كتاب : حاشية ابن القيم على سنن أبي داود
المؤلف : محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية

وفي صحيح ابن حبان من حديث أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ذكر فتاني القبر
فقال عمر رضي الله عنه أترد علينا عقولنا يا رسول الله فقال نعم كهيئتكم اليوم
قال بفيه الحجر
وفي صحيحه أيضا من حديث سعيد المقبري عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا قبر أحدكم أو الإنسان أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما المنكر والآخر النكير فيقولان له ما كنت تقول في هذا الرجل لمحمد صلى الله عليه و سلم فهو قائل ما كان يقول فإن كان مؤمنا قال هو عبد الله ورسوله أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فيقولان له إن كنا لنعلم أنك تقول ذلك ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا في سبعين ذراعا وينور له فيه فيقال له نم نومة العروس لا يوقظه إلا أحب أهله إليه حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك وإن كان منافقا قال لا أدري كنت أسمع الناس يقولون شيئا
فكنت أقوله فيقولان له إن كنا لنعلم أنك تقول ذلك ثم يقال للأرض التئمي عليه فتلتئم عليه حتى تختلف فيها أضلاعه
فلا يزال معذبا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك
وفي صحيحه أيضا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم في قوله تعالى فإن له معيشة ضنكا قال عذاب القبر
وفي صحيحه أيضا عن أبي سفيان عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا دخل الميت القبر مثلت له الشمس عند غروبها
فيقول دعوني أصلي
وفي صحيحه أيضا عن أم مبشر قالت دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنا في حائط من حوائط بني النجار
فيه قبور منهم وهو يقول استعيذوا بالله من عذاب القبر
فقلت يا رسول الله وللقبر عذاب قال وإنهم ليعذبون في قبورهم تسمعه البهائم
وفي صحيحه أيضا عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن المؤمن في قبره لفي روضة خضراء ويرحب له في قبره سبعين ذراعا وينور له كالقمر ليلة البدر أتدرون فيما أنزلت هذه الآية فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى أتدرون ما المعيشة الضنك قالوا الله ورسوله أعلم
قال عذاب الكافر في قبره والذي نفسي بيده إنه ليسلط عليه تسعة وتسعون تنينا
أتدرون ما التنين سبعون حية لكل حية تسع رؤوس يلسعونه ويخدشونه إلى يوم يبعثون
فيه دراج أبو السمح عن عبد الرحمن بن حجيرة عن أبي هريرة
وذكر أبو حاتم أيضا قصة التسعة والتسعين تنينا من حديث دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه و سلم
وفي صحيحه أيضا من حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال إن الميت إذا وضع في قبره إنه ليسمع خفق نعالهم حين يولون عنه
فان كان مؤمنا كانت الصلاة عند رأسه وكان الصيام عن يمينه وكانت الزكاة عن شماله وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلاة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه
فيؤتى من قبل رأسه فتقول الصلاة ما قبلي مدخل
ثم

يؤتى عن يمينه فيقول الصيام ما قبلي مدخل
ثم يؤتى عن يساره فتقول الزكاة
ما قبلي مدخل ثم يؤتى من قبل رجليه فيقول فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس ما قبلي مدخل
فيقول له اجلس فيجلس قد مثلت له الشمس وقد أدنيت للغروب
فيقال له
أرأيتك هذا الرجل الذي كان فيكم ما تقول فيه وماذا تشهد به عليه فيقول
دعوني حتى أصلي
فيقولون
إنك ستفعل
أخبرنا عما نسألك عنه أرأيتك هذا الرجل الذي كان فيكم ما تقول فيه وماذا شهدت عليه قال
فيقول محمد أشهد أنه رسول الله وأنه جاء بالحق من عند الله
فيقال له على ذلك حييت
وعلى ذلك مت
وعلى ذلك تبعث إن شاء الله ثم يفتح له باب من أبواب الجنة
فيقال هذا مقعدك منها وما أعد الله لك فيها فيزداد غبطة وسرورا
ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا وينور له فيه ويعاد الجسد لما بديء منه فيجعل نسمته في النسيم الطيب وهي طير تعلق في شجرة الجنة
قال فذلك قوله يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة قال وإن الكافر إذا أتى من قبل رأسه لم يوجد شيء
ثم أوتي عن يمينه فلا يوجد شيء
ثم أوتي عن شماله فلا يوجد شيء
ثم أوتي من قبل رجليه فلا يوجد شيء
فيقال له اجلس خائفا مرعوبا
فيقال له أرأيتك هذا الرجل الذي كان فيكم ماذا تقول فيه وماذا تشهد به عليه فيقول أي رجل فيقال الذي كان فيكم
فلا يهتدي لاسمه حتى يقال له محمد
فيقول ما أدري سمعت الناس قالوا قولا
فقلت كما قال الناس
فيقال له
على ذلك حييت وعلى ذلك مت وعلى ذلك تبعث إن شاء الله ثم يفتح له باب من أبواب النار فيقال له هذا مقعدك من النار وما أعد الله لك فيها
فيزداد حسرة وثبورا
ثم يفتح له باب من أبواب الجنة فيقال له ذلك مقعدك من الجنة وما أعد الله لك فيها لو أطعته فيزداد حسرة وثبورا
ثم يضيق عليه قبرة حتى تختلف فيه أضلاعه
وتلك المعيشة الضنك التي قال الله عز و جل فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى

قال الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله وقد أخرجا في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
وفي جامع الترمذي من حديث النضر بن أنس بن مالك عن أبيه قال سألت النبي صلى الله عليه و سلم أن يشفع لي يوم القيامة فقال أنا فاعل قال قلت يا رسول الله فأين أطلبك قال اطلبني أول ما تطلبني على الصراط قال قلت فان لم ألقك على الصراط فاطلبني عند الميزان قال قلت فان لم ألقك عند الميزان قال فاطلبني عند الحوض فاني لا أخطيء هذه الثلاث المواطن قال الترمذي هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه
وروى الليث بن سعد عن عامر بن يحيى المعافري عن أبي عبد الرحمن الحبلي أنه قال سمعت عبد الله بن عمرو يقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يصاح برجل من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر له تسعة وتسعون سجلا كل سجل منها مد البصر ثم يقول الله تبارك وتعالى له أتنكر من هذا شيئا فيقول لا يا رب فيقول عز و جل بلى إن لك عندنا حسنات وإنه لا ظلم عليك فيخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله محمدا عبده ورسوله فيقول يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات فيقول إنك لا تظلم قال فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة قال حمرة الكناني لا أعلم روى هذا الحديث غير الليث بن سعد وهو من أحسن الحديث
قال أبو طاهر السلفي أخبرنا أبو الحسن علي بن عمر بن محمد الحراني قال أنا حضرت رجلا في المجلس وقد زعق عند هذا الحديث ومات وشهدت جنازته وصليت عليه

قال أبو القاسم الطبراني لا يروى هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا بهذا الإسناد تفرد به عامر بن يحيى آخر كلامه
ورواه أبو عبد الرحمن المقري عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي عن عبد الله بن يزيد عن عبد الله بن عمرو ورواه عن المقري جماعة والحديث أخرجه ابن حبان في صحيحه والترمذي وقال حديث حسن غريب
وروى حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش أن عبد الله بن مسعود كان يجذ لرسول الله صلى الله عليه و سلم سواكا من أراك وكان في ساقيه دقة فضحك القوم فقال النبي صلى الله عليه و سلم ما يضحككم من دقة ساقيه والذي نفسي بيده إنهما أثقل في الميزان من أحد رواه أبو حاتم في صحيحه

ذكر الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله أحاديث الباب إلى آخرها ثم ذيل عليها بقوله وقد روى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله قال أتى رجل النبي صلى الله عليه و سلم بالجعرانة منصرفة من حنين وفي ثوب بلال فضة ورسول الله صلى الله عليه و سلم يقبض منها ويعطي الناس
فقال يا محمد اعدل فقال ويلك ومن يعدل إذا لم أكن أعدل لقد خسرت وخبت إن لم أكن أعدل فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه دعني يا رسول الله أقتل هذا المنافق
فقال معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي إن هذا وأصحابه يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية
وروى البخاري هذا الحديث مختصرا قال بينما النبي صلى الله عليه و سلم يقسم غنيمة بالجعرانة إذ قال له رجل اعدل فقال لقد شقيت إن لم أعدل

