كتاب : حاشية ابن القيم على سنن أبي داود
المؤلف : محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية

وهذه الرواية في غاية الضعف لمخالفتها النصوص وقياس الحيوان على المكيل فاسد إذ في محل الحكم في الأصل أوصاف معتبرة غير موجودة في الفرع وهي
مؤثرة في التحريم
وحديث جابر لو صح فإنما المراد به مع اتحاد الجنس دون اختلافه كما هو مذكور في حديث ابن عمر
فهذه نكت في هذه المسألة المعضلة لا تكاد توجد مجموعة في كتاب وبالله التوفيق
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقد روى ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن بكير بن عبد الله عن عمر أن مولى لبني مخزوم حدثه أنه سأل سعدا عن الرجل يسلف الرجل الرطب بالتمر إلى أجل فقال سعد نهانا رسول الله صلى الله عليه و سلم عن هذا
والسلت نوع غير البر وهو أدق منه حبا
قال البيهقي وهذا يخالف رواية الجماعة وإن كان محفوظا فهو حديث آخر
والخبر يصرح بأن المنع إنما كان لنقصان الرطب في البعض وحصول الفضل بينهما بذلك وهذا المعنى يمنع من أن يكون النهي لأجل النسيئة فلذلك لم تقبل هذه الزيادة ممن خالف الجماعة بروايتها في هذا الحديث
وقد روينا في الحديث الثابت عن ابن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا تبتاعوا الثمر حتى يبدو صلاحه ولا تبتاعوا التمر بالتمر
وفي الحديث الثابت عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تبيعوا ثمر النخل بتمر

النخل وفي رواية إبراهيم بن سعد عن الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه و سلم لا تبايعوا الثمر بالتمر هكذا روى مقيدا آخر كلامه
وحديث أبي هريرة الذي أشار إليه رواه مسلم في صحيحه
وحديث ابن عمر متفق على صحته
ولفظ الصحيحين فيه نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه وعن بيع الرطب بالتمر

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله والحديث مخرج في صحيح البخاري أخرجه في ذكر الأنبياء والمناقب في الأبواب التي فيها

صفة النبي صلى الله عليه و سلم
في باب ترجمته باب سؤال المشركين أن يريهم النبي صلى الله عليه و سلم آية فذكره بإسناده عن شبيب بن غرقدة قال سمعت الحي يتحدثون عن عروة أن النبي صلى الله عليه و سلم أعطاه دينارا يشتري له به شاة فاشترى له به شاتين فباع إحداهما بدينار فجاءه بدينار وشاة فدعا له بالبركة في بيعه وكان لو اشترى التراب لربح فيه قال سفيان يشتري له شاة كأنها أضحية
انفرد بإخراجه البخاري
وقد استدرك عليه روايته له عن الحي وهم غير معروفين وما كان هكذا فليس من شرط كتابه
وقد رواه ابن ماجه من رواية شبيب عن عروة نفسه والصحيح أنه لم يسمعه منه
قال البخاري حدثنا علي بن عبد الله قال حدثنا سفيان قال حدثنا شبيب بن غرقدة قالسمعت الحي يتحدثون عن عروة أن النبي صلى الله عليه و سلم أعطاه دينارا ليشتري له به شاة فاشترى له به شاتين فباع إحداهما بدينار فجاءه بدينار وشاة فدعا له بالبركة في بيعه وكان لو اشترى التراب لربح فيه
قال سفيان كان الحسن بن عمارة جاءنا بهذا الحديث عنه قال الحي يخبرونه عنه ولكن

سمعته يقول سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول الخير معقود في نواصي الخيل إلى يوم القيامة قال وقد رأيت في داره سبعين فرسا قال سفيان يشتري له شاة كأنها أضحية

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وفي صحيح البخاري ومسلم عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن كراء الأرض
وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من كانت له أرض فليزرعها فإن لم يزرعها فليزرعها أخاه
وعنه قال كان لرجال من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم فضول أرضين فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم من كان له فضل أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه فإن أبى فليمسك أرضه
وعنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يؤخذ للأرض أجر أو حظ
وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من كانت له أرض فليزرعها فإن لم يستطع أن يزرعها وعجز عنها فليمنحها أخاه المسلم ولا يؤجرها إياه
وفي لفظ آخر من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها أخاه ولا يكرها
وعنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال من كان له فضل أرض فليزرعها أو ليزرعها أخاه ولا تبيعوها قال سليم بن حبان فقلت لسعيد بن ميناء ما لا تبيعوها يعني الكراء قال نعم
وعن جابر قال كنا نخابر على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فنصيب من القصرى ومن كذا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم من كانت له أرض فليزرعها أو ليحرثها أخاه وإلا فليدعها
وعنه قال كنا في زمان رسول الله صلى الله عليه و سلم نأخذ الأرض بالثلث أو الربع وبالماذيانات فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم في ذلك فقال من كانت له أرض فليزرعها فإن لم يزرعها فليمنحها أخاه فإن لم يمنحها أخاه فليمسكها

وهذه الأحاديث متفق عليها وذهب إليها من أبطل المزارعة
وأما الذين صححوها فهم فقهاء الحديث كالإمام أحمد والبخاري وإسحاق والليث بن سعد وابن خزيمة وابن المنذر وأبي داود وهو قول أبي يوسف ومحمد وهو قول عمر بن عبدالعزيز والقاسم بن محمد وعروة وابن سيرين وسعيد بن المسيب وطاووس وعبدالرحمن بن الأسود وموسى بن طلحة والزهري وعبدالرحمن بن أبي ليلى ومحمد بن عبدالرحمن ومعاذ العنبري وهو قول الحسن وعبدالرحمن بن يزيد
قال البخاري في صحيحه قال قيس بن مسلم عن أبي جعفر ما بالمدينة أهل بيت هجرة إلا يزدرعون على الثلث والربع قال البخاري وزارع علي وسعيد بن مالك وعبد الله بن مسعود وعمر بن عبدالعزيز والقاسم وعروة وآل أبي بكر وآل عمر وآل علي وابن سيرين وعامل عمر الناس على أنه إن جاء عمر بالبذر من عنده فله الشطر وإن جاؤوا هم بالبذر فلهم كذا وقال الحسن لا بأس أن تكون الأرض لأحدهما فيتفقان جميعا فما يخرج فهو بينهما ورأى ذلك الزهري
وحجتهم معاملة النبي صلى الله عليه و سلم أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من تمر أو زرع وهذا متفق عليه بين الأمة

قال أبو جعفر عامل رسول الله صلى الله عليه و سلم أهل خيبر بشطر ما يحرج منها من تمر أو زرع ثم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم أهلوهم إلى اليوم يعطون الثلث والربع
وهذا أمر صحيح مشهور قد عمل به رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى مات ثم خلفاؤه الراشدون من بعده حتى ماتوا ثم أهلوهم من بعدهم ولم يبق بالمدينة أهل بيت حتى عملوا به وعمل به أزواج النبي صلى الله عليه و سلم من بعده
ومثل هذا يستحيل أن يكون منسوخا لاستمرار العمل به من النبي صلى الله عليه و سلم إلى أن قبضة الله وكذلك استمرار عمل خلفائه الراشدين به فنسخ هذا من أمحل المحال
وأما حديث رافع بن خديج فجوابه من وجوه
أحدها أنه حديث في غاية الاضطراب والتلون
قال الإمام أحمد حديث رافع بن خديج ألوان
وقال أيضا حديث رافع ضروب
الثاني أن الصحابة أنكروه على رافع قال زيد بن ثابت وقد حكي له حديث رافع أنا أعلم بذلك منه وإنما سمع النبي صلى الله عليه و سلم رجلين قد اقتتلا فقال إن كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع وقد تقدم

وفي البخاري عن عمرو بن دينار قال قلت لطاووس لو تركت المخابرة فإنهم يزعمون أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عنها قال إن أعلمهم يعني ابن عباس أخبرني أن النبي صلى الله عليه و سلم لم ينه عنها ولكن قال أن يمنح أحدكم أخاه أرضه خير له من أن يأخذ عليها خراجا معلوما
فإن قيل إن كان قد أنكره بعض الصحابة عليه فقد أقره ابن عمر ورجع إليه فالجواب أولا أن ابن عمر رضي الله عنهما لم يحرم المزارعة ولم يذهب إلى حديث رافع وإنما كان شديد الورع فلما بلغه حديث رافع خشي أن يكون رسول الله صلى الله عليه و سلم أحدث في المزارعة شيئا لم يكن علمه فتركها لذلك
الثاني وقد جاء هذا مصرحا به في الصحيحين أن ابن عمر إنما تركها لذلك ولم يحرمها على الناس
الثالث أن في بعض ألفاظ حديث رافع ما لا يقول به أحد وهو النهي عن كراء المزارع على الإطلاق
ومعلوم أن النبي صلى الله عليه و سلم لم ينه عن كرائها مطلقا فدل على أنه غير محفوظ
الرابع أنه تارة يحدثه عن بعض عمومته وتارة عن سماعه وتارة عن رافع بن ظهير مع اضطراب ألفاظه فمرة يقول نهى عن الجعل ومرة يقول عن كراء الأرض ومرة يقول لا يكاريها بثلث ولا ربع ولا طعام مسمى كما تقدم ذكر ألفاظه
وإذا كان شأن الحديث هكذا وجب تركه والرجوع إلى المستفيض المعلوم من فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه من بعده الذي لم يضطرب ولم يختلف
الخامس أن تأمل حديث رافع وجمع طرقه واعتبر بعضها ببعض وحمل مجملها على مفسرها ومطلقها على مقيدها على أن الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه و سلم من ذلك أمر بين الفساد وهو المزارعة الظالمة الجائرة فإنه قال كنا نكري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه
وفي لفظ له كان الناس يؤاجرون على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم بما على الماذيانات وإقبال الجداول وأشياء من الزرع كما تقدم
وقوله ولم يكن للناس كراء إلا هذا فلذلك زجر عنه وأما بشيء معلوم مضمون فلا بأس وهذا من أبين ما في حديث رافع وأصحه وما فيها من مجمل أو مطلق أو مختصر فيحمل على هذا المفسر المبين المتفق عليه لفظا وحكما
قال الليث بن سعد الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر إذا نظر إليه ذو البصيرة بالحلال والحرام

علم أنه لا يجوز
وقال ابن المنذر قد جاءت الأخبار عن رافع بعلل تدل على أن النهي كان لتلك العلل
فلا تعارض إذن بين حديث رافع وأحاديث الجواز بوجه
السادس أنه لو قدر معارضة حديث رافع لأحاديث الجواز وامتنع الجمع بينها لكان منسوخا قطعا بلا ريب لأنه لا بد من نسخ أحد الخبرين ويستحيل نسخ أحاديث الجواز لاستمرار العمل بها من النبي صلى الله عليه و سلم إلى أن توفي وإستمرار عمل الخلفاء الراشدين بها وهذا أمر معلوم عند من له خبرة بالنقل كما تقدم ذكره فيتعين نسخ حديث رافع
السابع أن الأحاديث إذا اختلفت عن النبي صلى الله عليه و سلم إنه ينظر إلى ما عمل به أصحابه من بعده وقد تقدم ذكر عمل الخلفاء الراشدين وأهليهم وغيرهم من الصحابة بالمزارعة
الثامن أن الذي في حديث رافع إنما هو النهي عن كرائها بالثلث أو الربع لا عن المزارعة وليس هذا بمخالف لجواز المزارعة فإن الإجارة شيء والمزارعة شيء فالمزارعة من جنس الشركة يستويان في الغنم والغرم فهي كالمضاربة بخلاف الإجارة فإن المؤجر على يقين من المغنم وهو الأجرة وللمستأجر على رجاء ولهذا كان أحد القولين لمجوزي المزارعة أنها أحل من الإجارة وأولى بالجواز لأنهما على سواء في الغنم والغرم فهي أقرب إلى العدل فإذا استأجرها بثلث أو ربع كانت هذه إجارة لازمة وذلك لا يجوز ولكن المنصوص عن الإمام أحمد جواز ذلك
واختلف أصحابه على ثلاثة أقوال في نصه
فقالت طائفة يصح ذلك بلفظ المؤاجرة ويكون مزارعة فيصح بلفظ الإجارة كما يصح بلفظ المزارعة
قالوا والعبرة في العقود بمعانيها وحقائقها لا بصيغها وألفاظها
قالوا فتصح مزارعة ولا تصبح إجارة وهذه طريقة الشيخ أبي محمد المقدسي
الثاني أنها لا تصح إجارة ولا مزارعة
أما الإجارة فلأن من شرطها كون العوض فيها معلوما متميزا معروف الجنس والقدر وهذا منتف في الثلث والربع
وأما المزارعة فلأنهما لم يعقدا عقدا مزارعة
إنما عقدا عقد إجارة وهذه طريقة أبي الخطاب
الثالث أنها تصح مؤاجرة ومزراعة وهي طريقة القاضي وأكثر أصحابه
فحديث رافع إما أن يكون النهي فيه عن الإجارة دون المزارعة أو عن المزارعة التي كانوا

يعتادونها وهي التي فسرها في حديثه
وأما المزارعة التي فعلها النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه وخلفاؤه من بعده فلم يتناولها النهي بحال
التاسع أن ما في المزارعة من الحاجة إليها والمصلحة وقيام أمر الناس عليها يمنع من تحريمها والنهي عنها لأن أصحاب الأرض كثيرا ما يعجزون عن زرعها ولا يقدرون عليه والعمال والأكرة يحتاجون إلى الزرع ولا أرض لهم ولا قوام لهؤلاء ولا هؤلاء إلا بالزرع فكان من حكمة الشرع ورحمته بالأمة وشفقته عليها ونظره لهم أن جوز لهذا أن يدفع أرضه لمن يعمل عليها ويشتركان في الزرع هذا بعمله وهذا بمنفعة أرضه وما رزق الله فهو بينهما وهذا في غاية العدل والحكمة والرحمة والمصلحة
وما كان هكذا فإن الشارع لا يحرمه ولا ينهي عنه لعموم مصلحته وشدة الحاجة إليه كما في المضاربة والمساقاة بل الحاجة في المزارعة آكد منها في المضاربة لشدة الحاجة إلى الزرع إذ هو القوت والأرض لا ينتفع بها إلا بالعمل عليها بخلاف المال
فإن قيل فالشارع نهى عنها مع هذه المنفعة التي فيها ولهذا قال رافع نهانا رسول الله صلى الله عليه و سلم عن أمر كان لنا نافعا فالجواب أن الشارع لا ينهي عن المنافع والمصالح وإنما ينهي عن المفاسد والمضار وهم ظنوا أن قد كان لهم في ذلك المنهي عنه منفعة وإنما كان فيه عليهم مضرة ومفسدة مقتضية للنهي وما تخيلوه من المنفعة فهي منفعة جزئية لرب الأرض لاختصاصه بخيار الزرع وما يسعد منه بالماء وما على إقبال الجداول فهذا وإن كان فيه منفعة له فهو مضرة على المزارع فهو من جنس منفعة المرابي بما يأخذه من الزيادة وإن كان مضرة على الآخر
والشارع لا يبيح منفعة هذا بمضرة أخيه فجواب رافع أن هذا وإن كان منفعة لكم فهو مضرة على إخوانكم فلهذا نهاكم عنه
وأما المزارعة العادلة التي يستوي فيها العامل ورب الأرض فهي منفعة لهما ولا مضرة فيها على أحد فلم ينه عنها فالذي نهى عنه مشتمل على مضرة ومفسدة راجحة في ضمنها منفعة مرجوحة جزئية والذي فعله صلى الله عليه و سلم وأصحابه من هذه مصلحة ومنفعة راجحة لا مضرة فيها على واحد منهما فالتسوية بين هذا وهذا تسوية بين متباينين لا يستويان عند الله ولا عند رسوله ولا عند الناس
وكذلك الجواب عن حديث جابر سواء
وقد تقدم في بعض طرقه أنهم كانوا يختصون بأشياء من الزرع من القصري ومن كذا ومن كذا
فقال صلى الله عليه و سلم من كان له أرض فليزرعها أو ليحرثها أخاه فهذا مفسر مبين ذكر فيه سبب النهي وأطلق في غيره من الألفاظ فينصرف مطلقها إلى هذا المقيد المبين ويدل على أن هذا هو المراد بالنهي
فاتفقت السنن عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وتآلفت وزال عنها الاضطراب والاختلاف وبان أن لكل فيها وجها وأن ما نهى عنه غير ما أباحه وفعله وهذا هو الواجب والواقع في نفس الأمر والحمد لله رب العالمين

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وليس مع من ضعف الحديث حجة فإن رواته محتج بهم في الصحيح وهم أشهر من أن يسأل عن توثيقهم وقد حسنه إمام المحدثين أبو عبد الله البخاري والترمذي بعده وذكره أبو داود ولم يضعفه فهو حسن عنده واحتج به الإمام أحمد وأبو عبيد وقد تقدم شاهده من حديث رافع بن خديج في قصة الذي زرع في أرض ظهير بن رافع فأمر النبي صلى الله عليه و سلم أصحاب الأرض أن يأخذوا الزرع ويردوا عليه نفقته وقال فيه لأصحاب الأرض خذوا زرعكم فجعله زرعا لهم
لأنه تولد من منفعة أرضهم فتولده في الأرض كتولد الجنين في بطن أمه
ولو غصب رجل فحلا فأنزاه على ناقته أو رمكته لكان الولد لصاحب الأنثى دون صاحب الفحل لأنه إنما يكون حيوانا من حرثها ومني الأب لما لم يكن له قيمة أهدره الشارع لأن عسب الفحل لا يقابل بالعوض
ولما كان البذر مالا متقوما رد على صاحبه قيمته ولم يذهب عليه باطلا
وجعل الزرع لمن يكون في أرضه كما يكون الولد لمن يكون في بطن أمه ورمكته وناقته فهذا محض القياس لو لم يأت فيه حديث فمثل هذا الحديث الحسن الذي له شاهد من السنة على مثله وقد تأيد بالقياس الصحيح من حجج الشريعة وبالله التوفيق

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله المخابرة التي نهاهم عنها رسول الله صلى الله عليه و سلم هي التي كانوا يفعلونها من المخابرة الظالمة الجائرة وهي التي جاءت مفسرة في أحاديثهم
ومطلق النهي إنما يتصرف إليها دون ما فعله هو وخلفاؤه وأصحابه من بعده كما بيناه

باب في المساقاة
هي أن يدفع صاحب النخل نخلة إلىالرجل ليعمل بما فيه صلاحها وصلاح ثمرها ويكون له الشطر من ثمرها وللعامل الشطر فيكون من أحد الشقين رقاب الشجر ومن الشق الآخر العمل كالمزارعة قاله الخطابي
بشطر ما يخرج أي بنصفه وفيه بيان الجزء المساقي عليه من نصف أو ربع وغيرهما

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قالت الأنصار للنبي صلى الله عليه و سلم أقسم بيننا وبين إخراننا النخيل
قال لا
فقالوا تكفونا المؤنة ونشرككم في الثمرة
قالوا سمعنا وأطعنا

قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي عن ابن محيصة بفتح المهملة الأولى والثانية بينهما تحتانية ساكنة أو مكسورة مشددة في إجارة الحجام أي في أجرته كما في رواية الموطأ أي في أخذها أو أكلها فنهاه عنها قال النووي هذا نهي تنزيه للإرتفاع عن

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله اختلف سالم ونافع على ابن عمر في هذا الحديث
فسالم رواه عن أبيه عن النبي صلى الله عليه و سلم مرفوعا في القصتين جميعا قصة العبد وقصة النخل ورواه نافع عنه ففرق بين القصتين فجعل قصة النخل عن النبي صلى الله عليه و سلم وقصة العبد عن ابن عمر عن عمر فكان مسلم والنسائي وجماعة من الحفاظ يحكمون لنافع ويقولون ميز وفرق بينهما وإن كان سالم أحفظ منه وكان البخاري والإمام أحمد وجماعة من الحفاظ يحكمون لسالم ويقولون هما جميعا صحيحان عن النبي صلى الله عليه و سلم
وقد روى جماعة أيضا عن نافع عن النبي صلى الله عليه و سلم قصة العبد كما رواه سالم منهم يحيى بن سعيد وعبدربه بن سعيد وسليمان بن موسى ورواه عبيد الله بن أبي جعفر عن بكير بن الأشج عن نافع عن ابن عمر يرفعه وزاد فيه ومن أعتق عبدا وله مال فماله له إلا أن يشترط السيد ماله فيكون له
قال البيهقي وهذا بخلاف رواية الجماعة
وليس هذا بخلاف روايتهم وإنما هي زيادة مستقلة رواها أحمد في مسنده واحتج بها أهل المدينة في أن العبد إذا أعتق فماله له إلا أن يشترطه سيده كقول مالك
ولكن علة الحديث أنه ضعيف
قال الإمام أحمد يرويه عبيد الله بن أبي جعفر من أهل مصر وهو ضعيف في الحديث كان صاحب فقه
فأما في الحديث فليس هو فيه بالقوي
وقال أبو الوليد هذا الحديث خطأ
وكان ابن عمر إذا أعتق عبدا لم يعرض لماله
قيل للإمام أحمد هذا عبدك على التفصيل أي لعمري على التفصيل قيل له فكأنه عندك للسيد فقال نعم للسيد مثل البيع سواء

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وفي الباب حديث أبي إسحاق السبيعي عن إمرأته أنها دخلت على عائشة رضي الله عنها فدخلت معها أم ولد زيد بن أرقم فقالت ياأم المؤمنين إني بعت غلاما من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم نسيئة وإني ابتعته منه بستمائة نقدا فقالت لها عائشة بئسما اشتريت وبئسما شريت أخبري زيدا أن جهاده مع رسول الله قد بطل إلى أن يتوب
هذا الحديث رواه البيهقي والدارقطني وذكره الشافعي وأعله بالجهالة بحال امرأة أبي إسحاق وقال لو ثبت فإنما عابت عليها بيعا إلى العطاء لأنه أجل غير معلوم
ثم قال ولا يثبت مثل هذا عن عائشة وزيد بن أرقم لا يبيع إلا ما يراه حلالا
قال البيهقي ورواه يونس بن أبي إسحاق عن أمه العالية بنت أنفع أنها دخلت على عائشة مع أم محمد
وقال غيره هذا الحديث حسن ويحتج بمثله لأنه قد رواه عن العالية ثقتان ثبتان أبو إسحاق زوجها ويونس ابنها ولم يعلم فيها جرح والجهالة ترتفع عن الراوي بمثل ذلك ثم إن هذا مما ضبطت فيه القصة ومن دخل معها على عائشة وقد صدقها زوجها وابنها وهما من هما فالحديث محفوظ
وقوله في الحديث المتقدم من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا هو منزل على العينة بعينها قاله شيخنا لأنه بيعان في بيع واحدن فأوكسهما الثمن الحال وإن أخذ بالأكثر وهو المؤجل أخذ بالربا
فالمعنيان لا ينفكان من أحد الأمرين إما الأخذ بأوكس الثمنين أو الربا وهذا لا يتنزل إلا على العينة

فصل
قال المحرمون للعينة الدليل على تحريمها من وجوه
أحدها أن الله تعالى حرم الربا والعينة وسيلة إلى الربا بل هي من أقرب وسائله والوسيلة إلى الحرام حرام فهنا مقامان
أحدهما بيان كونها وسيلة
والثاني بيان أن الوسيلة إلى الحرام حرام
فأما الأول فيشهد له به النقل والعرف والنية والقصد وحال المتعاقدين
فأما النقل فبما ثبت عن ابن عباس أنه سئل عن رجل باع من رجل حريرة بمائة ثم اشتراها بخمسين فقال دراهم بدراهم متفاضلة دخلت بينها حريرة
وفي كتاب محمد بن عبد الله الحافظ المعروف بمعين عن ابن عباس أنه قال اتقوا هذه العينة لا تبيعوا دراهم بدراهم بينهما حريرة

وفي كتاب أبي محمد النجشي الحافظ عن ابن عباس أنه سئل عن العينة يعني بيع الحريرة فقال إن الله لا يخدع هذا مما حرم الله ورسوله
وفي كتاب الحافظ مطين معين عن أنس أنه سئل عن العينة يعني بيع الحريرة فقال إن الله لا يخدع هذا مما حرم الله ورسوله
وقول الصحابي حرم رسول الله كذا أو أمر بكذا وقضي بكذا وأوجب كذا في حكم المرفوع اتفاقا عند أهل العلم إلا خلافا شاذا لا يعتد به ولا يؤبه له
وشبهة المخالف أنه لعله رواه بالمعنى فظن ما ليس بأمر ولا تحريم كذلك وهذا فاسد جدا

فإن الصحابة أعلم بمعاني النصوص وقد تلقوها من في رسول الله فلا يظن بأحد منهم أن يقدم على قوله أمر رسول الله أو حرم أو فرض إلا بعد سماع ذلك ودلالة اللفظ عليه واحتمال خلاف هذا كاحتمال الغلط والسهو في الرواية بل دونه فإن رد قوله أمر ونحوه بهذا الإحتمال وجب رد روايته لاحتمال السهو والغلط وإن قبلت روايته وجب قبول الآخر
وأما شهادة العرف بذلك فأظهر من أن تحتاج إلى تقرير بل قد علم الله وعباده من المتبايعين ذلك قصدهما أنهما لم يعقدا على السلعة عقدا يقصدان به تملكها ولا غرض لهما فيها بحال
وإنما الغرض والمقصود بالقصد الأول مائة بمائة وعشرين وإدخال تلك السلعة في الوسط تلبيس وعبث وهي بمنزلة الحرف الذي لا معنى له في نفسه بل جيء به لمعنى في غيره حتى لو كانت تلك السلعة تساوي أضعاف ذلك الثمن أو تساوي أقل جزء من أجزائه لم يبالوا بجعلها موردا للعقد لأنهم لا غرض لهم فيها وأهل العرف لا يكابرون أنفسهم في هذا
وأما النية والقصد فالأجنبي المشاهد لهما يقطع بأنه لا غرض لهما في السلعة وإنما القصد الأول مائة بمائة وعشرين فضلا عن علم المتعاقدين ونيتهما ولهذا يتواطأ كثير منهم على ذلك قبل العقد ثم يحضران تلك السلعة محللا لما حرم الله ورسوله
وأما المقام الثاني وهو أن الوسيلة إلى الحرام حرام فبانت بالكتاب والسنة والفطرة والمعقول
فإن الله سبحانه مسخ اليهود قردة وخنازير لما توسلوا إلى الصيد الحرام بالوسيلة التي ظنوها مباحة وسمي أصحاب رسول الله والتابعون مثل ذلك مخادعة كما تقدم
وقال أيوب السختياني يخادعون الله كما يخادعون الصبيان لو أتوا الأمر على وجهه كان أسهل
والرجوع إلى الصحابة في معاني الألفاظ متعين سواء كانت لغوية أو شرعية والخداع حرام
وأيضا فإن هذا العقد يتضمن إظهار صورة مباحة وإضمار ما هو من أكبر الكبائر فلا تنقلب الكبيرة مباحة بإخراجها في صورة البيع الذي لم يقصد نقل الملك فيه أصلا وإنما قصده حقيقة الربا
وأيضا فإن الطريق متى أفضت إلى الحرام فإن الشريعة لا تأتي بإباحتها أصلا لأن إباحتها وتحريم الغاية جمع بين النقيضين فلا يتصور أن يباح شيء ويحرم ما يفضي إليه بل لا بد من تحريمهما أو إباحتهما والثاني باطل قطعا فيتعين الأول
وأيضا فإن الشارع إنما حرم الربا وجعله من الكبائر وتوعد آكله بمحاربة الله ورسوله لما فيه من أعظم الفساد والضرر فكيف يتصور مع هذا أن يبيح هذا الفساد العظيم بأيسر شيء يكون من الحيل

فيالله العجب أترى هذه الحيلة أزالت تلك المفسدة العظيمة وقلبتها مصلحة بعد أن كانت مفسدة وأيضا فإن الله سبحانه عاقب أهل الجنة الذين أقسموا ليصرمنها مصبحين وكان مقصودهم منع حق الفقراء من التمر المتساقط وقت الحصاد فلما قصدوا منع حقهم منعهم الله الثمرة جملة
ولا يقال فالعقوبة إنما كانت على رد الاستثناء وحده لوجهين
أحدهما أن العقوبة من جنس العمل وترك الاستثناء عقوبته أن يعوق وينسى لا إهلاك ماله بخلاف عقوبة ذنب الحرمان فإنها حرمان كالذنب
الثاني أن الله تعالى أخبر عنهم أنهم قالوا أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين
وذنب العقوبة على ذلك فلو لم يكن لهذا الوصف مدخل في العقوبة لم يكن لذكره فائدة فإن لم يكن هو العلة التامة كان جزءا من العلة
وعلى التقديرين يحصل المقصود
وأيضا فإن النبي قال والمتوسل بالوسيلة التي صورتها مباحة إلى المحرم إنما نيته المحرم ونيته أولى به من ظاهر عمله
وأيضا فقد روى ابن بطة وغيره بإسناد حسن عن أبي هريرة أن النبي قال لا ترتكبوا ما ارتكب اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل وإسناده مما يصححه الترمذي
وأيضا فإن النبي قال لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها وباعوها وأكلوا أثمانها وجملوها يعني أذابوها وخلطوها وإنما فعلوا ذلك ليزول عنها اسم الشحم ويحدث لها اسم آخر وهو الودك وذلك لا يفيد الحل فإن التحريم تابع للحقيقة وهي لم تتبدل بتبدل الاسم
وهذا الربا تحريمه تابع لمعناه وحقيقته فلا يزول بتبدل الاسم بصورة البيع كما لم يزل تحريم الشحم بتبديل الاسم بصورة الجمل والإذابة وهذا واضح بحمد الله
وأيضا فإن اليهود لم ينتفعوا بعين الشحم إنما انتفعوا بثمنه فيلزم من وقف مع صور العقود والألفاظ دون مقاصدها وحقائقها أن لا يحرم ذلك لأن الله تعالى لم ينص على تحريم الثمن وإنما حرم عليهم نفس الشحم ولما لعنهم على استحلالهم الثمن وإن لم ينص على تحريمه دل على أن الواجب النظر إلى المقصود وإن اختلفت الوسائل إليه وأن ذلك يوجب أن لا يقصد الانتفاع بالعين ولا ببدلها
ونظير هذا أن يقال لا تقرب مال اليتيم فتبيعه وتأكل عوضه وأن يقال لا تشرب الخمر فتغير

اسمه وتشربه وأن يقال لا تزن بهذه المرأة فتعقد عليها عقد إجارة وتقول إنما أستوفي منافعها وأمثال ذلك
قالوا ولهذا الأصل وهو تحريم الحيل المتضمنة إباحة ما حرم الله أو إسقاط ما أوجبه الله عليه أكثر من مائة دليل وقد ثبت أن النبي لعن المحلل والمحلل له مع أنه أتى بصورة عقد النكاح الصحيح لما كان مقصوده التحليل لا حقيقة النكاح
وقد ثبت عن الصحابة أنهم سموه زانيا ولم ينظروا إلى صورة العقد
الدليل الثاني على تحريم العينة ما رواه أحمد في مسنده حدثنا أسود بن عامر حدثنا أبو بكر عن الأعمش عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر قال سمعت رسول الله يقول إذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة واتبعوا أذناب البقر وتركوا الجهاد في سبيل الله أنزل الله بهم بلاء فلا يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم
ورواه أبو داود بإسناد صحيح إلى حيوة بن شريح المصري عن إسحاق أبي عبدالرحمن الخراساني أن عطاء الخراساني حدثه أن نافعا حدثه عن ابن عمر قال سمعت رسول الله يقول فذكره وهذان إسنادان حسنان يشد أحدهما الآخر
فأما رجال الأول فأئمة مشاهير وإنما يخاف أن لا يكون الأعمش سمعه من عطاء أو أن عطاء لم يسمعه من ابن عمر
والإسناد الثاني يبين أن للحديث أصلا محفوظا عن ابن عمر فإن عطاء الخرساني ثقة مشهور وحيوة كذلك
وأما إسحاق أبو عبدالرحمن فشيخ روى عنه أئمة المصريين مثل حيوة والليث ويحيى بن أيوب وغيرهم
وله طريق ثالث رواه السري بن سهل حدثنا عبد الله بن رشيد حدثنا عبدالرحمن بن محمد عن ليث عن عطاء عن ابن عمر قال لقد أتى علينا زمان وما منا رجل يرى أنه أحق بديناره ودرهمه من أخيه المسلم ولقد سمعت رسول الله يقول إذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة وتركوا الجهاد واتبعوا أذناب البقر أدخل الله عليهم ذلا لا ينزعه حتى يتوبوا ويرجعوا إلى دينهم وهذا يبين أن للحديث أصلا وأنه محفوظ
الدليل الثالث ما تقدم من حديث أنس أنه سئل عن العينة فقال إن الله لا يخدع هذا مما حرم الله ورسوله وتقدم أن هذا اللفظ في حكم المرفوع
الدليل الرابع ما تقدم من حديث ابن عباس وقوله هذا مما حرم الله ورسوله
الدليل الخامس ما رواه الإمام أحمد حدثنا محمد بن جعفر حدثنا سعيد عن أبي إسحاق عن جدته

العالية ورواه حرب من حديث إسرائيل حدثني أبو إسحاق عن جدته العالية يعني جدة إسرائيل فإنها امرأة أبي إسحاق قالت دخلت على عائشة في نسوة فقالت ما حاجتكن فكان أول من سألها أم محبة فقالت ياأم المؤمنين هل تعرفين زيد بن أرقم قالت نعم
قالت فإني بعته جارية لي بثمانمائة درهم إلى العطاء وإنه أراد أن يبيعها فابتعتها بستمائة درهم نقدا
فأقبلت عليها وهي غضبى فقالت بئسما شريت وبئسما اشتريت أبلغي زيدا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله إلا أن يتوب وأفحمت صاحبتنا فلم تتكلم طويلا ثم إنه سهل عنها فقالت ياأم المؤمنين أرأيت إن لم آخذ إلا رأس مالي فتلت عليها فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف
فلولا أن عند أم المؤمنين علما لا تستريب فيه أن هذا محرم لم تستجز أن تقول مثل هذا بالاجتهاد ولا سيما إن كانت قد قصدت أن العمل يحبط بالردة وأن استحلال الربا أكفر وهذا منه ولكن زيدا معذور لأنه لم يعلم أن هذا محرم ولهذا قالت أبلغيه
ويحتمل أن تكون قد قصدت أن هذا من الكبائر التي يقاوم إثمها ثواب الجهاد فيصير بمنزلة من عمل حسنة وسيئة بقدرها فكأنه لم يعمل شيئا
وعلى التقديرين لجزم أم المؤمنين بهذا دليل على أنه لا يسوغ فيه الاجتهاد ولو كانت هذه من مسائل الاجتهاد والنزاع بين الصحابة لم تطلق عائشة ذلك على زيد فإن الحسنات لا تبطل بمسائل الاجتهاد
ولا يقال فزيد من الصحابة وقد خالفها لأن زيدا لم يقل هذا حلال بل فعله وفعل المجتهد لا يدل على قوله على الصحيح لاحتمال سهو أو غفله أو تأويل أو رجوع ونحوه وكثيرا ما يفعل الرجل الشيء ولا يعلم مفسدته فإذا نبه له انتبه ولا سيما أم ولده فإنها دخلت على عائشة تستفتيها وطلبت الرجوع إلى رأس مالها وهذا يدل على الرجوع عن ذلك العقد ولم ينقل عن زيد أنه أصر على ذلك
فإن قيل لا نسلم ثبوت الحديث فإن أم ولد زيد مجهولة
قلنا أم ولده لم ترو الحديث وإنما كانت هي صاحبة القصة وأما العالية فهي امرأة أبي إسحاق السبيعي وهي من التابعيات وقد دخلت على عائشة وروى عنها أبو إسحاق وهو أعلم بها
وفي الحديث قصة وسياق يدل على أنه محفوظ وأن العالية لم تختلق هذه القصة ولم تضعها بل يغلب على الظن غلبة قوية صدقها فيها وحفظها لها ولهذا رواها عنها زوجها ميمون ولم ينهها ولا سيما عند من يقول رواية العدل عن غيره تعديل له والكذب لم يكن فاشيا في التابعين فشوه فيمن بعدهم وكثير منهم كان يروي عن أمه وامرأته ما يخبرهن به أزواج رسول الله ويحتج به

فهذه أربعة أحاديث تبين أن رسول الله حرم العينة حديث ابن عمر الذي فيه تغليظ العينة
وحديث أنس وابن عباس أنها مما حرم الله ورسوله
وحديث عائشة هذا والمرسل منها له ما يوافقه وقد عمل به بعض الصحابة والسلف وهذا حجة باتفاق الفقهاء
الدليل السادس ما رواه أبو داود من حديث أبي هريرة عن النبي قال من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا
وللعلماء في تفسيره قولان أحدهما أن يقول بعتك بعشرة نقدا أو عشرين نسيئة وهذا هو الذي رواه أحمد عن سماك ففسره في حديث ابن مسعود قال نهى رسول الله عن صفقتين في صفقة قال سماك الرجل يبيع الرجل فيقول هو علي نساء بكذا وبنقد بكذا
وهذا التفسير ضعيف فإنه لا يدخل الربا في هذه الصورة ولا صفقتين هنا وإنما هي صفقة واحدة بأحد الثمنين
والتفسير الثاني أن يقول أبيعكها بمائة إلى سنة على أن أشتريها منك بثمانين حالة وهذا معنى الحديث الذي لا معنى له غيره وهو مطابق لقوله فله أوكسهما أو الربا فإنه إما أن يأخذ الثمن الزائد فيربي أو الثمن الأول فيكون هو أوكسهما وهو مطابق لصفقتين في صفقة
فإنه قد جمع صفقتي النقد والنسيئة في صفقة واحدة ومبيع واحد وهو قصد بيع دراهم عاجلة بدراهم مؤجلة أكثر منها ولا يستحق إلا رأس ماله وهو أوكس الصفقتين فإنه أبي إلا الأكثر كان قد أخذ الربا
فتدبر مطابقة هذا التفسير لألفاظه وانطباقه عليها
ومما يشهد لهذا التفسير ما رواه الإمام أحمد عن ابن عمر عن النبي أنه نهى عن بيعتين في بيعة وعن سلف وبيع فجمعه بين هذين العقدين في النهي لأن كلا منهما يؤول إلى الربا لأنهما في الظاهر بيع وفي الحقيقة ربا
ومما يدل على تحريم العينة حديث ابن مسعود يرفعه لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه والمحل والمحلل له
ومعلوم أن الشاهدين والكاتب إنما يكتب ويشهد على عقد صورته جائزة الكتابة والشهادة لا يشهد بمجرد الربا ولا يكتبه
ولهذا قرنه بالمحلل والمحلل له حيث أظهرا صورة النكاح ولا نكاح كما أظهر الكاتب والشاهدان صورة البيع ولا بيع

وتأمل كيف لعن في الحديث الشاهدين والكاتب والآكل والموكل فلعن المعقود له
والمعين له على ذلك العقد ولعن المحلل والمحلل له فالمحلل له هو الذي يعقد التحليل لأجله والمحلل هو المعين له بإظهار صورة العقد كما أن المرابي هو المعان على أكل الربا بإظهار صورة العقد المكتوب المشهود به
فصلوات الله على من أوتي جوامع الكلم
الدليل السابع ما صح عن ابن عباس أنه قال إذا استقمت بنقد فبعت بنقد فلا بأس وإذا استقمت بنقد فبعت بنسيئة فلا خير فيه تلك وروق بورق رواه سعيد وغيره
ومعنى كلامه أنك إذا قومت السلعة بنقد ثم بعتها بنسيئة كان مقصود المشتري شراء دراهم معجلة بدراهم مؤجلة وإذا قومتها بنقد ثم بعتها به فلا بأس
فإن ذلك بيع المقصود منه السلعة لا الربا
الدليل الثامن ما رواه ابن بطة عن الأوزاعي قال قال رسول الله يأتي على الناس زمان يستحلون الربا بالبيع يعني العينة
وهذا وإن كان مرسلا فهو صالح للاعتضاد به ولا سيما وقد تقدم من المرفوع ما يؤكده
ويشهد له أيضا قوله ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها
وقوله أيضا فيما رواه إبراهيم الحربي من حديث أبي ثعلبة عن النبي قال أول دينكم نبوة ورحمة ثم خلافة ورحمة ثم ملك ورحمة ثم ملك وجبرية ثم ملك عضوض يستحل فيه الحر والحرير والحر بكسر الحاء وتخفيف الراء هو الفرج
فهذا إخبار عن استحلال المحارم ولكنه بتغيير أسمائها وإظهارها في صور تجعل وسيلة إلى استباحتها وهي الربا والخمر والزنا فيسمى كل منها بغير اسمها ويستباح الاسم الذي سمي به وقد وقعت الثلاثة
وفي قول عائشة بئسما شريت وبئسما اشتريت دليل على بطلان العقدين معا وهذا هو الصحيح من المذهب لأن الثاني عقد ربا والأول وسيلة إليه
وفيه قول آخر في المذهب
أن العقد الأول صحيح لأنه تم بأركانه وشروطه فطريان الثاني عليه لا يبطله وهذا ضعيف فإنه لم يكن مقصودا لذاته وإنما جعله وسيلة إلى

الربا فهو طريق إلى المحرم فكيف يحكم بصحته وهذا القول لا يليق بقواعد المذهب
فإن قيل فما تقولون فيمن باع سلعة بنقد ثم اشتراها بأكثر منه نسيئة قلنا قد نص أحمد في رواية حرب على أنه لا يجوز إلا أن تتغير السلعة لأن هذا يتخذ وسيلة إلى الربا فهو كمسألة العينة سواء وهي عكسها صورة وفي الصورتين قد ترتب في ذمته دراهم مؤجلة بأقل منها نقدا لكن في إحدى الصورتين البائع هو الذي استغلت ذمته وفي الصورة الأخرى المشتري هو الذي استغلت ذمته فلا فرق بينهما
وقال بعض أصحابنا يحتمل أن تجوز الصورة الثانية
إذا لم يكن ذلك حيلة ولا مواطأة بل واقع اتفاقا
وفرق بينهما وبين الصورة الأولى بفرقين
أحدهما أن النص ورد فيها فييقى ما عداها على أصل الجواز
والثاني أن التوسل إلى الربا بتلك الصورة أكثر من التوسل بهذه
والفرقان ضعيفان
أما الأول فليس في النص ما يدل على اختصاص العينة بالصورة الأولى حتى تتقيد به نصوص مطلقة على تحريم العينة
والعينة فعلة من العين قال الشاعر أندان أم نعتان أم ينبري لنا فتى مثل نصل السيف ميزت مضاربه قال الجوزجاني أنا أظن أن العينة إنما اشتقت من حاجة الرجل إلى العين من الذهب والورق فيشتري السلعة ويبيعها بالعين الذي احتاج إليها وليست به إلى السلعة حاجة
وأما الفرق الثاني فكذلك لأن المعتبر في هذا الباب هو الذريعة ولو اعتبر فيه الفرق من الاتفاق والقصد لزم طرد ذلك في الصورة الأولى وأنتم لا تعتبرونه
فإن قيل فما تقولون إذا لم تعد السلعة إليه بل رجعت إلى ثالث هل تسمون ذلك عينة قيل هذه مسألة التورق لأن المقصود منها الورق وقد نص أحمد في رواية أبي داود على أنها من العينة وأطلق عليها اسمها
وقد اختلف السلف في كراهيتها فكان عمر بن عبدالعزيز يكرهها وكان يقول التورق آخية الربا
ورخص فيها إياس بن معاوية
وعن أحمد فيها روايتان منصوصتان وعلل الكراهة في إحداهما بأنه بيع مضطر وقد روى أبو داود عن علي أن النبي نهى عن المضطر وفي المسند عن علي قال سيأتي على الناس زمان يعض المؤمن على ما في يده ولم يؤمر بذلك قال تعالى ولا تنسوا الفضل بينكم ويبايع المضطرون

وقد نهى رسول الله عن بيع المضطر وذكر الحديث
فأحمد رحمه الله تعالى أشار إلى أن العينة إنما تقع من رجل مضطر إلى نقد لأن الموسر يضن عليه بالقرض فيضطر إلى أن يشتري منه سلعة ثم يبيعها فإن اشتراها منه بائعها كانت عينه وإن باعها من غيره فهي التورق
ومقصوده في الموضعين الثمن فقد حصل في ذمته ثمن مؤجل مقابل الثمن حال أنقص منه ولا معنى للربا إلا هذا لكنه ربا بسلم لم يحصل له مقصوده إلا بمشقة ولو لم يقصده كان ربا بسهولة
وللعينة صورة رابعة وهي أخت صورها وهي أن يكون عند الرجل المتاع فلا يبيعه إلا نسيئة ونص أحمد على كراهة ذلك فقال العينة أن يكون عنده المتاع فلا يبيعه إلا بنسيئة فإن باع بنسيئة ونقد فلا بأس
وقال أيضا أكره للرجل أن لا يكون له تجارة غير العينة فلا يبيع بنقد
قال ابن عقيل إنما كره ذلك لمضارعته الربا فإن البائع بنسيئة يقصد الزيادة غالبا
وعلله شيخنا ابن تيمية رضي الله عنه بأنه يدخل في بيع المضطر فإن غالب من يشتري بنسيئة إنما يكون لتعذر النقد عليه فإذا كان الرجل لا يبيع إلا بنسيئة كان ربحه على أهل الضرورة والحاجة وإذا باع بنقد ونسيئة كان تاجرا من النجار
وللعينة صورة خامسة وهي أقبح صورها وأشدها تحريما وهي أن المترابيين يتواطآن على الربا ثم يعمدان إلى رجل عنده متاع فيشتريه منه المحتاج ثم يبيعه للمربي بثمن حال ويقبضه منه ثم يبيعه إياط للمربي بثمن مؤجل وهو ما اتفقا عليه ثم يعيد المتاع إلى ربه ويعطيه شيئا وهذه تسمى الثلاثية لأنها بين ثلاثة وإذا كانت السلعة بينهما خاصة فهي الثنائية
وفي الثلاثية قد أدخلا بينهما محللا يزعمان أنه يحلل لهما ما حرم الله من الربا
وهو كمحلل النكاح
فهذا محلل الربا وذلك محلل الفروج والله تعالى لا تخفى عليه خافية
بل يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله

اختلف الفقهاء في حكم هذا الحديث وهو جواز أخذ غير المسلم فيه عوضا عنه وللمسألة صورتان إحداهما أن يعاوض عن المسلم فيه مع بقاء عقد السلم فيكون قد باع دين السلم قبل قبضه
والصورة الثانية أن ينفسخ العقد بإقالة أو غيرها
فهل يجوز أن يصرف الثمن في عوض آخر غير المسلم فيه فأما المسألة الأولى فمذهب الشافعي وأبي حنيفة وأحمد في المشهور عنه أنه لا يجوز بيعه قبل قبضه لا لمن هو في ذمته ولا لغيره وحكى بعض أصحابنا ذلك إجماعا
وليس بإجماعفمذهب مالك جوازه وقد نص عليه أحمد في غير موضع وجوز أن يأخذ عوضه عرضا بقدر قيمة دين المسلم وقت الاعتياض ولا يربح فيه
وطائفة من أصحابنا خصت هذه الرواية بالحنطة والشعير فقط كما قال في المستوعب ومن أسلم في شيء لم يجزأن يأخذ من غير جنسه بحال في إحدى الروايتين
والأخرى يجوز أن يأخذ ما دون الحنطة من الحبوب كالشعير ونحوه بمقدار كيل الحنطة لا أكثر منها ولا بقيمتها نص عليه في رواية أبي طالب إذا أسلفت في كر حنطة فأخذت شعيرا فلا بأس وهو دون حقك ولا يأخذ مكان الشعير حنطة
وطائفة ثالثة من أصحابنا جعلت المسألة رواية واحدة وأن هذا النص بناء على قوله في الحنطة والشعير أنهما جنس واحد وهي طريقة صاحب المغني
وطائفة رابعة من أصحابنا حكوا رواية مطلقة في المكيل والموزون وغيره
ونصوص أحمد تدل على صحة هذه الطريقة وهي طريقة أبي حفص الطبري وغيره
قال القاضي نقلت من خط أبي حفص في مجموعة فإن كان ما أسلم فيه مما يكال أو يوزن فأخذ من غير نوعه مثل كيله مما هو دونه في الجودة جاز وكذلك إن أخذ بثمنه مما لا يكال ولا يوزن كيف شاء
ونقل أبو القاسم عن أحمد قلت لأبي عبد الله إذا لم يجد ما أسلم فيه ووجد غيره من جنسه

أيأخذه قال نعم إذا كان دون الشيء الذي له كما لو أسلم في قفير حنطة موصلي فقال آخذ مكانه شلبيا أو قفيز شعير فكيلته واحدة لا يزداد وإن كان فوقه فلا يأخذ وذكر حديث ابن عباس رواه طاووس عنه إذا أسلمت في شيء فجاء الأجل فلم تجد الذي أسلمت فيه فخذ عوضا بأنقص منه ولا تربح مرتين
ونقل أحمد بن أصرم سئل أحمد عن رجل أسلم في طعام إلى أجل فإذا حل الأجل يشتري منه عقارا أو دارا فقال نعم يشتري منه مالا يكال ولا يوزن
وقال حرب سألت أحمد فقلت رجل أسلم إلى رجل دراهم في بر فلما حل الأجل لم يكن عنده بر فقال قوم الشعير بالدراهم فخذ من الشعير فقال لا يأخذ منه الشعير إلا مثل كيل البر أو أنقص
قلت إذا كان البر عشرة أجربة يأخذ الشعير عشرة أجربة قال نعم
إذا عرف هذا فاحتج المانعون بوجوه
أحدها الحديث
والثاني نهي النبي عن بيع الطعام قبل قبضه
والثالث نهيه عن ربح ما لم يضمن وهذا غير مضمون عليه لأنه في ذمة المسلم إليه
والرابع أن هذا المبيع مضمون له على المسلم إليه فلو جوزنا بيعه صار مضمونا عليه للمشتري فيتوالى في المبيع ضمانان
الخامس أن هذا إجماع كما تقدم
هذا جملة ما احتجوا به
قال المجوزون الصواب جواز هذا العقد
والكلام معكم في مقامين
أحدهما في الاستدلال على جوازه
والثاني في الجواب عما استدللتم به على المنع
فأما الأول فنقول قال ابن النمذر ثبث عن ابن عباس أنه قال إذا أسلفت في شيء إلى أجل فإن أخذت ما أسلفت فيه وإلا فخذ عوضا أنقص منه ولا تربح مرتين رواه شعبة
فهذا قول صحابي وهو حجة ما لم يخالف
قالوا وأيضا فلو امتنعت المعاوضة عليه لكان ذلك لأجل كونه مبيعا لم يتصل به القبض وقد ثبت

عن ابن عمر أنه قال أتيت النبي فقلت إني أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير فقال لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء فهذا بيع للثمن ممن هو في ذمته قبل قبضه
فما الفرق بينه وبين الاعتياض عن دين السلم بغيره قالوا وقد نص أحمد على جواز بيع الدين لمن هو في ذمته ولغيره وإن كان أكثر أصحابنا لا يحكون عنه جوازه لغير من هو في ذمته فقد نص عليه في مواضع حكاه شيخنا أبو العباس بن تيمية رحمه الله عنه
والذين منعوا جواز بيعه لمن هو في ذمته قاسوه على السلم وقالوا لأنه دين فلا يجوز بيعه كدين السلم وهذا ضعيف من وجهين
أحدهما أنه قد ثبت في حديث ابن عمر جوازه
والثاني أن دين السلم غير مجمع على منع بيعه فقد ذكرنا عن ابن عباس جوازه ومالك يجوز بيعه من غير المستسلف
والذين فرقوا بين دين السلم وغيره لم يفرقوا بفرق مؤثر والقياس التسوية بينهما
وأما المقام الثاني فقالوا أما الحديث فالجواب عنه من وجهين
أحدهما ضعفه كما تقدم
والثاني أن المراد به أن لا يصرف المسلم فيه إلى سلم آخر أو يبيعه بمعين مؤجل لأنه حينئذ يصير بيع دين بدين وهو منهى عنه وأما بيعه بعوض حاضر من غير ربح فلا محذور فيه كما أذن فيه النبي في حديث ابن عمر
فالذي نهي عنه من ذلك هو من جنس ما نهى عنه من بيع الكالىء بالكالىء والذي يجوز منه هو من جنس ما أذن فيه من بيع النقد لمن هو في ذمته بغيره من غير ربح
وأما نهي النبي عن بيع الطعام قبل قبضه فهذا إنما هو في المعين أو المتعلق به حق التوفية من كيل أو وزن فإنه لا يجوز بيعه قبل قبضه
وأما ما في الذمة فالاعتياض عنه من جنس الاستيفاء وفائدته سقوط ما في ذمته عنه لا حدوث ملك له فلا يقاس بالبيع الذي يتضمن شغل الذمة فإنه إذا

