كتاب : القواعد في الفقه الإسلامي
المؤلف : أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي

يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا. وَالثَّانِي: يَنْصِبُ مَنْ يَأْخُذُ لَهُمَا ثُمَّ يَقْسِمُ. وَالثَّالِثُ: يُقَدِّمُ مَنْ يَرَاهُ أَحْوَجَ وَأَوْلَى، وَأَمَّا إنْ وَقَعَتْ أَيْدِيهِمَا عَلَى الْمُبَاحِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ خِلاَفٍ وَإِنْ كَانَ فِي كَلاَمِ بَعْضِ الأَصْحَابِ مَا يُوهِمُ خِلاَفَ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ.
وَمنها: إذَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ بَيْنَ نَهْرٍ مُبَاحٍ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَرْضٌ يَحْتَاجُ إلَى السَّقْيِ مِنْهُ وَكَانَا مُتَقَابِلَيْنِ وَلَمْ يُمْكِنْ قِسْمَةُ الْمَاءِ بَيْنَهُمَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا فَقُدِّمَ مَنْ لَهُ الْقُرْعَةُ، فَإِنْ كَانَ لاَ يَفْضُلُ عَنْ أَحَدِهِمَا سَقَى مَنْ لَهُ الْقُرْعَةُ بِقَدْرِ حَقِّهِ مِنْ الْمَاءِ ثُمَّ تَرَكَهُ لِلْآخَرِ؛ فَإِنَّهُ يُسَاوِيهِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمَاءِ وَإِنَّمَا الْقُرْعَةُ لِلتَّقْدِيمِ فِي اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ لاَ فِي أَصْلِ الْحَقِّ بِخِلاَفِ الأَعْلَى مَعَ الأَسْفَلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْأَسْفَلِ حَقٌّ إلاَ فِيمَا فَضَلَ عَنْ الأَعْلَى، وَهُنَا الْمَاءُ بَيْنَهُمَا يَسْتَحِقُّ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنْ يَأْخُذَ بِقَدْرِ نِسْبَةِ حَقِّهِ مِنْهُ ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي.
وَمنها: إذَا وُصِفَ لِلُّقَطَةِ نَفْسَانِ فَهَلْ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا أَوْ يُقْرَعُ؟ فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ فَهِيَ لَهُ عَلَى وَجْهَيْنِ.
وَمنها: إذَا الْتَقَطَ اثْنَانِ طِفْلاً وَتَسَاوَيَا فِي الصِّفَاتِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يُقَرَّ بِأَيْدِيهِمَا جَمِيعًا كَمَا فِي الْحَضَانَةِ، وَإِنْ ادَّعَى نَفْسَانِ الْتِقَاطَ طِفْلٍ فَإِنْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا فَأُقِرَّ بِيَدِ مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي عَدَمِ الْيَدِ وَلَمْ يَصِفْهُ أَحَدُهُمَا، فَقَالَ الْقَاضِي وَالأَكْثَرُونَ: لاَ حَقَّ لاِحَدِهِمَا فِيهِ وَيُعْطِيه الْحَاكِمُ لِمَنْ شَاءَ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا؛ لاِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُمَا سَبَبُ الاِسْتِحْقَاقِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي: الأَوْلَى أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا لاِنَّهُمَا تَنَازَعَا شَيْئًا فِي يَدِ غَيْرِهِمَا فَأَشْبَهَ مَا لَوْ تَنَازَعَا وَدِيعَةً. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ فَإِنَّ الْوَدِيعَةَ لِمُعَيَّنٍ وَلاَ مُدَّعِيَ لَهَا سِوَاهُمَا بِخِلاَفِ اللَّقِيطِ فَإِنَّ الْحَقَّ لِمَنْ سَبَقَ إلَيْهِ وَلَمْ يَثْبُتْ السَّبْقُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَصَارَ كَغَيْرِهِمَا، وَلَوْ ادَّعَى اثْنَانِ لُقَطَةً بَيْنَ أَيْدِيهمَا كُلٌّ مِنْهُمَا يَقُولُ: أَنَا سَبَقْتُ إلَيْهَا، أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلاَفِهِ. وَهَذَا فِي الظَّاهِرِ يُخَلفُ قَوْلَهُ فِي دَعْوَى الْتِقَاطِ الطِّفْلِ إلاَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ اللُّقَطَةَ تَؤُولُ إلَى الْمِلْكِ، فَهِيَ كَتَدَاعِي اثْنَيْنِ مِلْكِيَّةَ عَيْنٍ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا لاَ يَدَ عَلَيْهَا لاِحَدٍ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَمنها: إذَا وَصَّى لِجَارِهِ مُحَمَّدٍ وَلَهُ جَارَانِ بِهَذَا الاِسْمِ فَهَلْ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ، أَوْ تَصِحُّ وَيُمَيَّزُ أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ؟ فِيهِ خِلاَفٌ سَبَقَ ذِكْرُهُ مَبْسُوطًا، وَكَذَا سَبَقَ ذِكْرُ مَنْ وَهَبَ أَحَدَ أَوْلاَدِهِ وَتَعَذَّرَ الْوُقُوفُ عَلَى عَيْنِهِ أَوْ وُقِفَ عَلَيْهِ وَاشْتُبِهَ فِيهِمْ.
وَمنها: إذَا أَوْصَى لِزَيْدٍ بِعَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ قَالَ الْخِرَقِيِّ يُعْطِي وَاحِدًا مِنْهُمْ بِالْقُرْعَةِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ وَاحِدًا مُبْهَمًا. وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ أَنَّ لَهُ أَخَسَّهُمْ يَعْنِي أَدْنَى مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الاِسْمُ؛ لاِنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ، وَإِنَّمَا أَقْرَعْنَا فِي الْعِتْقِ لاِنَّ الْعِتْقَ حَقٌّ لِلْعَبِيدِ وَقَدْ تَسَاوَوْا فِي اسْتِحْقَاقِهِ فَيُمَيِّزُ بِالْقُرْعَةِ، وَهُنَا الْحَقُّ لِلْمُوصَى لَهُ وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ الاِسْمُ.

وَمنها: إذَا مَاتَ الْمُتَوَارِثَانِ وَعُلِمَ أَسْبَقُهُمَا مَوْتًا ثُمَّ نَسِيَ. فَقَالَ الْقَاضِي: لاَ يَمْتَنِعُ أَنْ نَقُولَ هُنَا بِالْقُرْعَةِ لِتَعْيِينِ السَّابِقِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ حُكْمَ ذَلِكَ حُكْمُ مَا لَوْ جَهِلُوا الْحَالَ أَوْ لاِنَّهُ يُوَرَّثُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْآخَرِ مِنْ تِلاَدِ مَالِهِ دُونَ مَا وَرِثَهُ مِنْهُ، وَلَوْ ادَّعَى وَرَثَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِسَبْقِ الْآخَرِ وَلاَ بَيِّنَةَ لَهُمَا، أَوْ تَعَارَضَتْ الْبَيِّنَتَانِ فَفِيهِ أَوْجُهٌ. أَحَدُهَا: يُعَيَّنُ السَّابِقُ بِالْقُرْعَةِ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَضَعَّفَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي كِتَابِ الْخِلاَفِ. وَالثَّانِي: يَتَوَارَثَانِ كَمَا لَوْ جَهِلَ الْوَرَثَةُ الْحَالَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنُ عَقِيلٍ: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. وَالثَّالِثُ: يَحْلِفُ وَرَثَةُ كُلِّ وَاحِدٍ لاِسْقَاطِ دَعْوَى الْآخَرِ وَلاَ يَتَوَارَثَانِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيِّ؛ لاِنَّ وَرَثَةَ كُلِّ وَاحِدٍ قَدْ عَلِمَ اسْتِحْقَاقَهُ لاِرْثِهِ، وَغَيْرُهُمْ يَدَّعِي عَلَيْهِمْ اسْتِحْقَاقَ مُشَارَكَةٍ وَهُمْ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ، فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُمْ مَعَ أَيْمَانِهِمْ.
بِخِلاَفِ مَسَائِلِ الْغَرْقَى فَإِنَّ الْوَرَثَةَ مُتَّفِقُونَ فِيهَا عَلَى عَدَمِ الْعِلْمِ بِالسَّابِقِ وَلَيْسَ فِيهِمْ مُدَّعٍ لاِسْتِحْقَاقِ انْفِرَادِهِ بِمَالِ مَيِّتِهِ. وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ فِي كِتَابِ الْخِلاَفِ: أَنَّهُ يُقْسَمُ الْقَدْرُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ مِنْ الْمِيرَاثِ بَيْنَ مُدَّعِيه نِصْفَيْنِ وَعَلَيْهِمَا الْيَمِينُ فِي ذَلِكَ كَمَا لَوْ تَنَازَعَا دَابَّةً فِي أَيْدِيهمَا.
وَمنها: إذَا مَاتَ عَنْ زَوْجَاتٍ وَقَدْ طَلَّقَ إحْدَاهُنَّ طَلاَقًا يَقْطَعُ الإِرْثَ أَوْ كَانَ نِكَاحُ بَعْضِهِنَّ فَاسِدًا لاَ تَوارث فِيهِ، وَجَهِلَ عَيْنَ الْمُطَلَّقَةِ وَذَاتَ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ فَإِنَّهَا تُعَيَّنُ بِالْقُرْعَةِ، وَالْمِيرَاثُ لِلْبَوَاقِي نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ.
وَمنها: الأَوْلِيَاءُ الْمُسْتَوُونَ فِي النِّكَاحِ إذَا تَشَاحُّوا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ فَإِنْ سَبَقَ مَنْ أَخْطَأَتْهُ الْقُرْعَةُ فَزَوَّجَ فَهَلْ يَصِحُّ أَمْ لاَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
وَمنها: لَوْ زَوَّجَ وَلِيَّانِ مِنْ اثْنَيْنِ وَجُهِلَ أَسْبَقُ الْعَقْدَيْنِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ. أَحَدُهُمَا: يَمِينُ الأَسْبَقِ بِالْقُرْعَةِ، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ فَهِيَ زَوْجَتُهُ وَلاَ يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ عَقْدٍ وَلاَ يَحْتَاج الْآخَرُ إلَى طَلاَقٍ هَذَا ظَاهِرُ كَلاَمِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ وَابْنِ مَنْصُورٍ وَقَدْ ذَكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فِي هَذَا الْوَجْهِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِوَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِوَالْخِلاَفِ وَالرِّوَايَتَيْنِ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُمَا: أَنَّ الْآخَرَ يُؤْمَرُ بِالطَّلاَقِ كَمَا يُطَلِّقُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ. وَفِيهِ ضَعْفٌ؛ فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ لَهُ نِكَاحٌ مُنْعَقِدٌ بِخِلاَفِ النَّاكِحِ نِكَاحًا فَاسِدًا، وَأَيْضًا فَمُجَرَّدُ طَلاَقِهِ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ نِكَاحُهُ هُوَ السَّابِقَ لاَ يُفِيدُ حِلَّ الْمَرْأَةِ لِلْآخَرِ، فَلِهَذَا قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ الأَصْحَابِ: يُجَدِّدُ الَّذِي خَرَجَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ النِّكَاحَ لِتَحِلَّ لَهُ بِيَقِينٍ. وَقَدْ حَكَى ذَلِكَ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ النَّجَّادِ ثُمَّ رَدَّهُ بِأَنَّهُ لاَ يَبْقَى حِينَئِذٍ مَعْنَى لِلْقُرْعَةِ فَإِنَّهُ إذَا أَمَرَ أَحَدُهُمَا بِالطَّلاَقِ وَأَمَرَ الْقَارِعَ بِتَجْدِيدِ النِّكَاحِ فَقَدْ خَلَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِيَّتِهِمَا مَعًا، فَلَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ مَنْ شَاءَتْ مِنْهُمَا وَمِنْ غَيْرِهِمَا. وَلاَ فَائِدَةَ حِينَئِذٍ لِلْقُرْعَةِ. وَهَذَا بِعَيْنِهِ قَوْلُ مِنْ يَقُولُ بِفَسْخِ نِكَاحِهِمَا كَمَا سَيَأْتِي.

وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَوْ كَانَ الأَمْرُ كَمَا ذَكَرُوهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ فَرْقٌ وَلاَ لِلْقُرْعَةِ فَائِدَةٌ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى رِوَايَةِ الْقُرْعَةِ أَنْ يُقَالَ: هِيَ زَوْجَةُ الْقَارِعِ بِحَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا وَسُكْنَاهَا، وَلَوْ مَاتَ وَرِثَتْهُ، لَكِنْ لاَ يَطَؤُهَا حَتَّى يُجَدِّدَ الْعَقْدَ فَيَكُونَ تَجْدِيدُ الْعَقْدِ يُحِلُّ الْوَطْءَ فَقَطْ. وَلَعَلَّ هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، أَوْ يُقَالُ: أَنَّهُ لاَ يُحْكَمُ بِالزَّوْجِيَّةِ إلاَ بِالتَّجْدِيدِ وَيَكُونُ التَّجْدِيدُ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا كَمَا كَانَ الطَّلاَقُ وَاجِبًا عَلَى الْآخَرِ، قَالَ: وَلَيْسَ فِي كَلاَمِ أَحْمَدَ تَعَرُّضٌ لِطَلاَقٍ وَلاَ لِتَجْدِيدِ الْآخَرِ النِّكَاحَ فَإِنَّ الْقُرْعَةَ جَعَلَهَا الشَّارِعُ حُجَّةً وَبَيِّنَةً تُفِيدُ الْحِلَّ ظَاهِرًا كَالشَّهَادَةِ وَالنُّكُولِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لاَ يُوقَفُ مَعَهُ عَلَى حَقِيقَةِ الأَمْرِ فِي الْبَاطِنِ. وَالْمَجْهُولُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ بِهِ الْعِبَادُ بَلْ هُوَ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ كَالْمَعْدُومِ مَا دَامَ مَجْهُولاً.
وَنَظِيرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي الْقُرْعَةِ أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ مَنْ طَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْ زَوْجَاتِهِ ثُمَّ أُنْسِيهَا فَإِنَّهَا تُعَيَّنُ بِالْقُرْعَةِ وَيَحِلُّ لَهُ وَطْءُ الْبَوَاقِي فَكَذَلِكَ هَاهُنَا يُمَيَّزُ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ مِنْ الْبَاطِلِ بِالْقُرْعَةِ وَيُفِيدُ حِلَّ الْوَطْءِ وَلاَ يُقَالُ هُنَاكَ الأَصْلُ فِيمَنْ لَمْ تخْرُجْ عَلَيْهَا الْقُرْعَةُ بَقَاءُ النِّكَاحِ وَلَمْ يَتَيَقَّنْ وُقُوعَ الطَّلاَقِ عَلَيْهَا، وَهُنَا الأَصْلُ عَدَمُ انْعِقَادِ النِّكَاحِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلاَ يُبَاحُ الْوَطْءُ بِدُونِ تَيَقُّنِ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ لاِنَّا نَقُولُ: الاِسْتِصْحَابُ بَطَلَ بِيَقِينِ وُقُوعِ الطَّلاَقِ الْمُحَرِّمِ. وَلِهَذَا أَبْطَلَ أَصْحَابُنَا الاِسْتِصْحَابَ فِي مَسْأَلَةِ اشْتِبَاهِ الْمَاءِ الطَّاهِرِ بِالنَّجِسِ وَمَنَعُوا اسْتِعْمَالَ أَحَدِهِمْ بِالتَّحَرِّي لاِنَّ الاِسْتِصْحَابَ زَالَ حُكْمُهُ بِيَقِينِ التَّنَجُّسِ. وَحِينَئِذٍ تَتَّفِقُ الصُّورَتَانِ؛ لاِنَّ فِي إحْدَاهُمَا اشْتَبَهَتْ الزَّوْجَةُ بِالْمُطَلَّقَةِ ثَلاَثًا وَفِي الْأُخْرَى اشْتَبَهَ الزَّوْجُ بِغَيْرِهِ وَكَوْنِ أَحَدِهِمَا لَهُ أَصْلاً فِي الْحِلِّ دُونَ الْآخَرِ لاَ أَثَرَ لَهُ عِنْدَنَا. وَلِهَذَا يُسَوَّى بَيْنَ اشْتِبَاهِ الْبَوْلِ بِالْمَاءِ الطَّاهِرِ وَاشْتِبَاهِ الْمَاءِ النَّجِسِ بِالطَّاهِرِ.
وَنَحْنُ نَقُولُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ: لَوْ أَقَرَّ بِأَنَّ وَلَدَ إحْدَى إمَائِهِ ابْنُهُ، ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ بُيِّنَ بِالْقُرْعَةِ وَإِنْ كَانَ حُرَّ الأَصْلِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَاضِيَ حَكَى عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ النَّجَّادِ أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فَمَنْ قُرِعَ أُمِرَ صَاحِبُهُ بِالطَّلاَقِ ثُمَّ جَدَّدَ الْآخَرُ نِكَاحَهُ، وَقَرَأْتُ بِخَطِّ الْقَاضِي فِي بَعْضِ مَجَامِيعِهِ قَالَ: حَكَى أَبُو الْحَسَنِ الْجَزَرِيُّ قَالَ سُئِلَ أَبُو عَلِيٍّ النَّجَّادُ عَنْ رَجُلٍ زَوَّجَ ابْنَتَهُ عَلَى صَدَاقٍ أَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ مَاتَ الأَبُ قَبْلَ دُخُولِ الزَّوْجِ بِهَا، فَحَضَرَ ثَلاَثَةُ رِجَالٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَقُولُ زَوَّجَنِي أَبُوك مِنْك عَلَى صَدَاقٍ أَلْفِ دِرْهَمٍ قَبَضَهَا مِنِّي، وَعَدِمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْبَيِّنَةَ فِي الْحَالِ وَقَالَتْ الْبِنْتُ: أَعْلَمُ أَنَّ وَاحِدًا مِنْ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةِ تَزَوَّجَنِي يَقِينًا وَلَكِنْ لاَ أَعْرِفُهُ عَيْنًا فَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ النَّجَّادُ: تَرْفَعُ أَمْرَهَا إلَى الْحَاكِمِ فَيُجْبَرُ الثَّلاَثَةُ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ طَلْقَةً وَاحِدَةً ثُمَّ يَقْتَرِعُ بَيْنَ الثَّلاَثَةِ عَلَى الأَلْفِ فَأَيُّهُمْ كَانَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ أَخَذَ الأَلْفَ ثُمَّ يُقَالُ لِلْمَرْأَةِ: تَزَوَّجِي أَيَّهمْ شِئْت إنْ أَحْبَبْتِ

فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْحِكَايَةُ مُسْتَنَدَ الْقَاضِي فِي الْحِكَايَةِ عَنْ النَّجَّادِ فَقَدْ وَهَمَ فِي تَسْمِيَتِهِ؛ فَإِنَّ الْحِكَايَةَ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ وَنَسَبَهَا هُوَ إلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ وَلَيْسَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي نِكَاحَيْنِ مُشْتَبِهَيْنِ بَلْ فِي دَعْوَى الْقُرْعَةِ فِيهَا إنَّمَا هِيَ لِلْمَالِ لاَ لِمَحَلِّ الْبُضْعِ فَلاَ يَصِحُّ مَاحَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ أَبِي بَكْرٍ النَّجَّادِ بِالْكُلِّيَّةِ فَلْيُحَقَّقْ ذَلِكَ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَة: يُفْسَخُ النِّكَاحَانِ جَمِيعًا ثُمَّ تَتَزَوَّجُ مَنْ شَاءَتْ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا إذَا شَاءَتْ نَقَلَهَا أَبُو الْحَارثِ وَمُهَنَّا، وَهِيَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ فِي خِلاَفِهِ وَالْخِرَقِيِّ. وَحَكَى ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ. إحْدَاهُمَا: يَبْطُلُ النِّكَاحَانِ. وَالثَّانِيَة: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ فَهِيَ لَهُ قَالَ: وَالأَوَّلُ أَظْهَرُ وَأَصَحُّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ النِّكَاحَيْنِ يَبْطُلاَنِ مِنْ غَيْرِ فَسْخٍ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَحْمَدَ فِي وَلِيَّيْنِ زَوَّجَا امْرَأَةً لاَ تَدْرِي أَيَّهُمَا زَوَّجَ قَبْلُ، قَالَ: مَا أَرَى لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا هَاهُنَا نِكَاحًا، وَمِنْ الأَصْحَابِ مَنْ حَكَى ذَلِكَ وَجْهًا وَقَيَّدَهُ بِمَا إذَا أَمْكَنَ وُقُوعَهُمَا مَعًا وَقَدْ جَعَلَ الْقَاضِي فِي خِلاَفِهِ الْمَذْهَبَ كَذَلِكَ. وَأَمَّا إنْ عَلِمَ وُقُوعَهُمَا مَعًا فَهُمَا جَمِيعًا بَاطِلاَنِ غَيْرُ مُنْعَقِدَيْنِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي خِلاَفِهِ وَفِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ: أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَا لَوْ وَقَعَا مُتَرَتِّبَيْنِ وَجُهِلَ أَسْبَقُهُمَا فِيهِ الرِّوَايَتَانِ. قَالَ أَبُو الْبَرَكَاتِ: وَهَذَا لاَ وَجْهَ لَهُ وَلَعَلَّهُ خَرْقُ الإِجْمَاعِ.
فَأَمَّا حُكْمُ الْمَهْرِ فِي هَذَيْنِ النِّكَاحَيْنِ الْمُشْتَبِهَيْنِ فَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُهُ، وَأنَّ فِي وُجُوبِ نِصْفِ الْمَهْرِ عَلَى مَنْ تَخْرُجُ الْقُرْعَةُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا وَجْهَيْنِ، فَإِنْ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ قَبْلَ الْفَسْخِ فَفِي الْمُغْنِي احْتِمَالاَنِ. أَحَدُهُمَا: يُوقَفُ نِصْفُ مِيرَاثِهَا أَوْ رُبْعُهُ حَتَّى يَصْطَلِحَا عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: يُقْرِعُ بَيْنَهُمَا فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ حَلَفَ أَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ وَوَرِثَ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَكِلاَ الْوَجْهَيْنِ لاَ يَخْرُجُ عَلَى الْمَذْهَبِ، أَمَّا الأَوَّلُ فَلاِنَّا لاَ نَقِفُ الْخُصُومَاتِ قَطُّ. وَأَمَّا الثَّانِي: فَكَيْفَ يَحْلِفُ مَنْ قَالَ: لاَ أَعْرِفُ الْحَالَ؟، وَإِنَّمَا الْمَذْهَبُ عَلَى رِوَايَةِ الْقُرْعَةِ: أَيُّهُمَا قَرَعَهُ فَلَهُ الْمِيرَاثُ بِلاَ يَمِينٍ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِنَا لاَ يُقْرِعُ، فَإِن قُلْنَا إِنَّهَا تَأْخُذُ مِنْ أَحَدِهِمَا نِصْفَ الْمَهْرِ بِالْقُرْعَةِ فَكَذَلِكَ يَرِثُهَا أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ بِطَرِيقِ الأَوْلَى، وَإِمَّا إنْ قُلْنَا لاَ مَهْرَ فَهُنَا قَدْ يُقَالُ بِالْقُرْعَةِ أَيْضًا انْتَهَى.
وَإِنْ مَاتَ الزَّوْجَانِ جَمِيعًا فَلَهَا رُبْعُ مِيرَاثِ أَحَدِهِمَا فَإِنْ اتَّفَقَتْ مَعَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ مَعَ وَرَثَتِهِ أَنَّهُ هُوَ السَّابِقُ فَالْمِيرَاثُ لَهَا مِنْهُ بِغَيْرِ إشْكَالٍ، وَإِنْ ادَّعَتْ أَنَّ أَحَدَهُمَا هُوَ السَّابِقُ وَأَنْكَرَ هُوَ أَوْ وَرَثَتُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ مَعَ أَيْمَانِهِمْ. فَإِنْ نَكَلُوا قَضَى عَلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ تُقِرَّ الْمَرْأَةُ بِسَبْقِ أَحَدِهِمَا فَفِي الْمُغْنِي احْتِمَالاَنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَحْلِفَ وَرَثَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَيَبْرَأَ. وَالثَّانِي: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ فَلَهَا رُبْعُ مِيرَاثِهِ وَهَذَا الْوَجْهُ الثَّانِي يَتَعَيَّنُ فِيمَا إذَا أَنْكَرَ الْوَرَثَةُ الْعِلْمَ بِالْحَالِ، وَيَشْهَدُ لَهُ نَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ فِيمَنْ زَوَّجَ إحْدَى بَنَاتِهِ مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ مَاتَ الأَبُ ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ وَلَمْ يُعْلَمْ عَيْنُ الزَّوْجَةِ أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُنَّ فَأَيَّتَهُنَّ أَصَابَتْهَا الْقُرْعَةُ فَهِيَ الَّتِي تَرِثُهُ، وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ صَاحِبُ الْمُغْنِي أَيْضًا فِيمَا إذَا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ السَّابِقُ بِالْعَقْدِ وَلَمْ يُقِرَّ الْوَاحِدُ مِنْهُمَا بِذَلِكَ ثُمَّ مَاتَا أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، وَيَكُونُ لَهَا مِيرَاثٌ مَنْ تَقَعُ الْقُرْعَةُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلاَفًا.

وَمنها: إذَا أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ ثُمَّ طَلَّقَ الْجَمِيعَ ثَلاَثًا فَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الأَصْحَابِ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهُنَّ أَرْبَعٌ بِالْقُرْعَةِ فَيَكُنَّ الْمُخْتَارَاتِ وَلَهُ نِكَاحُ الْبَوَاقِي بَعْدَ عِدَّةِ الأَرْبَعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الطَّلاَقَ اخْتِيَارٌ وَالْقُرْعَةَ لَهَا مَدْخَلٌ فِي تَعْيِينِ الْمُطَلَّقَاتِ الْمُبْهَمَاتِ فَيُمَيَّزْنَ بِالْقُرْعَةِ وَيُحْكَمُ بِاخْتِيَارِهِنَّ وَيَنْفَسِخُ نِكَاحُ الْبَوَاقِي بِغَيْرِ طَلاَقٍ فَيُبَاحُ لَهُ نِكَاحُهُنَّ بِدُونِ زَوْجٍ وَإِصَابَةٍ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْبَوَاقِي. وَقَالَ الْقَاضِي فِي خِلاَفِهِ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ: يُطَلَّقُ الْجَمِيعَ ثَلاَثًا لاِنَّ نِكَاحَهُنَّ ثَابِتٌ لَمْ يُحْكَمْ بِفَسَادِهِ فَيَلْحَقُهُنَّ الطَّلاَقُ الثَّلاَثُ فَلاَ يَنْكِحُ شَيْئًا مِنْهُنَّ إلاَ بَعْدَ زَوْجٍ وَإِصَابَةٍ. وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى أَنَّ الطَّلاَقَ فَسْخٌ وَلَيْسَ بِاخْتِيَارٍ وَلَكِنْ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ فِي الإِسْلاَمِ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ يَتَصَرَّفُ فِيهِنَّ بِخَصَائِصِ مِلْكِ النِّكَاحِ مِنْ الطَّلاَقِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ بَعِيدٌ، وَاخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ أَنَّ الطَّلاَقَ هاهُنَا فَسْخٌ وَلاَ يُحْسَبُ مِنْ الطَّلاَقِ الثَّلاَثِ وَلَيْسَ بِاخْتِيَارٍ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا فَإِنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُنَّ فَيُوَرَّثُ أَرْبَعٌ مِنْهُنَّ بِالْقُرْعَةِ.
وَأَمَّا الْعِدَّةُ فَفِيهَا وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: عَلَى الْجَمِيعِ عِدَّةُ الْوَفَاةِ قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ لاِنَّهُ مَاتَ وَالْكُلُّ مَحْبُوسَاتٌ عَلَى نِكَاحِهِ فَكَانَ عَلَيْهِنَّ عِدَّةُ الْوَفَاةِ، وَإِسْلاَمُهُ لَمْ يُوجِبْ الْبَيْنُونَةَ تَقِفُ عَلَى اخْتِيَارِهِ فَإِذَا اخْتَارَ فِي حَيَاتِهِ أَرْبَعًا فَعِدَّةُ الْبَوَاقِي مِنْ حِينِ الاِخْتِيَارِ عَلَى الْمَشْهُورِ لاَ مِنْ حِينِ الإِسْلاَمِ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنِ عَقِيلٍ وَصَاحِبِ الْمُغْنِي أَنَّ عَلَيْهِنَّ أَطْوَلَ الأَمْرَيْنِ مِنْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ وَعِدَّةِ الْوَطْءِ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ زَوْجَاتٌ وَالْبَوَاقِي مَوْطُؤاتٌ بِشُبْهَةٍ فَيَجِبُ عَلَى الْجَمِيعِ أَطْوَلُ الْعِدَّتَيْنِ لِتَبْرَأَ الذِّمَّةُ مِنْ الْعِدَّةِ الْوَاجِبَةِ بِيَقِينٍ، وَهَذَا لاَ يَخْرُجُ إلاَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ ثَبَتَتْ بِالإِسْلاَمِ وَتَتَبَيَّنُ بِالاِخْتِيَارِ فَإِذَا اخْتَارَ أَرْبَعًا فَعِدَّةُ الْبَوَاقِي مِنْ حِينِ إسْلاَمِهِ، وَأَمَّا إذَا قُلْنَا: عِدَّتُهُنَّ مِنْ حِينِ اخْتِيَارِهِ فَهُنَّ زَوْجَاتٌ لَهُ حَتَّى يَخْتَارَ فَلاَ يَتَوَجَّهُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِنَّ سِوَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ إلاَ أَنْ يُقَالَ إنَّ نِكَاحَهُنَّ فِي حُكْمِ الْفَاسِدِ لاِنَّهُ لاَ يَجُوزُ اسْتِدَامَتُهُ بِحَالٍ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُثْبِتَ لَهُ خَصَائِصَ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ أَوْجَبَ عِدَّةَ الْوَفَاةِ عَلَى الْمَنْصُوصِ فَهَذَا أَوْلَى.
وَيَلْتَحِقُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا طَلَّقَ وَاحِدَةً مُبْهَمَةً أَوْ مُعَيَّنَةً ثُمَّ أُنْسِيهَا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الْقُرْعَةِ فَإِنَّا نُقْرِعُ بَيْنَهُنَّ وَتَخْرُجُ الْمُطَلَّقَةُ بِالْقُرْعَةِ وَيُورَثُ الْبَوَاقِي كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَأَمَّا الْعِدَّةُ فَذَكَرَ الْقَاضِي فِي خِلاَفِهِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عِدَّةُ الْوَفَاةِ إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهِنَّ يَسْقُطُ الْفَرْضُ بِيَقِينٍ وَإِنْ دَخَلَ بِهِنَّ لَزِمَهُنَّ أَطْوَلُ الأَمْرَيْنِ مِنْ عِدَّةِ الطَّلاَقِ مِنْ حِينِهِ وَعِدَّةُ الْوَفَاةِ مِنْ حِينِهَا؛ لاِنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مُطَلَّقَةً وَأَنْ تَكُونَ زَوْجَةً، فَلاَ تَبْرَأُ الذِّمَّةُ بِدُونِ ذَلِكَ وَهَذَا يُخَالِفُ الْمَنْصُوصَ عَنْ أَحْمَدَ فَإِنَّهُ نَصَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ يُقْرِعُ بَيْنَهُنَّ فَأَيَّتُهُنَّ أَصَابَتْهَا الْقُرْعَةُ لَمْ تُوَرَّثْ وَلَمْ تَعْتَدَّ، وَمُرَادُهُ أَنَّهَا لا تَعْتَدَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِدَّةَ تَابِعَةٌ لِلْمِيرَاثِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلاَمِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ فَمَنْ خَرَجَتْ لَهَا قُرْعَةُ الطَّلاَقِ فَلَيْسَ عَلَيْهَا سِوَى عِدَّةِ الطَّلاَقِ مِنْ حِينِهَا، وَعَلَى الْبَوَاقِي عِدَّةُ الْوَفَاةِ مِنْ حِينِهَا؛

لاِنَّ الْقُرْعَةَ بَيِّنَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَقَدْ حَكَمْنَا بِحِلِّ الْبُضْعِ بِهَا كَمَا سَبَقَ فَجَازَ أَنْ يَنبنِيَ عَلَيْهَا حُكْمُ الْعِدَّةِ لاِنَّهَا مِنْ تَوَابِعِ الطَّلاَقِ وَلَوَازِمِهِ، فَعَلَى هَذَا الْمَنْصُوصِ يَتَخَرَّجُ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُنَّ أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَ أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ فَيَكُنَّ الْمُخْتَارَاتِ وَتَلْزَمُهُنَّ عِدَّةُ الْوَفَاةِ مِنْ حِينِهَا وَيَلْزَمُ البواقي عِدَّةُ الْوَطْءِ مِنْ حِينِ الإِسْلاَمِ إذَا قُلْنَا إنَّ عِدَّتَهُنَّ مِنْ حِينِ الإِسْلاَمِ وَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي عَلَى الْجَمِيعِ أَطْوَلُ الأَجَلَيْنِ.
وَمنها: إذَا أَصْدَقَ الزَّوْجَةَ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِهِ فَحَكَى طَائِفَةٌ مِنْ الأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةُ رِوَايَتَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالْقُرْعَةِ. وَالثَّانِيَةُ: لَهَا الْوَسَطُ مِنْهُمْ وَخَرَّجَ ابْنُ عَقِيلٍ فِيهَا وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُعْطِيهَا مَا يَخْتَارُهُ هُوَ. وَالثَّانِي: يُعْطِي مَا تَخْتَارُهُ هِيَ، وَاخْتَارَ أَنَّهُمْ إنْ تَسَاوَوْا فَلَهَا وَاحِدٌ بِالْقُرْعَةِ وَإِلاَ فَلَهَا الْوَسَطُ، وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ مَا نَقَلَهُ مُهَنَّا فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ فَقَالَ: أُعْطِيهَا مِنْ أَحْسَنِهِمْ؟ قَالَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلَكِنْ يُعْطِيهَا مِنْ أَوْسَطِهِمْ فَقُلْت لَهُ تَرَى أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقُلْتُ: تَسْتَقِيمُ الْقُرْعَةَ فِي هَذَا؟ قَالَ نَعَمْ، يُقْرِعُ بَيْنَ الْعَبِيدِ. وَتَأَوَّلَ أَبُو بَكْرٍ هَذَا عَلَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ مُعَيَّنٍ وَاشْتَبَهَ. قَالَ الْقَاضِي: وَلاَ يَصِحُّ هَذَا التَّأْوِيلُ؛ لاِنَّهُ قَالَ يُعْطِي وَسَطَهُمْ، وَلَوْ كَانَ مُعَيَّنًا لَمْ يَعْتَبِرْ الأَوْسَطَ وَنَقَلَ عَنْهُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: يُقَوَّمُ الْخَادِم وَسَطًا عَلَى قَدْرِ مَا يُخْدَمُ مِثْلُهَا.
وَمنها: إذَا دَعَاهُ اثْنَانِ إلَى وَلِيمَةٍ عُرْسٍ وَاسْتَوَيَا فِي الصِّفَاتِ الْمُرَجِّحَةِ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا.
وَمنها: إذَا زُفَّتْ إلَيْهِ امْرَأَتَانِ مَعًا فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ إحْدَاهُمَا بِالْقُرْعَةِ.
وَمنها: إذَا أَرَادَ السَّفَرَ بِإِحْدَى زَوْجَاتِهِ أَوْ الْبُدَاءَةَ بِهَا لَمْ يَجُزْ بِدُونِ قُرْعَةٍ إلاَ أَنْ يَرْضَى الْبَوَاقِي بِذَلِكَ.
وَمنها: لَوْ طَلَّقَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ مُبْهَمَةً بِأَنْ قَالَ لاِمْرَأَتَيْهِ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَلَمْ يَنْوِ مُعَيَّنًا فَإِنَّهُ يُعَيِّنُ الْمُطَلَّقَةَ بِالْقُرْعَةِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ أَنَّ لَهُ تَعْيِينَهَا بِاخْتِيَارِهِ، وَتَوَقَّفَ أَحْمَدُ مَرَّةً فِيهَا فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ.
وَمنها: إذَا طَلَّقَ وَاحِدَةً مُعَيَّنَةً مِنْ نِسَائِهِ ثُمَّ أُنْسِيهَا أَوْ جَهِلَهَا ابْتِدَاءً كَمَنْ قَالَ إنْ كَانَ هَذَا الطَّائِرُ غُرَابًا فَفُلاَنَة طَالِقٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غُرَابًا فَفُلاَنَة طَالِقٌ، فَطَارَ وَلَمْ يَعْرِفْ مَا كَانَ فَالْمَشْهُورُ أَيْضًا أَنَّهَا تُعَيَّنُ بِالْقُرْعَةِ وَيَحِلُّ لَهُ الْبَوَاقِي. كَمَا أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ أَمَةً مِنْ إمَائِهِ وَأُنْسِيهَا عَيَّنَهَا بِالْقُرْعَةِ وَحَلَّ لَهُ الْبَوَاقِي لاِنَّ الْقُرْعَةَ قَامَتْ مَقَامَ الشَّاهِدِ وَالْمُخْبِرِ لِلضَّرُورَةِ، وَالشَّارِعُ لَمْ يُكَلِّفْ الْعِبَادَ بِمَا فِي نَفْسِ الأَمْرِ بَلْ بِمَا ظَهَرَ وَبَدَا وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِمَا فِي نَفْسِ الأَمْرِ، وَالْمَجْهُولُ كَالْمَعْدُومِ مَادَامَ مَجْهُولاً فَإِذَا عُلِمَ ظَهَرَ حُكْمُهُ كَالاِجْتِهَادِ مَعَ النَّصِّ وَالتَّيَمُّمِ مَعَ الْمَاءِ، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ صَرِيحًا عَلَى هَذَا فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ وَعَنْ أَحْمَدَ: لاَ يُقْرَعُ بَلْ يُوقَفُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ، قَالَ الشَّالَنْجِيُّ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ

وَلاَ يَعْلَمُ أَيَّتَهُنَّ طَلَّقَ؟ قَالَ: أَكْرَهُ أَنْ أَقُولَ فِي الطَّلاَقِ بِالْقُرْعَةِ. قُلْت: أَرَأَيْت إنْ مَاتَ هَذَا؟ قَالَ: أَقُولُ بِالْقُرْعَةِ، أَيْ لاِجْلِ الْمِيرَاثِ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَهَذِهِ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْمُغْنِي. وَالْمَذْهَبُ: الأَوَّلُ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ ذَكَرَ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ غَيْرُ مَنْ أَصَابَتْهَا الْقُرْعَةُ وَأَنَّهُ يَذْكُرُ ذَلِكَ لَزِمَهُ الطَّلاَقُ فِيهَا. وَهَلْ تَرْجِعُ الَّتِي وَقَعَتْ عَلَيْهَا الْقُرْعَةُ؟ تَوَقَّفَ فِيهِ أَحْمَدُ مَرَّةً. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ: إنْ كَانَتْ تَزَوَّجَتْ لَمْ تَرْجِعْ إلَيْهِ؛ لاِنَّ حَقَّ الزَّوْجِ الثَّانِي تَعَلَّقَ بِهَا فَلاَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي إسْقَاطِ حَقِّهِ وَفَسْخِ نِكَاحِهِ، وَإِنْ لَمْ تَتَزَوَّجْ فَإِنْ كَانَتْ الْقُرْعَةُ بِفِعْلِ الْحَاكِمِ لَمْ تَرْجِعْ إلَيْهِ أَيْضًا نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ أَيْضًا. قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: وَهُوَ يَرْجِعُ إلَى أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي التَّحْرِيمِ. وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلى أَنَّ فِعْلَ الْحَاكِمِ حُكْمٌ فَلاَ يُقْبَلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِيمَا يَرْفَعُ فِعْلَ الْحَاكِمِ لاِنَّ تَعْلِيقَ حُكْمِ الْحَاكِمِ كَتَعَلُّقِ حُكْمِ الزَّوْجِ وَأَوْلَى، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْقُرْعَةُ مِنْ الْحَاكِمِ رَجَعَتْ إلَيْهِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَيْضًا لاِنَّ إخْبَارَهُ بِذَلِكَ مَقْبُولٌ قَبْلَ الْقُرْعَةِ فَكَذَلِكَ بَعْدَهَا إلاَ أَنْ يَتَضَمَّنَ إبْطَالَ حَقٍّ لِغَيْرِهِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ هُنَا، وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ حَامِدٍ لاَ يَرْجِعُ إلَيْهِ لاِنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي نَفْيِ الطَّلاَقِ عَنْهَا فَلاَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ.
وَمنها: لَوْ رَأَى رَجُلاَنِ طَائِرًا فَقَالَ أَحَدُهُمَا: إنْ كَانَ غُرَابًا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ ثَلاَثًا وَقَالَ الْآخَرُ: إنْ لَمْ يَكُنْ غُرَابًا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ ثَلاَثًا فَفِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يَبْنِي على وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى يَقِينِ نِكَاحِهِ وَلاَ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِالطَّلاَقِ وَلاِنَّهُ مُتَيَقِّنٌ لِحِلِّ زَوْجَتِهِ شَاكٌّ فِي تَحْرِيمِهَا، بِخِلاَفِ مَا إذَا كَانَتْ الزَّوْجَتَانِ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ تَيَقَّنَ زَوَالَ النِّكَاحِ فِي إحْدَى زَوْجَتَيْهِ فَلِذَلِكَ عُيِّنَتْ بِالْقُرْعَةِ وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّابِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُقْرِعُ بَيْنَهُمَا فَمَنْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ طَلُقَتْ زَوْجَتُهُ كَمَا لَوْ كَانَا لِرَجُلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ الشِّيرَازِيِّ فِي الإِيضَاحِ وَابْنِ عَقِيلٍ وَالْحَلْوَانِيِّ وَفِي الْجَامِعِ لِلْقَاضِي أَنَّهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَعَلَى الأَوَّلِ فَمَنْ اعْتَقَدَ خَطَأَ الْآخَرِ دُونَهُ حَلَّ الْوَطْءُ وَإِنْ شَكَّ وَتَرَدَّدَ كَفَّ عَنْهُ وُجُوبًا عِنْدَ الْقَاضِي. وَوَرَعًا عِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ.
وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا رَوَاهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: يَعْتَزِلاَنِ نِسَاءَهُمَا حَتَّى يَتَيَقَّنَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حُكْم لِوُقُوعِ الطَّلاَقِ عَلَى أَحَدِهِمَا وَلَكِنْ لَمْ تُخْرِجْهُ بِالْقُرْعَةِ كَمَا رَوَاهُ الشَّالَنْجِيُّ عَنْهُ وَيُحْتَمَلُ- وَهُوَ الأَظْهَرُ- أَنَّهُ مَنَعَ مِنْ الْوَطْءِ خَاصَّةً كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: تَأَمَّلْتُ نُصُوصَ أَحْمَدَ فَوَجَدْتُهُ يَأْمُرُ بِاعْتِزَالِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ فِي كُلِّ يَمِينٍ حَلَفَ الرَّجُلُ عَلَيْهَا بِالطَّلاَقِ وَهُوَ لاَ يَدْرِي أَهُوَ بَارٌّ فِيهَا أَمْ لاَ؟ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ أَنَّهُ بَارٌّ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ بَارٌّ اعْتَزَلَهَا أَبَدًا، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ بَارٌّ فِي وَقْتِ اعْتَزَلَهَا وَقْتَ الشَّكِّ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مَتَى عَلَّقَ الطَّلاَقَ بِشَرْطٍ وَأَمْكَنَ وُجُودُهُ فَإِنَّهُ يَعْتَزِلُ امْرَأَتَهُ حَتَّى يُعْلَمَ انْتِفَاؤُهُ. نَصَّ عَلَى فُرُوعِ هَذَا الأَصْلِ فِي مَوَاضِعَ.
منها: إذَا قَالَ إنْ كُنْت حَامِلاً فَأَنْتِ طَالِقٌ يَعْتَزِلُهَا حَتَّى يُتَبَيَّنَ الْحَمْلُ.

