كتاب : الإتقان في علوم القرآن
المؤلف : عبد الرحمن بن الكمال جلال الدين السيوطي

الآية شبه ما يدرك من أثر الضرر والألم بما يدرك من طعم المر فأوقع عليه الإذاقة ختم الله على قلوبهم شبهها في ألا تقبل الحق بالشيء الموثوق المختوم
ثم أثبت لها الختم جدارا يريد أن ينقض شبه ميلانه للسقوط بانحراف الحي فأثبت له الإرادة التي هي من خواص العقلاء
4398 - ومن التصريحية آية مستهم البأساء من بعثنا من مرقدنا
4399 - وتنقسم باعتبار آخر إلى
وفاقية بأن يكون اجتماعهما في شيء ممكنا نحو أومن كان ميتا فأحييناه أي ضالا فهديناه استعير الإحياء من جعل الشيء حيا للهداية التي بمعنى الدلالة على ما يوصل إلى المطلوب والإحياء والهداية مما يمكن اجتماعهما في شيء
4400 - وعنادية وهي ما لا يمكن اجتماعهما في شيء كاستعارة اسم المعدوم للموجود لعدم نفعه واجتماع الوجود والعدم في شيء ممتنع
4401 - ومن العنادية التهكمية والتمليحية وهما ما استعمل في ضد أو نقيض نحو فبشرهم بعذاب أليم أي أنذرهم استعيرت البشارة وهي الإخبار بما يسر للإنذار الذي هو ضده بإدخاله في جنسها على سبيل التهكم والاستهزاء ونحو إنك لأنت الحليم الرشيد عنى الغوي السفيه تهكما ذق إنك أنت العزيز الكريم
4402 - وتنقسم باعتبار آخر إلى تمثيلية وهي أن يكون وجه الشبه فيها منتزعا من متعدد نحو واعتصموا بحبل الله جميعا شبه استظهار العبد بالله ووثوقه بحمايته والنجاة من المكارة باستمساك الواقع في مهواة بحبل وثيق مدلى من مكان مرتفع يأمن انقطاعه

تنبيه
4403 - قد تكون الاستعارة بلفظين نحو قوارير قوارير من فضة يعني تلك الأواني ليست من الزجاج ولا من الفضة بل في صفاء القارورة وبياض الفضة
فصب عليهم ربك سوط عذاب فالصب كناية عن الدوام والسوط عن الإيلام فالمعنى عذبهم عذابا دائما مؤلما
1 -
فائدة
4404 - أنكر قوم الاستعارة بناء على إنكارهم المجاز وقوم إطلاقها في القرآن لأن فيها إيهاما للحاجة ولأنه لم يرد في ذلك إذن من الشرع وعليه القاضي عبد الوهاب المالكي
4405 - وقال الطرطوشي إن أطلق المسلمون الاستعارة فيه أطلقناها وإنامتنعوا امتنعنا ويكون هذا من قبيل إن الله عالم والعلم هو العقل ثم لا نصفه به لعدم التوقيف
انتهى
2 -
فائدة ثانية
4406 - تقدم أن التشبيه من أعلى أنواع البلاغة وأشرفها واتفق البلغاء على أن الإستعارة أبلغ منه لأنها مجاز وهو حقيقة والمجاز أبلغ فإذا الاستعارة أعلى مراتب الفصاحة
وكذا الكناية أبلغ من التصريح والاستعارة أبلغ من الكناية كما قال في عروس الأفراح إنه الظاهر لأنها كالجامعة بين كناية واستعارة ولأنها مجاز قطعا وفي الكناية خلاف
4407 - وأبلغ أنواع الاستعارة التمثيلية كما يؤخذ من الكشاف ويليها المكنية صرح به الطيبي لاشتمالها على المجاز العقلي
والترشيحية أبلغ من المجردة والمطلقة والتخييلية أبلغ من التحقيقية والمراد بالأبلغية إفادة زيادة التأكيد والمبالغة في كمال التشبيه لا زيادة في المعنى لا توجد في غير ذلك

خاتمة
4408 - من المهم تحرير الفرق بين الاستعارة والتشبيه المحذوف الأداة نحو زيد أسد
4409 - قال الزمخشري في قوله تعالى صم بكم عمي فإن قلت هل يسمى ما في الآية استعارة قلت مختلف فيه والمحققون على تسميته تشبيها بليغا لا استعارة لأن المستعار له مذكور وهم المنافقون وإنما تطلق الاستعارة حيث يطوى ذكر المستعار له ويجعل الكلام خلوا عنه صالحا لأن يراد المنقول عنه والمنقول له لولا دلالة الحال أو فحوى الكلام ومن ثم ترى المفلقين السحرة يتناسون التشبيه ويضربون عنه صفحا
4410 - وعلله السكاكي بأن من شرط الاستعارة إمكان حمل الكلام على الحقيقة في الظاهر وتناسي التشبيه و زيد أسد لا يمكن كونه حقيقة فلا يجوز أن يكون استعارة وتابعه صاحب الإيضاح
4411 - قال في عروس الأفراح وما قالاه ممنوع وليس من شرط الاستعارة صلاحية الكلام لصرفه إلى الحقيقة في الظاهر
قال بل لو عكس ذلك وقيل لا بد من عدم صلاحيته لكان أقرب لأن الاستعارة مجاز لا بد له قرينة فإن لم تكن قرينة امتنع صرفه إلى الاستعارة وصرفناه إلى حقيقته وإنما نصرفه إلى الاستعارة بقرينة إما لفظية أو معنوية نحو زيد أسد فالإخبار به عن زيد قرينة صارفة عن إرادة حقيقته
قال والذي نختاره في نحو زيد أسد أنه قسمان تارة يقصد به التشبيه فتكون أداة التشبيه مقدرة وتارة يقصد به الاستعارة فلا تكون مقدرة ويكون الأسد مستعملا في حقيقته وذكر زيد والإخبار عنه بما لا يصلح له حقيقة قرينة صارفة إلى الاستعارة دالة عليها فإن قامت قرينة على حذف الأداة صرنا إليه وإن لم تقم فنحن بين إضمار واستعارة والاستعارة أولى فيصار إليها
4412 - وممن صرح بهذا الفرق عبد اللطيف البغدادي في قوانين

البلاغة
وكذا قال حازم الفرق بينهما أن الاستعارة وإن كان فيها معنى التشبيه فتقدير حرف التشبيه لا يجوز فيها والتشبيه بغير حرف على خلاف ذلك لأن تقدير حرف التشبيه واجب فيه

النوع الرابع والخمسون
في كناياته وتعريضه
4413 - هما من أنواع البلاغة وأساليب الفصاحة وقد تقدم أن الكناية أبلغ من التصريح
وعرفها أهل البيان بأنها لفظ أريد به لازم معناه
4414 - وقال الطيبي ترك التصريح بالشيء إلى ما يساويه في اللزوم فينتقل منه إلى الملزوم
وأنكر وقوعها في القرآن من أنكر المجاز فيه بناء على أنها مجاز وقد تقدم الخلاف في ذلك
4415 - وللكناية أسباب
أحدها التنبيه على عظم القدرة نحو هو الذي خلقكم من نفس واحدة كناية عن آدم
4416 - ثانيها ترك اللفظ إلى ما هو أجمل نحو إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فكنى بالنعجة عن المرأة كعادة العرب في ذلك لأن ترك التصريح بذكر النساء أجمل منه ولهذا لم تذكر في القرآن امرأة باسمها إلا مريم
4417 - قال السهيلي وإنما ذكرت مريم باسمها على خلاف عادة الفصحاء لنكتة وهو أن الملوك والأشراف لا يذكرون حرائرهم في ملأ ولا يبتذلون أسماءهن بل يكنون عن الزوجة بالفرش والعيال ونحو ذلك فإذا ذكروا الإماء لم يكنوا عنهن ولم يصونوا أسماءهن عن الذكر فلما قالت النصارى في مريم ما قالوا صرح الله باسمها ولم يكن تأكيدا للعبودية إلا التي هي صفة لها وتأكيدا لأن عيسى لا أب له وإلا لنسب إليه

4418 - ثالثها أن يكون التصريح مما يستقبح ذكره ككناية الله عن الجماع بالملامسة والمباشرة والإفضاء والرفث والدخول والسر في قوله ولكن لا تواعدوهن سرا
والغشيان في قوله فلما تغشاها
4419 - أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال المباشرة الجماع ولكن الله يكني
4420 - وأخرج عنه قال إن الله كريم يكني ما شاء وإن الرفث هو الجماع وكنى عن طلبه بالمراودة في قوله وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وعنه أو عن المعانقة باللباس في قوله هن لباس لكم وأنتم لباس لهن وبالحرث في قوله نساؤكم حرث لكم
4421 - وكنى عن البول ونحوه بالغائط في قوله أو جاء أحد منكم من الغائط وأصله المكان المطمئن من الأرض
4422 - وكني عن قضاء الحاجة بأكل الطعام في قوله في مريم وإبنها كانا يأكلان الطعام
4423 - وكنى عن الأستاه بالأدبار في قوله يضربون وجوههم وأدبارهم أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في هذه الآية قال يعني أستاههم ولكن الله يكني
4424 - وأورد على ذلك التصريح بالفرج في قوله التي أحصنت فرجها
وأجيب بأن المراد به فرج القميص والتعبير به من ألطف الكنايات وأحسنها أي لم يعلق ثوبها بريبة فهي طاهرة الثوب كما يقال نقى الثوب وعفيف الذيل كناية عن العفة ومنه وثيابك فطهر وكيف يظن أن نفخ جبريل وقع في فرجها وإنما نفخ في جيب درعها
ونظيره أيضا ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن

قلت وعلى هذا ففي الآية كناية عن كناية ونظيره ما تقدم من مجاز المجاز
4425 - رابعها قصد البلاغة والمبالغة نحو أو من ينشؤا في الحلية وهو في الخصام غير مبين كنى عن النساء بأنهن ينشأن في الترفه والتزين الشاغل عن النظر في الأمور ودقيق المعاني ولو أتى بلفظ النساء لم يشعر بذلك والمراد نفي ذلك عن الملائكة
4426 - وقوله بل يداه مبسوطتان كناية عن سعة جوده وكرمه جدا
4427 - خامسها قصد الإختصار كالكناية عن ألفاظ متعددة بلفظ فعل نحو لبئس ما كانوا يفعلون فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا أي فإن لم تأتوا بسورة من مثله
4428 - سادسها التنبيه على مصيره نحو تبت يدا أبي لهب أي جهنمي مصيره إلى اللهب حمالة الحطب في جيدها حبل أي نمامة مصيرها إلى أن تكون حطبا لجهنم في جيدها غل
4429 - قال بدر الدين بن مالك في المصباح إنما يعدل عن التصريح إلى الكناية لنكتة كالإيضاح أو بيان حال الموصوف أو مقدار حاله أو القصد إلى المدح أو الذم أو الإختصار أو الستر أو الصيانة أو التعمية والإلغاز أو التعبير عن الصعب بالسهل أو عن المعنى القبيح باللفظ الحسن
4430 - واستنبط الزمخشري نوعا من الكناية غريبا وهو أن تعمد إلى جملة معناها على خلاف الظاهر فتأخذ الخلاصة من غير إعتبار مفرداتها بالحقيقة والمجاز فتعبر بها عن المقصود كما تقول في نحو الرحمن على العرش استوى إنه كناية عن الملك فإن الإستواء على السرير لا يحصل إلا مع الملك فجعل كناية عنه وكذا قوله والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات

بيمينه كناية عن عظمته وجلالته من غير ذهاب بالقبض واليمين إلى جهتين حقيقة ومجاز

تذنيب
4431 - من أنواع البديع التي تشبه الكناية الإرداف وهو أن يريد المتكلم معنى ولا يعبر عنه بلفظه الموضوع له ولا بدلالة الإشارة بل بلفظ يرادفه كقوله تعالى وقضي الأمر والأصل وهلك من قضى الله هلاكه ونجا من قضى الله نجاته
وعدل عن ذلك إلى لفظ الإرداف لما فيه من الإيجاز والتنبيه على أن هلاك الهالك ونجاة الناجي كان بأمر آمر مطاع وقضاء من لا يرد قضاؤه والأمر يستلزم آمرا فقضاؤه يدل على قدرة الآمر به وقهره وأن الخوف من عقابه ورجاء ثوابه يحضان على طاعة الآمر ولا يحصل ذلك كله من اللفظ الخاص
4432 - وكذا قوله واستوت على الجودي حقيقة ذلك جلست فعدل عن اللفظ الخاص بالمعنى إلى مرادفه لما في الإستواء من الإشعار بجلوس متمكن لا زيغ فيه ولا ميل وهذا لا يحصل من لفظ الجلوس
4433 - وكذا فيهن قاصرات الطرف الأصل عفيفات وعدل عنه للدلالة على أنهن مع العفة لا تطمح أعينهن إلى غير أزواجهن ولا يشتهين غيرهم
ولا يؤخذ ذلك من لفظ العفة
4434 - قال بعضهم والفرق بين الكناية والإرداف أن الكناية إنتقال من لازم إلى ملزوم والإرداف من مذكور إلى متروك
4435 - ومن أمثلته أيضا ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى عدل في الجملة الأولى عن قوله بالسوءى مع أن فيه مطابقة للجملة الثانية إلى بما عملوا تأدبا أن يضاف السوء إلى الله تعالى
فصل
4436 - للناس في الفرق بين الكناية والتعريض عبارات متقاربة فقال

الزمخشري الكناية ذكر الشيء بغير لفظه الموضوع له والتعريض أن تذكر شيئا تدل به على شيء لم تذكره
4437 - وقال ابن الأثير الكناية ما دل على معنى يجوز حمله على الحقيقة والمجاز بوصف جامع بينهما والتعريض اللفظ الدال على معنى لا من جهة الوضع الحقيقي أو المجازي كقول من يتوقع صلة والله إني محتاج فإنه تعريض بالطلب مع أنه لم يوضع له حقيقة ولا مجازا وإنما فهم من عرض اللفظ أي جانبه
4438 - وقال السبكي في كتاب الإغريض في الفرق بين الكناية والتعريض الكناية لفظ استعمل في معناه مرادا منه لازم المعنى فهي بحسب إستعمال اللفظ في المعنى حقيقة والتجوز في إرادة أفادة ما لم يوضع له
وقد لا يراد منها المعنى بل يعبر بالملزوم عن اللازم وهي حينئذ مجاز ومن أمثلته قل نار جهنم أشد حرا فإنه لم يقصد أفادة ذلك لأنه معلوم بل إفادة لازمه وهو أنهم يردونها ويجدون حرها إن لم يجاهدوا
وأما التعريض فهو لفظ إستعمل في معناه للتلويح بغيره نحو بل فعله كبيرهم هذا نسب الفعل إلى كبير الأصنام المتخذة آلهة كأنه غضب أن تعبد الصغار معه تلويحا لعابدها بأنها لا تصلح أن تكون آلهة لما يعلمون إذا نظروا بعقولهم من عجز كبيرها عن ذلك الفعل والإله لا يكون عاجزا فهو حقيقة أبدا
4439 - وقال السكاكي التعريض ما سيق لأجل موصوف غير مذكور ومنه أن يخاطب واحد ويراد غيره وسمي به لأنه أميل الكلام إلى جانب مشارا به إلى آخر يقال نظر إليه بعرض وجهه أي جانبه
4440 - قال الطيبي وذلك يفعل إما لتنويه جانب الموصوف ومنه ورفع بعضهم درجات أي محمدا إعلاء لقدره أي أنه العلم الذي لا يشتبه
4441 - وإما لتلطف به واحتراز عن المخاشنة نحو وما لي لا أعبد الذي فطرني أي ومالكم لا تعبدون بدليل قوله وإليه ترجعون وكذا قوله

أأتخذ من دونه آلهة ووجه حسنه إسماع من يقصد خطابه الحق على وجه يمنع غضبه إذ لم يصرح بنسبته للباطل والإعانة على قبوله إذ لم يرد له إلا ما أراده لنفسه
4442 - وإما لإستدراج الخصم إلى الإذعان والتسليم ومنه لئن أشركت ليحبطن عملك خوطب النبي وأريد غيره لإستحالة الشرك عليه شرعا
4443 - وإما للذم نحو إنما يتذكر أولوا الألباب فإنه تعريض بذم الكفار وأنهم في حكم البهائم الذين لا يتذكرون
4444 - وإما للإهانة والتوبيخ نحو وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت فإن سؤالها لإهانة قاتلها وتوبيخه
4445 - وقال السبكي التعريض قسمان
قسم يراد به معناه الحقيقي ويشار به إلى المعنى الآخر المقصود كما تقدم
وقسم لا يراد بل يضرب مثلا للمعنى الذي هو مقصود التعريض كقول إبراهيم بل فعله كبيرهم هذا

النوع الخامس والخمسون
في الحصر والاختصاص
4446 - أما الحصر ويقال له القصر فهو تخصيص أمر بآخر بطريق مخصوص ويقال أيضا إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه
4447 - وينقسم إلى قصر الموصوف على الصفة وقصر الصفة على الموصوف وكل منهما إما حقيقي وإما مجازي
4448 - مثال قصر الموصوف على الصفة حقيقيا نحو ما زيد إلا كاتب أي لا صفة له غيرها وهو عزيز لا يكاد يوجد لتعذر الإحاطة بصفات الشيء حتى يمكن إثبات شيء منها ونفي ما عداها بالكلية وعلى عدم تعذرها يبعد أن تكون للذات صفة واحدة ليس لها غيرها ولذا لم يقع في التنزيل
4449 - ومثاله مجازيا وما محمد إلا رسول أي أنه مقصور على الرسالة لا يتعداها إلى التبري من الموت الذي استعظموه الذي هو من شأن الإله
4450 - ومثال قصر الصفة على الموصوف حقيقيا لا إله إلا الله
4451 - ومثاله مجازيا قل لا أجد فيما أوحى إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة . . الآية كما قال الشافعي فيما تقدم نقله عنه في أسباب النزول إن الكفار لما كانوا يحلون الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به وكانوا يحرمون كثيرا من المباحات وكانت سجيتهم تخالف وضع الشرع ونزلت الآية مسبوقة بذكر شبههم في البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي وكان الغرض أبانة كذبهم فكأنه قال لا حرام إلا ما أحللتموه والغرض الرد عليهم والمضادة لا الحصر الحقيقي وقد تقدم بأبسط من هذا

4452 - وينقسم الحصر باعتبار آخر إلى ثلاثة أقسام قصر إفراد وقصر قلب وقصر تعيين
4453 - فالأول يخاطب به من يعتقد الشركة نحو إنما هو إله واحد خوطب به من يعتقد إشتراك الله والأصنام في الألوهية
4454 - والثاني يخاطب به من يعتقد إثبات الحكم لغير من أثبته المتكلم له نحو ربي الذي يحيي ويميت خوطب به نمرود الذي اعتقد أنه هو المحيي المميت دون الله ألا إنهم هم السفهاء خوطب به من اعتقد من المنافقين أن المؤمنين سفهاء دونهم وأرسلناك للناس رسولا خوطب به من يعتقد من اليهود إختصاص بعثته بالعرب
4455 - والثالث يخاطب به من تساوى عنده الأمران فلم يحكم بإثبات الصفة لواحد بعينه ولا لواحد بإحدى الصفتين بعينها

فصل
4456 - طرق الحصر كثيرة
أحدها النفي والإستثناء سواء كان النفي بلا أو ما أو غيرهما والإستثناء بإلا أو غير نحو لا إله إلا الله وما من إله إلا الله ما قلت لهم إلا ما أمرتني به
ووجه إفادته الحصر أن الإستثناء المفرغ لا بد أن يتوجه النفي فيه إلى مقدر وهو مستثنى منه لأن الإستثناء إخراج فيحتاج إلى مخرج منه والمراد التقدير المعنوي لا الصناعي ولا بد أن يكون عاما لأن الإخراج لا يكون إلا من عام ولا بد أن يكون مناسبا للمستثنى في جنسه مثل ما قام إلا زيد أي أحد وما أكلت إلا تمرا أي مأكولا
ولا بد أن يوافقه في صفته أي إعرابه وحينئذ يجب القصر إذا أوجب منه شيء بإلاضرورة ببقاء ما عداه على صفة الإنتفاء
4457 - وأصل إستعمال هذا الطريق أن يكون المخاطب جاهلا بالحكم وقد يخرج عن ذلك فينزل المعلوم منزلة المجهول لاعتبار مناسب نحو وما محمد إلا

رسول فإنه خطاب للصحابة وهم لم يكونوا يجهلون رسالة النبي لأنه نزل إستعظامهم له عن الموت منزلة من يجهل رسالته لأن كل رسول فلا بد من موته فمن استبعد موته فكأنه استبعد رسالته
4458 - الثاني إنما الجمهور على أنها للحصر فقيل بالمنطوق وقيل بالمفهوم
وأنكر قوم أفادتها إياه منهم أبو حيان
واستدل مثبتوه بأمور
منها قوله تعالى إنما حرم عليكم الميتة بالنصب فإن معناه ما حرم عليكم إلا الميتة لأنه المطابق في المعنى لقراءة الرفع فإنها للقصر فكذا قراءة النصب والأصل إستواء معنى القراءتين
4459 - ومنها أن إن للإثبات و ما للنفي فلا بد أن يحصل القصر للجمع بين النفي والإثبات لكن تعقب بأن ما زائدة كافة لا نافية
4460 - ومنها أن إن للتأكيد و ما كذلك فاجتمع تأكيدان فأفادا الحصر
قاله السكاكي وتعقب بأنه لو كان إجتماع تأكيدين يفيد الحصر لأفاده نحو إن زيدا لقائم
وأجيب بأن مراده لا يجتمع حرفا تأكيد متواليان إلا للحصر
4461 - ومنها قوله تعالى قال إنما العلم عند الله قال إنما يأتيكم به الله قل إنما علمها عند رب فإنه إنما تحصل مطابقة الجواب إذا كانت إنما للحصر ليكون معناها لا آتيكم به إنما يأتي به الله ولا أعلمها إنما يعلمها الله وكذا قوله ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ما على المحسنين من سبيل إلى قوله إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي وإن تولوا فإنما عليك البلاغ
ولا يستقيم المعنى في هذه الآيات ونحوها إلا بالحصر

4462 - وأحسن ما تستعمل إنما في مواقع التعريض نحو إنما يتذكر أولوا الألباب
4463 - الثالث أنما بالفتح عدها من طرق الحصر الزمخشري والبيضاوي فقالا في قوله تعالى قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد إنما لقصر الحكم على شيء أو لقصر الشيء على حكم نحو إنما زيد قائم و إنما يقوم زيد
وقد اجتمع الأمران في هذه الآية لأن إنما يوحي إلي مع فاعله بمنزلة إنما يقوم زيد و أنما الهكم بمنزلة إنما زيد قائم وفائدة إجتماعهما الدلالة على أن الوحي إلى الرسول مقصور على إستئثار الله بالوحدانية
4464 - وصرح التنوخي في الأقصى القريب بكونها للحصر فقال كلما أوجب أن إنما بالكسر للحصر أوجب أن أنما بالفتح للحصر لأنها فرع عنها وما ثبت للأصل ثبت للفرع ما لم يثبت مانع منه والأصل عدمه
4465 - ورد أبو حيان على الزمخشري ما زعمه بأنه يلزمه إنحصار الوحي في الوحدانية وأجيب بأنه حصر مجازي باعتبار المقام
4466 - الرابع العطف بلا أو بل ذكره أهل البيان ولم يحكوا فيه خلافا
4467 - ونازع فيه الشيخ بهاء الدين في عروس الأفراح فقال أي قصر في العطف بلا إنما فيه نفي وإثبات فقولك زيد شاعر لا كاتب لا تعرض فيه لنفي صفة ثالثة والقصر إنما يكون بنفي جميع الصفات غير المثبت حقيقة أو مجازا وليس هو خاصا بنفي الصفة التي يعتقدها المخاطب وأما العطف ببل فأبعد منه لأنه لا يستمر فيها النفي والإثبات
4467 - الخامس تقديم المعمول نحو إياك نعبد لإلى الله تحشرون وخالف فيه قوم وسيأتي بسط الكلام فيه قريبا
4468 - السادس ضمير الفصل نحو فالله هو الولي أي لا غيره

وأولئك هم المفلحون إن هذا لهو القصص الحق إن شانئك هو الأبتر
وممن ذكر أنه للحصر البيانيون في بحث المسند إليه
واستدل له السهيلي بأنه أتي به في كل موضع ادعي فيه نسبة ذلك المعنى إلى غير الله ولم يؤت به حيث لم يدع وذلك في قوله وأنه هو أضحك وأبكى . . إلى آخر الآيات فلم يؤت به في وأنه خلق الزوجين وأن عليه النشأة وأنه أهلك عادا الأولى لأن ذلك لم يدع لغير الله وأتي به في الباقي لادعائه لغيره
قال في عروس الأفراح وقد استنبطت دلالته على الحصر من قوله فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم . . لأنه لو لم يكن للحصر لما حسن لأن الله لم يزل رقيبا عليهم وإنما الذي حصل بتوفيته أنه لم يبق لهم رقيب غير الله تعالى ومن قوله لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون فإنه ذكر لتبيين عدم الإستواء وذلك لا يحسن إلا بأن يكون الضمير للإختصاص
4469 - السابع تقديم المسند إليه على ما قال الشيخ عبد القاهر قد يقدم المسند إليه ليفيد تخصيصه بالخبر الفعلي والحاصل على رأيه أن له أحوالا
أحدها أن يكون المسند إليه معرفة والمسند مثبتا فيأتي للتخصيص نحو أنا قمت وأنا سعيت في حاجتك فإن قصد به قصر الإفراد أكد بنحو وحدي أو قصر القلب أكد بنحو لا غيري ومنه بل أنتم بهديتكم تفرحون فإن ما قبله من قوله أتمدونن بمال ولفظ بل المشعر بالإضراب يقضي بأن المراد بل أنتم لا غيركم فإن المقصود نفي فرحه هو بالهدية لا إثبات الفرح لهم بهديتهم
قاله في عروس الأفراح
قال وكذا قوله لا تعلمهم نحن نعلمهم أي لا نعلمهم إلا نحن
وقد يأتي للتقوية والتأكيد دون التخصيص قال الشيخ بهاء الدين ولا يتميز ذلك إلا بما يقتضيه الحال وسياق الكلام
ثانيها أن يكون المسند منفيا نحو أنت لا تكذب فإنه أبلغ في نفي الكذب من لا تكذب ومن لا تكذب أنت
وقد يفيد التخصيص ومنه فهم لا يتساءلون

ثالثها أن يكون المسند إليه نكرة مثتبا نحو رجل جاءني فيفيد التخصيص إما بالجنس أي لا امرأة أو الوحدة أي لا رجلان
رابعها أن يلي المسند إليه حرف النفي فيفيده نحو ما أنا قلت هذا أي لم أقله مع أن غيري قاله ومنه وما أنت علينا بعزيز أي العزيز علينا رهطك لا أنت ولذا قال أرهطي أعز عليكم من الله
هذا حاصل رأي الشيخ عبد القاهر ووافقه السكاكي وزاد شروطا وتفاصيل بسطناها في شرح ألفية المعاني
4470 - الثامن تقديم المسند ذكر ابن الأثير وابن النفيس وغيرهما أن تقديم الخبر على المبتدأ يفيد الإختصاص
ورده صاحب الفلك الدائر بأنه لم يقل به أحد وهو ممنوع فقد صرح السكاكي وغيره بأن تقديم ما رتبته التأخير يفيده ومثلوه بنحو تميمي أنا
4471 - التاسع ذكر المسند إليه ذكر السكاكي أنه قد ذكر ليفيد التخصيص
وتعقبه صاحب الإيضاح
وصرح الزمخشري بأنه أفاد الإختصاص في قوله الله يبسط الرزق في سورة الرعد وفي قوله الله نزل أحسن الحديث وفي قوله والله يقول الحق وهو يهدي السبيل
ويحتمل أنه أراد أن تقديمه أفاده فيكون من أمثله الطريق السابع
4472 - العاشر تعريف الجزءين ذكر الإمام فخر الدين في نهاية الإيجاز أنه يفيد الحصر حقيقة أو مبالغة نحو المنطلق زيد ومنه في القرآن فيما ذكر الزملكاني في أسرار التنزيل الحمد لله قال إنه يفيد الحصر كما في إياك نعبد أي الحمد لله لا لغيره
4473 - الحادي عشر نحو جاء زيد نفسه نقل بعض شراح التلخيص عن بعضهم أنه يفيد الحصر

4474 - الثاني عشر نحو إن زيدا لقائم نقله المذكور ايضا
4475 - الثالث عشر نحو قائم في جواب زيد إما قائم أو قاعد
ذكره الطيبي في شرح التبيان
4476 - الرابع عشر قلب بعض حروف الكلمة فإنه يفيد الحصر على ما نقله في الكشاف في قوله والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها قال القلب للإختصاص بالنسبة إلى لفظ الطاغوت لأن وزنه على قول فعلوت من الطغيان كملكوت ورحموت قلب بتقديم اللام على العين فوزنه فلعوت ففيه مبالغات التسمية بالمصدر والبناء بناء مبالغة والقلب وهو للاختصاص إذ لا يطلق على غير الشيطان

تنبيه
4477 - كاد أهل البيان يطبقون على أن تقديم المعمول يفيد الحصر سواء كان مفعولا أو ظرفا أو مجرورا ولهذا قيل في إياك نعبد وإياك نستعين معناه نخصك بالعبادة والاستعانة وفي لإلى الله نحشرون معناه إليه لا إلى غيره وفي لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا أخرت الصلة في الشهادة الأولى وقدمت في الثانية لأن الغرض في الأول إثبات شهادتهم وفي الثاني إثبات إختصاصهم بشهادة النبي عليهم
4478 - وخالف في ذلك ابن الحاجب فقال في شرح المفصل الإختصاص الذي يتوهمه كثير من الناس من تقديم المعمول وهم واستدل على ذلك بقوله فاعبد الله مخلصا له الدين ثم قال بل الله فاعبد
ورد هذا الإستدلال بأن مخلصا له الدين أغنى عن إفادة الحصر في الآية الأولى ولو لم يكن فما المانع من ذكر المحصور في محل بغير صيغة الحصر كما قال تعالى واعبدوا ربكم وقال أمر ألا تعبدوا إلا إياه بل قوله بل الله فاعبد من أقوى أدلة الإختصاص فإن قبلها لئن أشركت ليحبطن عملك فلو لم يكن للإختصاص وكان معناها أعبد الله لما حصل الإضراب الذي هو معنى بل

4479 - واعترض أبو حيان على مدعي الإختصاص بنحو أفغير الله تأمروني أعبد
وأجيب بأنه لما أشرك بالله غيره كأنه لم يعبد الله وكان أمرهم بالشرك كأنه أمر بتخصيص غير الله بالعبادة
4480 - ورد صاحب الفلك الدائر الإختصاص بقوله كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل وهو من أقوى ما رد به
وأجيب بأنه لا يدعى فيه اللزوم بل الغلبة وقد يخرج الشيء عن الغالب
4481 - قال الشيخ بهاء الدين وقد اجتمع الاختصاص وعدمه في آية واحدة وهي أغير الله تدعون إن كنتم صادقين بل إياه تدعون فإن التقديم في الأول قطعا ليس للإختصاص وفي إياه قطعا للإختصاص
4482 - وقال والده الشيخ تقي الدين في كتاب الإقتناص في الفرق بين الحصر والاختصاص اشتهر كلام الناس في أن تقديم المعمول يفيد الإختصاص ومن الناس من ينكر ذلك ويقول إنما يفيد الاهتمام وقد قال سيبويه في كتابه وهم يقدمون ما هم به أعنى
والبيانيون على إفادته الإختصاص ويفهم كثير من الناس من الاختصاص الحصر وليس كذلك وإنما الإختصاص شيء والحصر شيء آخر والفضلاء لم يذكروا في ذلك لفظة الحصر وإنما عبروا بالإختصاص والفرق بينهما أن الحصر نفي غير المذكور وإثبات المذكور والاختصاص قصد الخاص من جهة خصوصه وبيان ذلك أن الإختصاص افتعال من الخصوص والخصوص مركب من شيئين أحدهما عام مشترك بين شيئين أو أشياء والثاني معنى منضم إليه يفصله عن غيره كضرب زيد فإنه أخص من مطلق الضرب فإذا قلت ضربت زيدا أخبرت بضرب عام وقع منك على شخص خاص فصار ذلك الضرب المخبر به خاصا لما إنضم إليه منك ومن زيد
وهذه المعاني الثلاثة أعني مطلق الضرب وكونه واقعا منك وكونه واقعا على زيد قد يكون قصد المتكلم لها ثلاثتها على السواء
وقد يترجح قصده لبعضها على بعض ويعرف ذلك بما إبتدأ به كلامه فإن الإبتداء بالشيء يدل على الإهتمام به وأنه هو الأرجح في غرض المتكلم فإذا قلت زيدا ضربت علم أن خصوص الضرب على زيد هو المقصود
ولا شك أن كل مركب من خاص وعام له جهتان فقد يقصد من جهة عمومه وقد يقصد من جهة

خصوصه والثاني هو الإختصاص وأنه هو الأهم عند المتكلم وهو الذي قصد إفادته السامع من غير تعرض ولا قصد لغيره بإثبات ولا نفي ففي الحصر معنى زائد عليه وهو نفي ما عدا المذكور
وإنما جاء هذا في إياك نعبد للعلم بأن قائليه لا يعبدون غير الله تعالى ولذا لم يطرد في بقية الآيات فإن قوله أفغير دين الله يبغون لو جعل في معنى ما يبغون إلا غير دين الله وهمزة الإنكار داخلة عليه لزم أن يكون المنكر الحصر لا مجرد بغيهم غير دين الله وليس المراد
وكذلك آلهة غير الله تريدون المنكر إرادتهم آلهة دون الله من غير حصر
وقد قال الزمخشري في وبالآخرة هم يوقنون في تقديم الآخرة وبناء يوقنون على هم تعريض بأهل الكتاب وما كانوا عليه من إثبات أمر الآخرة على خلاف حقيقته وأن قولهم ليس بصادر عن إيقان وأن اليقين ما عليه من آمن بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك
4483 - وهذا الذي قاله الزمخشري في غاية الحسن وقد اعترض عليه بعضهم فقال تقديم الآخرة أفاد ان إيقانهم مقصور على أنه إيقان بالآخرة لا بغيرها وهذا الإعتراض من قائلة مبني على ما فهمه من أن تقديم المعمول يفيد الحصر وليس كذلك ثم قال المعترض وتقديم هم أفاد أن هذا القصر مختص بهم فيكون إيقان غيرهم بالآخرة إيمانا بغيرها حيث قالوا لن تمسنا النار وهذا منه أيضا إستمرار على ما في ذهنه من الحصر أي أن المسلمين لا يوقنون إلا بالآخرة وأهل الكتاب يوقنون بها وبغيرها
وهذا فهم عجيب ألجأه إليه فهمه الحصر وهو ممنوع
وعلى تقدير تسليمه فالحصر على ثلاثة أقسام
أحدها بما وإلا كقولك ما قام إلا زيد صريح في نفي القيام عن غير زيد ويقتضي إثبات القيام لزيد قيل بالمنطوق وقيل بالمفهوم وهو الصحيح لكنه أقوى المفاهيم لأن إلا موضوعة للإستثناء وهو الإخراج فدلالتها على الإخراج بالمنطوق لا بالمفهوم ولكن الإخراج من عدم القيام ليس هو عين القيام بل قد يستلزمه فلذلك رجحنا أنه بالمفهوم والتبس على بعض الناس لذلك فقال إنه بالمنطوق