أخذ منه عن دين السلم عرضا أو غيره أسقط ما في ذمته
فكان كالمستوفي دينه لأن بدله يقوم مقامه
ولا يدخل هذا في بيع الكالىء بالكالىء بحال
والبيع المعروف هو أن يملك المشتري ما اشتراه
وهذا لم يملكه شيئا بل سقط الدين من ذمته
ولهذا لو وفاه ما في ذمته لم يقل إنه باعه دراهم بدراهم بل يقال وفاه حقه بخلاف ما لو باعه دراهم معينة بمثلها فإنه بيع
ففي الأعيان إذا عاوض عليها بجنسها أو بعين غير جنسها يسمى بيعا
وفي الدين إذا وفاها بجنسها لم يكن بيعا
فكذلك إذا وفاها بغير جنسها لم يكن بيعا بل هو إيفاء فيه معنى المعاوضة
ولو حلف ليقضينه حقه غدا فأعطاه عنه عرضا يرى في أصح الوجهين
وجواب آخر أن النهي عن بيع الطعام قبل قبضه أريد بيعه من غير بائعه
وأما بيعه من البائع ففيه قولان معروفان
وذلك لأن العلة في المنع إن كانت توالي الضمانين اطرد المنع في البائع وغيره وإن كانت عدم تمام الاستيلاء وأن البائع لم تقطع علقه عن المبيع بحيث ينقطع طمعه في الفسخ ولا يتمكن من الامتناع من الإقباض إذا رأى المشتري قد ربح فيه لم يطرد النهي في بيعه من بائعه قبل قبضه لإنتفاء هذه العلة في حقه
وهذه العلة أظهر وتوالي الضمانين ليس بعله مؤثرة ولا تنافي بين كون العين الواحدة مضمونة له من وجه وعليه من وجه آخر فهي مضمونة له وعليه باعتبارين
وأي محذور في هذا كمنافع الإجارة
فإن المستأجر له أن يؤجر ما استأجره فتكون المنفعة مضمونة له وعليه وكالثمار بعد بدو صلاحها له أن يبيعها على الشجر وإن أصابتها جائحة رجع على البائع فهي مضمونة له وعليه ونظائره كثيرة
وأيضا فبيعه من بائعة شبيه بالإقاله وهي جائزة قبل القبض على الصحة
وأيضا فدين السلم تجوز الإقالة فيه بلا نزاع وبيع المبيع لبائعه قبل قبضه غير جائز في أحد القولين
فعلم أن الأمر في دين السلم أسهل منه في بيع الأعيان
فإذا جاز في الأعيان أن تباع لبائعها قبل القبض فدين السلم أولى بالجواز كما جازت الإقالة فيه قبل القبض اتفاقا بخلاف الإقالة في الأعيان
ومما يوضح ذلك أن ابن عباس لا يجوز بيع المبيع قبل قبضه واحتج عليه بنهي النبي عن بيع الطعام قبل قبضه وقال أحسب كل شيء بمنزلة الطعام ومع هذا فقد ثبت عنه أنه جوز بيع دين السلم ممن هو عليه إذا لم يربح فيه
ولم يفرق بين الطعام وغيره ولا بين المكيل والموزون وغيرهما
لأن البيع هنا من البائع الذي هو في ذمته
فهو يقبضه من نفسه لنفسه بل في الحقيقة ليس هنا قبض بل يسقط عنه ما في ذمته فتبرأ ذمته وبراءة الذمم مطلوبة في نظر الشرع لما في شغلها من المفسدة فكيف يصح قياس هذا على بيع شيء غير مقبوض لأجنبي لم يتحصل بعد ولم تنقطع علق بائعه عنه

وأيضا فإنه لو سلم المسلم فيه ثم أعادة إليه جاز
فأي فائدة في أخذه منه
ثم إعادته إليه وهل ذلك إلا مجرد كلفة ومشقة لم تحصل بها فائدة
ومن هنا يعرف فضل علم الصحابة وفقههم على كل من بعدهم
قالوا وأما استدلالكم بنهي النبي عن ربح ما لم يضمن فنحن نقول بموجبه وأنه لا يربح فيه كما قال ابن عباس خذ عرضا بأنقص منه ولا تربح مرتين
فنحن إنما نجوز له أن يعاوض عنه بسعر يومه كما قال النبي لعبد الله بن عمر في بيع النقود في الذمة لا بأس إذا أخذتها بسعر يومها فالنبي إنما جوز الاعتياض عن الثمن بسعر يومه لئلا يربح فيما لم يضمن
وقد نص أحمد على هذا الأصل في بدل العوض وغيره من الديون أنه إنما يعتاض عنه بسعر يومه لئلا يربح فيما لم يضمن
وكذلك قال مالك يجوز الاعتياض عنه بسعر يومه كما قال ابن عباس لكن مالك يستثني الطعام خاصة لأن من أصله أن بيع الطعام قبل قبضة لا يجوز بخلاف غيره
وأما أحمد فإنه فرق بين أن يعتاض عنه بعرض أو حيوان أو نحوه دون أن يعتاض بمكيل أو موزون
فإن كان بعرض ونحوه جوزه بسعر يومه كما قال ابن عباس ومالك وإن اغتاض عن المكيل بمكيل أو عن الموزون بموزون فإنه منعه لئلا يشبه بيع المكيل بالمكيل من غير تقابض إذ كان لم توجد حقيقة التقابض من الطرفين
ولكن جوزه إذا أخذ بقدره مما هو دونه كالشعير عن الحنطة نظرا منه إلى أن هذا استيفاء لا معارضة كما يستوفى الجيد عن الرديء
ففي العرض جوز المعارضة إذ لا يشترط هناك تقابض
وفي المكيل والموزون منع المعارضة لأجل التقابض وجوز أخذ قدر حقه أو دونه
لأنه استيفاء
وهذا من دقيق فقهه رضي الله عنه
قالوا وأما قولكم إن هذا الدين مضمون له فلو جوزنا بيعه لزم توالي الضمانين فهو دليل باطل من وجهين
أحدهما أنه لا توالي ضمانين هنا أصلا
فإن الدين كان مضمونا له في ذمة المسلم إليه
فإذا

باعه إياه لم يصر مضمونا عليه بحال
لأنه مقبوض في ذمة المسلم إليه فمن أي وجه يكون مضمونا على البائع بل لو باعه لغيره لكان مضمونا له على المسلم إليه ومضمونا عليه للمشتري وحينئذ فيتوالى ضمانان
الجواب الثاني أنه لا محذور في توالي الضمانين
وليس يوصف مستلزم لمفسدة يحرم العقد لأجلها
وأين الشاهد من أصول الشرع لتأثير هذا الوصف وأي حكم علق الشارع فساده على توالي الضمانين وما كان من الأوصاف هكذا فهو طردي لا تأثير له
وقد قدمنا ذكر الصور التي فيها توالي الضمانين
وقد ثبت عن النبي أنه جوز المعاوضة عن ثمن المبيع في الذمة
ولا فرق بينه وبين دين السلم
قالوا وأيضا فالمبيع إذا تلف قبل التمكن من قبضه كان على البائع أداء الثمن الذي قبضه من المشتري
فإذا كان هذا المشتري قد باعه فعليه أداء الثمن الذي قبضة من المشتري الثاني فالواجب بضمان هذا غير الواجب بضمان الآخر
فلا محذور في ذلك
وشاهده المنافع في الإجارة والثمرة قبل القطع
فإنه قد ثبت بالسنة الصحيحة التي لا معارض لها وضع الثمن عن المشتري إذا أصابتها جائحة
مع هذا يجوز التصرف فيها
ولو تلقت لصارت مضمونة عليه بالثمن الذي أخذه كما هي مضمونة له بالثمن الذي دفعه
قالوا وأما قولكم إن المنع منه إجماع فكيف يصح دعوى الإجماع مع مخالفة حبر الأمة ابن عباس وعالم المدينة مالك بن أنس فثبت أنه لا نص في التحريم ولا إجماع ولا قياس وأن النص والقياس يقتضيان الإباحة كما تقدم والواجب عند التنازع الرد إلى الله وإلى رسوله
وأما المسألة الثانية وهي إذا انفسخ العقد بإقالة أو غيرها فهل يجوز أن يأخذ عن دين السلم عوضا من غير جنسه فيه وجهان
أحدهما لا يجوز ذلك حتى يقبضه ثم يصرفه فيما شاء وهذا اختيار الشريف أبي جعفر
وهو مذهب أبي حنيفة
والثاني يجوز أخذ العوض عنه وهو إختيار القاضي أبي يعلي وشيخ الإسلام ابن تيمية وهو مذهب الشافعي وهو الصحيح فإن هذا عوض مستقر في الذمة فجازت المعاوضة عليه كسائر الديون من القرض وغيره

وأيضا فهذا مال رجع إليه بفسخ العقد فجاز أخذ العوض عنه كالثمن في المبيع
وأيضا فحديث ابن عمر في المعاوضة عما في الذمة صريح في الجواز
واحتج المانعون بقوله من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره
قالوا ولأنه مضمون على المسلم إليه بعقد السلم فلم تجز المعاوضة عليه قبل قبضه وحيازته كالمسلم فيه
قال المجوزون أما استدلالكم بالحديث فقد تقدم ضعفه
ولو صح لم يتناول محل النزاع لأنه لم يصرف المسلم فيه في غيره وإنما عاوض عن دين السلم بغيره فأين المسلم فيه من رأس مال السلم
وأما قياسكم المنع على نفس المسلم فيه فالكلام فيه أيضا وقد تقدم أنه لا نص يقتضي المنع منه ولا إجماع ولا قياس
ثم لو قدر تسليمه لكان الفرق بين المسلم فيه ورأس مال السلم واضحا فإن المسلم فيه مضمون بنفس العقد والثمن إنما يضمن بعد فسخ العقد فكيف يلحق أحدهما بالآخر فثبت أنه لا نص في المنع ولا إجماع ولا قياس
فإذا عرف هذا فحكم رأس المال بعد الفسخ حكم سائر الديون لا يجوز أن تجعل سلما في شيء آخر لوجهين
أحدهما أنه بيع دين بدين
والثاني أنه من ضمان المسلم إليه فإذا جعله سلما في شيء آخر ربح فيه وذلك ربح ما لم يضمن ويجوز فيه ما يجوز في دين القرض وأثمان المبيعات إذا قسمت فإذا أخذ فيه أحد النقدين عن الآخر وجب قبض العوض في المجلس لأنه صرف بسعر يومه لأنه غير مضمون عليه وإن عاوض عن المكيل بمكيل أو عن الموزون بموزون من غير جنسه كقطن بحرير أو كتان وجب قبض عوضه في مجلس التعويض وإن بيع بغير مكيل أو موزون كالعقار والحيوان فهل يشترط القبض في مجلس التعويض فيه وجهان
أصحهما لا يشترط وهو منصوص أحمد
والثاني يشترط
وما أخذ القولين أن تأخير قبض العوض يشبه بيع الدين بالدين فيمنع منه ومأخذ الجواز وهو الصحيح أن النساءين مالا يجمعها علة الربا كالحيوان بالموزون جائز للاتفاق على جواز سلم النقدين في ذلك والله أعلم

ونظير هذه المسألة إذا باعه ما يجري فيه الربا كالحنطة مثلا بثمن مؤجل فحل الأجل فاشترى بالثمن حنطة أو مكيلا آخر من غير الجنس مما يمتنع ربا النساء بينهما فهل يجوز ذلك فيه قولان
أحدهما المنع وهو المأثور عن ابن عمر وسعيد بن المسيب وطاووس وهو مذهب مالك وإسحاق
والثاني الجواز
وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة وابن المنذر وبه قال جابر بن زيد وسعيد بن جبير وعلي بن الحسين وهو اختيار صاحب المغني وشيخنا
والأول اختيار عامة الأصحاب
والصحيح الجواز لما تقدم
قال عبد الله بن زيد قدمت على علي بن حسين فقلت له إني أجذ نخلي وأبيع ممن حضرني التمر إلى أجل
فيقدمون بالحنطة وقد حل الأجل فيوقفونها بالسوق فأبتاع منهم وأقاصهم قال لا بأس بذلك إذا لم يكن منك على رأي يعني إذا لم يكن حيلة مقصودة
فهذا شراء للطعام بالدراهم التي في الذمة بعد لزوم العقد الأول فصح لأنه لا يتضمن ربا بنسيئة ولا تفاضل
والذين يمنعون ذلك يجوزون أن يشتري منه الطعام بدراهم ويسلمها إليه ثم يأخذها منه وفاءا أو نسيئة منه بدراهم في ذمته ثم يقاصه بها ومعلوم أن شراءه الطعام منه بالدراهم التي له في ذمته أيسر من هذا وأقل كلفة والله أعلم
قال الشيخ ابن القيم رحمه الله حديث مسلم في الجائحة من رواية ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر وهذا صحيح

والشافعي علل حديث سفيان عن حميد بن قيس عن سليمان بن عتيق عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن بيع السنين وأمر بوضع الجوائح بأن قال سمعت سفيان يحدث هذا الحديث كثيرا في طول مجالستي له لا أحصي ما سمعته يحدثه من كثرته لا يذكر فيه أمر بوضع الجوائح لا يزيد على أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن بيع السنين ثم زاد بعد ذلك وأمر بوضع الجوائح قال سفيان وكان حميد بن قيس يذكر بعد بيع السنين كلاما قبل وضع الجوائح إلا أني لا أدري كيف كان الكلام وفي الحديث أمر بوضع الجوائح
وفي الباب حديث عمرة عن عائشة ابتاع رجل ثمر حائط في زمان رسول الله صلى الله عليه و سلم فعالجه وقام عليه حتى تبين له النقصان فسأل رب الحائط أن يضع عنه فحلف أن لا يفعل فذهبت أم المشتري إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكرت ذلك له
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم تألى أن لا يفعل خيرا فسمع بذلك رب المال فأتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال يارسول الله هو له
وعلله الشافعي بالإرسال
وقد أسنده يحيى بن سعيد عن أبي الرجال عن عمرة عن عائشة وأسنده حارثة بن أبي الرجال عن أبيه
وليس بصريح في وضع الجائحة وقد تأوله من لا يرى وضع الجائحة بتأويلات باطلة
أحدها أنه محمول على ما يحتاج الناس إليه في الأراضي الخراجية التي خراجها للمسلمين

فيوضع ذلك الخراج عنهمن فأما في الأشياء المبيعات فلا
وهذا كلام في غاية البطلان ولفظ الحديث لا يحتمله بوجه
قال البيهقي ولا يصح حمل الحديث عليه لأنه لم يكن يومئذ على أراضي المسلمين خراج
ومنها إنهم حملوه على إصابة الجائحة قبل القبض وهو تأويل باطل لأنه خص بهذا الحكم الثمار وعم به الأحوال ولم يقيده بقبض ولا عدمه
ومنها أنهم حملوه على معنى حديث أنس أرأيت إن منع الله الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه وهذا في بيعها قبل بدو صلاحها
وهذا أيضا تأويل باطل وسياق الحديث يبطله
فإنه علل بإصابة الجائحة لا بغير ذلك

الكلب وظاهره عدم الفرق بين المعلم وغيره سواء كان مما يجوز اقتناؤه أو مما لا يجوز وإليه ذهب الجمهور
وقال أبو حنيفة يجوز وقال عطاء والنخعي يجوز بيع كلب الصيد دون غيره ويدل عليه ما أخرجه النسائي من حديث جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ثمن الكلب إلا كلب صيد قال في الفتح ورجال إسناده ثقات إلا أنه طعن في صحته وأخرج نحوه الترمذي من حديث أبي هريرة لكن من رواية أبي المهزم وهو ضعيف فينبغي حمل المطلق على المقيد ويكون المحرم بيع ما عدا كلب الصيد إن صلح هذا المقيد للإحتجاج به قاله في النيل ومهر البغي وحلوان الكاهن تقدم الكلام عليهما في باب حلوان الكاهن قال المنذري أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقد روى البيهقي في سننه من حديث سفيان وهمام وأبان العطار عن يحيى بن أبي كثير عن يعلى بن حكيم عن يوسف بن ماهك عن عبد الله بن عصمة عن حكيم بن حزام قال قلت يارسول الله إني أبتاع هذه البيوع فما يحل لي منها وما يحرم علي قال ياابن أخي لا تبع شيئا حتى تقبضه ولفظ حديث أبان إذا اشتريت بيعا فلا تبعه حتى تقبضه وهذا إسناد على شرطهما سوى عبد الله بن عصمة وقد وثقه ابن حبان واحتج به النسائي
وروى النسائي من حديث عطاء بن أبي رباح عن حزام بن حكيم قال قال حكيم بن حزام ابتعت طعاما من طعام الصدقة فربحت فيه قبل أن أقبضه فأتيت رسول الله فذكرت ذلك له فقال لا تبعه حتى تقبضه وفي صحيح مسلم عن أبي الزبير عن جابر عن النبي أنه نهى أن يبيع الرجل طعاما حتى يستوفيه وفيه من حديث أبي هريرة يرفعه من اشترى طعاما فلا يبعه حتى يكتاله قال ابن المنذر أجع العلماء على أن من اشترى طعاما فليس له بيعه حتى يقبضه وحكى ذلك عن غير واحد من أهل العلم إجماعا
وأما ما حكي عن عثمان البتي من جوازه فإن صح فلا يعتد به
فأما غير الطعام فاختلف فيه الفقهاء على أقوال عديدة

أحدها أنه يجوز بيعه قبل قبضه مكيلا كان أو موزونا وهذا مشهور مذهب مالك
واختاره أبو ثور وابن المنذر
والثاني أنه يجوز بيع الدور والأرض قبل قبضها وما سوى العقار فلا يجوز بيعه قبل القبض وهذا مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف
والثالث ما كان مكيلا أو موزونا فلا يصح بيعه قبل القبض سواء أكان مطعوما أم لم يكن وهذا يروى عن عثمان رضي الله عنه وهو مذهب ابن المسيب والحسن والحكم وحماد والأوزاعي وإسحاق وهو المشهور من مذهب أحمد بن حنبل
والرابع أنه لا يجوز بيع شيء من المبيعات قبل قبضه بحال وهذا مذهب ابن عباس ومحمد بن الحسن وهو إحدى الروايات عن أحمد
وهذا القول هو الصحيح الذي نختاره
وقد اختلف أصحاب أحمد في المنع من بيع المكيل والموزون قبل قبضه على ثلاثة طرق
أحدها أن المراد ما تعلق به حق التوفية بالكيل أو الوزن كرطل من زبرة أو قفيز من صبرة وهذه طريقة القاضي وصاحب المحرر وغيرهما وعلى هذا فمنعوا بيع ما يتعلق به حق توفية وإن لم يكن مكيلا ولا موزونا كمن اشترى ثوبا على أنه عشرة أذرع أو قطيعا كل شاة بدرهم
والطريقة الثانية أن المراد به ما كان مكيل الجنس وموزونه وإن اشتراه جزافا كالصبر وزبرة الحديد ونحوهما
والطريقة الثالثة أن المراد به المكيل والموزون من المطعوم والمشروب نص عليه في رواية مهنا فقال كل شيء يباع قبل قبضه إلا كان يكال أو يوزن مما يؤكل ويشرب
فصار في مذهبه أربع روايات
أحداها أن المنع مختص بما يتعلق به حق التوفية
الثانية أنه عام في كل مكيل أو موزون مطعوم
الثالثة أنه عام في كل مكيل أو موزون مطعوما كان أو غيره
الرابعة أنه عام في كل مبيع
والصحيح هو هذه الرواية لوجوه

أحدها حديث حكيم بن حزام قلت يارسول الله إني أبتاع هذه البيوع فما يحل لي منها وما يحرم علي قال ياابن أخي لا تبع شيئا حتى تقبضه وقد ذكرنا الكلام عليه
الثاني ما ذكره أبو داود في الباب من حديث زيد بن ثابت نهى رسول الله أن تباع السلع حيث تبتاع وإن كان فيه محمد بن إسحاق فهو الثقة الصدوق
وقد استوفينا الكلام عليه في الرد على الجهمية من هذا الكتاب
فإن قيل الأحاديث كلها مقيدة بالطعام سوى هذين الحديثن فإنهما مطلقان أو عامان
وعلى التقديرين فنقيدهما بأحاديث الطعام أو نخصمها بمفهومها جمعا بين الأدلة وإلا لزم إلغاء وصف الحكم وقد علق به الحكم
قيل عن هذا جوابان أحدهما أن ثبوت المنع في الطعام بالنص وفي غيره إما بقياس النظير كما صح عن ابن عباس أنه قال ولا أحسب كل شيء إلا بمنزلة الطعام أو بقياس الأولى لأنه إذا نهى عن بيع الطعام قبل قبضه مع كثرة الحاجة إليه وعمومها فغير الطعام بطريق الأولى
وهذا مسلك الشافعي ومن تبعه
الجواب الثاني أن اختصاص الطعام بالمنع إنما هو مستفاد من مفهوم اللقب وهو لو تجرد لم يكن حجة فكيف وقد عارضه عموم الأحاديث المصرحة بالمنع مطلقا والقياس المذكور حتى لو لم ترد النصوص العامة لكان قياسه على الطعام دليلا على المنع والقياس في هذا يمكن تقديره من طريقين
أحدهما قياس بإبداء الجامع ثم للمتكلمين فيه طريقان
أحدهما أنه قياس تسوية
والثاني أنه قياس أولوية
والثاني من الطريقين الأولين قياس بإلغاء الفارق فإنه لا فارق بين الطعام وغيره في ذلك إلا ما لا يقتضي الحكم وجودا ولا عدما فافتراق المجلس فيها عديم التأثير
يوضحه أن المسالك التي اقتضت المنع من بيع الطعام قبل قبضه موجودة بعينها في غيره كما سيأتي بيانه
قال المخصصون للمنع تعليق النهي عن ذلك الطعام يدل على أنه هو العلة لأن الحكم لو تعلق بالأعم لكان الأخص عديم التأثير فكيف يكون المنع عاما فيعلقه الشارع بالخاص

قال المعممون لا تنافي بين الأمرين فإن تعليق الحكم بعموم المبيعات مستقل بإفادة التعميم وتعليقه بالخاص يحتمل أن يكون لاختصاص الحكم به فثبت التعارض ويحتمل أن يكون لغرض دعا إلى التعيين من غير اختصاص الحكم به إما لحاجة المخاطب وإما لأن غالب التجارة حينئذ كانت بالمدينة فيه فخرج ذكر الطعام مخرج الغالب فلا مفهوم له وهذا هو الأظهر فإن غالب تجارتهم بالمدينة كانت في الطعام ومن عرف ما كان عليه القوم من سيرتهم عرف ذلك فلم يكن ذكر الطعام لاختصاص الحكم به ولو لم يكن ذلك هو الأظهر لكان محتملا فقد تعارض الاحتمالان والأحاديث العامة لا معارض لها فتعين القول بموجبها
قال المخصصون لا يمكنكم القول بعموم المنع فإنه قد ثبت بالسنة جواز التصرف في غير الطعام قبل قبضه بالبيع وهو الاستبدال بالثمن قبل قبضه والمصارفة عليه
قال المعممون الجواب من وجهين
أحدهما الفرق بين الثمن في الذمة والمبيع المتعين من وجوه ثلاثة
أحدها أن الثمن مستقر في الذمة لا يتصور تلفه والبيع ليس كذلك نعم لو كان الثمن معينا لكان بمنزلة المبيع المتعين
الثاني أن بيع الثمن ها هنا إنما هو ممن في ذمته ليس تبعا لغيره فلو باع الثمن قبل القبض لغير من هو في ذمته لم يجز في أحد قولى الشافعي وهو الذي رجحه الرافعي وغيره من أصحابه
الثالث أن العلل التي لأجلها امتنع العقد على المبيع قبل قبضه منتفية في الثمن بأسرها
فإن المآخذ ثلاثة إما عدم استقرار المبيع وكونه عرضه للتلف وانفساخ العقد وهذه العلة مأمونة بكون الثمن في الذمة
وأما إن علق البائع لم تنقطع عن المبيع وهذه العلة أيضا منتفية ها هنا وإما أنه عرضة للربح وهو مضمون على البائع فيؤدي إلى ربح ما لم يضمن
وهذه العلة أيضا منتفية في الثمن فإنه إنما يجوز له الاستبدال به بسعر يومه كما شرطه النبي لئلا يربح فيما لم يضمن
ولا يمكن إن يقال مثل هذا في السلع لأنه إنما اشتراها للربح فلو منعناه من بيعها إلا بمثل الثمن لم يكن في الشراء فائدة بخلاف الأثمان فإنها لم توضع لذلك وإنما وضعت رؤوسا للأموال لا موردا للكسب والتجارة
قال المخصصون قد سلمتم نفوذ العتق قبل القبض وهو تصرف يزيل الملك فما الفرق بينه وبين البيع الناقل للملك

قال المعممون الفرق بينهما أن الشارع جعل للعتق من القوة والسراية والنفوذ ما لم يجعل لغيره حتى أدخل الشقص الذي للشريك في ملك العتق قهرا وأعتقه عليه قهرا وحتى أعتق عليه ما لم يعتقه لقوته ونفوذه فلا يصح إلحاق غيره من التصرفات به
قال المخصصون قد جوزتم بيع الملك قبل قبضه في صور
إحداها بيع الميراث قبل قبض الوارث له
الثانية إذا أخرج السلطان رزق رجل فباعه قبل أن يقبضه
الثالثة إذا عزل سهمه فباعه قبل أن يقبضه
الرابعة ما ملكه بالوصية فله أن يبيعه بعد القبول وقبل القبض
الخامسة غلة ما وقف عليه له أن يبيعها قبل أن يقبضها
السادسة الموهوب للولد إذا قبضه ثم استرجعه الوالد فله أن يبيعه قبل قبضه
السابعة إذا أثبت صيدا ثم باعه قبل القبض جاز
الثامنة الاستبدال بالدين من غير جنسه هو بيع قبل القبض
نص الشافعي على الميراث والرزق يخرجه السلطان وخرج الباقي على نصه
التاسعة بيع المهر قبل قبضه جائز وقد نص أحمد على جواز هبة المرأة صداقها من زوجها قبل قبضه
العاشرة إذا خالعها على عوض جاز التصرف فيه قبل قبضه حكاه صاحب المستوعب وغيره
وقال أبو البركات في المحرر هو كالبيع يعني في عدم جواز التصرف فيه قبل القبض
الحادية عشرة إذا أعتقه على مال جاز التصرف فيه قبل قبضه حكاه صاحب المستوعب
الثانية عشرة إذا صالحه عن دم العمد بمال جاز التصرف فيه قبل قبضه وكذلك إذا أتلف له مالا وأخرج عوضه
ومنع صاحب المحرر من ذلك كله وألحقه بالمبيع
قال المعممون الفرق بين هذه الصور وبين التصرف في المبيع قبل قبضه أن الملك فيه غير مستقر فلم يسلط على التصرف في ملك مزلزل بخلاف هذه الصور فإن الملك فيها مستقر غير معرض للزوال على أن المعاوضات فيها غير مجمع عليها بل مختلف فيها كما ذكرناه
وفيها طريقتان لأصحاب أحمد إحداهما طريقة صاحب المستوعب وهي أن كل عقد ملك به العوض فإن كان ينتقض بهلاك العوض قبل قبضه كالإجارة والصلح عن المبيع فحكمه في جواز التصرف فيه حكم العوض المتعين بعقد البيع وإن كان العقد لا ينتقض بهلاك العوض المتعين به كالمهر وعوض الخلع والعتق

والصلح عن دم العمد فحكمه حكم المملوك بعقد البيع وما ملك بغير عوض كالميراث والوصية والهبة فالتصرف فيه جائز قبل قبضه
قال المخصصون قد ثبت في صحيح البخاري عن عمرو بن دينار عن عبد الله بن عمر قال كنا مع رسول الله في سفر فكنت على بكر صعب لعمر فكان يغلبني فيتقدم أمام القوم فيزجره عمر ويرده ثم يتقدم فيزجره ويقول لي أمسكه لا يتقدم بين يدي النبي فقال له رسول الله بعنيه ياعمر
فقال هو لك يارسول الله
قال بعنيه فباعه منه فقال رسول الله هو لك ياعبد الله فاصنع به ما شئت فهذا تصرف في المبيع غير المكيل والموزون قبل قبضه
قال المعممون لا ريب أن هذا تصرف فيه بالهبة لا بالمعاوضة
ونحن لنا في مثل هذا التصرف قبل القبض خلاف فمن أصحابنا من يجوزه ونفرق بين التصرف فيه بالبيع والتصرف بالهبة
ونلحق الهبة بالعتق ونقول هي إخراج عن ملكه لا تتوالى فيه ضمانات ولا يكون التصرف بها عرضة لربح ما لم يضمن بخلاف البيع ومن أصحابنا من منعها وقال العلة المانعة من بيعه قبل قبضه عدم استقرار الملك وضعفه ولا فرق في ذلك بين تصرف وتصرف فإن صح الفرق بطل القبض وإن بطل القبض سوينا بين التصرفات وعلى هذا فالحديث لا دلالة فيه على التصرف قبل القبض إذا قبض ذلك البعير حصل بالتخلية بينه وبينه مع تميزه وتعينه وهذا كاف في القبض
وقد ذكر للمنع من بيع ما لم يقبض علتان
إحداهما ضعف الملك لأنه لو تلف انفسخ البيع
والثانية أن صحته نفضي إلى توالي الضمانين فإنا لو صححناه كان مضمونا للمشتري
الأول على البائع الأول والمشتري الثاني على البائع الثاني فكيف يكون الشيء الواحد مضمونا لشخص مضمونا عليه وهذان التعليلان غير مرضيين
أما الأول فيقال ما تعندون بضعف الملك هل عنيتم به أنه لو طرأ عليه سبب يوجب فسخه ينفسخ به أو أمرا آخر فإن عنيتم الأول فلم قلتم إنه مانع من صحة البيع وأي ملازمة بين الانفساخ بسبب طارىء وبين عدم الصحة شرعا أو عقلا وإن عنيتم بضعف الملك أمرا آخر فعليكم بيانه لننظر فيه
وأما التعليل الثاني فكذلك أيضا ولا تظهر فيه مناسبة تقتضي الحكم فإن كون الشيء مضمونا على الشخص بجهة ومضمونا له بجهة أخرى غير ممتنع شرعا ولا عقلا ويكفي في رده أنه لا دليل على امتناعه كيف وأنتم تجوزون للمستأجر إجارة ما استأجره والمنفعة مضمونة له على المؤجر وهي مضمونة عليه للمستأجر الثاني وكذلك الثمار بعد بدو صلاحها إذا بيعت على أصولها

فهي مضمونة على البائع إذا احتاجت إلى سقى اتفاقا
وإن تلفت بجائحة فهي مضمونة عليه وله
ولهذا لما رأى أبو المعالي الجويني ضعف هذين التعليلين قال لا حاجة إلى ذلك والمعتمد في بطلان البيع إنما هو الإخبار فالشافعي يمنع التصرف في المبيع قبل قبضه ويجعله من ضمان البائع مطلقا وهو رواية عن أحمد وأبي حنيفة كذلك إلا في العقار
وأما مالك وأحمد في المشهور من مذهبه فيقولان ما يمكن المشتري من قبضه وهو المتعين بالعقد فهو من ضمان المشتري ومالك وأحمد يجوزان التصرف فيه ويقولان الممكن من القبض جار مجرى على تفصيل في ذلك
فظاهر مذهب أحمد أن الناقل للضمان إلى المشتري هو التمكن من القبض لا نفسه وكذلك ظاهر مذهبه أن جواز التصرف فيه ليس ملازما للضمان ولا مبتنيا عليه ومن ظن ذلك من أصحابه فقد وهم فإنه يجوز التصرف حيث يكون من ضمان البائع كما ذكرنا في الثمن ومنافع الإجارة وبالعكس أيضا كما في الصبرة المعينة
وقد نص الخرقي على هذا وهذا فقال في المختصر وإذا وقع المبيع على مكيل أو موزون أو معدود فتلف قبل قبضه
فهو من مال البائع
ثم قال ومن اشترى ما يحتاج إلى بيعه لم يجز بيعه حتى يقبضه
ثم قال ومن اشترى صبرة طعام لم يبعها حتى ينقلها
فالصبرة مضمونة على المشتري بالتمكن والتخلية اتفاقا ومع هذا لا يبيعها حتى يقبضها وهذا منصوص أحمد
فالمأخذ الصحيح في المسألة أن النهي معلل بعدم تمام الاستيلاء وعدم انقطاع علاقة البائع عنه فإنه يطمع في الفسخ والامتناع من الأقباض إذا رأى المشتري قد ربح فيه ويغره الربح وتضيق عينه منه وربما أفضى إلى التحيل على الفسخ ولو ظلما وإلى الخصام والمعاداة والواقع شاهد بهذا
فمن محاسن الشريعة الكاملة الحكيمة منع المشتري من التصرف فيه حتى يتم استيلاؤه عليه وينقطع عن البائع وينفطم عنه فلا يطمع في الفسخ والامتناع من الإقباض وهذا من المصالح التي لا يهملها الشارع حتى إن من لا خبرة له من التجار بالشرع يتحرى ذلك ويقصده لما في ظنه من المصلحة وسد باب المفسدة
وهذه العلة أقوى من تينك العلتين
وعلى هذا فإذا باعه قبل قبضه من بائعه جاز على الصحيح لانتفاء هذه العلة

ومن علل النهي بتوالي الضمانين يمنع بيعه من بائعه لوجود العلة فبيعه من بائعة يشبه الإقالة
والصحيح من القولين جواز الإقالة قبل القبض وإن قلنا هي بيع
وعلى هذا خرج حديث ابن عمر في الاستبدال بثمن المبيع والمصارفة عليه قبل قبضه فإنه استبدال ومصارفة مع العاقد لا مع غيره والله أعلم

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله هذا الحديث أصل من أصول المعاملات وهو نص في تحريم الحيل الربوية وقد اشتمل على أربعة أحكام
الحكم الأول تحريم الشرطين في البيع وقد أشكل على أكثر الفقهاء معناه من حيث إن الشرطين إن كانا فاسدين فالواحد حرام فأي فائدة لذكر الشرطين وإن كانا صحيحين لم يحرما
فقال ابن المنذر قال أحمد وإسحاق فيمن اشترى ثوبا واشترط على البائع خياطته وقصارته أو طعاما واشترط طحنه وحمله إن شرط أحد هذه الأشياء فالبيع جائز وإن شرط شرطين فالبيع باطل
وهذا فسره القاضي أبو يعلى وغيره عن أحمد في تفسيره رواية ثانية حكاها الأثرم وهو أن يشتريها على أن لا يبيعها من أحد ولا يطأها ففسره بالشرطين الفاسدين

وعنه رواية ثالثة حكاها إسماعيل بن سعيد الشالنجي عنه هو أن يقول إذا بعتها فأنا أحق بها بالثمن وأن تخدمني سنة ومضمون هذه الرواية أن الشرطين يتعلقان بالبائع فيبقى له فيها علقتان علقة قبل التسليم وهي الخدمة وعلقة بعد البيع وهي كونه أحق بها
فأما اشتراط الخدمة فيصح وهو استثناء منفعة المبيع مدة كاستثناء ركوب الدابة ونحوه وأما شرط كونه أحق بها بالثمن أحق بها بالثمن فقال في رواية المروزي هو في معنى حديث النبي لا شرطان في بيع يعني لأنه شرط أن يبيعه إياه وأن يكون البيع بالثمن الأول فهما شرطان في بيع
وروى عنه إسماعيل بن سعيد جواز هذا البيع وتأوله بعض أصحابنا على جوازه فساد الشرط
وحمل رواية المروزي على فساد الشرط وحده وهو تأويل بعيد ونص أحمد يأباه
قال إسماعيل بن سعيد ذكرت لأحمد حديث ابن مسعود أنه قال ابتعت من امرأتي زينب الثقفية جارية وشرطت لها أني إن بعتها فهي لها بالثمن الذي ابتعتها به فذكرت ذلك لعمر فقال لا تقربها ولأحد فيها شرط فقال أحمد البيع جائز ولا تقربها لأنه كان فيها شرط واحد للمرأة ولم يقل عمر في ذلك البيع إنه فاسد
فهذا يدل على تصحيح أحمد للشرط من ثلاثة أوجه
أحدها أنه قال لا تقربها ولو كان الشرط فاسدا لم يمنع من قربانها
الثاني أنه علل ذلك بالشرط فدل على أن المانع من القربان هو الشرط وأن وطئها يتضمن إبطال ذلك الشرط لأنها قد تحمل فيمتنع عودها إليها
الثالث أنه قال كان فيها شرط واحد للمرأة فذكره وحدة الشرط يدل على أنه صحيح عنده لأن النهي إنما هو عن الشرطين

وقد حكي عنه بعض أصحابنا رواية صريحة أن البيع جائز والشرط صحيح ولهذا حمل القاضي منعه من الوطء على الكراهة لأنه لا معنى لتحريمه عنده مع فساد الشرط
وحمله ابن عقيل على الشبهة للاختلاف في صحة هذا العقد
وقال القاضي في المجرد ظاهر كلام أحمد أنه متى شرط في العقد شرطين بطل سواء كانا صحيحين أو فاسدين لمصلحة العقد أو لغير مصلحته أخذا بظاهر الحديث وعملا بعمومه وأما أصحاب الشافعي وأبي حنيفة فلم يفرقوا بين الشرط والشرطين وقالوا يبطل البيع بالشرط الواحد لنهي النبي عن بيع وشرط وأما الشروط الصحيحة فلا تؤثر في العقد وإن كثرت وهؤلاء ألغوا التقييد بالشرطين ورأوا أنه لا أثر له أصلا
وكل هذه الأقوال بعيدة عن مقصود الحديث غير مرادة منه
فأما القول الأول وهو أن يشترط حمل الحطب وتكسيره وخياطة الثوب وقصارته ونحو ذلك فبعيد فإن اشتراط منفعه البائع في البيع إن كان فاسدا فسد الشرط والشرطان
وإن كان صحيحا فأي فرق بين منفعة أو منفعتين أو منافع لا سيما والمصححون لهذا الشرط قالوا هو عقد قد جمع بيعا وإجارة وهما معلومان لم يتضمنا غررا
فكانا صحيحين
وإذا كان كذلك فما المواجب لفساد الإجارة على منفعتين وصحتها على منفعة وأي فرق بين أن يشترط على بائع الحطب حملة أو حملة ونقله أو حمله وتكسيره
وأما التفسير الثاني وهو الشرطان الفاسدان فأضعف وأضعف لأن الشرط الواحد الفاسد منهي عنه
فلا فائدة في التقييد بشرطين في بيع وهو يتضمن زيادة في اللفظ وإيهاما لجواز الواحد
وهذا ممتنع على الشارع مثله
لأنه زيادة مخلة بالمعنى
وأما التفسير الثالث وهو أن يشترط أنه إن باعها فهو أحق بها بالثمن وأن ذلك يتضمن شرطين أن لا يبيعها لغيرها وأن تبيعه إياها بالثمن فكذلك أيضا فإن كل واحد منهما إن كان فاسدا فلا أثر للشرطين وإن كان صحيحا لم تفسد بانضمامه إلى صحيح مثله كاشتراط الرهن والضمين واشتراط التأجيل والرهن ونحو ذلك وعن أحمد في هذه المسألة ثلاث روايات
إحداهن صحة البيع والشرط والثانية فسادهما
والثالثة صحة البيع وفساد الشرط
وهو رضي الله عنه إنما اعتمد في الصحة على اتفاق عمر وابن مسعود على ذلك
ولو كان هذا هو السرطان في البيع لم يخالفه لقول أحد على قاعدة مذهبه
فإنه إذا كان عنده في المسألة حديث صحيح لم يتركه لقول أحد
ويعجب ممن يخالفه من صاحب أو غيره
وقوله في رواية المروزي هو في معنى حديث النبي لا شرطان في بيع ليس تفسيرا منه

صريحا بل تشبيه وقياس على معنى الحديث ولو قدر أنه تفسير فليس بمطابق لمقصود الحديث كما تقدم
وأما تفسير القاضي في المجرد فمن أبعد ما قيل في الحديث وأفسده
فإن شرط ما يقتضيه العقد أو ما هو من مصلحته كالرهن والتأجيل والضمين ونقد كذا جائز بلا خلاف تعددت الشروط أو أتحدت
فإذا تبين هذه الأقوال فالأولى تفسير كلام النبي بعضه ببعض
فنفسر كلامه بكلامه
فنقول نظير هذا نهيه عن صفقتين في صفقة وعن بيعتين في بيعة
فروى سماك عن عبدالرحمن ابن عبد الله بن مسعود عن أبيه قالنهى رسول الله عن صفقتين في صفقة
وفي السنن عن أبي هريرة عن النبي من باع بيعتين في بيعه فله أوكسهما أو الربا
وقد فسرت البيعتان في البيعة بأن يقول أبيعك بعشرة نقدا أو بعشرين ونسيئة هذا بعيد من معنى الحديث من وجهين
أحدهما أنه لا يدخل الربا في هذا العقد
الثاني أن هذا ليس بصفقتين إنما هو صفقة واحدة بأحد الثمنين
وقد ردده بين الأوليين أو الربا
ومعلوم أنه إذا أخذ بالثمن الأزيد في هذا العقد لم يكن ربا
فليس هذا معنى الحديث
وفسر بأن يقول خذ هذه السلعة بعشرة نقدا وآخذها منك بعشرين نسيئة وهي مسألة العينة بعينها
وهذا هو المعنى المطابق للحديث
فإنه إذا كان مقصوده الدراهم العاجلة بالآجلة فهو لا يستحق إلا رأس ماله وهو أوكس الثمنين فإن أخذه أخذ أوكسهما وإن أخذ الثمن الأكثر فقد أخذ الربا
فلا محيد له عن أوكس الثمنين أو الربا
ولا يحتمل الحديث غير هذا المعنى وهذا هو بعينه الشرطان في بيع
فإن الشرط يطلق على العقد نفسه
لأنهما تشارطا على الوفاء به فهو مشروط والشرط يطلق على المشروط كثيرا كالضرب يطلق على المضروب والحلق على المحلوق والنسخ على المنسوخ
فالشرطان كالصفقتين سواء
فشرطان في بيع كصفقتين في صفقة وإذا أردت أن يتضح لك هذا المعنى فتأمل نهيه في حديث ابن عمر عن بيعتين في بيعه وعن سلف وبيع
رواه أحمد
ونهيه في هذا الحديث عن شرطين في بيع وعن سلف في بيع فجمع السلف والبيع مع الشرطين في البيع ومع البيعتين في البيعة
وسر ذلك أن كلا الأمرين يؤول إلى الربا وهو ذريعة إليه
أما البيعتان في بيعة فظاهر فإنه إذا باعه السلعة إلى شهر ثم اشتراها منه بما شرطه له كان قد باع بما شرطه له بعشرة نسيئة
ولهذا المعنى حرم الله ورسوله العينة
وأما السلف والبيع فلأنه إذا

أقرضه مائة إلى سنة ثم باعه ما يساوي خمسين بمائة فقد جعل هذا البيع ذريعة إلى الزيادة في القرض الذي موجبه رد المثل ولولا هذا البيع لما أقرضه ولولا عقد القرض لما اشترى ذلك
فظهر سر قوله لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع وقول ابن عمر نهى عن بيعتين في بيعة وعن سلف وبيع واقتران إحدى الجملتين بالأخرى لما كانا سلما إلى الربا
ومن نظر في الواقع وأحاط به علما فهم مراد الرسول من كلامه ونزله عليه
وعلم أنه كلام من جمعت له الحكمة وأوتي جوامع الكلم فصلوات الله وسلامه عليه وجزاه أفضل ما جزى نبيا عن أمته
وقد قال بعض السلف اطلبوا الكنوز تحت كلمات رسول الله ولما كان موجب عقد القرض رد المثل من غير زيادة كانت الزيادة ربا
قال ابن المنذر أجمعوا على أن السلف إذا شرط على المستسلف زيادة أو هدية
فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربآ وقد روى عن ابن مسعود وأبي بن كعب وابن عباس أنهم نهوا عن قرض جر منفعة وكذلك إن شرط أن يؤجره داره أو يبيعه شيئا لم يجز لأنه سلم إلى الربا
ولهذا نهى عنه النبي ولهذا منع السلف رضي الله عنهم من قبول هدية المقترض إلا أن يحتسبها المقرض من الدين
فروى الأثرم أن رجلا كان له على سماك عشرون درهما فجعل يهدي إليه السمك ويقومه حتى بلغ ثلاثة عشر درهما فسأل ابن عباس فقال أعطه سبعة دراهم
وروي عن ابن سيرين أن عمر أسلف أبي بن كعب عشرة آلاف درهم فأهدى إليه أبي من ثمرة أرضه فردها عليه ولم يقبلها فأتاه أبي فقال لقد علم أهل المدينة أني من أطيبهم ثمرة وأنه لا حاجة لنا
فبم منعت هديتنا ثم أهدى إليه بعد ذلك فقبل فكان رد عمر لما توهم أن تكون هديته بسبب القرض
فلما تيقن أنها ليست بسبب القرض قبلها
وهذا فصل النزاع في مسألة هدية المقترض
وقال زر بن حبيش قلت لأبي بن كعب إني أريد أن أسير إلى أرض الجهاد إلى العراق فقال إنك تأتي أرضا فاش بها الربا فإن أقرضت رجلا قرضا فأتاك بقرضك ليؤدي إليك قرضك ومعه هدية فاقبض قرضك واردد عليه هديتهذكرهن الأثرم
وفي صحيح البخاري عن أبي بردة بن أبي موسى قال قدمت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام فذكر الحديث وفيه ثم قال لي إنك بأرض فيها الربا فاش فإذا كان لك على رجل دين فأهدى إليك حمل تبن أو حمل قت أو حمل شعير فلا تأخذه فإنه ربا

قال ابن أبو موسى ولو أقرضه قرضا ثم استعمله عملا لم يكن يستعمله مثله قبل القرض كان قرضا جر منفعه قال ولو استضاف غريمه ولم تكن العادة جرت بينهما بذلك حسب له ما أكله
واحتج له صاحب المغني بما روى ابن ماجه في سننه عن أنس قال قال رسول الله إذا اقترض أحدكم قرضا فأهدى إليه أو حمله على دابته فلا يركبها ولا يقبله إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك
واختلفت الرواية عن أحمد فيما لو أقرضه دراهم وشرط عليه أن يوفيه إياها ببلد إخر ولا مؤنة لحملها فروى عنه أنه لا يجوز وكرهه الحسن وجماعة ومالك والأوزاعي والشافعي وروي عنه الجواز
نقله ابن المنذر لأنه مصلحة لهما فلم ينفرد المقترض بالمنفعة وحكاه عن علي وابن عباس والحسن بن علي وابن الزبير وابن سيرين وعبد الرحمن بن الأسود وأيوب والثوري وإسحاق واختاره القاضي
ونظير هذا ما لو أفلس غريمه فأقرضه دراهم يوفيه كل شهر شيئا معلوما من ربحها جاز
لأن المقترض لم ينفرد بالمنفعة
ونظيره ما لو كان عليه حنطة فأقرضه دراهم يشتري له بها حنطة ويوفيه إياها
ونظير ذلك أيضا إذا أقرض فلاحه ما يشتري به بقرا يعمل بها في أرضه أو بذرا يبذره فيها
ومنعه ابن أبي موسى
والصحيح جوازه وهو اختيار صاحب المغني
وذلك لأن المستقرض إنما يقصد نفع نفسه ويحصل انتفاع المقرض ضمنا فأشبه أخذ السفتجة به وإيفاءه إياه في بلد آخر من حيث إنه مصلحة لهما جميعا
والمنفعة التي تجر إلى الربا في القرض هي التي تخص المقرض كسكنى دار المقترض وركوب دوابه واستعماله وقبول هديته
فإنه لا مصلحة له في ذلك بخلاف هذه المسائل فإن المنفعة مشتركة بينهما وهما متعاونان عليها فهي من جنس التعاون والمشاركة
وأما نهيه عن ربح ما لم يضمن
فهو كما ثبت عنه في حديث عبد الله بن عمر حيث قال له إني أبيع الإبل بالبقيع بالدراهم وآخذ الدنانير وأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم
فقال لا بأس إذا أخذتها بسعر يومها وتفرقتما وليس بينكما شيء
فجوز ذلك بشرطين
أحدهما أن يأخذ بسعر يوم الصرف لئلا يربح فيها وليستقر ضمانه
والثاني أن لا يتفرقا إلا عن تقابض لأنه شرط في صحة الصرف لئلا يدخله ربا النسيئة

والنهي عن ربح ما لم يضمن قد أشكل على بعض الفقهاء علته وهو من محاسن الشريعة
فإنه لم يتم عليه استيلاء ولم تنقطع علق البائع عنه فهو يطمع في الفسخ والامتناع من الإقباض إذا رأى المشتري قد ربح فيه وإن أقبضه إياه فإنما يقبضه على إغماض وتأسف على فوت الربح فنفسه متعلقة به لم ينقطع طمعها منه
وهذا معلوم بالمشاهدة
فمن كمال الشريعة ومحاسنها النهي عن الربح فيه حتى يستقر عليه ويكون من ضمانه فييأس البائع من الفسخ وتنقطع علقه عنه
وقد نص أحمد على ذلك في الاعتياض عن دين القرض وغيره أنه إنما يعتاض عنه بسعر يومه لئلا يربح فيما لم يضمن
فإن قيل هذا ينتقض عليكم بمسألتين
إحداهما بيع الثمار بعد بدو صلاحها فإنكم تجوزون لمشتريها أن يبيعها على رؤوس الأشجار وأن يربح فيها ولو تلفت بجائحة لكانت من ضمان البائع فيلزمكم أحد أمرين إما أن تمنعوا بيعها
وإما أن لا تقولوا بوضع الجوائح
كما يقول الشافعي وأبو حنيفة
بل تكون من ضمانه فكيف تجمعون بين هذا وهذا المسألة الثانية أنكم تجوزون للمستأجر أن يؤجر العين المستأجرة بمثل الأجرة وزيادة مع أنها لو تلفت لكانت من ضمان المؤجر فهذا ربح ما لم يضمن
قيل النقض الوارد إما أن يكون بمسألة منصوص عليها أو مجمع على حكمها
وهاتان المسألتان غير منصوص عليهما ولا مجمع على حكمهما فلا يردان نقضا
فإن في جواز بيع المشتري ما اشتراه من الثمار على الأشجار كذلك روايتان منصوصتان عن أحمد
فإن منعنا البيع يظل النقض وإن جوزنا البيع وهو الصحيح فلأن الحاجة تدعو إلى ذلك
فإن الثمار قد لا يمكن بيعها إلا كذلك فلو منعناه من بيعها أضررنا به ولو جعلناها من ضمانه إذا اتلفت بجائحة أضررنا به أيضا فجوزنا له بيعها لأنها في حكم المقبوض بالتخلية بينه وبينها وجعلناها من ضمان البائع بالجائحة لأنها ليست في حكم المقبوض من جميع الوجوه ولهذا يجب عليه تمام التسليم بالوجه المحتاج إليه فلما كانت مقبوضة من وجه غير مقبوضة من وجه رتبنا على الوجهين مقتضاهما وهذا من ألطف الفقه
وأما مسألة الإجارة فاختلفت الرواية عن أحمد في جواز إجارة الرجل ما استأجره بزيادة على ثلاث روايات إحداهن المنع مطلقا لئلا يربح فيما لم يضمن وعلى هذا فالنقض مندفع
والثانية أنه إن جدد فيها عمارة جازت الزيادة وإلا فلا لأن الزيادة لا تكون ربحا بل هي في

مقابلة ما أحدثه من العمارة
وعلى هذه الرواية أيضا فالنقض مندفع
والثالثة أنه يجوز أن يؤجرها بأكثر مما استأجرها مطلقا وهذا مذهب الشافعي وهذه الرواية أصح
فإن المستأجر لو عطل المكان وأتلف منافعه بعد قبضه لتلف من ضمانه لأنه قبضة القبض التام
ولكن لو انهدمت الدار لتلفت من مال المؤجر لزوال محل المنفعة فالمنافع مقبوضة
ولهذا له استثناؤها بنفسه وبنظيره وإيجارها والتبرع بها ولكن كونها مقبوضة مشروط ببقاء العين
فإذا تلفت العين زال محل الاستيفاء فكانت من ضمان المؤجر
وسر المسألة أنه لم يربح فيما لم يضمن وإنما هو مضمون عليه بالأجرة
وأما قوله ولا تبع ما ليس عندك فمطابق لنهيه عن بيع الغرر لأنه إذا باع ما ليس عنده فليس هو على ثقة من حصوله بل قد يحصل له وقد لا يحصل فيكون غررا كبيع الآبق والشارد والطير في الهواء وما تحمل ناقته ونحوه
قال حكيم بن حزام يارسول الله الرجل يأتيني يسألني البيع ليس عندي فأبيعه منه ثم أمضي إلى السوق فأشتريه وأسلمه إياه
فقال لا تبع ما ليس عندك
وقد ظن طائفة أن السلم مخصوص من عموم هذا الحديث فإنه بيع ما ليس عنده
وليس كما ظنوه
فإن الحديث إنما تناول بيع الأعيان وأما السلم فعقد على ما في الذمة بل شرطه أن يكون في الذمة فلو أسلم في معين عنده كان فاسدا وما في الذمة مضمون مستقر فيها
وبيع ما ليس عنده إنما نهي عنه لكونه غير مضمون عليه ولا ثابت في ذمته ولا في يده
فالمبيع لا بد أن يكون ثابتا في ذمة المشتري أو في يده
وبيع ما ليس عنده ليس بواحد منهما
فالحديث باق على عمومه
فإن قيل فأنتم تجوزون للمغصوب منه أن يبيع المغصوب لمن يقدر على انتزاعه من غاصبيه وهو بيع ما ليس عنده قيل لما كان البائع قادرا على تسليمه بالبيع والمشتري قادرا على تسلمه من الغاصب فكأنه قد باعه ما هو عنده وصار كما لو باعه مالا وهو عند المشتري وتحت يده وليس عند البائع
والعندية هنا ليست عندية الحس والمشاهدة فإنه يجوز أن يبيعه ما ليس تحت يده ومشاهدته وإنما هي عندية الحكم والتمكين
وهذا واضح ولله الحمد