وَمنها: إذَا وَكَّلَ وَكِيلاً فِي طَلاَقِ امْرَأَتِهِ يَعْتَزِلُهَا حَتَّى يَدْرِيَ مَا يَفْعَلُ.
وَمنها: إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لَيْلَةَ الْقَدْرِ يَعْتَزِلُهَا إذَا دَخَلَ الْعَشْرُ الأَوَاخِرُ لاِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ أَوَّلَ لَيْلَةٍ.
وَمنها: إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ فَإِنَّهُ يَعْتَزِلُهَا مُطْلَقًا نَقَلَهُ عَنْهُ مُهَنَّا.
وَمنها: مَسْأَلَةُ إنْ كَانَ الطَّائِرُ غُرَابًا، وَهِيَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ.
وَمَنْ مَسَائِلِ الْقُرْعَةِ: إذَا قَالَ لاِمْرَأَتِهِ: إنْ وَلَدْت ذَكَرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَإِنْ وَلَدْت أُنْثَى فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ فَوَلَدَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى مُتَعَاقِبَيْنِ وَأَشْكَلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَقَعُ بِهَا وَاحِدَةً لاِنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ وَالزَّائِدُ عَلَيْهِ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَيُلْغَى كَمَا لَوْ طَلَّقَ وَشَكَّ هَلْ طَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ؟ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ وَرَجَّحَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي. وَالثَّانِي: يُعَيِّنُ الْوَاقِعَ مِنْهُمَا بِالْقُرْعَةِ قَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ لاِنَّهُ تَيَقَّنَ وُقُوعَ أَحَدِ الْمُتَعَلِّقَيْنِ وَشَكَّ فَمَيَّزَ بِالْقُرْعَةِ كَمَا لَوْ تَيَقَّنَ وُقُوعَ طَلاَقِ إحْدَى الزَّوْجَتَيْنِ وَشَكَّ فِي عَيْنِهَا، وَمَأْخَذُ الْخِلاَفِ أَنَّ الْقُرْعَةَ لاَ مَدْخَلَ لَهَا فِي إلْحَاقِ الطَّلاَقِ لاِحَدِ الأَعْيَانِ الْمُشْتَبِهَةِ فَمَنْ قَالَ بِالْقُرْعَةِ هُنَا جَعَلَهَا لِتَعْيِينِ إحْدَى الصِّفَتَيْنِ وَجَعْلِ وُقُوعَ الطَّلاَقِ لاَزِمًا لِذَلِكَ وَمَنْ مَنَعَهَا نَظَرَ إلَى الْقَصْدِ بِهَا هُنَا هُوَ اللاَزِمُ وَهُوَ الْوُقُوعُ وَلاَ مَدْخَلَ لِلْقُرْعَةِ فِيهِ وَهَذَا أَظْهَرُ.
وَمَنْ غَرَائِبِ مَسَائِلِ الْقُرْعَةِ فِي الطَّلاَقِ: إذَا قَالَ لِزَوْجَاتِهِ الأَرْبَعِ: أَيَّتُكُنَّ لَمْ أَطَأْهَا اللَّيْلَةَ فَصَوَاحِبَاتُهَا طَوَالِقُ وَلَمْ يَطَأْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ فَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الأَصْحَابِ أَنَّهُنَّ يُطَلَّقْنَ ثَلاَثًا ثَلاَثًا؛ لاِنَّ شَرْطَ الطَّلاَقِ وَهُوَ خُلُوُّ الْوَطْءِ فِي اللَّيْلَةِ قَدْ تَحَقَّقَ فِي آخِرِ جُزْءٍ منها فَإِذَا بَقِيَ جُزْءٌ منها لاَ يَتَّسِعُ لِلْإِيلاَجِ تَحَقَّقَ شَرْطُ طَلاَقِ الْجَمِيعِ دُفْعَةً وَاحِدَةً فَيُطَلَّقُ الْجَمِيعَ ثَلاَثًا ثَلاَثًا لاِنَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ ثَلاَثُ صَوَاحِبَاتٍ لَمْ يَطَأْهُنَّ فَاجْتَمَعَتْ شُرُوطُ وُقُوعِ الثَّلاَثِ عَلَيْهَا.
وَحَكَى أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَيْنِ عَنْ الأَصْحَابِ: أَحَدُهُمَا: هَذَا. وَالْآخَرُ: وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَوَّلاً وَجَزَمَ بِهِ أَنَّ إحْدَاهُنَّ تَطْلُقُ ثَلاَثًا وَالْبَوَاقِيَ يُطَلَّقْنَ اثْنَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ لَمَّا امْتَنَعَ عَنْ الْأُولَى طَلُقَتْ الثَّلاَثُ وَاحِدَةً وَاحِدَةً فَلَمَّا امْتَنَعَ عَنْ الثَّانِيَة طَلُقَتْ الْأُولَى وَاحِدَةً وَالثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ ثِنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ فَلَمَّا امْتَنَعَ عَنْ الثَّالِثَةِ طَلُقَتْ الْأُولَى اثْنَتَيْنِ وَالثَّانِيَةُ اثْنَتَيْنِ وَالثَّالِثَةُ كَذَلِكَ وَبَانَتْ الرَّابِعَةِ فَلَمَّا امْتَنَعَ عَنْ الرَّابِعَةِ امْتَنَعَ عَنْهَا وَهِيَ غَيْرُ زَوْجَةٍ فَلَمْ يَقَعْ بِالاِمْتِنَاعِ فِيهَا طَلاَقٌ فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ: يَنْبَغِي أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُنَّ، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهَا قُرْعَةُ الثَّلاَثِ حَرُمَتْ بِدُونِ زَوْجٍ وَإِصَابَةٍ، وَمَلَكَ رَجْعَةَ الْبَوَاقِي. وَشَرْحُ كَلاَمِهِ إنْ يَقْدِرْ عَلَى الاِمْتِنَاعِ مِنْ وَطْئِهِنَّ مُرَتَّبًا؛ لاِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ إلاَ كَذَلِكَ فَإِذَا بَقِيَ مِنْ اللَّيْلَةِ زَمَنٌ لاَ يَتَّسِعُ لِلْإِيلاَجِ فِي أَرْبَعٍ فَقَدْ تَعَذَّرَ وَطْءُ الْأُولَى حِينَئِذٍ فَتَطْلُقُ الثَّلاَثَةُ الْبَوَاقِي طَلْقَةً طَلْقَةً فَإِذَا بَقِيَ زَمَنٌ

لاَ يَتَّسِعُ لِلْإِيلاَجِ فِي الثَّلاَثِ فَقَدْ تَعَذَّرَ وَطْءُ الثَّالِثَةِ فَتَطْلُقُ بِهِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ وَالرَّابِعَةُ طَلْقَةً طَلْقَةً فَيَجْتَمِعُ عَلَى الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ طَلْقَةٌ وَعَلَى الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ طَلْقَتَانِ، فَإِذَا بَقِيَ زَمَنٌ لاَ يَتَّسِعُ لِلْإِيلاَجِ فِي اثْنَتَيْنِ فَقَدْ تَعَذَّرَ وَطْءُ الثَّالِثَةِ فَتَطْلُقُ بِهِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ وَالرَّابِعَةُ فَيَجْتَمِعُ عَلَى الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ طَلْقَتَانِ وَعَلَى الرَّابِعَةِ ثَلاَثُ طَلْقَاتٍ فَتَحْرُمُ حِينَئِذٍ وَتَخْرُجُ عَنْ الزَّوْجِيَّةِ فَلاَ يَبْقَى الاِمْتِنَاعُ مِنْ وَطْئِهَا شَرْطًا لِطَلاَقِ صَوَاحِبَاتِهَا؛ لاِنَّ تَقْدِيرَ الْكَلاَمِ: أَيَّتَكُنَّ لَمْ أَطَأْهَا اللَّيْلَةَ وَهِيَ زَوْجَتِي. وَقَدْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الرَّابِعَةِ.
وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى أَنَّهُ مَتَى حَلَفَ بِالطَّلاَقِ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ فِي وَقْتٍ مُتَّسِعٍ فَتَعَذَّرَ فِعْلُهُ فِي آخِرِ أَجْزَاءِ ذَلِكَ الْوَقْتِ أَنَّهُ لاَ يَحْنَثُ لاِنَّ حِنْثَهُ إنَّمَا هُوَ بِتَرْكِ ذَلِكَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَيَسْتَدْعِي وُجُودَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ. وَالْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَحْنَثُ فِي حَالِ التَّعَذُّرِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَشْرَبَنَّ مَاءَ هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ فَتَلِفَ قَبْلَ مُضِيِّ الْيَوْمِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ فِي الْحَالِ، وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ لاَ يَحْنَثُ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْأُولَى مِنْهُنَّ مَنْ كَانَ وَقْتُ الْيَمِينِ حَظَّهَا مِنْ الْقَسْمِ وَالثَّانِيَةُ الَّتِي تَلِيهَا.
وَمنها: إذَا ادَّعَى الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ وَالزَّوْجَةُ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ فِي آنٍ وَاحِدٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ لاِنَّ الزَّوْجَ مُدَّعٍ وَهِيَ مُنْكِرَةٌ. وَالثَّانِي: يُقْرِعُ بَيْنَهُمَا فَمَنْ قُرِعَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ.
وَمنها: إذَا آلَى مِنْ وَاحِدَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَاشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ فَإِنَّهَا تُمَيَّزُ بِالْقُرْعَةِ ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ وَإِنْ آلَى مِنْ وَاحِدَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ فَفِي الْمُحَرَّرِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: يُعَيِّنُ بِالْقُرْعَةِ. وَالثَّانِي: بِتَعْيِينِهِ وَهُمَا مُخْرَجَانِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلاَقِ وَفِي الْمَغني لَهُ وَطْءُ الْجَمِيعِ سِوَى وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَإِذَا لَمْ يَبْقَ سِوَى وَاحِدَةٍ تَعَيَّنَ الإِيلاَءُ فِيهَا لاِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ وَطْؤُهَا بِدُونِ الْحِنْثِ فِي هَذِهِ الْحَالِ بِخِلاَفِ مَا قَبْلَهَا فَلاَ يَصِيرُ مُولِيًا بِدُونِ ذَلِكَ.
وَمنها: إذَا تَعَذَّرَ إثْبَاتُ النَّسَبِ بِالْقَافَةِ إمَّا لِعَدَمِهَا أَوْ لِعَدَمِ إلْحَاقِهَا بِالنَّسَبِ لاِشْكَالِهِ عَلَيْهَا وَلاِخْتِلاَفِهَا فِيهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لاَ يُلْحَقُ بِالْقُرْعَةِ وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ ابْنِ سَعْدٍ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ فِي ثَلاَثَةٍ وَقَعُوا عَلَى امْرَأَةٍ فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ - قَالَ- لاَ أَعْرِفُهُ صَحِيحًا وَأُوهِنُهُ وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ يَعْنِي ابْنَ مَنْصُورٍ وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ فِي الْقَافَةِ: أَعْجَبُ إلَيَّ يَعْنِي مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَعَلَى هَذَا فَهَلْ يَضِيعُ نَسَبُهُ أَوْ يُتْرَكُ حَتَّى يَبْلُغَ فَيَنْتَسِبَ إلَى مَنْ يَمِيلُ طَبْعَهُ إلَيْهِ مِنْ الْمُدَّعِينَ لَهُ فَيُلْحَقَ بِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: وَالأَوَّلُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَالثَّانِي قَوْلُ ابْنِ حَامِدٍ وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ أَنَّهُ يُلْحَقُ بِالْمُدَّعِيَيْنِ مَعًا كَالْمُدَّعِيَيْنِ لِعَيْنٍ لَيْسَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا إذَا اسْتَوَيَا فِي الْبَيِّنَةِ أَوْ عَدَمِهَا فَإِنَّ الْعَيْنَ تُقْسَمُ بَيْنَهُمَا وَكَذَا هَاهُنَا يُلْحَقُ النَّسَبُ بِهِمَا إذْ لاَ يُمْكِنُ إلْحَاقُهُ بِالْقُرْعَةِ.
وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَيْهِ أَيُّهُمَا وَقَعَ

عَلَى امْرَأَةٍ فِي طُهْرِهَا، إيْشٍ تَقُولُ فِيهِ؟ قَالَ أَحْمَدُ: إنْ وَلَدَتْ خَيَّرَتْ الاِبْنَ أَيَّهُمَا شَاءَ اخْتَارَ وَيَرِثُهُمَا جَمِيعًا، وَيُخَيَّرُ فِي حَيَاتِهِمَا أَيَّهُمَا شَاءَ مِنْ الأَبَوَيْنِ اخْتَارَ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ أَنَّهُ يُنْسَبُ إلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: إنَّمَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ يُنْسَبُ إلَيْهِمَا كَمَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ لاِنَّهُ وَرِثَهُ مِنْهُمَا وَلَمْ يُوقِفْهُ إلَى بُلُوغِهِ وَتَخْيِيرِهِ إنَّمَا هُوَ لِلْحَضَانَةِ، وَالأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّ مُرَادَ أَحْمَدَ أَنَّهُ إذَا أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِالأَبَوَيْنِ مَعًا وَرِثَهُمَا وَخُيِّرَ فِي الْمَقَامِ عِنْدَ مَنْ يَخْتَارُ مِنْهُمَا. فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ حَدِيثِ عُمَرَ وَحَدِيثُ عُمَرَ فِيهِ هَذَانِ الْحُكْمَانِ. وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُقْرِعُ بَيْنَهُمَا فَيُلْحَقُ نَسَبُهُ بِالْقُرْعَةِ ذَكَرَهُمَا فِي الْمُغْنِي فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ -وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مِمَّا رَوَى صَالِحٌ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: الْقُرْعَةُ أَرَاهَا قَدْ أَقْرَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ فَذَكَرَ منها وَأَقْرَعَ فِي الْوَلَدِ مِنْ حَدِيثِ الأَجْلَحِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَأَذْهَبُ إلَى الْقُرْعَةِ؛ لاِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَعَ. قُلْت: إنَّ بَعْضَ النَّاسِ لاَ يُجِيزُونَ الْقُرْعَةَ إلاَ فِي الأَمْوَالِ. قَالَ: أَلَيْسَ قَدْ أَقْرَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ نِسَائِهِ؟ وَالْقُرْعَةُ فِي الْقُرْآنِ فِي مَوْضِعَيْنِ. وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ أَخَذَ بِالْقُرْعَةِ فِي النَّسَبِ وَقَدْ ذَكَرْنَا طُرُقَ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَالاِخْتِلاَفَ فِيهِ وَكَلاَمَ الْحُفَّاظِ عَلَيْهِ وَتَوْجِيهَ مَا تَضَمَّنَهُ مِنْ تَوْزِيعِ الْعَزْمِ فِي جُزْءٍ مُفْرَدٍ. وَقَدْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ: لَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ.
وَأَمَّا حُكْمُ تَحْرِيمِ النِّكَاحِ فَإِنْ أَلْحَقَتْ الْقَافَةُ الْوَلَدَ بِأَحَدِ الْوَاطِئِينَ وَكَانَتْ بِنْتًا حَلَّتْ لاِوْلاَدِ الْآخَرِ وَلَمْ تَحِلَّ لاِحَدٍ مِنْ الْوَاطِئَيْنِ لِكَوْنِهَا رَبِيبَةً لَهُ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ قَافَةٌ فَإِنْ قُلْنَا يَضِيعُ النَّسَبُ حَرُمَتْ عَلَى الْوَاطِئِينَ وَأَوْلاَدِهِمْ كَمَا إذَا اشْتَبَهَتْ ذَاتُ مَحْرَمٍ بِأَجْنَبِيٍّ وَإِنْ قُلْنَا يُتْرَكُ حَتَّى يَبْلُغَ فَيُنْسَبَ إلَى أَحَدِهِمَا بِمَيْلِ الطَّبْعِ فَفِي حِلِّهَا لِوَلَدِ الْآخَرِ بِلَبَنِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ احْتِمَالاَنِ ذَكَرَهُمَا صَاحِبُ التَّرْغِيبِ فِي الرَّضَاعِ.
وَأَمَّا حُكْمُ الْعِدَّةِ. فَقَالَ أَكْثَرُ الأَصْحَابِ: إنْ أَلْحَقَتْ الْقَافَةُ الْوَلَدَ بِأَحَدِهِمَا انْقَضَتْ بِهِ عِدَّتُهَا مِنْهُ ثُمَّ اعْتَدَّتْ لِلْآخَرِ وَإِنْ أَلْحَقَتْهُ بِهِمَا انْقَضَتْ بِهِ عِدَّتُهَا مِنْهُمَا. وَفِي الاِنْتِصَارِ لاِبِي الْخَطَّابِ لاَ يَمْتَنِعُ عَلَى أَصْلِنَا أَنْ نَقُولَ: تَنْقَضِي بِهِ عِدَّةُ أَحَدِهِمَا لاَ بِعَيْنِهِ وَتَعْتَدُّ لِلْآخَرِ فِيمَا إذَا أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِهِمَا كَمَا لَوْ وَطِئَهَا رَجُلاَنِ بِشُبْهَةٍ وَجُهِلَ السَّابِقُ. وَأَمَّا إنْ ضَاعَ نَسَبُهُ فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ قَافَةٌ وَأُشْكِلَ عَلَيْهِمْ فَفِي الإِقْنَاعِ لاِبْنِ الزاغوني يُضَافُ إلَى أَحَدِهِمَا بِالْقُرْعَةِ وَتَنْقَضِي بِهِ عِدَّتُهَا مِنْهُ. قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُسْتَأْنَفَ الْعِدَّةُ لَهُمَا لاِنَّهُ لاَ يَعْلَمُ بِهِ الْبَرَاءَةَ مِنْ مَاءِ أَحَدِهِمَا حَيْثُ لَمْ يُنْسَبْ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَفِي الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ وَالْمُغْنِي: يَلْزَمُهَا أَنْ تَعْتَدَّ بَعْدَ وَضْعِهِ بِثَلاَثِ قُرُوءٍ لاِنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ الأَوَّلِ فَقَدْ أَتَتْ بِمَا عَلَيْهَا مِنْ عِدَّةِ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ مِنْ الثَّانِي فَعَلَيْهَا أَنْ تُكْمِلَ عِدَّةَ الأَوَّلِ لِيَسْقُطَ الْفَرْضُ بِيَقِينٍ.
وَأَمَّا حُكْمُ الْمِيرَاثِ إذَا تَعَذَّرَ إلْحَاقُ النَّسَبِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَمَاتَ الْوَلَدُ فَفِي الْمُجَرَّدِ فِي الْعَدَدِ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُقْرِعُ بَيْنَهُمَا فَمَنْ تَقَعُ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ حُكِمَ لَهُ بِالْمِيرَاثِ، كَمَا قُلْنَا إذَا طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ وَمَاتَ.

ثُمَّ قَالَ فَإِنْ كَانَ لِلطِّفْلِ أُمٌّ وَلأحَدِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ فِيهِ وَلَدٌ أَوْ كَانَ لَهَا وَلَدٌ وَلاِحَدِهِمَا وَلَدٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْمَيِّتِ أَخَوَانِ وَيَجُوزُ أَنْ لاَ يَكُونَ فَيُحْكَمُ لَهُ بِالثُّلُثِ وَلاَ تُحْجَبُ بِالشَّكِّ. قَالَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ: وَفِي هَذَا عِنْدِي نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقُرْعَةَ إنَّمَا تُشْرَعُ عِنْدَنَا إذَا امْتَنَعَ الْجَمْعُ مِنْ الأَمْرَيْنِ وَهُنَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمَا عِنْدَنَا. وَالثَّانِي: أَنَّ الْقَاضِيَ ذَكَرَ فِي الْمُجَرَّدِ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ: أَنَّهُ يُوقَفُ الْمَشْكُوكُ فِيهِ حَتَّى يَصْطلحَ عَلَيْهِ ثُمَّ الْعَجَبُ أَنَّهُ جَعَلَ لِلْأُمِّ هُنَا الثُّلُثَ حَيْثُ يَشُكُّ، هَلْ لَهَا الثُّلُثُ أَوْ السُّدُسُ؟! وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تُعْطَى بِمُقْتَضَى الْقُرْعَةِ انْتَهَى. وَأَقُولُ الْقُرْعَةُ هُنَا أَرْجَحُ مِنْ الإِيقَافِ لاِنَّ فِيهَا فَصْلاً لِلْأَحْكَامِ وَأَمَّا احْتِمَالُ كَوْنِهِ مِنْهُمَا فَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا فَلاَ تَعْوِيلَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا التَّعْوِيلُ عَلَى الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ وَأَنَّهُ ابْنٌ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا نَعَمْ! لَوْ عَوَّلْنَا عَلَى هَذَا الاِحْتِمَالِ لَقَسَمْنَا إرْثَهُ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ أَيْضًا. وَأَمَّا دُخُولُ الْقُرْعَةِ فِيمَا تَسْتَحِقُّهُ الْأُمُّ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ السُّدُسِ فَغَيْرُ مُمْكِنٍ، كَمَا لاَ تَدْخُلُ الْقُرْعَةُ فِيمَا تَسْتَحِقُّهُ الْخُنْثَى مِنْ مِيرَاثِ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَلاِنَّهُ فِيمَا يَسْتَحِقُّهُ مَنْ لَهُ حَاجِبٌ مَفْقُودٌ وَنَحْو ذَلِكَ.
تَنْبِيهٌ: هَذَا الْكَلاَمُ فِي إلْحَاقِ النَّسَبِ ابْتِدَاءً بِالْقُرْعَةِ فَأَمَّا إذَا أَقَرَّ بِوَلَدٍ مُبْهَمٍ مِنْ أَمَةٍ لَهُ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَتَبَيَّنَ وَتَعَذَّرَتْ الْقَافَةُ أَقْرَعْنَا لاِجْلِ الْحُرِّيَّةِ فَمَنْ خَرَجَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ فَهُوَ حُرٌّ، وَهَلْ يَثْبُتُ نَسَبُهُ بِذَلِكَ؟ فِيهِ خِلاَفٌ سَبَقَ ذِكْرُهُ؛ لاِنَّ الْحُرِّيَّةَ هُنَا مُسْتَنِدَةٌ إلَى الإِقْرَارِ وَالْقُرْعَةِ فَيُرَجِّحُهُ.
وَمنها: إذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فِي الْحَضَانَةِ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ وَاحِدًا مِنْهُمَا أَوْ اخْتَارَهُمَا جَمِيعًا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَفِيهِ وَجْهٌ يُعْطَى لاِمِّهِ. وَأَمَّا قَبْلَ السَّبْعِ فَإِذَا اسْتَوَى فِي اسْتِحْقَاقِ حَضَانَتِهِ رَجُلاَنِ كَأَخَوَيْنِ أَوْ امْرَأَتَيْنِ كَأُخْتَيْنِ فَإِنَّهُ يُعَيِّنُ أَحَدَهُمَا بِالْقُرْعَةِ أَيْضًا.
وَمنها: إذَا اسْتَحَقَّ الْقَوَدَ جَمَاعَةٌ وَتَشَاحُّوا فِي مُبَاشَرَةِ الاِسْتِيفَاءِ فَفِيهِ وَجْهَانِ. أَشْهَرُهُمَا: أَنَّهُ يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ. وَالثَّانِي: بِتَعْيِينِ الإِمَامِ، قَالَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى هَذَا إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ وَاحِدًا فَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً وَطَلَبَ وَلِيُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَقْتَصَّ عَلَى الْكَمَالِ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَيْضًا. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ أُقِيدَ بِهِ وَيَجِبُ لِلْبَاقِينَ الدِّيَةُ. وَالثَّانِي: يَبْدَأُ بِالسَّابِقِ فِي الْقَتْلِ فَيُقَادُ بِهِ وَتَتَعَيَّنُ الدِّيَةُ لِلْبَاقِينَ، فَإِنْ قَتَلَهُمْ دَفْعَةً وَاحِدَةً قَدَّمَ مَنْ تَخْرُجُ لَهُ الْقُرْعَةُ وَلَمْ يَذْكُرْ صَاحِبُ الْمُغْنِي سِوَى هَذَا الْوَجْهِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الاِنْتِصَارِ يُقْتَلُ لِلْجَمِيعِ وَيُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ بَقِيَّةُ دِيَاتِ الْجَمِيعِ تُقْسَمُ بَيْنَهُمْ، وَحَكَى أَنَّ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُمْ إذَا طَلَبُوا الْقَتْلَ فَلَيْسَ لَهُمْ غَيْرُهُ وَيَكُونُونَ قَدْ أَخَذُوا بَعْضَ حُقُوقِهِمْ وَسَقَطَ بَعْضُهَا، وَبَعُدَ بِأَنَّ الْقِصَاصَ لاَ يَتَبَعَّضُ فِي الاِسْتِيفَاءِ وَالإِسْقَاطِ.
وَمنها: إذَا أَعْطَيْنَا الأَمَانَ لِمُشْرِكٍ فِي حِصْنٍ لِيَفْتَحَهُ لَنَا فَفَعَلَ ثُمَّ اشْتَبَهَ عَلَيْنَا وَادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمْ أَنَّهُ الْمُسْتَأْمَنُ فَفِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ هَانِئٍ أَنَّهُ يَحْرُمُ قَتْلُهُمْ وَاسْتِرْقَاقُهُمْ جَمِيعًا. وَالثَّانِي: يَخْرُجُ أَحَدُهُمْ بِالْقُرْعَةِ فَيَكُونُ حُرًّا وَيَرِقُّ الْبَاقُونَ وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَالْخِرَقِيِّ؛

لأَنَّ الْقُرْعَةَ تُمَيِّزُ الْحُرَّ مِنْ الْعَبْدِ عِنْدَ الاِشْتِبَاهِ، وَلَوْ كَانَ حُرَّ الأَصْلِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّ أَحَدَ هَذَيْنِ الْوَلَدَيْنِ مِنْ هَذِهِ الأَمَةِ وَلَدُهُ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يُوجَدْ قَافَةٌ فَإِنَّا نَقْرَعُ بَيْنَهُمَا لِلْحُرِّيَّةِ وَإِنْ كَانَ حُرَّ الأَصْلِ. وَمَنْ نَصَرَ الأَوَّلَ قَالَ: إن إرْقَاقَ الْبَاقِينَ هُنَا يُؤَدِّي إلَى ابْتِدَاءِ الإِرْقَاقِ مَعَ الشَّكِّ فِي إبَاحَتِهِ بِخِلاَفِ مَنْ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبِيدِهِ وَاشْتَبَهَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ سِوَى اسْتِدَامَةِ الإِرْقَاقِ مَعَ الشَّكِّ فِي زَوَالِهِ فَالاِسْتِدَامَةُ تبقية عَلَى الأَصْلِ الَّذِي لَمْ يَتَحَقَّقْ زَوَالُهُ وَالاِبْتِدَاءُ نُقِلَ عَنْ الأَصْلِ الْمُتَحَقِّقِ مَعَ الشَّكِّ فِي إبَاحَتِهِ، نَعَمْ! لَوْ كَانَ الْمُعْطِي لِلْأَمَانِ امْرَأَةً وَاشْتَبَهَتْ عَلَيْنَا لِتَوْجِيهِ جَوَازِ إرْقَاقِ النِّسَاءِ سِوَى وَاحِدَةٍ بِالْقُرْعَةِ لاِنَّ النِّسَاءَ يَصِرْنَ أَرِقَّاءَ بِنَفْسِ السَّبْيِ فَقَدْ اشْتَبَهَ هَا هُنَا الرَّقِيقُ بِحُرِّ الأَصْلِ كَمَسْأَلَةِ الإِقْرَارِ الْمُشَارِ إلَيْهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْلَمَ وَاحِدٌ مِنْ حِصْنٍ قَبْلَ فَتْحِهِ ثُمَّ فَتَحْنَاهُ وَادَّعَى كُلُّهُمْ أَنَّهُ الْمُسْلِمُ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ بِالْقُرْعَةِ وَاحِدٌ فَلاَ يُسْتَرَقُّ، وَيُسْتَرَقُّ الْبَاقُونَ لاِنَّهُمْ إنَّمَا أَسْلَمُوا بَعْدَ الْقَهْرِ وَذَلِكَ يُوجِبُ اسْتِرْقَاقَهُمْ عَلَى المنصوص فَقَدْ اشْتَبَهَ هَاهُنَا الْحُرُّ بِمَنْ يَثْبُتُ اسْتِرْقَاقُهُ فَيُمَيَّزُ بِالْقُرْعَةِ. وَجَعَلَ أَصْحَابُنَا حُكْمَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حُكْمَ مَسْأَلَةِ دَعْوَى الأَمَانِ فِي جَرَيَانِ الْخِلاَفِ فِيهَا.
وَمنها: إذَا جَعَلْنَا مَالاً لِمَنْ يَفْتَحُ الْحِصْنَ فَادَّعَى اثْنَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ الَّذِي فَتَحَهُ دُونَ الْآخَرِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ فِيهِ قَوْلاَنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَالَ بَيْنَهُمَا جَمِيعًا لاِنَّهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ بِدَعْوَاهُمَا لَهُ. وَالْآخَرُ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فَمَنْ أَصَابَتْهُ الْقُرْعَةُ كَانَ الْمَالُ لَهُ.
وَمنها: لَوْ حَلَفَ بِيَمِينٍ وَلَمْ يَدْرِ أَيُّ الأَيْمَانِ هِيَ فَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ قَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: فِي رَجُلٍ حَلَفَ بِيَمِينٍ لاَ يَدْرِي مَا هِيَ طَلاَقٌ أَوْ غَيْرُهُ قَالَ: لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلاَقُ حَتَّى يَعْلَمَ أَوْ يَسْتَيْقِنَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ مُوجِبَاتِ الأَيْمَانِ كُلِّهَا لاِنَّ الأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ مُوجِبِ كُلِّ يَمِينٍ بِانْفِرَادِهَا. وَتَوَقَّفَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى قَالَ صَالِحٌ: سَأَلْت أَبِي عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ لاَ يَدْرِي مَا حَلَفَ بِاَللَّهِ أَمْ بِالطَّلاَقِ أَوْ بِالْمَشْيِ قَالَ: لَوْ عَرَفَ اجْتَرَأْتُ أَنْ أُجِيبَ فِيهَا؟ فَكَيْفَ إذَا لَمْ يَدْرِ؟! وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلاَنِ آخَرَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَ الأَيْمَانِ كُلِّهَا مِنْ الطَّلاَقِ وَالْعَتَاقِ وَالظِّهَارِ وَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ فَمَا خَرَجَ بِالْقُرْعَةِ لَزِمَهُ مُقْتَضَاهُ، وَهُوَ بَعِيدٌ لِمَا يَتَضَمَّنُهُ مِنْ إيقَاعِ الطَّلاَقِ وَالْعَتَاقِ بِالشَّكِّ وَلَكِنَّهُ احْتِمَالٌ ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي بَعْضِ تَعَالِيقِهِ: أَنَّهُ اُسْتُفْتِيَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَتَوَقَّفَ فِيهَا ثُمَّ نَظَرَ فَإِذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَ الأَيْمَانِ كُلِّهَا الطَّلاَقِ وَالْعَتَاقِ وَالظِّهَارِ وَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ، فَأَيُّ يَمِينٍ وَقَعَتْ عَلَيْهَا الْقُرْعَةُ فَهِيَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهَا قَالَ: ثُمَّ وَجَدْت عَنْ أَحْمَدَ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ حُكْمُ هَذِهِ الْيَمِينِ وَذَكَرَ رِوَايَةَ ابْنِ مَنْصُورٍ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ كُلِّ يَمِينٍ لاِنَّهُ يَتَيَقَّنُ وُجُوبَ أَحَدِهِمَا وَشَكَّ فِي عَيْنِهِ وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ أَيْضًا، وَهُوَ مُتَّجَهٌ فِيمَا إذَا عَلِمَ أَنَّهَا إحْدَى الأَيْمَانِ الْمُكَفَّرَةِ، وَأَمَّا إنْ شَكَّ هَلْ هِيَ مِمَّا يَدْخُلُهُ التَّكْفِيرُ أَوْ لاَ؟ فَلاَ يَزُولُ شَكُّهُ بِالتَّكْفِيرِ الْمَذْكُورِ.

وَفِي مَسَائِلِ إبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ سَمِعْت رَجُلاً سَأَلَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ يَمِينٍ حَلَفَهَا فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ: كَيْفَ حَلَفْت فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: لَستُ أَدْرِي كَيْفَ حَلَفْت؟ فَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِشَرِيكٍ حَلَفْت وَلَيْسَ أَدْرِي كَيْفَ حَلَفْت؟ فَقَالَ لَهُ شَرِيكٌ: لَيْتَنِي إذَا دَرَيْتُ أَنْتَ كَيْفَ حَلَفْتَ دَرَيْتُ أَنَا كَيْفَ أُفْتِيكَ؟ انْتَهَى. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يَدْرِ بِمَاذَا حَلَفَ فَيَكُونُ كَرِوَايَةِ صَالِحٍ السَّابِقَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يَدْرِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، مِثْلُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ حَلَفَ بِالطَّلاَقِ مَثَلاً لَيَفْعَلَنّ شَيْئًا وَنَسِيَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَهُنَا قَدْ شَكَّ فِي شَرْطِ الطَّلاَقِ وَهُوَ عَدَمِيٌّ فَلاَ يَلْزَمُهُ طَلاَقٌ عَلَى الْمَذْهَبِ عِنْدَ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ، وَفِيهِ وَجْهٌ يَحْنَثُ فِي آخِرِ أَوْقَاتِ الإِمْكَانِ لاِنَّ الأَصْلَ وُجُودُمَا عَلَّقَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْعَدَمُ وَإِنْ حَلَفَ بِالطَّلاَقِ لاَ يَفْعَلُ كَذَا فَهُنَا شَرْطُ الطَّلاَقِ وُجُودِيٌّوَهُوَ الْفِعْلُ فَلاَ يَقَعُ الطَّلاَقُ بِالشَّكِّ فِي وُجُودِهِ وَأَفْتَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِيمَنْ حَلَفَ لاَ يَفْعَلَنَّ شَيْئًا ثُمَّ نَسِيَهُ أَنَّهُ لاَ يَحْنَثُ لاِنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الْبِرِّ وَهُوَ يَرْجِعُ إلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى
وَمنها: إذَا تَنَاضَلَ حِزْبَانِ وَاقْتَسَمُوا الرِّجَالَ بِالاِخْتِيَارِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْبَادِي بِالاِخْتِيَارِ مِنْ كُلِّ حِزْبٍ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ لِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إذَا اخْتَلَفَتْ الرُّمَاةُ فِي الْمُبْتَدِي بِالرَّامِي وَتَشَاحُّوا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ قَالَهُ الْآمِدِيّ: وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَنَّهُ يُقَدِّمُ مَنْ أَخْرَجَ السَّبَقَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ وَاخْتَارَ صَاحِبُ التَّرْغِيبِ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ عَقْدُ الْمُنَاضَلَةِ حَتَّى يُعَيَّنَ الْمُبْتَدِئ فِيهِ ِالرَّمْي.
وَمنها: إذَا اسْتَوَى اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ فِي دَرَجَةٍ فَفِي الْمُجَرَّدِ يُقَدَّمُ أَسَنُّهُمَا ثُمَّ أَقْدَمُهُمَا هِجْرَةً وَفِي الأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ يُقَدَّمُ بِالسَّابِقَةِ فِي الإِسْلاَمِ ثُمَّ بِالدِّينِ ثُمَّ بِالسِّنِّ ثُمَّ بِالشَّجَاعَةِ، ثُمَّ وَلِيُّ الأَمْرِ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ شَاءَ رَتَّبَهُمَا عَلَى رَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ.
وَمنها: إذَا تَنَازَعَ الإِمَامَةَ الْعُظْمَى اثْنَانِ وَتَكَافَآ فِي صِفَاتِ التَّرْجِيحِ قُدِّمَ أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ قَالَ الْقَاضِي هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ كَالأَذَانِ.
وَمنها: لَوْ عُقِدَتْ الإِمَامَةُ لاِثْنَيْنِ فِي عَقْدَيْنِ مُتَرَتِّبَيْنِ وَجُهِلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا فَقَالَ الْقَاضِي: يَخْرُجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. إحْدَاهُمَا: بُطْلاَنُ الْعَقْدِ فِيهِمَا. وَالثَّانِيَةُ: اسْتِعْمَالُ الْقُرْعَةِ بِنَاءً عَلَى مَا إذَا زَوَّجَ الْوَلِيَّانِ وَجَهِلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا، فَإِنَّهُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ كَذَلِكَ هُنَا انْتَهَى. وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ فِي حِكَايَةِ الرِّوَايَةِ الْأُولَى فِي كِتَابِ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ يُفْسَخُ النِّكَاحَانِ وَقِيَاسُ هَذَا أَنَّهُ يُفْسَخُ الْعَقْدَانِ لاِ أنَّهُمَا يَبْطُلاَنِ مِنْ غَيْرِ فَسْخٍ.
وَمنها: إذَا وَلَّى الإِمَامُ قَاضِيَيْنِ فِي بَلَدٍ عَمَلاً وَاحِدًا وَقُلْنَا بِصِحَّةِ ذَلِكَ فَاخْتَلَفَ الْخَصْمَانِ فِيمَنْ يَحْتَكِمَانِ إلَيْهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُدَّعِي، فَإِنْ تَسَاوَيَا فِي الدَّعْوَى اُعْتُبِرَ أَقْرَبُ الْحَاكِمَيْنِ إلَيْهِمَا، فَإِنْ

اسْتَوَيَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا. وَقِيلَ: يُمْنَعَانِ مِنْ التَّخَاصُمِ حَتَّى يَتَّفِقَا عَلَى أَحَدِهِمَا قَالَ الْقَاضِي: وَالأَوَّلُ أَشْبَهُ بِقَوْلِنَا.
وَمنها: إذَا هَجَمَ الْخُصُومُ عَلَى الْقَاضِي دُفْعَةً وَاحِدَةً وَتَشَاحُّوا فِي التَّقَدُّمِ وَلَيْسَ فِيهِمْ مُسَافِرٌ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ أَحَدُهُمْ بِالْقُرْعَةِوَكَذَا إذَا ادَّعَى الْخَصْمَانِ عِنْدَهُ مَعًا فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ أَحَدَاهُمَا بِالْقُرْعَةِ.
وَمنها: الْقُرْعَةُ فِي الْقِسْمَةِ إذَا عَدَّلَ الْقَاسِمُ السِّهَامَ بِالأَجْزَاءِ إنْ تَسَاوَتْ وَبِالْقِيمَةِ إنْ اخْتَلَفَتْ وَبِالرَّدِّ فِيمَا يَقْتَضِي الرَّدَّ فَإِنَّهُ يُقْرِعُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ وَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ كَتَبَ اسْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي رُقْعَةٍ، ثُمَّ تُخْلَطُ الرِّقَاعُ وَيَخْرُجُ عَلَى كُلِّ اسْمٍ رُقْعَةً منها، وَإِنْ شَاءَ كَتَبَ اسْمَ كُلِّ سَهْمٍ فِي رُقْعَةٍ ثُمَّ خَلَطَهَا وَأَخْرَج وَاحِدَةً وَاحِدَةً، كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى اسْمِ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ. وَفِيهِ وَجْهٌ: لاَ يَلْزَمُهُ فِيمَا فِيهِ رَدٌّ حَتَّى يَتَرَاضَيَا بِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ لاِنَّهَا بَيْعٌ إذَا دَخَلَهَا الرَّدُّ فَيُشْتَرَطُ لَهَا التَّرَاضِي.
وَمنها: إذَا تَدَاعَى اثْنَانِ عَيْنًا بِيَدِ ثَالِثٍ فَأَقَرَّ بِهَا لاِحَدِهِمَا مُبْهَمًا وَقَالَ: لاَ أَعْلَمُ عَيْنَهُ فَإِنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فَمَنْ قَرَعَ فَهِيَ لَهُ، وَهَلْ يَحْلِفُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، ذَكَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ. وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ عَلَيْهِ الْيَمِينَ وَعَلَيْهِ حُمِلَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ إذَا أَحَبَّ الرَّجُلاَنِ الْيَمِينَ أَوْ كَرِهَاهَا فَلْيَسْتَهِمَا عَلَيْهِ لَكِنَّهُ قَالَ: إذَا كَرِهَا الْيَمِينَ وَخَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لاِحَدِهِمَا فَهِيَ لَهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ وَدِيعَةً أَوْ عَارِيَّةً أَوْ رَهْنًا أَوْ بَيْعًا مَرْدُودًا بِعَيْبٍ أَوْ خِيَارٍ أَوْ غَيْرِهَما نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَرْدُودِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. وَإِنْ قَالَ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ: لَيْسَت لِي وَلاَ أَعْلَمُ لِمَنْ هِيَ؟ فَفِيهَا ثَلاَثَةُ أَوْجُهٍ: إحْدَاهَا: يَقْتَرِعَانِ عَلَيْهَا، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِهَا لاِحَدِهِمَا مُبْهَمًا. وَالثَّانِي: يُجْعَلُ عِنْدَ أَمِينِ الْحَاكِمِ. وَالثَّالِثُ: تُقَرُّ فِي يَدِ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ. وَالأَوَّلُ ظَاهِرُ كَلاَمِ الإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَأَبِي طَالِبٍ وَأَبِي النَّصْرِ وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهَانِ الْآخَرَانِ مُخَرَّجَانِ مِنْ مَسْأَلَةِ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ مُعْتَرَفٍ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَلاَ يُعْرَفُ مَالِكُهُ فَادَّعَاهُ مُعَيَّنٌ فَهَلْ يُدْفَعُ إلَيْهِ أَمْ لاَ؟ وَهَلْ تُقَرُّ بِيَدِ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ أَمْ يَنْتَزِعُهُ الْحَاكِمُ؟ فِيهِ خِلاَفٌ.
وَمنها: إذَا تَدَاعَى اثْنَانِ عَيْنًا لَيْسَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَفِيهَا وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا كَاَلَّتِي بِأَيْدِيهِمَا. وَالثَّانِي: يُقْرِعُ بَيْنَهُمَا فَيُعْطَى لِمَنْ قُرِعَ كَمَا لَوْ كَانَتْ بِيَدِ ثَالِثٍ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلاَمِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ فِي اثْنَيْنِ تَدَاعَيَا كِيسًا لَيْسَتْ أَيْدِيهمَا عَلَيْهِ أَنَّهُمَا يَسْتَهِمَانِ عَلَيْهِ فَمَنْ خَرَجَ سَهْمُهُ فَهُوَ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا أَوْ لاَ يَكُونَ فِي يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
وَمنها: إذَا تَعَارَضَتْ الْبَيِّنَتَانِ فَفِي الْمَسْأَلَةِ ثَلاَثُ رِوَايَاتٍ. إحْدَاهُنَّ: يَسْقُطَانِ بِالتَّعَارُضِ وَيَصِيرَانِ كَمَنْ لاَ بَيِّنَةَ لَهُمَا. وَالثَّانِيَةُ: يُسْتَعْمَلاَنِ بِقِسْمَةِ الْعَيْنِ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ يَمِينٍ. وَالثَّالِثَةُ: يُرَجَّحُ أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ

فَمَنْ قُرِعَ لَهُ حَلَفَ وَأَخَذَ الْعَيْنَ. هَكَذَا حَكَى الْقَاضِي فِي بَعْضِ كُتُبِهِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَتَبِعَهُ عَلَيْهَا كَثِيرٌ مِنْ الأَصْحَابِ وَأَنْكَرَهَا فِي كِتَابِ الْمُجَرَّدِ وَالْخِلاَفِ. وَقَالَ: إنَّمَا مَعْنَاهَا أَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ يَسْقُطَانِ بِالتَّعَارُضِ وَتَصِيرُ الْعَيْنُ فِي يَدِ غَيْرِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ فَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَصَرَّحَ أَحْمَدُ بِهَذَا الْمَعْنَى فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ فَقَالَ: لَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ جَمِيعًا أَسْقَطْتَ الْبَيِّنَتَيْنِ جَمِيعًا لاِنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا قَدْ أَكَذَبَتْ صَاحِبَتَهَا وَيَسْتَهِمَانِ عَلَى الْيَمِينِ. وَحَكَى ابْنُ شِهَابٍ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ رِوَايَةً أُخْرَى: أَنَّهُ يُوقَفُ الأَمْرُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَوْ يَصْطَلِحَا عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَتْ الْعَيْنُ الْمُنَازَعُ فِيهَا بِيَدِ أَحَدِهِمَا فَلاَ تَعَارُضَ، بَلْ تُقَدِّمُ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ وَفِي الْأُخْرَى بَيِّنَةَ الدَّاخِلِ، إلاَ أَنْ يَكُونَ التَّنَازُعُ فِي سَبَبِ الْيَدِ بِأَنْ يَدَّعِيَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ زَيْدٍ أَوْ اتَّهَبَهَا مِنْهُ وَيُقِيمَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا: أَنَّهُ كَبَيِّنَةِ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ عَلَى مَا سَبَقَ وَهِيَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْقَاضِي. وَالثَّانِيَةُ: يَتَعَارَضَانِ؛ لاِنَّ السَّبَبَ الْيَدُ هُوَ نَفْسُ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ فَلاَ تَبْقَى مُؤَثِّرَةً لاِنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ مِلْكَ هَذِهِ الدَّارِ لِزَيْدٍ وَعَنْهُ وهُوَ متلقي فَلِذَلِكَ لَمْ يَبْقَ لِلْيَدِ تَأْثِيرٌ لاِنَّهُ قَدْ عَلِمَ مُسْتَنَدَهَا وَهُوَ الشِّرَاءُ الَّذِي عُورِضَ بِمِثْلِهِ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ أَبِي مُوسَى وَصَاحِبِ الْمُحَرِّرِ. وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ هَاهُنَا وَابْنُ أَبِي مُوسَى: أَنَّهُ يُرَجَّحُ بِالْقُرْعَةِ.
وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ فِي رَجُلٍ بَاعَ ثَوْبًا فَجَاءَ رَجُلٌ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِمِائَةٍ وَأَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِمِائَتَيْنِ وَالْبَائِعُ يَقُولُ: بِعْتُهُ بِمِائَتَيْنِ وَالثَّوْبُ فِي يَدِ الْبَائِعِ بَعْدُ. قَالَ لَيْسَ قَوْلُ الْبَائِعِ بِشَيْءٍ، يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فَمَنْ أَصَابَتْهُ الْقُرْعَةُ فَهُوَ لَهُ بِاَلَّذِي ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِهِ. قُلْت: فَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا وَلاَ يَدْرِي أَيَّهُمَا اشْتَرَاهُ أَوَّلاً قَالَ لاَ يَنْفَعُهُ مَا فِي يَدِهِ إذَا كَانَ مُقِرًّا أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ فُلاَنٍ فَلاَ يَنْفَعُهُ مَا فِي يَدِهِ.
وَالْعَجَبُ أَنَّ الْقَاضِيَ فِي الْمُجَرَّدِ حَكَى هَذَا النَّصَّ عَنْ أَحْمَدَ وَذَكَرَ أَنَّهُ أَجَابَ بِقِسْمَةِ الثَّوْبِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ثُمَّ تَأَوَّلَهُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي أَيْدِيهمَا، وَإِنَّمَا أَجَابَ أَحْمَدُ فِيهِ بِالْقُرْعَةِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَإِنَّمَا الْمُجِيبُ بِالْقِسْمَةِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فَإِنَّ إِسْحَاقَ بْنَ مَنْصُورٍ يَذْكُرُ لاِحْمَدَ أَوَّلاً الْمَسْأَلَةَ، وَجَوَابَ سُفْيَانَ فِيهَا فَيُجِيبُهُ أَحْمَدُ عَنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِالْمُوَافَقَةِ أَوْ بِالْمُخَالِفَةِ فَرُبَمَا يُشْتَبَهُ جَوَابُ أَحْمَدَ بِجَوَابِ سُفْيَانَ وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ لِلْقَاضِي كَثِيرًا فَلْيُنَبَّهْ لِذَلِكَ وَلْيُرَاجِعْ كَلاَمَ أَحْمَدَ مِنْ أَصْلِ مَسَائِلِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَوَقَعَ فِي الإِرْشَادِ لاِبْنِ أَبِي مُوسَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا وَقَعَ لِلْقَاضِي فَإِنَّهُ نُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ إذَا كَانَ الثَّوْبُ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ وَهْمٌ أَيْضًا.
وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إذَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَتَانِ بِالْعَقْدَيْنِ أَوْ الإِقْرَارَيْنِ أَوْ الْحُكْمَيْنِ أَنْ يُصَدَّقَ الْبَيِّنَتَانِ بِهِ إنْ عُلِمَ السَّابِقُ وَإِلاَ كَانَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ وَاحِدَةٌ بِالْعَقْدَيْنِ وَلاَ يُعْلَمَ السَّابِقُ مِنْهُمَا. فَهُنَا إمَّا أَنْ يُقْرِعَ أَوْ يَبْطُلَ الْعَقْدَانِ، فَلاَ يَبْقَى هُنَا عَقْدٌ صَحِيحٌ يُحْكَمُ بِهِ فَيَقَرَّ فِي يَدِ

ذِي الْيَدِ وَتَكُونُ الدَّعْوَى حِينَئِذٍ لِمَنْ انْتَقَلَ عَنْهُ عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ قَالَ وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ فِيمَا إذَا اشْتَبَهَ أَسْبَقُ عَقْدَيْ الْبَيْعِ أَنْ يَفْسَخَهُمَا إلاَ إذَا تَعَذَّرَ مُوجِبُ الْفَسْخِ مِنْ رَدِّ الثَّمَنِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ يُقْرَعُ لاِنَّ مِنْ أَصْلِنَا أَنَّهُ إذَا اشْتَبَهَ الْمَالِكُ بِغَيْرِ الْمَالِكِ أَوْ الْمِلْكُ بِغَيْرِ الْمِلْكِ فَإِنَّا نُقْرِعُ، فَإِذَا أَمْكَنَ فَسْخُ الْعَقْدِ وَرَدُّ كُلِّ مَالٍ إلَى صَاحِبِهِ فَهُوَ خَيْرٌ مِنْ خَطَرِ الْقُرْعَةِ.
وَمنها: الإِقْرَاعُ فِي الْعِتْقِ وَهُوَ أَشْهَرُ مَا وَرَدَتْ فِيهِ السُّنَّةُ بِالإِقْرَاعِ فِيهِ وَيَنْدَرِجُ تَحْتَهُ صُوَرٌ كَثِيرَةٌ.
فَمنها: إذَا أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ عَبِيدَهُ أَوْ دَبَّرَهُمْ وَلَمْ يَخْرُجُوا مِنْ ثُلُثِهِ فَإِنَّهُ يُقْرِعُ بَيْنَهُمْ فَيَعْتِقُ مِنْهُمْ بِقَدْرِ الثُّلُثِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ قَالَ الْقَاضِي: وَيَكُونُ الْعِتْقُ مُرَاعًى فَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ تَبَيَّنَّا أَنَّ الْحُرَّ مِنْهُمْ اثْنَانِ مَثَلاً وَأَنَّ الْعِتْقَ كَانَ وَاقِعًا عَلَيْهِمَا دُونَ غَيْرِهِمَا وَلَكِنَّهُمَا كَانَا غَيْرَ مُعَيَّنَيْنِ وَإِنَّمَا تَمَيَّزَا وَتَعَيَّنَا بِالْقُرْعَةِ كَمَا يَتَمَيَّزُ وَيَتَعَيَّنُ الْحُقُوقُ الْمُشْتَرَكَةُ فِي الْعَقَارِ وَغَيْرِهِ بِالإِقْرَاعِ فِي الْقِسْمَةِ وَغَيْرِهَا.
وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا صُوَرٌ لاَ إقْرَاعَ فِيهَا ذَكَرَهَا الأَصْحَابُ.
أَحَدُهَا: إذَا كَانَ عِتْقُ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ مُرَتَّبًا عَلَى الْآخَرِ بِأَنْ قَالَ إنْ أَعْتَقْتُ سَالِمًا فَغَانِمٌ حُرٌّ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ سَالِمٌ وَحْدَهُ إذَا عَتَقَهُ وَلاَ يُقْرَعُ لاِنَّ الْقُرْعَةَ قَدْ تُفْضِي إلَى عِتْقِ غَانِمٍ وَحْدَهُ فَيَلْزَمُهُ مِنْهُ ثُبُوتُ الْمَشْرُوطِ بِدُونِ شَرْطِهِ.
وَالثَّانِيَة: إذَا قَالَ فِي مَرَضِهِ: اعْتِقُوا سَالِمًا إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ وَإِلاَ فَاعْتِقُوا مِنْهُ مَا عَتَقَ، وَقَالَ أَيْضًا: اعْتِقُوا غَانِمًا إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ وَإِلاَ فَاعْتِقُوا مِنْهُ مَا عَتَقَ قَالَ الأَصْحَابُ: يُعْتَقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُهُ مَعَ تَسَاوِي قِيمَتِهما لاِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِالْوَصِيَّةِ تَكْمِيلَ الْحُرِّيَّةِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ فَلَمْ يُقْرَعْ. كَمَا لَوْ قَالَ: اعْتِقُوا نِصْفَ سَالِمٍ وَإِلاَ فَنِصْفُ غَانِمٍ.
وَالثَّالِثَةُإذَا أَعْتَقَ أَمَةً حَامِلاً فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَلَمْ يَتَّسِعْ الثُّلُثُ لَهَا وَلِحَمْلِهَا قَالُوا: لاَ يَجُوزُ الإِقْرَاعُ لاِنَّ الْحَمْلَ تَبَعٌ لاِمِّهِ وَجُزْءٌ منها يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْعِتْقِ دُونَهَا وَالْقُرْعَةُ قَدْ تُفْضِي إلَى ذَلِكَ وَلاَ أَنْ تُعْتَقَ هِيَ دُونَ حَمْلِهَا إذَا اسْتَوْعَبَتْ قِيمَتُهَا الثُّلُثَ؛ لاِنَّ الْوَلَدَ تَبَعٌ لَهَا وَعِتْقُهُ مُلاَزِمٌ لِعِتْقِهَا فَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يُعْتَقَ منها شَيْءٌ وَلاَ يُعْتَقُ منها وَمِنْ حَمْلِهَا بِالْحِصَّةِ. وَذَهَبَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي مُوسَى إلَى أَنَّ الإِقْرَاعَ إنَّمَا يَدْخُلُ حَيْثُ كَانَ الْعِتْقُ لِمُبْهَمٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَتَشَاحَّ الْعَبِيدُ فِيهِ فَأَمَّا إنْ كَانَ لِمُعَيَّنٍ فَلاَ إقْرَاعَ وَكَذَا إنْ لَمْ يتشاح فِيهِ الْعَبِيدُ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ فِي خِلاَفِهِ مَا يُوَافِقُ ذَلِكَ.
فَعَلَى هَذَا إذَا وَصَّى بِعِتْقِ عَبِيدِهِ وَلَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ أَعْتَقُوا مِنْهُمْ بِمِقْدَارِ الثُّلُثِ. فَإِنْ تَشَاحَّ الْعَبِيدُ فِي الْعِتْقِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ فَعَتَقَ مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ سَهْمُ الْحُرِّيَّةِ مِنْهُمْ وَكَذَلِكَ لَوْ دَبَّرَهُمْ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى

وَذَكَرَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ فِيمَا إذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى مَرِيضٍ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ هَذَا وَشَهِدَتْ أُخْرَى أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ هَذَا أَنَّهُ يَجِبُ الْعِتْقُ لَهُمَا وَيَتَحَاصُّ فِيهِ الْعَبْدَانِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لاِنَّ الْقُرْعَةَ إنَّمَا تَجِبُ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا وَالْآخَرُ عَبْدًا يَعْنِي إذَا كَانَ الْعِتْقُ لِوَاحِدٍ لاَ لِلْجَمِيعِ وَهَذَا مُنَاقِضٌ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي تَدْبِيرِهِمْ كُلِّهِمْ إلاَ أَنْ نَقُولَ: تَدْبِيرُهُمْ يَقَعُ مَوْقُوفًا مُرَاعًى كَعِتْقِهِمْ الْمُنْجَزِ فِي مَرَضِهِ فَيُعْتَقُ مِنْهُمْ مَنْ عَدِمَ الإِجَازَةَ قَدْرَ الثُّلُثِ، وَهُوَ مُبْهَمٌ فَيُمَيَّزُ بِالْقُرْعَةِ بِخِلاَفِ مَا إذَا أَعْتَقَ عَبْدَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ. وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ فَإِنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعَبِيدُ جَمِيعَ مَالِهِ أَوْ نِصْفَهُ مَثَلاً، إذْ لاَ بُدَّ مِنْ الرَّدِّ إلَى الثُّلُثِ وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَحْمَدَ فِيمَنْ قَالَ فِي مَرَضِهِ اعْتِقُوا عَنِّي أَحَدَ عَبْدَيَّ هَذَيْنِ أَنَّهُ يُعْتَقُ أَحَدُهُمَا فَإِنْ تَشَاحَّا فِي الْعِتْقِ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا قَالَ يُعْتَقُ أَحَدُهُمَا ابْتِدَاءً لاِنَّهُ وَصِيَّةٌ فَالْوَاجِبُ فِيهَا مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ الاِسْمُ كَمَا لَوْ وَصَّى بِأَحَدِهِمَا لِزَيْدٍ.
وَمنها: لَوْ عَتَقَ أَحَدَ عَبِيدِهِ فَإِنَّهُ يُعَيَّنُ بِالْقُرْعَةِ وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ يَعْتِقُهُ بِتَعْيِينِهِ مِنْ الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ فِي الطَّلاَقِ وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِهِ ثُمَّ أُنْسِيه أَوْ جَهِلَهُ ابْتِدَاءً كَمَسْأَلَةِ الطَّائِرِ الْمَشْهُورَةِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ بِالْقُرْعَةِ أَيْضًا وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ لاَ يُقْرِعُ هَاهُنَا مِنْ الطَّلاَقِ وَأَشَارَ إلَيْهِ بَعْضُ الأَصْحَابِ لَكِنَّ قِيَاسَ الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الطَّلاَقِ أَنَّهُ يُقْرِعُ فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ عَتَقَ وَيُسْتَدَامُ الْمِلْكُ فِي غَيْرِهِ إلاَ أَنَّهُ لاَ يُسْتَبَاحُ وَطْءُ شَيْءٍ مِنْهُنَّ إذَا كُنَّ إمَاءً.
وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ: إنْ كَانَ هَذَا الطَّائِرُ غُرَابًا فَعَبْدِي حُرٌّ، وَقَالَ آخَرُ: إنْ لَمْ يَكُنْ غُرَابًا فَعَبْدِي حُرٌّ، وَجُهِلَ أَمْرُهُ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لاَ يُعْتَقُ وَاحِدٌ مِنْ الْعَبْدَيْنِ فَإِنْ اشْتَرَى أَحَدُ الْمَالِكَيْنِ عَبْدَ الْآخَرِ فَفِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يُعْتَقُ مَا اشْتَرَاهُ لاِنَّ اسْتِدَامَتَهُ لاِسْتِرْقَاقِ عَبْدِهِ إقْرَارٌ مِنْهُ لاِنَّ عَبْدَ صَاحِبِهِ هُوَ الَّذِي عَتَقَ فَإِذَا اشْتَرَاهُ نَفَذَ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ فَعَتَقَ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُعْتَقُ أَحَدُهُمَا غَيْرَ مُعَيَّنٍ ثُمَّ يُمَيَّزُ بِالْقُرْعَةِ وَهُوَ أَصَحُّ لاِنَّ تَمَسُّكَهُ بِعَبْدِهِ إنَّمَا كَانَ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ لاَ غَيْرُ، وَأَمَّا الْوَلاَءُ فَعَلَى الْوَجْهِ الأَوَّلِ هُوَ مَوْقُوفٌ حَتَّى يَتَصَادَقَا عَلَى أَمْرٍ يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ، وَعَلَى الثَّانِي إنْ وَقَعَتْ الْحُرِّيَّةُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَكَذَلِكَ وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى عَبْدِهِ فَوَلاَؤُهُ لَهُ وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فَمَنْ قُرِعَ فَالْوَلاَءُ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْوَلَدِ الَّذِي يَدَّعِيه أَبَوَانِ وَأَوْلَى؛ لاِنَّ هَاهُنَا إنَّمَا عَتَقَ عَلَى وَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَهُنَاكَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ لَهُمَا وَكَذَلِكَ يُقَالُ لَوْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ مُوسِرَيْنِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: إنْ كَانَ الطَّائِرُ غُرَابًا فَنَصِيبِي حُرٌّ وَقَالَ الْآخَرُ إنْ لَمْ يَكُنْ غُرَابًا فَنَصِيبِي حُرٌّ فَإِنَّ الْعَبْدَ يُعْتَقُ عَلَى أَحَدِهِمَا وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَيُمَيَّزُ بِالْقُرْعَةِ وَيَكُونُ لَهُ الْوَلاَءُ.
وَمنها: لَوْ قَالَ لاِمَتِهِ: أَوَّلُ مَا تَلِدِينَهُ حُرٌّ فَوَلَدَتْ وَلَدَيْنِ وَاشْتَبَهَ أَوَّلُهُمَا خُرُوجًا فَإِنَّهُ يُمَيَّزُ بِالْقُرْعَةِ نَصَّ عَلَيْهِ؛ لاِنَّ الْعِتْقَ وَقَعَ عَلَى مُعَيَّنٍ وَجُهِلَ ابْتِدَاءً وَلَوْ قَالَ أَوَّلُ غُلاَمٍ لِي يَطْلُعُ فَهُوَ حُرٌّ فَطَلَعَ عَبِيدُهُ كُلُّهُمْ أَوْ قَالَ لِزَوْجَاتِهِ أَيَّتُكُنَّ طَلَعَ أَوَّلاً فَهِيَ طَالِقٌ فَطَلَعْنَ كُلُّهُنَّ فَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّهُ يُمَيَّزُ وَاحِدٌ مِنْ

الْعَبِيدِ وَامْرَأَةٌ مِنْ الزَّوْجَاتِ بِالْقُرْعَةِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا وَاخْتَلَفَ الأَصْحَابُ فِي هَذَا النَّصِّ فَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى أَنَّ اطِّلاَعَهُمْ كَانَ مُرَتَّبًا وَأَشْكَلَ السَّابِقُ فَيُمَيَّزُ بِالْقُرْعَةِ كَمَسْأَلَةِ الْوِلاَدَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَقَرَّ النَّصَّ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّهُمْ طَلَعُوا دَفْعَةً وَاحِدَةً. وَقَالَ: صِفَةُ الأَوَّلِيَّةِ شَامِلَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِانْفِرَادِهِ وَالْمُعْتَقُ إنَّمَا أَرَادَ عِتْقَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَمُيِّزَ بِالْقُرْعَةِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي خِلاَفِهِ وَمِنْ الأَصْحَابِ مَنْ قَالَ يَعْتِقُ وَيُطَلِّقُ الْجَمِيعَ لاِنَّ الأَوَّلِيَّةِ صِفَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلَفْظُهُ صَالِحٌ لِلْعُمُومِ لاِنَّهُ مُفْرَدٌمُضَافٌأَوْ يُقَالُ الأَوَّلِيَّةُ صِفَةٌ لِلْمَجْمُوعِ لاَ لِلْأَفْرَادِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي فِي الطَّلاَقِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لاَ تَطْلُقُ وَلاَ يُعْتَقُ شَيْءٌ مِنْهُمْ لاِنَّ الأَوَّلَ لاَ يَكُونُ إلاَ فَرْدًا لاَ تَعَدُّدَ فِيهِ وَالْفَرْدِيَّةُ مُشْتَبِهَةٌ هُنَا: وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الطَّلاَق وَالسَّامِرِيُّ وَصَاحِبُ الْكَافِي.
وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ طَلَعَ بَعْدَهُمْ مِنْ عَبِيدِهِ وَزَوْجَاتِهِ طَلُقْنَ وَعَتَقْنَ وَإِلاَ فَلاَ؛ بِنَاءَ عَلَى أَنَّ الأَوَّلَ هُوَ السَّابِقُ لِغَيْرِهِ، فَلاَ يَكُونُ أَوَّلاً حَتَّى يَأْتِيَ بَعْدَهُ غَيْرُهُ فَيَتَحَقَّقُ لَهُ بِذَلِكَ صِيغَةُ الأَوَّلِيَّةِ وَهُوَ وَجْهٌ لَنَا، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ.
وَقَرِيبٌ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي كِتَابِ الْعِتْقِ فَقَالَ: وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِعَبِيدِهِ أَيُّكُمْ جَاءَنِي بِخَبَرِ كَذَا فَهُوَ حُرٌّ فَأَتَى بِذَلِكَ الْخَبَرِ اثْنَانِ مَعًا أَوْ أَكْثَرُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ قَالَ فِي أَحَدِهِمَا: قَدْ عَتَقَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَيُقْرَعُ بَيْنَهُمْ فَمَنْ قَرَعَ صَاحِبَهُ فَقَدْ عَتَقَ. وَقَالَ فِي الْأُخْرَى: فَقَدْ عَتَقَا جَمِيعًا انْتَهَى. فَأَمَّا وَجْهُ عِتْقِهِمَا جَمِيعًا فَظَاهِرٌ لاِنَّ أَيًّا مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ وَأَمَّا وَجْهُ عِتْقِ أَحَدِهِمَا بِالْقُرْعَةِ فَهُوَ أَنَّ الْمُتَبَادَرَ إلَى الأَفْهَامِ مِنْ هَذَا التَّعْلِيقِ الْخُصُوصُ وَأَنَّهُ إنَّمَا أُرِيدَ بِهِ عِتْقٌ وَاحِدٌ يَجِيءُ بِالْخَبَرِ فَيَصِيرُ عُمُومُ هَذَا اللَّفْظِ عُمُومًا بِدَلِيلِهِ لاَ عُمُومَ شُمُولٍ فَلاَ يُعْتَقُ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدَةٍ فَإِذَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ عَلَى الإِتْيَانِ بِالْخَبَرِ أُعْتِقَ أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ وَلَيْسَ هَذَا كَمَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَاتِهِ أَيَّتُكُنَّ خَرَجَتْ فَهِيَ طَالِقٌ فَإِذَا خَرَجْنَ جَمِيعًا طُلِّقْنَ لاِنَّ الْخُرُوجَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْجَمِيعِ سَوَاءٌ. وَأَمَّا الإِخْبَارُ فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ يَحْصُلُ مِنْ أَحَدِ الْمُخْبِرَيْنِ فَلاَ حَاجَةَ إلَى الْآخَرِ، وَلِهَذَا قُلْنَا: عَلَى أَحَدِ الْوُجُوهِ. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي: أَنَّهُ لَوْ قَالَ: لِزَوْجَاتِهِ مَنْ أَخْبَرَنِي مِنْكُنَّ بِكَذَا فَهِيَ طَالِقٌ فَأَخْبَرْنَهُ مُتَفَرِّقَاتٍ أَنَّهُ لاَ يُطَلَّقُ مِنْهُنَّ إلاَ الْأُولَى لاِنَّ مَقْصُودَهُ مِنْ الإِخْبَارِ وَهُوَ الإِعْلاَمُ حَاصِلٌ بِهَا.
وَلِهَذَا لَوْ قَالَ مَنْ دَخَلَ دَارِي فَلَهُ دِرْهَمٌ فَدَخَلَ جَمَاعَةٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دِرْهَمٌ. وَلَوْ قَالَ: مَنْ جَاءَنِي فَلَهُ دِرْهَمٌ فَجَاءَهُ جَمَاعَةٌ فَلَهُمْ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ بَيْنَهُمْ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي كِتَابِ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ قَالَ: لاِنَّ الشَّرْطَ وُجِدَ مِنْ الْجَمَاعَةِ وُجُودًا وَاحِدًا بِخِلاَفِ دُخُولِ الدَّارِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ وُجِدَ مِنْهُ دُخُولٌ كَامِلٌ، وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ مَنْ سَبَقَ فَلَهُ كَذَا فَسَبَقَ اثْنَانِ مَعًا فَفِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: السَّبْقُ الْمَذْكُورُ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ قَالَ مَنْ رَدَّ ضَالَّتِي فَلَهُ كَذَا فَرَدَّهَا جَمَاعَةٌ. وَالثَّانِي: لِكُلٍّ مِنْهُمْ سَبْقٌ كَامِلٌ لاِنَّهُ سَابِقٌ بِانْفِرَادِهِ،

وَحَاصِلُ الأَمْرِ فِي هَذَا الْبَابِ: أَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ تَارَةً يَكُونُ شَيْئًا وَاحِدًا لاَ تَعَدُّدَ فِيهِ كَرَدِّ الْآبِقِ وَنَحْوِهِ فَلاَ يَتَعَدَّدُ الْمَشْرُوطُ بِعَدَدِ الْمُحَصِّلِينَ لَهُ؛ لاِنَّهُمْ اشْتَرَكُوا فِي تَحْصِيلِ شَيْءٍ وَاحِدٍ فَاشْتَرَكُوا فِي اسْتِحْقَاقِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ وَتَارَةً يَكُونُ قَابِلاً لِلْعَدَدِ وَهُوَ نَوْعَانِ. أَحَدُهُمَا: مَا يَكُونُ التَّعَدُّدُ فِيهِ مَقْصُودًا لِدُخُولِ الدَّارِ وَنَحْوِهِ فَيَتَعَدَّدُ الاِسْتِحْقَاقُ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا إذَا قَالَ مَنْ دَخَلَ دَارِي فَهُوَ حُرٌّ أَوْ فَهِيَ طَالِقٌ وَكَذَلِكَ تَجِيءُ عَلَى هَذَا إذَا قَالَ: مَنْ جَاءَنِي فَلَهُ دِرْهَمٌ، لاِنَّ تَعَدُّدَ الاِثْنَيْنِ مَطْلُوبٌ بِخِلاَفِ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَمَسْأَلَةُ السَّبْقِ قَدْ يُقَالُ هِيَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ وَقَدْ يُقَالُ السَّبْقُ إنَّمَا حَصَلَ مِنْ الْمَجْمُوعِ لاَ مِنْ كُلِّ فَرْدٍ مِنْهُمْ، أَوْ كُلُّ فَرْدٍ مِنْهُمْ لَيْسَ بِسَابِقٍ لِلْبَاقِينَ بَلْ هُوَ سَابِقٌ لِمَنْ تَأَخَّرَ عَنْهُ وَمُسَاوٍ لِمَنْ جَاء مَعَهُ فَالْمُتَّصِفُ بِالسَّبْقِ هُوَ الْمَجْمُوعُ لاَ كُلُّ فَرْدٍ مِنْهُمْ فَلِذَلِكَ اسْتَحَقُّوا جُعْلاً وَاحِدًا وَهَذَا أَظْهَرُ. وَالنَّوْعُ الثَّانِي: مَا لاَ يَكُونُ التَّعَدُّدُ فِيهِ مَقْصُودًا كَالإِتْيَانِ بِالْخَبَرِ فَهَلْ يَشْتَرِك الْآتُونَ بِهِ فِي الاِسْتِحْقَاقِ أَمْ يَخْتَصُّ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَيُمَيَّزُ بِالْقُرْعَةِ؟ فِيهِ الْخِلاَفُ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَاَلَّذِي نَقَلَهُ صَالِحٌ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُعْتَقُ الْجَمِيعُ وَنَقَلَ حَنْبَلٌ أَنَّهُ يُعْتَقُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِالْقُرْعَةِ، وَحَمَلَ أَبُو بَكْرٍ رِوَايَةَ صَالِحٍ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الْعُمُومَ وَرِوَايَةَ حَنْبَلٍ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ وَاحِدًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَمَا ذَكَرْنَا أَشْبَهُ. وَعَلَى هَذَا يَتَخَرَّجُ مَسْأَلَةٌ أَوْ لَكِنْ يَطَّلِعُ عَلَى إذَا قِيلَ: إنَّ الأَوَّلِيَّةَ صِفَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُجْتَمِعِينَ لاِنَّ هَذَا التَّعْلِيقَ لَمْ يَقْصَدْ بِهِ إلاَ وَاحِداً غَيْرُ مُعَيَّنٍ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْجَمِيعَ وَأَمَّا إنْ قِيلَ: الأَوَّلِيَّةُ صِفَةٌ لِلْمَجْمُوعِ يُوَجَّهُ وُقُوع الْعِتْقِ وَالطَّلاَقِ.
وَمنها: لَوْ اشْتَبَهَ عَبْدُهُ بِعَبِيدِ غَيْرِهِ قَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُعْتَقُ عَبْدُهُ الَّذِي يَمْلِكُهُ عَنْ وَاجِبٍ وَغَيْرِهِ ثُمَّ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ فَيَخْرُجُ عَبْدُهُ بِالْقُرْعَةِ، وَلَوْ اشْتَبَهَتْ زَوْجَتُهُ بِأَجَانِبَ فَطَلَّقَهَا فَلَهُ إخْرَاجُهَا بِالْقُرْعَةِ وَنِكَاحُ الْبَوَاقِي عَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرَهُ الأَصْحَابُ فِيمَنْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ فَطَلَّقَ الْجَمِيعَ ثَلاَثًا أَنَّهُ يُخْرِجُ أَرْبَعًا بِالْقُرْعَةِ ثُمَّ يَنْكِحُ الْبَوَاقِيَ، وَلَوْ اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ بِأَجْنَبِيَّاتٍ فَقَالَ الْقَاضِي فِي خِلاَفِهِ: لاَ يَمْتَنِعُ التَّمَيُّزُ بِالْقُرْعَةِ كَمَا لَوْ زَوَّجَ إحْدَى بَنَاتِهِ بِرَجُلٍ وَاشْتَبَهتَ فِيهِنَّ فَإِنَّهَا تُمَيَّزُ بِالْقُرْعَةِ عَلَى الْمَنْصُوصُ.
وَفِي عُمَدِ الأَدِلَّةِ لاِبْنِ عَقِيلٍ لَوْ اخْتَلَطَ عَبْدُهُ بِأَحْرَارٍ لَمْ يُقْرِعْ وَلَوْ اخْتَلَطَ مَنْ أَعْتَقَهُ وَلَهُ عِتْقُهُ وَمَنْ لاَ يَمْلِكُ عِتْقَهُ إلاَ بِإِجَازَةٍ جَازَ أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُمَا لاِنَّ الْقُرْعَةَ لاَ تَعْمَلُ فِي آكَدِ التَّحْرِيمَيْنِ وَتَعْمَلُ فِي أَيْسَرِهِمَا.

المسألة الأولى
فَصْلٌ
وَهَذِهِ فَوَائِدُ تُلْحَقُ بِالْقَوَاعِدِ وَهِيَ فَوائِدُ مَسَائِلَ مُشْتَهِرَةٍ فِيهَا اخْتِلاَفٌ فِي الْمَذْهَبِ يَنْبَنِي عَلَى الاِخْتِلاَفِ فِيهَا فَوَائِدُ مُتَعَدِّدَةٌ.
المسألة الْأُولَى : فَمِنْ ذَلِكَ مَا يُدْرِكُهُ الْمَسْبُوقُ فِي الصَّلاَةِ هَلْ هُوَ آخِرُ صَلاَتِهِ أَوْ أَوَّلُهَا وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ عَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ. أَحَدُهُمَا: مَا يُدْرِكُهُ آخِرَ صَلاَتِهِ وَمَا يَقْضِيهِ أَوَّلُهَا وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَالثَّانِيَةُ: عَكْسَهَا وَلِهَذَا الاِخْتِلاَفِ فَوَائِدُ.
إحْدَاهَا: مَحِلُّ الاِسْتِفْتَاحِ فَعَلَى الْأُولَى يَسْتَفْتِحُ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ يَقْضِيهَا إذْ هِيَ أَوَّلُ صَلاَتِهِ نَقَلَهَا حَرْبٌ وَفِي شَرْحِ الْمَذْهَبِ لِلْقَاضِي لاَ يُشْرَعُ الاِسْتِفْتَاحُ فِيهَا لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ وَعَلَى الثَّانِيَةِ يَسْتَفْتِحُ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ يُدْرِكُهَا لاِنَّهَا أولته. نَقَلَهَا ابْنُ حَزْمٍ.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَة: التَّعَوُّذُ فَعَلَى الْأُولَى يَتَعَوَّذُ إذَا قَامَ لِلْقَضَاءِ خَاصَّةً وَعَلَى الثَّانِيَة يَتَعَوَّذُ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ يُدْرِكُهَا وَهَذَا بِنَاءً عَلَى قَوْلِنَا إنَّ التَّعَوُّذَ يَخْتَصُّ بِأَوَّلِ رَكْعَةٍ فَأَمَّا عَلَى قَوْلِنَا هُوَ مَشْرُوعٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَتُلْغَى هَذِهِ الْفَائِدَةُ.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: هَيْئَةُ الْقِرَاءَةِ فِي الْجَهْرِ وَالإِخْفَاتِ فَإِذَا فَاتَتْهُ الرَّكْعَتَانِ الأَوَّلَتَانِ مِنْ الْمَغْرِبِ أَوْ الْعِشَاءِ جَهَرَ فِي قَضَائِهِمَا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الأَثْرَمِ وَإِنْ أَمَّ فِيهِمَا وَقُلْنَا بِجَوَازِهِ سُنَّ لَهُ الْجَهْرُ وَهَذَا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَعَلَى الثَّانِيَةِ لاَ جَهْرَ هَاهُنَا.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: مِقْدَارُ الْقِرَاءَةِ، وَلِلْأَصْحَابِ فِي ذَلِكَ طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ إذَا أَدْرَكَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ فَإِنَّهُ يَقْرَأُ فِي الْمَقْضِيَّتَيْنِ بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ مَعَهَا عَلَى كِلاَ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى لاَ يَخْتَلِفُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ وَذَكَرَ الْخَلاَلُ أَنَّ قَوْلَهُ اسْتَقَرَّ عَلَى ذَلِكَ وَفِي الْمُغْنِي هُوَ قَوْلُ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ لاَ نَعْلَمُ عَنْهُمْ فِيهِ خِلاَفًا. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: بِنَاؤُهُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فَإِنْ قُلْنَا مَا يَقْضِيه أَوَّلَ صَلاَتِهِ فَكَذَلِكَ وَإِلاَ اقْتَصَرَ فِيهِ عَلَى الْفَاتِحَةِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي وَمَنْ بَعْدَهُ وَذَكَره ابْنُ أَبِي مُوسَى تَخْرِيجًا وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الأَثْرَمِ وَأَوْمَأَ إلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ وَغَيْرِهِ وَأَنْكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ الطَّرِيقَةَ الْأُولَى وَقَالَ لاَ يَتَوَجَّهُ إلاَ عَلَى رَأْيِ مَنْ رَأَى قِرَاءَةَ السُّورَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَوْ عَلَى رَأْيِ مَنْ رَأَى قِرَاءَةَ السُّورَتَيْنِ فِي الْآخِرَتَيْنِ إذَا نَسِيَهُمَا فِي الأَوِّلَتَيْنِ. قُلْتُ: وَقَدْ أَشَارَ أَحْمَدُ إلَى مَأْخَذٍ ثَالِثٍ: وَهُوَ الاِحْتِيَاطُ لِلتَّرَدُّدِ فِيهِمَا، وَقِرَاءَةُ السُّورَةِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فَيُحْتَاطُ لَهَا أَكْثَرُ مِنْ الاِسْتِفْتَاحِ وَالاِسْتِعَاذَةِ وَلَوْ أَدْرَكَ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ رَكْعَةً وَاحِدَةً فَإِنْ قُلْنَا مَا يَقْضِيه أُولَى صَلاَتِهِ قَرَأَ فِي الْأُولَتَيْنِ مِنْ الثَّلاَثَةِ بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ

وَفِي الثَّالِثَةِ: بِالْحَمْدِ وَحْدَهَا. وَنَقَلَ عَنْهُ الْمَيْمُونِيُّ: يَحْتَاطُ وَيَقْرَأُ فِي الثَّلاَثِ بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ قَالَ الْخَلاَلُ: رَجَعَ عَنْهَا أَحْمَدُ.
الْفَائِدَةُ الْخَامِسَةُ: قُنُوتُ الْوِتْرِ إذَا أَدْرَكَهُ الْمَسْبُوقُ مَعَ مَنْ يُصَلِّي الْوِتْرَ بِسَلاَمٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يَقَعُ فِي مَحِلِّهِ وَلاَ يُعِيدُهُ إنْ قُلْنَا: مَا يُدْرِكُهُ آخِرُ صَلاَتِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: أَوَّلُهَا أَعَادَهُ فِي آخِرِ رَكْعَةٍ يَقْضِيهَا.
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: تَكْبِيرَاتُ الْعِيدِ الزَّوَائِدُ إذَا أَدْرَكَ الْمَسْبُوقُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَة مِنْ الْعِيدِ فَإِنْ قُلْنَا هِيَ أَوَّلُ صَلاَتِهِ كَبَّرَ خَمْسًا فِي الْمَقْضِيَّةِ وَإِلاَ كَبَّرَ سَبْعًا.
الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: إذَا سُبِقَ بِبَعْضِ تَكْبِيرَاتِ صَلاَةِ الْجِنَازَةِ فَإِنْ قُلْنَا مَا يُدْرِكُهُ آخِرَ صَلاَتِهِ تَابَعَ الإِمَامَ فِي الذِّكْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ ثُمَّ قَرَأَ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ يَقْضِيهَا وَإِنْ قُلْنَا مَا يُدْرِكُهُ أَوَّلَ صَلاَتِهِ قَرَأَ فِيهَا بِالْفَاتِحَةِ.
الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: مَحِلُّ التَّشَهُّدِ الأَوَّلِ فِي حَقِّ مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الْمَغْرِبِ أَوْ الرُّبَاعِيَّةِ رَكْعَةً وَفِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا: يتشهد عَقِيبَ قَضَاءِ رَكْعَةٍ. وَالثَّانِيَةُ: عَقِيبَ رَكْعَتَيْنِ نَقَلَهَا حَرْبٌ. وَالأَوْلَى اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَذَكَرَ الْخَلاَلُ أَنَّ الرَّوِيَّاتِ اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهَا، وَاخْتَلَفَ فِي بِنَاءِ الرِّوَايَتَيْنِ فَقِيلَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ إنْ قُلْنَا مَا يَقْضِيه أَوَّلَ صَلاَتِهِ لَمْ يَجْلِسْ إلاَ عَقِيبَ رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ قُلْنَا هُوَ آخِرُهَا تَشَهُّدٌ عَقِيبَ رَكْعَةٍ لاِنَّهَا ثَانِيَتُهُ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ عَقِيلٍ فِي فُصُولِهِ وَأَوْمَأَ إلَيْهَا أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ. وَقِيلَ إنَّ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى قَوْلِنَا مَا يُدْرِكُهُ آخِرَ صَلاَتِهِ وَهِيَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى ذَلِكَ صَرِيحًا فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ والبراثي مُفَرِّقًا بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالتَّشَهُّدِ وَعُلِّلَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بِأَنَّهُ احْتَاطَ بِالْجَمْعِ مِنْ مَذْهَبِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْجُلُوسِ عَقِيبَ رَكْعَةٍ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَقَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ يَجْلِسُ عَقِيبَ رَكْعَةٍ مَعَ قَوْلِهِ أَنَّ مَا أَدْرَكَهُ مَعَ الإِمَامِ آخِرَ صَلاَتِهِ نَقَلَهُ عَنْهُ أَحْمَدُ وَزَعَمَ صَاحِبُ الْمُغْنِي أَنَّ الْكُلَّ جَائِزٌ. وَيَرُدُّهُ مَا نَقَلَهُ مُهَنَّا عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ إذَا جَلَسَ عَقِيبَ رَكْعَتَيْنِ سَجَدَ لِلسَّهْوِ فَجَعَلَهُ كَتَارِكِ التَّشَهُّدِ الأَوَّلِ، وَمِمَّا يَحْسُنُ تَخْرِيجه عَلَى هَذَا الْخِلاَفِ وَلَمْ نَجِدْهُ مَنْقُولاً تَطْوِيلُ الرَّكْعَةِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَة وَتَرْتِيبُ السُّورَتَيْنِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَأَمَّا رَفْعُ الْيَدَيْنِ إذَا أَقَامَ مِنْ التَّشَهُّدِ الأَوَّلِ إذَا قُلْنَا بِاسْتِحْبَابِهِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْفَعَ إذَا قَامَ إلَى الرَّكْعَةِ الْمَحْكُومِ بِأَنَّهَا ثَالِثَتُهُ سَوَاءٌ قَامَ عَنْ تَشَهُّدٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْفَعَ إذَا قَامَ مِنْ تَشَهُّدِهِ الأَوَّلِ الْمُعْتَدِّ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ عَقِيبَ الثَّانِيَة أَوْ لَمْ يَكُنْ لاِنَّه مَحَلَّ هَذَا الرَّفْعِ هُوَ الْقِيَامُ مِنْ هَذَا التَّشَهُّدِ فَيَتْبَعُهُ حَيْثُ كَانَ وَهَذَا أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

المسألة الثانية
المسألة الثَّانِيَة: الزَّكَاةُ هَلْ تَجِبُ فِي عَيْنِ النِّصَابِ أَوْ ذِمَّةِ مَالِكِهِ؟ اخْتَلَفَ الأَصْحَابُ فِي ذَلِكَ عَلَى طُرُقٍ.
إحْدَاهَا: أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي الْعَيْنِ رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ أَبِي مُوسَى وَالْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ.
وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي الْخَطَّابِ فِي الاِنْتِصَارِ وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ مُتَابَعَةً لِلْخِرَقِيِّ
وَالثَّالِثَةُ: أَنَّهَا تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ وَتَتَعَلَّقُ بِالنِّصَابِ وَقَعَ ذَلِكَ فِي كَلاَمِ الْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّاب وَغَيْرِهِمَا وَهِيَ طَرِيقَةُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ.
وَالرَّابِعَةُ: أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: تَجِبُ فِي الْعَيْنِ وَالثَّانِيَةُ فِي الذِّمَّةِ وَهِيَ طَرِيقَةُ كَثِيرٍ مِنْ الأَصْحَابِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَفِي كَلاَمِ أَبِي بَكْرٍ فِي الشَّافِي مَا يَدُلُّ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ وَلَكِنَّ آخِرَ كَلاَمِهِ يُشْعِرُ بِتَنْزِيلِ الْقَوْلَيْنِ عَلَى اخْتِلاَفِ حَالَيْنِ وَهُمَا يَسَارُ الْمَالِكِ وَإِعْسَارُهُ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي ذِمَّتِهِ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا وَجَبَتْ فِي عَيْنِ مَالِهِ وَهُوَ غَرِيبٌ.
وَلِلاِخْتِلاَفِ فِي مَحِلِّ التَّعَلُّقِ؛ هَلْ هُوَ الْعَيْنُ أَوْ الذِّمَّةُ؟ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ:
الفائدة الْأُولَى: إذَا مَلَكَ نِصَابًا وَاحِدًا وَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ أَحْوَالاً فَإِنْ قُلْنَا الزَّكَاةُ فِي الْعَيْنِ وَجَبَتْ زَكَاةُ الْحَوْلِ الأَوَّلِ دُونَ مَا بَعْدَهُ وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَاخْتَارَهُ أَكْثَرُ الأَصْحَابِ لاِنَّ قَدْرَ الزَّكَاةِ زَالَ الْمِلْكُ فِيهِ عَلَى قَوْلٍ وَعَلَى آخَرَ ضَعُفَ الْمِلْكُ فِيهِ لاِسْتِحْقَاقِ تَمَلُّكِهِ وَالْمُسْتَحَقُّ فِي حُكْمِ الْمُؤَدَّى فَصَارَ كَالْمَنْذُورِ سَوَاءٌ، فَإِنَّ الْمَنْذُورَ يَجُوزُ عِنْدَنَا إبْدَالُهُ بِمِثْلِهِ وَهَذَا كَذَلِكَ وَإِنْ قُلْنَا الزَّكَاةُ فِي الذِّمَّةِ وَجَبَتْ لِكُلِّ حَوْلٍ إلاَ إذَا قُلْنَا: إنَّ دِينَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَمْنَعُ الزَّكَاةَ. وَقَالَ السَّامِرِيُّ: يَتَكَرَّرُ زَكَاتُهُ لِكُلِّ حَوْلٍ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَتَأَوَّلَ كَلاَمَ أَحْمَدَ بِتَأْوِيلٍ فَاسِدٍ وَهَذَا فِيمَا كَانَتْ زَكَاتُهُ مِنْ جِنْسِهِ فَأَمَّا إنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ كَالإِبِلِ الْمُزَكَّاةِ بِالْغَنَمِ تَكَرَّرَتْ لِكُلِّ حَوْلٍ عَلَى كِلاَ الْقَوْلَيْنِ نَصَّ عَلَيْهِ مُعَلِّلاً بِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ إخْرَاجَ جُزْءٍ مِنْهُ فَيَبْقَى الْمِلْكُ فِيهِ تَامًّا وَهَذَا مَا ذَكَرَ الْخَلاَلُ وَابْنُ أَبِي مُوسَى وَالْقَاضِي وَالأَكْثَرُونَ وَذَكَرَ الشِّيرَازِيُّ فِي الْمُبْهِجِ أَنَّهُ كَالأَوَّلِ لاَ يَجِبُ سِوَى زَكَاةٍ وَاحِدَةٍ وَمَتَى اسْتَأْصَلَتْ الزَّكَاةُ الْمَالَ سَقَطَتْ بَعْدَ ذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا عَلَى وُجُوبِهَا فِي الدَّيْنِ بَعْدَ اسْتِغْرَاقِهِ بِالزَّكَاةِ، فَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ فِي الذِّمَّةِ وَإِمَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ بِأَنَّ الدَّيْنَ وَصْفٌ حُكْمِيٌّ لاَ وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ فَتَتَعَلَّقُ زَكَاتُهُ بِالذِّمَّةِ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَلَكِنْ نَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ وَاحِدٍ عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ فِي امْتِنَاعِ الزَّكَاةِ فِيمَا بَعْدَ الْحَوْلِ الأَوَّلِ. وَصَرَّحَ بِذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ.

المسألة الثَّانِيَة: الزَّكَاةُ هَلْ تَجِبُ فِي عَيْنِ النِّصَابِ أَوْ ذِمَّةِ مَالِكِهِ؟ اخْتَلَفَ الأَصْحَابُ فِي ذَلِكَ عَلَى طُرُقٍ.
إحْدَاهَا: أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي الْعَيْنِ رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ أَبِي مُوسَى وَالْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ.
وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي الْخَطَّابِ فِي الاِنْتِصَارِ وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ مُتَابَعَةً لِلْخِرَقِيِّ
وَالثَّالِثَةُ: أَنَّهَا تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ وَتَتَعَلَّقُ بِالنِّصَابِ وَقَعَ ذَلِكَ فِي كَلاَمِ الْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّاب وَغَيْرِهِمَا وَهِيَ طَرِيقَةُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ.
وَالرَّابِعَةُ: أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: تَجِبُ فِي الْعَيْنِ وَالثَّانِيَةُ فِي الذِّمَّةِ وَهِيَ طَرِيقَةُ كَثِيرٍ مِنْ الأَصْحَابِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَفِي كَلاَمِ أَبِي بَكْرٍ فِي الشَّافِي مَا يَدُلُّ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ وَلَكِنَّ آخِرَ كَلاَمِهِ يُشْعِرُ بِتَنْزِيلِ الْقَوْلَيْنِ عَلَى اخْتِلاَفِ حَالَيْنِ وَهُمَا يَسَارُ الْمَالِكِ وَإِعْسَارُهُ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي ذِمَّتِهِ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا وَجَبَتْ فِي عَيْنِ مَالِهِ وَهُوَ غَرِيبٌ.
وَلِلاِخْتِلاَفِ فِي مَحِلِّ التَّعَلُّقِ؛ هَلْ هُوَ الْعَيْنُ أَوْ الذِّمَّةُ؟ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ:
الفائدة الْأُولَى: إذَا مَلَكَ نِصَابًا وَاحِدًا وَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ أَحْوَالاً فَإِنْ قُلْنَا الزَّكَاةُ فِي الْعَيْنِ وَجَبَتْ زَكَاةُ الْحَوْلِ الأَوَّلِ دُونَ مَا بَعْدَهُ وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَاخْتَارَهُ أَكْثَرُ الأَصْحَابِ لاِنَّ قَدْرَ الزَّكَاةِ زَالَ الْمِلْكُ فِيهِ عَلَى قَوْلٍ وَعَلَى آخَرَ ضَعُفَ الْمِلْكُ فِيهِ لاِسْتِحْقَاقِ تَمَلُّكِهِ وَالْمُسْتَحَقُّ فِي حُكْمِ الْمُؤَدَّى فَصَارَ كَالْمَنْذُورِ سَوَاءٌ، فَإِنَّ الْمَنْذُورَ يَجُوزُ عِنْدَنَا إبْدَالُهُ بِمِثْلِهِ وَهَذَا كَذَلِكَ وَإِنْ قُلْنَا الزَّكَاةُ فِي الذِّمَّةِ وَجَبَتْ لِكُلِّ حَوْلٍ إلاَ إذَا قُلْنَا: إنَّ دِينَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَمْنَعُ الزَّكَاةَ. وَقَالَ السَّامِرِيُّ: يَتَكَرَّرُ زَكَاتُهُ لِكُلِّ حَوْلٍ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَتَأَوَّلَ كَلاَمَ أَحْمَدَ بِتَأْوِيلٍ فَاسِدٍ وَهَذَا فِيمَا كَانَتْ زَكَاتُهُ مِنْ جِنْسِهِ فَأَمَّا إنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ كَالإِبِلِ الْمُزَكَّاةِ بِالْغَنَمِ تَكَرَّرَتْ لِكُلِّ حَوْلٍ عَلَى كِلاَ الْقَوْلَيْنِ نَصَّ عَلَيْهِ مُعَلِّلاً بِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ إخْرَاجَ جُزْءٍ مِنْهُ فَيَبْقَى الْمِلْكُ فِيهِ تَامًّا وَهَذَا مَا ذَكَرَ الْخَلاَلُ وَابْنُ أَبِي مُوسَى وَالْقَاضِي وَالأَكْثَرُونَ وَذَكَرَ الشِّيرَازِيُّ فِي الْمُبْهِجِ أَنَّهُ كَالأَوَّلِ لاَ يَجِبُ سِوَى زَكَاةٍ وَاحِدَةٍ وَمَتَى اسْتَأْصَلَتْ الزَّكَاةُ الْمَالَ سَقَطَتْ بَعْدَ ذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا عَلَى وُجُوبِهَا فِي الدَّيْنِ بَعْدَ اسْتِغْرَاقِهِ بِالزَّكَاةِ، فَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ فِي الذِّمَّةِ وَإِمَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ بِأَنَّ الدَّيْنَ وَصْفٌ حُكْمِيٌّ لاَ وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ فَتَتَعَلَّقُ زَكَاتُهُ بِالذِّمَّةِ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَلَكِنْ نَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ وَاحِدٍ عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ فِي امْتِنَاعِ الزَّكَاةِ فِيمَا بَعْدَ الْحَوْلِ الأَوَّلِ. وَصَرَّحَ بِذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ.

الْمُحَرَّرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ النَّصَّ بِالْمُحَاصَّةِ عَلَى الْقَوْلِ بِتَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِالذِّمَّةِ لاِسْتِوَائِهَا فِي مَحَلِّ التَّعَلُّقِ فَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِتَعَلُّقِهَا بِالنِّصَابِ فَتُقَدَّمُ الزَّكَاةُ لِتَعَلُّقِهَا بِالْعَيْنِ كَدَيْنِ الرَّهْنِ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَالسَّامِرِيِّ. وَفِي كَلاَمِ أَحْمَدَ إيمَاءٌ إلَيْهَا وَمِنْ الأَصْحَابِ مَنْ وَافَقَ عَلَى هَذَا الْبِنَاءِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ النِّصَابُ مَوْجُودًا إذْ لاَ تَعَلُّقَ بِالْعَيْنِ إلاَ مَعَ وُجُودِهِ فَأَمَّا مَعَ تَلَفِهِ فَالزَّكَاةُ فِي الذِّمَّةِ فَيُسَاوِي دَيْنَ الْآدَمِيِّ وَهَذَا تَخْرِيجٌ فِي الْمُحَرَّرِ مَعَ أَنَّ صَاحِبَهُ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ أَنَّ النِّصَابَ مَتَى كَانَ مَوْجُودًا قُدِّمَتْ الزَّكَاةُ سَوَاءٌ قُلْنَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ أَوْ بِالذِّمَّةِ لاَ تَعَلُّقَ بِسَبَبِ الْمَالِ يَزْدَادُ بِزِيَادَتِهِ وَيَنْقُصُ بِنَقْصِهِ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ صِفَاتِهِ وَالزَّكَاةُ مِنْ قِبَلِ مون الْمَالِ وَحُقُوقِهِ وَنَوَائِبِهِ فَيُقَدَّمُ كَذَلِكَ عَلَى سَائِرِ الدُّيُونِ، وَحُمِلَ نَصُّ أَحْمَدَ بِالْمُحَاصَّةِ عَلَى حَالَةِ عَدَمٍ النِّصَابِ. فَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَالِكُ حَيًّا وَأَفْلَسَ فَظَاهِرُ كَلاَمِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُقَدَّمُ الدَّيْنُ عَلَى الزَّكَاةِ لاِنَّ تَأَخُّرَ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ سَائِغٌ لِلْعُذْرِ وَهُوَ مُحْتَاجٌ هَاهُنَا إلَى إسْقَاطِ مُطَالَبَةِ الْآدَمِيِّ لَهُ وَمُلاَزَمَتِهِ وَحَبْسِهِ فَيَكُونُ عُذْرًا لَهُ فِي التَّأَخُّرِ بِخِلاَفِ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَإِنَّهُ لَوْ قُدِّمَ دَيْنُ الْآدَمِيِّ لَفَاتَتْ الزَّكَاةُ بِالْكُلِّيَّةِ وَظَاهِرُ كَلاَمِ الْقَاضِي وَالأَكْثَرِينَ أَنَّهُ تُقَدَّمُ الزَّكَاةُ حَتَّى فِي حَالَةِ الْحَجْرِ وَهَذَا قَدْ يَتَنَزَّلُ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ فِي الْعَيْنِ إلاَ أَنَّ صَاحِبَ شَرْحِ الْهِدَايَةِ صَرَّحَ بِتَقْدِيمِهَا عَلَى كِلاَ الْقَوْلَيْنِ مَعَ بَقَاءِ النِّصَابِ كَقَوْلِهِ فِيمَا بَعْدَ الْمَوْتِ عَلَى مَا سَبَقَ.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: إذَا كَانَ النِّصَابُ مَرْهُونًا وَوَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ فَهَلْ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ منها؟ هَاهُنَا حَالَتَانِ. إحْدَاهُمَا: أَنْ لاَ يَكُونَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ يُؤَدِّي مِنْهُ الزَّكَاةَ فَتُؤَدَّى الزَّكَاةُ مِنْ عَيْنِهِ صَرَّحَ بِهِ الْخِرَقِيِّ وَالأَصْحَابُ وَلَهُ مَأْخَذَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ الزَّكَاةَ يَنْحَصِرُ تَعَلُّقُهَا بِالْعَيْنِ، وَدَيْنَ الرَّهْنِ يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ وَالْعَيْنِ فَيُقَدَّمُ عِنْدَ التَّزَاحُمِ، وَمَا اخْتَصَّ تَعَلُّقُهُ بِالْعَيْنِ كَمَا يُقَدَّمُ حَقُّ الْجَانِي عَلَى الْمُرْتَهِنِ إذَا لَحِقَ الْمُنْحَصِرَ فِي الْعَيْنِ يَفُوتُ بِفَوَاتِهَا بِخِلاَفِ الْمُتَعَلِّقِ بِالذِّمَّةِ مَعَ الْعَيْنِ فَإِنَّهُ يَسْتَوْفِي مِنْ الذِّمَّةِ عِنْدَ فَوَاتِ الْعَيْنِ وَهَذَا مَأْخَذُ الْقَاضِي وَفِيهِ ضَعْفٌ فَإِنَّ الزَّكَاةَ عِنْدَنَا لاَ تَسْقُطُ بِتَلَفِ النِّصَابِ مُطْلَقًا بَلْ تَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ حِينَئِذٍ فَهِيَ إذًا كَدَيْنِ الرَّهْنِ، وَالأَظْهَرُ فِي هَذَا أَنْ يُقَالَ: تَعَلُّقُ الزَّكَاةِ قَهْرِيٌّ وَتَعَلُّقُ الرَّهْنِ اخْتِيَارِيٌّ، وَالْقَهْرِيُّ أَقْوَى كَالْجِنَايَةِ أَوْ يُقَالَ هُوَ تَعَلُّقٌ بِسَبَبِ الْمَالِ وَتَعَلُّقُ الرَّهْنِ بِسَبَبٍ خَارِجِيٍّ وَالتَّعَلُّقُ بِسَبَبِ الْمَالِ يُقَدَّمُ كَجِنَايَةِ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ عَلَى هَذَا الْمَأْخَذِ مَتَى قِيلَ يَتَعَلَّقُ الزَّكَاةُ بِالذِّمَّةِ خَاصَّةً لَمْ يُقَدَّمْ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ لِتَعَلُّقِهِ بِالْعَيْنِ وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَالْمَأْخَذُ الثَّانِي: أَنَّ النِّصَابَ سَبَبُ دَيْنِ الزَّكَاةِ يُقَدَّمُ دَيْنُهَا عِنْدَ مُزَاحَمَةِ غَيْرِهِ مِنْ الدُّيُونِ فِي النِّصَابِ كَمَا يُقَدَّمُ مَنْ وُجِدَ عَيْنُ مَالِهِ عِنْدَ رَجُلٍ أَفْلَسَ وَهَذَا مَأْخَذُ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ وَعَلَى هَذَا فَلاَ يُفَرَّقُ الْحَالُ بَيْنَ قَوْلِنَا: تَتَعَلَّقُ الزَّكَاةُ بِالذِّمَّةِ أَوْ بِالْعَيْنِ. الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ لِلْمَالِكِ مَالٌ يُؤَدِّي مِنْهُ الزَّكَاةَ غَيْرُ الرَّهْنِ فَلَيْسَ لَهُ أَدَاءُ الزَّكَاةِ مِنْهُ بِدُونِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ أَيْضًا؛ لاِنَّ تَعَلُّقَ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ مَانِعٌ مِنْ تَصَرُّفِ الرَّاهِنِ فِي الرَّهْنِ بِدُونِ إذْنٍ وَالزَّكَاةُ لاَ يَتَعَيَّنُ إخْرَاجُهَا مِنْهُ. وَذَكَرَ السَّامِرِيُّ أَنَّهُ مَتَى قُلْنَا: الزَّكَاةُ تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ فَلَهُ إخْرَاجُهَا مِنْهُ أَيْضًا لاِنَّهُ تَعَلُّقٌ قَهْرِيٌّ وَيَنْحَصِرُ فِي الْعَيْنِ فَهُوَ كَحَقِّ الْجِنَايَةِ.

