كتاب : المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل
المؤلف : عبد السلام بن عبد الله بن الخضر بن محمد، ابن تيمية الحراني

ما يلزمهم بينهم وما أوجب ثلث الدية كالجائفة ودية الذمي في رواية فإنه يلزم العاقلة في رأس الحول وإن جاوز ثلثها ولم يجاوز ثلثيها كدية اليد ودية المرأة وحدها أو مع غرة جنينها وجب في رأس أول حول قدر الثلث والباقي في رأس الثاني.
وإن جاوز الدية كضربة أذهبت السمع والبصر أو قتلت الأم وجنينيها بعدما استهل لم يزد في كل حول على قدر الثلث وقال القاضي في خلافه تقسط دية الذمي والمرأة وغرة الجنين في ثلاث سنين لكونها دية نفس.
ولو أذهب سمعه وبصره بجنايتين أو قتل جماعة لزم عاقلته في كل حول من كل دية ثلثها وإن بلغ مجموعه الدية أو أزيد وابتدأ الحول في النفس من حين الزهوق وفيما دونه من حين الاندمال وقال القاضي ابتداؤه في القتل لذمي والجرح الذي لم يسر عن محله من حين الجناية.
ومن مات من العاقلة قبل تمام الحول أو افتقر لم يلزمه شيء وإن كان بعد الحول فقسطه عليه.

باب القسامة

باب القسامة
وهي الأيمان المكررة في دعوى قتل المعصوم وإن كان عبدا أو امرأة أو كافرا وسواء كان القتل عمدا أو خطأ نص عليه في رواية حنبل وابن منصور.
وقيل لا قسامة في الخطأ ولا قسامة في الأطراف بحال.
ومن شرط القسامة اللوث وهو العداوة الظاهرة مثل ما كان بين الأنصار وأهل خيبر وكالقبائل التي يطلب بعضا بالثأر وعنه ما يدل على أن اللوث كل ما يغلب على الظن صحة الدعوى كتفرق جماعة عن قتيل ووجود قتيل عند من بيده سيف ملطخ بدم وشهادة عدل واحد أو جماعة نساء أو صبيان ونحوهم ممن لا يثبت القتل بهم.

وليس قول المجروح "جرحني فلان" لوثا على الروايتين.
ويقدح في اللوث اختلاف الورثة في عين القاتل أو أصل القتل نص عليه وهل يقدح فيه فقد أثر القتل على الروايتين.
ولا قسامة على غير معين بحال ولا قسامة على أكثر من واحد في عمد ولا خطأ وعنه يشرع على الجماعة فيما لا يوجب القود وتجب بها الدية.
وإذا تمت قسامة العمد أوجبت القود إذا تمت شروطه.
ويبدأ في القسامة بأيمان الرجال من ورثة الدم ولا يدخل فيها امرأة وفي الخنثى وجهان فيحلفون خمسين يمينا تقسم بينهم على سهام ميراثهم فإن وقع كسر كمل مثل زوج وابن يحلف الزوج ثلاث عشر يمينا والابن ثمانيا وثلاثين ولو كان معهما بنت حلف الزوج سبع عشرة يمينا والابن أربعا وثلاثين وإذا كان الوارث رجلا واحدا أو معه نساء حلف الخمسين وإن جاوز الورثة خمسين رجلا حلف خمسون منهم كل واحد يمينا فإن نكل الورثة أو كانوا نساء حلف المدعي عليه خمسين يمينا وبرئ.
ولو ادعوا على جماعة وقلنا يصح فهل يحلف كل واحد منهم الخمسين أو قسطه منها على وجهين.
فإن لم يرض الأولياء بيمين خصمهم أو نكل عنها خلي وودي الإمام القتيل من بيت المال وعنه إن نكل لزمته الدية وعنه يحبس حتى يحلف أو يقر.
فإن كان الورثة اثنين أحدهما غائب أو صبي أو مجنون أو ناكل عن اليمين حلف الآخر واستحق نصف الدية وهل يحلف خمسين يمينا أو نصفها على وجهين ثم متى زال المانع عن صاحبه حلف خمسا وعشرين يمينا واستحق بقية الدية وقيل لا قسامة لأحدهما إلا بعد أهلية الآخر وموافقته.
ومن ادعى عليه القتل عمدا أو خطأ من غير لوث حلف يمينا واحدة وبرىء وعنه لا يمين في العمد.

باب كفارة القتل

باب كفارة القتل
ومن قتل نفسا مباشرة أو تسببا بغير حق أو ضرب بطن حامل فألقت جنينا ميتا فعليه الكفارة سواء كان القاتل أو المقتول كافرا أو رقيقا أو كان القاتل صبيا أو مجنونا أو المقتول غير مضمون بقود ولا دية كمن قتل عبده أو نفسه أو غيره بإذنه أو لم يكونا كذلك وعنه لا كفارة في العمد المحض بل يختص الخطاء وشبه العمد.
ويجب التكفير بالمال في مال القاتل إلا في خطاء الإمام الذي يحمله بيت المال فهل يجب فيه كفارته على وجهين.
وإذا قتل واحد جماعة لزمه كفارات وإن قتل الجماعة واحد فهل يلزمهم كفارات أو كفارة واحدة على وجهين

كتاب الحدود
حد الزنا

كتاب الحدود
باب حد الزنا
إذا جامع الحر المكلف في القبل بنكاح صحيح حرة مكلفة فهما محصنان أيهما زنى فحده الرجم حتى يموت وعنه يجلد مائة أولا ثم يرجم والكافر والمسلم فيه سواء.
ومتى اختل شيء مما ذكرنا فلا إحصان لواحد منهما إلا في تحصين البالغ بوطء المراهقة وتحصين البالغة بوطء المراهق فإنهما على وجهين.
وإذا زنى الحر غير المحصن جلد مائة جلدة وغرب عاما الرجل إلى مسافة القصر والمرأة إلى ما دونها وعنه تغرب مع محرمها لمسافة القصر ومع تعذره لدونها.
وإذا زنى الرقيق فحده خمسون جلدة ولا يغرب ومن نصفه حر يجلد خمسا وسبعين جلدة وفي تغريبه نصف عام وجهان.

وحد اللوطي كحد الزاني وعنه فيه وفيمن زنى بذات محرم يرجم بكرا كان أو ثيبا.
ومن أتى بهيمة عزر ولم تقتل البهيمة وعنه يعزر مع قتلها واختاره الخرقي وعنه يحد حد اللوطي مع قتلها ولا يحل أكل لحمها إذا شرعنا قتلها وقيل إن كانت مما يؤكل ذبحت وحلت مع الكراهة وضمن الواطئ إذا كانت لغيره نقصها وعلى الأول كمال قيمتها.
والزاني من غيب الحشفة في قبل أو دبر حراما محضا.
فإن غيبت بعض الحشفة أو وطئ دون الفرج أو جامع الخنثى المشكل بذكره أو جومع في قبله أو أتت المرأة المرأة لم يجب الحد.
وإن وجدت شبهة ملك أو ظن كمن وطئ امرأته في حيضتها أو نفاسها أو في دبرها أو أمته المجوسية أو المرتدة أو أمة له فيها شرك أو لوالده أو لمكاتبه أو أمة لبيت المال وهو حر مسلم أو امرأة على فراشه ظنها زوجته أو سريته أو في نكاح باطل اعتقد صحته أو لم يعلم تحريم الزنا لقرب عهده بالإسلام أو لنشوئه ببادية بعيدة أو لكون الأمة لوالده ومثله يجهله فلا يحد عليه.
وإن وطئ أمته وهي مزوجة أو مؤبدة التحريم برضاع أو غيره فهل يحد أو يعزر على روايتين.
وإن وطئ أمة والده عالما بالتحريم حد وقيل يعزر.
وإن وطئ في نكاح أو ملك مختلف فيه معتقدا لتحريمه كوطء الناكح بلا ولي بشرط الخيار ونحوه ففيه روايتان أصحهما لا يحد والثانية يحد وهي اختيار ابن حامد.
ولو كان وطؤه بعقد فضولي ففيه روايتان كذلك وثالثة إن كل قبل الإجازة حد وبعدها لا يحد وعندي لا يحد إلا قبل الإجازة ممن يعتقد عدم النفوذ بها.

ولو وطئ بشراء فاسد بعد القبض ففيه الروايتان الأوليان وقبل القبض يحد وقيل لا يحد بحال ويحد في نكاح الخامسة والمعتدة وكل نكاح مجمع على بطلانه مع العلم.
وإذا زنى بامرأة قد استأجرها للزنا أو غيره أو بأمة له قبلها قود أو أرش جناية أو بصغيرة يوطأ مثلها أو بمجنونة أو بامرأة ثم تزوجها أو ملكها لزمه الحد.
وإذا مكنت المكلفة من نفسها حربيا أو مجنونا أو مميزا له عشر سنين أو محرما تزوجت به عالمة بحالة دونه لزمها الحد.
ومن زنى بميتة فهل يحد أو يعزر على روايتين.
ومن وطئ أمة زوجته وقد أحلتها له عزر بمائة جلدة ولم يرجم ولم يغرب وهل يلحقه الولد إن علقت منه على روايتين وعنه يلزمه الحد التام كما لو لم تحلها له.
وإذا أكرهت المرأة على الزنا قهرا أو بضرب أو بالمنع من طعام اضطرت إليه ونحوه لم تحد وكذلك المفعول به لواطا وإن أكره الرجل فزنى حد نص عليه وعنه ما يدل على أنه لا يحد.
ويباح لمن يخشى العنت أن يستمنى بيده فإن لم يخشه حرم وعنه يكره تنزيها ولا يثبت الزنا إلا بأحد أمرين.
أحدهما أن يقر به أربع مرات في مجلس أو مجالس ويصرح بذكر حقيقة الوطء ولو شهد أربعة على إقراره به فصدقهم مرة فلا حد عليهم ولا عليه.
الأمر الثاني أن يشهد عليه في مجلس واحد أربعة بزنا واحد يصفونه ممن تقبل شهادتهم فيه سواء أتوا الحاكم جملة أو متفرقين وسواء صدقهم أو لم يصدقهم فإن شهد دون أربعة فهم قذفة يحدون للقذف وإن شهد الأربعة في مجلسين أو أكثر أو كانوا فسقة أو عميانا أو بعضهم أو بأن فيهم صبي مميز

أو امرأة أو عبد ولم نقبله حد والقذف وعنه لا يحدون لكونهم أربعة وعنه يحد العميان ومن فيهم أعمى دون غيرهم ولو كان أحد الأربعة الزوج لاعن وحد الثلاثة على الأولى وعلى الأخرى لا لعان ولا حد بحال ولو كان الأربعة مستوري الحال أو عدولا كمن مات أحدهم قبل أن يصف الزنا أو كانت شهادتهم على بكر فشهد ثقات النساء بعذرتها لم يحد الشهود ولا المشهود عليه نص عليه.
وإذا شهد أربعة بزنا واحد لكن قال اثنان كان الزنا في بيت كذا أو بلد كذا أو يوم كذا وقال اثنان بل في بيت أو بلد أو يوم آخر لم تقبل شهادتهم وهل هم قذفة فيحدون أم لا على روايتين وعنه تقبل شهادتهم فيحد من شهدوا عليه.
وإن شهد اثنان بأن الزنا كان في زاوية معينة من بيت صغير واثنان أنه كان في زاوية أخرى منه أو قال اثنان كان الزنا في قميص أبيض وقال اثنان في قميص أحمر كملت شهادتهم على الروايتين وقيل لا تكمل على الأولى.
فعلى هذا هل يحدون للقذف على وجهين.
ولو أتفق الأربعة على تعدد المكان أو الزمان لم تكمل شهادتهم وحدوا للقذف رواية واحدة.
ولو قال اثنان زنى بها مطاوعة واثنان زنى بها مكرهة لم تقبل شهادتهم قاله أبو بكر والقاضي ويحد شاهدا المكان لقذف المرأة وهل يحد الأربعة لقذف الرجل على وجهين وقال أبو الخطاب تقبل شهادتهم على الرجل فيحد دونهم ودون المرأة.
وإذا شهد أربعة بالزنا فرجع أحدهم قبل الحد حد الأربعة وعنه يحدون إلا الراجع ويتخرج أن لا يحد سواه إذا رجع بعد الحكم وقبل الحد ولو رجع

الكل فهل يحدون على الروايتين في الواحد ولو رجع أحدهم بعد إقامة الحد فلا حد إلا على الراجع إذا كان الحد جلدا أو رجما وقلنا يورث حد القذف.
وإذا شهد أربعة على رجل أنه زنى بامرأة فشهد أربعة على الشهود أنهم هم الزناة بها لم يحد المشهود عليه وفي حد الشهود الأولين حد الزنا روايتان وعلى كلتيهما في حدهم للقذف روايتان أيضا.
فإذا حملت امرأة لا زوج لها ولا سيد لم تحد لذلك وعنه تحد به إذا لم تدع شبهة.
ولو زنى متزوج له ولد فأنكر أن يكون وطئ زوجته لم يرجم فإن شهد عليه بينة أنه قال جامعتها أو وطئتها رجم وإن قال دخلت بها فوجهان.

باب القطع في السرقة

باب القطع في السرقة
ولا يجب إلا على من سرق مالا محرما لا شبهة له فيه وبلغ نصابا وأخرجه من حرز مثله وسواء في ذلك الثمين وغيره وما يسرع إليه الفساد كالفاكهة ونحوها وغيره وما أصله الإباحة وغيره إلا التراب والماء والكلأ والملح والسرجين الطاهر ففي القطع بسرقتها مع الملك وجهان.
ولا قطع على منتهب ولا مختلس ولا غاصب ولا خائن وفي وديعة أو عارية أو غيرها إلا جاحد العارية ففي قطعه روايتان أشهرهما يقطع.
ويقطع الطرار وهو الذي يقطع الجيب أو غيره ويأخذ منه وعنه لا يقطع.
ويقطع سارق العبد الصغير والمجنون والنائم ولا يقطع سارق الحر إلا أن يكون صغيرا أو مجنونا ففيه روايتان فان قلنا لا يقطع وكان معه حلى ففي القطع به وجهان.
ولا يقطع بسرقة آلة لهو ولا محرم كالخمر ونحوه فإن سرق إناء فيه خمر أو ماء ولم يقطع بالماء أو صليبا أو صنما من ذهب فقال القاضي لا يقطع وقال أبو الخطاب يقطع كمن سرق إناء ذهب أو فضة أو دراهم بها تماثيل.

ونصاب السرقة ثلاثة دراهم أو ربع دينار أو عرض قيمته كأحدهما وعنه كالدراهم خاصة وعنه ثلاثة دراهم أو قيمتها من ذهب أو عرض وهل يكمل النصاب بالضم من النقدين إذا جعلناهما أصلين على وجهين ذكرهما أبو بكر.
وهل يكفي وزن التبر منهما أو تعتبر قيمته بالمضروب على وجهين.
وإذا نقصت قيمة السرقة أو ملكها السارق لم يسقط القطع.
وتعتبر قيمتها وقت إخراجها من الحرز فلو ذبح فيه كبشا أو شق فيه ثوبا فنقصت قيمته عن نصاب ثم أخرجه أو أتلف فيه المال لم يقطع وإن ابتلع فيه جوهرة أو ذهبة ثم خرج قطع وقيل لا يقطع وقيل إن خرجت منه قطع وإلا فلا.
ومن سرق من حرز نصابا لجماعة قطع وإذا اشترك جماعة في سرقة نصاب قطعوا سواء أخرجوه جملة أو أخرج كل واحد منهم جزءا فإن كان بعضهم أبا لربه أو عبدا قطع الأجنبي.
فإن هتك اثنان حرزا أو دخلاه ثم أخرج أحدهما المال وحده أو دخل أحدهما فقربه من النقب ثم أدخل الآخر يده فأخرجه قطعا وإن رماه الداخل خارج الحرز وأخذه الخارج أو لم يأخذه أو أعاده فيه أحدهما قطع الداخل خاصة وإن نقب أحدهما ثم دخل الآخر وأخرجه قطعا إن تواطآ على السرقة وإلا فلا قطع وقيل لا قطع بحال ومن دخل الحرز فترك المال على بهيمة أو ماء جار فأخرجاه أو أمر صبيا أو مجنونا بإخراجه ففعلا فعليه القطع.
وإذا أخرج بعض نصاب ثم دخل فأخرج تمامه من غير تراخ قطع وإن طال ما بينهما فوجهان.
وإذا أخرج السرقة إلى ساحة دار مغلق بابها من بيت منها مغلق فهل يقطع على روايتين المذهب القطع.
وحرز المال ما العادة حفظه ويختلف باختلاف الأموال والبلدان وعدل

السلطان وجوره وقوته وضعفه فحرز الأثمان والجواهر والقماش في الدور والدكاكين في العمران وراء الأبواب والأغلاق الوثيقة وحرز البقل وقدور الباقلاء ونحوهما وراء الشرائج إذا كان بالسوق حارس وحرز الحطب والخشب الحظائر وقال أبو بكر ما كان من الملك حرزا لمال فهو حرز لمال آخر.
وحرز المواشي في المرعى بالراعي ونظره إليها وحرز حمولة الإبل بتقطيرها وقائدها أو سائقها إذا كان يراها وهل حرز الثياب في الحمام والأعدال في السوق بالحافاظ أم لا على روايتين.
وحرز الكفن في القبر الميت فلو نبش قبرا وأخذ الكفن قطع وحرز الباب تركيبه في موضعه.
ولو سرق رتاج الكعبة أو باب المسجد أو تأزيره قطع ولا يقطع بستار الكعبة وقال القاضي يقطع بالمخيطة عليها.
إن نام على ردائه في مسجد فسرقه سارق قطع وإن زال بدنه عنه لم يقطع ويقطع الأخ وكل قريب بسرقة مال قريبه إلا الوالدين وإن علوا والولد وإن سفل.
وفي قطع أحد الزوجين بمال الآخر المحرز عنه روايتان.
وإذا سرق عبد من سيده أو سيد من مكاتبه أو حر مسلم من بيت المال أو من غنيمة لم تخمس أو فقير من غلة وقف على الفقراء أو شخص من مال فيه شركة له أو لأحد ممن لا يقطع السرقة منه كالغنيمة المخمسة وغيرها لم يقطع.
وإن سرق ذمي أو عبد مسلم من بيت المال قطع نص عليه ومثله سرقة عبد الوالد أو الولد ونحوهما.
ومن سرق قناديل المسجد أو حصره قطع وقيل لا يقطع إن كان مسلما.
ويقطع سارق كتب العلم وفي سرقة المصحف وجهان.
ويقطع الذمي والمستأمن بسرقة مال المسلم ويقطع المسلم بسرقة مالهما.

ومن أكره على السرقة فسرق لم يقطع وعنه يقطع حكاها القاضي.
ومن سرق عينا وادعى أنها ملكه قطع كما لو ادعى الإذن في دخول المنزل وعنه لا يقطع وعنه يقطع إن كان معروفا بالسرقة وإلا فلا.
ومن سرق أو غصب له مال فسرق من حرز فيه ماله مال السارق أو الغاصب مع ماله لم يقطع وقيل يقطع إذا كان متميزا من ماله وإن سرق مالهما من حرز آخر أو سرق مال من له عليه دين قطع إلا إذا عجز عن أخذ حقه فسرق بقدره ففي قطعة وجهان.
وإذا سرق المال المغصوب أو المسروق أجنبي لم يقطع وقيل يقطع.
ومن أجر داره أو أعارها ثم سرق منها مال المستعير أو المستأجر قطع.
ومن قطع بسرقة عين ثم عاد فسرقها قطع.
ولا يقطع السارق إلا بشهادة عدلين أو إقرار مرتين وبمطالبة رب السرقة أو وكيله بها وقال أبو بكر لا تشترط المطالبة.
وإذا وجب القطع قطعت يده اليمنى من مفصل الكف وحسمت بأن تغمس في زيت مغلي وهل الزيت من بيت المال أو مال السارق على وجهين فإن عاد قطعت رجله اليسرى من مفصل الكعب وحسمت فإن عاد حبس ولم يقطع وعنه تقطع يده اليسرى في الثالثة ورجله اليمنى في الرابعة فعلى الأولى يمنع من تعطيل منفعة الجنس وهو الصحيح من الوجهين وهل يمنع من ذهاب عضوين من شق على وجهين وعلى الثانية لا أثر لذلك.
فمن سرق وهو أقطع اليد اليمنى فقط أو أقطع الرجلب اليسرى فقط قطعت الموجودة منهما وإن كان أقطع اليد اليسرى مع الرجل اليمنى قطع على الثانية دون الأولى وإن كان أقطع اليد اليسرى فقط قطعت يمينه على الثانية ولم تقطع على الأولى لكن في قطع رجله اليسرى وجهان وإن كان أقطع اليدين

فقط قطعت رجله اليسرى على الثانية وفيه على الأولى وجهان ولو كان أقطع الرجلين أو يمناهما فقط قطعت يمنى يديه على الروايتين وقيل لا تقطع على الأولى.
ومن سرق وهو صحيح فذهبت يمنى يديه سقط القطع وإن ذهبت يسرى رجليه فقط لم يسقط وإن ذهبت يسرى يديه فقط أو مع رجليه أو إحداهما قطع على الثانية دون الأولى وإن ذهبت الرجلان أو يمناهما فقط لم يسقط القطع على الثانية وفيه على الأولى وجهان.
وإن وجب قطع يمينه فقطع القاطع يساره بدون إذنه لزمه القود إن تعمد قطعها وإلا فديتها وفي قطع يمين السارق الروايتان والشلاء كالمعدومة فيما ذكرنا إلا حيث يقطع بتقدير السلامة ففيه الروايتان.
إحداهما1 لا تجزئ بحال بل هي كالمعدومة.
والثانية إذا أمن التلف من قطعها جعلت كالسليمة في قطعها عن الواجب وإلا فهي كالمعدومة وكذلك حكم ما ذهب معظم نفعها كقطع الإبهام أو إصبعين فصاعدا.
ويجتمع الضمان برد العين إلى مالكها أو قيمتها مع التلف.
ومن سرق من غير حرز أضعفت عليه القيمة نص عليه وقيل يختص ذلك بالثمين والكنز.
__________
1 بهامش الأصل: إحداهما: وهي المذهب.

باب حد قطاع الطريق

باب حد قطاع الطريق
وهم الذين يعرضون للناس بالسلاح في الصحراء لا في البنيان فيغصبونهم المال مجاهرة وقال أبو بكر حكمهم في المصر والصحراء واحد وإذا قدر عليهم ولم يصيبوا نفسا ولا مالا يبلغ نصاب السرقة نفوا بأن يشردوا فلا يتركوا

يأوون في بلد وعنه نفيهم حبسهم وعنه هو تعزيرهم بما يردعهم من حبس أو تشريد أو غيره.
وإن أخذوا المال ولم يقتلوا قطع من كل واحد منهم يده اليمنى ورجله اليسرى في مقام واحد وحسمتا ثم خلي هو وإن قتلوا مكافئا ولم يأخذوا المال قتلوا حتما ولم يصلبوا ونقل عبد الله عنه يصلبون وإن قتلوا غير مكافئ كالولد والعبد والذمي فكذلك وعنه لا يقتلون.
وإذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا حتما ثم صلبوا وعنه أنهم يقطعون مع ذلك ويصلبون بقدر ما يشتهرون وقال أبو بكر بقدر ما يقع عليه الاسم.
والراد والمباشر في ذلك سواء فيما ذكرنا وإن جنوا بما يوجب قودا في الطرق ففي تحتم استيفائه روايتان ولا يسقط بتحتم القتل على الروايتين ويحتمل عندي أن يسقط إذا قلنا بتحتمه.
ومن قطع للحراب ثم حارب ثانيا فهل تقطع بقية أربعته على وجهين بناء على السارق.
ومن عدم يده اليسرى أو بطشها بشلل أو نقص قطعت رجله اليسرى دون يده اليمنى وقيل يقطعان ويتخرج أن لا يقطعا وإن عدم يده اليمنى فقط قطعت رجله اليسرى لا غير ومن تاب منهم قبل أن يقدر عليه سقط عنه ما كان لله من نفي وقطع وصلب وتحتم قتل وأخذ بما للآدميين من نفس وطرف ومال إلا أن يعفى له عنها.
وإذا تاب من زنى أو شرب أو سرق قبل ثبوت حده عند الإمام سقط عنه بمجرد توبته وعنه لا يسقط كما بعد ثبوته ولو كان ذميا أو مستأمنا لم يسقط بإسلامه نص عليه.
وإذا مات المحارب قبل أن يقتل للمحاربة فلولي قتيله الدية وفي صلبه وجهان.

وكذلك إن قطعناه بقود قد لزمه قبل المحاربة إذ يقدم لسبقه ولو لزمه قود بعد المحاربة تعينت الدية لوليه وقدم حكم المحاربة لسبقها.

باب حكم الصيال وجناية البهيمة

باب حكم الصيال وجناية البهيمة
من صال على نفسه أو حرمته أو ماله آدمي أو بهيمة فله الدفع عن ذلك بأسهل ما يغلب على ظنه دفعه به فإن لم يندفع إلا بالقتل فله ذلك ولا ضمان عليه وإن قتل فهو شهيد ويلزمه الدفع مع القدرة عن حرمته دون ماله وفي نفسه روايتان.
ومن دخل منزل رجل متلصصا فحكمه كذلك.
ومن عض يد إنسان فانتزعها من فمه فسقطت ثناياه ذهبت هدرا.
وإن نظر في بيته من خصاص الباب ونحوه فحذف عينه ففقأها فلا شيء عليه.
ومن قتل إنسانا في داره مدعيا دفعه لصياله أو تجارح اثنان وادعى كل واحد أنه جرح دفعا عن نفسه ولا بينة وجب القود أخذا بقول المنكر.
وجناية البهيمة مهدرة إلا ليلا إذا لم تحفظ عن الخروج فيه ونهارا إذا أرسلت عمدا بقرب ما تفسده عادة وفيهما إذا كان معها راكب أو قائد أو سارق فيضمن ما جنت بيدها أو فمها ووطء رجلها دون نفحها ابتداء ويضمن نفحها لكبحها باللجام ونحوه ولو أنه لمصلحة وعنه يضمن جناية الليل بكل حال.
ومن اقتنى في منزله كلبا عقورا فجنى على داخله ضمنه إن دخله بإذنه وإلا فلا.

باب حد السكر

باب حد السكر
كل شراب أسكر كثيرة فقليله حرام وهو خمر من أي شيء كان ولا يباح شربه لتداو ولا عطش ولا غيره إلا لدفع لقمة بها ولم يحضره غيره.

باب التعزير

باب التعزير
وهو واجب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة كاستمتاع لا حد فيه وسرقة لا قطع فيها وجناية لا قود فيها وقذف بغير الزنا ونحوه.
وفي المعصية التي فيها كفارة كالظهار وقتل شبه العمد ونحوهما وجهان ولا يبلغ بتعزير الحر أدنى حد عليه وكذلك العبد إلا فيما أشبه الوطء

كوطء الأمة المتزوجة أو المشتركة أو المحرمة برضاع أو وطء الأجنبية دون الفرج ونحوه فيجوز أن يبلغ به في الحر مائة جلدة بلا نفي وفي العبد خمسون إلا سوطا ويجوز النقص منه على حسب ما يراه السلطان وعنه لا يزاد في كل تعزير على عشر جلدات لخبر أبي بردة.
وإذا وطئ الأب جارية ابنه عزر إن لم تحبل منه وإن حبلت فوجهان.

باب إقامة الحد

باب إقامة الحد
لا تجوز إقامة الحد إلا للإمام أو نائبه إلا سيد الرقيق فإنه له أن يحده للزنا والشرب والقذف وهل له قتله بالردة وقطعه للسرقة على روايتين وعنه ليس للسيد إقامة حد بحال.
فعلى الأولى وهي المذهب ليس له ذلك على المعتق بعضه ولا على أمته المزوجة وهل له ذلك مع كونه فاسقا أو امرأة أو مكاتبا أو مع كون الرقيق مكاتبا على وجهين.
ويملك السيد إقامة الحد بعلمه خلاف الإمام نص عليه ومنع منه القاضي تسوية بينهما.
ولا يقام حد في المسجد ويضرب الرجل في الحد بسوط لا خلق ولا جديد ولا يمد ولا يربط ولا يجرد بل يكون عليه قميص وقميصان وعنه تجويز تجريده ولا يبالغ بضربه بحيث يشق الجلد ويفرق الضرب على بدنه وهو قائم ويتقي الرأس والوجه والفرج والمقاتل وعنه يضرب جالسا فعلى هذه يضرب الظهر وما قاربه والمرأة كالرجل في ذلك لكن تضرب جالسة ولا تجرد رواية واحدة وتشد عليها ثيابها وتمسك يداها لئلا تنكشف.
وأشد الجلد الجلد للزنا ثم للقذف ثم للشرب ثم للتعزير.
ويجوز الضرب في حد الشرب بالجريد والنعال.
ولا يؤخر الجلد لمرض ولا ضعف نص عليه بل يقام إذا خشي من السوط

بأطراف الثياب وعتكول النخل ويحتمل أن يؤخر للمرض المرجو البرء فأما القطع فلا يجوز مع خشية التلف بحال.
ومن مات في حده فالحق قتله وإن زاد الضارب سوطا أو أكثر ضمنه بديته كما لو ضربه بسوط لا يحتمله وقيل يضمنه بنصفها.
ولا يحفر للمرجوم في الزنا وإن كان امرأة وقيل يحفر للمرأة إلى الصدر إذا رجمت بالبينة.
ويستحب أن يبدأ بالرجم شهود الزنا أو الإمام إن ثبت بالإقرار.
ومن رجع عن إقراره بزنى أو سرقة أو شرب قبل إقامة الحد سقط وإن رجع في أثنائه سقطت بقيته وإن هرب منه ترك فإن تمم عليهما ضمن الراجع دون الهارب.
وإذا اجتمعت حدود لله تعالى تداخل منها الجنس الواحد دون الأجناس إلا أن يكون فيها قتل فيستوفى وحده ويدخل فيه سائرها وإن كانت للآدميين لم تتداخل بحال ويبدأ منها بالأخف فالأخف وكذلك مالا يتداخل من حقوق الله تعالى فمن تكرر شربه وسرقته جلد حدا واحدا ثم قطعت يمينه وإن قتل في المحاربة مع ذلك قتل لها ولم يجلد ولم يقطع ولو زنى وشرب وقذف وقطع يدا قطع أولا ثم حد للشرب ثم للزنا ولا يستوفى في حد يبرأ مما قبله.
ومن اجتمع عليه قتلان بردة وقود أو قطعان بسرقة وقود قطع وقتل لهما وقيل للقود خاصة.
ومن قتل أو جرح أو أتى حدا خارج الحرم ثم لجأ إليه لم يستوف منه فيه لكن لا يبايع ولا يشارك حتى خرج منه فيقام عليه وعنه يستوفى فيما دون النفس في الحرم وإن جنى في الحرم حد بالواجب فيه.

ومن أتى في الغزو حدا لم يستوف منه في أرض العدو فإن رجع أقيم عليه في دار الإسلام.

باب قتال أهل البغي

باب قتال أهل البغي
إذا خرج قوم لهم شوكة ومنعة على الإمام بتأويل سائغ فهم بغاة وعليه أن يراسلهم فيسألهم ما ينقمون منه فإن ذكروا مظلمة أزالها وإن ادعوا شبهة كشفها فإن فاءوا وإلا قاتلهم وعلى رعيته معونته فإن استنظروه مدة ورجي فيئهم أنظرهم وإن خشي مكيدة لم ينظرهم وقاتلهم ولا يقاتلهم بما يعم إتلافه كالنار والمنجنيق ولا بكفار يستعين بهم إلا لضرورة وفي استعانته بسلاح البغاة وكراعهم عليهم لغير ضرورة وجهان ولا يتبع مدبرهم ولا يجهز على جريحهم ولا يغنم لهم مالا ولا تسبى لهم ذرية وإذا أسر منهم رجل أو صبي أو امرأة حبس حتى تنقضي الحرب ثم أرسل وقيل يخلى الصبي والمرأة في الحال وإذا انقضى الحرب فمن وجد منهم ماله بيد إنسان أخذه وما أتلفوه عليهم في الحرب من نفس أو مال فهو هدر وفي تضمين ما أتلفوه على أهل العدل روايتان ويضمن المتلف على الطائفتين في غير حال الحرب وما أحذوه في حال امتناعهم من زكاة وخراج وجزية اعتد به ومن ادعى دفع زكاته إليهم قبل قوله بغير يمين وإن ادعى من عليه جزية أو خراج دفعه إليهم لم يقبل إلا ببينة وقيل يقبل في الخراج قول المسلم مع يمينه وهم في شهادتهم وإمضاء حكم حاكمهم كأهل العدل.
وإن استعانوا بأهل عهد أو ذمة فأعانوهم انتقض عهدهم إلا أن يدعوا شبهة بأن ظنوا وجوب إجابتهم ونحوه فلا ينتقض لكن يغرمون ما أتلفوه من نفس ومال.
وإن استعانوا بأهل الحرب وأمنوهم لم يصح أمانهم وأبيح قتلهم.

وإذا أظهر قوم رأى الخوارج ولم يجتمعوا الحرب تركوا فإن سبوا الإمام عزرهم وإن عرضوا بسبه فوجهان وإن أتوا حد أو جناية ألزمهم موجبها وإذا اقتتلت طائفتان لعصبية أو رياسة فهما ظالمتان وتضمن كل واحدة ما أتلفت للأخرى.

باب المرتد

باب المرتد
وهو الكافر بعد إسلامه فمن أشرك بالله أو جحد ربوبيته أو صفة من صفاته أو بعض كتبه أو رسله أو سب الله أو رسوله فقد كفر.
ومن جحد وجوب عبادة من الخمس أو تحريم الزنا أو الخمر أو حل اللحم والخبز ونحوه من الأحكام الظاهرة المجمع عليها لجهل عرف ذلك وإن كان مثله لا يجهله كفر.
ومن ترك تهاونا فرض الصلاة أو الزكاة أو الصوم أو الحج بأن عزم أن لا يفعله أبدا أو أخره إلى عام يغلب على ظنه موته قبله استتيب كالمرتد فإن أصر قتل حدا وعنه كفرا نقلها أبو بكر واختارها وعنه يختص الكفر بالصلاة وعنه بها والزكاة إذا قاتل الإمام عليها وعنه لا كفر ولا قتل في الصوم والحج خاصة.
ومن ارتد وهو بالغ عاقل مختار رجل أو امرأة دعي إلى الإسلام واستتيب ثلاثة أيام وضيق عليه فإن لم يسلم قتل بالسيف وهل استتابته واجبة أو مستحبة على روايتين.
وأما الصبي المميز فيصح إسلامه وردته إذا كان له عشر سنين وعنه سبع وعنه لا يصحان منه حتى يبلغ وعنه يصح إسلامه دون ردته ويحال بينه وبين أهل الكفر على الروايات كلها وإذا صححنا ردة الصبي والسكران لم يقتلا حتى يستتابا بعد البلوغ والصحو ثلاثة أيام وجعل الخرقي أول الثلاثة في السكران من وقت ردته.

ولا تقبل توبة الزنديق وهو من يظهر الإسلام ويبطن الكفر ولا من تكررت ردته ولا الساحر المكفر بسحره ولا من سب الله أو ورسوله بل يقتلون بكل حال وعنه تقبل توبتهم كغيرهم.
وتوبة المرتد وكل كافر إسلامه بأن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا من كان كفره بجحد فرض أو تحريم أو تحليل أو نبي أو كتاب أو رسالة محمد صلى الله عليه وسلم إلى غير العرب فتوبته مع الشهادتين إقراره بالمجحود به ولا يغنى قوله أشهد أن محمدا رسول الله عن كلمة التوحيد وعنه يغني وعنه إن كان ممن يقر بالتوحيد أغنى وإلا فلا.
ومن شهد عليه بالردة فشهد أن إله إلا الله وأن محمدا رسول الله لم يكشف عن شيء ولا يكفي جحده للردة.
والمرتد في ملكه وتصرفه فيه كالمسلم إذا قلنا يرثه ورثته من المسلمين أو من أهل دينه الذي اختاره وإن قلنا يصير ماله فيئا فذلك من حين موته مرتدا وعنه أنه بمجرد ردته واختارها أبو بكر وعنه يتبين بموته مرتدا كونه فيئا من حين الردة.
فعلى الأولى يقر بيده وتنفذ فيه معاوضاته وتوقف تبرعاته فإذا مات مرتدا ردت تبرعاته المنجزة والمعلقة بالموت وإن لم تبلغ الثلث ولو كان قد باع شقصا مشفوعا أخذ بالشفعة.
وعلى الثانية يجعل في بيت المال ولا يصح تصرفه فيه لكن إن أسلم رد إليه ملكه جديدا.
وعلى الثالثة يحفظه الحاكم وتوقف تصرفاته كلها فإن أسلم أمضيت وإلا تبينا فسادها وينفق منه على من تلزمه نفقته وتقضي ديونه إلا على الرواية الوسطى فإنه لا نفقة لأحد في الردة ولا يقضي دين تجدد فيها.
وإذا أتلف المرتد شيئا أو أتى حدا أخذ به وإن أسلم نص عليه وقال

أبو بكر إن فعله بدار الحرب أو في جماعة مرتدة ممتنعة لم يؤخذ به وقيل إذا أسلم لم يؤخذ بحق الله تعالى خاصة.
ومن قتل المرتد بغير إذن الإمام عزر إلا أن يلحق بدار الحرب فلكل أحد قتله بلا استتابة وأخذ ما معه من المال فأما ما تركه بدار الإسلام فعصمته بحالها إذا لم نجعله فيئا بالردة نص عليه وقيل يتنجز جعله فيئا وهو عندي أصح.
وإذا ارتد الزوجان فلحقا بدار الحرب لم يجز أن يسترقا ولا أحد من أولادهما ومن لم يسلم منهم قتل إلا من علقت به أمة في الردة فيجوز أن يسترق وفي إقراره بالجزية روايتان وقيل لا يسترق أيضا ولا تبطل الردة إحصان الرجم ولا إحصان القذف.
والساحر بالأدوية والتدخين وسقي شيء يضر لا يكفر بذلك ولا يقتل بل يعزر ويقتص منه إن أتى ما يوجب قودا وأما الذي يدعي أنه يركب المكنسة فتسير به في الهواء أو أن الكواكب تخاطبه أو أنه يجمع الجن بتعزيمه فتطيعه فيكفر ويقتل إذا ظهر منه ذلك وإن لم يكن منه إلا مجرد الدعوى فعلى وجهين.
ولا يقتل ساحرا أهل الذمة نص عليه وعنه ما يدل على قتله.
وإذا أسلم أبو الطفل الكافران أو أحدهما أو سبى الطفل منفردا عنهما حكم بإسلامه وإن سبى مع أحدهما وهما على دينهما أو ماتا أو أحدهما في دار الإسلام فهل يحكم بإسلامه على روايتين ويرث ممن جعلناه مسلما بموته حتى لو تصور موتهما معا لورثهما ولو كان الموت في دار الحرب لم يجعل به مسلما.
وقيل يجعل به مسلما تسوية بين الدارين فيه وفيه بعد.
والمميز كالطفل فيما ذكرنا نص عليه وقيل لا يحكم بإسلامه حتى يسلم بنفسه كالبالغ ولا يتبع الصغير جده ولا جدته في الإسلام.

كتاب الجهاد
مدخل

كتاب الجهاد
وهو فرض كفاية ولا يجب على مكلف حر ذكر مستطيع بنفسه وهو الصحيح الواجد بملك أو بذل من الإمام زادا ومركوبا يحمله إذا كان بعيدا وعنه يلزم العاجز ببدنه في ماله.
وأقل ما يفعل مرة في كل عام إلا أن تدعو الحاجة إلى تأخيره لضعف المسلمين وعنه للإمام تأخيره أيضا مع القوة والاستظهار لمصلحة رجاء إسلام العدو ونحوها.
وأفضل ما تطوع به الجهاد وهو في البحر أفضل منه في البر ويستحب الرباط بالثغور ولو ساعة وتمامه أربعون يوما وهو بأشدها خوفا أفضل ولا يستحب ثقل الذرية والنساء إليها.
والهجرة من دار الحرب مستحبة لمن أمكنه إظهار دينه بها لأزمة لمن عجز عنه واستطاعها ولا يعتبر لها راحلة ولا محرم ولا فقد عدة.
ويغزو مع كل بر وفاجر يخشي تضييعه للمسلمين ويقاتل كل قوم من يليهم من العدو ولا يقاتل من لم تبلغه الدعوة قبلها.
ومن حضر الصف من أهل فرض الجهاد أو استنفره الإمام أو حصر العدو بلده تعين عليه.
ولا يغزو من عليه دين آدمي ولا من له والدان حران مسلمان بدون إذنهما إلا أن يتعين فرضه بلا إذن لهما وكذلك في كل فرض ولا إذن فيه لجد ولا لجدة بحال.
ولا يجوز الغزو إلا بإذن الإمام إلا أن يفاجئهم عدو يخشى كلبه بالإذن فيسقط.
ولا يحل للمسلمين أن يفرو من مثليهم إلا متحرفين لمصلحة قتال أو متحيزين

إلى فئة يتقون بها وإن بعدت فإن جاوز العدو المثلين فلهم الفرار وهو أولى إن ظنوا طاهر هلاكهم بتركه وإن ظنوا الظفر بثباتهم فهو أولى وإن ظنوا الهلاك فيهما فالأولى أن يقاتلوا ولا يفروا ولا يستأسروا وعنه يلزمهم ذلك.
وإن ألقى في سفينتهم نار فعلوا ما يرون فيه السلامة فإن شكو هل السلامة في مقامهم أو في وقوعهم في الماء أو تيقنوا الهلاك فيهما أو ظنوه ظنا متساويا خيروا بينهما أو كما لو ظنوا السلامة فيهما ظنا متساويا وعنه يلزمهم المقام.
ويلزم الإمام عند تسيير الجيش تعاهد الرجال والخيل فيمنع المرجف والمخذل ومالا يصلح للحرب أن يدخل معه ويمنع النساء إلا طاعنة في السن لسقي الماء ومعالجة الجرحى ولا يستعين بالمشركين إلا لضرورة وعنه إن قوى جيشه عليهم وعلى العدو لو كانوا معه ولهم حسن رأى في الإسلام جاز وإلا فلا ويرفق بجيشه في السير ويعد لهم الزاد ويقوي نفوسهم بما يخيل إليهم الظفر ويتخير لهم المنازل ويتتبع المكامن ويأخذ بالعيون أخبار العدو ويمنع الجيش من الفساد والتشاغل بالتجارة ويشاور ذوي الرأي فيهم ولا يميل مع أقاربه أو أهل مذهبه على غيرهم ويعرف عليهم العرفاء ويعقد لهم الألوية والرايات بأي لون شاء ويجعل لكل طائفة شعارا يتداعون به في الحرب ويصفهم ويجعل في كل جنبه كفؤا ويلزم جيشه طاعته والنصح له والصبر معه وأن لا يتعلق أحدهم ولا يحتطب ولا يبارز علجا ولا يخرج من المعسكر ولا يحدث حدثا إلا بإذنه وإذا دعا كافر إلى المبارزة استحب لمن يثق بقوته وشجاعته إجابته فإن شرط الكافر أن لا يقاتله غير الخارج إليه أو كان هو العادة عمل به ومتى انهزم أحدهما أو أتخن بالجراح جاز الدفع والرمي لكل مسلم.
ولا يقتل من العدو صبي ولا امرأة ولا راهب ولا شيخ فان ولا زمن ولا أعمى لا رأى لهم إلا أن يحاربوا فإن تترسوا بهم جاز رميهم ويقصد

المقاتلة وأن تترسوا بأسرى المسلمين لم يجزى الرمي إلا أن يخاف على جيش المسلمين فيجوز ويقصد به الكفار.
ويجوز تبييت العدو ورميهم بالمنجنيق وقطع الماء عنهم ولا يجوز حرق نخل ولا تغريقه ولا عقر دابة إلا لأكل يحتاج إليه.
ويجوز تخريب عامرهم وحرق شجرهم وزرعهم وقطعه إذا لم يضر بالمسلمين عنه لا يجوز إلا أن لا يقدر عليهم إلا به وأن يكونوا يفعلونه بنا فنفعله بهم لينتهوا وكذلك تغريقهم ورميهم بالنار.
ومن أسر أسيرا وأمكنه أن يأتي به إلى الإمام لم يجز له قتله وإن لم يمكنه لامتناعه أو مرضه أو غيرهما فله قتله وعنه التوقف في المريض.
ويخبر الإمام في الأسرى الأحرار المقاتلة بين القتل والاسترقاق والمن والفداء بمال أو بأسرى المسلمين لكن في استرقاق من لا يقبل منه الجزية روايتان وفي استرقاق من عليه ولاء لمسلم وجهان ويلزمه أن يختار الأصلح للإسلام فإن أسلم الأسرى تعين رقهم نص عليه وقيل يتخير بينه وبين المن والفداء وإن كان الأسير مملوكا خير بين قتله أو تركه غنيمة.
ومن قتل أسيرا قبل تخير الإمام فيه لم يضمنه إلا أن يكون مملوكا.
وأما النساء والصبيان فهم رقيق بنفس السبي وكذلك من فيه نفع ممن لا يقتل كالأعمى ونحوه.
وإذا صار للمسلمين رقيق محكوم بكفره من ذكر وأنثى وبالغ وصغير كالمسبي مع أبويه جاز أن يفتدى بهم أسارى مسلمون ونقل عنه محمد بن الحكم لا يجوز ذلك إلا بالصغير ولا يجوز بيعهم من كافر ولا حربي ولا مفاداتهم بمال في الأشهر عنه وعنه جواز ذلك وعنه جوازه في البلغ دون الصغار.