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقد قال قتيبة فيما رواه أبو داود هذا الحديث في كتابي بخطي عن جرير عن هشام بن عروة ذكره البيهقي
فهؤلاء ثلاثة عمر بن علي ومسلم بن خالد وجرير
وقال الشافعي أخبرني من لا أتهم من أهل المدينة عن ابن أبي ذئب عن مخلد بن خفاف قال ابتعت غلاما فاستغللته ثم ظهرت منه على عيب فخاصمت فيه إلى عمر بن عبد العزيز فقضي له برده وقضى علي برد غلته فأتيت عروة بن الزبير فأخبرته فقال أروح إليه العشية فأخبره أن عائشة أخبرتني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قضى في مثل هذا أن الخراج بالضمان فعجلت إلى عمر فأخبرته ما أخبرني عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه و سلم فقال عمر بن عبد العزيز فما أيسر علي من قضاء قضيته والله يعلم أني لم أرد فيه إلا الحق فبلغني فيه سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم فأرد قضاء عمر وأنفذ سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم فراح إليه عروة فقضى لي أن آخذ الخراج من الذي قضى به علي له رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن ابن أبي ذئب

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقد روي حديث ابن مسعود من طرق عن ابن مسعود يشد بعضها بعضا وليس فيهم مجروح ولا متهم وإنما يخاف من سوء حفظ محمد بن عبد الرحمن ولم ينفرد به فقد رواه الشافعي عن ابن عيينة عن محمد بن عجلان عن عون بن عبد الله عن ابن مسعود ثم قال هذا حديث منقطع لا أعلم أحدا يصله عن ابن مسعود
وقد جاء من غير وجه
وقد رواه الحاكم في المستدرك من حديث ابن جريج أن إسماعيل بن أمية أخبره عن عبد الملك بن عمير قال حضرت أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود وأتاه رجلان تبايعا سلعة فقال أحدهما أخذت بكذا وكذا وقال الآخر بعت بكذا وكذا فقال أبو عبيدة أتى عبد الله بن مسعود في مثل هذا فقال حضرت رسول الله صلى الله عليه و سلم في مثل هذا فأمر البائع

أن يحلف ثم خير المبتاع إن شاء أخذ وإن شاء ترك ورواه الإمام أحمد عن الشافعي حدثنا سعيد بن سالم القداح حدثنا ابن جريج فذكره
قال عبد الله بن أحمد قال أبي أخبرت عن هشام بن يوسف عن ابن جريج عن إسماعيل بن أمية عن عبد الملك بن عبيد
قال أحمد وقال حجاج الأعور عبد الملك بن عبيدة
قال البيهقي وهذا هو الصواب
ورواه يحيى بن سليم عن إسماعيل بن أمية عن عبد الملك بن عمير كما قال سعيد بن سالم ورواية هشام بن يوسف وحجاج عن ابن جريج أصح
وقال البخاري في تاريخه عبد الملك بن عبيد عن بعض ولد عبد الله بن مسعود روى عنه إسماعيل بن أمية مرسل
وذكر بعده عبد الملك بن عمير قال هو الكوفي أبو عمر القرشي مات سنة ست وثلاثين ومائة وكان أفصح الناس سمع جندبا ورأى المغيرة روى عنه الثوري وشعبه
قال البيهقي ورواه أبو العميس ومعن بن عبد الرحمن وعبد الرحمن المسعودي وأبان بن تغلب كلهم عن القاسم عن عبد الله منقطعا
وليس فيه والمبيع قائم بعينه وابن أبي ليلى كان كثير الوهم في الإسناد والمتن وأهل العلم بالحديث لا يقبلون منه ما ينفرد به لكثرة أوهامه
وأصح إسناد روي في هذا الباب رواية أبي العميس عن عبد الرحمن بن قيس بن محمد بن الأشعث عن أبيه عن جده
فذكر الحديث الذي في أول الباب

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله قيل له ومن أين قلت قال إنما رواه عن جابر بن عبد الله
وقد روى أبو سلمة بن عبد الرحمن عن جابر مفسرا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة وأبو سلمة من الحفاظ
وروى أبو الزبير وهو من الحفاظ عن جابر ما يوافق قول أبي سلمة ويخالف ما روى عبد الملك بن أبي سليمان
وفيه من الفرق بين الشريك وبين المقاسم فكان أولى الأحاديث أن يؤخذ به عندنا والله أعلم لأنه أثبتها إسنادا وأبينها لفظا عن النبي صلى الله عليه و سلم وأعرقها في الفرق بين المقاسم وغير المقاسم
هذا آخر كلامه
قال الترمذي وإنما ترك شعبة حديث عبد الملك لحال هذا الحديث
تم كلامه

وروى الحاكم من طريق أمية بن خالد قال قلت لشعبة مالك لاتحدث عن عبد الملك بن أبي سليمان قال تركت حديثه قال قلت تحدث عن محمد بن عبد الله العرزمي وتدع عبد الملك وقد كان حسن الحديث قال من حسنها فررت
وقال أحمد بن سعيد الدارمي سمعت مسددا وغيره من أصحابنا عن يحيى بن سعيد قال قال شعبة لو أن عبد الملك جاء بمثله آخر أو اثنين لتركت حديثه يعني حديث الشفعة
وقال أبو قدامة عن يحيى القطان قوله لو روى عبد الملك بن أبي سليمان حديثا مثل حديث الشفعة لتركت حديثه
وقال بعض الناس هذا رأى لعطاء أدرجه عبد الملك في الحديث إدراجا
فهذا ما رمى به الناس عبد الملك وحديثه
وقال آخرون عبد الملك أجل وأوثق من أن يتكلم فيه
وكان يسمى الميزان لإتقانه وضبطه وحفظه ولم يتكلم فيه أحد قط إلا شعبة وتكلم فيه من أجل هذا الحديث وهو كلام باطل
فإنه إذا لم يضعفه إلا من أجل هذا الحديث كان ذلك دورا باطلا فإنه لا يثبت ضعف الحديث حتى يثبت ضعف عبد الملك فلا يجوز أن يستفاد ضعفه من ضعف الحديث الذي لم يعلم ضعفه إلا من جهة عبد الملك ولم يعلم ضعف عبد الملك إلا بالحديث وهذا محال من الكلام فإن الرجل من الثقات الأثبات الحفاظ الذين لا مطمح للطعن فيهم
وقد احتج به مسلم في صحيحه وخرج له عدة

أحاديث ولم يذكر لصحيح حديثه والاحتجاج به أحد من أهل العلم واستشهد به البخاري ولم يرو ما يخالف الثقات بل روايته موافقة لحديث أبي رافع الذي أخرجه البخاري ولحديث سمرة الذي صححه الترمذي فجابر ثالث ثلاثة في هذا الحديث أبي رافع وسمرة وجابر فأي مطعن على عبد الملك في رواية حديث قد رواه عن النبي صلى الله عليه و سلم جماعة من الصحابة
والذين ردوا حديثه ظنوا أنه معارض لحديث جابر الذي رواه أبو سلمة عنه الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة
وفي الحقيقة لا تعارض بينهما فإن منطوق حديث أبي سلمة انتفاء الشفعة عند تميز الحدود وتصريف الطرق واختصاص كل ذي ملك بطريق ومنطوق حديث عبد الملك إثبات الشفعة بالجوار عند الاشتراك في الطريق ومفهومه انتفاء الشفعة عند تصريف الطرق فمفهومه موافق لمنطوق حديث أبي سلمة وأبي الزبير ومنطوقه غير معارض له وهذا بين وهو أعدل الأقوال في المسألة
فإن الناس في شفعة الجوار طرفان ووسط
فأهل المدينة وأهل الحجاز وكثير من الفقهاء ينفونها مطلقا
وأهل الكوفة يثبتونها عند الاشتراك في حق من حقوق الملك كالطريق والماء ونحوه وينفونها عند تميز كل ملك بطريقه حيث لا يكون بين الملاك اشتراك
وعلى هذا القول تدل أحاديث جابر منطوقها ومفهومها ويزول عنها التضاد والاختلاف ويعلم أن عبد الملك لم يرو ما يخالف رواية غيره
والأقوال الثلاثة في مذهب أحمد وأعدلها وأحسنها هذا القول الثالث والله الموفق للصواب

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقد أعله الشافعي بأنه كالمدرج في حديث أبي هريرة يعني قوله فإن كان قضى من ثمنها إلى آخره
قال الشافعي في جواب من سأله لم لا تأخذ بحديث أبي بكر بن عبد الرحمن هذا يعني المرسل فقال الذي أخذت به أولى من قبل أن ما أخذت به موصول يجمع فيه النبي صلى الله عليه و سلم بين الموت والإفلاس وحديث ابن شهاب منقطع ولو لم يخالفه غيره لم يكن مما يثبته أهل الحديث ولو لم يكن في تركه حجة إلا هذا انتفى لمن عرف الحديث تركه من الوجهين مع أن أبا بكر بن عبد الرحمن يروي عن أبي هريرة حديثه ليس فيما روى ابن شهاب عنه مرسلا إن كان رواه كله ولا أدري عمن رواه ولعله روى أول الحديث وقال برأيه آخره وموجود في حديث أبي بكر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه انتهى فيه إلى قوله فهو أحق به وأشبه أن يكون ما زاد على هذا قولا من أبي بكر لا رواية تم كلامه

وقد روى الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن محمد بن حزم عن عمر بن عبد العزيز عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة يرفعه أيما رجل أفلس ثم وجد رجل سلعته عنده بعينها فهو أولى بها من غيره قال الليث بلغنا أن ابن شهاب قال أما من مات ممن أفلس ثم وجد رجل سلعته بعينها فإنه أسوة الغرماء يحدث بذلك عن أبي بكر بن عبد الرحمن
قال البيهقي هكذا وجدته غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه و سلم في آخره
وفي ذلك كالدلالة على صحة ما قال الشافعي
وقال غيره هذا الحديث قد رواه عبدالرزاق عن مالك عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبدالرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قاله ابن عبدالبر
وقد رواه إسماعيل بن عياش عن الزبيدي عن الزهري عن أبي بكر بن عبدالرحمن عن أبي هريرة
ومن هذه الطريق أخرجه أبو داود
والزبيدي هو محمد بن الوليد شامي حمصي
وقد قال الإمام أحمد ويحيى بن معين وغيرهما حديث إسماعيل بن عياش عن الشاميين صحيح
فهذا الحديث على هذا صحيح وقد رواه موسى بن عقبة عن الزهري عن أبي بكر بن عبدالرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم ذكره ابن عبدالبر
فهؤلاء ثلاثة وصلوه عن الزهري مالك في رواية عبد الرازق وموسى بن عقبة ومحمد بن الوليد وكونه مدرجا لا يثبت إلا بحجة
فإن الراوي لم يقل قال فلان بعد ذكره المرفوع وإنما هو ظن

وأما قول الليث بلغنا أن ابن شهاب قال أما من مات إلى آخره فهو مع انقطاعه ليس بصريح في الإدراج فإنه فسر قوله بأنه رواية عن أبي بكر لا رأي منه
ولم يقل إن أبا بكر قاله من عنده وإنما قال يحدث بذلك عن أبي بكر والحديث صالح للرأي والرواية ولعله في الرواية أظهر
بالجملة فالإدراج بمثل هذا لا يثبت ولا يعلل به الحديث والله أعلم

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وفي لفظ في الصحيح أكل ولدك نحلته مثل هذا قال لا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم فأرجعه وفي لفظ قال فرده وفي لفظ آخر قال فيه فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم فرجع أبي في تلك الصدقة
وفي لفظ لهما فلا تشهدني إذن فإني لا أشهد على جور وفي آخر فلا تشهدني على جور وفي آخر فأشهد على هذا غيري وفي أخر أيسرك أن يكون بنوك في البر سواء قال بلى قال فلا إذن وفي لفظ آخر أفكلهم أعطيت مثل ما أعطيته قال لا قال فليس يصلح هذا
وإني لا أشهد إلا على حق وكل هذه الألفاظ في الصحيح وغالبها في صحيح مسلم
وعند البخاري منها لا تشهدني على جور وقوله لا أشهد على جور والأمر برده وفي لفظ سوي بينهم وفي لفظ هذا جور أشهد على هذا غيري
وهذا صريح في أن قوله أشهد على هذا غيري ليس إذنا بل هو تهديد لتسميته إياه جورا
وهذه كلها ألفاظ صحيحة صريحة في التحريم والبطلان من عشرة أوجه تؤخذ من الحديث

ومنها قوله أشهد على هذا غيري فإن هذا ليس بإذن قطعا
فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يأذن في الجور وفيما لا يصلح وفي الباطل فإنه قال إني لا أشهد إلا على حق فدل ذلك على أن الذي فعله أبو النعمان لم يكن حقا فهو باطل قطعا
فقوله إذن أشهد على هذا غيري حجة على التحريم كقوله تعالى اعملوا ما شئتم وقوله صلى الله عليه و سلم إذا لم تستحي فاصنع ما شئت أي الشهادة على هذا ليست من شأني ولا تنبغي لي
وإنما هي من شأن من يشهد على الجور والباطل وما لا يصلح وهذا في غاية الوضوح
وقد كتبت في هذه المسألة مصنفا مفردا استوفيت فيه أدلتها وبينت من خالف هذا الحديث ونقضها عليهم وبالله التوفيق

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله اختلف أهل الحديث في سماع الحسن من سمرة على ثلاثة أقوال
أحدها صحة سماعه منه مطلقا وهذا قول يحيى بن سعيد وعلي بن المديني وغيرهما
والثاني أنه لا يصح سماعه منه وإنما روايته عنه من كتاب
والثالث صحة سماعه منه حديث العقيقة وحده قال البخاري في صحيحه حدثني عبد الله بن أبي الأسود حدثنا قريش بن أنس عن حبيب بن الشهيد قال أمرني ابن سيرين أن أسأل الحسن ممن

سمع حديث العقيقة فسألته فقال من سمرة بن جندب
وفي المسند من حديث المبارك بن فضالة عن الحسن قال حدثنا سمرة بن جندب قال ما خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم خطبة إلا أمرنا بالصدقة ونهانا عن المثلة وحديث الحسن هذا عن سمرة في العارية أخرجه الحاكم في صحيحه وقال هو على شرط البخاري وفيما قاله نظر
فإن البخاري لم يخرج حديث العقيقة في كتابه من طريق الحسن عن سمرة وأنما أخرجه من حديث أيوب السختياني عن ابن سيرين حدثنا سليمان بن عامر الضبي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول مع الغلام عقيقة الحديث ثم أتبعه قول حبيب بن الشهيد أمرني ابن سيرين إن أسأل الحسن ممن سمع حديث العقيقة فسألته فقال من سمرة
وهذا لا يدل على أن الحسن عن سمرة من شرط كتابه ولا أنه احتج به

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله هذا رواه النسائي من حديث ابن أبي ذئب عن عثمان بن محمد الأخنسي عن سعيد المقبري عن

أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من استعمل على القضاء فكأنما ذبح بغير سكين ثم ساقه من حديث المخرمي عن الأخنسي عن المقبري عن أبي هريرة يرفعه وقال فقد ذبح بغير سكين ثم اعتذر عن إخراجه حديث عثمان الأخنسي فقال وعثمان ليس بذاك القوي وإنما ذكرناه لئلا يخرج عثمان من الوسط ويجعل ابن أبي ذئب عن سعيد يعني لئلا يدلس فيسقط عثمان
فإذا أسقطه أحد فليعلم أنه بالطريق
ورواه النسائي أيضا من حديث داود بن خالد عن المقبري عن أبي هريرة
وليس في هذا الطريق ذكر الأخنسي ولكن قال النسائي داود بن خالد ليس بالمشهور

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقد أخرجه ابن ماجه في سننه من حديث يحيى بن سعيد الأموي عن محمد بن سعيد بن حسان عن عبادة بن نسي عن عبدالرحمن بن غنم حدثنا معاذ بن جبل قال لما بعثني رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى اليمن قال لا تقضين ولا تفصلن إلا بما تعلم وإن أشكل عليك أمر فقف حتى تبينه أو تكتب إلي فيه
وهذا أجود إسنادا من الأول ولا ذكر فيه للرأي

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقد روى الترمذي من حديث عمير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما وقال هذا

حديث حسن صحيح
وفي كثير من النسخ حسن فقط
وقد استدرك على الترمذي تصحيح حديث كثير هذا فإنه ضعيف قال عبد الله بن أحمد أمرني أبي أن أضرب على حديثه وقال مرة ضرب أبي على حديثه فلم يحدثنا به وقال هو ضعيف الحديث وقال ابن معين ليس بشيء
وقد روى الدارقطني في سننه حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال الصلح جائز بين المسلمين من طريق عفان حدثنا حماد بن زيد عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة وقال هذا

صحيح الإسناد وأخرجه الحاكم في المستدرك من هذا الوجه وقال صحيح على شرطهما
قلت وعلته أنه من رواية عبدالله بن الحسن المصيصي عن عفان وقد قال ابن حبان كان يقلب الأخبار ويسرقها لا يحتج بما انفرد به وقال الحاكم المصيصي ثقة تفرد به
10

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وهذا تعليل فاسد فإن البخاري رواه في صحيحه مسندا متصلا

وقوله قال لي طريق من طرق الرواية ليس بموجب لتعليل الإسناد
فالتعليل به تعنت
وقال علي بن المديني هذا حديث حسن ولا أعرف ابن أبي القاسم
وقال غيره هو محمد بن أبي القاسم الطويل قال يحيى بن معين ثقة كتبت عنه
وقد تأول قوم الآية تأويلات باطلة
فمنهم من قال كلها في المسلمين وقوله أو آخران من غيركم يعني من غير قبيلتكم وهذا باطل فإن الله افتتح الخطاب ياأيها الذين آمنوا ثم قال أو آخران من غيركم ومعلوم أن غير المؤمنين هم الكفار ولم يخاطب الله سبحانه بهذه الآية قبيلة دون قبيلة بل الخطاب بها على عادة خطاب القرآن لعموم المؤمنين
وحديث ابن عباس صريح في المراد بها وأن الشهود من أهل الكتاب
وقال بعضهم الشهادة هنا بمعنى الحضور لا الإخبار وهذا إخراج للكلام عن الفائدة وحمل له على خلاف مراده والسياق يبطل هذا التأويل المستنكر
وقال بعضهم الشهادة هنا بمعنى اليمين وظاهر السياق بل صريحه يشهد بأنها شهادة صريحة مؤكدة باليمين فلا يجوز تعطيل وصف الشهادة

وقال بعضهم الآية منسوخة وهذه دعوى باطلة فإن المائدة من آخر القرآن نزولا ولم يجىء بعدها ما ينسخها فلو قدر نص يعارض هذا من كل وجه لكان منسوخا بآية المائدة
وقال بعضهم هذه الآية ترك العمل بها إجماعا وهذه مجازفة وقول بلا علم فالخلاف فيها أشهر من أن يخفى وهي مذهب كثير من السلف وحكم بها أبو موسى الأشعري وذهب إليها الإمام أحمد

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقد احتج بحديث خزيمة من يرى أن للحاكم أن يحكم بعلمه قال وجرت شهادة خزيمة في ذلك مجرى التوكيد والاستظهار ولهذا لم يكن معها يمين
وهذا القول باطل والنبي صلى الله عليه و سلم إنما أمضى البيع بشهادة خزيمة وجعلها بمنزلة شاهدين وهذا لأن شهادة خزيمة على البيع ولم يره استندت إلى أمر هو أقوى من الرؤية وهو تصديق رسول الله صلى الله عليه و سلم بالبراهين الدالة على صدقه وأن كل ما

يخبر به حق وصدق قطعا فلما كان من المستقر عنده أنه الصادق في خبره البار في كلامه وأنه يستحيل عليه غير ذلك البتة كان هذا من أقوى التحملات فجزم بأنه بايعه كما يجزم لو رآه وسمعه بل هذه الشهادة مستندة إلى محض الإيمان وهي من لوازمه ومقتضاه
ويجب على كل مسلم أن يشهد بما شهد به خزيمة لما تميزت عن شهادة الرؤية والحس التي يشترك فيها العدل وغيره أقامها النبي صلى الله عليه و سلم مقام شهادة رجلين

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله قال ابن حاتم في كتاب العلل سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه ربيعة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قضى بشاهد ويمين فقالا هو صحيح قلت قال بعضهم يقول عن سهيل عن أبيه عن زيد بن ثابت فقالا وهذا صحيح أيضا هما جميعا صحيحان وقد روى ابن ماجه عن جابر أن النبي صلى الله عليه و سلم قضى باليمين مع الشاهد ورواه الإمام أحمد في مسنده

وفي المسند أيضا عن عمارة بن حزم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قضى باليمين مع الشاهد
وفي المسند أيضا عن سعد بن عبادة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قضى باليمين مع الشاهد
وفي المسند أيضا عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي أن النبي صلى الله عليه و سلم قضى بشهادة شاهد واحد ويمين صاحب الحق وقضى علي بن أبي طالب به بالعراق
وروى ابن ماجه عن سرق أن النبي صلى الله عليه و سلم أجاز شهادة رجل ويمين الطالب وأعل حديث أبي هريرة وحديث ابن عباس وهما أجود ما في الباب
أما حديث أبي هريرة فقالوا يرويه سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رواه عنه ربيعة قال الدراوردي فذكرت ذلك لسهيل
فقال أخبرني ربيعة وهو عندي ثقة أني حدثته إياه ولا أحفظه قال عبدالعزيز وكان أصاب سهيلا علة أذهبت عقله ونسي بعض حديثه فكان سهيل يحدث عن ربيعة عنه عن أبيه
والجواب عن هذا من وجوه

أحدها أن هذا لو ثبت لكان تعليلا لبعض طرق حديث أبي هريرة ولا يلزم من تعليل هذه الطريق تعليل أصل الحديث فقد رواه أبو الزناد عن الأعرج عنه ومن هذه الطريق أخرجه النسائي
الثاني أن هذا يدل على صدق الحديث فإن سهيلا صدق ربيعة وكان يرويه عنه عن نفسه ولكنه نسيه وليس نسيان الراوي حجة على من حفظ
الثالث أن ربيعة من أوثق الناس وقد أخبر أنه سمعه من سهيل فلا وجه لرد حديثه ولو أنكره سهيل فكيف ولم ينكره وإنما نسيه للعلة التي أصابته وقد سمعه منه ربيعة قبل أن تصيبه تلك العلة
وأما حديث ابن عباس فيرويه عمرو بن دينار عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم وقد روى عن عمرو بن دينار عن محمد بن علي أن النبي صلى الله عليه و سلم قضى بالشاهد واليمين
وهذا أيضا تعليل باطل لا يعترض بمثله على السنن الصحيحة وقد رواه الناس عن عمرو بن دينار عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم وصححه مسلم وقال النسائي إسناد جيد وساقه من طرق عن عمرو بن دينار عن ابن عباس
وقال الشافعي هو حديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يرد أحد من أهل العلم مثله لو لم يكن معه غيره من أن معه غيره مما يشده

وقال الشافعي قال لي محمد بن الحسن لو علمت أن سيف بن سليمان يروي حديث اليمين مع الشاهد يعني حديث ابن عباس لأفسدته عند الناس قلت ياأبا عبد الله إذا أفسدته فسد وسيف هذا ثقة اتفق الشيخان على الاحتجاج بحديثه
قال علي بن المديني سألت يحيى بن سعيد عن سيف بن سليمان فقال كان عندي ثبتا ممن يصدق ويحفظ وقال النسائي وسيف بن سليمان ثقة
وأعله الطحاوي وقال إنه منكر وقال قيس بن سعد لا نعلم يحدث عن عمرو بن دينار بشيء
وهذه علة باطلة لأن قيسا ثقة ثبت غير معروف بتدليس وقيس وعمرو مكيان في زمان واحد وإن كان عمرو أسن وأقدم وفاة منه وقد روى قيس عن عطاء ومجاهد وهما أكبر سنا وأقدم موتا من عمرو بن دينار
وقد روي عن عمرو من هو في قرن قيس وهو أيوب السختياني فمن اين جاء إنكار رواية قيس عن عمرو وقد روى جرير بن حازم عن قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن ابن جبير عن ابن عباس قصة المحرم الذي وقصته ناقته وهو من أصح الأحاديث

فقد تبين أن قيسا روى عن عمرو غير حديث ولم يعللها أحد من أئمة الحديث بانقطاع أصلا وقد تابع قيسا محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار عن ابن عباس ذكره النسائي وأبو داود والحديث مروي من وجوه عن ابن عباس فهو ثابت لا مطمع في رده بحمد الله
وقد أعله طائفة بالارسال بأن عمرو بن دينار رواه عن محمد بن علي عن النبي صلى الله عليه و سلم مرسلا
وهذا أيضا تعليل فاسد لا يؤثر في الحديث لأن راويه عن عمرو مرسلا إنسان ضعيف لا يعترض بروايته على الثقات
قال النسائي ورواه إنسان ضعيف فقال عن عمرو بن دينار عن محمد بن علي مرسل قال وهو متروك الحديث ولا يحكم بالضعفاء على الثقات تم كلامه
وهذه العلل وأمثالها تعنت لا تترك لها الأحاديث الثابتة ولو تركت السنن بمثلها لوجد السبيل إلى ترك عامة الأحاديث الصحيحة الثابتة بمثل هذه الخيالات
وهذه الطريق في مقابلها طريق الأصوليين وأكثر الفقهاء أنهم لا يلتفتون إلى علة للحديث إذا سلمت طريق من الطرق منها فإذا وصله ثقة أو رفعه لا يبالون بخلاف من خالفه ولو كثروا
والصواب في ذلك طريقة أئمة هذا الشأن العالمين به وبعلله وهو النظر والتمهر في العلل والنظر في الوقفين والرافعين والمرسلين والواصلين أنهم أكثر وأوثق وأخص بالشيخ وأعرف بحديثه إلى غير ذلك من الأمور التي يجزمون معها بالعلة المؤثرة في موضع وبانتفائها في موضع آخر لا يرتضون طريق هؤلاء ولا طريق هؤلاء

والمقصود أن هذا الأصل قد رواه عن النبي صلى الله عليه و سلم عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عمر وعبد الله بن عمرو وسعد بن عبادة وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس وأبو هريرة وسرق وعمارة بن حزم وجماعة من الصحابة وعمرو بن شعيب مرسلا ومتصلا والمنقطع أصح وأبو سعيد الخدري وسهل بن سعد
فحديث ابن عباس
رواه مسلم
وحديث أبي هريرة حسن صححه أبو حاتم الرازي
وحديث جابر حسن وله علة وهي الإرسال قاله أبو حاتم الرازي
وحديث زيد بن ثابت صححه أبو زرعة وأبو حاتم رواه سهيل عن أبيه عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قضى بشاهد ويمين
وحديث سعد بن عبادة رواه الترمذي والشافعي وأحمد
وحديث سرق رواه ابن ماجه وتفرد به
وله علة هي رواية ابن البيلماني عنه
وحديث الزبيب حسن رواه عنه شعيب بن عبد الله بن الزبيب العنبري حدثني أبي قال سمعت جدي الزبيب وشعيب ذكره ابن حبان في الثقات

وحديث عمرو بن شعيب رواه مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج عن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قضى باليمين مع الشاهد منقطعا وهو الصحيح
وحديث أبي سعيد رواه الطبراني في معجمه الصغير بإسناد ضعيف
وحديث سهل بن سعد رواه أبو بكر بن أبي شيبة وهو ضعيف عن أبي حازم عن سهل فالعمدة على الأحاديث الثابتة وبقيتها شواهد لا تضر

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله خالفه سعيد بن أبي عروبة في إسناده ومتنه ثم ساقه من حديث سعيد عن قتادة عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى أن رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه و سلم في دابة ليست لواحد منهما بينة فقضى بها بينهما نصفين ثم قال إسناد هذا الحديث جيد
والحديث الذي أنكره النسائي قد أخرجه أبو داود من غير طريق محمد بن كثير أخرجه بإسناد كلهم ثقات
رواه من حديث همام عن قتادة عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى ورواه الضحاك بن حمزة عن قتادة عن أبي مجلز عن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى وروي عن حماد بن سلمة عن قتادة عن النضر بن أنس عن أبي بردة عن أبي موسى وقيل عن حماد عن قتادة عن النضر عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة قال البيهقي
وليس بمحفوظ
قال والأصل في هذا الباب حديث سماك بن حرب عن تميم بن طرفة أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم في بعير فأقام كل واحد منها شاهدين فقضى به بينهما نصفين وهذا منقطع

وقال الترمذي في كتاب العلل سألت محمد بن إسماعيل عن حديث سعيد بن أبي بردة عن أبيه في هذا الباب فقال يرجع هذا الحديث إلى حديث سماك بن حرب عن تميم بن طرفة
قال محمد روى حماد بن سلمة قال قال سماك بن حرب أنا حدثت أبا بردة بهذا الحديث تم كلامه
وقد رواه غندر عن شعبة عن قتادة عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه مرسلا قال البيهقي وإرسال شعبة له كالدلالة على صحة ما قال البخاري

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله قد صح عن النبي صلى الله عليه و سلم النهي عن الكتابة والإذن فيها والإذن متأخر فيكون ناسخا لحديث النهي فإن النبي صلى الله عليه و سلم قال في غزاة الفتح اكتبوا لأبي شاه يعني خطبته التي سأل أبو شاه كتابتها وأذن لعبد الله بن عمرو في الكتابة وحديثه متأخر عن النهي لأنه لم يزل يكتب ومات وعنده كتابته وهي الصحيفة التي كان يسميها الصادقة ولو كان النهي عن الكتابة متأخرا لمحاها عبد الله لأمر النبي صلى الله عليه و سلم بمحو ما كتب عنه غير القرآن فلما لم يمحها وأثبتها دل على أن الإذن في الكتابة متأخر عن النهي عنها وهذا واضح
والحمد لله
وقد صح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لهم في مرض موته ائتوني باللوح والدواة والكتف لأكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا
هذا إنما كان يكون كتابة كلامه بأمره وإذنه
وكتب النبي صلى الله عليه و سلم لعمرو بن حزم كتابا عظيما في الديات وفرائض الزكاة وغيرها وكتبه في الصدقات معروفة مثل كتاب عمر بن الخطاب وكتاب أبي بكر الصديق الذي دفعه إلى أنس رضي الله عنهم
وقيل لعلي هل خصكم رسول الله صلى الله عليه و سلم بشيء فقال لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا ما في هذه الصحيفة وكان فيها العقول وفكاك الأسير وأن لا يقتل مسلم بكافر
وإنما نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن كتابة غير القرآن في أول الإسلام لئلا يختلط القرآن بغيره فلما علم القرآن وتميز وأفرد بالضبط والحفظ وأمنت عليه مفسدة الاختلاط أذن في الكتابة

وقد قال بعضهم إنما كان النهي عن كتابة مخصوصة وهي أن يجمع بين كتابة الحديث والقرآن في صحيفة واحدة خشية الالتباس
وكان بعض السلف يكره الكتابة مطلقا
وكان بعضهم يرخص فيها حتى يحفظ فإذا حفظ محاها
وقد وقع الاتفاق على جواز الكتابة وإبقائها ولولا الكتابة ما كان بأيدينا اليوم من السنة إلا أقل القليل

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وفي الصحيحين عن علي أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من تعمد على كذبا فليتبوأ مقعده من النار

وفيهما أيضا عن المغيرة بن شعبة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إن كذبا علي ليس ككذب على غيري فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار
وفيهما أيضا عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار
وفي صحيح البخاري عن سلمة بن الأكوع قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من يقل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله ولهذا صححه جماعة منهم ابن حبان وغيره ورواه ابن خزيمة حدثنا حفص بن عمرو الربالي حدثنا إسماعيل بن إبراهيم الكرابيسي حدثنا ابن عون عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة مرفوعا وهؤلاء كلهم ثقات
ورواه ابن ماجه عن محمد بن عبد الله الأنصاري عن إسماعيل بن إبراهيم به
ومن أجودها أيضا حديث عبد الله بن عمرو رواه الجماعة عن ابن وهب الإمام عن عبد الله بن عباس عن أبيه عن أبي عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو يرفعه وهذا إسناد صحيح
وقد ظن أبو الفرج بن الجوزي أن هذا هو ابن وهب النسوي الذي قال فيه ابن حبان يضع الحديث فضعف الحديث به
وهذا من غلطاته بل هو ابن وهب الإمام العلم
والدليل عليه أن الحديث من رواية أصبغ بن الفرج ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم

وغيرهما من أصحاب ابن وهب عنه
والنسوي متأخر من طبقة يحيى بن صاعد والعجب من أبي الفرج كيف خفي عليه هذا وقد ساقها من طريق أصبغ وابن عبد الحكم عن ابن وهب
وحديث أبي سعيد أخرجه ابن ماجه من حديث محمد بن داب وهو كذاب
وحديث أنس رواه ابن ماجه أيضا من حديث الهيثم بن جميل حدثني عمرو بن سليم حدثنا سيف بن إبراهيم عن أنس فذكره وإسناده ضعيف
وحديث جابر أجود طرقه ما رواه ابن ماجه حدثنا الحسن عن أبي السري العسقلاني حدثنا خالد بن تميم عن عبد الله بن السري عن محمد بن المنكدر عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أذا لعن آخر هذه الأمة أولها فمن كتم حديثا فقد كتم ما أنزل الله عز و جل وهؤلاء ثقات

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقد أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين عن أنس قال إن الخمر حرمت والخمر يومئذ البسر والتمر

وفي صحيح مسلم عن أنس قال لقد أنزل الله الآية التي حرم فيها الخمر وما بالمدينة شراب يشرب إلا من تمر وفي صحيح البخاري عن أنس قال حرمت علينا الخمر حين حرمت وما نجد خمر الأعناب إلا قليلا وعامة خمرنا البسر والتمر

وفي صحيح البخاري أيضا عن ابن عمر قال نزل تحريم الخمر وإن بالمدينة يومئذ لخمسة أشربة ما فيها شراب العنب وأخرجه مسلم أيضا
وفي الصحيحين أيضا عن أنس قال كنت أسقي أبا عبيدة وأبا طلحة وأبي بن كعب فضيخ زهو وتمر فجاءهم آت فقال إن الخمر قد حرمت فقال أبو طلحة قم ياأنس فأهرقها وفي لفظ قال عبد العزيز بن صهيب قلت لأنس ما هو قال بسر ورطب وفي لفظ في الصحيحين عن أنس وسألوه عن الفضيخ فقال ما كان لنا خمر غير فضيخكم هذا الذي تسمونه الفضيخ إني لقائم أسقي أبا طلحة وأبا أيوب ورجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم في بيتنا إذ جاء رجل فقال هل بلغكم الخبر فقلنا لا فقال إن الخمر قد حرمت فقال ياأنس أرق هذه القلال قال فما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل
فهذه النصوص الصحيحة الصريحة في دخول هذه الأشربة المتخذة من غير العنب في اسم الخمر في اللغة التي نزل بها القرآن وخوطب بها الصحابة مغنية عن التكلف في إثبات تسميتها خمرا بالقياس مع كثرة النزاع فيه
فإذ قد ثبت تسميتها خمرا نصا فتناول لفظ النصوص لها كتناوله لشراب العنب سواء تناولا واحدا

فهذه طريقة قريبة منصوصة سهلة تريح من كلفة القياس في الأسم والقياس في الحكم
ثم إن محض القياس الجلي يقتضي التسوية بينهما لأن تحريم قليل شراب العنب مجمع عليه وإن لم يسكر وهذا لأن النفوس لا تقتصر على الحد الذي لا يسكر منه وقليله يدعو إلى كثيره وهنا المعنى بعينه في سائر الأشربة المسكرة فالتفريق بينها في ذلك تفريق بين المتماثلات وهو باطل فلو لم يكن في المسألة إلا القياس لكان كافيا في التحريم فكيف وفيها ما ذكرناه من النصوص التي لا مطعن في سندها ولا اشتباه في معناها بل هي صحيحة صريحة وبالله التوفيق
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وحديث ابن عمر رواه أحمد في مسنده وابن ماجه وصححه الدارقطني
وحديث عبد الله بن عمرو رواه أحمد والنسائي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ولا يصح حمل هذه الأحاديث على القليل من القدر المسكر لأن صريح الحديث يرده لقوله في حديث عائشة ما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام فهذا صريح في أن الشراب إذا كان إنما يسكر منه بالفرق فملء الكف منه حرام مع أنه لا يحصل به سكر وهذا مراد الأحاديث فإن الأسكار إنما يحصل بالمجموع من الشراب الذي يقع به السكر ومن ظن أنه إنما يقع بالشربة الأخيرة فقد غلط فإن الشربة الأخيرة إنما أثرت السكر بانضمامها إلى ما قبلها ولو انفردت لم تؤثره فهي كاللقمة الأخيرة في الشبع والمصة الأخيرة في الري وغير ذلك من المسببات التي تحصل عند كمال سببها بالتدريج شيئا فشيئا
فإذا كان السكر يحصل بقدر معلوم من الشراب كان أقل ما يقع عليه الاسم منه حراما لأنه قليل من الكثير المسكر مع القطع بأنه لا يسكر وحده وهذا في غاية الوضوح

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وفي صحيح مسلم عن جابر أن رجلا قدم من جيشان وجيشان من اليمن فسأل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة يقال له المزر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أو مسكر هو قال نعم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم كل مسكر حرام إن على الله عهدا لمن شرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال قالوا يارسول الله وما طينة الخبال قال عرق أهل النار أو عصارة أهل النار

وفي مسند الإمام أحمد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال كل مسكر حرام ورواه النسائي والترمذي وابن ماجه وقال الترمذي صحيح
وفي سنن ابن ماجه عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال كل مسكر حرام قال ابن ماجه هذا حديث المصريين رواه من حديث أيوب بن هانىء عن مسروق عنه
وفي سنن ابن ماجه أيضا عن يعلى بن شداد بن أوس قال سمعت معاوية يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول كل مسكر حرام على كل مؤمن قال ابن ماجه وهذا حديث العراقيين

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله ولفظ حديث ابن ماجه الذي أشار إليه المنذري ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير

وقد أخرج ابن ماجه أيضا من حديث ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أبي أمامة يرفعه لا تذهب الليالي والأيام حتى يشرب طائفة من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها وأخرجه أيضا من حديث ابن محيريز عن ثابت بن السمط عن عبادة عن النبي صلى الله عليه و سلم
وقال البخاري في صحيحه

باب ما جاء فيمن يستحل الخمر
ويسميه بغير اسمه وقال هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثنا عطية بن قيس الكلاعي قال حدثني عبد الرحمن بن غنم الأشعري قال حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري والله ما كذبني سمع النبي صلى الله عليه و سلم يقول ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الخز والحرير والخمر والمعازف ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم تأتيهم الحاجة فيقولون ارجع إلينا غدا فيبيتهم الله ويضع العلم ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة
وقد طعن ابن حزم وغيره في هذا الحديث وقالوا لا يصح لأنه منقطع لم يذكر البخاري من حدثه به وإنما قال وقال هشام بن عمار وهذا القدح باطل من وجوه
أحدها أن البخاري قد لقي هشام بن عمار وسمع منه فإذا روى عنه معنعنا حمل على الاتصال اتفاقا لحصول المعاصرة والسماع فإذا قال قال هشام لم يكن فرق بينه وبين قوله عن هشام أصلا
الثاني أن الثقات الأثبات قد رووه عن هشام موصولا قال الإسماعيلي في صحيحه أخبرني الحسن حدثنا هشام بن عمار بإسناده ومتنه والحسن هو ابن سفيان

الثالث أنه قد صح من غير حديث هشام قال الإسماعيلي في الصحيح حدثنا الحسن حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم حدثنا بشر حدثنا ابن جابر عن عطية بن قيس قال قام ربيعة الجرشي في الناس فذكر حديثا فيه طول قال فإذا عبد الرحمن بن غنم فقال يمينا حلفت عليها حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري والله يمينا أخرى حدثني أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ليكونن في أمتي قوم يستحلون الخمر وفي حديث هشام الخمير والحرير وفي حديث دحيم الخز والحرير والخمر والمعازف فذكر الحديث ورواه عثمان بن أبي شيبة حدثنا زيد بن الحباب قال أخبرني معاوية بن صالح حدثني حاتم بن حريث عن مالك بن أبي مريم قال تذاكرنا الطلاق فدخل علينا عبد الرحمن بن غنم فقال حدثني أبو مالك الأشعري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكر الحديث بلفظه
الرابع أن البخاري لو لم يلق هشاما ولم يسمع منه فإدخاله هذا الحديث في صحيحه وجزمه به يدل على أنه ثابت عنده عن هشام فلم يذكر الواسطة بينه وبينه إما لشهرتهم وإما لكثرتهم فهو معروف مشهور عن هشام تغني شهرته به عن ذكر الواسطة
الخامس أن البخاري له عادة صحيحة في تعليقه وهي حرصه على إضافته الحديث إلى من عقله عنه إذا كان صحيحا عنده فيقول وقال فلان وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم وإن كان فيه علة قال ويذكر عن فلان أو ويذكر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ومن استقرأ كتابه علم ذلك وهنا قد جزم بإضافة الحديث إلى هشام فهو صحيح عنده السادس أنه قد ذكره محتجا به مدخلا له في كتابه الصحيح أصلا لا استشهادا فالحديث صحيح بلا ريب

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقد خرج مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم زجر عن الشرب قائما
وفيه أيضا عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لا يشربن أحد منكم قائما فمن نسي فليستقيء

وفي الصحيحين عن ابن عباس قال سقيت رسول الله صلى الله عليه و سلم من زمزم فشرب وهو قائم
وفي لفظ آخر فحلف عكرمة ما كان يومئذ إلا على بعير
فاختلف في هذه الأحاديث فقوم سلكوا بها مسلك النسخ وقالوا آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه و سلم الشرب قائما كما شرب في حجة الوداع
وقالت طائفة في ثبوت النسخ بذلك نظر فإن النبي صلى الله عليه و سلم لعله شرب قائما لعذر وقد حلف عكرمة أنه كان حينئذ راكبا وحديث علي قصة عين فلا عموم لها
وقد روى الترمذي عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن جدته كبشة قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم وفي البيت قربة معلقة فشرب قائما فقمت إلى فيها فقطعته
وقال الترمذي حديث صحيح
وأخرجه ابن ماجه
وروى أحمد في مسنده عن أم سليم قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم وفي البيت قربة معلقة فشرب منها وهو قائم فقطعت فاها فإنه لعندي
فدلت هذه الوقائع على أن الشرب منها قائما كان لحاجة لكون القربة معلقة وكذلك شربه من زمزم أيضا لعله لم يتمكن من القعود ولضيق الموضع أو لزحام وغيره
وبالجملة فالنسخ لا يثبت بمثل ذلك
وأما حديث ابن عمر كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم نأكل ونحن نمشي ونشرب ونحن قيام رواه الإمام أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه فلا يدل أيضا على النسخ إلا بعد ثلاثة أمور مقاومته لأحاديث النهي في الصحة وبلوغ ذلك النبي صلى الله عليه و سلم وتأخره عن أحاديث النهي وبعد ذلك فهو حكاية فعل لا عموم لها فإثبات النسخ بهذا عسير والله أعلم

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله في هذه المسألة قولان لأهل العلم أحدهما يستحب غسل اليدين قبل الطعام والثاني لا يستحب
وهما في مذهب أحمد وغيره والصحيح
أنه لا يستحب وقال النسائي في كتابه الكبير باب ترك غسل اليدين قبل الطعام ثم ذكر من حديث ابن جريج عن سعيد بن الحويرث عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تبرز ثم خرج فطعم ولم يمس ماء وإسناده صحيح
ثم قال باب غسل الجنب يده إذا طعم
وساق من حديث الزهري عن أبي سلمة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة
وإذا أراد أن يأكل غسل يديه

وهذا التبويب والتفصيل في المسألة هو الصواب
وقال الخلال في الجامع عن مهنا قال سألت أحمد عن حديث قيس بن الربيع عن أبي هاشم عن زاذان عن سلمان عن النبي صلى الله عليه و سلم بركة الطعام الوضوء قبله وبعده فقال لي أبو عبد الله هو منكر
فقلت ما حدث بهذا إلا قيس بن الربيع قال لا
وسألت يحيى بن معين وذكرت له حديث قيس بن الربيع عن أبي هاشم عن زاذان عن سلمان الحديث فقال لي يحيى بن معين ما أحسن الوضوء قبل الطعام وبعده قلت له بلغني عن سفيان الثوري أنه كان يكره الوضوء قبل الطعام
وقال مهنا سألت أحمد قلت بلغني عن يحيى بن سعيد أنه قال كان سفيان يكره غسل اليد عند الطعام قلت لم كره سفيان ذلك قال لأنه من زي العجم وضعف أحمد حديث قيس بن الربيع

قال الخلال وأخبرنا أبو بكر المروذي قال رأيت أبا عبد الله يغسل يديه قبل الطعام وبعده وإن كان على وضوء

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله أحاديث النهي عن أكل لحوم الحمر الأهلية رواها عن النبي صلى الله عليه و سلم علي بن أبي طالب وجابر بن عبد الله والبراء بن عازب وابن أبي أوفى وأنس بن مالك والعرباض بن سارية وأبو ثعلبة الخشني وعبد الله بن عمر وأبو سعيد الخدري وسلمة بن الأكوع والحكم بن عمرو الغفاري

والمقدام بن معد يكرب وأبو أمامة الباهلي وعبد الله بن عباس وثابت بن وديعة وأبو سليك البدري وعبد الله بن عمرو وزاهر الأسلمي وأبو هريرة وخالد بن الوليد
فأما حديث علي فمتفق عليه من حديث الزهري عن الحسن بن محمد بن الحنفية عن أبيه عن علي
وأما حديث جابر فمتفق عليه أيضا من رواية عمرو بن دينار عن محمد بن علي بن الحسين عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل وهو لمسلم أيضا من رواية أبي الزبير عنه
وأما حديث البراء بن عازب فمتفق عليه أيضا من طريق شعبة عن عدي بن ثابت عن البراء كنا مع النبي صلى الله عليه و سلم فأصبنا حمرا فطبخناها فأمر مناديا ينادي أن أكفئوا القدور
وأما حديث ابن أبي أوفى فمتفق عليه أيضا من حديث سليمان الشيباني عنه أصابتنا مجاعة ليالي خيبر فلما كان يوم خيبر وقعنا في لحوم الحمر الأهلية فانتحرناها فلما غلت بها القدور نادى منادي رسول الله صلى الله عليه و سلم أكفئوا القدور ولا تأكلوا من لحم الحمر شيئا
وعند النسائي فيه فأتانا منادي النبي صلى الله عليه و سلم فقال إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد حرم لحم الحمر فأكفئوا القدور بما فيها فكفأناها
وأما حديث أنس فمتفق عليه أيضا من رواية محمد بن سيرين عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم جاءه جاء فقال أكلت الحمر ثم جاءه جاء فقال أفنيت الحمر فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم رجلا فنادى إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر فأنها ركس فأكفئت القدور وإنها لتفور باللحم
وفي مسلم إنها رجس من عمل الشيطان
قلت وكان المنادي أبا طلحة الأنصاري قاله يزيد بن زريع عن هشام
وأما حديث العرباض بن سارية فرواه الترمذي من حديث أم حبيبة بنت العرباض بن سارية عن

أبيها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى يوم خيبر عن كل ذي ناب من السباع وعن كل ذي مخلب من الطير وعن لحوم الحمر الأهلية وعن المجثمة
وأما حديث أبي ثعلبة الخشني فمتفق عليه من حديث الزهري عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ثعلبة قال حرم رسول الله صلى الله عليه و سلم لحم الحمر ولحم كل ذي ناب من السباع لفظ البخاري
ولفظ مسلم حرم رسول الله صلى الله عليه و سلم لحوم الحمر الأهلية
ورواه النسائي من حديث بقية عن بحير بن سعيد عن خالد بن معدان عن جبير بن نفير عن أبي ثعلبة أنهم غزوا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى خيبر والناس جياع فوجدوا فيها حمرا من حمر الإنس فذبح الناس منها فحدث بذلك النبي صلى الله عليه و سلم فأمر عبد الرحمن بن عوف فأذن في الناس ألا إن لحوم الحمر الإنسية لا تحل لمن يشهد إني رسول الله
وأما حديث عبد الله بن عمر فمتفق عليه من حديث نافع وسالم عنه نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن لحوم الحمر الأهلية زاد مسلم يوم خيبر
وأما حديث أبي سعيد الخدري فرواه عثمان بن سعيد الدارمي حدثنا نعيم بن حماد حدثنا ابن المبارك حدثنا يونس بن أبي إسحاق حدثني أبو الوداك حدثني أبو سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم مر بالقدور وهي تغلي فقال ما هذا اللحم فقالوا لحوم الحمر الأهلية فقال أو وحشية قلنا بل أهلية فقال لنا أكفئوها فكفأناها وإنا لجياع نشتهيها احتج البخاري بنعيم بن حماد ومسلم بأبي الوداك جبر بن نوف فالإسناد صحيح

وأما حديث سلمة بن الأكوع فرواه البخاري وهو من ثلاثياته حدثنا المكي بن إبراهيم حدثنا يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع قال لما أمسوا يوم خيبر أوقدوا النيران فقال النبي صلى الله عليه و سلم علام أوقدتم هذه النيران قالوا على لحوم الحمر الإنسية قال أهريقوا ما فيها واكسروا قدورها فقام رجل من القوم فقال نهريق ما فيها ونغسلها قال النبي صلى الله عليه و سلم أوذا ورواه مسلم
وهو صريح في أن ما لا يؤكل لحمه لا يطهر بالذكاة وأنها لا تعمل فيه شيئا
وأما حديث الحكم بن عمرو فرواه البخاري من حديث عمرو بن دينار قال قلت لجابر بن زيد زعموا أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن الحمر الأهلية فقال قد كان يقول ذلك الحكم بن عمرو الغفاري عندنا بالبصرة ولكن أبى ذلك البحر ابن عباس وقرأ قل لا أجد فيما أوحى إلي محرما الآية

وأما حديث المقدام بن معد يكرب فرواه عثمان الدارمي حدثنا عبد الله بن صالح المصري أن معاوية بن صالح حدثه قال حدثني الحسن بن جابر أنه سمع المقدام بن معد يكرب يقول حرم رسول الله صلى الله عليه و سلم أشياء يوم خيبر منها الحمار الأهلي وقال يوشك رجل متكىء على أريكته يحدث بحديثي فيقول بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه من حلال أحللناه ومن حرام حرمناه ألا وإن مما حرم رسول الله لحوم الحمر الأهلية ولحم كل ذي ناب من السباع
وعبد الله بن صالح من شيوخ البخاري والحسن بن جابر وثقه ابن حبان ولم يتكلم فيه ورواه أبو اليمان عن جرير بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي عن المقدام وفيه ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السباع وهذا إسناد صحيح
وأما حديث أبي أمامة فرواه الدارمي أيضا حدثنا عبد الله بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثني القاسم ومكحول عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى يوم خيبر عن أكل الحمار الأهلي وعن أكل كل ذي ناب من السبع وهذا إسناد صحيح فإن مكحولا قد أدرك أبا أمامة وسمع منه
وفي حديث القاسم من رواية علي بن يزيد عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لبلال أذن في الناس أنه لا يحل لكم لحوم الحمر الأهلية ولا لحم كل ذي ناب من السباع ولا كل ذي مخلب من الطير
وأن الجنة لا تحل لعاص
وأما حديث ابن عباس فقال الدارمي حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عبيد الله بن موسى عن

سنان عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وهذا الإسناد على شرط الشيخين وفي الصحيحين عن الشعبي عن ابن عباس قال لا أدري أنهى رسول الله صلى الله عليه و سلم من أجل أنها كانت حمولة الناس فكره أن تذهب حمولتهم
أو حرمه في يوم خيبر يعني الحمر الأهلية
وهذا يدل على أن ابن عباس بلغة النهي ولكن نأوله