الْفَائِدَةُ الْخَامِسَةُ: التَّصَرُّفُ فِي النِّصَابِ أَوْ بَعْضِهِ بَعْدَ الْحَوْلِ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ وَالْمَذْهَبُ صِحَّتُهُ وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ قَالَ الأَصْحَابُ: وَسَوَاءٌ قُلْنَا الزَّكَاةُ فِي الْعَيْنِ أَوْ فِي الذِّمَّةِ وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ فِي الشَّافِي أَنَّا إنْ قُلْنَا الزَّكَاةُ فِي الذِّمَّةِ صَحَّ التَّصَرُّفُ مُطْلَقًا وَإِنْ قُلْنَا فِي الْعَيْنِ لَمْ يَصِحَّ التَّصَرُّفُ فِي مِقْدَارِ الزَّكَاةِ وَهَذَا متوجه عَلَى قَوْلِنَا: أَنَّ تَعَلُّقَ الزَّكَاةِ تَعَلُّقُ شَرِكَةٍ أَوْ رَهْنٍ صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَتَرَكَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى هَذَا الاِخْتِلاَفِ الرِّوَايَتَيْنِ الْمَنْصُوصَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ فِي الْمَرْأَةِ إذَا وَهَبَتْ زَوْجَهَا مَهْرَهَا الَّذِي لَهَا فِي ذِمَّتِهِ فَهَلْ تَجِبُ زَكَاتُهُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهَا قَالَ: فَإِنْ صَحَّحْنَا هِبَةَ الْمَهْرِ جَمِيعِهِ فَعَلَى الْمَرْأَةِ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ مِنْ مَالِهَا وَإِنْ صَحَّحْنَا الْهِبَةَ فِيمَا عَدَا مِقْدَارَ الزَّكَاةِ كَانَ قَدْرُ الزَّكَاةِ حَقًّا لِلْمَسَاكِينِ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ فَيَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ إلَيْهِمْ وَيَسْقُطُ عَنْهُ بِالْهِبَةِ مَا عَدَاهُ وَهَذَا بِنَاءٌ غَرِيبٌ جِدًّا. وَعَلَى الْمَذْهَبِ فَلَوْ بَاعَ النِّصَابَ كُلَّهُ تَعَلَّقَتْ الزَّكَاةُ بِذِمَّتِهِ حِينَئِذٍ بِغَيْرِ خِلاَفٍ كَمَا لَوْ تَلِفَ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ أَدَائِهَا فَطَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: مَا قَالَهُ صَاحِبُ شَرْحِ الْهِدَايَةِ: إنْ قُلْنَا الزَّكَاةُ فِي الذِّمَّةِ ابْتِدَاءً لَمْ يُفْسَخْ الْبَيْعُ كَمَا لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ دَيْنُ الْآدَمِيِّ وَهُوَ مُوسِرٌ فَبَاعَ مَتَاعَهُ ثُمَّ أَعْسَرَ، وَإِنْ قُلْنَا فِي الْعَيْنِ فُسِخَ الْعَقْدُ فِي قَدْرِهَا تَقْدِيمًا لِحَقِّ الْمَسَاكِينِ لِسَبْقِهِ. وَالثَّانِي: مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي إنَّهَا تَتَعَيَّنُ فِي ذِمَّتِهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ بِكُلِّ حَالٍ ثُمَّ ذَكَرَ احْتِمَالاً بِالْفَسْخِ فِي مِقْدَارِ الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ عَلَى مَحَلِّ التَّعَلُّقِ.
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: لَوْ كَانَ النِّصَابُ غَائِبًا عَنْ مَالِكِهِ لاَ يَقْدِرُ عَلَى الإِخْرَاجِ مِنْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْ الأَدَاءِ مِنْهُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا وَصَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ شَرْحِ الْهِدَايَةِ لاِنَّ الزَّكَاةَ مُوَاسَاةٌ فَلاَ يَلْزَمُ أَدَاؤُهَا قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الاِنْتِفَاعِ بِالْمَالِ الْمُوَاسِي مِنْهُ، وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ تَوَّابٍ فِيمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ زَكَاةُ مَالٍ فَأَقْرَضَهُ أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ أَدَاءُ زَكَاتِهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ لاِنَّ عَوْدَهُ مَرْجُوٌّ بِخِلاَفِ التَّالِفِ بَعْدَ الْحَوْلِ وَهَذَا لَعَلَّهُ يَرْجِعُ إلَى أَنَّ أَدَاءَ الزَّكَاةِ يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ. وَقَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ يَلْزَمُهُ أَدَاءُ زَكَاتِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ لاِنَّهُ فِي يَدِهِ حُكْمًا وَلِهَذَا يَتْلَفُ مِنْ ضَمَانِهِ بِخِلاَفِ الدَّيْنِ الَّذِي فِي ذِمَّةِ غَرِيمِهِ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ صَاحِبُ شَرْحِ الْهِدَايَةِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَأَشَارَ فِي مَوْضِعٍ إلَى بِنَاءِ ذَلِكَ عَلَى مَحَلِّ الزَّكَاةِ فَإِنْ قُلْنَا: الذِّمَّةُ، لَزِمَهُ الإِخْرَاجُ عَنْهُ مِنْ غَيْرِهِ؛ لاِنَّ زَكَاتَهُ لاَ تَسْقُطُ بِتَلَفِهِ بِخِلاَفِ الدَّيْنِ، وَإِنْ قُلْنَا: الْعَيْنُ، لَمْ يَلْزَمْهُ الإِخْرَاجُ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْ قَبْضِهِ وَالصَّحِيحُ الأَوَّلُ وَوُجُوبُ الزَّكَاةِ عَنْ الْغَائِبِ إذَا تَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ مُخَالِفٌ لِكَلاَمِ أَحْمَدَ
الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: إذَا أَخْرَجَ رَبُّ الْمَالِ زَكَاةَ حَقِّهِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ مِنْهُ فَهَلْ يُحْسَبُ مَا أَخْرَجَهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَنَصِيبِهِ مِنْ الرِّبْحِ أَمْ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ الرِّبْحِ خَاصَّةً؟ عَلَى وَجْهَيْنِ مَعْرُوفَيْنِ بَنَاهُمَا بَعْضُ الأَصْحَابِ عَلَى الْخِلاَفِ فِي مَحَلِّ التَّعَلُّقِ فَإِنْ قُلْنَا الذِّمَّةُ فَهِيَ مَحْسُوبَةٌ مِنْ الأَصْلِ وَالرِّبْحُ كَقَضَاءِ الدُّيُونِ وَإِنْ قُلْنَا الْعَيْنُ حُسِبَتْ مِنْ الرِّبْحِ كَالْمَئُونَةِ لاِنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا تَجِبُ فِي الْمَالِ النَّامِي فَيُحْتَسَبُ مِنْ نَمَائِهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَنْبَنِيَ عَلَى هَذَا الأَصْلِ أَيْضًا الْوَجْهَانِ فِي جَوَازِ إخْرَاجِ الْمُضَارِبِ زَكَاةَ حِصَّتِهِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَإِنْ قُلْنَا الزَّكَاةُ تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ فَلَهُ الإِخْرَاجُ مِنْهُ وَإِلاَ فَلاَ وَفِي كَلاَمِ بَعْضِهِمْ إيمَاءٌ إلَى ذَلِكَ

وَأَمَّا حَقُّ رَبِّ الْمَالِ فَلَيْسَ لِلْمُضَارِبِ تَزْكِيَتُهُ بِدُونِ إذْنِهِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ اللَّهُمَّ إلاَ أَنْ يَصِيرَ الْمُضَارَبُ شَرِيكًا فَيَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ سَائِرِ الْخُلَطَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

المسألة الثالثة
المسألة الثَّالِثَةُ: الْمُسْتَفَادُ بَعْدَ النِّصَابِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ، هَلْ يُضَمُّ إلَى النِّصَابِ أَوْ يُفْرَدُ عَنْهُ؟ إذَا اسْتَفَادَ مَالاً زَكَوِيًّا مِنْ جِنْسِ النِّصَابِ فِي أَثْنَاءِ حَوْلِهِ فَإِنَّهُ يُفْرَدُ بِحَوْلٍ عِنْدَنَا وَلَكِنْ هَلْ نَضُمُّهُ إلَى النِّصَابِ فِي الْعَدَدِ أوَنَخْلِطُهُ بِهِ وَيُزَكِّيهِ زَكَاة خلِطَة أَوْ يُفْرِدُهُ بِالزَّكَاةِ كَمَا أَفْرَدَهُ بِالْحَوْلِ فِيهِ ثَلاَثَةُ أَوْجُهٍ.
أَحَدُهَا: أَنَّهُ يُفْرِدُهُ بِالزَّكَاةِ كَمَا يُفْرِدُهُ بِالْحَوْلِ وَهَذَا الْوَجْهُ مُخْتَصٌّ بِمَا إذَا كَانَ الْمُسْتَفَادُ نِصَابًا أَوْ دُونَ نِصَابٍ وَلاَ يُعْتَبَرُ فَرْضُ النِّصَابِ أَمَّا إنْ كَانَ دُونَ نِصَابٍ وَتَغَيَّرَ فَرْضُ النِّصَابِ لَمْ يَتَأَتَّ فِيهِ هَذَا الْوَجْهُ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ شَرْحِ الْهِدَايَةِ لاِنَّهُ مَضْمُومٌ إلَى النِّصَابِ فِي الْعَدَدِ فَيَلْزَمُهُ حِينَئِذٍ جَعْلُ مَا لَيْسَ بِوَقْصٍ فِي الْمَالِ وَقْصًا وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، وَيَخْتَصُّ هَذَا الْوَجْهُ أَيْضًا بِالْحَوْلِ الأَوَّلِ دُونَ مَا بَعْدَهُ لاِنَّ مَا بَعْدَ الْحَوْلِ الأَوَّلِ تَجْتَمِعُ مَعَ النِّصَابِ فِي الْحَوْلِ كُلِّهِ بِخِلاَفِ الْحَوْلِ الأَوَّلِ صَرَّحَ بِذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ وَكَلاَمُ بَعْضِهِمْ يُشْعِرُ بِاطِّرَادِهِ فِي كُلِّ الأَحْوَالِ وَصَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ بِحِكَايَةِ ذَلِكَ وَجْهًا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يُزَكَّى زَكَاةَ خُلْطَةٍ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ شَرْحِ الْهِدَايَةِ كَمَا لَوْ اخْتَلَطَ نَفْسَانِ فِي أَثْنَاءِ حَوْلٍ وَقَدْ ثَبَتَ لاِحَدِهِمَا حُكْمُ الاِنْفِرَادِ فِيهِ دُونَ صَاحِبِهِ وَزَعَمَ أَنَّ صَاحِبَ الْمُغْنِي ضَعَّفَهُ فِيهِ وَإِنَّمَا ضَعَّفَ الأَوَّلَ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ يُضَمُّ إلَى النِّصَابِ فَيُزَكَّى زَكَاةَ ضَمٍّ وَعَلَى هَذَا، فَهَلْ الزِّيَادَةُ كَنِصَابٍ مُنْفَرِدٍ أَمْ الِكُلّ نِصَابٍ وَاحِدٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا كَنِصَابٍ مُنْفَرِدٍ وَلَوْلاَ ذَلِكَ لَزَكَّى النِّصَابَ عَقِيبَ تَمَامِ حَوْلِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ فَرْضِ الْمَجْمُوعِ وَلَمْ يُزَكِّ زَكَاةَ انْفِرَادٍ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ وَصَاحِبِ الْمُحَرَّرِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ نِصَابٌ وَاحِدٌ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلاَمِ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ وَصَاحِبِ الْمُغْنِي وَهُوَ الأَظْهَرُ إنَّمَا زَكَاةُ النِّصَابِ زَكَاةُ انْفِرَادٍ لاِنْفِرَادِهِ فِي أَوَّلِ حَوْلِهِ الأَوَّلِ بِخِلاَفِ الْحَوْلِ الثَّانِي وَمَا بَعْدَهُ فَعَلَى هَذَا إذَا تَمَّ حَوْلُ الْمُسْتَفَادِ وَجَبَ إخْرَاجُ بَقِيَّةِ الْمَجْمُوعِ بِكُلِّ حَالٍ لاِنَّهُ بِكَمَالِ حَوْلِهِ يَتِمُّ حَوْلُ الْجَمِيعِ. فَيَجِبُ تَتِمَّةُ زَكَاتِهِ وَلاَ يَكُونُ ذَلِكَ عَنْ الْمُسْتَفَادِ بِخُصُوصِهِ، وَعَلَى الأَوَّلِ إذَا تَمَّ حَوْلُ الْمُسْتَفَادِ وَجَبَ فِيهِ مَا بَقِيَ مِنْ فَرْضِ الْجَمِيعِ بَعْدَ إسْقَاطِ مَا أَخْرَجَ عَنْ الأَوَّلِ مِنْهُ إلاَ أَنْ يَزِيدَ بَقِيَّةُ الْفَرْضِ عَلَى فَرْضِ الْمُسْتَفَادِ بِانْفِرَادِهِ أَوْ نَقَصَ عَنْهُ أَوْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ فَرْضِ الأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَتَعَذَّرُ هَاهُنَا وَجْهُ الضَّمِّ وَيَتَعَيَّنُ وَجْهُ الْخُلْطَةِ وَيَلْغُو وَجْهُ الاِنْفِرَادِ أَيْضًا عَلَى مَا سَبَقَ وَبِهَذَا كُلِّهِ صَرَّحَ صَاحِبُ شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَبَنَاهُ عَلَى أَنَّ الْمُخْرَجَ عَنْ الْمُسْتَفَادِ بِخُصُوصِيَّتِهِ. وَيَظْهَرُ فَائِدَةُ اخْتِلاَفِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فِي أَنْوَاعٍ ثَلاَثَةٍ.

النَّوْعُ الأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ تَتِمَّةُ فَرْضِ زَكَاةِ الْجَمِيعِ أَكْثَرَ مِنْ فَرْضِ الْمُسْتَفَادِ لِخُصُوصِيَّةٍ مِثْلَ أَنْ يَمْلِكَ خَمْسِينَ مِنْ الْبَقَرِ ثُمَّ ثَلاَثِينَ بَعْدَهَا فَإِذَا تَمَّ حَوْلُ الْأُولَى فَعَلَيْهِ مُسِنَّةٌ فَإِذَا تَمَّ حَوْلُ الثَّانِيَةِ فَعَلَيْهِ مُسِنَّةٌ أُخْرَى عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ الأَظْهَرُ وَعَلَى الأَوَّلِ يَمْتَنِعُ الضَّمُّ هُنَا لِئَلاَ يَئُولَ إلَى إيجَابِ مُسِنَّةٍ عَنْ ثَلاَثِينَ وَيَجِبُ إمَّا تَبِيعٌ عَلَى وَجْهِ الاِنْفِرَادِ أَوْ ثَلاَثَةُ أَرْبَاعٍ مُسِنَّةٍ عَلَى وَجْهِ الْخُلْطَةِ.
النَّوْعُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ تَتِمَّةُ الْوَاجِبِ دُونَ فَرْضِ الْمُسْتَفَادِ بِانْفِرَادِهِ مِثْلَ أَنْ يَمْلِكَ سِتًّا وَسَبْعِينَ مِنْ الإِبِلِ ثُمَّ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ بَعْدَهَا فَإِذَا تَمَّ حَوْلُ الْأُولَى فَعَلَيْهِ ابْنَتَا لَبُونٍ فَإِذَا تَمَّ حَوْلُ الثَّانِيَةِ فَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي يَلْزَمُ تَمَامُ فَرْضِ الْمَجْمُوعِ وَهُوَ بِنْتُ لَبُونٍ وَعَلَى الأَوَّلِ يُمْنَعُ ذَلِكَ لاِنَّ فَرْضَهُ عَلَى الاِنْفِرَادِ حِقَّةٌ فَيُزَكِّي مَا عَلَى الْخُلْطَةِ أَوْ الاِنْفِرَادِ. وَهَذَا بَعِيدٌ فَإِنَّ وَجْهَ الضَّمِّ إذَا اُعْتُبِرَ مَعَ كَوْنِ الْمُسْتَفَادِ يَصِيرُ وَقْصًا مَحْضًا يَضُمُّهُ إلَى النِّصَابِ إنْ كَانَ فِيهِ زَكَاةٌ بِانْفِرَادِهِ فَكَيْفَ لاَ يُعْتَبَرُ إذَا كَانَ فَرْضُهُ دُونَ فَرْضِهِ بِانْفِرَادِهِ؟!.
النَّوْعُ الثَّالِث: أَنْ يَكُونَ فَرْضُ النِّصَابِ الأَوَّلِ الْمُخْرَجِ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ فَرْضِ الْمَجْمُوعِ أَوْ نَوْعِهِ مِثْلَ أَنْ يَمْلِكَ عِشْرِينَ مِنْ الإِبِلِ ثُمَّ خَمْسًا بَعْدَهَا فَعَلَى الْوَجْهِ الأَوَّلِ يَمْتَنِعُ الضَّمُّ هَاهُنَا لِتَعَذُّرِ طَرْحِ الْمُخْرَجِ عَنْ وَاجِبِ الْكُلِّ وَعَلَى الثَّانِي: وَهُوَ الأَظْهَرُ: يَجِبُ إخْرَاجُ تَتِمَّةِ الزَّكَاةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ لِضَرُورَةِ اخْتِلاَفِ الْحَوْلَيْنِ لاَ سِيَّمَا وَنَحْنُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ نُجْبَرُ بِتَشْقِيصِ الْفَرْضِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ كَإِخْرَاجِ نِصْفَيْ شَاةٍ عَنْ أَرْبَعِينَ أَوْ حِقَّتَيْنِ وَبِنْتِي لَبُونٍ وَنِصْفًا عَنْ مِائَتَيْنِ مِنْ الإِبِلِ فَهَاهُنَا أَوْلَى. وَعَلَى هَذَا فَقَدْ يَتَّفِقُ وَجْهُ الْخُلْطَةِ وَوَجْهُ الضَّمِّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ زَكَاةُ الْخُلْطَةِ مُفْضِيَةً إلَى زِيَادَةِ الْفَرْضِ أَوْ نَقْصِهِ، وَقَدْ يَخْتَلِفَانِ حَيْثُ أَدَّى الاِتِّفَاقُ إلَى أَحَدِ الأَمْرَيْنِ وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا النَّوْعَ عَلَى ضَرْبَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ لاَ يَكُونَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا -أَعْنِي النِّصَابَ، وَالْمُسْتَفَادُ-وَقْصٌ وَلاَ حَدَثَ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا وَقْصٌ فَيُزَكَّى كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ فَرْضَيْ الْجَمِيعِ فَيُخْرِجَ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِ الْمُسْتَفَادِ حِصَّتَهُ مِنْهُ وَيَتَّفِقُ منها وَجْهُ الضَّمِّ وَالْخُلْطَةِ فَيُوجِبَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُسْتَفَادُ خَمْسًا مِنْ الإِبِلِ بَعْدَ عِشْرِينَ خُمُسَ بِنْتِ مَخَاضٍ وَهُوَ مُقَارِبٌ لِشَاةٍ فَإِنَّ الشَّارِعَ أَوْجَبَ أَرْبَعَ شِيَاهٍ فِي عِشْرِينَ وَبِنْتَ مَخَاضٍ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَتَكُونُ مُقَدَّرَةً فِي خَمْسِ فَاسْتَقَامَ وَكَذَا لَوْ اسْتَفَادَ عَشْرَةً مِنْ الْبَقَرِ بَعْدَ ثَلاَثِينَ فَإِنَّهُ يَجِبُ لِلزِّيَادَةِ رُبْعُ مُسِنَّةٍ لاِنَّ التَّبِيعَ مُقَابِلٌ لِثَلاَثَةِ أَرْبَاعِ مُسِنَّةٍ. وَالْمُسِنَّةُ تَعْدِلُ تَبِيعًا وَثُلُثًا أَبَدًا.
الضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ فِي الْمَالِ وَقْصٌ إمَّا حَالَةَ اجْتِمَاعِهِ أَوْ حَالَةَ انْفِرَادِهِ فَقَطْ فَيَخْتَلِفُ هَا هُنَا وَجْهُ الضَّمّ وَالْخُلْطَةِ فَإِنَّا عَلَى وَجْهِ الضَّمِّ نَجْمَعُ مِنْ النِّصَابِ الأَوَّلِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ الْفَرْضُ مِنْهُ وَيُضَمُّ إلَيْهِ تَتِمَّةُ نِصَابِ الْمَجْمُوعِ مِنْ الْبَاقِي ثُمَّ يَأْخُذُ مِنْ فَرْضِ الْمَجْمُوعِ حِصَّةَ هَذِهِ التَّتِمَّةِ وَهِيَ بَقِيَّةُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْفَرْضُ مِنْ مَجْمُوعِ الْمَالِ وَيُجْعَلُ الْبَاقِي مِنْ الْمَالِ إنْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ كَالْمَعْدُومِ، فَمِثَالُ ذَلِكَ وَالْوَقْصُ مَوْجُودٌ:

حَالَةَ الاِجْتِمَاعِ لَوْ مَلَكَ عِشْرِينَ مِنْ الإِبِلِ ثُمَّ تِسْعًا منها فَإِذَا تَمَّ حَوْلُ الثَّانِيَةِ ضَمَمْتَ إلَى الْعِشْرِينَ الْأُولَى خَمْسًا تَكُنْ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ فَرْضُهَا بِنْتُ مَخَاضٍ وَقَدْ أَخْرَجْنَا عَنْ الْعِشْرِينَ أَرْبَعَ شِيَاهٍ فَيُخْرَجُ عَنْ الْبَاقِي خُمُسُ بِنْتِ مَخَاضٍ، وَعَلَى وَجْهِ الْخُلْطَةِ يُخْرِجُ عَنْهَا تِسْعَةَ أَجْزَاءٍ مِنْ أَصْلِ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ بِنْتِ مَخَاضٍ. وَمِثَالُ الْوَقْصِ مَوْجُودًا حَالَةَ الاِنْفِرَادِ فَقَطْ لَوْ مَلَكَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنْ الإِبِلِ ثُمَّ أَحَدَ عَشَرَ بَعْدَهَا فَإِذَا تَمَّ حَوْلُ الْأُولَى فَعَلَيْهِ شَاتَانِ فَإِذَا تَمَّ حَوْلُ الثَّانِيَةِ ضَمَّهَا إلَى عَشَرَةٍ مِنْ الإِبِلِ تَتِمَّةَ النِّصَابِ وَهِيَ عَشَرَةٌ فَأَوْجَبْنَا فِيهَا ثَلاَثَةَ أَخْمَاسِ بِنْتِ مَخَاضٍ لاِنَّ فِيهِمَا جَمِيعًا وَقْصًا لَمْ يُؤَدَّ عَنْهُ، وَالْمَالُ عِنْدَ الاِجْتِمَاعِ لاَ وَقْصَ فِيهِ فَيَجِبُ تَأْدِيَةُ زَكَاتِهِ كُلِّهِ فَإِذَا كَانَ قَدْ أَخْرَجَ عَنْ بَعْضِهِ وَجَبَ الإِخْرَاجُ عَنْ جَمِيعِ مَا لَمْ يُخْرِجْ عَنْهُ مِنْهُ. وَعَلَى وَجْهِ الْخُلْطَةِ يَجِبُ فِي الزِّيَادَةِ وَحْدَهَا خُمُسَانِ مِنْ بِنْتِ مَخَاضِ وَخُمُسُ خُمُسِ بِنْتِ مَخَاضٍ فَإِذَا تَعَذَّرَ هَذَا فَالْمُسْتَفَاد لاَ يَخْلُو مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ.
القسم الأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ نِصَابًا مُعْتَبَرًا لِلْفَرْضِ مِثْلُ أَنْ يَمْلِكَ أَرْبَعِينَ شَاةٍ ثُمَّ إحْدَى وَثَمَانِينَ بَعْدَهَا فَفِي الأَرْبَعِينَ شَاةٍ عِنْدَ حَوْلِهَا، فَإِذَا تَمَّ حَوْلُ الثَّانِيَةِ فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: فِيهَا شَاةٌ أَيْضًا وَهُوَ مُتَخَرَّجٌ عَلَى وَجْهَيْ الضَّمِّ وَالاِنْفِرَادِ. وَالثَّانِي: فِيهَا شَاةٌ وَأَحَدٌ وَأَرْبَعُونَ جُزْءًا مِنْ أَصْلِ مِائَةٍ وَأَحَدَ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ شَاةٍ وَهُوَ وَجْهُ الْخُلْطَةِ لاِنَّ ذَلِكَ حِصَّةُ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الشَّاتَيْنِ الْوَاجِبَتَيْنِ فِي الْجَمِيعِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَجَمَاعَةٌ أَنَّ وَجْهَ الْخُلْطَةِ هُنَا كَوَجْهِ الاِنْفِرَادِ يَجِبُ فِيهِ شَاةٌ أَيْضًا لِئَلاَ يُفْضِيَ إلَى إيجَابِ زِيَادَةٍ عَلَى فَرْضِ الْجَمِيعِ، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِأَنَّهُمْ أَوْجَبُوا بِالْخُلْطَةِ زِيَادَةً عَلَى فَرْضِ الْجَمِيعِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
الْقِسْمُ الثَّانِيأَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ نِصَابًا لاَ يُغَيِّرُ الْفَرْضَ كَمَنْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةٍ ثُمَّ أَرْبَعِينَ بَعْدَهَا فَفِي الأَوَّلِ إذَا تَمَّ حَوْلُهَا شَاةٌ فَإِذَا تَمَّ حَوْلُ الثَّانِيَةِ فَثَلاَثَةُ أَوْجُهٍ. أَحَدُهَا: لاَ شَيْء فِيهَا وَهُوَ وَجْهُ الضَّمِّ لاِنَّ الزِّيَادَةَ بِالضَّمِّ تَصِيرُ وَقْصًا. وَالثَّانِي: فِيهَا شَاةٌ وَهُوَ وَجْهُ الاِنْفِرَادِ. وَالثَّالِثُ: فِيهَا نِصْفُ شَاةٍ وَهُوَ وَجْهُ الْخُلْطَةِ.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ لاَ تَبْلُغُ نِصَابًا وَلاَ تُغَيِّرُ الْفَرْضَ كَمَنْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ ثُمَّ مَلَكَ بَعْدَهَا عِشْرِينَ فَفِي الأَوَّلِ إذَا تَمَّ حَوْلُهَا شَاة. فَإِذَا تَمَّ حَوْلُ الثَّانِيَةِ فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لاَ شَيْء فِيهَا وَهُوَ مُتَوَجَّهٌ عَلَى وَجْهَيْ الضَّمِّ وَالاِنْفِرَادِ. وَالثَّانِي: فِيهَا ثُلُثُ الشَّاةِ وَهُوَ وَجْهُ الْخُلْطَةِ.
الْقِسْمُ الرَّابِعُ: أَنْ لاَ تَبْلُغَ الزِّيَادَةُ نِصَابًا. وَتُغَيِّرُ الْفَرْضَ كَمَنْ مَلَكَ ثَلاَثِينَ مِنْ الْبَقَرِ ثُمَّ عَشْرًا بَعْدَهَا فَإِذَا تَمَّ حَوْلُ الْأُولَى فَفِيهَا تَبِيعٌ فَإِذَا تَمَّ حَوْلُ الزِّيَادَةِ فَقَالَ الأَصْحَابُ يَجِبُ فِيهَا رُبْعُ مُسِنَّةٍ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهَا خِلاَفًا، وَمِنْهُمْ مَنْ صَرَّحَ بِنَفْيِ الْخِلاَفِ كَصَاحِبِ الْمُحَرَّرِ وَعُلِّلَ بِأَنَّ وَجْهَ الاِنْفِرَادِ مُتَعَذَّرٌ لِمَا سَبَقَ وَكَذَا وَجْهُ الضم وَتَوَى لاِنَّهُ يُفْضِي عَلَى أَصْلِهِ إلَى اسْتِثْنَاءِ شَيْء وَطَرْحِهِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ وَهُوَ طَرْحُ التَّبِيعِ مِنْ الْمُسِنَّةِ وَهُوَ مُتَعَذَّرٌ فَتَعَيَّنَ وَجْهُ الْخُلْطَةِ. وَأَمَّا صَاحِبُ الْكَافِي فَظَاهِرُ كَلاَمِهِ أَنَّ هَذَا مُتَمَشٍّ عَلَى وَجْهِ

الضَّمِّ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ الَّذِي تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْكُلَّ نِصَابٌ وَاحِدٌ، وَفَرْضُهُ مُسِنَّةٌ وَقَدْ أَخْرَجَ تَبِيعًا وَهُوَ يَعْدِلُ ثَلاَثَةَ أَرْبَاعِ مُسِنَّةٍ فَيَجِبُ إخْرَاجُ بَقِيَّةِ فَرْضِ الْمَالِ وَهُوَ هُنَا رُبْعُ مُسِنَّةٍ لاِنَّ التَّبِيعَ يَعْدِلُ ثَلاَثَةَ أَرْبَاعِ الْمُسِنَّةِ كَمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ فَتَبِيعٌ وَرُبْعُ مُسِنَّةٍ يَعْدِلُ الْمُسِنَّةَ كَامِلَةً.

المسألة الرابعة
المسألة الرَّابِعَةُ: الْمِلْكُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ هَلْ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُشْتَرِي أَمْ لاَ؟ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ عَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ أَشْهَرُهُمَا انْتِقَالُ الْمِلْكِ إلَى الْمُشْتَرِي بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَهِيَ الْمَذْهَبُ الَّذِي عَلَيْهِ الأَصْحَابُ. وَالثَّانِيَةُ: لاَ يَنْتَقِلُ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْخِيَارُ فَعَلَى هَذَه يَكُونُ الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ وَمِنْ الأَصْحَابِ مَنْ حَكَى أَنَّ الْمِلْكَ يَخْرُجُ عَنْ الْبَائِعِ وَلاَ يَدْخُلُ إلَى الْمُشْتَرِي وَهُوَ ضَعِيفٌ.
وَلِلرِّوَايَتَيْنِ فَوَائِدُ عَدِيدَةٌ.
منها: وُجُوبُ الزَّكَاةِ فَإِذَا بَاعَ نِصَابًا مِنْ الْمَاشِيَةِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ حَوْلاً فَزَكَاتُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي عَلَى الْمَذْهَبِ سَوَاءٌ فَسَخَ الْعَقْدَ أَوْ أَمْضَى، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: الزَّكَاةُ عَلَى الْبَائِعِ إذَا قِيلَ الْمِلْكُ بَاقٍ لَهُ.
وَمنها: لَوْ بَاعَهُ عَبْدًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَأَهَّلَ هِلاَلُ الْفِطْرِ وَهُوَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَالْفِطْرَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي عَلَى الْمَذْهَبِ وَعَلَى الْبَائِعِ عَلَى الثَّانِيَةِ.
وَمنها: لَوْ كَسَبَ الْمَبِيعُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ كَسْبًا أَوْ نَمَا نَمَاءً مُنْفَصِلاً فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي فَسَخَ الْعَقْدَ أَوْ أَمْضَى وَعَلَى الثَّانِيَة هُوَ لِلْبَائِعٍ.
وَمنها: مَئُونَةُ الْحَيَوَانِ وَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَى بِشَرْطِ الْخِيَارِ يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي عَلَى الْمَذْهَبِ وَعَلَى الْبَائِعِ عَلَى الثَّانِيَةِ
وَمنها: إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمَا فَهُوَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْمَذْهَبِ وَعَلَى الثَّانِيَةِ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ.
وَمنها: لَوْ تَعَيَّبَ الْمَبِيعُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ لاَ يُرَدُّ بِذَلِكَ إلاَ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَضْمُونٍ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لاِنْتِفَاءِ الْقَبْضِ وَعَلَى الثَّانِيَةِ لَهُ الرَّدُّ بِكُلِّ حَالٍ
وَمنها: تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، فَلاَ يَجُوزُ إلاَ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ تَجْرِبَتُهُ إلاَ أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لَهُ وَحْدَهُ كَذَا ذَكَرَ الأَصْحَابُ وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحَدٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ لَهُ التَّصَرُّفَ فِيهِ بِالاِسْتِقْلاَلِ. وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَطْءِ الأَمَةِ الْمُشْتَرَاةِ بِشَرْطٍ مِنْ وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ ذَلِكَ فَرْجٌ فَيُحْتَاطُ لَهُ. وَالثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ وَهَذَا خِيَارٌ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ تَصَرُّفِهِ بِمَا لاَ يَمْنَعُ الْبَائِعَ مِنْ الرُّجُوعِ كَالاِسْتِخْدَامِ وَالإِجَارَةِ، وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ إخْرَاجِهِ مِنْ مِلْكِهِ أَوْ تَعْرِيضِهِ لِلْخُرُوجِ بِالرَّهْنِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ وَنَحْوهَا

هَذَا كُلُّهُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: يَجُوزُ التَّصَرُّفُ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ لاِنَّهُ مَالِكٌ وَيَمْلِكُ الْفَسْخَ فَإِنَّ الْخِيَارَ وَقَعَ لِغَرَضِ الْفَسْخِ دُونَ الإِمْضَاءِ فَأَمَّا حُكْمُ نُفُوذِ التَّصَرُّفِ وَعَدَمِهِ فَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لاَ يَنْفُذُ بِحَالٍ إلاَ بِالْعِتْقِ وَنَقَلَ مُهَنَّا وَغَيْرُهُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْخِيَارِ هَذَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا فَإِنْ كَانَ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ فَكَذَلِكَ فِي تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي الرِّوَايَتَينِ. وَحَكَى ابْنُ أَبِي مُوسَى رِوَايَةً أُخْرَى: أَنَّهُ إنْ أَجَازَهُ الْبَائِعُ صَحَّ وَالثَّمَنُ لَهُ وَإِنْ رَدَّهُ بَطَلَ الْبَيْعُ وَعَلَى الْمُشْتَرِي اسْتِرْدَادُهُ. فَإِنْ تَعَذَّرَ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَإِنْ سُرِقَ أَوْ هَلَكَ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي. فَحَمَلَ السَّامِرِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَى الْمُشْتَرِي، وَآخِرُهَا يُبْطِلُ ذَلِكَ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا رِوَايَةُ بُطْلاَنِ التَّصَرُّفِ مِنْ أَصْلِهَا لَكِنَّهَا مُفَرَّعَةٌ أَنَّ الْفَسْخَ بِالْخِيَارِ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ فَيَتَبَيَّنُ بِهِ أَنَّ الْمِلْكَ كَانَ لِلْبَائِعِ وَعَلَى أَنَّ تَصَرُّفَ الْفُضُولِيِّ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ، وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ صَحَّ تَصَرُّفُهُ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمَا لاِنْقِطَاعِ حَقِّ الْبَائِعِ هَا هُنَا وَظَهَرَ كَلاَمُ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ أَنَّهُ لاَ يَنْفُذُ حَتَّى يَتَقَدَّمَهُ إمْضَاءُ الْعَقْدِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلاَمِ ابْنِ أَبِي مُوسَى أَيْضًا لِقُصُورِ الْمِلْكِ فَلَوْ تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي مَعَ الْبَائِعِ وَالْخِيَارُ لَهُمَا صَحَّ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ. وَفِي الْمُجَرَّدِ لِلْقَاضِي احْتِمَالاَنِ هَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ انْتِقَالُ الْمِلْكِ إلَى الْمُشْتَرِي، فَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا وَلِلْبَائِعِ وَحْدَهُ صَحَّ تَصَرُّفُ الْبَائِعِ مُطْلَقًا لاِنَّ الْمِلْكَ لَهُ وَهُوَ بِتَصَرُّفِهِ مُخْتَارٌ لِلْفَسْخِ بِخِلاَفِ تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يَخْتَارُ بِهِ الإِمْضَاءَ، وَحَقُّ الْفَسْخِ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ.
وَمنها: الْوَطْءُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَإِنْ وَطِئَ الْمُشْتَرِي فَلاَ شَيْء عَلَيْهِ لاِنَّ الْمِلْكَ لَهُ وَإِنْ وَطِئَ الْبَائِعُ فَإِنْ كَانَ جَاهِلاً بِالتَّحْرِيمِ فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا فَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَالأَكْثَرِينَ؛ لاِنَّهُ وَطْءٌ لَمْ يُصَادِفْ مِلْكًا وَلاَ شُبْهَةَ مِلْكٍ وَهُوَ مُحَرَّمٌ بِالإِجْمَاعِ فَوَجَبَ بِهِ الْحَدُّ كَوَطْءِ الْمُرْتَهِنِ، وَمِنْ الأَصْحَابِ مَنْ قَيَّدَ ذَلِكَ بِأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْمِلْكَ لاَ يَنْفَسِخُ بِوَطْئِهِ أَمَّا إنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ بِوَطْئِهِ فَلاَ حَدَّ لاِنَّ تَمَامَ الْوَطْءِ وَقَعَ فِي مِلْكٍ فَتَمَكَّنَتْ الشُّبْهَةُ فِيهِ. وَمِنْ الأَصْحَابِ مَنْ حَكَى رِوَايَةً ثَانِيَةً بِعَدَمِ الْحَدِّ مُطْلَقًا وَمَالَ إلَى ذَلِكَ ابْنُ عَقِيلٍ وَصَاحِبَا الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ لِوُقُوعِ الاِخْتِلاَفِ فِي حُصُولِ الْمِلْكِ لَهُ وَفِي انْفِسَاخِ الْعَقْدِ بِوَطْئِهِ بَلْ وَبِمُقَدَّمَاتِ وَطْئِهِ فَيَكُونُ الْوَطْءُ حِينَئِذٍ فِي مِلْكٍ تَامٍّ، وَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فَلاَ حَدَّ عَلَى الْبَائِعِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي الْخِلاَفُ
وَمنها: تَرَتُّبُ مُوجِبَاتِ الْمِلْكِ مِنْ الاِنْعِتَاقِ بِالرَّحِمِ أَوْ بِالتَّعَلُّقِ وَانْفِسَاخِ النِّكَاحِ وَنَحْوِهَا فَتَثْبُتُ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ عَقِيبَ الْعَقْدِ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لاَ يَثْبُتُ إلاَ بَعْدَ انْقِضَائِهِ.
وَلَوْ حَلَفَ لاَ يَبِيعُ فَبَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ خَرَجَ عَلَى الْخِلاَفِ أَيْضًا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَنْكَرَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ ذَلِكَ وَقَالَ بِحِنْثِهِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. فَأَمَّا الأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ فَلاَ يَثْبُتُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ أَكْثَر الأَصْحَابِ

وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ فَمِنْ الأَصْحَابِ مَنْ عَلَّلَ بِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَسْتَقِرَّ بَعْدُ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَلَّلَ بِأَنَّ الأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ يُسْقِطُ حَقَّ الْبَائِعِ مِنْ الْخِيَارِ فَلِذَلِكَ لَمْ تَجُزْ الْمُطَالَبَةُ بِهَا فِي مُدَّتِهِ وَهُوَ تَعْلِيلُ الْقَاضِي فِي خِلاَفِهِ فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ لَثَبَتَتْ الشُّفْعَةُ وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ احْتِمَالاً بِثُبُوتِ الشُّفْعَةِ مُطْلَقًا إذَا قُلْنَا بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَى الْمُشْتَرِي.
وَمنها: إذَا بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ شِقْصًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَبَاعَ الشَّفِيعُ حِصَّتَهُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَسْتَحِقُّ الْمُشْتَرِي الأَوَّلُ انْتِزَاعَ شِقْصِ الشَّفِيعِ مِنْ يَدِ مُشْتَرِيهِ لاِنَّهُ شَرِيكُ الشَّفِيعِ حَالَةَ بَيْعِهِ وَعَلَى الثَّانِيَةِ يَسْتَحِقُّ الْبَائِعُ الأَوَّلُ لاِنَّ الْمِلْكَ بَاقٍ لَهُ.
وَمنها: لَوْ بَاعَ الْمُلْتَقِطُ اللُّقَطَةَ بَعْدَ الْحَوْلِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثُمَّ جَاءَ رَبُّهَا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَإِنْ قُلْنَا لَمْ يَنْتَقِلْ الْمِلْكُ فَالرَّدُّ وَاجِبٌ وَإِنْ قُلْنَا بِانْتِقَالِهِ فَوَجْهَانِ. الْمَجْزُومُ بِهِ فِي الْكَافِي الْوُجُوبُ.
وَمنها: لَوْ بَاعَ مُحِلٌّ صَيْدًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثُمَّ أَحْرَمَ فِي مُدَّتِهِ فَإِنْ قُلْنَا انْتَقَلَ الْمِلْكُ عَنْهُ فَلَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ لاِنَّهُ ابْتِدَاءُ مِلْكٍ عَلَى الصَّيْدِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ وَإِنْ قُلْنَا لَمْ يَنْتَقِلْ الْمِلْكُ عَنْهُ فَلَهُ ذَلِكَ ثُمَّ إنْ كَانَ فِي مُدَّةِ الْمُشَاهَدَةِ أَرْسَلَهُ وَإِلاَ فَلاَ.
وَمنها: لَوْ بَاعَتْ الزَّوْجَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ الصَّدَاقَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ فَإِنْ قُلْنَا الْمِلْكُ انْتَقَلَ عَنْهَا فَفِي لُزُومِ اسْتِرْدَادِهَا وَجْهَانِ وَإِنْ قُلْنَا لَمْ يَزُلْ فِيهَا اسْتَرَدَّهُ وَجْهًا وَاحِدًا.
وَمنها: لَوْ بَاعَ أَمَةً بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثُمَّ فُسِخَ الْبَيْعُ وَجَبَ عَلَى الْبَائِعِ الاِسْتِبْرَاءُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ لاَ يَلْزَمُهُ لِبَقَاءِ الْمِلْكِ.
وَمنها: لَوْ اشْتَرَى أَمَةً بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَاسْتَبْرَأَهَا فِي مُدَّتِهِ فَإِنْ قُلْنَا الْمِلْكُ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَيْهِ لَمْ يَكْفِهِ ذَلِكَ الاِسْتِبْرَاءُ وَإِنْ قُلْنَا بِانْتِقَالِهِ فَفِي الْهِدَايَةِ وَالْمُغْنِي يَكْفِي وَفِي التَّرْغِيبِ وَالْمُحَرَّرِ وَجْهَانِ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ.

