كتاب : المنثور في القواعد
المؤلف : بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي

الْمَشْغُولُ لَا يُشْغَلُ كَمَا لَوْ رَهَنَ عَلَى دَيْنٍ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَرْهَنَهُ عَلَى آخَرَ لَا يَجُوزُ فِي الْجَدِيدِ وَعَلَّلَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ بِذَلِكَ .
وَمِنْ نَظَائِرِهِ لَا يَجُوزُ " الْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ " لِلْعَاكِفِ بِمِنًى لِاشْتِغَالِهِ بِالرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ .
وَمِنْهَا إذَا كَانَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ فَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثَانِيًا قَبْلَ الْإِتْيَانِ بِشَيْءٍ مِنْ أَرْكَانِهِ هَلْ يَنْتَقِلُ إحْرَامُ الثَّانِي إلَى الْعُمْرَةِ عَلَى الْقَوْلِ الْمُجَوِّزِ إدْخَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ مُحْتَمَلَانِ فِي الْبَحْرِ أَحَدُهُمَا يَجُوزُ عُمْرَةً ؛ لِأَنَّ هَذِهِ حَالَةُ الْعُمْرَةِ وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ قَابِلٌ لِلْحَجِّ فِي الْجُمْلَةِ .

الْمَضْمُونَاتُ سَبَقَتْ فِي " حَرْفِ الضَّادِ " .
الْمُضَافُ لِلْجُزْءِ كَالْمُضَافِ لِلْكُلِّ فِيمَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ بِالِانْجِرَارِ " وَيَنْبَنِي " عَلَى السَّرَيَانِ " وَالْغَلَبَةِ " كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَكَذَلِكَ الْحَجُّ لَوْ قَالَ : أَحْرَمْت بِنِصْفِ نُسْكٍ " انْعَقَدَ " بِكَامِلٍ ، قَالَهُ الرُّويَانِيُّ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِمَا فَلَا يَصِحُّ عِنْدَ إضَافَتِهِ إلَى بَعْضِ الْأَعْضَاءِ كَذَا ضَبَطَهُ الْإِمَامُ .
وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا قَبْلَ التَّعْلِيقِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ تَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى بَعْضِ مَحَلِّ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ وَمَا لَا فَلَا وَيُسْتَثْنَى مَسَائِلُ : إحْدَاهَا : الْإِيلَاءُ فَإِنَّهُ يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ وَلَا يَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى بَعْضِ الْمَحَلِّ إلَّا " الْفَرْجَ " .
الثَّانِيَةُ : الْوَصِيَّةُ فَإِنَّهُ " يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا " وَلَا يَصِحُّ " أَنْ تُضَافَ " إلَى بَعْضِ الْمَحَلِّ .
الثَّالِثَةُ : الْكَفَالَةُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا ، وَيَصِحُّ " أَنْ تُضَافَ " إلَى بَعْضِ الْمَحَلِّ عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهِ .
الرَّابِعَةُ : التَّدْبِيرُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَلَوْ قَالَ : دَبَّرْت يَدَك أَوْ رِجْلَك لَمْ يَصِحَّ عَلَى وَجْهٍ .
الْخَامِسَةُ : لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الرُّجُوعِ فِي التَّدْبِيرِ إنْ قُلْنَا : يُرْجَعُ فِيهِ " بِالْقَوْلِ " كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَلَوْ قَالَ : رَجَعْت فِي رَأْسِك مَثَلًا فَهَلْ يَكُونُ رُجُوعًا فِي جَمِيعِهِ إنْ قُلْنَا : لَا يَكْفِي الرُّجُوعُ بِاللَّفْظِ وَهُوَ الْأَصَحُّ بَقِيَ التَّدْبِيرُ فِي جَمِيعِهِ وَإِلَّا " فَيَبْقَى " فِي بَاقِيهِ فَقَطْ .

السَّادِسَةُ : لَوْ قَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ زَانٍ لَا يَكُونُ قَذْفًا ، وَلَوْ قَالَ : زَنَى قُبُلُك أَوْ دُبُرُك كَانَ قَذْفًا .
السَّابِعَةُ : تَعْلِيقُ الْفَسْخِ لَا يَجُوزُ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْهِبَةِ وَغَيْرِهِ وَإِذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا وَقُلْنَا : لَا يَجُوزُ إفْرَادُ الْمَعِيبِ بِالرَّدِّ فَلَوْ رَدَّهُ كَانَ رَدًّا لَهُمَا عَلَى وَجْهٍ ، وَحَكَى الْإِمَامُ عَنْ الْقَاضِي أَنَّ إضَافَةَ الْفُسُوخِ إلَى الْجُزْءِ الْمُعَيَّنِ فَاسِدٌ لَاغٍ فَإِنَّ الْفُسُوخَ " يَنْحَى " بِهَا نَحْوَ الْعُقُودِ " فَلَا تُعَلَّقُ كَمَا لَا تُعَلَّقُ الْعُقُودُ " فَمَا لَا يَصِحُّ إضَافَةُ الْعَقْدِ إلَيْهِ لَا يَصِحُّ إضَافَةُ الْفَسْخِ إلَيْهِ ، وَفِي الْبَحْرِ لِلرُّويَانِيِّ لَوْ اسْتَحَقَّ فَسْخَ النِّكَاحِ بِعَيْبٍ فَقَالَ : فَسَخْت النِّكَاحَ فِي يَدِهَا لَا نَصَّ فِيهِ ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِخُرَاسَانَ : فِيهِ وَجْهَانِ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِنَا : لَا " يَجُوزُ " وَجْهًا وَاحِدًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْرِي كَسِرَايَةِ الْعِتْقِ .

الْأَوَّلُ : الْمُطْلَقُ " مِنْ " الْعَارِفِ " بِالْمَحَلِّ " الصَّحِيحِ " يَنْزِلُ " عَلَى الْجِهَةِ الصَّحِيحَةِ .
وَلِهَذَا لَوْ أَخْبَرَ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ الْفَقِيهُ الْمُوَافِقُ اُعْتُمِدَ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ السَّبَبَ ، وَكَذَا " فِي الْجَارِحِ إذَا جَرَحَ " وَلَمْ يُبَيِّنْ السَّبَبَ كَمَا يَقْتَضِيهِ نَصُّ " الْإِمَامِ " الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَذَا " فِي الشَّهَادَةِ " بِالرَّضَاعِ وَنَظَائِرِهِ كَمَا سَبَقَ ، قَالَ الْإِمَامُ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ : وَلَا يُشْتَرَطُ تَعَرُّضُ الشُّهُودِ لِلشَّرَائِطِ الْمَرْعِيَّةِ مِنْ الْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ وَالصِّحَّةِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالرُّشْدِ وَالطَّوَاعِيَةِ " وَالِاخْتِيَارِ " ، فَلَوْ أَطْلَقَ الشَّاهِدُ الشَّهَادَةَ عَلَى الْإِقْرَارِ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ الصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ فَإِنْ فَعَلَ فَذَاكَ وَإِنْ امْتَنَعَ وَقَالَ : لَا يَلْزَمُنِي التَّعَرُّضُ لِذِكْرِهِ ، وَلَوْ كَانَ لَازِمًا " لَبُيِّنَتْ " قَالَ الْقَاضِي : إنْ كَانَ امْتِنَاعُهُ لَا يُورِثُ " رِيبَةً أَمْضَى " شَهَادَتَهُ وَإِلَّا تَوَقَّفَ قَالَ الْإِمَامُ : " يَتَخَرَّجُ " مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا " يَنْحَسِمُ " عَلَى الْقَاضِي مَسْلَكَ الِاسْتِفْصَالِ .
" وَهَذَا يُبَيِّنُهُ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ الشَّاهِدَ لَوْ شَهِدَ مُطْلَقًا وَمَاتَ أَوْ غَابَ وَتَعَذَّرَ الِاسْتِفْصَالُ " امْتَنَعَ تَنْفِيذُ الْقَضَاءِ بِالشَّهَادَةِ الْمُطْلَقَةِ وَإِنْ شَهِدَ وَاسْتَفْصَلَ الْقَاضِي " فَأَبَى " الشَّاهِدُ صَائِرًا إلَى أَنَّهُ لَا " يُفْصَلُ " وَعَلِمَ الْقَاضِي أَنَّهُ لَا يَشْهَدُ إلَّا عَلَى بَصِيرَةٍ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الشَّاهِدَ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُفَصِّلَ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَذْكُرَ مَكَانَ الْإِقْرَارِ وَزَمَانَهُ ، وَمِنْ الْقُضَاةِ مَنْ يَرَى الْبَحْثَ عَنْ " الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ " وَغَرَضُهُ أَنْ يَسْتَبِينَ تَثَبُّتَ " الشَّاهِدِ " وَثِقَتَهُ " بِمَا يَقُولُ فَإِنْ كَانَ " خَبِيرًا " لَمْ يُجَبْ الْقَاضِي .
ثُمَّ قَالَ : وَلَيْسَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ جَوَازِ اسْتِفْصَالِ الْقَاضِي " مَرْدُودًا " إلَى خِبْرَتِهِ وَلَكِنَّهُ يَنْظُرُ إلَى حَالِ الشَّاهِدِ فَإِنْ رَآهُ خَبِيرًا

بِالشَّرَائِطِ فَطِنًا فَلَهُ تَرْكُ الِاسْتِفْصَالِ وَقَدْ يَقَعُ " حَالَةَ " لَا تَجِبُ الْمُبَاحَثَةُ فِيهَا حَتْمًا وَالِاحْتِيَاطُ " يَقْتَضِيهَا " .
وَهَذَا مِنْ خَفَايَا أَحْكَامِ الْقَضَاءِ ثُمَّ إذَا اسْتَفْصَلَ الْقَاضِي فَهَلْ عَلَى الشَّاهِدِ التَّفْصِيلُ فِي الشَّرَائِطِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَفْصِيلُ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَإِنْ اسْتَفْصَلَهُ الْقَاضِي ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ " بِهِمَا " لَا يَقْدَحُ فِي الشَّهَادَةِ .

الثَّانِي : الْمُطْلَقُ يُحْمَلُ عَلَى الْغَالِبِ كَمَا إذَا بَاعَ بِثَمَنٍ مُطْلَقٍ يَنْزِلُ عَلَى نَقْدِ الْبَلَدِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ " وَكَانَ لَهُ مَحْمِلَانِ " أَخَفُّ وَأَثْقَلُ حَمَلَ عَلَى أَخَفِّهِمَا عَمَلًا بِأَقَلَّ مَا يَقْتَضِيهِ الِاسْمُ .
وَيُسْتَثْنَى صُوَرٌ : مِنْهَا : غَمَسَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ غَسْلِ الْوَجْهِ بِنِيَّةِ الْحَدَثِ صَارَ مُسْتَعْمَلًا وَإِنْ نَوَى الِاغْتِرَافَ فَلَا وَإِنْ أُطْلِقَ وَلَمْ يُنْوَ شَيْءٌ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَصِيرُ ؛ لِأَنَّ تَقَدُّمَ نِيَّةِ الْحَدَثِ شَمِلَتْهُ فَحُمِلَ عَلَيْهِ .

وَمِنْهَا : أَنَّ الْمُسَافِرَ يَشْتَرِطُ لِلْقَصْرِ نِيَّةَ الْقَصْرِ فَلَوْ نَوَى الْإِتْمَامَ لَزِمَهُ " وَلَوْ لَمْ يَنْوِ الْقَصْرَ وَلَا الْإِتْمَامَ لَزِمَهُ " الْإِتْمَامُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْإِتْمَامُ فَإِذَا أَطْلَقَ النِّيَّةَ انْصَرَفَ إلَى الْمَعْهُودِ ، وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا عَنْ الْمُزَنِيِّ ، وَهُوَ قَوِيٌّ ؛ لِأَنَّ " ذَلِكَ " الْأَصْلَ الْعَامَّ عَارَضَهُ أَصْلٌ " آخَرُ " خَاصٌّ أَقْوَى مِنْهُ .
وَمِنْهَا : إذَا أَقَرَّ الْأَبُ أَنَّ الْعَيْنَ مِلْكٌ لِوَلَدِهِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ يَهَبُهُ مِنْهُ وَأَرَادَ الرُّجُوعَ فَهَذَا فَرْعُ الْقُضَاةِ الْأَرْبَعَةِ ، فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو عَاصِمٍ وَأَبُو الطَّيِّبِ لَا يَجُوزُ .
وَقَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْقَاضِي الْمَاوَرْدِيُّ : لَهُ ذَلِكَ ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ : إنَّهُ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ ، وَقَالَ الرَّافِعِيُّ يُمْكِنُ أَنْ يُتَوَسَّطَ بَيْنَ أَنْ يُقِرَّ بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ فِيهِ فَيَرْجِعُ " وَإِلَّا " فَلَا .

الثَّالِثُ : أَنَّ الْمُطْلَقَ يَرْجِعُ فِي تَعْيِينِ أَحَدِ مَحْمِلَيْهِ إلَى اللَّافِظِ إذَا كَانَ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ فِي صُوَرٍ : مِنْهَا : لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنَانِ بِأَحَدِهِمَا رَهْنٌ فَدَفَعَ إلَى الْمَدِينِ عَنْ أَحَدِهِمَا وَأَطْلَقَ فَلَهُ التَّعْيِينُ .
وَمِنْهَا : لَوْ قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ : إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَلَمْ يَقْصِدْ مُعَيَّنَةً طَلُقَتْ إحْدَاهُمَا وَعَلَيْهِ تَعْيِينُ " إحْدَاهُمَا " لِلطَّلَاقِ .
وَلَوْ قَالَ : طَلَّقْت وَاحِدَةً مِنْ هَذِهِ النِّسَاءِ وَفِيهِنَّ أَجْنَبِيَّةٌ ، وَقَالَ : أَرَدْتهَا ؛ فَالظَّاهِرُ الْقَبُولُ أَيْضًا .

وَمِنْهَا : يَجُوزُ أَنْ يُحْرِمَ مُطْلَقًا وَيَصْرِفَهُ بِالتَّعْيِينِ إلَى مَا شَاءَ مِنْ النُّسُكَيْنِ ، أَوْ إلَيْهِمَا ، نَعَمْ لَوْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَقَبْلَ أَنْ يُعَيِّنَهُ لِلْعُمْرَةِ دَخَلَ الْحَجُّ فَأَرَادَ صَرْفَهُ إلَيْهِ قَالَ فِي الْبَحْرِ : لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ صَحَّ عَنْ الْعُهْرَةِ وَلَا يَقَعُ مَوْقُوفًا فِي الِابْتِدَاءِ ؛ لِأَنَّ الزَّمَانَ لَا يَقْبَلُ سِوَى الْعُمْرَةِ .

الرَّابِعُ : اللَّفْظُ الْمُطْلَقُ لَا يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ إلَّا إذَا كَانَ لَوْ صُرِّحَ بِذَلِكَ الْمُقَيَّدِ لَصَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَيَتَخَرَّجُ عَلَيْهَا صُوَرٌ : مِنْهَا مَسْأَلَةُ الْأَبِ السَّابِقَةُ حَيْثُ قُبِلَ مِنْهُ إرَادَةُ الْهِبَةِ لِأَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِهَا لَصَحَّ .
وَمِنْهَا إذَا أَقَرَّ الْمُفْلِسُ بِمُعَامَلَةٍ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ إذَا قَالَ : عَنْ جِنَايَةٍ أَوْ " عَنْ " مَالٍ ، فَإِنْ أَطْلَقَ قُبِلَ وَحُمِلَ عَلَى الْأَقَلِّ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِهِ لَصَحَّ .
وَمِنْهَا : إذَا أَعَارَ لِلزِّرَاعَةِ وَأَطْلَقَ وَلَمْ يُبَيِّنْ الزَّرْعَ صَحَّ " عَلَى " الْأَصَحِّ وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ ، قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَلَوْ قِيلَ : تَصِحُّ الْإِعَارَةُ وَلَا يَزْرَعُ إلَّا أَقَلَّ الْأَنْوَاعِ ضَرَرًا لَكَانَ مَذْهَبًا وَأَعَادَ هَذَا الْبَحْثَ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ فِي صُورَةِ إطْلَاقِ الْإِجَارَةِ وَلِمَانِعِ أَنْ يُمْنَعَ مَجِيءُ هَذَا الْبَحْثِ فِي الْبَابَيْنِ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ فَإِنَّهُ لَوْ صَرَّحَ وَقَالَ : أَعَرْتُك " أَوْ أَجَرْتُك " لِتَزْرَعَ أَقَلَّ الْأَنْوَاعِ ضَرَرًا لَمْ يَصِحَّ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَصِحُّ حَمْلُ الْإِطْلَاقِ عَلَيْهِ .

الْخَامِسُ : الْمُطْلَقُ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ يَنْزِلُ عَلَى أَقَلِّ الْمَرَاتِبِ .
وَلِهَذَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِشَرْطِ أَنَّهُ كَاتَبَ اكْتَفَى مِنْهُ بِمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ .
وَلَوْ نَذَرَ هَدْيًا هَلْ يَنْزِلُ عَلَى الْهَدْيِ الشَّرْعِيِّ أَوْ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ ؟ قَوْلَانِ وَإِنْ قَالَهُ بِاللَّامِ تَعَيَّنَ لِلشَّرْعِيِّ .
" وَقَالَتْ " الْحَنَفِيَّةُ : الْمُطْلَقُ مِنْ الْأَلْفَاظِ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ مِنْ الْمَعَانِي .
وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ السَّمَكِ لِنُقْصَانِ لَحْمِيَّتِهِ إذْ اللَّحْمُ هُوَ الْمُنْعَقِدُ مِنْ الدَّمِ وَلَا دَمَ لِلسَّمَكِ .
قُلْت : وَعِنْدَنَا لَا يَحْنَثُ أَيْضًا لَكِنْ " لِغَيْرِ " هَذَا الْمَأْخَذِ .

السَّادِسُ : الْفَرْقُ بَيْنَ مُطْلَقِ الشَّيْءِ وَالشَّيْءِ الْمُطْلَقِ تَعَرَّضَ لَهُ الشَّيْخُ فِي شَرْحِ الْإِلْمَامِ ، فَقَالَ : الْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ : حَقِيقَةُ الْمَاهِيَّةِ وَالثَّانِي : هِيَ بِقَيْدِ الْإِطْلَاقِ ، فَالْأَوَّلُ " لَا يُقَيَّدُ " " وَالثَّانِي يُفِيدُ " التَّجَرُّدَ عَنْ جَمِيعِ " الْقُيُودِ " .
وَقَدْ لَا يُرَادُ ذَلِكَ بَلْ يُرَادُ التَّجَرُّدُ عَنْ فَرْدٍ مُعَيَّنٍ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ : مِنْهَا : مُطْلَقُ الْمَاءِ وَالْمَاءُ الْمُطْلَقُ فَالْأَوَّلُ يَنْقَسِمُ إلَى " الطَّهُورِ " وَالطَّاهِرِ وَالنَّجِسِ وَالثَّانِي هُوَ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ ، وَإِنَّمَا يَصْدُقُ عَلَى وَاحِدٍ وَهُوَ الطَّهُورُ .
وَمِنْهَا : اسْمُ الرَّقَبَةِ وَحَقِيقَتُهَا تَصْدُقُ عَلَى السَّلِيمَةِ وَالْمَعِيبَةِ .
وَالْمُطْلَقَةُ لَا " تُطْلَقُ " إلَّا عَلَى السَّلِيمَةِ وَلَا تَجْزِيءُ فِي الْعِتْقِ عَنْ الْكَفَّارَةِ إلَّا رَقَبَةٌ سَلِيمَةٌ ، لِإِطْلَاقِ الشَّرْعِ إيَّاهَا وَالرَّقَبَةُ الْمُطْلَقَةُ مُقَيَّدَةٌ بِالْإِطْلَاقِ بِخِلَافِ مُطْلَقِ الرَّقَبَةِ .
وَمِنْهَا : الدِّرْهَمُ الْمَذْكُورُ فِي الْعُقُودِ قَدْ يُقَيَّدُ بِالنَّاقِصِ وَالْكَامِلِ وَحَقِيقَتُهُ مُنْقَسِمَةٌ إلَيْهِمَا وَإِذَا أُطْلِقَ تَقَيُّدٌ " بِالْكَامِلِ " الْمُتَعَارَفِ بِالرَّوَاجِ " " بَيْنَ " النَّاسِ .
وَمِنْهَا : الثَّمَنُ وَالْأُجْرَةُ وَالصَّدَاقُ وَنَحْوُهَا مِنْ الْأَعْوَاضِ الْمَجْعُولَةِ فِي الذِّمَّةِ تَنْقَسِمُ إلَى الْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ وَإِذَا أُطْلِقَتْ إنَّمَا تُحْمَلُ عَلَى الْحَالِّ فَالْإِطْلَاقُ " قَدْ " اقْتَضَى ذَلِكَ .

الْمَطْلُوبُ إذَا كَانَ فِيهِ أَحَدُ " غَرَضَيْنِ " عَلَى الْإِبْهَامِ لَا يُمْكِنُ تَخْصِيصُ أَحَدِهِمَا بِالطَّلَبِ .
وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا : كَيْفِيَّةُ الدَّعْوَى عِنْدَ الْقَاضِي بِالْإِيلَاءِ أَنْ تَدَّعِيَ عَلَى الزَّوْجِ الْإِيلَاءَ وَأَنَّ مُدَّتَهُ قَدْ انْقَضَتْ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ وَتَطْلُبُ مِنْهُ دَفْعَ الضَّرَرِ بِالْخُرُوجِ عَنْ مُوجِبِ الْفَيْئَةِ أَوْ الطَّلَاقِ ، قَالَ فِي الْمَطْلَبِ : وَكَذَلِكَ الْمُتْعَةُ لَمَّا كَانَتْ إلَى تَقْدِيرِ الْقَاضِي فِي أَيِّ نَوْعٍ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجَةِ طَلَبُهَا إلَّا مُبْهَمَةً .
قُلْت : وَيَجِيءُ مِثْلُهُ فِي الْحُكُومَةِ وَالرَّضْخِ .

الْمَعْدُومُ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْمَوْجُودِ فِي صُوَرٍ مِنْهَا : إذَا أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَمَاتَتْ إحْدَاهُنَّ فَلَهُ أَنْ يَخْتَارَ الْمَيِّتَةَ وَتُحْسَبُ لَهُ مِنْ الْأَرْبَعِ .
" وَمِنْهَا " إذَا " تَدَاعَى " اثْنَانِ شَخْصًا وَمَاتَ ، لِلْقَائِفِ أَنْ يُلْحِقَهُ بِأَحَدِهِمَا كَمَا لَوْ كَانَ مَوْجُودًا ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْأَوَانِي إذَا تَلِفَ أَحَدُ الْإِنَاءَيْنِ حَيْثُ كَانَ " الْأَصَحُّ " عِنْدَ النَّوَوِيِّ أَنَّهُ لَا يُجْتَهَدُ أَنَّ أَحْكَامَ الزَّوْجِيَّةِ بَاقِيَةٌ بِدَلِيلِ الْإِرْثِ " وَالْغُسْلِ " فَلِهَذَا كَانَ لَهُ الِاخْتِيَارُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَكَذَلِكَ النَّسَبُ شَدِيدُ التَّعَلُّقِ " بِالِاحْتِيَاطِ بِخِلَافِ الِاجْتِهَادِ فَإِنَّهُ يُعْتَمَدُ طَاهِرًا وَنَجِسًا وَقَدْ " فُقِدَ " أَحَدُهُمَا .

مُعْظَمُ الشَّيْءِ يَقُومُ مَقَامَ كُلِّهِ وَلِهَذَا تَحْصُلُ الرَّكْعَةُ بِإِدْرَاكِ الرُّكُوعِ ، وَمَنْ " أَوْقَعَ " رَكْعَةً فِي الْوَقْتِ كَانَ الْكُلُّ أَدَاءً فِي الْأَصَحِّ .
وَلَوْ أَحْرَمَ الصَّبِيُّ وَبَلَغَ قَبْلَ الْوُقُوفِ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ حُسِبَ عَنْ فَرْضِ الْإِسْلَامِ لِإِدْرَاكِهِ مُعْظَمَ الْحَجِّ فِي حَالِ الْكَمَالِ ، وَإِحْيَاءُ لَيْلَةِ الْعِيدِ تَحْصُلُ بِالْمُعْظَمِ وَنَحْوُهُ .

الْمُعَارَضَةُ بِنَقِيضِ الْمَقْصُودِ وَعَدَمِهِ أَقْسَامٌ الْأَوَّلُ : مَا قُطِعَ فِيهِ بِالْمُعَارَضَةِ كَعَدَمِ طَهَارَةِ الْخَمْرِ إذَا خُلِّلَتْ بِطَرْحِ شَيْءٍ فِيهَا وَحِرْمَانِ الْقَاتِلِ عَمْدًا الْإِرْثَ وَوُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى مَنْ رَمَى نَفْسَهُ مِنْ شَاهِقٍ عَبَثًا فَجُنَّ وَجَعَلَ الْإِمَامُ مِنْ هَذَا إثْبَاتَ الشُّفْعَةِ لَلشَّرِيك وَتَوْجِيهُهُ أَنَّ الشَّرِيكَ لَا غَرَضَ لَهُ فِي الْبَيْعِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ ، وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ شَرِيكِهِ حَصَلَ مَقْصُودُهُ مِنْ الثَّمَنِ وَانْدَفَعَ عَنْ الشَّرِيكِ الضَّرَرُ فَإِذَا بَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ وَقَدْ نَدَبَهُ الشَّرْعُ إلَى عَرْضِهِ عَلَى شَرِيكِهِ " رَاغَمَهُ " الشَّرْعُ مَقْصُودَهُ وَصَرَفَ الْبَيْعَ إلَى الشَّرِيكِ .
وَأَخَذَ مِنْهُ إبْطَالَ الشُّفْعَةِ فِي الْمَوْهُوبِ .
الثَّانِي : مَا هُوَ كَذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ ، كَمَا لَوْ قَتَلَ صَاحِبُ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ الْمَدْيُونَ " حَلَّ الدَّيْنُ " فِي الْأَصَحِّ ، وَكَذَا لَوْ أَمْسَكَ زَوْجَتَهُ لِأَجْلٍ مِيرَاثِهَا مُسِيئًا عِشْرَتَهَا فَإِنَّهُ يَرِثُهَا فِي الْأَصَحِّ .
وَلَوْ رَمَى نَفْسَهُ مِنْ شَاهِقٍ لِيُصَلِّيَ قَاعِدًا لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ فِي الْأَصَحِّ ، وَكَذَا لَوْ شَرِبَتْ دَوَاءً يُلْقِي الْجَنِينَ فَأَلْقَتْهُ وَنَفِسَتْ لَمْ يَلْزَمْهَا قَضَاءُ " صَلَوَاتِ " أَيَّامِ النِّفَاسِ عَلَى الْأَصَحِّ .
وَلَوْ أَسَاءَ عِشْرَةَ زَوْجَتِهِ حَتَّى افْتَدَتْ بِالْخُلْعِ " نَفَذَ فِي الصَّحِيحِ " وَكَذَا لَوْ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ فِرَارًا مِنْ الْإِرْثِ نَفَذَ وَلَمْ تَرِثْهُ عَلَى الْجَدِيدِ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ : " تَرِثُ " مُنَاقَضَةً لِقَصْدِهِ .
وَلَوْ جَبَّتْ الْمَرْأَةُ ذَكَرَ زَوْجِهَا ، أَوْ هَدَمَ الْمُسْتَأْجِرُ الدَّارَ الْمُسْتَأْجَرَةَ ثَبَتَ " لَهُمَا " الْخِيَارُ فِي الْأَصَحِّ .
وَلَوْ " خُلِّلَ " الْخَمْرُ بِغَيْرِ طَرْحِ شَيْءٍ فِيهَا بَلْ بِالنَّقْلِ مِنْ الشَّمْسِ إلَى الظِّلِّ وَعَكْسِهِ طَهُرَتْ فِي الْأَصَحِّ .

الثَّالِثُ : مَا لَا يُعَارَضُ قَطْعًا كَمَا لَوْ بَاعَ الْمَالَ الزَّكَوِيُّ قَبْلَ الْحَوْلِ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا .
وَلَوْ أَفْطَرَ بِالْأَكْلِ مُتَعَدِّيًا لِيُجَامِعَ لَمْ تَجِبْ الْكَفَّارَةُ ، وَلَوْ شَرِبَ شَيْئًا لِيَمْرَضَ قَبْلَ الْفَجْرِ فِي رَمَضَانَ فَأَصْبَحَ مَرِيضًا فَإِنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ .
وَلَوْ قَتَلَتْ أُمُّ الْوَلَدِ سَيِّدَهَا عَتَقَتْ بِذَلِكَ .
وَلَوْ اُسْتُلْحِقَ الْوَلَدُ الْمَنْفِيُّ بِاللِّعَانِ بَعْدَ مَوْتِهِ قُبِلَ وَوَرِثَهُ وَلَمْ يَنْظُرُوا لِتُهْمَةِ الطَّمَعِ فِي الْإِرْثِ .
وَلَوْ شَرِبَتْ دَوَاءً فَحَاضَتْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا قَضَاءُ " الصَّلَوَاتِ " اتِّفَاقًا .

مُعَامَلَاتُ الْعَبِيدِ مَعَ السَّادَةِ ثَلَاثَةٌ مُهَايَأَةٌ وَمُخَارَجَةٌ وَمُكَاتَبَةٌ .
وَالْمُهَايَأَةُ فِي الْمُبَعَّضِ وَهَلْ هِيَ " إعَارَةٌ أَوْ إجَارَةً " خِلَافٌ وَكِلَاهُمَا مُشْكِلٌ بِجَوَازِ الرُّجُوعِ وَأَخْذِ " الْغُرْمِ " .

الْمُعَاطَاةُ أَنْ " يُوجَدَ " " فِي " أَحَدِ شِقَّيْ الْعَقْدِ لَفْظٌ مِنْ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَيَشْفَعُهُ الْآخَرُ بِالْفِعْلِ أَوْ لَا " يُوجَدُ " لَفْظٌ أَصْلًا وَلَكِنْ يَصْدُرُ الْفِعْلُ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ فَأَمَّا إذَا " أَخَذَ " مِنْهُ شَيْئًا وَلَمْ يَتَلَفَّظَا بِبَيْعٍ بَلْ نَوَيَا أَخْذَهُ بِثَمَنِهِ الْمُعْتَادِ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَهُوَ بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ لَفْظِيٍّ وَلَا مُعَاطَاةٍ كَذَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ قَالَ : وَلَا يُغْتَرُّ بِكَثْرَةِ مَنْ يَفْعَلُهُ مِمَّنْ يَأْخُذُ الْحَوَائِجَ مِنْ الْبَيَّاعِ ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ يُحَاسِبُهُ وَيُعْطِيهِ الْعِوَضَ .
وَهَذَا " كُلُّهُ " تَابَعَ فِيهِ " الْبَغَوِيّ " لَكِنَّ الْغَزَالِيَّ فِي " الْإِحْيَاءِ " أَشَارَ إلَى التَّسَامُحِ بِهِ .

الْمُعَاوَضَةُ قِسْمَانِ مَحْضَةٌ وَغَيْرُ مَحْضَةٍ فَالْمَحْضَةُ : مَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ فِيهَا بِفَسَادِ الْعِوَضِ .
وَغَيْرُ " الْمَحْضَةِ " مَا لَا يَفْسُدُ .
وَإِنْ شِئْت قُلْت : الْمُعَاوَضَةُ الْمَحْضَةُ : مَا يُقْصَدُ فِيهَا الْمَالُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ، وَالْمُرَادُ بِالْمَالِ مَا يَعُمُّ الْمَنْفَعَةَ وَغَيْرَهَا مِمَّا يُتَمَوَّلُ وَغَيْرُ الْمَحْضَةِ : مَا لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ .
وَأَمَّا الْقَرْضُ فَلَيْسَ بِمَحْضَةٍ بَلْ الْمُغَلَّبُ فِيهِ الْإِرْفَاقُ .
وَلِهَذَا لَا يَدْخُلُ زَكَاةَ التِّجَارَةِ كَمَا قَطَعَ بِهِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ بِخِلَافِ مَا مُلِكَ بِمُعَاوَضَةٍ غَيْرِ مَحْضَةٍ كَالصَّدَاقِ ، لَكِنَّ الْمُتَوَلِّيَ أَثْبَتَ الشُّفْعَةَ فِي الشِّقْصِ " الْمُقْرَضِ " جَزْمًا وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ فِي زَكَاةِ التِّجَارَةِ .

الْمِعْيَارُ الشَّرْعِيُّ الْكَيْلُ أَوْ الْوَزْنُ .
وَذَكَرُوا فِي زَكَاةِ النَّقْدِ فِيمَا لَوْ كَانَ لَهُ إنَاءٌ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَشَكَّ فِي الْأَكْثَرِ مِنْهُمَا وَعُسْرُ السَّبْكِ طَرِيقَةٌ هَنْدَسِيَّةٌ فِي الْمِعْيَارِ بِالْإِلْقَاءِ فِي إنَاءٍ مِنْ الْمَاءِ بِأَنْ يَمْتَحِنَ قَدْرًا مِنْ النَّقْرَةِ الْخَالِصَةِ وَقَدْرًا مِنْ الذَّهَبِ الْخَالِصِ وَيُعَلِّمُ عَلَى مَوْضِعِ " الِارْتِفَاعِ " ثُمَّ يُلْقِي الْمَخْلُوطَ " فِيهِ " فَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ إلَى عَلَامَةِ الذَّهَبِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الذَّهَبَ هُوَ الْأَكْثَرُ ، وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا بِالزَّكَاةِ بَلْ طَرَدَهُ الْإِمَامُ فِي أَدَاءِ الدَّيْنِ " فَإِنْ " كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِيزَانٌ فَقَضَاهُ بِهَذِهِ " الطَّرِيقَةِ " جَازَ .
وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مِنْ الْمَكِيلَاتِ فَقَضَاهُ بِطَرِيقِ الْخَرْصِ جَازَ .
فَأَمَّا بَيْعُ النَّقْرَةِ بِمِثْلِهَا بِهَذِهِ " الطَّرِيقَةِ " فَلَا يَجُوزُ ، لِأَنَّ فِي بَابِ الرِّبَا الْمُعْتَبَرُ تَقْدِيرُ " مَخْصُوصٍ ، وَلِهَذَا امْتَنَعَ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِمِثْلِهَا وَزْنًا .

مُقَابَلَةُ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ تَارَةً تَقْتَضِي مُقَابَلَةَ الْآحَادِ بِالْآحَادِ نَحْوَ رَكِبَ الْقَوْمُ دَوَابَّهُمْ ، قَالَ " اللَّهُ " تَعَالَى " { جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ } وَنَحْوَ أَكَلَ الزَّيْدَانِ الرَّغِيفَيْنِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَكَلَ رَغِيفًا .
وَقَدْ يَقْتَضِي " مُقَابَلَةَ " الْكُلِّ " لِكُلِّ " فَرْدٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى " { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ } وَقَوْلِهِ { وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ } .
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى { فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ } فَذَكَرَ الْمَرَافِقَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَالْكَعْبَيْنِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَالْكَعْبَيْنِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ ؛ لِأَنَّ مُقَابَلَةَ الْجَمْعِ تَقْتَضِي انْقِسَامَ الْآحَادِ عَلَى الْآحَادِ وَلِكُلِّ يَدٍ مِرْفَقٌ فَصَحَّتْ الْمُقَابَلَةُ وَلَوْ قِيلَ : إلَى الْكِعَابِ فُهِمَ مِنْهُ أَنَّ الْوَاجِبَ " بِأَنَّ " لِكُلِّ رِجْلٍ كَعْبًا وَاحِدًا فَذَكَرَ الْكَعْبَيْنِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ لِيَتَنَاوَلَ الْكَعْبَيْنِ مِنْ كُلِّ رِجْلٍ .
فَإِنْ قِيلَ : فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَجِبَ إلَّا غُسْلُ يَدٍ وَاحِدَةٍ " وَرِجْلٍ وَاحِدَةٍ " ، قُلْنَا : صَدَّنَا عَنْهُ فِعْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَإِجْمَاعُ " الْأُمَّةِ .
وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مُهِمَّةٌ يَتَفَرَّعُ عَلَيْهَا " كَثِيرٌ " مِنْ الْمَسَائِلِ الْخِلَافِيَّةِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ وَمِنْ الْفُرُوعِ الْمَذْهَبِيَّةِ .
فَمِنْ الْأَوَّلِ : قَوْله تَعَالَى { إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ } .
الْآيَةَ هَلْ الْمُرَادُ تَوْزِيعُ " جَمِيعِ " الصَّدَقَاتِ عَلَى مَجْمُوعِ الْأَصْنَافِ " أَوْ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الصَّدَقَاتِ عَلَى مَجْمُوعِ الْأَصْنَافِ " .
وَبُنِيَ عَلَى ذَلِكَ مَسْأَلَةُ وُجُوبِ اسْتِيعَابِ الْأَصْنَافِ " بِكُلِّ " صَدَقَةٍ صَدَقَةٍ أَوْ يَكْفِي وَضْعُهَا فِي صِنْفٍ .
وَمِنْهَا : قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَعْلِيلِ مَسْحِهِ عَلَى الْخُفَّيْنِ { إنِّي أَدْخَلْتهمَا طَاهِرَتَيْنِ } هَلْ " أَنَّهُ أَدْخَلَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ " قَدَمَيْهِ "

" الْخُفَّ " وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا طَاهِرَةٌ أَوْ الْمُرَادُ أَنَّهُ أَدْخَلَ كِلَا الْقَدَمَيْنِ الْخُفَّيْنِ وَكُلُّ قَدَمٍ فِي " حَالِ " إدْخَالِهَا " الْخُفَّ طَاهِرَةٌ " وَبُنِيَ عَلَى ذَلِكَ مَا إذَا غَسَلَ رِجْلًا وَأَدْخَلَهَا الْخُفَّ ثُمَّ " غَسَلَ " الْأُخْرَى وَأَدْخَلَهَا الْخُفَّ فَإِنْ جَعَلْنَاهُ مِنْ تَوْزِيعِ الْفَرْدِ عَلَى الْجُمْلَةِ امْتَنَعَ الْمَسْحُ ؛ لِأَنَّهُ فِي حَالِ إدْخَالِ الرِّجْلِ الْأُولَى الْخُفَّ لَمْ تَكُنْ الرِّجْلَانِ طَاهِرَتَيْنِ وَإِنْ جَعَلْنَاهُ مِنْ تَوْزِيعِ الْآحَادِ عَلَى الْآحَادِ صَحَّ ، وَبِالثَّانِي قَالَ الْمُزَنِيّ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَذْهَبُ .
وَمِنْهَا : مَسْأَلَةُ مُدِّ عَجْوَةٍ فَإِنَّ مَأْخَذَ الْمَنْعِ فِيهَا أَنَّ قَضِيَّةَ الْعَقْدِ إذَا اشْتَمَلَ أَحَدُ طَرَفَيْهِ عَلَى مَالَيْنِ وُزِّعَ مَا فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ ، وَذَلِكَ يُوجِبُ " الْمُفَاضَلَةَ " أَوْ الْجَهْلَ بِالْمِثْلِ ، أَمَّا أَنَّ قَضِيَّةَ الْعَقْدِ " كَذَلِكَ " " فَلِأَنَّهُ " لَوْ بَاعَ شِقْصًا مِنْ عَقَارٍ وَسَيْفًا " بِأَلْفٍ " يُوَزَّعُ الْأَلْفُ عَلَيْهِمَا حَتَّى لَوْ كَانَ قِيمَةُ الشِّقْصِ مِائَةً وَالسَّيْفِ خَمْسِينَ أَخَذَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بِثُلُثَيْ " الْأَلْفِ " ، وَاعْتَرَضَ الْإِمَامُ بِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَقْتَضِي فِي وَضْعِهِ تَوْزِيعًا مُفَصَّلًا بَلْ مُقْتَضَاهُ مُقَابَلَةُ الْجُمْلَةِ أَوْ مُقَابَلَةُ الْجُزْءِ الشَّائِعِ " مِمَّا " فِي أَحَدِ الشِّقَّيْنِ بِمِثْلِهِ " مِمَّا " فِي الشِّقِّ الْآخَرِ ، وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَى التَّوْزِيعِ الْمُفَصَّلِ فِي مَسْأَلَةِ الشُّفْعَةِ لِضَرُورَةِ الشُّفْعَةِ .
وَأَمَّا الثَّانِي فَيَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ : الْأَوَّلُ : أَنْ تَقُومَ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ أَحَدِهِمَا فَيُصَارُ إلَيْهِ مِثَالُ الْقَرِينَةِ عَلَى تَوْزِيعِ الْجُمْلَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ لِاسْتِحَالَةِ الْآخَرِ مَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ : إنْ أَكَلْتُمَا هَذَيْنِ الرَّغِيفَيْنِ فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ فَأَكَلَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا رَغِيفًا ، طَلُقَتَا ؛ لِأَنَّهُمَا " أَكَلَتَاهُمَا " وَيَسْتَحِيلُ أَكْلُ وَاحِدَةٍ الرَّغِيفَيْنِ .
وَمِثَالُ الْقَرِينَةِ

عَلَى تَوْزِيعِ الْآحَادِ عَلَى الْآحَادِ ، مَا لَوْ " قَالَ " .
الْقِسْمُ الثَّانِي : أَنْ لَا تَدُلَّ قَرِينَةٌ عَلَى أَحَدِ التَّوْزِيعَيْنِ وَلَا يُنْكِرُ كُلٌّ مِنْهُمَا فَهَلْ يُحْمَلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي ؟ فِيهِ خِلَافٌ ، وَالْمُرَجَّحُ غَالِبًا تَوْزِيعُ الْآحَادِ عَلَى الْآحَادِ " .
وَمِنْ فُرُوعِهِ : لَوْ قَالَ : إنْ دَخَلْتُمَا " هَاتَيْنِ " الدَّارَيْنِ فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ فَدَخَلَتْ إحْدَاهُمَا إحْدَى الدَّارَيْنِ " وَالْأُخْرَى الْأُخْرَى لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا حَتَّى تَدْخُلَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الدَّارَيْنِ " جَمِيعًا عَلَى الصَّحِيحِ .
وَلَوْ قَالَ : إنْ حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ فَهُوَ تَعْلِيقٌ لِطَلَاقِهِمَا عَلَى حَيْضِهِمَا جَمِيعًا ، فَإِنْ حَاضَتَا مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا طَلُقَتَا وَإِنْ حَاضَتْ إحْدَاهُمَا لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا .
وَلَوْ قَالَ : إنْ شِئْتُمَا فَأَنْتُمَا " طَالِقَتَانِ " فَشَاءَتْ إحْدَاهُمَا وَلَمْ تَشَأْ الْأُخْرَى لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا وَهَلْ طَلَاقُ كُلِّ وَاحِدَةٍ " يُعَلَّقُ " بِالْمَشِيئَتَيْنِ جَمِيعًا أَوْ كُلُّ وَاحِدَةٍ " بِمَشِيئَتِهَا " طَلَاقَ نَفْسِهَا دُونَ ضَرَّتِهَا ؟ قَالَ الْمُتَوَلِّي بِالْأَوَّلِ ، وَالْبَنْدَنِيجِيّ بِالثَّانِي وَحَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ الْبُوشَنْجِيِّ أَنَّهُ الْقِيَاسُ .
وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ رَجُلَانِ بِقَتْلِ رَجُلَيْنِ كَانَ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي قَتْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا " قَتَلَ أَحَدَهُمَا " أَوْ الْآخَرُ " الْآخَرَ .
وَمِنْهَا : الضَّمَانُ فَإِذَا ضَمِنَ اثْنَانِ أَلْفًا فَهَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَامِنٌ لِجَمِيعِ الدَّيْنِ " أَوْ بِالْحِصَّةِ وَجْهَانِ وَبِالثَّانِي جَزَمَ الرُّويَانِيُّ ، قَالَ : إلَّا أَنْ يَقُولُوا : إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ ضَامِنٌ " لِجَمِيعِهَا " وَجَزَمَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ بِالْأَوَّلِ وَأَفْتَى بِهِ بَعْضُ مَشَايِخِنَا وَاسْتَشْهَدَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ لِذَلِكَ بِمَا إذَا كَانَ لِاثْنَيْنِ " عَبْدٌ " فَقَالَا لِرَجُلٍ رَهَنَّاهُ عِنْدَك عَلَى دَيْنِك الَّذِي لَك عَلَى فُلَانٍ ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَكُونُ رَاهِنًا

لِكُلِّ الدَّيْنِ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ الِاتِّفَاقُ عَلَى هَذِهِ " الصُّورَةِ " .

وَمِنْهَا : لَوْ قَالَ لِعَبِيدِهِ : إذَا أَدَّيْتُمْ إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتُمْ أَحْرَارٌ هَلْ يُعْتَقُ الْوَاحِدُ بِأَدَاءِ حِصَّتِهِ أَوْ يَتَوَقَّفُ عَلَى أَدَاءِ الْجَمِيعِ ؟ وَلَوْ " أَمَّنَ " مِائَةُ أَلْفٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِائَةَ أَلْفٍ مِنْ الْكُفَّارِ قَالَ الْإِمَامُ : " فَأَمَانُ " الْكُلِّ مَرْدُودٌ .
وَحَاوَلَ الرَّافِعِيُّ فِيمَا إذَا صَدَرَ هَذَا عَلَى التَّعَاقُبِ الصِّحَّةَ إلَى ظُهُورِ الْخَلَلِ وَوَافَقَهُ النَّوَوِيُّ ، وَأَمَّا ابْنُ الرِّفْعَةِ فَقَيَّدَهُ بِمَا إذَا عَرَفَ الْأَوَّلُ قُبِلَ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ جَهِلَ تُسْتَعْمَلُ " الْقُرْعَةُ .

وَمِنْهَا : حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ عَلَى شَيْءٍ وَلَهُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ " وَحَنِثَ " قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ : يَلْزَمُهُ ثَلَاثُ طَلْقَاتٍ يُعَيِّنُهَا فِي وَاحِدَةٍ مِنْ نِسَائِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوقِعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ طَلْقَةً حَتَّى تُسْتَكْمَلَ الثَّلَاثُ ، لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ مَا أَفَادَ الْفُرْقَةَ الْمُوجِبَةَ لِلْبَيْنُونَةِ الْكُبْرَى حَكَاهُ " عَنْهُ " تِلْمِيذُهُ " ابْنُ الْفِرْكَاحِ فِي فَتَاوِيهِ وَلَمْ يُخَالِفْهُ .
وَسَبَقَتْ فِي قَاعِدَةِ الْحَصْرِ وَالْإِشَاعَةِ .

وَمِنْهَا : لَوْ بَاعَ جَمَاعَةٌ عَبِيدَهُمْ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ .
وَمِنْهَا : لَوْ قَالَ لِأَرْبَعٍ : أَوْقَعْت عَلَيْكُنَّ أَوْ بَيْنَكُنَّ طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا وَقَعَ عَلَى كُلٍّ طَلْقَةٌ فَإِنْ قَصَدَ تَوْزِيعَ كُلِّ طَلْقَةٍ عَلَيْهِنَّ وَقَعَ فِي ثِنْتَيْنِ ثِنْتَانِ وَفِي ثَلَاثٍ وَأَرْبَعٍ ثَلَاثٌ .