والصواب في هذا فتح التاء من خبت وخسرت
والمعنى أنك إذن خائب خاسر إن كنت تقتدي في دينك بمن لا يعدل وتجعل بينك وبين الله ثم تزعم أنه ظالم غير عادل
ومن رواه بضم التاء لم يفهم معناه هذا
وفي الصحيحين عن أبي سعيد قال بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يقسم قسما أتاه ذو الخويصرة وهو رجل من بني تميم فقال يا رسول الله اعدل قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ويلك من يعدل إذا لم أعدل قد خبت وخسرت إن لم أعدل فقال عمر بن الخطاب يا رسول الله ائذن لي فيه أضرب عنقه قال رسول الله صلى الله عليه و سلم دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى نضيه فلا يوجد فيه شيء وهو القدح ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء سبق الفرث والدم آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر يخرجون على حين فرقة من الناس قال أبو سعيد فأشهد أني سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه و سلم وأشهد أن علي ابن أبي طالب قاتلهم وأنا معه فأمر بذلك الرجل فالتمس فوجد فأتى به حتى نظرت إليه على نعت رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي نعت
زاد البخاري فنزلت ومنهم من يلمزك في الصدقات
وفي رواية المستملي على خير فرقة من الناس
وفي الصحيحين عن أبي سعيد أيضا أن النبي صلى الله عليه و سلم ذكر قوما يكونون في أمته يخرجون في فرقة من الناس سيماهم التحليق قال هم شر الناس أو شر الخلق يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق قال فضرب رسول الله صلى الله عليه و سلم لهم مثلا أو قال قولا الرجل يرمي الرمية أو قال الغرض فينظر في النصل فلا يرى بصيرة وينظر في النضي فلا يرى بصيرة وينظر في الفوق فلا يرى بصيرة
وفي لفظ آخر عنه في هذا الحديث يكون في أمتي فرقتان فتخرج بينهما مارقة يلي قتلهم أولاهم بالحق
وفي أخرى تمرق مارقة في فرقة من الناس يلي قتلهم أولى الطافئتين بالحق
وفي أخرى تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلها أولى الطائفتين بالحق
وفي أخرى يخرجون على فرقة مختلفة يقتلهم أقرب الطائفتين من الحق

وفي صحيح البخاري عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال يخرج ناس من قبل المشرق يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم إلى فوقه قيل فما سيماهم قال التحليق أو قال التسبيل
وفي الصحيحين واللفظ لمسلم عن عبيد الله بن أبي رافع أن الحرورية لما خرجت وهو مع علي بن أبي طالب قالوا لا حكم إلا لله قال علي كلمة حق أريد بها باطل إن رسول الله صلى الله عليه و سلم وصف ناسا إني لأعرف صفتهم في هؤلاء يقولون الحق بألسنتهم لايجاوز هذا منهم وأشار إلى حلقه من أبغض خلق الله إليه منهم أسود إحدى يديه طي شاة أو حلمة ثدي فلما قتلهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال انظروا فنظروا فلم يجدوا شيئا فقال ارجعوا فوالله ما كذبت ولا كذبت مرتين أو ثلاثا ثم وجدوه في خربة فأتوا به حتى وضعوه بين يديه قال عبيد الله وأنا حاضر ذلك من أمرهم وقول علي فيهم
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن بعدي من أمتي أو سيكون بعدي من أمتي قوم يقرأون القرآن لا يجاوز حلاقيمهم يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه هم شر الخلق والخليقة
فقال ابن الصامت
فلقيت رافع بن عمرو الغفاري أخا الحكم الغفاري قلت ما حديث سمعته من أبي ذر كذا وكذا فذكرت له هذا الحديث فقال وأنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم
وفي الصحيحين عن أسير بن عمرو قال سألت سهيل بن حنيف سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يذكر الخوارج فقال سمعته يقول وأشار بيده إلى المشرق قوم يقرأون القرآن بألسنتهم لا يعدو تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية
وفي لفظ آخر عنه يتيه قوم من قبل المشرق محلقه رؤوسهم
وفي صحيح البخاري عن ابن عمر وذكر الحرورية فقال قال النبي صلى الله عليه و سلم يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية
قال الإمام أحمد صح الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم في الخوارج من عشرة أوجه
وهذه هي العشرة التي ذكرناها وقد استوعبها مسلم في صحيحه والله أعلم

قال الشيخ ابن القيم رحمه الله وقد أخرجاه في الصحيحين من حديث أنس قال كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه و سلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه و سلم وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته ثم قال يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء

وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قالليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب
وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه و سلم أوصني قال لا تغضب فردد مرارا قال لا تغضب
وفي الصحيحين عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه و سلم قال الحياء لا يأتي إلا بخير
وفيهما عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال الحياء شعبة من الإيمان
وفي الصحيحين عن أبي سعيد قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أشد حياء من العذراء في خدرها فإذا رأى شيئا يكرهه عرفناه في وجهه
وزاد الترمذي وإن الله يبغض الفاحش البذي
وفي صحيح مسلم عن النواس بن سمعان قال سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن البر والإثم قال البر حسن الخلق والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس
وروى الترمذي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال الفم والفرج وقال حديث حسن صحيح
وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خيركم لنسائهم رواه الترمذي وقال حسن صحيح
وفي الترمذي أيضا عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم

القيامة أحاسنكم أخلاقا وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون قال يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفهقون قال المتكبرون قال الترمذي حديث حسن
والثرثار هو الكثير الكلام بتكلف والمتشدق المتطاول على الناس بكلامه الذي يتكلم بملء فيه تفاخما وتعظيما لكلامه والمتفيهق
أصله من الفهق وهو الامتلاء وهو الذي يملأ فمه بالكلام ويتوسع فيه تكثرا وارتفاعا وإظهارا لفضله على غيره قال الترمذي قال عبد الله بن المبارك حسن الخلق طلاقة الوجه وبذل المعروف وكف الأذى
وقال غيره حسن الخلق خمسان أحدهما مع الله عز و جل وهو أن يعلم أن كل ما يكون منك يوجب عذرا وكل ما يأتي من الله يوجب شكرا فلا تزال شاكرا له معتذرا إليه سائرا إليه بين مطالعه وشهود عيب نفسك وأعمالك
والقسم الثاني حسن الخلق مع الناس
وجماعة أمران بذل المعروف قولا وفعلا وكف الأذى قولا وفعلا
وهذا إنما يقوم على أركان خمسة العلم والجود والصبر وطيب العود وصحة الإسلام أما العلم فلأنه يعرف معاني الأخلاق وسفسافها فيمكنه أن يتصف بهذا ويتحلى به ويترك هذا ويتخلى عنه
وأما الجود فسماحة نفسه وبذلها وانقيادها لذلك إذا أراده منها
وأما الصبر فلأنه إن لم يصبر على احتمال ذلك والقيام بأعبائها لم يتهيأ له
وأما طيب العود فأن يكون الله تعالى خلقه على طبيعة منقادة سهلة القياد وسريعة الاستجابة لداعي الخيرات
والطبائع ثلاثة طبيعة حجرية صلبة قاسية لا تلين ولا تنقاد وطبيعة مائية هوائية سريعة الانقياد مستجيبة لكل داع كالغصن أي نسيم مر يعصفه وهاتان منحرفتان
الأولى لا تقبل والثانية لا تحفظ وطبيعة قد جمعت اللين والصلابة والصفاء فهي تقبل بلينها وتحفظ بصلابتها وتدرك حقائق الأمور بصفائها فهذه الطبيعة الكاملة التي ينشأ عنها كل خلق صحيح

وأما صحة الإسلام فهو جماع ذلك والمصحح لكل خلق حسن فإنه بحسب قو إيمانه وتصديقه بالجزاء
وحسن موعود الله وثوابه يسهل عليه تحمل ذلك
له الاتصاف به والله الموفق المعين

قال الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله وقد أخرج الترمذي من حديث حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا يقيم أحدكم أخاه من مجلسه ثم يجلس فيه قال وكان الرجل يقوم لابن عمر فما يجلس قال هذا حديث حسن صحيح
وحديث ابن عمر هذا في الصحيحين ولفظه نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يقام الرجل من مجلسه ويجلس فيه ولكن تفسحوا وتوسعوا
وفي صحيح مسلم عن جابر قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يقيم أحدكم أخاه يوم الجمعة ثم يخالفه إلى مقعده ولكن ليقل افسحوا