والتحقيق أن ابن عباس أباحها أولا حيث لم يبلغه النهي فسمع ذلك منه جماعة منهم أبو الشعثاء وغيره فرووا ما سمعوه ثم بلغه النهي عنها فتوقف هل هو للتحريم أو لأجل كونها حمولة فروى ذلك عنه الشعبي وغيره ثم لما ناظره علي بن أبي طالب جزم بالتحريم كما رواه عنه مجاهد
وأما حديث ثابت بن وديعة فرواه الدارمي أيضا حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا أبو عوانة عن حصين بن زيد بن وهب عن ثابت بن وديعة قال أصبنا حمرا أهلية يوم خيبر فطبخ الناس فمر بنا رسول الله صلى الله عليه و سلم والقدور تغلي فقال أكفئوها فكفأناها وهذاإسناد صحيح رواته كلهم ثقات
وأما حديث أبي سليك البدري فرواه الدارمي أيضا حدثنا عبد الله بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير حدثنا محمد بن إسحاق عن عبد الله بن عمرو بن ضمرة عن عبد الله بن أبي سليك عن أبيه وكان بدريا قال أتانا نهي رسول الله صلى الله عليه و سلم عن أكل الحمر وإن القدور لتغلي بها فكفأناها على وجهها
وأما حديث عبد الله بن عمرو فرواه أبو داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وهو في الأصل
وأما حديث زاهر الأسلمي فرواه الدارمي عن يحيى الحماني حدثنا شريك عن مجزأة بن زاهر عن أبيه قال مر النبي صلى الله عليه و سلم والقدور تغلي فسأل عنها فقالوا الحمر الأهلية فأمر بها فكفئت

وهذا الإسناد على رسم الشيخين
وأما حديث أبي هريرة فرواه الترمذي من حديث زائدة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حرم يوم خيبر كل ذي ناب من السباع والمجثمة والحمار الإنسي قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح
وأما حديث خالد بن الوليد فقد تقدم في الباب الذي قبل هذا
وقد اختلف في سبب النهي عن الحمر على أربعة أقوال وهي في الصحيح
أحدها لأنها كانت جوال القرية كما في حديث غالب هذا وهذا قد جاء في بعض طرق حديث عبد الله بن أبي أوفى أصابتنا مجاعة ليالي خيبر فلما كان يوم خيبر وقعنا في الحمر الأهلية فانتحرناها فلما غلت بها القدور نادى منادي رسول الله صلى الله عليه و سلم أن أكفئوا القدور ولا تأكلوا من لحوم الحمر شيئا فقال أناس إنما نهى عنها رسول الله صلى الله عليه و سلم لأنها لم تخمس وقال آخرون نهى عنها البتة
وقال البخاري في بعض طرقه نهى عنها البتة لأنها كانت تأكل العذرة فهاتان علتان
العلة الثالثة حاجتهم إليها فنهاهم عنها إبقاء لها كما في حديث ابن عمر المتفق عليه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن أكل لحوم الحمر الأهلية زاد في طريق أخرى وكان الناس قد احتاجوا إليها
العلة الرابعة أنه إنما حرمها لأنها رجس في نفسها وهذا أصح العلل فإنها هي التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه و سلم بلفظه كما في الصحيحين عن أنس قال لما افتتح رسول الله صلى الله عليه و سلم خيبر أصبنا حمرا خارجة من القرية وطبخناها فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه و سلم ألا إن الله ورسوله ينهيانكم عنها فإنها رجس من عمل الشيطان فهذا نص في سبب التحريم وما عدا هذه من العلل فإنما هي حدس وظن ممن قاله

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله قال عبدالحق هذا الحديث إنما يرويه الثقات من قول جابر وإنما أسند من وجه ضعيف من حديث يحيى بن سليم عن إسماعيل بن أمية عن أبي الزبير عن جابر ومن حديث عبدالعزيز بن عبد الله بن حمزة بن صهيب وهو ضعيف لم يرو عنه إلا إسماعيل بن عياش
وقال ابن القطان يحيى بن سليم وثقه ابن معين وتكلم فيه غيره من أجل حفظه والناس رووه موقوفا غير يحيى
وذكر أبو داود هذا الحديث وقال رواه الثوري وحماد عن أبي الزبير وقفاه على جابر
وقد أسند من وجه ضعيف عن ابن أبي ذئب عن أبي الزبير عن جابر
قال ابن القطان فإن كان عبدالحق ضعف المرفوع لكونه من رواية أبي الزبير فقد تناقض لتصحيحه الموقوف وهو عنه وإن عنى به ضعف يحيى بن سليم ناقض أيضا فكم من حديث صححه من روايته ولم يخالف يحيى بن سليم في رفعه عن إسماعيل بن أمية إلا من هو دونه وهو إسماعيل بن عياش وأما إسماعيل بن أمية فلا يسأل عن مثله وهذا تعنت من ابن القطان
والحديث إنما ضعف لأن الناس رووه موقوفا على جابر وانفرد برفعه يحيى بن أبي سليم وهو مع سوء حفظه قد خالف الثقات وانفرد عنهم ومثل هذا لا يحتج به أهل الحديث فهذا هو الذي أراده أبو داود وغيره من تضعيف الحديث

وأما تصحيحه حديث يحيى بن أبي سليم في غير هذا فلا إنكار عليه فيه فهذه طريقة أئمة الحديث العالمين بعلله يصححون حديث الرجل ثم يضعفونه بعينه في حديث آخر إذا انفرد أو خالف الثقات
ومن تأمل هذا وتتبعه رأى منه الكثير فإنهم يصححون حديثه لمتابعة غيره له أو لأنه معروف الرواية صحيح الحديث عن شيخ بعينه ضعيفها في غيره
وفي مثل هذا يعرض الغلط لطائفتين من الناس طائفة تجد الرجل قد خرج حديثه في الصحيح وقد احتج به فيه فحيث وجدوه في حديث قالوا هذا على شرط الصحيح وأصحاب الصحيح يكونون قد انتقوا حديثه ورووا له ما تابعه فيه الثقات ولم يكن معلولا ويتركون من حديثه المعلول وما شذ فيه وانفرد به عن الناس وخالف فيه الثقات أو رواه عن غير معروف بالرواية عنه ولا سيما إذا لم يجدوا حديثه عند أصحابه المختصين به فإن لهم في هذا نظرا واعتبارا اختصوا به عمن لم يشاركهم فيه فلا يلزم حيث وجد حديث مثل هذا أن يكون صحيحا ولهذا كثيرا ما يعلل البخاري ونظراؤه حديث الثقة بأنه لا يتابع عليه
والطائفة الثانية يرون الرجل قد تكلم فيه بسبب حديث رواه وضعف من أجله فيجعلون هذا سببا لتضعيف حديثه أين وجدوه فيضعفون من حديثه ما يجزم أهل المعرفة بالحديث بصحته
وهذا باب قد اشتبه كثيرا على غير النقاد
والصواب ما اعتمده أئمة الحديث ونقاده من تنقية حديث الرجل وتصحيحه والاحتجاج به في موضع وتضعيفه وترك حديثه في موضع آخر
وهذا فيما إذا تعددت شيوخ الرجل ظاهر كإسماعيل بن عياش في غير الشاميين وسفيان بن حسين في غير الزهري ونظائرهما متعددة
وإنما النقد الخفي إذا كان شيخه واحدا كحديث العلاء بن عبدالرحمن مثلا عن أبيه عن أبي هريرة فإن مسلما يصحح هذا الإسناد ويحتج بالعلاء وأعرض عن حديثه في الصيام بعد انتصاف شعبان وهو من روايته على شرطه في الظاهر ولم ير إخراجه لكلام الناس في هذا الحديث وتفرده وحده به
وهذا أيضا كثير يعرفه من له عناية بعلم النقد ومعرفة العلل

وهذا إمام الحديث البخاري يعلل حديث الرجل بأنه لا يتابع عليه ويحتج به في صحيحه ولا تناقض منه في ذلك

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وهذه الكلمة وهي الاستئذان قد قيل إنها مدرجة من كلام ابن عمر قال شعبة لا أرى هذه الكلمة إلا من كلام ابن عمر يعني الاستئذان ذكره البخاري في الصحيح

وقد روى الطبراني في المعجم من حديث يزيد بن زريع عن أبي خالد عن عطاء الخراساني عن ابن بريدة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم كنت نهيتكم عن الإقران وإن الله قد أوسع الخير فأقرنوا
فذهبت طائفة منهم الحازمي في ذلك إلى النسخ وادعوا أن حديث بريدة ناسخ لحديث ابن عمر
قالوا وكان النهي حيث كان العيش زهيدا والقوت متعذرا مراعاة لجانب الضعفاء والمساكين وحثا على الإيثار والمواساة ورغبة في تعاطي أسباب العدالة حالة الاجتماع والاشتراك فلما وسع الله الخير وعم العيش الغني والفقير قال فشأنكم إذن
وهذا الذي قالوه إنما يصح أن لو ثبت حديث بريدة ولا يثبت مثله فإن الطبراني رواه من حديث محمد بن سهل حدثنا سهل بن عثمان حدثنا محبوب العطار عن يزيد بن زريع فذكره

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله حديث الفأرة تقع في السمن قد اختلف فيه إسنادا ومتنا والحديث من حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنه سمع ابن عباس يحدث عن ميمونة ولفظه أن فأرة وقعت في سمن

فماتت فسئل النبي صلى الله عليه و سلم فقال ألقوها وما حولها وكلوه رواه الناس عن الزهري بهذا المتن والإسناد ومتنه خرجه البخاري في صحيحه والترمذي والنسائي وأصحاب الزهري كالمجمعين على ذلك
وخالفهم معمر في إسناده ومتنه فرواه عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم وقال فيه إن كان جامدا فألقوها وما حولها وإن كان مائعا فلا تقربوه
ولما كان ظاهر هذا الإسناد في غاية الصحة صحح الحديث جماعة وقالوا هو على شرط الشيخين وحكي عن محمد بن يحيى الذهلي تصحيحه
ولكن أئمة الحديث طعنوا فيه ولم يروه صحيحا بل رأوه خطأ محضا
قال الترمذي في جامعه سمعت محمد بن إسماعيل يقول حديث معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب في هذا خطأ وقد أشار أيضا إلى علة حديث معمر من وجوه
فقال

باب إذا وقعت الفأرة في السمن الجامد
أو الذائب ثم ذكر حديث ميمونة
وقال عقبة قيل لسفيان فإن معمرا يحدثه عن الزهري عن سعيد بن الميسب عن أبي هريرة قال ما سمعت الزهري يقوله إلا عن عبيد الله عن ابن عباس عن ميمونة عن النبي صلى الله عليه و سلم ولقد سمعته منه مرارا
ثم قال حدثنا عبدان حدثنا عبد الله عن يونس عن الزهري سئل عن الدابة تموت في الزيت والسمن وهو جامد أو غير جامد الفأرة أو غيرها قال بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر بفأرة ماتت في سمن فأمر بما قرب منها فطرح ثم أكل
فذكر البخاري فتوى الزهري في الدابة تموت في السمن وغيره الجامد والذائب أنه يؤكل
واحتجاجه بالحديث من غير تفصيل دليل على أن المحفوظ من رواية الزهري إنما هو الحديث المطلق الذي لا تفصيل فيه وأنه مذهبه فهو رأيه وروايته ولو كان عنده حديث التفصيل بين الجامد والمائع لأفتى به واحتج به فحيث أفتى بحديث الإطلاق واحتج به دل على أن معمرا غلط عليه في الحديث إسنادا ومتنا

ثم قد اضطرب حديث معمر فقال عبد الرزاق عنه فلا تقربوه وقال عبدالواحد بن زيادة عنه وإن كان ذائبا أو مائعا لم يؤكل وقال البيهقي وعبدالواحد بن زياد أحفظ منه يعني من عبدالرزاق
وفي بعض طرقه فاستصبحوا به وكل هذا غير محفوظ في حديث الزهري
فإن قيل فقد رواه أبو حاتم البستي في صححيه من رواية الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن ميمونة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سئل عن الفأرة تموت في السمن فقال إن كان جامدا فألقوها وما حولها وكلوه وإن كان ذائبا فلا تقربوه رواه عن عبد الله بن محمد الأزدي حدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا سفيان عن الزهري وكذلك هو في مسند إسحاق
فالجواب أن كثيرا من أهل الحديث جعلوا هذه الرواية موهومة معلولة فإن الناس إنما رووه عن سفيان عن الزهري مثل ما رواه سائر الناس عنه كما لك وغيره من غير تفصيل
كما رواه البخاري وغيره
وقد رد أبو حاتم البستي هذا وزعم أن رواية إسحاق هذه ليست موهومة برواية معمر عن الزهري فقال ذكر خبر أوهم بعض من لم يطلب العلم من مظانه أن رواية ابن عيينة هذه معلولة أو موهومة ثم ساق من طريق عبدالرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة الحديث إن كان جامدا فألقوها وما حولها وإن كان مائعا فلا تقربوه وهذا يدل على أن حديث إسحاق محفوظ فإن رواية معمر هذه خطأ كما قاله البخاري وغيره والخطأ لا يحتج به على ثبوت حديث معلول فكلاهما وهم
ثم قال أبو حاتم ذكر الخبر الدال على أن الطريقين جميعا محفوظان حدثنا عبد الله بن محمد الأزدي حدثنا إسحاق حدثنا عبدالرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة فذكره قال إن كان جامدا ألق ما حولها وكله وإن كان مائعا لم تقربه
قال عبدالرزاق وأخبرني عبدالرحمن بن بوذويه أن معمرا كان يذكر أيضا عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن ميمونة عن النبي صلى الله عليه و سلم مثله

فهذه مثل رواية سفيان عن الزهري عن عبيد الله بالتفصيل
فتصير وجوه الحديث أربعة
وجهان عن معمر وهما أحدهما عبدالرزاق عنه عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة بذكر التفصيل
الثاني عبدالرحمن بن بوذويه عنه عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن ميمونة بالتفصيل أيضا
ووجهان عن سفيان
أحدهما رواية الأكثرين عنه عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن ميمونة بالإطلاق من غير تفصيل
والثاني رواية إسحاق عنه عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن ميمونة بالتفصيل
وأما رواية معمر فإنه خالف أصحاب الزهري في حديثه المفصل في إسناده ومتنه في حديث أبي هريرة وخالف أصحاب الزهري في المتن في حديث عبيد الله عن ابن عباس ووافقهم في الإسناد
وهذا يدل على غلطه فيه وأنه لم يحفظه كما حفظ مالك وسفيان وغيرهما من أصحاب الزهري

وأما حديث سفيان فالمعروف عن الناس منه ما رواه البخاري في صحيحه عن الحميدي حدثنا سفيان حدثنا الزهري أخبرني عبيد الله بن عبد الله أنه سمع ابن عباس عن ميمونة فذكره من غير تفصيل وكذلك رواه سعيد بن عبدالرحمن وأبو عمار عن سفيان
قال البخاري في صحيحه
باب إذا وقعت الفأرة في السمن الجامد
أو الذائب حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا الزهري قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنه سمع ابن عباس يحدث عن ميمونة أن فأرة وقعت في سمن فماتت فسئل النبي صلى الله عليه و سلم عنها فقال ألقوها وما حولها وكلوه قيل لسفيان فإن معمرا يحدثه عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال ما سمعت الزهري يقوله إلا عن عبيد الله عن ابن عباس عن ميمونة عن النبي صلى الله عليه و سلم ولقد سمعته منه مرارا
حدثنا عبدان حدثنا عبد الله عن يونس عن الزهري سئل عن الدابة تموت في الزيت والسمن وهو جامد أو غير جامد الفأرة أو غيرها قال بلغنا أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر بفأرة ماتت في سمن فأمر بما قرب منها فطرح ثم أكل كذا من حديث عبيد الله بن عبد الله
حدثنا عبدالعزيز بن عبد الله حدثنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن ميمونة قالت سئل النبي صلى الله عليه و سلم عن فأرة سقطت في سمن فقال ألقوها وما حولها وكلوه
هذا آخر كلام البخاري
وأما الحديث الذي رواه ابن وهب عن عبدالجبار بن عمر عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سئل عن فأرة وقعت في سمن فقال ألقوها وما حولها وكلوا ما بقي فقيل يانبي الله أرأيت إن كان السمن مائعا قال انتفعوا به ولا تأكلوه فعبدالجبار بن عمر ضعيف لا يحتج به
وروي من وجه آخر ضعيف عن ابن جريج عن ابن شهاب

قال البيهقي والصحيح عن ابن عمر من قوله في فأرة وقعت في زيت قال استصبحوا به وادهنوا به أدمكم
وقد روي هذا الحديث عن أبي هرون العبدي عن أبي سعيد ولكن الصواب أنه موقوف عليه ذكره البيهقي

ذكر المنذري قول الترمذي حسن صحيح قال وفيما قاله نظر وقد ذكر غير واحد من الأئمة أن الحسن لم يسمع من عمران بن حصين
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وأخرجه ابن حبان في صحيحه ثم قال بعده الزجر عن الكي في حديث عمران بن حصين إنما هو عن الابتداء به من غير علة توجبه كما كانت العرب تفعله تريد به الوشم وحديث جابر فيه إباحة استعماله لعله تحدث من غير الاتكال عليه في برئها وفي هذا نظر
وقالت طائفة النهي من باب ترك الأولى ولهذا جاء في حديث السبعين الألف أنهم لا يكتوون ولا يسترقون وفعله يدل على إباحته
وهذا أقرب الأقوال
وحديث عمران يدل عليه فإنه قال نهانا عن الكي فاكتوينا فلو كان نهيه للتحريم لم يقدموا عليه والله أعلم

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وذكر بعضهم أن خبث الدواء يكون من وجهين
أحدهما خبث النجاسة وهو أن يدخله المحرم كالخمر ولحم ما لا يؤكل لحمه من الحيوان
والثاني أن يكون خبيثا من جهة الطعم والمذاق ولا ينكر أن يكون كره ذلك لما فيه من المشقة على الطباع ولتكره النفس إياه
ثم ذكر آخر الباب وأما حديث ابن مسعود إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم فذكره البخاري في الصحيح من قول ابن مسعود

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وهذا ظاهره أنه مختص بتمر المدينة
وأما حديث عائشة فرواه مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال في عجوة العالية شفاء وأنها ترياق أول البكرة
وظاهر هذا اختصاصها بعجوة العالية

وقد روى النسائي في سننه من حديث الأعمش عن أبي نضرة عن أبي سعيد وجابر عن النبي صلى الله عليه و سلم العجوة من الجنة وهي شفاء من السم
وأخرج عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم مثله
فقيل هذا يختص بالمدينة لعظم بركتها لا أن ذلك عام في كل تمر
وقيل مختص بعجوة العالية

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقد روى مسلم في صحيحه عن سعد بن أبي وقاص أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال إني أعزل عن امرأتي فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لم تفعل ذلك قال أشفق على ولدها أو على أولادها فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لو كان ذلك ضارا ضر فارس والروم

وهذه الأحاديث أصح من حديث أسماء بنت يزيد وهو حديث شامي يرويه عمرو بن مهاجر عن أبيه المهاجر بن أسلم مولى أسماء بنت يزيد يعد في الشاميين عن أسماء بنت يزيد فإن كان صحيحا فيكون النهي عنه أولا إرشادا وكراهة لا تحريما والله تعالى أعلم

قال الشيخ شمس الدين بن القيم رحمه الله وفي الصحيحين عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يأمرها أن تسترقي من العين
وفي الصحيحين عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لجارية في بيت أم سلمة رأى بوجهها سفعة فقال بها نظرة فاسترقوا لها يعني بوجهها صفرة

وفي صحيح مسلم عن جابر قال رخص رسول الله صلى الله عليه و سلم لآل حزم في رقية الحية
وقال لأسماء بنت عميس ما لي أرى أجسام بني أخي ضارعة أتصيبهم الحاجة قالت لا ولكن العين تسرع إليهم قال ارقيهم قال فعرضت عليه فقال ارقيهم
وفي صحيح مسلم أيضا عن جابر قال لدغت رجلا منا عقرب ونحن جلوس مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال رجل يارسول الله أرقي له قال من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل
وأما ما رواه مسلم في صحيحه من حديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن الرقي

فهذا لا يعارض هذه الأحاديث فإنه إنما نهى عن الرقى التي تتضمن الشرك وتعظيم غير الله سبحانه كغالب رقى أهل الشرك
والدليل على هذا ما رواه مسلم في صحيحه من حديث عوف بن مالك الأشجعي قال كنا نرقي في الجاهلية فقلنا يارسول الله كيف ترى في ذلك فقال اعرضوا علي رقاكم
لا بأس بالرقي ما لم يكن فيه شرك
وفي حديث النهي أيضا ما يدل على ذلك
فإن جابرا قال نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الرقى فجاء آل عمرو بن حزم إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا يارسول الله إنه كانت عندنا رقية نرقي بها من العقرب وإنك نهيت عن الرقي قال فاعرضوها علي فعرضوها عليه فقال ما أرى بها بأسا من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه رواه مسلم
وهذا المسلك في هذه الأحاديث وأمثالها فيما يكون المنهى عنه نوعا والمأذون فيه نوعا آخر وكلاهما داخل تحت اسم واحد من تفطن له زال عنه اضطراب كثير يظنه من لم يحط علما بحقيقة المنهى عنه من ذلك الجنس والمأذون فيه متعارضا ثم يسلك مسلك النسخ أو تضعيف أحد الأحاديث
وأما هذه الطريقة فلا يحتاج صاحبها إلى ركوب طريق النسخ ولا تعسف أنواع العلل
وقد يظهر في كثير من المواضع مثل هذا الموضع وقد يدق ويلطف فيقع الاختلاف بين أهل العلم والله يسعد بإصابة الحق من يشاء وذلك فضله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم

قال الشيخ ابن القيم رحمه الله ذهب بعضهم إلى أن قوله لا يورد ممرض على مصح منسوخ بقوله لا عدوى وهذا غير صحيح وهو مما تقدم آنفا أن المنهى عنه نوع غير المأذون فيه
فإن الذي نفاه النبي صلى الله عليه و سلم في قوله لا عدوى ولا صفر هو ما كان عليه أهل الإشراك من اعتقادهم ثبوت ذلك على قياس شركهم وقاعدة كفرهم
والذي نهى عنه النبي صلى الله عليه و سلم من إيراد الممرض على المصح فيه تأويلان

أحدهما خشية توريط النفوس في نسبة ما عسى أن يقدره الله تعالى من ذلك إلى العدوى وفيه التشويش على من يورد عليه وتعريضه لاعتقاد العدوى فلا تنافي بينهما بحال
والتأويل الثاني أن هذا إنما يدل على أن إيراد الممرض على المصح قد يكون سببا يخلق الله تعالى به فيه المرض فيكون إيراده سببا وقد يصرف الله سبحانه تأثيره بأسباب تضاده أو تمنعه قوة السببية وهذا محض التوحيد بخلاف ما كان عليه أهل الشرك
وهذا نظير نفيه سبحانه الشفاعة في يوم القيامة بقوله لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة فأنه لا تضاد الأحاديث المتواترة المصرحة بإثباتها فأنه سبحانه إنما نفى الشفاعة التي كان أهل الشرك يثبتونها وهي شفاعة يتقدم فيها الشافع بين يدي المشفوع عنده وإن لم يأذن له وأما التي أثبتها الله ورسوله فهي الشفاعة التي تكون من بعد إذنه
كقوله من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه وقوله ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وقوله ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له والله

الموفق للصواب
ذكر المنذري حديث أيما عبد كاتب على مائة أوقية الحديث إلى قول الشافعي وعلى هذا فتيا المفتين

قال الشيخ ابن القيم رحمه الله قال الشافعي روينا عن زيد بن ثابت وابن عمر وعائشة أنه عبد ما بقي عليه شيء
قال البيهقي وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال المكاتب عبد ما بقي عليه درهم وذكر الشافعي عن الشعبي أن عليا قال في المكاتب يعتق منه بحساب ما أدى وعن الحرث الأعور عنه يعتق منه بقدر ما أدى ويرث بقدر ما أدى
قال البيهقي وقد روى حماد بن سلمة عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي إذا أصاب المكاتب حدا أو ميراثا ورث بحساب ما عتق منه وأقيم عليه الحد بحساب ما عتق منه
وبهذا الإسناد قال يؤدي المكاتب بحصة ما أدى دية حر وما بقي دية عبد
وفي المسند لأحمد عن ابن عباس عن النبي قال يؤدي المكاتب بقدر ما أدى
وقد روي هذا موقوفا عليه
ورواه الترمذي أتم من هذا عن ابن عباس قال إذا أصاب المكاتب حدا أو ميراثا ورث بحساب ما عتق منه ويؤدي المكاتب بحصة ما أدى دية حر وما بقي دية عبد
قال الترمذي هذا حديث حسن
قال البيهقي ورواه وهيب عن أيوب عن عكرمة مرفوعا يؤدي المكاتب بحصة ما أدى دية حر وما بقي دية عبد قال ورواية عكرمة عن علي مرسلة
ورواه حماد بن زيد وإسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن عكرمة عن النبي مرسلا
وروى عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا في الدية واختلف فيه على

هشام الدستوائي عن يحيى فرفعه عنه جماعة ووقفه بعضهم على ابن عباس ورواه علي بن المبارك عن يحيى مرفوعا ثم قال يحيى قال عكرمة عن ابن عباس يقام عليه حد المملوك وهذا يخالف رواية حماد بن سلمة في النص
والرواية المرفوعة هي القياس
ولهذا الاضطراب والله أعلم ترك الإمام أحمد القول به
فإنه سئل عن هذا الحديث فقال أنا أذهب إلى حديث بريرة أن النبي أمر بشرائها يعني أنها بقيت على الرق حتى أمر بشرائها
وقد اختلف الناس في هذه المسألة على مذاهب
أحدها أنه لا يعتق منه شيء ما دام عليه شيء من كتابته وهذا قول الأكثرين ويروى عن عمر وزيد وابن عمر وعائشة وأم سلمة وجماعة من التابعين وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وإسحاق
وروى سعيد بن منصور في سننه عن أبي قلابة قال كن أزواج النبي لا يحتجبن من مكاتب ما بقي عليه دينار
وذكر سعيد في سننه أيضا عن عطاء أن ابن عمر كاتب غلاما على ألف دينار فأدى إليه تسعمائة دينار وعجز عن مائة فرده ابن عمر رضي الله عنهما في الرق
قالوا وهذا هو مقتضى أصول الشريعة فإن عتقه مشروط بأداء جميع العوض فلا يقع شيء منه قبل أدائه كما لو علق طلاقها على عوض فأدت بعضه ولأنه لو عتق منه شيء لكان هو السبب في إعتاقه فكان يسري إلى باقية إذا كان موسرا كما لو باشره بالعتق
وهذا باطل قطعا فإنه لا يبقى للكتابة معنى فأنه يؤدي درهما مثلا ويتنجز عتقه
وهذا لم يقل به أحد وذلك أن العتق لا يتبعض في ملك الإنسان فلو عتق منه شيء بالأداء يسري إلى باقية ولا سراية فلا عتق

المذهب الثاني أنه يعتق منه بقدر ما أدى وكلما أدى شيئا عتق منه بقدره
وهذا مذهب رابع الخلفاء الراشدين وأحد الأئمة المهديين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وحجة هذا القول حديث ابن عباس المتقدم وهو حديث حسن قد روي من وجوه متعددة ورواية أئمة ثقات لا مطعن فيهم ولا تعاق عليهم في الحديث سوى الوقف أو الإرسال وقد روي موقوفا ومرفوعا ومرسلا ومسندا والذين رفعوه ثقات والذين وقفوه ثقات
وقد أعله قوم بتفرد حماد بن سلمة به وليس كذلك فقد رواه وهيب وحماد بن زيد وإسماعيل بن إبراهيم عن أيوب وله طرق قد ذكرنا بعضها
المذهب الثالث أنه إذا أدى شطر الكتابة فلا رق عليه ويلزم بأداء الباقي

وهذا يروى عن عمر بن الخطاب وعن علي أيضا وهو قول إبراهيم النخعي
المذهب الرابع أنه إذا أدى قيمته فهو حر
قال الشافعي عن حماد بن خالد الخياط عن يونس بن أبي إسحاق عن أبيه عن أبي الأحوص قال قال عبد الله إذا أدى المكاتب قيمته فهو حر المذهب الخامس أنه إذا أدى ثلاثة أرباع الكتابة وعجز عن ربعها عتق وهذا قول أبي بكر عبدالعزيز والقاضي وأبي الخطاب بناء منهم على وجوب رد ربع كتابته إليه فلا يرد إلى الرق بعجزه عن أداء شيء يجب رده إليه وهو حقه لا حق للسيد فيه
المذهب السادس أنه إذا ملك ما يؤدي عتق بنفس ملكه قبل أدائه وهذا إحدى الروايتين عن الإمام أحمد وعلى هذا إذا ملك ما يؤدي به ثم مات قبل الأداء مات حرا يدفع إلى سيده مقدار كتابته والباقي لورثته
واحتج لهذا المذهب بما رواه نبهان مكاتب لأم سلمة قال سمعت أم سلمة تقول قال لنا رسول الله إذا كان لأحداكن مكاتب فكان عنده ما يؤدي فلتحتجب عنه رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح

قال الشافعي في القديم ولم أحفظ عن سفيان أن الزهري سمعه من نبهان ولم أر من رضيت من أهل الحديث يثبت واحدا من هذين الحديثين والله أعلم
قال البيهقي أراد هذا وحديث عمرو بن شعيب المكاتب عبد ما بقي عليه درهم قال وحديث عمرو بن شعيب قد رويناه موصولا وحديث نبهان قد ذكر فيه معمر سماع الزهري من نبهان إلا أن صاحبي الصحيح لم يخرجاه إما لأنهما لم يجدا ثقة يروي عنه غير الزهري فهو عندهما لا يرتفع عنه اسم الجهالة برواية واحد عنه أو لأنهما لم يثبت عندهما من عدالته ومعرفته ما يوجب قبول خبره هذا آخر كلامه
وقد ذكر عبدالرحمن بن أبي حاتم في موضعين من كتابه أن محمد بن عبدالرحمن مولى طلحة روى عن نبهان ومحمد بن عبدالرحمن هذا ثقة احتج به مسلم في الصحيح
قال الشافعي وقد يجوز أن يكون أمر رسول الله أم سلمة إن كان أمرها بالحجاب من مكاتبها إذا كان عنده ما يؤدي على ما عظم الله به أزواج النبي أمهات المؤمنين وخصهن منه وفرق بينهن وبين النساء إن اتقيتن ثم تلا الآيات في اختصاصهن بأن جعل عليهن الحجاب من المؤمنين وهن أمهات المؤمنين ولم يجعل على امرأة سواهن أن تحتجب ممن يحرم عليه نكاحها ثم ساق الكلام إلى أن قال ومع هذا فإن احتجاب المرأة ممن له أن يراها واسع لها وقد أمر النبي يعني سودة أن تحتجب من رجل قضى أنه أخوها وذلك يشبه أن يكون للاحتياط وأن الاحتجاب ممن له أن يراها مباح والله أعلم
فأما حديث أم سلمة فليس صريحا في أنه يعتق بملك الأداء إنما فيه أمر نسائه أو أمر النساء عامة باحتجابهن من مكاتيبهن إذا كان عندهم ما يؤدون وهذا لأنهم بملك الأداء قد شارفوا العتق وقوي سبب الأجنبية بينهم وبين ساداتهم واحتجاب النساء عن عبيدهن أحوط والعبد ليس بمحرم لسيدته في أحد القولين وفي الآخر هو محرم لسيدته لحاجة كل منهما إلى ذلك وكثرة دخوله وخروجه عليها وملكها منافعه واستخدامه وبالكتابة لم يتحقق زوال هذا المعنى فإذا ملك ما يؤدي وقد ملك منافعه بالكتابة ولم يبق في عوده إلى الرق مطمع غالبا قوي جانب الحرية فيه وتأكد بسبب الاحتجاب مع أن حديث أم سلمة في سياقه ما يدل على أنها قد احتجبت منه بعد إذنها في دفع ما عليه لأخيها
قال الشافعي رحمه الله حدثنا سفيان قال سمعت الزهري يذكر عن نبهان مولى أم سلمة زوج

النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان معها وأنها سألته
كم بقي عليك من كتابتك فذكر شيئا قد سماه وأنه عنده فأمرته أن يعطيه أخاها أو ابن أخيها وألقت الحجاب واستترت منه وقالت عليك السلام وذكرت عن النبي أنه قال إذا كان لأحداكن مكاتب فكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه فهذا السياق يدل على ما ذكرنا إلا أن المرفوع منه دليل على الاحتجاب بنفس ملك الأداء وهذا وجهه والله أعلم ماتقدم
وإنما البيان في حديث عمرو بن شعيب وحديث ابن عباس وفي تقديم أحدهما على الآخر
وفي معارضة الإمام أحمد لحديث ابن عباس بحديث بريرة نظر فأنه لا تعارض بينهما
فإن بريرة لم تكن قضت من كتابتها شيئا هكذا في الصحيحين عن عائشة ولو أدى المكاتب من كتابته شيئا جاز بيعه وبقي عند المشتري كما كان عند البائع فإذا أدى إليه ما بقي عليه من الكتابة عتق فلم يتضمن بيعه إبطال ما فيه من الحرية أو سببها ولكن حديث ابن عباس يرويه عنه عكرمة
قال الشيخ ابن القيم وقد اضطرب فيه اضطرابا كثيرا
فمرة يرويه عنه قوله
ومرة يرويه عكرمة عن النبي صلى الله عليه و سلم لا يذكر ابن عباس
ومرة يقول عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه يقام عليه الحد بحساب ما عتق منه ومرة يرويه عن علي موقوفا
وهذا الاضطراب يوجب التوقف في الحديث
وحديث عمرو بن شعيب سالم من مثل هذا الاضطراب ومعه فتاوى من ذكرنا من الصحابة وعليه العمل
فهذا ما أدى إليه الجهد في هذه المسألة وفوق كل ذي علم عليم

قال الشيخ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقال الإمام أحمد ليس في الاستسعاء حديث يثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم
وحديث أبي هريرة يرويه ابن أبي عروبة وأما شعبة وهشام الدستوائي فلم يذكراه وحدث به معمر ولم يذكر فيه السعاية
وقال أبو بكر المروزي ضعف أبو عبد الله حديث سعيد
وقال الأثرم طعن سليمان بن حرب في هذا الحديث وضعفه
وقال ابن المنذر لا يصح حديث الاستسعاء
وذكر همام أن ذكر الاستسعاء من فتيا قتادة وفرق بين الكلامين الذي هو من قول رسول الله صلى الله عليه و سلم والذي هو من قول قتادة وقال بعد ذلك فكان قتادة يقول إن لم يكن له مال استسعى العبد

وقال ابن المنذر أيضا حديث أبي هريرة يدور على قتادة
وقد اتفق شعبة وهشام وهمام على ترك ذكره وهم الحجة في قتادة والقول قولهم فيه عند جميع أهل العلم بالحديث إذا خالفهم غيرهم
وقال الشافعي سمعت بعض أهل النظر والقياس منهم والعلم بالحديث يقول لو كان حديث سعيد بن أبي عروبة في الاستسعاء منفردا لا يخالفه غيره ما كان ثابتا يعني فكيف وقد خالفه شعبة وهشام قال الشافعي وقد أنكر الناس حفظ سعيد
قال البهيقي وهذا كما قال فقد اختلط سعيد بن أبي عروبة في آخر عمره حتى أنكروا حفظه
وقال يحيى بن سعيد القطان شعبة أعلم الناس بحديث قتادة ما سمع منه وما لم يسمع وهشام مع فضل حفظه وهمام مع صحة كتابته وزيادة معرفته بما ليس من الحديث على خلاف ابن أبي عروبة ومن تابعه في إدراج السعاية في الحديث
وفي هذا ما يضعف ثبوت الاستسعاء بالحديث
فهذا كلام هؤلاء الأئمة الأعلام في حديث السعاية
وقال آخرون الحديث صحيح وترك ذكر شعبة وهشام للاستسعاء لا يقدح في رواية من ذكرها وهو سعيد بن أبي عروبة ولا سيما فأنه أكبر أصحاب قتادة ومن أخصهم به وعنده عن قتادة ما ليس عند غيره من أصحابه ولهذا أخرجه أصحاب الصحيحين في صحيحيهما ولم يلتفتا إلى ما ذكر في تعليله
وأما الطعن في رواية سعيد عن قتادة ولو لم يخالف فطعن ضعيف لأن سعيدا عن قتادة حجة

بالاتفاق وهو من أصح الأسانيد المتلقاة بالقبول التي أكثرمن أصحاب الصحيحين وغيرهم فكيف ولم ينفرد سعيد عن قتادة بالاستسعاء بل قد رواه عن قتادة جرير بن حازم وناهيك به
قال البخاري في صحيحه

باب إذا أعتق نصيبا في عبد وليس له مال
استسعى العبد غير مشقوق عليه على نحو الكتابة حدثني أحمد بن أبي رجاء حدثنا يحيى بن آدم حدثنا جرير بن حازم قال سمعت قتادة قال حدثني النضر بن أنس بن مالك عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه و سلم من أعتق شقيصا من عبد
وحدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من أعتق نصيبا أو شقيصا في مملوك فخلاصة عليه في ماله إن كان له مال وإلا قوم عليه فاستسعى غير مشقوق عليه
قال البخاري وتابعه حجاج بن حجاج وأبان وموسى بن خلف عن قتادة واختصره شعبة
وقال النسائي في سننه حدثنا محمد بن عبد الله بن المبارك حدثنا أبو هشام حدثنا أبان حدثنا قتادة حدثنا النضر بن أنس عن بشير عن نهيك عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من أعتق شقيصا له في عبد فإن عليه أن يعتق بقيته إن كان له مال وإلا استسعى العبد غير مشقوق عليه
فقد برىء سعيد من عهدة التفرد به

فهؤلاء خمسة رووه عن قتادة سعيد وجرير بن حازم وأبان وحجاج بن حجاج وموسى بن خلف
ثم لو قدر تفرد سعيد به لم يضره وسعيد وإن كان قد اختلط في آخر عمره فهذا الحديث من رواية يزيد بن زريع وعبدة وإسماعيل والجلة عن سعيد وهؤلاء أعلم بحديثه
ولم يرووا عنه إلا ما كان قبل اختلاطه ولهذا أخرج أصحاب الصحيح حديثهم عنه
فالحديث صحيح محفوظ بلا شك

وقد رواه مسلم في صحيحه كما ذكره البخاري من رواية جرير بن حازم وأما تعليله برواية همام وأنه ميز كلام قتادة من المرفوع قال أبو بكر الخطيب في كتاب الفصل له رواه أبو عبدالرحمن المقري عن همام وزاد فيه ذكر الاستسعاء وجعله من قول قتادة وميزه من كلام النبي صلى الله عليه و سلم
فهذا علة لو كان الذي رفعه دون همام وأما إذا كان مثله وأكثر عددا منه
فالحكم لهم
والله تعالى أعلم
وقد عورض حديث أبي هريرة في السعاية بحديث عمران بن حصين وحديث ابن عمر
أما حديث عمران
فقال الشافعي في مناظرته لبعض أصحاب أبي حنيفة في المسألة وصح حديث نافع عن ابن عمر وحديث عمران بن حصين بإبطال الاستسعاء
ومراده بذلك أن الرجل في حديث عمران بن حصين لما أعتق الستة المملوكين لم يكمل النبي صلى الله عليه و سلم عتقهم بالسعاية بل أعتق ثلثهم ولم يستسع باقيهم
وهذا لا يعارض حديث الاستسعاء فإن الرجل أعتق العبيد وهم كل التركة وإنما يملك التبرع في ثلثها فكمل النبي صلى الله عليه و سلم الحرية في عبدين مقدار الثلث وكأنهما هما اللذان باشرهما بالعتق
والشارع حجر عليه ومنعه من تبعيض الحرية في جميعهم وكملها في اثنين
فأي منافاة في هذا لحديث السعاية بل هو حجة على من يبعض العتق في جميعهم فإنه لم

يقل بالسعاية بعض أصله وإن قال بها وأعتق الجميع ناقض الحديث صريحا ولا اعتراض بمناقضته على حديث أبي هريرة في السعاية
وأما حديث ابن عمر فهو الذي نذكره في هذا الباب
ذكر المنذري حديث وإلا فقد عتق منه ما عتق إلى قوله ويحيى بن أيوب احتج به مسلم واستشهد به البخاري
قال الشيخ شمس الدين بن القيم رحمه الله تعالى قالوا وقد قال البخاري أصح الأسانيد كلها مالك عن نافع عن ابن عمر
وقال أيوب السختياني كانت لمالك حلقة في حياة نافع
وقال ابن المديني كان عبدالرحمن بن مهدي لا يقدم على مالك أحدا
وقال عثمان بن سعيد الدارمي قلت ليحيى بن معين مالك أحب إليك من نافع أو عبيد الله بن عمر قال مالك فقلت فأيوب السختياني قال مالك
وقال الإمام أحمد ويحيى بن معين كان مالك من أثبت الناس في حديثه
قال الشافعي لمناظره في المسألة وقد احتج عليه بحديث أبي هريرة في الاستسعاء وعلينا أن نصير إلى أثبت الحديثين قال نعم قلت فمع حديث نافع حديث عمران بن حصين بإبطال الاستسعاء
فقال بعضهم نناظرك في قولنا وقولك

فقلت أو للمناظرة موضع مع ثبوت سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم بطرح الاستسعاء في حديث نافع وعمران
قال إنا نقول إن أيوب قال إنما قال نافع فقد عتق منه ما عتق وربما لم يقله
وأكبر ظني أنه شيء كان يقوله نافع برأيه
فذكر ما تقدم من حفظ مالك وترجيح حديثه على أيوب
قال أصحاب السعاية مالك ومن معه رووا الحديث كما سمعوه
ولا ريب أن نافعا كان يذكر هذه الزيادة متصلة بالحديث فأداه أصحابه كما سمعوه يذكرها
وأما أيوب فاطلع على زيادة علم لم يذكروها ولا نفوها وإنما أدوا لفظ نافع كما سمعوه يسوق الحديث سياقة واحدة فأدوا ما حفظوه وأيوب اطلع على تفصيل وتمييز في الحديث فكلهم صادق في روايته والحكم لمن فصل وميز وهذا الشك منه هو عين الحفظ فإنه سمع كما سمعه الجماعة وفصل الزيادة وميزها فقال أكبر ظني أنه شيء كان يقوله نافع برأيه وسمعه مرة أو مرارا يذكره متصلا بالحديث فشك هل هو من قوله أو من قول النبي صلى الله عليه و سلم
وإنما يفيد تقديم عبيد الله ومالك عليه في الحفظ أن لو خالفهم فإذا أدى ما أدوه وروى ما رووه بعينه واطلع على زيادة لم يذكروها كان الأخذ بروايته أولى
لأنهم لم يقولوا قال نافع قال

رسول الله صلى الله عليه و سلم وإلا فقد عتق منه ما عتق وإنما أدرجوها في الحديث إدراجا كما سمعوه وفصل أيوب هذا الإدراج فحفظ شيئا لم يحفظوه
قالوا وعلى تقدير الجزم بأنها من كلام النبي صلى الله عليه و سلم لا تناقض حديث الاستسعاء فإن قوله وإلا فقد عتق منه ما عتق معناه وإن لم يكن لمعتق البعض مال يبلغ ثمن باقيه عتق من العبد بإعتاقه القدر الذي أعتقه وأما الجزء الباقي فمسكوت عنه لم يذكر حكمه
فجاء بيان ذكر حكمه في حديث أبي هريرة فتضمن حديث أبي هريرة ما في منطوق حديث ابن عمر وزياد بيان ما سكت عنه ولا تنافي بين الحديثين وهذا ظاهر على أحد القولين لأن باب السعاية أنه لا يعتق بعتق الشريك وإنما يعتق بعد الأداء بالسعاية بخلاف الجزء الذي قد أعتقه فإنه قد تنجز عتقه وعتق الجزء الآخر منتظر موقوف على أداء ما استسعى عليه كالكتابة
ومعلوم أن قوله وإلا فقد عتق منه ما عتق لا ينافي عتقه بالسعاية على هذا الوجه
فغاية حديث ابن عمر أن يدل بمفهومه
فإن قوله عتق ما عتق منطوقه وقوع العتق في الجزء المباشر به ومفهومه انتفاء هذا العتق عن الجزء الآخر والمفهوم قد يكون فيه تفصيل فيعتق في حال ولا يعتق في حال
وكذا يقول أصحاب السعاية في أحد قوليهم يعتق بأداء السعاية ولا يتنجز عتقه قبلها

قالوا وعلى هذا فقد وفينا جميع الأحاديث مقتضاها وعملنا بها كلها ولم نترك بعضها لبعض
قالوا وقد أشار النبي صلى الله عليه و سلم إلى امتناع الشركة بين الله وعبده في رقبة المملوك بقوله ليس لله شريك وهذا تعليل لتكميل الحرية ولهذا أخرج الحر المملوك عن مالكه قهرا إذا كان الشريك المعتق موسرا لرغبته في تكميل الحرية المنافية للشركة بين الله وعبده في رقبة المملوك
فإيجاب السعاية على العبد لتكميل حريته إذا كان قادرا عليها أولى لأن الشارع إذا أوجب على غير مالكه أن يفك بقية رقبته من الرق الذي هو أثر الكفر فلأن يوجب على العبد أن يفتك بقية رقبته مع كسبه وقدرته على تخليص نفسه أولى وأحرى
وهذا غاية الوضوح وهو يشبه الأسير إذا قدر على تخليص نفسه من الأسر بل هذا أولى لأنه قد صار فيه جزء لله لا يملكه أحد وقد أمكنه أن يصير نفسه عبدا محضا لله
والشارع متطلع إلى تكميل الأملاك للمالك الواحد ورفع ضرر الشركة ولهذا جوز للشريك انتزاع الشقص المشفوع من المشتري قهرا ليكمل الملك له ويزول عنه ضرر الشركة مع تساوي المالكين
فما الظن إذا كان الخالق سبحانه هو مالك الشقص والمخلوق مالك البقية أليس هذا أولى بانتزاع ملك المخلوق وتعويضه منه ليكمل ملك المالك الحق ولا سبيل إلى إبطال الجزء الذي هو ملك الله فتعين انتزاع حصة العبد وتعويضه عنها
فهذا مأخذ الفريقين في المسألة من جهة الأثر والنظر والله الموفق للصواب

ذكر كلام المنذري على حديث من ملك ذا رحم محرم فهو حر إلى آخره
ثم قال الشيخ شمس الدين بن القيم رحمه الله هذا الحديث له خمس علل
إحداها تفرد حماد بن سلمة به فإنه لم يحدث به غيره

العلة الثانية أنه قد اختلف فيه حماد وشعبة عن قتادة فشعبة أرسله وحماد وصله وشعبة هو شعبة
العلة الثالثة أن سعيد بن أبي عروبة خالفهما فرواه عن قتادة عن عمر بن الخطاب قوله
العلة الرابعة أن محمد بن يسار رواه عن معاذ عن أبيه عن قتادة عن الحسن قوله
وقد ذكر أبو داود هذين الأثرين
العلة الخامسة الاختلاف في سماع الحسن من سمرة
ذكر حديث النسائي كما ذكره المنذري إلى آخر الباب
ثم زاد الشيخ ابن القيم رحمه الله وقال الإمام أحمد عن ضمرة إنه ثقة إلا أنه روى حديثين ليس لهما أصل أحدهما هذا الحديث
وقد روى البيهقي وغيره من حديث أبي صالح عن ابن عباس قال جاء رجل يقال له صالح بأخيه فقال يارسول الله إني أريد أن أعتق أخي هذا فقال إن الله أعتقه حين ملكته
ولكن في هذا الحديث بليتان عظيمتان العرزمي وهو عبدالرحمن بن محمد عن الكلبي كسير عن عوير
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال لا يجزي ولد عن والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه وهذا مشترك الدلالة

ذكر كلام المنذري على الحديث إلى قوله وقال البيهقي إنه أحسن شيء روي في الباب
قال الشيخ ابن القيم رحمه الله ولكن هذا على جواز بيعهن أدل منه على عدمه ولا يخفى ذلك
ورواه أحمد في مسنده وزاد في آخره فاختلفوا فيما بينهم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال قوم أم الولد مملوكة لولا ذلك لم يعوضكم رسول الله صلى الله عليه و سلم
وقال بعضهم هي حرة أعتقها رسول الله صلى الله عليه و سلم ففي هذا كان الاختلاف

ذكر حديث جابر إلى قول المنذري وزيد العمي ضعيف ثم قال الشيخ ابن القيم رحمه الله وقد روى البخاري في صحيحه عن أبي سعيد قال جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يارسول الله إنا نصيب سبيا
فنحب الأثمان فكيف ترى في العزل فقال النبي صلى الله عليه و سلم فإنكم تفعلون لا عليكم أن لا تفعلوا ذلكم فإنها ليست نسمة كتب الله أن تخرج إلا وهي خارجة
وهذا لا يدل على منع بيعهن لوجهين أحدهما أن الحمل يؤخر بيعها فيفوته غرضه من تعجيل البيع
الثاني أنها إذا صارت أم ولد آثر إمساكها لتربية ولده فلم يبعها لتضرر الولد بذلك
وقد احتج على منع البيع بحجج كلها ضعيفة
منها ما رواه الإمام أحمد في مسنده وابن ماجه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال من وطىء أمته فولدت له فهي معتقة عن دبر منه
وفي لفظ أيما امرأة علقت من سيدها فهي معتقة عن دبر منه أو قال من بعده وفي لفظ فهي حرة من بعد موته
وهذا الحديث مداره على حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس وهو ضعيف الحديث ضعفه الأئمة
وكذلك حديث ابن عباس الآخر ذكرت أم إبراهيم عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أعتقها ولدها رواه ابن ماجه

وهو أيضا من رواية حسين
وكذلك حديث ابن عباس الآخر يرفعه أم الولد حرة وإن كان سقطا ذكره الدارقطني وهو من رواية الحسين بن عيسى الحنفي وهو منكر الحديث ضعيفه والمحفوظ فيه رواية سفيان الثوري عن أبيه عن عكرمة عن عمر أنه قال في أم الولد أعتقها ولدها وإن كان سقطا وكذلك رواه ابن عيينة عن الحكم بن أبان عن عكرمة عن عمر ورواه خصيف الجزري عن عكرمة عن ابن عباس عن عمر فعاد الحديث إلى عمر
قال البيهقي وهو الأصل في ذلك
ومنها ما رواه الدارقطني من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه نهى عن بيع أمهات الأولاد وقال لا تبعن ولا توهبن ولا تورثن يستمتع بها سيدها ما دام حيا فإذا مات فهي حرة
وهذا لا يصح رفعه بل الصواب فيه ما رواه مالك في الموطأ عن ابن عمر عن عمر قوله هكذا رواه عن نافع عبيد الله ومالك والناس
وكذلك رواه الثوري وسليمان بن بلال وغيرهما عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال البيهقي وغلط فيه بعض الرواة
فقال فيه عن عبد الله بن دينار فرفعه إلى النبي صلى الله عليه و سلم وهو وهم لا تحل روايته
ومنها ما رواه البيهقي وغيره عن سعيد بن المسيب أن عمر أعتق أمهات الأولاد وقال أعتقهن رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو ضعيف
قال البيهقي تفرد به عبدالرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي عن مسلم بن يسار عن ابن المسيب قال والإفريقي غير محتج به

ومنها ما رواه البيقهي وغيره من حديث خوات بن جبير أن رجلا أوصى إليه وكان فيما ترك أم ولد له وامرأة حرة فوقع بين المرأة وبين أم الولد بعض الشيء فأرسلت إليها الحرة لتباعن رقبتك يالكع فرفع ذلك خوات بن جبير إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال لا تباع وأمر بها فأعتقت
قال البيهقي وهذا مما تفرد بإسناده رشدين بن سعد وابن لهيعة وهما غير محتج بهما
وأحسن شيء روى فيه فذكر حديث سلامة بنت معقل وقد تقدم
وذكرنا أنه لا دلالة فيه
وقد ثبت عن عبيدة السلماني قال قال علي استشارتي عمر في بيع أمهات الأولاد فرأيت أنا وهو أنها عتيقة فقضى به عمر حياته وعثمان بعده فلما وليت رأيت أنها رقيق وعن عبيدة قال قال علي اجتمع رأيي ورأي عمر على عتق أمهات الأولاد ثم رأيت بعد أن أرقهن في كذا وكذا قال فقلت رأيك ورأي عمر في الجماعة أحب إلي من رأيك وحدك في الفرقة وفي لفظ الفتنة
فهذا يدل على أن منع بيعهن إنما هو رأي رآه عمر ووافقه عليه علي وغيره ولو كان عند الصحابة سنة من النبي صلى الله عليه و سلم بمنع بيعهن لم يعزم علي على خلافها ولم يقل له عبيدة رأيك ورأي عمر في الجماعة أحب إلينا وأقره علي على أن ذلك رأي
وقال الشافعي ولا يجوز لسيدها بيعها ولا إخراجها من ملكه بشيء غير العتق وإنها حرة إذا مات من رأس المال ثم ساق الكلام إلى أن قال وهو تقليد لعمر بن الخطاب

وقد سلك طائفة في تحريم بيعهن مسلكا لا يصح فادعوا الإجماع السابق قبل الاختلاف الحادث
وليس في ذلك إجماع بوجه
قال سعيد بن منصور في سننه حدثنا سفيان عن عمرو عن عطاء عن ابن عباس في أم الولد قال بعها كما تبيع شاتك أو بعيرك وباعهن علي
وأباح ابن الزبير بيعهن
وقال صالح بن أحمد قلت لأبي إلى أي شيء تذهب في بيع أمهات الأولاد قال أكرهه وقد باعهن علي بن أبي طالب
وقال في رواية إسحاق بن منصور لا يعجبني بيعهن
فاختلف أصحابه على طريقتين
إحداهما أن عنه في المسألة روايتين وهذه طريقة أبي الخطاب وغيره
والثانية أنها رواية واحدة وأحمد أطلق الكراهة على التحريم وهذه طريقة الشيخ أبي محمد بن قدامة المقدسي صاحب المغني وغيره
وقول علي أقضوا كما كنتم تقضون فأني أكره الاختلاف ليس صريحا في الرجوع عن قوله رأيت أن أرقهن والله أعلم

