْخِيَاطَةِ مُسَلَّمًا إلَيْهِ وَهُوَ نَائِبُهُ فِي التَّسَلُّمِ فَصَارَ بِهِ حَابِسًا لِلْمَبِيعِ مَعَ إمْكَانِ الرَّدِّ ، وَالْخِيَاطَةُ بَعْدَ ذَلِكَ وُجُودُهَا وَعَدَمُهَا سَوَاءٌ فَلَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ .
( وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ كَبِيرًا ) وَالْبَاقِي بِحَالِهِ ( رَجَعَ ) بِالنُّقْصَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مُسَلَّمًا إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْخِيَاطَةِ فَكَانَتْ الْخِيَاطَةُ عَلَى مِلْكِهِ وَكَانَ امْتِنَاعُ الرَّدِّ بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ الَّتِي هِيَ الْخِيَاطَةُ قَبْلَ إخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ ، فَبَعْدَ ذَلِكَ لَا يَتَفَاوَتُ الْحَالُ بَيْنَ أَنْ يُخْرِجَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِالْبَيْعِ أَوْ الْهِبَةِ أَوْ لَا فِي جَوَازِ الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ ، وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ يَكُونُ الْمَبِيعُ قَائِمًا عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَيُمْكِنُهُ الرَّدُّ بِرِضَا الْبَائِعِ فَأَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ يَكُونُ الْمَبِيعُ قَائِمًا عَلَى مِلْكِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ الرَّدُّ وَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ فَأَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ انْتَهَى .
وَهَذَا أَصْلٌ آخَرُ فِي الزِّيَادَةِ اللَّاحِقَةِ بِالْمَبِيعِ الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةٌ وَمُنْفَصِلَةٌ وَكُلٌّ مِنْهُمَا ضَرْبَانِ فَالْمُتَّصِلَةُ غَيْرُ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْ الْمَبِيعِ كَالصَّبْغِ وَالْخِيَاطَةِ وَاللَّتِّ بِالسَّمْنِ وَالْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ ، وَهِيَ تَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ بِالِاتِّفَاقِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ ، وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ : أَنَا أَقْبَلُهُ كَذَلِكَ وَرَضِيَ الْمُشْتَرِي لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ حَقِّ الشَّرْعِ لِلرِّبَا ، وَمِنْ الْمُتَّصِلَةِ غَيْرِ الْمُتَوَلِّدَةِ مَا لَوْ كَانَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا أَوْ لَحْمًا فَشَوَاهُ أَوْ دَقِيقًا فَخَبَزَهُ

فَلَوْ بَاعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَابِسٍ لِلْمَبِيعِ بَلْ امْتَنَعَ قَبْلَ الْبَيْعِ لِحَقِّ الشَّرْعِ ، وَفِي كَوْنِ الطَّحْنِ وَالشَّيْءِ مِنْ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ تَأَمُّلٌ .
وَالْمُتَوَلِّدَةُ مِنْ الْأَصْلِ كَالسِّمَنِ وَالْجَمَالِ وَانْجِلَاءِ بَيَاضِ الْعَيْنِ لَا يَمْتَنِعُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تَمَحَّضَتْ تَبَعًا لِلْأَصْلِ بِتَوَلُّدِهَا مِنْهُ مَعَ عَدَمِ انْفِصَالِهَا ، فَكَأَنَّ الْفَسْخَ لَمْ يَرِدْ عَلَى زِيَادَةٍ أَصْلًا ، وَالْمُنْفَصِلَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ مِنْهُ كَالْوَلَدِ وَاللَّبَنِ وَالثَّمَرِ فِي بَيْعِ الشَّجَرِ وَالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ ، وَهِيَ تَمْنَعُ الرَّدَّ لِتَعَذُّرِ الْفَسْخِ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهَا ، وَلَا يُمْكِنُ التَّبَعِيَّةُ لِلِانْفِصَالِ فَيَكُونُ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ إنْ شَاءَ رَدَّهُمَا جَمِيعًا وَإِنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِمَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ .
وَأَمَّا بَعْدَ الْقَبْضِ فَيَرُدُّ الْمَبِيعَ خَاصَّةً لَكِنْ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ بِأَنْ يَقْسِمَ الثَّمَنَ عَلَى قِيمَتِهِ وَقْتَ الْعَقْدِ وَعَلَى قِيمَةِ الزِّيَادَةِ وَقْتَ الْقَبْضِ ، فَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَلْفًا وَقِيمَةُ الزِّيَادَةِ مِائَةً وَالثَّمَنُ أَلْفٌ سَقَطَ عُشْرُ الثَّمَنِ إنْ رَدَّهُ وَأَخَذَ تِسْعَمِائَةٍ ، وَغَيْرُ مُتَوَلَّدَةٍ مِنْهُ كَالْكَسْبِ وَهِيَ لَا تَمْنَعُ بِحَالٍ بَلْ يُفْسَخُ الْعَقْدُ فِي الْأَصْلِ دُونَ الزِّيَادَةِ وَيُسَلَّمُ لَهُ الْكَسْبُ الَّذِي هُوَ الزِّيَادَةُ ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، وَفِيهِ الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ الَّذِي فِيهِ قَوْلُ الْبَائِعِ إنَّهُ اسْتَغَلَّ غُلَامِي فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ } وَجَعَلَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ حُكْمَ الْمُنْفَصِلَةِ الْمُتَوَلَّدَةِ فِي حُكْمِ الْكَسْبِ لِإِمْكَانِ الْفَسْخِ عَلَى الْأَصْلِ بِدُونِهَا وَالزِّيَادَةُ لِلْمُشْتَرِي ، وَنَحْنُ نُفَرِّقُ بَيْنَ الْكَسْبِ الَّذِي تَوَلَّدَ مِنْ الْمَنَافِعِ وَهِيَ غَيْرُ الْأَعْيَانِ ، وَلِذَا

كَانَتْ مَنَافِعُ الْحُرِّ مَالًا مَعَ أَنَّ الْحُرَّ لَيْسَ بِمَالٍ ، وَالْعَبْدُ الْمَكْسُوبُ لِلْمُكَاتَبِ لَيْسَ مُكَاتَبًا وَالْوَلَدُ تَوَلَّدَ مِنْ نَفْسِ الْمَبِيعِ فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّمَهُ لَهُ مَجَّانًا لِمَا فِيهِ مِنْ شُبْهَةِ الرِّبَا ، وَلَوْ هَلَكَتْ الزِّيَادَةُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ ثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ كَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ .
وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ قَبْلَ الْحُكْمِ بِالْأَرْشِ ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ أَحْمَرَ لِتَكُونَ زِيَادَةً بِالِاتِّفَاقِ فَإِنَّ السَّوَادَ عِنْدَهُ نَقْصٌ كَمَا سَتَعْلَمُ فَهُوَ كَالْقَطْعِ ، وَانْتِقَاصُ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ الرَّدَّ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ بِالِاتِّفَاقِ

قَالَ ( وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ أَوْ مَاتَ عِنْدَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ رَجَعَ بِنُقْصَانِهِ ) أَمَّا الْمَوْتُ ؛ فَلِأَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَهِي بِهِ وَالِامْتِنَاعُ حُكْمِيٌّ لَا يَفْعَلُهُ ، وَأَمَّا الْإِعْتَاقُ فَالْقِيَاسُ فِيهِ أَنْ لَا يَرْجِعَ ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ بِفِعْلِهِ فَصَارَ كَالْقَتْلِ ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ : يَرْجِعُ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ إنْهَاءُ الْمِلْكِ ؛ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ مَا خُلِقَ فِي الْأَصْلِ مَحَلًّا لِلْمِلْكِ ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهِ مُوَقَّتًا إلَى الْإِعْتَاقِ فَكَانَ إنْهَاءً فَصَارَتْ كَالْمَوْتِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ يَتَقَرَّرُ بِانْتِهَائِهِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْمِلْكَ بَاقٍ وَالرَّدَّ مُتَعَذِّرٌ .
وَالتَّدْبِيرُ وَالِاسْتِيلَادُ بِمَنْزِلَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ النَّقْلُ مَعَ بَقَاءِ الْمَحَلِّ بِالْأَمْرِ الْحُكْمِيِّ ( وَإِنْ أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ ) ؛ لِأَنَّهُ حَبَسَ بَدَلَهُ وَحَبْسُ الْبَدَلِ كَحَبْسِ الْمُبْدَلِ .
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ : أَنَّهُ يَرْجِعُ ؛ لِأَنَّهُ إنْهَاءٌ لِلْمِلْكِ وَإِنْ كَانَ بِعِوَضٍ .
.

( قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ ) الْمُشْتَرِي ( أَوْ مَاتَ عِنْدَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ أَمَّا الْمَوْتُ ؛ فَلِأَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَهِي بِهِ ) وَالشَّيْءُ بِانْتِهَائِهِ يَتَقَرَّرُ ، فَكَأَنَّ الْمِلْكَ قَائِمٌ وَالرَّدَّ مُتَعَذِّرٌ وَقَدْ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ وَذَلِكَ مُوجِبٌ لِلرُّجُوعِ ، إذْ امْتِنَاعُ الرَّدِّ إنَّمَا يَكُونُ مَانِعًا إذَا كَانَ عَنْ فِعْلِ الْمُشْتَرِي ، أَمَّا إذَا ثَبَتَ حُكْمًا لِشَيْءٍ فَلَا ، وَهُنَا ثَبَتَ حُكْمًا لِلْمَوْتِ فَلَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ بِالنُّقْصَانِ ، وَاسْتَشْكَلَ عَلَيْهِ مَا إذَا صَبَغَ الثَّوْبَ أَحْمَرَ وَأَخَوَاتِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ مَعَ أَنَّ الِامْتِنَاعَ بِفِعْلِهِ ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ امْتِنَاعَ الرَّدِّ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ الَّتِي حَصَلَتْ فِي الْمَبِيعِ حَقًّا لِلشَّرْعِ لِلُزُومِ شُبْهَةِ الرِّبَا ، قِيلَ فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَزِيدَ فَيَقُولَ لَا يَفْعَلُهُ الَّذِي لَا يُوجِبُ زِيَادَةً ( وَأَمَّا الْعِتْقُ فَالْقِيَاسُ فِيهِ أَنْ لَا يَرْجِعَ ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ بِفِعْلِهِ فَصَارَ كَالْقَتْلِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَرْجِعُ ) .
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ ( لِأَنَّ الْعِتْقَ إنْهَاءٌ لِلْمِلْكِ ؛ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ مَا خُلِقَ فِي الْأَصْلِ لِلْمِلْكِ ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهِ ) عَنْ سَبَبِهِ ( مُوقِنًا إلَى الْإِعْتَاقِ ) فَيَثْبُتُ ( أَنَّهُ إنْهَاءٌ فَصَارَ كَالْمَوْتِ ، وَهَذَا ) وَهُوَ الرُّجُوعُ بِالْمَوْتِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ بِسَبَبِ أَنَّهُ إنْهَاءٌ ( لِأَنَّ الشَّيْءَ بِانْتِهَائِهِ يَتَقَرَّرُ ) إلَى آخِرِ مَا قَرَرْنَاهُ ، وَقَوْلُهُ ( وَالتَّدْبِيرُ وَالِاسْتِيلَادُ بِمَنْزِلَتِهِ ) أَيْ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ وَإِنْ لَمْ يُزِيلَا الْمِلْكَ كَمَا يُزِيلُهُ الْإِعْتَاقُ ( لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ ) مَعَهُمَا ( النَّقْلُ ) مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ وَبِذَلِكَ يَتَعَذَّرُ الرَّدُّ .
وَقَوْلُهُ ( مَعَ بَقَاءِ الْمَحَلِّ ) احْتِرَازٌ عَنْ الْمَوْتِ وَالْإِعْتَاقِ ، وَقَوْلُهُ ( بِالْأَمْرِ الْحُكْمِيِّ ) أَيْ بِحُكْمِ الشَّرْعِ لَا بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي كَالْقَتْلِ (

فَإِنْ أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ ) ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ ( لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ ) وَكَذَا لَوْ كَاتَبَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ حَبَسَ بَدَلَهُ وَحَبْسُ الْبَدَلِ كَحَبْسِ الْمُبْدَلِ ( وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ ) أَيْ الْمُعْتِقُ عَلَى مَالٍ ( يَرْجِعُ ) بِالنُّقْصَانِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ ( لِأَنَّ الْعِتْقَ ) سَوَاءٌ كَانَ بِمَالٍ أَوْ بِلَا مَالٍ هُوَ ( إنْهَاءٌ لِلْمِلْكِ ) أَعْنِي الرِّقَّ ، وَبِهَذَا يَثْبُتُ بِهِ الْوَلَاءُ فِي الْوَجْهَيْنِ ، وَإِذَا كَانَ إنْهَاءً كَانَ كَالْمَوْتِ وَكَوْنُهُ بِمَالٍ أَوْ بِغَيْرِهِ طَرْدٌ ، وَالْوَجْهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِهِ حَابِسًا لَهُ بِحَبْسِ بَدَلِهِ .

( فَإِنْ قَتَلَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ أَوْ كَانَ طَعَامًا فَأَكَلَهُ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَمَّا الْقَتْلُ فَالْمَذْكُورُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ ) ؛ لِأَنَّ قَتْلَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ دُنْيَاوِيٌّ فَصَارَ كَالْمَوْتِ حَتْفَ أَنْفِهِ فَيَكُونُ إنْهَاءً .
وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْقَتْلَ لَا يُوجَدُ إلَّا مَضْمُونًا ، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ هَاهُنَا بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ فَيَصِيرُ كَالْمُسْتَفِيدِ بِهِ عِوَضًا ، بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ لَا مَحَالَةً كَإِعْتَاقِ الْمُعْسِرِ عَبْدًا مُشْتَرَكًا ، وَأَمَّا الْأَكْلُ فَعَلَى الْخِلَافِ ، فَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ وَعِنْدَهُ لَا يَرْجِعُ اسْتِحْسَانًا ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا لَبِسَ الثَّوْبَ حَتَّى تَخَرَّقَ لَهُمَا أَنَّهُ صَنَعَ فِي الْمَبِيعِ مَا يُقْصَدُ بِشِرَائِهِ وَيُعْتَادُ فِعْلُهُ فِيهِ فَأَشْبَهَ الْإِعْتَاقَ .
وَلَهُ أَنَّهُ تَعَذَّرَ الرَّدُّ بِفِعْلٍ مَضْمُونٍ مِنْهُ فِي الْمَبِيعِ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ وَالْقَتْلَ ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِكَوْنِهِ مَقْصُودًا ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ الْبَيْعَ مِمَّا يُقْصَدُ بِالشِّرَاءِ ثُمَّ هُوَ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ ، فَإِنْ أَكَلَ بَعْضَ الطَّعَامِ ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ فَكَذَا الْجَوَابُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ فَصَارَ كَبَيْعِ الْبَعْضِ وَعِنْدَهُمَا أَنَّهُ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ فِي الْكُلِّ ، وَعَنْهُمَا أَنَّهُ يَرُدُّ مَا بَقِيَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ .
.

( قَوْلُهُ فَإِنْ قَتَلَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ ) أَيْ لَمْ يَمُتْ عِنْدَهُ حَتْفَ أَنْفِهِ ( أَوْ كَانَ ) الْمَبِيعُ ( طَعَامًا فَأَكَلَهُ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَمَّا الْقَتْلُ فَالْمَذْكُورُ ) مِنْ عَدَمِ الرُّجُوعِ فِيهِ ( ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ ) عَنْ أَصْحَابِنَا ( وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرْجِعُ ) وَذَكَرَ صَاحِبُ الْيَنَابِيعِ أَنَّ مُحَمَّدًا مَعَهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ ( لِأَنَّ قَتْلَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ دُنْيَاوِيٌّ ) مِنْ قِصَاصٍ أَوْ دِيَةٍ ( فَكَانَ كَالْمَوْتِ حَتْفَ أَنْفِهِ ) وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُ الْآخِرَةِ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ إذَا كَانَ بِغَيْرِ حَقٍّ ( وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْقَتْلَ لَا يُوجَدُ إلَّا مَضْمُونًا ) قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَيْسَ فِي الْإِسْلَامِ دَمٌ مُفَرَّجٌ } أَيْ مُهْدَرٌ ( وَإِنَّمَا سَقَطَ الضَّمَانُ ) عَنْ الْمَوْلَى ( بِسَبَبِ الْمِلْكِ ) وَكَذَا لَوْ بَاشَرَهُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ كَانَ مَضْمُونًا ، وَلَمَّا سَقَطَ الضَّمَانُ عَنْ الْمَوْلَى ( صَارَ كَالْمُسْتَفِيدِ بِالْعَبْدِ عِوَضًا ) هُوَ سَلَامَةُ نَفْسِهِ إنْ كَانَ عَمْدًا وَسَلَامَةُ الدِّيَةِ لِلْمَوْلَى إنْ كَانَ خَطَأً فَكَانَ كَأَنَّهُ بَاعَهُ ( بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفِعْلٍ مَضْمُونٍ لَا مَحَالَةَ ؛ لِأَنَّهُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لَا يَنْفُذُ ، وَعِتْقُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ إنْ نَفَذَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانٌ إذَا كَانَ مُعْسِرًا ، بَلْ إذَا كَانَ مُوسِرًا عَلَى تَقْدِيرٍ فَلَمْ يُوجِبْهُ بِذَاتِهِ فَلَمْ يُسْتَفَدْ : أَيْ لَمْ يَلْزَمْ اسْتِفَادَتُهُ بِالْإِعْتَاقِ عَنْ مِلْكِهِ شَيْئًا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا .
( وَأَمَّا الْأَكْلُ فَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ بِهِ ) وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ ، وَفِي الْخُلَاصَةِ عَلَيْهِ الْفَتْوَى ، وَبِهِ أَخَذَ الطَّحَاوِيُّ ( وَعِنْدَهُ لَا يَرْجِعُ اسْتِحْسَانًا ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا لَبِسَ الثَّوْبَ حَتَّى تَخَرَّقَ ) ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ عِنْدَهُ لَا يَرْجِعُ وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ ( لَهُمَا أَنَّهُ صَنَعَ بِالْمَبِيعِ مَا

