كتاب : المنثور في القواعد
المؤلف : بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي

الرَّابِعُ : قَدْ يُرْتَكَبُ فِي الْمُنَاظَرَةِ الْخِلَافُ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ وَقَدْ يَكُونُ صَاحِبُهُ فِي مُهْلَةِ النَّظَرِ فَلَا يَنْبَغِي نَقْلُهُ إلَّا إذَا تَحَقَّقَ اسْتِقْرَارُهُ عَلَيْهِ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَحْسُنْ نَقْلُ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ وَجْهًا فِي صَوْمِ النَّفْلِ بَعْدَ الْأَكْلِ قَبْلَ الزَّوَالِ عَنْ أَبِي زَيْدٍ فَإِنَّهُ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسِ " الْمُرَافَعَةِ " ، كَمَا حَكَاهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَغَيْرُهُ ، وَكَذَلِكَ نَقْلُهُ عَنْ " أَبِي يَعْقُوبَ الْأبِيوَرْدِيِّ " جَوَازَ طَوَافِ الْوَدَاعِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ ، قَالَ الْإِمَامُ ، وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا مِنْ حَيْثُ " إنَّهُ " أَلْزَمُ وَقِيلَ لَهُ : لَوْ جَازَ جَبْرُ طَوَافِ " الْوَدَاعِ بِالدَّمِ " لَجَازَ جَبْرُ الطَّهَارَةِ " بِهِ " كَالدَّمِ فَارْتَكَبَهُ ، وَقَالَ يُجْبَرُ بِالدَّمِ ، وَهَذَا غَلَطٌ ، فَإِنَّ الْجَبْرَ لِلطَّوَافِ لَا لِلطَّهَارَةِ ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ الْأَصْحَابِ إنَّ الْمَنْصُورَ فِي الْخِلَافِ أَنَّ الْخُلْعَ فَسْخٌ ، وَإِنْ كَانَ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ طَلَاقٌ .

الْخَامِسُ : ذَكَرَ " ابْنُ هُبَيْرَةَ " فِي مَسَائِلِ الْإِجْمَاعِ أَنَّهُ " قَدْ " يَتَعَذَّرُ الْخُرُوجُ مِنْ الْخِلَافِ ، كَمَا فِي الْبَسْمَلَةِ فَإِنَّ الْجَهْرَ بِهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ " رَحِمَهُ اللَّهُ " هُوَ السُّنَّةُ ( وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ " رَحِمَهُ اللَّهُ " وَأَحْمَدَ " رَحِمَهُ اللَّهُ " الْإِسْرَارُ هُوَ السُّنَّةُ ) ، وَعِنْدَ مَالِكٍ " رَحِمَهُ اللَّهُ " التَّرْكُ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَقَدْ يُقَالُ إذَا كَانَ الْمَنْعُ مَعَ الْأَكْثَرِ كَانَ هُوَ الْأَوْلَى ، هَذَا فِي الْمُقَلِّدِ ، فَأَمَّا الْمُجْتَهِدُ فَمَعَ اجْتِهَادِهِ ، قَالَ : عَلَى أَنَّ الْمُجْتَهِدَ الْيَوْمَ لَا يُتَصَوَّرُ لِاجْتِهَادِهِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الَّتِي قَدْ تَحَرَّرَتْ فِي الْمَذَاهِبِ ثَمَرَةٌ ؛ لِأَنَّ الْفُقَهَاءَ " رَحِمَهُمُ اللَّهُ " الْمُتَقَدِّمِينَ قَدْ فَرَغُوا مِنْ ذَلِكَ وَأَتَوْا بِمَبَالِغِ الْأَقْسَامِ لَهَا فَلَا يُؤَدِّي اجْتِهَادُ الْمُجْتَهِدِ ، إلَّا إلَى مِثْلِ مَذْهَبِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ انْتَهَى .
وَمِنْ هَذَا " أَيْضًا " قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ قَدْ يَتَعَذَّرُ الْوَرَعُ عَلَى الْحَاكِمِ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ ، كَمَا إذَا كَانَ لِيَتِيمٍ عَلَى يَتِيمٍ حَقٌّ مُخْتَلَفٌ فِي وُجُوبِهِ ، فَلَا " يُمْكِنُهُ " الصُّلْحُ هَا هُنَا " إذْ لَا " يَجُوزُ الْمُسَامَحَةُ بِمَالِ أَحَدِهِمَا ، وَعَلَى الْحَاكِمِ التَّوَرُّطُ فِي الْخِلَافِ ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ .

السَّادِسُ : إذَا اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي إيقَاعِ الْعِبَادَاتِ عَلَى أَوْجُهٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَمِنْ الْعُلَمَاءِ ( رَحِمَهُمُ اللَّهُ ) مَنْ سَلَكَ طَرِيقَةَ التَّرْجِيحِ بِاخْتِيَارِ " أَحَدِهِمَا " ، وَهِيَ طَرِيقَةُ " الْإِمَامِ " الشَّافِعِيِّ " رَحِمَهُ اللَّهُ " غَالِبًا .
وَمِنْهُمْ مَنْ سَلَكَ طَرِيقَةَ الْجَمْعِ بِفِعْلِهَا فِي أَوْقَاتٍ وَيَرَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ مِنْ الْجِنْسِ الْمُبَاحِ ، وَهُوَ رَأْيُ ابْنِ سُرَيْجٍ ، وَلِذَلِكَ أَمْثِلَةٌ : مِنْهَا " الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي دُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ " ، وَرَجَّحَ الشَّافِعِيُّ " رَحِمَهُ اللَّهُ " " حَدِيثَ التَّوَجُّهِ " لِمُوَافَقَتِهِ لِلْقُرْآنِ .
وَمِنْهَا " أَحَادِيثُ التَّشَهُّدِ " وَرَجَّحَ " الْإِمَامُ " الشَّافِعِيُّ " رَحِمَهُ اللَّهُ " " أَحَادِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ ، لِمُوَافَقَتِهِ لِلْقُرْآنِ ، وَلِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْأَحْدَثِ .
وَمِنْهَا كَيْفِيَّةُ قَبْضِ أَصَابِعِ الْيُمْنَى عَلَى الرُّكْبَةِ فِي التَّشَهُّدِ " فِيهِ أَوْجُهٌ " لِاخْتِلَافِ " الْأَحَادِيثِ " ، " وَأَصَحُّهَا أَنَّهُ يَضَعُهَا تَحْتَ الْمِسْبَحَةِ ، كَأَنَّهُ عَاقِدٌ ثَلَاثًا وَخَمْسِينَ ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ : وَكَيْفَ مَا فَعَلَ مِنْ هَذِهِ الْهَيْئَاتِ ، فَقَدْ أَتَى بِالسُّنَّةِ ؛ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ قَدْ وَرَدَتْ بِهَا جَمِيعًا وَكَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصْنَعُ هَكَذَا مَرَّةً وَهَكَذَا مَرَّةً ، كَذَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ وَنَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ .
وَمِنْهَا الْجَمْعُ فِي إجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ بَيْنَ الْحَيْعَلَةِ وَالْحَوْقَلَةِ عَمَلًا " بِحَدِيثِ التَّفْصِيلِ " " وَالْإِطْلَاقِ " ، " لَكِنَّ " الْإِمَامَ " الشَّافِعِيَّ " رَحِمَهُ اللَّهُ " أَخَذَ بِحَدِيثِ التَّفْصِيلِ " ؛ لِأَنَّهُ مُفَسِّرٌ مُبَيِّنٌ وَهُوَ قَاضٍ عَلَى " الْمُجْمَلِ " وَمِنْهَا الْخِلَافُ فِي تَثْنِيَةِ الْأَذَانِ وَإِفْرَادِ الْإِقَامَةِ نَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي الْمُبَاحِ ، وَلَيْسَ بَعْضُهُ أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ ، ثُمَّ قَالَ وَهَذَا قَوْلٌ " مُنْطَرِحٌ " بِإِجْمَاعِ الْمُتَقَدِّمِينَ

عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي أَوْلَاهُ وَأَفْضَلِهِ وَنَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ " نَحْوَ مَا قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ .
وَمِنْهَا الِاخْتِلَافُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ " وَبَعْدَهُ " ، وَرَجَّحَ الشَّافِعِيُّ " رَحِمَهُ اللَّهُ " قَبْلَ السَّلَامِ ؛ لِأَنَّهُ أَحْدَثُ الْأَمْرَيْنِ وَفِي مَوْضِعٍ جَمَعَ بَيْنَهُمَا ، فَحُمِلَ مَا قَبْلَهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِنَقْصٍ وَبَعْدَهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِزِيَادَةٍ وَحُمِلَ اخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ عَلَيْهِ .
وَمِنْهَا صَلَاةُ الْخَوْفِ فِي الْأَنْوَاعِ الْمَشْهُورَةِ ، وَنَزَّلَهَا الشَّافِعِيُّ " رَحِمَهُ اللَّهُ " عَلَى كَوْنِ الْعَدُوِّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ تَارَةً ، وَعَلَى " مَا إذَا " " لَمْ يَكُنْ " أُخْرَى وَأَخَذَ فِي صَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ " بِرِوَايَةِ سَهْلٍ " وَقَدَّمَهَا عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ ؛ لِأَنَّهَا أَحْوَطُ لِلْحَرْبِ وَأَقَلُّ مُخَالَفَةً لِقَاعِدَةِ الصَّلَاةِ وَمِنْهَا عَدَدُ التَّكْبِيرَاتِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ ، قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ مَا وَرَدَ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا مِنْ الِاخْتِلَافِ الْمُبَاحِ ، وَالْجَمِيعُ سَائِغٌ ، وَخَالَفَهُ الْجُمْهُورُ وَقَالُوا كَانَ فِيهِ خِلَافٌ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ ، ثُمَّ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْأَرْبَعِ .
نَعَمْ ، لَوْ خَمْسٌ عَمْدًا لَمْ تَبْطُلْ فِي الْأَصَحِّ ، " لِثُبُوتِهَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ " ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا فَعَلَهُ عَنْ اجْتِهَادٍ أَوْ تَقْلِيدٍ ، وَإِلَّا فَيَبْطُلُ ؛ لِأَنَّهُ كَالْعَابِثِ .
وَمِنْهَا " قَوْلُهُ " اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْت نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ ، وَيُرْوَى " بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ " ، قَالَ النَّوَوِيُّ وَيَنْبَغِي الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ بَعِيدٌ ، بَلْ الْأَوْلَى تَنْزِيلُهُ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ ، فَتَقُولُ هَذَا مَرَّةً وَهَذَا مَرَّةً .

الْخِيَارُ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ الْأَوَّلُ : شُرِعَ لِدَفْعِ الْغَبْنِ ، وَهُوَ إمَّا لِدَفْعِ ضَرَرٍ مُتَوَقَّعٍ ، وَهُوَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ ، وَالشَّرْطِ ، فَإِنَّهُمَا إنَّمَا ثَبَتَا لِضَرَرٍ يَتَوَقَّعُ الْعَاقِدُ حُصُولَهُ فَيَسْتَدْرِكُهُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ أَوْ مُدَّةِ الْخِيَارِ وَيَتَخَلَّصُ مِنْهُ .
وَإِمَّا لِدَفْعِ ضَرَرٍ وَاقِعٍ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَالشُّفْعَةِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ ، وَخِيَارِ عُيُوبِ النِّكَاحِ وَنَحْوِهِ .
ثُمَّ الْخِيَارُ إنْ كَانَ مُقَدَّرًا مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ ، كَخِيَارِ الْمَجْلِسِ وَالشَّرْطِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَخِيَارِ التَّصْرِيَةِ ، إذَا قَدَّرْنَاهُ بِهَا فَلَا يُوصَفُ بِفَوْرٍ وَلَا بِتَرَاخٍ .
وَإِمَّا أَنْ لَا يُقَدَّرَ ، وَالضَّابِطُ فِيهِ ، إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي تَأْخِيرِ الِاخْتِيَارِ ضَرَرٌ عَلَى " مَنْ يُقَابِلُهُ " ، فَهُوَ عَلَى الْفَوْرِ ، وَإِلَّا فَهُوَ عَلَى التَّرَاخِي ، وَهُوَ يَنْقَسِمُ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : الْإِجَارَةُ ، كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِزِرَاعَةٍ فَانْقَطَعَ مَاؤُهَا ثَبَتَ الْخِيَارُ لِلْعَيْبِ ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهُوَ عَلَى التَّرَاخِي ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ تَعَذُّرُ نَقْصِ الْمَنْفَعَةِ وَذَلِكَ يَتَكَرَّرُ بِمُرُورِ الزَّمَانِ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ ، لَوْ أَجَازَ ثُمَّ بَدَا لَهُ مُكِّنَ مِنْ الْفَسْخِ إنْ كَانَ يَرْجُو زَوَالَهُ ، وَقَدْ غَلَطَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ جَمَاعَةٌ ، فَأَفْتَوْا بِأَنَّ خِيَارَ الْمُسْتَأْجِرِ ، إذَا وَجَدَ عَيْبًا عَلَى الْفَوْرِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ مِنْهُمْ ابْنُ الْجُمَّيْزِيِّ وَابْنُ السُّكَّرِيِّ الثَّانِيَةُ : كُلُّ مَقْبُوضٍ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ مِنْ سَلَمٍ أَوْ كِتَابَةٍ إذَا قَبَضَهُ فَوَجَدَهُ مَعِيبًا قَالَ الْإِمَامُ إنْ قُلْنَا بِمِلْكِهِ بِالرِّضَا ، فَلَا شَكَّ أَنَّ الرَّدَّ ( لَيْسَ ) عَلَى الْفَوْرِ ، وَأَنَّ الْمِلْكَ مَوْقُوفٌ عَلَى الرِّضَا ، وَإِنْ قُلْنَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ الرَّدُّ عَلَى الْفَوْرِ ، كَمَا فِي شِرَاءِ الْأَعْيَانِ وَالْأَوْجَهُ الْمَنْعُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ " مَعْقُودًا " عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْفَوْرُ فِيمَا يُؤَدِّي

رَدُّهُ إلَى رَفْعِ الْعَقْدِ إبْقَاءً لِلْعَقْدِ .
وَمِمَّا يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ خِيَارُ النَّقِيصَةِ وَالْخُلْفِ وَإِذَا شَرَطَ الرَّهْنَ وَالضَّمِينَ فَلَمْ يَفِ بِهِ وَكَذَا الْعِتْقُ فِي الْعَبْدِ الْمَبِيعِ وَلَمْ يَفِ وَقُلْنَا الْعِتْقُ حَقٌّ لِلْبَائِعِ وَفِي " صُوَرِ " تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ إذَا أَثْبَتْنَا فِيهِ الْخِيَارَ .
الثَّانِي : مَا هُوَ عَلَى التَّرَاخِي قَطْعًا كَخِيَارِ الْوَالِدِ فِي الرُّجُوعِ ، وَخِيَارِ مَنْ أَبْهَمَ الطَّلَاقَ بَيْنَ زَوْجَتَيْهِ " أَوْ الْعِتْقَ " بَيْنَ أَمَتَيْهِ ، وَخِيَارِ التَّعْيِينِ لِمَنْ أَسْلَمَ عَلَى الزَّائِدِ عَلَى الْعَدَدِ الشَّرْعِيِّ ، وَخِيَارِ امْرَأَةِ الْمَوْلَى ، وَامْرَأَةِ الْمُعْسِرِ بِالنَّفَقَةِ ، وَخِيَارِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ إذَا " تَشَطَّرَ " الصَّدَاقُ ، وَهُوَ زَائِدٌ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً أَوْ نَاقِصٌ ، فِي الرُّجُوعِ إلَى نِصْفِهِ " أَوْ إلَى نِصْفِ قِيمَتِهِ ، وَخِيَارِ الْمُشْتَرِي إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ قَبْلَ قَبْضِهِ قَالَهُ " صَاحِبُ الْعُدَّةِ " وَتَخْيِيرِ وَلِيِّ الدَّمِ بَيْنَ الْعَفْوِ وَالْقِصَاصِ .
الثَّالِثُ : مَا فِيهِ خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ كَخِيَارِ تَلَقِّي الرُّكْبَانَ وَالْبَائِعِ فِي الرُّجُوعِ لَعَيْنِ مَتَاعِهِ بِإِفْلَاسِ الْمُشْتَرِي وَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَالْفَسْخِ بِعَيْبِ النِّكَاحِ وَخِيَارِ الْخُلْفِ فِي النِّكَاحِ وَخِيَارِ الْغُرُورِ وَالْفَسْخِ بِالْإِعْسَارِ بِالْمَهْرِ .
الرَّابِعُ : مَا فِيهِ خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي كَخِيَارِ السَّلَمِ إذَا انْقَطَعَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ عِنْدَ مَحَلِّهِ لِجَائِحَةٍ وَفِيهِ وَجْهٌ فِي التَّتِمَّةِ وَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ إذَا جَوَّزْنَا بَيْعَ الْغَائِبِ عِنْدَ امْتِدَادِ مَجْلِسِ الرُّؤْيَةِ .

الْبَحْثُ الثَّانِي : مُدَّةُ الْخِيَارِ فِي الْعَقْدِ هَلْ تُجْعَلُ كَابْتِدَائِهِ ؟ هُوَ ضَرْبَانِ : أَحَدُهُمَا : فِي الْعَقْدِ الصَّحِيحِ فَيَلْحَقُ بِهِ كَمَا إذَا زَادَ فِي الثَّمَنِ " أَوْ الْمُثَمَّنِ أَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ أَوْ الْأَجَلَ " أَوْ قَدْرَهُمَا " عَلَى الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ وَلِأَنَّ مَجْلِسَ الْعَقْدِ كَنَفْسِ الْعَقْدِ إذْ يَصِحُّ فِيهِ تَعْيِينُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَالْعِوَضِ فِي عَقْدِ الصَّرْفِ .
وَمِنْهُ لَوْ أَلْحَقَ بِالْعَقْدِ شَرْطًا فَاسِدًا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَعَلَى الْخِلَافِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُفْسِدُ الْعَقْدَ كَالْمُقَارَنِ لَهُ .
وَمِنْهُ إذَا " أَطْلَقَا " عَقْدَ السَّلَمِ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْحُلُولِ فَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى التَّأْجِيلِ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ " عَلَى " الْأَصَحِّ وَكَذَا لَوْ عَقَدَاهُ مُؤَجَّلًا ثُمَّ إنْ أَسْقَطَا فِي الْمَجْلِسِ صَارَ حَالًّا .
الثَّانِي : الْعَقْدُ الْفَاسِدُ لِاقْتِرَانِ شَرْطٍ بِهِ لَوْ " حَذَفَاهُ " فِي الْمَجْلِسِ لَمْ يَنْقَلِبْ الْعَقْدُ صَحِيحًا فِي الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ لَا عِبْرَةَ بِهِ فَلَا يَكُونُ لِمَجْلِسِهِ حُكْمٌ وَكَمَا لَوْ كَانَ لَهُ فِي ذِمَّةِ الْغَيْرِ دَرَاهِمُ فَقَالَ أَسْلَمْت إلَيْك الدَّرَاهِمَ الَّتِي فِي ذِمَّتِك فِي كَذَا فَإِنْ شَرَطَ فِيهِ الْأَجَلَ كَانَ بَاطِلًا ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ ، " وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ حَالًّا " وَلَمْ يَقْبِضْ الْمُسَلَّمَ فِيهِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ ، وَإِنْ أَحْضَرَهُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ " وَسَلَّمَهُ " فَوَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ صَالَحَ مِنْ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ عَلَى دَنَانِيرَ وَسَلَّمَهَا فِي الْمَجْلِسِ وَأَصَحُّهُمَا : الْمَنْعُ ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْمُسَلَّمِ فِيهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ كَمَا أَنَّهُ لَوْ بَاعَ طَعَامًا بِطَعَامٍ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ تَبَرُّعًا بِالْإِحْضَارِ وَالْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ لَمْ يَنْقَلِبْ الْعَقْدُ صَحِيحًا .

الثَّالِثُ : قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : إذَا انْعَقَدَ الْبَيْعُ لَمْ يَتَطَرَّقْ إلَيْهِ الْفَسْخُ إلَّا بِأَحَدِ سَبْعَةِ أَشْيَاءَ وَهِيَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ ، وَخِيَارُ الشَّرْطِ ، وَخِيَارُ الْخُلْفِ كَأَنْ شَرَطَهُ الْبَائِعُ كَاتِبًا فَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ ، وَخِيَارُ الْعَيْبِ " ، وَالْإِقَالَةُ ، وَالتَّحَالُفُ ، وَتَلَفُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ .
وَأَمَّا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ إذَا جَوَّزْنَاهُ فَهُوَ مُلْحَقٌ فِي الْمَعْنَى بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَخِيَارِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ ، وَخِيَارُ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ يَرْجِعُ لِلْعَيْبِ وَخِيَارُ الِامْتِنَاعِ مِنْ الْعِتْقِ الْمَشْرُوطِ يَرْجِعُ لِلْخُلْفِ فِي الشَّرْطِ وَقَدْ " تُرَدُّ " هَذِهِ الْخِيَارَاتُ الْأَرْبَعُ إلَى اثْنَيْنِ فَيُقَالُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَخِيَارُ النَّقِيصَةِ فَيَدْخُلُ فِي الْأَوَّلِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَالشَّرْطِ وَرُؤْيَةِ الْمَبِيعِ الْغَائِبِ وَفِي الثَّانِي الْعَيْبُ وَالْخُلْفُ .
وَقَدْ يَرِدُ عَلَى الْحَصْرِ صُوَرٌ مِنْهَا اخْتِلَاطُ الْمَبِيعِ بِغَيْرِهِ .
وَمِنْهَا خِيَارُ تَعَذُّرِ قَبْضِ الثَّمَنِ فِي الْأَصَحِّ وَخِيَارُ الرُّجُوعِ فِي الْمَبِيعِ عِنْدَ فَلَسِ الْمُشْتَرِي وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ الْبَائِعَ وَكِيلٌ ، أَوْ أَمِينٌ حَاكِمٌ ، أَوْ وَصِيٌّ ، أَوْ أَبٌ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ ، فَهَلْ " يُرَدُّ " بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ ؟ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا نَعَمْ لِمَا يُخَافُ مِنْ فَسَادِ النِّيَابَةِ وَاسْتِحْقَاقِ الدَّرْكِ ، وَالْأَصَحُّ لَا ، لِجَوَازِ " تَبَرُّعِهِمْ " وَحَكَى فِي الْبَحْرِ وَجْهًا ثَالِثًا أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ الْوَلِيُّ ثِقَةً ظَاهِرًا فَلَهُ الْخِيَارُ .

الرَّابِعُ بِالنِّسْبَةِ إلَى عَوْدِهِ بَعْدَ إسْقَاطِهِ ضَابِطُهُ : أَنَّ الْخِيَارَ يَسْتَدْعِي وُجُودَ سَبَبِهِ فَمَتَى وُجِدَ ثَبَتَ الْخِيَارُ ثُمَّ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ مَا ثَبَتَ بِهِ الْخِيَارُ شَيْئًا وَاحِدًا " يُوجَدُ " جُمْلَةً وَيَظْهَرُ نَفْعُهُ وَضَرَرُهُ حَالَةَ ظُهُورِهِ كَالْعَيْبِ وَالْقِصَاصِ فَمَتَى وُجِدَ الرِّضَا بِالْعَيْبِ وَإِسْقَاطُ الْقِصَاصِ فَلَا رُجُوعَ ، وَكَذَا لَوْ رَضِيَتْ بِإِعْسَارِهِ بِالصَّدَاقِ لَمْ يَكُنْ لَهَا الْعَوْدُ إلَى الْفَسْخِ ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ لَا يَتَجَدَّدُ وَإِنْ كَانَ مَا ثَبَتَ بِهِ الْخِيَارُ يَثْبُتُ فِي الْأَزْمِنَةِ وَيَتَجَدَّدُ كَالْخِيَارِ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ بِالْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ وَالْإِيلَاءِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلضَّرَرِ الْحَاصِلِ بِانْقِطَاعِ النَّفَقَةِ وَالْوَطْءِ وَهُوَ يَتَجَدَّدُ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَإِنَّ لِكُلِّ زَمَانٍ نَفَقَةً وَوَطْئًا .
فَإِذَا رَضِيَ فِي زَمَنٍ ثَبَتَ الْخِيَارُ فِي الزَّمَنِ الْآخَرِ لَكِنْ إذَا " عَادَتْ " فِي النَّفَقَةِ اُسْتُؤْنِفَتْ الْمُدَّةُ بِنَاءً عَلَى " قَوْلِ " الْإِمْهَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا رَضِيَتْ بِتَرْكِ الْمُطَالَبَةِ بِالْفَيْئَةِ ثُمَّ عَادَتْ " فَطَلَبَتْ " لَا تَحْتَاجُ لِضَرْبِ الْمُدَّةِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُدَّةَ تُضْرَبُ بِطَلَبِهَا فَسَقَطَتْ بِإِسْقَاطِهَا وَالْمُدَّةُ فِي الْإِيلَاءِ تُضْرَبُ بِغَيْرِ طَلَبِهَا " وَمِثْلُهُ " انْقِطَاعُ الْمُسَلَّمِ فِيهِ يُوجِبُ الْخِيَارَ فَلَوْ أَجَازَ ثُمَّ بَدَا لَهُ مُكِّنَ مِنْ الْفَسْخِ " كَزَوْجَةِ " الْمَوْلَى ، وَوَجَّهَهُ الْإِمَامُ بِأَنَّ هَذِهِ الْإِجَازَةَ إنْظَارٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَدْ يَتَوَقَّفُ النَّاظِرُ فِي كَوْنِهَا إنْظَارًا وَيَمِيلُ إلَى أَنَّهَا إسْقَاطُ حَقٍّ كَإِجَازَةِ زَوْجَةِ الْعِنِّينِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَدَّرَ فِيهِ وَجْهَانِ ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ حَكَى وَجْهَيْنِ فِي أَنَّهُ لَوْ صُرِّحَ بِإِسْقَاطِ حَقِّ الْفَسْخِ هَلْ يَسْقُطُ وَقَالَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ .
وَمِثْلُهُ السَّيِّدُ لَوْ فَسَخَ الْكِتَابَةَ إذَا عَجَزَ الْعَبْدُ نَفْسُهُ فَلَوْ أَنْظَرَهُ ثُمَّ بَدَا لَهُ جَازَ الْفَسْخُ قَالَهُ الْإِمَامُ فِي " بَابِ " الْكِتَابَةِ

.
وَمِثْلُهُ إذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لَهَا مَاءٌ فَانْقَطَعَ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ فَإِنْ أَجَازَ ثُمَّ نَدِمَ وَأَرَادَ الْفَسْخَ فَلَهُ ذَلِكَ فَإِنَّ إجَازَتَهُ مَحْمُولَةٌ عَلَى تَوَقُّعِ الْعَوْدِ فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَفْسَخَ بَعْدَ مَا قَدَّمَ الْإِجَازَةَ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا شَبَّهَهُ " الْأَصْحَابُ " فِي خِيَارِ الْمَرْأَةِ بِالنَّفَقَةِ وَالْإِيلَاءِ .
وَمِثْلُهُ إذَا قَتَلَ الْأَجْنَبِيُّ الْعَبْدَ فِي يَدِ الْبَائِعِ تَخَيَّرَ الْمُشْتَرِي فَإِنْ قَالَ أَبْتَعُ هَذَا الْجَانِي بِالْقِيمَةِ وَرَضِيت بِهِ وَلَا أَفْسَخُ الْبَيْعَ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ أَنَا أَفْسَخُ الْبَيْعَ قَالَ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ لَهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ غَصَبَ الْمَبِيعَ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ فَإِنَّ لِلْمُشْتَرِي الْفَسْخَ فَلَوْ أَجَازَ وَقَالَ رَضِيت بِمُطَالَبَةِ الْغَاصِبِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ بَدَا لَهُ الْفَسْخُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ .
فَقِيلَ لَهُ : كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ ؛ لِأَنَّ رِضَاهُ بِالْقِيمَةِ فِي " ذِمَّةِ " الْجَانِي كَالْمَقْبُوضِ " لِلْمُشْتَرِي كَمَا فِي الْمُحْتَالِ لَا يَرْجِعُ بَعْدَ الْحَوَالَةِ ، وَيَدُلُّ عَلَى اسْتِقْرَارِ الْقِيمَةِ فِي ذِمَّتِهِ وَأَنَّهَا كَالْمَقْبُوضَةِ لَهُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَبْدِلَ عَنْ تِلْكَ الْقِيمَةِ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا مَقْبُوضَةٌ " حُكْمًا قَالَ " الشَّيْخُ فِي الِاسْتِبْدَالِ نَظَرٌ ، قِيلَ : وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْغَصْبِ أَنَّ الْخِيَارَ فِي مَسْأَلَةِ الْإِتْلَافِ لِأَجْلِ الْعَيْبِ " سَقَطَ " بِالرِّضَا وَفِي الْغَصْبِ لِعَدَمِ الْقَبْضِ وَتَعَذُّرِهِ وَالْقَبْضُ مُسْتَحَقٌّ فِي كُلِّ زَمَانٍ لَا يَسْقُطُ بِالْإِسْقَاطِ .
" وَمِنْهُ " الْمُمَيِّزُ إذَا اخْتَارَ أَحَدَ الْأَبَوَيْنِ كَانَ عِنْدَهُ ، فَلَوْ اخْتَارَ بَعْدَهُ الْآخَرَ حُوِّلَ إلَيْهِ .

الْخَامِسُ : إذَا اجْتَمَعَ أَنْوَاعٌ مِنْ الْخِيَارِ كَخِيَارِ الْمَجْلِسِ وَالشَّرْطِ وَالْعَيْبِ فَفَسَخَ الْعَاقِدُ قَالَ الدَّارِمِيُّ فِي كِتَابِهِ جَامِعِ الْجَوَامِعِ يُنْظَرُ إنْ صَرَّحَ بِالْفَسْخِ بِجَمِيعِهَا انْفَسَخَ بِالْجَمِيعِ وَإِنْ صَرَّحَ بِالْبَعْضِ انْفَسَخَ بِهِ وَإِنْ أَطْلَقَ يَنْفَسِخُ بِالْجَمِيعِ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بَعْضُهَا أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ قُلْت : وَيُحْتَمَلُ انْصِرَافُهُ لِلْمُتَقَدِّمِ إنْ تَرَتَّبَتْ " فِي ذِمَّتِهِ " .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمِلْكَ فِي زَمَنِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ مَوْقُوفٌ وَأَمَّا فِي زَمَنِ خِيَارِ الشَّرْطِ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَالْمِلْكُ لَهُ أَوْ لِلْمُشْتَرِي فَلَهُ أَوَّلُهُمَا فَمَوْقُوفٌ فَإِذَا اجْتَمَعَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ " وَخِيَارُ الشَّرْطِ لِأَحَدِهِمَا فَقَدْ تَنَافَيَا ؛ لِأَنَّ قَضِيَّةَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ " تُعْطِي كَوْنَ الْمِلْكِ مَوْقُوفًا وَقَضِيَّةَ كَوْنِهِ لِأَحَدِهِمَا تُعْطِي كَوْنَهُ لِوَاحِدٍ مُعَيَّنٍ فَمَا الْمُغَلَّبُ ؟ الظَّاهِرُ تَغَلُّبُ خِيَارِ الشَّرْطِ لِثُبُوتِهِ بِالْإِجْمَاعِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَثَرُهُ وَحِينَئِذٍ فَلَوْ انْقَطَعَ خِيَارُ الشَّرْطِ وَهُمَا مُجْتَمِعَانِ فَالظَّاهِرُ بَقَاءُ خِيَارِ الْمَجْلِسِ لِعَدَمِ التَّفَرُّقِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ إنَّمَا رَفَعَ الْمُدَّةَ لَا أَصْلَ الْخِيَارِ .

الدَّفْعُ أَقْوَى مِنْ الرَّفْعِ وَلِهَذَا " الْمُسْتَعْمَلُ " إذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ هَلْ يَعُودُ طَهُورًا ؟ بِهِ وَجْهَانِ ، وَلَوْ اسْتَعْمَلَ الْقُلَّتَيْنِ ابْتِدَاءً لَمْ يَصِرْ مُسْتَعْمِلًا بِلَا خِلَافٍ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَاءَ إذَا اُسْتُعْمِلَ وَهُوَ قُلَّتَانِ كَانَ دَافِعًا لِلِاسْتِعْمَالِ وَإِذَا جُمِعَ كَانَ رَافِعًا وَالدَّفْعُ أَقْوَى مِنْ الرَّفْعِ .
وَمِنْهَا : مَنْعُ تَخْمِيرِ الْخَلِّ ابْتِدَاءً بِأَنْ يُوضَعَ " فِيهِ " خَلٌّ " فَمَنْعُ " تَخْمِيرِهَا مَشْرُوعٌ وَتَخْلِيلُهَا بَعْدَ تَخْمِيرِهَا مَمْنُوعٌ .
وَمِنْهَا : السَّفَرُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصِّيَامِ يُبِيحُ الْفِطْرَ وَلَوْ سَافَرَ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ لَا يُبِيحُهُ .
وَمِنْهَا : أَنَّ الزَّوْجَ يَمْلِكُ مَنْعَ زَوْجَتِهِ مِنْ حَجِّ الْفَرْضِ ، فَإِنْ شَرَعَتْ فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، فَفِي جَوَازِ تَحْلِيلِهَا قَوْلَانِ ، أَظْهَرُهُمَا : نَعَمْ .
وَمِنْهَا : وُجُودُ الْمَاءِ بَعْدَ التَّيَمُّمِ وَقَبْلَ الصَّلَاةِ يَمْنَعُ " الدُّخُولَ " فِيهَا ، وَلَوْ دَخَلَ فِيهَا بِالتَّيَمُّمِ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ فِي صَلَاةٍ ، لَا تَسْقُطُ بِهِ بَطَلَتْ .
وَمِنْهَا : اخْتِلَافُ الدِّينِ الْمَانِعُ مِنْ النِّكَاحِ يَمْنَعُهُ ابْتِدَاءً ، وَلَا يَفْسَخُهُ فِي الدَّوَامِ .

الدَّوْرُ قِسْمَانِ : حُكْمِيٌّ : وَهُوَ أَنْ يُوجِبَ شَيْءٌ " حُكْمَيْنِ شَرْعِيِّينَ مُتَمَانِعَيْنِ " يَنْشَأُ الدَّوْرُ مِنْهُمَا .
وَلَفْظِيٌّ : وَهُوَ أَنْ يَنْشَأَ الدَّوْرُ مِنْ لَفْظِ اللَّافِظِ ، كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ السُّرَيْجِيَّةِ وَمَسْأَلَةِ تَعْلِيقِ الْعَزْلِ بِإِدَارَةِ الْوَكَالَةِ .
وَمِنْ الْأَوَّلِ : لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ ابْنٌ مَمْلُوكٌ فَأَوْصَى لَهُ سَيِّدُهُ بِهِ وَمَاتَ الْمُوصِي ، ثُمَّ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ قَبُولِ الْوَصِيَّةِ ، وَوَرِثَهُ أَخُوهُ فَقَبِلَ أَخُوهُ الْوَصِيَّةَ عَتَقَ الِابْنُ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَلَا يَرِثُ ، لِأَنَّهُ ، لَوْ وَرِثَ لَحَجَبَ الْأَخَ وَبَطَلَ قَبُولُهُ فَلَمْ يُعْتَقْ فَيَلْزَمُ مِنْ تَوْرِيثِهِ عَدَمُ تَوْرِيثِهِ " .
وَمِنْهَا : شَهِدَ شَاهِدَانِ بِعِتْقِ عَبْدَيْنِ فَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِعِتْقِهِمَا ، ثُمَّ " شَهِدَ " الْعَتِيقَانِ بِجَرْحِ الشَّاهِدَيْنِ لَمْ يُقْبَلْ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ " قَبُولِهَا " رَدُّ شَهَادَتِهِمَا بِالْعِتْقِ .

قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ زَوَّجْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ ، فَزَوَّجَهَا عَبْدًا لَمْ تُعْتَقْ ، لِأَنَّ فِي إيقَاعِ الْحُرِّيَّةِ إبْطَالَهَا ، لِأَنَّا لَوْ قُلْنَا صَارَتْ حُرَّةً فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بَطَلَ تَزْوِيجُهَا ، وَإِذَا بَطَلَ تَزْوِيجُهَا بَطَلَتْ حُرِّيَّتُهَا ، لِأَنَّهُ لَمْ يُحَرِّرْهَا ، إلَّا " بِصِفَةِ " التَّزْوِيجِ وَقَالَ " ابْنُ أَبِي أَحْمَدَ " يَثْبُتُ النِّكَاحُ وَتَبْطُلُ الْحُرِّيَّةُ .

مُرَاهِقٌ قَذَفَ رَجُلًا فَقَالَ الْمَقْذُوفُ هُوَ بَالِغٌ ، وَأَنْكَرَ الْقَاذِفُ ، فَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ لَمْ يَحْلِفْ الْمُرَاهِقُ أَنَّهُ غَيْرُ بَالِغٍ ، لِأَنَّا لَوْ حَكَمْنَا بِيَمِينِهِ أَنَّهُ غَيْرُ بَالِغٍ ، لَحَكَمْنَا بِبُطْلَانِ الْيَمِينِ ، لِأَنَّ الْيَمِينَ مِنْ غَيْرِ الْبَالِغِ لَا مَعْنَى " لَهَا " " وَلَوْ " دَفَعَ إلَى رَجُلٍ زَكَوَاتٍ فَاسْتَغْنَى بِهَا لَمْ يَسْتَرْجِعْ مِنْهُ لِأَنَّ الِاسْتِرْجَاعَ مِنْهُ يُوجِبُ " دَفْعًا " ثَانِيًا ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ فَقِيرًا بِالِاسْتِرْجَاعِ .

قَالَ إنْ طَلَّقْتُك غَدًا " طَلْقَةً " فَأَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ ثَلَاثًا ، ثُمَّ طَلَّقَ مِنْ الْغَدِ وَاحِدَةً طَلُقَتْ وَاحِدَةً وَلَمْ تَقَعْ الثَّلَاثُ ، لِأَنَّا لَوْ أَوْقَعْنَا الثَّلَاثَ بَطَلَتْ الْوَاحِدَةُ وَإِذَا بَطَلَتْ الْوَاحِدَةُ بَطَلَتْ الثَّلَاثُ ، فَفِي إثْبَاتِ الثَّلَاثِ إبْطَالُهَا .
وَوَافَقَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَقَالَ غَيْرُهُ : تَقَعُ الْوَاحِدَةُ وَثِنْتَانِ مِنْ الثَّلَاثِ " كَقَوْلِهِ إنْ طَلَّقْتُك وَاحِدَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ عَشْرًا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ وَثِنْتَانِ مِنْ الْعَشَرَةِ " .

الدَّيْنُ ضَرْبَانِ حَالٌّ وَمُؤَجَّلٌ الْأَوَّلُ : الْمُؤَجَّلُ وَيَحِلُّ بِانْقِضَاءِ الْأَجَلِ وَلَوْ اتَّفَقَ الْمُتَعَاقِدَانِ عَلَى إسْقَاطِ الْأَجَلِ لَمْ يَسْقُطْ فِي الْأَصَحِّ وَيَحِلُّ بِمَوْتِ الْمَدْيُونِ بِلَا خِلَافٍ إلَّا فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ : الْأُولَى .
الْمُسْلِمُ إذَا لَزِمَتْهُ الدِّيَةُ وَلَا مَالَ لَهُ وَلَا عَصَبَةَ تَحَمَّلَ عَنْهُ بَيْتُ الْمَالِ فَلَوْ مَاتَ أُخِذَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مُؤَجَّلًا وَلَا يَحِلُّ لِأَنَّ الدِّيَةَ تُلَازِمُ التَّأْجِيلَ وَصُورَتَانِ عَلَى وَجْهٍ : إحْدَاهُمَا إذَا لَزِمَتْ الدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ الْجَانِيَ كَمَا لَوْ " اعْتَرَفَ " وَأَنْكَرَتْ الْعَاقِلَةُ فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ الْجَانِي مُؤَجَّلَةً ، فَلَوْ مَاتَ هَلْ تَحِلُّ الدِّيَةُ حَتَّى يُؤْخَذَ مِنْ تَرِكَتِهِ حِينَئِذٍ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا نَعَمْ وَالثَّانِي .
لَا تَحِلُّ بِمَوْتِهِ لِأَنَّ الدِّيَةَ " يُلَازِمُهَا " الْأَجَلُ وَلَا يَجْرِي مِثْلُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا مَاتَ بَعْضُ الْعَاقِلَةِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ حَيْثُ كَانَتْ الدِّيَةُ تُؤْخَذُ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَمَّنْ مَاتَ وَلَا يَأْتِي الْوَجْهَانِ حِينَئِذٍ .
الثَّانِيَةُ : ضَمِنَ دَيْنًا مُؤَجَّلًا وَمَاتَ الضَّامِنُ لَا يَحِلُّ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فِي وَجْهٍ وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ .
وَلَوْ مَاتَ الْأَصِيلُ حَلَّ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَلَمْ يَحِلَّ عَلَى الضَّامِنِ عَلَى الصَّحِيحِ .
وَهَا هُنَا غَرِيبَتَانِ أَيْضًا : إحْدَاهُمَا : أَنَّ الدُّيُونَ لَا تَحِلُّ بِمَوْتِ صَاحِبِ الدَّيْنِ بِلَا خِلَافٍ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى وَجْهٍ وَهِيَ مَا لَوْ خَلَعَ زَوْجَتَهُ عَلَى طَعَامٍ فِي ذِمَّتِهَا وَوَصَفَهُ بِصِفَاتِ السَّلَمِ وَأَذِنَ لَهَا أَنْ تَدْفَعَهُ لِوَلَدِهِ مِنْهَا أَوْ خَالَعَهَا عَلَى الْإِرْضَاعِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً ثُمَّ مَاتَ الْمُخَالِعُ الْمَذْكُورُ فَإِنَّ فِيهِ وَجْهًا بِحُلُولِ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ لِأَنَّ الْخُلْعَ عَلَى مَا " ذُكِرَ " إنَّمَا كَانَ مِنْ أَجْلِ " الصَّغِيرِ " وَقَدْ سَقَطَ حَقُّهُ عَنْ أَبِيهِ بِالْمَوْتِ " فَلْيَسْقُطْ " الْأَجْلُ حِينَئِذٍ .
الثَّانِيَةُ : لَوْ مَاتَ الصَّبِيُّ نَفْسُهُ فَفِي حِلِّ مَا ذُكِرَ

بِمَوْتِ الصَّبِيِّ وَجْهَانِ ، أَصَحُّهُمَا لَا يَحِلُّ " هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ " بِالْمَوْتِ ، وَأَمَّا الْفَلَسُ فَلَا تَحِلُّ بِهِ الدُّيُونُ عَلَى الْأَظْهَرِ " وَلَا بِالْجُنُونِ عَلَى الْأَصَحِّ " وَمَا وَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ خِلَافُهُ مَرْدُودٌ .
وَلَا تَحِلُّ الدُّيُونُ بِالسَّفَهِ وَلَا بِالرِّقِّ كَمَا لَوْ اُسْتُرِقَّ الْحَرْبِيُّ فِي الْأَصَحِّ الضَّرْبُ الثَّانِي : الْحَالُّ " لَا " ، يُؤَجَّلُ وَقَدْ سَبَقَ فِي حَرْفِ الْحَاءِ .

فَائِدَةٌ : لَيْسَ فِي الشَّرِيعَةِ دَيْنٌ لَا يَكُونُ إلَّا مُؤَجَّلًا إلَّا الْكِتَابَةُ وَالدِّيَةُ وَلَيْسَ فِيهَا دَيْنٌ لَا يَكُونُ إلَّا حَالًّا إلَّا فِي " الْقِرَاضِ " وَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَعَقْدِ الصَّرْفِ وَالرِّبَا فِي الذِّمَّةِ وَكُلِّ مُقَابَلَةٍ بِإِتْلَافٍ قَهْرِيٍّ إلَّا دِيَةَ الْخَطَأِ وَشِبْهَ الْعَمْدِ وَالْأُجْرَةَ فِي إجَارَةٍ الذِّمَّةِ وَفَرْضُ الْقَاضِي مَهْرَ الْمِثْلِ عَلَى الْمُمْتَنِعِ فِي الْمُفَوَّضَةِ وَعَقْدُ كُلِّ نَائِبٍ أَوْ وَلِيٍّ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي التَّأْجِيلِ لَفْظًا أَوْ شَرْعًا .
الدَّيْنُ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ زَكَاةِ الْمَالِ " وَكَذَا " زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى الْمُرَجَّحِ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَيُؤَيِّدُهُ نَصُّ " الْإِمَامِ " الشَّافِعِيِّ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " عَلَى أَنَّ الْفِطْرَةَ تُقَدَّمُ عَلَى الدُّيُونِ وَلَا يَمْنَعُ السِّرَايَةَ فِي الْعِتْقِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فِي الْأَظْهَرِ وَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ " دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ " وَحَكَى الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي الْأَسْرَارِ فِيهِ وَجْهَيْنِ مُخَرَّجَيْنِ " مِمَّا " لَوْ أَوْصَى بِزَائِدٍ عَلَى الثُّلُثِ وَلَا يَمْنَعُ أَخْذَ الزَّكَاةِ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَقَالَ الْبَغَوِيّ لَا يُصْرَفُ إلَيْهِ شَيْءٌ حَتَّى يَصْرِفَهُ إلَى الدَّيْنِ .
وَلَوْ اشْتَرَى قَرِيبَهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَقِيلَ لَا يَصِحُّ الشِّرَاءُ .
وَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ وَلَا يُعْتَقُ بَلْ يُبَاعُ " فِي الدَّيْنِ " .
أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ عَبْدًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَ عِتْقِ ثُلُثِهِ " فَإِنْ " كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لَنْ يُعْتَقَ " مِنْهُ شَيْءٌ " الدَّيْنُ هَلْ هُوَ مَالٌ فِي الْحَقِيقَةِ أَوْ هُوَ حَقُّ مُطَالَبَةٍ يَصِيرُ مَالًا فِي الْمَآلِ فِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي فِي كِتَابِ الصُّلْحِ ، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ حُكْمُ الْيَسَارِ حَتَّى تَلْزَمَهُ نَفَقَةُ الْمُوسِرِينَ وَكَفَّارَتُهُمْ وَلَا تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ " وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْمَالِيَّةَ مِنْ صِفَاتِ الْمَوْجُودِ " وَلَيْسَ هَا هُنَا شَيْءٌ مَوْجُودٌ قَالَ وَإِنَّمَا اُسْتُنْبِطَ هَذَا مِنْ قَوْلِ " الْإِمَامِ " الشَّافِعِيِّ " رَضِيَ اللَّهُ

عَنْهُ " فَمَنْ مَلَكَ دُيُونًا عَلَى النَّاسِ هَلْ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ " الْمَذْهَبُ " الْوُجُوبُ وَفِي الْقَدِيمِ قَوْلٌ أَنَّهَا لَا تَجِبُ .
وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ فُرُوعٌ : مِنْهَا : هَلْ يَجُوزُ بَيْعُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ إنْ قُلْنَا " إنَّهُ " مَالٌ جَازَ أَوْ حَقٌّ فَلَا لِأَنَّ الْحُقُوقَ لَا تَقْبَلُ النَّقْلَ إلَى الْغَيْرِ .
وَمِنْهَا أَنَّ الْإِبْرَاء عَنْ الدَّيْنِ إسْقَاطٌ أَوْ تَمْلِيكٌ .
وَمِنْهَا : حَلَفَ لَا مَالَ لَهُ وَلَهُ دَيْنٌ حَالٌّ عَلَى مَلِيءٍ حَنِثَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَكَذَا الْمُؤَجَّلُ أَوْ عَلَى الْمُعْسِرِ فِي الْأَصَحِّ .

