كتاب : الشامل في فقه الخطيب والخطبة
المؤلف : د.سعود بن إبراهيم بن محمد الشريم

فالذي يظهر لي - والله أعلم - أن الراجح في هذه المسألة هو ما اختاره الشافعية لوجود العلة المقتضية للجمع . ولا يلزم من عدم ذكر الجمعة في حديث ابن عباس أنها غير داخلة في إذن الجمع ، ولا يؤثر فيها على الصحيح خلاف أهل العلم في كونها ظهراً مقصورة أو هي صلاة مستقلة بذاتها ، والمعنى العام للجمع بين الصلاتين هو وضع إحداهما في وقت الأخرى ، وهذا حاصل بالجمعة لاسيما في الإذن بنقل العصر من موضعها إلى موضع الجمعة ، إذ لا فرق بين عصر السبت والخميس وبين عصر الجمعة ، ثم إن الذين لم يجوزوا الجمع بين الظهرين للمطر ، نلزمهم بوجود المشقة في الظهرين كما هو الحاصل في العشاءين ، وينتج عن هذا الإلزام إلحاق الجمعة بهما في الحكم ، وقد يؤكد هذا ما جاء في الصحيحين( (1263) انظر : صحيح البخاري الجمعة ، باب ( 14 رقم 901 ) ، صحيح مسلم ( 1 / 485 رقم 699 ) . 1263) أن ابن عباس قال لمؤذنه في يوم مطير : " إذا قلت : أشهد أن محمداً رسول الله فلا تقل : حي على الصلاة ، قل : صلوا في بيوتكم فكأن الناس استنكروا ، قال : فعله من هو خير مني ، إن الجمعة عزمة وإني كرهت أن أخرجكم فتمشون في الطين والدحض ( (1264) الدَّحض : بفتح الدال المهملة وسكون الحاء المهملة ، ويجوز فتحها ، هو الزلق . فتح الباري ( 2 / 384 ) طبعة السلفية . 1264) .
قال الحافظ ابن حجر عن حديث ابن عباس هذا : وبه قال الجمهور ، ومنهم من فرَّق بين قليل المطر وكثيره . وعند مالك : لا يرخص في تركها بالمطر . وحديث ابن عباس هذا حجة في الجواز( (1265) انظر : فتح الباري ( 3 / 42 ) ، المجموع ( 4 / 318 ) . 1265) " اهـ .

قلت : وقد يعترض بعضهم على هذا بحديث الأعرابي الذي في الصحيح( (1266) انظر : تبسم الخطيب وضحكه . 1266) حينما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فقال : (( يا رسول الله هلك المال .. الحديث ، وفيه ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته صلى الله عليه وسلم ، فمطرنا يومنا ذلك ومن الغد وبعد الغد والذي يليه حتى الجمعة .. الحديث )) فقالوا : قوله في هذا الحديث " ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر ؛ يتحادر على لحيته " دليل على المنع من الجمع بين الجمعة والعصر للمطر ؛ لأن سبب الجمع وجد قبل أن ينزل من المنبر ، ومع ذلك لم يرد في الحديث أنه جمع بينها وبين العصر .
فالجواب من وجوه :
الوجه الأول :
أنه لا يلزم من عدم ذكر الجمع أنه صلى الله عليه وسلم لم يجمع ؛ لأنه يحتمل أن الراوي لم يذكر الجمع للمعلم به ، وإنما روى ما يحتاج إليه من قصة الأعرابي بدليل أنه لم يرو ما فعله صلى الله عليه وسلم بعد نزوله من المنبر وأمثال هذا كثير في رواية الأحاديث . كما أن الراوي ذكر أنهم " مطروا الجمعة ومن الغد وبعد الغد والذي يليه حتى الجمعة " ومع ذلك لم يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في تلك الأيام بخصوصها .

الوجه الثاني :
أن ابن عباس قد تقدم أنه أذن للناس في ترك الجمعة لأجل المطر ، وفي رواية لأجل الوحل( (1267) الوَحَل : بالتحريك الطين الرقيق . النهاية ( 5 / 162 ) . 1267) والطين ، وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك . وفي حديث الأعرابي هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في الجمعة الثانية والمطر لا يزال ينزل ، فعلمنا أنه صلى الله عليه وسلم أقام الجمعة ولم يتركها ولم يقل للناس صلوا في بيوتكم ، فقد يفهم منه أنه قبل الرخصة ، وقد يكون في الواقع أشياء لم تذكر في الحديثين للمعلم بها من أوجه أخرى ، ومع ذلك لا نرد حديث ابن عباس لأننا رأينا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنه خطب الجمعة الثانية والمطر ينزل .
الوجه الثالث :
أن الشارع لا يجمع بين المتضادات ولا يفرِّق بين المتماثلات . فمن يقول يجمع بين الظهر والعصر للمطر ، ولا يجمع بين الجمعة والعصر للمطر ؛ يلزمه أن يجيب على المسألة الفرضية وهي لو كان هناك جامع كبير يتسع لآلاف البشر فنزل المطر أثناء الخطبة ثم جاء رجلان مسبوقان فاتهما الركعتان جميعاً ، فإنها تكون في حقهما ظهراً . فهل يمكن إذا سلك الإمام أن نقول لهؤلاء الألوف لا تجمعوا واذهبوا إلى بيوتكم ونقول لهذين المسبوقين اللذين صارت الجمعة في حقهما ظهراً لعدم إدراكهما الركوع : لكما أن تجمعا معها العصر لأجل المطر ؛ ليكون الحاصل أنكما جمعتما بين الظهر والعصر لا بين الجمعة والعصر !! فالواقع إذا أن القول بمثل هذا غريب جدّاً بعيد عما عرف من قواعد الشريعة وأصولها .

الوجه الرابع :
أن قياس الجمعة على الظهر في بعض الأمور المشتركة قد قال به أنس بن مالك ، ونحا نحوه البخاري في صحيحه ، فقد عقد باباً فيه بقوله : " باب إذا اشتد الحر يوم الجمعة " . وأورد فيه حديث أنس بن مالك يقول : " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اشتد البرد بكَّر بالصلاة ، وإذا اشتد الحر أبرد بالصلاة " يعني الجمعة " ( (1268) انظر : صحيح البخاري الجمعة ، باب ( 17 رقم 906 ) . 1268) .
قال الحافظ ابن حجر : وعرف بهذا أن الإبراد بالجمعة عند أنس إنما هو بالقياس على الظهر . ثم قال الحافظ أيضاً : وقال الزين بن المنير : نحا البخاري إلى مشروعية الإبراد بالجمعة ولم يبت الحكم بذلك ... فرجع عنده إلحاقها بالظهر ... ( (1269) انظر : الفتح ( 3 / 48 ) . 1269) اهـ .
قلت : وبهذا يتضح أنه ليس الإبراد بأولى في القياس بالظهر من الجمع للمطر .
فحاصل ما مضى أن الأظهر والأقرب - والله أعلم - هو جواز الجمع بين الجمعة والعصر لأجل المطر بدليل ما تقدم ذكره ، والعلم عند الله تعالى " .
تنبيه :
سئل سماحة شيخنا العلامة عبدالعزيز بن باز عن حكم جمع العصر إلى الجمعة للمطر ؟
فأجاب بنا نصه : لا يجوز الجمع بين صلاتي العصر والجمعة في مطر ولا غيره ؛ لأن ذلك لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم فيما نعلم ؛ ولأن الجمعة لا تقاس على الظهر ، بل هي عبادة مستقلة ، والعبادات توقيفية لا يجوز إحداث شيء فيها بمجرد الرأي ( (1270) انظر : مجموع فتاوى ابن باز ( 12 / 302 ) . 1270) . اهـ .
قلت : وبالذي قاله الشيخ عبدالعزيز قد قاله شيخنا العلامة محمد بن عثيمين ، فلقد سمعته بأذني في حوار دار بيني وبينه حول هذه المسألة . والله الموفق .

102-

تحدث الخطيب أو غيره على الناس بالوعظ أو غيره بعد صلاة الجمعة
هذه مسألة تتكرر في كثير من الجوامع حيث يقوم الإمام نفسه أو بعض الحريصين فيحدثون الناس بعد الجمعة بواعظ أو إلقاء بيان أو نحوه .
فقد نقل ابن قدامة عن الإمام أحمد أنه قال : إذا كانوا يقرءون الكتاب يوم الجمعة على الناس بعد الصلاة أعجب إلى أن يسمع إذا كان فتحاً من فتوح المسلمين ، أو كان فيه شيء من أمور المسلمين فليستمع ، وإن كان شيئاً إنما فيه ذكرهم فلا يستمع ( (1271) انظر : المغنى ( 3 / 251 ) . 1271) . اهـ
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم مفتى الديار السعودية ما حاصله : إن الوعظ والإرشاد والتعليم لا يقيد بزمن ، بل ينظر فيه المصلحة وحالة المتعلمين ونحوهم ، فينبغي تخولهم بالموعظة وعدم الإملال .. وأما المنع من الموعظة والتذكير بعد صلاة الجمعة فلا أعلم له أصلاً ، بل قد روي عن جماعة من الأئمة كالشيخ تقي الدين أنه كان يقرأ الحديث بعد صلاة الجمعة ، وكذلك يذكر الشيخ عبدالغني بن سرور صاحب العمدة وغيرهم . ( (1272) انظر : فتاوى ابن إبراهيم ( 3 / 45 ) . 1272) اهـ .
وقال أيضاً : قال ابن تيمية : فإن ابن أبي كان مظهراً لطاعة النبي صلى الله عليه وسلم والإيمان به ، وكان كل جمعة يقوم خطيباً في المسجد يأمر باتباع النبي صلى الله عليه وسلم قال الشيخ محمد بن إبراهيم معلقاً على ذلك : هذا مما يستدل به على أنه لا بأس بالموعظة بعد الجمعة ، ولعله لا في كل شيء ، وكان الشيخ تقي الدين يحاضر بعد الجمعة في أشياء من بيان السنة ، فلعله إذا كان لأشياء هامة لا بأس ، ولعه إذا كان من باب الوعظ ، لا ينبغي اكتفاءً بالخطبة . ( (1273) انظر : المصدر السابق ( 3 / 46 ) . 1273) اهـ .
وقد سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بما نصه : هل يجوز الخطبة أو الوعظ بعد صلاة الجمعة ؟.

الجواب : لا نعلم دليلاً يدل على منع الموعظة بعد الصلاة ، ومعلوم أن الدواعي لإلقاء الموعظة تختلف باختلاف أحوال من يلقيها ، وحاجة الناس لها ، وأحوال الأئمة الذين يقومون بإلقاء الخطب ، فمن أراد الجلوس للاستماع أو أراد الخروج ، فالأمر في ذلك واسع . وأما الآية التي ذكرتها وهي قوله تعالى {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} سورة الجمعة، آية:10 . فلا تتعارض مع إلقاء الموعظة ( (1274) انظر : فتاوى اللجنة ( 8 / 280 فتوى رقم 5186 ) . 1274) . وبالله التوفيق .
103-

السنة البعدية للخطيب وغيره وكم عددها وأين تصلى ؟
روى الجماعة إلا البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربع ركعات )) ( (1275) صحيح مسلم ( 2 / 881 ) ، سنن أبي داود ( 1 / 673 رقم 1131 ) الترمذي ( 2 / 400 رقم 523 ) النسائي ( 3 / 92 ) . ابن ماجه ( 1 / 358 رقم 1132 ) . 1275) .
وروى الجماعة أيضاً من حديث ابن عمر رضي الله عنهما (( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته )) ( (1276) صحيح البخاري الجمعة ، باب ( 39 رقم 937 ) ، صحيح مسلم ( 2 / 600 رقم 882 ) سنن أبي داود ( 1 / 673 رقم 1132 ) ، الترمذي ( 2 / 399 رقم 522 ) ، النسائي ( 3 / 93 ) ابن ماجة ( 1 / 358 رقم 1130 ) . 1276) .
وروى أبو داود في سننه عن ابن عمر رضي الله عنهما : أنه كان إذا كان بمكة فصلى الجمعة تقدم فصلى ركعتين ، ثم تقدم فصلى أربعاً ، وإذا كان بالمدينة صلى الجمعة ثم رجع إلى بيته فصلى ركعتين ، ولم يصل في المسجد ، فقيل له في ذلك فقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ( (1277) سنن أبي داود ( 1 / 673 رقم 1130 ) . 1277) .

قال العراقي : لإسناده صحيح . وقد سكت عنه أبو داود والمنذري ( (1278) انظر : مختصر سنن أبي داود للمنذري ( 2 / 26 ) . 1278) كما حكي ذلك الشوكاني ( (1279) انظر : نيل الأوطار ( 3 / 292 ) . 1279) .
قلت : هذه الأحاديث الثلاثة نتج عنها أقوال ثلاثة في السنة البعدية للجمعة :
فقال قوم : إن سنة الجمعة البعدية أربع ركعات منفصلة ، وممن قال بذلك : ابن مسعود والنخعي ( (1280) قول ابن مسعود وإبراهيم النخعي ذكره ابن أبي شيبة ( 3 / 133 ) وعبدالرزاق ( 3 / 247 ) . 1280) وأصحاب الرأي ، وكذا الشافعي ومالك وأحمد ( (1281) انظر : الأم ( 1 / 256 ) ، الأوسط ( 4 / 125 ) ، المغني ( 3 / 249 ) . 1281) . واستدلوا بحديث أبي هريرة السابق .
وقال آخرون: إن سنة الجمعة البعدية ركعتان ، وممن قال بذلك: الشافعي وأحمد( (1282) انظر : المصادر السابقة . 1282) . وقد حكاه عنهما الترمذي ( (1283) انظر : جامع الترمذي ( 2 / 399 ) . 1283) وفعله عمران بن حصين ( (1284) انظر : مصنف ابن أبي شيبة ( 3 / 132 ) . 1284) .
قلت : ولكن ردَّ العراقي على قول الترمذي بأن الشافعي وأحمد لم يريدا بذلك إلا بيان أقل ما يستحب ، ولإلا فقد استحبا أكثر من ذلك ( (1285) انظر : نيل الأوطار ( 3 / 293 ) . 1285) .
ومن قال بهذا القول استدلوا بما رواه الجماعة عن ابن عمر كما سبق ذكره .
وقال جماعة : إن السنة البعدية للجمعة ست ركعات منفصلة ، ودليلهم حديث ابن عمر السابق عند أبي داود . وممن قال بذلك : علي وأبو موسى رضي الله عنهما ، وعطاء ومجاهد وحميد بن عبدالرحمن والثوري( (1285) انظر : قول على وأبي موسى رضي الله عنهما في مصنف ابن أبي شيبة ( 3 / 132 ) وعبدالرزاق ( 3 / 247 ) وقول عطاء ومجاهد وحمسد في المغني ( 3 / 249 ) . 1285) ، وهو رواية عن أحمد فقد قال : وإن شاء صلى ستّاَ ( (1286) انظر : الأوسط ( 4 / 125 ) ، المغني ( 3 / 249 ) ، نيل الأوطار ( 3 / 293 ) . 1286) .

ونقل ابن قاسم في حاشيته على الروض عن شيخ الإسلام ما نصه : وقال الشيخ وغيره : أدنى الكمال ست ( (1287) انظر : حاشية الروض المربع ( 2 / 468 ) . 1287) . اهـ .
فمما سبق يفهم أن الجمع سنة ، ولكن بعضه أكمل من بعض ، إلا أن حديث ابن عمر في الست ركعات قد أجاب عنه الحافظ العراقي بقوله : فليس في ذلك علم ولا ظن أنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل بمكة ذلك ، وإنما أراد رفع فعله بالمدينة فحسب ، لأنه لم يصح أنه صلى الجمعة بمكة ، وعلى تقدير وقوعه بمكة منه فليس ذلك في أكثر الأوقات بل نادراً ( (1288) انظر : نيل الأوطار ( 3 / 293 ) .1288) . اهـ .
قلت : وقول العراقي له وجه قوي من النظر .
وأكثر الخلاف دائر على الأربع والثنتين ، إذ فيهما القولان .
وقد جمع بعض أهل العلم بين القولين : على أن الأربع إذا صلاها في المسجد ، والثنتين إذا صرها في بيته . جمعاً بين الروايات . وممن قال بذلك إسحاق بن راهويه ( (1289) انظر : جامع الترمذي ( 1 / 401 ) . 1289) ، وشيخ الإسلام ، وتلميذه ابن القيم .
وقد قال شيخ الإسلام : والقول الوسط العدل ، هو ما وافق السنة الصحيحة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم ، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي بعد الجمعة ركعتين ، وفي صحيح مسلم أنه قال : (( من كان منكم مصلياً بعد الجمعة فليصل بعدها أربعاً )) وقد روى الست عن طائفة من الصحابة جمعاً بين هذا وهذا ( (1290) انظر : مجموع الفتاوى ( 24 / 202 ) . 1290) . اهـ .
وقال ابن القيم : قال شيخنا أبو العباس ابن تيمية : إن صلى في المسجد صلى أربعاً ، وإذا صلى في بيته صلى ركعتين . قلت : وعلى هذا تدل الأحاديث ، وقد ذكر أبو داود عن ابن عمر أنه كان إذا صلى في المسجد صلى أربعاً ، وإذا صلى في بيته صلى ركعتين ( (1291) انظر : سنن أبي داود ( 1 / 673 رقم 1130 ) . 1291) . اهـ ( (1292) انظر : زاد المعاد ( 1 / 440 ) . 1292).

قال ابن المنذر : إن شاء صلى ركعتين ، وإن شاء اربعاً ، ويصلي أربعاً يفصل بين كل ركعتين بتسليمة أحب إلي( (1293) انظر : الأوسط ( 4 / 127 ) . 1293) . اهـ .
وقد قال سماحة شيخنا العلامة عبدالعزيز بن باز في دروسه على بلوغ المرام ما نصه : " إن أقلها اثنتان وأكثرها أربع ، ولا فرق بين أن يصليها في البيت أو في المسجد ، وهذا القول أظهر ؛ لأن القول مقدم على الفعل ، ولأنه يحتمل أن يكون فعله للتخفيف ، أو أن هذا قبل أن يأمر بالأربع ، فالأولى والأظهر هو هذا القول جمعاً بين الأدلة ( (1294) انظر : شرح الشيخ لحديث البلوغ رقم ( 436 ) . 1294) " اهـ . كلامه بتصرف يسير .
تنبيه :
ما هو الأفضل للخطيب أن يصلي السنة البعدية في المسجد أو في البيت ؟
قال الإمام مالك : ينبغي للأئمة اليوم إذا سلموا من صلاة الجمعة أن يدخل الإمام منزله ويركع ركعتين ولا يركع في المسجد ( (1295) انظر : المدونة ( 1 / 237 ) . 1295) . اهـ .
قلت : ودليل مالك فيما ذكر هو ما رواه الشيخان عن ابن عمر (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين ، وبعد المغرب ركعتين في بيته وبعد العشاء ركعتين، وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين)) ( (1296) صحيح البخاري : الجمعة ( باب 39 رقم 937 ) صحيح مسلم ( 2 / 600 رقم 882 ) . 1296).
وبما رواه أبو داود وابن حبان عن نافع قال : (( كان ابن عمر يطيل الصلاة قبل الجمعة ويصلي بعدها ركعتين في بيته، ويحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك )) ( (1297) صحيح سنن أبي داود ( 1 / 672 رقم 1128 ) ، صحيح ابن حبان ( 4 / 84 رقم 1467 ) . 1297) .

قال الحافظ ابن حجر : " قال ابن بطال : والحكمة فيه أن الجمعة لما كانت بدل الظهر واختصر فيها على ركعتين ترك التنفل بعدها في المسجد خشية أن يظن أنها التي حذفت انتهى. وعلى هذا فينبغي ألا يتنفل قبلها ركعتين متصلتين بها في المسجد لهذا المعنى.( (1298) انظر : الفتح ( 3 / 95 ) . 1298) اهـ
104-

إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد
ثبت عند أبي داود وابن ماجة وغيرهما من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( قد اجتمع في يومكم هذا عيدان ، فمن شاء أجزأه من الجمعة ، وإنا مجمعون )) ( (1299) انظر : سنن أبي داود ( 1 / 647 رقم 1073 ) ، سنن ابن ماجة ( 1 / 416 رقم 1312 ) . 1299) .
وهذه المسألة اختلف فيها أهل العلم على ثلاثة أقوال :
فمنهم من قال : تجب الجمعة على من شهد العيد كما تجب سائر الجمع ، للعمومات الدالة على وجوب الجمعة . وهذا القول نصره ابن المنذر فقال : العيد سنة والجمعة فرض ، فلا يترك فرض بتطوع ( (1300) انظر : الأوسط ( 4 / 290 ) . 1300) . اهـ .
ومنهم من قال : تسقط عن أهل البر ، مثل أهل العوالي والشواذ ، لأن عثمان بن عفان أرخص لهم في ترك الجمعة لما صلى بهم العيد .
ومنهم من قال : إن من شهد العيد سقطت عنه الجمعة ، لكن على الإمام أن يقيم الجمعة ليشهدها من شاء شهودها ، ومن لم يشهد العيد ( (1301) انظر : في الأقوال السالفة ، الأوسط ( 4 / 289 ) ، مجموع الفتاوى ( 24 / 210 ) ، نيل الأوطار ( 3 / 294 ) . 1301) .