والثاني الحصر ب إنما وهو قريب من الأول فيما نحن فيه وإن كان جانب الإثبات فيه أظهر فكأنه يفيد إثبات قيام زيد إذا قلت إنما قام زيد بالمنطوق ونفيه عن غيره بالمفهوم
الثالث الحصر الذي قد يفيده التقديم وليس هو على تقدير تسليمه مثل الحصرين الأولين بل هو في قوة جملتين إحداهما ما صدر به الحكم نفيا كان أو إثباتا وهو المنطوق والأخرى ما فهم من التقديم والحصر يقتضي نفي المنطوق فقط دون ما دل عليه من المفهوم لأن المفهوم لا مفهوم له فإذا قلت أنا لا أكرم إلا إياك أفاد التعريض بأن غيرك يكرم غيره ولا يلزم أنك لا تكرمه وقد قال تعالى الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة أفاد أن العفيف قد ينكح غير الزانية وهو ساكت عن نكاحه الزانية فقال سبحانه وتعالى بعده والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك بيانا لما سكت عنه في الأولى
فلو قال بالآخرة يوقنون أفاد بمنطوقه إيقانهم بها ومفهومه عند من يزعم أنهم لا يوقنون بغيرها
وليس ذلك مقصودا بالذات والمقصود بالذات قوة إيقانهم بالآخرة حتى صار غيرها عندهم كالمدحوض فهو حصر مجازي وهو دون قولنا يوقنون بالآخرة لا بغيرها فاضبط هذا وإياك أن تجعل تقديره لايوقنون إلا بالآخرة
إذا عرفت هذا فتقديم هم أفاد أن غيرهم ليس كذلك فلو جعلنا التقدير لا يوقنون إلا بالآخرة كان المقصود المهم النفي فيتسلط المفهوم عليه فيكون المعنى إفادة أن غيرهم يوقن بغيرها كما زعم المعترض ويطرح أفهام أنه لا يوقن بالآخرة
ولا شك أن هذا ليس بمراد بل المراد إفهام أن غيرهم لا يوقن بالآخرة فلذلك حافظنا على أن الغرض الأعظم إثبات الإيقان بالآخرة ليتسلط المفهوم عليه وأن المفهوم لا يتسلط على الحصر لأن الحصر لم يدل عليه بجملة واحدة مثل ما و إلا ومثل إنما وإنما دل عليه بمفهوم مستفاد من منطوق وليس أحدهما متقيدا بالآخر حتى نقول إن المفهوم أفاد نفي الإيقان المحصور بل أفاد نفي الإيقان مطلقا عن غيرهم وهذا كله على تقدير تسليم الحصر ونحن نمنع ذلك ونقول إنه اختصاص وأن بينهما فرقا
إنتهى كلام السبكي

النوع السادس والخمسون
في الإيجاز والإطناب
4484 - اعلم أنهما من أعظم أنواع البلاغة حتى نقل صاحب سر الفصاحة عن بعضهم أنه قال البلاغة هي الإيجاز والإطناب
4485 - قال صاحب الكشاف كما أنه يجب على البليغ في مظان الإجمال أن يجمل ويوجز فكذلك الواجب عليه في موارد التفصيل أن يفصل ويشبع أنشد الجاحظ
يرمون بالخطب الطوال وتارة ... وحى الملاحظ خيفة الرقباء
4486 - واختلف هل بين الإيجاز والإطناب واسطة وهي المساواة أو لا وهي داخلة في قسم الإيجاز فالسكاكي وجماعة على الأول لكنهم جعلوا المساواة غير محمودة ولا مذمومة لأنهم فسروها بالمتعارف من كلام أوساط الناس الذين ليسوا في رتبة البلاغة وفسروا الإيجاز بأداء المقصود بأقل من عبارة المتعارف والإطناب أداؤه بأكثر منها لكون المقام خليقا بالبسط
وابن الأثير وجماعة على الثاني فقالوا الإيجاز التعبير عن المراد بلفظ غير زائد والإطناب بلفظ أزيد
4487 - وقال القزويني الأقرب أن يقال إن المقبول من طرق التعبير عن المراد تأدية أصله إما بلفظ مساو للأصل المراد أو ناقص عنه واف أو زائد عليه لفائدة والأول المساواة والثاني الإيجاز والثالث الإطناب
4488 - واحترز ب واف عن الإخلال وبقولنا لفائدة عن الحشو

والتطويل فعنده ثبوت المساواة واسطة وأنها من قسم المقبول
4489 - فإن قلت عدم ذكرك المساواة في الترجمة لماذا هل هو لرجحان نفيها أو عدم قبولها أو لأمر غير ذلك
قلت لهما ولأمر ثالث وهو أن المساواة لا تكاد توجد خصوصا في القرآن وقد مثل لها في التلخيص بقوله تعالى ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله وفي الإيضاح بقوله وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا
وتعقب بأن في الآية الثانية حذف موصوف الذين وفي الأولى إطناب بلفظ السيء لأن المكر لا يكون إلا سيئا وإيجاز بالحذف إن كان الاستثناء غير مفرغ أي بأحد وبالقصر في الإستثناء وبكونها حاثة على كف الأذى عن جميع الناس محذرة عن جميع ما يؤدي إليه وبأن تقديرها يضر بصاحبه مضرة بليغة فأخرج الكلام مخرج الاستعارة التبعية الواقعة على سبيل التمثيلية لأن يحيق بمعنى يحيط فلا يستعمل إلا في الأجسام

تنبيه
4490 - الإيجاز والاختصار بمعنى واحد كما يؤخذ من المفتاح وصرح به الطيبي
4491 - وقال بعضهم الاختصار خاص بحذف الجمل فقط بخلاف الإيجاز قال الشيخ بهاء الدين وليس بشيء
والإطناب قيل بمعنى الإسهاب والحق أنه أخص منه فإن الإسهاب التطويل لفائدة أو لا لفائدة كما ذكره التنوخي وغيره
فصل
في نوعي الإيجاز
4492 - الإيجاز قسمان إيجاز قصر وإيجاز حذف

إيجاز القصر
4493 - فالأول هو الوجيز بلفظه قال الشيخ بهاء الدين الكلام القليل إن كان بعضا من كلام أطول منه فهو إيجاز حذف وإن كان كلاما يعطي معنى أطول منه فهو إيجاز قصر
4494 - وقال بعضهم إيجاز القصر هو تكثير المعنى بتقليل اللفظ
4495 - وقال آخر هو أن يكون اللفظ بالنسبة إلى المعنى أقل من القدر المعهود عادة
وسبب حسنه أنه يدل على التمكن في الفصاحة ولهذا قال أوتيت جوامع الكلم
4496 - وقال الطيبي في التبيان الإيجاز الخالي من الحذف ثلاثة أقسام
أحدها إيجاز القصر وهو أن يقصر اللفظ على معناه كقوله إنه من سليمان إلى قوله واتوني مسلمين جمع في أحرف العنوان والكتاب والحاجة
وقيل في وصف بليغ كانت ألفاظه قوالب معناه
قلت وهذا رأي من يدخل المساواة في الإيجاز
الثاني إيجاز التقدير وهو أن يقدر معنى زائد على المنطوق ويسمى بالتضييق أيضا وبه سماه بدر الدين بن مالك في المصباح لأنه نقص من الكلام ما صار لفظه أضيق من قدر معناه نحو فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف أي خطاياه غفرت فهي له لا عليه هدى للمتقين أي للضالين الصائرين بعد الضلال إلى التقوى
الثالث الإيجاز الجامع وهو أن يحتوي اللفظ على معان متعددة نحو إن الله يأمر بالعدل والإحسان . . الآية فإن العدل هو الصراط المستقيم المتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط المومى به إلى جميع الواجبات في الاعتقاد والأخلاق

والعبودبة
والإحسان هو الإخلاص في واجبات العبودية لتفسيره في الحديث بقوله أن تعبد الله كأنك تراه أي تعبده مخلصا في نيتك وواقفا في الخضوع آخذا أهبة الحذر . . إلى ما لا يحصى
وإيتاء ذي القربى هو الزيادة على الواجب من النوافل هذا في الأوامر
وأما النواهي فبالفحشاء الإشارة إلى القوة الشهوانية وبالمنكر إلى الإفراط الحاصل من آثار الغضبية أو كل محرم شرعا وبالبغي إلى الاستعلاء الفائض عن الوهمية
4497 - قلت ولهذا قال ابن مسعود ما في القرآن آية أجمع للخير والشر من هذه الآية أخرجه في المستدرك
وروى البيهقي في شعب الإيمان عن الحسن أنه قرأها يوما ثم وقف فقال إن الله جمع لكم الخير كله والشر كله في آية واحدة فوالله ما ترك العدل والإحسان من طاعة الله شيئا إلا جمعه ولا ترك الفحشاء والمنكر والبغي من معصية الله شيئا إلا جمعه
4498 - وروى أيضا عن ابن أبي شهاب في معنى حديث الشيخين بعثت بجوامع الكلم قال بلغني أن جوامع الكلم أن الله يجمع له الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد والأمرين ونحو ذلك
4499 - ومن ذلك قوله تعالى خذ العفو . . الآية فإنها جامعة لمكارم الأخلاق لأن في أخذ العفو التساهل والتسامح في الحقوق واللين والرفق في الدعاء إلى الدين وفي الأمر بالمعروف كف الأذى وغض البصر وما شاكلهما من المحرمات وفي الإعراض الصبر والحلم والتؤدة
4500 - ومن بديع الإيجاز قوله تعالى قل هو الله أحد . . إلى آخرها فإنه نهاية التنزيه وقد تضمنت الرد على نحو أربعين فرقة كما أفرد ذلك بالتصنيف بهاء الدين بن شداد
4501 - وقوله أخرج منها ماءها ومرعاها دل بهاتين الكلمتين على جميع ما أخرجه من الأرض قوتا ومتاعا للأنام من العشب والشجر والحب والثمر والعصف والحطب واللباس والنار والملح لأن النار من العيدان والملح من الماء

4502 - وقوله لا يصدعون عنها ولا ينزفون جمع فيه جميع عيوب الخمر من الصداع وعدم العقل وذهاب المال ونفاد الشراب
4503 - وقوله وقيل يا أرض ابلعي ماءك . . الآية أمر فيها ونهى وأخبر ونادى ونعت وسمى وأهلك وأبقى وأسعد وأشقى وقص من الأنباء ما لو شرح ما اندرج في هذه الجملة من بديع اللفظ والبلاغة والإيجاز والبيان لجفت الأقلام
وقد أفردت بلاغة هذه الآية بالتأليف
4504 - وفي العجائب للكرماني أجمع المعاندون على أن طوق البشر قاصر عن الإتيان بمثل هذه الآية بعد أن فتشوا جميع كلام العرب والعجم فلم يجدوا مثلها في فخامة ألفاظها وحسن نظمها وجودة معانيها في تصوير الحال مع الإيجاز من غير إخلال
4505 - وقوله تعالى يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم . . الآية جمع في هذه اللفظة أحد عشر جنسا من الكلام نادت وكنت ونبهت وسمت وأمرت وقصت وحذرت وخصت وعمت وأشارت وعذرت فالنداء يا والكناية أي والتنبيه ها والتسمية النمل والأمر ادخلوا والقصص مساكنكم والتحذير لا يحطمنكم والتخصيص سليمان والتعميم جنوده والإشارة وهم والعذر لا يشعرون فأدت خمس حقوق حق الله وحق رسوله وحقها وحق رعيتها وحق جنود سليمان
4506 - وقوله يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد . . الآية جمع فيها أصول الكلام النداء والعموم والخصوص والأمر والإباحة والنهي والخبر
4507 - وقال بعضهم جمع الله الحكمة في شطر آية وكلوا واشربوا ولا تسرفوا
4508 - وقوله تعالى وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه . . الآية قال

ابن العربي هي من أعظم أي في القرآن فصاحة إذ فيها أمران ونهيان وخبران وبشارتان
4509 - وقوله فاصدع بما تؤمر قال ابن أبي الأصبع المعنى صرح بجميع ما أوحي إليك وبلغ كل ما أمرت ببيانه وإن شق بعض ذلك على بعض القلوب فانصدعت والمشابهة بينهما فيما يؤثره التصريح في القلوب فيظهر أثر ذلك على ظاهر الوجوه من التقبض والانبساط ويلوح عليها من علامات الإنكار والاستبشار كما يظهر على ظاهر الزجاجة المصدوعة فانظر إلى جليل هذه الاستعارة وعظم إيجازها وما انطوت عليه من المعاني الكثيرة
4510 - وقد حكي أن بعض الأعراب لما سمع هذه الآية سجد وقال سجدت لفصاحة هذا الكلام
4511 - وقوله تعالى وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين قال بعضهم جمع بهاتين اللفظين ما لو اجتمع الخلق كلهم على وصف ما فيها على التفصيل لم يخرجوا عنه
4512 - وقوله تعالى ولكم في القصاص حياة فإن معناه كثير ولفظه قليل لأن معناه أن الإنسان إذا علم أنه متى قتل قتل كان ذلك داعيا إلى ألا يقدم على القتل فارتفع بالقتل الذي هو القصاص كثير من قتل الناس بعضهم لبعض وكان ارتفاع القتل حياة لهم
وقد فضلت هذه الجملة على أوجز ما كان عند العرب في هذا المعنى وهو قولهم القتل أنفى للقتل بعشرين وجها أو أكثر
4513 - وقد أشار ابن الأثير إلى إنكار هذا التفضيل وقال لا تشبيه بين كلام الخالق وكلام المخلوق وإنما العلماء يقدحون أذهانهم فيما يظهر لهم من ذلك
4514 - الأول أن ما يناظره من كلامهم وهو قوله القصاص حياة أقل حروفا فإن حروفه عشرة وحروف القتل أنفى للقتل أربعة عشر
4515 - الثاني أن نفي القتل لا يستلزم الحياة والآية ناصة على ثبوتها التي هي الغرض المطلوب منه

4516 - الثالث أن تنكير حياة يفيد تعظيما فيدل على أن في القصاص حياة متطاولة كقوله تعالى ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ولا كذلك المثل فإن اللام فيه للجنس ولذا فسروا الحياة فيها بالبقاء
4517 - الرابع أن الآية فيه مطردة بخلاف المثل فإنه ليس كل قتل أنفى للقتل بل قد يكون أدعى له وهو القتل ظلما وإنما ينفيه قتل خاص وهو القصاص ففيه حياة أبدا
4518 - الخامس أن الآية خالية من تكرار لفظ القتل الواقع في المثل والخالي من التكرار أفضل من المشتمل عليه وإن لم يكن مخلا بالفصاحة
4519 - السادس أن الآية مستغنية عن تقدير محذوف بخلاف قولهم فإن فيه حذف من التي بعد أفعل التفضيل وما بعدها وحذف قصاصا مع القتل الأول وظلما مع القتل الثاني والتقدير القتل قصاصا أنفى للقتل ظلما من تركه
4520 - السابع أن في الآية طباقا لأن القصاص مشعر بضد الحياة بخلاف المثل
4521 - الثامن أن الآية اشتملت على فن بديع وهو جعل أحد الضدين الذي هو الفناء والموت محلا ومكانا لضده الذي هو الحياة واستقرار الحياة في الموت مبالغة عظيمة ذكره في الكشاف وعبر عنه صاحب الإيضاح بأنه جعل القصاص كالمنبع للحياة والمعدن لها بإدخال في عليه
4522 - التاسع أن في المثل توالي أسباب كثيرة حفيفة وهو السكون بعد الحركة وذلك مستكرة فإن اللفظ المنطوق به إذا توالت حركاته تمكن اللسان من النطق به وظهرت فصاحته بخلاف ما إذا تعقب كل حركة سكون فالحركات تنقطع بالسكنات
نظيره إذا تحركت الدابة أدنى حركة فحبست ثم تحركت فحبست لا يتبين إطلاقها ولا تتمكن من حركتها على ما تختاره فهي كالمقيدة
4523 - العاشر أن المثل كالمتناقض من حيث الظاهر لأن الشيء لا ينفي نفسه

4524 - الحادي عشر سلامة الآية من تكرير قلقلة القاف الموجب للضغط والشدة وبعدها عن غنة النون
4525 - الثاني عشر اشتمالها على حروف متلائمة لما فيها من الخروج من القاف إلى الصاد إذ القاف من حروف الاستعلاء والصاد من حروف الاستعلاء والإطباق بخلاف الخروج من القاف إلى التاء التي هي حرف منخفض فهو غير ملائم للقاف وكذا الخروج من الصاد إلى الحاء أحسن من الخروج من اللام إلى الهمزة لبعد ما دون طرف اللسان وأقصى الحلق
4526 - الثالث عشر في النطق بالصاد والحاء والتاء حسن الصوت ولا كذلك تكرير القاف والتاء
4527 - الرابع عشر سلامتها من لفظ القتل المشعر بالوحشة بخلاف لفظ الحياة فإن الطباع أقبل له من لفظ القتل
4528 - الخامس عشر أن لفظ القصاص مشعر بالمساواة فهو منبئ عن العدل بخلاف مطلق القتل
4529 - السادس عشر الآية مبنية على الإثبات والمثل على النفي والإثبات أشرف لأنه أول والنفي ثان عنه
4530 - السابع عشر أن المثل لا يكاد يفهم إلا بعد فهم أن القصاص هو الحياة وقوله في القصاص حياة مفهوم من أول وهلة
4531 - الثامن عشر أن في المثل بناء أفعل التفضيل من فعل متعد والآية سالمة منه
4532 - التاسع عشر أن أفعل في الغالب يقتضي الاشتراك فيكون ترك القصاص نافيا للقتل ولكن القصاص أكثر نفيا وليس الأمر كذلك والآية سالمة من ذلك
4533 - العشرون أن الآية رادعة عن القتل والجرح معا لشمول القصاص لهما والحياة أيضا في قصاص الأعضاء لأن قطع العضو ينقص مصلحة الحياة وقد يسرى إلى النفس فيزيلها ولا كذلك المثل

في أول الآية ولكم وفيها لطيفة وهي بيان العناية بالمؤمنين على الخصوص وأنهم المراد حياتهم لا غيرهم لنخصيصهم بالمعنى مع وجوده فيمن سواهم

تنبيهات
الأول
4534 - ذكر قدامة من أنواع البديع الإشارة وفسرها بالإتيان بكلام قليل ذي معان جمة وهذا هو إيجاز القصر بعينه لكن فرق بينهما ابن أبي الأصبع بأن الإيجاز دلالته مطابقة ودلالة الإشارة إما تضمن أو التزام فعلم منه أن المراد بها ما تقدم في مبحث المنطوق
الثاني
4535 - ذكر القاضي أبو بكر في إعجاز القرآن أن من الإيجاز نوعا يسمى التضمين وهو حصول معنى في لفظ من غير ذكر له باسم هي عبارة عنه قال وهو نوعان أحدهما ما يفهم من البنية كقوله معلوم فإنه يوجب أنه لا بد من عالم والثاني من معنى العبارة كبسم الله الرحمن الرحيم فإنه تضمن تعليم الاستفتاح في الأمور باسمه على جهة التعظيم لله تعالى والتبرك باسمه
الثالث
4536 - ذكر ابن الأثير وصاحب عروس الأفراح وغيرهما أن من أنواع إيجاز القصر باب الحصر سواء كان بإلا أو بإنما أو غيرهما من أدواته لأن الجملة فيها نابت مناب جملتين وباب العطف لأن حرفه وضع للإغناء عن إعادة العامل
وباب النائب عن الفاعل لأنه دل على الفاعل بإعطائه حكمه وعلى المفعول بوضعه
وباب الضمير لأنه وضع للاستغناء به عن الظاهر اختصارا ولذا لا يعدل إلى المنفصل مع إمكان المتصل
وباب علمت أنك قائم لأنه متحمل لاسم واحد سد مسد المفعولين من غير حذف
4537 - ومنها باب التنازع إذا لم نقدر على رأي الفراء
4538 - ومنها طرح المفعول اقتصارا على جعل المتعدي كاللازم وسيأتي تحريره
4539 - ومنها جميع أدوات الاستفهام والشرط فإن كم مالك يغني عن

قولك أهو عشرون أم ثلاثون وهكذا إلى ما لا يتناهى
4540 - ومنها الألفاظ اللازمة للعموم كأحد
4541 - ومنها لفظ التثنية والجمع فإنه يغني عن تكرير المفرد وأقيم الحرف فيهما مقامه اختصارا
4542 - ومما يصلح أن يعد من أنواعه المسمى بالاتساع من أنواع البديع وهو أن يؤتى بكلام يتسع فيه التأويل بحسب ما تحتمله ألفاظه من المعاني كفواتح السور ذكره ابن أبي الإصبع

إيجاز الحذف
4543 - القسم الثاني من قسمي الإيجاز الحذف وفيه فوائد
ذكر أسبابه
منها مجرد الاختصار والاحتراز عن العبث لظهوره
4544 - ومنها التنبيه على أن الزمان يتقاصر عن الإتيان بالمحذوف وأن الاشتغال بذكره يفضي إلى تفويت المهم وهذه هي فائدة باب التحذير والإغراء وقد اجتمعا في قوله تعالى ناقة الله وسقياها فناقة الله تحذير بتقدير ذروا و سقياها إغراء بتقدير الزموا
4545 - ومنها التفخيم والإعظام لما فيه من الإبهام
4546 - قال حازم في منهاج البلغاء إنما يحسن الحذف لقوة الدلالة عليه أو يقصد به تعديد أشياء فيكون في تعدادها طول وسآمة فيحذف ويكتفي بدلالة الحال وتترك النفس تجول في الأشياء المكتفي بالحال عن ذكرها قال ولهذا القصد يؤثر في المواضع التي يراد بها التعجب والتهويل على النفوس ومنه قوله في وصف أهل الجنة حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها فحذف الجواب إذ كان وصف ما يجدونه ويلقونه عند ذلك لا يتناهى فجعل الحذف دليلا على ضيق الكلام عن وصف ما يشاهدونه وتركت النفوس تقدر ما شاءته ولا تبلغ مع ذلك كنه ما هنالك

4547 - وكذا قوله ولو ترى إذ وقفوا على النار أي لرأيت أمرا فظيعا لا تكاد تحيط به العبارة
4548 - ومنها التخفيف لكثرة دورانه في الكلام كما في حذف حرف النداء نحو يوسف أعرض ونون لم يك والجمع السالم ومنه قراءة والمقيمي الصلاة وياء والليل إذا يسر
وسأل المؤرج السدوسي الأخفش عن هذه الآية فقال عادة العرب أنها إذا عدلت بالشيء عن معناه نقصت حروفه والليل لما كان لا يسرى وإنما يسرى فيه نقص منه حرف كما قال تعالى وما كانت أمك بغيا الأصل بغية فلما حول عن فاعل نقص منه حرف
4549 - ومنها كونه لا يصلح إلا له نحو عالم الغيب والشهادة فعال لما يريد
4550 - ومنها شهرته حتى يكون ذكره وعدمه سواء قال الزمخشري وهو نوع من دلالة الحال التي لسانها أنطق من لسان المقال وحمل عليه قراءة حمزة تساءلون به والأرحام لأن هذا مكان شهر بتكرر الجار فقامت الشهرة مقام الذكر
4551 - ومنها صيانته عن ذكره تشريفا كقوله تعالى قال فرعون وما رب العالمين قال رب السموات . . الآيات حذف فيها المبتدأ في ثلاثة مواضع قبل ذكر الرب أي هو رب الله ربكم الله رب المشرق لأن موسى استعظم حال فرعون وإقدامه على السؤال فأضمر اسم الله تعظيما وتفخيما ومثله في عروس الأفراح بقوله تعالى رب أرني أنظر إليك أي ذاتك
4552 - ومنها صيانة اللسان عنه تحقيرا له نحو صم بكم أي هم أو المنافقون

4553 - ومنها قصد العموم نحو وإياك نستعين أي على العبادة وعلى أمورنا كلها
والله يدعو إلى دار السلام أي كل واحد
4554 - ومنها رعاية الفاصلة نحو ما ودعك ربك وما قلى أي وما قلاك
4555 - ومنها قصد البيان بعد الإبهام كما في فعل المشيئة نحو ولو شاء لهداكم أي ولو شاء هدايتكم فإنه إذا سمع السامع ولو شاء تعلقت نفسه بم شاء ابنهم عليه لا يدري ما هو فلما ذكر الجواب استبان بعد ذلك وأكثر ما يقع ذلك بعد أداة شرط لأن مفعول المشيئة مذكور في جوابها
4556 - وقد يكون مع غيرها استدلالا بغير الجواب نحو ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وقد ذكر أهل البيان أن مفعول المشيئة والإرادة لا يذكر إلا إذا كان غريبا أو عظيما نحو لمن شاء منكم أن يستقيم لو أردنا أن نتخذ لهوا وإنما اطرد أو كثر حذف مفعول المشيئة دون سائر الأفعال لأنه يلزم من وجود المشيئة وجود المشاء فالمشيئة المستلزمة لمضمون الجواب لا يمكن أن تكون إلا مشيئة الجواب ولذلك كانت الإرادة مثلها في اطراد حذف مفعولها ذكره الزملكاني والتنوخي في الأقصى القريب قالوا وإذا حذف بعد لو فهو المذكور في جوابها أبدا وأورد في عروس الأفراح قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة فإن المعنى لو شاء ربنا إرسال الرسل لأنزل ملائكة لأن المعنى معين على ذلك

فائدة
4557 - قال الشيخ عبد القاهر ما من اسم حذف في الحالة التي ينبغي أن يحذف فيها إلا وحذفه أحسن من ذكره وسمى ابن جني الحذف شجاعة العربية لأنه يشجع على الكلام
قاعدة في حذف المفعول اختصارا واقتصارا
4558 - قال ابن هشام جرت عادة النحويين أن يقولوا بحذف المفعول

اختصارا واقتصارا ويريدون بالاختصار الحذف لدليل ويريدون بالاقتصار الحذف لغير دليل ويمثلونه بنحو كلوا واشربوا أي أوقعوا هذين الفعلين والتحقيق أن يقال يعني كما قال أهل البيان تارة يتعلق الغرض بالإعلام بمجرد وقوع الفعل من غير تعيين من أوقعه ومن أوقع عليه فيجاء بمصدره مسندا إلى فعل كون عام فيقال حصل حريق أو نهب وتارة يتعلق بالإعلام بمجرد إيقاع الفعل للفاعل فيقتصر عليهما ولا يذكر المفعول ولا ينوى إذ المنوى كالثابت ولا يسمى محذوفا لأن الفعل ينزل لهذا القصد منزلة ما لا مفعول له
ومنه ربي الذي يحيي ويميت قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون كلوا واشربوا ولا تسرفوا وإذا رأيت ثم إذ المعنى ربي الذي يفعل الإحياء والإماتة
وهل يستوي من يتصف بالعلم ومن ينتفي عنه العلم وأوقعوا الأكل والشرب وذروا الإسراف وإذا حصلت منك رؤية
4559 - ومنه ولما ورد ماء مدين . . الآية ألا ترى أنه عليه الصلاة و السلام رحمهما إذ كانتا على صفة الذياد وقومهما على السقي لا لكون مذودهما غنما وسقيهم إبلا وكذلك المقصود من لا نسقى السقي لا المسقي
ومن لم يتأمل قدر يسقون إبلهم و تذودان غنمهما و لا نسقي غنما
وتارة يقصد إسناد الفعل إلى فاعله وتعليقه بمفعوله فيذكران نحو لا تأكلوا الربا ولا تقربوا الزنا وهذا النوع الذي إذا لم يذكر محذوفه قيل محذوف
4560 - وقد يكون في اللفظ ما يستدعيه فيحصل الجزم بوجوب تقديره نحو أهذا الذي بعث الله رسولا وكلا وعد الله الحسنى
4561 - وقد يشتبه الحال في الحذف وعدمه نحو قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن قد يتوهم أن معناه نادوا فلا حذف أو سموا فالحذف واقع

ذكر شروطه
4562 - هي ثمانية
أحدها وجود دليل إما حالي نحو قالوا سلاما أي سلمنا سلاما أو مقالي نحو وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا قال سلام قوم منكرون أي سلام عليكم أنتم قوم منكرون
4563 - ومن الأدلة العقل حيث يستحيل صحة الكلام عقلا إلا بتقدير محذوف
4564 - ثم تارة يدل على أصل الحذف من غير دلالة على تعيينه بل يستفاد التعيين من دليل آخره نحو حرمت عليكم الميتة فإن العقل يدل على أنها ليست المحرمة لأن التحريم لا يضاف إلى الأجرام وإنما هو والحل يضافان إلى الأفعال فعلم بالعقل حذف شيء
وأما تعينه وهو التناول فمستفاد من الشرع وهو قوله
إنما حرم أكلها لأن العقل لا يدرك محل الحل ولا الحرمة وأما قول صاحب التلخيص إنه من باب دلالة العقل أيضا فتابع فيه السكاكي من غير تأمل أنه مبنى على أصول المعتزلة
4565 - وتارة يدل العقل أيضا على التعيين نحو وجاء ربك أي أمره بمعنى عذابه لأن الحق دل على استحالة مجيء البارئ لأنه من سمات الحادث وعلى أن الجائي أمره
أوفوا بالعقود وأوفوا بعهد الله أي بمقتضى العقود وبمقتضى عهد الله لأن العقد والعهد قولان قد دخلا في الوجود وانقضيا فلا يتصور فيهما وفاء ولا نقض وإنما الوفاء والنقض بمقتضاهما وما ترتب عليهما من أحكامهما
4566 - وتارة يدل على التعيين العادة نحو فذلكن الذي لمتنني فيه دل العقل على الحذف لأن يوسف لا يصح ظرفا للوم ثم يحتمل أن يقدر لمتنني في حبه لقوله قد شغفها حبا وفي مراودتها لقوله تراود فتاها والعادة

دلت على الثاني لأن الحب المفرط لا يلام صاحبه عليه عادة لأنه ليس اختياريا بخلاف المراودة للقدرة على دفعها
4567 - وتارة يدل عليه التصريح به في موضع آخر وهو أقواها نحو هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله أي أمره بدليل أو يأتي أمر ربك وجنة عرضها السموات أي كعرض بدليل التصريح به في ىية الحديد الآية 22
رسول من الله أي من عند الله بدليل ولما جاءهم رسول من عند الله
4568 - ومن الأدلة على أصل الحذف العادة بأن يكون العقل غير مانع من إجراء اللفظ على ظاهره من غير حذف نحو لو نعلم قتالا لاتبعناكم أي مكان قتال والمراد مكانا صالحا للقتال وإنما كان كذلك لأنهم كانوا أخبر الناس بالقتال ويتعيرون بأن يتفوهوا بأنهم لا يعرفونه فالعادة تمنع أن يريدوا لو نعلم حقيقة القتال فلذلك قدره مجاهد مكان قتال
ويدل عليه أنهم أشاروا على النبي ألا يخرج من المدينة
4569 - ومنها الشروع في الفعل نحو بسم الله فيقدر ما جعلت التسمية مبدأ له فإن كانت عند الشروع في القراءة قدرت أقرأ أو الأكل قدرت آكل وعلى هذا أهل البيان قاطبة خلافا لقول النحاة أنه يقدر ابتدأت أو ابتدائي كائن بسم الله
ويدل على صحة الأول التصريح به في قوله وقال اركبوا فيها باسم الله مجراها ومرساها وفي حديث باسمك ربي وضعت جنبي
4570 - ومنها الصناعة النحوية كقولهم في لا أقسم التقدير لأنا أقسم لأن فعل الحال لا يقسم عليه وفي تالله تفتأ التقدير لا تفتأ لأنه لو كان الجواب مثبتا دخلت اللام والنون كقوله وتالله لأكيدن
4571 - وقد توجب الصناعة التقدير وإن كان المعنى غير متوقف عليه كقولهم في لا إله إلا الله إن الخبر محذوف أي موجود وقد أنكره الإمام

فخر الدين وقال هذا الكلام لا يحتاج إلى تقدير وتقدير النحاة فاسد لأن نفي الحقيقة مطلقة أعم من نفيها مقيدة فإنها إذا انتفت مطلقة كان ذلك دليلا على سلب الماهية مع القيد وإذا انتفت مقيدة بقيد مخصوص لم يلزم نفيها مع قيد آخر
ورد بأن تقديرهم موجود يستلزم نفي كل إله غير الله قطعا فإن العدم لا كلام فيه فهو في الحقيقة نفي للحقيقة مطلقة لا مقيدة
ثم لا بد من تقدير خبر لاستحالة مبتدأ بلا خبر ظاهر أو مقدر وإنما يقدر النحوي ليعطي القواعد حقها وإن كان المعنى مفهوما

تنبيه
4572 - قال ابن هشام إنما يشترط الدليل فيما إذا كان المحذوف الجملة بأسرها أو أحد ركنيها أو يفيد معنى فيها هي مبنية عليه نحو تالله تفتأ
أما الفضلة فلا يشترط لحذفها وجدان دليل بل يشترط ألا يكون في حذفها ضرر معنوي أو صناعي
قال ويشترط في الدليل اللفظي أن يكون طبق المحذوف ورد قول الفراء في أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه بلى قادرين إن التقدير بلى ليحسبنا قادرين لأن الحسبان المذكور بمعنى الظن والمقدر بمعنى العلم لأن التردد في الإعادة كفر فلا يكون مأمورا به
قال والصواب فيها قول سيبوية إن قادرين حال أي بل نجمعها قادرين لأن فعل الجمع أقرب من فعل الحسبان ولأن بلى لإيجاب المنفى وهو فيها فعل الجمع
4573 - الشرط الثاني ألا يكون المحذوف كالجزء ومن ثم لم يحذف الفاعل ولا نائبه ولا اسم كان وأخواتها
4574 - قال ابن هشام وأما قول ابن عطية في بئس مثل القوم إن التقدير بئس المثل مثل القوم فإن أراد تفسير الإعراب وأن الفاعل لفظ المثل محذوفا فمردود وإن أراد تفسير المعنى وأن في بئس ضمير المثل مستترا فسهل
4575 - الثالث ألا يكون مؤكدا لأن الحذف مناف للتأكيد إذ الحذف مبني

على الإختصار والتأكيد مبنى على الطول ومن ثم رد الفارسي على الزجاج في قوله في إن هذان لساحران إن التقدير إن هذان لهما ساحران فقال الحذف والتوكيد باللام متنافيان وأما حذف الشيء لدليل وتوكيده فلا تنافي بينهما لأن المحذوف لدليل كالثابت
4576 - الرابع ألا يؤدي حذفه إلى اختصار المختصر ومن ثم لم يحذف اسم الفعل لأنه اختصار للفعل
4577 - الخامس ألا يكون عاملا ضعيفا فلا يحذف الجار والناصب للفعل والجازم إلا في مواضع قويت فيها الدلالة وكثر فيها استعمال تلك العوامل
4578 - السادس ألا يكون المحذوف عوضا عن شيء ومن ثم قال ابن مالك إن حرف النداء ليس عوضا من أدعو لإجازة العرب حذفه ولذا أيضا لم تحذف التاء من إقامة واستقامة وأما وإقام الصلاة فلا يقاس عليه ولا خبر كان لأنه عوض أو كالعوض من مصدرها
4579 - السابع ألا يؤدي حذفه إلى تهيئة العامل القوي ومن ثم لم يقس على قراءة وكل وعد الله الحسنى