حَرْفُ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الذَّهَبُ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى الرِّجَالِ وَأَمَّا فِي الْأَوَانِي فَيَشْتَرِكُ النَّوْعَانِ فِي التَّحْرِيمِ .
وَيُسْتَثْنَى مَوَاضِعُ : أَحَدُهَا : مَنْ جُدِعَ أَنْفُهُ جَازَ لَهُ اتِّخَاذُ أَنْفٍ مِنْ ذَهَبٍ تَغْيِيرًا لِقُبْحِ الْوَجْهِ بِفَقْدِهِ وَإِنْ أَمْكَنَ اتِّخَاذُهُ مِنْ فِضَّةٍ وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ { إنَّ عَرْفَجَةَ أُصِيبَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلَابِ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَّخِذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ } وَقَالَ ( التِّرْمِذِيُّ ) ( حَدِيثٌ ) ( حَسَنٌ ) غَرِيبٌ .
وَفِي مَعْنَى الْأَنْفِ السِّنُّ وَالْأُنْمُلَةُ فَإِنْ " نَبَتَ " فِيهِ الْعُضْوُ وَتَرَاكَمَ عَلَيْهِ اللَّحْمُ صَارَ مُسْتَهْلَكًا فَلَا زَكَاةَ فِيهِ وَإِلَّا فَحَيْثُ أَمْكَنَ نَزْعُهُ فَفِي زَكَاتِهِ الْقَوْلَانِ فِي الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ قُطِعَتْ كَفُّهُ أَوْ إصْبَعُهُ أَنْ يَتَّخِذَ بَدَلَهَا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لِأَنَّهَا لَا تَعْمَلُ بِخِلَافِ الْأُنْمُلَةِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ تَحْرِيكُهَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ جَزَمَ الرَّافِعِيُّ وَحَكَى الْقَاضِي الْحُسَيْنُ " وَجْهًا " أَنَّهُ يَجُوزُ .
الثَّانِي : إذَا صَدِئَ قَطَعَ بِهِ فِي الْمُهَذَّبِ وَالتَّنْبِيهِ وَغَيْرِهِمَا ، لِعَدَمِ ظُهُورِ السَّرَفِ وَفِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ أَنَّ أَصْحَابَنَا أَلْحَقُوا بِهِ طِرَازَ الذَّهَبِ إذَا اتَّسَخَ وَذَهَبَ حُسْنُهُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ " الذَّهَبُ " لَا يَصْدَأُ ، وَرُدَّ بِأَنَّ مِنْهُ مَا يَصْدَأُ وَهُوَ مَا يُخَالِطُهُ غَيْرُهُ بِخِلَافِ الْخَالِصِ .
الثَّالِثُ : إذَا طُلِيَ الذَّهَبُ بِغَيْرِهِ بِحَيْثُ لَا يَظْهَرُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ .
الرَّابِعُ : التَّمْوِيهُ الَّذِي لَا يَحْصُلُ مِنْهُ شَيْءٌ بِالْعَرْضِ عَلَى النَّارِ فِي الْخَاتَمِ وَالسَّيْفِ وَغَيْرِهِمَا لِأَنَّهُ يُسْتَهْلَكُ وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ التَّحْرِيمَ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ .

حَرْفُ الرَّاءِ الرُّخَصُ يَتَعَلَّقُ بِهَا مَبَاحِثُ الْأَوَّلُ : تَنْقَسِمُ إلَى أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : رُخْصَةٌ وَاجِبَةٌ كَحِلِّ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ ، وَقِيلَ : لَا يَجِبُ الْأَكْلُ بَلْ لَهُ الصَّبْرُ حَتَّى يَمُوتَ وَقَالَ إلْكِيَا الطَّبَرِيُّ فِي كِتَابِ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ : الصَّحِيحُ عِنْدَنَا أَنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ عَزِيمَةٌ لَا رُخْصَةٌ ، كَالْإِفْطَارِ " فِي رَمَضَانَ لِلْمَرِيضِ " انْتَهَى وَكَذَلِكَ إسَاغَةُ اللُّقْمَةِ بِالْخَمْرِ إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا وَأَشَارَ الْإِمَامُ إلَى أَنَّ الْوَجْهَ فِي الْمَيْتَةِ لَا يَأْتِي هُنَا لِأَنَّا وَجَّهْنَاهُ بِالتَّرَدُّدِ فِي دَفْعِ الضَّرَرِ ، وَإِسَاغَةُ اللُّقْمَةِ مَعْلُومَةٌ .
وَمِنْهُ وُجُوبُ اسْتِدَامَةِ لُبْسُ الْخُفِّ " إنْ " لَمْ يَجِدْ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِيهِ ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمُحْدِثُ لَابِسَ الْخُفِّ بِشَرَائِطِهِ وَدَخَلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَوَجَدَ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِيهِ لَوْ مَسَحَ عَلَى الْخُفِّ وَلَا يَكْفِيهِ لَوْ غَسَلَ " رِجْلَيْهِ " فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ قَطْعًا كَمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الطَّهَارَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ ، وَلَمْ يَقِفْ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَيْهِ نَقْلًا " فَذَكَرَهُ " تَفَقُّهًا وَقَالَ : الَّذِي يَظْهَرُ وُجُوبُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَابِسًا وَلَكِنَّهُ " كَانَ " عَلَى طَهَارَةٍ وَأَرْهَقَهُ الْحَدَثُ وَمَعَهُ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِيهِ لِلْمَسْحِ دُونَ الْغُسْلِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي التَّيَمُّمِ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ .
وَمِنْهُ التَّيَمُّمُ لِفَقْدِ الْمَاءِ أَوْ لِلْخَوْفِ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ إذَا جَعَلْنَاهُ رُخْصَةً وَهُوَ مَا أَوْرَدَهُ الْإِمَامُ وَالرَّافِعِيُّ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ عَزِيمَةٌ وَهُوَ مَا أَوْرَدَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالثَّالِثُ : التَّفْصِيلُ بَيْنَ التَّيَمُّمِ لِعَدَمِ الْمَاءِ فَعَزِيمَةٌ أَوْ لِلْمَرِيضِ أَوْ بُعْدِ الْمَاءِ عَنْهُ أَوْ بَيْعِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ فَرُخْصَةٌ وَهُوَ مَا أَوْرَدَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى وَيَبْنِي عَلَيْهِ مَا إذَا كَانَ

يَرْجُو الْمَاءَ آخِرَ الْوَقْتِ هَلْ الْأَفْضَلُ تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ أَوْ التَّأْخِيرُ فَعَلَى الْأَوَّلِ التَّأْخِيرُ أَفْضَلُ وَعَلَى الثَّانِي التَّقْدِيمُ أَفْضَلُ كَالْوُضُوءِ وَإِنْ صَحَّ هَذَا " الْبِنَاءُ " أَمْكَنَ أَنْ يُؤْخَذَ الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ رُخْصَةٌ أَوْ عَزِيمَةٌ مِنْ الْخِلَافِ فِي التَّقْدِيمِ أَفْضَلُ " أَمْ " التَّأْخِيرُ وَكَذَلِكَ مِنْ فَوَائِدِهِ التَّيَمُّمُ بِالتُّرَابِ الْمَغْصُوبِ " يَجُوزُ " إنْ قُلْنَا عَزِيمَةٌ وَإِنْ قُلْنَا رُخْصَةٌ فَوَجْهَانِ .

الثَّانِي : رُخْصَةٌ فِعْلُهَا أَفْضَلُ كَالْقَصْرِ لِمَنْ بَلَغَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا " وَعَدَّ " بَعْضُهُمْ مِنْهُ مَسْحَ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ أَفْضَلَ مِنْ الْغُسْلِ مَعَ أَنَّهُ رُخْصَةٌ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قُلْت : لَكِنْ صَرَّحَ " الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْفُرُوقِ بِأَنَّهُ عَزِيمَةٌ " نَعَمْ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ رُخْصَةٌ ، وَعَدَّ النَّوَوِيُّ مِنْهُ فِي كِتَابِ الْأُصُولِ وَالضَّوَابِطِ الْإِبْرَادَ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ .
قَالَ " الشَّيْخُ صَدْرُ الدِّينِ بْنُ الْوَكِيلِ وَهُوَ غَلَطٌ " صَرِيحٌ ، فَإِنَّ فِي الْإِبْرَادِ وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا سُنَّةٌ ، " فَيُسْتَحَبُّ " التَّأْخِيرُ - وَالثَّانِي رُخْصَةٌ " وَهُوَ " عَلَى هَذَا ، لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِبْرَادُ ، وَإِذَا قَدَّمَ الصَّلَاةَ كَانَ أَفْضَلَ فَاسْتِحْبَابُ الْإِبْرَادِ وَكَوْنُهُ رُخْصَةً مِمَّا لَا يَجْتَمِعَانِ ، فَلَا يَصِحُّ جَعْلُهُ رُخْصَةً ، وَأَنَّهَا " مُسْتَحَبَّةٌ " قُلْت : بَلْ هُوَ صَحِيحٌ وَالْوَجْهَانِ مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّهُ رُخْصَةٌ لِثُبُوتِهِ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ ، لِعُذْرِ الْحَرِّ ، وَإِنَّمَا الْوَجْهَانِ فِي أَنَّهُ رُخْصَةٌ مُسْتَحَبَّةٌ أَوْ مُبَاحَةٌ ، فَعَلَى الْأَصَحِّ مُسْتَحَبَّةٌ ، وَالتَّقْدِيمُ خِلَافُ الْأَفْضَلِ ، وَعَلَى مُقَابِلِهِ رُخْصَةٌ مُبَاحَةٌ ، وَالتَّقْدِيمُ أَفْضَلُ .
وَعِبَارَةُ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ : الْإِبْرَادُ مُسْتَحَبٌّ ، وَهَلْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ التَّعْجِيلِ " وَجْهَانِ " ، وَهُوَ يَقْتَضِي الِاتِّفَاقَ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْآكَدِ لِتَعَارُضِ " فَضِيلَتَيْنِ " أَوَّلِ الْوَقْتِ ، وَتَحْصِيلِ الْخُشُوعِ بِالتَّأْخِيرِ .

الثَّالِثُ : رُخْصَةٌ تَرَكَهَا أَفْضَلُ كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ ، وَالتَّيَمُّمِ لِمَنْ وَجَدَ الْمَاءَ يُبَاعُ بِأَكْثَرَ مِنْ " ثَمَنِ الْمِثْلِ " ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ ، وَالْفِطْرُ لِمَنْ لَا يَتَضَرَّرُ بِالصَّوْمِ .
وَعَدَّ الْمُتَوَلِّي وَالْغَزَالِيُّ مِنْ هَذَا الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ " رَحِمَهُ اللَّهُ " يُوجِبُ الْقَصْرَ وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ إلَّا بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ .

الْبَحْثُ الثَّانِي : تَنْقَسِمُ الرُّخْصَةُ إلَى كَامِلَةٍ وَهِيَ الَّتِي لَا بَدَلَ " لَهَا " بَعْدَ فِعْلِهَا كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ وَإِلَى نَاقِصَةٍ وَهِيَ بِخِلَافِهِ كَالْفِطْرِ لِلْمُسَافِرِ ، وَهَذَا " أَخَذْته " مِنْ كَلَامِ " الْإِمَامِ " الشَّافِعِيِّ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِي الْأُمِّ ، فَإِنَّهُ قَالَ وَالْمَسْحُ رُخْصَةُ كَمَالٍ وَعَلَى هَذَا فَالتَّيَمُّمُ لِعَدَمِ الْمَاءِ فِيمَا لَا يَجِبُ مَعَهُ الْقَضَاءُ رُخْصَةٌ كَامِلَةٌ وَفِيمَا يَجِبُ مَعَهُ الْقَضَاءُ رُخْصَةٌ نَاقِصَةٌ .

الثَّالِثُ : الرُّخَصُ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي .
وَمِنْ ثَمَّ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ لَا يَتَرَخَّصُ " بِالْفِطْرِ وَالْقَصْرِ " وَالْجَمْعِ ، وَلَا يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَلَا يَمْسَحُ مُدَّةَ " الْمُسَافِرِ " قَطْعًا ، وَلَا مُدَّةَ الْمُقِيمِ فِي الْأَصَحِّ ، وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ الْجُمُعَةُ بِسَفَرِهِ وَلَا يُبَاحُ لَهُ التَّطَوُّعُ رَاكِبًا وَمَاشِيًا ، لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ .
وَلَوْ زَالَ عَقْلُهُ بِسَبَبٍ مُحَرَّمٍ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ الصَّلَاةُ .
وَلَوْ اسْتَنْجَى بِمُحَرَّمٍ أَوْ بِمَطْعُومٍ ، فَالْأَصَحُّ لَا يَجْزِيهِ ، لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْأَحْجَارِ رُخْصَةٌ ، وَالرُّخَصُ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي .
وَلَوْ عَدِمَ الْمَاءَ " لَمْ " يَتَيَمَّمْ عَلَى وَجْهٍ وَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ ، لَكِنْ إذَا صَلَّى بِهِ وَجَبَ الْقَضَاءُ فِي الْأَصَحِّ ، وَعَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ ، فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الرُّخَصِ أَنَّ الرُّخَصَ " يَتَخَيَّرُ " بَيْنَ فِعْلِهَا وَتَرْكِهَا ، وَالتَّيَمُّمُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ .
وَلَوْ تَرَكَهُ عَصَى .
وَتَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْحِنْثِ رُخْصَةٌ وَفِي الْحِنْثِ " بِمَعْصِيَتِهِ " وَجْهَانِ ، لِأَنَّ الرُّخَصَ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي ، وَقَدْ تَوَسَّعَ الْإِصْطَخْرِيُّ فِي طَرْدِ هَذَا الْأَصْلِ فِي الْمُقِيمِ الْعَاصِي ، وَقَالَ " لَا يَسْتَبِيحُ " شَيْئًا مِنْ الرُّخَصِ .
كَالْمُسَافِرِ .
وَذَهَبَ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّهُ يَسْتَبِيحُهَا ، وَيُخَالِفُ الْمُسَافِرَ " فَإِنَّ " الْإِقَامَةَ نَفْسَهَا ، لَيْسَتْ مَعْصِيَةً ، لِأَنَّهَا كَفٌّ ، وَإِنَّمَا الْفِعْلُ الَّذِي يُوقِعُهُ فِي الْإِقَامَةِ مَعْصِيَةٌ ، وَالسَّفَرُ فِي نَفْسِهِ مَعْصِيَةٌ .
قَالَ الْإِمَامُ : وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ أَعْنِي أَنَّ الْمَعَاصِيَ ، إنَّمَا " تُنَافِي " الرُّخَصَ ، إذَا كَانَتْ الْمَعْصِيَةُ بِسَبَبِ التَّرَخُّصِ ، كَالْعَبْدِ الْآبِقِ ، لَا يَتَرَخَّصُ بِرُخَصِ الْمُسَافِرِ .
أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ الْمَعْصِيَةُ بِسَبَبِ الرُّخْصَةِ فَلَا ، فَمَنْ سَافَرَ وَعَصَى فِي سَفَرِهِ كَانَ لَهُ التَّرَخُّصُ ، لِأَنَّهُ عَاصٍ فِي سَفَرِهِ لَا بِسَفَرِهِ " ثُمَّ " اُسْتُشْكِلَ عَلَى هَذَا مَا لَوْ جُنَّ الْمُرْتَدُّ ،

ثُمَّ أَفَاقَ وَأَسْلَمَ لَزِمَهُ قَضَاءُ الْفَائِتَةِ زَمَنَ جُنُونِهِ مَعَ أَنَّ سُقُوطَ الْقَضَاءِ " عَنْ الْمَجْنُونِ تَخْفِيفًا " وَالْمُرْتَدُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّخْفِيفِ ، وَحِينَئِذٍ فَالْجُنُونُ لَا مَعْصِيَةَ فِيهِ ، فَكَانَ يَنْبَغِي إسْقَاطُ الْقَضَاءِ .
وَقَدْ " اُسْتُثْنِيَ " مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ صُوَرٌ : مِنْهَا : لَوْ شَرِبَتْ دَوَاءً فَأَسْقَطَتْ " وَصَارَتْ " نُفَسَاءَ ، لَا تَقْضِي " الصَّلَاةَ أَيَّامَ نِفَاسِهَا " وَإِنْ كَانَتْ عَاصِيَةً فِي الْأَصَحِّ ، إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ سُقُوطَ الصَّلَاةِ عَنْ " النُّفَسَاءِ " عَزِيمَةٌ .
وَمِنْهَا : جَوَازُ الِاسْتِنْجَاءِ بِقِطْعَةِ ذَهَبٍ أَوْ حَرِيرٍ يَجُوزُ فِي الْأَصَحِّ " .
وَمِنْهَا : صِحَّةُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ الْمَغْصُوبِ وَالْمَسْرُوقِ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا " سَبَقَ " أَنَّ الْمُسَافِرَ الْعَاصِيَ لَا يَسْتَبِيحُ الْمَسْحَ ، وَلِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ هُنَا لَا تَخْتَصُّ بِاللُّبْسِ ، وَلِهَذَا ، لَوْ تَرَكَ لُبْسَهُ لَمْ يَتْرُكْ الْمَعْصِيَةَ وَهُنَاكَ الْمَعْصِيَةُ بِالسَّفَرِ .
وَمِنْهَا : إذَا صَبَّ الْمَاءَ بَعْدَ الْوَقْتِ لِغَيْرِ غَرَضٍ وَتَيَمَّمَ ، فَقِيلَ تَجِبُ الْإِعَادَةُ لِعِصْيَانِهِ ، وَالْأَصَحُّ لَا ، لِأَنَّهُ فَاقِدٌ .
وَمِنْهَا : صِحَّةُ التَّيَمُّمِ بِتُرَابٍ مَغْصُوبٍ ، كَمَا جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مَعَ أَنَّ التَّيَمُّمَ رُخْصَةٌ عَلَى رَأْيٍ .
وَمِنْهَا : جِلْدُ الْآدَمِيِّ إذَا حَكَمْنَا بِنَجَاسَتِهِ بِالْمَوْتِ ، قِيلَ لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ ، لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ مَعْصِيَةٌ ، وَالرُّخَصُ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي ، وَالْأَصَحُّ يَطْهُرُ كَغَيْرِهِ وَتَحْرِيمُهُ لَيْسَ لِعَيْنِهِ ، بَلْ لِلِامْتِهَانِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ ، وَلِأَنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ وَإِنْ قُلْنَا بِطَهَارَتِهِ .
تَنْبِيهٌ : مَعْنَى قَوْلِ الْأَئِمَّةِ " أَنَّ " الرُّخَصَ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي أَنَّ فِعْلَ الرُّخْصَةِ مَتَى تَوَقَّفَ عَلَى وُجُودِ شَيْءٍ نُظِرَ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ فَإِنْ كَانَ تَعَاطِيهِ فِي نَفْسِهِ حَرَامًا امْتَنَعَ مَعَهُ فِعْلُ الرُّخْصَةِ ، وَإِلَّا فَلَا .
مِثَالُ الْأَوَّلِ :

السَّفَرُ الْمَوْصُوفُ بِالْمَعْصِيَةِ ، كَإِبَاقِ الْعَبْدِ مِنْ سَيِّدِهِ ، " وَالْأَجِيرِ " عَيْنِهِ مِنْ " مُسْتَأْجِرِهِ " ، وَالْمَرْأَةِ مِنْ زَوْجِهَا ، لَمَّا كَانَتْ رُخْصَةُ " الْقَصْرِ " وَالْفِطْرِ مُتَوَقِّفَةً عَلَى وُجُودِ السَّفَرِ ، اُشْتُرِطَ " فِي " إبَاحَةِ فِعْلِهَا أَنْ لَا يَكُونَ السَّفَرُ فِي نَفْسِهِ مَعْصِيَةً ، وَكَذَلِكَ الِاسْتِنْجَاءُ " بِغَيْرِ الْمَاءِ " رُخْصَةٌ ، " وَلَمَّا " تُوُقِّفَ عَلَى اسْتِعْمَالِ جَامِدٍ اُشْتُرِطَ فِي الْجَامِدِ كَوْنُ اسْتِعْمَالِهِ مُبَاحًا فَيَمْتَنِعُ " بِمَا " اسْتِعْمَالُهُ مَعْصِيَةٌ .
وَمِثَالُ الثَّانِي : مَا إذَا غَصَبَ الْمُسَافِرُ فِي " سَفَرٍ مُبَاحٍ " " ثَوْبًا وَصَلَّى فِيهِ ، فَإِنَّهُ " لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ عَدَمُ التَّرْخِيصِ " ، لَمَّا كَانَ قَصْرُ الصَّلَاةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى هَذَا الثَّوْبِ وَالْمَعْصِيَةُ لَا تَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ .

الرَّابِعُ : تَعَاطِي " سَبَبِ " التَّرَخُّصِ لِقَصْدِ التَّرَخُّصِ ، لَا يُبِيحُ ، كَمَا إذَا سَلَكَ الطَّرِيقَ الْأَبْعَدَ لِغَرَضِ الْقَصْرِ لَمْ يَقْصُرْ فِي الْأَصَحِّ ، وَكَمَا لَوْ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْقَصِيرَ ، وَمَشَى يَمِينًا وَشِمَالًا حَتَّى بَلَغَتْ الْمَرْحَلَةُ مَرْحَلَتَيْنِ .
وَقَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فِي أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ لِقَصْدِ صَلَاةِ التَّحِيَّةِ لَا يَصِحُّ .
وَمِثْلُهُ لَوْ أَحْرَمَ مَعَ الْإِمَامِ ، فَلَمَّا قَامَ إلَى الثَّانِيَةِ نَوَى مُفَارَقَتَهُ ، وَاقْتَدَى بِإِمَامٍ آخَرَ قَدْ رَكَعَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا تَصِحَّ الْقُدْوَةُ ، إذَا فَعَلَ ذَلِكَ لِقَصْدِ إسْقَاطِ الْفَاتِحَةِ ، وَإِنْ اقْتَدَى بِهِ لِغَرَضٍ آخَرَ صَحَّ وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْقِرَاءَةُ ، وَلَيْسَ هَذَا كَمَنْ سَافَرَ لِقَصْدِ الْقَصْرِ وَالْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ ، فَإِنَّ هَذَا قَاصِدٌ أَصْلَ السَّفَرِ ، وَهَذَا " كَالْقَاصِدِ " فِي أَثْنَاءِ السَّفَرِ ، وَإِنَّمَا نَظِيرُهُ أَنْ يَقْصِدَ بِأَصْلِ الِاقْتِدَاءِ سُجُودَ السَّهْوِ " وَتَحَمُّلَ الْفَاتِحَةِ فَإِنَّهُ يَسْتَبِيحُ ذَلِكَ " ، وَقَالُوا لَوْ نَذَرَ " صَوْمَ " الدَّهْرِ فَأَفْطَرَ يَوْمًا ، فَلَا سَبِيلَ إلَى قَضَائِهِ ، وَأَخَذَ الرَّافِعِيُّ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ أَنَّهُ إذَا سَافَرَ يَقْضِي مَا يُفْطِرُ بِهِ " مُتَعَدِّيًا " ، قَالَ وَيَنْسَاقُ النَّظَرُ إلَى أَنَّهُ هَلْ يَلْزَمُهُ " أَنْ يُسَافِرَ لِيَقْضِيَ " .
قُلْت : وَقِيَاسُ مَسْأَلَةِ الْقَصْرِ أَنَّهُ إذَا سَافَرَ لِقَصْدِ التَّرَخُّصِ بِتَرْكِ " الْمَنْذُورِ " " أَنَّهُ لَا " يَسْتَبِيحُ تَرْكَهُ ، وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا " مَا " لَوْ حَلَفَ لَيَطَأَن زَوْجَتَهُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَقَالَ النَّوَوِيُّ وَابْنُ الصَّلَاحِ الْجَوَابُ فِيهَا مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ " رَحِمَهُ اللَّهُ " " لِسَائِلٍ سَأَلَهُ " عَنْ " ذَلِكَ أَنَّهُ يُسَافِرُ .

الْخَامِسُ : مَتَى قَارَنَهَا " الْمَنْعُ " لَا تَحْصُلُ بِدُونِ قَصْدٍ لَهَا لِتَتَمَيَّزَ ، وَيَتَّضِحَ بِصُوَرٍ : مِنْهَا : لَوْ أَخَّرَ الْمُسَافِرُ الظُّهْرَ إلَى الْعَصْرِ بِنِيَّةِ الْجَمْعِ كَانَ لَهُ الْجَمْعُ ، وَلَوْ أَخَّرَهَا عَامِدًا غَيْرَ قَاصِدٍ لِلتَّرَخُّصِ ، وَلَمْ يَنْوِ الْجَمْعَ لَمْ يَجُزْ لَهُ ، وَلَوْ فَعَلَ كَانَ عَاصِيًا .
وَمِنْهَا : أَنَّ أَصْحَابَ الْأَعْذَارِ مِنْ مَرَضٍ وَسَفَرٍ وَنَحْوِهِ إنَّمَا يُبَاحُ لَهُمْ الْفِطْرُ بِشَرْطِ نِيَّةِ التَّرَخُّصِ ، كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي ، فَقَالَ لَوْ جَامَعَ الْمَرِيضُ أَوْ الْمُسَافِرُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْصِدَ نِيَّةَ التَّرَخُّصِ عَصَى .
وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ يُوَافِقُهُ حَيْثُ قَالَ إنْ قَصَدَ بِهِ التَّرَخُّصَ لَمْ تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ ، يَعْنِي بِلَا خِلَافٍ ، وَإِنْ لَمْ " يَقْصِدْهُ " فَوَجْهَانِ ، وَكَانَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ ، يَسْتَشْكِلُ ذَلِكَ ، لِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الْعِبَادَةِ مِنْ بَابِ " التُّرُوكِ " ، لَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ ، وَلِهَذَا لَا تَجِبُ نِيَّةُ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَقَدْ قَالُوا : لِلْمُنْفَرِدِ الْخُرُوجُ مِنْ الْفَرْضِ لِيَفْعَلَهُ فِي جَمَاعَةٍ فَلَمْ يُلْزِمُوهُ نِيَّةَ الْخُرُوجِ ، وَقَدْ صَرَّحَ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ بِأَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا شَرَعَ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ جَازَ لَهُ الْفِطْرُ ، وَلَا يَسْتَدْعِي الْفِطْرُ نِيَّةً ، بِخِلَافِ إتْمَامِ الصَّلَاةِ .

السَّادِسُ : الْتِزَامُ إبْطَالِ الرُّخْصَةِ مَمْنُوعٌ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِصَدَقَةٍ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ } ، فَإِذَا نَذَرَ صَلَاةَ النَّفْلِ قَائِمًا أَوْ أَنْ يَصُومَ فِي السَّفَرِ أَوْ " إتْمَامَ " الصَّلَاةِ فِيهِ أَوْ غَسْلَ الرِّجْلِ ، وَلَا يَمْسَحُ الْخُفَّ أَوْ اسْتِيعَابَ الرَّأْسِ بِالْمَسْحِ أَوْ التَّثْلِيثَ فِي الطَّهَارَةِ وَنَحْوَهُ لَمْ يَنْعَقِدْ ، وَقَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْبَغَوِيُّ يَنْعَقِدُ ، لِأَنَّهُ أَفْضَلُ لِكَثْرَةِ الْمَشَقَّةِ قَالَ الْقَاضِي : وَلَوْ نَذَرَ خَصْلَةً مِنْ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ الْمُخَيَّرَةِ لَمْ تَتَعَيَّنْ لِمَا فِيهِ مِنْ تَغْيِيرِ الشَّرْعِ .

السَّابِعُ : رُخَصُ السَّفَرِ أَقْسَامٌ : أَحَدُهُمَا : مَا يَخْتَصُّ بِالطَّوِيلِ قَطْعًا وَهِيَ ثَلَاثَةٌ " الْفِطْرُ وَالْقَصْرُ " وَالْمَسْحُ - نَعَمْ لَوْ اجْتَمَعَ الْخَوْفُ مَعَ قَلِيلِ السَّفَرِ فَفِي الْقَصْرِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا " ابْنُ الْقَاصِّ " لِأَنَّ الْخَوْفَ إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ أَلْحَقَهُ بِالطَّوِيلِ ، وَتَوَقَّفَ السِّنْجِيُّ فِي " ثُبُوتِهِمَا " وَقَطَعَ بِالْمَنْعِ ، لِأَنَّ مَا لَا يُبَاحُ فِي " الْقَصِيرِ " لَا يُبَاحُ مَعَ الْخَوْفِ " مِنْهُ " ، كَالْفِطْرِ وَالْمَسْحُ أَكْثَرُ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ .
الثَّانِي مَا لَا يَخْتَصُّ بِالطَّوِيلِ قَطْعًا ، وَهُوَ شَيْئَانِ أَكْلُ الْمَيْتَةِ وَتَرْكُ الْجُمُعَةِ .
الثَّالِثُ : مَا فِيهِ قَوْلَانِ ، وَالْأَصَحُّ عَدَمُ اخْتِصَاصِهِ وَهُوَ شَيْئَانِ إسْقَاطُ الْفُرُوضِ بِالتَّيَمُّمِ وَالتَّنَفُّلِ عَلَى الرَّاحِلَةِ .
وَاسْتَدْرَكَ بَعْضُهُمْ ثَالِثَةً وَهِيَ مَا إذَا كَانَ لَهُ نِسْوَةٌ ، وَأَرَادَ السَّفَرَ فَأَقْرَعَ بَيْنَهُنَّ ، وَأَخَذَ مَنْ خَرَجَتْ لَهَا الْقُرْعَةُ ، لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ لِضَرَّاتِهَا ، إذَا رَجَعَ ، وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالسَّفَرِ الطَّوِيلِ فِي الْأَصَحِّ ، خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ .
الرَّابِعُ : مَا فِيهِ قَوْلَانِ وَالْأَصَحُّ اخْتِصَاصُهُ بِالطَّوِيلِ وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ " عَدَّ " أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَالتَّيَمُّمِ مِنْ رُخَصِ السَّفَرِ فِيهِ تَجَوُّزٌ فَإِنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِنَفْسِ السَّفَرِ إذْ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِلْمَرِيضِ وَالْجَرِيحِ مَعَ الْإِقَامَةِ وَيَجُوزُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ فِي الْحَضَرِ لِلْمُضْطَرِّ .
وَقَدْ نَازَعَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ فِي الْأُولَى وَقَالَ لَا تَخْتَصُّ بِالسَّفَرِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّمَا عُدَّ رُخْصَةً إذَا كَانَ الِاضْطِرَارُ وَفَقْدُ الْمَاءِ " نَاشِئَيْنِ " مِنْ السَّفَرِ وَالْغَالِبُ فِيهِمَا أَنَّهُمَا يَنْشَآنِ مِنْ السَّفَرِ " فَعَدُّوهُمَا " بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ أَنَّ لِلْغَانِمِينَ التَّبَسُّطَ فِي الْغَنِيمَةِ مِنْ الطَّعَامِ قَالَ الْإِمَامُ وَنَزَّلُوا دَارَ الْحَرْبِ فِي إبَاحَةِ الطَّعَامِ مَنْزِلَةَ السَّفَرِ فِي "

التَّرَخُّصِ " فَإِنَّهَا وَإِنْ ثَبَتَتْ بِمَشَقَّةِ السَّفَرِ فَالْمُتَرَفِّهُ الَّذِي لَا كُلْفَةَ عَلَيْهِ يُشَارِكُ فِيهَا .

الرِّدَّةُ لَا تُحْبِطُ الْعَمَلَ عِنْدَنَا بِمُجَرَّدِهَا بَلْ إذَا مَاتَ عَلَيْهَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ " رَحِمَهُ اللَّهُ " وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الشَّامِلِ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا لَا تُحْبِطُ الْعَمَلَ .
وَتَأْثِيرُهَا يَظْهَرُ فِي تَخْفِيفِ الْعَذَابِ عَنْهُ وَأَوَّلَ قَوْله تَعَالَى { لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُك } أَيْ مَقْصُودُك مِنْ عَمَلِك فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ كَانَ " دُخُولُ " الْجَنَّةِ لَا تَخْفِيفُ الْعَذَابِ .
وَقَالَ فِي الْأَسَالِيبِ : الْحَجُّ عِنْدَك لَا يَحْبَطُ فِي حَقِّ مَنْ مَاتَ مُرْتَدًّا وَيُعْلَمُ ذَلِكَ بِقَوْلِنَا إنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِالْفُرُوعِ وَلَوْ لَمْ نَقْطَعْ بِذَلِكَ فِي الْمَأْمُورَاتِ قَطَعْنَا بِهِ فِي الْمَنْهِيَّاتِ فَلَا شَكَّ أَنَّ الْكَافِرَ الَّذِي قَتَلَ الْأَنْبِيَاءَ وَهَتَكَ الْحُرُمَاتِ وَسَفَكَ الدِّمَاءَ أَشَدُّ عِقَابًا مِنْ مُتَرَهَّبٍ مُتَعَلِّقٍ " بِقُلَّةِ " جَبَلٍ لَا يَنْفَعُ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَضُرُّهُمْ فَنَقُولُ بِنَاءً عَلَى هَذَا : إذَا حَجَّ مُسْلِمًا ثُمَّ ارْتَدَّ وَمَاتَ مُرْتَدًّا فَحَجُّهُ ثَابِتٌ وَيُفِيدُهُ الْحَجُّ التَّحْصِينَ مِنْ الْعُقُوبَةِ وَلَوْ لَمْ يَحُجَّ لَعُوقِبَ عَلَى تَرْكِ الْحَجِّ وَلَكِنَّهُ لَا يُفِيدُ ثَوَابًا فَإِنَّ دَارَ الثَّوَابِ الْجَنَّةُ وَهُوَ لَا يَدْخُلُهَا لِأَنَّهُ كَافِرٌ .
هَذَا قَوْلُنَا فِيمَنْ يَمُوتُ مُرْتَدًّا فَأَمَّا إذَا مَاتَ مُسْلِمًا وَالْحَجُّ قَدْ مَضَى عَلَى الصِّحَّةِ وَالْمَيِّتُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالثَّوَابِ غَيْرُ مُتَعَذِّرٍ فَلَا مَعْنَى " لِلْإِحْبَاطِ " فِي حَقِّهِ أَصْلًا وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الزِّنَا إذَا ارْتَدَّ " الشَّخْصُ " " الزَّانِي " لَا يَبْطُلُ إحْصَانُهُ حَتَّى لَوْ زَنَى فِي الرِّدَّةِ أَوْ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَعَلَيْهِ الرَّجْمُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ الْأَصْحَابُ : لَوْ تَطَهَّرَ ثُمَّ ارْتَدَّ لَا تَبْطُلُ طَهَارَتُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَيَمَّمَ ثُمَّ ارْتَدَّ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ إبَاحَةٌ وَبِالرِّدَّةِ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْإِبَاحَةِ .
وَقَالُوا لَوْ ارْتَدَّ فِي خِلَالِ أَذَانِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ كَانَ لَهُ الْبِنَاءُ عَلَى

الْأَصَحِّ إذَا لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ فَإِنْ طَالَ بَطَلَ وَكَانَ يَنْبَغِي جَرَيَانُ هَذَا التَّفْصِيلِ فِي الْحَجِّ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ شَدِيدُ الْإِلْزَامِ لَكِنَّهُمْ أَبْطَلُوهُ طَالَ زَمَنُ الرِّدَّةِ أَوْ قَصُرَ .

الرِّشْوَةُ : أَخْذُ الْمَالِ لِيُحِقَّ بِهِ الْبَاطِلَ أَوْ يُبْطِلَ الْحَقَّ ، فَأَمَّا إذَا كَانَ مَظْلُومًا فَبَذْلٌ لِمَنْ يُتَوَسَّطُ لَهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ فِي خَلَاصِهِ وَسَتْرِهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِإِرْشَاءٍ حَرَامٍ بَلْ جَعَالَةٌ مُبَاحَةٌ حَكَاهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي بَابِ الرِّبَا مِنْ تَعْلِيقِهِ عَنْ الْقَفَّالِ وَنَقَلَهُ النَّوَوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ لَكِنَّ فِي الْمِنْهَاجِ لِلْحَلِيمِيِّ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَحَدٍ مَالًا عَلَى دَفْعِ ظُلْمٍ عَنْهُ أَوْ عَلَى رَدِّ مَالٍ لَهُ فِي يَدِهِ وَإِنْ جَازَ لِلْمَظْلُومِ وَصَاحِبُ الْمَالِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْدَفِعُ الظُّلْمُ عَنْهُ أَوْ لَا يَصِلُ إلَى مَالِهِ " إلَّا بِشَيْءٍ " " يَرْضَخُهُ أَوْ يُعْطِيهِ " وَهَذَا كَالْأَسِيرِ أَوْ الْمَحْبُوسِ بِغَيْرِ حَقٍّ إذَا لَمْ يُطْلَقْ إلَّا بِشَيْءٍ فَلَهُ إعْطَاؤُهُ وَيَحْرُمُ عَلَى الْآخِذِ " الْأَخْذُ " .

الرِّضَا بِالشَّيْءِ رِضًا بِمَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ مِنْهَا : رِضَا أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ بِعَيْبِ صَاحِبِهِ فَإِنْ " زَادَ " الْعَيْبُ فَلَا خِيَارَ عَلَى الصَّحِيحِ .
وَمِنْهَا : ادَّعَتْ الْمَنْكُوحَةُ بِرِضَاهَا حَيْثُ يُعْتَبَرُ إذْنُهَا أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ مَحْرَمِيَّةً لَمْ يُقْبَلْ لِأَنَّ رِضَاهَا بِالنِّكَاحِ يَتَضَمَّنُ اعْتِرَافَهَا " بِحُكْمِهِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا " إلَّا إذَا ذَكَرَتْ عُذْرًا كَنِسْيَانٍ وَنَحْوِهِ .
وَمِنْهَا : عَلِمَتْ بِإِعْسَارِهِ بِالْمَهْرِ وَأَمْسَكَتْ عَنْ الْمُحَاكَمَةِ بَعْدَ طَلَبِ الْمَهْرِ كَانَ رِضَاءً بِالْإِعْسَارِ مُسْقِطًا لِلْخِيَارِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ قَبْلَ الطَّلَبِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ التَّأْخِيرَ لِتَوَقُّعِ النِّسْيَانِ .
وَمِنْهَا : لَوْ ادَّعَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ وَهِيَ مُعْتَبَرَةُ الْإِذْنِ أَنَّهَا " زُوِّجَتْ " بِغَيْرِ إذْنِهَا قَالَ الْبَغَوِيّ لَا يُقْبَلُ قَالَ الرَّافِعِيُّ كَأَنَّهُ نَزَلَ الدُّخُولُ مَنْزِلَةَ الرِّضَا .
وَمِنْهَا : لَوْ قَالَ لِرَشِيدٍ اقْطَعْنِي فَفَعَلَ فَسَرَى فَهَدَرٌ وَفِي قَوْلٍ يَجِبُ الْغُرْمُ .
وَمِنْهَا لَوْ أَذِنَ الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ فِي ضَرْبِ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ فَهَلَكَ فِي الضَّرْبِ فَلَا ضَمَانَ لِأَنَّهُ تَوَلَّدَ مِنْ مَأْذُونٍ فِيهِ كَمَا لَوْ أَذِنَ فِي الْوَطْءِ فَأَحْبَلَ .

حَرْفُ الزَّاي الزَّائِلُ الْعَائِدُ كَاَلَّذِي لَمْ يَزُلْ وَ " كَاَلَّذِي " لَمْ يَعُدْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ : الْأَوَّلُ : مَا هُوَ كَاَلَّذِي لَمْ يَعُدْ قَطْعًا .
فَمِنْهُ : لَوْ زَالَ الْمِلْكُ عَنْ الْعَبْدِ قَبْلَ " لَيْلَةِ " هِلَالِ شَوَّالٍ ثُمَّ تَمَلَّكَهُ بَعْدَ الْغُرُوبِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِطْرَتُهُ قَطْعًا .
وَلَوْ تَغَيَّرَ الْمَاءُ ثُمَّ زَالَ فَإِنَّهُ يَعُودُ طَهُورًا فَلَوْ عَادَ التَّغَيُّرُ بَعْدَ زَوَالِهِ فَإِنَّهُ يَبْقَى عَلَى طَهُورِيَّتِهِ قَطْعًا فَكَأَنَّ التَّغَيُّرَ " لَمْ يَعُدْ " " هَذَا " إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ حُكْمِيَّةً فَإِنْ كَانَتْ جَامِدَةً وَزَالَ التَّغَيُّرُ ثُمَّ عَادَ وَهِيَ بَاقِيَةٌ فَإِنَّهُ يَعُودُ التَّنْجِيسُ .
هَذَا حَاصِلُ مَا فِي الْكِفَايَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ .
وَلَوْ سَمِعَ الْقَاضِي بَيِّنَةً ثُمَّ عَزَلَ قَبْلَ الْحُكْمِ ثُمَّ عَادَ فَلَا بُدَّ مِنْ إعَادَتِهَا قَطْعًا .
وَلَوْ فَسَقَ شُهُودُ الْأَصْلِ بَطَلَتْ شَهَادَةُ الْفَرْعِ فَإِنْ تَابُوا صَحَّتْ شَهَادَتُهُمْ وَلَا تَعُودُ شَهَادَةُ الْفُرُوعِ ، قَالَهُ الْهَرَوِيُّ .
وَلَوْ قَالَ : إنْ دَخَلْت دَارَ فُلَانٍ مَا دَامَ فِيهَا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَحَوَّلَ فُلَانٌ عَنْهَا ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ لِأَنَّ إدَامَةَ الْمَقَامِ الَّتِي انْعَقَدَ عَلَيْهَا الْيَمِينُ قَدْ انْقَطَعَتْ وَهَذَا عَوْدٌ جَدِيدٌ وَإِدَامَتُهُ " إقَامَةٌ " مُسْتَأْنَفَةٌ نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الطَّلَاقِ عَنْ الْبُوشَنْجِيِّ " وَلَمْ يَحْكِ خِلَافَهُ .
وَحَكَى فِيهِ أَيْضًا فِيمَا إذَا قَالَ لِأَبَوَيْهِ إنْ تَزَوَّجْت مَا دُمْتُمَا حَيَّيْنِ فَزَوْجَتُهُ طَالِقٌ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا وَتَزَوَّجَ لَا يَقَعُ وَجَزَمَ صَاحِبُ الْكَافِي بِعَدَمِ الْحِنْثِ فِي الْأُولَى فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ أَيْضًا .
وَلَوْ قَلَعَ سِنَّ غَيْرِهِ وَلَيْسَتْ تِلْكَ السِّنُّ لَهُ فَلَا قِصَاصَ وَإِنْ نَبَتَتْ بَعْدَهُ .
الثَّانِي : مَا هُوَ كَاَلَّذِي لَمْ يَزُلْ قَطْعًا .
فَمِنْهُ : مَا لَوْ اشْتَرَى مَعِيبًا ثُمَّ بَاعَهُ ثُمَّ عَلِمَ الْعَيْبَ فَلَا أَرْشَ لَهُ فَلَوْ رُدَّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ فَلَهُ رَدُّهُ قَطْعًا .
وَمِنْهُ : " لَوْ "

فَسَقَ نَاظِرُ الْوَقْفِ ثُمَّ صَارَ عَدْلًا فَإِنْ كَانَتْ وِلَايَتُهُ مَشْرُوطَةً فِي أَصْلِ الْوَقْفِ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ عَادَتْ وِلَايَتُهُ وَإِلَّا فَلَا " أَفْتَى بِهِ النَّوَوِيُّ وَوَافَقَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَسَكَتَ النَّوَوِيُّ عَمَّنْ " اسْتَحَقَّ " النَّظَرَ مُدَّةَ الْخَلَلِ " وَقَالَ " ابْنُ الرِّفْعَةِ : الْأَشْبَهُ أَنَّهُ لِمَنْ يَسْتَحِقُّ النَّظَرَ بَعْدَهُ كَمَا فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ وَاسْتَبْعَدَهُ بَعْضُهُمْ إذَا لَمْ يَنُصَّ الْوَاقِفُ عَلَيْهِ وَقَالَ : النَّظَرُ لِلْحُكَّامِ " حِينَئِذٍ " وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النِّكَاحِ بِأَنَّ الثَّانِيَ لَيْسَ لَهُ حَقٌّ إلَّا بَعْدَ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ وِلَايَةِ النِّكَاحِ فَإِنَّ سَبَبَهَا الْقَرَابَةُ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ مَعَ وُجُودِ الْأَوَّلِ فَإِذَا خَرَجَ الْأَوَّلُ عَنْ كَوْنِهِ أَهْلًا انْتَقَلَ إلَى الْأَبْعَدِ .
الثَّالِثُ : مَا فِيهِ خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ كَاَلَّذِي لَمْ يَزُلْ .
فَمِنْهُ " لَوْ " طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَدْ زَالَ مِلْكُهَا عَنْهُ فَلَهُ نِصْفُ بَدَلِهِ فَلَوْ زَالَ وَعَادَ تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى حَقِّهِ وَإِذَا طَلُقَتْ الْمَرْأَةُ عَادَ حَقُّهَا فِي الْحَضَانَةِ .
وَقَالَ الْمُزَنِيّ : إنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا لَمْ يَعُدْ حَقُّهَا .
وَلَوْ تَخَمَّرَ الْعَصِيرُ الْمَرْهُونُ بَعْدَ الْقَبْضِ ارْتَفَعَ حُكْمُ الرَّهْنِ فَلَوْ عَادَ عَادَ الرَّهْنُ فِي الْأَصَحِّ .
وَلَوْ اشْتَرَى مَعِيبًا ثُمَّ بَاعَهُ ثُمَّ عَلِمَ الْعَيْبَ فَلَا أَرْشَ لَهُ فَلَوْ عَادَ إلَيْهِ بِإِرْثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ إقَالَةٍ فَلَهُ الرَّدُّ فِي الْأَصَحِّ .
وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا وَلَمْ يَدْفَعْ ثَمَنَهُ وَزَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ وَعَادَ إلَيْهِ بِالْإِرْثِ فَالْأَصَحُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ أَنَّ لِصَاحِبِهِ الرُّجُوعَ وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِهِ فِي الْكَبِيرِ فَإِنَّهُ شَبَّهَهُ بِنَظِيرِهِ مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ لَكِنَّ الْأَصَحَّ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ ، أَيْ " لِتَلَقِّي " الْمِلْكِ مِنْ غَيْرِهِ ، كَمَا فِي الْهِبَةِ .
وَلَوْ

عَجَّلَ زَكَاتَهُ فَشَرْطُ أَجْزَائِهَا كَوْنُ الْقَابِضِ فِي آخِرِ الْحَوْلِ مُسْتَحِقًّا فَلَوْ خَرَجَ عَنْ الِاسْتِحْقَاقِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ ثُمَّ عَادَ أَجْزَأَتْ فِي الْأَصَحِّ وَلَوْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ فِي السَّفَرِ ثُمَّ أَقَامَ ثُمَّ سَافَرَ قَصَرَهَا فِي الْأَصَحِّ .
وَلَوْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ ثُمَّ عَادَ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ عَادَ قَبْلَ تَلَبُّسِهِ بِنُسُكٍ سَقَطَ الدَّمُ وَإِلَّا فَلَا .
وَلَوْ فَارَقَ عَرَفَةَ قَبْلَ الْغُرُوبِ أَرَاقَ دَمًا فَلَوْ عَادَ فَكَانَ بِهَا عِنْدَ الْغُرُوبِ فَلَا دَمَ وَلَوْ اشْتَرَى عَصِيرًا فَصَارَ خَمْرًا فِي يَدِ الْبَائِعِ ثُمَّ صَارَ خَلًّا هَلْ يَصِحُّ الْبَيْعُ قَالَ فِي الْبَحْرِ فِي الْفُرُوعِ الْمَنْثُورَةِ آخِرَ الرِّبَا : فِيهِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّهُ إذَا عَادَ خَلًّا ، هَلْ يَعُودُ الْمِلْكُ الْآنَ أَوْ يَتَبَيَّنُ بَقَاءُ الْمِلْكِ حَالَ كَوْنِهِ خَمْرًا ، وَهُمَا كَالْقَوْلَيْنِ فِي الرَّهْنِ ، وَالْأَصَحُّ الثَّانِي ، لِأَنِّي لَا أَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ وَتَرَكَ خَمْرًا ، وَصَارَتْ خَلًّا يُقْضَى مِنْ ثَمَنِهِ دَيْنُ الْمَيِّتِ ، وَتَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ .
وَنَظِيرُهُ أَنْ يَبِيعَ عَبْدًا فَأَبَقَ قَبْلَ الْقَبْضِ هَلْ يَبْطُلُ الْبَيْعُ قَوْلَانِ الْأَصَحُّ لَا يَبْطُلُ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ " وَعِنْدِي " أَنَّهُ يَبْطُلُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ ، لِأَنَّ الْمَالِيَّةَ زَالَتْ بِمَصِيرِهَا خَمْرًا فَيَسْتَحِيلُ بَقَاءُ الْبَيْعِ ، وَإِذَا بَطَلَ الْبَيْعُ لَا يَعُودُ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدٍ .
الرَّابِعُ : مَا فِيهِ خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ كَاَلَّذِي لَمْ يَعُدْ .
فَمِنْهُ ، لَوْ زَالَ مِلْكُ الْمَوْهُوبِ ثُمَّ عَادَ لَمْ يَرْجِعْ الْأَبُ فِي الْأَصَحِّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صُورَةِ الصَّدَاقِ السَّابِقَةِ أَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ فِي الْعَيْنِ وَالْمَالِيَّةِ أَيْ الْبَدَلِ وَحَقِّ الْأَبِ فِي الْعَيْنِ فَقَطْ ، وَالْأَوَّلُ آكَدُ .
وَلَوْ اشْتَرَى عَيْنًا وَزَالَ مِلْكُهُ عَنْهَا ، ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بِمِلْكٍ آخَرَ ثُمَّ حُجِزَ عَلَيْهِ " بِالْفَلَسِ " ، فَلَيْسَ لِبَائِعِهِ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ .
وَلَوْ أَعْرَضَ عَنْ جِلْدِ

مَيْتَةٍ أَوْ خَمْرٍ فَتَحَوَّلَ بِيَدِ غَيْرِهِ لَمْ يَعُدْ الْمِلْكُ فِي الْأَصَحِّ .
وَلَوْ رَهَنَ شَاةً ، فَمَاتَتْ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ بَطَلَ الرَّهْنُ ، فَلَوْ دُبِغَ الْجِلْدُ لَمْ يَعُدْ رَهْنًا فِي الْأَصَحِّ ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ التَّخْمِيرِ .
وَلَوْ جُنَّ قَاضٍ أَوْ ذَهَبَتْ أَهْلِيَّتُهُ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ ، فَلَوْ زَالَتْ هَذِهِ الْأَسْبَابُ لَمْ تَعُدْ وِلَايَتُهُ فِي الْأَصَحِّ .
وَلَوْ قُلِعَ سِنٌّ " مَثْغُورٌ " وَجَبَ الضَّمَانُ ، فَلَوْ عَادَتْ لَمْ يَسْقُطْ فِي الْأَظْهَرِ وَمِثْلُهُ " لَوْ " الْتَحَمَتْ الْجَائِفَةُ أَوْ نَبَتَ اللِّسَانُ ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ وَمِنْهُ عَوْدُ الْيَمِينِ بِعَوْدِ الصِّفَةِ ، وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الْعَوْدِ .
وَلَوْ قَطَعَ أُذُنَهُ ، فَأَلْصَقَهَا الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فِي حَرَارَةِ الدَّمِ فَالْتَصَقَتْ لَمْ يَسْقُطْ الْقِصَاصُ ، وَقَدْ يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهَا مِنْ خِلَافٍ مَبْنِيٍّ عَلَى نَجَاسَةِ الْعُضْوِ الْمُبَانِ مِنْ الْآدَمِيِّ .
وَلَوْ هَزَلَتْ الْمَغْصُوبَةُ عِنْدَ الْغَاصِبِ ثُمَّ سَمِنَتْ ، لَمْ يُجْبَرْ " فِي الْأَصَحِّ " بَلْ يَضْمَنُ النُّقْصَانَ ، وَهَذِهِ نِعْمَةٌ جَدِيدَةٌ .
وَالضَّابِطُ أَنَّ مَا كَانَ " الْمُعَلَّقُ " فِيهِ شَرْعِيًّا ، إذَا عَادَ فَهُوَ كَاَلَّذِي لَمْ يَزُلْ كَالْمُفْلِسِ إذَا حُجِرَ عَلَيْهِ قَبْلَ إقْبَاضِ الثَّمَنِ ، وَكَانَ قَدْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ ثُمَّ عَادَ ، وَإِنْ كَانَ وَضْعِيًّا فَكَاَلَّذِي لَمْ يَعُدْ ، كَمَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى الدُّخُولِ ، ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَعَادَتْ ، لَا يَقَعُ فِي الْأَصَحِّ .

الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ تَتْبَعُ الْأَصْلَ فِي سَائِرُ الْأَبْوَابِ مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالْفَلَسِ وَغَيْرِهِمَا ، إلَّا فِي الصَّدَاقِ ، فَإِنَّ الزَّوْجَ ، إذَا طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ ، لَا يُرْجَعُ إلَى النِّصْفِ الزَّائِدِ ، إلَّا بِرِضَا الْمَرْأَةِ .
وَالزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ لَا تَتْبَعُ الْأَصْلَ فِي الْكُلِّ .
وَعَبَّرَ الْمَاوَرْدِيُّ فَقَالَ حُكْمُ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ أَنْ تَتْبَعَ الْمَالِكَ دُونَ الْمِلْكِ فَرَدُّ الْأَصْلِ بِالْعَيْبِ لَا يُوجِبُ رَدَّ زِيَادَتِهِ " وَالزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ تَتْبَعُ الْمِلْكَ دُونَ الْمَالِكِ ، كَمَا أَنَّ رَدَّ الْأَصْلِ بِالْعَيْبِ يُوجِبُ رَدَّ زِيَادَتِهِ " الْمُتَّصِلَةِ .
وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ بَيْنَ الصَّدَاقِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّ الطَّلَاقَ إنْشَاءُ تَصَرُّفٍ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ فِي مِلْكِهِ ، فَيَحْدُثُ بِهِ الْمِلْكُ عَلَى نِصْفِ مَا سَمَّاهُ فِي الْعَقْدِ ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ الرُّجُوعُ فِي نِصْفِ الْعَيْنِ ، لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ الْمُسَمَّى ، فَانْتَقَلَ إلَى الْبَدَلِ ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا " فَسْخُ " الْعَقْدِ لِمَعْنًى ظَهَرَ مِنْ بَعْدُ فَاسْتَنَدَ إلَى حَالِ الْعَقْدِ حُكْمًا ، وَجُعِلَ كَأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَكُنْ كَالْوَاهِبِ يَرْجِعُ فِي الْهِبَةِ ، وَالْبَائِعُ يَرُدُّ " الْعَيْنَ بِالْعَيْبِ " وَقَدْ يُضَافُ لِصُورَةِ الصَّدَاقِ الْمُسْتَثْنَاةِ : الْعَيْنُ " الْمَوْهُوبَةُ " لِلْوَلَدِ عَلَى وَجْهٍ وَكَذَلِكَ اللُّقَطَةُ ، إذَا زَادَتْ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً ثُمَّ ظَهَرَ مَالِكُهَا ، فَإِنَّهُ يَنْحَصِرُ حَقُّهُ فِي قِيمَتِهَا عَلَى مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ .

الزِّيَادَةُ الْيَسِيرَةُ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ لَا أَثَرَ لَهَا ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا غَبْنٌ مَا ، كَمَا فِي الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَعَدْلِ الرَّهْنِ " وَنَحْوِهِ ، إلَّا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ ، وَهُوَ مَا كَانَ شَرْعِيًّا عَامًّا ، كَمَا فِي الْمُتَيَمِّمِ ، إذَا وَجَدَ الْمَاءَ يُبَاعُ بِزِيَادَةٍ يَسِيرَةٍ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ ، لَا تَلْزَمُهُ فِي " الْأَصَحِّ ، وَقِيلَ إنْ كَانَتْ مِمَّا يُتَغَابَنُ بِمِثْلِهَا وَجَبَ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ ، وَالْفَرْقُ " بَيْنَهُ " وَبَيْنَ غَيْرِهِ أَنَّ مَا وَضَعَهُ الشَّارِعُ ، وَهُوَ حَقٌّ لَهُ " بُنِيَ " عَلَى الْمُسَامَحَةِ .
أَمَّا وِجْدَانُ الْوَاجِبِ بِأَكْثَرَ مِنْ الْمُعْتَادِ ، فَيُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْعَدَمِ ، كَمَا لَوْ وَجَدَ الْغَاصِبُ الْمِثْلَ يُبَاعُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ ، لَا يُكَلَّفُ تَحْصِيلُهُ فِي الْأَصَحِّ .
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْجَانِي إبِلٌ ، وَفِي إبِلِ الْبَلْدَةِ ، غَالِبٌ ، وَلَكِنَّهُ يُبَاعُ بِزَائِدٍ عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شِرَاؤُهُ ، وَيَكُونُ كَالْمَعْدُومِ قَطْعًا ، وَلَمْ " يُجْرُوا " فِيهِ خِلَافَ الْغَصْبِ وَلَا يَبْعُدُ التَّعَدِّيَةُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ .
وَلَوْ وَجَدَ الْمُكَفِّرُ الرَّقَبَةَ تُبَاعُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ ، لَا يَجِبُ الشِّرَاءُ ، بَلْ يَصُومُ عَلَى الْمَذْهَبِ .
وَلِهَذَا " إذَا " كَانَ الزَّادُ يُبَاعُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ لَا يَجِبُ الْحَجُّ .
وَلَوْ وَجَدَ حُرَّةً بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ لَهُ الْعُدُولُ إلَى الْأَمَةِ فِي الْأَصَحِّ .
وَلَوْ وَجَدَ الْمُضْطَرُّ طَعَامًا يُبَاعُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ ، قَالَ الْبَغَوِيّ يَجِبُ الشِّرَاءُ ، وَلَا يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ ، وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ .

" الزِّيَادَةُ " عَلَى الْعَدَدِ إذَا لَمْ تَكُنْ شَرْطًا فِي الْوُجُوبِ شَرْعًا ، لَا يُتَأَثَّرُ بِفَقْدِهِ وَلِهَذَا لَوْ شَهِدَ ثَمَانِيَةٌ عَلَى شَخْصٍ بِالزِّنَا ، فَرُجِمَ ثُمَّ رَجَعَ " أَرْبَعَةٌ " عَنْ الشَّهَادَةِ ، لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ ، فَلَوْ رَجَعَ مِنْهُمْ خَمْسَةٌ ضَمِنُوا " لِنُقْصَانِ " مَا بَقِيَ مِنْ الْعَدَدِ الْمَشْرُوطِ ، لَكِنْ خَالَفُوا هَذَا فِيمَا لَوْ مَلَكَ تِسْعَةً مِنْ الْإِبِلِ وَحَالَ " عَلَيْهَا " الْحَوْلُ ، ثُمَّ تَلِفَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ أَرْبَعٌ ، فَإِنْ قُلْنَا الْوَقْصُ عَفْوٌ كَمَا الْأَصَحُّ فَعَلَيْهِ شَاةٌ ، وَإِنْ قُلْنَا الْوَاجِبُ سَقَطَ عَلَى الْجَمِيعِ فَوَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا كَذَلِكَ ، لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الزِّيَادَةَ لَمَّا " لَمْ " تَكُنْ شَرْطًا فِي وُجُودِ الشَّاةِ لَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ بِتَلَفِهَا .
وَالْأَصَحُّ " أَنَّهُ " عَلَيْهِ خَمْسَةُ أَتْسَاعِ شَاةٍ لِأَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِجَمِيعِ التِّسْعِ ، فَحِصَّةُ كُلِّ بَعِيرٍ " مِنْهَا " تُسْعٌ ، فَيَسْقُطُ بِتَلَفِ الْأَرْبَعِ أَرْبَعَةُ أَتْسَاعٍ وَيَبْقَى الْبَاقِي .

الزَّرْعُ النَّابِتُ فِي أَرْضِ الْغَيْرِ أَقْسَامٌ " الْأَوَّلُ " : أَنْ يُزْرَعَ تَعَدِّيًا فَيُقْلَعَ مَجَّانًا ، وَلَيْسَ لِعَرَقِ ظَالِمٍ حَقٌّ ، وَفِي الْحَدِيثِ { مَنْ زَرَعَ فِي أَرْضِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ ، فَلَيْسَ لَهُ مِنْ الزَّرْعِ شَيْءٌ وَلَهُ نَفَقَتُهُ } نَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ " الْبُخَارِيِّ " أَنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ .
قَالَ : وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ " ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ بِهِ أَحْمَدُ مَا دَامَ الزَّرْعُ فِي الْأَرْضِ ، فَإِنْ " كَانَ " حُصِدَ فَإِنَّمَا لَهُمْ الْأُجْرَةُ .
وَقَالَ الْجُمْهُورُ : الْخَبَرُ إمَّا مَنْسُوخٌ أَوْ مُؤَوَّلٌ عَلَى أَنَّهُ زَرْعُ أَرْضِهِمْ بِبَذْرِهِمْ عَلَى خِلَافِ شَرْطِهِمْ ، فَالزَّرْعُ لَهُمْ ، وَعَلَيْهِمْ أُجْرَةُ مِثْلِ عَمَلِهِ ، وَقَالَ " الطَّحَاوِيُّ " فِي مُشْكِلِ الْآثَارِ : لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهَذَا الْحَدِيثِ ، إلَّا " شَرِيكَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيّ ، وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ .
وَوَقَعَ فِي الْفَتَاوَى أَرْضٌ تُؤْجَرُ وَقْتَ الزِّرَاعَةِ بِعِشْرِينَ الْفَدَّانِ ، وَإِذَا أَوْجَرْت بِأُجْرَةٍ مُؤَجَّلَةٍ إلَى الْمَغْلِ أَوْجَرْت بِأَرْبَعِينَ ، فَغَصَبَهَا غَاصِبٌ وَزَرَعَهَا ، وَلَمْ يُطَالِبْهُ صَاحِبُهَا إلَى أَوَانِ الْمَغْلِ ، وَالْوَاقِعُ فِي الْأَرْضِ أَنَّ الزَّرْعَ يَبْطُلُ مَنْفَعَتُهَا فَلَا يَتَأَتَّى اعْتِبَارُ كُلِّ مُدَّةٍ " فِي نَحْوِهَا " .
وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ ، إنَّمَا تَكُونُ حَالَّةً فَهَلْ يَضْمَنُ الْعِشْرِينَ فَقَطْ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ " عَلَيْهِ " وَقْتَ زِرَاعَتِهِ حَالَّةً ؟ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ " هُنَا ضَمَانَيْنِ " : أَحَدُهُمَا ضَمَانُ " جِنَايَتِهِ " بِإِبْطَالِهِ مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ بِزَرْعِهِ فَيَضْمَنُهُ بِقِيمَةِ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ حَالًّا ، وَثَبَتَتْ فِي ذِمَّتِهِ سَوَاءٌ " طَلَبَ " أَمْ لَا .
وَالثَّانِي ضَمَانُ أُجْرَةِ بَقَاءِ الْأَرْضِ فِي يَدِهِ إمَّا " لِاسْتِمْرَارِ " زَرْعِهِ " فِيهَا أَوْ لِغَيْرِهِ .
وَهَذَا يَجِبُ شَيْئًا فَشَيْئًا ، فَأَيُّ وَقْتٍ حَضَرَ الْمَالِكُ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا ضَمَانَ الْمَنْفَعَةِ الْفَائِتَةِ بِجِنَايَتِهِ " وَوَقْتِ "

تَفْوِيتِهَا وَضَمَانِ أُجْرَةِ " مِثْلِ " الْمُدَّةِ الَّتِي أَقَامَتْ فِي يَدِهِ .
" الثَّانِي " زَرَعَهَا بِعَقْدٍ فَاسِدٍ وَقَدْ " سَبَقَتْ " " الثَّالِثُ " : أَنْ يَنْبُتَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ ، كَمَا لَوْ حَمَلَ السَّيْلُ بَذْرًا إلَى أَرْضِ الْغَيْرِ فَنَبَتَ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ فَيَجِبُ رَدُّهُ إنْ كَانَ لَهُ قِيمَةٌ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَحَبَّةٍ أَوْ نَوَاةٍ ، فَهَلْ النَّابِتُ لِمَالِكِ الْأَرْضِ أَوْ لِصَاحِبِ الْحَبِّ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي .
وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى قَلْعِهِ إذْ لَا تَسْلِيطَ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ " الرَّابِعُ " : أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ فِي شَيْءٍ " فَزَرَعَ " مَا ضَرَرُهُ أَعْظَمُ مِنْهُ " كَمَا " لَوْ اسْتَأْجَرَ لِزِرَاعَةِ حِنْطَةٍ فَزَرَعَ الْقُطْنَ فَلِلْمَالِكِ الْقَطْعُ مَجَّانًا فَإِنْ مَضَتْ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ فَفِي الْمَطْلَبِ إنْ قُلْنَا فِي نَظِيرِهِ " مِنْ " الْأُجْرَةِ تَجِبُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فَكَذَا هُنَا وَإِنْ قُلْنَا يَسْتَحِقُّ مَا زَادَ عَلَى الْمُسَمَّى مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ " فَهُنَا " تَرَدُّدٌ .
" الْخَامِسُ " : أَنْ يَزْرَعَ الْمَأْذُونَ فِيهِ بِبَذْرِهِ فَالزَّرْعُ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَلَّاحًا يَزْرَعُ بِالْمُقَاسَمَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِ الْأَرْضِ كَعَادَةِ الشَّامِ فَإِنَّ الزَّرْعَ يَكُونُ فِي حُكْمِ الْمُقَاسَمَةِ عَلَى مَا عَلَيْهِ " أَهْلُ " الشَّامِ " وَأَجَازَهُ " بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ قَالَ وَوَجْهُهُ مِنْ جِهَةِ الْفِقْهِ أَنَّ الْفَلَّاحَ كَأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ الْبَذْرِ " لِصَاحِبِ " الْأَرْضِ بِالشَّرْطِ الْمَعْلُومِ بَيْنَهُمَا " فَثَبَتَتْ " عَلَى ذَلِكَ وَإِذَا عَرَفْت هَذَا وَتَعَدَّى شَخْصٌ عَلَى أَرْضٍ " وَغَصَبَهَا " وَهِيَ فِي يَدِ الْفَلَّاحِ فَزَرَعَهَا عَلَى عَادَتِهِ لَا نَقُولُ الزَّرْعُ لِلْغَاصِبِ بَلْ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَلَى حُكْمِ الْمُقَاسَمَةِ وَهَذِهِ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ تَنْفَعُ فِي الْأَحْكَامِ .
" فَائِدَةٌ أَعَارَ أَرْضًا لِلزَّرْعِ فَزَرَعَ وَرَجَعَ الْمُعِيرُ " فَهَلْ " لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالْقَلْعِ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي الْمُطَارَحَاتِ إنْ كَانَ مِمَّا يُؤْخَذُ فَصِيلًا فِي الْعُرْفِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ بِقَطْعِهِ

وَإِنْ كَانَ مِمَّا " يَسْتَحْصِدُهُ " لَمْ يَكُنْ لَهُ مُطَالَبَتُهُ وَيُقَالُ لَهُ " إنْ شِئْت " أَذِنْت فَأَعْطِهِ قِيمَةَ زَرْعِهِ قَائِمًا وَإِنْ امْتَنَعَ الْمُسْتَعِيرُ كَانَ عَلَيْهِ " أُجْرَةُ " مِثْلِ الْأَرْضِ إلَى الْحَصَادِ .

حَرْفُ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ السَّبَبُ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ الْأَوَّلُ : قِيلَ فِي حَقِيقَتِهِ : مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الْحُكْمِ وَيَكُونُ طَرِيقًا فِي ثُبُوتِهِ كَالنِّصَابِ فِي الزَّكَاةِ وَالْحَوْلُ شَرْطٌ فَإِنْ قِيلَ هَلَّا عُكِسَ قِيلَ لِأَنَّ الشَّارِعَ إذَا رَتَّبَ حُكْمًا عَقِبَ أَوْصَافٍ فَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا " مُنَاسَبَةً " فَالْجَمِيعُ عِلَّةٌ كَالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ وَإِنْ نَاسَبَ الْبَعْضَ فِي ذَاتِهِ دُونَ الْبَعْضِ فَالْمُنَاسِبُ فِي ذَاتِهِ سَبَبٌ وَالْمُنَاسِبُ فِي غَيْرِهِ شَرْطٌ فَالنِّصَابُ يَشْتَمِلُ عَلَى " الْغَنِيِّ " وَنِعْمَةُ الْمِلْكِ فِي نَفْسِهِ وَالْحَوْلُ مُكَمِّلٌ لِنِعْمَةِ الْمِلْكِ " فَالتَّمْكِينُ " " بِالتَّنْمِيَةِ " فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ فَهُوَ شَرْطٌ " لَهُ " وَقَدْ يُطْلِقُهُ الْفُقَهَاءُ فِي الْجِنَايَاتِ فِي مُقَابَلَةِ الْمُبَاشَرَةِ .
وَقَالَ الْغَزَالِيُّ كُلُّ مَا يَحْصُلُ الْهَلَاكُ مَعَهُ فَأَمَّا أَنْ يَحْصُلَ بِهِ فَيَكُونَ عِلَّتُهُ كَالتَّرْدِيَةِ فِي الْبِئْرِ أَوْ يَحْصُلَ عِنْدَهُ لِعِلَّةٍ أُخْرَى لَكِنْ لَوْلَاهُ لَمْ تُؤَثِّرْ الْعِلَّةُ كَحَفْرِ الْبِئْرِ مَعَ التَّرْدِيَةِ فَهُوَ سَبَبٌ وَأَمَّا أَنْ يَحْصُلَ مَعَهُ وِفَاقًا وَلَا يَقِفُ الْعَمَلُ عَلَى وُجُودِهِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ كَمَا إذَا ضَرَبَهُ ضَرْبَةً خَفِيفَةً فَمَاتَ فَهَذَا لَا يُجْعَلُ سَبَبًا بَلْ هُوَ مُوَافَقَةُ قَدَرٍ .

الثَّانِي : يَنْقَسِمُ السَّبَبُ إلَى قَوْلِيٍّ وَفِعْلِيٍّ فَالْقَوْلِيُّ كَالتَّحَرُّمِ بِالصَّلَاةِ وَنِيَّةِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَغَيْرِهِ وَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْإِجَارَةِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ وَالتَّلَفُّظِ بِالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَالظِّهَارِ وَالرَّجْعَةِ .
وَالْفِعْلِيُّ كَالِاصْطِيَادِ وَالِاحْتِطَابِ وَالْإِحْيَاءِ وَقَتْلِ الْحَرْبِيِّ وَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالْقَتْلِ الْمُحَرَّمِ وَالْوَطْءِ الْمُقَرِّرِ لِكَمَالِ الْمَهْرِ وَنَحْوِهِ .
فَالْأَوَّلُ هَلْ يَثْبُتُ حُكْمُهُ مَعَ آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الصِّيغَةِ أَمْ بِتَمَامِهَا فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ بِالنِّسْبَةِ لِلْبَيْعِ وَالْعِتْقِ وَنَحْوِهِ وَحَكَى الرُّويَانِيُّ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ " أَنَّهُ " هَلْ يَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ بِأَوَّلِ التَّكْبِيرِ أَوْ بِالْفَرَاغِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ دَخَلَ مِنْ أَوَّلِهِ وَجْهَانِ يَبْنِي عَلَيْهِمَا مَا لَوْ رَأَى الْمُتَيَمِّمُ الْمَاءَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ التَّكْبِيرِ وَعَلَى قِيَاسِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فِي الْبَيْعِ وَجْهٌ بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ بِأَوَّلِ لَفْظِ الْقَبُولِ وَعَلَى هَذَا تَحْصُلُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ .
" وَقَالَ " ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْأَشْعَرِيَّةِ وَالْحُذَّاقِ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ " رَحِمَهُ اللَّهُ " أَنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ تَقْتَرِنُ بِآخِرِ حَرْفٍ مِنْ حُرُوفِ أَسْبَابِهَا فَتَقْتَرِنُ الْحُرِّيَّةُ بِالرَّاءِ مِنْ أَنْتَ حُرٌّ وَالطَّلَاقُ بِالْقَافِ مِنْ أَنْتِ طَالِقٌ ، قَالَ وَهُوَ يَطَّرِدُ فِي جَمِيعِ أَلْفَاظِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَإِذَا قَالَ اُقْعُدْ كَانَ أَمْرًا مَعَ الدَّالِ وَكَذَلِكَ لَا تَقْعُدْ .
" وَقَالَ " الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْكَفَّارَةِ : اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي أَنَّ الطَّلَاقَ وَالْعِتْقَ وَسَائِرَ الْأَلْفَاظِ هَلْ يَثْبُتُ " حُكْمُهَا " مَعَ " الْجُزْءِ " الْأَخِيرِ مِنْ اللَّفْظِ أَمْ " عَقِبَ " " تَمَامِ " أَجْزَائِهِ عَلَى الِاتِّصَالِ ؟ وَجْهَانِ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الثَّانِي .
انْتَهَى .
" وَأَمَّا الثَّانِي " وَهُوَ الْفِعْلِيُّ فَفِيهِ الْخِلَافُ " السَّابِقُ أَيْضًا " .
وَقَدْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِيمَا لَوْ

ارْتَضَعَ الصَّبِيُّ خَمْسَ رَضَعَاتٍ حَتَّى يَحْصُلَ التَّحْرِيمُ بِانْفِسَاخِ النِّكَاحِ هَلْ يَثْبُتُ ذَلِكَ مَعَ الرَّضْعَةِ الْخَامِسَةِ أَوْ عَقِبَهَا فِيهِ وَجْهَانِ .
وَبَقِيَ قِسْمٌ ثَالِثٌ يَتَقَدَّمُ الْحُكْمُ فِيهِ عَلَى سَبَبِهِ كَالدِّيَةِ " فَإِنَّا " نُقَدِّرُ دُخُولَهَا فِي مِلْكِ الْقَتِيلِ قُبَيْلَ آخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاتِهِ وَإِلَّا لَمْ تُوَرَّثْ عَنْهُ وَلَمْ تُنَفَّذْ " فِيهَا " وَصَايَاهُ وَدُيُونُهُ .
وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا يَمْتَدُّ زَمَانُهُ .
فَأَمَّا إذَا كَانَ السَّبَبُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ لَهُ أَوَّلٌ وَآخِرُ وَحَقِيقَةٌ تَتِمُّ بِآخِرِهِ كَالْحَيْضِ يُوجِبُ الْغُسْلَ بِخُرُوجِهِ أَوْ بِانْقِطَاعِهِ أَوْ بِالْمَجْمُوعِ فَيَجِبُ بِخُرُوجِهِ وَلَا يَتَحَقَّقُ إلَّا عِنْدَ انْقِطَاعِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا الثَّالِثُ كَذَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الثَّانِيَ ، وَزَادَ وَجْهًا رَابِعًا وَهُوَ " بِالْقِيَامِ " إلَى الصَّلَاةِ وَقَدْ اُسْتُشْكِلَ الثَّانِي مَعَ الثَّالِثِ فَإِنَّهُ هُوَ هُوَ ، فَإِنَّ الْقَائِلَ بِالْخُرُوجِ يُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا عِنْدَ الِانْقِطَاعِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الِانْقِطَاعَ " شَرْطٌ " فِي الثَّانِي " وَشَرْطٌ " فِي الثَّالِثِ .
وَنَظِيرُهُ الْخِلَافُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ هَلْ سَبَبُهَا الْحِنْثُ وَالْيَمِينُ جَمِيعًا أَوْ سَبَبُهَا الْيَمِينُ وَالْحِنْثُ شَرْطٌ ، أَوْ سَبَبُهَا الْحِنْثُ وَحْدَهُ ؟ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي صُورَتَيْنِ : إحْدَاهُمَا : إذَا اُسْتُشْهِدَتْ الْحَائِضُ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَجِبُ بِالْخُرُوجِ فَلَا تُغَسَّلُ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ الثَّانِيَةُ : إذَا قُلْنَا الْحَائِضُ لَا تُمْنَعُ الْقِرَاءَةَ فَأَجْنَبَتْ فَإِنْ قُلْنَا غُسْلُ الْحَيْضِ لَا يَجِبُ بِالْخُرُوجِ اغْتَسَلَتْ عَنْ الْجَنَابَةِ وَإِلَّا فَلَا .

الثَّالِثُ : هَلْ يَجِبُ التَّعَرُّضُ لَهُ " فِي الْإِخْبَارَاتِ " وَالْإِنْشَاءَاتِ .
الْأَصْلُ أَنَّ مَا لَزِمَ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّعَرُّضِ لِسَبَبِهِ وَمَا اخْتَلَفَ أَمْرُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ .
وَلِهَذَا يَجِبُ ذِكْرُ سَبَبِ الْجَرْحِ دُونَ التَّعْدِيلِ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَزِمَ بَيَانُ السَّبَبِ فِي الْإِخْبَارِ بِالنَّجَاسَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُظَنَّ " أَنَّ " مَا لَيْسَ بِنَجِسٍ نَجِسًا وَالشَّهَادَةُ بِالرِّدَّةِ مُلْحَقَةٌ " بِالْجَرْحِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ فَلَا يُقْبَلُ خِلَافًا لِتَرْجِيحِ الرَّافِعِيِّ .
" وَلَا بُدَّ مِنْ " التَّفْصِيلِ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْتَقِدُ مَا لَيْسَ بِكُفْرٍ كُفْرًا ، وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ قَتَلَ مُوَرِّثَهُ فَيَذْكُرُ أَنَّهُ انْفَرَدَ بِهِ أَوْ شُورِكَ وَأَنَّهُ عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ أَوْ شِبْهُ عَمْدٍ .
قَالَ الدَّبِيلِيُّ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ " لَوْ " شَهِدُوا أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ مُطَلَّقَةٌ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ لَمْ يُسْمَعْ حَتَّى يَذْكُرُوا لَفْظَ الزَّوْجِ بِالطَّلَاقِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ " قَالَ لَهَا يَا بَائِنَةُ " أَوْ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَنَحْوُهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ وَكَانَ .
عِنْدَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ " طَلَاقٌ " .
وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ ضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ فَأَوْضَحَ رَأْسَهُ جَزَمَ الْجُمْهُورُ بِالْقَبُولِ وَقَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ لَا بُدَّ مِنْ " التَّعَرُّضِ " لِإِيضَاحِ الْعَظْمِ لِأَنَّ الْإِيضَاحَ لَيْسَ مُخَصَّصًا بِذَلِكَ " .
وَلَوْ شَهِدَا بِدَيْنٍ أَوْ مِلْكٍ " يَثْبُتُ " الدَّيْنُ وَالْمِلْكُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرَا سَبَبًا .
قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي الْأَسْبَابِ الْمُثْبِتَةِ لِلدَّيْنِ وَالْمِلْكِ .
قُلْت إنَّمَا تُقْبَلُ مُطْلَقَةً عِنْدَ عَدَمِ الْمُنَازِعِ ، وَأَمَّا عِنْدَ ذِكْرِ " الِانْتِقَالِ " مِنْ مَالِكٍ آخَرَ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ السَّبَبِ فِي الْأَصَحِّ .
وَلَوْ ادَّعَى نِكَاحَ امْرَأَةٍ لَا يَكْفِيهِ الْإِطْلَاقُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ التَّفْصِيلِ وَالتَّعَرُّضِ لِشَرَائِطِ النِّكَاحِ بِخِلَافِ دَعْوَى الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ .
وَمِمَّا يُشْتَرَطُ فِيهِ

بَيَانُ " السَّبَبِ قَطْعًا لَوْ " شَهِدَ بِاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ لَمْ يُسْمَعْ قَطْعًا بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ سَبَبَ " الِاسْتِحْقَاقِ " مِنْ شَرِكَةٍ أَوْ جِوَارٍ .
وَلَوْ شَهِدَا بِأَنَّ هَذَا وَارِثُهُ لَمْ تُسْمَعْ أَيْضًا ، لِاخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ فِي تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَلِاخْتِلَافِ قَدْرِ التَّوْرِيثِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَا جِهَةَ الْمِيرَاثِ مِنْ أُبُوَّةٍ أَوْ بُنُوَّةٍ وَغَيْرِهِ ، وَنَظِيرُهُ إذَا أَقَرَّ بِوَارِثٍ " مُطْلَقًا " لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى إقْرَارِهِ شَيْءٌ حَتَّى يُعَيِّنَ جِهَةَ الْإِرْثِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُ تَثْبُتُ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ السَّبَبَ " خِلَافًا لِلْهَرَوِيِّ " ، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حَقٌّ عَلَيْهِ ، فَيُحْتَاطُ هُوَ لِنَفْسِهِ ، بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ فَإِنَّهُ حَقٌّ عَلَى وَرَثَتِهِ أَوْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ .
وَلَوْ شَهِدَا أَنَّ بَيْنَهُمَا رَضَاعًا مُحَرِّمًا ، فَالْأَصَحُّ لَا يُقْبَلُ ، وَقَالَ الرَّافِعِيُّ إنْ كَانَ الشَّاهِدُ فَقِيهًا مُوَافِقًا قُبِلَ وَإِلَّا فَلَا ، وَلَا يَصِحُّ التَّحَمُّلُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّاهِدِ حَتَّى يَسْتَرْعِيَهُ الْأَصْلُ أَوْ يُصْغِيَ إلَيْهِ فِي مَجْلِسِ حَاكِمٍ أَوْ مُحَكَّمٍ أَوْ يُبَيِّنُ سَبَبَهُ مِنْ قَرْضٍ أَوْ إتْلَافٍ أَوْ ثَمَنِ مَبِيعٍ ، وَقِيلَ لَا يَكْفِي الِاسْتِنَادُ لِسَبَبٍ وَرَجَّحَهُ الْإِمَامُ .
تَنْبِيهٌ : اسْتَثْنَوْا مِمَّا يُشْتَرَطُ فِيهِ بَيَانُ السَّبَبِ مَا لَوْ كَانَ الْمُطَلِّقُ فَقِيهًا مُوَافِقًا فَلَا يَحْتَاجُ لِبَيَانِ السَّبَبِ ، كَمَا فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ وَنَحْوِهِ ، وَالْقِيَاسُ إلْحَاقُ بَقِيَّةِ نَظَائِرِهِ بِهِ ، وَقَدْ قَالُوا لِيُبَيِّنَ شَاهِدُ الْفَرْعِ عِنْدَ الْأَدَاءِ جِهَةَ التَّحَمُّلِ فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ ، وَوَثِقَ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ فَلَا بَأْسَ ، وَبَحَثَ الرَّافِعِيُّ ذَلِكَ فِي شَاهِدَيْ الْجَرْحِ أَيْضًا فَائِدَةٌ : الِاخْتِلَافُ فِي السَّبَبِ غَيْرُ مُضِرٍّ فِي الْإِقْرَارِ ، فَإِذَا قَالَ لَهُ عِنْدِي أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ ، فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ : لَا ، بَلْ مِنْ دَارِ ، لَمْ يَضُرَّ ، وَيُحْتَمَلُ الِاخْتِلَافُ

فِي غَيْرِ السَّبَبِ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ .
وَلَوْ ذَكَرَ الْمُدَّعِي " سَبَبًا ، وَالشُّهُودُ " سَبَبًا آخَرَ ضَرَّ عَلَى الصَّحِيحِ فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ لِمُنَاقَضَتِهَا الدَّعْوَى .

الرَّابِعُ : مَا تَوَقَّفَ عَلَى السَّبَبِ تَارَةً بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَتَارَةً بِسَبَبَيْنِ وَتَارَةً بِثَلَاثَةٍ فَالْأَوَّلُ : يَمْتَنِعُ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ ، " لِأَنَّ الْمُسَبَّبَ يَسْتَدْعِي وُجُودَ السَّبَبِ " كَزَكَاةِ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ مِمَّا لَا يُشْتَرَطُ " فِيهِ " الْحَوْلُ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْحَوْلِ وَكَذَا زَكَاةُ الثِّمَارِ وَنَازَعَ الرَّافِعِيُّ فِيهِ ، وَقَالَ بَلْ لَهَا سَبَبَانِ ظُهُورُ الثَّمَرَةِ وَإِدْرَاكُهَا وَالْإِدْرَاكُ تَمَامُهُ حَوَلَانُ الْحَوْلِ ، قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ .
وَمِنْهُ كَفَّارَةُ الْمُجَامِعِ لَا تَجُوزُ قَبْلَ الْوِقَاعِ فِي الْأَصَحِّ ، وَدَمُ جَزَاءِ الصَّيْدِ قَبْلَ جُرْحِهِ لَا يَجُوزُ ، وَالْإِحْرَامُ لَيْسَ سَبَبًا لِلْجَزَاءِ وَمِثْلُهُ لَا يَجُوزُ " تَقْدِيمُهُ " عَلَى الْجُرْحِ بِحَالٍ وَعَنْ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ احْتِمَالٌ " فِيهِ " تَنْزِيلًا لِلْعِصْمَةِ مَنْزِلَةَ أَحَدِ السَّبَبَيْنِ .
وَلَوْ نَذَرَ أُضْحِيَّةً لَا يَجُوزُ ذَبْحُهَا قَبْلَ وَقْتِهَا قَطْعًا ، وَإِذَا أَرَادَ الشَّيْخُ الْهَرِمُ إخْرَاجَ الْفِدْيَةِ قَبْلَ دُخُولِ " شَهْرِ " رَمَضَانَ لَمْ يَجُزْ ، وَإِنْ أَخْرَجَهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ " مِنْ يَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ " أَجْزَأَهُ عَنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ ، وَإِنْ " أَدَّاهَا قَبْلَ الْفَجْرِ " ، فَفِيهِ احْتِمَالَانِ لِوَالِدِ الرُّويَانِيِّ ، قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَقَطَعَ الدَّارِمِيُّ بِالْجَوَازِ وَهُوَ الصَّوَابُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ : وَلَا يَجُوزُ التَّقْدِيمُ فِي السَّبَبِ الْوَاحِدِ ، إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَهِيَ إذَا اُضْطُرَّ الْمُحْرِمُ إلَى صَيْدٍ فَقَدَّمَ الْجَزَاءَ ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ " رَحِمَهُ اللَّهُ " جَوَّزَهُ قَالَ : وَكَأَنَّهُ جَعَلَ الْإِحْرَامَ أَحَدَ سَبَبَيْهِ فَلِذَلِكَ " جَوَّزَهُ " وَفِيهِ نَظَرٌ ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَجَوَّزَهُ قَبْلَ الْجُرْحِ ، إذَا لَمْ يُضْطَرَّ إلَيْهِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ عَلَى أَنَّ الرَّافِعِيَّ حَكَى هَذَا وَجْهًا عَنْ رِوَايَةِ ابْنِ كَجٍّ ، وَجَعَلَ الْمَذْهَبَ جَوَازَ تَقْدِيمِهِ بَعْدَ الْجُرْحِ لِوُجُودِ سَبَبِ الْقَتْلِ وَامْتِنَاعِهِ قَبْلَهُ

سَوَاءٌ قَتَلَهُ مُضْطَرًّا أَوْ مُخْتَارًا ، لِأَنَّهُ " لَمْ " يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ أَسْبَابِهِ ، وَقِيلَ يَجُوزُ لِوُجُودِ الْإِحْرَامِ نَعَمْ الَّذِي يَنْبَغِي اسْتِثْنَاؤُهُ مَا لَوْ احْتَاجَ الْمُحْرِمُ لِلُّبْسِ لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ إلَى الطِّيبِ وَالْحَلْقِ لِمَرَضٍ ، فَقَدَّمَ الْفِدْيَةَ عَلَيْهِ جَازَ فِي الْأَصَحِّ ، إذَا لَمْ يُجْعَلْ الْإِحْرَامُ سَبَبًا ، وَكَانَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صُورَةِ الصَّيْدِ أَنَّ الِاضْطِرَارَ بِصِيَالِ الصَّيْدِ عَلَيْهِ مَظْنُونٌ لِجَوَازِ انْصِرَافِهِ عَنْهُ .
" وَالثَّانِي " أَنْ يَجِبَ " بِسَبَبَيْنِ " يَخْتَصَّانِ بِهِ ، فَيَجُوزُ بَعْدَ وُجُودِ أَحَدِهِمَا ، وَتَقْدِيمِهِ عَلَى الْآخَرِ " ، إذَا كَانَ مَالِيًّا ، فَخَرَجَ " بِالْمَالِيِّ " الْبَدَنِيُّ ، فَإِنَّهُ إمَّا مُؤَقَّتٌ كَالصَّلَاةِ فَلَا يَتَقَدَّمُ وَقْتُهُ وَجَمْعُ التَّقْدِيمِ لَيْسَ " يَتَقَدَّمُ " عَلَى الْوَقْتِ ، بَلْ هُوَ الْوَقْتُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ ، " وَلِهَذَا يَقَعُ " أَدَاءً ، " وَكَذَلِكَ " التَّأْذِينُ لِلصُّبْحِ قَبْلَ الْفَجْرِ ، وَالصَّبِيُّ إذَا بَلَغَ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ بَعْدَمَا صَلَّى يُجْزِئُهُ وَلَيْسَ تَقْدِيمًا .
وَمِثْلُهُ الْفَقِيرُ يَحُجُّ قَبْلَ الِاسْتِطَاعَةِ .
وَإِمَّا غَيْرُ مُؤَقَّتٍ كَالصِّيَامِ فِي الْكَفَّارَاتِ ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى سَبَبِهِ ، وَقِيلَ : يَجُوزُ التَّكْفِيرُ بِالصَّوْمِ قَبْلَ الْحِنْثِ ، وَقَوْلُنَا : يَخْتَصَّانِ بِهِ ، احْتِرَازٌ مِنْ الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ ، فَإِنَّهُمَا لَا يَخْتَصَّانِ بِهِ ، كَمَا لَا يَجِبُ بِهِ كَزَكَاةِ الْفِطْرِ ، لَيْسَ لِلْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ فِيهَا خُصُوصِيَّةٌ بَلْ " الزَّكَاةُ " كَذَلِكَ وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِ تَقْدِيمِ هَذَا النَّوْعِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ بَعْدَ عَقْدِ الْيَمِينِ ، وَقَبْلَ الْحِنْثِ ، وَقِيسَ عَلَيْهِ الْبَاقِي .
وَمِنْهُ زَكَاةُ الْمَوَاشِي وَالنَّقْدَيْنِ تَجِبُ بِسَبَبَيْنِ يَخْتَصَّانِ بِهَا ، وَهُمَا النِّصَابُ وَالْحَوْلُ ، وَيَجُوزُ التَّقْدِيمُ بَعْدَ وُجُودِ النِّصَابِ وَقَبْلَ الْحَوْلِ ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْحُكْمَ لَهُ " اسْتِنَادٌ " إلَى السَّبَبِ وَهُوَ مُرَكَّبٌ

وَقَدْ وُجِدَ جُزْؤُهُ وَالْآخَرُ فِي حُكْمِ الْمَوْجُودِ ، قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي بَابِ الزَّكَاةِ : وَأَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الْمُتْعَةَ تَجِبُ بِالطَّلَاقِ ثُمَّ لَوْ أَعْطَى الْمُتْعَةَ قَبْلَ الطَّلَاقِ ثُمَّ طَلَّقَ ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَيَقَعُ عَنْ الْمُتْعَةِ ، فَكَذَلِكَ الزَّكَاةُ .
وَمِنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا فِي جَمِيعِ رَمَضَانَ ، لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِأَمْرَيْنِ يَخْتَصَّانِ بِهَا : إدْرَاكُ رَمَضَانَ وَالْفِطْرُ .
وَلَا يَجُوزُ قَبْلَ رَمَضَانَ " لِلتَّقَدُّمِ " عَلَى السَّبَبِ وَيَجُوزُ لِلْحَامِلِ تَقْدِيمُ الْفِدْيَةِ عَلَى الْفِطْرِ ، وَلَا تَدْفَعُ إلَّا فِدْيَةَ يَوْمٍ وَاحِدٍ كَمَا لَا يُعَجَّلُ إلَّا زَكَاةُ عَامٍّ ، نَعَمْ لَوْ أَرَادَ تَعْجِيلَ الْفِدْيَةِ " لِتَأَخُّرِ " قَضَاءِ رَمَضَانَ إلَى مَا بَعْدَ رَمَضَانَ آخَرَ قَبْلَ مَجِيءِ ذَلِكَ الثَّانِي ، فَفِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ ، قَالَ النَّوَوِيُّ : وَهُوَ كَتَعْجِيلِ كَفَّارَةِ الْحِنْثِ " لِمَعْصِيَةٍ " .
وَالثَّالِثُ : أَنْ تَجِبَ بِأَسْبَابٍ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَبَتْ بِثَلَاثَةِ أَسْبَابٍ : عَقْدِ النِّكَاحِ وَالظِّهَارِ وَالْعَوْدِ ، وَيَمْتَنِعُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الظِّهَارِ وَالْعَوْدِ ، وَخَالَفَهُ الْجُمْهُورُ وَقَالُوا تَجِبُ بِالْعَوْدِ وَالظِّهَارُ شَرْطٌ أَوْ عَكْسُهُ أَوْ بِهِمَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ فَإِنْ قُلْنَا " بِهِمَا فَلَا يَجُوزُ " تَقْدِيمُهَا عَلَى الظِّهَارِ ، وَيَجُوزُ عَلَى الْعَوْدِ .
وَمِثْلُهُ وُجُوبُ الْغُسْلِ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ بِأَسْبَابٍ ثَلَاثَةٍ بِالْخُرُوجِ وَالِانْقِطَاعِ وَالْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ عَلَى وَجْهٍ حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ، وَالْمَعْرُوفُ أَنَّهُ " بِسَبَبَيْنِ " كَمَا سَبَقَ .