وإذا حاصر الإمام حصنا لزمته مصابرته مهما أمكن فإن سألوا عقد هدنة جاز إذا وجد شرطه وسنذكره.
وإن نزلوا على حكم حاكم جاز إذا كان رجلا مسلما حرا عدلا مجتهدا في أمر الجهاد ولا يحكم إذا بما فيه الحظ للإسلام من قتل أو رق أو فداء.
وإن حكم بالمن فأباه الإمام لزمه حكمه وقيل لا يلزم وقيل يلزم في المقاتلة دون النساء والذرية.
وليس للإمام قتل من حكم برقه ولا رق من حكم بقتله ولا رق ولا قتل من حكم بفدائه وليس المن على الثلاثة وله قبول الفداء ممن حكم بقتله أو رقه.
ومتى حكم برق أو فداء ثم أسلموا فحكمه بحاله وإن حكم بقتلهم وسبى ذريتهم ونسائهم ثم أسلموا عصموا دماءهم دون أموالهم وسبيهم وفي استرقاقهم روايتان وللإمام المن كما سبق.
ومن أسلم منهم قبل الحكم فهو كمن أسلم قبل القدرة عليه يعصم نفسه وذريته وماله حيث كانا ولا يعصم زوجته إذا لم تسلم وإن عصم حملها.

باب قسمة الغنيمة وأحكامها

باب قسمة الغنيمة وأحكامها
الغنيمة كل مال أخذ من الكفار قهرا بالقتال وتملك بالاستيلاء عليها ولو بدار الحرب وتجوز قسمتها وتبايعها فيها لكن إن أخذها العدو من اشترى فهل هي من ضمانه أو ضمان البائع على روايتين.
ويبدأ في قسمتها بثلاثة أصناف.
أحدها دفع ما وجد فيها من مال مسلم أو معاهد إليه إذا كان مما أخذه العدو أخذا لا يملك به مسلم ثم إن كانوا قد أخذوه قهرا فقد ملكوه إلا ما كان حبيسا أو وقفا وفي أم الولد روايتان وعنه لا يملكونه حتى يحوزوه بدراهم ولو أبق عبد أو شرد حيوان لمسلم إليهم ملكوه وعنه لا يملكونه

بخلاف أخذه قهرا ولا يملك المستأمن ما أخذه بدارنا بغصب أو عقد فاسد وكل ما قلنا لم يملكوه فلا قسم بحال ويوقف إذا جهل ربه ولربه أخذه بغير شيء حيث وجده ولو بعد القسمة أو الشراء منهم أو إسلام آخذه وهو معه وكل ما قلنا قد ملكوه ما عدا أم الولد فإذا غنمناه وعرف ربه قبل قسمته رد إليه إن شاء وإلا بقي غنيمة وإن لم يعرف ربه بعينه قسم وجاز التصرف فيه ومتى وجده ربه وقد قسم أو اشترى منهم فلا حق له فيه بحال كما لو وجده بيده المستولي عليه وقد أسلم أو أتانا بأمان وعنه له أخذه في القسمة بقيمته وفي الشراء بثمنه وعنه لا حق له في المقسوم وله أخذ المشتري بالثمن وهو المشهور عنه وإن وجده ربه بيد من أتهبه منهم فله أخذه مجانا في ظاهر مذهبه وعنه إنما يأخذه بالقيمة وعنه لا حق له فيه ذكرها القاضي في المجرد.
ولو باعه مشتريه أو متهبه أو وهباه أو كان عبدا فأعتقاه لزمه تصرفهما وهل له أخذه من آخر مشتر أو متهب مبني على ما سبق.
وأما أم الولد مع قولنا ملكوها فيلزم السيد قبل القسمة أخذها ويتمكن منه بعدها بالعوض رواية واحدة ونصر أبو الخطاب في تعليقه أن الكفار لا يملكون مال مسلم بالقهر وأنه يأخذه بغير شيء حتى ولو كان مقسوما ومن العدو إذا أسلم وذلك مخالف لنصوص أحمد رضي الله عنه.
ولا يملك الحر المسلم بالقهر ومن اشتراه منهم فله عليه ثمنه دينا ما لم ينو التبرع به.
الصنف الثاني دفع السلب إلى مستحقه وهو كل من غرر بنفسه في حال الحرب بقتل كافر ممتنع مقبل على القتال فإنه يستحق سلبه غير مخموس إلا أن يكون القاتل من أهل الرضخ أو المقتول صبيا أو امرأة فقد قاتلا ففيه وجهان ومن اشترك اثنان في قتله فسلبه غنيمة وقيل لهما وإن قتله واحد وقد قطع آخر يده ورجله فسلبه غنيمة وقيل للقاطع كما لو قطع أربعته وإن قطع يديه

أو رجليه فسلبه غنيمة وقيل للقاتل كما لو قطع يدا أو رجلا.
وإن أسره رجل ثم قتله الإمام أو استحياه فسلبه ورقبته إن أرق وفداؤه إن فدى غنيمة وقيل الكل لمن أسره وعنه لا يستحق السلب إلا أن يشرطه الإمام فيعمل بشرطه.
والسلب ما كان عليه من ثياب وحلي وسلاح ودابته بآلتها بشرط أن يقاتل عليها وعنه هي من السلب وإن قاتل راجلا آخذا بعنانها وعنه ليست الدابة من السلب بحال وأما خيمته ورحله ونفقته وجنيبته فغنيمتة.
الصنف الثالث أن يعطي أجرة من جمعها وحملها وحفظها ويعطى من دل الجيش على حصن أو طريق أو ماء جعله إن شرطه في مال العدو وإن كان مجهولا بخلاف ما لو شرطه في بيت المال فإنه لا يجوز إلا معلوما وإن جعل له امرأة منهم فماتت قبل الفتح فلا شيء له وإن أسلمت قبل الفتح وهي حرة فله قيمتها وإن أسلمت قبله أو بعده وهي أمة أخذها مع إسلامه وقيمتها مع كفره ولو فتح الحصن صلحا فله قيمتها فإن أبى إلا المرأة ولم تبذل فسخ الصلح وقيل لا يفسخ ويتعين له قيمتها وهو الأصح وإن بذلوها مجانا أو بقيمتها فقال أصحابنا يلزم أخذها ودفعها إليه وعندي يختص ذلك بالأمة وأما حرة الأصل فلا يحل أخذها بحال وتتعين القيمة.
وكل موضع أوجبنا ولم نغنم شيئا أعطيها من بيت المال.
فصل
ثم بعد الأصناف الثلاثة يخمس الباقي فيقسم خمسة على خمسة أسهم
سهم لله ولرسوله يصرف في مصالح المسلمين كالفيء وعنه يصرف في السلاح والكراع والمقاتلة خاصة.
وسهم لذوي القربى وهم بنو هاشم وبنو المطلب ابني عبد مناف حيث

كانوا غنيهم وفقيرهم فيه سواء نص عليه وقال ابن شاقلا يختص بفقرائهم وفي تفضيل ذكرهم على أنثاهم روايتان ولا شيء فيه لمواليهم.
وسهم اليتامى الفقراء وسهم للمساكين وسهم لأبناء السبيل من المسلمين.
ثم يعطى النفل بعد ذلك وهو الزيادة على السهمان لمصلحة يراها الأمير ولا خلاف في جوازه مع الشرط في موضعين.
أحدهما أن يجعل جعلا لمن يعمل عملا فيه غناء عن المسلمين ويراه مصلحة كقوله من طلع هذا الحصن أو نقبه فله من الغنيمة كذا أو من جاء بأسير فله كذا أو من جاء بعشرة أرؤس فله منها رأس فهو جائز مالم يجاوز مجموعه ثلث الغنيمة بعد الخمس.
الثاني أن ينفذ من الجيش في أرض الحرب سرية تغير أمامه ويشرط لهم الربع فما دون بعد الخمس أو تغير خلفه قافلا ويشرط لهم الثلث فما دون بعد الخمس وهل له فعل ذلك في الموضعين بغير شرط على روايتين وهل له أن يجاوز الثلث بالشرط وأن يقول من أخذ شيئا فهو له إذا احتاج أن يحرض به وأمن المفسدة معه على روايتين.
ولا يجوز مجاوزة الثلث بغير شرط رواية واحدة.
وكل موضع منعناه منه واحتاج إليه لمصلحة جعله من مال المصالح.
ثم يقسم الباقي بعد النفل على من شهد الوقعة أو آخرها بقصد الجهاد قاتل أو لم يقاتل إلا مايستثنى فيما بعد فيجعل للرجل المسلم الحر المكلف إن كان راجلا سهم وإن كان فارسا ثلاثة أسهم سهم له وسهمان لفرسه إلا أن يكون فرسه برذونا وهو النبطي الأبوين أو هجينا وهو ما أمه نبطية وأبوه عربي أو مقرفا وهو عكس الهجين فيجعل له سهم وعنه لا يسهم له وعنه له سهمان كالعربي ومن غزا بفرسين أو أكثر أسهم لفرسيه لا غير.
ويرضخ للصبي المميز والمرأة والعبد والكافر ولا تلزم التسوية بينهم.

ولا يبلغ برضخ أحدهم لنفسه سهم راجلهم ولا لفرسه سهم الفرس إلا لعبد يغزو على فرس سيده فيسهم له سهما كفرس الحر وعنه يسهم للكافر كالمسلم.
ومن غصب فرسا فغزا به أسهم للفرس وكان لربه فإن غصبه ذو رضخ فهل يسهم للفرس أو ترضخ على وجهين.
ولا رضخ ولا سهم لمركوب غير الخيل ونقل عنه مهنا يسهم لراكب البعير به سهم ونقل الميموني يسهم له سهم إذا لم يقدر على غيره وقال القاضي في الأحكام السلطانية للفيل والبعير سهم الهجين على اختلاف الرواية في قدره.
ومن مات أو انصرف في أثناء الوقعة أو صار فيها الفارس راجلا بموت فرسه أو شروده أو غيرهما أو الراجل فارسا أو عتق فيها عبد أو بلغ صبي أو أسلم كافر أو لحق مدد أو أسير مفلت ثم انقضت الحرب جعلوا كمن كان في الوقعة كلها كذلك وإن كان ذلك بعد انقضاء الحرب لم يؤثر وجعل حق الميت لورثته.
ويسهم لأجير الخدمة دون من استؤجر للجهاد ممن لم يلزمه أو يتعين عليه وعنه لا يسهم لهما وعنه يسهم لهما كالتجار والصناع وعنه لا تصح الإجارة على الجهاد فتجعل كالمعدومة وقيل لا تصح إلا ممن لا يلزمه كالعبد والكافر والمرأة.
ويشارك الجيش سراياه فيما غنمت بعد نفلها وتشاركه فيما غنم.
ويسهم لطليعة الجيش ولكل من بعث في مصلحته.
ولا حق في الغنيمة لفرس عجيف ولا لمخذل ولا مرجف ولا لمن نهاه الإمام أن يحضر ولا لكافر لم يستأذنه ولا لعبد لم يأذن له سيده ولا لمريض مرضا يمنعه القتال.
وما أخذ من مباح دار الحرب مما له قيمة لو أهداه الكفار لأمير الجيش أو بعض قواده فهو غنيمة للجيش نص عليه وقيل الهدية فئ.
ومن أخذ طعاما أو علفا فله أن يطعم نفسه ودابته بغير إذن ما لم يحرزه الإمام.

ويوكل به من يحفظه فلا يجوز إلا لضرورة نص عليه وأجازه القاضي في المجرد ما داموا في أرض الحرب.
وليس له بيع ما أبيح له فإن باعه رد ثمنه في المغنم وإن فضل معه منه شيء رد في المغنم وعنه له أخذه إذا كان يسيرا.
ومن أخذ سلاحا أو ثوبا أو فرسا فله أن يقاتل به حتى يقتضى الحرب ثم يرده وعنه المنع في الثوب والفرس.
ومن استؤجر لحفظ الغنيمة لم يركب منها دابة إلا بالشرط.
وإذا أعتق الغانم رقيقا من المغنم أو كان فيه من يعتق عليه عتق عليه إن استوعبه حقه وإلا كان المعتق للشقص نص عليه فيهما وقال القاضي في خلافه لا يعتق وعندي إن كانت الغنيمة جنسا واحدا فكالمنصوص وإن كانت أجناسا فكقول القاضي.
ومن أسقط من الغانمين حقه سقط ورد على من بقي ولو أسقط الكل حقوقهم صارت فيئا.
وإذا دخل قوم دار الحرب بغير إذن الإمام المعتبر كان ما غنموه فيئا وعنه هو لهم بعد الخمس كالغنيمة وعنه إذا لم يكن لهم منعة فهو لهم غير مخموس.
ومن غل من الغنيمة وهو حر مكلف حرق رحله الذي معه إلا السلاح والمصحف والحيوان وآلة دابته وثيابه التي عليه وفي حرمانه سهمه روايتان فان مات قبل تحريقه سقط وهل السارق منها في ذلك كالغال على وجهين.

باب حكم الأرضين المغنومة من الكفار

باب حكم الأرضين المغنومة من الكفار
وهي ثلاث أرض فتحت عنوة بالسيف فيخبر الإمام بين قسمها كالمنقول وبين أن يقفها على المسلمين فيمتنع بيعها ويضرب عليها خراج مستمر كالأجرة تؤخذ ممن تقر بيده من مسلم أو معاهد وعنه تصير وقفا بنفس الفتح وعنه تقسم لا غير.

وأرض جلا عنها أهلها خوفا منا فظهرنا عليها.
وأرض صالحونا على أنها لنا ونقرها معهم بالخراج فكل واحدة منهما تصير وقفا بنفس ملكنا لها وخراجها كما قدمنا وعنه لا تصير وقفا حتى يقفها الإمام فتكون بدونه كالفيء المنقول وكأرض بيت المال الموروثة.
وأما ما صولحوا على أنها لهم ولنا الخراج عليها فهذه ملك لهم وخراجها كالجزية تسقط إن أسلموا أو صارت لمسلم فإن صارت لذمي من غير أهل الصلح فوجهان وعنه لا يسقط خراجها بإسلام ولا غيره كإتلاف المغنومة ويرجع في قدر الخراج والجزية إلى اجتهاد الإمام في الزيادة والنقص بحسب الطاقة وعنه لا يخرج عما وظفه عمر رضي الله عنه وعنه تجوز الزيادة فيه دون النقص منه وعنه جوازهما في الخراج الجزية وهو أصح وعنه جوازهما فيهما إلا جزية أهل اليمن لا يخرج عن الدينار فيها.
والأشهر عن عمر أنه وظف على جريب الزرع درهما وقفيزا من طعامه وعلى جريب النخل ثمانية دراهم وعلى جريب الكرم عشرة دراهم وعلى جريب الرطبة ستة دراهم.
وقد روى عنه غير ذلك وقد القفيز ثمانية أرطال صاع عمر قفيز الحجاج نص عليه وذلك ثمانية أرطال بالعراقي وقيل القفيز هنا بالعراقي ستة عشر رطلا وقيل ثلاثون والجريب مائة قصبة مكسرة والقصبة ستة أذرع بالذراع العمرية وهي ذراع وسط وقبضة وإبهام قائمة.
والخراج على المزارع دون المساكن.
وإنما كان أحمد ينسج داره ويخرج عنها لأن أرض بغداد كانت حين فتحت مزارع ولا خراج إلا علي ما يناله ماء السقي زرع أو لم يزرع وعنه يجب على كل ما أمكن زرعه اكتفاء بماء السماء وما يراح عاما ويزرع عاما عادة ففيه نصف خراج.

وإذا كان بأرض الخراج يوم وقفها شجر فثمره المستقبل لمن تقر بيده وفيه عشر الزكاة كالمجدد فيها وقيل هو للمسلمين غير معشر والخراج كالدين يحبس به الموسر وينظر به المعسر وللإمام وضعه عمن له وضعه فيه.
ويجوز أن يرشى العامل لدفع الظلم لا لترك الحق وارتشاؤه حرام فيهما ولا خراج على مزارع مكة بحال وهل فتحت عنوة أو صلحا على روايتين وقيل عليها الخراج على رواية العنوة ولا يجوز بيع رباعها ولا إجارتها إلا إذا قلنا فتحت صلحا.
ولا يجوز بيع أرض الشام ومصر والعراق ونحوها مما فتح عنوة ولم يقسم على الأصح وعنه إلا المساكن وأرضا من العراق فتحت صلحا وهي الحيرة وألليس وبانقيا وأرض بني صلوبا.

باب الأمان

باب الأمان
يصح الأمان من كل مسلم مكلف مختار وإن كان امرأة أو عبدا أو أسيرا فإذا قال لكافر أنت آمن أو لا بأس عليك أو أجرتك أوقف أو ألق سلاحك أو مترس بالفارسية أو أمنت يدك أو بعضك أو أشار بما يفهم منه الأمان فقد أمنه وفي صحة الأمان من المميز روايتان.
ويصبح من الإمام لجميع المشركين وآحادهم ومن الأمير لمن جعل بإزائه ومن آحاد الرعية للواحد والعشرة والقافلة ويصح من غير الإمام الأمان للأسير نص عليه في رواية أبي طالب.
وقال القاضي في المجرد لا يصح إلا منه وكل من صح منه أمان قبل إخباره به ومن جاء بمشرك فادعى أنه أمنه وأنكره فالقول قول المنكر وعنه قول المشرك وعنه قول من ظاهر الحال يصدقه.

ومن أسلم من أهل حضر أو أعطيناه أمانا لفتحه ففتح ثم تداعوه واشتبه علينا فهم حرام قتلهم واسترقاقهم على منصوصه.
وقال أبو بكر يخرج أحدهم بالقرعة ويرق من بقي وإذا أودع المستأمن مسلما مالا وأقرضه شيئا ثم عاد لإقامته بدار الحرب أو نقض الذمي عهده ولحق بدار الحرب أو لم يلحق انتقض أمان ماله كنفسه وصار فيئا وقيل لا ينتقض فيهما وظاهر كلامه أنه ينتقض في مال الذمي دون الحربي وهو الأصح وحيثما قلنا لا ينتقض فإنه يعطاه إن طلبه وإن مات فهو لورثته فإن لم يكن له وارث فهو فيء ولو لم يمت حتى أسر واسترق فقيل يوقف ماله ثم إن عتق رد عليه وإن مات رقيقا ففي كونه فيئا أو لورثته لو كان حرا وجهان وعندي يصير فيئا لمجرد استرقاقه.
ويجوز الأمان للرسول والمستأمن مدة الهدنة بلا جزية نص عليه.
وقال أبو الخطاب لا يقيم سنة فأكثر إلا بجزية.
وإذا دخل حربي دار الإسلام بغير عقد أمان فادعى أنه رسول أو تاجر ومعه متاع يبيعه والعادة دخول تجارهم إلينا قبل منه وأومن وإن بان جاسوسا خير الإمام فيه كالأسير وإن كان مما ضل الطريق أو أتتنا به ريح في مركب أو شرد إلينا بعض دوابهم فهو لمن أخذه غير مخموس وعنه هو فيء بدخوله في أرض الإسلام وعنه أنه لأهل القرية التي حصل فيها.
وإذا أسر الكفار مسلما ثم أطلقوه بشرط أن يقيم عندهم مدة أو مطلقا لزمه الوفاء نص عليه وإن أطلقوه بلا شرط وأمنوه جاز له الهرب ولم يجز أن يخونهم وإن أطلقوه فقط أو شرطوا أن يكون رقيقا لهم فله أن يهرب ويسرق ويقتل منهم وإن شرطوا عليه مالا ينفذه فإن عجز رجع إليهم لزمه الوفاء إلا أن يكون امرأة فلا ترجع وفي رجوع الرجل روايتان.

باب الهدنة

باب الهدنة
لا تصح مهادنة العدو إلا من الإمام أو نائبه فتصح بشرط ضعف الإسلام أو على مال يؤخذ منهم فأما مجانا لمصلحة رجاء إسلامهم ونحوها مع قوته واستظهاره فروايتان ومع القول بالمنع يجوز إلى أربعة أشهر وفيما فوقها ودون الحول وجهان ولا تجوز بمال منا إلا لضرورة شديدة ولا تجوز إلا إلى مدة معلومة وإن طالت وعنه لا تجوز فوق عشر سنين فإن جاوزها بطلت الزيادة وفي العشر وجهان وإن شرط نقضها متى شاء أو إدخالهم الحرم أو رد من أسلم منهم من صبي أو امرأة لم يجز وفي شرط رد مهر المرأة روايتان وكل شرط لم يجزه ففي فساد العقد به وجهان وكذلك عقد الذمة بالشرط الفاسد ولو شرط رد من جاءه من الرجال مسلما جاز مع الحاجة دون حالة الاستظهار بمعنى أنه يخلي بينهم وبينه من غير منع ولا إجبار ويجوز أن يأمره سرا بقتالهم والفرار منهم ويلزم الإمام حماية أهل الهدنة من أهل الإسلام والذمة دون غيرهم.
وإذا سباهم كفار آخرون أو سبى بعضهم بعضا لم يجز لنا شراؤهم وإن باع أحدهم منا صغاره أو أهله فروايتان.
وإذا خاف نقض العهد منهم جاز أن ينبذ إليهم عهدهم وينتقض العهد في نسائهم وذريتهم بنقضه فيهم.
وإذا كان في الهدنة رهائن فقتلوا رهائنا فهل يحل لنا قتل رهائنهم على روايتين.

باب عقد الذمة في أخذ الجزية

باب عقد الذمة في أخذ الجزية
يشترط لعقدها بذل الجزية والتزام أحكام الملة وأن يعقده الإمام أو نائبه ولا تعقد إلا لليهود والنصارى والمجوس ومن سواهم فالإسلام أو القتل وعنه تعقد لكل كافر إلا الوثني من العرب والمذهب الأول.

ومن تدين بكتاب التوراة أو الإنجيل كالسامرة والفرنج والصابئة الموافقة للنصارى فهو من أهله.
ومن دخل في أحد الأديان الثلاثة قبل مبعث نبينا صلى الله عليه وسلم فهو من أهله ومن دخل فيه بعد مبعثه أو في وقتنا هذا نظرنا فإن انتقل إليه عن كفر لا يقر عليه فعنه ثلاث روايات رواية يقر عليه ويكون كالأصلي فيه ورواية لا يقبل منه إلا الإسلام أو السيف وثالثة يقر على التهود والتنصر دون التمجس فإن أصر عليه قتل.
ولو انتقل كتابي أو مجوسي إلى غير دينه فعنه لا يقبل منه إلا الإسلام أو السيف وعنه يقبل منه كل دين يقر أهله عليه دون غيره واختارها الخلال وعنه يقر إلا على دين دون دينه الأول كتمجس الكتابي فلا يقر ويقتل إن أبى وعنه لا يقر إلى على دين أفضل من دينه الأول كمجوسي تهود أو تنصر وعنه لا يقر إلى على الإسلام أو دينه الأول فعلى هاتين الروايتين إن أصر على المتجدد قتل إن كان دون الأول وإلا هدد ولم يقتل إذا لم يرجع ومن أقررناه على تهود أو تنصر متجدد أنحنا ذبيحته ومناكحته وإذا لم نقره عليه بعد المبعث وشككنا هل كان منه قبله أو بعده قبلت جزيته وحرمت مناكحته وذبيحته.
ومن ولد بين أبوين لا تقبل الجزية من أحدهما فاختار دين الآخر ألحق به في الجزية وقيل لا يقبل منه سوى الإسلام.
وتؤخذ الجزية من أهلها لكل حول في آخره من غنيهم في العرف أربعة دنانير أو ثمانية وأربعون درهما ومن المتوسط نصف ذلك ومن المقل ربعه.
ويجوز أن يشرط عليهم للمسلمين المارين بهم الضيافة ويبين أيامها وعدد أهلها وقدرها طعاما واجبا وعلفا ولا تجب من غير شرط وقيل تجب ليوم وليلة.

ومتى بذلوا القدر المذكور مع الضيافة لزم قبوله وحرم قتالهم إلا على رواية سبقت بجواز الزيادة على ذلك.
ولا جزية على صبي ولا امرأة ولا زمن ولا أعمى ولا راهب ولا شيخ فان ولا عبد لمسلم ولا فقير يعجز عنها وفي الفقير المعتمل وعبد الذمي روايتان ومن بلغ أو أفاق أو أيسر أو عتق فهو من أهلها بالعقد الأول وتؤخذ منه في آخر الحول بقدر ما أدرك وعنه لا جزية على عتيق المسلم بحال وقال ذمته ذمة مولاه.
ومن كان يجن ويفيق دائما لفق من إفاقته حول ثم أخذت له وقيل تؤخذ في آخر كل حول بقدر إفاقته كما يؤخذ من المعتق بعضه بقدر حريته وقيل يعتبر الأغلب فيمن لا ينضبط أمره خاصة.
ومن أسلم بعد الحول سقطت عنه وإن مات بعده أو عمي أو جن أو أقعد لم تسقط عنه وقال القاضي تسقط.
ومن لزمته جزية سنين لم تتداخل ويمتهنون لمباشرة دفعها وتجر أيديهم عنده ويطال قيامهم وإذا تولى إمام فعرف قدر جزيتهم وما شرط عليهم أقرهم عليه فإن لم يعرفه فوجهان.
أحدهما يأخذ بقولهم فيما يسوغ وله أن يحلفهم إن اتهمهم ثم إن بان نقص فيما قالوه رجع عليهم به.
والثاني يستأنف عقدهم باجتهاده ولا تؤخذ الجزية المذكورة من نصارى بني تغلب بل تؤخذ من أموالهم من الماشية وغيرها مثلا زكاة المسلمين حتى من نسائهم وزمناهم وصبيانهم ومجانينهم وهل يصرفه مصرف الجزية أو الزكاة على روايتين وهل يباح أكل ذبائحهم ونكاح نسائهم على روايتين.
وإذا أراد أمام تغيير ما عليهم إلى الجزية ابتداء منه أو بسؤالهم لم يجز ذلك وكل عرب من أهل الجزية أبوها إلا باسم الصدقة مضعفة ولهم شوكة يخشى الضرر منها جازت مصالحتهم على مثل ما صولح عليه بني تغلب نص عليه.

وإذا أسلم التغلبي أو باع أرضه من مسلم لم يجب فيها للمستقتل سوى عشر الزكاة ثم إن أسلم وفيها زرع مشتد أو تمر قد بدا صلاحه فلا شيء عليه فيه بحال وإن باعه معها أو بدونها من مسلم فالعشران بحالهما عليه ولا شيء على المسلم.
وللذمي شراء الأرض العشرية ولا عشر عليه فيها إذا لم يكن تغليبا وعنه ينهى عن شرائها من المسلم فإن خالف صح وضرب على زرعه وثمره عشران فإن أسلم أو باع فهو كالتغلبي في ذلك.

باب أحكام الذمة

باب أحكام الذمة
يلزم الإمام أن يأخذ أهل الذمة بحكم الإسلام في ضمان النفوس والأموال وحفظ الأعراض وإقامة الحدود فيما يعتقدون تحريمه وعنه لا يلزمه إقامة حد زنا بعضهم ببعض إلا أن يشاء واختاره ابن حامد وألحق به قطع سرقة بعضهم من بعض لكونه حقا لله تعالى وعليه أن يلزمهم بالتمييز عن المسلمين في لباسهم وشعورهم وكناهم وركوبهم بأن يلبسوا ثوبا يخالف سائر ثيابهم كالعسلي والإدكن ويشدوا الخرق في قلانسهم وعمائمهم والزنار فوق ثيابهم ويكفي أحدهما ويجعلوا لنسائهم غيارا في الخفين باختلاف لونيهما وأن يجعلوا في رقابهم لدخول الحمام جلجلا أو خاتم حديد أو رصاص وأن يحذفوا مقادم رؤوسهم وأن لا يفرقوا شعورهم كما يفعله الأشراف وأن لا يتكنوا بكنى المسلمين كأبي القاسم وأبي عبد الله ونحوه وأن لا يركبوا الخيل بحال ولا البغال والحمير بالسروج بل عرضا بالأكف وفي منعهم من لبس الطيالسة وجهان.
ولا يجوز تصديرهم في المجالس ولا بداءتهم بالسلام وإن سلم أحدهم قيل له عليكم وفي جواز تهنئتهم وتعزيتهم وعيادتهم روايتان ويدعى لهم إذا أجزناها بالبقاء وكثرة المال والولد ويقصد به كثرة الجزية ويمنعون من إحداث البيع والكنائس إلا أن يشرطوه فيما فتح صلحا على أنه لنا فلهم شرطهم نص عليه.

ولهم رم سعتها دون بنائها إذا انهدمت وعنه جوازهما وعنه المنع منهما ونصرها القاضي في خلافه.
ولو فتح الإمام بلدا فيه بيعة خراب لم يجز بناؤها وقيل يجوز إذا أجزنا بناء المنهدمة ويمنعون من تعليه البنيان على جيرانهم من المسلمين وفي مساواتهم وجهان.
ولو ملكوا بشراء أو غيره دارا عالية من مسلم لم تغير وإن انهدمت لم تعد عالية إلا إذا قلنا تعاد البيعة ولو هدم البناء العالي أو بناء البيعة عدوانا فهو كتهدمه بنفسه ذكره القاضي وعندي أنه يعاد ويمنعون من إظهار المنكر وضرب الناقوس وإظهار أعيادهم ورفع أصواتهم بكتابهم أو على موتاهم وإن صولحوا في بلدهم على أداء جزية أو خراج لم يمنعوا شيئا مما ذكرنا ويمنعون من الإقامة بالحجاز وهو مكة والمدينة واليمامة وخيبر والينبع وفدك يخالفوها1 فإن دخلوا منه غير الحرم لتجارة لم يقيموا بموضع واحد فوق ثلاثة أيام وقيل فوق أربع فإن مرض أحدهم به لم يخرج حتى يبرأ فإن مات دفن به وأما الحرم فيمنعون دخوله مطلقا فإن قدم منهم رسول لا بد له من لقاء الإمام وهو به خرج إليه ولم يأذن له فإن دخل عزر وهدد فإن مرض أو مات به أخرج فإن دفن نبش إلا أن يبلى وحد الحرم من طريق المدينة ثلاثة أميال ومن طريق العراق سبعة أميال وكذلك من طريق عرفة ومن طريق الجعرانة تسعة أميال ومن طريق جدة عشرة أميال وليس لهم دخول مساجد الحل وعنه لهم ذلك بإذن المسلم.
وإذا اتجر الذمي إلى غير بلده ببيع فيه أو شراء منه أخذ من تجارته نصف.
__________
1 في نسخة بهامش الأصل: صوابه ومخالفيها، لكن بخط المصنف كما في الأصل.

العشر مرة في السنة وإن كان امرأة وقال القاضي لا يلزم المرأة ذلك إلا أن تتجر بالحجاز ولا يلزم التغلبي شيء كذلك وعنه يلزم فيتكمل عليه العشر.
وإذا اتجر المستأمن ببلد الإسلام أخذ منه العشر في السنة وقال أبن حامد بعشر كلما دخل إلينا ولا شيء عليهما فيما دون عشرة دنانير.
ونقل عنه صالح اعتبار العشرين للذمي والعشرة للحربي وقال القاضي أبو الحسين يعتبر للذمي عشرة وللحربي خمسة وقال ابن حامد يجب ذلك فيما قل وكثر ولا يعشر ثمن الخمر والخنزير المتبايع بينهم ونقل الميموني يعشران ويتخرج تعشير ثمن الخمر دون الخنزير.
وإذا حاكم ذمي ذميا أو مسلم إلى حاكمنا لزمه أن يعديه ويحكم بينهما بحكم الإسلام وعنه في الذميين يخير بين الحكم وتركه وهو الأشهر عنه كما في المستأمنين وعنه لا يخير إلا إذا اتحدت ملتهما وعنه ما يدل على تخييره إلا أن يتظالما بحقوق الأدميين فيلزمه وهو الأصح عندي ومتى خيرناه جاز أن يعدي ويحكم بطلب أحدهما وعنه لا يجوز إلا باتفاقهما كما في المستأمنين.
وإذا تبايعوا بينهم محرما يعتقدون حله أو بيوعا فاسدة ثم أتونا أو أسلموا لم ينقض فعلهم إن كانوا تقابضوا من الطرفين وإلا نقصناه وعنه لا ينقض في الخمر خاصة إذا قبضت دون ثمنها ويلزم المشتري دفعه إلى البائع أو إلى وارثه إن كان ميتا.
واذا كان لذمي على ذمي خمر بقرض أو غصب فأيهما أسلم فلا شيء لربها نص عليه وقيل إذا لم يسلم هو فله قيمتها ولو كانت له عليه من مسلم لم يكن لربها إلا رأس ماله ويلزم الإمام حفظ أهل الذمة والمنع من أذاهم واستنقاد أسراهم ولا يجوز استرقاق من ولد لهم في الأسر.
وإذا لحق الذمي بدار الحرب مستوطنا أو امتنع من إعطاء الجزية أو التزام أحكام الملة أو قاتل المسلمين انتقض عهده وإن قذف مسلما أو أذاه بسحر

في تصرفاته لم ينتقض عهده نص عليه في رواية جماعة وقيل ينتقض وإن فتنه عن دينه أو قتله أو قطع عليه الطريق أو زنى بمسلمة أو تجسس للكفار أو آوى لهم جاسوسا أو ذكر الله تعالى أو كتابة أو رسوله بسوء انتقض عهده نص عليه وقيل فيه روايتان بناء على نصه في القذف والأصح التفرقة.
وإذا أظهر منكرا أو رفع صوته بكتابه أو ركب الخيل ونحوه عزر ولم ينتقض عهده وقيل ينتقض إن شرط عليه تركه وإلا فلا ومن نقض عهده لسبب الرسول نقص فعله وإن نقصه لمجرد لحوقه بدار الحرب خير الإمام فيه كالأسير وإن نقضه مما سواهما فالمنصوص تعين قتله واختار القاضي فيه التخيير ويبقى عهده ناقض الذمة في نسائه وذريته الموجودين دون من حدث بعد نقضه وقد أسلفنا حكم ماله.

باب قسمة الفيء

باب قسمة الفيء
وهو كل مال أخذ من الكفار بغير قتال كالجزية والخراج والعشور وما تركوه فزعا أو ماتوا عنه ولا وارث لهم فيصرف في مصالح الإسلام وعنه خمسه لأهل الخمس وبقيته للمصالح ويبدأ بالأهم فالأهم من سد الثغور وكفاية أهلها وغيرهم من جند المسلمين ثم بالأهم فالأهم من سد البثوق وكرى الأنهار وعمل القناطر وأرزاق القضاة والمفتيين والمؤذنين ونحوهم من كل ذي نفع عام وإن فضل منه فضل قسم بين المسلمين غنيهم وفقيرهم إلا عبيدهم وعنه تقديم ذوي الحاجات منهم ويبدأ عند العطاء بالمهاجرين ثم بالأنصار ثم بسائر المسلمين ويقدم الأقرب فالأقرب من النبي صلى الله عليه وسلم وفي جواز التفضيل بينهم بالسابقة روايتان.
ومن مات وقد حل عطاؤه دفع إلى ورثته ومن مات من أجناد المسلمين فرض لزوجته وصغار ولده كفايتهم فإذا بلغ بنوه فأحبوا أن يكونوا من المقاتلة فرض لهم حقهم وإلا سقط ويسقط فرض المرأة والبنات بالتزوج.

كتاب الأطعمة
مدخل

كتاب الأطعمة
والأصل فيها الحل فيباح كل طاهر لا مضرة فيه من حب وتمر وغيرهما ولا يحل نجس كالميتة والدم ولا ما فيه مضرة كالسم ونحوه وحيوانات البر مباحة إلا الحمر الأنيسة وماله ناب يفرس به سوى الضبع كالأسد والنمر والذئب والفيل والهدهد والكلب والخنزير وابن آوى وابن عرس والنمس والقرد والدب وماله مخلب من الطير يصيد به كالعقاب والبازي والصقر والشاهين والباسق والحدأة والبومة وما يأكل الجثث كالنسر والرخم واللعلق والعقعق والغراب الأبقع والغراب الأسود الكبير وما يستخبثه العرب كالقنفد والفأرة والحية والعقرب والخشاف وهو الوطواط [والخفاش ذكره في باب تطهير موارد الأنجاس ويسمى أيضا الخشاف وهو الوطواط بلا ألف] والحشرات كلها وما تولد من مأكول وغيره كالبغل والسبع وهو ولد الضبع من الذئب والعسبار وهو ولد الذئبة من الضبعان وفي كل واحد من الصرد والهدهد والخطاف والدباب والثعلب وسنور البر والوبر واليربوع روايتان وفي الغداف والسنجاب وجهان وحرم أبو الخطاب الزرافة وأباحها أحمد وما عدا ذلك فهو حلال كالخيل وبهيمة الأنعام والدجاج والوحش من الحمر والبقر والظباء والنعامة والأرنب وسائر الوحش والضبع والضب وغراب الزرع والزاغ والطاوس وسائر الطيور.
ويباح حيوان البحر كله إلا الضفدع وفي التمساح روايتان وحرم معه ابن حامد الكوسج وحرم النجاد كل بحري يحرم نظيره في البر كإنسان الماء وكلبه وخنزيره وتحرم الجلالة وبيضها ولبنها وهي التي أكثر علفها النجاسة حتى يحبس عنه وعنه تكره لا تحرم ويكفي حبسها ثلاثة أيام وعنه تحبس الطير ثلاثا والشاة سبعا والإبل والبقر أربعين يوما.
ويجوز أن يعلف الإبل والبقر التي لا يراد ذبحها بالقرب الأطعمة النجسة

أحيانا وما سقى بالماء النجس من زرع وثمر فهو بجس محرم إلا أن يسقى بعده بطاهر فيحل ويطهر نص عليه.
وقال ابن عقيل هو طاهر مباح ومن اضطر إلى محرم كالميتة ونحوها حل له منه ما يسد رمقة فقط ولزمه تناوله وعنه يحل له الشبع فإن وجد مع الميتة طعاما لا يعرف مالكه أو صيدا وهو محرم أكل الميتة لا غير نص عليه وإن وجدهما المحرم بلا ميتة أكل طعام الغير ويحتمل أن يخير بينهما وإذا وجد ميتتين مختلف في أحدهما أكلها دون المجمع عليها ومن لم يجد إلا طعاما للغير فربه أحق به إن كان مضطرا وإلا لزمه أن يبذل له ما يسد رمقه أو قدر الشبع في رواية بقيمته فإن أبى فله أخذه قهرا ومقاتلته عليه فإن قتل رب الطعام فدمه هدر وإن قتل المضطر ضمنه رب الطعام وإن منعه منه إلا بما فوق القيمة فاشتراه منه بذلك كراهة أن يجري بينهما دم أو عجز عن قتاله لم تلزمه إلا القيمة.
ومن لم يجد إلا آدميا يباح دمه كحربي وزان محصن حل قتله وأكله وإن كان ميتا معصوما فوجهان.
ومن أضطر إلى نفع مال الغير مع بقاء عينه لدفع برد أو استقاء ماء ونحوه وجب بذله له مجانا وقيل يجب له العوض كالأعيان.
ومن مر بتمر بستان في شجرة أو متساقط عنه ولا حائط عليه ولا ناظر فله الأكل منه من غير حمل وعنه لا يحل إلا من المتساقط وعنه لا يحل ذلك إلا للحاجة فيحل مجانا1 وفي الزرع وشرب لبن الماشية على الأولى روايتان.
__________
1 في نسخة بهامش الأصل: قال أحمد: إذا لم يكن عليها حائط يأكل إذا كان خائفاً فإذا لم يكن فلا يأكل وقال: قد فعله غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ويجب على المسلم ضيافة المسلم المجتاز به في القرى دون الأمصار يوما وليلة نص عليه ويجب فيهما للحاضر والمسافر فإن أبى فللمضيف طلبه بحقه عند الحاكم ولا يلزمه إنزاله في بيته إلا أن لا يجد مسجدا أو رباطا ونحوه يبيت فيه وتمام الضيافة ثلاث وما فوقها صدقة.

باب الذكاة

باب الذكاة
لا يباح شيء من الحيوان بغير ذكاة إلا الجراد والسمك وكل مالا يعيش إلا في الماء فإنه لا ذكاة له وعنه تباح ميتة كل بحرى من سمك وغيره وعنه لا تباح ميتة يجري سوى السمك وعنه في الجراد لا يؤكل ما مات منه بلا سبب ويخرج في السمك الطافئ مثله.
ويشترط للذكاة أن يكون المذكي عاقلا مسلما أو كتابيا وإن كان مراهقا أو امرأة أو أقلف أو أعمى فلا تباح ذكاة سكران ولا مجنون وفيما صاده مجوسي ونحوه من سمك وجراد روايتان.
وتباح الذكاة بكل محدد من حديد وحجر وقصب وغيره إلا الظفر والسن وفي العظم غير السن روايتان وفي الآلة المغصوبة وجهان.
والمعتبر في تزكية المقدور عليه قطع الحلقوم والمريء لا غير وعنه يشترط معه قطع الودجين والسنة نحر الإبل وذبح غيرها فإن نحر ما يذبح أو بالعكس جاز وإذا أبان الرأس بالذبح لم يحرم به المذبوح وحكى أبو بكر رواية بتحريمه.
وإذا ذبح الحيوان من قفاه سهوا فأتت السكين على موضع ذبحه وهو حي ويعلم ذلك بوجود الحركة حل وإن فعله عمدا فعلى روايتين ذكرهما القاضي.
وذكاة ما عجز عنه من الصيد والنعم المتوحشة والواقعة في بئر ونحوه بجرحه

في أي موضع كان من بدنه إلا أن يعينه غيره بأن يكون رأسه في ماء ونحوه فلا يباح.
وما أصابه سبب الموت من منخضة وموقودة ومتردية ونطيحة وأكيلة سبع إذا أدرك ذكاته وفيه حياة يمكن أن تزيد على حركة المذبوح حل بشرط أن يتحرك عند الذبح ولو بيد أو رجل أو طرف عين أو مضع ذئب ونحوه فإن فقد ذلك لم يحل وعنه أن ما يمكن أن يبقى معظم اليوم يحل وما يعلم موته لأقل منه في حكم الميت وعنه ما يتيقن أنه يموت من السبب فهو كالميت مطلقا نقلها الأثرم.
وتحصل ذكاة الجنين بتذكية أمه إذ خرج ميتا أو متحركا كحركة المذبوح أشعر أو لم يشعر وإذا خرج بحياة معتبرة فهو كالمنخنقة وعنه إذا مات بالقرب فهو حلال ولو كان الجنين محرما كما لا يؤكل أبوه لم يقدح في زكاة الأم.
ويكره أن يذبح بآلة كالة وأن يحد الآلة والحيوان يبصره وأن يوجه1 لغير القبلة وأن يكسر عنقه أو يسلخه قبل أن يبرد فإن فعل أساء وحل ويكره أكل الغدة وأذن القلب نص عليه وجزم أبو بكر بتحريمها.
وإذا ذبح الكتابي ما حرم عليه كذي الظفر من الإبل ونحوها حرم علينا وقيل لا يحرم كما لا يحرم ما يتيقنه محرما عندي كحال الرئة ونحوها.
وإذا ذبح ما يحل له فهل تحرم علينا الشحوم المحرمة عليهم وهي شحم الثرب والكليتين على وجهين وقيل روايتين فإن قلنا لا تحرم جاز أن نتملكها منهم ولا يحل لمسلم أن يطعمهم شحما من ذبحنا نص عليه وفي بقاء تحريم السبت عليهم وجهان.
وإذا ذبح الكتابي لعيده أو ليتقرب به إلى شيء مما يعظمونه لم يحرم إلا أن يذكر عليه اسم غير الله ففيه روايتان منصوصتان أصحهما عندي تحريمه.
__________
1 في نسخة بهامش الأصل "وأن يوجهه"

ومن ذبح حيوانا فوجد جرادا في بطنه أو حبا في حوصلته أو روثه لم يحرم وعنه يحرم.