ثم ذكر الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله حديث كل كلام لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم ثم قال وأخرجه ابن حبان في صحيحه

وفي الترمذي عن أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال ما أكرم شاب شيخا بشيبة إلا قيض الله له من يكرمه عند سنة قال هذا حديث غريب

قال الشيخ شمس الدين القيم رحمه الله هذه ثلاثة أحاديث ذكرها أبو داود في كفارة المجلس
فأما حديث عبد الله بن عمر فموقوف عليه
وأما حديث أبي هريرة فهو معروف بموسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال الحاكم أبو عبد الله هذا حديث من تأمله لم يشك أنه من شرط الصحيح وله علة فاحشة حدثني أبو نصر الوراق قال سمعت أبا أحمد القصار يقول سمعت مسلم بن الحجاج وجاء إلى محمد بن اسماعيل البخاري فقبل بين عينه وقال دعني حتى أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين وطيب الحديث في علله حدثنا محمد بن سلام حدثنا محمد بن سلام حدثنا مخلد بن يزيد الحراني أخبرنا ابن جريج عن موسى بن عقبة عن سهيل عن أبي أبيه عن هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم في كفارة المجلس فما علته
قال محمد بن إسماعيل هذا حديث مليح ولا أعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث إلا أنه معلول حدثنا به موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا سهيل عن عوف بن عبد الله من قوله
قال محمد بن إسماعيل هذا أولى فإنه لا يذكر لموسى بن عقبة سماع من سهيل
وأما الحديث الذي رواه أبو داود من حديث أبي برزة الأسلمي فإسناده حسن رواه عن عثمان بن أبي شيبة وأخرجه عن عبدة بن سليمان عن الحجاج بن دينار عن أبي هاشم عن أبي العالية عن أبي برزة والحجاج بن دينار صدوق وثقة غير واحد وأبو هاشم هو الرماني من رجال الصحيحين
وفي الباب حديث عائشة رواه الليث عن ابن الهاد عن يحيى بن سعيد عن زرارة عن عائشة قالت ما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقوم من مجلس إلا قال لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك فقلت يا رسول الله ما أكثر ما تقول هؤلاء الكلمات إذا قمت فقال إنه لا يقولهن أحد حين يقوم من مجلسه إلا غفر له ما كان في ذلك المجلس رواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد
ورواه النسائي عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن شعبة عنه
ولهذا الحديث أيضا علة وهي أن قتيبة خالف شعيبا فيه فقال عن الليث عن يحيى عن محمد بن عبد الرحمن الأنصاري عن رجل من أهل الشام عن عائشة كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا قام من

مجلس يكثر من أن يقول سبحانك اللهم وبحمك لا إله إلا أنت وساق الحديث ذكره النسائي
ورواه من حديث خالد بن أبي عمران عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا جلس مجلسا أو صلى صلاة تكلم بكلمات
فسألت عائشة عن الكلمات فقالت إن تكلم بخير كان طابعا عليهن إلى يوم القيامة وإن تكلم بغير ذلك كان كفارة له سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك رواه عن أبي بكر بن إسحاق حدثنا أبو سلمة الخزاعي عن خالد به
ورواه الطبراني في الكبير من حديث خالد بن أبي عمران أيضا عن عائشة قالت ما جلس رسول الله صلى الله عليه و سلم مجلسا قط ولا تلا قرآنا ولا صلى إلا ختم ذلك بكلمات قال نعم من قال خيرا ختم له طابع على ذلك الخير ومن قال شرا كن له كفارة سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

قال الشيخ سمش الدين ابن القيم رحمه الله وأما الحديث الذي رواه الحاكم عن الأصم عن محمد بن إسحاق الصفاني عن إبراهيم ابن المنذر الخرامي عن محمد بن فليح عن أبيه عن سعيد بن الحارث عن عبيد بن حنين قال بينما أنا

جالس في المسجد إذ جاءه قتادة بن النعمان فجلس فتحدث فثاب إليه أناس ثم قال انطلق بنا إلى أبي سعيد الخدري فإني قد أخبرت أنه قد اشتكى فانطلقنا حتى دخلنا على أبي سعيد الخدري فوجدناه مستلقيا واضعا رجله اليمنى على اليسرى فسلمنا وجلسنا
فرفع قتادة يده إلى رجل أبي سعيد الخدري فقرصها قرصة شديدة
فقال أبو سعيد سبحان الله يا ابن أم أو جعتني قال ذلك أردت فذكر حديث الاستلقاء وقال فيه لا ينبغي لأحد من خلقي أن يفعل مثل هذا
فهذا الحديث له علتان
إحداهما انفراد فليح بن سليمان به وقد قال عباس الدوري سمعت يحيى بن معين يقول فليح بن سليمان لا يحتج بحديثه وقال في رواية عثمان الدارمي فليح بن سليمان ضعيف
وقال النسائي ليس بالقوي
والعلة الثانية أنه حديث منقطع فإن قتادة بن النعمان مات في خلافة عمر وصلى عليه عمر
وعبيد بن حنين مات سنة خمس ومائة وله خمس وسبعون سنة في قول الواقدي وابن بكير فتكون روايته عن قتادة بن النعمان منقطعة والله أعلم

قال الشيخ سمش الدين القيم رحمه الله وإدخال أبي داود هذا الحديث هنا يريد به أن ذكر الرجل بما فيه في موضع الحاجة ليس بغيبة مثل هذا ونظيره ما تقدم من حديث عائشة المتفق عليه ائذنوا له فبئس أخو العشيرة بوب عليه البخاري

باب غيبة أهل الفساد والريب
وذكر في الباب عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما أظن فلانا وفلانا يعرفان من ديننا شيئا
وفي الباب حديث فاطمة بنت قيس لما خطبها معاوية وأبو جهم فقال النبي صلى الله عليه و سلم أما معاوية فصعلوك وأما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه
وقالت هند للنبي صلى الله عليه و سلم إن أبا سفيان رجل شحيح
وقال الأشعث بن قيس للنبي صلى الله عليه و سلم في خصمه إنه امرؤ فاجر
وقال الحضرمي بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم في خصمه إنه رجل فاجر لا يبالي ما حلف عليه وليس يتورع من شيء رواه مسلم
وقد رد النبي صلى الله عليه و سلم غيبة مالك بن الدخشم وقال للقائل إنه منافق لا يحب الله ورسوله لا تقل ذاك
ورد معاذ بن جبل غيبة كعب بن مالك لما قال الرجل فيه عند النبي صلى الله عليه و سلم حبسه النظر في برديه النظر في عطفيه فقال معاذ بئس ما قلت والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرا فسكت رسول الله صلى الله عليه و سلم والحديثان متفق عليهما
وقد أخرج الترمذي عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه و سلم قال من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة وقال هذا حديث حسن

قال الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله وقد روى البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا
وأخرج النسائي من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لا تسبوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا وفي الحديث قصة وقد تقدم والله أعلم

قال الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله وفي سنن ابن ماجه من حديث أبي الزناد عن أنس أن رسول الله عليه وسلم قال الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب والصدقة تطفيء الخطيئة كما يطفيء الماء النار والصلاة نور المؤمن والصيام جنة من النار
لما كان الحاسد يكره نعمة الله على عباده والمتصدق ينعم عليهم كانت صدقة هذا ونعمته تطفيء خطيئته وتذهبها وحسد هذا وكراهته نعمة الله على عباده تذهب حسناته
لما كانت الصلاة مركز الإيمان وأصل الإسلام ورأس العبودية ومحل المناجاة والقربة إلى الله وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو مصل وأقرب ما يكون منه في صلاته وهو ساجد كانت الصلاة نور المسلم
ولما كان الصوم يسد عليه باب الشهوات ويضيق مجاري الشيطان ولا سيما باب الأخوفين الفم والفرج اللذين ينشأ عنهما معظم الشهوات كان كالجنة من النار فإنه يتترس به من سهام إبليس
وفي الصحيحين عن أنس رضي الله أن النبي قال لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث

قال الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله وفي الصحيحين عن ثابت بن الضحاك قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعن المؤمن كقتله
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا ينبغي لصديق أن يكون لعانا

وفي الترمذي عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذي وقال حديث حسن