الْبَحْثُ الْخَامِسُ : " إذَا زَالَ " السَّبَبُ هَلْ يَزُولُ مُسَبِّبُهُ إنْ كَانَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ " تَعَالَى " لَمْ يَزُلْ ، وَإِلَّا زَالَ غَالِبًا .
فَمِنْ الْأَوَّلِ : الْمُحْرِمُ يَجِبُ عَلَيْهِ إرْسَالُ الصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ لَهُ ، فَلَوْ لَمْ يُرْسِلْهُ حَتَّى تَحَلَّلَ وَجَبَ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ فِي الْأَصَحِّ ، لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْإِرْسَالَ ، فَلَا يَرْتَفِعُ هَذَا الِاسْتِحْقَاقُ بِتَعَدِّيهِ بِالْإِمْسَاكِ .
وَمِنْهُ : لَوْ ذَبَحَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا وَقُلْنَا بِالْقَدِيمِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَيْتَةً فَيَحِلُّ لِغَيْرِهِ وَهَلْ يَحِلُّ لَهُ بَعْدَ زَوَالِ الْإِحْرَامِ وَجْهَانِ : أَصَحُّهُمَا لَا .
وَمِنْهُ : الْخَمْرُ الَّذِي يَجِبُ إرَاقَتُهَا ، إذَا خُلِّلَتْ بِصَنْعَةِ آدَمِيٍّ لَا تُسْقِطُ وُجُوبَ الْإِرَاقَةِ ، بَلْ يَدُومُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، لِاسْتِحْقَاقِ الْإِزَالَةِ قَبْلَ ذَلِكَ .
وَقِيَاسُهُ فِيمَا لَوْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِهَدْمِ الدَّارِ " الَّتِي " أَعْلَاهَا الذِّمِّيُّ عَلَى الْمُسْلِمِ " فَبَاعَهَا مِنْ مُسْلِمٍ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ حَقُّ الْهَدْمِ ، لَكِنْ لَوْ أَسْلَمَ عَبْدٌ لِكَافِرٍ ثُمَّ أَسْلَمَ السَّيِّدُ لَا نَأْمُرُهُ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ عَنْهُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ بِالْإِسْلَامِ .
وَمِنْ الثَّانِي : مَا لَوْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ بَعْدَ زَوَالِهِ ، وَخِيَارِ الْعَتِيقَةِ بَعْدَ عِتْقِ زَوْجِهَا وَثُبُوتِ الشُّفْعَةِ بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِ الشَّفِيعِ ، كُلُّ ذَلِكَ يُسْقِطُ الْحَقَّ فِي الْأَصَحِّ لِزَوَالِ الضَّرَرِ ، وَكَانَ يَنْبَغِي فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ حَتَّى زَالَ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ الرَّدُّ وَلَا نَظَرَ إلَى مَا طَرَأَ مِنْ الزَّوَالِ ، لِأَنَّهُ لَمَّا زَالَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي كَانَ نِعْمَةً حَدَثَتْ فِي مِلْكِهِ ، وَالْخِلَافُ الْحَاصِلُ بِالْعَيْبِ قَدْ قَابَلَهُ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ ، لِأَنَّهُ إنَّمَا بَذَلَ الثَّمَنَ فِي مُقَابَلَةِ سَلِيمٍ ، وَلَمْ يَحْصُلْ .
وَقَطَعُوا فِي عُيُوبِ النِّكَاحِ بِنَفْيِ الْخِيَارِ إذَا زَالَتْ قَبْلَ الْفَسْخِ ، وَأَجْرَوْا خِلَافًا فِي عُيُوبِ " الْبَيْعِ " وَمِنْهُ لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي أَرْضِ غَيْرِهِ تَعَدِّيًا ضَمِنَ مَا وَقَعَ فِيهَا ، إلَّا

أَنْ يَنْقَطِعَ الْعُدْوَانُ بِأَنْ اشْتَرَاهَا مِنْ مَالِكِهَا " أَوْ رَضِيَ " الْمَالِكُ بِإِبْقَائِهَا " عَلَى الْأَصَحِّ ، أَوْ يَمْنَعُهُ مِنْ الطَّمِّ عِنْدَ الْمُتَوَلِّي خِلَافًا لِلْإِمَامِ ، وَلَا يَرْتَفِعُ عَنْهُ الضَّمَانُ بِإِبْرَاءِ الْمَالِكِ عَلَى الْأَصَحِّ .
وَلَوْ حَفَرَهَا فِي الطَّرِيقِ لِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ ، فَلَا بُدَّ مِنْ إذْنِ الْإِمَامِ ، فَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ ثُمَّ أَقَرَّهُ الْإِمَامُ عَلَى ذَلِكَ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْحَفْرِ ابْتِدَاءً حَتَّى لَا يَضْمَنَ بِالْوَاقِعِ فِيهَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ ، وَمِثْلُهُ مَا إذَا حَفَرَهَا لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ ، ثُمَّ أَذِنَ الْإِمَامُ وَلَا فَرْقَ .

السِّرَايَةُ حَقِيقَتُهَا " النُّفُوذُ " فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ ، ثُمَّ تَسْرِي إلَى بَاقِيهِ ، كَمَا فِي الْعِتْقِ بِالِاتِّفَاقِ ، وَكَذَا فِي الطَّلَاقِ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَقِيلَ " إنَّهُ " مِنْ بَابِ التَّعْبِيرِ " بِالْبَعْضِ عَنْ الْكُلِّ " وَأَيَّدَ الرَّافِعِيُّ الْأَوَّلَ ، بِأَنَّهُ لَوْ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى عُضْوٍ مُبَانٍ مِنْهَا لَا يَقَعُ وَلَوْ كَانَ بِطَرِيقِ التَّعْبِيرِ بِالْبَعْضِ عَنْ الْكُلِّ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ الْبَائِنِ ، وَالْمُتَّصِلِ ، وَقَدْ يُقَالُ فِي جَوَابِهِ الْمُرَادُ بِالتَّعْبِيرِ بِالْجُزْءِ عَنْ الْكُلِّ بِجُزْئِهَا الْحَقِيقِيِّ .
وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ بِدَلِيلِ عَدَمِ نَقْضِ الْوُضُوءِ بِهِ .
فَإِنْ قُلْت : إنَّهُ جُزْؤُهَا مَجَازًا بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ " بِدَلِيلِ تَحْرِيمِ النَّظَرِ لِعُضْوِهَا الْمُبَانِ .
قِيلَ : كَانَ الْأَصْلُ التَّحْرِيمَ فِي أَعْضَائِهَا ، فَاسْتُصْحِبَ التَّحْرِيمُ ، وَأَمَّا فِي الطَّلَاقِ فَالْأَصْلُ الْعِصْمَةُ ، وَلَا يَنْشَأُ " عَدَمُهَا " بِمَجَازٍ ضَعِيفٍ ، " وَمِمَّا " يُؤَيِّدُهُ ، أَنَّ الْبَغَوِيَّ قَالَ لَوْ أُبِينَ شَعْرَ الْأَمَةِ ، ثُمَّ عَتَقَتْ لَمْ يَكُنْ عَوْرَةً ، وَالْعِتْقُ لَا يَتَعَدَّى إلَى الْمُنْفَصِلِ ، وَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ ، لَا يَقَعُ عَلَى الْمُنْفَصِلِ ، " وَقَدْ يَسْرِي الرِّقُّ " فِيمَا إذَا اخْتَارَ الْإِمَامُ رِقَّ بَعْضِ أَسِيرٍ ، لِلْمَصْلَحَةِ ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي الْأَصَحِّ فَإِنْ مَنَعْنَا سَرَى الرِّقُّ لِبَاقِيهِ " قَالَ الرَّافِعِيّ " ، وَكَانَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَا يَرِقُّ شَيْءٌ .
وَلَوْ عُفِيَ عَنْ بَعْضِ الْقِصَاصِ سَقَطَ كُلُّهُ .
وَمِثْلُهُ لَوْ عُفِيَ عَنْ بَعْضِ الْمَأْخُوذِ بِالشُّفْعَةِ سَقَطَتْ كُلُّهَا ، وَلَا يَتَبَعَّضُ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْقَاءِ الضَّرَرِ ، ثُمَّ قَالَ الْأَصْحَابُ : مَا قَبْلَ التَّعْلِيقِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ صَحَّ إضَافَتُهُ إلَى بَعْضِ مَحَلِّ " ذَلِكَ " التَّصَرُّفِ كَالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ وَمَا لَا فَلَا ، كَالنِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ .
قَالَ الْإِمَامُ : إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَهِيَ الْإِيلَاءُ ، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ التَّعْلِيقُ ، وَلَا تَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى بَعْضِ الْمَحَلِّ ، إلَّا " فِي "

الْفَرْجِ ، وَفِي الْحَقِيقَةِ لَا يُسْتَدْرَكُ لِأَنَّ مُرَادَهُمْ صِحَّةُ " الْإِضَافَةِ " إلَى الْبَعْضِ فِي الْجُمْلَةِ ، " لَا " فِي جَمِيعِ آحَادِهِ ، وَالْإِيلَاءُ يُضَافُ إلَى بَعْضٍ خَاصٍّ ، وَاسْتَدْرَكَ " الْقَاضِي الْبَارِزِيُّ الْوَصِيَّةَ " ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ تُضَافَ إلَى بَعْضِ الْمَحَلِّ ، ذَكَرَهُ " فِي " التَّمْيِيزِ وَيُسْتَدْرَكُ " عَلَيْهَا " صُوَرٌ : مِنْهَا : إنَّ تَعْلِيقَ الْفَسْخِ لَا يَجُوزُ ، فَإِذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا وَقُلْنَا لَا يَجُوزُ إفْرَادُ الْمَعِيبِ بِالرَّدِّ ، فَلَوْ رَدَّهُ كَانَ رَدًّا لَهُمَا عَلَى وَجْهٍ .
وَمِنْهَا " الْكَفَالَةُ " ، لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا وَيَصِحُّ أَنْ تُضَافَ إلَى بَعْضِ الْمَحَلِّ عَلَى خِلَافٍ فِيهَا .
وَمِنْهُمَا التَّدْبِيرُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ ، وَلَوْ قَالَ دَبَّرْت يَدَك أَوْ رِجْلَك لَمْ يَصِحَّ التَّدْبِيرُ عَلَى وَجْهٍ .
وَمِنْهَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الرُّجُوعِ فِي التَّدْبِيرِ ، إنْ قُلْنَا يَرْجِعُ " بِالْقَوْلِ " فِيهِ ، كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ ، وَلَوْ قَالَ رَجَعْت فِي رَأْسِك ، فَهَلْ يَكُونُ رُجُوعًا فِي جَمِيعِهِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي .
وَمِنْهَا : الْإِبْرَاءُ ، لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ ، وَلَوْ قَالَ الْمُسْتَحِقُّ لِلدِّيَةِ ، عَفَوْت عَنْ بَعْضِ دَمِك ، قَالَ فِي الْبَحْرِ قُبَيْلَ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ إنْ قُلْنَا الْبَرَاءَةُ عَنْ الْمَجْهُولِ تَجُوزُ ، فَهَذَا أَجْوَزُ ، وَإِنْ قُلْنَا تَمْتَنِعُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ تَجُوزُ ، لِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْبَعْضِ مِنْهُ كَالْعَفْوِ عَنْ الْكُلِّ .
وَمِنْهَا : لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ زَانٍ ، لَا يَكُونُ " قَاذِفًا " .
وَلَوْ قَالَ زَنَى قُبُلُك أَوْ دُبُرُك كَانَ قَاذِفًا السِّرَايَةُ فِي الْأَشْقَاصِ لَا فِي الْأَشْخَاصِ وَلِهَذَا لَوْ أَعْتَقَ أَمَتَهٌ الْحَامِلَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ عِتْقُ الْحَمْلِ لَا بِالسِّرَايَةِ ، بَلْ بِالتَّبَعِيَّةِ ، كَمَا يَتْبَعُهَا فِي الْبَيْعِ ، " وَهَذَا " يَرُدُّ قَوْلَ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ : لَا يَسْرِي الْعِتْقُ عَنْ " شَخْصٍ إلَى آخَرَ ، إلَّا عَتَاقَ الْأَمَةِ الْحَامِلِ ،

فَإِنَّهُ يَسْرِي إلَى جَنِينِهَا .
وَلَوْ مَلَكَ شِقْصًا مِنْ عَبْدٍ فَأَعْتَقَهُ ، وَهُوَ مُوسِرٌ سَرَى إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ .
وَلَوْ مَلَكَ أَمَةً وَمَلَكَ الْآخَرُ حَمْلَهَا ، فَأَعْتَقَهَا لَمْ يَسْرِ الْعِتْقُ إلَى الْحَمْلِ ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا .
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ نَصِيبِ الْغَيْرِ تَنْفُذُ السِّرَايَةُ فِيهِ مَعَ الْيَسَارِ ، وَلَا تَنْفُذُ فِي حَمْلِ الْغَيْرِ مَعَ الْيَسَارِ إنَّ مِلْكَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الشَّرِكَةِ " مُخْتَلِطٌ " بِمِلْكِ صَاحِبِهِ وَمَا مِنْ جُزْءٍ إلَّا وَهُوَ شَائِعٌ بَيْنَهُمَا ، فَلَمَّا نَوَى الشُّرُوعَ مَرَّتْ الْحُرِّيَّةُ إلَى الْبَاقِي ، فَأَمَّا الْحَمْلُ ، وَإِنْ كَانَ فِي بَطْنِ الْأُمِّ " فَهُوَ " نَفْسٌ " يَنْفَرِدُ " عَنْ الْأَصْلِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ " يَنْفَصِلُ إلَى مُدَّةٍ وَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ نَفْسِهِ دُونَ الْأُمِّ .
وَأَمَّا نَصِيبُ الشَّرِيكِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْفَكَّ " قَطُّ " عَنْ نَصِيبِهِ ، وَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ نَفْسِهِ ، فَلِذَلِكَ افْتَرَقَا .

السَّفَرُ قِسْمَانِ طَوِيلٌ وَقَصِيرٌ : فَالطَّوِيلُ مَرْحَلَتَانِ ، وَالْقَصِيرُ مَا دُونَ ذَلِكَ .
وَضَبَطَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ ، بِأَنْ يُفَارِقَ الْبَلَدَ إلَى مَوْضِعٍ لَوْ كَانَ مُقِيمًا لَمْ تَلْزَمْهُ الْجُمُعَةُ لِعَدَمِ سَمَاعِهِ النِّدَاءَ ، وَضَبَطَهُ غَيْرُهُ بِمِيلٍ ، وَبِهِ جَزَمَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ النَّوَوِيُّ فِي بَابِ الْحَجِّ مِنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ، وَالْأَشْبَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ يُشِيرُ إلَيْهِ .
" وَيَخْرُجُ " عَلَى ذَلِكَ مَا لَوْ حَلَفَ لَيُسَافِرَنَّ يَبَرُّ بِمَاذَا ، وَرُخَصُ السَّفَرِ سَبَقَتْ فِي حَرْفِ الرَّاءِ .

السَّفِيهُ " تَصَرُّفَاتُهُ " عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا مَا يَمْتَنِعُ مِنْهُ ، وَلَوْ أَذِنَ الْوَلِيُّ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَهُوَ غَالِبُ تَصَرُّفِهِ الْمَالِيِّ .
ثَانِيهَا - مَا يَصِحُّ بِإِذْنِهِ وَهُوَ النِّكَاحُ .
ثَالِثُهَا - مَا يَصِحُّ مِنْهُ سَوَاءٌ أَذِنَ الْوَلِيُّ أَمْ لَا ، وَهُوَ عِبَادَاتُهُ ، وَبَعْضُ تَصَرُّفِهِ الْمَانِعِ ، كَالْتِزَامِهِ الْجِزْيَةَ ، وَمُصَالَحَتِهِ عَنْ الْقِصَاصِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ ، وَنِكَاحِهِ الْأَمَةَ عِنْدَ خَوْفِ الْعَنَتِ ، وَمَنْعِهِ الْوَلِيَّ يَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ ، كَمَا قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ .
وَلَوْ حَفَّتْ حَاجَتُهُ إلَى الْمَطَاعِمِ وَنَحْوِهَا ، وَامْتَنَعَ الْوَلِيُّ وَعَسُرَتْ مُرَاجَعَةُ الْحَاكِمِ ، قَالَ الْإِمَامُ فَفِي صِحَّةِ شِرَائِهِ تَرَدُّدٌ لِلْعِرَاقِيِّينَ فَإِنْ انْتَهَى الْأَمْرُ إلَى الضَّرُورَةِ ، فَالْوَجْهُ الْقَطْعُ بِتَجْوِيزِ تَصَرُّفَاتِهِ ، وَذُكِرَ فِي نِكَاحِهِ نَحْوُهُ ، " وَتَصِحُّ مِنْهُ " الْوَصِيَّةُ وَالتَّدْبِيرُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَيَنْعَقِدُ نَذْرُهُ الْمَالِيُّ فِي الذِّمَّةِ .
هَذَا كُلُّهُ فِي الدَّفْعِ .
أَمَّا الْجَلْبُ ، فَيَصِحُّ مِنْهُ الْخُلْعُ وَتَمَلُّكُ الْمُبَاحَاتِ وَقَبُولُهُ الْهِبَةَ وَالْوَصِيَّةَ عَلَى الْأَصَحِّ ، لَكِنْ لَا يُسَلَّمُ إلَيْهِ ، فَإِنْ " تَسَلَّمَهَا " غَرِمَ مَنْ أَقْبَضَهُ الْوَصِيَّةَ دُونَ الْهِبَةِ ، لِأَنَّ مِلْكَ الْوَصِيَّةِ بِقَبُولِهِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ .

السَّكْرَانُ فِي سَائِرُ أَحْوَالِهِ كَالصَّاحِي عَلَى الْمَذْهَبِ ، إلَّا فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ .

السُّكُوتُ ضَرْبَانِ " الْأَوَّلُ " أَنْ يَكُونَ بِمُجَرَّدِهِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ التَّصْرِيحِ بِالنُّطْقِ فِي حَقِّ مَنْ تَجِبُ لَهُ الْعِصْمَةُ .
وَلِهَذَا كَانَ تَقْرِيرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شَرْعِهِ ، وَكَانَ الْإِجْمَاعُ السُّكُوتِيُّ حُجَّةً عِنْدَ كَثِيرِينَ ، لِأَنَّهُ نَازِلٌ مَنْزِلَةَ النَّصِّ ، فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ مَشْهُودٌ لَهُ بِالْعِصْمَةِ ، وَأَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ لَا إطْعَامَ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ ، لِأَنَّهُ مَسْكُوتٌ عَنْهُ فِي الْآيَةِ ، وَالْمَسْكُوتُ لَا يَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْمَنْطُوقِ ، وَهَذَا عَلَى رَأْيِ مَنْ يَقُولُ أَنَّ السُّكُوتَ عَنْ الْحُكْمِ مُنَاسِبٌ لِانْتِفَائِهِ فَيَلْزَمُ مِنْهُ خِلَافُ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ فِي جَانِبِ " الْمَسْكُوتِ عَنْهُ لِكَوْنِ التَّخْصِيصِ بِالذِّكْرِ " مُقَيَّدًا " مِنْ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ .
أَمَّا إذَا عُلِمَ أَنَّ " الْمَسْكُوتَ " أَشَدُّ مُنَاسَبَةً لِلْحُكْمِ فِي الْمَنْطُوقِ ، كَمَا فِي الضَّرْبِ مَعَ التَّأْفِيفِ ، وَكَمَا فَوْقَ الدِّينَارِ " وَدُونَ " الْقِنْطَارِ " انْعَكَسَ الْحُكْمُ " ، وَكَانَ مِنْ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ ، وَيَتَأَكَّدُ بِذَلِكَ " الْقَوْلُ " " بِشَرْعِيَّةِ الْإِطْعَامِ " فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ .
وَالثَّانِي غَيْرُ الْمَعْصُومِ ، فَالْأَصْلُ أَنْ لَا يَنْزِلَ مَنْزِلَةَ نُطْقِهِ ، " لَا سِيَّمَا " إذَا كَانَ السُّكُوتُ " مُحَرَّمًا " .
وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ " رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ " ، لَا يُنْسَبُ إلَى سَاكِتٍ قَوْلٌ .
نَعَمْ ، " إذَا " قَامَ دَلِيلٌ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِهِ كَسُكُوتِ الْبِكْرِ عِنْدَ الِاسْتِئْذَانِ فِي التَّزْوِيجِ .
" وَلِهَذَا " اكْتَفَى بِهِ " وَكَذَلِكَ إذَا قَامَتْ قَرَائِنُ تَدُلُّ عَلَى " رِضَاهُ " فَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ النُّطْقِ .
وَالْأَحْوَالُ بِحَسَبِ ذَلِكَ أَرْبَعَةٌ : " الْأَوَّلُ " : مَا يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ النُّطْقِ قَطْعًا كَالسُّكُوتِ مِنْ الْبِكْرِ فِي الْإِذْنِ فِي النِّكَاحِ إذَا اسْتَأْذَنَهَا الْأَبُ أَوْ الْجَدُّ ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا سَكَتَ عَنْ الْجَوَابِ بَعْدَ عَرْضِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ جُعِلَ كَالْمُنْكَرِ النَّاكِلِ فَتُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى

الْمُدَّعِي .

وَلَوْ نَقَضَ " بَعْضُ " أَهْلِ " الْهُدْنَةِ " ، وَلَمْ يُنْكِرْ الْبَاقُونَ بِقَوْلٍ وَلَا فِعْلٍ ، انْتَقَضَ فِي السَّاكِتِينَ أَيْضًا .
وَلَوْ تَبَارَزَ اثْنَانِ وَشَرَطْنَا الْأَمَانَ إلَى انْقِضَاءِ الْقِتَالِ ، فَأَعَانَ " الْكَافِرَ " جَمَاعَةٌ مِنْ صَفِّهِ بِغَيْرِ " اسْتِجَارَةٍ " ، وَسَكَتَ " وَلَمْ " يَمْنَعْهُمْ انْتَقَضَ أَمَانُهُ ، وَجَازَ لِغَيْرِ الْمُبَارِزِينَ قَتْلُهُ .

وَلَوْ رَأَى السَّيِّدُ عَبْدَهُ يُتْلِفُ مَالًا لِغَيْرِهِ ، وَسَكَتَ عَنْهُ ، فَإِنَّ السَّيِّدَ " يَضْمَنُهُ " ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْتِقَاطِ الْعَبْدِ .

وَلَوْ الْتَقَطَ الصَّبِيُّ وَصَحَّحْنَاهُ فَرَآهُ الْوَلِيُّ ، فَلَمْ يَنْزِعْهُ ، فَتَلِفَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ ، كَمَا وَلَوْ احْتَطَبَ وَرَآهُ مَعَهُ فَلَمْ يَأْخُذْهُ .

الثَّانِي : مَا يَنْزِلُ مَنْزِلَتَهُ فِي الْأَصَحِّ ، وَهُوَ السُّكُوتُ فِي الْبِكْرِ " الْبَالِغِ " إذَا اسْتَأْذَنَهَا الْعَصَبَةُ أَوْ الْحَاكِمُ ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا تَظْهَرَ قَرِينَةٌ بِالْمَنْعِ ، فَلَوْ بَكَتْ مَعَ صِيَاحٍ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ .

" وَلَوْ حَلَقَ الْحَلَالُ رَأْسَ مُحْرِمٍ " وَهُوَ سَاكِتٌ ، فَلَمْ يَمْنَعْهُ مَعَ الْقُدْرَةِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ كَمَا لَوْ حَلَقَ بِأَمْرِهِ فَتَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ ، وَعَلَّلَهُ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ الشَّعْرَ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ أَوْ عَارِيَّةٌ ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَيَجِبُ الدَّفْعُ عَنْهُ ، قِيلَ وَمُقْتَضَى هَذَا ، أَنَّهُ لَوْ أَتْلَفَ مُكَلَّفٌ الْوَدِيعَةَ ، وَالْمُودِعُ سَاكِتٌ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى دَفْعِهِ أَنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا ، وَيَنْزِلُ سُكُوتُهُ مَنْزِلَةَ الْإِذْنِ فِي الْإِتْلَافِ .

وَمِنْهُ : لَوْ بَاعَ الْعَبْدُ الْبَالِغُ وَهُوَ سَاكِتٌ صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْأَصَحِّ ، وَقِيلَ لَا بُدَّ أَنْ يَعْتَرِفَ " بِأَنَّ " الْبَائِعَ سَيِّدُهُ .

وَمِنْهُ : الْقِرَاءَةُ عَلَى الشَّيْخِ ، وَهُوَ سَاكِتٌ " يَسْمَعُ " تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ نُطْقِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ " يُشْتَرَطُ " أَنَّهُ لَوْ عَرَضَ مِنْ الْقَارِئِ " تَصْحِيفٌ " وَتَحْرِيفٌ لَرَدَّهُ الشَّيْخُ ، فَسُكُوتُهُ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ قِرَاءَتِهِ " قَطْعًا " .
وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي شَرْحِ الْعِنْوَانِ ، إذَا سَكَتَ الشَّيْخُ " مُقِرًّا " عَلَى مَا قُرِئَ عَلَيْهِ ، فَهَلْ يَجُوزُ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ " يُقَالَ " أَخْبَرَنَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ، وَقَطَعَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ " الْإِمَامِ " الشَّافِعِيِّ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ، وَهُوَ اللَّائِقُ بِمَذْهَبِهِ ، لِتَرَدُّدِ السُّكُوتِ بَيْنَ الْإِخْبَارِ وَعَدَمِهِ ، وَقَدْ قَالَ " الْإِمَامُ " الشَّافِعِيُّ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " ، لَا يُنْسَبُ لِسَاكِتٍ قَوْلٌ ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ ، وَقِيلَ يَجُوزُ اعْتِمَادًا عَلَى الْقَرَائِنِ وَظَاهِرِ الْحَالِ .

الثَّالِثُ : مَا لَا يَنْزِلُ مَنْزِلَتَهُ قَطْعًا ، كَمَا لَوْ سَكَتَ عَنْ وَطْءِ أَمَتِهِ ، لَا يَسْقُطُ بِهِ الْمَهْرُ ، وَكَذَا لَوْ سَكَتَ عَنْ قَطْعِ عُضْوٍ مِنْهُ أَوْ إتْلَافِ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ مِنْهُ ، لَا يَسْقُطُ ضَمَانُهُ ، وَكَذَا لَوْ اُسْتُؤْذِنَتْ " الثَّيِّبُ " فِي النِّكَاحِ ، ( فَسَكَتَتْ ) " لَا أَثَرَ لَهُ .
وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْوَلِيَّ لَا يَمْلِكُ قَبْضَ مَهْرِ الْبِكْرِ الرَّشِيدَةِ ، إلَّا بِإِذْنِهَا ، فَلَوْ اسْتَأْذَنَهَا فَسَكَتَتْ ، لَمْ يُسْتَفَدْ بِسُكُوتِهَا " الْإِذْنُ " فِي الْقَبْضِ قَطْعًا ، وَحَاوَلَ الرَّافِعِيُّ تَخْرِيجَ وَجْهٍ فِيهِ ذَكَرَهُ فِي " بَابِ " النِّزَاعِ " مِنْ " الصَّدَاقِ ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَنَحْكِيهِ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ .

الرَّابِعُ : مَا لَا يَنْزِلُ مَنْزِلَتَهُ فِي الْأَصَحِّ .
فَمِنْهُ : إذَا عَلِمَ الْبَائِعُ أَنَّ الْمُشْتَرِي " يَطَأُ " الْجَارِيَةَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لَا يَكُونُ مُجِيزًا لِلْعَقْدِ بِسُكُوتِهِ فِي الْأَصَحِّ .
وَلَوْ حُمِلَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي مَجْلِسِ الْخِيَارِ فَأُخْرِجَ وَلَمْ يُمْنَعْ مِنْ الْكَلَامِ فَالْأَصَحُّ أَنَّ خِيَارَهُ لَا يَبْطُلُ ، لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ فِي الْمُفَارَقَةِ .

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الدَّارَ ، فَحُمِلَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الدَّفْعِ لَا يَحْنَثُ .

وَلَوْ اسْتَلْحَقَ بَالِغًا وَلَمْ يُكَذِّبْهُ وَسَكَتَ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ وَالشَّرْطُ التَّصْدِيقُ نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ " ثُمَّ ذَكَرَ فِي فَصْلِ التَّسَامُحِ فِي الشَّهَادَةِ أَنَّ سُكُوتَ الْبَالِغِ فِي النَّسَبِ " كَالْإِقْرَارِ بِهِ .
قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ ، وَإِنَّمَا أَقَامُوا السُّكُوتَ فِي النَّسَبِ مَقَامَ النُّطْقِ ، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ عَلَى الْأَنْسَابِ الْفَاسِدَةِ لَا يَجُوزُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ فِي ذَلِكَ أَنْ يَتَكَرَّرَ الْحَالُ .

وَلَوْ اُسْتُؤْذِنَتْ الْبِكْرُ فِي أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ فِي غَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ فَسَكَتَتْ ، لَمْ يَكُنْ إذْنًا ، لِأَنَّهُ مَالٌ ، فَلَا يَكْفِي سُكُوتُهَا " كَبَيْعِ " مَا لَهَا ، قَالَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَلَكِنَّ كَلَامَ الْبَغَوِيِّ فِي فَتَاوِيهِ يَقْتَضِي الِاكْتِفَاءَ بِهِ .

وَلَوْ عَقَدَ عَلَى امْرَأَةٍ وَلَمْ تُزَفَّ إلَيْهِ ، بَلْ بَقِيَتْ سَاكِتَةً ، وَلَمْ تَعْرِضْ نَفْسَهَا فَلَا نَفَقَةَ " لَهَا " ، إنْ قُلْنَا " إنَّهَا تَجِبُ " بِالتَّمْكِينِ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ، فَإِنْ قُلْنَا بِالْعَقْدِ وَجَبَتْ .
تَنْبِيهٌ : حَيْثُ قُلْنَا لَا يُنْسَبُ لَهُ قَوْلٌ فَلَا يُنْسَبُ لَهُ فِعْلٌ .
وَلِهَذَا لَوْ كَانَ تَحْتَهُ صَغِيرَةٌ وَكَبِيرَةٌ فَارْتَضَعَتْ الصَّغِيرَةُ ، وَهِيَ سَاكِتَةٌ فَهُوَ كَمَا " لَوْ كَانَتْ " نَائِمَةً أَوْ لَا وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ .
وَلَوْ قَصَدَ رَجُلٌ قَطْعَ يَدِ آخَرَ ظُلْمًا ، فَلَمْ يَدْفَعْهُ الْمَقْطُوعُ وَسَكَتَ حَتَّى قَطَعَ لَا يَكُونُ إهْدَارًا فِي الْأَصَحِّ .

السُّنَّةُ يَتَعَلَّقُ بِهَا مَبَاحِثُ : الْأَوَّلُ : أَنَّهَا تَنْقَسِمُ إلَى سُنَّةِ عَيْنٍ " وَإِلَى سُنَّةِ " كِفَايَةٍ ، كَمَا فِي الْفَرْضِ ، وَنَقَلَ الشَّاشِيُّ عَنْ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ " لَيْسَ لَنَا سُنَّةٌ عَلَى الْكِفَايَةِ ، إلَّا الِابْتِدَاءُ بِالسَّلَامِ ، وَهُوَ " مُسْتَدْرَكٌ " بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالتَّسْمِيَةِ عَلَى الْأَكْلِ وَشَاةِ الْأُضْحِيَّةِ ، فَإِذَا ضَحَّى وَاحِدٌ فِي بَيْتِهِ أَقَامَ شِعَارَ السُّنَّةِ وَتَشْمِيتَ الْعَاطِسِ وَمَا يُفْعَلُ بِالْمَيِّتِ مِمَّا نُدِبَ إلَيْهِ .

الثَّانِي : إذَا تَرَكَ الْمُصَلِّي سُنَّةً ثُمَّ ذَكَرَهَا ، فَإِنْ فَاتَ مَحَلُّهَا ، فَلَا تَدَارُكَ ، كَمَا إذَا تَذَكَّرَ أَنَّهُ " تَرَكَ " رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ بَعْدَ فَرَاغِهَا ، وَإِنْ لَمْ يَفُتْ فَإِنْ لَمْ يَتَلَبَّسْ بِغَيْرِهَا ، نُدِبَ الْعَوْدُ إلَيْهَا ، وَإِنْ تَلَبَّسَ لَمْ يَعُدْ سَوَاءٌ تَلَبَّسَ بِفَرْضٍ أَوْ سُنَّةٍ .
فَالْأَوَّلُ : كَمَا لَوْ تَرَكَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ ثُمَّ ذَكَرَهُ بَعْدَ الْقِيَامِ ، هَذَا فِي الْفَرْضِ الْفِعْلِيِّ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَمِثْلُهُ الْقَوْلِيُّ ، إنْ قُلْنَا " تَكَرُّرُهُ " مُبْطِلٌ ، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ يَعُودَ إلَى الْمَتْرُوكِ ، وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ ، فَقَالُوا : إذَا ذَكَرَ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الْفَاتِحَةِ ، كَانَ " لَهُ الْعَوْدُ إلَيْهَا " عَلَى " الْقَوْلِ " الْقَدِيمِ .
وَالثَّانِي " لَا " ، كَمَا لَوْ تَرَكَ دُعَاءَ الِاسْتِفْتَاحِ فَذَكَرَهُ بَعْدَ التَّعَوُّذِ لَا يَعُودُ إلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ ، وَيُمْكِنُ جَعْلُ هَذَا مِنْ الْقَسَمِ الْأَوَّلِ ، لِأَنَّ مَحَلَّ الِاسْتِفْتَاحِ أَوَّلُ الصَّلَاةِ وَبِالتَّعَوُّذِ أَوَّلَهُ تَزُولُ الْأَوْلَوِيَّةُ .
وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْقِسْمِ مَا " إذَا " تَرَكَ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ ، فَذَكَرَهَا بَعْدَ التَّعَوُّذِ ، وَقَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْفَاتِحَةِ ، فَيَأْتِي بِهِنَّ قَطْعًا ، كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ، لِأَنَّ مَحَلَّهُنَّ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ ، وَتَقْدِيمَهُنَّ عَلَى " التَّعَوُّذِ " سُنَّةٌ لَا شَرْطٌ .
وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْأَوَّلِ مَا لَوْ صَلَّى قَاعِدًا لِعُذْرٍ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ السُّجُودِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ ، " وَقَعَدَ " " ابْتَدَأَ " الْفَاتِحَةَ ، فَفِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ ، أَنَّهُ إنْ عَلِمَ " أَنَّهُ " مَحَلُّ التَّشَهُّدِ ، لَكِنْ جَرَتْ الْفَاتِحَةُ عَلَى لِسَانِهِ عَادَ لِلتَّشَهُّدِ ، وَجَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ بِخِلَافِ مَا لَوْ ظَنَّ أَنَّهُ قَرَأَ التَّشَهُّدَ وَفَرَغَ مِنْهُ ثُمَّ شَرَعَ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ ، ثُمَّ تَذَكَّرَ فَإِنَّهُ لَا يَعُودُ إلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ .
ثُمَّ قَالَ الْبَغَوِيّ

: " وَلَوْ " نَسِيَ الْجُلُوسَ فَاشْتَغَلَ بِالْفَاتِحَةِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ مَحَلُّ قِيَامٍ ، هَلْ يَعُودُ إلَى التَّشَهُّدِ فِيهِ احْتِمَالُ وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا لَا ، لِأَنَّ هَذَا الْقُعُودَ بَدَلٌ عَنْ الْقِيَامِ ، كَمَا " ذَكَرْنَاهُ " .

وَمِنْهَا لَوْ قَرَأَ الْمُصَلِّي آيَةَ السَّجْدَةِ فَلَمْ يَسْجُدْ وَرَكَعَ ، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَسْجُدَ ، فَقَالَ الْمَسْعُودِيُّ لَيْسَ " لَهُ " ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ شَرَعَ فِي الْفَرْضِ ، قَالَ صَاحِبُ " الْخَوَاصِّ الشَّرْعِيَّةِ " ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلْ لَهُ أَنْ يَسْجُدَ " مَهْمَا " شَاءَ ، لِقِيَامِ سُنَّةِ السُّجُودِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَكَ التَّشَهُّدَ وَقَامَ لَا يَعُودُ إلَى التَّشَهُّدِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَوْ عَادَ لَكَانَ فِي ذَلِكَ " زِيَادَةُ رُكْنٍ " ، وَلَيْسَ فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ تَرْتِيبٌ حَتَّى " يُعِيدَ " الرُّكْنَ .

أَمَّا إذَا تَرَكَ السُّنَّةَ وَتَلَبَّسَ بِفَرْضٍ وَعَارَضَهُ فَرْضُ الْمُتَابَعَةِ ، كَمَا لَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ نَاسِيًا ، فَتَابَعَهُ الْمَأْمُومُ ، ثُمَّ عَادَ الْإِمَامُ قَبْلَ الِانْتِصَابِ وَالْمَأْمُومُ قَدْ انْتَصَبَ ، فَهَلْ يَعُودُ الْمَأْمُومُ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا نَعَمْ ، لِأَنَّ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ فَرْضٌ بِخِلَافِ الْإِمَامِ " وَالْمُنْفَرِدِ " فَإِنَّهُمَا لَوْ رَجَعَا لَرَجَعَا مِنْ فَرْضٍ إلَى سُنَّةٍ .
وَقَدْ يُقَالُ تَعَارَضَ فِيهِ فَرْضَانِ ، لِأَنَّهُ قَدْ تَلَبَّسَ بِفَرْضٍ ، وَهُوَ الْقِيَامُ وَالْقُدْوَةُ وَاجِبَةٌ ، وَمُضِيُّهُ فِيمَا تَلَبَّسَ بِهِ أَوْلَى مِنْ إبْطَالِهِ " وَالشُّرُوعِ " فِي غَيْرِهِ .
وَيُجَابُ بِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ تَلَبُّسَهُ بِالْقُدْوَةِ سَابِقٌ ، فَلِذَلِكَ جَوَّزَ لَهُ الْعَوْدَ إلَيْهَا .
وَالثَّانِي أَنَّ الْقُدْوَةَ آكَدُ ، وَلِهَذَا " يَسْقُطُ " فِيهَا الْقِيَامُ وَالْقِرَاءَةُ عَنْ الْمَسْبُوقِ إلَى الرُّكُوعِ .
وَهَذَا فِيمَا إذَا قَامَ نَاسِيًا ، أَمَّا إذَا قَامَ ظَانًّا قِيَامَ إمَامِهِ ، فَبَانَ خِلَافُهُ ، " وَأَنَّهُ " قَعَدَ لِلتَّشَهُّدِ ، " فَهُوَ " يَتَخَيَّرُ .

الثَّالِثُ : إذَا فَاتَتْ السُّنَّةُ فِي مَحِلِّهَا جَازَ قَضَاؤُهَا فِي مِثْلِ مَحِلِّهَا ، إذَا لَمْ يَكُنْ فِي قَضَائِهَا تَرْكُ سُنَّةٍ أُخْرَى .
وَيَتَّضِحُ ذَلِكَ بِصُوَرٍ : مِنْهَا : مَا أَدْرَكَهُ الْمَسْبُوقُ ، فَهُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ ، فَلَوْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ الرَّكْعَتَيْنِ " الْأَخِيرَتَيْنِ " مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ ، فَالنَّصُّ أَنَّهُ يَقْرَأُ السُّورَةَ فِي " الْأَخِيرَتَيْنِ " ، وَإِنْ قُلْنَا لَا يُسْتَحَبُّ " فِيهِمَا " ، لِأَنَّهَا فَضِيلَةٌ فَاتَتْ فِي أُولَيَيْنِ ، فَلَا يَفُوتُهَا .
وَمِنْهَا : نَصَّ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ قِرَاءَةَ السُّورَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ " يَقْضِيهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ " .
وَمِنْهَا : إذَا قَرَأَ الْإِمَامُ فِي الْجُمُعَةِ فِي الْأُولَى " سُورَةَ " الْمُنَافِقِينَ ، وَتَرَكَ الْجُمُعَةَ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ فِي الثَّانِيَةِ قَضَاءُ سُورَةِ الْجُمُعَةِ وَإِتْبَاعُهَا بِالْمُنَافِقِينَ .
وَمِنْهَا إذَا قُلْنَا لَا يُسَنُّ " التَّعَوُّذُ " ، إلَّا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى ، فَلَوْ تَرَكَهُ فِي الْأُولَى عَمْدًا أَوْ سَهْوًا تَدَارَكَهُ فِي الثَّانِيَةِ ، بِخِلَافِ دُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ ، وَقَوْلُنَا ، إذَا لَمْ يَكُنْ " " احْتِرَازًا " عَمَّنْ " فَاتَهُ الْجَهْرُ " " فِي الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْعِشَاءِ ، " لَا " يُسْتَحَبُّ لَهُ الْجَهْرُ فِي " الْأَخِيرَتَيْنِ " ، وَكَذَا مَنْ تَرَكَ الرَّمَلَ فِي الْأَشْوَاطِ الثَّلَاثَةِ ، لَا يَقْضِيه فِي الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِيَةِ ، لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى تَرْكِ السُّنَّةِ فِي الْأَرْبَعَةِ ، وَتُكْرَهُ الْإِشَارَةُ فِي التَّشَهُّدِ بِمُسَبِّحَةِ الْيُسْرَى ، فَلَوْ كَانَ أَقْطَعَ " الْيُمْنَى " ، لَمْ يُشِرْ بِمُسَبِّحَةِ الْيُسْرَى ، لِأَنَّ سُنَّتَهَا الْبَسْطُ دَائِمًا .

السُّؤَالُ مَعَادٌ فِي الْجَوَابِ فَلَوْ قَالَ بِعْتُك بِأَلْفٍ ، فَقَالَ اشْتَرَيْت " صَحَّ بِالْأَلْفِ " فِي " الْأَظْهَرِ " .

وَلَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ طَلِّقْنِي عَلَى أَلْفٍ فَأَجَابَهَا ، وَأَعَادَ ذِكْرَ الْمَالِ لَزِمَ ، وَكَذَا إنْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ طَلَّقْتُك فِي الْأَصَحِّ " كَذَا يُصْرَفُ " إلَى السُّؤَالِ ، وَقِيلَ يَقَعُ رَجْعِيًّا وَلَا مَالَ .

وَلَوْ سَأَلَتْ بِكِنَايَةٍ " فَقَالَتْ " أَبِنِّي بِأَلْفٍ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ، ثُمَّ قَالَتْ الْمَرْأَةُ لَمْ أَنْوِ شَيْئًا ، فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى الْمَشْهُورِ ، لِأَنَّ السُّؤَالَ يُعَادُ فِي الْجَوَابِ ، وَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَلْفٍ ، وَحِينَئِذٍ فَلَا تَطْلُقُ مَا لَمْ يَلْزَمْهَا الْأَلْفُ .

وَلَوْ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك ، وَنَوَى الثَّلَاثَ ، فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي وَنَوَتْ الثَّلَاثَ وَقَعَتْ ، كَمَا لَوْ صَرَّحَا بِهِ لَفْظًا .

وَلَوْ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي وَلَمْ تَتَلَفَّظْ بِعَدَدٍ وَلَا نَوَتْهُ وَقَعَ الثَّلَاثُ ، لِأَنَّ قَوْلَهَا جَوَابٌ لِسُؤَالِهِ ، فَهُوَ كَالْمُعَادِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَتَلَفَّظْ هُوَ بِالْعَدَدِ ، بَلْ نَوَاهُ ، لِأَنَّ الْمَنْوِيَّ ، لَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُ عَوْدِهِ فِي الْجَوَابِ ، فَإِنَّ " التَّخَاطُبَ " بِاللَّفْظِ لَا بِالنِّيَّةِ ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ لَا يَقَعُ ، إلَّا وَاحِدَةٌ ، قَالَ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا خِلَافًا فِيمَا إذَا نَوَى الزَّوْجُ الْعَدَدَ ، وَلَمْ تَنْوِهِ الْمَرْأَةُ ، فَمَنْ قَالَ " وَقَعَ " هُنَاكَ الْعَدَدُ ، فَلَهُ أَنْ " يَعْتَضَّ " بِهَذِهِ الصُّورَةِ .

وَيُسْتَثْنَى مَا لَوْ قَالَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ طَلِّقْنِي وَطَلِّقْنِي وَطَلِّقْنِي فَقَالَ طَلَّقْتُك فَفِي الرَّافِعِيِّ قَبْلَ فَصْلِ التَّعْلِيقِ إنْ نَوَى ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً وَقَعَ مَا نَوَاهُ ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا ، فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَقَعُ وَاحِدَةٌ .

وَلَوْ فَعَلَ شَيْئًا وَأَنْكَرَهُ ، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ ، إنْ كُنْت " صَادِقًا " فَامْرَأَتُك طَالِقٌ ، فَقَالَ طَالِقٌ وَقَعَ الطَّلَاقُ ، فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ فَيُقْبَلُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَسْمِيَةٌ لَهَا ، وَلَا إشَارَةٌ إلَيْهَا ، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي أَثْنَاءِ أَرْكَانِ الطَّلَاقِ .

وَلَوْ قَالَ الْوَلِيُّ زَوَّجْتُك بِنْتِي عَلَى صَدَاقٍ بِأَلْفٍ فَقَبِلَ الزَّوْجُ النِّكَاحَ ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلصَّدَاقِ فَهَلْ نَقُولُ : الْقَبُولُ مُنَزَّلٌ عَلَى الْإِيجَابِ ، فَيَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِالْمُسَمَّى الْمَذْكُورِ ، كَمَا فِي الْبَيْعِ ، أَوْ نَقُولُ إنَّ الصَّدَاقَ لَيْسَ رُكْنًا فِي النِّكَاحِ فَلَا يَحْتَاجُ فِي الصِّحَّةِ إلَى تَنْزِيلِ الْقَبُولِ عَلَيْهِ ، بِخِلَافِ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ ، فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِالْمُسَمَّى ، وَيَصِحُّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ ، جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ بِالثَّانِي فِي بَابِ الْكَلَامِ الَّذِي يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ ، وَفِي الْمَطْلَبِ أَنَّ الْمَاوَرْدِيَّ ، قَالَ فِي كِتَابِ الْخُلْعِ إنَّهُ أَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ .
وَذَكَرَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ قَوْلِهِ قَبِلْت نِكَاحَهَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ قَبِلْت هَذَا النِّكَاحَ ، فَيَلْزَمُ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْأُولَى عِنْدَ مَنْ يَرَى صِحَّةَ النِّكَاحِ وَيَلْزَمُ الْمُسَمَّى فِي الثَّانِيَةِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْإِشَارَةَ وَقَعَتْ لِلنِّكَاحِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الصَّدَاقِ الْمُسَمَّى فِيهِ فَيَنْصَرِفُ الْقَبُولُ إلَى النِّكَاحِ ، وَالْمُسَمَّى مِنْ أَجْلِ الْإِشَارَةِ إلَى صُورَةِ عَدَمِ ذِكْرِ الزَّوْجِ الْمُسَمَّى فِي قَبُولِهِ .
تَنْبِيهٌ : لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ قَيْدٌ وَهُوَ أَنْ لَا يُقْصَدَ بِالْجَوَابِ الِابْتِدَاءُ .
وَلِهَذَا لَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي لَمْ أَقْصِدْ بِقَوْلِي اشْتَرَيْت جَوَابَك ، فَالظَّاهِرُ ، كَمَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ الْقَبُولُ .

وَلَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ فَقَالَ " طَلَّقْتُك " ، وَقَالَ قَصَدْت الِابْتِدَاءَ دُونَ الْجَوَابِ قُبِلَ ، وَكَانَ رَجْعِيًّا قَطَعَ بِهِ الرَّافِعِيُّ ، " لَكِنْ " يَذْكُرُ عَنْ فَتَاوَى الْقَفَّالِ فِيمَا لَوْ قَالَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ وَاسْمُهَا فَاطِمَةُ طَلِّقْنِي فَقَالَ طَلَّقْت فَاطِمَةَ ، ثُمَّ قَالَ نَوَيْت فَاطِمَةَ " أُخْرَى طَلُقَتْ ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِدَلَالَةِ الْحَالِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ ابْتِدَاءً طَلَّقْت [ فَاطِمَةَ ] ، ثُمَّ قَالَ نَوَيْت " فَاطِمَةَ " أُخْرَى .
فَائِدَةٌ : لَيْسَ كُلُّ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ يُمْنَحُ فِيهِ بِالْجَوَابِ ، وَإِنْ حَفَّتْ الضَّرُورَةُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَقَابَلَ رَاكِبَانِ عَلَى قَنْطَرَةٍ لَا يُفْتَى لِأَحَدِهِمَا بِإِلْقَاءِ دَابَّةِ الْآخَرِ فِي الْمَاءِ ، لَكِنْ أَيُّهُمَا ابْتَدَرَ إلَى " إلْقَاءِ " دَابَّةِ صَاحِبِهِ فِي الْمَاءِ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ .

