كتاب : أسباب نزول القرآن
المؤلف : الواحدي

الذي جعلنا أنصاره، ووزراء رسوله وعزا لدينه، فنحن نقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، فمن قالها منع منا نفسه وماله، ومن أباها قتلناه، وكان رغمه من الله تعالى علينا هينا، أقول قولي هذا وأستغفر الله للمؤمنين والمؤمنات، فقال الزبرقان ابن بدر لشاب من شبانهم قم يا فلان فقل أبياتا تذكر فيها فضلك وفضل قومك، فقام الشاب فقال: نحن الكرام فلا حى يفاخرنا * فينا الرؤوس وفينا يقسم الربع ونطعم الناس عند القحط كلهم * من السديف إذا لم يؤنس القزع إذا أبينا فلا يأبى لنا أحد * إنا كذلك عند الفخر نرتفع قال: فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حسان بن ثابت، فانطلق إليه الرسول فقال: وما يريد مني وقد كنت عنده ؟ قال: جاءت بنو تميم بشاعرهم وخطيبهم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس فأجابهم وتكلم شاعرهم، فأرسل إليك تجيبه فجاء حسان فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجيبه فقال حسان: نصرنا رسول الله والدين عفوة * على رغم سار من معد وحاضر ألسنا نخوض الموت في حومة الوغى * إذا طاب ورد الموت بين العساكر ونضرب هام الدارعين وننتمى * إلى حسب من جرم غسان قاهر
فلولا حياء الله قلنا تكرما * على الناس بالحقين هل من منافر فأحياؤنا من خير من وطئ الحصى * وأمواتنا من خير أهل المقابر قال: فقام الاقرع بن حابس فقال: إني والله لقد جئت لامر ما جاء له هؤلاء، وقد قلت شعرا فاسمعه، فقال: هات، فقال: أتيناك كيما يعرف الناس فضلنا * إذا فاخرونا عند ذكر المكارم وإنا رءوس الناس من كل معشر * وأن ليس في أرض الحجاز كوارم وإن لنا المرباع في كل غارة * تكون بنجد أو بأرض التهائم

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قم يا حسان فأجب، فقال: بنى دارم لا تفخروا إن فخركم * يعود وبالا عند ذكر المكارم هبلتم علينا تفخرون وأنتم * لنا خول من بين ظئر وخادم وأفضل ما نلتم من المجد والعلى * ردافتنا من بعد ذكر الاكارم فإن كنتم جئتم لحقن دمائكم * وأموالكم أن تقسموا في المقاسم فلا تجعلوا لله ندا وأسلموا * ولا تفخروا عند النبي بدارم وإلا ورب البيت مالت أكفنا * على هامكم بالمرهفات الصوارم قال: فقام الاقرع بن حابس فقال: إن محمدا المولى إنه والله ما أدرى ما هذا الامر، تكلم خطيبنا فكان خطيبهم أحسن قولا، وتكلم شاعرنا فكان شاعرهم أشعر، ثم دنا من النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما نصرك ما كان قبل هذا، ثم أعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكساهم وارتفعت الاصوات وكثر اللغط عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله هذه الآية - لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي إلى قوله - وأجر عظيم.
* قوله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا) الآية.
نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي بني المصطلق مصدقا، وكان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية، فلما سمع القوم تلقوه تعظيما لله تعالى ولرسوله فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله فهابهم، فرجع من الطريق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إن بني المصطلق قد منعوا صدقاتهم وأرادوا قتلي، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أن يغزوهم، فبلغ القوم رجوعه، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: سمعنا برسولك، فخرجنا نتلقاه ونكرمه ونؤدي إليه ما قبلنا من حق الله تعالى، فبدا له في الرجوع، فخشينا أن يكون إنما رده من الطريق كتاب جاءه منك بغضب

غضبته علينا، وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله، فأنزل الله تعالى - يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا - يعني الوليد بن عقبة.
أخبرنا الحاكم أبو عبد الله الشاذياخي قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن زكريا الشيباني قال: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدغولي قال: أخبرنا سعيد بن مسعود قال: أخبرنا محمد بن سابق قال: أخبرنا عيسى بن دينار قال: أخبرنا أبي أنه سمع الحارث ابن ضرار يقول: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني إلى الاسلام، فدخلت في الاسلام وأقررت ودعاني إلى الزكاة، فأقررت بها، فقلت: يا رسول الله أرجع إلى قومي فأدعوهم إلى الاسلام وأداء الزكاة، فمن استجابني جمعت زكاته، فترسل لابان كذا وكذا لآتيك بما جمعت من الزكاة، فلما جمع الحارث بن ضرار وبلغ الا بان الذي أراد أن يبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم احتبس عليه الرسول، فلم يأته، فظن الحارث أن قد حدث فيه سخطة من الله ورسوله، فدعا سروات قومه، فقال لهم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان وقت لي وقتا ليرسل إلي ليقبض ماكان عندي من الزكاة، وليس من رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف، ولا أرى
حبس رسوله إلا من سخطه، فانطلقوا فنأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة إلى الحارث ليقبض ماكان عنده مما جمع من الزكاة، فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق، فرق فرجع فقال: يا رسول الله إن الحارث منعني الزكاة، وأراد قتلي، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم البعث إلى الحارث، وأقبل الحارث بأصحابه فاستقبل البعث وقد فصل من المدينة، فلقيهم الحارث فقالوا: هذا الحارث، فلما غشيهم قال لهم إلى من بعثتم ؟ قالوا: إليك، قال: ولم ؟ قالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعث إليك الوليد بن عقبة، فرجع إليه، فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله، قال: والذي بعث محمدا بالحق ما رأيته ولا أتاني، فلما أن دخل الحارث على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: منعت الزكاة وأردت قتل رسولي ؟ قال: لا والذي بعثك ما رأيت رسولك، ولا أتاني ولا أقبلت إلا حين احتبس

علي رسولك خشية أن يكون سخط من الله ورسوله، قال: فنزلت في الحجرات - يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين - إلى قوله تعالى - فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم -.
* قوله تعالى: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) الآية.
أخبرنا محمد بن أحمد ابن جعفر النحوي قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن سنان المقرى قال: أخبرنا أحمد بن علي الموصلي قال: أخبرنا إسحاق بن إسرائيل قال: أخبرنا معتمر بن سليمان قال: سمعت أبي يحدث عن أنس قال: يا نبي الله لو أتيت عبد الله بن أبي، فانطلق إليه النبي صلى الله عليه وسلم فركب حمارا وانطلق المسلمون يمشون وهي أرض سبخة فلما أتاه النبي صلى الله عليه وسلم قال: إليك عني، فوالله لقد آذاني نتن حمارك، فقال رجل من الانصار: لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحا منك، فغضب لعبد الله رجل من قومه، وغضب لكل واحد منهما أصحابه، وكان بينهم ضرب بالجريد والايدي والنعال، فبلغنا
أنه أنزلت فيهم - وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما - رواه البخاري عن مسدد، ورواه مسلم عن محمد بن عبد الاعلى، كلاهما عن المعتمر.
* قوله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم) الآية.
نزلت في ثابت بن قيس بن شماس.
وذلك أنه كان في أذنه وقر فكان إذا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أوسعوا له حتى يجلس إلى جنبه، فيسمع ما يقول، فجاء يوما وقد أخذ الناس مجالسهم فجعل يتخطى رقاب الناس ويقول: تفسحوا، تفسحوا فقال له رجل: قد أصبت مجلسا فاجلس، فجلس ثابت مغضبا، فغمز الرجل فقال: من هذا ؟ فقال: أنا فلان، فقال ثابت بن فلانة، وذكر أما كانت له يعير بها في الجاهلية، فنكس الرجل رأسه استحياء، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله تعالى: (ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن) نزلت في امرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم سخرتا من أم سلمة، وذلك أنها ربطت حقويها

بسبنية وهي ثوب أبيض، وسدلت طرفها خلفها فكانت تجره، فقالت عائشة لحفصة انظري ما تجر خلفها كأنه لسان كلب، فهذا كان سخريتها.
وقالت (وقال) أنس: نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم عيرن أم سلمة بالقصر، وقال عكرمة عن ابن عباس إن صفية بنت حيى بن أخطب أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن النساء يعيرنني ويقلن يا يهودية بنت يهوديين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هلا قلت: إن أبي هارون وإن عمى موسى وإن زوجي محمد، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله تعالى: (ولا تنابزوا بالالقاب) قال: أخبرنا أبو عبد الله بن عطية قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم المروزى قال: أخبرنا حفص بن غياث، عن داود بن هند، عن الشعبي، عن أبي جبيرة بن الضحاك
عن أبيه وعمومته، قالوا: قدم علينا النبي عليه الصلاة والسلام، فجعل الرجل يدعو للرجل ينبزة، فيقال يا رسول الله إنه يكرهه، فنزلت - ولا تنابزوا بالالقاب -.
* قوله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى) الآية.
قال ابن عباس: نزلت في ثابت بن قيس، وقوله في الرجل الذي لم يفسح له ابن فلانة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من الذاكر فلانة ؟ فقام ثابت فقال: أنا يا رسول الله فقال: انظر في وجوه القوم، فنظر فقال: ما رأيت يا ثابت ؟ فقال: رأيت أبيض وأحمر وأسود، قال: فإنك لا تفضلهم إلا في الدين والتقوى، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال مقاتل: لما كان يوم فتح مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا حتى أذن على ظهر الكعبة، فقال عتاب بن أسيد بن أبي العيص: الحمد لله الذي قبض أبي حتى لم ير هذا اليوم، وقال الحارث بن هشام: أما وجد محمد غير هذا الغراب الاسود مؤذنا ؟ وقال سهيل بن عمرو: إن يرد الله شيئا يغيره، وقال أبو سفيان: إني لا أقول

شيئا أخاف أن يخبر به رب السماء، فأتى جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بما قالوا، فدعاهم وسألهم عما قالوا: فأقروا، فأنزل الله تعالى هذه الآية وزجرهم عن التفاخر بالانساب والتكاثر بالاموال والازدراء بالفقراء.
أخبرنا أبو حسان المزكى قال: أخبرنا هارون بن محمد الاستراباذي قال: أخبرنا أبو محمد إسحاق بن محمد الخزاعي قال: أخبرنا أبو الوليد الازرقي قال: حدثني جدى قال: أخبرنا عبد الجبار بن الورد المكى قال: أخبرنا ابن أبي مليكة قال: لما كان يوم الفتح رقى بلال ظهر الكعبة ؟ فقال بعض الناس: يا عباد الله أهذا العبد الاسود يؤذن على ظهر الكعبة ؟ فقال بعضهم: إن يسخط الله هذا يغيره، فأنزل الله تعالى - يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى - وقال يزيد بن الشخير: مر رسول الله
صلى الله عليه وسلم ذات يوم ببعض الاسواق بالمدينة وإذا غلام أسود قائم ينادي عليه بياع فيمن يزيد، وكان الغلام يقول: من اشتراني فعلى شرط، قيل: ما هو ؟ قال: لا يمنعنى من الصلوات الخمس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتراه رجل على هذا الشرط، وكان يراه رسول الله صلى الله عليه وسلم عند كل صلاة مكتوبة ففقده ذات يوم، فقال لصاحبه أين الغلام ؟ فقال: محموم يا رسول الله، فقال لاصحابه: قوموا بنا نعوده، فقاموا معه فعادوه، فلما كان بعد أيام قال لصاحبه: ما حال الغلام ؟ فقال: يا رسول الله الغلام قورب به، فقام ودخل عليه وهو في نزعاته، فقبض على تلك الحال، فتولى رسول الله صلى الله عليه وسلم غسله وتكفينه ودفنه، فدخل على أصحابه من ذلك أمر عظيم، فقال المهاجرون: هاجرنا ديارنا وأموالنا وأهلينا فلم ير أحد منا في حياته ومرضه وموته ما لقى هذا الغلام، وقالت الانصار: آويناه ونصرناه وواسيناه بأموالنا فآثر علينا عبدا حبشيا، فأنزل الله تبارك وتعالى - يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى - يعني أن كلكم بنو أب واحد وأمرأة واحدة، وأراهم فضل التقوى بقوله تعالى - إن أكرمكم عند الله أتقاكم -.
* قوله تعالى: (قالت الاعراب آمنا) الآية.
نزلت في أعراب من بني أسد.

ابن خزيمة قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة في سنة جدبة وأظهروا الشهادتين ولم يكونوا مؤمنين في السر وأفسدوا طرق المدينة بالعذرات وأغلوا أسعارها، وكانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أتيناك بالاثقال والعيال ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان، فأعطنا من الصدقة، وجعلوا يمنون عليه، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية.
سورة ق (بسم الله الرحمن الرحيم) قوله عز وجل: (ولقد خلقنا السموات والارض
وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب) قال الحسن وقتادة: قالت اليهود: إن الله خلق الخلق في ستة أيام واستراح يوم السابع وهو يوم السبت يسمونه يوم الراحة فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا أحمد بن محمد التميمي قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر الحافظ قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا قتادة بن السرى قال: أخبرنا أبو بكر ابن عياش عن أبي سعد البقال، عن عكرمة عن ابن عباس أن اليهود أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فسألت عن خلق السموات والارض فقال: خلق الله الارض يوم الاحد والاثنين، وخلق الجبال يوم الثلاثاء، وخلق السموات يوم الاربعاء والخميس، وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر، قالت اليهود: ثم ماذا يا محمد ؟ قال ثم استوى على العرش، قالوا: قد أصبت لو تممت ثم استراح، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا، فنزلت - ولقد خلقنا السموات والارض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب فاصبر على ما يقولون -.