قال الشيخ شمس الدين بن القيم رحمه الله وفي هذا الحديث رد على من قال إن الناس يوم القيامة إنما يدعون بأمهاتهم لا آبائهم وقد ترجم البخاري في صحيحه لذلك فقال

باب يدعى الناس بآبائهم
وذكر فيه حديث نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال الغادر يرفع له لواء يوم القيامة يقال له هذه غدرة فلان بن فلان
واحتج من قال بالأول
بما رواه الطبراني في معجمه من حديث سعيد بن عبد الله الأودي قال شهدت أبا أمامة وهو في النزع قال إذا مت فاصنعوا بي كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال إذا مات أحد من إخوانكم فسويتم التراب على قبره فليقم أحدكم على رأس قبره ثم ليقل يا فلان بن فلانة فإنه يسمعه ولا يجيبه ثم يا فلان بن فلانة فإنه يقول أرشدنا رحمك الله فذكر الحديث وفيه فقال رجل يا رسول الله فإن لم يعرف أمه قال فلينسبه إلى أمه حواء فلان بن حواء
ولكن هذا الحديث متفق على ضعفه فلا تقوم به حجة فضلا عن أن يعارض به ما هو أصح منه
وفي الصحيحين عن أبي موسى قال ولد لي غلام فأتيت به النبي صلى الله عليه و سلم فسماه إبراهيم وحنكه بتمرة
زاد البخاري ودعا له بالبركة ودفعه إلى وكان أكبر ولد أبي موسى

قال الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله العرب تسمي شجر العنب كرما لكرمه والكرم كثرة الخير والمنافع والفوائد لسهولة تناولها من

الكريم ومنه قوله تعالى فأنبتنا فيها من كل زوج كريم وفي آية أخرى من كل زوج بهيج فهو كريم مخبره بهيج في منظره وشجر العنب قد جمع وجوها من ذلك
منها تذليل ثمره لقاطفه
ومنها أنه ليس دونه شوك يؤذي مجتنيه
ومنها أنه ليس بممتنع على من أراده لعلو ساقه وصعوبته كغيره
ومنها أن الشجرة الواحدة منه مع ضعفها ودقة ساقها تحمل أضعاف ما تحمله غيرها
ومنها أن الشجرة الواحدة منه إذا قطع أعلاها أخلفت من جوانبها وفروعها والنخلة إذا قطع أعلاها ماتث ويبست جملة
ومنها أن ثمره يؤكل قبل نضجه وبعد نضجه وبعد يبسه
ومنها أنه يتخذ منه من أنواع الأشربة الحلوة والحامضة كالدبس والخل مالا يتخذ من غيره ثم يتخذ من شرابه من أنواع الحلاوة والأطعمة والأقوات مالا يتخذ من غيره وشرابه الحلال غذاء وقوت ومنفعة وقوة
ومنها أنه يدخر يابسه قوتا وطعاما وأدما
ومنها أن ثمره قد جمع نهاية المطلوب من الفاكهة من الاعتدال فلم يفرط إلى البرودة كالخوخ

وغيره ولا إلى الحرارة كالتمر بل هو في غاية الاعتدال إلى غير ذلك من فوائده
فلما كان بهذه المنزلة سموه كرما فأخبرهم النبي صلى الله عليه و سلم أن الفوائد والثمرات والمنافع التي أودعها الله قلب عبده المؤمن من البر وكثرة الخير أعظم من فوائد كرم العنب فالمؤمن أولى بهذه التسمية منه
فيكون معنى الحديث على هذا النهي عن قصر اسم الكرم على شجر العنب بل المسلم أحق بهذا الاسم منه
وهذا نظير قوله صلى الله عليه و سلم ليس الشديد بالصرعة ولكن الذي يملك نفسه عند الغضب أي مالك نفسه أولى أن يسمى شديدا من الذي يصرع الرجال
وكقوله ليس المسكين بهذا الطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان والأكلة والأكلتان ولكنه الذي لا يسأل الناس ولا يفطن له فيتصدق عليه أي هذا أولى بأن يقال له مسكين من الطواف الذي تسمونه مسكينا
ونظيره في المفلس والرقوب وغيرهما
ونظيره قوله ليس الواصل بالمكافيء ولكنه الذي إذا قطعت رحمه وصلها وإن كان هذا ألطف من الذي قبله
وقيل في معنى وجه آخر وهو قصد النبي صلى الله عليه و سلم سلب هذا الاسم المحبوب للنفوس التي يلذ لها سماعه عن هذه الشجرة التي تتخذ منها أم الخبائث فيسلبها الإسم الذي يدعو النفوس إليها ولا سيما فإن العرب قد تكون سمتها كرما لأن الخمر المتخذة منها تحث على الكرم وبذل المال فلما حرمها الشارع نفى اسم المدح عن أصلها وهو الكرم كما نفى اسم المدح عنها وهو الدواء فقال إنها داء وليست بدواء ومن عرف سر تأثير الأسماء في مسمياتها نقرة وميلا عرف هذا فسلبها النبي صلى الله عليه و سلم هذا الاسم الحسن وأعطاه ما هو أحق به منها وهو قلب المؤمن
ويؤكد المعنى الأول أن النبي صلى الله عليه و سلم شبه المسلم بالنخلة لما فيها من المنافع والفوائد حتى إنها كلها منفعة لا يذهب منها شيء بلا منفعة حتى شوكها ولا يسقط عنها لباسها وزينتها كما لا

يسقط عن المسلم زينته فجذوعها للبيوت والمساكن والمساجد وغيرها وسعفها للسقوف وغيرها وخوصها للحصر والمكاتل والآنية وغيرها ومسدها للحبال وآلات الشد والحل وغيرها وثمرها يؤكل رطبا ويابسا ويتخذ قوتا وأدما وهو أفضل المخرج في زكاة الفطر تقربا إلى الله وطهرة للصائم ويتخذ منه ما يتخذ من شراب الأعناب ويزيد عليه بأنه قوت وحده بخلاف الزبيب ونواه علف للابل التي تحمل الأثقال إلى بلد لا يبلغه الإنسان إلا بشق النفس
ويكفي فيه أن نواه يشتري به العنب فحسبك بتمر نواه ثمن لغيره
وقد اختلف الناس في العنب والنخل أيهما أفضل وأنفع واحتجت كل طائفة بما في أحدهما من المنافع
والقرآن قد قدم النخيل على الأعناب في موضع وقدم الأعناب عليها في موضع وأفرد النخيل عن الأعناب ولم يفرد العنب عن النخيل
وفصل الخطاب في المسألة أن كل واحد منهما في الموضع الذي يكثر فيه ويقل وجود الآخر أفضل وأنفع
فالنخيل بالمدينة والعراق وغيرهما أفضل وأنفع من الأعناب فيها
والأعناب في الشام ونحوها أفضل وأنفع من النخيل بها
ولا يقال فما تقولون إذا استويا في بلدة فان هذا لا يوجد لأن الأرض التي يطيب النخيل فيها ويكون سلطانه ووجوده غالبا لا يكون للعنب بها سلطان ولا تقبله تلك الأرض
وكذلك أرض العنب لا تقبل النخيل ولا يطيب فيها
الله سبحانه قد خص كل أرض بخاصية من النبات والمعدن والفواكه وغيرها فهذا موضعه أفضل وأطيب وأنفع وهذا في موضعه كذلك

ذكر حديث لا تغلبنكم وذكر التأويلين اللذين ذكرهما المنذري ثم زاد الشيخ ابن القيم رحمه الله وسلكت طائفة مسلكا آخر فقالت النهي صريح لا يمكن فيه رواية بالمعنى أما حديث لو يعلمون ما في الصبح والعتمة فيجوز أن يكون تغييرا من الراوي عنها باسم العتمة ولم يعلم بالنهي فرواه بمعناه وهذا الاحتمال لا يتطرق إلى حديث النهي

وقالت طائفة النهي إنما هو من غلبة الأعراب على اسم العشاء بحيث يهجر بالكلية كما دل عليه قوله لا يغلبنكم فأما إذا سميت بالعشاء تسمية غالبة على العتمة لم يمتنع أن يسمى بالعتمة أحيانا وهذا أظهر الأقوال

قال الشيخ شمس الدين بن القيم رحمه الله لم يذكر أبو داود في هذا الباب إلا هذا الحديث ولا تعلق له في تسميته العشاء عتمة
وإنما

تعلقه بالتوسع في العبارة واستعارة اسم البحر للفرس الجواد الكثير الجري فكأنه راجع إلى قوله باب في حفظ المنطق