وَلَوْ ابْتَلَعَتْ دَجَاجَةُ " إنْسَانٍ " لُؤْلُؤَةً لِآخَرَ لَا يُفْتَى لَهُ بِذَبْحِهَا ، فَإِنْ فَعَلَ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى ، وَغَرِمَ النَّقْصَ ، وَتُوَصِّلَ إلَى عَيْنِ مَالِهِ .
" ذَكَرَهَا " الْأَصْحَابُ فِي مَسْأَلَةِ ابْنِ الْحَدَّادِ فِي الْحَجِّ ، وَهِيَ مِنْ مَنَاصِيصِ " الْإِمَامِ " الشَّافِعِيِّ " رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ " ، فَرَوَى " الْهَرَوِيُّ صَاحِبُ الْحَاكِمِ " فِي مَنَاقِبِ الْإِمَامِ " الشَّافِعِيِّ " رَحِمَهُ اللَّهُ " بِسَنَدِهِ إلَى ابْنِ خُزَيْمَةَ عَنْ الْمُزَنِيِّ سُئِلَ " الْإِمَامُ " الشَّافِعِيُّ " رَحِمَهُ اللَّهُ " عَنْ نَعَامَةٍ ابْتَلَعَتْ جَوْهَرَةً " لِآخَرَ " ، فَقَالَ لَسْت آمُرُهُ بِشَيْءٍ .
وَلَكِنْ إنْ كَانَ صَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ كَيِّسًا عَدَا عَلَى النَّعَامَةِ فَذَبَحَهَا وَاسْتَخْرَجَ جَوْهَرَتَهُ ، ثُمَّ يَضْمَنُ لِصَاحِبِ النَّعَامَةِ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا حَيَّةً وَمَذْبُوحَةً .

سَلَامَةُ الْعَاقِبَةِ كَثِيرٌ مِنْ كَلَامِهِمْ يَجُوزُ كَذَا بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ ، وَاسْتَشْكَلَ " لِأَنَّهَا " مَسْتُورَةٌ عَنَّا ، فَكَيْفَ يُحَالُ الْحُكْمُ " عَلَى " مَجْهُولٍ " وَقَدْ قَالَ " الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ اشْتِرَاطَ السَّلَامَةِ فِي نَفْسِ " الْجَوَازِ " حَتَّى إذَا " لَمْ تُسَلَّمْ الْوَدِيعَةُ " " تَبَيَّنَ " عَدَمُ الْجَوَازِ كَيْفَ وَالسَّلَامَةُ أَوْ عَدَمُهَا " تَبَيَّنَ " آخِرًا .
" وَنَحْنُ " نُجَوِّزُ لَهُ التَّأْخِيرَ فِي الْحَالِ ، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ أَنَّا نُجَوِّزُ لَهُ التَّأْخِيرَ ، " وَنَشْتَرِطُ " عَلَيْهِ الْتِزَامَ خَطَرِ الضَّمَانِ انْتَهَى .
وَذَكَرُوا فِي بَابِ التَّعْزِيرِ ، أَنَّهُ إنَّمَا يُبَاحُ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ ، وَأَشَارَ الْغَزَالِيُّ " رَحِمَهُ اللَّهُ " هُنَاكَ إلَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْغَالِبُ السَّلَامَةَ وَالْهَلَاكُ نَادِرًا ، وَيَلْتَحِقُ بِهِ الْحُدُودُ الَّتِي لَا يُقْصَدُ بِهَا الْقَتْلُ ، يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ تَعَدَّى بِهِ فِي غَيْرِ الْحَدِّ مُتَعَدٍّ سَبِيلَ الْجِنَايَةِ لَمْ يَجِبْ فِيهِ قِصَاصٌ ، لِكَوْنِهِ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا .
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ : وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ هَذَا ، إلَّا فِي التَّعْزِيرِ ، أَمَّا الْحَدُّ الَّذِي هُوَ دُونَ الْقَتْلِ كَالْجَلْدِ وَنَحْوِهِ ، فَقَدْ يَكُونُ " قَاتِلًا " وَقَدْ يَكُونُ بِحَيْثُ لَوْ حَدَثَ مِثْلُهُ مِنْ " جَانٍ " مُتَعَدٍّ لَتَعَلَّقَ بِهِ الْقِصَاصُ ، وَإِذَا مَاتَ بِهِ الْمَحْدُودُ فَالْحَقُّ قَتْلُهُ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا حَدُّ " الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ " قُلْت وَالتَّحْقِيقُ فِي هَذَا أَنَّ كُلَّ مَا أَفْضَى إلَى الضَّمَانِ فَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ إذْ جَوَازُهُ " مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ " الْعَاقِبَةِ ، وَلَمْ يَحْصُلْ الشَّرْطُ ، فَكَذَا شُرُوطُهُ ، وَكَانَ مُقْتَضَى ذَلِكَ الْحُكْمِ الْآنَ بِالْمَنْعِ ، لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ بَلْ قَدْ يَكُونُ الْأَصْلُ عَدَمَ الشَّرْطِ ، كَمَا فِي تَأْخِيرِ الْحَجِّ عِنْدَ الِاسْتِطَاعَةِ ، وَلَا أَقَلَّ مِنْ التَّوَقُّفِ ، فَلَا يُحْكَمُ بِجَوَازٍ وَلَا مَنْعٍ عَمَلًا بِحُكْمِ الشَّرْطِ .

السَّهْوُ مَا كَانَ مَأْمُورًا بِهِ وَطَرِيقُهُ الْفِعْلُ ، لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ السَّهْوُ وَالْعَمْدُ ، كَتَرْكِ النِّيَّةِ فِي الصَّلَاةِ .
وَمَا كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ ، وَطَرِيقُهُ التَّرْكُ خُولِفَ فِيهِ بَيْنَ السَّهْوِ وَالْعَمْدِ ، كَالْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ وَالْأَكْلِ فِي الصَّوْمِ ، وَسَبَقَ تَقْرِيرُهُ فِي حَرْفِ الْجِيمِ فِي الْجَهْلِ .
وَقَدْ لَا يُعْفَى عَنْ السَّهْوِ فِي الْمَنْهِيَّاتِ فِي صُورَتَيْنِ : إحْدَاهُمَا : إذَا وَقَعَ بَعْدَ عَمْدٍ لِوُقُوعِهِ فِي ضِمْنِهِ ، كَمَا لَوْ أَكَلَ الصَّائِمُ نَاسِيًا فَظَنَّ بُطْلَانَ صَوْمِهِ فَجَامَعَ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ فِي الْأَصَحِّ ، لَكِنْ لَا كَفَّارَةَ فِي الْأَصَحِّ ، لِأَنَّهُ وَطِئَ وَهُوَ مُعْتَقِدٌ أَنَّهُ غَيْرُ صَائِمٍ .
وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا مَا لَوْ سَلَّمَ مِنْ الظُّهْرِ نَاسِيًا وَتَكَلَّمَ عَامِدًا ، لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ فَلْيَنْظُرْ فِي الْفَرْقِ .
الثَّانِيَةُ : إذَا كَثُرَ وَطَالَ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ " الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ ، إذَا صَلَّى الرَّجُلُ نَافِلَةً ثُمَّ سَهَا فَأَحْرَمَ فِي مَكْتُوبَةٍ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَإِنْ ذَكَرَ ذَلِكَ قَرِيبًا جَلَسَ ، فَفَرَغَ مِنْ النَّافِلَةِ " وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ وَابْتَدَأَ الْمَكْتُوبَةَ وَإِنْ تَطَاوَلَ قِيَامُهُ فِي الْمَكْتُوبَةِ أَوْ رَكَعَ " وَسَجَدَ لَهَا بَطَلَتْ النَّافِلَةُ وَالْمَكْتُوبَةُ وَكَانَ عَلَيْهِ ابْتِدَاءُ الْمَكْتُوبَةِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ سَهَا فِي مَكْتُوبَةٍ حَتَّى دَخَلَ فِي نَافِلَةٍ فَإِنْ كَانَ " مَا عَمِلَهُ " فِي النَّافِلَةِ قَرِيبًا رَجَعَ إلَى الْمَكْتُوبَةِ وَأَتَمَّهَا وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا تَطَاوَلَ وَرَكَعَ مِنْهَا رَكْعَةً " بَطَلَتْ الْمَكْتُوبَةُ وَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَهَا " انْتَهَى " وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ كَثْرَةَ الْأَفْعَالِ تُبْطِلُ ( مَعَ النِّسْيَانِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا لَا يُؤَثِّرُ الْفِعْلُ الْكَثِيرُ ) مَعَ النِّسْيَانِ إذَا أَتَى بِهِ عَلَى ظَنِّ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ ، فَلَا يَكُونُ حِينَئِذٍ مُخَالِفًا لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ .

السَّهْوُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ لَا يَقْتَضِي السُّجُودَ وَالسَّهْوُ لِسُجُودِ السَّهْوِ يَقْتَضِي السُّجُودَ فَالْأَوَّلُ ، كَمَا لَوْ تَكَلَّمَ فِي سَجْدَتَيْ السَّهْوِ أَوْ إحْدَاهُمَا أَوْ سَلَّمَ بَيْنَهُمَا لَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ ، لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ وُقُوعَ مِثْلِهِ فِي السُّجُودِ الثَّانِي فَيُؤَدِّي إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى كَمَا يُقَالُ فِي اللُّغَةِ " الْمُصَغَّرُ " لَا يُصَغَّرُ ، وَقَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ إذَا سَهَا بَعْدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ سَجَدَ .
وَالثَّانِي كَمَا لَوْ شَكَّ " هَلْ " فَعَلَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ أَوْ هَلْ قَنَتَ فَسَجَدَ لِلسَّهْوِ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ أَتَى بِهِ يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْجُدَ ثَانِيًا ، لِأَنَّ سَهْوَهُ هَذَا لِلسُّجُودِ فَعَلَيْهِ جَبْرُهُ .

السَّيِّدُ لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ ابْتِدَاءً إلَّا فِي الْكِتَابَةِ وَلِهَذَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ لَا يَثْبُتُ الْأَرْشُ .
وَلَوْ أَتْلَفَ مَالًا لَهُ لَا يَضْمَنُهُ لَا فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْعِتْقِ .
وَلَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ " لِعَبْدِهِ " لَمْ يَجِبْ مَهْرٌ وَعَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ حِكَايَةُ وَجْهَيْنِ فِي أَنَّهُ يَجِبُ الْمَهْرُ ، ثُمَّ يَسْقُطُ لِئَلَّا يَعْرَى النِّكَاحُ عَنْ الْمَهْرِ أَوْ لَمْ يَجِبْ أَصْلًا وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّهُ يَجِبُ وَيَدُومُ .
أَمَّا فِي الدَّوَامِ " فَيَثْبُتُ " كَمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا لَهُ فِي ذِمَّتِهِ دَيْنٌ فَلَا يَسْقُطُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ ، وَخَرَجَ عَلَيْهِمَا الْمَاوَرْدِيُّ مَا إذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ بِعَبْدِ غَيْرِهِ " ثُمَّ اشْتَرَاهُ ، فَإِنْ قُلْنَا يَسْقُطُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُطَالَبَةُ الْعَبْدِ بِالْمَهْرِ بَعْدَ بَيْعِهِ لِغَيْرِهِ " أَوْ عِتْقِهِ ، وَإِنْ قُلْنَا لَا يَسْقُطُ يُمَكَّنُ مِنْ مُطَالَبَةِ الْعَبْدِ بِالْمَهْرِ بَعْدَ بَيْعِهِ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ عِتْقِهِ .
وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي مَسْأَلَةِ الصَّدَاقِ أَنَّ الرِّقَّ الْمُقَارِنَ لِلْعَقْدِ دَفَعَ الْمَهْرَ بَعْدَ جَرَيَانِ مُوجِبِهِ فَلَمْ يَكُنْ " تَعْرِيَةً " لِلْعَقْدِ عَنْ الْمَهْرِ ، بَلْ جَرَى الْمُوجِبُ وَاقْتَرَنَ بِهِ " الدَّفْعُ " فَانْدَفَعَ وَالِانْدِفَاعُ فِي مَعْنَى الِانْقِطَاعِ أَوْ فِي مَعْنَى الِامْتِنَاعِ " قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهِيَ مُبَاحَثَةٌ جَلِيلَةٌ تَلَقَّاهَا الْغَزَالِيُّ فِيمَا حَكَاهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ فِيمَنْ اشْتَرَى قَرِيبَهُ أَنَّهُ يَنْدَفِعُ مِلْكُهُ بِمُوجَبِ الْعِتْقِ لَا أَنَّهُ حَصَلَ ثُمَّ انْقَطَعَ " ، قَالَ وَفَائِدَةُ ذَلِكَ تَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي أَنَّ الْأَمَةَ إذَا بِيعَتْ أَوْ عَتَقَتْ قَبْلَ الْوَطْءِ وَوُجِدَ الْوَطْءُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا نَقُولُ يَثْبُتُ لَهَا " وَلِسَيِّدِهَا " الْمَهْرُ ، وَالرَّافِعِيُّ حَكَى عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ ، إذَا قُلْنَا بِوَجْهِ الثُّبُوتِ ثُمَّ السُّقُوطِ لَا يَثْبُتُ لَهَا الْمَهْرُ ، كَمَا لَوْ أَبْرَأَتْ مِنْهُ الْحُرَّةُ ثُمَّ وُجِدَ الدُّخُولُ ، لَا يَثْبُتُ لَهَا الْمَهْرُ

فَأَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إذَا عَتَقَتْ أَوْ عَتَقَ الزَّوْجُ يَجِبُ الْمَهْرُ ، كَمَا فِي الْمُفَوِّضَةِ .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَمَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ مِنْ التَّقْرِيرِ يَدْفَعُهُ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْمَرَاتِبُ ثَلَاثَةٌ : أَحَدُهَا ثُبُوتُ دَيْنِ " السَّيِّدِ " عَلَى عَبْدِهِ ابْتِدَاءً بِسَبَبٍ قَارَنَ مِلْكَهُ فَيَمْتَنِعُ قَطْعًا أَيْ أَنْ يَثْبُتَ وَيَدُومَ ، إذَا لَمْ يَكُنْ مَرْهُونًا ، فَإِنْ كَانَ " فَكَذَلِكَ " خِلَافًا لِابْنِ سُرَيْجٍ .
الثَّانِيَةُ - دَوَامُ دَيْنٍ " ثَبَتَ " لَهُ عَلَيْهِ قَبْلَ مِلْكِهِ وَالْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ " رَحِمَهُ اللَّهُ " الثُّبُوتُ وَهُوَ الصَّحِيحُ .
الثَّالِثَةُ - دَوَامُ مَا ثَبَتَ لِمُوَرِّثِهِ مِنْ الْمَالِ عَلَى عَبْدِهِ بَعْدَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ .

حَرْفُ الشَّيْنِ الْمُعْجَمَةِ الشَّبَهُ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أُنِيطَ الْحُكْمُ بِأَصْلٍ " يَتَعَذَّرُ " انْتَقَلَ إلَى أَقْرَبِ شَبَهٍ بِهِ .
ثُمَّ تَارَةً يَكُونُ الشَّبَهُ مَعْنَوِيًّا كَمَا فِي قِيَاسِ الشَّبَهِ ، فَإِنَّ الْكِتَابَ أَصْلٌ فِي الدَّلَالَةِ ، وَكَذَلِكَ " السُّنَّةُ " ، فَإِذَا فُقِدَا عَلَى الْمُجْتَهِدِ انْتَقَلَ لِلْقِيَاسِ .
وَتَارَةً يَكُونُ " صُورِيًّا " كَجَزَاءِ الصَّيْدِ .
وَلِهَذَا يَجِبُ فِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ ، لِأَنَّهَا قَرِيبَةٌ مِنْهَا صُورَةً ، وَكَذَا فِي الْغَزَالِ عَنْزٌ وَفِي الْأَرْنَبِ عَنَاقٌ ، وَتَجِبُ الْبَقَرَةُ الْإِنْسِيَّةُ فِي الْوَحْشِيَّةِ .
وَمِنْهَا : إلْحَاقُ الْهِرَّةِ الْوَحْشِيَّةِ بِالْإِنْسِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ فِي التَّحْرِيمِ ، بِخِلَافِ الْحُمُرِ الْوَحْشِيَّةِ لَا تَلْتَحِقُ بِالْإِنْسِيَّةِ " مِنْهَا " لِاخْتِلَافِ أَلْوَانِ تِلْكَ وَاتِّحَادِ هَذِهِ .
وَمِنْهَا : حَيَوَانُ الْبَحْرِ الصَّحِيحُ حِلُّ أَكْلِهِ مُطْلَقًا ، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ الشَّبَهُ الصُّورِيُّ ، فَمَا أُكِلَ شَبَهُهُ مِنْ الْبَرِّيِّ أُكِلَ شَبَهُهُ مِنْ الْبَحْرِيِّ .
وَعَلَى هَذَا قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْبَغَوِيُّ " حِمَارُ " الْبَحْرِ لَا يُؤْكَلُ ، فَأَلْحَقُوهُ بِشَبَهِ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ دُونَ الْوَحْشِيِّ وَفِيهِ نَظَرٌ ، فَإِنَّهُ لَا نِزَاعَ فِي أَنَّ الْأَصْلَ فِي حَيَوَانِ الْبَحْرِ الْحِلُّ .
وَمِنْهَا : اقْتِرَاضُ الْحَيَوَانِ فَفِي رَدِّ مِثْلِهِ وَجْهَانِ أَشْبَهُهُمَا بِالْحَدِيثِ الْمِثْلُ { اقْتَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكْرًا وَرَدَّ بَازِلًا } ، وَالْقِيَاسُ الْقِيمَةُ .
وَمِنْهَا : إيجَابُ قِيمَةِ شَاةٍ " أَوْ " عِجْلٍ عِوَضًا عَنْ خِنْزِيرٍ ، وَإِيجَابُ قِيمَةِ عَصِيرٍ أَوْ خَلٍّ عِوَضًا عَنْ خَمْرٍ فِي نَحْوِ صَدَاقٍ أَوْ صُلْحٍ عَنْ دَمٍ وَنَحْوِهِ .
وَمِنْهَا : فِي بَابِ الرِّبَا ، إذَا كَانَ لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ فَيُعْتَبَرُ بِأَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ شَبَهًا بِهِ عَلَى أَحَدِ الْأَوْجُهِ .
وَمِنْهَا : الِانْتِقَالُ إلَى أَقْرَبِ الْبِلَادِ فِي إبِلِ الْعَاقِلَةِ وَزَكَاةِ الْفِطْرِ فِي الْقُوتِ وَكَذَا لَوْ خَرِبَ مَسْجِدٌ وَمَا حَوْلَهُ نُقِلَ إلَى أَقْرَبِ

مَوْضِعٍ صَالِحٍ لَهُ .
وَمِنْهَا : إذَا وَجَدْنَا حَيَوَانًا وَلَا يُعْرَفُ لَهُ " شَبَهٌ يُوقَفُ " .

" الشُّبْهَةُ " فِيهَا مَبَاحِثُ الْأَوَّلُ : أَنَّهَا مُسْقِطَةٌ لِلْحَدِّ وَهِيَ ثَلَاثٌ فِي الْفَاعِلِ كَمَنْ وَطِئَ امْرَأَةً وَظَنَّهَا زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ ، وَفِي الْمَوْطُوءَةِ بِأَنْ يَكُونَ لِلْوَاطِئِ فِيهَا مِلْكٌ أَوْ شُبْهَةُ مِلْكٍ ، كَالْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ ، وَأَمَةِ " ابْنِهِ " أَوْ مُكَاتَبِهِ ، وَفِي الطَّرِيقِ بِأَنْ يَكُونَ حَلَالًا عِنْدَ قَوْمٍ حَرَامًا عِنْدَ آخَرِينَ ، كَنِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَالنِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ .
وَمِنْ ثَمَّ لَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ لِلتَّدَاوِي وَحَكَمْنَا بِالتَّحْرِيمِ فَلَا حَدَّ فِي الْأَصَحِّ لِشُبْهَةِ الْخِلَافِ ، وَيُشْتَرَطُ فِي مَأْخَذِ الْخِلَافِ أَنْ يَكُونَ قَوِيًّا ، كَمَا سَبَقَ فِي حَرْفِ الْخَاءِ .
وَلَوْ سَرَقَ وَادَّعَى أَنَّهُ مِلْكُهُ سَقَطَ الْقَطْعُ عَلَى النَّصِّ وَأُلْحِقَ بِهِ دَعْوَى الزَّوْجِيَّةِ فِيمَا لَوْ وَطِئَ " مَنْ " لَمْ يُعْرَفْ بَيْنَهُمَا زَوْجِيَّةٌ .
وَالْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْوَطْءِ الْمُخْتَلِفُ حُكْمُهَا بِالشُّبْهَةِ وَعَدَمِهَا خَمْسَةٌ : النَّسَبُ وَالْعِدَّةُ " وَاعْتِبَارُهُمَا " بِالرَّجُلِ فَإِنْ ثَبَتَتْ الشُّبْهَةُ فِي حَقِّهِ ثَبَتَا ، وَإِلَّا فَلَا .
" وَالثَّالِثُ " : الْمَهْرُ وَهُوَ مُعْتَبَرٌ بِالْمَرْأَةِ .
وَالرَّابِعُ : - الْحَدُّ وَهُوَ مُعْتَبَرٌ " بِمَنْ " " وُجِدَتْ الشُّبْهَةُ فِي حَقِّهِ مِنْهُمَا " .
وَالْخَامِسُ : - حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ ، فَإِنْ " شَمِلَتْهَا " الشُّبْهَةُ " تَثْبُتُ " ، وَإِنْ اخْتَصَّتْ بِأَحَدِهِمَا ، فَالْأَصَحُّ اعْتِبَارُهَا بِالرَّجُلِ ، وَقِيلَ بِهِمَا ، وَقِيلَ " بِمَنْ " وُجِدَتْ مِنْهُ ، وَلَا تَسْقُطُ التَّعْزِيرَاتُ بِالشُّبْهَةِ ، قَالُوا لَوْ وَطِئَ الرَّجْعِيَّةَ يُعَزَّرُ مُعْتَقِدُ التَّحْرِيمِ مَعَ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّهُ رَجْعَةٌ .
وَهَذَا أَحَدُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُفَارِقُ فِيهَا التَّعْزِيرُ الْحَدَّ .

وَهَلْ تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ بِالشُّبْهَةِ ذَكَرَ الْمُتَوَلِّي تَبَعًا لِلْقَاضِي الْحُسَيْنِ أَنَّ كَفَّارَةَ الصَّوْمِ تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْحَجِّ .
وَلِهَذَا لَوْ وَطِئَ الصَّائِمُ عَلَى ظَنِّ أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَرَبَتْ فَبَانَ خِلَافُهُ قَضَى ، وَلَا كَفَّارَةَ .
وَلَوْ وَطِئَ الْمُحْرِمُ نَاسِيًا وَقُلْنَا إنَّهُ فَسَدَ حَجُّهُ " وَجَبَتْ " عَلَيْهِ فِدْيَةٌ وَيُؤَيِّدُهُ نَصُّ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " " عَلَى " أَنَّهُ لَوْ أَكَلَ نَاسِيًا ثُمَّ جَامَعَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ صَارَ مُفْطِرًا بِالْأَكْلِ نَاسِيًا لَمْ " تَلْزَمْهُ " الْكَفَّارَةُ لِلشُّبْهَةِ ، وَكَذَا " لَوْ أَصْبَحَ مُجَامِعًا وَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ الْفَجْرَ قَدْ طَلَعَ ، ثُمَّ بَانَ طُلُوعُهُ لَا كَفَّارَةَ ، لَكِنْ قَالُوا " لَوْ أَصْبَحَ مُقِيمًا ثُمَّ سَافَرَ لَمْ يُفْطِرْ خِلَافًا لِلْمُزَنِيِّ .
وَلَوْ أَفْطَرَ بِالْجِمَاعِ لَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ ، فَلَمْ يُرَاعُوا شُبْهَةَ الْخِلَافِ فِي سُقُوطِ الْكَفَّارَةِ عَنْهُ .
أَمَّا الْفِدْيَةُ فَلَا تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ ، لِأَنَّهَا تَضَمَّنَتْ " غَرَامَةً " ، بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهَا تُشْبِهُ الْعُقُوبَةَ ، فَالْتَحَقَتْ بِالْحَدِّ فِي الْإِسْقَاطِ ، قَالَهُ الْقَفَّالُ .

الثَّانِي : هَلْ تُسْقِطُ الْإِثْمَ وَالتَّحْرِيمَ .
أَمَّا الشُّبْهَةُ فِي الْمَحَلِّ كَوَطْءِ " الْجَارِيَةِ " الْمُشْتَرَكَةِ وَفِي الطَّرِيقِ كَالْوَطْءِ بِبَيْعٍ وَنِكَاحٍ فَاسِدٍ فَحَرَامٌ .
" وَأَمَّا فِي الْفَاعِلِ " كَوَطْءِ مَنْ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ ، فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا : حَرَامٌ وَلَا إثْمَ لِعَدَمِ الْقَصْدِ وَعَلَيْهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ ، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّهُ الَّذِي عَلَيْهِ كَلَامُ الْأَئِمَّةِ .
وَالثَّانِي : لَيْسَ بِحَرَامٍ إذْ لَا إثْمَ فِيهِ .
وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ النَّوَوِيِّ أَنَّهُ لَا يُوصَفُ بِحِلٍّ وَلَا " بِحُرْمَةٍ " .
الثَّالِثُ : { جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشُّبْهَةَ وَسَطًا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ } .
قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ فِي الْوَدَائِعِ " أَمَّا " الشُّبْهَةُ " فَهِيَ " الشَّيْءُ الْمَجْهُولُ تَحْلِيلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَتَحْرِيمُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَيَجِبُ فِيمَا هَذَا شَأْنُهُ التَّوَقُّفُ " عَنْ " التَّنَاوُلِ لَهَا فَإِذَا لَمْ يَجِدْ غِنًى عَنْهَا تَنَاوَلَ " مِنْهَا " عَلَى حَسَبِ الْكِفَايَةِ " لَا عَلَى " حَسَبِ الِاسْتِكْثَارِ ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ الْمَيْتَةَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ ، وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ فَالشُّبْهَةُ دُونَهَا انْتَهَى .
وَتَوَسَّعَ الْعَبَّادِيُّ فَقَالَ فِي الزِّيَادَاتِ سُئِلْت عَنْ الشُّبْهَةِ فِي هَذَا الزَّمَانِ فَقُلْت هَذَا لَيْسَ زَمَانَ الشُّبْهَةِ اجْتَنِبْ مَا عَرَفْته حَرَامًا يَقِينًا .
وَالتَّحْقِيقُ انْقِسَامُ الشُّبْهَةِ إلَى مَا يَجِبُ اجْتِنَابُهُ وَإِلَى مَا لَا يَجِبُ ، فَالْأَوَّلُ مَا أَصْلُهُ التَّحْرِيمُ ، وَأَشْبَهَ التَّحْلِيلَ فَرَجَعَ لِلْأَصْلِيِّ ، وَالثَّانِي مَا أَصْلُهُ الْحِلُّ ، كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْغُرَابِ إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِهِ وَعَدِمَهُ رَجُلَانِ ، وَجَهِلَ لَا يُحْكَمُ بِطَلَاقِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَلَا يَلْزَمُهُمَا اجْتِنَابُهُمَا ، لِأَنَّ " الْحِلَّ " ، كَانَ مَعْلُومًا ، لَكِنَّ الْوَرَعَ الِاجْتِنَابُ وَعَدَّ الْحَلِيمِيُّ مِنْ " الشُّبْهَةِ " " التَّنَاهُدَ " ، وَهُوَ أَنْ يُخْرِجَ كُلٌّ مِنْ الرُّفْقَةِ نَفَقَةً عَلَى قَدْرِ نَفَقَةِ صَاحِبِهِ وَقَالَ

لَا بَأْسَ بِهَا ، إلَّا أَنَّ تَرْكَهَا أَشْبَهَ بِالْوَرَعِ ، قَالَ وَإِنْ اجْتَمَعَتْ الرُّفْقَةُ كُلَّ يَوْمٍ عَلَى طَعَامٍ " فَذَلِكَ " أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ " النَّهْدِ " .
" وَقَالَ " النَّوَوِيُّ فِي آخِرِ الشَّرِكَةِ مِنْ الرَّوْضَةِ يُسْتَحَبُّ الِاشْتِرَاكُ " لِلْمُسَافِرِينَ " فِي الزَّادِ مَجْلِسًا مَجْلِسًا ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَصَحَّتْ فِيهِ " الْأَحَادِيثُ " .

وَمَنَاطُ الِاشْتِبَاهِ أَنْوَاعٌ : أَحَدُهَا : تَعَارُضُ ظَوَاهِرِ الْأَدِلَّةِ .
ثَانِيهَا : تَعَارُضُ الْأُصُولِ الْمُخْتَلِفَةِ ، بِأَنَّهَا تُلْحَقُ .
ثَالِثُهَا : اخْتِلَاطُ الْحَلَالِ بِالْحَرَامِ وَعُسْرُ التَّمْيِيزِ بَيْنَهُمَا .
رَابِعُهَا : اخْتِلَافُ الْأَئِمَّةِ وَمَا عَدَا هَذَا فَالشُّبْهَةُ فِيهِ مِنْ بَابِ الرِّبَا لَا الْوَرَعِ .
وَلِهَذَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَنْ تَرَكَ النِّكَاحَ فِي بَلَدٍ كَبِيرَةٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ " يَكُونَ " فِيهَا مَحْرَمًا لَهُ مَكْرُوهٌ .
قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي شَرْحِ الْإِلْمَامِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَرَعِ وَالْوَسْوَاسِ دَقِيقٌ عَسِرٌ ، فَالْمُتَسَاهِلُ يَجْعَلُ بَعْضَ الْوَرَعِ وَسْوَاسًا وَالْمُتَشَدِّدُ يَجْعَلُ بَعْضَ الْوَسْوَاسِ وَرَعًا وَالصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ " رَخَّصَ مَنْزِلَةً وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلَّ مَا " رَجَعَ " إلَى الْأُصُولِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَيْسَ بِوَسْوَاسٍ ، وَلَا أُرِيدُ الْأَدِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ الْمُفِيدَةَ " لِلْعُمُومِ .

فُرُوعٌ : نَقَلَهَا النَّوَوِيُّ فِي الْبَيْعِ مِنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ إحْيَاءِ الْغَزَالِيِّ : قَالَ : لَوْ امْتَنَعَ مِنْ أَكْلِ طَعَامٍ حَلَالٍ ، " لِكَوْنِهِ " حَمَلَهُ كَافِرٌ أَوْ فَاسِقٌ ، لَمْ يَكُنْ هَذَا وَرَعًا ، بَلْ وَسْوَاسٌ " مُتَنَطِّعٌ " مَذْمُومٌ .

قَالَ : وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ غَزْلَ زَوْجَتِهِ فَبَاعَتْ غَزْلَهَا وَوَهَبَتْهُ الثَّمَنَ لَمْ يُكْرَهْ أَكْلُهُ ، فَإِنْ تَرَكَهُ فَلَيْسَ بِوَرَعٍ ، بَلْ وَسْوَاسٍ .

قَالَ : وَمِنْ الْوَرَعِ الْمَحْبُوبِ تَرْكُ مَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي إبَاحَتِهِ اخْتِلَافًا مُحْتَمَلًا وَيَكُونُ يَعْتَقِدُ مَذْهَبَ مَنْ أَبَاحَهُ ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ دَلِيلُ الْمُبِيحِ حَدِيثًا " قَوِيًّا " .

" وَالْأَرْضُ " الْمَغْصُوبَةُ إذَا جُعِلَتْ شَارِعًا لَمْ يَجُزْ الْمُرُورُ فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالِكٌ مُعَيَّنٌ جَازَ ، وَالْوَرَعُ اجْتِنَابُهُ إنْ أَمْكَنَ الْعُدُولُ عَنْهَا .
فَإِنْ " كَانَتْ " الْأَرْضُ " مُبَاحَةً " ، وَعَلَيْهَا سَابَاطٌ مَغْصُوبُ الْأَخْشَابِ وَغَيْرِهَا جَازَ الْمُرُورُ تَحْتَهُ ، فَإِنْ قَعَدَ تَحْتَهُ لِدَفْعِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ مَطَرٍ وَغَيْرِهِ فَهَذَا حَرَامٌ ، لِأَنَّ السَّقْفَ لَا يُرَادُ إلَّا لِهَذَا .

قَالَ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ أَرْضُ الْمَسْجِدِ مُبَاحَةً وَسُقِّفَ بِحَرَامٍ جَازَ الْمُرُورُ فِيهِ وَلَا يَجُوزُ الْجُلُوسُ لِدَفْعِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ ، لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِالْحَرَامِ .
قَالَ النَّوَوِيُّ : وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِيهِ نَظَرٌ ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُحَرَّمُ الْقُعُودُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ ، وَهُوَ " مِنْ بَابِ " الِانْتِفَاعِ بِضَوْءِ سِرَاجِ غَيْرِهِ وَالنَّظَرُ فِي مَرَآتِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَيْهَا وَهُمَا جَائِزَانِ بِلَا خِلَافٍ .

قَالَ الْغَزَالِيُّ : وَإِذَا كَانَ فِي يَدِهِ مَالٌ حَلَالٌ وَفِي بَعْضِهِ شُبْهَةٌ وَلَهُ عِيَالٌ وَلَا يَفْضُلُ " عَنْ " حَاجَتِهِ ، " فَلْيَخُصَّ " نَفْسَهُ بِالْحَلَالِ ثُمَّ مَنْ يَعُولُ ، " وَلْيَخُصَّ " بِالْحَلَالِ " قُوتَهُ " وَلِبَاسَهُ ثُمَّ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ أُجْرَةِ حَجَّامٍ وَنَحْوِهِ ، فَإِنْ تَعَارَضَ اللِّبْسُ " وَالْقُوتُ " فَيُحْتَمَلُ تَخْصِيصُ " الْقُوتِ " بِالْحَلَالِ ، لِأَنَّهُ " يَمْتَزِجُ " بِلَحْمِهِ وَدَمِهِ وَلِأَكْلِ الْحَرَامِ وَالشُّبْهَةُ أَثَرٌ فِي قَسَاوَةِ الْقَلْبِ ، وَأَمَّا الْكِسْوَةُ فَفَائِدَتُهَا دَفْعُ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ ، وَقَالَ " الْمُحَاسِبِيُّ " يَخْتَصُّ الْكِسْوَةَ بِالْحَلَالِ ، لِأَنَّهَا تَبْقَى مُدَّةً .
وَهَذَا مُحْتَمَلٌ ، وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَظْهَرُ .

قَالَ الْغَزَالِيُّ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ إلَّا مَالٌ حَرَامٌ مَحْضٌ ، فَلَا حَجَّ عَلَيْهِ وَلَا تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ مَالِيَّةٌ ، " فَإِنْ كَانَتْ " شُبْهَةٌ لَزِمَهُ ، لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ .

الشَّرْطُ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ الْأَوَّلُ : وَضْعُهُ التَّأْثِيرَ بِأَنْ يَكُونَ مُؤَسِّسًا لَا مُؤَكِّدًا ، وَقَدْ يَرِدُ مُؤَكِّدًا ، إذَا لَمْ يُوجَدْ مَا يُؤَثِّرُ فِيهِ ، كَمَا لَوْ شَرَطَ فِي الْبَيْعِ مُقْتَضَاهُ مِنْ التَّسْلِيمِ وَنَحْوِهِ وَقَدْ يَجِيءُ خِلَافٌ فِي تَأْثِيرِهِ كَمَا لَوْ شَرَطَ الْمُحْرِمُ عِنْدَ إحْرَامِهِ أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ إذَا أُحْصِرَ فَفِي تَأْثِيرِ هَذَا الشَّرْطِ فِي إسْقَاطِ الدَّمِ طَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ بِالْإِحْصَارِ جَائِزٌ ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ فَالشَّرْطُ لَا يُبِيحُ لَهُ ، فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ .

الثَّانِي : الشَّرْطُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأُمُورِ الْمُسْتَقْبَلَةِ ، أَمَّا الْمَاضِيَةُ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِيهَا .
وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْإِقْرَارِ بِالشَّرْطِ ، لِأَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ مَاضٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ " رَحِمَهُ اللَّهُ " فِي بَابِ " الْكِتَابَةِ " ، وَفِي " الطَّبَقَاتِ لِلْعَبَّادِيِّ " عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ فِيمَا إذَا قَالَ : يَا زَانِيَةُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ " شَاءَ " اللَّهُ " تَعَالَى " ، لَا تَطْلُقُ وَهُوَ قَاذِفٌ ، لِأَنَّ قَوْلَهُ يَا زَانِيَةُ اسْمٌ لَهَا وَخَبَرٌ عَنْ عَمَلٍ وَالِاسْتِثْنَاءُ لَا يَرْجِعُ إلَى الِاسْمِ .
وَلَوْ قَالَ يَا زَانِيَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ ، لِأَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ فِعْلٍ مَاضٍ وَهُوَ وَاقِعٌ وَيَسْتَحِيلُ تَعْلِيقُ وُقُوعِهِ بِمَشِيئَةٍ مِنْ بَعْدِهِ ، وَإِذَا قَالَ أَنْتِ زَانِيَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ " تَعَالَى " اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقِيلَ لَا يَصِحُّ ، لِأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى التَّشْكِيكِ فِي الْخَبَرِ ، كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ زَانِيَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ " تَعَالَى " انْتَهَى .

" قَالَ " الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ كَرِهُوا أَنْ يَقُولَ أَنَا مُؤْمِنٌ حَقًّا ، بَلْ يَقُولُ أَنَا مُؤْمِنٌ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ " تَعَالَى " لَا عَلَى مَعْنَى الشَّكِّ فِي إيمَانِهِ ، بَلْ عَلَى " مَعْنَى نَفْيِ " الْخَوْفِ مِنْ سُوء الْعَاقِبَةِ ، وَالِاسْتِثْنَاءُ يَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ " ، " فِيمَا " خَفِيَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ لَا فِيمَا مَضَى وَظَهَرَ فَإِنَّهُ لَا يَسُوغُ فِي اللُّغَةِ لِمَنْ " تَيَقَّنَ " أَنَّهُ أَكَلَ " وَشَرِبَ " أَنْ يَقُولَ : أَكَلْت إنْ شَاءَ اللَّهُ " وَشَرِبْت إنْ شَاءَ اللَّهُ " " وَيَصِحُّ أَنْ يَقُولَ " آكُلُ وَأَشْرَبُ إنْ شَاءَ اللَّهُ " " انْتَهَى " .
وَمِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ " يُعْلَمُ فَسَادُ مَا أَفْتَى " بِهِ " الْبَارِزِيُّ " ، فِيمَا لَوْ فَعَلَ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ وَاَللَّهِ مَا فَعَلْته إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ ، قَالَ ، لِأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْ الْفِعْلَ عَلَى الْمَشِيئَةِ ، وَإِنَّمَا عَلَّقَ قَسَمَهُ ، وَاسْتَشْهَدَ لِذَلِكَ بِقَوْلِ الْأَصْحَابِ فِي الدَّعَاوَى أَنَّهُ لَوْ حَلَّفَهُ الْحَاكِمُ فِي " نَفْيِ الْغَصْبِ فَقَالَ وَاَللَّهِ مَا غَصَبْته إنْ شَاءَ اللَّهُ " تَعَالَى " يُعَدُّ نَاكِلًا وَيُعَادُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ ثَانِيًا ، فَلَوْلَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ " يَقَعُ " فِي الْمَاضِي لَمَا جَعَلُوهُ نَاكِلًا وَلَا شَكَّ أَنَّ نُكُولَهُ مِنْ جِهَةِ الْمُخَالَفَةِ الدَّالَّةِ عَلَى عَدَمِ جَوَابِ الْحَاكِمِ .
وَلِهَذَا لَوْ قَالَ : قُلْ : بِاَللَّهِ ، فَقَالَ : بِالرَّحْمَنِ عُدَّ " نَاكِلًا وَإِنْ " لَمْ تَحْصُلْ الْمُخَالَفَةُ ، إلَّا فِي اللَّفْظِ .

الثَّالِثُ : كُلُّ مَا لَوْ شَرَطَاهُ فِي الْعَقْدِ " أَبْطَلَ " فَإِذَا نَوَيَاهُ فِي حَالِ الْعَقْدِ كَانَ مَكْرُوهًا نَصَّ عَلَيْهِ " الْإِمَامُ " الشَّافِعِيُّ " رَحِمَهُ اللَّهُ " فِي الصَّرْفِ وَهِيَ " كَرَاهَةُ " تَنْزِيهٍ وَقِيلَ تَحْرِيمٍ حَكَاهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ .
وَاسْتَحْسَنَهُ وَاخْتَارَهُ " ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ " .
وَمِنْهُ : نِكَاحُ الْمُحَلِّلِ .
وَمِنْهُ : الْحِيلَةُ فِي التَّفَرُّقِ " مِنْ تَقَابُضٍ فِي الرِّبَوِيِّ " .
وَمِنْهُ : إذَا وَاطَأَ غُلَامَهُ الْحُرَّ أَوْ صَدِيقَهُ فَبَاعَ مِنْهُ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعِشْرِينَ " أُجْبِرَ " بِالْعِشْرِينَ فَأَمَّا الْعَقْدُ مَعَ الْغُلَامِ " فَمَكْرُوهُ " لِمَا ذَكَرْنَا .
وَأَمَّا " الْعَقْدُ الثَّانِي " وَالْإِجْبَارُ فَقَالَ الْأَكْثَرُ يَحِلُّ وَيُكْرَهُ ، وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ النَّصِّ ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ يُحَرَّمُ ، وَقَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ تَفَقُّهًا ، لِأَنَّهُ غِشٌّ وَخِدَاعٌ ، ثُمَّ إنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي الْحَالَ ثَبَتَ " لَهُ " الْخِيَارُ عَلَى أَقْوَى الْوَجْهَيْنِ فِي الرَّوْضَةِ .
" وَلَوْ لَمْ " تَجْرِ مُوَاطَأَةٌ ، وَلَكِنْ جَرَى الْعَقْدَانِ " فِيهِ " بِهَذَا الْقَصْدِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ .

الرَّابِعُ : الشَّرَائِطُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْعَقْدِ ، هَلْ يُشْتَرَطُ عِلْمُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِهَا أَمْ يُكْتَفَى بِوُجُودِهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ .
هَذَا مِنْ الْقَوَاعِدِ " الْمُهِمَّةِ " وَقَدْ اضْطَرَبَ فِيهِ كَلَامُ الْأَصْحَابِ فَذَكَرَ الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ الرِّبَا ، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الرِّبَوِيِّ بِجِنْسِهِ جُزَافًا ، وَلَا بِالتَّخْمِينِ .
وَلَوْ بَاعَ صُبْرَةَ حِنْطَةٍ بِصُبْرَةٍ أَوْ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ جُزَافًا فَخَرَجَا مُتَمَاثِلَيْنِ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ ، لِأَنَّ التَّسَاوِيَ شَرْطٌ ، وَشُرُوطُ الْعَقْدِ يُعْتَبَرُ الْعِلْمُ بِهَا عِنْدَ الْعَقْدِ ، وَلِهَذَا لَوْ نَكَحَ امْرَأَةً لَا يَعْلَمُ أَهِيَ أُخْتُهُ أَمْ مُعْتَدَّةٌ أَمْ لَا ، لَمْ يَصِحُّ النِّكَاحُ .
وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَسْأَلَةَ النِّكَاحِ الْمُسْتَشْهَدَ بِهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، فَفِي الْبَحْرِ " قُبَيْلَ " بَابِ " الرِّبَا " لَا يَحْرُمُ " الْحَلَالُ " .
لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً يَعْتَقِدُ أَنَّهَا أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ ، ثُمَّ تَبَيَّنَّ خَطَؤُهُ صَحَّ النِّكَاحُ عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَحَكَى أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ ، وَيَلْزَمُهُ الْحَدُّ إذَا وَطِئَهَا .
وَهَكَذَا لَوْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ يَلْزَمُهُ الْحَدُّ وَعِنْدِي هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ انْتَهَى .

وَحَكَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ ، أَنَّهُ إذَا عَقَدَ عَلَى امْرَأَةٍ عَقْدًا فَاسِدًا ، ثُمَّ عَقَدَ عَلَى أُخْتِهَا ، فَإِنْ عَلِمَ فَسَادَ الْأَوَّلِ صَحَّ الثَّانِي ، عَلِمَ بِإِخْوَةِ الثَّانِيَةِ أَمْ لَا ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَسَادَ الْأَوَّلِ ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِأُخُوَّةِ الثَّانِيَةِ ، فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ ، وَإِنْ عَلِمَ ذَلِكَ فَعَقَدَ عَلَيْهَا مَعَ اعْتِقَادِ صِحَّةِ الْأَوَّلِ ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِهِ ظَاهِرًا ، قَالَ الرُّويَانِيُّ وَعِنْدِي أَنَّهُ يَنْعَقِدُ نِكَاحُ الثَّانِيَةِ بِكُلِّ حَالٍ ، لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ هَزْلٌ بِهَذَا النِّكَاحِ ، وَهَزْلُ النِّكَاحِ جِدٌّ لِلْحَدِيثِ انْتَهَى .

وَفِي الْحَاوِي لَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا وَلَهَا أُخْتٌ فَعَقَدَ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَلَمْ يَدْرِ أَهِيَ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا أَوْ أُخْتُهَا لَمْ يَصِحَّ ، وَإِنْ بَانَ أَنَّهَا " غَيْرُ " الْمُطَلَّقَةِ .

وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ لَوْ تَزَوَّجَ مَنْ تَحِلُّ لَهُ ظَانًّا أَنَّهَا تُحَرَّمُ عَلَيْهِ بِعِدَّةٍ أَوْ لِعَانٍ ، ثُمَّ بَانَ خِلَافُهُ لَمْ يَنْعَقِدْ النِّكَاحُ لِاعْتِقَادِهِ وَذَكَرَ صَاحِبُ " الْبَحْرِ " فِي الْبُيُوعِ أَنَّهُ ، لَوْ بَاعَ دِينَارًا بِدِينَارَيْنِ مِنْ مُكَاتَبِهِ كِتَابَةً فَاسِدَةً لَمْ يَعْلَمْ فَسَادَهَا ، لَا يَجُوزُ ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ مَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ ظَاهِرًا ، ثُمَّ انْكَشَفَ أَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ ، وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ ، أَنَّهُ لَوْ " تَزَوَّجَ " أَمَةَ أَبِيهِ عَلَى ظَنِّ حَيَاتِهِ فَبَانَ " مَيِّتًا " صَحَّ النِّكَاحُ فِي الْأَظْهَرِ ، وَقَالَ فِي بَابِ الْعَدَدِ فِي زَوْجَةِ الْمَفْقُودِ ، إذَا تَرَبَّصَتْ أَرْبَعَ سِنِينَ فَاعْتَدَّتْ وَتَزَوَّجَتْ فَبَانَ " حَيًّا " عِنْدَ التَّزْوِيجِ ، فَعَلَى الْقَدِيمِ لَا إشْكَالَ وَعَلَى الْجَدِيدِ يَخْرُجُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَا لَوْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ يَظُنُّ حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا ، وَذَكَرَ فِي بَابِ الْقَضَاءِ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ وَلَّى رَجُلًا الْقَضَاءَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَهْلِيَّتَهُ لَمْ يَصِحَّ ، وَإِنْ ظَهَرَتْ أَهْلِيَّتُهُ مِنْ بَعْدُ .

وَذَكَر النَّوَوِيُّ مِنْ زَوَائِدِهِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ ، أَنَّهُ لَوْ عَقَدَ بِشَهَادَةِ خُنْثَيَيْنِ فَبَانَا ذَكَرَيْنِ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَوْ صَلَّى خَلْفَ خُنْثَى فَبَانَ رَجُلًا لَمْ يَسْقُطْ الْقَضَاءُ فِي الْأَظْهَرِ بِأَنَّ النِّيَّةَ فِي الصَّلَاةِ مُعْتَبَرَةٌ .

