الكتاب : معاني القرآن الكريم
المؤلف : ابو جعفر احمد بن محمد بن اسماعيل النحاس

قال مجاهد هؤلاء قوم أسلموا وثبتوا على الاسلام ولم تكن لهم حيلة في الهجرة فعذرهم الله فقال فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وعسى ترج واذا أمر الله جل وعز أن يترجى شيء فهو واجب كذلك الظن به 173 وقوله جل وعز ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الارض مراغما كثيرا وسعة المراغم عند أهل اللغة والمهاجر واحد يقال راغمت فلانا اذا هجرته وعاديته كأنك لا تباليه وان لصق أنفه بالرغام وهو التراب

وقيل انما سمي مهاجرا ومراغما لان الرجل كان اذا أسلم عادى قومه وهجرهم فسمي خروجه مراغما وسمي مصيره الى النبي صلى الله عليه و سلم هجرة وروى معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس مراغما يقول متحولا من أرض الى ارض قال وسعة يقول في الرزق وقال قتادة من الضلالة الى الهدى أي سعة من تضييق ما كان فيه من انه لا يقدر على اظهار دينه

واللفظة تحتمل المعنيين لانه لا خصوص فيها 174 وقوله جل وعز ومن يخرج من بيته مهاجرا الى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله قال سعيد بن جبير نزلت في رجل يقال له ضمرة من خزاعة كان مصابا ببصره فقال أخرجوني فلما صاروا به الى التنعيم مات فنزلت هذه الآية فيه 175 وقوله جل وعز واذ ضربتم في الارض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة

قال يعلى بن أمية سألت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقلت انما كان هذا وقت الخوف وقد زال اليوم فقال عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال صدقة تصدق الله بها عليكم فأقبلوا صدقته ومعنى ضربتم في الارض سافرتم كما قال وآخرون يضربون في الارض يبتغون من فضل الله وفي معنى قوله جل وعز فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة قولان أحدهما أنه اباحة لا حتم كما قال فلا جناح عليهما أن يتراجعا والقول الآخر أن هذا فرض المسافر كما روت عائشة

فرضت الصلاة ركعتين فأقرت في السفر وزيد في صلاة الحضر ويكون مثل قوله فلا جناح عليه أن يطوف بهما والطواف حتم وروي عن أبي بن كعب أنه قرأ فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة أن يفتنكم الذين كفروا وليس فيه ان خفتم فالمعنى على قراءته كراهة أن يفتنكم الذين كفروا ثم حذف مثل واسأل القرية يقال قصر الصلاة وقصرها وأقصرها

176 - ثم قال جل وعز ان الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا عدو ههنا بمعنى أعداء 177 وقوله عز و جل واذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة روى سفيان عن منصور عن مجاهد عن أبي عياش الزرقي قال صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بعسفان والمشركون بينه وبين القتال فيهم أو عليهم خالد بن الوليد فقال المشركون لقد كانوا في صلاة لو أصبنا منهم لكانت الغنيمة فقال المشركون انها ستجيء صلاة هي أحب اليهم من آبائهم وأبنائهم قال ونزل جبريل بالآيات فيما بين الظهر والعصر وذكر الحديث وسنذكر حديث صالح بن خوات الذي يذهب أهل المدينة

اليه وكرهنا الاطالة في ذلك وحديث صالح فيه قضاء كل طائفة صلاتها قبل انصرافها من القبلة وليس كذا غيره والمعنى واذا كنت فيهم وثم خوف 178 ثم قال جل وعز فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم والمعنى وليأخذ الباقون أسلحتهم 179 ثم قال جل وعز فاذا سجدوا فليكونوا من ورائكم

وأهل المدينة يذهبون في صلاة الخوف الى حديث يحيى بن سعيد الانصاري عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات الانصاري أن سهل بن أبي حثمة حدثه أن صلاة الخوف أن يقوم الامام مستقبل القبلة ومعه طائفة من أصحابه وطائفة مواجهة العدو فيركع الامام ركعة ويسجد بالذين معه ثم يقوم فاذا استوى قائما ثبت وأتموا لانفسهم الركعة الثانية ثم سلموا وانصرفوا والامام قائم فيكونون وجاه العدو ثم يقبل الآخرون الذين لم يصلوا فيكبرون مع الامام فيركع بهم ركعة ويسجد ثم يسلم فيقومون فيركعون لانفسهم الركعة الباقية ثم يسلمون 180 وقوله جل وعز وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم يجوز أن يكون هذا للجميع لانه وان كان الذين في

الصلاةلا يحاربون فانهم اذا كان معهم السلاح كان ذلك أهيب للعدو ويجوز أن يكون الذين أمروا بأخذ السلاح الذين ليسوا في الصلاة لان المصلي لا يحارب 181 وقوله عز و جل فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم أي فاذكروه بالشكر والتسبيح وما يقرب منه 182 ثم قال جل وعز فإذا اطمأننتم قال مجاهد فاذ صرتم في الاهل والدور والمعروف في اللغة أنه يقال اطمأن اذا سكن فيكون

المعنى فاذا سكن عنكم الخوف وصرتم الى منازلكم فأقيموا الصلاة قال مجاهد أي فأتموها 183 ثم قال جل وعز ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا وروى ليث عن مجاهد أن الموقوت المفروض وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال موقوتا واجبا وقال زيد بن أسلم موقوتا منجما أي تؤدونها في أنجمها والمعنى عند أهل اللغة مفروض لوقت بعينه يقال وقته فهو موقوت ووقته فهو موقت وهذا قول زيد بن أسلم بعينه

184 - وقوله جل وعز ولا تهنوا في ابتغاء القوم أي لا تضعفوا يقال وهن يهن وهنا ووهونا 185 ثم قال جل وعز ان تكونوا تألمون فانهم يألمون كما تألمون قال الضحاك أي تشكون وترجون من الله ما لا يرجون قال الضحاك أي في جراحاتكم يعني من الاجر وقال غيره ترجون من النصر والعافية ما لا يرجون وقيل ترجون تخافون

186 - وقوله عز و جل انا أنزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما قال مجاهد كان رجل من الانصار يقال له ابن أبيرق واسمه طعمة سرق درعا فلما فطن به استودعها عند رجل من اليهود وادعى أن اليهودي أخذها فجاء قومه يسألون النبي صلى الله عليه و سلم أن يعذره فأنزل الله عز و جل انا أنزلنا اليك الكتاب بالحق الى قوله ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم

والجدال في اللغة أشد الخصومة ويقال رجل أجدل اذا كان شديدا ويقال للصقر أجدل لانه من أقوى الطير 187 ثم قال جل وعز يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم اذ يبيتون ما لا يرضى من القول أي يحكمونه ليلا 188 وقوله جل وعز ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أي يوم تظهر الحقائق وانما يحكم في الدنيا بما يظهر قال أبو جعفر قال أبو اسحق المعنى ها أنتم الذين يذهب الى أن هؤلاء بمعنى الذين

189 - ثم قال جل وعز ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما أي استغفار غير عائد لانه اذا عزم على العودة فليس بتائب 190 ثم قال جل وعز ومن يكسب اثما فانما يكسبه على نفسه أي عقابه يرجع عليه ومن يكسب خطيئة أو اثما ثم يرم به برئيا قال سعيد بن جبير نزلت في ابن أبيرق لما رمى اليهودي بالدرع التي سرقها

191 - ثم قال جل وعز فقد احتمل بهتانا واثما مبينا البهتان الكذب الذي يتحير من عظمه 192 ثم قال جل وعز ولولا فضل الله عليك ورحمته أي بأنه أوحي اليك ما فعله ابن أبيرق لهمت طائفة منهم أن يضلوك أي يخطئوك في الحكم وما يضلون الا أنفسهم وما يضرونك من شيء أي لانك معصوم 193 ثم قال جل وعز وأنزل الله عليك الكتاب

والحكمة أي أنزل عليك الكتاب بالحكمة في أمر ابن أبيرق 194 وقوله جل وعز لا خير في كثير من نجواهم النحوى كل كلام ينفرد به جماعة سرا كان أو جهرا 195 ثم قال جل وعز الا من أمر بصدقة يجوز أن يكون المعنى الا نجوى من أمر بصدقة ثم حذف ويجوز أن يكون استثناء ليس من الاول ويكون المعنى لكن من أمر بصدقة في نجواه خيرا

196 - وقوله جل وعز ومن يشاقق الرسول أي يخالف كأنه يصير في شق خلاف شقة أي في ناحية قال سعيد بن جبير لما أطلع الله النبي على أمر ابن أبيرق هرب الى المشركين فارتد فأنزل الله ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى قال مجاهد أي نتركه وما يعبد وكذلك هو في اللغة يقال وليته ما تولى اذا تركته في اختياره قال سعيد بن جبير لما صار الى مكة نقب بيتا بمكة

فلحقه المشركون فقتلوه فأنزل الله ان الله لا يغفر أن يشرك به الى قوله فقد ضل ضلالا بعيدا 197 وقوله عز و جل ان يدعون من دونه الا اناثا قال مجاهد يعني الاوثان وعن أبي مع كل صنم جنية وقال أهل اللغة انما سميت اناثا لانهم سموها اللات والعزى ومناة وهذا عندهم اناث وقال الحسن أي ما يعبدون الا حجارة وخشبا

قال وكان لكل حي صنم يعبدونه فيقال أنثى بني فلان فأنزل الله هذا وهذا قول حسن في اللغة لان هذه الاشياء يخبر عنها بالتأنيث يقال الحجارة يعجبنه ولا يقال يعجبونه وروي عن ابن عباس أنه قرأ ان يدعون من دونه الا أثنا وهذا جمع الجمع كأنه جمع وثنا على وثان كما تقول مثال ومثل ثم أبدل من الواو همزة لما انضمت كما قال جل وعز واذا الرسل أقتت من الوقت وقرىء ان يدعون من دونه الا أنثا وهو جمع اناث

198 - ثم قال جل وعز وان يدعون الا شيطانا مريدا لعنه الله فالمريد الخارج من الخير المتجرد منه وأمرد من هذا وقيل المريد الممتد في الشر من قولهم بيت ممرد أي مطول ومعنى لعنه باعده من رحمته 199 ثم قال جل وعز وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا أي موقتا وهو من فرضت أي قطعت 200 ثم قال جل وعز ولاضلنهم ولامنينهم

أي ولاوهمنهم أن لهم حظا في المخالفة 201 ثم قال جل وعز ولآمرنهم فليبتكن آذان الانعام يقال بتك اذا قطع قال قتادة يعني البحيرة والبحيرة الناقة اذا أنتجت خمسة أبطن وكان آخرها ذكرا شقوا آذانها ولم ينتفعوا بها

والتقدير في العربية ولآمرنهم بتبتيك آذان الانعام 202 ثم قال جل وعز ولآمرنهم فليغيرن خلق الله عن ابن عباس دين الله وعنه أيضا الخصاء وكذلك روي عن أنس وقال سعيد بن جبير ومجاهد وابراهيم والضحاك وقتادة يعني دين الله وزاد مجاهد يعني الفطرة أي أنهم ولدوا على الاسلام وأمرهم الشيطان بتغييره

وروي عن عكرمة قولان أحدهما أنه الخصاء والآخر أنه دين الله وهذه الاقوال ليست بمتناقضة لانها ترجع الى الافعال فأما قوله لا تبديل لخلق الله وقال ههنا فليغيرن خلق الله فان التبديل هو بطلان عين الشيء فهو ههنا مخالف للتغيير وقال محمد بن جرير أولاهما أنه دين الله واذا كان ذلك معناه دخل فيه فعل كل ما نهى الله عنه من خصاء ووشم وغير ذلك من المعاصي لأن الشيطان يدعو إلى جميع المعاصي أي

فليغيرن ما خلق الله من دينه 203 وقوله جل وعز أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصا المحيص في اللغة المعدل والملجأ يقال حصت وجضت وعدلت بمعنى واحد 204 وقوله جل وعز ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب المعنى ليس الثواب بأمانيكم ودل على أن هذا هو المعنى قوله جل وعز والذين أمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الانهار

205 - وقوله جل وعز من يعمل سوءا يجز به روي عن أبي هريرة أنه قال لما نزلت من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا بكينا وحزنا وقلنا يا رسول الله ما أبقت هذه الآية من شيء قال أما والذي نفسي بيده انها لكما أنزلت ولكن أبشروا وقاربوا وسددوا فانه لا تصيب أحدا منكم مصيبة الا كفر الله عنه بها خطيئة حتى الشوكة يشاكها أحدكم في قدمه وروى على بن أبي طلحة عن ابن عباس من يعمل سوء يجز به يقول من يشرك به وهو السوء الا أن يتوب قبل موته فيتوب الله عليه حدثنا عبد السلام بن سهل السكري قال حدثنا عبيد الله

قال حدثنا عبد الواحد بن زياد قال حدثنا عاصم عن الحسن من يعمل سوء يجز به قال ذلك لمن أراد الله جل وعز هوانه فأما من أراد كرامته فلا قد ذكر الله قوما وقال أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون والحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم يدل على أنه عام روى عنه أبو هريرة أنه قال لما نزلت هذه الآية كل ما يصاب به العبد كفارة

ولفظ الآية عام لكل من عمل سوءا من مؤمن وكافر كان الذنب صغيرا أو كبيرا وهذا موافق ل نكفر لان معنى نكفر نغطي عليها في القيامة فلا نفضحكم بها 206 وقوله جل وعز ولا يظلمون نقيرا المعنى لا يظلمون مقدار نقير والنقير النقطة التى تكون في النواة يقال ان النخلة تنبت منها 207 وقوله جل وعز واتخذ الله ابراهيم خليلا الخليل في اللغة يكون بمعان أحدها الفقير كأنه به الاختلال كما قال زهير وان أتاه خليل يوم مسألة يقول لا غائب مالي ولا حرم

والخليل المحب وقيل في قول الله جل وعز واتخذ الله ابراهيم خليلا أي محتاجا فقيرا اليه والقول الآخر هو الذي عليه أصحاب الحديث أنه المحب المنقطع الى الله الذي ليس في انقطاعه اختلال والقول الثالث أنه يقال فلان خليل فلان أي هو يختصه ومنه الحديث لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا

فدل بهذا على أنه صلى الله عليه و سلم لا يختص أحدا بشيء من العلم دون غيره 208 وقوله جل وعز ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب و ما في موضع رفع والمعنى قل الله يفتيكم فيهن والقرآن يفتيكم فيهن والذي يفتيكم من القرآن في النساء قوله عز و جل فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع 209 ثم قال جل وعز في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن قالت عائشة رحمها الله هذا في اليتيمة تكون عند الرجل وترغبون أن تنكحوهن رغبة أحدكم عن يتيمته التي تكون في حجره حين تكون قليلة المال والجمال فنهوا أن ينكحوا من رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء الا بالقسط

وفي بعض الروايات عنها هذا في اليتيمة لعلها تكون شريكته في المال ولا يريد أن ينكحها ولا يحب أن تتزوج غيره لئلا يأخذ مالها قال الله جل اسمه وترغبون أن تنكحوهن قال سعيد بن جبير ومجاهد ويرغب في نكاحها اذا كانت كثيرة المال ولاهل اللغة في هذا تقديران أحدهما أن المعنى وترغبون عن أن تنكحوهن ثم حذفت عن

وحديث عائشة يقوي هذا القول والقول الآخر وترغبون في أن تنكحوهن ثم حذفت في واذا تدبرت قول سعيد بن جبير تبينت أنه قد جاء بالمعنيين 210 ثم قال جل وعز والمستضعفين من الولدان قال سعيد بن جبير كانوا لا يورثون الصغير فنزلت يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فعلى قول سعيد بن جبير أفتاهم في المستضعفين قوله يوصيكم الله في أولادكم

211 - ثم قال جل وعز وأن تقوموا لليتامى بالقسط والقسط العدل وأفتاهم في اليتامى قوله جل وعز ولا تأكلوا أموالهم الى أموالكم 212 وقوله جل وعز وان امرأة خافت من بعلها نشوزا أو اعراضا النشوز من الزوج أن يسيء عشرتها ويمنعها نفسه ونفقته 213 ثم قال جل وعز فلا جناح عليهما أن يصالحا بينهما صلحا وقرأ أكثر الكوفيين أن يصلحا

وقرأ الجحدري وعثمان البتي أن يصلحا والمعنى يصطلحا ثم أدغم فأما تفسير الآية فروى سماك بن حرب عن خالد بن عرعرة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال هي المرأة تكون عند الرجل وهي دميمة أو عجوز تكره مفارقته فيصطلحا على أن يجيئها كل ثلاثة أيام أو أربعة وقالت عائشة هو الرجل تكون عنده المرأة لعله لا يكون له منها ولد ولا يحبها فيريد تخليتها فتصالحه فتقول لا تطلقني وأنت في حل من شأني وروى الزهري عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار أن هذه الآية نزلت في رافع بن خديج طلق امرأته تطليقة وتزوج شابة فلما قاربت انقضاء العدة قالت له أنا أصالحك على بعض الايام فراجعها ثم لم تصبره فطلقها أخرى ثم سألته

ذلك فراجعها فنزلت الآية وفي حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن سودة وهبت يومها لعائشة وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة ابتغت سودة بذلك رضى رسول الله صلى الله عليه و سلم 214 ثم قال جل وعز والصلح خير والمعنى والصلح خير من الفرقة ثم حذف هذا لعلم السامع

وقيل في معنى الله أكبر الله أكبر من كل شيء 215 ثم قال جل وعز وأحضرت الانفس الشح قال عطاء يعني الشح في الايام والنفقة ومعنى هذا أن المرأة تشح بالنفقة على ضرايرها وايثارهن وقال سعيد بن جبير هذا في المرأة تشح بالمال والنفس 216 وقوله جل وعز ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم

قال عبيدة في الحب والجماع 217 ثم قال جل وعز فلا تميلوا كل الميل قال عبيدة يعنى بالانفس وقال مجاهد لا تتعمدوا الاساءة والمعنى اقسموا بينهن بالسوية وروي عن عائشة رحمها الله أنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقسم بين نسائه بالعدل ثم يقول اللهم هذا ما أملك فلا تؤاخذني بما تملكه ولا أملكه

218 - ثم قال جل وعز فتذروها كالمعلقة قال الحسن هي التي ليس لها زوج ولا هي مطلقة وقال قتادة كالمحبوسة وكالمسجونة 219 وقوله جل وعز من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة روي أن أكثر المشركين كانوا لا يؤمنون بالقيامة وانما يتقربون الى الله ليوسع عليهم في الدنيا ويدفع عنهم مكروهها فأنزل الله من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة

220 - وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط القسط والاقساط العدل يقال أقسط يقسط اقساطا اذا عدل وقسط يقسط اذا جار 221 ثم قال جل وعز شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والاقربين ان يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما المعنى ان يكن المشهود له غنيا فلا يمنعكم ذلك من أن تشهدوا وان يكن المشهود عليه فقيرا فلا يمنعكم ذلك من أن

تشهدوا عليه فان قيل كيف يقوم بالشهادة على نفسه وهل يشهد على نفسه قيل يكون عليه حق لغيره فيقر له به فذلك قيامه بالشهادة على نفسه أدب الله عز و جل بهذا المؤمنين كما قال ابن عباس رحمه الله أمروا أن يقولوا الحق ولو على أنفسهم