ذكر حديث من أعتق عبدا وله مال ثم قال الشيخ شمس الدين بن القيم رحمه الله قال المنذري في المختصر وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه
وهذا وهم منه فلم يخرج أحد من أصحاب الصحيحين حديث العتق هذا أصلا ولا تعرضا له وإنما رواه النسائي في سننه كما رواه أبو داود من حديث عبيد الله بن أبي جعفر عن نافع عن ابن عمر ورواه من حديث عبيد الله بن أبي جعفر عن نافع عن ابن عمر ورواه من حديث عبيد الله بن أبي جعفر أيضا عن بكير عن نافع عن ابن عمر ولفظه من أعتق عبدا وله مال فماله له إلا أن يستثنيه السيد

وهذا الحديث يعد في إفراد عبيد الله هذا وقد أنكره عليه الأئمة قال الإمام أحمد وقد سئل عنه يرويه عبيد الله بن أبي جعفر من أهل مصر وهو ضعيف في الحديث كان صاحب فقه وأما في الحديث فليس هو فيه بالقوي وقال أبو الوليد هذا الحديث خطأ
وهذا كما قاله الأئمة فإن الحديث المحفوظ عن سالم إنما هو في البيع من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع هذا هو المحفوظ عنه
وقد تقدم اختلاف سالم ونافع فيه وأن سالما رفعه وكان البخاري يصححه ونافع وقفه على عمر وكان مسلم والنسائي وغيره يحكمون له
وأما قصة العتق فإنها وهم من ابن أبي جعفر خالف فيها الناس
قال البيهقي في روايته وهي خلاف رواية الجماعة
وقد روى البيهقي والأثرم وغيرهما عن ابن مسعود أنه قال لغلامه عمير مالك فإني أريد أن أعتقك وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من أعتق عبدا فماله للذي أعتقه

ولفظ الأثرم أيما رجل أعتق عبده أو غلامه فلم يخبره بماله فماله لسيده
قال البيهقي وهذا أصح وهذا قول أنس والشافعي وأبي حنيفة وأحمد وأصحابهم والثوري
وقال الحسن والشعبي وعطاء والنخعي وأهل المدينة مع مالك المال للعبد إلا أن يشترطه السيد
قال الشيخ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقد روي الترمذي عن سالم بن أبي الجعد عن أبي وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم يعني عن النبي صلى الله عليه و سلم قال أيما امرىء مسلم أعتق امرأ مسلما كان فكاكه من النار
يجزي كل عضو عضوا منه قال الترمذي حسن صحيح 11

زاد الشيخ شمس الدين بن القيم رحمه الله وأما الطريقان اللذان ذكرهما الترمذي فأحدهما من طريق عبد الرزاق حدثنا معمر عن أبي الزناد قال أخبرني ابن جرهد عن أبيه فذكره وقال الترمذي
هذا حديث حسن
والطريق الثانية من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل عن عبد الله بن جرهد الأسلمي عن أبيه عن النبي صلى الله عليه و سلم الفخذ عورة ثم قال حسن غريب من هذا الوجه
قال الترمذي وفي الباب عن علي ومحمد بن عبد الله بن جحش
وحديث علي أشار إليه الترمذي
وهو الذي ذكره أبو داود في هذا الباب وقد تقدم
وحديث محمد بن جحش قد رواه الإمام أحمد في مسنده ولفظه مر رسول الله صلى الله عليه و سلم على معمر وفخذاه مكشوفتان
فقال يا معمر غط فخذاك فإن الفخذين عورة
وفي مسنده الإمام أحمد في حديث عائشة وحفصة وهذا لفظ حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان جالسا كاشفا عن فخذه فاسأذن أبو بكر فأذن له وهو على حاله
ثم استأذن عمر فأذن له وهو على حاله
ثم استأذن عثمان فأرخى عليه ثيابه
فلما قاموا قلت يا رسول الله استأذن أبو بكر وعمر فأذنت لهما وأنت على حالك فلما استأذن عثمان أرخيت عليك ثيابك فقال يا عائشة ألا أستحي من رجل والله إن الملائكة لتستحي منه
وقد رواه مسلم في صحيحه ولفظه ن عائشة كان رسول الله صلى الله عليه و سلم مضطجعا كاشفا عن فخذيه أو ساقيه
فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحال فذكر الحديث
فهذا فيه الشك هل كان كشفه عن فخذيه أو ساقيه وحديث الإمام أحمد فيه الجزم بأنه كان كاشفا عن فخذيه
وفي صحيح البخاري من حديث أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه و سلم كان كاشفا عن ركبتيه في قصة القف فلما دخل عثمان غطاهما

وطريق الجمع بين هذه الأحاديث ما ذكره غير واحد من أصحاب أحمد وغيرهم أن العورة عورتان مخففة ومغلظة
فالمغلظة السوأتان
والمخففة الفخذان
ولا تنافي بين الأمر بغض البصر عن الفخذين لكونهما عورة وبين كشفهما لكونهما عورة مخففة
والله تعالى أعلم

قال الشيخ ابن القيم رحمه الله وقد حكى الحاكم الاتفاق على تصحيح حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده ونص عليه الإمام أحمد وعلي بن المدني وغيرهما
والله أعلم

قال الشيخ ابن القيم رحمه الله وروى أبو بكر بن عاصم في فوائده
من حيث عنبة بن عبد الرحمن عن رجل عن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذ استجد ثوبا لبسه يوم الجمعة

قال الشيخ ابن القيم رحمه الله وأخرجه الإمام أحمد في المسند أتم منه
ولفظه بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي
وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري
ومن تشبه بقوم فهو منهم

قال الشيخ ابن القيم رحمه الله وقد روى مسلم في صحيحه عن علي بن أبي طالب قال نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن لباس القسي والمعصفر
وعن تختم الذهب وعن قراءة القرآن في الركوع وقد تقدم
وروى أيضا في صحيحه عن عبد الله بن عمرو قال رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم ثوبين معصفرين فقال أمرتك بهذا قلت أغسلهما قال بل أحرقهما
وروى أيضا في صحيحه عن عبد الله بن عمرو أيضا قال رأى على رسول الله صلى الله عليه و سلم ثوبين معصفرين فقال إن هذه لباس الكفار فلا تلبسها وهذه الأحاديث صريحة في التحريم لا معارض لها
فالمعجب ممن تركها
وقد عارضها بعض الناس بحديث البراء بن عازب قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم في حلة حمراء لم أر شيئا قط أحسن منه متفق عليه

وكان بعض المنتسبين إلى العلم يخرج إلى أصحابه في الثوب المصبغ حمرة ويزعم أنه يقصد اتباع هذا الحديث
وهذا وهم وغلط بين
فإن الحلة هي البرود التي قد صبغ غزلها ونسج الأحمر مع غيره فهي برد فيه أسود وأحمر وهي معروفة عند أهل اليمن قديما وحديثا
والحلة إزار ورداء مجموعهما يسمى حلة المصبغ حمرة
وذهب بعض أهل العلم إلى أن النهي إنما هو عن المعصفر خاصة
فأما المصبوغ بغير العصفر من الأصباغ التي تجمر الثوب كالمدر والمغرة
فلا بأس به
قال الترمذي في حديث النهي عن المعصفر معناه عند أهل الحديث أنه كره المعصفر
قال ورأوا أن ما صبغ بالحمرة من مدر أو غيره فلا بأس به ما لم يكن معصفرا

ذكر الشيخ ابن القيم رحمه الله حديثا فيه وسلام عليك تحية الموتي وكلام المنذري إلى آخره ثم قال وهذا الفرق إن صح فهو دليل على التسوية بين الأحياء والأموات في السلام
فإن المسلم على أخيه الميت يتوقع جوابه أيضا
قال ابن عبد البر ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ما من رجل يمر بقبر أخيه كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام
قال الشيخ ابن القيم رحمه الله وفيه أيضا نكتة حسنة
وهي أن الدعاء بالسلام دعاء بخير والأحسن في دعاء الخير أن يقدم الدعاء على المدعوا له
كقوله تعالى رحمه الله وبركاته عليكم أهل البيت وقوله وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت وقوله سلام عليكم بما صبرتم وأما الدعاء بالشر فيقدم المدعو عليه على الدعاء غالبا كقوله لإبليس وأن عليك لعنتي وقوله وإن عليك اللعنة وقوله عليهم دائرة السوء وقوله وعليهم غضب ولهم عذاب شديد وسر هذا أن في الدعاء بالخير يقدم اسم الدعاء المحبوب المطلوب الذي تشتهيه النفوس فيبده

القلب والسمع ذكر اسم المحبوب للمطلوب ثم يتبعه بذكر المدعو له
وأما في الدعاء عليه ففي تقديم المدعو عليه إيدان باختصاصه بذلك الدعاء كأنه قيل له هذا لك وحدك لا يشركك فيه الداعي ولا غيره بخلاف الدعاء بالخير
فإن المطلوب عمومه
وكلما عمم بع الداعي كان أفضل
فلما كان التقديم مؤذنا بالاختصاص ترك
ولهذا يقدم إذا أريد الاختصاص كقوله أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة والله أعلم

ذكر الشيخ ابن القيم رحمه الله حديث لا يقبل الله صلاة رجل مسبل ثم قال ووجه هذا الحديث والله أعلم إن إسبال الإزار معصية
وكل من واقع معصية فإنه يؤمر بالوضوء والصلاة
فإن الوضوء يطفيء حريق المعصية
وأحسن ما حمل عليه حديث الأمر بالوضوء من القهقة في الصلاة هذا الوجه فإن القهقهة في الصلاة معصية فأمر النبي صلى الله عليه و سلم من فعلها بأن يحدث وضوءا يمحو به أثرها
ومنه حديث علي عن أبي بكر ما من مسلم يذنب ذنبا يتوضأ ويصلي ركعتين إلا غفر الله له ذنبه

ذكر الشيخ ابن القيم رحمه الله حديث ابن عكيم وكلام المنذري ثم قال وقال أبو الفرج بن الجوزي حديث بن عكيم مضطرب جدا
فلا يقاوم الأول واختلف مالك والفقهاء في حديث ابن عكيم وأحاديث الدباغ

فطائفة قدمت أحاديث الدباغ عليه لصحتها وسلامتها من الاضطراب وطعنوا في حديث ابن عكيم بالاضطراب في إسناده
وطائفة قدمت حديث ابن عكيم لتأخره وثقة رواته ورأو أن هذا الاضطراب لا يمنع الاحتجاج به
وقد رواه شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبيد الله بن عكيم فالحديث محفوظ
قالوا ويؤيده ما ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم من النهي عن افتراش جلود السباع والنمور كما سيأتي
وطائفة عمات بالاحاديث كلها ورأت أنه لا تعارض بينها فحديث ابن عكيم إنما فيه النهي عن الانتفاع بإهاب الميتة
والإهاب هو الجلد الذي لم يدبغ كما قاله النضر بن شميل وقال الجوهري الإهاب الجلد ما لم يدبغ والجمع أهب
وأحاديث الدباغ تدل على الاستمتاع بها بعد الدباغ فلا تنافي بينها
وهذه الطريقة حسنة لولا أن قوله في الحديث ابن عكيم كنت رخصت لكم في جلود الميتة فإذا أتاكم كتابي فلا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب والذي كان رخص فيه هو المدبوغ
بدليل حديث ميمونة
وقد يجاب عن هذا من وجهين

أحدهما أن هذه الزيادة لم يذكرها أحد من أهل السنن في هذا الحديث وإنما ذكروا قوله صلى الله عليه و سلم لا تنتفعوا من الميتة الحديث وإنما ذكرها الدارقطني وقد رواه خالد الحذاء وشعبة عن الحكم فلم يذكرا كنت رخصت لكم فهذه اللفظة في ثبوتها شيء
والوجه الثاني أن الرخصة كانت مطلقة غير مقيدة بالدباغ وليس في حديث الزهري ذكر الدباغ ولهذا كان ينكره ويقول نستمتع بالجلد على كل حال فهذا هو الذي نهى عنه أخيرا وأحاديث الدباغ قسم آخر لم يتناولها النهي وليست بناسخة وهذه أحسن الطرق
ولا يعارض من ذلك نهية عن جلود السباع فإنه نهى عن ملابستها بالبس والافتراش كما نهى عن أكل لحومها لما في أكلها ولبس جلودها من المفسدة وهذا حكم ليس بمنسوخ ولا ناسخ أيضا وإنما هو حكم ابتدائي رافع لحكم الاستصحاب الأصلي
وبهذه الطريقة تأتلف السنن وتستقر كل سنة منها في مستقرها وبالله التوفيق

ذكر الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله حديث من كان له شعر فليكرمه وذكر قول المنذري فيه إلى آخره ثم قال وهذا لا نحتاج إليه
والصواب أنه لا تعارض بينهما بحال فإن العبد مأمور بإكرام شعره ومنهى عن المبالغة والزيادة في الرفاهية والتنعم فيكرم شعره ولا يتخذ الرفاعية والتنعم ديدنة بل يترجل غبا
هذا أولى ما حمل عليه الحديثان وبالله التوفيق

ذكر المنذري الخصاب والخلاف فيه
ثم قال شمس الدين ابن القيم رحمه الله والصواب أن الأحاديث في هذا الباب لا اختلاف بينها بوجه فإن الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه و سلم من تغيير الشيب أمران أحدهما نتفة
والثاني خضابه بالسواد كما تقدم والذي أذن فيه هو صبغة وتغييره بغير السواد كالحناء والصفرة وهو الذي عمله الصحابة رضي الله عنهم
قال الحكم بن عمرو الغفاري دخلت أنا وأخي رافع على عمر بن الخطاب وأنا مخضوب بالحناء وأخي مخضوب بالصفرة فقال عمر هذا خضاب الإسلام وقال لأخي هذا خضاب الإيمان وأما الخضاب بالسواد فكرهه جماعة من أهل العلم وهو الصواب بلا ريب لما تقدم ويل للإمام أحمد تكره الخضاب بالسواد قال أي والله
وهذه المسألة من المسائل التي حلف عليها وقد جمعها أبو الحسن ولأنه يتضمن التلبيس بخلاف الصفرة
ورخص فيه آخرون منهم أصحاب أبي حنيفة وروى ذلك عن الحسن والحسين وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن جعفر وعقبة بن عامر

وفي ثبوته عنهم نظر ولو ثبت فلا قول لأحد مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وسنته أحق بالاتباع ولو خالفها من خالفها
ورخص فيه آخرون للمرأة تتزين به لبعلها دون الرجل
وهذا قول إسحاق بن راهوبة وكأنه رأى أن النهي إنما في حق الرجال وقد جوز للمرأة من خضاب اليدين والرجلين ما لم يجوز للرجل والله أعلم

ذكر الشيخ ابن القيم رحمه الله حديث طرح خاتم الفضة وكلام المنذري إلى آخره ثم قال ويدل على وهم ابن شهاب ما رواه البخاري في صحيحه من حديث عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم اتخذ خاتما من ذهب فجعل فصه مما يلي كفه فاتخذه الناس فرمى به واتخذ خاتما من ورق أو فضة
فهذا يدل على أن الذي طرحه النبي صلى الله عليه و سلم هو خاتم الذهب ويدل على أن خاتم الفضة استمر في بده ولم يرحه ولبسه بعده أبو بكر وعمر وعثمان صدرا من خلافته
وقال النسائي أخبرنا محمد بن معمر حدثنا أبو عاصم عن المغيرة بن زياد حدثنا نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لبس خاتما من ذهب ثلاثة أيام فلما رآه أصحابه فشت خواتيم الذهب فرمى به فلا يدري ما فعل ثم أمر بخاتم من فضة فأمر أن ينقش فيه محمد رسول الله وكان في يد رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى مات وفي يد أبي بكر حتى مات وفي يد عمر حتى مات
وفي يد عثمان ست سنين من عمله فلما كذب عليه دفعه إلى رجل من الأنصار فكان يختم به فخرج الأنصاري إلى قليب لعثمان فسقط فالتمس فلم يوجد فأمر بخاتم مثله ونقش فيه محمد رسول الله

وفي الصحيحين من حديث الليث عن نافع عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه و سلم اصطنع خاتما من ذهب وكان يجعل فصه في باطن كفه إذا لبسه فصنع الناس ثم إنه جلس على المنبر فنزعه وقال إني كنت ألبس هذا الخاتم وأجعل فصهمن داخل فرمى به وقال والله لا ألبسه أبدا فنبذ الناس خواتيمهم فهذا الحديث متفق عليه وله طرق عديدة في الكتابين
وقد روى عن البراء بن عازب وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص وأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنهم لبسوا خواتييم الذهب
وهذا إن صح عنهم فلعلهم لم يبلغهم النهي
وهم في ذلك كمن رخص في لبس الحرير من السلف
وقد صحت السنة بتحريمه على الرجال وإباحته للنساء والله أعلم

ذكر الشيخ ابن القيم رحمه الله حديث أيما امرأة جعلت في أذنها خرصا من ذهب ثم قال المنذري وأخرجه النسائي ثم قال قال بن القطان وعلة هذا الخبر أن محمود بن عمرو راويه عن أسماء مجهول الحال وإن كان قد روى عنه جماعة

وروى النسائي عن أبي هريرة قال كنت قاعدا عند النبي صلى الله عليه و سلم
فأتته امرأة فقالت يا رسول الله سواران من ذهب قال سواران من نار قالت طوق من ذهب قال طوق من نار
قالت قرطان من ذهب قال قرطان من نار
قال وكان عليها سواران من ذهب فرمت بها فقالت يارسول الله إن المرأة إذا لم تتزين لزوجها صلفت 1 عنده
فقال ما يمنع إحداكن أن تصنع قرطين من فضة ثم تصفره بزعفران أو بعبير
قال ابن القطان وعلته أن أبا زيد راوية عن أبي هريهر مجهول ولا نعرف روى عنه غير أبي الجهم
ولا يصح هذا
وفي النسائي أيضا عن ثوبان قال جاءت بنت هبيرة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وفي يدها فتح
فقال كذا في كتاب أي خواتيم ضخام
فجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يضرب يدها
فدخلت على فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم تشكو إليها الذي صنع بها رسول الله صلى الله عليه و سلم
فانتزعت سلسلة في عنقها من ذهب
قالت هذه أهداها إلى أبو حسن
فدخل رسول الله صلى الله عليه و سلم والسلسلة في يدها
قال يافاطمة أيغرك أن يقول الناس ابنة رسول الله صلى الله عليه و سلم وفي يدها سلسلة من نار ثم خرج ولم يقعد
فأرسلت فاطمة بالسلسلة إلى السوق فباعتها واشترت بثمنها غلاما وقال مرة عبدا
وذكر كلمة معناها فأعتقته فحدث بذلك
فقال الحمد لله الذي أنجي فاطمة من النار
قال ابن القطان وعلته أن الناس قد قالوا إن رواية يحي ابن أبي كثير عنأبي سلام الرحبي منقطعة على أن يحي قد قال حدثني أبو سلام وقد قيل إنه دلس ذلك ولعله كان أجازة زيد بن سلام فجعل يقول حدثنا زيد
وفي النسائي أيضا عن عقبه بن عامر أن النبي صلى الله عليه و سلم
كان يمنع أهله الحلية والحرير ويقول إن كنتم تحبون حلية الجنة وحريرها فلا تلبسوها في الدنيا فاختلف الناس في هذه الأحاديث وأشكلت عليهم
فطائفة سبلكت بها مسلك التضعيف وعللتها كلها كما تقدم
وطائفة ادعت أن ذلك كان أل الإسلام ثم نسخ
واحتجت بحديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه و سلم

قال أحل الذهب والحرير للاناث من أمتي وحرم على ذكورها قال الترمذي حديث صحيح
ورواه ابن ماجه في سننه من حديث علي وعبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه و سلم وطائفة حملت أحاديث الوعيد على من لم يؤد زكاة حليها
فأما من أدته فلا يلحقها هذا الوعيد
واحتجوا بحديث عنرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة من اليمن أتت رسول الله صلى الله عليه و سلم ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مسكتان غليظان من ذهب فقال لها أتؤدين زكاة هذا 95 95 الحديث الثاني 55 قال أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار قال فغلعتهما فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه و سلم وقالت هما لله ولرسوله وبما روى أبو داود عن أم سليمة قالت كنت ألبس أوضاحا من ذهب
فقلت يا رسول الله أكنز هو فقال ما بلغ تؤدي زكاته فزكى فليس بكنز وهكذا من أفراد ثابت بن عجلان والذي قبله من أفراد عمرو بن شعيب وطائفة من أهل الحديث حملت أحاديث الوعيد على من أظهرت حليتها وتبرجت بها دون من تزينت بها لزوجها
قال النسائي في سننه وقد ترجم على ذلك الكراهة للنساء في إظهار الحلى والذهب ثم ساق أحاديث الوعيد
والله أعلم
ثم ذكر الشيخ ابن القيم رحمه الله
حديث ميمون وفيه وعن لبس الذهب إلا مقطعا إلى قول المنذري ففيه الانقطاع في موضعين ثم قال وقد رواه النسائي من حديث أبي البيهس بن فهدان عن أبي شيخ الهنائي عن معاوية وقد تقدم الكلام على هذا الإسناد في الحج ورواه عن شيخ عن أي حمانأنه سمع معاويه ورواه النسائي أيضا من حديث بهنس بن فهدان أنانبأ أبو شيخ قال سمعت ابن عنر قال نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن لبس الذهب إلامقطعا وقد روى في حديث آخر احتج به أحمد في رواية الأثرممن تحلى بخريصة كوى بها يوم القيامة فقال الأثرم فقلت أي شيء خريصة قال شيء صغير مثل الشعيرة
وقال غيره من عين الجرادة
وسمعت شيخ الإسلام يقول حديث معاوية في إباحة الذهب مقطعا
هو في التابع غير المفرد كالزر والعلم ونحوه وحديث الخريصة كالخاتم وغيره
فلا تعارض بينها
والله أعلم

قال الشيخ ابن القيم رحمه الله وقد روى مسلم في صحيحه من حديث حذيفة قال و الله إني لأعلم الناس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة
وما بي أن لا يكون رسول الله صلى الله عليه و سلم أسر إلى في ذلك شيئا لم يحدثه غيري ولكن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال وهو يحدث مجلسا أنا فيه عن الفتن فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يعد الفتن منهن ثلاث لا يكدن يذرن شيئا ومنهن فتن كرياح الصيف
صغار
ومنها كبار قال حذيفة فذهب أولئك الرهط كلهم عيري

وفي الصحيحين عن شقيق عن حذيفة قال كنا عند عمر فقال أيكم يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم في الفتنة كما قال قال قلت أنا
قال إنك لجرىء
قال وكيف قال قلت سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول فتنة الرجل في أهله وماله ونفسه وولده وجاره يكفرها الصيام والصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال عمر ليس هذا أريد وإنما أريد التي تموج كموج البحر
قال فقلت ومالك ولهاياأمير المؤمنين أن بينك وبينها بابا مغلقا
قال أفيكسر الباب أم يفتح قال قلت لا بل يكسر قال ذلك أحرى أن لا يغلق أبدا
قال فقلنا لحذيفة هل كان عمر يعلم من الباب قال نعم كما يعلم أن دون غد ليلة
إني حدثته حديثا ليس بالأغاليظ
قال فهبنا أن نسأل حذيفة من الباب فقلنا لمسروق سله
فسأله فقال عمر

ذكر الشيخ ابن القيم رحمه الله قال المنذري حديث الخلافة بعد وثلاثون سنة وحديث اثنا عشر خليفة ثم قال فإن قيل فكيف الجمع قيل لاتعارض بين الحديثين فإن الخلافة المقدرة بثلاثين سنة هي خلافة النبوة كما في حديث أبي بكرة ووزن النبي صلى الله عليه و سلم بأبي بكر ورجحانه وسيأتي وفيه فقال النبي صلى الله عليه و سلم خلافة نبوة
ثم يؤتي الله الملك من يشاء

وأما الخلفاء الاثنا عشر فلم يقل في خلافتهم إنها خلافه نبوة
ولكن أطلق عليهم اسم الخلفاء وهو مشترك واختص الأئمة الراشدون منهم بخصيصة في الخلافة وهي خلافة النبوة وهي المقدرة بثلاثين سنة خلافة الصديق سنتين وثلاثة أشهر واثنتين وعشرين يوما وخلافة عمر بن الخطاب عشر سنين وستة أشهر وأربع ليال وخلافة عثمان اثنتي عشر سنة إلا اثني عشر يوما وخلافة علي خمس سنين وثلاثة أشهر إلا أربعة عشر يوما
وقتل علي سنة أربعين
فهذه خلافة النبوة ثلاثون سنة
وأما الخلفاء إثنا عشر فقد قال جماعة منهم أبو حاتم بن حبان وغيره إن آخرهم عمر بن عبد العزبز فذكروا الخلفاء الأربعة ثم معاوية ثم يزيد ثم ابنه معاوية بن يزيد ثم مروان بن الحكم ثم عبد الله ابنه ثم الوليد بن عبد الملك ثم سليمان بن عبد الملك ثم عمر بن عبد العزيز وكانت وفاته على رأس المائة وهي القرن الفضل الذي هو خير القرون وكان الدين في هذا القرن في غاية العزة
ثم وقع ما وقع والدليل على أن النبي صلى الله عليه و سلم إنما أوقع عليهم اسم الخلافة بمعنى الملك في غير خلافة النبوة قوله في الحديث الصحيح من صديق الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وسيكون من بعدي خلفاء يعملون بما يقولون ويفعلون ما يؤمرون وسيكون من بعدهم خلفاء يعملون بما لا يقولون ويفعلون ما لا يؤمرون من أنكر برىء ومن أمسك سلم ولكن من رضي وتابع

قال الشيخ شمس الدين بن القيم رحمه الله قد ذكر مسلم في صحيحه عن أنس قال إنما سمل النبي صلى الله عليه و سلم أعين أولئك لأنهم سملوا أعين الرعاء
وذكر ابن إسحاق أن هؤلاء كانوا قد مثلوا بالراعي فقطعوا يديه ورجليه وغرزوا الشوك في عينيه فأدخل المدينة ميتا على هذه الصفة

وترجمة البخاري في صحيحه تدل على ذلك فإنه ساقه في باب إذا حرق المسلم هل يحرق فذكره
وذكر البخاري أيضا أنهم كانوا من أهل الصفة وذكر أنه لم يحسمهم حتى ماتوا

ذكر الشيخ ابن القيم رحمه الله حديث المخزومية ثم قال وهذا الحديث قد ذهب إليه الإمام أحمد وإسحاق
وأعل بعض الناس الحديث بأن معمرا تفرد من بين سائر الرواة بذكر العارية في هذا الحديث
وأن الليث ويونس وأيوب بن موسى رووه عن الزهري وقالوا سرقت ومعمر لا يقاومهم
قالوا ولو ثبت فذكر وصف العارية إنما هو للتعريف المجرد لا أنه سبب القطع فأما تعليله بما ذكر فباطل
فقد رواه أبو مالك عمرو بن هاشم الجنبي الكوفي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن امرأة كانت تستعير الحلى للناس ثم تمسكه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لتتب هذه المرأة إلى الله ورسوله وترد ما تأخذ على القوم ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم قم يا بلال فخذ بيدها فاقطعها ذكره النسائي ورواه شعيب بن إسحاق عن عبيد الله عن نافع بنحوه سواء ذكره النسائي
أيضا وقال فيه لتتب هذه المرأة ولتؤدي ما عندها مرارا فلم تفعل
فأمر بها فقطعت
وهو يبطل قول من قال إن ذكر هذا الوصف للتعريف المجرد
ورواه سفيان عن أيوب بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت كانت مخزومية

تستعير متاعا وتجحده فرفعت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وكلم فيها فقال لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها ذكره النسائي
ورواه بشر بن شعيب أخبرني أبي عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت استعارت امرأة على ألسنة أناس يعرفون وهي لا تعرف حليا فباعته وأخذت ثمنه فأتى بها رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكر الحديث وقال في آخره ثم قطع تلك المرأة ذكره النسائي أيضا
ورواه هشام عن قتادة عن سعيد بن يزيد عن سعيد بن المسيب أن امرأة من بني مخزوم استعارت حليا على لسان أناس فجحدته فأمر بها النبي صلى الله عليه و سلم فقطعت ذكره النسائي أيضا
فقد صح الحديث ولله الحمد
ولا تنافي بين ذكر جحد العارية وبين السرقة فإن ذلك داخل في اسم السرقة
فإن هؤلاء الذين قالوا إنها جحدت العارية وذكروا أن قطعها لهذا السبب قالوا إنها سرقت فأطلقوا على ذلك اسم السرقة
فثبت لغة أن فاعل ذلك سارق وثبت شرعا أن حده قطع اليد
وهذه الطريقة أولى من سلوك طريقة القياس في اللغة فيثبت كون الخائن سارقا لغة قياسا على السارق ثم يثبت الحكم فيه

وعلى ما ذكرناه يكون تناول اسم السارق للجاحد لغة بدليل تسمية الصحابة له سارقا
ونظير هذا سواء ما تقدم من تسمية نبيذ التمر وغيره خمرا لغة لا قياسا
وكذلك تسمية النباش سارقا
وأما قولهم إن ذكر جحد العارية للتعريف لا أنه المؤثر فكلام في غاية الفساد لو صح مثله وحاشى وكلا لذهب من أيدينا عامة الأحكام المترتبة على الأوصاف وهذه طريقة لا يرتضيها أئمة العلم ولا يردون بمثلها السنن وإنما يسلكها بعض المقلدين من الأتباع
ولو ثبت أن جاحد العارية لا يسمي سارقا لكان قطعه بهذا الحديث جاريا على وفق القياس
فإن ضرره مثل ضرر السارق أو أكثر إذ يمكن الاحتراز من السارق بالإحراز والحفظ
وأما العارية فالحاجة الشديدة التي تبلغ الضرورة ماسة إليها وحاجة الناس فيما بينهم إليها من أشد الحاجات ولهذا ذهب من ذهب من العلماء إلى وجوبها وهو مذهب كثير من الصحابة والتابعين وأحد القولين في مذهب أحمد
فترتيب القطع على جاحدها طريق إلى حفظ أموال الناس وترك الباب هذا المعروف مفتوحا
وأما إذا علم أن الجاحد لا يقطع فإنه يفضي إلى سد باب العارية في الغالب
وسر المسألة أن السارق إنما قطع دون المنتهب والمختلس لأنه لا يمكن التحرز منه بخلاف المنتهب والمختلس فإنه إنما يفعل ذلك عند عدم احتراز المالك
وقد ذكرنا أن العارية فيما بين الناس أمر تدعو إليه الحاجة فلا يمكن سده والاحتراز منه فكان قطع اليد في جنايته كقطعها في جناية السرقة وبالله التوفيق

ذكر الشيخ شمس الدين بن القيم رحمه الله حديث فإن عاد في الرابعة فاقتلوه وكلام المنذري إلى قوله والإجماع من الأمة على أنه لا يقتل ثم قال وهذا المعنى قد رواه النسائي من حديث مصعب بن ثابت عن محمد بن المنكدر عن جابر وهو المتقدم ورواه من حديث النضر بن شميل حدثنا حماد حدثنا يوسف عن الحرث بن حاطب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أتى بلص فقال اقتلوه فقالوا يا رسول الله إنما سرق قال اقطعوا يده
قال ثم سرق فقطعت رجله ثم سرق على عهد أبي بكر حتى قطعت قوائمه كلها ثم سرق أيضا الخامسة فقال

أبو بكر كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أعلم بهذا حين قال اقتلوه ثم دفعه إلى فتية من قريش ليقتلوه منهم عبد الله بن الزبير وكان يحب الإمارة فقال أمروني عليكم فأمروه عليهم فكان إذا ضرب ضربوه حتى قتلوه
قال النسائي ولا أعلم في هذا الباب حديثا صحيحا
وأما ما ذكره من قتل شارب الخمر بعد الرابعة فقد قال طائفة من العلماء إن الأمر بقتله في الرابعة متروك بالإجماع وهذا هو الذي ذكره الترمذي وغيره
وقيل هو منسوخ بحديث عبد الله بن حمار أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يقتله في الرابعة
وقال الإمام أحمد وقد قيل له لم تركته فقال لحديث عثمان لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث
وفي ذلك كله نظر
أما دعوى الإجماع على خلافه فلا إجماع
قال عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو ائتوني به في الرابعة فعلي أن أقتله وهذا مذهب بعض السلف
وأما ادعاء نسخه بحديث عبد الله بن حمار
فإنما يتم بثبوت تأخره والإتيان به بعد الرابعة ومنافاته للأمر بقتله
وأما دعوى نسخه بحديث لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث فلا يصح لأنه عام وحديث القتل خاص
والذي يقتضيه الدليل أن الأمر بقتله ليس حتما ولكنه تعزيز بحسب المصلحة فإذا أكثر الناس من الخمر ولم ينزجروا بالحد فرأى الإمام أن يقتل فيه قتل ولهذا كان عمر رضي الله عنه ينفي فيه مرة ويحلق فيه الرأس مرة وجلد فيه ثمانين وقد جلد فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبو بكر رضي الله عنه أربعين
فقتله في الرابعة ليس حدا وإنما هو تعزيز بحسب المصلحة وعلى هذا يتخرج حديث الأمر بقتل السارق إن صح والله

قال الشيخ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقد روى ابن حبان في صحيحه من حديث زيد بن أبي أنيسة عن أبي الزبير عن عبد الرحمن بن الهضهاض الدوسي عن أبي هريرة قال جاء ماعز بن مالك إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له الأبعد قد زنا فقال له النبي صلى الله عليه و سلم وما يدريك ما الزنا ثم أمر به فطرد وأخرج
ثم أتاه الثانية فقال يا رسول الله إن الأبعد قد زنا فقال ويلك وما يدريك ما الزنا فطرد وأخرج
ثم أتاه الثالثة فقال يا رسول الله إن الأبعد قد زنا قال ويلك وما يدريك ما الزنا قال أتيت من امرأة حراما مثل ما

يأتي الرجل من امرأته فأمر به فطرد وأخرج
ثم أتاه الرابعة فقال يا رسول الله إن الأبعد قد زنا قال ويلك وما يدريك ما الزنا قال أدخلت وأخرجت قال نعم فأمر به أن يرجم فذكر الحديث وقال فيه إنه الآن لفي نهر من أنهار الجنة ينغمس
وهذا صريح في تعدد الإقرار وأن ما دون الأربع لا يستقل بإيجاب الحد
وفيه حجة لمن اعتبر تعدد المجلس
وقد روى ابن حبان أيضا في صحيحه من حديث أيوب عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه و سلم لما رجم ماعز بن مالك قال لقد رأيته يتخضخض في أنهار الجنة

قال الشيخ شمس الدين بن القيم رحمه الله في حديث أبي سعيد وقد اختلف في حديث ماعز هل حفر له أم لا
ففي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري قال لما أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن نرجم ماعز بن مالك خرجنا به إلى البقيع فوالله ما حفرنا له ولا أوثقناه ولكن قام لنا فرميناه بالعظام والخزف فاشتكى فخرج يشتد حتى انتصب لنا في عرض الحرة الحديث
وفي صحيح مسلم أيضا عن ابن بريدة قال جاء ماعز بن مالك إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله إني زنيت فأريد أن تطهرني فرده
فلما كان من الغد أتاه فقال يا رسول الله إني قد زنيت فرده الثانية فأرسل رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى أهله فقال هل تعلمون بعقله بأسا هل تنكرون منه شيئا فقالوا ما نعلمه إلا وفي العقل من صالحينا فيما نرى فأتاه الثالثة فأرسل إليهم أيضا فسأل عنه فأخبروه أنه لا بأس به ولا بعقله فلما كان الرابعة حفر له حفرة ثم أمر به فرجم فذكر الحديث
وهذا الحديث فيه أمران سائر طرق حديث مالك تدل على خلافهما
أحدهما أن الإقرار منه وترديد النبي صلى الله عليه و سلم كان في مجالس متعددة وسائر الأحاديث تدل على أن ذلك كان في مجلس واحد
الثاني ذكر الحفر فيه والصحيح في حديثه أنه لم يحفر له والحفر وهم ويدل عليه أنه هرب وتبعوه

وهذا والله أعلم من سوء حفظ بشير بن مهاجر وقد تقدم قول الإمام أحمد إن ترديده إنما كان في مجلس واحد إلا ذلك الشيخ ابن مهاجر

ساق الشيخ شمس الدين بن القيم رحمه الله كلام المنذري إلى آخر الباب ثم قال وهذا كله يدل على أن الحديث محفوظ ولا يوجب هذا تركه بوجه
فإن البراء بن عازب حدث به عن أبي بردة بن نيار واسمه الحارث بن عمرو
وأبو بردة كنيته وهو عمه وخاله وهذا واقع في النسب وكان معه رهط فاقتصر على ذكر الرهط مرة وعين من بينهم أبا بردة بن نيار باسمه مرة وبكنيته أخرى وبالعمومة تارة وبالخؤلة أخرى
فأي علة في هذا توجب ترك الحديث والله الموفق للصواب
والحديث له طرق حسان يؤيد بعضها بعضا
منها مطرف عن أبي الجهم عن البراء
ومنها شعبة عن الركين بن الربيع عن عدي بن ثابت عن البراء
ومنها الحسن بن صالح عن السدي عن عدي عن البراء
ومنها معمر عن أشعث عن عدي عن يزيد بن البراء عن أبيه
وذكر النسائي في سننه من حديث عبد الله بن إدريس حدثنا خالد بن أبي كريمة عن معاوية بن قرة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث أباه جد معاوية إلى رجل عرس بامرأة أبيه فضرب عنقه وخمس ماله

ساق الشيخ شمس الدين بن القيم رحمه الله كلام المنذري على حديث بشير بن يسار إلى قوله ولم يذكر مسلم لفظ الحديث ثم قال وذكر النسائي من حديث عبيد الله بن الأخنس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن ابن

محيصة الأصغر أصبح قتيلا على أبواب خيبر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أقم شاهدين على من قتله أدفعه إليك برمته قال يا رسول الله أين أصيب شاهدين وإنما أصبح قتيلا على أبوابهم قال فتحلف خمسين قسامة قال يا رسول الله فكيف أحلف على ما لا أعلم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم فتستحلف منهم خمسين قسامة فقال يا رسول الله كيف نستحلفهم وهم اليهود فقسم رسول الله صلى الله عليه و سلم ديته عليهم وأعانهم بنصفها
قال النسائي لا نعلم أحدا تابع عمرو بن شعيب على هذه الرواية ولا سعيد بن عبيد على روايته عن بشير بن يسار والله أعلم
وقال مسلم رواية سعيد بن عبيد غلط ويحيى بن سعيد أحفظ منه
وقال البيهقي هذا يحتمل أن لا يخالف رواية يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار وكأنه أراد بالبينة هنا أيمان المدعين مع اللوث كما فسره يحيى بن سعيد أو طالبهم بالبينة كما في رواية سعيد بن عبيد فلما لم يكن عندهم بينة عرض عليهم الأيمان كما في رواية يحيى بن سعيد
فلما لم يحلفوا ردها على اليهود كما في الروايتين جميعا
ويدل على ما ذكره البيهقي حديث النسائي عن عمرو بن شعيب
والصواب رواية الجماعة الذين هم أئمة أثبات أنه بدأ بأيمان المدعين فلما لم يحلفوا ثني بأيمان اليهود
وهذا هو المحفوظ في هذه القصة وما سواه وهم وبالله التوفيق

ذكر الشيخ شمس الدين بن القيم رحمه الله كلام المنذري على حديث الزهري عن أبي سلمة إلى قول الشافعي رحمه الله وكله عندنا بنعمة الله ثقة ثم قال وهذا الحديث له علة وهي أن معمرا انفرد به عن الزهري وخالفه ابن جريج وغيره فرووه عن الزهري بهذا الإسناد بعينه عن أبي سلمة وسليمان عن رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أقر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية وقضى بها بين ناس من الأنصار في قتيل ادعوه على اليهود ذكره البيهقي
والقسامة في الجاهلية كانت قسامة الدم
وفي قول الشافعي إن حديث ابن شهاب مرسل نظر
والرجال من الأنصار لا يمتنع أن يكونوا صحابة
فإن أبا سلمة وسليمان كل منهما من التابعين قد لقي جماعة من الصحابة إلا أن الحديث غير مجزوم باتصاله لاحتمال كون الأنصاريين من التابعين والله أعلم
قال البيهقي وأصح ما روى في القتل بالقسامة وأعلاه بعد حديث سهل ما رواه عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال حدثني خارجة بن زيد بن ثابت قال قتل رجل من الأنصار وهو سكران رجلا آخر من الأنصار من بني النجار في عهد معاوية ولم يكن على ذلك شهادة إلا لطيخ وشبهة
قال فاجتمع رأي الناس على أن يحلف ولاة المقتول ثم يسلم إليهم فيقتلوه قال خارجة بن زيد فركبنا إلى

معاوية وقصصنا عليه القصة فكتب معاوية إلى سعيد بن العاص فذكر الحديث وفيه فقال سعيد أنا منفذ كتاب أمير المؤمنين فاغدوا على بركة الله فغدونا عليه فأسلمه إلينا سعيد بعد أن حلفنا عليه خمسين يمينا
وفي بعض طرقه وفي الناس يومئذ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ومن فقهاء الناس ما لا يحصى وما اختلف اثنان منهم أن يحلف ولاة المقتول ويقتلوا أو يستحيوا فحلفوا خمسين يمينا وقتلوا وكانوا يخبرون أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قضى بالقسامة
وأما حديث محمد بن راشد المكحولي عن مكحول أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يقض في القسامة بقود فمنقطع
وأما ما رواه الثوري في جامعه عن عبد الرحمن عن القاسم بن عبد الرحمن أن عمر بن الخطاب قال القسامة توجب العقل ولا تشيط الدم فمنقطع موقوف
وأما حديث الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه استحلف اليهود خمسين يمينا ثم جعل عليهم الدية
فلا يحل لأحد معارضة رواية الأئمة الثقات بالكلبي وأمثاله
وأما حديث عمر بن صبيح عن مقاتل بن حيان عن صفوان عن ابن المسيب عن عمر في قضائه بذلك وقوله إنما قضيت عليكم بقضاء نبيكم صلى الله عليه و سلم
فلا يجوز أيضا معارضة الأحاديث الثابتة من قد أجمع علماء الحديث على ترك الاحتجاج به وهو ابن صبيح الذي لم يسفر صباح صدقه في الرواية
وأما حديث سفيان بن عيينة عن منصور عن الشعبي أن عمر بن الخطاب كتب في قتيل وجد بين جيزان ووادعة أن يقاس ما بين الفريقين فإلى أيهما كان أقرب أخرج منهم خمسين رجلا حتى يوافوه بمكة فأدخلهم الحجر ثم قضى عليهم بالدية فقالوا ما وقت أموالنا أيماننا ولا أيماننا أموالنا
فقال عمر كذلك الأمر
وفي لفظ قال عمر حقنت بأيمانكم دمائكم ولا يطل دم امرىء مسلم
فقال الشافعي وقد قيل له هذا ثابت عندك قال لا إنما رواه الشعبي عن الحارث الأعور والحارث مجهول ونحن نروي عن النبي صلى الله عليه و سلم بالإسناد الثابت أنه بدأ بالمدعين فلما لم يحلفوا قال فتبرئكم يهود بخمسين يمينا وإذا قال فتبرئكم لم يكن عليهم غرامة ولما لم يقبل الأنصار أيمانهم وداه النبي صلى الله عليه و سلم ولم يجعل على يهود شيئا والقتيل بين أظهرهم

وقال محمد بن إسحاق بن خزيمة عن ابن عبد الحكم سمعت الشافعي يقول سافرت إلى جيزان ووداعة ثلاثا وعشرين سفرة أسألهم عن حكم عمر بن الخطاب في القتيل وأحكي لهم ما روى عنه فقالوا إن هذا لشيء ما كان ببلدنا قط
قال الشافعي والعرب أحفظ شيء لأمر كان
وأما حديث أبي سعيد الخدري أن قتيلا وجد بين حيين فأمر النبي صلى الله عليه و سلم أن يقاس إلى أيهما أقرب فوجد أقرب إلى أحد الحيين بشير فألقى ديته عليهم فرواه أحمد في مسنده وهو من رواية أبي إسرائيل الملائي عن عطية العوفي وكلاهما فيه ضعيف
ومع هذا فليس فيه ما يضاد حديث القسامة
وقد ذهب إليه أحمد في رواية حكاه في كتاب الورع عنه
وأما حديث ابن عباس لو يعطي الناس بدعواهم لادعى رجال دماء رجال وأموالهم
ولكن اليمين على المدعي عليه
فهذا إنما يدل على أنه لا يعطي أحد بمجرد دعواه دم رجل ولا ماله
وأما في القسامة فلم يعط الأولياء فيها بمجرد دعواهم بل بالمبينة وهي ظهور اللوث وأيمان خمسين لا بمجرد الدعوى وظهور اللوث وحلف خمسين بينة بمنزلة الشهادة أو أقوى
وقاعدة الشرع أن اليمين تكون في جانبه أقوى المتداعيين
ولهذا يقضي للمدعي بيمينه إذا نكل المدعى عليه كما حكم به الصحابة لقوة جانبه بنكول الخصم المدعي عليه ولهذا يحكم له بيمينه إذا أقام شاهدا واحدا لقوة جانبه بالشاهد فالقضاء بها في القسامة مع قوة جانب المدعين باللوث الظاهر أولى وأحرى
وطرد هذا القضاء بها في باب اللعان إذا لاعن الزوج ونكلت المرأة فإن الذي يقوم عليه الدليل أن الزوجة تحد وتكون أيمان الزوج بمنزلة الشهود كما قاله مالك والشافعي
وقال أبو حنيفة لا تقبل في الموضعين
وقال مالك تقبل في الموضعين
وقال أحمد تقبل في القسامة دون اللعان
وقال الشافعي تقبل في اللعان دون القسامة
وقول مالك أرجح وعليه تدل الأدلة

قال الشيخ شمس الدين بن القيم رحمه الله آخر الباب وأما الحديث الذي ذكره أبو داود في كتاب المراسيل عن عبد الله بن عبد العزيز الحضرمي قال

قتل رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم خيبر مسلما بكافر قتله غيلة وقال أنا أولى وأحق من أوفى بذمته
فمرسل لا يثبت
ورواه أيضا من حديث ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن البيلماني ولا يصح من الوجهين الإرسال وابن البيلماني
وقد أسنده بعضهم من حديث ابن البيلماني عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم ولا يصح
وهذا الحديث مداره على ابن البيلماني والبلية فيه منه وهو مجمع على ترك الاحتجاج به فضلا عن تقديم روايته على أحاديث الثقات الأئمة المخرجة في الصحاح كلها

قال الشيخ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقال الشافعي في رواية الربيع وروى من حديث عمر أنه قال رأيت رسول الله يعطي القود من نفسه وأبا بكر يعطي القود من نفسه وأنا أعطي القود من نفسي احتج به الشافعي في القصاص فيما دون النفس
وقد تقدم حديث النعمان بن بشير وقوله لمدعي السرقة إن شئتم أن أضربهم فإن خرج منه علم

وإلا أخذت من ظهوركم مثل ما أخذت من ظهورهم فقالوا هذا حكمك فقال هذا حكم الله ورسوله
وروى النسائي من حديث محمد بن هلال عن أبيه عن أبي هريرة قال كنا نقعد مع رسول الله في المسجد فإذا قام قمنا فقام يوما وقمنا معه حتى إذا بلغ وسط المسجد أدركه أعرابي فجبذ بردائه من ورائه وكان رداؤه خشنا فحمر رقبته قال يا محمد احمل لي على بعيري هذين فإنك لا تحمل من مالك ولا من مال أبيك فقال رسول الله لا وأستغفر الله لا أحمل لك حتى تقيدني مما جبذت برقبتي فقال الأعرابي لا والله لا أقيدك فلما سمعنا قول الأعرابي أقبلنا إليه سراعا فالتفت إلينا رسول الله فقال عزمت على من سمع كلامي أن لا يبرح مقامه حتى آذن له فقال رسول الله لرجل من القوم يا فلان احمل له على بعير شعيرا وعلى بعير تمرا ثم قال رسول الله انصرفوا
ترجم عليه القود من الجبذة ورواه أبو داود
وروى النسائي أيضا من حديث سعيد بن جبير أخبرني ابن عباس أن رجلا وقع في أب كان له في الجاهلية فلطمه العباس فجاء قومه فقالوا لتلطمنه كما لطمه فلبسوا السلاح فبلغ ذلك النبي فصعد المنبر فقال أيها الناس أي أهل الأرض تعلمون أكرم على الله قالوا أنت قال فإن العباس مني وأنا منه لا تسبوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا فجاء القوم فقالوا يا رسول الله نعوذ بالله من غضبك استغفر لنا
وترجم عليه القود من اللطمة

وروى النسائي أيضا حديث أبي سعيد المتقدم وقال بينا رسول الله يقسم شيئا بيننا إذا أكب عليه رجل فطعنه رسول الله بعرجون كان معه فصاح الرجل فقال له رسول الله تعالى فاستقد فقال الرجل بل عفوت يا رسول الله
وترجم عليه القود من الطعنة
وفي الصحيحين عن عائشة قالت لددنا رسول الله في مرضه فأشار أن لا تلدوني فقلنا كراهة المريض للدواء فلما أفاق قال لا يبقى أحد منكم إلا لد وأنا أنظر إلى العباس فإنه لم يشهد
ومن بعض تراجم البخاري عليه

باب القصاص
بين الرجال والنساء في الجراحات
وفي الباب حديث أسيد بن حضير أن النبي طعنه في خاصرته بعود فقال اصبرني فقال اصطبر قال إن عليك قميصا وليس علي قميص فرفع النبي عن قميصه
فاحتضنه وجعل يقبل كشحه قال إنما أردت هذا يا رسول الله رواه أبو داود في كتاب الأدب وسيأتي هناك إن شاء الله تعالى
واصبرني أي أقدني من نفسك و واصطبر أي استقد
والاصطبار الاقتصاص
يقال أصبرته بقتيله أقدته منه
وذكر النسائي من حديث عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة أن النبي بعث أبا جهم بن حذيفة مصدقا فلاحاه رجل في صدقته فضربه أبو جهم فأتوا النبي فقالوا القود يا رسول الله فقال لكم كذا وكذا فلم يرضوا به فقال لكم كذا وكذا فرضوا به فقال رسول الله إني خاطب على الناس ومخبرهم برضاكم قالوا نعم فخطب النبي فقال إن هؤلاء أتوني يريدون القود فعرضت عليهم كذا وكذا فرضوا قالوا لا فهم المهاجرون بهم فأمرهم رسول الله أن يكفوا ثم دعاهم فقال أرضيتم قالوا نعم قال فإني خاطب على الناس ومخبرهم برضاكم قالوا نعم فخطب الناس ثم قال أرضيتم قالوا نعم
وترجم عليه السلطان يصاب على يده
وقد اختلف الناس في هذه المسألة وهي القصاص في اللطمة والضربة ونحوها مما لا يمكن للمقتص أن يفعل بخصمه مثل ما فعله به من كل وجه هل يسوع القصاص في ذلك أو يعدل إلى عقوبته بجنس آخر وهو التعزير على قولين
أصحهما أنه شرع فيه القصاص وهو مذهب الخلفاء الراشدين ثبت ذلك عنهم حكاه عنهم

أحمد وأبو إسحاق الجوزجاني في المترجم ونص عليه الإمام أحمد في رواية الشالنجي وغيره قال شيخنا رحمه الله وهو قول جمهور السلف
والقول الثاني أنه لا يشرع فيه القصاص وهو المنقول عن الشافعي ومالك وأبي حنيفة وقول المتأخرين من أصحاب أحمد حتى حكى بعضهم الإجماع على أنه لا قصاص فيه
وليس كما زعم بل حكاية إجماع الصحابة على القصاص أقرب من حكاية الإجماع على منعه
فإنه ثبت عن الخلفاء الراشدين ولا يعلم لهم مخالف فيه
ومأخذ القولين أن الله تعالى أمر بالعدل في ذلك فبقي النظر في أي الأمرين أقرب إلى العدل
فقال المانعون المماثلة لا تمكن هنا فكأن العدل يقتضي العدول إلى جنس آخر وهو التعزيز فإن القصاص لا يكون إلا مع المماثلة ولهذا لا يجب في الجرح صرنا إلى الدية
فكذا في اللطمة ونحوها لما تعذرت صرنا إلى التعزير
قال المجوزون القصاص في ذلك أقرب إلى الكتاب والسنة والقياس والعدل من التعزير
أما الكتاب فإن الله سبحانه قال وجزاء سيئة سيئة مثلها وقال فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم
ومعلوم أن المماثلة مطلوبة بحسب الإمكان واللطمة أشد مماثلة للطمة والضربة للضربة من التعزيز لها فإنه ضرب في غير الموضع غير مماثل لا في الصورة ولا في المحل ولا في القدر فأنتم فررتم من تفاوت لا يمكن الاحتراز منه بين اللطمتين فصرتم إلى أعظم تفاوتا منه بلا نص ولا قياس
قالوا وأما السنة فما ذكرنا من الأحاديث في هذا الباب وقد تقدمت ولو لم يكن في الباب إلا سنة الخلفاء الراشدين لكفى بها دليلا وحجة
قالوا
فالتعزير لا يعتبر فيه جنس الجناية ولا قدرها بل قد يعزروه بالسوط والعصا ويكون إنما ضربه بيده أو رجله فكانت العقوبة بحسب الإمكان في ذلك أقرب إلى العدل الذي أنزل الله به كتبه وأرسل به رسله
قالوا وقد دل الكتاب والسنة في أكثر من مائة موضع على أن الجزاء من جنس العمل في الخير والشر كما قال تعالى جزاء وفاقا أي وفق أعمالهم وهذا ثابت شرعا وقدرا
أما الشرع
فلقوله تعالى وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فأخبر سبحانه أن