قال الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله وفي الصحيحين عن أنس كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير يا أبا عمير ما فعل النغير
وقد أخرج الترمذي من حديث أسامة بن زيد عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال قالوا يا رسول الله إنك تداعبنا قال إني لا أقول إلا حقا قال الترمذي حديث حسن

ذكر حديث سعيد بن المسيب في واقعة عمر وحسان ثم قال المنذري وسعيد ابن المسيب لم يصح سماعه من عمر فإن كان سمع ذلك من حسان فمتصل
ثم قال الشيخ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقد تكرر له في هذا الكتاب في مواضع وبه يعلل ابن القطان وغيره حديث سعيد عن عمر وهو تعليل باطل أنكره الأئمة كأحمد بن حنبل ويعقوب بن سفيان وغيرهما
قال أحمد إذا لم يقبل سعيد بن المسيب عن عمر فمن يقبل سعيد عن عمر عندنا حجة
وقال حنبل في تاريخه حدثنا أبو عبد الله يعني أحمد حنبل حدثنا محمد ابن جعفر حدثنا سعيد عن إياس بن معاوية قال قال سعيد بن المسيب ممن أنت قلت من مزينة
قال إني لأذكر يوم نعي عمر بن الخطاب النعمان بن مقرن المزني على المنبر وهذا صريح في الرد على من قال إنه ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر
وقال يحيى بن سعيد الأنصاري كان سعيد بن المسيب يسمي رواية عمر بن الخطاب لأنه كان أحفظ الناس لأحكامه
وقال مالك بلغني أن عبد الله بن عمر كان يرسل إلى ابن المسيب يسأله عن بعض شأن عمر وأمره
هذا ولم يحفظ عن أحد من الأئمة أنه طعن في رواية سعيد عن عمر بل قابلوها كلهم بالقبول والتصديق ومن لم يقبل المرسل قبل مرسل سعيد عن النبي صلى الله عليه و سلم
وقال الحاكم في علوم الحديث سعيد بن المسيب أدرك عمر وعليا وطلحة وباقي العشرة وسمع منهم
والمقصود أن تعليل الحديث برواية سعيد له عن عمر تعنت بارد

والصحيح أنه ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر فيكون له وقت وفاة عمر ثمان سنين
فكيف ينكر سماعه ويقدح في اتصال روايته عنه والله الموفق للصواب
وقد أخرجاه في الصحيحين وذكره أبو داود عقب هذا الحديث عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة فذكر الحديث بمعنى ما تقدم دون ذكر الزيادة

قال الشيخ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقد روى البخاري في صحيحه من حديث الزهري حدثني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لم يبق من النبوة إلا المبشرات قالوا وما المبشرات قال الرؤيا الصالحة وأخرجه مسلم من حديث ابن عباس

قال الشيخ شمس الدين بن القيم رحمه الله ولم يشك البخاري فيه بل قال من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي
وفي الصحيحين من حديث أبي قتادة قال
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من رآني في المنام فقد رأى الحق
وأخرجه البخاري من حديث أبي سعيد وزاد فإن الشيطان لا يتكونني
وفي لفظ له في حديث أبي قتادة فإن الشيطان لا يتراءى بي
وفي صحيح مسلم عن جابر عن النبي صلى الله عليه و سلم من رآني في النوم فقد رآني
فإنه لا ينبغي للشيطان أن يتمثل في صورتي
وفي لفظ آخر فإنه لا ينبغي للشيطان أن يتشبه بي

قال الشيخ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقد أخرج الترمذي عن نافع أن رجلا عطس إلى جنب ابن عمر فقال الحمد لله والسلام

على رسول الله قال ابن عمر وأنا أقول الحمد لله والسلام على رسول الله وليس هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن نقول علمنا أن نقول الحمد لله على كل حال وقال هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث زياد ابن الربيع
وفي الترمذي أيضا من حديث سعيد المقبري عن أبي هريرة قال
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لما خلق الله آدم ونفخ فيه الروح عطس فقال الحمد لله فحمد الله بإذنه فقال له ربه رحمك الله يا آدم اذهب إلى أولئك الملائكة إلى ملأ منهم جلوس فقل السلام عليكم قالوا وعليك السلام ورحمة الله ثم رجع إلى ربه فقال إن هذه تحيتك وتحية ذريتك بينهم وذكر الحديث وقال هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه
وقد روي من غير وجه عن النبي صلى الله عليه و سلم ورواه زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة

ذكر حديث أبي داود أن رجلا عطس فقال له يرحمك الله ثم عطس فقال النبي صلى الله عليه و سلم الرجل مزكوم

قال الشيخ شمس الدين بن القيم رحمه الله هذا لفظ أبي داود ولفظ مسلم ثم عطس أخرى ثم عطس الثانية فقال إنه مزكوم
وأما ابن ماجه فلفظه يشمت العاطس ثلاثا فما زاد فهو مزكوم رواه عن على ابن محمد حدثنا وكيع عن عكرمة بن عمار عن إياس بن سلمة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه و سلم
وهذا يوافق رواية أبي هريرة وعبيد بن رفاعة في حد ذلك بالثلاث
وأما الترمذي فلفظه فيه عن أياس بن سلمة عن أبيه قال عطس رجل عند النبي صلى الله عليه و سلم وأناشاهد فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم يرحمك الله ثم عطس الثانية أو الثالثة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم هذا رجل مزكوم رواه من حديث سويد عن ابن المبارك عن عكرمة بن عمار
ثم قال حدثنا محمد بن يسار حدثنا يحيى بن يسار حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا عكرمة بن عمار عن أياس بن سلمة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه و سلم نحوه إلا أنه قال له في الثالثة إنك مزكوم
قال الترمذي وهذا أصح من حديث ابن المبارك وقد روى شعبة عن عكرمة ابن عمار هذا الحديث نحو رواية يحيى بن سعيد

قال الشيخ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقد تقدم حديث أبي هريرة وفيه فإذا عطس أحدكم وحمد الله كان حقا على مسلم سمعه أن يقول يرحمك الله
وترجم الترمذي على حديث أنس

باب ما جاء في إيجاب التشميت
بحمد العاطس وهذا يدل على أنه واجب عنده وهو الصواب للاحاديث الصريحة الظاهرة في الوجوب من غير معارض والله أعلم
فمنها حديث أبي هريرة وقد تقدم
ومنها حديثه الآخر خمس تجب للمسلم على أخيه وقد تقدم
ومنها حديث سالم بن عبيد وفيه وليقل له من عنده يرحمك الله
ومنها ما رواه الترمذي عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم للمسلم على المسلم ست بالمعروف يسلم عليه إذا لقيه ويجيبه إذا دعاه ويشمته إذا عطس ويعوده إذا مرض ويتبع جنازته إذا مات ويحب له ما يحب لنفسه وقال هذا حديث حسن قد روى من غير وجه عن النبي صلى الله عليه و سلم وقد تكلم بعضهم في الحارث الأعور وفي الباب عن أبي هريرة وأبي أيوب والبراء وأبي مسعود
ومنها ما رواه الترمذي عن أبي أيوب
أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إذا عطس أحدكم فليقل الحمد

لله وليقل على كل حال وليقل الذي يرد عليه يرحمك الله وليقل هو يهديكم الله ويصلح بالكم
فهذه أربع طرق من الدلالة
أحدهما التصريح بثبوت وجوب التشميت بلفظه الصريح الذي لا يحتمل تأويلا
الثاني إيجابه بلفظ الحق
الثالث إيجابه بلفظة على الظاهرة في الوجوب
الرابع الأمر به ولا ريب في إثبات واجبات كثيرة بدون هذه الطرق والله تعالى أعلم

قال الشيخ شمس الدين بن القيم رحمه الله ولفظ النسائي فيه أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقول إذا أصبح اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا وبك نحيا وبك نموت وإليك النشور فقط
ورواه أبو حاتم بن حبان في صحيحه وقال إن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقول إذا أصبح اللهم بك