وَمِنْهَا : إذَا قَتَلَ مَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ وَنِصْفُهُ مُبَعَّضٌ " رَقِيقًا " مِثْلَهُ فَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِنَا يُقْتَلُ بِهِ لِتَسَاوِيهِمَا وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَابَلُ الرِّقُّ بِالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةُ بِالْحُرِّيَّةِ بَلْ يُوَزَّعُ مَا فِي كُلِّ " وَاحِدٍ " مِنْهُمَا مِنْ الرِّقِّ عَلَى رِقِّ صَاحِبِهِ وَحُرِّيَّتِهِ ، وَمَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ عَلَى رِقِّهِ وَحُرِّيَّتِهِ فَلَوْ قَتَلْنَاهُ بِهِ لَاسْتَوْفَيْنَا رُبْعَ حُرٍّ بِرُبْعِ رَقِيقٍ .
قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي تَعْلِيقِهِ : وَإِنَّمَا تَظْهَرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَهِيَ أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ الْمُبَعَّضُ نِصْفُهُ مُبَعَّضًا " مِثْلَهُ " خَطَأً لَا نَقُولُ : مَا وَجَبَ مِنْ الْقِيمَةِ بِنِصْفِ الرَّقِيقِ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَةِ الْقَاتِلِ وَرَقَبَتِهِ وَمَا وَجَبَ بِنِصْفِ الْحُرِّ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ بَلْ تُقَسَّطُ الْقِيمَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةُ تَتَعَلَّقُ " بِنِصْفِ " الْقِيمَةِ " وَنِصْفُ " الدِّيَةِ بِرَقَبَتِهِ يُبَاعُ فِيهِ ، وَنِصْفُ الْقِيمَةِ وَنِصْفُ الدِّيَةِ بِذِمَّتِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ .
قَالَ : وَنَظِيرُ هَذَا التَّوْزِيعِ " وَالشُّيُوعِ " أَنَّ مَنْ بَاعَ شِقْصًا وَسَيْفًا وَقِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ أَلْفٌ بِعَبْدٍ وَثَوْبٍ وَقِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ أَلْفٌ فَلَا يُقَالُ : الشِّقْصُ يُقَابِلُهُ الْعَبْدُ أَوْ الثَّوْبُ يُقَابِلُهُ نِصْفُ الْعَبْدِ وَنِصْفُ الثَّوْبِ وَكَذَا " السَّيْفُ " يُقَابِلُهُ النِّصْفُ مِنْهُمَا .
قَالَ : وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا قَتَلَ الْحُرُّ الْكَافِرُ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ أَوْ عَكْسُهُ لَا يُقْتَلُ بِهِ ، وَلَا يُقَالُ : إنَّهُ يُقَابَلُ " النَّقْصُ " بِالنَّقْصِ وَالْفَضْلِ " حَتَّى يَجِبَ الْقَوَدُ .
وَمِنْهَا : مَا وَجَبَ فِيهِ كَمَالُ الدِّيَةِ إنْ " كَانَ " فِي الْإِنْسَانِ مِنْهُ عُضْوٌ وَاحِدٌ فَالدِّيَةُ فِي مُقَابَلَتِهِ وَإِنْ " تَعَدَّدَتْ " أَجْزَاؤُهَا وُزِّعَتْ الدِّيَةُ " عَلَى أَجْزَاءٍ فَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُهَا ، وَكَذَلِكَ الْأُذُنَانِ وَفِي الْمَارِنِ الدِّيَةُ ، وَفِي طَبَقَةِ

الْمَارِنِ الثُّلُثُ ، لِأَنَّ الْمَنْخِرَ يَشْتَمِلُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَجْزَاءٍ .

الْمُقَدَّرَاتُ يَتَعَلَّقُ بِهَا مَبَاحِثُ الْأَوَّلُ : الْحُقُوقُ إذَا كَانَ جَمِيعُهَا مُقَدَّرًا بِالشَّرْعِ وَبَعْضُهَا غَيْرَ مُقَدَّرٍ فَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ إحْدَاهَا : أَنْ يَكُونَ تَقْدِيرُ الْحَقِّ خَشْيَةَ سُقُوطِ صَاحِبِهِ بِحَيْثُ كَانَ مَنْ لَمْ يُقَدَّرْ حَقُّهُ يَسْتَحِقُّ الْجَمِيعَ عِنْدَ الِانْفِرَادِ كَذَوِي الْفُرُوضِ مَعَ الْعَصَبِيَّاتِ فِي الْمِيرَاثِ فَهَا هُنَا قَدْ يُرِيدُ الْحَقُّ الَّذِي لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْحَقِّ الْمُقَدَّرِ ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْهُ .
الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ لِنِهَايَةِ الِاسْتِحْقَاقِ ، وَغَيْرُ الْمُقَدَّرِ مَوْكُولًا إلَى الرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ فَلَا " يُزَادُ " الْحَقُّ الَّذِي لَمْ يُقَدَّرْ عَلَى الْمُقَدَّرِ هَا هُنَا وَلَهُ صُوَرٌ : مِنْهَا : الْحَدُّ وَالتَّعْزِيرُ فَلَا يَبْلُغُ تَعْزِيرُ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ أَدْنَى حُدُودِهِمَا " فَيَجِبُ " أَنْ يَنْقُصَ فِي عَبْدٍ عَنْ عِشْرِينَ جَلْدَةً وَحُرٍّ عَنْ أَرْبَعِينَ ، وَقِيلَ : عِشْرِينَ .
وَمِنْهَا : السَّهْمُ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَالرَّضْخِ " فَلَا يُبْلَغُ بِالرَّضْخِ لِأَدْنَى سَهْمِهِ الْمُقَدَّرِ وَلَا بِالرُّضُوخِ " لَهُ فَوْقَ سَهْمِهِ الْمُقَدَّرِ .
الثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُقَدَّرًا شَرْعًا وَالْآخَرُ تَقْدِيرُهُ رَاجِعٌ إلَى الِاجْتِهَادِ لَكِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى أَصْلٍ يُضْبَطُ بِهِ فَهَلْ هُوَ كَالْمُقَدَّرِ أَوْ لَا ؟ إنْ كَانَ " مَحَلُّهُمَا " وَاحِدًا " لَمْ " يُجَاوَزْ بِهِ الْمُقَدَّرُ كَالْحُكُومَةِ إذَا كَانَتْ فِي مَحَلٍّ لَهُ مُقَدَّرٌ اُشْتُرِطَ أَنْ لَا يَبْلُغَ " مِقْدَارُهُ " " لِذَلِكَ " الْمَحَلِّ فَإِنْ بَلَغَهُ نَقَصَ الْقَاضِي شَيْئًا بِاجْتِهَادِهِ .

الثَّانِي الْمُقَدَّرَاتُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : مَا هُوَ تَقْرِيبٌ قَطْعًا فَمِنْهُ سِنُّ الرَّقِيقِ الَّذِي أَسْلَمَ فِيهِ أَوْ وَكَّلَ فِي شِرَائِهِ أَوْ " أَوْصَى " بِهِ ؛ لِأَنَّ التَّحْدِيدَ فِيهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ لَوْ شُرِطَ فِيهِ بَطَلَ وَقَدْرُ سِنِّ التَّمْيِيزِ الَّذِي يَحْرُمُ فِيهِ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا تَقْرِيبٌ .
الثَّانِي : مَا هُوَ تَحْدِيدٌ قَطْعًا كَتَقْدِيرِ مُدَّةِ الْمَسْحِ وَأَحْجَارِ الِاسْتِنْجَاءِ وَغَسْلِ الْوُلُوغِ وَالْعَدَدِ فِي الْجُمُعَةِ وَتَكْبِيرَاتِ الصَّلَاةِ وَنُصُبِ " الزَّكَوَاتِ " وَالْأَسْنَانِ الْمَأْخُوذَةِ فِيهَا كَبِنْتِ مَخَاضٍ وَسِنِّ الْأُضْحِيَّةِ وَالْأَوْسُقِ فِي الْعَرَايَا إذَا جَوَّزْنَاهَا فِي الْخَمْسَةِ وَالْآجَالِ فِي حَوْلِ الزَّكَاةِ وَالْجِزْيَةِ وَالْهُدْنَةِ وَدِيَةِ الْخَطَأِ وَتَعْرِيفِ اللُّقَطَةِ وَتَغْرِيبِ الزَّانِي وَإِنْذَارِ الْمَوْلَى " " وَالْعِنِّينِ " وَمُدَّةِ الرَّضَاعِ وَالْعَدَدِ وَمَقَادِيرِ الْحُدُودِ .
الثَّالِثُ : مَا هُوَ تَقْرِيبٌ فِي الْأَصَحِّ فَمِنْهُ تَقْدِيرُ الْقُلَّتَيْنِ بِخَمْسِمِائَةِ رَطْلٍ ، وَسِنِّ الْحَيْضِ بِتِسْعِ سِنِينَ ، وَكَذَلِكَ الرَّضَاعُ .
وَالْمَسَافَةِ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ بِثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ .
الرَّابِعُ : مَا هُوَ تَحْدِيدٌ فِي الْأَصَحِّ كَمَسَافَةِ الْقَصْرِ بِثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ مِيلًا " وَكَالْخَمْسَةِ " أَوْسُقٍ بِأَلْفٍ وَسِتِّمِائَةِ رَطْلٍ بِالْبَغْدَادِيِّ وَصُحِّحَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مُقَابِلُهُ .

الثَّالِثُ " تَقْسِيمٌ " آخَرُ ، هِيَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا : مَا يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ كَأَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ وَالْفُرُوضِ فِي الْمَوَارِيثِ وَالْحُدُودِ " الثَّانِي " مَا لَا يَمْنَعُهُمَا ، كَالْمُقَدَّرِ فِي الْوُضُوءِ بِثَلَاثٍ .
يَجُوزُ النُّقْصَانُ بِهِ وَكَذَا الزِّيَادَةُ مَعَ الْكَرَاهِيَةِ .
الثَّالِثُ مَا يَمْنَعُ الْأَكْثَرَ دُونَ الْأَقَلِّ كَمُدَّةِ إمْهَالِ الْمُرْتَدِّ إذَا حَدَّدْنَاهَا بِالثَّلَاثِ " وَكَالثَّلَاثِ " فِي خِيَارِ الشَّرْطِ ، وَكَذَا فِي الْقَسَمِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ عَلَى الثَّلَاثِ " عَلَى " الْمَذْهَبِ .
الرَّابِعُ : عَكْسُهُ كَنِصَابِ الشَّهَادَةِ وَالسَّرِقَةِ وَالزَّكَاةِ وَكَالثَّلَاثِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْأَحْجَارِ وَالسَّبْعِ فِي وُلُوغِ " الْكَلْبِ " وَالنُّجُومِ فِي الْكِتَابَةِ وَالْخَمْسِ فِي الرَّضَاعِ وَالسَّبْعِ فِي الطَّوَافِ .

الْمُكَاتَبُ كَالْحُرِّ فِيمَا هُوَ مَقْصُودُ الْكِتَابَةِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ " وَمُعَامَلَةِ " السَّيِّدِ وَالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ مِنْ كَسْبِهِ وَامْتِنَاعِ بَيْعِهِ " عَلَى " الْجَدِيدِ .
وَكَالْقِنِّ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالرَّقَبَةِ كَبَيْعِهِ السَّيِّدَ بِرِضَاهُ وَقَتْلِهِ وَالْوَصِيَّةِ بِهِ .
قَالَ الْإِمَامُ : وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى ثُبُوتِ الْمِلْكِ فِي رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ أَنَّ مَنْ زَوَّجَ " ابْنَتَهُ " مِنْ مُكَاتَبِهِ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ عِتْقِ الْمُكَاتَبِ فَالزَّوْجَةُ تَرِثُ شَيْئًا مِنْ رَقَبَةِ الزَّوْجِ " وَيَنْفَسِخُ " النِّكَاحُ بِذَلِكَ وَلَوْلَا " أَنَّا " نَقُولُ : الْمِلْكُ فِي رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ لِوَرَثَةِ الْوَلِيِّ لَمَا انْفَسَخَ النِّكَاحُ .
وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْآثَارِ فَعَلَى قِسْمَيْنِ : أَحَدُهُمَا : مَا يَغْلِبُ فِيهِ مِلْكُ الرَّقَبَةِ عَلَى الصَّحِيحِ كَنَظَرِهِ إلَى سَيِّدَتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ وَفَاءٌ .
الثَّانِي : " مَا " يَغْلِبُ فِيهِ جِهَةُ الْأَحْرَارِ عَلَى الصَّحِيحِ ، كَمَا إذَا حَلَفَ لَا مِلْكَ لَهُ وَلَهُ مُكَاتَبٌ لَا يَحْنَثُ فِي الْأَصَحِّ لِمَنْعِ الْعُرْفِ إطْلَاقَ " اسْمِ " الْعُبُودِيَّةِ عَلَيْهِ .

الْمُكَبَّرُ لَا يُكَبَّرُ وَمِنْ ثَمَّ لَا يُشْرَعُ التَّثْلِيثُ فِي غَسَلَاتِ الْكَلْبِ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِمْ الشَّيْءُ إذَا انْتَهَى نِهَايَتَهُ فِي التَّغْلِيظِ لَا يَقْبَلُ التَّغْلِيظَ كَالْأَيْمَانِ فِي الْقَسَامَةِ وَكَقَتْلِ الْعَمْدِ وَشَبَهِهِ لَا تُغَلَّظُ فِيهِ الدِّيَةُ ، وَإِنْ غُلِّظَتْ فِي الْخَطَأِ .
وَوَقَعَ فِي " الشَّامِلِ الصَّغِيرِ " فِي غَسَلَاتِ الْكَلْبِ ، قَالَ : وَنُدِبَ التَّثْلِيثُ بِغَسْلَتَيْنِ بَعْدَ الطُّهْرِ بِسَبْعٍ أَوْ دُونَهَا ، وَعَلَّلَهُ شَارِحُهُ بِأَنَّ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ التَّطْهِيرُ لَا يُحْسَبُ إلَّا مَرَّةً وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى الْقَوَاعِدِ .
وَيَقْرَبُ مِنْهُ قَوْلُهُمْ فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ حَيْثُ تُضَعَّفُ " أَنَّ الْجُبْرَانَ لَا يُضَعَّفُ " فِي الْأَصَحِّ ، لِأَنَّا لَوْ ضَعَّفْنَاهُ كَانَ ضِعْفَ الضِّعْفِ ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى الضِّعْفِ لَا تَجُوزُ .

الْمَنْفَعَةُ هَلْ يُطْلَقُ عَلَيْهَا مَالٌ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ كَلَامُهُمْ فَقَدْ ذَكَرُوا فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَا مَالَ لَهُ وَلَهُ مَنَافِعُ بِوَصِيَّةِ أَوْ إجَارَةٍ لَا يَحْنَثُ فِي الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ لَفْظِ الْمَالِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ الْأَعْيَانُ ، وَذَكَرُوا فِيمَا لَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ وَفَسَّرَهُ بِمَنْفَعَةٍ لَمْ يُقْبَلْ .
وَقَالَ الْإِمَامُ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ أَجْمَعَ الْأَصْحَابُ أَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَنْدَرِجُ تَحْتَ مُطْلَقِ اسْمِ الْمَالِ لَكِنْ قَالُوا فِي بَابِ الْوَصَايَا : الْأَمْوَالُ تَنْقَسِمُ إلَى " أَعْيَانٍ " وَمَنَافِعَ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إطْلَاقِهَا عَلَيْهَا .
أَمَّا عَلَى طَرِيقِ الْحَقِيقَةِ فَلَا .
وَيَنْبَغِي أَنْ يَخْرُجَ " فِيهَا " وَجْهَانِ مِنْ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ عَقَارًا لِيُكْرِيَهُ بِزِيَادَةٍ وَيَرْبَحُ فَهَلْ تَلْزَمُهُ زَكَاةُ التِّجَارَةِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، أَحَدُهُمَا : نَعَمْ ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مَالٌ فَكَانَ التَّصَرُّفُ فِيهَا كَالتَّصَرُّفِ فِي الْأَعْيَانِ ، وَالثَّانِي : لَا يَجِبُ ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَيْسَتْ بِأَمْوَالٍ حَاصِلَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ " بِعِوَضٍ " .
وَيَخْرُجُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ فِي الْفُرُوقِ وَجْهٌ ثَالِثٌ بِالتَّفْصِيلِ بَيْنَ مَنْفَعَةِ الْعَقَارِ وَبَيْنَ " النَّقْدِ " فَإِنَّهُ " قَالَ " : لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يَدْفَعَ إلَى زَيْدٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ لِيَتَصَرَّفَ فِيهَا عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ ثُلُثُ الرِّبْحِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ .
وَلَوْ قَالَ : اصْرِفُوا إلَيْهِ مِنْ كِرَاءِ دَارِي كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ صَحِيحَةً .
وَالْفَرْقُ أَنَّ مَنَافِعَ الدَّارِ نَفْسَهَا مَالٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَلَيْسَ يَتَوَقَّفُ مَعْنَى الْمَالِ فِيهَا عَلَى إنْشَاءِ عَقْدٍ ، وَمَنْزِلَتُهَا مَنْزِلُهُ أَعْيَانِ الْأَمْوَالِ فَصَحَّتْ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ ، لِأَنَّهُ كَالْوَصِيَّةِ بِمَنَافِعِ دَرَاهِمَ ، وَمَنَافِعُ الدَّرَاهِمِ لَا تُعَدُّ مِنْ الْمَالِ ، وَلِهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ وُرُودُ الْإِجَارَةِ عَلَى مَنَافِعِهَا كَيْفَ وَالِارْتِفَاقُ فِيهَا فِي الْمُضَارَبَةِ لَا يُتَصَوَّرُ مَعَ

اسْتِيفَاءِ " أَعْيَانِهَا وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ " بِإِنْفَاقِهَا " وَالِاعْتِيَاضِ عَنْهَا ، فَصَارَ الْمُوصِي عَلَى الْحَقِيقَةِ مُوصِيًا بِمَا لَيْسَ بِعَيْنٍ وَلَا مَنْفَعَةٍ فَلَمْ يَصِحَّ .

الْمَيْسُورُ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ هَذِهِ تَرْجِعُ لِقَاعِدَةِ الْقُدْرَةِ عَلَى بَعْضِ الْأَصْلِ وَسَبَقَتْ " فِي حَرْفِ الْبَاءِ " .

مَنْ أَتَى " بِمَعْصِيَةٍ " لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ فَعَلَيْهِ " التَّعْزِيرُ " " .

مَنْ أَنْكَرَ حَقًّا لِغَيْرِهِ ثُمَّ اعْتَرَفَ بِهِ قُبِلَ إلَّا فِيمَا إذَا ادَّعَى زَوْجِيَّةَ " امْرَأَةٍ " فَقَالَتْ : زَوَّجَنِي الْوَلِيُّ بِغَيْرِ إذْنِي ، ثُمَّ صَدَّقَتْهُ لَمْ يُقْبَلْ عَلَى النَّصِّ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ .
وَلَوْ قَالَ : رَجَعْت قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَقَالَتْ بَعْدَهَا ثُمَّ صَدَّقَتْهُ قُبِلَ رُجُوعُهَا فِي الْأَصَحِّ .
وَلَوْ ادَّعَى " رَجْعِيَّةَ " زَوْجَتِهِ فَأَنْكَرَتْ قُبِلَ وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ إنْكَارَهَا يَتَضَمَّنُ اعْتِرَافَهَا بِالتَّحْرِيمِ عَلَيْهِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اعْتَرَفَتْ " بِمَحْرَمِيَّةٍ " بَيْنَهُمَا ثُمَّ رَجَعَتْ لَا يُقْبَلُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْمَحْرَمِيَّةِ يَسْتَنِدُ إلَى أَمْرٍ ثُبُوتِيٍّ وَإِنْكَارَ الرَّجْعَةِ نَفْيٌ وَالثُّبُوتَ أَقْرَبُ إلَى الْعِلْمِ وَالْإِحَاطَةَ مِنْ النَّفْيِ " فَالرُّجُوعُ " عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْمَحْرَمِيَّةِ " رُجُوعٌ عَنْ " الْمَعْلُومِ فَلَمْ يُقْبَلْ ، وَالرُّجُوعُ عَنْ إنْكَارِ الرَّجْعَةِ رُجُوعٌ عَنْ عَدَمِ الْعِلْمِ .
وَكَذَلِكَ نَقُولُ : لَوْ ادَّعَتْ الطَّلَاقَ عَلَى الزَّوْجِ فَأَنْكَرَ وَنَكَلَ فَحَلَفَتْ " عَلَيْهِ " ثُمَّ رَجَعَتْ لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهَا لِاسْتِنَادِ قَوْلِهَا إلَى الْإِثْبَاتِ .

مَنْ أَقْدَمَ عَلَى عَقْدٍ كَانَ فِي ضِمْنِهِ الِاعْتِرَافُ بِوُجُودِ شَرَائِطِهِ حَتَّى لَا " يُسْمَعَ " " مِنْهُ " خِلَافُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ تَأْوِيلًا ذَكَرَ الْإِمَامُ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ فِي كِتَابِ الضَّمَانِ .
وَمِنْ ثَمَّ لَوْ بَاعَ عَبْدًا " أَوْ أَحَالَ " بِثَمَنِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ تَصَادَقَ الْمُتَبَايِعَانِ عَلَى أَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ وَوَافَقَهُمَا الْمُحْتَالُ أَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ بَطَلَتْ الْحَوَالَةُ .
قَالَ الْبَغَوِيّ وَالرُّويَانِيُّ : وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُقِيمَهَا الْمُتَبَايِعَانِ ؛ لِأَنَّهُمَا كَذَّبَاهَا بِالدُّخُولِ فِي الْبَيْعِ وَجَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَالنَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ .
وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ تَأْوِيلًا فَقَدْ نَقَلَا فِي آخِرِ الدَّعَاوَى عَنْ فَتَاوَى الْقَفَّالِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ دَارًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا وَقْفٌ أَنَّ الْعِرَاقِيِّينَ قَالُوا : تُسْمَعُ " بِبَيِّنَةٍ " إذَا لَمْ يَكُنْ صَرَّحَ بِأَنَّهَا مِلْكُهُ بَلْ اقْتَصَرَ عَلَى الْبَيْعِ وَأَنَّ الرُّويَانِيَّ قَالَ : إذَا بَاعَ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ : بِعْته وَأَنَا لَا أَمْلِكُهُ " بِالْإِرْثِ " أَوْ " قَالَ حِينَ بَاعَ : هُوَ " مِلْكِي لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ وَلَا بَيِّنَتُهُ .
وَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ بَلْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ : بِعْتُك ؛ سُمِعَتْ دَعْوَاهُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ حَلَفَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ بَاعَهُ وَهُوَ مِلْكُهُ .
قَالَ : وَقَدْ نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَغَلِطَ مَنْ قَالَ غَيْرَهُ ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى أَنَّ الْمَبِيعَ وَقْفٌ عَلَيْهِ .
وَمَا عَزَاهُ لِلنَّصِّ صَحِيحٌ وَقَدْ نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ عَنْ النَّصِّ وَذَكَرَ أَيْضًا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ دَارًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا كَانَتْ لِغَيْرِهِ بَاعَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ وَهِيَ مِلْكُهُ إلَى الْآنَ فَكَذَّبَهُ الْمُشْتَرِي وَأَرَادَ أَنْ يُقِيمَ " بِذَلِكَ بَيِّنَةً " ، فَإِنْ قَالَ : بِعْتُك مِلْكِي أَوْ دَارِي وَنَحْوَهُمَا مِمَّا يَقْتَضِي أَنَّهَا مِلْكُهُ لَمْ تُسْمَعْ

دَعْوَاهُ وَإِلَّا سُمِعَتْ .

وَمِنْهَا : لَوْ بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مَالًا مِنْ إنْسَانٍ ثُمَّ ادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ وَأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ بِغَيْرِ إذْنِ الشَّرِيكِ قَالَ الْمُتَوَلِّي : لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا ثُمَّ قَالَ : كُنْت " أَعْتَقْتُهُ " قَبْلَ الْبَيْعِ فَإِنْ جَاءَ شَرِيكُهُ وَادَّعَى ذَلِكَ فَعَلَيْهِ إقَامَةُ " الْبَيِّنَةِ " أَنَّ الْمَالَ كَانَ مُشْتَرَكًا فَإِنْ أَقَامَهَا وَصَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي بِمَا يَدَّعِيهِ مِنْ عَدَمِ الْإِذْنِ فَلَا كَلَامَ وَإِنْ كَذَّبَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ فَإِذَا حَلَفَ فَسَدَ الْبَيْعُ فِي نَصِيبِهِ وَفِي الْبَاقِي قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ .

وَمِنْهَا : مَنْ قَالَ : أَنَا وَكِيلُ فُلَانٍ فِي بَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ ، وَصَدَّقَهُ مَنْ يُعَامِلُهُ صَحَّ الْعَقْدُ .
فَلَوْ قَالَ الْوَكِيلُ بَعْدَ الْعَقْدِ : لَمْ أَكُنْ مَأْذُونًا فِيهِ ؛ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِ وَلَمْ يُحْكَمْ بِبُطْلَانِ الْعَقْدِ .
وَكَذَا لَوْ صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَقًّا لِلْمُوَكِّلِ ، إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً عَلَى إقْرَارِهِ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا لَهُ مِنْ جِهَتِهِ فِي ذَلِكَ التَّصَرُّفِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ " فِي " آخَرِ بَابِ الْوَكَالَةِ .

وَمِنْهَا : ادَّعَتْ الْمَنْكُوحَةُ بِرِضَاهَا حَيْثُ يُعْتَبَرُ إذْنُهَا أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ مَحْرَمِيَّةً لَمْ يُقْبَلْ ؛ لِأَنَّ رِضَاهَا بِالنِّكَاحِ يَتَضَمَّنُ اعْتِرَافَهَا بِحُكْمِهِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا " نَقِيضُهُ " إلَّا إذَا ذَكَرَتْ " عُذْرًا كَنِسْيَانٍ " وَنَحْوِهِ فَتَحْلِفُ .

وَمِنْهَا : أَطْلَقَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ فِي حِبَالَةِ رَجُلٍ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ ؛ فَقَالَتْ : كُنْت زَوْجَةً لَك وَطَلَّقْتنِي ؛ يَكُونُ ذَلِكَ [ إقْرَارًا ] لَهُ وَتُجْعَلُ زَوْجَةً لَهُ ، وَهَذَا يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُسْمَعْ مِنْهَا إقْرَارٌ لِلزَّوْجِ " الَّذِي " هِيَ تَحْتَهُ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ أَقَرَّتْ لَهُ " أَوَّلًا " " فَلَا " تَكُونُ زَوْجَةً لِلْأَوَّلِ بَلْ لِلثَّانِي .
وَكَذَلِكَ إذَا زُوِّجَتْ بِرِضَاهَا حَيْثُ يُعْتَبَرُ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهَا لِلْأَوَّلِ فِي إبْطَالِ حَقِّ الثَّانِي ، كَمَا إذَا " تَزَوَّجَتْ " بِرَجُلٍ بِإِذْنِهَا ثُمَّ ادَّعَتْ " أَنَّ " بَيْنَهُمَا رَضَاعًا لَا يُقْبَلُ كَذَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ وَهُوَ صَحِيحٌ جَارٍ عَلَى الْقَوَاعِدِ .

وَمِنْهَا : فِي الْإِشْرَافِ وَأَدَبِ الْقَضَاءِ لِشُرَيْحٍ : لَوْ قَالَ : هَذَا الْعَبْدُ لِفُلَانٍ ثُمَّ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْهُ يَعْنِي وَلَمْ يَمْضِ زَمَنٌ يَحْتَمِلُهُ لَمْ يَصِحَّ " لِلْمُضَادَّةِ " وَعَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ الصِّحَّةُ .
فَإِنْ مَضَى زَمَانٌ يَحْتَمِلُهُ يَجُوزُ ، ذَكَرَهُ الْقَفَّالُ .
أَمَّا لَوْ ذَكَرَهُ مُتَّصِلًا بِالْإِقْرَارِ نَحْوَ : هُوَ لَهُ وَقَدْ اشْتَرَيْته مِنْهُ فَيُسْمَعُ وَلَوْ قَالَ : هُوَ لَهُ لَا حَقَّ لِي فِيهِ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً بِالشِّرَاءِ قَالَ الْعَبَّادِيُّ : لَا يُقْبَلُ حَتَّى يَدَّعِيَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ قَالَ : وَعِنْدِي يُقْبَلُ إذَا كَانَ بَعْدَ احْتِمَالِ تَلَقِّي الْمِلْكِ مِنْهُ .

وَمِنْهَا : فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ لَوْ أَنْكَرَ الْوَدِيعَةَ فَأُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ فَادَّعَى رَدَّهَا ، فَإِنْ كَانَ أَنْكَرَ أَصْلَ الْإِيدَاعِ لَمْ يَصَدَّقْ لِلتَّنَاقُضِ .
وَأَمَّا فِي دَعْوَى التَّلَفِ فَيُصَدَّقُ وَيَصِيرُ كَالْغَاصِبِ .
وَهَلْ تُسْمَعُ " بَيِّنَتُهُ " عَلَى مَا يَدَّعِيهِ مِنْ الرَّدِّ وَالتَّلَفِ ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا نَعَمْ ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَكُونُ نَاسِيًا ثُمَّ تَذَكَّرَ الْوَدِيعَةَ وَالرَّدَّ وَهُوَ " كَمَا لَوْ قَالَ " : لَا بَيِّنَةَ لِي ثُمَّ جَاءَ بِبَيِّنَةٍ تُسْمَعُ قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَقَدْ فَرَّقُوا فِي الْمُرَابَحَةِ إذَا قَالَ : اشْتَرَيْت " بِمِائَةٍ فَبَانَ خَمْسِينَ " بَيْنَ أَنْ يَذْكُرَ وَجْهًا مُحْتَمَلًا فِي الْغَلَطِ أَوْ لَا وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِمِثْلِهِ هُنَا وَالْمُتَّجَهُ التَّسْوِيَةُ .
قُلْت : لَا ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَالِكَ هُنَا ائْتَمَنَهُ فَقَوِيَ تَصْدِيقُهُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ مُحْتَمَلًا ، بِخِلَافِهِ ثَمَّ .

وَمِنْهَا : " لَوْ " عَلَّقَ " الطَّلَاقَ عَلَى تَبْرِئَتِهِ " مِنْ الصَّدَاقِ أَوْ غَيْرِهِ " فَأَبْرَتْهُ " الزَّوْجَةُ ثُمَّ ادَّعَتْ الْجَهْلَ بِالْمُبَرَّأِ مِنْهُ هَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهَا عَمَلًا بِالْأَصْلِ ، أَوْ لَا مُؤَاخَذَةَ لَهَا بِالظَّاهِرِ كَمَا لَوْ ادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ رَأَى الْمَبِيعَ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ فَإِنَّ إقْدَامَ الْمُشْتَرِي عَلَى الشِّرَاءِ اعْتِرَافٌ بِالرُّؤْيَةِ أَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهَا مَسْأَلَةُ اخْتِلَافِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي دَعْوَى الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ وَالْأَرْجَحُ تَصْدِيقُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ .

وَمِنْهَا : رَدَّ الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ ثُمَّ قَالَ : كُنْت أَعْتَقْته : يُرَدُّ الْفَسْخُ ، وَيُحْكَمُ بِعِتْقِهِ ، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ ، قِيلَ : وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا صَدَّقَهُ الْبَائِعُ ، وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ إبْطَالُ حَقِّهِ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ ثُمَّ قَالَ : كُنْت أَعْتَقْته .
قُلْت : لَكِنْ حَكَى ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ أَنَّ الْإِمَامَ قَالَ : إنَّ هَذَا هَفْوَةٌ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فَإِنَّهُ أَقَرَّ " بِمَا " هُوَ خَارِجٌ عَنْ مِلْكِهِ ، بِخِلَافِ الرَّهْنِ .
انْتَهَى .
وَهَذَا مِنْهُ حَمْلٌ " لِلَّفْظِ " عَلَى ظَاهِرِهِ إذْ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قُيِّدَ بِهِ مِنْ قَيْدِ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ لَمْ يَكُنْ هَفْوَةً .

مَنْ اسْتَحْبَبْنَا لَهُ التَّأْخِيرَ فَمَاتَ قَبْلَ الْفِعْلِ هَلْ يَعْصِي ؟ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّأْخِيرِ يُنَافِي الْعِصْيَانَ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُؤْمَرُ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ بِتَأْخِيرِ الظُّهْرِ بِشَرْطِهِ ، فَلَوْ أَخَّرَهَا عَلَى هَذَا الْعَزْمِ ثُمَّ مَاتَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَعْصِيَ قَطْعًا " وَأَلَّا يَأْتِيَ " فِيهِ الْخِلَافُ فِيمَنْ أَخَّرَ الْوَاجِبَ الْمُوسَعَ لَا لِعُذْرٍ .
هَذَا مَا كَانَ يَتَبَادَرُ إلَيْهِ الذِّهْنُ ، ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ الْأُسْتَاذِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ مِنْ شَرْحِ الْوَسِيطِ صَرَّحَ بِهِ فِيمَا لَوْ تَيَقَّنَ الْمُسَافِرُ الْمَاءَ آخِرَ الْوَقْتِ فَانْتِظَارُهُ أَفْضَلُ وَتَابَعَهُ جَمَاعَةٌ وَلَيْسَ كَمَا ظَنُّوا ، بَلْ الْخِلَافُ جَارٍ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَيْضًا ، حَكَاهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي " بَابِ " الزَّكَاةِ مِنْ كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالْأَسْرَارِ ، فَقَالَ : لَوْ أَخَّرَ الصَّلَاةَ لِانْتِظَارِ جَمَاعَةٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُنْدَبُ لَهُ التَّأْخِيرُ فَمَاتَ فَهُوَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ .
نَعَمْ ، يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَا مُرَتَّبَيْنِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ حَيْثُ لَا نَدْبَ وَأَوْلَى بِعَدَمِ " الْمَعْصِيَةِ " ، وَيَخْرُجُ حِينَئِذٍ فِي هَذِهِ طَرِيقَانِ .
وَمِمَّا يَشْهَدُ لِإِجْرَاءِ الْخِلَافِ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ دَفْعُ الزَّكَاةِ لِلْإِمَامِ ، فَلَوْ وَجَدَ الْمَسَاكِينَ " وَلَمْ " يَدْفَعْهَا إلَيْهِمْ وَأَخَّرَهُمْ لِلدَّفْعِ لِلْإِمَامِ فَتَلِفَ الْمَالُ ضَمِنَ فِي الْأَصَحِّ ، " وَأَجْرَوْهُمَا " فِيمَا إذَا اسْتَحْبَبْنَا " لِلتَّمَتُّعِ " تَأْخِيرَ الصَّوْمِ إلَى أَنْ يَصِلَ إلَى وَطَنِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرُّجُوعَ لَيْسَ الْفَرَاغَ مِنْ الْحَجِّ كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ فَهَلْ يُفْدَى عَنْهُ إذَا مَاتَ فِي الطَّرِيقِ ؟ فِيهِ الْوَجْهَانِ .
وَقَرِيبٌ مِنْهُ لَوْ طَلَبَ الْمَالِكُ الْوَدِيعَةَ مِنْ الْمُودِع وَكَانَ لَهُ عُذْرٌ فَيَجُوزُ لَهُ التَّأْخِيرُ ثُمَّ لَوْ تَلِفَتْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ " فَفِي التَّتِمَّةِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ " ، لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مُقَصِّرًا بِهَذَا التَّأْخِيرِ ، وَنُقِلَ عَنْ الْغَزَالِيِّ تَفْصِيلٌ .
قَالَ

النَّوَوِيُّ : وَالرَّاجِحُ " أَنَّهُ " لَا يَضْمَنُ مُطْلَقًا وَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى مَسْأَلَةِ الزَّكَاةِ السَّابِقَةِ وَمِنْ فُرُوعِ هَذَا الْأَصْلِ أَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ يَجِبُ بِالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ ، كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ .
وَمِثْلُهُ دَمُ الْقِرَانِ ، وَكَذَلِكَ أَفْعَالُ يَوْمِ النَّحْرِ كَالْحَلْقِ وَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ ، فَإِنَّ وَقْتَهَا يَدْخُلُ بِنِصْفِ اللَّيْلِ ، وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا إلَى يَوْمِ النَّحْرِ .

وَمِنْهَا : زَكَاةُ الْفِطْرِ تَجِبُ بِالْغُرُوبِ وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا إلَى يَوْمِ الْعِيدِ قَبْلَ الصَّلَاةِ .

وَمِنْهَا : الْمَرْأَةُ إذَا مَنَعَهَا الزَّوْجُ مِنْ الْحَجِّ ثُمَّ مَاتَتْ هَلْ تَعْصِي ؟ " فِيهِ " مَا قُلْنَاهُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَرَادَ الرَّجُلُ " الْحَجَّ " وَمَعَهُ مَالٌ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلنِّكَاحِ فَإِنَّ الْحَجَّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَالْأَفْضَلُ لَهُ التَّزْوِيجُ إنْ خَافَ الْعَنَتَ فَعَلَى هَذَا هُوَ مَأْمُورٌ بِتَأْخِيرِ الْحَجِّ فَلَوْ مَاتَ فَفِي عِصْيَانِهِ مَا ذَكَرْنَا .

مَنْ تَعَجَّلَ الشَّيْءَ قَبْلَ أَوَانِهِ عُوقِبَ بِحِرْمَانِهِ وَلِهَذَا لَوْ خَلَّلَ الْخَمْرَ " لَمْ تَطْهُرْ " .
وَلَوْ قَتَلَ مُورِثَهُ لَمْ يَرِثْهُ .
وَسَبَقَتْ فِي قَاعِدَةِ الْمُعَارَضَةِ بِنَقِيضِ الْمَقْصُودِ .

مَنْ تَعَاطَى مُحَرَّمًا فِي الْإِحْرَامِ لَزِمَهُ " الْكَفَّارَةُ " إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ إحْدَاهُمَا : الْمُحْرِمُ إذَا تَزَوَّجَ أَوْ زَوَّجَ .
الثَّانِيَةُ : الِاصْطِيَادُ إذَا أَرْسَلَ الصَّيْدَ .

مَنْ ثَبَتَ لَهُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الْعَفْوِ عَلَى مَالٍ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَهِيَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ إذَا جَنَى عَلَى سَيِّدِهِ فَلَهُ الْقِصَاصُ وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ مَنْعُهُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ ، فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَعْفُوَ عَلَى مَالٍ سَقَطَ الْقِصَاصُ وَلَمْ يَثْبُتْ الْمَالُ عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ : يَثْبُتُ أَرْشُ الْجِنَايَةِ فِي ذِمَّتِهِ عَلَى الْقَاعِدَةِ وَتَكُونُ فَائِدَتُهُ أَنَّهُ " يَفُكُّهُ " مِنْ الرَّهْنِ " بِيَمِينِهِ " ، لِأَنَّ مُوجِبَ الْجِنَايَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ .

مَنْ ثَبَتَ لَهُ الْقِصَاصُ وَكَانَ يَحْسُنُ الِاسْتِيفَاءُ مُكِّنَ مِنْهُ إلَّا فِي صُورَتَيْنِ إحْدَاهُمَا قِصَاصُ الطَّرَفِ لَا يُمَكَّنُ مِنْهُ فِي الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يُرَدِّدَ الْحَدِيدَ وَيَزِيدُ فِي الْإِيلَامِ " فَيَسْرِي " .
الثَّانِيَةُ مَا إذَا قَطَعَ ذِمِّيٌّ طَرَفَ ذِمِّيٍّ ثُمَّ أَسْلَمَ الْقَاطِعُ أَوْ قَتَلَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا ثُمَّ أَسْلَمَ الْقَاتِلُ فَإِنَّ الْقِصَاصَ لَا يَسْقُطُ ، وَلَكِنْ يَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ بِطَلَبِ الْكَافِرِ وَلَا يُمَكَّنُ الْكَافِرُ مِنْ اسْتِيفَائِهِ حَذَرًا مِنْ سَلْطَنَةِ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ .

مَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ نَفْيًا " أَوْ إثْبَاتًا " فَعَلَى الْبَتِّ أَوْ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ إثْبَاتًا فَعَلَى الْبَتِّ أَوْ نَفْيًا فَعَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ إلَّا فِي صُورَتَيْنِ وَسَبَقَتْ " فِي حَرْفِ الْحَاءِ " .

مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ فَتَلِفَ بِهَا شَيْءٌ لَمْ يَضْمَنْ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَهِيَ مَا لَوْ كَانَ فِي الْحَرَمِ فَنَصَّ " الْإِمَامُ " الشَّافِعِيُّ عَلَى تَضْمِينِهِ " قَالَ " فِي الْبَحْرِ : مِنْهُمْ مَنْ عَمِلَ بِهِ ، لِأَنَّ الصَّيْدَ يَضْمَنُهُ الْمُحْرِمُ بِغَيْرِ التَّعَدِّي فَيَضْمَنُهُ بِسَبَبِ فِعْلِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى مَا إذَا أَلْجَأَهُ إلَى الْوُقُوعِ فِيهِ ، وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ : لَعَلَّهُ أَجَابَ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ : " الْحَرَمُ " لَا يُمْلَكُ ، فَكَأَنَّهُ " حَفَرَ " فِي أَرْضِ غَيْرِهِ .

مَنْ مَلَكَ الْإِنْشَاءَ مَلَكَ الْإِقْرَارَ وَلِهَذَا يُقْبَلُ إقْرَارُ الْأَبِ فِي حَقِّ الْبِكْرِ الْبَالِغِ بِالنِّكَاحِ ، لِأَنَّهُ يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ وَكَالزَّوْجِ يُقِرُّ بِالرَّجْعَةِ فِي زَمَانِ الْعِدَّةِ وَالْوَكِيلِ يُقِرُّ بِالْبَيْعِ قَبْلَ الْعَزْلِ ، وَالسَّفِيهِ يُقِرُّ بِالطَّلَاقِ وَلَوْ قَالَ الْقَاضِي فِي حَالِ وِلَايَتِهِ : قَضَيْت عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا قُبِلَ ، لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِنْشَاءَ حَتَّى لَوْ قَالَ : قَضَيْت عَلَى أَهْلِ الْبَلْدَةِ أَنَّ نِسَاءَهُمْ طَوَالِقُ وَعَبِيدَهُمْ أَحْرَارٌ قُبِلَ قَوْلُهُ ، وَنَفَذَ حُكْمُهُ وَيُسْتَثْنَى صُوَرٌ : " إحْدَاهَا " : الْوَكِيلُ يَمْلِكُ إنْشَاءَ التَّصَرُّفِ وَلَا يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ بِهِ إذَا نَازَعَهُ الْمُوَكِّلُ ، فَإِذَا قَالَ الْوَكِيلُ : أَتَيْت بِالتَّصَرُّفِ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَأَنْكَرَهُ الْمُوَكِّلُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الْوَكِيلِ فِي الْأَصَحِّ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْإِنْشَاءِ .

الثَّانِيَةُ : وَلِيُّ الطِّفْلِ يَمْلِكُ إنْشَاءَ التَّصَرُّفِ فِي أَمْوَالِهِ ، وَلَوْ قَالَ فِي عَيْنٍ مِنْهَا : " هَذَا " لِفُلَانٍ ؛ لَمْ يُقْبَلْ فِي الْأَصَحِّ ، قَالَهُ فِي التَّهْذِيبِ فِي بَابِ تِجَارَةِ الْوَصِيِّ بِمَالِ الْيَتِيمِ .

الثَّالِثَةُ : وَلِيُّ السَّفِيهِ يَمْلِكُ إنْشَاءَ النِّكَاحِ عَلَيْهِ وَلَا يَمْلِكُ " إقْرَارَهُ " بِهِ .

الرَّابِعَةُ : إنْشَاءُ نِكَاحِ الثَّيِّبِ إلَى وَلِيِّهَا وَلَا يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ بِهِ .
لَوْ قَالَ : زَوَّجْت أُخْتِي أَمْسِ مِنْ فُلَانٍ ؛ لَمْ يُقْبَلْ عَلَيْهَا وَفِي اسْتِثْنَاءٍ هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا تَجُوزُ ، لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِنْشَاءَ مُسْتَقِلًّا .

الْخَامِسَةُ : إقْرَارُ السَّفِيهِ بِإِتْلَافِ الْمَالِ لَا يُقْبَلُ فِي الْأَصَحِّ مَعَ أَنَّهُ لَوْ أَنْشَأَ الْإِتْلَافَ لَضَمِنَ ، وَفِي هَذِهِ تَجُوزُ ، لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْقُدْرَةُ عَلَى إنْشَاءٍ سَائِغٍ ، نَعَمْ لَوْ قِيلَ : وَأُبِيحَ لَهُ فِعْلُهُ لَمْ يَحْتَجْ إلَى اسْتِثْنَائِهَا .

" السَّادِسَةُ " : الرَّاهِنُ الْمُوسِرُ يَمْلِكُ إنْشَاءَ الْعِتْقِ فِي الْأَظْهَرِ ، وَلَوْ قَالَ بَعْدَ الرَّهْنِ : كُنْت أَعْتَقْته لَمْ يُقْبَلْ .

" السَّابِعَةُ " لَوْ وَلَدَتْ الْمَرْهُونَةُ فَقَالَ الرَّاهِنُ : قَدْ وَطِئْتهَا بِإِذْنِك فَأَتَتْ بِهِ مِنِّي وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ ، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ : بَلْ هُوَ مِنْ زَوْجٍ أَوْ زِنًى ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ " الرَّاهِنِ " إذَا وَافَقَهُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الْإِذْنِ " فِي الْوَطْءِ وَالْوِلَادَةِ " ، " وَإِنْ " سَلِمَ الْإِذْنُ وَلَمْ يَسْلَمْ الْوَطْءُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ عِنْدَ الْمُعَظَّمِ ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ ، وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ وَالْإِمَامُ : الْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ ، لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا يَقْدِرُ عَلَى إنْشَائِهِ ، وَمَنْ لَا يَمْلِكُ الْإِنْشَاءَ لَا يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ وَلِهَذَا لَا يُقْبَلُ إقْرَارُ الْوَلِيِّ بِالنِّكَاحِ فِي الثَّيِّبِ ، لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِجْبَارَ بِهِ .

وَلَوْ قَالَ الْقَاضِي بَعْدَ الْعَزْلِ : حَكَمْت بِكَذَا لَمْ يُقْبَلْ ، لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِنْشَاءَ [ وَيُسْتَثْنَى ] صُوَرٌ : " إحْدَاهَا " الْمَرْأَةُ تُقِرُّ بِالنِّكَاحِ عَلَى الْجَدِيدِ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى إنْشَائِهِ وَاسْتَشْكَلَ الرَّافِعِيُّ الْفَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ السَّفِيهِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالنِّكَاحِ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّنْ يُبَاشِرُهُ .

الثَّانِيَةُ " : الْمَرِيضُ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَ تَبَرُّعٍ نَافِذٍ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ لِوَارِثِهِ وَلَا لَأَجْنَبِيٍّ ، وَيَمْلِكُ الْإِقْرَارَ بِهِ بِأَنَّهُ كَانَ وَهَبَهُ وَأُقْبَضَهُ زَمَنَ الصِّحَّةِ فِي الْأَصَحِّ عِنْدَ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ .

الثَّالِثَةُ " : مَجْهُولُ الْحُرِّيَّةِ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَ الرِّقِّ عَلَى نَفْسِهِ ، وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ " لَقُبِلَ " ، " فَهَذَا " عَاجِزٌ عَنْ الْإِنْشَاءِ قَادِرٌ عَلَى الْإِقْرَارِ .

" الرَّابِعَةُ " : الْأَعْمَى يُقِرُّ بِالْبَيْعِ وَلَا يُنْشِئُهُ إلَّا فِيمَا رَآهُ قَبْلَ الْعَمَى .

" الْخَامِسَةُ " : الْمُفْلِسُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إنْشَاءِ الْبَيْعِ وَيَقْدِرُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِبَيْعِ الْأَعْيَانِ الَّتِي فِي يَدِهِ .

" السَّادِسَةُ " : رَدَّ الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ ثُمَّ قَالَ : كُنْت أَعْتَقْته قَبْلُ ، وَرَدَّ الْفَسْخَ مَعَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ حِينَئِذٍ .