باب الصيد

باب الصيد
لا يحل الصيد المقتول في الاصطياد إلا بأربعة شروط صائد من أهل الذكاة وآلة مخصوصة وإرسالها قاصدا للصيد والتسمية عند الإرسال على الأصح.
وإذا اشترك مسلم ومجوسي في قتل صيد بسهميهما أو جارحتيهما لم يحل فإن أصاب مقتله أحدهما فقط غلب حكمه وعنه تغلب الحرمة.
وإذا أرسل مسلم سهمه فأعانته ريح لولاها ما وصل أو أرسل كلبه فزجره مجوسي فزاد عدوه أو رد عليه كلب المجوسي الصيد فقتله أو أمسك مجوسي ما يذبحه المسلم حتى ذبحه حل فيهن.
ولو أرسل مجوسي كلبا فأعانه المسلم أو كلبه لم يحل بذلك ومن رمى سهما ثم ارتد أو مات ثم أصاب سهمه صيدا حل.
والآلة المشروطة نوعان محدد وحيوان فالمحدد هو ما يشترط في آلة الذبح ويشترط أن يجرح فإن قتله بثقله لم يبح وإذا صاد بالمقراض حل ما قتل بحده دون ما قتل بعرضه.
وإذا نصب مناجل أو سكاكين وسمى عند نصبها فقتلت صيدا أبيح.
وإذا قتله بسهم فيه سم لم يبح إذا غلب على الظن أنه أعان على قتله.
وإذا رماه في الهواء فوقع بالأرض فمات حل.
وإن وقع في ماء أو تردى من جبل أو وطئ عليه شيء فمات لم يبح إلا أن يكون الجرح موحيا فعلى روايتين وكذلك الذبيحة وإن رماه فغاب عنه ثم وجده ميتا وفيه أثر سهمه حل بشرط أن لا يكون به أثر آخر يحتمل أنه أعان في قتله وعنه إن كان جرحه موحيا حل وإلا فلا وعنه إن وجده

في يومه حل وإلا فلا وكذلك حكم الكلب إذا عقره ثم غاب ثم وجده وحده فأما إن وجده في فمه أو وهو يعبث به فإنه يحل ولو غاب قبل تحقق الإصابة ثم وجده عقيرا وحده والسهم أو الكلب ناحية لم يبح.
وإذا ضرب صيدا فأبان منه عضوا وبقيت فيه حياة معتبرة لم يحل ما بان منه إلا أن يكون مما تباح ميته كالحوت فيحل وإن بقي العضو معلقا بجلدة حل بحله وإن أبانه ومات في الحال حل الجميع وعنه لا يحل مابان منه.
وما ليس بمحدد كالبندق والحجر والشبكة والفخ فلا يحل ما قتله لأنه وقيد.
وأما الحيوان فالجوارح المعلمة فيباح ما قتلته جرحا وفيما قتلته خنقا أو صدما روايتان إلا الكلب الأسود البهيم فإنه لا يباح صيده.
وتعليم ذي الناب من هذه الجوارح كالكلب والفهد بأن يسترسل إذا أرسل وينزجر إذا زجر وإذا أمسك لم يأكل ولا يعتبر تكرر ذلك منه وقيل يعتبر مرتين فيباح صيده في الثالثة وقيل ثلاثا فيباح في الرابعة.
وتعليم ذي المخلب كالصقر والبازي والشاهين والباشق بأن يسترسل إذا أرسله ويرجع إذا دعاه ولا يعتبر الأكل وعدمه.
وإذا أكل ذو الناب المعلم من صيده لم تحرم صيوده المتقدمة على الأصح وفيما أكل منه روايتان فإن حرمناه وهو الأصح فعاد فصاد ولم يأكل منه أبيح على ظاهر كلامه ويحتمل أن يكون كالمبتدأ تعليمه وهل يجب غسل ما أصابه فم الكلب على وجهين.
وإذا استرسل الكلب أو غيره بنفسه لم يبح صيده إلا أن يزجره فيزيد في طلبه فإنه يباح.
ومن أرسل سهمه أو كلبه إلى هدف أو لإرادة الصيد وهو لا يرى صيدا1
__________
1 بهامش الأصل: قال في الموجز: يشترط أن يكون بصيرا.

فأصاب صيدا لم يحل وإن رمى هدفا يظنه صيدا فأصاب صيدا فوجهان وإن رمى صيدا فأصاب غيره أو واحدا فأصاب جماعة حل الكل.
ومن صاد صيدا بسهم أو جارحه فأدركه وفيه كحركة المذبوح أو أزيد لكن لا يتسع الزمان لذكاته حل كما لو أدركه ميتا وإن اتسع الزمان لذكاته لم يبح إلا بالذبح فان مات بدونه لم يبح بحال وعنه إن مات بجرحه قبل أن يمضي عليه معظم يوم أو باستيلاء الصائد عليه لفقد آلة الذبح حتى قتله حل وإلا فلا وعنه يحل بالموت عن قرب الزمان دون الاستيلاء وعن بالعكس واختارها الخرقي.
وإن رمى صيدا فأثبته ملكه وإذا رماه آخر فمات حل فيما إذا أصاب الأول مقتله أو الثاني مذبحه ولم يضمن الثاني إلا ما خرق من جلده وفيما عدا ذلك لا يحل ويضمن الثاني قيمته مجروحا بالجرح الأول إذا لم يدرك الأول ذكاته فإن أدركها فلم يزكه حتى مات فقيل يضمنه كذلك وقال القاضي يضمن نصف قيمته مجروحا بالجرحين مع أرش ما نقصه بجرحه وعندي إنما يضمن نصف قيمته مجروحا بالجرح الأول لا غير ومن رمى صيدا ولم يثبته فدخل خيمة إنسان فهو له قاله أبو الخطاب وكذا قال الخرقي.
ومن كان في سفينة فوثبت سمكة فوقعت في حجره فهي له دون صاحب السفينة وقيل هو قبل أن يأخذه على الإباحة فيهما كما لو حصل في أرضه صيد أو عشش فيها طائر ولو فتح حجره أو نصب خيمته للأخذ ملكهما كمن صنع بركة للسمك ملكه بحصوله فيها ومن وقع في شبكته صيد فخرقها وذهب بها فصاده آخر فهو للثاني.
ومن أطلق صيدا من يده أو قال أعتقته لم يزل عن ملكه وقيل يزول فيملكه من أخذه.
وتشترط التسمية لحل الذبيحة والصيد وعنه هي سنة وعنه تشترط مع

الذكر دون السهو وعنه تشترط للصيد دون الذبيحة وعنه تشترط إلا في الذبيحة سهوا اختارها الخرقي وعنه تشرط إلا سهوا في الذبح وصيد السهم خاصة والكتابي كالمسلم فيها وعنه يختص المسلم باشتراطهما والسنة أن يقول معها الله أكبر ومن هلل أو سبح أو كبر بدلا منها لم يجزئه ويحتمل أن يجزئه ويكفي للأخرس أن يومىء بها إلى السماء وإذا سمى بغير العربية من يحسنها فعلى وجهين ويكره أن يصلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم عند التذكية وقال ابن شاقلا لا بأس به

كتاب الأيمان
مدخل

كتاب الأيمان
اليمين التي تجب بها الكفارة بشرط الخيار هي اليمين بالله تعالى أو صفة من صفاته كقدرته وعلمه وعظمته وكبريائه وعزته وجلاله أو اسم من أسمائه التي لا يسمى بها غيره نحو الله والرحمن القديم الأزلي والأول الذي ليس قبله شيء والآخر الذي ليس بعده شيء والعالم بكل شيء وخالق الخلق ورازق العالمين ونحوه فإن حلف باسم من أسمائه التي قد سمى بها غيره ولكن إطلاقه ينصرف إليه سبحانه كالرحيم والعظيم والقادر والرب والمولى والرازق ونحوه فهو يمين إن نوى به الله أو أطلق وإن نوى غيره فليس بيمين ومالا ينصرف إطلاقه إليه بل يحتمله كالشيء والحي والموجود إن نوى به الله تعالى كان يمينا وإلا فلا وقال القاضي ليس بيمين بحال ولا فرق في اسم الله بين قوله والله وتاالله وبالله وبين إسقاط حرف القسم فيقول الله لأفعلن بالجر أو بالنصب فإن قاله مرفوعا مع الواو وعدمه أو منصوبا مع الواو فهو يمين أيضا إلا أن يكون من أهل العربية ولا يريد اليمين وإذا قال وحق الله وعهد الله وأمانة الله وميثاقه فهو يمين وإن قال والعهد والميثاق والأمانه والعظمة

والجلال لم يكن يمينا إلا أن ينوي صفة الله وعنه هو يمين بإطلاقه وإن قال وايم الله أو لعمرو الله فهو يمين وعنه ليس بيمين إلا بالنية وإن قال أقسم الله أو أحلف بالله أو أعزم بالله أو أشهد بالله كان يمينا نواه أو أطلق وإن لم يذكر اسم الله لم يكن يمينا إلا بالنية وعنه هو يمين بمطلقة.
وإن حلف بكلام الله أو بالقرآن أو بالمصحف فهو يمين فيها كفارة واحدة وعنه بكل آية كفارة.
والحلف بغير الله محرم وقيل يكره تنزيها ولا تجب به كفارة وسواء أضافه إلى الله تعالى كقوله وخلق الله ومقدوره ومعلومه وكعبته ورسوله أو لم يضفه مثل الكعبة والنبي وعنه الجواز ولزوم الكفارة في الحلف برسول الله خاصة1.
ومن قال هو يهودي أو كافر أو برىء من الله أو من الإسلام أو من الدين أولا يره الله في مكان كذا إن فعل كذا ففعله لزمته كفارة يمين وعنه لا كفارة عليه وكذلك حكم قوله أنا أستحل الزنا والخمر.
ولو قال محوت المصحف إن فعلت كذا فليس بيمين وكذلك قوله عصبت الله في كل ما أمرني به وعندي هو يمين لدخول التوحيد فيه وإن قال على نذر أو يمين إن فعلت كذا لزمته كفارة يمين إن فعله وإن قال أيمان البيعة تلزمني إن فعلت كذا فهذه يمين رتبها الحجاج تتضمن اليمين بالله والطلاق والعتاق وصدقة المال فإن عرفها الحالف ونواها انعقدت بما فيها وإلا فلا وقيل تنعقد إذا نواها ولم يعرفها وقيل لا تنعقد إلا بما عدا اليمين بالله بشرط النية ولو قال أيمان المسلمين تلزمني إن فعلت كذا لزمه يمين الظهار والعتاق.
__________
1 روى البخاري وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم "من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت" وروى أصحاب السنن "من حلف بغير الله فقد كفر- أو أشرك"

والطلاق والنذر واليمين بالله نوى ذلك أو لم ينوه ذكره القاضي وقيل لا يتناول اليمين بالله تعالى.
ومن حلف بيمين من هذه الخمس فقال له آخر يميني في يمينك أو أنا على مثل يمينك يريد التزام مثل يمينه لزمه ذلك إلا في اليمين بالله فعلى وجهين.
واليمين المنعقدة ما قصد عقدها على مستقبل ممكن وفي المستحيل خلاف سبق فإن حلف بالله على أمر ماض كاذبا كالما بكذبه فهي الغموس ولا كفارة فيها وعنه تلزمه الكفارة مع الإثم كما يلزمه الطلاق والعتاق والظهار والحرام والنذر وإن عقدها يظن صدق نفسه فبان بخلافة فهو كمن حلف على مستقبل وفعله ناسيا.
ومن جرى على لسانه بغير قصد اليمين لا والله وبلى والله فهو لغو لا كفارة فيه إن كان في الماضي وإن كان في المستقبل فروايتان.
ومن قال في يمين مكفرة إن شاء الله متصلا بها لم يحنث سواء فعل أو ترك.
ويستحب الحنث في اليمين إذا كان خيرا ولا يستحب إكثار الحلف ومن دعى إلى الحلف عند الحاكم وهو محق فالأولى أن يفتدى يمينه وإن حلف فلا بأس وإن كان ظالما لم ينفعه تأويله.
ومن حرم صلاة سوى الزوجة من أمة أو طعام أو لباس أو غيره لم يحرم عليه وتلزمه كفارة يمين إن فعله وقيل يحرم حتى يكفر وإن قال عبد فلان حر لأفعلن كذا فليس بشيء وعنه عليه كفارة لفعله كنذر المعصية.
وكفارة اليمين فيها تخيير وترتيب فيخير من لزمته بين ثلاثة أشياء إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم للرجل ثوب تجزئه الصلاة فيه وللمرأة درع وخمار كذلك أو عتق رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة وعنه بجوز أن يفرقها ويجوز تقديم الكفارة بالمال والصيام قبل الحنث فمن لزمته أيمان قبل التكفير موجبها واحد فعليه كفارة واحدة وعنه لكل يمين

كفارة وعنه إن كانت على أفعال كقوله والله لا لبست والله لا أكلت تعددت الكفارة وإن كانت على فعل واحد كقوله والله لا أكلت والله لا أكلت كفته كفارة واحد.
وإن اختلف موجبها كظاهر ويمين بالله لزماه ولم يتداخلا.
وليس للسيد منع العبد من التكفير بالصوم وإذا أذن له في التكفير بالعتق مطلقا وأجزناه فهل له أن يعتق نفسه على وجهين ومن بعضه حر فهو كالحر في التكفير.

باب النذر

باب النذر
وهو أن يلزم نفسه لله تعالى شيئا بالقول ولا يلزم بمجرد النية ولا يصح إلا من مكلف مسلما كان أو كافرا.
وكل قربة مستحبة لا تجب من صلاة وصوم وحج وعمرة واعتكاف وعيادة مريض وغير ذلك إذا نذرها نذرا مطلقا أو علقها بشرط بقصد التقرب فوجد الشرط كقوله إن شفى الله مريضي أو سلم مالي الغائب فلله علي كذا لزمه الوفاء بما سمي إلا فيمن نذر الصدقة بماله فإنه يجزئه ثلثه فإن نذرها ببعضه لزمه المسمى وعنه إن زاد البعض المسمى على ثلث الكل أجزأه قدر الثلث وهو الأصح وفيما عدا ذلك لم يلزم المسمى رواية واحدة.
ومن قال لله علي نذر ولم ينو شيئا لزمه كفارة يمين ومن علق نذره بشرط بقصد المنع منه أو الحمل عليه كقوله إن كلمت زيدا فعلي الحج وإن لم أضرب عمرا فمالي صدقة ونحوه ويسمى نذر اللجاج والغضب إن انعقد ولم يتعين الوفاء به إذا وجد الشرط بل يتخير بينه وبين كفارة يمين.
ومن نذر فعل واجب أو حرام أو مكروه أو مباح كقوله لله على أن أصوم فرض رمضان أو أشرب الخمر أو أطلق زوجتي أو أدخل داري ونحوه انعقد

نذره موجب لكفارة يمين إن لم يفعل ما قال مع بقاء الوجوب والتحريم والكراهة والإباحة بحالهن كما لو حلف على ذلك وعنه ما يدل على أنه لاغ لا كفارة فيه.
ومن نذر ذبح ولده لزمه كفارة يمين وعن ذبح كبش ومن نذر صوم يوم العيد لزمه صوم يوم كما في اليوم المطلق وعنه لا يلزمه صوم وعلى الروايتين هل يلزمه كفارة على روايتين ومن نذر صوم أيام التشريق فهو كنذر صوم العيد إذا لم نجز صومها عن الفرض وإن أجزناه فهو كنذر سائر الأيام ويتخرج أن يكون كنذر العيد أيضا.
ومن نذر صوم شهر بعينه فصام قبله لم يجزه وإن جن جميعه لم يلزمه قضاؤه على الأصح وإن أفطره لعذر أو غيره لزمه قضاؤه متتابعا وعنه لا يجب التتابع في قضائه إذا لم يشرطه ولم ينوه بنذره وإن أفطر من أوله قضى ما أفطره متتابعا متصلا بتمامه وعنه يجوز تأخيره وتفريقه وإن أفطر في أثنائه فقط لغير عذر بطل ما مضى وكان كمن ابتدأ الصوم في أثنائه على الأولى وعلى الثانية ما أفطر منه لا غير كيف شاء وإن أفطر في أثنائه لعذر لا يقطع تتابع صوم الكفارة بنى رواية واحدة وفي فصل القضاء وتتابعه الروايتان وعليه في ذلك كله كفارة يمين وعنه لا كفارة على المعذور.
ومن قال لله علي صوم شهر لزمه متتابعا وعنه لا يلزمه التتابع إلا بشرط أو نية كما لو نذر صوم عشرة أيام أو ثلاثين يوما ونحوه ومتى قطع تتابعه بغير عذر لزمه الاستئناف وإن قطعه لعذر استأنفه متتابعا بلا كفارة أو بنى على ما مضى وعليه كفارة يمين.
ومن نذر صوم سنة بعينها لم يتناول شهر رمضان ولا الأيام المنهي عن صوم الفرض فيها وعنه يتناولها فيقضيها وفي الكفارة وجهان وعنه يتناول أيام النهي دون أيام رمضان.

ولو قال لله علي أن أصوم سنة ففي وجوب التتابع حسب الإمكان الروايتان في الشهر ويلزمه الصوم اثنى عشر شهرا سوى رمضان وأيام النهي وإن شرط التتابع وقال صاحب المغني متى شرط التتابع فهو كنذر السنة المعينة في إجزاء أحد عشر شهرا سوى أيام النهي ولو قال على سنة من وقتي هذا أو من شهر كذا فهي كالمعينة الطرفين عند أصحابنا وعندي هي كالمطلقة في لزوم اثنى عشر شهرا للنذر.
ومن نذر صوم يوم يقدم فلان فقدم ليلا لم يلزمه شيء وإن قدم نهارا وقد بيت النية له بخبر سمعه صح صومه وأجزأه وإن نوى حين قدم وهو ممسك فكذلك وعنه لا يجزئه بل يقضي وفي الكفارة لكونه معذورا روايتان وإن قدم وهو مفطر أو في يوم عيد أو في رمضان لزمه القضاء وفي الكفارة روايتان وعنه لا شيء عليه.
ومن نذر صوما فتركه لكبر أو مرض لا يرجى زواله فقيل تلزمه كفارة يمين فقط وقيل بل إطعام مسكين لكل يوم والمنصوص عنه وجوبهما وإن نذره مع هذا العجز فكذلك وقيل لا ينعقد نذره ومن نذر صوما لزمه يوم بنية من الليل وإن نذر صلاة لم يجزه دون ركعتين وعنه يجزئه ركعة.
ومن نذر صلاة أو اعتكافا بمسجد مكة لم يجزئه بغيره وإن نذره بمسجد المدينة لم يجزئه إلا به أو بمسجد مكة وإن نذره بالمسجد الأقصى لم يجزئه إلا بأحد الثلاثة وإن عينه بمسجد سواها أجزأ فيه وفيها وكذلك فيما سواها لكن في الكفارة وجهان.
ومن نذر المشي إلى بيت الله أو بقعة من الحرم لزمه الشيء في حجة أو عمرة فإن ترك المشي وركب لعذر أو غيره لزمه كفارة يمين وعنه دم وكذلك إن نذر الركوب فمشى ففيه الروايتان.
ومن نذر أن يطوف على أربع طاف طوافين نص عليه.

كتاب القضاء
مدخل

كتاب القضاء
نصب القضاة فرض كفاية فيلزم الإمام أن يرتب في كل إقليم قاضيا ويختاره أفضل من يجد علما وورعا ويأمره بتقوى الله وبأن يتحرى العدل ويجتهد في إقامته وأن يستخلف في كل صقع أصلح من يجد لهم ويلزم من يصلح له إذا دعى إليه ولم يوجد من يوثق به غيره أن يجيب إليه وعنه لا يجب نصبه ولا الإجابة إليه ويكره لمن يصلح له أن يطلبه إذا وجد غيره فإن دعى إليه فهل الأفضل الإجابة أو تركها على وجهين.
ولا يصح ولاية القضاء إلا بتولية الإمام أو نائبه ويشترط أن يعرف المولى وكونه صالحا للقضاء وأن يعين ما يوليه الحكم فيه من البلدان والأعمال.
وإذا كان المولى نائب الإمام ففي اشتراط عدالته روايتان.
والألفاظ الصريحة للتولية مثل وليتك الحكم وقلدتك الحكم ورددت أو فوضت أو جعلت إليك الحكم واستنبتك أو استخلفتك في الحكم فإذا وجد لفظ منها وقبول المولى في المجلس إن كان حاضرا وفيما بعده إن كان غائبا انعقدت الولاية والكتابة نحو اعتمدت أو عولت عليك ووكلت أو أسندت إليك فلا ينعقد بها إلا بقرينة كقوله فاحكم فيما عولت عليك ونحوه والأولى إذا كان ببلد آخر أن يكاتبه بالولاية ولا تثبت إلا بشاهدين أو بالاستفاضة إذا كان بلده قريبا يستفيض فيه أخبار بلد المولى له.
ويصح تعليق ولاية القضاء والإمارة بالشرط ويجوز أن يوليه عموم النظر في عموم العمل وأن يوليه خاصا فيهما أو في أحدهما بتولية عموم النظر أو خاصة في محلة خاصة فمنعه حكمها في أهلها ومن يطرأ إليها.
ويجوز أن يولى قاضيين في بلد واحد وقيل إن ولاهما فيه عملا واحدا لم يجز.

وإذا حكم اثنان بينهما في المال من يصلح للقضاء نفذ حكمه وإن حكماه في نكاح أو لعان أو قود أو حد قذف فعلى روايتين.
وتقيد ولاية الحكم العامة عشرة أشياء الفصل بين الخصوم وأخذ الحق لبعضهم من بعض والحجر على من يستوجبه لسفه أو فلس والنظر في أموال غير الرشدين والنظر في الوقوف وعمله ليعمل بشروطها وتنفيذ الوصايا وتزويج النساء إذا لم يكن ذلك لغيره وإقامة الحدود وإقامة الجمعة والعيد والنظر في مصالح الطرق والأفنية بعمله وكف الأذى عنها وتصفح حال شهوده وأمنائه ليستبقى أو يستبدل من كان أهلا لذلك فأما جباية الخراج والزكاة إذا لم تختص بعامل فعلى وجهين.
ويشترط في القاضي عشر صفات كونه بالغا عاقلا ذاكرا حرا مسلما عدلا سميعا بصيرا متكلما مجتهدا وفي كونه كاتبا وجهان وما فقد منها في الدوام أزال الولاية إلا في فقد السمع أو البصر فيما ثبت عنده ولم يحكم به فإن ولاية حكمه باقيه فيه والمجتهد من يعرف من الكتاب والسنة الحقيقة والمجاز والأمر والنهي والمبين والمجمل والمحكم والمتشابه والعام والخاص والمطلق والمقيد والناسخ والمنسوخ والمستثنى منه ويعرف أخبار السنة صحيحها وسقيمها وتواترها وآحادها ومسندها ومرسلها مما له تعلق بالأحكام ويعرف ما اجتمع عليه واختلف فيه والقياس وشروطه وكيف يستنبط والعربية المتداولة بالحجاز واليمن والشام والعراق وبواديها وكل ذلك مذكور في أصول الفقه وفروعه فمن وقف عليه أو على أكثره ورزق فهم ذلك صلح للقضاء والفتيا.
وللقاضي طلب الرزق من بيت المال لنفسه وخلفائه وأمنائه مع الحاجة وفيه بدونها وجهان.
وإذا مات الإمام أو عزل من ولاه مع صلاحيته لم ينعزل وقيل ينعزل

كما لو كان الميت أو العازل قاضيا وفي العزل حيث قلنا به قبل العلم وجهان كالوكيل.

باب أدب القاضي

باب أدب القاضي
ينبغي له أن يكون قويا بلا عنف لينا من غير ضعف بصيرا بأحكام الحكام قبله وإذا ولى في غير بلده سأل عن علمائه وعدوله ونفذ عند مسيره من يعلمهم بيوم دخوله ليتلقوه ويدخل البلد يوم الإثنين أو الخميس أو السبت لابسا أجمل ملبوسه ويأتي الجامع ويصلي فيه ركعتين ويجلس مستقبل القبلة ويأمر بعهده فيقرأ على الناس ويأمر من ينادي بيوم جلوسه للحكم ثم يمضي إلى منزله وينفذ بتسلم ديوان الحكم ممن قبله ثم يخرج في يوم الوعد بأعدل أحواله غير غضبان ولا جائع ولا حاقن ولا مهموم بأمر يشغله عن الفهم ويسلم على من مر به ثم على من في مجلس ويصلي فيه إن كان مسجدا تحيته وإلا فهو مخير ويجلس على بساط ويسأل الله توفيقه للحق وعصمته من زلل القول والعمل وليكن مجلسه في وسط البلد فسيحا كالجامع والدار الواسعة ولا يتخذ فيه حاجبا ولا بوابا وإن اتخذ كاتبا فليكن مسلما عدلا حافظا عالما يجلس بحيث يشاهد ما يكتبه ويجعل القمطر مختوما بين يديه ويعرض أصحاب القصص ويقدم الأول فالأول ولا يقدمه في أكثر من حكومة واحدة وإن حضروا دفعة وتشاحوا قدم أحدهم بالقرعة إلا المسافر المرتحل فإنه يقدم ويعدل بين الخصمين في الخطة ولفظه ومجلسه ودخولهما عليه إلا للمسلم مع الكافر فإنه يفضل عليه دخولا وأما جلوسا فعلى وجهين ولا يسارر أحدهما ولا يلقنه صحته ولا يضيفه ولا يعلمه الدعوى لكن في تحريرها له إذا لم يحسنه وجهان وما لزم ذكره فيها من شرط عقد أو سبب ونحوه إذا لم يذكره سأله عنه ليتحرر وله أن يذب عنه ويسأل خصمه أن ينظره وفي سؤال الوضع عنه روايتان.

وينبغي أن يحضر مجلسه فقهاء المذهب ويشاورهم فيما يشكل عليه فإن اتضح له حكم وإلا أخره حتى يتضح ولا يقلد غيره وإن كان أعلم منه ولا يقضي مع الغضب ونحوه مما يشغل فهمه وإن خالف وحكم نفذ حكمه وقيل لا ينفذ وقيل إن عرض ذلك بعد فهم الحكم نفذ وإلا فلا.
ولا يحل أن يرتشي ولا يقبل هدية إلا ممن كان يهاديه قبل ولايته إذا لم تكن له حكومة ويكره البيع والشراء إلا بوكيل لا يعرف به ويستحب له إتيان المرضى والجنائز مالم يشغله عن الحكم ويحضر الولائم كغيره فإن كثرت تركها ولا يجيب قوما دون قوم ولا ينفذ حكمه لنفسه وفي حكمه لمن لا تقبل شهادته له وجهان وإن حكم بينهم بعض خلفائه جاز.
وأول ما ينظر فيه أمر المحبوسين فينفذ ثقة يكتب اسم كل محبوس ومن حبسه وفيم حبسه وفي رقعة مفردة ثم ينادي في البلد إن القاضي ينظر في أمر المحبوسين فمن له خصم فليحضر فإذا جلس القاضي لوعده أخرج رقعة1 وقال هذه رقعة فلان فمن خصمه فإن نظر بينهما وإن بان حبسه تعزيزا أو في تهمة خلاه أو أبقاه بقدر ما يرى ومن لم يظهر له خصم وقال حبست ظلما ولا خصم لي نودي بذلك فإن ظهر له خصم وإلا حلفه ثم أطلقه.
ثم يسأل عن جهة الأيتام والمجانين والوقوف والوصايا فنظر فيما ليس له منها ناظر معين ولا ينقض من أحكام القاضي قبله إلا ما ينقض من حكم غيره.
ومن استعداه على خصم حاضر في البلد أحضره لكن في اعتبار تحرير الدعوى بذلك وجهان إلا أن يكون الحاكم معزولا فيعتبر تحرير الدعوى في حقه
__________
1 في المغني "فيأمر مناديا ينادي في البلد ثلاثة أيام: ألا بأن القاضي فلان بن فلان ينظر في أمر المحبوسين يوم كذا فمن كان له محبوس فليحضر، فإذا حضر ذلك اليوم وحضر الناس ترك الرقاع التي فيها أسماء المحبوسين بين يديه. ومذ يده إليها، فما وقع في يده منها نظر إلى اسم المحبوس الخ"

وفي إحضاره قبل مراسلته وجهان وعنه كل من يخشى بإحضاره ابتذاله إذا بعدت الدعوى عليه في العرف لم يحضر حتى تحرر فيتبين لها أصلا ومن ادعى على امرأة غير برزة لم تحضر وأمرت بالتوكيل فان لزمها يمين أرسل من يحلفها وكذلك المريض ومن ادعى على غائب بموضع لا حاكم فيه أرسل إلى ثقات الموضع للصلح بينهما فإن تعذر قيل المدعي حقق دعواك ثم يحضره قربت المسافة أو بعدت ولا يعتبر لإحضار المرأة البرزة المحرم إذا تعذر نص عليه.

باب طريق الحكم وصفته

باب طريق الحكم وصفته
يجوز للحاكم الحكم بالبينة والإقرار في مجلسه وإن لم يسمعه معه أحد نص عليه وقال القاضي لا يحكم بالإقرار في مجلسه حتى يسمعه معه شاهدان وأما حكمه بعلمه في غير ذلك مما رآه أو سمعه فلا يجوز في الأشهر عنه وعنه جوازه وعنه يجوز إلا في الحدود ويبنى على علمه في عدالة الشهود وجرحهم.
وإذا جلس إليه خصمان قال أيكما المدعي وإن سكت حتى يبتدئ جاز فمن سبق بالدعوى قدمه وإن ادعيا معا قدم أحدهما بالقرعة فإذا انتهت حكومته سمع دعوى الآخر.
ولا تصح دعوى ولا إنكار إلا من جائز التصرف ولا تصح الدعوى إلا محررة معلومة المدعى إلا ما نصححه مجهولا كالوصية والعبد المطلق قهرا ونحوه فتصح به كذلك ثم إن كان المدعى عينا حاصرة عينها وإن كان غائبا أو في الذمة وصفه بما ينضبط به وذكر إن كان مثليا قدره والأولى مع ذلك ذكر قيمته وإن كان متلفا محلى قومه بغير جنس حليته إلا المحلى بذهب وفضة معا فيقومه بأيهما شاء للحاجة وإن كان نقدا من نقد البلد كفى ذكر قدره وقيل لا بد من وصفه.
وإذا ادعى عقد نكاح أو بيع أو غيرهما فلا بد من ذكر شروطه وقيل

لا يشترط ذلك إلا في النكاح وقيل يشترط فيه وفي ملك الإماء خاصة.
وإذا ادعت امرأة نكاح رجل لطلب نفقة أو مهر أو نحوه سمعت دعواها وإن لم تدع سوى النكاح فوجهان.
وإن ادعى الإرث ذكر سببه وإن ادعى قتل موروثه ذكر كون القاتل منفردا أو مشاركا وكون القتل عمد أو خطأ أو شبه عمد ووصفه.
وإذا حرر المدعي دعواه سأل الحاكم خصمه عنها وقيل لا يسأله حتى يسأل المدعي سؤاله والأول أصح فإن أقر حكم له عليه ولا يحكم بإقرار ولا بينة ولا نكول حتى يسأله المدعي الحكم وإن أنكر بان قال لمن ادعى قرضا أو ثمنا ما أقرضني أو ما باعني أو ما يستحق علي شيئا مما ادعاه أولا حق له علي ونحوه صح الجواب ويقول الحاكم للمدعي إن لم يعرف أن هذا موضع البينة إن كان لك بينة فأحضرها فإن أحضرها سمعها وحكم بها.
ويعتبر عدالة البينة ظاهرا وباطنا اختاره الخرقي والقاضي وعنه تقبل شهادة كل مسلم لم يظهر للحاكم منه ريبة واختارها أبو بكر فإن جهل إسلام الشاهد رجع إلى قوله وإن جهل حريته حيث يعتبر فوجهان وإن جهل عدالته سأل عنه على الأولى ولم يسأل على الثانية إلا أن يطعن في الخصم ويكفي في تزكيته أن يشهد عدلان أنه عدل رضي ومن ثبتت عدالته مرة لم يلزم البحث عنها مرة أخرى وقيل يلزم مع طول المدة وهو المنصوص عنه.
وإذا سأل المدعي قبل التزكية حبس خصمه أو كفيلا به في غير الحد أو تعديل العين المدعاة لئلا تغيب حتى تزكى الشهود أو سأله من أقام بالمال شاهدا حتى يقيم آخر أجيب مدة ثلاثة وقيل لا يجاب.
وإن جرح الخصم الشهود كلف البينة وأنظر له ثلاثا وللمدعي ملازمته فإن لم يأت ببينة حكم عليه ولا يسمع الجرح إلا مبين السبب وعنه يكفي المطلق فالمبين أن يذكر ما يقدح في العدالة عن رؤية أو استفاضة والمطلق أن يقول

هو فاسق أو ليس بعدل وقال القاضي في خلافة هذا هو المبين والمطلق أن يقول الله أعلم به ونحوه.
وإذا رتب الحاكم من يسأل في السر عن الشهود لتزكية أو جرح فهل تراعى شروط الشهادة بذلك فيهم أو في المسئولين على وجهين ومن جرحه اثنان فالجرح أولى وإن جرحه واحد وعدله اثنان وقبلناه فتزكية الاثنين أولى منه.
وإذا ارتاب الحاكم بشهود لم يخبر قوة ضبطهم ودينهم استحب أن يفرقهم ويسأل كل واحد عن كيفية التحمل وأين ومتى وبأي موضع كان وهل تحمل وحده أو مع غيره فإن اختلفوا لم يقبلها وإن اتفقوا وعظهم وخوفهم ثم حكم إن ثبتوا.
وإذا حاكم من لا يعرف لسانه ترجم له من يعرفه ولا يقبل في الترجمة والتزكية والجرح والتعريف والرسالة إلا قول عدلين وعنه يقبل واحد وتقبل تزكية المرأة وتزكية الأعمى لمن لم يخبره قبل عماه وتزكية الوالد للولد والتزكية بدون لفظ الشهادة على الثانية دون الأولى ويكفي على الأول ترجمة رجل وامرأتين في المال ونحوه دون ما يفتقر إلى رجلين.
وإذا قال المدعي مالي بينة أعلمه الحاكم أن له اليمين على خصمه على صفة جوابه فإن سأل إحلافه أحلفه وخلى سبيله ولا يعتد بيمينه قبل مسألة المدعي فإن نكل قضى عليه بالنكول نص عليه فيقول إن حلفت وإلا قضيت عليك ويستحب أن يكرره ثلاثا فإن لم يحلف قضى عليه وسواء كان مأذونا له أو مريضا أو غيرهما ويتخرج أن يحبس حتى يقرأ أو يحلف وقال أبو الخطاب ترد اليمين على المدعي فإذا حلف قضى عليه وإن نكل صرفها وقد صوبه أحمد في رواية أبي طالب فقال ما هو ببعيد أن يحلف ويأخذ يقال له احلف

وخذ ولا يشترط على القول بالرد إذن الناكل فيه على ظاهر كلامه وشرطه أبو الخطاب.
ومن بذل منهما اليمين بعد نكوله لم يسمع منه إلا في مجلس آخر بشرط عدم الحكم وإذا قال المدعي مالي بينة ثم أتى بينة لم تسمع نص عليه وقيل تسمع أحلفه أو لم يحلفه كما لو قال مكان مالي ما أعلم لي وإذا قال لي بينة وأريد تحليفه ثم أقام البينة ملكهما إلا إذا كانت حاضرة في مجلس الحكم فلا يملك إلا إقامتها من غير تحليف أو تحليفه من غير أن تسمع البينة بعده وقيل لا يملكها إلا إذا كانت عائبة عن البلد.
وإذا سكت المدعي عليه فلم يتكلم أو قال لا أقر ولا أنكر قال له الحاكم إن أجبت وإلا جعلتك ناكلا وقضيت عليك وقيل يحبس حتى يجيب إلا أن يكون للمدعي بينة فيقضي له بها وجها واحدا وإن قال لي مخرج مما ادعاه فليس بجواب وإن قال لي حساب أريد أن أنظر فيه أنظر ثلاثا وقيل لا يلزم إنظاره.
وإن قال إن ادعيت هذا المبلغ ثمن سلعة كذا التي بعتنيها ولم تقبضنيها فنعم وإن ادعيته غير ذلك أجبت وإن ادعيت ألفا مطلقا فلا حق له قبلي أو قال إن ادعيت ألفا على رهن فلاني لي في يدك فلا تستحق على شيئا فقد أجابه.
وإن قال بعد ثبوت الدعوى ببينة قضية أو أبرأني أو قاله في جوابها وجعلناه مقرا سئل البينة على ذلك وأنظر لها ثلاثا وللمدعي ملازمته فإن أتى ببينة وإلا حلف المدعي على بقاء حقه واستحقه فإن نكل قضى عليه بنكوله وصرف وعلى القول بالرد له أن يحلف خصمه فإن أبي قضى عليه بالحق.
هذا كله اذا لم ينكر المنكر أولا سبب الحق فأما إن نكره ثم ثبت فادعى

قضاء أو إبراء سابقا لإنكاره لم يسمع منه وإن أتى ببينة نص عليه وقيل يسمع بالبينة.
ومن ادعى على غائب أو مستتر في البلد أو ميت أو صبي أو مجنون وله بينة سمعت وحكم له بها ويستحلفه الحاكم على بقاء حقه وعنه لا يستحلفه ثم هم بعد الرشد والحضور على حججهم وعندي لا يقضى على الغائب.
ومن ادعى على حاضر في البلد غائب عن مجلس الحكم وأتي ببينة لم تسمع الدعوى ولا البينة عليه حتى يحضر وقيل يسمعان ويحكم عليه ونقل أبو طالب يسمعان ولكن لا يحكم عليه حتى يحضر وهو الأصح فإن امتنع من الحضور ألجئ إليه بالشرطة والتنفيذ إلى منزله مرارا وإقعاد من يضيق عليه ببابه في دخوله وخروجه أو ما يراه الحاكم من ذلك فإن أصر على التغيب سمعت البينة وحكم بما عليه قولا واحدا.
ومن ادعى أن أباه مات عنه وعن أخ له غائب وله عين أو دين عند فلان فأقر فلان بذلك سلم إلى المدعي نصيبه ويتسلم الحاكم نصيب الغائب وقيل يتركه إذا كان دينا في ذمة غريمه حتى يقدم وحكم الحاكم لا يحيل الشئ عن صفته في الباطن إلا في أمر مختلف فيه قبل الحكم فإنه على روايتين.
وإذا رفع إليه حكم حاكم قد اتصل بمختلف فيه لينفذه لزمه تنفيذه وإن كان المختلف فيه نفس الحكم لم يلزمه تنفيذه إلا أن يحكم به حاكم آخر قبله.
وإذا رفع إليه خصمان عقدا فاسدا عنده جائزا عند غيره وأقرا بأن حاكما نافذ الحكم قد حكم بصحته فهو مخير بين أن يلزمهما ما أقرا وبين أن يرده ويحكم فيه بمذهبه ذكره القاضي.
ومن حكم بحد أو قود بشهود ثم بانوا عبيدا فله نقضه إذا كان لا يرى قبولهم في ذلك وكذلك كل مختلف فيه صادف ما حكم فيه ولم يعلم به.
وإذا حكم بحق ثم بان كفر الشهود أو فسقهم نقضه ويرجع بالمال وبدل

القود المستوفى على المحكوم له وإن كان الحكم لله بإتلاف أو بما سرى إليه ضمنه المذكورون وقيل الحاكم وقيل أيهما شاء المستحق والقود على المزكين وإن لم يكن ثم تزكية فعلى الحاكم وحده وعنه لا ينقض لفسقهم فلا ضمان.
وإذا فعل الحاكم مختلفا فيه كتزويج بلا ولي وشراء عين غائبة ليتيم ونحوه ساغ رده ما لم يتصل به حكم منه أو من غيره.
ومن ادعى أن الحاكم حكم له بحق فلم يذكره فشهد عدلان بحكمة به قبل شهادتهما وأمضاه وكذلك إن شهدا أن فلانا وفلانا شهدا عندك بكذا قبل شهادتهما ولو وجد حكمه بخطة متيقنا له ولم يذكره نفذه وعنه لا ينفذه حتى يذكره وعنه إن كان في حرزه وحفظه كقمطره ونحوه نفذه وإلا فلا وكذلك الروايات في شهادة الشاهد بناء على خطه إذا لم يذكره.
وإذا عزل الحاكم فقال حكمت في ولايتي لفلان على فلان بكذا قبل قوله وحده كما قبل قبل العزل نص عليه ويحتمل أن لا يقبل إلا على وجه الشهادة إذا كان عن إقرار.
ومن ادعى أن الحاكم المعزول حكم عليه بشهادة فاسقين عمدا ليغرمه فالقول قول القاضي بلا يمين.
ومن كان له عند إنسان حق وتعذر أخذه بالحاكم وقدر له على مال لم يجز له في الباطن أخذه منه نص عليه ويتخرج جوازه بناء على تنفيذ الوصي الوصية مما في يده إذا كتم الورثة بعض التركة فعلى هذا يأخذ من جنس حقه بقدره إن أمكن وإلا فمن غيره بالقيمة متحريا للعدل في ذلك

باب كتاب القاضي إلى القاضي

باب كتاب القاضي إلى القاضي
يقبل كتاب القاضي إلى القاضي في كل حق إلا حقوق الله تعالى كحد الزنا وحد القذف إذا غلبنا فيه حق الله تعالى ونحوهما وعنه لا يقبل إلا فيما يقبل

فيه شاهد ويمين ورجل وامرأتان وعنه ما يدل على قبوله إلا في الدماء والحدود.
ويقبل فيما حكم به لينفذه وإن كانا في بلد واحد ولا يقبل فيما ثبت عنده ليحكم به إلا أن يكون بينهما مسافة القصر وقيل يقبل إذا لم يمكن الذاهب إليه العود في يومه.
ويجوز أن يكتب إلى قاض بعيد وإلى كل من يصل إليه كتابه من قضاة المسلمين.
ولا يقبل الكتاب إلا أن يشهد به القاضي الكاتب شاهدين يحضرهما فيقرأ عليهما ثم يقول اشهد أن هذا كتابي إلى فلان بن فلان ويدفعه إليهما فإذا وصلا دفعاه إلى المكتوب إليه وقالا نشهد أن هذا كتاب فلان إليك كتبه بعمله وأشهدنا عليه.
وبو كتب كتابا وأدرجه وختمه وقال هذا كتابي إلى فلان اشهدا علي بما فيه لم يصح وعنه ما يدل على الصحة فعلى هذا إن عرف المكتوب إليه أنه خط القاضي الكاتب وختمه فهل يقبل بمجرد ذلك على وجهين.
وإذا وصل الكتاب فأحضر الخصم المذكور فيه باسمه ونسبه وحليته فقال ما أنا بفلان المذكور فيه فالقول قوله مع يمينه ما لم تقم بينة بذلك فإن ثبت ذلك ببينة أو إقرار فقال المحكوم عليه غيري وهو مثلي نسبا وصفة لم يقبل منه إلا ببينة تشهد أن في البلد آخر كذلك فيتوقف حتى يعلم الخصم منهما.
ولو كان الكتاب في عبد أو حيوان بالصفة ولم يثبت له مشارك في صفته سلم إلى المدعي مختوم العنق وأخذ منه كفيل يأتي به إلى القاضي الكاتب فيشهد الشهود على عينه ويقضي له به ويكتب له كتابا آخر ليبرأ كفيله.
وحتى تغيرت حال القاضي الكاتب بعزل أو موت لم يقدح في كتابه وإن تغيرت بفسق لم يقدح فيما حكم به وقدح فيما ثبت عنده ليحكم به وإن تغيرت

حال المكتوب إليه فلمن قام مقامه قبول الكتاب والعمل به وكذلك إن لم تتغير حاله ووصل إلى غيره ذكره القاضي.
وإذا حكم عليه فقال له اشهد لي عليك بما جرى حتى لا يحكم علي القاضي الكاتب لزمه ذلك.
وكل من ثبت له عند حاكم حق أو ثبتت براءته مثل إن أنكر وحلفه الحاكم فسأله أن يشهد له بما جرى عنده من براءة أو ثبوت مجرد إو متصل بحكم وتنفيذ أو سأله أن يحكم له بما ثبت عنده لزمه إجابته وقيل إن ثبت حقه ببينة لم تلزمه الإجابة وإن سأل مع الإشهاد بذلك كتابته وأتاه بكاغد أو كان من بيت المال كاغد كذلك فهل تلزمه الكتابة على وجهين.
ويسمى ما تضمن الحكم بالبينة سجلا وما سواه محضرا ويجعل السجل نسختين نسخة يدفعها إليه ونسخة يحبسها عنده.
وصفة المحضر "بسم الله الرحمن الرحيم حضر القاضي فلان ابن فلان الفلاني قاضي عبد الله الإمام فلان على كذا".
وإن كان نائبا كتب "خليفة القاضي فلان قاضي عبد الله الإمام فلان في مجلس حكمه وقضائه بموضع كذا مدع ذكر أنه فلان بن فلان وأحضر معه مدعي عليه ذكر أنه فلان بن فلان فادعى عليه بكذا فأقر له أو فأنكر معه فقال القاضي للمدعي ألك بينة قال نعم فأحضرها وسألها سماعها ففعل أو فأنكر ولم يقم للمدعي بينة وسأل إحلافه فأحلفه وإن نكل عن اليمين ذكر ذلك وأنه حكم عليه بالنكول وإن رد اليمين فحلفه حكى ذلك وسأله أن يكتب له محضرا بما جرى فأجابه إليه في يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا ويعلم في الإقرار وجرى الأمر على ذلك" وفي البينة "شهدا عندي بذلك".
وإما السجل فهو لإنفاذ ما ثبت عنده والحكم به وصفته أن يكتب "هذا.