أصبحنا وبك أمسينا وبك نحيا وبك نموت وإليك النشور وإذا أمسى قال اللهم بك أمسينا وبك أصبحنا وبك نحيا وبك نموت وإليك المصير
فرواية أبي داود فيها النشور في المساء والمصير في الصباح
ورواية الترمذي فيها النشور في المساء والمصير في الصباح
ورواية ابن حبان فيها النشور في الصباح والمصير في المساء وهي أولى الروايات أن تكون محفوظة لأن الصباح والانتباه من النوم بمنزلة النشور وهو الحياة بعد الموت
والمساء والصيرورة إلى النوم بمنزلة الموت والمصير إلى الله ولهذا جعل الله سبحانه في النوم الموت والانتباه بعده دليلا على البعث والنشور لأن النوم أخو الموت والانتباه نشور وحياة قال تعالى ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون
ويدل عليه أيضا ما رواه البخاري في صحيحه عن حذيفة أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا استيقظ قال الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور

قال الشيخ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقد أخرجا في الصحيحين عن أبي أيوب الأنصاري عن النبي صلى الله عليه و سلم قال من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات كان كمن أعتق عشرة أنفس من ولد إسماعيل
وقال البخاري رقبة من ولد إسماعيل رواه تعليقا

وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر من ذلك ومن قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر
فهذا الحديث يدل على أن كل رقبة يعدلها عشر مرات تهليلا وهو يوافق رواية
البخاري في الحديث الذي قبله
وحديث ابن عباس يدل على أن كل مرة برقبة ويوافقه حديث أبي أيوب الذي رواه مسلم ولكن حديث أبي أيوب قد اختلف فيه البخاري ومسلم كما ذكرناه
وحديث أبي هريرة صريح بأن المائة تعدل عشر رقاب ولم يختلف فيه
فيترجح من هذا الوجه على خبر أبي أيوب وتترجح رواية مسلم لحديث أبي أيوب بحديث ابن عباس المتقدم
فقد تقابل الترجيحان

وقد يقال خبر ابن عباس قد تكلم فيه وأنه لا يصح وخبر أبي أيوب قد اختلف في لفظه وخبر أبي هريرة صحيح لا علة فيه ولا اختلاف فوجب تقديمه والله أعلم
وقد روى الترمذي من حديث زيد بن أبي أنيسة عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من قال في دبر صلاة الفجر وهو ثان رجليه قبل أن يتكلم لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير عشر مرات كتب له عشر حسنات ومحي عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات وكان يومه ذلك كله في حرز من كل مكروه وحرس من الشيطان ولم ينبغي لذنب أن يدركه ذلك اليوم إلا الشرك بالله وقال هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه
وأما الحديث الذي رواه الترمذي في جامعه عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من دخل السوق فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير كتب له ألف ألف حسنة ومحي عنه ألف ألف سيئة ورفع له ألف ألف درجة فهو حديث معلول لا يثبت مثله وذكره له الترمذي طرقا
أحدها أحمد بن منيع حدثنا أزهر بن سنان حدثنا محمد بن واسع قال قدمت مكة فلقيني أخي سالم بن عبد الله بن عمر فحدثني عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكره وقال هذا حديث غريب
والثاني رواه عمر بن دينار
قهرمان آل الزبير عن سالم نحوه
قال الترمذي حدثنا أحمد بن عبدة حدثنا حماد بن عبدة حدثنا حماد بن زيد والمعتمر بن سليمان قالا حدثنا عمرو بن دينار وهو قهرمان آل الزبير عن سالم عن أبيه عن جده وقال وبني له بيت في الجنة ولم يقل ألف ألف درجة
والثالث رواه يحيى بن سليم الطائفي عن عمران بن مسلم عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم ولم يذكر عمر
ذكره الترمذي تعليقا عن يحيى

فأما الطريق الأولى فهي أمثل طرقه وأزهر بن سنان لا بأس به وقد تكلم فيه بعض الأئمة وقد ذكر حديثه هذا الحافظ أبو عبد الله المقدسي في المختارة
وأما الطريق الثانية ففيها عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير قال البخاري في التاريخ فيه نظر
وذكر هذا الإسناد بعينه ولم يذكر له متنا فقال قال موسى ابن عبد الرحمن حدثنا زيد بن خباب حدثنا سعيد بن زيد عن عمرو بن دينار مولى الأنصاري عن سالم عن أبيه عن عمر وقال الترمذي تكلم فيه بعض أصحاب الحديث وقد روى عن سالم أحاديث لا يتابع عليها
وأما الطريق الثالثة ففيها عمران بن مسلم وليس هو عمران بن مسلم القصير فإن ذاك من رجال الصحيح وهذا منكر الحديث
قاله البخاري وغيره
وقد قيل إلى القصير والله أعلم
14

قال الشيخ شمس الدين بن القيم رحمه الله
وقد تكلم في نكح الجن للأنس الإمام أحمد وغيره والكلام فيه في أمرين في وقوعه وفي حكمه
فأما حكمه فمنع منه أحمد ذكره القاضي أبو يعلى

قال الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله تعالى في الصحيحين أن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها مالم يتكلموا أو يعملوا به

قال الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله وقد أخرج الترمذي من حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خطب الناس يوم فتح مكة فقال يا أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وتعاظمها بآبائها الناس

رجلان مؤمن تقي كريم على الله وفاجر شقي هين على الله والناس بنو آدم وخلق الله آدم من تراب قال الله تعالى يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير وقال هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث عبد الله بن دينار إلا من هذا الوجه وعبد الله بن جعفر والدعلي يضعف ضعفه يحيى بن معين وغيره وفي الترمذي أيضا من حديث الحسن عن سمرة يرفعه الحسب المال والكرم والتقوى وقال هذا حديث حسن صحيح غريب

قال الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله وأخرج الترمذي عن يزيد بن نعامة الضبي
قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا آخى الرجل الرجل فليسأله عن اسمه واسم أبيه وممن هو فإنه أصل للمودة وقال هذا حديث غريب
وفي الصحيحين عن أنس أن أعرابيا قال لقال لرسول الله صلى الله عليه و سلم متى الساعة قال له رسول الله صلى الله عليه و سلم ما أعددت لها حب
ورسوله قال أنت مع من أحببت
وفي رواية ما أعددت لها من كثير صوم ولا صدقة ولكني أحب ورسوله
وفي الصحيحين عن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه و سلم قال المرء مع من أحب
وروى الترمذي من حديث زر بن حبيش عن صفوان بن عسال قال جاء أعرابي جهوري الصوت قال يا محمد الرجل يحب القوم ولا يلحق بهم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم المرء مع من أحب قال الترمذي حديث حسن صحيح
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الله تعالى يقول يوم القيامة أين المتحابون لجلالي اليوم أظلهم في ظلى يوم لا ظل إلا ظلي
وفي الترمذي عن معاذ بن جبل قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقولقال الله تعالى المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء قال وفي الباب عن أبي الدرداء وأبي مسعود وعبادة بن الصامت وأبي هريرة وأبي مالك الأشعري
وهذا حديث حسن صحيح
وفي الصحيحين عن أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم قالثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار
وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله ورجل قلبه معلق في المساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم
وروى مالك في الموطأ بإسناد صحيح عن أبي إدريس الخولاني قال دخلت مسجد دمشق فإذا فتى براق الثنايا وإذا الناس معه وإذا اختلفوا في شيء أسندوه إليه وصدروا عن رأيه فسألت عنه فقيل هذا معاذ بن جبل فلما كان من الغد هجرت فوجدته قد سبقني بالتهجير ووجدته يصلي فانتظرته حتى قضى

صلاته ثم جئته من قبل وجهه فسلمت عليه
ثم قلت والله إني لأحبك فقال الله قلت الله فقال الله قلت الله فأخذ بحبوة ردائي فجبذني إليه فقال أبشر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول قال الله تبارك وتعالى وجبت محبتي للمتحابين في والمتجالسين في والمتزاورين في والمتباذلين في
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى فأرصد الله على مدرجته ملكا فلما أتى عليه قال أين تريد قال أريد أخا لي في هذه القرية قال هل لك عليه نعمة تربها قال لا غير أني أحببته في الله تعالى قال فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه
وحديث المرء مع من أحب رواه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنس بن مالك وعبد الله بن مسعود وأبو موسى الأشعري وعلي بن أبي طالب وأبو سعيد الخدري وأبو ذر وصفوان بن عسال وعبد الله بن يزيد الخطمي والبراء بن عازب وعروة بن مضرس وصفوان بن قدامة الجمحي وأبو أمامة الباهلي وأبو سريحة الغفاري وأبو هريرة ومعاذ بن جبل وأبو قتادة الأنصاري وعبادة بن الصامت وجابر بن عبد الله وعائشة رضي الله عنهم أجمعين
فحديث أنس متفق عليه
وحديث ابن مسعود متفق عليه أيضا
وكذلك حديث أبي موسى وقد تقدمت
وأما حديث علي رضي الله عنه فرواه أبو داود الطيالسي عن شعبة عن مسلم الأعور عن حبة بن جوين العرني عن علي أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه و سلم الرجل يحب القوم ولا يستطيع أن يعمل بعملهم قال المرء مع من أحب
وأما حديث أبي سعيد الخدري فرواه ابن أبي ليلى عن عطية العوفي عنه مختصرا المرء مع من أحب
وأما حديث أبي ذر فذكره أبو داود وإسناده صحيح
وأما حديث صفوان بن عسال فرواه الترمذي وصححه وقد تقدم
وأما حديث عبد الله بن يزيد الخطمي فرواه جماعة عن مسلم الأعور عن موسى بن عبد الله بن يزيد عن أبيه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه و سلم فذكره
وأما حديث البراء بن عازب فرواه سعيد بن منصور عن علي بن يزبد الصدائي عن العرزمي عن أبي إسحاق عن البراء