السَّابِعَةُ " : بَاعَ الْحَاكِمُ عَبْدًا فِي وَفَاءِ دَيْنٍ غَائِبٍ ثُمَّ حَضَرَ وَقَالَ : كُنْت أَعْتَقْته صُدِّقَ عَلَى الْأَظْهَرِ ، كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي اللُّقَطَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ زُوِّجَ " لِغَيْبَتِهِ " ثُمَّ حَضَرَ وَقَالَ : كُنْت زَوَّجْتهَا قَبْلَ ذَلِكَ لَا يُصَدَّقُ ، لِأَنَّ السُّلْطَانَ بِمَنْزِلَةِ وَلِيٍّ حَاضِرٍ فِي النِّكَاحِ وَأَمَّا فِي الْبَيْعِ فَهُوَ وَكِيلُ الْمَالِكِ وَمِثْلُهُ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ نُزِعَ مِنْ يَدِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إنْشَاءِ عِتْقِهِ .
تَنْبِيهَانِ مُتَعَلِّقَانِ بِهَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ : الْأَوَّلُ : إذَا جَعَلْنَا لَهُ الْإِقْرَارَ وَكَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ مِمَّا يَثْبُتُ بِالْإِنْشَاءِ جَعَلْنَاهُ إنْشَاءً كَمَا لَوْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي الرَّجْعَةِ وَالْعِدَّةُ بَاقِيَةٌ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ عَلَى الصَّحِيحِ ، قَالَ الرَّافِعِيُّ وَأَطْلَقَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ أَنَّ إقْرَارَهُ " بِدَعْوَاهُ " يَكُونُ إنْشَاءً " لِلرَّجْعَةِ " ، وَاسْتَنْكَرَهُ الْإِمَامُ ، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ وَالْإِنْشَاءَ مُتَنَافِيَانِ لَوْ أَقَرَّ الرَّاهِنُ بِعِتْقِ الْمَرْهُونِ وَقُلْنَا : لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فَالْمَنْصُوصُ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يُجْعَلُ ذَلِكَ كَإِنْشَاءِ الْإِعْتَاقِ حَتَّى تَعُودَ فِيهِ الْأَقْوَالُ وَيَكُونَ الصَّحِيحُ نُفُوذُهُ مِنْ الْمُوسِرِ ، وَنَقَلَ الْإِمَامُ فِي نُفُوذِهِ وَجْهَيْنِ وَإِنْ حَكَمْنَا بِنُفُوذِ الْإِنْشَاءِ ، لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْإِنْشَاءِ شَرْعًا وَإِنْ نَفَذْنَاهُ إذَا فَعَلَ ، وَهَذَا كَمَا أَنَّ إقْرَارَ السَّفِيهِ بِالطَّلَاقِ مَقْبُولٌ كَإِنْشَائِهِ وَلَوْ أَقَرَّ بِإِتْلَافِ مَالٍ فَفِي قَبُولِهِ وَجْهَانِ ، لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْإِتْلَافِ شَرْعًا انْتَهَى وَقَالَ الْمُتَوَلِّي كَانَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ يَقُولُ : قِيَاسُ الْمَذْهَبِ إذَا قُلْنَا : لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي بُطْلَانِ الرَّهْنِ أَنْ يُلْغَى حُكْمُهُ فِي الْوَقْتِ ، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ عِنْدَنَا إخْبَارٌ عَنْ أَمْرٍ سَابِقٍ " فَيُقْبَلُ " مِمَّنْ يَمْلِكُ

الْإِنْشَاءَ وَلَكِنْ لَا يُجْعَلُ إنْشَاءَ سَبَبٍ فِي الْحَالِ الثَّانِي : قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ : مَعْنَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ : مَنْ مَلَكَ الْإِنْشَاءَ مَلَكَ الْإِقْرَارَ ظَاهِرًا ، وَأَمَّا فِي الْبَاطِنِ فَمَنْ مَلَكَ الْإِنْشَاءَ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْإِقْرَارُ ، بَلْ شَرْطُ جَوَازِ الْإِقْرَارِ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْإِنْشَاءَ .

مَنْ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ لَا يَمْلِكُ الْإِذْنَ فِيهِ كَالْمُحْرِمِ فِي النِّكَاحِ ، إلَّا فِي الْمَرْأَةِ فِي النِّكَاحِ ، وَالْأَعْمَى فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ عَلَى الْعَيْنِ .

مَنْ مَلَكَ التَّنْجِيزَ مَلَكَ التَّعْلِيقَ إلَّا الزَّوْجُ يَقْدِرُ عَلَى تَنْجِيزِ الطَّلَاقِ وَالتَّوْكِيلِ فِيهِ ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى التَّوْكِيلِ فِي التَّعْلِيقِ إذَا مَنَعْنَا التَّوْكِيلَ فِيهِ .

مَنْ لَا يَمْلِكُ التَّنْجِيزَ لَا " يَمْلِكُ التَّعْلِيقَ " " بِهَذَا الْأَصْلِ احْتَجَّ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ " فِي بُطْلَانِ التَّعْلِيقِ قَبْلَ النِّكَاحِ وَيُسْتَثْنَى صُوَرٌ يَصِحُّ فِيهَا التَّعْلِيقُ تَرْجِعُ إلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مِلْكُهُ " الْأَصْلَ " فَفِي الْحَقِيقَةِ لَا اسْتِثْنَاءَ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْخُصُوصِيَّاتِ " إحْدَاهَا " : الْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ تَنْجِيزَ الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ وَيَمْلِكُ تَعْلِيقَهَا إمَّا مُقَيَّدًا بِحَالِ مِلْكِهِ الثَّالِثَةَ أَوْ مُطْلَقًا ، بِأَنْ قَالَ إنْ " عَتَقْتِ " فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ عَتَقَ ، أَوْ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ عَتَقَ ثُمَّ دَخَلَتْ فَفِي الثَّالِثَةِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْوُقُوعُ ، لِأَنَّهُ يَمْلِكُ أَصْلَ الطَّلَاقِ فَاسْتَتْبَعَ الصِّفَةَ وَكَانَ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ الْكَتَّانِيُّ يَسْتَشْكِلُ عَلَيْهِ مَا لَوْ مَلَكَ نِصَابًا وَتَوَقَّعَ حُصُولَ نِصَابٍ آخَرَ مِنْ " عَيْنِ " النِّصَابِ فَعَجَّلَ " زَكَاةَ نِصَابَيْنِ " ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ ، وَالْجَامِعُ إنْ مَلَكَ الْأَصْلَ أُقِيمَ مَقَامَ " مِلْكِ " الْفَرْعِ هُنَا ، وَالزَّكَاةُ أَوْلَى لَتَحَقُّقِ التَّبَعِيَّةِ .

الثَّانِيَةُ : يَجُوزُ تَعْلِيقُ طَلَاقِ السُّنَّةِ فِي الْحَيْضِ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ حِينَئِذٍ وَبِالْعَكْسِ ، لِأَنَّ السُّنَّةَ وَالْبِدْعَةَ صِفَتَانِ لِلطَّلَاقِ فَاسْتَتْبَعَهَا مِلْكُ الْأَصْلِ ، قَالَ الْإِمَامُ " وَشَبَّهَ " ذَلِكَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِالْإِجَارَةِ فَإِنَّهَا تَصْدُرُ مِنْ مَالِكِ الرَّقَبَةِ ، وَالْمَنَافِعُ " تُوجَدُ " شَيْئًا فَشَيْئًا ، قَالَ : وَهَذَا تَكَلُّفٌ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ " أَثْبَتَتْ " أَصْلَهَا لِلْحَاجَةِ ، ثُمَّ الْمَنَافِعُ تَتَرَتَّبُ " خِلْقَةً " وَوُجُودًا فَجُعِلَتْ كَالْمَوْجُودَةِ أَمَّا الْعِتْقُ فَلَيْسَ مِمَّا يُقْتَضَى وُقُوعُهُ ، بَلْ هُوَ مُتَوَقَّعٌ ، وَلَوْ قِيلَ : الْغَالِبُ دَوَامُ الرِّقِّ " لَكَانَ " سَدِيدًا .

الثَّالِثَةُ : الْحُرُّ يَمْلِكُ تَنْجِيزَ " الزَّائِدَةِ " عَلَى الْوَاحِدَةِ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا ، وَيَمْلِكُ تَعْلِيقَهَا ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ ؛ وَقَعَتْ وَاحِدَةً إذْ تَبَيَّنَّ " بِهَا " فَلَا يَلْحَقُهَا مَا بَعْدَهَا ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَهَا : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ تَقَعُ الثَّلَاثُ عِنْدَ الدُّخُولِ فِي الْأَصَحِّ ، كَمَا بَعْدَ الدُّخُولِ ؛ لِأَنَّهُ لَا " تَرْتِيبَ " عِنْدَ الدُّخُولِ .

الرَّابِعَةُ : قَالَ لِأَمَتِهِ الْحَامِلِ : إذَا وَلَدْت فَهُوَ حُرٌّ فَوَلَدَتْ عَتَقَ ، وَإِنْ " قَالَهُ " لِأَمَتِهِ " الْحَائِلِ فَعَلَقَتْ " بِهِ وَوَلَدَتْ فَفِي عِتْقِهِ وَجْهَانِ قَالَ الْإِمَامُ : " وَالْعِتْقُ " أَوْلَى بِالنُّفُوذِ مِنْ الطَّلْقَةِ " الثَّالِثَةِ " ، لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْأَصْلَ وَيَمْلِكُ الْوَلَدَ وَمِلْكُ الْعَبْدِ النِّكَاحَ لَا يُمَلِّكُهُ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثَ .

الْخَامِسَةُ : قَالَ : إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضًا فَلِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ عَبْدٍ وَلَا عَبْدَ لَهُ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ عِنْدَ الشِّفَاءِ ، لِأَنَّهُ الْتِزَامٌ فِي الذِّمَّةِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَلْتَزِمَ فِي ذِمَّتِهِ مَا لَا يَمْلِكُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إنْشَائِهِ ، وَلَوْ عَيَّنَهُ فَقَالَ : عَبْدَ زَيْدٍ هَذَا لَغْوٌ ، فَإِنْ قَالَ : إنْ مَلَكْته فَوَجْهَانِ ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ لَوْ قَالَ : إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضًا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ هَذَا الْعَبْدَ لَا يَصِحُّ النَّذْرُ ، لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُهُ ، " وَإِنْ " قَالَ : إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي وَمَلَكْت هَذَا الْعَبْدَ فَلِلَّهِ " عَلَيَّ عِتْقُهُ " صَحَّ النَّذْرُ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ " " إضَافَةً " إلَى مِلْكِهِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِأَنَّهُ اسْتِجْلَابٌ مِنْ اللَّهِ خَيْرًا وَهُوَ مِلْكُ الْعَبْدِ بِشَرْطِ جَزَاءٍ وَهُوَ عِتْقُهُ فَلَزِمَهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ : إنْ مَلَكْت هَذَا الْعَبْدَ ؛ فَلِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُهُ فَمَلَكَهُ لَزِمَهُ عِتْقُهُ ؛ " لِأَنَّهُ " اسْتِجْلَابُ " مِلْكٍ " خَيْرٌ اسْتَجْلَبَهُ " مِنْ اللَّهِ بِشَرْطِ جَزَاءٍ وَهُوَ عِتْقُهُ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ ، وَلَوْ قَالَ : أَوْصَيْت لِزَيْدٍ بِأَلْفٍ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا صَحَّتْ عَلَى الْمَذْهَبِ كَالنَّذْرِ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ " الْتِزَامًا " فِي الذِّمَّةِ ، وَالنَّذْرُ الْتِزَامٌ فِي الذِّمَّةِ ، وَلَوْ قَالَ : إنْ مَلَكْت عَبْدَ زَيْدٍ فَقَدْ أَوْصَيْت بِهِ لَهُ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ فِي النَّذْرِ ، وَلَوْ قَالَ : إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَقَدْ وَكَّلَتْك بِطَلَاقِهَا ، وَإِذَا مَلَكْت عَبْدَ زَيْدٍ فَقَدْ وَكَّلَتْك فِي بَيْعِهِ أَوْ عِتْقِهِ ، قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ : لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ ، لِأَنَّهَا مُعَلَّقَةٌ بِشَرْطٍ ، وَقَالَ الْإِمَامُ : الْوَجْهُ الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ ، لِأَنَّ فِي قَبُولِ الْوَكَالَةِ التَّعْلِيقَ خِلَافًا " وَالْبُطْلَانَ " يَقْبَلُهُ قَطْعًا ، فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ تَعْلِيقُ مَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ " قَبْلَ " النِّكَاحِ فَمَا لَا يَقْبَلُهُ عَلَى رَأْيٍ

أَوْلَى .
وَلَوْ قَالَ : وَكَّلْتُك فِي بَيْعِ عَبْدِ زَيْدٍ إذَا " مَلَكْته " أَوْ فِي طَلَاقِ هِنْدَ إذَا نَكَحْتهَا فَعَنْ الْقَاضِي وَجْهَانِ ، " وَالْوَجْهُ " عِنْدِي الْقَطْعُ بِالْفَسَادِ فَإِنَّ الْوَكَالَةَ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا .
قُلْت : قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي فَتَاوِيهِ : إنَّهُ الْأَظْهَرُ .

السَّادِسَةُ : عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ عَلَى دُخُولِ الدَّارِ ثُمَّ كَاتَبَهُ ثُمَّ دَخَلَ الدَّارَ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ ، وَيَتَضَمَّنُ عِتْقُهُ الْبَرَاءَةَ مِنْ النُّجُومِ وَلَمْ يَكُنْ الْمُعَلِّقُ مَالِكًا لِلنُّجُومِ حَالَةَ التَّعْلِيقِ ، وَقَدْ تَضَمَّنَ عِتْقُهُ بِالتَّعْلِيقِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ الْبَرَاءَةَ مِنْهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً عِنْدَ التَّعْلِيقِ قَصْدًا وَيَقْبَلُهُ ضِمْنًا كَالْإِبْرَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ قَصْدًا وَيَقْبَلُهُ ضِمْنًا وَذَلِكَ فِيمَا إذَا عَلَّقَ " عِتْقَ " الْمُكَاتَبِ " فَإِنَّا " نُضَمِّنُهُ الْإِبْرَاءَ مِنْ النُّجُومِ عِنْدَ وُجُودِ الصِّفَةِ حَتَّى تَتْبَعَهُ أَكْسَابُهُ ، وَلَوْ لَمْ يَتَضَمَّنْهُ الْإِبْرَاءُ لَكَانَ عِتْقُهُ غَيْرَ وَاقِعٍ عَنْهَا فَلَا تَتْبَعُهُ الْأَكْسَابُ .
وَمِثْلُهَا : لَوْ أَسْلَمَ الزَّوْجُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ " نِسْوَةٍ " ، فَقَالَ مَنْ دَخَلَتْ الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ ، فَدَخَلَتْ وَاحِدَةٌ طَلُقَتْ ، وَكَانَ اخْتِيَارًا لِلزَّوْجِيَّةِ فِيهَا ، وَلَوْ قَالَ : مَنْ دَخَلَتْ فَهِيَ مُخْتَارَةٌ لَمْ يَصِحَّ .
وَمِثْلُهَا : لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : إنْ بِعْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ " بِشَرْطِ " نَفْيِ الْخِيَارِ هَلْ يُعْتَقُ ؟ بَنَاهُ الْأَصْحَابُ عَلَى الْأَقْوَالِ ، فَإِنْ قُلْنَا : الْبَيْعُ بَاطِلٌ لَمْ يُعْتَقْ ، وَكَذَا إنْ قُلْنَا : صَحِيحٌ وَلَا خِيَارَ ، وَإِنْ قُلْنَا : يَثْبُتُ الْخِيَارُ عَتَقَ ، لِأَنَّهُ " لَوْ نُجِزَ " عِتْقُهُ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ عَتَقَ ، وَكَذَا إذَا وُجِدَتْ الصِّفَةُ فِيهِ ، وَاسْتَشْكَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ حُصُولَ الْعِتْقِ إذَا جَعَلْنَا الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي ، لِأَنَّا حَيْثُ حَكَمْنَا بِنُفُوذِ عِتْقِهِ الْمُنْجَزِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ قَدَّرْنَاهُ بِالْعِتْقِ " نَاسِخًا " لَلْعَقْدِ قَبِيلَهُ ، وَإِنَّ الْعَقْدُ وَقَعَ فِي مِلْكِهِ ضَرُورَةٌ تُوقِفُ صِحَّتَهُ عَلَى وُقُوعِهِ فِي الْمِلْكِ ، وَفِي مَسْأَلَةِ التَّعْلِيقِ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ بَعْدَ الْعَقْدِ مَا يَقْتَضِي الْفَسْخَ وَلَا مَا يَضْمَنُهُ وَالتَّعْلِيقُ لَا " يَصِحُّ " مُتَضَمِّنًا لِلْفَسْخِ لِكَوْنِهِ صَدَرَ قَبْلَ الْبَيْعِ وَالْفَسْخُ لَا

يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ وَأَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْفَسْخَ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ قَصْدًا لَكِنْ نَقُولُ : قَدْ يَقْبَلُهُ ضِمْنًا كَالْإِبْرَاءِ بِدَلِيلِ مَا سَبَقَ انْتَهَى .
وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْقَوْلَ بِانْتِقَالِهِ إلَى الْمُشْتَرِي لَا يَأْتِي هُنَا لِسَبْقِ تَعْلِيقِ الْعِتْقِ الْمُقْتَضِي لِثُبُوتِ حَقِّ الْعَبْدِ فِي الْعِتْقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى الْبَيْعِ فَمَنَعَ ذَلِكَ انْتِقَالَ مِلْكِهِ إلَى الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْتَقَلَ إلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي بَطَلَ التَّعْلِيقُ فَكَيْفَ يُعْتَقُ بَعْدَ ذَلِكَ .

وَلِهَذَا لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى شَرْطٍ فَقَالَ : إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، ثُمَّ قَالَ قَبْلَ الصِّفَةِ : عَجَّلْت لَك مَا كُنْت عَلَّقْته عَلَى الشَّرْطِ " لِتَطْلُقِي " فِي الْحَالِ لَمْ تَطْلُقْ فِي الْأَصَحِّ ، بَلْ إذَا " وُجِدَ " الشَّرْطُ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَهُ إيقَاعٌ وَوُقُوعٌ فَالْإِيقَاعُ إلَى الزَّوْجِ وَالْوُقُوعُ إلَى الشَّرْعِ ، " فَلَمَّا " فَوَّضَ الزَّوْجُ الْوُقُوعَ إلَى الشَّرْعِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ صَارَ وُقُوعُهُ بِحُكْمِ الشَّرْعِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَمْ يَمْلِكْ الزَّوْجُ أَنْ يُزِيلَ حُكْمًا ثَابِتًا بِالشَّرْعِ وَمِثْلُهُ لَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ أَرَادَ صَوْمَ يَوْمٍ قَبْلَهُ لَمْ يَجُزْ ، وَكَذَلِكَ لَوْ عَجَّلَ الْجُعْلَ فِي الْجَعَالَةِ قَبْلَ وُجُودِ " الْآبِقِ " ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْحُقُوقِ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْأَوْقَاتِ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا ، كَمَا لَوْ قَالَ الزَّوْجُ : عَجَّلْت لَك الْحَقَّ الَّذِي ثَبَتَ لَك عِنْدَ " مُضِيِّ " مُدَّةِ الْفَيْئَةِ وَالْإِيلَاءُ لَمْ يَتَعَجَّلْ وَخَالَفَ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ فَإِنَّهُ يَتَعَجَّلُ بِإِسْقَاطِ الْأَجَلِ عَلَى رَأْيٍ ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الدَّيْنِ وَاجِبٌ وَإِنَّمَا تَأَخَّرَتْ الْمُطَالَبَةُ ، " فَالتَّعْجِيلُ " مُوَافِقٌ لِمُقْتَضَى الْأَصْلِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّافِعِيَّ صَوَّرَ الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا قَالَ : عَجَّلْت تِلْكَ الطَّلْقَةَ " الْمُعَلَّقَةَ " وَصَوَّرَهَا الْبَنْدَنِيجِيُّ " بِمَا " إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ تِلْكَ الطَّلْقَةَ السَّاعَةَ وَقَدْ عَجَّلْت إيقَاعَهَا عَلَيْك الْآنَ .
وَحَكَى الْقَاضِي الْحُسَيْنُ - وَالصِّيغَةُ هَذِهِ - أَنَّهَا تَطْلُقُ الْآنَ ، وَإِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ آخَرُ ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ : إذَا دَخَلْت الدَّارَ " فَأَنْتِ طَالِقٌ ، ثُمَّ قَالَ : عَجَّلْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ الْآنَ فَإِنَّهُ يَقَعُ ، وَإِذَا دَخَلَتْ وَقَعَتْ أُخْرَى .
وَفِي الْبَحْرِ إذَا قَالَ : إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ " فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ عَجَّلْت لَك الطَّلْقَةَ الَّتِي طَلَّقْتهَا ، ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ " " فِي الْإِمْلَاءِ مَا يَدُلُّ عَلَى

أَنَّهُ إنْ أَرَادَ تَعْجِيلَ تِلْكَ الطَّلْقَةِ لَمْ تَطْلُقْ فِي الْحَالِ ، بَلْ عِنْدَ مَجِيءِ الشَّهْرِ ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ تَعْجِيلَهَا بَلْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ فِي الْحَالِ وَقَعَ فِي الْحَالِ طَلْقَةٌ وَفِي رَأْسِ الشَّهْرِ أُخْرَى وَيُسْتَثْنَى التَّدْبِيرُ " وَلَوْ " دَبَّرَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ نَفَذَ .

مَنْ مَلَكَ الْكُلَّ مَلَكَ الْبَعْضَ إلَّا فِيمَا إذَا وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدٍ أَوْ شِرَائِهِ لَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ عَلَى بَعْضِهِ لِضَرَرِ التَّبْعِيضِ ، نَعَمْ لَوْ بَاعَ ذَلِكَ الْبَعْضَ بِقِيمَةِ الْجَمِيعِ صَحَّ قَطْعًا ، كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ ، وَلَوْ وَكَّلَهُ فِي طَلْقَةٍ فَطَلَّقَ بَعْضَهَا أَلْزَمَ الْفُورَانِيُّ فِي مَجْلِسِ النَّظَرِ فَقَالَ : لَا تَقَعُ حَكَاهُ " عَنْهُ " الْعَبَّادِيُّ .

مَنْ مَلَكَ بَعْضَهُ عَتَقَ عَلَيْهِ إلَّا فِي صُوَرٍ : إحْدَاهَا : الْمُبَعَّضُ إذَا " اشْتَرَاهُ " بِمَا يَمْلِكُهُ بِالْحُرِّيَّةِ .
الثَّانِيَةُ : أَعْتَقَ الْمَرِيضُ عَبْدًا " هُوَ " ثُلُثُ مَالِهِ ، ثُمَّ اشْتَرَى قَرِيبَهُ بِالثُّلُثَيْنِ " الْبَاقِيَيْنِ " الثَّالِثَةُ : الْمَرِيضُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ وَاشْتَرَى مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ صَحَّ الشِّرَاءُ وَلَا يُعْتَقُ " فِي الْأَصَحِّ " الرَّابِعَةُ : اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِإِذْنِ السَّيِّدِ وَقُلْنَا بِالصَّحِيحِ فَلَا يُعْتَقُ وَيُكَاتَبُ " عَلَيْهِ " .

مَنْ عَلِمَ حُرْمَةَ شَيْءٍ مِمَّا يَجِبُ فِيهِ الْحَدُّ وَجَهِلَ وُجُوبَ الْحَدِّ لَمْ يَنْفَعْهُ جَهْلُهُ بِالْحَدِّ بِخِلَافِ جَهْلِهِ بِالْحُرْمَةِ وَمِنْ " ثَمَّ " لَوْ وَطِئَ الْمُرْتَهِنُ الْمَرْهُونَةَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ وَعَلِمَ التَّحْرِيمَ فَإِنَّهُ يُحَدُّ فِي الْأَصَحِّ ، وَقِيلَ : لَا يُحَدُّ " لِشُبْهَةِ " خِلَافِ عَطَاءٍ ، وَقَدْ حُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَبْعَثُ بِهِنَّ إلَى ضِيفَانِهِ ، قَالَ الْإِمَامُ " وَهَذَا لَيْسَ " بِشَيْءٍ ، لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يُدْرَأُ بِالْمَذَاهِبِ ، " بَلْ بِمَا يَتَمَسَّكُ " بِهِ أَهْلُ الْمَذَاهِبِ مِنْ الْأَدِلَّةِ ، وَلَا يُرَى لِعَطَاءٍ فِي ذَلِكَ مُتَمَسَّكًا وَقَدْ شَذَّ " عَنْ " هَذَا الْأَصْلِ مَا لَوْ وَطِئَ جَارِيَةً اشْتَرَاهَا شِرَاءً فَاسِدًا لِكَوْنِ " الثَّمَنِ خَمْرًا أَوْ " لِاشْتِمَالِ " الْعَقْدِ عَلَى شَرْطٍ فَاسِدٍ ، فَإِنَّهُ لَا حَدَّ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي حُصُولِ الْمِلْكِ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُبِحْ أَحَدٌ الْوَطْءَ فِيهِ ، وَمِنْ ثَمَّ اسْتَشْكَلَ الْإِمَامُ عَدَمَ الْحَدِّ ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمِلْكَ وَإِنْ لَمْ يُبِحْ " أَصْلَ " الْوَطْءِ فَهُوَ دَلِيلُ حِلِّ الْوَطْءِ ، فَإِنَّ الْوَطْءَ قَدْ يَنْتَفِي مَعَ الْمِلْكِ إمَّا لِكَوْنِ الْمَمْلُوكِ مِمَّنْ لَا يَطَؤُهُ الْمَالِكُ كَالْأُخْتِ وَإِمَّا لِضَعْفِ الْمِلْكِ وَنَحْوِهِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ الْحَدِّ لِوُجُودِ دَلِيلِ حِلِّ الْوَطْءِ انْتِفَاؤُهُ عِنْدَ انْتِفَاءِ دَلِيلِ " الْحَدِّ " ، فَإِنَّ إعَارَةَ الْجَوَارِي لَا " مِلْكَ فِيهَا " أَلْبَتَّةَ إنَّمَا هُوَ إذْنٌ مُجَرَّدٌ ، وَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِي تَحْلِيلِ " الْفُرُوجِ " .

مَنْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي أَصْلِ الشَّيْءِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي صِفَتِهِ وَمَا لَا فَلَا وَلِهَذَا لَوْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ " كَانَ الْقَوْلُ " قَوْلَ الزَّوْجِ ، وَلَوْ فَوَّضَ إلَى زَوْجَتِهِ طَلَاقَهَا " بِكِنَايَةٍ " فَاخْتَلَفَا فِي النِّيَّةِ صَدَقَ النَّاوِي نَفْيًا وَإِثْبَاتًا ؛ لِأَنَّهُ أُعْرَفُ " بِضَمِيرِهِ " ، وَلَا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْوَكِيلُ وَالْمُوَكِّلُ فِي الصِّفَةِ ، كَمَا إذَا قَالَ " لَهُ " : وَكَّلْتَنِي بِبَيْعِ كُلِّهِ أَوْ " بِبَيْعِهِ " بِسِتَّةٍ أَوْ بِشِرَائِهِ بِعِشْرِينَ ، وَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ " لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ وَهُوَ أَنَّهُ مَنْ وَكَّلَهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ " فِي صِفَتِهِ وَقَدْرِهِ ، وَكَذَلِكَ الْخِلَافُ بَيْنَ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ وَلَوْ قَالَ السَّيِّدُ : وَضَعْت " عَنْك " النَّجْمَ الْأَوَّلَ أَوْ قَالَ : الْبَعْضَ ، فَقَالَ : بَلْ " الْأَخِيرَ " أَوْ الْكُلَّ صَدَقَ السَّيِّدُ وَيُسْتَثْنَى مَا إذَا اخْتَلَفَ الْمُشْتَرِيَانِ مِنْ شَخْصٍ فِي كَيْفِيَّةِ الشِّرَاءِ فَإِنَّهُ لَا يُرْجَعُ إلَى الْبَائِعِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ عِنْدَ انْدِرَاسِ شَرْطِ " الْوَقْفِ " ، وَمِنْ الثَّانِي الْحَيْضُ فَإِنَّهَا إذَا ادَّعَتْهُ وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فَإِنْ اُتُّفِقَ عَلَى الْحَيْضِ وَاخْتَلَفَا فِي الِانْقِطَاعِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ، قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ .

مَنْ " وَجَبَ " عَلَيْهِ رَدُّ عَيْنٍ هَلْ تَكُونُ مُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَيْهِ ؟ هَذَا ضَرْبَانِ : الْأَوَّلُ : أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ مَضْمُونَةً بِيَدِهِ ، فَيَلْزَمُهُ رَدُّهَا وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ كَمَا لَوْ غَصَبَ شَيْئًا أَوْ اشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا " وَقَبَضَهُ " ، فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ وَمَئُونَتُهُ عَلَيْهِ ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَاهُ شِرَاءً صَحِيحًا " ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا وَأَرَادَ رَدَّهُ فَمَئُونَةُ رَدِّهِ عَلَى الْمُشْتَرِي ، وَكَذَلِكَ إذَا فَسَخَ الْبَيْعَ بِخِيَارِ الشَّرْطِ " أَوْ التَّحَالُفِ " أَوْ الْإِفْلَاسِ " وَرَدَّهُ فَمَئُونَتُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَوْ غَصَبَ دَابَّةً فَهَلَكَتْ فَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ وَتَسْلِيمُ الْمَيْتَةِ ، قَالَهُ الدَّارِمِيُّ " وَظَاهِرُهُ " أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مُؤْنَةُ رَدِّهَا " لَا " عَلَى الْمَالِكِ ، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ هُنَا التَّخْلِيَةُ " لِغَرَامَةِ " الْبَدَلِ ، وَإِذَا صَارَ الْمَالُ فِي يَدِ " الْقَيِّمِ " مَضْمُونًا عَلَيْهِ لِجِنَايَتِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهُ وَمَئُونَتُهُ عَلَيْهِ ، وَإِذَا لَمْ يَقَعْ الْمُعَجَّلُ زَكَاةً فَعَلَى الْفُقَرَاءِ مَئُونَةُ الرَّدِّ وَلَوْ اشْتَرَى الثَّوْبَ الْمَطْوِيَّ وَصَحَّحْنَاهُ وَنَشَرَهُ وَاخْتَارَ الْفَسْخَ وَكَانَ لِطَيِّهِ مَئُونَةٍ وَلَمْ يَحْسُنْ طَيُّهُ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ مَئُونَةُ طَيِّهِ ، قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى بَيْعِ الْغَائِبِ ، وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ بِالنَّشْرِ فَقَدْ ذَكَرَ فِي بَابِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى مَطْوِيًّا وَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ بِهِ بَعْدَ نَشْرِهِ " الْمُنْقِصِ " لَهُ رَدُّهُ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فِي الْأَصَحِّ ، كَمَا فِي كَسْرِ الْبَيْضِ " وَالرَّابِحِ " الثَّانِي : أَنْ لَا تَكُونَ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ فَالرَّدُّ غَيْرُ وَاجِبٍ " عَلَيْهِ " ، وَإِنَّمَا يَجِبُ التَّسْلِيمُ وَالتَّخْلِيَةُ " وَالْمَئُونَةُ " عَلَى الْمَالِكِ كَالْمُودَعِ ، " وَكَمَئُونَةِ " إيصَالِ الْمُوصَى " بِهِ " لِلْمُوصَى لَهُ فَإِنَّهَا عَلَى الْمُوصِي ، " وَكَمَئُونَةِ " رَدِّ الْمَالِ مِنْ الْمُقِيمِ إلَى الصَّبِيِّ بَعْدَ بُلُوغِهِ

فَإِنَّهَا عَلَى الصَّبِيِّ ، وَمَئُونَةُ رَدِّ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ عَلَى الْمَالِكِ ، وَمَئُونَةُ رَدِّ الصَّدَاقِ فِيمَا إذَا طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ ارْتَدَّتْ أَوْ فُسِخَ النِّكَاحُ عَلَى الزَّوْجِ فَإِنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهَا وَلَوْ سَلَّمَ السَّيِّدُ الْعَبْدَ الْجَانِيَ وَاحْتِيجَ إلَى بَيْعِ نِصْفِ رَقَبَتِهِ فِي أَرْشِ جِنَايَتِهِ أَفْتَى الْقَاضِي الْحُسَيْنُ بِأَنَّ مَئُونَةَ الْمَبِيعِ وَأُجْرَةَ الدَّلَّالِ وَغَيْرِهِ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ الْجَانِي .

الْمَالُ مَا كَانَ مُنْتَفَعًا بِهِ أَيْ مُسْتَعِدًّا ؛ لَأَنْ يُنْتَفَعَ بِهِ وَهُوَ إمَّا أَعْيَانٌ أَوْ مَنَافِعُ وَالْأَعْيَانُ قِسْمَانِ : جَمَادٌ وَحَيَوَانٌ فَالْجَمَادُ مَالٌ فِي " كُلِّ " أَحْوَالِهِ .
وَالْحَيَوَانُ يَنْقَسِمُ إلَى مَا " لَيْسَ " " لَهُ " " بِنْيَةٌ " صَالِحَةٌ لِلِانْتِفَاعِ فَلَا يَكُونُ مَالًا كَالذُّبَابِ وَالْبَعُوضِ وَالْخَنَافِسِ وَالْحَشَرَاتِ ، وَإِلَى مَا لَهُ " بِنْيَةٌ " صَالِحَةٌ وَهَذَا يَنْقَسِمُ إلَى مَا جُبِلَتْ طَبِيعَتُهُ عَلَى الشَّرِّ وَالْإِيذَاءِ كَالْأَسَدِ وَالذِّئْبِ وَلَيْسَتْ مَالًا ، وَإِلَى مَا جُبِلَتْ طَبِيعَتُهُ عَلَى الِاسْتِسْلَامِ وَالِانْقِيَادِ كَالْبَهَائِمِ وَالْمَوَاشِي فَهِيَ أَمْوَالٌ وَالسِّرُّ فِيهِ أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْجَمَادَاتِ مُمْكِنٌ عَلَى سَبِيلِ الْقَهْرِ إذْ لَيْسَ لَهَا قُدْرَةٌ وَإِرَادَةٌ يُتَصَوَّرُ " مِنْهَا " الِامْتِنَاعُ ، " وَأَمَّا " الْحَيَوَانُ فَهُوَ مُخْتَارٌ فِي الْفِعْلِ فَلَا يُتَصَوَّرُ اسْتِعْمَالُهَا إلَّا بِمُسَاعَدَةٍ مِنْهَا ، فَإِذَا كَانَتْ مَجْبُولَةً عَلَى طَبِيعَةِ الِاسْتِسْلَامِ أَمْكَنَ اسْتِعْمَالُهَا " وَاسْتِسْخَارُهَا " فِي الْمَقَاصِدِ ، بِخِلَافِ مَا طَبِيعَتُهُ الشَّرُّ وَالْإِيذَاءُ فَإِنَّهَا تَمْتَنِعُ " وَتَسْتَعْصِي " وَتَنْتَهِي إلَى " ضِدِّ " غَرَضِ الْمُسْتَعْمِلِ ، وَلِهَذَا إذَا صَالَتْ تِلْكَ الْحَيَوَانَاتُ الْتَحَقَتْ بِالْمُؤْذِيَاتِ طَبْعًا فِي الْإِهْدَارِ .

الْأَوَّلُ فِي حَقِيقَتِهِ وَهُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي لَا تَتَعَلَّقُ " بِهَا " " تَبِعَةٌ " وَلَا غَرَامَةَ دُنْيَا وَلَا آخِرَةٍ ، وَقِيلَ : مَعْنًى مُقَدَّرٌ فِي الْمَحِلِّ يَعْتَمِدُ الْمُكْنَةَ مِنْ التَّصَرُّفِ عَلَى وَجْهٍ يَنْفِي " التَّبِعَةَ " وَالْغَرَامَةَ " وَقَالَ " صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ : مَا قَبِلَ التَّصَرُّفِ فَهُوَ الْمَمْلُوكُ وَمَا لَا يَقْبَلُهُ " فَهُوَ لَيْسَ " بِمَمْلُوكٍ كَالْحَشَرَاتِ ، قَالَ : وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ عِبَارَةٌ عَنْ التَّصَرُّفِ أَنَّ الْحَقَّ سُبْحَانَهُ يُسَمَّى مَالِكًا فِي " الْأَزَلِ " ، وَتَسْمِيَتُهُ مَالِكًا لِقُدْرَتِهِ عَلَى إيجَادِ الْمَعْدُومَاتِ إذْ لَيْسَ فِي الْأَزَلِ مَوْجُودٌ سِوَاهُ حَتَّى يَكُونَ إثْبَاتُ وَصْفِ الْمَالِكِيَّةِ " بِسَبَبِ " قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ الْمَوْجُودِ انْتَهَى وَلَك أَنْ تَقُولَ : التَّصَرُّفُ نَتِيجَةُ الْمِلْكِ وَأَثَرُهُ فَكَيْفَ يَحْسُنُ تَعْرِيفُهُ " بِهِ " وَأَيْضًا فَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ يَمْلِكَانِ الْمَالَ وَلَا يَقْدِرَانِ عَلَى التَّصَرُّفِ " فِيهِ " إلَّا أَنْ يُقَالَ : الْمُرَادُ تَهْيِئَةُ الْمَالِ لِلتَّصَرُّفِ وَمَالُهُمَا مُهَيَّأٌ لَهُ ، وَوَلِيُّهُمَا " نَائِبٌ عَنْهُمَا " وَقَالَ " الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى " " مَعْنًى " مُقَدَّرٌ بِالْمَحِلِّ لِإِفَادَةِ الِانْتِفَاعِ قَالَ وَقَوْلُ الْفُقَهَاءِ مَلَكَ النِّكَاحَ وَمَلَكَ الْقِصَاصَ وَمَلَكَ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ لَمْ يَرِدْ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ ، وَلَكِنَّهُ مِنْ تَجَوُّزَاتِ الْفُقَهَاءِ ، " وَكُلُّ " اسْتِحْقَاقٍ وَاخْتِصَاصٍ مُؤَكَّدٌ فَتُجَوِّزُ عَنْهُ بِالْمِلْكِ ، أَمَّا حَقِيقَةُ الْمِلْكِ فَهُوَ " مَا ذَكَرْنَاهُ " انْتَهَى وَيَتَفَرَّعُ عَلَى كَوْنِهِ مُقَدَّرًا أُمُورٌ : مِنْهَا : أَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ مَا لَا تَمَسُّ الْحَاجَةُ " وَالضَّرُورَةُ " إلَيْهِ ، وَقَدْ أَثْبَتَ اللَّهُ " تَعَالَى " الْأَمْلَاكَ فِي مُدَّةِ " الْحَيَاةِ " ، " لِأَنَّهَا " مَظِنَّةُ الْحَاجَةِ وَالضَّرُورَاتِ ، وَأَمَّا إثْبَاتُهَا " فِي الْمَمَاتِ " ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَلِكُلِّ

إنْسَانٍ مَوْتَتَانِ وَحَيَاتَانِ ، فَأَمَّا الْمَوْتَةُ الْأُولَى فَفِي بُطُونِ الْأُمَّهَاتِ وَتَثْبُتُ فِيهَا الْأَمْلَاكُ " لِلْأَجِنَّةِ " بِالْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ ، لِأَنَّ الْأَجِنَّةَ صَائِرُونَ إلَى الْحَاجَاتِ وَالضَّرُورَاتِ ، وَأَمَّا الْمَوْتَةُ الثَّانِيَةُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْآجَالِ فَلِلْمَيِّتِ حَالَانِ : " إحْدَاهُمَا " أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ حَاجَةٌ إلَى دَوَامِ الْمِلْكِ فَيَنْتَقِلُ الْمِلْكُ عَنْهُ إلَى مِنْ يَرِثُهُ لِانْتِفَاءِ حَاجَاتِهِ وَضَرُورَاتِهِ الثَّانِيَةُ : أَنْ يَحْتَاجَ إلَيْهِ لِقَضَاءِ دَيْنٍ أَوْ تَنْفِيذِ وَصِيَّةٍ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي بَقَاءِ مِلْكِهِ فَأَبْقَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ لِاحْتِيَاجِهِ إلَيْهِ ، كَمَا أَثْبَتَهُ فِي الْمَوْتَةِ الْأُولَى ، وَنَقَلَهُ فِي قَوْلٍ إلَى الْوَرَثَةِ مُتَعَلِّقًا بِهِ حَقُّ الْمَيِّتِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ حَقُّ الْمَيِّتِ وَحَقُّ الْوَرَثَةِ ، وَوَقَفَهُ فِي قَوْلٍ ثَالِثٍ قَبْلَ سُقُوطِ الدَّيْنِ بِقَضَاءٍ أَوْ إبْرَاءٍ ، فَإِنْ سَقَطَ انْتَقَلَ بِالْمَوْتِ إلَى الْوَارِثِ وَإِلَّا بَقِيَ .
وَالْمَقْتُولُ يَرِثُ دِيَتَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ تَقْدِيرًا حَتَّى يَقْضِيَ مِنْهَا دُيُونَهُ وَتَنْفُذَ وَصَايَاهُ ، وَقِيلَ : يَثْبُتُ لِلْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً قُلْت : وَمَا قَالَهُ فِي أَنَّ الْجَنِينَ يَمْلِكُ خِلَافَ قَوْلِ الْأَصْحَابِ ، وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ فِي التَّنْبِيهِ : وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى مَنْ لَا يَمْلِكُ كَالْجَنِينِ ، وَمِنْهَا : أَنَّ مَنْ مَلَكَ أَرْضًا اخْتَصَّ بِهَوَاهَا حَتَّى " يَمْتَنِعَ " عَلَى غَيْرِهِ الْإِشْرَاعُ " إلَيْهِ " وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ ، إلَّا بِمَا لَا " ضَرَرَ " فِيهِ كَرَمْيِ سَهْمٍ إلَى صَيْدٍ فَعَلَى هَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ الِاخْتِصَاصُ فِي جِهَةِ الْعُلُوِّ إلَّا " بِمَا " تَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ " وَكَذَلِكَ " يَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْلِكَ مِنْ قَرَارِهِ إلَّا " مَا " تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ دُونَ مَا " سَفَلَ " إلَى سَبْعِ أَرْضِينَ إذْ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ ، لَكِنْ يَشْكُلُ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ غَصَبَ شِبْرًا

مِنْ الْأَرْضِ طَوَّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرْضِينَ } وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْمِلْكِ إلَى تُخُومِ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُعَاقَبَ عَلَى غَصْبِ الشِّبْرِ بِالتَّطْوِيقِ الْمَذْكُورِ قُلْت : قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْإِمَامُ وَغَيْرُهُمَا " مِنْ " الْأَصْحَابِ : مَنْ مَلَكَ أَرْضًا مَلَكَ هَوَاهَا إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ وَتَحْتَهَا إلَى تُخُومِ الْأَرْضِ ، وَصَرَّحَ الْأَصْحَابُ " بِأَنَّ " الْهَوَاءَ يُبَاعُ مَعَ أَصْلِهِ ، فَلَوْ بَاعَ " صَاحِبُ الْعَرْصَةِ هَوَاهَا لِشَخْصٍ لِيُشَرِّعَ " فِيهِ جَنَاحًا " لَهُ " لَمْ تَصِحَّ ، لِأَنَّ حَقَّ الْهَوَاءِ مَا لَمْ " يَتَعَلَّقْ بِعَيْنٍ " لَا يَنْتَفِعُ بِهِ ، نَعَمْ قَالُوا فِي بَاب بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ : لَوْ اشْتَرَى أَرْضًا وَفِيهَا حِجَارَةٌ مَدْفُونَةٌ وَعَلِمَ الْمُشْتَرِي بِهَا صَحَّ الْبَيْعُ وَكَانَ يَنْبَغِي بُطْلَانُهُ كَمَا إذَا عَلِمَ أَنَّ تَحْتَ الصُّبْرَةِ " الْمَبِيعَةِ " دِكَّةٌ ، فَإِنَّ الْأَرْضَ مَبِيعَةٌ إلَى تُخُومِ الْأَرْضِ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى ظَاهِرِهَا كَالِاعْتِمَادِ عَلَى الصُّبْرَةِ وَهُوَ سُؤَالٌ صَعْبٌ .

الثَّانِي : فِي شُرُوطِهِ وَأَقْسَامِهِ : جَعَلَ بَعْضُهُمْ شَرْطَهُ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّصَرُّفِ أَوْ تَهَيُّؤَهُ لِذَلِكَ لِيَدْخُلَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ بِخِلَافِ الْجَنِينِ وَالْمَيِّتِ وَإِنَّمَا لَمْ يَمْلِكْ الْعَبْدُ لِضَعْفِ " تِلْكَ " الْقُدْرَةِ فِيهِ ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ ذَلِكَ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ أَوْ أَثَرُهُ فَكَيْفَ يَكُونُ شَرْطُهُ وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعْيِينُ أَوْ يَصِحُّ لِلْجِهَةِ ؟ فِيهِ خِلَافٌ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ فِي الْوَقْفِ عَلَى قَبِيلَةٍ كَبَنِي تَمِيمٍ مَثَلًا إنْ صَحَّحْنَاهُ لِلْجِهَةِ صَحَّ وَإِنْ قُلْنَا : يُسْتَدْعَى الْأَعْيَانُ لَمْ يَصِحَّ ، لِأَنَّهُ وَقْفٌ عَلَى أَعْيَانِهِمْ وَهُمْ غَيْرُ مَحْصُورِينَ " فَلَا يَصِحُّ لِلْجَهَالَةِ " ، وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ اللَّقِيطِ عَلَى قَوْلِ الْوَجِيزِ " مَا " وُقِفَ عَلَى " اللُّقَطَاءِ " أَوْ وُهِبَ مِنْهُمْ أَنَّ الْهِبَةَ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ مِمَّا يُسْتَبْعَدُ قَالَ بَعْضُهُمْ : أَمَّا كَوْنُ الْجِهَةِ لَا تُمْلَكُ فَمَا أَظُنُّ أَحَدًا يَقُولُ بِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِسْلَامَ جِهَةٌ وَهِيَ تُمْلَكُ بِالْإِرْثِ ، " وَأَهْلُ " الْفَيْءِ جِهَةٌ ، " وَأَهْلُ سُهْمَانِ " الزَّكَاةِ جِهَاتٌ ، وَكُلُّهَا تُمْلَكُ ، وَأَمَّا أَقْسَامُهُ فَقَالَ الْقَاضِي صَدْرُ الدِّينِ مَوْهُوبٌ الْجَزَرِيُّ فِي فَتَاوِيهِ " : الْمَمْلُوكَاتُ " عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَعْيَانٌ وَمَنَافِعُ .
فَانْتِقَالُ الْمِلْكِ عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : " مَا يَنْتَقِلُ مِنْ مَالِكٍ إلَى مَالِكٍ بِعِوَضٍ كَالْبَيْعِ وَالْحَوَالَةِ وَالشُّفْعَةِ وَاللُّقَطَةِ " .
الثَّانِي : مَا يَنْتَقِلُ مِنْ مَالِكٍ إلَى مَالِكٍ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْهِبَاتِ " وَالْوَصَايَا " وَالْمِيرَاثِ " .
الثَّالِثُ : مَا يَنْتَقِلُ مِنْ مَالِكٍ إلَى غَيْرِ مَالِكٍ " بِالْعِوَضِ كَالْكِتَابَةِ .
الرَّابِعُ : مَا يَنْتَقِلُ مِنْ مَالِكٍ إلَى غَيْرِ مَالِكٍ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْعِتْقِ .
الْخَامِسُ : مَا يَنْتَقِلُ مِنْ غَيْرِ مَالِكٍ " إلَى مَالِكٍ وَهُوَ " تَمْلِيكُ " الْمُبَاحَاتِ مِنْ الْمَوَاتِ وَأَمَّا الْعَقْدُ عَلَى الْمَنَافِعِ فَعَلَى ثَلَاثَةِ " أَقْسَامٍ " :

مِنْهَا " : " مَا هُوَ بِعِوَضٍ وَهُوَ الْإِجَارَةُ وَالْجِعَالَةُ وَالْقِرَاضُ وَالْمُسَاقَاةُ وَالْمُزَارَعَةُ " " وَمِنْهَا " : " مَا هُوَ بِغَيْرِ عِوَضٍ " كَالْوَقْفِ وَالشَّرِكَةِ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَحِفْظِ اللَّقِيطِ .
وَنَوْعَانِ مُتَرَدِّدَانِ " بَيْنَ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ " وَهُمَا الْوَكَالَةُ وَالْقِيَامُ عَلَى الْأَطْفَالِ .
فَإِنَّ تَارَةً يَكُونُ بِعِوَضٍ وَتَارَةً بِغَيْرِ عِوَضٍ .
" وَمِنْهَا " : الْمُسَابَقَةُ وَالْمُنَاضَلَةُ وَهِيَ قِسْمٌ مُفْرَدٌ " إذْ " الْمُرَادُ تَمْلِيكُ مَنْفَعَتِهِ فَهَذِهِ أَقْسَامُ الْمِلْكِ .