المسألة الخامسة
المسألة الْخَامِسَةُ: الإِقَالَةُ هَلْ هِيَ فَسْخٌ أَوْ بَيْعٌ؟ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ اخْتَارَ الْخِرَقِيِّ وَالْقَاضِي وَالأَكْثَرُونَ أَنَّهَا فَسْخٌ وَحَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَفِي التَّنْبِيهِ لاِبِي بَكْرٍ التَّصْرِيحُ بِاخْتِيَارِهِ أَنَّهَا بَيْعٌ.
وَلِهَذَا الْخِلاَفِ فَوَائِدُ عَدِيدَةٌ.
الفائدة الْأُولَى: إذَا تَقَايَلاَ قَبْلَ الْقَبْضِ فِيمَا لاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ فَيَجُوزُ عَلَى قَوْلِنَا: هِيَ فَسْخٌ، وَلاَ يَجُوزُ عَلَى الثَّانِيَةِ إلاَ عَلَى رِوَايَةٍ حَكَاهَا الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ فِي الإِجَارَاتِ أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ مِنْ بَائِعِهِ خَاصَّةً قَبْلَ الْقَبْضِ.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: هَلْ يَجُوزُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ بِغَيْرِ كَيْلٍ وَوَزْنٍ إنْ قُلْنَا هِيَ فَسْخٌ جَازَتْ كَذَلِكَ، وَإِنْ قُلْنَا هِيَ بَيْعٌ فَلاَ، هَذِهِ طَرِيقَةُ أَبِي بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ وَالْقَاضِي وَالأَكْثَرِينَ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ لاَ بُدَّ فِيهَا مِنْ كَيْلٍ ثَانٍ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا أَنَّ الْفَسْخَ فِي النِّكَاحِ يَقُومُ مَقَامَ الطَّلاَقِ فِي إيجَابِ الْعِدَّةِ.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: إذَا تَقَايَلاَ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثَّمَنِ أَوْ نَقْصٍ مِنْهُ أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِ الثَّمَنِ فَإِنْ قُلْنَا هِيَ فَسْخٌ، لَمْ يَصِحَّ؛ لاِنَّ الْفَسْخَ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ فَتَبَيَّنَ إذَن أَنَّ الْعِوَضَيْنِ عَلَى وَجْهِهِمَا كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ قُلْنَا هِيَ بَيْعٌ فَوَجْهَانِ، حَكَاهُمَا أَبُو الْخَطَّابِ وَمَنْ بَعْدَهُ. أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ كَسَائِرِ الْبُيُوعِ. وَالثَّانِي: لاَ يَصِحُّ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْقَاضِي فِي خِلاَفِهِ، وَصَحَّحَهُ السَّامِرِيُّ لاِنَّ مُقْتَضَى الإِقَالَةِ رَدُّ الأَمْرِ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَرُجُوعُ كُلِّ وَاحِدٍ إلَى مَالِهِ فَلَمْ يَجُزْ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ كَانَتْ بَيْعًا فَبَيْعُ التَّوْلِيَةِ وَهَذَا ظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَحْمَدَ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى سِلْعَةً فَنَدِمَ فَقَالَ: أَقِلْنِي وَلَكَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ أَحْمَدُ أَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ تَرْجِعُ إلَيْهِ سِلْعَتُهُ وَمَعَهَا فَضْلٌ إلاَ أَنْ يَكُونَ تَسَعَّرَتْ السُّوقُ أَوْ تَارِكًا الْبَيْعَ فَبَاعَهُ بَيْعًا مُسْتَأْنَفًا فَلاَ بَأْسَ بِهِ، وَلَكِنْ إنْ جَاءَ إلَى نَفْسِ الْبَيْعِ فَقَالَ أَقِلْنِي فِيهَا وَلَكَ كَذَا وَكَذَا، فَهَذَا مَكْرُوهٌ فَقَدْ كَرِهَ الإِقَالَةَ فِي الْبَيْعِ الأَوَّلِ بِزِيَادَةٍ بِكُلِّ حَالٍه وَلَمْ يُجَوِّزْ الزِّيَادَةَ إلاَ إذَا أَقَرَّ الْبَائِعُ بِحَالِهِ وَتَبَايَعَاهُ بَيْعًا مُسْتَأْنَفًا. إذَا تَسَعَّرَتْ السُّوقُ جَازَتْ الإِقَالَةُ بِنَقْصٍ فِي مُقَابَلَةِ نَقْصِ السِّعْرِ، وَكَذَا لَوْ تَغَيَّرَتْ صِفَةُ السِّلْعَةِ، وَأَوْلَى.
وَنَصَّ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ الْقَاسِمِ وَسِنْدِيٌّ وَحَنْبَلٍ عَلَى الْكَرَاهَةِ بِكُلِّ حَالٍ نَقْدًا كَانَ الْبَيْعُ أَوْ نَسِيئَةً بَعْدَ نَقْدِ الثَّمَنِ أَوْ قَبْلَهُ مُعَلَّلاً كَشُبْهَةِ مَسَائِلِ الْعِينَةِ لاِنَّهُ تَرْجِعُ السِّلْعَةُ إلَى صَاحِبِهَا وَيَبْقَى لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَضْلُ دِرْهَمٍ وَلَكِنَّ مَحْذُورَ الرِّبَا هُنَا بَعِيدٌ جِدًّا لاِنَّهُ لاَ يَقْصِدُ أَحَدٌ أَنْ يَدْفَعَ عَشَرَةً ثُمَّ يَأْخُذ نَقْدًا خَمْسَةً مَثَلاً لاَ سِيَّمَا وَالدَّافِعُ هُنَا هُوَ الطَّالِبُ لِذَلِكَ، الرَّاغِبُ. وَنُقِلَ عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ. قَالَ: فِي رِوَايَةِ الأَثْرَمِ: وَسَأَلَهُ عَنْ بَيْعِ الْعُرْبُونِ فَذَكَرَ لَهُ حَدِيثَ عُمَرَ فَقِيلَ لَهُ تَذْهَبُ إلَيْهِ قَالَ أَيْ شَيْء أَقُولُ وَهَذَا عَنْ عُمَرَ ثُمَّ قَالَ: أَلَيْسَ كَانَ ابْنُ سِيرِينَ لاَ يَرَى بَأْسًا أَنْ يَرُدَّ السِّلْعَةَ إلَى صَاحِبِهَا إلاَ إذَا كَرِهَا وَمَعَهَا. شَيْء. ثُمَّ قَالَ: هَذَا مِثْلُهُ فَقَدْ جَعَلَ بَيْعَ الْعُرْبُونِ مِنْ جِنْسِ الإِقَالَةِ بِرِبْحٍ وَهُوَ يَرَى جَوَازَ بَيْعِ الْعُرْبُونِ وَهَذَا الْخِلاَفُ هُنَا شَبِيهٌ بِالْخِلاَفِ فِي جَوَازِ الْخُلْعِ بِزِيَادَةٍ عَلَى الْمَهْرِ، فَأَمَّا الْبَيْعُ الْمُبْتَدَأُ فَيَجُوزُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ مَنْصُورٍ وَكَذَلِكَ نَقَلَهُ عَنْهُ حَرْبٌ فِيمَنْ بَاعَ ثَوْبًا بِعِشْرِينَ وَقَبَضَهَا ثُمَّ احْتَاجَ إلَيْهِ فَاشْتَرَاهُ باثنين وَعِشْرِينَ نَقْدًا. قَالَ: لاَ بَأْسَ بِهِ وَلاَ يَجُوزُ نَسِيئَةً وَلَمْ يَرَ بَأْسَا أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ نَقْدًا وَنَسِيئَةً وَنَقَلَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد فِيمَنْ بَاعَ ثَوْبًا بِنَقْدٍ ثُمَّ احْتَاجَ إلَيْهِ يَشْتَرِيهِ بِنَسِيئَةٍ. قَالَ: إذَا لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ الْحِيلَةَ كَأَنَّهُ لَمْ يَرَ بِهِ بَأْسَا. وَصَرَّحَ أَبُو الْخَطَّابِ وَطَائِفَةٌ مِنْ الأَصْحَابِ بِأَنَّ كُلَّ بَيْعٍ وَإِنْ كَانَ يَنْفُذُ لاَ يَجُوزُ لِبَائِعِهِ شِرَاؤُهُ بِدُونِ ثَمَنِهِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ، وَيَجُوزُ بَعْدَهُ وَكَذَلِكَ نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ بَعْدَ الْقَبْضِ يَبِيعُهُ كَيْفَ شَاءَ.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: تَصِحُّ الإِقَالَةُ بِلَفْظِ الإِقَالَةِ وَالْمُصَالَحَةِ إنْ قُلْنَا هِيَ فَسْخٌ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَإِنْ قُلْنَا هِيَ بَيْعٌ لَمْ يَنْعَقِدْ بِذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي خِلاَفِهِ. قَالَ: مَا يَصْلُحُ لِلْحَلِّ لاَ يَصْلُحُ لِلْعَقْدِ وَمَا يَصْلُحُ لِلْعَقْدِ لاَ يَصْلُحُ لِلْحَلِّ فَلاَ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِلَفْظِ الإِقَالَةِ وَلاَ الإِقَالَةُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ. وَظَاهِرُ كَلاَمِ كَثِيرٍ مِنْ الأَصْحَابِ انْعِقَادُهَا بِذَلِكَ تَكُونُ مُعْطَاةً.
الْفَائِدَةُ الْخَامِسَةُ: إذَا قُلْنَا هِيَ فَسْخٌ لَمْ يُشْتَرَطْ لَهَا شُرُوطُ الْبَيْعِ مِنْ مَعْرِفَةِ الْمُقَالِ فِيهِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَتَمَيُّزِهِ عَنْ غَيْرِهِ، وَيُشْتَرَطُ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا بَيْعٌ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي فِي التَّفْلِيسِ، وَلَوْ تَقَايَلاَ الْعَبْدَ وَهُوَ غَائِبٌ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ لأنْ يَتَغَيَّرَ فِي مِثْلِهَا أَوْ بَعْدَ إبَاقِهِ وَاشْتِبَاهِهِ بِغَيْرِهِ صَحَّ عَلَى الأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَلَوْ تَقَايَلاَ مَعَ غَيْبَةِ أَحَدِهِمَا بِأَنْ طُلِبَتْ مِنْهُ الإِقَالَةُ فَدَخَلَ الدَّارَ وَقَالَ عَلَى الْفَوْرِ أَقَلْتُك فَإِنْ قُلْنَا هِيَ فَسْخٌ صَحَّ وَإِنْ قُلْنَا هِيَ بَيْعٌ لَمْ يَصِحَّ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي تَعْلِيقِهِمَا لاِنَّ الْبَيْعَ يُشْتَرَطُ لَهُ حُضُور الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ. وَنَقَلَ أَبُو طالب عَنْ أَحْمَدَ صِحَّةَ قَبُولِ الزَّوْجِ لِلنِّكَاحِ بَعْدَ الْمَجْلِسِ وَاخْتَلَفَ الأَصْحَابُ فِي تَأْوِيلِهَا وَفِي كَلاَمِ الْقَاضِي أَيْضًا مَا يَقْتَضِي أَنَّ الإِقَالَةَ لاَ تَصِحُّ فِي غَيْبَةِ الْآخَرِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ لاِنَّهَا فِي حُكْمِ الْعُقُودِ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى رِضَى الْمُتَبَايِعَيْنِ بِخِلاَفِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالْفَسْخِ بِالْخِيَارِ وَهَلْ يَصِحُّ مَعَ تَلَفِ السِّلَعِ؟ عَلَى طَرِيقَيْنِ. أَحَدُهُمَا: لاَ يَصِحُّ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ خِلاَفِهِ وَصَاحِبِ الْمُغْنِي. وَالثَّانِي: إنْ قُلْنَا هِيَ فَسْخٌ صَحَّتْ وَإِلاَ لَمْ تَصِحَّ. قَالَه الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ خِلاَفِهِ: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَفِي التَّلْخِيصِ وَجْهَانِ فَإِنْ أَصْلَهُمَا الرِّوَايَتَانِ إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ.
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: هَلْ تَصِحُّ الإِقَالَةُ بَعْدَ النِّدَاءِ لِلْجُمُعَةِ إنْ قُلْنَا هِيَ بَيْعٌ لَمْ تَصِحَّ وَإِلاَ صَحَّتْ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ.
الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: إذانماالْمَبِيعُ نَمَاءً مُنْفَصِلاً ثُمَّ تَقَايَلاَ فَإِنْ قُلْنَا الإِقَالَةُ بَيْعٌ لَمْ يَتْبَعْ النَّمَاءَ بِغَيْرِ خِلاَفٍ وَإِنْ قُلْنَا فَسْخٌ فَقَالَ الْقَاضِي: النَّمَاءُ لِلْمُشْتَرِي وَيَنْبَغِي تَخْرِيجُهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالرُّجُوعِ لِلْمُفْلِسِ.
الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: بَاعَهُ نَخْلاً حَائِلاً ثُمَّ تَقَايَلاَ وَقَدْ اطَّلَعَ فَإِنْ قُلْنَا الْمُقَايَلَةُ بَيْعٌ فَالثَّمَرَةُ إنْ كَانَتْ مُؤَبَّرَةً فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي الأَوَّلِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُؤَبَّرَةً فَهِيَ لِلْبَائِعِ الأَوَّلِ وَإِنْ قُلْنَا هِيَ فَسْخٌ تَبِعَتْ الأَصْلَ بِكُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ كَانَتْ مُؤَبَّرَةً أَوْ لاَ لاِنَّهُ نَمَاءٌ مُنْفَصِلٌ ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي قَاعِدَةِ النَّمَاءِ.
الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ: هَلْ يَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ إنْ قُلْنَا هِيَ فَسْخٌ لَمْ يَثْبُتْ الْخِيَارُ وَإِنْ قُلْنَا هِيَ بَيْعٌ فَفِي التَّلْخِيصِ يَثْبُتُ الْخِيَارُ كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ لاَ يَثْبُتَ أَيْضًا لاِنَّ الْخِيَارَ وُضِعَ لِلنَّظَرِ فِي

الْحَظِّ وَالْمُقَيَّدِ وَعَلَى دَخَلٍ عَلَى أَنَّهُ لاَ حَظَّ لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ مُتَبَرِّعٌ وَالْمُسْتَقْبِلُ لَمْ يَطْلُبْ الإِقَالَةَ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ إلاَ بَعْدَ تَرَوٍّ وَنَظَرٍ وَعِلْمٍ بِأَنَّ الْحَظَّ لَهُ فِي ذَلِكَ وَنَدِمَ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ الأَوَّلَ فَلاَ يَحْتَاجُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى مُهْلَةٍ لاِعَادَةِ النَّظَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْفَائِدَةُ الْعَاشِرَةُ: هَلْ يُرَدُّ بِالْمَعِيبِ؟ إنْ قُلْنَا هِيَ بَيْعٌ رُدَّتْ بِهِ وَإِنْ قُلْنَا هِيَ فَسْخٌ فَيُحْتَمَلُ أَنْ لاَ يُرَدَّ بِهِ لاِنَّ الأَصْحَابَ قَالُوا الْفَسْخُ لاَ يُفْسَخُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَدَّ بِهِ كَمَا جَوَّزُوا فَسْخَ الإِقَالَةِ وَالرَّدَّ بِالْعَيْبِ لأِحَدِ الشَّفِيعَيْنِ. وَأَفْتَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بِفَسْخِ الْخُلْعِ بِالْعَيْبِ فِي عِوَضِهِ وَبِفَواْتِ حَقِّهِ فِيهِ وَبِإِفْلاَسِ الزَّوْجَةِ بِهِ.
الْفَائِدَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: الإِقَالَةُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَفِيهَا طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: عَلَى الْخِلاَفِ فَإِنْ قُلْنَاهِيَ فَسْخٌ جَازَتْ وَإِنْ قُلْنَا بَيْعٌ لَمْ يَجُزْ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ فِي رِوَايَتِهِمَا وَصَاحِبِ الرَّوْضَةِ وَابْنِ الزَّاغُونِيِّ. وَالثَّانِيَةُ: جَوَازُ الإِقَالَةِ فِيهِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الأَكْثَرِينَ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ عَشْرَةَ: بَاعَهُ جُزْءًا مُشَاعًا مِنْ أَرْضِهِ ثُمَّ تَقَايَلاَ. فَإِنْ قُلْنَاالإِقَالَةُ فَسْخٌ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْمُشْتَرِي وَلاَ مَنْ حَدَثَ لَهُ شَرِكَةً فِي الأَرْضِ قَبْلَ الْمُقَايَلَةِ شَيْئًا مِنْ الشِّقْصِ بِالشُّفْعَةِ وَإِنْ قُلْنَا هِيَ بَيْعٌ ثبتت لَهُمْ الشُّفْعَةُ وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ حِصَّتَهُ ثُمَّ عَفَى الْآخَرُ عَنْ شُفْعَتِهِ ثُمَّ تَقَايَلاَ وَأَرَادَ الْعَافِي أَنْ يَعُودَ إلَى الطَّلَبِ فَإِنْ قُلْنَا الإِقَالَةُ فَسْخٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَإِلاَ فَلَهُ الشُّفْعَةُ.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ عَشَرَ: اشْتَرَى شِقْصًا مَشْفُوعًا ثُمَّ تَقَايُلاَه قَبْلَ الطَّلَبِ فَإِنْ قُلْنَا هِيَ بَيْعٌ لَمْ يَسْقُطْ كَمَا لَوْ بَاعَهُ لِغَيْرِ بَائِعِهِ وَإِنْ قُلْنَا فَسْخٌ فَقِيلَ لاَ تَسْقُطُ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ لاِنَّ الشُّفْعَةَ اُسْتُحِقَّتْ بِنَفْسِ الْبَيْعِ فَلاَ تَسْقُطُ بَعْدَهُ وَقِيلَ يَسْقُطُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلاَمِ أَبِي حَفْصٍ وَالْقَاضِي فِي خِلاَفِهِ.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ عَشَرَ: هَلْ يَمْلِكُ الْمُضَارِبُ أَوْ الشَّرِيكُ الإِقَالَةَ فِيمَا اشْتَرَاهُ؟ مِنْ الأَصْحَابِ مَنْ قَالَ إنْ قُلْنَا الإِقَالَةُ بَيْعٌ مَلَكَه، وَإِلاَ فَلاَ؛ لاِنَّ الْفَسْخَ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ الْمَأْذُونِ فِيهَا وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ عَقِيلٍ فِي مَوْضِعٍ مِنْ فُصُولِهِ، وَالأَكْثَرُونَ عَلَى أَنْ يَمْلِكَهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَعَ الْمَصْلَحَةِ كَمَا يَمْلِكُ الْفَسْخَ بِالْخِيَارِ.
وَالْخَامِسَةُ عَشَرَ: هَلْ يَمْلِكُ الْمُفْلِسُ بَعْدَ الْحَجْرِ الْمُقَايَلَةَ لِظُهُورِ الْمَصْلَحَةِ؟ إنْ قُلْنَا هِيَ بَيْعٌ لَمْ يَمْلِكْهُ وَإِنْ قُلْنَا فَسْخٌ فَالأَظْهَرُ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ كَمَا يَمْلِكُ الْفَسْخَ بِخِيَارٍ أَوْ عَيْبٍ وَلاَ يَتَقَيَّدُ بِالأَحَظِّ عَلَى الأَصَحِّ لاِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِتَصَرُّفٍ مُسْتَأْنَفٍ بَلْ مِنْ تَمَامِ الْعَقْدِ الأَوَّلِ وَلَوَاحِقِهِ.
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ عَشَرَ: لَوْ وَهَبَ الْوَالِدُ لاِبْنِهِ شَيْئًا فَبَاعَهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ بِإِقَالَةٍ. فَإِنْ قُلْنَا هِيَ بَيْعٌ.

امْتَنَعَ رُجُوعُ الأَبِ فِيهِ وَإِنْ قُلْنَا هِيَ فَسْخٌ فَوَجْهَانِ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْمُفْلِسِ إذَا بَاعَ السِّلْعَةَ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بِإِقَالَةٍ وَوَجَدَهَا بَائِعُهَا عِنْدَهُ.
الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ عَشَرَ: بَاعَ أَمَةً ثُمَّ أَقَالَ فِيهَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ اسْتِبْرَاؤُهَا؟ فِيهِ طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ أَبِي مُوسَى إنْ قُلْنَا الإِقَالَةُ بَيْعٌ وَجَبَ الاِسْتِبْرَاءُ، وَإِنْ قُلْنَا فَسْخٌ لَمْ يَجِبْ. وَالثَّانِي: أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ بِنَاءِ كُلِّ هَذَا الأَصْلِ ثُمَّ قِيلَ إنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى انْتِقَالِ الضَّمَانِ عَنْ الْبَائِعِ وَعَدَمِهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ ابْنُ عَقِيلٍ وَقِيلَ بَلْ يَرْجِعُ إلَى أَنَّ تَجَدُّدَ الْمِلْكِ مَعَ تَحَقُّقِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْحَمْلِ هَلْ يُوجِبُ الاِسْتِبْرَاءَ؟ وَهَذَا أَظْهَرُ.
الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةَ عَشَرةَ: لَوْ حَلَفَ لاَ يَبِيعُ أَوْ لَيَبِيعَنَّ أَوْ عَلَّقَ عَلَى الْبَيْعِ طَلاَقًا أَوْ عِتْقًا ثُمَّ أَقَالَ فَإِنْ قُلْنَا هِيَ بَيْعٌ تَرَتَّبَتْ عَلَيْهَا أَحْكَامُهُ مِنْ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ وَإِلاَ فَلاَ، وَقَدْ يُقَالُ الأَيْمَانُ تُبْنَى عَلَى الْعُرْفِ وَلَيْسَ فِي الْعُرْفِ أَنَّ الإِقَالَةَ بَيْعٌ.
الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ عَشَرَ: تَقَايَلاَ فِي بَيْعٍ فَاسِدٍ ثُمَّ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَنُفُوذِهِ فَهَلْ يُؤَثِّرُ حُكْمُهُ؟ إنْ قُلْنَا هِيَ بَيْعٌ فَحُكْمُهُ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ الأَوَّلِ صَحِيحٌ لاِنَّ الْعَقْدَ بَاقٍ وَقَدْ تَأَكَّدَ تَرَتُّبُ عَقْدٍ آخَرَ عَلَيْهِ وَإِنْ قُلْنَا هِيَ فَسْخٌ لَمْ يَنْفُذْ لاِنَّ الْعَقْدَ ارْتَفَعَ بِالإِقَالَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَنْفُذَ وَتُلْغَى الإِقَالَةُ لاِنَّهَا تَصَرُّفٌ فِي بَيْعٍ فَاسِدٍ قَبْلَ الْحُكْمِ بِصِحَّتِهِ فَلَمْ يَنْفُذْ وَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ شَيْئًا هَذَا ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمُدِ الأَدِلَّةِ.
الْفَائِدَةُ الْعِشْرُونَ: لَوْ بَاعَ ذِمِيٌّ ذِمِّيًّا آخَرُ خَمْرًا وَقُبِضَتْ دُونَ ثَمنها: ثُمَّ أَسْلَمَ الْبَائِعُ وَقُلْنَا يَجِبُ لَهُ الثَّمَنُ فَأَقَالَ الْمُشْتَرِي فِيهَا فَإِنْ قُلْنَا الإِقَالَةُ بَيْعٌ لَمْ يَصِحَّ لاِنَّ شِرَاءَ الْمُسْلِمِ لِلْخَمْرِ لاَ يَصِحُّ، وَإِنْ قُلْنَا هِيَ فَسْخٌ اُحْتُمِلَ أَنْ يَصِحَّ فَيَرْتَفِعُ بِهَا الْعَقْدُ وَلاَ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُسْلِمِ فَهِيَ فِي مَعْنَى إسْقَاطِ الثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرِي وَاحْتُمِلَ أَنْ لاَ يَصِحَّ لاِنَّهُ اسْتِرْدَادٌ لِمِلْكِ الْخَمْرِ كَمَا قَالَ أَصْحَابُنَا فِي الْمُحْرِمِ أَنَّهُ لاَ يَسْتَرِدُّ الصَّيْدَ بِخِيَارٍ وَلاَ غَيْرِهِ فَإِنْ رَدَّ عَلَيْهِ بِذَلِكَ صَحَّ الرَّدُّ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ فَيَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ. وَفِي التَّلْخِيصِ لَوْ رَدَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ عَلَى بَايعِهِ الْكَافِرِ بِعَيْبٍ صَحَّ وَدَخَلَ فِي مِلْكِهِ لاِنَّهُ قَهْرِيٌّ كَالإِرْثِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي رَدِّ الصَّيْدِ عَلَى الْمُحْرِمِ بِعَيْبٍ وَرَدِّ الْخَمْرِ عَلَى الْمُسْلِمِ بِالْعَيْبِ كَذَلِكَ، إذَا قُلْنَا يُمْلَكَانِ بِالْقَهْرِ.
الْفَائِدَةُ الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُون: الإِقَالَةُ هَلْ تَصِحُّ بَعْدَ مَوْتِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ؟ ذَكَرَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ خِلاَفِهِ أَنَّ خِيَارَ الإِقَالَةِ يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَلاَ يَصِحُّ بَعْدَهُ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إنْ قُلْنَا هِيَ بَيْعٌ صَحَّتْ مِنْ الْوَرَثَةِ وَإِنْ قُلْنَا فَسْخٌ فَوَجْهَانِ.

المسألة السادسة
المسألة السَّادِسَةُ: النُّقُودُ هَلْ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِي الْعَقْدِ أَمْ لاَ؟ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ

أَشْهَرُهُمَا أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ حَتَّى إنْ الْقَاضِيَ فِي تَعْلِيقِهِ أَنْكَرَ ثُبُوتَ الْخِلاَفِ فِي ذَلِكَ في الْمَذْهَبِ، وَالأَكْثَرُونَ أَثْبَتُوهُ. وَلِهَذَا الْخِلاَفِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ.
منها: أَنَّهُ يُحْكَمُ بِمِلْكِهَا لِلْمُشْتَرِي بِمُجَرَّدِ التَّعْيِينِ فَيَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهَا وَإِنْ تَلِفَتْ تَلِفَتْ مِنْ ضَمَانِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لاَ يَمْلِكُهَا بِدُونِ الْقَبْضِ فَهِيَ قَبْلَهُ مِلْكُ الْبَائِعِ وَتَتْلَفُ مِنْ ضَمَانِهِ.
وَمنها: لَوْ بَانَ الثَّمَنُ مُسْتَحَقًّا فَعَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ يَبْطُلُ الْعَقْدُ لاِنَّهُ وَقَعَ عَلَى مِلْكِ الْغَيْرِ فَهُوَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى سِلْعَةً فَبَانَتْ مُسْتَحَقَّةً، وَعَلَى الثَّانِيَة لاَ تَبْطُلُ وَلَهُ الْبَدَلُ. وَهَاهُنَا مَسْأَلَةٌ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ وَهِيَ إذَا غَصَبَ نُقُودًا وَاتَّجَرَ فِيهَا وَرَبِحَ فَإِنَّ نُصُوصَ أَحْمَدَ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ لِلْمَالِكِ فَمِنْ الأَصْحَابِ مَنْ بَنَاهُ عَلَى الْقَوْلِ بِوَقْفِ تَصَرُّفِ الْغَاصِبِ عَلَى الإِجَارَةِ كَابْنِ عَقِيلٍ وَصَاحِبِ الْمُغْنِي وَمِنْهُمْ مَنْ بَنَاهُ عَلَى أَنْ تَصَرُّفَاتِ الْغَاصِبِ صَحِيحَةٌ بِدُونِ إجَازَةٍ لاِنَّهُ مُدَّةٌ تَطُولُ فَيَشُقُّ اسْتِدْرَاكُهَا وَفِي الْقَضَاءِ بِبُطْلاَنِهَا ضَرَرٌ عَلَيْهِ وَعَلَى الْمَالِكِ بِتَفْوِيتِهِ الرِّبْحَ، وَهِيَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ، وَالصِّحَّةُ عِنْدَهُ مُخْتَصُّهُ بِالتَّصَرُّفِ الْكَثِيرِ وَأَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَأَنَّ مَا لَمْ يُدْرِكْهُ الْمَالِكُ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى اسْتِرْجَاعِهِ يَصِحُّ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِدُونِ إنْكَارِهِ لَهُذَّا الْمَعْنَى. وَمِنْ الأَصْحَابِ مَنْ نَزَّلَهُ عَلَى أَنَّ الْغَاصِبَ اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ نَقَدَ الثَّمَنَ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي بَعْضِ كُتُبِهِ وَابْنِ عَقِيلٍ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. وَيَشْهَدُ لِهَذَا أَنَّ الْمَرُّوذِيَّ نَقَلَ عَنْ أَحْمَدَ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الشِّرَاءِ بِعَيْنِ الْغَصْبِ وَالشِّرَاءِ فِي الذِّمَّةِ فَتَنْزِلُ نُصُوصُهُ الْمُطْلَقَةُ عَلَى هَذَا الْمُقَيَّدِ وَإِنَّمَا كَانَ الرِّبْحُ لِلْمَالِكِ مَعَ أَنَّ الشِّرَاءَ وَقَعَ لِلْغَاصِبِ لاِنَّهُ نَتِيجَةُ مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَفَائِدَتُهُ فَهُوَ كَالْمُتَوَلِّدِ مِنْ عَيْنِهِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُخَرَّجَ ذَلِكَ عَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ تَعْيِينِ النُّقُودِ بِالتَّعْيِينِ فِي الْعَقْدِ فَيَبْقَى كَالشِّرَاءِ فِي الذِّمَّةِ سَوَاءٌ.
وَمنها: إذَا بَانَ النَّقْدُ الْمُعَيَّنُ مَعِيبًا فَلَهُ حَالَتَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ عَيْبُهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ مِنْ أَصْلِهِ نَصَّ عَلَيْهِ وَذَكَرَهُ الأَصْحَابُ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ زَالَ عَنْهُ اسْمُ الدِّينَارِ وَالدَّرَاهِمِ بِذَلِكَ فَلَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ عَقَدَ عَلَى شَاةٍ فَبَانَتْ حِمَارًا وَأَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ فَقَالَ إنْ كَانَ ذَهَبًا حُمِلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ دَخَلَ فِيهِ مِنْ الْفِضَّةِ أَوْ النُّحَاسِ أَوْ خَالَطَهُ غَيْرُهُ فَقَدْ زَالَ عَنْهُ اسْمُ الذَّهَبِ؛ لِمَا دَخَلَ فِيهِ وَهَذَا مُتَوَجَّهٌ إذَا كَانَ كُلُّهُ أَوْ غَالِبُهُ كَذَلِكَ وَأَمَّا إنْ كَانَ فِيهِ يَسِيرٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَلاَ يُزَالُ عَنْهُ الاِسْمُ بِالْكُلِّيَّةِ فَلاَ يَنْبَغِي بُطْلاَنُ الْعَقْدِ هَا هُنَا بِالْكُلِّيَّةِ. وَهَذَا ظَاهِرُ كَلاَمِ أَبِي مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيِّ فِي خِصَالِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَبْطُلَ الْعَقْدُ هَاهُنَا لِمَعْنًى آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْبَائِعَ لاَ يُمْكِنُ إجْبَارُهُ عَلَى قَبُولِ هَذَا وَإِنَّمَا بَاعَ بِدِينَارٍ كَامِلٍ وَالْمُشْتَرِي لاَ يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ بَقِيَّةِ الدِّينَارِ لاِنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَى بِهَذَا الدِّينَارِ الْمُتَعَيِّنِ فَبَطَلَ الْعَقْدُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ الْبَيْعُ بِمَا فِي الدِّينَارِ مِنْ الذَّهَبِ بِقِسْطِهِ مِنْ الْمَبِيعِ وَيَبْطُلُ الْبَاقِي، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ لِتَبَعُّضِ الْمَبِيعِ عَلَيْهِ وَأَصْلُ هَذَيْنِ الاِحْتِمَالَيْنِ الرِّوَايَتَانِ فِيمَا إذَا بَاعَهُ أَرْضًا مُعَيَّنَةً عَلَى أَنَّهَا عَشْرَةُ أَذْرُعٍ

فَبَانَتْ تِسْعَةٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ الْبَيْعُ كُلُّهُ بِدِينَارٍ وَيُلْزِمُ الْمُشْتَرِيَ بِثَمَنِ الدِّينَارِ مِنْ غَيْرِهِ ذَهَبًا؛ لاِنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى دِينَارٍ كَامِلٍ فَإِذَا بَانَ دُونَهُ وَجَبَ إتْمَامُهُ جَمْعًا بَيْنَ الْمَقْصِدَيْنِ التَّعْيِينِ وَالتَّسْمِيَةِ، وَأَصْلُ هَذَا الْوَجْهِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ فِيمَنْ اشْتَرَى سَمْنًا فِي ظَرْفٍ فَوَجَدَ فِيهِ رُبًّا إنْ كَانَ سَمَّانًا عِنْدَهُ سَمْنٌ أَعْطَاهُ بِوَزْنِهِ سَمْنًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ سَمْنٌ أَعْطَاهُ بِقَدْرِ الرُّبِّ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ السَّمَّانِ وَغَيْرِهِ لاِنَّ السَّمَّانَ شَأْنه بَيْعُ السَّمْنِ فَكَأَنَّهُ بَاعَهُ بِمِقْدَارِ الظَّرْفِ سَمْنًا وَأَمَّا غَيْرُهُ فَإِنَّمَا بَاعَهُ هَذَا الظَّرْفَ الْمُعَيَّنَ وَالنُّقُودُ مِنْ جِنْسِ الأَوَّلِ لاَ الثَّانِي.
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ عَيْبُهَا مِنْ جِنْسِهَا وَلَمْ يَنْقُصْ وَزْنُهَا كَالسَّوَادِ فِي الْفِضَّةِ فَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الإِمْسَاكِ وَالْفَسْخِ وَلَيْسَ لَهُ الْبَدَلُ لِتَعْيِينِ النَّقْدِ فِي الْعَقْدِ وَمَنْ أَمْسَكَ فَلَهُ الأَرْشُ إلاَ فِي صَرْفِهَا بِحَبْسِهَا صَرَّحَ بِهِ الْحَلْوَانِيُّ وَابْنُهُ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْخِرَقِيِّ مَا يَقْتَضِيهِ وَظَاهِرُ كَلاَمِ أَبِي الْخَطَّابِ خِلاَفُهُ فَهَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى رِوَايَةِ تَعْيِينِ النُّقُودِ فَأَمَّا عَلَى الْأُخْرَى فَلاَ يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِحَالٍ إلاَ أَنْ يَتَفَرَّقَا وَالْعَيْبُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ لِفَوَاتِ قَبْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ وَلاَ فَسْخَ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِهِ الْبَدَلُ دُونَ الأَرْشِ لاِنَّ الْوَاجِبَ فِي الذِّمَّةِ دُونَ الْمُعَيَّنِ.
وَمنها: إذَا بَاعَهُ سِلْعَةً بِنَقْدٍ مُعَيَّنٍ فَعَلَى الْمَشْهُورِ لاَ يُجْبَرُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى الْبُدَاءَة بِالتَّسْلِيمِ بَلْ يُنْصَبُ عَدْلٌ يَقْبِضُ مِنْهُمَا ثُمَّ يَقْضِيهِمَا لِتَعَلُّقِ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ فَهُمَا سَوَاءٌ وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى هُوَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ بِنَقْدٍ فِي الذِّمَّةِ فَيُجْبَرُ الْبَائِعُ أَوَّلاً عَلَى التَّسْلِيمِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُشْتَرِي بِالْعَيْنِ دُونَهُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ وَتَأَوَّلَهُ الْقَاضِي عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ عَلَى ثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ.
وَمنها: لَوْ بَاعَهُ سِلْعَةً بِنَقْدٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ أَتَاهُ بِهِ فَقَالَ هَذَا الثَّمَنُ وَقَدْ خَرَجَ مَعِيبًا وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي، فِيهِ ثَلاَثُ طُرُقٍ: أَحَدُهَا إنْ قُلْنَا النُّقُودُ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعَيينِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي لاِنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ اسْتِحْقَاقَ الرَّدِّ وَالأَصْلُ عَدَمُهُ، وَإِنْ قُلْنَا لاَ يَتَعَيَّنُ فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي أَيْضًا لاِنَّهُ أَقْبَضَ فِي الظَّاهِرِ مَا عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: قَوْلُ الْقَابِضِ لاِنَّ الثَّمَنَ فِي ذِمَّتِهِ وَالأَصْلُ اشْتِغَالُهَا بِهِ إلاَ أَنْ يَثْبُتَ بَرَاءَتُهَا مِنْهُ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ السَّامِرِيِّ فِي الْمُسْتَوْعِبِ.
وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: إنْ قُلْنَا النُّقُودُ لاَ تَتَعَيَّنُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ وَجْهًا وَاحِدًا لاِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ اشْتِغَالُ ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ وَلَمْ يَثْبُتْ بَرَاءَتُهَا مِنْهُ، وَإِنْ قُلْنَا تَتَعَيَّنُ فَوَجْهَانِ مُخَرَّجَانِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا ادَّعَى كُلٌّ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَنَّ الْعَيْبَ حَدَثَ عِنْدَهُ فِي السِّلْعَةِ. أَحَدُهُمَا: الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ لاِنَّهُ يَدَّعِي سَلاَمَةَ الْعَقْدِ وَالأَصْلُ عَدَمُهُ. وَيَدَّعِي عَلَيْهِ ثُبُوتَ الْفَسْخِ وَالأَصْلُ عَدَمُهُ. وَالثَّانِي: قَوْلُ الْقَابِضِ لاِنَّهُ مُنْكِرُ التَّسْلِيمِ وَالأَصْلُ عَدَمُهُ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي بَعْضِ تَعَالِيقِهِ وَجَزَمَ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ إذَا أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ الْمَرْدُودُ بِالْعَيْبِ هُوَ الْمَبِيعَ وَلَمْ يحكيا خِلاَفًا. وَلاَ فَصْلَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ فِي الذِّمَّةِ

أَوْ مُعَيَّنًا نَظَرًا إلَى أَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ اسْتِحْقَاقَ الرَّدِّ وَالأَصْلُ عَدَمُهُ. وَذَكَرَ الأَصْحَابُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي مَسَائِلِ الصَّرْفِ وَفَرَّقَ السَّامِرِيُّ فِي فُرُوقِهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَرْدُودُ بِعَيْبٍ وَقَعَ عَلَيْهِ مُعَيَّنًا فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْبَائِعِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي الذِّمَّةِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي لَمَا تَقَدَّمَ.
وَهَذَا فِيمَا إذَا أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْعَيْبَ أَنَّ مَالَهُ كَانَ مَعِيبًا أَمَّا إنْ اعْتَرَفَ بِالْعَيْبِ فَقَدْ فَسَخَ صَاحِبُهُ وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ الْمُعَيَّنَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ صَرَّحَ بِهِ فِي التَّفْلِيسِ فِي الْمُغْنِي مُعَلَّلاً بِأَنَّهُ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِ مَا ادَّعَى عَلَيْهِ الْآخَرُ، وَالأَصْلُ مَعَهُ وَيَشْهَدُ لَهُ أَنَّ الْمَبِيعَ فِي مُدَّة الْخِيَارِ إذَا رَدَّهُ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ فَأَنْكَرَ الْبَائِعُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَبِيعَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَحْمَدَ لاِتِّفَاقِهِمَا عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْفَسْخِ بِالْخِيَارِ، وَبِذَلِكَ وَجَّهَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَقَدْ يَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْمَبِيعَ بَعْدَ الْفَسْخِ بِعَيْبٍ وَنَحْوِهِ هَلْ هُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي أَوْ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ وَفِيهِ خِلاَفٌ سَبَقَ ذِكْرُهُ. فَإِنَّ الأَمَانَاتِ الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ مَعَ الاِخْتِلاَفِ فِي عَيْنِهَا وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي الرَّهْنِ، وَلِذَلِكَ نَصَّ فِي اخْتِلاَفِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي عَيْنِ الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ قَبْلَ قَبْضِهِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ وَقَدْ يَكُونُ مَأْخَذُهُ أَنَّهُ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ وَمِنْ الأَصْحَابِ مَنْ عَلَّلَ بِأَنَّ الأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْبَائِعِ مِمَّا يَدَّعِي عَلَيْهِ فَهُوَ كَمَا أَقَرَّ بِعَيْنٍ لِرَجُلٍ ثُمَّ أَحْضَرَهَا فَأَنْكَرَ الْمَقَرُّ لَهُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمَقَرَّ بِهَا فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُقِرِّ مَعَ يَمِينِهِ.
وَمنها: لَوْ كَانَ عَبْدَ بين شَرِيكَيْنِ، قِيمَةُ نَصِيبِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَشْرَةُ دَنَانِيرَ فَقَالَ رَجُلٌ -يَمْلِكُ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ لاَ يَمْلِكُ غَيْرَهَا- لاِحَدِهِمَا اعْتِقْ نَصِيبَكَ عَنِّي عَلَى هَذِهِ الدَّنَانِيرِ الْعَشَرَةِ فَفَعَلَ عَتَقَ نَصِيبُ الْمَسْئُولِ عَنْ السَّائِلِ وَهَلْ يَسْرِي عَلَيْهِ إلَى حِصَّةِ الْآخَرِ أَمْ لاَ؟. إنْ قُلْنَا: إنَّ النُّقُودَ تَتَعَيَّنُ لَمْ يَسْرِ لاِنَّ الْمَسْئُولَ مَلَكَهَا عَلَيْهِ بِالْعَقْدِ فَلَمْ يَبْقَ فِي مِلْكِ السَّائِلِ شَيْءٌ فَصَارَ مُعْسِرًا وَإِنْ قُلْنَا: لاَ يَتَعَيَّنُ سَرَى إلَى حِصَّةِ الشَّرِيكِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى ذَلِكَ النَّصِيبَ بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ لاِنَّهُ مَالِكٌ لِقِيمَةِ حِصَّةِ الْآخَرِ وَذَكَرَه السَّامِرِيُّ وَيُفِيدُ هَذَا أَنَّ الدَّيْنَ الْمُسْتَغْرِقَ لاَ يَمْنَعُ السِّرَايَةَ.

المسألة السابعة
المسألة السَّابِعَةُ: الْعَبْدُ هَلْ يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ أَمْ لاَ؟ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ. أَشْهَرُهُمَا عِنْدَ الأَصْحَابِ أَنَّهُ لاَ يَمْلِكُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ وَأَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَالأَكْثَرِينَ. وَالثَّانِيَةُ: يَمْلِكُ اخْتَارَهَا ابْنُ شَاقِلاَ وَصَحَّحَهَا ابْنُ عَقِيلٍ وَصَاحِبُ الْمُغْنِي وَلِهَذَا الْخِلاَفِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ جِدًّا.
فَمنها: لَوْ مَلَّكَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ مَالاً زَكَوِيًّا فَإِنْ قُلْنَا: لاَ يَمْلِكُهُ فَزَكَاتُهُ عَلَى السَّيِّدِ لاِنَّهُ مِلْكُهُ وَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُهُ فَلاَ زَكَاةَ عَلَى السَّيِّدِ لاِنْتِفَاءِ مِلْكِهِ لَهُ وَلاَ عَلَى الْعَبْدِ لاِنَّ مِلْكَهُ مُزَلْزَلٌ وَلِهَذَا لَمْ يَلْزَمْهُ فِيهِ نَفَقَةُ الأَقَارِبِ، وَلاَ يُعْتَقُ عَلَيْهِ رَحِمُهُ بِالشِّرَاءِ هَذَا مَا قَالَ أَكْثَرُ الأَصْحَابِ، مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَهُوَ ظَاهِرُ كَلاَمِ الْخِرَقِيِّ وَفِي كَلاَمِ أَحْمَدَ إيمَاء إلَيْهِ وَحَكَى بَعْضُ الأَصْحَابِ رِوَايَة بوُجُوبِ زَكَاتِهِ عَلَى الْعَبْدِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ

مِلْكُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ اشْتَرَطَ مَعَ ذَلِكَ إذْنَ السَّيِّدِ؛ لِقَوْلِ أَحْمَدَ فَيُزَكِّيه بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَإِنَّمَا مُرَادُهُ أَنَّ الْمَالَ لِلسَّيِّدِ وَزَكَاتَهُ عَلَيْهِ. وَالْعَبْدُ كَالْوَكِيلِ وَالْمُودَعِ فَلاَ يُزَكِّي بِدُونِ إذْنِهِ وَعَنْ ابْنِ حَامِدٍ أَنَّهُ ذَكَرَ احْتِمَالاً بِوُجُوبِ زَكَاتِهِ عَلَى السَّيِّدِ عَلَى كِلاَ الْقَوْلَيْنِ لاِنَّهُ إمَّا مِلْكٌ لَهُ أَوْ فِي حُكْمِ مِلْكِهِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ.
وَمنها: إذَا مَلَّكَهُ السَّيِّدُ عبداً وَأَهَلَّ عَلَيْهِ هِلاَلُ الْفِطْرِ فَإِنْ قُلْنَا لاَ يَمْلِكُهُ فَفِطْرَتُهُ عَلَى السَّيِّدِ وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُهُ فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لاَ فِطْرَةَ لَهُ عَلَى أَحَدٍ، قَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ اعْتِبَارًا بِزَكَاةِ الْمَالِ كَمَا سَبَقَ. وَالثَّانِي: فِطْرَتُهُ عَلَى السَّيِّدِ، صَحَّحَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي لاِنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى السَّيِّدِ وَكَذَلِكَ فِطْرَتُهُ.
وَمنها: تَكْفِيرُهُ بِالْمَالِ فِي الْحَجِّ وَالأَيْمَانِ وَالظِّهَارِ وَنَحْوِهَا، وَفِيهِ لِلْأَصْحَابِ طُرُقٌ أَحَدُهَا الْبِنَاءُ عَلَى مِلْكِهِ وَعَدَمِهِ فَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ فَلَهُ التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ فِي الْجُمْلَةِ وَإِلاَ فَلاَ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّابِ وَابْنِ عَقِيلٍ وَأَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ لاِنَّ التَّكْفِيرَ بِالْمَالِ يَسْتَدْعِي مِلْكَ الْمَالِ فَإِذَا كَانَ هَذَا غَيْرَ قَابِلٍ لِلْمِلْكِ بِالْكُلِّيَّةِ فَفَرْضُهُ الصِّيَامُ خَاصَّةً وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْمِلْكِ فَإِنَّهُ يُكَفِّرُ بِالإِطْعَامِ وَهَلْ يُكَفِّرُ بِالْعِتْقِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ لاِنَّ الْعِتْقَ يَقْتَضِي الْوَلاَءَ وَالْوِلاَيَةَ وَالإِرْثَ وَلَيْسَ الْعَبْدُ مِنْ أَهْلِهَا. وَهَلْ يَلْزَمُهُ التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ أَوْ يَجُوزُ لَهُ مَعَ إجْزَاءِ الصِّيَامِ الْمُتَوَجِّهِ إنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ مَالٌ فَأَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ بِالتَّكْفِيرِ مِنْهُ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ بَلْ أَرَادَ السَّيِّدُ أَنْ يَمْلِكَهُ لِيُكَفِّرَ لَمْ يَلْزَمْهُ كَالْحُرِّ الْمُعْسِرِ إذَا بُذِلَ لَهُ مَالٌ. وَعَلَى هَذَا يَتَنَزَّلُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي مِنْ لُزُومِ التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ فِي الْحَجِّ وَنَفْيِ اللُّزُومِ فِي الظِّهَار.
الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ فِي تَكْفِيرِهِ بِالْمَالِ بِإِذْنِ السَّيِّدِ رِوَايَتَيْنِ مُطْلَقَتَيْنِ سَوَاءٌ قُلْنَا يَمْلِكُ أَوْ لاَ يَمْلِكُ حَكَاهَا الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ شَيْخِهِ ابْنِ حَامِدٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الأَصْحَابِ وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي بَكْرٍ فَوَجْهُ عَدَمِ تَكْفِيرِهِ بِالْمَالِ مَعَ الْقَوْلِ بِالْمِلْكِ أَنْ يَمْلِكَهُ ضَعِيفٌ لاَ يَحْتَمِلُ الْمُوَاسَاة وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ وَلاَ نَفَقَةُ الأَقَارِبِ فَكَذَلِكَ الْكَفَّارَاتُ وَالْوَجْهُ تَكْفِيرُهُ بِالْمَالِ مَعَ الْقَوْلِ بِانْتِفَاءِ مِلْكِهِ. مَأْخَذَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ تَكْفِيرَهُ بِالْمَالِ إنَّمَا هُوَ تَبَرُّعٌ لَهُ مِنْ السَّيِّدِ وَإِبَاحَةٌ لَهُ أَنْ يُكَفِّرَ مِنْ مَالِهِ وَالتَّكْفِيرُ عَنْ الْغَيْرِ لاَ يُشْتَرَطُ دُخُولُهُ فِي مِلْكِ الْمُكَفَّرِ عَنْهُ، كَمَا يَقُولُ فِي رِوَايَةٍ فِي كَفَّارَةِ الْمُجَامِعِ فِي رَمَضَانَ إذَا عَجَزَ عَنْهَا وَقُلْنَا لاَ يَسْقُطُ تَكْفِيرُ غَيْرِهِ عَنْهُ إلاَ بِإِذْنِهِ جَازَ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ وَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَلَوْ كَانَتْ قَدْ دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَهَا هُوَ لاِنَّهُ لاَ يَكُونُ حِينَئِذٍ إخْرَاجًا لِلْكَفَّارَةِ. وَالْمَأْخَذُ الثَّانِي: أَنَّ الْعَبْدَ ثَبَتَ لَهُ مِلْك قَاصِر بِحَسَبِ حَاجَتِهِ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْمِلْكُ الْمُطْلَقُ التَّامُّ فَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ فِي الْمَالِ الْمُكَفَّرِ بِهِ مِلْكٌ يُنْتِجُ لَهُ التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ دُونَ بَيْعِهِ وَهِبَتِهِ كَمَا

أَثْبَتْنَا لَهُ فِي الأَمَةِ مِلْكًا قَاصِرًا أُبِيحَ لَهُ التَّسَرِّي بِهَا دُونَ بَيْعِهَا وَلاَ هِبَتِهَا عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ وَهَذَا اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ. وَوَجْهُ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْعِتْقِ وَالإِطْعَامِ أَنَّ التَّكْفِيرَ بِالْعِتْقِ مُحْتَاجٌ إلَى مِلْكٍ بِخِلاَفِ الإِطْعَامِ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَلِهَذَا لَوْ أَمَرَ مَنْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ رَجُلاً أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ فَفَعَلَ أَجْزَأَتْهُ وَلَوْ أَمَرَ أَنْ يَعْتِقَ عَنْهُ فَفِي إجزَائِهِ عَنْهُ رِوَايَتَانِ وَلَوْ تَبَرَّعَ الْوَارِثُ بِالإِطْعَامِ الْوَاجِبِ عَنْ مَوْرُوثِهِ صَحَّ وَلَوْ تَبَرَّعَ عَنْهُ بِالْعِتْقِ لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ أَعْتَقَ الأَجْنَبِيُّ عَنْ الْمَوْرُوثِ لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ أَطْعَمَ عَنْهُ فَوَجْهَانِ.
الطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ لاَ يُجْزِئُ التَّكْفِيرُ بِغَيْرِ الصِّيَامِ بِحَالٍ عَلَى كِلاَ الطَّرِيقَيْنِ وَهِيَ ظَاهِرُ كَلاَمِ أَبِي الْخَطَّابِ فِي كِتَابِ الظِّهَارِ وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمَا لاِنَّ الْعَبْدَ وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ فَإِنْ مِلْكَهُ ضَعِيفٌ لاَ يَحْتَمِلُ الْمُوَاسَاةَ كَمَا سَبَقَ فَلاَ يَكُونُ مُخَاطَبًا بِالتَّكْفِيرِ بِالْمَالِ بِالْكُلِّيَّةِ فَلاَ يَكُونُ فَرْضُهُ غَيْرَ الصِّيَامِ بِالأَصَالَةِ بِخِلاَفِ الْحُرِّ الْعَاجِزِ فَإِنَّهُ قَابِلٌ لِلتَّمَلُّكِ وَمِنْ هَاهُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْخِرَقِيِّ: الْعَبْدُ إذَا حَنِثَ ثُمَّ عَتَقَ لاَ يُجْزِئُهُ التَّكْفِيرُ بِغَيْرِ الصَّوْمِ بِخِلاَفِ الحر الْمُعْسِرِ إذَا حَنِثَ ثُمَّ أَيْسَرَ. وَقَالَ أَيْضًا فِي الْعَبْدِ: إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ أَنَّهُ يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ مِنْ قِيمَةِ الشَّاةِ يَوْمًا وَقَالَ فِي الْحُرِّ الْمُعْسِرِ: إنَّهُ يَصُومُ فِي الإِحْصَارِ صِيَامَ التَّمَتُّعِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ الْقَابِلِ لِتَعَلُّقِ الْوَاجِبَاتِ بِهِ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الصِّيَامِ بِالأَصَالَةِ وَفِدْيَةُ الْفَوَاتِ وَالإِحْصَارِ لَمْ يَرِدْ فِيهَا نَصٌّ بِغَيْرِ الْهَدْيِ وَيَعْدِلُ قِيمَةَ الشَّاة كَمَا وَجَبَ فِي جَزَاء الصَّيْدِ لاِنَّ هَذَا الصِّيَامَ وَاجِبٌ بِالأَصَالَةِ لَيْسَ بَدَلاً عَنْ الْهَدْيِ وَيَعْدِلُ الْهَدْيَ، وَشَبِيهٌ بِهِ فَيَكُونُ فَرْضُ الْعَبْدِ بِالأَصَالَةِ بِخِلاَفِ الْحُرِّ الْمُعْسِرِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ فِي ذِمَّتِهِ بِالأَصَالَةِ هُوَ الْهَدْيُ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ انْتَقَلَ إلَى الْبَدَلِ الَّذِي شُرِعَ لِلْهَدْيِ وَهُوَ صِيَامُ الْمُتْعَةِ.
وَمنها: إذَا بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ وَفِيهِ لِلْأَصْحَابِ طُرُقٌ.
إحْدَاهَا: الْبِنَاءُ عَلَى الْمِلْكِ وَعَدَمِهِ فَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ لَمْ يُشْتَرَطْ مَعْرِفَةُ الْمَالِ وَلاَ سَائِرِ شَرَائِطِ الْبَيْعِ فِيهِ لاِنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْعَقْدِ وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ عَلَى مِلْكِ الْعَبْدِ لِيَكُونَ عَبْدًا ذَا مَالٍ وَذَلِكَ صِفَةٌ فِي الْعَبْدِ لاَ تُفْرَدُ بِالْمُعَاوَضَةِ وَهُوَ كَبَيْعِ الْمُكَاتَبِ الَّذِي لَهُ مَالٌ وَإِنْ قُلْنَا لاَ يَمْلِكُ اُشْتُرِطَ لِمَالِكِهِ مَعْرِفَتُهُ وَأَنَّ بَيْعَهُ بِغَيْرِ جِنْسِ الْمَالِ أَوْ بِجِنْسِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ أَكْثَرَ عَلَى رِوَايَةٍ وَيُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ لاِنَّ الْمَالَ حِينَئِذٍ دَاخِلٌ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنِ عَقِيلٍ وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ وَغَيْرِهِمْ.
وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: اعْتِبَارُ قَصْدِ الْمَالِ أَوْ عَدَمِهِ لاَ غَيْرَ فَإِنْ كَانَ الْمَالُ مَقْصُودًا لِلْمُشْتَرِي اُشْتُرِطَ عِلْمُهُ وَسَائِرُ شُرُوطِ الْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَقْصُودٍ بَلْ قَصَدَ الْمُشْتَرِي تَرْكَهُ لِلْعَبْدِ لِيَنْتَفِعَ بِهِ وَحْدَهُ لَمْ يُشْتَرَطْ ذَلِكَ لاِنَّهُ تَابِعٌ غَيْرُ مَقْصُود وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ هِيَ الْمَنْصُوصَةُ عَنْ أَحْمَدَ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ كَالْخِرَقِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ وَالْقَاضِي فِي خِلاَفِهِ وَكَلاَمُهُ ظَاهِرٌ فِي الصِّحَّةِ. وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ الْعَبْدَ لاَ يَمْلِكُ وَتَرْجِعُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ إلَى بَيْعِ رِبَوِيٍّ بِغَيْرِ جِنْسِهِ وَمَعَهُ مِنْ جِنْسِهِ مَا هُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَقَدْ اسْتَوْفَيْنَا الْكَلاَمَ عَلَيْهَا فِي الْقَوَاعِدِ وَرَجَّحَ صَاحِبُ الْمُغْنِي هَذِهِ الطَّرِيقَةَ.

وَالطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ: الْجَمْعُ بَيْنَ الطَّرِيقَتَيْنِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَصَاحِبِ الْمُحَرَّر وَمَضْمُونُهَا أَنَّا إنْ قُلْنَا: الْعَبْدُ يَمْلِكُ لَمْ يُشْتَرَطْ لِمَالِهِ شُرُوطُ الْبَيْعِ بِحَالٍ، وَإِنْ قُلْنَا: لاَ يَمْلِكُ فَإِنْ كَانَ الْمَالُ مَقْصُودًا لِلْمُشْتَرِي اُشْتُرِطَ لَهُ شَرَائِطُ الْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَقْصُودٍ لَهُ لَمْ يُشْتَرَطْ لَهُ ذَلِكَ.
وَمنها: إذَا أَذِنَ الْمُسْلِمُ لِعَبْدِهِ الذِّمِّيِّ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِمَالِهِ عَبْدًا مُسْلِمًا فَاشْتَرَاهُ فَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ لَمْ يَصِحَّ شِرَاؤُهُ لَهُ، وَإِنْ قُلْنَا: لاَ يَمْلِكُ صَحَّ وَكَانَ مَمْلُوكًا لِلسَّيِّدِ. قَالَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ عِنْدِي. قُلْتُ: وَيَتَخَرَّجُ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ لاَ يَصِحُّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ شِرَاءُ الذِّمِّيِّ لِمُسْلِمٍ بِالْوَكَالَةِ وَلَوْ كَانَ بِالْعَكْسِ بِأَنْ يَأْذَنَ الْكَافِرُ لِعَبْدِهِ الْمُسْلِمِ الَّذِي يَثْبُتُ مِلْكُهُ عَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِمَالِهِ رَقِيقًا مُسْلِمًا. فَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ صَحَّ وَكَانَ الْعَبْدُ لَهُ وَإِنْ قُلْنَا: لاَ يَمْلِكُ لَمْ يَصِحَّ.
وَمنها: تَسَرِّي الْعَبْدِ وَفِيهِ طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: بِنَاؤُهُ عَلَى الْخِلاَفِ فِي مِلْكِهِ فَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ جَازَ تَسَرِّيهِ وَإِلاَ فَلاَ؛ لاِنَّ الْوَطْءَ بِغَيْرِ نِكَاحٍ وَلاَ مِلْكِ يَمِينٍ مُحَرَّمٌ بِنَصِّ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي وَالأَصْحَابِ بَعْدَهُ. وَالثَّانِيَةُ: يَجُوزُ تَسَرِّيهِ عَلَى كِلاَ الرِّوَايَتَيْنِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْخِرَقِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ وَابْنِ أَبِي مُوسَى وَرَجَّحَهَا صَاحِبُ الْمُغْنِي وَهِيَ أَصَحُّ فَإِنَّ مَنْصُوصَ أَحْمَدَ لاَ تَخْتَلِفُ فِي إبَاحَةِ التَّسَرِّي لَهُ، فَتَارَةً عَلَّلَ بِأَنَّهُ يَمْلِكُ وَتَارَةً اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ خِلاَفُ الْقِيَاسِ وَأَنَّهُ جَازَ لاِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ أَجَازَ له التَّسَرِّي وَإِنْ قِيلَ إنه لاَ يَمْلِكُ اتِّبَاعًا لِلصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْعَبْدَ وَإِنْ قِيلَ إنَّهُ لاَ يَمْلِكُ فَلاَ بُدَّ مِنْ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ مِلْكُ مَا يَحْتَاجُ إلَى الاِنْتِفَاعِ بِهِ وَلِذَلِكَ يَمْلِكُ عَقْدَ النِّكَاحِ وَهُوَ مِلْكٌ لِمَنْفَعَةِ الْبُضْعِ فَكَذَلِكَ يَمْلِكُ التَّسَرِّي وَيَثْبُتُ لَهُ هَذَا الْمِلْكُ الْخَاصُّ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ وَلاَ يَجُوزُ تَسَرِّيهِ بِدُونِ إذْنٍ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ كَنِكَاحِهِ؛ وَلاِنَّهُ لاَ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي مَالِهِ بِمَا يُتْلِفُ مَالِيَّتَهُ وَيَضُرُّ بِهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ السَّيِّدِ بِهِ، وَالتَّسَرِّي فِيهِ إضْرَارٌ بِالْجَارِيَةِ، وَتَنْقِيصٌ لِمَالِيَّتِهَا بِالْوَطْءِ وَالْحَمْلِ وَرُبَّمَا أَدَّى إلَى تَلَفِهَا.
وَنَقَلَ عَنْهُ أَبُو طَالِبٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ هَانِئٍ يَتَسَرَّى الْعَبْدُ فِي مَالِهِ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَتَسَرَّى عَبِيدُهُ فِي مَالِهِ فَلاَ يَعِيبُ عَلَيْهِمْ. قَالَ الْقَاضِي فِيمَا عَلَّقَهُ عَلَى حَوَاشِي الْجَامِعِ لِلْخَلاَلِ: ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يَجُوزُ تَسَرِّيهِ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ لَهُ لاِنَّهُ مَالِكٌ لَهُ. انْتَهَى. وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ نَصُّ اشْتِرَاطِهِ عَلَى التَّسَرِّي مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ إذَا كَانَ مَأْذُونًا لَهُ وَنَصُّهُ يُقَدَّمُ عَلَى اشْتِرَاطِ تَسَرِّيهِ فِي مَالِ نَفْسِهِ الَّذِي يَمْلِكُهُ وَقَدْ أَوْمَأَ إلَى هَذَا فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ وَهُوَ الأَظْهَرُ وَنَقَلَ الأَثْرَمُ عَنْهُ فِي الرَّجُلِ يَهَبُ لِعَبْدِهِ جَارِيَةً لاَ يَطَؤُهَا وَلَكِنَّهُ يَتَسَرَّى فِي مَالِهِ إذَا أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ وَفَسَّرَ مَالَهُ بِمَالِ الْعَبْدِ الَّذِي فِي يَدَيْهِ وَهَذَا فِي اعْتِبَارِ الإِذْنِ فِي التَّسَرِّي مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَتَفْرِيقِهِ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الأَمَةِ الَّتِي يَمْلِكُهَا السَّيِّدُ فِيهِ إشْكَالٌ وَلَعَلَّهُ مَنَعَ الْوَطْءَ بِدُونِ إذْنِ السَّيِّدِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ اشْتِرَاطًا لاِذْنِ السَّيِّدِ بِكُلِّ حَالٍ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الإِمَامَ أَحْمَدَ مُتَرَدِّدٌ فِي تَسَرِّي الْعَبْدِ بِأَمَةِ سَيِّدِهِ وَنِكَاحِهِ هَلْ هُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ أَمْ لاَ؟ فَقَالَ

فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: لاَ يَبِيعُ أَمَتَهُ الْمُزَوَّجَةَ بِعَبْدِهِ حَتَّى يُطَلِّقَهَا الْعَبْدُ فَجَعَلَهُ تَمْلِيكًا لاَزِمًا وَنَقَلَ عَنْهُ الأَكْثَرُونَ جَوَازَهُ وَاخْتَلَفَ عَنْهُ فِي بَيْعِ سُرِّيَّةِ عَبْدِهِ فَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ الْجَوَازَ وَنَقَلَ عَنْهُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَنْعَ مُعَلَّلاً بِأَنَّ التَّسَرِّي بِمَنْزِلَةِ النِّكَاحِ يُرِيدُ أَنَّهُ لاَزِمٌ لاَ يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهِ وَكَذَا نَقَلَ عَنْهُ ابْنُ هَانِئٍ وَغَيْرُهُ وَاخْتُلِفَ عَنْهُ فِي جَوَازِ تَسَرِّي الْعَبْدِ بِأَكْثَرَ مِنْ أَمَتَيْنِ فَنَقَلَ عَنْهُ الْمَيْمُونِيُّ الْجَوَازَ وَأَبُو الْحَارِثِ الْمَنْعَ كَالنِّكَاحِ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ عَنْهُ فِي أَنَّ الْعَبْدَ وَسُرِّيَّتَهُ يُوجِبُ تَحْرِيمَهُمَا عَلَيْهِ لِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهَا وَنَقَلَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ.
وَاخْتَلَفَ عَنْهُ فِي عِتْقِ الْعَبْدِ وَزَوْجَتِهِ هَلْ يَنْفَسِخُ بِهِ النِّكَاحُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ بِنَاءً عَلَى تَغْلِيبِ جِهَةِ التَّمْلِيكِ فِيهِ أَوْ جِهَةِ النِّكَاحِ وَقَدْ اسْتَشْكَلَ أَكْثَرَ هَذِهِ النُّصُوصِ الْقَاضِي وَرُبَّمَا أَوَّلَهَا وَنَزَّلَهَا عَلَى مَا ذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ الْمَذْكُورَةُ مَنْصُوصَةٌ عَنْ السَّلَفِ حُكْمًا وَتَعْلِيلاً كَمَا ذَكَرْنَا وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ: ظَاهِرُ كَلاَمِ أَحْمَدَ إبَاحَةُ التَّسَرِّي لِلْعَبْدِ وَإِنْ قُلْنَا: لاَ يَمْلِكُ فَيَكُونُ نِكَاحًا عِنْدَهُ وَحُمِلَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا فَهَلْ يُشْتَرَطُ لَهُ الإِشْهَادُ وَكَلاَمُ أَحْمَدَ يَقْتَضِي اسْتِحْبَابَهُ لاَ غَيْرَ وَفِي ثُبُوتِ الْمَهْرِ بِهِ خِلاَفٌ مَعْرُوفٌ.
وَمنها: لَوْ بَاعَ السَّيِّدُ عَبْدَ نَفْسِهِ بِمَالٍ فِي يَدِهِ فَهَلْ يُعْتَقُ أَمْ لاَ؟ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُعْتَقُ بِذَلِكَ وَذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ مَعَ قَوْلِهِ: إنَّ الْعَبْدَ لاَ يَمْلِكُ، وَنَزَّلَهُ الْقَاضِي عَلَى الْقَوْلِ بِالْمِلْكِ فَيَكُونُ دُخُولُ السَّيِّدِ مَعَ عَبْدِهِ فِي بَيْعِهِ نَفْسَهُ بِمَالِهِ إقْرَارًا لَهُ عَلَى مِلْكِهِ فَيَصِحُّ بَيْعُهُ وَيُعْتَقُ، وَإِنْ قُلْنَا: لاَ يَمْلِكُ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بَيْعُهُ نَفْسَهُ هُنَا كِنَايَةٌ عَنْ عِتْقِهِ فَيُعْتَقُ بِهِ بِكُلِّ حَالٍ، وَلِهَذَا قَالَ الأَصْحَابُ: أَنَّ بَيْعَ السَّيِّدِ عَبْدَهُ نَفْسَهُ بِمَالٍ تَعْلِيقٌ لِعِتْقِهِ عَلَى الْتِزَامِهِ فَيُعْتَقُ عَلَى مِلْكِ السَّيِّدِ فَيَكُونُ هَاهُنَا تَعْلِيقًا عَلَى إيفَاءِ هَذَا الْمَالِ، يُعْتَقُ بِهِ أَمَّا إنْ دَفَعَ مَالاً إلَى رَجُلٍ لِيَشْتَرِيَهُ بِهِ مِنْ سَيِّدِهِ فَفَعَلَ وَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي فَهَلْ يَصِحُّ الْعَقْدُ وَيُعْتَقُ إنْ اشْتَرَاهُ الرَّجُلُ فِي الذِّمَّةِ؟ ثُمَّ نَقَدَ الْمَالَ صَحَّ وَعَتَقَ وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِغَيْرِ الْمَالِ انْبَنَى عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي تَعْيِينِ النُّقُودِ بِالتَّعْيِينِ عَلَى مَا سَبَقَ وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي الْحَارِثِ وَأَبِي دَاوُد الْبُطْلاَنُ مُعَلَّلاً بِمَا ذَكَرْنَا وَذَكَرهُ الْخِرَقِيِّ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَالَّتِي قَبْلَهَا أَنَّ السَّيِّدَ لَمْ يَعْلَمْ هَهُنَا أَنَّهَا مَالُهُ فَلاَ يَكُونُ إقْرَارًا لَهَا عَلَى مِلْكِ الْعَبْدِ وَنَصَّ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا وَحَنْبَلٍ عَلَى أَنَّهُ يُعْتَقُ وَيَغْرَمُ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ وَهَذَا قَدْ يَتَنَزَّلُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ النُّقُودَ لاَ تَتَعَيَّنُ. وَقَدْ يَتَنَزَّلُ مَعَ الْقَوْلِ بِالتَّعْيِينِ عَلَى أَنَّهُ عَقْدٌ فَاسِدٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَيَنْفُذُ فِيهِ الْعِتْقُ كَمَا يَنْفُذُ الطَّلاَقُ فِي النِّكَاحِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِلْأَصْحَابِ.
وَكَذَلِكَ نَقَلَ مُهَنَّا عَنْهُ فِي عَبْدٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِ رَجُلٍ آخَرَ فَاشْتَرَاهُ بِهَا مِنْ سَيِّدِهِ وَأَعْتَقَهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ صَاحِبُ الْمَالِ بِمَالِهِ فَإِنْ اسْتَهْلَكَ كَانَ دَيْنًا عَلَى الْعَبْدِ وَيُعْتَقُ الْعَبْدُ وَحَمَلَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمُجَرَّدِ وَتَبِعَهُ ابْنُ عَقِيلٍفِيالْمَسْأَلَةِ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ وَكَّلَ الرَّجُلَ فِي شِرَاءِ نَفْسِهِ مِنْ سَيِّدِهِ فَيَكُونُ

الْمُشْتَرِي وَكِيلاً لِلْعَبْدِ وَتَكُونُ وَكَالَةً صَحِيحَةً قَالَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَدْ عَتَقَ فِي الْبَاطِنِ فِي الْحَالِ وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ الثَّمَنُ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْعَبْدِ. وَقَالَ أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: هَذَا فِيهِ إشْكَالٌ لاِنَّ الْعَبْدَ عِنْدَنَا لاَ يَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ سَيِّدِهِ شَيْئًا بِنَفْسِهِ فَكَيْفَ يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ فِيهِ وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ لاَ رِبًا بَيْنَ الْعَبْدِ وَسَيِّدِهِ قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ وَيَلْتَزِمُ عَلَيْهِ جَرَيَانُ الرِّبَا بَيْنَهُمَا، قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ غَلَطًا فِي كِتَابَيْهِمَا يَعْنِي الْقَاضِيَ وَابْنَ عَقِيلٍ وَأَنَّ الصَّوَابَ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ إذَا وَكَّلَ رَجُلٌ الْعَبْدَ فِي شِرَاءِ نَفْسِهِ مِنْ سَيِّدِهِ.
وَمنها: إذَا عَتَقَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ وَلَهُ مَالٌ فَهَلْ يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ لِلْعَبْدِ أَمْ يَكُونُ لِلسَّيِّدِ؟عَلَى رِوَايَتَيْنِ فَمِنْهُمْ مَنْ بَنَاهُمَا عَلَى الْقَوْلِ بِالْمِلْكِ وَعَدَمِهِ فَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُهُ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ وَإِلاَ فَلاَ وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي بَكْرٍ وَالْقَاضِي فِي خِلاَفِهِ وَصَاحِبِ الْمُحَرَّرِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْمِلْكِ.
وَمنها: لَوْ اشْتَرَى الْعَبْدُ زَوْجَتَهُ الأَمَةَ بِمَالِهِ فَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ انْفَسَخَ نِكَاحُهُ وَإِنْ قُلْنَا لاَ يَمْلِكُ لَمْ يَنْفَسِخْ.
وَمنها: لَوْ مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ أَمَةً فَاسْتَوْلَدَهَا فَإِنْ قُلْنَا لاَ يَمْلِكُ فَالْوَلَدُ مِلْكُ السَّيِّدِ وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ فَالْوَلَدُ مَمْلُوكٌ لِلْعَبْدِ لَكِنَّهُ لاَ يُعْتَقُ عَلَيْهِ حَتَّى يُعْتَقَ فَإِذَا عَتَقَ وَلَمْ يَنْزِعْهُ مِنْهُ قَبْلَ عِتْقِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ لِتَمَامِ مِلْكِهِ حِينَئِذٍ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ.
وَمنها: هَلْ يَنْفُذُ تَصَرُّفُ السَّيِّدِ فِي مَالِ الْعَبْدِ دُونَ اسْتِرْجَاعِهِ؟ إنْ قُلْنَا الْعَبْدُ لاَ يَمْلِكُ صَحَّ بِغَيْرِ إشْكَالٍ وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ فَظَاهِرُ كَلاَمِ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَنْفُذُ عِتْقُ السَّيِّدِ لِرَقِيقِ عَبْدِهِ قَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَجَعَ فِيهِ قَبْلَ عِتْقِهِ قَالَ: وَإِنْ حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَلاِنَّ عِتْقَهُ يَتَضَمَّن الرُّجُوعَ فِي التَّمْلِيكِ.
وَمنها: الْوَقْفُ عَلَى الْعَبْدِ فَنَصُّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ فَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ يَتَفَرَّعُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لاَ يَمْلِكُ فَأَمَّا: إنْ قِيلَ إنَّهُ يَمْلِكُ صَحَّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ كَالْمُكَاتَبِ فِي أَظْهَرْ الْوَجْهَيْنِ، وَالأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ فِي الرِّوَايَتَيْنِ لِضَعْفِ مِلْكِهِ.
وَمنها: وَصِيَّةُ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ فَإِنْ كَانَ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مِنْهُ صَحَّ وَعَتَقَ مِنْ الْعَبْدِ بِنِسْبَةِ ذَلِكَ الْجُزْءِ لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ الْمَالِ وَكَمُلَ عِتْقُهُ مِنْ بَقِيَّةِ الْوَصِيَّةِ نَصَّ عَلَيْهِ، فَقِيلَ لاِنَّ الْوَصِيَّةَ إنَّمَا صَحَّتْ لِعتقهِ فَتَقْدِيمُ الْعِتْقِ أَهَمُّ وَأَنْفَعُ لَهُ. وَقِيلَ بَلْ الْجُزْءُ الشَّائِعُ الْمُوصَى بِهِ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ فَتَعَيَّنَ فِي الْعَبْدِ تَصْحِيحًا لِلْوَصِيَّةِ مَهْمَا أَمْكَنَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: مَلَكَ بِالْوَصِيَّةِ جُزْءًا مُشَاعًا مِنْ نَفْسِهِ فَعُتِق عَلَيْهِ وَمَلَكَ بِهِ بَقِيَّةَ الْوَصِيَّةِ فَصَارَ مُعْسِرًا فَسَرَى الْعِتْقُ إلَى الْبَاقِي مَضْمُونًا بِالسِّرَايَةِ مِنْ بَقِيَّةِ الْوَصِيَّةِ إذْ لاَ مَالَ لَهُ سِوَاهَا

كَمَنْ مَلَكَ بَعْضَ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ بِفِعْلِهِ وَأَوْلَى. وَهَذَا الْمَأْخَذُ مَنْقُولٌ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَهُوَ حَسَنٌ وَفِي كَلاَمِ أَبِي الْحَسَنِ التَّمِيمِيِّ مَا يُشْعِرُ بِهِ أَيْضًا.
وَصَرَّحَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يُعْتَقُ مِنْهُ بِنِسْبَةِ الْوَصِيَّةِ مِنْ الْمَالِ فَيَسْرِي الْعِتْقُ إلَى جَمِيعِهِ إذَا احْتَمَلَهُ الثُّلُثُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِالسِّرَايَةِ بِالْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَيُكْمِلُ لَهُ بَقِيَّةَ الْوَصِيَّةِ مِنْ الْمَالِ إنْ احْتَمَلَ الثُّلُثُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِجُزْءٍ مُعَيَّنٍ أَوْ مُقَدَّرٍ فَفِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ رِوَايَتَانِ أَشْهَرُهُمَا عَدَمُ الصِّحَّةِ فَمِنْ الأَصْحَابِ مَنْ بَنَاهُمَا عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ هَلْ يَمْلِكُ أَمْ لاَ؟ وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ. وَهَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ أَبِي مُوسَى وَالشِّيرَازِيِّ وَابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِمْ. وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ الصِّحَّةَ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ كَقَدْرِ الْمُعَيَّنِ أَوْ الْمُقَدَّرِ مِنْ التَّرِكَةِ لاَ بِعَيْنِهِ فَيَعُودُ إلَى الْجُزْءِ الْمُشَاعِ وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا.
وَمنها: غَزَا الْعَبْدُ عَلَى فَرَسٍ مَلَّكَهُ إيَّاهَا سَيِّدُهُ فَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُهَا لَمْ يُسْهَمْ لَهَا وَلاِنَّ الْفَرَسَ تَبَعٌ لِمَالِكِهَا فَإِذَا كَانَ مَالِكُهَا مِنْ أَهْلِ الرَّضْخ فَكَذَلِكَ فَرَسُهُ وَإِنْ قُلْنَا: لاَ يَمْلِكُهَا أَسْهَمَ لَهَا لاِنَّهَا لِسَيِّدِهِ كَذَا قَالَ الأَصْحَابُ، وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْحَكَمِ أَنَّهُ يُسْهَمُ لِفَرَسِ الْعَبْدِ وَتَوَقَّفَ مَرَّةً أُخْرَى، وَقَالَ لاَ يُسْهَمُ لَهَا مُتَّحِدًا وَنَقَلَ عَنْهُ أَبُو طَالِبٍ إذَا غَزَا الْعَبْدُ مَعَ سَيِّدِهِ وَمَعَهُ فَرَسَانِ وَمَعَ سَيِّدِهِ فَرَسَانِ يُسْهَمُ لِفَرَسَيْ العبد لاِنَّ الْكُلَّ لِلسَّيِّدِ وَلاَ يُسْهَمُ لاِكْثَرَ مِنْ فَرَسَيْنِ.
تَنْبِيهٌ: الْخِلاَفُ فِي مِلْكِ الْعَبْدِ بِالتَّمْلِيكِ هَلْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِتَمْلِيكِ سَيِّدِهِ أَمْ لاَ؟ قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ: وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِهِ فَلاَ يَمْلِكُ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهِ وَكَلاَمُ الأَكْثَرِينَ يَدُلُّ عَلَى خِلاَفِهِ. وَيَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ:
منها: مِلْكُهُ اللُّقَطَةَ بَعْدَ الْحَوْلِ قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ الأَصْحَابِ يَنْبَنِي عَلَى رِوَايَتَيْ الْمِلْكِ وَعَدَمِهِ جَعْلاً لِتَمْلِيكِ الشَّارِعِ كَتَمْلِيكِ السَّيِّدِ، وَظَاهِرُ كَلاَمِ ابْنِ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ يَمْلِكُ اللُّقَطَةَ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ بِتَمْلِيكِ سَيِّدِهِ لاِنَّهُ تَمْلِيك شَرْعِيٌّ يَثْبُتُ قَهْرًا فَيَثْبُتُ لَهُ حُكْمًا وَفَارَقَ الْمِيرَاثَ لاِنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ لاِنْقِطَاعِ تَصَرُّفِهِ وَهُنَا هُوَ مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ إلَى الْمَالِ وَعِنْدَ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ لاَ يَمْلِكُهَا بِغَيْرِ خِلاَفٍ وَكَذَلِكَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُغْنِي أَنَّهَا مِلْكٌ لِسَيِّدِهِ.
وَمنها: حِيَازَتُهُ الْمُبَاحَاتِ مِنْ احْتِطَابٍ أَوْ احْتِشَاشٍ أَوْ اصْطِيَادٍ أَوْ مَعْدِنٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. فَمِنْ الأَصْحَابِ مَنْ قَالَ: هُوَ مِلْكٌ لِسَيِّدِهِ دُونَهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً كَالْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ لاِنَّ جَوَارِحَ الْعَبْدِ وَمَنَافِعَهُ مِلْكٌ لِسَيِّدِهِ فَهِيَ كَيَدِ نَفْسِهِ فَالْحَاصِلُ فِي يَدِ عَبْدِهِ كَالْحَاصِلِ فِي يَدِهِ حُكْمًا نَعَمْ! لَوْ أَذِنَ السَّيِّدُ لَهُ فِي ذَلِكَ فَهُوَ كَتَمْلِيكِهِ إيَّاهُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَخَرَّجَ طَائِفَةٌ الْمَسْأَلَةَ عَلَى الْخِلاَفِ فِي مِلْكِ الْعَبْدِ وَعَدَمِهِ مِنْهُمْ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ وَقَاسَهُ عَلَى اللُّقَطَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلاَمِ ابْنِ عَقِيلٍ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ.

وَمنها: إذَا وَصَّى لِلْعَبْدِ أَوْ وَهَبَ لَهُ وَقَبِلَهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ بِدُونِهِ إذَا أَجَزْنَا لَهُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمَنْصُوصِ فَالْمَالُ لِلسَّيِّدِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَبَنَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ عَلَى الْخِلاَفِ فِي مِلْكِ الْعَبْدِ.
وَمنها: لَوْ خَلَعَ الْعَبْدُ زَوْجَتَهُ بِعِوَضٍ فَهُوَ لِلسَّيِّدِ ذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ وَظَاهِرُ كَلاَمِ ابْنِ عَقِيلٍ بِنَاؤُهُ عَلَى الْخِلاَفِ فِي مِلْكِ الْعَبْدِ وَيُعَضِّدُهُ أَنَّ الْعَبْدَ هُنَا يَمْلِكُ الْبُضْعَ فَمَلَكَ عِوَضَهُ بِالْخُلْعِ؛ لاِنَّ مَنْ يَمْلِكُ شَيْئًا مَلَكَ عِوَضَهُ فَأَمَّا مَهْرُ الأَمَةِ فَهُوَ لِلسَّيِّدِ لاِنَّهُ عِوَضٌ عَنْ مِلْكِ السَّيِّدِ وَهُوَ مَنْفَعَةُ الْبُضْعِ فَيَكُونُ تَمَلُّكاً كَأُجْرَةِ الْعَبْدِ لَهُ بِخِلاَفِ مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهُ لَيْسَ عِوَضًا عَنْ مِلْكِهِ.

المسألة الثامنة
المسألة الثَّامِنَةُ: الْمُضَارِبُ هَلْ يَمْلِكُ الرِّبْحَ بِالظُّهُورِ أَمْ لاَ؟ ذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهُ يَمْلِكُ بِالظُّهُورِ رِوَايَةً وَاحِدَة وَقَالَ الأَكْثَرُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ. إحْدَاهُمَا: يَمْلِكُهُ بِالظُّهُورِ وَهِيَ الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لاَ يَمْلِكُ بِدُونِ الْقِسْمَةِ، وَنَصَرَهَا الْقَاضِي فِي خِلاَفِهِ فِي الْمُضَارَبَةِ وَيَسْتَقِرُّ الْمِلْكُ فِيهَا بِالْمُقَاسَمَةِ عِنْدَ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ وَلاَ يَسْتَقِرُّ بِدُونِهَا وَمِنْ الأَصْحَابِ مَنْ قَالَ يَسْتَقِرُّ بِالْمُحَاسِبَةِ التَّامَّةِ كَابْنِ أَبِي مُوسَى وَغَيْرِهِ وَبِذَلِكَ جَزَمَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ صَرِيحًا عَنْ أَحْمَدَ. وَلِهَذَا الاِخْتِلاَفِ فَوَائِدُ:
منها: انْعِقَادُ الْحَوْلِ عَلَى حِصَّةِ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَإِنْ قِيلَ لاَ يَمْلِكُ بِدُونِهَا فَلاَ انْعِقَادَ قَبْلَهَا وَإِنْ قِيلَ يَمْلِكُ بِمُجَرَّدِ الظُّهُورِ فَهَلْ يَنْعَقِدُ الْحَوْلُ عَلَيْهَا قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ فِيهَا أَمْ لاَ يَنْعَقِدُ بِدُونِ الاِسْتِقْرَارِ؟ فَفِيهِ لِلْأَصْحَابِ طُرُقٌ.
أَحَدُهُمَا: لاَ يَنْعَقِدُ الْحَوْلُ عَلَيْهَا بِدُونِ اسْتِقْرَارٍ بِحَالٍ مِنْ غَيْرِ خِلاَفٍ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَالْخِلاَفِ وَمَنْ اتَّبَعَهُ وَكَذَلِكَ طَرِيقَةُ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ أَبِي مُوسَى إلاَ أَنَّ الْقَاضِيَ عِنْدَهُ الاِسْتِقْرَارُ بِالْقِسْمَةِ وَعِنْدَهُمَا بِالْمُحَاسَبَةِ التَّامَّةِ فَيَنْعَقِدُ الْحَوْلُ عِنْدَهُمَا بِالْمُحَاسَبَةِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَابْنِ مَنْصُورٍ وَحَنْبَلٍ.
وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: إنْ قُلْنَا يَمْلِكُهُ بِالظُّهُورِ انْعَقَدَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ مِنْ حِينِهِ وَإِلاَ فَلاَ. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي مِنْ مَوْضِعٍ مِنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَأَبِي الْخَطَّابِ.
وَالطَّرِيقَةُ الثَّالِثَة: إنْ قُلْنَا لاَ يَثْبُتُ الْمِلْكُ قَبْلَ الاِسْتِقْرَارِ لَمْ يَنْعَقِدْ الْحَوْلُ وَإِنْ قُلْنَا يَثْبُتُ بِدُونِهِ فَهَلْ يَنْعَقِدُ قَبْلَهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ عَقِيلٍ وَصَاحِبَيْ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ لَكِنَّهُمَا رَجَّحَا عَدَمَ الاِنْعِقَادِ وَابْنُ عَقِيلٍ صَحَّحَ الاِنْعِقَادَ فِي بَابِ الْمُضَارَبَةِ وَأَمَّا رَبُّ الْمَالِ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ رَأْسِ مَالِهِ مَعَ

حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ وَيَنْعَقِدُ الْحَوْلُ عَلَيْهَا بِالظُّهُورِ وَأَمَّا بَقِيَّةُ الرِّبْحِ فَلاَ يَلْزَمُهُ زَكَاتُهُ، سَوَاءٌ قُلْنَا يَمْلِكُهُ الْعَامِلُ بِالظُّهُورِ أَوْ لاَ فِي ظَاهِرِ كَلاَمِ أَحْمَدَ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَالأَكْثَرِينَ لاِنَّهُ إنْ سَلِمَ فَهُوَ لِلْعَامِلِ وَإِنْ تَلِفَ عَلَيْهِمَا وَحَكَى أَبُو الْخَطَّابِ عَنْ الْقَاضِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ زَكَاتُهُ إذَا قُلْنَا لاَ يَمْلِكُهُ الْعَامِلُ بِدُونِ الْقِسْمَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلاَمِ الْقَاضِي فِي خِلاَفِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُزَارَعَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ.
وَمنها: لَوْ اشْتَرَى الْعَامِلُ بَعْدَ ظُهُورِ الرِّبْحِ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: الْبِنَاءُ عَلَى الْمِلْكِ بِالظُّهُورِ وَعَدَمِهِ فَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ بِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ وَإِلاَ فَلاَ وَكَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي فِي خِلاَفِهِ وَابْنُهُ أَبُو الْحُسَيْنِ وَأَبُو الْفَتْحِ الْحَلْوَانِيِّ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: إنْ قُلْنَا لاَ يَمْلِكُ بِالظُّهُورِ لَمْ يُعْتَقْ وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ بِهِ فَوَجْهَانِ، كَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ. أَحَدُهُمَا: يُعْتَقُ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّابِ وَأَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. وَالثَّانِي: لاَ يُعْتَقُ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ فَإِنَّ الْمِلْكَ فِيهِ غَيْرُ تَامٍّ وَلِهَذَا لاَ يُجْزِئُ فِي حَوْلِ الزَّكَاةِ كَمَا سَبَقَ، وَالْعِتْقُ يَسْتَدْعِي مِلْكًا بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُكَاتَبَ لاَ يُعْتَقُ عَلَيْهِ ذُو رَحِمِهِ بِمِلْكِهِ، وَالأَوَّلُ أَصَحُّ فَإِنَّ الْعِتْقَ يَسْرِي إلَى مِلْكِ الأَجْنَبِيِّ الْمَحْضِ وَلاَ يَمْنَعُهُ الدَّيْنُ بِخِلاَفِ الزَّكَاةِ وَالْمُكَاتَبُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ وَلِهَذَا لَوْ بَاشَرَ الْعِتْقَ بِنَفْسِهِ لَمْ يَنْفُذْ فَكَذَا بِالْمِلْكِ وَأَوْلَى، وَعَلَى هَذَا إذَا اشْتَرَى رَحِمَهُ بَعْدَ ظُهُورِ الرِّبْحِ عَتَقَ عَلَيْهِ مِنْهُ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ ثُمَّ إنْ كَانَ مُوسِرًا سَرَى عَلَيْهِ لاِنَّ الْعِتْقَ بِالشِّرَاءِ وَهُوَ مَا فَعَلَهُ بِاخْتِيَارِهِ وَلَوْ اشْتَرَى قَبْلَ ظُهُورِ الرِّبْحِ ثُمَّ ظَهَرَ الرِّبْحُ بِارْتِفَاعِ الأَسْوَاقِ وَقُلْنَا يَمْلِكُ بِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ نَصِيبُهُ وَلَمْ يَسْرِ إذْ لاَ اخْتِيَارَ لَهُ فِي ارْتِفَاعِ الأَسْوَاقِ وَذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ.
وَمنها: لَوْ وَطِئَ الْعَامِلُ أَمَةً مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ بَعْدَ ظُهُورِ الرِّبْحِ فَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُهُ بِالظُّهُورِ فَالْوَلَدُ حُرٌّ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الأَمَةِ وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ظَهَرَ رِبْحٌ لَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ وَهَلْ عَلَيْهِ الْجَلْدُ إنْ لَمْ يَكُنْ ظَهَرَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: لاَ حَدَّ عَلَيْهِ وَيُعَزَّرُ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي لاِنَّ الرِّبْحَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّقْوِيمِ وَهُوَ أَمْرٌ اجْتِهَادِيٌّ لاَ يُقْطَعُ بِهِ. وَالثَّانِي: عَلَيْهِ الْحَدُّ قَالَهُ الْقَاضِي لاِنْتِفَاءِ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ.
وَمنها: لَوْ اشْتَرَى الْعَامِلُ لِنَفْسِهِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ رِبْحٌ صَحَّ. نَصَّ عَلَيْهِ لاِنَّهُ مِلْكٌ لِغَيْرِهِ وَكَذَلِكَ إنْ ظَهَرَ رِبْحٌ وَقُلْنَا لاَ يَمْلِكُهُ بِالظُّهُورِ وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُهُ بِهِ فَهُوَ كَشِرَاءِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَبْطُلُ فِي قَدْرِ حَقِّهِ لاِنَّهُ مِلْكُهُ فَلاَ يَصِحُّ شِرَاؤُهُ لَهُ وَفِي الْبَاقِي رِوَايَتَانِ: تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً بِصِحَّتِهِ فِي الْكُلِّ مِنْ الرِّوَايَةِ الَّتِي يُخَيَّرُ فِيهَا لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ لِنَفْسِهِ لاِنَّ عِلاَقَةَ حَقِّ الْمُضَارَبِ بِهِ صَيَّرَتْهُ كَالْمُنْفَرِدِ عَنْ مِلْكِهِ فَكَذَا الْمُضَارِبُ مَعَ رَبِّ الْمَالِ وَأَوْلَى.

وَمنها: لَوْ اشْتَرَى الْعَامِلُ شِقْصًا لِلْمُضَارَبَةِ وَلَهُ فِيهِ شَرِكَةٌ فَهَلْ لَهُ الأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ فِيهِ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَمَنْ تَابَعَهُ فِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لاَ يَمْلِكُ الأَخْذَ وَاخْتَارَهُ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ لاِنَّهُ يَتَصَرَّفُ لِرَبِّ الْمَالِ فَامْتَنَعَ أَخْذُهُ كَمَا يُمْنَعُ شِرَاءُ الْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ فِيمَا يَتَوَالَيَانِ بَيْعَهُ. وَالثَّانِي: لَهُ الأَخْذُ وَخَرَّجَهُ مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ فِي حِصَّتِهِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ حِينَئِذٍ شَرِيكًا يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ وَشَرِيكِهِ وَمَعَ تَصَرُّفِهِ لِنَفْسِهِ تَزُولُ التُّهْمَةُ وَلاِنَّهُ يَأْخُذُ مِثْلَ الثَّمَنِ الْمَأْخُوذِ بِهِ فَلاَ تُهْمَةَ بِخِلاَفِ شِرَاءِ الْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ وَعَلَى هَذَا فَالْمَسْأَلَةُ مُقَيَّدَةٌ بِحَالَةِ ظُهُورِ الرِّبْحِ وَلاَ بُدَّ.
وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: مَا قَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ أَوْ كَانَ وَقُلْنَا لاَ يَمْلِكُهُ بِالظُّهُورِ فَلَهُ الأَخْذُ لاِنَّ الْمِلْكَ لِغَيْرِهِ فَكَذَا الأَخْذُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ رِبْحٌ وَقُلْنَا يَمْلِكُهُ بِالظُّهُورِ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى شِرَاءِ الْعَامِلِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ بَعْدَ مِلْكِهِ مِنْ الرِّبْحِ عَلَى مَا سَبَقَ.
وَمنها: لَوْ أَسْقَطَ الْعَامِلُ حَقَّهُ مِنْ الرِّبْحِ بَعْدَ ظُهُورِهِ فَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُهُ بِالظُّهُورِ لَمْ يَسْقُطْ وَإِنْ قُلْنَا لاَ يَمْلِكُهُ بِدُونِ الْقِسْمَةِ فَوَجْهَانِ وَقَدْ سَبَقَتْ فِي الْقَوَاعِدِ.
وَمنها: لَوْ قَارَضَ الْمَرِيضُ وَسَمَّى لِلْعَامِلِ فَوْقَ تَسْمِيَةِ الْمِثْلِ قَالَ الْقَاضِي وَالأَصْحَابُ: يَجُوزُ وَلاَ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ لاِنَّ ذَلِكَ لاَ يُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ بِعَمَلِهِ مِنْ الرِّبْحِ الْحَادِثِ وَيَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْعَامِلِ دُونَ الْمَالِكِ وَهَذَا إنَّمَا يَتَوَجَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِالظُّهُورِ وَإِنْ قُلْنَا لاَ يَمْلِكُهُ بِدُونِ الْقِسْمَةِ اُحْتُمِلَ أَنْ يُحْسَبَ مِنْ الثُّلُثِ لاِنَّهُ خَارِجٌ حِينَئِذٍ مِنْ مِلْكِهِ وَاحْتُمِلَ أَنْ لاَ يُحْسَبَ مِنْهُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلاَمِهِمْ لاِنَّ الْمَالَ الْحَاصِلُ لَمْ يُفَوِّتْ عَلَيْهِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَإِنَّمَا زَادَهُمْ فِيهِ رِبْحًا.

المسألة التاسعة
المسألة التَّاسِعَةُ: الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ هَلْ يَمْلِكُ رَقَبَةَ الْوُقُوفِ أَمْ لاَ؟ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ أَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ مِلْكٌ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. وَالثَّانِيَةُ لاَ، فَعَلَى هَذِهِ هَلْ هُوَ مِلْكٌ لِلْوَاقِفِ أَوْ لَلَهُ تَعَالَى؟ فِيهِ خِلاَفٌ أَيْضًا.
وَيَتَنَزَّلُ عَلَى هَذَا الاِخْتِلاَفِ مَسَائِلُ:
منها: زَكَاةُ الْوَقْفِ إذَا كَانَ مَاشِيَةً مَوْقُوفَةً عَلَى مُعَيَّنٍ فَهَلْ يَجِبُ زَكَاتُهَا؟ فِيهِ طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: بِنَاؤُهُ عَلَى هَذَا الْخِلاَفِ فَإِنْ قُلْنَا هُوَ مِلْكٌ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ زَكَاتُهَا وَإِنْ قُلْنَا مِلْكٌ لَلَهُ فَلاَ زَكَاةَ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْمُحَرَّرِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلاَمِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا وَعَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ وَعَلَى هَذَا فَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُهُ الْوَاقِفُ فَعَلَيْهِ زَكَاتُهُ وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ مَنْ وَقَفَ عَلَى أَقَارِبِهِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ عَلَيْهِ بِخِلاَفِ مَنْ وَقَفَ عَلَى الْمَسَاكِينِ. وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: لاَ زَكَاةَ فِيهِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ قَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ لِقُصُورِ الْمِلْكِ فِيهِ. فَأَمَّاالشَّجَرُ الْمَوْقُوفُ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِي ثَمَرِهِ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَجْهًا وَاحِدًا لاِنَّ ثَمَرَهُ مِلْكٌ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَقَالَ الشِّيرَازِيّ لاَ زَكَاةَ فِيهِ مُطْلَقًا وَنَقَلَهُ غَيْرُهُ رِوَايَةً.

وَمنها: لَوْ جَنَى الْوَقْفُ فَأَرْشُ جِنَايَتِهِ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إذَا قِيلَ إنَّهُ مَالِكُهُ لاِنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ تَسْلِيمِهِ فَيَلْزَمُهُ فِدَاؤُهُ وَإِنْ قِيلَ هُوَ مِلْكٌ لِلَّهِ فَالأَرْشُ مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ وَقِيلَ بَلْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَفِيهِ وَجْهٌ لاَ يَلْزَمُ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ الأَرْشُ عَلَى قَوْلَيْنِ لاِنَّ امْتِنَاعَهُ مِنْ التَّسْلِيمِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ إذْ لاَ قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ عَلَى التَّسْلِيمِ بِحَالٍ.
وَمنها: إذَا كَانَ الْوَقْفُ أَمَةً فَوِلاَيَةُ تَزَوُّجِهَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إنْ قِيلَ إنَّهُ يَمْلِكُهَا وَإِنْ قِيلَ هِيَ مِلْكٌ لَلَهُ فَالْوِلاَيَةُ لِلْحَاكِمِ فَيُزَوِّجُهَا بِإِذْنِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَإِنْ قِيلَ هِيَ مِلْكُ الْوَاقِفِ فَهُوَ أَوْلَى.
وَمنها: نَظَرُ الْوَاقِفِ إذَا لَمْ يُشرَطْ لَهُ نَاظِرٌ فَعَلَى الْقَوْلِ بِمِلْكِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لَهُ النَّظَرَ فِيهِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مِلْكٌ لَلَهُ نَظَرُهُ لِلْحَاكِمِ، وَظَاهِرُ كَلاَمِ أَحْمَدَ أَنَّ نَظَرَهُ لِلْحَاكِمِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي مُوسَى قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لاَ يَخْتَصُّ بِالْقَوْلِ بِانْتِفَاءِ مِلْكِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بَلْ يَنْظُرُ فِيهِ الْحَاكِمُ، وَإِنْ قُلْنَا ملكه لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لِعِلاَقَةِ حَقِّ مَنْ يَأْتِي بَعْدُ.
وَمنها: هَلْ يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ وَبِشَرِكَةِ الْوَقْفِ؟ فِيهِ طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: الْبِنَاءُ عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَمْلِكُ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ؟ فَإِنْ قِيلَ يِمِلْكِهِ اسْتَحَقَّ بِهِ الشُّفْعَةَ وَإِلاَ فَلاَ. وَالثَّانِي: الْوَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِنَا يَمْلِكُهُ وَهَذَا مَا قَالَه صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ لاِنَّ الْمِلْكَ قَاصِر وَهَذَا كُلُّهُ مُتَفَرِّعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي جَوَازِ قِسْمَةِ الْوَقْفِ مِنْ الْمُعَلَّقِ أَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ بِمَنْعِ الْقِسْمَةِ فَلاَ شُفْعَةَ إذْ لاَ شُفْعَةَ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ إلاَ فِيمَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ مِنْ الْعَقَارِ وَكَذَلِكَ بَنَى صَاحِبُ التَّلْخِيصِ الْوَجْهَيْنِ هُنَا عَلَى الْخِلاَفِ فِي قَبُولِ الْقِسْمَةِ.
وَمنها: لَوْ زَرَعَ الْغَاصِبُ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ فَهَلْ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ تَمَلُّكُهُ بِالنَّفَقَةِ؟ إنْ قِيلَ هُوَ الْمَالِكُ، فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِلاَ فَهُوَ كَالْمُسْتَأْجِرِ وَمَالِكِ الْمَنْفَعَةِ فَفِيهِ تَرَدُّدٌ سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي الْقَوَاعِدِ.
وَمنها: نَفَقَةُ الْوَقْفِ، وَهِيَ فِي غَلَّتِهِ مَا لَمْ يَشْرِطْ مِنْ غَيْرِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَلَّةٌ فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: نَفَقَتُهُ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: هِيَ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَقِيلَ هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى انْتِقَالِ الْمِلْكِ وَعَدَمِهِ وَقَدْ يُقَالُ بِالْوُجُوبِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ لِغَيْرِهِ كَمَا نَقُولُ بِوُجُوبِهَا عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ عَلَى وَجْهٍ.
وَمنها: لَوْ فَضَّلَ بَعْضَ وَلَدِهِ عَلَى بَعْضٍ فِي الْوَقْفِ فَالْمَنْصُوصُ الْجَوَازُ بِخِلاَفِ الْهِبَةِ فَقِيلَ هُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لاَ يَنْتَقِلُ إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، فَإِنْ قُلْنَا بِانْتِقَالِهِ لَمْ يَجُزْ كَالْهِبَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ بَلْ يَجُوزُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ لاِنَّهُ لَمْ يَخُصَّهُ بِالْمِلْكِ بَلْ جَعَلَهُ مِلْكًا لِجِهَةٍ مُتَّصِلَةٍ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ وَجَعَلَ الْوَلَدَ بَعْضَ تِلْكَ الْجِهَةِ، وَشَبِيهٌ بِهَذَا وَقْفُ الْمَرِيضِ عَلَى وَارِثِهِ هَلْ يَقِفُ عَلَى الإِجَازَةِ كَهِبَةٍ أَمْ يَنْفُذُ مِنْ الثُّلُثِ لاِنَّهُ لَيْسَ تَخْصِيصًا لِلْوَارِثِ بَلْ تَمَلُّكٌ لِجِهَةٍ مُتَّصِلَةٍ فَالْوَارِثُ بَعْضُ أَفْرَادِهِا؟ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ.
وَمنها: الْوَقْفُ عَلَى نَفْسِهِ وَفِي صِحَّتِهِ رِوَايَتَانِ وَبَنَاهُمَا أَبُو الْخَطَّابِ عَلَى هَذَا الأَصْلِ فَإِنْ قُلْنَا

الْوَقْفُ مِلْكٌ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ وَقْفُهُ عَلَى نَفْسِهِ لاِنَّهُ لاَ يَصِحُّ أَنْ يُزِيلَ الإِنْسَانُ مِلْكَ نَفْسِهِ إلَى نَفْسِهِ وَإِنْ قُلْنَا لَلَهُ تَعَالَى صَحَّ.
وَمنها: الْوَقْفُ الْمُنْقَطِعُ هَلْ يَعُودُ إلَى وَرَثَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَوْ إلَى وَرَثَةِ الْوَاقِفِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَعُودُ إلَى وَرَثَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَظَاهِرُ كَلاَمِهِ أَنَّهُ يَعُودُ إلَيْهِمْ إرْثًا لاَ وَقْفًا وَبِهِ جَزَمَ الْخَلاَلُ فِي الْجَامِعِ وَابْنِ أَبِي مُوسَى وَهَذَا مُنَزَّلٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مِلْكٌ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ وَيَشْهَدُ لَهُ أَنَّ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ شَبَّهَ الْوَقْفَ بِالْعُمْرَى وَالرُّقْبَى وَجَعَلَهَا لِوَرَثَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ كَمَا تَرْجِعُ الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى إلَى وَرَثَةِ الْمُعْطِي. وَجَعَلَ الْخَلاَلُ حُكْمَ الْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ والرقبى وَاحِدًا وَأَنْكَرَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ هَذَا الْبِنَاءَ وَادَّعَى أَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ وَقْفًا عَلَى الْوَرَثَةِ فَلاَ يَلْزَمُ مِلْكُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِنَصِّ أَحْمَدَ لِمَنْ تَأْمُلَهُ. نَعَمْ ! َفَرَّقَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ بَيْنَ الْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ وَبَيْنَ الْعُمْرَى بِأَنَّ الْعُمْرَى مِلْكٌ لِلْمُعَمَّرِ وَالْوَقْفَ لَيْسَ يَمْلِكُ بِهِ شَيْئًا إنَّمَا هُوَ لِمَنْ أَوْقَفَهُ يَضَعُهُ حَيْثُ شَاءَ مِثْلُ السُّكْنَى فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ لاَ يَمْلِكُ سِوَىمَنْفَعَةِالرَّقَبَةِ وَأَنَّ الرَّقَبَةَ مِلْكٌ لِلْوَاقِفِ.
وَمنها: لَوْ وَطِئَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الأَمَةَ الْمَوْقُوفَةَ فَأَوْلَدَهَا فَلاَ حَدَّ لاِنَّهَا إمَّا مِلْكٌ لَهُ أَوْ لَهُ فِيهَا شُبْهَةُ مِلْكٍ وَهَلْ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؟ إنْ قُلْنَا هِيَ مِلْكٌ لَهُ صَارَتْ مُسْتَوْلَدَةً لَهُ فَتُعْتَقُ بِمَوْتِهِ وَيُؤْخَذُ قِيمَتُهَا مِنْ تَرِكَتِهِ يَشْتَرِي بِهَا رَقَبَةً مَكَانَهَا تَكُونُ وَقْفًا وَإِنْ قُلْنَا لاَ يَمْلِكُهَا لم تَصِر مُسْتَوْلَدَةً لَهُ وَهِيَ وَقْفٌ بِحَالِهَا.
وَمنها: لَوْ تَزَوَّجَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الأَمَةَ الْمَوْقُوفَةَ فَإِنْ قِيلَ هِيَ مِلْكٌ لَهُ لَمْ يَصِحَّ وَإِلاَ صَحَّ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ عَلَى كِلاَ الْقَوْلَيْنِ وَلِهَذَا يَكُونُ الْمَهْرُ لَهُ.