والصحيح من هذه الأقوال ، وهو الذي اختاره جماعة من المحققين ، وهو اختيار شيخ الإسلام رحمه الله : أن من شهد العيد سقطت عنه الجمعة . وقال ضيخ الإسلام : لكن على الإمام أن يقيم الجمعة ليشهدها من شاء شهودها ومن لم يشهد العيد . وهذا هو المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، كعمر ، وعثمان ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وابن الزبير وغيرهم ، ولا يعرف عن الصحابة في ذلك خلاف . وأصحاب القولين المتقدمين لم يبلغهم ما في ذلك من السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم ( (1302) انظر : مجموع الفتاوى ( 24 / 211 ) . 1302) . اهـ .
وقال سماحة شيخنا عبدالعزيز بن باز : " أما الإمام وخطباء المساجد فيصلون ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها ( (1303) انظر : شرح بلوغ المرام للشيخ الحديث رقم ( 434 ) . 1303) " . اهـ .
105-

استحباب دخول الإمام بيته أو حجرته ليصلي ركعتين بعد الجمعة
أخرج الشيخان من حديث ابن عمر : (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين ، وبعد المغرب ركعتين في بيته ، وبعد العشاء ركعتين ، وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين )) ( (1304) تقدم تخريجه في مبحث السنة البعدية للخطيب وغيره ص ( 431 ) . 1304) .
وأخرج أبو داود وابن حبان عن نافع قال : ((كان ابن عمر يطيل الصلاة قبل الجمعة ، ويصلي بعدها ركعتين في بيته ، ويحدِّث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك)) ( (1305) تقدم تخريجه في مبحث السنة البعدية للخطيب وغيره ص (436 ) .1305) .
قال ابن أبي شيبة في مصنفه : حدثنا أبو بكر قال : حدثنا وكيع عن سفيان عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عمر أنه كان يستحب للإمام إذا صلى أن يدخل .
وقال أيضاً : حدثنا وكيع عن أبي العميس عن محمد بن عمرو عن عطاء أن ابن عباس كان إذا صلى الجمعة فسلَّم ودخل .

وقال أيضاً : حدثنا أبو خالد الأحمر عن محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الركعتين بعد الجمعة في بيته ( (1306) انظر : مصنف ابن أبي شيبة ( 2 / 138 ) . 1306) . اهـ .
قال الإمام مالك : ينبغي للأئمة اليوم إذا سلموا من صلاة الجمعة أن يدخل الإمام منزله ويركع ركعتين ولا يركع في المسجد . ( (1307) انظر : المدونة ( 1 / 237 ) . 1307) اهـ .
وقال الحافظ ابن حجر معلقاً على حديث البخاري ومسلم عن ابن عمر : قال ابن بطال : والحكمة فيه أن الجمعة لما كانت بدل الظهر واقتصر فيها على ركعتين ترك التنفل بعدها في المسجد خشية أن يظن أنها التي حذفت انتهى . وعلى هذا فينبغي ألا يتنفل قبلها ركعتين متصلتين بها في المسجد لهذا المعنى . ( (1308) انظر : الفتح ( 3 / 95 ) . 1308) اهـ .
106-

اتخاذ المنبر يوم العيد
قال ابن القيم رحمه الله عن المنبر في صلاة العيدين : " ولم يكن هنالك منبر يرقى عليه ، ولم يكن يخرج منبر المدينة ، وإنما كان يخطبهم قائماً على الأرض ، قال جابر : (( شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بلا أذان ولا إقامة ، ثم قام متوكئاً على بلال .. )) متفق عليه( (1309) انظر : صحيح البخاري : العيدين ( حديث رقم 961 ) ، صحيح مسلم ( 2 / 603 رقم 885 ) . 1309) ( (1310) انظر : زاد المعاد ( 1 / 445 ) . 1310) .
قلت : في الصحيحين من حديث أبي سعيد في صفة صلاة العيدين وفيه (( .. فيقوم مقابل الناس ، والناس جلوس على صفوفهم .. قال أبو سعيد : فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان - وهو أمير المدينة - في أضحى أو فطر ، فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت ..( (1311) صحيح البخاري : العيدين ( حديث رقم 956 ) ، صحيح مسلم ( 2 / 605 رقم 889 ) . 1311) "

بوَّب البخاري لهذا الحديث فقال : باب الخروج إلى المصلى بغير منبر . قال الحافظ ابن حجر عن تبويب البخاري : " يشير إلى ما ورد في بعض طرق حديث أبي سعيد الذي ساقه في هذا الباب ، وهو ما أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة ( (1312) مسند أحمد ( 3 / 10 ) ، وسنن أبي داود ( 1 / 677 رقم 1140 ) وسنن ابن ماجة ( 1 / 406 رقم 1275 ) . 1312) من طريق الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه قال : " أخرج مروان المنبر يوم عيد ، وبدأ بالخطبة قبل الصلاة فقام إليه رجل فقال : يا مروان ، خالفت السنة .. " الحديث ( (1313) انظر : فتح الباري ( 2 / 449 ) . 1313) اهـ .
وذكر الحافظ أيضاً رواية ابن خزيمة : (( خطب يوم عيد على رجليه )) ( (1314) صحيح ابن خزيمة ( 2 / 348 رقم 1445 ) ووقع في المطبوع على راحلته وهو خطأ دلَّ على ذلك كلام ابن خزيمة " باب الخطبة قائماً على الأرض .. الخ " . 1314) وهذا مشعر بأنه لم يكن بالمصلى في زمانه منبر . ويدل على ذلك قول ابي سعيد " فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان .. ( (1315) انظر : فتح الباري ( 2 / 449 ) . 1315) .
وقد وقع في المدونة لمالك ، ورواه عمر بن شبة عن أبي غسان عنه قال : " أول من خطب الناس في المصلى على المنبر عثمان بن عفان ، كلمهم على منبر من طين بناه كثير بن الصلت " .
قال عنه الحافظ ابن حجر: هذا معضل ، وما في الصحيحين أصح ، ويحتمل أن يكون عثمان فعل ذلك مرة ثم تركه حتى أعاده مروان ولم يطلع على ذلك أبو سعيد ( (1316) انظر : فتح الباري ( 3 / 125 ) . 1316) اهـ .
وذكر الحافظ أيضاً من فوائد حديث أبي سعيد : " وفيه أن الخطبة على الأرض عن قيام في المصلى أولى من القيام على المنبر ، والفرق بينه وبين المسجد أن المصلى يكون بمكان فيه فضاء فيتمكن من رؤيته كل من حضر بخلاف المسجد ، فإنه يكون في مكان محصور فقد لا يراه بعضهم ( (1317) انظر : فتح الباري ( 3 /126 ) . 1317) " .

قال ابن القيم رحمه الله : وفي الصحيحين أيضاً عن جابر : (( أن النبي صلى الله عليه وسلم قام فبدأ بالصلاة ثم خطب الناس بعد ، فلما فرغ نبي الله صلى الله عليه وسلم نزل فأتى النساء فذكرهن .. )) الحديث( (1318) صحيح البخاري : العيدين ( حديث رقم 961 ) ، صحيح مسلم ( 2 / 603 رقم 585 ) . 1318) وهو يدل على أنه كان يخطب على منبر ، أو على راحلته ، ولعله كان قد بني له منبر من لبن ( (1319) الَّلِبنُ : ما يعمل من الطين ويبنى به ، الواحدة لَبَنة . المصباح المنير ( ص 548 ) . 1319) أو طين أو نحوه ! .
قيل : لا ريب في صحة هذين الحديثين ، ولا ريب أن المنبر لم يكن ليخرج من المسجد ، وأول من أخرجه مروان بن الحكم فأنكر عليه ، وأما منبر اللبن والطين فأول من بناه كثير بن الصلت في إمارة مروان على المدينة كما هو في الصحيحين ( (1320) انظر : صحيح البخاري : العيدين ( رقم 956 ) ، صحيح مسلم ( 2 / 605 رقم 883 ) . 1320) ، فلعله صلى الله عليه وسلم كان يقوم في المصلى على مكان مرتفع أو دكان ، وهي التي تسمى مصطبة ، ثم ينحدر منه إلى النساء ... ) ( (1321) انظر : زاد المعاد ( 1 / 447 ) . 1321) اهـ .
107-

حكم تنفل الإمام قبل العيدين وبعدهما ؟
بوَّب البخاري في صحيحه باباً فقال : باب الصلاة قبل العيد وبعدها . ثم قال : وقال أبو المعلا : سمعت سعيداً عن ابن عباس كره الصلاة قبل العيد .
ثم أورد حديث سعيد عن ابن عباس (( أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الفطر فصلى ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها ومعه بلال )) ورواه مسلم أيضاً ( (1322) انظر : صحيح البخاري : العيدين ( حديث رقم 989 ) ، صحيح مسلم ( 2 / 606 رقم 884 ) .1322) .

قلت : اختلف السلف في المسألة على أقوال :
القول الأول :
وقال به الأوزعي ، والثوري ، والحنفية : على أنه يصلى بعدها لا قبلها ، وقد ذكر ابن المنذر عن أحمد أن هذا فعل الكوفيين ( (1323) انظر : الأوسط ( 4 / 269 ) ، الأصل ( 1 / 379 ) ، المغني ( 3 / 281 ) . 1323) .
القول الثاني :
وقال به الحسن البصري وجماعة : على أنه يصلى قبلها لا بعدها . وذكر الإمام أحمد رحمه الله أن هذا عمل البصريين ( (1324) انظر : الأوسط ( 4 / 267 ) ، مصنف ابن أبي شيبة ( 2 / 180 ) ، المغني ( 3 / 281 ) . 1324) .
وقد أسند البيهقي عن جماعة منهم ، أنس : (( أنهم كانوا يصلون يوم العيد قبل خروج الإمام )) ( (1325) انظر : السنن الكبرى ( 3 / 303 ) . 1325) وسكت عليه الحافظ في التلخيص ( (1326) انظر : التخليص الحبير ( 2 / 84 ) . 1326) .
القول الثالث :
وقال به الزهري ، وابن جريج ، وأحمد ، وجماعة من المحققين ، ونقله الإمام أحمد عن المدنيين : على أنه لا يصلى قبلها ولا بعدها( (1327) انظر : الأوسط ( 4 / 267 ) ، المغني ( 3 / 281 ) .1327) .
وعن مالك رحمه الله أنه منعه في المصلى ، وعنه في المسجد روايتان( (1328) انظر : المدونة ( 1 / 247 ) ، إكمال المعلم ( 3 / 303 ) ، شرح مسلم للنووي ( 3 / 448 ) . 1328) .
ونقل بعض المالكية الإجماع على أن الإمام لا يتنفل في المصلى ( (1329) انظر : فتح الباري ( 3 / 159 ) . 1329)
وقال ابن العربي : التنفل في المصلى لو فعل لنقل ( (1330) انظر : عارضة الأحوذي ( 3 / 8 ) . 1330) .
القول الرابع :
وبه قال الشافعي رحمه الله على أنه يجب على الإمام ألا يتنفل قبلها ولا بعدها ، وأما المأموم فمخالف له في ذلك ( (1331) انظر : الأم ( 1 / 390 ) . 1331) .
قال النووي في شرح مسلم : قال الشافعي وجماعة من السلف : لا كراهة في الصلاة قبلها ولا بعدها ( (1332) انظر : شرح النووي ( 3 / 448 ) . 1332).

ولكن تعقبه الحافظ ابن حجر وقال : فإن حمل كلامه على المأموم وإلا فهو مخالف لنص الشافعي المذكور( (1333) انظر : فتح الباري ( 3 / 159 ) . 1333) .
قلت : هذا حاصل الخلاف في هذه المسألة . وقد قال ابن القيم - رحمه الله - " ولم يكن هو - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابه يصلون إذا انتهوا إلى المصلى شيئاً قبل الصلاة ولا بعدها ( (1334) انظر : زاد المعاد ( 1 / 443 ) . 1334) " .
وبهذا يتبين أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصلي قبلها ولا بعدها إذا كان في المصلى . وأما إذا كان في المسجد فلعل الأظهر أنه لا بأس أن يصلي ركعتي التحية ولا يتنفل ، وأما بعدها فلا .
ثم إذا كان قد صلى في المصلى أو في المسجد فإنه قد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي سعيد (( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي قبل العيد شيئاً ، فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين)) أخرجه ابن ماجه ( (1335) انظر : سنن ابن ماجه : ( 1 / 410 ، رقم 1293 ) . 1335) بإسناد حسن وصححه الحاكم ( (1336) انظر : المستدرك ( 1 / 297 ) . 1336) كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في الفتح ( (1337) انظر : فتح الباري ( 3 / 159 ) . 1337) .
وذكر في التلخيص ما أخرجه البزار من حديث الوليد بن سريع عن علي في قصة له : (( أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل قبلها ولا بعدها ، فمن شاء فعل ، ومن شاء ترك )) ( (1338) انظر : كشف الأتار ( 1 / 313 رقم 654 ) . 1338) فسكت عنه الحافظ وقال : ويجتمع بين هذا وبين حديث أبي سعيد أن النفي إنما وقع في الصلاة في المصلى( (1339) انظر : التخليص الحبير ( 2 / 83 ) . 1339) . اهـ .
قال ابن العربي: التنفل في المصلى لو فعل لنقل،ومن أجازه رأى أنه وقت مطلق للصلاة ، ومن تركه رأى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله ، ومن اقتدى فقد اهتدى( (1340) انظر : عارضة الأحوذي ( 3 / 8 ) . 1340)اهـ .

وقال ابن المنذر : الصلاة جائزة قبل صلاة العيد وبعده ، ليس لأحد أن يحظر منه شيئاً ، وليس في ترك النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي قبلها وبعدها دليل على كراهية الصلاة في ذلك الوقت ؛ لأن ماهو مباح لا يجوز حظره إلا بنهي يأتي عنه ، ولا نعلم خبراً يدل على النهي عن الصلاة قبل صلاة العيد وبعده ، وصلاة التطوع في يوم العيد وفي سائر الأيام في البيوت أحب إلينا للأخبار الدالة على ذلك ( (1341) انظر : الأوسط ( 4 / 270 ) . 1341) . اهـ .
وقال النووي : ولا حجة في الحديث لمن كرهها ، لأنه لا يلزم من ترك الصلاة كراهتها ، والأصل ألا منع حتى يثبت( (1342) انظر : شرح مسلم للنووي ( 3 / 448 ) . 1342) . اهـ .
وقال الحافظ ابن حجر : والحاصل أن صلاة العيد لم يثبت لها سنة قبلها ولا بعدها خلافاً لمن قاسها على الجمعة . اهـ . والله تعالى أعلم ( (1343) انظر : فتح البري ( 3 / 159 ) . 1343) .
108-

التكبير في خطبتي العيدين
قال مالك : من السنة أن يكبر الإمام في خطبة العيدين تكبيراً كثيراً( (1344) انظر : الأوسط ( 4 / 287 ) ، المعونة ( 1 / 325 ) . 1344) .
وقال ابن قدامة : ويستحب أن يكثر التكبير في أضعاف خطبته ، فإذا كبَّر في أثناء الخطبة كبَّر الناس بتكبيره( (1345) انظر : المغني ( 3 / 276 ) . 1345) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : وكان التكبير أيضاً مشروعاً في خطبة العيد زيادة على الخطب الجمعية ( (1346) انظر : مجموع الفتاوى ( 24 / 225 ) . 1346) . اهـ .
قلت : والشافعي وأصحاب يرون التكبير في خطبة العيدين ، غير أنهم يستحبون أن يستفتح به الخطبة . وقد مرَّ معنا ذكر ذلك عنهم وعن غيرهم تحت مبحث ( افتتاح الخطب ) فلتراجعه .

وأما الدليل على ما ذكره مالك وابن قدامة وغيرهما ، فهو ما رواه ابن ماجة في سننه عن سعد القرظ مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يكبر بين أضعاف الخطبة ، ويكثر التكبير في خطبتي العيدين ( (1347) سنن ابن ماجة ( 1 / 409 رقم 1287 ) . 1347) .
وفي سنده عبدالرحمن بن سعد بن عمار بن سعد المؤذن ، وهو ضعيف ، وأبوه سعد بن عمار مستور ( (1348) انظر : مصباح الزجاجة ( 1 / 152 ) والتقريب ص 232 . 1348) .
قال ابن المنذر : ليس في عدد التكبير على المنبر سنة يجب أن تستعمل ، فما كبر الإمام فهو يجزئ ، ولو ترك التكبير وخطب لم يكن عليه في ذلك شيء ( (1349) انظر : الأوسط ( 4 / 287 ) . 1349) . اهـ .
وأورد ابن قدامة ما روي عن أبي موسى أنه كان يكبر يوم العيد على المنبر اثنتين وأربعين تكبيرة ( (1350) انظر : المغني ( 3 / 278 ) . 1350) .
قلت : الذي يظهر أن العمل عند جمهور أهل العلم على استحباب التكبير أثناء الخطبة . والعلم عند الله تعالى .

109-

خطبة العيدين هل هي قبل الصلاة أم بعدها؟
روى الشيخان في صحيحهما عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يصلون العيدين قبل الخطبة)) ( (1351) صحيح البخاري : كتاب العيدين ( رقم 963 ) ، صحيح مسلم ( 2 / 605 رقم 888 ) . 1351) وفي رواية لهما عن ابن عباس : شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فكلهم كانوا يصلون قبل ( (1352) صحيح البخاري : كتاب العيدين ( رقم 962 ) ، صحيح مسلم ( 2 / 605 رقم 884 ) .1352) ، وعندهما أيضاً من حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى ، وأول شيء يبدأ به الصلاة ، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس والناس على صفوفهم فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم )) ( (1353) صحيح البخاري : كتاب العيدين ( رقم 956 ) ، صحيح مسلم ( 2 / 605 رقم 889 ) .1353) .
قلت : أُخِّرت الخطبة عن الصلاة ؛ لأنها لم تكن واجبة فجعلت في وقت يتمكن من أراد تركها ، بخلاف خطبة الجمعة ، كما قال ذلك ابن قدامة ( (1354) انظر : المغني ( 3 / 276 ) . 1354) .
وقد نقل الصنعاني رحمه الله الإجماع على عدم وجوب الخطبة في العيدين ( (1355) انظر : سبل السلام ( 2 / 113 ) . 1355) .
قال ابن المنذر : ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه بدأ بالصلاة قبل الخطبة في يوم العيد، وكذلك فعل الخلفاء الراشدون المهديون ، وعليه عوام علماء أهل الأمصار( (1356) انظر : الأوسط ( 4 / 271 ) وانظر عن المذاهب الأربعة البدائع ( 2 / 240 ) ، المدونة ( 1 / 246 ) الأم ( 1 / 392 ) المغني ( 3 / 276 ) . 1356) . اهـ .
وقال القاضي عياض : هذا هو المتفق عليه من مذاهب علماء الأمصار وفقهاء الفتوى ، ولا خلاف بين أئمتهم فيه ( (1357) انظر : إكمال المعلم ( 3 / 289 ) . 1357) . اهـ .