الجروح قصاص مع أن الجارح قد يشتد عذابه إذا فعل به كما فعل حتى يستوفي منه
وقد ثبت عن النبي أنه رضخ رأس اليهودي كما رضخ رأس الجارية وهذا القتل قصاص لأنه لو كان لنقض العهد أو للحرابة لكان بالسيف
ولا يرضخ الرأس
ولهذا كان أصح الأقوال أنه يفعل بالجاني مثل ما فعل بالمجني عليه ما لم يكن محرما لحق الله كالقتل باللواطة وتجريع الخمر ونحوه فيحرق كما حرق ويلقى من شاهق كما فعل ويخنق كما خنق لأن هذا أقرب إلى العدل
وحصول مسمى القصاص وإدراك الثأر والتشفي والزجر المطلوب من القصاص
وهذا مذهب مالك والشافعي وإحدى الروايات عن أحمد
قالوا وأما كون القصاص لا يجب في الجرح حتى ينتهي إلى حد ولا في الطرف حتى ينتهي إلى مفصل لتحقق المماثلة فهذا إنما اشترط لئلا يزيد المقتص على مقدار الجناية فيصير عليه مظلوما بذهاب ذلك الجزء فتعذرت المماثلة فصرنا إلى الدية وهذا بخلاف اللطمة والضربة فإنه لو قدر تعدى المتقضى فيها لم يكن ذلك بذهاب جزء بل بزيادة ألم وهذا لا يمكن الاحتراز منه ولهذا توجبون التعزير مع أن ألمه يكون أضعاف ألم اللطمة والبرد من سن الجاني مقدار ما كسر من سن المجنى عليه مع شدة الألم وكذلك قلع سنه وعينه أو نحو ذلك لا بد فيه من زيادة ألم ليصل المجنى عليه إلى استيفاء حقه فهلا اعتبرتم هذا الألم المقدرة زيادته في اللطمة والضربة كما اعتبرتموه فيما ذكرنا من الصور وغيرها
قال المانعون كما عدلنا في الإتلاف المالي إلى القيمة عند تعذر المماثلة فكذلك ههنا بل أولى لحرمة البشرة وتأكدها على حرمة المال
قال المجوزون هذا قياس فاسد من وجهين
أحدهما أنكم لا تقولون بالمماثلة في إتلاف المال فإنه إذا أتلف عليه ثوبا لم تجوزوا أن يتلف عليه مثله من كل وجه
ولو قطع يده أو قتله لقطعت يده وقتل به فعلم الفرق بين الأموال والأبشار ودل على أن الجناية على النفوس والأطراف يطلب فيها المقاصة بما لا يطلب في الأموال
والثاني أن من هو الذي سلم لكم أن غير المكيل والموزون يضمن بالقيمة لا بالنظير
ولا إجماع في المسألة ولا نص بل الصحيح أنه يجب المثل في الحيوان وغيره بحسب الإمكان كما ثبت عن الصحابة في جزاء الصيد أنهم قضوا فيه بملثه من النعم بحسب الإمكان فقضوا في النعامة ببدنه وفي بقرة الوحش ببقرة وفي الظبي بشاة إلى غير ذلك
قال المانعون هذا على خلاف القياس فيصار إليه إتباعا للصحابة ولهذا منعه أبو حنيفة وقدم القياس عليه وأوجب القيمة
قال المجوزون قولكم إن هذا على خلاف القياس فرع على صحة الدليل الدال على أن

المعتبر في ذلك هو القيمة دون النظير وأنتم لم تذكروا على ذلك دليلا من كتاب ولا سنة ولا إجماع حتى يكون قضاء الصحابة بخلافة على خلاف القياس فأين الدليل قال المانعون الدليل على اعتبار القيمة في إتلاف الحيوان دون المثل أن النبي ضمن معتق الشقص إذا كان موسرا بقيمته ولم يضمنه نصيب الشريك بمثله
فدل على أن الأصل هو القيمة في غير المكيل والموزون
قال المجوزون هذا أصل ما بنيتم اعتبار القيمة في هذه المسائل وغيرها ولكنه بناء على غير أساس فإن هذا ليس مما نحن فيه في شيء فإن هذا ليس من باب ضمان المتلفات بالقيمة بل هو من باب تملك مال الغير بالقيمة كتملك الشقص المشفوع بثمنه فإن نصيب الشريك يقدر دخوله في ملك المعتق ثم يعتق عليه بعد ذلك والقائلون بالسراية متفقون على أن يعتق كله على ملك المعتق والولاء له دون الشريك
واختلفوا هل يسري العتق عقب إعتاقه أو لا يعتق حتى يؤدي الثمن على قولين للشافعي وهما في مذهب أحمد قال شيخنا والصحيح أنه لا يعتق إلا بالأداة
وعلى هذا ينبني ما إذا أعتق الشريك نصيبه بعد عتق الأول وقبل وزن القيمة فعلى الأول لا يعتق عليه وعلى الثاني يعتق عليه ويكون الولاء بينهما
وعلى هذا أيضا ينبني ما إذا قال أحدهما إذا أعتقت نصيبك فنصيبي حر فعلى القول الأول لا يصح هذا التعليق ويعتق كله في مال المعتق
وعلى القول الثاني يصح التعليق ويعتق نصيب الشريك من ماله
فظهر أن استدلالكم بالعتق استدلال باطل بل إنما يكون إتلافا إذا قتله فلو ثبت لكم بالنص أنه ضمن قاتل العبد بالقيمة دون المثل كان حجة وإني لكم بذلك
قالوا وأيضا فالفرق واضح بين أن يكون المتلف عينا كاملة أو بعض عين
فلو سلمنا أن التضمين كان تضمين إتلاف لم يجب مثله في العين الكاملة
والفرق بينهما أن حق الشريك في العين التي لا يمكن قسمتها في نصف القيمة مثلا أو ثلثها فالواجب له من القيمة بنسبة ملكه ولهذا يجبر شريكه على البيع إذا طلبه ليتوصل إلى حقه من القيمة والنبي راعي ذلك وقوم عليه العبد قيمة كاملة ثم أعطاه حقه من القيمة ولم يقوم عليه الشقص وحده فيعطيه قيمته
فدل على أن حق الشريك في نصف القيمة
فإذا كان كذلك فلو ضمنا المعتق نصيب الشريك بمثله من عبد آخر لم نجبره على البيع إذا طلبه شريكه لأنه إذا لم يكن له حق في القيمة بل حقه في نفس العين فحقه باق منها
قالوا فظهر أنه ليس معكم أصل تقيسون عليه لامن كتاب ولا سنة ولا إجماع
وقد ثبت في الصحيح أن النبي اقترض بكرا وقضى خيرا منه واحتج به من يجوز قرض الحيوان مع أن الواجب في القرض رد المثل وهذا يدل على أن الحيوان مثلي

ومن العجب أن يقال إذا اقترض حيوانا رد قيمته ويقاس ذلك على الإتلاف والغصب فيترك موجب النص الصحيح لقياس لم يثبت أصله بنص ولا إجماع ونصوص أحمد أن الحيوان في القرض يضمن بمثله
وقال بعض أصحابه بل بالقيمة طردا للقياس على الغصب
واختلف أصحابه في موجب الضمان في الغصب والإتلاف على ثلاثة أوجه أحدها أن الواجب القيمة في غير المكيل والموزون
والثاني الواجب المثل في الجميع
والثالث الواجب المثل في غير الحيوان ونص عليه أحمد في الثوب والقصعة ونحوهما
ونص عليه الشافعي في الجدار المهدوم ظلما يعاد مثله وأقول الناس بالقيمة أبو حنيفة ومع هذا فعنده إذا أتلف ثوبا ثبت في ذمته مثله لا قيمته ولهذا يجوز الصلح عنه بأكثر من قيمته ولو كان الثابت في الذمة القيمة لما جاز الصلح عنها بأكثر منها
فظهر أن من لم يعتبر المثل فلا بد من تناقضه أو مناقضته للنص الصريح وهذا مالا ملخص منه
واصل هذا كله هو الحكومة التي حكم فيها داود وسليمان عليهما السلام وقصها الله علينا في كتابه
وكانت في الحرث وهو البستان وقيل إنها كانت أشجار عنب
فنفشت فيها الغنم والنفش إنما يكون ليلا فقضى داود لأصحاب البستان بالغنم لأنه اعتبر قيمة ما أفسدته فوجده يساوي الغنم فأعطاهم إياها وأما سليمان فقضى على أصحاب الغنم بالمثل وهو أن يعمروا البستان كما كان ثم رأى أن مغله إلى حين عودة يفوت عليهم ورأى أن مغل الغنم يساويه فأعطاهم الغنم يستغلونها حتى يعود بستانهم كما كان فإذا عاد ردوا إليهم غنمهم
فاختلف العلماء في مثل هذه القضية على أربعة أقوال
أحدها القول بالحكم السليماني في أصل الضمان وكيفيته وهو أصح الأقوال وأشدها مطابقة لأصول الشرع والقياس كما قد بينا ذلك في كتاب مفرد في الاجتهاد وهذا أحد القولين في مذهب أحمد نص عليه في غير موضع ويذكر وجها في مذهب مالك والشافعي
والثاني موافقته في النفش دون المثل وهذا المشهور من مذهب الشافعي ومالك وأحمد
والثالث عكسه وهو موافقته في المثل دون النفش وهو قول داود وغيره فإنهم يقولون إذا أتلف البستان بتفريطه ضمنه بمثله
وأما إذا انفلتت الغنم ليلا لم يضمن صاحبها ما أتلفته
والرابع أن النقش لا يوجب الضمان ولو أوجبه لم يكن بالمثل بل بالقيمة فلم توافقه لا في النقش ولا في المثل وهو مذهب أبي حنيفة وهذا من اجتهادهم في القياس والعدل هو الذي أوجبه الله
فكل طائفة رأت العدل هو قولها وإن كانت النصوص والقياس وأصول الشرع تشهد بحكم سليمان كما أن الله سبحانه أثنى عليه به وأخبر أنه فهمه إياه
وذكر مأخذ هذه الأقوال وأدلتها وترجيح الراجح منها له موضع غير هذا أليق به من هذا

والمقصود أن القياس والنص يدلان على أنه يفعل به كما فعل وقد تقدم أن النبي رضخ رأس اليهودي كما رضخ رأس الجارية وأن ذلك لم يكن لنقض العهد ولا للحرابة لأن الواجب في ذلك القتل بالسيف وعن أحمد في ذلك أربع روايات
إحداهن أنه لا يستوفي في القود إلا بالسيف في العنق وهذا مذهب أبي حنيفة
والثانية أنه يفعل به كما فعل إذا لم يكن محرما لحق الله تعالى وهذا مذهب مالك والشافعي
والثالثة إن كان الفعل أو الجرح مرهقا فعل به نظيره وإلا فلا
والرابعة إن كان الجرح أو القطع موجبا للقود لو انفرد فعل به نظيره وإلا فلا
وعلى الأقوال كلها إن لم يمت بذلك قتل
وقد أباح الله تعالى للمسلمين أن يمثلوا بالكفار إذا مثلوا بهم وإن كانت المثلة منهيا عنها
فقال تعالى وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به وهذا دليل على أن العقوبة بجدع الأنف وقطع الأذن وبقر البطن ونحو ذلك هي عقوبة بالمثل ليست بعدوان والمثل هو العدل
وأما كون المثلة منهيا عنها فلما روى أحمد في مسنده من حديث سمرة بن جندب وعمران بن حصين قال ما خطبنا رسول الله خطبة إلا أمرنا بالصدقة ونهانا عن المثلة
فإن قيل فلو لم يمت إذ فعل به نظير ما فعل فأنتم تقتلونه وذلك زيادة على ما فعل فأين المماثلة قيل هذا ينتقض بالقتل بالسيف فإنه لو ضربه في العنق ولم يوجبه كان لنا أن نضربه ثانية وثالثة حتى يوجبه اتفاقا وإن كان الأول إذا ضربه ضربة واحدة
واعتبار المماثلة له طريقان إحداهما اعتبار الشيء بنظيره ومثله
وهو قياس العلة الذي يلحق فيه الشيء بنظيره
والثاني قياس الدلالة الذي يكون الجمع فيه بين الأصل والفرع بدليل العلة ولازمها فإن انضاف إلى واحد من هذين عموم لفظي كان من أقوى الأدلة لاجتماع العمومين اللفظي والمعنوي وتضافر الدليلين السمعي والاعتباري
فيكون موجب الكتاب والميزان والقصاص في مسألتنا هو من هذا الباب كما تقدم تقريره وهذا واضح لا خفاء به ولله الحمد والمنة
ذكر الشيخ شمس الدين بن القيم رحمه الله حديث على المقتتلين أن ينحجزوا الأول فالأول وكلام المنذري إلى آخره ثم قال

وليس في شيء من هذا ما يبين وجه الحديث
وقد روى الأول فالأول وروى الأولى فالأولى بفتح الهمزة أي الأقرب فالأقرب وهو أولى وبه يتبين معنى الحديث
وأصل الحجز المنع ومنه الحاجز بين الشيئين وينحجزوا مطاوع حجزته فانحجز وهو يدل على حاجز بينهم وهو عفو من له الدم فإنه إذا عفا وجب عليهم أن ينحجزوا
لأن صاحب الدم قد عفا وهذا العفو لحق يستحقه الأولى فالأولى من المقتول وإن كان امرأة فإذا عفت وهي أولى بالمقتول فقد حجز عفوها بينهم ولا يجوز للرجال الأباعد بعد ذلك الطلب بدمه وقد عفا عنه الأولى منهم
فقد اتضح بحمد الله وجهه وأسفر صبح معناه
وعلى هذا فيكون الأولى فالأولى فاعل فعل دل عليه المذكور أي يحجز بينهم الأولى فالأولى وإن كان امرأة
وترجمة أبي داود تشعر بهذا والله أعلم

قال الشيخ شمس الدين بن القيم رحمه الله وهذا الحديث قد رواه إسرائيل عن أبي إسحاق السبيعي عمرو بن عبد الله عن علقمة عن عبد الله بن مسعود أنه قال في الخطأ أخماسا عشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون بنات لبون وعشرون بنات مخاض وعشرون بني مخاض ذكره البيهقي
قال وكذلك رواه سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن علقمة عن عبد الله وعن منصور عن إبراهيم عن عبد الله وكذلك رواه أبو مجلز عن أبي عبيدة عن عبد الله
قال البيهقي فهذا الذي قاله عبد الله بن مسعود في السن أقل مما حكاه الشافعي عن بعض التابعين واسم الإبل يقع عليه وهو قول صحابي فقيه فهو أولى بالأتباع
قال ومن رغب عنه احتج بحديث سهل بن أبي حثمة في القسامة فوداه النبي صلى الله عليه و سلم من إبل الصدقة وليس لبني المخاض مدخل في فرائض الصدقات
قال وحديث القسامة وأن كان في قتل العمد ونحن نتكلم في دية الخطأ فكان النبي صلى الله عليه و سلم حين لم يثبت القتل عليهم وداه بدية الخطأ متبرعا بذلك
وعلل حديث ابن مسعود بأنه منقطع لأن أبا إسحاق لم يسمع من علقمة

قال يعقوب بن سفيان حدثنا بندار حدثنا أمية بن خالد حدثنا شعبة قال كنت عند أبي إسحاق الهمداني فقيل له إن شعبة يقول إنك لم تسمع من علقمة شيئا فقال صدق
وأما أبو عبيدة فلم يسمع من أبيه قال شعبة عن عمرو بن مرة سألت أبا عبيدة تحفظ من أبيك شيئا قال لا
ثم ذكر تعليل حديث خشف بن مالك المرفوع
ومراد البيهقي يقول إن ما في حديث ابن مسعود أقل مما حكاه الشافعي عن بعض التابعين والأخذ به أولى أن الشافعي قال في رواية الربيع وإذا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في قتل عمد الخطأ مغلظة منها أربعون خلفة في بطونها أولادها ففي ذلك دليل على أن دية الخطأ الذي لا يخالطه عمد مخالفة لهذه الدية
وقد اختلف الناس فيها فألزم القاتل مائة من الإبل بالسنة ثم ما لم يختلفوا فيه فلا ألزمه من أسنان الإبل إلا اقل ما قالوا يلزمه لأن اسم الإبل يلزم الصغار والكبار
فدية الخطأ أخماس عشرون ابنة مخاض وعشرون ابنة لبون وعشرون بني لبون ذكور وعشرون حقة وعشرون جذعة
أخبرنا مالك عن ابن شهاب وربيعة بن أبي عبد الرحمن وبلغه عن سليمان بن يسار أنهم كانوا يقولون ذلك
فهذا الذي ألزمه البيهقي لأجله أن يقول بما قاله ابن مسعود لوجهين
أحدهما أنه أقل مما قاله هؤلاء
والثاني أنه قول صحابي من فقهاء الصحابة فالأخذ به أولى من قول التابعين
وأما تعليله بما ذكر فضعيف فإنه قد روي من وجوه متعددة عن ابن مسعود إذ أجمع بعضها إلى بعض قوي مجموعها على دفع العلة التي علل بها
وقد ثبت عن إبراهيم أنه قال إذا قلت قال عبد الله فهو ما حدثني به جماعة عنه وإذا قلت حدثني فلان عن عبد الله فهو الذي سميت
وأبو عبيدة شديد العناية بحديث أبيه وفتاويه وعنده في ذلك من العلم ما ليس عند غيره
وأبو إسحاق وإن لم يسمع من علقمة فإمامته وجلالته وعدم شهرته بالتدليس تمنع أن يكون سمعه من غير ثقة فيعد إسقاطه تدليسا للحديث
وبعد ففي المسألة مذهبان آخران
أحدهما أنها خمس وعشرون بنت مخاض وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة

وخمسة وعشرون بنت لبون أرباعا حكاه الشافعي فيما بلغه عن ابن مهدي عن سفيان عن أبي إسحاق بن ضمرة عن علي
الثاني أنها ثلاثون حقة وثلاثون بنت لبون وعشرون بنت مخاض وعشرون ابن لبون ذكر رواه البيهقي عن عثمان بن عفان وزيد بن ثابت
وكل هذا يدل على أنه ليس في الأسنان شيء مقدر عن النبي صلى الله عليه و سلم والله أعلم

ذكر الشيخ شمس الدين بن القيم رحمه الله أول حديث عن عمرو بن شعيب ثم قال هذا الحديث صحيح إلى عمرو بن شعيب والجمهور يحتجون به وقد احتج به الشافعي في غير موضع واحتج به الأئمة كلهم في الديات
قال الشافعي قضى عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان في دية اليهودي والنصراني بثلث دية المسلم وقضى عمر في دية المجوسي بثمانمائة درهم ولم يعلم أن أحدا قال في حياتهم أقل من هذا وقد قيل إن دياتهم أكثر من هذا فألزمنا قائل كل واحد من هؤلاء الأقل مما أجمعوا عليه
قال البيهقي حديث عمرو بن شعيب قد رواه حسين المعلم عن عمرو عن أبيه عن جده قال كانت قيمة الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم ثمانمائة دينار ثمانية آلاف درهم ودية أهل الكتاب يومئذ النصف من دية المسلمين
قال فكان ذلك حتى استخلف عمر فذكر خطبته ورفع الدية حتى غلت الإبل
قال وترك دية أهل الذمة لم يرفعها فيما رفع من الدية قال فسببه والله أعلم أن يكون على قوله على النصف من دية المسلمين راجعا إلى ثمانية آلاف درهم

فتكون ديتهم في روايته في عهد النبي صلى الله عليه و سلم أربعة آلاف درهم ثم لم يرفعها عمر فيما رفع من الدية فكأنه علم أنها في أهل الكتاب توقيف وفي أهل الإسلام تقويم
قال والذي يؤكد ما قلنا حديث جعفر بن عون عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه و سلم فرض على كل مسلم قتل رجلا من أهل الكتاب أربعة آلاف وليس في شيء من هذا ما يوجب ترك القول بحديث عمرو بن شعيب
أما المأخذ الأول وهو الأخذ بأقل ما قيل فالشافعي رحمه الله كثيرا ما يعتمده لأنه هو المجمع عليه ولكن إنما يكون دليلا عند انتفاء ما هو أولى منه وهنا النص أولى بالأتباع
وأما المأخذ الثاني فضعيف جدا فإن حديث ابن جريج وحسينا المعلم وغيرهما عن عمرو صريحة في التنصيف
ففي أحدهما قال نصف دية المسلم والآخر قال أربعة آلاف مع قوله كانت دية المسلم ثمانية آلاف
فالروايتان صريحتان في أن تنصيفها توقيف وسنة من رسول الله صلى الله عليه و سلم فكيف يترك ذلك باجتهاد عمر رضي الله عنه في رفع دية المسلم
ثم إن عمر لم يرفع الدية في القدر وإنما رفع قيمة الإبل لما غلت فهو رضي الله عنه رأى أن الإبل هي الأصل في الدية
فلما غلت ارتفعت قيمتها فزاد مقدار الدية من الورق زيادة تقويم لا زيادة قدر في أصل الدية
ومعلوم أن هذا لا يبطل تنصيف دية الكافر على دية المسلم بل أقرها أربعة آلاف كما كانت في عهد النبي صلى الله عليه و سلم وكانت الأربعة الآلاف حينئذ هي نصف الدية
وقوله علم أنها في أهل الكتاب توقيف فهو توقيف تنصيف كما صرحت به الرواية
فعمر أداه اجتهاده إلى ترك الأربعة الآلاف كما كانت فصارت ثلثا برفعه دية المسلم لا بالنص والتوقيف
وهذا ظاهر جدا والحجة إنما هي في النص
واختلف الفقهاء في هذه المسألة

فقال الشافعي دية الكتابي على الثلث من دية المسلم في الخطأ والعمد
وقال أبو حنيفة ديته مثل دية المسلم في العمد والخطأ
وقال مالك ديته نصف دية المسلم في العمد والخطأ
وقال أحمد إن قتله عمدا فديته مثل دية المسلم وإن قتله خطأ فعنه فيه روايتان إحداهما أنها النصف وهي الرواية الصحيحة في مذهبه
والثانية أنها الثلث وإن قتله من هو على دينه عمدا فعنه فيه أيضا روايتان
إحداهما أنها نصف دية المسلم
والثانية ثلثها
وأما حديث أبي سعد البقال عن عكرمة عن ابن عباس قال جعل رسول الله صلى الله عليه و سلم دية العامريين دية الحر المسلم وكان لهم عهد
فقال الشافعي لا يثبت مثله وقال البيهقي ينفرد به أبو سعد سعيد بن المرزباني البقال وأهل العلم لا يحتجون بحديثه
وأما حديث أبي كرز الفهري عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم ودى ذميا دية مسلم
فقال الدارقطني والبيهقي أبو كرز هذا متروك الحديث لم يروه عن نافع غيره
زاد الإمام ابن القيم هذين البابين التاليين وإن لم يردا في سنن الإمام أبي داود عقب شرحه لباب دية الذمي وهما باب لا يقتص من الجرح قبل الاندمال عن جابر أن رجلا جرح فأراد أن يستقيد فنهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يستقاد من الجارح حتى يبرأ المجروح رواه الدارقطني
وذكر أيضا من حديث مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يقتص من الجرح حتى ينتهي
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا طعن رجلا بقرن في ركبته فجاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال أقدني
فقال حتى تبرأ ثم جاء إليه فقال أقدني فأقاده ثم جاء إليه فقال يا رسول الله عرجت فقال قد نهيتك فعصيتني فأبعدك الله وبطلى عرجك ثم نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يقتص من جرح حتى يبرأ صاحبه رواه الإمام أحمد

ورواه أبو بكر بن أبي شيبة عن إسماعيل بن علية عن أيوب عن عمرو بن دينار عن جابر أن رجلا طعن رجلا بقرن في ركبته فأتى النبي صلى الله عليه و سلم ليستقيد فقيل له حتى تبرأ فأبى وعجل واستقاد فيبست رجله وبرئت رجل المستقاد منه
فأتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال ليس لك شيء إنك أبيت
ولكن لهذا الحديث علة وهي أن أبان وسفيان روياه عن عمرو بن دينار عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه و سلم فذكره مرسلا
قال عبد الحق وهو عندهم أصح على أن الذي أسنده ثقة جليل وهو إسماعيل بن علية

باب من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم
عن سهل بن سعد أن رجلا اطلع في جحر في باب رسول الله صلى الله عليه و سلم ومع رسول الله صلى الله عليه و سلم مدري يرجل به رأسه فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم لو أعلم أنك تنظرني لطعنت به في عينك إنما جعل الإذن من أجل البصر أخرجاه
وعن أنس أن رجلا اطلع في بعض حجر النبي صلى الله عليه و سلم فقام إليه النبي صلى الله عليه و سلم بمشقص أو بمشاقص فكأني أنظر إليه يختل الرجل ليطعنه أخرجاه أيضا

وفي الصحيحين أيضا عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لو أن رجلا اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك جناح
وعنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقأوا عينه رواه مسلم
وعنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من اطلع في بيت قوم ففقأوا عينه فلا دية له ولا قصاص رواه النسائي

ذكر الشيخ ابن القيم رحمه الله أحاديث الباب وزاد ورواه الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو يرفعه ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل حتى إن كان منهم من أتى أمة علانية لكان في أمتي من يصنع ذلك وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة قالوا من هي يا رسول الله قال ما أنا عليه وأصحابي قال الترمذي حديث حسن غريب مفسر لا نعرفه مثل هذا إلا من هذا الوجه وفيه الأفريقي عبد الرحمن بن زياد وقال وفي الباب عن سعد وعوف بن مالك وعبد الله بن عمرو
وحديث عوف الذي أشار الترمذي إليه هو حديث نعيم بن حماد عن عيسى ابن يونس عن جرير بن عثمان عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف وهو الذي تكلم فيه نعيم لأجله

وفي الباب أيضا حديث أنس بن مالك يرفعه أن بني إسرائيل تفرقت على إحدى وسبعين فرقة وإن امتي ستفترق على اثنين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قال وهي الجماعة رواه أبو إسحاق الفزاري عن الأوزاعي عن يزيد الرقاشي عن أنس ورواه ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن عبد الله بن غزوان عن

ذكر الشيخ ابن القيم رحمه الله حديث المراء في القرآن ثم قال حديث حسن
وفي الصحيحين من حديث جندب بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم اقرأوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم فإذا اختلفتم عنه فقوموا
وفي الصحيحين عن عائشة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم وفي سنن ابن ماجه من حديث أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ثم تلا تلك الآية ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون

ذكر الشيخ ابن القيم رحمه الله حديث رؤيا النبي صلى الله عليه و سلم السمن والعسل وتعبير الصديق رضي الله عنه وكلام المنذري ثم قال وهذا يشكل عليه شيئان
وأحدهما أن في نفس الرؤيا ثم وصل له فعلا به فتفسير الصديق لذلك مطابق لنفس الرؤيا
والثاني أن قتل عثمان رضي الله عنه لا يمنع أن يوصل له بدليل أن عمر قد قتل ومع هذا فأخذ به وعلا به ولم يكن قتله مانعا من علوه به
وقد يجاب عنهما
أما الأول فلفظه ثم وصل له لم يذكر هذا البخاري ولفظ حديثه ثم أخذ به رجل آخر فانقطع به ثم وصل فقط وهذا لا يقتضي أن يوصل له بعد انقطاعه به وقال الصديق في تفسيره في

نفس حديث البخاري فينقطع به ثم يوصل له فهذا موضع الغلط وهذا مما يبين فضل صدق معرفة البخاري وغور علمه في إعراضه عن لفظه له في الأول وإنما انفرد بها مسلم
وأما الثاني فيجاب عنه بأن عمر رضي الله عنه لم ينقطع به السبب من حيث علا به
وإنما انقطع به بالأجل المحتوم كما ينقطع الأجل بالسم وغيره وأما عثمان فانقطع به من حيث وصل له من الجهة التي علا بها وهي الخلافة فإنه إنما أريد منه أن يخلع نفسه وإنما قتلوه لعدم إجابتهم إلى خلع نفسه فخلعوه هم بالقتل ظلما وعدوانا فانقطع به من الجهة التي أخذ به منها ثم وصل لغيره رضي الله عنه وهذا سر سكوت النبي صلى الله عليه و سلم عن تعيين موضع خطأ الصديق
فإن قيل فلم تكلفتم أنتم بيانه وقد منع النبي صلى الله عليه و سلم الصديق من تعرفه والسؤال عنه
قيل منعه من هذا ما ذكرناه من تعلق ذلك بأمر الخلافة وما يحصل للرابع من المحنة وانقطاع السبب به فأما وقد حدث ذلك ووقع فالكلام فيه كالكلام في غيره من الوقائع التي يحذر الكلام فيها قبل وقوعها سدا للذريعة ودرءا للمفسدة فإذا وقعت زال المعنى الذي سكت عنها لأجله

ذكر الشيخ ابن القيم رحمه الله حديث أما إنك يا أبا بكر لأول من يدخل الجنة من أمتي وكلام المنذري عن ابن حبان في أبي خالد الدالاني إلى قوله فكيف إذا انفرد بالمعضلات ثم زاد ابن القيم وقد روى ابن ماجه في سننه من حديث داود بن عطاء المديني عن صالح بن كيسان عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أول من يصافحه الحق عمر وأول من يسلم عليه وأول من يأخذ بيده فيدخله الجنة
وداود بن عطاء هذا ضعيف عندهم
وإن صح فلا تعارض بينهما لأن الأولية في حق الصديق مطلقة والأولية في حق عمر مقيدة بهذه الأمور في الحديث

ذكر الشيخ ابن القيم رحمه الله الحديث الذي في الباب ثم ذيل عليه قال الشيخ هذا الحديث قد روى من حديث عمران بن حصين وعبد الله بن مسعود وأبي هريرة وعائشة والنعمان بن بشير
فأما حديث عمران فمتفق عليه واختلف في لفظه فأكثر الروايات أنه ذكر بعد قرنه قرنين ووقع في بعض طرقه في الصحيح ثم الذين يلونهم ثلاث مرات ولعل هذا غير محفوظ فإن عمران قد سئل فيه فقال لا أدري أقال رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد قرنه مرتين أو ثلاثا
وأما حديث عبد الله بن مسعود فأخرجاه في الصحيحين ولفظه خير أمتي القرن الذين يلونني ثم الذين يلونهم ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه
ويمينه شهادته
وفي لفظ لهما سئل النبي صلى الله عليه و سلم أي الناس خير قال قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم فلم يختلف في عليه ذكر الذين يلونهم مرتين
وأما حديث أبي هريرة فرواه مسلم في صحيحه ولفظه خير أمتي الذين بعثت فيهم ثم الذين يلونهم والله أعلم أذكر الثالث أم لا قال ثم يخلف قوم يحبون الشماتة يشهدون قبل أن يستشهدوا
فهذا فيه قرن واحد بعد قرنه وشك في الثالث وقد حفظه عبد الله بن مسعود وعمران وعائشة

وأما حديث عائشة فرواه مسلم أيضا عنها قالت سأل رجل النبي صلى الله عليه و سلم أي الناس خير قال القرن الذي أنا فيه
ثم الثاني
ثم الثالث
وأما حديث النعمان بن بشير فرواه ابن حبان في صحيحه
ولفظه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يأتي قوم تسبق أيمانهم شهادتهم وشهادتهم أيمانهم
فقد اتفقت الأحاديث على قرنين بعد قرنه صلى الله عليه و سلم إلا حديث أبي هريرة فإنه شك فيه
وأما ذكر القرن الرابع فلم يذكر إلا في رواية في حديث عمران لكن في الصحيحين له شاهد من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و سلم قال يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس
فيقال لهم هل فيكم من رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم فيقولون نعم فيفتح لهم
ثم يغزو فئام من الناس فيقال لهم هل فيكم من رأى من صحب رسول الله صلى الله عليه و سلم فيقولون نعم فيفتح لهم
ثم يغزو فئام من الناس فيقال لهم هل فيكم من رأى من صحب من صحب رسول الله صلى الله عليه و سلم ويقولون نعم فيفتح لهم
فهذا فيه ذكر قرنين بعده
كما في الأحاديث المتقدمة
ورواه مسلم
فذكر ثلاثة بعده
ولفظه يأتي على الناس زمان يبعث منهم البعث فيقولون انظروا هل تجدون فيكم أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فيوجد الرجل فيفتح لهم به ثم يبعث البعث الثاني فيقولون هل فيكم من رأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فيفتح لهم ثم يبعث البعث الثالث
فيقال انظروا هل ترون فيهم من رأى من رأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فيفتح لهم
ثم يكون البعث الرابع
فيقال انظروا هل ترون فيهم أحدا رأى من رأى أحدا رأى أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم فيوجد الرجل فيفتح له

ذكر الشيخ ابن القيم رحمه الله حديث ابن عباس ما ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى ثم قال وفي حديث ابن عباس في بعض طرق البخاري فيه عن النبي صلى الله عليه و سلم فيما يرويه عن ربه عز و جل لا ينبغي لعبد الحديث ورواه مسلم من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال يعني الله عز و جل لا ينبغي لعبد لي أن يقول أنا خير من يونس بن متى
وفي رواية لعبدي
وفي حديث ابن عباس نسبه إلى أبيه
وفي صحيح البخاري عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم قال لا يقولن أحدكم إني خير من يونس ابن متى
وعنه أيضا عن النبي صلى الله عليه و سلم قال ما ينبغي لعبد أن يكون خيرا من يونس بن متى
وفي لفظ آخر أن يقول أنا خير من يونس بن متى ذكره البخاري أيضا
وفي صحيح البخاري عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن أسحاق بن إبراهيم ونحوه في الصحيحين من حديث أبي هريرة
وأخرج البخاري أيضا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال خفف على داود القرآن
فكان يأمر بدوابة فتسرج فيقرأ القرآن قبل أن تسرج دوابه
ولا يأكل إلا من عمل يده
والمراد بالقرآن ههنا الزبور كما أريد بالزبور القرآن في قوله تعالى ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون

ذكر الشيخ ابن القيم رحمه الله حديث الإيمان بضع وسبعون ثم قال ولفظ مسلم الإيمان بضع وسبعون شعبة وفي كتاب البخاري بضع وستون وفي بعض رواياته بضع وسبعون
والمعروف ستون وقد رواه مسلم بالوجهين على الشك عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة
وحديث الحياء شعبة من الإيمان رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة وابن عمر وأبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري وعمران بن حصين
وفي حديث ابن عمر المتفق عليه في سؤال جبريل للنبي صلى الله عليه و سلم عن الإسلام فقال

أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا
وفي الصحيحين من حديث طلحة بن عبيد الله جاء رجل من أهل نجد ثائر الرأس نسمع دوى صوته ولا نفقة ما يقول حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه و سلم
فإذا هو يسأل عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم خمس صلوات في اليوم والليلة الحديث
وفي مسند الإمام أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت
وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمرو أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه و سلم أي الإسلام خير قال تطعم الطعام
وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف
وفي الصحيحين عن أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه وقال مسلم حتى يحب لجاره أو قال لأخيه
وفي الصحيحين عن أنس أيضا عن النبي صلى الله عليه و سلم قال لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين وقال مسلم من أهله وماله والناس أجمعين
وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان
وفي صحيح مسلم أيضا عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ما من نبي بعثه الله في أمته قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره
ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون
فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن
ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن
ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن
ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل
وفي الترمذي عن أبي مرحوم عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من أعطى لله ومنع لله وأحب لله وأبغض لله وأنكح لله فقد استكمل إيمانه وأبو مرحوم وسهل قد ضعفا

ذكر الشيخ ابن القيم رحمه الله حديث لا يزاني الزاني ثم قال وفي لفظ في الصحيحين ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع إليه الناس فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن وزاد مسلم ولا يغل حين يغل وهو مؤمن فاياكم إياكم وزاد أبو بكر البزار فيه في المسند ينزع الإيمان من قلبه فإن تاب تاب الله عليه وأخرج البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم

لا يزني العبد حين يزني وهو مؤمن
ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن
ولا يشرب حين يشرب وهو مؤمن
ولا يقتل حين يقتل وهو مؤمن قال عكهمة قلت لابن عباس كيف ينزع الإيمان منه قال هكذا وشبك بين أصابعه
ثم أخرجها فإن تاب عاد إليه هكذا وشبك بين أصابعه
وروى ابن صخر في الفوائد من حديث محمد بن خالد المخزومي عن سفيان الثوري عن زبيد اليامي عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم قال اليقين الإيمان كله وذكره البخاري في صحيحه موقوفا على ابن مسعود
وفي صحيح مسلم عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قام فيهم
فذكر الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال الحديث
وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم أي الأعمال أفضل قال الإيمان بالله قال ثم ماذا قال الجهاد في سبيل الله قال ثم ماذا قال حج مبرور
وفي لفظ إيمان بالله ورسوله وترجم عليه البخاري باب من قال إن الإيمان هو العمل لقوله تعالى وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون وقال عدة من أهل العلم في قوله تعالى فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون عن قول لا إله إلا الله وفي الصحيحين عن أبي ذر الغفاري قال قلت يا رسول الله أي الأعمال أفضل قال الإيمان بالله والجهاد في سبيله الحديث
وروى البزار في مسنده من حديث عمار بن ياسر عن النبي صلى الله عليه و سلم ثلاث من جمهعن فقد جمع الإيمان الإنصاف من نفسك وبذل السلام للعالم
والانفاق من الاقتار
وذكره البخاري في صحيحه عن عائشة من قولها
وقال البخاري قال معاذ اجلس بنا نؤمن ساعة وقال البخاري في الصحيح
باب سؤال جبريل النبي صلى الله عليه و سلم عن الإيمان والإسلام
والإحسان وعلم الساعة وبيان النبي صلى الله عليه و سلم له ثم قال جاء جبريل يعلمكم دينكم فجعل ذلك كله دينا
وما بين النبي صلى الله عليه و سلم لوفد عبد القيس من الإيمان وقوله تعالى ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وفي حديث الشفاعة المتفق على صحته أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان وفي لفظ مثقال دينار من إيمان وفي لفظ مثقال شعيرة من إيمان وفي لفظ مثقال خردلة من إيمان وفي لفظ انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة من خردل من إيمان وفي لفظ

إذا كان يوم القيامة شفعت فقلت يا رب أدخل الجنة من كان في قلبه خردلة من إيمان فيدخلون
ثم أقول أدخل الجنة من كان في قلبه أدنى شيء
قال أنس كأني أنظر إلى أصابع رسول الله صلى الله عليه و سلم
وفي لفظ عن أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة
ثم قال يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن برة
ثم يخرج من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرة
وترجم البخاري على هذا الحديث

باب زيادة الإيمان ونقصانه
وقوله تعالى وزدناهم هدى وقال ويزداد الذين آمنوا إيمانا وقال اليوم أكملت لكم دينكم فإذا ترك شيئا من الكمال فهو ناقص
وكل هذه الألفاظ التي ذكرناها في الصحيحين أو أحدهما والمراد بالخير في حديث أنس الإيمان فإنه هو الذي يخرج به من النار
وكل هذه النصوص صحيحة صريحة لا تحتمل التأويل في أن نفس الإيمان القائم بالقلب يقبل الزيادة والنقصان وبعضهم أرجح من بعض
وقال البخاري في صحيحه قال ابن أبي ملكية أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم كلهم يخاف النفاق على نفسه ما منهم من أحد يقول إنه على إيمان جبريل وميكائيل
وقال البخاري أيضا
باب الصلاة من الإيمان
وقوله عز و جل وما كان الله ليضيع إيمانكم يعني صلاتكم عند البيت ثم ذكر حديث تحويل القبلة
وأقدم من روى عنه زيادة الإيمان ونقصانه من الصحابة عمير بن حبيب الخطمي قال الامام أحمد حدثنا الحسن بن موسى حدثنا حماد بن سلمة عن أبي جعفر الخطمي عن أبيه عن جده عمير بن حبيب قال الإيمان يزيد وينقص
قيل وما زيادته ونقصانه قال إذا ذكرنا الله عز و جل وحمدناه وسبحناه فذلك زيادته وإذا غفلنا وضيعنا ونسينا
فذلك نقصانه
وقال أحمد حدثنا يزيد بن هرون أخبرنا محمد بن طلحة عن زبيد عن ذر قال كان عمر ابن الخطاب يقول لأصحابه هلموا نزدد إيمانا فيذكرون الله تعالى
وقال أحمد حدثنا وكيع عن شريك عن هلال عن عبد الله بن عكيم قال سمعت عبد الله ابن مسعود يقول في دعائه اللهم زدني إيمانا ويقينا وفقها أو قال فهما وقال أحمد في رواية المروزي أخبرنا يزيد بن هارون أخبرنا العوام حدثنا علي بن مدرك عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال الإيمان بر فمن زنا فارقه الأيمان فإن لام نفسه ورجع راجعه الإيمان
وفي تفسير علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم قال

إن الله بعث محمدا صلى الله عليه و سلم بشهادة أن لا إله إلا الله
فلما صدق بها المؤمنون زادهم الصلاة
فلما صدقوا بها زادهم الصيام
فلما صدقوا به زادهم الزكاة
فلما صدقوا بها زادهم الحج
فلما صدقوا به زادهم الجهاد
ثم أكمل لهم دينهم فقال اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا
وقال إسماعيل بن عياش حدثني صفوان بن عمرو عن عبد الله بن ربيعة الحضرمي عن أبي هريرة قال الإيمان يزداد وينقص
وقال إسماعيل أيضا عن عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن أبي هريرة وابن عباس قالا الإيمان يزداد وينقص
وقال الإمام أحمد في رواية المروزي حدثنا سليمان بن حرب حدثنا جرير بن حازم عن فضيل بن يسار قال قال محمد بن علي هذا الاسلام ودور دائرة ودور في وسطها أخرى
وقال هذا الإيمان الذي في وسطها مقصور في الاسلام
وقال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يزاني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق هو مؤمن قال قال يخرج من الإسلام فإذا تاب تاب الله عليه فرجع إلى الإيمان
وقال أحمد في رواية المروزي حدثنا يحيى بن سعيد عن أشعت عن الحسن عن النبي صلى الله عليه و سلم قال ينزع منه الايمان فإن تاب أعيد إليه
ورواه يحيى بن سعيد عن عوف عن الحسن من قوله وهو أشبه
وقال محمد بن سليمان لوين سمعت سفيان بن عيينة غير مرة يقول الايمان قول وعمل وأخذناه ممن قبلنا قيل له يزيد وينقص قال فأي شيء إذن
وقال مرة وسئل الايمان يزيد وينقص قال أليس تقرءون القرآن فزادهم إيمانا في غير موضع قيل ينقص قال ليس شيء يزيد إلا وهو ينقص وقال عبد الرزاق سمعت سفيان الثوري ومالك بن أنس وسفيان بن عيينة وابن جريج ومعمرا يقولون الايمان قول وعمل يزيد وينقص وقال الحميدي سمعت ابن عيينة يقول الايمان قول وعمل يزيد وينقص فقال له أخوه إبراهيم بن عيينة
يا أبا محمد لا تقل يزيد وينقص فغضب وقال اسكت يا صبي بلى حتى لا يبقى منه شيء
وقال أبو داود سمعت أحمد بن حنبل يقول الإيمان قول وعمل يزيد وينقص وقال الربيع بن سليمان سمعت الشافعي يقول الايمان قول وعمل يزيد وينقص ذكره الحاكم في مناقبه
وقال أبو عمر بن عبد البر النمري قال رجل للشافعي أي الأعمال عند الله أفضل قال ما لا يقبل عمل إلا به قال وما ذاك قال الإيمان بالله هو أعلى الأعمال درجة وأشرفها منزلة وأسناها

حظا
قال الرجل ألا تخبرني عن الايمان قول وعمل أو قول بلا عمل قال الشافعي الايمان عمل لله والقول بعض ذلك ثم العمل احتج عليه ذكره الحاكم عنه
وقال أحمد حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه قال ما نقصت أمانة عبد إلا نقص إيمانه
وقال وكيع حدثنا إسرائيل عن أبي الهيثم عن سعيد بن جبير في قوله تعالى ولكن ليطمئن قلبي قال ليزداد إيمانا
وقال الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن عبد الكريم الجزري عن مجاهد أن أبا ذر سأل النبي صلى الله عليه و سلم عن الايمان فقرأ عليه ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب حتى ختم الآية
احتج به أحمد في كتاب الرد على المرجئة
ورواه جعفر بن عوف عن المسعودي عن القاسم عن أبي ذر بمثله
وقال يحيى بن سليم الطائفي قال هشام عن الحسن الايمان قول وعمل فقلت لهشام فما تقول أنت فقال قول وعمل
وقال الحميدي سمعت وكيعا يقول وأهل السنة يقولون الايمان قول وعمل والمرجئة يقولون الايمان قول والجهمية يقولون الايمان المعرفة وصح عن الحسن أنه قال ليس الايمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل ونحوه عن سفيان الثوري
وقد جعل النبي صلى الله عليه و سلم العمل تصديقا في قوله حديث زني العين والجوارح الفرج يصدق ذلك أو يكذبه وأما الحديث الذي رواه ابن ماجه في سننه من حديث عبد السلام بن صالح عن علي بن مرسي الرضا عن أبيه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسن عن أبيه عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم الإيمان معرفة بالقلب وقول باللسان وعمل بالأركان قال عبد السلام بن صالح لو قرىء هذا الاسناد على مجنون لبرأ
فهذا حديث موضوع ليس من كلام رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال بعض أئمة الحديث لو قرىء هذا على مجنون لبرأ لو سلم من عبد السلام وهو المتهم به وفي الحق ما يغني عن الباطل ولو كنا ممن يحتج بالباطل ويستحله لروجنا هذا الحديث وذكرنا بعض من أثنى على عبد السلام ولكن نعوذ بالله من هذه الطريقة كما نعوذ به من طريقة تضعيف الحديث الثابت وتعليله إذا خالف قول إمام معين وبالله التوفيق

ذكر الشيخ ابن القيم رحمه الله حديث لكل أمة مجوس ومجوس هذه الأمة الذين يقولون لا قدر ثم قال

هذا المعنى قد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم من حديث ابن عمر وحذيفة وابن عباس وجابر ابن عبد الله وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص ورافع بن خديج
فأما حديث ابن عمر وحذيفة فلهما طرق وقد ضعفت
وأما حديث ابن عباس فرواه الترمذي من حديث القاسم بن حبيب وعلي بن نزار عن نزار عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم صنفان من أمتي ليس لهما في الاسلام نصيب القدرية والمرجئة قال هذا حديث حسن غريب
ورواه من حديث محمد بن بشر أخبرنا سلام بن أبي عمرة عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم وأما حديث جابر فرواه ابن ماجه في سننه عن محمد بن المصفى عن الأوزاعي عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر يرفعه نحو حديث ابن عمر
فلو قال بقية حدثنا الأوزاعي مشى حال الحديث ولكن عنعنه مع كثرة تدليسه
وأما حديث أبي هريرة فروى عبد الأعلى بن حماد حدثنا معتمر بن سليمان سمعت أبي يحدث عن مكحول عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فذكره رواه عن عبد الأعلى جماعة
وله علتان
إحداهما أن المعتمر بن سليمان رواه عن أبي الحر حدثني جعفر بن الحارث عن يزيد بن ميسرة عن عطاء الخراساني عن مكحول عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم
والعلة الثانية أن مكحولا لم يسمع من أبي هريرة

وأما حديث عبد الله بن عمرو فيرويه عمرو بن مهاجر عن عمر بن عبد العزيز عن يحيى بن القاسم عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو يرفعه ما هلكت أمة قط إلا بالشرك بالله عز و جل
وما أشركت قط إلا كان بدء إشراكها التكذيب بالقدر وهذا الاسناد لا يحتج به
وأجود ما في الباب حديث حيوة بن شريح أخبرني ابن صخر حدثني نافع أن ابن عمر جاءه رجل
فقال إن فلانا يقرأ عليك السلام
فقال
إنه قد بلغني أنه قد أحدث
فإن كان قد أحدث فلا تقرأه مني السلام
فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول يكون في هذه الأمة أو أمتي الشك منه خسف ومسخ أو قذف في أهل القدر قال الترمذي حديث حسن صحيح غريب
والذي صح عن النبي صلى الله عليه و سلم ذمهم من طوائف أهل البدع هم الخوارج فإنه قد ثبت فيهم الحديث من وجوه كلها صحاح
لأن مقالتهم حدثت في زمن النبي صلى الله عليه و سلم
وكلمة رئيسهم
وأما الارجاء والرفض والقدر والتجهم والحلول وغيرها من البدع فإنها حدثت بعد انقراض عصر الصحابة
وبدعة القدر أدركت آخر عصر الصحابة فأنكرها من كان منهم حيا كعبد الله بن عمر وابن عباس وأمثالهما رضي الله عنهم
وأكثر ما يجىء من ذمتهم فإنما هو موقوف على الصحابة من قولهم فيه
ثم حدثت بدعة الإرجاء بعد انقراض عصر الصحابة فتكلم فيها كبار التابعين الذين أدركوها كما حكيناه عنهم ثم حدثت بدعة التجهم بعد إنقراض عصر التابعين
واستفحل أمرها واستطار شرها في زمن الأئمة كالامام أحمد وذويه
ثم حدثت بعد ذلك بدعة الحلول وظهر أمرها في زمن الحسين الحلاج
وكلما أظهر الشيطان بدعة من هذه البدع وغيرها أقام الله لها من حزبه وجنده من يردها ويحذر

المسلمين منها نصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأهل الإسلام
وجعله ميراثا يعرف به حزب رسول الله صلى الله عليه و سلم وولى سننه من حزب البدعة وناصرها
وقد جاء في أثر لا يحضرني إسناده إن لله عند كل بدعة يكاد بها الإسلام وليا ينطق بعلاماته
فأغتنموا تلك المجالس وتوكلوا على الله
فإن الرحمة تنزل عليهم
نسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم وأن يلحقنا بهم وأن يجعلنا لهم خلفا كما جعلهم لنا سلفا بمنه وكرمه

ثم ذكر الشيخ ابن القيم رحمه الله حديث جبريل إلى قول المنذري علقمة بن حارثة اتفقا على الاحتجاج بحديثه ثم قال ورواه أبو جعفر العقيلي من طريقه
وقال فيه فما شرائع الإسلام قال تقيم الصلاة الحديث وتابعه على هذا اللفظ مرجىء آخر وهو جراح بن الضحاك قال العقيلي وهذه زيادة مرجىء تفرد بها عن الثقات الأئمة فلا تقبل
ورواه ابن حبان في صحيحه من حديث سليمان التيمي عن يحيى بن يعمر
فذكر فيه ألفاظا لم يذكرها غيره
فقال في الاسلام وتحج وتعتمر وتغتسل من الجنابة وأن تتم الوضوء وقال فيه فإذا فعلت ذلك فأنا مسلم قال نعم وقال في الايمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وتؤمن بالجنة والنار والميزان وذكر البعث والقدر ثم قال فإذا فعلت ذلك فأنا مؤمن قال نعم وقال في

الاحسان وإذا فعلت ذلك فأنا محسن قال نعم وقال في آخره هذا جبريل أتاكم ليعلمكم دينكم
خذوا عنه
قال أبو حاتم تفرد سليمان التيمي بهذه الألفاظ

ذكر الشيخ ابن القيم رحمه الله حديث كل ميسر لما خلق له ثم قال وقد روى مسلم في صحيحه عن حذيفة يبلغ به النبي قال يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم بأربعين أو خمس وأربعين ليلة فيقول يا رب أشقي أم سعيد فيكتبان فيقول يا رب أذكر أم أنثى فيكتبان ويكتب عمله وأثره وأجله ورزقه ثم تكتب الصحف فلا يزاد فيها ولا ينقص وفي الصحيحين عن أنس بن مالك ورفع الحديث قال إن الله قد وكل بالرحم ملكا فيقول أي رب نطفة أي رب علقة أي رب مضغة فإذا أراد الله أن يقضي خلقا قال الملك أي رب ذكر أم أنثى شقي أم سعيد فما الرزق فما الأجل فيكتب ذلك في بطن أمه
وهذا مثل حديث ابن مسعود حديث الصادق المصدوق أن كتابة الأجل والشقاوة والسعادة والرزق في الطور الرابع