222 - ثم قال عز و جل فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا المعنى فلا تتبعوا الهوى لان تعدلوا وأدوا ما عندكم من الشهادة فهذا قول أكثر أهل اللغة ويجوز أن يكون المعنى فلا تتبعوا الهوى كراهة أن تعدلوا لانه اذا خالف الحق فكأنه كره العدل 223 ثم قال تعالى وان تلووا أو تعرضوا روى قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس قال هو في الخصمين يتقدمان الى القاضي فيكون ليه لاحدهما واعراضه عن الآخر وقال مجاهد وان تلووا أي تبدلوا أو تعرضوا تتركوا

فمذهب ابن عباس أن اللي من الحاكم ومذهب مجاهد أنه من الشاهد وكذلك قال الضحاك هو أن يلوي لسانه عن الحق في الشهادة أو يعرض فيكتمها وأصل لوى في اللغة مطل وأنشد سيبويه قد كنت داينت بها حسانا مخافة الافلاس والليانا

وقرىء وان تلوا أو تعرضوا وفيه قولان أحدهما للكسائي قال والمعنى من الولاية وان تلوا شيئا أو تدعوه وقال ابو اسحاق من قرأ وان تلوا فالمعنى على قراءته وان تلووا ثم همز الواو الاولى فصارت تلؤوا كما قال يقال أدؤر في جمع دار ثم ألقى حركة الهمزة على اللام وحذف الهمزة فصارت تلوا كما يقال آدر في جمع دار 224 وقوله عز و جل يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله في معنى هذا قولان أحدهما اثبتوا على الايمان كما يقال للقائم قف حتى أجيء

أي أثبت قائما والقول الآخر أنه خطاب للمنافقين فالمعنى على هذا يا أيها الذين آمنوا في الظاهر أخلصوا لله 225 وقوله جل وعز ان الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا قال مجاهد يعنى به المنافقون قال ومعنى ثم ازدادوا كفرا ماتوا على ذلك

وهذا القول ليس يبعد في اللغة لانهم اذا ماتوا على الكفر فقد هلكوا فهم بمنزلة من ازداد وقال أبو العالية ان الذين آمنوا ثم كفروا اليهود والنصارى ثم ازدادوا كفرا بذنوب عملوها وقال قتادة الذين آمنوا ثم كفروا اليهود والنصارى آمنت اليهود بالتوراة ثم كفرت يعني بالانجيل ثم آمنوا بعزير ثم كفروا بعيسى ثم ازدادوا كفرا بكفرهم بمحمد صلى الله عليه و سلم وآمنت النصارى بالانجيل ثم كفرت وكفرهم به تركهم اياه ثم ازدادوا كفرا بالقرآن وبمحمد عليه السلام

226 - وقوله جل وعز بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما المعنى اجعل ما يقوم مقام البشارة العذاب وأنشد سيبويه وخيل قد دلفت لها بخيل تحية بينهم ضرب وجيع أي الذي يقوم مقام التحية ضرب وجيع 227 وقوله جل وعز أيبتغون عندهم العزة أيبتغي المنافقون عند الكافرين العزة أي المنعة قال الاصمعي يقال أرض عزاز بالفتح والكسر اذا كانت صلبة شديدة وقولهم يعز علي أي يشتد علي

ومنه قوله تعالى وعزني في الخطاب أي قهرني لانه أعز مني ومنه قولهم من عز بز أي من غلب استلب ومنه قوله فعزته يداه وكاهله 228 وقوله جل وعز قالوا ألم نستحوذ عليكم يقال استحوذ عليه اذا استولى عليه فالمعنى قال المنافقون للكافرين ألم نغلب عليكم بموالاتنا اياكم ونمنعكم من المؤمنين أي أخبرناكم بأخبارهم لتحذروا ما يكون منهم

229 - وقوله جل وعز ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا روي عن علي رضي الله عنه أنه قال ذلك في الآخرة وقال ابن عباس ذاك يوم القيامة وقال السدي السبيل الحجة

وقيل ان المعنى ان الله ناصر المؤمنين بالحجة والغلبة ليظهر دينهم على الدين كله 230 وقوله جل وعز ان المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم قال أهل اللغة سمي الثاني خداعا لانه مجازاة للاول فسمي خداعا على الازدواج كما قال جل وعز وجزاء سيئة سيئة مثلها وقال الحسن اذا كان يوم القيامة أعطي المؤمنون والمنافقون نورا فاذا انتهوا الى الصراط طفىء نور المنافقين فيشفق المؤمنون فيقولون ربنا أتمم لنا نورنا فيمضي المؤمنون بنورهم فينادونهم أنظرونا نقتبس من نوركم الآية قال الحسن فتلك خديعة الله اياهم وهذا القول ليس بخارج من قول أهل اللغة لانه قد سماه

خداعا لانه مجازاة لهم 231 ثم قال جل وعز واذ قاموا الى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله الا قليلا قال الحسن انما قل لانه لغير الله وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال ما قل عمل مع تقى وكيف يقل ما يتقبل 232 ثم قال جل وعز مذبذبين بين ذلك لا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء قال قتادة ولا يكونون مخلصين بالايمان ولا مصرحين بالكفر

وروى عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين غنمين اذا جاءت الى هذه نطحتها واذا جاءت الى هذه نطحتها فلا نتبع هذه ولا هذه وأصل التذبذب في اللغة التحرك والاضطراب كما قال ألم تر أن الله أعطاك سورة ترى كل ملك دونها يتذبذب فالمعنى ان المنافقين متحيرون في دينهم لا يرجعون الى اعتقاد شيء على صحة ليسوا مع المؤمنين على بصيرة ولا مع المشركين على جهالة فهم حيارى بين ذلك

والنفاق مأخوذ من النافقاء وهو أحد جحور اليربوع اذا أخذت عليه المواضع خرج منه ولا يفطن اليه وكذلك المنافق يظهر الاسلام ويخرج منه سرا وفي الحديث للمنافق ثلاث علامات اذا حدث كذب واذا وعد أخلف واذا ائتمن خان 233 وقوله جل وعز أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا قال قتادة السلطان الحجة وكذلك هو عند أهل اللغة 234 وقوله جل وعز ان المنافقين في الدرك الاسفل من النار

قال عبد الله بن مسعود يجعلون في توابيت من حديد تغلق عليهم وفي بعض الحديث من نار ثم تطبق عليهم والادراك في اللغة المنازل والطبقات 235 وقوله جل وعز ما يفعل الله بعذابكم ان شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما لا يحب الله الجهر بالسوء من القول الا من ظلم وقرا زيد بن أسلم وابن أبي اسحاق الا من ظلم وعلى هذه القراءة فيه ثلاثة أقوال قال الضحاك المعنى ما يفعل الله بعذابكم الا من ظلم

وقيل المعنى لا يجهر أحد بالسوء الا من ظلم فانه يجهر به اعتداء وقال أبو اسحاق الزجاج يجوز أن يكون المعنى الا من ظلم فقال سوءا فانه ينبغي أن تأخذوا على يديه ويكون استثناء ليس من الاول وعلى الجوابين الاولين يكون استثناء ليس من الاول أيضا ومن قرأ الا من ظلم ففيه أقوال أحدها روي عن مجاهد أنه قال نزلت هذه الآية في رجل من ضاف قوما فلم يحسنوا إليه فذكرهم بما فعلوا فعذبوه بذلك فنزلت لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم

فالمعنى على هذا لكن من ظلم فله أن يذكر ما فعل به قال الحسن هذا في الرجل يظلم فلا ينبغي أن يدعو على من ظلمه ولكن ليقل اللهم أعني عليه واستخرج لي حقي منه ونحو ذلك وقال قطرب الا من ظلم انما يريد المكره لانه مظلوم وذلك موضوع عنه وان كفر قال ويجوز أن يكون المعنى الا من ظلم على البدل كأنه لا يحب الله الا من ظلم أي لا يحب الظالم وكأنه يقول يحب من ظلم أي يأجر من ظلم والتقدير على هذا القول لا يحب الله ذا الجهر بالسوء الا من ظلم على البدل

236 - وقوله جل وعز ان الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض قال قتادة هم اليهود والنصارى آمنت اليهود بموسى والتوراة والانجيل وكفرت بعيسى والانجيل وآمنت النصارى بعيسى والانجيل وكفرت بمحمد والقرآن 137 ثم قال جل وعز ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا قال قتادة اتخذوا اليهودية والنصرانية وابتدعوهما وتركوا دين الله الاسلام الذي لم يرسل نبي الا به 238 وقوله جل وعز فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة قال قتادة أي عيانا وقال أبو عبيدة هو من صفة القول والمعنى فقالوا

جهرة أرنا الله والقول عند أهل النظر قول قتادة والمعنى فقالوا أرنا الله رؤية منكشفة لان من عرف الله فقد رآه علما 239 وقوله جل وعز ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم الطور الجبل 240 ثم قال جل وعز وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا

قال قتادة كنا نحدث أنه باب من أبواب بيت المقدس 241 ثم قال جل وعز وقلنا لهم لا تعدوا في السبت قال قتادة نهوا عن صيد الحيتان في يوم السبت ويقال عدا يعدو عدوا وعدوانا وعداء وعدوا اذا جاوز الحق ويقرأ تعدوا بمعنى تعتدوا 242 وقوله جل وعز فيما نقضهم ميثاقهم

ما زايدة للتوكيد يؤدي عن معنى قولك حقا وفي معناه ثلاثة أقوال أحدها أن قتادة قال المعنى فبنقضهم ميثاقهم لعناهم فعلى قول قتادة حذف هذا لعلم السامع وقال الكسائي هو متعلق بما قبله والمعنى فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ثم عطف على ذلك الى قوله فبما نقضهم ميثاقهم فزعم أنه فسر ظلمهم الذي أخذتهم الصاعقة من أجله بما بعده من نقضهم ميثاقهم وقتلهم الانبياء وسائر ما بين من أمورهم التي ظلموا فيها أنفسهم

وهذا خطأ وغلط لان الذين أخذتهم الصاعقة كانوا على عهد موسى والذين قتلوا الانبياء ورموا مريم بالبهتان كانوا بعد موسى عليه السلام بدهر طويل فليس الذين أخذتهم الصاعقة أخذتهم برميهم مريم بالبهتان وقول قتادة أولاها بالصواب قال أبو جعفر قال أبو اسحاق المعنى فبما نقضهم ميثاقهم حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم ونقضهم الميثاق أنه أخذ عليهم أن يبينوا صفة النبي صلى الله عليه و سلم فنقضوا ذلك وكتموها 243 وقوله جل وعز وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم

قال قتادة غلف أي لا تفهم ومعنى بل طبع الله عليها ختمها مجازاة على كفرهم وهو تمثيل يقال طبع السيف يطبع طبعا اذا غطاه الصدأ 244 وقوله جل وعز وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم قال مجاهد قتلوا رجلا توهموا أنه عيسى ورفع الله عيسى حيا وقال قتادة قال عيسى أيكم يقذف عليه شبهي فيقتل ويدخل الجنة فقال رجل منهم أنا فقتل

وقال غيره يعذبون على أنهم قتلوا نبيا لان تلك نياتهم 245 ثم قال جل وعز وان الذين اختلفوا فيه لفي شك منه لان مقالتهم فيه مختلفة وهم في شك منه 246 وقوله جل وعز وما قتلوه يقينا المعنى عند أهل اللغة وما قتلوا العلم يقينا كما يقول قتلته علما وقتلته يقينا اذا علمته علما تاما قال أبو عبيد ولو كان المعنى وما قتلوا عيسى يقينا لقال وما قتلوه فقط

247 - وقوله جل وعز وان من أهل الكتاب الا ليؤمنن به قبل موته في معنى هذه الآية ثلاثة أقوال أحدها أنه روى الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لينزلن ابن مريم حكما عدلا فليقتلن الدجال وليقتلن الخنزير وليكسرن الصليب وتكون السجدة واحدة لله رب العالمين ثم قال أبو هريرة واقرؤوا ان شئتم وان من أهل الكتاب الا ليؤمنن به قبل موته قال أبو هريرة قبل موت عيسى يعيدها ثلاث مرات وقال قتادة قبل موته قبل موت عيسى

ب وقال ابن عباس قبل موته قبل موت الذي من أهل الكتاب وقال بهذا القول الحسن وعكرمة وهذا القول رواه عن ابن عباس عكرمة وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن معنى قبل موته قبل موت عيسى صلى الله عليه و سلم ج وقال غير هؤلاء المعنى وان من أهل الكتاب أحد الا ليؤمنن بمحمد صلى الله عليه و سلم قبل موته

وهذه الاقوال غير متناقضة لانه يتبين عند موته الحق فيؤمن حين لا ينفعه الايمان قال محمد بن جرير أولى هذه الاقوال بالصواب والصحة قول من قال تأويل ذلك الا ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى وأن ذلك في خاص من أهل الكتاب ومعني به أهل زمان منهم دون أهل كل الازمنة التي كانت بعد عيسى وان ذلك عند نزوله ولم يجر لمحمد في الآيات التي قبل ذلك ذكر فيجوز صرف الهاء التي في ليؤمنن به الى أنها من ذكره وانما ليؤمنن به في سياق ذكر عيسى وأمه واليهود 248 وقوله جل وعز فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم

يبين هذا قوله عز و جل وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر الى آخر الآية 249 وقوله جل وعز لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل اليكم وما أنزل من قبلك الراسخ الثابت و منهم يعني أهل الكتاب 250 ثم قال جل وعز والمقيمين الصلاة وفيه معنى المدح أي واذكرو المقيمين الصلاة 251 وقوله جل وعز انا أوحينا اليك كما أوحينا الى نوح والنبيين من بعده

هذا متصل بقوله يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فأعلم الله أن أمره كأمر النبيين الذين قبله يوحى اليه كما يوحى اليهم 252 وقوله جل وعز وآتينا داود زبورا ويقرأ زبورا بضم الزاي قال الكسائي من قرأ زبورا فهو عنده واحد مثل التوراة والانجيل وقال غيره هو فعول بمعنى مفعول كما يقال حلوب بمعنى محلوب يقال زبرته فهو مزبور أي كتبته وزبور بمعنى مزبور ومن قرأ زبورا فهو عنده جمع زبر 253 وقوله جل وعز وكلم الله موسى تكليما

مؤكد يدل على معنى الكلام المعروف لانك اذا قلت كلمت فلانا جاز أن يكون أوصلت اليه كلامك واذا قلت كلمته تكليما لم تكن الا من الكلام الذي يعرف فأخبره الله بخصيصاء الانبياء ثم أخبر بما خص به موسى صلى الله عليه و سلم 254 وقوله جل وعز لكن الله يشهد بما أنزل اليك أنزله بعلمه قال القتبي ولكن لا تكون الا بعد نفي قال فهي محمولة على المعنى لانهم لما كذبوا فقد نفوا فقال جل وعز لكن الله يشهد بما أنزل اليك قال أبو جعفر وهذا غلط لان لكن عند النحويين اذا كانت بعدها جملة وقعت بعد النفي والايجاب وبعدها ههنا جملة وانما يقول النحويون لا تكون الا بعد نفي اذا كان بعدها مفرد

وقوله أنزله بعلمه أي أنزله وفيه علمه كما تقول جاء فلان بالسيف أي وهو معه وكما قال جل وعز تنبت بالدهن 255 وقوله جل وعز لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون قال قتادة لن يستنكف لن يحتشم والاستنكاف عند أهل اللغة الانفة وهو من نكف ينكف اذا نحى الدمعة عن خده بيده

256 - وقوله جل وعز يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم قال مجاهد حجة وقال سفيان يعني بالبرهان النبي صلى الله عليه و سلم 257 ثم قال جل وعز وأنزلنا اليكم نورا مبينا قال قتادة هو القرآن وهو عند أهل اللغة تمثيل لان أصل النور هو الذي يبين الاشياء فمثل ما يعلم بالقلب بما يرى عيانا 258 وقوله جل وعز يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة الكلالة من لا والد له ولا ولد وقد شرحنا معناه في أول السورة

قال البراء بن عازب آخر آية نزلت يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة 259 وقوله جل وعز يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم قال الكسائي المعنى يبين الله لكم لئلا تضلوا قال أبو عبيد فحدثت الكسائي بحديث رواه ابن عمر عن النبي صلى اله عليه وسلم أنه قال لا يدعون أحدكم على ولده أن يوافق من الله اجابة فاستحسنه

والمعنى عند أبي عبيد لئلا يوافق من الله اجابة وهذا القول عند البصريين خطأ لا يجيزون اضمار لا والمعنى عندهم يبين الله لكم كراهة أن تضلوا ثم حذف كما قال تعالى واسأل القرية وكذا معنى حديث النبي صلى الله عليه و سلم أي كراهة أن يوافق من الله اجابة وقول ثالث أن المعنى يبين لكم الضلالة لان معنى أن تفعلوا فعلكم كما تقول يعجبني أن تقوم أي قيامك انتهت سورة النساء

تفسير سورة المائدة مدنية
وآياتها 120 آية

بسم الله الرحمن الرحيم سورة المائدة وهي مدنية روي عن علقمة أنه قال كل ما كان في القرآن يا أيها الذين أمنوا فنزل بالمدينة وكل ما كان في القرآن يا أيها الناس فنزل بمكة 1 من ذلك قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود قال مجاهد العقود العهود وذلك معروف في اللغة يقال عهدت اليه اذا أمرته بأمر وعقدت عليه وعاقدته اذا أمرته واستوثقت منه

وقيل يراد بالعقود ها هنا الفرائض 2 ثم قال جل وعز أحلت لكم بهيمة الانعام الا ما يتلى عليكم قال الحسن الانعام الابل والبقر والغنم وروى عوف عن الحسن بهيمة الانعام الشاة والبعير والبقرة وروى زهير بن معاوية عن قابوس بن أبي ظبيان قال ذبحنا بقرة فأخذ الغلمان من بطنها ولدا ضخما قد أشعر فشووه ثم أتوا به أبا ظبيان فقال حدثنا عبد الله بن عباس أن هذا بهيمة

الانعام قال أبو جعفر الاول أولى لان بعده الا ما يتلى عليكم وليس في الاجنة ما يستثنى وقيل لها بهيمة الانعام لانها أبهمت عن التمييز 3 ثم قال جل وعز غير محلي الصيد وأنتم حرم ان الله يحكم ما يريد واحد الحرم حرام وحرام بمعنى محرم قيل له محرم وحرام لما حرم عليه من النكاح وغيره يقال أحرم اذا دخل في الحرم كما يقال أشتى اذا دخل

في الشتاء وأشهر اذا دخل في الشهر 4 وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله قال أبو عبيدة الشعائر الهدايا الواحدة شعيرة وقال غيره شعيرة بمعنى مشعرة وقال الاصمعي أشعرتها أعلمتها وروى الاسود بن يزيد عن عائشة قالت انما أشعرت ليعلم أنها بدنة وقال مجاهد شعائر الله الصفا والمروة والحرم والمعنى على هذا القول لا تحلوا الصيد في الحرم والتقدير لا تحلوا لانفسكم شعائر الله