وقال النووي : مذهب العلماء كافة أن خطبة العيد بعد الصلاة ( (1358) انظر : شرح مسلم للنووي ( 3 / 442 ) . 1358) . اهـ .
وقال ابن قدامة رحمه الله: " وجملته أن خطبتي العيدين بعد الصلاة ، لا نعلم فيه خلافاً بين المسلمين إلا عن بني أمية وروي عن عثمان وابن الزبير أنهما فعلاه ولم يصح ذلك عنهما ، ولا يعتد بخلاف بني أمية ؛ لأنه مسبوق بالإجماع الذي كان قبلهم ، ومخالف لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة، وقد أنكر عليهم فِعْلهم ، وعدَّ بدعة ومخالفاً للسنة( (1359) انظر : المغني ( 3 / 276 ) .1359)"اهـ
وقال الصنعاني : وعلى كل تقدير فإنه بدعة مخالف لهديه صلى الله عليه وسلم ( (1360) انظر : سبل السلام ( 2 / 114 ) . 1360). اهـ .
قلت : أما ما روي عن عثمان رضي الله عنه فقد رواه ابن المنذر بسند صحيح إلى الحسن البصري قال : " أول من خطب قبل الصلاة عثمان ، صلى بالناس ثم خطبهم - يعني على العادة - فرأى ناساً لم يدركوا الصلاة ففعل ذلك ( (1361) الأوسط ( 4 / 272 ) . 1361) " . قال الحافظ ابن حجر : أي صار يخطب قبل الصلاة ( (1362) انظر : فتح الباري ( 3 / 128 ) . 1362) . اهـ .
وأخرج البخاري ومسلم من حديث البراء بن عازب قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن أول ما نبدأ في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر .. )) الحديث ( (1363) صحيح البخاري : العيدين ( حديث رقم 965 ) ، صحيح مسلم : ( 3 / 1553 رقم 1961 ) . 1363) .
قال الحافظ ابن حجر : "هذا مشعر بأن الكلام وقع قبل إيقاع الصلاة، فيستلزم تقديم الخطبة على الصلاة بناءً على أن هذا الكلام من الخطبة؛ ولأنه عقب الصلاة بالنحر"( (1364) انظر : فتح الباري ( 3 / 131 ) . 1364)اهـ
وقال الكرماني : " المستفاد من حديث البراء أن الخطبة مقدمة على الصلاة ( (1365) انظر : شرح الكرماني ( 6 / 71 ) . 1365) " .

وقال ابن بطال : " غلط النسائي فترجم بحديث البراء فقال " باب الخطبة قبل الصلاة ( (1366) انظر :شرح الكرماني ( 6 / 70 ) ، فتح الباري ( 3 / 131 ) . 1366) " . اهـ .
قال الحافظ ابن حجر مرجحاً أن الخطبة بعد الصلاة : " والمعتمد في صحة ما تأولناه رواية محمد بن طلحة عن زبيد في هذا الحديث بعينه بلفظ : خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم أضحى إلى البقيع فصلى ركعتين، ثم أٌقبل علينا بوجهه وقال:((أول نسكنا في يومنا هذا أن نبدأ بالصلاة ثم نرجع فننحر))الحديث. فتبين أن ذلك الكلام وقع منه بعد الصلاة( (1367) انظر : فتح الباري ( 3 / 131 ) .1367)"اهـ.
إشكال ودفعه :
مرَّ معنا أن عثمان رضي الله عنه قدَّم الخطبة على الصلاة ، وكذلك عمر رضي الله عنه فيما رواه عبدالرزاق وابن أبي شيبة ( (1368) مصنف عبدالرزاق ( 3 / 283 رقم 5644 ) ، مصنف ابن أبي شيبة ( 2 / 171 ) . 1368) .
قال الحافظ ابن حجر عنه : هذا إسناد صحيح ، خلافاً للقاضي عياض ومن تبعه فيما زعموه أنه لا يصح عن عمر ( (1369) انظر : فتح الباري ( 3 / 128 ) . 1369) .
وقال الحافظ ابن حجر : عما جاء عن عمر وعثمان : " لكن يعارضه حديث ابن عباس المذكور في الباب الذي بعده( (1370) وهو حديث (( شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ، فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة )) صحيح البخاري ، كتاب العيدين ( حديث رقم 962 ) . 1370) ، وكذا حديث ابن عمر ( (1371) وفيه : كانوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يصلون العيدين قبل الخطبة . المصدر السابق ( حديث رقم 963 ) . 1371) ، فإن جُمع بوقوع ذلك منه نادراً وإلا فما في الصحيحين أصح( (1372) انظر : فتح الباري ( 3 / 128 ) . 1372) . اهـ .

وقال العراقي عن أثر عمر : " وهذا الأثر وإن كان رجاله ثقات فهو شاذ مخالف لما ثبت في الصحيحين ، وأما رواية عثمان فلم أجد لها سنداً( (1373) انظر : نيل الأوطار ( 3 / 307 ) . 1373) . اهـ .
وقال ابن العربي : " وقد وقعت رواية عن ابن نافع عن مالك أول من قدَّم الخطبة على الصلاة في العيد عثمان " . وهي باطلة مدسوسة فلا تلتفتوا إليها ( (1374) انظر : عرضة الأحوذي ( 3 / 6 ) . 1374) . اهـ .
وبناء على ما سبق فإنه قد اختلف أهل العلم فيمن هو أول من قدم الخطبة على الصلاة في العيدين ؟ . فقال بعضهم : أول من فعل ذلك مروان بن الحكم كما عند مسلم في صحيحه ( (1375) انظر : صحيح مسلم ( 2 / 605 رقم 889 ) . 1375) . وقال آخرون : " إنه عثمان ( (1376) انظر : الأوسط ( 4 / 272 ) . 1376) . وقال آخرون : " إنه عمر ( (1377) انظر : مصنف عبدالرزاق ( 3 / 283 ) ، مصنف ابن أبي شيبة ( 2 / 171 ) . 1377) . " وقال آخرون : " هو معاوية ، لما رواه عبدالرزاق ، الشافعي ( (1378) انظر : مصنف عبدالرزاق ( 3 / 284 ) ، والأم ( 1 / 393 ) . 1378) . وقال آخرون : " إن أول من فعل ذلك زياد بالبصرة . رواه ابن المنذر عن ابن سيرين ( (1379) انظر : فتح الباري ( 3 / 128 ) . 1379) " . وقال آخرون : " إنه ابن الزبير في آخر أيامه ( (1380) انظر : إكمال المعلم ( 3 / 290 ) . 1380) " . قال القاضي عياض عن أثر معاوية ، ومروان ، وزياد ، : ولا مخالفة بين هذين الأثرين وأثر مروان ، لأن كلاً من مروان وزياد كان عاملاً لمعاوية ، فيحمل على أنه ابتدأ ذلك وتبعه عماله ( (1381) انظر : إكمال المعلم ( 3 / 290 ) ، فتح الباري ( 3 / 128 ) . 1381) ، والله أعلم .

قال سماحة شيخنا العلامة عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - في شرحه على بلوغ المرام : " والأشهر أن أول من فعل ذلك مروان بن الحكم في خلافة معاوية حيث كان أميراً على المدينة ( (1382) انظر : شرح الشيخ لحديث البلوغ رقم ( 465 ) . 1382) " اهـ .
تنبيه :
تقدم ذكر قول ابن قدامة ، والصنعاني ، بأن تقديم الخطبة على الصلاة في العيدين بدعة ( (1383) انظر : المغني ( 3 / 276 ) ، سبل السلام ( 2 / 114 ) . 1383) . مع أنه ثبت عن عثمان رضي الله عنه ، كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر ( (1384) انظر : فتح البري ( 3 / 128 ) . 1384) ، فهل يكون ما فعله عثمان بدعة ؟
فالجواب : أن ابن قدامة يرى عدم صحة أثر عثمان ، فلأجل هذا أطلق لفظ البدعة ، وإلا لو ثبت عنده لكان هذا اجتهاداً من عثمان خالف به سنة نبوية ، فتقدم السنة النبوية على السنة الراشدة . والله أعلم .
وأما قول الصنعاني فقد أعقبه عو بقوله : وقد اعتذر لعثمان بأنه كثر الناس بالمدينة وتناءت البيوت ، فكان يقدِّم الخطبة ليدرك من بَعُدَ منزله الصلاة ، وهو رأي مخالف لهديه صلى الله عليه وسلم ( (1385) انظر : سبل السلام ( 2 / 114 ) . 1385) . اهـ .
110-

هل للعيد خطبتان ؟
ذهب الحنفية ، والمالكية ، والشافعية ، والحنابلة ، وغيرهم ، على أن للعيد خطبتين كما هي الحال في الجمعة ( (1386) انظر : البدائع ( 2 / 242 ) ، المدونة ( 1 / 248 ) ، المجموع ( 5 / 28 ) ، المغني ( 3 / 276 ) . 1386) .
وقد قال مالك : يقوم إمامهم فيخطب خطبتين ( (1387) انظر : المدونة ( 1 / 248 ) . 1387) . اهـ .

وقال الشافعي : مثل قول مالك ، فاستحب أن يخطب للعيد خطبتين . وقال : وإن خطب في غير يوم الجمعة خطبة واحدة فلا إعادة عليه وقد أساء ، وخطبة الجمعة تخالف هذا ( (1388) انظر : الأم ( 1 / 397 ) . 1388) . اهـ . وقد استدل هؤلاء بما رواه ابن ماجة عن جابر رضي الله عنه أنه قال : (( خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فطر أو أضحى فخطب قائماً ثم قعد ثم قام)) ( (1389) انظر : سنن ابن ماجة ( 1 / 409 رقم 1289 ) . 1389) . وفي إسناده إسماعيل بن مسلم وهو ضعيف كما ذكر ابن حجر في التلخيص ( (1390) انظر : التلخيص الحبير ( 2 / 86 ) . 1390) . وبما رواه الشافعي عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة رضي الله عنه قال : " السنة أن يخطب الإمام في العيدين خطبتين يفصل بينهما بجلوس " ( (1391) انظر : مسند الشافعي ( ص 77 ) ، الأم ( 1 / 397 ) . 1391) .
قال الشوكاني : وعبيدالله المذكور من فقهاء التابعين ، وليس قول التابعي من السنة ظاهراً في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا يكون قوله من السنة دليلاً على أنها سنة النبي صلى الله عليه وسلم كما تقرر في الأصول( (1392) انظر : نيل الأوطار ( 3 / 318 ) . 1392) . اهـ . وقال الحافظ ابن حجر عمن يرى الخطبتين في العيدين : " مقتضاه أنه احتج بالقياس ( (1393) انظر : التلخيص الحبير ( 2 / 86 ) . 1393) " . اهـ .
111-

هل يجلس الخطيب في صلاة العيدين بعد أن يصعد المنبر ؟
ورد في هذه المسألة عن مالك رحمه الله روايتان( (1394) انظر : المدونة ( 1 / 248) ، عقد الجواهر الثمينة ( 1 / 243 ) . 1394) .

وقال القاضي البغدادي موجهاً لهاتين الروايتين : فإذا قلنا إنه يجلس فاعتباراً بالجمعة ، لأن من سنة الخطبة الجلوس قبلها ، ولأن كل جلوس في الخطبة سنة في الجمعة سنة في خطبة العيد أصله الجلوس بين الخطبتين ، ولأن في الجلوس استراحة من تعب الصعود والانتظار للناس أن يأخذوا مجالسهم ، وإذا قلنا : يخطب ولا يجلس ، فلأنه لا معنى يقتضي جلوسه ، لأنه يجلس في الجمعة انتظاراً للفراغ من الأذان ، وهذا معدوم في خطبة العيد ( (1395) انظر : المعونة ( 1 / 325 ) . 1395) . اهـ .
وللشافعية في هذه المسألة وجهان الصحيح منهما أنه يستحب أن يجلس على المنبر بعد الصعود ، وهو الذي نصَّ عليه الشافعي واتفق عليه أصحابه ( (1396) انظر : الأم ( 1 / 397 ) ، المجموع ( 5 / 28 ) . 1396) .
وعند الحنابلة فيها روايتان قيل : يجلس بعد صعوده المنبر قبلهما ليستريح ويرد غليه نَفَسه ، ويتأهب الناس للاستماع .
وحكي أن هذا هو الصحيح من المذهب نصَّ عليه كما في خطبة الجمعة . قال في الإنصاف : وهو الصحيح ( (1397) انظر : الإنصاف ( 5 / 353 ) . 1397) . اهـ .
وقيل : لا يجلس عقيب صعوده ؛ لأن الجلوس في الجمعة للأذان ولا أذان ها هنا . ذكر ذلك ابن قدامة( (1398) انظر : المغني ( 3 / 278 ) .1398) .
قلت : هنا سكت ابن قدامة بعد حكاية القولين ، مع أنه في الاستسقاء قال عن صعود المنبر : إذا صعد المنبر جلس ، وإن شاء لم يجلس ، لأن الجلوس لم ينقل ، ولا ها هنا أذان ليجلس في وقته ( (1399) انظر : المغني ( 3 / 342 ) .1399) . اهـ .
قال الشوكاني : عن قول من يقول إنه لا يجلس بعد الصعود : هذا صواب ، لأنه لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قعد في خطبة العيد ، بل كان يفرغ من الصلاة فيقوم ثم يخطب ( (1400) انظر : السيل الجرار ( 1 / 319 ) . 1400) . اهـ .

قلت : ولعل الصواب هو ما ذهب إليه الشوكاني من أنه لا يجلس ، لأن الجلوس للأذان ، ولأن أحاديث وصف صلاة العيدين في الصحيحين وغيرهما لم يأت فيها ما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يجلس قبل أن يخطب في العيدين .
ففي الصحيحين من حديث ابن عباس وفيه: ((فصلى ثم خطب ثم أتى النساء..))( (1401) انظر : صحيح البخاري : العيدين ( حديث رقم 975 ) ، صحيح مسلم ( 2 / 606 رقم 884 ) . 1401) ولهما من حديث جابر وفيه : (( فبدأ بالصلاة ثم خطب )) ( (1402) انظر : صحيح البخاري : العيدين ( حديث رقم 958 ) ، صحيح مسلم ( 2 / 603 رقم 885 ) .1402) .
ولهما من حديث أنس وفيه : (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر ثم خطب ( (1403) انظر : صحيح البخاري : العيدين ( حديث رقم 984 ) ، صحيح مسلم ( 2 / 1555 رقم 1962) .1403) .. )) وغير ذلك من الأحاديث . ولم يرد فيها أنه جلس قبل الخطبة ، بل قد سبق ما يدل على الخلاف هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخذ منبراً في العيدين أم لا ؟ فعلى من لا يرى أنه اتخذ منبراً فيكون الجلوس متعذراً على من يأخذ به ، وهذا واضح بيِّنٌ . والعلم عند الله تعالى .
112-

هل خطبة الاستسقاء قبل الصلاة أم بعدها ؟
اختلف أهل العلم في هذه المسألة إلى قولين هما :
القول الأول :
قال أصحابه : إن الصلاة قبل الخطبة . وبهذا القول قال محمد بن الحسن وأبو يوسف من الحنفية( (1404) انظر : الأصل لمحمد بن الحسن ( 1 / 449 ) ، البدائع ( 2 / 261 ) . 1404) ، وبه قال المالكية ( (1405) انظر : المدونة ( 1 / 244 ) ، المعونة ( 1 / 333 ) . 1405) ، وهو المرجح عند الشافعية( (1406) انظر : الأم ( 1 / 414 ) ، المجموع ( 5 / 88 ) . 1406) ، وهو رواية عن الإمام أحمد وهي المشهورة في المذهب ( (1407) انظر : المغني ( 3 / 338 ) ، الإنصاف ( 5 / 425 ) . 1407) .
واستدل أصحاب هذا القول على ما ذهبوا إليه بأدلة منها :

ما رواه أحمد والبهقي وابن ماجة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : (( خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً يستسقي ، فصلّى بنار ركعتينبلا أذان ولا إقامة ، ثم خطبنا ودعا الله عز وجل وحوَّل وجهه نحو القبلة رافعاً يديه ، ثم قلب رداءه فجعل الأيمن على الأيسر ، والأيسر على الأيمن )) ( (1408) انظر : مسند أحمد ( 2 / 326 ) ، سنن ابن ماجة ( 1 / 403 رقم 1268 ) ، السنن الكبرى للبيهقي ( 3 / 347 ) . 1408) .
نقل الحافظ في التلخيص عن البيهقي في الخلافيات أنه قال : رواته ثقات ( (1409) انظر : التلخيص الحبير ( 2 / 98 ) . 1409) . وقال البوصيري في زوائد ابن ماجه : إسناده صحيح ( (1410) انظر : مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه ( 1 / 150 ) . 1410) .
ما رواه مالك في الموطأ وأحمد في المسند من حديث عبدالله بن زيد رضي الله عنه قال : (( خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى فاستسقى وحوَّل رداءه حين استقبل القبلة وبدأ بالصلاة قبل الخطبة ، ثم استقبل القبلة فدعا )) ( (1411) انظر : مسند أحمد ( 4 / 41 ) ، فتح البر ( 5 / 363 ) . 1411) .
قال ابن عبدالبر : إن رواة مالك لم يختلفوا في عدم ذكر الصلاة إلا أن إسحاق بن عيسى الطباع روى هذا الحديث عن مالك فزاد فيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ في الاستسقاء بالصلاة قبل الخطبة ... وقد روى هذا الحديث عن عباد بن تميم محمد بن شهاب الزهري ، وحسبك به جلالة وحفظاً وفهماً ، فذكر فيه الصلاة . ( (1412) انظر : فتح البر ( 5 / 363 ) . 1412) . اهـ .
قال القرطبي : يعتضد القول بتقديم الصلاة على الخطبة لمشابهتها للعيد ، وكذا ما تقرّر من تقديم الصلاة أمام الحاجة ( (1413) انظر : فتح الباري ( 3 / 189 ) ، نيل الأوطار ( 4 / 6 ) . 1413) .

القول الثاني :
قال أصحابه : إن الخطبة قبل الصلاة ، وبهذا القول قال الليث بن سعد ، وحكى ابن عبدالبر أنه قول مالك الأول ثم رجع عنه إلى أن الخطبة بعد الصلاة ( (1414) انظر : فتح البر ( 5 / 367 ) . 1414) ، وهو مروي عن عمر بن الخطاب ، وقدَّم عمر بن عبدالعزيز الخطبة على الصلاة ، وبه قال ابن الزبير وأبان بن عثمان وابن المنذر وغيرهم ( (1415) انظر : الأوسط لابن المنذر ( 4 / 318 ) . 1415) . وبوَّب له النسائي في سننه فقال : باب الصلاة بعد الدعاء ، وكذلك بوَّب له ابن خزيمة في صحيحه ، وبه قال ابن حزم ( (1416) انظر : المحلى ( 5 / 93 ) . 1416) .
واستدل أصحاب هذا القول على ما ذهبوا إليه بأدلة منها :
ما رواه البخاري ومسلم والأربعة وغيرهم من حديث عبدالله بن زيد رضي الله عنه : (( خرج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي فتوجه إلى القبلة يدعو ، وحوَّل رداءه ثم صلى ركعتين ، جهر فيهما بالقراءة )) ( (1417) صحيح البخاري : كتاب الاستسقاء رقم ( 1024 ) ، صحيح مسلم ( 2 / 611 رقم 894 ) سنن أبي داود ( 1 / 687 رقم 1162 ) ، سنن النسائي ( 3 / 127 ) . 1417) .
ما رواه البخاري عن أبي إسحاق : (( خرج عبدالله بن يزيد الأنصاري ، وخرج معه البراء بن عازب وزيد بن أرقم ، فاستسقى فقام بهم على رجليه على غير منبر فاستغفر ثم صلى ركعتين يجهر بالقراءة ، ولم يؤذن ولم يقم)) ( (1418) صحيح البخاري : كتاب الاستسقاء رقم ( 1022 ) . 1418) .
ما وراه أبو داود وابن حبان والحاكم عن عائشة رضي الله عنها قالت : (( شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر ، فقعد على المنبر فكبر صلى الله عليه وسلم ، ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين .. )) ( (1419) انظر : سنن أبي داود ( 1 / 692 رقم 1173 ) ، صحيح ابن حبان ( 4 / 227 رقم 2849 ) ، المستدرك ( 1 / 328 ) . 1419) .
هذا ملخص أدلة أصحاب هذا القول .

وقد أجابوا عن أدلة أصحاب القول الأول : بأن الحديث الأول فيه النعمان بن راشد ، وهو متكلم فيه ، وقد أخطأ في سند الحديث ومتنه .
فقد وهم الدار قطني النعمان بن راشد ، وذكر أنه خالف الثقات من أصحاب الزهري ، وصوَّب روايتهم عليه ( (1420) انظر : العلل للدار قطني ( 9 / 2660 ) . 1420) . اهـ
وقال ابن عبدالبر عن النعمان بن راشد : أخطأ في إسناده ، ولم يذكر فيه الصلاح ، ولم يتابع على إسناده هذا ، وليس هذا الحديث عن مالك عن ابن شهاب ( (1421) انظر : فتح البر ( 5 / 364 ) . 1421).اهـ.
وقال ابن خزيمة بعد أن أخرج الحديث الأول : في القلب من النعمان بن راشد ، فإن في حديثه عن الزهري تخليطاً كثيراً ( (1422) انظر : صحيح ابن خزيمة ( 2 / 338 ) . 1422) . اهـ .
وأجابوا عن الحديث الثاني : بأنه من رواية إسحاق بن عيسى الطباع وهو وإن كان صدوقاً إلا أنه أخطأ فيه على مالك ، لأن رواة مالك لم يذكروا فيها الصلاة ، وقد أشار ابن عبدالبر إلى ذلك . لكنه قبل روايته بهذه الزيادة ( (1423) انظر : فتح البر ( 5 / 363 ) . 1423) .
الخلاصة :
أن هذه المسألة قد علم فيها قول عامة الفقهاء كما ذكر ذلك ابن عبدالبر ، وأن الخطبة بعد الصلاة ، وليس ذلك للوجوب ، وإنما على سبيل التخيير ، فإن شاء قدَّم الخطبة ، وإن شاء قدَّم الصلاة .
فقد قال الحافظ ابن حجر : ويمكن الجمع بين ما اختلف من الروايات في ذلك . بأنه صلى الله عليه وسلم بدأ بالدعاء ثم صلى ركعتين ثم خطب ، فاقتصر بعض الرواة على شيء وبعضهم على شيء ، وعبر يعضهم عن الدعاء بالخطبة ، فلذلك وقع الاختلاف ( (1424) انظر : فتح الباري ( 3 / 189 ) . 1424) . اهـ.
وقال في موضع آخر : وصرح الشيخ أبو حامد وغيره بأن هذا الخلاف في الاستحباب لا في الجواز ( (1425) انظر : فتح الباري ( 3 / 307 ) . 1425) . اهـ .

