الكتاب : أسباب نزول القرآن
المؤلف : الواحدي

 بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر ولا تعسر 

قال الشيخ الامام أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري رحمه الله: الحمد لله الكريم الوهاب، هازم الاحزاب، ومنشئ السحاب، ومرسل الهباب، ومنزل الكتاب، في حوادث مختلفة الاسباب.
أنزله مفرقا نجوما وأودعه أحكاما وعلوما، قال عز من قائل: (وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا) أخبرنا الشيخ أبو بكر أحمد بن محمد الاصفهاني، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد ابن حيان، قال: حدثنا أبو يحيى الرازي، قال حدثنا سهل بن عثمان العسكري قال: حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا أبو رجاء قال: سمعت الحسن يقول في قوله تعالى - وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث - ذكر لنا أنه كان بين أوله وآخره ثماني عشرة سنة، أنزل عليه بمكة ثماني سنين قبل أن يهاجر، وبالمدينة عشر سنين.
أخبرنا أحمد قال: أخبرنا عبد الله قال: أخبرنا أبو يحيى الرازي قال: حدثنا سهل، قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير عن هشيم عن داود عن الشعبي قال: فرق الله تنزيله فكان بين أوله وآخره عشرون أو نحو من عشرين سنة أنزله قرآنا عظيما، وذكرا حكيما وحبلا ممدودا، وعهدا معهودا، وظلا عميما، وصراطا مستقيما، فيه معجزات باهرة، وآيات ظاهرة، وحجج صادقة، ودلالات ناطقة، دحض به حجج المبطلين، ورد به كيد الكائدين، وأيد به الاسلام والدين، فلمع منهاجه، وثقب سراجه، وشملت

بركته، ولمعت حكمته على خاتم الرسالة، والصادع بالدلالة، الهادي للامة، الكاشف للغمة، الناطق بالحكمة، المبعوث بالرحمة، فرفع أعلام الحق، وأحيا معالم الصدق،
ودمغ الكذب ومحا آثاره، وقمع الشرك وهدم مناره، ولم يزل يعارض ببيناته المشركين حتى مهد الدين، وأبطل شبه الملحدين، صلى الله عليه صلاة لا ينتهى أمدها، ولا ينقطع مددها، وعلى آله وأصحابه الذين هداهم وطهرهم، وبصحبته خصهم وآثرهم، وسلم كثيرا.
وبعد هذا فإن علوم القرآن عزيرة، وضروبها جمة كثيرة، يقصر عنها القول وإن كان بالغا، ويتقلص عنها ذيله وإن كان سابغا، وقد سبقت لي ولله الحمد مجموعات تشتمل على أكثرها، وتنطوي على غررها، وفيها لمن رام الوقوف عليها مقنع وبلاغ، وعما عداها من جميع المصنوعات غنية وفراغ، لاشتمالها على أعظمها محققا، وتأديته إلى متأمله متسقا، غير أن الرغبات اليوم عن علوم القرآن صادفة كاذبة فيها، قد عجزت قوى الملام عن تلافيها، فآل الامر بنا إلى إفادة المبتدئين المتسترين بعلوم الكتاب، إبانة ما أنزل فيه من الاسباب، إذ هي أوفى ما يجب الوقوف عليها، وأولى ما تصرف العناية إليها، لامتناع معرفة تفسير الآية وقصد سبيلها، دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها، ولا يحل القول في أسباب نزول الكتاب، إلا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل، ووقفوا على الاسباب، وبحثوا عن علمها وجدوا في الطلاب، وقد ورد الشرع بالوعيد للجاهل ذي العثار في هذا العلم بالنار.
أخبرنا أبو إبراهيم إسماعيل بن ابراهيم الواعظ قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد ابن حامد العطار قال: حدثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار قال: حدثنا ليث بن حماد قال: حدثنا أبو عوانة، عن عبد الاعلى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اتقوا الحديث إلا ما علمتم، فإنه من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار، ومن كذب على القرآن من غير علم فليتبوأ مقعده من النار) والسلف الماضون رحمهم الله كانوا من أبعد الغاية احترازا عن القول في نزول الآية.
أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبد الله المخلدي قال: أخبرنا أبو عمرو بن نجيد قال:

أخبرنا أبو مسلم قال: حدثنا عبد الرحمن بن حماد قال: حدثنا أبو عمير عن محمد بن سيرين قال: سألت عبيدة عن آية من القرآن فقال: اتق الله وقل سدادا، ذهب الذين يعملون فيما أنزل القرآن.
وأما اليوم فكل أحد يخترع شيئا ويختلق إفكا وكذبا ملقيا زما مه إلى الجهالة، غير مفكر في الوعيد للجاهل بسبب الآية وذلك الذي حدا بي إلى إملاء هذا الكتاب الجامع للاسباب، لينتهى إليه طالبو هذا الشأن والمتكلمون في نزول القرآن، فيعرفوا الصدق ويستغنوا عن التمويه والكذب، ويجدوا في تحفظه بعد السماع والطلب، ولابد من القول أولا في مبادئ الوحي وكيفية نزول القرآن ابتداء على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعهد جبريل إياه بالتنزيل، والكشف عن تلك الاحوال والقول فيها على طريق الاجمال، ثم نفرع القول مفصلا في سبب نزول كل آية روى لها سبب مقول، مروي منقول، والله تعالى الموفق للصواب والسدد، والآخذ بنا عن العاثور إلى الحدد.
القول في أول ما نزل من القرآن أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن إبراهيم المقرى قال: أخبرنا عبد الله بن حامد الاصفهاني قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ قال: حدثني محمد بن يحيى قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر عن ابن شهاب الزهري قال: أخبرني عروة، عن عائشة أنها قالت (أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، فكان يأتي حراء فيتحنث فيه، وهو التعبد، الليالي ذوات العدد، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى فجأه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقلت ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال: اقرأ: فقلت ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني

الجهد ثم أرسلني، فقال: اقرأ: فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد فقال (اقرأ باسم ربك الذي خلق) حتى بلغ (ما لم يعلم) فرجع بها يرجف فؤاده حتى دخل على خديجة، فقال: زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال: يا خديجة مالي ؟ وأخبرنا الخبر، وقال: قد خشيت علي، فقالت له: كلا أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق) رواه البخاري عن يحيى بن بكير، ورواه مسلم عن محمد بن رافع كلاهما عن عبد الرزاق.
أخبرنا الشريف إسماعيل بن الحسن بن محمد بن الحسين الطبري قال: أخبرنا جدى أبو حامد أحمد بن الحسن الحافظ قال: حدثنا عبد الرحمن بن بشر قال: حدثنا سفيان ابن عيينة، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: (إن أول ما نزل من القرآن اقرأ باسم ربك الذي خلق) رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه عن أبي بكر الصبغي، عن بشر بن موسى، عن الحميدي عن سفيان أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المقرى قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الجرجاني قال: حدثنا نصر بن محمد الحافظ قال: أخبرنا محمد بن مخلد أن محمد بن إسحاق حدثهم قال: حدثنا يعقوب الدورقي قال: حدثنا أحمد بن نصر بن زياد قال: حدثنا علي ابن الحسين بن واقد قال: حدثني أبي قال: حدثني يزيد النحوي، عن عكرمة والحسن قالا: أول ما نزل من القرآن (بسم الله الرحمن الرحيم) فهو أول ما نزل من القرآن بمكة، وأول سورة (اقرأ باسم ربك) أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن الفضل التاجر قال: أخبرنا محمد بن محمد بن الحسن الحافظ قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا أبو صالح قال: حدثني الليث قال: حدثني عقيل عن ابن شهاب قال: أخبرني محمد بن عباد
ابن جعفر المخزومي أنه سمع بعض علمائهم يقول: كان أول ما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم (اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق اقرأ وربك

الاكرم الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم) قالوا: هذا صدرها أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حراء، ثم أنزل آخرها بعد ذلك بما شاء الله.
فأما الحديث الصحيح الذي روى (أن أول ما نزل سورة المدثر) فهو ما أخبرناه الاستاذ أبو إسحاق الثعالبي قال حدثنا عبد الله بن حامد قال: حدثنا محمد بن يعقوب قال: حدثنا أحمد بن عيسى بن زيد البينسى، قال: حدثنا عمرو بن أبي سلمة عن الاوزاعي قال: حدثني يحيى بن أبى كثير قال: سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن: أي القرآن أنزل قبل ؟ قال: يا أيها المدثر: قلت: أو اقرأ باسم ربك، قال: سألت جابر بن عبد الله الانصاري: أي القرآن أنزل قبل ؟ قال: يا أيها المدثر، قال، قلت: أو اقرأ باسم ربك.
قال جابر: أحدثكم ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إني جاورت بحراء شهرا فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت بطن الوادي، فنوديت فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي ثم نظرت إلى السماء فإذا هو على الفرش في الهواء يعني جبريل فأخذتني رجفة فأتيت خديجة فأمرتهم فدثروني ثم صبوا علي الماء، فأنزل الله علي (يا أيها المدثر قم فأنذر) " رواه مسلم عن زهير ابن حرب عن الوليد بن مسلم عن الاوزاعي، وهذا ليس بمخالف لما ذكرناه أولا، وذلك أن جابرا سمع من النبي صلى الله عليه وسلم القصة الاخيرة ولم يسمع أولها فتوهم أن سورة المدثر أول ما نزل وليس كذلك، ولكنها أول ما نزل عليه بعد سورة اقرأ.
والذي يدل على هذا ما أخبرنا أبو عبد الرحمن بن حامد قال: حدثنا محمد بن عبد الله ابن محمد بن زكريا قال: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدغولى قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر عن الزهري قال أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن
عن جابر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عن فترة الوحي فقال في حديثه: (فبينما أنا أمشي سمعت صوتا من السماء، فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالسا على كرسي بين السماء والارض، فجثثت منه رعبا فرجعت فقلت: زملوني زملوني، فدثروني فأنزل الله يا أيها المدثر).
رواه البخاري عن عبد الله بن محمد.
ورواه

مسلم عن محمد بن رافع، كلاهما عن عبد الرزاق، وبان بهذا الحديث أن الوحي كان قد فتر بعد نزول اقرأ باسم ربك، ثم نزل يا أيها المدثر، والذي يوضح ما قلنا إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أن الملك الذي جاء بحراء جالس فدل على أن هذه القصة إنما كانت بعد نزول اقرأ.
أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد المقرى قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقرى قال: حدثنا أبو الشيخ قال: وحدثنا أحمد بن سليمان بن أيوب قال: حدثنا محمد بن علي ابن الحسن بن سفيان قال: حدثنا علي بن الحسين بن واقد قال: حدثني أبي قال: سمعت علي بن الحسين يقول: " أول سورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة: اقرأ باسم ربك، وآخر سورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة: المؤمنون، ويقال العنكبوت، وأول سورة نزلت بالمدينة: ويل للمطففين، وآخر سورة نزلت في المدينة براءة، وأول سورة علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة: والنجم، وأشد آية على أهل النار (فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا) وأرجى آية في القرآن لاهل التوحيد (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك) الآية.
وآخر آية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله) وعاش النبي صلى الله عليه وسلم بعدها تسع ليال " القول في آخر ما نزل من القرآن أخبرنا أبو إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم الواعظ قال: حدثنا محمد قال: أخبرنا
أبو عمرو بن مطر قال: أخبرنا أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي قال: حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا شعبة قال: حدثنا أبو إسحاق قال: سمعت البراء بن عازب يقول: " آخر آية نزلت - يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة - وآخر سورة أنزلت: براءة " رواه البخاري في التفسير عن سليمان بن حرب عن شعبة، ورواه في موضع آخر عن أبي الوليد، ورواه مسلم عن بندار عن غندر عن شعبة.

أخبرنا أبو بكر التميمي قال: أخبرنا أبو محمد الجيانى قال: حدثنا أبو يحيى الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا ابن المبارك عن جبير عن الضحاك عن ابن عباس قال: آخر آية نزلت (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله) أخبرنا محمد بن عبد الرحمن النحوي قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن سنان المقرى قال: أخبرنا أحمد بن علي الموصلي قال: حدثنا أحمد بن الاحمش قال: حدثنا محمد بن فضيلة قال: حدثنا الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله) قال: ذكروا أن هذه الآية وآخر آية من سورة النساء نزلت آخر القرآن.
أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الصوفي قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن يعقوب، قال: حدثنا الحسن بن عبد الله العبدى، قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا شعبة، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس عن أبي بن كعب أنه قال: " آخر آية أنزلت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم) وقرأها إلى آخر السورة " رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه عن الاصم عن بكار ابن قتيبة عن أبي عامر العقدي عن شعبة.
أخبرني أبو عمرو محمد بن العزير في كتابه أن محمد بن الحسين الحدادي أخبرهم عن محمد بن يزيد قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدثنا وكيع، عن شعبة، عن علي ابن يزيد، عن يونس بن ماهك، عن أبي بن كعب قال: أحدث القرآن بالله عهدا
- لقد جاءكم رسول من أنفسكم - الآية وأول يوم أنزل فيه يوم الاثنين.
أخبرنا أبو إسحاق الثعالبي، قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن زكريا الشيباني، قال: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدغولى، قال: حدثنا ابن أبي عيل، قال: حدثنا مهدي بن ميمون، قال: حدثنا خثيم قال: حدثنا موسى بن إسما غيلان بن جرير عن عبد الله بن معبد الزما ني عن أبي قتادة " أن رجلا قال: يا رسول الله أرأيت صوم يوم الاثنين ؟ قال: فيه أنزل علي القرآن، وأول شهر أنزل فيه القرآن شهر رمضان، قال الله تعالى ذكره: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) ".

أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان النضروى، قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن إبراهيم ابن مياسر قال: حدثنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله قال: حدثنا عبد الله بن جابر ابن الهيثم الغداني قال: حدثنا عمران عن قتادة عن أبي المليح عن وائلة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " نزلت صحف إبراهيم أول ليلة من رمضان وأنزل التوراة لست مضين من رمضان، وأنزل الانجيل لثلاث عشرة خلت من شهر رمضان، وأنزل الزبور لثما ن عشرة خلت من رمضان، وأنزل القرآن لاربع وعشرين خلت من رمضان ".
القول في آية التسمية وبيان نزولها أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المقرى قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الجرجاني قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الرحمن الجوهري قال: حدثنا محمد ابن يحيى بن منده قال: حدثنا أبو كريب قال: حدثنا عثما ن بن سعيد قال: حدثنا بشر بن عما ر، عن أبي رزق، عن الضحاك، عن ابن عباس أنه قال: أول ما نزل به جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يا محمد استعد ثم قل بسم الله الرحمن الرحيم ".
أخبرنا أبو عبد الله بن إسحاق قال: حدثنا إسما عيل بن أحمد الخلال قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن زيدان البجلي قال: حدثنا أبو كريب قال: حدثنا سفيان بن عيينة
عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرف ختم السورة حتى ينزل عليه (بسم الله الرحمن الرحيم) ".
أخبرنا عبد القاهر بن طاهر البغدادي قال: أخبرنا محمد بن جعفر بن مطر قال: أخبرنا إبراهيم بن علي الرملي قال: حدثنا يحيى بن يحيى قال: أخبرنا عمرو بن الحجاج العبدي عن عبد الله بن أبي حسين ذكر عن عبد الله ابن مسعود قال: " كنا لا نعلم فصل ما بين السورتين حتى نزل بسم الله الرحمن الرحيم ".
أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن جعفر قال: أخبرنا جدى قال: أخبرنا أبو عمرو

أحمد بن محمد الجرشي قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا محمد بن عيسى بن أبي فديك عن عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر قال: " نزلت بسم الله الرحمن الرحيم في كل سورة ".
القول في سورة الفاتحة اختلفوا فيها، فعند الاكثرين هي مكية من أوائل ما نزل من القرآن.
حدثنا أبو عثما ن سعيد بن أحمد بن محمد الزاهد قال: أخبرنا جدى قال: أخبرنا أبو عمرو الجبرى قال: حدثنا إبراهيم بن الحارث وعلي بن سهل بن المغيرة قال: حدثنا يحيى بن بكير قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا برز سمع مناديا يناديه: يا محمد، فإذا سمع الصوت انطلق هاربا، فقال له ورقة بن نوفل: إذا سمعت النداء فاثبت حتى تسمع ما يقول لك: قال: فلما برز سمع النداء: يا محمد، فقال: لبيك، قال: قل أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، ثم قال: قل الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ما لك يوم الدين حتى فرغ من فاتحة الكتاب " وهذا قول علي ابن أبي طالب.
أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد المفسر قال: أخبرنا الحسن بن جعفر المفسر قال:
أخبرنا أبو الحسن بن محمد بن محمود المروزى قال: حدثنا عبد الله بن محمود السعدى قال: حدثنا أبو يحيى القصرى قال: حدثنا مروان بن معاوية، عن الولاء بن المسيب عن الفضل بن عمر، عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: " نزلت فاتحة الكتاب بمكة من كنز تحت العرش " وبهذا الاسناد عن السعدى حدثنا عمرو بن صالح قال: حدثنا أبي عن الكلبي، عن أبي صالح عن ابن عباس قال: " قام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فقال: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، فقالت قريش: رض الله فاك " ونحو هذا قاله الحسن وقتادة، وعند مجاهد أن الفاتحة مدنية.
قال الحسين ابن الفضل لكل عالم هفوة وهذه بادرة من مجاهد لانه تفرد بهذا القول والعلما ء على خلافه.

ومما يقطع به على أنها مكية قوله تعالى: (ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم) يعني الفاتحة.
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن النحوي قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن علي الجبرى قال: أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى قال: حدثنا يحيى بن أذين قال: حدثنا إسما عيل ابن جعفر قال: أخبرني العلاء عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرأ عليه أبي بن كعب أم القرآن، فقال: " والذي نفسي بيده ما أنزل الله في التوراة ولا في الانجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلها، إنها لهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته ".
وسورة الحجر مكية بلا خلاف، ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة، ثم ينزلها بالمدينة، ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب هذا مما لا تقبله العقول.
سورة البقرة مدنية بلا خلاف
أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم قال: أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا أحمد ابن محمد بن يوسف قال: حدثنا يعقوب بن سفيان الصغير قال: حدثنا يعقوب ابن سفيان الكبير قال: حدثنا هشام بن عما ر قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثنا شعيب بن زريق، عن عطاء الخراساني، عن عكرمة قال: أول سورة أنزلت بالمدينة سورة البقرة.
قوله عز وجل: (ألم ذلك الكتاب) أخبرنا أبو عثما ن الزعفراني قال: أخبرنا أبو عمرو بن مطر قال: أخبرنا جعفر بن محمد بن الليث قال: أخبرنا أبو حذيفة قال: حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: أربع آيات من أول هذه السورة نزلت في المؤمنين، وآيتان بعدها نزلتا في الكافرين، وثلاث عشرة بعدها نزلت في المنافقين.

وقوله (إن الذين كفروا) قال الضحاك: نزلت في أبي جهل وخمسة من أهل بيته، وقال الكلبي: يعني اليهود.
* وقوله تعالى (وإذا لقوا الذين آمنوا) قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبي وأصحابه، وذلك أنهم خرجوا ذات يوم فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عبد الله بن أبي انظروا كيف أرد هؤلاء السفهاء عنكم ؟ فذهب فأخذ بيد أبي بكر فقال: مرحبا بالصديق سيد بني تيم، وشيخ الاسلام، وثاني رسول الله في الغار، الباذل نفسه وما له، ثم أخذ بيد عمر فقال: مرحبا بسيد بني عدي بن كعب، الفاروق القوي في دين الله، الباذل نفسه وما له لرسول الله، ثم أخذ بيد علي فقال: مرحبا بابن عم رسول الله وختنه، سيد بني هاشم ما خلا رسول الله، ثم افترقوا، فقال عبد الله لاصحابه: كيف رأيتموني فعلت ؟ فإذا رأيتموهم فافعلوا كما فعلت، فأثنوا عليه خيرا، فرجع المسلمون إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم وأخبروه بذلك فأنزل الله هذه الآية.
* قوله (يا أيها الناس اعبدوا ربكم) أخبرنا سعيد بن محمد الزاهد قال: أخبرنا أبو علي بن أحمد الفقيه قال: أخبرنا أبو ذر القهستاني قال حدثنا عبد الرحمن ابن بشر قال: حدثنا روح قال: حدثنا شعبة عن سفيان الثوري عن الاعمش عن إبراهيم عن علقمة قال: كل شئ نزل فيه " يا أيها الناس " فهو مكي و " يا أيها الذين آمنوا " فهو مدني يعنى أن يا أيها الناس خطاب أهل مكة ويا أيها الذين آمنوا خطاب أهل المدينة قوله " يا أيها الناس اعبدوا ربكم " خطاب لمشركي مكة إلى قوله " وبشر الذين آمنوا " وهذه الآية نازلة في المؤمنين وذلك أن الله تعالى لما ذكر جزاء الكافرين بقوله " النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين " ذكر جزاء المؤمنين.
* قوله (إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا) قال ابن عباس في رواية أبى ؟ صالح لما ضرب الله سبحانه هذين المثلين للمنافقين يعني قوله " مثلهم كمثل الذي استوقد نارا ".
(*)

* وقوله: (أو كصيب من السما ء) قالوا الله أجل وأعلى من أن يضرب الامثال فأنزل الله هذه الآية، وقال الحسن وقتادة لما ذكر الله الذباب والعنكبوت في كتابه وضرب للمشركين المثل، ضحكت اليهود وقالوا: ما يشبه هذا كلام الله فأنزل الله هذه الآية.
أخبرنا أحمد بن عبد الله بن إسحاق الحافظ في كتابه قال: أخبرنا سليما ن بن أيوب الطبراني قال: حدثنا بكر بن سهل قال: حدثنا عبد العزيز بن سعيد، عن موسى ابن عبد الرحمن، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس في قوله - إن الله لا يستحيى أن يضرب مثلا - قال: وذلك أن الله ذكر آلهة المشركين، فقال - وإن يسلبهم الذباب شيئا - وذكر كيد الآلهة فجعله كبيت العنكبوت، فقالوا:
أرأيتم حيث ذكر الله الذباب والعنكبوت فيما أنزل من القرآن على محمد، أي شئ يصنع بهذا ؟ فأنزل الله هذه الآية.
* قوله (أتأمرون الناس بالبر) قال ابن عباس في رواية الكلبي عن أبي حاتم بالاسناد الذي ذكر نزلت في يهود المدينة، كان الرجل منهم يقول لصهره ولذوي قرابته ولمن بينهم وبينه رضاع من المسلمين، أثبت على الدين الذي أنت عليه وما يأمرك به، وهذا الرجل يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم فإن أمره حق، فكانوا يأمرون الناس بذلك ولا يفعلونه.
وقوله (واستعينوا بالصبر والصلاة) عند أكثر أهل العلم أن هذه الآية خطاب لاهل الكتاب، وهو مع ذلك أدب لجميع العباد.
وقال بعضهم: رجع بهذا الخطاب إلى خطاب المسلمين والقول الاول أظهر.
* وقوله (إن الذين آمنوا والذين هادوا) الآية.
أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد الحافظ قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر الحافظ قال: حدثنا أبو يحيى الرازي قال: حدثنا سهل بن عثما ن العسكري قال: حدثنا يحيى بن أبي زائدة قال: قال ابن جريج عن عبد الله بن كثير، عن مجاهد قال: لما قص سلما ن على النبي صلى الله

عليه وسلم قصة أصحاب الدير قال: هم في النار، قال سلما ن: فأظلمت علي الارض فنزلت - إن الذين آمنوا والذين هادوا - إلى قوله - يحزنون - قال: فكأنما كشف عني جبل.
أخبرنا محمد بن عبد العزيز المروزى قال: أخبرنا محمد بن الحسين الحدادي قال: أخبرنا أبو فرقد قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا عمرو، عن أسباط، عن السدى - إن الذين آمنوا والذين هادوا - الآية قال: نزلت في أصحاب سلما ن الفارسي، لما قدم سلما ن على رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يخبر عن عبادة أصحابه
واجتهادهم وقال: يا رسول الله كانوا يصلون ويصومون ويؤمنون بك ويشهدون أنك تبعث نبيا.
فلما فرغ سلما ن من ثنائه عليهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا سلما ن هم من أهل النار، فأنزل الله - إن الذين آمنوا والذين هادوا، وتلا إلى قوله - ولا هم يحزنون - " أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر قال: أخبرنا محمد بن عبد الله ابن زكرياء قال: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدغولى قال: أخبرنا أبو بكر بن أبي خيثمة قال: حدثنا عمرو بن حما د قال: حدثنا أسباط عن السدي عن أبي ما لك، عن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - إن الذين آمنوا والذين هادوا - الآية، نزلت هذه الآية في سلما ن الفارسي، وكان من أهل جندي سابور من أشرافهم وما بعد هذه الآية نازلة في اليهود.
* وقوله: (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم) الآية.
نزلت في الذين غيروا صفة النبي صلى الله عليه وسلم وبدلوا نعته، قال الكلبي بالاسناد الذي ذكرنا: إنهم غيروا صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابهم وجعلوه آدم سبطا طويلا، وكان ربعة أسمر صلى الله عليه وسلم، وقالوا لاصحابهم وأتباعهم: انظروا إلى صفة النبي الذي يبعث في آخر الزما ن، ليس يشبه نعت هذا، وكانت للاخبار والعلما ء مأكلة من سائر اليهود، فخافوا أن يذهبوا مأكلتهم إن بينوا الصفة، فمن ثم غيروا.

* قوله: (وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة) أخبرنا إسما عيل ابن أبي القسم الصوفي قال: أخبرنا أبو الحسين العطار قال: أخبرنا أحمد بن الحسين ابن عبد الجبار قال: حدثني أبو القسم عبد الله بن سعد الزهري قال حدثني أبو عمرو قال: حدثنا أبي عن أبي إسحاق قال: حدثني محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: " قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ويهود تقول: إنما هذه الدنيا سبعة
آلاف سنة، إنما يعذب الناس في النار لكل ألف سنة من أيام الدنيا يوم واحد في النار من أيام الآخرة، وإنما هي سبعة أيام ثم ينقطع العذاب، فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم - وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة - " وقال ابن عباس في رواية الضحاك: وجد أهل الكتاب ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين قالوا: لن نعذب في النار إلا ما وجدنا في التوراة، فإذا كان يوم القيامة اقتحموا في النار، فساروا في العذاب حتى انتهوا إلى سقر وفيها شجرة الزقوم، إلى آخر يوم من الايام المعدودة، فقال لهم خزنة النار، يا أعداء الله زعمتم أنكم لن تعذبوا في النار إلا أياما معدودات، فقد انقطع العدد وبقى الامد.
* قوله: (أفتطمعون) الآية.
قال ابن عباس ومقاتل: نزلت في السبعين الذين اختارهم موسى ليذهبوا معه إلى الله تعالى، فلما ذهبوا معه سمعوا كلام الله تعالى وهو يأمر وينهى، ثم رجعوا إلى قومهم، فأما الصادقون فأدوا ما سمعوا، وقالت طائفة منهم: سمعنا الله من لفظ كلامهم يقول: إن استطعتم أن تفعلوا هذه الاشياء فافعلوا، وإن شئتم فلا تفعلوا، ولا بأس، وعند أكثر المفسرين نزلت الآية في الذين غيروا آية الرجم وصفة محمد صلى الله عليه وسلم.
* وقوله: (وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا) وقال ابن عباس كان يهود خيبر تقاتل غطفان، فكلما التقوا هزمت يهود خيبر، فعاذت اليهود بهذا الدعاء وقالت: اللهم إنا نسألك بحق النبي الامي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا في آخر

الزمان إلا نصرتنا عليهم، قال: فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا الدعاء، فهزموا غطفان، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كفروا به، فأنزل الله تعالى - وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا - أي بك يا محمد، إلى قوله - فلعنة الله على الكافرين -.
وقال السدى: كانت العرب تمر بيهود فتلقى اليهود منهم أذى، وكانت اليهود تجد نعت محمد في التوراة أن يبعثه الله فيقاتلون معه العرب، فلما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم كفروا به حسدا، وقالوا: إنما كانت الرسل من بني إسرائيل، فما بال هذا من بني إسماعيل.
* قوله: (قل من كان عدوا لجبريل) الآية.
أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد الزاهد قال: أخبرنا الحسن بن أحمد الشيباني قال: أخبرنا المؤمل بن الحسن قال: حدثنا محمد بن إسماعيل بن سالم قال: أخبرنا أبو نعيم قال: حدثنا عبد الله ابن الوليد، عن بكير، عن ابن شهاب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أقبلت اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا القاسم نسألك عن أشياء فإن أجبتنا فيها اتبعناك، أخبرنا من الذي يأتيك من الملائكة ؟ فإنه ليس نبي إلا يأتيه ملك من عند ربه عز وجل بالرسالة بالوحي، فمن صاحبك ؟ قال: جبريل، قالوا: ذاك الذي ينزل بالحرب وبالقتال، ذاك عدونا لو قلت ميكائيل الذي ينزل بالمطر والرحمة اتبعناك، فأنزل الله تعالى - قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك - إلى قوله فإن الله عدو للكافرين -.
* قوله: (من كان عدوا لله وملائكته) الآية، أخبرنا أبو بكر الاصفهاني قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال: حدثنا أبو يحيى الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا علي بن مسهر عن داود عن الشعبي قال: قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: كنت آتي اليهود عند دراستهم التوراة فأعجب من موافقة القرآن التوراة (2 - أسباب النزول)

وموافقة القرآن، فقالوا: يا عمر ما أحد أحب إلينا منك، قلت ولم ؟ قالوا: لانك تأتينا وتغشانا، قلت: إنما أجئ لاعجب من تصديق كتاب الله بعضه بعضا، وموافقة
التوراة القرآن وموافقة القرآن التوراة، فبينما أنا عندهم ذات يوم إذ مر رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف ظهري، فقالوا: إن هذا صاحبك فقم إليه، فالتفت إليه فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دخل خوخة في المدينة، فأقبلت عليهم فقلت: أنشدكم بالله وما أنزل عليكم من كتاب أتعلمون أنه رسول الله ؟ فقال سيدهم: قد نشدكم الله فأخبروه.
فقالوا: أنت سيدنا فأخبره، فقال سيدهم: إنا نعلم أنه رسول الله، قال: فقلت فأنت أهلكهم إن كنتم تعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لم تتبعوه، قالوا: إن لنا عدوا من الملائكة وسلما من الملائكة، فقلت من عدوكم، ومن سلمكم ؟ قالوا: عدونا جبريل، وهو ملك الفظاظة والغلظة والاصار والتشديد، قلت ومن سلمكم ؟ قالوا ميكائيل، وهو ملك الرأفة واللين والتيسير، قلت فإني أشهدكم ما يحل لجبريل أن يعادى سلم ميكائيل، وما يحل لميكائيل أن يسالم عدو جبريل وإنهما جميعا، ومن معهما أعداء لمن عادوا وسلم لمن سالموا.
ثم قمت فدخلت الخوخة التي دخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبلني فقال - يا ابن الخطاب ألا أقرؤك آيات نزلت علي قبل ؟ قلت بلى -، فقرأ - قل من كان عدوا لجبريل فإنه - الآية، حتى بلغ - وما يكفر بها إلا الفاسقون - قلت: والذي بعثك بالحق ما جئت إلا أخبرك بقول اليهود.
فإذا اللطيف الخبير قد سبقني بالخبر.
قال عمر: فلقد رأيتني أشد في دين الله من حجر.
وقال ابن عباس: إن حبرا من أحبار اليهود من فدك يقال له عبد الله بن صوريا حاج النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله عن أشياء، فلما اتجهت الحجة عليه قال: أي ملك يأتيك من السماء ؟ قال جبريل، ولم يبعث الله نبيا إلا وهو وليه، قال: ذاك عدونا من الملائكة، ولو كان ميكائيل لآمنا بك، إن جبريل نزل بالعذاب والقتال والشدة، فإنه عادانا مرارا كثيرة، وكان أشد ذلك علينا أن الله أنزل على نبينا أن