ومن قال بأنها البدن فالآية عنده منسوخة قال الشعبي ليس في المائدة آية منسوخة الا يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله وكذلك قال قتادة وقال نسختها فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وكانوا قبل قد منعوا من قتالهم في الشهر اذا كانوا آمين البيت الحرام 5 ثم قال جل وعز ولا الشهر الحرام وهو رجب 6 ثم قال جل وعز ولا الهدي واحد الهدي هدية 7 ثم قال جل وعز ولا القلائد قال الضحاك وعطاء كانوا يأخذون من شجر الحرم فلا يقربون اذا رئي عليهم 8 ثم قال جل وعز ولا آمين البيت الحرام الام القصد

أي لا تستحلوا منع القاصدين البيت الحرام ويجوز أن يكون المعنى لا تحلوا قصد الآمين ثم حذف 9 ثم قال جل وعز يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا قال ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد يبتغون الاجر والتجارة 10 ثم قال جل وعز واذا حللتم فاصطادوا وهذا اباحة بعد حظر وليس بحتم 11 ثم قال تعالى ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا

قال أبو عبيدة ولايجرمنكم لا يكسبنكم وأنشد ولقد طعنت أبا عيينه طعنة جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا وقال الاخفش ولا يحقنكم وقال الفراء ولا يحملنكم وهذه المعاني متقاربة لان من حمل رجلا على ابغاض رجل فقد أكسبه ابغاضه فاذا كان الامر كذلك فالذي هو أحسن أن يقال ما قاله ابن عباس وقتادة قالا أي لا يحملنكم شنآن قوم على العدوان

وقرأ الاعمش ولا يجرمنكم بضم الياء قال الكسائي جرم يجرم وأجرم يجرم بمعنى واحد الفتح في هذا أكثر والضم في الجناية أكثر والشنآن الابغاض ويقرأ شنئان باسكان النون وليس بالحسن لان المصادر لا تكاد تكون على فعلان وقرأ أبو عمرو ان صدوكم بكسر الهمزة بمعنى الشرط وروي عن الاعمش أنه قرأ ان يصدوكم وهو لحن عند النحويين لان ان اذا جزمت لم يتقدم

جوابها والمعنى على قراءة من فتح ولا يجرمنكم شنآن قوم لان صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا ومن كسر فالمعنى عنده ان فعلوا هذا والمعنى على الغتح لانه يروى أن النبي صلى الله عليه و سلم لما فتح مكة قتل رجل من أصحابه رجلا من أهل مكة كان يقتل حلفاء النبي صلى الله عليه و سلم فنزلت هذه الآية 12 وقوله جل وعز حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير يقال ميتة وميتة بمعنى واحد هذا قول من يوثق به من أهل اللغة وقيل الميتة ما لم تمت بعد والميتة التي قد ماتت وروي أنهم كانوا يجعلون الدم في المباعر ثم يشوونها ويأكلونها فحرم الله جل وعز الدم المسفوح وهو المصبوب 13 ثم قال جل وعز وما أهل لغير الله به

أي ذبح لغير الله وذكر عليه غير اسمه وأصل الاهلال الصوت ومنه سمي الاهلال بالحج وهو الصوت بالتلبية وايجاب الحج ومنه استهلال المولود ومنه أهل الهلال لان الناس اذا رأوه أومأوا اليه بأصواتهم 14 ثم قال جل وعز المنخنقة قال قتادة هي التي تموت في خناقها 15 ثم قال جل وعز والموقوذة قال الضحاك كانوا يأخذون الشاة أو غيرها من البهائم فيضربونها عند آلهتم حتى تموت ثم يأكلونها ويقال وقذه وأقذه فهو موقوذ وموقذ اذا ضربه حتى يشفى على الهلاك ومنه قيل فلان وقيذ 16 ثم قال جل وعز والمتردية

قال الضحاك المتردية أن تتردى في ركية أو من جبل ويقال تردى اذا سقط ومنه وما يغني عنه ماله اذا تردى والنطيحة المنطوحة 17 ثم قال جل وعز وما أكل السبع أي ما افترسه فأكل بعضه وقرأ الحسن السبع وهو مسكن استثقالا للضمة 18 ثم قال جل وعز الا ما ذكيتم والتذكية أن تشخب الاوداج دما ويضطرب اضطراب المذبوح وأصل التذكية في اللغة التمام وقال زهير

يفضله اذا اجتهدا عليه تمام السن منه والذكاء ومنه لفلان ذكاء أي هو تام الفهم وذكيت النار أي أتممت ايقادها وذكيت الذبيحة أتممت ذبحها على ما يجب 19 ثم قال جل وعز وما ذبح على النصب وقرأ طلحة على النصب قال مجاهد هي حجارة كانت حوالي مكة يذبحون عليها وربما استبدلوا منها ويجوز أن يكون جمع نصاب 20 ثم قال جل وعز وأن تستقسموا بالازلام قال قتادة كان أحدهم اذا أراد أن يخرج كتب على قدح يعني السهم تأمرني بالخروج وعلى الآخر لا تأمرني بالخروج وجعل بينهما سهما منيحا لم يكتب عليه شيئا فيجيلها فان خرج

الذي عليه تأمرني بالخروج خرج وان خرج الذي عليه لا تأمرني بالخروج لم يخرج وان خرج المنيح رجع فأجالها وانما قيل لهذا الفعل استقسام لانهم كانوا يستقسمون به الرزق وما يريدون كما يقال الاستسقاء في الاستدعاء للسقي ونظير هذا الذي حرمه الله قول المنجم لا تخرج من أجل نجم كذا أو اخرج من أجل نجم كذا وقال جل وعز وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت قال أبو جعفر وذكر محمد بن جرير أن ابن وكيع حدثهم عن أبيه عن شريك عن أبي حصين عن سعيد بن جبير أن الازلام

حصى بيض كانوا يضربون بها قال محمد بن جرير قال لنا سفيان بن وكيع هي الشطرنج 21 ثم قال جل وعز ذلكم فسق والفسق الخروج أي الخروج من الحلال الى الحرام وقوله جل وعز اليوم يئس الذين كفروا من دينكم قال ابن عباس يئس الذين كفروا من دينكم المعنى يئس الذين كفروا أن تعود الجاهلية وقال ورقاء المعنى لآن يئس الذين كفروا من دينكم وهذا معروف عند أهل اللغة كما تقول أنا اليوم قد كبرت عن هذا

22 - وقوله جل وعز اليوم أكملت لكم دينكم روي أن أناسا من اليهود قالوا لو نزلت هذه الآية علينا لاتخذنا ذلك اليوم عيدا فقال عمر رضي لله عنه نزلت في يوم جمعة يوم عرفة وروي عن على رضي الله عنه أنه قال نزلت يوم عرفة أو عشية عرفة وفي معنى الآية قولان أحدهما الآن أكملت لكم دينكم بأن أهلكت عدوكم وأظهرت دينكم على الدين كله كما تقول قد تم لنا ما نريد اذا كفيت عدوك ويجوز أن يكون المعنى اليوم أكملت لكم دينكم فوق ما تحتاجون اليه من الحلال والحرام في أمر دينكم

وروى اسرائيل عن أبي اسحاق عن أبي ميسرة أنه قال في المائدة ثماني عشرة فريضة ليست في غيرها تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع وما ذبح على النصب والاستقسام بالازلام وتحليل طعام الذين أوتوا الكتاب والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب والجوارح مكلبين وتمام الطهور اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وقوله تعالى والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما وقوله تعالى ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ويروى أنها آخر سورة أنزلت 23 وقوله جل وعز فمن اضطر في مخمصة المخمصة ضمور البطن من الجوع

24 - ثم قال جل وعز غير متجانف لاثم قال قتادة الاثم ها هنا أن تأكل منها فوق الشبع 25 ثم قال جل وعز فان الله غفور رحيم أي رحمكم فأباح لكم هذه الاشياء عند الضرورة 26 وقوله عز و جل يسئلونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين وقرأ عبد الله بن مسعود والحسن وأبو رزين مكلبين ومعنى مكلبين أصحاب كلاب يقال كلب فهو مكلب وكلاب ويقال أكلب فهو مكلب اذا كثرت عنده الكلاب كما يقال أمشى فهو ممش اذا كثرت ماشيته وأنشد الاصمعي

وكل فتى وان أمشى فأثرى ستخلجه عن الدنيا منون وروي عن أبي رافع أنه قال لما أمر النبي صلى الله عليه و سلم بقتل الكلاب سألوه ما يحل من هذه الامة التي أمرت بقتلها فنزلت يسئلونك ماذا أحل لهم وقرأ الى آخر الآية والجوارح في اللغة الكواسب يقال ما لفلانة جارح أي كاسب وقال مجاهد في قول الله عز و جل ويعلم ما جرحتم بالنهار قال ما كسبتم

وقال مجاهد في معنى الجوارح انها الكلاب والطير وقال طاووس يحل صيد الطير لقوله تعالى مكلبين وليس في الآية دليل على تحريم صيد سوى الكلاب لان معنى مكلبين محرشون والاجماع يقوي قول طاووس على تحليل صيد الطير 27 وقوله جل وعز فكلوا مما أمسكن عليكم قال سعد بن أبي وقاص وسلمان وعبد الله بن عمر وأبو هريرة اذا أمسك عليك فكل وان أكل وهذا قول أهل المدينة

وروي عن عدي بن حاتم عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال إن أمسك عليك ولم يأكل فكل وهذا قول أهل الكوفة 28 وقوله جل وعز وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم قال مجاهد وابراهيم يعني الذبائح 29 وقوله جل وعز والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أتوا الكتاب من قبلكم روي عن ابن عباس أنه قال المحصنات العفيفات العاقلات وقال الشعبي هو أن تحصن فرجها فلا تزني وتغتسل من الجنابة

والقراءة على قول الشعبي والمحصنات بكسر الصاد وبه قرأ الكسائي والمحصنة تكون العفيفة والمتزوجة والحرة فالحرة ها هنا أولى ولو أريد العفيفة لما جاز أن تتزوج امرأة حتى يوقف على عفتها وقال مجاهد المحصنات الحرائر قال أبو عبيد نذهب الى أنه لا يحل نكاح اماء أهل الكتاب لقوله جل وعز فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات

وهذا القول الذي عليه جلة العلماء ويدل على أنهن الحرائر قوله جل ثناه ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات قال الحسن والزهري ويحيى بن سعيد وابراهيم ومكحول وقتادة لا يحل نكاح اماء أهل الكتاب لقوله تعالى من فتياتكم المؤمنات 30 وقوله جل وعز ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله قال مجاهد وعطاء أي ومن يكفر بالله 31 وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا اذا قمتم الى الصلاة المعنى اذا أردتم القيام الى الصلاة وفي الكلام دليل على هذا

ومثله فاذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم المعنى واذا أردت أن تقرأ وفي قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا اذا قمتم الى الصلاة أقوال أحدها اذا توضأ من حدث ثم دخل عليه وقت الصلاة وهو على طهارة فليس عليه التوضؤ وهذا الذي عليه أكثر الناس وقد صح أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى خمس صلوات بوضوء واحد وقال زيد بن أسلم أي اذا قمتم من المضاجع

والقول الثاني ان الوضوء قد كان واجبا بهذه الآية على كل مريد للقيام الى الصلاة ثم نسخ ذلك سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم والقول الثالث ان على كل قائم الى الصلاة مكتوبة الوضوء كما روى شعبة عن مسعود بن علي قال كان علي رضي الله عنه يتوضأ لكل صلاة ويتلو اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم 32 ثم قال جل وعز فاغسلوا وجوهكم وأيديكم الى المرافق قال بعض أهل اللغة المعنى مع المرافق كما قال من أنصاري الى الله

أي مع الله وهذا القول خطأ لان اليد عند العرب من الاصابع الى الكتف وانما فرض غسل بعضها فلو كانت الى بمعنى مع لوجب غسل اليد كلها ولم يحتج الى ذكر المرافق والمرفق ويقال مرفق ما بعد الايدي مما يرتفق عليه أي يتكأ ومعنى الى ههنا الغاية هي على بابها الا أن أبا العباس قال اذا كان الثاني من الاول فما بعد الى داخل فيما قبله نحو قوله تعالى الى المرافق فالمرافق داخلة في الغسل واذا كان ما بعدها ليس من الاول فليس بداخل فيه نحو ثم أتموا الصيام الى الليل وقال غيره ما بعد الى ليس بداخل فيما قبلها الا

أن المرافق غسلت اتباعا 33 ثم قال جل وعز وامسحوا برءوسكم وأرجلكم الى الكعبين والمعنى فاغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم على التقديم والتأخير ومن قرأ وأرجلكم ففي قراءته أقوال أحدها ان المسح والغسل واحد قال ذلك أبو زيد

ومنه قولهم تمسحت للصلاة والتقدير وأرجلكم غسلا ودل على هذا قوله الى الكعبين فحددها كما قال في اليدين الى المرافق ودل عليه حديث النبي صلى الله عليه و سلم ويل للاعقاب من النار فلو كان المسح كافيا لجاز المسح على البعض وروي عن الشعبي أنه قال نزل جبريل عليه السلام بالمسح والغسل سنة والقول الثالث روي عن علي رضي الله عنه أنه أجاز المسح قال أبو جعفر الا أن عاصم بن كليب روى عن ابن عبد الرحمن قال قرأ الحسن والحسين رحمة الله عليهما وعلى علي وأرجلكم فسمع علي ذلك وكان يقضي بين الناس فقال وارجلكم

هذا من المقدم والمؤخر من الكلام وروى أبو اسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه قال اغسلوا الاقدام أي الكعبين وكذا روي عن ابن مسعود وابن عباس رحمهما الله أنهما قرأ وأرجلكم بالنصب والكعب العظم الناتىء في آخر الساق عند القدم وكل مفصل عند العرب كعب الا أنه لم يحتج أن يقال الكعب الذي من قصته كذا لانه ظاهر بين 34 وقوله جل وعز أو جاء أحد منكم من الغائط والغائط في الاصل ما انخفض من الارض

35 - ثم قال جل ذكره أو لامستم النساء في معناه قولان أحدهما رواه عبيدة عن عبد الله بن مسعود أنه قال القبلة من المس وكل ما دون الجماع لمس وكذلك قال ابن عمر ومحمد بن يزيد يميل الى هذا القول قال لانه قد ذكر في أول هذه السورة ما يجب على من جامع في قوله وان كنتم جنبا فاطهروا وقال عبد الله بن عباس اللمس والمس والغشيان الجماع ولكنه جل وعز كنى وقال مجاهد في قول الله عز و جل واذا مروا باللغو مروا كراما قال اذا ذكروا النكاح كنوا عنه

36 - وقوله عز و جل فتيمموا صعيدا طيبا أي فاقصدوا والصعيد وجه الارض قال ابن عباس أطيب الصعيد الحرث 37 وقوله جل وعز ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج قال مجاهد أي من ضيق 38 ثم قال جل وعز ولكن يريد ليطهركم وقراء سعيد بن المسيب ليطهركم والمعنى واحد كما يقال نجاه وأنجاه 39 وقوله جل وعز واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به

مذهب ابن عباس أنه قال الميثاق الذي واثق به المؤمنين من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم على السمع والطاعة فيما أحبوا وكرهوا قال مجاهد الميثاق الذي أخذه على بني آدم يعني قوله واذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم 40 وقوله عز و جل يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط القسط العدل 41 ثم قال جل وعز ولا يجرمنكم شنآن قوم أي لا يحملنكم وقد بيناه فيما تقدم وقرىء ولا يجرمنكم قال الكسائي هما لغتان قال أبو جعفر قال أبو اسحاق معنى لا يجرمنكم لا يدخلنكم في الجرم كما تقول آثمني أي أدخلني في الاثم

والشنآن البغض 42 وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم اذ هم قوم أن يبسطوا اليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم قال مجاهد هذا في اليهود جاءهم النبي صلى الله عليه و سلم يستعينهم في دية فهموا بقتله فوقاه الله جل وعز منهم وروي عن الحسن أنه قال نزل هذا في رجل من أعداء النبي صلى الله عليه و سلم في بعض غزواته فاستقبل القبلة ليصلي صلاة الخوف فجاء هذا ليقتله فمنعه الله منه

43 - وقوله جل وعز وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا النقيب في اللغة الامين الذي يعرف مداخل القوم كأنه يعرف ما ينقب عليه من أمرهم وروى سعيد عن قتادة قال وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا من كل سبط رجلا شاهدا على سبطه وقال الله اني معكم لئن أقمتم الصلاة الى آخر القصة 44 وقوله جل وعز وآمنتم برسلي وعزرتموهم قال أبو عبيد عزرتموهم عظمتموهم وقال يونس أثنيتم عليها وأحسن من هذين القولين قول ابن أبي نجيح عن مجاهد أن معنى عزرتموهم نصرتموهم والتعظيم داخل في النصرة

والدليل على هذا قوله تعالى وتعزروه وتوقروه وأصل التعزير في اللغة المنع ومنه عزرت فلانا أي أنزلت به ما يمتنع من أجله من المعاودة كما تقول نكلت به أي أنزلت به ما ينكل به عن العودة وروي عن سعد أنه قال لقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ما لنا طعام الا الحبلة والسمر ثم أصبحت بنو أسد تعزرني على الاسلام أي تؤدبني وهو يرجع الى ما تقدم أي يمنعونني عما أنا عليه 45 وقوله جل وعز فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية

وتقرأ قسية والقاسية كما تقول علية وعالية وعلي وعال بمعنى واحد والقول الآخر معنى قسية ليست بخالصة الايمان أي فيها نفاق قال قال أبو جعفر وهذا قول حسن لأنه يقال درهم قسي إذا كان مغشوشا بنحاس أو غيره قال أبو جعفر وأولى ما فيه أن تكون قسية بمعنى قاسية مثل زكية وزاكية الا أن فعيلة أبلغ من فاعلة فالمعنى جعلنا قلوبهم غليظة نابية عن الايمان والتوفيق لطاعتي لان القوم لم يوصفوا بشيء من الايمان فتكون قلوبهم موصوفة فان ايمانها خالطه كفر كالدراهم القسية التي خالطها غش 47 ثم قال جل وعز يحرفون الكلم عن مواضعه

يجوز أن يكون معناه يبدلون حروفه ويجوز أن يكون معناه يتناولونه على غير معناه 48 وقوله جل وعز ولا تزال تطلع على خائنة منهم فيه قولان أحدهما قاله قتادة قال على خيانة وهذا جائز في اللغة ويكون مثل قولهم قائلة بمعنى قيلولة والقول الآخر قاله ابن أبي نجيح عن مجاهد وهو أن هذا يراد به اليهود الذين هموا بقتل النبي صلى الله عليه و سلم فيكون التقدير على هذا القول على فرقة خائنة ثم أقام الصفة مقام الموصوف

49 - وقوله جل وعز فنسوا حظا مما ذكروا به أي تركوا ومنه نسوا الله فنسيهم أي تركهم 50 ثم قال جل وعز فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء الى يوم القيامة ومعنى أغرينا في اللغة ألصقنا ومنه قيل الغراء للذي يغرى به قال ابن أبي نجيح يعني اليهود والنصارى وقال الربيع بن أنس يعني به النصارى خاصة أغريت بينهم العداوة والبغضاء أي مجازاة على كفرهم فافترقوا فرقا منهم النسطورية واليعقوبية والملكية وكل فرقة تعادي الاخرى