قال سماحة العلامة محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية - رحمه الله - في تقرير له بما نصه : " نعرف أنه قد جاء تقديم الصلاة على الخطبة وهو الذي عليه العمل ، وصرح به الأصحاب ، ولكن يجمع بينه وبين حديث عبدالله بن زيد بأن الكل جائز ، فيكون وجهان في ذلك كل سنة " ( (1426) انظر : فتااوى ابن إبراهيم ( 3 / 132 ) . 1426) . اهـ .
وقال سماحة العلامة عبدالعزيز بن عبدالله بن باز مفتي عام المملكة العربية السعودية في تعليقه على فتح الباري ما نصه : " أخرج أحمد رحمه الله حديث أبي هريرة المذكور بإسناد حسن ، وصرَّح فيه بأنه - خطب بعد الصلاة - ويجمع بين الحديثين بجواز الأمرين ، والله أعلم " ( (1427) انظر : فتح الباري ( 3 / 189 ) . 1427) .
وقال في شرحه على بلوغ المرام : فإن قدَّم الخطبة فجائز ، وإن صلى أولاً فجائز ، كل ذلك وارد ( (1428) انظر : شرح الشيخ لحديث البلوغ رقم ( 486 ) . 1428) . اهـ .
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين في شرحه على الزاد ما نصه : " وعلى هذا فتكون خطبة الاستسقاء قبل الصلاة وبعدها " ( (1429) انظر : الشرح الممتع ( 5 / 280 ) . 1429) . اهـ .
هذا حاصل ملخص المسألة . والله تعالى أعلم .
تنبيه :
في مذهب الحنابلة أربع روايات في مسألة خطبة الاستسقاء :
الأول : أن الخطبة بعد الصلاة وهي المشهورة .
الثانية : أنها قبل الصلاة .
والثالثة : هو مخير قبل أو بعد .

والرابعة : ألا يخطب وإنما يدعو ويتضرع ، لقول ابن عباس : " لم يخطب كخطبتكم هذه لكن لم يزل في الدعاء والتضرع " ( (1430) انظر : المغني ( 3 / 339 ) . 1430) رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة " ( (1431) انظر : مسند أحمد ( 1 / 355 ) ، سنن أبي داود ( 1 / 689 رقم 1165 ) ، سنن الترمذي ( 2 / 445 رقم 558 ) ، سنن النسائي ( 3 / 127 ) ، سنن ابن ماجة ( 1 / 403 رقم 1266 ) وانظر : الروايات المذكورة في المغني ( 3 / 338 - 339 ) . 1431) .
فائدة :
روى البخاري في صحيحه من طريق عبدالله بن أبي بكر سمع عباد بن تميم عن عمه قال : (( خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المصلى يستسقي ، استقبل القبلة فصلى ركعتين وقلب رداءه ، قال سفيان: فأخبرني المسعودي عن أبي بكر قال : جعل اليمين على الشمال)) ( (1432) انظر : صحيح البخاري الاستسقاء ( رقم 1027 ) . 1432).
وقال الحافظ في الفتح : قوله " عن أبي بكر " يعني : ابن محمد بن عمرو بن حزم بإسناده ، وهو عن عباد بن تميم عن عمه ... الخ ، ثم قال : قال ابن بطال : حديث أبي بكر يدل على أن الصلاة قبل الخطبة ، لأنه ذكر أنه صلى قبل قلب ردائه ، قال : وهو أضبط للقصة من ولده عبدالله بن أبي بكر حيث ذكر الخطبة قبل الصلاة ) اهـ ( (1433) انظر : فتح الباري ( 3 / 189 ) . 1433) . والله أعلم .

113-

هل خطبة الاستسقاء واحدة أم ثنتان ؟
اختلف أهل العلم في هذه المسألة إلى ثلاثة أقوال :
القول الأول :
قالوا : إن الإمام يخطب خطبتين يفصل بينهما بالجلوس . وممن قال بذلك محمد بن الحسن ( (1434) انظر : الأصل ( 1 / 449 ) ، البدائع ( 2 / 261 ) . 1434) صاحب أبي حنفية ، والإمام مالك ( (1435) انظر : المدونة ( 1 / 244 ) ، فتح البر ( 5 / 367 ) . 1435) ، والإمام الشافعي ( (1436) انظر : الأم ( 1 / 416 ) ، المجموع ( 5 / 82 ) . 1436) ، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد ( (1437) انظر : الإفصاح ( 1 / 180 ) ، الإنصاف ( 5 / 421 ) . 1437) .
قلت : ولا أعلم دليلاً لأصحاب هذا القول إلا ما ذكره مالك حينما سئل أيجلس الإمام فيما بين الخطبتين في صلاة الاستسقاء ؟ فقال : نعم فيما بين كل خطبة جلسة ( (1438) انظر : المدونة ( 1 / 244 ) . 1438) . اهـ .
وكذلك قياس الشافعي الاستسقاء على خطبة العيدين ( (1439) انظر : الأم ( 1 / 416 ) . 1439) . ولم أجد دليلاً غير ما ذكرته عنهما ، والله أعلم .
القول الثاني :
قالوا : إن الإمام لا يخطب في الاستسقاء إلا خطبة واحدة . وممن قال بذلك الإمام أحمد في أصح الروايتين عنه ( (1440) انظر : الإفصاح ( 1 / 180 ) ، الإنصاف ( 5 / 421 ) . 1440) ، وقال به عبدالرحمن بن مهدي ( (1441) انظر : الأوسط ( 4 / 325 ) . 1441) . وأبو يوسف( (1442) انظر : البدائع ( 2 / 261 ) . 1442) واختاره الزيلعي( (1443) انظر : نصب الراية ( 2 / 242 ) . 1443) ، وابن قدامة( (1444) انظر : المغني ( 3 / 342 ) . 1444) ، ودليل أصحاب هذا القول هو ما جاء في الأحاديث السابقة بأنه صلى الله عليه وسلم خطب بهم في الاستسقاء هكذا مطلقاً ، ولم يأت ما يدل على أنه جلس بينهما جلسة للاستراحة .

وقد أخرج أحمد والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجة من حديث ابن عباس قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم للاستسقاء متبذلاً متواضعاً متخشعاً متضرعاً ، حتى أتى المصلى ، فلم يخطب كخطبتكم هذه ، ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير ، وصلى ركعتين كما كان يصلي في العيد قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ( (1445) مسند أحمد ( 1 / 230 ) جامع الترمذي ( 2 / 445 رقم 558 ) سنن أبي داود ( 1 / 689 رقم 1165 ) سنن النسائي ( 3 / 126 ) سنن ابن ماجه ( 1 / 403 رقم 1266 ) . 1445) .
قال الزيلعي بعد حديث ابن عباس هذا : مفهومه أنه خطب خطبة واحدة فلذلك نفى النوع ، ولم ينف الجنس ، ولم يرو أنه خطب خطبتين ( (1446) انظر : نصب الراية ( 2 / 242 ) . 1446) اهـ .
وقال ابن قدامة عن حديث ابن عباس السابق : وهذا يدل على أنه ما فصل بين ذلك بسكوت ولا جلوس ، ولأن من نقل الخطبة لم ينقل خطبتين ، ولأن المقصود إنما هو دعاء الله تعالى ليغيثهم ، ولا أثر لكونها خطبتين في ذلك ( (1447) انظر : المغني ( 3 / 342 ) . 1447) . اهـ .
القول الثالث :
وبه قال الطبري ولم أقف على من قال به غيره ، وهو أنه مخير بين أن يخطب خطبة واحدة أو خطبتين ( (1448) انظر : إكمال المعلم ( 3 / 313 ) ، فتح البر ( 5 / 367 ) . 1448) .
قلت : لا أعلم للطبري دليلاً هلى ما ذهب إليه . والله أعلم .
هذا هو حاصل الخلاف في هذه المسألة ، ولعل من قال : إنها خطبة وأحدة هم الأحظ بالدليل الشرعي على ما مرَّ . والعلم عند الله تعالى .
114-

حكم تحويل الخطيب لردائه في الاستسقاء
هذه المسألة ليست خاصة بالخطيب وحده ، بل يشاركه فيها جميع المصلين ، على قول جمهور أهل العلم كما سيأتي ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كما في المسند عند أحمد (( أنه حوَّل رداءه وتحول الناس معه )) ( (1449) انظر : المسند ( 4 / 41 ) . 1449) .

ولأن ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم ثبت في حق غيره ما لم يقم على اختصاصه به دليل ، كيف وقد ثبت الدليل ، وعقل المعنى في ذلك ، وهو التفاؤل بقلب الرداء ، ليقلب الله ما بهم من الجدب إلى الخصب .
وخالف في ذلك الليث بن سعد ، وأبو يوسف ، ومحمد بن الحسن ( (1450) انظر : الأصل ( 1 / 450 ) ، البدائع ( 2 / 262 ) ، فتح البر ( 5 / 368 ) ، المغني ( 3 / 340 ) . 1450) ، حيث احتجوا بأنه نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم دون أصحابه .
أما حكم تحويل الرداء ، فقد اختلف فيه أهل العلم :
فذهب أبو حنيفة إلى منع ذلك فقال : لا يسن قلب الرداء ، لأنه دعاء ، فلا يستحب تحويل الرداء كما في سائر الأدعية ، وما روي أنه قلب الرداء فمحتمل ، يحتمل أنه تغير عليه فأصلحه ، فظن الراوي أنه قلب ، أو يحتمل أنه عرف من طريق الوحي أن الحال ينقلب من الجدب إلى الخصب في قلب الرداء بطريق التفاؤل ففعل ، وهذا لا يوجد في حق غيره ( (1451) انظر : البدائع ( 2 / 262 ) . 1451) . اهـ .
وذهب جمهور أهل العلم كصاحبي أبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد ، إلى خلاف ما ذهب إليه أبو حنيفة ، فقالوا : إن تحويل الرداء سنة( (1452) انظر : البدائع ( 2 / 262 ) ، المدونة ( 1 / 244 ) ، الأم ( 1 / 418 ) ، المغني ( 3 / 340 ) . 1452) . ودليلهم في ذلك جميع الأحاديث الثابتة في أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك . فلا عبرة بما ذهب إليه أبو حنيفة لأنه خلاف الدليل .
وقد قال ابن قدامة بعد عرض قول أبي حنيفة هذا : وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع ( (1453) انظر : المغني ( 3 / 340 ) . 1453) . اهـ .

115-

كيفية تحويل الخطيب لردائه في الاستسقاء
اختلف أهل العلم في هذه الكيفية على قولين :
القول الأول :
وهو قول الجمهور : أنه يجعل الأيسر على الأيمن ، ويجعل الأيمن على الأيسر ، وبهذا قال مالك ، والشافعي في القديم ، وأحمد ، وصاحبا ابي حنيفة ، وبه قال عبدالرحمن بن مهدي ، وإسحاق ، وأبو ثور ، ووكيع وغيرهم ( (1454) انظر : المدونة ( 1 / 244 ) ، الأم ( 1 / 418 ) ، المغني ( 3 / 341 ) الأصل ( 1 / 450 ) البدائع ( 2 / 262 ) الأوسط ( 4 / 323 ) . 1454) .
قال ابن عبدالبر : وعلى ذلك أهل العلم ( (1455) انظر : الاستذكار ( 7 / 138 ) ، فتح البر ( 5 / 369 ) . 1455) .
واستدل الجمهور بما روى البخاري من حديث عباد بن تميم عن عمه قال : (( خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المصلى يستسقي ، واستقبل القبلة فصلى ركعتين ، وقلب رداءه . قال سفيان : فأخبرني المسعودي عن أبي بكر قال : جعل اليمين على الشمال )) ( (1456) صحيح البخاري : الاستسقاء ( رقم الحديث 1027 ) . 1456) وزاد فيه ابن ماجة وابن خزيمة من هذا الوجه : (( والشمال على اليمين )) ( (1457) سنن ابن ماجة ( 1 / 403 رقم 1267 ) صحيح ابن خزيمة ( 2 / 335 رقم 1414 ) 1457) . وفي رواية عند أبي داود من طريق الزهري عن عباد بلفظ (( فجعل عطافه الأيمن على عاتقه الأيسر ، وعافه الأيسر على عاتقه الأيمن )) ( (1458) سنن أبي داود ( 1 / 688 رقم 1163 ) . 1458) .
القول الثاني :
وهو قول الشافعي في الجديد ، فقد ذهب إلى أن كيفية التحويل هي أن ينكس الرداء فيجعل أعلاه أسفله ، ويزيد مع تنكيسه فيجعل شقه الذي على منكبه الأيمن على منكبه الأيسر ، والذي على منكبه الأيسر على منكبه الأيمن ، فيكون قد جاء بما أوراد رسول الله صلى الله عليه وسلم من نكسه ، وبما فعل من تحويل الأيمن على الأيسر ( (1459) انظر : الأم ( 1 / 418 ) . 1459) . اهـ . خلافاً للجمهور ولمالك الذي نصَّ بقوله : لا يقلبه فيجعل الأسفل الأعلى ، والأعلى الأسفل ( (1460) انظر : المدونة ( 1 / 244 ) . 1460) . اهـ .

ودليل الشافعي على ما ذهب إليه هو ما رواه أحمد وأبو داود من حديث عبدالله بن زيد (( أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى وعليه خميصة له سوداء ، فأراد أن يأخذ بأسفلها فيجعله أعلاها ، فلما ثقلت عليه قلبها على عاتقه )) ( (1461) سنن أبي داود ( 1 / 688 رقم 1164 ) ، مسند أحمد ( 4 / 41 ) . 1461) قال ابن دقيق العيد في الإلمام : رجاله رجال الصحيح ( (1462) انظر : الإلمام ص ( 190 ) . 1462) .
قال الحافظ ابن حجر : ولا ريب أن الذي استحبه الشافعي أحوط ( (1463) انظر : فتح الباري ( 3 / 187 ) . 1463) .
قلت : الرواية التي استدل بها الشافعي مدارها على الدراوردي وقد قال عنه أحمد : كان معروفاً بالطلب ، وإذا حدَّث من كتابه فهو صحيح ، وإذا حدَّث من كتب الناس وهِم ، وكان يقرأ من كتبهم ويخطئ ، وقال عنه أبو زرعة : سيئ الحفظ ، فربما حدث من حفظه الشيء فيخطئ ( (1464) انظر : تهذيب التهذيب ( 6 / 354 ) . 1464) . اهـ .
ثم إن الناظر في طرق حديث عبدالله بن زيد يظهر له خطأ الدراوردي في مخالفته جميع الرواة .
ويؤكد ذلك ما رواه الحميدي عن سفيان عن المسعودي أنه قال لأبي بكر ابن حزم : جعل الأعلى على الأسفل ، والأسفل على الأعلى ؟ قال أبو بكر بن حزم : لا ، بل جعل الأيسر على الأيمن ، والأيمن على الأيسر ( (1465) انظر : مسند الحميدي ( 1 / 203 ) . 1465) .
وقال ابن قدامة عن قول من قال بالتنكيس : الزيادة التي نقلوها إن ثبتت فهي ظن الرواي لا يترك لها فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد نقل تحويل الرداء جماعة ، لم ينقل أحد منهم انه جعل أعلاه اسفله ، ويبعد أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم ترك ذلك في جميع الأوقات لثفل الرداء ( (1466) انظر : المغني ( 3 / 341 ) . 1466) . اهـ .

وقال سماحة شيخنا العلامة عبدالعزيز بن باز في تعليقه على فتح الباري بعد كلام الحافظ ابن حجر السابق : ولا ريب أن الذي استحبه الشافعي أحوط . قال سماحته : ليس الأمر كما قال الشارح بل الأولى والأحوط هو التحويل بجعل ما على الأيمن على الأيسر وعكسه ؛ لأن الحديث بذلك أصح وأصرح ، ولأن فعله أيسر وأسهل . والله أعلم . اهـ ( (1467) انظر : فتح الباري ( 3 / 187 ) . 1467) .
116- متى يحوِّل رداءه في الاستسقاء ؟ :
اختلف كلام أهل العلم حول هذه المسألة على النحو التالي :
فقد ذهب أبو يوسف ، ومحمد بن الحسن ، إلى أنه يحول رداءه إذا مضى صدر من خطبته ( (1468) انظر : البدائع ( 2 / 262 ) ، الفتاوى التاتار خانية ( 2 / 119 ) . 1468) .
وذهب مالك إلى أنه فرغ من خطبته يستقبل القبلة مكانه ويحول رداءه قائماً ( (1469) انظر : المدونة ( 1 / 244 ) ، المعونة ( 1 / 333 ) . 1469) .
وذهب الشافعي إلى أنه يحول رداءه وهو مستقبل القبلة في الخطبة الثانية عنده ، وذلك قبل فراغه منها ، كما نصَّ هو على ذلك ( (1470) انظر : الأم ( 1 / 418 ) ، المجموع ( 5 / 84 ) . 1470) .
وفي مذهب أحمد أنه يستحب أن يحول رداءه في حال استقبال القبلة ( (1471) انظر : المغني ( 3 / 340 ) ، الإنصاف ( 5 / 430 ) . 1471) ، لأن في حديث عبدالله بن زيد (( أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يستسقي فحوَّل إلى الناس ظهره ، واستقبل القبلة ثم حوَّل رداءه )) متفق عليه ( (1472) أخرجه من حديث عبدالله بن زيد رضي الله عنه البخاري كتاب الاستسقاء (حديث رقم 1025) مسلم ( 2/ 611 رقم 894). 1472) وفي لفظ لمسلم : (( فحوَّل رداءه حين استقبل القبلة )) .

قال الحافظ ابن حجر عن حديث تحويل الرداء : ثم إن ظاهر قوله (( فقلب رداءه )) أن التحويل وقع بعد فراغ الاستسقاء ، وليس كذلك بل المعنى فقلب رداءه في أثناء الاستسقاء . وقد بيَّنه مالك في روايته المذكورة ولفظه (( حول رداءه حين استقبل القبلة )) ولمسلم من رواية يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن محمد (( وإنه لما أراد أن يدعو استقبل القبلة وحوَّل رداءه )) وأصله للمصنف ، وله من رواية الزهري عن عباد (( فقام فدعا الله قائماً ، ثم توجَّه قبل القبلة وحوَّل رداءه )) ، فعرف بذلك أن التحويل وقع أثناء الخطبة عند إرادة الدعاء ( (1473) انظر : فتح الباري ( 3 / 187 ) . 1473) .
قلت : الذي يظهر لي - والعلم عند الله تعالى - أن ما ذهب إليه الحافظ ابن حجر وسبقه به ابن قدامة هو الأقرب وهو الأحظ بالدليل ، لأن الإمام حال الخطبة يكون مستقبلاً الناس ، والأحاديث دلَّت على أن التحويل كان حين استقبل القبلة ، وبالله التوفيق .
فائدة :
متى يعيد الرداء إلى مكانه بعد تحويله ؟
قال الشافعي رحمه الله : ولا يحول رداءه إذا انصرف من مكانه الذي يخطب فيه . وإذا حولوا أرديتهم أقروها محولة كما هي ، حتى ينزعوها متى نزعوها ( (1474) انظر : الأم ( 1 / 418 ) . 1474). اهـ .
وقال النووي : يتركونها محولة حتى يرجعوا إلى منازلهم ، وتبقى كذلك في منازلهم حتى ينزعوا ثيابهم ، سواء نزعوها أول وصولهم المنازل أم بعده ( (1475) انظر : المجموع ( 5 / 84 ) . 1475) . اهـ .
117-

كيفية رفع اليدين للدعاء في الاستسقاء
أخرج البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك قال : (( كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء ، وإنه يرفع حتى يرى بياض إبطيه )) ( (1476) صحيح البخاري : الاستسقاء ( باب 22 رقم 1031 ) ، صحيح مسلم ( 2 / 612 رقم 895 ) . 1476) .