سورة النجم (بسم الله الرحمن الرحيم) قوله عز وجل: (هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الارض) الآية.
أخبرنا أبو بكر بن الحارث قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد بن الحسين قال: أخبرنا أحمد بن سعد قال: أخبرنا بن وهب قال: أخبرني ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد، عن ثابت بن الحارث الانصاري قال: كانت اليهود تقول: إذا هلك لهم صبي، صغير هو صديق فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كذبت يهود ما من نسمة يخلقها الله في بطن أمه إلا أنه شقى أو سعيد، فأنزل الله تعالى عند ذلك هذه الآية - هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الارض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم - إلى آخرها.
* قوله تعالى: (أفرأيت الذي تولى وأعطى قليلا وأكدى) الآيات.
قال ابن عباس والسدى والكلبي والمسيب بن شريك: نزلت في عثمان بن عفان كان يتصدق وينفق بالخير، فقال له أخوه من الرضاعة عبد الله بن أبي سرح ماهذا الذي تصنع يوشك أن لا يبقى لك شيئا، فقال عثمان إن لي ذنوبا وخطايا، وإني أطلب بما أصنع رضا الله سبحانه وتعالى وأرجو عفوه، فقال له عبد الله: أعطني ناقتك برحلها وأنا أتحمل عنك ذنوبك كلها، فأعطاه وأشهد عليه وأمسك عن بعض ما كان يصنع من الصدقة، فأنزل الله تبارك وتعالى - أفرأيت الذي تولى وأعطى قليلا وأكدى - فعاد عثمان إلى أحسن ذلك وأجمله.
وقال مجاهد وابن زيد: نزلت في الوليد بن المغيرة، وكان قد اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم على دينه فعيره بعض المشركين، وقال: لم تركت دين الاشياخ وضللتهم وزعمت أنهم في النار ؟ قال: إني خشيت عذاب الله، فضمن له إن هو أعطاه شيئا من ماله ورجع إلى شركه أن يتحمل عنه عذاب الله سبحانه وتعالى، فأعطى الذي عاتبه بعض ماكان ضمن له ثم بخل ومنعه فأنزل الله تعالى هذه الآية.

* قوله تعالى: (وأنه هو أضحك وأبكى) أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الواعظ قال: أخبرنا أبو عبد الله الفضل قال: أخبرنا محمد بن أبي بكر المقدمي قال: أخبرتنا دلال بنت أبى المدل قالت: حدثتنا الصهباء عن عائشة قالت: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم يضحكون، فقال: لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا، فنزل عليه جبريل عليه السلام بقوله - وإنه أضحك وأبكى - فرجع إليهم فقال ما خطوت أربعين خطوة حتى أتاني جبريل عليه السلام فقال: ائت هؤلاء وقل لهم: إن الله عز وجل يقول - وأنه هو أضحك وأبكى -.
سورة القمر
(بسم الله الرحمن الرحيم) قوله عز وجل: (اقتربت الساعة وانشق القمر) أخبرنا أبو حليم عقيل بن محمد الجرجاني إجازة بلفظه أن أبا الفرج القاضي أخبرهم قال: أخبرنا محمد بن جرير قال: أخبرنا الحسين بن أبى يحيى المقدسي قال: أخبرنا يحيى ابن حماد قال: أخبرنا ابن عوانة، عن المغيرة، عن أبى الضحى، عن مسروق عن عبد الله قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت قريش: هذا سحر ابن أبى كبشة سحركم، فاسألوا السفار فسألوهم فقالوا: نعم قد رأينا، فأنزل الله عز وجل - اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر -.
* قوله تعالى: (إن المجرمين في ضلال وسعر - إلى - إنا كل شئ خلقناه بقدر) أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد السراج إملاء قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن موسى الكعبي قال: أخبرنا حمدان بن صالح الاشج قال: أخبرنا عبد الله بن عبد العزيز بن أبي رواد قال: أخبرنا سفيان الثوري عن زياد بن إسماعيل المخزومي، عن محمد بن عباد بن جعفر، عن أبي هريرة قال: جاءت قريش يختصمون في القدر، فأنزل الله تعالى - إن المجرمين في ضلال وسعر، يوم يسحبون في النار على

وجوههم ذوقوا مس سقر، إنا كل شئ خلقناه بقدر - رواه مسلم عن أبي بكر ابن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان.
قال الشيخ: أشهد بالله لقد أخبرنا أبو الحارث محمد بن عبد الرحيم الحافظ بجرجان قال: أشهد بالله لقد أخبرنا أبو نعيم أحمد بن محمد بن إبراهيم البزار قال: أشهد بالله لقد سمعت علي بن حنبل يقول: أشهد بالله لسمعت أبا الحسن محمد بن أحمد بن أبى بخراسان يقول أشهد بالله لسمعت عبد الله بن الصقر الحافظ يقول: أشهد بالله لسمعت عفير ابن معدان يقول: أشهد بالله لسمعت سليمان بن عامر يقول: أشهد بالله لسمعت
أبا أمامة الباهلى يقول: أشهد بالله لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن هذه الآية نزلت في القدرية - إن المجرمين في ضلال وسعر يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر -.
أخبرنا أبو بكر بن الحارث قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الاصفهاني قال: حدثنا جرير بن هارون قال: حدثنا علي بن الطنافسى قال: حدثنا عبد الله بن موسى قال: حدثنا بحر السقاء عن شيخ من قريش، عن عطاء قال: جاء أسقف نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد تزعم أن المعاصي بقدر، والبحار بقدر، والسماء بقدر، وهذه الامور تجري بقدر، فأما المعاصي فلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنتما خصماء الله، فأنزل الله تعالى - إن المجرمين في ضلال وسعر - إلى قوله - خلقناه بقدر -.
أخبرنا أبو بكر قال: أخبرنا عبد الله قال: حدثنا عمر بن عبد الله بن الحسن قال: حدثنا أحمد بن الخليل قال: حدثنا عبد الله بن رجاء الازدي قال: حدثنا عمرو بن العلاء أخو أبى عمرو بن العلاء قال: حدثنا خالد بن سلمة القرشى، قال: حدثنا سعيد بن عمرو ابن جعدة المخزومى، عن ابن أبى زرارة الانصاري، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية - إن المجرمين في ضلال وسعر - قال: أنزلت هذه الآية في أناس من آخر هذه الامة يكذبون بقدر الله تعالى.

أخبرنا أحمد بن الحسن الحيرى قال: حدثنا محمد بن يعقوب المعقلى قال: حدثنا أبو عتبة أحمد بن الفرج قال: حدثنا بقية قال: حدثنا ابن ثوبان، عن بكير بن أسيد عن أبيه قال: حضرت محمد بن كعب وهو يقول: إذا رأيتموني أنطلق في القدر فغلونى فإني مجنون، فوالذي نفسي بيده ما أنزلت هذه الآيات إلا فيهم، ثم قرأ - إن المجرمين في ضلال وسعر - إلى قوله - خلقناه بقدر -.
سورة الواقعة (بسم الله الرحمن الرحيم).
قوله تعالى: (في سدر مخضود) قال أبو العالية والضحاك: نظر المسلمون إلى فوج وهو الوادي مخصب بالطائف فأعجبهم سدره، فقالوا: يا ليت لنا مثل هذا، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله تعالى: (ثلة من الاولين وثلة من الاخرين) قال عروة بن رويم: أنزل الله تعالى - ثلة من الاولين وقليل من الاخرين - بكى عمر وقال: يا رسول الله آمنا بك وصدقناك ومع هذا كله من ينجو منا قليل، فأنزل الله تعالى - ثلة من الاولين وثلة من الآخرين - فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر فقال: يا عمر بن الخطاب قد أنزل الله فيما قلت، فجعل ثلة من الاولين وثلة من الآخرين فقال عمر: رضينا عن ربنا وتصديق نبينا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من آدم إلينا ثلة، ومنى إلى يوم القيامة ثلة، ولا يستتمها إلا سودان من رعاة الابل ممن قال لا إله إلا الله.
* قوله تعالى: (وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون) أخبرنا سعيد ابن محمد المؤذن قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن حمدون قال: أخبرنا أحمد بن الحسن الحافظ قال: حدثنا حمدان السلمى قال: حدثنا النضر بن محمد قال: حدثنا عكرمة بن عمار قال: حدثنا أبو زميل قال: حدثني ابن عباس قال: مطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر، قالوا: هذه رحمة وضعها الله تعالى، وقال بعضهم: لقد صدق نوء

كذا، فنزلت هذه الآيات - فلا أقسم بمواقع النجوم - حتى بلغ - وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون - رواه مسلم عن عباس بن عبد العظيم، عن النضر بن محمد وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في سفر فنزلوا وأصابهم العطش وليس معهم ماء، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أرأيتم إن دعوت لكم
فسقيتم فلعلكم تقولون سقينا هذا المطر بنوء كذا ؟ فقالوا: يا رسول الله ما هذا بحين الانواء، قال: فصلى ركعتين ودعا الله تبارك وتعالى فهاجت ريح ثم هاجت سحابة فمطروا حتى سالت الاودية، وملاوا الاسقية، ثم مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل يغترف بقدح له ويقول: سقينا بنوء كذا ولم يقل هذا من رزق الله سبحانه، فأنزل الله سبحانه - وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون -.
أخبرنا أبو بكر بن عمر الزاهد قال: حدثنا أبو عمرو محمد بن أحمد قال: أخبرنا الحسن بن سفيان قال: حدثنا حرملة بن يحيى وعمرو بن سواد السرجي قال: أخبرنا عبيد الله بن وهب قالو: أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال: أخبرني عبيدالله ابن عبد الله بن عتبة أن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألم تروا إلى ما قال ربكم، قال: ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح فريق بها كافرين ؟ يقول الكوكب وبالكوكب، رواه مسلم عن حرملة وعمرو بن سواد.
سورة الحديد (بسم الله الرحمن الرحيم) قوله تعالى (لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح) الآية.
روى محمد بن فضيل عن الكلبي أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق رضى الله عنه، ويدل على هذا ما أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن عبد الله السليطي قال: حدثنا عثمان بن سلمان البغدادي قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم المخزومى قال: حدثنا عمر بن حفص الشيباني قال: حدثنا عبد العلاء بن عمرو قال: حدثنا أبو إسحاق الفزارى، عن سفيان

الثوري، عن آدم بن علي، عن ابن عمر قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم جالس وعنده أبو بكر الصديق وعليه عباءة قد خلها على صدره بخلال، إذ نزل عليه جبريل عليه السلام فأقرأه من الله السلام وقال: يا محمد مالى أرى أبا بكر عليه عباءة قد خلها
على صدره بخلال، فقال: يا جبريل أنفق ماله قبل الفتح علي، قال: فأقرئه من الله سبحانه وتعالى السلام، وقل له: يقول لك ربك، أراض أنت عنى في فقرك هذا أم ساخط ؟ فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر فقال: يا أبا بكر هذا جبريل يقرئك من الله سبحانه السلام، ويقول لك ربك: أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط ؟ فبكى أبو بكر وقال على ربى أغضب ؟ أنا عن ربى راض، أنا عن ربى راض.
* قوله تعالى: (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله) الآية.
قال الكلبي ومقاتل: نزلت في المنافقين بعد الهجرة بسنة، وذلك أنهم سألوا سلمان الفارسى ذات يوم فقالوا: حدثنا عما في التوراة فإن فيها العجائب، فنزلت هذه الآية.
وقال غيرهما نزلت في المؤمنين.
أخبرنا عبد القاهر بن طاهر قال: أخبرنا أبو عمرو بن مطر قال: أخبرنا جعفر ابن محمد الفريابى قال: حدثنا إسحاق بن راهويه قال: حدثنا عمرو بن محمد القرشى قال: حدثنا خلاد بن الصفار، عن عمرو بن قيس الملائى عن عمرو بن مرة، عن مصعب بن سعد، عن سعد قال: أنزل القرآن زمانا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاه عليهم زمانا، فقالوا: يا رسول الله لو قصصت، فأنزل الله تعالى - نحن نقص عليك أحسن القصص - فتلاه عليهم زمانا، فقالوا: يا رسول الله لو حدثتنا، فأنزل الله تعالى - الله نزل أحسن الحديث - قال: كل ذلك يؤمرون بالقرآن، قال خلاد: وزاد فيه آخر قالوا: يا رسول الله لو ذكرتنا، فأنزل الله تعالى - ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله -.