51 - وقوله جل وعز يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب روي عن ابن عباس أنه قال زنى رجل من اليهود فجاءوا يستفتون النبي صلى الله عليه و سلم ليدرؤا عنه الرجم والرجم عندهم في التوراة فأطلع النبي صلى الله عليه و سلم على ذلك 52 ثم قال جل وعز قد جاءكم من الله نور قيل نور يعني به النبي صلى الله عليه و سلم وهو تمثيل لان النور هو الذي تتبين به الاشياء 53 ثم قال جل وعز يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام

السبل الطرق والسلام يحتمل معنيين أحدهما أن يكون السلام بمعنى السلامة كما يقال اللذاذ واللذاذة والمعنى الآخر أن السلام اسم من أسماء الله جل وعز فالمعنى على هذا يهدي به الله سبله أي من اتبعها نجاه 54 وقوله عز و جل يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل قال قتادة يعني محمدا صلى الله عليه و سلم قال وبلغنا أن الفترة التي كانت بين عيسى ومحمد صلى الله عليه و سلم ست مائة عام والمعنى عند أهل اللغة على انقطاع من الرسل لان الرسل

كانوا متواترين بين موسى وعيسى صلى الله عليهما ثم انقطع ذلك الى أن بعث النبي صلى الله عليه و سلم 55 ثم قال جل وعز أن تقولوا ما جاءنا من بشر ولا نذير قال الكوفيون المعنى أن لا تقولوا ثم حذفت لا كما قال جل وعز يبين الله لكم أن تضلوا ولا يجوز حذف لا عند البصريين لانها تدل على النفي والمعنى عندهم كراهة أن تقولوا 56 وقوله جل وعز وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم اذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا روي عن ابن عباس أنه قال يعني الخادم والمنزل

قال قتادة لم يملك أحد قبلهم خادما وقال الحكم بن عتيبة ومجاهد وعكرمة وجعلكم ملوكا المنزل والخادم والزوجة وكذلك قال زيد بن أسلم الا أنه قال فيما يعلم عن النبي صلى الله عليه و سلم من كان له بيت أو قال منزل يأوي اليه وزوجة وخادم يخدمه فهو ملك 57 ثم قال جل وعز وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين قال مجاهد يعني المن والسلوى وانفراق البحر وانفجار الحجر والتظليل بالغمام 58 ثم قال جل وعز يا قوم ادخلوا الارض المقدسة التي كتب الله لكم

قال قتادة يعني الشام والمقدسة في اللغة المطهرة ومنه سمي بيت المقدس أي الموضع الذي يتطهر فيه من الذنوب 59 ثم قال جل وعز قالوا يا موسى ان فيها قوما جبارين الجبار عند أهل اللغة المتعظم الذي يمتنع من الذل والقهر 60 وقوله جل وعز قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما روي عن مجاهد أنه قال الرجلان من الاثني عشر نقيبا الذين بعثوا وهما يوشع بن نون وكلاب بن قاينا ويقال يوقنا وقال الضحاك هما رجلان مؤمنان كانا في مدينة الجبارين والدليل على هذا أنهما قالا ادخلوا عليهم الباب فاذا

دخلتموه فانكم غالبون وقد علمنا أنهم اذا دخلوا من ذلك الباب كان لهم الغلب وقرأ سعيد بن جبير من الذين يخافون بضم الياء يذهب الى أنهما كانا من الجبارين وأنعم الله عليهما بالاسلام 61 ثم قال جل وعز قالوا يا موسى انا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها أي ليس نقبل مشورة فأعلم الله النبي صلى الله عليه و سلم أن أهل الكتاب لم يزالوا يعصون الانبياء وأن له في ذلك أسوة

قال أبو عبيدة معنى فاذهب انت وربك فقاتلا أي اذهب فقاتل وليعنك ربك 62 ثم قال جل وعز قال رب اني لا أملك الا نفسي وأخي ويجوز أن يكون المعنى وأخي لا يملك إلا نفسه ويجوز أن يكون المعنى وأملك أخي لانه اذا كان يطيعه فهو مالك في الطاعة 63 ثم قال جل وعز فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين قال الضحاك المعنى فاقض بيننا وبين القوم الفاسقين 64 وقوله جل وعز قال فانها محرمة عليهم أي هم ممنوعون من دخولها ويروى أنه حرم عليهم دخولها أبدا

فالتمام على هذا عند قوله عليهم ثم قال تعالى أربعين سنة يتيهون في الارض وقد ذهب بعض أهل اللغة الى أن المعنى فانها محرمة عليهم أربعين سنة ثم ابتدأ فقال يتيهون في الارض 65 ثم قال جل وعز فلا تأس على القوم الفاسقين يجوز أن يكون هذا خطابا للنبي صلى الله عليه و سلم أي فلا تأس على قوم هذه صفتهم ويجوز أن يكون الخطاب لموسى صلى الله عليه و سلم

يقال أسي يأسى أسى اذا حزن ويقال أسى الشيء يأسو أسوا اذا أصلحته والمعنى أنه أزال ما يقع الغم من أجله ولك في فلان اسوة وأسوة أي اذا رأيته مثلك نفض عنك الغم 66 وقوله جل وعز واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق قال مجاهد هما ابنا آدم لصلبه هابيل وقابيل وكان من علامة قربانهم اذا تقبل أن يسجد أحدهم ثم تنزل نار من السماء فتأكل القربان والقربان عند أهل اللغة فعلان مما يتقرب به الى الله جل وعز

قال الحسن هما من بني اسرائيل لان القربان كان فيهم 67 ثم قال عز و جل قال لاقتلنك قال انما يتقبل الله من المتقين المعنى قال الذي لم يتقبل منه للذي تقبل منه لأقتلنك ثم حذف هذا لعلم السامع ويروى أن القتل كان ممنوعا في ذلك الوقت كما كان ممنوعا حين كان النبي صلى الله عليه و سلم بمكة ووقت عيسى عليه السلام فلذلك قال ما أنا بباسط يدي اليك لاقتلك اني أخاف الله رب العالمين

68 - وقوله جل وعز اني أريد أن تبوء باثمي واثمك فتكون من أصحاب النار قال الكسائي يقال باء بالشيء يبوء به بوء وبواء اذا انصرف به قال البصريون يقال باء بالشيء اذا أقر به واحتمله ولزمه ومنه تبوأ فلان الدار أي لزمها وأقام بها يقال البواء التكافؤ والقتل بواء وأنشد فان تكن القتلى بواء فانكم فتى ما قتلتم آل عوف بن عامر قال أبو العباس محمد بن يزيد في قوله تعالى اني أريد أن تبوء باثمي واثمك وهو مؤمن لما كان المؤمن يريد الثواب ولا يبسط يده اليه بالقتل كان بمنزلة من يريد هذا

وسئل أبو الحسن بن كيسان كيف يريد المؤمن أن يأثم أخوه وأن يدخل النار فقال انما وقعت الارادة بعدما بسط يده بالقتل فالمعنى لئن بسطت الي يدك لتقتلني لامتنعن من ذلك مريدا الثواب فقيل له فكيف قال بإثمي وإثمك وأي اثم له اذا قتل فقال فيه ثلاثة أوجه أحدها أن تبوء باثم قتلي واثم ذنبك الذي من أجله لم يتقبل من أجله قربانك ويروى هذا الوجه عن مجاهد والوجه الآخر أن تبوء باثم قتلي وإثم اعتدائك علي لانه قد يأثم في الاعتداء وان لم يقتل والوجه الثالث أنه لو بسط يده اليه أثم فرأى أنه اذا

أمسك عن ذلك فانه يرجع على صاحبه وصار هذا مثل قولك المال بينه وبين زيد أي المال بينهما فالمعنى أن تبوء باثمنا قال أبو جعفر ومن أجل ما روي فيه عن ابن مسعود وابن عباس أن المعنى باثم قتلي واثمك فيما تقدم من معاصيك فان قيل أفليس القتل معصية وكيف يريده قيل لم يقل أن تبوء بقتلي فانما المعنى باثم قتلي ان قتلتني فانما أراد الحق 69 ثم قال جل وعز وذلك جزاء الظالمين يجوز أن يكون هذا إخبارا من الله عن ابن آدم أنه قال هذا

ويجوز أن يكون منقطعا مما قبله 70 وقول جل وعز فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله قال قتادة أي زينت وقال مجاهد أي شجعته يريد أنها ساعدته على ذلك وقال أبو العباس طوعت فعلت من الطوع والطواعية وهي الاجابة الى الشيء 71 ثم قال جل وعز فأصبح من الخاسرين أي ممن خسر حسناته والخسران النقصان ثم قال جل وعز فبعث الله غرابا يبحث في الارض ليريه كيف يواري سوأة أخيه

قال مجاهد بعث الله جل وعز غرابين فاقتتلا حتى قتل أحدهما صاحبه ثم حفر فدفنه وكان ابن آدم هذا أول من قتل ويروى أنه لا يقتل مؤمن الى يوم القيامة الا كان عليه كفل من ذنب من قتله 73 وقوله جل وعز من أجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل أنه من قتل نفس بغير نفس أو فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا وقرأ الحسن أو فسادا في الارض فكأنما قتل الناس جميعا والمعنى على قراءته أو عمل فسادا

وقال ابن عباس في قوله جل وعز فكأنما قتل الناس جميعا أوبق نفسه فصار بمنزلة من قتل الناس جميعا أي في استحقاقه العذاب ويستحق المقتول النصر وطلب الثأر من القاتل على المؤمنين جميعا قال ابن عباس إحياؤها ألا يقتل نفسا حرمها الله عز و جل وقال قتادة عظم الله أمره فألحقه من الاثم هذا وقيل هو تمثيل أي الناس جميعا له خصماء ومعنى أو فساد في الارض وفساده الحرب واخافة السبيل

وفي حديث حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال سمعت عثمان بن عفان رحمه الله يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لا يحل دم امرىء مسلم الا باحدى ثلاث زنى بعد احصان أو كفر بعد ايمان أو قتل نفس بغير حق ومعنى فكأنما أحيا الناس جميعا على قول قتادة أنه يعطى من الثواب على قدر ذلك وقيل وجب شكره على الناس جميعا فكأنما من عليهم جميعا يروى هذا عن مكحول وقول ابن عباس أولاها وأصحها 74 وقوله جل وعز انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف قال الحسن السلطان مخير أي هذه الاشياء شاء فعل وكذلك روى ابن نجيح عن عطاء وهو قول مجاهد وابراهيم والضحاك وهو حسن في اللغة لان أو تقع للتخيير كثيرا

وقال أبو مجلز الآية على الترتيب فمن حارب فقتل وأخذ المال صلب ومن قتل قتل ومن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف ومن لم يقتل ولم يأخذ المال نفي وروى هذا القول حجاج بن أرطاة عن عطية عن ابن عباس مثله غير أنه قال في أوله فمن حارب وقتل وأخذ المال قطعت يده ورجله من خلاف ثم صلب وليس في قول أبي مجلز قبل الصلب ذكر شيء واحتج أصحاب هذا القول بحديث رواه عثمان وعائشة وابن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لا يحل دم امرىء مسلم الا باحدى ثلاث وذكر الحديث قالوا فقد امتنع قتله الا أن يقتل فوجب أن تكون الآية على المراتب

وقال الزهري في قوله تعالى أو ينفوا من الارض كلما علم أنه في موضع قوتل حتى يخرج منه وقال أهل الكوفة النفي ها هنا الحبس وقال سعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز ينفى من بلدته الى بلدة أخرى غيرها 75 وقوله جل وعز ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم يقال خزي يخزى خزيا اذا افتضح وتحير وخزي يخزى خزاية اذا استحيا كأنه تحير كراهة أن يفعل القبيح

76 - وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا اليه الوسيلة قال ابن عباس يعني القربة وكذلك قال الحسن وروى موسى بن وردان عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم الوسيلة درجة عند الله جل وعز وليس فوقها درجة 77 وقوله جل وعز يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها قال يزيد الفقير قيل لجابر بن عبد الله أنتم يا أصحاب محمد تقولون ان قوما يخرجون من النار والله يقول وما هم

بخارجين منها فقال جابر انكم تجعلون العام خاصا والخاص عاما انما هذا في الكفار خاصة فقرأت الآية من أولها الى آخرها فاذا هي في الكفار خاصة 78 وقوله جل وعز والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما قال سيبويه المعنى وفيما فرض عليكم السارق والسارقة 79 ثم قال جل وعز جزاء بما كسبا نكالا من الله يقال نكلت به اذا فعلت به ما يجب أن ينكل به عن ذلك الفعل 80 وقوله جل وعز فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فان الله يتوب عليه ان الله غفور رحيم

المعنى غفور له وجعل الله توبة الكافرين تدرأ عنهم الحدود لان ذلك أدعى الى الاسلام وجعل توبة المسلمين عن السرقة والزنا لا تدرأ عنهم الحدود لان ذلك أعظم لاجورهم في الآخرة وأمنع لمن هم أن يفعل مثل فعلهم وقال مجاهد والشعبي قرأ عبد الله بن مسعود والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما 81 وقوله جل وعز يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر أي لا يحزنك مسارعتهم الى الكفر لان الله جل وعز قد وعدك النصر

82 - ثم قال جل وعز من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم قال مجاهد يعني المنافقين 83 ثم قال جل وعز ومن الذين هادوا سماعون للكذب قال مجاهد يعني اليهود فأما معنى سماعون للكذب والانسان يسمع الخير والشر ففيه قولان أحدهما أن المعنى قابلون للكذب وهذا معروف في اللغة أن يقال لا تسمع من فلان أي لا تقبل منه ومنه سمع الله لمن حمده معناه قبل لان الله جل وعز سامع لكل شيء

والقول الآخر أنهم سماعون من أجل الكذب كما تقول أنا أكرم فلانا لك أي من أجلك 84 ثم قال جل وعز سماعون لقوم آخرين لم يأتوك أي هم عيون لقوم آخرين لم يأتوك 85 ثم قال جل وعز يحرفون الكلم من بعد مواضعه أي من بعد أن وضعه الله مواضعه فأحل حلاله وحرم حرامه 86 ثم قال جل وعز يقولون ان أوتيتم هذا فخذوه وان لم تؤتوه فاحذروا أي تقول اليهود ان أوتيتم هذا الحكم المحرف فخذوه وان لم تؤتوه فاحذروا أن تعملوا به ومعنى هذا أن رجلا منهم زنى وهو محصن وقد كتب الرجم على من زنى وهو محصن في التوراة فقال بعضهم أئتوا محمدا لعله

يفتيكم بخلاف الرجم فأتوا النبي صلى الله عليه و سلم فأمر بالرجم بعد أن أحضرت التوراة ووجد فيها فرض الرجم وكانوا قد أنكروا ذلك 87 ثم قال جل وعز ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا قيل معنى الفتنة ها هنا الاختبار وقيل معناها العذاب 88 ثم قال جل وعز أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي أي فضيحة وذل حين أحضرت التوراة فتبين كذبهم وقيل خزيهم في الدنيا أخذ الجزية والذل

89 - ثم قال جل وعز سماعون للكذب أكالون للسحت روى زر عن عبد الله بن مسعود أنه قال السحت الرشوة وقال مسروق سألت عبد الله عن الجور في الحكم قال ذلك الكفر قلت فما السحت قال أن يقضي الرجل لاخيه حاجة فيهدي اليه هدية فيقبلها والسحت في كلام العرب على ضروب يجمعها أنه ما يسحت دين الانسان يقال سحته وأسحته اذا استأصله ومنه وعض زمان يا ابن مروان لم يدع من المال الا مسحتا أو مجلف

90 - وقوله جل وعز فان جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم في هذا قولان أحدهما روي عن ابن عباس أنه قال هي منسوخة نسخها وأن احكم بينهم بما أنزل الله وكذا قال مجاهد وعكرمة قال الشعبي ان شاء حكم وان شاء لم يحكم وكذلك قال ابراهيم وقال الحسن ليس في المائدة شيء منسوخ والاختيار عند أهل النظر القول الاول لانه قول ابن عباس ولا يخلو قوله عز و جل وأن احكم بينهم بما أنزل الله من أن يكون ناسخا لهذه الآية أو يكون معناه وأن احكم بينهم بما أنزل الله ان حكمت فقد صار مصيبا أن حكم بينهم باجماع وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم ما يقويه

روي عن عبد الله بن مرة عن البراء بن عازب أن يهوديا مر به على النبي صلى الله عليه و سلم وقد حمم وجهه فسأل عن شأنه فقيل زنى وهو محصن وذكر الحديث وقال في آخره فقال النبي صلى الله عليه و سلم أنا أول من أحيا ما أماتوا من أمر الله فأمر به فرجم ويبين لك أن القول هذا قوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط 91 وقوله جل وعز فاحكم بينهم بالقسط أي بالعدل

92 - وقوله جل وعز انا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور أي فيها بيان أمر النبي صلى الله عليه و سلم وما جاءوا يستفتون فيه 93 ثم قال جل وعز يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا يجوز أن يكون المعنى فيها هدى ونور للذين هادوا يحكم بها النبيون ويجوز أن يكون المعنى يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا وعليهم ثم حذف وقد قيل ان لهم بمعنى عليهم وتأول حديث النبي صلى الله عليه و سلم في أمر بريرة حين قال اشترطي لهم

الولاء أن معناه عليهم لانه صلى الله عليه و سلم لا يأمرها بشيء لا يجب وقال الله جل ذكره وان أسألتم فلها و الذين أسلموا ههنا نعت فيه معنى المدح مثل بسم الله الرحمن الرحيم 94 ثم قال جل وعز والربانيون والاحبار قال أبو رزين الربانيون العلماء الحكماء والرباني عند أهل اللغة معناه رب العلم أي صاحب العلم وجيء بالالف والنون للمبالغة ويقوي هذا أنه يروى أن ابن الحنفية رحمة الله عليه قال لما مات ابن عباس مات رباني العلم

وقال مجاهد الربانيون فوق الاحبار والاحبار العلماء لانهم يحبرون لشيء وهو في صدورهم محبر وقال ابن عباس سمي الحبر الذي يكتب به حبرا لانه يحبر به أي يحقق به وقال الثوري سألت الفراء لم سمي الحبر حبرا فقال يقال للعالم حبر وحبر والمعنى مداد حبر ثم حذف كما قال تعالى واسأل القرية فسألت الاصمعي فقال ليس هذا بشيء انما سمي حبرا لتأثيره يقال على أسنانه حبرة أي صفرة أو سواد 95 ثم قال جل وعز بما استحفظوا من كتاب الله أي استودعوا

96 - وقوله جل وعز ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون قال ابن عباس هو به كافر لا كفرا بالله وملائكته وكتبه وقال الشعبي الاولى في المسلمين والثانية في اليهود والثالثة في النصارى وقال غيره من رد حكما من أحكام الله فقد كفر قلت وقد أجمعت الفقهاء على أنه من قال لا يجب الرجم على من زنى وهو محصن أنه كافر لانه رد حكما من أحكام الله جل وعز ويروى أن حذيفة سئل عن هذه الآيات أهي في بني اسرائيل فقال نعم هي فيهم ولتسلكن سبيلهم حذو النعل بالنعل