ما أشهد عليه القاضي فلان بن فلان كما قدمنا من حضره من الشهود أشهدهم أنه ثبت عنده بشهادة فلان وفلان وقد عرفهما بما رأى معه قبول شهادتهما بمحضر من خصمين ويذكرهما إن كلنا معروفين وإلا قال مدع ومدعي عليه جاز حضورهما وسماع الدعوى من أحدهما على الآخر معرفة فلان بن فلان ويذكر المشهود عليه وإقراره طوعا في صحة منه وجواز أمر بجميع ما سمي ووصف في كتاب نسخته كذا وينسخ الكتاب المثبت أو المحضر جميعه حرفا حرفا فاذا ضاع منه قال وأن القاضي أمضاه وحكم به على ما هو الواجب في مثله بعد أن سأله ذلك والإشهاد به الخصم المدعي ويذكر اسمه ونسبه ولم يدفعه الخصم الحاضر معه بحجة وجعل كل ذي حجة على حجته وأشهد القاضي فلان على إنفاذه وحكمه وإمضائه من حضره من الشهود في مجلس حكمه في اليوم المؤرخ في أعلاه وأمر بكتب هذا السجل نسختين متساويتين تخلد نسخة بديوان الحكم ونسخة تدفع إلى من كتب له وكل واحدة منهما حجة بما أنفذه فيهما".
ولو كتب كما قدمنا لكنه لم يذكر بمحضر من خصمين ساغ ذلك لجواز القضاء على الغائب ومهما اجتمع عنده من محاضر وسجلات في كل أسبوع أو شهر على حسبها قلة وكثرة فإنه يضم بعضها إلى بعض وتكتب أو سجلات كذا من وقت كذا.
وإذا أخبر قاض قاضيا في غير عملهما أو في عمل أحدهما بحكم أو ثبوت لم يعمل به بحال إلا أن يخبر في عمله قاضيا في غير عمله ويجيز له الحكم بعلمه فيعمل به إذا بلغ عمله وقيل يقبل إخباره على الإطلاق كإخباره معزولا على أصلنا.

باب القسمة

باب القسمة
لا يجوز قسمة الأملاك التي لا تنقسم إلا بضرر أو رد عوض إلا بتراضي الشركاء مثل الحمام والدور الصغار والأرض التي لا تتعدل بأجر ولا قيمة لبناء أو بئر في بعضها ونحو ذلك وهذه القسمة في حكم البيع لا يجوز فيها إلا ما يجوز فيه.
فأما مالا ضرر فيه ولا رد عوض في قسمته كالقرية والبستان أو الدار الكبيرة والأرض أو الدكان الواسعة والمكيل والموزون من جنس من مثل الدبس وخل التمر وخل العنب والأدهان والألبان ونحوها إذا طلب الشريك قسمته أجبر الآخر عليها وهذه القسمة إقرار لا بيع في ظاهر المذهب فيجوز قسمة الوقف من ذلك وما بعضه وقف.
ويجوز قسمة ثمر الشجر الذي يخرص خرصا وقسمة ما يؤكل وزنا وما يوزن كيلا وأن يتفرقا في قسمة ذلك قبل القبض.
وإذا حلف لا يبيع فقسم لم يحنث وحكي عن ابن بطة كونها كالبيع فتنعكس هذه الأحكام وعلى الوجهين تفسخ بالعيب ولا توجب الشفعة وما بعضه وقف ولا تتعدل إلا برد عوض من أهل الوقف فتجوز قسمته بالتراضي على الأصح وإن كان الرد من رب المطلق لم يجز قسمته بحال.
والضرر المانع من قسمة الإجبار نقص قيمة المقسوم بها في ظاهر كلامه وظاهر قول الخرقي أنه عدم النفع به مقسوما.
وإن تضرر أحد الشريكين وحده كرب الثلث مع رب الثلثين بأن طلب المتضرر القسمة أجبر الآخر وإلا فلا إجبار وعنه أيهما طلب لم يجبر الآخر وحكى عن القاضي عكس الأولى.
وما تلاصق من الدور والعقار والخانات فهو كالمتفرق.

ويعتبر الضرر وعدمه في كل عين منه مفردة لا في مجموعة.
ومن كان بينهما عبيدا أو بهائم أو ثياب ونحوها من جنس واحد فطلب أحدهما قسمتها أعيانا بالقيمة أجبر الآخر نص عليه وقيل لا يجبر كمختلف الجنس.
وإذا كان بينهما حائط أو عرصة حائط فقيل لا إجبار في قسمتها بحال وهو الأصح وقال القاضي إن طلب قسمة طولهما في كمال العرض إو طلب قسمة العرصة عرضا وكانت تسع حائطين أجبر الممتنع وإلا فلا وقال أبو الخطاب في الحائط كالأول وفي العرصة كالثاني وقيل لا إجبار فيهما إلا في قسمة العرصة طولا كما في كمال العرض خاصة.
وإذا كان بينهما دار ذات سفل وعلو فطلب أحدهما جعل السفل لواحد والعلو للآخر لم يجبر الممتنع.
وإذا كان بينهما منافع واقتسماها بالزمان أو المكان جاز ولزم العقد إذا كانت إلى مدة معلومة وإلا فهو جائز عندي وقيل هو جائز غير لازم بكل حال وإذا امتنع أحدهما لم يجبر الممتنع وعنه ما يدل على أنه يجبر وعندي يجبر في القسمة بالمكان إذا لم يكن فيه ضرر ولا يجبر بقسمة الزمان.
وإذا كان بينهما أرض فيها زرع لهما فطلب أحدهما قسمتها دون الزرع قسمت كالخالية منه وإن طلب قسمة الزرع دونها أو قسمتهما لم يجبر الممتنع فإن تراضيا عليه والزرع قصيل أو قطين جاز وإن كان بذرا أو سنبلا مشتد الحب لم تجز القسمة وقيل تجوز وإذا قسما مع الأرض وأجازه القاضي في السنبل مع الأرض دون البذر.
فإذا كان بينهما نهر أو قناة أو عين ماء فالماء بينهما على ماشرطا عند استخراج ذلك والنفقة عند الحاجة على قدر الحقين فإن رضيا بقسمته مهايأه بالزمان أو بأن ينصب حجر مستو أو خشبة في مصدم الماء فيه ثقبان على قدر حقيهما جاز فإن أراد أحدهما أن يسقي بنصيبه أرضا لا شرب لها من هذا الماء لم يمنع وقيل

يمنع ويحتمل إذا قلنا الماء لا يملك بملك أرضه أن ينتفع كل واحد منهما بقدر حاجته.
ويجوز للشركاء أن يتقاسموا بأنفسهم وبقاسم ينصبونه أو يسألون الحاكم نصبه وتكون الأجرة على قدر الأملاك نص عليه وقيل على عدد الملاك.
ومن شرط من ينصب أن يكون عدلا عارفا بالقسمة وإن كان عبدا ولا بد من قاسمين إن كان في القسمة تقويم وإلا كفى واحد وقيل يكفي الواحد مطلقا.
ويعدل القاسم السهام بالأجزاء إن تساوت وبالقيمة إن اختلفت وبالرد إن اقتضته وإذا تمت القرعة لزمت القسمة وقيل لا تلزم فيما فيه رد حتى يرضيا به بعد القرعة وكيفما أقرع جاز لكن الأحوط أن يكتب اسم كل شريك في رقعة ثم تدرج في بنادق شمع أو طين متساوية قدرا ووزنا وتطرح في حجر رجل واحد لم يحضر ذلك ويقال له أخرج بندقة على هذا السهم فمن خرج سهمه كان له ثم الثاني كذلك فالسهم الباقي للثالث إذا كانوا ثلاثة واستوت أسهمهم ولو كتب اسم كل سهم في رقعة ثم قال أخرج بندقة لفلان وبندقة لفلان وبندقة لفلان جاز ولو كانت السهام الثلاثة مختلفة كنصف وثلث وسدس جزأ المقسوم ستة أجزاء وأخرج الأسماء على السهام لا غير فيكتب باسم رب النصف ثلاث رقاع ولرب الثلث وقعتين ولرب السدس رقعة ثم يخرج بندقة على أول سهم فإن خرج عليه اسم رب النصف أخذه مع الثاني والثالث وإن خرج عليه اسم رب الثلث أخذه مع الثاني ثم يقرع بين الآخرين كذلك والباقي للثالث.
ومن ادعى غلطا فيما تقاسموه بأنفسهم وأشهدوا على رضاهم به لم يلتفت إليه وإن كان فيما قسمة قاسم الحاكم فالقول قول المنكر إلا أن يكون للمدعي

بينة وإن كان فيما قسمة قاسم نصبوه وكان فيما شرطا فيه الرضا بعد القرعة لم تسمع دعواه وإلا فهو كقاسم الحاكم.
وإذا تقاسما ثم استحق من الحصتين شيء معين فالقسمة بحال في الباقي.
وإن كان في إحداهما بطلت وإن كان شائعا فيهما أو في إحداهما بطلت أيضا وقيل لا تبطل في غير المستحق وقيل بالبطلان للإشاعة في إحداهما خاصة.
وإذا اقتسم الورثة العقار ثم ظهر دين على الميت لم تبطل القسمة إلا أن نقول القسمة بيع فيكون كبيع التركة قبل قضاء الدين وفي صحته روايتان أصحهما الصحة.
وإذا اقتسما دارا فحصل الطريق في حصة أحدهما ولا منفذ للآخر لم تصح القسمة وإن كان لها ظلة فوقعت في حصة أحدهما فهي له بمطلق العقد.
وولي المولى عليه في قسمة الإجبار بمنزلته وكذلك في قسمة التراضي إذا رآها مصلحة ويقسم الحاكم على الغائب في قسمة الإجبار

باب الدعاوي والأيمان فيها

باب الدعاوي والأيمان فيها
المدعي من إذا سكت ترك والمدعي عليه من إذا سكت لم يترك ويختص اليمين المدعي عليه دون المدعي إلا في القسامة ودعاوي الأمناء المقبولة وحيث يحكم باليمين مع الشاهد أو نقول بردها.
فإذا تداعيا عينا في يد أحدهما فهي له مع يمينه بذلك إلا إن أقام له بينة فلا يحلف وإن كانت بأيديهما فهي بينهما مع تحالفهما إلا أن يدعي أحدهما نصفها فما دونه والآخر أكثر من بقيتها أو كلها فالقول قول مدعي الأقل مع يمينه فإن تداعياها وهي بيد ثالث فأقر بها لأحدهما بعينه فهي له مع يمينه ثم يحلف المقر للآخر على الأصح فإن نكل لزمه له عوضها وإن قال هي لأحدهما لا أعلم عينه فصدقاه في عدم العلم لم يحلف وإن كذباه أو أحدهما لزمه يمين واحدة بذلك ويقرع بينهما فمن خرجت له القرعة فهي له مع يمينه ولهما فعل

القرعة قبل تحليفه حيث يجب وبعده إلا إذا نكل عن يمينه فيتعين تقديمها.
ومتى قدمت لم يبق عليه حلف إلا للمقروع خاصة بشرط تكذيبه له فإن نكل عنه حينئذ لزمه له القيمة.
ولو جحدها الحالف فالقول قوله وعليه لكل واحد يمين فإن نكل لزمه لهما العين وعوضها يقترعان عليهما ويحتمل أن يتقسماها كالناكل الفذ لهما.
ومن ادعى عليه عين في يده ولا بينة فأقر بها لصبي أو مجنون أو غائب أقرت له في يده وأحلفه المدعي أنه لا يستحق تسليمها إليه فإن نكل لزمه له عوضها إن كان المدعي واحدا وإن كان اثنين تداعياها لزمه لهما عوضان إلا أن يقيم بينة أنها لمن سماه فلا يحلف.
وإن أقر بها لحاضر مكلف فصدقه فهو كأحد المتداعيين على ثالث إذا أقر له الثالث على ما سبق وإن قال المقر له ليست لي ولا أعلم لمن هي أو قال ذلك رب اليد ابتداء أعطيها المدعي الواحد والاثنان يقترعان عليها وقيل لا تعطى بغير بينة بل تجعل عند أمين الحاكم وقيل تقر في يد رب اليد وهو المذهب.
وعلى هذين الوجهين يحلف المدعي فإن عاد فادعاها لنفسه أو لثالث سمع على الوجه الثالث دون الأوليين وإن أقر بها لمجهول قيل له عرفه وإلا جعلت ناكلا عن الجواب فإن عاد فادعاها لنفسه فهل تسمع على وجهين.
وإذا تداعيا عينا ليست في يد أحد قسمت بينهما كالتي بأيديهما وقيل هي لأحدهما بالقرعة كالتي بيد ثالث.
وإذا تداعيا حيوانا أحدهما آخذ بزمامه والآخر راكبه أو عليه حمله أو قميصا أحدهما آخذ بكمه والآخر لابسه فهو للثاني.
وإن نازع صاحب الدار خياطا فيها في إبرة أو مقص أو قرابا في قربة فهي للخياط أو للقراب.
وإن تنازعا عرصة لأحدهما فيها بناء أو شجر فهي له.

وإن تنازع المؤجر والمستأجر في رف مقلوع أو مصراع وله شكل منصوب في الدار فهر لربها وإلا فهو لهما.
وإن تنازع الزوجان أو ورثتهما في قماش البيت فما يصلح للرجال كالعمامة والسيف فللرجل وما يصلح للنساء كحليهن وثيابهن فللمرأة وما يصلح لهما فبينهما حرين كانا أو رقيقين أو أحدهما نص عليه.
وكذلك إن اختلف صانعان في آلة وكان لهما حكم بآلة كل صنعة لصانعها في ظاهر كلامه وقيل إن كانت أيديهما عليه من طريق الحكم فكذلك وإن كانت اليد المشاهدة عليه منهما أو من أحدهما اعتبرت بكل حال.
ومن توجه عليه الحلف لحق جماعة فبذل يمينا واحدة لهم فرضوا جاز وإن أبوا حلف لكل واحدا يمينا ويحلف الإنسان على الميت في الإثبات والنفي إلا لنفي فعل غيره أو لنفي الدعوى على الغير فيحلف على نفي العلم وعنه في البائع يحلف لنفي عيب السلعة على العلم وعنه يمين النفي على العلم في كل شيء.
ومن لزمته يمين أجزأ أن يحلفه الحاكم بالله تعالى وحده.
وإن غلظها بزمان أو مكان أو لفظ جاز ولم يستحب فالزمان أن يحلفه
__________
قوله: "وإن غلظها بزمان أو مكان أو لفظ جاز ولم يستحب".
وهذا اختيار القاضي وغيره وقطع به في المستوعب وغيره واختار أبو الخطاب الاستحباب كمذهب الشافعي.
وذكر الشيخ تقي الدين أن أحد الأقسام معنى الأقوال أنه يستحب إذا رآه الإمام مصلحة.
وقال ابن هبيرة واختلفوا في تغليظ الزمان والمكان فقال مالك والشافعي تغلظ وعند أبي حنيفة لا تغلظ وعن الإمام أحمد روايتين كالمذهبين.

بعد العصر أو بين الأذان والإقامة والمكان بمكة بين الركن والمقام وببيت المقدس عند الصخرة وبسائر البلاد عند منبر الجامع وأهل الذمة بالمواضع التي يعظمونها.
__________
واختار الشيخ موفق الدين أن تركه أولى إلا في موضع ورد الشرع به وصح وقدم في الرعاية الكراهة.
واختار أبو بكر التغليظ في حق أهل الذمة فقط.
واختار الخرقي التغليظ في حق الكافر في المكان واللفظ.
فهذه نحو ثمانية أقوال في المسألة ولم أجد في وجوبه خلافا في المذهب.
فأما البينة فإنها تكون بموضع الدعوى ولا تغلظ بمكان ولا زمان ولا لفظ ذكره القاضي محل وفاق قاس عليه وسلم له.
قوله: "وبيت المقدس عند الصخرة".
كذا ذكر غيره وكأن ذلك إما لورود آثار لا يحتج بمثلها تدل على فضيلتها وبعضها مذكور في فضائل الشام وإما لأن العامة يعتقدون فيها ويعظمونها وهذان الأمران فيهما نظر أما الأول فظاهر وأما الثاني فلأن اليمين لا تغلظ باعتقاد العامة كما لا تغلظ عند قبر بعض المشايخ أو بعض الشجر ونحو ذلك.
بأن له عند العامة عظمة واعتقاد وحظ وافر على أن كان يلزم تخصيص المسألة بالعامة لئلا يلزم أن يكون الدليل أخص وهذا يدل على إرادتهم المعنى الأول وهو غير صالح للحجة لضعف تلك الآثار وعدم وجوب الرجوع إلى قائلها وهو وهب وكعب ونحوهما.
قال الشيخ تقي الدين في اقتضاء الصراط المستقيم بعد ذكره هذه المسألة ليس لها أصل في كلام الإمام أحمد ونحوه من الأئمة بل السنة أن تغلظ اليمين

واللفط أن يقول "والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الطالب الغالب الضار النافع الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور" ونحوه ويقول اليهودي "والله الذي أنزل التوراة على موسى وفلق له البحر وأنجاه من فرعون وملئه" ويقول النصراني "والله الذي أنزل الأنجيل على عيسى وجعله يحيى الموتى ويبرىء الأكمه والأبرص" ويحلف المجوسي بالله الذي خلقه وصوره ورزقه.
وإن بذل الحالف اليمين بالله وأبى التعظيم لم يكن ناكلا.
__________
فيها كما تغلظ في سائر المساجد عند المنبر ولا تغلظ اليمين بالتحليف عند ما لم يشرع للمسلمين تعظيمه كما لا تغلظ بالتحليف عند المشاهد ونحو ذلك.
قوله: "ويقول النصراني إلى آخره".
قال بعض الأصحاب تغليظ اليمين بذلك في حقهم فيه نظر لأن أكثرهم إنما يعتقد أن عيسى ابنا لله.
قوله: "ويحلف المجوسي إلى آخره".
لأنه يعظم خالقه ورازقه وذكر ابن أبي موسى أنه يحلف مع ذلك بما يعظمه من الأنوار وغيرها وفي تعليق أبي إسحاق بن شاقلا عن أبي بكر بن جعفر أنه قال ويحلف المجوسي فيقال له قل والنور والظلمة.
قال القاضي هذا غير ممتنع أن يحلفوا بها وإن كانت مخلوقة كما يحلفون في المواضع التي يعظمونها وإن كانت مواضع يعصى الله فيها كالبيع والكنائس وبيت النار.
قوله: "وإن بذل الحالف اليمين بالله وأبي التعظيم لم يكن ناكلا".
لأنه قد بذل الواجب عليه فيجب الاكتفاء به ويحرم التعرض له وفيه نظر لجواز أن يقال يجب التغليط إذا رآه الحاكم وطلبه وقد ذكر

ولا يستحلف في العبادات ولا في حدود الله تعالى.
__________
القاضي في الجواب عن تغليظ الصحابة أنه روى عن زيد خلاف ذلك لأنه خاصم إلى مروان فتوجهت عليه اليمين فقال له زيد تحلف عند المنبر فقال زيد أحلف ههنا قال مروان لا بل عند المنبر فوزن المال قال القاضي ولو كان التغليظ واجبا أو منسوبا لم يجز أن يمتنع من الإجابة بعد أن دعا إليه انتهى كلامه.
وهذا يدل على أنه لا يجوز الامتناع منه إذا رآه الحاكم وعلى هذا يكون بامتناعه منه ناكلا عما يجب عليه فيكون كالنكول عن اليمين.
قال الشيخ تقي الدين قصة مروان تدل على أن القاضي إذا رأى التغليظ فامتنع من الإجابة أدى ما ادعى به عليه ولو لم يكن كذلك ما كان في التغليظ زجر قط.
وهذا الذي قاله صحيح والردع والزجر علة التغليظ كما ذكره جماعة من أصحابنا وغيرهم فلو لم يجب برأي الإمام لتمكن كل أحد من الامتناع منه لعدم الضرر عليه في ذلك وانتفت فائدته.
وقال أيضا متى قلنا هو مستحب للإمام فينبغي أنه إذا امتنع منه الخصم صار ناكلا.
قوله: "ولا يستحلف في العبادات ولا في حدود الله تعالى".
وعند الشافعي وأبي يوسف يستحلف في الزكاة ونحوها لأنها دعوى مسموعة يتعلق بها حق آدمي أشبه حق الآدمي واختاره ابن حمدان في الزكاة.
ووجه قولنا أنه حق له أشبه الصلاة والحد.
ولو ادعى عليه أن عليه كفارة أو نذرا أو صدقة أو غيرها فكذلك.
قال الشيخ موفق الدين لا تسمع الدعوى في هذا ولا في حد لله تعالى

ـ
لأنه حق للمدعى فيه ولا ولاية له عليه ولا تسمع منه دعواه كما لو ادعى حقا لغيره من غير إذنه ولا ولاية وكذا ذكره ابن الزاغوني وغيره.
وذكر القاضي الحدود محل وفاق وأنه لا يصح دعواها ولا يجب سماعها ولا يسأل المدعى عليه عن الجواب عنها لكن قال شهادة الشهود دعوى منهم.
وذكر أيضا في موضع آخر أن الزنا والشرب ونحوه لا يسمع الاستعداء فيه والإعداء فيه وتسمع الشهادة به.
وذكر الشيخ موفق الدين في موضع آخر أن ما كان حقا لله كالحدود والزكاة والكفارة لا تفتقر الشهادة به إلى تقدم دعوى.
قال وكذلك مالا يتعلق به حق أحد كتحريم الزوجة أو إعتاق الرقيق يجوز الحسبة به ولا يعتبر به دعوى قال فإن تضمنت دعواه حقا مثل أن يدعى سرقة ماله لتضمين السارق أو ليأخذ منه ما سرقه أو يدعي عليه الزنا بجاريته ليأخذ مهرها منه سمعت دعواه ويستحلف المدعى عليه لحق الآدمي دون حق الله وكذا ذكره ابن عقيل فإن حلف برى ء وإن نكل قضى عليه بالمال دون القطع.
وقال الشيخ تقي الدين فأما حقوق الله تعالى إذا تعلق بها حق آدمي معين أو غير معين على الفرق بين الزكاة وغيرها مثل أن يدعى على من يطلب ولاية المال أو النكاح أو الحضانة أنه فاسق فينكر ذلك فيحلف فإن مضمون اليمين الحلف على استحقاق الولاية أو على نفي ما يدفعها وهو بمنزلة أن يدعى على الحاضنة أنها تزوجت فتنكر أو تدعى على الولي أن ثم وليا أقرب منه وكذا لو ادعى القريب الإرث فقيل إنه رقيق فهل يحلف على نفي الرق كما يحلف لو ادعاه مدع وكذلك لو تعلق بصلاته وصيامه حق الغير مثل تعليق طلاق أو عتق به ونحو ذلك فهل يحلف على فعل ذلك لكن

ـ
هذا الحق المتعلق به ليس له ولاء عليه فهو أمين محض بخلاف ما إذا كان الحق له أو عليه وكذلك إذا ادعى المشهود عليه فسق الشاهد مفسرا أو مطلقا فهل له أن يحلفه على نفي ذلك السبب أو على نفي الفسق وكذلك إذا ادعى في الشاهد ما يوجب رد الشهادة من قرابة أو عداوة أو تبرع أو صداقة ملاطفة على القول بها وأنكر الشاهد ذلك فهل له أن يحلف الشاهد على نفي ذلك.
وسواء كان الشاهد مزكيا أو جارحا لشاهد أو وال فادعى عليه تهمة توجب رد التزكية والجرح أو شاهد بغير صفة الشاهد والوالي.
ولا يقال الشاهد لا يحلف فإنما ذلك إذا ثبت ما يوجب قبول شهادته.
لكن يقال لا بد أن يعلم الحاكم ما يقبل معه في الظاهر ثم الشأن في وجود المعارض في الباطن أو فوات بعض الشروط في الباطن وإن لم يحلف الشاهد فهل يحلف المشهود له بأنه لا يعلم هذا القادح؟
وهذا متوجه إذا استحلفناه على ما شهد به في إحدى الروايتين التي قضى بها علي رضي الله عنه وابن أبي ليلى.
واليمين على حق الله المتعلق بها حق آدمي لها أصل في الشريعة وهو اللعان فإن دعوى الزنا دعوى ما يوجب الحد1 والقياس أن لا يمين فيها لكن شرعت إذا ادعاه الزوج لأن له حقا في ذلك وهو إفساد فراشه وإفساد العارية2 كما أقيمت يمينه مقام شهادة غيره في درء الحد عنه.
وهكذا دعوى السرقة لا يحلفه على ما ينفي القطع لكن على ما ينفي استحقاق
__________
1 بهامش الأصل: الذي في نكت ابن شيخ السلامية عن الشيخ تقي الدين: "فإن دعوى الزنا توجب الحد".
2 بهامش الأصل: الذي في نكت ابن شيخ السلامية: "وإلحاق العارية".وهو أحسن.

ويستحلف المنكر في كل حق لآدمي إلا عشرة أشياء النكاح والطلاق والرجعة والإيلاء وأصل الرق والولاء والاستيلاد والنسب والقود والقذف وعنه يستحلف في الطلاق نحو الإيلاء والقود والقذف دون الستة الباقية وعنه يستحلف إلا فيما لا يقضي فيه بالنكول.
__________
المال فينبغي أن يحلف أنه ما أخذ المال لا أنه ما سرق بخلاف القصاص وحد القذف وأما اليمين في المحاربة1.
فصل
ومما ينبغي أن يلاحظ الفرق بين اليمين في نفس كونه شهادة وفي صفته مثل أن يدعى المشهود عليه أن المال للشاهد أو أنه شريك وأنه جار بهذه الشهادة أو دافع بها فإن حقيقة الأمر أن يقول له لست بشاهد بل خصم مدع أو مدعى عليه فهنا يقوى تحليفه بخلاف الدعوى في صفته وحاله بعد تسليم أنه شاهد محض.
قوله: "ويستحلف المنكر في كل حق لآدمي".
للأخبار المشهورة في ذلك وكلامه يصدق على ما إذا علم صاحب الحق كذب الحالف.
قال الإمام أحمد في رواية إسحاق بن منصور إذا كان يعلم أن عنده مالا لا يؤدى إليه حقه فإن أحلفه أرجو أن لا يأثم.
قال القاضي وظاهر هذا أن له أن يحلفه مع علمه بكذبه.
وقال الشيخ تقي الدين هذا يدل على أن تحليف البريء حرام دون الظالم.
وقال أيضا إن هذه الرواية تدل على الجواز.
__________
1 كذا في الأصل

قال في رواية ابن القاسم لا أرى اليمين في النكاح ولا في الطلاق ولا في الحدود لأنه إن نكل لم أقتله ولم أحد ولم أدفع المرأة إلى زوجها.
وظاهر قول الخرقي هو يستحلف فيما عدا القود والنكاح وعنه ما يدل على أنه يستحلف في الكل وإن أحلفنا في ذلك قضينا فيه بالنكول إلا في قود النفس خاصة وعنه لا يقضى بالنكول إلا في الأموال خاصة.
وكل جناية لم يثبت قودها بالنكول فهل يلزم الناكل ديتها على روايتين.
وكل ناكل قلنا لا يقضي عليه فهل يخلى أو يحبس حتى يقرأ أو يحلف على وجهين.

باب تعارض البينات واختلافها

باب تعارض البينات واختلافها
إذا تداعيا عينا فأيهما أقام بينة حكم له بها وإن أقاما ببينتين والعين بأيديهما أو بيد ثالث قد أنكرهما أو أقر لهما أو لأحدهما لا بعينه أو لم تكن بيد أحد
__________
وظاهر كلام الإمام أحمد في رواية أبي طالب الكراهة وهي مكتوبة في الفصل عقب مسألة أن أداء الشهادة فرض عين.
وقال في رواية الميموني في المعسر يتركه حتى يوسر ولا يجوز أن يحلف المعسر أن لا حق له عليه وهو ينوي في الحال لأجل أنه معسر نص عليه في رواية الجماعة وقال عن قوله تعالى: [280:2] {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} قال إنما نزلت هذه الآية في الأنصار.
فصل
قال في المغني وإن ادعى على شاهدين أنهما شهدا عليه بزور أحضرهما فإن اعترفا أغرمهما وإن أنكرا وللمدعي بينة على إقرارهما بذلك فأقامها لزمهما ذلك وإن أنكرا لم يستحلفا لأن إحلافهما بطرق عليهما الدعاوى

تعارضت البينتان فتسقطان بالتعارض وتصيران كمن لا بينة لهما على ما تقدم وعنه تستعملان بأن يقرع بينهما فمن قرع حلف وأخذ العين وعنه تستعملان بقسمة العين بينهما بغير يمين ولا يرجح أكثرهما عددا ولا الرجلان على رجل وامرأتين وفي ترجيح أعدلهما والشاهدين على شاهد ويمين وجهان.
وإن شهدت بينة بالملك وسببه وبينه بالملك وحده أو بينة أحدهما بالملك له منذ سنة وبينه الآخر بالملك له منذ شهر فهما سواء وعنه تقدم ذات السبب والسبق وعنه لا تقدم إلا بالسبق أو بسبب يفيده كالنتاج والإقطاع فأما سبب الإرث أو الهبة أو الشراء ونحوها فلا.
فعلى هاتين إن شهدت بينة بالملك منذ سنة وأطلقت الأخرى فهل هما سواء أو تقدم المطلقة على وجهين.
__________
والشهادة والامتهان وربما منع ذلك إقامة الشهادة وهذا قول الشافعي ولا أعلم فيه مخالفا انتهى.
وظاهر كلامه في المحرر وغيره من الأصحاب أنه يستحلف في هذا ويقضي عليه بالنكول لظاهر الأخبار وكسائر حقوق الآدمي وإحلافهما ليس سببا لتطرق الدعاوى عليهما وإن كان فليس هو مانعا من الاستحلاف كما أنه ليس مانعا من إحضارهما مع أن فيه امتهانا ونحوه وهو سبب في تطرق الدعاوى.
وسيأتي بعد قوله إنه لا يحل كتمان الشهادة أنه هل تصح الدعوى بالشهادة؟
فصل
فإن كان الحق لآدمي معين لم تسمع الشهادة فيه إلا بعد الدعوى ذكره في المغني وغيره لأن الشهادة فيه حق لآدمي فلا تستوفى إلا بمطالبته وإذنه ولأنه حجة على الدعوى ودليل لها فلا يجوز تقديمها عليها انتهى كلامه.

وإن أقام أحدهما بينة أنه اشتراها من زيد وهي ملكه والآخر بينه أنه اشتراها من عمرو وهي ملكه تعارضتا إلا أن يؤرخا فيكون في تقديم الأسبق تاريخا الروايتان.
وإذا تداعيا ثمن عين بيد ثالث كل منهما يدعي أنه باعها منه بثمن فصدقهما لزمه الثمنان لها وإن أنكرهما فالقول قوله مع يمينه وإن صدق أحدهما أو شهدت له ببينة أخذ منه ما ادعاه وحلف للآخر.
وإن أقاما بينتين وهو منكر وأمكن صدقهما لاختلاف تاريخهما أو إطلاقهما أو إطلاق إحداهما عمل بهما وقيل إذا لم يؤرخا أو أحدهما تعارضتا كما لو اتحد
__________
وقد قال مهنا سألت أبا عبد الله عن رجل ادعى على رجل ألف درهم فأقام شاهدا بألف ثم جاء آخر فشهد له بألف وخمسمائة فقال تجوز شهادتهم على الألف وذكره عن شريح وظاهره أنه لا تسمع شهادته في الزائد لعدم دعواه.
وقد ذكر الأصحاب أن من كانت عنده شهادة لآدمي لا يعلمها له إقامتها قبل إعلامه بها لقوله عليه الصلاة والسلام: "ألا أنبئكم بخير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها" رواه مسلم ولا يستلزم هذا جواز الشهادة قبل الدعوى.
وذكر القاضي في التعليق أن الشهود لو شهدوا بحق قبل دعوى المدعي قبلت شهادتهم إن شهدوا بما لا يعلمه صاحب الحق وإن شهدوا بما يعلمه قبل أن يدعيه لم تقبل وفرق بينه وبين اليمين أنه لو لم تسمع الشهادة أدى إلى ضياع حقه لأنه غير عالم به فيطالب به بخلاف اليمين فإن الامتناع من سماعها بعد حضوره لا يؤدى إلى إسقاطها لأنه حق له وهو عالم به ولأن الشهود إذا علموا بالحق لزمهم إقامة الشهادة لأن في الامتناع كتمانها ولا يجوز أن يلزمهم إقامتها ولا تسميعها للحاكم.

تاريخهما والحكم على ما سبق من تساقط أو قسمة أو قرعة.
وإن قال أحدهما غصبني إياها وقال الآخر ملكنيها أو أقر لي بها فهي لمن شهد بالغصب منه ولا يغرم رب اليد الآخر شيئا.
وإذا تدعيا عينا بيد أحدهما وأقام كل واحد بينة أنها له قضى للخارج ببينته وتلغو بينة الداخل في المشهور عنه وعنه بالعكس وعنه يقضى ببينة الخارج إلا أن تختص بينة الداخل بسبب الملك أو ببيعه فيقضى بها وعنه عكسه يقضى ببينة الداخل إلا أن تمتاز بينة الخارج بسبب الملك أو سبقه فيقضى بها.
وعلى هاتين الروايتين هل يكفي مطلق السبب أو يشترط إفادته للسبق على روايتين.
فإن شهدت بينة أحدهما أنها ملكه وبينة الآخر أنه أشتراها منه أو اتهبها منه أو وقفها عليه قدمت بينته داخلا كان أو خارجا.
__________
قال الشيخ تقي الدين بعد ذكر كلام القاضي هذا وهذا الذي قاله القاضي من صحة الشهادة قبل الدعوى غريب انتهى كلامه.
وذكر القاضي في مسألة شهادة المرأة الواحدة أن الشهادة يعتبر فيها لفظ الشهادة وتقدم الدعوى بخلاف الرواية مما يدل على أنه محل وفاق.
وذكر أيضا في مسألة الشاهد واليمين إذا رجع الشاهد أن اليمين لا تصح حتى يطلب المدعي إحلافه وتصح الشهادة من غير سؤال جعله محل وفاق مع الشافعية قال وإنما افترقا من هذا الوجه لأن اليمين حق للمدعى فلا تستوفى من غير مطالبة والشهادة وإن كانت حقا له فقد لا يعلم بها المدعي فيلزم الشاهد إقامتها.
وعلى هذا المعنى حديث زيد بن ثابت "ألا أخبركم بخير الشهداء الذي يأتي بشهادته أو يخبر بشهادته قبل أن يسألها" وروى "يخبر بشهادته ولا يعلم

وكذلك من أقام بينة أن هذه الدار تركة عن أبيه وأقامت أمة بينة أن أباه أصدقها الدار فهي المرأة.
وإذا أقام كل واحد من الداخل والخارج البينة أنه اشتراها من الآخر فقيل هو على الروايتين في المطلقتين وقال القاضي تقدم هنا بينة الداخل وقيل يتعارضان.
وإذا تداعيا عينا بيد ثالث أنكرهما ولهما بينتان ثم أقر لأحدهما بعينه قبل إقامة البينتين فالمقر له كالداخل والآخر كالخارج فيما ذكرنا وإن أقر له بعد إقامة البينتين فحكم التعارض بحاله وإقراره باطل على رواية الاستعمال صحيح مسموع على رواية التساقط.
ومن ادعى أنه اشترى أو اتهب من زيد عبده وادعى آخر كذلك أو ادعى العبد العتق وأقاما بينتين بذلك صححنا أسبق التصرفين إن علم التاريخ وإلا
__________
بها التي هي له" وذكر أن اليمين لا تصح حتى يعرضها الحاكم ويأذن فيها وتصح الشهادة من غير عرض الحاكم وإذنه ذكره محل وفاق قال وإنما افترقا من هذا الوجه لأن الحاكم يستحلفه على نيته ليمنعه من التأويل فإذا حلف قبل أن يستحلفه عدم هذا المعنى وهذا معدوم في الشهود فلهذا لم يعتبر عرض الحاكم عليهم ولأن في ترك الاعتداد بيمينه قبل عرض الحاكم ضربا من التغليظ انتهى كلامه.
وقال في المغني في الشهادات في فصل إذا شهد رجلان على رجلين أنهما قتلا رجلا ثم شهد المشهود عليهما على الأولين أنهما اللذان قتلا قال فإن قيل فكيف يتصور فرض تصديقهم وتكذيبهم قلنا يتصور أن يشهدا قبل الدعوى إذا لم يعلم الولي من قتله ولهذا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه.قال: "خير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها" وهذا معنى ذلك انتهى كلامه.

تعارضتا فتساقطتا أو يقسم أو يقرع كما سبق وعنه تقدم بينة العتق.
ولو كان العبد بيد أحد المتداعين أو بيد نفسه فالحكم كذلك إلغاء لهذه اليد للعلم بمستندها نص عليه واختاره أبو بكر وعنه أنها يد معتبرة فلا تعارض بل الحكم على الخلاف في الداخل والخارج.
وإدا ادعى رجل نصف دار وآخر كلها وهي بأيديهما وأقاما بينتين فهي لمدعى الكل إن قدمنا بينة الخارج وإلا فهي بينهما وإن كانت بيد ثالث فقد ثبت أحد نصفيها لمدعى الكل وأما الآخر فهل يقتسمانه أو يقترعان عليه أو يكون للثالث مع يمينه على روايات التعارض.
ومن مات وله ابنان مسلم وكافر فادعى كل واحد منهما أنه مات على دينه فالقول قول من يدعى أصل دينه إن عرف رواية واحدة وإن لم يعرف فالميراث للكافر إن اعترف بأخوته1 المسلم وإن لم يعترف فهو بينهما وعنه هو بينهما في الحالين رواهما ابن منصور وقيل يقترعان عليه.
__________
وذكر أبو الخطاب في الانتصار مثل هذا في قبول شهادة امرأة واحدة فيما لا يطلع عليه الرجال.
وقال في الكافي في أول باب اختلاف الشهود إذا ادعى ألفين على رجل فشهد شاهد بها وشهد له آخر بألف ثبت الألف بشهادتهما لاتفاقهما ويحلف مع شاهده على الألف الأخرى لأن له به شاهدا وسواء شهدت البينة بإقرار الخصم أو بثبوت الحق عليه وسواء ادعى ألفا أو أقل منه لأنه يجوز أن يكون له الحق فيدعى بعضه ويجوز أن لا يعلم أن له من يشهد بجميعه انتهى كلامه.
__________
1 في نسخة بهامش الأصل "بأخوة"

ولو شهدت بينة أنه مات ناطقا بكلمة الإسلام وبينة أنه مات ناطقا بكلمة الكفر تعارضتا سواء عرف أصل دينه أو لم يعرف فتسقطان أو تستعملان بقسمة أو قرعة كما تقرر.
وإن قالت بينة مات مسلما وبينة مات كافرا أو قالت بينة تعرفه مسلما وبينة تعرفه كافرا ولم يؤرخا معرفتهم فعن أحمد ما يدل على تقديم
__________
فهذه ثلاثة أقوال أحدها المنع إلا بعد الدعوى والثاني الجواز إذا لم يعلم صاحبه وينبغي على هذا أن يصدق صاحبه في عدم العلم إذا لم تخالفه قرينة والثالث يجوز ضمنا وتبعا لا استقلالا كما في الدعوى للغير وعليه تبعا وستأتي هذه المسألة بعد مسألة.
وإذا قال من له بينة بألف أريد أن تشهد لي بخمسمائة ثم هل يعتبر أن يكون ثم عليه وقد ذكر الأصحاب أن الحاكم يسمع البينة على الوكالة من غير حضور خصم وكذا عند مالك والشافعي وظاهره أنه لو ادعى على شخص أنه وكله سمع الحاكم دعواه وبينته وأثبت ذلك من غير نصب خصم لأن المقصود هنا الفصل.
وقال الشيخ تقي الدين وإذا كان الحق مؤبدا1 كالوقف وغيره ويخاف إن لم يحفظ بالبينات أن ينسى شرطه أو يجحد ولا بينة ونحو ذلك فهنا في سماع الدعوى والشهادة من غير خصم حفظ الحق الموجود عن خصم مقدر وهذا أحد مقصودي القضاء فلذلك يسمع طوائف من الحنفية والشافعية والحنابلة2
__________
1 بهامش الأصل: الذي نقله ابن شيخ السلامية عن الشيخ تقي الدين: "وإذا كان الحق في يد صاحبه" وهو أحسن.
2 بهامش الأصل: الذي نقله ابن شيخ السلامية عن الشيخ تقي الدين: "فلذلك يسمع ذلك ومن قال من الفقهاء: لا يسمع ذلك، كما يقوله طوائف الخ"

بينة الإسلام بكل حال واختاره الخرقي في الصورة الثانية وأما في الأولى فاختار التعارض ولم يفرق بين من عرف أصل دينه ومن لم يعرف وسوى القاضي وجماعة بين الصورتين وقالوا فيهما إن عرف أصل دينه قدمت البينة الناقلة عنه وإن لم يعرف تعارضتا.
ولو كان بدلا من الابن المسلم أخ وزوجة مسلمان أو بدلا من الابن الكافر أبوان كافران لكانا بمنزلته مع الآخر في جميع ما ذكرنا لكن حيث ينصف المال بينهما هناك نجعلها هنا نصفه في مسألة الأبوين بينهما على ثلاثة ونصفه في مسألة المرأة والأخ بينهما على أربعة وحكي عن أبي بكر في مسألة المرأة والأخ أن لها الربع وحكي عن غيره الثمن والباقي للابن والأخ نصفين وكلاهما بعيد لأن ما يأخذه الابن ظلم في نظر المرأة والأخ فالسالم لهما يكون ضرورة أرباعا.
__________
فعنده ليس للقضاء فائدة إلا فصل الخصومة ولا خصومة فلا قضاء فلذلك لا تسمع البينة إلا في وجه مدعى عليه لتظهر الخصومة ومن قال بالخصم المسخر فإنه ينصب الشر ثم يقطعه ومن قال يسمع فإنه يحفظ الحق الموجود ويذر الشر المفقود.
وقال أيضا وتارة تكون الدعوى خبرا ليس معها طلب أجل كالادعاء بدين مؤجل انتهى كلامه.
وقال أيضا ومن الدعاوى ما يكون على غير مدعى عليه موجود مثل رجل ابتاع شيئا وتسلمه فيدعى أنه ابتاع وتسلم أو يدعي أن المكان الذي بيده وقف على كذا ونحو ذلك فهذا مضمونه دعوى تثبت لا دعوى حكم فإن الطالب إما أن يطلب إقرارا أو إعطاء وطلب الإقرار مقصوده هو الإعطاء فإذا طلب إقرارا من معين لأطلب معه فطلب من الحاكم تثبتا بأن يسمع الشهادة.