سورة المجادلة (بسم الله الرحمن الرحيم) قوله تعالى: (قد سمع الله قول التي تجادلك في
زوجها) الآية.
أخبرنا أبو سعيد محمد بن عبد الرحمن الغازى قال: أخبرنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحيرى قال: أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى قال: أخبرنا أبو بكر بن أبى شيبة قال: حدثنا أحمد بن عبيدة قال: حدثنا أبى، عن الاعمش، عن تميم بن سلمة، عن عروة قال: قالت عائشة: تبارك الذي وسع سمعه كل شئ إني لاسمع كلام خولة بنت ثعلبة، ويخفى علي بعضه وهي تشتكى زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تقول: يا رسول الله أبلى شبابى ونثرت له بطني حتى إذا كبر سنى وانقطع ولدى ظاهر منى، اللهم إنى أشكو إليك، قال: فما برحت حتى نزل جبريل عليه السلام بهذه الآيات - قد سمع الله قول التى تجادلك في زوجها وتشتكى إلى الله - رواه أبو عبد الله في صحيحه عن أبي محمد المزني، عن مطر، عن أبى كريب، عن محمد بن أبى عبيدة.
أخبرنا أبو بكر بن الحارث قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ الاصفهانى قال: أخبرنا عبد ان بن أحمد قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد.
قال: أخبرنا ابن عيسى الرملي قال: أخبرنا الاعمش عن تميم بن سلمة، عن عروة: عن عائشة قالت: الحمد لله الذي توسع لسمع الاصوات كلها، لقد جاءت المجادلة فكلمت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا في جانب البيت لا أدرى ما يقول، فأنزل الله تعالى - قد سمع الله قول التى تجادلك في زوجها -.
* قوله تعالى: (الذين يظاهرون منكم من نسائهم) الآية.
أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد المنصوري قال: أخبرنا علي بن عمر الحافظ قال: أخبرنا أبو بكر محمد ابن زياد النيسابوري قال: أخبرنا أبو بكر ر محمد بن الاشعث قال: أخبرنا محمد بن بكار قال: أخبرنا سعيد بن بشير أنه سأل قتادة عن الظهار قال: فحدثني أن أنس بن مالك قال: (18 - أسباب النزول)

إن أوس بن الصامت ظاهر من أمرأته خويلة بنت ثعلبة، فشكت ذلك إلى النبي صلى
الله عليه وسلم، فقالت: ظاهر منى حين كبر سنى ورق عظمي، فأنزل الله تعالى آية الظهار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاوس: أعتق رقبة، فقال: مالى بذلك يدان، قال: فصم شهرين متتابعين، قال: أما إني إذا أخطأني أن لا آكل في اليوم كل بصرى، قال: فأطعم ستين مسكينا، قال لا أجد إلا أن تعينني منك بعون وصلة، قال: فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر صاعا حتى جمع الله له والله رحيم، وكانوا يرون أن عنده مثلها وذلك ستون مسكينا أخبرنا عبد الرحمن بن أبى حامد العدل قال: أخبرنا محمد بن محمد بن عبد الله ابن زكريا قال: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدغولى قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد ابن سيار قال: أخبرنا أبو الاصبع الحرانى قال: أخبرنا محمد بن مسلمة، عن محمد ابن إسحاق، عن معمر بن عبد الله بن حنظلة، عن يوسف بن عبد الله ابن سلام قال: حدثتني خويلة بنت ثعلبة وكانت عند أوس بن الصامت أخى عبادة بن الصامت، قالت: دخل علي ذات يوم وكلمني بشئ وهو فيه كالضجر، فراددته فغضب فقال: أنت علي كظهر أمي، ثم خرج في نادى قومه ثم رجع إلي فراودني عن نفسي، فامتنعت منه، فشادنى فشاددته فغلبته بما تغلب به المرأة الرجل الضعيف، فقلت: كلا والذى نفس خويلة بيده لا تصل إلي حتى يحكم الله تعالى في وفيك بحكمه، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أشكو ما لقيت، فقال: زوجك وابن عمك اتقى الله وأحسنى صحبته، فما برحت حتى نزل القرآن - قد سمع الله قول التى تجادلك في زوجها - إلى - إن الله سميع بصير - حتى انتهى إلى الكفارة، قال: مريه فليعتق رقبة، قلت: يا نبي الله والله ما عنده رقبة يعتقها، قال مريه فليصم شهرين متتابعين، قلت: يا نبي الله شيخ كبير ما به من صيام، قال: فليطعم ستين مسكينا، قلت: يا نبي الله والله ما عنده ما يطعم، قال: بلى سنعينه بعرق من تمر مكتل يسع ثلاثين صاعا، قلت: وأنا أعينه بعرق آخر، قال: قد أحسنت فليتصدق.

* قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين نهو عن النجوى) قال ابن عباس ومجاهد: نزلت في اليهود والمنافقين، وذلك أنهم كانوا يتناجون فيما بينهم دون المؤمنين وينظرون إلى المؤمنين ويتغامزون بأعينهم، فإذا رأى المؤمنون نجواهم قالوا: ما نراهم إلا وقد بلغهم عن أقربائنا وإخواننا الذين خرجوا في السرايا قتل أو موت أو مصيبة أو هزيمة، فيقع ذلك في قلوبهم ويحزنهم، فلا يزالون كذلك حتى يقدم أصحابهم وأقرباؤهم، فلما طال ذلك وكثر، شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرهم أن يتناجوا دون المسلمين فلم ينتهوا عن ذلك وعادوا إلى مناجاتهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله تعالى: (وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله) أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر الخشاب قال: أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله الاصفهاني قال: أخبرنا محمد بن إسحاق السراج قال: أخبرنا قتيبة بن سعيد قال: أخبرنا جرير عن الاعمش، عن أبى الضحى، عن مسروق، عن عائشة قالت: جاء ناس من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليك يا أبا القاسم، فقلت: السام عليكم وفعل الله بكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه يا عائشة فإن الله تعالى لا يحب الفحش ولا التفحش، فقلت: يا رسول الله ألست أدرى ما يقولون ؟ قال: ألست ترين أرد عليهم ما يقولون ؟ أقول: وعليكم، ونزلت هذه الآية في ذلك - وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله -.
أخبرنا أبو سعيد محمد بن عبد الرحمن الغازى قال: أخبرنا أبو عمرو محمد ابن أحمد الحيرى قال: أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى قال: أخبرنا زهير بن محمد قال: أخبرنا يونس بن محمد قال: أخبرنا شيبان، عن قتادة، عن أنس أن يهوديا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السام عليك، فرد القوم، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: هل تدرون ما قال ؟ قالوا الله ورسوله أعلم يا نبي الله، قال: لا، ولكن
قال كذاوكذا ردوه علي، فردوه عليه، فقال: قلت السام عليكم، قال: نعم،

فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: إذا سلم عليكم أحد من أهل الكتاب فقولوا: أي عليك ما قلت، ونزل قوله تعالى - وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله -.
* قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم) الآية.
قال مقاتل: كان النبي صلى الله عليه وسلم في الصفة وفي المكان ضيق وذلك يوم الجمعة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرم أهل بدر من المهاجرين والانصار، فجاء ناس من أهل بدر وقد سبقوا إلى المجلس، فقاموا حيال النبي صلى الله عليه وسلم على أرجلهم ينتظرون أن يوسع لهم فلم يفسحوا لهم، وشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لمن حوله من غير أهل بدر، قم يا فلان وأنت يا فلان، فأقام من المجلس بقدر النفر الذي قاموا بين يديه من أهل بدر، فشق ذلك على من أقيم من مجلسه وعرف النبي صلى الله عليه وسلم الكراهية في وجوههم، فقال المنافقون للمسلمين: ألستم تزعمون أن صاحبكم يعدل بين الناس ؟ فوالله ما عدل على هؤلاء قوم أخذوا مجالسهم وأحبهم القرب من نبيهم أقامهم وأجلس من أبطأ عنهم مقامهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول) الآية.
قال مقاتل ابن حيان: نزلت الآية في الاغنياء، وذلك أنهم كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيكثرون مناجاته ويغلبون الفقراء على المجالس حتى كره رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك من طول جلوسهم ومناجاتهم، فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية، وأمر بالصدقة عند المناجاة، فأما أهل العسرة فلم يجدوا شيئا، وأما أهل الميسرة فبخلوا، واشتد ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت الرخصة.
وقال علي بن أبي طالب رضى الله عنه: إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد
قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي - يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول - كان لي دينار فبعته، وكنت إذا ناجيت الرسول تصدقت بدرهم حتى نفذ، فنسخت بالآية الاخرى - أأشفقتم أن تقدموا بين يدى نجواكم صدقات -.

* قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم) الآيات إلى قوله - ويحسبون أنهم على شئ ألا إنهم هم الكاذبون - وقال السدى ومقاتل: نزلت في عبد الله بن نبتل المنافق كان يجالس النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرفع حديثه إلى اليهود، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجرة من حجره، إذ قال: يدخل عليكم الآن رجل قلبه قلب جبار وينظر بعينى شيطان، فدخل عبد الله بن نبتل وكان أزرق، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: علام تشتمني أنت وأصحابك ؟ فحلف بالله ما فعل ذلك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: فعلت، فانطلق فجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما سبوه، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، أخبرنا محمد بن جعفر بن مطر، أخبرنا محمد بن جعفر الفريابى، أخبرنا أبو جعفر النفيلى، أخبرنا زهير بن معاوية، أخبرنا سماك ابن حرب قال: حدثني سعيد بن جبير أن ابن عباس حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في ظل حجرة من حجره وعنده نفر من المسلمين قد كان الظل يقلص عنهم، فقال لهم: إنه سيأتيكم إنسان ينظر إليكم بعين شيطان، وإذا أتاكم فلا تكلموه، فجاء رجل أزرق، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلمه، فقال: علام تشتمني أنت وفلان وفلان ؟ نفر دعا بأسمائهم، فانطلق الرجل فدعاهم، فحلفوا بالله واعتذروا إليه، فأنزل الله تعالى - يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شئ ألا أنهم هم الكاذبون - رواه الحاكم في صحيحه عن الاصم عن أبي عفان عن عمرو العنصري عن إسرائيل، عن سماك.
* قوله تعالى: (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله) الآية.
قال ابن جريج: حدثت أن أبا قحافة سب النبي صلى الله عليه وسلم فصكه أبو بكر صكة شديدة سقط منها، ثم ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، قال: أو فعلته ؟ قال: نعم، قال: فلا تعد إليه، فقال أبو بكر: والله لو كان السيف قريبا منى لقتلته، فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية.

وروى عن ابن مسعود أنه قال: نزلت هذه الآية في أبى عبيدة بن الجراح قتل أباه عبد الله بن الجراح يوم أحد.
وفي أبي بكر دعا ابنه يوم بدر إلى البراز، فقال: يا رسول الله دعني أكن في الرعلة الاولى، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: متعنا بنفسك يا أبا بكر، أما تعلم أنك عندي بمنزلة سمعي وبصرى، وفي مصعب بن عمير قتل أخاه عبيد بن عمير يوم أحد.
وفي عمر قتل خاله العاص بن هشام بن المغيرة يوم بدر، وفي علي وحمزة قتلوا عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة يوم بدر، وذلك قوله - ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم -.
سورة الحشر (بسم الله الرحمن الرحيم) قوله تعالى: (هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب) الآية.
قال المفسرون: نزلت هذه الآية في بني النضير، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة صالحه بنو النضير على أن لا يقاتلوه ولا يقاتلوا معه، وقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم، فلما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا وظهر على المشركين قالت بنو النضير: والله إنه النبي الذي وجدنا نعته في التوراة لاترد له راية، فلما غزا أحدا وهزم المسلمون نقضوا العهد وأظهروا العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صالحهم عن الجلاء من المدينة.
أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد الفارسي، أخبرنا محمد بن عبد الله بن الفضل التاجر، أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ، أخبرنا محمد بن يحيى، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن الزهري، عن ابن كعب بن مالك، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أن كفار قريش كتبوا بعد وقعة بدر إلى اليهود، أنكم هل الحلقة والحصون، وإنكم لتقاتلن صاحبنا أو لنفعلن كذا، ولا يحول بيننا وبين خدم نسائكم وبين الخلاخل شئ، فلما بلغ كتابهم اليهود أجمعت بنو النضير الغدر، وأرسلوا إلى النبي