ولمسلم من حديث أنس أيضاً : (( أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء )) ( (1477) صحيح مسلم ( 2 / 612 رقم 896 ) . 1477) .
ولأبي داود من حديث أنس أيضاً (( كان يستسقي هكذا ، ومدَّ يديه وجعل بطونهما مما يلي الأرض حتى رأيت بياض إبطيه )) ( (1478) سنن أبي داود ( 1 / 692 رقم 1171 ) . 1478) .
قال النووي : هذا الحديث يوهم ظاهره أنه لم يرفع صلى الله عليه وسلم إلا في الاستسقاء ، وليس الأمر كذلك ، بل قد ثبت رفع يديه صلى الله عليه وسلم في الدعاء في مواطن غير الاستسقاء ، وهي أكثر من أن تحصر ، ويتأول هذا الحديث على أنه لم يرفع الرفع البليغ بحيث يرى بياض إبطيه إلا في الاستسقاء .. الخ ( (1479) انظر : شرح مسلم ( 3 / 458 ) . 1479) . اهـ .
وقال القاضي عياض : قوله (( فأشار بظهر كفيه إلى السماء )) هذا اختيار جماعة من العلماء في رفع اليدين عند مواطن الدعاء ... وأما صورة رفعها فهذا المروي في الحديث وهو الذي فسَّره مفسرون بالرهب في قوله تعالى { وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً } سورة الأنبياء آية : 90 . قالوا : وأما عند المسألة والرغبة فبسط الأيدي وظهورها إلى الأرض وهذا الرغب ( (1480) انظر : إكمال المعلم ( 3 / 315 ) . 1480) . اهـ . ثم قال أيضاً : وهذا يدل على رفعهما فوق الصدر وحذو الأذنين ، لأن رفعهما مع الصدر لا يكشف بياض الإبط ( (1481) انظر : إكمال المعلم ( 3 / 317 ) . 1481) . اهـ .
وقال النووي : قال جماعة من أصحابنا وغيرهم : السنة في كل دعاء لرفع البلاء كالقحط ونحوه أن يرفع يديه ويجعل ظهر كفيه إلى السماء ، وإذا دعاء لسؤال شيء وتحصيله جعل بطن كفيه إلى السماء ، واحتجوا بهذا الحديث ( (1482) انظر : شرح مسلم ( 3 / 457 ) . 1482) . اهـ .

وقال الحافظ ابن الحجر : وكأنه عند الاستسقاء مع ذلك زاد فرفعهما إلى جهة وجهه حتى حاذتاه وبه حينئذ يرى بياض إبطيه ( (1483) انظر : فتح الباري ( 3 / 212 ) . 1483) . اهـ .
ثم قال الحافظ ايضاً : الحكمة في الإشارة بظهور الكفين في الاستسقاء دون غيره للتفاؤل بتقلب الحال ظهراً لبطن كما قيل في تحويل الرداء ، أو هو إشارة إلى صفة المسئول ، وهي نزول السحاب إلى الأرض ( (1484) انظر : فتح الباري ( 3 / 212 ) . 1484) . اهـ .
قلت : وأما ما يفعله بعض الناس من رفع اليدين في دعاء الاستسقاء إلى علو يجاوزون به الرأس ، فإن هذا غلط يرده ما رواه أبو داود عن عمير مولى بني أبي اللحم (( أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي عند أحجار الزيت قريباً من الزوراء( (1485) الزوراء - ممدود وبعد الواو راء - هو موضع بالمدينة عند السوق قرب المسجد ، وذكر الداودي أنه مرتفع كالمنار . وقيل : بل الزوراء سوق المدينة نفسه .
انظر : مشارق الأنوار ( 1 / 315 ) معجم البلدان ( 3 / 156 ) . 1485) قائماً يدعو ، يستسقي رافعاً يديه قبل وجهه لا يجاوز بهما رأسه)) ( (1486) انظر : سنن أبي داود ( 1 / 690 رقم 1168 ) . 1486)

118-

وجهة نظر حول موضوع خطبة الاستسقاء
من يشاهد في وقتنا الحاضر كثيراً من صلوات الاستسقاء يجد أن جملة من الأئمة يغفلون عن جانب مهمٍ فيها ألا وهو كثرة الاستغفار والتضرع ، حيث إن عدداً منهم ليس بالقليل يجعل جلَّ اهتمامه في الخطبة بما لم يشرع الاستسقاء لأجله ، حيث يضمنون خطبهم أموراً خارجة عن مقتضى الحال فلربما تحدث بعضهم عن قضايا اجتماعية ، وآخرون عن قضايا سياسية ، وطائفة أخرى عن شئون المسلمين العامة أو الخاصة ، أيا كان ذلك الموضوع وأهميته ومصلحته إلا أن خطبة الاستسقاء لها مقام آخر ، هو مقام الاستغفار والدعاء والتضرع والابتهال إلى الله والتذلل بين يديه ، فلا مجال فيه لذكر قضية المرأة مثلاً أو التغريب أو التربية أو ما شاكل ذلك . ولبيان وجاهة ما ذكرته وأنه هو الأقرب إلى سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم فإنني سأورد ما يدل على هذا من خلال عدة أمور :
الأول : أنه قد جاء في حديث أبي إسحاق : (( خرج عبدالله بن يزيد الأنصاري وخرج معه البراء بن عازب وزيد بن أرقم رضي الله عنهم فاستسقى ، فقام بهم على رجليه على غير منبر ، فاستغفر ، ثم صلى ركعتين يجهر بالقراءة ، ولم يؤذن ، ولم يقم )) رواه البخاري ( (1487) انظر : صحيح البخاري : الاستسقاء ، باب 15 ( رقم 1022 ) . 1487) .
الثاني : وعن عبدالله بن زيد الأنصاري رضي الله عنه قال : (( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استسقى لنا ، أطال الدعاء وأكثر المسألة .. )) ( (1488) مسند أحمد ( 4 / 41 ) . 1488) .

الثالث : حديث عائشة عند أبي داود وغيره لم تذكر فيه إلا افتتاح الخطبة بالحمد ، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : إنكم شكوتم جدب دياركم واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم ، وقد أمركم الله عز وجل أن تدعوه ، ووعدكم أن يستجيب لكم ، ثم قال : (( الحمد الله رب العالمين )) ( (1489) سنن أبي داود ( 1 / 692 رقم 1173 ) ، وانظر المستدرك للحاكم ( 1 / 328 ) . 1489) فظاهره أنه لم يزد فيها على الدعاء والتضرع إلا هذه المقدمة التي وردت في الحديث .
الرابع : حديث ابن عباس رضي الله عنهما عند أصحاب السنن قال : (( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج متبذلاً متواضعاً ، متضرعاً ، حتى أتى المصلى ، فلم يخطب خطبتكم هذه ، ولم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير ، وصلى ركعتين كما يصلي في العيد ( (1490) جمع الترمذي ( 1 / 445 رقم 558 ) سنن أبي داود ( 1 / 689 رقم 1165 ) ، سنن النسائي ( 3 / 126 ) ، سنن ابن ماجه ( 1 / 403 رقم 1266 ) . 1490) . هذا لفظ الترمذي .
قلت : وهو صريح أشد الصراحة في أن خطبته صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء إنما هي الدعاء والتضرع والتكبير ، ويؤكد ذلك قول ابن عباس (( فلم يخطب خطبتكم هذه )) .

الخامس : ما رواه عبدالرزاق وابن أبي شيبة عن عمر رضي الله عنه: أنه خرج يستسقي بالناس فما زاد على الاستغفار حتى رجع ، فقالوا له : يا أمير المؤمنين ، ما رأيناك استسقيتنا ؟ فقال : لقد طلبت القطر بمجاديح( (1491) المجاديح : واحدها مجدح وهو نجم من النجوم ، فجعل الاستغفار مشبهاً بالأنواء مخاطبة لهم بما يعرفونه لا قولاً بالأنواء ، فجعل الاستغفار هو المجاديح لا الأنوار . انظر النهاية ( 1 / 243 ) . 1491) السماء التي يستنزل بها القطر ، قال { اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً{10}يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً{11}وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ }سورة نوح:آية10- 12 .{ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ } سورة هود : آية : 52 .
السادس : قال الشافعي : ويخطب الإمام في الاستسقاء خطبتين كما يخطب في صلاة العيدين ، يكبر الله فيهما ، ويحمده ، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ويكثر فيهما الاستغفار حتى يكون أكثر كلامه ، ويقول كثيراً : { اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً{10} يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً } ( (1492) انظر : الأم ( 1 / 416 ) . 1492) .
وقال أيضاً : ويكون أكثر دعائه الاستغفار يبدأ به دعاءه ، ويفصل به بين كلامه ، ويختم به ، ويكون أكثر كلامه ، حتى ينقطع الكلام ويحض الناس على التوبة والطاعة والتقرب إلى الله عز وجل ( (1493) انظر : نفس المصدر . 1493) .
السابع : ما ذكره بعض أهل العلم من أنه يستحب للإمام أن يعظ الناس قبل الخروج ، ويأمرهم بالتوبة ورد المظالم ونحو ذلك ، مما يدل على أن الأصل في الاستسقاء هو الدعاء والاستغفار لا أنه كالخطب التي تلقى في هذا العصر .

فقد أخرج عبدالرزاق عن عمر بن عبدالعزيز أنه كتب إلى ميمون بن مهران ، أني كتبت إلى أهل الأمصار أن يخرجوا يوم كذا وكذا ، شهر كذا وكذا يستسقوا ، ومن استطاع أن يصوم أو يتصدق فليفعل ، فإن الله يقول: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى{14} وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} سورة الأعلى ، آية : 14 - 15 . وقولوا كما قال أبوكم {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } سورة الأعراف آية : 23 . وقولوا كما قال نوح : { وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ } سورة هود : آية : 47 وقولوا كما قال موسى : { رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } سورة القصص ، آية 16 . وقولوا كما قال يونس : { لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } سورة الأنبياء ، آية : 87 . ( (1494) انظر : مصنف عبدالرزاق ( 3 / 87 ) . 1494) .
وقال الشافعي رحمه الله : بلغنا عن بعض الأئمة أنه كان إذا أراد أن يستسقي أمر الناس ، فصاموا ثلاثة أيام متتابعة ، وتقربوا إلى الله عز وجل بما استطاعوا من خير ، ثم خرج في اليوم الرابع فاستسقى بهم ، وأنا أحب ذلك لهم ، وآمرهم أن يخرجوا في اليوم الرابع صياماً ، من غير أن أوجب ذلك عليهم ( (1495) انظر : الأم ( 1 / 412 ) . 1495) .
وقال ابن قدامة : وإذا عزم الإمام على الخروج ، استحب أن يعد الناس يوماً يخرجون فيه ، ويأمرهم بالتوبة من المعاصي ، والخروج من المظالم ، والصيام والصدقة وترك التشاحن ، ليكون أقرب لإجابتهم ... الخ ( (1496) انظر : المغني ( 3 / 335 ) . 1496) . اهـ .

قلت : ومما سبق كله يتضح أن السنة في خطبة الاستسقاء كثرة الدعاء والاستسغفار والتضرع والموعظة اليسيرة ، وأنها كما قال ابن عباس : ليست كالخطب التي تخطب في هذا العصر ، والله المستعان .
119-

هل للخسوف والكسوف خطبة؟
اختلف أهل العلم في صلاة الكسوف هل تشرع لها خطبة أم لا ؟
على قولين :
القول الأول :
قالوا : إنه لا تشرع للكسوف والخسوف خطبة .
وممن قال بذلك الحنفية ، والمالكية ، وأصح الروايتين عند الحنابلة .
فقد قال الكاساني : ولا خطبة فيها عندنا ، لأن الخطبة لم تنقل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعنى قولها - أي عائشة - (( خطب )) أي دعا ، أو لأنه احتاج إلى الخطبة ردّاً لقول الناس : إنما كسفت الشمس لموت إبراهيم ، لا للصلاة . والله أعلم ( (1497) انظر : انظر البدائع ( 2 / 256 ) الهداية للمرغيناني ( 1 / 95 ) . 1497) . اهـ .
وذكر ابن عبدالبر عن مالك : لا خطبة في الكسوف ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما خطب لتعريف الناس أن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ( (1498) انظر : فتح البر ( 5 / 187 ) ، المعونة ( 1 / 331 ) . 1498) . اهـ .
وقال ابن قدامة : ولم يبلغنا عن أحمد رحمه الله أن لها خطبة ، وأصحابنا على أنها لا خطبة لها ... ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالصلاة والدعاء والتكبير والصدقة ، ولم يأمرهم بخطبة ، ولو كانت سنة لأمرهم بها ، ولأنها صلاة يفعلها المنفرد في بيته فلم يشرع لها خطبة ، وإنما خطب النبي صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة ليعلمهم حكمها ، وهذا مختص به ، وليس في الخبر ما يدل على أنه خطب كخطبتي الجمعة ( (1499) انظر : المغني ( 3 / 328 ) ، الإنصاف ( 5 / 405 ) . 1499) اهـ .

القول الثاني :
قالوا : يشرع لهما خطبة ، وممن قال بذلك الشافعي ، وهو رواية عن الإمام أحمد ، غير أن الشافعي يرى أنها خطبتان قولاً واحداً ، وأحمد يرى أنها خطبتان على إحدى الروايتين ، وفي الرواية الأخرى أنها خطبة واحدة .
قال الشافعي : ويخطب الإمام في صلاة الكسوف نهاراً خطبتين . وإن ترك الخطبة كرهت ذلك له ، ولا إعادة عليه ( (1500) انظر : الأم ( 1 / 407 ) ، المجموع ( 5 / 58 ) . 1500) . اهـ .
قال النووي في المجموع : وبه قال جمهور السلف ، ونقله ابن المنذر عن الجمهور ( (1501) انظر : المجموع ( 5 / 58 ) . 1501) . اهـ .
وقال المرداوي : وعنه يشرع بعد صلاتها خطبتان ، سواء تجلى الكسوف أو لا . اختارها ابن حامد والقاضي ، وقدَّمه ابن رجب ( (1502) انظر : الإنصاف ( 5 / 404 ) . 1502) . اهـ .
قلت : وبه قال إسحاق والطبري كما ذكر ذلك ابن عبدالبر ( (1503) انظر : فتح البر ( 5 / 396 ) . 1503) . اهـ .
قال الحافظ ابن حجر معقباً على قول من لم يرى الخطبة للكسوف : وتعقب بأن الأحاديث ثبتت فيه وهي ذات كثرة ، وبما في الأحاديث الصحيحة من التصريح بالخطبة وحكاية شرائطها من الحمد والثناء والموعظة وغير ذلك مما تضمنته الأحاديث ، فلم يقتصر على الإعلام بسبب الكسوف ، والأصل مشروعية الاتباع ، والخصائص لا تثبت إلا بدليل ... وقال ابن دقيق العيد : فينبغي التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم فيذكر الإمام ذلك في خطبة الكسوف ( (1504) انظر : فتح الباري ( 3 / 232 ) .1504) . اهـ .
قلت : القول بمشروعية الخطبة في صلاة الخسوف هو الصحيح الذي دلَّ عليه الدليل من فعله صلى الله عليه وسلم . والعلم عند الله تعالى .
120-

إذا اجتمع عيد وكسوف ، أو جمعة وكسوف
هناك أمران حول هذه المسألة :
الأمر الأول : قبل أن أذكر أقوال أهل العلم حول هذه المسألة ، فإنني أود الإشارة إلى أمر مهم حولها ، وهو : هل يمكن أن يجتمع عيد وكسوف أم لا ؟

ذكر الشافعي رحمه الله ما يدل على أنه يرى إمكانية اجتماع عيد وكسوف كما في كتابه الأم ( (1505) انظر : الأم ( 1 / 405 ) . 1505) .
قلت : وقد عاب بعض أهل العلم على الشافعي هذا القول .
فقد قال القرافي رحمه الله : إن اجتماعهما محال عادة ، فإن كسوف الشمس إنما يكسف بالقمر إذا حال بيننا في درجتها يوم تسع وعشرين ، وعيد الفطر يكون بينهما نحو ثلاثة عشر درجة ومنزلة ، والأضحى يكون بينهما نحو مائة وثلاثين درجة وعشر منازل ، نعم يمكن عقلاً أن يذهب ضوء الشمس بغير سبب أو بسبب غير القمر ، كحياة إنسان بعد قطع رأسه أو إخلاء جوفه ، الكلام على مثل هذا منكر بين الفقهاء مع أن الشافعي وجماعة من العلماء تحدثوا فيه ( (1506) انظر : الذخيرة للقرافي ( 2 / 431 ) . 1506) . اهـ .
وقد أشار الماوردي إلى ما عيب به على الشافعي بقوله : فإن قيل تصور الشافعي اجتماع الخسوف والعيد محال ، لأن العيد إما أن يكون في أول الشهر إن كان فطراً ، أو في العاشر إن كان نحراً ، والخسوف إما أن يكون في الثامن والعشرين إن كان للشمس ، وفي الرابع عشر إن كان للقمر ، فاستحال اجتماع الخسوف والعيد ( (1507) انظر : الحاوي ( 2 / 509 ) . 1507) . اهـ .
ثم أجاب الماوردي عن هذا بثلاثة أجوبة :
الأول : أن الشافعي لم يكن غرضه في هذا تصحيح وقوعه ، وإنما كان غرضه الكشف عن معاني الأحكام بإيقاع التفريع في المسائل ليتضح المعنى ويتسع الفهم ، وبذلك جرت عادة العلماء في تفريع المسائل ، حتى قالوا في الفرائض مائة جدة وخمسون أختاً وإن كان وجود ذلك مستحيلاً .
الثاني : أن الشافعي تكلم على ما يقتضيه قول أهل النجوم الذي لا يسوغ قبول قولهم ، وقد نقل الواقدي وأهل السير أن الشمس خسفت في اليوم الذي مات فيه إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان اليوم العاشر من الشهر ، وروى ذلك علقمة عن ابن مسعود .. الخ .

الثالث : أنه وإن كانت العادة فيما ذكروا ، فقد ينتقض عند قيام الساعة ووجود أشراطها ، فبيَّن الحكم فيها قبل وجودها ( (1508) انظر : المصدر السابق . 1508) . اهـ .
وقال الفقيه ابن الحاجب المالكي : واعترض على من قدر اجتماع عيد وكسوف باستحالته عادة ، وأجيب بأن المقصود ما يقتضيه الفقه بتقدير الوقوع ، ورده المازري بأن تقدير خوارق العادات ليس من دأب الفقهاء ( (1509) انظر : جامع الأمهات ص ( 132 ) . 1509) . اهـ .
وقد أشار ابن مفلح إلى هذه المسألة ، واختار عدم إمكانية اجتماع الكسوف والعيد ، وذكر أن هذا هو اختيار شيخ الإسلام ، ثم قال : ورد بوقوعه في غيره ، فذكر أبو شامة الشافعي في تاريخه أن القمر خسف ليلة السادس عشر من جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة ، وكسفت الشمس في غده ، والله على كل شيء قدير ، قال : واتضح بذلك ما صوره الشافعي من اجتماع الكسوف والعيد ، واستبعده أهل النجامة ، هذا كلامه ، وكسفت الشمس يوم موت إبراهيم عاشر شهر ربيع الأول ، قاله غير واحد ، وذكره بعض أصحابنا اتفاقاً . قال في الفصول : لا يختلف النقل في ذلك ، نقله الواقدي والزبيري ، وأن الفقهاء فرعوا وبنوا على ذلك ، إذا اتفق عيد وكسوف ( (1510) انظر : الفروع ( 2 / 156 ) . 1510) . اهـ .
هذا هو حاصل القول من الأمر الأول .
الأمر الثاني : أقوال الفقهاء عن مسألة اجتماع كسوف وعيد أو جمعة .
قال ابن الحاجب المالكي : " إذا اجتمعت مع فرض ، فالفرض - أي يقدم - إن خيف فواته ( (1511) انظر : جامع الأمهات ص ( 132 ) . 1511) . اهـ .
وقال القرافي : إذا اجتمع عيد وكسوف قُدِّم الكسوف ( (1512) انظر : انظر الذخيرة ( 2 / 431 ) . 1512) . اهـ .