وإذا مات وله ابنان مسلم وكافر فأسلم وقال أسلمت قبل موت أبي أو قبل قسمة تركته على رواية توريثه بذلك وقال أخوه بل بعد ذلك فلا إرث له عملا بقول أخيه وإن قال أسلمت في المحرم ومات أبي في صفر وقال أخوه بل مات قبل المحرم فالإرث بينهما.
ومن ادعى على رجل أنه عبده فقال بل أنا حر وأتى كل واحد منهما ببينه تعارضتا وقيل تقدم بينة الحرية وقيل بينة الرق.
ومن قال لعبده إن قتلت فأنت حر ثم مات وادعى العبد أنه قتل لم يقبل إلا ببينة فإن أقام به بينة وأقام الورثة بينة بموته حتف أنفه قدمت بينة العبد وقيل يتعارضان فيقضى بالتساقط أو القرعة أو القسمة.
وإن قال إن مت في المحرم فسالم حر وإن مت في صفر فغانم حر ثم بعد
__________
أو الإقرار فهذا نوع واسع لما احتاج إليه الناس أحدثوا الخصم المسخر والدعوى المسخرة وهو باطل وتلاعب بالشريعة وهو موقوف على سماع الدعوى المقتضية للثبوت فقط لا الحكم فائدته بقاء الحجة إن حدث منازع وكأنه دعوى على خصم مظنون الوجود أو خصم مقدر وهذا قد يدخل في كتاب القاضي وفائدته كفائدة الشهادة على الشهادة وهو مثل كتاب القاضي إلى القاضي إذا كان فيه ثبوت محض فإنه هناك يكون مدع فقط من غير مدعى عليه حاضر لكن هنا لا مدعي عليه حاضر ولا غائب لكن المدعي عليه مخوف فإنما المدعي يطلب من القاضي سماع البينة أو الإقرار كما يسمع ذلك شهود الفرع فيقول القاضي ثبت ذلك عندي بلا مدعى عليه وهذا ليس ببعيد وقد ذكره قوم من الفقهاء وفعله طائفة من القضاة انتهى كلامه.
وبنى القاضي والأصحاب سماع البينة بالوكالة على القضاء على الغائب وهو جائز عند أبي حنيفة ورواية لنا

مدة بان موته ولم يعلم هل مات فيهما أو في غيرهما فهما على الرق ويحتمل فيما إذا ادعى الورثة موته قبل المحرم أن يعتق من شرطه الموت في صفر لأن أصل بقاء الحياة معه.
وإن قال إن مت من مرضي هذا فسالم حر وإن برئت منه فغانم حر ثم مات لم يعلم مم مات فهما على الرق لاحتمال موته في المرض بحادث وقيل يعتق أحدهما بالقرعة إذ الأصل عدم الحادث ويحتمل أن يعتق من شرطه المرض لأن الأصل دوامه وعدم البرء ولو علمنا أنه مات في أحد الشهرين أو قال في مرضى بدلا من قوله من مرضى فقد عتق أحدهما يقينا فيعين بالقرعة.
ويحتمل أن يعتق من شرطه صفر والمرض لأن الأصل بقاء الحياة والمرض فإن أقام كل واحد بينة بموجب عتقه تعارضتا وكان كمن لا بينة له في رواية أو يقرع بينهما في أخرى وقيل تقدم بينة المحرم والبرء بكل حال.
__________
قال الشيخ تقي الدين بناء هذه المسألة على القضاء على الغائب فيه نظر من وجهين.
أحدهما أنه يخرج فيها روايتان.
الثاني أن الخصم الحاضر في البلد لا يجوز القضاء عليه إذا لم يمتنع وهنا يثبتون الوكالة وإن كان الخصم حاضرا في البلد فليس هذا من هذا بل الأجود أن يقال الوكالة لا تثبت حقا وإنما تثبت استيفاء حق وإبقاءه وذلك مما لا حق للمدعى عليه فيه فإنه سيان عليه دفع الحق إلى هذا الوكيل أو إلى غيره ولهذا لم يشترط فيها رضاه وأبو حنيفة يجعل للموكل عليه فيها حقا ولهذا لا يجوز الوكالة بالخصومة إلا برضى الخصم لكن طرد هذه العلة أن الحوالة بالحق أيضا تثبت من غير حضور المحال عليه لأنه لا يعتبر رضاه وكذلك الوفاة وعدد الورثة يثبت من غير حضور المدين والمودع وكذلك لو ادعى أنه ابتاع دار

وإن شهدت على ميت بينة لا ترثه بعتق سالم في مرضه وقيمته ثلث ماله وبينة وارثة بعتق غانم وقيمته كذلك ولم تجز إلا الثلث فالحكم كما لو كانتا أجنبيتين يعتق أسبقهما عتقا على الأصح كما تقرر في الوصايا فإن كانت ذات السبق الأجنبية فكذبتها الوارثة أو ذات السبق الوارثة وهي فاسقة عتق العبدان وإن جهل أسبقهما أو شهدت بينة كل عبد بالوصية بعتقه وعلم تاريخ الوصية أو جهل أعتقنا أحدهما بالقرعة وقيل يعتق من كل عبد نصفه وهو بعيد على المذهب فإن كذبت الوارثة الأجنبية لغا تكذيبها دون شهادتها فعتق غانم ووقف عتق سالم على القرعة وعلى الوجه البعيد يعتق نصفه بلا قرعة وإن لم تكذب بل كانت فاسقة فالحكم بالعكس يعتق سالم ونصف عتق على القرعة أو يعتق نصفه على الوجه البعيد وإن جمعت الوارثة الفسق والتكذيب أو الفسق والشهادة بالرجوع عن عتق سالم عتق العبدان ولو شهدت
__________
زيد الغائب فله أن يثبت ذلك من غير حضور من الدار في يده.
وحاصله أن كل من عليه دين لو عنده عين إذا لم نعتبر رضاه في إقباضها أو إخراجها عن ملكه لا يعتبر حضوره في ثبوتها وعلى هذا فيجوز أن تثبت الوكالة بعلم القاضي كما تثبت الشهادة وتوكيل علي بن أبي طالب لعبد الله بن جعفر كالدليل على ذلك فإنه أعلم الخلفاء أنه وكله ولم يشهد على ذلك ولا أثبتها في وجه خصم وهذا كله في غيبة الموكل عليه فأما الموكل إذا كان حاضرا في البلد فلا ريب أن رضاه معتبر في الوكالة وقد يكون عليه ضرر في ثبوتها فإن اشترط حضوره تعذر إثباتها بالبينة لأن جحوده عزل في أحد الوجهين فهنا قد يقال ليس في هذا قضاء عليه بل هو له من وجه آخر فإن التوكيل مثل الولاية بالشهادة على المولى مع حضوره في البلد ومن هذا كتاب الحاكم إلى الحاكم فيما حكم به انتهى كلامه.

الوارثة بالرجوع وليست فاسقة ولا مكذبة قبلت شهادتها وعتق غانم وحده كما لو كانت أجنبية ولو كانت قيمة غانم سدس المال لم تقبل شهادتها وعتق العبدان.
وقال أبو بكر تقبل بالعتق دون الرجوع فيعتق نصف سالم ويقرع بين باقيه والآخر فمن أصابته القرعة عتق والورثة العادلة فيما تقوله جبرا لا شهادة كالفاسقة في جميع ما ذكرنا بالتدبير مع التنجيز كآخر التنجيزين مع أولهما في كل ما قدمنا.
ومن شهد على رجلين أنهما قتلا فلانا فشهداهما على الشاهدين بقتله فإن صدق الولي الأولين ثبت له القتل بشهادتهما وإن صدق الآخرين أو الكل لم يثبت القتل بحال.
ومن شهدت عليه بينة أنه أتلف ثوبا قيمته عشرون وبينة بإتلافه وأن
__________
وقال ابن حمدان تسمع الدعوى بدين مؤجل لإثباته إذا خاف سفر الشهود أو المديون مدة تغير أجله وقيل لا تسمع حتى يبين باقيها وذكر أيضا أنه تسمع دعوى التدبير ثم قال من عنده إن قلنا إنه عتق بصفة قال غيره تسمع الدعوى لأنه يدعي استحقاق العتق ويحتمل أن تصح الدعوى لأن السيد إذا أنكر كان بمنزلة إنكار الوصية وإنكار الوصية رجوع عنها في أحد الوجهين فيكون إنكار التدبير رجوعا عنه والرجوع عنه يبطله في إحدى الروايتين والصحيح أن الدعوى صحيحة لأن الرجوع عن التدبير لا يبطله في الصحيح من المذهب ولو أبطله فما ثبت كون الإنكار رجوعا ولو ثبت ذلك فلا يتعين الإنكار جوابا للدعوى فإنه يجوز أن يقر.
وقد عرف من هذه المسألة إثبات الوكالة في وجه الموكل ويشبه هذا إثبات الوصية.

قيمته ثلاثون ثبت عليه أقل القيمتين وعنه تسقطان لتعارضهما ولو كان بكل قيمة شاهد ثبت الأقل بهما على الأولى دون الثانية.
وإذا شهدا بنكاح متحد باتفاقهما أو بفعل متحد باتفاقهما كغصب وسرقة أو في نفسه كقتل نفس وإحراق ثوب واختلفا في زمنه أو مكانه أو صفة تتعلق به مثل اختلافهما في آلة القتل ولون المحرق والمسروق والمغصوب جمعت شهادتهما عند أبي بكر حتى بوجوب القطع والقود وعند أكثر أصحابنا لا تجمع للتنافي.
ولو كان مما يتعدد ولم يشهدا باتحاده والشهادة بأمرين لا تنافي بينهما لكن بكل أمر شاهد فيعمل بمقتضى ذلك ولو كان مكان كل شاهد بينة تامة ثبت الأمران ههنا وتعارضت البينتان في التي قبلها إذا لم نقل بالجمع.
__________
قال الخلال باب الرجل يزعم أنه وكل والموكل غائب قال مهنا سألت الإمام أحمد عن رجل أقام بينة أنه وكيل لرجل والذي يدعى وكالته في بلدة أخرى قال تثبت عند الحاكم فقلت له لا بد أن يثبت وكالته عند الحاكم قال نعم حتى يسأل الحاكم عن بينته إن كانوا عدولا.
وقال الجوزجاني سئل الإمام أحمد عن رجل ادعى وكالة رجل غائب قال إذا ثبت ذلك عند الحاكم فهو جائز.
قال الشيخ تقي الدين في هذه المسألة ثبوت الوكالة وسماع البينة بمجرد دعوى المدعي للوكالة من غير حضور مدعى عليه فكذلك الوصية لأن الحاضرين الذي تقبض الأموال منهم وتخاصمهم ليسوا خصوما لذلك في وصيته وإنما هم خصوم في الموكل به والموكل الذي يستوفي هذا على ماله غائب والوكالة ليست قضاء عليه بل قضاء له وعليه فهذه المسألة ليست قضاء على الغائب بل قضاء عليه وله انتهى كلامه.
وقال ابن عقيل في الشهادات وإن كانت الدعوى على الميت ليست مالا

وإذا شهد شاهد بالفعل وآخر على الإقرار به جمعت شهادتهما نص عليه واختاره أبو بكر وقال أكثر الأصحاب لا تجمع.
وإن شهد أحدهما بعقد النكاح أو قتل الخطأ والآخر على الإقرار به لم يجمع قولا واحدا ويحلف مدعى القتل مع شاهد الفعل ويستحق الدية على العاقلة أو مع شاهد الإقرار ويستحق الدية على القاتل.
ولو شهد شاهدان على رجل أنه أخذ من صبي ألفا وشاهدان على رجل آخر أنه أخذ من الصبي ألفا لزم الولي أن يطالبهما بألفين إلا أن تشهد البينتان على ألف بعينها فيطلب ألفا من أيهما شاء.
وإذا شهد شاهد على رجل أنه باع زيدا كذا أمس وآخر أنه باعه إياه اليوم أو شهد أحدهما أنه باع كذا أو أعتق أو طلق والآخر أنه أقر بذلك واختلفا وقتا أو مكانا كملت البينة به.
__________
لكن أسبابا تؤول إلى إيجاب المال مثل أن ادعى مدع أن أباكم ضرب عبدي هذا بغير حق وهو على ضرورة من ضربه أخاف موته أو أجج نارا في ملكه مع هذه الريح وفي زرع بقرب ضيعته وأخاف تعدى النار إلى ضيعتي احتمل أن لا يلزمهم الجواب لأنه لم يتحقق دعواهم حتى يوجب غرامة مال ولهب في خاص الملك لا يوجب غرامة فإن مات العبد واحترق الزرع سمعت الدعوى ووجب الجواب لتحقق دعوى ما يوجب الضمان.
وقال الشيخ تقي الدين أيضا في تعليق آخر الدعاوى قال لما امتنع أصحاب أبي حنيفة من سماع البينة من غير المدعى عليه رتبوا نصب خصم لا يستغنى به عن حضور المدعى عليه من توكيل المدين والوصية إليه وما يصنعه الوكيل والحاكم لاشتراطهم مجلس الحكم مع الحاكم إياه فأما وصف ما رتبوه فإنهم كتبوا توكيل المقر للمدين وربما جعلوا التوكيل له ولابنه أو له ولآخر

وكذلك كل شهادة على القول سوى النكاح فإن حكمه كما سبق وسوى القذف عند أكثر أصحابنا فإنهم ألحقوه بالأفعال وطرد أبو بكر فيه حكم الأقوال ولو كانت الشهادة على الإقرار بشيء جمعت إن كان نكاحا أو قذفا أو فعلا.
وإذا شهد شاهد بألف وآخر بألف من قرض جمعت شهادتهما وإن شهد أحدهما بألف من قرض والآخر بألف من ثمن مبيع لم تجمع وقيل إن شهدا على إقراره جمعت وإلا فلا وإن شهد أحدهما بألف والآخر بخمسمائة أو بألفين ثبت الأقل بشهادتهما سواء عزوا أو أحدهما الشهادة إلى الإقرار أو لم يعزوا ويحلف المدعي إن شاء لتمام الأكثر مع شاهده نص عليه.
__________
معه والوصية إليهما استظهارا1 ليكون إن مات أحدهما قبل أن يثبت الكسب يكون الآخر باقيا وإذا أشهد المقر على نفسه في كتاب الإقرار سفها2.
فصل
أطلق في المحرر وغيره أنه لا تقبل شهادة من فعل شيئا من ذلك وقيد جماعة ذلك بعضهم صريحا وبعضهم ظاهرا بتكرر ذلك والإكثار منه وإدمانه لأن صغير المعاصي لا يمنع الشهادة إذا قل فهذا أولى ولأن المروءة
__________
1 بهامش الأصل: قال كاتبه: وجد في النسخة المتتتب منها –وهي بخط القاضي تقي الدين- الجراعي "أبدلت مع صورته وجدت في النسخة المكتتب منها إلى هنا وهو آخر كراس وبعض مما يأتي كتابته وليس الكلام مما نحن فيها ولم أجد نسخة أكشف منها فلأجل هذا بيضت بقية هذه الصفحة فليعلم ذلك" انتهى كلامه.
وتابعته أنا وبيضت قدر ما بيض، لعلي أن أظفر بتتمة المسألة، والحمد لله.
2 كذا بالأصل

وإذا شهدا أن عليه ألفا ثم قال أحدهما قضاه منهما خمسمائة بطلت شهادته نص عليه ونص فيما إذا شهد أنه أقرضه ألفا ثم قال أحدهما قضاه خمسمائة فشهادتهما صحيحة بالألف ويحتاج قضاء الخمسمائة إلى شاهد أو يمين ويتخرج مثله في التي قبلها ويتخرج فيهما أن لا يثبت بشهادتهما سوى خمسمائة.
وإذا جمعنا بين الشهادتين المختلفتي الوقت في قتل أو طلاق فالعدة والتوريث عقيب آخر المدتين.
وإذا قال من له بينة بألف أريد أن تشهد لي بخمسمائة لم يجز ذلك إذا كان الحاكم لم يتول الحكم بأكثر منها واختاره أبو الخطاب.
__________
لا تختل بقليل هذا ما لم يكن عادة وزاد في المغني فقال ومن فعل شيئا من هذا مختفيا به لم يمنع من قبول شهادته لأن مروءته لا تسقط به وفي كلام غيره إذا تساتر بهذا.
وظاهر كلام جماعة خلافه أو صريحة قال بعضهم ومن غشيه المغنون أو غشي بيوت الغناء للسماع متظاهرا به وكثر ذلك منه ردت شهادته وإن استتر به وأكثر منه ردها من حرمه أو كرهه وقيل أو أباحه لأنه سفه ودناءة تسقط المروءة.
وقال في المغني من اتخذ الغناء صنعة يؤتى إليه ويأتي له أو اتخذ غلاما أو جارية مغنيين يجمع عليهما الناس فلا شهادة له لأن هذا عند من لم يحرمه سفه ودناءة وسقوط مروءة ومن حرمه فهو مع سفهه عاص مصر متظاهر بفسقه.
وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي.
وإن كان لا ينسب نفسه إلى الغناء وإنما يترنم لنفسه ولا يغني للناس أو كان غلامه وجاريته إنما يغنيان له انبني هذا على الخلاف فيه فمن أباحه أو

كتاب الشهادات
مدخل

كتاب الشهادات
تحمل الشهادة في المال وكل حق لآدمي فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين وإن لم يوجد إلا من يكفي تعين عليه وإن كان عبدا لم يجز لسيده منعه.
وأداؤها فرض عين على من يحملها متى دعى إليه وقدر عليه بلا ضرر نص عليه وقيل هو فرض كفاية أيضا.
ولا يجوز أحد الجعل على تحملها ولا على أدائها وقيل يجوز إذا لم تتعين وقيل يجوز فيه بشرط الحاجة.
ويجوز لمن عنده شهادة بحد الله تعالى إقامتها وتركها وللحاكم أن يعرض له بالتوقف عنها وقيل لا يجوز.
__________
كرهه لم ترد شهادته ومن حرمه قال إن دوام عليه ردت شهادته كسائر الصغائر وإن لم يداوم عليه لم ترد شهادته وإن فعله من يعتقد حله فقياس المذهب أن لا ترد شهادته بما لا يشتهر به منه كسائر المختلف فيه من الفروع ومن كان يغشى بيوت الغناء أو يغشاه المغنون للسماع متظاهرا بذلك وكثر منه ردت شهادته في قولهم جميعا لأنه سفه ودناءة.
قال ابن عقيل فإن قلنا إنه يحرم على الرواية الأخرى ردت شهادته ولو بدفعة واحدة.
قال في المغني وإن كان مستترا به فهو كالمغني لنفسه على ما ذكر من التفصيل انتهى كلامه.
فظهر أن المستتر بأحد هذه الأشياء هل ترد شهادته فيه خلاف في المذهب في المستتر بالغناء إن قلنا بتحريمه لم ترد شهادته مرة واحدة في المشهور.

ومن عنده شهادة لآدمي يعلمها لم يقمها حتى يسأله وإن لم يعلمها فالأولى أن يعلمه بها ابتداء فإن أقامها قبل إعلامه جاز ولا يحل كتمانها بالكلية ويستحب الإشهاد على البيع وكل عقد سوى النكاح والرجعة ففي وجوبه فيهما خلاف سبق.
ولا يجوز للشاهد أن يشهد إلا بما يعلمه برؤية أو سماع فالرؤية تخص الأفعال كالقتل والغصب والسرقة والرضاع والولادة ونحو ذلك.
والسماع ضربان سماع من المشهود عليه كالطلاق والعتاق والإبراء والعقود وحكم الحاكم والأقارير وغيرها فيلزمه أن يشهد به على من سمعه وإن لم يشهده لاختفائه أو مع العلم به وعنه في سماع الحكم والأقارير لا يجوز حتى يشهده على نفسه وعنه يجبر في ذلك وعنه إن أقر بحق في الحال كقوله له على كذا شهد به وإن أقر بسابقه فقط كقوله أقرضني فكان له على أو كان له علي
__________
وإن قلنا بعدم تحريمه فهل ترد أم لا أم إن قلنا بكراهته ردت وإن قلنا بإباحته لم ترد فيه ثلاثة أقوال والقول المفتى به1.
فصل
إذا قصد تعليم الحمام حمل الكتب مما تدعو الحاجة إليه أو استفراخها أو الأنس بأصواتها من غير أذى جاز.
وقد روى عن عبادة أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فشكى إليه الوحشة فقال:.
"اتخذ زوجا من حمام" .
وإن قصد المراهنة أو أخذ حمام غيره ونحوه حرم وإن كان عبثا ولعبا فهو دناءة وسفه.
__________
1 كذا في الأصل

وقضيته إذا جعلناها إقرارا ونحوه لم يشهد به حتى يشهده به وهذا أصح.
وعلى الأولى إذا قال المتحاسبان لا يشهدوا علينا بما يجري بيننا لم يمنع ذلك الشهادة ولزم إقامتها وعنه يمنع وسماع من جهة الاستفاضة فيما يتعذر علمه غالبا بدونها كالموت والنسب والملك المطلق والنكاح والوقف ومصرفه والعتق والولاء والولاية والعزل وكذلك الخلع والطلاق نص عليه.
ولا يشهد بالاستفاضة إلا عن عدد يقع العلم بخبرهم في ظاهر كلام أحمد والخرقي وقال القاضي يكفي عدلان فصاعدا والأصح أنه متى وثق بمن أخبره وسكنت نفسه إليه فليشهد وإلا فلا.
ومن رأى شيئا في يد إنسان مدة طويلة يتصرف فيه تصرف الملاك من نقض وبناء وإجارة وإعارة جاز أن يشهد له بالملك وقيلا لا يشهد إلا باليد والتصرف.
وإذا شهدا على رجل أنه طلق من نسائه أو أعتق من إمائه أو أبطل من وصاياه واحدة بعينها وقالا أنسينا عينها لم تقبل هذه الشهادة وقيل تقبل.
ومن شهد بالنكاح فلا بد من ذكر شروطه.
__________
قال الإمام أحمد من لعب بالحمام الطيارة يراهن عليها أو يسرحها من المواضع لعبا وفي لفظ أو يسيرها في المزارع فلا يكون هذا عدلا لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يسرح حماما ثم أتبعه بصره فقال "شيطان يتبع شيطانة" وهذا الحديث في السنن.
فصل
قد تقدم أن اللعب إذا لم يتضمن ضررا ولا شغلا عن فرض وليس فيه دناءة لا ترد به الشهادة.

ومن شهد برضاع أو سرقة أو زنا أو شرب أو قذف أو قتل فإنه يصفه ويذكر ما يعتبر للحكم ويختلف به وهل يعتبر في وصف الزنا ذكر الزمان والمكان والمزنى بها على وجهين.
وإذا قال من شهد بقتل جرحه فقتله أو مات من ذلك أو لم يزل ضمنا حتى مات ونحوه صح وإن قال جرحه فمات لم يحكم به.
ومن شهد لرجل أن هذا الغزل من قطنه والطير من بيضه أو الدقيق من حنطته حكم له بذلك.
وإذا شهد لمن ادعي إرث ميت شاهدان أنه وارثه لا يعلمان له وارثا سواه حكم له بتركته إن كانا من أهل الخبرة الباطنة وإلا ففي الاستكشاف معها وجهان ولا يجب أخذ كفيل في ذلك بحال.
وإن قالا لا نعلم له وارثا غيره في هذا البلد فكذلك وقيل إن كان قد سافر عنه يوقف الحاكم حتى يكشف خبره في بلاد سفره.
__________
قال الشيخ تقي الدين قول النبي صلى الله عليه وسلم "كل لهو يلهو به فهو باطل إلا رمية بقوس وتأديب فرسه وملاعبته امرأته فإنهن من الحق" يدل في معني الثلاثة ما كان من جنسهن فإن ملاعبة السرية كملاعبة المرأة سواء.
وأما تأديب الفرس فقريب منه تأديب البعير لأن كلاهما يشتركان في الإيجاف والسباق ولهذا أسهم للبعير في إحدى الروايتين إذا كان للقتال لا للحمولة فقط كما كانت زمن بدر.
فأما تأديب الحمولة من البغال والحمير والإبل فهل لها نصيب من تأديب الموجفة في القتال؟.
وكذلك رميه بقوسه في معناه عمله برمحه وسيفه فإنه صلى الله عليه وسلم

باب شروط من تقبل شهادته

باب شروط من تقبل شهادته
وهي في ظاهر المذهب ستة العقل والحفظ والعدالة والإسلام إلا حيث نذكره والبلوغ والنطق.
فلا تقبل شهادة مجنون ولا معتوه ولا مغفل ولا من يعرف بكثرة الغلط والسهو وتقبل ممن يخنق أحيانا في حال إفاقته ولا تقبل شهادة غير العدل.
ويعتبر للعدالة شيئان الصلاح في الدين والمروءة فالصلاح في الدين أداء
__________
"أقر الحبشة في المسجد يوم العيد على اللعب بالحراب" وقد قال الإمام أحمد في العمل بالرمح والقوس إنه أفضل من الصلاة في الثغر وأما في غير الثغر فسوى بينهما ولأنه سبحانه وتعالى قال: [60:8] {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} يتناول كلما يستطاع من القوة فيدخل فيه ما يرمى به وما يضرب به وما يطعن به سواء كان المرمى به سهما أو حربة وسواء كان السهم منفردا أو جاريا في مجري وسواء كان يؤثر باليد أو بالرجل الذي يسمى الجرخ.
وكذلك المضروب به يدخل فيه ما يقتل بحده كالسيف والخنجر والسكين وما يقتل بثقله كاللت وما يقتل بهما كالدبوس فأما قوله صلى الله عليه وسلم "ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي" فقد أراد به القوة الكاملة وهذا كثيرا ما يكون لحصر الكمال لا لحصر أصل الاسم كقوله تعالى: [15:30] {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} وقوله صلى الله عليه وسلم ."ولكن المسكين الذي لا يجد غناء يغنيه" ونحو ذلك وذلك لأن الرمى يصيب العدو البعيد مع الحائل من نهر ونحوه ويدفع العدو عن الإقدام ففيه ثلاثة فوائد لا توجد في غيره من السلاح انتهى كلامه.

الفرائض وسننها الراتبة وتجنب المحارم بأن لا يأتى كبيرة ولا يدمن على صغيره وفي رد الشهادة بالكذبة الواحدة روايتان وقيل العدل من لم تظهر منه ريبة.
ولا تقبل شهادة من فسقه لبدعة كمن يعتقد مذهب الرافضة أو الجهمية أو المعتزلة تقليدا ويتخرج أن تقبل إذا لم يتدين بالشهادة لموافقة على مخالفة.
ولا تقبل شهادة القاذف حتى يتوب سواء حد أو لم يحد.
__________
قوله: "ولا تقبل شهادة القاذف حتى يتوب سواء حد أو لم يحد".
أطلق جماعة من الأصحاب أن شهادة القاذف لا تقبل منهم الشيخ في الكافي وقاسه على الزنا.
وقال في المغني وعندنا تسقط شهادته بالقذف إذا لم يحققه وعند أبي حنيفة ومالك لا تسقط إلا بالجلد ثم احتج بالآية وقال رتب على رمي المحصنات ثلاثة أشياء إيجاب الجلد ورد الشهادة والفسق فيجب أن يثبت رد الشهادة بوجود الرمي الذي لا يمكنه تحقيقه بالجلد ولأن الرمي هو المعصية والذنب الذي يستحق به العقوبة وتثبت به المعصية الموجبة لرد شهادته والحد كفارة وتطهير فلا يجوز تعليق رد الشهادة به وإنما الجلد ورد الشهادة حكمان للقذف فيثبتان جميعا به وتخلف استيفاء أحدهما لا يمنع ثبوت الآخر.
وقولهم إنما يتحقق بالجلد لا يصح لأن الجلد حكم القذف الذي تعذر تحقيقه فلا يستوفى قبل تحقق القذف وكيف يجوز أن يستوفى قبل تحقق القذف وكيف يجوز أن يستوفى حتى قبل تحقق سببه ويصير مستحقا بعده هذا باطل انتهى كلامه.
وقالت الحنفية الزاني ونحوه يفسق بنفس الفعل الموجب للحد والقاذف لا يفسق بنفس القذف لجواز أن يكون صادقا.

ـ
وقال القاضي إذا عجز عن تصديق نفسه بإقامة البينة صار فاسقا وسقطت شهادته.
وقولهم يجوز أن يكون صادقا في قذفه غير صحيح لأنه إذا عجز عن إقامة البينة حكمنا بكذبه ألا ترى أنه يوجب الحد عليه ولا يجوز أن نوجب الحد عليه ولم نحكم بكذبه.
قال الشيخ تقي الدين عن كلام القاضي هذا وهذا الكلام يقتضي أنه يفسق حين يجب عليه الحد وذلك يستدعي مطالبة المقذوف وقالت الحنفية الحاكم لو شاهد رجلا يزني أو يسرق يحكم بفسقه ولم يقبل شهادته ولو رآه يقذف لم يحكم بفسقه لجواز كونه صادقا قال القاضي إذا عجز عن إقامة البينة حكم بفسقه.
وقال أبو الخطاب في الانتصار ولا فرق بينهما ولأنه لم يذكر شهادته بصورة الزنا والسرقة لجواز الشبهة فإن انكشف له الحال بأنه زنى بانتفاء الشبهة رد حينئذ كالقذف سواء إذا عجز عن إقامة البينة على صدقه وشهادته وحكم بفسقه وحده ولا فرق بينهما.
وقال القاضي بعد ذلك لا يحكم بكذبه بنفس القذف وإنما يحكم بالقذف والعجز عن تصديقه بالبينة وذلك متأخر عن حال القذف بدليل قوله تعالى: [13:24] {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} فحكم بكذبهم بالعجز عن الإيتاء بالشهادة1.
ثم قال فإن قيل فيجب أن تقبل شهادته قبل عجزه عن إقامة البينة لأنه لم يحكم بكذبه قيل إنما لم تقبل شهادته قبل ذلك لأن القذف سبب في القدح في العدالة فأكسب ذلك شبهة في قبولها كطعن الخصم في الشهود.
__________
1 بهامش الأصل: الذي في النكت عن شيخ السلامية: عن الإتيان بالشهادة

ـ
قال الشيخ تقي الدين هذا يدل على أنه يتوقف عن القبول1 بعد القذف وقبل العجز ثم قال واحتج بأنه يجوز أن يأتي بالبينة قبل وقوع2 الحد عليه فلا يتبين عجزه عن إقامة البينة قبل وقوع الحد عليه فيجب أن تقبل شهادته.
والجواب أن هذا التجويز لم يمنع من إقامة الحد عليه كذلك لا يمنع من رد الشهادة لأن الحد لا يجوز استيفاؤه إلا بعد ثبوت سببه كسائر الحدود فلما جاز استيفاؤه في هذا الحال وجب الحكم بفسقه ورد شهادته.
قال الشيخ تقي الدين فقد تحرر أن القاذف له ثلاثة أحوال أحدها أن لا تطلب منه البينة الثاني أن تطلب منه فيعجز الثالث أن تطلب منه فيذهب ليأتي بها وهنا يتوجه أن ينظر ثلاثة أيام فمن عجز فهو فاسق ومتى ذهب ليأتي بها فهو بمنزلة المطعون فيه وإن لم يطالب بالحد ولا بالبينة فهنا على مقتضى كلام القاضي لم تزل عدالته وهو ظاهر القرآن ويحتمل كلامه الثاني أن يكون مطعونا فيه وعلى عموم كلامهم في أن القذف يوجب الفسق لا تقبل شهادته انتهى كلامه.
وكلام أبي الخطاب المذكور يقتضى أن الحكم بالفسق ورد الشهادة والحد يتعلق بالعجز عن إقامة البينة وأن ما كان ثابتا من قبول الشهادة وغيره يستصحب إلى حين العجز ولم أجده ذكر في بحث المسألة ما ينافيه بخلاف القاضي فصار فيما إذا طلبت منه البينة فذهب ليأتي بها أو لم تطلب منه ثلاثة أقوال الثالث تقبل إذا لم يطالب بها وفي المسألة أيضا قول غريب.
قال القاضي في العدة فأما أبو بكرة ومن جلد معه فلا يرد خبرهم لأنهم جاءوا مجيء الشهادة وليس بصريح في القذف وقد اختلفوا في وجوب الحد فيما
__________
1 بهامش الأصل: "على القبول"
2 بهامش الأصل: "إقامة الحد"

يسوغ في الاجتهاد ولا ترد الشهادة بما يسوغ فيه الاجتهاد ولأن نقصان العدد من معنى وجهة غيره فلا يكون سببا في رد شهادته انتهى كلامه.
ويوجه بأنه أحد نوعي القذف فاستوت فيه الشهادة والرواية في القبول كالنوع الآخر فإن القاذف في الشتم لا تقبل شهادته ولا روايته حتى يتوب وحكي هذا عن الشافعي.
قال الشيخ تقي الدين عقيب كلام القاضي المذكور مضمون هذا الكلام أنه يقبل خبره وشهادته وهو خلاف المشهور والمحفوظ عن عمر في قوله لأبي بكرة "تب أقبل شهادتك" ولكن الناس قبلوا رواية أبي بكرة فيجوز أن ترد شهادته كما لو جلد ويقبل خبره كالمتأول في شرب النبيذ ونحو ذلك ولأن الخبر لا يرد بالتهمة التي ترد بها الشهادة من قرابة أو صداقة أو عداوة أو نحو ذلك أو لاشتراك المخبر والمخبر فيه بخلاف الشهادة انتهى.
فصل
وقوله: "حتى يتوب".
يعني إذا تاب قبلت شهادته جلد أو لم يجلد وقال أيضا في رواية عبد الله حدثنا عبد الصمد حدثنا سليمان يعني ابن كثير حدثنا الزهري عن سعيد بن المسيب "أن عمر حين ضرب أبا بكرة ونافعا وشبلا1 استتابهم وقال من تاب منكم قبلت شهادته".
__________
1 نافع بن علقمة قال ابن السكن: سكن الشام، ولم يزد على ذلك. وقال ابن عبد البر: سمع النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: إن حديثه مرسل.اهـ. وشبل بن معبد أخو أبي بكر لأمه.روى أبو عثمان النهدي قال: "شهد أبو بكر ونافع –يعني ابن علقمة- وشبل بن معبد على المغيرة: أنهم نظروا إليه كما ينظرون المرور في المحكمة: فجاء زياد فقال عمر: جاء رجل لا يشهد إلا بحق. فقال: رأيت مجلساً قبيحاً ونهزا. فجلدهم عمر".

ـ
وقال في رواية ابن منصور في المحدودين إذا تابوا جازت شهادتهم.
وقال حرب قال الإمام أحمد في القاذف إذا تاب قبلت شهادته.
وكذا نقل عنه جماعة منهم صالح وزاد أذهب إلى قول عمر بن الخطاب وقال له بكر بن محمد تعتمد على حديث عمر في قوله لأبي بكرة إن تبت قبلت شهادتك قال نعم وقول الله تعالى: [5:24] {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} .
وقال في رواية حنبل إذا تاب ورجع جازت شهادته على فعل عمر وإلا لم تقبل كذا قال الله تعالى: [4:24] {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً} ثم قال: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} فإذا تاب قبلت شهادته.
وقال في رواية حرب شهادة القاذف إذا تاب قبلت شهادته حد أو لم يحد وكذلك كل محدود تقبل شهادته إذا كان عدلا قيل للإمام أحمد جلد أو لم يجلد قال نعم فذهب إلى قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وبهذا قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة لا تقبل وتقبل في رؤية الهلال على ما ذكره القاضي عنه.
وتقبل شهادة الذمي إذا حد بالقذف ثم أسلم واعتذر عن رؤية الهلال بأنه خبر وليس بشهادة فقال القاضي لو لم تكن شهادة لم يعتبر فيها العدد وقد قال أبو حنيفة إذا لم تكن في السماء علة اعتبر فيه عدد كثير وكذلك يعتبر فيها مجلس الحكم.
قال الشيخ تقي الدين وهذا من القاضي يقتضي أن شهادة الواحد عند غير الحاكم لا تؤثر وقد ذكرت اعتبار اللفظ في موضعه انتهى كلامه.
واعتذر الحنفي عن الذمي بأنه اجتلب بإسلامه عدالة لم يبطلها حد القذف بخلاف المسلم فإنه أبطل عدالته بحده في القذف فلم يستفد بتوبته عدالة لم تكن فلهذا لم تقبل شهادته فقال أبو الخطاب لا فرق بينهما فإن الذمي كان عدلا

وتوبته إكذابه نفسه.
__________
في دينه لا سيما عندهم وعلى رواية لنا بأن شهادة بعضهم على بعض مقبولة وولايته على بنيه ثابتة فأبطل عدالته بالقذف والحد ثم استحدث عدالة بالإسلام ومثله المسلم أبطل عدالته ثم بالتوبة استحدث عدالة أخرى ثم تبطل في المسلم إذا زنى وسرق وشرب وحد فإنه قد أبطل عدالته وإذا تاب قبلت شهادته وإن لم تتجدد عدالة بإسلامه على زعمهم ثم يجب أن يعلل بهذا في رد شهادته في رؤية الهلال وأخبار الديانات وولايته على أولاده في أموالهم وقد قال يصح منه جميع ذلك انتهى كلامه.
قوله: "وتوبته إكذابه نفسه".
قال القاضي فيقول كذبت فيما قلت وهذا ظاهر كلام الإمام أحمد توبة القاذف أن يكذب نفسه وإن كان صادقا ورجحه بعضهم قال الإمام أحمد في رواية المروزي وحرب وابن منصور ويعقوب وصالح توبة القاذف أن يكذب نفسه وقال في رواية الميموني توبته عندي أن ينزع عن القذف ويكذب نفسه وحديث عمر رضي الله عنه يدل على هذا وقال في رواية الحارث وقد قيل له عن القاذف ماتوبته قال يكذب نفسه يقول إني قد قذفت فلانا وإني قد تبت من قذفي إياه قلت وإن كان قد شهد وقد رآه يزني يتوب من حق قد شهد به قال ماأدري هذه توبة القاذف قال وإنما أذهب إلى حديث أبي بكرة.
وقال في رواية حنبل لا تقبل شهادته حتى يقول إني تائب لأن أبا بكرة قال له عمر "إن تبت قبلت شهادتك".
وقال في رواية حنبل أيضا يكذب نفسه ويرجع عن قوله ويتوب

ـ
ليس بالتوبة خفاء وقال أبو طالب سمعت أحمد قال وتوبة القاذف أن يقوم فيكذب نفسه ويقول إني تائب مما قلت.
وقال أيضا في رواية أبي طالب وقد سأله عن توبة القاذف قال توبته إذا رجع فقال قد رجعت وتاب وأعلن مثل قول عمر لأبي بكرة "إن تبت قبلت شهادتك".
وقال مهنا قال أحمد تجوز شهادة المحدود في القذف إذا عرفت توبته يقول إني قد رجعت عما كنت قلت في فلان لا بد من هذا.
وقال له مهنا في موضع آخر لا بد من أن يتكلم به قال لا بد أن يتكلم به وإلا من أين تعلم بتوبته فقد روى عن ابن المسيب عن عمر مرفوعا توبته إكذاب نفسه ولأن إكذاب نفسه يزيل تلوث عرض المقذوف الحاصل بقذفه فتكون التوبة به وبه قال مالك وهو منصوص الشافعي.
وقيل إن علم صدق نفسه فتوبته أن يقول قد ندمت على ما قلت ولا أعود إلى مثله وأنا تائب إلى الله تعالى منه لأن المقصود يحصل بذلك ولأن الندم توبة وإنما اعتبر القول ليعلم تحقق الندم.
وتتمة هذا القول وإن لم يعلم صدق نفسه فتوبته إكذاب نفسه سواء كان القذف بشهادة أو سب لأن قد يكون كاذبا في الشهادة صادقا في السب وهذا معنى ما اختاره في المغني وقطع به في الكافي وقيل إن كان سبا فالتوبة إكذاب نفسه وإن كان شهادة فبأن يقول القذف حرام باطل ولست أعود إلى ما قلت قال القاضي وهو المذهب لأنه قد يكون صادقا فلا يؤمر بالذنب1 وقطع به في المستوعب إلا أنه قال يقول ندمت على ما
__________
1 بهامش الأصل: الذي في نكت ابن شيخ السلامية: "فلا يؤمر بالكذب"

ـ
كان مني ولا أعود إلى ما أتهم فيه ولا يقول ولا أعود إلى مثل ما كان مني لأن في ذلك أن لا يشهد.
وقال الشيخ تقي الدين ويتوجه أن يحمل قوله إذا أكذب نفسه على الشهادة بالقذف كقضية أبي بكرة.
فرع
وتقبل شهادة القاذف بمجرد التوبة في ظاهر كلام الإمام أحمد وقطع به في المستوعب وغيره وقدمه في الكافي وهو المشهور وقطع به ابن هبيرة عن الإمام أحمد ويحتمل أن يعتبر مضي مدة يعلم توبته فيها.
وذكر في الرعاية أنه إن كان شهادة قبل بمجرد التوبة وإن كان شتما وقذفا فيعد إصلاح العمل سنة وذكر ابن هبيرة عن مالك أنه يعتبر ظهور أفعال الخير من غير حد وعن الشافعي أنه قدره بسنة.
وقال القاضي في بحث المسألة على أن في الآية ما يمنع رجوعه إلى مايليه وهو زوال تتمة الفسق من وجوه.
أحدها أنه لو عاد إلى زوال تتمة الفسق لم يشترط فيه صلاح العمل ولكان يقتصر على قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} لأن الفسق يرتفع بمجرد التوبة وإنما قبول الشهادة يشترط فيه صلاح العمل فثبت أن الاستثناء عاد إليه1.
واحتجوا للمسألة بما رواه ابن المنذر وغيره عن ابن عباس في قوله تعالى: [5،4:24] {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} فمن تاب وأصلح فشهادته في كتاب الله تقبل وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: "إذا قال بعد ضربه أستغفر الله وأتوب إليه من قذف المحصنات حين يفرغ من ضربه ولم يعلم منه بعد إلا خيرا قبلت شهادته".
__________
1 بهامش الأصل: "عائد إليه"

ـ
ثم إن القاضي ذكر بعد ذلك المسألة بخلاف ذلك وقال إن شهادته تقبل بمجرد التوبة لأنا قد حكمنا بصحة التوبة في الباطن فلم نعتبر في قبول الشهادة إصلاح العمل كالتوبة عن الردة.
وقال الشيخ تقي الدين عند قوله إن القاذف تقبل شهادته إذا تاب معناه التوبة الصحيحة التي يعلم صحتها وذلك لا يكون إلا بعد سنة وصلاح العمل المذكور في القرآن إنما هو لتصحيح التوبة وسقوط العقوبة لا يستلزم قبول الشهادة فإن العقوبة تسقط بالشهادات وبالدخول في أوائل الخير وعلى هذا فلا فرق بين التوبة من الردة وغيرها وقوله -يعني القاضي- "قد حكمت بصحة التوبة في الباطن" فيه نظر ونصوص أحمد تخالف ذلك فإنه إن أراد أنه هو الذي حكم بذلك فقد يصدق وأما نحن فلم نحكم بصحتها في الباطن.
قال القاضي ولأن القذف على ضربين قذف بلفظ الشتم كقوله زنيت وأنت زان وقذف بلفظ الشهادة المردودة ثم إذا كان بلفظ الشهادة المردودة قبلت شهادته بمجرد التوبة كما دل عليه حديث عمر فكذلك إذا كان بلفظ الشتم قال ولأنه يقبل خبره بمجرد التوبة ولا يعتبر فيه صلاح العمل كذلك في باب الشهادة واستشهد بآية الفرقان والبقرة وفي كلاهما نظر قاله الشيخ تقي الدين.
قال القاضي ولأن التوبة الباطنة بحكم بصحتها في الحال وهو إذا وجد التركي والندم والعزم على الخروج من المظلمة أو يكون فيما بينه وبين الله تائبا ولا يشترط فيها صلاح العمل كذلك التوبة الحكمية بعلة أنها إحدى التوبتين.
فقد ظهر من ذلك أن لنا في قبول شهادة القاذف بمجرد التوبة خمسة أقوال.
والمعروف في المذهب أن التوبة من الردة ليست كغيرها كما أن المعروف الحكم بصحة التوبة في الباطن.