وقال الحسن أخذ الله جل وعز على الحكام ثلاثة أشياء أن لا يتبعوا الهوى وأن لا يخشوا الناس ويخشوه وأن لا يشتروا بآياته ثمنا قليلا وأحسن ما قيل في هذا ما رواه الاعمش عن عبد الله بن مرة عن البراء قال هي في الكفار كلها يعني فأولئك هم الكافرون فأولئك هم الظالمون فأولئك هم الفاسقون والتقدير على هذا القول والذين لم يحكموا بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون

97 - وقوله جل وعز فمن تصدق به فهو كفارة له قال ابن عباس فهو كفارة للجارح وكذلك قال عكرمة والمعنى فمن تصدق بحقه وقال عبد الله بن عمرو فهو كفارة للمجروح أي يكفر عنه من ذنوبه مثل ذلك وكذلك قال ابن مسعود وجابر بن زيد رحمهما الله 98 وقوله جل وعز ومهيمنا عليه قال ابن عباس أي مؤتمنا عليه وقال سعيد بن جبير القرآن مؤتمن على ما قبله من الكتب وقال قتادة أي شاهد

وقال أبو العباس محمد بن يزيد الاصل مؤيمن عليه أي أمين فأبدل من الهمزة هاء كما يقال هرمت الماء وأرمت الماء وقال أبو عبيد يقال هيمن على الشيء يهيمن اذا كان له حافظا وهذه الاقوال كلها متقاربه المعاني لانه اذا كان حافظا للشيء فهو مؤتمن عليه وشاهد وقرأ مجاهد وابن محيص ومهيمنا عليه بفتح الميم وقال مجاهد أي محمد صلى الله عليه و سلم مؤتمن على القرآن 99 وقوله جل وعز لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا قال ابن عباس سبيلا وسنة

وقال قتادة الدين كله واحد والشرائع مختلفة وشرعة وشريعة عند أهل اللغة بمعنى واحد وهو ما بان ووضح ومنه طريق للشارع أي ظاهر بين ومنه هما في الامر شرع أي ظهورهما فيه واحد والمنهاج في اللغة الطريق البين وقال أبو العباس محمد بن يزيد الشريعة ابتداء الطريق والمنهاج الطريق المستمر

100 - وقوله جل وعز ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة قال ابن عباس على دين واحد 101 ثم قال جل وعز ولكن ليبلوكم فيما آتاكم أي ليختبركم 102 وقوله جل وعز أفحكم الجاهية يبغون روي عن الحسن وقتادة والاعرج والاعمش أنهم قرءوا أفحكم الجاهلية يبغون الحكم والحاكم في اللغة واحد وكأنهم يريدون الكاهن وما أشبهه من حكام الجاهلية وصذا في قرأة من قرأ أفحكم ومعنى يبغون يطلبون وقال مجاهد يراد بهذا اليهود يعني في أمر الزانيين حين جاءوا الى النبي صلى الله عليه و سلم يتوهمون أنه يحكم عليهما بخلاف الرجم

103 - ثم قال جل وعز ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون أي من أيقن تبين أن حكم الله جل وعز هو الحق 104 وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء هذا في المنافقين لانهم كانوا يمالئون المشركين ويخبرونهم بأسرار المؤمنين 105 وقوله جل وعز فترى الذين في قلوبهم مرض أي نفاق يسارعون فيهم المعنى يسارعون في معاونتهم ثم حذف كما قال جل وعز واسأل القرية 106 ثم قال جل وعز يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة في معناه قولان

أحدهما روي عن ابن عباس قال يقولون نخشى أن لا يدوم الامر لمحمد والقول الآخر نخشى أن يصيبنا قحط فلا يفضلوا علينا والقول الاول أشبه بالمعنى كأنه من دارت تدور أي نخشى أن يدور أمر ويدل عليه قوله جل وعز فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده لان الفتح النصر قال ابن عباس فأتى الله بالفتح فقتلت مقاتلة بني قريظة وسبيت ذراريهم وأجلي بنو النضير وقيل معنى أو أمر من عنده أي بأمر النبي صلى الله عليه و سلم أن يخبر بأسماء المنافقين فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم

نادمين 107 ثم قال جل وعز ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم أي أهؤلاء الذين اجتهدوا في الأيمان أنهم لا يوالون المشركين ثم قال تعالى حبطت أعمالهم وهذا مثل قوله تعالى الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم 108 وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه في معنى هذا قولان قال الحسن هو والله أبو بكر رضي الله عنه وأصحابه

حدثنا أبو جعفر قال نا الحسن بن عمر بن أبي الاحوص الكوفي قال نا أحمد بن يونس السري يعني ابن يحيى قال قرأ الحسن هذه الآية يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه حتى قرأ الآية فقال الحسن فولاها الله والله أبا بكر وأصحابه وروى شعبة عن سماك بن حرب عن عياض الاشعري قال لما نزلت فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أوما النبي صلى الله عليه و سلم الى أبي موسى الاشعري رحمه الله فقال هم قوم هذا 109 ثم قال جل وعز أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين قال أبو جعفر سمعت أبا اسحاق وسئل عن معنى هذا فقال ليس يريد أذلة من الهوان وانما يريد أن جانبهم لين للمؤمنين وخشن على الكافرين 110 ثم قال جل وعز ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء أي ذلك اللين للمؤمنين والتشديد على الكافرين تفضل

من الله جل وعز منحهم اياه 111 وقوله تبارك اسمه انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا قال أبو عبيد أخبرنا هشيم ويزيد عن عبد الملك بن سليمان عن أبي جعفر محمد بن علي في قوله جل وعز انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا قال يعني المؤمنين فقلت له بلغنا أنها نزلت في علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال علي من المؤمنين قال أبو عبيد وهذا يبين لك قول النبي صلى الله عليه و سلم من كنت مولاه فعلي مولاه فالمولى والولي واحد والدليل على هذا قوله جل وعز الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور

ثم قال في موضع آخر ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم فمعنى حديث النبي صلى الله عليه و سلم في ولاية الدين وهي أجل الولايات وقال غير أبي عبيد من كنت ناصره فعلي ناصره 112 وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء وقرأ الكسائي والكفار أولياء والمعنى من الذين أوتوا الكتاب ومن الكفار قال الكسائي في حرف أبي رحمه الله ومن الكفار وروي عن ابن عباس رحمه الله أن قوما من اليهود والمشركين ضحكوا من المسلمين وقت سجودهم فأنزل الله تعالى

يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا الى آخر الآيات 113 وقوله جل وعز قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله وفي هذا قولان روي عن ابن عباس أنه قال قالت اليهود في أمة محمد صلى الله عليه و سلم هم أقل الناس حظا في الدنيا والآخرة فأنزل الله جل وعز قل هل أنبئكم بشر من ذلك

والقول الآخر وهو المعروف الصحيح أن المعنى قل هل أنبئكم بشر من نقومكم علينا ثوابا لان قبله هل تنقمون منا الا أن آمنا بالله قال الكسائي يقال نقمت على الرجل أنقم نقوما ونقمة وقد حكي نقمت أنقم اذا كرهت الشيء أشد الكراهية 114 ثم قال جل وعز من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير قال مجاهد يعني اليهود مسخ منهم

115 - ثم قال جل وعز وعبد الطاغوت وهذه قراءة أهل المدينة وأبي عمرو والكسائي وقرأ أبو جعفر وعبد مثل ضرب ولا وجه لهذا وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ وعبدوا الطاغوت وروي عن أبي بن كعب وعن ابن مسعود من طريق آخر أنهما قرءا وعبدت الطاغوت وقرأ ابن عباس وعبد الطاغوت وروي عن عكرمة عن ابن عباس أنه يجوز وعابد الطاغوت وروي عن الاعمش ويحيى بن وثاب وعبد الطاغوت وقرأ أبو واقد الاعرابي وعباد الطاغوت وقرأ حمزة وعبد الطاغوت

فمن قرا وعبد الطاغوت فالمعنى عنده من لعنه الله ومن عبد الطاغوت وحمل الفعل على لفظ من ومن قرأ وعبدوا الطاغوت فهو عنده بذلك المعنى الا أنه حمله على معنى من كما قال جل وعز ومنهم من يستمعون اليك ومن قرأ وعبدت الطاغوت حمله على تأنيث الجماعة كما قال جل وعز قالت الاعراب ومن قرأ وعبد الطاغوت فهو عنده جمع عابد كما يقال شاهد وشهد وغائب وغيب ومن قرأ وعابد فهو عنده واحد يؤدي عن جماعة

ومن قرأ وعبد فهو عنده جمع عباد أو عبيد كما يقال مثال ومثل ورغيف ورغف وقال بعض النحويين هو جمع عبد كما يقال رهن ورهن وسقف وسقف ومن قرأ وعباد فهو جمع عابد كما يقال عامل وعمال ومن قرأ وعبد الطاغوت فأكثر أهل اللغة يذهب الى أنه لحن وهي تجوز على حيلة وذلك أن يجعل عبدا واحدا يدل على جماعة كما يقال رجل حذر وفطن وندس فيكون المعنى وخادم الطاغوت وعلى هذا تتأول هذه القراءة يقال عبده يعبده اذ ذل له أشد الذل ومنه بعير معبد أي مذلل بالقطران ومنه طريق معبد ومنه يقال عبدت أعبد اذا أنفت كما قال

وأعبد أن تهجى تميم بدارم والمعنى على هذا وخادم الطاغوت وقد قيل الفرد بمعنى الفرد وينشد النابغة من وحش وجرة موشي أكارعه طاوي المصير كسيف الصيقل الفرد ويروى الفرد وقيل الطاغوت ها هنا يعنى به الشيطان وكذا روي عن بريدة الاسلمي أنه قرأ وعابد الشيطان وأجاز بعض العلماء وعبد الطاغوت بالخفض على معنى عبدة مثل كاتب وكتبة والهاء تحذف من مثل هذا في الاضافة 116 وقوله عز و جل واذا جاؤكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به

أي لم ينتفعوا بشيء مما سمعوا فخرجوا بكفرهم 117 وقوله جل وعز لولا ينهاهم الربانيون والاحبار وقرأ أبو الجراح لولا ينهاهم الربيون قال مجاهد الربانيون والاحبار العلماء والفقهاء والربانيون فوق الاحبار قال أبو جعفر والربيون الجماعات وهو مأخوذ من الربة والربة الجماعة فنسب اليها فقيل ربي ثم جمع فقيل ربيون قال أبو جعفر والمعنى بئس الصنع ما يصنع هؤلاء الربانيون والاحبار في تركهم نهي هؤلاء

قال الضحاك ما في القرآن آية أخوف عندي منها أننا لا ننهى وفي هذه الآية حكم في أمر العلماء في النهي عن المنكر 118 وقوله عز و جل وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم في هذه الآية ثلاثة أقوال أحسنها ما روي عن ابن عباس أنه قال قالت اليهود ان الله عز و جل بخيل والمعنى عند أهل اللغة على التمثيل أي قالوا هو ممسك عنا لم يوسع علينا حين أجدبوا كما قال تعالى ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك فهذا نظير ذاك والله أعلم

وقيل اليد ها هنا النعمة وقيل هذا القول غلط لقوله بل يداه مبسوطتان فنعم الله جل وعز أكثر من أن تحصى فكيف يكون بل نعمتاه مبسوطتان فقال من احتج لمن قال انهما نعمتان بأن المعنى النعمة الظاهرة والباطنة والقول الثالث أن المعنى أنه لا يعذبنا أي مغلولة عن عذابنا 119 وقوله عز و جل وألقينا بينهم العداوة والبغضاء الى يوم القيامة أي جعل بأسهم بينهم فهم متباغضون غير متفقين فهم أبغض خلق الله الى الناس

وقال مجاهد هم اليهود والنصارى والذي قال حسن ويكون راجعا الى لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء 120 ثم قال جل وعز كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله هذا تمثيل أي كلما تجمعوا شتت الله أمرهم وقال قتادة أذلهم الله جل وعز بمعاصيهم فلقد بعث النبي صلى الله عليه و سلم وهم تحت أيدي المجوس 121 ثم قال جل وعز ويسعون في الارض فسادا

أي يسعون في إبطال الاسلام 122 وقوله جل وعز ولو أنهم أقاموا التوراة والانجيل أي لو أظهروا ما فيها من صفة النبي صلى الله عليه و سلم وما أنزل اليهم من ربهم يعني به القرآن والله أعلم 123 ثم قال جل وعز لاكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم فهذا يدل على أنهم كانوا في جدب ومن فوقهم على قول ابن عباس ومجاهد والسدي يعني المطر ومن تحت أرجلهم يعني النبات وقيل يجوز أن يكون تمثيلا أي لوسعنا عليهم كما يقال

فلان في خير من قرنه الى قدمه أي قد شمله الخير والاول قول أهل التأويل 124 وقوله عز و جل يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالاته في معناه قولان أحدهما بلغ كل ما أنزل اليك ويقوي هذا أن مسروقا روى عن عائشة أنها قالت من حدثك أن محمدا صلى الله عليه و سلم كتم شيئا من الوحي فقد كذب والله يقول يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والقول الآخر وعليه أكثر أهل اللغة ان المعنى أظهر ما أنزل اليك من ربك أي بلغه ظاهرا

ودل على هذا قوله تعالى والله يعصمك من الناس أي يمنعك منهم أن ينالوك بسوء مشتق من عصام القربة وهو ما تشد به وقوله جل وعز وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل اليك طغيانا وكفرا أي يكفرون به فيزدادون كفرا على كفرهم 125 ثم قال جل وعز فلا تأس على القوم الكافرين أي فلا تحزن عليهم 126 وقوله جل وعز ان الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى في هذا قولان أحدهما أنه يعني بالذين آمنوا ها هنا المنافقون

والتقدير ان الذين آمنوا بألسنتهم ودل على هذا قوله تعالى ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم 127 ثم قال جل اسمه من آمن بالله فالمعنى على هذا القول من حقق الايمان بقلبه والقول الآخر ان معنى من آمن بالله من ثبت على ايمانه كما قال تعالى يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله 128 وقوله جل وعز كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون قال اليهود والنصارى يشتركون في التكذيب واليهود تنفرد بالقتل خاصة وكانت الرسل منها من يأتي بالشرائع والكتب والاحكام نحو محمد صلى الله عليه و سلم وموسى وعيسى وهؤلاء

معصومون ومنهم من يأتي بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر والتمسك بالدين نحو يحيى وزكريا عليهما السلام 129 وقوله عز و جل وحسبوا أن لا تكون فتنة فعموا وصموا قال الحسن يعني بالفتنة البلاء وقال غيره معنى فعموا وصموا تمثيل أي لم يعملوا بما سمعوا ولا انتفعوا بما رأوا فهم بمنزلة العمي الصم 130 ثم قال جل وعز ثم تاب الله عليهم أي بعث محمدا صلى الله عليه و سلم يخبرهم بأن الله عز و جل يتوب عليهم ان تركوا الكفر

ثم عمو وصموا أي بعد وضوح الحجة 131 وقوله عز و جل لقد كفر الذين قالوا ان الله هو المسيح ابن مريم قال ابراهيم النخعي المسيح الصديق قال أبو جعفر ووجدنا للعلماء في تفسير معناه ستة أقوال سوى هذا روي عن ابن عباس سمي مسيحا لانه كان أمسح الرجل لا أخمص له وروى غيره عنه انما سمي مسيحا لانه كان لا يمسح بيده ذا عاهة الا برأ ولا يضع يده على شيء الا أعطي فيه مراده وقال ثعلب لانه كان يمسح الارض أي يقطعها وقيل لسياحته في الارض وقيل لانه خرج من بطن أمه ممسوحا بالدهن

وقال أبو عبيد أحسب أصله بالعبرانية مشيحا قال وأما قولهم المسيح الدجال فانما سمي مسيحا لانه ممسوح احدى العينين فهو مسيح بمعنى ممسوح كما يقال قتيل بمعنى مقتول 132 وقوله جل وعز وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام من الصدق وفعيل في كلام العرب للتكثير كما يقال سكيت وقال جل وعز وصدقت بكلمات ربها وكتبه ومن هذا قيل لابي بكر رضي الله عنه صديق

ويروى أنه انما قيل له صديق لانه لما أخبر أن النبي صلى الله عليه و سلم أسري به الى بيت المقدس فقال ان كان قال فقد صدق 133 وقوله جل وعز كانا يأكلان الطعام في معناه قولان أحدهما كناية عن اتيان الحاجة كما يكنى عن الجماع بالغشيان وما أشبهه وقيل كانا يتغذيان كما يتغذى سائر الناس فكيف يكون الها من لا يعيش الا بأكل الطعام 134 ثم قال جل وعز ذكره انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون أي قد بينا لهم العلامات وأوضحنا الامر فمن أين يصرفون

يقال أفكه يأفكه اذا صرفه 135 وقوله جل وعز يا اهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق الغلو التجاوز قال أبو عبيد كما فعلت الخوارج أخرجهم الغلو الى أن كفروا أهل الذنوب قال ويبين لك هذا قول النبي صلى الله عليه و سلم فيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية والمروق هو الغلو بعينه لان السهم يتجاوز الرمية 136 ثم قال جل وعز ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل

قال ابن أبي نجيح عن مجاهد يعني اليهود وقال غيره لانهم اتبعوا شهواتهم وطلبوا دوام رياستهم وآثروا ذلك على الحق والهوى في القرآن مذموم والعرب لا تستعمله الا في الشر فأما في الخير فيستعملون الشهوة والنية والمحبة 137 ثم قال جل وعز وأضلوا كثيرا قال ابن أبي نجيح يعني المنافقين وقال غيره ضلوا باتباعهم اياهم 138 ثم قال جل وعز وضلوا عن سواء السبيل أي قصده 139 وقوله جل وعز لعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم قال أبو مالك الذين لعنوا على لسان داود مسخوا قردة

والذين لعنوا على لسان عيسى صلى الله عليه و سلم مسخوا خنازير وروي عن ابن عباس أنه قال الذين لعنوا على لسان داود أصحاب السبت والذين لعنوا على لسان عيسى الذين كفروا بعد نزول المائدة وروي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال أول ما وقع النقص في بني اسرائيل أن أحدهم كان يرى أخاه على المعصية فينهاه ثم لا يمنعه ذلك من الغد أن يكون أكيله وشريبه فضرب الله قلوب بعضهم ببعض وأنزل فيهم القرآن لعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ثم قال صلى الله عليه و سلم كلا والذي نفسي بيده حتى

تأخذوا على يدي الظالم فتأطروه على الحق أطرا 140 وقوله جل وعز ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا قال مجاهد يعني المنافقين 141 وقوله جل وعز لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا انا نصارى قال سعيد بن جبير هم سبعون رجلا وجه بهم النجاشي وكانوا أجل من عنده فقها وسنا فقرأ عليهم النبي صلى الله عليه و سلم يس فبكوا وقالوا ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين

وأنزل الله فيهم أيضا الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون الى قوله أولئك يؤتون أجرهم مرتين الى آخر الآية وروي عن ابن عباس أنه قال هم من الحبشة جاءوا الى النبي صلى الله عليه و سلم وكان معهم رهبان من رهبان الشام فآمنوا ولم يرجعوا 142 وقوله جل وعز فاكتبنا مع الشاهدين روى اسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال يعني أمة محمد صلى الله عليه و سلم ويبين لك صحة هذا القول قوله جل وعز وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس 143 وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم

قال الضحاك هؤلاء قوم من المسلمين قالوا نقطع مذاكيرنا ونلبس المسوح وقال قتادة نزلت في جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم منهم علي بن أبي طالب وعثمان بن مظعون قالوا نخصي أنفسنا ونترهب وقال مجاهد نزلت في عثمان بن مظعون وعبد الله بن عمرو بن العاص وغيرهما قالوا نترهب ونلبس المسوح 144 وقوله جل وعز ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين الاعتداء في اللغة تجاوز ما له الى ما ليس له قال الحسن معناه ألا تأتوا ما نهيتم عنه 145 وقوله جل وعز لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم فيه قولان

أحدهما أنه قول الرجل لا والله وبلى والله وروي هذا القول عن عائشة قال الشافعي وذلك عند اللجاج والغضب والعجلة والقول الآخر أن يحلف الرجل على الشيء هو عنده على ما حلف ثم يكون على خلاف ذلك يروى هذا القول عن ابن عباس وأبي هريرة واللغو في اللغة المطرح فقيل لما لا حقيقة له من الأيمان لغو قال الكسائي يقال لغا يلغو لغوا أو لغي يلغى لغا 146 وقوله جل وعز ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان قال الكسائي معنى عقدتم أوجبتم

قال ابن جريج قلت لعطاء ما معنى عقدتم قال والله الذي لا اليه الا هو وقرأ أبو عمرو عقدتم قال معناه وكدتم وروى نافع أن ابن عمر كان اذا حنث من غير أن يؤكد اليمين أطعم عشرة مساكين لكل مسكين مدا فاذا وكد اليمين أعتق رقبة قيل لنافع ما معنى وكد اليمين قال أن يحلف على الشيء مرارا 147 وقوله جل وعز فكفارته اطعام عشرة مساكين المعنى فكفارة اثمه أي الذي يغطي على اثمه قال أبو جعفر والهاء التي في فكفارته عائدة على ما التي في بما عقدتم الايمان

وهذا مذهب الحسن والشعبي لان المعنى عندهما فكفارة ما عقدتم منها وقيل الهاء عائدة على اللغو والاول أولى 148 ثم قال جل وعز من أوسط ما تطعمون أهليكم قال عبد الله بن عمر من أوسط ما تطعمون أهليكم الخبز والتمر والخبز والزيت وأفضل ما تطعمونهم الخبز واللحم وقال الاسود أوسط ما تطعمون أهليكم الخبز والتمر قال أبو اسحاق يحتمل هذا ثلاثة معان في اللغة يجوز أن يكون معنى من أوسط ما تطعمون أهليكم من أعدل ما تطعمونهم قال عز و جل وكذلك جعلناكم أمة وسطا أي عدلا

ويحتمل أن يكون في القيمة ويحتمل أن يكون في الشبع وقرأ سعيد بن جبير من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كإسوتهم أي كإسوة أهليكم وروي أن رجلا قرأ على مجاهد أو كإسوتهم فقال له لا تقرأ الا أو كسوتهم وقال أرى ذلك ثوبا وفي قراءة عبد الله بن أبي بن كعب فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات 149 ثم قال جل وعز ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم أي ذلك كفارة اثم أيمانكم اذا حلفتم وحنثتم ثم حذف قال أبو جعفر وكان محمد بن جرير يختار في أوسط أن تكون بمعنى أعدل في القلة والكثرة قال فأعدل أقوات الموسع مدان وذلك أعلاه وأعدل أقوات المقتر مد وذلك ربع صاع و ما مصدر فأما الكسوة

فقال الحسن وطاووس وعطاء ثوب ثوب وقال سعيد بن المسيب عباءة وعمامة وقال مجاهد كل ما كسا فهو مجزىء وهذا أشبه باللغة أن يكون كل ما وقع اسم كسوة مما يكون ثوبا فصاعدا لان ما دون الثوب لا خلاف في أنه لا يجوز 150 وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان روى موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال الميسر القمار وقال عبيد الله بن عمر سئل القاسم بن محمد عن الشطرنج أهي ميسر وعن النرد أهو ميسر فقال كل ما صد عن ذكر الله وعن الصلاة فهو ميسر

قال أبو عبيد تأول قول الله عز و جل ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة وزعم الاصمعي أن الميسر كان في الجزور خاصة كانوا يقتسمونها على ثمانية وعشرين سهما وقال أبو عمرو الشيباني كانوا يقتسمونها على عشرة أسهم ثم يلقون القداح ويتقامرون على مقاديرهم وهذا القول ليس بناقض لما تقدم لان الميسر اذا كان في الجزور خاصة فهو قمار ثم قيل ما كان مثله من اقمار ميسر كما أن الخمر لشيء بعينه ثم قيل لكل مسكر خمر لانه بمنزلتها وقد ذكرنا في أول السورة الانصاب والازلام والرجس النتن 151 ثم قال جل وعز فاجتنبوه لعلكم تفلحون أي كونوا في جانب غير جانبه

ويروى أن عمر رضي الله عنه لم يزل يقول اللهم بين لنا في الخمر حتى نزلت فهل أنتم منتهون فقال قد انتهينا 152 وقوله جل وعز ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا اذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات قال ابن عباس والبراء لما حرمت الخمر قال المسلون يا رسول الله فكيف باخواننا المؤمنين الذين ماتوا وهم يشربونها فأنزل الله جل وعز ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا الى آخر الآية وروى الزهري عن عبد الله بن عامر بن ربيعة أن عمر لما أراد حد قدامة بن مظعون قال قدامة ما كان لكم أن تجلدوني قال الله جل وعز ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا الآية فقال عمر أخطأت التأويل انك اذا أيقنت اجتنبت ما حرم الله عليك ثم أمر به فجلد

قيل هذا أحسن من الاول لان فيها اذا ما اتقوا وآمنوا و اذا لا تكون للماضي فالمعنى على هذا والله أعلم للمؤمنين قبل وبعد على العموم وقد روي هذا أيضا عن ابن عباس قال أبو جعفر قيل اذا مااتقوا الشرك وآمنوا وصدقوا ثم اتقوا وآمنوا ازدادوا ايمانا ثم اتقوا الصغائر حذرا وأحسنوا تنفلوا وقال محمد بن جرير الاتقاء الاول هو الاتقاء بتلقي أمر الله بالقبول والتصديق والدينونة به والعمل والاتقاء الثاني الاتقاء بالثبات على التصديق والثالث الاتقاء بالاحسان والتقرب بالنوافل 153 وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد المعنى ليختبرن طاعتكم من معصيتكم

154 - ثم قال جل وعز تناله أيديكم ورماحكم قال مجاهد الذي تناله أيديكم البيض والفراخ والذي تناله الرماح ما كان كبيرا 155 وقوله جل وعز لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم روى شريك عن سالم عن سعيد بن جبير يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم قال قتله حرام في هذه الآية قال بعض العلماء أي أنه لما حرم قتل الصيد على المحرم كان قتله اياه غير تذكية 156 وقوله جل وعز ومن قتله منكم متعمدا أكثر الفقهاء على أن عليه الجزاء سواء كان متعمدا أو مخطئا

وذهبوا الى قوله تعالى ومن قتله منكم متعمدا مردود الى قوله جل وعز ومن عاد فينتقم الله منه واحتجوا في ذلك أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل عن الضبع فقال هي صيد وجعل فيها اذا أصابها المحرم كبشا ولم يقل عمدا ولا خطأ قال الزهري هو في الخطأ سنة وقال بعض أهل العلم انما عليه الجزاء اذا قتله متعمدا واحتجوا بظاهر الآية حدثنا عبد الله بن أحمد بن عبد السلام نا محمد بن يحيى نا أبو الوليد نا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير في قوله جل وعز ومن قتله منكم متعمدا قال ليس عليه في الخطأ شيء انما هو في العمد يعني الصيد

157 - وقوله جل وعز فجزاء مثل ما قتل من النعم قيل النعم في اللغة الابل والبقر والغنم وان انفردت الابل قيل لها نعم وان انفردت البقر والغنم لم يقل لها نعم وقرأ الاعمش فجزاؤه مثل ما والمعنى فعليه جزاؤه ثم أبدل مثلا من جزائه 158 وقوله جل وعز أو كفارة طعام مساكين أو هنا للتخيير وفي معناه أقوال وقيل الحاكم مخير وقيل أنه يعمل بالاول فالاول والقول الاول أحسن لان قاتل الصيد هو المخاطب ولان

المعروف أن أو للتخيير وقرأ طلحة والجحدري أو عدل ذلك صياما وأنكره جماعة من أهل اللغة وقالوا العدل الحمل وقال الكسائي العدل والعدل لغتان بمعنى واحد وقال الفراء عدل الشيء مثله من غير جنسه وعدله مثله من جنسه وأنكر البصريون هذا التفريق وقالوا العدل والعدل المثل كان من الجنس أو من غير الجنس لا يختلف كما أن المثل لا يختلف وفي الحديث لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا فالصرف التوبة والعدل الفدية

روي عن النبي صلى الله عليه و سلم قال أبو حاتم ولا يعرف قول من قال انهما الفريضة والنافلة والذي أنكره أبو حاتم قال المازري 159 ثم قال جل وعز ليذوق وبال أمره أي شدته ومنه طعام وبيل اذا كان ثقيلا ومنه قوله عقيلة شيخ كالوبيل يلندد 160 ثم قال جل وعز عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه قال عطاء عفا الله عما سلف في الجاهلية وقال شريح وسعيد بن جبير يحكم عليه في أول مرة فاذا عاد لم يحكم عليه وقيل له اذهب ينتقم الله منك أي ذنبك أعظم من أن يكفر

كما أن اليمين الفاجرة لا كفارة لها عند أكثر أهل العلم لعظم اثمها قلت قول عطاء في هذا أشبه والمعنى ومن عاد بعد الذي سلف في الجاهلية فينتقم الله منه بأشياء تصيبه من العقوبة أو يكون مثل قوله ليذوق وبال أمره 161 وقوله جل وعز أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة روى عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة عن عمر قال صيد البحر ما صيد منه وطعامه ما قذف وكذلك روى سعيد بن جبير عن ابن عباس

وقيل طعامه ما زرع لانه به ينبت وقال سعيد بن جبير طعامه المليح منه وصيده ما كان طريا البين أن صيده أن تصيدوا وطعامه أن تأكلوا الصيد قال مجاهد لكم لاهل القرى وللسيارة لاهل الامصار وقيل السيارة المسافرون وهذا أولى 162 وقوله جل وعز جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس فيه قولان أحدهما وهو أشبه بالمعنى أنهم يقومون بها ويأمنون قال سعيد بن جبير شدة للدين

والقول الآخر أنهم يقومون بشرائعها فأما قوله جل وعز بعد هذا ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السموات وما في الارض ومجانسة هذا الاول فقال أبو العباس محمد بن يزيد كانوا في الجاهلية يعظمون البيت الحرام والاشهر الحرم حتى انهم كانوا يسمون رجبا وهو من الاشهر الحرم الاصم لانه لا يسمع فيه وقع السلاح فعلم الله عز و جل ما يكون منهم من اغارة بعضهم فألهمهم أن لا يقاتلوا في الاشهر الحرم ولا عند البيت الحرام ولا من كان معه القلائد فالذي ألهمهم هذا يعلم ما في السموات وما في الارض وقال أبو اسحاق وقد أخبر الله جل وعز النبي صلى الله عليه و سلم في هذه السورة بأشياء مما يسره المنافقون واليهود فقال جل وعز

سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك وما كان من أمر الزانيين وقوله جل وعز عن ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السموات وما في الارض متعلق بهذه الاشياء أي الذي أخبركم بها يعلم ما في السموات وما في الارض والدليل على صحة هذا القول قوله تعالى ما على الرسول الا البلاغ والله يعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون 163 وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم معنى ان تبد لكم ان تظهر قال شعبة أخبرني موسى بن أنس بن مالك أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه و سلم يا رسول الله من أبي فقال أبوك فلان فأنزل الله عز و جل يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن

أشياء ان تبد لكم تسؤكم روى ابراهيم الهجري عن أبي عياض عن أبي هريرة أن رجلا قال يا رسول الله أفرض الحج في كل سنة فقال لو قلتها لوجبت ولو وجبت فتركتموها لكفرتم وروى أبو صالح عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه و سلم لا يسألني انسان في مجلسي هذا عن شيء الا أنبأته به فقال رجل يا رسول الله من أبي فأخبره ونزلت لا تسألوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم

وأن لا يكلفهم طلب حقائق الاشياء من عنده جل وعز وقيل انما ينهى عن هذا لان الله جل وعز أحب الستر على عباده رحمة منه لهم وأحب أن لا يقترحوا المسائل وقال النبي صلى الله عليه و سلم اتركوني ما تركتكم فانما هلك من كان قبلكم لكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم وروى عبد الكريم عن سعيد بن جبير قال نزلت لا تسألوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم في الذين سألوا عن البحيرة والسائبة والوصيلة ألا ترى أن بعده ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام قلت أحسن هذه الأقوال الثاني وأن الله جل وعز أحب الستر على عباده ورد أحكامهم الى الظاهر الذي يقدرون عليه

163 - ودل على أن هذا الصحيح قوله جل وعز قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين قال مقسم فيما سألت الامم أنبياءهم صلى الله عليهم وسلم من الآيات أي فأروهم اياها ثم كفر فومهم بها بعد واختلف أهل التفسير في البحيرة والسائبة والوصيلة والحام قال أبو جعفر ونذكر من قولهم ما وافقه قول أهل اللغة وهو معنى قول ابن عباس والضحاك البحيرة الناقة اذ نتجت خمسة أبطن فكان آخرها ذكرا شقوا أذنها وخلوها لا تمنع من مرعى ولا يركبها أحد وفي رواية ابن عباس وعمدوا الى الخامس فنحروه وكان لحمه للرجال دون النساء وان كانت أنثى استحيوها وتركوها ترعى مع أمها بعد شقهم أذن الام وتركهم الانتفاع بها وان كانت ميتة

اشترك فيها الرجال والنساء وفي اشتقاقه قولان أحدهما أن يقال بحره اذا شقه والقول الآخر انه من الاتساع في الشيء مشبه بالبحر والسائبة أن ينذر أحدهم ان برأ من مرضه ليسيبن ناقة أو ما أشبه ذلك واذا أعتق عبدا فقال هو سائبة لم يكن عليه ولاء وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم رأيت عمرو بن لحيي يجر قصبه في النار وهو أول من سيب السوائب

والوصيلة في الغنم خاصة اذا ولدت الشاة سبعة أبطن فان كان السابع ذكرا ذبحوه وكان لحمه للرجال دون النساء واذا ولدت أنثى لم يذبحوها وقالوا وصلت أخاها وفي الرواية عن ابن عباس قالوا وصلت أخاها ولم يشرب من لبنها الا الذكور خاصة وان كانت ميتة أكلها الرجال والنساء وتلا ابن عباس وقالوا ما في بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا الآية والحامي البعير اذا ولد له من صلبة عشرة أولاد قالوا قد حمى ظهره فلم يركب وخلي وكان بمنزلة البحيرة وفي الرواية عن ابن عباس انه البعير اذا ركب أولاد أولاده قالوا قد حمى ظهره

فأعلم الله أن هذا افتراء منهم فقال ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون قال الشعبي الذين لا يعقلون الاتباع والذين افتروا فعقلوا أنهم افتروا 164 وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم أي الزموا أنفسكم فأصلحوها وخلصوها من العقاب 165 ثم قال جل وعز لا يضركم من ضل اذا اهتديتم ليس في هذا دليل على الرخصة في ترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والله عز و جل قد أمر بذلك وانما المعنى لا تؤاخذون بكفر من كفر وقد بين هذا في الحديث قال قيس بن أبي حازم سمعت أبا بكر الصديق رضي الله عنه على المنبر يقول انكم تأولون يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل اذا اهتديتم فاني سمعت رسول الله

صلى الله عليه و سلم يقول ان الناس اذا عمل فيهم بالمعاصي ثم لم يغيروا أوشك الله جل وعز أن يعمهم بعقابه وقال ابن مسعود في هذه الآية قولوها ما قبلت منكم فاذا ردت عليكم فعليكم أنفسكم وقال سعيد بن جبير هي في أهل الكتاب وقال مجاهد هي في اليهود والنصارى ومن كان مثلهم يذهبان الى أن المعنى لا يضركم كفر أهل الكتاب اذا أدوا الجزية وهذا تفسير حديث أبي بكر فأما حديث ابن مسعود فعلى أن تأويل الآية على وقتين ففي أوقات من آخر الزمان يعمل بها كما قال أبو أمية الشعباني قلت لابي ثعلبة الخشني كيف أصنع بهذه الآية يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل اذا اهتديتم

فقال سألت عنها رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال ائتمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر حتى اذا رأيت شحا مطاعا وهو متبعا ودنيا مؤثرة واعجاب كل ذي رأي برأيه ورأيت الام لا يدي لك به أو لا يد لك به فعليك بنفسك ودع العوام 166 وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم اذا حضر أحدكم الموت وقرأ الاعرج شهادة بينكم وقرأ أبو عبد الرحمن شهادة بينكم فمن قرأ شهادة بينكم و شهادة بينكم فالمعنى عنده شهادة اثنين ثم حذف شهادة وأقام اثنين مقامها في الاعراب ويجوز أن يكون المعنى ليكن أن يشهد اثنان ومن قرأ شهادة بينكم فهو عنده بغير حذف والمعنى أن يشهد اثنان

167 - فأما قوله تعالى اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم ففي هذا اختلاف كبير قال أبو موسى الاشعري وابن عباس ذو عدل منكم من أهل دينكم أو آخران من غيركم من أهل الكتاب وقال بهذا القول من التابعين عبيدة وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وشريح وابن سيرين والشعبي

وقال الحسن والزهري ذوا عدل منكم من أقربائكم لانهم أعلم بأموركم من غيرهم أو آخران من غيركم من غير أقربائكم من المسلمين وقال من احتج لهذا القول قد أجمع المسلمون على أن شهادة أهل الكتاب لا تجوز على المسلمين في غير الوصية واجماعهم يقضي على اختلافهم وقال جل وعز ممن ترضون من الشهداء فدل هذا على أن أحدا منهم ممن لا يرضى فالكافر يجب أن لا يرضى به أيضا فانه قال جل وعز تحبسونهما من بعد الصلاة فكيف يعظم الكافر الصلاة وقال ابراهيم النخعي الآية منسوخة نسخها وأشهدوا