يُقْصَدُ بِشِرَائِهِ وَيُعْتَادُ فِعْلُهُ فِيهِ ) مِنْ الْأَكْلِ وَاللُّبْسِ حَتَّى انْتَهَى الْمِلْكُ بِهِ ( فَكَانَ كَالْإِعْتَاقِ ) بِخِلَافِ الْقَتْلِ وَالْإِحْرَاقِ وَنَحْوِهِ مِنْ الِاسْتِهْلَاكِ لَيْسَ مُعْتَادًا غَرَضًا مِنْ الشِّرَاءِ مَقْصُودًا بِهِ ( وَلَهُ أَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِفِعْلٍ مَضْمُونٍ مِنْهُ ) لَوْ وُجِدَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ غَيْرَ أَنَّهُ سَقَطَ : أَيْ انْتَفَى الضَّمَانُ لِمِلْكِهِ فَكَانَ كَالْمُسْتَفِيدِ بِهِ عِوَضًا ( كَالْقَتْلِ ) فَلَا يَرْجِعُ ( وَلَا مُعْتَبَرَ بِكَوْنِهِ مَقْصُودًا ) بِالشِّرَاءِ ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ طَرْدِيٌّ لَا أَثَرَ لَهُ فِي إثْبَاتِ الرُّجُوعِ ( أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ مِمَّا يُقْصَدُ بِالشِّرَاءِ ثُمَّ هُوَ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ ) وَجَعْلُ الْمُصَنِّفُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ اسْتِحْسَانًا مَعَ تَأْخِيرِهِ جَوَابَهُ عَنْ دَلِيلِهِمَا يُفِيدُ مُخَالَفَتَهُ فِي كَوْنِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا .
وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ الْقَطْعَ وَالْخِيَاطَةَ فَإِنَّهُمَا مُوجِبَانِ لِلضَّمَانِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ مَعَ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ فِيهِمَا ، أُجِيبَ بِأَنَّ امْتِنَاعَ الرَّدِّ فِيهِمَا لِحَقِّ الشَّرْعِ لَا لِفِعْلِهِ ، وَلَا كَذَلِكَ هُنَا فَإِنَّهُ امْتَنَعَ لِفِعْلِهِ لَا لِحَقِّ الشَّرْعِ وَهَذَا يَتِمُّ فِي الْخِيَاطَةِ لِلزِّيَادَةِ ، أَمَّا فِي مُجَرَّدِ الْقَطْعِ فَلَا يَتِمُّ وَلِذَا لَوْ قِبَلَهُ الْبَائِعُ مَقْطُوعًا كَانَ لَهُ ذَلِكَ بِخِلَافِهِ مَخِيطًا وَمَصْبُوغًا بِغَيْرِ السَّوَادِ ( قَوْلُهُ وَلَوْ أَكَلَ بَعْضَ الطَّعَامِ ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ فَكَذَا الْجَوَابُ عِنْدَهُ ) يَعْنِي لَا يَرُدُّ مَا بَقِيَ وَلَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ فِيمَا أَكَلَ ( لِأَنَّ الطَّعَامَ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ ) حَتَّى كَانَ رُؤْيَةُ بَعْضِهِ كَرُؤْيَةِ كُلِّهِ يَسْقُطُ الْخِيَارُ ( فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ بَعْضَهُ ) ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ حَقُّهُ فِي الرُّجُوعِ مِنْ غَيْرِ قَوْلِ زُفَرَ فَإِنَّهُ قَالَ : يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ فِي الْبَاقِي إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَ الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ ، وَعَنْهُمَا رِوَايَتَانِ : رِوَايَةٌ أَنَّهُ يَرْجِعُ

بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ فِي الْكُلِّ فَلَا يَرُدُّ الْبَاقِي ، وَرِوَايَةُ يَرُدُّ مَا بَقِيَ ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ لَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ فَكَانَ قَادِرًا عَلَى الرَّدِّ كَمَا أَخَذَهُ وَيَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ فِيمَا أَكَلَ ، هَكَذَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ ، وَهُوَ نَقْلُ الْقُدُورِيِّ فِي كِتَابِ التَّقْرِيبِ .
وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ الْأَوَّلَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ قَالَ : يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ فِي الْكُلِّ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَ الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ ، وَأَنَّ الثَّانِيَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ قَالَ : وَكَانَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ يُفْتِي بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ ، وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ : يَرُدُّ مَا بَقِيَ إنْ رَضِيَ الْبَائِعُ ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الرَّدِّ فِي الْكُلِّ دُونَ الْبَعْضِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَاهُ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ : يَرُدُّ مَا بَقِيَ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ التَّبْعِيضَ لَا يَضُرُّهُ ، وَفِيمَا لَوْ بَاعَ الْبَعْضَ عَنْهُمَا رِوَايَتَانِ : فِي رِوَايَةٍ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ فَيَبِيعُ الْبَعْضَ كَبَيْعِ الْكُلِّ ، وَفِي رِوَايَةٍ يَرُدُّ مَا بَقِيَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ وَلَكِنْ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ فِيمَا بَاعَ ، وَفِي الْمُجْتَبَى عَنْ جَمْعِ الْبُخَارِيِّ أَكْلُ بَعْضِهِ يُرْجَعُ بِنُقْصَانِ عَيْبِهِ وَيَرُدُّ مَا بَقِيَ ، وَبِهِ يُفْتِي .
وَلَوْ أَطْعَمَهُ ابْنَهُ الْكَبِيرَ أَوْ الصَّغِيرَ أَوْ امْرَأَتَهُ أَوْ مُكَاتَبَهُ أَوْ ضَيْفَهُ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ ، وَلَوْ أَطْعَمَهُ عَبْدَهُ أَوْ مُدَبَّرَهُ أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ يَرْجِعُ ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ ، وَلَوْ اشْتَرَى دَقِيقًا فَخَبَزَ بَعْضَهُ وَظَهَرَ أَنَّهُ مُرٌّ رَدَّ مَا بَقِيَ وَرَجَعَ بِنُقْصَانِ مَا خَبَزَ هُوَ الْمُخْتَارُ ، وَلَوْ كَانَ سَمْنًا ذَائِبًا فَأَكَلَهُ ثُمَّ أَقَرَّ الْبَائِعُ أَنَّهُ كَانَ وَقَعَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ عِنْدَهُ وَبِهِ يُفْتِي ، وَفِي الْكِفَايَةِ : كُلُّ تَصَرُّفٍ يُسْقِطُ خِيَارَ الْعَيْبِ إذَا وَجَدَهُ

فِي مِلْكِهِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ فَلَا رَدَّ وَلَا أَرْشَ ؛ لِأَنَّهُ كَالرِّضَا بِهِ .

( قَالَ : وَمَنْ اشْتَرَى بَيْضًا أَوْ بِطِّيخًا أَوْ قِثَّاءً أَوْ خِيَارًا أَوْ جَوْزًا فَكَسَرَهُ فَوَجَدَهُ فَاسِدًا فَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ رَجَعَ الثَّمَنُ كُلُّهُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فَكَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْجَوْزِ صَلَاحُ قِشْرِهِ عَلَى مَا قِيلَ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ بِاعْتِبَارِ اللُّبِّ ( وَإِنْ كَانَ يَنْتَفِعُ بِهِ مَعَ فَسَادِهِ لَمْ يَرُدَّهُ ) ؛ لِأَنَّ الْكَسْرَ عَيْبٌ حَادِثٌ ( وَ ) لَكِنَّهُ ( يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ ) دَفْعًا لِلضَّرَرِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : يَرُدُّهُ ؛ لِأَنَّ الْكَسْرَ بِتَسْلِيطِهِ .
قُلْنَا : التَّسْلِيطُ عَلَى الْكَسْرِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي لَا فِي مِلْكِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ ثَوْبًا فَقَطَعَهُ ، وَلَوْ وَجَدَ الْبَعْضَ فَاسِدًا وَهُوَ قَلِيلٌ جَازَ الْبَيْعُ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ قَلِيلٍ فَاسِدٍ .
وَالْقَلِيلُ مَا لَا يَخْلُو عَنْهُ الْجَوْزُ عَادَةً كَالْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ فِي الْمِائَةِ ، وَإِنْ كَانَ الْفَاسِدُ كَثِيرًا لَا يَجُوزُ وَيَرْجِعُ بِكُلِّ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَالِ وَغَيْرِهِ فَصَارَ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ .
.

( قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى بَيْضًا أَوْ بِطِّيخًا أَوْ قِثَّاءً أَوْ خِيَارًا أَوْ جَوْزًا ) أَوْ قَرْعًا أَوْ فَاكِهَةً ( فَكَسَرَهُ ) غَيْرَ عَالِمٍ بِالْعَيْبِ ، ( فَوَجَدَهُ فَاسِدًا فَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ ) كَالْقَرْعِ الْمُرِّ وَالْبِيضِ الْمَذِرِ رَجَعَ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فَكَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَسَرَهُ عَالِمًا بِالْعَيْبِ لَا يَرُدُّهُ ( وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْجَوْزِ صَلَاحُ قِشْرِهِ ) بِأَنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ يَعِزُّ فِيهِ الْحَطَبُ وَهُوَ مِمَّا يُشْتَرَى لِلْوَقُودِ ( عَلَى مَا قِيلَ ) مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ يَرْجِعُ بِحِصَّةِ اللُّبِّ وَيَصِحُّ الْعَقْدُ فِي قِشْرِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهِ صَادَفَ مَحَلَّهُ ( لِأَنَّ مَالِيَّةَ الْجَوْزِ ) قَبْلَ الْكَسْرِ لَيْسَ إلَّا ( بِاعْتِبَارِ اللُّبِّ ) وَإِذَا كَانَ اللُّبُّ لَا يَصْلُحُ لَهُ لَمْ يَكُنْ مَحَلُّ الْبَيْعِ مَوْجُودًا فَيَظْهَرُ أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ بَاطِلًا ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ ( وَإِنْ كَانَ يَنْتَفِعُ بِهِ مَعَ فَسَادِهِ ) بِأَنْ يَأْكُلَهُ الْفُقَرَاءُ أَوْ يَصْلُحُ لِلْعَلَفِ يَرْجِعُ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ ؛ لِأَنَّ الْكَسْرَ عَيْبٌ حَادِثٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ( فَيَمْتَنِعُ الرَّدُّ فَيَرْجِعُ ) بِالنُّقْصَانِ إلَّا أَنْ يَتَنَاوَلَ شَيْئًا مِنْهُ بَعْدَ الْعِلْمِ فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ ، وَلِذَا قَالَ الْحَلْوَانِيُّ : هَذَا إذَا ذَاقَهُ فَوَجَدَهُ كَذَلِكَ فَتَرَكَهُ ، فَإِنْ تَنَاوَلَ شَيْئًا مِنْهُ بَعْدَمَا ذَاقَهُ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ ، وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى بَيْضَ نَعَامَةٍ فَوَجَدَهَا مَذِرَةً ذَكَرَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِلَا خِلَافٍ ؛ لِأَنَّ مَالِيَّةَ بَيْضِ النَّعَامَةِ قَبْلَ الْكَسْرِ بِاعْتِبَارِ الْقِشْرِ وَمَا فِيهِ جَمِيعًا ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ : ( وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يَرُدُّهُ ) يَعْنِي إذَا وَجَدَهُ بَعْدَ الْكَسْرِ بِحَيْثُ يَنْتَفِعُ بِهِ أَطْلَقَهُ ، وَفِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ قَيَّدَهُ بِمَا إذَا كَانَ الْكَسْرُ مِقْدَارًا

لَا يُعْلَمُ الْعَيْبُ إلَّا بِهِ فَلَهُ الرَّدُّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلَيْهِ انْتَهَى ، وَلَيْسَ هَذَا التَّفْصِيلُ عِنْدَنَا وَلَا فِي قَوْلٍ آخَرَ لِلشَّافِعِيِّ ثُمَّ وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ أَنَّ هَذَا الْكَسْرَ بِتَسْلِيطِ الْبَائِعِ فَكَأَنَّهُ كَسَرَهُ بِنَفْسِهِ ( قُلْنَا : التَّسْلِيطُ عَلَى الْكَسْرِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي لَا فِي مِلْكِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ ) الْمَبِيعُ ( ثَوْبًا فَقَطَعَهُ ) الْمُشْتَرِي ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّهُ مَعَ أَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَى قَطْعِهِ بِالْبَيْعِ فَعُرِفَ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرُدُّهُ ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْقَطْعِ أَنَّ تَسْلِيطَهُ هَذَا هَدَرٌ ، وَأَنَّ التَّسْلِيطَ الْمُعْتَبَرَ هُوَ مَا لَوْ سَلَّطَهُ أَنْ يَكْسِرَهُ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ : أَيْ مِلْكِ الْبَائِعِ بِأَنْ أَمَرَهُ بِكَسْرِهِ فَذَاكَ هُوَ التَّسْلِيطُ الْمَانِعُ مِنْ الضَّمَانِ عَلَى الْكَاسِرِ ، وَأَمَّا الْبَيْعُ فَتَسْلِيطٌ لِلْمُشْتَرِي عَلَى أَنْ يَكْسِرَهُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ وَلَا أَثَرَ لِهَذَا فِي نَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ ( وَلَوْ وَجَدَ الْبَعْضَ فَاسِدًا فَإِنْ كَانَ قَلِيلًا جَازَ الْبَيْعُ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا ) مِنْ الْجَوْزِ وَالْبَيْضِ ( لَا يَخْلُو عَنْ قَلِيلٍ فَاسِدٍ ) فَكَانَ كَقَلِيلِ التُّرَابِ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ أَصْلًا ، وَفِي الْقِيَاسِ يَفْسُدُ وَهُوَ الظَّاهِرُ ( وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ وَيَرْجِعُ بِكُلِّ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ الْمَالِ وَغَيْرِهِ فَصَارَ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ ) فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَلَا نَصَّ فِي الْمَسْأَلَةِ وَلَكِنْ فِيهِ ضَرُورَةٌ ظَاهِرَةٌ ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْقَلِيلِ إنَّهُ كَالْوَاحِدِ وَالْمَثْنَى ، وَفِي النِّهَايَةِ أَرَادَ بِالْكَثِيرِ مَا وَرَاءَ الثَّلَاثَةِ لَا مَا زَادَ عَلَى الْمُصَنِّفِ ، وَجَعَلَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ الْخَمْسَةَ وَالسِّتَّةَ فِي الْمِائَةِ مِنْ الْجَوْزِ مَعْفُوًّا قَالَ : لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ قَدْ يُوجَدُ فِي الْجَوْزِ فَصَارَ كَالْمُشَاهَدِ : يَعْنِي عِنْدَ الْبَيْعِ .
وَلَوْ اشْتَرَى

عَشْرَ جَوْزَاتٍ فَوَجَدَ خَمْسَةً خَاوِيَةً اخْتَلَفُوا فِيهِ : قَبْلَ الْعَقْدِ فِي الْخَمْسَةِ الَّتِي فِيهَا لُبٌّ بِنِصْفِ الثَّمَنِ بِالْإِجْمَاعِ ، وَقِيلَ يَفْسُدُ فِي الْكُلِّ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ لَمْ يُفَصَّلْ ، وَقِيلَ الْعَقْدُ فَاسِدٌ فِي الْكُلِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ فِي الْبَيْعِ ، وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ فِي الْخَمْسَةِ الَّتِي فِيهَا لُبٌّ بِنِصْفِ الثَّمَنِ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ؛ لِأَنَّ هَذَا بِمَعْنَى الثَّمَنِ الْمُفَصَّلِ عِنْدَهُمَا ، فَإِنَّ الثَّمَنَ يَنْقَسِمُ عَلَى الْأَجْزَاءِ لَا عَلَى الْقِيمَةِ .

( قَالَ : وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا فَبَاعَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ فَإِنْ قَبِلَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ أَوْ بِإِبَاءِ يَمِينٍ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ فَجَعَلَ الْبَيْعَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ .
غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ أَنْكَرَ قِيَامَ الْعَيْبِ لَكِنَّهُ صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا بِالْقَضَاءِ ، وَمَعْنَى الْقَضَاءِ بِالْإِقْرَارِ أَنَّهُ أَنْكَرَ الْإِقْرَارَ فَأُثْبِتَ بِالْبَيِّنَةِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِالْبَيِّنَةِ حَيْثُ يَكُونُ رَدًّا عَلَى الْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ هُنَاكَ وَاحِدٌ وَالْمَوْجُودُ هَاهُنَا بَيْعَانِ ، فَيُفْسَخُ الثَّانِي وَالْأَوَّلُ لَا يَنْفَسِخُ ( وَإِنْ قَبِلَ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ ) ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ وَإِنْ كَانَ فَسْخًا فِي حَقِّهِمَا وَالْأَوَّلُ ثَالِثُهُمَا ( وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ : وَإِنْ رُدَّ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ بِعَيْبٍ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الَّذِي بَاعَهُ ) وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْجَوَابَ فِيمَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ وَفِيمَا لَا يَحْدُثُ سَوَاءٌ .
وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْبُيُوعِ : إنْ كَانَ فِيمَا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ لِلتَّيَقُّنِ بِقِيَامِ الْعَيْبِ عِنْدَ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ .
.

( قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا فَبَاعَهُ الْمُشْتَرِي ) ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ فَإِنْ قَبِلَهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي ( بِ ) سَبَبِ ( إقْرَارِهِ ) بِالْعَيْبِ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ وَوُجِدَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ وَهُوَ الْمُشْتَرِي الْآخَرُ ( أَوْ بِبَيِّنَةٍ ) عَلَى ذَلِكَ لِإِنْكَارِهِ الْعَيْبَ أَوْ بِسَبَبِ نُكُولِهِ عَنْ الْيَمِينِ عَلَى الْعَيْبِ ( فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ ) الْأَوَّلِ : يَعْنِي لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْأَوَّلَ وَيَفْعَلَ مَا يَجِبُ مَعَهُ إلَى أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ ، وَقَيَّدَهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِمَا إذَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي الْعَيْبَ عِنْدَ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ أَمَّا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْعَيْبَ كَانَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْجَامِعِ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي إقْرَارِ الْأَصْلِ فَقَالَ : لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ أَنْ يُخَاصِمَ مَعَ بَائِعِهِ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْأَوَّلَ لَمْ يَصِرْ مُكَذَّبًا فِيمَا أَقَرَّ بِهِ ، وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا قَضَاءٌ عَلَى خِلَافِ مَا أَقَرَّ بِهِ فَبَقِيَ إقْرَارُهُ بِكَوْنِ الْجَارِيَةِ سَلِيمَةً فَلَا يَثْبُتُ لَهُ وِلَايَةُ الرَّدِّ ، هَذَا وَإِنَّمَا يَرُدُّهُ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِهَذَا الطَّرِيقِ ( فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ ) يَعْنِي مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ( فَجَعَلَ الْبَيْعَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ ) وَقَدْ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَلَهُ أَنْ يُخَاصِمَ فِيهِ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ ، وَمَا يُخَالُ مَانِعًا مِنْهُ ، وَهُوَ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالْبَيِّنَةِ وَالنُّكُولَ فَرْعُ إنْكَارِهِ الْعَيْبَ فَبِخُصُومَتِهِ الْبَائِعَ الْأَوَّلَ فِيهِ يَكُونُ مُنَاقِضًا فَلَا تُسْمَعُ خُصُومَتُهُ .
وَلِذَا قَالَ زُفَرُ : إنَّهُ لَا يَرُدُّهُ عَلَيْهِ لِلتَّنَاقُضِ الْمَذْكُورِ ، وَكَذَا بِالْإِقْرَارِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ عَلَى مَا فَسَّرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْعَيْبِ فَيُنْكِرُ الْإِقْرَارَ فَيُشْهِدُ عَلَيْهِ بِالْإِقْرَارِ ، فَإِنَّ إقْرَارَهُ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ لِجَوَازِ كَذِبِ الشُّهُودِ وَوَهْمِهِمْ ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ بَعْدَ الرَّدِّ لَيْسَ بِهِ عَيْبٌ

لَا يَرُدُّهُ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ بِالِاتِّفَاقِ ، أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ ( لَكِنَّهُ صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا بِالْقَضَاءِ ) فَانْعَدَمَ إنْكَارُهُ الْعَيْبَ هَذَا بَعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّ إنْكَارَهُ ظَاهِرٌ فِي الصِّدْقِ وَإِلَّا فَيَجُوزُ كَوْنُهُ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَفْعَلُهُ فَصَارَ ظَاهِرًا يُعَارِضُ ظَاهِرَ الدِّيَانَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِصِدْقِهِ ، ثُمَّ لَوْ كَانَ ظَاهِرًا فِي صِدْقِهِ فَقَدْ ثَبَتَ كَوْنُ هَذَا الظَّاهِرِ غَيْرَ وَاقِعٍ لِتَكْذِيبِ الشَّرْعِ إيَّاهُ ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَا عَيْبَ بِهِ بَعْدَ الرَّدِّ ؛ لِأَنَّهُ لَا مُكَذِّبَ لَهُ ، وَقَدْ يُقَالُ : تَكْذِيبُ الشَّرْعِ إيَّاهُ بِإِثْبَاتِ الْعَيْبِ لَا يَرْفَعُ مُنَاقَضَتَهُ ، وَكَوْنَهُ مُؤَاخَذًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ بِزَعْمِهِ وَهِيَ الدَّافِعَةُ لِخُصُومَتِهِ لِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ ، وَقَوْلُهُ وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ فَيَرُدَّهُ ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا رُدَّ مَا بَاعَهُ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِالْقَضَاءِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِإِبَاءِ يَمِينٍ أَوْ بِإِقْرَارٍ مِنْ الْمَأْمُورِ بِالْعَيْبِ ، كَذَا لَفْظُ الْجَامِعِ حَيْثُ يَكُونُ رَدًّا عَلَى الْمُوَكِّلِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى خُصُومَةٍ وَالرَّدُّ عَلَيْهِ بِالْخُصُومَةِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ تَعَدُّدِ الْبَيْعِ حَتَّى يَكُونَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ قَائِمًا بَعْدَ انْفِسَاخِ الْبَيْعِ الثَّانِي فَيُحْتَاجُ إلَى الْخُصُومَةِ فِي الرَّدِّ ، وَهُنَا الْبَيْعُ وَاحِدًا فَإِذَا ارْتَفَعَ رَجَعَ إلَى الْمُوَكِّلِ مِنْ غَيْر تَكَلُّفِ زِيَادَةٍ .
وَقَيَّدَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ بِعَيْبٍ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ ، فَقَالَ : لَهُ الرَّدُّ بِالْبَيِّنَةِ وَبِإِبَاءِ الْيَمِينِ وَبِالْإِقْرَارِ هُوَ عَيْبٌ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ ، أَمَّا فِي عَيْبٍ يَحْدُثُ مِثْلُهُ يَرُدُّهُ بِالْبَيِّنَةِ وَبِإِبَاءِ الْيَمِينِ وَلَا يَرُدُّهُ الْمَأْمُورُ مَعَ الْإِقْرَارِ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمَأْمُورِ لَا يُسْمَعُ عَلَى الْآمِرِ ، وَمَعْنَى اشْتِرَاطِ الْبَيِّنَةِ أَوْ النُّكُولِ

أَوْ الْإِقْرَارِ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ أَنَّهُ إذَا اشْتَبَهَ عَلَى الْقَاضِي أَنَّ هَذَا عَيْبٌ قَدِيمٌ أَوْ لَا أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فِي مُدَّةِ شَهْرٍ وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ تَارِيخُ الْبَيْعِ فَاحْتَاجَ الْمُشْتَرِي إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْحُجَجِ أَنَّ تَارِيخَ الْبَيْعِ مُنْذُ شَهْرٍ فَيَعْلَمُ الْقَاضِي حِينَئِذٍ أَنَّ الْعَيْبَ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَيَرُدُّهُ عَلَيْهِ ، أَمَّا إذَا عَايَنَ الْقَاضِي تَارِيخَ الْبَيْعِ وَالْعَيْبُ ظَاهِرٌ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَيَكُونُ الرَّدُّ عَلَى الْوَكِيلِ رَدًّا عَلَى الْمُوَكِّلِ بِلَا زِيَادَةِ خُصُومَةٍ .
وَقَدْ اعْتَرَضَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ بِنُكُولِ الْوَكِيلِ يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ ، فَإِنَّ النُّكُولَ بَذْلٌ عِنْدَهُ إقْرَارٌ عِنْدَهُمَا ، وَبَذْلُ الْإِنْسَانِ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَإِقْرَارُ الْوَكِيلِ بِالْعَيْبِ لَمْ يَلْزَمْ الْآمِرَ فِي عَيْبٍ يَحْدُثُ مِثْلُهُ ، أَجَبْت بِأَنَّهُ لَيْسَ حَقِيقَةً بَلْ جَارٍ مَجْرَاهُ ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى بِمَالٍ عَلَى عَبْدٍ مَأْذُونٍ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَأَنْكَرَ وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِهِ مَعَ أَنَّ بَذْلَهُ الْمَالَ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي نَحْوِ الضِّيَافَةِ الْيَسِيرَةِ ، وَكَذَا عِنْدَهُمَا لَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فِي كُلِّ حُكْمٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَعُودَ فَيَحْلِفَ وَيُسْقِطَ الْمَالَ عَنْ نَفْسِهِ ، وَلَوْ كَانَ إقْرَارًا لَمْ يَمْلِكْ الرُّجُوعَ عَنْهُ ، وَالشَّيْءُ إذَا أُجْرِيَ مَجْرَى الشَّيْءِ لَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ مُجْرًى مَجْرَاهُ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ وَهَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ صَرِيحِ الْإِقْرَارِ ؟ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نَعَمْ ، وَتَظْهَرُ ثَمَرَتُهُ فِيمَا قَالَ فِي الدَّعْوَى مِنْ رِوَايَةِ بِشْرِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ : لَوْ ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ فَأَنْكَرَ وَنَكَلَ وَقَضَى الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي بِهَا ثُمَّ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الْمُدَّعِي قَالَ : يَسْمَعُ الْقَاضِي بَيِّنَتَهُ وَتُرَدُّ الدَّارُ عَلَيْهِ ، وَلَوْ

أَقَامَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ رَجُلٍ آخَرَ لَا تُقْبَلُ .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِمَاعَةَ : لَا تُقْبَلُ فِي الْوَجْهَيْنِ ، وَالنُّكُولُ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ ، وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ : لَيْسَ بِصَرِيحِ الْإِقْرَارِ فَيُقْبَلُ ، وَفِي الْإِيضَاحِ إنْ رَدَّ عَلَى الْوَكِيلِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ يَلْزَمُهُ خَاصَّةً سَوَاءٌ كَانَ فِي عَيْبٍ يَحْدُثُ مِثْلُهُ أَوْ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْفَسْخَ عَقْدٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ وَالْمُوَكِّلُ ثَالِثُهُمَا انْتَهَى .
يَعْنِي الْفَسْخَ الَّذِي بِلَا قَضَاءٍ ، وَقَوْلُهُ ( وَإِنْ قَبِلَ ) يَعْنِي الْمُشْتَرِي الْأَوَّلَ ( بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي ) بَلْ بِرِضَاهُ ( لَا يَرُدُّهُ ) عَلَى بَائِعِهِ ، هَذَا هُوَ الشِّقُّ الثَّانِي مِنْ تَرْدِيدِ الْمَسْأَلَةِ ، وَحَاصِلُهَا أَنَّ مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا أَوْ غَيْرَهُ فَبَاعَهُ فَرُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ بِأَحَدِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ خِلَافًا لِزُفَرَ ، وَإِنْ قَبِلَهُ بِالتَّرَاضِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالتَّرَاضِي بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ الثَّالِثِ وَالْبَائِعُ الْأَوَّلُ ثَالِثُهُمَا كَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْأَوَّلَ اشْتَرَاهُ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ فَلَا خُصُومَةَ فَكَذَا هَذَا ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ فِي الدَّارِ شُفْعَةٌ فَأَسْقَطَ الشَّفِيعُ حَقَّهُ فِيمَا بَاعَهُ ثُمَّ رُدَّ بِعَيْبٍ بِالتَّرَاضِي تَجَدَّدَ لِلشَّفِيعِ حَقُّ الشُّفْعَةِ كَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْأَوَّلَ اشْتَرَى ثَانِيًا مَا بَاعَ فَلَا يَكُونُ لَهُ حَقُّ الْخُصُومَةِ فِي الرَّدِّ وَلَا فِي الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يَرُدُّهُ إذَا قَبِلَهُ بِلَا قَضَاءٍ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ عِنْدَهُ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فَلَمْ يَتَفَاوَتْ الرَّدُّ بِالْقَضَاءِ وَالرِّضَا ، وَنَحْنُ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بِأَنَّهُ بِالْقَضَاءِ فَسْخٌ وَبِالرِّضَا بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي

حَقِّ ثَالِثٍ وَإِنْ كَانَ فَسْخًا فِي حَقِّهِمَا ، فَإِنْ قِيلَ : لَمَّا بَاشَرَ سَبَبَ الْفَسْخِ ، وَهُوَ النُّكُولُ أَوْ الْإِقْرَارُ بِالْعَيْبِ يَكُونُ رَاضِيًا بِحُكْمِ السَّبَبِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَضَاءِ وَالرِّضَا فِي وُجُوبِ كَوْنِهِ بَيْعًا فِي حَقٍّ ثَالِثٍ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا أَقَرَّ بِالْعَيْبِ وَأَبَى الْقَبُولَ فَرَدَّ عَلَيْهِ الْقَاضِي جَبْرًا فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ مَعْنَى الْبَيْعِ لِعَدَمِ الرِّضَا ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مَعْنَى الْإِقْرَارِ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ بِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا قَبِلَهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَقَدْ رَضِيَ بِالْعَيْبِ فَلَا يَرُدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ ، وَاسْتَشْكَلَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ وَهُوَ أَنَّهُ فَسْخٌ فِي الْأَصْلِ مَسَائِلُ : إحْدَاهَا الْمَبِيعُ لَوْ كَانَ عَقَارًا لَا يَبْطُلُ حَقُّ الشَّفِيعِ فِي الشُّفْعَةِ .
وَلَوْ كَانَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ بِالْبَيِّنَةِ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ بَطَلَ حَقُّ الشَّفِيعِ لِبُطْلَانِ الْبَيْعِ مِنْ الْأَصْلِ ، وَالثَّانِيَةُ مَا إذَا بَاعَ أَمَتَهُ الْحُبْلَى وَسَلَّمَهَا فَرُدَّتْ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا فَادَّعَاهُ أَبُو الْبَائِعِ لَا تَصِحُّ دَعْوَتُهُ ، وَلَوْ كَانَ الرَّدُّ بِقَضَاءٍ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ صَحَّتْ كَمَا لَوْ لَمْ يَبِعْهَا الِابْنُ فَادَّعَاهُ الْأَبُ ، وَالثَّالِثَةُ مَا لَوْ أَحَالَ غَرِيمَهُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ رَدَّ الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ لَا تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ وَلَوْ كَانَ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ بَطَلَتْ ، أُجِيبَ بِبَيَانِ الْمُرَادِ وَهُوَ أَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِي مَوَاضِعَ أَنَّ بِالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ يَعُودُ مِلْكُ الْمَوْهُوبِ إلَى قَدِيمِ مِلْكِ الْوَاهِبِ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ لَا فِيمَا مَضَى ؛ أَلَّا تَرَى أَنَّ مَنْ وَهَبَ مَالَ الزَّكَاةِ إلَى رَجُلٍ قَبْلَ الْحَوْلِ فَسَلَّمَهُ إلَيْهِ ثُمَّ رَجَعَ فِي هِبَتِهِ بَعْدَ الْحَوْلِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْوَاهِبِ زَكَاةٌ بِاعْتِبَارِ مَا مَضَى وَلَا يُجْعَلُ الْمَوْهُوبُ عَائِدًا إلَى قَدِيمِ مِلْكِ الْوَاهِبِ فِي حَقِّ زَكَاةِ مَا مَضَى مِنْ الْحَوْلِ ، وَكَذَا الرَّجُلُ إذَا وَهَبَ دَارًا لِآخَرَ وَسَلَّمَهَا

إلَيْهِ ثُمَّ بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا ثُمَّ رَجَعَ الْوَاهِبُ فِيهَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ ، وَلَوْ عَادَ الْمَوْهُوبُ إلَى قَدِيمِ مِلْكِ الْوَاهِبِ وَجُعِلَ كَأَنَّ الدَّارَ لَمْ تَزُلْ عَنْ مِلْكِ الْوَاهِبِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ ، وَإِذَا عُرِفَ هَذَا الْأَصْلُ خُرِّجَتْ الْمَسَائِلُ الْمَذْكُورَةُ عَلَيْهِ .
أَمَّا الشُّفْعَةُ ؛ فَلِأَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ الرَّدِّ وَحُكْمُ الرَّدِّ يَظْهَرُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ لَا فِيمَا مَضَى ، وَكَذَا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ؛ لِأَنَّ الْأَبَ إنَّمَا تَصِحُّ دَعْوَتُهُ بِاعْتِبَارِ وِلَايَةٍ كَانَتْ لَهُ زَمَانَ الْعُلُوقِ وَهُوَ مَعْنًى سَابِقٌ عَلَى الرَّدِّ وَقَدْ بَطَلَ قَبْلَ الرَّدِّ فَلَا يَظْهَرُ حُكْمُ الرَّدِّ فِيهَا بَلْ يَبْقَى مَا كَانَ مِنْ عَدَمِ وِلَايَةِ هَذِهِ الدَّعْوَةِ ، وَكَذَا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ كَانَتْ ثَابِتَةً قَبْلَ الرَّدِّ فَلَا يَظْهَرُ حُكْمُ الرَّدِّ فِي إبْطَالِهَا ؛ وَلِأَنَّ صِحَّتَهَا لَا تَسْتَدْعِي عِنْدَنَا دَيْنًا عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ ، وَلِهَذَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ : قَوْلُ الْقَائِلِ الرَّدُّ بِقَضَاءٍ فَسْخٌ وَجَعْلُ الْعَقْدِ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَنَاقِضٌ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ إذَا جُعِلَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ جُعِلَ الْفَسْخُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ ؛ لِأَنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ بِدُونِ الْعَقْدِ لَا يَكُونُ .
فَإِذَا انْعَدَمَ الْعَقْدُ مِنْ الْأَصْلِ انْعَدَمَ الْفَسْخُ مِنْ الْأَصْلِ ، وَإِذَا انْعَدَمَ الْفَسْخُ فِي الْأَصْلِ عَادَ الْعَقْدُ لِانْعِدَامِ مَا يُنَافِيهِ لَكِنْ يُقَالُ : الْعَقْدُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى التَّفْسِيرِ الَّذِي قُلْنَاهُ ، وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ قَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مِنْ غَيْرِ النُّقُودِ ، أَمَّا مِنْهَا فَلَا ، وَذَلِكَ لِمَسْأَلَةٍ نَقَلَهَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ الْمُنْتَقَى : أَنَّ مَنْ اشْتَرَى دِينَارًا بِدَرَاهِمَ ثُمَّ بَاعَ الدِّينَارَ مِنْ آخَرَ ثُمَّ وَجَدَ الْمُشْتَرِي الْآخَرُ بِالدِّينَارِ عَيْبًا وَرَدَّهُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ ، وَذَلِكَ لِمَعْنًى

، وَهُوَ أَنَّ الْمَبِيعَيْنِ حِينَئِذٍ يَكُونَانِ مَعْدُومَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْمَعِيبَ لَيْسَ بِمَبِيعٍ بَلْ الْمَبِيعُ السَّلِيمُ فَيَكُونُ الْمَعِيبُ مِلْكَ الْبَائِعِ ، فَإِذَا رُدَّ عَلَى الْمُشْتَرِي يَرُدُّهُ بِخِلَافِ الْمَبِيعَيْنِ فِي غَيْرِ النُّقُودِ كَمَسْأَلَةِ الْهِدَايَةِ فَإِنَّهُمَا مَوْجُودَانِ فِي ذَلِكَ إذَا قَبِلَهُ بِدُونِ الْقَضَاءِ فَقَدْ رَضِيَ بِالْعَيْبِ فَلَا يَرُدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ .
وَإِذَنْ مَا فِيهَا مِنْ الْإِطْلَاقِ الْمَذْكُورِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَوْضُوعِ الْمَسْأَلَةِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى هَذَا الْقَيْدِ ، وَقَوْلُهُ ( وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ) إلَى آخِرِهِ إنَّمَا ذَكَرَهُ ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ يُخَالِفُ الْقُدُورِيَّ ، فَإِنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْ الْمَسْأَلَةَ فِيهِ بِكَوْنِ الْعَيْبِ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ ، وَقَيَّدَهَا فِي الْجَامِعِ حَيْثُ قَالَ : وَإِنْ رُدَّ عَلَيْهِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ بِعَيْبٍ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ فَقَالَ : إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ كَذَلِكَ فِيمَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ بِطَرِيقٍ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الرَّدِّ فِيمَا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدِ وَالنَّاقِصَةِ وَالسِّنِّ الشَّاعِبَةِ ، فَامْتِنَاعُهُ فِيمَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ كَالْمَرَضِ وَالسُّعَالِ وَالْقُرُوحِ مَعَ احْتِمَالِ أَنَّهُ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَوْلَى ، قَالَ الْمُصَنِّفِ .
( وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْبُيُوعِ ) أَيْ بُيُوعِ الْأَصْلِ ( إنْ كَانَ فِيمَا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ يَرْجِعُ ) يَعْنِي عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ إذَا رَدَّهُ بِالتَّرَاضِي ( لِلتَّيَقُّنِ بِقِيَامِ الْعَيْبِ عِنْدَ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ ) وَقَدْ فَعَلَا بِغَيْرِ قَضَاءٍ مَا لَوْ رُفِعَ إلَى قَاضٍ فَعَلَهُ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ مُتَعَيِّنٌ فِي هَذَا فَكَانَ فِعْلُهُمَا كَفِعْلِ الْقَاضِي ، وَالْمُرَادُ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ مُطْلَقًا أَوْ فِي مُدَّةِ كَوْنِهِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ إلَى رَدِّ الْمُشْتَرِي الثَّانِي ، قِيلَ ، وَوَجْهُ عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ هَذَا رَدٌّ ثَبَتَ بِالتَّرَاضِي فَكَانَ كَالْبَيْعِ الْجَدِيدِ ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُمَا فَعَلَا