بيت المقدس سيخرب على يدي رجل يقال له بختنصر، وأخبرنا بالحين الذي يخرب فيه، فلما كان وقته بعثنا رجلا من أقوياء بني إسرائيل في طلب بختنصر ليقتله، فانطلق يطلبه حتى لقيه ببابل غلاما مسكينا ليست له قوة، فأخذه صاحبنا ليقتله فدفع عنه جبريل وقال لصاحبنا: إن كان ربكم الذي أذن في هلاككم فلا تسلط عليه، وإن لم يكن هذا فعلى أي حق تقتله، فصدقه صاحبنا ورجع إلينا، وكبر بختنصر وقوى وغزانا وخرب بيت المقدس، فلهذا نتخذه عدوا فأنزل الله هذه الآية.
وقال مقاتل: قالت اليهود: كان جبريل عدونا أمر أن يجعل النبوة فينا فجعلها في غيرنا، فأنزل الله هذه الآية * قوله (ولقد أنزلنا إليك الكتاب آيات بينات) قال ابن عباس: هذا جواب لابن صوريا حيث قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا محمد ما جئتنا بشئ نعرفه، ما أنزل عليك من آية بينة فنتبعك بها، فأنزل الله هذه الآية.
* قوله (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان) الآية.
أخبرني محمد ابن عبأ العزيز القنطرى قال: أخبرنا أبو الفضل الحدادي قال: أخبرنا أبو يزيد الخالدي قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدثنا جدى قال: أخبرنا حصين بن عبد الرحمن عن عمران بن الحارث قال: بينما نحن عند ابن عباس إذ قال: إن الشياطين كانوا يسترقون السمع من السماء، فيجئ أحدهم بكلمة حق فإذا جرب من أحدهم الصدق كذب معها سبعين كذبة فبشر بها قلوب الناس، فاطلع على ذلك سليمان، فأخذها فدفنها تحت الكرسي، فلما مات سليمان قام شيطان الطريق فقال: ألا أدلكم على كنز سليمان المنيع الذي لا كنز له مثله ؟ قالوا: نعم، قال: تحت الكرسي، فأخرجوه، فقالوا: هذا سحر سليمان سحر به الامم، فأنزل الله عذر سليمان - واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان، وما كفر سليمان -.
وقال الكلبي: إن الشياطين كتبوا السحر والنار نجيات على لسان آصف: هذا

ما علم آصف بن برخيا الملك، ثم دفنوها تحت مصلاه حين نزع الله ملكه، ولم يشعر بذلك سليمان، ولما مات سليمان استخرجوه من تحت مصلاه، وقالوا للناس: إنما ملككم سليمان بهذا فتعلموه، فلما علم علماء بني إسرائيل قالوا: معاذ الله أن يكون هذا علم سليمان، وأما السفلة فقالوا: هذا علم سليمان، وأقبلوا على تعلمه، ورفضوا كتب أنيائها (أنبيائها)، ففشت الملامة لسليمان، فلم تزل هذه حالهم حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله عذر سليمان على لسانه ونزل براءته مما رمى به فقال - واتبعوا ما تتلوا الشياطين - الآية.
أخبرنا سعيد بن العياش القرشي كتابة أن الفضل بن زكرياء حدثهم، عن أحمد ابن نجدة، عن سعيد بن منصور، عن عثمان بن بشير عن حصيفة قال: كان سليمان إذا نبتت الشجرة قال: لاي داء أنت ؟ فتقول لكذا وكذا، فلما نبتت شجرة الخروبة قال: لاي شئ أنت ؟ قالت لخراب بيتك، قال: تخربينه ؟ قالت: نعم، قال: بئس الشجرة أنت، فلم يلبث أن توفى، فجعل الناس يقولون في مرضاهم: لو كان مثل سليمان، فأخذت الشياطين فكتبوا كتابا وجعلوه في مصلى سليمان وقالوا: نحن ندلكم على ما كان سليمان يداوى به، فانطلقوا فاستخرجوا ذلك فإذا فيه سحر ورقى - فأنزل الله تعالى - واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان - إلى قوله - فلا تكفر - قال السرى: إن الناس في زمن سليمان كتبوا السحر فاشتغلوا بتعلمه، فأخذ سليمان تلك الكتب فدفنها تحت كرسيه ونهاهم عن ذلك، ولما مات سليمان وذهب به كانوا يعرفون دفن الكتب، فتمثل شيطان على صورة إنسان فأتى نفرا من بني إسرائيل وقال: هل أدلكم على كنز لا تأكلونه أبدا ؟ قالوا نعم، قال: فاحفروا تحت الكرسي فحفروا فوجدوا تلك الكتب، فلما أخرجوها قال الشيطان: إن سليمان ضبط الجن والانس والشياطين والطيور بهذا، فأخذ بنو إسرائيل تلك الكتب، فلذلك أكثر
ما يوجد السحر في اليهود، فبرأ الله عز وجل سليمان من ذلك، وأنزل هذه الآية.
* قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا) الآية.
قال ابن عباس في

رواية عطاء: وذلك أن العرب كانوا يتكلمون بها، فلما سمعتهم اليهود يقولونها للنبي صلى الله عليه وسلم أعجبهم ذلك، وكان " راعنا " في كلام اليهود سبا قبيحا، فقالوا: إنا كنا نسب محمدا سرا، فالآن أعلنوا السب لمحمد فإنه من كلامه، فكانوا يأتون نبي الله صلى الله عليه وسلم فيقولون: يا محمد راعنا ويضحكون، ففطن بها رجل من الانصار وهو سعد بن عبادة، وكان عارفا بلغة اليهود وقال: يا أعداء الله، عليكم لعنة الله والذي نفس محمد بيده لئن سمعتها من رجل منكم لاضربن عنقه، فقالوا: ألستم تقولونها ؟ فأنزل الله تعالى - يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا الآية -.
* قوله تعالى: (ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب) الآية.
قال المفسرون: إن المسلمين كانوا إذا قالوا لحلفائهم من اليهود: آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، قالوا: هذا الذي تدعوننا إليه ليس بخير مما نحن عليه، ولوددنا لو كان خيرا فأنزل الله تعالى تكذيبا لهم.
* قوله تعالى (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها) قال المفسرون: إن المشركين قالوا: أترون إلى محمد يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه ويأمرهم بخلافه، ويقول اليوم قولا ويرجع عنه غدا، ما هذا في القرآن إلا كلام محمد بقوله من تلقاء نفسه، وهو كلام يناقض بعضه بعضا، فأنزل الله - وإذا بدلنا آية مكان آية - الآية: وأنزل أيضا - ما ننسخ من آية أو ننسأها نأت بخير منها - الآية.
* قوله تعالى: (أم تريدون أن تسئلوا رسولكم) الآية.
قال ابن عباس نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبي كعب ورهط من قريش، قالوا: يا محمد اجعل لنا الصفا ذهبا، ووسع لنا أرض مكة، وفجر الانهار خلالها تفجيرا نؤمن بك، فأنزل
الله تعالى هذه الآية.
وقال المفسرون: إن اليهود وغيرهم من المشركين تمنعوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن قائل يقول: يأتينا بكتاب من السماء جملة كما أتى موسى بالتوراة، ومن قائل يقول: وهو عبد الله بن أبي أمية المخزومي: ائتنى بكتاب من السماء فيه: من رب العالمين، إلى ابن أبي أمية، اعلم أني قد أرسلت محمدا

إلى الناس، ومن قائل يقول: لن نؤمن لك أو تأتي بالله والملائكة قبيلا، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله تعالى: (ود كثير من أهل الكتاب) الآية.
قال ابن عباس: نزلت في نفر من اليهود قالوا للمسلمين بعد وقعة بدر (1): ألم تروا إلى ما أصابكم ولو كنتم على الحق ما هزمتم، فارجعوا إلى ديننا فهو خير لكم.
أخبرنا الحسين بن محمد الفارسي قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن المفضل قال: أخبرنا أحمد بن محمد قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا أبو اليمان قال: حدثنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن أبيه أن كعب بن الاشرف اليهودي، كان شاعرا وكان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم، ويحرض عليه كفار قريش في شعره، وكان المشركون واليهود من المدينة حين قدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه أشد الاذى، فأمر الله تعالى نبيه بالصبر على ذلك والعفو عنهم، وفيهم أنزلت - ود كثير من أهل الكتاب - إلى قوله - فاعفوا واصفحوا - * قوله تعالى: (وقالت اليهود ليست النصارى على شئ) نزلت في يهود أهل المدينة ونصارى أهل نجران، وذلك أن وفد نجران لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاهم أحبار اليهود فتناظروا حتى ارتفعت أصواتهم، فقالت اليهود: ما أنتم على شئ من الدين وكفروا بعيسى والانجيل، وقالت لهم النصارى ما أنتم على شئ
من الدين، فكفروا بموسى والتوراة، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله تعالى: (ومن أظلم ممن منع مساجد الله) الآية، نزلت في ططلوس الرومي وأصحابه من النصارى، وذلك أنهم غزوا بني إسرائيل، فقتلوا مقاتلتهم، وسبوا ذراريهم، وحرقوا التوراة، وخربوا بيت المقدس، وقذفوا فيه الجيف، وهذا قول
__________
(1) هكذا بالنسخ، ولعل صوابه: أحد، لان بدرا لم تهزم فيها المسلمون.
اه مصححه.
(*)

ابن عباس في رواية الكلبي.
وقال قتادة: هو بختنصر وأصحابه غزوا اليهود وخربوا بيت المقدس، وأعانتهم على ذلك النصارى من أهل الروم.
وقال ابن عباس في رواية عطاء.
نزلت في مشركي أهل مكة ومنعهم المسلمين من ذكر الله تعالى في المسجد الحرام.
* قوله تعالى: (ولله المشرق والمغرب) اختلفوا في سبب نزولها.
فأخبرنا أبو منصور المنصوري قال.
أخبرنا علي بن عمر الحافظ قال: حدثنا أبو محمد إسماعيل بن علي قال: حدثنا الحسن بن علي بن شبيب العمري قال: حدثنا أحمد ابن عبيدالله العبدي قال: وجدنا في كتاب أبي قال: حدثنا عبد الملك العرزمى قال: حدثنا عطاء بن أبى رباح، عن جابر بن عبد الله قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية كنت فيها، فأصابتنا ظلمة فلم نعرف القبلة، فقالت طائفة منا: قد عرفنا القبلة هي ها هنا قبل الشمال، فصلوا وخطوا خطوطا، وقال بعضنا: القبلة ها هنا قبل الجنوب وخطوا خطوطا فلما أصبحوا وطلعت الشمس أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة، فلما قفلنا من سفرنا سألنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فسكت فأنزل الله تعالى - ولله المشرق والمغرب، فأينما تولوا فثم وجه الله -.
أخبرنا أبو منصور قال: أخبرنا علي قال: أخبرنا يحيى بن صاعد قال: حدثنا - محمد بن إسماعيل الاحمشي قال: حدثنا وكيع.
قال: حدثنا أشعث السمان، عن عاصم ابن عبيدالله، عن عبد الله بن عامر، عن ربيعة، عن أبيه قال: كنا نصلي مع النبي صلى
الله عليه وسلم في السفر في ليلة مظلمة، فلم يدر كيف القبلة، فصلى كل رجل منا على حاله، فلما أصبحنا ذكرنا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت - فأينما تولوا فثم وجه الله - ومذهب ابن عمر أن الآية نازلة في التطوع بالنافلة.
أخبرنا أبو القاسم بن عبد ان قال: حدثنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: حدثنا محمد ابن يعقوب قال: حدثنا أبو البختري بن عبد الله بن محمد بن شاكر قال: حدثنا أبو أسامة عن عبد الملك بن سليمان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر قال: أنزلت - فأينما تولوا فثم وجه الله - أي صل حيث توجهت بك راحلتك في التطوع.

وقال ابن عباس في رواية عطاء: إن النجاشي لما توفى قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن النجاشي توفى، فصل عليه، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يحضروا وصفهم ثم تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لهم: إن الله أمرني أن أصلي على النجاشي وقد توفى فصلوا عليه، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أنفسهم: كيف نصلي على رجل مات وهو يصلي على غير قبلتنا ؟ وكان النجاشي يصلي إلى بيت المقدس حتى مات، وقد صرفت القبلة إلى الكعبة، فأنزل الله تعالى - فأينما تولوا فثم وجه الله -.
ومذهب ابن عباس أن هذه منسوخة بقوله تعالى - وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره - فهذا قول ابن عباس عند عطاء الخراساني وقال: أول ما نسخ من القرآن شيئان القبلة، قال الله تعالى - فأينما تولوا فثم وجه الله - قال: فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس وترك البيت العتيق، ثم صرفه الله تعالى إلى البيت العتيق.
وقال في رواية ابن أبي طلحة الوالبي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة.
وكان أكثر أهلها اليهود، أمره الله أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود فاستقبلها بضعة عشر شهرا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب قبلة
إبراهيم، فلما صرفه الله تعالى إليها ارتاب من ذلك اليهود وقالوا: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها، فأنزل الله تعالى - فأينما تولوا فثم وجه الله -.
* قوله: (وقالوا اتخذ الله ولدا) نزلت في اليهود حيث قالوا: عزير بن الله، وفي نصارى نجران حيث قالوا: المسيح ابن الله، وفي مشركي العرب قالوا: الملائكة بنات الله.
* قوله: (ولا تسئل عن أصحاب الجحيم) قال ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم: ليت شعري ما فعل أبو اي ؟ فنزلت هذه الآية، وهذا على قراءة من قرأ - ولا تسل عن أصحاب الجحيم - جزماء وقال مقاتل: إن

النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو أنزل الله بأسه باليهود لآمنوا، فأنزل الله تعالى - ولا تسل عن أصحاب الجحيم.
* قوله: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى) الآية قال المفسرون: إنهم كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم الهدنة ويطمعون أنهم إذا هادنهم وأمهلهم اتبعوه ووافقوه، فأنزل الله تعالى هذه الآية وقال ابن عباس هذا في القبلة، وذلك أن يهود المدينة ونصارى نجران كانوا يرجعون أن يصلي النبي صلى الله عليه وسلم إلى قبلتهم، فلما صرف الله القبلة إلى الكعبة شق ذلك عليهم، فيئسوا منه أن يوافقهم على دينهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله: (الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته) قال ابن عباس في رواية عطاء والكلبي: نزلت في أصحاب السفينة الذين أقبلوا مع جعفر ابن أبى طالب من أرض الحبشة كانوا أربعين رجلا من الحبشة وأهل الشام وقال الضحاك: نزلت فيمن آمن من اليهود.
وقال قتادة وعكرمة: نزلت في محمد صلى الله عليه وسلم.
* قوله: (أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت) الآية.
نزلت في.
اليهود حين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ألست تعلم أن يعقوب يوم مات أوصى
بنية (بنيه) باليهودية.
* قوله: (وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا) قال ابن عباس: نزلت في رءوس يهود المدينة: كعب بن الاشرف، ومالك بن الصيف، وأبي ياسر ابن أخطب، وفي نصارى أهل نجران، وذلك أنهم خاصموا المسلمين في الدين كل فرقة تزعم أنها أحق بدين الله تعالى من غيرها، فقالت اليهود: نبينا أفضل الانبياء، وكتابنا التوراة أفضل الكتب، وديننا أفضل الاديان، وكفرت بعيسى والانجيل ومحمد والقرآن، وقالت النصارى: نبينا أفضل الانبياء، وكتابنا الانجيل أفضل الكتب، وديننا أفضل الاديان، وكفرت بمحمد والقرآن.
وقال كل واحد من الفريقين للمؤمنين: كونوا على ديننا فلا دين إلا ذلك ودعوهم إلى دينهم.

قوله صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة) قال ابن عباس: إن النصارى كان إذا ولد لاحدهم ولد فأتى عليه سبعة أيام، صبغوه في ماء لهم يقال له المعمودي ليطهروه بذلك، ويقولون هذا طهور مكان الختان، فإذا فعلوا ذلك صار نصرانيا حقا، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله: (سيقول السفهاء من الناس) الآية.
نزلت في تحويل القبلة.
أخبرنا محمد بن أحمد بن جعفر قال: أخبرنا زاهر بن جعفر قال: أخبرنا الحسن ابن محمد بن مصعب قال: حدثنا يحيى بن حكيم قال: حدثنا عبد الله بن رجاء قال: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فصلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يتوجه نحو الكعبة، فأنزل الله تعالى - قد نرى تقلب وجهك في السماء - إلى آخر الآية، فقال السفهاء من الناس وهم اليهود: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قال الله تعالى - قل لله المشرق والمغرب - إلى آخر الآية، رواه
البخاري عن عبد الله بن رجاء.
* قوله: (وما كان الله ليضيع إيمانكم) قال ابن عباس في رواية الكلبي، كان رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ماتوا على القبلة الاولى، منهم أسعد بن زرارة وأبو أمامة أحد بني النجار، والبراء بن معرور أحد بني سلمة، وأناس آخرون، جاءت عشائرهم فقالوا: يا رسول الله توفى إخواننا وهم يصلون إلى القبلة الاولى، وقد صرفك الله تعالى إلى قبلة إبراهيم، فكيف بإخواننا فأنزل الله - وما كان الله ليضيع إيمانكم - الآية ثم قال - قد نرى تقلب وجهك في السماء - وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل عليه السلام: وددت أن الله صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها، وكان يريد الكعبة، لانها قبلة إبراهيم، فقال له جبريل: إنما أنا عبد مثلك لا أملك شيئا، فسل ربك أن يحولك عنها إلى قبلة إبراهيم، ثم ارتفع جبريل وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يديم النظر إلى السماء رجاء أن يأتيه جبريل بما سأله، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد المنصوري قال: أخبرنا علي عم الحافظ قال: حدثنا عبد الوهاب بن عيسى قال: حدثنا أبو هشام الرفاعي قال: حدثنا أبو بكر بن عياش قال: حدثنا أبو إسحاق عن البراء قال: " صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قدومه المدينة سبعة عشر شهرا نحو بيت المقدس، ثم علم الله عز وجل هوى نبيه صلى الله عليه وسلم، فنزلت - قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها - الآية، رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي الاحوص، ورواه البخاري، عن أبي ؟ نعيم، عن زهير كلاهما عن أبي إسحاق.
* قوله: (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم) الآية، نزلت في مؤمني أهل الكتاب عبد الله بن سلام وأصحابه كانوا يعرفون رسول الله
صلى الله عليه وسلم بنعته وصفته وبعثه في كتابهم كما يعرف أحدهم ولده إذا رآه مع الغلمان، قال عبد الله بن سلام: لانا أشد معرفة برسول الله صلى الله عليه وسلم مني بابني، فقال له عمر بن الخطاب: وكيف ذاك يا ابن سلام ؟ قال: لاني أشهد أن محمدا رسول الله حقا يقينا، وأنا لا أشهد بذلك على ابني، لاني لا أدري ما أحدث النساء، فقال عمر: وفقك الله يا ابن سلام.
* قوله: (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات) الآية نزلت في قتلى بدر، وكانوا بضعة عشر رجلا، ثمانية من الانصار وستة من المهاجرين، وذلك أن الناس كانوا يقولون للرجل يقتل في سبيل الله مات فلان وذهب عنه نعيم الدنيا ولذتها فأنزل الله هذه الآية.
* قوله: (إن الصفا والمروة من شعائر الله) الآية، أخبرنا سعيد بن محمد ابن أحمد الزاهد قال: أخبرنا أبو علي بن أبي بكر الفقيه قال: أخبرنا عبد الله بن محمد ابن عبد العزيز قال: حدثنا مصعب بن عبد الله الدميري.
قال: حدثنى مالك عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت: أنزلت هذه الآية في الانصار، كانوا يحجون لمناة، وكانت مناة حذو قدد، وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة، فلما جاء الاسلام

سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله تعالى هذه الآية، رواه البخاري، عن عبد الله بن يوسف عن مالك.
أخبرنا أبو بكر التميمي قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال: حدثنا أبو يحيى الرازي قال: حدثنا سهل العسكري قال: حدثنا يحيى بن عبد الرحمن، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت: أنزلت هذه الآية في ناس من الانصار كانوا إذا أهلوا لمناة في الجاهلية لم يحل لهم أن يطوفوا بين الصفا والمروة، فلما قدموا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الحج ذكروا ذلك له، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
رواه مسلم، عن أبي بكر بن شيبة، عن
أبي أسامة، عن هشام.
وقال أنس بن مالك: كنا نكره الطواف بين الصفا والمروة لانهما كانا من مشاعر قريش في الجاهلية، فتركناه في الاسلام، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال عمرو بن الحسين: سألت ابن عمر عن هذه الآية فقال: انطلق إلى ابن عباس فسله فإنه أعلم من بقى بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، فأتيته فسألته، فقال: كان على الصفا صنم على صورة رجل يقال له إساف، وعلى المروة صنم على صورة امرأة تدعى نائلة، زعم أهل الكتاب أنهما زنيا في الكعبة فمسخهما الله تعالى حجرين، ووضعهما على الصفا والمروة ليعتبر بهما، فلما طالت المدة عبد ا من دون الله تعالى، فكان أهل الجاهلية إذا طافوا بينهما مسحوا الوثنين، فلما جاء الاسلام وكسرت الاصنام كره المسلمون الطواف لاجل الصنمين، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال السدى كان في الجاهلية تعزف الشياطين بالليل بين الصفا والمروة وكانت بينهما آلهة، فلما ظهر الاسلام قال المسلمون: يا رسول الله لا نطوف بين الصفا والمروة فإنه شرك كنا نصنعه في الجاهلية، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا منصور بن عبد الوهاب البزار قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن سنان قال: أخبرنا حامد بن محمد بن شعيب قال: أخبرنا محمد بن بكار قال: حدثنا إسماعيل بن زكريا عن عاصم، عن أنس بن مالك قال: كانوا يمسكون عن الطواف بين الصفا والمروة،

وكانا من شعار الجاهلية، وكنا نتقي الطواف بهما فأنزل الله تعالى - إن الصفا والمروة من شعائر الله - الآية.
رواه البخاري عن أحمد ابن محمد عن عبد الله عن عاصم * قوله: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى) نزلت في علماء أهل الكتاب وكتمانهم آية الرجم وأمر محمد صلى الله عليه وسلم * قوله (إن في خلق السموات والارض) الآية، أخبرنا عبد العزيز
ابن طاهر التميمي قال: أخبرنا أبو عمرو بن مطر قال: أخبرنا أبو عبد الله الزيادي قال: حدثنا موسى بن مسعود النهدي قال: حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن عطاء قال: أنزلت بالمدينة على النبي صلى الله عليه وسلم: (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم) فقالت كفار قريش بمكة كيف يسع الناس إله واحد ؟ فأنزل الله تعالى - إن في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار - حتى بلغ - لقوم يعقلون -.
أخبرنا أبو بكر الاصبهاني قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الحافظ قال: حدثنا أبو يحيى الدارى قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا أبو الاحوص، عن سعيد ابن مسروق، عن أبي الضحى قال: لما نزلت هذه الآية - وإلهكم إله واحد - تعجب المشركون وقالوا: إله واحد ؟ إن كان صادقا فليأتنا بآية فأنزل الله تعالى - إن في خلق السموات والارض - إلى آخر الآية.
* قوله: (يا أيها الناس كلوا مما في الارض حلالا طيبا) قال الكلبي: نزلت في ثقيف وخزاعة وعامر بن صعصعة حرموا على أنفسهم من الحرث والانعام، وحرموا البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي * قوله: (إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب) قال الكلبي عن ابن عباس: نزلت في رؤساء اليهود وعلمائهم، كانوا يصيبون من سفلتهم الهدايا،

وكانوا يرجون أن يكون النبي المبعوث منهم، فلما بعث من غيرهم خافوا ذهاب مأكلتهم وزوال رياستهم، فعمدوا إلى صفة محمد صلى الله عليه وسلم فغيروها ثم أخرجوها إليهم، وقالوا: هذا نعت النبي الذي يخرج في آخر الزمان، لا يشبه نعت هذا النبي الذي بمكة فإذا نظرت السفلة إلى النعت المتغير وجدوه مخالفا لصفة محمد صلى الله عليه وسلم فلا يتبعونه.
* قوله: (ليس البر أن تولوا وجوهكم) الآية، قال قتادة: ذكر لنا أن رجلا سأل نبي الله صلى الله عليه وسلم عن البر، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قال: وقد كان الرجل قبل الفرائض إذا شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبد ه ورسوله، ثم مات على ذلك، وجبت له الجنة، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى) الآية، قال الشعبي: كان بين حيين من أحياء العرب قتال، وكان لاحد الحيين طول على الآخر، فقالوا: نقتل بالعبد منا الحر منكم، وبالمرأة الرجل، فنزلت هذه الآية.
* قوله (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم) قال ابن عباس في رواية الوالبي: وذلك أن المسلمين كانوا في شهر رمضان إذا صلوا العشاء حرم عليهم النساء والطعام إلى مثلها من القابلة ثم إن ناسا من المسلمين أصابوا من الطعام والنساء في شهر رمضان بعد العشاء، منهم عمر بن الخطاب، فشكوا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله هذه الآية.
أخبرنا أبو بكر الاصفهاني قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال: حدثنا عبد الرحمن ابن محمد الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان العسكري قال: حدثنا يحيى ابن زائدة قال: حدثني أبى وغيره، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب قال: كان المسلمون إذا أفطروا يأكلون ويشربون ويمسون النساء ما لم يناموا، فإذا ناموا لم يفعلوا شيئا من ذلك إلى مثلها، وأن قيس بن صرمة الانصاري كان صائما، فأتى أهله عند الافطار فانطلقت امرأته تطلب شيئا وغلبته عيناه فنام، فلما انتصف النهار من غد غشى عليه،

قال: وأتى عمر امرأته وقد نامت، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت - أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم - إلى قوله - الفجر - ففرح المسلمون بذلك.
أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبى حامد قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد الشيباني
قال: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدغولى قال: حدثنا الزعفراني قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق.
عن البراء قال: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائما فحضر الافطار فنام قبل أن يطعم، لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي، وإن قيس بن صرمة الانصاري كان صائما، فلما حضر الافطار أتى امرأته، فقال: هل عندك طعام ؟ قالت لا، ولكن أنطلق فأطلب لك، وكان يومه يعمل فغلبته عيناه، وجاءته امرأته، فلما رأته قالت: خيبة لك فأصبح صائما، فلما انتصف النهار غشى عليه، فذكر ذلك للنبي صلى لله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية - أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم - ففرحوا بها فرحا شديدا، رواه البخاري عن عبد الله بن موسى عن إسرائيل.
أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي قال: أخبرنا محمد بن الفضل قال: أخبرنا أحمد ابن محمد بن الحسن الحافظ قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا يحيى بن حمزة قال: حدثنا إسحاق بن أبي قدوة، عن الزهري أنه حدثه عن القاسم ابن محمد قال: إن بدء الصوم كان يصوم الرجل من عشاء إلى عشاء، فإذا نام لم يصل إلى أهله بعد ذلك، ولم يأكل ولم يشرب، حتى جاء عمر إلى امرأته فقالت: إني قد نمت فوقع بها وأمسى صرمة بن أنس صائما فنام قبل أن يفطر، وكانوا إذا ناموا لم يأكلوا ولم يشربوا، فأصبح صائما وكاد الصوم يقتله، فأنزل الله عز وجل الرخصة قال - فتاب عليكم وعفا عنكم - الآية.
أخبرنا سعيد بن محمد الزاهد قال: أخبرنا جدى قال: أخبرنا أبو عمرو الحيرى قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا ابن أبي مريم قال: أخبرنا أبو حسان قال: حدثنى أبو حازم عن سهل بن سعد قال: نزلت هذه الآية - وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم

الخيط الابيض من الخيط الاسود - ولم ينزل - من الفجر - وكان رجال إذا أرادوا
الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الابيض والخيط الاسود فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له زيهما، فأنزل الله تعالى بعد ذلك - من الفجر - فعلموا أنما يعني بذلك الليل والنهار، رواه البخاري عن بن أبى مريم، ورواه مسلم عن محمد بن سهل عن أبى مريم قوله: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) الآية، قال مقاتل ابن حيان: نزلت هذه الآية في امرئ القيس بن عابس الكندى، وفي عبد ان بن أشوع الحضرمي، وذلك أنهما اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أرض، وكان امرؤ القيس المطلوب وعبدان الطالب، فأنزل الله تعالى هذه الآية فحكم عبدان في أرضه، ولم يخاصمه.
* قوله: (يسألونك عن الاهلة) الآية، قال معاذ بن جبل: يارسول الله إن اليهود تغشانا ويكثرون مسألتنا عن الاهلة، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال قتادة: ذكر لنا أنهم سألوا نبى الله صلى الله عليه وسلم: لم خلقت هذه الاهلة ؟ فأنزل الله تعالى - قل هي مواقيت للناس والحج -.
وقال الكلبى: نزلت في معاذ ابن جبل وثعلبة بن عنمة، وهما رجلان من الانصار قالا: يا رسول الله ما بال الهلال يبدو فيطلع دقيقا مثل الخيط ثم يزيد حتى يعظم ويستوى ويستدير، ثم لا يزال ينقص ويدق حتى يكون كما كان، لا يكون على حال واحدة ؟ فنزلت هذه الآية.
* قوله (وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها) أخبرنا محمد بن إبراهيم المزكى قال: أخبرنا أبو عمرو بن مطر قال: أخبرنا أبو خليفة قال: حدثنا أبو الوليد والاحوص قالا: حدثنا شعبة قال: أنبأنا أبو إسحاق قال: سمعت البراء يقول كانت الانصار إذا حجوا فجاءوا لا يدخلون من أبو اب بيوتهم، ولكن من ظهورها، فجاء رجل فدخل من قبل باب، فكأنه عير بذلك، فنزلت هذه الآية.
رواه البخاري عن أبي الوليد، ورواه مسلم عن بندار عن غندر عن شعبة.