" الثَّالِثُ " : قَدْ يَتَعَلَّقُ التَّمْلِيكُ بِمَحِلٍّ مُحَقَّقٍ كَتَمْلِيكِ الْأَعْيَانِ وَقَدْ يَتَعَلَّقُ بِمَحِلٍّ مُقَدَّرٍ " كَتَمْلِيكِ " مَنَافِعِ الْأَبْضَاعِ أَوْ الْأَعْيَانِ فِي الْإِجَارَةِ " أَوْ الْإِعَارَةِ " فَإِنَّ مَنَافِعَهَا مُقَدَّرَةٌ " تَعَلَّقَ " بِهَا تَمْلِيكٌ " مُقَدَّرٌ إلَّا أَنَّ " مَنَافِعَ الْأَعْيَانِ مُقَدَّرَةُ النَّقْلِ وَمَنَافِعُ الْأَبْضَاعِ " مُسْتَقِرَّةٌ " غَيْرُ مَنْقُولَةٍ إذْ يَمْلِكُ الزَّوْجُ " بِعَقْدِ النِّكَاحِ " مِنْ الْوَطْءِ وَتَوَابِعِهِ وَتَصَرُّفَاتِهِ مَا لَا تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ مِنْ نَفْسِهَا حَتَّى يُقْضَى " نَقْلُهُ " إلَيْهِ مِنْهَا ، وَقَدْ مَنَعُوا إيجَارَ الْمُسْتَأْجَرِ قَبْلَ قَبْضِ " مَحِلِّ الْمَنْفَعَةِ وَأَجَازُوهُ بَعْدَ قَبْضِهِ مَعَ أَنَّ الْمَنَافِعَ مَفْقُودَةٌ فِي الصُّورَتَيْنِ فَقَدَّرُوهَا مَقْبُوضَةً بَعْدَ قَبْضِ " الْعَيْنِ وَغَيْرَ مَقْبُوضَةٍ قَبْلَ قَبْضِهَا ثُمَّ قَالُوا : لَوْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ ، لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ قَدْ تَلِفَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ الْحَقِيقِيِّ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَنَافِعَ تُمْلَكُ بِطْرِيقَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ تَكُونَ " تَابِعَةً " لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ ، وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ وَرَدَ عَلَيْهَا عَقْدٌ وَحْدَهَا كَبَيْعِ حَقِّ الْمَمَرِّ وَالْبِنَاءِ عَلَى السَّقْفِ وَكَمَا فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ أَوْ الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ وَنَحْوِهَا ، وَلَا يُقَالُ : إنَّ مَنْ بَاعَ عَيْنًا فَقَدْ بَاعَهَا وَمَنَافِعَهَا ، بَلْ إنْ أَوْقَعَ الْعَقْدَ عَلَى الْعَيْنِ وَالْعَيْنُ يَحْدُثُ فِيهَا مَنَافِعُ ، وَلِهَذَا لَوْ وُجِدَتْ مُسْتَحَقَّةٌ بِعَقْدٍ يُعَارِضُ كَوْنَهَا لِصَاحِبِ " الْعَيْنِ عُمِلَ بِهِ كَمَا لَوْ كَانَتْ مُسْتَأْجَرَةً ، وَلَا يُقَالُ : إنَّ مَنْ بَاعَ " الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ بَاعَ عَيْنًا وَاسْتَثْنَى مَنْفَعَتَهَا أَوْ بَاعَ مَسْلُوبَةَ الْمَنْفَعَةِ ، بَلْ إطْلَاقُ الْعَقْدِ تَنَاوَلَهَا تَبَعًا ، وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ " مَانِعٌ " " مِنْ " عَمَلِهَا فِي الْحَالِ وَلَوْ وَصَّى لِشَخْصٍ بِرَقَبَةِ عَبْدٍ وَسَكَتَ عَنْ " الْمَنْفَعَةِ " فَلَمْ يُصَرِّحْ

بِأَنَّهَا لَهُ أَوْ لِلْوَرَثَةِ ، قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : الظَّاهِرُ أَنَّهَا لِلْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ ، أَمَّا إذَا أَوْصَى بِمَنْفَعَتِهِ لِزَيْدٍ وَبِالرَّقَبَةِ لِعَمْرٍو فَقَبِلَ الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ الْوَصِيَّةَ وَلَمْ يَقْبَلْهَا الْمُوصَى لَهُ " بِالْمَنَافِعِ " فَهَلْ تَعُودُ الْمَنَافِعُ إلَى الْوَرَثَةِ أَوْ " لِلْمُوصَى " لَهُ بِالرَّقَبَةِ ؟ وَجْهَانِ ، قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَاَلَّذِي يَظْهَرُ الْجَزْمُ بِأَنَّهَا لِلْوَرَثَةِ " لِإِخْرَاجِهَا بِالْقَبْضِ عَنْ الْوَصِيَّةِ لِغَيْرِ الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ ، وَإِنَّمَا يَتَّجِهُ الْجَزْمُ " " بِهِ " " بِأَنَّهَا لِلْوَرَثَةِ إذَا أَوْصَى لِوَاحِدٍ بِالرَّقَبَةِ " بِلَا مَنْفَعَةٍ وَلِلْآخَرِ بِالْمَنْفَعَةِ فَأَمَّا إذَا أَوْصَى بِالرَّقَبَةِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ ثُمَّ وَصَّى بِالْمَنْفَعَةِ لِآخَرَ ، فَالظَّاهِرُ " أَنَّهَا " عَلَى الْوَجْهَيْنِ ، لِأَنَّ رَدَّهُ أَبْطَلَ أَثَرَ الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ فَتَبْقَى الْوَصِيَّةُ بِالرَّقَبَةِ عَلَى إطْلَاقِهَا ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَنَافِعِ رُجُوعٌ عَنْ ذَلِكَ الْإِطْلَاقِ وَالْوَصِيَّةُ تَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ ، أَمَّا لَوْ تَقَدَّمَتْ الْوَصِيَّةُ بِالْمَنَافِعِ ثُمَّ أَوْصَى بِالرَّقَبَةِ فَهَلْ نَقُولُ : إنَّهُ كَالْحَالَةِ الْأُولَى أَوْ هُوَ رُجُوعٌ عَنْ الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ ، فِيهِ نَظَرٌ .
وَاعْلَمْ أَنَّ فِي تَحْقِيقِ الْمَنْفَعَةِ وَكَوْنِهَا مَمْلُوكَةً قَبْلَ وُجُودِهَا وَإِيرَادِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا كَلَامًا كَثِيرًا ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ أَنَّهَا تَهَيُّؤُ الْعَيْنِ لِذَلِكَ " الْمَعْنَى " الَّذِي قُصِدَ " مِنْهَا " كَالدَّارِ مُتَهَيِّئَةً لِلسُّكْنَى ، وَالتَّهَيُّؤُ مَوْجُودٌ الْآنَ وَتَتَوَالَى أَمْثَالُهُ فِي الْأَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ " وَسَكَنَهَا " الْمُسْتَأْجِرُ ، وَهَلْ نَقُولُ : إنَّهَا مَمْلُوكَةٌ ؟ قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ : لَا " وَهُوَ " قَضِيَّةُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ ؛ لِأَنَّ مَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ كَيْفَ يَكُونُ بَدَلًا .
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ : إنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لِأَنَّا لَا نَعْنِي

بِالْمِلْكِ إلَّا جَوَازَ التَّصَرُّفِ وَهَذِهِ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهَا " فَكَانَتْ " مَمْلُوكَةً .
ضَابِطٌ : لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ مَنْفَعَةِ الْعَيْنِ إلَّا فِي الْوَصِيَّةِ يَصِحُّ أَنْ يُوصَى بِرَقَبَةِ عَيْنٍ لِشَخْصٍ وَبِمَنْفَعَتِهَا لِآخَرَ .

الرَّابِعُ : الْمِلْكُ قِسْمَانِ : أَحَدُهُمَا : يَحْصُلُ قَهْرًا كَمَا فِي الْمِيرَاثِ وَمَنَافِعِ الْوَقْفِ ، وَكَذَا رَقَبَةُ " الْوَقْفِ " فِي قَوْلٍ فِيهِمَا إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ الْقَبُولُ ، وَنَمَاءُ الْمِلْكِ مِنْ الثِّمَارِ وَالنِّتَاجِ وَغَيْرِهِمَا ، وَالْمَرْدُودُ " بِعَيْبٍ وَكَذَلِكَ " الْكَلَأُ وَالْمَطَرُ وَالثَّلْجُ وَالْبَرَدُ إذَا حُصِّلَ فِي مِلْكِهِ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَحَكَى صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ أَنَّهُ لَا يُمْلَكُ " أَمَّا " النَّابِتُ فِي الْمَوَاتِ ، فَحَكَى الصَّيْمَرِيُّ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ ، وُعُودُ شَطْرِ الصَّدَاقِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى " قَوْلٍ ، وَخَلَطَ " الْمَغْصُوبَ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ ، وَإِذَا أَعْتَقَ الشَّرِيكُ الْمُوسِرُ نَصِيبَهُ وَبَذَلَ قِيمَةَ النِّصْفِ الْآخَرِ " يَمْلِكُهُ " الشَّرِيكُ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهَا عَلَى وَجْهٍ ، حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ " وَقَدْ يَتَمَلَّكُ عَلَى الْغَيْرِ قَهْرٌ " كَالرُّجُوعِ فِي الْعَيْنِ بِالْإِفْلَاسِ وَرُجُوعِ الْوَالِدِ فِي هِبَتِهِ وَرُجُوعِ الزَّوْجِ فِي شَطْرِ الصَّدَاقِ وَأَخْذِ الشَّفِيعِ الشِّقْصَ وَأَخْذِ الْمُضْطَرِّ طَعَامَ الْغَيْرِ ، وَإِذَا ظَهَرَ مَالِكُ اللُّقَطَةِ بَعْدَ تَمَلُّكِ الْمُلْتَقِطِ فَفِي تَمْكِينِهِ مِنْ اسْتِرْدَادِهَا قَهْرًا وَجْهَانِ ، أَصَحُّهُمَا : نَعَمْ وَلَوْ أَخَذَ مِنْ غَرِيمِهِ جِنْسَ حَقِّهِ مَلَكَهُ بِنَفْسِ الْأَخْذِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى اخْتِيَارِ " التَّمَلُّكِ " ، كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْبَغَوِيُّ وَالْإِمَامُ وَغَيْرُهُمْ وَالثَّانِي : يَحْصُلُ بِالِاخْتِيَارِ وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ : أَحَدُهُمَا : " بِالْأَقْوَالِ " وَيَكُونُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ كَالْبُيُوعِ وَفِي غَيْرِهَا كَالْهِبَاتِ وَالْوَصَايَا وَالْوُقُوفِ إذَا شَرَطْنَا الْقَبُولَ وَتُمْلَكُ اللُّقَطَةُ بِشَرْطِهِ .
وَالثَّانِي : " يَحْصُلُ " بِالْأَفْعَالِ كَتَنَاوُلِ الْمُبَاحَاتِ كَالِاصْطِيَادِ وَالِاحْتِشَاشِ وَالصَّدَقَةِ وَالْأَحْيَاءِ وَالْغَنِيمَةِ .
وَقَدْ أَشَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الثَّلَاثَةِ بِقَوْلِهِ { صَدَقَةٌ لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ وَلَا

تُوَرَّثُ } فَأَشَارَ بِالْبَيْعِ إلَى الْمَمْلُوكِ بِالْمُعَاوَضَةِ ، وَبِالْهِبَةِ إلَى الْمَمْلُوكِ بِغَيْرِهَا اخْتِيَارًا ، وَبِالْإِرْثِ إلَى الدَّاخِلِ قَهْرًا هَذِهِ " مَجَامِعُ التَّمَلُّكِ " وَمَا تَفَرَّعَ عَنْهَا يَرْجِعُ إلَيْهَا وَمِمَّا يَتَخَالَفَانِ فِيهِ أَعْنِي الِاخْتِيَارِيَّ وَالْقَهْرِيّ إنَّ الِاخْتِيَارِيَّ يُمْلَكُ بِالْعِوَضِ الْمُعَيَّنِ أَوْ بِمَا فِي الذِّمَّةِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَدَاءِ الثَّمَنِ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا الْقَهْرِيُّ كَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فَلَا يُمْلَكُ حَتَّى يَقْبِضَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ أَوْ يَرْضَى بِتَأْخِيرِهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُمْلَكُ بِذَلِكَ وَبِقَضَاءِ الْقَاضِي لَهُ " بِهِ " وَلَا يَبْعُدُ إلْحَاقُ " مَا فِيهِ إزَالَةُ الضَّرَرِ بِالشُّفْعَةِ فِي ذَلِكَ كَأَخْذِ " الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ وَالْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجَرِ وَتَقْوِيمِ " الشِّقْصِ مِنْ الْعَبْدِ الْمُشْتَرِكِ وَنَحْوِهِ وَمِنْهَا : أَنَّ التَّمَلُّكَ الْقَهْرِيَّ يَحْصُلُ بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَى مِلْكِ الْغَيْرِ ، كَمَا " فِي " أَمْوَالِ الْكُفَّارِ بِخِلَافِ الِاخْتِيَارِيِّ وَمِنْهَا : أَنَّ " التَّمْلِيكَ " الْقَهْرِيَّ هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ مَعْرِفَةُ شُرُوطِهِ مِنْ الرُّؤْيَةِ وَنَحْوِهَا ؟ خِلَافٌ كَمَا فِي الشُّفْعَةِ يُؤْخَذُ الشِّقْصُ الَّذِي لَمْ يَرَهُ عَلَى قَوْلٍ ، وَالِاخْتِيَارِيُّ يُشْتَرَطُ فِيهِ قَطْعًا وَمِنْهَا : أَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِيهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِاخْتِيَارِيِّ كَمَا فِي دُخُولِ الْمُسْلِمِ فِي مِلْكِ الْكَافِرِ بِالْإِرْثِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ ، وَكَذَا الصَّيْدُ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ وَلَا " يُمْلَكُ " ذَلِكَ كُلُّهُ بِالِاخْتِيَارِ .

الْخَامِسُ : الْمِلْكُ تَارَةً يَقْبَلُ الْإِسْقَاطَ كَالْعِتْقِ وَتَارَةً يَقْبَلُ النَّقْلَ كَالْوَقْفِ وَمِثْلُهُ الْأُضْحِيَّةُ فَإِنَّ الْمِلْكَ انْتَقَلَ لِلْفُقَرَاءِ وَلَا يُقَالُ : سَقَطَ " وَلِذَلِكَ شَبَّهَهُ " الْإِمَامُ بِالْوَقْفِ .

السَّادِسُ : الْفَرْقُ بَيْنَ الْمِلْكِ وَالِاخْتِصَاصِ " أَنَّ الْمِلْكَ يَتَعَلَّقُ بِالْأَعْيَانِ ، وَالْمَنَافِعُ وَالِاخْتِصَاصُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَنَافِعِ وَبَابُ الِاخْتِصَاصِ " " أَوْسَعُ " ، وَلِهَذَا شَوَاهِدُ : مِنْهَا أَنَّهُ يَثْبُتُ " فِيمَا " لَا يُمْلَكُ مِنْ النَّجَاسَاتِ كَالْكَلْبِ وَالزَّيْتِ النَّجِسِ وَجِلْدِ الْمَيْتَةِ وَنَحْوِهِ وَقَدْ حَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِي الدَّعَاوَى ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ فِيمَا الْيَدُ عَلَيْهِ لِلِاخْتِصَاصِ : أَحَدُهَا : أَنَّهَا يَدُ انْتِفَاعٍ " لَا " تُمْلَكُ ، وَالثَّانِي : تُمْلَكُ ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِهَا ، وَالثَّالِثُ : إنْ كَانَ مُتَهَيِّئًا ؛ لَأَنْ يَصِيرَ مِلْكًا كَجِلْدِ الْمَيْتَةِ يُدْبَغُ وَقَدْ كَانَ قَبْلَ الْمَوْتِ مَمْلُوكًا وَالْيَدُ عَلَيْهِ يَدُ مِلْكٍ اعْتِبَارًا بِالطَّرَفَيْنِ ، وَمَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْمُعَاوَضَةِ فِي الطَّرَفَيْنِ كَالْكَلْبِ وَالنَّجَاسَاتِ فَالْيَدُ يَدُ انْتِفَاعٍ " لَا تُمْلَكُ " " وَمِنْهَا " لَوْ أَوْصَى بِكَلْبٍ أَوْ كِلَابٍ لِأَجْنَبِيٍّ وَلَهُ مُتَمَوِّلٌ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ فِي الْكُلِّ عَلَى الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الِاخْتِصَاصِ " لَيْسَ كَحَقِّ الْمِلْكِ فَكَانَ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَنْقُلَ اخْتِصَاصَهُ " فِي ذَلِكَ لِمَنْ " يَشَاءُ " مِنْ الْأَجَانِبِ مِنْ غَيْرِ أَنْ " يُحْسَبَ " مِنْ الثُّلُثِ إذْ لَا مَالِيَّةَ فِي ذَلِكَ وَمِنْهَا : فِي " الْغَنِيمَةِ " إذَا كَانَ فِيهَا كِلَابٌ نَصَّ " عَلَيْهِ " " الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ " رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ " فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مُفَوَّضٌ " لِرَأْيِ " الْإِمَامِ يُخَصِّصُ " بِهِ مَنْ شَاءَ " مِنْ الْغَانِمِينَ فَإِنْ لَمْ يُرِدْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَعْطَاهُ لِبَعْضِ أَهْلِ " الْخُمُسِ " فَإِنْ لَمْ يُرِدْهُ أَحَدٌ خَلَّاهُ أَوْ قَتَلَهُ ، لِأَنَّ اقْتِنَاءَهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ يَحْرُمُ وَفِيهِ رَدٌّ لِقَوْلِ الرَّافِعِيِّ تَبَعًا لِابْنِ الصَّبَّاغِ أَنَّهَا تُقَسَّمُ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا أَقْرَعَ إنْ تَنَازَعُوا فِيهَا .

السَّابِعُ : مِلْكُ النِّكَاحِ مُتَقَوِّمٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ ذَكَرَ هَذَا الْأَصْلَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي الِاصْطِلَامِ فِي بَابِ " الشَّهَادَاتِ " وَبَنَى عَلَيْهِ فُرُوعًا .
" مِنْهَا " : شُهُودُ الطَّلَاقِ إذَا رَجَعُوا ضَمِنُوا بَعْدَ الدُّخُولِ مَهْرَ الْمِثْلِ وَقَبْلَهُ نِصْفَهُ أَوْ جَمِيعَ الْمَهْرِ عَلَى قَوْلَيْنِ وَعِنْدَهُمْ لَا يَجِبُ شَيْءٌ بَعْدَ الدُّخُولِ وَقَبْلَهُ يَضْمَنُ نِصْفَ الْمُسَمَّى وَمِنْهَا : الشُّفْعَةُ فِي الشِّقْصِ الْمَمْهُورِ ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ إنَّمَا يَأْخُذُ الشِّقْصَ بِمِثْلِ الْمُسَمَّى إذَا كَانَ مِثْلِيًّا أَوْ " بِقِيمَتِهِ إنْ " كَانَ مُتَقَوِّمًا ، " وَالْبِضْعُ " لَيْسَ لَهُ مِثْلٌ وَلَا هُوَ مُتَقَوِّمٌ عِنْدَهُمْ وَمِنْهَا : إذَا خَالَعَ عَلَى شِقْصٍ مِنْ دَارٍ فَعَلَى الْخِلَافِ قُلْت : وَمِنْهَا : إذَا خَالَعَ زَوْجَتَهُ عَلَى مَا لَيْسَ بِمَالٍ كَخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ يُرْجَعُ " لِلْبَدَلِ " الشَّرْعِيِّ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ .
وَمِنْهَا : إذَا شَرَطَ فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ رَدَّ مَنْ جَاءَ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ رَدًّا فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ فَهَلْ يَجِبُ دَفْعُ مَهْرٍ إلَى زَوْجِهَا قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا الْمَنْعُ " وَالْآيَةُ إنَّمَا وَرَدَتْ فِي قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ " وَكَانَ الصُّلْحُ قَدْ وَقَعَ عَلَى رَدِّ النِّسَاءِ قَبْلَ تَحْرِيمِهِ فَلَمَّا حَرُمَ الرَّدُّ بَعْدَ صِحَّةِ اشْتِرَاطِهِ وَجَبَ رَدُّ بَدَلِهِ وَهُوَ الْمَهْرُ وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ رَدِّ النِّسَاءِ فَلَا " يَصِحُّ " رَدُّ مُهُورِهِنَّ ، لِأَنَّهُ شَرْطُ مَالٍ لِلْكُفَّارِ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ ، قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ : وَمِثْلُ هَذَا الْأَصْلِ مِلْكُ الْقِصَاصِ ، قَالُوا : هُوَ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ حَتَّى لَوْ شَهِدَا بِالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ ثُمَّ رَجَعَا " لَا ضَمَانَ " عَلَيْهِمَا عِنْدَهُمْ ، ثُمَّ قَالَ فِي الْجَوَابِ عَنْ شُبْهَتِهِمْ : وَأَمَّا حَرْفُ الْجَوَابِ فَهُوَ أَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ مِلْكٌ لَا يُعْرَفُ إلَّا " بِمَحِلِّ " اسْتِيفَاءِ الشَّرْطِ ، وَمِلْكُ " الْقِصَاصِ مِلْكٌ " لَا يُعْرَفُ إلَّا بِجَوَازِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ وَلِهَذَا لَا يُمْلَكُ النَّقْلُ

مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ قَالَ : وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : إنَّهُ مِلْكٌ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ ، إلَّا أَنَّهُ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يُثْبِتُهُ مِلْكٌ مُتَقَوِّمٌ فَإِذَا أُتْلِفَ بِالشَّهَادَةِ الْبَاطِلَةِ ضُمِّنَ .

الثَّامِنُ : قَالُوا الْوَطْءُ بِالنِّكَاحِ أَقْوَى مِنْ الِاسْتِبَاحَةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَلِهَذَا لَوْ مَلَكَ أَمَةً ثُمَّ نَكَحَ أُخْتَهَا حَلَّتْ الْمَنْكُوحَةُ وَحَرُمَتْ الْأَمَةُ ، وَالْأَقْوَى إذَا طَرَأَ عَلَى الْأَضْعَفِ دَفَعَهُ وَخَالَفُوا هَذَا فِيمَا إذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ قَالُوا : لِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ أَقْوَى .
وَأُجِيبُ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ نَفْسَهُ أَقْوَى مِنْ النِّكَاحِ نَفْسِهِ وَالِاسْتِفْرَاشُ بِالنِّكَاحِ أَقْوَى مِنْ الِاسْتِفْرَاشِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَلَا تَنَاقُضَ .
وَالثَّانِي أَنَّ مَحِلَّ تَرْجِيحِنَا الِاسْتِفْرَاشُ بِالنِّكَاحِ عَلَى الِاسْتِفْرَاشُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فِي عَيْنَيْنِ وَتَرْجِيحَنَا مِلْكَ الْيَمِينِ عَلَى مِلْكِ النِّكَاحِ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ فَلَا تَنَاقُضَ أَيْضًا " وَالطَّرِيقَةُ " الْأُولَى أَحْسَنُ وَمِمَّا رَجَّحُوا فِيهِ مِلْكَ الْيَمِينِ أَنَّ " السَّيِّدَ يَبِيعُ " الْأَمَةَ مِمَّنْ بِهِ بَعْضُ عُيُوبِ النِّكَاحِ وَهَلْ لَهَا الِامْتِنَاعُ مِنْ تَمْكِينِهِ وَجْهَانِ ، قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : قُلْتُ قَالَ الْمُتَوَلِّي أَصَحُّهُمَا : " يَلْزَمُهَا " التَّمْكِينُ وَهَذَا بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ لَا يَلْزَمُهَا وَتَتَخَيَّرُ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ الْقَوْلُ بِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ أَقْوَى مِنْ مِلْكِ النِّكَاحِ وَلَا عَكْسُهُ بَلْ إنْ كَانَا مِنْ " جِهَتَيْنِ " كَمَا إذَا كَانَ يَطَأُ " أَمَةً " فَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا قَوِيَ مِلْكُ النِّكَاحِ عَلَى مِلْكِ الْيَمِينِ حَتَّى تَحْرُمَ الْمَمْلُوكَةُ ، وَإِنْ كَانَا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا لَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ قَوِيَ مِلْكُ الْيَمِينِ حَتَّى يَنْفَسِخَ النِّكَاحُ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ عَقْدَ النِّكَاحِ يُرَادُ بِهِ الْوَطْءُ وَتَوَابِعُهُ ، وَمِلْكُ الْيَمِينِ " قَدْ " يَكُونُ " لِلِاسْتِخْدَامِ " " وَغَيْرِهِ بِدَلِيلِ جَوَازِ شِرَاءِ أُخْتِهِ ، بِخِلَافِ عَقْدِ النِّكَاحِ عَلَيْهَا ، فَلَا جَرَمَ قَوِيَ " النِّكَاحُ " وَحَرُمَتْ الْمَمْلُوكَةُ " .
وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ أَقْوَى مِنْ مِلْكِ " النِّكَاحِ

" " إذْ " يُنْتَفَعُ بِالْبُضْعِ فَلِذَلِكَ قَوِيَ مِلْكُ الْيَمِينِ حَتَّى انْفَسَخَ النِّكَاحُ وَإِنَّمَا انْفَسَخَ لِلتَّنَافِي بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى دَارًا فِي إجَارَتِهِ .

التَّاسِعُ : الْمِلْكُ قِسْمَانِ : تَامٌّ وَضَعِيفٌ : فَالتَّامُّ يَسْتَتْبِعُ جَمِيعَ التَّصَرُّفَاتِ ، وَالضَّعِيفُ بِخِلَافِهِ ؛ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ لِضَعْفِ الْمِلْكِ وَإِنْ صَحَّ عِتْقُهُ وَالْمِلْكُ الضَّعِيفُ لَا يُبَاحُ فِيهِ الْوَطْءُ وَضَبَطَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْمَطْلَبِ فِي بَابِ الْخِيَارِ ، الْمِلْكَ الضَّعِيفَ بِمَا يَقْدِرُ الْغَيْرُ عَلَى إبْطَالِهِ قَبْلَ اسْتِقْرَارِهِ ، " قَالَ " : وَاحْتَرَزْت بِالْقَيْدِ الْأَخِيرِ عَنْ مِلْكِ الْمُتَّهَبِ مِنْ الْأَبِ فَإِنَّ الْأَبَ يَقْدِرُ عَلَى إبْطَالِهِ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْهِبَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ضَعِيفًا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَقَرَّ بِالْقَبْضِ وَجَازَ لِأَجْلِهِ وَطْءُ الِابْنِ " وَسَائِرُ " تَصَرُّفَاتِهِ ، قَالَ " صَاحِبُ مَيْدَانِ الْفُرْسَانِ " ، وَهَذَا الضَّابِطُ يُنْتَقَضُ بِمَا إذَا مَلَّكَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ " أَمَتَهُ " وَقُلْنَا بِالْقَدِيمِ ؛ فَإِنَّهُ يُبَاحُ " لَهُ " وَطْؤُهَا مَعَ أَنَّ الْمِلْكَ إذَا قُلْنَا بِثُبُوتِهِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ ، قُلْت : الْمِلْكُ هُنَا غَيْرُ نَاقِصٍ وَإِنَّمَا النَّاقِصُ " الْمَالِكُ " بِذَلِكَ " صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْوَقْفِ فَقَالَ : لَا يَجُوزُ وَطْءُ الْأَمَةِ الْمَوْقُوفَةِ لَا لِلْوَاقِفِ وَلَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ، وَإِنْ أَثْبَتْنَا لَهُمَا الْمِلْكَ ، لِأَنَّهُ مِلْكٌ نَاقِصٌ لَمْ يَحْدُثْ نُقْصَانُهُ بِوَطْءٍ سَابِقٍ فَلَا يُفِيدُ حِلُّ الْوَطْءِ ، قَالَ : وَيَخْرُجُ بِالْقَيْدِ الْمَذْكُورِ وَطْءُ أُمِّ الْوَلَدِ وَلَا يَلْزَمُ وَطْءُ الْعَبْدِ الْجَارِيَةَ الَّتِي مَلَّكَهَا السَّيِّدُ إيَّاهُ حَيْثُ يَجُوزُ عَلَى رَأْيٍ تَفْرِيعًا عَلَى الْقَدِيمِ ، لِأَنَّ الْمِلْكَ ثَمَّ غَيْرُ نَاقِصٍ ، وَإِنَّمَا النَّاقِصُ " الْمَالِكُ " فَهُوَ كَجَارِيَةِ الْمَجْنُونِ " يَطَؤُهَا " وَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهَا لِنُقْصَانِهِ انْتَهَى .
وَيَخْرُجُ مِنْهُ " الضَّابِطُ فِي ذَلِكَ وَمِنْ خَصَائِصِهِ أَيْضًا سُقُوطُهُ بِالْإِعْرَاضِ ، وَقَدْ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الزَّكَاةِ : إنَّ الْغَانِمِينَ إذَا لَمْ يَخْتَارُوا " التَّمَلُّكَ " فَلَا زَكَاةَ ؛ لِأَنَّ " الْغَنِيمَةَ " غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لَهُمْ

أَوْ مَمْلُوكَةً مِلْكًا فِي غَايَةِ الضَّعْفِ وَالْوَهَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَسْقُطُ بِمُجَرَّدِ الْإِعْرَاضِ .
انْتَهَى .
وَمِنْ الْأَمْلَاكِ الضَّعِيفَةِ : مِلْكُ الْمُكَاتَبِ ، وَلِهَذَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَلَا تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ قَرِيبِهِ وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِمِلْكِهِ وَلَا يَرِثُ وَلَا يُوَرَّثُ وَمِنْهَا : مِلْكُ الْعَبْدِ إذَا مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ وَقُلْنَا : يُمْلَكُ وَمِنْهَا : مِلْكُ الْغَرِيمِ مَا عَيَّنَهُ لَهُ الْقَاضِي وَلَمْ يَقْبِضْهُ فَقَدْ قَالَ فِي التَّتِمَّةِ " فِي الزَّكَاةِ : " لَا زَكَاةَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ ضَعِيفٌ بِتَسْلِيطِ الْحَاكِمِ " وَمِنْهَا " : مِلْكُ السَّيِّدِ عَلَى الْمُكَاتَبِ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ بَقَاءُ الْمِلْكِ وَلَوْ كَانَ أَمَةً امْتَنَعَ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا لِأَجْلِ مَا ثَبَتَ لَهُ فِي ذِمَّتِهَا وَهُوَ يُوجِبُ ضَعْفَ مِلْكِهِ .

الْعَاشِرُ : الْمِلْكُ يَنْقَسِمُ إلَى مُسْتَقِرٍّ وَغَيْرِهِ : فَالْمُسْتَقِرُّ : مَا لَا " يُحْتَمَلُ " السُّقُوطُ بِتَلَفِهِ أَوْ تَلَفِ مُقَابِلِهِ ، كَثَمَنِ الْمَبِيعِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَالصَّدَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ ، وَغَيْرِ الْمُسْتَقِرِّ بِخِلَافِهِ كَالْأُجْرَةِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ لِتَعَرُّضِ مِلْكِهَا " لِلسُّقُوطِ " بِانْهِدَامِ الدَّارِ ، بَلْ كُلَّمَا مَضَى زَمَنٌ مِنْ الْمُدَّةِ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ عَلَى مُقَابِلِهِ مِنْ الْأُجْرَةِ ، وَمِثْلُهُ الثَّمَنُ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ ، وَلِهَذَا لَوْ بَاعَ بِنِصَابٍ وَقَبَضَهُ وَلَمْ يَقْبِضْ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْبَائِعِ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ حَتَّى يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي فِي الْأَصَحِّ كَالْأُجْرَةِ ، فَإِنْ قِيلَ : الصَّدَاقُ أَيْضًا " يَتَعَرَّضُ " لِلسُّقُوطِ بِمَا هُوَ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ " وَهُوَ أَنْ يَفْسَخَهُ " بِعَيْبِهَا قِيلَ : الْمُؤَثِّرُ فِي اسْتِقْرَارِ الْعِوَضِ وَالْمُعَوِّضُ احْتِمَالُ سُقُوطِهِ " بِتَلَفِهِ " أَوْ تَلَفِ مُقَابِلِهِ لَا غَيْرُ بِدَلِيلِ أَنَّ احْتِمَالَ رَدِّ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ بِالْعَيْبِ لَا يَمْنَعُ اسْتِقْرَارَ الْمِلْكِ " فِيهِمَا وَكَذَلِكَ " الصَّدَاقُ .

الْحَادِيَ عَشَرَ : الْمِلْكُ غَيْرُ الْمُسْتَقِرِّ الْمُتَعَقَّبُ بِالزَّوَالِ لَا يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْمِلْكِ الْمُسْتَقِرِّ وَمِنْ ثَمَّ إذَا " عَتَقَ " الْمَرِيضُ مِنْ مَالِهِ عَبْدًا " فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ قَطْعًا ، وَلَوْ وَهَبَ لَهُ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ أَوْ وَصَّى لَهُ بِهِ فَقَبِلَ الْوَصِيَّةَ " فَإِنَّهُ يُعْتَقُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ عَلَى الْمُرَجَّحِ خِلَافًا لِمَنْ صَحَّحَ " خِلَافَ " ذَلِكَ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ مِلْكًا مُسْتَقِرًّا فَلَا يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْمُسْتَقِرِّ وَمِنْ ذَلِكَ يَصِحُّ شِرَاءُ الْكَافِرِ " الْعَبْدَ " الْمُسْلِمَ إذَا كَانَ يُعْتَقُ عَلَيْهِ ، وَلَوْ أَصْدَقَ عَنْ ابْنِهِ أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَهَلْ يَفْسُدُ الْمُسَمَّى لِأَنَّهُ " يَقْتَضِي " دُخُولَهُ فِي مِلْكِ الِابْنِ ثُمَّ يَكُونُ " مُتَبَرِّعًا بِالزِّيَادَةِ أَوْ يَصِحُّ وَتَسْتَحِقُّهُ الْمَرْأَةُ لِأَنَّ مِلْكَ الِابْنِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ وَجْهَانِ وَأَيَّدَ الرَّافِعِيُّ الْأَوَّلَ " الثَّانِيَ عَشَرَ " : " قَالَ الْقَاضِي صَدْرُ الدِّينِ الْجَزَرِيُّ فِي فَتَاوِيهِ " .

الْمُوَالَاةُ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ مُسْتَحَبَّةٌ عَلَى الْأَصَحِّ إلَّا فِي صُورَةٍ وَهِيَ " وُضُوءُ " دَائِمِ الْحَدَثِ فَتَجِبُ وَالْمُوَالَاةُ بَيْنَ " أَشْوَاطِ " الطَّوَافِ وَبَيْنَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ كَذَلِكَ وَبَيْنَ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ لَا يُبْطِلُهُ الْكَلَامُ الْيَسِيرُ فِي الْأَصَحِّ ، وَالْجَدِيدُ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ الْمُوَالَاةُ مُسْتَحَبَّةٌ بِخِلَافِ الْجَمْعِ فِي وَقْتِ الْأُولَى فَإِنَّ الْمُوَالَاةَ شَرْطٌ وَالْمُوَالَاةُ فِي سُنَّةِ التَّعْرِيفِ فِي اللُّقَطَةِ عَلَى الْأَصَحِّ .
وَمِمَّا تَجِبُ فِيهِ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ كَلِمَاتِ الْفَاتِحَةِ وَكَذَا بَيْنَ كَلِمَاتِ التَّشَهُّدِ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَهُوَ قِيَاسُ الْفَاتِحَةِ ، وَالْمُوَالَاةُ بَيْنَ الْأَيْمَانِ " فِي اللِّعَانِ " عَلَى الْأَصَحِّ بِخِلَافِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَ أَيْمَانِ الْقَسَامَةِ ، وَقَدْ أَشَارَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْقَسَامَةِ إلَى فَرْقٍ فِيهِ نَظَرٌ ، وَالْمُوَالَاةُ فِي سُنَّةِ التَّغْرِيبِ فِي حَدِّ الزِّنَى فَلَوْ رَجَعَ إلَى الْبَلَدِ الَّذِي غُرِّبَ مِنْهُ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ اُسْتُؤْنِفَتْ " لِيَتَوَالَى " الْإِيحَاشُ ، وَالْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ فِي الْبَيْعِ ، وَلِهَذَا يَقْطَعُهُ الْفَصْلُ الطَّوِيلُ ، وَالْمُوَالَاةُ فِي رَدِّ السَّلَامِ وَمِنْهَا الْمُوَالَاةُ فِي الرَّضَعَاتِ الْخَمْسِ ، وَكَذَلِكَ فِي الْحَلِفِ لَا يَأْكُلُ إلَّا أَكْلَةً وَاحِدَةً فَأَكَلَ مُتَوَاصِلًا وَنَظَائِرُهُ ، وَالضَّابِطُ أَنَّهَا إمَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ " اثْنَيْنِ " أَوْ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ وَذَلِكَ إمَّا فِي الْأَقْوَالِ " أَوْ " " فِي " الْأَفْعَالِ .
قَالَ الْإِمَامُ وَالِاتِّصَالُ الْمُعْتَبَرُ فِي الشَّخْصَيْنِ أَوْسَعُ مِنْهُ فِي الْوَاحِدِ كَالْمُوَالَاةِ بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ فِي كَلَامِ " شَخْصَيْنِ " مَا لَا يُحْتَمَلُ بَيْنَ أَبْعَاضِ كَلَامٍ وَاحِدٍ .

النَّادِرُ هَلْ يُلْحَقُ بِالْغَالِبِ هُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : مَا يُلْحَقُ قَطْعًا كَمَنْ خُلِقَتْ بِلَا بَكَارَةٍ دَاخِلَةٌ فِي حُكْمِ الْأَبْكَارِ قَطْعًا فِي الِاسْتِئْذَانِ ، وَكَمَا إذَا خُلِقَ لَهُ وَجْهَانِ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ الزَّائِدُ يَجِبُ غَسْلُهُمَا قَطْعًا .
وَكَذَلِكَ إلْحَاقُ الْوَلَدِ بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ فَإِنَّ بَقَاءَهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ ، كَذَلِكَ نَادِرٌ جِدًّا فَأَلْحَقُوهُ بِالْغَالِبِ وَكَذَلِكَ إذَا أَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَحْظَتَيْنِ " مِنْ " زَمَنِ الْوَطْءِ لَحِقَهُ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ نَادِرٌ جِدًّا " وَلَكِنَّ " الشَّارِعَ أَعْمَلَ النَّادِرَ فِي هَذِهِ " الصُّوَرِ " سِتْرًا لِلْعِبَادِ " الثَّانِي " : مَا لَا يُلْحَقُ قَطْعًا .
كَالْإِصْبَعِ " الزَّائِدَةٍ " لَا تُلْحَقُ بِالْأَصْلِيَّةِ فِي حُكْمِ الدِّيَةِ قَطْعًا وَنِكَاحِ مَنْ بِالْمَشْرِقِ مَغْرِبِيَّةً لَا يَلْحَقُهُ الْوَلَدُ .
كَنَقْضِ الْوُضُوء بِمَسِّ الذَّكَرِ الْمَقْطُوعِ إلْحَاقًا بِالْغَالِبِ الْمُتَّصِلِ ، وَقِيلَ : لَا ؛ " لِلنُّدْرَةِ " بِخِلَافِ مَسِّ الْعُضْوِ الْمُبَانِ مِنْ الْمَرْأَةِ لَا يَنْقُضُ وَكَالنَّقْضِ بِخُرُوجِ النَّادِرِ مِنْ الْفَرْجِ وَجَوَازِ الْحَجَرِ " مِنْ " الْمَذْيِ وَالْوَدْيِ وَنَحْوِهِمَا ، وَكَذَا دَمُ الْبَرَاغِيثِ يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ قَطْعًا ، وَكَذَا كَثِيرَةُ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّ هَذَا الْجِنْسَ يُشَقُّ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فِي الْغَالِبِ فَأُلْحِقَ نَادِرُهُ بِغَالِبِهِ وَكَذَا لَوْ طَالَ مُدَّةُ اجْتِمَاعِ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَيَّامًا وَأَشْهُرًا وَهُوَ نَادِرٌ فَالْمَذْهَبُ بَقَاءُ خِيَارِهِمَا إذَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَقِيلَ : لَا يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَالْغَالِبِ الرَّابِعُ : مَا لَا يُلْحَقُ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ فِي الْأَصَحِّ وَلَوْ رَاجَتْ الْفُلُوسُ رَوَاجَ النُّقُودِ فَهَلْ تُعْطَى حُكْمُهَا فِي بَابِ الرِّبَا ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا اعْتِبَارَ بِالْغَالِبِ .

النَّادِرُ إذَا لَمْ يَدُمْ يَقْتَضِي الْقَضَاءَ كَالْمَرْبُوطِ عَلَى خَشَبَةٍ يُصَلِّي وَيُعِيدُ ، وَالْمُشْتَبَهُ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ فِي سَفَرِهِ إلَّا فِي صُورَةٍ وَهِيَ الصَّلَاةُ " فِي حَالِ الْمُسَايَفَةِ " أَرْكَانُهَا " مُخْتَلَّةٌ " وَلَا قَضَاءَ وَهِيَ " عَلَى " خِلَافِ الْقَاعِدَةِ " إذْ هُوَ نَادِرٌ لَا يَدُومُ " وَلَا بَدَلَ " فِيهِ " وَلَكِنَّهُ رُخْصَةٌ مُتَلَقَّاةٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى { فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا } .

النَّادِرُ إذَا دَامَ يُعْطَى حُكْمَ الْغَالِبِ كَمَا فِي الْمُسْتَحَاضَةِ غَيْرِ الْمُتَحَيِّرَةِ لَا تَقْضِي الصَّلَاةَ مَعَ الْحَدَثِ ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ نَادِرًا إلَّا أَنَّهُ يَدُومُ ، وَيَجُوزُ الْقَصْرُ فِي السَّفَرِ وَإِنْ لَمْ تَلْحَقْ الْمُسَافِرَ مَشَقَّةٌ وَمِنْهُ " أَثَرُ " دَمِ الْبَرَاغِيثِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ يَدُومُ ، وَيُسْتَثْنَى صُوَرٌ : إحْدَاهَا : الشُّعُورُ الَّتِي فِي الْوَجْهِ يَجِبُ غَسْلُهَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَإِنْ كَثُفَتْ وَكَثَافَتُهَا وَإِنْ كَانَتْ نَادِرَةً إلَّا أَنَّهَا إذَا وَقَعَتْ دَامَتْ وَلَمْ يُلْحِقُوهَا بِالْغَالِبِ حَتَّى يَكْفِيَ غَسْلُ الظَّاهِرِ .
الثَّانِيَةُ : فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ مِنْ الِاسْتِحَاضَةِ قَوْلَانِ كَالْمَذْيِ ؛ لِأَنَّهَا نَادِرَةٌ كَذَا .
" قَالَ " النَّوَوِيُّ ، وَاسْتُشْكِلَ الْخِلَافُ ؛ لِأَنَّهَا تَدُومُ وَالنَّادِرُ إذَا دَامَ الْتَحَقَ بِالْغَالِبِ وَكَانَ يَنْبَغِي الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ .
الثَّالِثَةُ " : دَمُ الْبَوَاسِيرِ نَادِرٌ وَإِذَا وَقَعَ دَامَ وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ حَتَّى يَجُوزَ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْهُ بِالْحَجَرِ فِي الْأَظْهَرِ .
الرَّابِعَةُ : إذَا انْفَتَحَ مَخْرَجٌ آخَرُ لِلْإِنْسَانِ وَنَقَضْنَا " بِالْخَارِجِ " مِنْهُ فَهَلْ يُجْزِئُ فِيهِ الْحَجَرُ ؟ " وَجْهَانِ " أَصَحُّهُمَا لَا ؛ لِأَنَّهُ نَادِرٌ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْحَجَرِ خَارِجٌ عَنْ الْقِيَاسِ فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى السَّبِيلَيْنِ هَذَا مَعَ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ دَامَ .
فَائِدَةٌ : قَدْ يُسْتَشْكَلُ " عِنْدَهُمْ " لِحْيَةُ الْمَرْأَةِ مِنْ النَّادِرِ وَأَنَّهُ لَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى ذُكُورَةِ الْخُنْثَى بِقَوْلِهِمْ فِي بَابِ الْوُضُوءِ يَجِبُ غَسْلُ مَا تَحْتَهَا وَإِنْ كَثُفَ الشَّعْرُ عَلَيْهَا وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمَعْدُودَ نَادِرًا هُوَ كَثَافَتُهَا لَا أَصْلُ نَبَاتِهَا " وَلِذَلِكَ لَمْ تُعَامَلْ مُعَامَلَةَ مَا كَثُفَ " مِنْ لِحْيَةِ الرَّجُلِ حَتَّى يَجِبَ غَسْلُ مَا تَحْتَهَا .

النَّادِرُ هَلْ يُعْتَبَرُ بِنَفْسِهِ أَمْ يَلْحَقُ بِجِنْسِهِ فِيهِ " خِلَافٌ " فَقِيلَ ( تُنَاطُ الْأَحْكَامُ بِأَسْبَابِهَا ) وَفِي كُلِّ فَرْدٍ وَقِيلَ " اسْتِقْرَاءُ الْآحَادِ يَتَعَسَّرُ فِيهِ فَيُعْتَبَرُ " الْغَالِبُ وَيَجْرِي حُكْمُهُ عَلَى مَا شَذَّ ، قَالَ " الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ الْفَزَارِيّ " وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْفُقَهَاءِ : النَّادِرُ لَا حُكْمَ لَهُ وَأَصْلُ الْخِلَافِ مَا لَوْ نَدَرَ الْخَارِجَ هَلْ يَجُوزُ فِيهِ الْحَجَرُ وَالْخِلَافُ فِي الْخَارِجِ " الْمُعْتَادُ " مِنْ الْمَخْرَجِ الْمُعْتَادِ يَجْرِي مِثْلُهُ فِي " الْخَارِجِ " الْمُعْتَادِ مِنْ الْمَخْرَجِ النَّادِرِ ، وَذَلِكَ فِيمَا إذَا انْفَتَحَ لَهُ مَخْرَجٌ وَخَرَجَ مِنْهُ الْفَضْلَةُ .
" وَلَوْ وَلَدَتْ بِلَا دَمٍ وَلَا رُطُوبَةٍ فَإِنَّهُ مِنْ النَّادِرِ الَّذِي لَا يَكَادُ يَقَعُ وَفِيهِ خِلَافٌ ، مَأْخَذُهُ هَذَا الْأَصْلُ .
قَالَ صَاحِبُ الْإِقْلِيدِ وَقَدْ أُعْضِلَ التَّعْلِيلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَنْ خَفِيَ عَنْهُ مَأْخَذُ وُجُوبِ الْغَسْلِ بِمَا ذَكَرْنَا " .

النَّائِمُ يُعْطَى حُكْمَ الْمُسْتَيْقِظِ فِي صُوَرٍ : إحْدَاهَا : فِي بَقَائِهِ عَلَى الْوِلَايَةِ بِخِلَافِ الْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ ثَانِيَتُهَا " صِحَّةُ وُقُوفِهِ " أَيْ بِعَرَفَةَ " " ثَالِثَتُهَا " : صِحَّةُ صَوْمِهِ وَلَوْ اسْتَغْرَقَ جَمِيعَ النَّهَارِ خِلَافًا لِلْإِصْطَخْرِيِّ وَادَّعَى الْمُزَنِيّ الْإِجْمَاعَ عَلَى الصِّحَّةِ .
" رَابِعَتُهَا " أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ قَضَاءُ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْإِغْمَاءِ وَلَوْ رَأَى نَائِمًا أَوْ " مَنْ " يُرِيدُ النَّوْمَ وَقَدْ جَاءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلِمَهُ بِهِ " كَيْ لَا " يَفُوتَهُ " بِالنَّوْمِ " فَإِنْ لَمْ يُعْلِمْهُ حَتَّى نَامَ فَخَرَجَ الْوَقْتُ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَفُوتُهُ " بِالنَّوْمِ " وَيُمْكِنُ " قَضَاؤُهَا إذَا انْتَبَهَ ، قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ " وَكَأَنَّهُ " أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهَا لَا تَفُوتُهُ فَوَاتًا يَأْثَمُ بِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَفْرِيطَ فِي النَّوْمِ إنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ } .
وَقَالَ النَّوَوِيُّ : إذَا نَامَ قَبْلَ الْوَقْتِ " وَاسْتَمَرَّ " حَتَّى خَافَ خُرُوجَهُ " اُسْتُحِبَّ " " إيقَاظُهُ " وَسَكَتَ عَمَّا لَوْ نَامَ بَعْدَهُ وَاسْتَمَرَّ ، وَالْقِيَاسُ وُجُوبُهُ ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ : لَا يَجِبُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُكَلَّفٍ بِهَا ، وَأَمَّا النَّوْمُ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَنْتَبِهُ قَبْلَ خُرُوجِهِ .