وحديث حذيفة بن أسيد يدل على أن الكتابة في الطور الأول
وقد روي حديث حذيفة بلفظ أخر يتبين المراد منه وأن الحديثين واحد وأنهما متصادقان لا متعارضان
فروى مسلم في صحيحه عن عامر بن واثلة أنه سمع عبد الله بن مسعود يقول الشقي من شقى في بطن أمه والسعيد من وعظ بغيره
فأتى رجل من أصحاب النبي يقال له حذيفة بن أسيد الغفاري
فحدثه بذلك من قول ابن مسعود
فقال وكيف يشقى بغير عمل فقال الرجل العجب من ذلك
قال سمعت رسول الله يقول إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها ثم قال يا رب أذكر أم أنثى فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك
ثم يقول يا رب أجله فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك ثم يقول يا رب رزقه فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك
ثم يخرج الملك بالصحيفة في يده فلا يزيد على ما أمر ولا ينقص وفي لفظ آخر عنه سمعت رسول الله بأدنى هاتين يقول إن النطفة تقع في الرحم أربعين ليلة ثم يتصور عليها الملك قال زهير بن معاوية حسبته قال الذي يخلقها فيقول يا رب أذكر أم أنثى فيجعله الله ذكرا أو أنثى
ثم يقول يا رب أسوي أو غير سوي فيجعله الله سويا أو غير سوي ثم يقول يا رب مارزقه ما أجله ما خلقه ثم يجعله شقيا أو سعيدا
وفي لفظ آخر أن ملكا موكلا بالرحم إذا أراد الله أن يخلق شيئا بإذن الله لبضع وأربعين ليلةثم ذكر نحوه
فدل حديث حذيفة على أن الكتابة المذكورة وقت تصويره وخلق جلده ولحمه وعظمه وهذا مطابق لحديث ابن مسعود
فإن هذا التخليق هو في الطور الرابع وفيه وقعت الكتابة
فإن قيل فما تصنع بالتوقيت فيه بأربعين ليلة قلت التوقيت فيه بيان أنها قبل ذلك لا يتعرض لها ولا يتعلق بها تخليق ولا كتابة فإذا بلغت الوقت المحدود وجاوزت الأربعين وقعت في أطوار التخليق طبقا بعد طبق ووقع حينئذ التقدير والكتابة وحديث ابن مسعود صريح في أن وقوع ذلك بعد كونه مضغة بعد الأربعين الثالثة وحديث حذيفة فيه أن ذلك بعد الأربعين ولم يوقت البعدية بل أطلقها ووقتها في حديث ابن مسعود

وقد ذكرنا أن حديث حذيفة دال أيضا على ذلك
ويحتمل وجها آخر وهو أن تكون الأربعون المذكورة في حديث حذيفة هي الأربعين الثالثة وسمي الحمل فيها نطفة إذ هي مبدؤه الأول
وفيه بعد وألفاظ الحديث تأباه
ويحتمل وجها آخر وهو أن التقدير والكتابة تقديران وكتابتان
فالأول منهما عند ابتداء تعلق التحويل والتخليق في النطفة وهو إذا مضى عليها أربعون ودخلت في طور العلقة وهذا أول تخليقه
والتقدير الثاني والكتابة الثانية إذا كمل تصويره وتخليقه وتقدير أعضائه وكونه ذكرا أو أنثى من الخارج فتكتب مع ذلك عمله ورزقه وأجله وشقاوته وسعادته
فلا تنافي بين الحديثين والحمد لله رب العالمين
ويكون التقدير الأول تقديرا لما يكون للنطفة بعد الأربعين فيقدر معه السعادة والشقاوة والرزق والعمل
والتقدير الثاني تقديرا لما يكون للجنين بعد تصويره فيقدر معه ذلك ويكتب أيضا وهذا التقدير أخص من الأول
ونظير هذا أن الله سبحانه قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ثم يقدر ليلة القدر ما يكون في العام لمثله وهذا أخص من التقدير الأول العام كما أن تقدير أمر النطفة وشأنها يقع بعد تعلقها بالرحم وقد قدر أمرها قبل خلق السموات والأرض
ونظير هذا رفع الأعمال وعرضها على الله تعالى فإن عمل العام يرفع في شعبان كما أخبر به الصادق المصدوق أنه شهر ترفع فيه الأعمال فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم ويعرض عمل الأسبوع يوم الاثنين والخميس كما ثبت ذلك في صحيح مسلم وعمل اليوم يرفع في آخره قبل الليل وعمل الليل في آخره قبل النهار
فهذا الرفع في اليوم والليلة أخص من الرفع في العام وإذا انقضى الأجل رفع عمل العمر كله وطويت صحيفة العمل
وهذه المسائل

من أسرار مسائل القضاء والقدر
فصلوات الله وسلامه على هادى الأمة وكاشف الغمة الذي أوضح الله به المحجة واقام به الحجة وأنار به السبيل وأوضح به الدليل ولله در القائل أحيا القلوب محمد لما أتى ومضى فناءت بعده أمناؤه كالورد راقك ريحه فشممته وإذا تولى ناب عنه مساؤه وقد روى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو قال سمعت رسول الله يقول كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة قال وعرشه على الماء

وفي صحيحه أيضا عنه أنه سمع رسول الله يقول إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء ثم قال رسول الله اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك
وفي صحيحه أيضا عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله كل شيء بقدر حتى العجز والكيس أو الكيس والعجز وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العينين النظر وزنا اللسان النطق والنفس تمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه
وفي صحيح البخاري عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي قال ما استخلف الله خليفة إلا كان له بطانتان بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه والمعصوم من عصم الله
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير أحرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز
وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت لكان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان
وفي صحيحه أيضا عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قالت أم حبيبة اللهم متعني بزوجي رسول الله وبأبي أبي سفيان وبأخي معاوية فقال لها رسول الله إنك سألت الله لآجال مضروبة وآثار موطوءة وأرزاق مقسومة لا يعجل منها شيء قبل حله ولا يؤخر منها شيء بعد حله ولو سألت الله أن يعافيك من عذاب في النار وعذاب في القبر كان خيرا لك
وفي سنن ابن ماجه من حديث عبد الأعلى بن أبي المساور عن الشعبي قال لما قدم عدي بن حاتم الكوفة أتيناه في نفر من فقهاء أهل الكوفة فقلنا له حدثنا ما سمعت من رسول الله قال أتيت النبي فقال يا عدي بن حاتم أسلم تسلم قلت وما الإسلام قال تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وتؤمن بالأقدار كلها خيرها وشرها وحلوها ومرها
وفي سننه أيضا من حديث مجاهد عن سراقة بن جعشم قال قلت يا رسول الله أنعمل فيما جف به القلم وجرت به المقادير أم في أمر مستقبل قال بل فيما جف به القلم وجرت به المقادير وكل ميسر لما خلق له
وفي صحيح البخاري عن الحسن قال حدثنا عمرو بن تغلب قال أتى النبي مال فأعطى

قوما ومنع آخرين فبلغه أنهم عيبوا فقال إني أعطي الرجل وأدع الرجل والذي أدع أحب إلى من الذي أعطى أعطى أقواما لما في قلوبهم من الجزع والهلع وأكل أقواما إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير منهم عمرو بن تغلب فقال عمرو ما أحب أن لي بكلمة رسول الله حمر النعم
وفي الصحيحين من حديث عمران بن حصين قال إني عند النبي إذ جاءه قوم من بني تميم
فقال اقبلوا البشرى يا بني تميم قالوا بشرتنا فأعطنا فدخل ناس من أهل اليمن فقال اقبلوا البشرى يا أهل اليمن يا أهل اليمن إذا لم يقبلها بنو تميم قالوا قبلنا جئناك نتفقه في الدين ونسألك عن أول هذا الأمر ما كان قال كان الله ولم يكن شيء من قبله وكان عرشه على الماء ثم خلق السموات والأرض وكتب في الذكر كل شيء الحديث
وعن ابن عباس أن النبي قال لأشج عبد القيس رضي الله عنه إن فيك لخلتين يحبهما الله الحلم والأناة قال يا رسول الله خلتين تخلقت بهما أم جبلت عليهما قال الحمد لله الذي جبلني على خلتين يحبهما الله
وقال أبو هريرة رضي الله عنه
قال لي النبي جف القلم بما أنت لاق رواه البخاري تعليقا
وفي صحيح مسلم عن طاوس قال سمعت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول قال رسول الله كل شيء بقدر حتى العجز والكيس أو الكيس والعجز
وذكر البخاري عن ابن عباس في قوله تعالى أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون قال سبقت لهم السعادة
وفي الصحيحين عن همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال لا يأتي ابن آدم النذر بشيء لم يكن قد قدرته ولكن يلقيه القدر وقد قدرته له أستخرج به من البخيل
وفي لفظ للبخاري لا يأتي ابن آدم النذر بشيء لم يكن قدر له ولكن يلقيه النذر إلى القدر قد قدر له فيستخرج الله به من البخيل فيؤتي عليه ما لم يكن يؤتى عليه من قبل
وفي لفظ في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي النذر لا يقرب من ابن آدم شيئا لم يكن الله قدره له ولكن النذر يوافق القدر فيخرج بذلك من البخيل ما لم يكن البخيل يريد أن يخرج
هذه الأحاديث في النذر والقدر أدخلها البخاري في كتاب القدر وهو إنما يدل على القدر الذي لا يتعلق بقدرة العبد ومشيئته
والكلام فيه إنما هو من غلاة القدرية المنكرين لتقدم العلم والكتاب
وأما القدرية المنكرون لخلق الأفعال فلا يحتج عليهم بذلك والله أعلم
وقد نظرت في أدلة إثبات القدر والرد على القدرية المجوسية فإذا هي تقارب خمسمائة دليل وإن قدر الله تعالى أفردت لها مصنفا مستقلا وبالله عز و جل التوفيق

ذكر الشيخ ابن القيم رحمه الله حديث عائشة هم من آبائهم ثم قال حديث عائشة قلت يا رسول لله من رواية عبد الله بن أبي قيس مولى غطيف عنها
وليس بذاك المشهور ورواه عمر بن ذر عن يزيد بن أبي أمية أن البراء بن عازب أرسل إلى عائشة يسألها عن الأطفال فقالت الحديث هكذا قال مسلم بن قتيبة عن عمر وقال غيره عن عمر بن ذر عن يزيد عن رجل عن البراء
وأما ما رواه أبو عقيل عن أبي المتوكل الناجي عن بهية عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن أولاد المسلمين أين هم قال في الجنة وسألته عن أولاد المشركين أين هم يوم القيامة قال في النار فقلت لم يدركوا الأعمال ولم نجز عليهم الأقلام قال ربك أعلم بما كانوا عاملين والذي نفسي بيده لو شئت أسمعتك تضاغيهم في النار
فحديث واه يعرف به واه وهو أبو عقيل
ثم ذكر الشيخ ابن القيم رحمه الله أحاديث الباب إلى آخره ثم قال هذا ما ذكره أبو داود وفي الباب حديث كل مولود يولد على الفطرة لفظ الصحيحين فيه ما من مولود إلا يولد على الفطرة وأبواه يهودانه الحديث
وفي لفظ آخر ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويشركانه فقال آخر أرأيت يا رسول الله لو مات قبل ذلك قال الله أعلم بما كانوا عاملين

وفي لفظ آخر ما من مولود يولد إلا وهو على الملة
وفي لفظ آخر على هذه الملة حتى يبين عنه لسانه
وفي لفظ آخر ليس من مولود يولد إلا على هذه الفطرة حتى يعبر عنه لسانه
وفي لفظ آخر ما من مولود يولد إلا على الفطرة
وفي لفظ آخر كل إنسان تلده أمه على الفطرة وأبواه بعد يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه فإن كانا مسلمين فمسلم
وهذه الألفاظ كلها في الصحيحين إلا لفظ الملة فهو لمسلم
وكذا لفظ يشركانه فله أيضا
وكذا قوله حتى يعبر عنه لسانه
وكذا لفظ فإن كانا مسلمين فمسلم لمسلم وحده
وإنما سقنا هذه الألفاظ لنبين بها أن الكلام جملتان لا جملة واحدة وأن قوله كل مولود يولد على الفطرة جملة مستقلة وقوله أبواه يهودانه إلى آخره جملة أخرى
وهو يبين غلط من زعم أن الكلام جملة واحدة وأن المعنى كل مولود يولد بهذه الصفة فأبواه يهودانه وجعل الخبر عند قوله يهوانه إلى آخره
وألفاظ الحديث تدل على خطأ هذا القائل

ويدل أيضا على أن الفطرة هي فطرة الإسلام ليست الفطرة العامة التي فطر عليها من الشقاوة والسعادة لقوله على هذه الفطرة وقوله على هذه الملة
وسياقه أيضا يدل على أنها هي المرادة لإخباره بأن الأبوين هما اللذان يغيرانها ولو كانت الفطرة هي فطرة الشقاوة والسعادة لقوله على هذه الفطرة لكان الأبوان مقدرين لها
ولأن قراءة قوله تعالى فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم عقب الحديث صريح في أن المراد بها فطرة الإسلام ولأن تشبيه المولود في ولادته عليها بالبهيمة الجمعاء وهي الكاملة الخلق ثم تشبيهه إذا خرج عنها بالبهيمة التي جدعها أهلها فقطعوا أذنها دليل على أن الفطرة هي الفطرة المستقيمة السليمة وما يطرأ على المولود من التهويد والتنصير بمنزلة الجدع والتغيير في ولد البهيمة ولأن الفطرة حيث جاءت مطلقة معرفة باللام لا يراد بها إلا فطرة التوحيد والإسلام وهي الفطرة الممدوحة ولهذا جاء في حديث الإسراء لما أخذ النبي صلى الله عليه و سلم اللبن قيل له أصبت الفطرة ولما سمع النبي صلى الله عليه و سلم المؤذن يقول الله أكبر الله أكبر قال على الفطرة وحيث جاءت الفطرة في كلام رسول الله صلى الله عليه و سلم فالمراد بها فطرة الإسلام لا غير ولم يجيء قط في كلامه مرادا بها فطرة الشقاوة وابتداء الخلقة في موضع واحد
ولفظ الحديث يدل على أنه غير منسوخ وأنه يستحيل فيه النسخ كما قال بعضهم لأنه خبر محض وليس حكما يدخل تحت الأمر والنهي فلا يدخله النسخ
وأما حديث عائشة في قصة الصبي من الأنصار فرده الإمام أحمد وطعن فيه وقال من يشك أن أولاد المسلمين في الجنة وقال أيضا إنهم لا اختلاف فيهم

وأما مسلم فأورده في صحيحه كما تقدم
ومن انتصر للحديث وصحيحه يقول الإنكار من النبي صلى الله عليه و سلم على عائشة إنما كان لشهادتها للطفل المعين بأنه في الجنة كالشهادة للمسلم المعين فإن الطفل تبع لأبويه فإذا كان أبواه لا يشهد لهما بالجنة فكيف يشهد للطفل التابع لهما
والإجماع إنما هو على أن أطفال المسلمين من حيث الجملة مع آبائهم فيجب الفرق بين المعين والمطلق
وفي صحيح أبي حاتم من حديث عبد الله بن ضمرة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ذراري المؤمنين يكلفهم إبراهيم صلى الله عليه و سلم في الجنة
وقد روى البخاري في صحيحه عن سمرة بن جندب قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم مما يكثر أن يقول لأصحابه هل رأى أحد منكم رؤيا قال فيقص عليه من شاء الله أن يقص وأنه قال لنا ذات غداة أتاني الليلة آتيان فذكر حديث الرؤيا بطوله إلى أن قال فأتينا على روضة معتمة من كل لون الربيع وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولا في السماء وإذا حول الرجل أكثر ولدان رأيتهم قط وقال فيه وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم صلى الله عليه و سلم وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة قال فقال بعض المسلمين يا رسول الله وأولاد المشركين فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم وأولاد المشركين

وفي الصحيحين عن ابن عباس سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن أولاد المشركين فقال الله أعلم بما كانوا عاملين إذ خلقهم
وفي الصحيحين عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرا ولو عاش لأرهق أبويه طغيانا وكفرا
وفي الصحيحين عن الصعب بن جثامة قال سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الدار من المشركين يبيتون فيصيبون من نسائهم وذراريهم فقال هم منهم
وفي لفظ لهما هم من آبائهم
وهذه الأحاديث لا تناقض بينها بل يصدق بعضها بعضا
وقد اختلف العلماء في الأطفال على ثمانية أقوال
أحدها الوقف فيهم وترك الكلام في مستقرهم ويوكل علمهم إلى الله تعالى
قال هؤلاء وظواهر السنن وأجوبة النبي صلى الله عليه و سلم في حديث ابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهم يدل على ذلك إذ وكل علمهم إلى الله وقال الله أعلم بما كانوا عاملين
قالوا وقد روى ابن حبان في صحيحه من حديث جرير بن حازم قال سمعت أبا رجاء العطاردي قال سمعت ابن عباس يقول وهو على المنبر قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يزال أمر هذه الأمة قواما أو مقاربا ما لم يتكلموا في الولدان والقدر
قال أبو حاتم الولدان أراد بهم أطفال المشركين
وفيما استدلت به هذه الطائفة نظر والنبي صلى الله عليه و سلم لم يجب فيهم بالوقف وإنما وكل علم ما كانوا يعملونه لو عاشوا إلى الله وهذا جواب عن سؤالهم كيف يكونون مع آبائهم بغير عمل وهو طرف من الحديث

ويدل عليه حديث عائشة الذي ذكره أبو داود في أول باب والنبي صلى الله عليه و سلم وكل العلم يعلمهم إلى الله ولم يقل الله أعلم حيث يستقرون أو أين يكونون
فالدليل غير مطابق لمذهب هذه الطائفة
وأما حديث أبي رجاء عن ابن عباس في المنع من الكلام فيهم ففي القلب من رفعه شيء
وبالجملة فإنما يدل على ذم من تكلم فيهم بغير علم أو ضرب الأحاديث فيهم بعضها ببعض كما فعل مع الذين أنكر عليهم كلامهم في القدر وأما من تكلم فيهم بعلم وحق فلا يذم
القول الثاني أن أطفال المشركين في النار
وهذا مذهب طائفة وحكاه القاضي أبو يعلى رواية عن أحمد قال شيخنا وهو غلط منه على أحمد وسبب غلطة أن أحمد سئل عنهم فقال هم على الحديث قال القاضي أراد حديث خديجة إذ سألت النبي صلى الله عليه و سلم عن أولادها الذين ماتوا قبل الإسلام فقال إن شئت أسمعتك تضاغيهم في النار
قال شيخنا وهذا حديث موضوع وأحمد أجل من أن يحتج بمثله وإنما أراد حديث عائشة الله أعلم بما كانوا عاملين
والقول الثالث أنهم في الجنة واحتج هؤلاء بحديث سمرة الذي رواه البخاري
واحتجوا بقوله تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وبقوله كلما ألقى فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما أنزل الله من شيء فهذا دليل على أن كل فوج يلقى في النار لا بد وأن يكونوا قد جاءهم النذير وكذبوه وهذا ممتنع في حق الأطفال
واحتجوا بقوله تعالى لإبليس لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين

قالوا فإذا امتلأت منه ومن أتباعه لم يبق فيها موضع لغيرهم
واحتجوا بقوله لئلا يكون على الله حجة بعد الرسل
قالوا فالله تعالى لا يعذب أحدا إلا بذنبه فالنار دار عدله لا يدخلها أحد إلا بعمل وأما الجنة فدار فضله يدخلها بغير عمل ولهذا ينشيء للفضل الذي يبقى فيها أقواما يسكنهموه
وأما الحديث الذي ورد في بعض طرق البخاري وأما النار فينشيء الله لها خلقا يسكنهم إياها فغلط من الراوي انقلب عليه لفظه وإنما هو وأما الجنة فإن الله ينشيء لها خلقا وقد ذكره البخاري وسياق الحديث يدل على ذلك
قالوا وأما حديث عائشة والأسود بن سريع فليس فيه أنهم في النار وإنما فيه أنهم من آبائهم تبع لهم في الحكم وأنهم إذا أصيبوا في البينات لم يضمنوا بدية ولا كفارة وهذا ظاهر في حديث الأسود
وأما حديث عائشة فقد ضعفه غير واحد
قالوا وحديث خديجة باطل لا يصح

والقول الرابع أنهم بين الجنة والنار إذ لا معصية لهم توجب دخول النار ولا إسلام يوجب لهم دخول الجنة
وهذا أيضا ليس بشيء فإنه لا دار للقرار إلا الجنة والنار وأما الأعراف فإن مآل أصحابها إلى الجنة كما قاله الصحابة
والقول الخامس أنهم تحت المشيئة يجوز أن يعذبهم وأن ينعمهم وأن يعذب بعضا وهذا قول كثير من المثبتين للقدر وقول الجبرية ونفاة التعليل والحكم
والقول السادس أنهم ولدان أهل الجنة وخدمهم وقد روى في ذلك حديث لا يثبت
والقول السابع أن حكمهم حكم الآباء في الدنيا والآخرة فلا حكم لهم غير حكم آبائهم
فكما هم تبع لأبائهم في الدنيا كذلك هم لهم تبع في الآخرة
والقول الثامن أنهم يمتحنون في الآخرة فمن أطاع منهم أدخله الله الجنة ومن عصى عذبه وقد روى في هذا من حديث الأسود بن سريع وأبي هريرة وغيرهما وهي أحاديث يشد بعضها بعضا
وهذا أعدل الأقوال وبه يجتمع شمل الأدلة وتتفق الأحاديث في هذا الباب
وعلى هذا فيكون بعضهم في الجنة كما في حديث سمرة وبعضهم في النار كما دل عليه حديث عائشة
وجواب النبي صلى الله عليه و سلم يدل على هذا فإنه قال الله أعلم بما كانوا عاملين إذ خلقهم
ومعلوم أن الله لا يعذبهم بعلمه فيهم ما لم يقع معلومه فهو إنما يعذب من يستحق العذاب على معلومه وهو متعلق علمه السابق فيه لا على علمه المجدد وهذا العلم يظهر معلومه في الدار الآخرة
وفي قوله الله أعلم بما كانوا عاملين إشارة إلى أنه سبحانه كان يعلم مما كانوا عاملين لو عاشوا وأن من يطيعه وقت الامتحان كان ممن يطيعه لو عاش في الدنيا ومن يعصيه حينئذ كان ممن يعصيه لو عاش في الدنيا فهو دليل على تعلق علمه بما لم يكن لو كان كيف كان يكون
وقيل إنما قاله النبي صلى الله عليه و سلم قبل أن يعلمه الله بمصيرهم ومستقرهم
وليس بشيء فإنه لا تعرض في هذا المستقر كما تقدم
وقيل معناه الله أعلم على أي دين عييتهمم
لو عاشوا وبلغوا العمل فأما إذا عدم فيهم العمل منهم في رحمة الله وهذا بعيد من دلالة اللفظ عليه والله أعلم
13

ذكر الشيخ شمس الدين بن القيم رحمه الله حديث العباس الذي فيه ذكر بعد ما بين سماء وسماء ثم قال قد رد هذا الحديث بشيئين
أحدهما بأن فيه الوليد بن أبي ثور ولا يحتج به
والثاني بما رواه الترمذي من حديث قتادة عن الحسن عن أبي هريرة قال بينما نبي الله صلى الله عليه و سلم جالس في أصحابه إذ أتى عليهم سحاب فقال النبي صلى الله عليه و سلم هل تدرون ما هذا قالوا الله ورسوله أعلم قال هذا العنان
هذه روايا الأرض يسوقها الله تعالى إلى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه ثم قال هل تدرون ما فوقكم قالوا الله ورسوله أعلم قال إنها الرقيع سقف محفوظ وموج مكفوف
ثم قال هل تدرون كم بينكم وبينها قالوا الله ورسوله أعلم قال بينكم وبينها خمسمائة سنة ثم قال هل تدرون ما فوق ذلك قالوا الله ورسوله أعلم
قال فإن فوق ذلك سماءين ما بينهما خمسمائة سنة حتى عد سبع سموات ما بين كل سماءين كما بين السماء والأرض ثم قال هل تدرون ما فوق ذلك قالوا الله ورسوله أعلم قال فإن فوق ذلك العرش وبينه وبين السماء بعد ما بين السمائين ثم قال هل تدرون ما الذي تحتكم قالوا الله ورسوله أعلم قال فإنها الأرض
ثم قال هل تدرون ما الذي تحت ذلك قالوا الله ورسوله أعلم
قال فإن تحتها أرض أخرى بينهما مسيرة خمسمائة سنة حتى عد سبع أرضين بين كل أرضين مسيرة خمسمائة سنة ثم قال والذي نفس محمد بيده لو أنكم دليتم بحبل إلى الأرض السفلي لهبط على الله ثم قرأ هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم
قالوا هذا خلاف حديث العباس في موضعين في ذكر بعد المسافة بين السموات وفي نفي اختصاص الرب بالفوقية
قالوا المثبتون أما رد الحديث الأول بالوليد بن أبي ثور ففاسد فإن الوليد لم ينفرد به بل تابعه عليه إبراهيم بن طهمان كلاهما عن سماك ومن طريقه رواه أبو داود ورواه أيضا عمرو بن أبي

قيس عن سماك ومن حديثه رواه الترمذي عن عبد بن حميد حدثنا عبد الرحمن بن سعد عن عمرو بن قيس قال الترمذي قال عبد بن حميد سمعت يحيى بن معين يقول ألا تريدون ابن عبد الرحمن بن سعد أن يحج حتى نسمع منه هذا الحديث
ورواه الوليد بن أبي ثور عن سماك ومن حديثة رواه ابن ماجه في سننه
فأي ذنب للوليد في هذا وأي تعلق عليه وإنما ذنبه راويته ما يخالف قول الجهمية
وهي علته المؤثرة عند القوم
وأما معارضته لحديث الحسن عن أبي هريرة ففاسدة أيضا فإن الترمذي ضعف حديث الحسن هذا وقال فيه غريب فقط قال ويروى عن أيوب ويونس ابن عبيد وعلي بن زيد قالوا لم يسمع الحسن من أبي هريرة
قال الترمذي فسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقالوا إنما معناه هبط على علم الله

وقدرته وسلطانه وعلم الله وقدرته وسلطانه في كل مكان وهو على العرش كما وصف نفسه في كتابه
وهذا التفسير الذي ذكره الترمذي يشبه التفسير الذي حكاه البيهقي عن أبي حنيفة رحمه الله في قوله تعالى وهو معكم أينما كنتم فإنه قال أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه أخبرنا أبو محمد بن الحباب أخبرنا أحمد بن جعفر بن نصر حدثنا يحيى بن يعلى قال سمعت نعيم بن حماد يقول سمعت نوح بن أبي مريم يقول كنا عند أبي حنيفة أول ما ظهر إذ جاءته امرأة من ترمذ كانت تجالس جهما فدخلت الكوفة فأظنني أول ما رأيت غليها عشرة الآلاف من الناس يدعون إلى رأيها فقيل لها إن ههنا رجلا نظر في المعقول يقال له أبو حنيفة فأتته فقالت أنت الذي تعلم الناس المسائل وقد تركت دينك أين إلهك الذي تعبده فسكت عنها ثم مكث سبعة أيام لا يجيبها ثم خرج إلينا وقد وضع كتابا إن الله تعالى في السماء دون الأرض
فقال له رجل أرأيت قول الله تعالى وهو معكم قال هو كما تكتب إلى الرجل إني معك وأنت غائب عنه
قال البيهقي فقد أصاب أبو حنيفة رحمه الله فيما نفى عن الله تعالى من الكون في الأرض
وفيما ذكر من تأويل الآية تبع مطلق السمع في قوله إن الله عز و جل في السماء
هذا لفظه في كتاب الأسماء والصفات
قالوا وأما اختلاف مقدار المسافة في حديثي العباس وأبي هريرة فهو مما يشهد بتصديق كل

منهما للآخر فإن المسافة يختلف تقديرها
بحسب اختلاف السير الواقع فيها فسير البريد مثلا يقطع بقدر سير ركاب الإبل سبع مرات وهذا معلوم بالواقع فما تسيره الإبل سيرا قاصدا في عشرين يوما يقطعه البريد في ثلاثة فحيث قدر النبي صلى الله عليه و سلم بالسبعين أراد به السير السريع سير البريد وحيث قدر بالخمسمائة أراد به السير الذي يعرفونه سير الإبل والركاب فكل منهما يصدق الآخر ويشهد بصحته ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا

ذكر الشيخ ابن القيم رحمه الله حديث ابن إسحاق الذي فيه وإن عرشه فوق سماواته كالقبة وتعليل المنذري له
ثم قال قال أهل الإثبات ليس في شيء من هذا مستراح لكم في رد الحديث
أما حملكم فيه على ابن إسحاق فجوابه أن ابن إسحاق بالموضع الذي جعله الله من العلم والأمانة
قال علي بن المديني حديثه عندي صحيح وقال شعبة ابن إسحاق أمير المؤمنين في الحديث وقال أيضا هو صدوق وقال علي بن المديني أيضا لم أجد له سوى حديثين منكرين
وهذا في غاية الثناء والمدح إذ لم يجد له عل كثرة ما روى إلا حديثين منكرين
وقال علي أيضا سمعت ابن عيينة يقول ما سمعت أحدا يتكلم في ابن إسحاق إلا في قوله القدر ولا ريب أن أهل عصره أعلم به ممن تكلم فيه بعدهم
وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم سمعت الشافعي يفول قال الزهري لا يزال بهذه الحرة علم ما دام بها ذلك الأحول يريد ابن إسحاق
وقال يعقوب بن شيبة سألت يحيى بن معين كيف ابن إسحاق قال ليس بذاك قلت ففي نفسك من حديثه شيء قال لا كان صدوقا
وقال يزيد بن هارون سمعت شعبة يقول لو كان لي سلطان لأمرت ابن إسحاق على المحدثين
وقال ابن عدي قد فتشت أحاديث ابن إسحاق الكبير فلم أجد في حديثه ما يتهيأ أن نقطع عليه بالضعف وربما أخطأ أو وهم كما يخطيء غيره ولم يتخلف في الرواية عند الثقات والأئمة وهو لا بأس به

وقال أحمد بن عبد الله العجلي ابن إسحاق ثقة
وقد استشهد مسلم بخمسة أحاديث ذكرها لابن إسحاق في صحيحه
وقد روى الترمذي في جامعه من حديث ابن إسحاق حدثنا سعيد بن عبيد ابن السباق عن أبيه عن سهل بن حنيف قال كنت ألقي من المذي شدة فأكثر الاغتسال منه الحديث
قال الترمذي هذا حديث صحيح لا نعرفه إلا من حديث ابن إسحاق فهذا حكم قد تفرد به ابن إسحاق في الدنيا وقد صححه الترمذي
فإن قيل فقد كذبه مالك فقال أبو قلابة الرقاشي حدثني أبو داود سليمان ابن داود قال قال يحيى بن القطان أشهد أن محمد بن إسحاق كذاب
قلت وما يدريك قال قال لي وهب فقلت لوهب وما يدريك قال قال لي مالك بن أنس فقلت لمالك وما يدريك قال قال لي هشام بن عروة قال قلت لهشام وما يدريك قال حدث عن امرأتي فاطمة بنت المنذر وأدخلت عليها وهي بنت تسع وما رآها رجل حتى لقيت الله قيل هذه الحكاية وأمثالها هي التي غرت من اتهمه بالكذب
وجوابها من وجوه أحدها أن سليمان بن داود راويها عن يحيى هو الشاذكوني وقد اتهم بالكذب فلا يجوز القدح في الرجل بمثل رواية الشاذكوني
الثاني أن في الحكاية ما يدل على أنها كذب فإنه قال أدخلت فاطمة علي وهي بنت تسع وفاطمة أكبر من هشام بثلاث عشر سنة ولعلها لم تزف إليه إلا وقد زادت على العشرين
ولما أخذ عنها ابن إسحاق كان لها نحو بضع وخمسين سنة
الثالث أن هشاما إنما نفى رؤيته لها ولم ينف سماعه منها ومعلوم أنه لا يلزم من انتفاء

الرؤية انتفاء السماع قال الإمام أحمد لعله سمع منها في المسجد أو دخل عليها فحدثته من وراء حجاب فأي شيء في هذا فقد كانت امرأة كبرت وأسنت
وقال يعقوب بن شيبة سألت ابن المديني عن ابن إسحاق فقال حديثه عندي صحيح
قلت فكلام مالك فيه قال مالك لم يجالسه ولم يعرف وأي شيء حدث بالمدينة قلت فهشام بن عروة قد تكلم فيه قال الذي قال هشام ليس بحجة لعله دخل على امرأته وهو غلام فسمع منها فإن حديثه ليتبين فيه الصدق يروي مرة يقول حدثني أبو الزناد ومرة يقول ذكر أبو الزناد ويقول حدثني الحسن بن دينار عن أيوب عن عمرو بن شعيب في سلف وبيع وهو أروى الناس عن عمرو بن شعيب

فصل وأما قولكم إنه لم يصرح بسماعه من يعقوب بن عتبة فعلى تقدير العلم
بهذا النفي لا يخرج

الحديث عن كونه حسنا فإنه قد لقي يعقوب وسمع منه وفي الصحيح قطعة من الاحتجاج بعنعنة المدلس كأبي الزبير عن جابر وسفيان عن عمرو بن دينار ونظائر كثيرة لذلك
وأما قولكم تفرد به يعقوب بن عتبة ولم يرو عنه كحد من أصحاب الصحيح فهذا ليس بعلة باتفاق المحدثين فإن يعقوب لم يضعفه أحد وكم من ثقة قد احتجوا به وهو غير مخرج عنه في الصحيحين وهذا هو الجواب عن تفرد محمد بن جبير عنه فإنه ثقة
وأما قولكم إن ابن إسحاق اضطرب فيه إلى آخره فقد اتفق ثلاثة من الحفاظ وهم عبد الأعلى وابن المثنى وابن يسار على وهب ابن جرير عن أبيه عن ابن إسحاق أنه حدث به عن يعقوب بن عتبة وجبير بن محمد عن أبيه وخالفهم أحمد بن سعيد الدمياطي فقال عن وهب بن جرير عن أبيه سمعت محمد ابن إسحاق يحدث عن يعقوب بن عتبة عن جبير فإما أن يكون الثلاثة أولى وإما أن يكون يعقوب رواه عن جبير بن محمد فسمعه منه ابن إسحاق ثم سمعه من جبير نفسه فحدث به على الوجهين وقد قيل إن الواو غلط وأن الصواب عن يعقوب ابن عتبة عن جبير بن محمد عن أبيه والله أعلم
وأما قولكم إنه اختلف في لفظه فبعضهم قال ليئط به وبعضهم لم يذكر لفظة به فليس في

هذا اختلاف يوجب رد الحديث فإذا زاد بعض الحفاظ لفظة لم ينفها غيره
ولم يرو ما يخالفا فإنها لا تكون موجبة لرد الحديث
فهذا جواب المنتصرين لهذا الحديث
قالوا
وقد روى هذا المعنى عن النبي من غير حديث ابن إسحاق
فقال محمد بن عبد الله الكوفي المعروف بمطين حدثنا عبد الله ابن الحكم وعثمان قالا حدثنا يحيى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن خليفة عن عمر قال أتت النبي امرأة فقالت ادع الله أن يدخلني الجنة فعظم أمر الرب ثم قال إن كرسيه فوق السموات والأرض وإنه يقعد عليه فما يفضل منه مقدار أربع أصابع ثم قال بأصابعه فجمعها وإن له أطيطا كأطيط الرحل الحديث فإن قيل عبد الله بن الحكم وعثمان لا يعرفان
قيل بل هما ثقتان مشهوران عثمان بن أبي شيبة وعبد الله بن الحكم القطواني وهما من رجال الصحيح
وفي الصحيحين من حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله لما قضى الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق عرشه إن رحمتي غلبت غضبي
وفي لفظ البخاري هو وضع عنده على العرش
وفي لفظ له أيضا فهو مكتوب فوق العرش

ووضع بمعنى موضوع مصدر بمعنى المفعول كنظائره
وفي صحيح البخاري أيضا من حديث حماد بن زيد عن ثابت البناني عن أنس قال كانت زينب تفخر على أزواج النبي وتقول زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سموات
وفي لفظ للبخاري كانت تقول أنكحني الله في السماء
وفي الصحيحين من حديث أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يصعد إلى الله إلا الطيب فإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل لفظ البخاري
وفي الصحيحين من حديث مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي أنه قال يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم الله وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي فيقولون تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون ورواه البيهقي بإسناد الصحيح وقال ثم يعرج إليه الذين باتوا فيكم وقال أخرجاه في الصحيح

وفي الصحيحين قصة سعد بن معاذ وحكمه في بني قريظة وقول النبي لقد حكمت فيهم بحكم الملك ورواه البيهقي من حديث سعد بن إبراهيم عن عامر بن سعد عن أبيه وفيه فقال النبي لقد حكم فيهم اليوم بحكم الله الذي حكم به من فوق سبع سموات
وقال ابن إسحاق في حديثه لقد حكمت فيهم بحكم الله الذي حكم به من فوق سبعة أرقعة والرقيع من أسماء السماء وقد تقدم
وروى الترمذي والإمام أحمد من حديث الحسن عن عمران بن حصين قال قال رسول الله لأبي يا حصين كم تعبد اليوم إلها قال أبي سبعة ستة في الأرض وواحدا في السماء قال فأيهم تعد لرغبتك ورهبتك قال الذي في السماء قال يا حضين أما إنك لو أسلمت علمتك كلمتين ينفعانك
قال فلما أسلم حصين قال يا رسول الله علمني الكلمتين اللتين وعدتني قال قل اللهم ألهمني رشدي وأعذني من شر نفسي
وقد ثبت عن النبي أنه شهد للجارية بالإيمان حيث أقرت بأن الله في السماء وحديثها في صحيح مسلم

وثبت عنه في الصحيح أنه جعل يشير بأصبعه إلى السماء في خطبته في حجة الوداع وينكسها إلى الناس ويقول اللهم أشهد وكان مستشهدا بالله حينئذ لم يكن داعيا حتى يقال السماء قبلة الدعاء
وفي الصحيحين من حديث عبد الرحمن بن أبي نعيم قال سمعت أبا سعيد الخدري يقول بعث علي بن أبي طالب إلى رسول الله من اليمن بذهيبة في أديم مقروظ لم تحصل من ترابها فقسمها بين أربعة نفر بين عيينة بن بدر والأقرع ابن حابس وزيد الخيل والرابع إما علقمة بن علاثة وإما عامر بن الطفيل فقال رجل من أصحابه كنا أحق بهذا من هؤلاء فبلغ ذلك النبي فقال ألا تؤمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر السماء صباحا ومساء
وسيأتي إن شاء الله حديث أبي الدرداء سمعت رسول الله يقول ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك أمرك في السماء والأرض كما رحمتك في السماء الحديث رواه أبو داود في الطب
وروى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي قابوس مولى لعبد اللهابن عمرو بن العاص عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله قال ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وسيأتي في كتاب الأدب
وفي صحيح ابن حبان عن أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي عن النبي قال إن ربكم حي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أي يردهما صفرا
وقد روى الترمذي والبيهقي من حديث حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن عدس عن أبي رزين العقيلي قال قلت يا رسول الله أين كان ربنا تبارك وتعالى قبل أن يخلق السموات والأرض قال كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء ثم خلق العرش ثم استوى عليه هذا لفظ البيهقي وهذا الإسناد صححه الترمذي في موضع وحسنه في موضع
فصححه في الرؤيا أخبرنا الحسن بن علي الخلال حدثنا يزيد بن هارون حدثنا شعبة عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن عدس عن عمه أبي رزين العقيلي قال قال رسول الله رؤيا المؤمن جزء

من أربعين جزءا من النبوة وهي على رجل طائر ما لم يحدث بها فإذا حدث بها وقعت قال وأحسبه قال لا تحدث بها إلا لبيبا أو حبيبا قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح
قال ابن القطان فيلزمه تصحيح الحديث الأول أو الاقتصار على تحسين الثاني يعني لأن الإسناد واحد
قال فإن قيل لعله حسن الأول لأنه من رواية حماد بن سلمة وصحح الثاني لأنه من رواية شعبة وفضل ما بينهما في الحفظ بين
قلنا قد صحح من أحاديث حماد بن سلمة مالا يحصى وهو موضع لا نظر فيه عنده ولا عند أحد من أهل العلم فإنه إمام وكان عند شعبة من تعظيمه وإجلاله ما هو معلوم
وروى البيهقي عن الحاكم عن الأصم عن محمد بن إسحاق الصنعاني حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا جرير بن حازم عن أبي يزيد المديني أن عمر بن الخطاب مر في ناس من أصحابه فلقيته عجوز واستوقفته فوقف عليها فوضع يده على منكبيها حتى قضت حاجتها فلما فرغت قال له رجل حبست رجالات قريش على هذه العجوز
قال ويحك تدري من هذه هذه عجوز سمع الله عز و جل شكواها من فوق سبع سموات والله لو استوقفتني إلى الليل لوقفت عليها إلا أن آتي صلاة ثم أعود عليها
قال البيهقي وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو عبد الله محمد بن علي الجوهري حدثنا إبراهيم بن الهيثم حدثنا محمد بن كثير المصيصي قال سمعت الأوزاعي يقول كنا والتابعون متوافرون نقول إن الله تعالى فوق عرشه ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته
وقال البخاري في الصحيح قال أبو العالية استوى إلى السماء ارتفع فسوى خلقهن
وقال مجاهد استوى علا
وقال أبو الحسن علي بن محمد الطبري من كبار أصحاب أبي الحسن الأشعري والله في السماء فوق كل شيء مستو على عرشه بمعنى أنه عال عليه ومعنى الاستواء الاعتلاء كما تقول

استويت على ظهر الدابة واستويت على السطح بمعنى علوته واستوت الشمس على رأسى واستوى الطير على قمة رأسي بمعنى علا يعني علا في الجو فوجد فوق رأسي فالقديم سبحانه عال على عرشه لا قاعد ولا قائم ولا مماس ولا مباين عن العرش هذا كلامه حكاه عنه البيهقي
قال وروى الحسن بن محمد الطبري عن أبي عبد الله نفطويه النحوي قال أخبرني أبو سليمان قال كنا عند ابن الأعرابي فأتاه رجل فقال يا أبا عبد الله ما معنى الرحمن على العرش استوى قال إنه مستو على عرشه كما أخبر
فقال الرجل إنما معنى استوى استولى فقال له ابن الأعرابي ما يدريك العرب لا تقول استولى فلان على الشيء حتى يكون له فيه مضاد فأيهما غلب قيل قد استولى عليه والله تعالى لا مضاد له فهو على عرشه كما أخبر
وقال يحيى بن إبراهيم الطليطلي في كتاب سير الفقهاء حدثني عبد الملك بن حبيب عن عبد الله بن المغيرة عن الثوري عن الأعمش عن إبراهيم قال كانوا يكرهون قول الرجل يا خيبة الدهر وكانوا يقولون الله هو الدهر وكانو يكرهون قول الرجل رغم أنفي لله
وإنما يرغم أنف الكافر قال وكانو يكرهون قول الرجل لا والذي خاتمه على فمي أنما يختم على الكافر وكانوا يكرهون قول الرجل والله حيث كان أو إن الله بكل مكان
قال أصبغ وهو مستو على عرشه وبكل مكان علمه وإحاطته
وقال ابن عبد البر في التمهيد والاستذكار قال مالك الله في السماء وعلمه في كل مكان
وقال القاضي أبو بكر بن الطيب المالكي الأشعري في رسالته المشهورة التي سماها رسالة الجيدة وأن الله سبحانه شاء مريد كما قال تعالى فعال لما يريد وقال يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر وقال إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون وإن الله مستو على عرشه ومستول على جميع خلقه كما قال تعالى الرحمن على العرش استوى بغير مماسة ولا كيفية ولا مجاورة

وقال حافظ المغرب إمام السنة في وقته أبو عمر يوسف بن عبد البر في كتابيه التمهيد والاستذكار في شرح حديث مالك عن ابن شهاب عن الأغر وأبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي قال ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا الحديث
قال أبو عمر وهذا لفظه في الاستذكار فيه دليل على أن الله عز و جل في السماء على العرش من فوق سبع سموات كما قالت الجماعة وهو من حجتهم على المعتزله والجهمية في قولهم إن الله تعالى في كل مكان وليس على العرش والدليل على صحة ما قاله أهل الحق في ذلك قول الله عز و جل الرحمن على العرش استوى وقوله ثم استوى إلى السماء وهي دخان وقوله تعالى إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا وقوله إليه يصعد الكلم الطيب وقوله فلما تجلى ربه للجبل وقال أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض وقال سبح اسم ربك الأعلى وهذا من العلو وكذلك قوله العلي العظيم و والكبير المتعال و رفيع الدرجات ذو العرش يخافون ربهم من فوقهم
وقال جل ذكره يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه وقوله تعرج الملائكة والروح إليه وقوله لعيسي إني متوفيك ورافعك إلي وقوله بل رفعه الله إليه
وقال فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وقال ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته وقال أأمنتم من السماء فمعناه من على السماء يعني على العرش وقد تكون في بمعنى على ألا ترى إلى قوله تعالى فسيحوا في الأرض أي على الأرض
وكذلك قوله لأصلبنكم في جذوع النخل أي على جذوع النخل
وهذا كله يعضده قوله تعالى تعرج الملائكة والروح إليه وما كان

مثله مما تلونا من الآيات في هذا الباب
فهذه الآيات وغيرها كلها واضحة في إبطال قول المعتزلة
وأما ادعاؤهم المجاز في الاستواء وقولهم استوى بمعنى استولى
فلا معنى له
لأنه غير ظاهر في اللغة
ومعنى الاستيلاء في اللغة المغالبة
والله لا يغلبه ولا يعلوه أحد
وهو الواحد الصمد
ومن حق الكلام أن يحمل على حقيقته حتى يكون اتفاق من الأمة أنه أريد به المجاز إذا لا سبيل إلى اتباع ما أنزل إلينا من ربنا إلا على ذلك وإنما يوجه كلام الله إلى الأشهر والأظهر من وجوهه ما لم يمنع من ذلك ما يجب له التسليم
ولو ساغ ادعاء المجاز لكل مدع ما ثبت شيء من العبادات
وجل الله أن يخاطب عباده في كتابه العربي إلا بما يفهمه العرب في معهود مخاطبتها مما يصح معناه عند السامعين
والاستواء في اللغة معلوم مفهوم وهو العلو والارتفاع على الشيء والاستقرار والتمكن فيه
قال أبو عبيدة في قوله تعالى استوى قال علا
وتقول العرب استويت فوق الدابة واستويت فوق البيت
قال أبو عمرو الاستقرار في العلو
وبهذا خاطبنا عز و جل في كتابه
فقال لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وقال واستوت على الجودي وقال فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك
وقال الشاعر

فأوردتهم مأسفا قعره وقد حلق النجم اليماني فاستوى وهذا لا يجوز أن يتأول فيه أحد أن معناه استولى
لأن النجم لا يستولي
وقد ذكر النضر بن شميل وكان ثقة مأمونا جليلا في علم الديانة واللغة قال حدثني الخليل وحسبك بالخليل قال أتيت أبا ربيعة الأعرابي وكان من أعلم من رأيت فإذا هو على سطح فسلمنا فرد علينا السلام وقال لنا استووا
فبقينا متحيرين
ولم ندرك ما قال
فقال لنا أعرابي إلى جنبه أمركم أن ترتفعوا
قال الخليل هو من قول الله عز و جل ثم استوى إلى السماء وهي دخان فصعدنا إليه
وأما من نزع منهم بحديث عبد الله بن واقد الواسطي بإسناده عن ابن عباس الرحمن على العرش استوى استولى على جميع بريته فلا يخلو منه مكان
فالجواب أن هذا حديث منكر ونقلته مجهولون ضعفاء وهم لا يقبلون أخبار الآحاد العدول
فكيف يسوغ لهم الاحتجاج بمثل هذا من الحديث لو عقلوا أو أنصفوا أما سمعوا الله عز و جل يقول وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا فدل على أن موسى كان يقول إلهي في السماء وفرعون يظنه كاذبا
وقال أمية بن أبي الصلت فسبحان من لا يقدر الخلق قدره ومن هو فوق العرش فرد موحد مليك على عرش السماء مهيمن لعزته تعنو الوجوه وتسجد قال أبو عمر بن عبد البر وإن احتجوا بقوله تعالى وهو الذي في السماء إله وفيالأرض إله وتقوله وهو الله في السموات وفي الأرض وبقوله ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم الآية
قيل لهم لا خلاف بيننا وبينكم وبين سائر الأمة أنه سبحانه ليس في الأرض دون السماء
فوجب حمل هذه الآية على المعنى الصحيح المجمع عليه
وذلك أنه سبحانه في السماء إله معبود من

أهل السماء وأنه سبحانه في الأرض إله معبود مستحق للعبادة من أهل الأرض
وكذلك قال أهل العلم بالتفسير وظاهر التنزيل يشهد أنه على العرش
والاختلاف في ذلك ساقط
وأسعد الناس به من ساعده الظاهر
وأما قوله وفي الأرض إله فالاجماع والاتفاق قدبين المراد أنه معبود من أهل الأرض
فتدبر هذا فإنه قاطع
ومن الحجة أيضا على أنه تبارك وتعالى على العرش فوق السموات أن الموحدين أجمعين من العرب والعجم إذا كربهم أمر ونزلت بهم شدة رفعوا أيديهم ووجوههم إلى السماء فيستغيثون ربهم تبارك وتعالى
وهذا أشهر عند العامة والخاصة من أن يحتاج فيه إلى أكثر من حكايته
لأنه اضطرار لم يوقفهم عليه أحد ولا أنكره عليهم مسلم
وقد قال النبي للأمة التي أراد مولاها عتقها
فاختبرها رسول الله ليعلم إن كانت مؤمنة أم لا
فقال لها أين الله فأشارت إلى السماء ثم قال لها من أنا قالت رسول الله
قال اعتقها فإنها مؤمنة
فاكتفى رسول الله برفعها رأسها إلى السماء واستغنى بذلك عما سواه
هذا لفظ أبي عمر في الاستذكار
وذكره في التمهيد أطول منه
وقال البيهقي أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا هرون بن سليمان حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن حماد بن سلمة عن عاصم عن زر بن حبيش عن عبد الله قال بين سماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام وبين كل سماء خمسمائة عام وبين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عام وبين الكرسي وبين الماء خمسمائة عام والكرسي فوق الماء
والله عز و جل فوق الكرسي ويعلم ما أنتم عليه

قال ورواه عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة عن عاصم بن بهدلة عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود قال ما بين السماءإلى الأرض مسيرة خمسمائة عام
ثم بين كل سماءين مسيرة خمسمائة عام وغلظ كل سماء مسيرة خمسمائة عام ثم ما بين السماء السابعة وبين الكرسي مسيرة خمسمائة عام وما بين الكرسي والماء خمسمائة عام والكرسي فوق الماء والله فوق العرش
ولا يخفى عليه شيء من أعمالكم
وقال الشافعي في كتاب الأم ورويناه في مسنده أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني موسى بن عبيد قال حدثني أبو الأزهر معاوية بن إسحاق بن طلحة عن عبيد الله بن عبيد بن عمير أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول أتى جبريل النبي بمرآة بيضاء فيها نكتة
فقال النبي ما هذه فقال هذه الجمعة فضلت بها أنت وأمتك
والناس لكم فيها تبع اليهود والنصارى ولكم فيها خير وفيها ساعة لا يوافقها مؤمن يدعو الله بخير إلا استجيب له وهو عندنا يوم المزيد
فقال النبي يا جبريل وما يوم المزيد فقال إن ربك اتخذ في الفردوس واديا أفيح فيه كثيب من مسك
فإذا كان يوم الجمعة أنزل الله تبارك وتعالى ما شاء من ملائكته وحوله منابر من نور عليها مقاعد للنبيين وحف تلك المنابر من ذهب مكللة بالياقوت والزبرجد عليها الشهداء والصديقون
فجلسوا من ورائهم على تلك الكثبان فيقول الله عز و جل أنا ربكم صدقتكم وعدي فسلوني أعطكم
فيقولون ربنا نسألك رضوانك
فيقول قد رضيت عنكم ولكم ما تمنيتم ولدي مزيد
فهم يحبون يوم الجمعة لما يعطيهم فيه ربهم من الخير
وهو اليوم الذي استوى فيه ربك تبارك وتعالى على العرش
وفيه خلق آدم وفيه تقوم الساعة
قال الشافعي وأخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني أبو عمران إبراهيم بن الجعد عن أنس بن مالك شبيها به
احتج به الشافعي في فضل الجمعة وكان حسن القول في إبراهيم بن محمد شيخه
والحديث له طرق عديدة
ورواه أبو اليمان الحكم بن نافع حدثنا صفوان قال قال أنس بن مالك رضي الله عنه قال رسول الله أتاني جبريل فذكره
ورواه محمد بن شعيب عن عمر مولى عفرة عن أنس بن مالك عن النبي
ورواه أبو طيبة عن عثمان بن عمير عن أنس عن النبي