صلى الله عليه وسلم: أن اخرج إلينا في ثلاثين رجلا من أصحابك وليخرج معنا ثلاثون حبرا حتى نلتقي بمكان نصف بيننا وبينك ليسمعوا منك، فإن صدقوك وآمنوا بك آمنا بك كلنا، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثين من أصحابه، وخرج إليه ثلاثون حبرا من اليهود، حتى إذا برزوا في براز من الارض قال بعض اليهود لبعض كيف تخلصون إليه ومعه ثلاثون رجلا من أصحابه كلهم يحب أن يموت قبله ؟ فأرسلوا كيف نتفق ونحن ستون رجلا، اخرج في ثلاثة من أصحابك وتخرج (ونخرج) إليك ثلاثة من علمائنا إن آمنوا بك آمنا بك كلنا وصدقناك، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة من أصحابه وخرج ثلاثة من اليهود واشتملوا على الخناجر وأرادوا الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلت امرأة ناصحة من بني النضير إلى أخيها وهو رجل مسلم من الانصار فأخبرته خبر ما أراد بنو النضير من الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبل أخوها سريعا حتى أدرك النبي صلى الله عليه وسلم فساره بخبرهم، فرجع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كان من الغد عدا عليهم بالكتائب فحاصرهم فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء على أن لهم ما أقلت الابل إلا الحلقة وهي السلاح، وكانوا يخربون بيوتهن فيأخذون ما وافقهم من خشبها، فأنزل الله تعالى - لله ما في السموات وما في الارض - حتى بلغ - والله على كل شئ قدير -.
* قوله تعالى: (ما قطعتم من لينة) الآية.
وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل ببنى النضير وتحصنوا في حصونهم أمر بقطع نخيلهم وإحراقها، فجزع أعداء الله عند ذلك وقالوا: زعمت يا محمد أنك تريد الصلاح، أفمن الصلاح عقر الشجر المثمر وقطع النخيل ؟ وهل وجدت فيما زعمت أنه أنزل عليك الفساد في الارض ؟ فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم، فوجد المسلمون في أنفسهم من قولهم وخشوا أن يكون ذلك فسادا في ذلك، فقال بعضهم: لا تقطعوا فإنه مما أفاء الله علينا.
وقال بعضهم: بل اقطعوا، فأنزل الله تبارك وتعالى - ما قطعتم من لينة - الآية تصديقا لمن نهى عن قطعه وتحليلا لمن قطعه، وأخبر أن قطعه وتركه بإذن الله تعالى

أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الداركى، أخبرنا والدي، أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي، أخبرنا قتيبة، أخبرنا الليث بن سعد عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق نخل النضير وقطع وهي البويرة، فأنزل الله تعالى - ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزى الفاسقين - رواه البخاري ومسلم عن قتيبة.
أخبرنا أبو بكر بن الحارث، أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر، أخبرنا أبو يحيى الرازي، أخبرنا سهل بن عثمان، أخبرنا عبد الله بن المبارك، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع نخل بني النضير وحرق وهي البويرة ولها بقول حسان: وها على سراة بني لؤى * حريق بالبويرة مستطير وفيها نزلت الآية - ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها - رواه مسلم عن سعيد بن منصور عن ابن المبارك، وأخبرنا أبو بكر، أخبرنا عبد الله، أخبرنا سلم ابن عصام أخبرنا رسته، أخبرنا عبد الرحمن بن مهدى، أخبرنا محمد بن ميمون التمار،
أخبرنا جرموز عن حاتم النجار، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: جاء يهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنا أقوم فأصلى، قال: قدر الله لك ذلك أن تصلى، قال: أنا أقعد، قال: قدر الله لك أن تقعد، قال: أنا أقوم إلى هذه الشجرة فأقطعها، قال: قدر الله لك أن تقطعها، قال: فجاء جبريل عليه السلام فقال: يا محمد لقنت حجتك كما لقنها إبراهيم على قومه، وأنزل الله تعالى - ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزى الفاسقين - يعني اليهود.
* قوله تعالى: (والذين تبوءوا الدار والايمان من قبلهم) الآية.
روى جعفر ابن برقان عن يزيد بن الاصم أن الانصار قالوا: يارسول الله أقسم بيننا وبين إخواننا من المهاجرين الارض نصفين، قال: ولكنهم يكفونكم المؤونة وتقاسمونهم الثمرة والارض أرضكم، قالوا: رضينا، فأنزل الله تعالى - والذين تبوءوا الدار والايمان من قبلهم -.

* قوله تعالى: (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) أخبرنا سعد بن أحمد بن جعفر المؤذن، أخبرنا أبو علي الفقيه، أخبرنا محمد بن منصور ابن أبي الجهم السبيعى، أخبرنا نصر بن علي الجهضمى، أخبرنا عبد الله بن داود، عن فضيل بن غزوان، عن أبى حازم، عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع إلى رجل من الانصار رجلا من أهل الصفة، فذهب به الانصاري إلى أهله، فقال للمرأة: هل من شئ ؟ قالت: لا إلا قوت الصبية، قال: فنوميهم فإذا ناموا فأتينى، فإذا وضعت فأطفأ السراج، قال: ففعلت وجعل الانصاري يقدم إلى ضيفه ما بين يديه، ثم غدا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لقد عجب من فعالكما أهل السماء، ونزلت - ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة - رواه البخاري عن مسدد، عن عبد الله بن داود.
ورواه مسلم عن أبى كريب عن وكيع، كلاهما عن فضيل ابن غزوان.
أخبرنا أبو عبد الله بن إسحاق المزكى، أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبد الله السليطى أخبرنا أبو العباس بن عيسى بن محمد المروزي، أخبرنا المسخر بن الصلت، أخبرنا القاسم بن الحكم العربي، أخبرنا عبيد الله بن الوليد عن محارب بن دثار، عن عبد الله ابن عمر قال: أهدى لرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رأس شاة، فقالت: إن أخي فلانا وعياله أحوج إلى هذا منا، فبعث به إليه، فلم يزل يبعث به واحدا إلى آخر حتى تداوله سبعة أهل أبيات حتى رجعت إلى أولئك، قال: فنزلت - ويؤثرون على أنفسهم - إلى آخر الآية.
سورة الممتحنة (بسم الله الرحمن الرحيم) قوله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء) الآية.
قال جماعة من المفسرين: نزلت في حاطب بن أبي بلتعة وذلك أن سارة مولاة أبي عمر بن صهيب بن هشام بن عبد مناف أتت رسول الله

صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتجهر (يتجهز) لفتح مكة فقال لها: أمسلمة جئت ؟ قالت: لا، قال: فما جاء بك ؟ قالت: أنتم الاهل والعشيرة والموالي، وقد احتجت حاجة شديدة فقدمت عليكم لتعطوني وتكسوني، قال لها: فأين أنت من شباب أهل مكة، وكانت مغنية، قالت ما طلب منى شئ بعد وقعة بدر فحث رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى عبد المطلب فكسوها وحملوها وأعطوها، فأتاها حاطب بن أبى بلتعة وكتب معها إلى أهل مكة وأعطاها عشرة دنانير على أن توصل إلى أهل مكة، وكتب في الكتاب: من حاطب إلى أهل مكة، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدكم فخذوا حذركم، فخرجت سارة ونزل جبريل عليه السلام، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما فعل حاطب، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وعمارا والزبير وطلحة والمقداد بن الاسود وأبا مرثد وكانوا كلهم فرسانا، وقال لهم: انطلقوا
حتى تأتوا روضة خاخ، فإن فيها ظعينة معها كتاب من حاطب إلى المشركين، فخذوه منها وخلوا سبيلها، فإن لم تدفعه إليكم فاضربوا عنقها، فخرجوا حتى أدركوها في ذلك المكان، فقالوا لها: أين الكتاب ؟ فحلفت بالله ما معها كتاب، ففتشوا متاعها فلم يجدوا معها كتابا، فهموا بالرجوع، فقال علي والله ما كذبنا ولا كذبنا، وسل سيفه، وقال: أخرجي الكتاب وإلا والله لاجزرتك ولاضربن عنقك، فلما رأت الجد أخرجته من ذؤابتها قد خبأته في شعرها، فخلوا سبيلها ورجعوا بالكتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حاطب فأتاه، فقال له: هل تعرف الكتاب ؟ قال: نعم، قال: فما حملك على ما صنعت ؟ فقال: يارسول الله والله ما كفرت منذ أسلمت ولا غششتك منذ نصحتك ولا أحببتهم منذ فارقتهم، ولكن لم يكن أحد من المهاجرين إلا وله بمكة من يمنع عشيرته، وكنت غريبا فيهم وكان أهلى بين ظهرانيهم، فخشيت على أهلى فأردت أن أتخذ عندهم يدا، وقد علمت أن الله ينزل بهم بأسه وكتابي لا يغنى عنهم شيئا، فصدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعذره، فنزلت هذه السورة - يا أيها الذين آمنوا

لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء - فقام عمر بن الخطاب فقال: دعني يارسول الله أضرب عنق هذا المنافق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما يدريك يا عمر لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال لهم: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم.
أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن بن محمد، أخبرنا محمد بن يعقوب، أخبرنا الربيع، أخبرنا الشافعي، أخبرنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن الحسن بن محمد، أخبرنا محمد بن يعقوب بن علي بن عبيدالله بن أبي رافع، قال: سمعت عليا يقول: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد قال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن فيها ظعينة معها كتاب، فقلنا لها: لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب،
فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه: من حاطب ابن أبى بلتعة إلى ناس من المشركين ممن بمكة، يخبر بعض أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا يا حاطب ؟ فقال: لا تعجل على، إني كنت امرأ ملصقا في قريش ولم أكن من نفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها قراباتهم، ولم يكن لي بمكة قرابة، فأحببت إذ فاتني ذلك أن أتخذ عندهم يدا، والله ما فعلته شاكا في ديني ولا رضا بالكفر بعد الاسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه قد صدق، فقال عمر: دعني يارسول الله أضرب عنق هذا المنافق فقال: إنه قد شهد بدرا، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، ونزلت - يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة - رواه البخاري عن حميد، ورواه مسلم عن أبى بكر بن أبى شيبة وجماعة، كلهم عن سفيان.
* قوله عز وجل: (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه) يقول الله تعالى للمؤمنين: لقد كان لكم في إبراهيم ومن معه من الانبياء والاولياء اقتداء بهم في معاداة ذوي قراباتهم من المشركين، فلما نزلت هذه الآية عادى المؤمنين أقرباءهم المشركين في الله وأظهروا لهم العداوة والبراءة، وعلم الله تعالى شدة وجد المؤمنين بذلك، فأنزل الله - عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة - ثم فعل ذلك بأن

أسلم كثير منهم وصاروا لهم أولياء وإخوانا، وخالطوهم وناكحوهم، وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب، فلان لهم أبو سفيان وبلغه ذلك، الفحل لا يقرع أنفه.
أخبرنا أبو صالح منصور بن عبد الوهاب البزار، أخبرنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحيرى، أخبرنا أبو يعلى، أخبرنا إبراهيم بن الحجاج، أخبرنا عبد الله بن المبارك، عن مصعب بن ثابت، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه قال: قدمت قتيلة بنت
عبد العزى على ابنتها أسماء بنت أبي بكر بهوايا وضباب وسمن وأقط، فلم تقبل هداياها ولم تدخلها منزلها، فسألت لها عائشة النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين - الآية.
فأدخلتها منزلها وقبلت منها هداياها.
رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه، عن أبى العباس السيارى، عن عبد الله الغزال، عن أبي سفيان، عن ابن المبارك.
* قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن) الآية.
قال ابن عباس: إن مشركي مكة صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية على أن من أتاه من أهل مكة رده إليهم، ومن أتى أهل مكة من أصحابه فهو لهم، وكتبوا بذلك الكتاب وختموه، فجاءت سبيعة بنت الحرث الاسلمية بعد الفراغ من الكتاب والنبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية، فأقبل زوجها وكان كافرا، فقال: يا محمد رد علي امرأتي، فإنك قد شرطت لنا أن ترد علينا من أتاك منا وهذه طينة الكتاب لم تجف بعد، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي، أخبرنا محمد بن عبد الله بن الفضل، أخبرنا أحمد ابن محمد بن الحسن الحافظ، أخبرنا محمد بن يحيى، أخبرنا حسن بن الربيع بن الخشاب، أخبرنا ابن إدريس قال: قال محمد ابن إسحاق، حدثني الزهري قال: دخلت على عروة بن الزبير وهو يكتب كتابا إلى ابن هند صاحب الوليد بن عبد الملك يسأله عن قوله - يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن - قال: وكتب

إليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صالح قريشا يوم الحديبية على أن يرد عليهم من جاء بغير إذن وليه، فلما هاجرن النساء أبى الله تعالى أن يرددهن إلى المشركين إذا هن امتحن، فعرفوا أنهن إنها جئن رغبة في الاسلام برد أصدقائهن إليهم إذا احتبسن عنهم إذا هم ردوا على المسلمين أصدقة من حبسوا من نسائهم، قال: وذلك حكم الله يحكم
بينكم، فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء ورد الرجال.
* قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم) الآية.
نزلت في ناس من فقراء المسلمين كانوا يخبرون اليهود بأخبار المسلمين وتواصلوا بهم فيصيبون بذلك من ثمارهم، فنهاهم الله تبارك وتعالى عن ذلك.
سورة الصف (بسم الله الرحمن الرحيم).
قوله تعالى: (سبح لله ما في السموات وما في الارض وهو العزيز الحكيم) أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر، أخبرنا محمد ابن عبد الله بن زكريا، أن محمد بن عبد الرحمن الدغولى قال: أخبرنا محمد بن يحيى، أخبرنا محمد بن كثير الصنعانى عن الاوزاعي، عن يحيى بن أبى كثير، عن أبى سلمة، عن عبد الله بن سلام قال: قعدنا نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقلنا: لو نعلم أي أحب إلى الله تبارك وتعالى عملناه، فأنزل الله تعالى - سبح لله ما في السموات وما في الارض وهو العزيز الحكيم - إلى قوله - إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا - إلى آخر السورة، فقرأها علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون) قال المفسرون: كان المسلمون يقولون: لو نعلم أحب الاعمال إلى الله تعالى لبذلنا فيه أموالنا وأنفسنا، فدلهم الله على أحب الاعمال إليه فقال - إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا - الآية.
فابتلوا يوما بذلك فولوا مدبرين، فأنزل الله تعالى - لم تقولون ما لا تفعلون -.