أخبرنا أبو بكر التميمي قال: حدثنا أبو الشيخ قال: حدثنا أبو يحيى الرازي قال:
حدثنا سهل بن عبيدة قال: حدثنا عبيدة عن الاعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: كانت قريش تدعى الحمس، وكانوا يدخلون من الابواب في الاحرام، وكانت الانصار وسائر العرب لا يدخلون من باب في الاحرام، فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بستان، إذ خرج من بابه وخرج معه قطبة بن عامر الانصاري، فقالوا: يا رسول الله إن قطبة بن عامر رجل فاجر وإنه خرج معك من الباب، فقال له: ما حملك على ما صنعت ؟ قال: رأيتك فعلته ففعلت كما فعلت فقال: إني أحمسي قال: فإن ديني دينك، فأنزل الله - وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها - وقال المفسرون: كان الناس في الجاهلية وفي أول الاسلام إذا أحرم الرجل منهم.
بالحج أو العمرة لم يدخل حائطا ولا بيتا ولا دارا من بابه، فإن كان من أهل المدن نقب نقبا في ظهر بيته منه يدخل ويخرج، أو يتخذ سلما فيصعد فيه، وإن كان من أهل الوبر خرج من خلف الخيمة والفسطاط ولا يدخل من الباب حتى يحل من إحرامه ويرون ذلك ذما إلا أن يكون من الحمس، وهم قريش وكنانة وخزاعة وثقيف وخثعم وبنو عامر ابن صعصعة وبنو النضر بن معاوية سموا حمسا لشدتهم في دينهم، قالوا: فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بيتا لبعض الانصار، فدخل رجل من الانصار على إثره من الباب وهو محرم، فأنكروا عليه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم دخلت من الباب وأنت محرم ؟ فقال: رأيتك دخلت من الباب فدخلت على إثرك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أحمسي، قال الرجل: إن كنت أحمسيا فإني أحمسي ديننا واحد رضيت بهديك وسمتك ودينك، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم) الآية.
قال الكلبي عن أبي صالح، عن ابن عباس: نزلت هذه الآيات في صلح الحديبية، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صد عن البيت هو وأصحابه، نحر الهدي بالحديبية، ثم صالحه (3 - أسباب النزول)

المشركون على أن يرجع عامة، ثم يأتي القابل على أن يخلو له مكة ثلاث أيام، فيطوف بالبيت ويفعل ما شاء، وصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان العام المقبل تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لعمرة القضاء، وخافوا أن لا تفي لهم قريش بذلك، وأن يصدوهم عن المسجد الحرام ويقاتلوهم، وكره أصحابه قتالهم في الشهر الحرام في الحرم فأنزل الله تعالى - وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم - يعني قريشا.
* قوله (الشهر الحرام بالشهر الحرام) الآية، قال قتادة، أقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في ذي القعدة، حتى إذا كانوا بالحديبية صدهم المشركون، فلما كان العام المقبل دخلوا مكة، فاعتمروا في ذي القعدة، وأقاموا بها ثلاث ليال، وكان المشركون قد فجروا عليه حين ردوه يوم الحديبية، فأقصه الله تعالى منهم، فأنزل - الشهر الحرام بالشهر الحرام - الآية.
* قوله: (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) أخبرنا سعيد ابن محمد الزاهد قال: أخبرنا أبو علي بن أبي بكر الفقيه قال: أخبرنا أحمد بن الحسين ابن الجنيد قال: حدثنا عبد الله بن أيوب قال: حدثنا هشيم عن داود عن الشعبي قال: نزلت في الانصار، أمسكوا عن النفقة في سبيل الله تعالى، فنزلت هذه الآية وبهذا الاسناد عن هشيم حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن عكرمة قال: نزلت في النفقات في سبيل الله.
أخبرنا أبو بكر المهرجاني قال: أخبرنا عبد الله بن بطة قال: أخبرنا أبو القاسم البغوي قال: حدثنا هدبة بن خالد قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن داود، عن الشعبي، عن الضحاك، عن ابن أبي جبير قال: كانت الانصار يتصدقون ويطعمون ما شاء الله، فأصابتهم سنة، فأمسكوا، فأنزل الله عز وجل هذه الآية.
أخبرنا أبو منصور البغدادي قال: أخبرنا أبو الحسن السراج قال: حدثنا محمد
ابن عبد الله الحضري قال: حدثنا هدبة قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن سماك بن حرب،

عن النعمان بن بشير في قول الله عز وجل - ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة - قال: كان الرجل يذنب الذنب فيقول: لا يغفر لي، فأنزل الله هذه الآية.
أخبرنا أبو القاسم بن عبد ان قال: حدثنا محمد بن حمدويه قال: حدثنا محمد بن صالح ابن هانئ قال: حدثنا أحمد بن محمد بن أنس القرشي قال: حدثنا عبد الله بن يزيد المقرى قال: حدثنا حيوه بن شريح قال: أخبرني يزيد بن أبي حبيب قال: أخبرني الحكم بن عمران قال: كنا بالقسطنطينية، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر الجهنى صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أهل الشام فضالة بن عبيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج من المدينة صف عظيم من الروم، وصففنا لهم صفا عظيما من المسلمين، فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم، ثم خرج إلينا مقبلا، فصاح الناس فقالوا: سبحان الله ألقى بيديه إلى التهلكة، فقال أبو أيوب الانصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيها الناس إنكم تتأولون هذه الآية على غير التأويل، وإنما أنزلت هذه الآية فينا معشر الانصار، إنا لما أعز الله تعالى دينه وكثر ناصريه، قلنا بعضنا لبعض سرا من رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أموالنا قد ضاعت، فلو أنا أقمنا فيها وأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل الله تعالى في كتابه يرد علينا ما هممنا به، فقال - وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة - في الاقامة التي أردنا أن نقيم في الاموال فنصلحها، فأمرنا بالغزو، فما زال أبو أيوب غازيا في سبيل الله حتى قبضه الله عز وجل.
* قوله: (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه) * أخبرنا الاستاذ أبو طاهر الزيادي قال: أخبرنا أبو طاهر محمد بن الحسن الاباذي قال: حدثنا العباس الدوري قال: حدثنا عبد الله بن موسى قال: حدثنا إسرائيل، عن عبد الرحمن الاصفهاني
عن عبد الله بن معقل، عن كعب بن عجرة قال: نزلت هذه الآية - فمن كان منكم م ريضا أو به أذى من رأسه - وقع القمل في رأسي فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه

وسلم فقال: احلق وافده صيام ثلاثة أيام، أو النسك، أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين صاع.
أخبرنا محمد بن إبراهيم المزكى قال: حدثنا أبو عمرو بن مطر إملاء قال: أخبرنا أبو خليفة قال: حدثنا مسدد عن بشر قال: حدثنا ابن عون، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: قال كعب بن عجرة: في أنزلت هذه الآية، أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ادنه، فدنوت مرتين أو ثلاثا، فقال: أيؤذيك هوامك ؟ قال ابن عون: وأحسبه قال نعم، فأمرني بصيام، أو صدقة، أو نسك ما تيسر.
رواه مسلم، عن أبي موسى، عن ابن أبي عدي، عن ابن عون أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبيد الله المخلدي قال: أخبرنا أبو الحسن السراج قال: أخبرنا محمد بن يحيى بن سليمان المروزي قال: حدثنا عاصم بن علي قال: حدثنا شعبة قال: أخبرني عبد الرحمن الاصفهاني قال: سمعت عبد الله بن معقل قال: وقفت إلى كعب بن عجرة في هذا المسجد، مسجد الكوفة، فسألته عن هذه الآية - ففدية من صيام أو صدقة أو نسك - قال: حملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي، فقال: ما كنت أرى أن الجهد بلغ منك هذا ما تجد شاة ؟ قلت لا فنزلت هذه الآية - ففدية من صيام أو صدقة أو نسك - قال: صم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من طعام.
فنزلت في خاصة، ولكم عامة.
رواه البخاري، عن أحمد بن أبي إياس وأبي الوليد، ورواه مسلم، عن بندار، عن غندر كلهم، عن شعبة.
أخبرنا أبو إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم الصوفي قال: أخبرنا محمد بن علي الغفاري
قال: أخبرنا إسحاق بن محمد قال: حدثنا جدى قال: حدثنا المغيرة الصقلاني قال: حدثنا عمر بن بشر المكي، عن عطاء، عن ابن عباس قال: لما نزلنا الحديبية، جاء كعب بن عجرة تنتثر هوام رأسه على جبهته، فقال: يارسول الله هذا القمل قد أكلني، قال: احلق وافده، قال: فحلق كعب فنحر بقرة، فأنزل الله عز وجل في ذلك الموقف -

فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه - الآية قال ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصيام ثلاثة أيام، والنسك شاة، والصدقة الفرق بين ستة مساكين لكل مسكين مدان.
أخبرنا محمد بن محمد المنصوري قال: أخبرنا علي بن عمر الحافظ قال: حدثنا عبد الله ابن المهدى قال: حدثنا طاهر بن عيسى التميمي قال: حدثنا زهير ابن عباد قال: حدثنا مصعب بن ماهان، عن سفيان الثوري، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوقد تحت قدر له بالحديبية، فقال: أيؤذيك هوام رأسك ؟ قال: نعم، قال: احلق، فأنزلت هذه الآية - فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك - قال: فالصيام ثلاثة أيام، والصدقة فرق بين ستة مساكين، والنسك شاة.
* قوله: (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى) أخبرنا عمر بن عمر المزكى قال: حدثنا محمد بن مكى قال: أخبرنا محمد بن يوسف قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل، قال: حدثني يحيى بن بشير قال: حدثنا شبابة، عن ورقاء، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون يقولون نحن المتوكلون، فإذا قدموا مكة سألوا الناس فأنزل الله عز وجل - وتزودوا فإن خير الزاد التقوى - وقال عطاء بن أبي رباح: كان الرجل يخرج فيحمل كله على غيره، فأنزل الله تعالى -
وتزودوا فإن خير الزاد التقوى -.
* قوله: (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) الآية، أخبرنا منصور بن عبد الوهاب البزار، أخبرنا أبو عمرو محمد بن أحمد الجبرى عن شعيب ابن الزارع قال: أخبرنا عيسى بن مساور قال: حدثنا مروان بن معاوية الفزاري قال: حدثنا العلاء بن المسيب، عن أبي أمامة التميمي قال: سألت ابن عمر فقلت: إنا قوم ذوو كرى في هذا الوجه، وإن قوما يزعمون أنه لا حج لنا قال: ألستم تلبون، ألستم تطوفون بين الصفا والمروة، ألستم ألستم ؟ قال بلى، قال إن رجلا سأل

النبي صلى الله عليه وسلم عما سألت عنه فلم يرد عليه حتى نزلت - ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم - فدعاه فتلا عليه حين نزلت.
فقال: أنتم الحجاج أخبرنا أبو بكر التميمي قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن خشنام قال: حدثنا أبو يحيى الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا يحيى بن أبى زائدة، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس قال: كان ذو المجاز وعكاظ متجر ناس في الجاهلية، فلما جاء الاسلام كأنهم كرهوا ذلك، حتى نزلت - ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم - في مواسم الحج.
وروى مجاهد، عن ابن عباس قال: كانوا يتقون البيوع والتجارة في الحج يقولون أيام ذكر الله فأنزل الله تعالى - ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم - فاتجروا.
* قوله: (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس) أخبرنا التميمي بالاسناد الذي ذكرنا، عن يحيى بن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: كانت العرب تفيض من عرفات، وقريش ومن دان بدينها تفيض من جمع من المشعر الحرام، فأنزل الله تعالى - ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس - أخبرنا محمد بن أحمد بن جعفر المزكى، قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن زكريا قال:
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن السرخسي قال: أخبرنا أبو بكر بن أبي خيثمة قال: حدثنا حماد بن يحيى قال: حدثنا نصر بن كوسة قال: أخبرني عمرو بن دينار قال: أخبرني محمد ابن جبير بن مطعم، عن أبيه قال: أضللت بعيرا لي يوم عرفة: فخرجت أطلبه بعرفة، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا مع الناس بعرفة، فقلت: هذا من الحمس ماله ها هنا، قال سفيان: والاحمس: الشديد الشحيح على دينه، وكانت قريش تسمى الحمس، فجاءهم الشيطان فاستهواهم فقال لهم: إنكم إن عظمتم غير حرمكم استخف الناس بحرمكم فكانوا لا يخرجون من الحرم ويقفون بالمزدلفة، فلما جاء الاسلام أنزل الله عز وجل - ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس - يعني عرفة رواه مسلم عن عمرو الناقد عن ابن عيينة.

* قوله (فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم) الآية، قال مجاهد: كان أهل الجاهلية إذا اجتمعوا بالموسم ذكروا فعل آبائهم في الجاهلية وأيامهم وأنسابهم فتفاخروا فأنزل الله تعالى - فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا -.
وقال الحسن كانت الاعراب إذا حدثوا وتكلموا يقولون: وأبيك إنهم لفعلوا كذا وكذا فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا) الآية، قال السدى نزلت في الاخنس بن شريق الثقفي، وهو حليف بني زهرة أقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فأظهر له الاسلام وأعجب النبي صلى الله عليه وسلم ذلك منه، وقال: إنما جئت أريد الاسلام، والله يعلم إني لصادق، وذلك قوله - ويشهد الله على ما في قلبه - ثم خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمر بزرع لقوم من المسلمين وحمر، فأحرق الزرع وعقر الحمر فأنزل الله تعالى فيه - وإذا تولى سعى في الارض
ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل - * قوله: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله) الآية، قال سعيد ابن المسيب: أقبل صهيب مهاجرا نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعه نفر من قريش من المشركين فنزل عن راحلته ونثر ما في كنانته وأخذ قوسه ثم قال: يا معشر قريش لقد علمتم أنى من أرماكم رجلا، وايم الله لا تصلون إلي حتى أرمى بما في كنانتي، ثم أضرب بسيفي ما بقى في يدي منه شئ، ثم افعلوا ما شئتم قالوا: دلنا على بيتك ومالك بمكة ونخلي عنك، وعاهدوه إن دلهم أن يدعوه ففعل.
فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم قال: أبا يحيى ربح البيع ربح البيع، وأنزل الله - ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله - وقال المفسرون: أخذ المشركون صهيبا فعذبوه، فقال لهم صهيب: إني شيخ كبير لا يضركم أمنكم كنت أم من شرط عليهم راحلة ونفقة، فخرج إلى المدينة فتلقاه أبو بكر وعمر ورجال، فقال له أبو بكر: ربح بيعك أبا يحيى،

فقال صهيب: وبيعك فلا بخس ما ذاك ؟ فقال: أنزل الله فيك كذا، وقرأ عليه هذه الآية.
وقال الحسن: أتدرون فيمن نزلت هذه الآية ؟ في أن المسلم يلقى الكافر فيقول له قل لا إله إلا الله، فإذا قلتها عصمت مالك ودمك، فأبى أن يقولها، فقال المسلم: والله لاشرين نفسي لله، فتقدم فقاتل حتى يقتل، وقيل: نزلت فيمن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر.
قال أبو الخليل: سمع عمر بن الخطاب إنسانا يقرأ هذه الآية، فقال عمر: إنا لله قام رجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فقتل.
* قول عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة) الآية، قال عطاء عن ابن عباس: نزلت هذه الآية في عبد الله بن سلام وأصحابه، وذلك أنهم حين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم فآمنوا بشرائعه وشرائع موسى، فعظموا السبت وكرهوا
لحمان الابل وألبانها بعد ما أسلموا، فأنكر ذلك عليهم المسلمون، فقالوا: إنا نقوى على هذا وهذا، وقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن التوراة كتاب الله فدعنا فلنعمل بها، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة) الآية، قال قتادة والسدى: نزلت هذه الآية في غزوة الخندق حين أصاب المسلمين ما أصابهم من الجهد والشدة والحر والبرد وسوء العيش وأنواع الاذى، وكان كما قال الله تعالى - وبلغت القلوب الحناجر - وقال عطاء: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة اشتد الضر عليهم، بأنهم خرجوا بلا مال وتركوا ديارهم وأموالهم بأيدي المشركين، وآثروا رضا الله ورسوله، وأظهرت اليهود العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأسر قوم من الاغنياء النفاق، فأنزل الله تعالى تطيبا لقلوبهم - أم حسبتم - الآية.
* قوله: (يسألونك ماذا ينفقون) الآية، قال ابن عباس في رواية أبي صالح: نزلت في عمرو بن الجموح الانصاري وكان شيخا كبيرا ذا مال كثير، فقال: يا رسول الله بماذا يتصدق ؟ وعلى من ينفق ؟ فنزلت هذه الآية.

وقال في رواية عطاء: نزلت الآية في رجل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إن لي دينارا فقال: أنفقه على نفسك، فقال: إن لي دينارين، فقال: إنفقهما على أهلك، فقال: إن لي ثلاثة، فقال: أنفقهما على خادمك، فقال إن لي أربعة، فقال: أنفقها على والديك، فقال: إن لي خمسة، فقال: أنفقها على قرابتك، فقال: إن لي ستة فقال: أنفقها في سبيل الله، وهو أخسها).
* قوله: (يسألونك عن الشهر الحرام) الآية، أخبرنا أبو عبد الله محمد ابن عبد الله الشيرازي قال: حدثنا أبو الفضل محمد بن عبد الله بن خميرويه الهروي قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الخزاعي قال: حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع قال:
أخبرني شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية من المسلمين، وأمر عليهم عبد لله بن جحش الاسدي، فانطلقوا حتى هبطوا نخلة ووجدوا بها عمرو بن الحضرمي في عير تجارة لقريش في يوم بقى في الشهر الحرام فاختصم المسلمون، فقال قائل منهم: لا نعلم هذا اليوم إلا من الشهر الحرام، ولا نرى أن تستحلوا لطمع أشفيتم عليه فغلب على الامر الذين يريدون عرض الدنيا فشدوا على ابن الحضرمي فقتلوه وغنموا عيره، فبلغ ذلك كفار قريش، وكان ابن الحضرمي أول قتيل قتل بين المسلمين وبين المشركين، فركب وفد من كفار قريش حتى قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: أتحل القتال في الشهر الحرام ؟ فأنزل الله تعالى - يسئلونك عن الشهر الحرام قتال إلى - الغاية.
أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد الحراني قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا يحيى بن أبي زائدة، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله ابن جحش، ومعه نفر من المهاجرين، فقتل عبد الله بن واقد الليثي عمرو بن الحضرمي في آخر يوم من رجب، وأسروا رجلين، واستاقوا العير، فوقف على ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: لم آمركم بالقتال في الشهر الحرام، فقالت قريش: استحل محمد الشهر

الحرام، فنزلت - يسألونك عن الشهر الحرام - إلى قوله - والفتنة أكبر من القتل - أي قد كانوا يقتلونكم وأنتم في حرم الله بعد إيمانكم، وهذا أكبر عند الله من أن تقتلوهم في الشهر الحرام مع كفرهم بالله، قال الزهري: لما نزل هذا قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم العير، وفادى الاسيرين ولما فرج الله تعالى عن أهل تلك السرية ما كانوا فيه من غم طمعوا فيما عند الله من ثوابه، فقالوا: يا نبي الله أنطمع أن تكون غزوة ولا نعطى فيها أجر المجاهدين في سبيل الله ؟ فأنزل الله تعالى فيهم ؟ - إن الذين
آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا - الآية.
قال المفسرون: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش وهو ابن عمة النبي صلى الله عليه وسلم في جمادي الآخرة قبل قتال بدر بشهرين على رأس سبعة عشر شهرا من مقدمه المدينة، وبعث معه ثمانية رهط من المهاجرين سعد بن أبي وقاص الزهري وعكاشة بن محصن الاسدي وعتبة بن غزوان السلمي وأبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة وسهيل بن بيضاء وعامر بن ربيعة وواقد بن عبد الله وخالد بن بكير، وكتب لاميرهم عبد الله بن جحش كتابا وقال: سر على اسم الله، ولا تنظر في الكتاب حتى تسير يومين، فإذا نزلت منزلين فافتح الكتاب واقرأه على أصحابك، ثم امض لما أمرتك، ولا تستكرهن أحدا من أصحابك على المسير معك، فسار عبد الله يومين، ثم نزل وفتح الكتاب، فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم.
أما بعد، فسر على بركة الله بمن تبعك من أصحابك حتى تنزل بطن نخلة، فترصد بها عير قريش، لعلك أن تأتينا منه بخبر فلما نظر عبد الله الكتاب قال: سمعا وطاعة، وقال لاصحابه ذلك، وقال إنه قد نهاني أن أستكره واحدا منكم حتى إذا كان بمعدن فوق الفرع وقد أضل سعد بن أبى وقاص وعتبة بن غزوان بعيرا لهما كانا يتعقبانه، فأستأذنا أن يتخلفا في طلب بعيرهما، فأذن لهما فتخلفا في طلبه ومضى عبد الله ببقية أصحابه حتى وصل بطن نخلة بين مكة والطائف، فبينما هم كذلك إذا مرت بهم عير لقريش تحمل زبيبا وأدما وتجارة من تجارة الطائف، فيهم عمرو بن الحضرمي والحكم بن كيسان وعثمان بن عبد الله بن غيرة ونوفل بن عبد

الله المخزوميان، فلما رأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هابوهم، فقال عبد الله ابن جحش: إن القوم قد زعروا منكم فاحلقوا رأس رجل منكم فليتعرض لهم، فإذا رأوه محلوقا آمنوا وقالوا قوم عمار، فحلقوا رأس عكاشة ثم أشرف عليهم فقالوا: قوم عمار لا بأس عليكم فأمنوهم، وكان ذلك في آخر يوم من جمادي الآخرة، وكانوا
يرون أنه من جمادي أو هو رجب، فتشاور القوم فيهم وقالوا،: لئن تركتموهم هذه الليلة ليدخلن الحرم فليمتنعن منكم، فأجمعوا أمرهم في مواقعة القوم، فرمى واقد بن عبد الله السهمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله، وكان أول قتيل من المشركين، واستأسر الحكم وعثمان، فكانا أول أسيرين في الاسلام، وأفلت نوفل وأعجزهم، واستاق المؤمنون العير والاسيرين حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فقالت قريش: قد استحل محمد الشهر الحرام شهرا يأمن فيه الخائف وينذعر الناس في معايشهم فسفك فيه الدماء وأخذ فيه الحرائب، وعير بذلك أهل مكة من كان بها من المسلمين، فقالوا: يا معشر الصباة استحللتم الشهر الحرام فقاتلتم فيه، وتفاءلت اليهود بذلك وقالوا: قد وقدت الحرب نارها سعرت الحرب، والحضرمي حضرت الحرب، وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لابن جحش وأصحابه: ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام، ووقف العير والاسيرين وأبى أن يأخذ من ذلك شيئا، فعظم ذلك على أصحاب السرية وظنوا أن قد هلكوا، وسقط في أيديهم وقالوا: يا رسول إنا قتلنا ابن الحضرمي ثم أمسينا فنظرنا إلى هلال رجب، فلا ندري أفي رجب أصبناه أو في جمادي، وأكثر الناس في ذلك، فأنزل الله تعالى - يسألونك عن الشهر الحرام - الآية، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم العير فعزل منها الخمس، فكان أول خمس في الاسلام، وقسم الباقي بين أصحاب السرية، فكان أول غنيمة في الاسلام، وبعث أهل مكة في فداء أسيريهم، فقال: لم نفدهم حتى يقدم سعد وعتبة، وإن لم يقدما قتلناهما بهما، فلما قدما فاداهما، وأما الحكم بن كيسان فأسلم وأقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فقتل يوم بئر معونة شهيدا، وأما عثما ن بن عبد الله فرجع إلى مكة، فما ت بها كافرا،

وأما نوفل فضرب بطن فرسه يوم الاحزاب ليدخل الخندق على المسلمين، فوقع في الخندق مع فرسه فتحطما جميعا، فقتله الله تعالى، وطلب المشركون جيفته بالثمن، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم، خذوه فإنه خبيث الجيفة خبيث الدية، فهذا سبب نزول قوله تعالى - يسألونك عن الشهر الحرام - والآية التي بعدها.
* قوله: (يسألونك عن الخمر والميسر) الآية، نزلت في عمر بن الخطاب ومعاذ ابن جبل ونفر من الانصار أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: أفتنا في الخمر والميسر فإنهما مذهبة للعقل مسلبة للما ل، فأنزل الله تعالى هذه الآيه.
* قوله: (يسألونك عن اليتامى) أخبرنا أبو منصور عبد القاهر بن طاهر، أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسن السراج قال: حدثنا الحسن بن المثنى بن معاذ قال: حدثنا أبو حذيفة موسى بن مسعود قال: حدثنا سفيان الثوري عن سالم الافطس، عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت - إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما - عزلوا أموالهم.
فنزلت - قل إصلاح لهم خير، وإن تخالطوهم فإخوانكم - فخلطوا أموالهم بأموالهم.
أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد الزاهد قال: أخبرنا أبو علي الفقيه قال: أخبرنا عبد الله بن محمد البغوي قال: حدثنا عثما ن بن أبي شيبة قال: حدثنا جرير، عن عطاء ابن السائب، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما أنزل الله عز وجل - ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن - وإن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما - انطلق من كان عنده مال يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه، وجعل يفضل الشئ من طعامه فيجلس له حتى يأكله أو يفسد، واشتد ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل - يسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير، وإن تخالطوهم - فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم.

* قوله (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) الآية، أخبرنا أبو 3 حدثنا إسماعيل
ابن قتيبة قال: حدثنا أبو بكير قال: حدثنا خالد بن معروف، عن مقاتل ابن حيان قال: نزلت في أبي مرثد الغنوى، استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في عناق أن يتزوجها، وهي امرأة مسكينة من قريش، وكانت ذات حظ من جمال وهي مشركة وأبو مرثد مسلم، فقال: يا نبي الله إنها لتعجبني، فأنزل الله عز وجل - ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن - أخبرنا أبو عثمان قال: أخبرنا جدى قال: أخبرنا أبو عمر قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا عمر بن حماد قال: حدثنا أسباط عن السدى، عن أبي مالك، عن ابن عباس في هذه الآية قال: نزلت في عبد الله بن رواحة، وكانت له أمة سوداء وأنه غضب عليها فلطمها، ثم إنه فزع، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره خبرها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ماهي يا عبد الله ؟ فقال: يا رسول الله هي تصوم وتصلي وتحسن الوضوء، وتشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسوله، فقا ل: يا عبد الله هذه مؤمنة، قال عبد الله: فو الذي بعثك بالحق لاعتقنها ولاتزوجنها، ففعل، فطعن عليه ناس من المسلمين فقالوا: نكح أمة، وكانوا يريدون أن ينكحوا إلى المشركين وينكحوهم رغبة في أحسابهم، فأنزل الله تعالى فيه - ولامة مؤمنة خير من مشركة - الآية.
وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلا من غنى يقال له مرثد بن أبي مرثد حليفا لبني هاشم إلى مكة ليخرج ناسا من المسلمين بها أسراء، فلما قدمها سمعت به امرأة يقال لها عناق، وكانت خليلة له في الجاهلية، فلما أسلم أعرض عنها، فأتته فقالت: ويحك يا مرثد ألا نخلو، فقال لها: إن الاسلام قد حال بيني وبينك وحرمه علينا، ولكن إن شئت تزوجتك إذا رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذنته في ذلك ثم تزوجتك، فقالت له: أنت تتبرم، ثم استغاثت عليه فضربوه ضربا شديدا، ثم خلوا سبيله، فلما قضى حاجته بمكة انصرف

إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا وأعلمه الذي كان من أمره وأمر عناق وما لقى في سببها، فقال: يا رسول الله أتحل أن أتزوجها فأنزل الله ينهاه عن ذلك قوله - ولا تنكحوا المشركات - * قوله: (ويسألونك عن المحيض) الآية، أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد ابن أحمد ابن جعفر قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا قال: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدغولى قال: حدثنا محمد بن مشكاة قال: حدثنا حيان قال حدثنا حماد قال: حدثنا ثابت، عن أنس، أن اليهود كانت إذا حاضت منهم امرأة أخرجوها من البيت، فلم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيت، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله عز وجل - يسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض - إلى آخر الآية - رواه مسلم، عن زهير بن حرب، عن عبد الرحمن ابن مهدى، عن حماد.
أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر الخشاب قال: أخبرنا أبو عمرو بن حمدان قال: أخبرنا أبو عمران موسى بن العباس الجوهرى قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد الفردوانى الحرانى قال: حدثني أبي، عن سابق بن عبد الله الذفى، عن خصيف، عن محمد ابن المنكدر، عن جابر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله - ويسألونك عن المحيض قل هو أذى - - قال إن اليهود قالت: من أتى امرأته من دبرها كان ولده أحول، فكان نساء الانصار لا يدعن أزواجهن يأتونهن من أدبارهن، فجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه عن إتيان الرجل امرأته وهي حائض، وعما قالت اليهود، فأنزل الله عز وجل - ويسألونك عن المحيض - ولا تقربوهن حتى يطهرن - يعني الاغتسال - فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله - يعني القبل - إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين، نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم - فإنما الحرث حيث ينبت الولد ويخرج منه
وقال المفسرون: كانت العرب في الجاهلية إذا حاضت المرأة لم تؤاكلها ولم تشاربها

ولم تساكنها في بيت كفعل المجوس، فسأل أبو الدحداح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: يا رسول الله ما نصنع بالنساء إذا حضن ؟ فأنزل الله هذه الآية.
* قوله تعالى: (نساؤكم حرث لكم) الآية، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي قال: أخبرنا حاجب بن أحمد قال: حدثنا عبد الرحيم بن منيب قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن المنكدر، سمع جابر بن عبد الله يقول: كانت اليهود تقول في الذي يأتي امرأته من دبرها في قبلها: إن الولد يكون أحول، فنزل - نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم - رواه البخاري، عن أبي نعيم ورواه مسلم، عن أبي بكر بن أبي شيبة، كلاهما عن سفيان.
أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، أخبرنا أبو سعيد إسماعيل بن أحمد الجلالي، أخبرنا عبد الله بن زيدان البجلي قال: حدثنا أبو كريب قال: حدثنا المحاربي، عن محمد ابن إسحاق، عن أبان بن مسلم، عن مجاهد قال: عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية منه فأسأله عنها حتى انتهى إلى هذه الآية - نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم - فقال ابن عباس: إن هذا الحي من قريش كانوا يتزوجون النساء ويتلذذون بهن مقبلات ومدبرات، فلما قدموا المدينة تزوجوا من الانصار، فذهبوا ليفعلوا بهن كما كانوا يفعلون بمكة، فأنكرن ذلك وقلن: هذا شئ لم نكن نؤتى عليه، فانتشر الحديث حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى في ذلك - نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم - قال: إن شئت مقبلة وإن شئت مدبرة وإن شئت باركة، وإنما يعني بذلك موضع الولد للحرث يقول: ائت الحارث حيث شئت.
رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه، عن أبي زكريا العنبري، عن محمد بن عبد السلام عن إسحاق بن إبراهيم
عن المحاربي.
أخبرنا سعيد بن محمد الجنائي قال: أخبرنا أبو علي بن أبي بكر الفقيه قال: حدثنا أبو القاسم البغوي قال: حدثنا علي بن جعد قال: حدثنا شعبة، عن محمد ابن المنكدر

قال سمعت جابر قال: قالت اليهود: إن الرجل إذا أتى امرأته باركة كان الولد أحول، فأنزل الله عز وجل - نساؤكم حرث لكم - الآية.
أخبرنا سعيد بن محمد الحنائي قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن حمدون قال: أخبرنا أحمد بن الحسين بن البرقى قال: أخبرنا أبو الازهر قال: حدثنا وهب ابن جرير قال: حدثنا أبو كريب قال: سمعت النعمان بن راشد عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال قالت اليهود: إذا نكح الرجل امرأته مجبية جاء ولدها أحول، فنزلت - نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم - إن شاء مجبية وإن شاء غير مجبية، غير أو ذلك في صمام واحد.
رواه مسلم عن هارون بن معروف عن وهب بن جرير قال الشيخ أبو حامد بن الشرفى: هذا حديث جليل يساوي مائة حديث، لم يروه عن الزهري إلا النعمان بن راشد.
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن المطوعى قال: أخبرنا عمر بن حمدان قال: حدثنا أبو علي قال: حدثنا زهير قال: حدثنا يونس بن محمد قال: حدثنا يعقوب القمي قال: حدثنا جعفر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: (جاء عمر بن الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت، فقال: وما الذي أهلكك ؟ قال: حولت رحلي الليلة، قال: فلم يرد عليه شيئا فأوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية - نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم يقول: أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة).
أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد الاصفهاني قال: حدثنا عبد الله بن محمد الحافظ قال: حدثنا أبو يحيى الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا المحاربي، عن ليث
عن أبي صالح، عن سعيد بن المسيب أنه سئل عن قوله - فأتوا حرثكم أنى شئتم - قال: نزلت في العزل، وقال ابن عباس في رواية الكلبي نزلت في المهاجرين لما قدموا المدينة، ذكروا إتيان النساء فيما بينهم والانصار واليهود من بين أيديهن ومن خلفهن،

إذا كان المأتى واحدا في الفرج، فعابت اليهود ذلك إلا من بين أيديهن خاصه، وقالوا: إنا لنجد في كتاب الله التوراة إن كل إتيان يؤتى النساء غير مستلقيات دنس عند الله، ومنه يكون الحول والخبل، فذكر المسلمون ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: إنا كنا في الجاهلية وبعد ما أسلمنا نأتي النساء كيف شئنا، وإن اليهود عابت علينا ذلك، وعرفت لنا كذا وكذا فأكذب الله تعالى اليهود ونزل عليه يرخص لهم - نساؤكم حرث لكم - يقول: الفرج مزرعة للولد - فأتوا حرثكم أنى شئتم - يقول: كيف شئتم من بين يديها ومن خلفها في الفرج.
* قوله: (ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم) قال الكلبي: نزلت في عبد الله ابن رواحة ينهاه عن قطيعة ختنه بشر بن النعمان، وذلك أن ابن رواحة حلف أن لا يدخل عليه أبدا، ولا يكلمه، ولا يصلح بينه وبين امرأته، ويقول: قد حلفت بالله أن لا أفعل، ولا يحل إلا أن أبر في يميني، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله: (للذين يؤلون من نسائهم) الآية.
أخبرنا محمد بن يونس بن الفضل قال: حدثنا محمد بن يعقوب قال: حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا الحارث بن عبيد قال: حدثنا عامر الاحول، عن عطاء عن ابن عباس قال: كان إيلاء أهل الجاهلية السنة والسنتين وأكثر من ذلك، فوقت الله أربعة أشهر، فمن كان إيلاؤه أقل من أربعة أشهر فليس بإيلاء، وقال سعيد بن المسيب: كان الايلاء ضرار أهل الجاهلية، كان الرجل لا يريد المرأة ولا يحب أن يتزوجها غيره فيحلف أن لا يقربها أبدا، وكان يتركها كذلك لا أيما ولا ذات بعل، فجعل الله تعالى الاجل الذي يعلم به ما عند الرجل في المرأة أربعة أشهر، وأنزل الله تعالى - للذين يؤلون من
نسائهم - الآية.
* قوله: (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف) الآية، أخبرنا أحمد بن الحسن القاضي قال: حدثنا محمد بن يعقوب قال: أخبرنا الربيع قال: حدثنا الشافعي قال: أخبرنا (4 - أسباب النزول)

مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: كان الرجل إذا طلق امرأته ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدتها، كان ذلك له وإن طلقها ألف مرة، فعمد رجل إلى امرأة له فطلقها، ثم أمهلها حتى إذا شارفت انقضاء عدته ارتجعها، ثم طلقها وقال: والله لا آويك إلي ولا تحلين أبدا، فأنزل الله عز وجل - الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان -.
أخبرنا أبو بكر التميمي قال: حدثنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن المرزبان قال: حدثنا محمد بن إبراهيم الخورى قال: حدثنا محمد بن سليمان قال: حدثنا أبو يعلى المقرى مولى آل الزبير، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أنها أتتها امرأة فسألتها عن شئ من الطلاق، قالت: فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فنزلت - الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان -.
* قوله (وإذا طلقتم النساء، فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن) الآية.
أخبرنا أبو سعد بن أبي بكر الغازي قال: أخبرنا أبو أحمد محمد بن محمد بن إسحاق الحافظ قال: أخبرني أحمد بن محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن جعفر بن عبد الله قال: حدثنا أبى قال: حدثنا إبراهيم بن طهمان عن يونس بن عبيد عن الحسن أنه قال في قول الله عز وجل - فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا - الآية، قال حدثني معقل بن يسار أنها نزلت فيه قال: كنت زوجت أختا لي من رجل فطلقها، حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها، فقلت له: زوجتك وأفرشتك وأكرمتك فطلقتها ثم جئت تخطبها ؟
لا والله لا تعود إليها أبدا، قال: وكان رجلا لا بأس به وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فأنزل الله عز (وجل) هذه الآية فقلت: الآن أفعل يا رسول الله، فزوجتها إياه.
ورواه البخاري عن أحمد بن حفص، أخبرنا الحاكم أبو منصور محمد بن محمد المنصوري قال: حدثنا علي بن عمر ابن مهدى قال: حدثنا محمد بن عمرو البختري قال: حدثنا يحيى بن جعفر قال: حدثنا أبو عامر العقدي قال: حدثنا عباس بن راشد عن الحسن قال: حدثني معقل بن يسار