ذوي عدل منكم وقال زيد بن أسلم كان ذلك والارض حرب والناس يتوارثون بالوصية وتوفي رجل وليس عنده أحد من أهل الاسلام فنزلت هذه الآية ثم نسخت الوصية وفرضت الفرائض ومعنى تحبسونهما من بعد الصلاة من بعد صلاة العصر ومعنى لا نشتري به ثمنا بما شهدنا عليه 168 ثم قال جل وعز ولو كان ذا قربى معناه وان كان ذا قربى كما قال سبحانه ولو افتدى به 169 ثم قال جل وعز ولا نكتم شهادة الله انا اذا لمن الآثمين

وقرأ عبد الله بن مسلم ولا نكتم شهادة الله وهو يحتمل معنيين أحدهما أن المعنى ولا نكتم الله شهادة والمعنى الآخر ولا نكتم شهادة والله ثم حذف الواو ونصب وقرأ الشعبي ولا نكتم شهادة الله هذا عند أكثر أهل العربية لحن وان كان سيبوبه قد أجاز حذف القسم والخفض وقرأ أبو عبد الرحمن ولا نكتم شهادة الله على الاستفهام 170 وقوله جل وعز فان عثر على انهما استحقا اثما قال ابراهيم النخعي المعنى فان اطلع 171 ثم قال جل وعز فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الاوليان

ان اطلع عليهما بخيانة فأمر اثنان من أولياء الميت فحلفا واستحقا وقال أبو اسحاق وهذا موضع مشكل من الاعراب والمعنى وقد قيل فيه أقوال منها أن المعنى من الذين استحق فيهم الاوليان فقامت على مقام في كما قامت في مقام على في قوله تعالى ولاصلبنكم في جذوع النخل وقيل المعنى من الذين استحق منهم الاوليان وقامت على مقام من كما قال تعالى الذين اذا اكتالوا على الناس يستوفون أي من الناس قال والقول المختار أن المعنى عندي ليقم الاولى بالميت فالاوليان بدل من الالف في يقومان والمعنى من الذين استحق عليهم الايصاء

وأنكر ابن عباس هذه القراءة وقرأ من الذين استحق عليهم الاولين وقال أرأيت ان كان الاوليان صغيرين 172 وقوله جل وعز يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم هذا السؤال على جهة التوبيخ لمن كذبهم وفي معنى الآية قولان أحدهما أنهم لما سئلوا فزعوا فزال وهمهم فقالوا لا علم لنا قال مجاهد لما قيل لهم ماذا أجبتم فزعوا فقالوا لا علم لنا فلما ثابت عقولهم خبروا بما علموا والقول الآخر أن المعنى لا علم لنا بما غاب عنا وقيل يدل على صحة هذا القول انك أنت علام الغيوب

وهذا مذهب ابن جريج وروى حجاج عن ابن جريج في قوله عز و جل يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا قال قيل لهم ما علمتم من الامم بعدكم قالوا لا علم لنا قال أبو عبيد ويشبه هذا حديث النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال يرد الحوض أقوام فيختلجون فأقول أمتي فيقال انك لا تدري ما أحدثوا بعدك 173 وقوله عز و جل اذ قال الله يا عيسى بن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك نعمته على مريم أنه جل وعز اصطفاها وطهرها

وقال جل وعز كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا 174 وقوله جل وعز اذ أيدتك بروح القدس أيدتك قويتك وروح القدس جبريل صلى الله عليه و سلم قيل قواه به حين هموا بقتله وقواه به في الحجة 175 وقوله جل وعز واذ أوحيت الى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قيل معنى أوحيت ههنا ألهمت كما قال تعالى وأوحى ربك الى النحل وقيل معناه أمرت كما قال الشاعر وحى لها القرار فاستقرت

وقيل معنى أوحيت ههنا بينت ودللت بالآيات والبراهين 176 وقوله جل وعز اذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء روى شيبة بن نصاح المقري عن القاسم بن محمد عن عائشة أنها قالت كان الحواريون أعرف بالله من أن يقولوا هل يستطيع ربك ولكن قالوا هل تستطيع ربك وقرأ علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ومعاذ وابن عباس هل تستطيع ربك وكذلك قرأ سعيد بن جبير

وقال سعيد انما هو هل تستطيع أن تسأل ربك والتقدير عند أهل العربية على هذه القراءة هل تستطيع سؤال ربك ثم حذف كما قال واسأل القرية و هل يستطيع ربك حسن بغير حذف معروف في كلام العرب أن يقال هل يستطيع أن يقوم بمعنى هل يستطيع أن يفعل ذلك بمسألتي وأنت تعرف أنه يستطيعه وفي سؤال الحواريين تنزيل المائدة قولان أحدهما أنهم سألوا ذلك ليتبينوا كما قال ابراهيم عليه السلام رب أرني كيف تحيي الموتى والقول الآخر أن يكون سؤالهم هذا من قبل أن يعلموا أن عيسى يبرىء الاكمه والابرص

فأما قول عيسى لهم اتقوا الله إن كنتم مؤمنين فيعني أن لا تقترحوا الآيات ولا تسألوا ما لم يسأل غيركم من الامم قال أبو عبيدة مائدة من الطعام وهي فاعلة بمعنى مفعولة كما قال جل وعز في عيشة راضية وقال أبو اسحق مائدة عندي من ماد يميد اذا تحرك وقرأ عاصم الجحدري تكون لنا عيدا لاولانا وأخرانا وقرأ الاعمش تكن لنا عيدا

وقيل انها أنزلت وقيل انها لم تنزل والصواب أن يقال انها أنزلت لقوله جل وعز قال الله اني منزلها عليكم وروى قتادة عن خلاس بن عمرو عن عمار بن ياسر وبعضهم يرفعه قال أنزلت المائدة خبزا ولحما وأمروا أن لا يخزنوا ولا يدخروا لغد فخانوا وادخروا ورفعوا فمسخوا خنازير حدثنا القاسم بن زكريا المطرز نا الحسين بن قرعة قال نا ابن حبيب عن سعيد بن قتادة عن خلاس بن عمرو عن عمار بن ياسر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أنزلت المائدة خبزا ولحما فأمروا أن لا يدخروا ولا يرفعوا فادخروا ورفعوا فمسخوا قردة وخنازير

ويروى أن هذه محنة أمر الله جل وعز امتحانهم بها قال عبد الله بن مسعود أشد الناس عذابا أصحاب المائدة وآل فرعون والمنافقون وقال الحسن لما أوعدوا بالعذاب ان هم عصوا قالوا لا حاجة لنا بها فلم تنزل وقال مجاهد لما قيل لهم فمن يكفر بعد منكم فاني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين امتنعوا من نزولها لم تنزل وقيل ان هذا العذاب في الآخرة 177 وقوله جل وعز واذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت

للناس اتخذوني وأمي الهين من دون الله قال سبحانك في معنى هذا قولان أحدهما أن هذا يقال له في الآخرة قال قتادة يقال له هذا يوم القيامة قال ألا ترى أنه قال هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لا يكون الا يوم القيامة وقال السدي انه قال هذا حين رفعه لانه قال ان تعذبهم فانهم عبادك وان تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم فانما هذا على أنهم في الدنيا أي ان تغفر لهم بعد التوبة واحتج لصاحب هذا القول بأن اذ في كلام العرب لما مضى

والقول الاول عليه أكثر أهل التفسير فأما حجة صاحب هذا القول الثاني بأن اذ لما مضى فلا تجب لان اخبار الله جل وعز عما يكون بمنزلة ما كان فعلى هذا يصح أنه للمستقبل وسنذكر قولهم في ان تعذبهم فانهم عبادك 178 وقوله جل وعز تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك قال أبو اسحق النفس عند أهل اللغة على معنيين أحدهما أن يراد بها بعض الشيء والآخر أن يراد بها الشيء كله نحو قولك قتل فلان نفسه فقوله عز و جل تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك معناه تعلم حقيقتي وما عندي

والدليل على هذا قوله انك أنت علام الغيوب وقال غيره تعلم غيبي ولا أعلم غيبك 179 وقوله جل وعز فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم قال قتادة الرقيب الحافظ وكذلك هو عند أهل اللغة 180 وقوله جل وعز ان تعذبهم فانهم عبادك وان تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم في هذا أقوال فمن أحسنها أن هذا على التسليم لله جل وعز وقد علم أنه لا يغفر لكافر ولا يدرى أكفروا بعد أم آمنوا ومن الدليل على صحة هذا القول أن سعيد بن جبير روى عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال يحشر الناس يوم القيامة عراة حفاة عزلا وقرأ صلى الله عليه و سلم كما بدأكم تعودون فيؤمر بأمتي ذات اليمين وذات الشمال فأقول أصحابي

فيقال انهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم بعدك فأقول كما قال العبد الصالح وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم وقرأ الى قوله وان تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم وروى أبو ذر أن النبي صلى الله عليه و سلم قام ليلة يردد ان تعذبهم فانهم عبادك وان تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم وقيل انه معطوف على قوله ما قلت لهم الا ما أمرتني به والمعنى على هذا القول ما قلت في الدنيا الا هذا وقال أبو العباس محمد بن يزيد لا يراد بهذا مغفرة الكفر

وانما المعنى ولان تغفر لهم كذبهم علي وحكايتهم عني ما لم أقل وقال أبو اسحق قد علم عيسى صلى الله عليه و سلم أن منهم من آمن فالمعنى عندي والله أعلم ان تعذبهم على فريتهم وكفرهم فقد استحقوا ذلك وان تغفر لمن تاب منهم بعد الافتراء العظيم والكفر وقد كان لك أن لا تقبل توبته بعد اجترائه عليك فانك أنت العزيز الحكيم وأما قول من قال ان عيسى صلى الله عليه و سلم لم يعلم أن الكافر لا يغفر له فقول مجترء على كتاب الله جل وعز لان الاخبار من الله جل وعز لا ينسخ وقيل كان عند عيسى صلى الله عليه و سلم أنهم أحدثوا معاصي وعملوا بعده بما لم يأمرهم به الا أنهم على عمود دينه فقال وان تغفر لهم ما أحدثوا بعدي من المعاصي

وقوله جل وعز هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم سئل بعض أهل النظر عن معنى هذا فقيل له لو صدق الكافر وقال أسأت لم ينفعه ذلك والجواب عن هذا أن يوم القيامة يوم مجازاة وليس بيوم عمل فانما المعنى هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم في الدنيا وتركهم الافتراء على الله جل اسمه وعلى رسله وقيل ينفعهم صدقهم في العمل والله أعلم بما أراد انتهت سورة المائدة بعونه تعالى

تفسير سورة الانعام مكية
وآياتها 165 آية

بسم الله الرحمن الرحيم سورة الانعام وهي مكية
قال أخبرنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن اسماعيل النحاس قال حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى حدثنا أبو حاتم روح بن الفرج مولى الحضارمة قال حدثنا أحمد بن محمد أبو بكر العمري قال حدثنا ابن أبي فديك قال حدثني عمر بن طلحة بن علقمة بن وقاص عن نافع أبي سهيل بن مالك عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم نزلت سورة الانعام معها موكب من الملائكة سد ما بين الخافقين لهم زجل بالتسبيح والارض لهم ترتج ورسول الله يقول سبحان ربي العظيم ثلاث مرات

قوله جل وعز الحمد لله الذي خلق السموات والارض وجعل الظلمات والنور قال قتادة خلق الله السماء قبل الارض والليل قبل النهار والجنة قبل النار فأما قوله والارض بعد ذلك دحاها فمعناه بسطها 2 وقوله جل وعز ثم الذين كفروا بربهم يعدلون قال مجاهد أي يشركون قال الكسائي يقال عدلت الشيء بالشيء عدولا اذا ساويته به وهذا القول يرجع الى قول مجاهد لانهم اذا عبدوا مع الله غيره فقد ساووه به وأشركوا

3 - وقوله جل وعز هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده قال الحسن ومجاهد وعكرمة وخصيف وقتادة وهذا لفظ الحسن قضى أجل الدنيا من يوم خلقك الى أن تموت وأجل مسمى عنده يعني الآخرة ثم أنتم تمترون أي تشكون وتعبدون معه غيره 4 وقوله جل وعز وهو الله في السموات وفي الارض والالف واللام في أحد قولي سيبويه مبدلة من همزة والاصل عنده اله

فالمعنى على هذا هو المعبود في السموات وفي الارض ويجوز أن يكون المعنى وهو الله المنفرد بالتأليه في السموات وفي الارض كما تقول هو في حاجات الناس وفي الصلاة ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر ويكون المعنى وهو الله في السموات وهو الله في الارض 5 وقوله جل وعز ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن قيل القرن ستون عاما وقيل سبعون فيكون التقدير على هذا من أهل قرن وأصح من هذا القول القرن كل عالم في عصر لانه مأخوذ من الاقتران أي عالم مقترن بعضهم الى بعض وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم قال خير الناس القرن

الذي أنا فيه يعني أصحابه ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم وأكثر أصحاب الحديث على أن القرن مائة سنة واحتجوا بأن النبي قال لعبد الله بن بسر تعيش قرنا فعاش مائة سنة 6 وقوله جل وعز وأرسلنا السماء عليهم مدرارا أي تدر عليهم ومدرار على التكثير كما يقال امرأة مذكار اذا كثرت ولادتها للذكور ومئناث 7 وقوله جل وعز ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا ان هذا الا سحر مبين

أي قد جعلوا في أنفسهم الكفر والعناد فاذا رأوا آية قالوا سحر كما أنهم سألوا انشقاق القمر فلما انشق قالوا هذا سحر مستمر كذلك أيضا لو نزل الله عليهم كتابا من السماء لقالوا ان هذا الا سحر مبين 8 وقوله جل وعز وقالوا لولا أنزل عيه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الامر قال ابن أبي نجيح عن مجاهد أي لقامت القيامة والمعنى عند أهل اللغة لحتم بهلاكهم وهو يرجع الى ذلك القول 9 وقوله جل وعز ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا قال قتادة أي في صورة بني آدم

10 - ثم قال تعالى وللبسنا عليهم ما يلبسون قال الضحاك يعني أهل الكتاب لانهم غيروا صفة النبي صلى الله عليه و سلم في كتابهم وعصوا ما أمروا به قال الكسائي يقال لبست عليهم الامر ألبسه لبسا اذا خلطته أي أشكلته 11 وقوله جل وعز فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون الحيق في اللغة ما يعود على الانسان من مكروه فعله ومنه ولا يحيق المكر السيء الا بأهله

12 - وقوله جل وعز قل لمن ما في السموات والارض قل لله هذا احتجاج عليهم لانهم مقرون أن ما في السموات والارض لله فأمر الله النبي صلى الله عليه و سلم أن يحتج عليهم بأن الذي خلق ما في السموات والارض قادر على أن يحييهم بعد الموت 13 ثم قال جل وعز كتب ربكم على نفسه الرحمة لانه أمهلهم الى يوم القيامة ويجوز أن يكون هذا تمام الكلام ويجوز أن تكون ما هذه تبيينا لان قوله ليجمعنكم الى يوم القيامة لا ريب فيه معناه يمهلكم فهذا من رحمته جل وعز

14 - وقوله جل وعلا وله ما سكن في الليل والنهار أي ثبت وهذا احتجاج عليهم أيضا 15 وقوله جل وعز وهو يطعم ولا يطعم كما تقول هو يرزق ولا يرزق ويعول ولا يعال وروي عن الاعمش أنه قرأ وهو يطعم ولا يطعم وهي قراءة حسنة أي ولا يأكل 16 وقوله جل وعز من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه المعنى من يصرف عنه العذاب ثم حذف لعلم

السامع وكذلك معنى من يصرف 17 وقوله جل وعز وأوحي إلي هذا القرآن لانذركم به ومن بلغ المعنى ومن بلغه القرآن ثم حذف الهاء لطول الاسم وقال مجاهد ومن أسلم من فصيح وأعجم وروي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال بلغوا القرآن عن الله جل وعز ومن بلغته آية من كتاب الله فقد بلغه أمر الله وقيل المعنى ومن بلغ الحلم كما يقال قد بلغ فلان

18 - وقوله جل وعز الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ويجوز أن يكون المعنى القرآن والحديث يدل أن المعنى يعرفون النبي صلى الله عليه و سلم وروي أن عمر قال لعبد الله بن سلام أتعرف محمدا صلى الله عليه و سلم كما تعرف ابنك فقال نعم وأكثر بعث الله أمينه في سمائه الى أمينه في أرضه بنعته فعرفته وابني لا أدري ما كان من أمه 19 وقوله جل وعز ثم لم تكن فتنتهم الا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين قال أبو سحاق تأويل هذه الآية لطيف جدا أخبر الله جل وعز بقصص المشركين وافتتانهم بشركهم ثم أخبر أن فتنتهم

لم تكن حين رأوا الحقائق الا أن انتفوا من الشرك ونظير هذا في اللغة أن ترى انسانا يحب غاويا فإذا وقع في هلكة تبرأ منه فيقول له ما كانت محبتك اياه الا أن تبرأت منه فأما معنى قولهم والله ربنا ما كنا مشركين وقال في موضع آخر ولا يكتمون الله حديثا معطوف على ما قبله والمعنى وودوا أن لايكتموا الله حديثا والدليل على على صحة هذا القول أنه روي عن سعيد بن جبير في قوله والله ربنا ما كنا مشركين قال اعتذروا وحلفوا وكذلك قال ابن أبي نجيح وقتادة وروي عن مجاهد أنه قال لما رأوا الذنوب تغفر الا الشرك والناس يخرجون من النار الا المشركين قال والله ربنا ما كنا مشركين

وقول بعض أهل اللغة انما قالوا هذا على أنهم صادقون عند أنفسهم ولم يكونوا ليكذبوا وقد عاينوا ما عاينوا وقطرب يذهب الى هذا القول وهو قول مردود لانه قال لم يكونوا ليكذبوا وبعدها انظر كيف كذبوا على أنفسهم ويبين لك الغلط في هذا القول قوله جل وعز يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له الآية قال مجاهد كذبهم الله وقيل معنى ولا يكتمون الله حديثا أنه ظاهر عنده 20 وقوله جل وعز ومنهم من يستمع اليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا

قيل فعل بهم هذا مجازاة على كفرهم وليس المعنى أنهم لا يسمعون ولا يفقهون ولكن لما كانوا لا ينتفعون بما يسمعون ولا ينقادون الى الحق كانوا بمنزلة من لا يسمع ولا يفهم ثم خبر بعنادهم فقال وان يروا كل آية لا يؤمنوا بها لانهم لما رأوا القمر منشقا قالوا سحر فأخبر الله عز و جل بردهم الآيات بغير حجة وقال حتى اذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا ان هذا الا أساطير الاولين فخبر أن هذا مقدار احتجاجهم 21 وقوله جل وعز وهم ينهون عنه وينأون عنه أكثر أهل التفسير يذهب الى أن المعنى للكفار أي ينهون

عن اتباع النبي صلى الله عليه و سلم ويبعدون عنه قال مجاهد يعني به قريش وكذلك قال قتادة والضحاك يعني به الكفار وروى سفيان عن حبيب بن أبي ثابت قال أخبرني من سمع ابن عباس يقول نزلت في أبي طالب كان ينهى عن أذى النبي صلى الله عليه و سلم ويتباعد عنه والقول الاول أشبه لانه متصل بأخبار الكفار وقولهم