وقال الشافعي : " ولإن كسفت الشمس يوم جمعة ، ووافق ذلك يوم الفطر بدئ بصلاة العيد ، ثم صلى الكسوف إن لم تنجل الشمس ، قبل أن يدخل في الصلاة . ولإذا كسفت الشمس والإمام في صلاة العيد ، أو بعده قبل أن يخطب ، صلى صلاة الكسوف ثم خطب للعيد والكسوف معاً خطبتين يجمع الكلام للكسوف وللعيد فيهما ( (1513) انظر : الأم ( 1 / 399 ) . 1513) . اهـ.
وقال أيضاً : " وإن اتفق العيد والكسوف في ساعة صلى الكسوف قبل العيد ؛ لأن وقت العيد إلى الزوال ، ووقت الكسوف ذهاب الكسوف ( (1514) انظر : الأم ( 1 / 399 ) .1514) . اهـ .
وقال في موضع آخر : " وإن كسفت الشمس في وقت الجمعة ، بدأ بصلاة كسوف الشمس وخفف فيها ، فقرأ في كل واحدة من الركعتين اللتين في الركعة بأم القرآن وسورة ( قل هو الله أحد ) . وما أشبهها ، ثم خطب في الجمعة ، وذكر الكسوف في خطبة الجمعة " ( (1515) انظر : الأم ( 1 / 405 ) .1515) . اهـ .
ثم قال كلاماً يجمع هذه الأمور كلها في قاعدة عامة فقال : " إذا اجتمع أمران يخاف أبداً فوت أحدهما ، ولا يخاف فوت الآخر ، بدأ بالذي يخاف فوته ، ثم رجع إلى الذي لا يخاف فوته " ( (1516) انظر : المصدر السابق . 1516) . اهـ .
وبمثل قول الشافعي هذا قال الماوردي ( (1517) انظر : الحاوي الكبير ( 2 / 509 ) . 1517) .
وقال ابن قدامة : إذا اجتمع صلاتان ، كالكسوف مع غيره من الجمعة ، أو العيد ، أو صلاة مكتوبة ، أو الوتر ، بدأ بأخوفهما فوتاً ، فإن خيف فوتههما بدأ بالصلاة الواجبة ، فإن لم يكن فيهما واجبة بدأ بآكدهما ( (1518) انظر : المغني ( 3 / 331 ) . 1518) . اهـ .
وقال ابن مفلح : يقدم - أي الكسوف على الجمعة - إن أمن فوتها ، أو لم يشرع في خطبتها ، وكذا على العيد والكتوبة في الأصح ( (1519) انظر : الفروع ( 2 / 154 ) . 1519) . اهـ .

هذا هو حاصل كلام أهل العلم حول هذه المسألة . وفي كلام ابن قدامة تصوير للمسألة على هيئة التقعيد ، وله حظ ثم النظر ، فيبدأ أولاً بما يخاف فوته ، ثم يقدم الواجبة إن خاف فواتها ، ثم يبدأ بآكدهما إذا لم يكونا واجبتين ، ككسوف واستسقاء ، أو عيد على رأي من لا يقول بوجوب العيد . والعلم عند الله تعالى .
121-

بعض ما قيل إنه مكروه أو من البدع في الخطب
هناك من تكلم من أهل العلم حول بعض الأمور التي يقع فيها بعض الخطباء في خطبهم في القديم والحديث . وقد وقع نظري على جملة منها رأيت من المناسب أن أوردها هنا للفائدة ، غير أن هذا الإيراد ليس دليلاً على أنني أقول بها أو ببعضها ، أو أرفضها أو أرفض بعضها ، وإنما المقصود من ذلك تمام الفائدة والاطلاع على ما ذكره أهل العلم في هذا الباب ، ولربما علقت على بعضها وأبديت وجهة نظري تجاهها . فمما وقفت عليه في ذلك ما يلي :
1-كراهة خروج الخطيب ومعه شاويش يصيح بين يديه ، أو أن يلبس طيلساناً ، أو طرحة ، أو سواداً ، أو أن يدعو على المنبر وهو مستقبل القبلة . ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله( (1520) انظر : زاد المعاد ( 1 / 429 ) . 1520) .
2-
كراهية سلام الخطيب على المأمومين وهو على المنبر بعد أن يكون قد سلم عند دخوله المسجد
.
قال بذلك الحنفية والمالكية ( (1521) انظر : المبسوط ( 2 / 92 ) ، مختصر اختلاف العلماء ( 1 / 344 ) ، المدونة ( 1 / 150 ) المعونة ( 1 / 309 ) . 1521). بخلاف الجمهور الذين هم أحظ بالدليل. وقد سبق ذكر ذلك في مبحث مستقل فلتراجعه .
3-
دق الخطيب بالسيف أو بالعصا على درج المنبر في صعوده
، وهذا قال عنه النووي : " باطل لا أصل له وبدعة قبيحة( (1522) انظر : المجموع ( 4 / 359 ) . 1522) " وأفتت اللجنة الدائمة للإفتاء ببدعيته ( (1523) انظر : فتاوى اللجنة ( 8 / 256 ) . 1523).

4-

دعاء الخطيب إذا انتهى صعوده على المنبر قبل جلوسه
، وربما توهم بعض جهلتهم أنها ساعة إجابة الدعاء وذلك خطأ إنما ساعة الإجابة بعد جلوسه ... ذكره النووي( (1524) انظر : المجموع ( 4 / 359 ) . 1524) .
وقال شيخ الإسلام : وأما دعاء الإمام بعد صعوده، ورفع المؤذنين أصواتهم بالصلاة، فهذا لم يذكره العلماء ، وإنما يفعله من يفعله بلا أصل شرعي( (1525) انظر : مجموع الفتاوى ( 24 / 218 ) ، الاختيارات ص ( 148 ) . 1525) . اهـ
وزاد الشيخ بكر أبو زيد : دعاء الخطيب عند أسفل المنبر، وحال الجلوس عليه( (1526) انظر : تصحيح الدعاء ص ( 453 ) . 1526) .
5- الالتفات يميناً وشمالاً في الخطبة عند الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أو في غيرها . قاله صاحب الحاوي والنووي، وابن رجب، وابن عابدين( (1527) انظر : الحاوي الكبير ( 2 / 441 ) ، المجموع ( 4 / 357 ) ، فتح الباري لابن رجب ( 5 / 380 ) ، رد المحتار ( 3 / 20 ) . 1527) وقالوا : هو معدود من البدع المنكرة
وقال الشيخ بكر أبو زيد : " الالتفات في الخطبة لا يشرع" ( (1528) انظر : الباعث ص ( 265 ) ، إصلاح المساجد ص ( 49 ) ، تصحيح الدعاء ص ( 456 ) . 1528). اهـ
6-
الدعاء للسلطان
، ذكره عطاء بن أبي رباح والشافعي والبيهقي والعز بن عبد السلام والشيرازي والنووي والحافظ ابن حجر ... وغيرهم على أنه محدث ( (1529) انظر : الأم ( 1 / 180 ) ، السنن الكبرى ( 3 / 217 ) ، فتاوى العز بن عبدالسلام ص ( 48 ) المهذب ( 1 / 368 ) المجموع ( 4 / 350 ) ، فتح الباري ( 3 / 81 ) . 1529).
7-
القنوت للنوازل في الجمعة
، ذكره عبد الرزاق في مصنفه وابن أبي شيبة كذلك عن إبراهيم بقوله : والقنوت في الجمعة بدعة ( (1530) انظر : مصنف عبدالرزاق ( 3 / 194 ) ، مصنف ابن أبي شيبة ( 2 / 46 ) . 1530).

وروى ابن أبي شيبة عن طاوس قال: القنوت يوم الجمعة بدعة . وأخرج أيضاً عن مكحول أنه كان يكره القنوت يوم الجمعة ( (1531) انظر : مصنف ابن أبي شيبة ( 2 / 46 ) . 1531).
8- ما قاله النووي رحمه الله : يكره في الخطبة أشياء ... ذكر منها:

المجازفة في أوصاف السلاطين في الدعاء لهم
، وكذبهم في كثير من ذلك كقولهم السلطان العالم العادل ونحوه . وذكره صاحب الفتاوى التاتار خانية، وابن عابدين( (1532) انظر : المجموع ( 4 /359 ) ، الفتاوى التاتار خانية ( 5 / 523 ) حاشية ابن عابدين ( 3 / 21 ) 1532) .
9-
المبالغة في الاسراع في الخطبة الثانية وخفض الصوت بها
. وذكرها النووي في المكروهات في الخطبة ( (1533) انظر : المجموع ( 4 / 359 ) 1533).
10-
قول الخطيب : "من يطع الله ورسوله، فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى " بالتشريك بين ضمير الله وضمير رسوله
. ذكر ذلك الشافعي وجعله من مكروهات الكلام في الخطبة( (1534) انظر : الأم ( 1 / 179 ) .1534) .
11-
الزيادة في الخطبة على الحمد والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم والعظة والقراءة
, فمن زاد على هذا فقد كرهه الشافعي رحمه الله ( (1535) المصدر السابق .1535).
12-
كلام الإمام أثناء الخطبة فيما لا يعنيه ولا يعني الناس، أو بما يقبح من الكلام
، فقد كرهه الشافعي كذلك( (1536) المصدر السابق .1536) .
13-
أمر الخطيب المأمومين بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم حال الخطبة
. قال الشيخ صالح الفوزان: هذا جهل وابتداع لا يجوز فعله ( (1537) انظر : الملخص الفقهي ( 1 / 175 ) .1537).
قلت: قد فصلت القول في هذه المسألة، وبينت الراجح فيها من خلال مبحث مستقل في هذا الكتاب فارجع إليه.
14-
إطالة الخطبة وسوء الأدب فيها أو في الخطيب نفسه
مما كرهه الشافعي رحمه الله( (1538) المصدر السابق . ( 1 / 178 ) 1538) .
فقد حرَّم ابن حزم على الخطيب إطالة الخطبة( (1539) انظر : المحلى ( 5 / 60 ) .1539) .

15-

التزام الخطيب افتتاح خطب الجمعة بخطبة الحاجة
. ذكر ذلك الشيخ بكر أبو زيد( (1540) انظر : تصحيح الدعاء ص ( 454 ) 1540)
16-
عدم حسن الهيئة للخطيب في لباسه وطيبه ونحو ذلك
مما كرهه الشافعي أيضاً( (1541) المصدر السابق . ( 1 / 175 )1541).
17-
كراهة الكلمات المشتركة في الخطبة والبعيدة عن الأفهام وما تكره عقول الحاضرين
. ذكر ذلك النووي رحمه الله( (1542) انظر : المجموع ( 4 / 358 ) 1542) .
18-
استدبار الخطيب للمأمومين واستقباله القبلة حال الخطبة
، كرهه جماعة من أهل العلم كالشافعي وابن قدامة والنووي( (1543) انظر : الأم ( 1 / 343 ) ، المغني ( 3 / 178 ) ، المجموع ( 4 / 358 ) .1543) .
19-
كراهية كلام الخطيب حال الخطبة في غير الأمر بالمعروف
، ذكر ذلك الحنفية( (1544) انظر : البدائع ( 2 / 202 ) .1544) .
20-
قراءة الخطيب في صلة الجمعة آيات تناسب موضوع الخطبة
. ذكر هذا الشيخ بكر أبو زيد وقال: التزام ذلك بدعة ( (1545) انظر : البدائع ( 2 / 202 ) .1545).
21-
كراهة تخطي الخطيب رقاب الناس من غير حاجة
. ذكر ذلك الشافعي وابن قدامة والنووي وغيرهم ( (1546) انظر : الأم ( 1 / 340 ) ، المغني ( 3 / 231 ) ، المجموع ( 4 / 377 ) . 1546).
22-
ما يفعله بعض الخطباء من التباطؤ حين صعوده المنبر
:
قال جمال الدين القاسمي ناقلاً عن أبي شامة قوله:" ومن البدع المشعرة بأنها من السنن بعمومها وشهرتها واستدامة مبتدعيها لفعله، ما يفعله عوام الخطباء وشبه العوام من أمور نذكرها منها تباطؤ الخطيب في الطلوع( (1547) انظر : الباعث على إنكار البدع والحوادث لأبي شامة ص ( 263 ) ، إصلاح المساجد من البدع والعوائد لجمال الدين القاسمي ص (48) . 1547)..
23-
مغايرة الخطيب صوته أثناء الخطبة عند تلاوة آيات من القرآن
، بحيث يتغنى بها على خلاف نسق صوته في بقية خطبته.

ذكر هذا الشيخ بكر أبو زيد ، وعدَّه مما أحدثه الوعاظ وبعض الخطباء( (1548) انظر : تصحيح الدعاء ( 320 ) . 1548).
قلت: وقد ذكرت مبحثاً بهذا الخصوص في هذا الكتاب فارجع إليه.
24-

تكلف الخطيب رفع الصوت في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فوق المعتاد
.
قال أبو شامة: " وذلك جهل لأنها دعاء له عليه الصلاة والسلام وجميع الأدعية السنة فيها الإسرار دون الجهر غالباً " ( (1549) انظر : الباعث ص ( 265 ) ، إصلاح المساجد ص ( 49 ) . 1549).
وقد عدَّ الشيخ بكر أبو زيد ذلك من المحدثات في الخطبة ( (1550) انظر : تصحيح الدعاء ص ( 455 ) . 1550).
25-
رفع بعض الخطباء أيديهم عند الدعاء لغير الاستسقاء في الخطبة
: أخرج عبدالرزاق عن إبراهيم قال: رفع اليدين والقنوت في الجمعة بدعة( (1551) انظر : مصنف عبدالرزاق ( 3 / 194 ) . 1551).
وقال أبو شامة : " وأما رفع أيديهم عند الدعاء فبدعة قديمة روى الإمام أحمد عن غضيف بن الحارث رضي الله عنه قال: " بعث إلي عبدالملك بن مروان فقال :" يا أبا أسماء ، إنا قد جمعنا على أمرين ، رفع الأيدي على المنابر يوم الجمعة, والقصص بعد الصبح والعصر" فقال : " إنهما أمثل بدعكم عندي، ولست مجيبك إلى شيء منها " .قال:لم ؟ قال: " لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال :(( ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة، فتمسك بسنة خير من إحداث بدعة ))( (1552) انظر : الباعث ص ( 263 ) ، إصلاح المساجد ص (49)1552).
وذكر الشوكاني أن رفع اليدين في مثل هذه الصورة بدعة، وقال مثل ذلك الشيخ بكر أبو زيد( (1553) انظر : نيل الأوطار ( 3 / 283 ) ، تصحيح الدعاء ص ( 456 ) . 1553) .

26- هز الخطيب يديه حال الخطبة تفاعلاً معها.
كره ذلك جماعة من أهل العلم كالشافعي، وابن قدامة، والنووي، وشيخ الإسلام ، وابن القيم ، والطيبي ، والشوكاني، وابن عثيمين، وبكر أبو زيد( (1554) انظر : الأم ( 1 / 177 ) ، المغني ( 3 / 179 ) ، المجموع ( 4 / 357 ) ، الاختيارات ص (80) ، زاد المعاد ( 1 / 428 ) ، مرقاة المفاتيح ( 3 / 320 ) ، نيل الأوطار ( 3 / 305 ) ، الشرح الممتع ( 5 / 85 ) ، تصحيح الدعاء ( 456 ) . 1554) .
27-

قول الشعر في الخطبة
:
ذكر العز بن عبد السلام أن إيراد الشعر في الخطبة من البدع، ومثله الشيخ بكر أبو زيد( (1555) انظر : فتاوى ابن عبدالسلام ص (79) ، تصحيح الدعاء ص (455) . 1555) .
قلت : وقد تقدم ذكر الكلام عن الشعر في الخطبة مطولاً في مبحث مستقل مع بيان الراجح في ذلك فارجع إليه .
28-
الترنم والتمطيط أثناء الخطبة
:
كره ذلك جماعة من أهل العلم كالشافعي( (1556) انظر : الأم ( 1 / 177 ) . 1556) رحمه الله ، وتبعه في ذلك الشيرازي( (1557) انظر : المهذب ( 1 / 370 ) . 1557) والبغوي( (1558) انظر : التهذيب ( 2 / 342 ) . 1558) وأبو الحسين العمراني( (1559) انظر : البيان ( 2 / 578 ) . 1559) والنووي( (1560) انظر : المجموع ( 4 / 358 ) . 1560) وابن قدامة( (1561) انظر : المغني ( 3 / 180 ) . 1561) ، وابن الجوزي( (1562) انظر : صيد الخاطر ص (107) . 1562) ، والشيخ محمد رشيد رضا ( (1563) انظر : مجلة المنار ( 15 / 28 ) . 1563)، والشيخ علي محفوظ( (1564) انظر : الإبداع في مضار الابتداع ص (45) . 1564) ،والشيخ بكر أبو زيد ( (1565) انظر : تصحيح الدعاء ص (455) . 1565) وغيرهم .

29- قصد الخطيب أن يكون لابساً ثوباً أسود يغلب عليه الحرير، أو ممسكاً بيده سيفاً مذهباً ، ذكر ذلك الغزالي وأبو شامة رحمه الله( (1566) انظر : الإحياء ( 1 / 181 ) ، ( 2 / 336 ) ، الباعث ص ( 269 ) . 1566). بل قال الغزالي فيمن هذه حاله من الخطباء " هو فاسق والإنكار عليه واجب ".
قلت : وقول الغزالي هذا بشرط أن يكون مع السواد حرير والسيف مذهب!! وليس لمجرد السواد فتنبه. وقد بيَّن ابن القيم أنه خلاف هديه صلى الله عليه وسلم ( (1567) انظر : زاد المعاد ( 1 / 429 ) ، ( 3 / 459 ) . 1567).
30-

قول الخطيب : ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة
. ذكر ذلك الشيخ محمد رشيد رضا ، والشيخ بكر أبو زيد( (1568) انظر : فتاوى محمد رشيد رضا ( 1 / 58 ) ، تصحيح الدعاء ص (455) ، وانظر : معجم البدع لرائد صبرى نقلاً عن القول المبين لمشهور بن سلمان ص (265) . 1568) .
31-
المواظبة على قراءة حديث في آخر الخطبة الأولى دائما
ً. قال عنها الشقيري : بدعة ( (1569) انظر : السنن والمبتدعات للشقيري ص (89) . وقال عنها بدعة . 1569) .
32- المواظبة في آخر الخطبة الأولى أيضاً على حديث (( التائب من الذنب كمن لا ذنب له)) ذكر ذلك الشقيري ، والشيخ بكر أبو زيد( (1570) انظر : المصدر السابق ، وتصحيح الدعاء ص (455) ، والحديث أخرجه ابن ماجه ( 2 / 1420 رقم 4250 ) والبيهقي في السنن الكبرى ( 10 / 154 ) . 1570) .
33-
التزام ختم الخطبة الثانية من يوم الجمعة بقول : " اذكروا الله يذكركم" أو " إن الله يأمر بالعدل والإحسان"
. ذكر ذلك الشقيري ، والشيخ بكر أبو زيد( (1571) انظر : المصدر السابق ص (90) وقال عنها بدعة ، تصحيح الدعاء ص (455) . 1571) .

وقال الشيخ بكر أبو زيد : " وأصل ذكر هذه الآية في آخر الخطبة ينسب إلى عمر بن عبد العزيز كما ذكره ملا علي القاري رحمه الله تعالى في كتابه (شم العوارض في ذم الروافض )( (1572) انظر : تصحيح الدعاء ص (455) . 1572) .اهـ
34-

العدول عن السنة في القراءة لصلاة الجمعة وقراءة ما يراه الإمام من آيات وسور متناسبة مع موضوع الخطبة
. ذكر ذلك الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد ( (1573) انظر : بدع القراء . د/ بكر أبو زيد ص (59) ، تصحيح الدعاء ص (457) . 1573) .
35-
النعي للموتى من على المنبر
.
قال الصنعاني في سبل السلام :" ومنه- أي النعي المحرم - النعي من أعلى المنارات كما يعرف في هذه الأعصار في موت العظماء ( (1574) انظر : سبل السلام ( 2 / 190 ) ، الإبداع في مضار الابتداع لعلي محفوظ ص (167) . 1574).
36- قراءة الخطيب عند صعوده المنبر آية{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} سورة الأحزاب آية : 56 . وحديث النبي صلى الله عليه وسلم (( إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة : انصت ، والإمام يخطب فقد لغوت)) رواه البخاري ومسلم ( (1575) صحيح البخاري : الجمعة ، ( باب 36 رقم 394 ) صحيح مسلم ( 2 / 583 رقم 851 ) . 1575).
ذكر بدعية ذلك ابن نجيم الحنفي ، وابن عابدين ، وللجنة الدائمة للإفتاء ( (1576) انظر : البحر الرائق ( 2 / 149 ) ، حاشية ابن عابدين ( 3 / 43 ) ، فتاوى اللجنة الدائمة ( 8 / 239 ) . 1576).
وقد عدَّ الشيخ بكر أبو زيد التزام قراءة آية{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} من المحدثات في الخطبة ( (1577) انظر : تصحيح الدعاء ص ( 456 ) . 1577) .
37-
إذا خطب الخطيب وهو جالس
. رواه ابن أبي شيبة عن طاوس قال : الجلوس على المنبر يوم الجمعة بدعة( (1578) انظر : مصنف ابن أبي شيبة ( 2 / 22 ) . 1578) .