سورة الجمعة (بسم الله الرحمن الرحيم).
قوله عز وجل: (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها) أخبرنا الاستاذ أبو طاهر الزيادي، أخبرنا أبو الحسن علي بن إبراهيم، أخبرنا محمد بن مسلم بن واره، أخبرنا الحسن بن عطية، أخبرنا إسرائيل، عن حصين
ابن عبد الرحمن، عن أبي سفيان، عن جابر بن عبد الرحمن قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إذ أقبلت عير قد قدمت، فخرجوا إليها حتى لم يبق معه إلا إثنا عشر رجلا، فأنزل الله تبارك وتعالى - وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما - رواه البخاري عن حفص بن عمر، عن خالد بن عبد الله، عن حصين.
أخبرنا محمد بن إبراهيم المزكى، أخبرنا أبو بكر عبد الله بن يحيى الطلحى، أخبرنا جعفر بن أحمد بن عمران الشامي، أخبرنا عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن يونس أخبرنا عنتر بن القاسم، أخبرنا حصين، عن سالم بن أبى الجعد، عن جابر بن عبد الله قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجمعة، فمرت عير تحمل الطعام فخرج الناس إلا اثنى عشر رجلا، فنزلت آية الجمعة.
رواه مسلم عن إسحاق بن إبراهيم عن جرير، ورواه البخاري في كتاب الجمعة عن معاوية بن عمرو عن زائدة كلاهما عن حصين قال المفسرون: أصاب أهل المدينة أصحاب الضرار جوع وغلاء سعر فقدم دحية بن خليفة الكلبي في تجارة من الشام وضرب لها طبل يؤذن الناس بقدومه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، فخرج إليه الناس فلم يبق في المسجد إلا اثنا عشر رجلا منهم أبو بكر وعمر، فنزلت هذه الآية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده لو تتابعتم حتى لم يبق أحد منكم لسال بكم الوادي نارا.

سورة المنافقين (بسم الله الرحمن الرحيم) أخبرنا عبد الرحمن بن عبد ان قال: أخبرنا محمد ابن عبد الله بن محمد الحافظ، أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد بن أحمد المجبوى، أخبرنا سعيد ابن مسعود، أخبرنا عبيد الله بن موسى، أخبرنا إسرائيل، عن السدى، عن أبى سعيد الازدي، عن زيد بن أرقم قال غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم وكان معنا ناس من
الاعراب وكنا نبدر الماء، وكان الاعراب يسبقونا، فيسبق الاعرابي أصحابه فيملا الحوض ويجعل النطع عليه حتى يجئ أصحابه، فأتى رجل من الانصار فأرخى زمام ناقته لتشرب، فأبى أن يدعه الاعرابي، فأخذ خشبة فضرب بها رأس الانصاري فشجه، فأتى الانصاري عبد الله بن أبى رأس المنافقين، فأخبره وكان من أصحابه، فغضب عبد الله بن أبى ثم قال: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله، يعني الاعراب، ثم قال لاصحابه: إذا رجعتم إلى المدينة فليخرج الاعز منها الاذل، قال زيد ابن أرقم وأنا ردف عمى: فسمعت عبد الله، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق وكذبني، فجاء إلي عمي فقال: ما أردت أن مقتك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبك المسلمون، فوقع علي من الغم ما لم يقع على أحد قط، فبينا أنا أسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتانى فعرك أذنى وضحك في وجهى، فما كان يسرني أن لي بها الدنيا، فلما أصبحنا قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة المنافقين - قالوا نشهد إنك لرسول الله - حتى بلغ - هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا - حتى بلغ - ليخرجن الاعز منها الاذل.
قال أهل التفسير وأصحاب السير: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى المصطلق، فنزل على ماء من مياههم يقال له المريسيع، فوردت واردة الناس ومع عمر بن الخطاب أجير من بنى غفار يقال له جهجاه بن سعيد يقود فرسه، فازدحم جهجاه وسنان الجهنى حليف بني العوف من الخزرج على الماء، فاقتتلا، فصرخ الجهنى يا معشر الانصار،

وصرخ الغفاري يا معشر المهاجرين، فلما أن جاء عبد الله بن أبى قال ابنه وراءك، قال: مالك ويلك، قال: لا والله لا تدخلها أبدا إلا بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولتعلم اليوم من الاعز من الاذل، فشكا عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنع ابنه، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارتحل عنه حتى يدخل، أما إذ جاء
أمر النبي عليه الصلاة والسلام فنعم، فدخل، فلما نزلت هذه وبان كذبه قيل له: يا أبا حباب إنه قد نزلت فيك آى شداد فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر لك، فلوى رأسه، فذلك قوله - وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤسهم - الآية.
سورة التغابن (بسم الله الرحمن الرحيم) قوله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم) الآية.
قال ابن عباس: كان الرجل يسلم فإذا أراد أن يهاجر منعه أهله وولده وقالوا: ننشدك الله أن تذهب فتدع أهلك وعشيرتك وتصير إلى المدينة بلا أهل ولا مال، فمنهم من يرق لهم ويقيم ولا يهاجر، فأنزل الله هذه الآية.
أخبرنا أحمد بن عبد الله الشيباني، أخبرنا أبو الفضل أحمد بن إسماعيل بن يحيى ابن حازم، أخبرنا عمر بن محمد بن يحيى، أخبرنا محمد بن عمر المقدمى، أخبرنا أشعث بن عبد الله أخبرنا شعبه عن إسماعيل بن أبى خالد قال: كان الرجل يسلم فيلومه أهله وبنوه، فنزلت هذه الآية - إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم - قال عكرمة عن ابن عباس: وهؤلاء الذين منعهم أهلهم عن الهجرة لما هاجروا ورأوا الناس قد فقهوا في الدين هموا أن يعاقبوا أهليهم الذين منعوهم، فأنزل الله تعالى - وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم.

سورة الطلاق (بسم الله الرحمن الرحيم) قوله عز وجل: (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) الآية.
روى قتادة عن أنس قال: طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وقيل له راجعها فإنها صوامة قوامة، وهي من إحدى أزواجك ونسائك في الجنة.
وقال السدى: نزلت في عبد الله بن عمر، وذلك أنه طلق امرأته حائضا، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يراجعها ويمسكها حتى تطهر ثم تحيض حيضة أخرى، فإذا طهرت طلقها إن شاء قبل أن يجامعها، فإنها العدة التى أمر الله بها.
أخبرنا منصور بن عبد الوهاب بن أحمد الشالنجى، أخبرنا أبو عمر محمد بن أحمد الحيرى، أخبرنا محمد بن ديجونة، أخبرنا عبد العزيز بن يحيى، أخبرنا الليث بن سعد، عن نافع، عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض تطليقة واحدة، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يراجعها، ثم يمسكها حتى تطهر وتحيض عنده حيضة أخرى، ثم يمهلها حتى تطهر من حيضتها، فإن أراد أن يطلقها فيطلقها حين تطهر من قبل أن يجامعها، فتلك العدة التى أمر الله تعالى أن تطلق لها النساء.
* قوله تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا.
ويرزقه من حيث لا يحتسب) نزلت الآية في عوف بن مالك الاشجعي، وذلك أن المشركين أسروا ابنا له، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكا إليه الفاقة، وقال: إن العدو أسر ابني وجزعت الام فما تأمرني ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اتق الله واصبر، وآمرك وإياها أن تستكثروا من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فعاد إلى بيته وقال لامرأته: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنى وإياك أن نستكثر من قول لا حول ولا قوة (19 - أسباب النزول)

إلا بالله، فقالت: نعم ما أمرنا به، فجعلا يقولان، فغفل العدو عن ابنه، فساق غنمهم وجاء بها إلى أبيه وهي أربعة آلاف شاة، فنزلت هذه الآية.
أخبرنا عبد العزيز بن عبد ان، أخبرنا محمد بن عبد الله بن نعيم قال: أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن الحسين السكوني، أخبرنا عبيد بن كثير العامري، أخبرنا عباد بن يعقوب، أخبرنا يحيى بن آدم أخبرنا إسرائيل، أخبرنا عمار بن معاوية عن سالم
ابن أبي الجعد، عن جابر بن عبد الله قال: نزلت هذه الآية - ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب - في رجل من أشجع كان فقيرا خفيف ذات اليد كثير العيال، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله فقال: اتق الله واصبر، فرجع إلى أصحابه فقالوا: ما أعطاك رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: ما أعطاني شيئا، قال: اتق الله واصبر، فلم يلبث إلا يسيرا حتى جاء ابن له بغنم وكان العدو أصابوه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عنها وأخبره خبرها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياكها.
* قوله تعالى: (واللائى يئسن من المحيض من نسائكم) قال مقاتل: لما نزلت - والمطلقات يتربصن بأنفسهن - الآية.
قال خلاد بن النعمان بن قيس الانصاري: يارسول الله فما عدة التي لا تحيض، وعدة التى لم تحض، وعدة الحبلى ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا أبو إسحاق المقرئ، أخبرنا محمد بن عبد الله بن حمدون، أخبرنا مكى ابن عبدان قال: أخبرنا أبو الازهر، أخبرنا أسباط بن محمد عن مطرف، عن أبى عثمان عمرو بن سالم قال: لما نزلت عدة النساء في سورة البقرة في المطلقة والمتوفى عنها زوجها قال أبي بن كعب: يارسول الله إن نساء من أهل المدينة يقلن قد بقى من النساء من لم يذكر فيها شئ، قال: وما هو ؟ قال: الصغار والكبار وذوات الحمل، فنزلت هذه الآية - واللائى يئسن - إلى آخرها.

سورة التحريم (بسم الله الرحمن الرحيم) قوله عز وجل: (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك) الآية.
أخبرنا محمد بن منصور الطوسى، أخبرنا علي بن عمر بن مهدي أخبرنا الحسين بن إسماعيل العاملي، أخبرنا عبد الله بن شبيب قال: حدثنى إسحاق
ابن محمد، أخبرنا عبد الله بن عمر قال: حدثنى أبو النضر مولى عمر بن عبيدالله، عن علي بن عباس، عن ابن عباس، عن عمر قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم ولده مارية في بيت حفصة، فوجدته حفصة معها، فقالت: لم تدخلها بيتى، ما صنعت بي هذا من بين نسائك إلا من هواني عليك، فقال لها، لا تذكري هذا لعائشة، هي علي حرام إن قربتها، قالت حفصة: وكيف تحرم عليك وهي جاريتك، فحلف لها لا يقربها وقال لها: لا تذكريه لاحد، فذكرته لعائشة، فأبى أن يدخل على نسائه شهرا واعتزلهن تسعا وعشرين ليلة، فأنزل الله تبارك وتعالى - لم تحرم ما أحل الله لك - الآية.
أخبرنا أبو إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم الواعظ، أخبرنا بشر بن أحمد بن بشر، أخبرنا جعفر بن الحسن الفريابي، أخبرنا منجاب بن الحرث، أخبرنا علي بن مسهر عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يحب الحلواء والعسل، وكان إذا انصرف من العصر دخل على نسائه، فدخل على حفصة بنت عمر واحتبس عندها أكثر مما كان يحتبس، فعرفت فسألت عن ذلك، فقيل: لي أهدت لها امرأة من قومها عكة عسل، فسقت منه النبي صلى الله عليه وسلم شربة، قلت: أما والله لنحتال له، فقلت لسودة بنت زمعة: إنه سيدنو منك إذا دخل عليك فقولي له: يا رسول الله أكلت مغافير، فإنه سيقول لك سقتني حفصة شربة عسل، فقولي: جرست نحله العرفط، وسأقول ذلك، وقولي أنت يا صفية ذلك، قالت تقول سودة: فوالله ما هو إلا أن قام على الباب فكدت أن أبادئه بما أمرتنى به، فلما دنا منها