المسألة العاشرة
المسألة الْعَاشِرَةُ: إجَازَةُ الْوَرَثَةِ هَلْ هِيَ تَنْفِيذٌ لِلْوَصِيَّةِ أَوْ ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ؟ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ أَشْهَرُهُمَا أَنَّهَا تَنْفِيذٌ، وَهَذَا الْخِلاَفُ قِيلَ إنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ هَلْ هُوَ بَاطِلٌ أَوْ مَوْقُوفٌ عَلَى الإِجَازَةِ؟ وَقِيلَ: بَلْ هَذَا الْخِلاَفُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوَقْفِ إمَّا عَلَى الْبُطْلاَنِ فَلاَ وَجْهَ لِلتَّنْفِيذِ، وَهُوَ أَشْبَهُ قَرَّرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ الْوَارِثَ إذَا اسْتَثْنَى حَقَّهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ وَطَرَدَ هَذَا فِي الأَعْيَانِ الْمُشَاعَةِ كَالْغَانِمِ إذَا اسْتَثْنَى حَقَّهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ الْوَقْفِ وَالْمُضَارِبِ إذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ الرِّبْحِ وَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ إذَا عَفَا عَنْ حَقِّهِ مِنْ الْمَهْرِ إذَا كَانَ عَيْنًا وَالْحَقّ الْمُشَاعُ بِالدُّيُونِ فِي جَوَازِ إسْقَاطِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ.
وَلِهَذَا الْخِلاَفِ فَوَائِدُ عَدِيدَةٌ:

منها: أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ لَهَا شُرُوطُ الْهِبَةِ مِنْ الإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَالْقَبْضِ فَيَصِحُّ بِقَوْلِهِ أَجَزْت وَأَنْفَذْتُ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْمُوصَى لَهُ فِي الْمَجْلِسِ. وَإِنْ قُلْنَا: هِيَ هِبَةٌ افْتَقَرَتْ إلَى إيجَابٍ وَقَبُولٍ ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ وَكَلاَمُ الْقَاضِي يَقْتَضِي أَنَّ فِي صِحَّتِهَا بِلَفْظِ الإِجَازَةِ إذَا قُلْنَا هِيَ هِبَةٌ وَجْهَيْنِ، قَالَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ: وَالصِّحَّةُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَهَلْ نَعْتَبِرُ أَنْ يَكُونَ الْمُجَازُ مَعْلُومًا لِلْمُجِيزِ؟ فَفِي الْخِلاَفِ لِلْقَاضِي وَالْمُحَرَّرِ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا الْخِلاَفِ وَصَرَّحَ بَعْدَ ذَلِكَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ بِأَنَّهُ لَوْ أَجَازَ قَدْرًا مَنْسُوبًا مِنْ الْمَالِ ثُمَّ قَالَ ظَنَنْت الْمَالَ قَلِيلاَ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَلاَ تَنَافِي بَيْنَهُمَا لِوَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ صِحَّةَ إجَازَةِ الْمَجْهُولِ لاَ يُنَافِي ثُبُوتَ الرُّجُوعِ إذَا تَبَيَّنَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُجِيزِ لَمْ يَعْلَمْهُ اسْتِدْرَاكًا لِظِلاَمَتِهِ، كَمَا تَقُولُ فِيمَنْ أَسْقَطَ شُفْعَتَهُ لمعنى ثُمَّ بَانَ بِخِلاَفِهِ، فَإِنْ لَهُ الْعَوْدَ إلَيْهَا فَكَذَلِكَ هَاهُنَا إذَا أَجَازَ الْجُزْءَ الْمُوصَى بِهِ يَظُنُّهُ قَلِيلاَ فَبَانَ كَثِيرًا فَلَهُ الرُّجُوعُ بِمَا زَادَ عَلَى مَا فِي ظَنِّهِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ إذَا اعْتَقَدَ أَنَّ النِّصْفَ الْمُوصَى بِهِ مَثَلاً مِائَةٌ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا فَبَانَ أَلْفًا فَهُوَ إنَّمَا أَجَازَ مِائَةً وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا وَلَمْ يُجِزْ أَكْثَر منها فَلاَ تَنْفُذُ إجَازَتُهُ فِي غَيْرِهَا وَهَذَا بِخِلاَفِ مَا إذَا أَجَازَ النِّصْفَ كَائِنًا مَا كَانَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَكُونُ إسْقَاطًا لِحَقِّهِ مِنْ مَجْهُولٍ فَيَنْفُذُ كَالإِبْرَاءِ وَطَرِيقَةُ صَاحِبِ الْمُغْنِي أَنَّ الإِجَازَةَ لاَ تَصِحُّ بِالْمَجْهُولِ وَلَكِنْ هَلْ يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الْجَهَالَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَمِنْ الأَصْحَابِ مَنْ قَالَ إنْ قُلْنَا الإِجَازَةُ تَنْفِيذٌ صَحَّتْ بِالْمَجْهُولِ وَلاَ رُجُوعَ، وَإِنْ قُلْنَا هِبَةٌ فَوَجْهَانِ.
وَمنها: لَوْ وَقَفَ عَلَى وَارِثِهِ فَأَجَازَهُ فَإِنْ قُلْنَا الإِجَازَةُ تَنْفِيذٌ صَحَّتْ بِالْمَجْهُولِ وَلاَ رُجُوعَ وَإِنْ قُلْنَا هِبَةٌ فَوَجْهَانِ.
وَمنها: لَوْ وَقَفَ عَلَى وَارِثِهِ فَأَجَازَهُ فَإِنْ قُلْنَا الإِجَازَةُ تَنْفِيذٌ صَحَّ الْوَقْفُ وَلَزِمَ وَإِنْ قُلْنَا هِبَةٌ فَهُوَ كَوَقْفِ الإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ.
وَمنها: إذَا كَانَ الْمُجَازُ عِتْقًا فَإِنْ قُلْنَا الإِجَازَةُ تَنْفِيذٌ فَالْوِلاَيَةُ لِلْمُوصِي تَخْتَصُّ بِهِ عَصَبَتُهُ وَإِنْ قُلْنَا عَطِيَّةٌ فَالْوَلاَءُ لِمَنْ أَجَازَ وَإِنْ كَانَ أُنْثَى.
وَمنها: لَوْ كَانَ الْمُجِيزُ أَبًا لِلْمُجَازِ لَهُ كَمَنْ أَوْصَى لِوَلَدِ وَلَدِهِ فَأَجَازَهُ وَلَدُهُ فَلَيْسَ لِلْمُجِيزِ الرُّجُوعُ فِيهِ إنْ قُلْنَا هُوَ تَنْفِيذٌ وَإِنْ قُلْنَا عَطِيَّةٌ فَلَهُ ذَلِكَ لاِنَّهُ قَدْ وَهَبَ لِوَلَدِهِ مَالاً.
وَمنها: لَوْ حَلَفَ لاَ يَهَبُ فَأَجَازَ فَإِنْ قُلْنَا هِيَ عَطِيَّةُ حَنِثَ وَإِلاَ فَلاَ.
وَمنها: لَوْ قَبِلَ الْوَصِيَّةَ الْمُفْتَقِرَةَ إلَى الإِجَازَةِ قَبْلَ الإِجَازَةِ ثُمَّ أُجِيزَتْ فَإِنْ قُلْنَا الإِجَازَةُ تَنْفِيذٌ فَالْمِلْكُ ثَابِتٌ لَهُ مِنْ حِينِ قَبُولِهِ أَوَّلاً، وَإِنْ قُلْنَا عَطِيَّةٌ، لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ إلاَ بَعْدَ الإِجَازَةِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلاَفِهِ.

وَمنها: أَنَّ مَا جَاوَزَ الثُّلُثَ مِنْ الْوَصَايَا إذَا أُجِيزَ هَلْ يُزَاحَمُ بِالزَّائِدِ مَا لَمْ يُجَاوِزْهُ؟ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا الْاختِلاَفِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَأَشْكَلَ تَوْجِيهُهُ عَلَى الأَصْحَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ فَإِنَّهُ إذَا كَانَتْ مَعَنَا وَصِيَّتَانِ إحْدَاهُمَا مُجَاوِزَةٌ لِلثُّلُثِ وَالْأُخْرَى لاَ تُجَاوِزُهُ كَنِصْفٍ وَثُلُثٍ وَأَجَازَ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّةَ الْمُجَاوِزَةَ لِلثُّلُثِ خَاصَّةً، فَإِنْ قُلْنَا الإِجَازَةُ تَنْفِيذٌ يُزَاحِمْ صَاحِبُ النِّصْفِ صَاحِبَ الثُّلُثِ بِنِصْفٍ كَامِلٍ فَيُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى خَمْسَةٍ، لِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلاَثَةُ أَخْمَاسِهِ وَالْآخَرِ خُمُسَاهُ ثُمَّ تُكْمِل لِصَاحِبِ النِّصْفِ نِصْفُهُ بِالإِجَازَةِ وَإِنْ قُلْنَا الإِجَازَةُ عَطِيَّةٌ فَإِنَّمَا يُزَاحِمُ بِثُلُثٍ خَاصٍّ إذْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ عَطِيَّةٌ مَحْضَةٌ مِنْ الْوَرَثَةِ لَمْ تَتَلَقَّ مِنْ الْمَيِّتِ فَلاَ يُزَاحِمُ بِهَا الْوَصَايَا فَيَنْقَسِمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى نِصْفَيْنِ ثُمَّ يُكْمِلُ لِصَاحِبِ النِّصْفِ ثُلُثَهُ بِالإِجَازَةِ. وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ: بِأَنَّ الإِجَازَةَ عَطِيَّةٌ أَوْ تَنْفِيذٌ فَيُفَرَّعُ عَلَى الْقَوْلِ بِإِبْطَالِ الْوَصِيَّةِ بِالزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ وَصِحَّتُهَا كَمَا سَبَقَ.
وَمنها: لَوْ أَجَازَ الْمَرِيضُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَصِيَّةَ مَوْرُوثَةً فَإِنْ قُلْنَا إجَازَتُهُ عَطِيَّةٌ فَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ مِنْ ثُلُثِهِ وَإِنْ قُلْنَا: تَنْفِيذٌ فَطَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: الْقَطْعُ بِأَنَّهَا مِنْ الثُّلُثِ أَيْضًا كَذَا قَالَ الْقَاضِي فِي خِلاَفِهِ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَشَبَّهَهُ بِالصَّحِيحِ إذَا حَابَّا فِي بَيْعٍ لَهُ فِيهِ خِيَارٌ ثُمَّ مَرِضَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَإِنَّهُ تَصِير مُحَابَاتُهُ مِنْ الثُّلُثِ؛ لاِنَّهُ تَمَكَّنَ مِنْ اسْتِرْدَادِ مَالِهِ إلَيْهِ فَلَمْ يَفْعَلْ فَقَامَ ذَلِكَ مَقَامَ ابْتِدَاءِ إخْرَاجِهِ فِي الْمَرَضِ، وَنَظِيرُهُ لَوْ وَهَبَ لِوَلَدِهِ شَيْئًا ثُمَّ مَرِضَ وَهُوَ بِحَالِهِ وَلَمْ يَرْجِعْ فِيهِ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ وَهُمَا مُنَزَّلاَنِ عَلَى أَصْلِ الْخِلاَفِ فِي حُكْمِ الإِجَازَةِ وَقَدْ يَتَنَزَّلاَنِ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ هَلْ يَنْتَقِلُ إلَى الْوَرَثَةِ فِي الْمُوصَى بِهِ أَم يَمْنَعُ مِنْ الْوَصِيَّةِ لِلاِنْتِقَالِ؟ وَفِيهِ وَجْهَانِ فَإِنْ قُلْنَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِمْ فَالإِجَازَةُ مِنْ الثُّلُثِ؛ لاِنَّهُ إخْرَاجُ مَالٍ مَمْلُوكٍ وَإِلاَ فَهِيَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ؛ لاِنَّهُ امْتِنَاعٌ مِنْ تَحْصِيلِ مَالٍ لَمْ يَدْخُلْ بَعْدُ فِي مِلْكِهِ وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ مِلْكِهِ بِخِلاَفِ مُحَابَاةِ الصَّحِيحِ إذَا مَرِضَ فَإِنَّ الْمَالَ كَانَ عَلَى مِلْكِهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى اسْتِرْجَاعِهِ.
وَمنها: إجَازَةُ الْمُفْلِسِ وَفِي الْمُغْنِي هِيَ نَافِذَةٌ وَهُوَ مُنَزَّلٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّنْفِيذِ وَلاَ يَبْعُدُ عَلَى الْقَاضِي فِي الَّتِي قَبْلَهَا أَنْ لاَ يَنْفُذَ وَقَالَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي فِي الشُّفْعَةِ مُعَلَّلاً بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ.

المسألة الحادية عشرة
المسألة الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: الْمُوصَى لَهُ هَلْ يَمْلِكُ الْوَصِيَّةَ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ أَمْ مِنْ حِينِ قَبُولِهِ لَهَا؟ فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ مَعْرُوفَانِ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُهَا مِنْ حِينِ قَبُولِهِ فَهَلْ هِيَ قَبْلَهُ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ أَوْ عَلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ أَيْضًا. وَأَكْثَرُ الأَصْحَابِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مِلْكٌ لِلْمُوصَى لَهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَالْخِرَقِيِّ وَمَنْصُوصُ أَحْمَدَ بَلْ نَصَّ أَحْمَدُ فِي مَوَاضِعَ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُعْتَبَرُ لَهُ الْقَبُولُ فَيَمْلِكُهُ قَهْرًا كَالْمِيرَاثِ وَهُوَ وَجْهٌ لِلْأَصْحَابِ حَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ. وَلِهَذَا الاِخْتِلاَفِ فَوَائِدُ عَدِيدَةٌ.

فَمنها: حُكْمُ نَمَائِهِ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْقَبُولِ فَإِنْ قُلْنَا هُوَ عَلَى مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ فَهُوَ له لاَ يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ قُلْنَا هُوَ عَلَى مِلْكِ الْمُوصِي فَتَتَوَفَّرُ بِهِ التَّرِكَةُ فَيَزْدَادُ بِهِ الثُّلُثُ وَإِنْ قُلْنَا هُوَ عَلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ فَنَمَاؤُهُ لَهُمْ خَاصَّةً. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي خِلاَفِهِ أَنَّ مِلْكَ الْمُوصَى لَهُ لاَ يَتَقَدَّمُ الْقَبُولُ وَأَنَّ النَّمَاءَ قَبْلَهُ لِلْوَرَثَةِ مَعَ أَنَّ الْعَيْنَ بَاقِيَةٌ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ فَلاَ يَتَوَفَّرُ الثُّلُثُ؛ لاِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِلْكًا لَهُ حِينَ الْوَفَاةِ وَذَكَرَ أَيْضًا إذَا قُلْنَا إنَّهُ مُرَاعًى وَإِنَّا نُبَيِّنُ بِقَبُولِ الْمُوصَى لَهُ مِلْكَهُ لَهُ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ فَإِنْ النَّمَاءَ يَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ مُعْتَبَرًا مِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ مَعَ الأَصْلِ فَهُمَا لَهُ وَإِلاَ كَانَ لَهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ مِنْ الأَصْلِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ الثُّلُثِ كَانَ لَهُ مِنْ النَّمَاءِ.
وَمنها: لَوْ نَقَصَ الْمُوصَى بِهِ فِي سِعْرٍ أَوْ صِفَةٍ فَفِي الْمُحَرَّرِ إنْ قُلْنَا يَمْلِكُهُ بِالْمَوْتِ اُعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ مِنْ التَّرِكَةِ بِسِعْرِهِ يَوْمَ الْمَوْتِ عَلَى أَدْنَى صِفَاتِهِ مِنْ يَوْمِ الْمَوْتِ إلَى الْقَبُولِ؛ لاِنَّ الزِّيَادَةَ حَصَلَتْ فِي مِلْكِهِ فَلاَ يُحْسَبُ عَلَيْهِ، وَالنَّقْصُ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ بَلْ هُوَ مِنْ ضَمَانِ التَّرِكَةِ وَلِهَذَا لَوْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ أَوْ بَعْضُهَا لَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ فِي التَّالِفِ وَأَمَّا نَقْصُ الأَسْعَارِ فَلاَ تُضْمَنُ عِنْدَنَا. وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُهُ مِنْ حِينِ الْقَبُولِ اعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبُولِ سِعْرًا وَصِفَةً؛ لاِنَّهُ يَمْلِكْهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ وَذَكَرَ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ وَلَمْ يَحْكِ صَاحِبُ الْمُغْنِي فِيهِ خِلاَفًا فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِيَوْمِ الْمَوْتِ عَلَى الْوُجُوهِ كُلِّهَا؛ لاِنَّ حَقَّهُ تَعَلَّقَ بِالْمُوصَى لَهُ تَعْلِيقًا قَطَعَ تَصَرُّفَ الْوَرَثَةِ فِيهِ فَيَكُونُ ضَمَانُهُ عَلَيْهِ كَالْعَبْدِ الْجَانِي إذَا أَخَّرَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ اسْتِيفَاءَ حَقِّهِ مِنْهُ حَتَّى تَلِفَ أَوْ نَقَصَ
وَمنها: لَوْ كَانَ الْمُوصَى بِهِ أَمَةً فَوَطِئَهَا الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ فَإِنْ قُلْنَا الْمِلْكُ لَهُ فَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ وَإِلاَ فَلاَ، وَلَوْ وَطِئَهَا الْوَارِثُ فَإِنْ قُلْنَا الْمِلْكُ لَهُ فَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ وَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا لِلْمُوصَى لَهُ، وَإِنْ قُلْنَا لاَ يَمْلِكُهَا لَمْ تَكُنْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ.
وَمنها: لَوْ وَصَّى بِأَمَةٍ لِزَوْجِهَا فَلَمْ يَعْلَمْ حَتَّى أَوْلَدَهَا أَوْلاَدًا ثُمَّ قَبِلَ الْوَصِيَّةَ فَإِنْ قِيلَ يَمْلِكُهَا بِالْمَوْتِ فَوَلَدُهُ حُرٌّ وَالأَمَةُ أُمُّ وَلَدِهِ وَيَبْطُلُ نِكَاحُهُ بِالْمَوْتِ وَإِنْ قِيلَ لاَ يَمْلِكُهَا إلاَ بَعْدَ الْقَبُولِ فَنِكَاحُهُ بَاقٍ قَبْلَ الْقَبُولِ وَوَلَدُهُ رَقِيقٌ لِلْوَارِثِ.
وَمنها: لَوْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِابْنِهِ فَمَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ وَقُلْنَا يَقُومُ وَارِثُهُ مَقَامَهُ فِيهِ فَقَبِلَ ابْنُهُ صَحَّ وَعَتَقَ وَهَلْ يَرِثُ مِنْ أَبِيهِ الْمَيِّتِ أَمْ لاَ؟ إنْ قُلْنَا يَمْلِكُهُ بِالْمَوْتِ فَقَدْ عَتَقَ بِهِ فَيَكُونُ حُرًّا عِنْدَ مَوْتِ أَبِيهِ فَيَرِثُ مِنْهُ وَإِنْ قُلْنَا إنَّمَا يَمْلِكُهُ بَعْدَ الْقَبُولِ فَهُوَ عِنْدَ مَوْتِ أَبِيهِ رَقِيقٌ فَلاَ يَرِثُ، وَلَوْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِمَالٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَإِنْ قُلْنَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِالْمَوْتِ فَهُوَ مِلْكٌ لِلْمَيِّتِ فَيُوَفِّي مِنْهُ دُيُونَهُ وَوَصَايَاهُ وَعَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ هُوَ مِلْكٌ لِلْوَارِثِ الَّذِي قَبْلُ. ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَيَتَخَرَّجُ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ يَكُونُ مِلْكًا لِلْمُوصَى لَهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ؛ لاِنَّ التَّمْلِيكَ حَصَلَ لَهُ فَكَيْفَ يَصِحُّ الْمِلْكُ ابْتِدَاءً لِغَيْرِهِ؟ وَلِهَذَا نَقُولُ عَلَى

إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: إنْ الْمُكَاتَبَ إذَا مَاتَ وَخَلَّفَ وَفَاءً أَنَّهُ يُؤَدِّي مِنْهُ بَقِيَّةَ مَالِ الْكِتَابَةِ. وَيَتَبَيَّنُ بِذَلِكَ مَوْتُهُ حُرًّا مَعَ أَنَّ الْحُرِّيَّةَ لاَ تَثْبُتُ لِلْمُكَاتَبِ إلاَ بَعْدَ الأَدَاءِ.
وَمنها: لَوْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِأَرْضٍ فَبَنَى الْوَارِثُ فِيهَا وَغَرَسَ قَبْلَ الْقَبُولِ ثُمَّ قَبِلَ فَفِي الإِرْشَادِ إنْ كَانَ الْوَارِثُ عَالِمًا بِالْوَصِيَّةِ قَلَعَ بِنَاءَهُ وَغَرْسَهُ مَجَّانًا وَإِنْ كَانَ جَاهِلاً فَعَلَى وَجْهَيْنِ، وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالْمِلْكِ بِالْمَوْتِ أَمَّا إنْ قِيلَ هِيَ قَبُولٌ قَبْلَ الْقَبُولِ عَلَى مِلْكِ الْوَارِثِ فَهُوَ كَبِنَاءِ الْمُشْتَرِي الشِّقْصَ الْمَشْفُوعَ وَغَرْسِهِ، فَيَكُونُ مُحْتَرَمًا يُتَمَلَّكُ بِقِيمَتِهِ.
وَمنها: لَوْ بِيعَ شِقْصٌ فِي شَرِكَةِ الْوَرَثَةِ وَالْمُوصَى لَهُ قَبْلَ قَبُولِهِ فَإِنْ قُلْنَا الْمِلْكُ لَهُ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ فَهُوَ شَرِيكٌ لِلْوَرَثَةِ فِي الشُّفْعَةِ وَإِلاَ فَلاَ حَقَّ له فِيهَا.
وَمنها: جَرَيَانُهُ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ فِي حَوْلِ الزَّكَاةِ فَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُهُ الْمُوصَى لَهُ جَرَى فِي حَوْلِهِ وَإِنْ قُلْنَا لِلْوَرَثَةِ فَهَلْ يَجْرِي فِي حَوْلِهِمْ حَتَّى لَوْ تَأَخَّرَ الْقَبُولُ سَنَةً كَانَتْ زَكَاتُهُ عَلَيْهِمْ أَمْ لاَ لِضَعْفِ مِلْكِهِمْ فِيهِ وَتَزَلْزُلِهِ وَتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُوصَى لَهُ بِهِ فَهُوَ كَمَالِ الْمُكَاتَبِ؟ فِيهِ تَرَدُّدٌ.

المسألة الثانية عشرة
المسألة الثَّانِيَةُ عَشْرَةَ: الدَّيْنُ هَلْ يَمْنَعُ انْتِقَالَ التَّرِكَةِ إلَى الْوَرَثَةِ أَمْ لاَ؟ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ أَشْهَرُهُمَا الاِنْتِقَالُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هِيَ الْمَذْهَبُ وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ أَنَّ الْمُفْلِسَ إذَا مَاتَ سَقَطَ حَقُّ الْبَائِعِ مِنْ عَيْنِ مَالِهِ لاِنَّ الْمَالَ انْتَقَلَ إلَى وَرَثَتِهِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لاَ يَنْتَقِلُ، نَقَلَهَا ابْنُ مَنْصُورٍ فِي رَجُلٍ مَاتَ وَتَرَكَ دَارًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَجَاءَ الْغُرَمَاءُ يَبْتَغُونَ الْمَالَ وَقَالَ أَحَدُ بَنِيهِ: أَنَا أُعْطِي رُبْعَ الدَّيْنِ وَدَعُوا لِي رُبْعَ الدَّارِ قَالَ أَحْمَدُ: هَذِهِ الدَّارُ لِلْغُرَمَاءِ لاَ يَرِثُونَهَا، يَعْنِي الأَوْلاَدَ وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ دُيُونِ اللَّهِ تَعَالَى وَدُيُونِ الْآدَمِيِّينَ وَلاَ بَيْنَ الدُّيُونِ الثَّابِتَةِ فِي الْحَيَاةِ وَالْمُتَجَدِّدَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ لِسَبَبٍ مِنْهُ يَقْتَضِي الضَّمَانَ كَحَفْرِ بِئْرٍ وَنَحْوِهِ، صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي. وَهَلْ يُعْتَبَرُ كَوْنُ الدَّيْنِ مُحِيطًا بِالتَّرِكَةِ أَمْ لاَ؟ ظَاهِرُ كَلاَمِ طَائِفَةٍ اعْتِبَارُهُ حَيْثُ فَرَضُوا الْمَسْأَلَةَ فِي الدَّيْنِ الْمُسْتَغْرِقِ، وَكَلاَمُ أَبِي الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ كَالصَّرِيحِ فِي قِيمَتِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَرَّحَ بِالْمَنْعِ مِنْ الاِنْتِقَالِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا ذَكَرَهُ فِي مَسَائِلِ الشُّفْعَةِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِالاِنْتِقَالِ فَيَتَعَلَّقُ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِهَا جَمِيعًا وَإِنْ لَمْ يَسْتَغْرِقْهَا الدَّيْنُ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّرْغِيبِ وَهَلْ تَعَلُّقُ حَقِّهِمْ بِهَا تَعَلُّقُ رَهْنٍ أَوْ جِنَايَةٍ؟ فِيهِ خِلاَفٌ يَتَحَرَّرُ بِتَحْرِيرِ مَسَائِلَ:
إحْدَاهَا: هَلْ يَتَعَلَّقُ جَمِيعُ الدَّيْنِ بِالتَّرِكَةِ وَبِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا أَوْ يَتَقَسَّطُ؟ صَرَّحَ الْقَاضِي فِي

خِلاَفِهِ بِالأَوَّلِ إنْ كَانَ الْوَارِثُ وَاحِدًا وَإِنْ كَانَ مُتَعَدِّدًا انْقَسَمَ عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ وَتَعَلَّقَ بِحِصَّةِ كُلِّ وَارِثٍ مِنْهُمْ قِسْطُهَا مِنْ الدَّيْنِ وَبِكُلِّ جُزْءٍ منها كَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ إذَا رَهَنَهُ الشَّرِيكَانِ بِدَيْنٍ عَلَيْهِمَا.
وَالثَّانِيَةُ: هَلْ يَمْنَعُ هَذَا التَّعَلُّقُ مِنْ نُفُوذِ التَّصَرُّفِ؟ وَسَنَذْكُرُهُ.
وَالثَّالِثَة: هَلْ يَتَعَلَّقُ الدَّيْنُ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ مَعَ الذِّمَّةِ؟ فِيهِ لِلْأَصْحَابِ ثَلاَثَةُ أَوْجُهٍ. أَحَدُهَا: يَنْتَقِلُ إلَى ذِمَمِ الْوَرَثَةِ قَالَهُ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلاَفَيْهِمَا وَابْنُ عَقِيلٍ وَمِنْهُمْ مَنْ قَيَّدَهُ بِالْمُؤَجَّلِ وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّهُ بِالْقَوْلِ بِانْتِقَالِ التَّرِكَةِ إلَيْهِمْ. وَالثَّانِي: هُوَ بَاقٍ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَيْضًا وَالْآمِدِيُّ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ وَصَاحِبُ الْمُغْنِي وَهُوَ ظَاهِرُ كَلاَمِ الأَصْحَابِ فِي ضَمَانِ دَيْنِ الْمَيِّتِ. وَالثَّالِثُ: يَتَعَلَّقُ بِأَعْيَانِ التَّرِكَةِ فَقَطْ قَالَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَرُدَّ بِلُزُومِ بَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْمَيِّتِ فِيهَا بِالتَّلَفِ وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَلِهَذَا الاِخْتِلاَفِ فَوَائِدُ:
منها: نُفُوذُ تَصَرُّفِ الْوَرَثَةِ فِيهَا بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ فَإِنْ قُلْنَا بِعَدَمِ الاِنْتِقَالِ إلَيْهِمْ فَلاَ إشْكَالَ فِي عَدَمِ النُّفُوذِ، وَإِنْ قُلْنَا بِالاِنْتِقَالِ فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لاَ يَنْفُذُ، قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي بَابِ الشَّرِكَةِ مِنْ كِتَابَيْهِمَا وَحَمَلَ الْقَاضِي فِي غَيْرِ الْمُجَرَّدِ رِوَايَةَ ابْنِ مَنْصُورٍ عَلَى هَذَا. وَالثَّانِي: يَنْفُذُ، قَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا فِي الرَّهْنِ وَالْقِسْمَةِ وَجَعَلاَهُ الْمَذْهَبَ وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُمْ التَّصَرُّفُ بِشَرْطِ الضَّمَانِ قَالَهُ الْقَاضِي قَالَ وَمَتَى خَلَّى الْوَرَثَةُ بَيْنَ التَّرِكَةِ وَبَيْنَ الْغُرَمَاءِ سَقَطَتْ مُطَالَبَتُهُمْ بِالدُّيُونِ وَنَصَبَ الْحَاكِمُ مَنْ يُوَفِّيهِمْ منها وَلَمْ يَمْلِكْهَا الْغُرَمَاءُ بِذَلِكَ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ إذَا تَصَرَّفُوا فِيمَا طُولِبُوا بِالدُّيُونِ كُلِّهَا كَمَا نَقُولُ فِي سَيِّدِ الْجَانِي إذَا فَدَاهُ إنَّهُ يَفْدِيهِ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ بَالِغًا مَا بَلَغَ عَلَى رِوَايَةٍ، وَكَلاَمُ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ البرزاطي هَاهُنَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَسَنَذْكُرُهُ وَفِي الْكَافِي إنَّمَا يَضْمَنُونَ أَقَلَّ الأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَةِ التَّرِكَةِ أَوْ الدَّيْنِ وَعَلَى الأَوَّلِ يَنْفُذُ الْعِتْقُ خَاصَّةً كَعِتْقِ الرَّاهِنِ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ وَحَكَى الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ فِي بَابِ الْعِتْقِ فِي نُفُوذِ الْعِتْقِ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالدَّيْنِ وَجْهَيْنِ، وَأَنَّهُ لاَ يَنْفُذُ مَعَ الْعِلْمِ وَجَعَلَ صَاحِبُ الْكَافِي مَأْخَذَهُمَا أَنَّ حُقُوقَ الْغُرَمَاءِ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالتَّرِكَةِ هَلْ يَمْلِكُ الْوَرَثَةُ إسْقَاطَهَا بِالْتِزَامِهِمْ الأَدَاءَ مِنْ عِنْدَهُمْ أَمْ لاَ؟ وَرِوَايَةُ ابْنِ مَنْصُورٍ السَّابِقَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لاَ يَمْلِكُونَ ذَلِكَ وَفِي النَّظَرِيَّاتِ لاِبْنِ عَقِيلٍ أَنَّ عِتْقَ الْوَرَثَةِ إنَّمَا يَنْفُذُ مَعَ يَسَارِهِمْ دُونَ إعْسَارِهِمْ اعْتِبَارًا بِعِتْقِ مَوْرُوثِهِمْ فِي مَرَضِهِ؛ لاِنَّ مَوْرُوثَهُمْ كَانَ مِلْكُهُ ثَابِتًا فِيهَا بِغَيْرِ خِلاَفٍ وَلاَ يَنْفُذُ عِتْقُهُ مَعَ الإِعْسَارِ فَلاَنْ لاَ يَنْفُذَ عِتْقُهُمْ مَعَ إعْسَارِهِمْ وَالاِخْتِلاَفِ فِي مِلْكِهِمْ أَوْلَى. وَهَلْ يَصِحُّ رَهْنُ التَّرِكَةِ عِنْدَ الْغُرَمَاءِ؟ قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ لاَ يَصِحُّ، وَعَلَّلَ بِأَنَّهَا كَالْمَرْهُونَةِ عِنْدَهُمْ بِحَقِّهِمْ، وَالْمَرْهُونُ لاَ يَصِحُّ رَهْنُهُ وَبِأَنَّ التَّرِكَةَ مِلْكٌ لِلْوَرَثَةِ فَلاَ يَصِحُّ رَهْنُ مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَعَلَى التَّعْلِيلِ الأَوَّلِ لاَ يَصِحُّ رَهْنُ الْوَرَثَةِ لَهَا مِنْ الْغُرَمَاءِ، وَإِنْ قِيلَ: هِيَ مِلْكُهُمْ، وَعَلَى الثَّانِي يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ رَهْنُ الْمُوصَى لَهَا إذَا قُلْنَا لَيْسَتْ مِلْكًا لِلْوَرَثَةِ.

وَمنها: نَمَاءُ التَّرِكَةِ. فَإِنْ قُلْنَا لاَ يَنْتَقِلُ إلَى الْوَرَثَةِ تَعَلَّقَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِالنَّمَاءِ كَالأَصْلِ، وَإِنْ قُلْنَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِمْ فَهَلْ يَتَعَلَّقُ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِالنَّمَاءِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَقَدْ سَبَقَ بَسْطُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي قَاعِدَةِ النَّمَاءِ.
وَمنها: لَوْ مَاتَ رَجُلٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَهُ مَالٌ زَكَوِيٌّ فَهَلْ يَبْتَدِئ الْوَرَثَةُ حَوْلَ زَكَاتِهِ مِنْ حِينِ مَوْتِ مَوْرُوثِهِ أَمْ لاَ؟ إنْ قُلْنَا لاَ تَنْتَقِلُ التَّرِكَةُ إلَيْهِ مَعَ الدَّيْنِ فَلاَ إشْكَالَ فِي أَنَّهُ لاَ يَجْرِي فِي حَوْلِهِ حَتَّى يَنْتَقِلَ إلَيْهِ وَإِنْ قُلْنَا يَنْتَقِلُ انْبَنَى عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ هَلْ هُوَ مَضْمُونٌ فِي ذِمَّةِ الْوَارِثِ أَوْ هُوَ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ خَاصَّةً؟ فَإِنْ قُلْنَا الدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الْوَارِثِ وَكَانَ مِمَّا يَمْنَعُ الزَّكَاةَ انْبَنَى عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ الْمَانِعَ هَلْ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْحَوْلِ مِنْ ابْتِدَائِهِ أَوْ يَمْنَعُ الْوُجُوبَ فِي انْتِهَائِهِ خَاصَّةً؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ مَحْكِيَّتَانِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ. وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَمْنَعُ الاِنْعِقَادَ فَيَمْتَنِعُ انْعِقَادُ الْحَوْلِ عَلَى مِقْدَارِ الدَّيْنِ مِنْ الْمَالِ وَإِنْ قُلْنَا: إنَّمَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي آخِرِ الْحَوْلِ مُنِعَ مِنْ الْوُجُوبِ هَاهُنَا آخِرَ الْحَوْلِ فِي قَدْرِهِ أَيْضًا، وَإِنْ قُلْنَا لَيْسَ فِي ذِمَّةِ الْوَارِثِ شَيْءٌ فَظَاهِرُ كَلاَمِ أَصْحَابِنَا أَنَّ تَعَلُّقَ الدَّيْنِ بِالْمَالِ مَانِعٌ وَسَنَذْكُرُهُ.
وَمنها: لَوْ كَانَ لَهُ شَجَرٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَمَاتَ فَهَاهُنَا صُورَتَانِ. إحْدَاهُمَا: أَنْ يَمُوتَ قَبْلَ أَنْ يُثْمِرَ ثُمَّ أَثْمَرَتْ قَبْلَ الْوَفَاءِ فَيَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ هَلْ يَتَعَلَّقُ بِالنَّمَاءِ أَمْ لاَ؟ فَإِنْ قُلْنَا يَتَعَلَّقُ بِهِ خَرَجَ عَلَى الْخِلاَفِ فِي مَنْعِ الدَّيْنِ الزَّكَاةَ فِي الأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ، وَإِنْ قُلْنَا لا يَتَعَلَّقُ بِهِ فَالزَّكَاةُ عَلَى الْوَارِثِ وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءٌ عَلَى الْقَوْلِ بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَيْهِ أَمَّا إنْ قُلْنَا لاَ يَنْتَقِلُ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ إلاَ أَنْ يَنْفَكَّ التَّعَلُّقُ قَبْلَ بُدُوِّ صَلاَحِهِ. الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَمُوتَ بَعْدَ مَا أَثْمَرَتْ فَيَتَعَلَّقُ الدَّيْنُ بِالثَّمَرَةِ ثُمَّ إنْ كَانَ مَوْتُهُ بَعْدَ وَقْتِ الْوُجُوبِ فَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ إلاَ أَنْ نَقُولَ: إنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ الزَّكَاةَ فِي الْمَالِ الظَّاهِرِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ وَقْتِ الْوُجُوبِ، فَإِنْ قُلْنَا تَنْتَقِلُ التَّرِكَةُ إلَى الْوَرَثَةِ مَعَ الدَّيْنِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ لاِنَّهُ مَالٌ لَهُمْ تَعَلَّقَ بِهِ دَيْنٌ وَلاَ سِيَّمَا إنْ قُلْنَا إنَّهُ فِي ذِمَّتِهِمْ وَإِنْ قُلْنَا لاَ تَنْتَقِلُ التَّرِكَةُ إلَيْهِمْ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِمْ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّمَاءَ الْمُنْفَصِلَ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِغَيْرِ خِلاَفٍ.
وَمنها: لَوْ مَاتَ وَلَهُ عَبِيدٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَأَهَلَّ هِلاَلُ الْفِطْرِ فَإِنْ قُلْنَا لاَ يَنْتَقِلُ الْمِلْكِ فَلاَ فِطْرَةَ لَهُمْ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ قُلْنَا يَنْتَقِلُ فَفِطْرَتُهُمْ عَلَى الْوَرَثَةِ.
وَمنها: لَوْ كَانَتْ التَّرِكَةُ حَيَوَانًا فَإِنْ قُلْنَا بِالاِنْتِقَالِ إلَى الْوَرَثَةِ فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ وَإِلاَ فَمِنْ التَّرِكَةِ كَمُؤْنَتِهِ وَكَذَلِكَ مُؤْنَةُ الْمَالِ كَأُجْرَةِ الْمَخْزَنِ وَنَحْوِهِ.
وَمنها: لَوْ مَاتَ الْمَدِينُ وَلَهُ شِقْصٌ فَبَاعَ شَرِيكُهُ نَصِيبَهُ قَبْلَ الْوَفَاءِ فَهَلْ لِلْوَرَثَةِ الأَخذ بِالشُّفْعَةِ؟ إنْ قُلْنَا بِالاِنْتِقَالِ إلَيْهِمْ فَلَهُمْ ذَلِكَ وَإِلاَ فَلاَ، فَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ شَرِيكَ الْمَوْرُوثِ وَبِيعَ نَصِيبُ الْمَوْرُوثِ فِي دَيْنِهِ فَإِنْ قُلْنَا بِالاِنْتِقَالِ فَلاَ شُفْعَةَ لِلْوَارِثِ، وَلاِنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ فِي مِلْكِهِ فَلاَ يَمْلِكُ اسْتِرْجَاعَهُ وَإِنْ قِيلَ بَعْدَهُ فَلَهُ الشُّفْعَةُ؛ لاِنَّ الْمَبِيعَ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ بَلْ فِي شَرِكَتِهِ.