38-

نزول الخطيب في الخطبة الثانية إلى درجة سفلى ثم العودة إلى الدرجة العليا
، ذكر ابن عابدين عن ابن حجر في التحفة وقال : بدعة قبيحة شنيعة( (1579) انظر : حاشية ابن عابدين ( 3 / 36 ) . 1579) .اهـ
39- اعتماد التسجيع في الخطبة وكونه هو همّ الخطيب . ذكر ذلك الشيخ محمد ابن إبراهيم مفتي الديار السعودية ، والشقيري ، والشيخ بكر أبو زيد( (1580) انظر : فتاوى ابن إبراهيم ( 3 / 20 ) السنن والمبتدعات ص (91) تصحيح الدعاء ص (455) . 1580) .
40-
ختم الخطبة الأولى أو الثانية بالسلام
.
ذكر الشيخ بكر أبو زيد أنها من محدثات الخطب( (1581) انظر : تصحيح الدعاء ص (455) . 1581) .
قلت: قد ذكرت هذه المسألة في مبحث مستقل في هذا الكتاب فراجعه .
41-
تخصيص الخطيب نفسه بالدعاء
.
ذكر الشيخ بكر أبو زيد أنه من محدثات الخطب( (1582) انظر : تصحيح الدعاء ص (456) .1582) .

122-

فوائد متنوعة
هناك فوائد متنوعة وقفت عليها أثناء البحث والاطلاع مما لا يحتمل أن يكون بحثاً متكاملاً على حدة ، كما أنه يعز على أن أتركها شاردة دون تقييد ، لأجل حصول الفائدة وتمام النفع فكان من ذلك ما يلي :
1-
هل يحق للخطيب أن يؤذن بعد أن يصعد على المنبر ويسلم على الناس ؟
.
لم أقف على قول لأحد من أهل العلم تكلم عن هذه المسألة حسب البحث والاستقراء ، ولم أقف كذلك على حديث أو أثر يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم، أو أن أحداً من الصحابة ومن بعدهم أنه كان يجمع بين كونه خطيباً ومؤذناً في نفس الوقت .
ولو فرض أن خطيباً فعل مثل ذلك ، لجمعه بين الوظيفتين مثلاً ، أو لعدم وجود من يحسن الأذان أو نحو ذلك ، فالذي يظهر لي - والله أعلم- أنه لا بأس بذلك، لعدم ورود ما يمنع من ذلك وإن كان هذا خلاف الأولى ، وأما إن كان هناك من يحسن الأذان من المأمومين فهذا هو الأولى، وهو الموافق لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وكل خير في اتباع هديه صلوات الله وسلامه عليه. والعلم عند الله
2-
اقتباس لخطب من الغير
:
سئل سماحة شيخنا العلامة عبد العزيز بن باز عن حكم من يقرأ خطبة الجمعة من كتاب مختص بالخطب كابن نباتة ؟.
فأجاب بما نصه:
خطب ابن نباتة فيها بعض الأخطاء ، فينبغي للخطيب أن يتحرى الكتب الجيدة التي وضعت في الخطب ليستفيد منها ، فإن هناك كتباً كثيرة فيها خطب نافعة ، مثل خطب الشيخ عبد الله الخياط ، وخطب الشيخ عبد الرحمن السعدي ، وخطب الشيخ عبد الله بن قعود ، وخطب الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين ، وخطب الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن حسن ، وغيرهم من أهل العلم ، مع العناية بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة في كل خطب ، مع مراعاة ما يناسب المقام في كل وقت .
أما الخطب التي ليست لأهل العلم المعروفين بالعلم والفضل واعتقاد أهل الستة والجماعة فالواجب الحذر منها . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين( (1583) انظر : مجموع فتاوى ابن باز ( 12 / 419 ) . 1583) .
3-
حكم الصلاة خلف خطيب قال : إن الله تكلم بكلام أزلي قديم ليس بحرف ولا صوت، فهل تسقط الجمعة خلفه أم لا؟ وما يجب عليه؟
.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية بهذا السؤال فأجاب بقوله:

الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق ، وأن هذا القرآن الذي يقرؤه الناس هو كلام الله ، يقرؤه الناس بأصواتهم . فالكلام كلام الباري، والصوت صوت القاري، والقرآن جميعه كلام الله حروفه ومعانيه . وإذا كان الإمام مبتدعاً ، فإنه يصلي خلفه الجمعة وتسقط بذلك ، والله أعلم( (1584) انظر : مجموع فتاوى شيخ الإسلام ( 23 / 361 ) . 1584) .
4- حكم الصلاة خلف إمام قتل نفساً؟
أجاب الشيخ الإسلام: من كان من الخطباء يدخل في مثل هذه الدماء فإنه من أهل البغي والعدوان ، الذين يتعين عزلهم ، ولا يصلح أن يكون إماماً للمسلمين، بل يكون أماماً للظالمين المعتدين ، والله أعلم( (1585) انظر : مجموع الفتاوى ( 23/ 362 ) . 1585) .
5- حكم الصلاة خلف إمام خبب( (1586) خبَّب : أي خدعه وأفسده . النهاية ( 2 / 4 ) . 1586) امرأة على زوجها حتى فارقته وصار يخلو بها ؟
أجاب شيخ الإسلام بما ملخصه: في المسند عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( ليس منا خبب امرأة على زوجها أو عبداً على مواليه))( (1587) مسند أحمد ( 2 / 397 ) قلتُ : وأخرجه أبو داود ( 2 / 630 رقم 2175 ) والحاكم ( 2 / 196 ) وصححه الذهبي ، وأورده السيوطي في الجامع الصغير ( 5 / 385 ) فقال : رواه أبو داود والحاكم عن أبي هريرة ورمز له بالصحة . 1587) ومثل هذا لا ينبغي أن يولى إمامة المسلمين ، إلا أن يتوب ، فإن تاب تاب الله عليه ، فإذا أمكن الصلاة خلف عدل مستقيم السيرة فينبغي أن يصلى خلفه، فلا يصلي خلف من ظهر فجوره لغير حاجة ، الله أعلم ( (1588) انظر : مجموع الفتاوى ( 23/363 ) .1588)

6-

قول بعض الناس : لا تصح الجمعة خلف إمام لم يتزوج
.
سئل العلامة الشيخ عبد الله أبو بطين عن هذه المسألة فأجاب بما نصه:
وأما صلاتكم الجمعة خلف الإمام الذي ما تزوج فليس الزواج بشرط، وإنما الشرط البلوغ والاستيطان( (1589) انظر : مجموع الرسائل والمسائل النجدية ( 5 / 533 ) طبعة دار العاصمة . 1589) .
7-
حكم قول الخطيب : الحمد الذي تحيرت العقول في مبدأ أنواره، وتاهت الألباب في حمديته وكنه ذاته ؟
سئل العلامة الشيخ عبدالرحمن بن حسن حفيد شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله- عن هذا السؤال فأجاب بما نصه: فهذه الألفاظ التي ابتدعها من تمسك بقول أهل الكلام الحادث المذموم ، فإنهم الذين تاهوا وتحيروا في الإيمان الذي دعت إليه الرسل ونزلت به الكتب ، وإلا فطريقة القرآن حمد الله لنفسه بأسمائه وصفاته وما يعرف به ويوجب الإيمان به ، ومعرفته ، وإثبات ربوبيته وصفات كماله ، فهذا هو توحيد المعرفة والإثبات الذي هو توحيد المرسلين ، ودعوا به الأمم إلى توحيد الإرادة والقصد الذي هو توحيد الألهية... وقال:{ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا قَيِّماً} سورة الكهف ، آية : 1 . فهذا وأمثاله هو طريقة القرآن يحمد نفسه على ما يتصرف به إلى خلقه ليعرفوه بذلك الذي أبدعه وأوجده وأنعم به كقوله:{ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} سورة فاطر ، آية : 1 وأمثال هذا في القرآن كثير ، وبتدبره والعلم به يحصل كمال الإيمان وتنتفي الحيرة . وأما أهل الجدل من أهل الكلام فهم الذين تحيروا وتاهوا كما أخبر بذلك نفر من متقدميهم( (1590) انظر : مجموع الرسائل والمسائل النجدية ( 4 / 366 ) . 1590) .اهـ .
8-
هل يتشهد الخطيب مرتين في خطبته أم يكتفي بواحدة ؟
أخرج عبدالرزاق عن ابن جريج عن عطاء : وفيه " إنما كانوا يتشهدون مرة واحدة الأولى ( (1591) انظر : مصنف عبدالرزاق ( 3 / 189 ) . 1591) " .

9- ولّى الإمام شخصاً إمامة الجمعة ، فهل له أن يؤم في الصلوات الخمس الأخرى وبالعكس أم لا ؟
ذكر صاحب الأحكام السلطانية وقدمه صاحب الفروع أنه ليس له ذلك ولا لمن ولىّ أحدهما أي الجمعة أو الخمس أن يؤم في عيد وكسوف واستسقاء ، لعدم شمول ولايته لذلك . ولعل المراد : أنه لا يستفيد ذلك بالولاية ، لا أنه يمتنع عليه الإمامة ، إذ إقامة الصلوات لا تتوقف على إذنه وأما إذا قلّد جميع الصلوات فتدخل المذكورات في عمومها للإتيان بصيغة العموم ( (1592) انظر : كشاف القناع ( 2 / 21 ) المجموع ( 4 / 310 ) والفروع ( 2 / 99 ) الأحكام السلطانية ( 104 ) . 1592) .
10-

حكم الصلاة خلف إمام يقرأ على الجنائز ؟
أجاب شيخ الإسلام قائلاً : إذا أمكنه أن يصلي خلف من يصلي صلاة كاملة ، وهو من أهل الورع فالصلاة خلفه أولى من الصلاة خلف من يقرأ على الجنائز ، فإن هذا مكروه من وجهين : من وجه أن القراءة على الجنائز مكروهة في المذاهب الأربعة ، وأخذ الأجرة عليها أعظم كراهة ، فإن الاستئجار على التلاوة لم يرخص فيه أحد من العلماء ، والله أعلم ( (1593) انظر : مجموع الفتاوى ( 23 / 364 ) . 1593) .
11-
قصة حضرها ابن حزم حول طول الخطبة
قال ابو محمد بن حزم : شهدت ابن معدان في جامع قرطبة قد أطال الخطبة ، حتى أخبرني بعض وجوه الناس أنه بال في ثيابه ، وكان قد نشب في المقصورة ( (1594) انظر : المحلى ( 5 / 60 ) . 1594) . اهـ .
قلت : لعل ابن حزم أراد بما أورده عن ابن معدان ، أثر البعد عن السنة وعدم تطبيقها ، وذلك بسبب إطالة الخطبة خلافاً لحديث النبي صلى الله عليه وسلم . والله أعلم .

12-

حكم الصلاة خلف إمام يبصق في المحراب ؟
أجاب شيخ الإسلام قائلاً : الحمد لله ينبغي أن ينهى عن ذلك ، وفي سنن أبي داود عن النبي صلى الله عليه وسلم (( أنه عزم إماماً لأجل بصاقه في القبلة ، وقال لأهل : (( لا تصلوا خلفه )) فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول ، أنت نهيتهم أن يصلوا خلفي قال : (( نعم إنك قد آذيت الله ورسوله )) ( (1595) انظر : سنن أبي داود كتاب الصلاة ( حديث رقم 478 ) . 1595) . فإن عزل عن الإمامة لأجل ذلك أو انتهى الجماعة أن يصلوا خلفه لأجل ذلك ، كان ذلك سائغاً . والله أعلم ( (1596) انظر : مجموع الفتاوى ( 23 / 364 ) . 1596) .
13-
موقف الخطيب في المسجد الحرام حال الخطبة ، واستلامه للحجر الأسود إذا نزل عن المنبر .
روى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما : (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب وظهره إلى الملتزم )) ( (1597) انظر : المسند ( 1 / 350 ) . 1597) .
قال الهيثمي : رواه أحمد ، وفيه عبدالله بن المؤمل ، وهو ثقة وفيه كلام ( (1598) مجمع الزوائد ( 2 / 405 ) . 1598) .
وقد فعل معاوية رضي الله عنه مثل فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد أخرج أحمد عن عبدالله بن علي أنه سمع معاوية يخطب في ظل الكعبة وهو يقول : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حلي الذهب ولبس الحرير " ( (1599) انظر : المسند ( 4 / 100 ) . 1599) .
وأخرج عبدالرزاق عن ابن جريج قال : أخبرني عطاء قال : رأيت خالد بن العاص يخطب قائماً بالأرض ، مستنداً إلى البيت .. الخ ( (1600) انظر : مصنف عبدالرزاق ( 3 / 183 ) . 1600) . اهـ .
وروى عبدالرزاق أيضاً عن ابن جريج قال : " قلت لعطاء : أرى الأئمة إذا نزلوا على المنبر استلموا الركن قبل أن يأتوا المقام ، أبلغك فيه شيء ؟
قال: لا، قلت: أتستحبه؟ قال: لا، إلا أن استلام الركن ما أكثرت منه فهو خير"( (1601) انظر : مصنف عبدالرزاق ( 3 / 190 ) .1601)

14-

حكم الصلاة خلف من به عذر : يده الشمال خلفه من حد الكتف ، وله أصابع لحم ؟
.
أجاب شيخ الإسلام بقوله : إذا كانت يداه يصلان إلى الأرض في السجود ، فإنه تجوز الصلاة خلفه بلا نزاع . وإنما النزاع فيما إذا كان أقطع اليدين والرجلين ونحو ذلك . وأما إذا أمكنه السجود على الأعضاء السبعة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم : (( أمرت أن أسجد على سبعة أعظم : الجبهة ، واليدين ، والركبتين ، والقدمين )) ( (1602) أخرج البخاري في صحيحه الأذان ، ( باب 34 رقم 812 ) ومسلم ( 1 / 354 رقم 490 ) 1602) . فإن السجود تام وصلاة من خلفه تامة ، والله أعلم ( (1603) انظر : مجموع الفتاوى ( 23 / 365 ) . 1603) .
15-
القراءة في خطبة الجمعة
جاء في بعض الأحاديث ما يدل على مشروعية قراءة شيء من القرآن في الخطبة ، فمن ذلك ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم عند مسلم في صحيحه من حديث أم هشام قالت : ما أخذت ( ق ) والقرآن المجيد إلا على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها على الناس في كل جمعة ( (1604) انظر : صحيح مسلم ( 2 / 595 رقم 873 ) . 1604)
وأخرج أبو داود وابن خزيمة والحاكم من حديث أبي سعيد : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر ( ص ) فلما بلغ السجدة نزل فسجد فسجد الناس معه ... الحديث ( (1605) انظر : سنن أبي داود ( 2 / 124 رقم 1410 ) صحيح ابن خزيمة ( 2 / 354 رقم 1455 ) المستدرك ( 1 / 284 ) . 1605) .
قال الشوكاني : ورجال إسناده رجال الصحيح . وقد سكت عليه أبو داود والمنذري( (1606) انظر : نيل الأوطار ( 3 / 105 ) . 1606) . اهـ .
وأخرج البخاري في صحيحه عن عمر رضي الله عنه أنه قرأ يوم الجمعة على المنبر سورة الحج حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد فسجد الناس .. الحديث ( (1607) انظر : صحيح البخاري ، كتاب سجود القرآن ( حديث رقم 1077 ) . 1607) .

وأخرج ابن أبي شيبة عن عاصم بن كليب عن أبيه قال : كان عمر يعجبه أن يقرأ سورة آل عمران في الجمعة إذا خطب .
وأخرج بسنده عن علي أنه قرأ وهو على المنبر { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } و { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } .
وأخرج عن حذيفة أنه قرأ {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ } .
وأخرج عن أبي موسى الأشعري : أنه قرأ السجدة الآخرة في سورة الحج .
وأخرج عن عمر بن عبدالعزيز أنه قرأ على المنبر { وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ } وفي يده عصا ( (1608) انظر : المصنف لابن أبي شيبة ( 2 / 115 ) . 1608) . اهـ .
وعن أحمد وابن ماجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ على المنبر (براءة) ( (1609) انظر : المسند ( 5 / 143 ) سنن ابن ماجة ( 1111 ) باب ( 86 ) . 1609).
16-

ما ذكره الحافظ ابن حجر عن الحجاج وابن عمه في تطويل الجمعة
ذكر الحافظ ابن حجر عن الحكم بن أبي عقيل الثقفي أنه كان نائباً عن ابن عمه الحجاج بن يوسف ، وكان على طريقة ابن عمه في تطويل الخطبة يوم الجمعة حتى يكاد الوقت أن يخرج . وقد أرود أبو يعلى قصة يزيد الضبى وإنكاره على الحكم هذا الصنيع ( (1610) انظر : الفتح ( 3 / 48 ) . 1610).اهـ .
17-
ما حكم الخطيب يردف خطبة معينة في كل جمعة ، ولا تتجاوز ثمان دقائق ؟
أجابت اللجنة الدائمة بما نصه : لا يشترط في صحة صلاة الجمعة أن تكون الخطبة طويلة ، ولا يشترط أيضاً في صحتها أن يكون لكل جمعة خطبة ، بل يجوز أن تتكرر خطبة واحدة لصلوات جمع ، ولكن الأحسن أن يجدد الخطيب الخطبة بقدر ما تيسر له ذلك ؛ لما في ذلك من زيادة العلم والتشويق وقوة التأثير والبعد عن الملل والسآمة ( (1611) انظر : فتاوى اللجنة ( 8 / 238 ) . 1611) . اهـ .

18-

خطيب كرر قراءة الفاتحة مرتين في صلاة العيد أو الجمعة فما الحكم ؟
أجابت اللجنة الدائمة بما نصه : لا يجوز القصد إلى تكرار قراءة الفاتحة مرتين لا في صلاة الجمعة أو العيد ، ولا في غيرهما من الصلوات ، لعدم ورود ذلك عن المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )) متفق على صحته . ولكن الصلاة صحيحة ، وينبغي نصحه بترك ذلك حتى لا يعود إليه في صلاة أخرى ( (1612) انظر : فتاوى اللجنة ( 8 / 276 ) .1612) . اهـ .
19-
الخطيب يخطب بورقة تأتيه من وزارة الشئون الدينية فما الحكم ؟
أجابت اللجنة الدائمة بما نصه : تجوز صلاة الجمعة خلفه إذا كانت خطبة مشتملة على الثناء على الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، والموعظة الحسنة والأمر بتقوى الله تعالى ، ولا منافاة بين ذلك وبين كونها في ورقة تأتيه من وزارة الشئون الدينية ( (1613) انظر : فتاوى اللجنة ( 8 / 277 ) .1613) . اهـ .
20-
هل يأخذ الخطيب الأجرة على خطبة الجمعة ؟
أجابت اللجنة الدائمة على ذلك بقولها : " يجوز للقائمين على شئون المسجد أخذ مرتب على ما يقومون به من شئون المساجد ، سواء في ذلك الأئمة والخطباء والمؤذنون والفراشون ، لقيامهم بواجب إسلامي عام ، واشتغالهم بالمصالح العامة . وبالله التوفيق ( (1614) انظر : فتاوى اللجنة الدائمة ( 8 / 237 ) .1614) . اهـ .
21-
حكم الصلاة خلف الخصي
أجاب شيخ الإسلام عن ذلك بقوله : الحمد لله تصح خلفه كما تصح خلف الفحل باتفاق أئمة المسلمين ، وهو أحق بالإمامة ممن هو دونه ، فإذا كان أفضل من غيره في العلم والدين كان مقدماً عليه في الإمامة ، وإن كان المفضول فحلاً . والله أعلم ( (1615) انظر : مجموع الفتاوى ( 23 / 366 ) . 1615) .