قال: كانت لي أخت فخطبت إلي وكنت أمنعها الناس، فأتاني ابن عم لي فخطبها فأنكحتها إياه فاصطحبا ما شاء الله، ثم طلقها طلاقا له رجعة، ثم تركها حتى انقضت عدته فخطبها مع الخطاب، فقلت: منعتها الناس وزوجتك إياها، ثم طلقتها طلاقا له رجعة، ثم تركتها حتى انقضت عدتها، فلما خطبت إلي أتيتني تخطبها لا أزوجك أبدا، فأنزل الله تعالى - وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن - فكفرت عن يميني وأنكحتها إياه.
أخبرنا إسماعيل بن أبي القاسم النصراباذي قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله ابن إبراهيم بن المثنى، أخبرنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله البصري قال: حدثنا حجاج ابن منهال قال: حدثنا مبارك بن فضالة، عن الحسن، أن معقل بن يسار زوج أخته من رجل من المسلمين، وكانت عنده ما كانت، فطلقها تطليقة ثم تركها ومضت العدة، فكانت أحق بنفسها، فخطبها مع الخطاب فرضيت أن ترجع إليه، فخطبها إلى معقل ابن يسار، فغضب معقل وقال: أكرمتك بها فطلقتها، لا والله لا ترجع إليك بعدها، قال الحسن: علم الله حاجة الرجل إلى امرأته وحاجة المرأة إلى بعلها، فأنزل الله تعالى في ذلك القرآن - وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف - إلى آخر الآية، قال: فسمع ذلك معقل بن يسار فقال: سمعا
لربي وطاعة، فدعا زوجها فقال: أزوجك وأكرمك، فزوجها إياه.
أخبرنا سعيد بن مجلى بن أحمد الشاهد، أخبرنا جدى، أخبرنا أبو عمر الجزرى قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا عمر بن حماد قال: حدثنا أسباط، عن السدى، عن رجاله قال: نزلت في جابر بن عبد الله الانصاري كانت له بنت عم، فطلقها زوجها تطليقة، فانقضت عدتها، ثم رجع يريد رجعتها فأبى جابر وقال: طلقت ابنة عمنا، ثم تريد أن تنكحها، وكانت المرأة تريد زوجها قد رضيت به، فنزلت فيهم الآية.
قوله: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لازواجهم) الآية.
أخبرنا أبو عمر محمد بن عبد العزيز المروزى في كتابه، أخبرنا أبو الفضل الحدادي،

أخبرنا محمد بن يحيى بن خالد، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الحتلى قال: حدث عن ابن حيان في هذه الآية، أن رجلا من أهل الطائف قدم المدينة وله أولاد رجال ونساء، ومعه أبواه وامرأته، فمات بالمدينة، فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأعطى الوالدين وأعطى أولاده بالمعروف ولم يعط أمرأته شيئا، غير أنه أمرهم، أن ينفقوا عليها من تركة زوجها إلى الحول.
* قوله: (لا إكراه في الدين) أخبرنا محمد بن أحمد بن جعفر المزكى، أخبرنا زاهد بن أحمد، أخبرنا الحسين بن محمد مصعب قال: حدثني يحيى بن حكيم قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كانت المرأة من نساء الانصار تكون مقلاة، فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوده، فلما أجليت النضير كان فيهم من أبناء الانصار، فقالوا: لا ندع أبناءنا، فأنزل الله تعالى - لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي -.
أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل قال: حدثنا محمد بن يعقوب قال: أخبرنا إبراهيم ابن مرزوق قال: حدثنا وهب بن جرير، عن شعبة عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير،
عن ابن عباس في قوله تعالى - لا إكراه في الدين - قال: كانت المرأة من الانصار لا يكاد يعيش لها ولد، فتحلف لئن عاش لها ولد لتهودنه، فلما أجليت بنو النضير إذا فيهم أناس من الانصار، فقالت الانصار: يا رسول الله أبناؤنا، فأنزل الله تعالى - لا إكراه في الدين - قال سعيد بن جبير: فمن شاء لحق بهم، ومن شاء دخل في الاسلام.
وقال مجاهد: نزلت هذه الآية في رجل من الانصار كان له غلام أسود يقال له صبيح، وكان يكرهه على الاسلام.
وقال السدى: نزلت في رجل من الانصار يكنى أبا الحصين، وكان له ابنان، فقدم تجار الشام إلى المدينة يحملون الزيت، فلما أرادوا الرجوع من المدينة أتاهم ابنا أبي الحصين فدعوهما إلى النصرانية فتنصرا وخرجا إلى الشام، فأخبر أبو الحصين

رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: اطلبهما، فأنزل الله عز وجل - لاإكراه في الدين - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبعدهما الله هما أول من كفر، قال: وكان هذا قبل أن يؤمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال أهل الكتاب، ثم نسخ قوله - لا إكراه في الدين - وأمر بقتال أهل الكتاب في سورة براءة.
وقال مسروق: كان لرجل من الانصار من بني سالم بن عوف ابنان، فتنصرا قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قدما المدينة في نفر من النصارى يحملون الطعام، فأتاهما أبوهما فلزمهما، وقال: والله لا أدعكما حتى تسلما، فأبيا أن يسلما، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أيدخل بعضي النار وأنا أنظر ؟ فأنزل الله عز وجل - لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي - فخلى سبيلهما.
أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد المقرى، أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن عبدوس قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن محفوظ قال: حدثنا عبد الله بن هاشم قال: أخبره عبد الرحمن بن مهدى، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد قال: كان ناس
مسترضعين في اليهود قريظة والنضير، فلما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإجلاء بني النضير قال أبناؤهم من الاوس الذين كانوا مسترضعين فيهم، لنذهبن معهم ولندينن بدينهم، فمنعهم أهلهم وأرادوا أن يكرهوهم على الاسلام، فنزلت - لاإكراه في الدين - الآية.
* قوله: (وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيى الموتى) الآية، ذكر المفسرون السبب في سؤال إبراهيم ربه أن يريه إحياء الموتى.
أخبرنا سعيد بن محمد ابن أحمد بن جعفر قال: أخبرنا شعيب ابن محمد قال: أخبرنا مكى بن عبدان قال: حدثنا أبو الازهر قال: حدثنا روح قال: حدثنا سعيد عن قتادة قال: ذكر لنا أن إبراهيم أتى على دابة ميتة قد توزعتها دواب البر والبحر، قال: رب أرني كيف تحيى الموتى، وقال حسن وعطاء الخراساني والضحاك وابن جريج: كانت جيفة حمار بساحل البحر.
قال عطاء: بحيرة طبرية، قالوا: فرآها قد توزعتها دواب البر والبحر فكان إذا مد البحر جاءت الحيتان ودواب البحر فأكلت منها، فما وقع منها

يقع في الماء وإذا جذر البحر جاءت السباع فأكلت منها فما وقع منها يصير ترابا، فإذا ذهبت السباع جاءت الطير فأكلت منها، فما سقط قطعته الريح في الهواء، فلما رأى ذلك إبراهيم تعجب منها وقال: يا رب قد علمت لتجمعنها فأرني كيف تحييها لاعاين ذلك ؟ وقال ابن زيد مر إبراهيم بحوت ميت نصفه في البر ونصفه في البحر فما كان، في البحر فدواب البحر تأكله، وما كان منه في البر فدواب البر تأكله، فقال له، إبليس الخبيث متى يجمع الله هذه الاجزاء من بطون هؤلاء فقال: رب أرني كيف تحيى الموتى، قال: أو لم تؤمن ؟ قال: بلى ولكن ليطمئن قلبي، بذهاب وسوسة إبليس منه أخبرنا أبو نعيم الاصفهاني فيما أذن لي في روايته قال: حدثنا عبد الله بن محمد
ابن جعفر قال: حدثنا محمد بن سهل قال: حدثنا سلمة بن شبيب قال: حدثنا إبراهيم ابن الحكم بن أبان قال: حدثنا أبي قال: كنت جالسا مع عكرمة عند الساحل، فقال عكرمة: إن الذين يغرقون في البحار تقسم الحيتان لحومهم فلا يبقى منهم شئ إلا العظام فتلقيها الامواج على البر فتصير حائلة نخرة، فتمر بها الابل فتأكلها فتبعر، ثم يجئ قوم فيأخذون ذلك البعر فيوقدون فتخمد تلك النار، فتجئ ريح فتسفى ذلك الرماد على الارض، فإذا جاءت النفخة خرج أولئك وأهل القبور سواء، وذلك قوله تعالى - فإذا هم قيام ينظرون -.
وقال محمد بن إسحاق بن يسار: إن إبراهيم لما احتج على نمروذ فقال: ربي الذي يحيى ويميت، وقال نمروذ أنا أحيى وأميت، ثم قتل رجلا وأطلق رجلا، قال: قد أمت ذلك وأحييت هذا، قال له إبراهيم: فإن الله يحيى بأن يرد الروح إلى جسد ميت، فقال له نمروذ: هل عاينت هذا الذي تقوله ؟ ولم يقدر أن يقول نعم رأيته، فتنقل إلى حجة أخرى، ثم سأل ربه أن يريه إحياء الميت لكي يطمئن قلبه عند الاحتجاج، فإنه يكون مخبرا عن مشاهدة وعيان.

وقال ابن عباس وسعيد بن جبير والسدى: لما اتخذ الله إبراهيم خليلا استأذن ملك الموت ربه أن يأتي إبراهيم فيبشره بذلك، فأتاه فقال: جئتك أبشرك بأن الله تعالى اتخذك خليلا، فحمد الله عز وجل وقال: ما علامة ذلك ؟ قال: أن يجيب الله دعاءك وتحيى الموتى بسؤالك، ثم انطلق وذهب، فقال إبراهيم: رب أرني كيف تحيي الموتى، قال: أو لم تؤمن ؟ قال: بلى، ولكن ليطمئن قلبي بعلمي أنك تجيبني إذا دعوتك، وتعطيني إذا سألتك، أنك اتخذتني خليلا.
* قوله: (الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله) الآية.
قال الكلبي: نزلت في عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف، أما عبد الرحمن بن عوف فإنه جاء
إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأربعة آلاف درهم صدقة، فقال: كان عندي ثمانية آلاف درهم، فأمسكت منها لنفسي ولعيالي أربعة آلاف درهم، وأربعة آلاف أقرضتها ربي، فقال، له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بارك الله لك فيما أمسكت وفيما أعطيت وأما عثمان رضى الله عنه فقال: علي جهاز من لا جهاز له في غزوة تبوك، فجهز المسلمين بألف بعير بأقتابها وأحلاسها، وتصدق برومة ركية كانت له على المسلمين، فنزلت فيهما هذه الآية.
وقال أبو سعيد الخدري: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رافعا يده يدعو لعثمان ويقول: يا رب إن عثمان بن عفان رضيت عنه فارض عنه، فما زال رافعا يده حتى طلع الفجر، فأنزل الله تعالى فيه - الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله - الآية.
* قوله: (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم) الآية.
أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد الصيدلاني قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن محمد بن نعيم قال: حدثنا أحمد بن سهل بن حمدويه قال: حدثنا قيس بن أسيف قال: حدثنا قتيبة ابن سعيد، قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر: قال أمر النبي صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر بصاع من تمر، فجاء رجل بتمر ردئ،

فنزل القرآن - يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الارض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون -.
أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد الواعظ قال: أخبرنا عبد الله بن حامد الاصفهاني قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الفارسي قال: حدثنا أحمد بن موسى الجماز قال: حدثنا عمر بن حماد بن طلحة قال: حدثنا أسباط بن نصر، عن السدى، عن عدي بن ثابت، عن البراء قال: نزلت هذه الآية في الانصار، كانت تخرج إذا كان جذاذ النخل من حيطانها أقناء من التمر والبسر، فيعلقونها على حبل بين أسطوانتين في مسجد رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فيأكل منه فقراء المهاجرين، وكان الرجل يعمد فيخرج قنو الحشف وهو يظن أنه جائز عنه في كثرة ما يوضع من الاقناء، فنزل فيمن فعل ذلك - ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون - يعني القنو الذي فيه حشف، ولو أهدى إليكم ما قبلتموه.
* قوله: (إن تبدوا الصدقات) الآية، قال الكلبي: لما نزل قوله تعالى: (وما أنفقتم من نفقة) الآية، قالوا: يا رسول الله صدقة السر أفضل أم صدقة العلانية ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله: (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية) الآية، أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم النصراباذي قال: أخبرنا أبو عمرو بن محمد قال: أخبرنا محمد ابن الحسن بن الجليل قال: حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا محمد بن شعيب، عن ابن مهدى عن يزيد بن عبد الله، عن شعيب، عن أبيه عن جده، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نزلت هذه الآية - الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم - في أصحاب الخيل، وقال: إن الشياطين لا تخبل أحدا في بيته فرس عتيق من الخيل، وهذا قول أبي أمامة وأبي الدرداء ومكحول والاوزاعي ورباح بن يزيد، قالوا: هم الذين يرتبطون الخيل في سبيل الله تعالى ينفقون عليها بالليل والنهار سرا وعلانية، نزلت فيمن لم يرتبطها تخيلا ولا افتخارا.

أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي قال: أخبرني الحسين بن محمد الدينوري قال: حدثنا عمر بن محمد بن عبد الله النهرواني قال: حدثنا علي بن محمد بن مهرويه القزويني قال: حدثنا علي بن داود القنطرى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني أبو شريح، عن قيس بن الحجاج، عن خثيم بن عبد الله الصنعاني أنه قال: حدث ابن عباس في هذه الآية - الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار - قال في علف الخيل، ويدل على صحة هذا ما أخبرنا أبو إسحاق المقرى قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد
ابن عبدوس قال: أخبرنا أبو العباس عبد الله بن يعقوب الكرماني قال: حدثنا محمد ابن زكريا الكرماني قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا عبد الحميد بن بهرام عن شهر ابن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ارتبط فرسا في سبيل الله فأنفق عليه احتسابا كان شبعه وجوعه وريه وظمؤه وبوله وروثه في ميزانه يوم القيامة).
وأخبرنا أبو إسحاق قال: أخبرنا أبو عمرو الفراتي قال: أخبرنا أبو موسى عمران ابن موسى قال: حدثنا سعيد بن عثمان الخدري قال: حدثنا فارس بن عمر قال: حدثنا صالح بن محمد قال: حدثنا سليمان بن عمرو عن عبد الرحمن بن يزيد، عن مكحول عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (المنفق في سبيل الله على فرسه كالباسط كفيه بالصدقة).
أخبرنا أبو حامد أحمد بن الحسن الكاتب قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن شاذان الرازي.
قال: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: حدثنا أبو سعيد الاشج قال: حدثنا زيد بن الحباب قال: أخبرنا رجاء بن أبي سلمة، عن سليمان بن موسى الدمشقي، عن عجلان بن سهل الباهلي قال: سمعت أبا أمامة الباهلي يقول: من ارتبط فرسا في سبيل الله لم يرتبطه رياء ولا سمعة كان من الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار، الآية.
قول آخر: أخبرنا محمد بن يحيى بن مالك الضبى قال: حدثنا محمد بن إسماعيل

الجرجاني قال: حدثنا عبد الرزاق قال: حدثنا عبد الوهاب بن مجاهد، عن أبيه، عن ابن عباس في قوله - الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية - قال: نزلت في علي بن أبي طالب كان عنده أربعة دراهم، فأنفق بالليل واحدا، وبالنهار واحدا، وفي السر واحدا وفي العلانية واحدا.
أخبرنا أحمد بن الحسن الكاتب قال: حدثنا محمد بن أحمد بن شاذان قال: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: حدثنا أبو سعيد الاشج قال: حدثنا يحيى ابن يمان، عن عبد الوهاب بن مجاهد، عن أبيه قال: كان لعلي رضي الله عنه أربعة دراهم، فأنفق درهما بالليل، ودرهما بالنهار، ودرهما سرا، ودرهما علانية، فنزلت - الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية -.
وقال الكلبي: نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب رضى الله عنه لم يكن يملك غير أربعة دراهم، فتصدق بدرهم ليلا، وبدرهم نهارا، وبدرهم سرا، وبدرهم علانية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما حملك على هذا ؟ قال: حملني أن أستوجب على الله الذي وعدني، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا إن ذلك لك) فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا) أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن جعفر قال: أخبرنا أبو عمرو بن حمدان قال: أخبرنا أبو يعلى قال: حدثنا أحمد بن الاحمشي قال: حدثنا محمد بن فضيل قال: حدثنا الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس: بلغنا والله أعلم أن هذه الآية نزلت في بني عمرو ابن عمير ابن عوف من ثقيف، وفي بني المغيرة من بني مخزوم، وكانت بنو المغيرة يربون لثقيف، فلما أظهر الله تعالى رسوله على مكة، وضع يومئذ الربا كله، فأتى بنو عمرو ابن عمير وبنو المغيرة إلى عتاب بن أسيد وهو على مكة، فقال بنو المغيرة: ما جعلنا أشقى الناس بالربا وضع عن الناس غيرنا، فقال بنو عمرو بن عمير: صولحنا على أن لنا ربانا، فكتب عتاب في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية

والتي بعدها - فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله - فعرف بنو عمرو أن لايدان لهم بحرب من الله ورسوله، يقول الله تعالى - فإن تبتم فلكم رءوس أموالكم
لا تظلمون - فتأخذون أكثر - ولا تظلمون - فتبخسون منه.
وقال عطاء، وعكرمة: نزلت هذه الآية في العباس بن عبد المطلب وعثمان ابن عفان، وكانا قد أسلفا في التمر، فلما حضر الجداد قال لهما صاحب التمر: لا يبقى لي ما يكفي عيالي إذا أنتما أخذتما حظكما كله، فهل لكما أن تأخذا النصف وأضعف لكما، ففعلا، فلما حل الاجل طلبا الزيادة، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهاهما وأنزل الله تعالى هذه الآية، فسمعا وأطاعا وأخذا رءوس أموالهما.
وقال السدى: نزلت في العباس وخالد بن الوليد، وكانا شريكين في الجاهلية يسلفان في الربا، فجاء الاسلام ولهما أموال عظيمة في الربا، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب).
* قوله: (وإن كان ذو عسرة) قال الكلبي: قالت بنو عمرو بن عمير لبني المغيرة: هاتوا رءوس أموالنا ولكم الربا ندعه لكم، فقالت بنو المغيرة: نحن اليوم أهل عصرة فأخرونا إلى أن تدرك الثمرة، فأبوا أن يؤخروهم فأنزل الله تعالى - وإن كان ذو عسرة الآية -.
* قوله: (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه) أخبرنا الامام أبو منصور عبد القاهر بن طاهر قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن علي بن زياد قال: حدثنا محمد ابن إبراهيم البوشنجى قال: حدثنا أمية بن بسطام قال: حدثنا يزيد بن ذريع قال: حدثنا روح بن القاسم، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: لما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم - وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله - الآية، اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أتوا رسول الله صلى الله

عليه وسلم فقالوا: كلفنا من الاعمال ما نطيق: الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد
أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم ؟ أراه قالوا سمعنا وعصينا، قولوا سمعنا وأطعنا عفرانك ربنا وإليك المصير، فلما اقترأها القوم وجرت بها ألسنتهم أنزل الله تعالى في إثرها - آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه - الآية كلها ونسخها الله تعالى فأنزل الله - لا يكلف الله نفسها إلا وسعها - الآية إلى آخرها) رواه مسلم عن أمية بن بسطام.
أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى قال: حدثنا والدي قال: حدثنا محمد ابن إسحاق الثقفي قال: حدثنا عبد الله بن عمر ويوسف بن موسى قالا: أخبرنا وكيع قال: حدثنا سفيان، عن آدم بن سليمان قال: سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية - وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله - دخل قلوبهم منها شئ لم يدخلها من شئ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (قولوا سمعنا وأطعنا وسلمنا.
فألقى الله تعالى الايمان في قلوبهم، فقالوا: سمعنا وأطعنا، فأنزل الله تعالى - لا يكلف الله نفسا إلا وسعها - حتى بلغ - أو أخطأنا - فقال: قد فعلت إلى آخر البقرة، كل ذلك يقول قد فعلت) رواه مسلم عن أبي بكر ابن أبي شيبة عن وكيع قال المفسرون: لما نزلت هذه الآية - وإن تبدوا ما في أنفسكم - جاء أبو بكر وعمر و عبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وناس من الانصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجثوا على الركب وقالوا: يا رسول الله، والله ما نزلت آية أشد علينا من هذه الآية، إن أحدنا ليحدث نفسه بما لا يحب أن يثبت في قلبه وأن له الدنيا وما فيها، وإنا لمؤاخذون بما نحدث به أنفسنا هلكنا والله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هكذا أنزلت، فقالوا: هلكنا وكلفنا من العمل ما لا نطيق، قال: فلعلكم تقولون كما قال بنو إسرائيل لموسى: سمعنا وعصينا، قولوا: سمعنا وأطعنا فقالوا سمعنا وأطعنا،

واشتد ذلك عليهم، فمكثوا بذلك حولا، فأنزل الله تعالى الفرج والراحة بقوله - لا يكلف الله نفسا إلا وسعها - الآية، فنسخت هذه الآية ما قبلها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله قد تجاوز لامتي ما حدثوا به أنفسهم ما لم يعملوا أو يتكلموا به) سورة آل عمران قال المفسرون: قدم وفد نجران، وكانوا ستين راكبا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم، وفي الاربعة عشر ثلاثة نفر إليهم يئول أمرهم، فالعاقب أمير القوم وصاحب مشورتهم الذي لا يصدرون إلا عن رأيه واسمه عبد المسيح، والسيد إمامهم وصاحب رحلهم واسمه الايهم، وأبو حارثة بن علقمة أسقفهم وحبرهم، وإمامهم وصاحب مدراسهم، وكان قد شرف فيهم ودرس كتبهم حتى حسن علمه في دينهم، وكانت ملوك الروم قد شرفوه ومولوه وبنوا له الكنائس لعلمه واجتهاده، فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخلوا مسجده حين صلى العصر، عليهم ثياب الحبرات جبات وأردية في جمال رجال الحارث بن كعب، يقول بعض من رآهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما رأينا وفدا مثلهم، وقد حانت صلاتهم، فقاموا فصلوا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوهم فصلوا إلى المشرق، فكلم السيد والعاقب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسلما، فقالا: قد أسلمنا قبلك، قال: كذبتما منعكما من الاسلام دعاؤكما لله ولدا، وعبادتكما الصليب، وأكلكما الخنزير، قالا: إن لم يكن عيسى ولد الله فمن أبو ه ؟ وخاصموه جميعا في عيسى، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: ألستم تعلمون أنه لا يكون ولد إلا ويشبه أباه ؟ قالوا: بلى، قال: ألستم تعلمون أن ربنا حي لا يموت، وأن عيسى أتى عليه الفناء ؟ قالوا: بلى،
قال: ألستم تعلمون أن ربنا قيم على كل شئ يحفظه ويرزقه ؟ قالوا: بلى، قال: فهل يملك

عيسى من ذلك شيئا، قالوا: لا، قال: فإن ربنا صور عيسى في الرحم كيف شاء، وربنا لا يأكل ولا يشرب ولا يحدث ؟ قالوا: بلى، قال: ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة، ثم وضعته كم تضع المرأة ولدها، ثم غذى كما يغذى الصبي، ثم كان يطعم ويشرب ويحدث ؟ قالوا: بلى، قال: فكيف يكون هذا كما زعمتم ؟ فسكتوا، فأنزل الله عز وجل فيهم صدر سورة آل عمران إلى بضعة وثمانين آية منها.
* قوله: (قل للذين كفروا ستغلبون) الآية، قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: أن يهود أهل المدينة قالوا لما هزم الله المشركين يوم بدر: هذا والله النبي الامي الذي بشرنا به موسى، ونجده في كتابنا بنعته وصفته، وأنه لا نرد له راية، فأرادوا تصديقه واتباعه، ثم قال بعضهم لبعض: لا تعجلوا حتى ننظر إلى وقعة له أخرى فلما كان يوم أحد ونكب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شكوا، وقالوا: لا والله ما هو به وغلب عليهم الشقاء فلم يسلموا، وكان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلى مدة، فنقضوا ذلك العهد، وانطلق كعب بن الاشرف في ستين راكبا إلى أهل مكة أبي سفيان وأصحابه فوافقوهم وأجمعوا أمرهم، وقالوا: لتكونن كلمتنا واحدة، ثم رجعوا إلى المدينة، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية.
وقال محمد بن إسحاق بن يسار: لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا ببدر، فقدم المدينة جمع اليهود وقال: يا معشر اليهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش يوم بدر، وأسلموا قبل أن ينزل بكم ما نزل بهم، فقد عرفتم أني نبي مرسل، تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم، فقالوا: يا محمد لا يغرنك أنك لقيت قوما أغمارا لا علم لهم بالحرب، فأصبت فيهم فرصة، أما والله لو قاتلناك لعرفت أنا نحن الناس، فأنزل الله تعالى - قل للذين كفروا - يعني اليهود - ستغلبون - تهزمون - وتحشرون إلى جهنم -
في الآخرة، هذه رواية عكرمة وسعيد بن جبير عن ابن عباس.
* قوله: (شهد الله أنه لا إله إلا هو) قال الكلبي: لما ظهر رسول الله صلى الله

عليه وسلم بالمدينة قدم عليه حبران من أحبار أهل الشام، فلما أبصرا المدينة، قال أحدهما لصاحبه ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبي الذي يخرج في آخر الزمان، فلما دخلا على النبي صلى الله عليه وسلم عرفاه بالصفة والنعت، فقالا له: أنت محمد ؟ قال: نعم، قالا: وأنت أحمد ؟ قال: نعم، قالا إنا نسألك عن شهادة، فإن أنت أخبرتنا بها آمنا بك وصدقناك، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: سلاني، فقالا: أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب الله فأنزل الله تعالى على نبيه - شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم - فأسلم الرجلان وصدقا برسول الله صلى الله عليه وسلم.
* قوله: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب) الآية، اختلفوا في سبب نزولها، فقال السدى: دعا النبي صلى الله عليه وسلم اليهود إلى الاسلام فقال له النعمان ابن أدفى: هلم يا محمد نخاصمك إلى الاحبار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل إلى كتاب الله، فقال: بل إلى الاحبار، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وروى سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدراس على جماعة من اليهود، فدعاهم إلى الله، فقال له نعيم بن عمرو والحرث ابن زيد: على أي دين أنت يا محمد ؟ فقال: على ملة إبراهيم، قالا: إن إبراهيم كان يهوديا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهلموا إلى التوراة فهي بيننا وبينكم فأبيا عليه، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال الكلبي نزلت في قصة اللذين زنيا من خيبر، وسؤال اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم عن حد الزانيين، وسيأتي بيان ذلك في سورة المائدة إن شاء الله تعالى.
* قوله: (قل اللهم مالك الملك) الآية قال ابن عباس وأنس بن مالك: لما
افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ووعد أمته ملك فارس والروم ؟ قالت المنافقون واليهود: هيهات هيهات، من أين لمحمد ملك فارس والروم هم أعز وأمنع من ذلك، ألم يكف محمدا مكة والمدينة حتى طمع في ملك فارس والروم ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.

أخبرني محمد بن عبد العزيز المروزي في كتابه أخبرنا أبو الفضل محمد بن الحسين أخبرنا محمد بن يحيى، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا روح بن عبادة حدثنا سعيد بن قتادة قال: ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل ربه أن يجعل ملك فارس والروم في أمته، فأنزل الله تعالى - قل اللهم مالك الملك، تؤتى الملك من تشاء - الآية.
حدثنا الاستاذ أبو الحسن الثعالبي، أخبرنا عبد الله بن حامد الوزان، أخبرنا محمد ابن جعفر الميطرى قال: قال حماد بن الحسن: حدثنا محمد بن خالد بن عتمة، حدثنا كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف قال: حدثني أبي عن أبيه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخندق يوم الاحزاب، ثم قطع لكل عشرة أربعين ذراعا قال عمرو بن عوف: كنت أنا وسلمان وحذيفة والنعمان بن مقرن المزني وستة من الانصار في أربعين ذراعا، فحفرنا حتى إذا كنا تحت ذي ناب، أخرج الله من بطن الخندق صخرة مروة كسرت حديدنا وشقت علينا، فقلنا: يا سلمان ارق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر خبر هذه الصخرة، فإما أن نعدل عنها، وإما أن يأمرنا فيها بأمره، فإنا لا نحب أن نجاوز خطه، قال: فرقا سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ضارب عليه قبة تركية، فقال: يا رسول الله خرجت صخرة بيضاء مروة من بطن الخندق فكسرت حديدنا وشقت علينا حتى ما يحيك فيها قليل ولا كثير فمرنا فيها بأمر، فإنا لا نحب أن نجاوز خطك، قال: فهبط رسول الله صلى الله عليه وسلم مع سلمان الخندق والتسعة على شفة الخندق فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم المعول من سلمان فضربها ضربة صدعها وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها، يعني المدينة حتى كأن مصباحا في جوفه
بيت مظلم، وكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبير فتح، فكبر المسلمون، ثم ضربها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكسرها وبرق منها برق أضاء مابين لابتيها حتى كأن مصباحا في جوف بيت مظلم، وكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبير فتح وكبر المسلمون، ثم ضربها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكسرها، وبرق منها برق

أضاء مابين لابتيها، حتى كأن مصباحا في جوف بيت مظلم، وكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبير فتح وكبر المسلمون، وأخذ يد سلمان ورقى، فقال سلمان: بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد رأيت شيئا ما رأيت مثله قط، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القوم فقال: رأيتم ما يقول سلمان، قالوا: نعم يا رسول الله، قال: ضربت ضربتي الاولى فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب، وأخبرني جبريل عليه السلام أن أمتي ظاهرة عليها، ثم ضربت ضربتي الثانية فبرق الذي رأيتم، أضاءت لي منها القصور الحمر من أرض الروم كأنها أنياب الكلاب، وأخبرني جبريل عليه السلام أن أمتي ظاهرة عليها، ثم ضربت ضربتي الثالثة فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب.
وأخبرني جبريل عليه السلام أن أمتي ظاهرة عليها، فأبشروا، فاستبشر المسلمون وقالوا: الحمد لله موعد صدق وعدنا النصر بعد الحفر، فقال المنافقون: ألا تعجبون يمنيكم ويعدكم الباطل، ويخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنها تفتح لكم، وأنتم إنما تحفرون الخندق من الفرق، ولا تستطيعون أن تبرزوا ؟ قال: فنزل القرآن - وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا - وأنزل الله تعالى في هذه القصة قوله - قل اللهم مالك الملك - الآية.
* قوله: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين) قال ابن عباس: كان الحجاج بن عمرو وكهمس بن أبي الحقيق وقيس بن زيد وهؤلاء كانوا
من اليهود يباطنون نفرا من الانصار ليفتنوهم عن دينهم، فقال رفاعة ابن المنذر وعبد الله ابن جبير وسعيد بن خيثمة لاولئك النفر: اجتنبوا هؤلاء اليهود واحذروا لزومهم ومباطنتهم لا يفتنوكم عن دينكم، فأبى أولئك النفر إلا مباطنتهم وملازمتهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال الكلبي: نزلت في المنافقين عبد الله بن أبي وأصحابه، كانوا يتولون اليهود (5 - أسباب النزول)

والمشركين ويأتونهم بالاخبار ويرجون أن يكون لهم الظفر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى هذه الآية، ونهى المؤمنين عن مثل فعلهم.
وقال جبير عن الضحاك عن ابن عباس: نزلت في عبادة بن الصامت الانصاري وكان بدريا نقيبا، وكان له حلفاء من اليهود، فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاحزاب قال عبادة.
يا نبي الله إن معي خمسمائة رجل من اليهود، وقد رأيت أن يخرجوا معي فأستظهر بهم على العدو، فأنزل الله تعالى - لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء - الآية.
* قوله: (قل إن كنتم تحبون الله) الآية، قال الحسن وابن جريج: زعم أقوام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم يحبون الله، فقالوا: يا محمد إنا نحب ربنا فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: وقف النبي صلى الله عليه وسلم على قريش وهم في المسجد الحرام، وقد نصبوا أصنامهم وعلقوا عليها بيض النعام، وجعلوا في آذانها الشنوف، وهم يسجدون لها، فقال: يا معشر قريش لقد خالفتم ملة أبيكم إبراهيم وإسماعيل، ولقد كانا على الاسلام، فقالت قريش: يا محمد إنما نعبد هذه حبا لله ليقربونا إلى الله زلفى، فأنزل الله تعالى - قل إن كنتم تحبون الله - وتعبدون
الاصنام لتقربكم إليه - فاتبعوني يحببكم الله - فأنا رسوله إليكم وحجته عليكم، وأنا أولى بالتعظيم من أصنامكم.
وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: أن اليهود لما قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه أنزل الله تعالى هذه الآية، فلما نزلت عرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليهود، فأبوا أن يقبلوها.
وروى محمد بن إسحاق بن يسار عن محمد بن جعفر بن الزبير قال: نزلت في نصارى نجران، وذلك أنهم قالوا: إنما نعظم المسيح ونعبده حبا لله وتعظيما له، فأنزل الله تعالى هذه الآية ردا عليهم.