وَمنها: لَوْ وَطِئَ الْوَارِثُ الْجَارِيَةَ الْمَوْرُوثَةَ وَالدَّيْنُ يَسْتَغْرِقُ فَأَوْلَدَهَا، فَإِنْ قُلْنَا هِيَ مِلْكُهُ فَلاَ حَدَّ وَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا يُوَفِّي منهاالدَّيْنَ كَمَا لَوْ وَطِئَ الرَّاهِنُ. وَإِنْ قُلْنَا لَيْسَتْ مِلْكَهُ فَلاَ حَدَّ أَيْضًا لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهَا بِالْفِكَاكِ فَهِيَ كَالرَّهْنِ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا وَمَهْرُهَا يُوَفَّى بِهَا الدَّيْنُ، ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ فَفَائِدَةُ الْخِلاَفِ حِينَئِذٍ وُجُوبُ الْمَهْرِ.
وَمنها: لَوْ تَزَوَّجَ الاِبْنُ أَمَةَ أَبِيهِ ثُمَّ قَالَ لَهَا إِنْ مَاتَ أَبِي فَأَنْتِ طَالِقٌ وَقَالَ أَبُوهُ إِنْ مِتُّ فَأَنْتِ حُرَّةٌ ثُمَّ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لَمْ تُعْتَقْ لاِسْتِغْرَاقِ الدَّيْنِ لِلتَّرِكَةِ فَلاَ ثُلُثَ لِلْمَيِّتِ لِيَنْفُذَ مِنْهُ الْعِتْقُ وَهَلْ يَقَعُ الطَّلاَقُ؟ قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ نَعَمْ! وَعَلَّلَ بِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى نِكَاحِهِ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ لاَ تَطْلُقُ؛ لاِنَّ التَّرِكَةَ تَنْتَقِلُ إلَى الْوَرَثَةِ فَيَسْبِقُ الْفَسْخُ الطَّلاَقَ فَالْوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الاِنْتِقَالِ وَعَدَمِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يُدَبِّرْهَا الأَبُ سَوَاءٌ. وَفِي الْمَذْهَبِ وَجْهٌ آخَرُ بِالْوُقُوعِ وَإِنْ قِيلَ بِالاِنْتِقَالِ حَتَّى وَلَوْ لَمْ يَكُنْ دَيْنٌ بَنَى عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ الطَّلاَقِ لِلْفَسْخِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْقَوَاعِدِ.
وَمنها: لَوْ أَقَرَّ لِشَخْصٍ فَقَالَ لَهُ فِي مِيرَاثِهِ أَلْفٌ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ مُتَنَاقِضٌ فِي إقْرَارِهِ وَفِي التَّلْخِيصِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَهُ إذْ الْمَشْهُورُ عِنْدَنَا أَنَّ الدَّيْنَ لاَ يَمْنَعُ الْمِيرَاثَ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ فِي هَذِهِ التَّرِكَةِ أَلْفٌ فَإِنَّهُ إقْرَارٌ صَحِيحٌ وَعَلَى هَذَا فَإِذَا قُلْنَا: يَمْنَعُ الدَّيْنُ الْمِيرَاثَ كَانَ مُنَاقِضًا بِغَيْرِ خِلاَفٍ.
وَمنها: لَوْ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ وَأَلْفَ دِرْهَمٍ وَعَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنٌ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الاِبْنَيْنِ وَتَرَكَ ابْنًا ثُمَّ أَبْرَأَ الْغَرِيمُ الْوَرَثَةَ فَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ ابْنُ الاِبْنِ نِصْفَ التَّرِكَةِ بِمِيرَاثِهِ عَنْ أَبِيهِ وَذَكَرَهُ فِي مَوْضِعٍ إجْمَاعًا، وَعَلَّلَهُ فِي مَوْضِعٍ بِأَنَّ التَّرِكَةَ تَنْتَقِلُ مَعَ الدَّيْنِ فَانْتَقَلَ مِيرَاثُ الاِبْنِ إلَى أَبِيهِ وَهَذَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِمَنْعِ الاِنْتِقَالِ يَخْتَصُّ بِهِ وَلَدُ الصُّلْبِ؛ لاِنَّهُ هُوَ الْبَاقِي مِنْ الْوَرَثَةِ وَابْنُ الاِبْنِ لَيْسَ بِوَارِثٍ مَعَهُ وَالتَّرِكَةُ لَمْ تَنْتَقِلْ إلَى أَبِيهِ وَإِنَّمَا انْتَقَلَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَيَشْهَدُ لِهَذَا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِي الْوَصِيَّةِ إذَا مَاتَ الْمُوصَى لَهُ وَقَبِلَ وَارِثُهُ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ هُوَ دُونَ مَوْرُوثِهِ عَلَى قَوْلِنَا بِمِلْكِ الْوَصِيَّةِ مِنْ حِينِ الْقَبُولِ.
وَمنها: رُجُوعُ بَائِعِ الْمُفْلِسِ فِي عَيْنِ مَالِهِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُفْلِسِ وَيُحْتَمَلُ بِنَاؤُهُ عَلَى هَذَا الْخِلاَفِ فَإِنْ قُلْنَا يَنْتَقِلُ إلَى الْوَرَثَةِ امْتَنَعَ رُجُوعُهُ وَبِهِ عَلَّلَ الإِمَامُ أَحْمَدُ وَإِنْ قُلْنَا لاَ يَنْتَقِلُ يَرْجِعُ بِهِ لاَ سِيَّمَا وَالْحَقُّ هُنَا مُتَعَلِّقٌ فِي الْحَيَاةِ تَعَلُّقًا مُتَأَكِّدًا وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةً بِسُقُوطِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ مِنْ الرَّهْنِ بِمَوْتِهِ فَيَكُونُ أُسْوَة الْغُرَمَاءِ كَغَرِيمِ الْمُفْلِسِ، حَكَاهَا الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَهَذَا عَكْسُ مَا نَحْنُ فِيهِ.
وَمنها: مَا نَقَلَ البزراطي عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ مَاتَ وَخَلَّفَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَعَلَيْهِ لِلْغُرَمَاءِ أَكْثَر مِنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُ ابْنِهِ فَقَالَ ابْنُهُ لِغُرَمَائِهِ اُتْرُكُوا هَذَا الأَلْفَ فِي يَدِي وَأَخِّرُونِي فِي حُقُوقِكُمْ ثَلاَثَ سِنِينَ حَتَّى أُوَفِّيَكُمْ جَمِيعَ حُقُوقِكُمْ، قَالَ إذَا كَانُوا اسْتَحَقُّوا قَبْضَ هَذِهِ الأَلْفِ وَإِنَّمَا يُؤَخِّرُونَهُ لِيُوَفِّيَهُمْ لاِجْلِ أَنْ يَتْرُكَهَا فِي يَدَيْهِ فَهَذَا لاَ خَيْرَ لَهُ فِيهِ إلاَ أَنْ يَقْبِضُوا الأَلْفَ مِنْهُ وَيُؤَخِّرُونَهُ فِي الْبَاقِي

مَا شَاءُوا، قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا تُخَرَّجُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ التَّرِكَةَ لاَ تَنْتَقِلُ قَالَ إنْ قُلْنَا تَنْتَقِلُ إلَيْهِمْ جَازَ ذَلِكَ وَهُوَ أَقْيَسُ بِالْمَذْهَبِ، وَتَوْجِيهُ مَا قَالَ إنْ حَقَّ الْغُرَمَاءِ فِي عَيْنِ التَّرِكَةِ دُونَ ذِمَّةِ الْوَرَثَةِ فَإِذَا أَسْقَطُوا حَقَّهُمْ مِنْ التَّعَلُّقِ بِشَرْطِ أَنْ يُوَفِّيَهُمْ الْوَرَثَةُ بَقِيَّةَ حُقُوقِهِمْ فَهُوَ إسْقَاطٌ بِعِوَضٍ غَيْرِ لاَزِمٍ لِلْوَارث, فَإِنْ قِيلَ بِانْتِقَالِ التَّرِكَةِ إلَى الْوَارِثِ فَقَدْ أَذِنَ لَهُ فِي الاِنْتِفَاعِ بِمَالِهِ بِعِوَضٍ يَلْزَمُهُ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ وَإِنْ قِيلَ بِعَدَمِ الاِنْتِقَالِ فَهُوَ شَبِيهٌ بِتَمْلِيكِهِ أَلْفًا بِأَلْفَيْنِ إلَى أَجَلٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَمْلِيكًا مَعَ أَنَّ قَوْلَ أَحْمَدَ لاَ خَيْرَ فِيهِ لَيْسَ تَصْرِيحًا بِالتَّحْرِيمِ فَيَحْتَمِلُ الْكَرَاهَةَ. قَوْلُهُ وَيُؤَخِّرُونَهُ فِي الْبَاقِي مَا شَاءُوا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَرَثَةَ إذَا تَصَرَّفُوا فِي التَّرِكَةِ صَارُوا ضَامِنِينَ جَمِيع الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِمْ فَيُطَالَبُونَ بِهِ وَمَتَى كَانَ الدَّيْنُ فِي ذِمَمِ الْوَرَثَةِ قَوِيَ الْجَوَازُ؛ لاِنَّ انْتِقَالَهُ إلَى ذِمَمِهِمْ فَرْعُ انْتِقَالِ التَّرِكَةِ إلَيْهِمْ فَيَبْقَى كَالْمُفْلِسِ إذَا طَلَبَ مِنْ غُرَمَائِهِ الإِمْهَالَ وَإِسْقَاطَ حُقُوقِهِمْ مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ لِيُوَفِّيَهُمْ إيَّاهَا كَامِلَةً إلَى أَجَلٍ.
وَمنها: وِلاَيَةُ الْمُطَالَبَةِ بِالتَّرِكَةِ إذَا كَانَتْ دَيْنًا وَنَحْوَهُ هَلْ لِلْوَرَثَةِ خَاصَّةً أَمْ لِلْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ؟ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ فِي رَجُلٍ مَاتَ وَخَلَّفَ وَدِيعَةً عِنْدَ رَجُلٍ وَلَمْ يُوصِ إلَيْهِ بِشَيْءٍ وَخَلَّفَ عَلَيْهِ دَيْنًا يَجُوزُ لِهَذَا الْمُودِعِ أَنْ يَدْفَعَ إلَى وَلَدِ الْمَيِّتِ؟ فَقَالَ إنْ كَانَ أَصْحَابُ الدَّيْنِ جَمِيعًا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُودِعٌ وَيَخَافُ تَبِعَتَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا عَلَيْهِ لِيَخْلُفُوا جَمِيعَ أَصْحَابِ الدَّيْنِ وَالْوَرَثَةَ يُسْلِمُ إلَيْهِمْ وَنَقَلَ صَالِحٌ نَحْوَهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْغُرَمَاءِ وِلاَيَةَ الْمُطَالَبَةِ وَالرُّجُوعَ عَلَى الْمُودَعِ إذَا سَلَّمَ الْوَدِيعَةَ إلَى الْوَرَثَةِ وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى الاِحْتِيَاطِ. قَالَ: لاِنَّ التَّرِكَةَ مِلْكٌ لِلْوَرَثَةِ وَلَهُمْ الْوَفَاءُ مِنْ غَيْرِهَا. وَظَاهِرُ كَلاَمِهِ إنْ قُلْنَا: التَّرِكَةُ مِلْكٌ لَهُمْ فَلَهُمْ وِلاَيَةُ الطَّلَبِ والقبض, وَإِنْ قُلْنَا لَيْسَتْ مِلْكًا لَهُمْ فَلَيْسَ لَهُمْ الاِسْتِقْلاَلُ بِذَلِكَ. وَقَالَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ: عِنْدِي إنَّ نَصَّ أَحْمَدَ عَلَى ظَاهِرِهِ لاِنَّ الْوَرَثَةَ وَالْغُرَمَاءَ تَتَعَلَّقُ حُقُوقُهُمْ بِالتَّرِكَةِ كَالرَّهْنِ وَالْجَانِي فَلاَ يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَى بَعْضِهِمْ قَالَ وَإِنَّمَا الْمُشْكِلُ أَنَّ مَفْهُومَ كَلاَمِهِ جَوَازُ الدَّفْعِ إلَى الْوَرَثَةِ بِمُفْرَدِهِمْ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ إذَا وَثِقَ بِتَوْفِيَتِهِمْ الدَّيْنَ. انْتَهَى.
وَلاَ رَيْبَ أَنَّ حُقُوقَ الْوَرَثَةِ تَتَعَلَّقُ بِهَا أَيْضًا وَإِنْ قُلْنَا لاَ يَنْتَقِلُ إلَيْهِمْ وَهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَ الْوَصِيِّ عِنْدَ عَدَمِهِ أَيْضًا فِي إيفَائِهِ الدُّيُونَ وَغَيْرَهَا عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْ الأَصْحَابِ فَالْمُتَوَجَّهُ هُوَ الدَّفْعُ إلَى الْوَرَثَةِ وَالْغُرَمَاءِ جَمِيعِهِمْ وَلاَ يَمْلِكُونَ الدَّفْعَ إلَى الْغُرَمَاءِ بِانْفِرَادِهِمْ بِكُلِّ حَالٍ وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا فِيمَنْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ وَصَّى بِهَا رَبُّهَا لِرَجُلٍ ثُمَّ مَاتَ أَنَّ الْمُودَعَ لاَ يَدْفَعُهَا إلَى الْمُوصَى لَهُ. فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ، وَلَكِنْ يَجْمَعُ الْوَرَثَةَ وَالْمُوصَى لَهُ فَإِنْ أَجَازُوا وَإِلاَ دَفَعَ إلَيْهِمْ جَمِيعًا وَلَعَلَّ هَذَا فِيمَا إذَا لَمْ يُثْبِتْ الْوَصِيَّةَ فِي الظَّاهِرِ وَإِنَّمَا الْمُودَعُ يَدَّعِي ذَلِكَ أوَ أَنَّهَا لاَ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ وَكَذَلِكَ قَالَ إنْ أَجَازُوا لِغَيْرِ الْوَرَثَةِ وَإِلاَ فَالْعَيْنُ الْمُوصَى بِهَا إذَا خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ لاَ حَقَّ فِيهَا لِلْوَرَثَةِ وَلاَ تَنْتَقِلُ إلَيْهِمْ بِكُلِّ حَالٍ عَلَى الصَّحِيحِ وَفِي الْمُحَرَّرِ أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُوصِي بِهِ لِمُعَيَّنٍ فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ دَفَعَهُ إلَى الْمُوصِي وَإِنْ شَاءَ دَفَعَهُ إلَى الْمُوصَى لَهُ بِخِلاَفِ الْوَصِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ فَإِنَّهُ لاَ يَبْرَأُ بِدُونِ الدَّفْعِ إلَى الْوَارِثِ وَالْوَصِيِّ جَمِيعًا؛ لاِنَّهَا كَالدَّيْنِ وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ فِيمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِمَيِّتٍ وَعَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ فَقَضَى رَبُّهُ عنه أَنَّهُ يَجُوزُ فِي

الْبَاطِنِ دُونَ الظَّاهِرِ وَوَجَّهَهُ الْقَاضِي بِأَنَّ الْوَرَثَةَ لاَ حَقَّ لَهُمْ فِي ذَلِكَ الْمَالِ الَّذِي فِي مُقَابَلَةِ الدَّيْنِ فَلاَ يَكُونُ مُتَصَرِّفًا فِي حُقُوقِهِمْ وَهَذَا مُتَوَجَّهٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ التَّرِكَةَ لاَ تَنْتَقِلُ إلَيْهِمْ مَعَ الدَّيْنِ فَلاَ يَكُونُ الْقَضَاءُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَيَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى أَنَّ كُلَّ مَالٍ مُسْتَحَقٍّ يَجُوزُ دَفْعُهُ إلَى مُسْتَحِقِّهِ مَعَ وُجُودِ مَنْ لَهُ وِلاَيَةُ الْقَبْضِ، وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي الْقَوَاعِدِ.

المسألة الثالثة عشرة
المسألة الثَّالِثَةُ عَشَرَة: التَّدْبِيرُ هَلْ هُوَ وَصِيَّةٌ أَوْ عِتْقٌ بِصِفَةٍ؟ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ يَنْبَنِي عَلَيْهِمَا فَوَائِدُ كَثِيرَة:
منها: لَوْ قَتَلَ الْمُدَبَّرُ سَيِّدَهُ هَلْ يُعْتَقُ وَفِيهِ طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: بِنَاؤُهُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ إنْ قُلْنَا هُوَ عِتْقٌ بِصِفَةٍ عَتَقَ وَإِنْ قُلْنَا وَصِيَّةٌ لَمْ يُعْتَقْ لاِنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ إذَا قَتَلَ الْمُوصِيَ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ لَمْ يُعْتَقْ وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِ. وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ لاَ يُعْتَقُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي؛ لاِنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْهُ عَلَى مَوْتِهِ بِقَتْلِهِ إيَّاهُ.
وَمنها: بَيْعُ الْمُدَبَّرِ وَهِبَتُهُ وَالْمَذْهَبُ الْجَوَازُ؛ لاِنَّهُ وَصِيَّةٌ أَوْ تَعْلِيقٌ بِصِفَةِ وَكِلاَهُمَا لاَ يَمْنَعُ نَقْلَ الْمِلْكِ قَبْلَ الصِّفَةِ وَفِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى بِالْمَنْعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ عِتْقٌ بِصِفَةٍ فَيَكُونُ لاَزِمًا كَالاِسْتِيلاَد.
وَمنها: اعْتِبَارُهُ مِنْ الثُّلُثِ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لاِنَّهُ وَصِيَّةٌ وَنَقَلَ حَنْبَل أَنَّهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَهُوَ مُتَخَرَّجٌ عَلَى أَنَّهُ عِتْقٌ لاَزِمٌ كَالاِسْتِيلاَد.
وَمنها: إبْطَالُ التَّدْبِيرِ وَالرُّجُوعُ عَنْهُ بِالْقَوْلِ وَفِي صِحَّتِهِ رِوَايَتَانِ بَنَاهُمَا الْخِرَقِيِّ وَالأَصْحَابُ عَلَى هَذَا الأَصْلِ فَإِنْ قِيلَ هُوَ وَصِيَّةٌ جَازَ الرُّجُوعُ عَنْهُ وَإِنْ قُلْنَا عِتْقٌ فَلاَ وَلِلْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي تَعْلِيقِهِمَا طَرِيقَةٌ أُخْرَى أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ هُنَا عَلَى قَوْلِنَا إنَّهُ وَصِيَّةٌ؛ لاِنَّهَا وَصِيَّةٌ نَتَجَتْ بِالْمَوْتِ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ بِخِلاَفِ بَقِيَّةِ الْوَصَايَا وَهُوَ مُنْتَقَضٌ بِالْوَصِيَّةِ لِجِهَاتِ الْبِرِّ وَلاِبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ طَرِيقَةٌ ثَالِثَةٌ وَهِيَ بِنَاءُ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى جَوَازِ الرُّجُوعِ بِالْبَيْعِ أَمَّا إنْ قُلْنَا يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ بِالْفِعْلِ فَالْقَوْلُ أَوْلَى.
وَمنها: لَوْ بَاعَ الْمُدَبَّرَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَهَلْ يَكُونُ بَيْعُهُ رُجُوعًا فَلاَ يَعُودُ تَدْبِيرُهُ أَوْ لاَ يَكُونُ رُجُوعًا فَيَعُودُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ أَيْضًا بَنَاهُمَا الْقَاضِي وَالأَكْثَرُونَ عَلَى هَذَا الأَصْلِ فَإِنْ قُلْنَا التَّدْبِيرُ وَصِيَّةٌ بَطَلَتْ بِخُرُوجِهِ عن مِلْكِهِ وَلَمْ يَبْعُدْ نُفُوذُهُ وَإِنْ قُلْنَا هُوَ تَعْلِيقٌ بِصِفَةٍ عَادَ بِعَوْدِ الْمِلْكِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِنَا فِي عَوْدِ الصِّفَةِ بِعَوْدِ الْمِلْكِ فِي الْعِتْقِ وَالطَّلاَقِ وَطَرِيقَةُ الْخِرَقِيِّ وَطَائِفَةٍ مِنْ الأَصْحَابِ أَنَّ التَّدْبِيرَ يَعُودُ بِعَوْدِ الْمِلْكِ. هَاهُنَا رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ بِخِلاَفِ مَا إذَا أَبْطَلَ تَدْبِيرَهُ بِالْقَوْلِ وَهُوَ يَتَنَزَّلُ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنَّ الْوَصِيَّةَ لاَ تَبْطُلُ بِزَوَالِ الْمِلْكِ مُطْلَقًا بَلْ تَعُودُ بِعَوْدِهِ وَأِمَّا أَنَّ هَذَا حُكْمُ الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ خَاصَّةً.
وَمنها: لَوْ قَالَ: عَبْدِي فُلاَنٌ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِسَنَةٍ فَهَلْ يَصِحُّ وَيُعْتَقُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ أَمْ يَبْطُلُ ذَلِكَ؟

عَلَى رِوَايَتَيْنِ بَنَاهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الأَصْحَابِ عَلَى هَذَا الأَصْلِ فَإِنْ قُلْنَا التَّدْبِيرُ وَصِيَّةٌ صَحَّ تَقْيِيدُهَا بِصِفَةٍ أُخْرَى تُوجَدُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَإِنْ قُلْنَا عِتْقٌ بِصِفَةٍ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ. وَهَؤُلاَءِ قَالُوا: لَوْ صَرَّحَ بِالتَّعْلِيقِ فَقَالَ إنْ دَخَلْتَ الدَّارَ بَعْدَ مَوْتِي بِسَنَةٍ فَأَنْتَ حُرٌّ لَمْ يُعْتَقْ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ عَقِيلٍ فِي إشَارَتِهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا الْخِلاَفَ لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى هَذَا الأَصْلِ فَإِنْ التَّدْبِيرَ وَالتَّعْلِيقَ بِالصِّفَةِ إنَّمَا يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ مَعَ الإِطْلاَقِ؛ لاِنَّ مُقْتَضَى الإِطْلاَقِ وُجُودُ الصِّفَةِ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ فَأَمَّا مَعَ التَّنْفِيذِ بِمَا يَمْنَعُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَتَنْفِيذٌ بِهِ وَمِنْ الأَصْحَابِ مَنْ جَعَلَ هَذَا الْعَقْدَ تَدْبِيرًا وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْفِي ذَلِكَ وَلَهُمْ فِي حِكَايَةِ الْخِلاَفِ فِيهِ أَرْبَعَةُ طُرُقٍ قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَمنها: لَوْ كَاتَبَ مُدَبَّرَهُ فَهَلْ يَكُونُ رُجُوعًا عَنْ التَّدْبِيرِ؟ إنْ قُلْنَا التَّدْبِيرِ عِتْقٌ بِصِفَةٍ لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا، وَإِنْ قُلْنَا هُوَ وَصِيَّةٌ انْبَنَى عَلَى أَنَّ كِتَابَةَ الْمُوصَى بِهِ هَلْ تَكُونُ رُجُوعًا؟فِيهِ وَجْهَانِ أَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ رُجُوعٌ وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ كِتَابَةَ الْمُدَبَّرِ لَيْسَتْ رُجُوعًا عَنْ تَدْبِيرِهِ وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رُجُوعٌ.
وَمنها: لَوْ وَصَّى بِعَبْدِهِ ثُمَّ دَبَّرَهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ رُجُوعٌ عَنْ الْوَصِيَّةِ. وَالثَّانِي: لَيْسَ بِرُجُوعٍ فَعَلَى هَذَا فَائِدَةُ الْوَصِيَّةِ بِهِ أَنَّهُ لَوْ أَبْطَلَ تَدْبِيرَهُ بِالْقَوْلِ لاَسْتَحَقَّهُ الْمُوصَى لَهُ ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ التَّدْبِيرَ هَلْ هُوَ عِتْقٌ بِصِفَةٍ أَوْ وَصِيَّةٌ؟ فَإِنْ قُلْنَا: هُوَ عِتْقٌ بِصِفَةٍ قُدِّمَ عَلَى الْمُوصَى بِهِ وَإِنْ قُلْنَا هُوَ وَصِيَّةٌ فَقَدْ ازْدَحَمَتْ وَصِيَّتَانِ فِي هَذَا الْعَبْدِ فَيَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْوَصَايَا الْمُزْدَحِمَةَ إذَا كَانَ بَعْضُهَا عِتْقًا هَلْ يُقَدَّمُ أَوْ يَتَحَاصَّ الْعِتْقُ وَغَيْرُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ فَإِنْ قُلْنَا بِالْمُحَاصَّةِ فَهُوَ كَمَا لَوْ دَبَّرَ نِصْفَهُ وَوَصَّى بِنِصْفِهِ وَيَصِحُّ ذَلِكَ عَلَى الْمَنْصُوصِ. انْتَهَى. وَقَدْ يُقَالُ الْمُوصَى لَهُ إنْ قِيلَ لاَ يَمْلِكُ حَتَّى يَقْبَلَ فَقَدْ سَبَقَ زَمَنُ الْعِتْقِ لِزَمَنِ مِلْكِهِ فَيَنْفُذُ وَإِنْ قِيلَ يَمْلِكُ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ فَقَدْ تقَارَنَ زَمَنُ مِلْكِهِ زَمَنَ الْعِتْقِ فَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ الْعِتْقِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ عَتَقَ عَبْدَهُ بِبَيْعِهِ.
وَمنها: الْوَصِيَّةُ بِالْمُدَبَّرِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا لاَ تَصِحُّ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلاَفَيْهِمَا؛ لاِنَّ التَّدْبِيرَ الطَّارِئ إذَا أَبْطَلَ الْوَصِيَّةَ عَلَى الْمَشْهُورِ فَكَيْفَ يَصِحُّ طَرَيَان الْوَصِيَّةِ عَلَى التَّدْبِيرِ وَمُزَاحَمَتُهَا لَهُ؟! وَبَنَى الشَّيْخُ هَذِهِ الْمَسَائِلَ أَيْضًا عَلَى الْأُصُولِ السَّابِقَةِ.
وَمنها: وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَتْبَعُهَا فِي التَّدْبِيرِ كَمَا وَلَدَتْهُ بَعْدَهُ سَوَاءٌ كَانَ مَوْجُودًا حَالَ التَّعْلِيقِ أَوْ الْعِتْقِ أَوْ حَادِثًا بَيْنَهُمَا وَحَكَى الْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي تَبَعِيَّةِ الْوَلَدِ رِوَايَتَيْنِ وَبَنَاهُمَا عَلَى أَنَّ التَّدْبِيرَ هَلْ هُوَ عِتْقٌ لاَزِمٌ كَالاِسْتِيلاَدِ؟ وَمِنْ هُنَا قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ تَبَعِيَّةُ الْوَلَدِ مَبْنِيٌّ عَلَى لُزُومِ التَّدْبِيرِ وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ وَجْهًا أَنَّهُ لاَ يَتْبَعُهَا الْحَادِثَ بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا يَتْبَعُهَا إذَا كَانَ مَوْجُودًا مَعَهَا فِي أَحَدِهِمَا مِنْ حُكْمِ وَلَدِ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهَا بِصِفَةٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّدْبِيرَ تَعْلِيقٌ بِصِفَةٍ فَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ يُخَرِّجَ طَرِيقَةً أُخْرَى أَنَّهُ لاَ يَتْبَعُهَا الْوَلَدُ الْحَادِثُ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ خِلاَفٍ وَإِنَّمَا كَانَ مَوْجُودًا فِي أَحَدِ الْحَالَيْنِ فَهَلْ يَتْبَعُهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُدَبَّرَ وَصِيَّةٌ وَحُكْمُ وَلَدِ الْمُوصَى بِهَا كَذَلِكَ وَعِنْدَ الأَصْحَابِ

وَمنها: لَوْ جَحَدَ السَّيِّدُ التَّدْبِيرَ فالمنصوص عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَيْسَ بِرُجُوعٍ وَقَالَ الأَصْحَابُ إنْ قُلْنَا هُوَ عِتْقٌ بِصِفَةٍ لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا وَإِنْ قُلْنَا هُوَ وَصِيَّةٌ فَوَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ جَحْدَ الْمُوصِي الْوَصِيَّةَ هَلْ هُوَ رُجُوعٌ أَمْ لاَ؟.

المسألة الرابعة عشرة
المسألة الرَّابِعَةُ عَشَرَة: نَفَقَةُ الْحَامِلِ هَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ لَهَا أَوْ لِحَمْلِهَا؟ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ مَشْهُورَتَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهَا لِلْحَمْلِ وَهِيَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ، وَيَنْبَنِي عَلَيْهَا فَوَائِدُ.
منها: إذَا كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ رَقِيقًا، فَإِنْ قُلْنَا النَّفَقَةُ لِلزَّوْجَةِ وَجَبَتْ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ؛ لاِنَّ نَفَقَةَ زَوْجَةِ الْعَبْدِ فِي كَسْبِهِ أَوْ تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا وَفِي الْهِدَايَةِ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ عَلَى سَيِّدِهِ فَتَجِبُ هَاهُنَا عَلَى السَّيِّدِ وَإِنْ قُلْنَا: لِلْحَمْلِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ؛ لاِنَّهُ إنْ كَانَ هُوَ الرَّقِيقَ فَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ أَقَارِبَةِ وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الرَّقِيقَةَ فَالْوَلَدُ مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِ الأَمَةِ فَنَفَقَتُهُ عَلَى مَالِكِهِ.
وَمنها: إذَا كَانَ الزَّوْجُ مُعْسِرًا فَإِنْ قُلْنَا لِلزَّوْجَةِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَإِنْ قُلْنَا لِلْحَمْلِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ؛ لاِنَّ نَفَقَةَ الأَقَارِبِ مَشْرُوطَةٌ بِالْيَسَارِ دُونَ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ.
وَمنها: لَوْ مَاتَ الزَّوْجُ فَهَلْ يَلْزَمُ أَقَارِبَهُ النَّفَقَةُ؟ إنْ قُلْنَا هِيَ لِلْحَمْلِ لَزِمَتْ الْوَرَثَةَ وَإِنْ قُلْنَا هِيَ لِلزَّوْجَةِ لَمْ يَلْزَمْهُمْ بِحَالٍ.
وَمنها: لَوْ غَابَ الزَّوْجُ فَهَلْ تَثْبُتُ النَّفَقَةُ فِي ذِمَّتِهِ؟ فِيهِ طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: إنْ قُلْنَا هِيَ لِلزَّوْجَةِ ثَبَتَتْ فِي ذِمَّتِهِ وَلَمْ تَسْقُطْ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَإِنْ قُلْنَا: هِيَ لِلْحَمْلِ سَقَطَتْ؛ لاِنَّ نَفَقَةَ الأَقَارِبِ لاَ تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ, وَالثَّانِي: لاَ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُغْنِي وَعَلَّلَ بِأَنَّهَا مَصْرُوفَةٌ إلَى الزَّوْجِ وَيَتَعَلَّقُ حَقُّهَا بِهَا فَهِيَ كَنَفَقَتِهَا. وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ الأَصْحَابِ لَوْ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا يَظُنُّهَا حَائِلاً ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا حَامِلٌ لَزِمَ نَفَقَةُ الْمَاضِي.
وَمنها: إذَا اخْتَلَعَتْ الْحَامِلُ بِنَفَقَتِهَا فَهَلْ يَصِحُّ جَعْلُ النَّفَقَةِ عِوَضًا لِلْخُلْعِ. قَالَ الشِّيرَازِيُّ: إنْ قُلْنَا النَّفَقَةُ لَهَا تَصِحُّ وَإِنْ قُلْنَا لِلْحَمْلِ لَمْ تَصِحَّ؛ لاِنَّهَا لَمْ تَمْلِكْهَا. وَقَالَ الْقَاضِي وَالأَكْثَرُونَ: يَصِحُّ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ؛ لاِنَّهَا مَصْرُوفَةٌ إلَيْهَا وَهِيَ الْمُنْتَفِعَةُ بِهَا.
وَمنها: لَوْ نَشَزَتْ الزَّوْجَةُ حَامِلاً فَإِنْ قُلْنَا نَفَقَةُ الْحَمْلِ لَهَا سَقَطَتْ بِالنُّشُوزِ وَإِنْ قُلْنَا لِلْحَمْلِ لَمْ تَسْقُطْ بِهِ
وَمنها: الْحَامِلُ مِنْ وَطْء الشُّبْهَةِ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ هَلْ تَجِبُ نَفَقَتُهَا عَلَى الْوَاطِئِ؟ إنْ قُلْنَا النَّفَقَةُ لَهَا لَمْ تَجِبْ؛ لاِنَّ النَّفَقَةَ لاَ تَجِبُ لِلْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَلاَ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ؛ لاِنَّهُ لاَ يَتَمَكَّنُ مِنْ الاِسْتِمْتَاعِ بِهَا

إلاَ أَنْ يُسْكِنَهَا فِي مَنْزِلٍ يَلِيقُ بِهَا تَحْصِينًا لِمَائِهِ فَيَلْزَمُهَا ذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَتَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ حِينَئِذٍ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَإِنْ قُلْنَا: النَّفَقَةُ لِلْحَمْلِ وَجَبَتْ لاِنَّ النَّسَبَ لاَحِقٌ بِهَذَا الْوَاطِئِ وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْحَكَمِ عَلَى وُجُوبِ النَّفَقَةِ لَهَا وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَتَوَجَّهُ وُجُوبُ النَّفَقَةِ لَهَا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ حَمْلٍ كَمَا يَجِبُ لَهَا الْمَهْرُ الْمُسَمَّى وَيَتَقَرَّرُ بِالْخَلْوَةِ عَلَى الْمَنْصُوصِ لاِنَّهَا مَحْبُوسَةٌ عَلَيْهِ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ وَلاَ تَتَزَوَّجُ عِنْدَنَا بِدُونِ طَلاَقِهِ وَقَاسَهُ عَلَى الْعَبْدِ الْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، وَلَوْ أَلْزَمَ حَاكِمٌ بِالنَّفَقَةِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ لاِعْتِقَادِ صِحَّتَهُ فَلِلزَّوْجِ الرُّجُوعُ بِالنَّفَقَةِ عِنْدَ مَنْ يَرَى فَسَادَهُ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُغْنِي احْتِمَالاً بِعَدَمِ الرُّجُوعِ؛ لاِنَّهُ نَقْضٌ لِلْحُكْمِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَلاَ يَجُوزُ مَا لَمْ يُخَالِفْ كِتَابًا أَوْ إجْمَاعًا. وَذَكَرَ فِي الْمُغْنِي أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ أَنْفَقَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ مِنْ غَيْرِ حَاكِمٍ لَمْ يَرْجِعْ؛ لاِنَّهُ إنْ عَلِمَ فَسَادَهُ كَانَ مُتَبَرِّعًا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَهُوَ مُفَرِّطٌ.
وَمنها: لَوْ كَانَ الْحَمْلُ مُوسِرًا بِأَنْ يُوصِيَ لَهُ بِشَيْءٍ فَيَقْبَلُهُ الأَبُ فَإِنْ قُلْنَا النَّفَقَةُ لَهُ سَقَطَتْ نَفَقَتُهُ عَنْ أَبِيهِ وَإِنْ قُلْنَا لاِمِّهِ لَمْ تَسْقُطْ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلاَفِهِ.
وَمنها: لَوْ دَفَعَ إلَيْهَا النَّفَقَةَ فَتَلِفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ فَإِنْ قُلْنَا النَّفَقَةُ لَهَا لَمْ يَلْزَمْ بَدَلُهَا وَإِنْ قُلْنَا لِلْحَمْلِ وَجَبَ إبْدَالُهَا؛ لاِنَّ ذَلِكَ حُكْمُ نَفَقَةِ الأَقَارِبِ.
وَمنها: لَوْ أَعْتَقَ الْحَامِلَ مِنْ مِلْكِ يَمِينِهِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا؟ إنْ قُلْنَا لَهَا لَمْ تَجِبْ إلاَ حَيْثُ تَجِبُ نَفَقَةُ الْعِتْقِ وَإِنْ قُلْنَا النَّفَقَةُ لِلْحَمْلِ وَجَبَتْ بِكُلِّ حَالٍ.
وَمنها: فِطْرَةُ الْمُطَلَّقَةِ الْحَامِلِ إنْ قُلْنَا النَّفَقَةُ لَهَا وَجَبَتْ لَهَا الْفِطْرَةُ وَإِنْ قُلْنَا لِلْحَمْلِ فَفِطْرَةُ الْحَمْلِ عَلَى أَبِيهِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَمنها: هَلْ تَجِبُ السُّكْنَى لِلْمُطَلَّقَةِ الْحَامِلِ؟ إنْ قُلْنَا النَّفَقَةُ لَهَا فَلَهَا السُّكْنَى أَيْضًا وَإِنْ قُلْنَا لِلْحَمْلِ فَلاَ سُكْنَى لَهَا ذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ.
وَمنها: نَفَقَةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا إذَا كَانَتْ حَامِلاً، وَفِي وُجُوبِهَا رِوَايَتَانِ بَنَاهُمَا ابْنُ الزاغوني عَلَى هَذَا إلاَ أَنَّهُ قَالَ: فَإِنْ قُلْنَا النَّفَقَةُ لِلْحَمْلِ وَجَبَتْ مِنْ التَّرِكَةِ كَمَا لَوْ كَانَ الأَبُ حَيًّا وَإِنْ قُلْنَا لِلْمَرْأَةِ لَمْ تَجِبْ وَهَذَا لاَ يَصِحُّ؛ لاِنَّ نَفَقَةَ الأَقَارِبِ لاَ تَجِبُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالأَظْهَرُ أَنَّ الأَمْرَ بِالْعَكْسِ وَهُوَ أَنَّا إنْ قُلْنَا لِلْحَمْلِ لَمْ يَجِبْ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا لِهَذَا الْمَعْنَى وَإِنْ قُلْنَا لِلْمَرْأَةِ وَجَبَتْ؛ لاِنَّهَا مَحْبُوسَةٌ عَلَى الْمَيِّتِ لِحَقِّهِ فَتَجِبُ نَفَقَتُهَا مِنْ مَالِهِ وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُ ذَلِكَ فِي قَاعِدَةِ الْحَمْلِ. هَلْ لَهُ حُكْمٌ أَمْ لاَ؟
وَمنها: الْبَائِنُ فِي الْحَيَاةِ بِفَسْخٍ أَوْ طَلاَقٍ إذَا كَانَتْ حَامِلاً فَلَهَا النَّفَقَةُ وَحَكَى الْحَلْوَانِيُّ وَابْنُهُ رِوَايَةً أَنَّهُ لاَ نَفَقَةَ لَهَا كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا وَخَصَّهَا ابْنُهُ بِالْمَبْتُوتَةِ بِالثَّلاَثِ وَبَنَاهَا عَلَى أَنَّ النَّفَقَةَ لِلْمَرْأَةِ وَالْمَبْتُوتَةَ

لاَ تَسْتَحِقُّ نَفَقَةً، إنَّمَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ إذَا قُلْنَا هِيَ لِلْحَمْلِ وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ فِي الْقِيَاسِ إلاَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ وَالإِجْمَاعِ فِيمَا أَظُنُّ وَوُجُوبُ النَّفَقَةِ لِلْمَبْتُوتَةِ الْحَامِلِ يُرَجِّحُ الْقَوْلَ بِأَنَّ النَّفَقَةَ لِلْحَمْلِ.
وَمنها: لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَبَانَتْ أَمَةً وَهُوَ مِمَّنْ يُبَاحُ لَهُ نِكَاحُ الإِمَاءِ فَفَسَخَ بَعْدَ الدُّخُولِ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ فَفِي كِتَابِ النِّكَاحِ مِنْ الْمُجَرَّدِ هُوَ النِّكَاحُ الْفَاسِدُ إنْ قُلْنَا النَّفَقَةُ لِلْحَمْلِ وَجَبَتْ عَلَى الزَّوْجِ وَإِنْ قُلْنَا لِلْحَامِلِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ وذَكَرَ فِي النَّفَقَاتِ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهَا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لاِنَّ هَذَا نِكَاحٌ صَحِيحٌ فَيَلْزَمُ فِيهِ النَّفَقَةُ وَفِي عِدَّتِهِ.
وَمنها: لَوْ وُطِئَتْ الرَّجْعِيَّةُ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ ثُمَّ بَانَ بِهَا حَمْلٌ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الزَّوْجِ وَالْوَاطِئِ فَيَلْزَمُهَا أَنْ تَعْتَدَّ بَعْدَ وَضْعِهِ عِدَّةَ الْوَاطِئِ فَأَمَّا نَفَقَتُهَا فِي مُدَّةِ هَذِهِ الْعِدَّةِ فَإِنْ قُلْنَا النَّفَقَةُ لِلْحَمْلِ فَعَلَيْهِمَا النَّفَقَةُ عَلَيْهَا حَتَّى تَضَعَ؛ لاِنَّ الْحَمْلَ لاِحَدِهِمَا يَقِينًا وَلاَ نَعْلَمُ عَيْنَهُ وَلاَ تَرْجِعُ الْمَرْأَةُ عَلَى الزَّوْجِ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَاضِي، وَإِنْ قُلْنَا النَفَقَةَ لِلْحَامِلِ فَلاَ نَفَقَةَ لَهَا عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّةَ الْحَمْلِ؛ لاِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنْ الزَّوْجِ فَيَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنْ الْآخَرِ فَلاَ نَفَقَةَ لَهَاعَلَيْهِ فَلاَ تَجِبُ بِالشَّكِّ فَإِذَا وَضَعَتْهُ فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى أَحَدِهِمَا وَهُوَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ فَيَلْزَمُهُمَا جَمِيعًا النَّفَقَةُ حَتَّى يَنْكَشِفَ الأَبُ مِنْهُمَا وَتَرْجِعُ الْمَرْأَةُ عَلَى الزَّوْجِ بَعْدَ الْوَضْعِ بِنَفَقَةِ أَقْصَرِ الْمُدَّتَيْنِ مِنْ مُدَّةِ الْحَمْلِ أَوْ قَدْرِ مَا بَقِيَ مِنْ الْعِدَّةِ بَعْدَ الْوَطْءِ الْفَاسِدِ؛ لاِنَّهَا تَعْتَدُّ عَنْهُ بِأَحَدِهِمَا قَطْعًا ثُمَّ إذَا زَالَ الإِشْكَالُ وَأَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ عُمِلَ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ مَعَهَا وفق حَقِّهَا مِنْ النَّفَقَةِ وَإِلاَ رَجَعَتْ عَلَى الزَّوْجِ بِالْفَضْلِ.
وَلَوْ كَانَ الطَّلاَقُ بَائِنًا فَالْحُكْمُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إلاَ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ أَنَّهُ لاَ تَرْجِعُ الْمَرْأَةُ بَعْدَ الْوَضْعِ بِشَيْءٍ عَلَى الزَّوْجِ سَوَاءٌ قُلْنَا النَّفَقَةُ لِلْحَمْلِ أَوْ لِلْحَامِلِ؛ لاِنَّ النَّفَقَةَ لاَ تُسْتَحَقُّ مَعَ الْبَيْنُونَةِ إلاَ بِالْحَمْلِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ هُنَا أَنَّهُ مِنْهُ بِخِلاَفِ الرَّجْعِيَّةِ ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَلَوْ قِيلَ فِي صُورَةِ الرَّجْعِيَّةِ إذَا قُلْنَا النَّفَقَةُ لِلْحَمْلِ إنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ خَرَجَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ مِنْ الزَّوْجِ وَالْوَاطِئِ وَكَذَا بَعْدَ الْوَضْعِ وَقَبْلَ ثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنْ أَحَدِهِمَا فَقَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمُجَرَّدِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْآخَرُ بِمَا أَنْفَقَ؛ لاِنَّهُ لَمْ يُنْفِقْ مُتَبَرِّعًا وَقَيَّدَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهُ بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ الرُّجُوعُ وَيُنْفِقُ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ فَإِنْ شَرَطَ الرُّجُوعَ وَأَنْفَقَ مِنْ غَيْرِ إذْنِ حَاكِمٍ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ كَقَضَاءِ الدَّيْنِ وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي الْقَوَاعِدِ وَالصَّحِيحُ هُنَا الرُّجُوعُ مُطْلَقًا لاِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فِي الظَّاهِرِ.
وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْمُغْنِي أَنَّ الْمُلاَعِنَةَ لَوْ أَنْفَقَتْ عَلَى الْوَلَدِ ثُمَّ اسْتَلْحَقَهُ الْمَلاَعِنُ رَجَعَتْ عَلَيْهِ لاِنَّهَا إنَّمَا أَنْفَقَتْ لِظَنِّهَا أَنَّهُ لاَ أَبَ لَهُ وَأَمَّا إذَا قُلْنَا النَّفَقَةُ لِلْحَامِلِ فَإِنَّا لَمْ نُوجِبْ لَهَا النَّفَقَةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لاِنَّ الْحَامِلَ لاَ نَفَقَةَ لَهَا عَلَى الْوَاطِئِ بِشُبْهَةٍ أَوْ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ كَمَا سَبَقَ وَالزَّوْجُ لَيْسَ بِمُتَمَكِّنٍ مِنْ الاِسْتِمْتَاعِ بِهَا فِي حَالَةِ الْحَمْلِ؛ لاِنَّ الرَّجْعِيَّةَ إذَا حَمَلَتْ فِي عِدَّةٍ مِنْ شُبْهَةٍ انْقَطَعَتْ عِدَّةُ الزَّوْجِ مِنْ مُدَّةِ

الْحَمْلِ وَحَرُمَ عَلَى الزَّوْجِ الاِسْتِمْتَاعُ بِهَا وَهَلْ لَهُ رَجْعَتُهَا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ لِبَقَاءِ بَقِيَّةِ عِدَّتِهِ عَلَيْهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ وَجَزَمَ الْقَاضِي فِي خِلاَفِهِ بِالْمَنْعِ وَرَجَّحَ صَاحِبُ الْمُغْنِي الْجَوَازَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ: لاَ نَفَقَةَ لَهَا لِتَحْرِيمِ الاِسْتِمْتَاعِ بِهَا عَلَى الزَّوْجِ سَوَاءٌ كَانَتْ مَكَّنَتْ مِنْ الْوَطْءِ أَوْ لاَ فَإِنَّهُ لَوْ غَصَبَهَا غَاصِبٌ فَلاَ نَفَقَةَ لَهَا.

المسألة الخامسة عشرة
المسألة الْخَامِسَةُ عَشَرَة: الْقَتْلُ الْعَمْدُ هَلْ مُوجِبُهُ الْقَوَدُ عَنْهَا أَوْ أَحَدُ أَمْرَيْنِ؟ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُهُمَا وَفَوَائِدهمَا فِي الْقَوَاعِدِ بِمَا يُغْنِي عَنْهُ.

المسألة السادسة عشرة
المسألة السَّادِسَةُ عَشَرَة: الْمُرْتَدُّ هَلْ يَزُولُ مِلْكُهُ بِالرِّدَّةِ أَمْ لاَ؟ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا لاَ يَزُولُ مِلْكُهُ بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَيْهِ كَالْمُسْتَمِرِّ عَلَى عِصْمَتِهِ. وَالثَّانِيَةُ: تَزُولُ وَفِي وَقْتِ زَوَالِهِ رِوَايَتَانِ. إحْدَاهُمَا: مِنْ حِينِ مَوْتِهِ مُرْتَدًّا. وَالثَّانِيَةُ: مِنْ حِينِ رِدَّتِهِ فَإِنْ أَسْلَمَ أُعِيدَ إلَيْهِ مَالُهُ مِلْكًا جَدِيدًا وَهِيَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ أَبِي مُوسَى وفيه رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ أَنَّا نَتَبَيَّنُ بِمَوْتِهِ مُرْتَدًّا زَوَالَ مِلْكِهِ مِنْ حِينِ الرِّدَّةِ وَلِهَذَا الاِخْتِلاَفِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ.
منها: لَوْ ارْتَدَّ فِي أَثْنَاءِ حَوْلِ الزَّكَاةِ فَإِنْ قُلْنَا زَالَ مِلْكُهُ بِالرِّدَّةِ انْقَطَعَ الْحَوْلُ بِغَيْرِ تَرَدُّدٍ. وَإِنْ قُلْنَا لاَ يَزُولُ فَالْمَشْهُورُ أَنَّ الزَّكَاةَ لاَ تَجِبُ عَلَيْهِ وَإِنْ عَادَ إلَى الإِسْلاَمِ فَيَنْقَطِعُ الْحَوْلُ أَيْضًا؛ لاِنَّ الإِسْلاَمَ مِنْ شَرَائِطِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فَيُعْتَبَرُ وُجُودُهُ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ. وَحَكَى ابْنُ شَاقِلاَ رِوَايَةً أَنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ إذَا عَادَ لَمَا مَضَى مِنْ الأَحْوَالِ وَاخْتَارَهَا ابْنُ عَقِيلٍ وَإِنْ ارْتَدَّ بَعْدَ الْحَوْلِ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ إلاَ إذَا عَادَ إلَى الإِسْلاَمِ وَقُلْنَا إنَّ الْمُرْتَدَّ لاَ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا تَرَكَهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ خِلاَفُهُ.
وَمنها: لَوْ ارْتَدَّ الْمُعْسِرُ ثُمَّ أَيْسَرَ فِي زَمَنِ ارْتِدَادِهِ ثُمَّ عَادَ إلَى الإِسْلاَمِ وَقَدْ أَعْسَرَ فَإِنْ قُلْنَا إنْ مِلْكَهُ يَزُولُ بِالرِّدَّةِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَجُّ بِالْيَسَارِ السَّابِقِ وَإِنْ قُلْنَا لاَ يَزُولُ مِلْكُهُ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ بِذَلِكَ الْيَسَارِ؟ فَيَنْبَنِي عَلَى وُجُوبُ الْعِبَادَاتِ عَلَيْهِ فِي حَالِ الرِّدَّةِ وَإِلْزَامُهُ قَضَاءَهَا بَعْدَ عَوْدِهِ إلَى الإِسْلاَمِ وَالصَّحِيحُ عَدَمُ الْوُجُوبِ فَلاَ يَكُونُ بِذَلِكَ مُسْتَطِيعًا.
وَمنها: حُكْمُ تَصَرُّفَاتِهِ بِالْمُعَاوَضَاتِ وَالتَّبَرُّعَاتِ وَغَيْرِهَا فَإِنْ قُلْنَا لاَ يَزُولُ مِلْكُهُ بِحَالٍ فَهِيَ صَحِيحَةٌ نَافِذَةٌ وَإِنْ قُلْنَا يَزُولُ بِمَوْتِهِ أَقَرَّ الْمَالَ بِيَدِهِ فِي حَيَاتِهِ وَنَفَذَتْ مُعَاوَضَاتُهُ وَوَقَعَتْ تَبَرُّعَاتُهُ الْمُنْجَزَةُ وَالْمُعَلَّقَةُ بِالْمَوْتِ فَإِذَا مَاتَ رُدَّتْ كُلُّهَا وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ الثُّلُثَ؛ لاِنَّ حُكْمَ الرِّدَّةِ حُكْمُ الْمَرَضِ الْمَخُوفِ وَإِنَّمَا لَمْ تَنْفُذْ مِنْ ثُلُثُهُ؛ لاِنَّ مَالَهُ يَصِيرُ فَيْئًا بِمَوْتِهِ مُرْتَدًّا وَإِنْ قُلْنَا: يَزُولُ مِلْكُهُ فِي الْحَالِ جُعِلَ فِي بَيْتِ

المسألة السابعة عشرة
المسألة السَّابِعَةُ عَشَرَة: الْكُفَّارُ هَلْ يَمْلِكُونَ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ بِالاِسْتِيلاَءِ أَمْ لاَ؟ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَهَا مِنْ غَيْرِ خِلاَفٍ وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ أَنَّهُمْ لاَ يَمْلِكُونَهَا. وَقَدْ نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَحَكَى طَائِفَةٌ رِوَايَتَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْهُمْ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ وَمُفْرَدَاتِهِ وَصَحَّحَ فِيهَا عَدَمَ الْمِلْكِ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إنَّ أَحْمَدَ لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْمِلْكِ وَلاَ عَلَى عَدَمِهِ وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى أَحْكَامٍ أَخَذَ منها ذَلِكَ وَالصَّوَابُ أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَهَا مِلْكًا مُقَيَّدًا لاَ يُسَاوِي أَمْلاَكَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلِهَذَا الْخِلاَفِ فَوَائِدُ:
منها: أَنَّ مَنْ وَجَدَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَيْنَ مَالِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَخَذَهُ مَجَّانًا بِغَيْرِ عِوَضٍ وَإِنْ وَجَدَهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لاَ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَهَلْ يَسْقُطُ حَقُّهُ مِنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ أَوْ يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ بِالثَّمَنِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ مَجَّانًا بِكُلِّ حَالٍ. وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: هَذَا هُوَ الْقِيَاسُ؛ لاِنَّ الْمِلْكَ لاَ يَزُولُ إلاَ بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ وَلَكِنَّ عُمَرَ قَالَ لاَ حَقَّ لَهُ فِيهِ.
وَمنها: إذَا قُلْنَا يَمْلِكُونَ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ فَغُنِمَتْ مِنْهُمْ وَلَمْ يُعْلَمْ أَرْبَابُهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قِسْمَتُهَا وَالتَّصَرُّفُ فِيهَا وَمَنْ قَالَ لاَ يَمْلِكُوهَا فَقِيَاسُ قَوْلِهِ أنَّهُ لاَ يَجُوزُ قِسْمَتُهَا وَلاَ التَّصَرُّفُ بَلْ تُوقَفُ كَاللُّقَطَةِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَغَيْرُهُ وَأَمَّا مَا عُرِفَ مَالِكُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ قِسْمَتُهُ بَلْ يُرَدُّ إلَيْهِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ وَاحِدٍ وَقَيَّدَ ذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد فِيمَا إذَا كَانَ مَالِكُهُ بِالْقُرْبِ.
وَمنها: إذَا أَسْلَمُوا وَفِي أَيْدِيهمْ أَمْوَالُ الْمُسْلِمِينَ فَهِيَ لَهُمْ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ لَيْسَ بَيْنَ النَّاس اخْتِلاَفٌ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا يَتَنَزَّلُ عَلَى الْقَوْلِ بِالْمِلْكِ فَإِنْ قِيلَ لاَ يَمْلِكُونَهَا فَهِيَ لِرَبِّهَا وَمَتَى وَجَدَهَا وَقَالَه أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ وَنَفَى صَاحِبُ الْمُغْنِي الْخِلاَفَ فِي الْمَذْهَبِ فِي الْمَسْأَلَةِ فَكَأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ أَبَا الْخَطَّابِ وَافَقَ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى الاِنْتِصَارِ. وَلَعَلَّ مَأْخَذَهُ أَنَّ الشَّارِعَ مَلَّكَ الْكَافِرَ مَا فِي يَدِهِ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ: " مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٌ فَهُوَ لَهُ " فَهَذَا تَمْلِيكٌ جَدِيدٌ يَمْلِكُونَهَا بِهِ لاَ بِالاِسْتِيلاَءِ الأَوَّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ قِيلَ إنَّ هَذَا يَرْجِعُ إلَى كُلِّ مَا قَبَضَهُ الْكَافِرُ مِنْ الأَمْوَالِ وَغَيْرِهَا قَبْضًا فَاسِدًا يَعْتَقِدُونَ جَوَازَهُ فَإِنَّهُ يَسْتَقِرُّ لَهُمْ بِالإِسْلاَمِ كَالْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ وَالأَنْكِحَةِ وَالْمَوَارِيثِ وَغَيْرِهَا وَلِهَذَا لاَ يَضْمَنُونَ مَا أَتْلَفُوهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ النُّفُوسِ وَالأَمْوَالِ بِالإِجْمَاعِ.
وَمنها: لَوْ كَانَ لِمُسْلِمٍ أَمَتَانِ أُخْتَانِ فَأَبِقَتْ إحْدَاهُمَا إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَاسْتَوْلَوْا عَلَيْهَا فَلَهُ وَطْءُ الْبَاقِيَةِ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7