22-

كلام جميل للشيخ محمد أبي زهرة عن طول الخطب وقصرها
، أورده هنا لما فيه من الفائدة . فقد قال رحمه الله : " خطب الخوارج في جملتها أميل إلى الطول ، لما كانت تشتمل عليه من الحجج والأدلة ، والمآخذ على حكم الأمويين ، وإعلان مساويهم ، فترى خطب أبي حمزة الشاري ، وقطري وغيرهما من خطباء الخوارج فيها الطول واضحاً ، وقد رويت مع طولها ، ونقلتها المصادر الأدبية كالبيان والتبيين ، والعقد الفريد ، والأمالي ، والكامل ، فدلَّ ذلك على نفاستها وجودتها .
وخطب الوعاظ والزهاد ، كالشعبي وابن سيرين والحسن البصري أميل إلى الإيجاز ، اخذاً بمذهب السلف الصالح ، ولنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن طول الخطبة ، ولخوفهم من أن تكون الإطالة ثرثرة وتفيهقاً ، وتشادقاً ، وكل أولئك قد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم .
وخطب الأمويين ومن والاهم ، ومن كان على شاكلتهم فيها الطول المفرط في الطول ، وفيها المتوسط ، وفيها القصير المفرط في القصر ، فترى خطبة سحبان بين يدي معاوية عندما أحضره لقولها مفرطة في الطول كما ذكرنا ، وخطب الحجاج وزياد بن أبيه وغيرهما بين الطول والقصر ، وخطب الذين ارتج عليهم في الخطبة قصيرة جدّاً ، ومن ذلك خطبة خالد بن عبدالله القسري عندما ارتج عليه . فاعتذر قائلاً : " أيها الناس ، إن الكلام يجيء أحياناً ، فيتسبب سببه ، ويعزب أحياناً فيعز طلبه ، فربما طولب فأبى ، وكوبر فعصى ، فالتأني لمجيه أصوب من التعاطي لآبيه .
وقد كان بعض الخطباء يعمد إلى ذلك النوع من الإيجاز من غير ضرورة ولا ارتاج ، كما فعل يزيد بن المقفع عند أخذ البيعة ليزيد بن معاوية ، إذ قال : أمير المؤمنين ، هذا - وأشار إلى معاوية - ، فإن هلك فهذا - وأشار إلى يزيد -، فمن أبي فهذا - وأشار إلى سيفه .
فقال معاوية : اجلس فإنك سيد الخطباء .

وربما كان يدفعهم إلى ذلك التطويل المفرط ، والقصر المفرط ، قصد التفنن ، وبيان البراعة ، وإثبات قدرتهم على الوفاء في الطول من غير إملال ، وعلى الإيجاز الذي يعد الأكثرون البلاغة فيه .
وليس معنى ذلك أن تطويلهم وإيجازهم لم يكن مراعىً فيه مقتضى الحال ، بل إن مراعاة المقام كانت ثابتة في كثير من أقوالهم ، ولكن حرصهم على الاشتهار بالبراعة كان لا يقل عن حرصهم على ملاحظة المقام ، لأن القول صار غرضاً لذاته في ذلك العصر على ما بيناه آنفاً ( (1616) انظر : الخطابة لمحمد بن أبي زهرة ص ( 311 ) . 1616) .
23-

من صلى بالناس الجمعة في مرض النبي صلى الله عليه وسلم ؟
سئل الشيخ محمد رشيد رضا عن هذه المسألة فأجاب بما نصه : " قالوا : إن النبي صلى الله عليه وسلم مرض مرض الموت في أواخر صفر أو أوائل ربيع الأول ، وقالوا : إن المرض قد اشتد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث ليال ، وقالوا : إنه توفي حين اشتد الضحى من يوم الاثنين ، وقالوا : إن أبا بكر رضي الله عنه هو الذي كان يصلي بالناس بأمره عليه الصلاة والسلام في المدة التي لم يكن يستطيع الخروج فيها ، وقالوا : إنه خرج في صبيحة يوم الاثنين وأبو بكر يصلي الصبح بالناس فضحك سروراً برؤيتهم ، وكادوا يفتنون في صلاتهم فرحاً به إذ ظنوا أنه عوفي ، وأراد أبو بكر أن يتأخر ليتم صلى الله عليه وسلم الصلاة بالناس ، فأشار إليه بأن يمضي في صلاته .

وقال بعضهم : إن أبا بكر صلى في الناس سبع عشرة صلاة ، ولم أر أحداً قال إن منها صلاة الجمعة . ورأيت في الإحياء أن ابتداء الإذن لأبي بكر رضي الله عنه بالصلاة بالناس كان في أول ربيع الأول ، فإذا كانت وفاته صلى الله عليه وسلم في الثاني عشر منه كما هو المشهور ، فالصلوات التي أمَّ أبو بكر بها الناس كانت متفرقة ، ومنها الليالي التي اشتدَّ بها المرض ، فلا عجب إذا كان صلى الله عليه وسلم هو الذي صلى بالناس آخر جمعة من أيام حياته الشريفة ( (1617) انظر : فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم ( 3 / 13 ) . 1617) . اهـ .
24-

هل تقام الجمعة في السجن أم لا ؟
سئل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي الديار السعودية عن إقامة صلاة الجمعة في السجن .
فأجاب فضيلته بما نصه : " لم يبلغنا أن أحداً من السلف فعل ذلك مع أنه كان في السجون أقوام من العلماء المتورعين ، والغالب أنه يجتمع معهم أربعون وأكثر موصوفون بصفات من تنعقد بهم الجمعة ، فلو كان ذلك جائزاً لفعلوه . ووجه عدم جواز إقامتها في السجن أن المفصود من الجمعة إقامة الشعار ، ولذلك اختصت بمكان من البلد مالم يوجد مسوغ شرعي يوجب تعددها من ضيق المسجد وحصول العداوة وغير ذلك من الأسباب " ( (1618) انظر : مجلة المنار ( 8 / 671 ) . 1618) . اهـ .
قلت : وبمثل قول الشيخ محمد بن إبراهيم ، قال سماحة شيخنا العلامة عبدالعزيز بن باز ، وبه أفتت هيئة كبار العلماء بالمملكة ( (1619) انظر : فتاوى الشيخ ابن باز ( 12 / 345 ) . 1619) .

25-

وصف لخطبة الجمعة في الأستانة بتركيا زمن الشيخ محمد رشيد رضا
.
ذكر الشيخ رحمه الله أنه قد وصلت إليه رسالة من عالم عثماني عنوانها ( أهكذا يخلف محمد في أمته ) فكان مما ذكر فيها ما يحصل في صلاة الجمعة والتي يسمونها ( السلاملك ) وأن صاحب الرسالة العالم العثماني يهوي بعمامته بين قدمي سلطانهم وهو يشكر له ويدعو . ثم قال هذا العالم العثماني واصفاً الخطيب : وإذا أمَّ المسجد لأداء فريضة الجمعة سمع حمامة المنبر المطوقة بالذهب تغرد بصوت يستثير الطرب ، ويقول : الحمد لله ثم الحمد لله . الحمد لله الذي أيد دين حبيبه بدوام سلطة ملوك آل عثمان الغازي عبدالحميد خان ، وأبقى شريعة نبيه ببقاء عبدالحميد خان . فسبحان الذي أخذ انتقامه من عدوه بعدالة ملوك آل عثمان الغازي عبدالحميد خان ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له منح الأمن والراحة على عباده بمحافظة ملوك آل عثمان الغازي عبدالحميد خان . ونشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله الذي بنى نصرة الله على عباده بإطاعة عساكر ملوك آل عثمان الغازي عبدالحميد خان . صلى الله عليه وعلى آله .
عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لكل نبي رفيق في الجنة ، ورفيقي فيها آل عثمان الغازي عبدالحميد خان )) صدق رسول الله الذي مدح في الحديث جنود المنتسبين بملوك آل عثمان الغازي عبدالحميد خان . انتهى كلام الخطيب الذي يصفه العالم العثماني .

ثم قال الشيخ محمد رشيد رضا معلقاً على ما مضى ذكره : " اضحك أيها القارئ أضحك الله سنك ، كأني بك وقد ارتبت في هذه الخطبة وحسبتها من أوضاع كاتب السطور ، أو تماجنه ، لكني أحلف لك بكل ما تكلفني الحلف به أن هذه الخطبة قرئت مرات متعددة في أسكدار في جامع رأس السوق في بني جشمة . وبعض الذي يفهمون نهضوا حالاً ، وانخزلوا عن الجماعة وخرجوا من الجامع ، وقرئت أيضاً في جوامع أخر ، وأجيز واضعها بمائة ليرة ، وسمعها شيخ الإسلام ( (1620) المراد بشيخ الإسلام هنا هو : السلطة العلمية العليا في الدولة العثمانية . أي بمعنى المفتي العام للبلاد . 1620) وغيره من العلماء وسكتوا . فمن أمعن نظره فيما قلنا ونقلناه يأسف لحال الأمة الإسلامية كيف إن سادتها وكبراءها في العصور المتأخرة أساءوا في إدارة شؤونها وتربية أبنائها واستدرجوها في الاستكانة والاستخذاء حتى نزعت منها روح الحرية ، وفقدت النعرة والحمية ، وحلَّ محل ذلك الضعف والخمول وعدم المبالاة بحفظ الحوزة وحماية الحقيقة " ( (1621) انظر : مجلة المنار ( 9 / 616 وما بعدها ) . 1621) . اهـ .
26-

تكلم الإمام على أولاد يلعبون أثناء الخطبة
.
سئل الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم مفتى الديار السعودية عن إمام يخطب خطبة الجمعة فجاء صبيان يلعبان ، فتوقف عن الخطبة ، وتكلم على الأولاد ، وقال : " الله يقلعكم " . ثم تكلم على الحاضرين ، وقال : " أنتم ما تعرفون تربون أولادكم ، قوموا خرجوهم فلم يقم أحد ، ثم أكمل الخطبة الأولى ، وأخذ عصاه ونزل عن المنبر ، وضرب الصبيين وأخرجهما من المسجد . ويسأل عن حكم ذلك .

فأجاب الشيخ رحمه الله بما نصه : " ما كان ينبغي للإمام أن يفعل هذا ، وإذا أراد أن يعلمهم فيكون بطريقة الحكمة والموعظة الحسنة وتبيين كلام أهل العلم ، وكأن الإمام - وفقه الله - لم يبلغه الحديث الصحيح : (( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالناس إماماً وهو حامل أمامة بنت بنته زينب على عاتقه . فإذا ركع وضعها ، وإذا رفع من السجود أعادها )) . وقصة ركوب الحسين عليه في سجوده . وكلام العلماء في هذا معروف . ومع هذا فلا تبطل الخطبة بمثل هذا الكلام ؛ لأنه ليس بكلام محرم ، وإنما هو مكروه لا يليق من مثل هذا الإمام في مثل هذا المقام ، مع أن جنس الكلام من الإمام وهو يخطب جائز لا بأس به ، فيجوز له أن يخاطب أحد المأمومين أو يخاطبه فيما كان فيه مصلحة عامة أو خاصة " ( (1622) انظر : فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم ( 3 / 44 ) . 1622) . اهـ .
هذا آخر ما تم جمعه في هذا الكتاب ، وكان الفراغ منه ليلة العشرين من شهر شعبان من عام أربعمائة واثنين وعشرين وألف من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم داخل الحجر بجوار الكعبة المشرفة . جعل الله هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم ، موافقاً هدي سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب .
***********************
http://www.saaid.net/

فهرس المراجع
الإبانة ، لابن بطة .
الإبداع في مضار الابتداع ، لعلى محفوظ .
إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين ، للزبيدي .
الإجماع ، لابن المنذر .
الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان .
أحكام الجنائز ، للألباني .
الأحكام السلطانية ، للماوردي .
أحكام القرآن ، لابن العربي .
إحياء علوم الدين ، للغزالي .
الآداب الشرعية والمنح المرعية ، لابن مفلح .
الأدب المفرد ، للبخاري .
الأذكار ، للنووي مع شرح الفتوحات الربانية .
الأربعون النووية ، للنووي .
أساس البلاغة ، للزمخشري .
الأصل ، لمحمد بن الحسن .
إصلاح المساجد ، للقاسمي .
أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن ، للشنقيطي .
إعلام الموقعين ، لابن القيم .
الإفصاح ، لابن هبيرة .
إكمال المعلم ، للقاضي عياض .
الإلمام ، لابن دقيق العيد.
الأُّم ، للشافعي .
الإنصاف ، للمرداوي .
الأوائل ، للطراني .
الأوسط ، لابن المنذر .
الاختيارات الجلية في المسائل الخلاقية ، للبسام .
الاختيارات ، للبعلي .
الاستذكار ، لابن عبدالبر .
الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث ، لأحمد شاكر .
الباعث ، لأبي شامة .
البحر الرائق ، لابن نجيم .
بدائع الصنائع ، للكاساني .
بداية المجتهد ، لابن رشد .
البداية والنهاية ، لابن كثير .
بدع القراء ، لبكر أبو زيد .
البيان والتبيين ، للجاحظ .
البيان ، لأبي الحسن العمراني .
تأويل مختلف الحديث ، لابن قتيبة .
تاريخ الطبري .
تاريخ بغداد ، للخطيب .
التبصرة ، للخمي .
تحفة الأحوذي ، للمباركفوري .
تحفة المحتاج ، للهيثمي .
الترغيب والترهيب ، للمنذري .
تصحيح الدعاء ، لبكر أبو زيد .
تفسير ابن كثير .
تفسير البغوي .
التقريب ، لابن حجر .
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد ، لابن عبدالبر .
تنقيح التحقيق ، لابن عبدالهادي .
تهذيب التهذيب ، لابن حجر .
التهذيب ، للبغوي .
جامع الأمهات ، لابن الحاجب المالكي .
الجامع الصغير ، للسيوطي .
جامع العلوم والحكم ، لابن رجب .
جامع بيان العلم وفضله ، لابن عبدالبر .
الجامع لأحكام القرآن ، للقرطبي .
الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ، للخطيب البغدادي .
الجامع لشعب الإيمان ، للبيهقي .
الجرح والتعديل ، لابن حاتم .
جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام ، لابن القيم .
جمال القراء وكمال الإقراء ، للسخاوي .
حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح ، لابن القيم .
حاشية ابن عابدين .
حاشية الروض المربع ، لابن قاسم .
حاشية السندي على النسائي .
الحاوي الكبير ، للماوردي .

الحجة في بيان المحجة ، للأصبهاني .
الحلية ، لأبي نعيم .
الخطابة ، لمحمد أبي زهرة .
الدر المنثور ، للسيوطي .
الدرر السنية .
دروس سماحة الشيخ ابن باز على بلوغ المرام .
دلائل النبوة ، للبيهقي .
ديوان الحطيئة .
ديوان حسان بن ثابت .
الذخيرة ، للقرافي .
رد المحتار ، لابن عابدين .
الرسالة ، للشافعي .
روضة العقلاء ونزهة الفضلاء ، لأبي حاتم البستي .
زاد المعاد في هدي خير العباد ، لابن القيم .
الزهد ، لابن المبارك .
سبل السلام ، للصنعاني .
السلسلة الصحيحة ، للألباني .
السلسلة الضعيفة ، للألباني .
السنة ، لابن أبي عاصم .
السنة ، للخلال .
سنن أبي داود .
سُنن ابن ماجه .
سنن الترمذي .
سنن الدار قطني .
سنن الدارمي .
السنن الكبرى ، للبيهقي .
السنن والمبتدعات ، للشقيري .
سير أعلام النبلاء ، للذهبي .
السيرة النبوية ، لابن هشام .
السيل الجرار ، للشوكاني .
شرح ابن عقيل .
شرح السنة ، للالكائي .
شرح السنة ، للبربهاري .
شرح الطحاوية ، لابن ابي العز الحنفي .
الشرح الكبير ، لابن قدامة .
شرح الكرماني .
الشرح الممتع ، للشيخ ابن عثيمين .
شرح صحيح مسلم ، للإمام النووي .
شرح علل الترمذي ، لابن رجب .
شرف أصحاب الحديث ، للخطيب .
الصحاح ، للجوهري .
صحيح ابن حبان .
صحيح ابن خزيمة .
صحيح البخاري ، للإمام أبي عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري .
صحيح الجامع الصغير ، للألباني .
صحيح جامع بيان العلم وفضله ، للزهيري .
صحيح مسلم ، للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري .
صيد الخاطر ، لابن الجوزي .
ضعيف الجامع الصغير وزياداته ، للألباني .
طرح التثريب ، للعراقي .
طريق الهجرتين ، لابن القيم .
عارضة الأحوذي ، لابن العربي .
عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة ، لعبدالله بن شاس .
علل الحديث ، لابن أبي حاتم .
العلل المتناهية ، لابن الجوزي .
العلل ، للدار قطني .
عمل اليوم والليلة ، للنسائي .

عون المعبود شرح سنن أبي داود ، للعظيم آبادي .
عيون الأثر ، لابن سيد الناس .
عيون الأخبار ، لابن قتيبة .
غاية المرام شرح مغني ذوي الأفهام ، للعبيكان .
غريب الحديث ، لابن قتيبة .
غريب الحديث ، للخطابي .
فتاوى ابن حجر الحديثية .
الفتاوى التاتار خانية .
فتاوى الشيخ عبدالعزيز بن باز .
فتاوى الشخ محمد بن إبراهيم .
فتاوى العز بن عبدالسلام .
فتاوى اللجنة الدائمة .
فتاوى محمد رشيد رضا .
فتح الباري شرح صحيح البخاري ، لابن حجر .
فتح الباري ، لابن رجب الحنبلي .
فتح البر ، ترتيب محمد المغراوي .
فتح القدير ، للشوكاني .
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد .
فتح المغيث ، للسخاوي .
الفروع ، لابن مفلح .
الفصل ، لابن حزم .
فصول إسلامية ، للشيخ علي الطنطاوي .
فقه الشيخ ابن سعدي ، جمع ( عبدالله الطيار ) .
فن الخطابة ، لعلي محفوظ .
الفوائد ، لابن القيم .
فيض القدير ، للمناوي .
قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ، لشيخ الإسلام ابن تيمية .
القاموس المحيط ، للفيروز آبادي .
قواعد التحديث ، للقاسمي .
القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع ، للسخاوي .
القول المبين ، لمشهور سلمان .
الكامل في الضعفاء ، لابن عدي .
الكامل ، للمبرد .
كشاف القناع ، للبهوتي .
كشف الأستار عن زوائد البزار ، لنور الدين الهيثمي .
كشف الخفاء ، للعجلوني .
كفاية الطالب الرباني لرسالة ابن أبي زيد القيرواني ، لأبي الحسن المالكي .
الكفاية ، للخطيب ، البغدادي .
لسان العرب ، لابن منظور .
المبسوط ، للسرخسي .
المجروحين ، لابن حبان .
مجلة المنار .
مجمع البحرين في زوائد المعجبين ، للهيثمي .
مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ، للهيثمي .
مجموع الرسائل والمسائل النجدية .
مجموع الفتاوى ، لشيخ الإسلام ابن تيمية .
المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث ، لأبي موسى المديني .
المجموع شرح المهذب ، للنووي .
المجموع الكاملة لمؤلفات ابن سعدي .

المحدث الفاصل بين الراوي والواعي ، للرامهرمزي .
المحرر الوجيز ، لابن عطية .
المحلى ، لابن حزم .
مختار الصحاح ، للجوهري .
مختصر اختلاف العلماء ، للطحاوي .
مختصر سُنن أبي داود ، للمنذري .
مختصر سنن أبي داود ، للمنذري .
مختصر منهاج السنة ، للغنيمان .
المدونة ، للأمام مالك .
مراسيل أبي داود .
المراسيل ، لابن أبي حاتم .
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ، لعلي القاري .
المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد في العقيدة ، جمع : عبدالله الأحمدي .
المسالك في المناسك ، للكرماني .
المستدرك لما في الصحيحين ، للحاكم .
مسند أبي يعلي الموصلي .
مسند الإمام أحمد بن حنبل .
مسند الحميدي .
مسند الدارمي .
مسند الشافعي .
مسند الفردوس ، للديلمي .
المسودة ، لابن تيمية .
مشارق الأنوار على صحيح الآثار ، لأبي الفضل اليصبحي .
مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه ، للبوصيري .
المصباح المنير ، للفيومي .
مصنف ابن أبي شيبة .
مصنف عبدالرزاق .
المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية ، لابن حجر .
معالم السنن ، للخطابي .
المعجم الأوسط ، للطبراني .
معجم البدع ، لرائد صبري .
معجم البلدان ، لياقوت الحموي .
المعجم الكبير ، للطبراني .
المعونة ، للبغدادي المالكي .
المغني ، لابن قدامة .
مفردات ألفاظ القرآن ، للأصفهاني .
المقنع ، لابن قدامة .
مكارم الأخلاق ، للخرائطي .
الملخص الفقهي ، د / صالح الفوزان .
الممتع في شرح المقنع ، للفتوحي .
المنار في المختار ، للمقبلي .
المنتقى ، لابن الجارود .
منح الشفا الشافيات في شرح المفردات ، للبهوتي .
منهاج الطالبين ، للنووي .
المهذب ، للشيرازي .
الموطأ ، للإمام مالك .
النشر في القراءات العشر ، للجزري .
نصب الراية ، للزيلعي .
نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج ، لشمس الدين أحمد بن حمزة ..
النهاية في غريب الحديث والأثر ، لابن الأثير .
نيل الأوطار ، للشوكاني .

هتاف المجد ، للشيخ على الطنطاوي .
الهداية ، للمرغيناني .
وفاء الوفاء ، للسمهودي .

أقسام الكتاب
1 2 3