وَفِي فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ " رَحِمَهُ اللَّهُ " لَوْ زَوَّجَ الْقَاضِي امْرَأَةً عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ لَا وَلِيَّ لَهَا ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا ابْنَتُهُ لِصُلْبِهِ لَا يَصِحُّ فِي الْأَظْهَرِ ، لِأَنَّ الرِّضَا مُعْتَبَرٌ ، وَلَا دَلَالَةَ تَدُلُّ عَلَيْهِ ، " وَجَزَمَ " ابْنُ الرِّفْعَةِ بِالصِّحَّةِ وَهُوَ قِيَاسُ الْبَيْعِ ، وَقَرِيبٌ مِنْ مَسْأَلَةِ الْقَاضِي مَا لَوْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِحُكْمٍ ثُمَّ بَانَ بَعْدَ الْحُكْمِ أَنَّ مُسْتَنَدَهُ خَطَأٌ ، " ثُمَّ بَانَ " لَهُ مُسْتَنَدٌ غَيْرُهُ يَجُوزُ الْحُكْمُ ، قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي صِحَّةِ الْحُكْمِ نَظَرٌ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْعُقُودِ الَّتِي تَعْتَمِدُ الظُّنُونَ ، وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يَصِحُّ ، وَلَا يَكْفِي وُجُودُ " الْمُسْتَنَدِ " فِي نَفْسِ الْأَمْرِ .

وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ ، قَالَ زَوَّجْتُك بِنْتِي عَائِشَةَ فَقَبِلَ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الْمُسَمَّاةَ بِنْتُ ابْنِ الْمُزَوِّجِ ، وَهُوَ جَدُّهَا لِأَبِيهَا ، هَلْ يَصِحُّ ؟ أَجَابَ إنْ عَيَّنَاهَا بِالْإِشَارَةِ وَنَحْوِهَا صَحَّ وَكَذَا بِالنِّيَّةِ عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَإِلَّا فَيَجُوزُ " إطْلَاقُ " الْبِنْتِ عَلَى بِنْتِ الِابْنِ ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ لِصُلْبِهِ بِنْتٌ اسْمُهَا عَائِشَةُ صَحَّ النِّكَاحُ وَإِلَّا فَلَا .
وَالضَّابِطُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَنْ يُقَالَ مَا كَانَ الْأَصْلُ فِيهِ التَّحْرِيمَ كَالْأَبْضَاعِ وَالرِّبَا فَيُحْتَاطُ فِيهِ وَيُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِالْمَشْرُوطِ ، وَإِنَّمَا خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ تَزْوِيجُ أَمَةِ أَبِيهِ عَلَى ظَنِّ حَيَاتِهِ وَشَهَادَةُ الْخُنْثَى ، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَتْ امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ عَلَى الْقَدِيمِ ثُمَّ بَانَ مَوْتُهُ قَبْلَ " الْعِدَّةِ " فَفِي صِحَّةِ النِّكَاحِ تَفْرِيعًا عَلَى الْجَدِيدِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الصِّحَّةُ وَوَجْهُ " خُرُوجِهَا " عَنْ " هَذِهِ " الْقَاعِدَةِ أَنَّ الْخَلَلَ فِيهَا مِنْ جِهَةِ الشَّرْطِ لَا مِنْ جِهَةِ الرُّكْنِ ، فَكَانَ أَخَفَّ .
وَلِهَذَا لَوْ تَزَوَّجَ بِخُنْثَى ثُمَّ بَانَ " أَنَّهَا " امْرَأَةٌ ، لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَهَادَةِ الْخُنْثَى إذَا بَانَ رَجُلًا مَا ذَكَرْنَا وَمَسْأَلَةُ الْقَاضِي إذَا وَلِيَ ثُمَّ بَانَ أَهْلِيَّتُهُ مِثْلُ مَسْأَلَةِ الزَّوْجَةِ الْمَجْهُولِ حَالُهَا سَوَاءٌ ، فَإِنَّهُ كَمَا يُحْتَاطُ فِي الْأَبْضَاعِ يُحْتَاطُ فِي الْقَاضِي ، لِتَعَلُّقِهِ بِالْأَمْرِ الْعَامِّ ، وَيَدُلُّ عَلَى اسْتِوَاءِ الْبَابَيْنِ فِي قُوَّةِ الْمَأْخَذِ قَوْلُ الرُّويَانِيِّ لَوْ وَقَعَ الْحَاكِمُ إلَى فَقِيهٍ " لِيُزَوِّجَهُ " فُلَانَةَ وَعِنْدَهُ أَنَّ الْمُوَقِّعَ إلَيْهِ الْمَذْكُورَ هُوَ فُلَانٌ بِعَيْنِهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ غَيْرَهُ ، فَلَا يَكُونُ إذْنًا قِيَاسًا ، عَلَى مَا لَوْ صَلَّى خَلْفَ رَجُلٍ وَعِنْدَهُ أَنَّهُ زَيْدٌ فَكَانَ عَمْرًا لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ .

الْخَامِسُ : الشُّرُوطُ فِي الْبَيْعِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ : قِسْمٌ يُبْطِلُ الْبَيْعَ وَالشَّرْطَ ، وَقِسْمٌ يُصِحُّ الْبَيْعَ وَيُبْطِلُ الشَّرْطَ ، وَقِسْمٌ يُصِحُّ الْبَيْعَ وَالشَّرْطَ ، وَالرَّابِعُ : شَرْطٌ ذِكْرُهُ شَرْطٌ .
فَالْأَوَّلُ : كَمَا فِي الشُّرُوطِ الْمُنَافِيَةِ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ كَشَرْطِ أَنْ لَا " يَتَسَلَّمَهُ " أَوْ لَا يَنْتَفِعَ بِهِ ، وَيُسْتَثْنَى الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعَيْبِ ، إذَا قُلْنَا لَا يَبْرَأُ فَلَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ فِي الْأَصَحِّ ، قَالَ الرَّافِعِيُّ ، وَإِنَّمَا خَرَجَ عَنْ قَاعِدَةِ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ ، لِاشْتِهَارِ " الْقَضِيَّةِ " بَيْنَ الصَّحَابَةِ ، بِخِلَافِ شَرْطِ نَفْيِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَنَحْوِهِ .
وَالثَّانِي : كَمَا إذَا شَرَطَ مَا لَا يُنَافِيه وَلَا يَقْتَضِيه وَلَا غَرَضَ فِيهِ ، كَشَرْطِ أَنْ لَا يَأْكُلَ أَوْ لَا يَلْبَسَ إلَّا كَذَا وَقَالَ الْمُتَوَلِّي يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَعَزَّى لِنَصِّ " الْإِمَامِ " الشَّافِعِيِّ " رَحِمَهُ اللَّهُ " " وَلَيْسَ كَذَلِكَ " .
وَقَالَ الْقَفَّالُ لَوْ قَالَ بِعْتُك الطَّعَامَ عَلَى أَنْ تَأْكُلَهُ وَالْأَمَةَ عَلَى أَنْ تَطَأَهَا إنْ قَصَدَ بِهِ الِاشْتِرَاكَ بَطَلَ الْبَيْعُ ، وَإِنْ أَرَادَ وَلَك ذَلِكَ صَحَّ " الْبَيْعُ " .
وَالثَّالِثُ : كَمَا إذَا شَرَطَ مَا يَقْتَضِيه الْعَقْدُ وَمَصَالِحُهُ ، كَشَرْطِ " الْخِيَارِ " وَالْأَجَلُ وَالرَّهْنُ وَالْكَفِيلُ وَالْإِشْهَادُ ، قَالَ فِي الْمَطْلَبِ : وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يَكُونُ صَحِيحًا مُؤَكَّدًا ، وَفِي كَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّهُ لَاغٍ حَتَّى قَالَ الْإِمَامُ : إنَّ الشَّرْطَ الَّذِي يَقْتَضِي زِيَادَةً عَلَى مُقْتَضَى الْعَقْدِ ، قَالَ وَهَذَا بَحْثٌ لَفْظِيٌّ .
قُلْت : يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ لَهُ فَائِدَةٌ وَهُوَ " مَا لَوْ اخْتَلَفَ " الشَّرْطُ ، وَقُلْنَا أَنَّهُ صَحِيحٌ ، كَانَ لَهُ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا الرَّفْعُ إلَى الْحَاكِمِ ، وَالثَّانِي " يُفْسَخُ " بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قُلْنَا أَنَّهُ لَاغٍ ، فَإِنَّهُ لَا طَرِيقَ لَهُ إلَّا الرَّفْعُ إلَى الْحَاكِمِ لِيُجْبِرَ الْبَائِعَ عَلَى فِعْلِ الْمُمْتَنَعِ مِنْهُ .
وَالرَّابِعُ : بَيْعُ الثِّمَارِ

قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَيُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ شَرْطُ الْقَطْعِ ، وَلَوْ بِيعَتْ مِنْ مَالِكِ الْأَصْلِ " وَكَذَا الزَّرْعُ الْأَخْضَرُ ، لَكِنْ إذَا بِيعَتْ مِنْ مَالِكِ الْأَصْلِ " لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ ، وَلَيْسَ لَنَا شَرْطٌ يَجِبُ ذِكْرُهُ لِتَصْحِيحِ الْعَقْدِ وَلَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ إلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ .

وَاعْلَمْ أَنَّ التَّعْلِيقَ فِي الْبَيْعِ مُبْطِلٌ ، إلَّا فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ : " إحْدَاهَا " : بِعْتُك إنْ شِئْت .
الثَّانِيَةُ : إنْ كَانَ مِلْكِي فَقَدْ بِعْتُكَهُ ، وَكَانَ مَالِكًا لَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ " وَمِثْلُهُ مَسْأَلَةُ " التَّنَازُعِ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَمُوَكِّلِهِ - وَقَوْلُهُ إنْ كُنْت أَمَرْتُك بِعِشْرِينَ فَقَدْ بِعْتُكهَا " بِهَا " .
الثَّالِثَةُ : الْبَيْعُ الضِّمْنِيُّ إذَا قَالَ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي عَلَى مِائَةٍ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ وَقَاعِدَةُ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ أَنْ يَفْسُدَ الْعَقْدُ ، إلَّا فِيمَا سَبَقَ فِي صُورَةِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ ، وَإِلَّا فِي الْقَرْضِ إذَا شَرَطَ فِيهِ " مُكَسَّرًا " عَنْ صَحِيحٍ أَوْ أَنْ " يُقْرِضَهُ " غَيْرُهُ لَغَا الشَّرْطُ ، وَلَا " يَفْسُدُ " الْعَقْدُ فِي الْأَصَحِّ .
" فَائِدَةٌ " قَالَ الْإِمَامُ " فِي بَابِ الْقِرَاضِ قَبُولُ الشَّرْطِ شَرْطٌ مِنْ الْقَابِلِ وَكَأَنَّهُ شَرْطُهُ " .

" شَرْطُ الْعِلَّةِ هَلْ يَجْرِي مَجْرَى شَطْرِ الْعِلَّةِ فِيهِ جَوَابَانِ خَرَّجَهُمَا الْقَاضِي الْحُسَيْنُ أَحَدُهُمَا : نَعَمْ ، لِأَنَّ الْحُكْمَ لَمْ يَحْصُلْ ، إلَّا " بِهَا " .
وَالثَّانِي : لَا ، بَلْ الْحُكْمُ صَادِرٌ عَنْ الْعِلَّةِ ، وَهَذَا شَرْطٌ " فَيُضَمُّ " إلَى الْعِلَّةِ فَيَقْوَى بِهَا وَالْحُكْمُ ثَابِتٌ بِأَصْلِ الْعِلَّةِ .
وَيَتَخَرَّجُ عَلَيْهَا فُرُوعٌ : مِنْهَا : لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِزِنَاهُ وَاثْنَانِ بِإِحْصَانِهِ لَهُ فَقُتِلَ ، ثُمَّ رَجَعُوا ، فَهَلْ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى شُهُودِ الْإِحْصَانِ أَيْضًا وَجْهَانِ مَأْخَذُهُمَا هَذَا الْأَصْلُ .
وَمِنْهَا : شُهُودُ التَّعْلِيقِ وَشُهُودُ الصِّفَةِ ، إذَا رَجَعُوا فَعَلَى مَنْ يَجِبُ الْغُرْمُ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا عَلَى شُهُودِ التَّعْلِيقِ وَالثَّانِي عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ .
تَنْبِيهٌ : الْفَرْقُ بَيْنَ شَطْرِ الْعِلَّةِ وَشَرْطِهَا أَنَّ شَطْرَ الْعِلَّةِ الْوَصْفُ الْمُنَاسِبُ أَوْ الْمُتَضَمِّنُ لِمَعْنًى مُنَاسِبٍ ، وَمَا يَقِفُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ وَلَا يُنَاسِبُ هُوَ الشَّرْطَ قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي شِفَاءِ الْعَلِيلِ .
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الشَّرْطَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ تَأْثِيرٌ " مُؤَثِّرٌ " ، لَيْسَ نَفْسَ الْمُؤَثِّرِ وَلَا جُزْأَهُ .

الشُّرُوعُ لَا يُغَيِّرُ حُكْمَ الْمَشْرُوعِ فِيهِ وَلِهَذَا لَوْ شَرَعَ فِي صَلَاةٍ أَوْ صَوْمِ نَفْلٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إتْمَامُهُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ " رَحِمَهُ اللَّهُ " وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا ذَكَرْنَا ، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْ " صَلَاةِ " الْجَمَاعَةِ إلَى الِانْفِرَادِ وَلِطَالِبِ الْعِلْمِ التَّرْكُ فِي الْأَصَحِّ وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا صُوَرٌ : " إحْدَاهَا " : الْحَجُّ إذَا شَرَعَ فِيهِ لَزِمَهُ " إتْمَامُهُ " ، لِأَنَّهُ يَجِبُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ فَكَيْفَ فِي صَحِيحِهِ .
الثَّانِيَةُ : الْأُضْحِيَّةُ فَإِنَّهَا سُنَّةٌ ، وَإِذَا ذُبِحَتْ لَزِمَتْ بِالشُّرُوعِ ذَكَرَهُ الْبَاجِيُّ فِي نُصُوصِ " الْإِمَامِ " الشَّافِعِيِّ " رَحِمَهُ اللَّهُ " .
.
الثَّالِثَةُ : الْجِهَادُ يَجِبُ إتْمَامُهُ عَلَى الشَّارِعِ فِيهِ .
الرَّابِعَةُ : صَلَاةُ الْجِنَازَةِ " خِلَافًا " لِلْإِمَامِ حَيْثُ قَالَ الَّذِي أَرَاهُ أَنَّ لَهُ قَطْعَهَا .
إذَا كَانَتْ لَا تَتَعَطَّلُ بِقَطْعِهِ ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ ، وَقَالَ الرُّويَانِيُّ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ قَدْ صَلَّى عَلَيْهَا " مَرَّةً " ، فَلَوْ صَلَّى عَلَيْهَا مَرَّةً " فَسَقَطَ " الْفَرْضُ ، ثُمَّ صَلَّى آخَرُونَ فَفِي جَوَازِ الْخُرُوجِ لَهُمْ " احْتِمَالَانِ " لِوَالِدِي بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَقَعُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا قَالَ وَالْقِيَاسُ عِنْدِي أَنَّهَا لَيْسَتْ بِفَرْضٍ .
الْخَامِسَةُ : لَوْ شَرَعَ الْمُسَافِرُ فِي الصَّلَاةِ بِنِيَّةِ الْإِتْمَامِ لَزِمَهُ وَلَا " يَسُوغُ " لَهُ الْقَصْرُ بَعْدَ ذَلِكَ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَرَعَ فِي الصِّيَامِ لَهُ الْفِطْرُ عَلَى الصَّحِيحِ خِلَافًا لِلشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ .
قَالَ الْقَفَّالُ : وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقَضَاءَ فِي الصَّوْمِ كَالْأَدَاءِ فِي [ كَوْنِهِ بِيَوْمٍ ] تَامٍّ ظَرْفًا لَهُمَا ، وَالْقَصْرُ جُزْءٌ مِنْ الْإِتْمَامِ ، وَفَرَّقَ الْغَزَالِيُّ فِي تَدْرِيسِهِ " بِأَنَّ الصَّوْمَ يَجِبُ فِعْلُهُ " فِي أَحَدِ " الْوَقْتَيْنِ " أَمَّا " رَمَضَانُ " أَوْ مَا بَعْدَهُ " ، فَإِذَا عُيِّنَ هَذَا الْيَوْمُ لَا يَلْزَمُ ، وَالصَّلَاةُ وَاجِبَةٌ " فِي الْوَقْتِ " ، وَالْإِتْمَامُ صِفَةٌ ، فَإِذَا شَرَعَ فِيهَا بِصِفَةٍ

لَزِمَتْ الصِّفَةُ ، قَالَ : وَلَا يُرَدُّ إذَا شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ قَصْرًا ثُمَّ أَتَمَّ فَإِنَّهُ لَمْ [ يُبَدِّلْ صِفَةً ] ، بَلْ زَادَ شَيْئًا آخَرَ انْتَهَى .

" أَمَّا " الشَّارِعُ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ ، إذَا أَرَادَ قَطْعَهُ فَإِنْ كَانَ يَلْزَمُ مِنْ قَطْعِهِ بُطْلَانُ مَا مَضَى مِنْ الْفِعْلِ حُرِّمَ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ ، وَإِلَّا فَإِنْ لَمْ تَفُتْ بِقَطْعِهِ الْمَصْلَحَةُ الْمَقْصُودَةُ لِلشَّارِعِ ، بَلْ حَصَلَتْ بِتَمَامِهَا ، كَمَا إذَا شَرَعَ فِي إنْقَاذِ غَرِيقٍ ثُمَّ حَضَرَ آخَرُ لِإِنْقَاذِهِ جَازَ قَطْعًا .
نَعَمْ ذَكَرُوا فِي اللَّقِيطِ أَنَّ مَنْ الْتَقَطَ لَيْسَ لَهُ نَقْلُهُ إلَى غَيْرِهِ ، وَإِنْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ ، لَكِنْ لَا عَلَى التَّمَامِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ الْقَطْعَ أَيْضًا كَالْمُصَلِّي فِي جَمَاعَةٍ يَنْفَرِدُ ، وَإِنْ قُلْنَا الْجَمَاعَةُ فَرْضُ كِفَايَةٍ ، وَالشَّارِعُ فِي الْعِلْمِ فَإِنَّ قَطْعَهُ لَهُ لَا يَجِبُ " بِهِ " بُطْلَانُ مَا عَرَفَهُ أَوَّلًا ، لِأَنَّ بَعْضَهُ لَا يَرْتَبِطُ بِبَعْضٍ ، وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ قَائِمٌ بِغَيْرِهِ ، " فَالصُّوَرُ " ثَلَاثَةٌ : قَطْعٌ يُبْطِلُ الْمَاضِيَ فَيَبْطُلُ قَطْعًا ، وَقَطْعٌ لَا يُبْطِلُهُ وَلَا يَفُوتُ الشَّاهِدُ فَيَجُوزُ قَطْعًا ، " وَقَطْعٌ لَا يُبْطِلُ " أَصْلَ الْمَقْصُودِ ، وَلَكِنْ يُبْطِلُ " أَمْرًا " مَقْصُودًا " عَلَى " الْجُمْلَةِ ، فَفِيهِ خِلَافٌ .
هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ فَرْضِ الْعَيْنِ .

أَمَّا فَرْضُ الْعَيْنِ إذَا شَرَعَ فِيهِ فَإِنْ ضَاقَ وَقْتُهُ لَزِمَ وَامْتَنَعَ الْخُرُوجُ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ ، وَإِنْ اتَّسَعَ تَغَيَّرَتْ صِفَتُهُ مِنْ التَّرَاخِي إلَى الْفَوْرِيَّةِ ، فَإِذَا شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ أَوَّلَ الْوَقْتِ أَوْ فِي الْقَضَاءِ الْوَاجِبِ عَلَى التَّرَاخِي تَعَيَّنَ " بِالشُّرُوعِ " حَتَّى لَا يَجُوزَ الْخُرُوجُ " مِنْهُ " نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ " فَقَالَ : وَمَنْ دَخَلَ فِي صَوْمٍ وَاجِبٍ عَلَيْهِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ أَوْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ صَلَّى مَكْتُوبَةً فِي وَقْتِهَا أَوْ قَضَاهَا أَوْ صَلَاةً نَذَرَهَا أَوْ صَلَاةَ طَوَافٍ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْ صَلَاةٍ وَلَا صَوْمٍ مَا كَانَ مُطِيقًا لِلصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ عَلَى طَهَارَةٍ فِي الصَّلَاةِ ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ وَاحِدٍ " مِنْهَا " .
بِلَا عُذْرٍ مِمَّا وُصِفَتْ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ عَامِدًا كَانَ مُفْسِدًا آثِمًا عِنْدَنَا .
انْتَهَى .
وَنَقَلَهُ الْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْبَسِيطِ عَنْ الْأَصْحَابِ ، وَخَالَفَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ ، وَقَالَ : الَّذِي أَرَاهُ أَنَّ هَذَا جَائِزٌ ، وَكَذَا " الْمُضِيَّةُ " عَلَى التَّرَاخِي يَجُوزُ قَطْعُهَا بِلَا عُذْرٍ ، لِأَنَّ الْوَقْتَ مُوَسَّعٌ قَبْلَ الشُّرُوعِ " هَكَذَا " بَعْدَ الشُّرُوعِ ، كَمَا لَوْ أَصْبَحَ الْمُسَافِرُ صَائِمًا ثُمَّ أَرَادَ الْفِطْرَ ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ ، وَتَمَسَّكَ بِالنَّصِّ الْآتِي فِي الْمُصَلِّي مُنْفَرِدًا ثُمَّ يَجِدُ جَمَاعَةً لَهُ الْخُرُوجُ ، لِيُدْرِكَ الْجَمَاعَةَ وَتَابَعَهُ فِي الْوَسِيطِ وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ ، وَلَا دَلِيلَ فِيمَا اسْتَشْهَدَ بِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ مَنْ يُحْرِمُ بِالصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا أَوْ بِالتَّيَمُّمِ ثُمَّ وُجِدَ الْمَاءُ أَوْ الْجَمَاعَةُ ، فَهُوَ مَعْذُورٌ فِي قَطْعِهَا لِإِحْرَازِ الْفَضِيلَةِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ بِلَا عُذْرٍ فَإِنَّهُ عَابِثٌ وَلَيْسَ هَذَا كَالْمُسَافِرِ فَإِنَّ عُذْرَهُ مُسْتَمِرٌّ قَبْلَ الشُّرُوعِ وَبَعْدَهُ فَجَازَ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْ الصَّوْمِ ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ ، إذَا " أَقَامَ " أَوْ أَحْرَمَ بِهِ فِي الْإِقَامَةِ ثُمَّ سَافَرَ ، فَإِنْ قِيلَ

إذَا أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ قَاصِرًا لَا يَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ ، مَعَ أَنَّ الْعُذْرَ مَوْجُودٌ .
" قُلْنَا " الْفَرْقُ أَنَّ زَمَنَ الصَّلَاةِ قَصِيرٌ وَزَمَنَ الصَّوْمِ طَوِيلٌ .
" وَسَبَقَ " عَنْ الْقَفَّالِ فَرْقٌ آخَرُ ، وَفِي الْقَضَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْفَوْرِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ قَطْعُهُ ، لِتَبَرُّعِهِ بِالشُّرُوعِ .
" هَذَا " كُلُّهُ فِي الْعِبَادَةِ الْوَاحِدَةِ .

أَمَّا الْمُكَفِّرُ إذَا شَرَعَ فِي صَوْمِ الشَّهْرَيْنِ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ بِنِيَّةِ الِاسْتِئْنَافِ ؟ قَالَ الْإِمَامُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : لَهُ أَنْ يَخْرُجَ بِأَنْ لَا يَنْوِيَ صَوْمَ الْغَدِ ، أَمَّا إذَا خَاضَ فِي صَوْمِ يَوْمٍ فَيَبْعُدُ أَنْ يَتَسَلَّطَ عَلَى إبْطَالِهِ بِخِلَافِ تَرْكِ الصَّوْمِ فِي بَقِيَّةِ الشَّهْرَيْنِ إذْ لَيْسَ فِيهِ " تَعَرُّضٌ " لِإِفْسَادِ الْعِبَادَةِ ، وَيُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ لَيْسَ لَهُ " ذَلِكَ " ، وَرَجَّحَ الْغَزَالِيُّ جَوَازَ التَّرْكِ ، وَقَالَ الرُّويَانِيُّ : الَّذِي يَقْتَضِيه الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ، لِأَنَّ صَوْمَ الشَّهْرَيْنِ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ كَصَوْمِ يَوْمٍ وَاحِدٍ ، فَيَكُونُ قَطْعُهُ كَقَطْعِ فَرِيضَةٍ شَرَعَ فِيهَا وَأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا أَحْسَنُ .
قُلْت : بَلْ هُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا سَبَقَ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ ، وَمَا رَجَّحَهُ الْغَزَالِيُّ بَنَاهُ عَلَى اخْتِيَارِهِ أَنَّ الْوَقْتَ إذَا كَانَ مُتَّسِعًا فَالشُّرُوعُ " غَيْرُ " مُلْزِمٍ .
وَهَذَا كُلُّهُ حَيْثُ لَا عُذْرَ ، لِيَخْرُجَ ثَلَاثُ صُوَرٍ : " إحْدَاهَا " : لَوْ شَرَعَ فِي الْفَائِتَةِ مُعْتَقِدًا أَنَّ فِي الْوَقْتِ سَعَةً فَبَانَ ضِيقُهُ وَجَبَ قَطْعُهَا وَالشُّرُوعُ فِي الْحَاضِرَةِ .
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : وَعَلَى الشَّاذِّ يَجِبُ إتْمَامُ " الْفَائِتَةِ " .
" الثَّانِيَةُ " : إذَا تَحَرَّمَ بِالْفَرْضِ مُنْفَرِدًا ، ثُمَّ وَجَدَ جَمَاعَةً ، فَقَالَ " الْإِمَامُ " الشَّافِعِيُّ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " ، أَحْبَبْت أَنْ يُكْمِلَ رَكْعَتَيْنِ وَيُسَلِّمَ فَتَكُونَ لَهُ نَافِلَةً وَيَبْتَدِئَ الصَّلَاةَ مَعَ " الْإِمَامِ " وَمَعْنَاهُ أَنْ يَقْطَعَ الْفَرِيضَةَ وَيَقْلِبَهَا نَافِلَةً ، وَقَالَ الْمُتَوَلِّي هَذَا إذَا تَحَقَّقَ إتْمَامُهَا فِي الْوَقْتِ ، وَإِلَّا " حَرُمَ " أَيْ وَإِنْ قُلْنَا كُلُّهَا أَدَاءٌ .

" الثَّالِثَةُ " : " إذَا " رَأَى الْمُسَافِرُ الْمُتَيَمِّمُ الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَقُلْنَا لَا تَبْطُلُ وَكَانَتْ فَرْضًا ، فَالْأَصَحُّ : أَنَّ قَطْعَهَا لِيَتَوَضَّأَ أَفْضَلُ ، وَالثَّانِي : أَنَّ الِاسْتِمْرَارَ أَفْضَلُ ، وَالثَّالِثُ : يَقْلِبُهَا نَفْلًا وَيُسَلِّمُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ فَهُوَ أَفْضَلُ " وَالرَّابِعُ : يَحْرُمُ قَطْعُهَا " وَإِنْ أَرَادَ إبْطَالَهَا مُطْلَقًا فَالِاسْتِمْرَارُ أَفْضَلُ " مُطْلَقًا ، وَالْخَامِسُ إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ حَرُمَ الْخُرُوجُ ، وَإِلَّا لَمْ " يَحْرُمْ " ، قَالَهُ الْإِمَامُ وَطَرَدَهُ فِي كُلِّ مُصَلٍّ وَسَوَاءٌ الْمُتَيَمِّمُ وَغَيْرُهُ ، وَتَمَسَّكَ بِنَصِّ " الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ السَّابِقِ فِي الْخُرُوجِ إلَى الْجَمَاعَةِ ، وَقَالَ لَوْ كَانَ الْخُرُوجُ مُمْتَنِعًا ، لَمَا جَازَ بِسَبَبِ إدْرَاكِ فَضِيلَةٍ ، وَقَالَ وَكَذَلِكَ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ لَهُ التَّحَلُّلُ مِنْهَا إذَا كَانَتْ لَا تَتَعَطَّلُ بِتَحَلُّلِهِ ، قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ " رَحِمَهُ اللَّهُ " وَالْأَصْحَابُ عَلَى الْمَنْعِ .

وَلِهَذَا الْأَصْلِ أَعْنِي التَّضْيِيقَ بِالشُّرُوعِ ، قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ : لَوْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ أَفْسَدَهَا لَزِمَهُ أَنْ يُعِيدَهَا فِي الْوَقْتِ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ مُوَجِّهِينَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْوَقْتَ ، وَإِنْ كَانَ مُوَسَّعًا فَتَعْيِينُهُ مَوْكُولٌ إلَى الْمُكَلَّفِينَ ، فَلَمَّا أَحْرَمَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ تَضِيقُ وَأَيَّدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِنَصِّ " الْإِمَامِ " الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ " عَلَى " عَدَمِ جَوَازِ الْخُرُوجِ مِنْ الْفَرْضِ ، وَقَدْ وَجَّهَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ ، حَيْثُ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ ، وَمِثْلُهُ فِي الْقَضَاءِ وَإِنْ كَانَ وَقْتُهُ مُوَسَّعًا ، وَقَالَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ فِيمَا قَالُوهُ نَظَرٌ ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْوِيَ الْقَضَاءَ فَكَيْفَ يَقْضِي مَعَ بَقَاءِ الْوَقْتِ .
وَالْقَضَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ خَارِجَ الْوَقْتِ ، " وَأَيَّدَ " مَا ذَكَرَ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّأْخِيرُ بَعْدَ الْإِفْسَادِ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ ، وَلَوْ كَانَتْ قَضَاءً لَا يَسَعُ وَقْتٌ فَعَلَهَا عَلَى الْمَذْهَبِ " أَوْ لَوْ " وَجَبَ قَضَاؤُهَا عَلَى الْفَوْرِ عَلَى وَجْهٍ قَالَ ، وَلَمْ أَرَ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ تَعَاطِيهَا عَلَى الْفَوْرِ عَقِبَ الْإِفْسَادِ ، وَلَا قَائِلَ بِأَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِتَعَاطِيهَا عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ .
قُلْت : صَرَّحَ هَؤُلَاءِ بِأَنَّهُ إذَا شَرَعَ فِيهَا يَضِيقُ وَقْتُهَا فَيَكُونُ وَقْتَ أَدَائِهَا : زَمَنٌ يَسَعُهَا ، وَقِيلَ يَلْزَمُهُمْ عَلَى هَذَا ، أَنَّهُ إذَا أَعَادَهَا بَعْدَ " الْإِفْسَادِ " أَنْ يُخَرِّجُوهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الَّتِي يُفْعَلُ بَعْضُهَا فِي الْوَقْتِ وَبَعْضُهَا خَارِجَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

الشَّفَاعَةُ ضَرَاعَةٌ عِنْدَ الْمَشْفُوعِ عِنْدَهُ ، سُمِّيَتْ بِهِ ، " لِأَنَّهُ يَشْفَعُ " الْكَلَامَ الْأَوَّلَ وَهِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ ، وَقَدْ صَحَّ { اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا ، وَلْيَقْضِ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا شَاءَ } وَلِمَا فِيهِ مِنْ إغَاثَةِ الْمُسْلِمِ ، وَدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ .
وَلَا تَكُونُ فِي حَدٍّ وَلَا حَقٍّ لَازِمٍ ، وَإِنَّمَا هِيَ لِلذَّنْبِ الَّذِي يُمْكِنُ الْعَفْوُ عَنْهُ وَقَدْ شَفَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي مِسْطَحٍ " لَمَّا حَلَفَ الصِّدِّيقُ أَنْ لَا يُنْفِقَ عَلَيْهِ فَقَالَ تَعَالَى { وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ } الْآيَةَ .
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَأَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمِ الشَّفَاعَةِ فِي " الْحُدُودِ " بَعْدَ بُلُوغِهِ الْإِمَامَ وَأَنَّهُ يَحْرُمُ " التَّشْفِيعُ " فِيهِ ، فَأَمَّا قَبْلَ بُلُوغِهِ الْإِمَامَ أَجَازَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَشْفُوعُ فِيهِ صَاحِبَ شَرٍّ وَأَذًى لِلْمُسْلِمِينَ ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يُشْفَعْ فِيهِ .

أَمَّا الْمَعَاصِي الَّتِي لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ وَوَاجِبُهَا التَّعْزِيرُ ، فَتَجُوزُ الشَّفَاعَةُ فِيهَا " وَالتَّشْفِيعُ " سَوَاءٌ بَلَغَتْ الْإِمَامَ أَمْ لَا ، لِأَنَّهَا أَهْوَنُ ، ثُمَّ الشَّفَاعَةُ فِيهَا مُسْتَحَبَّةٌ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَشْفُوعُ " فِيهِ " صَاحِبَ أَذًى .
قُلْت : وَإِطْلَاقُ " اسْتِحْبَابِ " الشَّفَاعَةِ فِي التَّعْزِيرِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ إذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ التَّعْزِيرِ كَانَ لِلْإِمَامِ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِلْإِصْلَاحِ وَقَدْ يَرَى ذَلِكَ فِي إقَامَتِهِ وَفِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَنْبَغِي اسْتِحْبَابُهَا .

الشَّرِكَةُ يَتَعَلَّقُ بِهَا مَبَاحِثُ الْأَوَّلُ : تَثْبُتُ الْمُطَالَبَةُ لِكُلٍّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ بِالْمُشْتَرَكِ فِيهِ ، لَكِنْ إذَا انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِقَبْضِ شَيْءٍ ، هَلْ يُشَارِكُهُ الْآخَرُ فِيهِ هُوَ عَلَى أَضْرُبٍ : أَحَدُهَا : مَا يُشَارِكُهُ فِيهِ قَطْعًا كَرِيعِ الْوَقْفِ عَلَى جَمَاعَةٍ ، لِأَنَّهُ مُشَاعٌ .
الثَّانِي : " مَا يُشَارِكُهُ " فِيهِ عَلَى الْأَصَحِّ ، كَمَا لَوْ قَبَضَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ مِنْ الدَّيْن قَدْرَ حِصَّتِهِ ، فَلِلْآخَرِ مُشَارَكَتُهُ فِي الْأَصَحِّ ، كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي آخِرِ بَابِ الشَّرِكَةِ ، وَقِيلَ لَا يُشَارِكُهُ ، إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْمَدْيُونُ فِي الرُّجُوعِ عَلَيْهِ أَوْ لَا يَجِدُ مَالًا سِوَاهُ وَوَجَّهَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي فَتَاوِيهِ الْمُشَارَكَةَ بِأَنَّهُمَا يَقْبِضَانِ ذَلِكَ بِنِيَابَةِ الْأَبِ لَا لِأَنْفُسِهِمَا .
وَمِنْهَا : لَوْ قَالَ رَجُلَانِ اشْتَرَيْنَا مِنْك شَيْئًا بِكَذَا وَصَدَقَ أَحَدُهُمَا فَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْإِرْثِ .
وَمِنْهَا : وَلَوْ ادَّعَى اثْنَانِ اتِّهَابَهُمَا عَيْنًا مِنْ رَجُلٍ وَأَنَّهُ وَهَبَهُ مِنْهُمَا وَسَلَّمَهُ إلَيْهِمَا فَصَدَّقَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَحَدَهُمَا وَكَذَّبَ الثَّانِيَ فَيُسَلِّمُ لِلْمُصَدِّقِ النِّصْفَ ، وَهَلْ يُشَارِكُهُ فِيهِ الْمُكَذِّبُ لِاعْتِرَافِهِ بِأَنَّهُ شَرِيكُهُ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْإِمَامُ فِي بَابِ الرَّهْنِ وَقَالَ إنَّهُمَا يَجْرِيَانِ فِي كُلِّ مِلْكٍ وَحَقٍّ يَتَلَقَّى مِنْ عَقْدٍ عَلَى سَبِيلِ الشُّيُوعِ .
وَمِنْهَا : الدُّيُونُ الْمُشْتَرَكَةُ فِي ذِمَمِ النَّاسِ ، إذَا أَذِنَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِلْآخَرِ فِي قَبْضِ مَا " لَهُ " عَلَى زَيْدٍ عَلَى أَنْ يَخْتَصَّ بِهِ ، فَهَلْ يَخْتَصُّ بِهِ إذَا قَبَضَ قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا الْمَنْعُ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ " آخِرَ الْقِسْمَةِ عَنْ السَّرَخْسِيِّ .
وَمِنْهَا : لَوْ ادَّعَيَا دَارًا إرْثًا فَصَدَّقَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَحَدَهُمَا " فِي نَصِيبِهِ فَإِنَّهُ يُشَارِكُهُ الْمُكَذَّبُ عَلَى الْمَنْصُوصِ " وَخَرَّجَ " الْغَزَالِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ ، وَأَشَارَ الرَّافِعِيُّ " رَحِمَهُ اللَّهُ لِتَفَرُّدِهِ .
" الثَّالِثُ

" مَا لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ " قَطْعًا " ، كَمَا " لَوْ " ادَّعَى عَلَى وَرَثَةٍ أَنَّ مُوَرِّثَكُمْ أَوْصَى لِي وَلِزَيْدٍ بِكَذَا ، وَأَقَامَ شَاهِدًا وَحَلَفَ مَعَهُ وَأَخَذَ نَصِيبَهُ لَا يُشَارِكُهُ " فِيهِ " الْآخَرُ قَطَعَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّهَادَاتِ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَجِيءَ فِيهِ خِلَافُ مَا لَوْ قَالَا اشْتَرَيْنَاهُ مِنْك بِكَذَا وَصَدَّقَ أَحَدَهُمَا ، فَلَوْ أَقَامَ الْوَارِثُ الْخَاصُّ شَاهِدَيْنِ أَخَذَ نَصِيبَهُ وَلَا يُشَارِكُهُ " فِيهِ " الْآخَرُ ، وَوَقَعَ فِي الْحَوَادِثِ رَجُلٌ آجَرَ نَصِيبَهُ مِنْ دَارِ وَقَبَضَ الْأُجْرَةَ فَسَكَنَ الْمُسْتَأْجِرُ جَمِيعَ الدَّارِ وَتَعَذَّرَ عَلَى شَرِيكِهِ أَخْذٌ أُجْرَةِ نَصِيبِهِ مِنْهُ ، فَقِيلَ يُشَارِكُهُ ، " وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُشَارِكَهُ " لِأَنَّ الْمُؤَجِّرَ اسْتَفَادَ حَقَّهُ بِعَقْدٍ يَخْتَصُّ بِهِ ، وَيَرْجِعُ شَرِيكُهُ بِأُجْرَةِ " حِصَّتِهِ " عَلَى الْغَاصِبِ ، وَتَشْهَدُ لَهُ " صُوَرُ " الْبَيْعِ الْآتِيَةِ .
الرَّابِعُ : مَا لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ عَلَى الْأَصَحِّ ، كَمَا لَوْ ادَّعَى الْوَرَثَةُ دَيْنًا لِمُوَرِّثِهِمْ وَأَقَامُوا شَاهِدًا وَحَلَفَ بَعْضُهُمْ فَإِنَّ الْحَالِفَ يَأْخُذُ نَصِيبَهُ وَلَا " يُشَارِكُهُ " فِيهِ مَنْ لَمْ يَحْلِفْ عَلَى " الصَّحِيحِ " الْمَنْصُوصِ ، لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا تُجْزِئُ فِيهَا النِّيَابَةُ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مَا إذَا ادَّعَيَا دَارًا إرْثًا وَصَدَقَ أَحَدُهُمَا كَمَا سَبَقَ أَنَّ الْحَقَّ هُنَا إنَّمَا يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ ، فَلَوْ شَرَكِنَا النَّاكِلَ لَمَلَّكْنَاهُ بِيَمِينِ غَيْرِهِ ، وَفِي الْأُولَى إنَّمَا يَثْبُتُ بِإِقْرَارِ " الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثُمَّ يَتَرَتَّبُ عَلَى إقْرَارِهِ " إقْرَارُ الْمُصَدَّقِ بِأَنَّهُ إرْثٌ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ .

وَفِي الْمُعَايَاةِ : لَوْ ادَّعَى الْوَرَثَةُ دَيْنًا لِمُوَرِّثِهِمْ وَأَقَامُوا شَاهِدًا وَاحِدًا وَحَلَفُوا اسْتَحَقُّوا فَإِنْ امْتَنَعَ بَعْضُهُمْ مِنْ الْيَمِينِ فَالْحَالِفُ يَأْخُذُ قَدْرَ نَصِيبِهِ وَلَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ فِيهِ .
وَلَوْ كَانَتْ الدَّعْوَى " فِي دَارٍ أَوْ ثَوْبٍ " ، وَحَلَفَ بَعْضُهُمْ شَارَكَهُ الْبَاقُونَ " فِيمَا يَخْلُصُ " وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الدَّيْنَ فِي الذِّمَّةِ فَكُلُّ مَنْ حَلَفَ أَثْبَتَ حَقَّهُ فِيهَا ، وَمَنْ لَمْ يَحْلِفْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حَقٌّ وَالدَّارُ مُعَيَّنَةٌ " فَمَا يَخْلُصُ مِنْهَا " يَشْتَرِكُونَ فِيهِ ، وَكَأَنَّ الْبَاقِيَ مَغْصُوبٌ مِنْ جَمَاعَتِهِمْ .

وَمِنْهَا : لَوْ بَاعَ الْعَبْدَ مَالِكَاهُ فَهَلْ يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِقَبْضِ حِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ ؟ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا ، فَلَوْ قَبَضَ شَيْئًا شَارَكَهُ الْآخَرُ كَالْمِيرَاثِ ، وَأَصَحُّهُمَا نَعَمْ ، كَمَا لَوْ انْفَرَدَ بِالْبَيْعِ ، وَعَلَى هَذَا فَلَا يُشَارِكُهُ ، ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي آخِرِ الشَّرِكَةِ ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الدَّيْنِ .

أَمَّا الْعَيْنُ فَحَكَى فِي الْمَطْلَبِ عِنْدَ نِكَاحِ السَّفِيهِ وَجْهَيْنِ فِيمَا لَوْ كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ صُبْرَةُ قَمْحٍ فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ جَازَ فِي وَجْهٍ ، لِأَنَّهُ لَوْ طَلَبَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُهُ ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ فِي الصَّيْدِ عَنْ الْبَغَوِيِّ : لَوْ اخْتَلَطَ حَمَامُهُ بِحَمَامَةِ الْغَيْرِ فَلَهُ الْأَكْلُ بِالِاجْتِهَادِ إلَى أَنْ يَبْقَى وَاحِدَةٌ كَمَا لَوْ اخْتَلَطَتْ " تَمْرَةٌ بِتَمْرِ الْغَيْرِ " ، قَالَ الرُّويَانِيُّ لَيْسَ لَهُ أَكْلُ وَاحِدَةٍ حَتَّى يُصَالِحَ الْغَيْرَ أَوْ يُقَاسِمَهُ .

وَلَوْ انْصَبَّ حِنْطَةٌ لَهُ أَوْ مَائِعٌ لَهُ عَلَى مِثْلِهِ لِغَيْرِهِ وَجَهِلَ قَدْرَهَا فَكَاخْتِلَاطِ الْحَمَامِ .

وَلَوْ اخْتَلَطَ دِرْهَمٌ أَوْ دَرَاهِمُ حَرَامٌ " بِدَرَاهِمَ لَهُ ، وَدَهَنَ " بِدُهْنٍ وَنَحْوِهِ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ : فَصَلَ قَدْرَ الْحَرَامِ وَصَرَفَهُ لِمَنْ هُوَ لَهُ وَالْبَاقِي لَهُ .

وَقَالَ فِي الْبَحْرِ لَوْ كَانَتْ الصُّبْرَةُ بَيْنَهُمَا قِسْمَيْنِ فَاقْتَسَمَا أَخَذَ هَذَا قَفِيزًا وَهَذَا قَفِيزًا " فَقَدْ " جَازَ ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَسْتَوْفِيَ كُلَّ حَقِّهِ مِنْهَا ثُمَّ يُكَالُ لِلْآخَرِ مَا بَقِيَ ، لِجَوَازِ أَنْ يَتْلَفَ الْبَاقِي قَبْلَ أَنْ يُكَالَ لَلشَّرِيك الْآخَرِ ، لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي الْمِلْكِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الْقَبْضِ ، قَالَ : وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى الْمُبْتَدِئِ مِنْهُمَا بِأَخْذِ الْقَفِيزِ الْأَوَّلِ " جَازَ ، وَلَوْ لَمْ يَتَّفِقَا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا فِي أَخْذِهِ وَيَكُونُ اسْتِقْرَارُ مِلْكِ الْأَوَّلِ " عَلَى مَا أَخَذَهُ مَوْقُوفًا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ الْآخَرُ مِثْلَهُ ، فَلَوْ أَخَذَ الْأَوَّلُ قَفِيزًا مِنْ تِلْكَ الصُّبْرَةِ رَدَّ نِصْفَ الْقَفِيزِ .

الْبَحْثُ " الثَّانِي " إطْلَاقُ الشَّرِكَةِ ، هَلْ يَنْزِلُ عَلَى الْمُنَاصَفَةِ أَوْ هُوَ مُبْهَمٌ يَفْتَقِرُ إلَى " تَفْسِيرٍ " فِيهِ خِلَافٌ فِي صُوَرٍ : " مِنْهَا " : لَوْ اشْتَرَى سِلْعَةً ثُمَّ قَالَ لِغَيْرِهِ أَشْرَكْتُك مَعِي وَأَطْلَقَ فَقِيلَ يَفْسُدُ الْعَقْدُ لِلْجَهَالَةِ ، وَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ ، وَيَنْزِلُ عَلَى الْمُنَاصَفَةِ ، وَلَوْ تَعَدَّدَ الشُّرَكَاءُ ، فَهَلْ يَسْتَحِقُّ " الشَّرِيكُ " نِصْفَ مَا لَهُمْ أَوْ مِثْلَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَيَا شَيْئًا ثُمَّ أَشْرَكَا ثَالِثًا فِيهِ فَهَلْ لَهُ نِصْفُهُ أَوْ ثُلُثُهُ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ وَالْأَشْبَهُ الثَّانِي .
وَمِنْهَا لَوْ أَوْصَى " بِمِائَةٍ لِزَيْدٍ " وَبِمِائَةٍ لِعَمْرٍو ، وَقَالَ لِخَالِدٍ أَشْرَكْتُك مَعَهُمَا فَلَهُ نِصْفُ مَا فِي يَدِهِمَا فِي قَوْلٍ قَالَهُ الْهَرَوِيُّ فِي الْإِشْرَافِ .

وَمِنْهَا لَوْ قَالَ أَنَا وَفُلَانٌ " شَرِيكَانِ " فِي هَذِهِ الدَّارِ أَوْ فِي هَذَا الْمَالِ ، قَالَ الدَّبِيلِيُّ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بَيْنَهُمَا " نِصْفَيْنِ " ، فَلَوْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ " الْمُقِرَّ لَهُ الرُّبْعُ أَوْ الْخَمْسُ أَوْ الْعُشْرُ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ " أَنَّهُ " يُسْمَعُ وَيَحْلِفُ مَعَهُ ، لِأَنَّ ذَلِكَ مُحْتَمَلٌ ، قَالَ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ ، وَهُوَ كَمَا قَالَ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ ، " لَكِنَّ النَّاسَ " يُطْلِقُونَ هَذَا اللَّفْظَ لِمَنْ لَهُ أَدْنَى جُزْءٍ فِي الْمُقَرِّ بِهِ فَيَقُولُ زَيْدٌ شَرِيكِي فِي كَذَا وَيُرِيدُونَ بِهِ أَصْلَ الشَّرِكَةِ وَتَفَاوُتَ الْأَجْزَاءِ فَالْمُخْتَارُ الْقَبُولُ ، أَمَّا لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ زَيْدًا وَعَمْرًا شَرِيكَانِ فِي كَذَا وَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْبَيِّنَةَ تَسْتَفْسِرُ عَنْ مِقْدَارِ النَّصِيبَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنَا وَالْعَيْنُ بِيَدِهِمَا جُعِلَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا ، فَهَلْ يَرْجِعُ فِي مِقْدَارِ نَصِيبِ الْآخَرِ إلَيْهِ أَوْ يَقْضِي بِالنِّصْفِ فِيهِ نَظَرٌ .