عَيْنَ مَا يَفْعَلُهُ الْقَاضِي ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْأَصْلِيَّ فِي هَذَا هُوَ الْمُطَالَبَةُ بِالسَّلَامَةِ ، وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَى الرَّدِّ لِلْعَجْزِ فَإِذَا نَقَلَاهُ إلَى الرَّدِّ لَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّدَّ إذَا امْتَنَعَ وَجَبَ الرُّجُوعُ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ ، وَفِيمَا ذُكِرَ مِنْ الْمَسَائِلِ الْحَقُّ مُتَعَيِّنٌ لَا يَحْتَمِلُ التَّحَوُّلَ إلَى غَيْرِهِ فَافْتَرَقَا ، هَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي بَعْدَ قَبْضِهِ ، أَمَّا إذَا كَانَ قَبْلَ قَبْضِهِ فَلِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ سَوَاءٌ كَانَ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ كَمَا لَوْ بَاعَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ لِلْمُشْتَرِي الثَّانِي بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ أَوْ بَيْعًا فِيهِ خِيَارُ رُؤْيَةٍ فَإِنَّهُ إذَا فَسَخَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي بِحُكْمِ الْخِيَارِ كَانَ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ أَنْ يَرُدَّهُ مُطْلَقًا ، وَعَلِمْت أَنَّ الْفَسْخَ بِالْخِيَارَيْنِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَضَاءٍ .
قَالَ فِي الْإِيضَاحِ : الْفِقْهُ فِيهِ أَنَّ قَبْلَ الْقَبْضِ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْقَبْضِ عِنْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ فَكَانَ هَذَا تَصَرُّفُ دَفْعٍ وَامْتِنَاعٍ مِنْ الْقَبْضِ ، وَوِلَايَةُ الدَّفْعِ عَامَّةٌ فَظَهَرَ أَثَرُهُ فِي حَقِّ الْكُلِّ ؛ وَلِهَذَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ ، فَأَمَّا بَعْدَ الْقَبْضِ فَمُوجِبُ الْعَقْدِ وَقَدْ تَنَاهَى إلَّا أَنَّ حَقَّهُ فِي صِفَةِ السَّلَامَةِ قَائِمٌ ، فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ ثَبَتَ حَقُّ الْفَسْخِ فَجَاءَ مِنْ هَذَا أَنَّ حَقَّ الْفَسْخِ بِالْعَيْبِ مَا ثَبَتَ أَصْلًا ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَمَّتْ بِالْقَبْضِ بَلْ بِغَيْرِهِ ، وَهُوَ اسْتِدْرَاكُ حَقِّهِ فِي صِفَةِ السَّلَامَةِ ، وَإِنَّمَا ظَهَرَ أَثَرُهُ فِي حَقِّ الْكُلِّ ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِوِلَايَةٍ عَامَّةٍ ، وَلَوْ كَانَ بِالتَّرَاضِي ظَهَرَ أَثَرُهُ فِي حَقِّهِمَا خَاصَّةً ، بِخِلَافِ الرَّدِّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْفَسْخِ ثَبَتَ أَصْلًا ؛ لِأَنَّهُمَا يَسْلُبَانِ اللُّزُومَ فِي أَصْلِ

الْعَقْدِ فَكَانَ بِالْفَسْخِ مُسْتَوْفِيًا حَقًّا لَهُ ، وَوِلَايَةُ اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ تَثْبُتُ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ وَلِذَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ .

( قَالَ : وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَقَبَضَهُ فَادَّعَى عَيْبًا لَمْ يُجْبَرْ عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ حَتَّى يَحْلِفَ الْبَائِعُ أَوْ يُقِيمَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً ) لِأَنَّهُ أَنْكَرَ وُجُوبَ دَفْعِ الثَّمَنِ حَيْثُ أَنْكَرَ تَعَيُّنَ حَقِّهِ بِدَعْوَى الْعَيْبِ ، وَدَفْعُ الثَّمَنِ أَوَّلًا لِيَتَعَيَّنَ حَقُّهُ بِإِزَاءِ تَعَيُّنِ الْمَبِيعِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ قُضِيَ بِالدَّفْعِ فَلَعَلَّهُ يَظْهَرُ الْعَيْبُ فَيُنْتَقَضُ الْقَضَاءُ فَلَا يَقْضِي بِهِ صَوْنًا لِقَضَائِهِ ( فَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي شُهُودِي بِالشَّامِ اُسْتُحْلِفَ الْبَائِعُ وَدَفَعَ الثَّمَنَ ) يَعْنِي إذَا حَلَفَ وَلَا يُنْتَظَرُ حُضُورُ الشُّهُودِ ؛ لِأَنَّ فِي الِانْتِظَارِ ضَرَرًا بِالْبَائِعِ ، وَلَيْسَ فِي الدَّفْعِ كَثِيرُ ضَرَرٍ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَى حُجَّتِهِ ، أَمَّا إذَا نَكَلَ أُلْزِمَ الْعَيْبَ ؛ لِأَنَّهُ حُجَّةٌ فِيهِ .
.

( قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا وَقَبَضَهُ فَادَّعَى عَيْبًا لَمْ يُجْبَرْ عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ حَتَّى يَحْلِفَ الْبَائِعُ أَوْ يُقِيمَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً ) عَلَى الْبَائِعِ أَنَّ الْعَيْبَ كَانَ عِنْدَهُ وَمُقْتَضَى هَذَا التَّرْكِيبِ أَنَّهُ إذَا أَقَامَ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ وَهُوَ فَاسِدٌ ، فَقَدَّرَ ظَهِيرُ الدِّينِ لِلثَّانِي خَبَرًا هَكَذَا لَمْ يُجْبَرْ عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ حَتَّى يَحْلِفَ الْبَائِعُ أَوْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْبَائِعِ أَنَّ الْعَيْبَ كَانَ عِنْدَهُ فَيَسْتَمِرُّ عَدَمُ الْجَبْرِ انْتَهَى .
وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرٍ آخَرَ مَعَ يَحْلِفُ ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَيْسَ مَعْنَى يَحْلِفُ الْبَائِعُ بَلْ مَعْنَاهُ يَطْلُبُ مِنْهُ الْحَلِفَ ، وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ طَلَبِ الْحَلِفِ مِنْهُ الْجَبْرُ عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ ، بَلْ إذَا حَلَفَ ، وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ لِجَوَازِ أَنْ يَنْكُلَ فَيَسْتَمِرُّ عَدَمُ الْجَبْرِ فَعَدَمُ الْجَبْرِ يَثْبُتُ مَعَ إحْدَى صُورَتَيْ التَّحْلِيفِ كَمَا يَثْبُتُ مَعَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ ، وَقِيلَ يُقَدَّرُ فِعْلٌ عَامٌّ يَدْخُلُ تَحْتَهُ الْغَايَتَانِ : أَعْنِي الْحَلِفَ وَإِقَامَةَ الْبَيِّنَةِ هَكَذَا لَمْ يُجْبَرْ عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ حَتَّى يَظْهَرَ وَجْهُ الْحُكْمِ بِهِ أَوْ بِعَدَمِهِ بِأَنْ يُحَلَّفَ فَيَحْلِفَ أَوْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوَّلَ لَا يُجْبَرُ بِيُنْتَظَرُ بِدَفْعِ الثَّمَنِ ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ إذَا طَالَبَهُ الْبَائِعُ بِهِ فَادَّعَى هُوَ عَيْبًا .
( لِأَنَّهُ أَنْكَرَ وُجُوبَ الثَّمَنِ بِدَعْوَى الْعَيْبِ فَإِنَّهُ بِهِ أَنْكَرَ تَعَيُّنَ حَقِّهِ ) ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي السَّلِيمِ وَلَمْ يَقْبِضْهُ فَمَا قَبَضَهُ لَيْسَ مُوجِبًا دَفْعَ الثَّمَنِ عَلَيْهِ ( وَ ) وُجُوبُ ( دَفْعِ الثَّمَنِ أَوَّلًا لِيَتَعَيَّنَ حَقُّ الْبَائِعِ بِإِزَاءِ تَعَيُّنِ ) حَقِّ الْمُشْتَرِي فِي ( الْمَبِيعِ ) وَلَمْ يَتَعَيَّنْ ؛ لِأَنَّهُ السَّلِيمُ وَقَدْ أَنْكَرَهُ ، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُوجِبَ لِلْجَبْرِ قَائِمٌ وَالْمَانِعَ وَهُوَ قِيَامُ الْعَيْبِ مَوْهُومٌ فَلَا يُعَارِضُ الْمُتَحَقَّقَ ،

فَالْجَوَابُ مَنْعُ قِيَامِ الْمُوجِبِ ؛ لِأَنَّهُ الْبَيْعُ لِلسَّلِيمِ أَوْ هُوَ مَعَ قَبْضِهِ وَهُوَ يُنْكِرُهُ فَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ .
وَأَيْضًا فَقَدْ يَثْبُتُ مَا ادَّعَاهُ فَيُؤَدِّي إلَى نَقْضِ الْقَضَاءِ بِدَفْعِ الثَّمَنِ وَصِيَانَةِ الْقَضَاءِ عَنْ النَّقْضِ يَنْبَغِي مَا أَمْكَنَ ( فَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَالَ شُهُودِي بِالشَّامِ ) مَثَلًا فَأَمْهِلْنِي حَتَّى أُحْضِرَهُمْ أَوْ آتِيَك بِكِتَابٍ حُكْمِيٍّ مِنْ قَاضِي الشَّامِ لَا يُسْمَعُ ذَلِكَ بَلْ ( يُسْتَحْلَفُ الْبَائِعُ ) وَيُقْضَى ( بِدَفْعِ الثَّمَنِ إنْ حَلَفَ ) وَإِنْ نَكَلَ رَدَّ الْمَبِيعَ ، وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا ( لِأَنَّ فِي الِانْتِظَارِ بِالْبَائِعِ كَبِيرُ إضْرَارٍ ) ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ إلَى غَايَةٍ غَيْرِ مَعْلُومَةٍ يَجْرِي مَجْرَى الْإِبْطَالِ خُصُوصًا بَعْدَ قَبْضِ مَالِ الْبَائِعِ عَلَى وَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ ، وَلَيْسَ فِي الدَّفْعِ كَبِيرُ إضْرَارٍ بِالْمُشْتَرِي ( لِأَنَّهُ عَلَى حُجَّتِهِ ) إذْ لَهُ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ حَلِفِهِ عَلَى الْعَيْبِ وَيَرُدَّ الْمَبِيعَ وَيَسْتَرِدَّ الثَّمَنَ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ : شُهُودِي حُضُورٌ فَإِنَّ الْإِمْهَالَ هُنَا إلَى الْمَجْلِسِ الثَّانِي ، وَلَا ضَرَرَ فِي هَذَا الْقَدْرِ عَلَى الْبَائِعِ فَيُمْهَلُ ، وَلَوْ قَالَ أُحْضِرُ بَيِّنَتِي إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أُجِّلَهَا ، وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا يَنْفُذُ فِيهِ الْقَضَاءُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ ، وَلَمْ يَتَنَاكَرَا الْعَقْدَ بَلْ حَقِيقَةُ الدَّعْوَى هُنَا دَعْوَى مَالٍ عَلَى تَقْدِيرٍ ، فَالْقَضَاءُ هُنَا بِدَفْعِ الثَّمَنِ إلَى غَايَةِ حُضُورِ الشُّهُودِ بِالْمُسْقِطِ ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي قَبُولِ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ الْحَلِفِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ فِي مِثْلِهِ : أَعْنِي مَا إذَا قَالَ : لِي بَيِّنَةٌ غَائِبَةٌ أَوْ قَالَ : لَيْسَ لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ ثُمَّ أَتَى بِبَيِّنَةٍ تُقْبَلُ .
وَأَمَّا إذَا قَالَ : لَا بَيِّنَةَ لِي فَحَلَفَ خَصْمُهُ ثُمَّ أَتَى بِبَيِّنَةٍ ، فِي أَدَبِ الْقَاضِي تُقْبَلُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تُقْبَلُ ، وَلَا يُحْفَظُ فِي هَذَا

رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ، وَفِي الْخُلَاصَةِ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تُقْبَلُ ، وَفِي جَمْعِ النَّسَفِيِّ فِي قَبُولِ الْبَيِّنَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا رِوَايَتَانِ : نَعَمْ تَحْلِيفُ الْبَائِعِ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ يُخَالِفُ مَا فِي رَوْضَةِ الْقُضَاةِ إذَا قَالَ بَيِّنَتِي غَائِبَةٌ لَمْ يُحَلَّفْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُحَلَّفُ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ فِي الْمِصْرِ فَأَحْلَفَهُ ثُمَّ أَتَى بِهَا لَا يُحَلَّفُ فِي قَوْلِهِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَقَوْلُهُ ( أَمَّا إذَا نَكَلَ أُلْزِمَ الْعَيْبَ ؛ لِأَنَّهُ ) يَعْنِي النُّكُولَ ( حُجَّةٌ فِيهِ ) أَيْ فِي ثُبُوتِ الْعَيْبِ ؛ وَقَيَّدَ بِهِ ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ لَيْسَ حُجَّةً فِي كُلِّ شَيْءٍ إذْ لَيْسَ حُجَّةً فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .

( قَالَ : وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَادَّعَى إبَاقًا لَمْ يُحَلَّفْ الْبَائِعُ حَتَّى يُقِيمَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَبَقَ عِنْدَهُ ) وَالْمُرَادُ التَّحْلِيفُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَأْبَقْ عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ وَإِنْ كَانَ قَوْلَهُ وَلَكِنَّ إنْكَارَهُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ بَعْدَ قِيَامِ الْعَيْبِ بِهِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَمَعْرِفَتِهِ بِالْحُجَّةِ ( فَإِذَا أَقَامَهَا حَلَفَ بِاَللَّهِ لَقَدْ بَاعَهُ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ وَمَا أَبَقَ عِنْدَهُ قَطُّ ) كَذَا قَالَ فِي الْكِتَابِ ، وَإِنْ شَاءَ حَلَّفَهُ بِاَللَّهِ مَا لَهُ حَقُّ الرَّدِّ عَلَيْك مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يَدَّعِي أَوْ بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ عِنْدَك قَطُّ أَمَّا لَا يُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ لَقَدْ بَاعَهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ وَلَا بِاَللَّهِ لَقَدْ بَاعَهُ وَسَلَّمَهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَرْكُ النَّظَرِ لِلْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ قَدْ يَحْدُثُ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَهُوَ مُوجِبٌ لِلرَّدِّ ، وَالْأَوَّلُ ذُهُولٌ عَنْهُ وَالثَّانِي يُوهِمُ تَعَلُّقَهُ بِالشَّرْطَيْنِ فَيَتَأَوَّلُهُ فِي الْيَمِينِ عِنْدَ قِيَامِهِ وَقْتَ التَّسْلِيمِ دُونَ الْبَيْعِ ، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً عَلَى قِيَامِ الْعَيْبِ عِنْدَهُ وَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْبَائِعِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ أَبَقَ عِنْدَهُ يُحَلَّفُ عَلَى قَوْلِهِمَا .
وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَهُمَا : إنَّ الدَّعْوَى مُعْتَبَرَةٌ حَتَّى يَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ فَكَذَا يَتَرَتَّبُ التَّحْلِيفُ وَلَهُ عَلَى مَا قَالَهُ الْبَعْضُ أَنَّ الْحَلِفَ يَتَرَتَّبُ عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ ، وَلَيْسَتْ تَصِحُّ إلَّا مِنْ خَصْمٍ وَلَا يَصِيرُ خَصْمًا فِيهِ إلَّا بَعْدَ قِيَامِ الْعَيْبِ .
وَإِذَا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ عِنْدَهُمَا يَحْلِفُ ثَانِيًا لِلرَّدِّ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ .
.

( قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَادَّعَى ) الْمُشْتَرِي ( إبَاقًا ) عِنْدَهُ وَعِنْدَ الْبَائِعِ فَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْبَائِعِ عَلَى عَدَمِ الْإِبَاقِ عِنْدَهُ ( لَا يَحْلِفُ حَتَّى يُقِيمَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَبَقَ عِنْدَهُ ) أَيْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَثْبُتُ الْعَيْبُ فَتَصِحُّ الْخُصُومَةُ فِيهِ ، وَإِنَّمَا لَزِمَ ذَلِكَ ( لِأَنَّ الْقَوْلَ وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ ) أَيْ قَوْلُ الْبَائِعِ لَكِنْ لَا يُعْتَبَرُ إنْكَارُهُ وَلَا يَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ عَلَيْهِ ( إلَّا بَعْدَ ) ثُبُوتِ قِيَامِ الْمُدَّعَى مُسَبَّبًا لِلرَّدِّ ( وَمَعْرِفَتِهِ ) أَيْ مَعْرِفَةُ قِيَامِ الْعَيْبِ ( بِالْحُجَّةِ ) عِنْدَ إنْكَارِهِ ، وَهَذَا فِي دَعْوَى نَحْوِ الْإِبَاقِ مِمَّا يَتَوَقَّفُ الرَّدُّ فِيهِ عَلَى وُجُودِ الْعَيْبِ عِنْدَهُمَا .
أَمَّا فِي عَيْبٍ لَا يَتَوَقَّفُ الرَّدُّ فِيهِ عَلَى عَوْدِهِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي كَوِلَادَةِ الْجَارِيَةِ وَكَذَا الْجُنُونُ عَلَى خِلَافِ الْمُخْتَارِ فَلَا ، وَعُرِفَ أَنَّ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَدَّعِيَ إبَاقًا فَيُنْكِرُ قِيَامَهُ فِي الْحَالِ فَيَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهِ أَمَّا لَوْ اعْتَرَفَ الْبَائِعُ فَإِنَّهُ يُسْأَلُ عَنْ وُجُودِهِ عِنْدَهُ ، فَإِنْ اعْتَرَفَ رَدَّهُ عَلَيْهِ بِالْتِمَاسِ الْمُشْتَرِي ، وَإِنْ أَنْكَرَ طُولِبَ الْمُشْتَرِي بِالْبَيِّنَةِ ، عَلَى أَنَّ الْإِبَاقَ وُجِدَ عِنْدَ الْبَائِعِ ، فَإِنْ أَقَامَهَا رَدَّهُ وَإِلَّا حَلَفَ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَقَدْ بَاعَهُ وَسَلَّمَهُ وَمَا أَبَقَ عِنْدَهُ قَطُّ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ ( كَذَا قَالَهُ فِي الْكِتَابِ ) أَيْ الْجَامِعِ ، فَإِنَّ عِبَارَتَهُ هَكَذَا : فَإِذَا أَقَامَ عَلَى ذَلِكَ الْبَيِّنَةَ اُسْتُحْلِفَ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ لَقَدْ بَاعَهُ وَقَبَضَهُ وَمَا أَبَقَ قَطُّ ، قَالُوا ( وَإِنْ شَاءَ حَلَّفَهُ بِاَللَّهِ مَا لَهُ حَقُّ الرَّدِّ عَلَيْك مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يَدَّعِي بِهِ أَوْ بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ ) عِنْدَك قَطُّ ، كُلٌّ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ حَسَنَةٌ ، بَقِيَتْ عِبَارَتَانِ مُحْتَمِلَتَانِ ، وَهُمَا أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ لَقَدْ بَاعَهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ ، أَوْ لَقَدْ بَاعَهُ

وَسَلَّمَهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ ، قَالُوا : لَا يَحْلِفُ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَرْكُ النَّظَرِ لِلْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ قَدْ يَحْدُثُ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ، وَهُوَ مُوجِبٌ لِلرَّدِّ ، فَإِذَا فُرِضَ حُدُوثُ الْعَيْبِ كَذَلِكَ فَحَلَفَ لَقَدْ بِعْتُهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ كَانَ بَارًّا فِي يَمِينِهِ ، وَأَمَّا بِعْتُهُ وَسَلَّمْتُهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ فَكَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ صَادِقَةٌ هُنَا إذَا كَانَ حُدُوثُ الْعَيْبِ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ، فَقَدْ يَكُونُ حُدُوثُ الْعَيْبِ كَذَلِكَ فَيَتَأَوَّلُهُ الْبَائِعُ فِي يَمِينِهِ : أَيْ يَقْصِدُ تَعَلُّقَ عَدَمِ الْعَيْبِ بِالشَّرْطَيْنِ جَمِيعًا وَهُمَا الْبَيْعُ وَالتَّسْلِيمُ عَلَى ظَنِّ أَنْ صِدْقَهُ لُغَةً عَلَى تَقْدِيرِ قَصْدِهِ إلَيْهِ يُوجِبُ بِرَّهُ شَرْعًا ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ تَأَوُّلَهُ كَذَلِكَ لَا يُخَلِّصُهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ الْيَمِينِ بَلْ هِيَ يَمِينٌ غَمُوسٌ ، وَالْأَخْصَرُ مَعَ الْوَفَاءِ بِالْمَقْصُودِ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ عِنْدِي قَطُّ .
( وَلَوْ لَمْ يَجِدْ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً عَلَى وُجُودِ الْعَيْبِ عِنْدَهُ وَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْبَائِعِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ أَبَقَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي يُحَلَّفُ عَلَى قَوْلِهِمَا ، وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ) هَلْ يُحَلَّفُ أَوْ يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ عَنْ الْخُصُومَةِ ؟ فَعَنْ الْقَاضِي أَبِي الْهَيْثَمِ أَنَّ الْخِلَافَ مَذْكُورٌ فِي النَّوَادِرِ عِنْدَهُ لَا يُحَلَّفُ ، وَعِنْدَهُمَا نَعَمْ ، وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلشَّيْخِ أَبِي الْمُعِينِ النَّسَفِيِّ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا مِنْهُمْ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ حَامِدٍ : لَا خِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَتَخْصِيصُ قَوْلِهِمَا بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافُ قَوْلِهِمَا ، وَإِنَّمَا يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ ؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ ، بِخِلَافِ حَلِفِهِ عَلَى أَنَّهُ مَا كَانَ عِنْدَهُ ، فَقِيلَ ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ لَكِنَّ الْحَلِفَ عَلَى

فِعْلِ الْغَيْرِ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْعِلْمِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْحَالِفُ مُدَّعِيًا الْعِلْمَ بِهِ ، أَمَّا إذَا كَانَ مُدَّعِيًا فَلَا ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُودِعَ إذَا ادَّعَى قَبْضَ الْمُودَعِ لَهَا يَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ وَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ مَعَ أَنَّهُ فِعْلُ الْغَيْرِ .
وَقِيلَ لَيْسَ حَاصِلُهُ فِعْلُ الْغَيْرِ بَلْ فِعْلُ نَفْسِهِ وَهُوَ تَسْلِيمُهُ سَلِيمًا ، وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ فَإِنَّ مَعْنَى تَسْلِيمِهِ سَلِيمًا لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ السَّلَامَةُ فِي حَالِ التَّسْلِيمِ بَلْ بِمَعْنَى سَلَامَتِهِ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ السَّرِقَةَ عِنْدِي فَيَرْجِعُ إلَى الْحَلِفِ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ .
وَأُورِدَ عَلَى الْأَوَّلِ مَسْأَلَتَانِ : إحْدَاهُمَا مَا لَوْ بَاعَ رَجُلَانِ عَبْدًا مِنْ آخَرَ صَفْقَةً وَاحِدَةً ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَوَرِثَهُ الْبَائِعُ الْآخَرُ ثُمَّ ادَّعَى الْمُشْتَرِي عَيْبًا فَإِنَّهُ يَحْلِفُ فِي نَصِيبِهِ بِالْجَزْمِ ، وَفِي نَصِيبِ مُوَرِّثِهِ بِالْعِلْمِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَنَّهُ يَدَّعِي الْعِلْمَ بِانْتِفَاءِ الْعَيْبِ ، الثَّانِيَةُ إذَا بَاعَ الْمُتَفَاوِضَانِ عَبْدًا وَغَابَ أَحَدُهُمَا فَادَّعَى الْمُشْتَرِي عَيْبًا يَحْلِفُ الْحَاضِرُ عَلَى الْجَزْمِ فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ وَعَلَى الْعِلْمِ فِي نَصِيبِ الْغَائِبِ مَعَ ادِّعَائِهِ عِلْمًا بِذَلِكَ كَمَا قُلْنَا انْتَهَى .
وَالْوَجْهُ عِنْدِي أَنْ يُشْكِلَ مَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ لَا عَكْسُهُ ؛ لِأَنَّ تَحْلِيفَهُ فِي نِصْفِهِ عَلَى الْعِلْمِ ، وَفِي نِصْفِهِ الْآخَرِ عَلَى الْبَتَاتِ وَهُوَ وَاحِدٌ : أَعْنِي الْعَيْبَ فِي ذَاتٍ وَاحِدَةٍ هُوَ الْمُشْكِلُ ، فَالْوَجْهُ مَا ذَكَرْنَا ، وَالْمَسْأَلَتَانِ مُشْكِلَتَانِ ؛ لِأَنَّهُ إنْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ كَانَ عِلْمُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى النِّصْفَيْنِ أَوْ جَهْلُهُ كَانَ أَيْضًا كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْعَبْدَ كَانَ عِنْدَ كُلٍّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ مُدَّةً فَيَحْلِفُ هَذَا الْوَارِثُ عَلَى الْبَتَاتِ فِي مُدَّتِهِ مَا أَبَقَ عِنْدِي ، وَعَلَى الْعِلْمِ فِي مُدَّةِ شَرِيكِهِ مَا أَعْلَمُ أَنَّهُ

أَبَقَ عِنْدَ شَرِيكِي ، فَلْيَكُنْ مَحْمَلُهُمَا ذَلِكَ .
وَعَلَى هَذَا فَلَوْ لَمْ تَكُنْ إقَامَةُ الْعَبْدِ إلَّا عِنْدَ هَذَا الشَّرِيكِ لَا يَحْلِفُ إلَّا عَلَى الْبَتَاتِ وَيَكْتَفِي بِذَلِكَ ، إلَّا أَنَّ هَذَا غَيْرَ مَعْلُومٍ فَيَحْلِفُ كَمَا ذَكَرُوا ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ إقَامَتُهُ إلَّا عِنْدَ الَّذِي مَاتَ لَا يَحْلِفُ إلَّا عَلَى الْبَتَاتِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ اقْتَضَى وَصْفَ السَّلَامَةِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ مِمَّا تَطَارَحْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْبَقْ عِنْدَ الْبَائِعِ وَأَبَقَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَكَانَ أَبَقَ عِنْدَ آخَرَ قَبْلَ هَذَا الْبَائِعِ ، وَلَا عِلْمَ لِلْبَائِعِ بِذَلِكَ فَادَّعَى الْمُشْتَرِي ذَلِكَ ، وَأَثْبَتَهُ يَرُدُّهُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَعِيبٌ ، وَالْعَقْدُ أَوْجَبَ عَلَى هَذَا الْبَائِعِ السَّلِيمَ ، وَلَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إثْبَاتِهِ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ عَلَى الْعِلْمِ ، وَكَذَا فِي كُلِّ عَيْبٍ يُرَدُّ بِتَكَرُّرِهِ ، وَجْهُ قَوْلِهِ عَلَى تَقْدِيرِ الْخِلَافِ وَهُوَ ( مَا قَالَهُ الْبَعْضُ أَنَّ الْحَلِفَ يَتَرَتَّبُ عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ ، وَلَيْسَتْ تَصِحُّ إلَّا مِنْ خَصْمٍ وَلَا يَصِيرُ خَصْمًا فِيهِ إلَّا بَعْدَ قِيَامِ الْعَيْبِ ) وَإِذَا نَكَلَ الْبَائِعُ عَنْ الْيَمِينِ عَلَى وُجُودِ الْعَيْبِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ( يَحْلِفُ ثَانِيًا لَزَادَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ ) ؛ لِأَنَّهُ بِنُكُولِهِ أُنْزِلَ مُقِرًّا بِوُجُودِ الْعَيْبِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَتَوَجَّهَتْ الْخُصُومَةُ فِيهِ فَيَحْلِفُ عَلَى أَنَّهُ مَا وُجِدَ عِنْدَهُ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَا .
وَقَوْلُهُ الْحَلِفُ يَتَرَتَّبُ عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ قِيلَ يُفِيدُ أَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا يَلْزَمُ تَرَتُّبُهَا عَلَيْهَا بَلْ تَكُونُ بِلَا دَعْوَى أَصْلًا فِي الْحُدُودِ ، وَكَذَا عَلَى أَنَّهُ وَكِيلٌ أَوْ وَارِثٌ وَلَا دَعْوَى أَصْلًا فَفِي دَعْوَى غَيْرِ صَحِيحَةٍ أَوْلَى ، وَفِي الْكَافِي : الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُحَلَّفُ ؛ لِأَنَّ .
التَّحْلِيفَ شُرِعَ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ لَا لِإِثْبَاتِهَا ، وَهُنَا لَوْ حَلَفَ الْبَائِعُ يَحْدُثُ بَيْنَهُمَا خُصُومَةٌ أُخْرَى ، وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ هَذَا الْكَلَامِ فَإِنَّ تَوَجُّهَ الْيَمِينِ هُوَ مِنْ

الْخُصُومَةِ فَبِهَا تَنْتَهِي خُصُومَةٌ لَا تَنْدَفِعُ ، وَكَثِيرًا مَا يَتَرَتَّبُ خُصُومَاتٌ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ يَكُونُ مُنْتَهَى بَعْضِهَا مَبْدَأَ أُخْرَى ، وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْوَجْهِ الْحَلِفُ إنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ فَنَقُولُ : إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالصَّحِيحَةِ مَا يَسْتَحِقُّ بِهَا الْجَوَابَ فَهَذِهِ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ وُجِدَ عِنْدَهُ عَيْبٌ فِي الْمَبِيعِ وَقَدْ وُجِدَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَلَا شَكَّ أَنَّ الْقَاضِيَ يَطْلُبُ جَوَابَهُ عَنْهُ : أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِمْ فَإِنْ اعْتَرَفَ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ رُدَّ عَلَيْهِ ، وَإِنْ أَنْكَرَ وُجُودَهُ عِنْدَهُ وَاعْتَرَفَ بِوُجُودِهِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَعَلَى الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةُ ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا حَلَفَ إلَى آخِرِهِ أَوْ اعْتَرَفَ بِوُجُودِهِ عِنْدَهُ وَأَنْكَرَ وُجُودَهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ، وَكُلُّ ذَلِكَ فَرْعُ إلْزَامِهِ بِالْجَوَابِ بِأَحَدِ هَذِهِ ، غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يُوجِبُونَ عَلَيْهِ الْيَمِينَ عَلَى عَدَمِهِ عِنْدَهُ حَتَّى تَثْبُتَ الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى وَهُوَ وُجُودُهُ ؛ لِأَنَّ تَحْلِيفَهُ عَلَى ذَلِكَ لَا يُفِيدُ مَقْصُودَ الْمُشْتَرِي مِنْ الرَّدِّ إنْ لَمْ يُثْبِتْ عَوْدَهُ عِنْدَهُ فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَائِدَتُهُ إلَّا بَعْدَهُ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُ ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْعَيْبُ مِمَّا يَكْفِي لِلرَّدِّ وُجُودُهُ عِنْدَ الْبَائِعِ فَقَطْ كَوِلَادَةِ الْجَارِيَةِ وَكَوْنِهَا وَلَدَ زِنًا حَلَفَ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ .
وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ دَعْوَى الْعَيْبِ وَدَعْوَى الدَّيْنِ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَسْتَدْعِي جَوَابًا بِمَا يَلِيقُ بِالْحَالِ وَإِنَّ تَكْلِيفَ الْفَرْقِ مَعَ ضَعْفِهِ عَلَى أَنَّ الْخُصُومَةَ هُنَاكَ تَتَّجِهُ قَبْلَ إثْبَاتِ الدَّيْنِ ، وَهُنَا لَا تَتَّجِهُ إلَّا بَعْدَ إثْبَاتِ الْعَيْبِ غَلَطٌ ، وَإِنَّمَا هَذِهِ خُصُومَةٌ الْغَرَضُ مِنْهَا رَدُّ الْمَبِيعِ وَتِلْكَ خُصُومَةٌ الْغَرَضُ مِنْهَا رَدُّ الدَّيْنِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَسْتَدْعِي الْجَوَابَ ، فَكَمَا أَنَّ لَهُ أَنْ يُجِيبَ هُنَا بِإِنْكَارِ الْعَيْبِ عِنْدَهُمَا

رَأْسًا كَذَلِكَ لَهُ أَنْ يُجِيبَ بِإِنْكَارِ الدَّيْنِ رَأْسًا ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ قَطُّ ، ثُمَّ كَمَا أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُثْبِتَ دُخُولَ الْعَيْبِ فِي الْوُجُودِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ النُّكُولِ كَذَلِكَ عَلَيْهِ أَنْ يُثْبِتَ دُخُولَ الدَّيْنِ فِي الْوُجُودِ كَذَلِكَ ، وَإِذَا ثَبَتَ دُخُولُهُ فِي الْوُجُودِ طَالَبَهُ بِرَدِّهِ إلَيْهِ ، فَكَذَلِكَ فِي الْعَيْبِ يُطَالِبُهُ بِرَدِّ الثَّمَنِ وَرَدِّهِ ، فَإِذَا تَأَمَّلْت لَا فَرْقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَالْوَجْهُ مَا قَالَا مِنْ إلْزَامِ الْيَمِينِ عَلَى الْعِلْمِ وَنَفْيِ الْخِلَافِ كَمَا ذَكَرَ الْبَعْضُ ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ مَعْنًى لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ الْمَالُ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ لِرَجَاءِ النُّكُولِ ، وَكَوْنُهُ بِمُجَرَّدِ الْيَمِينِ لَا يَثْبُتُ الْمَالُ إلَّا بَعْدَ يَمِينٍ أُخْرَى عَلَى وُجُودِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ لَا يَضُرُّ ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَوَقَّفَ ثُبُوتُ الْحَلِفِ عَلَى أَمْرَيْنِ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ إثْبَاتِ كُلٍّ مِنْهُمَا ، ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ ) يَعْنِي نَفْسَهُ .

قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي إبَاقِ الْكَبِيرِ يَحْلِفُ مَا أَبَقَ مُنْذُ بَلَغَ مَبْلَغَ الرِّجَالِ ؛ لِأَنَّ الْإِبَاقَ فِي الصِّغَرِ لَا يُوجِبُ رَدَّهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ .
.

( إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي إبَاقِ ) الْعَبْدِ ( الْكَبِيرِ يَحْلِفُ ) الْبَائِعُ ( مَا أَبَقَ ) عِنْدِي ( مُنْذُ بَلَغَ مَبْلَغَ الرِّجَالِ ) ؛ لِأَنَّهُ عَسَاهُ أَبَقَ عِنْدَهُ فِي الصِّغَرِ فَقَطْ ثُمَّ أَبَقَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبُلُوغِ ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الرَّدَّ لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ، فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ الْحَلِفَ مَا أَبَقَ عِنْدَهُ قَطُّ أَضْرَرْنَا بِهِ وَأَلْزَمْنَاهُ مَا لَا يَلْزَمُهُ ، وَلَوْ لَمْ يَحْلِفْ أَصْلًا أَضْرَرْنَا بِالْمُشْتَرِي فَيَحْلِفُ كَمَا ذَكَرْنَا ، وَهَذَا فِي كُلِّ عَيْبٍ يُدَّعَى وَيُخْتَلَفُ فِيهِ الْحَالُ فِيمَا قَبْلَ الْبُلُوغَ وَبَعْدَهُ ، بِخِلَافِ مَا لَا يَخْتَلِفُ كَالْجُنُونِ ، وَقَدْ ظَهَرَ مِمَّا ذَكَرْنَا كَيْفِيَّةُ تَرْتِيبِ الْخُصُومَةِ فِي عَيْبِ الْإِبَاقِ وَنَحْوِهِ ، وَهُوَ كُلُّ عَيْبٍ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالتَّجْرِبَةِ وَالِاخْتِبَارِ كَالسَّرِقَةِ وَالْبَوْلِ فِي الْفِرَاشِ وَالْجُنُونِ وَالزِّنَا ، وَبَقِيَ أَصْنَافٌ أُخْرَى ذَكَرَهَا قَاضِي خَانْ هِيَ مَعَ .
مَا ذَكَرْنَا تَتِمَّةُ أَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ : الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ عَيْبًا ظَاهِرًا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ أَصْلًا مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ إلَى وَقْتِ الْخُصُومَةِ كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ وَالْعَمَى وَالنَّاقِصَةِ وَالسِّنِّ الشَّاعِبَةِ : أَيْ الزَّائِدَةِ .
فَالْقَاضِي فِيهِمَا يَقْضِي بِالرَّدِّ إذَا طَلَبَ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ تَحْلِيفٍ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي ، إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْبَائِعُ رِضَاهُ بِهِ أَوْ الْعِلْمَ بِهِ عِنْدَ الشِّرَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءَ مِنْهُ ، فَإِذَا ادَّعَاهُ سَأَلَ الْمُشْتَرِيَ ، فَإِنْ اعْتَرَفَ امْتَنَعَ الرَّدُّ ، وَإِنْ أَنْكَرَ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ ، فَإِنْ عَجَزَ يُسْتَحْلَفُ مَا عَلِمَ بِهِ وَقْتَ الْبَيْعِ أَوْ مَا رَضِيَ وَنَحْوُهُ ، فَإِنْ حَلَفَ رَدَّهُ ، وَإِنْ نَكَلَ امْتَنَعَ الرَّدُّ ، الثَّانِي أَنْ يَدَّعِيَ عَيْبًا بَاطِنًا لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْأَطِبَّاءُ كَوَجَعِ الْكَبِدِ وَالطِّحَالِ ، فَإِنْ اعْتَرَفَ بِهِ عِنْدَهُمَا رَدَّهُ ، وَكَذَا إذَا أَنْكَرَهُ فَأَقَامَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ أَوْ حَلَفَ