وإذا تاب الفاسق قبلت شهادته بمجرد توبته وعنه يعتبر معها في غير القاذف إصلاح العمل سنة.
__________
وظاهر كلام بعضهم التسوية بين قبول الخبر والشهادة بمجرد التوبة وعدمه خلاف ما صرح به القاضي فتكون المسألة على وجهين.
فرع
رجل حلف بالطلاق أنه رأى شخصا يزني فهل تطلق امرأته.
ينبغي أن يقال إن علم كذب نفسه طلقت باطنا وظاهرا وإن علم صدق نفسه طلقت في الحكم.
قوله: "وإذا تاب الفاسق قبلت شهادته بمجرد توبته".
هذا هو الراجح في المذهب لما تقدم وقوله عليه الصلاة والسلام: "التوبة تجب ما قبلها" رواه مسلم وعن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه ولم يسمع منه عن النبي صلى الله عليه وسلم."التائب من الذنب كمن لا ذنب له" إسناده ثقات رواه ابن ماجة وغيره.
قوله: "وعنه يعتبر معها في غير القاذف إصلاح العمل".
سنة لما تقدم لأن فيها يتبين صلاحه لاختلاف الأهوية وتغير الطباع وعن الشافعي كالروايتين وقيل إن فسخ بفعل وإلا فلا يعتبر فيه إصلاح ذلك.
وقيل يعتبر مضى مدة يعلم فيها حالة بذلك.
وذكر القاضي في موضع أن التائب من البدعة يعتبر له مضى سنة لحديث صبيغ "أن عمر رضي الله عنه لما ضربه أمر بهجرانه حتى بلغته توبته فأمر أن لا يكلم إلا بعد سنة" رواه الإمام أحمد رضي الله عنه.
وروى المروزي عن أحمد أنه قال لا يكلم التائب عن البدعة إلا بعد أن

ـ
يأتي عليه سنة كما أمر عمر بن الخطاب أن لا نكلم صبيغ إلا بعد سنة وقال من علامة توبته في هذه السنة أن ينظر إليه فان كان يوالي من عاداه على بدعته ويعادي من والاه فهذه توبة صحيحة واختار القاضي في موضع أن التائب من البدعة كغيره في أنه لا يعتبر إصلاح العمل وقال عن هذا النص محمول على طريق الاختيار الإحتياط وقال وقد قال الإمام أحمد في رواية يعقوب في رجل من الشكاك أظهر التوبة فقال يتوب فيما بينه وبين الله وبجانب أهل مقالته حتى يعرف الناس أنه تائب قال وظاهر هذا أنه لم يجعل مجانبته شرطا في صحة توبته وإنما جعلها ليكون ذلك دلالة على توبته عند من عرف ذلك منه ولم يشترط معنى زائدا على ذلك وهذا اختياره في المغني قال والصحيح أن التوبة من البدعة كغيرها إلا أن تكون التوبة بفعل يشبه الإكراه كتوبة صبيغ فتعتبر له مدة تظهر أن توبته عن إخلاص لا عن إكراه.
وقال الشيخ تقي الدين من تأمل كلام أحمد وجده إنما يعتبر في جميع المواضع التوبة لكن نحن لا نعلم صدقه في توبته بمجرد قوله قد تبت فلا بد من انكفافه عن ذلك الذنب وعلاماته سنة ليكون هذا دليلا لنا على صدق توبته فيما بينه وبين الله وبجانب أهل مقالته حتى يعرف الناس أنه تائب فجعل التوبة فيما بينه وبين الله صحيحه في الحال وأما عند الناس فيترك مواضع الذنب وهو مجانبة أصحاب الذنب وقول القاضي إنما أمر بذلك ليكون دليلا على توبته عند من عرف ذلك منه ضعيف لأن المجانبة لأهل المقالة المبتدعة واجبة وإنما أمر به لأن ملازمته دليل على القيام بموجب التوبة ولأنه قال حتى يعرف الناس منه ذلك وهذا يقتضي معرفة من عرف أنه قد تاب ومن لم يعرف أنه تاب ألا ترى أن المسألة أنه أظهر التوبة فحقيقة

ومن أتى شيئا من الفروع المختلف فيها كمن تزوج بلا ولي أو شرب من النبيذ مالا يسكره أو أخر زكاة أو حجا مع إمكانهما ونحوه متأولا لم ترد شهادته.
__________
التوبة عن إظهار وكذلك قوله من علامة توبته موالاة من عاداه على البدعة ومعاداة من والاه عليها وقال فهذه توبة صحيحة فعلمت أنه لا بد من علامة تدلنا على صحة التوبة وإلا فلو كان مجردالتكلم بالتوبة موجبا لصحتها لم يحتج إلى علامة.
ثم ذكر الشيخ تقي الدين كلامه المكتوب في القاذف وذكر ابن عقيل أن المبتدع إذا تاب هل تقبل شهادته أو يعتبر به صلاح العمل قال والقياس قبول شهادته لصحة توبته كما قدمناه في الردة والقذف لكن طرحنا القياس ههنا لأجل الإثم والأثر ثم ذكر رواية المروزي المذكورة لقول عمر لأبي بكرة "إن تبت قبلت شهادتك" وقال مالك لا أعرف هذا قال الشافعي وكيف لا يعرفه وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتوبة وقاله عمر لأبي بكرة.
قوله: "ومن أتى شيئا من الفروع المختلف فيها كمن تزوج بلا ولى أو شرب من النبيذ مالا يسكره أو أخر زكاة أو حجا مع إمكانهما ونحوه متأولا لم ترد شهادته".
نص عليه الإمام أحمد في رواية صالح وغيره وأنه يحد شارب النبيذ ويصلى خلفه وتقبل شهادته وهذا هو المشهور من المذهب وهو قول أبي حنيفة والشافعي لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يختلفون في الفروع فلم يكن بعضهم يعيب من خالفه ولا يفسقه.
ونقل عنه علي بن الموفق في الصلاة خلف من يشرب النبيذ لا يصلى خلف من يشرب هذا ولا خلف من يجلس إلى من يشرب هذا.
قال القاضي وهذا محمول على ما يسكر ويجوز أن يحمل على ظاهره

ـ
فيخرج روايتان ويشهد لذلك ما قاله في رواية أبي الحارث في إمام يبيع كرمه ممن يتخذه خمرا لا يصلون خلفه.
وقال في رواية عبد الله وإبراهيم من استطاع الحج ولم يحج لا تجوز شهادته انتهى كلام القاضي وكذا نقل أبو الحارث.
قال القاضي في موضع آخر وهذا مبالغة في الفور لأنه قد أسقط عدالته في الموضع الذي يسوغ فيه الاجتهاد وقال أيضا وظاهر هذا أنه لم يسوغ الاجتهاد في تأخيره أي تأخير الحج.
وذكره في المغني قولا واحتج له في المغني يقول عمر "ما هم بمسلمين".
وقال ابن أبي موسى الأظهر من قول الإمام أحمد أنه لا تقبل شهادة من شرب النبيذ متأولا ولم يسكر قال في الرعاية لفسقه إذا وهذا قول مالك واختاره الشيخ تقي الدين وقال ترد شهادته لاستحقاقه الهجر والعقوبة كالمبتدع والعلة أنه موجب للحد وهذا لا يتعداه.
وقال الإمام أحمد في رواية العباس بن محمد في شارب النبيذ أنا أجيز شهادته ولا أصلي خلفه إن وجدته في الجامع.
ولعل "لا" زائدة.
ونقل غير واحد عن الإمام أحمد فيمن ترك الوتر متعمدا ساقط العدالة.
وقال في رواية سندي قيل له فترى أن يكتب عمن يبيع هذه العينة قال لا يعجبني أن يكتب عن معين وفي اللاعب بالشطرنج خلاف سيأتي.
وقال الشيخ تقي الدين في المصرين على ترك الجماعة ترد شهادتهم بل يقاتلون في أحد القولين وهذا عند من لا يقول بوجوبها فأما من قال بوجوبها فإنه يقاتل تاركها ويفسق المصرين على تركها إذا قامت عليهم الحجة التي تبيح القتال والتفسيق كما يقاتل أهل البغي بعد إزالة الشبهة ورفع المظلمة.
قوله في المحرر "متأولا".

ـ
وكذا من قلد متأولا ويدخل في كلامه وكلام غيره من قال يقول عليه الصلاة والسلام.
الماء من الماء أو أجاز بيع درهم بدرهمين نقدا.
وظاهر كلامه في الرعاية أنه يفسق في هاتين الصورتين اتفاقا وذكر في المستوعب المسألة كما ذكر غيره وقال وذكر ابن أبي موسى أنه لا تقبل شهادة من يقول الماء من الماء ولا من يجوز بيع درهم بدرهمين نقدا وتعليل هذا أنه لضعف الخلاف فيهما وفي هذا نظر وأما لاعتقاد أن فيهما إجماعا بعد اختلاف وأن هذا إجماع صحيح ففيه نظر أيضا.
فصل
قال القاضي على ظهر أجزاء العدة نقلت من المجموع لأبي حفص البرمكي من خط ولده أبي إسحاق عبد الله سمعت أبي يقول لو أن رجلا عمل بكل رخصة بقول أهل الكوفة في النبيذ وأهل المدينة في المشاع وأهل مكة في المتعة لكان فاسقا.
قال القاضي هذا محمول على أحد وجهين إما أن يكون من أهل الاجتهاد ولم يؤده اجتهاده إلى الرخص فهذا فاسق لأنه ترك ما هو الحق عنده واتبع الباطل أو يكون عاميا فأقدم على الرخص من غير تقليد فهذا أيضا فاسق لأنه أخل بفرضه وهو التقليد فأما إن كان عاميا وقلد في ذلك لم يفسق لأنه قلد من يسوغ اجتهاده.
قال الشيخ تقي الدين قد فسق العاصي المجتهد إذا عمل برخصة مختلف فيها من غير اجتهاد والعامي إذا عمل بها من غير تقليد ومع هذا فكلام الإمام أحمد إنما هو فيمن يتبع الرخص مطلقا المختلف فيها مع ضعفها وهذا فاسق لأنه يفعل الحرام قطعا انتهى كلامه.

وإن اعتقد تحريمه ردت نص عليه.
__________
ولم يقل في موضع آخر مع ضعفها انتهى كلامه.
وما ذكره القاضي هو ظاهر كلام الأصحاب رحمهم الله تعالى وقد ذكروا فيمن صلى وترك شرطا أو ركنا ساغ فيه الخلاف من غير تأويل ولا تقليد أنه لا تصح صلاته في أصح الروايات لأن فرضه التقليد وقد تركه والثانية لا إعادة إن طال الزمن والثالثة تصح مطلقا لخفاء طرق هذه المسائل وعلى هذه الرواية يخرج عدم الفسق في مسألتنا.
ويوافق كلام القاضي قول ابن عقيل لو شرب النبيذ عامي بغير تقليد لعالم فسق.
ووجدت بخط القاضي تقي الدين الزريراني البغدادي الحنبلي الآخذ برخص العلماء هل يفسق أم لا فيه روايتان مثل الآخذ برخص مالك في ترك الشهادة في النكاح والقول بطهارة الكلب والخنزير في حال الحياة وكاستباحة النبيذ على قول النعمان وتزويج ابنته من الزنا على قول الشافعي ونحو ذلك مما ليس له شبهة قوية فأما ما قويت شبهته كمس الذكر في حق المتوضى ء وخروج الدم من بقيه البدن وما أشبه ذلك فلا يفسق وهذا كله في حق العالم فأما العامي فموسع عليه في ذلك انتهى كلامه.
فظهر من ذلك أن من فعل مختلفا فيه بغير تأويل ولا تقليد أنه يفسق في المشهور وإن تأول أو قلد إن لم يترخص فلا يفسق وإن تتبع الرخص فهل يفسق أم لا أم يفرق بين ما قوى دليله وما ضعف أم لا يقال بهذه التفرقة في حق العالم فقط أم يفرق بين العامي والعالم مطلقا فيه أقوال.
قوله: "وإن اعتقد تحريمه ردت نص عليه وقد تقدم".
وقال في رواية الأثرم في المحتجم يصلي ولا يتوضأ فإن كان ممن يتدين بهذا

وقيل لا ترد أيضا.
__________
فلا وضوء فيه فلا يعيدون وإن كان يعلم أنه لا يجوز يعيدون كلهم.
قال القاضي فقد أبطل إمامته مع اعتقاده التحريم وإبطال الإمامة ههنا كإبطال الشهادة لأن العدالة شرط فيها وهذا هو المشهور لأنه فعل يحرم على فاعله فأشبه المتفق على تحريمه.
واعتبر في المغني على هذا أن يتكرر ولم أجده في غيره.
وذكر في المستوعب في الصلاة أنه يفسق ولهذا قال في الرعاية فسق على الأصح.
وقوله في المحرر "وقيل لا ترد أيضا".
وهو قول الشافعية لأن لفعله مساغا في الجملة فأشبه المتفق على حله.
ونقض على الشافعية بنص الشافعية في المعتاد مع خلاف إبراهيم بن سعيد وعبيد الله بن الحسن وبمن طلق ثلاثا وأمسك امرأته مع خلاف الحسن.
فأما اعتقاد استباحة هذا المحرم فلا يسقط الشهادة ذكره القاضي وغيره من الأصحاب محل وفاق.
وقد قال عبد الله سئل أبي عن عبد الصمد بن النعمان قال نحن لا نكتب عن عبد الصمد قيل لعبد الله فلم كرهه قال كان يرى العينة.
فصل
هل يجوز أن يشهد العقد الفاسد المختلف فيه ويشهد به؟.
ينبغي أن يقال يدخل في كلام الأصحاب فإن كان متأولا أو مقلدا لمتأول جاز وفي بعض المواضع خلاف سبق وإلا لم يجز.
وقال الشيخ تقي الدين قال القاضي هل يجوز أن يشهد العقد الفاسد

ـ
ويشهد به فإن كان ذلك في عقد متفق على فساده كعقد الربا والعقد المشروط فيه الخيار المجهول أو شرط باطل بإجماع لم يجز شهوده ولم تجز الشهادة به فأما إن كان فساده مما يسوغ الاجتهاد فيه فلا يمنع لأنه لا يقطع على فساده نص عليه في رواية أحمد بن صدقة وقد سأله فإن كانوا يشهدون على ربا قال لا يشهدون على ربا إذا علموا.
وقال في رواية حرب في الرجل يدعى إلى الشهادة ويظن أنه ربا أو بيع فاسد قال إذا علم ذلك فلا يشهد.
وقال في رواية بكر بن محمد عن أبيه في الرجل يفضل بعض ولده يشهد قال لا يشهد قيل له فقد شهد فقال لا تشهد للذي أشهدك ولا لولده.
وكذلك نقل إسماعيل بن سعيد لا تشهد على عطية من لم يعدل فيها وكذلك نقل أبو الحارث إذا علمت أنه يريد أن يزوى ميراثه عن ورثته يصيره لبعض دون بعض لا تشهد له بشيء.
قال وظاهر هذا يقتضي أنه لا يشهد وإن كان مختلفا فيه لأن تفضيل بعضهم على بعض مختلف فيه واحتج بقوله: "لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يشهد".
ولحديث النعمان بن بشير ولحديث."لعن شاهدا الربا" قال ولأن فعل الفاسد منكر وحضور المنكر منكر.
فإن قيل ما رويتموه من الأخبار في أحكام يسوغ فيها الاجتهاد وهو الشهادة في نكاح المحرم وإذا خص بعض أولاده قيل في هذا تنبيه على تحريم ذلك فيما اتفق على فساده وإذا قام الدليل على المختلف فيه خصصناه وبقي تنبيهه على ظاهره.
فان قيل فالشاهد لا يلزم بشهادته وإنما ذلك إلى اجتهاد الحاكم.
قيل وإن لم يلزم فلا يجوز له أن يحضر المنكر لأن حضوره منكر.

ـ
فإن قيل فلله حكم في الفاسد كما له حكم في الصحيح فهو ينقل الفساد فينفذه الحاكم؟
قيل فيجب أن يحضر المؤاجر المشاهد بيع الخمر فيشهد بذلك وكذلك دور الفسق لشاهد الزنا فيشهد بذلك لأن لله فيه حكما وهو سقوط ثمن الخمر ومهر الزانية.
قال الشيخ تقي الدين الشهادة عليه إعانة على حصوله والإعانة على المحرم محرمة فأما إذاغلب على ظنه أنه يشهد عليه ليبطله فذلك شيء آخر انتهى كلامه.
وظاهر قول الشيخ تقي الدين كما تقدم في أول الفصل وعليه ما ذكره القاضي في نص الإمام أحمد.
وكذا ما رواه أبو النصر العجلي أنه سمع أبا عبد الله يكره العينة ويكره أن يشهد الرجل على شيء منها هذا إن حملت الكراهة على التحريم وإطلاق القاضي عدم المنع يقتضى جواز الشهادة مطلقا وهو خلاف كلام الإمام أحمد.
وقد يقال ما ضعف دليله وكان خلاف خبر واحد لم يشهد فيه وإلا شهد كعطية الأولاد وما في معناها.
وقال القاضي سعد الدين الحارثي في شرحه العلم بالتفضيل أو التخصيص يمنع تحمل الشهادة به وأداؤها مطلقا حكاه الأصحاب ونص عليه ثم ذكر النصوص السابقة وأن الإمام أحمد قال في رواية أحمد بن سعيد وإن سأله بما استمع عند قاض يرى ذلك جائزا لم يشهد له به وعلله الحارثي بأنه جور فامتنعت الإعانة عليه وذكر أنه قول إسحاق.
ونقل أبو طالب عن الإمام أحمد أنه سئل عن رجل نحل نحلة لابنه ولم يعلم الشهود أن له ابنا غيره ثم علموا بعد أن له غيره فدعاهم إلى الشهادة قال إن لم يشهدوا له أرجو ليس عليهم شيء انتهى كلامه.

وأما المروءة فاستعمال ما يجمله ويزينه وتجنب ما يدنسه ويشينه فلا تقبل
__________
فأما إن احتمل عند الشاهد أن العقد فاسد فإنه يشهد وكذلك ينبغي إن ظن فساده على مقتضى كلام الإمام أحمد السابق لكن هنا ينبغي أن يقال يكره وقد يقال بتحريمه كما في ظن جعل العصير خمرا وظن جعل الدار المستأجرة مكانا يباع فيه الخمر.
وقال الشيخ تقي الدين في موضع آخر فصل الشهادة على الإقرار الذي يعلم أنه تلجئه أو كاذب أو فيه تأويل وقد أبطل الإمام أحمد إقرار التلجئة ونصه مكتوب عند مسألة الإقرار للزوجة إذا أبانها ثم تزوجها وقال في موضع آخر إن الأمر بإقرار باطل مثل أمر المريض أن يقر لوارث بما ليس بحق ليبطل به حق بقية الورثة فإن الأمر بذلك والشهادة عليه باطل.
قوله: "وأما المروءة فاستعمال ما يجمله ويزينه وتجنب في يدنسه ويشينه إلى آخره".
المروءة الإنسانية وقال ابن فارس الرجولية وقيل صاحب المروءة من يصون نفسه عن الأدناس ولا يشينها عند الناس وقيل هو الذي يسير بسيرة أمثاله في زمانه ومكانه قال أبو زيد يقال مرؤ الرجل أي صار ذا مروءة فهو مري على وزن فعل وتمرأ إذا تكلف المروءة.
والرقاص الذي يعتاد الرقص ويقال رقص يرقص.
والشطرنج قال الجواليقي فارسي معرب وهو بالشين المعجمة المفتوحة ومكسورة وحكى فيه بعضهم بالسين المهملة والمعروف في المذهب تحريم اللعب بالشطرنج.
قال حرب قيل للإمام أحمد أترى بلعب الشطرنج بأسا قال البأس

شهادة المصافع والمتمسخر والمغني والرقاص والمشعوذ ومن يلعب بالنرد أو الشطرنج.
__________
كله قيل فإن أهل الثغر يلعبون بها للحرب قال لا يجوز هكذا وجدت هذا النص.
ونقل الشيخ تقي الدين من زاد المسافر لأبي بكر عن حرب قال قلت لأبي إسحاق أترى بلعب الشطرنج بأسا قال البأس كله قلت فإن أهل الثغر يلعبون بها للحرب قال هو فجور.
وذكرها أبو حفص عن الإمام أحمد انتهى كلامه.
وقال ابن عقيل وقد قال أبو بكر قياس قول الإمام أحمد ومعناه قول الشافعي بالشطرنج وأنه إذا لم يأخذ العوض لم ترد شهادته انتهى كلامه.
وظاهره أنه لا ترد شهادة لاعب الشطرنج بها إذا لم يأخذ العوض.
وقال في الرعاية وقيل يكره فتقبل شهادة من لم يكثر.
فظهر من ذلك أنه لا يحرم في وجه وأن عليه هل تقبل شهادة من أكثر منه فيه وجهان.
وعلى التحريم قال القاضي في موضع هو كالنرد في رد الشهادة وهو قول أبي حنيفة ومالك.
وقال أيضا في موضع اللعب بالشطرنج وسماع الغناء بغير آلة نقول فيه ما نقول في شرب النبيذ وأنه إذا فعل ذلك متأولا لم ترد شهادته وقد أومأ إليه أبو بكر في كتاب الخلاف من الشهادات لأنه حكى قول الشافعي في سماع المغني واللعب بالشطرنج وقال قياس قول أبي عبد الله على مذهب الشافعي لأن التأويل يحتملها وكذا حكى في المغني قول أبي بكر إن فعله من يعتقد تحريمه فهو كالنرد وإن فعله من يعتقد إباحته لم ترد شهادته إلا أن يشغله عن الصلاة عند أوقاتها أو يخرجه إلى الحلف الكاذب أو نحوه من المحرمات أو

أو الحمام أو يدخل الحمام بلا مئزر أو يأكل في السوق أو يمد رجليه في مجمع
__________
يعلب بها على الطريق أو يفعل في لعبة ما يستخف به من أجله ونحو هذا مما يخرجه عن المروءة وهذا مذهب الشافعي كسائر المختلف فيه انتهى كلامه.
وكذا مثل غير واحد من الأصحاب بحكاية ما يضحك منه الناس ونارنجيات وتعزيم وأكله في طريق الناس يرونه وبوله في شارع ومشرعة وكشف رأسه أو بطنه أو صدره أو ظهره في موضع لم تجر عادته بكشفه فيه وخطاب زوجته أو أمته حيث يسمع الناس بلا عذر واستماع الغناء وكشف عورته في حمام أو غيره وتحريش البهائم والجوارح للصيد ودوام اللعب والمعالجة بشيل الأحجار الثقال والمقيرات والأخشاب وما عده الناس سفها وإسقاط مروءة وما فيه المخاطرة بالنفوس والثقاف.
وقال في الرعاية ويستحب تأديب الخيل والثقاف واللعب بالحراب وسائر اللعب إذا لم يتضمن ضررا ولا شغلا عن فرض إذا لم يكن فيه دناءة ولا ترد به الشهادة.
وقال ابن عقيل في الفنون مثل الأكل على الطريق ومد الرجلين بين الجلساء وكشف الرأس بين الملأ والقهقهة وقال في موضع آخر الأرجوحة والتعلق عليها والترجيح فيها مكروه نهى عنه السلف وقيل إنها لعبة الشيطان فلا تقبل شهادة المدمن لها وقال في موضع آخر وتكره الأراجيح وكل ما يسمى لعبا إلا ما كان إعانة على الحرب كاللعب بالحراب والأسلحة والرماية وقال في موضع آخر فأما حبس المطربات من الأطيار كالقمارى والبلابل لترنهما في الأقفاص فقد كرهه أصحابنا لأنه ليس من الحاجات لكنه من البطر والأشر ورقيق العيش وحبسها تعذيب فيحتمل أن ترد باستدامته الشهادة ويحتمل أن لا ترد لأن ذلك ليس من الأمور البعيدة عن المباح وقال أيضا في موضع آخر في هذه المسألة أفيحسن بعاقل أن يعذب حيا

الناس أو يتحدث بمباضعة أهله ونحوه.
__________
لينوح فيستلذ بنياحته وقد منع من هذا أصحابنا وسموه سفها1.
فإنما جازت شهادته لأن الإمام أحمد قد نص على أن القاضي إذا شهد بعد عزله على قضية أن شهادته تقبل فأولى أن تقبل شهادة القاسم وبهذا قال أبو حنيفة وأبو يوسف والأصطخري.
قال القاضي دليلنا أن القاسم بغير أجر يتصرف من جهة الحكم فوجب أن يقبل قوله فيه دليله الحاكم يقبل قوله فيما يحكم به به في حال ولايته عندهم وعندنا يقبل في حالة الولاية وبعد الولاية ولا يلزم عليه إذا قسم بأجرة لأن تصرفه لا يكون من جهة الحكم لأنه أجير وشهادة الأجير لا تجوز فيما يستحق عليه الأجرة لأن لهما فيه منفعة وهو استحقاق الأجرة متى صحت القسمة وهذا معنى كلام أصحاب القاضي كأبي الخطاب والشريف.
قال الشيخ تقي الدين والتعليل الأول يقتضي أن قول القاسم خبر لا شهادة كالحاكم والتعليل الثاني ضعيف لأنه يوجب أن لا تقبل شهادتهما بالقيمة والقدر لأنهما يستحقان عليه الأجرة ولأن الأمناء تقبل أقوالهم فيما يستحقون عليه أجرة كالوصي في العمل والإنفاق وذلك لأنهما تراضيا بأن يكون حكما بينهما يجعل كالحاكم لو أعطيناه جعلا على ما ذكره بعض أصحابنا وشبيه بهذا ما لو رضي الخصم بشهادة عدوه أو أبى خصمه ومن يتهم عليه أو رضي بقضائه وكذلك شهادة الظئر المستأجرة بالرضاع وشهادة القابلة بالولادة انتهى كلام الشيخ تقي الدين.
وقال أيضا بناها القاضي على أن شهادة الإنسان على فعل نفسه تقبل
__________
1 سقط من الأصل ورقة أو أكثر.

وأما أصحاب الصناعة الدنية عرفا كالحارس والحائك والنخال والصباغ والحجام والكساح والقمام والزبال والكناس والدباغ والنفاط ونحوهم فتقبل شهادتهم إذا عرف حسن طريقهم في دينهم.
__________
كالمرضعة ضعف مأخذهما من وافقه أنهما ليسا شهادة على فعل نفسه انتهى كلامه.
وقال القاضي قال مالك والشافعي لا تجوز شهادتهما.
قال الشيخ تقي الدين وكذلك قال القاضي في مسألة الحكم بالعلم في حكمه بعلمه سبب يوجب التهمة وهو أنه يثبت حكمه بقوله فهو كقاسمي الحاكم إذا شهدا بالقسمة لم يحكم بشهادتهما لأنهما أثبتا فعلهما بشهادتهما.
وقوله: "وأما أصحاب الصناعة الدنيئة عرفا إلى آخره".
فالنخال: الذي يغربل في الطريق على فلوس وغيرها والقمام الذي يجمع القمامة وهي الكناسة ويحملها والفعل منه قم يقم والجمع قمام والمقمة المكنسة وقممت البيت كنسته.
قوله: "فتقبل شهادتهم إذا عرف حسن طريقتهم في دينهم".
لأن للناس حاجة إلى ذلك فرد شهادة فاعله تمنع من تعاطيه ومن الأصحاب من ذكر المسألة على الوجهين ومنهم من ذكر فيها روايتين.
ووجه عدم القبول أن تعاطي ذلك يتجنبه أهل المروءات وقطع في الكافي أن الحائك والدباغ والحارث تقبل شهادتهم لغيرهم.
وقطع في المغني بأن الكساح والكناس لا تقبل شهادتهم لغيرهم وهو معنى ما روى عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما.
قال في الرعاية بعد حكاية الخلاف وكذا الخلاف في النخاس والدباب والوقاد والصائغ.

ولا يقبل مستور الحال منهم وإن قبلناه من غيرهم.
__________
قال ابن حمدان وكذا الجصاص والطفيلي والقيم والمصارع والمصور والمكاري والحمال والجزار ومن لبس من الرجال زي النساء أو زي أهل الذمة أو غير زي بلده الذي يسكنه أو غير الزي المعتاد بلا عذر أو أكثر الضحك والاستهزاء بالناس وكلامهم وإطراحهم ومناكدتهم.
وقال في المغني فأما سائر الصناعات التي لا دناءة فيها فلا لا ترد الشهادة إلا من كان منهم يحلف كاذبا أو يعد ويخلف وغلب هذا عليه فلا شك أن شهادته ترد وكذلك من كان يؤخر الصلاة عن أوقاتها أولا يتنزه عن النجاسات فلا شهادة له ومن كانت صناعته محرمة كصانع الزمامير والطنابير فلا شهادة له ومن كانت صناعته يكثر فيها الربا كالصائغ والصيرفي ولم يتق ذلك ردت شهادته.
قال ولا تقبل شهادة الطفيلي وهو الذي يأتي طعام الناس من غير دعوى وبه قال الشافعي ولا نعلم فيه خلافا قال لأنه يأكل محرما ويفعل ما فيه سفه ودناءة وذهاب مروءة فإن لم يتكرر هذا منه لم ترد شهادته فإنه من الصغائر.
وقال الأزجي الحنبلي في نهاية المطلب له والصناعات تنقسم إلى مباح وهي مالا دين فيه ككتابة وبناء وخياطة وإلى حرام كتصوير ونحوه وإلى مكروه وهو ما يباشر فيه النجاسة كحجام وجزار.
قال وهل يدخل الفاصد في هذه الكراهة الظاهر أنه يلتحق بذلك وكذلك الختان بل أولى لكونه يباشر العورات وعلى هذا يكره كل كسب

ولا تقبل شهادة الكفار إلا بالوصية في السفر ممن حضره الموت من مسلم أو كافر إذا لم يوجد غيرهم.
__________
دنيء كدباغ وسماك وقيم وحلاق وقد قيل إن الحمامي يلتحق بهؤلاء والصحيح أنه لا يلتحق بهم انتهى كلامه.
وذكره السماك في هؤلاء فيه نظر وصرح ابن عقيل في الفنون أنه لا تقبل شهادة الخياط وفي ذكره الخياط نظر.
قوله: "إلا بالوصية في السفر ممن حضره الموت من مسلم أو كافر إذا لم يوجد غيرهم".
كذا ذكره الأصحاب تصريحا وظاهرا قال القاضي نص عليه في رواية عبد الله فقال قال الله تعالى: [282:2] {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} وليس ممن يرضى وقال تعالى: [95:5] {ذَوَا عَدْلٍ} وليسوا بعدول.
فظاهر الآية يدل على أن لا شهادة لهم في المواضع التي أجازها أبو موسى الأشعري في السفر في الوصية.
وكذلك نقل المروزي فقال الآية تدل على ذلك فيقسمان بالله ثم أقبل شهادتهم إذا كانوا في سفر ليس فيه غيرهم وهذه ضرورة.
قال الشيخ تقي الدين وهل تعتبر عدالة الكافرين في الوصية في دينهما عموم كلام الأصحاب يقتضي أنه لا يعتبر وإن كنا إذا قبلنا شهادة بعضهم على بعض اعتبرنا عدالتهم في دينهم.
وصرح القاضي بأن العدالة غير معتبرة في هذه الحال والقرائن تدل عليه وكذلك الآثار المرفوعة والموقوفة.
وأما المسلمون فصرح القاضي أنه لا تقبل شهادة فساق المسلمين في هذه الحال جعله محل وفاق واعتذر عنه انتهى كلامه.

وفي اعتبار كونهم من أهل الكتاب روايتان ويحلفهم الحاكم بعد العصر ما خانوا ولا حرفوا وإنها لوصية الرجل.
__________
وسيأتي في ذكر مسألة ومالا يطلع عليه الرجال كعيوب النساء من كلامه ما يخالفه وقال أكثر العلماء منهم الأئمة الثلاثة لا تقبل شهادتهم على المسلمين بحال ولم أجد بهذا قولا في مذهبنا.
وقد قال الإمام أحمد في رواية حرب وغيره لا تجوز شهادة أهل الكتاب بعضهم على بعض ولا على غيرهم لأن الله تعالى يقول: [282:2] {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} وليسوا ممن نرضى وظاهره كقول الأئمة الثلاثة إلا أنه صرح بخلافه في غير موضع.
قوله: "وفي اعتبار كونهم من أهل الكتاب روايتان".
إحداهما يعتبر قطع به في المستوعب والكافي وغيرهما لأن الأصل عدم قبول خولف في أهل الكتاب لأن الأخبار المروية في ذلك إنما هي في أهل الكتاب فيقتصر عليها.
والثانية لا يعتبر قدمه في الرعاية وهو ظاهر كلام جماعة في ظاهر قوله تعالى: [106:5] {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} .
فعلى الأولى هل يعتبر كونهم من أهل الذمة ظاهر كلامه في المستوعب والمغني وابن هبيرة وغيرهم كلام أنه يعتبر وظاهر كلامه في الكافي وغيره أنه لا يعتبر وقدمه في الرعاية فهذا وجهان على هذه الرواية وقطع بعضهم بأنه يعتبر أن يكونوا رجالا ولم أجد ما يخالفه صريحا.
قوله ويحلفهم الحاكم بعد العصر ما خانوا ولا حرفوا وإنها لوصية الرجل للآية وتصريح خبر أبي موسى.
قال ابن قتيبة لأنه وقت يعظمه أهل الأديان.

ـ
قال الشيخ تقي الدين هذا يناسب الشهادة والأمانة على المال ما خانوا في الأمانة ولا حرفوا الشهادة انتهى كلامه.
قال في الرعاية يجب ذلك وقيل يستحب قال القاضي في ضمن مسألة تغليظ اليمين في الدعاوي يحمل الاستحلاف في الآية عليه إذا رآه الإمام أزجر للحالف يعني كاستحلاف الخصم.
وقال القاضي في احكام القرآن يستحلف الشهود بعد صلاة العصر إذا كانوا من غير أهل ملتنا إذا اتهمهم الورثة في الشهادة لأنه قال: [106:5] {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} ولو كان الموصي المشهود له من ذوي قربى الشهود {وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ} فيما أوصى به الميت وأشهدهما عليه ولذلك قال فيما بعد: [108:5] {أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} يعني أيمان الشهود عند ارتياب الورثة.
قال الشيخ تقي الدين وهذا يقتضي أن استحلاف الشهود حق للمشهود عليه فإن شاء حلفهم وإن شاء لم يحلفهم ليست حقا لله وهو ظاهر القرآن.
فصل
لو حكم حاكم بخلاف قولنا في هذه المسألة فهل ينقض حكمه.
احتج به في المغني بالآية الكريمة ثم قال وهذا نص الكتاب وقضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه انتهى كلامه.
وقد عرف من مذهبنا أن حكم الحاكم ينقض إذا خالف نص كتاب أو سنة.
وهذا يوافق ما قاله في الروضة "أن النص إذا تطرق إليه الاحتمال ولا دليل عليه لا يخرجه عن كونه نصا".
قال الشيخ تقي الدين يتوجه أن ينقض حكم الحاكم إذا حكم بخلاف هذه الآية فإنه خالف نص الكتاب بتأويلات غير متجهة انتهى كلامه.

ـ
وهذه المسألة قد يعايى بها يقال أين لنا مفردة لا يتحقق فيها خلاف عندنا لو حكم حاكم بخلاف قولنا فيها نقض حكمه.
فصل
المذهب أنه لا تقبل شهادة الكافر في غير الوصية في السفر وسيأتي الكلام في شهادة بعضهم على بعض وقال أبو حفص البرمكي تقبل شهادة السبي بعضهم على بعض في النسب إذا ادعى الآخر أنه أخوه.
قال ابن عقيل ولا أعرفه التعليل يجب أن يكون تصحيحا لشهادة بعضهم على بعض في الجملة.
وقال القاضي أبو الحسين في التمام لا تختلف الرواية إذا سبى قوم ثم عتقوا فادعوا أنسابهم لم يقبل إقرارهم حتى يقيموا البينة واختلفت الرواية هل من شرط البينة أن يكونوا من المسلمين؟ على روايتين.
أصحهما لا تسمع إلا من مسلم وبه قال الشافعي والثانية تسمع من الكافر.
وجه الأولى اختارها الخرقي ما روى الشعبي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى شريح أن لا تورث حميلا حتى تقوم بينة من المسلمين والحميل المجهول من النسب على غيره وقد جاء عن العرب حميل بمعنى محمول.
ووجه الثانية أنه يتعذر إقامة المسلمين فأشبه الوصية في السفر تقبل فيها شهادة أهل الذمة لتعذر المسلمين هناك انتهى كلامه.
وقد ذكر القاضي أبو يعلى هذه المسألة فقال وقد قال الإمام أحمد في السبي إذا ادعوا نسبا وأقاموا بينة من الكفار قبلت شهادتهم نص عليه في رواية حنبل وصالح وإسحاق بن إبراهيم لأنه قد تتعذر البينة العادلة ولم يجز ذلك في رواية عبد الله وأبي طالب لأنه لا نص في ذلك.

ـ
قال الشيخ تقي الدين فعلى هذا كل موضع ضرورة غير المنصوص فيه روايتان لكن التحليف هنا لم يتعرضوا له فيمكن أن يقال لأنه إنما يحلف حيث تكون شهادتهم بدلا في التحميل بخلاف ما إذا كانوا أصولا قد علموا من غير تحميل.
وقال أيضا نقل ابن صدقة عن الإمام أحمد سئل الإمام أحمد عن الرجل يوصي بأشياء لأقاربه ويعتق ولا يحضر إلا النساء هل تجوز شهادتهن قال نعم تجوز شهادتهن في الحقوق ذكرها القاضي مستشهدا بقبول الشهادة حال الضرورة.
وظاهر هذه أنه تقبل شهادة النساء منفردات في الوصية مطلقا كما تقبل شهادة الكفار وهذا يؤيد ما ذكرته يعني ما تقدم من أنها تقبل في السفر والحضر إذا لم يكن ثم مسلم.
وفي موضع آخر قال يعني القاضي نقلت من خط أبي حفص عن سندى1 القزاز قال وسئل عن الرجل يوصي بأشياء لأقاربه ويعتق ولا يحضره إلا النساء هل يجوز شهادتهن في الحقوق يحتمل أنها تقبل مع يمين الموصى له كأحد الزوجين.
ويتوجه أن يكون ذلك فيما ليس له منكر فإن الشهادة على الميت ليست كالشهادة على الحي فإنه إما أن يقر أو يجحد فإن جحد كل جحده معارضا لأحدهما وسلم الآخر بخلاف مالا معارض له ولهذا قلنا إن الإمام لا يرجع حتى يسبح به اثنان في الصلاة وهذا فرق معنوي.
وقال أيضا قول الإمام أحمد أقبل شهادتهم إذا كانوا في سفر ليس فيه غيرهم هذه ضرورة فيقتضي عمومه أنها لا تقبل في السفر على كل شيء عند عدم
__________
1 بهامش الأصل: في نسخة عن حبيب القزاز.

المسلمين فتقبل على الإقرار وعلى نفس الموت لأجل انتقال الإرث وزوال النكاح وعلى القتال وعلى غير ذلك وهذا هو القياس الجلي فإنها إذا قبلت على الوصية فلأن تقبل على الموت أولى وأحرى وليس في الوصية معنى إلا وقد يوجد في غيرها مثله أو أقوى أو قريب ولذلك قلنا شهادتهم في إحدى الروايتين بالنسب والولادة في مسألة الحميل إذ ليس هناك من يعلم النسب من المسلمين.
قال وقوله: "هذه ضرورة" يقتضى هذا التعليل قبولها في كل ضرورة حضرا وسفرا وعلى هذا فشهادة بعضهم على بعض ضرورة فلو قيل إنهم يحلفون في شهادة بعضهم على بعض كما يحلفون في شهادتهم على المسلمين وأصحابهم في وصية السفر لكان متوجها ولو قيل بقبول شهادتهم مع أيمانهم في كل شيء عدم فيه المسلمون لكان له وجه وتكون شهادتهم بدلا مطلقا يؤيد ما ذكرته ما ذكره القاضي وغيره محتجا به وهو في الناسخ والمنسوخ لأبي عبيد "أن رجلا من المسلمين خرج فمر بقرية فمرض ومعه رجلان من المسلمين فدفع إليهما ماله ثم قال ادعوا لي من أشهده على ما قبضتماه فلم يجدوا أحدا من المسلمين في تلك القرية فدعوا أناسا من اليهود والنصارى فأشهدهم على ما دفع إليهما وذكر القصة فانطلقوا إلى ابن مسعود فأمر اليهود أن يحلفوا بالله لقد ترك من المال كذا ولشهادتنا أحق من شهادة هذين المسلمين ثم أمر أهل المتوفى أن يحلفوا أن شهادة اليهود والنصارى حق فحلفوا فأمرهم ابن مسعود أن يأخذوا من المسلمين ما شهدت به اليهود والنصارى وكان ذلك في خلافة عثمان رضي الله عنه".
قال أبو العباس فهذه شهادة الميت على وصيته قد قضى بها ابن مسعود مع يمين الورثة لأنهم المدعون والشهادة على الميت لا تفتقر إلى يمين الورثة.

ـ
ولعل ابن مسعود أخذ هذا من جهة أن الورثة يستحقون بأيمانهم على الشاهدين إذا استحقا إثما فلذلك يستحقون على الوصيين بشهادة الذميين بطريق الأولى وهذا يؤيد ما ذكرته باطنها انتهى كلامه يعني باطن الورقة وسيأتي ذلك.
فظهر من مجموع ذلك أنه هل تقبل شهادة الكفار في غير الوصية في السفر في كل شيء عند عدم المسلمين حضرا وسفرا أو لا تقبل في غير الوصية في السفر أو تقبل ضرورة في السفر خاصة أو تقبل في مسألة الحميل خاصة أربع روايات.
وإذا قبلت شهادتهم فهل يحلفون فيه تفصيل سبق وقد قال ابن حزم اتفقوا على أنه لا يقبل مشرك على مسلم في غير الوصية في السفر.
فصل
قال الشيخ تقي الدين سنح لي في الآية[118:5-106] أن ورثة السهمي1 لما ادعوا الجام المفضض والمخوص فأنكر الوصيان الشاهدان أنه كان هناك جام على ظهر الجام المدعي وذكر مشتريه أنه كان اشتراه من الوصيين صار هذا لوثا يقوي دعوى المدعيين فإذا حلف الأوليان أن الجام كان لصاحبهم صدقا في ذلك وهذا لوث في الأموال نظير اللوث في الدماء لكن هناك ردت اليمين على المدعي بعد أن حلف المدعى عليه فصارت يمين المطلوب وجودها كعدمه كما أنه في الدم لا يستحلف ابتداء وفي كلا الموضعين يعطى المدعي بدعواه مع يمينه وإن كان المطلوب حالفا أو باذلا للحالف وفي استحلاف الله للأوليين دليل على مثل ذلك في الدم حتى تصير يمين الأوليين مقابلة ليمين المطلوبين في حديث ابن عباس رضي الله عنهما "حلفا أن الجام لصاحبهم" وفي حديث عكرمة "ادعيا أنهما اشترياه منه فحلف الأوليان على
__________
1 اسمه بديل بن أبي مريم.