وأما حديث عروة بن مضرس فرواه زيد بن الجرشي الأهوازي عن عمران ابن عيينة أخي سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عنه مرفوعا المرء مع من أحب
وأما حديث صفوان بن قدامة فرواه الطبراني في الكبير من حديث موسى بن ميمون المرئي عن أبيه ميمون بن موسى عن أبيه عن جده عبد الرحمن بن صفوان ابن قدامة قال هاجر أبي إلى النبي صلى الله عليه و سلم فبايعه على الإسلام وقال إني أحبك يا رسول الله فقال له النبي صلى الله عليه و سلم المرء مع من أحب
قال العلاء بن ميمون صدوق ضعيف
وأما حديث أبي أمامة الباهلي فرواه محمد بن عرعرة وطالوت بن عباد عن فضال ابن جبير عنه يرفعه لا يحب عبد قوما إلا بعثه الله معهم
وأما حديث أبي سريحة فمن رواية عبد الغفار بن القاسم متروك عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحارث عن حبيب بن حماد عنه مرفوعا المرء مع من أحب
وأما حديث أبي هريرة فرواه غسان بن الربيع عن موسى بن مطير عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا العبد عند ظنه بالله وهو مع أحبابه يوم القيامة
وأما حديث معاذ بن جبل فروى عنه بإسناد لا يثبت مرفوعا المرء مع من أحب
وأما حديث أبي قتادة الأنصاري فمن رواية ابن لهيعة حدثني أبو صخر عن يحيى ابن النضر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم نحو حديث أنس
وأما حديث عبادة بن الصامت فرواه عبد القدوس بن محمد بن شعيب حدثنا عمرو بن عاصم حدثنا همام عن قتادة عن أنس عن عبادة بن الصامت مرفوعا المرء مع من أحب
وهو في البخاري عن عمرو بن عاصم عن قتادة عن أنس من حديثه
وعبد القدوس هذا روى عنه البخاري
وأما حديث جابر فرواه الحارث بن أبي أسامة من حديث عكرمة بن عمار حدثني سعيد حدثني جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله متى تقوم الساعة قال فما أعددت لها قال والله يا رسول الله ما أعددت لها إني لضعيف العمل وإني أحب الله ورسوله قال فأنت مع من أحببت
وسعيد إن كان هو ابن المسيب فمنقطع وإن كان هو ابن مينا فقد أدرك جابرا
وأما حديث عائشة فقال عبد الله بن أحمد حدثنا هدبة بن خالد حدثنا همام عن إسحاق بن

عبد الله بن أبي طلحة عن شيبة الحضرمي عن عروة عن عائشة مرفوعا لا يحب أحد قوما إلا حشر معهم يوم القيامة
ورواه الطبراني في معجمه أطول منه من حديث عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة ترفعه ثلاث أحلف عليهن والرابعة لو حلفت لرجوت أن لا آثم ما جعل الله ذا سهم في الإسلام كمن لا سهم له ولا يتولى الله عبد في الدنيا فيوليه غيره يوم القيامة والمرء مع من أحب
والرابعة لو حلفت عليها لرجوت أن لا آثم لا يستر الله على عبد في الدنيا إلا ستره يوم القيامة فقال عمر ابن عبد العزيز إذا سمعتم بهذا الحديث عن عروة عن عائشة فاحفظوه

قال الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله تعالى قال الإمام أحمد للأم ثلاثة أرباع البر
وقال أيضا الطاعة للأب والبر للأم واحتج بحديث ابن عمر أطع أباك لما أمره عمر بن الخطاب رضي الله عنه بطلاق زوجته
وقد روى ابن ماجه في سننه من حديث القاسم بن محمد عن أبي أمامة أن رجلا قال يا رسول الله ما حق الوالدين على ولدهما قال هما جنتك ونارك
وأخرج أيضا عن أبي الدرداء سمع النبي صلى الله عليه و سلم يقول الوالد أوسط أبواب الجنة فأضع ذلك الباب أو احفظه

قال الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله تعالى وقد أخرج مسلم في صحيحه عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو وضم أصابعه
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت جاءتني امرأة ومعها ابنتان لها فسألتني فلم تجد عندي شيئا غير تمرة فأعطيتها إياها فأخذتها فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها شيئا ثم قامت فخرجت وابنتاها فدخل على النبي صلى الله عليه و سلم فحدثته حديثها فقال النبي صلى الله عليه و سلم من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترا من النار
وقد أخرج ابن ماجه في سننه عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من عال ثلاثة من الأيتام كان كمن قام ليله وصام نهاره وغدا وراح شاهرا سيفه في سبيل الله وكنت أنا وهو في الجنة أخوان كهاتين أختان وألصق إصبعيه السبابة والوسطى
وأخرج أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه
وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه
وقد أخرجا في الصحيحين عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه
وفيهما عن أبي شريح رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن
قيل يا رسول الله ومن هو قال الذي لا يأمن جاره بوائقه لفظ البخاري

وفي صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا أبا ذر إذا طبخت مرقا فأكثرها وتعاهد جيرانك
وفي لفظ له إن خليلي أوصاني إذا طبخت مرقا فأكثر ماءه ثم انظر أهل بيت من جيرانك فأصبهم منها بمعروف
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه و سلم يقول يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة

قال الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله وقد أخرج ابن ماجه في سننه من حديث مرة الطيب عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يدخل الجنة سيء الملكة قالوا يا رسول الله أليس أخبرتنا أن هذه الأمة أكثر الأمم مملوكين ويتامى قال نعم فأكرموهم ككرامة أولادكم وأطعموهم مما تأكلون
قالوا فما ينفعنا في الدنيا قال فرس ترتبطه تقاتل عليه في سبيل الله مملوكك يكفيك فإذا صلى فهو أخوك
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا صنع لأحدكم خادمه طعامه ثم جاءه به وقد ولى حره ودخانه فليقعده معه فليأكل فإن كان الطعام مشقوها قليلا فليضع في يده منه أكلة أو أكلتين لفظ مسلم
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم للمملوك طعامه وكسوته ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق
وأخرجا عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أدى العبد حق الله وحق مواليه كان له أجران زاد مسلم فحدثت به كعبا فقال كعب ليس عليه حساب ولا على المؤمن من هذا
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم للعبد المملوك المصلح أجران والذي نفس أبي هريرة بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك

زاد مسلم عن ابن المسيب وبلغنا أن أبا هريرة رضي الله عنه لم يكن يحج حتى ماتت أمه لصحبتها
وأخرج البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال للمملوك الذي يحسن عبادة ربه ويؤدي إلى سيده الذي له عليه من الحق والنصيحة والطاعة أجران
ولمسلم بمعناه
وفي الصحيحين عن أبي موسى رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاثة لهم أجران رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد والعبد المملوك إذا أدى حق الله وحق مواليه ورجل كانت له أمة فأدبها فأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوجها فله أجران

قال الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله وقد أخرجا في الصحيحين عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بسبع ونهانا عن سبع أمرنا بعيادة المريض واتباع الجنائز وتشميت العاطس ونصر الضعيف وعون المظلوم وإفشاء السلام وإبرار القسم
وفي جامع الترمذي عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام قال الترمذي حديث صحيح
وفي الموطأ بإسناد صحيح عن الطفيل بن أبي بن كعب أنه كان يأتي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فيغدو معه إلى السوق قال فإذا غدونا إلى السوق لم يمر عبد الله على سقاط ولا صاحب بيعة