الْبَائِعُ فَنَكَلَ إلَّا إنْ ادَّعَى الرِّضَا فَيَعْمَلُ مَا ذَكَرْنَا ، وَإِنْ أَنْكَرَهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي يُرِيهِ طَبِيبَيْنِ مُسْلِمَيْنِ عَدْلَيْنِ وَالْوَاحِدُ يَكْفِي وَالِاثْنَانِ أَحْوَطُ ، فَإِذَا قَالَ بِهِ ذَلِكَ يُخَاصِمُهُ فِي أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ .
الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ عَيْبًا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءُ كَدَعْوَى الرَّتَقِ وَالْقَرَنِ وَالْعَفَلِ وَالثِّيَابَةِ وَقَدْ اشْتَرَى بِشَرْطِ الْبَكَارَةِ ، فَعَلَى هَذَا إلَّا أَنَّهُ إذَا أَنْكَرَ قِيَامَهُ فِي الْحَالِ أُرِيَتْ النِّسَاءَ وَالْمَرْأَةُ الْعَدْلُ كَافِيَةٌ ، فَإِذَا قَالَتْ : ثَيِّبًا أَوْ قَرْنَاءَ رُدَّتْ عَلَيْهِ بِقَوْلِهَا عِنْدَهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ ، وَإِذَا انْضَمَّ إلَيْهِ نُكُولُهُ عِنْدَ تَحْلِيفِهِ غَيْرَ أَنَّ الْقَرَنَ وَنَحْوَهُ إنْ كَانَ مِمَّا لَا يَحْدُثُ تُرَدُّ عِنْدَ قَوْلِ الْمَرْأَتَيْنِ هِيَ قَرْنَاءُ بِلَا خُصُومَةٍ فِي أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ لِلتَّيَقُّنِ بِذَلِكَ كَمَا فِي الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ رِضَاهُ فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا ، وَفِي شَرْحِ قَاضِي خَانْ : الْعَيْبُ إذَا كَانَ مُشَاهَدًا ، وَهُوَ مِمَّا لَا يَحْدُثُ يُؤْمَرُ بِالرَّدِّ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَحْدُثُ وَاخْتُلِفَ فِي حُدُوثِهِ فَالْبَيِّنَةُ لِلْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ الْخِيَارَ وَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْخِيَارَ ، وَهَذَا يُعْرَفُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ .
وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَادَّعَى أَنَّهَا خُنْثَى يَحْلِفُ الْبَائِعُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْظُرُ إلَيْهِ الرِّجَالُ وَلَا النِّسَاءُ ، وَلَوْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَقَالَ لَهُ الْبَائِعُ أَتَبِيعَهُ قَالَ نَعَمْ يَلْزَمُهُ ؛ لِأَنَّهُ عَرْضٌ عَلَى الْبَيْعِ ، وَلَوْ قَالَ بِعْهُ فَإِنْ لَمْ يُشْتَرَ رُدَّهُ عَلَيَّ فَعَرَضَهُ فَلَمْ يُشْتَرَ سَقَطَ الرَّدُّ ، وَلَوْ وَجَدَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ زُيُوفًا فَقَالَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ : أَنْفِقْهُ ، فَإِنْ لَمْ يَرُجْ رُدَّهُ عَلَيَّ فَأَنْفَقَ فَلَمْ يَرُجْ رَدَّهُ اسْتِحْسَانًا ، وَلَوْ كَانَ ثَوْبًا فَقَالَ هُوَ قَصِيرٌ فَقَالَ الْبَائِعُ أَرِهِ الْخَيَّاطَ .
فَإِنْ قَطَعَهُ وَإِلَّا رُدَّهُ فَفَعَلَ فَإِذَا هُوَ

قَصِيرٌ فَلَهُ الرَّدُّ ، اشْتَرَى لِمَيِّتٍ كَفَنًا ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا لَا يَرُدُّهُ وَلَا يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ حَتَّى يَحْدُثَ بِهِ عَيْبٌ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ ، وَفِي الْقُنْيَةِ : لَوْ وَجَدَهُ مَعِيبًا فَخَاصَمَ بَائِعَهُ فِيهِ ثُمَّ تَرَكَ الْخُصُومَةَ أَيَّامًا ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا فَقَالَ لَهُ بَائِعُهُ : لِمَ سَكَتَّ عَنْ الْخُصُومَةِ مُدَّةً ؟ فَقَالَ : لِأَنْظُرَ أَنَّهُ يَزُولُ أَوْ لَا فَلَهُ رَدُّهُ ، كَذَا فِي الْمُجْتَبَى ، .

( قَالَ : وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَتَقَابَضَا فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَقَالَ الْبَائِعُ : بِعْتُك هَذِهِ وَأُخْرَى مَعَهَا وَقَالَ الْمُشْتَرِي : بِعْتنِيهَا وَحْدَهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي ) ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي مِقْدَارِ الْمَقْبُوضِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لِلْقَابِضِ كَمَا فِي الْغَصْبِ ( وَكَذَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى مِقْدَارِ الْمَبِيعِ وَاخْتَلَفَا فِي الْمَقْبُوضِ ) لِمَا بَيَّنَّا .
.
( قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً ) أَوْ غَيْرَهَا مِنْ الْأَعْيَانِ ( وَتَقَابَضَا ) فَقَبَضَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ وَالْمُشْتَرِي الْجَارِيَةَ ( فَوَجَدَ بِهَا ) الْمُشْتَرِي ( عَيْبًا ) فَجَاءَ لِيَرُدَّهُ فَاعْتَرَفَ الْبَائِعُ بِمَا وَجَبَ الرَّدُّ إلَّا أَنَّهُ ( قَالَ بِعْتُك هَذِهِ وَأُخْرَى مَعَهَا ) وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ عَلَى رَدِّ حِصَّةِ هَذِهِ فَقَطْ لَا كُلِّ الثَّمَنِ ( وَقَالَ الْمُشْتَرِي بِعْتنِيهَا وَحْدَهَا ) فَارْدُدْ جَمِيعَ الثَّمَنِ وَلَا بَيِّنَةَ لِأَحَدٍ ( فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ هَذَا اخْتِلَافٌ فِي مِقْدَارِ الْمَقْبُوضِ ، وَالْقَوْلُ ) فِيهِ ( قَوْلُ الْقَابِضِ ) أَمِينًا كَانَ أَوْ ضَمِينًا ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ زِيَادَةً يَدَّعِيهَا عَلَيْهِ الْبَائِعُ ؛ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ انْفَسَخَ فِي الْمَرْدُودِ بِالرَّدِّ ، وَذَلِكَ سَقْطٌ لِلثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرِي ، وَالْبَائِعُ يَدَّعِي لِنَفْسِهِ بَعْضَ الثَّمَنِ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا ظَهَرَ سَبَبُ السُّقُوطِ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ، وَصَارَ ( كَالْغَصْبِ ) إذَا ادَّعَى الْمَغْصُوبُ مِنْهُ أَنَّهُ غَصَبَهُ هَذَا مَعَ آخَرَ أَوْ حَدَثَ فِيهِ زِيَادَةٌ فَأَنْكَرَ الْغَاصِبُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ( وَكَذَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى مِقْدَارِ الْمَبِيعِ ) بِأَنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْمَبِيعَ جَارِيَتَانِ ثُمَّ قَالَ الْبَائِعُ : قَبَضْتَهُمَا وَإِنَّمَا تَسْتَحِقُّ حِصَّةَ هَذِهِ وَقَالَ الْمُشْتَرِي : لَمْ أَقْبِضْ مِنْ الْمَبِيعِ سِوَى هَذِهِ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي ( لِمَا ) بَيَّنَّا ( مِنْ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْقَابِضِ ) ، .

قَالَ ( وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَقَبَضَ أَحَدَهُمَا وَوَجَدَ بِالْآخَرِ عَيْبًا فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُمَا أَوْ يَدْعُهُمَا ) ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَتِمُّ بِقَبْضِهِمَا فَيَكُونُ تَفْرِيقُهَا قَبْلَ التَّمَامِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ لَهُ شَبَهٌ بِالْعَقْدِ فَالتَّفْرِيقُ فِيهِ كَالتَّفْرِيقِ فِي الْعَقْدِ وَلَوْ وَجَدَ بِالْمَقْبُوضِ عَيْبًا اخْتَلَفُوا فِيهِ .
وَيُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَرُدُّهُ خَاصَّةً ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَأْخُذُهُمَا أَوْ يَرُدُّهُمَا ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الصَّفْقَةِ تَعَلَّقَ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ وَهُوَ اسْمٌ لِلْكُلِّ فَصَارَ كَحَبْسِ الْمَبِيعِ لَمَّا تَعَلَّقَ زَوَالُهُ بِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ لَا يَزُولُ دُونَ قَبْضِ جَمِيعِهِ ( وَلَوْ قَبَضَهُمَا ثُمَّ وَجَدَ ) بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا يَرُدُّهُ خَاصَّةً خِلَافًا لِزُفَرَ .
هُوَ يَقُولُ : فِيهِ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ وَلَا يَعْرَى عَنْ ضَرَرٍ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِضَمِّ الْجَيِّدِ إلَى الرَّدِيءِ فَأَشْبَهَ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَخِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ .
وَلَنَا أَنَّهُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ بَعْدَ التَّمَامِ ؛ لِأَنَّ بِالْقَبْضِ تَتِمُّ الصَّفْقَةُ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ وَفِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ لَا تَتِمُّ بِهِ عَلَى مَا مَرَّ وَلِهَذَا لَوْ اُسْتُحِقَّ أَحَدُهُمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْآخَرَ .
.

قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ ( أَوْ ثَوْبَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَقَبَضَ أَحَدَهُمَا وَوَجَدَ بِالْآخَرِ ) الَّذِي لَمْ يَقْبِضْ ( عَيْبًا فَإِنَّهُ بِالْخِيَارِ ) إنْ شَاءَ أَخَذَهُمَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُمَا ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ السَّلِيمَ وَيَرُدَّ الْمَعِيبَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ( لِأَنَّ الصَّفْقَةَ إنَّمَا تَتِمُّ بِقَبْضِهِمَا ) ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَتِمُّ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ ، وَلَمْ يُوجَدْ ( فَيَكُونُ رَدُّ أَحَدِهِمَا وَحْدَهُ ) تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ ، ( وَهَذَا ) أَيْ كَوْنُ رَدِّ أَحَدِهِمَا بَعْدَ قَبْضِ أَحَدِهِمَا فَقَطْ تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ قَبْلَ تَمَامِهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَفْرِيقَهَا قَبْلَ الْقَبْضِ كَتَفْرِيقِهَا فِي نَفْسِ الْعَقْدِ فِيمَا إذَا قَالَ : بِعْتُكَهُمَا بِأَلْفٍ فَقَالَ : قَبِلْتُ فِي هَذَا بِخَمْسِمِائَةٍ ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ( لِأَنَّ الْقَبْضَ لَهُ شَبَهٌ بِالْعَقْدِ ) ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ مِلْكَ التَّصَرُّفِ كَمَا يُثْبِتُ الْعَقْدُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ ؛ وَلِأَنَّهُ أَعْنِي الْقَبْضَ مُؤَكِّدٌ لِمَا أَثْبَتَهُ الْعَقْدُ ، حَتَّى أَنَّ الشُّهُودَ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا رَجَعُوا يَضْمَنُونَ نِصْفَ الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ بِتَمْكِينِهَا ابْنَ الزَّوْجِ وَنَحْوِهِ ، فَالشُّهُودُ بِشَهَادَتِهِمْ أَكَّدُوا لُزُومَهُ وَحَقَّقُوهُ وَمَا قُبِلَ فِي تَمَامِهِ ، وَحُكْمُ الْمُشَبَّهِ حُكْمُ الْمُشَبَّهِ بِهِ ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ لِلنَّارِ وَعَلَى النَّجَاسَةِ حَرَامٌ ، وَلَوْ صَلَّى وَبَيْنَ يَدَيْهِ نَارٌ وَبِقُرْبِهِ نَجَاسَةٌ كَانَ مَكْرُوهًا لَيْسَ تَمْثِيلًا صَحِيحًا فَإِنَّ الثَّابِتَ الْكَرَاهَةُ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَهُ لَوْ ثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ .
هَذَا إذَا كَانَ الْعَيْبُ فِي غَيْرِ الْمَقْبُوضِ ( فَإِنْ وُجِدَ الْعَيْبُ فِي الْمَقْبُوضِ اخْتَلَفُوا فِيهِ ، يُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرُدُّهُ خَاصَّةً ) ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَامَّةٌ فِي الْمَقْبُوضِ ( وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَأْخُذُهُمَا أَوْ يَرُدُّهُمَا ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الصَّفْقَةِ تَعَلَّقَ بِقَبْضِ

الْمَبِيعِ وَهُوَ اسْمٌ لِكُلِّهِ ) فَمَا لَمْ يَقْبِضْ الْكُلَّ لَا تَتِمُّ فَيَكُونُ تَفْرِيقًا قَبْلَ التَّمَامِ ( وَصَارَ تَمَامُ الصَّفْقَةِ كَحَبْسِ الْبَيْعِ لَمَّا تَعَلَّقَ زَوَالُهُ بِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ لَا يَزُولُ ) الْحَبْسُ ( دُونَ قَبْضِ جَمِيعِهِ ) حَتَّى لَوْ بَقِيَ مِنْ الثَّمَنِ دِرْهَمٌ كَانَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ الْمَبِيعَ عَلَيْهِ ، وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي : أَنَا أُمْسِكُ الْمَعِيبَ وَآخُذُ النُّقْصَانَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ( فَ ) أَمَّا ( لَوْ ) كَانَ ( قَبَضَهُمَا ) أَعْنِي الْعَبْدَيْنِ ( ثُمَّ وَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا ) فَإِنَّ لَهُ أَنْ ( يَرُدَّهُ خَاصَّةً خِلَافًا لِزُفَرَ ، هُوَ يَقُولُ : فِيهِ ) أَيْ فِي رَدِّهِ وَحْدَهُ ( تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ ، وَلَا يَعْرَى عَنْ ضَرَرٍ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ ضَمُّ الْجَيِّدِ إلَى الرَّدِيءِ ) لِتَرْوِيجِ الرَّدِيءِ ، وَفِي إلْزَامِهِ الْمَعِيبَ وَحْدَهُ إلْزَامُ هَذَا الضَّرَرِ فَاسْتَوَى مَا قَبْلَ قَبْضِهِمَا وَمَا بَعْدَهُ فِي تَحَقُّقِ الْمَانِعِ مِنْ رَدِّهِ وَحْدَهُ ( وَأَشْبَهَ خِيَارَ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ ) فِي أَنَّ الصَّفْقَةَ لَا تَتِمُّ إذَا كَانَ فِيهَا أَحَدُ الْخِيَارَيْنِ هَكَذَا ذُكِرَ خِلَافُ زُفَرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ ، وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي التَّقْرِيبِ : قَالَ أَصْحَابُنَا ؛ إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ صَفْقَةً فَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا بَعْدَ الْقَبْضِ رَدَّهُ خَاصَّةً ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ رَدَّهُمَا ، وَقَالَ زُفَرُ : يَرُدُّ الْمَعِيبَ فِي الْوَجْهَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ صَحَّ فِيهِمَا وَالْعَيْبُ وُجِدَ بِأَحَدِهِمَا فَصَارَ كَمَا بَعْدَ الْقَبْضِ ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُخْتَلِفِ وَالْمَنْظُومَةِ مِثْلَ مَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ عَلَى خِلَافِ مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ عَنْ زُفَرَ ( وَلَنَا أَنَّهُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ بَعْدَ التَّمَامِ ؛ لِأَنَّ بِالْقَبْضِ يَتِمُّ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ ، بِخِلَافِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ ) وَالتَّفْرِيقُ بَعْدَ التَّمَامِ جَائِزٌ شَرْعًا .
بِدَلِيلِ أَنَّهُ ( لَوْ اُسْتُحِقَّ أَحَدُهُمَا ) بَعْدَ الْقَبْضِ ( لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ

الْآخَرَ ) بَلْ يَرْجِعُ بِحِصَّةِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَى الْبَائِعِ مَعَ أَنَّهُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي ، وَالضَّرَرُ الَّذِي لَزِمَ الْبَائِعَ جَاءَ مِنْ تَدْلِيسِهِ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْبَائِعَ عَالِمٌ بِحَالِ الْمَبِيعِ وَصَارَ كَمَا لَوْ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ ثَمَنًا أَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ فِي أَحَدِهِمَا لِنَفْسِهِ ، ثُمَّ هَذَا فِيمَا يُمْكِنُ إفْرَادُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فِي الِانْتِفَاعِ كَالْعَبْدَيْنِ ، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْعَادَةِ كَنَعْلَيْنِ أَوْ خُفَّيْنِ أَوْ مِصْرَاعَيْ بَابٍ فَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا ، فَإِنَّهُ يَرُدُّهُمَا أَوْ يُمْسِكُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّهُمَا فِي الْمَعْنَى وَالْمَنْفَعَةِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ ، وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْمَعْنَى ، وَفِي الْإِيضَاحِ وَالْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ : وَلِهَذَا قَالَ مَشَايِخُنَا لَوْ اشْتَرَى زَوْجَيْ ثَوْرٍ وَقَبَضَهُمَا ثُمَّ وَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا وَقَدْ أَلِفَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِحَيْثُ لَا يَعْمَلُ دُونَهُ لَا يَمْلِكُ رَدَّ الْمَعِيبِ خَاصَّةً ، .

( قَالَ : وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَوَجَدَ بِبَعْضِهِ عَيْبًا رَدَّهُ كُلَّهُ أَوْ أَخَذَهُ كُلَّهُ ) وَمُرَادُهُ بَعْدَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ الْمَكِيلَ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَهُوَ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ ؛ أَلَا يُرَى أَنَّهُ يُسَمَّى بِاسْمٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْكُرُّ وَنَحْوُهُ .
وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَ فِي وِعَاءٍ وَاحِدٍ ، فَإِذَا كَانَ فِي وِعَاءَيْنِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ عَبْدَيْنِ حَتَّى يَرُدَّ الْوِعَاءَ الَّذِي وَجَدَ فِيهِ الْعَيْبَ دُونَ الْآخَرِ ( وَلَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُهُ فَلَا خِيَارَ لَهُ فِي رَدِّ مَا بَقِيَ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ ، وَالِاسْتِحْقَاقُ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ ؛ لِأَنَّ تَمَامَهَا بِرِضَا الْعَاقِدِ لَا بِرِضَا الْمَالِكِ ، وَهَذَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ ، أَمَّا لَوْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ مَا بَقِيَ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ .
قَالَ ( وَإِنْ كَانَ ثَوْبًا فَلَهُ الْخِيَارُ ) ؛ لِأَنَّ التَّشْقِيصَ فِيهِ عَيْبٌ وَقَدْ كَانَ وَقْتَ الْبَيْعِ حَيْثُ ظَهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ ، بِخِلَافِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ .
.

( قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِمَّا يُكَالُ ) كَالْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ ( أَوْ يُوزَنُ ) كَالسَّمْنِ وَالزَّعْفَرَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ( فَوَجَدَ بِبَعْضِهِ عَيْبًا رَدَّهُ كُلَّهُ أَوْ أَخَذَهُ كُلَّهُ ، وَمُرَادُهُ ) إذَا كَانَ الِاطِّلَاعُ عَلَى الْعَيْبِ ( بَعْدَ الْقَبْضِ ) أَمَّا لَوْ كَانَ قَبْلَهُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَغَيْرِهِمَا كَالثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ مِنْ أَنَّهُ يَرُدُّ الْكُلَّ أَوْ يَحْبِسُ الْكُلَّ ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ رَدُّ الْمَعِيبِ خَاصَّةً فِي غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ دُونَهُمَا ، وَإِنَّمَا قُلْنَا بَعْدَ الْقَبْضِ يَرُدُّ الْكُلَّ ( لِأَنَّ الْمَكِيلَ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ ) كَالْحِنْطَةِ أَوْ الشَّعِيرِ ( فَهُوَ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ ) فَإِنَّ الِانْتِفَاعَ وَالتَّقَوُّمَ لَا يَتَحَقَّقُ بِآحَادِ حَبَّاتِ الْقَمْحِ مُنْفَرِدَةً بَلْ مُجْتَمِعَةً فَكَانَتْ الْآحَادُ الْمُتَعَدِّدَةُ مِنْهَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ ثَوْبٌ أَوْ بِسَاطٌ وَنَحْوُهُ ( أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُسَمَّى ) الْمُتَعَدِّدُ مِنْهُ الْمُجْتَمِعُ ( بِاسْمٍ وَاحِدٍ كَالْكُرِّ ) وَالْوَسْقِ وَالصُّبْرَةِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ رَدِّ الْبَعْضِ خَاصَّةً كَمَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ رَدِّ بَعْضِ الثَّوْبِ ، بِخِلَافِ الثَّوْبَيْنِ وَالْعَبْدَيْنِ فَإِنَّهُ بَعْدَ قَبْضِهِمَا يَرُدُّ الْمَعِيبَ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّهُمَا شَيْئَانِ حَقِيقَةً وَتَقَوُّمًا وَانْتِفَاعًا لَا يُوجِبُ إفْرَادُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ عَيْبًا حَادِثًا فِيهِ ( قِيلَ هَذَا ) يَعْنِي كَوْنَهُ يَرُدُّ الْكُلَّ ( إذَا كَانَ فِي وِعَاءٍ وَاحِدٍ ) أَمَّا ( لَوْ كَانَ فِي وِعَاءَيْنِ ) كَمَا إذَا اشْتَرَى عِدْلَيْ حِنْطَةٍ صَفْقَةً فَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا فَإِنَّهُ يَرُدُّ ذَلِكَ الْعِدْلَ خَاصَّةً .
كَمَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ قَالَ : لِأَنَّ تَمْيِيزَ الْمَعِيبِ مِنْ غَيْرِهِ يُوجِبُ زِيَادَةَ عَيْبٍ فِي الْمَعِيبِ ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ مُخْتَلِطًا بِالْجَيِّدِ يَكُونُ أَخَفَّ عَيْبًا مِمَّا إذَا انْفَرَدَ ، فَلَوْ رُدَّ كَانَ مَعَ عَيْبٍ حَادِثٍ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي وِعَاءَيْنِ فَرَدَّ

أَحَدَهُمَا بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ زِيَادَةَ عَيْبٍ ، قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ : هَذَا التَّأْوِيلُ يَصِحُّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً .
وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، فَإِنَّهُ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُجَرَّدِ أَنَّ رَجُلًا لَوْ اشْتَرَى أَعْدَالًا مِنْ تَمْرٍ فَوَجَدَ بِعِدْلٍ مِنْهَا عَيْبًا ، فَإِنْ كَانَ التَّمْرُ كُلُّهُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمَعِيبَ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّ التَّمْرَ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ شَيْءٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ بَعْضَهُ دُونَ بَعْضٍ ، وَذَكَرَ النَّاطِفِيُّ رِوَايَةَ بِشْرِ بْنِ الْوَلِيدِ : لَوْ اشْتَرَى زِقَّيْنِ مِنْ سَمْنٍ أَوْ سَلَّتَيْنِ مِنْ زَعْفَرَانٍ أَوْ حِمْلَيْنِ مِنْ الْقُطْنِ أَوْ الشَّعِيرِ وَقَبَضَ الْجَمِيعَ لَهُ رَدُّ الْمَعِيبِ خَاصَّةً إلَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا وَالْآخَرُ سَوَاءً ، فَإِمَّا أَنْ يَرُدَّهُ كُلَّهُ أَوْ يَتْرُكَ كُلَّهُ ، فَقَدْ رَأَيْت كَيْفَ جَعَلَ التَّمْرَ أَجْنَاسًا مَعَ أَنَّ الْكُلَّ جِنْسُ التَّمْرِ ، فَعَلَى هَذَا يَتَقَيَّدُ الْإِطْلَاقُ أَيْضًا فِي نَحْوِ الْحِنْطَةِ فَإِنَّهَا تَكُونُ صَعِيدِيَّةً وَبَحْرِيَّةً ، وَهُمَا جِنْسَانِ يَتَفَاوَتَانِ فِي الثَّمَنِ وَالْعَجِينِ ، وَيَتَقَيَّدُ إطْلَاقُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّ فِي الْأَعْدَالِ يَرُدُّ الْمَعِيبَ خَاصَّةٌ بِأَنَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ بَاقِي الْأَعْدَالِ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْجِنْسِ مِمَّا هُوَ مُنْدَرِجٌ تَحْتَ مُطْلَقِ جِنْسِهِ بِأَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْأَعْدَالِ بَرْنِيًّا وَبَعْضُهَا لِبَانَةً فَيَرُدُّ ذَلِكَ خَاصَّةً ، أَمَّا إذَا كَانَ الْأَعْدَالُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ بِأَنْ يَكُونَ كُلُّهَا بَرْنِيًّا أَوْ صَيْحَانِيًّا أَوْ لِبَانَةً أَوْ عِرَاقِيَّةً فَيَرُدُّ الْكُلَّ وَالصُّبْرَةُ كَالْعِدْلِ الْوَاحِدِ وَإِنْ كَثُرَتْ لِجَرَيَانِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ وَجْهِ مَنْعِ رَدِّ الْمَعِيبِ وَحْدَهُ فِيهَا .
( قَوْلُهُ وَلَوْ اسْتَحَقَّ بَعْضَهُ ) أَيْ بَعْضَ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي فِي رَدِّ مَا بَقِيَ بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ لَا يَرُدَّهُ ، وَرُوِيَ عَنْ

أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ لَهُ رَدُّهُ دَفْعًا لِضَرَرِ مُؤْنَةِ الْقِسْمَةِ ( وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ ) لَا فِي الْقِيمَةِ وَلَا فِي الْمَنْفَعَةِ ، أَمَّا فِي الْقِيمَةِ فَإِنَّ الْمُدَّ مِنْ الْقَمْحِ يُبَاعُ عَلَى وِزَانِ مَا يُبَاعُ بِهِ الْإِرْدَبُّ وَالْغِرَارَةُ ، وَأَمَّا فِي الْمَنْفَعَةِ فَظَاهِرٌ فَلَا يَتَضَرَّرُ بِهِ ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ مِمَّا يُفْصَلُ يَصِيرُ مَعِيبًا بِتَبْعِيضِهِ فَإِنَّ الْفَضْلَةَ مِنْ الثَّوْبِ كَالذِّرَاعِ إذَا نُودِيَ عَلَيْهِ فِي السُّوقِ لَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ مُتَّصِلًا بِبَاقِي الثَّوْبِ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُفْصَلُ كَالْعَبْدِ يَصِيرُ مَعِيبًا بِعَيْبِ الشَّرِكَةِ ، بِخِلَافِ الْمَكِيلِ لَا يَتَعَيَّبُ بِالشَّرِكَةِ فَإِنَّهُمَا إنْ شَاءَا اقْتَسَمَاهُ فِي الْحَالِ وَانْتَفَعَ كُلٌّ بِنَصِيبِهِ كَمَا يَجِبُ وَمُؤْنَةُ الْقِسْمَةِ خَفِيفَةٌ وَقَدْ تَكُونُ بِكَيْلِ عَبْدِهِمَا وَغُلَامِهِمَا ( وَقَوْلُهُ وَالِاسْتِحْقَاقُ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ هُوَ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ رَدُّ مَا بَقِيَ فِي صُورَةِ الِاسْتِحْقَاقِ كَيْ لَا يَلْزَمَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي لِلْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ ، فَأَجَابَ بِأَنَّ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ إنَّمَا يَمْتَنِعُ قَبْلَ التَّمَامِ لَا بَعْدَهُ ، وَقَدْ تَحَقَّقَ تَمَامُ هَذِهِ الصَّفْقَةِ حَيْثُ تَحَقَّقَ الْقَبْضُ وَلَمْ يَظْهَرْ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا الِاسْتِحْقَاقُ ، وَالِاسْتِحْقَاقُ ( لَا يَمْنَعُ تَمَامَهَا ؛ لِأَنَّ تَمَامَهَا بِرِضَا الْعَاقِدِ ) وَقَدْ تَحَقَّقَ ( لَا بِرِضَا الْمَالِكِ ) يَعْنِي الْمُسْتَحِقَّ ، وَلِذَا قُلْنَا : إذَا أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ لِبَدَلِ الصَّرْفِ وَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ بَعْدَ افْتِرَاقِ الْعَاقِدَيْنِ يَبْقَى الْعَقْدُ صَحِيحًا فَعُلِمَ أَنَّ تَمَامَ الْعَقْدِ يَسْتَدْعِي تَمَامَ رِضَا الْعَاقِدِ لَا الْمَالِكِ ، وَقَوْلُهُ ( وَهَذَا ) أَيْ كَوْنُ الِاسْتِحْقَاقِ لَا يُوجِبُ خِيَارَ الرَّدِّ ( إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ ، أَمَّا إذَا كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ ) عَلَيْهِ ( قَبْلَ التَّمَامِ

) ؛ لِأَنَّ تَمَامَهُ بَعْدَ الرِّضَا بِالْقَبْضِ ( وَلَوْ كَانَ ) الْمُسْتَحَقُّ ( ثَوْبًا ) وَنَحْوَهُ كَعَبْدٍ وَكِتَابٍ ( فَلَهُ الْخِيَارُ ؛ لِأَنَّ التَّشْقِيصَ فِي الثَّوْبِ عَيْبٌ ) وَالشَّرِكَةُ فِي الْعَبْدِ عَيْبٌ فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ رَدِّ الْكُلِّ أَوْ بَقَائِهِ شَرِيكًا ، لَا يُقَالُ : يَنْبَغِي أَنْ لَا يَثْبُتَ لَهُ خِيَارُ رَدِّ الْكُلِّ ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ بِالِاسْتِحْقَاقِ ، وَأَجَابَ بِقَوْلِهِ ( وَقَدْ كَانَ ) إلَى آخِرِهِ : أَيْ هَذَا الْعَيْبُ : أَعْنِي عَيْبَ الشَّرِكَةِ كَانَ ثَابِتًا ( وَقْتَ الْبَيْعِ ) وَإِنَّمَا تَأَخَّرَ ظُهُورُهُ ، وَالظُّهُورُ فَرْعُ سَابِقَةِ الثُّبُوتِ فَلَمْ يَحْدُثْ الْعَيْبُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَلْ ظَهَرَ عِنْدَهُ فَلَمْ يَمْنَعْ الرَّدَّ ، بِخِلَافِ تَمْيِيزِ الْجَيِّدِ مِنْ الرَّدِيءِ فِي الْمَكِيلِ إذَا كَانَ فِي وِعَاءٍ وَاحِدٍ أَوْ كَانَ صُبْرَةً فَإِنَّهُ عَيْبٌ حَدَثَ عِنْدَهُ فَلَا يُمْكِنُهُ إلَّا رَدُّ الْكُلِّ ، .

( قَالَ : وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَجَدَ بِهَا قُرْحًا فَدَاوَاهُ أَوْ كَانَتْ دَابَّةً فَرَكِبَهَا فِي حَاجَةٍ فَهُوَ رِضًا ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دَلِيلُ قَصْدِهِ الِاسْتِبْقَاءَ بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ هُنَاكَ لِلِاخْتِبَارِ وَأَنَّهُ بِالِاسْتِعْمَالِ فَلَا يَكُونُ الرُّكُوبُ مُسْقِطًا ( وَإِنْ رَكِبَهَا لِيَرُدَّهَا عَلَى بَائِعِهَا أَوْ لِيَسْقِيَهَا أَوْ لِيَشْتَرِيَ لَهَا عَلَفًا فَلَيْسَ بِرِضًا ) أَمَّا الرُّكُوبُ لِلرَّدِّ ؛ فَلِأَنَّهُ سَبَبُ الرَّدِّ وَالْجَوَابُ فِي السَّقْيِ وَاشْتِرَاءِ الْعَلَفِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْهُ ، إمَّا لِصُعُوبَتِهَا أَوْ لِعَجْزِهِ أَوْ لِكَوْنِ الْعَلَفِ فِي عِدْلٍ وَاحِدٍ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ يَجِدُ بُدًّا مِنْهُ لِانْعِدَامِ مَا ذَكَرْنَاهُ يَكُونُ رِضًا .
.

( قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَجَدَ بِهَا قُرْحًا ) وَنَحْوَهُ مِنْ مَرَضٍ أَوْ عَرَضٍ فَدَاوَاهَا ( أَوْ كَانَتْ دَابَّةً فَرَكِبَهَا فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ ( حَاجَتِهِ فَهُوَ رِضًا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دَلِيلُ قَصْدِ الِاسْتِبْقَاءِ ، بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ ) إذَا رَكِبَ فِيهِ مَرَّةً لِحَاجَةِ نَفْسِهِ أَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ مَرَّةً لَا يَكُونُ مُسْقِطًا لِلْخِيَارِ ( لِأَنَّ ذَلِكَ ) الْخِيَارَ ( لِلِاخْتِبَارِ وَهُوَ بِالِاسْتِعْمَالِ فَلَا يَكُونُ رُكُوبُهُ ) لِحَاجَتِهِ مَرَّةً أَوْ الِاسْتِخْدَامِ مَرَّةً ( مُسْقِطًا ) .
لَهُ فَصَارَ جِنْسُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ مِنْ الْمُشْتَرِي يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ يَمْنَعُ الرَّدَّ وَالْأَرْشَ ، فَمِنْ ذَلِكَ الْعَرْضُ عَلَى الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةُ وَاللُّبْسُ وَالرُّكُوبُ لِحَاجَتِهِ وَالْمُدَاوَاةُ وَالدَّهْنُ وَالْكِتَابَةُ وَالِاسْتِخْدَامُ وَلَوْ مَرَّةً بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ ، بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّ الْأُولَى لِلِاخْتِيَارِ الَّذِي لِأَجْلِهِ شُرِعَ الْخِيَارُ فَلَمْ تَكُنْ الْأُولَى دَلِيلَ الرِّضَا ، أَمَّا خِيَارُ الْعَيْبِ فَشَرْعِيَّتُهُ لِلرَّدِّ لِيَصِلَ الْمُشْتَرِي إلَى رَأْسِ مَالِهِ إذَا عَجَزَ عَنْ وُصُولِ الْجُزْءِ الْفَائِتِ إلَيْهِ ، فَبِالْمَرَّةِ الْأُولَى فِيهِ لَا يَصْرِفُهَا عَنْ كَوْنِهَا دَلِيلَ الرِّضَا صَارِفٌ هَذَا بِالِاتِّفَاقِ ، إنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَخَّرَ الرَّدَّ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بِالتَّرَاضِي أَوْ بِالْخُصُومَةِ بِأَنْ كَانَ هُنَاكَ حَاكِمٌ فَلَمْ يَفْعَلْ ، وَلَمْ يَفْعَلْ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا ؛ فَعِنْدَنَا لَا يَبْطُلُ خِيَارُ الرَّدِّ مِنْهُ ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَبْطُلُ وَالتَّقْيِيدُ بِحَاجَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ .
( لَوْ رَكِبَهَا لِيَسْقِيَهَا أَوْ يَرُدَّهَا عَلَى بَائِعِهَا أَوْ يَشْتَرِيَ لَهَا عَلَفًا فَلَيْسَ بِرِضًا ) وَلَهُ الرَّدُّ بَعْدَ ذَلِكَ ( أَمَّا الرُّكُوبُ لِلرَّدِّ فَإِنَّهُ سَبَبُ الرَّدِّ ) فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَرْكَبْهَا احْتَاجَ إلَى سَوْقِهَا فَرُبَّمَا لَا

تَنْقَادُ أَوْ تُتْلِفُ مَالًا فِي الطَّرِيقِ لِلنَّاسِ وَلَا يَحْفَظُهَا عَنْ ذَلِكَ إلَّا الرُّكُوبُ ( وَالْجَوَابُ فِي السَّقْيِ وَشِرَاءِ الْعَلَفِ مَحْمُولٌ عَلَى حَاجَتِهِ ) إلَى ذَلِكَ فِيهِمَا ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ صَعْبَةً ، فَفِي قَوْدِهَا لِيَسْقِيَهَا أَوْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا عَلَفَهَا مَا ذَكَرْنَاهُ مَعَ كَوْنِهِ قَدْ يَكُونُ عَاجِزًا عَنْ الْمَشْيِ ( أَوْ لِكَوْنِ الْعَلَفِ فِي عِدْلٍ وَاحِدٍ ) فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ حَمْلِهَا عَلَيْهَا إلَّا إذَا كَانَ رَاكِبًا ، وَتَقْيِيدُهُ بِعِدْلٍ وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي عِدْلَيْنِ فَرَكِبَهَا يَكُونُ الرُّكُوبُ رِضًا ، ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الِاحْتِمَالَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَا فِي رُكُوبِهَا لِلسَّقْيِ أَنَّهَا لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ مَعَهَا تَجْرِي فِيمَا إذَا كَانَ الْعَلَفُ فِي عِدْلَيْنِ ثُمَّ رَكِبَهَا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُطْلِقَ امْتِنَاعَ الرَّدِّ إذَا كَانَ الْعَلَفُ فِي عِدْلَيْنِ .
وَلَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْبَائِعُ : رَكِبْتَهَا لِحَاجَةِ نَفْسِكَ ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي : لِأَرُدَّهَا عَلَيْك فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي ، فَأَمَّا لَوْ قَالَ الْبَائِعُ رَكِبْتهَا لِلسَّقْيِ بِلَا حَاجَةٍ ؛ لِأَنَّهَا تَنْقَادُ وَهِيَ ذَلُولٌ يَنْبَغِي أَنْ يُسْمَعَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُسَوِّغَ لِلرُّكُوبِ بِلَا إبْطَالِ حَقِّ الرَّدِّ خَوْفُ الْمُشْتَرِي مِنْ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا لَا حَقِيقَةَ الْجُمُوحِ وَالصُّعُوبَةِ ، وَالنَّاسُ يَخْتَلِفُونَ فِي تَخَيُّلِ أَسْبَابِ الْخَوْفِ ، فَرُبَّ رَجُلٌ لَا يَخْطُرُ بِخَاطِرِهِ شَيْءٌ مِنْ تِلْكَ الْأَسْبَابِ وَآخَرُ بِخِلَافِهِ ، نَعَمْ لَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا عَلَفًا لِغَيْرِهَا كَانَ رِضًا رَكِبَهَا أَوْ لَمْ يَرْكَبْهَا .
[ فَرْعٌ ] وَجَدَ بِالدَّابَّةِ عَيْبًا فِي السَّفَرِ وَهُوَ يَخَافُ عَلَى حِمْلِهِ عَلَيْهَا وَيَرُدُّ بَعْدَ انْقِضَاءِ سَفَرِهِ وَهُوَ مَعْذُورٌ ، .