ـ
أنهما ما كتما ولا غيبا" وهي أشياء فكان في هذه الرواية أنه لما كذبهما بأنه لم يكن له جام ردت الأيمان على المدعيين في جميع ما ادعوه.
فجنس هذا الباب أن المطلوب إذا حلف ثم ظهر كذبه هل يقضي للمدعى بيمينه فيما يدعيه لأن اليمين مشروعة في جانب الأقوى فإذا ظهر صدق المدعي في البعض وكذب المطلوب قوى جانب المدعي فحلف كما يحلف مع شاهد واحد وكما يحلف صاحب اليد العرفية مقدما على اليد الحسية.
قال وقال القاضي في أحكام القرآن قوله تعالى [107:5] {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً} يعني ظهور شيء من مال الميت في يد الوصي لم يشهدا به {فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا} يعني في اليمين لأن الوصي يحصل مدعيا والورثة ينكرونه فصارت اليمين عليهم وعسي أنه لو لم يكن للميت إلا وارثان فكانا يدعيا عليها لأن هذه الآية وردت على سبب معين فيحتمل أن يكون الورثة اثنان.
وقال في مسألة القضاء بالنكول هذه الآية وردت في شهادة أهل الذمة في الوصية في السفر إذا شهدوا على الميت وحلف الشهود إذا كانوا من أهل الذمة ثم ظهر في يد الوصي شيء من مال الميت لم يشهد به الشهود فإن للورثة أن يحلفوا أنه لم يوص به لأنهم منكرون لدعوى الوصي أنه موصى له فيكون قوله تعالى: [108:5] {أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} يعني أيمان الورثة فيما ظهر أنه لم يكن موصى به بعد أيمان الشهود أنه كان موصى به.
قال الشيخ تقي الدين كيف بعد أيمان الشهود أنه كان موصى به وقد قال لم يشهد به الشهود لكن كأنه قصد بعد أيمان الشهود فيما شهدوا أنه موصى به وهذا المعنى ضعيف لأن رد اليمين بهذا الاعتبار لأوصيتم1 على
__________
1 كذا في الأصل.

ـ
به حتى يحلفوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم اللهم إلا أن يقال هذا يحملهم على أن يشهدوا بجميع ما قبضه الوصي ولا يكتموا الشهادة ببعض ما قبضه لئلا ترد لكن الشهادة عليه بالقبض ليست شهادة على الميت وهل حكمها حكمها قد بينته في غير هذا الموضع.
وقال يعني القاضي من يقول يرد اليمين على المدعي إذا نكل المطلوب يقول معنى الآية أقر برد أيمان عند عدم أيمانهم.
وقال الشيخ تقي الدين وقد ذكر المالكية مسألة يحكم فيها بيمين المدعيين على أحد القولين وهو ما إذا غار قوم على بيت رجل فأخذوا ما فيه والناس ينظرون إليهم ولم يشهدوا على معاينة ما أخذوه ولكن على أنهم أغاروا وانتبهوا فقال ابن القاسم وابن الماجشون القول قول المنتهب مع يمينه لأن مالكا قال في منتهب الصرة يختلفان في عددها القول قول المنتهب مع يمينه وقال مطرف وابن كنانة وابن حبيب القول قول المنتهب منه مع يمينه فيما يشبه ويحمل على الظالم قال مطرف ومن أخذ من المغيرين ضمن ما أخذه رفاقه لأن بعضهم عون لبعض كالسراق المحاربين ولو أخذوا جميعا وهم أملياء كل واحد منهم ما ينوبه وقال ابن الماجشون وأصبغ في الضمان قالوا والمغيرون كالمحاربين إذا شهروا السلاح على وجه المكابرة كان ذلك على أصل ما مره بينهم1 أو على وجه الفساد وكذلك والى البلد يغير على أهل ولايته وينهب ظلما مثل ذلك في المغيرين.
قال الشيخ تقي الدين المحاربون قصدهم المال مطلقا والمغيرون قصدهم من قوم بأعيانهم.
قال ابن القاسم ولو ثبت أن رجلين غصبا عبدا ففات فله به أخذ قيمته من المليء ويتبع المليء ذمة رفيقه المعدم بما ينوبه انتهى كلامه.
__________
1 كذا في الأصل.

وعنه تقبل شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض.
__________
فصل
قال القاضي لا يحلف الشاهد على أصلنا إلا في موضعين هنا وفي شهادة المرأة بالرضاع.
قال الشيخ تقي الدين هذان الموضعان قبل فيهما الكافر والمرأة وحدها للضرورة فقياسه أن كل من قبلت شهادته للضرورة استحلف.
قوله: "وعنه تقبل شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض".
نقل الجماعة المروذي وأبو داود وحرب والميموني لا تجوز شهادة بعضهم على بعض ولا على غيرهم لأن الله تعالى قال: [282:2] {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} وليس الذمي ممن نرضى وبه قال مالك والشافعي.
قال القاضي ونقل حنبل عنه تجوز شهادة بعضهم على بعض.
واختلف أصحابنا في ذلك فقال أبو بكر الخلال وصاحبه غلط حنبل فيما نقل والمذهب أنه لا تقبل.
وكان شيخنا1 يحمل المسألة على روايتين إحداهما تجوز شهادة بعضهم على بعض على ظاهر ما رواه حنبل والثانية لا تجوز وهو الصحيح انتهى كلامه.
قال أبو الخطاب وقال ابن حامد وشيخنا المسألة على روايتين قال وهو الصحيح فإن حنبلا ثقة ضابط وروايته أقوى في باب القياس ويعضد هذا أن الإمام أحمد رحمه الله تعالى أجاز شهادتهم على المسلمين في الوصية في السفر فلولا كونهم أهلا للشهادة لما جازت ونصر أبو الخطاب هذه الرواية وهي قول أبي حنيفة وجماعة.
__________
1 لعله يعني شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. لأنه شيخ ابن مفلح

ـ
قال الشيخ تقي الدين وهي إن شاء الله أصح انتهى كلامه وقد روى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة بعضهم على بعض رواه ابن ماجة وغيره من رواية مجالد وهو ضعيف عند الأكثر ويحتمل أنه أراد اليمين فإنها تسمى شهادة قال الله تعالى: [6:24] {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} .
وقال الشيخ تقي الدين وهذا الخلاف على أصلنا إنما هو حيث لا نجيز شهادتهم على المسلمين فأما إذا أجزنا شهادتهم على المسلمين فعلى أنفسهم أولى كما ذكره الجد في الوصية في السفر وقد ذكر في قبول شهادتهم في كل ضرورة غير الوصية روايتين كالشهادة على الأنساب التي بينهم في دار الحرب فعلى هذه الرواية تقبل شهادة بعضهم على بعض في كل موضع ضرورة كما تقبل على المسلمين وأولى بنفي التحليف وضرورة شهادة بعضهم على بعض أكثر من ضرورة المسلمين فيقرب الأمر انتهى كلامه وقد تقدمت هذه الرواية التي ذكرها.
وأما على الرواية التي تقبل شهادة بعضهم على بعض فتقبل مطلقا بعضهم تصريحا وبعضهم ظاهرا لما في تكليفهم إشهاد المسلمين من الحرج والمشقة وعلى هذه الرواية لا يختلف.
وتقدم كلام الشيخ تقي الدين فتارة مال إليه مطلقا وتارة فصل وعلى هذه الرواية تعتبر عدالته في دينه صرح به القاضي وأبو الخطاب وغيرهما ولم أجد ما يخالفه صريحا.
فصل
ترجم القاضي وغيره المسألة بقبول شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض.
وترجم أبو الخطاب وغيره المسألة بقبول شهادة أهل الكتاب بعضهم على بعض وقال في أثناء بحث المسألة فأما الحربي فلا تقبل شهادته على أهل ذمتنا.

وفي اعتبار اتحاد الملة وجهان والأول المذهب.
ولا تقبل شهادة الصبيان بحال.
__________
لعلوه على ذمة الإسلام ولانقطاع الولاية بينه وبين أهل الذمة فأما شهادته على حربي مثله فتقبل.
فظهر من ذلك أنه هل تقبل شهادة المستأمن والحربي أولا أو تقبل على مثله خاصة فيه ثلاثة أقوال وأنه هل تقبل شهادة الذمي على المستأمن والحربي فيه قولان.
قوله: "وفي اعتبار اتحاد الملة وجهان".
ذكر أبو الخطاب وغيره ما معناه أنه إنما لم تقبل شهادتهم على المسلمين لأنهم يعادونهم بالباطل وشهادة العدو لا تقبل ولا يلزمنا شهادة اليهود على النصارى فإنا لا نقبلها إذا قلنا الكفر ملل وهو رواية لنا وبه قال قتادة والزهري وابن أبي ليلى وأبو عبيدة وإسحاق.
وإذا قلنا الكفر ملة واحدة وهي رواية لنا قبلناها وهو قول أبي حنيفة وبينهم عداوة ظاهرة وهي عداوة بباطل ويجوز أن يقال بل وعدواتهم بحق لأن اليهود تنكر على النصارى قولهم المسيح ابن الله وهو إنكار بحق والنصارى تنكر على اليهود جحد نبوة عيسى وقولهم عزيز ابن الله وهو إنكار بحق فقبلت شهادتهم كشهادة المسلمين عليهم.
قوله: "ولا تقبل شهادة الصبيان بحال".
هذا هو المذهب وذكر جماعة أنه أصح الروايات منهم القاضي وقال نقل ذلك الميموني وحرب وابن منصور فقال لا تجوز شهادة الصبي حتى يحتلم أو يتم له خمسة عشر سنة وهو اختيار الخرقي وأبي بكر انتهى كلامه واختاره غيرهما من الأصحاب وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي.

وعنه تقبل من المميزين إذا وجدت فيهم بقية الشروط وعنه لا تقبل إلا في الجراح إذا أدوها قبل تفرقهم عن الحال التي تجارحوا عليها.
__________
قوله: "وعنه تقبل من المميزين إذا وجدت فيهم بقية الشروط".
قال القاضي وفي رواية أخرى تجوز شهادته في الجملة إذا كان مميزا وهو ظاهر ما رواه ابن إبراهيم وسئل هل تجوز شهادة الغلام قال إذا كان ابن عشر سنين أو اثنى عشرة سنة وأقام شهادته جازت شهادته انتهى كلامه.
وهذا النص إنما يدل لما ذكره بعض الأصحاب من أنه تقبل شهادة ابن عشر لأنه يضرب على الصلاة أشبه البالغ ولم أجد ما ذكره المصنف نصا عن الإمام أحمد ووجهه أنه مأمور بالصلاة أشبه البالغ وقد يقال إذا وجدت فيه بقية الشروط يدخل في قوله تعالى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} قال ابن حامد تقبل على هذه الرواية في غير الحدود والقصاص كالعبد.
قوله: "وعنه لا تقبل إلا في الجراح إذا أدوها قبل تفريقهم عن الحال التي تجارحوا عليها".
لأن الظاهر صدقهم وضبطهم وإذا تفرقوا احتمل أن تلغو.
قال القاضي وفيه رواية أخرى تجوز شهادتهم في الجراح والقتل إذا جاءوا مجتمعين على الحال التي تجارحوا عليها أو يشهد على شهادتهم قبل أن يتفرقوا ولا يلتفت بعد ذلك إلى رجوعهم فأما إن تفرقوا ثم شهدوا بها لم تقبل وهذا ظاهر ما نقله حنبل عنه تجوز شهادة الصبيان فيما بينهم في الجراح فإذا كانوا في المالا1 بأنهم عقلوا.
__________
1 كذا في الأصل غير منقوطة ولعلها "تثبتنا شهادتهم إذا عقلوا" أو نحو هذا.

ـ
قال القاضي فقد أطلق القول بجوازها في الجراح لكنه محمول على التفصيل الذي ذكرناه لأنه صار في ذلك إلى قول على وهو على ذلك الوجه وذكر القاضي أن هذا قول مالك ومن الأصحاب من جمع ذلك وذكر روايتين.
قال القاضي بعد كلامه المذكور وقد ذكر أبو بكر هذه الرواية على التفصيل الذي ذكرنا في تعاليق أبي إسحاق فقال روى عن علي رضي الله عنه قال شهادة الصبيان بعضهم على بعض تجوز ما كانوا في الموضع فإذا تفرقوا لم تقبل قال أحمد ابن حنبل كذلك وزاد فإذا تفرقوا لم تقبل لأنه يمكن أن يجيبوا انتهى كلامه وليس ما ذكره موافق لما ذكره القاضي وإنما هو رواية أخرى بقبول شهادتهم بعضهم على بعض في كل شيء ما كانوا في الموضع فإذا تفرقوا لم تقبل.
قال الإمام أحمد في رواية المروزي حدثنا محمد بن جعفر حدثنا سعيد عن قتادة عن خلاس أن عليا قال شهادة الصبيان على الصبيان جائزة وذكره في المغني عن علي وعن جماعة وهو قول في الرعاية فقال وقيل تقبل على مثله وعن أحمد ما يدل عليه قال عبد الله سألت أبي عن شهادة الصبيان فقال علي أجاز شهادة الصبيان الذين عرفوا بعضهم على بعض وروى سعيد حدثنا هاشم عن مغيرة عن إبراهيم قال "كانوا يجيزون شهادة الصبيان بعضهم على بعض فيما كان بينهم" فهذه ثمانية أقوال في المذهب إن لم يكن رواية عن الإمام أحمد وسيأتي في الفصل بعد هذا حكاية القاضي أن شهادتهم بالمال لا تقبل.
فصل
قال الشيخ تقي الدين وذكر القاضي أنه لا يقبل إقراره وفاقا قال وهذا عندي عجيب واعتذروا عنه بأن إقراره لا يكون إلا بالمال إما عليه وإما

ولا تقبل شهادة الأخرس بالإشارة نص عليه.
__________
على غيره قال وذكر عنهم أن الخلاف في الشهادة على الجراح الموجب للقصاص فأما الشهادة بالمال فلا تقبل قال الشيخ تقي الدين وهذا أيضا عجيب فإن الصبيان لا قود بينهم وإنما الشهادة بما يوجب المال وما أظن إلا أنهم أسقطوا الإقرار لأن العاقلة لا تحمل الاعتراف بخلاف المشهود به ولا تقبل في إتلاف بعضهم ثياب بعض وهل تقبل شهادة الصبيان على المعلم ذكرابن القصار فيه خلافا بين أصحابه انتهى كلامه.
وذكر في المغني أن إقرار الصبي لا يصح بغير خلاف نعلمه واحتج بقوله عليه الصلاة والسلام."رفع القلم عن ثلاث فذكر منهم الصبي حتى يبلغ" ولأنه التزام حق بالقول فلم يصح منهم كالبلغ وما ذكره القاضي من أن الخلاف عنهم في الشهادة على الجراح الموجب للقصاص فأما الشهادة بالمال فلا تقبل تقدم أنا قبلنا شهادتهم وقال ابن حامد في غير الحدود والقصاص كالعبد.
وما ذكره من أنها لا تقبل في إتلاف بعضهم ثياب بعض هذا ينبغي أن يكون على رواية حنبل لا تقبل إلا في الجراح أما على غيرها من روايات القبول فتقبل وحكاية ابن القصار الخلاف في قبول شهادتهم على المعلم يدخل في الأقوال السابقة القبول وعدمه والمذهب عدم القبول مطقا كما تقدم.
قوله: "ولا تقبل شهادة الأخرس بالإشارة نص عليه".
فقال في رواية حرب من كان أخرس فهو أصم لا تجوز شهادته وهذا هو المذهب المنصور وبهذا قال أبو حنيفة وحكاه القاضي وغيره عن الشافعي لأنها محتملة والشهادة يعتبر فيها اليقين فلم تقبل كإشارة الناطق وإنما قبلت في أحكامه المختصة به كالطلاق والعتق والنكاح والبيع واللعان واليمين للضرورة

وتوقف فيما إذا أداها بخطه واختار أبو بكر أن لا تقبل وعندي أنها تقبل.
وقيل تقبل بالإشارة ممن فهمت منه فيما طريقة الرؤية وقد أومأ إليه أيضا.
وتجوز شهادة الأصم في المرئيات وبما سمعه قبل صممه.
__________
وهي هنا معدومة وهي أن تلك الأشياء لا تستفاد إلا من جهته بخلاف الشهادة وقال القاضي وقد قيل إن تلك الأشياء ينبنى أمرها على غالب الظن دون الشهادة.
قوله: "وتوقف فيما إذا أداها بخطه واختار أبو بكر أن لا تقبل وعندي أنها تقبل".
قيل للإمام أحمد في رواية حرب فإن كتبها فقال لم يبلغني فيه شيء قال أبو بكر عبد العزيز لا يعمل على الكتاب والشهادة لا تجوز على من لا يعرف.
وكأن وجه قول أبي بكر وصاحب المحرر الاختلاف في الكتابة هل هي صريحة حتى لو كتب طلاق امرأته ولم ينو فيه قولان.
قوله: "وقيل تقبل بالإشارة الخ".
هذا قول مالك لأنها أقيمت مقام نطقه في أحكامه فكذا في شهادته وحكاه في المغني عن الشافعي وهذا أحد الوجهين في مذهبه والأصح فيه عدم القبول.
قوله: "وتجوز شهادة الأصم في المرئيات وفيما سمعه قبل صححه".
لأنه في ذلك كمن لا صمم به ولأنه فيما رآه كغيره من الناس وقال الشيخ تقي الدين قال القاضي في مسألة الأعمى العمى فقد حاسة لا تمنع النظر1
__________
1 كذا بالأصل. ولعله "تمنع النظر ولا تمنع السمع"

وتجوز شهادة الأعمى في المسموعات.
__________
والسمع فلم تمنع من تحمل الشهادة كفقد الشم والذوق ولا يلزم عليه الخرس لأنه يمنع النطق ولا يلزم عليه الصمم لأنه يمنع السمع ولذلك قال بعد ذلك لا ينتقض بالأخرس وبالأطرش ثم قال الأصم لا يجوز قضاؤه ويصح أداء الشهادة منه ذكره محل وفاق.
قوله: "وتجوز شهادة الأعمى في المسموعات".
يجوز للأعمى تحمل الشهادة فيما طريقه الصوت كالنسب والموت والملك المطلق والوقف والعتق والولاء وسائر العقود كالنكاح والبيع والصلح والإجارة والإقرار نص عليه في رواية مهنا فقال تجوز شهادة الأعمى في نسب الرجل إذا عرف أنه فلان وتجوز في النكاح شهادة مكفوفين ولا تجوز شهادة أعمى في الزنا ولذلك نقل الأثرم عنه قال إذا كان شيئا يضبطه مثله في النسب وما أشبهه ودار قد عرف حدودها قبل عماه فإن كان أعمى لم يزل فعلى ما يشبه أن يقوم به مثله ذكره القاضي وهو معنى كلام غيره وهو قول مالك وابن المنذر وروى عن علي وابن عباس قال أحمد في رواية مهنا قد أجاز على شهادة أعمى يروى من حديث أبي عوانة عن الأسود بن قيس أن عليا "أجاز شهادة أعمى" واحتج في الرواية محمد بن الحكم بالذين سمعوا من عوانة مثل الأسود وغيره وهذا أعظم لأنه يؤخذ به ويعمل به ويحكم لأنه يحصل له العلم بذلك وتجوز روايته بالسماع واستماعه لزوجته فجازت شهادته كالبصير وهذا بخلاف ما طريقه الرؤية لأنه لا رؤية له وقال أبو حنيفة لا تقبل في شيء أصلا مع تسليمه أن النكاح ينعقد بشهادة أعميين قال الإمام أحمد في رواية مهنا شهد قتادة عند إياس بن معاوية وهو أعمى فرد شهادته وقال الشافعي تقبل في ثلاث مواضع أحدها ما طريقه الاستفاضة كالنسب

وبما رآه قبل عماه إذا عرف الفاعل باسمه ونسبه فإن لم يعرفه إلا بعينه فوصفه فوجهان.
__________
والموت والنكاح ونحوه والثاني الضبط وهو أن يتعلق بإنسان فيسمع إقراره فيجوز أن يشهد عليه الثالث في الترجمة.
قوله وبما رآه قبل عماه إذا عرف الفاعل باسمه ونسبه.
وبه قال الشافعي لما تقدم ولحدوث الصمم وروى الخلال عن إسماعيل بن سعيد سألت الإمام أحمد عن شهادة الأعمى فيما قد عرفه قبل أن يعمى فقال جائز في كل ما ظنه مثل النسب ولا تجوز في الحدود وقال أبو حنيفة لا تجوز أصلا وذكر أحمد عن أصحاب أبي حنيفة الجواز في هذه المسألة.
قوله: "فإن لم يعرفه إلا بعينه فوصفه فوجهان".
من الأصحاب من يعيد هذا إلى المسألة الأخيرة قال القاضي فإن تحمل الشهادة على الأفعال ثم آداها وهو أعمى جاز سواء كان على الاسم والنسب أو على الأعيان دون الاسم والنسب على ظاهر ما رواه الأثرم عنه.
وقوله: "إذا كان شيئا يضبطه وقد عرفه قبل عماه".
قال وقال أصحاب الشافعي إن كان قد تحملها على الاسم والنسب جاز وجها واحدا وإن كان على الأعيان فعلى وجهين.
وقال بعض أصحابنا بعد أن ذكر هذين الوجهين وكذا قيل إن عرفه بصوته فوصفه للحاكم بما يميزه فيه الوجهان ووجه الجواز عموم ما تقدم ووجه عدمه أن هذا مما لا ينضبط غالبا.
فصل
فأما الشهادة على الأفعال فلا تجوز ذكره القاضي محل وفاق واعتذر

ـ
بأن الأفعال طريقها المشاهدة وذلك لا يمكن حصوله من الأعمى وكذلك ذكره غير القاضي.
قال الشيخ تقي الدين ما علمه بالاستفاضة كالولادة شهد به على قول الخرقي انتهى كلامه وهو معنى كلام القاضي والشيخ موفق الدين وغيرهما لأنه فيما علم بالاستفاضة كالبصير.
فصل
قال الشيخ تقي الدين بعد مسألة شهادة الأعمى كذلك إذا تعذر وجود1 المشهود عليه بموت أو غيبة أو حبس فشهد البصير على حليته إذ في الموضعين تعذرت الرؤية من الشاهد فأما الشاهد نفسه هل له أن يعين من رآه وكتب صفته أو ضبطها ثم رأى شخصا بتلك الصفة هذا أبعد فإن ذاك تعريف من الحاكم وهذا تعريف من الشاهد وهو شبيه بخطه إذا رآه ولم يذكر الشهادة انتهى كلامه.
فصل
فإن قال الأعمى أشهد أن لفلان علي هذا شيئا ولم يذكر اسمه ونسبه أو شهد البصير على رجل من وراء حائل ولم يذكر اسمه ونسبه لم يصح ذكره القاضي محل وفاق أصلا للمخالف وفرق بأن المشهود عليه مجهول.
قال الشيخ تقي الدين قياس المذهب أنه إذا سمع صوته صحت الشهادة عليه أداء كما تصح الشهادة عليه تحملا فإنا لا نشترط رؤية المشهود عليه حين التحمل ولو كان الشاهد بصيرا فكذلك لا نشترطها عند الأداء وهذا نظير إشارة البصير إلى الحاضر إذا سماه ونسبه وهو لا يشترط في أصح الوجهين فكذلك
__________
1 في نسخة أخرى: حضور

ـ
إذا أشار إليه لا تشترط رؤيته قال وعلى هذا فتجوز شهادة الأعمى على من عرف صوته وإن لم يعرف اسمه ونسبه ويؤديها عليه إذا سمع صوته.
فصل
قال القاضي ضمن المسألة وأيضا فإن حدوث العمى بعد تحمل الشهادة لم يتعذر معه إلا معاينة المشهود عليه والإشارة إليه وهذا لا يمنع من سماع شهادته وقبولها لأن المقصود بمعاينته والإشارة إليه هو تعيينه وتمييزه عن غيره ليصير معلوما عند الحاكم فيتمكن بذلك من إنفاذ الحكم عليه وهذا يحصل مع حدوث العمى بما يصفه بلسانه من اسمه ونسبه وصفاته التي تميزه وتعينه.
فإن قيل لو كان التعيين باللسان يقوم مقام الإشارة لوجب أن يصح في البصر إذا شهد قيل يصح ذلك من البصير من غير حضور الخصم ويكون التعيين باللسان بناء على قولنا في القضاء على الغائب وسماع البينة عليه فإن حضر الخصم احتمل أن تقبل الشهادة عليه من غير إشارة إليه إذا ذكر اسمه ونسبه وهو الصحيح واحتمل أن تجب الإشارة إليه مع الحضور لأنه أقرب إلى علم الحاكم به وفصل الحكم بينه وبين خصمه بخلاف الأعمى فإن فصل الحكم يحصل بسماع كلامه لتعذر الإشارة من جهته بدليل جواز الشهادة على الغائب عند المخالف بلا إشارة وإذا حضر وجبت الإشارة.
قال الشيخ تقي الدين الأعمى تمكن منه الإشارة إذا عرف الصوت قال القاضي وأيضا فإنه ليس من شرط صحة الشهادة معاينة المشهود عليه بدليل اتفاقهم على جواز الشهادة على الميت والموكل الغائب.
وقال أيضا تعيين الشهود عليه للحاكم يحصل بالتسمية والنسبة والصفة.

ولا تقبل شهادة من يجر إلى نفسه بها نفعا.
__________
قال الشيخ تقي الدين فقد سووا بين شهادة الأعمى وبين شهادة البصير على الغائب والميت وفي شهادة الأعمى بالصفة دون الاسم والنسب وجهان فكذلك الشهادة على الغائب والميت والضابط أن كل شهادة على غير معاين فإنه يشهد فيه بالاسم والنسب إن عرفه وإن لم يعرفه ففي الشهادة بالجلية وجهان.
فصل
وقد تقدم بعض ذلك عند قوله في المحرر "والسماع على ضربين".
فصل
ولا يمتنع أن تقبل شهادة الأعمى قياسا على شهادة غيره على ظاهر كلامه وإطلاقه.
قوله: "ولا تقبل شهادة من يجر إلى نفسه بها نفعا".
للتهمة وقد تقدم الحديث في ذلك قال صالح قال أبي كل من شهد بشهادة يجر بها إلى نفسه شيئا شهادته وكذا نقل عنه أبو الحارث ونص أحمد في رواية أبي الصقر أن كل من جر إلى نفسه منفعة لا تجوز شهادته ويدخل في كلامه وكلام غيره ما صرح به ابن عقيل وغيره من أنه لو لم يحكم بشهادتهما حتى مات المشهود له فورثاه لم يحكم بشهادتهما لأنه لو حكم حكم بشهادة الشاهدين لأنفسهما.
ومراده في المحرر "من يجر إلى نفسه بها نفعا" حال الشهادة بدليل ما يأتي وهو معنى كلام الأصحاب رحمهم الله تعالى فلو شهد غير وارث فصار عند الموت وارثا سمعت دون العكس كذا ذكر بعضهم هذه المسألة.

كشهادة السيد لمكاتبه والمكاتب لسيده والوصي للميت والغرماء للمفلس بالمال بشرط الحجر.
__________
وتحريرها على ما ذكره بعضهم أن طرآن الإرث بعد الحكم بالشهادة لا يضر كطرآن الفسق وإن كان طرأ قبل الحكم بالشهادة لم يحكم بها لأنهما صارا مستحقين كما لو طرأ الفسق قبل الحكم.
قوله: "كشهادة السيد لمكاتبه والمكاتب لسيده".
وذكر القاضي شهادة المرء لنفسه أو لعبده لا تجوز جعله محل وفاق في مسألة مجهول النسب.
قوله: "والوصي للميت".
لأنه يأكل منه عند الحاجة ولأنه يثبت له فيه حق التصرف قال ابن منصور قلت للإمام أحمد سئل سفيان عن شهادة الوصي قال إذا شهد على الورثة جاز وإذا شهد لهم لم يجز وقال حرب سمعت الإمام أحمد يقول شهادة الوصي إذا كان لا يجر إلى نفسه شيئا جائزة وهذا مذهب الأئمة الثلاثة.
قال في المغني والحكم في أمين الحاكم يشهد للأيتام الذين هم تحت ولايته كالحكم في الوصي قياسا عليه فأما شهادته عليه فمقبولة كما نص عليه الإمام أحمد وهو ظاهر كلام الأصحاب قال في المغني لا نعلم فيه خلافا.
وقال القاضي ويخرج على ذلك ما قاله في الأب من الروايتين يعني في شهادته على ولده.
وذكر الشيخ تقي الدين أنها تجوز قال إلا أن يقال قد يستفيد بهذه الشهادة نوع ولاية في تسليم ومثله شهادة المودع وفي مثله أودعنيها فلان وملكها فلان.
قوله: "والغرماء للمفلس بالمال بشرط الحجر لتعلق حقوقهم به".

وأحد الشفيعين يعفو الآخر عن شفعته والوكيل لموكله أو الشريك لشركيه بما هو وكيل أو شريك فيه.
__________
وقيل الحجر إنما يتعلق حقوقهم بذمته وثبوت المطالبة لهم لم تثبت بشهادتهم بل بيساره وإقراره لدعواه الحق الذي شهدوا به وذكر القاضي أنه إذا شهد لغريمه المعسر بمال قبلت شهادته وإن كان يستفيد القضاء جعله محل وفاق لأن دينه ثابت في ذمة غريمه سواء كان غنيا أو فقيرا وحق المطالبة ثابت أيضا وليس يثبت بشهادته له حقا لنفسه لم يكن ثابتا قبل ذلك وإختار ابن حمدان أنه لا تقبل شهادته قبل الحجر مع إعساره وذكر القاضي أيضا وغيره أنه إذا شهد الأخ المعسر لأخيه المعسر بمال قبلت شهادته وله النفقة1 جعله محل وفاق كما تقبل الشهادة على رجل أنه أخذ من بيت المال وإن جاز أن يثبت له حق في بيت المال.
قوله: "وأحد الشفيعين بعفو الآخر عن شفعته".
لأنه متهم لتوفرها عليه وتقبل بعد إسقاطه شعفته لعدم التهمة.
قوله: "والوكيل لموكله والشريك لشريكه بما هو وكيل أو شريك فيه".
نص عليه الإمام أحمد في الشريك لشريكه في رواية ابنيه وغيرهما وعلل بجر المنفعة وقال في المغني بعد أن ذكر أنه قول جماعة منهم الشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفا فإن شهد الوكيل لموكله بعد العزل فوجهان وإن كان
__________
1 الذي نقله الشيخ تقي الدين بن تيمية عن القاضي: أنه في التعليق: وإذا شهد الأخ المعسر لأخيه المعسر بمال. فإن شهادته مقبولة، وإن كان يجر بشهادته له النفقة.

والوارث يجرح موروثه قبل اندماله ونحوهم وفي شهادة الوارث لموروثه في مرضه بدين وجهان فإن قلنا تقبل فحكم بها لم يتغير الحكم بالموت بعده.
ولا تقبل شهادة من يدفع بها عن نفسه ضررا.
__________
قد خاصم فيه ردت وكذلك شهادة الوصي ليتيم في حجره فإن شهد على موكله قبلت وذكر الشيخ تقي الدين فيه كلامه المكتوب في شهادة الوصي على الميت.
قوله: "والوارث يجرح موروثه قبل اندماله ونحوهم" لأنه قد يسرى إلى النفس فتجب الدية للشاهد ابتداء.
قوله: "وفي شهادة الوارث لموروثه في مرضه بدين وجهان".
أحدهما لا تقبل لأنه قد انعقد سبب استحقاقه بدليل أن عطيته للوارث وفي الزائد على الثلث يقف على الإجازة وكالمسألة قبلها والثاني تقبل ذكر في المغني أنه الأظهر كما لو شهدا له وهو صحيح والحق المشهود به في هذه المسألة إنما يحب للمشهود له ثم احتمال انتقاله إلى الشاهد لا يمنع الشهادة له كالشهادة لغريمه.
قوله: "فإن قلنا تقبل فحكم بها لم يتغير الحكم بالموت بعده".
وكذا ذكر الشيخ موفق الدين وغيره لما تقدم من أن طرآن المانع بعد الحكم بالشهادة لا يؤثر فيها كالفسق.
قوله: "ولا تقبل شهادة من يدفع بها عن نفسه ضررا كشهادة من لا تقبل شهادته لإنسان يجرح الشاهد عليه".
قال حرب سمعت الإمام أحمد يقول لا تجوز شهادة دافع الغرم لأنه يدفع عن نفسه وقد تقدم الحديث في ذلك وقد قال الزهري مضت السنة في الإسلام أن لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين والظنين المتهم وروى سعيد

كشهادة من لا تقبل شهادته للانسان يجرح الشاهد عليه.
__________
حدثنا عبدالعزيز بن محمد أخبرني محمد بن زيد بن المهاجر عن طلحة بن عبد الله ابن عوف قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اليمين على المدعى عليه ولا شهادة لخصم ولا ظنين مرسل جيد.
قوله: "كشهادة من لا تقبل شهادته".
ليس مثالا ومراده والله أعلم شهادة من يدفع عن نفسه بها ضررا لا تقبل ولو كان قال ولا شهادة من لا تقبل شهادته كان حسنا.
قال الشيخ تقي الدين عن كلامه في المحرر هذا ما دفع الضرر عن نفسه وإنما دفعه عمن لا يشهد له فهو بمنزلة من جر بشهادته إلى من لا يشهد لا يشهد له فلو قيل لا تقبل شهادة من يجر إلى نفسه أو إلى من يتهم له أو يدفع عن نفسه أو من يتهم له لعم نعم لو جرح الشاهد على نفسه انتهى كلامه.
وقد ذكر في الرعاية الكبرى في شهادة الوالد لولده والعكس أن مكاتب والديه وولده كهما في ذلك وذكر ابن عقيل أنه لا تقبل شهادة العبد لمكاتب سيده.
قال ويحتمل على قياس ما ذكرناه أن لا تصح شهادته لزوج مولاته بالحقوق لأن في ذلك جر نفع لسيدته وبعضها يعود بنفعه انتهى كلامه.
وكلام أكثرهم يدل على القبول ويدخل في كلامه في المحرر شهادة العاقلة بجرح شهود قتل الخطأ لدفعهم الدية عنهم وظاهره قبول شهادته إذا كان لا يحمل من الدية شيئا لفقره أو لبعده وهو ظاهر كلام غيره.
وذكر غير واحد احتمالين أحدهما هذا والثاني لا تقبل لجواز أن يؤسر أو يموت قبل الحلول فيحمل.
فظهر أن احتمال تجدد الحق له لا يمنع قبول الشهادة إلا أن يجب له ابتداء

ولا تقبل شهادة العدو على عدوه كمن شهد على قذفه أو قطع الطريق عليه.
__________
كشهادة الوارث لموروثه بالجرح قبل الاندمال وإلا لمن يعتقد سبب استحقاقه كشهادة الوارث لمورثه في المرض فإن في هذه المسألة وجهين كما تقدم واحتمال تجدد الحق عليه لا يمنع إلا بعد وجود السبب كمسألة العاقلة.
قوله: "ولا تقبل شهادة العدو على عدوه كمن شهد على من قذفه أو قطع الطريق عليه".
أطلق العداوة وليس كذلك ولعل المثال يؤخذ منه تقييد المطلق وهو مراده قال القاضي شهادة العدو على عدوه غير مقبولة ذكره الخرقي فقال لا تقبل شهادة خصم وإنما يكون هذا في عداوة لا تخرجه عن العدالة مثل الزوج يقذف زوجته ولا تقبل شهادته عليها وكذلك من قطع عليه الطريق لا تقبل شهادته على القاطع وقد أومأ إليه أحمد في رواية ابن منصور في رجل خاصم مرة ثم ترك ثم شهد لم تقبل وهو قول مالك والشافعي وقال أبو حنيفة تقبل وهذا في عداوة لا تخرج إلى الفسق فإذا أخرجت فلا خلاف فيها واحتج القاضي وغيره بالأحاديث السابقة قال القاضي ولأنه متهم في شهادته بسبب منهى عنه فوجب أن لا تقبل شهادته كالفاسق.
قال الشيخ تقي الدين وهذا جيد والمقطوع والمقذوف ليس في حقه سبب منهى عنه فهذا يخالف ما ذكره أولا اللهم إلا أن يراد به عادي قاذفه وقاطعه فإن هجره المنهي عنها فهذا أقرب لكن يخالف ما ذكر أولا في الظاهر.
وكذلك قال القاضي في الفرق بين عداوة المسلم للذمي وعداوته للمسلم مع أن عداوة المسلم للذمي مأمور بها وعداوة المسلم للمسلم منهي عنها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال :. "لا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عبادا لله إخوانا" .

ـ
فلم يكن اعتبار إحداهما بالأخرى لأن المسلم يعادي الذمي من طريق الدين وهو لا يدعوه إلى ما يخاف من ذنبه ومن الكذب عليه وعداوة المسلم للمسلم عدواة تحاسد وتنافس وتباغض وهذا يحمل من طريق العادة والجبلة على مخالفة الدين والإضرار به بالكذب والمين.
قال الشيخ تقي الدين وهذا يقتضي أن عدواة المتدين بذلك متأولا لا تمنع قبول الشهادة فصار على الظاهر فيها ثلاثة أوجه انتهى كلامه.
وقال أيضا ليس في كلام أحمد ولا الخرقي تعرض للعدو وإنما هو الخصم والتفريق بين الخصم في الحديث موافق لما قلت وقد يخاصم من ليس بعدو وقد يعادي من ليس بخصم وإنما الخصم هو المدعي أو المدعى عليه فشهادته شهادة مدع أو مدعى عليه ولا يجوز أن يراد به أن كل من خاصم شخصا في شيء مرة لم تقبل شهادته عليه في غير ذلك إذا لم يكن بينهما إلا مجرد المحاكمة فإن محاكمته في ذلك الشيء بمنزلة مناظرته في علم وقد يكون المتحاكمان عارفين للحق لا يدعي أحدهما ظلم الآخر بمنزلة المحاكمة في المواريث وموجبات العقود وهو أحد نوعي القضاء الذي هو إنشاء من غير إنكار ولا بينة ولا يمين ولا يحمل كلام أحمد على هذا وإنما أراد والله أعلم أن من خاصم في شيء مرة ثم شهد به لم تقبل شهادته لأنه بمنزلة من ردت شهادته لتهمة ثم أعادها بعد زوال التهمة وهنا المخاصم طالب فإذا شهد بعد ذلك فهو متضمن تصديق نفسه فيما خاصم فيه أولا وهذا يدخل فيه صور.
منها أن يخاصم في حقوق عين هي ملكه ثم تنتقل العين إلى غيره فيشهد ومنها أن يكون وليا ليتيم أو وقف ونحوهما ويخاصم في شيء من أموره ثم يخرج عن الولاية ويشهد به.
ومنها أن يكون وكيلا فيخاصم ثم تزول وكالته فيشهد فيما خاصم فيه.

ـ
فإذا قيل شهادة العدو غير مقبولة فإنما هو من عادى أما المقطوع عليه الطريق إذا شهد على قاطعه فهذا لا معنى له إذ يوجب أن لا يشهد مظلوم على ظالمه مع أنه لم يصدر منه ما يوجب التهمة في حقه.
والتحقيق أن العداوة المحرمة تمنع قبول الشهادة وإن لم تكن فسقا لكونها صغيرة أو صاحبها متأولا مخطئا وفيه نظر كعداوة الباغي للعادل وكما كان بين بعض السلف وكذلك مداعاة القاضي كذلك وقد كتبته قبل1 فأما المباحة ففيه نظر انتهى كلامه.
وقال أيضا الواجب في العدو والصديق ونحوهما أنه إن علم منهما العدالة الحقيقية قبلت شهادتهما وأما إن كانت عدالتهما ظاهرة مع إمكان أن يكون الباطن بخلافها لم تقبل ويتوجه مثل هذا في الأب وسائر هؤلاء انتهى كلامه.
وذكر في المستوعب والرعاية وغيرهما أن شهادة العدو لا تقبل على عدوه وجعلوا من ذلك الخصم على خصمه وقيد جماعة العداوة بكونها لغير الله.
قال في المغني المراد بالعداوة هنا العداوة الدنيوية ومثل كما في المحرر وغيره أما العداوة في الدين كالمسلم يشهد على الكافر أو المحق من أهل السنة يشهد على المبتدع فلا ترد شهادته لأن العداوة في الدين والدين يمنعه من ارتكاب محظور في دينه وزاد في الرعاية على قيد كونها لغير الله ظاهرة.
وقد قال القرطبي وغيره في قوله تعالى: [135:4] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} الآية في هذا دليل على نفوذ حكم العدو على عدوه في الله ونفوذ شهادته عليه لأنه أمره بالعدل
__________
1 بهامش النكت: هذا المضروب بالأحمر ليس من كلام الشيخ تقي الدين ولا فهمت ما هو. وهو الكلام الموضوع تحته خط.

ـ
وإن أبغضه ولو كان حكمه عليه وشهادته لا تجوز مع البغض له لما كان لأمره بالعدل فيه وجه.
وقال ابن عقيل التهم إنما تقدح إذا كانت تهمة قادحة لفرط الإشفاق في الأبوة والعداوة بين المتعادين والفسق الذي يزيل العدالة وتزول معه الثقة فأما ما بعد التهمة التي إذا علق الرد عليها انسد باب الشهادة فلا بدليل أن الأختان والأصهار يتضاغنون وأهل الصناعة الواحدة يتحاسدون والمختلفون في المذاهب يتخارصون ولكن لما بعد ذلك ولم يخل منه أحد سقط اعتباره ولم يمنع قبولها لئلا ينسد باب الشهادة وكذلك القرابة كلها تعطى إشفاقا وعصبية حتى القبيلة انتهى كلامه.
واحتج الخصم أن هذه العداوة فلا تمنع قبول الشهادة كالصداقة كشهادته له.
وأجاب القاضي وغيره بأن الشرع ورد بالتفرقة بين العداوة والصداقة فإنه صلى الله عليه وسلم قبل شهادته خزيمة بن ثابت لنفسه ونحن نعلم أن صداقة الصحابي للنبي صلى الله عليه وسلم تزيد على كل صداقه ورد شهادة العدو بقوله: "لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين" "ولا تقبل شهادة ذي طعن" ولأن الصداقة لا تحمل على الكذب للصديق والعداوة تحمل على الكذب ولا تمنع العدالة منه وهذا معلوم بالعادة من طباع الناس وخلقهم وجبلتهم.
وأما شهادة العدو لعدوه فتقبل ذكره القاضي محل وفاق غير مرة لأنه متهم عليه غير متهم له فهو على ما قلنا في شهادة الأب تقبل على ولده ولا تقبل له.
وقال أيضا وقال شيخنا أبو عبد الله فيه وجه آخر لا تقبل شهادته له لأنه متهم أيضا في ذلك بأن يقصد الصلح والصداقة فيشهد له بذلك.