* قوله تعالى: (إن مثل عيسى عند الله) الآية، قال المفسرون: إن وفد نجران قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: مالك تشتم صاحبنا ؟ قال، وما أقول ؟ قالوا: تقول إنه عبد، قال: أجل إنه عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى العذراء البتول، فغضبوا وقالوا: هل رأيت إنسانا قط من غير أب، فإن كنت صادقا فأرنا مثله، فأنزل الله عز وجل هذه الآية.
أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد الحارثي قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر، أخبرنا أبو يحيى الرازي، أخبرنا سهل بن عثمان، أخبرنا يحيى ووكيع، عن مبارك عن الحسن قال: جاء راهبا نجران إلى النبي صلى الله عليه وسلم فعرض عليهما الاسلام، فقال أحدهما: إنا قد أسلمنا قبلك، فقال: كذبتما إنه يمنعكما من الاسلام ثلاث: عبادتكم الصليب، وأكلكم الخنزير، وقولكم لله ولد، قالا: من أبو عيسى ؟ وكان لا يعجل حتى يأمره ربه، فأنزل الله تعالى - إن مثل عيسى - الآية.
قوله: (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) الآية، أخبرنا أبو سعيد عبد الرحمن ابن محمد الرهجائي، أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالك، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل،
حدثنا أبي قال: حدثنا حسين قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن يونس، عن الحسن قال: جاء راهبا نجران إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لهما: أسلما تسلما، فقالا: قد أسلمنا قبلك، فقال: كذبتما يمنعكما من الاسلام سجودكما للصليب، وقولكما اتخذ الله ولدا وشربكما الخمر، فقالا: ما تقول في عيسى ؟ قال: فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن - ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم - إلى قوله - فقالوا ندع أبناءنا وأبناءكم - الآية، فدعاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الملاعنة، وقال: جاء بالحسن والحسين وفاطمة وأهله وولده عليهم السلام، قال: فلما خرجا من عنده قال أحدهما لصاحبه: اقرر بالجزية ولا تلاعنه، فأقر بالجزية، قال: فرجعا فقالا نقر بالجزية ولا نلاعنك.
أخبرني عبد الرحمن بن الحسن الحافظ فيما أذن لي في روايته حدثنا أبو حفص عمر

ابن أحمد الواعظ، حدثنا عبد الرحمن بن سليمان بن الاشعث، حدثنا يحيى ابن حاتم العسكري، حدثنا بشر بن مهران، حدثنا محمد بن دينار، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن جابر بن عبد الله قال: قدم وفد أهل نجران على النبي صلى الله عليه وسلم العاقب والسيد، فدعاهما إلى الاسلام، فقالا أسلمنا قبلك، قال كذبتما إن شئتما أخبرتكما بما يمنعكما من الاسلام: فقالا: هات أنبئنا، قال: حب الصليب، وشرب الخمر، وأكل لحم الخنزير، فدعاهما إلى الملاعنة، فوعداه على أن يغادياه بالغداة فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بيد علي وفاطمة وبيد الحسن والحسين، ثم أرسل إليهما فأبيا أن يجيبا، فأقرا له بالخراج فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي بعثني بالحق لو فعلا لمطر الوادي نارا.
قال جابر: فنزلت فيهم هذه الآية - فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم - قال الشعبي: أبناءنا: الحسن والحسين، ونساءنا: فاطمة،
وأنفسنا علي بن أبي طالب رضى الله عنهم.
* قوله: (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي) الآية قال: وسئل اليهود والله يا محمد لقد علمت أنا أولى بدين إبراهيم منك ومن غيرك، وأنه كان يهوديا، وما بك إلا الحسد، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، وروى أيضا عبد الرحمن ابن غنم عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكره محمد بن إسحاق بن يسار، وقد دخل حديث بعضهم في بعض قالوا: لما هاجر جعفر بن أبي طالب وأصحابه إلى الحبشة، واستقرت بهم الدار، وهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وكان من أمر بدر ما كان، أجتمعت قريش في دار الندوة وقالوا: إن لنا في أصحاب محمد الذين عند النجاشي ثأرا عن (من) قتل منكم ببدر فأجمعوا مالا وأهدوه إلى النجاشي لعله يدفع إليكم من عنده من قومكم، ولينتذب لذلك رجلان من ذوي أرائكم، فبعثوا عمرو بن العاص

وعمارة بن أبي معيط مع الهدايا الادم وغيره، فركبا البحر وأتيا الحبشة، فلما دخلا على النجاشي سجدا له وسلما عليه وقالا له: إن قومنا لك ناصحون شاكرون، ولصلاحك محبون، وإنهم بعثونا إليك لنحذرك هؤلاء القوم الذين قدموا عليك، لانهم قوم رجل كذاب خرج فينا يزعم أنه رسول الله، ولم يتابعه أحد منا إلا السفهاء: وكنا قد ضيقنا عليهم الامر وألجأناهم إلى شعب بأرضنا لا يدخل عليهم أحد، ولا يخرج منهم أحد، قد قتلهم الجوع والعطش، فلما اشتد عليهم الامر بعث إليك ابن عمه ليفسد عليك دينك وملكك ورعيتك، فاحذرهم وادفعهم إلينا لنكفيكهم، قالوا: وآية ذلك أنهم إذا دخلوا عليك لا يسجدون لك ولا يحيونك بالتحية التي يحييك بها الناس رغبة عن دينك وسنتك، قال: فدعاهم النجاشي، فلما حضروا صاح جعفر بالباب، يستأذن عليك حزب الله، فقال النجاشي: نعم فليدخلوا بأمان الله وذمته، فنظر عمرو بن العاص إلى
صاحبه، فقال: ألا تسمع كيف يرطنون بحزب الله وما أجابهم النجاشي، فساءهما ذلك، ثم دخلوا عليه ولم يسجدوا له، فقال عمرو بن العاص: ألا ترى أنهم يستكبرون أن يسجدوا لك ؟ فقال لهم النجاشي: ما يمنعكم أن تسجدوا لي وتحيوني بالتحية التي يحييني بها من أتاني من الآفاق ؟ قالوا: نسجد لله الذي خلقك وملكك، وإنما كانت تلك التحية لنا ونحن نعبد الاوثان، فبعث الله فينا نبيا صادقا وأمرنا بالتحية التي نعتها الله لنا، وهي السلام تحية أهل الجنة، فعرف النجاشي أن ذلك حق وأنه في التوراة والانجيل، قال: أيكم الهاتف يستأذن عليك حزب الله ؟ قال جعفر: أنا، قال فتكلم، قال: إنك ملك من ملوك أهل الارض ومن أهل الكتاب، ولا يصلح عندك كثرة الكلام ولا الظلم، وأنا أحب أن أجيب عن أصحابي، فمر هذين الرجلين فليتكلم أحدهما وليسكت الآخر فتسمع محاورتنا، فقال عمرو لجعفر: تكلم، فقال جعفر للنجاشي: سل هذا الرجل أعبيد نحن أم أحرار ؟ فإن كنا عبيدا أبقنا من أربابنا فارددنا إليهم، فقال النجاشي: أعبيد هم أم أحرار ؟ فقال: بل أحرار كرام ؟ فقال النجاشي: خرجتم من العبودية ؟ قال جعفر: سلهما هل أهرقنا دما بغير حق فيقتص منا ؟ فقال عمرو:

لا ولا قطرة قال جعفر: سلهما هل أخذنا أموال الناس بغير حق فعلينا قضاؤها ؟ قال النجاشي: يا عمرو إن كان قنطارا فعلي قضاؤه، فقال عمرو: لا ولا قيراط، قال النجاشي: فما تطلبون منهم ؟ قال عمرو: كنا وهم على دين واحد على دين آباءنا، فتركوا ذلك الدين واتبعوا غيره ولزمنا نحن، فبعثنا إليك قومهم لتدفعهم إلينا، فقال النجاشي: ماهذا الدين الذي كنتم عليه والدين الذي اتبعتموه ؟ أصدقني، قال جعفر: أما الذي كنا عليه فتركناه فهو دين الشيطان وأمره كنا نكفر بالله عز وجل، ونعبد الحجارة، وأما الذي تحولنا إليه، فدين الله الاسلام جاءنا به الله رسول وكتاب مثل كتاب ابن مريم موافقا له، فقال النجاشي: يا جعفر لقد تكلمت بأمر عظيم فعلى رسلك،
ثم أمر النجاشي فضرب بالناقوس، فاجتمع أهل كل قسيس وراهب، فلما اجتمعوا عنده قال النجاشي: أنشدكم الله الذي أنزل الانجيل على عيسى هل تجدون بين عيسى وبين القيامة نبيا مرسلا فقالوا: اللهم نعم قد بشرنا به عيسى وقال: من آمن به فقد آمن بي، ومن كفر به فقد كفر بي، فقال النجاشي لجعفر: ماذا يقول لكم هذا الرجل ويأمركم به وما ينهاكم عنه ؟ قال: يقرأ علينا كتاب الله ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويأمر بحسن الجوار وصلة الرحم وبر اليتيم، ويأمرنا أن نعبد الله وحده لا شريك له، فقال: اقرأ علينا شيئا مما كان يقرأ عليكم، فقرأ عليهم سورة العنكبوت والروم، ففاضت عينا النجاشي وأصحابه من الدمع وقالوا: يا جعفر زدنا من هذا الحديث الطيب، فقرأ عليهم سورة الكهف فأراد عمرو أن يغضب النجاشي، فقال: إنهم يشتمون عيسى وأمه، فقال النجاشي: ما يقولون في عيسى وأمه ؟ فقرأ عليهم جعفر سورة مريم، فلما أتى على ذكر مريم وعيسى رفع النجاشي بقية من سواك قدر ما يقذى العين وقال: والله ما زاد المسيح على ما تقولون هذا، ثم أقبل على جعفر وأصحابه فقال: اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي يقول آمنون من سبكم أو أذاكم عزم، ثم قال: أبشروا ولا تخافوا، ولا دهورة اليوم على حزب إبراهيم، قالوا: يا نجاشي ومن حزب إبراهيم ؟ قال: هؤلاء الرهط وصاحبهم الذي جاءوا من عنده ومن اتبعهم، فأنكر ذلك المشركون وادعوا دين إبراهيم ثم رد النجاشي على عمرو وصاحبه المال الذي حملوه

وقال: إنما هديتكم إلي رشوة فاقبضوها، فإن الله ملكني ولم يأخذ مني رشوة، قال جعفر: وانصرفنا فكنا في خير دار وأكرم جوار.
وأنزل الله عز وجل ذلك اليوم في خصومتهم في إبراهيم على رسوله صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة.
* قوله: (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه) على ملته وسنته (وهذا النبي) يعني محمدا صلى الله عليه وسلم (والذين آمنوا والله ولي المؤمنين) أخبرنا
أبو حامد أحمد بن الحسن الوراق، أخبرنا أبو أحمد محمد بن أحمد الحزري، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، أخبرنا أبو سعيد الاشج قال: حدثنا وكيع، عن سفيان ابن سعيد، عن أبيه، عن أبى الضحى، عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لكل نبي ولاة من النبيين، وأنا أولى منهم بأبي الخليل أبي إبراهيم، ثم قرأ - إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي - الآية.
* قوله: (ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم) الآية نزلت في معاذ بن جبل وعمار بن ياسر حين دعاهما اليهود إلى دينهم، وقد مضت القصة في سورة البقرة.
* قوله: (وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا) الآية.
قال الحسن والسدى: تواطأ اثنا عشر حبرا من يهود خيبر، وقال بعضهم لبعض: ادخلوا في دين محمد أول النهار باللسان دون الاعتقاد، واكفروا به في آخر النهار وقولوا: إنا نظرنا في كتبنا وشاورنا علماءنا فوجدنا محمدا ليس بذلك وظهر لنا كذبه وبطلان دينه، فإذا فعلتم ذلك شك أصحابه في دينهم، وقالو: إنهم أهل كتاب وهم أعلم به منا، فيرجعون عن دينهم إلى دينكم، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وأخبر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.
قال مجاهد ومقاتل والكلبي هذا في شأن القبلة لما صرفت إلى الكعبة شق ذلك على اليهود لمخالفتهم، قال كعب بن الاشرف وأصحابه: آمنوا بالذي أنزل على محمد من

أمر الكعبة، وصلوا إليها أول النهار، ثم اكفروا بالكعبة آخر النهار، وارجعوا إلى قبلتكم الصخرة، لعلهم يقولون هؤلاء أهل كتاب وهم أعلم منا، فربما يرجعون إلى قبلتنا فحذر الله تعالى نبيه مكر هؤلاء، وأطلعه على سرهم، وأنزل - وقالت طائفة من أهل الكتاب - الآية.
* قوله: (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا) الآية.
أخبرنا
أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، أخبرنا حاجب بن أحمد أخبرنا محمد بن حماد، أخبرنا أبو معاوية، عن سفيان، عن الاعمش، عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حلف على يمين وهو فيها فاجر ليقطع بها مال امرئ مسلم لقى الله وهو عليه غضبان، فقال الاشعث بن قيس: في والله كان بيني وبين رجل من اليهود أرض، فجحدني، فقدمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم: فقال: لك بينة ؟ قلت: لا، فقال لليهودي: أتحلف، قلت: إذن يحلف فيذهب بمالي، فأنزل الله عز وجل - إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا - الآية، رواه البخاري عن عبدان عن أبي حمزة عن الاعمش.
أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المهرجاني: أخبرنا عبد الله بن محمد بن محمد الزاهد، أخبرنا أبو القاسم البغوي قال: حدثني محمد بن سليمان قال: حدثني صالح بن عمر، عن الاعمش، عن شقيق قال: قال عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حلف على يمين هو فيها فاجر ليقطع بها مالا لقى الله وهو عليه غضبان فأنزل الله تعالى - إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا - إلى آخر الآية، فأتى الاشعث بن قيس فقال: ما يحدثكم أبو عبد الرحمن ؟ قلنا: كذا وكذا، لفي نزلت خاصمت رجلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ألك بينة ؟ قلت: لا، قال: تحلف قلت: إذن يحلف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حلف على يمين هو فيها فاجر ليقتطع بها مالا لقى الله وهو عليه غضبان، فأنزل الله - إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا - الآية، رواه البخاري عن حجاج بن منهال، عن أبي عوانة.
ورواه مسلم

عن أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع، وعن ابن نمير، عن أبي معاوية.
كلهم عن الاعمش.
أخبرنا أبو عبد الرحمن الشاذياخي، أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الفقيه، حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا سفيان عن منصور والاعمش، عن أبي وائل قال: قال عبد الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحلف رجل على يمين صبر ليقطع بها مالا فاجرا إلا لقى الله وهو عليه غضبان - قال: فأنزل الله تعالى - إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا - قال: فجاء الاشعث وعبد الله يحدثهم، قال في نزلت، وفي رجل خاصمته في بئر، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألك بينة ؟ قلت: لا، قال فليحلف لك قلت: إذن يحلف، قال: فنزلت - إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا - الآية.
أخبرنا عمرو بن عمرو المزكى، أخبرنا محمد بن المكي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل البخاري، حدثنا علي بن سمية يقول: أخبرنا العوام بن حوشب، عن إبراهيم بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن أبي أوفى أن رجلا أقام سلعة في السوق، فحلف لقد أعطى بها ما لم يعط ليوقع فيها رجلا من المسلمين، فنزلت - إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا - إلى آخر الآية.
وقال الكلبي: إن ناسا من علماء اليهود أولي فاقة أصابتهم سنة فاقتحموا إلى كعب بن الاشرف بالمدينة، فسألهم كعب: هل تعلمون أن هذا الرجل رسول الله في كتابكم ؟ قالوا: نعم، وما تعلمه أنت ؟ قال: لا، فقالوا: فإنا نشهد أنه عبد الله ورسوله، قال: لقد حرمكم الله خيرا كثيرا، لقد قدمتم علي وأنا أريد أن أميركم وأكسو عيالكم، فحرمكم الله وحرم عيالكم، قالوا: فإنه شبه لنا، فرويدا حتى نلقاه، فانطلقوا فكتبوا صفة سوى صفته، ثم انتهوا إلى نبي الله فكلموه وسائلوه، ثم رجعوا إلى كعب وقالوا: لقد كنا نرى أنه رسول الله، فلما أتيناه إذا هو ليس

بالنعت الذي نعت لنا، ووجدنا نعته مخالفا للذي عندنا، وأخرجوا الذي كتبوا فنظر إليه كعب، ففرح ومارهم وأنفق عليهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال عكرمة: نزلت في أبي رافع ولبابة بن أبي الحقيق وحيى بن أخطب وغيرهم من رؤساء اليهود، كتموا ما عهد الله إليهم في التوراة من شأن محمد صلى الله عليه وسلم وبدلوه وكتبوا بأيديهم غيره، وحلفوا أنه من عند الله لئلا يفوتهم الرشا والمآكل التي كانت لهم على اتباعهم.
* قوله (ماكان لبشر أن يؤتيه الله) الآية.
قال الضحاك ومقاتل: نزلت في نصارى نجران حين عبدوا عيسى، وقوله لبشر، يعني عيسى، أن يؤتيه الله الكتاب: يعني الانجيل.
وقال ابن عباس في رواية الكلبي وعطاء: إن أبا رافع اليهودي والرئيس من نصارى نجران قالا: يا محمد أتريد أن نعبدك ونتخذك ربا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: معاذ الله أن يعبد غير الله أو نأمر بعبادة غير الله، ما بذلك بعثني، ولا بذلك أمرني، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قال الحسن بلغني أن رجلا قال: يا رسول الله نسلم عليك كما يسلم بعضنا على بعض، أفلا نسجد لك ؟ قال: لا ينبغي أن يسجد لاحد من دون الله، ولكن أكرموا نبيكم واعرفوا الحق لاهله، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله: (أفغير دين الله يبغون) قال ابن العباس: اختصم أهل الكتابين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما اختلفوا بينهم من دين إبراهيم، كل فرقة زعمت أنها أولى بدينه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كلا الفريقين برئ من دين إبراهيم، فغضبوا وقالوا: والله ما نرضى بقضائك ولا نأخذ بدينك، فأنزل الله تعالى - أفغير دين الله يبغون -.
* قوله: (كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم) الآية، أخبرنا أبو بكر الحارثى، أخبرنا محمد بن حيان، أخبرنا أبو يحيى عبد الرحمن بن محمد، حدثنا سهل بن عثمان، حدثنا علي بن عاصم عن خالد وداود، عن عكرمة، عن ابن عباس،

أن رجلا من الانصار ارتد فلحق بالمشركين، فأنزل الله تعالى - كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم - إلى قوله - إلا الذين تابوا - فبعث بها قومه إليه، فلما قرئت إليه قال: والله ما كذبني قومي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا كذب رسول الله على الله، والله عز وجل أصدق الثلاثة، فرجع ثانيا، فقبل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركه.
أخبرنا أبو بكر، أخبرنا أبو محمد، أخبرنا أبو يحيى، حدثنا سهل، عن يحيى ابن أبي زائدة، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ارتد رجل من الانصار عن الاسلام ولحق بالشرك، فندم، فأرسل إلى قومه أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل لي من توبة، فإني قد ندمت، فنزلت - كيف يهدي الله قوما كفروا - حتى بلغ - إلا الذين تابوا - فكتب بها قومه إليه، فرجع فأسلم.
أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي حامد، أخبرنا أبو بكر بن زكريا أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الفقيه، حدثنا أحمد بن يسار، حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا جعفر بن سليمان، عن حميد بن الاعرج عن مجاهد قال: كان الحرث بن سويد قد أسلم، وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لحق بقومه وكفر فأنزلت فيه هذه الآية - كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم - إلى قوله - فإن الله غفور رحيم - حملها إليه رجل من قومه، فقرأها عليه فقال الحرث: والله إنك ما علمت لصدوق وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لاصدق منك، وأن الله لاصدق الثلاثة، ثم رجع فأسلم إسلاما حسنا.
* قوله: (إن الذين كفروا بعد إيمانهم) قال الحسن وقتادة وعطاء الخراساني: نزلت في اليهود كفروا بعيسى والانجيل، ثم ازدادوا كفرا بمحمد والقرآن، وقال أبو العالية: نزلت في اليهود والنصارى، كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم بنعته وصفته، ثم ازدادوا كفرا بإقامتهم على كفرهم.
* قوله: (كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل) قال أبو روق والكلبي نزلت
حين قال النبي صلى الله عليه وسلم: أنه على ملة إبراهيم، فقالت اليهود: كيف وأنت تأكل

لحوم الابل وألبانها ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كان ذلك حلالا لابراهيم، فنحن نحله، فقالت اليهود: كل شئ أصبحنا اليوم نحرمه فإنه كان على نوح وإبراهيم حتى انتهى إلينا، فأنزل الله عز وجل تكذيبا لهم - كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل - الآية.
* قوله: (إن أول بيت وضع للناس) الآية.
قال مجاهد: تفاخر المسلمون واليهود، فقالت اليهود: بيت المقدس أفضل وأعظم من الكعبة لانه مهاجر الانبياء وفي الارض المقدسة، وقال المسلمون: بل الكعبة أفضل، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله: (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا) الآية.
أخبرنا أبو عمر العسكري فيما أذن لي في روايته قال: أخبرني محمد بن الحسين الحداد قال: أخبرنا محمد ابن يحيى بن خالد قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا المؤمل بن إسماعيل قال: حدثنا حماد بن زيد، حدثنا أيوب، عن عكرمة قال: كان بين هذين الحيين من الاوس والخزرج قتال في الجاهلية، فلما جاء الاسلام اصطلحوا وألف الله بين قلوبهم، وجلس يهودي في مجلس فيه نفر من الاوس والخزرج، فأنشد شعرا قاله أحد الحيين في حربهم، فكأنهم دخلهم من ذلك، فقال الحي الاخرون: وقد قال شاعرنا في يوم كذا كذا وكذا، فقال الاخرون: وقد قال شاعرنا في يوم كذا كذا وكذا، فقالوا: تعالى نرد الحرب جذعا كما كانت، فنادى هؤلاء يا آل أوس، ونادى هؤلاء يا آل خزرج، فاجتمعوا وأخذوا السلاح واصطفوا للقتال، فنزلت هذه الآية، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم حتى قام بين الصفين فقرأها ورفع صوته، فلما سمعوا صوته أنصتوا وجعلوا يستمعون، فلما فرغ ألقوا السلاح وعانق بعضهم بعضا وجعلوا يبكون.
وقال زيد بن أسلم: مر شاس بن قيس اليهودي وكان شيخا قد غبر في الجاهلية عظيم الكفر شديد الضغن على المسلمين شديد الحسد لهم، فمر على نفر من أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم من الاوس والخزرج في مجلس جمعهم يتحدثون فيه، فغاظه ما رأى

من جماعتهم وألفتهم وصلاح ذات بينهم في الاسلام بعد الذي كان بينهم في الجاهلية من العداوة، فقال: قد اجتمع ملا بني قيلة بهذه البلاد، لا والله مالنا معهم إذا اجتمعوا بها من قرار، فأمر شابا من اليهود كان معه، فقال: اعمد إليهم فاجلس معهم، ثم ذكرهم بعاث وما كان فيه وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الاشعار، وكان بعاث يوم اقتتلت فيه الاوس والخزرج، وكان الظفر فيه للاوس على الخزرج، ففعل فتكلم القوم عند ذلك، فتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين أوس ابن قيظى 7 أحد بني حارثة من الاوس، وجابر بن صخر أحد بني سلمة من الخزرج فتقاولا وقال أحدهما لصاحبه إن شئت رددتها جذعا، وغضب الفريقان جميعا وقالا: ارجعا، السلاح السلاح، موعدكم الظاهرة وهي حرة، فخرجوا إليها فانضمت الاوس والخزرج بعضها إلى بعض على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين حتى جاءهم فقال: يا معشر المسلمين، أتدعون الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن أكرمكم الله بالاسلام وقطع به عنكم أمر الجاهلية وألف بينكم، فترجعون إلى ما كنتم عليه كفارا، ألله ألله فعرف القوم أنها نزعة من الشيطان وكيد من عدوهم فألقوا السلاح من أيديهم وبكوا، وعانق بعضهم بعضا، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين، فأنزل الله عز وجل - يا أيها الذين آمنوا - يعني الاوس والخزرج - إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب - يعني شاسا وأصحابه - يردوكم بعد إيمانكم كافرين - قال جابر بن عبد الله: ما كان طالع أكره إلينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأومأ إلينا بيده، فكففنا وأصلح الله تعالى ما بيننا، فما كان شخص أحب إلينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رأيت يوما أقبح ولا أوحش أولا وأحسن آخرا
من ذلك اليوم.
* قوله: (وكيف تكفرون) الآية.
أخبرنا أحمد بن الحسن الحيرى قال: حدثنا محمد بن يعقوب، حدثنا العباس الدوري، حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين،

حدثنا قيس بن الربيع عن الاغر، عن خليفة بن حصين، عن أبي نصر، عن ابن عباس قال: كان بين الاوس والخزرج شر في الجاهلية، فذكروا ما بينهم، فثار بعضهم إلى بعض بالسيوف فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فذهب إليهم، فنزلت هذه الآية - وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا -.
أخبرنا الشريف إسماعيل بن الحسن بن محمد بن الحسين النقيب قال: أخبرنا جدى محمد بن الحسين قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسين الحافظ قال: حدثنا حاتم ابن يونس الجرجاني قال: حدثنا إبراهيم بن أبي الليث قال: حدثنا الاشجعي، عن سفيان، عن خليفة بن حصين، عن أبي نصر، عن ابن عباس قال: كان الاوس والخزرج يتحدثون، فغضبوا، حتى كان بينهم حرب، فأخذوا السلاح بعضهم إلى بعض فنزلت - وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله - إلى قوله تعالى - فأنقذكم منها -.
* قوله: (كنتم خير أمة) الآية.
قال عكرمة ومقاتل: نزلت في ابن مسعود وأبى بن كعب ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة، وذلك أن مالك بن الضيف 7 ووهب بن يهوذا اليهوديين قالا لهم: إن ديننا خير مما تدعونا إليه، ونحن خير وأفضل منكم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله: (لن يضركم إلا أذى) قال مقاتل: إن رءوس اليهود كعب ويحرى والنعمان وأبو رافع وأبو ياسر وابن صوريا عمدوا إلى مؤمنهم عبد الله بن سلام وأصحابه
فآذوهم لاسلامهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله: (ليسوا سواء) الآية.
قال ابن عباس ومقاتل: لما أسلم عبد الله ابن سلام وثعلبة بن سعنة وأسيد بن سعنة وأسد بن عبيد ومن أسلم من اليهود، قالت أحبار اليهود: ما آمن لمحمد إلا شرارنا، ولو كانوا من خيارنا لما تركوا دين آبائهم، وقالوا لهم: لقد خنتم حين استبدلتم بدينكم دينا غيره، فأنزل الله تعالى - ليسوا

سواء - الآية.
وقال ابن مسعود: نزلت الآية في صلاة العتمة يصليها المسلمون، ومن سواهم من أهل الكتاب لا يصليها.
أخبرنا أبو سعيد محمد بن عبد الرحمن الرازي قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن أحمد الحيرى قال أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى قال: حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا هاشم ابن القاسم قال: حدثنا شيبان عن عاصم، عن زر، عن ابن مسعود قال: أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة صلاة العشاء، ثم خرج إلى المسجد، فإذا الناس ينتظرون الصلاة فقال إنه ليس من أهل الاديان أحد يذكر الله في هذه الساعة غيركم، قال: فأنزلت هذه الآيات - ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون - إلى قوله - والله عليم بالمتقين -.
أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن نوح قال: أخبرنا أبو على بن أحمد الفقيه قال: أخبرنا محمد بن المسيب قال: حدثنا يونس بن عبد الاعلى قال: حدثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني يحيى بن أيوب، عن ابن زجر، عن سليمان، عن زر بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود قال: احتبس علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، وكان عند بعض أهله أو نسائه فلم يأتنا لصلاة العشاء حتى ذهب ثلث الليل، فجاء ومنا المصلي ومنا المضطجع، فبشرنا فقال: إنه لا يصلي هذه الصلاة أحد من أهل الكتاب، وأنزلت - ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل
وهم يسجدون -.
* قوله: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم) الآية.
قال ابن عباس ومجاهد: نزلت في قوم من المؤمنين كانوا يصافون المنافقين ويواصلون رجالا من اليهود لما كان بينهم من القرابة والصداقة والحلف والجوار والرضاع، فأنزل الله تعالى هذه الآية ينهاهم عن مباطنتهم خوف الفتنة منهم عليهم.
* قوله: (وإذا غدوت من أهلك) الآية.
نزلت هذه الآية في غزوة أحد،

أخبرنا سعيد بن محمد الزاهد قال: أخبرنا أبو علي الفقيه قال: أخبرنا أبو القاسم البغوي قال: حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال: حدثنا عبد الله بن جعفر المخزمى 7، عن ابن عون عن المسعر بن مخرمة قال: قلت لعبد الرحمن بن عوف: أي خالي أخبرني عن قصتكم يوم أحد، فقال: اقرأ العشرين ومائة من آل عمران تجد - وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين - إلى قوله تعالى - ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا - * قوله تعالى: (ليس لك من الامر شئ) أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد التميمي قال: أخبرنا عبد الله بن محمد جعفر قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان العسكري قال: حدثنا عبيدة بن حميد، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك قال: كسرت رباعية رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ودمى وجهه، فجعل الدم يسيل على وجهه ويقول: كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم ؟ قال: فأنزل الله تعالى - ليس لك من الامر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون -.
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الرازي قال: أخبرنا أبو عمرو بن حمدان قال: أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى قال: حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل قال: حدثنا عبد العزيز ابن محمد قال: حدثنا معمر عن الزهري، عن سالم، عن أبيه قال: لعن رسول الله
صلى الله عليه وسلم فلانا وفلانا، فأنزل الله عز وجل - ليس لك من الامر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون - رواه البخاري، عن حيان، عن ابن المبارك عن معمر، ورواه مسلم من طريق ثابت، عن أنس.
أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم الفارسي قال: أخبرنا محمد بن عيسى بن عمرويه قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: أخبرنا مسلم بن الحجاج قال: حدثنا العقبى قال: حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد وشج في رأسه وجعل يسيل الدم عنه ويقول: كيف يفلح قوم

شجوا نبيهم وكسروا رباعيته وهو يدعوهم إلى ربهم، فأنزل الله عز وجل - ليس لك من الامر شئ -.
أخبرنا أبو إسحاق الثعالبي، أخبرنا عبد الله بن حامد الوزان قال: أخبرنا أبو حامد ابن الشرقي قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في صلاة الفجر حين رفع رأسه من الركوع: ربنا لك الحمد، اللهم ألعن فلانا وفلانا، دعا على ناس من المنافقين، فأنزل الله عز وجل - ليس لك من الامر شئ - رواه البخاري من طريق الزهري، عن سعيد بن المسيب وسياقه أحسن من هذا.
أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال: حدثنا الحر بن نصر قال: فروى علي بن وهب، أخبرنا يونس بن يزيد، عن ابن شهاب قال: أخبرني شعيب بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن أنهما سمعا أبا هريرة يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يفرغ في صلاة الفجر من القراءة ويكبر ويرفع رأسه ويقول: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ثم يقول وهو قائم: اللهم انج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين: اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف، اللهم ألعن لحيان ورعلا
وذكوان وعصية عصت الله ورسوله، ثم بلغنا أنه ترك لما نزلت - ليس لك من الامر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون - رواه البخاري، عن موسى ابن إسماعيل، عن إبراهيم بن سعد، عن الزهري.
* قوله تعالى: (والذين إذا فعلوا فاحشة) الآية.
قال ابن عباس في رواية عطاء: نزلت الآية في نبهان التمار، أتته امرأة حسناء باع منها تمرا فضمها إلى نفسه وقبلها ثم ندم على ذلك، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وذكر ذلك له، فنزلت هذه الآية.
(6 - أسباب النزول).