قالت له سودة: يا رسول الله أكلت مغافير ؟ قال لا، قالت: فما هذه الريح التي أجد منك، قال: سقتني حفصة شربة عسل، قالت: جرست نحلة العرفط قالت: فلما دخل علي قلت له مثل ذلك، فلما دار إلى صفية قالت له مثل ذلك، فلما دار إلى حفصة قالت: يا رسول الله
أسقيك منه ؟ قال: لا حاجة لي فيه، تقول سودة: سبحان الله لقد حرمناه، قالت لها: اسكتي رواه البخاري عن فرقد، ورواه مسلم عن سويد بن سعيد، كلاهما عن علي بن مسهر.
أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي حامد، أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا الحسن بن محمد ابن مصعب، أخبرنا يحيى بن حكيم، أخبرنا أبو داود، أخبرنا عامر الجزاز، عن ابن أبى مليكة، أن سودة بنت زمعة كانت لها خؤولة باليمن، وكان يهدى إليها العسل، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيها في غير يومها يصيب من ذلك العسل، وكانت حفصة وعائشة متواخيتين على سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت إحداهما للاخرى: ماترين إلى هذا ؟ قد اعتاد هذه يأتيها في غير يومها يصيب من ذلك العسل، فإذا دخل فخذي بأنفك، فإذا قال مالك ؟ قولى: أجد منك ريحا لاأدرى ماهى، فإنه إذا دخل علي قلت مثل ذلك، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذت بأنفها فقال: مالك ؟ قالت: ريحا أجد منك وما أراه إلا مغافير، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه أن يأخذ من الريح الطيبة إذ وجدها، ثم إذ دخل على الاخرى فقالت له مثل ذلك، فقال: لقد قالت لي هذا فلانة، وما هذا إلا من شئ أصبته في بيت سودة، ووالله لا أذوقه أبدا.
قال ابن أبي مليكة: قال ابن عباس: نزلت هذه الآية في هذا - يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغى مرضاة أزواجك -.
* قوله تعالى: (إن تتوبا إلى الله) الآية.
أخبرنا أبو منصور المنصوري، أخبرنا أبو الحسن الدارقطني، أخبرنا الحسن بن إسماعيل، أخبرنا عبد الله بن شبيب قال: حدثنى أحمد بن محمد بن عبد العزيز قال: وجدت في كتاب أبى، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس قال: وجدت حفصة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أم إبراهيم في يوم عائشة فقالت: لاخبرنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

هي علي حرام إن قربتها فأخبرت عائشة بذلك، فأعلم الله رسوله ذلك، فعرف حفصة
بعض ما قالت، فقالت له: من أخبرك قال: نبأنى العليم الخبير، فآلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه شهرا، فأنزل الله تبارك وتعالى - إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما - الآية.
سورة الملك (بسم الله الرحمن الرحيم) قوله تعالى: (وأسروا قولكم أو اجهروا به) الآية.
قال ابن عباس: نزلت في المشركين كانوا ينالون من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخبره جبريل عليه السلام بما قالوا فيه ونالوا منه، فيقول بعضهم لبعض، أسروا قولكم لئلا يسمع إلا محمد.
سورة القلم (بسم الله الرحمن الرحيم) قوله عز وجل: (وإنك لعلى خلق عظيم) أخبرنا أبو بكر الحارثى، أخبرنا عبد الله بن محمد بن حيان، أخبرنا أحمد بن جعفر ابن نصر الحمال، أخبرنا جرير بن يحيى، أخبرنا حسين بن علوان الكوفى، أخبرنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: ما كان أحد أحسن خلقا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما دعاه أحد من أصحابه ولا من أهل بيته إلا قال لبيك، ولذلك أنزل الله عز وجل - وإنك لعلى خلق عظيم -.
* قوله عز وجل: (وإن يكاد الذين كفروا) الآية: نزلت حين أراد الكفار أن يعينوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصبوه بالعين، فنظر إليه قوم من قريش، فقالوا: ما رأينا مثله ولا مثل حججه، وكانت العين في بنى أسد حتى أن كانت الناقة السمينة والبقرة السمينة تمر بأحدهم فيعينها ثم يقول: يا جارية خذي المكتل والدرهم فأتينا بلحم من لحم هذه، فما تبرح حتى تقع بالموت فتنحر.

وقال الكلبي: كان رجل يمكث لا يأكل يومين أو ثلاثة، ثم يرفع جانب خبائه
فتمر به النعم فيقول: ما رعى اليوم إبل ولا غنم أحسن من هذه فما تذهب إلا قريبا حتى يسقط منها طائفة وعدة، فسأل الكفار هذا الرجل أن يصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعين ويفعل به مثل ذلك، فعصم الله تعالى نبيه وأنزل هذه الآية.
سورة الحاقة (بسم الله الرحمن الرحيم).
قوله عز وجل: (وتعيها أذن واعية) حدثنا أبو بكر التميمي، أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر، أخبرنا الوليد بن أبان، أخبرنا العباس الدوري، أخبرنا بشر بن آدم، أخبرنا عبد الله بن الزبير قال: سمعت صالح بن هشيم يقول: سمعت بريدة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي إن الله أمرني أن أدنيك ولا أقصيك، وأن أعلمك وتعى وحق على الله أن تعي، فنزلت - وتعيها أذن واعية.
سورة المعارج (بسم الله الرحمن الرحيم).
قوله تعالى: (سأل سائل بعذاب واقع) الآيات نزلت في النضر بن الحرث حين قال - اللهم إن كان هذا الحق من عندك - الآية، فدعا على نفسه وسأل العذاب، فنزل به ما سأل يوم بدر فقتل صبرا، ونزل فيه - سأل سائل بعذاب واقع - الآية.
* قوله تعالى: (أيطمع كل امرء منهم أن يدخل جنة نعيم كلا) قال المفسرون: كان المشركون يجتمعون حول النبي صلى الله عليه وسلم يستمعون كلامه ولا ينتفعون به، بل يكذبون به ويستهزءون ويقولون: لئن دخل هؤلاء الجنة لندخلنها قبلهم، وليكوننن لنا فيها أكثر مما لهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

سورة المدثر (بسم الله الرحمن الرحيم).
أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن إبراهيم المقرئ.
أخبرنا عبد الملك بن الوليد قال: أخبرني أبى، أخبرنا الاوزاعي، أخبرنا يحيى بن أبى كثير
قال: سمعت أبا سلمة عن جابر قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: جاورت بحراء شهرا فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت بطن الوادي، فنوديت فنظرت أمامى وخلفي وعن يمينى وعن شمالى فلم أر أحدا، ثم نوديت فرفعت رأسي فإذا هو على العرش في الهواء، يعنى جبريل عليه السلام، فقلت: دثروني دثروني، فصبوا علي ماء، فأنزل الله عز وجل - يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر - رواه زهير ابن حرب، عن الوليد بن مسلم، عن الاوزاعي، * قوله تعالى: (ذرنى ومن خلقت وحيدا) أخبرنا أبو القاسم الحذامى، أخبرنا محمد بن عبد الله بن نعيم، أخبرنا محمد بن علي الصغانى، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم اللزبرى، أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب السختيانى، عن عكرمة، عن ابن عباس أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه القرآن وكأنه رق له، فبلغ ذلك أبا جهل، يا عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا ليعطوكه، فإنك أتيت محمدا تتعرض لما قبله، فقال: قد علمت قريش أنى من أكثرها مالا، قال: فقل فيه قولا يبلغ قومك أنك منكر له وكاره، قال: وماذا أقول ؟ فوالله ما فيكم رجل أعلم بالاشعار منى، ولا أعلم برجزها وبقصيدها منى، والله ما يشبه الذى يقول شيئا من هذا، والله إن لقوله الذى يقول حلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه معذق أسفله وإنه ليعلو وما يعلى، قال: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه، قال: فدعني حتى أفكر فيه، فقال: هذا سحر يؤثر يأثره عن غيره، فنزلت - فذرني ومن خلقت وحيدا - الآيات كلها.
قال مجاهد: إن الوليد بن المغيرة كان يغشى النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر

رضى الله عنه حتى حسبت قريش أنه يسلم، فقال له أبو جهل: إن قريشا تزعم أنك إنما تأتى محمدا وابن أبى قحافة تصيب من طعامهما، فقال الوليد لقريش: إنكم
ذوو أحساب وذوو أحلام، وأنكم تزعمون أن محمدا مجنون، وهل رأيتموه يتكهن قط ؟ قالوا: اللهم لا، قال: تزعمون أنه شاعر هل رأيتموه ينطق بشعر قط، قالوا: لا قال: فتزعمون أنه كذاب، فهل جربتم عليه شيئا من الكذب ؟ قالوا: لا، قالت قريش للوليد: فما هو ؟ قال: فما هو إلا ساحر، وما بقوله سحر، فذلك قوله - إنه فكر وقدر - إلى قوله تعالى - إن هذا إلا سحر يؤثر -.
سورة القيامة (بسم الله الرحمن الرحيم) قوله عز وجل: (أيحسب الانسان أن لن نجمع عظامه) نزلت في عمر بن ربيعة، وذلك أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: حدثنى عن يوم القيامة متى يكون وكيف أمرها وحالها، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك يا محمد ولم أو من به، أو يجمع الله هذه العظام، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
سورة الانسان (بسم الله الرحمن الرحيم) قوله تعالى: (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا) قال عطاء عن ابن عباس: وذلك أن علي بن أبي طالب رضى الله عنه نوبة أجر نفسه يسقى نخلا بشئ من شعير ليلة حتى أصبح وقبض الشعير وطحن ثلثه، فجعلوا منه شيئا ليأكلوا يقال له الخزيرة، فلما تم إنضاجه، أتى مسكين فأخرجوا إليه الطعام، ثم عمل الثلث الثاني، فلما تم إنضاجه أتى يتيم فسأل فأطعموه ثم عمل الثلث الباقي، فلما تم إنضاجه أتى أسير من المشركين فأطعموه وطووا يومهم ذلك، فأنزلت فيه هذه الآية.

سورة عبس (بسم الله الرحمن الرحيم) قوله تعالى: (عبس وتولى أن جاءه الاعمى) وهو ابن أم مكتوم، وذلك أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يناجى عتبة بن ربيعة
وأبا جهل بن هشام وعباس بن عبد المطلب وأبيا وأمية ابني خلف، ويدعوهم إلى الله تعالى ويرجو إسلامهم، فقام ابن أم مكتوم وقال: يا رسول الله، علمني مما علمك الله، وجعل يناديه ويكرر النداء ولا يدرى أنه مشتغل مقبل على غيره، حتى ظهرت الكراهية في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لقطعه كلامه، وقال في نفسه: يقول هؤلاء الصناديد إنما أتباعه العميان والسفلة والعبيد، فعبس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعرض عنه وأقبل على القوم الذين يكلمهم، فأنزل الله تعالى هذه الآيات، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يكرمه، وإذا رآه يقول: مرحبا بمن عاتبني فيه ربى.
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن المصاحفى، أخبرنا أبو نجم ومحمد بن أحمد بن حمدان أخبرنا أبو يعلى، حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد، حدثنا أبى قال: هذا ما قرأنا على هشام بن عروة، عن عائشة قالت: أنزلت عبس وتولى في ابن أم مكتوم الاعمى، أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقول: يا رسول الله أرشدني، وعند رسول الله رجال من عظماء المشركين، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عنه ويقبل على الآخرين، ففى هذا أنزلت عبس وتولى، رواه الحاكم في صحيحه عن علي بن عيسى الحيرى، عن العتابى، عن سعد بن يحيى.
* قوله تعالى: (لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه) أخبرنا أبو سعيد ابن أبي عمرو، أخبرنا الحسن بن أحمد الشيباني، حدثنا عبد الله بن محمد بن مسلم، حدثنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن سنان، حدثنا إبراهيم بن هراسة، حدثنا عائذ بن شريح الكندي قال: سمعت أنس بن مالك قال: قالت عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم: أنحشر عراة ؟ قال: نعم، قالت: واسوأتاه، فأنزل الله تعالى - لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه -.