فائدة
4580 - اعتبر الأخفش في الحذف التدريج حيث أمكن ولهذا قال في قوله تعالى واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا إن الأصل لا تجزى فيه فحذف حرف الجر فصار تجزيه ثم حذف الضمير فصار تجزي وهذه ملاطفة في الصناعة ومذهب سيبويه أنهما حذفا معا قال ابن جني وقول الأخفش أوفق في النفس وآنس من أن يحذف الحرفان معا في وقت واحد
1 -
قاعدة
4581 - الأصل أن يقدر الشيء في مكانه الأصلي لئلا يخالف الأصل من

وجهين الحذف ووضع الشيء في غير محله فيقدر المفسر في نحو زيدا رأيته مقدما عليه
وجوز البيانيون تقديره مؤخرا عنه لإفادة الاختصاص كما قاله النحاة وإذا منع منه مانع نحو وأما ثمود فهديناهم إذ لا يلي أما فعل
2 -

قاعدة
4582 - ينبغي تقليل المقدر مهما أمكن لتقل مخالفة الأصل ومن ثم ضعف قول الفارسي في واللائي لم يحضن إن التقدير فعدتهن ثلاثة أشهر والأولى أن يقدر كذلك
4583 - قال الشيخ عز الدين ولا يقدر من المحذوفات إلا أشدها موافقة للغرض وأفصحها لأن العرب لا يقدرون إلا ما لو لفظوا به لكان أحسن وأنسب لذلك الكلام كما يفعلون في ذلك في الملفوظ به نحو جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس قدر أبو علي جعل الله نصب الكعبة وقدر غيره حرمة الكعبة وهو أولى لأن تقدير الحرمة في الهدى والقلائد والشهر الحرام لا شك في فصاحته وتقدير النصب فيها بعيد من الفصاحة
قال ومهما تردد المحذوف بين الحسن والأحسن وجب تقدير الأحسن لأن الله وصف كتابه بأنه أحسن الحديث فليكن محذوفه أحسن المحذوفات كما أن ملفوظه أحسن الملفوظات
قال ومتى تردد بين أن يكون مجملا أو مبينا فتقدير المبين أحسن نحو وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث لك أن تقدر في أمر الحرث و في تضمين الحرث وهو أولى لتعينه والأمر مجمل لتردده بين أنواع
3 - قاعدة
4584 - إذا دار الأمر بين كون المحذوف فعلا والباقي فاعلا وكونه مبتدأ والباقي خبرا فالثاني أولى لأن المبتدأ عين الخبر وحينئذ فالمحذوف عين الثابت فيكون حذفا كلا حذف
فأما الفعل فإنه غير الفاعل اللهم إلا أن يعتضد الأول برواية

أخرى في ذلك الموضع أو بموضع آخر يشبهه
فالأول كقراءة يسبح له فيها بفتح الباء كذلك يوحى إليك وإلى الذين من قبلك الله بفتح الحاء فإن التقدير يسبحه رجال و يوحيه الله ولا يقدران مبتدأين حذف خبرهما لثبوت فاعلية الاسمين في رواية من بنى الفعل للفاعل
والثاني نحو ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فتقدير خلقهم الله أولى من الله خلقهم لمجيء خلقهن العزيز العليم
4 - قاعدة
4585 - إذا دار الأمر بين كون المحذوف أولا أو ثانيا فكونه ثانيا أولى ومن ثم رجح أن المحذوف في نحو أتحاجوني نون الوقاية لا نون الرفع وفي نارا تلظى التاء الثانية لا تاء المضارعة وفي والله ورسوله أحق أن يرضوه أن المحذوف خبر الثاني لا الأول وفي نحو الحج أشهر أن المحذوف مضاف للثاني أي حج أشهر لا الأول أي أشهر الحج
وقد يجب كونه من الأول نحو إن الله وملائكته يصلون على النبي في قراءة من رفع ملائكته لاختصاص الخبر بالثاني لوروده بصيغة الجمع وقد يجب كونه من الثاني نحو أن الله بريء من المشركين ورسوله أي بريء أيضا لتقدم الخبر على الثاني

فصل في أنواع الحذف
4486 - الحذف على أنواع
أحدها ما يسمى بالاقتطاع وهو حذف بعض حروف الكلمة وأنكر ابن الأثير ورود هذا النوع في القرآن ورد بأن بعضهم جعل منه فواتح السور على القول بأن كل حرف منها من اسم من أسمائه كما تقدم
وادعى بعضهم أن الباء في وامسحوا برءوسكم أول كلمة بعض ثم حذف الباقي
ومنه قراءة بعضهم ونادوا يا مال بالترخيم ولما سمعها بعض السلف قال ما أغنى أهل النار عن

الترخيم وأجاب بعضهم بأنهم لشدة ما هم عجزوا عن إتمام الكلمة
ويدخل في هذا النوع حذف همزة أنا في قوله لكنا هو الله وربي إذ الأصل لكن أنا حذفت همزة أنا تخفيفا وأدغمت النون في النون
ومثله ما قرئ ويمسك السماء أن تقع علرض بما أنزليك فمن تعجل في يومين فلثم عليه إنها لحدى الكبر
4587 - النوع الثاني ما يسمى بالاكتفاء وهو أن يقتضي المقام ذكر شيئين بينهما تلازم وارتباط فيكتفي بأحدهما عن الآخر لنكتة
ويختص غالبا بالارتباط العطفي كقوله سرابيل تقيكم الحر أي والبرد وخصص الحر بالذكر لأن الخطاب للعرب وبلادهم حارة والوقاية عندهم من الحر أهم لأنه أشد عندهم من البرد وقيل لأن البرد تقدم ذكر الامتنان بوقايته صريحا في قوله ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها وفي قوله وجعل لكم من الجبال أكنانا وفي قوله تعالى والانعام خلقها لكم فيها دفء
ومن أمثلة هذا النوع بيدك الخير أي والشر وإنما خص الخير بالذكر لأنه مطلوب العباد ومرغوبهم أو لأنه أكثر وجودا في العالم أو لأن إضافة الشر إلى الله ليس من بابا الآداب كما قال والشر ليس إليك
4588 - ومنها وله ما سكن في الليل والنهار أي وما تحرك وخص السكون بالذكر لأنه أغلب الحالين على المخلوق من الحيوان والجماد ولأن كل متحرك يصير إلى السكون
4589 - ومنها الذين يؤمنون بالغيب أي والشهادة لأن الإيمان بكل منهما واجب وآثر الغيب لأنه أمدح ولأنه يستلزم الإيمان بالشهادة من غير عكس
4590 - ومنها ورب المشارق أي والمغارب
4591 - ومنها هدى للمتقين أي وللكافرين قاله ابن الأنباري ويؤيده قوله هدى للناس

ومنها إن امرؤ هلك ليس له ولد أي ولا والد بدليل أنه أوجب للأخت النصف وإنما يكون ذلك مع فقد الأب لأنه يسقطها
4593 - النوع الثالث ما يسمى بالاحتباك وهو من ألطف الأنواع وأبدعها وقل من تنبه له أو نبه عليه من أهل فن البلاغة ولم أره في شرح بديعية الأعمى لرفيقه الأندلسي وذكره الزركشي في البرهان ولم يسمه هذا لاسم بل سماه الحذف المقابلي
4594 - وأفرده بالتصنيف من أهل العصر العلامة برهان الدين البقاعي قال الأندلسي في شرح البديعية من أنواع البديع الاحتباك وهو نوع عزيز وهو أن يحذف من الأول ما أثبت نظيره في الثاني ومن الثاني ما أثبت نظيره في الأول كقوله تعالى ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق . . الآية التقدير ومثل الأنبياء والكفار كمثل الذي ينعق والذي ينعق به فحذف من الأول الأنبياء لدلالة الذي ينعق عليه ومن الثاني الذي ينعق به لدلالة الذين كفروا عليه
4595 - وقوله وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء التقدير تدخل غير بيضاء وأخرجها تخرج بيضاء فحذف من الأول غير بيضاء ومن الثاني وأخرجها
4596 - وقال الزركشي هو أن يجتمع في الكلام متقابلان فيحذف من كل واحد منهما مقابله لدلالة الآخر عليه كقوله تعالى أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعلي إجرامي وأنا بريء مما تجرمون التقدير إن افتريته فعلي إجرامي وأنتم برآء منه وعليكم إجرامكم وأنا بريء مما تجرمون
4597 - وقوله ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم التقدير ويعذب المنافقين إن شاء فلا يتوب عليهم أو يتوب عليهم فلا يعذبهم

4598 - وقوله ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن أي حتى يطهرن من الدم ويتطهرن بالماء فإذا طهرن وتطهرن فأتوهن
4599 - وقوله خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا أي عملا صالحا بسيئ وآخر سيئا صالح
4600 - قلت ومن لطيفه قوله فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة أي فئة مؤمنة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة تقاتل في سبيل الطاغوت
4601 - وفي الغرائب للكرماني في الآية الأولى التقدير مثل الذين كفروا معك يا محمد كمثل الناعق مع الغنم فحذف من كل طرف ما يدل عليه الطرف الآخر
وله في القرآن نظائر وهو أبلغ ما يكون من الكلام
انتهى
4602 - ومأخذ هذه التسمية من الحبك الذي معناه الشد والأحكام وتحسين أثر الصنعة في الثوب فحبك الثوب سد ما بين خيوطه من الفرج وشده وإحكامه بحيث يمنع عنه الخلل مع الحسن والرونق
وبيان أخذه منه من أن مواضع الحذف من الكلام شبهت بالفرج بين الخيوط فلما أدركها الناقد البصير بصوغه الماهر في نظمه وحوكه فوضع المحذوف مواضعه كان حابكا له مانعا من خلل يطرقه فسد بتقديره ما يحصل به الخلل مع ما أكسبه من الحسن والرونق
4603 - النوع الرابع ما يسمى بالاختزال هو ما ليس واحدا مما سبق وهو أقسام لأن المحذوف إما كلمة اسم أو فعل أو حرف أو أكثر
4604 - أمثله حذف الاسم
حذف المضاف هو كثير في القرآن جدا حتى قال ابن جني في القرآن منه زهاء ألف موضع
وقد سردها الشيخ عز الدين في كتابه المجاز على ترتيب السور والآيات ومنه الحج أشهر أي حج أشهر أو أشهر الحج
ولكن البر من آمن أي ذا البر أو بر من
حرمت عليكم أمهاتكم أي نكاح أمهاتكم
لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات أي ضعف عذاب
وفي الرقاب أي وفي تحرير الرقاب

3605 - حذف المضاف إليه يكثر في ياء المتكلم نحو رب اغفر لي
4606 - وفي الغايات نحو لله الأمر من قبل ومن بعد أي من قبل الغلب ومن بعده
4607 - وفي كل وأي وبعض
وجاء في غيرهن كقراءة فلا خوف عليهم بضم بلا تنوين أي فلا خوف شيء عليهم
4608 - حذف المبتدأ يكثر في جواب الاستفهام نحو وما أدراك ما هيه نار أي هي نار
وبعد فاء الجواب من عمل صالحا فلنفسه أي فعمله لنفسه ومن أساء فعليها أي فإساءته عليها وبعد القول نحو وقالوا أساطير الأولين قالوا أضغاث أحلام
4609 - وبعد ما الخبر صفة له في المعنى نحو التائبون العابدون ونحو صم بكم عمي
4610 - ووقع في غير ذلك نحو لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ أي هذا
سورة أنزلناها أي هذه
4611 - ووجب في النعت المقطوع إلى الرفع حذف الخبر نحو أكلها دائم وظلها أي دائم
4612 - ويحتمل الأمرين فصبر جميل أي أجمل أو فأمري صبر
فتحرير رقبة أي عليه أو فالواجب
4613 - حذف الموصوف وعندهم قاصرات الطرف أي حور قاصرات
أن اعمل سابغات أي دروعا سابغات
أيها المؤمنون أي القوم المؤمنون

4614 - حذف الصفة نحو يأخذ كل سفينة أي صالحة بدليل أنه قرئ كذلك و أن تعييبها لا يخرجها عن كونها سفينة
الآن جئت بالحق أي الواضح وإلا لكفروا بمفهوم ذلك
فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا أي نافعا
4615 - حذف المعطوف عليه أن اضرب بعصاك البحر فانفلق أي فضرب فانفلق
وحيث دخلت واو العطف على لام التعليل ففي تخريجه وجهان
أحدهما أن يكون تعليلا معلله محذوف كقوله وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا فالمعنى وللإحسان إلى المؤمنين فعل ذلك
والثاني أنه معطوف على علة أخرى مضمرة ليظهر صحة العطف أي فعل ذلك ليذيق الكافرين بأسه وليبلي
4616 - حذف المعطوف مع العاطف لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أي ومن أنفق بعده
بيدك الخير أي والشر
4617 - حذف المبدل منه خرج عليه ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب أي لما تصفه والكذب بدل من الهاء
4618 - حذف الفاعل لا يجوز إلا في فاعل المصدر نحو لا يسأم الإنسان من دعاء الخير أي دعائه الخير
وجوزه الكسائي مطلقا لدليل وخرج عليه إذا بلغت التراقي أي الروح حتى توارت بالحجاب أي الشمس
4619 - حذف المفعول تقدم أنه كثير في مفعول المشيئة والإرادة
ويرد في غيرهما نحو إن الذين اتخذوا العجل
أي إلها
كلا سوف تعلمون أي عاقبة أمركم
4620 - حذف الحال يكثر إذا كان قولا نحو والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام أي قائلين

4621 - حذف المنادى ألا يا اسجدوا أي يا هؤلاء
يا ليت أي يا قوم
4622 - حذف العائد يقع في أربعة أبواب
الصلة نحو أهذا الذي بعث الله رسولا أي بعثه
والصفة نحو واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس أي فيه
والخبر نحو وكل وعد الله الحسنى أي وعده
والحال
4623 - حذف مخصوص نعم إنا وجدناه صابرا نعم العبد أي أيوب
فقدرنا فنعم القادرون أي نحن
ولنعم دار المتقين أي الجنة
4624 - حذف الموصول نحو آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم أي والذي أنزل إليكم لأن الذي أنزل إلينا ليس هو الذي أنزل إلى من قبلنا ولهذا أعيدت ما في قوله آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم
4625 - أمثلة حذف الفعل
يطرد إذا كان مفسرا نحو وإن أحد من المشركين استجارك إذا السماء انشقت
قل لو أنتم تملكون
4626 - ويكثر في جواب الاستفهام نحو وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا أي أنزل
4627 - وأكثر منه حذف القول نحو وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا أي يقولان ربنا
4628 - ويأتي في غير ذلك نحو انتهوا خيرا لكم أي وأتوا والذين تبوءوا الدار والإيمان أي وألفوا الإيمان أو اعتقدوا اسكن أنت وزوجك الجنة

أي وليسكن زوجك وامرأته حمالة الحطب أي أذم
والمقيمين الصلاة أي أمدح ولكن رسول الله أي كان
وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم أي يوفوا أعمالهم
4629 - أمثلة حذف الحرف
قال ابن جني في المحتسب أخبرنا أبو علي قال قال أبو بكر حذف الحرف ليس بقياس لأن الحروف إنما دخلت الكلام الكلام لضرب من الاختصار فلو ذهبت تحذفها لكنت مختصرا لها هي أيضا واختصار المختصر إجحاف به
4630 - حذف همزة الاستفهام
قرأ ابن محيصن سواء عليهم أنذرتهم وخرج عليه هذا ربي في المواضع الثلاثة
وتلك نعمة تمنها أي أو تلك
4631 - حذف الموصوف الحرفي
قال ابن مالك لا يجوز إلا في أن نحو ومن آياته يريكم البرق
4632 - وحذف الجار يطرد مع أن وأن نحو يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم أطمع أن يغفر لي أيعدكم أنكم أي بأنكم
وجاء مع غيرهما نحو قدرناه منازل أي قدرنا له ويبغونها عوجا أي لها يخوف أولياءه أي يخوفكم بأوليائه
واختار موسى قومه أي من قومه
ولا تعزموا عقدة النكاح أي على عقدة النكاح
4633 - حذف العاطف خرج عليه الفارسي ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا أي وقلت وجوه يومئذ ناعمة أي ووجوه عطفا على وجوه يومئذ خاشعة

4634 - حذف فاء الجواب وخرج عليه الأخفش إن ترك خيرا الوصية للوالدين
4635 - حذف حرف النداء كثير ها أنتم أولاء يوسف أعرض قال رب إني وهن العظم مني فاطر السموات والأرض
4636 - وفي العجائب للكرماني كثر حذف يا في القرآن من الرب تنزيها وتعظيما لأن في النداء طرفا من الأمر
4637 - حذف قد في الماضي إذا وقع حالا نحو أو جاءوكم حصرت صدورهم أنؤمن لك واتبعك الأرذلون
4638 - حذف لا النافية يطرد في جواب القسم إذا كان المنفي مضارعا نحو تالله تفتأ
وورد في غيره نحو وعلى الذين يطيقونه فدية أي لا يطيقونه
وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم أي لئلا تميد
4639 - حذف لام التوطئة وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن وإن أطعتموهم إنكم لمشركون
4640 - حذف لام الأمر خرج عليه قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا أي ليقيموا
4641 - حذف لام لقد يحسن مع طول الكلام نحو قد أفلح من زكاها
4642 - حذف نون التوكيد خرج عليه قراءة ألم نشرح بالنصب
4643 - حذف التنوين خرج عليه قل هو الله أحد الله الصمد ولا الليل سابق النهار بالنصب

4644 - حذف نون الجمع خرج عليه قراءة وما هم بضاري به من أحد
4645 - حذف حركة الإعراب والبناء وخرج عليه قراءة فتوبوا إلى بارئكم و يأمركم وبعولتهن أحق بسكون الثلاثة
وكذا أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح فأواري سوءة أخي ما بقي من الربا
4646 - أمثلة حذف أكثر من كلمة
حذف مضافين فإنها من تقوى القلوب أي فإن تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب
فقبضت قبضة من أثر الرسول أي من أثر حافر فرس الرسول تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت أي كدوران عين الذي
وتجعلون رزقكم أي بدل شكر رزقكم
4647 - حذف ثلاثة متضايفات
فكان قاب قوسين أي فكان مقدار مسافة قربه مثل قاب قوسين فحذف ثلاثة من اسم كان وواحد من خبرها
4648 - حذف مفعولي باب ظن أين شركائي الذين كنتم تزعمون أي تزعمونهم شركائي
4649 - حذف الجار مع المجرور خلطوا عملا صالحا أي بسيء وآخر سيئا أي بصالح
4650 - حذف العاطف مع المعطوف تقدم
4651 - حذف حرف الشرط وفعله يطرد بعد الطلب نحو فاتبعوني يحببكم الله أي إن اتبعتموني
قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة أي إن قلت لهم يقيموا
4652 - وجعل منه الزمخشري فلن يخلف الله عهده أي إن اتخذتم عند الله عهدا
فلن يخلف الله

4653 - وجعل منه أبو حيان فلم تقتلون أنبياء الله من قبل أي إن كنتم آمنتم بما أنزل إليكم فلم تقتلون
4654 - حذف جواب الشرط فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء أي فافعل
وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون أي أعرضوا بدليل ما بعده
أئن ذكرتم أي تطيرتم
ولو جئنا بمثله مددا أي لنفذ
ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم أي لرأيت أمرا فظيعا
ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رءوف رحيم أي لعذبكم
لولا أن ربطنا على قلبها أي لأبدت به
ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم أي لسلطكم على أهل مكة
4655 - حذف جملة القسم لأعذبنه عذابا شديدا أي والله حذف جوابه
والنازعات غرقا . . الآيات أي لتبعثن
ص والقرآن ذي الذكر أي إنه لمعجز ق والقرآن المجيد أي ما الأمر كما زعموا
4656 - حذف جملة مسببة عن المذكور نحو ليحق الحق ويبطل الباطل أي فعل ما فعل
4657 - حذف جمل كثيرة نحو فأرسلون يوسف أيها الصديق أي فأرسلوني إلى يوسف لأستعبره الرؤيا ففعلوا فأتاه فقال له يا يوسف

خاتمة
4658 - تارة لا يقام شيء مقام المحذوف كما تقدم وتارة يقام ما يدل عليه نحو فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم فليس الإبلاغ هو الجواب لتقدمه

على توليهم وإنما التقدير فإن تولوا فلا لوم علي أو فلا عذر لكم لأني أبلغتكم
وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك أي فلا تحزن واصبر
وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين أي يصيبهم مثل ما أصابهم

فصل في نوعي الإطناب
4659 - كما انقسم الإيجاز إلى إيجاز قصر وإيجاز حذف كذلك انقسم الإطناب إلى بسط وزيادة
الإطناب بالبسط
4660 - فالأول الإطناب بتكثير الجمل كقوله تعالى إن في خلق السموات والأرض . . الآية في سورة البقرة
أطنب فيها أبلغ الإطناب لكون الخطاب مع الثقلين وفي كل عصر وحين للعالم منهم والجاهل والموافق منهم والمنافق
4661 - وقوله الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به فقوله ويؤمنون به إطناب لأن إيمان حملة العرش معلوم وحسنه إظهار شرف الإيمان ترغيبا فيه
وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وليس من المشركين مزك
والنكتة الحث للمؤمنين على أدائها والتحذير من المنع حيث جعل من أوصاف المشركين
الإطناب بالزيادة
4662 - والثاني يكون بأنواع
أحدها دخول حرف فأكثر من حروف التأكيد السابقة في نوع الأدوات
4663 - وهي إن وأن ولام الابتداء والقسم وألا الاستفتاحية وأما وها التنبيه وكأن في تأكيد التشبيه ولكن في تأكيد الاستدراك وليت في تأكيد

التمني ولعل في تأكيد الترجي وضمير الشأن وضمير الفصل وإما في تأكيد الشرط وقد والسين وسوف والنونان في تأكيد الفعلية ولا التبرئة ولن ولما في تأكيد النفي
وإنما يحسن تأكيد الكلام بها إذا كان المخاطب به منكرا أو مترددا
4664 - ويتفاوت التأكيد بحسب قوة الإنكار وضعفه كقوله تعالى حكاية عن رسل عيسى إذ كذبوا في المرة الأولى إنا إليكم مرسلون فأكد بأن وإسمية الجملة
وفي المرة الثانية قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون فأكد بالقسم وإن واللام وإسمية الجملة لمبالغة المخاطبين في الإنكار حيث قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون
4665 - وقد يؤكد بها والمخاطب به غير منكر لعدم جريه على مقتضى إقراره فينزل منزلة المنكر
وقد يترك التأكيد وهو معه منكر لأن معه أدلة ظاهرة لو تأملها لرجع عن إنكاره وعلى ذلك يخرج قوله ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون أكد الموت تأكيدين وإن لم ينكر لتنزيل المخاطبين لتماديهم في الغفلة تنزيل من ينكر الموت وأكد إثبات البعث تأكيدا واحدا وإن كان أشد نكيرا لأنه لما كانت أدلته ظاهرة كان جديرا بأن لا ينكر فنزل المخاطبون منزلة غير المنكر حثا لهم على النظر في أدلته الواضحة
ونظيره قوله تعالى لا ريب فيه نفى عنه الريبة ب لا على سبيل الاستغراق مع أنه ارتاب فيه المرتابون لكن نزل منزلة العدم تعويلا على ما يزيله من الأدلة الباهرة كما نزل الإنكار منزلة عدمه لذلك
4666 - وقال الزمخشري بولغ في تأكيد الموت تنبيها للإنسان على أن يكون الموت نصب عينيه ولا يغفل عن ترقبه فإن مآله إليه فكأنه أكدت جملته ثلاث مرات لهذا المعنى لأن الإنسان في الدنيا يسعى فيها غاية السعي حتى كأنه يخلد ولم يؤكد جملة البعث إلا بإن لأنه أبرز في صورة المقطوع به الذي لا يمكن فيه نزاع ولا يقبل إنكارا

4667 - وقال التاج بن الفركاح أكد الموت ردا على الدهرية القائلين ببقاء النوع الإنساني خلفا عن سلف واستغنى عن تأكيد البعث هنا لتأكيده والرد على منكره في مواضع كقوله قل بلى وربي لتبعثن
4668 - وقال غيره لما كان العطف يقتضي الاشتراك استغنى عن إعادة اللام لذكرها في الأول
4669 - وقد يؤكد بها أي اللام للمستشرف الطالب الذي قدم له ما يلوح بالخبر فاستشرفت نفسه إليه نحو ولا تخاطبني في الذين ظلموا أي لا تدعني يا نوح في شأن قومك فهذا الكلام يلوح بالخبر تلويحا ويشعر بأنه قد حق عليهم العذاب فصار المقام مقام أن يتردد المخاطب في أنهم هل صاروا محكوما عليهم بذلك أو لا فقيل إنهم مغرقون بالتأكيد
4670 - وكذا قوله يأيها الناس اتقوا ربكم لما أمرهم بالتقوى وظهور ثمرتها والعقاب على تركها محله الآخرة تشوقت نفوسهم إلى وصف حال الساعة فقال إن زلزلة الساعة شيء عظيم بالتأكيد ليقرر عليه الوجوب
4671 - وكذا قوله وما أبرئ نفسي فيه تحيير للمخاطب وتردد في أنه كيف لا يبريء نفسه وهي برئية زكية ثبتت عصمتها وعدم مواقعتها السوء فأكده
بقوله إن النفس لأمارة بالسوء
4672 - وقد يؤكد لقصد الترغيب نحو فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم أكد بأربع تأكيدات ترغيبا للعباد في التوبة
4673 - وقد سبق الكلام على أدوات التأكيد المذكورة ومعانيها ومواقعها في النوع الأربعين
1 -

فائدة
4674 - إذا اجتمعت إن واللام كان بمنزلة تكرير الجملة ثلاث مرات

لأن إن أفادت التكرير مرتين فأذا دخلت اللام صارت ثلاثا
وعن الكسائي أن اللام لتوكيد الخبر وإن لتوكيد الاسم
وفيه تجوز لأن التوكيد للنسبة لا للاسم ولا للخبر وكذلك نون التوكيد الشديدة بمنزلة تكرير الفعل ثلاثا والخفيفة بمنزلة تكريره مرتين
فقال سيبويه في نحو يأيها الألف والهاء لحقتا أيا توكيدا فكأنك كررت يا مرتين وصار الاسم تنبيها
هذا كلامه وتابعه الزمخشري
2 - فائدة
4675 - قوله تعالى ويقول الإنسان أئذا مامت لسوف أخرج حيا قال الجرجاني في نظم القرآن ليست اللام فيه للتأكيد فإنه منكر فكيف يحقق ما ينكره وإنما قاله حكاية لكلام النبي الصادر منه بأداة التأكيد فحكاه فنزلت الآية على ذلك

النوع الثاني دخول الأحرف الزائدة
4676 - قال ابن جني كل حرف زيد في كلام العرب فهو قائم مقام إعادة الجملة مرة أخرى
4677 - وقال الزمخشري في كشافه القديم الباء في خبر ما وليس لتأكيد النفي كما أن اللام لتأكيد الإيجاب
4678 - وسئل بعضهم عن التأكيد بالحرف وما معناه إذ إسقاطه لا يخل بالمعنى فقال هذا يعرفه أهل الطباع يجدون من زيادة الحرف معنى لا يجدونه بإسقاطه
قال ونظيره العارف بوزن الشعر طبعا إذا تغير عليه البيت بنقص أنكره وقال أجد نفسي على خلاف ما أجدها بإقامة الوزن
فكذلك هذه الحروف تتغير نفس المطبوع بنقصانها ويجد نفسه بزيادتها على معنى بخلاف ما يجدها بنقصانه
ثم باب الزيادة في الحروف وزيادة الأفعال قليل والأسماء أقل
4679 - أما الحروف فيزداد منها إن وأن وإذ وإذا وإلى وأم والباء والفاء وفي والكاف واللام ولا وما ومن والواو وتقدمت في نوع الأدوات مشروحة

4680 - وأما الأفعال فزيد منها كان وخرج عليه كيف نكلم من كان في المهد صبيا وأصبح وخرج عليه فأصبحوا خاسرين
4681 - وقال الرماني العادة أن من به علة تزاد بالليل أن يرجو الفرج عندالصباح فاستعمل أصبح لأن الخسران حصل لهم في الوقت الذي يرجون فيه الفرج فليست زائدة
4682 - وإما الأسماء فنص أكثر النحويين على أنها لا تزاد ووقع في كلام المفسرين الحكم عليها بالزيادة في مواضع كلفظ مثل في قوله فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به أي بما

النوع الثالث التأكيد الصناعي
4683 - وهو أربعة أقسام
أحدها التوكيد المعنوي بكل واجمع وكلا وكلتا نحو فسجد الملائكة كلهم أجمعون وفائدته رفع توهم المجاز وعدم الشمول
4684 - وادعى الفراء أن كلهم أفادت ذلك و أجمعون أفادت اجتماعهم على السجود وأنهم لم يسجدوا متفرقين
4685 - ثانيها التأكيد اللفظي وهو تكرار اللفظ الأول إما بمرادفه نحو ضيقا حرجا بكسر الراء و غرابيب سود وجعل منه الصفار
فيما إن مكناكم فيه على القول بأن كليهما للنفي
وجعل منه غيره قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فوراء هنا ليس ظرفا لأن لفظ ارجعوا ينبئ عنه بل هو اسم فعل بمعنى ارجعوا فكأنه قال ارجعوا ارجعوا
4686 - وإما بلفظه ويكون في الاسم والفعل والحرف والجملة
فالاسم والجملة نحو قوارير قوارير دكا دكا
4687 - والفعل فمهل الكافرين أمهلهم

4688 - واسم الفعل نحو هيهات هيهات لما توعدون
4689 - والحرف نحو ففي الجنة خالدين فيها أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم
4690 - والجملة نحو فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا
4691 - والأحسن اقتران الثانية بثم نحو وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون
4692 - ومن هذا النوع تأكيد الضمير المتصل بالمنفصل نحو اسكن أنت وزوجك الجنة فاذهب أنت وربك وأما أن نكون نحن الملقين
4693 - ومن تأكيد المنفصل بمثله وهم بالآخرة هم كافرون
4694 - ثالثها تأكيد الفعل بمصدره وهو عوض من تكرار الفعل مرتين وفائدته رفع توهم المجاز في الفعل بخلاف التوكيد السابق فإن لرفع توهم المجاز في المسند إليه
كذا فرق به ابن عصفور وغيره
ومن ثم رد بعض أهل السنة على بعض المعتزلة في دعواه نفي التكليم حقيقة بقوله وكلم الله موسى تكليما لأن التوكيد رفع المجاز في الفعل
ومن أمثلته وسلموا تسليما يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا جزاؤكم جزاء موفورا
4695 - وليس منه وتظنون بالله الظنونا بل هو جمع ظن لاختلاف أنواعه
وأما إلا أن يشاء ربي شيئا فتحتمل أن يكون منه وأن يكون الشيء بمعنى الأمر والشأن
4696 - والأصل في هذا النوع أن ينعت بالوصف المراد نحو اذكروا الله

ذكرا كثيرا وسرحوهن سراحا جميلا
وقد يضاف وصفه إليه نحو اتقوا الله حق تقاته وقد يؤكد بمصدر فعل آخر أو إسم عين نيابه عن المصدر نحو وتبتل إليه تبتيلا والتبتيل مصدر بتل
والله أنبتكم من الأرض نباتا أي إنباتا إذ النبات إسم عين
4697 - رابعها الحال المؤكدة نحو ويوم أبعث حيا ولا تعثوا في الأرض مفسدين وأرسلناك للناس رسولا ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد
4698 - وليس منه ولى مدبرا لأن التولية قد لا تكون إدبارا بدليل قوله فول وجهك شطر المسجد الحرام
ولا فتبسم ضاحكا لأن التبسم قد لا يكون ضحكا ولا وهو الحق مصدقا لاختلاف المعنيين إذ كونه حقا في نفسه غير كونه مصدقا لما قبله

النوع الرابع التكرير
4699 - وهو أبلغ من التأكيد وهو من محاسن الفصاحة خلافا لبعض من غلط
وله فوائد
منها التقرير وقد قيل الكلام إذا تكرر تقرر وقد نبه تعالى على السبب الذي لأجله كرر الأقاصيص والإنذار في القرآن بقوله وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا
4700 - ومنها التأكيد
4701 - ومنها زيادة التنبيه على ما ينفي التهمة ليكمل تلقي الكلام بالقبول ومنه وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع فإنه كرر فيه النداء لذلك

4702 - ومنها إذا طال الكلام وخشي تناسى الأول أعيد ثانيا تطرية له وتجديدا لعهده ومنه ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها ولما جاءهم كتاب من عند الله إلى قوله فلما جاءهم ماعرفوا كفروا به لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم
4703 - ومنها التعظيم والتهويل نحو الحاقة ما الحاقة القارعة ما القارعة وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين
4704 - فإن قلت هذا النوع أحد أقسام النوع الذي قبله فإن منها التأكيد بتكرار اللفظ فلا يحسن عده نوعا مستقلا
قلت هو يجامعه ويفارقه ويزيد عليه وينقص عنه فصار أصلا برأسه فإنه قد يكون التأكيد تكرارا كما تقدم في أمثلته وقد لا يكون تكرارا كما تقدم أيضا وقد يكون التكرير غير تأكيد صناعة وإن كان مفيدا للتأكيد معنى
4705 - ومنه ما وقع فيه الفصل بين المكررين فإن التأكيد لا يفصل بينه وبين مؤكده نحو اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين فالآيتان من باب التكرير لا التأكيد اللفظي الصناعي
ومنه الآيات المتقدمة في التكرير للطول
4706 - ومنه ما كان لتعدد المتعلق بأن يكون المكرر ثانيا متعلقا بغير ما تعلق به الأول وهذا القسم يسمى بالترديد كقوله الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري وقع فيها الترديد أربع مرات