وقال في رواية الكلبي، إن رجلين أنصاريا وثقفيا آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، فكانا لا يفترقان، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه، وخرج معه الثقفي وخلف الانصاري في أهله وحاجته، وكان يتعاهد أهل الثقفي، فأقبل ذات يوم فأبصر امرأة صاحبه قد اغتسلت وهي ناشرة شعرها، فوقعت في نفسه، فدخل ولم يستأذن حتى انتهى إليها، فذهب ليقبلها فوضعت كفها على وجهها، فقبل ظاهر كفها ثم ندم واستحيا، فأدبر راجعا فقالت: سبحان الله خنت أمانتك وعصيت ربك ولم تصب حاجتك، قال: فندم على صنيعه، فخرج يسيح في الجبال ويتوب إلى الله تعالى من ذنبه حتى وافى الثقفي، فأخبرته أهله بفعله، فخرج يطلبه حتى دل عليه، فوافقه ساجدا وهو يقول: رب ذنبي قد خنت أخي، فقال له: يا فلان قم فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسله عن ذنبك لعل الله أن يجعل له فرجا وتوبة فأقبل معه حتى رجع إلى المدينة، وكان ذات يوم عند صلاة العصر نزل جبريل عليه السلام بتوبته، فتلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم - والذين إذا فعلوا فاحشة - إلى قوله - ونعم أجر العاملين - فقال عمر: يا رسول الله أخاص هذا لهذا الرجل أم للناس عامة ؟ قال: بل للناس عامة.
أخبرني أبو عمرو محمد بن عبد العزيز المروزي إجازة قال: أخبرنا محمد
ابن الحسن الحدادي قال: أخبرنا محمد بن يحيى قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا روح قال: حدثنا محمد، عن أبيه، عن عطاء: أن المسلمين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: أبنوا إسرائيل أكرم على الله منا ؟ كانوا إذا أذنب أحدهم أصبحت كفارة ذنبه مكتوبة في عتبة بابه اجذع أذنك، اجذع أنفك، افعل كذا، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت - والذين إذا فعلوا فاحشة - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بخير من ذلك ؟ فقرأ هذه الآيات.
* قوله تعالى: (ولا تهنوا ولا تحزنوا) الآية.
قال ابن عباس: انهزم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، فبينما هم كذلك إذ أقبل خالد بن الوليد بخيل المشركين يريد أن يعلو عليهم الجبل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم لا يعلون علينا،

اللهم لا قوة لنا إلا بك، اللهم ليس يعبدك بهذه البلدة غير هؤلاء النفر، فأنزل الله تعالى هذه الآيات، وثاب نفر من المسلمين رماة، فصعدوا الجبل ورموا خيل المشركين حتى هزموهم، فذلك قوله - وأنتم الاعلون -.
* قوله: (إن يمسسكم قرح) الآية.
قال راشد بن سعد: لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم كئيبا حزينا يوم أحد، جعلت المرأة تجئ بزوجها وابنها مقتولين وهي تلدم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أهكذا يفعل برسولك ؟ فأنزل الله تعالى - إن يمسسكم قرح - الآية.
* قوله: (وما محمد إلا رسول) الآيات.
قال عطية العوفى: لما كان يوم أحد انهزم الناس، فقال بعض الناس: قد أصيب محمد فأعطوهم بأيديكم، فإنما هم إخوانكم، وقال بعضهم، إن كان محمد أصيب ألا ما تمضون على ما مضى عليه نبيكم حتى تلحقوا به فأنزل الله تعالى في ذلك - وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل - إلى - وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله
وما ضعفوا - لقتل نبيهم - إلى قوله - فأتاهم الله ثواب الدنيا -.
* قوله: (سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب) الآية.
قال السدى: لما ارتحل أبو سفيان والمشركون يوم أحد متوجهين إلى مكة، انطلقوا حتى بلغوا بعض الطريق ثم إنهم ندموا وقالوا: بئس ما صنعنا قتلناهم حتى إذا لم يبق منهم إلا الشرذمة تركناهم ارجعوا فاستأصلوهم، فلما عزموا على ذلك ألقى الله تعالى في قلوبهم الرعب حتى رجعوا عما هموا به وأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى: (ولقد صدقكم الله وعده) الآية.
قال محمد بن كعب القرظى: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وقد أصيبوا بما أصيبوا يوم أحد، قال ناسن من أصحابه من أين أصابنا هذا وقد وعدنا الله النصر ؟ فأنزل الله تعالى - ولقد صدقكم الله وعده - الآية إلى قوله - منكم من يريد الدنيا - يعني الرماة الذين فعلوا ما فعلوا يوم أحد.

* قوله تعالى: (وما كان لنبي أن يغل) الآية.
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن المطوعى قال: أخبرنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحيرى قال: أخبرنا أبو يعلى قال: حدثنا أبو عبد الله بن أبان قال: حدثنا ابن المبارك قال: حدثنا شريك عن حصيف عن عكرمة عن ابن عباس قال: فقدت قطيفة حمراء يوم بدر مما أصيب من المشركين، فقال أناس: لعل النبي صلى الله عليه وسلم أخذها، فأنزل الله تعالى - وما كان لنبي أن يغل - قال حصيف: فقلت لسعيد بن جبير: ماكان لنبي أن يغل، فقال: بل يغل ويقتل.
أخبرنا أبو الحسن أحمد بن إبراهيم النجار قال: حدثنا أبو القاسم سليمان بن أيوب الطبراني قال: حدثنا محمد بن أحمد بن يزيد النرسي قال: حدثنا أبو عمرو بن العلاء عن مجاهد، عن ابن عباس أنه كان ينكر على من يقرأ - وما كان لنبي أن يغل -
ويقول: كيف لا يكون له أن يغل وقد كان يقتل ؟ قال الله تعالى - ويقتلون الانبياء - ولكن المنافقين اتهموا النبي صلى الله عليه وسلم في شئ من الغنيمة، فأنزل الله عز وجل - وما كان لنبي أن يغل - أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد الاصفهاني قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الاصفهاني قال: حدثنا أبو يحيى الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا وكيع عن سلمة عن الضحاك.
قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم طلائع، فغنم، النبي صلى الله عليه وسلم غنيمة وقسمها بين الناس ولم يقسم للطلائع شيئا، فلما قدمت الطلائع قال: قسم الفئ ولم يقسم لنا فنزلت - وما كان لنبي أن يغل - قال سلمة قرأها الضحاك يغل.
وقال ابن عباس في رواية الضحاك إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وقع في يده عنائم هوازن يوم حنين غله رجل بمخيط، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال قتادة: نزلت وقد غل طوائف من أصحابه وقال الكلبي ومقاتل: نزلت حين ترك الرماة المركز يوم أحد طلبا للغنيمة، وقالوا نخشى أن يقول رسول الله صلى الله

عليه وسلم: من أخذ شيئا فهو له، وأن لا يقسم الغنائم كما لم يقسم يوم بدر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم.
ظننتم أنا نغل ولا نقسم لكم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وروى عن ابن عباس أن أشراف الناس استدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخصصهم بشئ من الغنائم، فنزلت هذه الآية.
* قوله: (أو لما أصابتكم مصيبة) الآية.
قال ابن عباس: حدثنى عمر ابن الخطاب قال: لما كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء، فقتل منهم سبعون وفر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته وهشمت البيضة على رأسه، وسال الدم على وجهه، فأنزل الله تعالى - أو لما أصابتكم مصيبة - إلى قوله - قل هو من عند أنفسكم - قال بأخذكم الفداء.
* قوله: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا) أخبرنا محمد بن محمد ابن يحيى قال: أخبرنا أبو سعيد إسماعيل بن أحمد الجلالي قال: أخبرنا عبد الله بن زيدان البجلي قال: حدثنا أبو كريب قال: حدثنا عبد الله بن إدريس، عن محمد بن إسحاق، عن إسماعيل بن أبي أمية، عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوى إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا: من يبلغ إخواننا أنا في الجنة نرزق لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا في الحرب، فقال الله عز وجل: أنا أبلغهم عنكم، فأنزل الله تعالى - ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون -.
رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه من طريق عثمان بن أبي شيبة.
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الغازي قال: أخبرنا محمد بن حمدان قال: أخبرنا حامد

ابن محمد بن شعيب البلخي قال: حدثنا بن أبي شيبة قال: حدثنا ابن إدريس فذكره، رواه الحاكم عن علي بن عيسى الحيرى، عن مسدد، عن عثمان بن أبي شيبة.
أخبرنا أبو بكر الحارثي، حدثنا أبو الشيخ الحافظ قال: أخبرنا أحمد بن الحسين الحذاء، قال علي بن المديني قال: حدثنا موسى بن إبراهيم بن بشير الفاكه الانصاري، أنه سمع طلحة بن حراش قال: سمعت جابر بن عبد الله قال: نظر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما لي أراك مهما ؟ قلت يا رسول الله قتل أبي وترك دينا وعيالا، فقال: ألا أخبرك ؟ ما كلم الله أحدا قط إلا من وراء حجاب، وإنه كلم أباك كفاحا، فقال: يا عبدي سلني أعطك، قال: أسألك أن تردني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية، فقال: إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون، قال: يا رب فأبلغ من ورائي، فأنزل الله تعالى
- ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء - الآية.
أخبرني أبو عمرو القنطري فيما كتب إلي قال: أخبرنا محمد بن الحسين قال: أخبرنا محمد بن يحيى قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن سالم الافطس، عن سعيد بن جبير - ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء - قال: لما أصيب حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير يوم أحد، ورأوا ما رزقوا من الخير، قالوا: ليت إخواننا يعلمون ما أصابنا من الخير كي يزدادوا في الجهاد رغبة، فقال الله تعالى: أنا أبلغهم عنكم، فأنزل الله تعالى - ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء - إلى قوله - لا يضيع أجر المؤمنين -.
وقال أبو الضحى نزلت هذه الآية في أهل أحد خاصة.
وقال جماعة من أهل التفسير: نزلت الآية في شهداء بئر معونة، وقصتهم مشهورة ذكرها محمد بن إسحاق ابن يسار في المغازي.
وقال آخرون: إن أولياء الشهداء كانوا إذا أصابتهم نعمة أو سرور تحسروا وقالوا: نحن في النعمة والسرور وآباؤنا وأبناؤنا وإخواننا في القبور، فأنزل الله تعالى هذه الآية تنفسيا عنهم وإخبارا عن حال قتلاهم.

* قوله: (الذين استجابوا لله والرسول) الآية.
أخبرنا أحمد بن إبراهيم المقرى قال: أخبرنا شعيب بن محمد قال: أخبرنا مكى بن عبدان قال: حدثنا أبو الازهر قال: حدثنا روح قال: حدثنا أبو يونس القشيرى، عن عمرو بن دينار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استنفر الناس بعد أحد حين انصرف المشركون، فاستجاب له سبعون رجلا، فطلبهم فلقى أبو سفيان عيرا من خزاعة، فقال لهم: إن لقيتم محمدا يطلبني فأخبروه أني في جمع كثير، فلقيهم النبي صلى الله عليه وسلم، فسألهم عن أبي سفيان فقالوا: لقيناه في جمع كثير ونراك في قلة ولا نأمنه عليك، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يطلبه، فسبقه أبو سفيان، فدخل مكة، فأنزل الله تعالى فيهم - الذين استجابوا
لله والرسول - حتى بلغ - فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين -.
أخبرنا عمرو بن عمرو قال: أخبرنا محمد بن مكى قال: أخبرنا محمد بن يوسف قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل قال: أخبرنا محمد قال: أخبرنا أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضى الله عنها في قوله تعالى - الذين استجابوا لله والرسول - إلى آخرها قال: قالت لعروة: يا ابن أختي كان أبواك منهم الزبير وأبو بكر لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ما أصاب وانصرف عنه المشركون، خاف أن أن يرجعوا، فقال: من يذهب في أثرهم، فانتدب منهم سبعون رجلا كان فيهم أبو بكر والزبير.
* قوله: (الذين قال لهم الناس) الآية.
أخبرنا أبو إسحاق الثعالبي قال: أخبرنا أبو صالح شعيب بن محمد قال: أخبرنا أبو حاتم التميمي قال: أخبرنا أحمد بن الازهر قال: حدثنا روح بن عبادة قال: حدثنا سعيد عن قتادة قال: ذاك يوم أحد بعد القتل والجراحة وبعد ما انصرف المشركون أبو سفيان وأصحابه قال نبي الله صلى الله عليه وسلم لاصحابه: ألا عصابة تشدد لامر الله فتطلب عدوها فإنه أنكى للعدو وأبعد للسمع، فانطلق عصابة على ما يعلم الله من الجهد حتى إذا كانوا بذي الحليفة جعل الاعراب والناس يأتون عليهم، فيقولون هذا أبو سفيان مائل عليكم بالناس، فقالوا: حسبنا الله

ونعم الوكيل، فأنزل الله تعالى فيهم - الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم - إلى قوله تعالى - والله ذو فضل عظيم -.
* قوله: (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه) قال السدى: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عرضت علي أمتي في صورها كما عرضت على آدم، وأعلمت من يؤمن لي ومن يكفر، فبلغ ذلك المنافقين فاستهزءوا وقالوا: يزعم محمد أنه يعلم من يؤمن به ومن يكفر، ونحن معه ولا يعرفنا، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال الكلبي: قالت قريش: تزعم يا محمد أن من خالفك فهو في النار والله عليه غضبان، وأن من اتبعك على دينك فهو من أهل الجنة والله عنه راض، فأخبرنا بمن يؤمن بك ومن لا يؤمن بك ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال أبو العالية: سأل المؤمنون أن يعطوا علامة يفرق بها بين المؤمن والمنافق، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله (ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله) الآية.
قال جمهور المفسرين على أنها نزلت في مانعي الزكاة.
وروى عطية عن ابن عباس أن الآية نزلت في أحبار اليهود الذين كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته، وأراد بالبخل: كتمان العلم الذي آتاهم الله تعالى.
* قوله: (لقد سمع الله قول الذين قالوا) الآية.
قال عكرمة والسدى ومقاتل ومحمد بن إسحاق: دخل أبو بكر الصديق رضى الله عنه ذات يوم بيت مدارس اليهود، فوجد ناسا من اليهود قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له فنحاص بن عازوراء وكان من علمائهم، فقال أبو بكر لفنحاص: اتق الله وأسلم، فوالله إنك لتعلم أن محمدا رسول الله قد جاءكم بالحق من عند الله تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة، فآمن وصدق وأقرض الله قرضا حسنا يدخلك الجنة ويضاعف لك الثواب، فقال فنحاص: يا أبا بكر تزعم أن ربنا يستقرضنا أموالنا، وما يستقرض إلا الفقير من الغني فإن كان ما تقول حقا، فان الله إذا لفقير ونحن أغنياء، ولو كان غنيا ما استقرضنا أموالنا،

فغضب أبو بكر رضى الله عنه وضرب وجه فنحاص ضربة شديدة وقال: والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينك لضربت عنقك يا عدو الله، فذهب فنحاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد انظر إلى ما صنع بي صاحبك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابي بكر: ما الذي حملك على ما صنعت ؟ فقال: يا رسول
إن عدو الله قال قولا عظيما، زعم أن الله فقير وأنهم أغنياء، فغضبت لله وضربت وجهه، فجحد ذلك فنحاص، فأنزل الله عز وجل ردا على فنحاص وتصديقا لابي بكر - لقد سمع الله قول الذين قالوا - الآية.
أخبرنا عبد القاهر بن طاهر قال: أخبرنا أبو عمرو بن مطر قال: أخبرنا جعفر ابن الليث الروذباري قال: حدثنا أبو حذيفة موسى بن مسعود قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: نزلت في اليهود صك أبو بكر رضى الله عنه وجه رجل منهم، وهو الذي قال: إن الله فقير ونحن أغنياء، قال شبل بلغني أنه فنحاص اليهودي وهو الذي قال - يد الله مغلولة -.
* قوله تعالى: (الذين قالوا إن الله عهد إلينا) الآية.
قال الكلبي: نزلت في كعب بن الاشرف ومالك بن الضيف ووهب بن يهوذا وزيد بن تابوه وفي فنحاص ابن عازوراء وحيى بن أخطب، أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: تزعم أن الله بعثك إلينا رسولا، وأنزل عليك كتابا، وأن الله قد عهد إلينا في التوراة أن لا نؤمن لرسول يزعم أنه من عند الله حتى يأتينا بقربان تأكله النار، فإن جئتنا به صدقناك، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله تعالى: (ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا) الآية.
أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد الفارسى قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن حمدون قال: أخبرنا أبو حامد أحمد بن الحسن قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا أبو اليمان قال: حدثنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه وكان من أحد الثلاثة الذين تيب

عليهم، أن كعب بن الاشرف اليهودي كان شاعرا وكان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم ويحرض عليه كفار قريش في شعره، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وأهلها
أخلاط، منهم المسلمون ومنهم المشركون ومنهم اليهود، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يستصلحهم، فكان المشركون واليهود يؤذونه ويؤذون أصحابه أشد الاذى، فأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر على ذلك، وفيهم أنزل الله - ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب - الآية.
أخبرنا عمرو بن عمرو المزكى قال: أخبرنا محمد بن مكى قال: أخبرنا محمد بن يوسف قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل قال: أخبرنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير، أن أسامة بن زيد أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب على حمار على قطيفة فدكيه، وأردف أسامة بن زيد وسار يعود سعد بن عبادة في بني الحرث بن الخزرج قبل وقعة بدر، حتى مر بمجلس فيه عبد الله بن أبي، وذلك قبل أن يسلم عبد الله بن أبي فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الاوثان واليهود، وفي المجلس عبد الله بن رواحة فلما غشى المجلس عجاجة الدابة خمر عبد الله ابن أبي أنفه بردائه، ثم قال: لا تغبروا علينا، فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وقف، فنزل ودعاهم إلى الله، وقرأ عليهم القرآن، فقال عبد الله بن أبي: أيها المرء إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقا فلم تؤذينا به في مجلسنا ؟ ارجع إلى رحلك، فمن جاءك فاقصص عليه، فقال عبد الله بن رواحة: بلى يا رسول الله، فاغشنا به في مجالسنا فإنا نحب ذلك، واستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتساورون، فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكنوا، ثم ركب النبي صلى الله عليه وسلم دابته وسار حتى دخل على سعد بن عبادة، فقال له: يا سعد ألم تسمع ما قال أبو حباب ؟ يريد عبد الله بن أبي قال: كذا وكذا فقال سعد بن عبادة: يا رسول الله اعف عنه واصفح فوالذي أنزل عليك الكتاب، لقد جاء الله بالحق الذي نزل عليك، وقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يتوجوه ويعصبوه بالعصابة، فلما رد الله ذلك بالحق الذي أعطاك

شرق بذلك، فذلك فعل به ما رأيت، فعفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى - ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم، ومن الذين أشركوا أذى كثيرا - الآية.
* قوله: (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا) الآية.
أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن أحمد بن جعفر قال: أخبرنا أبو الهيثم المروزي قال: أخبرنا محمد ابن يوسف قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل البخاري قال: أخبرنا سعيد بن أبي مريم قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري أن رجالا من المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغزو تخلفوا عنه، فإذا قدم اعتذروا إليه وحلفوا وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فنزلت - لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا - الآية.
ورواه مسلم عن الحسن بن علي الحلواني على ابن أبي مريم.
أخبرنا أبو عبد الرحمن الشاذياخي قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا قال: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدغولى قال: أخبرنا محمد بن جهل 7 قال: أخبرنا جعفر ابن عوف قال: حدثنا هشام بن سعد قال: حدثنا يزيد بن أسلم أن مروان بن الحكم كان يوما وهو أمير على المدينة عنده أبو سعيد الخدري وزيد بن ثابت ورافع بن خديج، فقال مروان: يا أبا سعيد، أرأيت قوله تعالى - ولا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا - والله إنا لنفرح بما أتينا، ونحب أن نحمد بما لم نفعل، فقال أبو سعيد: ليس هذا في هذا إنما كان رجال في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلفون عنه وعن أصحابه في المغازي، فإذا كانت فيهم النكبة وما يكره فرحوا بتخلفهم، فإذا كان فيهم ما يحبون حلفوا لهم وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا.
أخبرنا سعيد بن محمد الزاهد قال: أخبرنا أبو سعيد بن حمدون قال: أخبرنا أبو حامد بن الشرقي قال: حدثنا أبو الأزهر قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا

ابن جريج قال: أخبرني ابن أبي مليكة أن علقمة بن وقاص أخبره أن مروان قال لرافع بوابه: اذهب إلى ابن عباس وقل له: لئن كان امرؤ منا فرح بما أتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل عذب، لتعذبن أجمعين، فقال ابن عباس: ما لكم ولهذا، إنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم يهود فسألهم عن شئ فكتموه إياه وأخبروه بغيره، فأروه أن قد استحمدوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم، وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم إياه، ثم قرأ ابن عباس - وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس - رواه البخاري عن إبراهيم بن موسى، عن هشام ورواه مسلم عن زهير بن حرب، عن حجاج، كلاهما عن ابن جريج.
وقال الضحاك: كتب يهود المدينة إلى يهود العراق واليمن ومن بلغهم كتابهم من اليهود في الارض كلها إن محمدا ليس نبي الله فاثبتوا على دينكم وأجمعوا كلمتكم على ذلك، فأجمعت كلمتهم على الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن، ففرحوا بذلك وقالوا: الحمد لله الذي جمع كلمتنا ولم نتفرق ولم نترك ديننا، وقالوا: نحن أهل الصوم والصلاة ونحن أولياء الله، فلذلك قول الله تعالى - يفرحون بما أتوا - بما فعلوا - ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا - يعني بما ذكروا من الصوم والصلاة والعبادة.
* قوله: (إن في خلق السموات والارض) الآية.
أخبرنا أبو إسحاق المقرى قال: أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن يحيى العبيدي قال: حدثنا أحمد بن نجدة قال: حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحمانى قال: حدثنا يعقوب القمي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أتت قريش اليهود فقالوا: ما جاءكم به موسى من الآيات ؟ قالوا: عصاه، ويده بيضاء للناظرين، وأتوا النصارى فقالوا: كيف كان عيسى فيكم ؟ فقالوا: يبرئ الاكمه والابرص، ويحيى الموتى، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: دع لنا ربك يجعل الصفا ذهبا
فأنزل الله - أن في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار لآيات لاولي الالباب -.

* قوله تعالى: (فاستجاب لهم ربهم) الآية.
أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم النصراباذي قال: أخبرنا أبو عمرو إسماعيل بن نجيد قال: حدثنا جعفر بن محمد بن سوار قال: أخبرنا قتيبة بن سعيد، عن سفيان، عن عمرو بن دينار، عن سلمة بن عمرو ابن أبي سلمة، رجل من ولد أم سلمة قال: قالت أم سلمة: يا رسول الله لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشئ، فأنزل الله تعالى - فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى - الآية.
رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه، عن ابن عون محمد بن أحمد بن ماهان، عن محمد بن علي بن زيد، عن يعقوب بن حميد عن سفيان.
* قوله تعالى: (لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد) نزلت في مشركي مكة، وذلك أنهم كانوا في رخاء ولين من العيش، وكانوا يتجرون ويتنعمون، فقال بعض المؤمنين: إن أعداء الله فيما نرى من الخير، وقد هلكنا من الجوع والجهد، فنزلت هذه الآية.
* قوله: (وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله) الآية.
قال جابر ابن عبد الله وأنس وابن عباس وقتادة: نزلت في النجاشي، وذلك لما مات نعاه جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي مات فيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاصحابه: اخرجوا فصلوا على أخ لكم مات بغير أرضكم، فقالوا: ومن هو ؟ فقال: النجاشي، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البقيع وكشف له من المدينة إلى أرض الحبشة، فأبصر سرير النجاشي وصلى عليه وكبر أربع تكبيرات واستغفر له وقال لاصحابه: استغفروا له، فقال المنافقون: انظروا إلى هذا يصلي على
علج حبشي نصراني لم يره قط وليس على دينه، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد الله بن يوسف قال: حدثنا أبو عمرو محمد بن جعفر بن مطر إملاء قال: أخبرني جعفر بن محمد بن سنان الواسطي قال:

أخبرنا أبو هاني محمد بن بكار الباهلي قال: حدثنا المعتمر بن سليمان، عن حميد عن أنس قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم لاصحابه: قوموا فصلوا على أخيكم النجاشي، فقال بعضهم لبعض: يأمرنا أن نصلي على علج من الحبشة ؟ فأنزل الله تعالى - وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم - الآية.
وقال مجاهد وابن جريج وابن زيد: نزلت في مؤمني أهل الكتاب كلهم.
* قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا) الآية.
أخبرنا سعيد ابن أبي عمرو الحافظ قال: أخبرنا أبو علي الفقيه قال: حدثنا محمد بن معاذ الباليني قال: حدثنا الحسين بن الحسن بن حرب المروزي قال: حدثنا ابن المبارك قال: أخبرنا مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير قال: حدثنى داود بن صالح قال: قال أبو سلمة ابن عبد الرحمن: يا ابن أخي هل تدرى في أي شئ نزلت هذه الآية - يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا - ؟ قال: قلت لا قال: إنه يا ابن أخي لم يكن في زمان النبي صلى الله عليه وسلم ثغر يرابط فيه، ولكن انتظار الصلاة خلف الصلاة، رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه، عن أبي محمد المزني، عن أحمد بن نجدة، عن سعيد بن منصور، عن ابن المبارك اه.
سورة النساء (بسم الله الرحمن الرحيم) قوله عز وجل: (وآتوا اليتامى أموالهم) الآية.
قالا مقاتل والكلبي: نزلت في رجل من غطفان كان عنده مال كثير لابن أخ له يتيم، فلما بلغ اليتيم طلب المال، فمنعه عمه، فترافعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فنزلت هذه الآية، فلما سمعها العم قال: أطعنا الله وأطعنا الرسول، نعوذ بالله من الحوب الكبير، فدفع إليه ماله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من يوق شح نفسه ورجع به هكذا فإنه يحل داره، يعني جنته، فلما قبض الفتى ماله أنفقه في سبيل الله تعالى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ثبت الاجر وبقى الوزر فقالوا: يا رسول الله قد

عرفنا أنه ثبت الاجر، فكيف بقى الوزر وهو ينفق في سبيل الله ؟ فقال: ثبت الاجر للغلام وبقى الوزر على والده.
* قوله: (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى) الآية.
أخبرنا أبو بكر التميمي، أخبرنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا أبو يحيى قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا يحيى بن أبي زائدة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة في قوله تعالى - وإن خفتم ألا تقسطوا - الآية.
قالت: أنزلت هذه في الرجل يكون له اليتيمة وهو وليها ولها مال وليس لها أحد يخاصم دونها، فلا ينكحها حبا لمالها، ويضربها ويسئ صحبتها، فقال الله تعالى - وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء - يقول: ما أحللت لك ودع هذه.
رواه مسلم عن أبي كريب عن أبي أسامة، عن هشام.
وقال سعيد بن جبير وقتادة والربيع والضحاك والسدى: كانوا يتحرجون عن أموال اليتامى ويترخصون في النساء، ويتزوجون ما شاءوا، فربما عدلوا وربما لم يعدلوا، فلما سألوا عن اليتامى، فنزلت آية اليتامى - وآتوا اليتامى أموالهم - الآية، أنزل الله تعالى أيضا - وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى - الآية.
يقول: كما خفتم ألا تقسطوا في اليتامى، كذلك فخافوا في النساء أن لاتعدلوا فيهن، فلا تتزوجوا أكثر ما يمكنكم القيام بحقهن، لان النساء كاليتامى في الضعف والعجز، وهذا قول ابن عباس في رواية الوالبى
قوله تعالى: (وابتلوا اليتامى) الآية.
نزلت في ثابت بن رفاعة وفي عمه، وذلك أن رفاعة توفى وترك ابنه ثابتا وهو صغير، فأتى عم ثابت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن ابن أخي يتيم في حجري، فما يحل لي من ماله، ومتى أدفع إليه ماله ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله تعالى: (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والاقربون) الآية.
قال المفسرون: إن أوس بن ثابت الانصاري توفى وترك امرأة يقال لها أم كحة وثلاث

بنات له منها، فقام رجلان هما ابنا عم الميت ووصياه، يقال لهما سويد وعرفجة، فأخذا ماله ولم يعطيا امرأته شيئا ولا بناته، وكانوا في الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصغير وإن كان ذكرا، إنما يورثون الرجال الكبار، وكانوا يقولون: لا يعطى إلا من قاتل على ظهور الخيل وحاز الغنيمة، فجاءت أم كحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن أوس بن ثابت مات وترك علي بنات وأنا امرأة وليس عندي ما أنفق عليهن، وقد ترك أبوهن مالا حسنا وهو عند سويد وعرفجة لم يعطياني ولا بناته من المال شيئا وهن في حجري، ولا يطعماني ولا يسقياني ولا يرفعان لهن رأسا فدعاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالا: يا رسول الله ولدها لا يركب فرسا ولا يحمل كلا ولا ينكى عدوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انصرفوا حتى أنظر ما يحدث الله لي فيهن، فانصرفوا، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما) الآية.
قال مقاتل ابن حيان: نزلت في رجل من غطفان يقال له مرثد بن زيد ولي مال ابن أخيه وهو يتيم صغير، فأكله، فأنزل الله فيه هذه الآية.
* قوله: (يوصيكم الله في أولادكم) الآية.
أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد ابن جعفر قال: أخبرنا الحسن بن أحمد المخالدي قال: أخبرنا المؤمل بن الحسين بن عيسى
قال: حدثنا الحسين بن محمد بن الصباح قال: حدثنا الحجاج، عن ابن جريج قال: أخبرني ابن المنكدر، عن جابر قال: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في بني سلمة يمشيان، فوجداني لا أعقل، فدعا بماء فتوضأ، ثم رش علي منه فأفقت فقلت: كيف أصنع في مالي يا رسول الله ؟ فنزلت - يوصيكم الله في أولادكم - الآية.
رواه البخاري عن إبراهيم بن موسى، عن هشام، ورواه مسلم عن محمد بن حاتم، عن صباح، كلاهما عن ابن جريج.
أخبرنا أبو منصور محمد بن المنصوري قال: أخبرنا علي بن عمر بن المهدي قال: حدثنا يحيى بن صاعد قال: حدثنا أحمد بن المقدام قال: حدثنا بشر بن الفضل قال:

حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله قال: جاءت امرأة بابنتين لها، فقالت: يا رسول الله هاتان بنتا ثابت بن قيس، أو قالت سعد بن الربيع، قتل معك يوم أحد، وقد استفاء عمهما مالهما وميراثهما، فلم يدع لهما مالا إلا أخذه، فما ترى يا رسول الله، فوالله ما ينكحان أبدا إلا ولهما مال، فقال: يقضي الله في ذلك، فنزلت سورة النساء وفيها - يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين - إلى آخر الآية، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادع لي المرأة وصاحبها، فقال لعمهما: أعطهما الثلثين، وأعط أمهما الثمن، وما بقى فلك.
* قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها) الآية.
أخبرنا أبو بكر الاصفهاني.
قال: حدثنا عبد الله بن محمد الاصفهاني قال: حدثنا أبو يحيى قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا أسباط بن محمد، عن الشيباني، عن عكرمة، عن ابن عباس قال أبو إسحاق الشيباني، وذكره عطاء بن الحسين السوائي، ولا أظنه إلا ذكره عن ابن عباس هذه الآية - يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها - قال: كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاء
بعضهم تزوجها، وإن شاءوا زوجوها، وإن شاءوا لم يزوجوها، وهم أحق بها من أهلها، فنزلت هذه الآية في ذلك.
رواه البخاري في التفسير، عن محمد بن مقاتل، ورواه في كتاب الاكراه عن حسين بن منصور كلاهما عن أسباط.
قال المفسرون: كان أهل المدينة في الجاهلية وفي أول الاسلام، إذا مات الرجل وله امرأة جاء ابنه من غيرها أو قرابته من عصبته فألقى ثوبه على تلك المرأة، فصار أحق بها من نفسها ومن غيره، فإن شاء أن يتزوجها تزوجها بغير صداق، إلا الصداق الذي أصدقها الميت، وإن شاء زوجها غيره وأخذ صداقها ولم يعطها شيئا وإن شاء عضلها وضارها لتفتدى منه بما ورثت من الميت، أو تموت هي فيرثها، فتوفى أبو قيس ابن الاسلت الانصاري وترك امرأته كبيشة بنت معن الانصارية، فقام ابن له من (7 - أسباب النزول)