النَّجَاسَةُ يَتَعَلَّقُ بِهَا مَبَاحِثُ الْأَوَّلُ : فِي حَقِيقَتِهَا قَالَ الْمُتَوَلِّي " هِيَ " كُلُّ عَيْنٍ حَرُمَ تَنَاوُلُهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ مَعَ إمْكَانِ التَّنَاوُلِ لَا لِحُرْمَتِهَا ، زَادَ النَّوَوِيُّ : وَاسْتِقْذَارُهَا وَضَرَرُهَا فِي بَدَنٍ أَوْ عَقْلٍ فَخَرَجَ بِالْإِطْلَاقِ السُّمُّ إذْ يُبَاحُ قَلِيلُهُ الَّذِي لَا يَضُرُّ " وَبِالْإِمْكَانِ الْحَجَرُ وَنَحْوُهُ ، وَبِعَدَمِ الْحُرْمَةِ الْآدَمِيُّ ، وَبِالِاسْتِقْذَارِ الْمُخَاطُ وَالْمَنِيُّ وَنَحْوُهُمَا ، وَبِتَضَرُّرِ الْبَدَنِ وَالْعَقْلِ التُّرَابُ وَالْحَشِيشُ الْمُسْكِرُ .
وَزَادَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ الْإِطْلَاقِ : فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ فَإِنَّ الضَّرُورَةَ لَا تَحْرِيمَ مَعَهَا وَأُسْقِطَ قَيْدُ الْإِمْكَانِ ؛ لِأَنَّ مَا لَا يُمْكِنُ تَنَاوُلُهُ لَا يُوصَفُ بِحِلٍّ وَلَا حُرْمَةٍ فَلَا يُحْتَرَزُ عَنْهُ .
" وَاعْلَمْ " أَنَّ هَذَا حَدٌّ لِلنَّجِسِ لَا لِلنَّجَاسَةِ فَإِنَّ النَّجَاسَةَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَكَيْفَ تُفَسَّرُ بِالْأَعْيَانِ ، وَقَالَ صَاحِبُ الْإِقْلِيدِ " رَسَمُوهَا " بِحُكْمِهَا الَّذِي لَا يُعْرَفُ إلَّا بَعْدَ " مَعْرِفَتِهَا لِكُلِّ " عَيْنٍ حَرُمَتْ لَا لِمَضَرَّتِهَا وَلَا تَعَلَّقَ حَقُّ الْغَيْرِ بِهَا أَوْ كُلُّ مَا يَبْطُلُ بِمُلَاقَاتِهِ الصَّلَاةَ .
الثَّانِي : الْمَشْهُورُ أَنَّهَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ مُغَلَّظَةٌ وَمُخَفَّفَةٌ وَمُتَوَسِّطَةٌ .
وَجَعَلَهَا الْمُتَوَلِّي قِسْمَيْنِ وَجَعَلَ مَا عَدَا نَجَاسَةَ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ مُخَفَّفَةً " كَالْبَوْلِ وَالْخَمْرِ " وَهُوَ حَسَنٌ ؛ لِأَنَّهُ خَفَّفَ فِي الْبَوْلِ مِنْ سَبْعَةٍ إلَى " وَاحِدٍ " .

" الثَّالِثُ " : فِي " وُجُوبِ " النِّيَّةِ فِيهَا وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا لَا تَجِبُ ، وَقِيلَ : تَجِبُ ، وَفِي ثَالِثٍ تُعْتَبَرُ فِي الْبَدَنِ دُونَ الثَّوْبِ لِوُجُوبِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ عَنْ الْبَدَنِ لِلصَّلَاةِ بِخِلَافِ الثَّوْبِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي غَيْرِهِ حَكَاهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَقَدْ اشْتَهَرَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ الْقَائِلُ بِالْوُجُوبِ وَحَكَاهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ عَنْ الصُّعْلُوكِيِّ .
وَقَالَ الْإِمَامُ فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الْمَاءَ نَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ " أَنَّهُ يَشْتَرِطُ النِّيَّةَ وَهَذَا غَلَطٌ صَرِيحٌ ، وَأَوْضَحَ الْإِمَامُ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " مَذْهَبَ ابْنِ سُرَيْجٍ " فَإِنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الرِّيحَ لَوْ أَلْقَتْ ثَوْبًا نَجِسًا فِي " أَجَانَةٍ " فِيهَا مَاءٌ تَنَجَّسَ الْمَاءُ وَلَمْ يَطْهُرْ الثَّوْبُ ، وَلَوْ " طَرَحَهُ " الْغَاسِلُ فِيهَا عَلَى قَصْدِ الْإِزَالَةِ حَصَلَتْ الْإِزَالَةُ وَلَمْ يَنْجُسْ الْمَاءُ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَظَاهِرُ الْمَنْقُولِ عَنْهُ أَنَّ الْمَاءَ لَوْ انْصَبَّ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ عَلَى ثَوْبِ الْمُتَنَجِّسِ وَكَانَ يَنْحَدِرُ مِنْهُ وَدَفْعُ الْمَاءِ " يَتَوَالَى " حَتَّى زَالَتْ النَّجَاسَةُ طَهُرَ الثَّوْبُ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ " قَاصِدٍ " وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْقَصْدِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى لَمْ " يُعْدَمْ " فِيهِ مُخَالِفًا مِنْ الْأَصْحَابِ فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : الْغَرَضُ زَوَالُ النَّجَاسَةِ بِالْمَاءِ فَلَا أَثَرَ لِلْقَصْدِ .

الرَّابِعُ " : فِي وُجُوبِ إزَالَتِهَا وَلَا شَكَّ فِيهِ إلَّا فِي صُوَرٍ : مِنْهَا : إذَا خَافَ مِنْ غَسْلِهَا التَّلَفَ لَا يَجِبُ بَلْ يَحْرُمُ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَاقْتَضَى كَلَامُهُ نَفْيَ الْخِلَافِ فِيهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ تَقْصِيرٌ فِي تِلْكَ النَّجَاسَةِ فَإِنْ كَانَ فَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ وَصَلَ عَظْمُهُ بِنَجِسٍ ثُمَّ خَافَ مِنْ نَزْعِهِ التَّلَفَ وَفِيهِ وَجْهَانِ : أَصَحُّهُمَا " أَنَّهُ لَا يَجِبُ " .

" الْخَامِسُ " : فِي أَنَّهُ هَلْ تَجِبُ إزَالَتُهَا عَلَى الْفَوْرِ أَمْ لَا ؟ .
وَالضَّابِطُ أَنَّ مِنْ النَّجَاسَةِ " مَا يُعْصَى " بِالتَّلْطِيخِ بِهِ فَيَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ لِوُجُودِ الْمَعْصِيَةِ بِالْفِعْلِ وَلَا يَجِيءُ فِيهِ خِلَافٌ فِيمَا إذَا أَخَّرَ الْفَائِتَةَ " بِغَيْرِ " عُذْرٍ هَلْ يَجِبُ قَضَاؤُهَا عَلَى الْفَوْرِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ هُنَاكَ انْتَهَى أَمْرُهَا بِالتَّفْوِيتِ " وَإِنَّمَا لَمْ " يَعْصِ بِإِصَابَتِهِ نَحْوَ الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ أَوْ خَرَجَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ أَوْ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ مِنْ غَيْرِ " قَصْدٍ " ؟ فَالْأَصْلُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ " عَلَى " الْفَوْرِ لِعَدَمِ الْمُقْتَضِي لِذَلِكَ ، وَقِيلَ : تَجِبُ فِي صُوَرٍ : مِنْهَا : إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ فَتَجِبُ الْإِزَالَةُ مِنْ أَجْلِ الصَّلَاةِ ، وَكَذَا الطَّوَافُ وَنَحْوُهُ مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَى الطَّهَارَةِ .
وَمِنْهَا : إذَا أَرَادَ مَسَّ الْمُصْحَفِ بِغَيْرِ الْمَوْضِعِ النَّجِسِ وَقُلْنَا : مُحَرَّمٌ كَمَا هُوَ رَأْيُ الصَّيْمَرِيِّ .
وَمِنْهَا : إذَا أَرَادَ دُخُولَ الْمَسْجِدِ بِرِجْلِهِ الْمُلَوَّثَةِ بِالنَّجَاسَةِ " .
وَمِنْهَا : إذَا أَرَادَ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ بِفَمِهِ الْمُلَوَّثِ بِالنَّجَاسَةِ وَقُلْنَا : يَحْرُمُ كَمَا هُوَ الرَّاجِحُ وَإِنْ كَانَ النَّوَوِيُّ رَجَّحَ عَدَمَ التَّحْرِيمِ .

" السَّادِسُ " : النَّجَاسَةُ لَا " تَتَعَدَّى " مَحَلَّهَا وَهَذَا مِمَّا يُخَالِفُ فِيهِ النَّجِسُ الْحَدَثَ وَمِنْ فُرُوعِهِ أَنَّ الْمُتَوَضِّئَ لَوْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ فَمَسَّ الْمُصْحَفَ بِغَيْرِ مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ " جَازَ .
وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ : لَا يَجُوزُ كَمَا لَا يَجُوزُ لِلْمُحْدِثِ مَسُّهُ بِغَيْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَإِنْ كَانَتْ الطَّهَارَةُ تَجِبُ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَكَذَلِكَ هُنَا ، قَالَ فِي الذَّخَائِرِ : وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَدَثِ يَتَعَدَّى وَحُكْمَ النَّجَاسَةِ لَا يَتَعَدَّى مَحَلَّهَا ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُحْدِثَ يُؤْمَرُ بِالْوُضُوءِ فِي الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَهِيَ غَيْرُ مَحَلِّ الْحَدَثِ وَلَوْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ لَمْ يُؤْمَرْ بِتَطْهِيرِ غَيْرِ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ فَافْتَرَقَا .
وَمِنْهَا : لَوْ صَبَّ الْمَاءَ عَلَى مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ " مِنْ ثَوْبٍ " فَانْتَشَرَتْ " الرُّطُوبَةُ فِي الثَّوْبِ لَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَةِ مَوْضِعِ الرُّطُوبَةِ ، نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ .
وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُهُ مَا إذَا انْتَشَرَتْ وَهُوَ غَيْرُ مُتَغَيِّرٍ فَإِنْ تَغَيَّرَ فَنَجِسٌ وَمِنْهَا الْمَاءُ الَّذِي يُصَبُّ عَلَى النَّجَاسَةِ مِنْ إبْرِيقٍ وَنَحْوِهِ وَإِنْ اتَّصَلَ بِالنَّجَاسَةِ ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تَنْعَطِفُ عَلَيْهِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، قَالَ الْإِمَامُ فِي كِتَابِ الصَّيْدِ : الْمَاءُ الْمُتَصَعِّدُ مِنْ فَوَّارَةٍ " إذَا " وَقَعَتْ نَجَاسَةٌ عَلَى أَعْلَاهُ لَا يَتَنَجَّسُ بَاطِنُهُ وَنَحْوُهُ " ذَكَرَهُ " الْقَاضِي فِي فَتَاوِيهِ فَقَالَ : لَوْ كَانَ " كُوزٌ " " فَفَرَّ " الْمَاءُ مِنْ أَسْفَلِهِ عَلَى نَجَاسَةٍ لَا يَنْجُسُ الْمَاءُ " الَّذِي فِيهِ " ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ الْمَاءِ يَمْنَعُ انْعِطَافَ النَّجَاسَةِ وَفِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ قَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ .
" تَنْبِيهٌ " : يُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْأَصْلِ صُورَةُ التَّبَاعُدِ فَإِنَّهُ يَجِبُ التَّبَاعُدُ عَنْهَا بِقَدْرِ قُلَّتَيْنِ عَلَى الْقَدِيمِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى .

" السَّابِعُ " : يَحْرُمُ تَنَاوُلُهُ عَلَى الْمُكَلَّفِ إلَّا فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ ، قَالَ الصَّيْمَرِيُّ : لَا بَأْسَ أَنْ يَسْقِيَ الْحَيَوَانَ الْمَاءَ النَّجِسَ لَا سِيَّمَا مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَأَنْ " يَصُبَّهُ " فِي أُصُولِ النَّخْلِ وَالْغَرْسِ أَمَّا مُجَرَّدُ الذَّوْقِ " لِاسْتِكْشَافِهِ " عِنْدَ الِاجْتِهَادِ فِيهِ وَنَحْوُهُ فَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ يَقْتَضِي الْمَنْعَ " مِنْهُ " ؛ لِأَنَّهُ قَالَ : فَإِنْ بَقِيَ طَعْمٌ لَمْ يَظْهَرْ ، " ؛ لِأَنَّهُ سَهْلُ الْإِزَالَةِ " قَالَ : وَيَظْهَرُ تَصْوِيرُهُ بِمَا إذَا دَمِيَتْ لِثَتُهُ أَوْ تَنَجَّسَ " فَمُهُ " بِنَجَاسَةٍ أُخْرَى فَغَسَلَهُ فَهُوَ غَيْرُ طَاهِرٍ مَا دَامَ يَجِدُ طَعْمَهُ فِيهِ انْتَهَى .
وَهَذَا التَّصْوِيرُ يُشْعِرُ بِامْتِنَاعِ اخْتِبَارِ " مَحَلِّ " النَّجَاسَةِ بِالذَّوْقِ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ صَاحِبَ الْبَيَانِ قَالَ فِي الْمُجْتَهِدِ فِي الْأَوَانِي : يَجُوزُ الِاخْتِبَارُ بِالذَّوْقِ .
" وَالْجَوَابُ " أَنَّ هُنَاكَ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ شَيْءٌ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ هُنَا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى " الظَّنِّ بَقَاءُ النَّجَاسَةِ فَلِهَذَا يَمْتَنِعُ وَحِينَئِذٍ فَإِذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ زَوَالُهَا لَا يَمْتَنِعُ اخْتِبَارُ الْمَحَلِّ لِوُجُودِ غَلَبَةِ الظَّنِّ وَيُنَزَّلُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ عَلَى هَذَا ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي التَّبْصِرَةِ أَنَّهُ إذَا غَسَلَ فَمَهُ النَّجِسَ فَلْيُبَالِغْ فِي الْغَرْغَرَةِ لِيَغْسِلَ " كُلَّ مَا " هُوَ فِي حَدِّ الظَّاهِرِ وَلَا " يَبْتَلِعَ " طَعَامًا وَلَا شَرَابًا قَبْلَ غَسْلِهِ لِئَلَّا يَكُونَ أَكَلَ نَجِسًا أَوْ شَرِبَ نَجِسًا .
انْتَهَى .
وَهُوَ فَرْعٌ حَسَنٌ يُغْفَلُ عَنْهُ .

" الثَّامِنُ " : إنْ تَنَاوَلَهُ فَعَلَيْهِ إلْقَاؤُهُ نَصَّ عَلَيْهِ " الْإِمَامُ " الشَّافِعِيُّ " رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ " فَقَالَ فِي الْبُوَيْطِيِّ فِي بَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ : فَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى أَكْلِ مُحَرَّمٍ فَعَلَيْهِ إلْقَاؤُهُ بِأَنْ يَتَقَيَّأَهُ ، " وَقَالَ الْإِمَامُ " وَإِنْ أُسِرَ رَجُلٌ فَحُمِلَ عَلَى شُرْبِ خَمْرٍ أَوْ أَكْلِ مُحَرَّمٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَقَيَّأَهُ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ انْتَهَى .
وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْوُجُوبُ فِي غَيْرِ الْمَعْذُورِ مِنْ بَابٍ أَوْلَى فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْخَمْرِ وَغَيْرِهَا وَلَمْ يَقِفْ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى نَصِّهِ فِي غَيْرِ الْخَمْرِ فَقَالَ : نَصَّ الشَّافِعِيُّ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " " عَلَى " أَنَّ مَنْ شَرِبَ خَمْرًا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَقَيَّأَهَا " فَيُحْتَمَلُ " أَنَّهُ إنَّمَا " أَوْجَبَ " الِاسْتِقَاءَةَ لِخَوْفِ السُّكْرِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لِلنَّجَاسَةِ وَبَنَى عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ مَا لَوْ أَكَلَ نَجِسًا هَلْ يَجِبُ قَذْفُهُ إنْ " عَلَّلْنَا " بِالنَّجَاسَةِ وَجَبَ أَوْ بِالْإِسْكَارِ فَلَا ، وَهَذَا الْبَحْثُ غَيْرُ وَاقِعٍ فِي مَحَلِّهِ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ فِي وُجُوبِ التَّقَيُّؤِ وَجْهَانِ صَحَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الِاسْتِحْبَابَ ، وَالْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ الْوُجُوبُ وَعَلَى مُقْتَضَاهُ جَرَى الْأَصْحَابُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ قَالَ : وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَعْذُورِ فِي الشُّرْبِ وَغَيْرِهِ وَغَيْرُ الْمَعْذُورِ يَلْزَمُهُ مِنْ بَابٍ أَوْلَى .
قُلْت : نَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمِنْهَاجِ عَدَمَ الْوُجُوبِ عَنْ " صَاحِبِ الْإِيضَاحِ " ؛ لِأَنَّهَا نَجَاسَةٌ حَصَلَتْ فِي " مَعْدِنِهَا " فَأَشْبَهَ الطَّعَامَ الَّذِي فِي الْمَعِدَةِ .
ثُمَّ قَالَ : وَهَذَا " بِخِلَافِ " النَّصِّ وَلِأَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِمَا " قَالَ " الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ إذَا أَدْخَلَ دَمًا تَحْتَ الْجِلْدِ وَثَبَتَ يَجِبُ إخْرَاجُهُ مَعَ أَنَّ مَا تَحْتَ الْجِلْدِ مَوْضِعُ الدَّمِ وَمَعْدِنُ النَّجَاسَةِ انْتَهَى ، وَنَقَلَ فِي التَّتِمَّةِ الْوُجُوبَ عَنْ النَّصِّ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ

التَّعَدِّيَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالِاسْتِدَامَةِ فَإِذَا كَانَ ابْتِدَاءُ تَنَاوُلِهِ مُحَرَّمًا كَانَ اسْتِدَامَتُهُ لِتَكَامُلِ الِانْتِفَاعِ بِهِ أَيْضًا " مُحَرَّمًا " وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ فِي غَيْرِ الْخَمْرِ أَمَّا الْخَمْرُ فَيَجِبُ قَذْفُهَا بِلَا خِلَافٍ إنْ خِيفَ مِنْهَا السُّكْرُ لَوْ تَرَكَهَا فِي جَوْفِهِ ، فَإِنْ شَرِبَ مِنْهَا قَدْرًا لَا يُسْكِرُ " فَهَذَا " هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْخِلَافُ .
وَيُحْمَلُ " أَيْضًا كَلَامُ " الشَّافِعِيِّ فِي الشُّرْبِ عَلَى مَا إذَا " كَانَ " السُّكْرُ يَخْرُجُ بِهِ وَقْتُ صَلَاةٍ أَوْ صَلَوَاتٍ كَمَا إذَا كَانَ مِنْ عَادَةِ شَخْصٍ إذَا شَرِبَ الْخَمْرَ بُكْرَةً لَا يَصْحُو " إلَّا " إلَى عَشِيَّةٍ وَصَارَ نَظِيرُ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّهَادَاتِ أَنَّ مَنْ عَادَتُهُ " إذَا لَعِبَ " بِالشِّطْرَنْجِ يَنْسَى الصَّلَاةَ أَنَّهُ يَعْصِي بِالنِّسْيَانِ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ لَوْ شَرِبَهُ زَالَ عَنْهُ " قَبْلَ فَوَاتِ الصَّلَاةِ فَلَا يَجِبُ " ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفَوِّتُ حَقًّا وَيُحْمَلُ كَلَامُ مَنْ اسْتَحَبَّهُ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ وَقَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّ مَنْ أَكَلَ حَرَامًا لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَقَيَّأَهُ ، وَأَجَابَ عَنْ تَقَيُّؤِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا قِيلَ " لَهُ " : إنَّ " اللَّبَنَ " مِنْ الصَّدَقَةِ لِيُعْلِمَ النَّاسَ تَحْرِيمَهَا عَلَى الْإِمَامِ ، وَأَنَّ مَنْ أَخَذَ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ مِنْ مَغْصُوبٍ وَغَيْرِهِ فَبَقِيَ فِي يَدِهِ لَمْ يَمْلِكْهُ بِخِلَافِ مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ " وَكَيْلَا " يَسْتَدِيمَ " الِاغْتِذَاءُ " وَالِانْتِفَاعُ بِالْحَرَامِ .

التَّاسِعُ " : النَّجَاسَةُ مَا دَامَتْ فِي الْبَاطِنِ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهَا بِحُكْمِ النَّجَاسَةِ فِي إبْطَالِ الصَّلَاةِ ، وَلِهَذَا لَوْ حَمَلَ الْمُصَلِّي حَيَوَانًا طَاهِرًا حَيًّا وَصَلَّى صَحَّتْ صَلَاتُهُ ، وَكَذَلِكَ لَا حُكْمَ لَهَا فِي تَنْجِيسِ مَا لَاقَتْهُ وَتَنْجِيسُهَا بِمَا لَاقَاهَا مِنْ نَجَاسَةٍ هِيَ أَغْلَظُ مِنْهَا ، وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَى مَنْ أَكَلَ لَحْمَ كَلْبٍ أَنْ يَغْسِلَ دُبُرَهُ كُلَّمَا تَغَوَّطَ أَوْ بَالَ وَلَمْ " يَتَنَجَّسْ " اللَّبَنُ الْمُلَاقِي " لِلْفَرْثِ " فِي الْبَطْنِ .
وَلَمْ يَنْجُسْ " الْمَنِيُّ " وَإِنْ مَرَّ فِي مَجْرَى الْبَوْلِ ، وَلَمْ تَنْجُسْ " النُّخَامَةُ " " النَّازِلَةُ " مِنْ الرَّأْسِ بِجَرَيَانِهَا فِي قَصَبَةِ الْأَنْفِ بَعْدَ مَا جَرَى فِيهَا دَمُ الرُّعَافِ وَغَسْلُ ظَاهِرِ " الْأَرْضِ " " ، وَمِنْ " هَذَا قَالَ فِي الْبَسِيطِ تَبَعًا لِلْإِمَامِ مَعْنَى الْخِلَافِ فِي نَجَاسَةِ رُطُوبَةِ الْفَرْجِ أَنَّ تِلْكَ الرُّطُوبَةَ هَلْ يَثْبُتُ لَهَا حُكْمٌ وَهَلْ يُقَدَّرُ خُرُوجُهَا فَإِنَّ النَّجَاسَةَ لَا تَثْبُتُ مَا " دَامَتْ " الْفَضْلَةُ فِي الْبَاطِنِ ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : إنْ قِيلَ : لِمَ قَطَعْتُمْ بِجَوَازِ التَّدَاوِي بِالنَّجَاسَةِ مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا بُدَّ مِنْهَا قُلْنَا مَا " يَحْوِيهِ " الْبَاطِنُ لَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ النَّجَاسَةِ وَلَكِنَّ تَحْرِيمَ النَّجَاسَةِ مِنْ قَبِيلِ " الِاجْتِنَابِ " فَلَا يَبْعُدُ سُقُوطُهُ " بِالضَّرُورَاتِ " ، وَلِهَذَا نَقَلَ " الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ النَّسَوِيُّ " فِي شَرْحِ الْمِفْتَاحِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ : الشَّرِيعَةُ تَقْضِي أَنَّهُ لَيْسَ فِي بَاطِنِ " الْإِنْسَانِ " نَجَاسَةٌ وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى مَا فِي بَاطِنِهِ مِمَّا " خَلَقَهُ " اللَّهُ " تَعَالَى " أَمَّا نَجِسٌ أَدْخَلَهُ الْإِنْسَانُ تَعَدِّيًا إلَى بَاطِنِهِ فَإِنَّهُ نَجِسٌ ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ نَجِسًا مَحْكُومًا عَلَيْهِ بِالنَّجَاسَةِ فَلَاقَى الْبَاطِنَ فَنَجَّسَهُ " ثُمَّ تَطْهِيرُهُ " مُتَعَذِّرٌ ؛ لِأَنَّ كُلَّ قَدْرٍ يَنْتَهِي إلَيْهِ " تَنَجَّسَ " بِمُلَاقَاتِهِ لِنَجِسٍ فَحَكَمَ عَلَيْهِ بِالنَّجَاسَةِ .
قُلْت : وَهُوَ احْتِمَالٌ ضَعِيفٌ

بَلْ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي مَسْأَلَةِ أَكْلِ لَحْمِ الْكَلْبِ وَغَيْرِهَا .
وَقَدْ أَشَارَ " الْإِمَامُ " الشَّافِعِيُّ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِي الْأُمِّ إلَى أَنَّ مُلَاقَاةَ النَّجَاسَةِ إنَّمَا تُؤَثِّرُ فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ ، فَقَالَ : لَوْ وُجِدَ حُوتٌ فِي بَطْنِ سَبُعٍ أَوْ طَائِرٍ أَوْ حُوتٍ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِتَطْهِيرِ ظَاهِرِهِ ، وَأَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ أَيْضًا فِي طَهَارَةِ الْمَنِيِّ مَعَ خُرُوجِهِ مِنْ مَخْرَجِ الْبَوْلِ ، وَكَذَلِكَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الْوَلَدِ وَالْبَيْضَةِ حَيْثُ قَالَ : لَا يَحْتَاجُ إلَى غَسْلِهَا ، وَأَمَّا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِ الْمِنْهَاجِ فِي الْخِلَافِ فَمَنَعَ قَوْلَهُمْ أَنَّ نَجَاسَةَ الْبَاطِنِ لَا حُكْمَ لَهَا بِدَلِيلِ " أَنَّ " مَنْ أَكَلَ شَيْئًا ثُمَّ قَذَفَهُ فِي الْحَالِ فَإِنَّهُ نَجِسٌ وَلَمْ تُنَجِّسْهُ إلَّا مُلَاقَاةُ مَا فِي الْمَعِدَةِ مِنْ النَّجَاسَةِ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ فِي الْأَصَحِّ .
وَمِثْلُهُ مَا حَكَاهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ لَوْ أَلْقَتْ الْبَهِيمَةُ حَبًّا عَلَى هَيْئَتِهِ بِحَيْثُ لَوْ زُرِعَ لَنَبَتَ وَجَبَ غَسْلُ ظَاهِرِهِ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ : لَوْ حَمَلَ الْبَيْضَةَ الْمَذِرَةَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ تَصِحَّ " صَلَاتُهُ " فِي الْأَصَحِّ نَعَمْ لَا بُدَّ فِي " هَذَا " الْأَصْلِ السَّابِقِ مِنْ قَيْدَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ فَأَمَّا الْمَوْتُ فَيَنْجُسُ .
وَلِهَذَا لَوْ مَاتَتْ بَهِيمَةٌ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ " تَنَجَّسَ " " بِمُلَاقَاتِهِ " النَّجَاسَةَ فِي الْبَاطِنِ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ " رَحِمَهُ اللَّهُ " : لَا يَنْجُسُ ؛ لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لِنَجَاسَةِ الْبَاطِنِ ، وَقَالَ : إنَّ الْإِنْفَحَةَ إذَا أُخِذَتْ مِنْ الْمَيْتَةِ كَانَتْ طَاهِرَةً وَإِذَا قُلْنَا بِطَهَارَةِ لَبَنِ الْمَأْكُولِ فَأَكَلَ نَجَاسَةً فَيُحْتَمَلُ الْقَطْعُ بِنَجَاسَتِهِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالْأَقْرَبُ خِلَافُهُ لِمَا سَبَقَ فِي لَحْمِ الْكَلْبِ ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي التَّذْكِرَةِ : لَا نُسَلِّمُ أَنَّ

النَّجَاسَةَ فِي الْبَاطِنِ لَا حُكْمَ لَهَا بِدَلِيلِ مَا لَوْ ابْتَلَعَ شَيْئًا ثُمَّ تُقَيَّأهُ فِي الْحَالِ فَإِنَّهُ نَجِسٌ قَالَ : وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ اللَّبَنَ يُلَاقِي الْفَرْثَ وَالدَّمَ بَلْ بَيْنَهُمَا حِجَابٌ فِي الْبَاطِنِ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ .
الثَّانِي : أَنْ لَا يَتَّصِلَ بِنَجَاسَةِ الْبَاطِنِ ظَاهِرٌ فَإِنْ اتَّصَلَ بِهَا كَمَا لَوْ بَلَعَ خَيْطًا فَوَصَلَ طَرْفُهُ إلَى مَعِدَتِهِ وَطَرْفُهُ الْآخَرُ " خَارِجٌ أَوْ أُدْخِلَ " فِي دُبُرِهِ عُودًا وَبَقِيَ بَعْضُهُ خَارِجًا وَصَلَّى فَفِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا تَبْطُلُ .
وَلَوْ أَصْبَحَ صَائِمًا وَفِي فِيهِ خَيْطٌ بَعْضُهُ مُتَّصِلٌ بِبَاطِنِهِ فَهَذَا إنْ نَزَعَهُ بَطَلَ صَوْمُهُ ، كَمَا لَوْ " اسْتَقَاءَ " عَمْدًا وَإِنْ تَرَكَهُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ فَطَرِيقُهُ أَنْ يَنْزِعَهُ غَيْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنْ لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ جَذَبَهُ وَغَسَلَ فَمَهُ وَصَلَّى مُرَاعَاةً " لِمَحَلِّ " الصَّلَاةِ وَيَقْضِي الصَّوْمَ وَهَذَا مِنْهُمْ تَقْدِيمٌ لِلصَّلَاةِ ، وَعَكَسُوا فِي الْمُسْتَحَاضَةِ وَسَبَقَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي فَصْلِ التَّعَارُضِ " بَيْنَ الْفَرْضَيْنِ " .

فُرُوعٌ : لَوْ أَدْخَلَتْ عُودًا فِي فَرْجِهَا وَتَرَكَتْ بَعْضَهُ خَارِجًا " وَصَلَّتْ " صَحَّتْ صَلَاتُهَا إنْ قُلْنَا بِطَهَارَةِ بَاطِنِ فَرْجِهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ .
وَلَوْ أَدْخَلَ عُودًا فِي ذَكَرِهِ وَتَرَكَ بَعْضَهُ خَارِجًا وَصَلَّى صَحَّتْ صَلَاتُهُ بِنَاءً عَلَى طَهَارَةِ بَاطِنِ ذَكَرِهِ ، كَمَا جَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ وَذَكَرَ فِي التَّحْقِيقِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ الْأَصَحَّ بُطْلَانُ صَلَاةِ مَنْ أَدْخَلَ عُودًا فِي ذَكَرِهِ أَوْ " فِي " فَرْجِهَا وَهَذَا لَا يَظْهَرُ تَوْجِيهُهُ وَلَعَلَّ الْمُصَحِّحَ لِذَلِكَ يَرَى نَجَاسَةَ بَاطِنِ الْفَرْجِ .
وَقَدْ ذَكَرَ الْعِجْلِيُّ أَنَّهُ لَوْ غَيَّبَ قُطْنَةً فِي إحْلِيلِهِ لَمْ يَبْطُلْ وُضُوءُهُ وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ " كَانَ " يَرَى الْقُطْنَ فِي الْإِحْلِيلِ فَلَوْ كَانَ بَاطِنُ الذَّكَرِ نَجِسًا لَمَا صَحَّتْ صَلَاتُهُ " لِحَمْلِهِ " النَّجَاسَةَ .
وَلَوْ أَدْخَلَ عُودًا فِي دُبُرِهِ وَصَلَّى لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِاتِّصَالِهِ بِالنَّجَاسَةِ .
وَلَوْ غَرَزَ إبْرَةً فِي لَحْمِهِ وَتَرَكَ بَعْضَهَا خَارِجًا وَصَلَّى فَكَمَا لَوْ أَدْخَلَ عُودًا فِي دُبُرِهِ لِاتِّصَالِ الْإِبْرَةِ بِالدَّمِ فِي بَاطِنِ اللَّحْمِ .
وَمِمَّا يَلْحَقُ بِالظَّاهِرِ مِنْ الْبَاطِنِ مَا لَوْ شَقَّ مَوْضِعًا مِنْ بَدَنِهِ " وَحَصَلَ مِنْهُ دَمٌ " وَبَنَى عَلَيْهِ اللَّحْمَ فَإِنَّهُ يَجِبُ كَشْفُهُ وَإِخْرَاجُهُ ، وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ قَطَعَ ذَكَرَهُ مِنْ أَصْلِهِ " وَاسْتَتَرَ " أَصْلُهُ بِالْجِلْدِ وَمَسَّهُ فَإِنَّ الْوُضُوءَ يُنْتَقَضُ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ ، وَكَذَا لَوْ وَشَمَ يَدَهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ كَشْطُهُ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَلَا يَصِحُّ وُضُوءُهُ وَلَا غُسْلُهُ مَا دَامَ الْوَشْمُ بَاقِيًا .

تَنْبِيهٌ : " هَذَا " لَا يَخْتَصُّ " بِالْحَيَوَانِ " .
وَلِهَذَا قَالَ " الْإِمَامُ " الشَّافِعِيُّ فِيمَا لَوْ سُقِيَتْ سِكِّينُ مَاءً نَجِسًا ثُمَّ غُسِلَتْ بِالْمَاءِ طَهُرَتْ ؛ لِأَنَّ " الطِّهَارَاتِ " كُلَّهَا إنَّمَا جُعِلَتْ عَلَى مَا يَظْهَرُ لَا عَلَى الْأَجْوَافِ ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَنُقِلَ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ أَنَّهُ قَالَ هَذَا خِلَافُ أُصُولِهِ ؛ لِأَنَّهُ " يَقُولُ " فِي الْآجُرِّ إذَا عُجِنَ بِبَوْلٍ وَطُبِخَ : إنَّهُ لَا يَطْهُرُ بَاطِنُهُ بِالْغُسْلِ .
انْتَهَى .
وَهَذَا يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ السِّكِّينَ لَا يُمْكِنُ إيصَالُ الْمَاءِ " فِي " بَاطِنِهَا فَلَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ " الْوُسْعِ " فَاكْتَفَى بِغَسْلِ الظَّاهِرِ ، وَأَمَّا الْآجُرَّ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى بَاطِنِهِ بِأَنْ يُدَقَّ وَيُصَبَّ عَلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ مَا يَغْمُرُهُ وَهَذَا كَمَا نَقُولُ فِي الْجِلْدِ إذَا دُبِغَ يَطْهُرُ ظَاهِرُهُ وَبَاطِنُهُ وَإِنْ كَانَ الدِّبَاغُ لَا يُبَاشِرُهُ وَلَا يُمْكِنُ إيرَادُ الْمَاءِ عَلَيْهِ فَافْتَرَقَا نَعَمْ قَدْ يُشْكَلُ عَلَى النَّصِّ مَسْأَلَةُ إدْخَالِ الدَّمِ تَحْتَ جِلْدِهِ إنَّهُ يَجِبُ إخْرَاجُهُ مَعَ أَنَّ مَا تَحْتَ الْجِلْدِ مَوْضِعُ الدَّمِ وَمَعْدِنُ النَّجَاسَةِ ، " وَلِذَلِكَ " لَوْ حَمَلَ بَيْضَةً صَارَ بَاطِنُهَا دَمًا وَظَاهِرُهَا طَاهِرٌ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ فِي الْأَصَحِّ ، كَالنَّجَاسَةِ الظَّاهِرَةِ إذَا حَمَلَهَا بِخِلَافِ بَاطِنِ الْحَيَوَانِ ؛ لِأَنَّ " لِلْحَيَاةِ أَثَرًا " فِي دَرْءِ النَّجَاسَةِ وَأَمَّا الْبَيْضَةُ فَجَمَادٌ .
وَكَذَلِكَ لَوْ حَمَلَ عُنْقُودًا اسْتَحَالَ بَاطِنُ حَبَّاتِهِ خَمْرًا وَلَا رَشْحَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ " وَجْهًا " أَنَّ " بَوَاطِنَ " حَبَّاتِ الْعُنْقُودِ مَعَ اسْتِحَالَتِهِ خَمْرًا لَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهَا تَشْبِيهًا لَهُ بِمَا فِي بَاطِنِ الْحَيَوَانِ .
وَقَالَ الْإِمَامُ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ عَنْ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ فِي الْعَنَاقِيدِ إذَا اسْتَحَالَ بَاطِنُهَا وَاشْتَدَّ وَجْهَيْنِ فِي بَيْعِهَا وَطَرْدُهُ فِي الْبَيْضَةِ الْمَذِرَةِ ، ثُمَّ رُوجِعَ الْقَاضِي فِي نَجَاسَتِهَا فَتَوَقَّفَ قَالَ

الْإِمَامُ لَا وَجْهَ لَهُ فَإِنَّهُ لَوْ " انْفَصَلَ " مَا فِي الْبَاطِنِ لَحَكَمْنَا بِنَجَاسَتِهِ ، وَالِانْفِصَالُ لَا يُوجِبُ وُرُودَ " نَجَاسَةٍ " فَلَا يَلِيقُ بِالْمَذْهَبِ إلَّا نَجَاسَتُهَا ، وَأَمَّا مَا قَالَهُ الْقَاضِي فَهُوَ يُضَاهِي مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ حَكَمَ بِأَنَّ الدِّمَاءَ فِي الْعُرُوقِ الَّتِي فِي " جِلْدِ " اللَّحْمِ لَيْسَتْ " بِنَجِسَةٍ " فَإِذَا سَفَحَ وَسَالَ حَكَمَ بِالنَّجَاسَةِ وَتَمَسَّكَ بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى { أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا } وَهَذَا مَخْصُوصٌ بِالدَّمِ " فَإِنَّا " إذَا قَطَعْنَا بِنَجَاسَةِ الْبَوَاطِنِ وَتَرَدَّدْنَا فِي جَوَازِ " الْبَيْعِ " فَلَا وَجْهَ إلَّا مَا نَذْكُرُهُ وَهُوَ أَنَّ ظَاهِرَ الْبَيْضَةِ طَاهِرٌ وَالنَّجَاسَةُ مُسْتَتِرَةٌ اسْتِتَارَ خِلْقَةٍ وَالْبَيْضَةُ فِي نَفْسِهَا صَائِرَةٌ إلَى " رُتْبَةِ " الْفَرْخِ فَيُضَاهِي " امْتِنَاعَ الْعُصْفُورِ " وَجَنَّبُوهُ النَّجَاسَةَ ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ ، وَكَذَلِكَ الْعُنْقُودُ ظَاهِرُهُ طَاهِرٌ وَمَقْصُودُهُ آيِلٌ إلَى " الْحُمُوضَةِ " وَهُوَ مُنْتَظَرٌ فَإِنْ قِيلَ : فَهَلَّا قُلْتُمْ بِأَنَّ بَاطِنَ الْبَيْضَةِ الْمَذِرَةِ طَاهِرٌ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ مَنْ جَوَّزَ الصَّلَاةَ مَعَهَا .
قُلْنَا : جَوَازُ الصَّلَاةِ لَا يَسْتَلْزِمُ طَهَارَةَ بَوَاطِنِهَا فَإِنَّهُ تَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَ الْعُصْفُورِ الَّذِي فِي بَاطِنِهِ النَّجَاسَةُ فَتَصِحُّ فِيهَا وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا الِاسْتِتَارُ الْخِلْقِيُّ .

فَرْعٌ : هَلْ يَجُوزُ كِتَابَةُ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ " يَمْحُوهُ وَيَشْرَبُهُ " بِالْمَاءِ ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ : لَا يَجُوزُ لِمَا يُلَاقِي مِنْ النَّجَاسَةِ الَّتِي فِي بَاطِنِ الْمَعِدَةِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْقَاعِدَةِ السَّابِقَةِ ، وَقَدْ جَزَمَ الرَّافِعِيُّ بِجَوَازِ أَكْلِ الطَّعَامِ الْمَكْتُوبِ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ ، قَالَ : وَمَا يُكْتَبُ عَلَى الْحَلْوَى وَالْأَطْعِمَةِ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ ، وَحَكَى الرُّويَانِيُّ وَجْهَيْنِ مِنْهُ .

" الْعَاشِرُ " : كُلُّ مَا نَجَّسَ الْمَاءَ الْقَلِيلَ " نَجَّسَ " الْمَائِعَ ، أَمَّا مَا لَمْ يُنَجِّسْ الْمَاءَ الْقَلِيلَ " هَلْ " يُنَجِّسُ الْمَائِعَ ، فَاعْلَمْ أَنَّهُمْ " قَدْ " صَرَّحُوا بِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَيْتَةِ الَّتِي لَا نَفْسَ لَهَا سَائِلَةٌ ، وَذَكَرَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ فِي صُورَةِ الْهِرَّةِ أَنَّ غَيْرَ الْمَاءِ مِنْ الْمَائِعَاتِ كَالْمَاءِ ، وَأَمَّا النَّجَاسَةُ الَّتِي لَا يُدْرِكُهَا الطَّرْفُ فَكَلَامُ الْمِنْهَاجِ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ وَسَمِعْت بَعْضَ الْفُقَهَاءِ يَحْكِي التَّصْرِيحَ بِهِ عَنْ الْإِيضَاحِ " لِلْجَاجَرْمِيِّ " .
وَالْحَيَوَانُ إذَا كَانَ بِمَنْفَذِهِ نَجَاسَةٌ فَوَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ لَا يُنَجِّسُهُ فِي الْأَصَحِّ وَلَوْ وَقَعَ فِي الْمَائِعِ فَكَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ .

" الْحَادِي عَشَرَ " : النَّجِسُ هَلْ يَتَنَجَّسُ ؟ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ ، لَكِنِّي " اسْتَخْرَجْتهَا " مِنْ الْخِلَافِ فِي فُرُوعٍ : مِنْهَا لَوْ تَنَجَّسَ الْإِنَاءُ بِالْوُلُوغِ ثُمَّ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ أُخْرَى فَهَلْ تَكْفِي السَّبْعُ أَمْ يُغْسَلُ لَهَا ثُمَّ يُغْسَلُ لِلْكَلْبِ ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يَقِفْ النَّوَوِيُّ وَابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى نَقْلِ هَذَا الْوَجْهِ فَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ يَكْفِي بِالِاتِّفَاقِ ، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِلَا خِلَافٍ .
وَمِنْهَا : لَوْ اسْتَنْجَى بِحَجَرٍ " نَجِسٍ " فَهَلْ يَتَعَيَّنُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْحَجَرِ كَمَا قَبْلَ اسْتِعْمَالِهِ ؛ لِأَنَّ النَّجِسَ لَا يَتَأَثَّرُ بِالنَّجَاسَةِ فَيَبْقَى حُكْمُهُ كَمَا كَانَ كَذَا عَلَّلَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ قَدْ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ بِاسْتِعْمَالِهِ فِيهِ وَالْحَجَرُ تَخْفِيفٌ فَمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى فَلَا يَلْحَقُ بِهِ .
وَمِنْهَا : لَوْ وَقَعَ فِي الْخَمْرِ نَجَاسَةٌ مُجَاوِرَةٌ كَالْعَظْمِ ، وَنُزِعَ " مِنْهَا " ثُمَّ انْقَلَبَتْ بِنَفْسِهَا خَلًّا لَمْ تَطْهُرْ بِلَا خِلَافٍ قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ وَعَزَاهُ لِصَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَفِي هَذَا جَزَمَ بِتَنْجِيسِ النَّجِسِ وَفِي الثَّانِي " بِتَرْجِيحِهِ " وَفِي الْأَوَّلِ بِخِلَافِهِ وَالضَّابِطُ : أَنَّ النَّجَاسَةَ إمَّا أَنْ تُرَدَّ عَلَى مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا وَتَحْتَهُ قِسْمَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ تُرَدَّ الْمُغَلَّظَةُ عَلَى الْمُخَفَّفَةِ فَالْعَمَلُ لَا بِالْمُغَلَّظَةِ " قَطْعًا " كَمَا لَوْ وَقَعَتْ نَجَاسَةٌ فِي إنَاءٍ ثُمَّ وَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ فَيَكْفِي غَسْلُهُ سَبْعًا " مَعَ " التَّعْفِيرِ وَلَوْ اسْتَنْجَى بِجِلْدِ كَلْبٍ لَا يُجْزِيهِ الْحَجَرُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ قَالَ وَالصَّوَابُ غَسْلُهُ سَبْعًا .
الثَّانِي : أَنْ تُرَدَّ الْمُخَفَّفَةُ عَلَى الْمُغَلَّظَةِ فَفِيهَا الْخِلَافُ وَالْأَصَحُّ إلْغَاءُ الْمُخَفَّفَةِ ،

وَأَمَّا أَنْ تُرَدَّ عَلَى جِنْسِهَا فَإِنْ كَانَتْ مُغَلَّظَةً عَلَى مِثْلِهَا فَخِلَافٌ كَمَا وَلَغَ كَلْبٌ ثُمَّ وَلَغَ آخَرُ فَالْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَكْفِي لِلْجَمِيعِ سَبْعٌ .
وَلَوْ وَلَغَ كَلْبٌ ثُمَّ وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ أُخْرَى مِنْ فَضَلَاتِهِ قَبْلَ غَسْلِهِ فَيُحْتَمَلُ جَرَيَانُ الْأَوْجُهِ فِيمَا إذَا تَعَدَّدَ وُلُوغُ كِلَابٍ ، " وَنَظِيرُهُ " الْوَجْهُ الثَّالِثُ هُنَا أَنْ تَكُونَ النَّجَاسَةُ الْمُتَكَرِّرُ وُقُوعُهَا مِنْ كَلْبٍ وَاحِدٍ وَيُحْتَمَلُ الِاكْتِفَاءُ بِالسَّبْعِ قَطْعًا ؛ لِأَنَّهُ غَلَّظَ فِي أَمْرِ الْوُلُوغِ حَتَّى لَا " يُسْتَثْنَى " الْكِلَابُ .
وَلِهَذَا اخْتَارَ الرُّويَانِيُّ أَنَّهُ يَكْفِي فِي سَائِرُ فَضَلَاتِ الْكَلْبِ مَا عَدَا الْوُلُوغَ مَرَّةً وَاحِدَة قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ النَّجَاسَاتِ .
وَإِنْ كَانَتْ مُخَفَّفَةً أَوْ مُتَوَسِّطَةً عَلَى مِثْلِهَا فَلَا أَثَرَ لِلتَّعَدُّدِ قَطْعًا إلَّا فِي صُورَةٍ فِيهَا خِلَافٌ وَهِيَ الْبَوْلُ يُصِيبُ الْأَرْضَ يُعْتَبَرُ عَدَدُ الْبَائِلِينَ فَإِذَا بَالَ عَلَيْهِ شَخْصٌ آخَرُ اُعْتُبِرَ ذَنُوبَانِ وَهَكَذَا تَتَعَدَّدُ الذَّنُوبُ " بِتَعَدُّدِ " الْأَشْخَاصِ .