4707 - وجعل منه قوله فبأي آلاء ربكما تكذبان فإنها وإن تكررت نيفا وثلاثين مرة فكل واحدة تتعلق بما قبلها ولذلك زادت على ثلاثة ولو كان الجميع عائدا إلى شيء واحد لما زاد على ثلاثة لأن التأكيد لا يزيد عليها
قاله ابن عبد السلام وغيره
4708 - وإن كان بعضها ليس بنعمة فذكر النقمة للتحذير نعمة
وقد سئل أي نعمة في قوله كل من عليها فان فأجيب بأجوبة أحسنها النقل من دار الهموم إلى دار السرور وإراحة المؤمن والبار من الفاجر
4709 - وكذا قوله ويل يومئذ للمكذبين في سورة المرسلات لأنه تعالى ذكر قصصا مختلفة وأتبع كل قصة بهذا القول فكأنه قال عقب كل قصة ويل يومئذ للمكذب بهذه القصة
4710 - وكذا قوله في سورة الشعراء إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم كررت ثماني مرات كل مرة عقب كل قصة فالإشارة في كل واحدة بذلك إلى قصة النبي المذكور قبلها وما اشتملت عليه من الآيات والعبر
وبقوله وما كان أكثرهم مؤمنين إلى قومه خاصة ولما كان مفهومه أن الأقل من قومه آمنوا أتى بوصف العزيز الرحيم للإشارة إلى أن العزة على من لم يؤمن منهم والرحمة لمن آمن
4711 - وكذا قوله في سورة القمر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر قال الزمخشري كرر ليجددوا عند سماع كل نبأ منها إتعاظا وتنبيها وإن كلا من تلك الأنباء مستحق لإعتبار يختص به وأن يتنبهوا كيلا يغلبهم السرور والغفلة
4712 - قال في عروس الأفراح فإن قلت إذا كان المراد بكل ما قبله فليس

ذلك بإطناب بل هي ألفاظ كل أريد به غير ما أريد بالآخر
قلت إذا قلنا العبرة بعموم اللفظ فكل واحد أريد به ما أريد بالآخر ولكن كرر ليكون نصا فيما يليه وظاهرا في غيره
فإن قلت يلزم التأكيد قلت والأمر كذلك ولا يرد عليه أن التأكيد لا يزاد به عن ثلاثة لأن ذاك في التأكيد الذي هو تابع أما ذكر الشيء في مقامات متعددة أكثر من ثلاثة فلا يمتنع
انتهى
4713 - ويقرب من ذلك ما ذكره ابن جرير في قوله تعالى ولله ما في السموات وما في الأرض ولقد وصينا إلى قوله وكان الله غنيا حميدا ولله ما في السموات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا قال فإن قيل ما وجه تكرار قوله ولله ما في السموات وما في الأرض في آيتين إحداهما في أثر الأخرى قلنا لإختلاف معنى الخبرين عما في السموات والأرض وذلك أن الخبر عنه في إحدى الآيتين ذكر حاجته إلى بارئه وغنى بارئه عنه
وفي الأخرى حفظ بارئه إياه وعلمه به وبتدبيره قال فإن قيل أفلا قيل وكان الله غنيا حميدا وكفى بالله وكيلا قيل ليس في الآية الأولى ما يصلح أن تختتم بوصفه معه بالحفظ والتدبير
إنتهى
4714 - وقال تعالى وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب قال الراغب الكتاب الأول ما كتبوه بأيديهم المذكور في قوله تعالى فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم والكتاب الثاني التوراة والثالث الجنس كتب الله كلها أي ما هو من شيء من كتب الله وكلامه
4715 - ومن أمثلة ما يظن تكرارا وليس منه قل يأيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون إلى آخرها فإن لا أعبد ما تعبدون أي في المستقبل ولا أنتم عابدون أي في الحال ما أعبد في المستقبل ولا أنا عابد أي في الحال ما عبدتم في الماضي ولا أنتم عابدون أي في المستقبل ما أعبد أي في الحال
فالحاصل أن القصد نفى عبادته لآلهتهم في الأزمنة الثلاثة
4716 - وكذا فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم ثم قال

فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم ثم قال واذكروا الله في أيام معدودات فإن المراد بكل واحد من هذه الأذكار غير المراد بالآخر فالأول الذكر في مزدلفة عند الوقوف بقزح وقوله واذكروه كما هداكم إشارة إلى تكرره ثانيا وثالثا ويحتمل أن يراد به طواف الإفاضة بدليل تعقيبه بقوله فإذا قضيتم والذكر الثالث إشارة إلى رمي جمرة العقبة والذكر الأخير لرمي أيام التشريق
4717 - ومنه تكرير حرف الإضراب في قوله بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر وقوله بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون
4718 - ومنه قوله ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين ثم قال وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين فكرر الثاني ليعم كل مطلقة فإن الآية الأولى في المطلقة قبل الفرض والمسيس خاصة وقيل لأن الأولى لا تشعر بالوجوب ولهذا لما نزلت قال بعض الصحابة إن شئت أحسنت وإن شئت فلا فنزلت الثانية أخرجه ابن جرير
4719 - ومن ذلك تكرير الأمثال كقوله وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات
4720 - وكذلك ضرب مثل المنافقين أول البقرة بالمستوقد نارا ثم ضربه بأصحاب الصيب
قال الزمخشري والثاني أبلغ من الأول لأنه أدل على فرط الحيرة وشدة الأمر وفظاعته قال ولذلك أخر وهم يتدرجون في نحو هذا من الأهون إلى الأغلظ
4721 - ومن ذلك تكرير القصص كقصة آدم وموسى ونوح وغيرهم من الأنبياء قال بعضهم ذكر الله موسى في مائة وعشرين موضعا من كتابه
4722 - وقال ابن العربي في القواصم ذكر الله قصة نوح في خمس وعشرين آية وقصة موسى في تسعين آية

4723 - وقد ألف البدر بن جماعة كتابا سماه المقتنص في فوائد تكرار القصص وذكر في تكرير القصص فوائد
منها أن في كل موضع زيادة شيء لم يذكر في الذي قبله أو إبدال كلمة بأخرى لنكتة وهذه عادة البلغاء
4724 - ومنها أن الرجل كان يسمع القصة من القرآن ثم يعود إلى أهله ثم يهاجر بعده آخرون يحكون ما نزل بعد صدور من تقدمهم فلولا تكرار القصص لوقعت قصة موسى إلى قوم وقصة عيسى إلى قوم آخرين وكذا سائر القصص فأراد الله إشتراك الجميع فيها فيكون فيه إفادة لقوم وزيادة تأكيد لآخرين
4725 - ومنها أن في إبراز الكلام الواحد في فنون كثيرة وأساليب مختلفة ما لا يخفى من الفصاحة
4726 - ومنها أن الدواعي لا تتوفر على نقلها كتوفرها على نقل الأحكام فلهذا كررت القصص دون الأحكام
4727 - ومنها أنه تعالى أنزل هذا القرآن وعجز القوم عن الإتيان بمثله بأي نظم جاءوا ثم أوضح الأمر في عجزهم بأن كرر ذكر القصة في مواضع إعلاما بأنهم عاجزون عن الإتيان بمثله أي بأي نظم جاءوا وبأي عبارة عبروا
4728 - ومنها أنه لما تحداهم قال فأتوا بسورة من مثله فلو ذكرت القصة في موضع واحد واكتفي بها لقال العربي ائتونا أنتم بسورة من مثله فأنزلها سبحانه وتعالى في تعداد السور دفعا لحجتهم من كل وجه
4728 - ومنها أن القصة لما كررت كان في ألفاظها في كل موضع زيادة ونقصان وتقديم وتأخير وأتت على أسلوب غير أسلوب الأخرى فأفاد ذلك ظهور الأمر العجيب في إخراج المعنى الواحد في صور متباينة في النظم وجذب النفوس إلى سماعها لما جبلت عليه من حب التنقل في الأشياء المتجددة واستلذاذها بها وإظهار خاصة القرآن حيث لم يحصل مع تكرير ذلك فيه هجنة في اللفظ ولا ملل عند سماعه فباين ذلك كلام المخلوقين

4729 - وقد سئل ما الحكمة في عدم تكرير قصة يوسف وسوقها مساقا واحدا في موضع واحد دون غيرها من القصص وأجيب بوجوه
أحدها أن فيها تشبيب النسوة به وحال إمرأة ونسوة افتتن بأبدع الناس جمالا فناسب عدم تكرارها لما فيه من الإغضاء والستر وقد صحح الحاكم في مستدركه حديث النهي عن تعليم النساء سورة يوسف
ثانيها أنها إختصت بحصول الفرج بعد الشدة بخلاف غيرها من القصص فإن مآلها إلى الوبال كقصة إبليس وقوم نوح وهود وصالح وغيرهم فلما اختصت بذلك اتفقت الدواعي على نقلها لخروجها عن سمت القصص
ثالثها قال الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني إنما كرر الله قصص الأنبياء وساق قصة يوسف مساقا واحدا إشارة إلى عجز العرب كأن النبي قال لهم إن كان من تلقاء نفسي فافعلوا في قصة يوسف ما فعلت في سائر القصص
قلت وظهر لي جواب رابع وهو أن سورة يوسف نزلت بسبب طلب الصحابة أن يقص عليهم كما رواه الحاكم في مستدركه فنزلت مبسوطة تامة ليحصل لهم مقصود القصص من إستيعاب القصة وترويح النفس بها والإحاطة بطرفيها
وجواب خامس وهو أقوى ما يجاب به أن قصص الأنبياء إنما كررت لأن المقصود بها إفادة إهلاك من كذبوا رسلهم والحاجة داعية إلى ذلك لتكرير تكذيب الكفار لرسول الله فكلما كذبوا أنزلت قصة منذرة بحلول العذاب كما حل على المكذبين ولهذا قال تعالى في آيات فقد مضت سنة الأولين ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن وقصة يوسف لم يقصد منها ذلك
4730 - وبهذا أيضا يحصل الجواب عن حكمة عدم تكرير قصة أصحاب الكهف وقصة ذي القرنين وقصة موسى مع الخضر وقصة الذبيح
4731 - فإن قلت قد تكررت قصة ولادة يحيى وولادة عيسى مرتين وليست من قبيل ما ذكرت
قلت الأولى في سورة كهيعص وهي مكية أنزلت خطابا لأهل مكة والثانية في سورة آل عمران وهي مدنية أنزلت خطابا لليهود ولنصارى نجران حين قدموا ولهذا اتصل بها ذكر المحاجة والمباهلة

النوع الخامس الصفة
4732 - وترد لأسباب
أحدها التخصيص في النكرة نحو فتحرير رقبة مؤمنة
4733 - الثاني التوضيح في المعرفة أي زيادة البيان نحو ورسوله النبي الأمي
4734 - الثالث المدح والثناء ومنه صفات الله تعالى نحو بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين هو الله الخالق الباريء المصور
4735 - ومنه يحكم النبيون الذين أسلموا فهذا الوصف للمدح وإظهار شرف الإسلام والتعريض باليهود وأنهم بعداء عن ملة الإسلام الذي هو دين الأنبياء كلهم وأنهم بمعزل عنها
قاله الزمخشري
4736 - الرابع الذم نحو فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم
4737 - الخامس التأكيد لرفع الإيهام نحو لا تتخذوا إلهين اثنين فإن إلاهين للتثنية فاثنين بعده صفة مؤكدة للنهي عن الإشراك ولإفادة أن النهي عن إلاهين إنما هو لمحض كونهما إثنين فقط لا لمعنى آخر من كونهما عاجزين أو غير ذلك
ولأن الوحدة تطلق ويراد بها النوعية كقوله إنما نحن وبنو المطلب شيء واحد وتطلق ويراد بها نفي العدة فالتثنية باعتبارها فلو قيل لا تتخذوا الهين فقط لتوهم أنه نهى عن إتخاذ جنسين آلهة وإن جاز أن يتخذ من نوع واحد عدد آلهة ولهذا أكد بالوحدة قوله إنما هو إله واحد
4738 - ومثله فاسلك فيها من كل زوجين اثنين على قراءة تنوين كل وقوله فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة فهو تأكيد لرفع توهم تعدد النفخة لأن هذه الصيغة قد تدل على الكثرة بدليل وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها

4739 - ومن ذلك قوله فإن كانتا اثنتين فإن لفظ كانتا تفيد التثنية فتفسيره بإثنتين لم يفد زيادة عليه
4740 - وقد أجاب عن ذلك الأخفش والفارسي بأنه أفاد العدد المحض مجردا عن الصفة لأنه قد كان يجوز أن يقال فإن كانتا صغيرتين أو كبيرتين أو صالحتين أو غير ذلك من الصفات فلما قال اثنتين أفهم أن فرض الثنتين تعلق بمجرد كونهما ثنتين فقط وهي فائدة لا تحصل من ضمير المثنى
وقيل أراد فإن كانتا اثنتين فصاعدا فعبر بالأدنى عنه وعما فوقه إكتفاء
ونظيره فإن لم يكونا رجلين والأحسن أن الضمير عائد على الشهيدين المطلقين
4741 - ومن الصفات المؤكدة قوله ولا طائر يطير بجناحيه فقوله يطير لتأكيد أن المراد بالطائر حقيقته فقد يطلق مجازا على غيره وقوله بجناحيه لتأكيد حقيقة الطيران لأنه يطلق مجازا على شدة العدو والإسراع في المشي
4742 - ونظيره يقولون بألسنتهم لأن القول يطلق مجازا على غير اللسان بدليل ويقولون في أنفسهم
4743 - وكذا ولكن تعمى القلوب التي في الصدور لأن القلب قد يطلق مجازا على العين كما أطلقت العين مجازا على القلب في قوله الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكرى
1 -

قاعدة
4744 - الصفة العامة لا تأتي بعد الخاصة لا يقال رجل فصيح متكلم بل متكلم فصيح وأشكل على هذه قوله تعالى في إسماعيل وكان رسولا نبيا وأجيب أنه حال لا صفة أي مرسلا في حال نبوته
وقد تقدم في نوع التقديم والتأخير أمثلة من هذه

2 - قاعدة
4745 - إذا وقعت الصفة بعد متضايفين أولهما عدد جاز إجراؤها على المضاف وعلى المضاف إليه فمن الأول سبع سموات طباقا ومن الثاني سبع بقرات سمان
1 -

فائدة
4746 - إذا تكررت النعوت لواحد فالأحسن إن تباعد معنى الصفات العطف نحو هو الأول والآخر والظاهر والباطن وإلا تركه نحو ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم مناع للخير معتد أثيم عتل بعد ذلك زنيم
2 - فائدة
4747 - قطع النعوت في مقام المدح والذم أبلغ من إجرائها قال الفارسي إذا ذكرت صفات في معرض المدح أو الذم فالأحسن أن يخالف في إعرابها لأن المقام يقتضي الإطناب فإذا خولف في الإعراب كان المقصود أكمل لأن المعاني عند الإختلاف تتنوع وتتفنن وعند الإتحاد تكون نوعا واحدا
4748 - مثاله في المدح والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة ولكن البر من آمن بالله إلى قوله والموفون بعهدهن إذا عاهدوا والصابرين
4749 - وقرئ شاذا الحمد لله رب العالمين برفع رب ونصبه
4750 - ومثاله في الذم وامرأته حمالة الحطب
النوع السادس البدل
4751 - والقصد به الإيضاح بعد الإبهام وفائدته البيان والتأكيد
أما الأول فواضح أنك إذا قلت رأيت زيدا أخاك بينت أنك تريد بزيد الأخ لا غير
أما التأكيد فلأنه على نية تكرار العامل فكأنه من جملتين ولأنه دل على ما دل عليه

الأول إما بالمطابقة في بدل الكل أو بالتضمن في بدل البعض أو بالإلتزام في بدل الإشتمال
4752 - مثال الأول اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله لنسفعا بالناصية ناصية كاذبة خاطئة
4753 - ومثال الثاني ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا
ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض
4754 - ومثال الثالث وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير قتل أصحاب الأخدود النار لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم
4755 - وزاد بعضهم بدل الكل من البعض وقد وجدت له مثالا في القرآن وهو قوله يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا جنات عدن ف جنات عدن بدل من الجنة التي هي بعض وفائدته تقرير أنها جنات كثيرة لا جنة واحدة
قال ابن السيد وليس كل بدل يقصد به رفع الإشكال الذي يعرض في المبدل منه بل من البدل ما يراد به التأكيد وإن كان ما قبله غنيا عنه كقوله وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله ألا ترى أنه لو لم يذكر الصراط الثاني لم يشك أحد في أن الصراط المستقيم هو صراط الله وقد نص سيبويه على أن من البدل ما الغرض منه التأكيد
انتهى
4756 - وجعل منه ابن عبد السلام وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر قال ولا بيان فيه لأن الأب لا يلتبس بغيره ورد بأنه يطلق على الجد فأبدل لبيان إرادة الأب حقيقة

النوع السابع عطف البيان
4757 - وهو كالصفة في الإيضاح لكن يفارقها في أنه وضع ليدل على الإيضاح باسم مختص به بخلافها فإنها وضعت لتدل على معنى حاصل في متبوعها
4758 - وفرق ابن كيسان بينه وبين البدل بأن البدل هو المقصود وكأنك قررته في موضع المبدل منه وعطف البيان وما عطف عليه كل منهما مقصود
4759 - وقال ابن مالك في شرح الكافية عطف البيان يجري مجرى النعت في تكميل متبوعه ويفارقه في أن تكميله متبوعه بشرح وتبيين لا بدلالة على معنى في المتبوع أو سببية
ومجرى التأكيد في تقوية دلالته ويفارقه في أنه لا يرفع توهم مجاز ومجرى البدل في صلاحيته للإستقلال ويفارقه في أنه غير منوي الإطراح
ومن أمثلته فيه ايات بينات مقام إبراهيم من شجرة مباركة زيتونة
4760 - وقد يأتي لمجرد المدح بلا إيضاح ومنه جعل الله الكعبة البيت الحرام فالبيت الحرام عطف بيان للمدح لا للإيضاح
النوع الثامن عطف أحد المترادفين على الآخر
4761 - والقصد منه التأكيد أيضا وجعل منه إنما أشكو بثي وحزني فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا
فلا يخاف ظلما ولا هضما لا تخاف دركا ولا تخشى لا ترى فيها عوجا ولا أمتا قال الخليل العوج والأمت بمعنى واحد سرهم ونجواهم شرعة ومنهاجا لا تبقي ولا تذر إلا دعاء ونداء أطعنا سادتنا وكبراءنا لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب فإن نصب كلغب وزنا ومعنى صلوات من ربهم ورحمة عذرا أو نذرا قال ثعلب هما بمعنى

4762 - وأنكر المبرد وجود هذا النوع في القرآن وأول ما سبق على إختلاف المعنيين
4763 - وقال بعضهم المخلص في هذا أن تعتقد أن مجموع المترادفين يحصل معنى لا يوجد عند إنفرادهما فإن التركيب يحدث معنى زائدا وإذا كانت كثرة الحروف تفيد زيادة المعنى فكذلك كثرة الألفاظ

النوع التاسع عطف الخاص على العام
4764 - وفائدته التنبيه على فضله حتى كأنه ليس من جنس العام تنزيلا للتغاير في الوصف منزلة التغاير في الذات
4765 - وحكى أبو حيان عن شيخه أبي جعفر بن الزبير أنه كان يقول هذا العطف يسمى بالتجريد كأنه جرد من الجملة وأفرد بالذكر تفضيلا
4766 - ومن أمثلته حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكيل ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة فإن إقامتها من جملة التمسك بالكتاب وخصت بالذكر إظهارا لمرتبتها لكونها عماد الدين وخص جبريل وميكائيل بالذكر ردا على اليهود في دعوى عداوته وضم إليه ميكائيل لأنه ملك الرزق الذي هو حياة الأجساد كما أن جبريل ملك الوحي الذي هو حياة القلوب والأرواح
4767 - وقيل إن جبريل وميكائيل لما كانا أميري الملائكة لم يدخلا في لفظ الملائكة أولا كما أن الأمير لا يدخل في مسمى الجند
حكاه الكرماني في العجائب
4768 - ومن ذلك ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء بناء على أنه لا يختص بالواو كما هو رأي ابن مالك فيه وفيما قبله وخص المعطوف في الثانية بالذكر تنبيها على زيادة قبحه

تنبيه
4769 - المراد بالخاص والعام هنا ما كان فيه الأول شاملا الثاني لا المصطلح عليه في الأصول
النوع العاشر عطف العام على الخاص
4770 - وأنكر بعضهم وجوده فأخطأ والفائدة فيه واضحة وهو التعميم وأفرد الأول بالذكر إهتماما بشأنه
4771 - ومن أمثلته إن صلاتي ونسكي والنسك العبادة فهو أعم اتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير
4772 - وجعل منه الزمخشري ومن يدبر الأمر بعد قوله قل من يرزقكم
النوع الحادي عشر الإيضاح بعد الإبهام
4773 - قال أهل البيان إذا أردت أن تبهم ثم توضح فإنك تطنب
وفائدته إما رؤية المعنى في صورتين مختلفتين الإبهام والإيضاح أو لتمكن المعنى في النفس تمكنا زائدا لوقوعه بعد الطلب فإنه أعز من المنساق بلا تعب أو لتكمل لذة العلم به فإن الشيء إذا علم من وجه ما تشوقت النفس للعلم به من باقي وجوهه وتألمت فإذا حصل العلم من بقية الوجوه كانت لذته أشد من علمه من جميع وجوهه دفعة واحدة
4774 - ومن أمثلته رب اشرح لي صدري فإن اشرح يفيد طلب شرح شيء ما و صدري يفيد تفسيره وبيانه
وكذلك ويسر لي أمري والمقام يقتضي التأكيد للإرسال المؤذن بتلقى الشدائد
وكذلك ألم نشرح لك صدرك

فإن المقام يقتضي التأكيد لأنه مقام إمتنان وتفخيم
وكذا وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين
4775 - ومنه التفصيل بعد الإجمال نحو إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا إلى قوله منها أربعة حرم وعكسه كقوله ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة أعيد ذكر العشرة لرفع توهم أن الواو في وسبعة بمعنى أو فتكون الثلاثة داخلة فيها كما في قوله خلق الأرض في يومين ثم قال وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام فإن من جملتها اليومين المذكورين أولا وليست أربعة غيرهما
وهذا أحسن الأجوبة في الآية وهو الذي أشار إليه الزمخشري ورجحه ابن عبد السلام وجزم به الزملكاني في أسرار التنزيل
4776 - قال ونظيره وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فإنه رافع لإحتمال أن تكون تلك العشرة من غير مواعدة
4777 - قال ابن عسكر وفائدة الوعد بثلاثين أولا ثم بعشر ليتجدد له قرب إنفضاء المواعدة ويكون فيه متأهبا مجتمع الرأي حاضر الذهن لأنه لو وعد بالأربعين أولا كانت متساوية فلما فصلت استشعرت النفس قرب التمام وتجدد بذلك عزم لم يتقدم
4778 - وقال الكرماني في العجائب في قوله تلك عشرة كاملة ثمانية أجوبة جوابان من التفسير وجواب من الفقه وجواب من النحو وجواب من اللغة وجواب من المعنى وجوابان من الحساب وقد سقتها في أسرار التنزيل

النوع الثاني عشر التفسير
4779 - قال أهل البيان وهو أن يكون في الكلام لبس وخفاء فيؤتى بما يزيله ويفسره

4780 - ومن أمثلته إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا
فقوله إذا مسه الخ تفسير للهلوع كما قال أبو العالية وغيره
4781 - القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم قال البيهقي في شرح الأسماء الحسنى قوله لا تأخذه سنة تفسير للقيوم
4782 - يسومونكم سوء العذاب يذبحون . . الآية فيذبحون وما بعده تفسير للسوم
4783 - إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب . . الآية ف خلقه وما بعده تفسير للمثل
4784 - لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة ف تلقون تفسير لإتخاذهم أولياء
4785 - الصمد لم يلد ولم يولد . . الآية قال محمد بن كعب القرظي لم يلد إلى آخره تفسير للصمد وهو في القرآن كثير
4786 - قال ابن جني ومتى كانت الجملة تفسيرا لم يحسن الوقف على ما قبلها دونها لأن تفسير الشيء لا حق به ومتمم له وجار مجرى بعض أجزائه

النوع الثالث عشر وضع الظاهر موضع المضمر
4787 - ورأيت فيه تأليفا مفردا لابن الصائغ وله فوائد
منها زيادة التقرير والتمكين نحو قل هو الله أحد الله الصمد وبالحق أنزلناه وبالحق نزل إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله
4788 - ومنها قصد التعظيم نحو واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء

عليم أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ولباس التقوى ذلك خير
4789 - ومنها قصد الإهانة والتحقير نحو أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان
4790 - ومنها إزالة اللبس حيث يوهم الضمير أنه غير الأول نحو قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك لو قال تؤتيه لأوهم أنه الأول قاله ابن الخشاب
الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء لأنه لو قال عليهم دائرته لأوهم أن الضمير عائد إلى الله تعالى
فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه لم يقل منه لئلا يتوهم عود الضمير إلى الأخ فيصير كأنه مباشر بطلب خروجها وليس كذلك لما في المباشرة من الأذى الذي تأباه النفوس الأبية فأعيد لفظ الظاهر لنفي هذا ولم يقل من وعائه لئلا يتوهم عود الضمير إلى يوسف لأن العائد عليه ضمير استخرجها
4791 - ومنها قصد تربية المهابة وإدخال الروع على ضمير السامع وبذكر الإسم المقتضى لذلك كما تقول الخليفة أمير المؤمنين يأمرك بكذا ومنه إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها إن الله يأمر بالعدل
4792 - ومنها قصد تقوية داعية المأمور ومنه فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين
4793 - ومنها تعظيم الأمر نحو أولم يروا كيف يبديء الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا إنا خلقنا الإنسان
4794 - ومنها الإستلذاذ بذكره ومنه وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة لم

يقل منها ولهذا عدل عن ذكر الأرض إلى الجنة
4795 - ومنها قصد التوصل من الظاهر إلى الوصف ومنه فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله بعد قوله إني رسول الله لم يقل فآمنوا بالله وبي ليتمكن من إجراء الصفات التي ذكرها وليعلم أن الذي وجب الإيمان به والإتباع له هو من وصف بهذه الصفات ولو أتى بالضمير لم يمكن ذلك لأنه لا يوصف
4796 - ومنها التنبيه على علية الحكم نحو فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا فإن الله عدو للكافرين لم يقل لهم إعلاما بأن من عادى هؤلاء فهو كافر وإن الله إنما عاداه لكفره
فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح المجرمون والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا
4797 - ومنها قصد العموم نحو وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة لم يقل
إنها لئلا يفهم تخصيص ذلك بنفسه أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا
4798 - ومنها قصد الخصوص نحو وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي لم يقل لك تصريحا بأنه خاص به
4799 - ومنها الإشارة إلى عدم دخول الجملة في حكم الأولى نحو فإن يشإ الله يختم على قلبك ويمح الله الباطل فإن ويمح الله إستئناف لا داخل في حكم الشرط
4800 - ومنها مراعاة الجناس ومنه أعوذ برب الناس . . السورة

ذكره الشيخ عز الدين ومثله ابن الصائغ بقوله خلق الإنسان من علق ثم قال علم الإنسان ما لم يعلم كلا إن الإنسان ليطغى فإن المراد بالإنسان الأول الجنس وبالثاني آدم أو من يعلم الكتابة أو إدريس وبالثالث أبو جهل
4801 - ومنها مراعاة الترصيع وتوازن الألفاظ في التركيب ذكره بعضهم في قوله أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى
4802 - ومنها أن يتحمل ضميرا لا بد منه ومنه أتيا أهل قرية أهلها لو قال استطعماها لم يصح لأنهما لم يستطعما القرية أو استطعماهم فكذلك لأن جملة استطعما صفة لقرية النكرة لا ل أهل فلا بد أن يكون فيها ضمير يعود عليها ولا يمكن إلا مع التصريح بالظاهر
4803 - كذا حرره السبكي في جواب سؤال سأله الصلاح الصفدي في ذلك حيث قال
أسيدنا قاضي القضاة ومن إذا ... بدا وجهه استحيا له القمران
ومن كفه يوم الندى ويراعه ... على طرسه بحران يلتقيان
ومن إن دجت في المشكلات مسائل ... جلاها بفكر دائم اللمعان
رأيت كتاب الله أكبر معجز ... لأفضل من يهدى به الثقلان
ومن جملة الإعجاز كون اختصاره ... بإيجاز ألفاظ وبسط معان
ولكنني في الكهف أبصرت آية ... بها الفكر في طول الزمان عناني
وما هي إلا استطعما أهلها فقد ... نرى استطعماهم مثله ببيان
فما الحكمة الغراء في وضع ظاهر ... مكان ضمير إن ذاك لشان
فارشد على عادات فضلك حيرتي ... فمالي بها عند البيان يدان

تنبيه
4804 - إعادة الظاهر بمعناه أحسن من إعادته بلفظه كما مر في آيات إنا لا نضيع أجر المصلحين إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا ونحوها

4805 - ومنه ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء فإن إنزال الخير مناسب للربوبية وأعاده بلفظ الله لأن تخصيص الناس بالخير دون غيرهم مناسب للإلهية
لأن دائرة الربوبية أوسع
4806 - ومنه الحمد لله الذي خلق السموات والأرض إلى قوله بربهم يعدلون
وإعادته في جملة أخرى أحسن منه في الجملة الواحدة لانفصالها وبعد الطول أحسن من الإضمار لئلا يبقى الذهن متشاغلا بسبب ما يعود عليه فيفوته ما شرع فيه كقوله وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه بعد قوله وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر

النوع الرابع عشر الإيغال وهو الإمعان
4807 - وهو ختم الكلام بما يفيد نكتة يتم المعنى بدونها
وزعم بعضهم أنه خاص بالشعر ورد بأنه وقع في القرآن من ذلك يا قوم اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون فقوله وهم مهتدون إيغال لأنه يتم المعنى بدونه إذ الرسول مهتد لا محالة لكن فيه زيادة مبالغة في الحث على اتباع الرسل والترغيب فيه
4808 - وجعل ابن أبي الإصبع منه ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين فإن قوله إذا ولوا مدبرين زائد على المعنى مبالغة في عدم انتفاعهم
ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون زائد على المعنى لمدح المؤمنين والتعريض بالذم لليهود وأنهم بعيدون عن الإيقان
إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون فقوله مثل ما إلى آخره إيغال زائد على المعنى لتحقيق هذا الوعد وأنه واقع معلوم ضرورة لا يرتاب فيه أحد
النوع الخامس عشر التذييل
4809 - وهو أن يؤتى بجملة عقب جملة والثانية تشتمل على المعنى الأول

لتأكيد منطوقه أو مفهومه ليظهر المعنى لمن لم يفهمه ويتقرر عند من فهمه نحو ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون كل نفس ذائقة الموت ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير

النوع السادس عشر الطرد والعكس
4810 - قال الطيبي وهو أن يؤتى بكلامين يقرر الأول بمنطوقه مفهوم الثاني وبالعكس كقوله ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات إلى قوله ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن فمنطوق الأمر بالاستئذان في تلك الأوقات خاصة مقرر لمفهوم رفع الجناح فيما عداها وبالعكس وكذا قوله لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون
4811 - قلت وهذا النوع يقابله في الإيجاز نوع الاحتباك
النوع السابع عشر التكميل
4812 - ويسمى بالاحتراس وهو أن يؤتى في كلام يوهم خلاف المقصود بما يدفع ذلك الوهم نحو أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين فإنه لو اقتصر على أذلة لتوهم أنه لضعفهم فدفعه بقوله أعزة
ومثله أشداء على الكفار رحماء بينهم لو اقتصر على أشداء لتوهم أنه لغلظهم
تخرج بيضاء من غير سوء لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون احتراس لئلا يتوهم نسبة الظلم إلى سليمان
ومثله فتصيبكم منهم معرة بغير علم وكذا قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم أنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون فالجملة الوسطى احتراس لئلا يتوهم أن التكذيب مما في نفس الأمر
قال في عروس الأفراح فإن قيل كل من ذلك أفاد معنى جديدا فلا يكون إطنابا
قلنا هو إطناب لما قبله من حيث رفع توهم غيره وإن كان له معنى في نفسه

النوع الثامن عشر التتميم
4813 - وهو أن يؤتى في كلام لا يوهم غير المراد بفضلة تفيد نكتة كالمبالغة في قوله ويطعمون الطعام على حبه أي مع حب الطعام أي اشتهائه فإن الإطعام حينئذ أبلغ وأكثر أجرا ومثله وآتى المال على حبه ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف فقوله وهو مؤمن تتميم في غاية الحسن
النوع التاسع عشر الاستقصاء
4814 - وهو أن يتناول المتكلم معنى فيستقصيه فيأتي بجميع عوارضه ولوازمه بعد أن يستقصى جميع أوصافه الذاتية بحيث لا يترك لمن يتناوله بعده فيه مقالا كقوله تعالى أيود أحكم أن تكون له جنة . . الآية فإنه تعالى لو اقتصر على قوله جنة لكان كافيا فلم يقف عند ذلك حتى قال في تفسيرها من نخيل وأعناب فإن مصاب صاحبها بها أعظم ثم زاد تجري من تحتها الأنهار متمما لوصفها بذلك ثم كمل وصفها بعد التتميمين فقال له فيها من كل الثمرات فأتى بكل ما يكون في الجنان ليشتد الأسف على إفسادها ثم قال في وصف صاحبها وأصابه الكبر ثم استقصى المعنى في ذلك بما يوجب تعظيم المصاب بقوله بعد وصفه بالكبر وله ذرية ولم يقف عند ذلك حتى وصف الذرية بالضعفاء ثم ذكر استصال الجنة التي ليس لهذا المصاب غيرها بالهلاك في أسرع وقت حيث قال فأصابها إعصار ولم يقتصر على ذكره للعلم بأنه لا يحصل سرعة الهلاك فقال فيه نار ثم لم يقف عند ذلك حتى أخبر باحتراقها لاحتمال أن تكون النار ضعيفة لا تفي باحتراقها لما فيها من الأنهار ورطوبة الأشجار فاحترس عن هذا الاحتمال بقوله فاحترقت فهذا أحسن استقصاء وقع في كلام وأتمه وأكمله
4815 - قال ابن أبي الإصبع والفرق بين الاستقصاء والتتميم والتكميل أن التتميم يرد على المعنى الناقص ليتم والتكميل يرد على المعنى التام فيكمل أوصافه والاستقصاء يرد على المعنى التام الكامل فيستقصى لوازمه وعوارضه

وأوصافه وأسبابه حتى يستوعب جميع ما تقع الخواطر عليه فلا يبقى لأحد فيه مساغ

النوع العشرون الاعتراض
4816 - وسماه قدامة التفاتا وهو الإتيان بجملة أو أكثر لا محل لها من الإعراب في أثناء كلام أو كلامين اتصلا معنى لنكته غير دفع الإيهام كقوله ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون فقوله سبحانه اعتراض لتنزيه الله سبحانه وتعالى عن البنات والشناعة على جاعليها
وقوله لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين فجملة الاستثناء اعتراض للتبرك
4817 - ومن وقوعه بأكثر من جملة فاتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين نساؤكم حرث لكم فقوله نساؤكم متصل بقوله فاتوهن لأنه بيان له وما بينهما اعتراض للحث على الطهارة وتجنب الأدبار
وقوله يا أرض ابلعي ماءك إلى قوله وقيل بعدا فيه اعتراض بثلاث جمل وهي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي
قال في الأقصى القريب ونكتته إفادة أن هذا الأمر واقع بين القولين لا محالة ولو أتى به آخرا لكان الظاهر تأخره فبتوسطه ظهر كونه غير متأخر
ثم فيه اعتراض في اعتراض فإن وقضي الأمر معترض بين وغيض و واستوت لأن الاستواء يحصل عقب الغيض
وقوله ولمن خاف مقام ربه جنتان إلى قوله متكئين على فرش فيه اعتراض بسبع جمل إذا أعرب حالا منه
4818 - ومن وقوع اعتراض في اعتراض فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم إنه لقرآن كريم اعترض بين القسم وجوابه بقوله وإنه لقسم . . الآية وبين القسم وصفته بقوله لو تعلمون تعظيما للمقسم به وتحقيقا لإجلاله وإعلاما لهم بأن له عظمة لا يعلمونها
4819 - قال الطيبي في التبيان ووجه حسن الاعتراض حسن الإفادة مع أن