غيرها يقال له حصن، وقال مقاتل: اسمه قيس بن أبي قيس، فطرح ثوبه عليها، فورث نكاحها ثم تركها، فلم يقربها ولم ينفق عليها يضارها لتفتدى منه بمالها، فأتت كبيشة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن أبا قيس توفى وورث ابنه نكاحي وقد أضرني وطول علي، فلا هو ينفق علي، ولا يدخل بي، ولا هو يخلي سبيلي، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقعدي في بيتك حتى يأتي فيك أمر الله قال: فانصرفت وسمعت بذلك النساء في المدينة، فأتين رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلن: ما نحن إلا كهيأة كبيشة غير أنه لم ينكحنا الابناء ونكحنا بنو العم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله: (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) الآية.
نزلت في حصن ابن أبي قيس تزوج امرأة أبيه كبيشة بنت معن، وفي الاسود بن خلف تزوج امرأة أبيه، وصفوان بن أمية بن خلف تزوج امرأة أبيه فاختة بنت الاسود بن المطلب،
وفي منصور بن ماذن تزوج امرأة أبيه مليكة بنت خارجة.
وقال أشعث بن سوار: توفى أبو قيس وكان من صالحي الانصار، فخطب ابنه قيس امرأة أبيه، فقالت: إني أعدك ولدا، ولكني آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم أستأمره، فأتته فأخبرته، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله تعالى: (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) أخبرنا محمد بن عبد الرحمن البناني قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن حمدان قال: أخبرنا أبو يعلى قال: أخبرنا عمر الناقد قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري قال: حدثنا سفيان، عن عثمان البتى، عن أبي الخليل، عن أبي سعيد الخدري قال: أصبنا سبايا يوم أوطاس لهن أزواج، فكرهنا أن نقع عليهن، فسألنا النبي عليه الصلاة والسلام فنزلت - والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم - فاستحللناهن.
أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد بن الحارث قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال: حدثنا أبو يحيى قال: حدثنا سهل بن عثمان، وقال عبد الرحيم، عن أشعث

ابن سوار، عن عثمان البتى، عن أبي الخليل، عن أبي سعيد قال: لما سبا رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل أوطاس قلنا يا نبي الله كيف نقع على نساء قد عرفنا أنسابهن وأزواجهن ؟ فنزلت هذه الآية - والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم -.
أخبرنا أبو مكى الفارسي، أخبرنا محمد بن عيسى بن عمرويه، حدثنا إبراهيم بن محمد ابن سفيان، حدثنا مسلم بن الحجاج، حدثني عبيدالله بن عمر القواريري، حدثنا يزيد ابن زريع، عن سعيد بن عروة، عن قتادة، عن صالح أبي الخليل، عن أبي علقمة الهاشمي، عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين بعث جيشا إلى أوطاس ولقى عدوا فقاتلوهم، فظهروا عليهم وأصابوا لهم سبايا، وكان ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من
المشركين، فأنزل الله في ذلك - والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم -.
* قوله: (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض) أخبرنا إسماعيل ابن أبي القاسم الصوفي، أخبرنا إسماعيل بن نجيد، حدثنا جعفر بن محمد بن سوار، أخبرنا قتيبة، حدثنا سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: قالت أم سلمة: يارسول الله تغزو الرجال ولا نغزو، وإنما لنا نصف الميراث فأنزل الله تعالى - ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض -.
أخبرنا محمد بن عبد العزيز، أن محمد بن الحسين أخبرهم عن محمد بن يحيى بن يزيد، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا عتاب بن بشير، عن حصيف، عن عكرمة أن النساء سألن الجهاد، فقلن: وددنا أن الله جعل لنا الغزو فنصيب من الاجر ما يصيب الرجال، فأنزل الله تعالى - ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض -.
وقال قتادة والسدى: لما نزل قوله - للذكر مثل حظ الانثيين - قال الرجال: إنا لنرجو أن نفضل على النساء بحسناتنا في الآخرة كما فضلنا عليهن في الميراث فيكون أجرنا على الضعف من أجر النساء، وقالت النساء: إنا لنرجو أن يكون الوزر علينا

نصف ما على الرجال في الآخرة كما لنا الميراث على النصف من نصيبهم في الدنيا، فأنزل الله تعالى - ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض -.
* قوله تعالى: (ولكل جعلنا موالي) الآية.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الفارسي قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن حمويه الهروي قال: أخبرنا محمد بن محمد الموافى قال: حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع قال: أخبرني شعيب بن أبي حمزة عن الزهري قال: قال سعيد بن المسيب: نزلت هذه الآية - ولكل جعلنا موالى مما ترك الوالدان والاقربون - في الذين كانوا يتبنون رجالا غير أبنائهم ويورثونهم، فأنزل الله تعالى فيهم - أن يجعل لهم نصيب في الوصية - ورد الله تعالى الميراث إلى الموالي من ذوي الرحم
والعصبة، وأبى أن يجعل للمدعين ميراث من ادعاهم ويتبناهم، ولكن جعل نصيبا في الوصية.
* قوله تعالى: (الرجال قوامون على النساء) الآية قال مقاتل: نزلت هذه الآية.
في سعد بن الربيع وكان من النقباء، وامرأته حبيبة بنت زيد بن أبي هريرة، وهما من الانصار، وذلك أنها نشزت عليه فلطمها، فانطلق أبو ها معها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أفرشته كريمتي فلطمها، فقال: النبي صلى الله عليه وسلم لتقتص من زوجها، وانصرفت مع أبيها لتقتص منه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ارجعوا هذا جبريل عليه السلام أتاني، وأنزل الله تعالى هذه الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أردنا أمرا وأراد الله أمرا، والذي أراد الله خير، ورفع القصاص.
أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد الزاهد قال: أخبرنا زاهد بن أحمد قال: أخبرنا أحمد بن الحسين بن الجنيد قال: حدثنا زياد بن أيوب قال: حدثنا هشيم قال: حدثنا يونس، عن الجهنى أن رجلا لطم امرأته، فخاصمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء معها أهلها فقالوا: يارسول الله إن فلانا لطم صاحبتنا، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: القصاص القصاص، ولا يقضي قضاء، فنزلت هذه الآية - الرجال قوامون على النساء - قال النبي صلى الله عليه وسلم: أردنا أمرا وأراد الله غيره

أخبرنا أبو بكر الحارثي قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال: حدثنا أبو يحيى الرازي قال: حدثنا سهل العسكري قال: حدثنا علي بن هشام، عن إسماعيل، عن الحسن قال: لما نزلت آية القصاص بين المسلمين لطم رجل امرأته، فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن زوجي لطمني فالقصاص، قال: القصاص، فبينا هو كذلك أنزل الله تعالى - الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أردنا أمرا فأبى الله تعالى، خذ أيها الرجل
بيد امرأتك.
* قوله تعالى: (الذين يبخلون ويأمرون الناس يا لبخل) قال أكثر المفسرين: نزلت في اليهود كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم ولم يبينوها للناس، وهم يجدونها مكتوبة عندهم في كتبهم، وقال الكلبي: هم اليهود بخلوا أن يصدقوا من أتاهم صفة محمد صلى الله عليه وسلم ونعته في كتابهم: وقال مجاهد: الآيات الثلاث إلى قوله - عليما نزلت في اليهود.
وقال ابن عباس وابن زيد: نزلت في جماعة من اليهود كانوا يأتون رجالا من الانصار يخالطونهم وينصحونهم ويقولون لهم: لا تنفقوا أموالكم فإنا نخشى عليكم الفقر، فأنزل الله تعالى - الذين يبخلون ويأمرون الناس يا لبخل -.
* قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) الآية: نزلت في أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يشربون الخمر ويحضرون الصلاة وهم نشاوى، فلا يدرون كم يصلون ولا ما يقولون في صلاتهم.
أخبرنا أبو بكر الاصفهاني قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال: حدثنا أبو يحيى قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا أبو عبد الرحمن الافريقى قال: حدثنا عطاء، عن أبي عبد الرحمن قال: صنع عبد الرحمن بن عوف طعاما ودعا أناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطعموا وشربوا، وحضرت صلاة المغرب فتقدم

بعض القوم فصلى بهم المغرب، فقرأ - قل يا أيها الكافرون - فلم يقمها، فأنزل الله تعالى - يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون -.
* قوله تعالى: (فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) أخبرنا أبو عبد الله ابن أبي إسحاق قال: حدثنا أبو عمرو بن مطر قال: حدثنا إبراهيم بن علي الذهلى قال:
حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك بن أنس، عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه، وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء، فأتى الناس إلى أبي بكر، فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة ؟ أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالناس معه وليس معهم ماء، فجاء أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام، فقال: أجلست رسول الله والناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء، قالت: فعاتبني أبو بكر وقال: ما شاء الله أن يقول، فجعل يطعن بيده في خاصرتي فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح على غير ماء، فأنزل الله تعالى آية التيمم فتيمموا، فقال أسيد ابن حضير وهو أحد النقباء: ماهي بأول بركتكم يا آل أبي بكر، قالت عائشة: فبعثنا البعير الذي كنت عليه، فوجدنا العقد تحته.
رواه البخاري عن إسماعيل بن أبي أويس، ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى، كلاهما عن مالك.
أخبرنا أبو محمد الفارسي قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن الفضل قال: أخبرنا أحمد ابن محمد بن الحسين الحافظ قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم ابن سعد قال: حدثنا أبي، عن أبي صالح، عن ابن شهاب قال: حدثني عبد الله بن عبد الله ابن عتبة، عن ابن عباس، عن عمار بن ياسر قال: عرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بذات الجيش ومعه عائشة زوجته، فانقطع عقد لها من جذع أظفار، فحبس الناس ابتغاء عقدها ذلك حتى أضاء الفجر وليس معهم ماء، فأنزل الله تعالى على رسوله (رسول) الله صلى الله

عليه وسلم قصة التطهر بالصعيد الطيب، فقام المسلمون فضربوا بأيديهم الارض، ثم رفعوا أيديهم فلم يقبضوا من التراب شيئا، فمسحوا بها وجوههم وأيديهم إلى المناكب
ومن بطون أيديهم إلى الآباط.
قال الزهري: وبلغنا أن أبا بكر قال لعائشة: والله إنك ما علمت لمباركة.
* قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم) الآية.
قال الكلبي: نزلت في رجال من اليهود أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأطفالهم وقالوا: يا محمد هل على أولادنا هؤلاء من ذنب ؟ قال لا، فقالوا: والذي نحلف به ما نحن إلا كهيئتهم، ما من ذنب نعمله بالنهار إلا كفر عنا بالليل، وما من ذنب نعمله بالليل إلا كفر عنا بالنهار، فهذا الذي زكوا به أنفسهم.
* قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت) أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى قال: أخبرنا والدي قال: حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي قال: حدثنا عبد الجبار بن العلاء قال: حدثنا سفيان، عن عمرو، عن عكرمة قال: جاء حيى بن أخطب وكعب بن الاشرف إلى أهل مكة فقالوا لهم: أنتم أهل الكتاب وأهل العلم القديم، فأخبرونا عنا وعن محمد، فقالوا: ما أنتم وما محمد ؟ قالوا: نحن ننحر الكوماء، ونسقي اللبن على الماء، ونفك العاني، ونصل الارحام، ونسقي الحجيج، وديننا القديم ودين محمد الحديث، قالا: بل أنتم خير منه وأهدى سبيلا، فأنزل الله تعالى - ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب - إلى قوله تعالى - ومن يلعن الله فلن تجد له سبيلا -.
وقال المفسرون: خرج كعب بن الاشرف في سبعين راكبا من اليهود إلى مكة بعد وقعة أحد ليحالفوا قريشا على غدر رسول الله صلى الله عليه وسلم وينقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل كعب على أبي سفيان، ونزلت اليهود في دور قريش، فقال أهل مكة: إنكم أهل كتاب، ومحمد صاحب كتاب، ولا نأمن أن يكون هذا مكرا منكم، فإن أردت أن نخرج معك فاسجد لهذين الصنمين

وآمن بهما فذلك قوله - يؤمنون بالجبت والطاغوت ثم قال كعب لاهل مكة: ليجئ
منكم ثلاثون ومنا ثلاثون فنلزق أكبادنا بالكعبة، فنعاهد رب البيت لنجهدن على قتال محمد، ففعلوا ذلك، فلما فرغوا قال أبو سفيان لكعب: إنك امرؤ تقرأ الكتاب وتعلم ونحن أميون لا نعلم، فأينا أهدى طريقا وأقرب إلى الحق ؟ أنحن أم محمد ؟ فقال كعب: اعرضوا علي دينكم، فقال أبو سفيان: نحن ننحر للحجيج الكوماء، ونسقيهم الماء، ونقري الضيف، ونفك العاني، ونصل الرحم، ونعمر بيت ربنا، ونطوف به، ونحن أهل الحرم، ومحمد فارق دين آبائه، وقطع الرحم، وفارق الحرم، وديننا القديم ودين محمد الحديث، فقال كعب: أنتم والله أهدى سبيلا مما هو عليه، فأنزل الله تعالى - ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب - يعني كعبا وأصحابه الآية.
* قوله تعالى: (أولئك الذين لعنهم الله) الآية.
أخبرنا أحمد بن إبراهيم المقرى قال: أخبرنا سفيان بن محمد قال: أخبرنا مكى بن عبد ان قال: حدثنا أبو الازهر قال: حدثنا روح قال: حدثنا سعيد عن قتادة قال: نزلت هذه الآية في كعب ابن الاشرف وحيى بن أخطب رجلين من اليهود من بني النضر لقيا قريشا بالموسم، فقال لهما المشركون ؟ أنحن أهدى أم محمد وأصحابه ؟ فإنا أهل السدانة والسقاية، وأهل الحرم، فقالا: بل أنتم أهدى من محمد فهما يعلمان أنهما كاذبان إنما حملهما على ذلك حسد محمد وأصحابه، فأنزل الله تعالى - أولئك الذين لعنهم الله، ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا - فلما رجعا إلى قومهما قال لهما قومهما: إن محمدا يزعم أنه قد نزل فيكما كذا وكذا، فقالا: صدق والله ما حملنا على ذلك إلا بغضه وحسده.
* قوله: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الامانات إلى أهلها) نزلت في عثمان ابن طلحة الحجبى من بني عبد الدار كان سادن الكعبة، فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح، أغلق عثمان باب البيت وصعد السطح، فطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم المفتاح، فقيل: إنه مع عثمان، فطلب منه فأبى وقال.
لو علمت أنه

رسول الله لم أمنعه المفتاح، فلوى علي بن أبي طالب يده وأخذ منه المفتاح وفتح الباب فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت وصلى فيه ركعتين، فلما خرج سأله العباس أن يعطيه المفتاح ليجمع له بين السقاية والسدانة، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا أن يرد المفتاح إلى عثمان ويعتذر إليه، ففعل ذلك علي، فقال له عثمان: يا علي أكرهت وآذيت ثم جئت ترفق ؟ ؟ فقال: لقد أنزل الله تعالى في شأنك، وقرأ عليه هذه الآية، فقال عثمان: أشهد أن محمدا رسول الله وأسلم، فجاء جبريل عليه السلام فقال: مادام هذا البيت فإن المفتاح والسدانة في أولاد عثمان، وهو اليوم في أيديهم.
أخبرنا أبو حسان المزكى قال: أخبرنا هارون بن محمد الاستراباذى قال: حدثنا أبو محمد الخزاعي قال: حدثنا أبو الوليد الازرق قال: حدثنا جدى، عن سفيان، عن سعيد بن سالم، عن ابن جريج عن مجاهد في قول الله تعالى - إن الله يأمركم أن تؤدوا الامانات إلى أهلها - قال: نزلت في ابن طلحة، قبض النبي صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة، فدخل الكعبة يوم الفتح، فخرج وهو يتلو هذه الآية، فدعا عثمان فدفع إليه المفتاح وقال: خذوها يا بني أبي طلحة بأمانة الله لا ينزعها منكم إلا ظالم.
أخبرنا أبو نصر المهرجاني قال: حدثنا عبيد الله بن محمد الزاهد قال: حدثنا أبو القاسم المقرى قال: حدثني أحمد بن زهير قال: أخبرنا مصعب قال: حدثنا شيبة ابن عثمان بن أبي طلحة قال: دفع النبي صلى الله عليه وسلم المفتاح إلي وإلى عثمان وقال: خذوها يا بني أبي طلحة خالدة تالدة لا يأخذها منكم إلا ظالم، فبنوا أبي طلحة الذين يلون سدانة الكعبة دون بني عبد الدار.
* قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم) أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي حامد العدل قال: أخبرنا أبو بكر بن أبي زكريا
الحافظ قال: أخبرنا أبو حامد بن الشرقي قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا الحجاج ابن محمد عن ابن جريج قال: أخبرني يعلى بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس

في قوله تعالى - أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم - قال: نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية.
رواه البخاري عن صدقة بن فضل، ورواه مسلم عن زهير بن حرب، كلاهما عن حجاج، وقال ابن عباس في رواية باذان، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في سرية إلى حي من أحياء العرب، وكان معه عمار بن ياسر، فسار خالد حتى إذا دنا من القوم عرس لكي يصبحهم، فأتاهم النذير، فهربوا عن رجل قد كان أسلم، فأمر أهله أن يتأهبوا للمسير، ثم انطلق حتى أتى عسكر خالد ودخل على عمار فقال: يا أبا اليقظان إني منكم، وإن قومي لما سمعوا بكم هربوا، وأقمت لاسلامي، أفنافعي ذلك، أو أهرب كما هرب قومي ؟ فقال: أقم فإن ذلك نافعك، وانصرف الرجل إلى أهله، وأمرهم بالمقام وأصبح خالد فغار على القوم، فلم يجد غير ذلك الرجل، فأخذه وأخذ ماله، فأتاه عمار فقال: خل سبيل الرجل فإنه مسلم، وقد كنت أمنته وأمرته بالمقام، فقال خالد: أنت تجير علي وأنا الامير ؟ فقال: نعم أنا أجير عليك وأنت الامير، فكان في ذلك بينهما كلام، فانصرفوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبروه خبر الرجل، فأمنه النبي صلى الله عليه وسلم، وأجاز أمان عمار ونهاه أن يجيز (يجير) بعد ذلك على أمير بغير إذنه، قال: واستب عمار وخالد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأغلظ عمار لخالد، فغضب خالد وقال: يارسول الله أتدع هذا العبد يشتمني، فوالله لولا أنت ما شتمني، وكان عمار مولى لهاشم بن المغيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا خالد كف عن عمار فإنه من يسب عمارا يسبه الله، ومن يبغض عمارا يبغضه الله، فقام عمار فتبعه خالد فأخذ بثوبه، وسأله أن يرضى عنه، فرضى عنه، فأنزل الله تعالى
هذه الآية، وأمر بطاعة أولي الامر.
* قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت) الآية.
أخبرنا سعيد ابن محمد العدل قال: أخبرنا أبو عمرو بن حمدان قال: أخبرنا الحسن بن سفيان قال:

حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري قال: حدثنا أبو اليمان قال: حدثنا صفوان بن عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان أبو بردة الاسلمي كاهنا يقضى بين اليهود فيما يتنافرون إليه، فتنافر إليه أناس من أسلم فأنزل الله تعالى - ألم تر إلى الذين يزعمون - إلى قوله - رفيقا -.
أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم قال: حدثنا أبو صالح بن شعيب بن محمد قال: حدثنا أبو حامد التميمي قال: حدثنا أبو الازهر قال: حدثنا رويم قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قال: ذكر لنا أن هذه الآية أنزلت في رجل من الانصار يقول له قيس، وفي رجل من اليهود في مماراة كانت بينهما في حق تدارءا فيه، فتنافرا إلى كاهن بالمدينة ليحكم بينهما، وتركا نبي الله صلى الله عليه وسلم، فعاب الله تعالى ذلك عليهما، وكان اليهودي يدعوه إلى نبي الله، وقد علم أنه لن يجوز (يجور) عليه، وجعل الانصاري يأبى عليه وهو يزعم أنه مسلم ويدعوه إلى الكاهن، فأنزل الله تعالى ما تسمعون، وعاب على الذي يزعم أنه مسلم، وعلى اليهودي الذي هو من أهل الكتاب، فقال - ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك - إلى قوله - يصدوه عنك صدودا -.
أخبرني محمد بن عبد العزيز المروزى في كتابه قال: أخبرنا محمد بن الحسين قال: أخبرنا محمد بن يحيى قال: أخبرنا إسحاق الحنظلي قال: أخبرنا المؤملى قال: حدثنا يزيد ابن زريع، عن داود، عن الشعبي قال: كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة، فدعا اليهودي المنافق إلى النبي صلى الله عليه وسلم لانه علم أنه لا يقبل الرشوة، ودعا المنافق اليهودي إلى حاكمهم لانه علم أنهم يأخذون الرشوة في أحكامهم، فلما
اختلفا اجتمعا على أن يحكما كاهنا في جهينة، فأنزل الله تعالى في ذلك - ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك - يعني المنافق - وما أنزل من قبلك - يعني اليهودي، يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت - إلى قوله - ويسلموا تسليما -.
وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس نزلت في رجل من المنافقين كان بينه

بينه وبين يهودي خصومة، فقال اليهودي: انطلق بنا إلى محمد، وقال المنافق: بل نأتي كعب بن الاشرف وهو الذى سماه الله تعالى الطاغوت، فأبى اليهودي إلا أن يخاصمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى المنافق ذلك أتى معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاختصما إليه، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهودي، فلما خرجا من عنده لزمه المنافق وقال: ننطلق إلى عمر بن الخطاب، فأقبلا إلى عمر، فقال اليهودي: اختصمنا أنا وهذا إلى محمد فقضى لي عليه فلم يرض بقضائه، وزعم أنه مخاصم إليك وتعلق بي فجئت إليك معه، فقال عمر للمنافق، أكذلك ؟ قال: نعم، فقال لهما: رويدا حتى أخرج إليكما، فدخل عمر وأخذ السيف فاشتمل عليه، ثم خرج إليهما وضرب به المنافق حتى برد، وقال: هكذا أقضى لمن لم يرض بقضاء الله وقضاء رسوله، وهرب اليهودي، ونزلت هذه الآية، وقال جبريل عليه السلام: إن عمر فرق بين الحق والباطل، فسمى الفاروق.
وقال السدى: كان ناس من اليهود أسلموا ونافق بعضهم، وكانت قريظة والنضير في الجاهلية إذا قتل رجل من بني قريظة رجلا من بني النضير قتل به وأخذ ديته مائة وسق من تمر، وإذا قتل رجل من بني النضير رجلا من قريظة لم يقتل به وأعطى ديته ستين وسقا من تمر، وكانت النضير حلفاء الاوس وكانوا أكبر وأشرف من قريظة وهم حلفاء الخزرج، فقتل رجل من النضير رجلا من قريظة واختصموا في ذلك، فقالت بنو النضير: إنا وأنتم اصطلحنا في الجاهلية على أن يقتل منكم ولا تقتلوا منا، وعلى أن
ديتكم ستون وسقا والوسق ستون صاعا وديتنا مائة وسق، فنحن نعطيكم ذلك، فقالت الخزرج: هذا شئ كنتم فعلتموه في الجاهلية لانكم كثرتم وقللنا فقهرتمونا، ونحن وأنتم اليوم إخوة وديننا ودينكم واحد، وليس لكم علينا فضل، فقال المنافقون: انطلقوا إلى أبي بردة الكاهن الاسلمي، وقال المسلمون: لا بل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأبى المنافقون وانطلقوا إلى أبى بردة ليحكم بينهم، فقال: أعظموا اللقمة: يعني الرشوة، فقالوا: لك عشرة أوسق، قال: لا، بل مائة وسق ديتي، فإني أخاف إن

نفرت النضيرى قتلتني قريظة، وإن نفرت القريظى قتلتني النضير، فأبوا أن يعطوه فوق عشرة أوسق وأبى أن يحكم بينهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم كاهن أسلم إلى الاسلام، فأبى فانصرف، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لابنيه: أدركا أباكما، فإنه إن جاوز عقبة كذا لم يسلم أبدا، فأدركاه فلم يزالا به حتى انصرف وأسلم، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم مناديا فنادى: ألا إن كاهن أسلم قد أسلم.
* قوله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) نزلت في الزبير بن العوام وخصمه حاطب بن أبي بلتعة، وقيل هو ثعلبة بن حاطب أخبرنا أبو سعيد عبد الرحمن بن حمدان قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالك قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبى قال: حدثنا أبو اليمان قال: حدثنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير، عن أبيه، أنه كان يحدث أنه خاصم رجلا من الانصار قد شهد بدرا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في شراج الحرة كانا يسقيان بها كلاهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للزبير: اسق ثم أرسل إلى جارك، فغضب الانصاري وقال: يارسول الله إن كان ابن عمتك، فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال للزبير: اسق ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر، فاستوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير حقه، وكان قبل ذلك أشار على الزبير برأى أراد فيه سعة
للانصاري وله، فلما أحفظ الانصاري رسول الله استوفى للزبير حقه في صريح الحكم، قال عروة: قال الزبير: والله ما أحسب هذه الآية أنزلت إلا في ذلك - فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما - رواه البخاري عن علي بن عبد الله، عن محمد بن جعفر، عن معمر.
ورواه مسلم، عن قتيبة، عن الليث، كلاهما عن الزهري

أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي حامد قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد الحافظ قال: حدثنا أبو أحمد محمد بن محمد بن الحسن الشيباني قال: حدثنا أحمد بن حماد زغبة قال: حدثنا حماد بن يحيى بن هانئ البلخى قال: حدثنا سفيان قال: حدثني عمرو ابن زياد عن أبى أم سلمة عن سلمة، أن الزبير بن العوام خاصم رجلا فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير، فقال الرجل: إنما قضى أنه ابن عمته، فأنزل الله تعالى - فلا وربك لا يؤمنون - الآية.
* قوله: (ومن يطع الله والرسول) الآية.
قال الكلبي: نزلت في ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان شديد الحب له قليل الصبر عنه، فأتاه ذات يوم وقد تغير لونه ونحل جسمه يعرف في وجهه الحزن، فقال له: يا ثوبان ما غير لونك ؟ فقال: يارسول الله مابى من ضر ولا وجع غير أني إذا لم أرك اشتقت إليك واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك، ثم ذكرت الآخرة وأخاف أن لا أراك هناك، لاني أعرف أنك ترفع مع النبيين، وأنى وإن دخلت الجنة كنت في منزلة أدنى من منزلتك، وإن لم أدخل الجنة فذاك أحرى أن لا أراك أبدا، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا إسماعيل بن أبي نصر، أخبرنا إبراهيم النصراباذى قال: أخبرنا عبد الله
ابن عمر بن علي الجوهري قال: حدثنا عبد الله بن محمود السعدى قال: حدثنا موسى ابن يحيى قال: حدثنا عبيدة عن منصور بن صبح عن مسروق قال: قال أصحاب رسول الله: ما ينبغي لنا أن نفارقك في الدنيا فإنك إذا فارقتنا رفعت فوقنا، فأنزل الله تعالى - ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين -.
أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم قال: حدثنا شعيب قال: حدثنا مكى قال: أخبرنا أبو الازهر قال: حدثنا روح، عن سعيد، عن قتادة قال: ذكر لنا أن رجلا

قال: يا نبي الله أراك في الدنيا فأما في الآخرة فإنك ترفع عنا بفضلك، فلا نراك، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرني أبو نعيم الحافظ فيما أذن لي في روايته قال: أخبرنا سليمان بن أحمد اللخمي قال: حدثنا أحمد بن عمرو الخلال قال: حدثنا عبد الله بن عمان العائذي قال: حدثنا فضيل بن عياض، عن منصور، عن إبراهيم، عن الاسود، عن عائشة قالت: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله إنك لاحب إلي من نفسي وأهلي وولدي، وإني لاكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك، فأنظر إليك وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا حتى نزل جبريل عليه السلام بهذه الآية - ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين - الآية.
* قوله: (ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم) الآية قال الكلبي: نزلت هذه الآية في نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم عبد الرحمن ابن عوف والمقداد بن الاسود وقدامة بن مظعون وسعد بن أبي وقاص كانوا يلقون من
المشركين أذى كثيرا ويقولون: يارسول الله ائذن لنا في قتال هؤلاء، فيقول لهم: كفوا أيديكم عنهم فإني لم أومر بقتالهم، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وأمرهم الله تعالى بقتال المشركين كرهه بعضهم وشق عليهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد العدل قال: أخبرنا أبو عمرو بن حيان قال: أخبرنا الحسن بن سفيان قال: حدثنا محمد بن علي قال: سمعت أبي يقول: أخبرنا الحسين ابن واقد، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس أن عبد الرحمن وأصحابه أتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، فقالوا: يا نبي الله كنا في عز ونحن مشركون، فلما آمنا سرنا أذلة، فقال: إني أمرت بالعفو، فلا تقاتلوا والقوم، فلما حوله الله

إلى المدينة أمره بالقتال فكفوا، فأنزل الله تعالى - ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم -.
* قوله تعالى: (أينما تكونوا يدرككم الموت) قال ابن عباس في رواية أبي صالح: لما استشهد الله من المسلمين من استشهد يوم أحد قال المنافقون الذين تخلفوا عن الجهاد: لو كان إخواننا الذين قتلوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله تعالى (فما لكم في المنافقين فئتين) الآية.
أخبرنا محمد بن إبراهيم ابن محمد بن يحيى قال: حدثنا أبو عمرو إسماعيل بن نجيد قال،: حدثنا يوسف بن يعقوب القاضي قال: حدثنا عمرو بن مرزوق قال: حدثنا شعبة، عن عدي بن ثابت، عن عبد الله بن يزيد بن ثابت، أن قوما خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد فرجعوا، فاختلف فيهم المسلمون، فقالت فرقة نقتلهم، وقالت فرقة لا نقتلهم، فنزلت هذه الآية.
رواه البخاري، عن بندار، عن غندر، ورواه مسلم عن عبد الله بن معاذ
عن أبيه، كلاهما عن شعبة.
أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان العدل قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن مالك قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبى قال: حدثنا أسود بن عامر قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبيه أن قوما من العرب أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا وأصابوا وباء المدينة، وحماها فأركسوها، فخرجوا من المدينة فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: مالكم رجعتم ؟ فقالوا: أصابنا وباء المدينة فاجتويناها، فقالوا: ما لكم في رسول الله أسوة ؟ فقال بعضهم: نافقوا، وقال بعضهم: لم ينافقوا هم مسلمون، فأنزل الله تعالى - فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا - الآية

وقال مجاهد في هذه الآية: هم قوم خرجوا من مكة حتى جاءوا المدينة يزعمون أنهم مهاجرون، ثم ارتدوا بعد ذلك، فاستأذنوا النبي عليه الصلاة والسلام إلى مكة ليأتوا ببضائع لهم يتجرون فيها، فاختلف فيهم المؤمنون، فقائل يقول: هم منافقون، وقائل يقول: هم مؤمنون، فبين الله تعالى نفاقهم وأنزل هذه الآية، وأمر بقتلهم في قوله - فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم فجاءوا ببضائعهم يريدون هلال بن عويمر الاسلمي وبينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم حلف، وهو الذي حصر صدره أن يقاتل المؤمنين، فرفع عنهم القتل بقوله تعالى - إلا الذين يصلون إلى قوم - الآية.
* قوله: (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ) أخبرنا أبو عبد الله ابن أبي إسحاق قال: أخبرنا أبو عمرو بن نجيد قال: حدثنا أبو مسلم إبراهيم ابن عبد الله بن حجاج قال: حدثنا حماد قال أخبرنا محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن ابن القاسم، عن أبيه أن الحارث بن زيد كان شديدا على النبي صلى الله عليه وسلم،
فجاء وهو يريد الاسلام، فلقيه عياش بن أبي ربيعة والحارث يريد الاسلام وعياش لا يشعر فقتله، فأنزل الله تعالى: - وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ - الآية.
وشرح الكلبي هذه القصة فقال: إن عياش بن أبي ربيعة المخزومي أسلم وخاف أن يظهر إسلامه، فخرج هاربا إلى المدينة فقدمها، ثم أتى أطما من آطامها، فتحصن فيه فجزعت أمه جزعا شديدا وقالت لابنيها أبي جهل والحارث ابن هشام وهما لامه لا يظلني سقف بيت ولا أذوق طعاما ولا شرابا حتى تأتوني به، فخرجا في طلبه، وخرج معهم الحارث بن زيد بن أبي أنيسة حتى أتوا المدينة، فأتوا عياشا وهو في الاطم، فقالا له: انزل فإن أمك لم يؤوها سقف بيت بعدك، (8 - أسباب النزول)