قَالَ ( وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا قَدْ سَرَقَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَقُطِعَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَأْخُذَ الثَّمَنَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ .
وَقَالَا : يَرْجِعُ بِمَا بَيْنَ قِيمَتِهِ سَارِقًا إلَى غَيْرِ سَارِقٍ ) وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قُتِلَ بِسَبَبٍ وُجِدَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ عِنْدَهُ وَبِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ عِنْدَهُمَا .
لَهُمَا أَنَّ الْمَوْجُودَ فِي يَدِ الْبَائِعِ سَبَبُ الْقَطْعِ وَالْقَتْلِ وَأَنَّهُ لَا يُنَافِي الْمَالِيَّةَ فَنَفَذَ الْعَقْدُ فِيهِ لَكِنَّهُ مُتَعَيِّبٌ فَيَرْجِعُ بِنُقْصَانِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّهِ وَصَارَ كَمَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً حَامِلًا فَمَاتَتْ فِي يَدِهِ بِالْوِلَادَةِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِفَضْلِ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا حَامِلًا إلَى غَيْرِ حَامِلٍ .
وَلَهُ أَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَالْوُجُوبُ يُفْضِي إلَى الْوُجُودِ فَيَكُونُ الْوُجُودُ مُضَافًا إلَى السَّبَبِ السَّابِقِ ، وَصَارَ كَمَا إذَا قُتِلَ الْمَغْصُوبُ أَوْ قُطِعَ بَعْدَ الرَّدِّ بِجِنَايَةٍ وُجِدَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْمَسْأَلَةِ مَمْنُوعَةٌ .
.

قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا قَدْ سَرَقَ ) عِنْدَ الْبَائِعِ ، وَعَلَى مَا ذَكَرْنَا مِمَّا وَقَعَ فِي الْمُطَارَحَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَسْرِقَ عِنْدَ الْبَائِعِ أَوْ غَيْرِهِ ( وَلَمْ يَعْلَمْ ) الْمُشْتَرِي ( بِهِ ) أَيْ بِفِعْلِهِ السَّرِقَةَ لَا وَقْتَ الْبَيْعِ وَلَا وَقْتَ الْقَبْضِ وَسَتَأْتِي فَائِدَةُ هَذَا الْقَيْدِ ( فَقُطِعَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ ) عَلَى بَائِعِهِ ( وَيَأْخُذَ الثَّمَنَ ) كُلَّهُ مِنْهُ ( عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) هَكَذَا فِي عَامَّةِ شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ .
وَفِي رِوَايَاتِ الْمَبْسُوطِ يَرْجِعُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَوَفَّقَ بِمَا ذَكَرْنَا فِي الْمَبْسُوطِ حَيْثُ قَالَ : وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَرْجِعُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ بِأَنَّ الْقَطْعَ كَانَ مُسْتَحَقًّا بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَالْيَدُ مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ فَيُنْتَقَضُ قَبْضُ الْمُشْتَرِي فِي النِّصْفِ فَيَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ ، إنْ شَاءَ رَجَعَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ مَا بَقِيَ وَرَجَعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ ، كَمَا لَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ عِنْدَ الْبَائِعِ ، وَلَمَّا ثَبَتَ الْخِيَارُ بَيْنَ رَدِّهِ وَإِمْسَاكِهِ كَانَ قَوْلُ مَنْ قَالَ يَأْخُذُ الثَّمَنَ كُلَّهُ مُنْصَرِفًا إلَى اخْتِيَارِهِ رَدَّ الْعَبْدِ الْمَقْطُوعِ وَقَوْلِ مَنْ قَالَ يَرْجِعُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ مُنْصَرِفًا إلَى اخْتِيَارِهِ إمْسَاكَهُ ، وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ للإسبيجابي : لَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ بَعْدَ الْقَبْضِ إلَى آخِرِ الصُّورَةِ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِالْعَبْدِ الْأَقْطَعِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ : لَا يَرُدُّهُ ، وَلَكِنَّهُ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ بِأَنْ يُقَوِّمَ عَبْدًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ وَعَبْدًا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقَطْعُ وَيَرْجِعُ بِإِزَاءِ النُّقْصَانِ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا إذَا رَضِيَ الْبَائِعُ أَنْ يَرُدَّهُ فَيَرُدَّهُ وَيَرْجِعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَخْفَى مَا فِي نَقْلِ الْمُخْتَصَرِ فِي جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ كَالْمُصَنِّفِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَرْجِعَ بِالْكُلِّ ، وَمَا فِي نَقْلِ الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ

فِيمَا إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بِسَرِقَةٍ عِنْدَ الْبَائِعِ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِنَصْفِ الثَّمَنِ مِنْ الْإِيقَاعِ فِي الْإِلْبَاسِ ، وَأَقْرَبُ مَا يُظَنُّ أَنَّهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْهُ لَوْلَا مَا ظَهَرَ مِنْ الْجَوَابِ الْمُفَصَّلِ ابْتِدَاءً كَمَا ذَكَرْنَا .
وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ أَخَفُّ فَإِنَّهُ قَالَ : فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَأْخُذَ الثَّمَنَ فَإِنَّهَا لَا تَمْنَعُ أَنَّ لَهُ شَيْئًا آخَرَ ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى هَذَا إلَّا إذَا كَانَ مَالُهُ مِنْ الْآخَرِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ فَاقْتَصَرَ عَلَى مَحَلِّ الْخِلَافِ ، لَكِنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْخِلَافَ ثَابِتٌ فِي الْآخَرِ ، وَهُوَ إذَا أَمْسَكَهُ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ النِّصْفَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا بَلْ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ وَيُمْسِكُهُ ( وَقَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قُتِلَ بِسَبَبٍ وُجِدَ عِنْدَ الْبَائِعِ ) مِنْ قَتْلٍ عَمْدًا أَوْ رِدَّةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ : يَعْنِي قُتِلَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِكُلِّ الثَّمَنِ حَتْمًا ، وَعِنْدَهُمَا يُقَوَّمُ حَلَالُ الدَّمِ وَحَرَامُهُ فَيَرْجِعُ بِمِثْلِ نِسْبَةِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ مِنْ الثَّمَنِ ، قَالَ الْمُصَنِّفُ ( فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ ) أَيْ الْقَطْعُ وَالْقَتْلُ : أَيْ ثُبُوتُهُ فِي الْعَبْدِ ( بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ ) وَلَوْ اُسْتُحِقَّ كُلُّهُ رَجَعَ بِالْكُلِّ أَوْ نِصْفُهُ كَانَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ وَيَرْجِعَ بِالْكُلِّ وَبَيْنَ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَيُمْسِكَ الثَّمَنَ فَكَذَا هُنَا ( وَعِنْدَهُمَا ) ذَلِكَ ( بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ ) .
وَفِي الْمَبْسُوطِ : فَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ مِنْ ذَلِكَ الْقَطْعِ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ لَمْ يَرْجِعْ إلَّا بِنِصْفِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ مَا كَانَتْ مُسْتَحَقَّةً فِي يَدِ الْبَائِعِ لِيُنْتَقَضَ قَبْضُ الْمُشْتَرِي فِي النِّصْفِ ( لَهُمَا أَنَّ الْمَوْجُودَ عِنْدَ الْبَائِعِ سَبَبُ الْقَتْلِ وَالْقَطْعِ ) وَثُبُوتُ سَبَبِ ذَلِكَ لَا يُنَافِي مَالِيَّةَ الْعَبْدِ وَلِذَا صَحَّ بَيْعُهُ وَعِتْقُهُ ، وَلَوْ مَاتَ كَانَ الثَّمَنُ مُقَرَّرًا عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَيْسَ لِوَلِيِّ

الْقِصَاصِ حَقٌّ فِي مَالِيَّتِهِ ، وَلِذَا لَوْ كَانَ وَلِيُّ الْقِصَاصِ يَأْبَى شِرَاءَ الْمُشْتَرِي إيَّاهُ صَحَّ شِرَاؤُهُ ، وَلَوْ كَانَ لَهُ حَقٌّ فِي مَالِيَّتِهِ لَمْ يَصِحَّ ، كَمَا لَوْ أَبَى الْمُرْتَهِنُ بَيْعَ عَبْدِ الرَّهْنِ لَمْ يَصِحَّ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِالْمَالِيَّةِ .
فَعُرِفَ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْعُقُوبَةِ مُتَعَلِّقٌ بِآدَمِيَّتِهِ لَا بِمَالِيَّتِهِ ، وَالِاسْتِحْقَاقُ بِاعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ بِالْقَتْلِ وَهُوَ فِعْلٌ أَنْشَأَهُ الْمُسْتَوْفِي بِاخْتِيَارِهِ فِي النَّفْسِ بَعْدَمَا دَخَلَ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي ، وَبِهِ لَا يُنْتَقَضُ قَبْضُ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ الْمَبِيعِ وَيُنْتَقَضُ بِأَخْذِ الْمُسْتَحِقِّ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَالٌ فَكَانَ اسْتِيفَاءُ الْعُقُوبَةِ عَيْبًا حَادِثًا فِي يَدِهِ فَمَنَعَ الرَّدَّ فَيَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ ( وَصَارَ كَمَا إذَا اشْتَرَى حَامِلًا ) لَا يَعْلَمُ بِحَمْلِهَا وَقْتَ الشِّرَاءِ وَلَا وَقْتَ الْقَبْضِ ( فَمَاتَتْ ) عِنْدَهُ ( بِالْوِلَادَةِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِفَضْلِ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا حَامِلًا وَغَيْرَ حَامِلٍ ) وَلَفْظَةُ إلَى فِي قَوْلِهِ إلَى غَيْرِ حَامِلٍ لَيْسَ لَهَا مَوْقِعٌ ( وَلَهُ أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْقَطْعِ وَالْقَتْلِ ) وُجِدَ ( فِي يَدِ الْبَائِعِ وَالْوُجُوبُ يُفْضِي إلَى الْوُجُودِ فَيَكُونُ الْوُجُودُ مُضَافًا إلَى سَبَبِ ) الْقَطْعِ وَالْقَتْلِ وَهُوَ سَرِقَتُهُ الْكَائِنَةُ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَقَتْلُهُ فَصَارَ مَوْتُهُ مُضَافًا إلَيْهِ وَقَطْعُهُ وَصَارَ كَأَنَّهُ قُطِعَ أَوْ قُتِلَ عِنْدَ الْبَائِعِ الَّذِي عِنْدَهُ السَّبَبُ وَصَارَ كَالْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ إذَا رَدَّهُ الْغَاصِبُ عَلَى مَالِكِهِ بَعْدَمَا جَنَى عِنْدَ الْغَاصِبِ فَقُتِلَ عِنْدَ الْمَالِكِ بِهَا أَوْ قُطِعَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِتَمَامِ قِيمَتِهِ أَوْ نِصْفِهَا ، كَمَا لَوْ قُتِلَ عِنْدَ الْغَاصِبِ بِجَامِعِ اسْتِنَادِ الْوُجُودِ إلَى سَبَبِ الْوُجُوبِ الْكَائِنِ عِنْدَ الْأَوَّلِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيُنْتَقَضُ قَبْضُهُ كَمَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَصَارَ سَبَبُ السَّبَبِ بِمَنْزِلَةِ عِلَّةِ الْعِلَّةِ لِفَوَاتِ

الْمَالِيَّةِ فَكَانَ الْمُسْتَحَقُّ بِهِ كَأَنَّهُ الْمَالِيَّةُ ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ إلَّا بِحَقِيقَتِهِ فِعْلَ الِاسْتِيفَاءِ ، وَقَبْلَهُ لَا يَتِمُّ فِي حَقِّ ذَلِكَ فَتَبْقَى الْمَالِيَّةُ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ وَنَحْوُهُ ، فَأَمَّا إذَا قُتِلَ فَقَدْ تَمَّ حِينَئِذٍ الِاسْتِحْقَاقُ .
وَبَطَلَتْ الْمَالِيَّةُ فَظَهَرَ أَثَرُهُ فِي نَقْضِ الْقَبْضِ فَيَرْجِعُ كَمَا ذَكَرْنَا ( وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْمَسْأَلَةِ ) مَوْتِ الْحَامِلِ ( مَمْنُوعَةٌ ) عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، بَلْ يَرْجِعُ عَلَى قَوْلِهِ بِكُلِّ الثَّمَنِ قَالَهُ الْقَاضِيَانِ أَبُو زَيْدٍ وَفَخْرُ الدِّينِ قَاضِي خَانْ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ الْخِلَافُ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ مِنْ الْأَصْلِ اسْتِدْلَالًا بِمَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي الْأَمَةِ الْمَغْصُوبَةِ إذَا حَبِلَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ ثُمَّ رُدَّتْ فَوَلَدَتْ فِي يَدِ الْمَالِكِ وَمَاتَتْ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْغَاصِبَ جَمِيعَ قِيمَتِهَا فَكَذَلِكَ هُنَا عِنْدَهُ وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ .
وَإِنْ سَلَّمْنَا فَنَقُولُ : الْمَوْجُودُ فِي يَدِ الْبَائِعِ الْعُلُوقُ ، وَإِنَّمَا يُوجِبُ انْفِصَالَ الْوَلَدِ لَا الْهَلَاكَ وَلَا يُفْضِي إلَيْهِ غَالِبًا بَلْ الْغَالِبُ السَّلَامَةُ فَلَيْسَ هُنَا وُجُوبٌ يُفْضِي إلَى الْوُجُودِ فَهُوَ نَظِيرُ مَوْتِ الزَّانِي مِنْ الْجَلْدِ ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْغَصْبِ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّتِهِ أَنْ يَرُدَّهَا كَمَا أَخَذَهَا وَلَمْ يُوجَدْ فَصَارَ كَمَا لَوْ هَلَكَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ ، وَهُنَا الْحَبَلُ لَا يَمْنَعُ مِنْ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُشْتَرِي ، ثُمَّ إنْ تَلِفَ بَعْدَ ذَلِكَ بِسَبَبٍ كَانَ الْهَلَاكُ بِهِ مُسْتَحَقًّا عِنْدَ الْبَائِعِ فَيُنْتَقَضُ قَبْضُ الْمُشْتَرِي فِيهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَقًّا لَا يُنْتَقَضُ ، وَنُوقِضَ بِمَسَائِلَ : الْأُولَى إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً مَحْمُومَةً فَلَمْ يَرُدَّهَا حَتَّى مَاتَتْ عِنْدَهُ بِالْحُمَّى لَا يُضَافُ إلَى السَّبَبِ السَّابِقِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ بِكُلِّ الثَّمَنِ بَلْ بِالنُّقْصَانِ مَعَ أَنَّ مَوْتَهَا بِسَبَبِ الْحُمَّى الَّتِي كَانَتْ

عِنْدَ الْبَائِعِ ، وَثَانِيهَا إذَا قَطَعَ الْبَائِعُ أَوْ غَيْرَهُ يَدَ الْعَبْدِ ثُمَّ بَاعَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمُشْتَرِي فَمَاتَ الْعَبْدُ مِنْهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ لَا بِالثَّمَنِ .
وَثَالِثُهَا مَا إذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ الْبِكْرَ ثُمَّ بَاعَهَا وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَعْلَمْ بِالنِّكَاحِ ثُمَّ وَطِئَهَا الزَّوْجُ لَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْبَكَارَةِ وَإِنْ كَانَ زَوَالُ الْبَكَارَةِ بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ ، وَرَابِعُهَا لَوْ زَنَى الْعَبْدُ عِنْدَ الْبَائِعِ فَجُلِدَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَمَاتَ مِنْهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ وَإِنْ كَانَ مَوْتُهُ بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ .
وَخَامِسُهَا لَوْ سَرَقَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَقُطِعَتْ يَدُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَسَرَى الْقَطْعُ فَمَاتَ يَرْجِعُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ لَا بِكُلِّهِ وَإِنْ كَانَ مَوْتُهُ بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ ، أُجِيبَ بِأَنَّ الْجَارِيَةَ لَا تَمُوتُ بِمُجَرَّدِ الْحُمَّى بَلْ بِزِيَادَةِ الْأَلَمِ وَذَلِكَ بِسَبَبٍ آخَرَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَا فِي يَدِ الْبَائِعِ فَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ ؛ فَلِأَنَّ الْبَيْعَ لَمَّا وَرَدَ عَلَى قَطْعِ الْبَائِعِ أَوْ الْأَجْنَبِيِّ قَطَعَ سِرَايَةَ الْقَطْعِ ؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ حَقُّ الْبَائِعِ فَتَنْقَطِعُ بِبَيْعِ مَنْ لَهُ السِّرَايَةُ ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ السِّرَايَةُ لِغَيْرِ مَنْ كَانَ الْبَيْعُ مِنْهُ فَيَمْتَنِعُ انْقِطَاعُ السِّرَايَةِ بِالْبَيْعِ ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَإِنَّ الْبَكَارَةَ لَا تُسْتَحَقُّ بِالْبَيْعِ ، حَتَّى لَوْ وَجَدَهَا ثَيِّبًا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّدِّ إذَا لَمْ يَكُنْ شَرَطَ الْبَكَارَةِ فَعَدَمُهَا مِنْ بَابِ عَدَمِ وَصْفٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ لَا مِنْ بَابِ وُجُودِ الْعَيْبِ ، وَعَنْ الرَّابِعَةِ بِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُوَ الضَّرْبُ الْمُؤْلِمُ وَاسْتِيفَاءُ ذَلِكَ لَا يُنَافِي الْمَالِيَّةَ فِي الْمَحَلِّ ، وَمَوْتُهُ بِذَلِكَ الضَّرْبِ إنَّمَا هُوَ لِعَارِضٍ عَرَضَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ خَرَقُ الْجَلَّادِ أَوْ ضَعْفِ الْمَجْلُودِ فَلَمْ تَكُنْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ مُسْتَوْفَاةً حَدًّا مُسْتَحَقًّا ،

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78