مجيئه مجيء ما لا يترقب فكون كالحسنة تأتيك من حيث لا تحتسب

النوع الحادي والعشرون التعليل
4820 - وفائدته التقرير والأبلغية فإن النفوس أبعث على قبول الأحكام المعللة من غيرها وغالب التعليل في القرآن على تقدير جواب سؤال اقتضته الجملة الأولى
4821 - وحروفه اللام وإن وأن وإذ والباء وكي ومن ولعل وقد مضت أمثلتها في نوع الأدوات
4822 - ومما يقتضي التعليل لفظ الحكمة كقوله حكمة بالغة وذكر الغاية من الخلق نحو قوله جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا

النوع السابع والخمسون
في الخبر والإنشاء
4823 - اعلم أن الحذاق من النحاة وغيرهم وأهل البيان قاطبة على انحصار الكلام فيهما وأنه ليس له قسم ثالث
4824 - وادعى قوم أن أقسام الكلام عشرة نداء ومسألة وأمر وتشفع وتعجب وقسم وشرط ووضع وشك واستفهام
4825 - وقيل تسعة بإسقاط الاستفهام لدخوله في المسألة
4826 - وقيل ثمانية بإسقاط التشفع لدخوله فيها
4827 - وقيل سبعة بإسقاط الشك لأنه من قسم الخبر
4828 - وقال الأخفش هي ستة خبر واستخبار ولأمر ونهي ونداء وتمن
4829 - وقال بعضهم خمسة خبر وأمر وتصريح وطلب ونداء
4830 - وقال قوم أربعة خبر واستخبار وطلب ونداء
4831 - وقال كثيرون ثلاثة خبر وطلب وإنشاء قالوا لأن الكلام إما أن يحتمل التصديق والتكذيب أو لا الأول الخبر والثاني إن اقترن معناه بلفظه فهو الإنشاء وإن لم يقترن بل تأخر عنه فهو الطلب
والمحققون على دخول الطلب في الإنشاء وأن معنى اضرب مثلا وهو طلب الضرب مقترن بلفظه وأما الضرب الذي يوجد بعد ذلك فهو متعلق الطلب لا نفسه
4832 - وقد اختلف الناس في حد الخبر فقيل لا يحد لعسره وقيل لأنه ضروري لأن الإنسان يفرق بين الإنشاء والخبر ضرورة ورجحه الإمام في المحصول

4833 - والأكثر على حده قال القاضي أبو بكر والمعتزلة الخبر الكلام الذي يدخله الصدق والكذب فأورد عليه خبر الله تعالى فإنه لا يكون إلا صادقا فأجاب القاضي بأنه يصح دخوله لغة
4834 - وقيل الذي يدخله التصديق والتكذيب وهو سالم من الإيراد المذكور
4835 - وقال أبو الحسن البصري كلام يفيد بنفسه نسبة فأورد عليه نحو قم فإنه يدخل في الحد لأن القيام منسوب والطلب منسوب
4836 - وقيل الكلام المفيد بنفسه إضافة أمر من الأمور إلى أمر من الأمور نفيا أو إثباتا
4837 - وقيل القول المقتضي بصريحه نسبة معلوم إلى معلوم بالنفي والإثبات
4838 - وقال المتأخرين الإنشاء ما يحصل مدلوله في الخارج بالكلام والخبر خلافه
4839 - وقال بعض من جعل الأقسام ثلاثة الكلام إن أفاد بالوضع طلبا فلا يخلو إما أن يكون بطلب ذكر الماهية أو تحصيلها أو الكف عنها والأول الاستفهام والثاني الأمر والثالث النهي
وإن لم يفد طلبا بالوضع فإن لم يحتمل الصدق والكذب سمى تنبيها وإنشاء لأنك نبهت به على مقصودك وأنشأته أي ابتكرته من غير أن يكون موجودا في الخارج سواء أفاد طلبا باللازم كالمتمني والترجي والنداء والقسم أم لا كأنت طالق
وإن احتملهما من حيث هو فهو الخبر

فصل
4840 - القصد بالخبر إفادة المخاطب وقد يرد بمعنى الأمر نحو والوالدات يرضعن والمطلقات يتربصن
4841 - وبمعنى النهي نحو لا يمسه إلا المطهرون

4842 - وبمعنى الدعاء نحو وإياك نستعين أي أعنا ومنه تبت يدا أبي لهب وتب فإنه دعاء عليه
وكذا قاتلهم الله
وكذا غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا
4843 - وجعل منه قوم حصرت صدورهم قالوا هو دعاء عليهم بضيق صدورهم عن قتال أحد
4844 - ونازع ابن العربي في قولهم إن الخبر يرد بمعنى الأمر أو النهي قال في قوله تعالى فلا رفث ليس نفيا لوجود الرفث بل نفي لمشروعيته فإن الرفث يوجد من بعض الناس وأخبار الله تعالى لا يجوز أن تقع بخلاف مخبره وإنما يرجع النفي إلى وجوده مشروعا لا إلى وجوده محسوسا كقوله والمطلقات يتربصن ومعناه مشروعا لا محسوسا فإنا نجد مطلقات لا يتربصن فعاد النفي إلى الحكم الشرعي لا إلى الوجود الحسي
وكذا لا يمسه إلا المطهرون أي لا يمسه أحد منهم شرعا فإن وجد المس فعلى خلاف حكم الشرع
قال وهذه الدفينة التي فاتت العلماء فقالوا إن الخبر يكون بمعنى النهي وما وجد ذلك قط ولا يصح أن يوجد فإنهما مختلفان حقيقة ويتباينان وضعا
انتهى

فرع
4845 - من أقسامه على الأصح التعجب
4846 - قال ابن فارس وهو تفصيل شيء على أضرابه
4847 - وقال ابن الصائغ استعظام صفة خرج بها المتعجب منه عن نظائره
4848 - وقال الزمخشري معنى التعجب تعظيم الأمر في قلوب السامعين

لأن التعجب لا يكون إلا من شيء خارج عن نظائره وأشكاله
4849 - وقال الرماني المطلوب في التعجب الإبهام لأن من شأن الناس أن يتعجبوا مما لا يعرف سببه فكلما استبهم السبب كان التعجب أحسن
قال وأصل التعجب إنما هو للمعنى الخفي سببه والصيغة الدالة عليه تسمى تعجبا مجازا
قال ومن أجل الإبهام لم تعمل نعم إلا في الجنس من أجل التفخيم ليقع التفسير على نحو التفخيم بالإضمار قبل الذكر
4850 - ثم قد وضعوا للتعجب صيغا من لفظه وهي ما أفعل و أفعل به وصيغا من غير لفظه نحو كبر كقوله كبرت كلمة تخرج من أفواههم كبر مقتا عند الله كيف تكفرون بالله

قاعدة
4851 - قال المحققون إذا ورد التعجب من الله صرف إلى المخاطب كقوله فما أصبرهم على النار أي هؤلاء يجب أن يتعجب منهم وإنما لا يوصف تعالى بالتعجب لأنه استعظام يصحبه الجهل وهو تعالى منزه عن ذلك ولهذا تعبر جماعة بالتعجيب بدله أي أنه تعجيب من الله للمخاطبين
ونظير هذا مجيء الدعاء والترجي منه تعالى إنما هو بالنظر إلى ما تفهمه العرب أي هؤلاء مما يجب أن يقال لهم عندكم هذا ولذلك قال سيبويه في قوله تعالى لعله يتذكر أو يخشى المعنى اذهبا على رجائكما وطمعكما وفي قوله ويل للمطففين ويل يومئذ للمكذبين لا نقول هذا دعاء لأن الكلام بذلك قبيح ولكن العرب إنما تكلموا بكلامهم وجاء القرآن على لغتهم وعلى ما يعنون فكأنه قيل لهم ويل للمطففين أي هؤلاء مما وجب هذا القول لهم لأن هذا الكلام إنما يقال لصاحب الشرور والهلكة فقيل هؤلاء ممن دخل في الهلكة
1 -
فرع
4852 - من أقسام الخبر الوعد والوعيد نحو سنريهم آياتنا في الآفاق

وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب وفي كلام ابن قتيبة ما يوهم أنه إنشاء
2 - فرع
4853 - من أقسام الخبر النفي بل هو شطر الكلام كله والفرق بينه وبين الجحد أن النافي إن كان صادقا سمي كلامه نفيا ولا يسمى جحدا وإن كان كاذبا سمي جحدا ونفيا أيضا فكل جحد نفي وليس كل نفي جحدا ذكره أبو جعفر النحاس وابن الشجري وغيرهما
4854 - مثال النفي ما كان محمد أبا أحد من رجالكم
4855 - ومثال الجحد نفي فرعون وقومه آيات موسى قال تعالى فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم
4856 - وأدوات النفي لا ولات وليس وما وإن ولم ولما وقد تقدمت معانيها وما افترقت فيه نوع الأدوات
4857 - ونورد هنا فائدة زائدة قال الخويي أصل أدوات النفي لا وما لأن النفي إما في الماضي وإما في المستقبل والاستقبال أكثر من الماضي أبدا ولا أخف من ما فوضعوا الأخف للأكثر
4858 - ثم إن النفي في الماضي إما أن يكون نفيا واحدا مستمرا أو نفيا فيه أحكام متعددة وكذلك النفي في المستقبل فصار النفي على أربعة أقسام واختاروا له أربع كلمات ما ولم ولن ولا وأما إن ولما فليسا بأصلين فما ولا في الماضي والمستقبل متقابلان ولم كأنه مأخوذ من لا وما لأن لم نفي للاستقبال لفظا والمضي معنى فأخذ اللام من لا التي هي لنفي المستقبل والميم من ما التي هي لنفي الماضي وجمع بينهما إشارة إلى أن في لم إشارة إلى المستقبل والماضي وقدم اللام على الميم إشارة إلى أن لا هي أصل النفي ولهذا ينفي بها في أثناء الكلام فيقال لم يفعل زيد ولا عمرو وأما لما فتركيب بعد تركيب كأنه قال لم وما لتوكيد معنى النفي في الماضي
وتفيد الاستقبال أيضا ولهذا تفيد لما الاستمرار

تنبيهات
الأول
4859 - زعم بعضهم أن شرط صحة النفي عن الشيء صحة اتصاف المنفي عنه بذلك الشيء وهو مردود بقوله تعالى وما ربك بغافل عما يعملون وما كان ربك نسيا لا تأخذه سنة ولا نوم ونظائره والصواب أن انتفاء الشيء عن الشيء قد يكون لكونه لا يمكن منه عقلا وقد يكون لكونه لا يقع منه مع إمكانه
الثاني
4860 - نفي الذات الموصوفة قد يكون نفيا للصفة دون الذات وقد يكون نفيا للذات أيضا
من الأول وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام أي بل هم جسد يأكلونه ومن الثاني لا يسألون الناس إلحافا أي لا سؤال لهم أصلا فلا يحصل منهم إلحاف
ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع أي لا شفيع لهم أصلا فما تنفعهم شفاعة الشافعين أي لا شافعين لهم فتنفعهم شفاعتهم بدليل فما لنا من شافعين
ويسمى هذا النوع عند أهل البديع نفي الشيء بإيجابه
وعبارة ابن رشيق في تفسيره أن يكون الكلام ظاهره إيجاب الشيء وباطنه نفيه بأن ينفي ما هو من سببه كوصفه وهو المنفي في الباطن
وعبارة غيره أن ينفى الشيء مقيدا والمراد نفيه مطلقا مبالغة في النفي وتأكيدا له ومنه ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإن الإله مع الله لا يكون إلا عن غير برهان
ويقتلون النبيين بغير حق فإن قتلهم لا يكون إلا بغير حق
رفع السموات بغير عمد ترونها فإنها لا عمد لها أصلا
الثالث
4861 - قد ينفى الشيء رأسا لعدم كمال وصفه أو انتفاء ثمرته كقوله في صفة أهل النار ثم لا يموت فيها ولا يحيا فنفى عنه الموت لأنه ليس بموت

صريح ونفى عنه الحياة لأنها ليست بحياة طيبة ولا نافعة
وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون فإن المعتزلة احتجوا بها على نفي الرؤية فإن النظر في قوله تعالى إلى ربها ناظرة لا يستلزم الإبصار
ورد بأن المعنى أنها تنظر إليه بإقبالها عليه وليست تبصر شيئا
ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون فإنه وصفهم أولا بالعلم على سبيل التوكيد القسمي ثم نفاه آخرا عنهم لعدم جريهم على موجب العلم
قاله السكاكي

الرابع
4862 - قالوا المجاز يصح نفيه بخلاف الحقيقة وأشكل على ذلك وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى فإن المنفي فيه هو الحقيقة
وأجيب بأن المراد بالرمي هنا المترتب عليه وهو وصوله إلى الكفار فالوارد عليه النفي هنا مجاز لا حقيقة والتقدير وما رميت خلقا إذ رميت كسبا أو ما رميت انتهاء إذ رميت ابتداء
الخامس
4863 - نفي الاستطاعة قد يراد به نفي القدرة والإمكان وقد يراد نفي الامتناع وقد يراد به الوقوع بمشقة وكلفة
من الأول فلا يستطيعون توصية فلا يستطيعون ردها فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا
ومن الثاني هل يستطيع ربك على القراءتين أي هل يفعل أو هل تجيبنا إلى أن تسأل فقد علموا أنه قادر على الإنزال وأن عيسى قادر على السؤال
ومن الثالث إنك لن تستطيع معي صبرا
قاعدة
4864 - نفي العام يدل على نفي الخاص وثبوته لا يدل على ثبوته وثبوت

الخاص يدل على ثبوت العام ونفيه لا يدل على نفيه ولا شك أن زيادة المفهوم من اللفظ توجب الالتذاذ به فلذلك كان نفي العام أحسن من نفي الخاص وإثبات الخاص أحسن من إثبات العام فالأول كقوله فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم لم يقل بضوئهم بعد قوله أضاءت لأن النور أعم من الضوء إذ يقال على القليل والكثير وإنما يقال الضوء على النور الكثير ولذلك قال هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا ففي الضوء دلالة على النور فهو أخص منه فعدمه يوجب عدم الضوء بخلاف العكس والقصد إزالة النور عنهم أصلا ولذا قال عقبه وتركهم في ظلمات
4865 - ومنه ليس بي ضلالة ولم يقل ضلال كما قالوا إنا لنراك في ضلال لأنها أعم منه فكان أبلغ في نفي الضلال وعبر عن هذا بأن نفي الواحد يلزم منه نفي الجنس البتة وبأن نفي الأدنى يلزم منه نفي الأعلى
والثاني كقوله وجنة عرضها السموات والأرض ولم يقل طولها لأن العرض أخص إذ كل ما له عرض فله طول ولا ينعكس
ونظير هذه القاعدة أن نفي المبالغة في الفعل لا يستلزم نفي أصل الفعل
وقد أشكل على هذا آيتان قوله تعالى وما ربك بظلام للعبيد وقوله وما كان ربك نسيا
4866 - وأجيب عن الآية الأولى بأجوبة
أحدها أن ظلاما وإن كان للكثرة لكنه جيء به في مقابلة العبيد الذي هو جمع كثرة ويرشحه أنه تعالى قال علام الغيوب فقابل صيغة فعال بالجمع وقال في آية أخرى عالم الغيب فقابل صيغة فاعل الدالة على أصل الفعل بالواحد
الثاني أنه نفى الظلم الكثير لينتفي القليل ضرورة لأن الذي يظلم إنما يظلم لانتفاعه بالظلم فإذا ترك الكثير مع زيادة نفعه فلأن يترك القليل أولى
الثالث أنه على النسبة أي بذي ظلم حكاه ابن مالك عن المحققين

الرابع أنه أتى بمعنى فاعل لا كثرة فيه
الخامس أن أقل القليل لو ورد منه تعالى لكان كثيرا كما يقال زلة العالم كبيرة
السادس أنه أراد ليس بظالم ليس بظالم تأكيدا للنفي فعبر عن ذلك ب ليس بظلام
السابع أنه ورد جوابا لمن قال ظلام والتكرار إذا ورد جوابا لكلام خاص لم يكن له مفهوم
الثامن أن صيغة المبالغة وغيرها في صفات الله سواء في الإثبات فجرى النفي على ذلك
التاسع أنه قصد التعريض بأن ثم ظلاما للعبيد من ولاة الجور
ويجاب عن الثانية بهذه الأجوبة وبعاشر وهو مناسبة رءوس الآي

فائدة
4867 - قال صاحب الياقوتة قال ثعلب والمبرد العرب إذا جاءت بين الكلامين بجحدين كان الكلام أخبارا نحو وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام والمعنى إنما جعلناهم جسدا يأكلون الطعام وإذا كان الجحد في أول الكلام كان جحدا حقيقيا نحو ما زيد بخارج وإذا كان في أول الكلام جحدان كان أحدهما زائدا وعليه فيما إن مكناكم فيه في أحد الأقوال
فصل
4868 - من أقسام الإنشاء الاستفهام وهو طلب الفهم وهو بمعنى الاستخبار
4869 - وقيل الاستخبار ما سبق أولا ولم يفهم حق الفهم فإذا سألت عنه ثانيا كان استفهاما
حكاه ابن فارس في فقه اللغة
4870 - وأدواته الهمزة وهل وما ومن وأي وكم وكيف وأين وأنى ومتى وأيان ومرت في الأدوات

4871 - وقال ابن مالك في المصباح وما عدا الهمزة نائب عنها ولكونه طلب ارتسام صورة ما في الخارج في الذهن لزم ألا يكون حقيقة إلا إذا صدر من شاك مصدق بإمكان الإعلام فإن غير الشاك إذا استفهم يلزم منه تحصيل الحاصل وإذا لم يصدق بإمكان الإعلام انتفت عنه فائدة الاستفهام
4872 - وقال بعض الأئمة وما جاء في القرآن على لفظ الاستفهام فإنما يقع في خطاب الله على معنى أن المخاطب عنده علم ذلك الإثبات أو النفي حاصل
وقد تستعمل صيغة الاستفهام في غيره مجازا وألف في ذلك العلامة شمس الدين ابن الصائغ كتابا سماه روض الأفهام في أقسام الاستفهام قال فيه قد توسعت العرب فأخرجت الاستفهام عن حقيقته لمعان أو أشربته تلك المعاني ولا يختص التجوز في ذلك بالهمزة خلافا للصفار
4873 - الأول الإنكار والمعنى فيه على النفي وما بعده منفي ولذلك تصحبه إلا كقوله فهل يهلك إلا القوم الفاسقون وهل نجازي إلا الكفور
وعطف عليه المنفي في قوله فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين أي لا يهدي ومنه أنؤمن لك واتبعك الأرذلون أنؤمن لبشرين مثلنا أي لا نؤمن أم له البنات ولكم البنون ألكم الذكر وله الأنثى أي لا يكون هذا أشهدوا خلقهم أي ما شهدوا ذلك
وكثيرا ما يصحبه التكذيب وهو في الماضي بمعنى لم يكن وفي المستقبل بمعنى لايكون نحو أفأصفاكم ربكم بالبنين . . الآية أي لم يفعل ذلك أنلزمكموها وأنتم لها كارهون أي لا يكون هذا الإلزام
4874 - الثاني التوبيخ وجعله بعضهم من قبيل الانكار إلا أن الأول إنكار

إبطال وهذا إنكار توبيخ والمعنى على أن ما بعده واقع جدير بأن ينفي فالنفي هنا غير قصدي والإثبات قصدي عكس ما تقدم
ويعبر عن ذلك بالتقريع أيضا نحو أفعصيت أمري أتعبدون ما تنحتون أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين
وأكثر ما يقع التوبيخ في أمر ثابت ووبخ على فعله كما ذكر ويقع على ترك فعل كان ينبغي أن يقع كقوله أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها
4875 - الثالث وهو حمل المخاطب على الإقرار والاعتراف بأمر قد استقر عنده قال ابن جني ولا يستعمل ذلك بهل كما يستعمل بغيرها من أدوات الاستفهام وقال الكندي ذهب كثير من العلماء في قوله هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم إلى أن هل تشارك الهمزة في معنى التقرير والتوبيخ إلا أني رأيت أبا علي أبى ذلك وهو معذور لأن ذلك من قبيل الإنكار
4876 - ونقل أبو حيان عن سيبويه أن استفهام التقرير لا يكون بهل إنما يستعمل فيه الهمزة ثم نقل عن بعضهم أن هل تأتي تقريرا كما في قوله تعالى هل في ذلك قسم لذي حجر
4877 - والكلام مع التقرير موجب ولذلك يعطف عليه صريح الموجب ويعطف على صريح الموجب فالأول كقوله تعالى ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ألم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل والثاني نحو أكذبتم باياتي ولم تحيطوا بها علما على ما قرره الجرجاني من جعلها مثل وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا
وحقيقة استفهام التقرير أنه استفهام إنكار والإنكار نفي وقد دخل على النفي ونفي النفي إثبات ومن أمثلته أليس الله بكاف عبده ألست بربكم وجعل منه

الزمخشري ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير
4878 - الرابع التعجب أو التعجيب نحو كيف تكفرون بالله ما لي لا أرى الهدهد
وقد اجتمع هذا القسم وسابقاه في قوله أتأمرون الناس بالبر
قال الزمخشري الهمزة للتقرير مع التوبيخ والتعجب من حالهم
ويحتمل التعجب والاستفهام الحقيقي ما ولاهم عن قبلتهم
4879 - الخامس العتاب كقوله ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله قال ابن مسعود ما كان بين إسلامهم وبين أن عوتبوا بهذه الآية إلا أربع سنين أخرجه الحاكم ومن ألطفه ما عاتب الله به خير خلقه بقوله عفا الله عنك لم أذنت لهم ولم يتأدب الزمخشري بأدب الله في هذه الآية على عادته في سوء الأدب
4880 - السادس التذكير وفيه نوع اختصار كقوله ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه
4881 - السابع الافتخار نحو أليس لي ملك مصر
4882 - الثامن التفخيم نحو مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة
4883 - التاسع التهويل والتخويف نحو الحاقة ما الحاقة القارعة ما القارعة
4884 - العاشر عكسه وهو التسهيل والتخفيف نحو وماذا عليهم لو آمنوا
4885 - الحادي عشر التهديد والوعيد نحو ألم نهلك الأولين

4886 - الثاني عشر التكثير نحو وكم من قرية أهلكناها
4887 - الثالث عشر التسوية وهو الاستفهام الداخل على جملة يصح حلول المصدر محلها نحو سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم
4888 - الرابع عشر الأمر نحو أأسلمتم أي أسلموا فهل أنتم منتهون أي انتهوا أتصبرون أي اصبروا
4889 - الخامس عشر التنبيه وهو من أقسام الأمر نحو ألم تر إلى ربك كيف مد الظل أي انظر ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة ذكره صاحب الكشاف عن سيبوبه ولذلك رفع الفعل في جوابه وجعل منه قوله فأين تذهبون للتنبيه على الضلال وكذا ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه
4890 - السادس عشر الترغيب نحو من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا هل أدلكم على تجارة تنجيكم
4891 - السابع عشر النهي نحو أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه بدليل فلا تخشوا الناس واخشون ما غرك بربك الكريم أي لا تغتر
4892 - الثامن عشر الدعاء وهو كالنهي إلا أنه من الأدنى إلى الأعلى نحو أتهلكنا بما فعل السفهاء أي لا تهلكنا
4893 - التاسع عشر الاسترشاد نحو أتجعل فيها من يفسد فيها
4894 - العشرون التمني نحو فهل لنا من شفعاء
4895 - الحادي والعشرون الاستبطاء نحو متى نصر الله
4896 - الثاني والعشرون العرض نحو ألا تحبون أن يغفر الله لكم

4897 - الثالث والعشرون التحضيض نحو ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم
4898 - الرابع والعشرون التجاهل نحو أأنزل عليه الذكر من بيننا
4899 - الخامس والعشرون التعظيم نحو من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه
4900 - السادس والعشرون التحقير نحو أهذا الذي يذكر آلهتكم أهذا الذي بعث الله رسولا ويحتمله وما قبله قراءة من فرعون
4901 - السابع والعشرون الاكتفاء نحو أليس في جهنم مثوى للمتكبرين
4902 - الثامن والعشرون الاستبعاد نحو وأنى له الذكرى
4903 - التاسع والعشرون الإيناس نحو وما تلك بيمينك يا موسى
4904 - الثلاثون التهكم والاستهزاء نحو أصلواتك تأمرك ألا تأكلون ما لكم لا تنطقون
4905 - الحادي والثلاثون التأكيد لما سبق من معنى أداة الاستفهام قبله كقوله أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار قال الموفق عبد اللطيف البغدادي أي من حق عليه كلمة العذاب فإنك لا تنقذه فمن للشرط والفاء جواب الشرط والهمزة في أفأنت دخلت معادة مؤكدة لطول الكلام وهذا نوع من أنواعها
وقال الزمخشري الهمزة الثانية هي الأولى كررت لتوكيد معنى الإنكار والاستبعاد

4906 - الثاني والثلاثون الإخبار نحو أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا هل أتى على الإنسان

تنبيهات
الأول
4907 - هل يقال إن معنى الاستفهام في هذه الأشياء موجود وانضم إليه معنى آخر أو تجرد عن الاستفهام بالكلية قال في عروس الأفراح محل نظر قال والذي يظهر الأول
قال ويساعده قول التنوخي في الأقصى القريب إن لعل تكون للاستفهام مع بقاء الترجي قال ومما يرجحه أن الاستبطاء في قولك كم أدعوك معناه أن الدعاء وصل إلى حد لا أعلم عدده فأنا أطلب أن أعلم عدده والعادة تقضي بأن الشخص إنما يستفهم عن عدد ما صدر منه إذا كثر فلم يعلمه وفي طلب فهم عدده ما يشعر بالاستبطاء
4908 - وأما التعجب فالاستفهام معه مستمر فمن تعجب من شيء فهو بلسان الحال سائل عن سببه فكأنه يقول أي شيء عرض لي في حال عدم رؤية الهدهد وقد صرح في الكشاف ببقاء الاستفهام في هذه الآية
4909 - وأما التنبيه على الضلال فالاستفهام فيه حقيقي لأن معنى أين تذهب أخبرني إلى أي مكان تذهب فإني لا أعرف ذلك وغاية الضلال لا يشعر بها إلى أين تنتهي
4910 - وأما التقرير فإن قلنا المراد به الحكم بثبوته فهو خبر بأن المذكور عقيب الأداة واقع
أو طلب إقرار المخاطب به من كون السائل يعلم فهو استفهام يقرر المخاطب أي يطلب منه أن يكون مقرا به
وفي كلام أهل الفن ما يقتضي الاحتمالين والثاني أظهر
وفي الإيضاح تصريح به ولا بدع في صدور الاستفهام ممن يعلم المستفهم عنه لأنه طلب الفهم أما طلب فهم المستفهم أو وقوع فهم لمن لم يفهم كائنا من كان
وبهذا تنحل إشكالات كثيرة في مواضع الاستفهام ويظهر بالتأمل بقاء معنى الاستفهام مع كل أمر من الأمور المذكورة
انتهى ملخصا

الثاني
4911 - القاعدة أن المنكر يجب أن يلي الهمزة وأشكل عليها قوله تعالى أفأصفاكم ربكم بالبنين فإن الذين يليها هنا الإصفاء بالبنين وليس هو المنكر إنما المنكر قولهم إنه اتخذ من الملائكة إناثا
وأجيب بأن لفظ الإصفاء مشعر بزعم أن البنات لغيرهم أو بأن المراد مجموع الجملتين وينحل منهما كلام واحد
والتقدير أجمع بين الإصفاء بالبنين واتخاذ البنات
وأشكل منه قوله أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ووجه الإشكال أنه لا جائز ان يكون المنكر أمر الناس بالبر فقط كما تقتضيه القاعدة المذكورة لأن أمر البر ليس مما ينكر ولا نسيان النفس فقط لأنه يصير ذكر أمر الناس بالبر لا مدخل له ولا مجموع الأمرين لأنه يلزم أن تكون العبادة جزء المنكر ولا نسيان النفس بشرط الأمر لأن النسيان منكر مطلقا ولا يكون نسيان النفس حال الأمر اشد منه حال عدم الأمر لأن المعصية لا تزداد بشاعتها بانضمامها إلى الطاعة لأن جمهور العلماء على أن الأمر بالبر واجب وإن كان الإنسان ناسيا لنفسه وأمره لغيره بالبر كيف يضاعف بمعصية نسيان ولا يأتي الخير بالشر
قال في عروس الأفراح ويجاب بأن فعل المعصية مع النهي عنها أفحش لأنها تجعل حال الإنسان كالمتناقض وتجعل القول كالمخالف للفعل ولذلك كانت المعصية مع العلم أفحش منها مع الجهل قال ولكن الجواب على أن الطاعة الصرفة كيف تضاعف المعصية المقارنة لها من جنسها فيه دقة
فصل من أقسام الإنشاء الأمر
4912 - وهو طلب فعل غير كف وصيغته افعل و ليفعل وهي حقيقة في الإيجاب نحو أقيموا الصلاة فليصلوا معك
وترد مجازا لمعان أخر
4913 - منها الندب نحو وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا

4914 - والإباحة نحو فكاتبوهم نص الشافعي على أن الأمر فيه للإباحة ومنه وإذا حللتم فاصطادوا
4915 - والدعاء من الغافل للعالي نحو رب اغفر لي
4916 - والتهديد نحو اعملوا ما شئتم إذ ليس المراد الأمر بكل عمل شاءوا
4917 - والإهانة نحو ذق إنك أنت العزيز الكريم
4918 - والتسخير أي التذليل نحو كونوا قردة عبر به عن نقلهم من حالة إلى حالة إذلالا لهم فهو أخص من الإهانة
4919 - والتعجيز نحو فأتوا بسورة من مثله إذ ليس المراد طلب ذلك منهم بل إظهار عجزهم
4920 - والامتنان نحو كلوا من ثمره إذا أثمر
4921 - والعجب نحو انظر كيف ضربوا لك الأمثال
4922 - والتسوية نحو فاصبروا أو لا تصبروا
4923 - والإرشاد نحو وأشهدوا إذا تبايعتم
4924 - والاحتقار نحو ألقوا ما أنتم ملقون
4925 - والإنذار نحو قل تمتعوا
4926 - والإكرام نحو ادخلوها بسلام
4927 - والتكوين وهو أعم من التسخير نحو كن فيكون
4928 - والإنعام أي تذكير النعمة نحو كلوا مما رزقكم الله

4929 - والتكذيب نحو قل فأتوا بالتوراة فاتلوها قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا
4930 - والمشورة نحو فانظر ماذا ترى
4931 - والاعتبار نحو انظروا إلى ثمره إذا أثمر
4932 - والتعجب نحو اسمع بهم وأبصر ذكره السكاكي في استعمال الإنشاء بمعنى الخبر

فصل ومن أقسامه النهي
4933 - وهو طلب الكف عن فعل وصيغته لا تفعل وهي حقيقة في التحريم
وترد مجازا لمعان
4934 - منها الكراهة ونحو ولا تمش في الأرض مرحا
4935 - والدعاء نحو ربنا لا تزغ قلوبنا
4936 - والإرشاد نحو لا تسألوا عن أشياء أن تبد لكم تسؤكم
4937 - والتسوية نحو أو لا تصبروا
4938 - والاحتقار والتقليل نحو لا تمدن عينيك . . الآية أي فهو قليل حقير
4939 - وبيان العاقبة نحو ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء أي عاقبة الجهاد الحياة لا الموت
4940 - واليأس نحو لا تعتذروا
4941 - والإهانة نحو اخسئوا فيها ولا تكلمون

فصل ومن أقسامه التمني
4942 - وهو طلب حصول شيء على سبيل المحبة ولا يشترط إمكان المتمنى بخلاف المترجى لكن نوزع في تسمية تمني المحال طلبا بأن ما لا يتوقع كيف يطلب قال في عروس الأفراح فالأحسن ما ذكره الإمام وأتباعه من أن التمني والترجي والنداء والقسم ليس فيها طلب بل هو تنبيه ولا بدع في تسميته إنشاء
انتهى
وقد بالغ قوم فجعلوا التمني من قسم الخبر وأن معناه النفي والزمخشري ممن جزم بخلافه
ثم استشكل دخول التكذيب في جوابه في قوله يا ليتنا نرد ولا نكذب إلى قوله وإنهم لكاذبون وأجاب بتضمنه معنى العدة فتعلق به التكذيب
وقال غيره التمني لا يصح فيه الكذب وإنما الكذب في المتمنى الذي يترجح عند صاحبه وقوعه فهو إذن وارد على ذلك الاعتقاد الذي هو ظن وهو خبر صحيح
قال وليس المعنى في قوله وإنهم لكاذبون أن ما تمنوا ليس بواقع لأنه ورد في معرض الذم لهم وليس في ذلك المتمنى ذم بل التكذيب ورد على إخبارهم عن أنفسهم أنهم لا يكذبون وأنهم يؤمنون
وحرف التمنى الموضوع له ليت نحو يا ليتنا نرد يا ليت قومي يعلمون يا ليتني كنت معهم فأفوز
وقد يتمنى بهل حيث يعلم فقده نحو فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا وبلوا نحو فلو أن لنا كرة فنكون ولذا نصب الفصل في جوابها
وقد يتمنى ب لعل في البعيد فتعطى حكم ليت في نصب الجواب نحو لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطلع

فصل ومن أقسامه الترجي
4943 - نقل القرافي في الفروق الإجماع على أنه إنشاء وفرق بينه وبين التمني بأنه في الممكن والتمني فيه وفي المستحيل وبأن الترجي في القريب والتمني في البعيد وبأن الترجي في المتوقع والتمني في غيره وبأن التمني في المشقوق للنفس والترجي في غيره
وسمعت شيخنا العلامة الكافيجي يقول الفرق بين التمني وبين العرض هو الفرق بينه وبين الترجي
وحرف الترجي لعل وعسى وقد ترد مجازا لتوقع محذور ويسمى الإشفاق نحو لعل الساعة قريب
فصل ومن أقسامه النداء
4944 - وهو طلب إقبال المدعو على الداعي بحرف نائب مناب أدعو ويصحب في الأكثر الأمر والنهي والغالب تقدمه نحو يا أيها الناس اعبدوا ربكم يا عباد فاتقون يا أيها المزمل قم الليل ويا قوم استغفروا ربكم يأيها الذين آمنوا لا تقدموا
4945 - وقد يتأخر نحو وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون
4946 - وقد يصحب الجملة الخبرية فتعقبها جملة الأمر نحو يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية فذروها
4947 - وقد لا تعقبها نحو يا عباد لا خوف عليكم اليوم يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر يا أيها