وقد حلفت لا تأكل طعاما ولا شرابا حتى ترجع إليها، ولك الله علينا أن لا نكرهك على شئ ولا نحول بينك وبين دينك، فلما ذكرا له جزع أمه وأوثقا له نزل إليهم فأخرجوه من المدينة وأوثقوه بنسع وجلده كل واحد منهم مائة جلدة، ثم قدموا به على أمه فقالت: والله لا أحلك من وثاقك حتى تكفر بالذي آمنت به ثم تركوه موثقا في الشمس، وأعطاهم بعض الذي أرادوا، فأتاه الحارث بن زيد وقال عياش: والله لئن كان الذي كنت عليه هدى لقد تركت الهدى، وإن كان ضلالة لقد كنت عليها، فغضب عياش من مقاله وقال: والله لا ألقاك خاليا إلا قتلتك، ثم إن عياشا: أسلم بعد ذلك وهاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، ثم إن الحارث بن زيد أسلم وهاجر إلى المدينة وليس عياش يومئذ حاضرا ولم يشعر بإسلامه، فبينا هو يسير بظهر قبا إذ لقى الحارث بن زيد، فلما رآه حمل عليه فقتله، فقال الناس: أي شئ صنعت ؟ إنه قد أسلم، فرجع عياش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله كان
من أمرى وأمر الحارث ما قد علمت: وإني لم أشعر بإسلامه حين قتلته، فنزل عليه السلام بقوله - وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ -.
* قوله تعالى: (ومن يقتل مؤمنا متعمدا) الآية.
وقال الكلبي عن أبي صالح، عن ابن عباس: إن مقيس بن ضبابة وجد أخاه هشام بن ضبابة قتيلا في بني النجار وكان مسلما، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم معه رسولا من بني فهد، فقال له: ائت بني النجار فأقرئهم السلام وقل لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم إن علمتم قاتل هشام بن ضبابة أن تدفعوه إلى أخيه فيقتص منه، وإن لم تعلموا له قتيلا أن تدفعوا إليه ديته، فأبلغهم الفهدي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: سمعا وطاعة لله ولرسوله، والله ما نعلم له قاتلا، ولكن نؤدي إليه ديته، فأعطوه مائة من الابل ثم انصرفا راجعين نحو المدينة، وبينهما وبين المدينة قريب، فأتى الشيطان مقيسا فوسوس إليه فقال: أي شئ صنعت تقبل دية أخيك فيكون عليك سبة اقتل الذي معك فيكون نفس مكان

نفس وفضل الدية، ففعل مقيس ذلك، فرمى الفهدي بصخرة فشدخ رأسه، ثم ركب بعيرا منها وساق بقيتها راجعا إلى مكة كافرا، وجعل يقول في شعره: قتلت به فهرا وحملت عقله * سراة بني النجار أرباب فارع وأدركت ثأري واضطجعت موسدا * وكنت إلى الاوثان أول راجع فنزلت هذه الآية - ومن يقتل مؤمنا متعمدا - الآية.
ثم أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه يوم فتح مكة، فأدركه الناس بالسوق فقتلوه.
* قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا) أخبرنا أبو إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم الواعظ قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد ابن حامد قال: أخبرنا أحمد بن الحسين بن عبد الجبار قال: حدثنا محمد بن عباد قال:
حدثنا سفيان عن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس قال: لحق المسلمون رجلا في غنيمة له، فقال: السلام عليكم، فقتلوه، وأخذوا غنيمته، فنزلت هذه الآية - ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا - تلك الغنيمة، رواه البخاري عن علي بن عبد الله.
ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، كلاهما عن سفيان وأخبرنا إسماعيل قال: أخبرنا أبو عمرو بن نجيد قال: حدثنا محمد بن الحسن ابن الخليل قال: حدثنا أبو كريب قال: حدثنا عبد الله، عن إسرائيل، عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: مر رجل من سليم على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه غنم فسلم عليهم، فقالوا: ما سلم عليكم إلا ليتعوذ منكم، فقاموا إليه فقتلوه، وأخذوا غنمه وأتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى - يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتثبتوا -.
أخبرنا أبو بكر الاصفهاني قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال: أخبرنا أبو علي الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا وكيع عن سفيان، عن جبير بن أبي عمرو عن سعيد بن جبير قال: خرج المقداد بن الاسود في سرية، فمروا برجل في غنيمة له، فأرادوا قتله، فقال: لا إله إلا الله، فقتله المقداد، فقيل له: أقتلته وقد قال لا إله إلا الله

وهو آمن في أهله وماله ؟ فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكروا ذلك له، فنزلت - يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتثبتوا - وقال الحسن: إن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خرجوا يطوفون، فلقوا المشركين فهزموهم، فشد منهم رجل فتبعه رجل من المسلمين وأراد متاعة، فلما غشيه بالسنان قال: إني مسلم إني مسلم، فكذبه ثم أوجره السنان فقتله، وأخذ متاعه وكان قليلا، فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قتلته بعد ما زعم أنه مسلم، فقال: يا رسول الله إنما قالها متعوذا قال: فهلا شققت عن قلبه لتنظر صادق هو أم
كاذب ؟ قال: قلت أعلم ذلك يا رسول الله، قال: ويك إنك لم تكن تعلم ذلك إنما بين لسانه، قال: فما لبث القاتل أن مات، فدفن فأصبح وقد وضع إلى جنب قبره قال: ثم عادوا فحفروا له، وأمكنوا ودفنوه، فأصبح وقد وضع إلى جنب قبره مرتين أو ثلاثا، فلما رأوا أن الارض لا تقبله ألقوه في بعض تلك الشعاب، قال: وأنزل الله تعالى هذه الآية.
قال الحسن: إن الارض تحبس من هو شر منه، ولكن وعظ القوم أن لا يعودوا.
أخبرنا أبو نصر أحمد بن محمد المزكى قال: أخبرنا عبيد الله بن محمد بن بطة قال: أخبرنا أبو القاسم البغوي قال: حدثنا سعيد بن يحيى الاموي قال: حدثني أبى قال: حدثنا محمد بن إسحاق ويزيد بن عبد الله بن قسيط، عن القعقاع بن عبد الله بن أبي حدرد عن أبيه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية إلى إضم قبل مخرجه إلى مكة قال: فمر بنا عامر بن الاضبط الاشجعي فحيانا تحية الاسلام، فنزعنا عنه وحمل عليه محلم بن جثامة لشر كان بينه وبينه في الجاهلية، فقتله واستلب بعيرا له ووطاء ومتيعا كان له: قال: فأنهينا شأننا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرناه بخبره، فأنزل الله تعالى - يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا - إلى آخر الآية.
وقال السدى: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد على سرية، فلقى مرداس بن نهيك الضمري فقتله، وكان من أهل فدك ولم يسلم من قومه غيره

وكان يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله ويسلم عليهم، قال أسامة: فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته فقال: قتلت رجلا يقول لا إله إلا الله ؟ فقلت: يا رسول الله إنما تعوذ من القتل، فقال: كيف أنت إذا خاصمك يوم القيامة بلا إله إلا الله ؟ قال: ما زال يرددها علي أقتلت رجلا يقول لا إله إلا الله ؟ حتى تمنيت لو أن إسلامي كان يومئذ، فنزلت - إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا - الآية.
وعن هذا قال الكلبي وقتادة، يدل على صحته الحديث الذي أخبرناه أبو بكر محمد ابن إبراهيم الفارسي قال: أخبرنا محمد بن عيسى بن عمرو قال: حدثنا إبراهيم بن سفيان قال: حدثنا مسلم قال: حدثني يعقوب الدورقي قال، حدثنا هشيم قال: أخبرنا حصين قال: حدثنا أبو ظبيان قال: سمعت أسامة بن زيد بن حارثة يحدث قال: بعثنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى حرقة بن جهينة، فصبحنا القوم فهزمناهم قال: ولحقت أنا ورجل من الانصار رجلا منهم، فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، قال: فكف عنه الانصار فطعنته برمحي فقتلته، فلما قدمنا بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله ؟ قلت: يا رسول الله إنما كان متعوذا، قال: أقتلته بعد ما قال لاإله إلا الله ؟ قال: فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم.
* قوله تعالى: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين) الآية.
أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد المؤذن قال: أخبرنا جدى قال: أخبرنا محمد بن إسحاق السراج قال: حدثنا محمد بن حميد الرازي قال: حدثنا سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن سهل بن سعد، عن مروان بن الحكم، عن زيد بن ثابت قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم حين نزلت عليه - لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله - ولم يذكر أولى الضرر، فقال ابن أم مكتوم: كيف وأنا أعمى لا أبصر، قال زيد: فتغشى النبي صلى الله عليه وسلم في مجلسه الوحي، فاتكأ على فخذي، فو الذي نفسي بيده لقد ثقل على فخذي حتى خشيت أن يرضها، ثم سرى

عنه فقال: اكتب - لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر - فكتبتها رواه البخاري، عن إسماعيل بن عبد الله، عن إبراهيم بن سعد، عن صالح، عن الزهري.
أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى قال: أخبرنا محمد بن جعفر بن مطر قال: أخبرنا أبو خليفة قال: حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا شعبة قال: أنبأنا أبو إسحاق سمعت البراء يقول: لما نزلت هذه الآية - لا يستوي القاعدون - دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا، فجاء بكتف وكتبها، فشكا ابن أم مكتوم ضرارته، فنزلت لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر - رواه البخاري عن أبى الوليد، ورواه مسلم عن بندار، عن غندر، عن شعبة.
أخبرنا إسماعيل بن أبي القاسم النصراباذى قال: أخبرنا إسماعيل بن نجيد قال: أخبرنا محمد بن عبد وس قال: حدثنا علي بن الجعد قال: حدثنا زهير، عن أبي إسحاق، عن البراء، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ادع لي زيدا وقل له يجئ بالكتف والدواة أو اللوح، وقال: اكتب لي - لا يستوي القاعدون من المؤمنين - احسبه قال: والمجاهدون في سبيل الله، فقال ابن أم مكتوم: يا رسول الله بعيني ضرر، قال: فنزلت قبل أن يبرح - غير أولى الضرر - رواه البخاري عن محمد بن يوسف، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق.
* قوله تعالى: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم) الآية.
نزلت هذه الآية في ناس من أهل مكة تكلموا بالاسلام ولم يهاجروا وأظهروا الايمان وأسروا النفاق، فلما كان يوم بدر خرجوا مع المشركين إلى حرب المسلمين فقتلوا فضربت الملائكة وجوههم وأدبارهم وقالوا لهم ما ذكر الله سبحانه 7.
أخبرنا أبو بكر الحارثى قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال: أخبرنا أبو يحيى قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن أشعث بن سواد.

عن عكرمة، عن ابن عباس إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم - وتلاها إلى آخرها قال: كانوا قوما من المسلمين بمكة، فخرجوا في قوم من المشركين في قتال فقتلوا
معهم، فنزلت هذه الآية.
* قوله تعالى: (ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله) قال ابن عباس في رواية عطاء: كان عبد الرحمن بن عوف يخبر أهل مكة بما ينزل فيهم من القرآن، فكتب الآية التي نزلت - إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم، فلما قرأها المسلمون قال حبيب بن ضمرة الليثي لبنيه وكان شيخا كبيرا: احملوني فإني لست من المستضعفين وإني لا أهتدي إلى الطريق.
فحمله بنوه على سرير متوجها إلى المدينة، فلما بلغ التنعيم أشرف على، فصفق يمينه على شماله وقال: اللهم هذه لك وهذه لرسولك أبايعك على ما بايعتك يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومات حميدا، فبلغ خبره أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: لو وافى المدينة لكان أتم أجرا، فأنزل الله تعالى فيه هذه الآية.
أخبرنا أبو حسان المزني قال: أخبرنا هارون بن محمد بن هارون قال: أخبرنا إسحاق ابن أحمد الخزاعي قال: حدثنا أبو الوليد الازرقي قال: حدثنا جدى قال: حدثنا سفيان ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة قال: كان بمكة ناس قد دخلهم الاسلام ولم يستطيعوا الهجرة، فلما كان يوم بدر وخرج بهم كرها فقتلوا، أنزل الله تعالى - إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم - إلى قوله تعالى - عسى الله أن يعفو عنهم - إلى آخر الآية.
قال: وكتب بذلك من كان بالمدينة إلى من بمكة ممن أسلم، فقال رجل من بني بكر كان مريضا أخرجوني إلى الروحاء فخرجوا به، فخرج يريد المدينة، فلما بلغ الحصحاص مات، فأنزل الله تعالى - ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله.
* قوله تعالى: (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة) أخبرنا الاستاذ أبو عثمان الزعفراني المقرى سنة خمس وعشرين قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي ابن زياد السدى سنة ثلاث وستين قال: أخبرنا أبو سعيد الفضل بن محمد الجزرى بمكة

في المسجد الحرام سنة أربع وثلثمائة قال: أخبرنا يحيى بن زياد اللخمى قال: حدثنا أبو قرة موسى بن طارق قال: ذكر سفيان عن منصور، عن مجاهد قال: حدثنا أبو عياش الورقي قال: (صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وآله الظهر) فقال المشركون: قد كانوا على حال لو كنا أصبنا منهم غرة قالوا: تأتى عليهم صلاة هي أحب إليهم من آبائهم قال: وهي العصر، قال: فنزل جبريل عليه السلام بهذه الآية بين الاولى والعصر - وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة - وهم بعسفان وعلى المشركين خالد بن الوليد وهم بيننا وبين القبلة، وذكر صلاة الخوف.
أخبرنا عبد الرحمن بن عبدان قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن محمد الضبى قال: حدثنا محمد بن يعقوب قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال: حدثنا يونس ابن بكير عن النضر، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقى المشركين بعسفان، فلما صلى رسول الله عليه الصلاة والسلام الظهر فرأوه يركع ويسجد هو وأصحابه، قال بعضهم لبعض: كان هذا فرصة لكم لو أغرتم عليهم ما علموا بكم حتى تواقعوهم، فقال قائل منهم: فإن لهم صلاة أخرى هي أحب إليهم من أهليهم وأموالهم، فاستعدوا حتى تغيروا عليهم فيها، فأنزل الله تبارك وتعالى على نبيه - وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة - إلى آخر الآية، وأعلم ما ائتمر به المشركون، وذكر صلاة الخوف.
* قوله تعالى: (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله) الآية.
إلى قوله تعالى - ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا - أنزلت كلها في قصة واحدة.
وذلك أن رجلا من الانصار يقال له طعمة بن أبيرق أحد بني ظفر ابن الحارث سرق درعا من جار له يقال له قتادة بن النعمان، وكانت الدرع في جراب فيه دقيق، فجعل الدقيق ينتثر من خرق في الجراب حتى انتهى إلى الدار وفيها أثر الدقيق، ثم خبأها عند رجل من اليهود يقال له زيد بن السمين، فالتمست الدرع عند
طعمة فلم توجد عنده وحلف لهم: والله ما أخذها وما له به من علم، فقال أصحاب

الدرع: بلى والله قد أدلج علينا فأخذها وطلبنا أثره حتى دخل داره، فرأينا أثر الدقيق فلما أن حلف تركوه واتبعوا أثر الدقيق حتى انتهوا إلى منزل اليهودي فأخذوه، فقال: دفعها إلي طعمة بن أبيرق، وشهد له أناس من اليهود على ذلك، فقالت بنو ظفر وهم قوم طعمة، انطلقوا بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فكلموه في ذلك، فسألوه أن يجادل عن صاحبهم، وقالوا: إن لم تفعل هلك صاحبنا وافتضح وبرئ اليهودي، فهم رسول الله صلى الله عليه وآله أن يفعل وكان هواه معهم وأن يعاقب اليهودي حتى أنزل الله تعالى - إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق - الآية كلها، وهذا قول جماعة من المفسرين.
* قوله تعالى: (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب) أخبرنا أبو بكر التميمي قال: أخبرنا أبو محمد بن حيان قال: حدثنا أبو يحيى قال: حدثنا سهل قال: حدثنا علي بن مسهر عن إسماعيل بن أبى خالد، عن أبى صالح قال: جلس أهل الكتاب أهل التوراة وأهل الانجيل وأهل الاديان كل صنف يقول لصاحبه: نحن خير منكم، فنزلت هذه الآية.
وقال مسروق وقتادة: احتج المسلمون وأهل الكتاب، فقال أهل الكتاب: نحن أهدى منكم، نبينا قبل نبيكم، وكتابنا قبل كتابكم، ونحن أولى بالله منكم، وقال المسلمون: نحن أهدى منكم وأولى بالله، نبينا خاتم الانبياء وكتابنا يقضى على الكتب التى قبله، فأنزل الله تعالى هذه الآية، ثم أفلج الله حجة المسلمين على من ناوأهم من أهل الاديان بقوله تعالى - ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن - وبقوله تعالى - ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله - الآيتين.
* قوله تعالى: (واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا) اختلفوا في سبب اتخاذ الله إبراهيم خليلا، فأخبرنا أبو سعيد النضروى قال: أخبرنا
أبو الحسن محمد بن الحسن السراج قال: أخبرنا محمد بن عبد الله الحضرمي قال: حدثنا موسى بن إبراهيم المروزي قال: حدثنا ابن ربيعة، عن أبي قبيل، عن عبد الله، عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا جبريل لم أتخذ الله إبراهيم خليلا ؟ ؟ قال: لاطعامه الطعام يا محمد.

وقال عبد الله بن عبد الرحمن بن البزى: دخل إبراهيم فجاءه ملك الموت في صورة شاب لا يعرفه، قال له إبراهيم: بإذن من دخلت ؟ فقال: بإذن رب المنزل، فعرفه إبراهيم عليه السلام، فقال له ملك الموت: إن ربك اتخذ من عباده خليلا، قال إبراهيم: ومن ذلك ؟ قال: وما تصنع به ؟ قال: أكون خادما له حتى أموت، قال: فإنه أنت.
وقال الكلبي عن ابن صالح عن ابن عباس: أصاب الناس سنة جهدوا فيها، فحشروا إلى باب إبراهيم عليه الصلاة والسلام يطلبون الطعام وكانت الميرة له كل سنة من صديق له بمصر، فبعث غلمانه بالابل إلى مصر يسأله الميرة، فقال خليله: لو كان إبراهيم إنما يريده لنفسه احتملنا ذلك له، وقد دخل علينا ما دخل على الناس من الشدة، فرجع رسل إبراهيم، فمروا ببطحاء، فقالوا: لو احتملنا من هذه البطحاء ليرى الناس أنا قد جئنا بالميرة، إنا نستحيى أن نمر بهم وإبلنا فارغة، فملاوا تلك الغرائر رملا، ثم إنهم أتوا إبراهيم عليه السلام وسارة نائمة فأعلموه ذلك، فاهتم إبراهيم عليه السلام بمكان الناس، فغلبته عيناه فنام، واستيقظت سارة، فقامت إلى تلك الغرائر ففتقتها، فإذا هو أجود حوار يكون فأمرت الخبازين فخبزوا وأطعموا الناس واستيقظ إبراهيم عليه السلام فوجد ريح الطعام، فقال: يا سارة من أين هذا الطعام ؟ قالت: من عند خليلك المصري، فقال: بل من عند خليلي الله لا من عند خليلي المصري، فيومئذ اتخذ الله إبراهيم خليلا.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المزكى قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن يزيد الحورى قال: حدثنا إبراهيم بن شريك قال: حدثنا أحمد بن يونس قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي المهلب الكنائى، عن عبد الله بن زحر، عن علي ابن يزيد، عن القاسم بن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا، وإنه لم يكن نبي إلا له خليل ألا وإن خليلي أبو بكر).

وأخبرني الساهر أبو إسماعيل بن الحسين النقيب قال: أخبرنا جدى قال: أخبرنا أبو محمد الحسين بن حماد قال: أخبرنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي قال: أخبرنا سعيد بن أبي مريم قال: حدثنا سلمة قال: حدثني زيد بن واقد، عن القاسم ابن نجيد، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتخذ الله إبراهيم خليلا وموسى نجيا واتخذني حبيبا، ثم قال: وعزتي لاوثرن حبيبي على خليلي ونجيى) * قوله تعالى: (ويستفتونك في النساء) الآية.
أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي قال: حدثنا محمد بن يعقوب قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: حدثنا ابن وهب قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير، عن عائشة قالت: ثم إن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى هذه الآية - ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب - الآية.
قالت: والذي يتلى عليهم في الكتاب الآية الاولى التي قال فيها - وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى - قالت عائشة رضى الله عنها: وقال الله تعالى في الآية الاخرى - وترغبون أن تنكحوهن - رغبة أحدكم عن يتيمته التي تكون في حجره حين تكون قليلة المال والجمال، فنهوا أن ينكحوا ما رغبوا في مالها وجمالها من باقي النساء
إلا بالقسط من أجل رغبتهم عنهن.
رواه مسلم عن حرملة عن ابن وهب.
* قوله تعالى: (وإن امرأة خافت) الآية.
أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد ابن الحارث قال: أخبرنا عبد الله بن حماد بن جعفر قال: حدثنا أبو عمر قال: حدثنا سهل قال: حدثنا عبد الرحمن بن سلمان، عن هشام، عن عروة، عن عائشة في قول الله تعالى - وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا - إلى آخر الآية.
نزلت في المرأة تكون عند الرجل فلا يستكثر منها ويريد فراقها، ولعلها أن تكون لها صحبة ويكون لها ولد فيكره فراقها، وتقول له: لا تطلقني وأمسكني وأنت في حل من شأني، فأنزلت هذه الآية.
رواه البخاري عن محمد بن مقاتل، عن ابن المبارك: ورواه مسلم عن أبي كريب وأبي أسامة، كلاهما عن هشام

أخبرنا أبو بكر الحيرى قال: حدثنا محمد بن يعقوب قال: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا ابن عيينة، عن الزهري، عن ابن المسيب، أن بنت محمد بن مسلمة كانت عند رافع بن صبيح، فكره منها أمرا، إما كبرا وإما غيره، فأراد طلاقها، فقالت: لا تطلقني وأمسكني واقسم لي ما بدا لك، فأنزل الله تعالى - وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا -.
* قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط) الآية.
روى أسباط عن السدى قال: نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم اختصم إليه غني وفقير، وكان ضلعه مع الفقير رأى أن الفقير لا يظلم الغني فأبى الله تعالى إلا أن يقوم بالقسط في الغني والفقير، فقال - يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط - حتى بلغ - إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما -.
* قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله) الآية.
قال الكلبي: نزلت في عبد الله بن سلام وأسد وأسيد ابني كعب وثعلبة بن قيس وجماعة من مؤمني
أهل الكتاب قالوا: يا رسول الله إنا نؤمن بك وبكتابك وبموسى والتوراة وعزير، ونكفر بما سواه من الكتب والرسل، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول) الآية.
قال مجاهد.
إن ضيفا تضيف قوما فأساءوا قراه فاشتكاهم، فنزلت هذه الآية رخصة في أن يشكوا.
قوله تعالى: (يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا) الآية: نزلت في اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن كنت نبيا فأتنا الكتاب جملة من السماء كما أتى به موسى، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله تعالى: (لكن الله يشهد بما أنزل إليك) الآية.
قال الكلبي: إن رؤساء أهل مكة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: سألنا عنك اليهود فزعموا أنهم لا يعرفونك، فأتنا بمن يشهد لك أن الله بعثك إلينا رسولا، فنزلت هذه الآية - لكن الله يشهد -.

* قوله تعالى: (لا تغلوا في دينكم) الآية.
نزلت في طوائف من النصارى حين قالوا عيسى ابن الله، فأنزل الله تعالى - لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق - الآية.
* قوله تعالى: (لن يستنكف المسيح) الآية.
قال الكلبي: إن وفد نجران قالوا: يا محمد تعيب صاحبنا ؟ قال: ومن صاحبكم ؟ قالوا: عيسى، قال: وأي شئ أقول فيه ؟ قالوا أتقول إنه عبد الله ورسوله، فقال لهم: إنه ليس بعار لعيسى أن يكون عبد الله، قالوا: بلى، فنزلت - لن يستنكف المسيح أن يكون عبد الله - الآية.
* قوله (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) الآية.
أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي حامد قال: حدثنا زاهر بن أحمد قال: حدثنا الحسين بن محمد ابن مصعب قال: حدثنا يحيى بن حكيم قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن هشام
ابن عبد الله، عن ابن الزبير، عن جابر قال: (اشتكيت فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي سبع أخوات، فنفخ في وجهي فأفقت، فقلت: يا رسول الله أوصى لاخواتي بالثلثين، قال: اجلس، فقلت الشطر، قال: اجلس، ثم خرج فتركني.
قال: ثم دخل علي وقال: يا جابر إني لا أراك تموت في وجعك هذا، إن الله قد أنزل، فبين الذي لاخواتك الثلثين، وكان جابر يقول: نزلت هذه الآية في - يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة -.
* قوله تعالى: (لا تحلوا شعائر الله) الآية.
قال ابن عباس: نزلت في الخطيم واسمه شريح بن ضبيع الكندي، أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم من اليمامة إلى المدينة، فخلف خيله خارج المدينة ودخل وحده على النبي عليه الصلاة والسلام، فقال: إلام تدعو الناس ؟ قال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، فقال: حسن إلا أن لي أمراء لا نقطع أمرا دونهم، ولعلي أسلم وآتى بهم، وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لاصحابه: يدخل عليكم رجل يتكلم بلسان شيطان، ثم خرج من عنده، فلما خرج قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: لقد دخل بوجه كافر

وخرج بعقبى غادر، وما الرجل مسلم، فمر بسرح المدينة فاستاقه، فطلبوه فعجزوا عنه، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله عام القضية سمع تلبية حجاج اليمامة، فقال لاصحابه: هذا الخطيم وأصحابه، وكان قد قلد هديا من مسرح المدينة وأهدى إلى الكعبة، فلما توجهوا في طلبه أنزل الله تعالى - يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله - يريد ما أشعر لله ؟ وإن كانوا على غير دين الاسلام.
وقال زيد بن أسلم: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه بالحديبية حين صدهم المشركون عن البيت، وقد اشتد ذلك عليهم، فمر بهم ناس من المشركين يريدون العمرة، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: تصد هؤلاء كما صدنا
أصحابهم، فأنزل الله تعالى - لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام - أي ولا تعتدوا على هؤلاء العمار إن صدكم أصحابهم.
* قوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم) الآية.
نزلت هذه الآية يوم الجمعة، وكان يوم عرفة بعد العصر في حجة الوداع سنة عشر والنبي صلى الله عليه وسلم بعرفات على ناقته العضباء.
أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان العدل قال: أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: حدثنا جعفر بن عون قال: أخبرني أبو عميس، عن قيس بن حاتم، عن طارق بن شهاب قال: جاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه فقال: يا أمير المؤمين إنكم تقرءون آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا، فقال: أي آية هي ؟ قال - اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي - فقال عمر: والله إني لاعلم اليوم الذي نزلت فيه على رسول الله صلى الله عليه وآله، والساعة التي نزلت فيها على رسول الله صلى الله عليه وآله عشية يوم عرفة في يوم عرفة في يوم

جمعة.
رواه البخاري عن الحسن بن صباح.
ورواه مسلم عن عبد بن حميد، كلاهما عن جعفر بن عون.
أخبرنا الحاكم أبو عبد الرحمن الشاذياخي قال: أخبرنا ناقد بن أحمد قال: أخبرنا الحسن بن محمد بن مصعب قال: حدثنا يحيى بن حكيم قال: حدثنا أبو قتيبة قال: حدثنا حماد عن عباد بن أبي عمار قال: قرأ ابن عباس هذه الآية ومعه اليهودي - اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا - فقال اليهودي: لو نزلت هذه علينا في يوم لاتخذناه عيدا، فقال ابن عباس فإنها نزلت في
عيدين اتفقا في يوم واحد يوم جمعة وافق ذلك يوم عرفة.
* قوله: (يسألونك ماذا أحل لهم) الآية.
أخبرنا أبو بكر الحارثي قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال: حدثنا أبو يحيى قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثني ابن أبي زائدة، عن موسى بن عبيدة، عن أبان بن صالح، عن القعقاع ابن الحكيم عن سلمى أم رافع، عن أبي رافع قال: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب، فقال الناس: يا رسول الله ما أحل لنا من هذه الامة التي أمرت بقتلها ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية، وهي - يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين -) رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه، عن أبي بكرة ابن بالويه، عن محمد بن سادان، عن يعلى بن منصور، عن ابن أبي زائدة، وذكر المفسرون شرح هذه القصة قالوا: قال أبو رافع (جاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم واستأذن عليه، فأذن له فلم يدخل، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قد أذنا لك يا رسول الله، فقال: أجل يا رسول الله، ولكنا لا ندخل بيتا فيه صورة ولا كلب، فنظروا فإذا في بعض بيوتهم جرو، قال أبو رافع: فأمرني أن لا أدع كلبا بالمدينة إلا قتلته حتى بلغت العوالي، فإذا امرأة عندها كلب يحرسها فرحمتها، فتركته فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأمرني بقتله،

فرجعت إلى الكلب فقتلته، فلما أمر رسول الله بقتل الكلاب جاء ناس فقالوا: يا رسول الله ماذا يحل لنا من هذه الامة التي تقتلها ؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى هذه الآية، فلما نزلت أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في اقتناء الكلاب التي ينتفع بها، ونهى عن إمساك ما لا نفع فيه منها، وأمر بقتل الكلب الگلب والعقور، وما يضر ويؤذي، ودفع القتل عما سواهما وما لا ضرر فيه) وقال سعيد بن جبير: نزلت هذه الآية في عدي بن حاتم وزيد بن المهلهل الطائيين
وهو زيد الخيل الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد الخير، فقالا يا رسول الله إنا قوم نصيد بالكلاب والبزاة فإن كلاب آل درع وآل حورية تأخذ البقر والحمر والظباء والضب، فمنه ما يدرك ذكاته ومنه ما يقتل فلا يدرك ذكاته وقد حرم الله الميتة فماذا يحل لنا منها ؟ فنزلت - يسألونك ماذا أحل لهم ؟ قل أحل لكم الطيبات - يعني الذبائح - وما علمتم من الجوارح - يعني وصيد ما علمتم من الجوارح، وهي الكواسب من الكلاب وسباع الطير.
* قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم) الآية.
أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن جعفر المؤذن قال: أخبرنا أبو علي الفقيه قال: أخبرنا أبو لبابة محمد بن المهدى الميهنى قال: حدثنا عمار بن الحسن قال: حدثنا سلمة بن الفضل قال: حدثنا محمد بن إسحاق، عن عمر ابن عبيد، عن الحسن البصري، عن جابر بن عبد الله الانصاري أن رجلا من محارب يقال له غورث بن الحارث قال لقومه من غطفان ومحارب: ألا أقتل لكم محمدا ؟ قالوا: نعم، وكيف تقتله ؟ قال: أفتك به، قال: فأقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس وسيفه في حجره، فقال: يا محمد أنظر إلى سيفك هذا ؟ قال: نعم، فأخذه فاستله، ثم جعل يهزه ويهم به، فكبته الله عز وجل، ثم قال: يا محمد ما تخافني ؟ قال: لا، قال: ألا تخافني وفي يدي السيف ؟ قال: يمنعني الله منك، ثم أغمد السيف

ورده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى - اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم - أخبرنا أحمد بن إبراهيم الثعلبي قال: أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا أحمد ابن محمد بن الحسن قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل منزلا
وتفرق الناس في العضاه يستظلون تحتها، فعلق النبي صلى الله عليه وسلم سلاحه على شجرة، فجاء أعرابي إلى سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أقبل عليه فقال: من يمنعك مني ؟ قال الله، قال ذلك الاعرابي مرتين أو ثلاثا والنبي صلى الله عليه وسلم يقول الله، فشام الاعرابي السيف، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فأخبرهم خبر الاعرابي وهو جالس إلى جنبه لم يعاقبه.
وقال مجاهد والكلبي وعكرمة: قتل رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين من بني سلم وبين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قومهما موادعة، فجاء قومهما يطلبون الدية فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة وعبد الرحمن بن عوف رضوان الله عليهم أجمعين، فدخلوا على كعب بن الاشرف وبني النضير يستينهم ؟ (يستعينهم) في عقلهما، فقالوا: يا أبا القاسم قد آن لك أن تأتينا وتسألنا حاجة اجلس حتى نطعمك ونعطيك الذي تسألنا، فجلس هو وأصحابه، فجاء بعضهم ببعض وقالوا: إنكم لم تجدوا محمدا أقرب منه الآن، فمن يظهر على هذا البيت فيطرح عليه صخرة، فيريحنا منه ؟ فقال عمر بن جحاش بن كعب أنا، فجاء إلى رحا عظيمة ليطرحها عليه، فأمسك الله تعالى يده، وجاء جبريل عليه السلام وأخبره بذلك، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله، وأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله تعالى: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله) أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبيد الله المخلدى قال: حدثنا أبو عمرو بن نجيد قال: أخبرنا مسلم قال: حدثنا (9 - أسباب النزول)

أقسام الكتاب
1 2 3