وقد جمع أبو بكر بن أبي داود طرقه وقال أبو طيبة اسمه رجاء بن الحرث ثقة وعثمان بن عمير يكنى أبا اليقظان
وقد تواترت الأحاديث الصحيحة التي أجمعت الأمة على صحتها وقبولها بأن النبي عرج به إلى ربه وأنه جاوز السموات السبع وأنه تردد بين موسى وبين الله عز و جل مرارا في شأن الصلاة وتخفيفها وهذا من أعظم الحجج على الجهمية فإنهم لا يقولون عرج بهم إلى ربه وإنما يقولون عرج به إلى السماء
وقد تواترت الرواية عن النبي بأن الله عز و جل ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا يقول هل من تائب فأتوب عليه هل من مستغفر فأغفر له رواه بضعة وعشرون صحابيا
وفي مسند الإمام أحمد وسنن ابن ماجه من حديث محمد بن المنكدر عن جابر ابن عبد الله قال قال رسول الله بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا رؤوسهم فإذا الرب تبارك وتعالى قد أشرف عليهم من فوقهم فقال السلام عليكم يا أهل الجنة
قال وذلك قوله تعالى سلام قولا من رب رحيم فينظر إليهم وينظرون إليه فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحجب عنهم ويبقى نوره وبركته عليهم في ديارهم
وفي الصحيحين عن أبي موسى قال قام فينا رسول الله بخمس كلمات فقال إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه يرفع إليه عمل النهار قبل عمل الليل وعمل الليل قبل عمل النهار حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه
قال أبو عبد الله الحاكم في علوم الحديث في النوع العشرين سمعت محمد بن صالح ابن هانيء يقول سمعت أبا بكر بن إسحاق بن خزيمة يقول من لم يقر بأن الله على عرشه قد استوى فوق سبع سمواته فهو كافر به يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه وألقي على بعض المزابل حيث لا يتأذى المسلمون ولا المعاهدون بنتن ريح جيفته وكان ماله فيئا لا يرثه أحد من المسلمين إذ المسلم لا يرث الكافر
كما قال النبي
وقال بكير بن معروف عن مقاتل بن حيان عن الضحاك في قوله تعالى ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم قالهو الله عز و جل على العرش وعلمه معهم ذكره البيهقي
وبهذا الإسناد قال مقاتل بن حيان بلغنا والله أعلم في قوله عز و جل هو الأول قبل كل شيء والآخر بعد كل شيء والظاهر فوق كل شيء والباطن أقرب من كل شيء وإنما يعني بالقرب بعلمه وقدرته وهو فوق

عرشه وهو بكل شيء عليم ذكره البيهقي أيضا
قال وبهذا الإسناد عن مقاتل بن حيان في قوله إلا هو معهم يقول علمه وذلك قوله إن الله بكل شيء عليم فيعلم نجواهم ويسمع كلامهم ثم ينبئهم يوم القيامة بكل شيء وهو فوق عرشه وعلمه معهم
وقال الحاكم سمعت أبا جعفر محمد بن صالح بن هانيء يقول سمعت محمد بن نعيم يقول سمعت الحسن بن الصباح البزار يقول سمعت علي بن الحسن بن شقيق يقول سألت عبد الله بن المبارك
قلت كيف نعرف ربنا قال في السماء السابعة على عرشه
قال الحاكم وأخبرنا أبو بكر محمد بن داود الزاهد حدثنا محمد بن عبد الرحمن الشامي حدثني عبد الله بن أحمد بن سيبويه المروزي قال سمعت علي بن الحسن بن شقيق يقول سمعت عبد الله بن المبارك يقول نعرف ربنا فوق سبع سموات على العرش استوى بائن من خلقه ولا نقول كما قالت الجهمية إنه ها هنا وأشار إلى الأرض
وقال عبد الله بن سعيد بن كلاب فيما حكاه عنه أبو بكر بن فورك وأخرج من النظر والخبر قول من قال لا هو داخل العالم ولا خارجه فنفاه نفيا مستويا لأنه لو قيل له صفه بالعدم ما قدر أن يقول فيه أكثر منه ورد أخبار الله نصا وقال في ذلك بما لا يجوز في خبر ولا معقول وزعم أن هذا هو التوحيد الخالص والنفي الخالص عندهم والإثبات الخالص وهم عند أنفسهم قياسون هذا حكاية لفظه
وقال الخطابي في كتاب شعار الدين القول في أن الله تعالى مستو على العرش
هذه المسألة سبيلها التوقيف المحض ولا يصل إليها الدليل من غير هذا الوجه وقد نطق به الكتاب في غير آية ووردت به الأخبار الصحيحة فقبوله من جهة التوقيف واجب والبحث عنه وطلب الكيفية غير جائز
وقد قال مالك الاستواء معلوم والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة
فمن التوقيف الذي جاء به الكتاب قوله تعالى الرحمن على العرش استوى وقال ثم استوى على العرش الرحمن وقال رفيع الدرجات ذو العرش

وقال أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا وقال تعرج الملائكة والروح إليه وقال بل رفعه الله إليه وقال إليه يصعد الكلم الطيب وقال حكاية عن فرعون أنه قال يا هامان ابن لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى فوقع قصد الكافر إلى الجهة التي أخبره موسى عنها ولذلك لم يطلبه في طول الأرض ولا عرضها ولم ينزل إلى طبقات الأرض السفلي
فدل ما تلوناه من هذه الآي على أن الله سبحانه في السماء مستو على العرش ولو كان بكل مكان لم يكن لهذا التخصيص معنى ولا فيه فائدة وقد جرت عادة المسلمين خاصتهم وعامتهم بأن يدعوا ربهم عند الابتهال والرغبة إليه ويرفعوا أيديهم إلى السماء وذلك لاستفاضة العلم عندهم بأن ربهم المدعو في السماء سبحانه
ثم ذكر قول من فسر الاستواء بالاستيلاء وبين فساده
وقال أبو الحسن الأشعري في كتاب مقالات المصلين له في باب ترجمته

باب اختلافهم في الباري هل هو مكان دون مكان
أم ليس في مكان أم في كل مكان وهل حملة العرش ثمانية أملام أم ثمانية أصناف من الملائكة
اختلفوا في ذلك على سبع عشرة مقالة
ثم قال وقال أهل السنة والحديث ليس بجسم ولا يشبه الأشياء وأنه على العرش كما قال الرحمن على العرش استوى
فلا نتقدم بين يدي الله في القول بلا نقول استوى بلا كيف
وأن له وجها كما قال ويبقى وجه ربك

وأن له يدين كما قال خلقت بيدي
وأن له عينين كما قال تجري بأعيننا
وأنه يجيء يوم القيامة ملائكته كما قال وجاء ربك والملك صفا صفا
وإنه ينزل إلى سماء الدنيا كما جاء في الحديث
ولم يقولوا شيئا إلا ما وجدوه في الكتاب أو جاءت به الرواية الثابتة عن رسول الله
وقالت المعتزلة إن الله استوى على عرشه بمعنى استولى
وقال بعد ذلك في حكاية قول أهل السنة والحديث هذه حكاية قول جملة أصحاب الحديث وأهل السنة

جملة ما عليه أصحاب الحديث وأهل السنة
الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله وماجاء من عند الله وما رواه الثقات عن رسول الله لا يردون من ذلك شيئا
وأنه تعالى إله واحد أحد فرد صمد لا إله غيره لم يتخذ صاحبة ولا ولدا
وأن محمدا عبده ورسوله
وأن الجنة حق والنار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور
وأن الله تعالى على عرشه كما قال الرحمن على العرش استوى
وأن له يدين بلا كيف كما قال خلقت بيدي بل يداه مبسوطتان
وأن له عينين بلا كيف كما قال تجري بأعيننا
وأن له وجها كما قال ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام
ثم ذكر مذهب عبد الله بن سعيد بن كلاب فقال وكان يقول إن القرآن كلام الله وساقه إلى أن قال وأنه مستو على عرشه كما قال وأنه تعالى فوق كل شيء هذا كله لفظه في المقالات
وقال أبو الحسن الأشعري رحمه الله أيضا في كتاب الموجز وإن قالوا أفتزعمون أن الله في السماء قيل له قد نقول إن الله عال فوق العرش مستو عليه والعرش فوق السماء ولا نصفه بالدخول في الأمكنة ولا المباينة لها
وأما قوله تعالى وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله فإن معناه

أنه إله أهل الأرض وإله أهل السماء
وقد جاءت الأخبار أن الله تبارك وتعالى ينزل إلى سماء الدنيا كل ليلة فكيف يكون فيها وهو ينزل إليها
كما جاءت الأخبار عن رسول الله أن الله تبارك وتعالى ينزل إلى سماء الدنيا
فهذا الذي استقر عليه مذهب أبي الحسن في كل كتبه كالموجز والمقالات والمسائل ورسالته إلى أهل الثغر والإبانة أن الله فوق عرشه مستو عليه ولا يطلق عليه لفظ المباينة لأنها عنده من لوازم الجسم والله تعالى منزه عن الجسمية
فظن بعض أتباعه أن نفيه للمباينة نفي للعلو والاستواء بطريق اللزوم فنسبه إليه وقال عليه ما هو قائل بخلافه وهذا بين لكل منصف تأمل كلامه وطالع كتبه
وفي كتاب السنة لعبد الله بن أحمد من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال تفكروا في كل شيء ولا تفكروا في ذات الله فإن بين السموات السبع إلى كرسيه سبعة آلاف نور وهو فوق ذلك

وفي مسند الحسن بن سفيان من حديث ابن أبي مليكة عن ذكوان قال استأذن ابن عباس على عائشة فقالت لا حاجة لي بتزكيته فقال عبد الرحمن بن أبي بكر يا أختاه إن ابن عباس من صالحي بنيك جاء يعودك قالت فائذن له فدخل عليها فقال يا أماه أبشري فوالله ما بينك وبين أن تلقي محمدا والأحبة إلا أن يفارق روحك جسدك كنت أحب نساء النبي إليه ولم يكن رسول الله يحب إلا طيبا
قالت وأيضا قال هلكت قلادتك بالأبواء فأصبح رسول الله يلتقطها فلم يجدوا ماء فأنزل الله عز و جل فتيمموا صعيدا طيبا وكان ذلك بسببك وبركتك فأنزل الله تعالى لهذه الأمة من الرخص في التيمم
وكان من أمر مسطح ما كان فأنزل الله تعالى براءتك من فوق سبع سموات فليس مسجد يذكر الله فية إلا وبراءتك تتلى فيه آناء الليل وأطراف النهار
وقال أبو عمر بن عبد البر روينا من وجوه صحاح أن عبد الله بن رواحة مشي ليلة إلى أمة له فنالها
فرأته امرأته فلامته فجحدها فقالت إن كنت صادقا فاقرأ القرآن فإن الجنب لا يقرأ القرآن فقال شهدت بأن وعد الله حق وأن النار مثوى الكافرين وأن العرش فوق الماء طاف وفوق العرش رب العالمين فقالت امرأته آمنت بالله وكذبت عيني وكانت لا تحفظ القرآن

وفي تاريخ البخاري حدثنا محمد بن فضيل عن فضيل بن غزوان عن نافع عن ابن عمر قال لما قبض رسول الله دخل أبو بكر فأكب عليه وقبل جبهته وقال بأبي أنت وأمي طبت حيا وميتا وقال من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن اللهفي السماء حي لا يموت وفي مغازي الأموي عن البكائي عن ابن إسحاق حدثني يزيد بن سنان عن سعيد بن الأجرد عن العرس بن قيس الكندي عن عدي بن عميرة قال خرجت مهاجرا إلى النبي فذكر حديثا طويلا وفيه فإذا هو ومن معه يسجدون على وجوههم ويزعمون أن إلههم في السماء فأسلمت وتبعته
وفي مسند أحمد عن يزيد بن هارون حدثنا المسعودي عن عون بن عبد الله عن أخيه عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة أن رجلا أتى النبي بجارية سوداء أعجمية
فقال يا رسول الله إن على رقبة مؤمنة
فقال لها رسول الله أين الله فأشارت بأصبعها إلى السماء
فقال لها من أنا فأشارت بأصبعها إلى رسول الله وإلى السماء
تعني أنت رسول الله
فقال أعتقها

وهذه غير قصة معاوية بن الحكم التي في صحيح مسلم
فقد شهد رسول الله بالإيمان لمن شهد أن الله في السماء وشهد عليه الجهمية بالكفر
وقال أحمد في مسنده حدثنا حسين بن محمد حدثنا ابن أبي ذئب عن محمد بن عمرو بن عطاء عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال إن الميت تحضره الملائكة فإذا كان الرجل الصالح قالوا اخرجي أيتها النفس المطمئنة اخرجي حميدة وابشري بروح وريحان ورب غير غضبان
فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج ثم يعرج إلى السماء فيستفتح لها فيقال من هذا فيقال فلان بأحب أسمائه
فيقولون مرحبا بالنفس الطيبة
كانت في الجسد الطيب ادخلي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان فلا يزال يقال لها ذلك حتى تنتهي إلى السماء التي فيها الله وذكر الحديث وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها
وفي مسند الحارث بن أبي أسامة من حديث عبد الرحمن بن نسى عن عبادة ابن تميم عن معاذ بن جبل يرفعه إن الله ليكره في السماء أن يخطأ أبو بكر في الأرض
ولا تعارض بين هذا وبين تخطئة النبي له في بعض تعبيره الرؤيا لوجهين أحدهما أن الله يكره تخطئة غيره من آحاد الأمة له لا تخطئة الرسول له في أمر ما
فإن الصواب والحق مع الرسول قطعا بخلاف غيره من الأمة
فإنه إذا خطأ الصديق لم يتحقق أن الصواب معه بل ما تنازع الصديق وغيره في أمر إلا كان الصواب مع الصديق
الثاني أن التخطئة هنا مرة منسوبة إلى الخطأ الذي هو الإثم دون الخطأ الذي هو ضد التعمد والله أعلم
وروى شعبة عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس يرفعه إن العبد ليشرف على حاجة من حاجات الدنيا فيذكره الله من فوق سبع سموات فيقول ملائكتي إن عبدي هذا قد أشرف على حاجة من حاجات الدنيا فإن فتحتها له فتحت له بابا من أبواب النار ولكن ازووها عنه فيصبح العبد عاضا على أنامله يقول من دهاني من سبني وما هي إلا رحمة رحمه الله بها ذكره أبو نعيم

وفي التعقبات من حديث جابر بن سليم أبي جرى قال ركبت قعودا لي فأتيت المدينة فأنخت بباب المسجد فذكر حديثا طويلا وفيه فقال رجل يا رسول الله ذكرت إسبال الإزار فقد يكون بالرجل العرج أو الشيء فيستخفى منه
قال لا بأس إلى نصف الساق أو إلى الكعبين إن رجلا ممن كان قبلكم لبس بردين فتبختر فيهما فنظر إليه الرب من فوق عرشه فمقته فأمر الأرض فأخذتة فهو يتجلجل في الأرض فاحذروا وقائع الله
وقال ابن شيبة حدثنا عبدة بن سليمان عن أبي جناد عن حبيب بن أبي ثابت أن حسان بن ثابت أنشد النبي شهدت بإذن الله أن محمدا رسول الذي فوق السموات من عل وأن أبا يحيى ويحيى كلاهما له عمل في دينه متقبل وأن أخا الأحقاف إذ قام فيهم يقول بذات الله فيهم ويعدل وفي حديث الشفاعة الطويل من رواية زائدة بن أبي الرقاد عن زياد النميري عن أنس عن النبي فذكر الحديث وفيه فأدخل على ربي عز و جل وهو على عرشه
وفي لفظ للبخاري فأستأذن على ربي في داره
وفي لفظ آخر فآتي تحت العرش فأخر ساجدا لربي
وفي حديث عبد الله بن أنيس الذي رحل إليه جابر شهرا حتى سمعه منه في القصاص ثم يناديهم الله تعالى وهو قائم على عرشه وذكر الحديث واستشهد البخاري ببعضه
وفي سنن ابن ماجه ومسند أحمد من حديث الفضل الرقاشي عن محمد بن المنكدر عن جابر قال قال رسول الله بينا أهل الجنة في نعيمهم إذا سطع لهم نور فرفعوا رؤوسهم فإذا الرب تبارك وتعالى قد أشرف عليهم من فوقهم فقال السلام عليكم يا أهل الجنة قال وذلك قوله سلام قولا من رب رحيم قال فينظر إليهم وينظرون إليه فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم ويبقى نوره وبركته عليهم في ديارهم
وروى الوليد بن القاسم عن يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة عن النبي قال ما قال عبد لا إله إلا الله مخلصا إلا صعدت لا يردها حجاب فإذا وصلت إلى الله نظر إلى قائلها وحق على الله أن لا ينظر إلى موحد إلا رحمه
وفي مسند الحسن بن سفيان من حديث أبي جعفر الرازي عن عاصم بن بهدلة عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله لما ألقي إبراهيم عليه السلام في النار قال اللهم أنت واحد في السماء وأنا في الأرض واحد عبدك
ولما أنشد النبي شعر أمية بن أبي الصلت مجدوا الله فهو للمجد أهل ربنا في السماء أمسى كبيرا

بالبناء الأعلى الذي سبق الخل ق وسوى فوق السماء سريرا شرجع ما يناله بصر الع ين ترى دونه الملائك صورا قال النبي آمن شعره وكفر قلبه
وروى عاصم عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود قال ما بين السماء القصوى وبين الكرسي إلى قوله والله فوق ذلك وقد تقدم
وقال إسحاق بن راهوية حدثنا بن حكيم حدثني أبان عن أبيه عن عكرمة في قوله تعالى ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم قال لم يستطع أن يقول من فوقهم علم أن الله من فوقهم
وقال علي بن الأقمر كان مسروق إذا حدث عن عائشة قال حدثتني الصديقة بنت الصديق حبيب حبيب الله المبرأة من فوق سبع سموات
وقال سلمة بن شبيب حدثنا إبراهيم بن حكيم حدثني أبي عن عكرمة قال بينما رجل مستلق على مثلته في الجنة فقال في نفسه لم يحرك شفتيه لو أن الله يأذن لي لزرعت في الجنة
فلم يعلم إلا والملائكة على أبواب الجنة قابضين على أكفهم
فيقولون سلام عليك فاستوى فقالوا له يقول لك ربك تمنيت شيئا في نفسك فقد علمته
وقد بعث معنا هذا البذور يقول ابذر
فألقى يمينا وشمالا وبين يديه وخلفه
فخرج أمثال الجبال على ما كان تمنى وأراد
فقال له الرب سبحانه وتعالى من فوق عرشه كل يا ابن آدم فإن ابن آدم لا يشبع
وأصله في صحيح البخاري
وفي تفسير سنيد شيخ البخاري عن مقاتل بن حيان عن الضحاك في قوله تعالى ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم قال هو على عرشه وعلمه معهم أينما كانوا
وفي تاريخ ابن أبي خيثمة حدثنا هارون بن معروف حدثنا ضمرة عن صدقة التيمي قال سمعت سليمان التيمي يقول لو سئلت أين الله لقلت في السماء
وقال حنبل قلت لأبي عبد الله ما معنى قوله وهو معهم قال هو رابعهم عالم الغيب والشهادة علمه محيط بكل شيء يعلم الغيب وهو على العرش
وقال يوسف بن موسى قيل لأبي عبد الله أحمد بن حنبل الله فوق السماء السابعة على عرشه بائن من خلقه وقدرته وعلمه بكل مكان قال نعم الله على العرش وعلمه لا يخلو منه مكان
وقال الأثرم حدثني محمد بن إبراهيم القيسي قلت لأحمد بن حنبل يحكى عن ابن المبارك أنه قيل له كيف نعرف ربنا قال في السماء السابعة على عرشك
قال أحمد هكذا هو عندنا
وذكر أبو عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتاب السنة عن الإمام أبي عبد الله الشافعي قدس الله

روحه ورضي عنه
قال السنة التي أنا عليها ورأيت أصحابنا أهل الحديث الذين رأيتهم عليها فأحلف عنهم مثل سفيان ومالك وغيرهما الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن الله على عرشه في سمائه يقرب من خلقه كيف يشاء وأن الله ينزل إلى سماء الدنيا كيف يشاء وذكر كلاما طويلا وقال عبد الرحمن أيضا سألت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين وما أدركا السلف عليه وما يعتقدون من ذلك فقالا أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازا وعراقا ومصرا وشاما ويمنا
فكان مذهبهم أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص والقرآن كلام الله غير مخلوق بجميع جهاته والقدر خيره وشره من الله وأن الله تعالى على عرشه بائن من خلقه كما وصف نفسه في كتابه وعلى لسانه ورسوله بلا كيف أحاط بكل شيء علما و ليس كمثله شيء وهو السميع البصير
وقال أبو القاسم الطبري في كتاب شرح السنة له وجدت في كتاب أبي حاتم الرازي مذهبنا واختيارنا اتباع رسول الله وأصحابه والتابعين من بعدهم والتمسك بمذاهب أهل الأثر مثل أبي عبد الله أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية وأبي عبيد القاسم بن سلام والشافعي رحمهم الله ولزوم الكتاب والسنة
ونعتقد أن الله عز و جل على عرشه بائن من خلق ليس كمثله شيء وهو السميع البصير
وفي كتاب الإبانة لأبي الحسن الأشعري رحمه الله الذي ذكره أبو القاسم بن عساكر وعده من كتبه وحكى كلامه فيه مبينا عقيدته والذب عنه قال ذكر الاستواء على العرش إن قال قائل ما تقولون في الاستواء قال نقول له إن الله مستو على عرشه كما قال الرحمن على العرش استوى وقال إليه يصعد الكلم الطيب وقال يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه وقال حكاية عن فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب
أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا كذب فرعون موسى في قوله إن الله عز و جل فوق السموات وقال الله أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فالسموات فوقها العرش
فلما كان العرش فوق السموات وكل ما علا فهو سماء والعرش أعلى السموات
وليس إذا قال أأمنتم من في السماء أنه يعني جميع السموات وإنما أراد العرش الذي هو أعلى السموات
ألا ترى أن الله عز و جل ذكر السموات فقال وجعل القمر فهن نورا ولم يرد أن القمر يملؤهن جميعا
ورأينا المسلمين جميعا يرفعون أيديهم إذا دعوا نحو السماء لأن الله تعالى مستو على العرش الذي هو فوق السموات فلولا أن الله عز و جل على العرش لم يرفعوا أيديهم نحو العرش كما لا يحطونها إذا دعوا نحو الأرض
ثم قال

فصل وقد قال قائلون من المعتزله والجهمية والحرورية
إن معنى قوله الرحمن على العرش استوى أنه استولى وملك وقهر وأن الله

في كل مكان وجحدوا أن يكون الله على عرشه كما قال أهل الحق
وذهبوا في الاستواء إلى القدرة
ولو كان هذا كما قالوا لكان لا فرق بين العرش والأرض السابعة لأن الله قادر على كل شيء
والأرض فالله قادر عليها وعلى الحشوش وعلى كل ما في العالم فالله تعالى لو كان مستويا على العرش بمعنى الاستيلاء فهو علا وعز مستو على الأشياء كلها على العرش وعلى الأرض وعلى السماء وعلى الحشوش وعلى الأقذار تعالى الله لأنه قادر على الأشياء كلها مستول عليها وإذا كان قادرا على الأشياء كلها ولم يجز عند أحد من المسلمين أن الله مستو على الحشوش والأخلية لم يجز أن يكون الاستواء على العرش الاستيلاء الذي هو عام في الأشياء كلها
ووجب أن يكون معنى الاستواء على العرش معنى يختص العرش دون الأشياء كلها
ثم ذكر دلالات القرآن والحديث والعقل والإجماع
وقال القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الأشعري في كتاب الإبانة له أيضا فإن قال قائل أتقولون إنه في كل مكان
قيل له معاذ الله بل هو مستو على عرشه كما أخبر في كتابه فقال الرحمن على العرش استوى وقال إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه وقال أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض
قال ولو كان في كل مكان لكان في بطن الإنسان وفمه والحشوش والمواضع التي يرغب عن ذكرها ولوجب أن يزيد بزيادة الأمكنة إذا خلق منها مالم يكن وينقص بنقصانها إذا بطل منها ما كان ويصح أن نرغب إلى الله نحو الأرض وإلى خلفنا وإلى يميننا وإلى شمالنا
وهذا قد أجمع المسلمون على خلافه
وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في عقيدته طريقتنا طريقة المتبعين لكتاب الله ولسنة رسول الله
وإجماع الأمة فيما اعتقدوه أن الأحاديث التي ثبتت عن رسول الله في العرش واستواء الله تعالى يقولون بها ويثبتونها من غير تكييف ولا تمثيل ولا تشبيه ولا تعطيل وأن الله بائن من خلقه والخلق بائنون منه وليس هو حال فيهم ولا ممتزج فيهم
وهو مستو على عرشه في سمائه دون أرضه وخلقه
وقد تقدم حكاية كلام أبي عمر بن عبد البر في كتاب الاستذكار
وقال في التمهيد لما ذكر حديث النزول
هذا حديث ثابت النقل من جهة الإسناد ولم يختلف

أهل الحديث في صحته وفيه دليل على أن الله في السماء على العرش من فوق سبع سموات
كما قال الجماعة
وهو من حجتهم على المعتزلة في قولهم إن الله بكل مكان
ثم ذكر الاحتجاج لقول الجماعة وأطال
وفي كتاب السنة لعبد الرحمن بن أبي حاتم عن سعيد بن عامر الضبعي إمام أهل البصرة علما ودينا من شيوخ الإمام أحمد أنه ذكر عنده الجهمية فقال هم شر قولا من اليهود والنصارى قد أجمع اليهود والنصارى مع المسلمين أن الله على العرش
وقالوا هم ليس على العرش شيء
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم أيضا في كتاب الرد على الجهمية قال عبد الرحمن ابن مهدي أصحاب جهم يعتقدون أن الله لم يكلم موسى ويريدون أن يقولوا ليس في السماء شيء وأن الله ليس على العرش
أرى أن يستتابوا
فإن تابوا وإلا قتلوا
وحكي عن عاصم بن علي شيخ الإمام أحمد والبخاري قال ناظرت جهميا فتبين من كلامه أنه لا يؤمن أن في السماء ربا
ذكر الشيخ ابن القيم رحمه الله الأحاديث في الرؤية إلى حديث وضع الأصبع ثم قال قد أخرجاه في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه و سلم قال جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم تبارك وتعالى إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن

وفي صحيح مسلم عن صهيب عن النبي صلى الله عليه و سلم قال إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى تريدون شيئا أزيدكم فيقولون ألم تبيض وجوهنا ألم تدخلنا الجنة وتنجينا من النار قال فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز و جل
ثم تلا هذه الآية للذين أحسنوا الحسنى وزيادة
وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن ناسا قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم هل تضارون في القمر ليلة البدر قالوا لا يا رسول الله قال هل تضارون في الشمس ليس دونها حجاب قالوا لا يا رسول الله
قال فإنكم ترونه كذلك
وفي الصحيحين مثله من حديث أبي سعيد
وقد روى الترمذي في جامعه من حديث إسرائيل عن ثوير قال سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جناته وأزواجه وخدمة وسرره مسيرة ألف سنة وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشيه ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة وقال هذا حديث حسن غريب وقد روى غير واحد مثل هذا عن إسرائيل مرفوعا
وروى عبد الملك بن أبجر عن ثوير عن ابن عمر قوله ولم يرفعه
وروى عبد الله الأشجعي عن سفيان عن ثوير عن مجاهد عن ابن عمر من قوله لم يرفعه
وقد روى أحاديث الرؤية عن النبي صلى الله عليه و سلم جماعة من أصحابه منهم جرير بن عبد الله وأبو رزين العقيلي وأبو هريرة وأبو سعيد وصهيب وجابر وأبو موسى وعبد الله بن مسعود وابن عباس وابن عمر وأنس بن مالك وعدي بن حاتم وعمار بن ياسر وعمرو بن ثابت الأنصاري وابن عمر رضي الله عنهم
وروى إسرائيل عن أبي إسحاق عن عامر بن سعد عن أبي بكر الصديق في قول الله عز و جل للذين أحسنوا الحسنى وزيادة قال الزيادة النظر

إلى الله عز و جل ورواه أبو إسحاق عن مسلم بن يزيد عن حذيفة
قال الحاكم أبو عبد الله وتفسير الصحابي عندنا مرفوع
وقال الإمام أحمد في رواية الفضل بن زياد قال سمعته وبلغه عن رجل أنه قال إن الله لا يرى في الآخرة فغضب غضبا شديدا ثم قال من قال إن الله لا يرى في الآخرة فقد كفر فعليه لعنة الله وغضبه من كان من الناس أليس الله عز و جل يقول وجوه يومئذ ناظرة إلى ربها ناضرة وقال كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون فهذا دليل على أن المؤمنين يرون الله
وقال حنبل بن إسحاق سمعت أبا عبد الله يقول قالت الجهمية إن الله لا يرى في الآخرة وقال الله عز و جل كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون فلا يكون هذا إلا إن الله عز و جل يرى وقال وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة فهذا النظر إلى الله والأحاديث التي رويت عن النبي صلى الله عليه و سلم إنكم ترون ربكم صحيحة وأسانيدها غير مدفوعة والقرآن شاهد أن الله يرى في الآخرة
وقال أبو داود سمعت أحمد بن حنبل وقد ذكر عنده شيء في الرؤية فغضب وقال من قال إن الله لايرى فهو كافر

وقال عباس الدوري سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام يقول وذكر عنده هذه الأحاديث في الرؤية فقال هذه عندنا حق نقلها الناس بعضهم عن بعض
وقال عبد الله بن وهب قال مالك بن أنس الناس ينظرون إلى الله يوم القيامة بأعينهم
وقال المزني سمعت ابن هرم القرشي يقول سمعت الشافعي يقول في قول الله عز و جل كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون قال فلما حجبهم في السخط كان في هذا دليل على أنهم يرونه في الرضا قال فقال له أبو النجم القزويني يا أبا إبراهيم به تقول قال نعم وبه أدين الله فقام إليه عصام فقبل رأسه وقال يا سيد الشافعيين اليوم بيضت وجوهنا

ذكره الحاكم في مناقب الشافعي
قال الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله وفي لفظ لمسلم فيه ينزل الله عز و جل إلى سماء الدنيا كل ليلة حتى يمضي ثلث الليل الأول فيقول أنا الملك وأنا الملك من ذا الذي يدعوني فأستجيب له من ذا الذي يسألني فأعطيه من ذا الذي يستغفرني فأغفر له فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر
وفي لفظ آخر لمسلم إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه ينزل الله تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا فيقول هل من سائل يعطي هل من داع فيستجاب له هل من مستغفر فيغفر له حتى ينفجر الصبح

وفي لفظ آخر لمسلم من يدعوني فأستجيب له أو يسألني فأعطيه ثم يقول من يقرض غير عديم ولا ظلوم
وفي لفظ آخر له ثم يبسط يديه تبارك وتعالى من يقرض غير عديم ولا ظلوم
وفي صحيح مسلم أيضا عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الله تعالى يمهل حتى إذا ذهب ثلث الليل الأول نزل إلى سماء الدنيا فيقول
هل من مستغفر
هل من تائب
هل من سائل هل من داع
حتى ينفجر الفجر
ورواه الترمذي ثم قال وفي الباب عن علي وأبي سعيد ورفاعة الجهني وجبير بن مطعم وابن مسعود وأبي الدرداء وعثمان بن أبي العاص وحديث أبي هريرة حديث حسن صحيح
وقد روي هذا الحديث من أوجه كثيرة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم
وروي عنه أنه قال ينزل الله عز و جل حين يبقى ثلث الليل الآخر وهو أصح الروايات هذا آخر كلامه

وفي الباب عن عبادة بن الصامت
قال عباد بن العوام قدم علينا شريك واسط فقلنا له إن عندنا قوم ينكرون هذه الأحاديث إن الله عز و جل ينزل إلى سماء الدنيا فقال شريك إنما جاءنا بهذه الأحاديث من جاءنا بالسنن عن رسول الله صلى الله عليه و سلم الصلاة والصيام والزكاة والحج وإنما عرفنا الله عز و جل بهذه الأحاديث
قال الشافعي في رواية الربيع وليس ينبغي في سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا اتباعها بفرض الله عز و جل والمسألة بكيف في شيء قد ثبتت فيه السنة مما لا يسع عالما
وقال مطرف سمعت مالكا يقول إذا ذكر عنده الزائغون في الدين قال عمر بن عبد العزيز سن رسول الله صلى الله عليه و سلم وولاة الأمور بعده سننا الأخذ بها اتباع لكتاب الله واستكمال لطاعة الله وقوة على دين الله ليس لأحد من الخلق تغييرها ولا تبديلها ولا النظر في شيء خالفها من اهتدى بها فهو مهتد ومن استنصر بها فهو منصور ومن تركها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرا
وقال إسحاق بن منصور قلت لأحمد بن حنبل ينزل ربنا كل ليلة حتى يبقى ثلث الليل الآخر إلى سماء الدنيا أليس تقول بهذه الأحاديث
ويرى أهل الجنة ربهم ولا تقبحوا الوجه واشتكت النار إلى ربها وأن موسى لطم عين ملك الموت
فقال أحمد هذا كله صحيح

قال إسحاق ولا يدعه إلا مبتدع أو ضعيف الرأي
فإن قيل فكيف تصنعون فيما رواه النسائي أخبرني إبراهيم بن يعقوب حدثني عمر بن حفص بن غياث حدثنا الأعمش حدثنا أبي حدثنا أبو إسحاق حدثنا مسلم الأغر قال سمعت أبا هريرة وأبا سعيد الخدري رضي الله عنهما يقولان قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الله يمهل حتى يمضي شطر الليل الأول ثم يأمر مناديا ينادي ويقول هل من داع يستجاب له هل من مستغفر يغفر له هل من سائل يعطى وهذا الإسناد ثقات كلهم
قلنا وأي منافاة بين قوله ينزل ربنا فيقول وهل يسوغ أن يقال إن المنادى يقول أنا الملك ويقول لا أسأل عن عبادي غيري ويقول من يستغفرني فأغفر له وأي بعد في أن يأمر مناديا ينادي هل من سائل فيستجاب له ثم يقول هو سبحانه من يسألني فأستجيب له وهل هذا إلا أبلغ في الكرم والأحسان أن يأمر مناديه يقول ذلك ويقوله سبحانه بنفسه وتتصادق الروايات كلها عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا نصدق بعضها ونكذب ما هو أصح منه وبالله تعالى التوفيق

قال الشيخ ابن القيم رحمه الله ورواه البخاري والترمذي أيضا من حديث الحميدي عن سفيان عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان فاذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم
قالوا ماذا قال ربكم
قالوا للذي قال الحق وهو العلي الكبير فسمعها مسترقوا السمع ومسترقوا السمع هكذا بعضهم فوق بعض وذكر الحديث
وقد رواه أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم بن صبيح عن عبد الله من قوله إن الله إذا تكلم بالوحي سمع أهل السماء صلصلة كجر السلسلة على الصفافيصعقون فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل فإذا جاءهم جبريل فزع عن قلوبهم قال فيقولون يا جبريل ماذا قال ربك فيقول الحق قال فينادون الحق الحق
وقد روى هذا مرفوعا وليس فيه سمع أهل السماء للسماء وهو الحديث الذي ذكره أبو داود
وروى البيهقي من حديث نعيم بن حماد حدثنا الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن يزيد بن جابر عن أبي زكريا عن رجاء بن حيوة عن النواس بن سمعان قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أراد الله أن يوحى بأمره تكلم بالوحي وإذا تكلم بالوحي أخذت السموات رجفة أو قال رعدة شديدة خوفا من الله عز و جل فإذا سمع بذلك أهل السموات صعقوا وخروا لله سجدا فيكون أول من يرفع رأسه جبريل فيكلمه الله من وحيه بما أراد فيمضي جبريل على الملائكة كلما مر بسماء سأله ملائكتها ماذا قال ربنا يا جبريل فيقول جبريل قال الحق وهو العلي الكبير قال فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل فينتهي جبريل بالوحي حيت أمره الله سبحانه من السماء والأرض

وقال أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن أبي صالح عن العلاء بن الحارث عن زيد بن أرطاة عن جبير بن نفير عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إنكم لن ترجعوا إلى الله بشيء أفضل مما خرج منه يعني القرآن قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد وقد رواه عبد الله بن صالح حدثني معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث عن زيد بن أرطاة عن جبير بن نفير عن عقبة ابن عامر عن النبي صلى الله عليه و سلم
قال البيهقي يحتمل أن يكون جبير بن نفير رواه عنهما جميعا
وروى علقمة بن مرثد عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم خيركم من تعلم القرآن وعلمه وفضل على سائر الكلام كفضل الله على خلقه وذلك أنه منه رواه البيهقي من طريقين
أحدهما من حديث الحماني عن إسحاق بن سليمان الرازي حدثنا الجراح عن علقمة
والثاني من حديث يعلى بن المنهال السكوني عن إسحاق بن سليمان به

والجراح هو الجراح بن الضحاك الكندي
ورواه يحيى بن أبي طالب عن إسحاق بن سليمان
فجعل آخره من قول أبي عبد الرحمن مبينا وتابعه على ذلك غيره
وقد روى عمرو بن قيس عن عطية عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من شغله قراءة القرآن عن ذكري ومسألتي أعطيته أفضل ثواب السائلين وفضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه
وقد روى هذا المعنى وهو فضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه من حديث أبي هريرة ولكن في إسناده عمر الأبح وقد ضعف

قال الشيخ ابن القيم رحمه الله ورواه أبو حاتم بن حبان في صحيحه من حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي
وقد وردت أحاديث الشفاعة عن النبي صلى الله عليه و سلم من حديث أنس وأبي سعيد وجابر وأبي هريرة

وعوف بن مالك الأشجعي وأبي ذر وابن الجدعاء ويقال ابن أبي الجدعاء وعتبة بن عبد السلمي وعمران بن حصين وحذيفة وكلها في الصحيح
ففي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لكل نبي دعوة دعاها لأمته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة
وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا ولفظه لمسلم ورواه مسلم من حديث جابر بنحوه
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال قلت
يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة قال لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أولى منك لما رأيت من حرصك على الحديث أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله من قبل نفسه

وفي صحيح البخاري عن أنس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إذا كان يوم القيامة شفعت فقلت
يا رب أدخل الجنة من في قلبه خردلة فيدخلون ثم أقول يا رب أدخل الجنة من في قلبه أدنى شيء قال أنس كأني أنظر إلى أصابع رسول الله صلى الله عليه و سلم وفي صحيح البخاري عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه و سلم قال يخرج قوم من النار بشفاعة محمد صلى الله عليه و سلم
فيدخلون الجنة ويسمون الجهنميين
وفي الصحيحين عن حماد بن زيد قال قلت لعمرو بن دينار أسمعت جابر بن عبد الله يحدث بحديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الله يخرج قوما من النار بالشفاعة قال نعم
وفي الصحيحين عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يجمع الله الناس يوم القيامة فيهتمون لذلك فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا فذكر الحديث وفيه ثم أشفع فيحد لي حدا
فأخرجهم من النار وأدخلوهم الجنة
ثم أعود فأقع ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقال لي ارفع رأسك يا محمد قل تسمع وسل تعطه واشفع تشفع
فارفع رأسي فأحمد ربي بتحميد يعلمنيه ثم أشفع فيحد لي حدا
فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة وذكر باقي الحديث
وفي الصحيحين أيضا من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض
فيأتون آدم وذكر الحديث وقال فأقول يا رب أمتي أمتي فقال انطلق فمن كان في قلبه مثقال حبة من برة أو شعيرة من إيمان فأخرجه منها فأنطلق فافعل ثم أرجع إلى ربي فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فيقال لي يا

محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع
فأقول يا رب أمتي أمتي فيقال لي انطلق فمن كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه منها فأنطلق فأفعل ثم أعود إلى ربي فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فيقال لي يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع
فأقول يا رب أمتي أمتي فيقال لي إنطلق فمن كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه من النار فأنطلق فأفعل ثم أرجع إلى ربي في الرابعة فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فيقال لي يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك سل تعطه واشفع تشفع فأقول يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله قال ليس ذلك لك ولكن وعزتي وجلالي وعظمتي وكبريائي لأخرجن من قال لا إله إلا الله
وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم يوما بلحم فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه فذكر الحديث إلى أن قال فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدا لربي
ثم يفتح الله علي ويلهمني من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه لأحد قبلي
ثم قال يا محمد ارفع رأسك سل تعطه اشفع تشفع فأرفع رأسي
فأقول يا رب أمتي أمتي
فيقال يا محمد أدخل الجنة من أمتك من لاحساب عليه من باب الأيمن من أبواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب
وفي صحيح مسلم عن حذيفة وأبي هريرة قالا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يجمع الله تبارك وتعالى الناس فيقوم المؤمنون حتى تزدلف لهم الجنة فيأتون آدم فيقولون يا أبانا استفتح لنا الجنة
فيقول وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم آدم
لست بصاحب ذلك فذكر الحديث إلى أن قال فيأتون محمدا صلى الله عليه و سلم فيقوم فيؤذن له ويرسل الأمانة والرحم الحديث

وفي صحيح مسلم عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أنا أول الناس يشفع في الجنة الحديث
وفي الصحيحين عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ذكر عنده عمه أبو طالب فقال لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه وفي الصحيحين عن العباس بن عبد المطلب أنه قال يا رسول الله هل نفعت أبا طالب يشيء فإنه كان يحوطك ويغب لك قال نعم هو في ضحضاح من نار ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار
فقد تضمنت هذه الأحاديث خمسة أنواع من الشفاعة
أحدها الشفاعة العامة التي يرغب فيها الناس إلى الأنبياء نبيا بعد نبي حتى يريحهم الله من مقامهم
النوع الثاني الشفاعة في فتح الجنة لأهلها
النوع الثالث الشفاعة في دخول من لاحساب عليهم الجنة
النوع الرابع الشفاعة في إخراج قوم من أهل التوحيد من النار
النوع الخامس في تخفيف العذاب عن بعض أهل النار
ويبقى نوعان يذكرهما كثير من الناس
أحدهما في قوم استوجبوا النار فيشفع فيهم أن لا يدخلوها
وهذا النوع لم أقف إلى الآن على حديث يدل عليه

وأكثر الأحاديث صريحة في أن الشفاعة في أهل التوحيد من أرباب الكبائر إنما تكون بعد دخولهم النار وأما أن يشفع فيهم قبل الدخول فلا يدخلون
فلم أظفر فيه بنص
والنوع الثاني شفاعته صلى الله عليه و سلم لقوم من المؤمنين في زيادة الثواب ورفعة الدرجات
وهذا قد يستدل عليه بدعاء النبي صلى الله عليه و سلم لأبي سلمة وقوله اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين
وقوله في حديث أبي موسى اللهم اغفر لعبيد أبي عامر واجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك
وفي قوله في حديث أبي هريرة أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله سر من أسرار التوحيد
وهو أن الشفاعة إنما تنال بتجريد التوحيد فمن كان أكمل توحيدا كان أحرى بالشفاعة
لا أنها تنال بالشرك بالشفيع
كما عليه أكثر المشركين وبالله التوفيق
قال الشيخ ابن القيم رحمه الله وقد روى أحاديث الحوض أربعون من الصحابة وكثير منها وأكثرها في الصحيح عمر بن الخطاب وأنس وجابر بن عبد الله وجابر بن سمرة وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وعقبة بن عامر وكعب بن عجرة وحارثة ابن رهب الخزاعي والمستورد بن شداد وأبو برزة الأسلمي

وحذيفة بن اليمان وحذيفة ابن أسيد وأبو أمامة الباهلي وزيد بن أرقم وزيد بن ثابت و وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن زيد وسهل بن سعد وسويد بن جبلة وأبو سعيد الخدري و وعبد الله الصنابجي وأبو هريرة وأبو الدرداء وأبو بكرة والبراء بن عازب وسمرة بن جندب وعبد الله بن عمرو وأبو ذر وثوبان وأبي بن كعب ومعاذ ابن جبل وسمرة العدوى وجندب بن سفيان وعائشة وأم سلمة وأسماء بنت أبي بكر وخولة بنت قيس والعرباض بن سارية ولقيط بن صبرة وعتبة بن عبد السلمي ورواه غيرهم أيضا
وهل الحوض مختص بنبينا صلى الله عليه و سلم
أم لكل نبي حوض
فالحوض الأعظم مختص به لا يشركه فيه نبي غيره
وأما سائر الأنبياء فقد قال الترمذي في الجامع حدثنا أحمد بن محمد بن نيزك البغدادي حدثنا محمد بن بكار الدمشقي حدثنا سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن لكل نبي حوضا وإنهم يتباهون أيهم أكثر واردة وإني لأرجوا أن أكون أكثرهم واردة وقال الترمذي هذا حديث غريب وقد روى الأشعث بن عبد الملك هذا الحديث عن الحسن عن النبي صلى الله عليه و سلم مرسلا ولم يذكر فيه عن سمرة وهو أصح
وفي مسند البزار من حديث وعبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن لي حوضا ما بين بيت المقدس إلى الكعبة أبيض من اللبن
فيه عدد الكواكب آنية
وأنا فرطكم على الحوض ولكل نبي حوض وكل نبي يدعو أمته فمنهم من يرد عليه فئام من الناس ومنهم من يرد عليه ما هو دون ذلك ومنهم من يرد عليه العصابة ومنهم من يرد عليه الرجلان والرجل ومنهم من لا يرد عليه أحد فيقول اللهم قد بلغت اللهم قد بلغت ثلاثا وذكر الحديث

قال الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله وقال أبو حاتم البستي خبر الأعمش عن المنهال بن عمرو عن زاذان عن البراء سمعه الأعمش عن الحسن بن عمارة عن المنهال بن عمرو وزاذان لم يسمع من البراء فلذلك لم أخرجه
فذكر له علتين انقطاعه بين زاذان والبراء ودخول الحسن بن عمارة بين الأعمش والمنهال
وقال أبو محمد بن حزم ولم يرو أحد في عذاب القبر أن الروح ترد إلى الجسد إلا المنهال بن عمرو وليس بالقوي وقد قال تعالى وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم فصح أنهما حياتان وموتتان فقط ولا ترد الروح إلا لمن كان ذلك آية له كمن أحياه عيسى عليه السلام
وكل من جاء فيه نص بذلك
ولم أعلم أحدا طعن في هذا الحديث إلا أبا حاتم البستي وابن حزم ومجموع ما ذكراه ثلاث إحداها ضعف المنهال والثانية أن الأعمش لم يسمعه من المنهال

والثالثة أن زاذان لم يسمعه من البراء
وهذه علل واهية جدا
فأما المنهال بن عمرو فروى له البخاري في صحيحه وقال يحيى بن معين والنسائي المنهال ثقة
وقال الدارقطني صدوق وذكره ابن حبان في الثقات
والذي اعتمده أبو محمد بن حزم في تضعيفه أن ابن أبي حاتم حكى عن شعبة أنه تركه وحكاه أحمد عن شعبة
وهذا لو لم نذكر سبب تركه لم يكن موجبا لتضعيفه لأن مجرد ترك شعبة له لا يدل على ضعفه
فكيف وقد قال ابن أبي حاتم إنما تركه شعبة لأنه سمع في داره صوت قراءة بالتطريب
وروى عن شعبة قال أتيت منزل المنهال
فسمعت صوت الطبور فرجعت فهذا سبب جرحه
ومعلوم أن شيئا من هذا لا يقدح في روايته
لأن غايته أن يكون عالما به مختارا له ولعله متأول فيه
فكيف وقد يمكن أن لا يكون ذلك بحضوره ولا إذنه ولا علمه
وبالجملة فلا يرد حديث الثقات بهذا وأمثاله
وأما العلة الثانية وهي أن بين الأعمش فيه وبين المنهال الحسن بن عمارة فجوابها أنه قد رواه عن المنهال جماعة كما قاله ابن عدي
فرواه عبد الرزاق عن معمر عن يونس بن حباب عن

المنهال
ورواه حماد بن سلمة عن يونس عن المنهال
فبطلت العلة من جهةالحسن بن عمارة
ولم يضر دخول الحسن شيئا
وأما العلة الثالثة وهي أن زاذان لم يسمعه من البراء فجوابها من وجهين
أحدهما أن أبا عوانة الإسفراييني رواه في صحيحه وصرح فيه بسماع زاذان له من البراء فقال سمعت البراء بن عازب فذكره
والثاني أن ابن منده رواه عن الأصم حدثنا الصنعاني أخبرنا أبو النضر عيسى ابن المسيب عن عدي بن ثابت عن البراء فذكره
فهذا عدي بن ثابت قد تابع زاذان
قال ابن مندة ورواه أحمد بن حنبل ومحمود بن غيلان وغيرهما عن أبي النضر ورواه ابن منده أيضا من طريق محمد بن سلمة عن خصيف الجزري عن مجاهد عن البراء
قال أبو موسى الأصبهاني هذا حديث حسن مشهور بالمنهال عن زاذان وشجعه أبو نعيم والحاكم وغيرهما
وأما ما ظنه أبو محمد بن حزم من معارضة هذا الحديث لقوله تعالى كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم الآية وأنهما حياتان وموتتان لا غير
فجوابه
أنه ليس في الحديث أنه يحيا حياة مستقرة في قبره والحياتان المذكورتان في الآية هما اللتان ذكرا في قوله تعالى قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين وهاتان حياتان مستقرتان وأما رد الروح أليه في

البرزخ للسؤال فرد عارض لايتصل به حياة بعد حياة ثالثة
فلا معارضة بين الحديث والقرآن بوجه من الوجوه وبالله التوفيق
وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم قال إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار يقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة
وفي صحيح مسلم عن أنس قال
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر
وفي صحيحه أيضا عن زيد بن ثابت قال بينا النبي صلى الله عليه و سلم في حائط لبني النجار على بغلة له ونحن معه اذ حادت به فكادت تلقيه
وإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة
فقال من يعرف أصحاب هذه الأقبر فقال رجل أنا
فقال فمتى مات هؤلاء قال ماتوا في الإشراك
فقال
إن هذه الأمة تبتلى في قبورها
فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله عز و جل أن يسمعكم عذاب القبر الذي أسمع منه
ثم أقبل علينا بوجهه فقال تعوذوا بالله من عذاب النار
فقالوا نعوذ بالله من عذاب النار
قال تعوذوا بالله من عذاب القبر
قالوا نعوذ بالله من عذاب القبر
قالوا تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن
قالوا نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن
تعوذوا بالله من فتنة الدجال
قالوا نعوذ بالله من فتنة الدجال

وفي الصحيحين عن أبي أيوب قال خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد ما غربت الشمس فسمع صوتا فقال يهود تعذب في قبورها
وفي صحيح مسلم عن أم خالد أنها سمعت النبي صلى الله عليه و سلم وهو يتعوذ من عذاب القبر
وقد تقدم حديث أبي هريرة المتفق عليه إذا تشهد أحدكم في صلاته فليتعوذ بالله من أربع
من عذاب القبر وعذاب جهنم الحديث
وفي الصحيحين عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم مر بقبرين
فقال إنهما ليعذبان الحديث
وفي الصحيحين عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يدعو بهذه الدعوات اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار وعذاب النار وفتنة القبر وعذاب القبر الحديث
وفي الصحيحين عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والهرم والبخل وأعوذ بك من عذاب القبر ومن شر فتنة المحيا والممات
وفي الصحيحين عن عمرة أن يهودية أتت عائشة تسألها
فقالت أعاذك الله من عذاب القبر قالت عائشة فقلت يا رسول الله يعذب الناس في القبور قال رسول الله صلى الله عليه و سلم عائذا بالله فذكر الحديث
وفيه ثم رفع وقد تجلت الشمس
فقال إني رأيتكم تفتنون في القبور كفتنة الدجال فكنت أسمع رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد ذلك يتعوذ من عذاب النار وعذاب القبر
وفي لفظ للبخاري فرجع ضحى
فقال ما شاء الله أن يقول ثم أمرهم أن يتعوذوا من عذاب القبر
وفي الصحيحين عن أسماء بنت أبي بكر قالت خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فدخلت على عائشة وهي تصلي فقلت ما شأن الناس يصلون فأشارت برأسها إلى السماء فقلت آية قالت نعم
فأطال رسول الله صلى الله عليه و سلم القيام جدا حتى تجلاني الغشي فأخذت قربة من ماء فجعلت أصب على رأسي أو على وجهي من الماء
قالت فانصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد تجلت الشمس فخطب رسول الله صلى الله عليه و سلم الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد ما من شيء لم أكن رأيته إلا قد رأيته في مقامي هذا حتى الجنة والنار وإنه قد أوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم قريبا أو مثل فتنة المسيح الدجال لا أدري أي ذلك قالت أسماء فيأتي أحدهم فيقال ما علمك بهذا الرجل فأما المؤمن أو الموقن لا أدري أي ذلك قالت أسماء فيقول هو محمد رسول الله جاءنا بالبينات والهدى فأجبنا وأطعنا ثلاث مرات فيقال له قد نعلم أنك تؤمن به
فنم صالحا وأما المنافق أو المرتاب لا أدري أي ذلك قالت أسماء فيقول لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلت

أقسام الكتاب
1 2 3 4