النبي لم تحرم ويا قوم ما لي أدعوكم
4949 - وقد ترد صورة النداء لغيره مجازا كالإغراء والتحذير وقد اجتمعا في قوله تعالى ناقة الله وسقياها
4950 - والاختصاص كقوله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت
4951 - والتنبيه كقوله ألا يسجدوا والتعجب كقوله يا حسرة على العباد
4952 - والتحسر كقوله يا ليتني كنت ترابا

قاعدة
4953 - أصل النداء ب يا أن تكون للبعيد حقيقة أو حكما وقد ينادى بها القريب لنكت منها إظهار الحرص في وقوعه على إقبال المدعو نحو يا موسى أقبل
4954 - ومنها كون الخطاب المتلو معتنى به نحو يا أيها الناس اعبدوا ربكم
4955 - ومنها قصد تعظيم شأن المدعو نحو يا رب وقد قال تعالى فإني قريب
4956 - ومنها قصد انحطاطه كقول فرعون وإني لأظنك يا موسى مسحورا
فائدة
4957 - قال الزمخشري وغيره كثر في القرآن النداء ب يا أيها دون غيره لأن فيه أوجها من التأكيد وأسبابا من المبالغة
منها ما في يا من التأكيد والتنبيه وما في ها من التنبيه وما في التدرج من

الإبهام في أي إلى التوضيح والمقام يناسب المبالغة والتأكيد لأن كل ما نادى له عباده من أوامره ونواهيه وعظاته وزواجره ووعده ووعيده ومن اقتصاص أخبار الأمم الماضية وغير ذلك ومما أنطق الله به كتابه أمور عظام وخطوب جسام ومعان واجب عليهم أن يتيقظوا لها ويميلوا بقلوبهم وبصائرهم إليها وهم غافلون فاقتضى الحال أن ينادوا بالآكد الأبلغ

فصل ومن أقسامه القسم
4958 - نقل القرافي الإجماع على أنه إنشاء وفائدته تأكيد الجملة الخبرية وتحقيقها عند السامع وسيأتي بسط الكلام فيه في النوع السابع والستين
4959 - فصل ومن أقسامه الشرط

النوع الثامن والخمسون
في بدائع القرآن
4960 - أفرده بالتصنيف ابن أبي الأصبع فأورد فيه نحو مائة نوع وهي المجاز والاستعارة والتشبيه والكناية والإرداف والتمثيل والإيجاز والإتساع والإشارة والمساواة والبسط والإيغال والتتميم والتكميل والاحتراس والاستقصاء والتذييل والزيادة والترديد والتكرار والتفسير والإيضاح ونفي الشيء بإيجابه والمذهب الكلامي والقول بالموجب والمناقضة والأنتقال والأسجال والتسليم والتمكين والتوشيح والتسهيم ورد العجز على الصدر وتشابه الأطراف ولزوم ما لا يلزم والتخيير والتسجيع والتسريع والإيهام وهو التورية والاستخدام والالتفات والاطراد والانسجام والإدماج والافتنان والاقتدار وائتلاف اللفظ مع اللفظ وائتلاف اللفظ مع المعنى والاستدراك والاستثناء والاقتصاص والإبدال وتأكيد المدح بما يشبه الذم والتفويت والتغاير والتقسيم والتدبيج والتنكيت والتجريد والتعديد والترتيب والترقي والتدلي والتضمين والجناس والجمع والتفريق والجمع والتقسيم والجمع مع التفريق والتقسيم وجمع المؤتلف والمختلف وحسن النسق وعتاب المرء نفسه والعكس والعنوان والفرائد والقسم واللف والنشر والمشاكلة والمزاوجة والمبالغة والمطابقة والمقابلة والمواربة والمراجعة والنزاهة والإبداع والمقارنة وحسن الابتداء وحسن الختام وحسن التخلص والاستطراد
4961 - فأما المجاز وما بعده إلى الإيضاح فقد تقدم بعضها في أنواع مفردة وبعضها في نوع الإيجاز والإطناب مع أنواع أخر كالتعريض والاحتباك والاكتفاء والطرد والعكس

4962 - وأما نفي الشيء بإيجابه فقد تقدم في النوع الذي قبل هذا
وأما المذهب الكلامي والخمسة بعده فستأتي في نوع الجدل مع أنواع أخر مزيدة
وأما التمكين والثمانية بعده فستأتي في أنواع الفواصل
وأما حسن التخلص والاستطراد فسيأتيان في نوع المناسبات وأما حسن الابتداء وبراعة الختام فسيأتيان في نوعي الفواتح والخواتم
وها أنا أورد الباقي مع زوائد ونفائس لا توجد مجموعة في غير هذا الكتاب
1 -

الإيهام
4963 - ويدعى التورية أن يذكر لفظ له معنيان إما بالاشتراك أو التواطؤ أو الحقيقة والمجاز أحدهما قريب والآخر بعيد ويقصد البعيد ويورى عنه بالقريب فيتوهمه السامع من أول وهلة
4964 - قال الزمخشري لا ترى بابا في البيان أدق ولا ألطف من التورية ولا أنفع ولا أعون على تعاطي تأويل المتشابهات في كلام الله ورسوله قال ومن أمثلتها الرحمن على العرش استوى فإن الاستواء على معنيين الاستقرار في المكان وهو المعنى القريب المورى به الذي هو غير مقصود لتنزيهه تعالى عنه والثاني الاستيلاء والملك وهو المعنى البعيد المقصود الذي ورى عنه بالقريب المذكور
انتهى
4965 - وهذه التورية تسمى مجردة لأنها لم يذكر فيها شيء من لوازم المورى به ولا المورى عنه
4966 - ومنها ما تسمى مرشحة وهي التي ذكر فيها شيء من لوازم هذا أو هذا كقوله تعالى والسماء بنيناها بأيد فإنه يحتمل الجارحة وهو المورى به وقد ذكر من لوازمه على جهة الترشيح البنيان ويحتمل القوة والقدرة وهو البعيد المقصود
4967 - قال ابن أبي الأصبع في كتابه الإعجاز ومنها قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم فالضلال يحتمل الحب وضد الهدى فاستعمل أولاد يعقوب ضد الهدى تورية عن الحب

فاليوم ننجيك ببدنك على تفسيره بالدرع فإن البدن يطلق عليه وعلى الجسد والمراد البعيد وهو الجسد
4968 - قال ومن ذلك قوله بعد ذكر أهل الكتاب من اليهود والنصارى حيث قال ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم
ولما كان الخطاب لموسى من الجانب الغربي وتوجهت إليه اليهود وتوجهت النصارى إلى المشرق كانت قبلة الإسلام وسطا بين القبلتين قال تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا أي خيارا وظاهر اللفظ يوهم التوسط مع ما يعضده من توسط قبلة المسلمين صدق على لفظة وسط ها هنا أن يسمي تعالى به لاحتمالها المعنيين
ولما كان المراد أبعدها وهو الخيار صلحت أن تكون من أمثلة التورية
4969 - قلت وهي مرشحة بلازم المورى عنه وهو قوله لتكونوا شهداء على الناس فإنه من لوازم كونهم خيارا أي عدولا والإتيان قبلها من قسم المجردة
ومن ذلك قوله والنجم والشجر يسجدان فإن النجم يطلق على الكوكب ويرشحه له ذكر الشمس والقمر وعلى ما لا ساق له من النبات وهو المعنى البعيد له وهو المقصود في الآية
ونقلت من خط شيخ الإسلام ابن حجر أن التورية في القرآن قوله تعالى وما أرسلناك إلا كافة للناس فإن كافة بمعنى مانع أي تكفهم عن الكفر والمعصية والهاء للمبالغة وهذا معنى بعيد والمعنى القريب المتبادر أن المراد جامعة بمعنى جميعا لكن منع من حمله على ذلك أن التأكيد يتراخى عن المؤكد فكما لا تقول رأيت جميعا الناس لا تقول رأيت كافة الناس
2 -

الاستخدام
4970 - هو والتورية أشرف أنواع البديع وهما سيان بل فضله بعضهم عليها ولهم فيه عبارتان
إحداهما أن يؤتى بلفظ له معنيان فأكثر مرادا به أحد معانيه ثم يؤتى بضميره

مرادا به المعنى الآخر وهذه طريقة السكاكي وأتباعه
والأخرى أن يؤتي بلفظ مشترك ثم بلفظين يفهم من أحدهما أحد المعنيين ومن الآخر الآخر وهذه طريقة بدر الدين بن جماعة في المصباح ومشى عليها ابن أبي الإصبع ومثل له بقوله تعالى لكل أجل كتاب . . الآية فلفظ كتاب يحتمل الأمد المحتوم والكتاب المكتوب فلفظ أجل يخدم المعنى الأول و يمحو يخدم الثاني
ومثل غيره بقوله تعالى لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى . . الآية فالصلاة تحتمل أن يراد بها فعلها وموضعها وقوله حتى تعلموا ما تقولون يخدم الأول و إلا عابري سبيل يخدم الثاني
قيل ولم يقع في القرآن على طريقة السكاكي
4971 - قلت وقد استخرجت بفكري آيات على طريقته منها قوله تعالى أتى أمر الله فأمر الله يراد به قيام الساعة والعذاب وبعثة النبي وقد أريد بلفظه الأخير كما أخرج ابن مردويه من طريق الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى أتى أمر الله قال محمد وأعيد الضمير عليه في تستعجلوه مرادا به قيام الساعة والعذاب
4972 - ومنها وهي أظهرها قوله تعالى ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين فإن المراد به آدم ثم أعاد عليه الضمير مرادا به ولده
فقال ثم جعلناه نطفة في قرار مكين
4973 - ومنها قوله تعالى لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ثم قال قد سألها قوم من قبلكم أي أشياء أخر لأن الأولين لم يسألوا عن الأشياء التي سأل عنها الصحابة فنهوا عن سؤالها
3 -

الالتفات
4974 - نقل الكلام من أسلوب إلى آخر أعني من التكلم أو الخطاب أو

الغيبة إلى آخر منها بعد التعبير بالأول هذا هو المشهور
وقال السكاكي إما ذلك أو التعبير بأحدهما فيما حقه التعبير بغيره
وله فوائد
منها تطرية الكلام وصيانة السمع عن الضجر والملال لما جبلت عليه النفوس من حب التنقلات والسآمة من الاستمرار على منوال واحد وهذه فائدته العامة
ويختص كل موضع بنكت ولطائف باختلاف محله كما سنبينه
4975 - مثاله من التكلم إلى الخطاب ووجهه حث السامع وبعثه على الاستماع حيث أقبل المتكلم عليه وأعطاه فضل عناية تخصيص بالمواجهة قوله تعالى وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون والأصل وإليه أرجع فالتفت من التكلم إلى الخطاب ونكتته أنه أخرج الكلام في معرض مناصحته لنفسه وهو يريد نصح قومه تلطفا وإعلاما أنه يريد لهم ما يريد لنفسه
ثم التفت إليهم لكونه في مقام تخويفهم ودعوتهم إلى الله تعالى
كذا جعلوا هذه الآية من الالتفات وفيه نظر لأنه إنما يكون منه إذا قصد الإخبار عن نفسه في كلتا الجملتين وهنا ليس كذلك لجواز أن يريد بقوله ترجعون المخاطبين لا نفسه
وأجيب بأنه لو كان المراد ذلك لما صح الاستفهام الإنكاري لأن رجوع العبد إلى مولاه ليس بمستلزم أن يعيده غير ذلك الراجع فالمعنى كيف لا أعبد من إليه رجوعي وإنما عدل عن وإليه أرجع إلى وإليه ترجعون لأنه داخل فيهم ومع ذلك أفاد فائدة حسنة وهي تنبيههم على أنه مثلهم في وجوب عبادة من إليه الرجوع
4976 - ومن أمثلته أيضا قوله تعالى وأمرنا لنسلم لرب العالمين وأن أقيموا الصلاة
4977 - ومثاله من التكلم إلى الغيبة ووجهه أن يفهم السامع أن هذا نمط المتكلم وقصده من السامع حضر أو غاب وأنه ليس في كلامه ممن يتلون ويتوجه ويبدى في الغيبة خلاف ما يبديه في الحضور قوله تعالى إنا فتحنا لك فتحا مبينا

ليغفر لك الله والأصل لنغفر لك
إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك والأصل لنا
أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين رحمة من ربك والأصل منا إني رسول الله إليكم جميعا إلى قوله فآمنوا بالله ورسوله
والأصل وبي وعدل عنه لنكتتين إحداهما دفع التهمة عن نفسه بالعصبية لها
والأخرى تنبيههم على استحقاقه الاتباع بما اتصف به من الصفات المذكورة والخصائص المتلوة
4978 - ومثاله من الخطاب إلى التكلم لم يقع في القرآن ومثل له بعضهم بقوله فاقض ما أنت قاض ثم قال إنا آمنا بربنا
وهذا المثال لا يصح لأن شرط الالتفات أن يكون المراد به واحدا
4979 - ومثاله من الخطاب إلى الغيبة حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم والأصل بكم ونكتة العدول عن خطابهم إلى حكاية حالهم لغيرهم التعجب من كفرهم وفعلهم إذ لو استمر على خطابهم لفاتت تلك الفائدة
4980 - وقيل لأن الخطاب أولا كان مع الناس مؤمنهم وكافرهم بدليل هو الذي يسيركم في البر والبحر فلو كان وجرين بكم للزم الذم للجميع فالتفت عن الأول للإشارة إلى اختصاصه بهؤلاء الذين شأنهم ما ذكره عنهم في آخر الآية عدولا من الخطاب العام إلى الخاص
4981 - قلت ورأيت عن بعض السلف في توجهه عكس ذلك وهو أن الخطاب أوله خاص وآخره عام فأخرجه ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أنه قال في قوله حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم قال ذكر الحديث عنهم ثم حدث عن غيرهم ولم يقل وجرين بكم لأنه قصد أن يجمعهم وغيرهم وجرين بهؤلاء وغيرهم من الخلق
هذه عبارته فلله در السلف ما كان أوقفهم على المعاني اللطيفة التي يدأب المتأخرون فيها زمانا طويلا ويفنون فيها أعمارهم ثم غايتهم أن يحرموا حول الحمى ومما ذكر في توجيهه أيضا أنهم وقت الركوب حضروا لأنهم خافوا الهلاك وغلبة الرياح فخاطبهم خطاب الحاضرين ثم لما جرت الرياح بما تشتهى السفن وأمنوا الهلاك لم يبق حضورهم كما كان على عادة

الإنسان أنه إذا أمن غالب قلبه عن ربه فلما غابوا ذكرهم الله بصيغة الغيبة وهذه إشارة صوفية
4982 - ومن أمثلته أيضا وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون يطاف عليهم والأصل عليكم ثم قال وأنتم فيها خالدون فكرر الالتفات
4983 - ومثاله من الغيبة إلى التكلم والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه وأوحى في كل سماء أمرها وزينا سبحان الذي أسرى بعبده إلى قوله باركنا حوله لنريه من آياتنا ثم التفت ثانيا إلى الغيبة فقال إنه هو السميع البصير
وعلى قراءة الحسن ليريه بالغيبة يكون التفاتا ثانيا من باركنا وفي آياتنا التفات ثالث وفي إنه التفات رابع قال الزمخشري وفائدته في هذه الآيات وأمثالها التنبيه على التخصيص بالقدرة وأنه لا يدخل تحت قدرة أحد
4984 - ومثاله من الغيبة إلى الخطاب وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا
ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض مالم نمكن لكم وسقاهم ربهم شرابا طهورا إن هذا كان لكم جزاء إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك
4985 - ومن محاسنه ما وقع في سورة الفاتحة فإن العبد إذا ذكر الله تعالى وحده ثم ذكر صفاته التي كل صفة منها تبعث على شدة الإقبال وآخرها مالك يوم الدين المفيد أنه مالك الأمر كله في يوم الجزاء يجد من نفسه حاملا لا يقدر على دفعه على خطاب من هذه صفاته بتخصيصه بغاية الخضوع والاستعانة في المهمات
وقيل إنما اختير لفظ الغيبة للحمد وللعبادة الخطاب للإشارة إلى أن الحمد دون العبادة في الرتبة لأنك تحمد نظيرك ولا تعبده فاستعمل لفظ الحمد مع الغيبة ولفظ العبادة مع الخطاب لينسب إلى العظيم حال المخاطبة والمواجهة

ما هو أعلى رتبه وذلك على طريقة التأدب
وعلى نحو من ذلك جاء آخر السورة فقال الذين أنعمت عليهم مصرحا بذكر المنعم وإسناد الإنعام إليه لفظا ولم يقل صراط المنعم عليهم فلما صار إلى ذكر الغضب روى عنه لفظه فلم ينسبه إليه لفظا وجاء باللفظ منحرفا عن ذكر الغاضب فلم يقل غير الذين غضبت عليهم تفاديا عن نسبة الغضب إليه في اللفظ حال المواجهة
وقيل لأنه لما ذكر الحقيق بالحمد وأجرى عليه الصفات العظيمة من كونه ربا للعالمين ورحمانا ورحيما ومالكا ليوم الدين تعلق العلم بمعلوم عظيم الشأن حقيق بأن يكون معبودا دون غيره مستعانا به فخوطب بذلك لتميزه بالصفات المذكورة تعظيما لشأنه حتى كأنه قيل إياك يا من هذه صفاته نخص بالعبادة والاستعانة لا غيرك
4986 - قيل ومن لطائفه التنبيه على أن مبتدأ الخلق الغيبة منهم عنه سبحانه وتعالى وقصورهم عن محاضرته ومخاطبته وقيام حجاب العظمة عليهم فإذا عرفوه بما هو له وتوسلوا للقرب بالثناء عليه وأقروا بالمحامد له وتعبدوا له بما يليق بهم تأهلوا لمخاطباته ومناجاته فقالوا إياك نعبد وإياك نستعين

تنبيهات
4987 - الأول شرط الالتفات أن يكون الضمير في المنتقل إليه عائدا في نفس الأمر إلى المنتقل عنه وإلا يلزم عليه أن يكون في أنت صديقي التفات
4988 - الثاني شرطه أيضا أن يكون في جملتين صرح به صاحب الكشاف وغيره وإلا يلزم عليه أن يكون نوعا غريبا
4989 - الثالث ذكر التنوخي في الأقصى القريب وابن الأثير وغيرهما نوعا غريبا من الالتفات وهو بناء الفعل للمفعول بعد خطاب فاعله أو تكلمه كقوله غير المغضوب عليهم بعد أنعمت فإن المعنى غير الذين غضبت عليهم وتوقف فيه صاحب عروس الأفراح
4990 - الرابع قال ابن أبي الاصبع جاء في القرآن من الالتفات قسم غريب جدا لم أظفر في الشعر بمثاله وهو أن يقدم المتكلم في كلامه مذكورين مرتيين ثم يخبر عن الأول منهما وينصرف عن الإخبار عنه إلى الإخبار عن الثاني ثم يعود إلى الإخبار عن الأول كقوله إن الإنسان لربه لكنود وإنه على ذلك لشهيد

انصرف عن الإخبار عن الإنسان إلى الإخبار عن ربه تعالى ثم قال منصرفا عن الإخبار عن ربه تعالى إلى الإخبار عن الإنسان وإنه لحب الخير لشديد قال وهذا يحسن أن يسمى التفات الضمائر
4991 - الخامس يقرب من الالتفات نقل الكلام من خطاب الواحد أو الاثنين أو الجمع لخطاب الآخر ذكره التنوخي وابن الأثير وهو ستة أقسام أيضا
4992 - مثاله من الواحد إلى الاثنين قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض
4993 - وإلى الجمع يأيها النبي إذا طلقتم النساء
4994 - ومن الاثنين إلى الواحد فمن ربكما يا موسى فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى
4995 - وإلى الجمع وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة
4996 - ومن الجمع إلى الواحد وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين
4997 - وإلى الاثنين يا معشر الجن والإنس إن استطعتم إلى قوله فبأي آلاء ربكما تكذبان
4998 - السادس ويقرب منه أيضا الانتقال من الماضي أو المضارع أو الأمر إلى آخر
4999 - مثاله من الماضي إلى المضارع أرسل الرياح فتثير خر من السماء فتخطفه الطير إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله
5000 - وإلى الأمر قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم فاجتنبوا

5001 - ومن المضارع إلى الماضي ويوم ينفخ في الصور ففزع ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم
5002 - وإلى الأمر قال إني أشهد الله واشهدوا أني برئ
5003 - ومن الأمر إلى الماضي واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا
5004 - وإلى المضارع وأن أقيموا الصلاة واتقوه وهو الذي إليه تحشرون
4 -

الاطراد
5005 - هو أن يذكر المتكلم أسماء آباء الممدوح مرتبة على حكم ترتيبها في الولادة
قال ابن أبي الأصبع ومنه في القرآن قوله تعالى حكاية عن يوسف واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب قال وإنما لم يأت به على الترتيب المألوف فإن العادة الابتداء بالأب ثم الجد ثم الجد الأعلى لأنه لم يرد هنا مجرد ذكر الآباء وإنما ذكرهم ليذكر ملتهم التي اتبعها فبدأ بصاحب الملة ثم بمن أخذها عنه أولا فأولا على الترتيب ومثله قول أولاد يعقوب نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق
5 -
الانسجام
5006 - هو أن يكون الكلام لخلوه من العقادة منحدرا كتحدر الماء المنسجم ويكاد لسهولة تركيبه وعذوبة ألفاظه أن يسيل رقة والقرآن كله كذلك
قال أهل البديع وإذا قوى الانسجام في النثر جاءت قراءته موزونة بلا قصد لقوة انسجامه ومن ذلك ما وقع في القرآن موزونا
5007 - فمنه من بحر الطويل فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر
5008 - ومن المديد واصنع الفلك بأعيننا
5009 - ومن البسيط فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم

5010 - ومن الوافر ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين
5011 - ومن الكامل والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم
5012 - ومن الهزج فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا
5013 - ومن الرجز ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا
5014 - ومن الرمل وجفان كالجواب وقدور راسيات
5015 - ومن السريع أو كالذي مر على قرية
5016 - ومن المنسرح إنا خلقنا الإنسان من نطفة
5017 - ومن الخفيف لا يكادون يفقهون حديثا
5018 - ومن المضارع يوم التناد يوم تولون مدبرين
5019 - ومن المقتضب في قلوبهم مرض
5020 - ومن المجتث نبيء عبادي أني أنا الغفور الرحيم
5021 - ومن المتقارب واملي لهم إن كيدي متين
6 -

الإدماج
5022 - قال ابن الإصبع هو أن يدمج المتكلم غرضا في غرض أو بديعا في بديع بحيث لا يظهر في الكلام إلا أحد الغرضين أو أحد البديعين كقوله تعالى له الحمد في الأولى والآخرة أدمجت المبالغة في المطابقة لأن انفراده بالحمد في الآخرة وهي الوقت الذي لا يحمد فيه سواه مبالغة في الوصف بالإنفراد بالحمد وهو وإن خرج مخرج المبالغة في الظاهر فالأمر فيه حقيقة في الباطن فإنه رب الحمد والمنفرد به في الدارين
انتهى
5023 - قلت والأولى أن يقال في هذه الآية إنها من إدماج غرض في

غرض فإن الغرض منها تفرده تعالى بوصف الحمد وأدمج فيه الإشارة إلى البعث والجزاء
7 -

الافتان
5024 - هو الإتيان في كلام بفنين مختلفين كالجمع بين الفخر والتعزية في قوله تعالى كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام فإنه تعالى عزى جميع المخلوقات من الإنس والجن والملائكة وسائر أصناف ما هو قابل للحياة وتمدح بالبقاء بعد فناء الموجودات في عشر لفظات مع وصفه ذاته بعد انفراده بالبقاء بالجلال والإكرام سبحانه وتعالى
5025 - ونه ثم ننجي الذين اتقوا . . الآية جمع فيها بين هناء وعزاء
8 -
الاقتدار
5026 - هو أن يبرز المتكلم المعنى الواحد في عدة صور اقتدارا منه على نظم الكلام وتركيبه وعلى صياغة قوالب المعاني والأغراض فتارة يأتي به في لفظ الاستعارة وتارة في صورة الإرداف وحينا في مخرج الإيجاز ومرة في قالب الحقيقة قال ابن أبي الإصبع وعلى هذا أتت جميع قصص القرآن فإنك ترى القصة الواحدة التي لا تختلف معانيها تأتي في صور مختلفة وقوالب من الألفاظ متعددة حتى لا تكاد تشتبه في موضعين منه ولا بد أن تجد الفرق بين صورها ظاهرا
9 -
ائتلاف اللفظ مع اللفظ وائتلافه مع المعنى
5027 - الأول أن تكون الألفاظ يلائم بعضها بعضا بأن يقرن الغريب بمثله والمتداول بمثله رعاية لحسن الجوار والمناسبة
5028 - والثاني أن تكون ألفاظ الكلام ملائمة للمعنى المراد فإن كان فخما كانت ألفاظه فخمة أو جزلا فجزلة أو غريبا فغريبة أو متداولا فمتداولة أو متوسطا بين الغرابة والاستعمال فكذلك
5029 - فالأول كقوله تعالى تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا

أتى بأغرب ألفاظ القسم وهي التاء فإنها أقل استعمالا وأبعد من أفهام العامة بالنسبة إلى الباء والواو وبأغرب صيغ الأفعال التي ترفع الأسماء وتنصب الأخبار فإن تزال أقرب إلى الأفهام وأكثر استعمالا منها وبأغرب ألفاظ الهلاك وهو الحرض فاقتضى حسن الوضع في النظم أن تجاوز كل لفظة بلفظة من جنسها في الغرابة توخيا لحسن الجوار ورغبة في ائتلاف المعاني بالألفاظ ولتتعادل الألفاظ في الوضع وتتناسب في النظم ولما أراد غير ذلك قال وأقسموا بالله جهد أيمانهم فأتى بجميع الألفاظ متداولة لا غرابة فيها
5030 - ومن الثاني قوله تعالى ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار لما كان الركون إلى الظالم وهو الميل إليه والاعتماد عليه دون مشاركته في الظلم وجب أن يكون العقاب عليه دون العقاب على الظلم فأتى بلفظ المس الذي هو دون الإحراق والاصطلاء
وقوله لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت أتى بلفظ الاكتساب المشعر بالكلفة والمبالغة في جانب السيئة لثقلها
وكذا قوله فكبكبوا فيها فهو أبلغ من كبوا للإشارة إلى أنهم يكبون كبا عنيفا فظيعا
وهم يصطرخون فإنه أبلغ من يصرخون للإشارة إلى أنهم يصرخون صراخا منكرا خارجا عن الحد المعتاد
أخذ عزيز مقتدر فإنه أبلغ من قادر للإشارة إلى زيادة التمكن في القدرة وأنه لا راد له ولا معقب
ومثل ذلك واصطبر فإنه أبلغ من اصبر و الرحمن فإنه أبلغ من الرحيم فإنه يشعر باللطف والرفق كما أن الرحمن مشعر بالفخامة والعظمة
ومنه الفرق بين سقى وأسقى فإن سقى لما لا كلفة معه في السقيا ولهذا أورده تعالى في شراب الجنة فقال وسقاهم ربهم شرابا طهورا و أسقى لما

فيه كلفة ولهذا أورده في شراب الدنيا فقال وأسقيناكم ماء فراتا لأسقيناهم ماء غدقا لأن السقيا في الدنيا لا تخلو من الكلفة أبدا
10 -

الاستدراك والاستثناء
5031 - شرط كونهما من البديع أن يتضمنا ضربا من المحاسن زائدا على ما يدل عليه المعنى اللغوي
مثال الاستدراك قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا فإنه لو اقتصر على قوله لم تؤمنوا لكان منفرا لهم لأنهم ظنوا الإقرار بالشهادتين من غير اعتقاد إيمانا فأوجبت البلاغة ذكر الاستدراك ليعلم أن الإيمان موافقة القلب اللسان وإن انفرد اللسان بذلك يسمى إسلاما ولا يسمى إيمانا
وزاد ذلك إيضاحا بقوله ولما يدخل الإيمان في قلوبكم فلما تضمن الاستدراك إيضاح ما عليه ظاهر الكلام من الإشكال عد من المحاسن
5032 - ومثال الاستثناء فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فإن الإخبار عن هذه المدة بهذه الصيغة يمهد عذر نوح في دعائه على قومه بدعوة أهلكتهم عن آخرهم إذ لو قيل فلبث فيهم تسعمائة وخمسين عاما لم يكن فيه من التهويل ما في الأول لأن لفظ الألف في الأول أول ما يطرق السمع فيشتغل بها عن سماع بقية الكلام وإذا جاء الاستثناء لم يبق له بعدما تقدمه وقع يزيل ما حصل عنده من ذكر الألف
11 -
الاقتصاص
5033 - ذكره ابن فارس وهو أن يكون كل كلام في سورة مقتصا من كلام في سورة أخرى أو في تلك السورة كقوله تعالى وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين والآخرة دار ثواب لا عمل فيها فهذا مقتص من قوله ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلا
5034 - ومنه ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين مأخوذ من قوله أولئك في العذاب محضرون

5035 - وقوله ويوم يقوم الأشهاد مقتص من أربع آيات لأن الأشهاد أربعة الملائكة في قوله وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد والأنبياء في قوله فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا وأمة محمد في قوله لتكونوا شهداء على الناس والأعضاء في قوله يوم تشهد عليهم ألسنتهم . . الآية
5036 - وقوله يوم التناد قرئ مخففا ومشددا فالأول مأخوذ من قوله ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار والثاني من قوله يوم يفر المرء من أخيه
12 -

الإبدال
5037 - هو إقامة بعض الحروف مقام بعض وجعل منه ابن فارس فانفلق أي انفرق ولهذا قال فكان كل فرق فالراء واللام متعاقبتان
وعن الخليل في قوله تعالى فجاسوا خلال الديار إنه أريد فحاسوا فجاءت الجيم مقام الحاء وقد قرئ بالحاء أيضا وجعل منه الفارسي إني أحببت حب الخير أي الخيل وجعل منه أبو عبيدة إلا مكاء وتصدية أي تصددة
13 -
تأكيد المدح بما يشبه الذم
5038 - قال ابن أبي الإصبع هو في غاية العزة في القرآن قال ولم أجد منه إلا آية واحدة وهي قوله قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله . . فإن الاستثناء بعد الاستفهام الخارج مخرج التوبيخ على ما عابوا به المؤمنين من الإيمان يوهم أن ما يأتي بعده مما يوجب أن ينقم على فاعله مما يذم به فلما أتى

بعد الاستثناء ما يوجب مدح فاعله كان الكلام متضمنا تأكيد المدح بما يشبه الذم
5039 - قلت ونظيرها قوله وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله وقوله الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله فإن ظاهر الاستثناء أن ما بعده حق يقتضي الإخراج فلما كان صفة مدح يقتضي الإكرام لا الإخراج كان تأكيدا للمدح بما يشبه الذم
وجعل منه التنوخي في الأقصى القريب لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما استثنى سلاما سلاما الذي هو ضد اللغو والتأثيم فكان ذلك مؤكدا لانتفاء اللغو والتأثيم
انتهى
14 -

التفويت
5040 - هو إتيان المتكلم بمعان شتى من المدح والوصف وغير ذلك من الفنون كل فن في جملة منفصلة عن أختها مع تساوي الجمل في الزنة وتكون في الجمل الطويلة والمتوسطة والقصيرة
5041 - فمن الطويلة الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين والذي يميتني ثم يحيين
5042 - ومن المتوسطة تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي
5043 - قال ابن أبي الاصبع ولم يأت المركب من القصيرة في القرآن
15 -
التقسيم
5044 - هو استيفاء أقسام الشيء الموجودة لا الممكنة عقلا نحو هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا إذ ليس في رؤية البرق إلا الخوف من الصواعق والطمع في الأمطار ولا ثالث لهذين القسمين

5045 - وقوله فمنهنم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات فإن العالم لا يخلو من هذه الأقسام الثلاثة إما عاص ظالم لنفسه وإما سابق مبادر للخيرات وإما متوسط بينهما مقتصد فيها
ونظيرها وكنتم أزواجا ثلاثة فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون السابقون
وكذا قوله تعالى له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك استوفى أقسام الزمان ولا رابع لهما
وقوله والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع استوفى أقسام الخلق في المشي
وقوله الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم استوفى جميع هيآت الذاكر
وقوله يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما استوفى جميع أحوال المتزوجين ولا خامس لها
16 -

التدبيج
5045 - هو أن يذكر المتكلم ألوانا يقصد التورية بها والكناية قال ابن أبي الإصبع كقوله تعالى ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود قال المراد بذلك والله أعلم الكناية عن المشتبه والواضح من الطرق لأن الجادة البيضاء هي الطريق التي كثر السلوك عليها جدا وهي أوضح الطرق وأبينها ودونها الحمراء ودون الحمراء السوداء كأنها في الخفاء والالتباس ضد البيضاء في الظهور والوضوح
ولما كانت هذه الألوان الثلاثة في الظهور للعين طرفين وواسطة فالطرف الأعلى في الظهور البياض والطرف الأدنى في الخفاء السواد والأحمر بينهما على وضع الألوان في التركيب وكانت ألوان الجبال لا تخرج عن هذه الألوان الثلاثة والهداية بكل علم نصب للهداية منقسمة هذه القسمة أتت الآية

الكريمة منقسمة كذلك فحصل فيها التدبيج وصحة التقسيم
17 -

التنكيت
5046 - هو أن يقصد المتكلم إلى شيء بالذكر دون غيره مما يسد مسده لأجل نكتة في المذكور ترجح مجيئه على سواه كقوله تعالى وأنه هو رب الشعرى خص الشعرى بالذكر دون غيرها من النجوم وهو تعالى رب كل شيء لأن العرب كان ظهر فيهم رجل يعرف بابن أبي كبشة عبد الشعرى ودعا خلقا إلى عبادتها فأنزل الله تعالى وأنه هو رب الشعرى التي ادعيت فيها الربوبية
18 -
التجريد
5047 - هو أن ينتزع من أمر ذي صفة آخر مثله مبالغة في كمالها نحو لي من فلان صديق حميم جرد من الرجل الصديق آخر مثله متصف بصفة الصداقة
ونحو مررت بالرجل الكريم والنسمة المباركة جردوا من الرجل الكريم آخر مثله متصفا بصفة البركة وعطفوه عليه كأنه غيره وهو هو
5048 - ومن أمثلته في القرآن لهم فيها دار الخلد ليس المعنى أن الجنة فيها دار خلد وغير دار خلد بل هي نفسها دار الخلد فكأنه جرد من الدار دارا
ذكره في المحتسب وجعل منه يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي على أن المراد بالميت النطفة
قال الزمخشري وقرأ عبيد بن عمير فكانت وردة كالدهان بالرفع بمعنى حصلت منها وردة قال وهو من التجريد وقرئ أيضا يرثني وارث من آل يعقوب قال ابن جنى هذا هو التجريد وذلك أنه يريد وهب لي من لدنك وليا يرثني منه وارث من آل يعقوب وهو الوارث نفسه فكأنه جرد منه وارثا
19 -
التعديد
5049 - هو إيقاع الألفاظ المفردة على سياق واحد وأكثر ما يوجد في الصفات كقوله هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر

وقوله التائبون العابدون الحامدون . . الآية
وقوله مسلمات مؤمنات . . الآية
20 -

الترتيب
5050 - هو أن يورد أوصاف الموصوف على ترتيبها في الخلقة الطبيعية ولا يدخل فيها وصفا زائدا ومثله عبد الباقي اليمني بقوله هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا وبقوله فكذبوه فعقروها . . الآية
21 -
الترقي والتدلي
5051 - تقدما في نوع التقديم والتأخير
22 -
التضمين
5052 - يطلق على أشياء
أحدهما إيقاع لفظ موقع غيره لتضمنه معناه وهو نوع من المجاز تقدم الكلام فيه
الثاني حصول معنى فيه من غير ذكر له باسم هو عبارة عنه وهذا نوع من الإيجاز تقدم أيضا
الثالث تعلق ما بعد الفاصلة بها وهذا مذكور في نوع الفواصل
الرابع إدراج كلام الغير في أثناء الكلام لقصد تأكيد المعنى أو ترتيب النظم وهذا هو النوع البديعي
قال ابن أبي الإصبع ولم أظفر في القرآن بشيء منه إلا في موضعين تضمنا فصلين من التوراة والأنجيل قوله وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس . . الآية وقوله محمد رسول الله . . الآية
ومثله ابن النقيب وغيره بإيداع حكايات المخلوقين في القرآن كقوله تعالى

حكاية عن الملائكة أتجعل فيها من يفسد فيها وعن المنافقين أنؤمن كما آمن السفهاء وقالت اليهود و قالت النصارى قال وكذلك ما أودع فيه من اللغات الأعجمية
23 -

الجناس
5053 - هو تشابه اللفظين في اللفظ قال في كنز البراعة وفائدته الميل إلى الإصغاء إليه فإن مناسبة الألفاظ تحدث ميلا وإصغاء إليها ولأن اللفظ المشترك إذا حمل على معنى ثم جاء والمراد به آخر كان للنفس تشوق إليه
5054 - وأنواع الجناس كثيرة منها التام بأن يتفقا في أنواع الحروف وأعدادها وهيآتها كقوله تعالى ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة وقيل ولم يقع منه في القرآن سواه واستنبط شيخ الإسلام ابن حجر موضعا آخر وهو يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار
يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار
وأنكر بعضهم كون الآية الأولى من الجناس وقال الساعة في الموضعين بمعنى واحد
والتجنيس أن يتفق اللفظ ويختلف المعنى ولا يكون أحدهما حقيقة والآخر مجازا بل يكونان حقيقتين وزمان القيامة وإن طال لكنه عند الله في حكم الساعة الواحدة فإطلاق الساعة على القيام مجاز وعلى الآخرة حقيقة وبذلك يخرج الكلام عن التجنيس كما لو قلت ركبت حمارا ولقيت حمارا تعني بليدا
5055 - ومنها المصحف ويسمى جناس الخط بأن تختلف الحروف في النقط كقوله والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين
5056 - ومنها المحرف بأن يقع الاختلاف في الحركات كقوله ولقد أرسلنا فيهم منذرين فانظر كيف كانت عاقبة المنذرين
وقد اجتمع التصحيف والتحريف في قوله وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا

5057 - ومنها الناقص بأن يختلف في عدد الحروف سواء كان الحرف المزيد أولا أو وسطا أو آخرا كقوله والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذ المساق ثم كلي من كل الثمرات
5058 - ومنها المذيل بأن يزيد أحدهما أكثر من حرف في الآخر أو الأول وسمى بعضهم الثاني بالمتوج كقوله وانظر إلى إلهك ولكنا كنا مرسلين من آمن به إن ربهم بهم مذبذبين بين ذلك
5059 - ومنها المضارع وهو أن يختلفا بحرف مقارب في المخرج سواء كان في الأول أو الوسط أو الآخر كقوله تعالى وهم ينهون عنه وينأون عنه
5060 - ومنها اللاحق بأن يختلفا بحرف غير مقارب فيه كذلك كقوله ويل لكل همزة لمزة وإنه على ذلك لشهيد وإنه لحب الخير لشديد ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون وإذا جاءهم أمر من الأمن
5061 - ومنها المرفق وهو ما تركب من كلمة وبعض أخرى كقوله جرف هار فانهار
5062 - ومنها اللفظي بأن يختلفا بحرف مناسب للآخر مناسبة لفظية كالضاد والظاء كقوله وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة
5063 - ومنها تجنيس القلب بأن يختلفا في ترتيب الحروف نحو فرقت بين بني إسرائيل
5064 - ومنها تجنيس الإشتقاق بأن يجتمعا في أصل الإشتقاق ويسمى المقتضب نحو فروح وريحان فأقم وجهك للدين القيم وجهت وجهي

5065 - ومنها تجنيس الإطلاق بأن يجتمعا في المشابهة فقط كقوله وجنى الجنتين قال إني لعملكم من القالين ليريه كيف يواري وإن يردك بخير فلا راد اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض إلى قوله فذودعاء عريض

تنبيه
5066 - لكون الجناس من المحاسن اللفظية لا المعنوية ترك عند قوة المعنى كقوله تعالى وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين قيل ما الحكمة في كونه لم يقل وما أنت بمصدق فإنه يؤدي معناه مع رعاية التجنيس
وأجيب بأن في مؤمن لنا من المعنى ما ليس في مصدق لأن معنى قولك فلان مصدق لي قال لي صدقت وأما مؤمن فمعناه مع التصديق إعطاء الأمن ومقصودهم التصديق وزيادة وهو طلب الأمن فلذلك عبر به
5067 - وقد زل بعض الأدباء فقال في قوله أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين لو قال وتدعون لكان فيه مراعاة للتجنيس
وأجاب الإمام فخر الدين بأن فصاحة القرآن ليست لرعاية هذه التكليفات بل لأجل قوة المعاني وجزالة الألفاظ
وأجاب غيره بأن مراعاة المعاني أولى من مراعاة الألفاظ ولو قال أتدعون و تدعون لوقع الإلتباس على القارئ فيجعلها بمعنى واحد تصحيفا
وهذا الجواب غير ناضج
وأجاب ابن الزملكاني بأن التجنيس تحسين وإنما يستعمل في مقام الوعد والإحسان لا في مقام التهويل
وأجاب الخويي بأن تدع أخص من تذر لأنه بمعنى ترك الشيء مع إعتنائه بشهادة الإشتقاق نحو الإيداع فإنه عبارة عن ترك الوديعة مع الإعتناء بحالها
ولهذا يختار لها من هو مؤتمن عليها

5068 - ومن ذلك الدعة بمعنى الراحة وأما تذر فمعناه الترك مطلقا أو الترك مع الإعراض والرفض الكلي
قال الراغب يقال فلان يذر الشيء أي يقذفه لقلة الإعتداد به ومنه الوذرة قطعة من اللحم لقلة الإعتداد به ولا شك أن السياق إنما يناسب هذا دون الأول فأريد هنا تبشيع حالهم في الإعراض عن ربهم وأنهم بلغوا الغاية في الإعراض
إنتهى
24 -

الجمع
5069 - هو أن يجمع بين شيئين أو أشياء متعددة في حكم كقوله تعالى المال والبنون زينة الحياة الدنيا جمع المال والبنون في الزينة
وكذلك قوله الشمس والقمر بحسبان والنجم والشجر يسجدان
25 -
الجمع والتفريق
5070 - هو أن تدخل شيئين في معنى وتفرق بين جهتي الإدخال وجعل منه الطيبي قوله الله يتوفى الأنفس حين موتها . . الآية جمع النفسين في حكم المتوفي ثم فرق بين جهتي التوفي بالحكم بالإمساك والإرسال أي الله يتوفى الأنفس التي تقبض والتي لم تقبض فيمسك الأولى ويرسل الأخرى
26 -
الجمع والتقسيم
5071 - وهو مع متعدد تحت حكم ثم تقسيمه كقوله تعالى ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات
27 -
الجمع مع التفريق والتقسيم
5072 - كقوله تعالى يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه . . الآيات

فالجمع في قوله لا تكلم نفس إلا بإذنه لأنها متعددة معنى إذ النكرة في سياق النفي تعم والتفريق في قوله فمنهم شقي وسعيد والتقسيم في قوله فأما الذين شقوا وأما الذين سعدوا
28 -

جمع المؤتلف والمختلف
5073 - هو أن يريد التسوية بين ممدوحين فيأتي بمعان مؤتلفة في مدحهما ويروم بعد ذلك ترجيح أحدهما على الآخر بزيادة فضل لا ينقص الآخر فيأتي لأجل ذلك بمعان تخالف معنى التسوية كقوله تعالى وداود وسليمان إذ يحكمان . . الآية سوى في الحكم والعلم وزاد فضل سليمان بالفهم
29 -
حسن النسق
5074 - هو أن يأتي المتكلم بكلمات متتاليات معطوفات متلاحمات تلاحما سليما مستحسنا بحيث إذا أفردت كل جملة منه قامت بنفسها واستقل معناها بلفظها ومنه قوله تعالى وقيل يا أرض ابلعي ماءك . . الآية فإن جمله معطوف بعضها على بعضها بواو النسق على الترتيب الذي تقتضيه البلاغة من الإبتداء بالإسم الذي هو إنحسار الماء عن الأرض المتوقف عليه غاية مطلوب أهل السفينة من الإطلاق من سجنها ثم إنقطاع مادة السماء المتوقف عليه تمام ذلك من دفع أذاه بعد الخروج ومنه اختلاف ما كان بالأرض ثم الإخبار بذهاب الماء بعد إنقطاع المادتين الذي هو متأخر عنه قطعا ثم بقضاء الأمر الذي هو هلاك من قدر هلاكه ونجاة من سبق نجاته وأخر عما قبله لأن علم ذلك لأهل السفينة بعد خروجهم منها وخروجهم موقوف على ما تقدم
ثم أخبر باستواء السفينة وإستقرارها المفيد ذهاب الخوف وحصول الأمن من الإضطراب ثم ختم بالدعاء على الظالمين لإفادة أن الغرق وإن عم الأرض فلم يشمل إلا من إستحق العذاب لظلمه
30 -
عتاب المرء نفسه
5075 - منه ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني . . الأيات
وقوله أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله . . الآيات

31 -

العكس
5076 - هو أن يؤتى بكلام يقدم فيه جزء ويؤخر آخر ثم يقدم المؤخر ويؤخر المقدم كقوله تعالى ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي هن لباس لكم وأنتم لباس لهن لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن
وقد سئل عن الحكمة في عكس هذا اللفظ
فأجاب ابن المنير بأن فائدته الإشارة إلى أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة
وقال الشيخ بدر الدين بن الصاحب الحق أن كل واحد من فعل المؤمنة والكافر منفي عن الحل أما فعل المؤمنة فيحرم لأنها مخاطبة وأما فعل الكافر فنفي عنه الحل باعتبار أن هذا الوطء مشتمل على المفسدة فليس الكفار مورد الخطاب بل الأئمة ومن قام مقامهم مخاطبون بمنع ذلك لأن الشرح أمر بإخلاء الوجود من المفاسد فاتضح أن المؤمنة نفى عنها الحل باعتبار والكافر نفي عنه الحل باعتبار
قال ابن أبي الإصبع ومن غريب أسلوب هذا النوع قوله تعالى ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن فإن نظم الآية الثانية عكس نظم الأولى لتقديم العمل في الأولى على الإيمان وتأخيره في الثانية عن الإسلام
5077 - ومنه نوع يسمى القلب والمقلوب المستوى وما لا يستحيل بالإنعكاس وهو أن تقرأ الكلمة من آخرها إلى أولها كما تقرأ من أولها إلى آخرها كقوله تعالى كل في فلك وربك فكبر ولا ثالث لهما في القرآن
32 -
العنوان
5078 - قال ابن أبي الإصبع هو أن يأخذ المتكلم في غرض فيأتي لقصد تكميله وتأكيده بأسئلة في ألفاظ تكون عنوانا لأخبار متقدمة وقصص سالفة ومنه

نوع عظيم جدا وهو عنوان العلوم بأن يذكر في الكلام ألفاظا تكون مفاتيح لعلوم ومداخل لها
5079 - فمن الأول قوله تعالى واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها . . الآية فإنه عنوان قصة بلعام
5080 - ومن الثاني قوله تعالى انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب . . الآية فيها عنوان علم الهندسة فإن الشكل المثلث أول الأشكال وإذا نصب في الشمس على أي ضلع من أضلاعه لا يكون له ظل لتحديد رؤوس زواياه فأمر الله تعالى أهل جهنم بالإنطلاق إلى ظل هذا الشكل تهكما بهم
وقوله وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض . . الآيات فيها عنوان علم الكلام وعلم الجدل وعلم الهيئة
33 -

الفرائد
5081 - هو مختص بالفصاحة دون البلاغة لأنه الإتيان بلفظة تتنزل منزلة الفريدة من العقد وهي الجوهرة التي لا نظير لها تدل على عظم فصاحة هذا الكلام وقوة عارضته وجزالة منطقة وأصالة عربيته بحيث لو أسقطت من الكلام عزت على الفصحاء غرابتها
5082 - ومنه لفظ حصحص في قوله الآن حصحص الحق
والرفث في قوله أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم
5083 - ولفظة فزع في قوله حتى إذا فزع عن قلوبهم
5084 - وخائنة الأعين في قوله يعلم خائنة الأعين
5085 - وألفاظ قوله فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا وقوله فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين

34 -

القسم
5086 - هو أن يريد المتكلم الحلف على شيء فيحلف بما يكون فيه فخر له أو تعظيم لشأنه أو تنويه لقدره أو ذم لغيره أو جاريا مجرى الغزل والترقق أو خارجا مخرج الموعظة والزهد كقوله فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون أقسم سبحانه وتعالى بقسم يوجب الفخر لتضمنه التمدح بأعظم قدرة وأجل عظمة
لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون أقسم سبحانه وتعالى بحياة نبيه تعظيما لشأنه وتنويها بقدرة وسيأتي في نوع الأقسام أشياء تتعلق بذلك
35 -
اللف والنشر
5087 - هو أن يذكر شيئان أو أشياء إما تفصيلا بالنص على كل واحد أو إجمالا بأن يؤتى بلفظ يشتمل على متعدد ثم يذكر أشياء على عدد ذلك كل واحد يرجع إلى واحد من المتقدم ويفوض إلى عقل السامع رد كل واحد إلى ما يليق به
فالإجمالي كقوله تعالى وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى أي وقالت اليهود لن يدخل الجنة إلا اليهود وقالت النصارى لن يدخل الجنة إلا النصارى وإنما سوغ الإجمال في اللف ثبوت العناد بين اليهود والنصارى فلا يمكن أن يقول أحد الفريقين بدخول الفريق الآخر الجنة فوثق بالعقل في أنه يرد كل قول إلى فريقه لأمن اللبس وقائل ذلك يهود المدينة ونصارى نجران
5088 - قلت وقد يكون الإجمال في النشر لا في اللف بأن يؤتى بمتعدد ثم بلفظ يشتمل على متعدد يصلح لهما كقوله تعالى حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر على قول أبي عبيدة إن الخيط الأسود أريد به الفجر الكاذب لا الليل وقد بينته في أسرار التنزيل
5089 - والتفصيلي قسمان
أحدهما أن يكون على ترتيب اللف كقوله تعالى جعل لكم الليل والنهار

لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله فالسكون راجع إلى الليل والإبتغاء راجع إلى النهار
وقوله تعالى ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا فاللوم راجع إلى البخل ومحسورا راجع إلى الإسراف لأن معناه منقطعا لا شيء عندك
وقوله ألم يجدك يتيما . . الآيات فإن قوله فأما اليتيم فلا تقهر راجع إلى قوله ألم يجدك يتيما فآوى و وأما السائل فلا تنهر راجع إلى قوله ووجدك ضالا فإن المراد السائل عن العلم كما فسره مجاهد وغيره و وأما بنعمة ربك فحدث راجع إلى قوله ووجدك عائلا فأغنى رأيت هذا المثال في شرح الوسيط للنووي المسمى بالتنقيح
5090 - والثاني أن يكون على عكس ترتيبه كقوله يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم
وجعل منه جماعة قوله تعالى حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله إلا إن نصر الله قريب قالوا متى نصر الله قول الذين آمنوا ألا إن نصر الله قريب قول الرسول
وذكر الزمخشري قسما آخر كقوله تعالى ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله قال هذا من باب اللف وتقديره ومن آياته منامكم وابتغاؤكم من فضله بالليل والنهار إلا أنه فصل بين منامكم وابتغاؤكم بالليل والنهار لأنهما زمانان والزمان الواقع فيه كشيء واحد مع إقامة اللف على الإتحاد
36 -

المشاكلة
5091 - ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته تحقيقا أو تقديرا
5092 - فالأول كقوله تعالى تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ومكروا ومكر الله فإن إطلاق النفس والمكر في جانب البارئ تعالى إنما هو

لمشاكلة ما معه
وكذا قوله وجزاء سيئة سيئة مثلها لأن الجزاء حق لا يوصف بأنه سيئة فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه اليوم ننساكم كما نسيتم ويسخرون منهم سخر الله منهم إنما نحن مستهزئون الله يستهزيء بهم
5093 - ومثال التقديري قوله تعالى صبغة الله أي تطهير الله لأن الإيمان يطهر النفوس والأصل فيه أن النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمونه المعمودية ويقولون إنه تطهير لهم فعبر عن الإيمان ب صبغة الله للمشاكلة بهذه القرينة
37 -

المزاوجة
5094 - أن يزاوج بين معنيين في الشرط والجزاء أو ما جرى مجراهما كقوله
إذا ما نهى الناهي فلج بي الهوى ... أصاخت إلى الواشي فلج بها الهجر
ومنه في القرآن آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين
38 -
المبالغة
5095 - أن يذكر المتكلم وصفا فيزيد فيه حتى يكون أبلغ في المعنى الذي قصده
وهي ضربان مبالغة بالوصف بأن يخرج إلى حد الإستحالة ومنه يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ومبالغة بالصيغة وصيغ المبالغة فعلان كالرحمن و فعيل كالرحيم و فعال كالتواب والغفار والقهار و فعول كغفور وشكور وودود و فعل كحذر وأشر وفرح و فعال بالتخفيف كعجاب وبالتشديد ككبار و فعل كلبد وكبر و فعلى كالعليا والحسنى وشورى والسوءى
فائدة
5096 - الأكثر على أن فعلان أبلغ من فعيل ومن ثم قيل الرحمن

أبلغ من الرحيم ونصره السهيلي بأنه ورد على صيغة التثنية والتثنية تضعيف فكأن البناء تضاعفت فيه الصفة
وذهب ابن الأنباري إلى أن الرحيم أبلغ من الرحمن ورجحه ابن عسكر بتقديم الرحمن عليه وبأنه جاء على صيغة الجمع كعبيد وهو أبلغ من صيغة التثنية
وذهب قطرب إلى أنهما سواء
فائدة
5097 - ذكر البرهان الرشيدي أن صفات الله التي على صيغة المبالغة كلها مجاز لأنها موضوعة للمبالغة ولا مبالغة فيها لأن المبالغة أن تثبت للشيء أكثر مما له وصفاته تعالى متناهية في الكمال لا يمكن المبالغة فيها
وأيضا فالمبالغة تكون في صفات تقبل الزيادة والنقصان وصفات الله منزهة عن ذلك واستحسنه الشيخ تقي الدين السبكي
5098 - وقال الزركشي في البرهان التحقيق أن صيغ المبالغة قسمان
أحدهما ما تحصل المبالغة فيه بحسب زيادة الفعل
والثاني بحسب تعدد المفعولات ولا شك أن تعددها لا يوجب للفعل زيادة إذ الفعل الواحد قد يقع على جماعة متعددين وعلى هذا القسم تنزل صفاته تعالى ويرتفع الإشكال ولهذا قاله بعضهم في حكيم معنى المبالغة فيه تكرار حكمه بالنسبة إلى الشرائع
5099 - وقال في الكشاف المبالغة في التواب للدلالة على كثرة من يتوب عليه من عبادة أو لأنه بيلغ في قبول التوبة نزل صاحبها منزلة من لم يذنب قط لسعة كرمه
وقد أورد بعض الفضلاء سؤالا على قوله والله على كل شيء قدير وهو أن قديرا من صيغ المبالغة فيستلزم الزيادة على معنى قادر والزيادة على معنى قادر محال إذ الإيجاد من واحد لا يمكن فيه التفاضل باعتبار كل فرد فرد
وأجيب بأن المبالغة لما تعذر حملها على كل فرد وجب صرفها إلى مجموع الأفراد التي دل السياق عليها فهي بالنسبة إلى كثرة المتعلق لا الوصف

39 -

المطابقة
5100 - وتسمى الطباق الجمع بين متضادين في الجملة وهو قسمان حقيقي ومجازي والثاني يسمى التكافؤ وكل منهما إما لفظي أو معنوي
وإما طباق إيجاب أو سلب
5101 - ومن أمثلة ذلك فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا وأنه هو أضحك وأبكى وأنه هو أمات وأحيا لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم وتحسبهم أيقاظا وهم رقود
5102 - ومن أمثلة المجازي أو من كان ميتا فأحييناه أي ضالا فهديناه
5103 - ومن أمثلة طباق السلب تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك فلا تخشوا الناس واخشون
5104 - ومن أمثلة المعنوي إن أنتم إلا تكذبون قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون معناه ربنا يعلم إنا لصادقون
جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء قال أبو علي الفارسي لما كان البناء رفعا للمبني قوبل بالفراش الذي هو على خلاف البناء
5105 - ومنه نوع يسمى الطباق الخفي كقوله مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا لأن الغرق من صفات الماء فكأنه جمع بين الماء والنار قال ابن منقذ وهي أخفى مطابقة في القرآن
5106 - وقال ابن المعتز من أملح الطباق وأخفاه قوله تعالى ولكم في القصاص حياة لأن معنى القصاص القتل فصار القتل سبب الحياة

5107 - ومنه نوع يسمى ترصيع الكلام وهو إقتران الشيء بما يجتمع معه في قدر مشترك كقوله إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى أتى بالجوع مع العرى وبابه أن يكون مع الظمأ وبالضحى مع الظمأ وبابه أن يكون مع العري لكن الجوع والعري إشتركا في الخلو فالجوع خلو الباطن من الطعام والعري خلو الظاهر من اللباس والظمأ والضحى إشتركا في الإحتراق فالظمأ إحتراق الباطن من العطش والضحى إحتراق الظاهر من حر الشمس
5108 - ومنه نوع يسمى المقابلة وهي أن يذكر لفظان فأكثر ثم أضدادها على الترتيب قال ابن أبي الإصبع والفرق بين الطباق والمقابلة من وجهين
أحدهما أن الطباق لا يكون إلا من ضدين فقط والمقابلة لا تكون إلا بما زاد من الأربعة إلى العشرة
والثاني أن الطباق لا يكون إلا بالأضداد والمقابلة بالأضداد وبغيرها
5110 - قال السكاكي ومن خواص المقابلة أنه إذا شرط في الأول أمر شرط في الثاني ضده كقوله تعالى فأما من أعطى واتقى . . الآيتين قابل بين الإعطاء والبخل والإتقاء والإستغناء والتصديق والتكذيب واليسرى والعسرى ولما جعل التيسير في الأول مشتركا بين الإعطاء والإتقاء والتصديق جعل ضده وهو التعسير مشتركا بين أضدادها
وقال بعضهم المقابلة إما لواحد بواحد وذلك قليل جدا كقوله لا تأخذه سنة ولا نوم
أو إثنين بإثنين كقوله فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا
أو ثلاثة بثلاثة كقوله يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث واشكروا لي ولا تكفرون
وأربعة بأربعة كقوله تعالى فأما من أعطى . . الآيتين

وخمسة بخمسة كقوله إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما . . الآيات قابل بين بعوضة فما فوقها وبين فأما الذين آمنوا و وأما الذين كفروا وبين يضل و يهدي وبين ينقضون و ميثاقه وبين يقطعون و أن يوصل
أو ستة بستة كقوله زين للناس حب الشهوات . . الآية ثم قال قل أؤنبئكم . . الآية قابل الجنات والأنهار والخلد والأزواج والتطهير والرضوان بإزاء النساء والبنين والذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث
وقسم آخر المقابلة إلى ثلاثة أنواع نظيري ونقيضي وخلافي
مثال الأول مقابلة السنة بالنوم في الآية الأولى فإنهما جميعا من باب الرقاد المقابل باليقظة في آية وتحسبهم أيقاظا وهم رقود وهذا مثال الثاني فإنهما نقيضان
ومثال الثالث مقابلة الشر بالرشد في قوله وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا فإنهما خلافان لا نقيضان فإن نقيض الشر الخير والرشد الغي
40 -

المواربة
5112 - براء مهملة وباء موحدة أن يقول المتكلم قولا يتضمن ما ينكر عليه فإذا حصل الإنكار استحضر بحذقه وجها من الوجوه يتخلص به إما بتحريف كلمة أو تصحيفها أو زيادة أو نقص
قال ابن أبي الإصبع ومنه قوله تعالى حكاية عن أكبر أولاد يعقوب ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق فإنه قرئ إن ابنك سرق ولم يسرق فأتى بالكلام على الصحة بإبدال ضمة من فتحة وتشديد الراء وكسرتها
41 -
المراجعة
5113 - قال ابن أبي الإصبع هي أن يحكي المتكلم مراجعة في القول جرت

بينه وبين محاور له بأوجز عبارة وأعدل سبك وأعذب ألفاظ ومنه قوله تعالى قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين جمعت هذه القطعة وهي بعض آية ثلاث مراجعات فيها معاني الكلام من الخبر والإستخبار والأمر والنهي والوعد والوعيد بالمنطوق والمفهوم
5114 - قلت أحسن من هذا أن يقال جمعت الخبر والطلب والإثبات والنفي والتأكيد والحذف والبشارة والنذارة والوعد والوعيد
42 -

النزاهة
5115 - هي خلوص ألفاظ الهجاء من الفحش حتى يكون كما قال أبو عمرو بن العلاء وقد سئل عن أحسن الهجاء هو الذي إذا أنشدته العذراء في خدرها لا يقبح عليها
ومنه قوله تعالى وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون ثم قال أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون فإن ألفاظ ذم هؤلاء المخبر عنهم بهذا الخبر أتت منزهة عما يقبح في الهجاء من الفحش
وسائر هجاء القرآن كذلك
43 -
الإبداع
5116 - بالباء الموحدة أن يشتمل الكلام على عدة ضروب من البديع
قال ابن أبي الإصبع ولم أر في الكلام مثل قوله تعالى ويا أرض ابلعي ماءك فإن فيها عشرين ضربا من البديع وهي سبع عشرة لفظة وذلك المناسبة التامة في ابلعي وأقلعي
والإستعارة فيهما
والطباق بين الأرض والسماء
والمجاز في قوله تعالى يا سماء فإن الحقيقة يا مطر السماء
والإشارة في وغيض الماء فإنه عبر به عن معان كثيرة لأن الماء لا يغيض حتى يقلع مطر السماء وتبلع الأرض ما يخرج منها من عيون الماء فينقص الحاصل على وجه الأرض من الماء
والإرداف في واستوت
والتمثيل في وقضي الأمر
والتعليل فإن غيض

الماء علة الاستواء
وصحة التقسيم فإنه استوعب فيه أقسام الماء حالة نقصه إذ ليس إلا إحتباس ماء السماء والماء النابع من الأرض وغيض الماء الذي على ظهرها
والإحتراس في الدعاء لئلا يتوهم أن الغرق لعمومه شمل من لا يستحق الهلاك فإن عدله تعالى يمنع أن يدعو على غير مستحق
وحسن النسق وائتلاف اللفظ مع المعنى
والإيجاز فإنه تعالى قص القصة مستوعبة بأخصر عبارة
والتسهيم لأن أول الآية يدل على آخرها
والتهذيب لأن مفرداتها موصوفة بصفات الحسن كل لفظة سهلة مخارج الحروف عليها رونق الفصاحة مع الخلو من البشاعة وعقادة التركيب
وحسن البيان من جهة أن السامع لا يتوقف في فهم معنى الكلام ولا يشكل عليه شيء منه
والتمكين لأن الفاصلة مستقرة في محلها مطمئنة في مكانها غير قلقة ولا مستدعاة
والإنسجام وهو تحدر الكلام بسهوله وعذوبة وسبك مع جزالة لفظ كما ينسجم الماء القليل من الهواء
هذا ما ذكر ابن أبي الإصبع
قلت فيها أيضا الاعتراض

النوع التاسع والخمسون
في فواصل الآي
5117 - الفاصلة كلمة آخر الآية كقافية الشعر وقرينة السجع
وقال الداني كلمة آخر الجملة
قال الجعبري وهو خلاف المصطلح ولا دليل له في تمثيل سيبويه ب يوم يأت و ما كنا نبغ وليسا رأس آي لأن مراده الفواصل اللغوية لا الصناعية
وقال القاضي أبو بكر الفواصل حروف متشاكلة في المقاطع يقع بها إفهام المعاني
وفرق الداني بين الفواصل ورؤوس الآي فقال الفاصلة هي الكلام المنفصل عما بعده
والكلام المنفصل قد يكون رأس آية وغير رأس وكذلك الفواصل يكن رؤوس أي وغيرها وكل رأس آية فاصلة وليس كل فاصلة رأس آية قال ولأجل كون معنى الفاصلة هذا ذكر سيبويه في تمثيل القوافي يوم يأت و ما كنا نبغ وليسا رأس آيتين بإجماع مع إذا يسر وهو رأس آية بإتفاق
وقال الجعبري لمعرفة الفواصل طريقان توقيفي وقياسي أما التوقيفي فما ثبت أنه وقف عليه دائما تحققنا أنه فاصلة وما وصله دائما تحققنا أنه ليس

بفاصلة وما وقف عليه مرة ووصله أخرى احتمل الوقف أن يكون لتعريف الفاصلة أو لتعريف الوقف التام أو للاستراحة
والوصل أن يكون غير فاصلة أو فاصلة وصلها لتقدم تعريفها
وأما القياسي فهو ما ألحق من المحتمل غير المنصوص بالمنصوص لمناسب ولا محذور في ذلك لأنه لا زيادة ولا نقصان وإنما غايته إنه محل فصل أو وصل والوقف على كل كلمة جائز ووصل القرآن كله جائز فاحتاج القياس إلى طريق تعرفه فنقول فاصلة الآية كقرينة السجعة في النثر وقافية البيت في الشعر وما يذكر من عيوب القافية من اختلاف الحركة والإشباع والتوجيه فليس بعيب في الفاصلة
وجاز الانتقال في الفاصلة والقرنية وقافية الأرجوزة من نوع إلى آخر بخلاف قافية القصيدة ومن ثم ترى يرجعون مع عليم والميعاد مع الثواب والطارق مع الثاقب
5118 - والأصل في الفاصلة والقرينة المتجردة في الآية والسجعة المساواة ومن ثم أجمع العادون على ترك عد ويأت بآخرين ولا الملائكة المقربون في النساء وكذب بها الأولون بسبحان و لتبشر به المتقين بمريم و لعلهم يتقون بطه و من الظلمات إلى النور وأن الله على كل شيء قدير بالطلاق حيث لم يشاكل طرفيه
وعلى ترك عد أفغير دين الله يبغون بآل عمران و أفحكم الجاهلية يبغون بالمائدة وعدوا نظائر للمناسبة نحو لأولى الألباب بآل عمران و على الله كذبا بالكهف و السلوى بطه
وقال غيره تقع الفاصلة عند الاستراحة بالخطاب لتحسين الكلام بها وهي

الطريقة التي يباين القرآن بها سائر الكلام وتسمى فواصل لأنه ينفصل عنده الكلامان وذلك أن آخر الآية فصل بينها وبين ما بعدها وأخذا من قوله تعالى كتاب فصلت آياته
ولا يجوز تسميتها قوافي إجماعا لأن الله تعالى لما سلب عنه اسم الشعر وجب سلب القافية عنه أيضا لأنها منه وخاصة في الاصطلاح وكما يمتنع استعمال القافية فيه يمتنع استعمال الفاصلة في الشعر لأنها صفة الكتاب الله تعالى فلا تتعداه
وهل يجوز استعمال السجع في القرآن خلاف الجمهور على المنع لأن أصله من سجع الطير فشرف القرآن أن يستعار لشيء منه لفظ أصله مهمل ولأجل تشريفه عن مشاركة غيره من الكلام الحادث في وصفه بذلك ولأن القرآن من صفاته تعالى فلا يجوز وصفه بصفة لم يرد الإذن بها
5119 - قال الرماني في إعجاز القرآن ذهب الأشعرية إلى امتناع أن يقال في القرآن سجع وفرقوا بأن السجع هو الذي يقصد في نفسه ثم يحال المعنى عليه والفواصل التي تتبع المعاني ولا تكون مقصودة في نفسها
ولذلك كانت الفوا صل بلاغة والسجع عيبا وتبعه على ذلك القاضي أبو بكر الباقلاني ونقله عن نص أبي الحسن الأشعري وأصحابنا كلهم
قال وذهب كثير من غير الأشاعرة إلى إثبات السجع في القرآن وزعموا أن ذلك مما يبين به فضل الكلام وأنه من الأجناس التي يقع بها التفاضل في البيان والفصاحة كالجناس والالتفات ونحوهما قال وأقوى ما استدلوا به الاتفاق على أن موسى أفضل من هارون ولمكان السجع قيل في موضع هارون وموسى ولما كانت الفواصل موضع آخر بالواو والنون قيل موسى وهارون قالوا وهذا يفارق أمر الشعر لأنه لا يجوز أن يقع في الخطاب إلا مقصودا إليه وإذا وقع غير مقصود إليه كان دون القدر الذي تسميه شعرا وذلك القدر مما يتفق وجوده من المفحم كما يتفق وجوده من الشاعر
وأما ما جاء في القرآن من السجع فهو كثير لا يصح أن يتفق غير مقصود إليه
وبنوا الأمر في ذلك على تحديد معنى السجع فقال أهل اللغة هو موالاة الكلام على حد واحد
5120 - وقال ابن دريد سجعت الحمامة معناه رددت صوتها قال القاضي