" الثَّانِي عَشَرَ " فِي النَّجَاسَاتِ الْمَعْفُوِّ عَنْهَا وَهِيَ عَلَى أَقْسَامٍ : أَحَدُهُمَا " مَا يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ وَهُوَ دَمُ الْبَرَاغِيثِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَكَذَا دَمُ الْقَمْلِ وَالْبَعُوضِ وَنَحْوِهِ عَلَى مَا رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ لَكِنْ " لَهُ شَرْطَانِ " : أَحَدُهُمَا : أَنْ لَا يَكُونَ بِفِعْلِهِ فَلَوْ كَانَ بِفِعْلِهِ كَمَا لَوْ قَتَلَ فَتَلَوَّثَ بِهِ أَوْ لَمْ يَلْبَسْ الثَّوْبَ بَلْ حَمَلَهُ وَكَانَ كَثِيرًا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ إلَيْهِ وَيَلْتَحِقُ بِالْبَرَاغِيثِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ دَمُ الْبَثَرَاتِ وَقَيْحُهَا وَصَدِيدُهَا حَتَّى لَوْ " عَصَرَهُ " وَكَانَ الْخَارِجُ كَثِيرًا لَمْ يُعْفَ عَنْهُ .
وَكَذَلِكَ دَمُ الدَّمَامِيلِ وَالْقُرُوحِ وَمَوْضِعِ الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ مِنْهُ .
" وَثَانِيهِمَا " أَنْ لَا يَتَفَاحَشَ بِالْإِهْمَالِ فَإِنَّ لِلنَّاسِ عَادَةً فِي غَسْلِ الثِّيَابِ كُلَّ حِينٍ فَلَوْ تَرَكَ غَسْلَ الثَّوْبِ سَنَةً مَثَلًا وَهُوَ يَتَرَاكَمُ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ فِي مَحَلِّ الْعَفْوِ قَالَهُ الْإِمَامُ وَمِنْ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ الْبَلْغَمُ إذَا كَثُرَ وَالْمَاءُ الَّذِي يَسِيلُ مِنْ فَمِ النَّائِمِ إذَا اُبْتُلِيَ بِهِ وَنَحْوُهُ ، وَكَذَلِكَ الْحَدَثُ الدَّائِمُ كَالْمُسْتَحَاضَةِ وَسَلِسِ الْبَوْلِ ، وَكَذَا أَوَانِي الْفَخَّارِ الْمَعْمُولَةِ بِالزِّبْلِ لَا تَطْهُرُ ، وَقَدْ سُئِلَ " الْإِمَامُ " الشَّافِعِيُّ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " بِمِصْرَ فَقَالَ : إذَا ضَاقَ الْأَمْرُ اتَّسَعَ " وَسَبَقَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ " .
الثَّانِي : مَا يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ دُونَ كَثِيرِهِ وَهُوَ دَمُ الْأَجْنَبِيِّ إذَا انْفَصَلَ عَنْهُ ثُمَّ أَصَابَهُ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ بَهِيمَةٍ سِوَى الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ " يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ فِي الْأَصَحِّ دُونَ كَثِيرِهِ قَطْعًا ، وَكَذَلِكَ طِينُ الشَّوَارِعِ الْمُتَيَقَّنِ بِنَجَاسَتِهَا " يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ دُونَ كَثِيرِهِ ، وَالْقَلِيلُ مَا يَتَعَذَّرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ ، وَكَذَلِكَ الْمُتَغَيِّرُ بِالْمَيْتَةِ الَّتِي لَا نَفْسَ لَهَا سَائِلَةٌ لَا يُعْفَى عَنْ التَّغَيُّرِ

الْكَثِيرِ فِي الْأَصَحِّ .
الثَّالِثُ : مَا يُعْفَى عَنْ أَثَرِهِ دُونَ عَيْنِهِ وَهُوَ أَثَرُ الْمَخْرَجَيْنِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ وَكَذَلِكَ بَقَاءُ رِيحِ النَّجَاسَةِ أَوْ لَوْنِهَا إذَا عَسِرَ زَوَالُهُ .
الرَّابِعُ : مَا لَا يُعْفَى عَنْ أَثَرِهِ وَلَا عَيْنِهِ وَلَا قَلِيلِهِ وَلَا كَثِيرِهِ وَهُوَ مَا عَدَا ذَلِكَ .
تَقْسِيمٌ آخَرُ : الْمَعْفُوُّ عَنْهُ أَقْسَامٌ : أَحَدُهَا : يُعْفَى عَنْهُ فِي الْمَاءِ وَالثَّوْبِ وَذَلِكَ فِي عِشْرِينَ صُورَةً : مَا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ ، وَالْمَيْتَةُ الَّتِي لَا دَمَ لَهَا كَالدُّودِ وَالْخُنْفُسَاءِ أَصْلًا ، أَوْ لَهَا دَمٌ وَلَكِنَّهُ لَا يَسِيلُ كَالْوَزَغِ ، وَغُبَارِ النَّجَاسَةِ الْيَابِسَةِ ، وَقَلِيلِ دُخَّانِ النَّجَاسَةِ حَتَّى لَوْ أُوقِدَ نَجَاسَةٌ تَحْتَ " الْمَاءِ " وَاتَّصَلَ بِهِ قَلِيلُ دُخَّانٍ لَمْ يَنْجُسْ وَقَلِيلُ الشَّعْرِ ، وَقَلِيلُ الرِّيشِ النَّجِسِ لَهُ حُكْمُ الشَّعْرِ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ إلَّا أَنَّ أَجْزَاءَ الشَّعْرَةِ الْوَاحِدَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا حُكْمُ الشَّعْرَةِ الْوَاحِدَةِ ، وَالْهِرَّةُ إذَا وَلَغَتْ بَعْدَ أَكْلِهَا فَأْرَةً ، وَأَلْحَقَ الْمُتَوَلِّي السَّبُعَ بِالْهِرَّةِ ، وَخَالَفَهُ الْغَزَالِيُّ لِانْتِفَاءِ الْمَشَقَّةِ لِعَدَمِ الِاخْتِلَاطِ ، وَمَا اتَّصَلَ بِهِ شَيْءٌ مِنْ أَفْوَاهِ الصِّبْيَانِ مَعَ تَحَقُّقِ نَجَاسَتِهَا خَرَّجَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَأَفْوَاهُ الْمَجَانِينِ كَالصِّبْيَانِ ، وَإِذَا " وَقَعَ " فِي الْمَاءِ طَيْرٌ عَلَى مَنْفَذِهِ نَجَاسَةٌ " يَتَعَذَّرُ " صَوْنُ الْمَاءِ عَنْهُ وَلَا يَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِانْكِمَاشِهِ فَإِنَّهُ صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ بِأَنَّا لَوْ تَحَقَّقْنَا وُصُولَ الْمَاءِ إلَى مَنْفَذِ الطَّيْرِ وَعَلَيْهِ ذَرْقٌ عُفِيَ عَنْهُ .
وَإِذَا نَزَلَ الطَّائِرُ فِي الْمَاءِ وَغَاصَ وَذَرَقَ فِيهِ الْعَفْوُ عَنْهُ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ طَرَفُ الْمَاءِ الَّذِي لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ وَيَدُلُّ لَهُ " مَا " سَنَذْكُرُهُ فِي السَّمَكِ " عَنْ " الْقَاضِي الْحُسَيْنِ أَنَّهُ لَوْ جَعَلَ سَمَكًا فِي جُبٍّ مَا ثُمَّ مَعْلُومٌ أَنَّهُ " يَبُولُ " فِيهِ " أَنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ

لِلضَّرُورَةِ .
وَفِي تَعْلِيقِ الْبَنْدَنِيجِيِّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ نَجِسٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ " عَنْهُ " لَا يُمْكِنُ ، وَحَكَى الْعِجْلِيُّ عَنْ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ أَنَّ وُقُوعَ الْحَيَوَانِ النَّجِسِ الْمُنْفَذِ فِي الْمَاءِ يُنَجِّسُهُ وَحُكِيَ عَنْ غَيْرِهِ عَدَمُ التَّنْجِيسِ مُسْتَدِلًّا " بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِمَقْلِ الذُّبَابِ " .
ثُمَّ قَالَ : وَلِلْقَاضِي أَنْ يُجِيبَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ وَنِيمَ الذُّبَابِ يَسِيرٌ وَلِأَنَّهُ لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ ، وَإِذَا شَرِبَ مِنْ الْمَاءِ طَائِرٌ عَلَى فِيهِ نَجَاسَةٌ وَلَمْ تَتَخَلَّلْ " عَيْنَيْهِ " فَيَنْبَغِي إلْحَاقُهُ بِالْمُنْفَذِ لِتَعَذُّرِ صَوْنِهِ عَنْهُ وَوَنِيمُ الذُّبَابِ إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ لَا يُنَجِّسُهُ لِعُسْرِ صَوْنِهِ .
وَمِثْلُهُ بَوْلُ الْخُفَّاشِ إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ أَوْ الْمَائِعِ وَغُسَالَةُ النَّجَاسَةِ إذَا انْفَصَلَتْ غَيْرَ مُتَغَيِّرَةٍ وَلَا زَائِدَةٍ الْوَزْنِ فَإِنَّهَا تَكُونُ طَاهِرَةً مَعَ أَنَّهَا لَاقَتْ نَجِسًا .
الْقِسْمُ الثَّانِي : مَا يُعْفَى عَنْهُ فِي الْمَاءِ دُونَ الثَّوْبِ كَالْمَيْتَةِ الَّتِي لَا دَمَ لَهَا " سَائِلٌ " وَخُرْءِ السَّمَكِ وَمُنْفَذِ الطَّائِرِ .
الثَّالِثُ : مَا يُعْفَى عَنْهُ فِي الثَّوْبِ دُونَ الْمَاءِ وَهُوَ الدَّمُ الْيَسِيرُ مِنْ سَائِر الدِّمَاءِ إلَّا دَمُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِهِ طِينُ الشَّارِعِ الْمُتَيَقَّنِ نَجَاسَتُهُ ، فَلَوْ وَقَعَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ " أَوْ غَمَسَ " يَدَهُ فِي الْمَاءِ وَعَلَيْهَا قَلِيلُ دَمِ بُرْغُوثٍ أَوْ قَمْلٍ ، أَوْ غَمَسَ فِيهِ ثَوْبًا فِيهِ دَمُ بُرْغُوثٍ تَنَجَّسَ وَفَرَّقَ " الْعِمْرَانِيُّ " بَيْنَ الثِّيَابِ وَالْمَاءِ بِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الثِّيَابَ لَا يُمْكِنُ صَوْنُهَا عَنْ النَّجَاسَةِ بِخِلَافِ الْأَوَانِي فَإِنَّ صَوْنَهَا مُمْكِنٌ بِالتَّغْطِيَةِ .
وَالثَّانِي : أَنَّ غَسْلَ الثِّيَابِ كُلَّ وَقْتٍ يَقْطَعُهَا فَعُفِيَ عَنْ يَسِيرِ النَّجَاسَةِ الَّتِي يُمْكِنُ وُقُوعُهَا فِيهَا بِخِلَافِ الْمَاءِ ، وَمِنْ ذَلِكَ الثَّوْبُ الَّذِي فِيهِ دَمُ

بُرْغُوثٍ يُصَلَّى فِيهِ وَلَوْ وَضَعَهُ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ " يُنَجِّسُهُ " فَيَحْتَاجُ الَّذِي يَغْسِلُهُ أَنْ يُطَهِّرَهُ " بَعْدَ " الْغَسْلِ فِي ذَلِكَ الْمَاءِ وَكَذَلِكَ مَا عَلَى مَحَلِّ الِاسْتِنْجَاءِ يُعْفَى عَنْهُ فِي الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ حَتَّى لَوْ سَالَ بِعَرَقٍ وَنَحْوِهِ وَوَقَعَ فِي الثَّوْبِ " عُفِيَ عَنْهُ فِي الْأَصَحِّ " وَلَوْ اتَّصَلَ بِالْمَاءِ نَجَّسَهُ .
الرَّابِعُ : مَا لَا يُعْفَى عَنْهُ فِيهِمَا وَهُوَ مَا عَدَا ذَلِكَ مِمَّا أَدْرَكَهُ الطَّرَفُ مِنْ سَائِرِ الْأَبْوَالِ وَالْأَرْوَاثِ " وَغَيْرِهَا مِنْ النَّجَاسَاتِ .
وَمِنْهُ : الْفَأْرَةُ الْمَيِّتَةُ وَقَلِيلُ دَمِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ " بِخِلَافِ الْيَسِيرِ مِنْ شَعْرِهِمَا إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ فَإِنَّ إطْلَاقَهُمْ يَقْتَضِي تَعْمِيمَ الْعَفْوِ عَنْهُ مُطْلَقًا .

" الثَّالِثَ عَشَرَ " .
فِي النَّجَاسَاتِ الْمُسْتَحِيلَةِ وَهِيَ أَنْوَاعٌ : فَمِنْهَا : مَا يَسْتَحِيلُ حَيَوَانًا فَيَطْهُرُ وَفِيهِ وَجْهٌ فِي دُودِ الْمَيْتَةِ أَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ تَوَلَّدَ حَيَوَانٌ مِنْ نَجَاسَةٍ مُغَلَّظَةٍ كَالْكَلْبِ كَانَ لَهُ حُكْمُ الْمُتَوَلِّدِ مِنْهُ ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ فَدُودُ الْمَيْتَةِ وَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ مُتَنَجِّسُ الظَّاهِرِ .
" وَمِنْهَا " : الْبَيْضَةُ إذَا صَارَتْ دَمًا فَإِنَّهَا نَجِسَةٌ فِي الْأَصَحِّ وَإِذَا " اسْتَحَالَتْ " فَرْخًا طَهُرَتْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْرَى فِيهَا الْوَجْهُ السَّابِقُ وَالظَّاهِرُ الْمَنْعُ .
وَمِنْهَا : الْعَذِرَةُ إذَا أَكَلَهَا التُّرَابُ وَصَارَتْ تُرَابًا أَوْ أُلْقِيَ كَلْبٌ فِي مَلَّاحَةٍ فَصَارَ مِلْحًا لَمْ يَطْهُرْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَحَكَاهُ فِي الْبَيَانِ وَجْهًا .
وَقَدْ يَسْتَحِيلُ الطَّاهِرُ نَجِسًا كَالْبَيْضَةِ تَصِيرُ دَمًا ، وَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ طَاهِرًا مَأْكُولًا " يَسْتَحِيلُ " " إلَى " الْحَيَاةِ فَلَا يُؤْكَلُ كَبَيْضِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَإِنَّ الْأَصَحَّ جَوَازًا أَكْلُهُ مَا دَامَ بَيْضًا ، وَإِذَا اسْتَحَالَ حَيَوَانٌ حَرُمَ أَكْلُهُ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَيَاةَ قِسْمَانِ : رُوحَانِيَّةٌ وَنَبَاتِيَّةٌ ، وَاسْتِحَالَةُ الْحَيَاةِ " إلَى " الْأُولَى مُقْتَضِيَةٌ لِلطَّهَارَةِ وَاسْتِحَالَتُهَا إلَى الثَّانِيَةِ كَالزَّرْعِ النَّابِتِ بِالنَّجَاسَةِ " قَالَ النَّوَوِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ لَيْسَ بِنَجِسِ الْعَيْنِ لَكِنْ يَنْجُسُ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ " الْمُجَاوِرَةِ ، فَإِذَا غُسِلَ طَهُرَ ، وَإِذَا سَنْبَلَ فَحَبَّاتُهُ الْخَارِجَةُ طَاهِرَةٌ قَطْعًا وَلَا حَاجَةَ إلَى غَسْلِهَا وَهَكَذَا الْقِثَّاءُ وَالْخِيَارُ وَنَحْوُهُمَا يَكُونُ طَاهِرًا وَلَا حَاجَةَ لِغَسْلِهِ ، قَالَ الْمُتَوَلِّي : وَهَكَذَا الشَّجَرَةُ إذَا سُقِيَتْ مَاءً نَجِسًا فَأَغْصَانُهَا وَأَوْرَاقُهَا وَثِمَارُهَا طَاهِرَةٌ كُلُّهَا ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ فَرْعُ الشَّجَرَةِ .
وَنَمَاؤُهَا .
انْتَهَى ، " وَحَكَى الْعِمْرَانِيُّ " عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ أَنَّ الْبَقْلَ النَّابِتَ فِي النَّجَاسَةِ نَجِسُ الْعَيْنِ كَقَوْلِهِ

فِي دُودِ الْمَيْتَةِ : إنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ .
ثُمَّ عَلَى الْمَذْهَبِ " ظَاهِرُ " مَا أَطْلَقُوهُ الطَّهَارَةُ مُطْلَقًا وَيَظْهَرُ تَقْيِيدُهَا وَتَقْيِيدُ حِلِّ الْأَكْلِ بِمَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ فِي الْحَبِّ أَوْ الْبَقْلِ رَائِحَةُ النَّجَاسَةِ ، وَكَذَا فِي الثِّمَارِ الْمَسْقِيَّةِ بِالنَّجِسِ لَا سِيَّمَا شَجَرَ الْعِنَبِ وَالْبِطِّيخِ فَإِنْ تَغَيَّرَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ خِلَافُ الْجَلَّالَةِ ، وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّهُ إذَا بَلَّ الْفُولَ بِمَاءٍ نَجِسٍ لَمْ يَطْهُرْ حَتَّى يُجَفَّفَ وَيُنْقَعَ ثَانِيًا " فِي مَاءٍ " طَهُورٍ فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ تَشَرُّبِ الْحَبِّ النَّجَاسَةَ مِنْ الْأَرْضِ فِي حَالِ كَوْنِهِ مَزْرُوعًا وَبَيْنَ مَا يَشْرَبُهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ فَرَّقَ بِأَنَّ النَّجَاسَةَ قَدْ يُحْتَاجُ إلَيْهَا لِتَرْبِيَةِ الزَّرْعِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ التَّنْجِيسَ كَمَا لَوْ احْتَاجَ إلَى عَلَفِ الْجَلَّالَةِ يَنْجُسُ فَإِنَّ فِيهَا الْخِلَافَ وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ " يُنْقَعَ " الْحَبُّ إذَا تَغَيَّرَ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ بِسَبَبِ النَّجَاسَةِ .

الرَّابِعَ عَشَرَ " يُصَلِّي مَعَ النَّجَاسَةِ فِي صُوَرٍ : مِنْهَا : مَا لَا تَجِبُ مَعَهُ الْإِعَادَةُ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَى ثِيَابٍ دَمُ الْبَرَاغِيثِ ، أَوْ بَقِيَ أَثَرُ مَوْضِعِ الِاسْتِجْمَارِ .
وَمِنْهَا : مَا تَجِبُ مَعَهُ الْإِعَادَةُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَغْسِلُهَا بِهِ أَوْ " وَجَدَ " - وَخَافَ التَّلَفَ أَوْ عَلِمَ بِهَا ثُمَّ " نَسِيَهَا " أَوْ جَهِلَ مُلَابَسَتَهُ إيَّاهَا ثُمَّ عَلِمَ .

النَّذْرُ الْمُطْلَقُ هَلْ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ أَوْ جَائِزِهِ ؟ قَوْلَانِ : قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ : وَقَوْلُهُمْ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكَ جَائِزِ الشَّرْعِ أَيْ فِي الْأَحْكَامِ مَعَ وُجُوبِ الْأَصْلِ ، وَعَنَوْا بِجَائِزِ الشَّرْعِ هَا هُنَا الْقُرُبَاتِ الَّتِي " جُوِّزَ " تَرْكُهَا انْتَهَى .
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ النَّذْرِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّ حُكْمَهُ كَالْجَائِزِ فِي الْقُرُبَاتِ أَوْ كَالْوَاجِبِ فِي أَصْلِهِ .
قُلْت : " وَالْأَرْجَحُ غَالِبًا " حَمْلُهُ " عَلَى الْوَاجِبِ ، وَلِهَذَا لَا يُجْمَعُ بَيْنَ فَرْضٍ وَمَنْذُورَةٍ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ وَلَا يُصَلِّي الْمَنْذُورَةَ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَلَا قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ عَلَى الْأَصَحِّ " فِيهَا " .
وَلَوْ نَذَرَ صَلَاةً مُطْلَقَةً " لَزِمَهُ " رَكْعَتَانِ وَجَبَ عَلَى مَنْ نَذَرَ الصَّوْمَ التَّبْيِيتُ مِنْ اللَّيْلِ عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ : إذَا قُلْنَا : يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكَ جَائِزِ الشَّرْعِ صَحَّ مِنْ النَّهَارِ كَالتَّطَوُّعِ ، حَكَاهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي تَعْلِيقِهِ وَإِمْسَاكُ بَقِيَّةِ الْيَوْمِ يَجِبُ كَمَا فِي رَمَضَانَ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ خِلَافًا لِمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمِنْهَاجِ .
وَلَوْ نَذَرَ هَدْيَ شَيْءٍ مِنْ النَّعَمِ اُشْتُرِطَ فِيهِ شُرُوطُ الْأُضْحِيَّةِ ، وَلَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ الْمَنْذُورَةِ كَمَا لَا يَأْكُلُ مِنْ الْوَاجِبَةِ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ الْتِزَامٍ كَدَمِ التَّمَتُّعِ وَنَحْوِهِ .
وَلَوْ نَذَرَ بَدَنَةً فَفِي قِيَامِ بَقَرَةٍ أَوْ سَبْعِ شِيَاهٍ مَقَامَهَا أَوْجُهٌ .
أَحَدُهَا : لَا " وَالثَّانِي : نَعَمْ وَالْأَصَحُّ الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَجِدَ الْإِبِلَ فَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهَا أَوْ لَا يَجِدُ فَيَجُوزُ .
وَيُسْتَثْنَى صُوَرٌ : إحْدَاهَا : لَوْ نَذَرَ عِتْقَ رَقَبَةٍ لَمْ تُشْتَرَطْ فِيهَا السَّلَامَةُ مِنْ " عُيُوبِ الْكَفَّارَةِ " فِي الْأَصَحِّ .
الثَّانِيَةُ : لَوْ نَذَرَ صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ فَصَلَّى أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ بِتَشَهُّدٍ أَوْ تَشَهُّدَيْنِ " جَازَ " فِي الْأَصَحِّ .
الثَّالِثَةُ :

لَوْ نَذَرَ صَوْمًا كَفَاهُ يَوْمٌ وَاحِدٌ حَمْلًا عَلَى الْجَائِزِ ، وَقِيلَ : يَكْفِيهِ بَعْضُ يَوْمٍ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِوُجُوبِ " صَوْمِ " ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ حَمْلًا عَلَى وَاجِبِ الشَّرْعِ .
الرَّابِعَةُ : لَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ كَفَاهُ أَقَلُّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ .
الْخَامِسَةُ : لَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ لَمْ يُشْرَعْ لَهَا أَذَانٌ وَلَا إقَامَةٌ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَغَلِطَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ فِي تَخْرِيجِهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَزَادَ وَلَا يُقَالُ : " الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ " لَكِنْ فِي التَّتِمَّةِ أَنَّهُ يُقَالُ .
السَّادِسَةُ : لَوْ أَصْبَحَ مُمْسِكًا غَيْرَ نَاوٍ لِلصَّوْمِ ثُمَّ نَذَرَ أَنْ يَنْوِيَ وَيَصُومَ لَزِمَهُ فِي الْأَصَحِّ وَلَيْسَ لَنَا صَوْمٌ وَاجِبٌ يَصِحُّ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ إلَّا هَذَا وَيُنَزَّلُ ذَلِكَ عَلَى جَائِزِ الشَّرْعِ وَهُوَ صِحَّةُ الصَّوْمِ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَةً " فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا رَكْعَةٌ تَنْزِيلًا عَلَى الْجَائِزِ كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا " فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ " الْقِيَامُ " وَلَا يَنْبَغِي تَخْرِيجُ ذَلِكَ عَلَى الْوَاجِبِ وَالْجَائِزِ فَإِنَّ الْخِلَافَ هُنَاكَ " مِنْ " النَّذْرِ الْمُطْلَقِ .
السَّابِعَةُ : لَوْ أَفْطَرَ فِي صَوْمِ النَّذْرِ عَامِدًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إمْسَاكُ بَقِيَّةِ " الْيَوْمِ " عَلَى مَا قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمِنْهَاجِ وَجَعَلَا الْإِمْسَاكَ مِنْ خَصَائِصِ رَمَضَانَ وَكَانَ يَنْبَغِي تَخْرِيجُهُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ ، حَتَّى إنَّهُ يَجِبُ إذَا " سَلَكْنَا " بِهِ مَسْلَكَ الْوَاجِبِ وَقَدْ سَبَقَ عَنْ نَصِّ الْبُوَيْطِيِّ .

النِّسْيَانُ عُذْرٌ فِي الْمَنْهِيَّاتِ دُونَ الْمَأْمُورَاتِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي إيجَادَ الْفِعْلِ فَمَا ( لَمْ ) يُفْعَلْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْعُهْدَةِ ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْكَفَّ .
فَالْمَفْعُولُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لِلْمَنْهِيِّ عَنْهُ كَلَا قَصْدٍ .
قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَلِأَنَّ تَارِكَ الْمَأْمُورِ ( يُمْكِنُهُ ) تَلَافِيهِ بِإِيجَادِ الْفِعْلِ ( فَلَزِمَهُ ) وَلَمْ يُعْذَرْ فِيهِ بِخِلَافِ ( الْمَنْهِيِّ ) إذَا ارْتَكَبَهُ ( فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ ) تَلَافِيهِ إذْ لَيْسَ فِي قُدْرَتِهِ نَفْيُ فِعْلٍ حَصَلَ فِي الْوُجُودِ فَعُذِرَ فِيهِ وَلِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْأَمْرِ رَجَاءُ الثَّوَابِ فَإِذَا لَمْ ( يَأْتَمِرْ ) لَمْ يُرْجَ لَهُ ثَوَابُهُ بِخِلَافِ النَّهْيِ فَإِنَّ سَبَبَهُ خَوْفُ الْعِقَابِ ؛ لِأَنَّهُ لِهَتْكِ الْحُرْمَةِ ، وَالنَّاسِي لَا يَقْتَضِي فِعْلُهُ هَتْكَ حُرْمَةٍ فَلَمْ يُخْشَ عَلَيْهِ الْعِقَابُ .
فَمِنْ الْأَوَّلِ عَدَمُ بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِالْكَلَامِ نَاسِيًا ( وَالصَّوْمُ بِالْأَكْلِ نَاسِيًا ) وَكَمَا فِي الْمُحْرِمِ إذَا تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ أَوْ جَامَعَ نَاسِيًا ( وَكَأَنْ يُعْذَرَ ) فِي الْيَمِينِ لِلَّهِ ( تَعَالَى ) أَوْ بِالطَّلَاقِ بِالنِّسْيَانِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْمَنْهِيَّاتِ .
وَمِنْ الثَّانِي : النِّيَّةُ فِي الْعِبَادَاتِ كَالْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ فَلَوْ تَرَكَ التَّرْتِيبَ فِي الْوُضُوءِ نَاسِيًا لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ ، وَلَوْ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ فِي الصَّلَاةِ نَاسِيًا لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ ، وَلَوْ نَسِيَ التَّسْمِيَةَ أَوَّلً الْوُضُوءِ تَدَارَكَهَا فِي أَثْنَائِهِ وَلَوْ نَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ تَذَكَّرَ أَعَادَ ، أَوْ نَسِيَ أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ وَصَلَّى ثُمَّ ذَكَرَ أَعَادَ ، أَوْ كَانَ لَهُ ثَوْبٌ وَهُوَ نَاسٍ لَهُ وَصَلَّى عُرْيَانًا ثُمَّ ذَكَرَ أَوْ كَانَ عِنْدَهُ رَقَبَةٌ وَهُوَ نَاسٍ فَصَامَ ثُمَّ ذَكَرَ الرَّقَبَةَ ، وَلَوْ مَرَّ مِنْ الْمِيقَاتِ وَلَمْ يُحْرِمْ مِنْهُ نَاسِيًا لَزِمَهُ دَمٌ كَمَا لَوْ تَعَمَّدَ ، نَعَمْ إذَا قُلْنَا : يَجِبُ الْإِحْرَامُ عَلَى الدَّاخِلِ مَكَّةَ فَتَرَكَهُ نَاسِيًا لَا

يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ ، وَكَذَلِكَ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ تَفُوتُ بِالْجُلُوسِ نَاسِيًا مَعَ أَنَّهَا مِنْ الْمَأْمُورَاتِ .
وَلَوْ تَعَاطَى سَبَبَ الْحَدَثِ نَاسِيًا كَاللَّمْسِ وَنَحْوِهِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَقَدْ أَوْرَدَ عَلَى هَذَا الصَّوْمِ فَإِنَّهُ عِنْدَنَا مِنْ قَبِيلِ الْمَأْمُورِ .
وَلِهَذَا تَجِبُ النِّيَّةُ فِيهِ وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ أَكَلَ نَاسِيًا لَمْ يُفْطِرْ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ قِيَاسِ الْمَأْمُورَاتِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَحَّضْ مَأْمُورًا بَلْ هُوَ مِنْ الْمَنْهِيِّ إذْ لَيْسَ فِيهِ إلَّا تَرْكٌ وَيُتَصَوَّرُ مِنْ النَّائِمِ جَمِيعُ النَّهَارِ فَأَسْقَطَ الشَّرْعُ غَفْلَةَ النَّاسِي .
تَنْبِيهَاتٌ : الْأَوَّلُ : إنَّمَا يُعْذَرُ بِالنِّسْيَانِ بِشُرُوطٍ : أَحَدُهَا " أَنْ لَا يَكْثُرَ فَإِنْ كَثُرَ ضَرَّ كَمَا فِي الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ ، وَكَذَا الْأَكْلُ فِي الصَّوْمِ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ ، وَخَالَفَهُ النَّوَوِيُّ وَهَلْ يَطَّرِدُ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَا عُذِرَ فِيهِ بِالنِّسْيَانِ فِيهِ نَظَرٌ .
الثَّانِي : أَنْ لَا يَسْبِقَهُ تَصْرِيحٌ بِالْتِزَامِ حُكْمِهِ كَمَا لَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ الدَّارَ عَامِدًا وَلَا نَاسِيًا فَدَخَلَهَا نَاسِيًا حَنِثَ قَالَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَغَيْرُهُ وَقَدْ يُسْتَشْكَلُ بِالْقَاعِدَةِ السَّابِقَةِ أَنَّ مَا وَسَّعَهُ الشَّرْعُ فَضَيَّقَهُ الْمُكَلَّفُ عَلَى نَفْسِهِ فَهَلْ يَتَضَيَّقُ كَمَا لَوْ نَذَرَ النَّفَلَ قَائِمًا أَوْ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ وَالْأَصَحُّ لَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَضَيَّقُ .
الثَّالِثُ : أَنْ لَا يَكُونَ مَعَهُ حَالَةٌ مُذَكِّرَةٌ يُنْسَبُ مَعَهَا لِتَقْصِيرٍ وَإِلَّا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ حُكْمٌ ، وَلِهَذَا لَوْ أَكَلَ فِي الصَّلَاةِ نَاسِيًا لَا تَبْطُلُ مَا لَوْ عَلَّقَ الظِّهَارَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ فَفَعَلَ نَاسِيًا لِلظِّهَارِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَكُونُ عَائِدًا ؛ لِأَنَّهُ بِسَبِيلٍ مِنْ أَنْ يَتَذَكَّرَ تَصَرُّفَهُ فَلَا يُعْذَرُ فِي نِسْيَانِ الظِّهَارِ ، وَرَأَى الْبَغَوِيّ تَخْرِيجَهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي حِنْثِ النَّاسِ ، قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَهَذَا أَحْسَنُ .
الثَّانِي : النِّسْيَانُ يَرْفَعُ الْإِثْمَ فِي

الْإِتْلَافَاتِ لَا الضَّمَانُ ، وَلِذَلِكَ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ وَيَجِبُ الْجَزَاءُ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ فِي الْإِحْرَامِ وَالْحَرَمِ نَاسِيًا .
الثَّالِثُ : يَلْحَقُ بِالنَّاسِي الْغَالِطُ إذَا أَتَى بِالْمُبْطِلِ مَعَ اعْتِقَادِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُبْطِلٍ كَمَا لَوْ تَكَلَّمَ عَامِدًا وَعِنْدَهُ قَدْ تَحَلَّلَ مِنْ الصَّلَاةِ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ كَمَا لَوْ تَكَلَّمَ ( فِيهَا ) نَاسِيًا ، وَلَوْ جَامَعَ الصَّائِمُ عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ فَبَانَ خِلَافُهُ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ عَلَى الْأَصَحِّ كَالنَّاسِي .

النَّظَرُ إلَى الظَّاهِرِ أَوْ إلَى مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عَلَى أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : إلَى مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ قَطْعًا كَمَا لَوْ تَصَرَّفَ فِي مَرَضٍ مَخُوفٍ فَبَرِئَ نَفَذَ قَطْعًا .
الثَّانِي : إلَيْهِ عَلَى الْأَصَحِّ .
كَالْمَعْضُوبِ إذَا اسْتَنَابَ وَهُوَ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ ثُمَّ بَرِئَ فَالْأَصَحُّ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ اعْتِبَارًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَعَكْسُهُ لَا يُجْزِئُ فِي الْأَصَحِّ ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَاتَ بِزِيَادَةِ مَرَضٍ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ .
أَعْتَقَ مَنْ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْكَفَّارَةِ ثُمَّ صَارَ بِصِفَةِ الْإِجْزَاءِ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ عِنْدَ الْإِمَامِ .
إذَا رَأَوْا سَوَادًا فَصَلَّوْا صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ قَضَوْا فِي الْأَصَحِّ .
الثَّالِثُ : النَّظَرُ لِلظَّاهِرِ فِي الْأَصَحِّ .
كَالْهَرَمِ إذَا أَطْعَمَ عَنْ الصَّوْمِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ الْهَرَمَ عَارِضٌ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَكَذَلِكَ إذَا زَنَى الْمَرِيضُ مَرَضًا لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ فَحَدُّهُ بِعِثْكَالٍ عَلَيْهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ ثُمَّ بَرِئَ لَمْ يُعَدْ عَلَيْهِ الْحَدُّ .

النَّفَلُ فِيهِ مَبَاحِثُ : الْأَوَّلُ : هُوَ قِسْمَانِ مُطْلَقٌ وَمُقَيَّدٌ بِوَقْتٍ أَوْ سَبَبٍ .
وَيَتَخَالَفَانِ فِي أُمُورٍ : أَحَدُهَا : أَنَّهُ لَا حَصْرَ لِلنَّفْلِ وَذَلِكَ مَحْصُورُ الْعَدَدِ .
ثَانِيهَا : يَكْفِي فِيهِ نِيَّةُ فِعْلِ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْمُقَيَّدِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّعْيِينِ .
ثَالِثُهَا : لَا يَجُوزُ فِعْلُ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ وَلَا يَنْعَقِدُ فِي الْأَصَحِّ بِخِلَافِ الْمُؤَقَّتِ .
الثَّانِي : النَّفَلُ أَوْسَعُ بَابًا مِنْ الْفَرْضِ .
وَلِهَذَا لَا يَجِبُ فِيهِ الْقِيَامُ وَلَا الِاسْتِقْبَالُ فِي السَّفَرِ وَلَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ .
وَكَذَا لَوْ صَلَّى إلَى جِهَةٍ بِالِاجْتِهَادِ ثُمَّ دَخَلَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى ، أَوْ أَرَادَ قَضَاءَ فَائِتَةٍ أُخْرَى لَزِمَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ ثَانِيًا وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ لِلنَّافِلَةِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ ( التَّهْذِيبِ ) ، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ لَا خِلَافَ فِيهِ ، وَلَوْ رَأَى الْمُتَيَمِّمُ الْمَاءَ فِي الصَّلَاةِ ( الْفَرِيضَةِ ) لَا يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ وَلَوْ كَانَ فِي نَافِلَةٍ فَوَجْهَانِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ : تَبْطُلُ ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ حُرْمَةِ ( الْفَرِيضَةِ ) وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ .
وَقَدْ ( يُضَيَّقُ النَّفَلُ فِي صُوَرٍ ) ( تَرْجِعُ إلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ ) وَهُوَ أَنَّهُ إنَّمَا جَازَ فِي ( الْفَرْضِ لِلضَّرُورَةِ ) .
مِنْهَا : يَمْتَنِعُ النَّفَلُ عَلَى فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ يُصَلِّي الْفَرْضَ ( لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَتَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ ) .
وَمِنْهَا : تَجُوزُ النِّيَابَةُ عَنْ الْمَعْضُوبِ فِي حَجِّ الْفَرْضِ وَيَمْتَنِعُ فِي النَّفْلِ .
وَمِنْهَا : تُصَلِّي الْمُتَحَيِّرَةُ الْفَرْضَ وَتُمْنَعُ مِنْ النَّفْلِ عَلَى وَجْهٍ قَوِيٍّ ( وَيَجُوزُ ) التَّيَمُّمُ فِي الْفَرْضِ وَفِي النَّفْلِ خِلَافٌ وَسُجُودُ السَّهْوِ يُجْزِئُ فِي الْفَرْضِ وَلِلشَّافِعِيِّ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) قَوْلٌ غَرِيبٌ : إنَّهُ لَا يُشْرَعُ لِلنَّفْلِ .
الثَّالِثُ : مَنْ عَلَيْهِ فَرْضٌ هَلْ لَهُ ( التَّنَفُّلُ ) قَبْلَ أَدَائِهِ بِجِنْسِهِ أَمْ لَا ؟ هُوَ نَوْعَانِ : أَحَدُهُمَا " الْعِبَادَاتُ

الْمَحْضَةُ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَإِنْ كَانَتْ مُوَسَّعَةً جَازَ قَطْعًا وَإِنْ كَانَتْ مُضَيَّقَةً امْتَنَعَ إذَا ضَاقَ وَقْتُ الْفَرْضِ فَلَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ فَالْقِيَاسُ بُطْلَانُهُ كَالصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ .
وَمِنْهَا : لَوْ شَرَعَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ لَا يَبْتَدِئُ النَّافِلَةَ ، وَفِي مَعْنَى الشُّرُوعِ قُرْبُ إقَامَتِهَا ، وَقَدْ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ وَالْخَطِيبُ فِي آخِرِ الْخُطْبَةِ لَمْ يُصَلِّ التَّحِيَّةَ ؛ لِئَلَّا يَفُوتَهُ أَوَّلُ الْجُمُعَةِ مَعَ الْإِمَامِ .
وَمِنْهَا رَمَضَانُ لَا يُقْبَلُ غَيْرُهُ فَلَوْ نَوَاهُ لَمْ يَصِحَّ .
وَمِنْهَا لَيْسَ لَهُ التَّطَوُّعُ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَدَاءِ الْفَرْضِ فَلَوْ فَعَلَ انْصَرَفَ إلَى الْفَرْضِ .
الثَّانِي : الْقُرُبَاتُ الْمَالِيَّةُ كَالْعِتْقِ وَالْوَقْفِ وَالصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ إذَا فَعَلَهَا مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَهُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِمَّا لَا يَفْضُلُ عَنْ حَاجَتِهِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ وَاجِبٌ فَلَا يَحِلُّ تَرْكُهُ لِسُنَّةٍ وَعَلَى هَذَا فَهَلْ يَمْلِكُهُ الْمُتَصَدِّقُ عَلَيْهِ ؟ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَهِبَةِ الْمَاءِ بَعْدَ الْوَقْتِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ عَلَى الْمُرَجَّحِ .
وَمِنْهَا : لَوْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ وَلَمْ يَنْوِ الزَّكَاةَ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ الزَّكَاةُ .

النَّقْدُ وَهُوَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ قِيَمُ الْأَشْيَاءِ إلَّا فِي بَابِ السَّرِقَةِ فَإِنَّ الذَّهَبَ أَصْلٌ وَالْفِضَّةَ عُرُوضٌ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) فِي الْأُمِّ وَقَالَ : لَا أَعْرِفُ مَوْضِعًا نَزَلَ الدِّرْهَمُ فِيهِ مَنْزِلَةَ الْعُرُوضِ إلَّا فِي السَّرِقَةِ ، وَلَيْسَ لَنَا شَيْءٌ يُضْمَنُ بِغَيْرِ النَّقْدِ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ : إحْدَاهُمَا : الْمُصَرَّاةُ .
وَالثَّانِيَةُ : إذَا جَنَى عَلَى عَبْدٍ فَعَتَقَ وَمَاتَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِلسَّيِّدِ الْأَقَلَّ مِنْ كُلِّ الدِّيَةِ وَنِصْفَ الْقِيمَةِ مِنْ إبِلِ الدِّيَةِ .
ثُمَّ فِي جَوَازِ الْمُعَامَلَةِ بِالدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ إذَا رَاجَتْ خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ يَجُوزُ عَلَى عَيْنِهَا وَيَمْتَنِعُ فِي الذِّمَّةِ ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ قَطْعًا ، وَتَجُوزُ الشَّرِكَةُ فِيهَا عَلَى الْأَقْوَى عِنْدَ النَّوَوِيِّ وَيَمْتَنِعُ الْقِرَاضُ عَلَيْهَا عَلَى الصَّحِيحِ وَيَلْزَمُ النَّوَوِيَّ طَرْدُ اخْتِيَارِهِ هُنَا ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ شَرِيكٌ ، وَأَمَّا قَرْضُهَا فَقَالَ فِي الْبَحْرِ : لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا ، وَحَكَاهُ فِي الْبَيَانِ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ وَهُوَ قَضِيَّةُ مَا فِي التَّبْصِرَةِ لِلْجُوَيْنِيِّ وَكَأَنَّهُ قَاسَهُ عَلَى الْقِرَاضِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَنْعَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَنْعِ التَّعَامُلِ بِهَا فِي الذِّمَّةِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ التَّبْصِرَةِ وَالْمُخْتَارُ الْجَوَازُ ؛ لِأَنَّ فِي الْإِقْرَاضِ إرْفَاقًا .
( وَلِهَذَا يَجُوزُ فِيهِ أَخْذُ الزَّائِدِ ) وَالنَّاقِصِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَلَا يُلْحَقُ بِالْمُعَاوَضَاتِ ، وَأَمَّا ضَمَانُهَا إذَا تَلِفَتْ فَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : إذَا أُتْلِفَتْ الْمَغْشُوشَةُ لَا تُضْمَنُ بِمِثْلِهَا بَلْ قِيمَةُ الدَّرَاهِمِ ذَهَبًا وَقِيمَةُ الذَّهَبِ دَرَاهِمُ وَادَّعَى أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَهُوَ يُشْبِهُ قَوْلَ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرَهُ فِي الدَّعْوَى بِهَا أَنَّهُ يَذْكُرُ قِيمَتَهَا مِنْ النَّقْدِ الْآخَرِ وَهَذَا كُلُّهُ إنَّمَا يَتِمُّ إذَا جَعَلْنَاهَا مُتَقَوِّمَةً ، وَقَدْ حَمَلَ الرَّافِعِيُّ فِي الدَّعَاوَى

كَلَامَ أَبِي حَامِدٍ عَلَيْهِ فَقَالَ : لَعَلَّهُ جَوَابٌ عَلَى أَنَّ الْمَغْشُوشَ مُتَقَوِّمٌ إنْ جَعَلْنَاهُ مِثْلِيًّا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا نَشْتَرِطَ التَّعَرُّضَ لِلْقِيمَةِ ، وَقَدْ قَالَ الْمُتَوَلِّي إنْ جَوَّزْنَا الْمُعَامَلَةَ بِالْمَغْشُوشَةِ فَهِيَ مِثْلِيَّةٌ وَإِلَّا فَمُتَقَوِّمَةٌ ، وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ مَا قَالَهُ فَالْأَصَحُّ جَوَازُ الْمُعَامَلَةِ بِهَا وَبِهِ يَتَرَجَّحُ كَوْنُهَا مِثْلِيَّةً ، فَقَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ - لَا خِلَافَ فِيهِ - مَرْدُودٌ .
ضَابِطٌ فِي التَّعَامُلِ بِالْمَغْشُوشِ .
هُوَ نَوْعَانِ : أَحَدُهُمَا : يُعْلَمُ الْخَالِصُ مِنْهُ لِلْمُتَعَامِلِينَ وَغَيْرِهِمْ فَيَجُوزُ عَيْنًا وَذِمَّةً .
وَالثَّانِي : يُجْهَلُ وَيَنْقَسِمُ إلَى مَا غِشُّهُ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ وَفِي قِيمَتِهِ كَالنُّحَاسِ وَإِلَى مَا يَكُونُ مُسْتَهْلَكًا غَيْرَ مَقْصُودٍ كَالزِّئْبَقِ وَالزِّرْنِيخِ ، وَالْأَوَّلُ يَنْقَسِمُ إلَى مَا يَمْتَزِجُ بِالْآخَرِ وَإِلَى مَا لَا يَمْتَزِجُ فَإِنْ كَانَتْ الْفِضَّةُ غَيْرَ مُمَازِجَةٍ لِلْغِشِّ مِنْ النُّحَاسِ وَإِنَّمَا الْفِضَّةُ عَلَى ظَاهِرِهَا فَالْمُعَامَلَةُ بِهَا غَيْرُ جَائِزَةٍ لَا عَيْنًا وَلَا فِي الذِّمَّةِ لِاسْتِتَارِ بَعْضِ الْمَقْصُودِ وَالْجَهَالَةِ بِهِ .
وَإِنْ كَانَتْ مُمَازِجَةً لَمْ تَجُزْ الْمُعَامَلَةُ عَلَيْهَا فِي الذِّمَّةِ كَمَا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْمَعْجُونَاتِ الْمَقْصُودَةِ أَجْزَاؤُهَا وَفِي جَوَازِهِ عَلَى الْأَعْيَانِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا الْمَنْعُ لِلْجَهَالَةِ بِأَجْزَائِهَا كَتُرَابِ الصَّاغَةِ ( وَأَصَحُّهُمَا ) يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَعْجُونَاتِ الْمُشَاهَدَةِ وَالْحِنْطَةِ الْمُخْتَلِطَةِ بِالشَّعِيرِ إذَا شُوهِدَتْ وَخَالَفَ تُرَابَ الصَّاغَةِ فَإِنَّهُ اخْتَلَطَ الْمَقْصُودُ بِغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ الْغِشُّ بِغَيْرِ ( مَقْصُودٍ فَإِنْ امْتَزَجَا لَمْ يَجُزْ فِي الذِّمَّةِ وَالْعَيْنِ كَتُرَابِ الصَّاغَةِ وَإِنْ لَمْ يَمْتَزِجَا بَلْ كَانَ الْغِشُّ ) فِي بَاطِنِهَا وَالْفِضَّةُ عَلَى ظَاهِرِهَا جَازَ الْمُعَامَلَةُ عَلَى عَيْنِهَا دُونَ الذِّمَّةِ ، وَلَا يَجُوزُ ( بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ ، وَلَا بَيْعُهَا بِالْخَالِصَةِ ) لِلرِّبَا ،

وَلَوْ أَتْلَفَهَا رَجُلٌ عَلَى غَيْرِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ مِثْلُهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهَا وَلَزِمَهُ قِيمَتُهَا .
وَهَذَا مُلَخَّصُ مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي بَابِ زَكَاةِ النَّقْدِ .