وَمِنْهَا قَالَ الْمُزَنِيّ فِي الْمَنْثُورِ قَالَ الشَّافِعِيُّ " رَحِمَهُ اللَّهُ " لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ لِأُخْرَى أَنْتِ شَرِيكَتُهَا فِي هَذَا الطَّلَاقِ ، ثُمَّ قَالَ لِأُخْرَى أَنْتِ شَرِيكَتُهُمَا فِي هَذَا الطَّلَاقِ تَطْلُقُ الْأُولَى ثَلَاثًا وَالثَّانِيَةُ اثْنَتَيْنِ وَالثَّالِثَةُ وَاحِدَةً ، " لِأَنَّهُ يَحْصُلُ " فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ وَالطَّلَاقُ لَا يَتَبَعَّضُ فَيَكْمُلُ فَيُحَصِّلُ طَلْقَتَيْنِ ، قَالَ الْمُزَنِيّ وَعِنْدِي تَطْلُقُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثَلَاثًا لِظَاهِرِ التَّشْرِيكِ .

الشَّكُّ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ الْأَوَّلُ : فِي حَقِيقَتِهِ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ مُطْلَقُ التَّرَدُّدِ وَفِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ تَسَاوِي الطَّرَفَيْنِ فَإِنْ رَجَحَ كَانَ ظَنًّا وَالْمَرْجُوحُ وَهْمًا ، وَأَمَّا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فَزَعَمَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ كَاللُّغَةِ فِي سَائِرِ الْأَبْوَابِ ، لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسَاوِي وَالرَّاجِحِ وَهَذَا إنَّمَا قَالُوهُ فِي الْأَحْدَاثِ وَقَدْ فَرَّقُوا فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ " بَيْنَهُمَا " " وَمِنْهَا " فِي بَابِ الْإِيلَاءِ لَوْ قُيِّدَ بِمُسْتَبْعَدِ الْحُصُولِ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ كَنُزُولِ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمُولٍ وَإِنْ ظَنَّ حُصُولَهُ قَبْلَهَا فَلَيْسَ بِمُولٍ قَطْعًا وَإِنْ شَكَّ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا كَذَلِكَ .
وَمِنْهَا : مَا سَبَقَ فِي الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ شَكَّ فِي الْمَذْبُوحِ هَلْ فِيهِ حَيَاةٌ بَعْدَ الذَّبْحِ حَرُمَ لِلشَّكِّ فِي الْمُبِيحِ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ بَقَاؤُهَا حَلَّتْ .
وَمِنْهَا : فِي " بَابِ الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ لَمْ يَجْعَلُوا لِلتَّسَاوِي أَثَرًا وَاعْتَبَرُوا الظَّنَّ الْمُؤَكَّدَ وَكَذَلِكَ فِي الصَّيْدِ إذَا تَوَارَدَ عَلَيْهِ اثْنَانِ فِي بَعْضِ " صُورَةٍ " .
وَمِنْهَا : فِي الْأَكْلِ مِنْ مَالِ الْغَيْرِ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الرِّضَا جَازَ ، وَإِنْ شَكَّ فَلَا وَمِثْلُهُ وُجُوبُ رُكُوبِ الْبَحْرِ فِي الْحَجِّ إنْ غَلَبَتْ السَّلَامَةُ وَإِنْ شَكَّ فَلَا وَمِثْلُهُ فِي الْمَرَضِ الْمَخُوفِ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ كَوْنُهُ مَخُوفًا نَفَذَ التَّصَرُّفُ مِنْ الثُّلُثِ ، وَإِنْ شَكَكْنَا فِي كَوْنِهِ مَخُوفًا " لَمْ يَنْفُذْ إلَّا بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ .
وَمِنْهَا قَالُوا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ إنَّهُ لَا يَقَعُ بِالشَّكِّ " فَأَرَادُوا " بِهِ الطَّرَفَ الْمَرْجُوحَ ، " وَلِهَذَا " قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي " بَابِ " الِاعْتِكَافِ قَوْلَهُمْ ، لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالشَّكِّ مُسَلَّمٌ لَكِنَّهُ يَقَعُ بِالظَّنِّ الْغَالِبِ .
انْتَهَى .
وَيَشْهَدُ لَهُ : لَوْ قَالَ إنْ كُنْت " حَامِلًا " فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَإِذَا مَضَتْ ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ مِنْ وَقْتِ التَّعْلِيقِ وَقَعَ الطَّلَاقُ مَعَ أَنَّ الْأَقْرُؤَ لَا تُفِيدُ

إلَّا الظَّنَّ وَلِهَذَا أَبْدَى الْإِمَامُ احْتِمَالًا بِعَدَمِ الْوُقُوعِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَنْ حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَحَاضَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الدَّمِ ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مُضِيِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، وَفِيهِ وَجْهٌ بِتَوَقُّفِهِ عَلَيْهَا " إذْ بِهِ يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ لَيْسَ دَمَ فَسَادٍ ، وَالطَّلَاقُ لَا يَقَعُ إلَّا بِالْيَقِينِ " وَهُوَ يُؤَيِّدُ " احْتِمَالَ الْإِمَامِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا .
وَقَالُوا : لَوْ عَصَرَ عِنَبًا ثُمَّ قَالَ " إنْ لَمْ يَكُنْ " تَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ إنَّهُ وَجَدَهُ خَلًّا وَقَعَ الطَّلَاقُ ، لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يَتَخَلَّلُ إلَّا بَعْدَ التَّخَمُّرِ .
وَمِنْهَا " سُئِلَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ عَمَّنْ قَنَتَ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ عَلَى اعْتِقَادِ " أَنَّهُمَا " فَرْضٌ ثُمَّ تَذَكَّرَ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ " قَالَ " صَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ ، لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ شَكَّ فِي النِّيَّةِ أَنَّهُ نَوَى الْفَرْضَ أَوْ النَّفَلَ وَإِتْيَانُ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ عَلَى الشَّكِّ يَقْتَضِي الْبُطْلَانَ " قَالَ صَاحِبُ الْكَافِي وَفِيهِ نَظَرٌ ، لِأَنَّهُ أَلْحَقَ الظَّنَّ بِالشَّكِّ وَالشَّكُّ يَقْتَضِي التَّرَدُّدَ وَإِتْيَانُ شَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ مَعَ التَّرَدُّدِ فِي النِّيَّةِ يَقْتَضِي الْبُطْلَانَ " .
وَالظَّنُّ لَا يَقْتَضِي التَّرَدُّدَ ، بَلْ غَايَةُ " مَا " فِيهِ أَنْ يَكُونَ خَطَأً وَسَهْوًا وَالْخَطَأُ فِي الصَّلَاةِ لَا يُفْسِدُهَا .

الثَّانِي : الشَّكُّ الطَّارِئُ بَعْدَ الشُّرُوعِ لَا أَثَرَ لَهُ فِي مَوَاضِعَ : أَحَدُهَا : أَنْ يَتَذَكَّرَ الْمَشْكُوكَ فِيهِ عَلَى قُرْبٍ كَمَا لَوْ شَكَّ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ وَتَذَكَّرَ عَلَى الْقُرْبِ قَبْلَ مُضِيِّ قَدْرِ رُكْنٍ تَصِحُّ صَلَاتُهُ ، وَكَذَا لَوْ شَكَّ الصَّائِمُ فِي النِّيَّةِ وَتَذَكَّرَ قَبْلَ مُضِيِّ أَكْثَرِ النَّهَارِ صَحَّ صَوْمُهُ .
وَيُسْتَثْنَى صُورَتَانِ : إحْدَاهُمَا - مَا لَوْ صَلَّى الْمُسَافِرُ وَشَكَّ هَلْ نَوَى الْقَصْرَ أَمْ لَا ؟ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ ، وَإِنْ تَذَكَّرَ فِي الْحَالِ أَنَّهُ نَوَى الْقَصْرَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ ، وَتَابَعُوهُ .
الثَّانِيَةُ - إذَا صَلَّى بِالِاجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ الْخَطَأُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الصَّوَابِ بِالِاجْتِهَادِ " عَلَى " الْقُرْبِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ عَلَى الْقُرْبِ فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ عَلَى الصَّوَابِ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ .

ثَانِيهَا " الشَّكُّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعِبَادَةِ ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي الْمُطَارَحَاتِ ، " فَرَّقَ " " الْإِمَامُ " الشَّافِعِيُّ بَيْنَ الشَّكِّ فِي الْفِعْلِ وَبَيْنَ الشَّكِّ بَعْدَ الْفِعْلِ فَلَمْ يُوجِبْ إعَادَةَ الثَّانِي ، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْمَشَقَّةِ ، فَإِنَّ الْمُصَلِّيَ لَوْ كُلِّفَ أَنْ يَكُونَ ذَاكِرًا لَمَا صَلَّى لَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَمْ يُطِقْهُ أَحَدٌ فَسُومِحَ فِيهِ وَبَيَانُهُ بِصُوَرٍ : مِنْهَا : لَوْ شَكَّ بَعْدَ السَّلَامِ فِي تَرْكِ فَرْضٍ لَمْ يُؤَثِّرْ عَلَى الْمَشْهُورِ نَعَمْ إنْ كَانَ الْمَشْكُوكُ فِيهِ هُوَ النِّيَّةُ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ .
قَالَ النَّوَوِيُّ : وَكَذَا لَوْ شَكَّ فِي الطَّهَارَةِ فِي الْأَصَحِّ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّكَّ فِي الْأَرْكَانِ يَكْثُرُ لِكَثْرَتِهَا بِخِلَافِ الطَّهَارَةِ ، وَقِيَاسُهُ كَذَلِكَ فِي بَاقِي الشُّرُوطِ ، لَكِنْ سَيَأْتِي عَنْ النَّصِّ عَدَمُ الْإِعَادَةِ فِي صُورَةِ الطَّهَارَةِ لِلطَّوَافِ ، فَلَا يَحْتَاجُ لِلْفَرْقِ .
وَمِنْهَا : لَوْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ ثُمَّ شَكَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا فِي حَرْفٍ فَلَا أَثَرَ لَهُ ، كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ .
وَكَأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّاكِّ فِي تَرْكِ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ " الصَّلَاةِ أَنَّهَا " يَسِيرَةٌ مَضْبُوطَةٌ فَلَا مَشَقَّةَ فِي ضَبْطِهَا بِخِلَافِ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ وَتَشْدِيدَاتِهَا فَإِنَّهَا كَثِيرَةٌ فَلَمْ يُؤَثِّرْ الشَّكُّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا فِي تَرْكِ بَعْضِ حُرُوفِهَا لِلْمَشَقَّةِ ، وَقِيَاسُ التَّشَهُّدِ ، " إلْحَاقُهُ " بِالْفَاتِحَةِ .
وَمِنْهَا : فِي فَتَاوَى النَّوَوِيِّ تَوَضَّأَ الْمُحْدِثُ وَصَلَّى الصُّبْحَ ثُمَّ نَسِيَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ وَصَلَّى فَأَعَادَهَا ثُمَّ عَلِمَ تَرْكَ سَجْدَةٍ فِي إحْدَى الصَّلَاتَيْنِ وَمَسْحَ الرَّأْسِ فِي إحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ فَطَهَارَتُهُ صَحِيحَةٌ الْآنَ ، وَعَلَيْهِ إعَادَةُ الصَّلَاةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَرَكَ الْمَسْحَ مِنْ الْأُولَى وَالسَّجْدَةَ مِنْ الثَّانِيَةِ ، وَنَظِيرُهُ مَا حَكَاهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي الْمُطَارَحَاتِ فِيمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ وَصَلَّى

الْخَمْسَ ثُمَّ عَلِمَ تَرْكَ سَجْدَةٍ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْ الْخَمْسِ الَّتِي صَلَّاهَا ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ ثَانِيًا وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ بِأَمْرَيْنِ : " أَحَدُهُمَا " أَنَّ السَّجْدَةَ لَمْ نَتَحَقَّقْ أَنَّهَا مَتْرُوكَةٌ مِنْ الصَّلَاةِ الْمَتْرُوكَةِ ، بَلْ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مِنْ غَيْرِ الْمَتْرُوكَةِ وَهُوَ الْأَكْثَرُ وُقُوعًا ، لِأَنَّ وُقُوعَ وَاحِدٍ مِنْ أَرْبَعٍ أَكْثَرُ مِنْ وُقُوعِ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ .
وَالثَّانِي " أَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا الْإِعَادَةَ ثَانِيًا لَمْ نَأْمَنْ وُقُوعَ مِثْلِ ذَلِكَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ كَمَا قَالُوهُ فِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَضَاءُ الْحَجِّ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْإِفْسَادُ مَرَّةً ثَانِيَةً .
وَمِنْهَا : لَوْ شَكَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْوُضُوءِ فِي تَرْكِ مَسْحِ الرَّأْسِ أَوْ غَيْرِهِ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا " لَا يُؤَثِّرُ " ، كَمَا لَوْ شَكَّ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا .
قِيلَ " لِلشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ " فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ بِطَهَارَةٍ مَشْكُوكٍ فِيهَا ، قَالَ : يَجُوزُ ذَلِكَ ، كَمَا لَوْ شَكَّ هَلْ أَحْدَثَ أَمْ لَا .
وَفَرَّقَ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ " ثُمَّ " تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ بَعْدَ أَنْ شَكَّ فِي الْحَدَثِ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ " وَهَا هُنَا تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي أَنَّهُ زَالَ أَمْ لَا وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ " .
وَمِنْهَا : لَوْ شَكَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ غَسْلِ النَّجَاسَةِ عَنْ الثَّوْبِ أَوْ الْبَدَنِ هَلْ اسْتَوْعَبَهُ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا .
وَفِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ لَوْ اسْتَجْمَرَ وَصَلَّى وَشَكَّ هَلْ اسْتَعْمَلَ حَجَرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ بَعْدَ الْوُضُوءِ شَكَّ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ وَصَلَّى ثُمَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ شَكَّ فِي رُكْنٍ وَفِيهِ خِلَافٌ ، فَإِنْ قُلْنَا لَا تَجِبُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ فَهَا هُنَا لَا يُعِيدُ هَذِهِ الصَّلَاةَ ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ صَلَاةً أُخْرَى بَعْدَ الشَّكِّ مَا لَمْ " يَسْتَكْمِلْ " الِاسْتِنْجَاءَ ، " لِأَنَّهُ " حَالَةَ شُرُوعِهِ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ وَعَدَمِهَا

، وَلَوْ وَقَعَ هَذَا الشَّكُّ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَتَمَّهَا .
قُلْت : وَيَجِيءُ مِثْلُهُ فِي صُورَةِ الْوُضُوءِ ، وَمَا سَبَقَ مِنْ التَّصْحِيحِ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الرَّوْضَةِ .
وَفِي كِتَابِ الْحِيَلِ لِلْقَزْوِينِيِّ : لَوْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى ثُمَّ أَحْدَثَ وَشَكَّ هَلْ مَسَحَ رَأْسَهُ فِي ذَلِكَ الْوُضُوءِ أَمْ لَا : تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ .
وَلَوْ أَنَّهُ صَامَ ثُمَّ لَمَّا دَخَلَ اللَّيْلُ شَكَّ هَلْ كَانَ نَوَى فِيهِ أَمْ لَا ، لَمْ " يَضُرَّهُ " ، لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَوْ اعْتَرَضَهُ الشَّكُّ فِي الْوُضُوءِ قَبْلَ الْحَدَثِ بَطَلَ الْوُضُوءُ وَالصَّلَاةُ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُعَوَّلِ وَكَذَلِكَ لَوْ اعْتَرَضَهُ الشَّكُّ قَبْلَ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّوْمِ .
وَمِنْهَا لَوْ شَكَّ الصَّائِمُ فِي النِّيَّةِ بَعْدَ الْغُرُوبِ فَلَا أَثَرَ لَهُ " وَقَدْ تَعَرَّضَ لَهُ " فِي الرَّوْضَةِ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَةِ .
وَمِنْهَا لَوْ طَافَ لِلْعُمْرَةِ ثُمَّ شَكَّ هَلْ طَافَ بِطَهَارَةٍ أَمْ لَا لَمْ يَلْزَمْهُ إعَادَةُ الطَّوَافِ ، لِأَنَّهُ أَدَّى الْعِبَادَةَ فِي الظَّاهِرِ ، فَلَا يَسْقُطُ حُكْمُ ذَلِكَ بِالشَّكِّ .
نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ رِوَايَةِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ عَنْ النَّصِّ ، وَحَكَاهُ الْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ ، قَالَ : وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْمُصَلِّي يَشُكُّ بَعْدَ الْفَرَاغِ .
وَمِنْهَا لَوْ صَامَ يَوْمَيْنِ أَحَدُهُمَا فَرْضٌ وَالْآخَرُ نَفْلٌ وَعَلِمَ أَنَّهُ تَرَكَ النِّيَّةَ فِي أَحَدِهِمَا وَجَبَتْ إعَادَةُ الْفَرْضِ ، وَقَالَ وَالِدُ الرُّويَانِيِّ : لَا يَجِبُ لِلشَّكِّ ، قَالَهُ فِي الْبَحْرِ .

" ثَالِثُهَا " : الشَّكُّ فِي الْمَانِعِ .
وَذَلِكَ أَنَّا نَقُولُ مَا كَانَ وُجُودُهُ شَرْطًا كَانَ عَدَمُهُ مَانِعًا ، فَالشَّرْطُ فِي الْبَيْعِ وَالسَّلَمِ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ وَالْعَجْزُ مَانِعٌ ، وَإِذَا شَكَكْنَا فِي الشَّرْطِ ، لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ ، وَإِذَا شَكَكْنَا فِي الْمَانِعِ مِنْهُ " أَثْبَتْنَا " الْحُكْمَ عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ .
فَإِنْ قِيلَ : يَلْزَمُ مِنْ هَذَا التَّنَاقُضِ ، لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عِنْدَ الشَّكِّ فِي الشَّرْطِ أَنْ لَا يَتَرَتَّبَ الْحُكْمُ لِأَجْلِ الشَّكِّ فِي الشَّرْطِ وَإِنْ " تَرَتَّبَ " ، لِأَنَّهُ شَكٌّ فِي الْمَانِعِ وَذَلِكَ مُحَالٌ .
وَالْجَوَابُ " قَالَ " ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّا لَا نُرَتِّبُ الْحُكْمَ عِنْدَ الشَّكِّ فِي الشَّرْطِ إذَا كَانَ وُجُودِيًّا كَمَا إذَا شَكَّ هَلْ تَطْهُرُ أَمْ لَا ، " لِأَنَّ " الطَّهَارَةَ شَرْطٌ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا ، أَمَّا إذَا كَانَ عَدَمِيًّا ، فَالْأَصْلُ الْعَدَمُ فَتَرَتَّبَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ ، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا " رَحِمَهُمُ اللَّهُ " : إذَا قَالَ إنْ خَرَجْت بِغَيْرِ إذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَرَجَتْ وَادَّعَى أَنَّهُ أَذِنَ وَأَنْكَرَتْ الْإِذْنَ " فَالْقَوْلُ " قَوْلُهَا وَيَقَعُ الطَّلَاقُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَمَنْ لَمْ يُوقِعْهُ يَتَمَسَّكْ بِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ ، وَكَذَا يُقَالُ هُنَا إنَّمَا رَتَّبْنَا الْحُكْمَ عِنْدَ الشَّكِّ فِي وُجُودِ الْمَانِعِ ، إذَا كَانَ " الْمَانِعُ " وُجُودِيًّا ، كَمَا إذَا تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ فَإِنَّهُ مَانِعٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ فَإِنْ كَانَ عَدَمِيًّا فَلَا " يَتَرَتَّبُ " الْحُكْمُ ، وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ أَنْتَجَ أَنَّ مَا كَانَ وُجُودُهُ شَرْطًا فَعَدَمُهُ مَانِعٌ وَعِنْدَ الشَّكِّ " فِي وُجُودِهِ " لَا " يَتَرَتَّبُ " الْحُكْمُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُودِ ذَلِكَ الشَّرْطِ ، وَالْأَصْلُ وُجُودُ الْمَانِعِ فَلَا " تَنَاقُضَ " .

رَابِعُهَا : أَنْ يُعَارِضَهُ أَصْلٌ " ضَعِيفٌ " فَيَضْعُفُ الشَّكُّ حِينَئِذٍ .
وَيَتَّضِحُ بِصُوَرٍ : " إحْدَاهَا " لَوْ أَحْرَمَ وَتَزَوَّجَ وَشَكَّ هَلْ كَانَ تَزْوِيجُهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ ، أَوْ بَعْدَهُ فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ نَصَّ عَلَيْهِ " الشَّافِعِيُّ " رَحِمَهُ اللَّهُ " فِيمَا نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ " وَوَجْهُهُ " أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ " الْإِحْرَامِ " ، وَقَالَ الدَّارِمِيُّ نَصُّ الشَّافِعِيِّ " رَحِمَهُ اللَّهُ " " أَيْ " مِنْ جِهَةِ الْوَرَعِ عَلَى إيقَاعِ طَلْقَةٍ ، وَيُعْطِي نِصْفَ الصَّدَاقِ إنْ سَمَّى وَالْمُتْعَةَ إنْ لَمْ يُسَمِّ ، قَالَ وَفِي الْحُكْمِ النِّكَاحُ صَحِيحٌ وَخَرَجَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَوْلًا أَنَّهُ بَاطِلٌ " بِنَاءً " عَلَى الْمَلْفُوفِ .
" الثَّانِيَةُ " لَوْ أَرَادَ الْمُعْتَمِرُ إدْخَالَ الْحَجِّ قَبْلَ الطَّوَافِ جَازَ وَبَعْدَهُ : يَمْتَنِعُ ، فَلَوْ شَكَّ هَلْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ الطَّوَافِ أَوْ بَعْدَهُ ، قَالَ " الْأَصْحَابُ الْأَصْلُ " يَجْزِيهِ ، لِأَنَّ الْأَصْلَ جَوَازُ إدْخَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ ، إلَّا أَنْ يَتَيَقَّنَ " مَا يَمْنَعُ " ، حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَيْضًا .
" الثَّالِثَةُ " أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَشَكَّ هَلْ أَحْرَمَ بِهِ قَبْلَ أَشْهُرِهِ أَوْ بَعْدَهَا كَانَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ " الْعُمَرِيِّ " ، قَالَ لِأَنَّهُ عَلَى يَقِينٍ " مِنْ هَذَا الزَّمَانِ ، وَفِي شَكٍّ " مِمَّا " تَقَدَّمَ .
وَمِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يُؤْخَذُ " أَنَّ " صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا " لَوْ " تَيَقَّنَ دُخُولَ أَشْهُرِ الْحَجِّ ، فَإِنْ شَكَّ هَلْ دَخَلَتْ أَمْ لَا " انْعَقَدَ " عُمْرَةً .
وَلِهَذَا قَالَ : لَوْ أَحْرَمَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ شَكَّ هَلْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَهُوَ عُمْرَةٌ " ، لِأَنَّهُ لَا شَكَّ فِيهِ ، وَفِي الْبَحْرِ لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ شَكَّ وَهُوَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ، هَلْ أَحْرَمَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ قَبْلَهَا هَلْ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ أَوْ الْعُمْرَةُ " أَوْ " هُمَا ؟ وَجْهَانِ عَنْ وَالِدَيْ أَحَدُهُمَا يَجْتَهِدُ وَيَبْنِي عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ وَالثَّانِي يَأْتِي بِالْحَجِّ " فَيَتَيَقَّنُ " سُقُوطَ

الْفَرْضِ .
وَأَصْلُهَا إذَا أَحْرَمَ فِي وَقْتِهِ ثُمَّ نَسِيَ بِمَاذَا أَحْرَمَ مَا الَّذِي يَلْزَمُهُ ؟ فِيهِ قَوْلَانِ ، هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ وَقْتَ الْإِحْرَامِ وَوَقْتَ دُخُولِ الْأَشْهُرِ ، وَشَكَّ فِي وَقْتِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْأَشْهُرِ فَإِنْ عَلِمَ وَقْتَ الْإِحْرَامِ وَشَكَّ فِي وَقْتِ دُخُولِ الْأَشْهُرِ لَزِمَهُ الْعُمْرَةُ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْأَشْهُرَ لَمْ تَدْخُلْ .
الرَّابِعَةُ : إذَا قُلْنَا لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الشَّافِعِيِّ بِالْحَنَفِيِّ إذَا تَرَكَ وَاجِبًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ فَلَوْ شَكَّ هَلْ تَرَكَ أَوْ أَتَى بِهِ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا فِي الرَّوْضَةِ الْجَوَازُ ، كَمَا لَوْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ أَتَى بِهِ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَيَحْتَمِلُ بِنَاؤُهَا عَلَى الْأَصْلِ وَالظَّاهِرِ .
وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا لَوْ شَكَّ فِي إدْرَاكِ حَدِّ الْأَجْزَاءِ فِي الرُّكُوعِ ، لَا تُحْسَبُ رَكْعَةٌ فِي الْأَظْهَرِ .
الْخَامِسَةُ : إذَا شَكَّ فِي " التَّقَدُّمِ " عَلَى إمَامِهِ فِي الْمَوْقِفِ لَمْ يَضُرَّهُ عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ ، وَقِيلَ إنْ جَاءَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْ الْإِمَامِ ضُرَّ ، وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ الْقِيَاسُ ، وَلَكِنَّ وَجْهَ النَّصِّ أَنَّ الصَّلَاةَ انْعَقَدَتْ عَلَى الصِّحَّةِ ، وَالشَّكُّ فِي الْمُبْطِلِ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ .
وَاسْتَشْكَلَ عَلَيْهِ مَا لَوْ صَلَّى وَشَكَّ هَلْ تَقَدَّمَ عَلَى الْإِمَامِ بِالتَّكْبِيرِ أَمْ لَا لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ الصِّحَّةَ فِي الْمَوْقِفِ أَكْثَرُ وُقُوعًا فَإِنَّهَا تَصِحُّ فِي صُورَتَيْنِ وَتَبْطُلُ فِي وَاحِدَةٍ : فَتَصِحُّ مَعَ التَّأْخِيرِ وَالْمُسَاوَاةِ وَتَبْطُلُ مَعَ التَّقْدِيمِ خَاصَّةً ، وَالصِّحَّةُ فِي التَّكْبِيرِ أَقَلُّ وُقُوعًا فَإِنَّهَا تَبْطُلُ بِالْمُقَارَنَةِ وَالتَّقَدُّمِ ، وَتَصِحُّ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ التَّأْخِيرُ .
السَّادِسَةُ : لَوْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهُ مِائَةَ سَوْطٍ فَشَدَّ مِائَةً وَضَرَبَهُ بِهَا " ضَرْبَةً " بَرَّ إنْ عَلِمَ إصَابَةَ الْكُلِّ ، وَإِنْ شَكَّ فِي إصَابَتِهِ ، فَالنَّصُّ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَنَصَّ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَيَدْخُلَنَّ

الدَّارَ الْيَوْمَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ وَلَمْ يَدْخُلْ وَمَاتَ زَيْدٌ ، وَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ شَاءَ أَمْ لَا ، " أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ " ، وَفِيهِ طَرِيقَانِ " أَصَحُّهُمَا تَقْرِيرُ " النِّصْفَيْنِ " وَالْفَرْقُ أَنَّ الضَّرْبَ سَبَبٌ ظَاهِرٌ فِي الِانْكِبَاسِ وَالتَّثْقِيلِ " فَيَكْتَفِي " فِيهِ " وَلَا إمَارَةَ هُنَا تَدُلُّ عَلَى مَشِيئَتِهِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا " قَالَ " النَّوَوِيُّ ذَكَرَ الدَّارِمِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي أَنَّهُ " إذَا " شَكَّ حَنِثَ ، وَإِنَّمَا " لَمْ " يَحْنَثْ عَلَى الْمَنْصُوصِ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إصَابَةُ الْجَمِيعِ وَهُوَ أَحْسَنُ ، لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ ، لِأَنَّهُ بَعْدَ هَذَا الضَّرْبِ شَكَّ فِي الْحِنْثِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ .
انْتَهَى .
قُلْت : قَدْ قَطَعَ الْإِمَامُ بِاشْتِرَاطِ غَلَبَةِ الظَّنِّ وَقَالَ لَا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ .
السَّابِعَةُ : لَمَسَ امْرَأَةً وَشَكَّ هَلْ هِيَ مَحْرَمٌ أَوْ أَجْنَبِيَّةٌ فَتَحْرُمُ وَكَذَا لَوْ شَكَّ أَلَامِسٌ هُوَ " أَمْ " مَلْمُوسٌ " فَمَلْمُوسٌ " جَزَمَ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ .
وَلَوْ تَيَقَّنَ بَعْدَ الطَّهَارَةِ أَنَّهُ رَأَى رُؤْيَا وَشَكَّ هَلْ كَانَ النَّوْمُ الَّذِي رَأَى " فِيهِ " تِلْكَ الرُّؤْيَا عَلَى هَيْئَةِ الِاضْطِجَاعِ أَوْ الْقُعُودِ ، قَالَ الْبَغَوِيّ يُحْكَمُ بِحَدَثِهِ ، قَالَ النَّوَوِيُّ وَالصَّوَابُ عَدَمُ الِانْتِقَاضِ لِلشَّكِّ فِي الْمُوجِبِ .
الثَّامِنَةُ : لَوْ انْتَبَهَ فَرَأَى بَلَلًا وَشَكَّ أَنَّهُ " وَدْيٌ " أَوْ مَنِيٌّ ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ فَلَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ مَنِيٌّ لِكَوْنِ الْوَدْيِ لَا يَلِيقُ بِطَبْعِهِ " أَوْ لِتَذَكُّرٍ " وِقَاعِ تَخَيُّلِهِ فِي النَّوْمِ قَالَ الْإِمَامُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يَسْتَصْحِبُ يَقِينَ الطَّهَارَةِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَحْمِلَ الْأَمْرَ عَلَى غَالِبِ الظَّنِّ ، " قَالَ " الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْغُسْلِ وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ أَوْفَقُ لِكَلَامِ الْمُعْظَمِ انْتَهَى ، وَفِي هَذَا أَعْمَالُ الطَّرَفِ الْمَرْجُوحِ .
التَّاسِعَةُ : وَقَعَتْ نَجَاسَةٌ فِي مَاءٍ " وَشَكَّ " هَلْ هُوَ قُلَّتَانِ فَالْمَنْقُولُ نَجَاسَتُهُ وَالْإِمَامُ احْتِمَالُ أَنَّهُ

طَهُورٌ ، قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلشَّكِّ فِي التَّنْجِيسِ .
الْعَاشِرَةُ : أَدْخَلَ الْكَلْبُ فَاهُ فِي إنَاءٍ وَخَرَجَ بِلَا رُطُوبَةٍ لَمْ يُحْكَمْ بِنَجَاسَةِ الْإِنَاءِ وَلَوْ خَرَجَ وَعَلَيْهِ رُطُوبَةٌ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا كَذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِنْ لُعَابِهِ ، وَالْأَصْلُ طَهَارَةُ الْإِنَاءِ .
أَمَّا إذَا لَمْ يَعْتَضِدْ مُقَابِلَهُ بِأَصْلٍ فَيَنْتَهِضُ الشَّكُّ كَمَا لَوْ شَكَّ بَعْدَ الْفَجْرِ هَلْ نَوَى أَمْ لَا لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ وَيَلْزَمُهُ الْإِمْسَاكُ وَالْقَضَاءُ ، وَفِي الْبَحْرِ أَنَّهُ يَصِحُّ وَهُوَ بَعِيدٌ .
وَلَوْ شَكَّ هَلْ كَانَتْ نِيَّتُهُ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ ، قَطَعَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ ، قَالَ النَّوَوِيُّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجِيءَ فِيهِ خِلَافٌ ، وَكَذَا لَوْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ وَشَكَّ هَلْ هُوَ مَانِعٌ أَوْ مَاءٌ لَمْ يَصِحَّ لِوُجُوبِ النِّيَّةِ وَشَرْطُهَا الْجَزْمُ وَهُوَ مَفْقُودٌ .
وَلَوْ اسْتَنْجَى بِشَيْءٍ وَشَكَّ هَلْ هُوَ عَظْمٌ أَوْ مَطْعُومٌ أَوْ غَيْرُهُ مِمَّا يَمْتَنِعُ الِاسْتِنْجَاءُ " بِهِ فَهَلْ يُجْزِئُهُ ؟ " قَوْلَانِ " : وَلَوْ مَسَّ مَنْ لَهُ كَفَّانِ عَامِلَتَانِ أَوْ غَيْرَ عَامِلَتَيْنِ " بِإِحْدَاهُمَا " ، فَإِنَّهُ يَنْتَقِضُ مَعَ الشَّكِّ فِي أَنَّهَا أَصْلِيَّةٌ أَوْ زَائِدَةٌ وَكَذَا " الذَّكَرَانِ " ، كَمَا يُفْهِمُهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ اللَّمْسِ ، وَحَكَى فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْبَيَانِ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ أَحَدُ الْعَامِلِينَ كَالْخُنْثَى وَهُوَ الْقِيَاسُ .

الْبَحْثُ الثَّالِثُ : إذَا " أَقْدَمَ " شَاكًّا فِي حُصُولِ الشَّرْطِ ، ثُمَّ بَانَ مُصَادَفَتُهُ هَلْ يَجْزِيهِ " هُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ .
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ النِّيَّةُ أَوْ بَنَى عَلَى الِاحْتِيَاطِ ، فَلَا يَجْزِيهِ " ، كَمَا لَوْ صَلَّى شَاكًّا فِي دُخُولِ الْوَقْتِ ثُمَّ بَانَ دُخُولُهُ ، وَكَمَا لَوْ تَوَضَّأَ بِالْإِنَاءِ الْمُشْتَبَهِ مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ كَانَ طَاهِرًا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَلَا وُضُوءُهُ ، فَلَوْ غَسَلَ بِهِ نَجَاسَةً لَمْ يَصِحَّ بِنَاءً عَلَى نِيَّتِهِ قَبْلَ التَّبْيِينِ وَتَصِحُّ بَعْدَ التَّبْيِينِ بِنَاءً عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ لَا تَفْتَقِرُ لِلنِّيَّةِ .
وَلَوْ شَكَّ فِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ فَمَسَحَ ثُمَّ تَيَقَّنَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الْمَسْحِ ، وَيَقْضِي مَا صَلَّى بِهِ .
وَلَوْ تَيَمَّمَ وَهُوَ شَاكٌّ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ ، ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ فِي الْوَقْتِ لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ وَكَذَا لَوْ طَلَبَ الْمَاءَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنْ لَا مَاءَ ، لَمْ يُحْسَبْ تَيَمُّمُهُ .
وَلَوْ ظَنَّ أَنَّ عَلَيْهِ فَائِتَةً وَلَمْ يَتَحَقَّقْهَا فَتَيَمَّمَ لَهَا ، ثُمَّ تَذَّكَّرَهَا ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلِّيَهَا بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ ، لِأَنَّ وَقْتَ الْفَائِتَةِ " بِالتَّذَكُّرِ " .
قَالَ الشَّاشِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ تَوَضَّأَ " مُحْتَاطًا " " بِمَاءٍ طَاهِرٍ " ، ثُمَّ تَبَيَّنَ حَدَثَهُ ، وَكَذَا لَوْ صَامَ الْأَسِيرُ فِي " مَطْمُورَةٍ " مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ صَامَ فِي الْوَقْتِ لَمْ يَصِحَّ ، أَوْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ فَصَلَّى بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ صَلَّى لِلْقِبْلَةِ ، وَكَذَا لَوْ حَكَمَ الْقَاضِي بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ ثُمَّ " بَانَ مُصَادَفَتُهُ " لِلْمُسْتَنَدِ لَا يَصِحُّ .
وَلَوْ وَلَّى الْإِمَامُ قَاضِيًا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ اتِّصَافَهُ بِالْأَهْلِيَّةِ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ " كَانَ أَهْلًا " ، وَمَنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَاضِيًا " لَوْ وُلِّيَ " وَحَكَمَ لَمْ تَنْفُذْ أَحْكَامُهُ وَإِنْ

كَانَتْ صَوَابًا ، قَالَهُ الدَّبِيلِيُّ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ ، وَحَكَى " ابْنُ عَبْدَانِ " فِي الشَّرَائِطِ مَنْ وَلِيَ " الْقَضَاءَ " مِنْ غَيْرِ أَهْلِيَّةٍ فَوَافَقَ الْحَقَّ فِي حُكُومَةٍ نُفِّذَتْ تِلْكَ الْحُكُومَةُ عِنْدَ الْإِصْطَخْرِيِّ ، قَالَ وَخَالَفَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ .
وَلَوْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ شَكَّ فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِ ، كَالْخُنْثَى ، ثُمَّ بَانَ لَمْ يَصِحَّ .
وَلَوْ قَالَ إنْ كُنْت حَلَفْت فَعَبْدِي هَذَا حُرٌّ عَنْ ظِهَارِي ، ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ ظَاهَرَ لَا يُعْتَقُ .
" وَمِنْهَا " لَوْ أَذِنَتْ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ زَيْدٍ فَوَكَّلَ الْوَلِيُّ فِي تَزْوِيجِهَا ، وَأَطْلَقَ فَزَوَّجَهَا الْوَكِيلُ مِنْ الَّذِي عَيَّنَتْهُ هِيَ لِوَلِيِّهَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ .
وَلَوْ ارْتَابَتْ فِي الْعِدَّةِ قَبْلَ انْقِضَائِهَا " لَمْ تُنْكَحْ بَعْدَ " الْأَقْرَاءِ إنْ اسْتَمَرَّتْ الرِّيبَةُ فَلَوْ نُكِحَتْ بَطَلَ ، وَإِنْ بَانَ بِمُصَادَفَتِهِ لِلْبَيْنُونَةِ .
وَلَوْ بَاعَ صُبْرَةً بِصُبْرَةٍ جُزَافًا وَخَرَجَتَا سَوَاءٌ لَمْ يَصِحَّ ، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا أُخْتُهُ أَمْ أَجْنَبِيَّةٌ أَمْ مُعْتَدَّةٌ فَبَانَتْ أَجْنَبِيَّةً خَلِيَّةً .
وَلَوْ شَكَّ بَعْدَ الْوَقْتِ هَلْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ أَمْ لَا " لَمْ " يَلْزَمْهُ قَضَاؤُهَا ، وَلَوْ قَضَاهَا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا كَانَتْ عَلَيْهِ لَمْ يُجْزِئُهُ بِلَا خِلَافٍ ، كَمَا قَالَهُ فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ مِنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ، وَالْقِيَاسُ تَخْرِيجُهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ شَكَّ فِي حَدَثِهِ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ بَانَ حَدَثُهُ لَا يَرْتَفِعُ فِي الْأَصَحِّ .

الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ فَيُجْزِئُهُ فِي صُوَرٍ : إحْدَاهَا لَوْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ شَاكًّا فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ طَلَعَ فَإِنَّ وُقُوفَهُ صَحِيحٌ مُسْقِطٌ لِلْفَرْضِ ، قَالَهُ الشَّاشِيُّ فِي الْمُعْتَمَدِ .
الثَّانِيَةُ : " إذَا " أَحْرَمَ بِالْحَجِّ شَاكًّا فِي دُخُولِ الْوَقْتِ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ كَانَ دَخَلَ فَيَنْبَغِي الصِّحَّةُ ، لِأَنَّهُ شَدِيدُ اللُّزُومِ ، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا سَبَقَ فِي فَصْلِ الْخَطَأِ أَنَّهُمْ لَوْ اجْتَهَدُوا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأَحْرَمُوا " وَبَانَ " الْخَطَأُ عَامًّا أَنَّهُ يَنْعَقِدُ حَجًّا ، كَمَا لَوْ وَقَفُوا الْعَاشِرَ " أَوْ عُمْرَةً " وَجْهَانِ .
الثَّالِثَةُ : قَالَ الدَّارِمِيُّ : لَوْ شَكَّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَهُ الْأَكْلُ ، فَإِنْ بَانَ أَنَّهُ أَكَلَ " مِنْ " قَبْلِ الْفَجْرِ " أَوْ لَمْ " يَبِنْ فَلَا شَكَّ عَلَيْهِ أَوْ بَعْدَهُ أَعَادَ ، وَإِنْ شَكَّ فِي غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ لَمْ يَأْكُلْ فَإِنْ أَكَلَ فَعَلِمَ أَنَّهَا كَانَتْ غَائِبَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا لَمْ تَغِبْ أَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ أَعَادَ .
قُلْت وَعَلَى هَذَا فَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا إذَا شَكَّ فِي الْغُرُوبِ ثُمَّ بَانَ أَنَّهَا غَرَبَتْ حَيْثُ لَا يُعِيدُ لِأَنَّهُ صَادَفَ اللَّيْلَ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ أَنَّ الْعِبَادَةَ هُنَا وَقَعَتْ عَلَى الصِّحَّةِ ، ثُمَّ شَكَّ فِي الْمُفْسِدِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ فَإِنَّ ابْتِدَاءَهَا وَقَعَ عَلَى الشَّكِّ الرَّابِعَةُ : شَكَّ الصَّائِمُ فِي أَنَّهُ نَوَى قَبْلَ الْفَجْرِ فَقَطَعَ الصَّيْمَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ " وَالْعِمْرَانِيُّ " بِمَنْعِ الصِّحَّةِ ، قَالَ النَّوَوِيُّ وَيَحْتَمِلُ مَجِيءُ وَجْهٍ مِنْ الشَّكِّ فِي إدْرَاكِ رُكُوعِ الْإِمَامِ وَإِنْ تَذَكَّرَ " بَعْدَ " مُضِيِّ أَكْثَرِ النَّهَارِ التَّبْيِيتَ صَحَّ قَطْعًا .
الْخَامِسَةُ : أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ آخِرَ وَقْتِ الْجُمُعَةِ وَنَوَى الْجُمُعَةَ إنْ كَانَ وَقْتُهَا بَاقِيًا ، وَإِلَّا فَالظُّهْرَ ، " ثُمَّ بَانَ " بَقَاءُ " الْوَقْتِ " ، وَمِثْلُهُ نِيَّةُ الصَّوْمِ عَنْ رَمَضَانَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَان إذَا اعْتَقَدَ كَوْنَهُ مِنْهُ .

السَّادِسَةُ : بَاعَ مَالَ أَبِيهِ يَظُنُّ حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا صَحَّ فِي الْأَظْهَرِ .
السَّابِعَةُ : عَقَدَ النِّكَاحَ بِخُنْثَيَيْنِ فَبَانَا ذَكَرَيْنِ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ .
الثَّامِنَةُ : امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ عَلَى الْقَدِيمِ تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ تَعْتَدُّ لِوَفَاتِهِ وَتَنْكِحُ ، فَلَوْ نَكَحَتْ بَعْدَ التَّرَبُّصِ وَالْعِدَّةِ فَبَانَ مَيِّتًا صَحَّ عَلَى الْجَدِيدِ فِي الْأَصَحِّ .
التَّاسِعَةُ : صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ظُهْرًا بِنِيَّةِ الْفَائِتَةِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ ، قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ قَالَ وَالِدِي يَجُوزُ عَنْ فَرْضِهِ الْفَائِتِ ، لِأَنَّ بِالْإِجْمَاعِ لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ وَفَرَغَ " مِنْهُ " ثُمَّ شَكَّ فِي بَعْضِ فَرَائِضِهِ " يُسْتَحَبُّ " الْإِعَادَةُ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ فَلَوْلَا أَنَّ الْأُولَى إذَا تَبَيَّنَ " فَسَادُهَا " " تَقَعُ " الثَّانِيَةُ عَنْ فَرْضِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْإِعَادَةِ مَعْنًى وَبَانَ " بِذَلِكَ " أَنَّ شَكَّهُ فِي وُجُوبِهِ عَلَيْهِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ فِعْلِهِ ، وَقَدْ صَحَّ أَيْضًا أَنْ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ خَمْسِ صَلَوَاتٍ يُؤَدِّيهَا كُلَّهَا وَفِي كُلِّ صَلَاةٍ مِنْهَا لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ بِعْنِيهَا فَبَانَ بِهَذَا أَنَّ هَذِهِ الْمَعْرِفَةَ لَا تَكُونُ شَرْطًا فِيمَا يُؤَدِّيه مِنْ الصَّلَوَاتِ .
قُلْت وَالْمُتَّجَهُ جَعْلُ هَذِهِ الصُّورَةِ مِنْ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَبَقَ فِيمَنْ شَكَّ هَلْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ فَفَعَلَهَا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا عَلَيْهِ لَا تُجْزِئُهُ .
الْعَاشِرَةُ : لَوْ ظَنَّ أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا فَأَعْطَاهُ قَدْرَ الدَّيْنِ ، وَقَالَ إنْ كَانَ " عَلَيْهِ " دَيْنٌ فَهَذَا مِنْ قَبْلِ الدَّيْنِ " وَإِنْ لَمْ " يَكُنْ فَهُوَ تَبَرُّعٌ وَهِبَةٌ ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَقَعُ مَحْسُوبًا ، قَالَهُ الْمُتَوَلِّي ، وَفَرَّقَ " بَيْنَهَا " وَبَيْنَ مَا سَبَقَ " بِأَنَّ " النِّيَّةَ " هُنَا " لَيْسَتْ بِشَرْطٍ حَتَّى " أَنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ لَوْ أَخَذَ " قَدْرَ حَقِّهِ مِنْ مَالِهِ تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ .
تَنْبِيهٌ : قَيَّدَ بَعْضُهُمْ " هَذَا "

الضَّابِطَ فَقَالَ مَا أَتَى بِهِ الْمُكَلَّفُ فِي حَالِ الشَّكِّ لَا عَلَى وَجْهِ الِاحْتِيَاطِ " وَلَا " لِامْتِثَالِ الْأَمْرِ فَوَافَقَ الصَّوَابَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ، فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ لِأَجْلِ اشْتِرَاطِ الْجَزْمِ بِالنِّيَّةِ .
قَالَ وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا " لَا عَلَى وَجْهِ الِاحْتِيَاطِ " صُوَرٌ : " أَحَدُهَا " : إذَا شَكَّ هَلْ أَصَابَ الثَّوْبَ نَجَاسَةٌ أَمْ لَا فَغَسَلَهُ احْتِيَاطًا ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ كَانَ نَجِسًا ، فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ .
قُلْت : هَذَا إنَّمَا يَجِيءُ عَلَى وَجْهِ ابْنِ سُرَيْجٍ الْمُوجِبِ لِلنِّيَّةِ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ .
الثَّانِيَةِ : الْمُحْدِثُ إذَا شَكَّ هَلْ تَوَضَّأَ أَمْ لَا فَتَوَضَّأَ احْتِيَاطًا ثُمَّ بَانَ حَدَثُهُ ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ وُضُوءُهُ قَطْعًا ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَدَثِ " فَلَمْ " يَكُنْ لِلتَّرَدُّدِ هُنَا تَأْثِيرٌ .
قُلْت : وَتَصْوِيرُهُ مُشْكِلٌ ، لِأَنَّهُ إمَّا مُتَطَهِّرٌ أَوْ مُحْدِثٌ ، فَإِنْ كَانَ مُتَطَهِّرًا فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ إذْ لَمْ يَنْوِ التَّجْدِيدَ ، بَلْ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا فَلَا يَصِحُّ ، لِعَدَمِ جَزْمِ نِيَّتِهِ .
وَيَظْهَرُ تَصْوِيرُهُ فِيمَا إذَا قَالَ نَوَيْت رَفْعَ " الْحَدَثِ إنْ " كَانَ عَلَيَّ حَدَثٌ ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ حَدَثٌ ارْتَفَعَ ، وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ ، وَيُغْتَفَرُ التَّعْلِيقُ هُنَا ، كَالْمُسَافِرِ إذَا نَوَى خَلْفَ مَنْ شَكَّ فِي " نِيَّةِ " الْقَصْرِ ، فَقَالَ ، إنْ قَصَرَ قَصَرْت .
الثَّالِثَةُ : إذَا نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ وَلَمْ يَعْرِفْ عَيْنَهَا ، فَإِنَّهُ يُصَلِّي الْخَمْسَ وَيَبْرَأُ مِمَّا عَلَيْهِ مَعَ الشَّكِّ فِي كُلِّ صَلَاةٍ ، لِأَنَّهُ أَتَى بِهَا عَلَى وَجْهِ الِاحْتِيَاطِ .
قُلْت : فَلَوْ تَذَكَّرَ الْمَنْسِيَّةَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ النَّوَوِيُّ لَمْ أَرَ فِيهَا نَقْلًا وَيَنْبَغِي أَنْ " يَتَخَرَّجَ " عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي وُضُوءِ الِاحْتِيَاطِ .
انْتَهَى .
وَالظَّاهِرُ الْقَطْعُ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الْبَحْرِ ، وَالْفَرْقُ " بَيْنَهَا " وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْحَدَثِ تَحَقُّقُ شَغْلِ الذِّمَّةِ ، فَهُوَ

جَازِمٌ " بِهِ " بِقَصْدِ الْبَرَاءَةِ ، وَلَا طَرِيقَ إلَى مَعْرِفَةِ الْيَقِينِ حِينَئِذٍ ، بِخِلَافِ صُورَةِ الشَّكِّ فِي الْحَدَثِ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ جَازِمًا بِالشَّغْلِ فَافْتَرَقَا .
وَقَوْلُنَا " وَلَا " لِامْتِثَالِ الْأَمْرِ " احْتِرَازًا " مِمَّا إذَا اجْتَهَدَ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ بِالِاجْتِهَادِ شَيْءٌ ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَعَاطِيهِ ، وَإِنْ كَانَ " الشَّكُّ " بَعْدُ قَائِمًا لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْعَمَلِ بِمَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ .
نَعَمْ ، إذَا تَيَقَّنَ الْخَطَأَ بَعْدَ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّدَارُكُ وَمَتَى تَجَرَّدَ فِعْلُ الْعِبَادَةِ مَعَ الشَّكِّ " مِنْ " هَذَيْنِ الْقَيْدَيْنِ كَانَ غَيْرَ مُجْزِئٍ ، كَمَا فِي الصُّوَرِ السَّابِقَةِ .