ولا مسكين ولا أحد إلا سلم عليه قال الطفيل فجئت عبد الله بن عمر يوما فاستتبعني إلى السوق فقلت له وما تصنع بالسوق وأنت لا تقف على البيع ولا تسأل عن السلع ولا تسوم بها ولا تجلس في مجالس السوق قال وأقول اجلس بنا ها هنا نتحدث
قال فقال لي عبد الله بن عمر يا أبا بطن وكان الطفيل ذا بطن إنما نغدو من أجل السلام نسلم على من لقينا

قال الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله قلت معنى ما أشار إليه الخطابي في قوله لأن الواو حرف العطف والجمع بين الشيئين أن الواو في مثل هذا تقتضي تقرير الجملة الأولى وزيادة الثانية عليها كما إذا قلت زيد كاتب فقال المخاطب وشاعر وفقيه اقتضى ذلك تقرير كونه كاتبا وزيادة كونه شاعرا وفقيها وكذلك إذا قلت لرجل فلان أخوك
فقال وابن عمي كان ذلك تقريرا لكونه أخاه وزيادة كونه ابن عمه
ومن ههنا استنبط أبو القاسم السهيلي أن عدة أصحاب الكهف سبعة قال لأن الله تعالى حكى قول من قال ثلاثة وخمسة ولم يذكر الواو في قوله رابعهم سادسهم وحكى قول من قال إنهم سبعة ثم قال وثامنهم كلهم قال لأن الواو عاطفة على كلام مضمر تقديره نعم وثامنهم كلهم
وذلك أن قائلا لو قال إن زيدا شاعر فقلت له وفقيه كنت قد صدقته كأنك قلت نعم هو كذلك وفقيه أيضا
وفي الحديث سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم أنتوضأ بما أفضلت الحمر قال وبما أفضلت السباع يريد نعم وبما أفضلت السباع أخرجه الدارقطني
وفي التنزيل وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير هو من هذا الباب
وفيما قاله السهيلي نظر
فإن هذا إنما يتم إذا كان حرف العطف بين كلامين لمتكلمين
وهو نظير ما استشهد به من الآي

وأما إذا كان من متكلم واحد لم يلزم ذلك كما إذا قلت زيد فقيه وكاتب وشاعر
والآية ليس فيها أن كلامهم انتهى إلى قوله سبعة ثم قررهم الله على ذلك ثم قال وثامنهم كلبهم بل سياق الآية يدل على أن الجملتين من كلامهم وأن جميعه داخل تحت الحكاية فهو كقول من قبلهم مع اقترانه بالواو
وأما هذا الحديث في رد السلام فإدخال الواو فيه لا يقتضي اشتراكا معهم في مضمون هذا الدعاء وإن كان كلامين لمتكلمين بل غايته التشريك في نفس الدعاء
وهذا لأن الدعاء الأول قد وجد منهم وإذا رد عليهم نظيره حصل الاشتراك في نفس الدعاء
ولا يستلزم ذلك الاشتراك معهم في مضمونه ومقتضاه إذ غايته أنا نرد عليكم كما قلتم لنا
وإذا كان السام معناه الموت كما هو المشهور فيه فالاشتراك ظاهر
والمعنى أنا لسنا نموت دونكم بل نحن نموت وأنتم أيضا تموتون فلا محذور في دخول الواو على كل تقدير وقد تقدم أن أكثر الأئمة رواه بالواو

قال الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله وروى الترمذي في جامعه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رجل يا رسول الله الرجل يلقى أخاه أو صديقه أينحني له قال لا قال أفيلتزمه ويقبله قال لا قال فيأخذ بيده ويصافحه قال نعم
قال الترمذي هذا حديث حسن
وله عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال من تمام التحية الأخذ باليد وله علتان
إحداهما رواية يحيى بن سليم له
والثانية أن رواية عن ابن مسعود رجل مجهول قال الترمذي وسألت محمد ابن إسماعيل يعني البخاري عن هذا الحديث فلم يعده محفوظا
وأخرج الترمذي أيضا من حديث عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال تمام عيادة المريض أن يضع أحدكم يده على جبهته أو على يده فيسأله كيف هو وتمام تحياتكم المصافحة
قال الترمذي هذا حديث ليس إسناده بذاك القوي
قال محمد يعني البخاري عبيد الله بن

زحر ثقة وعلي بن يزيد ضعيف
والقاسم بن عبد الرحمن يكنى أبا عبد الرحمن شامي وهو ثقة وهو مولى عبد الرحمن بن خالد بن يزيد بن معاوية والقاسم الشامي

قال الحافظ الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله وأخرج الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله صلى الله عليه و سلم في بيتي فأتاه فقرع الباب فقام إليه النبي صلى الله عليه و سلم يجر ثوبه فاعتنقه وقبله وقال حديث حسن
وأخرج أيضا بإسناد على شرط مسلم عن أنس قال لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه و سلم وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له لما يعلمون من كراهيته لذلك قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه
وأخرج أيضا من حديث سفيان وهو الثوري عن حبيب بن الشهيد عن أبي مجلز قال خرج معاوية فقام عبد الله بن الزبير وابن صفوان حين رأوه فقال اجلسا سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من سره أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار قال هذا حديث حسن
حدثنا هناد حدثنا أبو أسامة عن حبيب بن الشهيد عن أبي مجلز عن معاوية عن النبي صلى الله عليه و سلم مثله
وهذا الإسناد على شرط الصحيح قال وفي الباب عن أبي أمامة
وفيه رد على من زعم أن معناه أن يقوم الرجل للرجل في حضرته وهو قاعد فإن معاوية روى الخبر لما قاما له حين خرج
وأما الأحاديث المتقدمة فالقيام فيها عارض للقادم
مع أنه قيام إلى الرجل للقائه لا قياما له وهو وجه حديث فاطمة
فالمذموم القيام للرجل
وأما القيام إليه للتلقي إذا قدم فلا بأس به
وبهذا تجتمع الأحاديث
والله أعلم

قال الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله وحكى عن شعبة قال سألت عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة فقال يعرف وينكر
هذا آخر كلامه
وهذا الحديث يرويه شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن صفوان بن عسال
وفي نفس الحديث ما يدل على أنه منكر جدا فإن فيه أنهم سألوه عن تسع آيات بينات فقال لهم لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق إلى آخره والآيات التسع اتي أرسل بها موسى إلى فرعون إنما كانت آيات نبوته ومعجزات صدقه كالعصا واليد وباقي الآيات
ولهذا قال تعالى ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم
فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا فهذه آيات النبوة قبل نزول آيات الحكم والشرع
وهذا بين بحمد الله تعالى

قال الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله وقد أخرجا في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم جلس على المنبر
فقال إن عبدا خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده فبكى أبو بكر وقال فديناك بآبائنا وأمهاتنا الحديث
وهذ كان بعد إسلام أبي قحافة فإنه خطب بهذه الخطبة قبيل وفاته صلى الله عليه و سلم بقليل
وهذا أصح من حديث الزبير وأولى أن يؤخذ به منه
والله أعلم

قال الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله تعالى على قول المنذري
وقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي الزبير عن جابر أنهم لما صلوا خلفه صلى الله عليه و سلم
قال فلما سلم قال إن كدتم آنفا أن تفعلوا فعل فارس والروم الحديث
وحمل أحاديث النهي عن القيام على مثل هذه الصورة ممتنع
فإن سياقها يدل على خلافه وأنه صلى الله عليه و سلم كان ينهي عن القيام له إذا خرج عليهم
ولأن العرب لم يكونوا يعرفون هذا وإنما هو من فعل فارس والروم
ولأن هذا لا يقال له قيام للرجل إنما هو قيام عليه
ففرق بين القيام للشخص المنهي عنه
والقيام عليه المشبه لفعل فارس والروم والقيام إليه عند قدومه الذي هو سنة العرب
وأحاديث الجواز تدل عليه فقط

قال الحافظ الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله وفي صحيح البخاري عن أم شريك رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر بقتل الوزغ وقال كان ينفخ على إبراهيم
وفي الصحيحين عنها رضي الله عنها استأمرت النبي صلى الله عليه و سلم في قتل الأوزاغ فأمر بقتلها

أقسام الكتاب
1 2 3 4