النَّكِرَةُ إذَا أُعِيدَتْ كَانَتْ غَيْرَ الْأُولَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } .
وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ) : ( لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنَ ) .
وَمِنْ فُرُوعِهِ : لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ طَلْقَةٍ وَثُلُثَ طَلْقَةٍ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقَعُ طَلْقَتَانِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ الطَّلْقَةَ مَرَّتَيْنِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ أَضَافَهُ لِطَلْقَةٍ وَعَطَفَ الْبَعْضَ عَلَى الْبَعْضِ وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي التَّغَايُرَ وَيَمْنَعُ مِنْ التَّأْكِيدِ ، وَقِيلَ : لَا يَقَعُ إلَّا طَلْقَةٌ ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الطَّلْقَةِ وَإِنْ كُرِّرَ فَيَحْتَمِلُ التَّأْكِيدَ ، وَالْقَاعِدَةُ الْبَيَانِيَّةُ تَشْهَدُ لِلْمُرَجِّحِ إلَّا أَنَّ ابْنَ الصَّبَّاغِ قَالَ : إنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ غَيْرُ صَحِيحٍ ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ إنَّمَا دَخَلَ فِي الْأَبْعَاضِ لَا فِي الطَّلْقَاتِ وَالْأَبْعَاضُ مُتَغَايِرَةٌ وَإِنَّمَا تَغَايَرَتْ الطَّلْقَاتُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الطَّلْقَاتُ غَيْرَ مُتَغَايِرَةٍ لَأَتَى فَاللَّامُ التَّعْرِيفِ قَالَ : وَهَذِهِ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ إذَا لَمْ يُعْطَفْ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْفَرْقُ أَنَّ الثُّلُثَ الَّذِي لَمْ نَعْطِفْهُ عَلَى النِّصْفِ لَمْ يَقَعْ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ لَفْظُ الْإِيقَاعِ وَلَا عُطِفَ عَلَى مَا لَيْسَ فِيهِ لَفْظُ الْإِيقَاعِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ؛ لَمْ تَقَعْ إلَّا وَاحِدَةٌ .
وَمِنْهَا : لَوْ قَالَ : إنْ كَلَّمْت رَجُلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ كَلَّمْت فَقِيهًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ كَلَّمْت شَيْخًا فَأَنْتِ طَالِقٌ - فَكَلَّمَتْ ( مَنْ اجْتَمَعَ فِيهِ الْكُلُّ وَقَعَ ثَلَاثٌ لِاجْتِمَاعِ الصِّفَاتِ فِيهِ ) وَقِيَاسُ الْقَاعِدَةِ اعْتِبَارُ التَّعَدُّدِ .
وَلِهَذَا لَوْ عَلَّقَ بِأَكْلِ رَغِيفٍ أَوْ رُمَّانَةٍ فَأَكَلَتْ نِصْفَيْ رُمَّانَتَيْنِ أَوْ نِصْفَيْ رَغِيفَيْنِ لَمْ يَقَعْ وَمِنْ مُشْكِلِهِ أَيْضًا مَا لَوْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ ثُمَّ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفٍ فِي يَوْمٍ آخَرَ لَزِمَهُ أَلْفٌ فَقَطْ ، وَلَوْ عَلَّقَ بِأَكْلِ رُمَّانَةٍ وَعَلَّقَ بِنِصْفٍ بِأَنْ قَالَ : إنْ أَكَلْت (

رُمَّانَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ أَكَلْت نِصْفَ رُمَّانَةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ - فَأَكَلَتْ رُمَّانَةً ) فَطَلْقَتَانِ لِوُجُودِ الصِّفَتَيْنِ .
وَلَوْ بَاعَ بِنِصْفٍ وَثُلُثٍ وَسُدُسٍ لَا يَلْزَمُهُ دِينَارٌ صَحِيحٌ بَلْ لَهُ دَفْعُ شَيْءٍ مِنْ كُلٍّ ، كَذَا أَطْلَقُوهُ وَهُوَ كَذَلِكَ إذَا صَرَّحَ بِالدِّرْهَمِ الْمُضَافِ إلَيْهِ ، أَمَّا لَوْ صَرَفَهُ كَالصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ دِينَارٌ صَحِيحٌ .

النُّكُولُ مَعَ الْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ كَالْإِقْرَارِ أَوْ كَالْبَيِّنَةِ ؟ قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا الْأَوَّلُ وَقَدْ أَطْلَقُوهُ وَلَهُ شُرُوطٌ : أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ لِآدَمِيٍّ فَأَمَّا فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا كَمَنْ نَكَلَ عَنْ ( الْحَلِفِ ) عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَزْنِ لَا يُحَدُّ وَلَوْ اجْتَمَعَ الْحَقَّانِ كَالسَّرِقَةِ فَوَجْهَانِ .
الثَّانِي : أَنَّ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَالِفِ وَالنَّاكِلِ وَأَمَّا فِي حَقٍّ ثَالِثٍ فَلَا يَتَعَدَّى لِيَخْرُجَ مَنْ نَكَلَ عَنْ يَمِينِ نَفْيِ الْقَتْلِ فَلَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ إذَا حَلَفَ الْمُسْتَحِقُّ .
الثَّالِثُ : أَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْأُمُورِ التَّقْدِيرِيَّةِ لَا التَّحْقِيقِيَّةِ .
ثُمَّ إذَا جَعَلْنَاهَا كَالْبَيِّنَةِ فَذَلِكَ فِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَأَمَّا فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَمُنَزَّلَةٌ عَلَى الْإِقْرَارِ فَيُنْظَرُ إنْ كَانَ إقْرَارُهُ مَقْبُولًا فِي حَقِّهِ قُبِلَتْ قَطْعًا كَمَا إذَا ادَّعَى عَلَى الْمُفْلِسِ أَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا فَأَنْكَرَ فَرُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي فَإِنْ قُلْنَا : كَالْإِقْرَارِ ، سُمِعَتْ وَكَذَلِكَ كَالْبَيِّنَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِالْإِتْلَافِ أَوْ الدَّيْنِ قَبْلَ الْحَجْرِ لَقُبِلَتْ فَلْتُقْبَلْ ( الْبَيِّنَةُ ) أَيْضًا ؛ لِأَنَّهَا كَالْإِقْرَارِ وَأَوْلَى وَإِقْرَارُهُ مَقْبُولٌ ، وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ الْإِقْرَارُ فِي حَقٍّ ثَالِثٍ لَمْ تُسْمَعْ فِي الْأَصَحِّ .
مِثَالُهُ ادَّعَى عَلَى الرَّاهِنِ أَنَّ عَبْدَهُ الْمَرْهُونَ جَنَى فَأَنْكَرَ فَحَلَفَ الْمُدَّعِي الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ فَإِنْ قُلْنَا : كَالْإِقْرَارِ لَمْ يُسْمَعْ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يُسْمَعُ فِي حَقٍّ ثَالِثٍ وَإِنْ قُلْنَا : كَالْبَيِّنَةِ فَوَجْهَانِ الْأَصَحُّ لَا تُسْمَعُ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَعَدَّى إلَى ثَالِثٍ وَإِقْرَارُ الْمَالِكِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يُنَفَّذُ .

النِّيَّةُ يَتَعَلَّقُ بِهَا مَبَاحِثُ الْأَوَّلُ : فِي حَقِيقَتِهَا ، وَهُوَ رَبْطُ الْقَصْدِ بِمَقْصُودٍ مُعَيَّنٍ ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا مُطْلَقُ الْقَصْدِ إلَى الْفِعْلِ ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : هِيَ قَصْدُ الشَّيْءِ مُقْتَرِنًا بِفِعْلِهِ فَإِنْ قَصَدَهُ وَتَرَاخَى عَنْهُ فَهُوَ عَزْمٌ .
وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي فَتَاوِيهِ : أَمْرُ النِّيَّةِ سَهْلٌ فِي الْعِبَادَاتِ ( وَإِنَّمَا يَتَعَسَّرُ بِسَبَبِ الْجَهْلِ ) ؟ بِحَقِيقَةِ النِّيَّةِ أَوْ الْوَسْوَسَةِ فَحَقِيقَةُ النِّيَّةِ الْقَصْدُ إلَى الْفِعْلِ وَذَلِكَ مِمَّا يَصِيرُ بِهِ الْفِعْلُ اخْتِيَارِيًّا كَالْهُوِيِّ إلَى السُّجُودِ فَإِنَّهُ يَكُونُ تَارَةً بِقَصْدِهِ وَتَارَةً يَكُونُ بِسُقُوطِ الْإِنْسَانِ عَلَى وَجْهِهِ بِصَدْمَةٍ فَهَذَا الْقَصْدُ يُضَادُّهُ الِاضْطِرَارُ وَالْقَصْدُ الثَّانِي كَالْعِلَّةِ لِهَذَا الْقَصْدِ وَهُوَ الِانْبِعَاثُ لِإِجَابَةِ الدَّاعِي كَالْقِيَامِ عِنْدَ رُؤْيَةِ إنْسَانٍ فَإِنْ قَصَدْت احْتِرَامَهُ فَقَدْ نَوَيْت تَعْظِيمَهُ وَإِنْ نَوَيْت الْخُرُوجَ ( إلَى الطَّرِيقِ فَقَدْ نَوَيْت الْخُرُوجَ ) فَالْقَصْدُ إلَى الْقِيَامِ لَا يَنْبَعِثُ مِنْ النَّفْسِ إلَّا إذَا كَانَ فِي الْقِيَامِ غَرَضٌ ، فَذَلِكَ الْغَرَضُ هُوَ الْمَنْوِيُّ ، وَالنِّيَّةُ إذَا أُطْلِقَتْ فِي الْغَالِبِ أُرِيدَ بِهَا انْبِعَاثٌ لِلْقَصْدِ مُوَجَّهًا إلَى ذَلِكَ الْغَرَضِ ، فَالْغَرَضُ عِلَّةٌ وَقَصْدُ الْفِعْلِ لَا يَنْفَكُّ عِنْدَ الْخَطَرِ إذْ اللِّسَانُ لَا يَجْرِي عَلَيْهِ كَلَامٌ مَنْظُومٌ اضْطِرَارًا ، وَالْفِكْرُ قَدْ يَنْفَكُّ عَنْ النِّيَّةِ فَهَذَا يُفِيدُك أَنَّ النِّيَّةَ عِبَارَةٌ عَنْ إجَابَةِ الْبَاعِثِ الْمُتَحَرِّكِ فَهَذَا تَحْقِيقُ نَوْعَيْ الْقَصْدِ ، فَالْقَصْدُ الْأَوَّلُ يَسْتَدْعِي عِلْمًا فَإِنَّ مَنْ لَا يَعْلَمُ الْقِيَامَ وَلَا التَّكْبِيرَ لَا يَقْصِدُ ، وَالْقَصْدُ الثَّانِي أَيْضًا يَسْتَدْعِي الْعِلْمَ بِأَنَّ الْغَرَضَ إنَّمَا يَكُونُ بَاعِثًا فِي حَقِّ مَنْ عَلِمَ الْغَرَضَ فَيُرْجَعُ إلَى الثَّانِي وَهُوَ النِّيَّةُ وَهِيَ خَطِرَةٌ وَاحِدَةٌ لَيْسَ فِيهَا تَعَدُّدٌ حَتَّى يَعْسُرَ جَمْعُهَا وَيُمْكِنُ اسْتِدَامَتُهَا بَلْ يَجِبُ مِنْ أَوَّلِ التَّكْبِيرِ إلَى

آخِرِهِ وَتَنْقَطِعُ اسْتِدَامَتُهَا بِضِدِّهَا وَهُوَ قَصْدٌ لِشَيْءٍ آخَرَ .
الثَّانِي : النِّيَّةُ تَنْقَسِمُ إلَى نِيَّةِ ( التَّقَرُّبِ ) وَنِيَّةِ التَّمْيِيزِ .
فَالْأُولَى : تَكُونُ فِي الْعِبَادَاتِ وَهُوَ إخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ ( تَعَالَى ) .
وَالثَّانِيَةُ : تَكُونُ فِي الْمُحْتَمَلِ لِلشَّيْءِ وَغَيْرِهِ وَذَلِكَ كَأَدَاءِ الدُّيُونِ إذَا أَقْبَضَهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ هِبَةً وَقَرْضًا وَدِيعَةً وَإِبَاحَةً فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ تَمَيُّزِ إقْبَاضِهِ عَنْ سَائِرِ أَنْوَاعِ الْإِقْبَاضِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ ( نِيَّةُ التَّقَرُّبِ ) ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فِي مَوَاضِعَ ، وَقَالَ فِي بَابِ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ : إنَّ مَنْ عَلَيْهِ أَلْفُ .
دِرْهَمٍ دَيْنًا فَسَلَّمَهَا إلَى مُسْتَحِقِّهَا لَا يَقَعُ عَنْ الدَّيْنِ مَا لَمْ يَقْصِدْ أَدَاءَهُ وَمِثْلُهُ كُلُّ مَنْ جَازَ لَهُ الشِّرَاءُ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ كَالْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ لِنَفْسِهِ وَلِمُوَكِّلِهِ وَيَتِيمِهِ فَإِذَا أُطْلِقَ الشِّرَاءُ يَنْصَرِفُ لِنَفْسِهِ وَلَا يَنْصَرِفُ إلَى غَيْرِهِ إلَّا ( بِالنِّيَّةِ الَّتِي تُمَيِّزُهُ ) عَنْ الشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ .
وَلَوْ وَكَّلَ عَبْدًا لِيَشْتَرِيَ لَهُ نَفْسَهُ مِنْ سَيِّدِهِ أَوْ مَالًا آخَرَ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ : وَيَجِبُ أَنْ يُصَرِّحَ بِذِكْرِ الْمُوَكِّلِ وَإِلَّا فَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْعِتْقِ لَا يَنْدَفِعُ بِالنِّيَّةِ .
وَكَلَامُ الْجُرْجَانِيِّ فِي الشَّافِي يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا تَجِبُ التَّسْمِيَةُ وَأَنَّهُ يَنْدَفِعُ بِالنِّيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ : إنْ صَدَّقْنَاهُ صَحَّ الْبَيْعُ لِلْمُوَكَّلِ .
وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ لِرَجُلٍ : اشْتَرِ لِي نَفْسِي مِنْ سَيِّدِي فَفَعَلَ صَحَّ وَيُشْتَرَطُ التَّصْرِيحُ بِالْإِضَافَةِ لِلْعَبْدِ عَلَى مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ فَلَوْ أُطْلِقَ وَقَعَ الشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ قَدْ لَا يَرْضَى بِعَقْدٍ يَتَضَمَّنُ الْإِعْتَاقَ قَبْلَ تَوَفُّرِ الثَّمَنِ وَالنِّيَّةُ الْأُولَى تَمْتَنِعُ مِنْ الْكَافِرِ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ .
وَلِهَذَا لَوْ ظَاهَرَ صَحَّ وَيُكَفِّرُ بِالْعِتْقِ

وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ النِّيَّةِ .
وَكَذَلِكَ إذَا حَاضَتْ الْكَافِرَةُ وَاغْتَسَلَتْ لِتَحِلَّ لِزَوْجِهَا الْمُسْلِمِ فَلَا بُدَّ أَنْ تَنْوِيَ إبَاحَةَ الِاسْتِمْتَاعِ ، فَإِنْ لَمْ تَنْوِ لَا يُبَاحُ وَطْؤُهَا .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ النِّيَّةَ فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ لِلتَّقَرُّبِ وَاخْتُلِفَ فِي شَيْئَيْنِ : أَحَدُهُمَا : الزَّكَاةُ هَلْ شُرِطَتْ النِّيَّةُ فِيهَا لِلْعِبَادَةِ أَوْ لِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا ( الدَّارِمِيُّ ) فِي الِاسْتِذْكَارِ ، وَفَرَّعَ عَلَيْهِمَا مَا لَوْ دَفَعَ إلَى الْإِمَامِ وَلَمْ يَنْوِ هَلْ يُجْزِيهِ وَمَا لَوْ قَالَ : هَذِهِ زَكَاةُ مَالِي وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْفَرْضِيَّةِ .
الثَّانِي : النِّيَّةُ فِي الْوُضُوءِ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : الْأَوْلَى أَنْ لَا تُجْعَلَ النِّيَّةُ فِيهِ لِلْقُرْبَةِ بَلْ لِلتَّمْيِيزِ وَلَوْ كَانَتْ لِلْقُرْبَةِ لَمَا جَازَ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَدَاءِ الْوُضُوءِ وَحَذْفِ الْفَرِيضَةِ ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لِلْفَرْضِيَّةِ فِي الصَّلَاةِ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ ، وَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ نَوَى أَدَاءَ الْوُضُوءِ كَفَاهُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهَذَا مِنْهُ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَكْسٌ لِمَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْإِمَامُ فَإِنَّهُ جَعَلَ الِاكْتِفَاءَ بِأَدَاءِ الْوُضُوءِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ قُرْبَةٌ ، وَالرَّافِعِيُّ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ قُرْبَةٍ ، وَعِبَارَةُ الْإِمَامِ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الْأَئِمَّةُ أَنَّ نِيَّةَ الْوُضُوءِ مِنْ نِيَّةِ الْقُرُبَاتِ ( وَالْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ ) أَوْجَبَ النِّيَّةَ فِيهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوُضُوءَ قُرْبَةٌ ، وَمَا قَطَعَ بِهِ الْأَئِمَّةُ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِنِيَّةِ أَدَاءِ الْوُضُوءِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ نِيَّتَهُ نِيَّةُ الْقُرُبَاتِ ، وَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ الْوُضُوءَ يَقَعُ تَنْظِيفًا وَيَقَعُ مَأْمُورًا بِهِ فَالْغَرَضُ مِنْ النِّيَّةِ إيقَاعُهُ مَأْمُورًا كَانَ ظَنًّا بَعِيدًا .

الثَّالِثُ : مِنْ الْأَفْعَالِ مَا تَدْخُلُهُ النِّيَّةُ وَمِنْهَا مَا لَا تَدْخُلُهُ .
فَمِنْ الْأَوَّلِ الْعِبَادَاتُ ، فَأَمَّا الْوَاجِبُ الَّذِي لَمْ يُشْرَعْ عِبَادَةً ، كَرَدِّ الْمَغْصُوبِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ وُصُولُ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِدُونِهَا ، وَأَمَّا الْمَنْدُوبَاتُ فَتَفْتَقِرُ إلَى قَصْدِ إيقَاعِهَا طَاعَةً لِيُثَابَ عَلَيْهَا .
وَأَمَّا الْمُبَاحَاتُ فَلَا تَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ نَعَمْ إنْ أُرِيدَ الثَّوَابُ عَلَيْهَا افْتَقَرَتْ إلَيْهَا .
وَأَمَّا ) الْمُحَرَّمَاتُ فَلَا تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ فِي الْخُرُوجِ عَنْ الْعُهْدَةِ بِمُجَرَّدِ التَّرْكِ فَإِنْ قَصَدَ الثَّوَابَ فَلَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ الِامْتِثَالِ خُصُوصًا إذَا اشْتَهَتْهُ النَّفْسُ وَصَرَفَهَا عَنْهُ ، وَمِمَّا ذَكَرْنَا يُعْلَمُ حُكْمُ الْمَكْرُوهَاتِ وَمِنْ ذَلِكَ التُّرُوكُ كَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ عَلَى الصَّحِيحِ .
وَلِهَذَا تَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ وَالْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ ، وَكَذَا مَا تَعَيَّنَ لِنَفْسِهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ كَرَدِّ الْوَدِيعَةِ وَمِنْ هُنَا قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ : لَا تَجِبُ النِّيَّةُ فِي الْوُضُوءِ ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ بِالْمَاءِ صِفَةٌ طَبِيعِيَّةٌ لِلْمَاءِ ، وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ : لَا مَدْخَلَ لِلنِّيَّةِ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْأَذْكَارِ وَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَدَفْنِ الْمَيِّتِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ ، وَكَذَا قَالَ صَاحِبُ الْإِقْلِيدِ : أَدَاءُ الدَّيْنِ وَرَدُّ الْوَدِيعَةِ وَالْأَذَانُ وَتِلَاوَةُ الْقُرْآنِ وَالْأَذْكَارُ وَهِدَايَةُ الطَّرِيقِ وَإِمَاطَةُ الْأَذَى وَنَحْوُهَا مِنْ الْأَعْمَالِ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ } فَالْمُرَادُ بِهِ الْأَعْمَالُ الَّتِي تَقَعُ تَارَةً طَاعَةً وَغَيْرَ طَاعَةٍ أُخْرَى بِدَلِيلِ ذِكْرِ الْهِجْرَةِ فِي سِيَاقِ الْحَدِيثِ وَأَمَّا هَذِهِ الْقُرُبَاتُ وَنَحْوُهَا مِمَّا شُرِعَ لِمَصْلَحَةٍ عَاجِلَةٍ قَصْدًا أَوْ كَانَ بِصُورَتِهِ عِبَادَةً فَعَدَمُ وُجُوبِ النِّيَّةِ فِيهَا

لِعَدَمِ إرَادَتِهَا أَوْ لِخُرُوجِهَا عَنْ الْإِرَادَةِ حِسًّا كَصُورَةِ ( الْعَمَلِ ) إنْ قِيلَ بِعُمُومِ الْأَعْمَالِ لِلطَّاعَةِ وَالْقُرْبَةِ انْتَهَى .
وَقَدْ اسْتَثْنَى الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى ، وَالْإِمَامُ فِي الْمَحْصُولِ فِي بَابِ الْأَوَامِرِ مِمَّا يَجِبُ فِيهِ النِّيَّةُ مِنْ الْعِبَادَاتِ شَيْئَيْنِ : أَحَدُهُمَا : الْوَاجِبُ الْأَوَّلُ وَهُوَ النَّظَرُ الْمَعْرُوفُ بِوُجُوبِ النَّظَرِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْقَصْدُ إلَى إيقَاعِهِ طَاعَةً إلَّا إذَا عُرِفَ وُجُوبُهُ وَهُوَ بَعْدُ لَمْ يُعْرَفْ وُجُوبُهُ فَيَسْتَحِيلُ اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ فِيهِ ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ .
الثَّانِي : إرَادَةُ الطَّاعَةِ فَإِنَّهَا لَوْ افْتَقَرَتْ إلَى إرَادَةٍ أُخْرَى لَزِمَ التَّسَلْسُلُ وَفِيمَا قَالَهُ نِزَاعٌ وَمِمَّا تَدْخُلُهُ النِّيَّةُ التَّذْكِيَةُ ، فَلَوْ كَانَ بِيَدِهِ سِكِّينٌ فَسَقَطَتْ وَاحْتَكَّتْ بِهَا شَاةٌ فِي الْمَذْبَحِ حَتَّى مَاتَتْ فَحَرَامٌ خِلَافًا لِأَبِي إِسْحَاقَ ، وَكَذَا لَوْ وَقَعَ مِنْهُ شَبَكَةٌ ( فَتَعَلَّقَ بِهَا ) صَيْدٌ فَهُوَ حَرَامٌ فِي الْأَصَحِّ لِعَدَمِ الْقَصْدِ .
وَلَوْ نَصَبَ شَبَكَةً لِقَصْدِ اصْطِيَادِ حَيَوَانٍ غَيْرِ مَأْكُولٍ فَوَقَعَ فِيهَا مَأْكُولٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَخْرُجَ فِي الْمِلْكِ وَجْهَانِ مِنْ نَظِيرِهِ ، فَمَا لَوْ رَمَى إلَى شَيْءٍ يَعْتَقِدُهُ غَيْرَ صَيْدٍ فَإِذَا هُوَ صَيْدٌ فَإِنَّهُ يَحِلُّ فِي الْأَصَحِّ .
وَقَدْ يُكْتَفَى بِهَيْئَةِ الْعِبَادَةِ عَنْ النِّيَّةِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَتَسَحَّرُ لِأَقْوَى عَلَى الصَّوْمِ غَدًا ، فَإِنَّهُ يَكْفِي فِي النِّيَّةِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ .
وَقَرِيبٌ مِنْهُ فِي الِاعْتِكَافِ لَوْ خَرَجَ عَلَى نِيَّةٍ أَنَّهُ يَعُودُ لَا يَحْتَاجُ عِنْدَ الْعَوْدِ إلَى تَجْدِيدِ نِيَّةٍ كَمَا سَيَأْتِي .

الرَّابِعُ : أَصْلُ تَشْرِيعِ النِّيَّةِ لِتَمْيِيزِ الْعِبَادَةِ عَنْ الْعَادَةِ .
وَأَمَّا تَعْيِينُهَا فَنَقَلَ ( الْإِمَامُ ) عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ شُرِعَ لِتَمْيِيزِ الْعِبَادَةِ مِنْ الْعِبَادَةِ فَإِذَا كَانَ الْوَقْتُ يَحْتَمِلُ أَنْوَاعًا مِنْ الصَّلَاةِ فَلَوْ نَوَى الصَّلَاةَ مُطْلَقًا لَمْ تَكُنْ صَلَاةٌ أَوْلَى بِالِانْعِقَادِ مِنْ صَلَاةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ النِّيَّةِ فِيهِ لِعَقْدِ مَا يَبْغِيهِ الْمُصَلِّي مِنْ ضُرُوبِ الصَّلَوَاتِ .
وَبُنِيَ عَلَى هَذَا أَنَّ أَصْلَ النِّيَّةِ يَجِبُ فِي الصَّوْمِ وَلَا يَجِبُ تَعْيِينُهَا قَالَ : وَهُوَ فِقْهٌ ظَاهِرٌ .
ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَيْهِ مَا لَوْ دَخَلَ وَقْتُ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَلَا نَذْرٌ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ فَرْضُ الْوَقْتِ فَإِذَا نَوَى الْفَرْضَ عَلَيْهِ فَكَانَ يَصِحُّ كَالْكَفَّارَةِ لَا يَجِبُ تَعْيِينُهَا ، فَإِنْ أَوْجَبُوا التَّعْيِينَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ نَقَلْنَا الْكَلَامَ إلَى الصَّوْمِ ، ثُمَّ اخْتَارَ الْإِمَامُ أَنَّ إيجَابَ التَّعْيِينِ فِي النِّيَّةِ شُرِعَ لِلتَّعَبُّدِ لَا لِمَا ذَكَرَهُ ، وَبِذَلِكَ يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ : " إنَّ النِّيَّةَ شُرِعَتْ لِتَمْيِيزِ الْعِبَادَاتِ عَنْ الْعَادَاتِ أَوْ لِمَرَاتِبِ الْعِبَادَةِ بَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ " نَزْعَةٌ حَنَفِيَّةٌ ، فَمِمَّا لَا يَجِبُ فِيهِ التَّعْيِينُ الْكَفَّارَةُ وَالْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ لَا يَجِبُ تَعْيِينُهُ وَالزَّكَاةُ وَالْوَكَالَةُ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ لَا يَجِبُ تَعْيِينُ الْمَيِّتِ وَالْأَحْدَاثُ لَا يَجِبُ تَعْيِينُهَا فِي الرَّفْعِ .

الْخَامِسُ : فِي شُرُوطِهَا وَهِيَ ثَلَاثَةٌ : الْأَوَّلُ : أَنْ تَتَعَلَّقَ بِمُعَيَّنٍ إلَّا فِي مَوَاضِعَ اكْتَفَوْا فِيهَا بِأَصْلِ النِّيَّةِ تَوَسُّعًا فِي الْعِبَادَةِ .
فَمِنْهُ الِاعْتِكَافُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ تَعْيِينُ مُدَّةٍ ، وَإِذَا أُطْلِقَ كَفَتْهُ نِيَّتُهُ وَإِنْ طَالَ مُكْثُهُ .
وَمِنْهُ النَّفَلُ الْمُطْلَقُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ نِيَّةُ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَلَهُ أَنْ يَزِيدَ وَيَنْقُصَ بِشَرْطِهِ .
وَمِنْهُ الْحَجُّ إذَا أُطْلِقَ الْإِحْرَامُ صَحَّ وَانْصَرَفَ إلَى فَرْضِهِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ قَالَ الْإِمَامُ : وَسُقُوطُ أَثَرِ التَّعْيِينِ فِي النِّيَّةِ فِي عُسْرٍ مُشْكِلٌ ، وَلَكِنَّ الْمُمْكِنَ فِيهِ أَنَّ قَصْدَ التَّطَوُّعِ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ وَوُجُوبُ تَقْدِيمِ حُجَّةِ الْإِسْلَامِ ثَابِتٌ فَيَنْتَظِمُ مِنْ ذَلِكَ صِحَّةُ الْحَجِّ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمُسْتَحَقِّ ، وَكَانَ يُمْكِنُ أَنْ يَقْضِيَ بِفَسَادِ النِّيَّةِ ، وَإِنَّمَا عَظُمَ وَضْعُ الْإِشْكَالِ لِانْضِمَامِ مُشْكِلٍ إلَى مُشْكِلٍ أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّعْيِينِ وَالثَّانِي اسْتِحْقَاقُ التَّرْتِيبِ وَهُوَ أَعْوَصُ مِنْ الْأَوَّلِ لَا سِيَّمَا عَلَى أَصْلِنَا فِي أَنَّ الْحَجَّ عَلَى التَّرَاخِي .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَأْخَذَ فِي وُجُوبِ التَّعْيِينِ قَصْدُ التَّمْيِيزِ .
هَذَا هُوَ الْأَصْلُ ، وَقَدْ يَجِبُ التَّعْيِينُ فِي النِّيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ تَمْيِيزٌ بَلْ الْقَصْدُ الْمُبَالَغَةُ فِي الْإِخْلَاصِ وَإِتْعَابُ الْقَلْبِ بِالْحُضُورِ فِي صُوَرٍ : مِنْهَا : صَلَاةُ الْجِنَازَةِ يُشْتَرَطُ فِيهَا نِيَّةُ الْفَرْضِ وَإِنْ كَانَ لَا يُتَطَوَّعُ بِهَا .
وَمِنْهَا : نِيَّةُ الِاقْتِدَاءِ تُشْتَرَطُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَإِنْ كَانَتْ الْجُمُعَةُ لَا تَنْعَقِدُ مُنْفَرِدَةً .
وَمِنْهَا : تَعْيِينُ النِّيَّةِ فِي رَمَضَانَ بِالْفَرْضِ وَإِنْ كَانَ رَمَضَانُ لَا يُقْبَلُ غَيْرُهُ مِنْ تَطَوُّعٍ وَغَيْرِهِ .
وَلَوْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذَا الشَّهْرِ تَعَيَّنَ فِي الْأَصَحِّ وَشُرِطَتْ فِيهِ النِّيَّةُ ، وَكَذَلِكَ صَوْمُ الدَّهْرِ إذَا صَحَّ نَذْرُهُ فَتَعَيَّنَ وَيُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةُ .
وَلَوْ قَالَ : جَعَلْت هَذِهِ الشَّاةَ

أُضْحِيَّةً تَعَيَّنَ ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ النِّيَّةُ عِنْدَ الذَّبْحِ مَعَ أَنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ وَصَارَتْ مِلْكًا لِلْفُقَرَاءِ فِيهِ نَظَرٌ .
الشَّرْطُ الثَّانِي : الْجَزْمُ بِتَعَلُّقِهَا وَقَدْ يُغْتَفَرُ التَّرَدُّدُ فِي مَوْضِعَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَسْتَنِدَ التَّعْلِيقُ إلَى أَصْلٍ مُسْتَصْحَبٍ كَمَا سَبَقَ بَيَانُ فُرُوعِهِ فِي حَرْفِ التَّاءِ فَاسْتَحْضَرَهُ هُنَا .
وَمِنْهُ إذَا نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْخَمْسُ وَاغْتُفِرَ التَّرَدُّدُ فِي النِّيَّةِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا الْوُجُوبُ ، وَأَمَّا صِحَّةُ صَلَاةِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَصَوْمِهَا مَعَ عَدَمِ جَزْمِ النِّيَّةِ لِلتَّرَدُّدِ فِي الْوُجُوبِ فَلِأَنَّ أَيَّامَ الطُّهْرِ أَغْلَبُ مِنْ أَيَّامِ الْحَيْضِ فَلَا يَكُونُ التَّرَدُّدُ بَيْنَهُمَا مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ .
وَثَانِيهِمَا : مَوْضِعُ الضَّرُورَةِ كَمَنْ شَكَّ هَلْ الْخَارِجُ مِنْ ذَكَرِهِ مَنِيٌّ أَوْ مَذْيٌ فَإِنَّهُ يَغْتَسِلُ احْتِيَاطًا وَلَيْسَ بِجَازِمٍ ، وَكَذَا فِيمَنْ مَلَكَ إنَاءً بَعْضُهُ فِضَّةٌ وَبَعْضُهُ ذَهَبٌ وَجَهِلَ أَكْثَرَهُمَا زَكَّى الْأَكْثَرَ ذَهَبًا وَفِضَّةً ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَفِيهِ إشْكَالٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى جَزْمِ النِّيَّةِ إلَّا فِي نِصَابٍ وَاحِدٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ النَّقْدَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مِلْكِهِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَكَذَلِكَ اُسْتُشْكِلَ الْأَوَّلُ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مَبَاحِثِ الشَّكِّ وَجَوَابُهُ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ يُسَوَّغُ لِلْحَاجَةِ ، وَلِهَذَا اسْتَحَبَّ ( الْإِمَامُ ) الشَّافِعِيُّ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) لِلْمَجْنُونِ إذَا أَفَاقَ الِاغْتِسَالَ عَنْ الْجَنَابَةِ إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ حُصُولَهَا فِي حَالِ جُنُونِهِ .
الشَّرْطُ الثَّالِثُ : الْمُقَارَنَةُ لِأَوَّلِ الْوَاجِبِ كَالْوُضُوءِ يَجِبُ قَرْنُهَا بِأَوَّلِ مَغْسُولٍ مِنْ الْوَجْهِ وَكَالصَّلَاةِ يَجِبُ قَرْنُهَا بِالتَّكْبِيرِ وَقَدْ لَا يُشْتَرَطُ فِي مَوْضِعِ الْمَشَقَّةِ وَكَالصَّلَاةِ يَجِبُ قَرْنُهَا بِالتَّكْبِيرِ وَقَدْ لَا يُشْتَرَطُ فِي مَوْضِعِ الْمَشَقَّةِ ، كَالصَّوْمِ فَإِنَّهُ تَصِحُّ

نِيَّتُهُ مُتَرَاخِيَةً عَنْ الْعَمَلِ إنْ كَانَ تَطَوُّعًا وَمُتَقَدِّمَةً عَلَيْهِ إنْ كَانَ فَرْضًا قَالَ ( صَاحِبُ الْخِصَالِ ) : لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ إلَّا فِي خَصْلَتَيْنِ الصَّوْمِ وَالْكَفَّارَةِ ، وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ فِي الشَّافِي فِي كِتَابِ قَسْمُ الصَّدَقَاتِ لَيْسَ فِي الْعِبَادَاتِ مَا يَجِبُ تَقَدُّمُ النِّيَّةِ عَلَيْهِ غَيْرَ الصَّوْمِ وَجْهًا وَاحِدًا وَفَرَضَ الزَّكَاةَ وَالْكَفَّارَةَ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ .
قُلْت : وَكَذَا الْأُضْحِيَّةُ فِي الْأَصَحِّ وَشَرَطُوا فِي الزَّكَاةِ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ صَدَرَتْ بَعْدَ تَعْيِينِ الْقَدْرِ الَّذِي يُخْرِجُهُ فَإِنْ كَانَتْ قَبْلَهُ لَمْ يَجُزْ فَلْتَكُنْ مِثْلَهُ فِي الْكَفَّارَةِ وَالْأُضْحِيَّةِ .
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَيْسَ لَنَا مَا يَمْتَنِعُ مُقَارَنَتُهُ ، وَيَجِبُ تَقْدِيمُهُ غَيْرُ الصَّوْمِ ، وَأَمَّا مَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ فَهُوَ فِي الْبَاقِي .
وَالضَّابِطُ : أَنَّ مَا دَخَلَ فِيهِ بِفِعْلِهِ اُشْتُرِطَتْ فِيهِ الْمُقَارَنَةُ ، كَالصَّلَاةِ ، وَمَا دَخَلَ فِيهِ ( بِغَيْرِ فِعْلِهِ لَا تُشْتَرَطُ كَالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَوْ نَوَى ثُمَّ طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ نَائِمٌ صَحَّ صَوْمُهُ فَقَدْ دَخَلَ فِيهِ ) بِغَيْرِ فِعْلِهِ وَأَلْحَقَ الزَّكَاةَ وَالْكَفَّارَةَ وَالْأُضْحِيَّةَ بِالصَّوْمِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقَعُ بِغَيْرِ فِعْلِهِ بِالنِّيَابَةِ .
وَمِمَّا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْمُقَارَنَةُ عَلَى الْأَصَحِّ نِيَّةُ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِخِلَافِ نِيَّةِ الْقَصْرِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ نِيَّةَ الْقَصْرِ وَصْفٌ لِلصَّلَاةِ نَفْسِهَا فَاعْتُبِرَ مُقَارَنَتُهَا فِي ابْتِدَائِهَا وَنِيَّةُ الْجَمْعِ وَصْفٌ لِلصَّلَاتَيْنِ مَعًا فَاكْتَفَى بِهَا فِي الْأَثْنَاءِ .
وَمِنْهُ لَوْ خَرَجَ الْمُعْتَكِفُ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ عَلَى نِيَّةِ أَنْ يَعُودَ لَا يَحْتَاجُ عِنْدَ الْعَوْدِ إلَى تَجْدِيدِ النِّيَّةِ وَالنِّيَّةُ السَّابِقَةُ كَافِيَةٌ وَاسْتَشْكَلَهُ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ اقْتِرَانَ النِّيَّةِ بِأَوَّلِ الْعِبَادَةِ شَرْطٌ وَأَجَابَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ لَمَّا أَحْدَثَ النِّيَّةَ عِنْدَ الْخُرُوجِ صَارَ كَمَنْ نَوَى الْمُدَّتَيْنِ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ فَالْتَحَقَ

بِمَا إذَا نَوَى الْمُتَنَفِّلُ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ نَوَى جَعَلَهُمَا أَرْبَعًا أَوْ أَكْثَرَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ قَطْعًا وَيَصِيرُ كَمَنْ نَوَى ذَلِكَ فِي تَحَرُّمِهِ وَالنِّيَّةُ فِي الْكِنَايَةِ ( فِي الطَّلَاقِ تُشْبِهُ نِيَّةَ الْقَصْرِ فَتُشْتَرَطُ فِيهَا الْمُقَارَنَةُ فِي الْأَصَحِّ وَنِيَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ ) فِي الطَّلَاقِ تُشْبِهُ نِيَّةَ الْجَمْعِ فِي الْأَصَحِّ ، وَقَدْ تُعْتَبَرُ النِّيَّةُ بَعْدَ الْعَمَلِ أَيْ نِيَّةُ التَّعْيِينِ فِي صُوَرٍ كَمَنْ عَلَيْهِ أَلْفَانِ بِأَحَدِهِمَا رَهْنٌ فَأَدَّى أَلْفًا وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا حَالَةَ الدَّفْعِ فَلَهُ جَعْلُهُ عَمَّا شَاءَ فِي الْأَصَحِّ ، وَقِيلَ يُقَسِّطُ بَيْنَهُمَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَلَمْ يَحْكُوا مِثْلَ هَذَا الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ وَحَاضِرٌ وَأَخْرَجَ الزَّكَاةَ مُطْلَقًا بَلْ قَطَعُوا بِأَنَّ لَهُ جَعْلَهُ عَمَّا شَاءَ ، وَلَوْ بِأَنْ تَلِفَ أَحَدُ الْمَالَيْنِ فَلَهُ أَنْ يَحْسِبَ الْمُخْرَجَ عَنْ زَكَاةِ الْبَاقِي هَذِهِ عِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ وَفِي الْكَافِي وَقَعَ عَنْ الْآخَرِ ، وَهَذَا أَقْرَبُ ، وَهَذَا إذَا جَوَّزْنَا نَقْلَ الزَّكَاةِ وَإِلَّا تَعَيَّنَ صَرْفُهُ عَنْ الْمَالِ الَّذِي بِبَلْدَةِ الْآخَرِ وَإِذَا تَحَلَّلَ الْمُحْصَرُ بِالصَّوْمِ فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ التَّحَلُّلِ مَعَ الْإِرَاقَةِ أَوْ قَصْدِهِ قَالَهُ فِي الْبَسِيطِ .
وَلَوْ طَلَّقَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ وَلَمْ يُعَيِّنْ وَاحِدَةً فَلَهُ التَّعْيِينُ بَعْدُ .

" السَّادِسُ : مَا يَجِبُ فِيهِ التَّعْيِينُ يُقْدَحُ فِيهِ تَرَدُّدُ النِّيَّةِ كَالْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ .
لَوْ نَوَى الصَّلَاةَ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ إنْ دَخَلَ الْوَقْتُ وَإِلَّا فَعَنْ الْفَائِتَةِ لَا تُجْزِيهِ أَصْلًا ، وَمَا لَا يَجِبُ فِيهِ التَّعْيِينُ لَا يُقْدَحُ فِيهِ التَّرَدُّدُ كَمَا لَوْ قَالَ : هَذِهِ عَنْ مَالِي الْغَائِبِ فَإِنْ كَانَ تَالِفًا فَعَنْ الْحَاضِرِ ، قَالَ مُعْظَمُ الْأَئِمَّةِ : إنْ كَانَ الْغَائِبُ سَالِمًا وَقَعَ عَنْهُ وَإِلَّا عَنْ الْحَاضِرِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ جَزَمَ بِكَوْنِهَا زَكَاةَ مَالِهِ وَالتَّرَدُّدُ فِي أَنَّهَا عَنْ أَيِّ الْمَالَيْنِ تُحْسَبُ وَتَعْيِينُ الْمَالِ لَيْسَ بِشَرْطٍ .

السَّابِعُ : مَا لَا تَجِبُ فِيهِ النِّيَّةُ أَصْلًا إذَا قَارَنَتْهَا نِيَّةٌ اُعْتُبِرَتْ وَلِذَلِكَ أَمْثِلَةٌ : مِنْهَا : مَا لَوْ أَعْطَى دِرْهَمًا لِفَقِيرٍ لِيَغْسِلَ بِهِ ثَوْبَهُ وَلَمْ يَقْصِدْ إلَّا ذَلِكَ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ صَرْفُهُ فِي ذَلِكَ الْغَرَضِ عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ .
وَمِنْهَا : الدَّلَّالُ إذَا شَكَا إلَى الْمُشْتَرِي وَقَالَ الْبَائِعُ : لَمْ يُعْطِنِي أُجْرَةً ، فَأَعْطَاهُ وَكَانَ كَاذِبًا لَمْ يَمْلِكْ الْمَأْخُوذَ وَوَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهُ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي النَّفَقَاتِ .
وَمِنْهَا : الرَّجُلُ إذَا أَظْهَرَ الْفَقْرَ وَأَخْفَى الْغِنَى فَأَعْطَاهُ النَّاسُ شَيْئًا فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ وَمَا يَأْخُذُهُ حَرَامٌ ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا أَعْطَوْهُ بِنَاءً عَلَى فَقْرِهِ .
وَمِنْهَا : إذَا خَطَبَ امْرَأَةً فَأَجَابَتْهُ فَحَمَلَ إلَيْهِمْ هَدِيَّةً ثُمَّ لَمْ تَنْكِحْهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمَا سَاقَهُ إلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْهُ إلَّا بِنَاءً عَلَى إنْكَاحِهِ وَلَمْ يَحْصُلْ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الصَّدَاقِ ، قَالَ : وَلَا فَرْقَ فِي الرُّجُوعِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُهْدَى مِنْ جِنْسِ الصَّدَاقِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ ( وَعَجِبْت مِمَّنْ نَقَلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ ) عَنْ فَتَاوَى ( ابْنِ رَزِينٍ ) .
وَمِنْهَا إذَا أَهْدَى إلَيْهِ شَيْئًا طَمَعًا فِي الثَّوَابِ فَلَمْ يُثِبْهُ فَلَهُ الرُّجُوعُ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْهِبَةَ تَقْتَضِي الثَّوَابَ فِي الْمُطَلَّقَةِ ، أَمَّا الْمُقَيَّدَةُ بِنِيَّةِ الثَّوَابِ فَيَثْبُتُ فِيهَا الرُّجُوعُ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ فِي صُورَةِ الصَّدَاقِ السَّابِقَةِ .

الثَّامِنُ : مِنْ الْأَعْمَالِ مَا يَحْصُلُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ كَالطَّلَاقِ بِالصَّرِيحِ وَالْعِتْقِ وَالنَّذْرِ وَلَا يَحْصُلُ بِالنِّيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ حَتَّى لَوْ نَوَى إيقَاعَ الطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ وَلَمْ يَفْعَلْهُ لَمْ يَقَعْ ، وَكَذَا لَوْ أَتَى بِلَفْظٍ لَا يَدُلُّ عَلَى مَا نَوَاهُ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ ، وَإِنْ نَوَى ، وَكَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ لَهُ مَاءً مِنْ عَطَشٍ وَنَوَى الِامْتِنَاعَ مِنْ طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وَسَائِرِ أَمْوَالِهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ يَمِينُهُ عَلَى غَيْرِ الْمَاءِ .

التَّاسِعُ : مَا اُشْتُرِطَتْ فِيهِ النِّيَّةُ إنْ كَانَ عِبَادَاتٍ مُنْفَصِلَةً فَلَا بُدَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ النِّيَّةِ كَالصَّوْمِ تَجِبُ عَلَيْهِ لِكُلِّ يَوْمٍ حَتَّى لَوْ نَوَى صَوْمَ أَيَّامِ الشَّهْرِ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْهُ لَمْ يَصِحَّ لَهُ إلَّا فِي الْيَوْمِ فِي الْأَصَحِّ ، وَإِنْ كَانَتْ عِبَادَةً وَاحِدَةً لَمْ يَحْتَجْ لِذَلِكَ وَتَكْفِيهِ النِّيَّةُ الْأُولَى مَعَ الِاسْتِصْحَابِ الْحُكْمِيِّ كَالنِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ .
وَاخْتُلِفَ فِي الْحَجِّ هَلْ تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ فِي كُلِّ رُكْنٍ مِنْهُ لِانْفِصَالِ بَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ أَمْ تَكْفِي فِيهِ نِيَّةُ الْإِحْرَامِ السَّابِقَةِ ؟ وَالْأَصَحُّ الثَّانِي وَبَنَى الْمُتَوَلِّي عَلَى الْخِلَافِ صِحَّةَ وُقُوفِ النَّائِمِ بِعَرَفَةَ وَعِلْمُهُ بِأَنَّهَا عَرَفَةُ شَرْطٌ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ غَيْرُ مُشْتَرَطٍ نَعَمْ طَوَافُ الْوَدَاعِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ نِيَّةٍ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ لِعَدَمِ انْدِرَاجِهِ فِي نِيَّةِ الْحَجِّ لِوُقُوعِهِ بَعْدَ التَّحَلُّلَيْنِ ، وَيُتَّجَهُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ خِلَافٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْمَنَاسِكِ أَمْ لَا وَأَمَّا طَوَافُ الْقُدُومِ فَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي طَوَافِ الْفَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ سُنَنِ الْحَجِّ .