الرَّابِعُ : الشَّكُّ فِي أَثْنَاءِ الْعِبَادَةِ لَا يَرْفَعُهُ إلَّا الْيَقِينُ ، وَلَا يَجُوزُ مَعَهُ إلَّا الِاجْتِهَادُ ، كَالْمُصَلِّي يَشُكُّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ ، فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ ، لِيَتَحَقَّقَ الْخُرُوجُ عَمَّا شَرَعَ فِيهِ ، وَكَمَا إذَا أَحْرَمَ بِنُسُكٍ مُعَيَّنٍ ، ثُمَّ نَسِيَهُ فَالْجَدِيدُ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجْتَهِدُ وَطَرِيقُهُ " أَنْ " يَنْوِيَ الْقِرَانَ ، وَيَأْتِيَ بِأَعْمَالِ النُّسُكَيْنِ ، لِأَنَّ بِهِ يَخْرُجُ عَمَّا عَلَيْهِ بِيَقِينٍ ، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ قَدْ نَوَاهُ لَمْ تَضُرَّ نِيَّتُهُ ثَانِيًا كَأَنْ نَوَى عُمْرَةً فَإِدْخَالُ الْحَجِّ عَلَيْهَا جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ نَوَى حَجًّا فَإِدْخَالُ الْعُمْرَةِ عَلَيْهِ لَا يَقْدَحُ وَإِنْ كَانَ فِي " صِحَّتِهَا " خِلَافٌ ، وَفِي الْقَدِيمِ يَجْتَهِدُ لِإِمْكَانِ ادِّرَاكِهِ بِالتَّحَرِّي ، كَمَا فِي الْقِبْلَةِ وَالْأَوَانِي ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ ، لِأَنَّ التَّحَرِّيَ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَإِنَّهُ شَكٌّ فِي فِعْلِ نَفْسِهِ لَا إمَارَةَ عَلَيْهِ ، وَالِاجْتِهَادُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الْإِمَارَاتِ ، وَلِأَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ أَمْكَنَ أَدَاؤُهَا بِيَقِينٍ لَا يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ فِيهَا ، وَلَا " يُرَدُّ " الِاجْتِهَادُ .
فِي الْقِبْلَةِ وَالْأَوَانِي وَالثِّيَابِ وَالْوَقْتِ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَحْصُلُ بِهَا بِيَقِينٍ ، إلَّا بَعْدَ فِعْلٍ مَحْظُورٍ ، وَهُوَ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَيَتَوَضَّأَ بِمَاءٍ نَجِسِ وَيُصَلِّيَ فِي ثَوْبٍ نَجِسٍ وَيُصَلِّيَ قَبْلَ الْوَقْتِ ، " فَلِذَلِكَ " جَازَ الِاجْتِهَادُ .
وَقَالُوا لَوْ اجْتَهَدَ جُمِعَ فِي أَوَانِ فِيهَا إنَاءَانِ طَاهِرَانِ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّ كُلٍّ وَاحِد " مِنْهُمْ " طَهَارَةُ وَاحِدٍ هَلْ يَجُوزُ اقْتِدَاءُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَجِّ ، حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ ، " قَالَ " وَهَذَا خِلَافٌ فِي " أَنَّ " الِاقْتِدَاءَ هَلْ يَجُوزُ بِالتَّحَرِّي وَالِاجْتِهَادِ ؟ نَعَمْ يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ لِلصَّائِمِ آخِرَ النَّهَارِ خِلَافًا لِلْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ حَيْثُ قَالَ لَا يُفْطِرُ إلَّا بِيَقِينٍ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ كَأَرْكَانِ

الصَّلَاةِ وَخِلَافُهُ جَارٍ فِيهَا أَيْضًا .

الْخَامِسُ : إذَا شَكَّ هَلْ فَعَلَ أَمْ لَا فَالْأَصْلُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ .
وَمِنْ ثَمَّ لَوْ شَكَّ هَلْ " رَضَعَ " خَمْسًا أَوْ أَقَلَّ أَوْ هَلْ رَضَعَ فِي الْحَوْلَيْنِ أَمْ بَعْدُ لَمْ يَثْبُتْ التَّحْرِيمُ .
" وَلَوْ لَمْ يَتَحَقَّقْ " الْمُتَوَضِّئُ خُرُوجَ شَيْءٍ مِنْهُ ، وَلَكِنْ شَكَّ هَلْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ هُوَ " مَنِيّ " أَمْ لَا ، فَلَا خِلَافَ ، كَمَا قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ ، أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ خُرُوجِ شَيْءٍ ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَغْتَسِلَ لِاحْتِمَالِ خُرُوجِ الْمَنِيِّ ، وَقَدْ مُثِّلَ هَذَا بِمَنْ يَرَى فِي نَوْمِهِ أَنَّهُ قَدْ احْتَلَمَ وَلَا يَرَى فِي ثَوْبِهِ بَلَلًا ، وَقَالَ وَقَضِيَّةُ مَذْهَبِ مَالِكٍ " رَحِمَهُ اللَّهُ " فَمَا إذَا شَكَّ هَلْ أَحْدَثَ أَمْ لَا " أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ " أَنَّهُ يَلْزَمُهُ فِي هَذِهِ " الْحَالَةِ " الْغُسْلُ وَإِذَا فَعَلَ ثُمَّ شَكَّ هَلْ " تَرَكَ فِعْلًا فَالْأَصْلُ " أَنَّهُ فَعَلَ ، " لِأَنَّ الصُّورَةَ أَنَّهُ فَعَلَ " يَقِينًا ، فَلَا يَبْطُلُ بِالشَّكِّ فِي مُبْطِلِهِ .
وَمِنْ ثَمَّ لَوْ صَلَّى ثُمَّ شَكَّ هَلْ تَرَكَ بَعْضًا لَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ .
وَلَوْ شَكَّ هَلْ تَقَدَّمَ عَلَى الْإِمَامِ أَمْ لَا صَحَّتْ صَلَاتُهُ عَلَى " النَّصِّ " ، لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ الْفِعْلَ وَشَكَّ فِي الْمُبْطِلِ ، وَكَذَا لَوْ شَكَّ فِي " إصَابَةِ " الْجَمِيعِ فِي مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ .
وَلَوْ أَدْرَكَ الصَّيْدَ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ وَتَعَذَّرَ ذَبْحُهُ حَتَّى مَاتَ حَلَّ فَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ لَمْ يَحِلَّ ، وَكَذَا لَوْ شَكَّ بَعْدَ مَوْتِهِ ، هَلْ تَمَكَّنَ مِنْ ذَكَاتِهِ فَيَحْرُمُ أَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ فَيَحِلُّ فَقَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا الْحِلُّ .

السَّادِسُ : إذَا تَيَقَّنَ الْفِعْلَ وَشَكَّ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ حَمَلَ عَلَى الْقَلِيلِ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ .
كَمَا لَوْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ يَبْنِي عَلَى وَاحِدَةٍ وَلَا يَخْفَى الْوَرَعُ .
وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَشَكَّ فِي قَدْرِهِ لَزِمَهُ إخْرَاجُ الْمُتَيَقَّنِ فَقَطْ قَطَعَ بِهِ الْإِمَامُ فِي " بَابِ " زَكَاةِ النَّقْدِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ تَشْتَغِلَ الذِّمَّةُ بِالْأَصْلِ فَلَا تَبْرَأُ إلَّا بِيَقِينٍ ، كَمَا لَوْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ يَلْزَمُهُ الْخَمْسُ .
وَلَوْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ تَرَكَ رُكْنًا وَأَشْكَلَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الرُّكْنُ لَا يَدْرِي أَنَّهُ الْقِرَاءَةُ أَوْ الرُّكُوعُ أَوْ الِاعْتِدَالُ ، فَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ بِأَسْوَأِ " الْأَحْوَالِ " ، وَيَرْجِعُ إلَى الْقِرَاءَةِ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ زَكَاةٌ وَلَمْ يَدْرِ هَلْ هِيَ بَقَرَةٌ أَوْ شَاةٌ فَإِنَّهُمَا تَجِبَانِ ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ " وَقَاسَهُ " عَلَى الصَّلَاةِ ، وَمِنْهُ يُعْلَمُ تَصْوِيرُهَا بِمَا " إذَا " وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَمْرَانِ ، وَأَخْرَجَ أَحَدَهُمَا وَشَكَّ فِيهِ أَمَّا إذَا وَجَبَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ وَشَكَّ فِي عَيْنِهِ فَيُتَّجَهُ إلْحَاقُهَا بِمَا إذَا شَكَّ فِي الْخَارِجِ هَلْ هُوَ مَنِيٌّ أَوْ مَذْيٌ ، وَقِيلَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ " بِمُوجِبِهِمَا " ، وَالصَّحِيحُ التَّخْيِيرُ .
ثُمَّ رَأَيْت فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ : لَوْ كَانَتْ لَهُ أَمْوَالٌ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالنَّقْدِ فَشَكَّ فِي أَنَّ عَلَيْهِ " زَكَاةَ " جُمْلَتِهَا أَوْ بَعْضِهَا لَزِمَهُ زَكَاةُ الْكُلِّ ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ زَكَاتِهِ " عَلَيْهِ " ، كَمَا لَوْ شَكَّ فِي الصِّيَامِ وَقَالَ أَنَا شَاكٌّ فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ هَلْ عَلَيَّ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْهُ أَوْ صَوْمُ جَمِيعِهِ لَزِمَهُ قَضَاءُ جَمِيعِهِ .
قَالَ وَيُفَارِقُ هَذَا مَا لَوْ شَكَّ فِي أَنَّ عَلَيْهِ دِرْهَمًا مِنْ جُمْلَةِ الزَّكَاةِ أَوْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَلَا يَعْرِفُ عَيْنَ " ذَلِكَ " الْمَالِ ، وَلَا يُشِيرُ إلَيْهِ فَإِنَّ هَا هُنَا عَلَيْهِ الْأَقَلُّ .
" وَقَالَ " فِي مَوْضِعٍ

آخَرَ ، لَوْ كَانَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ " فِي كِيسٍ وَمِائَتَانِ أُخْرَى فِي كِيسٍ فَشَكَّ هَلْ بَقِيَ عَلَيْهِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ " مِنْ جُمْلَةِ زَكَاةِ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَكَّ فِي مِائَتَيْنِ فِي كِيسٍ بِعَيْنِهِ هَلْ أَخْرَجَ زَكَاتَهُ أَمْ لَا ، وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ وَعَلَيْهِ إخْرَاجُهُ .
وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ مِنْ ظِهَارٍ أَوْ عَلَيْهِ عَشْرُ كَفَّارَاتٍ فَأَعْتَقَ رِقَابًا ثُمَّ شَكَّ هَلْ بَقِيَ عَلَيْهِ وَاحِدَةٌ " مِنْهَا " أَمْ لَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَكَّ فِي ظِهَارٍ بِعَيْنِهِ ، كَمَا لَوْ قَالَ أَشُكُّ فِي الظِّهَارِ الَّذِي كَانَ " فِي " يَوْمِ " جُمُعَةٍ " هَلْ كَفَّرْته أَمْ لَا ، فَهَا هُنَا الْأَصْلُ وُجُوبُهَا عَلَيْهِ " فَتَلْزَمُهُ " انْتَهَى .
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ شَكَّ " أَنَّ " عَلَيْهِ " زَكَاةَ خَمْسَةٍ " أَوْ عَشَرَةً لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا خَمْسَةٌ .
قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ صَوْمًا وَلَا يَدْرِي أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ نَذْرٌ أَوْ كَفَّارَةٌ فَنَوَى صِيَامًا أَجْزَأَهُ كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ خَمْسٍ وَقِيلَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا بِاسْتِصْحَابِ الْأَصْلِ فِي كُلِّ صَلَاةٍ وَهُنَا بِخِلَافِهِ ثُمَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ يَكْفِيه يَوْمٌ وَاحِدٌ ، وَتُجْزِئُهُ هَذِهِ النِّيَّةُ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَبْرَأَ " بِيَقِينٍ " إلَّا أَنْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، كَمَا هُوَ قِيَاسُ نِسْيَانِ الصَّلَاةِ .
ثُمَّ رَأَيْت فِي الِاسْتِقْصَاءِ أَنَّهُ يَنْوِي صَوْمَ الْيَوْمِ الَّذِي عَلَيْهِ وَيُجْزِئُهُ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ عِتْقٌ وَلَمْ يَدْرِ هَلْ هُوَ عَنْ قَتْلٍ أَوْ ظِهَارٍ ، " فَأَعْتَقَ " رَقَبَةً وَنَوَى بِهَا مَا عَلَيْهِ مِنْ الْعِتْقِ ، فَإِنَّهُ " يُجْزِئُهُ " ، كَذَلِكَ هَا هُنَا .
وَيُفَارِقُ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ ، لِأَنَّ تَعْيِينَهَا بِالنِّيَّةِ وَاجِبٌ ، وَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِأَنْ يُصَلِّيَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ بِخَمْسِ نِيَّاتٍ انْتَهَى .
وَمَسْأَلَةُ الْعِتْقِ نَقَلَهَا الْإِمَامُ عَنْ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ وَقَالَ يَنْوِي بِهَا الْعِتْقَ الْوَاجِبَ وَقِيَاسُ مَا سَبَقَ وُجُوبُ

رَقَبَتَيْنِ إذْ التَّرَدُّدُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ وَهُوَ مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ بَعْضِ الْعِرَاقِيِّينَ .
وَلَوْ تَحَقَّقَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّ عَلَيْهَا عِدَّةً وَشَكَّتْ هَلْ هِيَ عِدَّةُ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ لَزِمَهَا الْأَكْثَرُ .
وَمِثْلُهُ لَوْ اتَّخَذَ إنَاءً مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَجَهِلَ الْأَكْثَرَ مِنْهُمَا وَلَمْ يُمْكِنْ تَمْيِيزُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَ الْأَكْثَرَ ذَهَبًا وَفِضَّةً ، وَإِنَّمَا وَجَبَ الْأَكْثَرُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ ، لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ فِيهِمَا يُنْسَبُ إلَى التَّقْصِيرِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَأَى بَلَلًا وَشَكَّ حَيْثُ يَتَخَيَّرُ .

" السَّابِعُ " إذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ عَنْ الشَّكِّ اسْتَعْمَلَ الْوَرَعَ وَهُوَ تَنْزِيلُ الْأَمْرِ عَلَى أَسْوَأِ الْأَحْوَالِ ، وَيَدَعُ مَا يَرِيبُهُ إلَى مَا لَا يَرِيبُهُ وَفِيهِ صُوَرٌ : " إحْدَاهَا " الْمُتَطَهِّرُ إذَا شَكَّ فِي الْحَدَثِ فَالْوَرَعُ أَنْ يُحْدِثَ ثُمَّ يَتَطَهَّرَ فَإِنْ تَطَهَّرَ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْوَرَعَ لَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ لِعَجْزِهِ عَنْ جَزْمِ النِّيَّةِ بِرَفْعِ الْحَدَثِ ، لِأَنَّ بَقَاءَ الطَّهَارَةِ يَمْنَعُهُ ، كَمَا أَنَّ بَقَاءَ شَعْبَانَ يَمْنَعُ مِنْ جَزْمِ نِيَّةِ صَوْمِ رَمَضَانَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ ، قَالَ وَهَذَا هُوَ الْجَارِي عَلَى أُصُولِ " الْإِمَامِ " الشَّافِعِيِّ " رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ " مِنْ جِهَةِ أَنَّ اسْتِصْحَابَ الْأَصْلِ قَدْ يَمْنَعُ مِنْ الْجَزْمِ .
وَمِثْلُهُ لَوْ شَكَّ فِي الْخَارِجِ مِنْهُ " هَلْ هُوَ " مَنِيٌّ أَوْ مَذْيٌ فَإِنَّهُ يَتَخَيَّرُ فِي الْأَصَحِّ ، فَإِذَا اغْتَسَلَ كَيْف يَخْرُجُ " مِنْ الْخِلَافِ " بِيَقِينٍ ، لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى جَزْمِ النِّيَّةِ فَطَرِيقُهُ أَنْ يُجَامِعَ ثُمَّ يَغْتَسِلَ ، وَكَانَ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ يَسْتَشْكِلُ قَوْلَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بِالْأَمْرِ بِالْجِمَاعِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْعِبَادَةِ " وَسَدِّ " بَابِ الْوَرَعِ عَلَى غَيْرِ وَاجِدِ الْبُضْعِ الْحَلَالِ .
وَذَكَرَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّهُ إذَا احْتَجَمَ الْمُتَوَضِّئُ أَوْ افْتَصَدَ بَعْدَ أَنْ صَلَّى فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ لِيَخْرُجَ مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ " رَحِمَهُ اللَّهُ " فَإِنَّهُمَا نَاقِضَانِ لِلْوُضُوءِ عِنْدَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ صَلَّى بِهِ شَيْئًا فَإِنَّهُ يُكْرَهُ " لَهُ " التَّجْدِيدُ ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْغَسْلَةِ الرَّابِعَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا ، قَالَ وَكَانَ ابْنُ سُرَيْجٍ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَمَسُّ فَرْجَهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ " وَهُوَ " يُؤَيِّدُ مَقَالَةَ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ .

الثَّانِيَةُ : " إذَا " شَكَّ الْمُتَوَضِّئُ هَلْ غَسَلَ مَرَّتَيْنِ أَوْ " ثَلَاثًا " ، قِيلَ يَأْخُذُ بِالْأَكْثَرِ وَلَا يَغْسِلُ أُخْرَى " كَيْ لَا " يَقَعَ فِي بِدْعَةٍ بِتَقْدِيرِ الزِّيَادَةِ ، وَالْأَصَحُّ " بِالْأَقَلِّ فَإِنَّهُ إنَّمَا " يَكُونُ بِدْعَةً بِتَقْدِيرِ تَحَقُّقِ " الزِّيَادَةِ " .

الثَّالِثَةُ : مَنْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا أَخَذَ بِالْأَغْلَظِ إذَا أَرَادَ دَوَامَ النِّكَاحِ قَالَ الشَّيْخُ وَطَرِيقُ الْوَرَعِ أَنْ يُطَلِّقَ طَلْقَةً مُعَلَّقَةً عَلَى نَفْيِ الطَّلْقَةِ الثَّانِيَةِ بِأَنْ يَقُولَ إنْ لَمْ أَكُنْ طَلَّقْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ كَيْ لَا يَقَعَ عَلَيْهِ طَلْقَتَانِ .
قَالَ وَلَوْ شَكَّ فِي الطَّلْقَةِ أَرَجْعِيَّةٌ هِيَ أَمْ خُلْعٌ فَلْيَرْتَجِعْ وَلْيُجَدِّدْ النِّكَاحَ ، لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً ، فَقَدْ تَلَافَاهَا بِالرَّجْعَةِ ، وَإِنْ " كَانَتْ " خُلْعًا فَقَدْ تَلَافَاهَا بِالنِّكَاحِ .
وَلَوْ شَكَّ أَطَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَمْ بَعْدَهُ ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلْيُجَدِّدْ رَجْعَةً وَنِكَاحًا ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ انْقِضَائِهَا ، فَلْيُجَدِّدْ النِّكَاحَ .
انْتَهَى .
وَرَوَى ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي أَمَالِيهِ حِكَايَةً فِيمَنْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَمْ لَا فَقَالَ لَهُ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا طَلَاقَ ، وَقَالَ لَهُ الثَّوْرِيُّ : رَاجِعْهَا ، وَقَالَ لَهُ شَرِيكٌ : طَلِّقْهَا ثُمَّ رَاجِعْهَا ، وَجَاءَ إلَى زُفَرَ بْنِ الْهُذَيْلِ : فَقَالَ " لَهُ " سَأَضْرِبُ لَك مَثَلًا رَجُلٌ مَرَّ " بِشِعْبٍ يَسْأَلُ " ، قَالَ لَك أَبُو حَنِيفَةَ : ثَوْبُك طَاهِرٌ وَصَلَاتُك تَامَّةٌ حَتَّى تَسْتَيْقِنَ أَثَرَ الْمَاءِ ، وَقَالَ لَك سُفْيَانُ : اغْسِلْهُ فَإِنْ يَكُنْ نَجِسًا ، فَقَدْ طَهَّرْته وَإِنْ يَكُنْ طَاهِرًا فَقَدْ زِدْته طَهَارَةً إلَى طَهَارَةٍ ، وَقَالَ لَك شَرِيكٌ : بَلْ عَلَيْهِ ثُمَّ اغْسِلْهُ ، قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَمَا قَالَهُ شَرِيكٌ عِنْدِي أَصَحُّ ، لِأَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ خَارِجٌ عَنْ الِاحْتِيَاطِ ، وَقَوْلُ سُفْيَانَ يَقْتَضِي مُرَاجَعَةً عَلَى الشَّكِّ .
قُلْت : وَلَمْ يُصِبْ مَنْ أَدْخَلَ قَوْلُهُ فِي أَخْبَارِ " الْمُغَفَّلِينَ " لِخَفَاءِ مَأْخَذِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنَّ الرَّجْعَةَ مَعَ الشَّكِّ فِي الطَّلَاقِ يُصَيِّرُهَا كَالْمُعَلَّقَةِ عَلَى شَرْطٍ فَلَا يَصِحُّ ، وَمِنْ هَا هُنَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَمْثِيلُ قَوْلِهِ بِمَنْ " شَكَّ " فِي نَجَاسَةِ ثَوْبِهِ فَنَجَّسَهُ ثُمَّ غَسَلَهُ .

الرَّابِعَةُ : وَهِيَ مَسْأَلَةٌ أُصُولِيَّةٌ ، إذَا صَدَرَ مِنْ الْمُكَلَّفِ ذَنْبٌ وَنَسِيَهُ فَأَرَادَ التَّوْبَةَ عَنْهُ .
قَالَ " ابْنُ الْقُشَيْرِيِّ " " فِي الْمُرْشِدِ " ، فَإِنْ عَيَّنَ ذُنُوبَهُ فِي الْجُمْلَةِ وَعَزَمَ أَنْ لَا يَعُودَ إلَى ذَنْبٍ لَمْ تَصِحَّ تَوْبَتُهُ مِمَّا نَسِيَهُ ، وَمَا دَامَ نَاسِيًا لَا يَكُونُ مُطَالَبًا بِالتَّوْبَةِ ، لَكِنْ يَلْقَى اللَّهُ " تَعَالَى " وَهُوَ مُطَالَبٌ بِتِلْكَ الزَّلَّةِ ، وَهَذَا كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِآدَمِيٍّ " وَنَسِيَ الْمُدَايِنَ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْأَدَاءِ فَهُوَ فِي الْحَالِ غَيْرُ مُطَالَبٍ مَعَ النِّسْيَانِ ، وَلَكِنْ يَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى " وَهُوَ مُطَالَبٌ ، قَالَ وَهَذَا مَأْخَذٌ ظَاهِرٌ ، لِأَنَّ " التَّوْبَةَ " نَدَمٌ ، وَالنَّدَمُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ مَعَ الذِّكْرِ " لِمَا " فَعَلَهُ حَتَّى يُتَصَوَّرَ النَّدَمُ .
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ إنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ التَّفْصِيلَ يَقُولُ إنْ كَانَ لِي ذَنْبٌ لَمْ أَعْلَمْهُ فَإِنِّي تَائِبٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْهُ ، وَلَعَلَّهُ قَالَ هَذَا إذَا عَلِمَ أَنَّ لَهُ ذُنُوبًا ، وَلَكِنَّهُ لَا يَتَذَكَّرُهَا ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ لِنَفْسِهِ ذَنْبًا فَالنَّدَمُ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ مُحَالٌ ، وَذَكَرَ الْمُحَاسِبِيُّ أَنَّهُ يُعَيِّنُ كُلَّ ذَنْبٍ عَلَى انْفِرَادِهِ ، وَلَا يَخْفَى إشْكَالُهُ .
قُلْت : وَقَوْلُ الْمُحَاسِبِيِّ غَايَةُ الْوَرَعِ .

الْخَامِسَةُ : نَذَرَ شَيْئًا إنْ رَدَّهُ اللَّهُ " تَعَالَى " سَالِمًا ، ثُمَّ شَكَّ أَوْ لَمْ يَدْرِ أَنَذَرَ صَدَقَةً أَمْ عِتْقًا أَمْ صَلَاةً أَمْ صَوْمًا ، قَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِجَمِيعِهَا كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يَجْتَهِدُ .
بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا هُنَاكَ وُجُوبَ الْكُلِّ عَلَيْهِ فَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْيَقِينِ " وَهُنَا " تَيَقَّنَّا أَنَّ الْكُلَّ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إنَّمَا " وَجَبَ وَاحِدٌ " " وَاشْتَبَهَ " فَيَجْتَهِدُ كَالْقِبْلَةِ وَالْأَوَانِي انْتَهَى .
وَلَوْ حَلَفَ يَمِينًا وَلَمْ يَدْرِ هَلْ حَلَفَ بِاَللَّهِ أَوْ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِالْعَتَاقِ فِي نَذْرِ اللَّجَاجِ " ، فَفِي التَّبْصِرَةِ " لِلَّخْمِيِّ " مِنْ كُتُبِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ كُلَّ يَمِينٍ لَمْ يَعْتَدَّ الْحَلِفَ بِهَا لَا يَدْخُلُ فِي يَمِينِهِ مَعَ الشَّكِّ وَهُوَ يُشْبِهُ عِنْدَنَا " الْأَخْذَ " بِالْحَدَثِ فِيمَنْ لَا يَعْتَادُ تَجْدِيدَ الطُّهْرِ ، وَقِيَاسُ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ يَنْزِلُ عَلَى مَا لَا كَفَّارَةَ فِيهِ ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ شَغْلِ الذِّمَّةِ ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَحِلَّ الزَّوْجَةُ ، لِعَدَمِ تَحَقُّقِ يَمِينِ الطَّلَاقِ .
أَمَّا لَوْ حَلَفَ يَمِينًا وَحَنِثَ فِيهَا وَلَمْ " يَذْكُرْ " هَلْ هِيَ بِاَللَّهِ أَوْ بِالظِّهَارِ أَوْ بِالطَّلَاقِ فَلَا تَحْرُمُ الزَّوْجَةُ بِالشَّكِّ ، كَمَا لَوْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ ، وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَجِبَ فِي الْحَالِ فَإِذَا أَعْتَقَ رَقَبَةً بَرِئَ ، لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ بِاَللَّهِ أَوْ بِالظِّهَارِ أَوْ يَمِينِ اللَّجَاجِ ، فَالرَّقَبَةُ تَجِبُ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ " التَّعْيِينِ " ، لِأَنَّ تَعْيِينَ الْجِهَةِ " لَا يَجِبُ " ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أُطْعِمَ أَوْ كُسِيَ ، لِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ لَا تَشْتَرِكُ فِيهِ الْكَفَّارَاتُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْحَالِ ، لِعَدَمِ تَحَقُّقِ شَغْلِ الذِّمَّةِ بِالْكَفَّارَةِ ، وَلَا تَحْرُمُ الزَّوْجَةُ عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ .
وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ شَكَّ هَلْ الْخَارِجُ مِنْ

ذَكَرِهِ مَنِيٌّ أَوْ مَذْيٌ ، لَا يَجِبُ الْغُسْلُ .

الثَّامِنُ : إذَا شَكَّ فِي النِّيَّةِ أَوْ شَرْطِهَا ثُمَّ تَذَكَّرَ فَإِنْ قَصَرَ لَمْ يَضُرَّ وَإِنْ مَضَى رُكْنٌ بَطَلَتْ إنْ كَانَ فِعْلِيًّا قَطْعًا ، وَكَذَا الْقَوْلِيُّ فِي الْأَصَحِّ ، لِأَنَّ إتْيَانَهُ بِهِ عَلَى الشَّكِّ " جَزْمٌ " مِنْهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ فَيَبْطُلُ وَهَلْ يُلْحَقُ بَعْضُ الرُّكْنِ بِهِ عَنْ صَاحِبِ الْكَافِي أَنَّ بَعْضَ الْفَاتِحَةِ أَوْ التَّشَهُّدِ " كَجَمِيعِهِ " فِي الْأَصَحِّ ، وَنَقَلَهُ عَنْ النَّصِّ .
وَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي الْحُسَيْنِ ، لَوْ قَرَأَ الْمُصَلِّي بَعْضَ الْفَاتِحَةِ ، ثُمَّ شَكَّ هَلْ نَوَى الصَّلَاةَ " أَوْ " لَا ، وَأَتَمَّ الْفَاتِحَةَ عَلَى هَذَا الشَّكِّ ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ نَوَى لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ ، وَمَا قَرَأَهُ فِي حَالِ الشَّكِّ " لَا يَكُونُ مَحْسُوبًا وَمَا بَقِيَ صَحِيحٌ ، وَلَعَلَّ الْقَاضِيَ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ فِعْلَ الرُّكْنِ الْقَوْلِيِّ عَلَى الشَّكِّ " لَا يَضُرُّ ، كَمَا هُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ ، وَقَالَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ ، لَوْ مَضَى بَعْدَ الرُّكْن عَلَى الشَّكِّ فَإِنْ كَانَ الرُّكُوعُ أَوْ السُّجُودُ أَوْ الِاعْتِدَالُ وَلَمْ تَحْصُلْ طُمَأْنِينَةٌ مَحْسُوبَةٌ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ أَيْ إذَا اطْمَأَنَّ عَلَى الشَّكِّ ، قَالَ ، وَكَذَا لَوْ تَرَدَّدَ فِي أَوَّلِ الرُّكُوعِ ثُمَّ زَالَ فِي أَثْنَائِهِ كَمَا لَوْ كَانَ فِي بَعْضِ الِانْحِنَاءِ مَثَلًا ، فَإِنْ عَادَ مُنْتَصِبًا وَرَكَعَ صَلَاتَهُ ، وَإِنْ تَمَّمَ الرُّكُوعَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَصِحَّ " صَلَاتُهُ " ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِرُكُوعٍ تَامٍّ .
انْتَهَى .
وَمَا قَالَهُ فِي الطُّمَأْنِينَةِ بَنَاهُ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ رُكْنًا مُسْتَقِلًّا ، فَإِنْ قُلْنَا " رُكْنٌ " فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي كَلَامِهِمْ .
وَيُسْتَثْنَى صُوَرٌ لَا يَضُرُّ فِيهَا إحْدَاثُ الْفِعْلِ مَعَ الشَّكِّ : إحْدَاهَا : إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ ثُمَّ ظَنَّ فِي الثَّالِثَةِ مَثَلًا أَنَّهَا الْعَصْرُ ثُمَّ تَذَكَّرَ فِي الرَّابِعَةِ فَإِنَّ ظُهْرَهُ صَحِيحَةٌ ، لِأَنَّ مَا لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُهُ لَا يَضُرُّ الْخَطَأُ فِيهِ ، وَقَالَ الْبَغَوِيّ يَنْبَغِي أَنْ لَا " يَحْسِبَ " مَا أَتَى بِهِ

عَلَى اعْتِمَادِ أَنَّهُ عَصْرٌ ، لِأَنَّ تَعْيِينَ النِّيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ " فَاسْتِدَامَةُ حُكْمِهَا " مِمَّا يَجِبُ وَحُكْمُ الِاسْتِدَامَةِ بَطَلَ بِخِطَابِهِ ، كَمَا لَوْ شَكَّ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ وَفَعَلَ فِعْلًا عَلَى الشَّكِّ ، قَالَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ : وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ إذْ الصَّلَاةُ تَمَيَّزَتْ بِكَوْنِهَا ظُهْرًا أَوْ عَصْرًا بِالنِّيَّةِ الْأُولَى ، وَلَمْ يَصْرِفْهَا عَمَّا كَانَتْ ، وَالظَّنُّ الْحَادِثُ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ فِي " صَلَاتِهِ " ، وَإِذَا أَتَى بِفِعْلٍ عَلَى الشَّكِّ فَهُوَ ظَانٌّ فِي إتْيَانِهِ بِهِ عَلَى الشَّكِّ أَنَّهُ لَيْسَ فِي صَلَاةٍ ، قَالَ وَسُئِلَ الْقَاضِي عَمَّنْ شَرَعَ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ " فَقَنَتَ " ظَانًّا أَنَّهُ فِي الصُّبْحِ فَلَمَّا سَلَّمَ تَذَكَّرَ وَأَجَابَ بِبُطْلَانِ صَلَاتِهِ ، لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ شَكَّ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ هَلْ نَوَى الْفَرْضَ أَوْ النَّفَلَ ، وَقَدْ أَحْدَثَ أَفْعَالًا قَبْلَ " التَّذَكُّرِ " .
" قُلْت " وَهَذَا يَقْتَضِي الْبُطْلَانَ فِي صُورَةِ الْبَغَوِيِّ ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فَرْقٌ بَيْنَهُمَا حَصَلَ وَجْهَانِ .

الثَّانِيَة : لَوْ سَجَدَ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ شَكَّ هَلْ " رَكَعَ " أَمْ لَا فَقَامَ عَلَى هَذَا الشَّكِّ ، ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ رَكَعَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، قَالَهُ الْقَاضِي فِي فَتَاوِيهِ .

الثَّالِثَةُ : لَوْ شَكَّ الصَّائِمُ هَلْ نَوَى مِنْ اللَّيْلِ أَوْ لَا فَمَضَى أَكْثَرُ النَّهَارِ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ نَوَى لَمْ يَضُرَّهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ فَعَلَ فِعْلًا فِي الصَّلَاةِ عَلَى الشَّكِّ قَالَهُ الْقَاضِي أَيْضًا .
" قَالَ " ، وَلَوْ جَامَعَ " حَالَةَ الشَّكِّ " فَذَكَرَ أَنَّهُ صَائِمٌ بَطَلَ صَوْمُهُ وَلَا كَفَّارَةَ ، لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ .

التَّاسِعُ : قَدْ " يَنْبَنِي " الْحُكْمُ عَلَى الشَّكِّ لِتَعَذُّرِ " التَّحَقُّقِ " فِي صُوَرٍ : مِنْهَا : الرَّجْعَةُ فِي عِدَّةِ نِكَاحٍ شَكَّ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِيهِ فَإِنَّهَا رَجْعَةٌ صَحِيحَةٌ ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الطَّلَاقِ كَمَا سَبَقَ قَرِيبًا ، وَكَذَا الرَّجْعَةُ مَعَ الشَّكِّ فِي حُصُولِ الْإِبَاحَةِ بِهَا ، كَمَنْ طَلَّقَ وَشَكَّ هَلْ طَلَّقَ ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً ، ثُمَّ رَاجَعَ فِي الْعِدَّةِ يَصِحُّ ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ ، وَقَدْ شَكَّ فِي انْقِطَاعِهِ .
وَلَوْ طَلَّقَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ مُبْهِمًا ، فَقَبْلَ أَنْ يُعَيِّنَ الْمُطَلَّقَةَ رَاجَعَهَا ، فَقَالَ رَاجَعْت الْمُطَلَّقَةَ مِنْكُمَا فَفِي صِحَّةِ الرَّجْعَةِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ ، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الرَّجْعَةِ ، بَلْ طَرِيقُهُ أَنْ يُبَيِّنَ الْمُطَلَّقَةَ ثُمَّ يُرَاجِعَ .
وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْإِيلَاءِ أَنَّهُ إذَا آلَى مِنْ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ وَامْتَنَعَ فَطَلَّقَ الْقَاضِي إحْدَاهُمَا فَقَالَ الزَّوْجُ رَاجَعْت الَّتِي وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا فَوَجْهَانِ سَبْقًا فِي بَابِ الرَّجْعَةِ وَهَذَا وَهْمٌ ، بَلْ هَذِهِ تَصِحُّ رَجْعَتُهَا قَطْعًا إذْ لَا إبْهَامَ فِيهَا عِنْدَ الْمُرْتَجِعِ ، لِأَنَّهَا هِيَ الْمُولَى مِنْهَا وَلَيْسَتْ هِيَ السَّابِقَةُ فِي الرَّجْعَةِ ، لِإِبْهَامِ تِلْكَ وَتَعْيِينِ هَذِهِ .
قَالَ فِي الْبَحْرِ : وَلَوْ قَالَ لَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ فَلَمْ " يَعْلَمْ " هَلْ قَدِمَ أَمْ لَا فَرَاجَعَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ قَدِمَ ، فَفِي صِحَّةِ الرَّجْعَةِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ ، وَأَصْلُهُ " مَنْ " بَاعَ مَالَ مُوَرِّثِهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ .

وَمِنْهَا : الْحُكْمُ بِإِسْلَامِ مَنْ اُتُّهِمَ بِالرِّدَّةِ ، إذَا أَنْكَرَ وَأَقَرَّ بِالشَّهَادَتَيْنِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ وَإِنْ حَصَلَ التَّرَدُّدُ فِي مُسْتَنَدِهِ هَلْ هُوَ الْإِسْلَامُ السَّابِقُ أَوْ الْإِسْلَامُ الْمُجَدَّدُ " عَلَى " تَقْدِيرِ صِحَّةِ مَا اُتُّهِمَ بِهِ ، " وَلِأَنَّ " هَذَا يَثْبُتُ بِهِ إسْلَامُ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ فَالْمُرْتَدُّ كَذَلِكَ .
وَقَدْ قَالَ " الْإِمَامُ " الشَّافِعِيُّ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ الْقَاصِّ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ لَمْ أَكْشِفْ عَنْ حَقِيقَةِ الْحَالِ ، وَقُلْت " قُلْ " أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَأَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ أَمْرٍ خَالَفَ الْإِسْلَامَ انْتَهَى .
وَنَقَلَ عَنْ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ لِلْحَاكِمِ الْحُكْمُ بِعِصْمَةِ دَمِهِ حَتَّى يَعْتَرِفَ " أَوْ تَنْهَضَ بَيِّنَةٌ " فِي مُقَابَلَةِ إنْكَارِهِ .
وَالصَّوَابُ خِلَافُهُ .

الْعَاشِرُ : اشْتَهَرَ مِنْ قَوَاعِدِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْيَقِينَ لَا يُرْفَعُ بِالشَّكِّ .
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ فِي الْأُصُولِ وَفِي النِّهَايَةِ فِي بَابِ الشَّكِّ " فِي الطَّلَاقِ " فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ تَجَوُّزٌ إذْ الْيَقِينُ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ الشَّكِّ ، وَإِذَا طَرَأَ الشَّكُّ فَلَا يَقِينَ وَإِنْ أَرَادُوا أَنَّ الْيَقِينَ " السَّابِقَ " لَا يُتْرَكُ بِالشَّكِّ الطَّارِئِ فَلَيْسَ هَذَا عَلَى الْإِطْلَاقِ ، بَلْ إذَا طَرَأَ الشَّكُّ لَمْ يَخْلُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَرْتَبِطَ بِعَلَامَةٍ بَيِّنَةٍ " فَيَتْبَعُ " فِيهِ الِاجْتِهَادُ ، وَلَا نَظَرَ إلَى الْمُتَقَدِّمِ كَاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَى مَنْ " شَكَّ أَنَّهُ " طَلَّقَ فَامْتَنَعَ الِاجْتِهَادُ ، وَلَا حُكْمَ لِلنِّكَاحِ السَّابِقِ ، وَمَا سَبَقَ مِنْ بَعْضِ انْعِقَادِهِ .
الثَّانِي : أَنْ يَثْبُتَ بِعَلَامَةٍ خَفِيَّةٍ ، كَعَلَامَةِ تَمَيُّزِ الطَّاهِرِ مِنْ النَّجِسِ فِي الْأَوَانِي وَالثِّيَابِ ، فَإِنْ عَلِمَ نَجَاسَةَ أَحَدِهِمَا وَطَهَارَةَ الْآخَرِ تَعَارَضَ الْيَقِينَانِ فَلَا سَبِيلَ إلَى تَرْكِ " الْإِنَاءَيْنِ أَوْ الْأَخْذِ " بِأَحَدِهِمَا ، وَلَا سَبِيلَ إلَى التَّرْكِ فَتَعَيَّنَ الِاجْتِهَادُ إذْ لَيْسَ أَحَدُ الْأَصْلَيْنِ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ ، وَإِنْ تَحَقَّقْنَا الطَّهَارَةَ وَشَكَكْنَا فِي طَرَيَانِ النَّجَاسَةِ ، كَمَا إذَا كَانَ عِنْدَهُ إنَاءٌ وَاحِدٌ فِيهِ مَاءٌ فَشَكَّ فِي طَرَيَانِ النَّجَاسَةِ عَلَيْهِ ، وَغَلَبَتْ عِنْدَهُ عَلَامَاتُهَا ، فَهَلْ يَحِلُّ التَّمَسُّكُ بِالْعَلَامَاتِ أَمْ يَسْتَصْحِبَ الْيَقِينَ السَّابِقَ لِضَعْفِ الْعَلَامَةِ فِيهِ قَوْلَانِ .
وَهَذَا هُوَ اسْتِصْحَابُ الْحَالِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ .
الثَّالِثُ : أَنْ لَا تَكُونَ عَلَامَةً جَلِيَّةً وَلَا خَفِيَّةً وَسَبَبُهُ ارْتِفَاعُ الْعَلَامَاتِ ، كَمَا فِي الْأَحْدَاثِ .
قَالَ فِي النِّهَايَةِ " وَإِذَا " انْحَسَمَ الِاجْتِهَادُ وَطَرَأَ الشَّكُّ فَعِنْدَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ يَرَى التَّمَسُّكَ بِالْيَقِينِ السَّابِقِ وَلَا " يَتَيَمَّمُ " لِلشَّكِّ " فِيهِمَا " لِأَنَّ الشَّكَّ يَتَعَلَّقُ " بِمُعْتَقَدَيْنِ "

مُتَعَارِضَيْنِ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ وَلَا يَخْلُو الْإِنْسَانُ غَالِبَ الْأَمْرِ عَنْ الشَّكِّ .
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ الشَّكُّ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ : شَكٌّ طَرَأَ عَلَى أَصْلٍ حَرَامٍ ، كَشَاةٍ مَذْبُوحَةٍ فِي بَلَدٍ فِيهِ فِيهِ مُسْلِمُونَ وَمَجُوسٌ لَا يَغْلِبُ أَحَدُهُمَا الْآخَرُ فَلَا تَحِلُّ ، لِأَنَّ أَصْلَهَا حَرَامٌ .
وَشَكٌّ طَرَأَ عَلَى أَصْلٍ مُبَاحٍ ، " كَمَا لَوْ وَجَدَ مَاءً مُتَغَيِّرًا " ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ تَغَيُّرُهُ بِنَجَاسَةٍ أَوْ بِطُولِ الْمُكْثِ فَيَحِلُّ اسْتِعْمَالُهُ مَعَ الشَّكِّ عَمَلًا بِأَصْلِ الطَّهَارَةِ .
وَكَذَلِكَ الشَّكُّ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَنَحْوِهِمَا .
وَشَكٌّ لَا يَعْرِفُ أَصْلَهُ ، " كَمُبَايَعَةِ " مَنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامٌ ، فَلَا يَحْرُمُ ، لِإِمْكَانِ الْحَلَالِ وَيُكْرَهُ خَوْفُ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ .

الْحَادِي عَشَرَ : مُسْتَنْبَطٌ مِنْ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ { لَا يَخْرُجُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا } " يَنْبَنِي " عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَحْكَامِ وَهِيَ اسْتِصْحَابُ الْيَقِينِ وَالْإِعْرَاضُ عَنْ الشَّكِّ كَمَا فِي صُورَتَيْ يَقِينِ الْحَدَثِ وَالطَّهَارَةِ ، وَكَمَا لَوْ شَكَّ الزَّوْجُ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى يَقِينِ النِّكَاحِ وَيَطْرَحُ الشَّكَّ .
وَقَدْ اسْتَثْنَى ابْنُ الْقَاضِي فِي تَلْخِيصِهِ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ إحْدَى عَشْرَةَ مَسْأَلَةً وَرَدَّ عَلَيْهِ الْقَفَّالُ الْكُلَّ ، وَالْأَرْجَحُ مَعَ ابْنِ الْقَاصِّ فِي كَثِيرٍ .
" إحْدَاهَا " : شَكَّ مَاسِحُ الْخُفِّ هَلْ انْقَضَتْ مُدَّتُهُ أَمْ لَا فَإِنَّهُ يَأْخُذُ " بِأَنَّهُ " انْقَضَتْ وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ بَقَاءَهَا .

الثَّانِيَةُ : شَكَّ هَلْ مَسَحَ فِي الْحَضَرِ أَوْ فِي السَّفَرِ يَأْخُذُ بِأَنَّهُ مَسَحَ فِي الْحَضَرِ وَرَدَّ ذَلِكَ الْقَفَّالُ بِأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ الْيَقِينُ بِالشَّكِّ ، بَلْ لِأَنَّ الْأَصْلَ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ فَلَا يَعْدِلُ إلَى الْمَسْحِ إلَّا بِيَقِينٍ ، وَالْأَرْجَحُ مَعَ ابْنِ الْقَاصِّ .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8