وفي شهادة البدوي على القروي وجهان.
__________
وقد أومأ أحمد إلى هذا في رواية ابن منصور وقيل له رجل خاصم في خصومة مرة فردت ثم شهد بعدالة الشاهد قال لا تقبل انتهى كلامه.
فصل
ومن سره إساءة أحد وغمه فرحه فعدو وقال ابن حمدان أو حاسد قال ابن عقيل ولا تقبل شهادة من عرف بالعصبية كعصبية أهل البادية على أهل القرى فإن البدوي يميل إلى البادية ولا يميل إلى أهل القرى وكذلك قبيلة على قبيلة تعرف بينهم مساوات1 ومباينة فتكون في حيز العداوة وكذلك شهادة أهل المحال المتباين أهلها بالعصبيات وهذا يدخل تحت قوله عليه الصلاة والسلام "ولا ظنين" وهو المتهم والعصبية توجب التهمة.
فصل
قوله: "وفي شهادة البدوي على القروي وجهان".
أحدهما تقبل وهو ظاهر كلام الخرقي واختاره أبو الخطاب وصححه في المستوعب وهو قول ابن سيرين وأبي حنيفة والشافعي للعمومات ولأن من قبلت شهادته على أهل البلد قبلت شهادته على أهل القرى.
قال ابن عقيل العدالة تجمع والمساكن لا تقدح في العدالة ولا توجب التهمة ولو جاز أن توجب تهمة لما قبلت شهادة عربي على عجمي ولا العكس لأن المنافرة والمباينة بين العجم والعرب أكثر من تباين البدو والحضر مع التساوي في العربية.
__________
1 بهامش الأصل: كذا في الأصل "مساوات" جمع أسية. أهـ، والصحيح في جمعها "إساءات"

ـ
وقال أيضا بعد أن حكى عن بعض أصحابنا أنه قال البدوي يعادي القروي في العادة قال وهذا بعيد لأن القبائل من البدو يتعادون أكثر عداوة ويصول بعضهم على بعض في مطرد العادة.
والثاني لا تقبل قطع به ابن هبيرة وغيره عن أحمد قال في المغني وهو قول جماعة من أصحابنا ومذهب أبي عبيد ورواه الخلال عن عمر بن عبد العزيز وقطع به القاضي في التعليق واحتج بقول أحمد في رواية حرب تجوز شهادة الأعراب على الأعراب وعلى القروي أخشى ألا تجوز لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:.
"لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية" إسناده جيد رواه أبو داود وابن ماجة والدارقطني وغيرهم.
قال في المغني ويحمل الحديث على من لم تعرف عدالته وخصه بهذا لأن الغالب أنه لا يكون له من يسأله الحاكم عنه.
قال أبو عبيد ولا أرى شهادتهم إلا لما فيهم من الجفاء لحقوق الله تعالى والجفاء في الدين.
قال الشيخ تقي الدين وبناه القاضي على أن العادة أن القروي إنما يشهد أهل القرية دون أهل البدو فإذا كان البدوي قاطنا مع المدعين في القرية قبلت شهادته لزوال هذا المعنى انتهى كلامه.
وقد ذكر غير واحد من الأصحاب هذا التعليل فيكون هذا قولا ثالثا.
وقيل للقاضي التهمة هنا ممن اشهد لا من الشاهد فقال التهمة هنا واقعة بهما لأن صاحب الحق لا يعدل عن أهل بلده إلا لعلة في الملك والشاهد أيضا في العادة إنما يشهد على أهل بلده ولا يخرج إلى بلد آخر فيشهد فيه على غيره.
وقال الشيخ تقي الدين البدوي على الوصية في السفر ينبغي أن يقبل لأنه ضرورة وهو أولى من الذميين انتهى كلامه وهو حسن لكنه قول

ولا تقبل شهادة عمودي النسب بعضهم لبعض وعنه تبل فيما لا يجر به نفعا في الغالب بأن يشهد له بعقد نكاح أو قذف وعنه تقبل شهادة المولود للوالد وبالعكس لا تقبل.
__________
رابع قال مالك لا تجوز شهادة البدوي على القروي إلا في الجراح والقود احتياطا للدماء.
فصل
تقبل شهادة البدوي برؤية الهلال اتفاقا وتقبل شهادة القروي عليه اتفاقا.
قوله: "ولا تقبل شهادة عمودي النسب بعضهم لبعض".
فنص أحمد أنه لا تجوز شهادة الولد لوالده ولا الوالد لولده1 انتهى كلامه.
وهو كالصريح إن لم يكن صريحا في أنه لا فرق بين الداعية وغيره وبين من يكفر أو يفسق وصرح به الشيخ تقي الدين على هذا التخريج.
وهذا التخريج قد يقال هو خلاف المذهب.
وإن قلنا برواية حنبل في قبول شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض كما هو ظاهر قول جماعة من الأصحاب وقد يقال المذهب التسوية على رواية حنبل كما هو قول أبي الخطاب وظاهر كلام غيره ممن بعده.
ومن لم يذكر التخريج فإما أنه لم يثبت رواية حنبل هنا وإما لأنها خلاف المذهب فلم يشتغل بالتفريع عليها.
__________
1 قال بهامش الأصل: هنا سقط ثلاث ورقات

وفي شهادة أحد الزوجين الآخر روايتان.
وتقبل شهادة بعض هؤلاء على بعض.
وتقبل شهادة الأخ لأخيه والصديق لصديقه والمولى لعتيقه وولد الزنا في الزنا وغيره والمرضعة على إرضاعها والقسام على قسمته.
__________
والأول اختيار الشيخ تقي الدين فانه قال والفرق بينهما أن الذمي يقر على كفره والداعية إلى البدعة لا يقر على بدعته كذا قال.
والبدعة إن كانت مفسقة أقر عليها الداعية وغيره وإن كانت مكفرة لم يقر عليها الداعية ولا غيره لكن قد يفرق بينهما بأن أهل الذمة إنما قبلت شهادة بعضهم على بعض لمظنة الحاجة إلى ذلك لانفرادهم وعدم اختلاطهم بالمسلمين ولأنه لا يلزم من قبول شهادة كافر على كافر قبول شهادة كافر أو فاسق على مسلم.
قال الشيخ تقي الدين والواجب أن روايته وشهادته واحدة وفي روايته الخلاف المسطور في أصول الفقه ومأخذ رد شهادته إنما هو استحقاقه الهجران وعلى هذا فينبغي قبول شهادته حيث لا يهجر إما للغلبة وإما للتألف وتقبل عند الضرورة كما قبلنا شهادة الكتابي على المسلم عند الضرورة وأولى فإن من كان من أصله قبول شهادة الكافر على المسلم للحاجة فقبول شهادة المبتدع للحاجة أولى وكذلك شهادة النساء وكذلك شهادة بعض الفساق كما كتبته في موضع آخر وهذا هو الاقتصاد في هذا الباب فإنه إذا كثر أهل البدعة في مكان بحيث يلزم من رد شهادتهم فتنة وتعطيل الحقوق لم يهجروا بل يتألفوا وأما إذا كانوا مقهورين بحيث يهجرون لم تقبل شهادتهم ولو قيل في الامامة أيضا مثل ذلك لتوجه كما في علم الحديث والفرق بين الاضطرار والاختيار بين القدرة والعجز أصل عظيم.

وتقبل شهادة العبد والأمة فيما تقبل فيه شهادة الحر والحرة.
__________
فصل
قد عرف مما تقدم أنه هل تقبل شهادة من كفر أو فسق ببدعة أم لا تقبل أو تقبل مع الفسق خاصة أو تقبل إذا لم يكن داعية أو تقبل مع الحاجة والمصلحة خاصة؟ فيه أقوال.
قوله: "وتقبل شهادة العبد والأمة فيما تقبل فيه شهادة الحر والحرة" قال الخلال عن الميموني سأل رجل أحمد بن حنبل عن شهادة العبد تجوز قال لا أعرف إلا ذلك قلت من احتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة أمة في الرضاع على شهادة العبد هل يكون ذا حجة له قال نعم ورأيت أبا عبد الله يستحسنه ثم قال وأي شيء أكثر من هذا يفرق بينهما بقولها؟.
وقال حمدان بن علي الوراق سمعت أبا عبد الله يسأل عن شهادة العبد فقال كان أنس يجيز شهادة العبد وحديث عقبة بن الحارث "تزوجت أم يحيى بنت أبي إهاب فجاءت أمة سوداء فقالت إني قد أرضعتكما".
وقال الخلال أخبرنا المروذي حدثنا أبو عبد الله حدثنا محمد بن فضيل حدثنا مختار بن فلفل قال سألت أنس بن مالك عن شهادة العبد قال فيه اختلاف قلت حديث حفص عن المختار بن فلفل عن أنس قال ليس شيء يدفعه وقد أجاز شهادته وقال الله: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} فإذا كان عدلا ينبغي أن تجوز شهادته.
وقال الخلال حدثنا المروذي عن أبي عبد الله حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن سعيد عن قتادة عن الحسن قال قال علي "شهادة العبد جائزة" وقال أيضا عن المروزي "شهادة العبد جائزة".

وعنه لا تقبل شهادة الرقيق في القود والحد خاصة.
__________
وقال أيضا عن المروذي حدثنا أبو إسحق بن يوسف حدثنا عوف بن محمد ابن سيرين قال "لا أعلم شهادة الحر تفضل على شهادة العبد إذا كان مرضيا".
وقدم هذا في الرعاية تبعا للمحرر واختاره أبو الخطاب في الانتصار فقال والأولى المنع1 فإنه لا فرق حتى العدل بين شهادة وشهادة.
وقال الإمام أحمد في رواية ابن منصور العبد إذا كان عدلا جازت شهادته والمكاتب أحرى أن تجوز شهادته قال وهذا يدل على أنها تقبل في جميع الأشياء وكذا قال في رواية مهنا إذا تزوج بشهادة عبدين جاز إذا كانا عدلين والنكاح عنده جار مجرى القصاص ولهذا لا يجيز فيه شهادة النساء انتهى كلامه.
ووجه هذه الرواية تقدم ولأنه ذكر مكلف يقبل إخباره فقبلت شهادته كالحر أو نقول ذكر مكلف تقبل شهادته في رؤية هلال رمضان وهي شهادة يعتبر لها مجلس الحكم وتحتاج إلى العدد ويخص أمانه وولايته في الصلاة وعلى أقاربه وتصح توليته أسباب السرايا2 وولايته فيما يوصى إليه ويوكل فيه فقبلت شهادته كالحر هذا معنى كلام أبي الخطاب والقاضي إلا أنه قال الشهادة برؤية الهلال شهادة عند أبي حنيفة يعتبر لها العدد وقد قيل يعتبر فيها مجلس الحاكم.
قوله: "وعنه لا تقبل شهادة الرقيق في القود والحد خاصة".
قال الإمام أحمد في رواية الميموني لا تجوز شهادتهم يعني العبيد في الحدود.
__________
1 كذا في الأصل. والجملة كلها مطربة فيما يظهر لي
2 كذا في الأصل.

ـ
ولم يقيموا الحدود مقام الحقوق في الحقوق شاهد ويمين والحد ليس كذلك قلت قول أنس لم يفرق في حد ولا حق.
وذكره أحمد عن إبراهيم النخعي جوازها في الشيء اليسير قال أحمد والناس اليوم على ردها فليس نرى أحدا يقبلها قلت وما يستوحش من هذا قال في الحدود كأنها أشنع وإنما ذاك عنده لتهيب الناس لردها.
وقطع به القاضي في التعليق وتبعه جماعة وذكر في المغني أنه ظاهر المذهب وذكر ابن هبيرة أنه المشهور من مذهب الإمام أحمد وعلل بعضهم بأنه ناقص فلم تقبل شهادته فيها كالمرأة.
قال الخرقي تجوز شهادة العبد في كل شيء إلا في الحدود وتبعه بعضهم على هذه العبارة وهو أحد احتمالين في المغني والكافي.
قال ابن القاسم سألت الإمام أحمد عن أربعة شهدوا على رجل بالزنا أحدهم عبد قال تمت الشهادة هم أربعة العبد منهم يدرأ عنهم الحد.
قال محمد بن موسى سئل الإمام أحمد عن أربعة أعبد شهدوا على الزنا قال قد أحرزوا ظهورهم وإن كانوا عبيدا لأن الحدود مبناها على الدرء والإسقاط يغلظ في طريق ثبوتها ولهذا لا تقبل شهادة النساء ولا شاهد ويمين ولا يقضي فيها بالنكول ولا يستحلف فيها وتسقط بالشبهة بخلاف غيرها فجاز أن لا تسمع فيها شهادة العبد.
وعن أحمد التوقف في هذه المسألة قال أبو الحارث قلت للإمام أحمد شهادة العبد قال قد اختلف الناس في ذلك وأبى أن يجيب فيها وقال أيضا أحب العافية من ذلك وأبى أن يجيب قال وكذلك المكاتب والمدبر وعن أحمد رواية خامسة لا تقبل بحال قال في رواية أبي طالب العبد في جميع أمره ناقص ليس مثل الحر ولا تقبل له شهادة في الطلاق والأحكام

ومن شهد عند الحاكم فرد شهادته لكفره أو رقه أو صغره أو جنونه أو خرسه ثم أعادها بعد زوال المانع قبلت في الأصح عنه.
__________
وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي لأنها مبنية على المروءة والكمال.
قال الشيخ تقي الدين قد يؤخذ عن الإمام أحمد رواية كذلك وسيأتي في المسألة بعدها.
قوله: "ومن شهد عند الحاكم فردت شهادته لكفره أو رقه أو صغره أو جنونه أو خرسه ثم أعادها بعد زوال المانع قبلت في الأصح عنه".
نقل عنه حنبل في الصبي إذا بلغ جازت شهادته وكذلك إذا شهد وهو عبد لم تجز فإذا أعتق جازت إذا كان عدلا واحتج القاضي أيضا مع أنه ذكر أن أحمد نص عليه بقول الإمام أحمد في رواية أبي طالب في الصبي إذا حفظ الشهادة ثم كبر فشهد جازت شهادته وكذلك العبد إذا عتق وكذلك اليهودي والنصراني إذا كان عدلا جازت شهادته إذا أسلم.
قال الشيخ تقي الدين في رواية أبي طالب الظاهر أنها فيما إذا لم ترد في زمان المنع انتهى كلامه.
وهو الذي نصره القاضي وأصحابه وغيرهم.
وذكر في المستوعب أنه أصح الوجهين وبه قال أبو حنيفة والشافعي لأن هذا المانع زال قطعا ولا تهمة فيه فهو كما لو ابتدأ بها في هذه الحال بخلاف الفسق1.
__________
1 بهامش الأصل: قال شيخ عز الدين ابن شيخ السلامية في نكته على المحرر، ومن خطه نقلت: هذه الرواية أنص عن أحمد من الأولى، بل لوقيل: إن المذهب رواية واحدة على المنع: لم يستبعد، فإن رواية أبي طالب في الجواز ليس فيها الرد. كما تقدم.

وعنه لا تقبل أبدا.
وإن ردت لتهمة رحم أو زوجية أو عداوة أو جلب نفع أو دفع ضرر ثم زال المانع فأعادها لم تقبل على الأصح كما لو ردت لفسق وقيل تقبل.
__________
قوله: "وعنه لا تقبل أبدا".
قال في رواية يعقوب بن بختان في الصبي إذا ردت شهادته ثم أدرك لم تجز شهادته لأن الحكم قد مضى ونقل ابن بختان أيضا في موضع آخر إذا ردت شهادة العبد أو الذمي أو الصبي ثم أسلم الذمي وعتق العبد وأدرك الصبي لم تجز شهادتهم لأن الحكم قد مضى وهذه اختيار أبي بكر وابن أبي موسى وهي قول مالك لأنها ردت بمانع أشبه الفسق.
قوله: "وإن ردت بتهمة رحم أو زوجية أو عداوة أو جلب نفع أو دفع ضرر ثم زال المانع فأعادها لم تقبل على الأصح".
وذكر في الكافي أنه الأولى وقدمه في الرعاية لأن ردها باجتهاده فلا ينقض ذلك باجتهاده ولأنها ردت للتهمة كالمردودة بالفسق والثاني تقبل صححه في المغني لأن الأصل قبول شهادة العدل وقياسه على الفسق لا يصح لأن هذه ردت بسبب لا عار فيه فلا يتهم في قصد نفي العار بإعادتها بخلاف الفسق وقبول الشهادة هنا من نقض الاجتهاد في المستقبل وهو جائز وهذا معنى قوله: "تقبل".
قوله كما لو ردت لفسق.
نص عليه قال في رواية أحمد بن سعيد في شهادة الفاسق إذا ردت مرة ثم تاب وأصلح فأقامها بعد ذلك لم تجز لأنه حكم قد مضى ولم أجد فيه خلافا إلا قوله في الرعاية الكبرى لم تقبل على الأصح وهو مذهب الأئمة

وقيل لا تقبل في كل مانع ما زال باختيار الشاهد كإعتاق القن وتطليق الزوجة وتقبل فيما سواه.
ومن شهد عند الحاكم ثم عمى أو خرس أو صم أو جن أو مات لم يمنع الحكم بشهادته.
__________
الثلاثة ورواية القبول قال بها أبو ثور والمزني وداود قال ابن المنذر والنظر يدل على هذا لغير هذه الشهادة كالمسائل المتقدمة وقد تقدم دليل المنع والفرق.
قال الشيخ تقي الدين وتعليلهم الفرق بين الكفر والفسق بأن الكفر يتدين به يقتضى أن يلحق به الفسق بالاعتقاد أو بعمل يستند إلى اعتقاد كشرب النبيذ إن قيل به انتهى كلامه.
وقوله: "وقيل لا تقبل في كل مانع زال باختيار الشاهد كإعتاق القن وتطليق الزوجة وتقبل فيما سواه".
يحتمل أن يكون هذا القول في هذه المسألة خاصة ويحتمل أن يكون فيها وفي التي قبلها وهذا الأمر قريب ووجهه أن زوال المانع باختيار الشاهد يورث تهمة تشبه الفسق.
فرع
لو عزل من وظيفة للفسق مثلا ثم تاب وأظهر العدالة فهل يعود يتوجه أن يقال فيها ما قيل في مسألة الشهادة أو أولى لأن تهمة الإنسان في حق نفسه ومصلحته أبلغ من حق الغير1 أما لو رأى الحاكم رده إليها بتأويل أو تقليد كان له ذلك كسائر مسائل الخلاف وكما لو رأي قبول الشهادة في مسألتنا.
قوله: "ومن شهد عند الحاكم ثم عمى أو خرس أو صم أو جن أو مات لم يمنع الحكم بشهادته".
__________
1 بهامش الأصل: قال ابن شيخ السلامية هذا فيه نظر

وإن حدث مانع من فسق أو تهمة منع الحكم بها إلا عداوة ابتدأها المشهود عليه بأن قذف الشهود فإنها لا تمنعه.
ولا يصح أداء الشهادة إلا بلفظها فإن قال أعلم أو أحق ونحوه لم يحكم بها
__________
قال القاضي على قياس حدوث العمى بعد التحمل وقبل الأداء وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد لعدم التهمة في حال أداء الشهادة فهو كالموت فإنه محل وفاق وقال أبو حنيفة لا يحكم بها كما لو طرأ الفسق.
قوله: "وإن حدث مانع من فسق أو تهمة منع الحكم بها".
لم أجد فيه خلافا كما تقدم وذكره القاضي محل وفاق أن الشهود إذا ارتدوا أو فسقوا أو رجعوا قبل الحكم أنه لا يحكم بها قال لأنه يورث تهمة في حال الأداء.
قال الشيخ تقي الدين إدخال الردة في هذا مشكل قال وقد علل بأن الفسق والردة مما يستسر به فيدل على نظائره مما قبله انتهى كلامه.
فصل
فإن حدث ما يمنع الحكم بها بعد الحكم والاستيفاء لم ينقض الحكم وإن كان ذلك قبل الاستيفاء لم يستوف إن كان حدا الله تعالى لأنه يدرأ بالشبهة وإن كان مالا استوفي وإن كان قودا أو حد قذف فوجهان.
قوله: "ولا يصح أداء الشهادة إلا بلفظها".
فإن قال أعلم أو أحق ونحوه لم يحكم بها ذكره القاضي محل وفاق في مواضع منها شهادة المرأة الواحدة فيما لا يطلع عليه الرجال وذكر أنه يعتبر فيه لفظ الشهادة جعله محل وفاق ذكره الشيخ تقي الدين ولم يحك فيه خلافا وقال أبو الخطاب في الانتصار في بحث شهادة امرأة فيما لا يطلع عليه الرجال

باب عدد الشهود وما يتبعه

باب عدد الشهود وما يتبعه
لا يقبل في الزنا واللواط إلا شهادة أربع رجال وهل يكفي في ثبوت الإقرار بهما رجلان أو يشترط أربعة على روايتين.
ويكفي في الشهادة على من أتى بهيمة إذا قلنا يعزر رجلان وقيل يعتبر أربعة ولا يقبل في بقية الحدود والقصاص إلا رجلان.
ويقبل في المال وما يقصد به كالبيع والأجل والخيار فيه والرهن والوصية.
__________
لخصمه أين أنت من القياس على خبر الديانات ورؤية الهلال لرمضان لما قبل فيه شهادة النساء منفردات لم يلتفت إلى العدد وعلى هذا يجب أن لا يلتفت إلى لفظ الشهادة ولا مجلس الحكم كالخبر سواء وهو قول بعض الحنفية ولا أعرف عن إمامنا ما يرد هذا المنع انتهى كلامه ولم يذكر الأصحاب هذه المسألة في مسائل الخلاف فدل على أنها محل وفاق.
وذكر أبو الخطاب في التمهيد في بحث مسألة رواية الحديث بالمعنى أن الفقهاء يسلمون هذا ثم قال ويقوى عندي أن الشاهد إذا قال أعلم أو أعرف أو أتحقق أو أتيقن أن لفلان عند فلان كذا أن الحاكم يقبل ذلك لأن ظنه يقوى بذلك كما يقوى بقوله أشهد انتهى كلامه.
وذكره القاضي احتمالا وذكره في الرعاية قولا وذكر في المغني أن عدم الحكم مذهب الشافعي قال ولا أعلم فيه خلافا لأن الشهادة مصدر فلا بد من الإتيان بفعلها المشتق منها وهذه دعوى مجردة قال ولأن فيها معنى لا يحصل في غيرها بدليل أنها تستعمل في اللعان ولا يحصل ذلك في غيرها ومراده من هذه الألفاظ لأن لنا في اللعان في إبدال "أشهد" بأقسم أو أحلف وجهين وهذا معنى حسن إن شاء الله تعالى.

لمعين أو الوقف عليه ودعوى رق مجهول النسب وتسمية المهر ونحوه رجلان ورجل وامرأتان ورجل ويمين المدعي بما ادعاه وإن كان كافرا أو امرأة.
__________
وذكر الشيخ تقي الدين في موضع آخر الحكم بذلك عن أحمد وأخذه من مناظرته لعلي بن المديني و أن أحمد شهد بالجنة لكل من جعله الرسول صلى الله عليه وسلم من أهلها فقال ابن المديني أقول ولا أشهد فقال له أحمد إذا قلت فقد شهدت1.
قوله: "ورجل ويمين المدعي بما ادعاه وإن كان كافرا أو امرأة".
قال حنبل سمعت أبا عبد الله يقول في الشاهد واليمين جاز الحكم به قيل لأبي عبد الله إيش معنى اليمين قال قضى النبي صلى الله عليه وسلم بشاهد ويمين شهادة الشاهد مع اليمين.
__________
1 بهامش الأصل: صورة ما ذكره الشيخ تقي الدين في هذا الموضع قال: اختلف الفقهاء في جواز أداء الشهادة عند الحاكم بغير لفظ الشهادة، مثل: أعلم وأثبت، وأحق على وجهين لأصحابنا وغيرهم ذكرها القاضي أبو يعلى، والمنع قول المتأخرين، والجواز هو مقتضى كلام أحمد لما ناظر علي بن المديني في الشهادة للعشرة بالجنة، فقال أحمد: أنا أشهد لهم بالجنة، فقال له علي: أنا أقول: هم في الجنة، ولا أقول: "أشهد" فقال أحمد: إذا قلت هم في الجنة: فقد شهدت أنهم في الجنة.
وهذا الذي قاله أحمد هو الراجح في الكتاب والسنة، ولا أعلم عنه نصا يوافق الوجه الآخر، وعلى هذا فنفس الإخبار شهادة، وإن لم يذكر عن نفسه فعلا، فإذا قال: لهذا عند هذا ألف درهم، أو قال: هذا سرق مال هذا، أو قال: هذا ضرب هذا، أو قال: باعه هذا العبد بكذا، فنفس هذا الإخبار شهادة، وإن لم يذكر عن نفسه "أعلم أو أحق أو أشهد" كما قال أحمد: إذا قلت: هم في الجنة فقد شهدت أنهم في الجنة.
وذكر في شهادة الاستفاضة قول أحمد: أنا أقول: بأن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أشهد بأنها ابنته.

ـ
قال أبو عبد الله وهم لعلهم يقضون في مواضع بغير شهادة شاهد وكذلك نقل المروزي وأبو طالب وقال هارون بن عبد الله سمعت أبا عبد الله يذهب إلى اليمين والشاهد قيل لأبي عبد الله في المال قال في المال.
وقال علي بن زكريا قيل لأبي عبد الله شهادة شاهد ويمين قال في الحقوق.
قال الشيخ تقي الدين هذا اللفظ يعم جميع الحقوق وكذلك قال في رواية الميموني نحن نذهب إلى شهادة واحد في الحقوق ويمينه انتهى كلامه.
وقال علي بن سعيد سألت أحمد عن الشاهد الواحد مع اليمين قال في الحقوق جائز.
وقال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسأل عن رجل ادعى وجاء بشاهد وليس المدعي بعدل أيحلف مع شاهده قال نعم قلت لأبي عبد الله إنما هذا في الأموال خاصة فقال نعم في الأموال خاصة.
وقال موسى بن سعيد وقد روى عن أحمد قول عمرو بن دينار في الأموال قال أحمد بن حنبل وهكذا أقول في الأموال والحقوق وقال له أبو طالب تذهب إلى الشاهد واليمين قال نعم في الحقوق وقال له أبو الحارث فإن كان الشاهد عدلا والمدعي غير عدل قال فإن كان غير عدل أو كانت امرأة أو رجل من أهل الذمة يهودي أو نصراني أو مجوسي إذا ثبت له شاهد واحد حلف وأعطى ما ادعى وإنما الحكم فيه هكذا وليس يقوم اليمين مقام الشاهد هذا حكمه.
وقال له أحمد بن القاسم أنت لا تقبل شهادته فكيف تقبل يمينه قال ولم شهد هو لنفسه إنما الحديث شاهد مع يمين الطالب فنحن نعمل به.
وكذا نقل غيره وهذا قول أكثر العلماء منهم مالك والشافعي لما روى

ـ
ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بيمين وشاهد" رواه مسلم وغيره وهو في السنن من وجوه قال ابن عبد البر عن حديث ابن عباس لا مطعن لأحد في إسناده ولا خلاف بين أهل المعرفة في صحته قال وحديث أبي هريرة وجابر وغيرهما حسان.
وروى الخلال من رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده "أن عمر كان يقضي باليمين مع الشاهد العدل ويقول: قضى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وقال أبو حنيفة والليث والأندلسيون من أصحاب مالك وغيرهم لا تقبل.
وقال الشيخ تقي الدين قصة خزيمة وقصة أبي قتادة وقصة ابن مسعود في قوله: "رأيته يذكر الإسلام" تنبيها بلا يمين وقد قال اليمين حق للمستحلف وللإمام فله أن يسقطها وهذا أحسن انتهى كلامه.
ويوافقه ما ذكره القاضي في بحث المسألة قال فإن قيل ما ذهبتم إليه يؤدى إلى أن يثبت الحق بشاهد واحد قيل هذا غير ممتنع كما قاله المخالف في الهلال في الغيم وفي القابلة وهو ضرورة أيضا لأن المعاملات تكثر وتتكرر فلا يتفق في كل وقت شاهدان انتهى كلامه.
وهو يدل على أن اليمين ليست كشاهد آخر وهو مخرج على ما إذا رجع الشاهد هل يضمن الجميع أو النصف.
ولهذا قال القاضي في بحث المسألة واحتج يعني الخصم بأنه لو كان يمين المدعي كشاهد آخر لجاز له أن يقدمه على الشاهد الذي عنده كما لو كان عنده شاهدان جاز أن يقدم أيهما شاء والجواب أنا لا نقول إنها بمنزلة شاهد آخر ولهذا يتعلق الضمان بالشاهد وإنما اعتبرناها احتياطا وقاسها على احتياط الحنفية بالحبس مع شاهد الإعسار ويمين المدعي مع البينة على الغائب

ولا يشترط أن يقول فيها وأن شاهدي صادق في شهادته1 وقيل يشترط.
ولا يقبل امرأتان ويمين مكان رجل ويمين وقيل يقبل.
__________
والصبي والمجنون وقال أيضا إنما يحلفه الحاكم بعد أن تثبت عدالة الشاهد عنده.
وذكر القاضي أيضا أن لا تقدم اليمين على الشاهد جعله محل وفاق كما لا يقدم في البينة على الغائب.
قوله: "ولا يشترط أن يقول فيها وأن شاهدي هذا صادق في شهادته".
وقطع به القاضي ضمن المسألة وعليه يدل كلام الأصحاب لظاهر ما تقدم وكسائر من أحلفناه فإنه لا يشترط أن يقول في يمينه ذلك.
قوله: "وقيل يشترط".
لأن الشاهد هنا حجة ضعيفة ولهذا لم نكتف به فاشتراط أن يقول في يمينه ذلك تقوية له واحتياطا كما اشترطت اليمين معه.
قوله: "ولا يقبل امرأتان ويمين مكان رجل ويمين".
وكذا قطع به القاضي ولم يخرجه من المذهب.
قال الشيخ تقي الدين وقطع به أيضا أبو الخطاب والشريف وغيرهما في كتب الخلاف ونصره في المغني وغيره لأنه انضم ضعيف إلى ضعيف فلا يحكم به كما لو شهد أربع نسوة أو حلف المدعي يمينين فإنه محل وفاق مع مالك وغيره ذكره القاضي وغيره في المغني بالإجماع.
قوله: "وقيل يقبل".
لأن المرأتين في المال مقام رجل وهو مذهب مالك.
قال الشيخ تقي الدين هذا يقتضيه كلام أحمد يعني ما نقله ابن صدقة:
__________
1 في منتهى الإرادات "ولا يشترط قول مدع ي حلفه: وأن شاهدي صادق في شهادته".

وهل يقبل الرجل والمرأتان والشاهد واليمين في العتق والوكالة في المال والإيصاء إليه.
__________
سئل أحمد عن الرجل يوصي بأشياء لأقاربه ويعتق ولا يحضر إلا النساء هل تجوز شهادتهن قال نعم تجوز شهادتهن في الحقوق وذكر ابن حزم أنهم اختلفوا في شهادة امرأة مع يمين الطالب ودون يمينه.
قوله: "وهل يقبل الرجل والمرأتان أو الشاهد واليمين في العتق".
قال القاضي في التعليق يثبت العتق بشاهد ويمين في أصح الروايتين وعلى قياسه الكتابة والولاء نص عليه في رواية مهنا وقال أيضا نص على الشاهد واليمين في قدر العوض الذي وقع العتق عليه وهو اختيار الخرقي وأبي بكر انتهى كلامه لأن الشارع متشوف إليه وذكر في المغني أن القاضي قال المعمول عليه في المذهب أن هذا لا يثبت إلا بشاهدين ذكرين وذكر ابن عقيل أنه ظاهر ونصره في المغني ونصره جماعة منهم أبو الخطاب غير الرواية الأولى وبه قال مالك والشافعي لأنه ليس بمال ولا يقصد منه ويطلع عليه الرجال أشبه العقوبات وعن الإمام أحمد رواية ثالثة تقبل فيه شهادة رجل وامرأتين وهو قول جماعة منهم أصحاب الرأي لأن ذلك لا يسقط بالشبهة أشبه المال.
قوله: "والوكالة في المال والإيصاء إليه".
تبع فيه القاضي وغيره قال القاضي لأنها إن لم تكن مالا فإنها تتضمن التصرف في المال والدليل كما تقدم وقد نقل عنه البرزاطي في الرجل يوكل وكيلا ويشهد على نفسه رجلا وامرأتين إن كانت الوكالة بمطالبة بدين فأما غير ذلك فلا وقال في رواية بكر بن محمد عنه لا يقبل قوله إن وصى حتى يشهد الموصى رجلان عدلان أو رجل عدل.

ـ
قال القاضي فظاهر هذا قبول الشاهد واليمين في الوصية والوكالة وكلام جماعة يقتضى أنه لا فرق بين الوكالة في المال وغيره والإيصاء إليه فيه وغيره بل صريح كلام بعضهم وأنه هل يقبل في ذلك وامرأتان أو شاهد ويمين أو لا يقبل إلا رجلان فيه روايتان.
وقال الشيخ تقي الدين نصه في الوكالة فرق فيه بين الوكالة بمال وبين الوكالة بغيره وأما الوصية فقد أطلق فيها رجل عدل وتقدم نصه أيضا أنه يقبل فيها شهادة النساء منفردات فقد يقال لا يفتقر في هذا إلى يمين لأنه لا خصم جاحد فيه لا في الحال ولا في الاستقبال وهو يشبه القتل لاستحقاق السلب وتحليف الوصي فيه نظر لأنه لا يجر بهذا إلى نفسه منفعة بخلاف الموصى له وقد قبل الناس شهادة رجاء بن حيوة بالعهد إلى عمر بن عبد العزيز وهو وحده وما زال الولاة يرسلون الواحد في الولاية والعزل.
وقال أيضا وعلى طريقة أصحابنا في البينة هو الشاهد الواحد وإنما اليمين احتياط فهذا يقتضى شيئين أحدهما أنه لا يحتاج إليها إلا إذا كان ثم معارض وفي دعوى السلب لا معارض وعلى هذا يخرج حديث أبي قتادة.
والثاني أنه لو كان الحق لصبي أو مجنون لم يحتج إلى يمين وفي هذا نظر إلا إذا كان على ميت أو صبي أو مجنون ولعل حديث خزيمة بن ثابت يخرج على هذا ونص أحمد في الوصية أو رجل عدل ظاهر هذا أنه يقبل في الوصية شهادة رجل واحد.
وقال عقيب رواية ابن صدقة في شهادة النساء في الوصية ظاهر هذا أنه أثبت الوصية بشهادة النساء على الانفراد إن لم يحضره الرجال قال القاضي المذهب في هذا كله أنه لا يثبت إلا بشاهدين انتهى كلامه وقال ابن عقيل عقيب رواية ابن صدقة وهذا يشهد له من أصله قوله: "تقبل شهادة أهل

ودعوى قتل الكافر لاستحقاق سلبه.
__________
الذمة على الوصية في السفر" انتهى كلامه.
ووجه رواية القبول بأنه عقد لا يفتقر في صحته إلى الشهادة فهو كعقد البيع.
قال القاضي في بحث المسألة ولا يلزم القضاء لأنه قد يجوز أن يثبت بشهادة رجل وامرأتين وهو إذا كانت ولايته خاصة في المال فادعى أنه قاض فأنكره أهل ذلك البلد وأقام شاهدا وامرأتين قبل ذلك والخلاف فيما إذا كانت الوكالة بعوض وبغير عوض سواء ونسلم أن الأجل وخيار الشرط يثبت بشاهد وامرأتين جعله محل وفاق ولأنه يوكل في استيفاء حق فتثبت الوكالة له بما يثبت به ذلك الحق كالوكالة بعقد النكاح والحد والقصاص واحتج به القاضي وسلم لهم أن الوكالة بالنكاح والطلاق والقصاص والحدود لا تثبت إلا بذكرين قاله الشيخ تقي الدين.
قال القاضي واحتج بعضهم بأنها ولاية فلم تثبت إلا بشاهدين كولاية القضاء قال الفاضي الوكالة ليست ولاية بل استنابة وأما القضاء فهو يتضمن ما يثبت بشاهد وامرأتين وهو المال وما يثبت بشاهدين وهو الحقوق وعقد النكاح والوكالة المختلف فيها هي المتضمنة للمال حسب.
قال الشيخ تقي الدين القضاء وإن كان في المال فقط فهو متضمن الإلزام والعقوبة بالحبس ونحوه والوكالة لا تتضمن إلا مجرد القبض ومعلوم أن المدعي لو ادعي الملك ليثبت هو ولوازمه فوكالة المالك أخف من دعوى الملك لأن أحق الوكيل دون حق المالك فإذا ثبت الكل فجزؤه أولى بخلاف القاضي فإنه يثبت له مالا يثبت للمالك.
قوله: "ودعوى قتل الكافر لاستحقاق سلبه".

ودعوى الأسير إسلاما سابقا لمنع رقه.
__________
ذكر القاضي في هذه الروايتين نقل حنبل عن أحمد فيمن قتل قتيلا فأقام شاهدا ويمينا لم يجز.
وقال القاضي ظاهر كلامه فيما روينا عنه قبول ذلك في السلب لأنه يتضمن إثبات مال فهو كما لو شهد رجل وامرأتان بسرقة ثبت الغرم دون القطع.
وقد ذكر هذه المسألة الشيخ موفق الدين في الجهاد فقال قال أحمد لا يقبل إلا شاهدان وقالت طائفة من أهل الحديث يقبل شاهد ويمين لأنها دعوى في المال ويحتمل أن يقبل شاهد بغير يمين لأن النبي صلى الله عليه وسلم قبل قول الذي شهد لأبي قتادة من غير يمين.
ووجه الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر البينة وإطلاقها ينصرف إلى شاهدين ولأنها دعوى للقتل فاعتبر شاهدان لدعوى قتل العمد انتهى كلامه.
قوله: "ودعوى الأسير إسلاما سابقا لمنع رقه".
قال القاضي إذا ثبت أن إسلام الأسير لا يمنع الرق فادعى إسلاما سابقا وأظهره لم تقبل دعواه إلا ببينة لأنه يدعي إسقاط الرق والأصل بقاؤه وإن أقام شاهدا واحدا وخلف معه فالمنصوص عنه أنه يقبل ذلك ولا يسترق فقال في رواية أبي الحارث فيمن أخذ علجا فقال كنت أسلمت قبل أن تأخذوني أسيرا لم يقبل منه وإن شهد له من أسره من المسلمين أنه قد كان أسلم قبل أن يؤخذ قبلت شهادته مع يمين المدعي فلا تقبل1 وكذلك إن شهد عبد وحلف معه أو شهدت امرأة وحلف معها نص عليه في رواية أبي طالب إذا قال إنما كنت مسلما لم يصدق فإن شهد له رجل قبل مع يمينه وإن شهدت
__________
1 كذا بالأصل والظاهر: أن "فلا تقبل" زائدة".

ـ
امرأة أيضا قبلت شهادتها وإن شهد صبي لم تقبل شهادته وكذلك نقل يعقوب بن بختان.
وإذا قال قد أسلمت وشهد رجل من الأسرى جازت شهادته مع يمين المدعي وكذلك إن شهدت له امرأة وعبد مسلم.
واستدل القاضي بحديث عبد الله بن مسعود "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر:.
لا يبقى منهم أحد إلا أن يفدى أو تضرب عنقه فقال عبد الله بن مسعود إلا سهيل بن بيضاء فإني سمعته يذكر الإسلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم إلا سهيل" رواه أحمد والترمذي وحسنه.
وقال القاضي يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم استحلفه ولم ينقله الراوي وكذلك ذكر أن عمر درأ القتل عن الهرمزان بشهادة رجل له بالصلاة وليس فيه استحلاف وعلله القاضي بأنه قد يتعذر إقامة البينة الكاملة في دار الحرب على إسلامه فجاز أن يقبل فيه شهادة رجل وشهادة امرأة كما أجاز الإمام أحمد شهادة أهل الذمة على وصية المسلمين في السفر إذا لم يوجد مسلم وكذلك قال في السبي إذا ادعوا نسبا وأقاموا البينة من الكفار قبلت في رواية حنبل وصالح وإبراهيم ولم تقبل في رواية عبد الله وأبي طالب.
وكذلك قال في الأسير إذا ادعى إسلاما سابقا يرجع إلى شاهد الحال فإنه لم يكن معه سلاح قبل منه ولم يقتل وإن كان معه سلاح قتل نص عليه في رواية إبراهيم لأن الدعوى قد ترجح بالظاهر وكما قلنا في تداعي الزوجين قال وبنى المخالف هذا على أن الحرية لا تثبت بشاهد ويمين لأنه ليس بمال ولا المقصود منه المال وهذه الدعوى تتضمن الحرية قال ونحن نبنيها على ذلك الأصل وأن الحرية تثبت بشاهد ويمين على الصحيح من الروايتين وهي اختيار الخرقي وفيه رواية أخرى لا تثبت إلا بشاهدين فعلى هذا وبيض في التعليق

وجناية العمد والخطأ التي لا قود فيها بحال أم لا على روايتين.
فإن قلنا بالقبول في الجناية المذكورة ففيما إذا كان القود في بعضها كالمأمومة والهاشمة روايتان.
__________
الجديد وكان قبل هذا قد قال وإن قلنا لا تثبت الحرية إلا بشاهدين فإنها هنا تثبت من طريق الحكم كما تثبت الولادة بشهادة النساء وتتضمن ثبوت النسب وإن لم يثبت النسب بشهادة النساء ثم قال وإذا قلنا لا تثبت إلا بشاهدين لم يثبت الإسلام هنا إلا بشاهدين انتهى كلامه.
ورواية الشاهدين في المسألة قول الشافعية.
وقطع الشيخ موفق الدين في هذه المسألة وجماعة في رءوس المسائل بشاهد ويمين منهم الشريف وأبو الخطاب وقال هذه المسألة مبنية على أن الحرية تثبت بشاهد ويمين قال غير واحد عقب المرأة وحدها1 فنص على قبول شهادة المرأة الواحدة في الإسلام وقال ابن عقيل فهذه الرواية إن لم يقع لنا فيها حديث يكون الإمام أحمد ذهب إليه وإلا فلا وجه لها.
قوله: "وجناية العمد والخطأ التي لا قود فيها بحال أم لا على روايتين".
إحداهما تقبل ذكر في الكافي أنه ظاهر المذهب وقول الخرقي وقطع به القاضي في غير موضع وقدمه غير واحد لأنها لا توجب إلا المال أشبهت البيع.
والثانية لا يقبل إلا رجلان وهو قول أبي بكر وابن أبي موسى لأنها جناية فأشبهت ما يوجب القصاص والفرق ظاهر وكلام بعضهم يقتضي الفرق بين جناية الخطأ وجناية العمد وإن كان موجبها المال.
قوله: "فإن قلنا بالقبول في الجناية المذكورة ففيما إذا كان القود في بعضها كالمأمومة والهاشمة روايتان".
__________
1 كذا في الأصل.

وما عدا ذلك مما ليس بعقوبة ولا مال وتطلع عليه الرجال غالبا كالنكاح والرجعة والطلاق والنسب والولاء والإيصاء والتوكيل في غير مال فلا يقبل فيه إلا رجلان وعنه يقبل رجل وامرأتان في النكاح والرجعة من ذلك1.
__________
إحداهما يقبل ويثبت المال قطع به غير واحد لأن هذه الشهادة والجناية توجب المال والقود فإذا قصرت عن أحدهما ثبت الآخر.
والثانية لا تقبل ولا يثبت المال لأنها لما بطلت في البعض بطلت في الجميع وهذه المسألة تشبه مسألة من أقام بينة بسرقة لا تثبت بها هل يثبت المال وفيها قولان كهذه المسألة وسوى أبو الخطاب بينهما قاطعا بثبوت المال وكذا غيره.
وقد فرق المصنف بينهما فأطلق في هذه الخلاف وقطع بثبوت المال هناك وقال ابن عبد القوي في هذه المسألة ما يجتمع فيه قصاص ودية كشجة ما فوق الموضحة كالهاشمة لا تقبل في الأولى كمردودة في جميع ما شهد به في بعضه وقال في مسألة إذا شهد بقتل العمد رجل وامرأتان لقائل أن يقول لم لا يجب القصاص أولا يجب المال ولا يجب القصاص كالوجهين فيما إذا شهد اثنان أو رجل وامرأتان بالهاشمة أو المأمومة ونحوه فيما فيه مال بقود وموضحة كذا قال.
قوله: "وما عدا ذلك إلى قوله خاصة".
توجيه ذلك يعرف مما تقدم وتقدم الكلام في الإيصاء والتوكيل في غير مال.
وقد قال الشيخ تقي الدين قال القاضي في تعليقه في ضمن مسألة تعديل المرأة هذا مبني على أن شهادة النساء هل تقبل فيما لا يقصد به المال ويطلع
__________
1 في نسخة بهامش الأصل "من ذلك خاصة".

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5