الْعَاشِرُ : النِّيَّةُ الْقَاطِعَةُ تُؤَثِّرُ فِي مَوَاضِعَ بِمُجَرَّدِهَا مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى الْفِعْلِ الْقَاطِعِ .
( أَحَدُهُمَا ) فِيمَا دَوَامُ النِّيَّةِ فِيهِ رُكْنٌ ، وَلِهَذَا لَوْ نَوَى قَطْعَ الْإِسْلَامِ كَفَرَ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ ( وَكَذَا ) لَوْ عَزَمَ عَلَى الْكُفْرِ غَدًا كَفَرَ فِي الْحَالِ ، قَالَ الدَّارِمِيُّ : وَلَا يَبْطُلُ الْمَاضِي أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرِّدَّةَ لَا تُحْبِطُ الْعَمَلَ بِمُجَرَّدِهَا خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ ، ( وَكَذَا ) الْمُصَلِّي لَوْ نَوَى قَطْعَ الصَّلَاةِ قَالَ فِي الْبَحْرِ : فَلَوْ نَوَى الْعَدْلَ أَنْ يُوَاقِعَ كَبِيرَةً غَدًا كَالْقَتْلِ وَالزِّنَا لَمْ يَصِرْ بِهِ فَاسِقًا ، وَإِذَا نَوَى الْمُسْلِمُ أَنْ يَكْفُرَ غَدًا فَفِي كُفْرِهِ فِي الْحَالِ وَجْهَانِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَصِيرُ كَافِرًا فِي الْحَالِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ نِيَّةَ الِاسْتِدَامَةِ فِي الْإِيمَانِ شَرْطٌ ، وَالتَّوْبَةُ لَا تَجِبُ فِي حَقِّ مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ الْأَصْلُ وُجُوبَ الْفِسْقِ ، وَالْأَصْلُ قَصْدُ الْإِيمَانِ وَإِيجَابُ فِعْلِهِ .
الثَّانِي : أَنْ يَعْضِدَهَا أَصْلٌ كَالْمُسَافِرِ يَنْوِي الْإِقَامَةَ يَصِيرُ مُقِيمًا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ بِخِلَافِ السَّفَرِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَالْفِعْلِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِقَامَةُ وَالسَّفَرُ طَارِئٌ فَلَا يَكْفِي فِيهِ مُجَرَّدُ النِّيَّةِ ، نَعَمْ يُشْتَرَطُ فِي اعْتِبَارِ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ أَنْ لَا يُوجَدَ مَا يُنَافِيهَا فَلَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ وَهُوَ سَائِرُ لَمْ يُؤَثِّرْ قَطْعًا .
( وَمِثْلُهُ ) لَوْ نَوَى الْقَارِئُ قَطْعَ الْقِرَاءَةِ وَسَكَتَ ( وَلَمْ يَقْرَأْ فَإِنَّهُ يَضُرُّ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى الْقَطْعَ وَلَمْ يَسْكُتْ ) لَمْ يَضُرَّ وَنَظِيرُ ذَلِكَ فِي زَكَاةِ التِّجَارَةِ ( عَوْدُ الْعُرُوضِ إلَى الْقِنْيَةِ ) ( بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَلَا تَعُودُ إلَى التِّجَارَةِ ) ( بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي السِّلَعِ الْقِنْيَةُ لَا التِّجَارَةُ نَعَمْ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ لِلتِّجَارَةِ جَارٍ فِي الْحَوْلِ فَنَوَى إمْسَاكَهُ الْمُحْرِمُ كَدِيبَاجٍ يَلْبَسُهُ أَوْ سِلَاحٍ يَقْطَعُ

بِهِ الطَّرِيقَ فَفِي انْقِطَاعِ الْحَوْلِ وَجْهَانِ فِي التَّتِمَّةِ قِيَاسًا عَلَى مَسْأَلَةٍ أُصُولِيَّةٍ سَبَقَتْ فِي حَدِيثِ النَّفْسِ .
الثَّالِثُ : أَنْ يُقَارِنَهَا فِعْلٌ مَا ، كَالسُّكُوتِ الْيَسِيرِ فِي الْفَاتِحَةِ لَا يَقْطَعُ مُوَالَاتِهَا ، فَلَوْ نَوَى بِهِ قَطْعَ الْقِرَاءَةِ قَطَعَ فِي الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ قَدْ اقْتَرَنَ بِالنِّيَّةِ فَأَثَّرَ ، وَلَوْ قَصَدَ الْقَطْعَ وَهُوَ مُسْتَمِرٌّ عَلَى الْقِرَاءَةِ لَمْ يُؤَثِّرْ وَعَلَّلَهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) فِي الْأُمِّ بِأَنَّهُ حَدِيثُ نَفْسٍ وَهُوَ مَوْضُوعٌ عَنْهُ .
وَهَذَا بِخِلَافِ نِيَّةِ الْمُصَلِّي قَطْعَ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يُؤَثِّرُ فِيهَا وَإِنْ اسْتَمَرَّ عَلَى الْفِعْلِ ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ رُكْنٌ فِي الصَّلَاةِ تَجِبُ إدَامَتُهَا حُكْمًا ، وَالْقِرَاءَةُ لَا تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ خَاصَّةٍ فَلَا تُؤَثِّرُ فِيهِ نِيَّةُ الْقَطْعِ .
وَمِثْلُهُ نِيَّةُ الْمُودِعِ الْخِيَانَةَ لَا يَضْمَنُ بِمُجَرَّدِهَا فِي الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ فِعْلًا ، وَالْأَصْلُ الْأَمَانَةُ وَمُقَابِلُهُ قَاسَهُ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ نِيَّةِ الْقِنْيَةِ تَقْطَعُ حَوْلَ التِّجَارَةِ ، وَلَوْ نَوَى عَلَفَ السَّائِمَةِ أَوْ إسَامَةَ الْمَعْلُوفَةِ لَمْ يَتَغَيَّرْ حُكْمُهَا حَتَّى يَفْعَلَ قَالَهُ الدَّارِمِيُّ ، وَكَذَلِكَ لَوْ نَوَى بِالدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ الْحُلِيَّ فَحَتَّى يَصُوغَهُ ، نَعَمْ لَوْ نَوَى بِالْحُلِيِّ التِّجَارَةَ وَالِاكْتِنَازَ دَخَلَ فِي حُكْمِ نِيَّتِهِ فِي الْحَالِ وَإِنْ لَمْ يَكْنِزْهُ .
وَالضَّابِطُ أَنَّ مَا وَجَبَ فِيهِ النِّيَّةُ وَدَوَامُهَا حُكْمًا إذَا قَطَعَهَا لَهُ أَحْوَالٌ : أَحَدُهَا مَا يُطْلَبُ لِذَاتِهِ دَوَامُهُ مُدَّةَ الْعُمْرِ ، كَالْإِيمَانِ وَالْعَقَائِدِ فَيَقْطَعُهُ الدَّافِعُ فِي الْحَالِ قَطْعًا ، وَمِثْلُهُ الصَّلَاةُ .
الثَّانِي : مَا هُوَ شَدِيدُ اللُّزُومِ فَلَا يُؤَثِّرُ قَطْعًا كَالْحَجِّ ، وَأَمَّا الصَّوْمُ فَهُوَ فَرْعٌ تَرَدَّدَ بَيْنَ أَصْلَيْنِ الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ ، قَالَ الرَّافِعِيُّ وَأَلْحَقَهُ الْجُمْهُورُ بِالْحَجِّ وَهُوَ مُنَازَعٌ فِيهِ .
الثَّالِثُ : مَا يُرَادُ لِغَيْرِهِ

كَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي الْأَصَحِّ فَإِذَا أَرَادَ إتْمَامَهُ جَدَّدَ النِّيَّةَ وَبَنَى ، وَكَذَا سَائِرُ الصُّوَرِ السَّابِقَةِ مِمَّا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ نِيَّةٌ لِقَطْعٍ وَحَيْثُ لَا يَقْطَعُ فِي الْأَثْنَاءِ فَبَعْدَ الْفَرَاغِ أَوْلَى .
وَلَوْ نَوَى قَطْعَ الْوُضُوءِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ لَمْ يَبْطُلْ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَكَذَلِكَ الصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ وَالِاعْتِكَافُ وَالْحَجُّ قَالَهُ الدَّارِمِيُّ ، وَكَذَلِكَ الزَّكَاةُ لَوْ نَوَى إبْطَالَهَا بَعْدَ إخْرَاجِهَا لَمْ يَضُرَّهُ ، قَالَ الْجُرْجَانِيُّ فِي الْمُعَايَاةِ : قَطَعُوا بِأَنَّهُ إذَا نَوَى إبْطَالَ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ لَمْ يُؤَثِّرْ وَفِي الطَّهَارَةِ خِلَافٌ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّهَارَةَ بَاقِيَةٌ مُسْتَدَامَةٌ مُعَرَّضَةٌ لِلْبُطْلَانِ بِالْحَدَثِ كَالرِّدَّةِ فَجَازَ أَنْ يَنْكُلَ بِنِيَّةِ الْبُطْلَانِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا غَيْرُ مُسْتَدَامَةٍ بَعْدَ الْفَرَاغِ غَيْرُ مُتَعَرِّضَةٍ لِلْإِبْطَالِ بِحَالٍ وَمُرَادُهُ بِبُطْلَانِ الطَّهَارَةِ أَنَّهُ يَسْتَأْنِفُ النِّيَّةَ لَا أَنَّهُ يَبْطُلُ مَا فَعَلَهُ .
تَنْبِيهٌ : هَلْ يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُ الْمَفْعُولِ ؟ ظَاهِرُ كَلَامِ الرُّويَانِيِّ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ يَحْصُلُ لَهُ قَطْعًا وَفِي الْوُضُوءِ خِلَافٌ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْبَحْرِ : لَوْ نَوَى نِيَّةً صَحِيحَةً وَغَسَلَ بَعْضَ أَعْضَائِهِ ثُمَّ بَطَلَ الْوُضُوءُ فِي أَثْنَائِهِ بِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ ثَوَابُ الْمَفْعُولِ كَالصَّلَاةِ إذَا بَطَلَتْ فِي أَثْنَائِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ : إنْ بَطَلَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَلَهُ ثَوَابُهُ وَإِلَّا فَلَا ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ : لَا ثَوَابَ لَهُ بِحَالٍ ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ .

الْحَادِيَ عَشَرَ : نِيَّةُ الْخُرُوجِ مِنْ الْعِبَادَةِ عِنْدَ انْتِهَائِهَا لَا تَجِبُ إمَّا قَطْعًا كَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ أَوْ عَلَى الْأَصَحِّ كَالصَّلَاةِ ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ فَرَاغِهَا وَكَانَ الْخُرُوجُ مَأْذُونًا فِيهِ لِلْعُذْرِ وَجَبَ وَذَلِكَ كَالتَّحَلُّلِ لِمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَلْقُ وَنِيَّةُ التَّحَلُّلِ بِأَنْ يَنْوِيَ الْخُرُوجَ مِنْ النُّسُكِ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ كَانَ بَاقِيًا عَلَى إحْرَامِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ حَلَقَ فِي غَيْرِ الْإِحْصَارِ صَارَ خَارِجًا عَنْ الْإِحْرَامِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ .
قُلْنَا : الْفَرْقُ أَنَّ غَيْرَ الْمُحْصَرِ أَكْمَلَ الْأَفْعَالَ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى نِيَّةِ الْخُرُوجِ بِخِلَافِ الْمُحْصَرِ .
وَمِثْلُهُ الصَّائِمُ إذَا أَرَادَ الْفِطْرَ لِعُذْرٍ صَرَّحَ بِهِ الْجُرْجَانِيُّ فِي الشَّافِي فِي بَابِ الْفَوَاتِ .

الثَّانِيَ عَشَرَ : إيرَادُ النِّيَّةِ عَلَى النِّيَّةِ تَارَةً يَكُونُ بِبُطْلَانِ النِّيَّةِ الْأُولَى وَتَارَةً لَا يَكُونُ وَالْأَوَّلُ يُبْطِلُهُ قَطْعُ النِّيَّةِ كَالصَّلَاةِ ، فَإِذَا عَدَّدَ التَّكْبِيرَ لِلْإِحْرَامِ خَرَجَ بِالْأَشْفَاعِ وَدَخَلَ بِالْأَوْتَارِ فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِالثَّانِيَةِ دُخُولًا وَلَا خُرُوجًا فَذِكْرٌ وَالثَّانِي مَا لَا يُبْطِلُهُ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَلَمْ يَأْتِ مِنْ أَعْمَالِهِ بِشَيْءٍ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَهَلْ يَلْغُو أَوْ يَنْعَقِدُ بِعُمْرَةٍ ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ لِلرُّويَانِيِّ .
وَمِنْهُ : لَوْ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ ثَانِيًا فِي أَثْنَاءِ الْوُضُوءِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ تَأْكِيدًا لِلنِّيَّةِ الْأُولَى ، وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ : إنْ قُلْنَا : يَصِحُّ الْوُضُوءُ بِنِيَّاتٍ فِي كُلِّ عُضْوٍ نِيَّةٌ مُنْفَرِدَةٌ صَحَّ الْوُضُوءُ وَإِلَّا فَلَا .
وَلَوْ قَالَ : بِعْتُك أَوْ أَجَّرْتُك فَقَبِلَ ثُمَّ جَدَّدَ هَذَا اللَّفْظَ فِي الْمَجْلِسِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَأْكِيدٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ خَاطَبَ بِالثَّانِي غَيْرَهُ ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ .

الثَّالِثَ عَشَرَ : ذَكَرَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَغَيْرُهُ أَنَّ مَا لَا يَجِبُ تَعْيِينُهُ جُمْلَةً وَلَا تَفْصِيلًا .
إذَا عَيَّنَهُ وَأَخْطَأَ لَا يَبْطُلُ كَتَعْيِينِ الْمَكَانِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ وَكَذَلِكَ الْأَحْدَاثُ فِي الْوُضُوءِ ( وَالتَّيَمُّمُ ) .
وَمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّعْيِينُ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا إذَا عَيَّنَهُ وَأَخْطَأَ بَطَلَتْ كَالصَّلَاةِ إذَا عَيَّنَهَا وَأَخْطَأَ وَحَكَاهُ الْإِمَامُ فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ عَنْ شَيْخِهِ وَأَنَّهُ عَدَّ الْغَلَطَ فِي تَعْيِينِ الْحَدَثِ مِمَّا لَا يَجِبُ فِيهِ التَّعْيِينُ أَصْلًا وَتَوَقَّفَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ أَصْلَ النِّيَّةِ لَا يُسَوَّغُ تَرْكُهُ فِي الْوُضُوءِ فَهُوَ أَشْبَهُ بِالْغَلَطِ فِي تَعْيِينِ أَسْبَابِ الْكَفَّارَةِ .
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْأَقْسَامَ ثَلَاثَةٌ : هَذَانِ وَالثَّالِثُ مَا لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّعْيِينُ تَفْصِيلًا وَيُعْتَبَرُ جُمْلَةً فَحُكْمُهُ أَنَّهُ إذَا أَخْطَأَ ضَرَّ كَالثَّانِي وَذَلِكَ فِي صُوَرٍ : إحْدَاهَا : الْكَفَّارَةُ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ سَبَبِهَا .
وَلَوْ نَوَى مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً إعْتَاقَهَا عَنْ ظِهَارٍ وَكَانَ عَلَيْهِ قَتْلٌ لَمْ يُجْزِئْهُ .
الثَّانِيَةُ : الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ لَا يَجِبُ تَعْيِينُهُ وَإِذَا عَيَّنَهُ وَأَخْطَأَ لَمْ يَصِحَّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ .
الثَّالِثَةُ : الزَّكَاةُ إذَا أَخْرَجَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ عَنْ مَالِهِ الْغَائِبِ إنْ كَانَ ( سَالِمًا ) فَتَبَيَّنَ تَلَفُهُ حَالَةَ الْإِخْرَاجِ لَمْ يَنْصَرِفْ الْمُخْرَجُ إلَى غَيْرِهِ مِنْ أَمْوَالِهِ إنْ كَانَ نَوَى زَكَاةَ مَالِهِ مُطْلَقًا انْصَرَفَ وَلَمْ يَحْتَجْ لِلتَّعْيِينِ .
الرَّابِعَةُ : صَلَاةُ الْجِنَازَةِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا تَعْيِينُ الْمَيِّتِ ، وَلَوْ عَيَّنَهُ وَكَانَ غَيْرَهُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ .
وَلَوْ نَوَى فِي صَلَاتِهِ الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ نَاسِيًا فَقِيَاسُ الْقَاعِدَةِ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ لِعَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَكَمَا لَوْ نَوَى الْقَضَاءَ فِي الْأَدَاءِ وَعَكْسُهُ ، وَأَمَّا تَعْيِينُ الْيَوْمِ فِي الصَّوْمِ فَبِمَنْزِلَةِ الْيَوْمِ فِي الصَّلَاةِ لَا يَجِبُ ذِكْرُهُ ،

وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَجْهًا أَنَّهُ إذَا نَوَى قَضَاءَ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ وَكَانَ عَلَيْهِ الثَّانِي أَنْ يُجْزِئَهُ فَالْخَطَأُ فِيهِ لَا يُؤَثِّرُ كَنِيَّةِ الْقَضَاءِ وَالْأَدَاءِ وَيَنْبَغِي جَرَيَانُهُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا مِنْ الصُّوَرِ قَالَهُ الشَّاشِيُّ فِي الْمُعْتَمَدِ ، وَقَالَ صَاحِبُ الْكَافِي : قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ ، فَإِنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ ( الصَّلَاةِ ) فَإِنَّ مَنْ عَلَيْهِ صُبْحُ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ فَقَضَى صُبْحَ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ لَا يُجْزِئُهُ .
وَكَذَا فِي الصَّوْمِ ، وَفِي الِاسْتِذْكَارِ لَوْ قَالَ : أَصُومُ غَدًا يَوْمَ الْأَحَدِ وَهُوَ غَيْرُهُ فَعَلَى وَجْهَيْنِ ، أَوْ قَالَ : أَنَا صَائِمٌ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ الَّذِي أَنَا فِيهِ وَهُوَ مِنْ سَنَةٍ غَيْرِ الَّتِي هِيَ فِيهِ جَازَ : انْتَهَى فَاقْتَضَى الْقَطْعَ فِي السَّنَةِ بِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ وَفِي الْيَوْمِ خِلَافٌ .

الرَّابِعَ عَشَرَ : الْفَرْضُ بِنِيَّةِ النَّفْلِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ : مِنْهُ مَا يَمْتَنِعُ قَطْعًا ( وَمِنْهُ مَا فِيهِ خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ ) مِنْهُ مَا يُحْسَبُ قَطْعًا .
وَمِنْهُ مَا فِيهِ خِلَافٌ ( وَالْأَصَحُّ الْحُصُولُ ) .
فَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصْلُ .
وَمِنْهُ لَوْ أَتَى بِالصَّلَاةِ مُعْتَقِدًا أَنَّ جَمِيعَ أَفْعَالِهَا سُنَّةٌ لَا يَصِحُّ .
وَلَوْ عَطَسَ فِي الصَّلَاةِ وَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَبَنَى عَلَى الْفَاتِحَةِ لَا يُحْسَبُ .
وَلَوْ سَلَّمَ التَّسْلِيمَةَ الثَّانِيَةَ عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّهُ سَلَّمَ الْأُولَى ثُمَّ بَانَ خِلَافُهُ لَا يُحْسَبُ عَنْ فَرْضِهِ فَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ قَطَعَ بِهِمَا الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ .
وَمِنْ الثَّانِي : مَا لَوْ تَرَكَ سَجْدَةً ثُمَّ سَجَدَ لِلتِّلَاوَةِ لَا يَقُومُ مَقَامَ سُجُودِ الْفَرْضِ فِي الْأَصَحِّ لِاعْتِقَادِهِ فِيهِ أَنَّهُ تَطَوُّعٌ .
بَلْ قَطَعَ بِهِ الرَّافِعِيُّ .
وَمِنْهُ مَا لَوْ سَجَدَ ( سَجْدَتَيْ السَّهْوِ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ مِنْ الرَّابِعَةِ لَا تَقُومُ مَقَامَ ) سَجْدَتَيْ الْفَرْضِ قَطَعَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ قَبْلَهُ ثُمَّ رَأَيْت الشَّاشِيَّ فِي الْحِلْيَةِ حَكَى مَا قَطَعَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ ثُمَّ قَالَ : وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى فَرْضِهِ ثُمَّ رَأَيْت الدَّارِمِيَّ صَرَّحَ بِالْوَجْهَيْنِ فَقَالَ : لَوْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ فَلَمَّا أَنْ فَرَغَ ذَكَرَ أَنَّهُ تَرَكَ مِنْ الرَّابِعَةِ سَجْدَتَيْنِ فَهَلْ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ جِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ هَلْ تَقُومُ مَقَامَ الْجِلْسَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ؟ وَكَذَلِكَ إذَا سَجَدَ لِلتِّلَاوَةِ وَذَكَرَ أَنَّهُ نَسِيَ سَجْدَةً فَعَلَى وَجْهَيْنِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الْفَرْضَ .
قُلْت : وَكَانَ الْفَرْقُ بَيْنَ ( التَّشَهُّدِ ) الْأَوَّلِ وَجِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ أَنَّ الْأَوَّلَ وَقَعَ فِي مَوْضِعِهِ غَايَتُهُ أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ سُنَّةٌ فَلَا يُؤَثِّرُ ظَنُّهُ فِي عَدَمِ الِاحْتِسَابِ بِهِ عَنْ الْفَرْضِ

وَجِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ لَمْ تَقَعْ فِي مَحَلِّهَا ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الثَّانِيَةِ .
وَمِنْهُ لَوْ اغْتَسَلَ الْجُنُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِنِيَّةِ الْجُمُعَةِ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ الْجَنَابَةِ فِي الْأَصَحِّ ، وَقِيلَ : يُجْزِئُهُ بِنَاءً عَلَى تَأَدِّي الْفَرْضِ بِنِيَّةِ النَّفْلِ قَالَهُ الْجِيلِيُّ .
وَمِنْهُ : لَوْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ بَلْ يُسْتَحَبُّ فَلَوْ تَوَضَّأَ احْتِيَاطًا ثُمَّ تَيَقَّنَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا لَمْ يُجْزِهِ فِي الْأَصَحِّ .
وَمِنْهُ : لَوْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ وَلَمْ يَنْوِ الزَّكَاةَ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ الزَّكَاةُ قَطَعَ بِهِ الرَّافِعِيُّ ، وَحَكَى ابْنُ الرِّفْعَةِ وَجْهًا أَنَّهُ إنْ لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَهُ وَقَعَ قَدْرُ الْوَاجِبِ زَكَاةً وَالْبَاقِي تَطَوُّعًا .
وَمِنْ الثَّالِثِ : مَا لَوْ نَوَى الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ تَطَوُّعًا وَعَلَيْهِ فَرْضُ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ يَنْقَلِبُ عَنْ الْفَرْضِ .
وَمِنْ الرَّابِعِ صُوَرٌ : ( أَحَدُهُمَا ) إذَا جَلَسَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ يَظُنُّهُ الْأَوَّلَ ثُمَّ بَانَ الْحَالُّ أَجْزَأَ فِي الْأَصَحِّ بَلْ قَطَعَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ ، وَحَكَى فِي الْكَلَامِ عَلَى مَا إذَا قَامَ لِخَامِسَةٍ الْخِلَافَ الْآتِي هَا هُنَا .
فَإِذَا قَامَ إلَى خَامِسَةٍ سَهْوًا وَكَانَ قَدْ أَتَى بِالتَّشَهُّدِ فِي الرَّابِعَةِ عَلَى نِيَّةِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فَفِي احْتِيَاجِهِ لِإِعَادَتِهِ وَجْهَانِ ، أَصَحُّهُمَا : لَا ، وَعَلَى قِيَاسِهِ لَوْ قَامَ فِي الرُّبَاعِيَّةِ إلَى ثَالِثَةٍ ثُمَّ ظَنَّ أَنَّهُ سَلَّمَ وَأَنَّ الَّذِي يَأْتِي بِهِ الْآنَ نَفْلٌ ثُمَّ تَذَكَّرَهُ ، أَنَّهُ يُجْزِيهِ .
الثَّانِيَةُ : لَوْ تَذَكَّرَ فِي قِيَامِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ الْأُولَى وَكَانَ قَدْ جَلَسَ عَقِبَ السَّجْدَةِ الْمَفْعُولَةِ بِقَصْدِ الِاسْتِرَاحَةِ لِظَنِّهِ أَنَّهُ أَتَى بِالسَّجْدَتَيْنِ جَمِيعًا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَحْسِبُ عَنْ الْجُلُوسِ .
وَلَوْ سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ السَّجْدَتَيْنِ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ فَقِيَاسُ قِيَامِ جِلْسَةِ

الِاسْتِرَاحَةِ مَقَامَ الْقُعُودِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ قِيَامُ السَّجْدَتَيْنِ مَقَامَ ( السَّجْدَتَيْنِ ) ، وَقَدْ سَبَقَ عَنْ الدَّارِمِيِّ التَّصْرِيحُ بِهِ .
الثَّالِثَةُ : إذَا ( قَرَأَ ) الْإِمَامُ آيَةَ سَجْدَةٍ ثُمَّ هَوَى فَتَابَعَهُ الْمَأْمُومُ بِنِيَّةِ ( سُجُودِ التِّلَاوَةِ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ حَالِ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَسْجُدُهَا ثُمَّ لَمْ يَسْجُدْ الْإِمَامُ بَلْ رَكَعَ ) ( فَهَلْ يُحْسَبُ لِلْمَأْمُومِ هَذَا الرُّكُوعُ لِكَوْنِ الْمُتَابَعَةِ وَقَعَتْ وَاجِبَةً وَلَا يَضُرُّهُ الْجَهْلُ وَلَا قَصْدُ السُّجُودِ ) لِلتِّلَاوَةِ اعْتِبَارًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ( أَمْ لَا يُحْسَبُ ) لِكَوْنِهِ أَتَى بِهِ عَلَى قَصْدِ النَّفْلِ وَهُوَ سُجُودُ التِّلَاوَةِ ؟ الْأَقْرَبُ : الْحُصُولُ .
( الرَّابِعَةُ ) إذَا صَلَّى وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الْجَمَاعَةِ ثُمَّ أَعَادَ الصَّلَاةَ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الصَّلَاةَ الْأُولَى وَقَعَتْ عَلَى نَوْعٍ مِنْ الْخَلَلِ فَقِيَاسُ هَذِهِ النَّظَائِرِ أَنَّهَا تُجْزِئُهُ وَإِنْ أَوْقَعَهَا بِقَصْدِ النَّفْلِ وَبِهِ أَجَابَ الْغَزَالِيُّ فِي فَتَاوِيهِ .
الْخَامِسَةُ : لَوْ قَالَ : أَنَا أَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ فِي الصَّلَاةِ تَطَوُّعًا ثُمَّ إذَا فَرَغْت مِنْهَا قَرَأْت مَرَّةً أُخْرَى فَرْضًا فَإِذَا قَرَأَهَا أَوَّلًا بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ وَلَمْ يَقْرَأْ أُخْرَى أَجْزَأَهُ قَالَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ قَالَ : وَكَذَا لَوْ ( قَالَ ) : آتِي ( بِرُكُوعٍ ) ( أَوَّلًا ) ( تَطَوُّعًا ثُمَّ ) آتِي بِرُكُوعِ الْفَرْضِ فَإِذَا أَتَى بِرُكُوعٍ وَاحِدٍ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ وَقَعَ ذَلِكَ عَنْ الْفَرْضِ وَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ .
السَّادِسَةُ : أَغْفَلَ الْمُتَوَضِّئُ لُمْعَةً فِي الْأُولَى فَانْغَسَلَتْ بِنِيَّةِ التَّكْرَارِ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ أَجْزَأَهُ فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ النَّفَلَ .
السَّابِعَةُ : صَلَّى ( الصَّبِيُّ ) ثُمَّ بَلَغَ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ بَعْدَ مَا صَلَّى فَلَا إعَادَةَ فِي الْأَصَحِّ .
الثَّامِنَةُ : إذَا بَلَغَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَتَمَّهَا وَلَا إعَادَةَ .
التَّاسِعَةُ : إذَا بَلَغَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ صَائِمًا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ

إتْمَامُهُ وَلَا قَضَاءَ وَفِيهِ وَجْهٌ ( ضَعِيفٌ ) عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الْفَرْضَ .
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ فِي الصَّبِيِّ إنَّمَا يَظْهَرُ جَعْلُهَا مِمَّا نَحْنُ فِيهِ إذَا لَمْ نُوجِبْ عَلَيْهِ نِيَّةَ الْفَرْضِيَّةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ النَّوَوِيِّ وَشَرَطَهَا الرَّافِعِيُّ فِي الصَّلَاةِ وَيَلْتَحِقُ بِهِ الصَّوْمُ .
الْعَاشِرَةُ : لَوْ كَانَ عَلَيْهِ طَوَافُ الْفَرْضِ فَنَوَى طَوَافًا نَفْلًا وَقَعَ عَنْ الْفَرْضِ فِي الْأَصَحِّ ، وَمِنْهُمْ مَنْ بَنَاهُ عَلَى أَنَّهُ إذَا صَرَفَ الطَّوَافَ بِالنِّيَّةِ إلَى غَرَضٍ آخَرَ فَهَلْ يَفْسُدُ وَفِيهِ خِلَافٌ ؟ فَإِنْ قُلْنَا : يَفْسُدُ بِهِ عَنْ ( الزِّيَارَةِ ) وَلَا عَنْ ( الْوَدَاعِ ) ( الْحَادِيَةَ عَشَرَةَ ) يَقُومُ ( النَّفَلُ مَقَامَ الْفَرْضِ ) فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ ( وَيُحْسَبُ عَنْهُ ) إذَا تَرَكَ الْفَرْضَ سَاهِيًا فَتَكْمُلُ الزَّكَاةُ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ ، وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْفَرَائِضِ قَالَ الرَّافِعِيُّ : هَذَا إنْ تَرَكَ الْفَرْضَ نَاسِيًا ( فِي الدُّنْيَا ) .
تَنْبِيهَانِ : الْأَوَّلُ : ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ ضَابِطًا لِلصُّوَرِ الَّتِي يَتَأَدَّى الْفَرْضُ فِيهَا بِنِيَّةِ النَّفْلِ أَنْ تَكُونَ قَدْ سَبَقَتْ نِيَّةٌ ( تَشْمَلُ ) الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ جَمِيعًا ثُمَّ يَأْتِي بِشَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْعِبَادَةِ يَنْوِي بِهِ النَّفَلَ وَيُصَادِفُ بَقَاءَ الْفَرْضِ عَلَيْهِ فَهَلْ يُجْزِئُهُ ؟ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : لَا ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ النَّفْلِ مَوْجُودَةٌ حَقِيقَةً ( وَتِلْكَ ضِمْنًا وَاسْتِصْحَابًا ، وَأَصَحُّهُمَا تُجْزِئُهُ ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ نِيَّةِ الْفَرْضِ الشَّامِلَةِ لَهُ حُكْمُ الْمَوْجُودِ حَقِيقَةً ) وَلِهَذَا صَحَّتْ الْعِبَادَةُ مَعَ غَفْلَتِهِ اسْتِصْحَابًا وَالْبَاءُ بَاءُ الْمُصَاحَبَةِ أَيْ هَلْ يَتَأَدَّى الْفَرْضُ ، بِنِيَّتِهِ السَّابِقَةِ الشَّامِلَةِ الْمُتَضَمِّنَةِ مَعَ مَا صَحِبَهَا مِنْ نِيَّةِ النَّفْلِ .
قُلْت : وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ : إنْ كَانَ الْمَأْتِيُّ بِهِ بِنِيَّةِ النَّفْلِ مُنْفَصِلًا كَمَنْ تَرَكَ لُمْعَةً فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ ( لَا يَتَأَدَّى ) بِغُسْلِ

الْجُمُعَةِ ( وَإِنْ لَمْ يَنْفَصِلْ ) ( فَإِنْ ) لَمْ تَشْمَلْهَا النِّيَّةُ كَسَجْدَتَيْ السَّهْوِ لَمْ ( يَتَأَدَّ ) بِهَا ، وَإِنْ شَمَلَتْهَا وَوَقَعَتْ فِي ( صُلْبِ ) الْعِبَادَةِ كَجِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ تَأَدَّى بِهَا الْفَرْضُ وَإِلَّا فَكَمَسْأَلَةِ التَّسْلِيمِ فِي اعْتِقَادِهِ ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَةَ الثَّانِيَةَ لَيْسَتْ مِنْ الصَّلَاةِ .
الثَّانِي : التَّحْقِيقُ أَنَّ هَذِهِ الصُّوَرَ لَيْسَتْ مِنْ قَبِيلِ قِيَامِ النَّفْلِ مَقَامَ الْفَرْضِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِنَفْلٍ حَقِيقَةً بَلْ وَاجِبٌ وَاقِعٌ فِي مَحَلِّهِ وَالْإِتْيَانُ بِهِ عَلَى قَصْدِ النَّفْلِ لَا أَثَرَ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ إنَّمَا حَصَلَ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ وَهُوَ حُصُولُ الْغُسْلِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْوَاجِبِ وَلَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ ، وَيَدُلُّ ( لِذَلِكَ ) أَنَّهُمْ ذَكَرُوا فِي يَوْمِ الشَّكِّ أَنَّهُ إذَا أَكَلَ فِيهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ كَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ إتْمَامُهُ ؛ لِأَنَّ الْفِطْرَ لَمْ يَكُنْ مُبَاحًا لَهُ حَقِيقَةً ( وَإِقْدَامُهُ ) عَلَى الْأَكْلِ بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ لَا يُخْرِجُ الْفِطْرَ عَنْ كَوْنِهِ حَرَامًا وَعَلَى هَذَا فَفِطْرُ يَوْمِ الشَّكِّ حَرَامٌ لَا ( إثْمَ ) فِيهِ ، وَكَذَا ( فِي مَسْأَلَةِ ) ( التَّشَهُّدِ ) وَالْجُلُوسِ وَغُسْلِ اللُّمْعَةِ لَمْ يَقَعْ إلَّا عَنْ الْوَاجِبِ وَكَذَا الْبَاقِي .
تَأَدَّى ( النَّفَلُ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ ) لَا يُؤَثِّرُ .
كَمَا إذَا صَلَّى مُعْتَقِدًا أَنَّ جَمِيعَ أَفْعَالِهَا فَرْضٌ فَالْأَصَحُّ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ الصِّحَّةُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنَّهُ أَدَّى سُنَّةً بِاعْتِقَادِ الْفَرْضِ وَذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ .
وَمِنْهَا فِي فَتَاوَى الْقَاضِي الْحُسَيْنِ لَوْ سَجَدَ لِتِلَاوَةٍ عَلَى أَنَّهُ سُجُودُ صُلْبِ الصَّلَاةِ يُحْسَبُ سُجُودُهُ كَمَا لَوْ صَلَّى النَّفَلَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ يُصَلِّي الْفَرْضَ يَصِحُّ نَفْلُهُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا .
( وَمِنْهَا تَحْصُلُ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ بِصَلَاةِ الْفَرْضِ ) .

الْخَامِسَ عَشَرَ : لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي النِّيَّةِ إلَّا فِيمَا إذَا اقْتَرَنَتْ بِالْفِعْلِ كَتَفْرِقَةِ الزَّكَاةِ وَذَبْحِ الْأُضْحِيَّةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَذْبَحُ وَيَنْوِي عَنْهُ وَأَهْمَلَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ قِسْمًا ثَالِثًا وَهُوَ مَا إذَا وَكَّلَ فِي النِّيَّةِ وَحْدَهَا وَذَبَحَ هُوَ وَيَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا الْجَوَازُ كَمَا لَوْ نَوَى هُوَ وَوَكَّلَ فِي الذَّبْحِ غَيْرَهُ وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِعَدَمِ اقْتِرَانِهَا بِفِعْلِهِ وَفِعْلِ وَكِيلِهِ .
وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ الدَّهْرِ وَأَفْطَرَ يَوْمًا بِلَا عُذْرٍ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ وَجَازَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَصُومُ عَنْهُ وَيَنْوِي فِي حَيَاتِهِ عَلَى مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ النَّذْرِ عَنْ الْإِمَامِ تَفْرِيعًا عَلَى جَوَازِ الصَّوْمِ عَنْ الْمَيِّتِ .
ضَوَابِطُ : مَقَاصِدُ اللَّفْظِ عَلَى نِيَّةِ اللَّافِظِ إلَّا فِي مَوْضِعٍ ( وَاحِدٍ ) وَهُوَ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ عِنْدَ الْقَاضِي فَإِنَّهَا عَلَى نِيَّةِ الْقَاضِي دُونَ الْحَالِفِ .
( سَائِرُ ) الْعِبَادَاتِ يَدْخُلُ فِيهَا بِالنِّيَّةِ وَحْدَهَا إلَّا الصَّلَاةُ فَلَا بُدَّ مَعَ النِّيَّةِ مِنْ التَّكْبِيرِ .
قَالَ الْمَرْعَشِيُّ تَشْرِيكُ النِّيَّةِ مَعَ ( الْفَرْضِ لَا يَجُوزُ ) إلَّا فِي خَمْسَةِ مَسَائِلَ : الْحَجُّ الْوَاجِبُ إذَا قَرَنَهُ بِعُمْرَةِ تَطَوُّعٍ ، وَمَنْ تَوَضَّأَ يُرِيدُ الْوُضُوءَ ( وَالتَّبَرُّدَ ) وَمَنْ اغْتَسَلَ لِلْجَنَابَةِ وَالْجُمُعَةِ ، وَالْإِمَامُ يَنْوِي الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ فَيَجُوزُ ( وَالْمَأْمُومُ ) يَنْوِي الْخُرُوجَ مِنْهَا وَالرَّدَّ عَلَى الْإِمَامِ فَيَجُوزُ .

النِّيَابَةُ فِي الْعِبَادَاتِ مِنْهَا مَا لَا يُقْبَلُ بِالْإِجْمَاعِ كَالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ عَنْ الْحَيِّ الْقَادِرِ وَالْجِهَادِ عَنْهُ .
وَمِنْهَا مَا يَقْبَلُهَا إجْمَاعًا كَالدُّعَاءِ وَالصَّدَقَةِ وَالْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ .
تَبَعًا لَهُ وَرَدِّ ( الدُّيُونِ وَالْوَدَائِعِ ) .
وَمِنْهَا مَا فِيهِ خِلَافٌ كَالصَّوْمِ عَنْ الْمَيِّتِ وَالْحَجِّ عَنْ الْحَيِّ وَكَذَلِكَ ثَوَابُ الْقِرَاءَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) وَقَدْ يَدْخُلُ فِي الْوُضُوءِ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَلِيِّ فِي حَقِّ الطِّفْلِ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ إذَا طَافَ بِهِ فَإِنَّهُ يُحْرِمُ عَنْهُ وَيَتَوَضَّأُ عَنْهُ لَكِنْ لَوْ أَحْدَثَ الصَّبِيُّ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْوَلِيِّ التَّجْدِيدُ .
وَمِنْهُ تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِي طَلَبِ الْمَاءِ لِلْمُسَافِرِ عَلَى الْأَصَحِّ وَخَالَفَ طَلَبُ الْقِبْلَةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُفَوِّضَهُ لِغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الِاجْتِهَادِ وَلَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ وَهَذَا إخْبَارٌ عَنْ مُشَاهَدَةٍ .

النَّهْيُ .
إنْ رَجَعَ إلَى شَرْطٍ أَوْ رُكْنٍ أَفْسَدَ وَإِلَّا فَلَا .
وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ صَوْمُ ( يَوْمِ ) الْعِيدِ وَالتَّشْرِيقِ وَلَا الصَّلَاةُ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ وَالصَّلَاةُ بِالنَّجَاسَةِ وَعُرْيَانًا وَنَحْوُهُ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْحَرِيرِ أَوْ الْمَغْصُوبِ ( أَوْ الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ ) أَوْ الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوبِ .
وَقَسَمَهُ الْمُحَقِّقُونَ إلَى ثَلَاثَةِ ( أَقْسَامٍ ) : ( نَهْيٌ ) وَرَدَ لِعَيْنِهِ فَيُوجِبُ فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ قَطْعًا كَبَيْعِ ( الْحُرِّ ) وَالْمَلَاقِيحِ وَالْمَضَامِينِ .
وَنَهْيٌ وَرَدَ لِغَيْرِهِ وَلَيْسَ لِذَلِكَ الْغَيْرِ اتِّصَالٌ بِالْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَا مِنْ حَيْثُ الْأَصْلِ وَلَا مِنْ حَيْثُ الْوَصْفِ فَلَا يُوجِبُ فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ قَطْعًا كَالْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ .
وَنَهْيٌ وَرَدَ لِغَيْرِهِ وَلَكِنْ لِذَلِكَ الْغَيْرِ اتِّصَالٌ بِالْمَنْهِيِّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ وَصْفِهِ لَا مِنْ حَيْثُ الْأَصْلِ وَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ فَعِنْدَنَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ وَعِنْدَهُمْ لَا يَقْتَضِيهِ فَإِذَا بَاعَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ فَالْبَيْعُ مَشْرُوعٌ مِنْ حَيْثُ أَصْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ وَذَلِكَ حَلَالٌ وَإِنَّمَا يَكُونُ حَرَامًا بِاعْتِبَارِ الدِّرْهَمِ الزَّائِدِ وَذَلِكَ خَارِجٌ عَنْ أَصْلِ الْعَقْدِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْعَقْدَ يَصِحُّ بِدُونِهِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا اتَّصَلَ بِالْعَقْدِ صَارَ وَصْفًا مِنْ أَوْصَافِهِ فَالْفَسَادُ مُتَّصِلٌ بِوَصْفِ الْعَقْدِ مِنْ هَذَا ( الْوَجْهِ ) وَهَكَذَا سَائِرُ صُوَرِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ ، وَلِهَذَا عِنْدَنَا لَا يُفِيدُ الْمُلْكُ خِلَافًا لَهُمْ وَمَأْخَذُ الْخِلَافِ هَذَا الْأَصْلُ .
تَنْبِيهٌ : يُشْتَرَطُ فِي التَّأْثِيمِ الْعِلْمُ بِالنَّهْيِ قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ : يَأْثَمُ الْخَاطِبُ عَلَى خِطْبَةِ غَيْرِهِ إذَا عَلِمَ بِالنَّهْيِ ، وَكَذَا فِي السَّوْمِ عَلَى سَوْمِهِ وَالْبَيْعِ عَلَى بَيْعِهِ ، فَأَمَّا النَّجَشُ فَإِنَّهُ يَعْصِي سَوَاءٌ عَلِمَ ( النَّهْيَ ) أَمْ لَا ؛ لِأَنَّ الْغُرُورَ وَالْخِيَانَةَ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ أَنَّهُ حَرَامٌ فِي

الشَّرِيعَةِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ ؛ لِأَنَّ ( ذَلِكَ ) لَا يَعْرِفُ حُرْمَتَهُ إلَّا الْخَوَاصُّ .
قُلْت : وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ تَفْرِيقِ الرَّافِعِيِّ بَيْنَهُمَا بِإِدْرَاكِ الْعَقْلِ حُرْمَتَهُ وَلَا مَعْنَى لِمَنْ رَدَّ عَلَيْهِ بِنَصِّ ( الْإِمَامِ ) الشَّافِعِيِّ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) فِي اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ بِالْعِلْمِ بِالنَّهْيِ فِي النَّجْشِ ؛ لِأَنَّ مُرَادَ الشَّافِعِيِّ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) النَّهْيُ الْعَامُّ فِي الْغُرُورِ وَالْخِيَانَةِ وَمُرَادُ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ النَّهْيَ الْخَاصَّ فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا .

فَهَوَاءُ الطَّلْقِ طَلْقٌ وَهَوَاءُ الْوَقْفِ وَقْفٌ وَهَوَاءُ الْمَسْجِدِ مَسْجِدٌ وَهَوَاءُ الشَّارِعِ الْمُشْتَرَكِ مُشْتَرَكٌ وَهَوَاءُ الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ مُسْتَأْجَرٌ حَتَّى لَوْ أَرَادَ ( الْأَجِيرُ ) أَنْ يَبْنِيَ جَنَاحًا فِي هَوَاءِ الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ مُنِعَ وَلِذَلِكَ لِأَهْلِ الدَّرْبِ الْمُشْتَرَكِ مَنْعُ مَنْ أَرَادَ إشْرَاعَ شَيْءٍ فِي هَوَائِهِ وَكَذَلِكَ مَنْ وَقَفَ بِئْرًا وَأَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ بِإِزَائِهَا جُدْرَانًا وَسَقَفَ عَلَيْهَا سَقْفًا يَمُرُّ فِي هَوَاءِ الْبِئْرِ مَنَعْنَاهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِالْبِئْرِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي أَمَالِيهِ ، ( فِي ) بَابِ الْغَصْبِ مِنْ التَّهْذِيبِ .

وَلَوْ وَقَعَ طَيْرٌ لِغَيْرِهِ عَلَى طَرَفِ ( جِدَارِهِ ) فَنَفَّرَهُ أَوْ رَمَاهُ بِحَجَرٍ فَطَارَ لَمْ يَضْمَنْ ؛ لِأَنَّ رَمْيَهُ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا لِتَنْفِيرِهِ فَإِنَّهُ كَانَ مُمْتَنِعًا قَبْلُ ، أَمَّا إذَا رَمَاهُ فِي الْهَوَاءِ فَقَتَلَهُ - ضَمِنَ سَوَاءٌ كَانَ فِي هَوَاءِ دَارِهِ أَوْ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَنْعَ الطَّائِرِ مِنْ هَوَاءِ دَارِهِ .

وَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ : لَوْ أَرَادَ الْجُنُبُ أَنْ يُدَلِّيَ نَفْسَهُ بِحَبْلٍ وَيَمْكُثَ فِي هَوَاءِ الْمَسْجِدِ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ لِهَوَاءِ الْمَسْجِدِ حُرْمَةَ الْمَسْجِدِ .

وَلَوْ صَلَّى عَلَى لَوْحٍ فِي هَوَاءِ الْمَسْجِدِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ : يَجُوزُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ ( عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ ) وَتَوَجَّهَ إلَى هَوَاءِ الْبَيْتِ وَصَلَّى يَصِحُّ فَجَعَلْنَا هَوَاءَ الْبَيْتِ كَالْبَيْتِ .

الْأَوَّلُ : ( الْمُتَحَقِّقُ ) فِيهِ الْجَوَازُ لَكِنَّ الْجَوَازَ فِيهِ أَصْلٌ ( أَوْ دَخَلَ فِيهِ بِطَرِيقِ التَّبَعِ ) وَالْمُلَازَمَةِ خِلَافٌ ( يَنْبَنِي ) أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْوَاجِبِ جَائِزٌ أَمْ لَا وَخَرَجَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْوَافِي فِي بَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَنَّ الْجُنُبَ إذَا نَوَى الْجَنَابَةَ دُونَ الْجُمُعَةِ أَجْزَاهُ عَنْ الْجَنَابَةِ وَهَلْ يُجْزِئُهُ عَنْ الْجُمُعَةِ ؟ قَوْلَانِ : قَالَ : فَمَنْ قَالَ : إنَّ الْوَاجِبَ غَيْرُ جَائِزٍ يَقُولُ : لَا يَحْصُلُ غُسْلُ الْجُمُعَةِ مَعَ عَدَمِ نِيَّةِ الْجُمُعَةِ ، وَمَنْ قَالَ : وَاجِبٌ وَجَائِزٌ ( يَصِحُّ ) ؛ لِأَنَّ التَّنْظِيفَ تَابِعٌ وَنِيَّةَ الْقُرْبَةِ قَدْ وُجِدَتْ بِنِيَّةِ الْجَنَابَةِ فَجَازَ .

الثَّانِي : يَنْقَسِمُ إلَى أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : مَا هُوَ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ وَيُطَالَبُ بِأَدَائِهِ وَهُوَ الدَّيْنُ عَلَى الْمُوسِرِ وَكُلُّ عِبَادَةٍ وَجَبَتْ وَتَمَكَّنَ مِنْهَا .
ثَانِيهَا : مَا ( ثَبَتَ ) فِي الذِّمَّةِ وَلَا يَجِبُ أَدَاؤُهُ كَالزَّكَاةِ بَعْدَ الْحَوْلِ ( وَقَبْلَ ) التَّمَكُّنِ .
ثَالِثُهَا : مَا ( لَا ) يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ وَلَا يَجِبُ أَدَاؤُهُ كَالْوَفَاءِ بِالْوَعْدِ يَجِبُ تَحْقِيقًا لِلصِّدْقِ ( وَعَدَمِ الْإِخْلَافِ ) ( لَا ) مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوَفَاءَ وَاجِبٌ .

الثَّالِثُ : الْوَاجِبُ إذَا فَاتَ بِالتَّأْخِيرِ وَجَبَ قَضَاؤُهُ أَوْ جَبْرُهُ بِالْكَفَّارَةِ إلَّا فِي صُوَرٍ سَبَقَتْ ( فِي مَبَاحِثِ الْقَضَاءِ ) .
وَمِمَّا ( لَمْ ) يَسْبِقْ اللُّقَطَةُ إذَا قُلْنَا : يَجِبُ الِالْتِقَاطُ فَتَرَكَهُ لَمْ يَضْمَنْ ، وَإِذَا قَضَى الزَّوْجَانِ الْحَجَّ عَمَّا ( أَفْسَدَاهُ ) بِالْجِمَاعِ يَغْرَمَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ الْإِصَابَةُ وَالْجَدِيدُ لَا يَجِبُ وَالْقَدِيمُ يَجِبُ فَعَلَى هَذَا لَوْ تَرَكَا أَثِمَا وَصَحَّ حَجُّهُمَا وَهَذَا وَاجِبٌ لَا يُجْبَرُ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ .

الرَّابِعُ : الْوَاجِبُ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ وَقَدْ سَبَقَتْ فُرُوعُهُ ( فِي حَرْفِ الْفَاءِ ) .

الْخَامِسُ : الْوَاجِبُ إذَا قُدِّرَ بِشَيْءٍ فَعَدَلَ إلَى مَا فَوْقَهُ ( هَلْ ) يُجْزِئُهُ .
وَضَابِطُهُ : أَنَّ مَا كَانَ يَجْمَعُهُمَا نَوْعٌ وَاحِدٌ أَجْزَأَ وَمَا لَا فَلَا وَأَقْسَامُهُ أَرْبَعَةٌ : ( أَحَدُهَا ) مَا يُجْزِئُ قَطْعًا كَمَا لَوْ دَفَعَ بَعِيرًا عَنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ مَعَ أَنَّ وَاجِبَهَا شَاةٌ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا هَلْ يَقَعُ كُلُّهُ فَرْضًا أَوْ حَسْبُهُ .
وَمِنْهُ قِيَامُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مَقَامَ ( مَسْجِدِ ) الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى ( عِنْدَ نَذْرِهِمَا لِلِاعْتِكَافِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُمَا ( وَلَا عَكْسَ لِأَنَّهُمَا مَفْضُولَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ وَقِيَامُ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ مَقَامَ الْأَقْصَى ) وَلَا عَكْسَ .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8