وهذا غير صحيح ولو كان القرآن سجعا لكان غير خارج عن أساليب كلامهم ولو كان داخلا فيها لم يقع بذلك إعجاز ولو جاز أن يقال هو سجع معجر لجاز أن يقولوا شعر معجز وكيف والسجع مما كان تألفه الكهان من العرب ونفيه من القرآن أجدر بأن يكون حجة من نفي الشعر لأن الكهانة تنافي النبوات بخلاف الشعر وقد قال أسجع كسجع الكهان فجعله مذموما
قال وما توهموا أنه سجع باطل لأن مجيئه على صورته لا يقتضي كونه هو لأن السجع يتبع المعنى فيه اللفظ الذي يؤدي السجع وليس كذلك ما اتفق مما هو في معنى السجع من القرآن لأن اللفظ وقع فيه تابعا للمعنى وفرق بين أن ينتظم الكلام في نفسه بألفاظه التي تؤدي المعنى المقصود منه وبين أن يكون المعنى منتظما دون اللفظ ومتى ارتبط المعنى بالسجع كان إفادة السجع كإفادة غيره ومتى انتظم المعنى بنفسه دون السجع كان مستجلبا لتحسين الكلام دون تصحيح المعنى
قال وللسجع منهج محفوظ وطريق مضبوط من أخل به وقع الخلل في كلامه ونسب إلى الخروج عن الفصاحة كما أن الشاعر إذا خرج عن الوزن المعهود كان مخطئا وأنت ترى فواصل القرآن متفاوتة بعضها متداني المقاطع وبعضها يمتد حتى يتضاعف طوله عليه وترد الفاصلة في ذلك الوزن الأول بعد كلام كثير وهذا في السجع غير مرضي ولا محمود
قال وأما ما ذكروه من تقديم موسى على هارون في موضع وتأخيره عنه في موضع لمكان السجع وتساوي مقاطع الكلام فليس بصحيح بل الفائدة فيه إعادة القصة الواحدة بألفاظ مختلفة تؤدي معنى واحدا وذلك من الأمر الصعب الذي تظهر فيه الفصاحة وتتبين فيه البلاغة ولهذا أعيدت كثير من القصص على ترتيبات متفاوتة تنبيها بذلك على عجزهم عن الإتيان بمثله مبتدأ به ومتكررا ولو أمكنهم المعارضة لقصدوا تلك القصة وعبروا عنها بألفاظ لهم تؤدي إلى تلك المعاني ونحوها فعلى هذا القصد بتقديم بعض الكلمات على بعض وتأخيرها إظهار الإعجاز دون السجع إلى أن قال فبان بذلك أن الحروف الواقعة في الفواصل متناسبة موقع النظائر التي تقع في الأسجاع لا تخرجها عن حدها ولا تدخلها في بابا السجع وقد بينا أنهم يذمون كل سجع خرج عن اعتدال الأجزاء فكان بعض مصاريعه كلمتين وبعضها أربع كلمات ولا يرون ذلك فصاحة بل يرونه عجزا

فلو فهموا اشتمال القرآن على السجع لقالوا نحن نعارضه بسجع معتدل يزيد في الفصاحة على طريقة القرآن
انتهى كلام القاضي في كتاب الإعجاز
5121 - ونقل صاحب عروس الأفراح عنه أنه ذهب في الانتصار إلى جواز تسمية الفواصل سجعا
وقال الخفاجي في سر الفصاحة قول الرماني إن السجع عيب والفواصل بلاغة غلط فإنه إن أراد بالسجع ما يتبع المعنى وهو غير مقصود فذلك بلاغة والفواصل مثله وإن أراد به ما تقع المعاني تابعة له وهو مقصود متكلف فذلك عيب والفواصل مثله
قال وأظن الذي دعاهم إلى تسمية كل ما في القرآن فواصل ولم يسموا ما تماثلت حروفه سجعا رغبتهم في تنزيه القرآن عن الوصف اللاحق بغيره من الكلام المروي عن الكهنة وغيرهم وهذا غرض في التسمية قريب والحقيقة ما قلناه
قال والتحرير أن الأسجاع حروف متماثلة في مقاطع الفواصل
قال فإن قيل إذا كان عندكم أن السجع محمود فهلا ورد القرآن كله مسجوعا وما الوجه في ورود بعضه مسجوعا وبعضه غير مسجوع قلنا إن القرآن نزل بلغة العرب وعلى عرفهم وعادتهم وكان الفصيح منهم لا يكون كلامه كله مسجوعا لما فيه من أمارات التكلف والاستكراه لا سيما مع طول الكلام فلم يرد كله مسجوعا جريا منهم على عرفهم في اللطافة الغالبة أو الطبقة العالية من كلامهم ولم يخل من السجع لأنه يحسن في بعض الكلام على الصفة السابقة
5122 - وقال ابن النفيس يكفي في حسن السجع ورود القرآن به قال ولا يقدح في ذلك خلوه في بعض الآيات لأن الحسن قد يقتضي المقام الانتقال إلى أحسن منه
5123 - قال حازم من الناس من يكره تقطيع الكلام إلى مقادير متناسبة الأطراف غير متقاربة في الطول والقصر لما فيه من التكلف إلا ما يقع الإلمام به في النادر من الكلام

ومنهم من يرى أن التناسب الواقع بإفراغ الكلام في قالب التقفية وتحليتها بمناسبات المقاطع أكيد جدا
ومنهم وهو الوسط من يرى أن السجع وإن كان زينة للكلام فقد يدعو إلى التكلف فرئي ألا يستعمل في جملة الكلام وألا يخلي الكلام منه جملة وأنه يقبل منه ما اجتلبه الخاطر عفوا بلا تكلف
قال وكيف يعاب السجع على الإطلاق وإنما نزل القرآن على أساليب الفصيح من كلام العرب فوردت الفواصل فيه بإزاء ورود الأسجاع في كلامهم وإنما لم يجيء على أسلوب واحد لأنه لا يحسن في الكلام جميعا أن يكون مستمرا على نمط واحد لما فيه من التكلف ولما في الطبع من الملل ولأن الافتنان في ضروب الفصاحة أعلى من الاستمرار على ضرب واحد فلهذا وردت بعض أي القرآن متماثلة المقاطع وبعضها غير متماثل

فصل
5124 - ألف الشيخ شمس الدين بن الصائغ كتابا سماه إحكام الراي في أحكام الآي قال فيه
اعلم أن المناسبة أمر مطلوب في اللغة العربية يرتكب لها أمور من مخالفة الأصول قال وقد تتبعت الأحكام التي وقعت في آخر الآي مراعاة للمناسبة فعثرت منها على نيف عن الأربعين حكما
5125 - أحدها تقديم المعمول إما على العامل نحو أهولاء إياكم كانوا يعيدون قيل ومنه وإياك نستعين أو على معمول آخر أصله التقديم نحو لنريك من آياتنا الكبرى إذا أعربنا الكبرى مفعول نري أو على الفاعل نحو ولقد جاء آل فرعون النذر
ومنه تقديم خبر كان على اسمها نحو ولم يكن له كفوا أحد
5126 - الثاني تقديم ما هو متأخر في الزمان نحو فلله الآخرة

والأولى ولولا مراعاة الفواصل لقدمت الأولى كقوله له الحمد في الأولى والآخرة
5127 - الثالث تقديم الفاضل على الأفضل نحو برب هارون وموسى وتقدم ما فيه
5128 - الرابع تقديم الضمير على ما يفسره نحو فأوجس في نفسه خيفة موسى
5129 - الخامس تقديم الصفة الجملة على الصفة المفرد نحو ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا
5130 - السادس حذف ياء المنقوص المعرف نحو الكبير المتعال يوم التناد
5131 - السابع حذف ياء الفعل غير المجزوم نحو والليل إذا يسر
5132 - الثامن حذف ياء الإضافة نحو فكيف كان عذابي ونذر فكيف كان عقاب
5133 - التاسع زيادة حرف المد نحو الظنونا و الرسولا و السبيلا ومنه إبقاؤه مع الجازم نحو لا تخاف دركا ولا تخشى سنقرؤك فلا تنسى على القول بأنه نهى
5134 - العاشر صرف مالا ينصرف نحو قواريرا قواريرا
5135 - الحادي عشر إيثار تذكير اسم الجنس كقوله أعجاز نخل منقعر
5136 - الثاني عشر إيثار تأنيثه نحو أعجاز نخل خاوية
ونظير

هذين قوله في القمر وكل صغير وكبير مستطر وفي الكهف لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها
5137 - الثالث عشر الاقتصار على أحد الوجهين الجائزين اللذين قرئ بهما في السبع في غير ذلك كقوله تعالى فأولئك تحروا رشدا ولم يجئ رشدا في السبع وكذا وهيئ لنا من أمرنا رشدا لأن الفواصل في السورتين محركة الوسط وقد جاء في وإن يروا سبيل الرشد وبهذا يبطل ترجيح الفارسي قراءة التحريك بالإجماع عليه فيما تقدم ونظير ذلك قراءة تبت يدا أبي لهب وتب بفتح الهاء وسكونها ولم يقرأ سيصلى نارا ذات لهب إلا بالفتح لمراعاة الفاصلة
5138 - الرابع عشر إيراد الجملة التي رد بها ما قبلها على غير وجه المطابقة في الإسمية والفعلية كقوله تعالى ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين لم يطابق بين قولهم آمنا وبين ما ورد به فيقول و لم يؤمنوا أو ما آمنوا لذلك
5139 - الخامس عشر إيراد أحد القسمين غير مطابق للآخر كذلك نحو فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ولم يقل الذين كذبوا
5140 - السادس عشر إيراد أحد جزأي الجملتين على غير الوجه الذي أورد نظيرها من الجملة الأخرى نحو أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون
5141 - السابع عشر إيثار أغرب اللفظتين نحو قسمة ضيزى ولم يقل جائرة
لينبذن في الحطمة ولم يقل جهنم أو النار وقال في المدثر سأصليه سقر وفي سأل إنها لظى وفي القارعة فأمه هاوية لمراعاة فواصل كل سورة
5142 - الثامن عشر اختصاص كل من المشتركين بموضع نحو وليذكر

أولو الألباب وفي سورة طه إن في ذلك لآيات لأولى النهى
5143 - التاسع عشر حذف المفعول نحو فأما من أعطى واتقى ما ودعك ربك وما قلى
ومنه حذف متعلق أفعل التفضيل نحو يعلم السر وأخفى خير وأبقى
5144 - العشرون الاستغناء بالإفراد عن التثنية نحو فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى
5145 - الحادي والعشرون الاستغناء به عن الجمع نحو واجعلنا للمتقين إماما ولم يقل أئمة كما قال وجعلناهم أئمة يهدون
إن المتقين في جنات ونهر أي أنهار
5146 - الثاني والعشرون الاستغناء بالتثنية عن الإفراد نحو ولمن خاف مقام ربه جنتان قال الفراء أراد جنة كقوله فإن الجنة هي المأوى فثنى لأجل الفاصلة
قال والقوافي تحتمل من الزيادة والنقصان ما لا يحتمله سائر الكلام
ونظير ذلك قول الفراء في قوله تعالى إذ انبعث أشقاها فإنهما رجلان قدار وآخر معه ولم يقل
أشقياها للفاصلة
5147 - وقد أنكر ذلك ابن قتيبة وأغلظ فيه
وقال إنما يجوز في رءوس الآي زيادة هاء السكت أو الألف أو حذف همز أو حرف فأما أن يكون الله وعد بجنتين فيجعلهما جنة واحدة لأجل رءوس الآي معاذ الله وكيف هذا وهو يصفها بصفات الاثنين قال ذواتا أفنان ثم قال فيهما وأما ابن الصائغ فإنه نقل عن الفراء أنه أراد جنات فإطلق الاثنين على الجمع لأجل الفاصلة
ثم قال وهذا غير بعيد قال وإنما عاد الضمير بعد ذلك بصيغة التثنية مراعاة للفظ وهذا هو الثالث والعشرون
5148 - الرابع والعشرون الاستغناء بالجمع عن الإفراد نحو لا بيع فيه ولا

خلال أي ولا خلة كما في الآية الأخرى وجمع مراعاة للفاصلة
5149 - الخامس والعشرون إجراء غير العاقل مجرى العاقل نحو رأيتهم لي ساجدين كل في فلك يسبحون
5150 - السادس والعشرون إمالة ما لا يمال كآي طه والنجم
5151 - السابع والعشرون الإتيان بصيغة المبالغة كقدير وعليم مع ترك ذلك في نحو هو القادر وعالم الغيب ومنه وما كان ربك نسيا
5152 - الثامن والعشرون إيثار بعض أوصاف المبالغة على بعض نحو إن هذا لشيء عجاب أو ثر على عجيب لذلك
5153 - التاسع والعشرون الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه نحو ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى
5154 - الثلاثون إيقاع الظاهر موضع المضمر نحو والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين وكذا آية الكهف
5155 - الحادي والثلاثون وقوع مفعول موقع فاعل كقوله حجابا مستورا كان وعده مأتيا أي ساترا وآتيا
5156 - الثاني والثلاثون وقوع فاعل موقع مفعول نحو في عيشة راضية من ماء دافق
5157 - الثالث والثلاثون الفصل بين الموصوف والصفة نحو أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى إن أعرب أحوى صفة المرعى أي حالا
5158 - الرابع والثلاثون إيقاع حرف مكان غيره نحو بأن ربك أوحى لها والأصل إليها
5159 - الخامس والثلاثون تأخير الوصف غير الأبلغ عن الأبلغ ومنه

الرحمن الرحيم رءوف رحيم لأن الرأفة أبلغ من الرحمة
5160 - السادس والثلاثون حذف الفاعل ونيابة المفعول نحو وما لأحد عنده من نعمة تجزي
5161 - السابع والثلاثون إثبات هاء السكت نحو ما ليه سلطانيه ماهيه
5162 - الثامن والثلاثون الجمع بين المجرورات نحو ثم لا تجد لك به علينا تبيعا فإن الأحسن الفصل بينها إلا أن مراعاة الفاصلة اقتضت عدمه وتأخير تبيعا
5163 - التاسع والثلاثون العدول عن صيغة المضي إلى صيغة الاستقبال نحو ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون والأصل قتلتم
5164 - الأربعون تغيير بنية الكلمة نحو وطور سينين والأصل سينا

تنبيه
5165 - قال ابن الصائغ لا يمتنع في توجيه الخروج عن الأصل في الآيات المذكورة أمور أخرى مع وجه المناسبة فإن القرآن العظيم كما جاء في الأثر لا تنقضي عجائبه
فصل
5166 - قال ابن أبي الإصبع لا تخرج فواصل القرآن عن أحد أربعة أشياء
التمكين
والتصدير والتوشيح والإيغال
التمكين
5167 - فالتمكين ويسمى ائتلاف القافية أن يمهد الناثر للقرينة أو الشاعر للقافية تمهيدا تأتي به القافية أو القرينة متمكنة في مكانها مستقرة في قرارها مطمئنة في موضعها غير نافرة ولا قلقة متعلقا معناها بمعنى الكلام كله تعلقا تاما بحيث لو طرحت لاختل المعنى واضطرب الفهم وبحيث لو سكت عنها كمله السامع بطبعه

5168 - ومن أمثلة ذلك يا شعيب أصلواتك تأمرك أن نترك . . الآية فإنه لما تقدم في الآية ذكر العبادة وتلاه ذكر التصرف في الأموال اقتضى ذلك ذكر الحلم والرشد على الترتيب لأن الحلم يناسب العبادات والرشد يناسب الأموال
وقوله أو لم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون أو لم يروا أنا نسوق الماء إلى قوله أفلا يبصرون فأتى في الآية الأولى يهد لهم وختمها ب يسمعون لأنه الموعظة فيها مسموعة وهي أخبار القرون وفي الثانية ب يروا وختمها ب يبصرون لأنها مرئية
وقوله لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير فإن اللطف يناسب ما لا يدرك بالبصر والخبر يناسب ما يدركه
وقوله ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين إلى قوله فتبارك الله أحسن الخالقين فإن في هذه الفاصلة التمكين التام المناسب لما قبلها
وقد بادر بعض الصحابة حين نزل أول الآية إلى ختمها بها قبل أن يسمع آخرها فأخرج ابن أبي حاتم من طريق الشعبي عن زيد بن ثابت قال أملى علي رسول الله هذه الآية ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين إلى قوله خلقا آخر قال معاذ بن جبل فتبارك الله أحسن الخالقين فضحك رسول الله فقال له معاذ مم ضحكت يا رسول الله قال بها ختمت
5169 - وحكى أن أعرابيا سمع قارئا يقرأ فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله غفور رحيم ولم يكن يقرأ القرآن فقال إن كان هذا كلام الله فلا يقول كذا ومر بهما رجل فقال كيف تقرأ هذه الآية فقال الرجل فاعلموا أن الله عزيز حكيم فقال هكذا ينبغي الحكيم لا يذكر الغفران عند الزلل لأنه إغراء عليه

تنبيهات
5170 - الأول قد تجتمع فواصل في موضع واحد ويخالف بينها كأوائل

النحل فإنه تعالى بدأ يذكر الأفلاك قال خلق السموات والأرض بالحق ثم ذكر خلق الإنسان من نطفة ثم خلق الأنعام ثم عجائب النبات فقال هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون فجعل مقطع هذه الآية التفكر لأنه استدلال بحدوث الأنواع المختلفة من النبات على وجود الإله القادر المختار ولما كان هنا مظنة سؤال وهو أنه لم لا يجوز أن يكون المؤثر فيه طبائع الفصول وحركات الشمس والقمر وكان الدليل لا يتم إلا بالجواب عن هذا السؤال كان مجال التفكر والنظر والتأمل باقيا
فأجاب تعالى عنه عن وجهين
أحدهما أن تغيرات العالم السفلى مربوطة بأحوال حركات الأفلاك فتلك الحركات كيف حصلت فإن كان حصولها بسبب أفلاك أخرى لزم التسلسل وإن كان من الخالق الحكيم فذاك إقرار بوجود الإله تعالى وهذا هو المراد بقوله وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون فجعل مقطع هذه الآية العقل وكأنه قيل إن كنت عاقلا فاعلم أن التسلسل باطل فوجب انتهاء الحركات إلى حركة يكون موجدها غير متحرك وهو الإله القادر المختار
والثاني أن نسبة الكواكب والطبائع إلى أجزاء الورقة الواحدة والحبة الواحدة واحدة
ثم إنا نرى الورقة الواحدة من الورد أحد وجهيها في غاية الحمرة والآخر في غاية السواد فلو كان المؤثر بالذات موجبا لامتنع حصول هذا التفاوت في الآثار فعلمنا أن المؤثر قادر مختار وهذا هو المراد من قوله وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون كأنه قيل اذكر ما ترسخ في عقلك أن الواجب بالذات والطبع لا يختلف تأثيره فإذا نظرت حصول هذا الاختلاف علمت أن المؤثر ليس هو الطبائع بل الفاعل المختار فلهذا جعل مقطع الآية التذكر
5171 - ومن ذلك قوله تعالى قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم . . الآيات فإن الأولى ختمت بقوله لعلكم تعقلون والثانية بقوله لعلكم

تذكرون والثالثة بقوله لعلكم تتقون لأن الوصايا التي في الآية الأولى إنما يحمل على تركها عدم العقل الغالب على الهوى لأن الإشراك بالله لعدم استكمال العقل الدال على توحيده وعظمته
وكذلك عقوق الوالدين لا يقتضيه العقل لسبق إحسانهما إلى الولد بكل طريق
وكذلك قتل الأولاد بالوأد من الإملاق مع وجود الرازق الحي الكريم
وكذلك إتيان الفواحش لا يقتضيه عقل وكذا قتل النفس لغيظ أو غضب في القاتل فحسن بعد ذلك تعقلون
وأما الثانية فلتعلقها بالحقوق المالية والقولية فإن من علم أن له أيتاما يخلفهم من بعده لا يليق به أن يعامل أيتام غيره إلا بما يحب أن يعامل به أيتامه
ومن يكيل أو يزن أو يشهد لغيره لو كان ذلك الأمر له لم يحب أن يكون فيه خيانة ولا بخس وكذا من وعد لو وعد لم يحب أن يخلف ومن أحب ذلك عامل الناس به ليعاملوه بمثله فترك ذلك إنما يكون لغفلة عن تدبر ذلك وتأمله فلذلك ناسب الختم بقوله لعلكم تذكرون وأما الثالثة فلأن ترك اتباع شرائع الله الدينية مؤد إلى غضبه وإلى عقابه فحسن لعلكم تتقون أي عقاب الله بسببه
5172 - ومن ذلك قوله في الأنعام أيضا وهو الذي جعل لكم النجوم . . الآيات فإنه ختم الأولى بقوله لقوم يعلمون والثانية بقوله لقوم يفقهون والثالثة بقوله لقوم يؤمنون وذلك لأن حساب النجوم والاهتداء بها يختص بالعلماء بذلك فناسب ختمه ب يعلمون وإنشاء الخلائق من نفس واحدة ونقلهم من صلب إلى رحم ثم إلى الدنيا ثم إلى حياة وموت والنظر في ذلك والفكر فيه أدق فناسب ختمه ب يفقهون لأن الفقه فهم الأشياء الدقيقة ولما ذكر ما أنعم به على عباده من سعة الأرزاق والأقوات والثمار وأنواع ذلك ناسب ختمه بالإيمان الداعي إلى شكره تعالى على نعمه
5173 - ومن ذلك قوله تعالى وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون حيث ختم الأولى ب تؤمنون والثانية ب تذكرون ووجهه أن مخالفة القرآن لنظم الشعر ظاهرة واضحة لا تخفى على أحد فقول من قال شعر كفر وعناد محض فناسب ختمه بقوله قليلا ما تؤمنون وأما مخالفته لنظم الكهان وألفاظ السجع فتحتاج إل تذكر وتدبر لأن كلا منهما نثر فليست

مخالفته له في وضوحها لكل أحد كمخالفته الشعر وإنما تظهر بتدبر ما في القرآن من الفصاحة والبلاغة والبدائع والمعاني الأنيقة فحسن ختمه بقوله قليلا ما تذكرون
5174 - ومن بديع هذا النوع اختلاف الفاصلتين في موضعين والمحدث عنه واحد لنكتة لطيفة كقوله تعالى في سورة إبراهيم وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الأنسان لظلوم كفار ثم قال في سورة النحل وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم قال ابن المنير كأنه يقول إذا حصلت النعم الكثيرة فأنت آخذها وأنا معطيها فحصل لك عند أخذها وصفان كونك ظلوما وكونك كفارا يعني لعدم وفائك بشكرها
ولي عند إعطائها وصفان وهما إني غفور رحيم أقابل ظلمك بغفراني وكفرك برحمتي فلا أقابل تقصيرك إلا بالتوقير ولا أجازي جفاك إلا بالوفاء
وقال غيره إنما خص سورة إبراهيم بوصف المنعم عليه وسورة النحل بوصف المنعم لأنه في سورة إبراهيم في مساق وصف الإنسان وفي سورة النحل في مساق صفات الله وإثبات لألوهيته
ونظيره قوله تعالى في سورة الجاثية من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون وفي فصلت ختم بقوله وما ربك بظلام للعبيد ونكتة ذلك أن قبل الآية الأولى قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزي قوما بما كانوا يكسبون فناسب الختام بفاصلة البعث لأن قبله وصفهم بإنكاره وأما الثانية فالختام فيها مناسب لأنه لا يضيع عملا صالحا ولا يزيد على من عمل سيئا
5175 - وقال في سورة النساء إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما ثم أعادها وختم بقوله ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا ونكتة ذلك أن الأولى نزلت في اليهود وهم الذين افتروا على الله ما ليس في كتابه والثانية نزلت في المشركين ولا كتاب لهم وضلالهم أشد

ونظيره قوله في المائدة ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ثم أعادها فقال فأولئك هم الظالمون ثم قال في الثالثة فأولئك هم الفاسقون ونكتته أن الأولى نزلت في أحكام المسلمين والثانية في اليهود والثالثة في النصارى
وقيل الأولى فيمن جحد ما أنزل الله والثانية فيمن خالفه مع علمه ولم ينكره والثالثة فيمن خالفه جاهلا
وقيل الكافر والظالم والفاسق كلها بمعنى واحد وهو الكفر عبر عنه بألفاظ مختلفة لزيادة الفائدة واجتناب صورة التكرار
5176 - وعكس هذا اتفاق الفاصلتين والمحدث عنه مختلف كقوله في سورة النور يأيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم إلى قوله كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم ثم قال وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم كذلك يبين الله لكم آياته والله عليم حكيم

التنبيه الثاني
5177 - من مشكلات الفواصل قوله تعالى إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم فإن قوله وإن تغفر لهم يقتضي أن تكون الفاصلة الغفور الرحيم وكذا نقلت عن مصحف أبي وبها قرأ ابن شنبوذ وذكر في حكمته أنه لا يغفر لمن استحق العذاب إلا من ليس فوقه أحد يرد عليه حكمه فهو العزيز أي الغالب والحكيم هو الذي يضع الشيء في محله
وقد يخفي وجه الحكمة على بعض الضعفاء في بعض الأفعال فيتوهم أنه خارج عنها وليس كذلك فكان في الوصف بالحكيم إحتراس حسن أي وإن تغفر لهم مع استحقاقهم العذاب فلا معترض عليك لأحد في ذلك والحكمة فيا فعلته
5178 - ونظير ذلك قوله في سورة التوبة أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم وفي سورة الممتحنة واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم وفي غافر ربنا وأدخلهم جنات عدن إلى قوله إنك أنت العزيز الحكيم وفي النور ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم فإن بادئ الرأي

يقتضي تواب رحيم لأن الرحمة مناسبة للتوبة لكن عبر به إشارة إلى فائدة مشروعية اللعان وحكمته وهي الستر عن هذه الفاحشة العظيمة
5179 - ومن خفي ذلك أيضا قوله في سورة البقرة هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات وهو بكل شيء عليم وفي آل عمران قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السموات وما في الأرض والله على كل شيء قدير فإن المتبادر إلى الذهن في آية البقرة الختم بالقدرة وفي آية آل عمران الختم بالعلم
والجواب أن آية البقرة لما تضمنت الإخبار عن خلق الأرض وما فيها على حسب حاجات أهلها ومنافعهم ومصالحهم وخلق السموات خلقا مستويا محكما من غير تفاوت والخالق على الوصف المذكور يجب أن يكون عالما بما فعله كليا وجزئيا مجملا ومفصلا ناسب ختمها بصفة العلم
وآية آل عمران لما كانت في سياق الوعيد على موالاة الكفار وكان التعبير بالعلم فيها كناية عن المجازاة بالعقاب والثواب ناسب ختمها بصفة القدرة
5180 - ومن ذلك قوله وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا فالختم بالحلم والمغفرة عقب تسابيح الأشياء غير ظاهر في بادى الرأي
وذكر في حكمته أنه لما كانت الأشياء كلها تسبح ولا عصيان في حقها وأنتم تعصون ختم به مراعاة للمقدر في الآية وهو العصيان كما جاء في الحديث لولا بهائم رتع وشيوخ ركع وأطفال رضع لصب عليكم العذاب صبا ولرص رصا
وقيل التقدير حليما عن تفريط المسبحين غفورا لذنوبهم
وقيل حليما عن المخاطبين الذين لا يفقهون التسبيح بأهمالهم النظر في الآيات والعبر ليعرفوا حقه بالتأمل فيما أودع في مخلوقاته مما يوجب تنزيهه

التنبيه الثالث
5181 - في الفواصل ما لا نظير له في القرآن كقوله عقب الأمر بالغض في سورة النور إن الله خبير بما يصنعون وقوله عقب الأمر بالدعاء والاستجابة لعلهم يرشدون

وقيل فيه تعريض بليلة القدر حيث ذكر ذلك عقب ذكر رمضان أي لعلهم يرشدون إلى معرفتها

التصدير
5182 - وأما التصدير فهو أن تكون تلك اللفظة بعينها تقدمت في أول الآية وتسمى أيضا رد العجز على الصدر
وقال ابن المعتز هو ثلاثة أقسام
الأول أن يوافق آخر الفاصلة آخر كلمة في الصدر نحو أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا
والثاني أن يوافق أول كلمة منه نحو وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب قال إني لعملكم من القالين
الثالث أن يوافق بعض كلماته نحو ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذبا إلى قوله وقد خاب من افترى فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا
التوشيح
5183 - وأما التوشيح فهو أن يكون في أول الكلام ما يستلزم القافية
والفرق بينه وبين التصدير أن هذا دلالته معنوية وذاك لفظية كقوله تعالى إن الله اصطفى آدم . . الآية فإن اصطفى لا يدل على أن الفاصلة العالمين باللفظ لأن لفظ العالمين غير لفظ اصطفى ولكن بالمعنى لأنه يعلم أن من لوازم اصطفاء شيء أن يكون مختارا على جنسه وجنس هؤلاء المصطفين العالمون
وكقوله وآية لهم الليل . . الآية قال ابن أبي الإصبع فإن من كان حافظا لهذه السورة متفطنا إلى أن مقاطع آيها النون المردفة وسمع في صدر الآية

انسلاخ النهار من الليل علم أن الفاصلة مظلمون لأن من انسلخ النهار عن ليله أظلم أي دخل في الظلمة ولذلك سمى توشيحا لأن الكلام لما دل أوله على آخره نزل المعنى منزلة الوشاح ونزل أول الكلام وآخره منزلة العاتق والكشح اللذين يحوط عليها الوشاح

الإيغال
5184 - وأما الإيغال فتقدم في نوع الإطناب
فصل
في أقسام الفواصل
5185 - قسم البديعيون السجع ومثله الفواصل إلى أقسام مطرف ومتواز ومرصع ومتوازن ومتماثل
5186 - فالمطرف أن تختلف الفاصلتان في الوزن وتتفقا في حروف السجع نحو ما لكم لا ترجون لله وقارا وقد خلقكم أطورا
5187 - والمتوازي أن يتفقا وزنا وتقفية ولم يكن ما في الأولى مقابلا لما في الثانية في الوزن والتقفيه نحو فيها سرر مرفوعة وأكواب موضوعة
5188 - والمتوازن أن يتفقا في الوزن دون التقفية نحو ونمارق مصفوفة وزرابي مبثوثة
5189 - والمرصع أن يتفقا وزنا وتقفية ويكون ما في الأولى مقابلا لما في الثانية كذلك نحو إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم
5190 - والمتماثل أن يتساويا في الوزن دون التقفية وتكون أفراد الأولى مقابلة لما في الثانية فهو بالنسبة إلى المرصع كالمتوازن بالنسبة إلى المتوازي نحو وآتيناهما الكتاب المستبين وهديناهما الصراط المستقيم فالكتاب والصراط يتوازنان وكذا المستبين والمستقيم واختلفا في الحرف الأخير

فصل
5191 - بقي نوعان بديعيان متعلقان بالفواصل
أحدهما التشريع سماه ابن أبي الأصبع التوأم وأصله أن يبني الشاعر بيته على وزنين من أوزان العروض فإذا أسقط منها جزءا أو جزءين صار الباقي بيتا من وزن آخر
ثم زعم قوم اختصاصه به
وقال آخرون بل يكون في النثر بأن يبنى على سجعتين لو اقتصر على الأولى منهما كان الكلام تاما مفيدا
وإن ألحقت به السجعة الثانية كان في التمام والإفادة على حاله مع زيادة معنى ما زاد من اللفظ
5192 - قال ابن أبي الإصبع وقد جاء من هذا الباب معظم سورة الرحمن فإن آياتها لو اقتصر فيها على أولى الفاصلتين دون فبأي آلاء ربكما تكذبان لكان تاما مفيدا وقد كمل بالثانية فأفاد معنى زائدا من التقرير والتوبيخ
5193 - قلت التمثيل غير مطابق والأولى أن يمثل بالآيات التي في إثباتها ما يصلح أن تكون فاصلة كقوله لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما وأشباه ذلك
5194 - الثاني الالتزام ويسمى لزوم ما لا يلزم وهو أن يلتزم في الشعر أو النثر حرف أو حرفان فصاعدا قبل الروي بشرط عدم الكلفة
مثال التزام حرف فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر التزم الهاء قبل الراء ومثله ألم نشرح لك صدرك . . الايات التزم فيها الراء قبل الكاف فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس التزم فيها النون المشددة قبل السين والليل وما وسق والقمر إذا اتسق
5195 - ومثال التزام حرفين والطور وكتاب مسطور ما أنت بنعمة ربك بمجنون وإن لك لأجرا غير ممنون بلغت التراقي وقيل من راق وظن أنه الفراق

5196 - ومثال التزام ثلاثة أحرف تذكروا فإذا هم مبصرون وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون

تنبيهات
الأول
5197 - قال أهل البديع أحسن السجع ونحوه ما تساوت قرائنه نحو في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود ويليه ما طالت قرينته الثانية نحو والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى
أو الثالثة نحو خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة . . الآية
وقال ابن الأثير الأحسن في الثانية المساواة وإلا فأطول قليلا وفي الثالثة أن تكون أطول
وقال الخفاجي لا يجوز أن تكون الثانية أقصر من الأولى
5198 - الثاني قالوا أحسن السجع ما كان قصيرا لدلالته على قوة المنشئ وأقله كلمتان نحو يا أيها المدثر قم فأنذر . . الآيات والمرسلات عرفا . . الآيات والذاريات ذروا . . الآيات والعاديات ضبحا . . الآيات والطويل ما زاد عن العشر كغالب الآيات وما بينهما متوسط كآيات سورة القمر
5199 - الثالث قال الزمخشري في كشافه القديم لا تحسن المحافظ على الفواصل لمجردها إلا مع بقاء المعاني على سردها على المنهج الذي يقتضيه حسن النظم والتآمه فأما أن تهمل المعاني ويهتم بتحسين اللفظ وحده غير منظور فيه إلى مؤداه فليس من قبيل البلاغة وبني على ذلك أن التقديم في وبالآخرة هم يوقنون ليس لمجرد الفاصلة بل لرعاية الاختصاص
5200 - الرابع مبنى الفواصل على الوقف ولهذا ساغ مقابلة المرفوع

بالمجرور وبالعكس كقوله إنا خلقناهم من طين لازب مع قوله عذاب واصب وشهاب ثاقب
وقوله بماء منهمر مع قوله قد قدر ودسر مستمر
وقوله وما لهم من دونه من وال مع قوله وينشيء السحاب الثقال
5201 - الخامس كثر في القرآن ختم الفواصل بحروف المد واللين وإلحاق النون وحكمته وجود التمكن من التطريب بذلك
كما قال سيبويه إنهم إذا ترنموا يلحقون الألف والياء والنون لأنهم أرادوا مد الصوت ويتركون ذلك إذا لم يترنموا وجاء في القرآن على أسهل موقف وأعذب مقطع
5202 - السادس حروف الفواصل إما متماثلة وإما متقاربة
فالأولى مثل والطور وكتاب مسطور في رق منشور والبيت المعمور
والثاني مثل الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ق والقرآن المجيد بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب
قال الإمام فخر الدين وغيره وفواصل القرآن لا تخرج عن هذين القسمين بل تنحصر في المتماثلة والمتقاربة قال وبهذا يترجح مذهب الشافعي على مذهب أبي حنيفة في عد الفاتحة سبع آيات مع البسملة
وجعل صراط الذين إلى آخرها آية فإن من جعل آخر الآية السادسة أنعمت عليهم مردود بأنه لا يشابه فواصل سائر آيات السورة لا بالمماثلة ولا بالمقاربة ورعاية التشابه في الفواصل لازمة
5203 - السابع كثر في الفواصل التضمين والإيطاء لأنهما ليسا بعيبين في النثر وإن كانا عيبين في النظم فالتضمين أن يكون ما بعد الفاصلة متعلقا بها كقوله تعالى وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل والإيطاء تكرر الفاصلة بلفظها كقوله تعالى في الإسراء هل كنت إلا بشرا رسولا وختم بذلك الآيتين بعدها

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7