سورة التكوير
(بسم الله الرحمن الرحيم).
قوله تعالى: (وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين).
أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أخبرنا أبو بكر بن عبدوس، أخبرنا أبو حامد بن بلال، حدثنا أحمد بن يوسف السلمي، حدثنا أبو مسهر قال: حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن سلمان بن موسى قال: لما أنزل الله عز وجل - لمن شاء منكم أن يستقيم - قال: ذلك إلينا إن شئنا استقمنا وإن لم نشأ لم نستقم، فأنزل الله تعالى - وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين -.
سورة المطففين (بسم الله الرحمن الرحيم) قوله تعالى: (ويل للمطففين) أخبرنا إسماعيل ابن الحسن بن محمد بن الحسين النقيب قال: أخبرنا جدى محمد بن الحسين قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ، حدثنا عبد الرحمن بن بشر قال: حدثنا علي بن الحسين ابن واقد قال: حدثني أبى قال: حدثني يزيد النحوي، أن عكرمة حدثه عن ابن عباس قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلا، فأنزل الله تعالى - ويل للمطففين - فأحسنوا الكيل بعد ذلك.
قال القرطبي كان بالمدينة تجار يطففون، وكانت بياعاتهم كشبه القمار المنابذة والملامسة والمخاطرة، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السوق وقرأها.
وقال السدى: قدم رسول الله المدينة وبها رجل يقال له أبو جهينة ومعه صاعان يكيل بأحدهما ويكتال بالآخر، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

سورة الطارق (بسم الله الرحمن الرحيم) قوله تعالى: (والسماء والطارق وما أدراك ما الطارق النجم الثاقب) نزلت في أبي طالب، وذلك أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بخبز
ولبن، فبينما هو جالس إذ انحط نجم فامتلا ما ثم نارا، ففزع أبو طالب وقال: أي شئ هذا ؟ فقال: هذا نجم رمى به وهو آية من آيات الله، فعجب أبو طالب فأنزل الله تعالى هذه الآية.
سورة الليل (بسم الله الرحمن الرحيم) حدثنا أبو معمر بن إسماعيل الاسماعيلي إملاء بجرجان سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة، أخبرنا أبو الحسن علي بن عمر الحافظ، أخبرنا علي ابن الحسن بن هارون، أخبرنا العباس بن عبد الله الترقفى، أخبرنا حفص بن عمر، أخبرنا الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن رجلا كانت له نخلة فرعها في دار رجل فقير ذي عيال، وكان الرجل إذا جاء ودخل الدار فصعد النخلة ليأخذ منها التمر فربما سقطت التمرة فيأخذها صبيان الفقير، فينزل الرجل من نخلته حتى يأخذ التمرة من فمهم، فإن وجدها في فم أحدهم أدخل أصبعه حتى يخرج التمرة من فيه، فشكا الرجل ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بما يلقى من صاحب النخلة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اذهب، ولقى صاحب النخلة وقال: تعطيني نخلتك المائلة التي فرعها في دار فلان ولك بها نخلة في الجنة ؟ فقال له الرجل: إن لي نخلا كثيرا وما فيها نخلة أعجب إلى ثمرة منها، ثم ذهب الرجل فلقى رجلا هو ابن الذحداح كان يسمع الكلام من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أتعطيني ما أعطيت الرجل نخلة في الجنة إن أنا أخذتها، قال: نعم، فذهب الرجل فلقى صاحب النخلة فساومها منه فقال له: أشعرت أن محمدا أعطاني بها نخلة في الجنة ؟ فقلت: يعجبني ثمرها، فقال له

الآخر: أتريد بيعها ؟ قال: لا إلا أن أعطى بها ما لا أظنه أعطى قال: فما مناك قال: أربعون نخلة قال له الرجل: لقد جئت بعظيم تطلب بنخلتك المائلة أربعين نخلة ثم سكت عنه، فقال له: أنا أعطيك أربعين نخلة، فقال له: أشهد لي إن كنت
صادقا، فمر ناس فدعاهم فأشهد له بأربعين نخلة، ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن النخلة قد صارت في ملكي فهي لك، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صاحب الدار فقال: إن النخلة لك ولعيالك، فأنزل الله تبارك وتعالى - والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى وما خلق الذكر والانثى إن سعيكم لشتى -.
أخبرنا أبو بكر بن الحرث، أخبرنا أبو الشيخ الحافظ، أخبرنا الوليد بن أبان أخبرنا محمد بن إدريس، أخبرنا منصور بن مزاحم، أخبرنا ابن أبي الوضاح، عن يونس، عن ابن إسحاق، عن عبد الله، أن أبا بكر اشترى بلالا من أمية بن خلف ببردة وعشر أواق، فأعتقه، فأنزل الله تبارك وتعالى - والليل إذا يغشى - إلى قوله - إن سعيكم لشتى - سعى أبي بكر وأمية وأبى بن خلف * قوله تعالى: (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى) الآيات.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم، أخبرنا محمد بن جعفر بن الهيثم الانباري، أخبرنا جعفر ابن محمد بن شاكر، أخبرنا قبيصة، أخبرنا سفيان الثوري، عن منصور والاعمش، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منكم من أحد إلا كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار، قالوا: يا رسول الله أفلا نتكل ؟ قال: اعملوا فكل ميسر ثم قرأ - فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى - رواه البخاري عن أبي نعيم عن الاعمش، ورواه مسلم عن أبي زهير بن حرب عن جرير عن منصور أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان، أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالك قال: حدثني عبد الله ابن أحمد بن حنبل، أخبرنا أحمد بن أيوب، أخبرنا إبراهيم بن سعد، عن محمد ابن إسحاق، عن محمد بن عبد الله، عن ابن أبى عتيق، عن عامر بن عبد الله، عن

بعض أهله، قال أبو قحافة لابنه أبى بكر: يا بني أراك تعتق رقابا ضعافا، فلو أنك إذا
فعلت ما فعلت أعتقت رجالا جلدة يمنعونك ويقومون دونك، فقال أبو بكر: يا أبت إنى إنما أريد ما أريد، قال: فتحدث ما أنزل هؤلاء الآيات إلا فيه وفيما قاله أبوه - فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى - إلى آخر السورة.
وذكر من سمع ابن الزبير وهو على المنبر يقول: كان أبو بكر يبتاع الضعفة من العبيد فيعتقهم، فقال له أبوه: يا بني لو كنت تبتاع من يمنع ظهرك، قال: ما منع ظهري أريد، فنزلت فيه - وسيجنبها الاتقى الذي يؤتى ماله يتزكى - إلى آخر السورة.
وقال عطاء عن ابن عباس، أن بلالا لما أسلم ذهب إلى الاصنام فسلح عليها وكان عبد ا لعبدالله بن جدعان، فشكى إليه المشركون ما فعل، فوهبه لهم ومائة من الابل ينحرونها لآلهتهم، فأخذوه وجعلوا يعذبونه في الرمضاء وهو يقول: أحد أحد، فمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ينجيك أحد أحد، ثم أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن بلالا يعذب في الله، فحمل أبو بكر رطلا من ذهب فابتاعه به، فقال المشركون: ما فعل أبو بكر ذلك إلا ليد كانت لبلال عنده، فأنزل الله تعالى - وما لاحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الاعلى - سورة الضحى (بسم الله الرحمن الرحيم): أخبرنا أبو منصور البغدادي، أخبرنا أبو الحسن أحمد ابن الحسن السراج، أخبرنا الحسن بن مثنى بن معاذ، أخبرنا أبو حذيفة، أخبرنا سفيان الثوري، عن الاسود بن قيس، عن جندب قال: قالت امرأة من قريش للنبي صلى الله عليه وسلم: ما أرى شيطانك إلا ودعك، فنزل - والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى - رواه البخاري عن أحمد بن يونس، عن زهير، عن الاسود، ورواه مسلم عن محمد بن رافع، عن يحيى بن آدم، عن زهير.

أخبرنا أبو حامد أحمد بن الحسن الكاتب، أخبرنا محمد بن أحمد بن شاذان،
أخبرنا عبد الرحمن بن أبى حاتم، أخبرنا أبو سعيد الاشج، أخبرنا أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: أبطأ جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم، فجزع جزعا شديدا، فقالت خديجة، قد قلاك ربك لما يرى جزعك، فأنزل الله تعالى - والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى -.
أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبى حامد، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن زكريا أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدغولى، أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن يونس، أخبرنا أبو نعيم، أخبرنا حفص بن سعيد القرشى قال: حدثتني أمي عن أمها خولة، وكانت خادمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن جروا دخل البيت، فدخل تحت السرير فمات، فمكث نبى الله صلى الله عليه وسلم أياما لا ينزل عليه الوحى، فقال: يا خولة ما حدث في بيتى.
جبريل عليه السلام لا يأتيني ؟ فقالت خولة: لو هيأت البيت وكنسته فأهويت بالمكنسة تحت السرير فإذا شئ ثقيل فلم أزل حتى أخرجته، فإذا جرو ميت، فأخذته فألقيته خلف الجدار، فجاء نبى الله صلى الله عليه وسلم ترعد لحياه، وكان إذا نزل عليه الوحى استقبلته الرعدة فقال: يا خولة دثريني، فأنزل الله تعالى - والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى -.
* قوله تعالى: (وللآخرة خير لك من الاولى) أخبرنا أبو بكر بن أبى الحسن المستبيني، أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد الضبى قال: حدثنى أبو عمرو أحمد بن محمد ابن إسحاق، أخبرنا محمد بن الحسن العسقلاني، أخبرنا عصام بن داود قال: حدثنى أبى، أخبرنا الاوزاعي، عن إسماعيل بن عبد الله قال: حدثنى علي بن عبد الله ابن عباس، عن أبيه قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يفتح على أمته من بعده، فسر بذلك، فأنزل الله عز وجل - وللآخرة خير لك من الاولى ولسوف يعطيك ربك فترضى - قال: فأعطاه ألف قصر في الجنة من لؤلؤ ترابه مسك في كل قصر منها ما ينبغى له.

* قوله تعالى: (ألم يجدك يتيما فآوى) أخبرنا المفضل بن أحمد بن محمد بن إبراهيم الصوفى، أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري، أخبرنا يحيى بن محمد بن يحيى، أخبرنا عبد الله بن عبد الله الحجبى، أخبرنا حماد بن زيد عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد سألت ربي مسألة وودت أنى لم أكن سألته، قلت: يا رب إنه قد كانت الانبياء قبلى منهم من سخرت له الريح وذكر سليمان بن داود، ومنهم من كان يحيى الموتى وذكر عيسى ابن مريم، ومنهم ومنهم، قال قال: ألم أجدك يتيما فآويتك ؟ قال: قلت بلى، قال: ألم أجدك ضالا فهديتك ؟ قال: قلت بلى يا رب قال: ألم أجدك عائلا فأغنيتك ؟ قال: قلت بلى يا رب قال: ألم أشرح لك صدرك ووضعت عنك وزرك ؟ قال: قلت بلى يا رب.
سورة اقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم).
ذكرنا نزول هذه السورة في أول هذا الكتاب.
قوله تعالى: (فليدع ناديه سندع الزبانية) إلى آخر الآية.
نزلت في أبي جهل.
أخبرنا أبو منصور البغدادي، أخبرنا أبو عبد الله بن يزيد الخوزى، أخبرنا إبراهيم ابن محمد بن سفيان، أخبرنا أبو سعيد الاشج، أخبرنا أبو خالد عبد العزيز بن هند، عن ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى، فجاء أبو جهل فقال: ألم أنهك عن هذا التصرف ؟ فانصرف إليه النبي صلى الله عليه وسلم فزبره، فقال أبو جهل: والله إنك لتعلم ما بها ناد أكثر مني، فأنزل الله تعالى - فليدع ناديه سندع الزبانية - قال ابن عباس: والله لو دعا ناديه لاخذته زبانية الله تبارك وتعالى.
سورة القدر (بسم الله الرحمن الرحيم) أخبرنا أبو بكر التميمي، أخبرنا عبد الله بن حباب،
أخبرنا أبو يحيى الرازي، أخبرنا إسماعيل العسكري، أخبرنا يحيى بن أبى زائدة، عن

مسلم، عن ابن أبى نجيح، عن مجاهد قال: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر، فتعجب المسلمون من ذلك، فأنزل الله تعالى - إنا أنزلناه في ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر، ليلة القدر خير من ألف شهر - قال: قال: خير من التى لبس فيها السلاح ذلك الرجل.
سورة إذا زلزلت (بسم الله الرحمن الرحيم).
أخبرنا أبو منصور البغدادي ومحمد بن إبراهيم المزكى قال: أخبرنا أبو عمرو بن مطر، أخبرنا إبراهيم بن علي الذهلى، أخبرنا يحيى بن يحيى، أخبرنا عبد الله بن وهب، عن حسين بن عبد الله، عن أبى عبد الرحمن الجيلى، عن عبد الله بن عمر قال: نزلت - إذا زلزلت الارض زلزالها - وأبو بكر الصديق رضى الله عنه قاعد، فبكى أبو بكر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يبكيك يا أبا بكر ؟ قال: أبكاني هذه السورة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أنكم لا تخطئون ولا تذنبون لخلق الله أمة من بعدكم يخطئون ويذنبون فيغفر لهم * قوله تعالى (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) قال مقاتل: نزلت في رجلين كان أحدهما يأتيه السائل فيستقل أن يعطيه التمرة والكسرة والجوزة، ويقول: ما هذا شئ وإنما نؤجر على ما نعطى ونحن نحبه، وكان الآخر يتهاون بالذنب اليسير الكذبة والغيبة والنظرة ويقول: ليس علي من هذا شئ، إنما أوعد الله بالنار على الكبائر، فأنزل الله عز وجل يرغبهم في القليل من الخير فإنه يوشك أن يكثر، ويحذرهم اليسير من الذنب فإنه يوشك أن يكثر - فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره - إلى آخره.

سورة العاديات (بسم الله الرحمن الرحيم) قال مقاتل: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى حي من كنانة واستعمل عليهم المنذر بن عمرو الانصاري، فتأخر خبرهم، فقال المنافقون: قتلوا جميعا، فأخبر الله تعالى عنها، فأنزل - والعاديات ضبحا - يعنى تلك الخيل.
أخبرنا عبد الغافر بن محمد الفارسى، أخبرنا أحمد بن محمد البتى، أخبرنا محمد ابن مكى، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا أحمد بن عبدة، أخبرنا حفص بن جميع، أخبرنا سماك عن عكرمة، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خيلا فأسهبت شهرا لم يأته منها خبر، فنزلت - والعاديات ضبحا - ضبحت بمناخرها إلى آخر السورة، ومعنى أسهبت: أمعنت في السهوب: وهي الارض الواسعة جمع سهب.
سورة التكاثر (بسم الله الرحمن الرحيم) قوله تعالى: (ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر) قال مقاتل والكلبي: نزلت في حيين من قريش: بني عبد مناف وبني سهم كان بينهما لحا فتعاند السادة والاشراف أيهم أكثر، فقال بنو عبد مناف: نحن أكثر سيدا وعزا وعزيزا وأعظم نفرا، وقال بنو سهم مثل ذلك، فكثرهم بنو عبد مناف، ثم قالوا: نعد موتانا حتى زاروا القبور، فعدوا موتاهم فكثرهم بنو سهم، لانهم كانوا أكثر عددا في الجاهلية، وقال قتادة، نزلت في اليهود، قالوا: نحن أكثر من بنى فلان، وبنو فلان أكثر من بنى فلان، ألهاهم ذلك حتى ماتوا ضلالا (20 - أسباب النزول)

سورة الفيل
(بسم الله الرحمن الرحيم).
نزلت في قصة أصحاب الفيل وقصدهم تخريب الكعبة، وما فعل الله تعالى بهم من إهلاكهم وصرفهم عن البيت وهي معروفة.
سورة لايلاف قريش (بسم الله الرحمن الرحيم) نزلت في قريش وذكر منة الله عليهم: أخبرنا القاضي أبو بكر الحيرى، أخبرنا أبو جعفر عبد الله بن إسماعيل الهاشمي، أخبرنا سواد بن علي، أخبرنا أحمد بن أبى بكر الزهري، أخبرنا إبراهيم بن محمد بن ثابت، أخبرنا عثمان ابن عبد الله بن عتيق عن سعيد بن عمرو بن جعدة، عن أبيه، عن جدته أم هانئ بنت أبي طالب: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله فضل قريشا بسبع خصال لم يعطها قبلهم أحد ولا يعطها أحدا بعدهم، أن الخلافة فيهم والحجابة فيهم، وأن السقاية فيهم، وأن النبوة فيهم، ونصروا على الفيل، وعبدوا الله سبع سنين لم يعبده أحدا غيرهم، ونزلت فيهم سورة لم يذكر فيها أحد غيرهم - لايلاف قريش -.
سورة أرأيت (بسم الله الرحمن الرحيم)..قوله تعالى: (أرأيت الذي يكذب بالدين) قال مقاتل والكلبي: نزلت في العاص بن وائلى السهمى وقال ابن جريج: كان أبو سفيان ابن حرب ينحر كل أسبوع جزورين، فأتاه يتيم فسأله شيئا فقرعه بعصا، فأنزل الله تعالى - أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذى يدع اليتيم -.
سورة الكوثر (بسم الله الرحمن الرحيم) قال ابن عباس: نزلت في العاص، وذلك أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من المسجد وهو يدخل، فالتقيا عند باب بنى سهم

وتحدثا وأناس من صناديد قريش في المسجد جلوس، فلما دخل العاص قالوا له: من الذي كنت تحدث ؟ قال: ذاك الابتر، يعنى النبي صلوات الله وسلامه عليه، وكان قد
توفى قبل ذلك عبد الله بن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من خديجة، وكانوا يسمون من ليس له ابن أبتر، فأنزل الله تعالى هذه السورة.
أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل، أخبرنا محمد بن يعقوب، أخبرنا أحمد بن عبد الجبار، أخبرنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال: حدثني يزيد بن رومان قال: كان العاص بن وائل السهمى إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دعوه فإنما هو رجل أبتر لا عقب له، لو هلك انقطع ذكره واسترحتم منه، فأنزل الله تعالى في ذلك - إنا أعطيناك الكوثر إلى آخر السورة.
وقال عطاء عن ابن عباس: كان العاص بن وائل يمر بمحمد صلى الله عليه وسلم ويقول: إني لاشنؤك وإنك لابتر من الرجال، فأنزل الله تعالى - إن شانئك هو الابتر - من خير الدنيا والآخرة.
سورة قل يا أيها الكافرون (بسم الله الرحمن الرحيم).
نزلت في رهط من قريش قالوا: يا محمد هلم - اتبع ديننا ونتبع دينك، تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة، فإن كان الذي جئت به خيرا مما بأيدينا قد شركناك فيه وأخذنا بحظنا منه، وإن كان الذي بأيدينا خيرا مما في يدك قد شركت في أمرنا وأخذت بحظك، فقال: معاذ الله أن أشرك به غيره، فأنزل الله تعالى - قل يا أيها الكافرون - إلى آخر السورة، فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الحرام وفيه الملا من قريش، فقرأها عليهم حتى فرغ من السورة، فأنسوا (فيأسوا) منه عند ذلك

سورة النصر (بسم الله الرحمن الرحيم).
نزلت في منصرف النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة
حنين وعاش سنتين بعد نزولها أخبرنا سعيد بن محمد المؤذن، أخبرنا أبو عمر بن أبى جعفر المقرئ، أخبرنا الحسن ابن سفيان، أخبرنا عبد العزيز بن سلام، أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن كيسان قال: حدثني أبى، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة حنين وأنزل الله تعالى - إذا جاء نصر الله - قال: يا علي ابن أبى طالب ويا فاطمة قولا: - جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا - فسبحان ربي وبحمده وأستغفره إنه كان توابا.
سورة تبت (بسم الله الرحمن الرحيم).
أخبرنا أحمد بن الحسن الحيرى، أخبرنا حاجب ابن أحمد، أخبرنا محمد بن حماد، أخبرنا أبو معاوية عن الاعمش، عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم الصفا فقال: يا صباحاه، فاجتمعت إليه قريش فقالوا له: مالك ؟ قال: أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم أما كنتم تصدقون ؟ قالوا: بلى، قال: قال إني نذير لكم بين يدى عذاب شديد، فقال أبو لهب: تبا لك، ألهذا دعوتنا جميعا، فأنزل الله عز وجل - تبت يدا أبي لهب وتب - إلى آخرها.
رواه البخاري عن محمد بن سلام عن أبى معاوية إلى آخرها.
أخبرنا سعد بن محمد العدل، أخبرنا أبو علي بن أبي بكر الفقيه، أخبرنا علي ابن عبد الله بن مبشر الواسطي، أخبرنا أبو الاشعث أحمد بن المقدام، أخبرنا يزيد ابن زريع عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: قام رسول الله صلى الله

عليه وسلم فقال: يا آل غالب، يا آل لؤي، يا آل مرة، يا آل كلاب، يا آل عبد مناف، يا آل قصي إني لا أملك لكم من الله منفعة ولا من الدنيا نصيبا إلا أن تقولوا
لا إله إلا الله، فقال أبو لهب: تبا لك لهذا دعوتنا، فأنزل الله تعالى - تبت يدا أبي لهب -.
أخبرنا أبو إسحاق المقرئ، أخبرنا عبد الله بن حامد، أخبرنا مكى بن عبدان، أخبرنا عبد الله بن هاشم، أخبرنا عبد الله بن نمير، أخبرنا الاعمش عن عبد الله بن مرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: لما أنزل الله تعالى - وأنذر عشيرتك الاقربين - أتى رسول الله صل (صلى) الله عليه وسلم الصفا فصعد عليه ثم نادى: يا صباحاه، فاجتمع إليه الناس من بين رجل يجئ ورجل يبعث رسوله، فقال: يا بني عبد المطلب، يا بنى فهر يا بنى لؤي لو أخبرتكم أن خيلا يسفح (بسفح) هذا الجبل تريد أن تغير عليكم صدقتموني ؟ قالوا: نعم، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب: تبا لك سائر اليوم ما دعوتنا إلا لهذا، فأنزل الله تبارك وتعالى - تبت يدا أبي لهب وتب -.
سورة الاخلاص (بسم الله الرحمن الرحيم) قال قتادة والضحاك ومقاتل: جاء ناس من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: صف لنا ربك، فإن الله أنزل نعته في التوراة، فأخبرنا من أي شئ هو ؟ ومن أي جنس هو ؟ أذهب هو أم نحاس أم فضة ؟ وهل يأكل ويشرب ؟ وممن ورث الدنيا ومن يورثها ؟ فأنزل الله تبارك وتعالى هذه السورة وهي نسبة الله خاصة.
أخبرنا أبو نصر أحمد بن إبراهيم المهرجاني، أخبرنا عبيد الله بن محمد الزاهد، أخبرنا أبو القاسم بن بنت منيع، أخبرنا جدى أحمد بن منيع، أخبرنا أبو سعد الصغاني، أخبرنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب أن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: انسب لنا ربك، فأنزل الله تعالى

- قل هو الله أحد الله الصمد - قال: فالصمد الذي لم يلد ولم يولد لانه ليس شئ يولد
إلا سيموت، وليس شئ يموت إلا سيورث، وإن الله تعالى لا يموت ولا يورث، ولم يكن له كفوا أحد، قال: لم يكن له شبيه ولا عدل وليس كمثله شئ.
أخبرنا أبو منصور البغدادي، أخبرنا أبو الحسن السراج، أخبرنا محمد بن عبد الله الحضرمي، أخبرنا سريج بن يونس، أخبرنا إسماعيل بن مخالد، عن مخالد، عن الشعبى، عن جابر قال: قالوا يا رسول الله انسب لنا ربك، فنزلت - قل هو الله أحد - إلى آخرها.
المعوذتان قال المفسرون: كان غلام من اليهود يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتت إليه اليهود ولم يزالوا به حتى أخذ مشاطة النبي صلى الله عليه وسلم وعدة أسنان من مشطه، فأعطاها اليهود فسحروه فيها، وكان الذي تولى ذلك لبيد بن أعصم اليهودي، ثم دسها في بئر لبني زريق يقال لها ذروان، فمرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتثر شعر رأسه، ويرى أنه يأتي نساءه ولا يأتيهن، وجعل يدور ولا يدري ما عراه، فبينما هو نائم ذات يوم أتاه ملكان فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه، فقال الذي عند رأسه: ما بال الرجل ؟ قال: طب، قال: وما طب ؟ قال: سحر، قال: ومن سحره ؟ قال: لبيد بن أعصم اليهودي، قال: وبم طبه ؟ قال: بمشط ومشاطة، قال: وأين هو ؟ قال: في جف طلعة تحت راعوفة في بئر ذروان.
والجف: قشر الطلع، والراعوفة: حجر في أسفل البئر يقوم عليه المائح، فانتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا عائشة ما شعرت أن الله أخبرني بدائي، ثم بعث عليا والزبير وعمار بن ياسر فنزحوا ماء تلك البئر كأنه نقاعة الحناء، ثم رفعوا الصخرة وأخرجوا الجف، فإذا هو مشاطة رأسه وأسنان مشطه، وإذا وتر معقد فيه أحد عشر عقدة مغروزة بالابر، فأنزل الله تعالى سورتي المعوذتين، فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة، ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خفة حتى انحلت العقدة الاخيرة، فقام كأنما نشط من عقال، وجعل جبريل

عليه السلام يقول: بسم الله أرقيك من كل شئ يؤذيك ومن حاسد وعين الله يشفيك، فقالوا: يا رسول الله أو لا نأخذ الخبيث فنقتله ؟ فقال: أما أنا فقد شفاني الله وأكره أن أثير على الناس شرا.
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن جعفر، أخبرنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحيرى، أخبرنا أحمد بن علي الموصلي، أخبرنا مجاهد بن موسى، أخبرنا أبو أسامة عن هشام ابن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضى الله عنها قالت: سحر النبي صلى الله عليه وسلم حتى أنه ليتخيل إليه أنه فعل الشئ وما فعل، حتى إذا كان ذات يوم وهو عندي دعا الله ودعا، ثم قال: أشعرت يا عائشة أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه ؟ قلت: وما ذاك يا رسول الله ؟ قال: أتاني ملكان، وذكر القصة بطولها.
رواه البخاري، عن عبيد ابن إسماعيل، عن أبي أسامة، ولهذا الحديث طريق في الصحيحين تم كتاب أسباب نزول القرآن.
والحمد لله الواحد المنان وصلى الله على سيدنا محمد وآله والتابعين لهم بإحسان

بسم الله الرحمن الرحيم خاتمة الحمد لله الذي أنزل الكتاب المبين، على رسوله الكريم، وختم به الانبياء والمرسلين، سيدنا محمد النبي الامين، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فقد تم بحمد الله تعالى طبع كتاب " أسباب النزول " لابي الحسن علي بن أحمد النيسابوري.
وكان الفراغ من طبعه يوم الاثنين 19 ربيع ثان سنة 1388 ه
حتى أنه ليتخيل إليه أنه فعل الشئ وما فعل، حتى إذا كان ذات يوم وهو عندي دعا الله ودعا، ثم قال: أشعرت يا عائشة أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه ؟ قلت: وما ذاك يا رسول الله ؟ قال: أتاني ملكان، وذكر القصة بطولها.
رواه البخاري، عن عبيد ابن إسماعيل، عن أبي أسامة، ولهذا الحديث طريق في الصحيحين تم كتاب أسباب نزول القرآن.
والحمد لله الواحد المنان وصلى الله على سيدنا محمد وآله والتابعين لهم بإحسان

بسم الله الرحمن الرحيم خاتمة الحمد لله الذي أنزل الكتاب المبين، على رسوله الكريم، وختم به الانبياء والمرسلين، سيدنا محمد النبي الامين، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.

أقسام الكتاب
1 2 3