22 - وقوله جل وعز وان يهلكون الا أنفسهم أي وبال ذلك يرجع عليهم لان الله جل وعز يبدد جموعهم وينصره عليهم 23 ثم قال جل وعز وما يشعرون أي وما يشعرون أن وبال ذلك يرجع عليهم 24 وقوله جل وعز ولو ترى اذ وقفوا على النار في معناه ثلاثة أقوال 1 منها أن معنى وقفوا على النار أدخلوها كما يقال وقفت على ما عند فلان أي عرفت حقيقته 2 وقيل معناه رأوها 3 وقيل جاوزا عليها وهي من تحتهم

25 - ثم قال جل وعز فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين المعنى ونحن لا نكذب بآيات ربنا رددنا أو لم نرد قال سيبوبه ومثله دعني ولا أعود أي ولا أعود تركتني أو لم تتركني ومن قرأ ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين فمعناه عنده يا ليتنا وقع لنا الرد وأن لا نكذب قال أبو اسحاق وفيه معنى ان رددنا لم نكذب وقرأ ابن عامر يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين بالنصب وقرأ عبد الله بن مسعود ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين

وقرأ أبي بن كعب ولا نكذب بآيات ربنا أبدا 26 وقال جل وعز بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل المعنى بل ظهر للذين اتبعوا الغواة ما كان الغواة يخفون عنهم من أمر البعث والقيامة لان بعده وقالوا ان هي الا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين وقال بعض أهل اللغة ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه فيه شيء محذوف والمعنى ولو ردوا قبل أن يعاينوا العذاب لانهم لا يكفرون بعدما عاينوا وهذا القول مردود لان الله جل ثناؤه أخبر عنهم أنهم يقولون

هذا يوم القيامة وقد خبر جل وعز عن ابليس أنه كفر بعدما رأى وعنهم أنهم كفروا عنادا وايثارا للرئاسة 27 وقوله جل وعز جاءتهم الساعة بغتة البغتة الفجاءة يقال بغتهم الامر يبغتهم بغتا وبغتة 28 ثم قال جل وعز قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها الفائدة في نداء الحسرة وما كان مثلها مما لا يجيب أن العرب اذا أرادت تعظيم الشيء والتنبيه عليه نادته ومنه قولهم يا عجباه قال سيبويه اذا قلت يا عجباه فمعناه أحضر وتعال يا

عجب فان هذا من أزمانك فهذا أبلغ من قولك تعجبت ومنه قول الشاعر فيا عجبا من رحلها المتحمل 29 وقوله جل وعز وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم واحد الاوزار وزر والفعل منه وزر يزر يراد به الاثم وهو تمثيل وأصله الوزر وهو الجبل ومنه الحديث في النساء اللواتي خرجن في جنازة فقال لهن ارجعن موزورات غير مأجورات قال أبو عبيد والعامة تقول مأزورات كأنه لا وجه له عنده لانه من الوزر ومنه قيل وزير كأنه يحمل الثقل عن صاحبه

30 - وقوله جل وعز فانهم لا يكذبونك هكذا روي عن علي بن أبي طالب رضوان الله عليه أنه قرأ وهو اختيار أبي عبيد واحتج بأنه روي أن أبا جهل قال للنبي صلى الله عليه و سلم انا لا نكذبك ولكنا نكذب ما جئت به فأنزل الله عز و جل فانهم لا يكذبونك وقد خولف أبو عبيد في هذا وروي لا نكذبك فأنزل الله جل وعز فانهم لا يكذبونك ويقوي هذا أنه روي أن رجلا قرا على ابن عباس فانهم لا يكذبونك فقال له ابن عباس

فانهم لا يكذبونك لانهم كانوا يسمون النبي صلى الله عليه و سلم الامين ومعنى يكذبونك عند أهل اللغة ينسبونك الى الكذب ويروون عليك ما قلت ومعنى لايكذبونك لا يجدونك كاذبا كما تقول أحمدته اذا وجدته محمودا ويجوز أن يكون معنى المخففه لا يبينون عليك أنك كاذب لأنه يقال أكذبته اذا احتججت عليه وبينت أنه كاذب حدثنا محمد بن جعفر الانباري حدثنا شعيب بن أيوب الواسطي عن معاوية بن هشام عن سفيان الثوري عن أبي اسحاق عن ناجية بن كعب عن علي قال قال أبو جهل للنبي صلى الله عليه و سلم انا لا نكذبك ولكن نكذب ما جئت به فأنزل الله عز و جل

فانهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون والقول في هذا مذهب أبي عبيد واحتجاجه لازم لان عليا رحمة الله عليه هو الذي روى الحديث وقد صح عنه أنه قرأ بالتخفيف وحكى الكسائي عن العرب أكذبت الرجل أخبرت أنه جاء بالكذب ورواه وكذبته أخبرت أنه كاذب 31 وقوله جل وعز فان استطعت أن تبتغي نفقا في الارض أو سلما في السماء قال قتادة النفق الشرب في الارض والسلم الدرج وكذلك هو في اللغة ومنه النافقاء أحد جحر اليربوع

قال أبو اسحاق والسلم مشتق من السلامة كأنه يسلمك الى الموضع الذي تريد والمعنى ان استطعت أن تبتغي نفقا في الارض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية فافعل ثم حذف هذا لعلم السامع أي ليس لك من الامر شيء 32 ثم قال جل وعز ولو شاء الله لجمعهم على الهدى أي لاراهم آية تضطرهم الى الايمان ولكنه أراد جل وعز أن يثيب من آمن منهم ومن أحسن ويجوز أن يكون المعنى لطبعهم على الايمان 33 ثم قال جل وعز انما يستجيب الذين يسمعون قال الحسن ومجاهد يراد به المؤمنون والمعنى الذين

يسمعون سماع قبول 34 ثم قال جل وعز والموتى يبعثهم الله قال الحسن ومجاهد يراد به الكفار وقال غيرهما يراد به كل ميت 35 وقوله جل جلاله وما من دابة في الارض ولا طائر يطير بجناحيه الا أمم أمثالكم وأكثر أهل التفسير يذهب الى أن المعنى أنهم يخلقون كما يخلقون ويبعثون كما يبعثون وكذلك قال أبو هريرة يحشر الله جل وعز يوم القيامة الطير والبهائم فيبلغ من عدله أن يأخذ من القرناء للجماء ثم

يقول كوني ترابا فعند ذلك يقول الكافر يا ليتني كنت ترابا وقال مجاهد في قوله جل وعز الا أمم أمثالكم قال أصناف لهن أسماء تعرف بها كما تعرفون ومعنى يطير بجناحيه على التوكيد لانك قد تقول طرت في حاجتي 36 وقوله جل وعز قل أرأيتكم ان أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة والمعنى أو أتتكم الساعة التي تبعثون فيها 37 ثم قال جل وعز أغير الله تدعون ان كنتم صادقين

في هذا أعظم الاحتجاج عليهم لانهم كانوا يعبدون الاصنام فاذا وقعوا في شدة دعوا الله 38 وقال جل وعز بل اياه تدعون فيكشف ما تدعون اليه ان شاء هذا مجاز والمعنى فيكشف الضر الذي من أجله دعوتموه وهو مثل واسأل القرية في المجاز 39 وقوله جل وعز ولقد أرسلنا الى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء قيل البأساء الجوع والفقر والضراء نقص الاموال والانفس بالمرض والثمرات 40 ثم قال جل وعز لعلهم يتضرعون

أي ليكون العباد على رجاء من التضرع 41 ثم قال تعالى فلولا اذ جاءهم بأسنا تضرعوا أي فهلا وأعلم الله النبي أنه قد ارسل قبله رسولا الى قوم بلغ من قسوتهم أن أخذوا بالبأساء والضراء فلم يتضرعوا 42 وقوله جل وعز فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء قال مجاهد من رخاء الدنيا ويسرها والتقدير عند أهل اللغة فتحنا عليهم أبواب كل شيء كان

مغلقا عنهم 43 وقوله جل وعز فاذا هم مبلسون قال أبو عبيدة المبلس الحزين النادم قال الفراء المبلس المنقطع الحجة 44 وقوله جل وعز فقطع دابر القوم الذين ظلموا الدابر في اللغة الآخر يقال دبرهم يدبرهم اذا جاء آخرهم وفي الحديث عن عبد الله بن مسعود من الناس من لا يأتي الصلاة الا دبريا أي في آخر الوقت

45 - وقوله جل وعز قل أرأيتم ان أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من اله غير الله يأتيكم به المعنى من اله غير الله يأتيكم بما أخذ منكم والهاء كناية عن المصدر فلذلك وحدت ويجوز أن يكون تعود على السمع مثل والله ورسوله أحق أن يرضوه 46 ثم قال تعالى انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون قال قتادة أي يصدفون عنها 47 وقوله جل وعز قل أرأيتكم ان أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة قال مجاهد البغتة أن يأتيهم فجاءة آمنين والجهرة أن يأتيهم وهم ينظرون

48 - ثم قال جل وعز هل يهلك الا القوم الظالمون أي هل يهلك الا أنتم لانهم كفروا وعاندوا 49 وقوله جل ثناؤه وما نرسل المرسلين الا مبشرين ومنذرين أي لم نرسلهم ليأتوا بالآيات المقترحات وانما يأتون من الآيات بما تظهر معه براهينهم وانما مذهبهم التبشير والانذار 50 وقوله جل وعز قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب هذا متصل بقوله جل وعز لولا نزل عليه آية من ربه أي لا أقول لكم عندي خزائن الله التي يرزق منها ويعطي ولا أعلم الغيب فأخبركم بما غاب عنكم الا بوحي ولا أقول لكم اني ملك لان الملك يشاهد من أمر الله جل وعلا ما لا يشاهد البشر

51 - وقوله جل وعز قل هل يستوي الاعمى والبصير قال مجاهد يعني المسلم والكافر 52 وقوله جل وعز وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا الى ربهم أي بالقرآن وخص من يخاف الحشر لان الحجة عليهم أوكد فان كان مسلما أنذر ليترك المعاصي وان كان من أهل الكتاب أنذر ليتبع الحق 53 ثم قال جل وعز ليس لهم من دونه من ولي ولا شفيع لان اليهود والنصارى قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه

54 - وقوله جل وعز ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه قال سعد نزلت في ستة أنا وعبد الله بن مسعود وأربعة قال المشركون للنبي صلى الله عليه و سلم انا نستحيي أن نكون تبعا لهؤلاء فأنزل الله عز و جل ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه الى قوله أليس الله بأعلم بالشاكرين قال مجاهد نزلت في بلال وعبد الله بن مسعود وقال غيره انما أراد المشركون بهذا أن يحتجوا على النبي صلى الله عليه و سلم لان أتباع الانبياء الفقراء فطلبوا أن يطردهم فيحتجوا

عليه بذلك فعصمه الله مما أرادوا منه 55 وقوله جل وعز وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين المعنى ولا تطرد الذين يدعون ربهم فتكون من الظالمين وما من حسابك من شيء فتطردهم على التقديم والتأخير 56 ثم قال جل وعز وكذلك فتنا بعضهم ببعض أي اختبرنا وابتلينا لأن الفقراء صبروا على الجهد مع فقرهم فكان ذلك أوكد على الأغنياء في الحجة 57 ثم قال جل وعز ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أي ليقول الاغنياء 58 وقوله جل وعز فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة

السلام والسلامة بمعنى واحد ومعنى سلام عليكم سلمكم الله في دينكم وأنفسكم والسلام أسم من أسماء الله جل وعز معناه ذو السلامة وقرأ الحسن وعاصم وعيسى كتب ربكم علىنفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم بفتحها جميعا فالاولى بدل من الرحمة والثانية مؤكدة مكررة لطول الكلام هذا مذهب سيبويه وقرأ أبو عمر والكسائي والاعمش وابن كثير وشبل بكسرهما جميعا والمعنى الاولى قال انه وكسر الثانية لانها مبتدأة بعد الفاء

وقرأ أهل المدينة بفتح الاولى لانها تبيين للرحمة وكسروا الثانية لما تقدم 59 وقوله جل وعز وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين المعنى على هذه القراءة ولتستبين يا محمد سبيل المجرمين قا قيل فقد كان صلى الله عليه و سلم يستبينها فالجواب عند الزجاج أن الخطاب للنبي صلى الله عليه و سلم خطاب لامته بالمعنى ولتستبينوا سبيل المجرمين فان قيل فلم لم تذكر سبيل المؤمنين ففي هذا جوابان

أحدهما أنه اذا استبينت سبيل المجرمين فقد استبينت سبيل المؤمنين والجواب الآخر أن يكون مثل قوله سرابيل تقيكم الحر فالمعنى وتقيكم البرد ثم حذف وكذلك هذا يكون المعنى ولتستبين سبيل المؤمنين ثم حذف 60 وقوله جل وعز قل اني على بينة من ربي وكذبتم به ما عندي ما تستعجلون به أي ما تستعجلون من اقتراح الآيات ويجوز أن يكون المعنى ما تستعجلون به من العذاب

61 - ثم قال جل وعز ان الحكم الا لله يقضي الحق كذلك قرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأبو عبد الرحمن السلمي وسعيد بن المسيب واحتج بعض من قرأ هذه القراءة بأن بعده وهو خير الفاصلين والفصل لا يكون الا في القضاء والحكم وقرأ ابن عباس ومجاهد والاعرج يقص الحق قال ابن عباس كما قال جل وعز نحن نقص عليك أحسن القصص واحتج بعض من قرأ هذه القراءة بأنه في السواد بلا ياء قال ولو كانت يقضي لكانت بالحق وهذا الاحتجاج لا يلزم لان مثل هذه الياء تحذف

كثيرا وأما قوله لو كانت يقضي لكانت بالحق فلا يلزم أيضا لان معنى يقضي يأتي ويصنع فالمعنى يأتي الحق ويجوز أن يكون المعنى يقضي القضاء الحق 62 وقوله جل وعز وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو جمع مفتح مفاتح وجمع مفتاح مفاتيح أي الوصلة الى علم الغيب

حدثنا محمد بن الحسن يعرف بابن بدينا قال حدثنا أبو مصعب الزهري قال حدثنا صالح بن قدامة الجحمي عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال مفاتح الغيب خمسة لا يعلمها الا الله لا يعلم ما تغيض الارحام الا الله ولا يعلم ما في غد الا الله ولا يعلم متى يأتي المطر الا الله ولا تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت ولا يعلم متى تقوم الساعة الا الله جل وعز 63 وقوله تعالى وما تسقط من ورقة الا يعلمها المعنى أنه يعلمها سقطت أو لم تسقط كما تقول ما يجيئك أحد الا وأنا أعرفه فليس أنك لا تعرفه الا في حال مجيئه و من للتوكيد والدليل على أنها للتوكيد أن الحسن قرأ

ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين أي الا يعلمه علما يقينا ويجوز أن يكون المعنى الا قد كتبه قبل أن يخلقه والله أعلم بما أراد فان قيل ما الفائدة عل هذا الجواب في كتبه وهو يعلمه فالجواب عن هذا أنه لتعظيم الامر أي اعلموا أن هذا الذي ليس فيه ثواب ولا عقاب مكتوب فكيف بما فيه ثواب وعقاب 64 وقوله جل وعز وهو الذي يتوفاكم بالليل أي ينيمكم فيتوفى الانفس التي تميزون بها كما قال الله عز و جل الله يتوفى الانفس حين موتها والتي لم تمت في منامها

65 - ثم قال جل وعز ويعلم ما جرحتم بالنهار قال ابن أبي نجيح أي كسبتم ومعروف في اللغة أنه يقال جرح اذا كسب ومنه وما علمتم من الجوارح مكلبين 66 ثم قال جل وعز ثم يبعثكم فيه قال ابن أبي نجيح أي في النهار 67 ثم قال جل عز ليقضى أجل مسمى أي لتستوفوا أجلكم 68 وقوله جل وعز حتى اذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا قال ابراهيم النخعي يعني أعوان ملك الموت يتوفون

الارواح ويدفعونها الى ملك الموت أو يرفعونها كذا في الحديث 69 ثم قال جل وعز وهم لا يفرطون قال أبو عبيدة لا يتوانون وقال غيره معنى فرطت قدمت العجز 70 وقوله جل وعز قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر الظلمات ها هنا الشدائد والعرب تقول يوم مظلم اذا كان شديدا فاذا عظمت ذلك قالت يوم ذو كواكب وأنشد سيبوبه

بني أسد لو تعلمون بلاءنا اذا كان يوم ذو كواكب أشنعا 71 ثم قال جل وعز تدعونه تضرعا وخفية أي تظهرون التضرع وهو أشد الفقر الى الشيء والحاجة اليه وخفية أي وتبطنون مثل ذلك فأمر الله النبي صلى الله عيه وسلم أن يوبخهم اذ كانوا يدعون الله تبارك وتعالى في الشدائد ثم يدعون معه في غير الشدائد الاصنام وهي لا تضر ولا تنفع 72 وقوله جل وعز قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم قال عامر بن عبد الله كان ابن عباس يقول أما العذاب من فوقكم فأئمة السوء وأما العذاب من تحت أرجلكم فخدم السوء وقال الضحاك من فوقكم من كباركم أو من تحت أرجلكم من سفلتكم

قال أبو العباس من فوقكم يعني الرجم أو من تحت أرجلكم يعني الخسف 73 ثم قال جل وعز أو يلبسكم شيعا الشيع الفرق والمعنى شيعا متفرقة مختلفة لا متفقة ولبست خلطت ويبينه قوله جل وعز ويذيق بعضكم بأس بعض قال ابن أبي نجيح عن مجاهد يعني الفتن والاختلاف 74 وقوله عز و جل وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل هذا من قبل أن يؤمر بالحرب أي لست أحاربكم حتى

تؤمنوا أي لست بمنزلة الموكل بكم حتى تؤمنوا 75 ثم قال جل وعز لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون وهذا تهديد اما بعذاب يوم القيامة واما بالامر بالحرب 76 وقوله جل وعز واذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره روى شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال هم الذين يستهزئون بكتاب الله نهاه الله أن يجلس معهم الا أن ينسى فاذا ذكر قام قال تعالى فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين وروى ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال هم الذين يقولون في القرآن غير الحق

77 - ثم قال جل وعز وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء قال مجاهد أي لو جلسوا ولكن لا يجلسوا أي لان الله قد نهاهم 78 وقوله عز و جل وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا قال قتادة هذا منسوخ نسخه قوله تعالى فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم 79 ثم قال جل وعز وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت قال مجاهد تسلم وقال الكسائي والاخفش أي تجزى

وقال الفراء أي ترتهن وهذه المعاني متقاربة وقول مجاهد حسن أي تسلم بعملها لا تقدر على التخلص لانه يقال استبسل فلان للموت أي رأى ما لا يقدر على دفعه وينشد وابسالي بني بغير جرم بعوناه ولا بدم مراق قال أبو جعفر بعوناه أي جنيناه 80 وقوله جل وعز وان تعدل كل عدل لا يؤخذ منها

قال قتادة العدل الفدية وقد بيناه فيما تقدم 81 وقوله جل وعز قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا قال مجاهد يعني الاوثان 82 ثم قال جل وعز ونرد على أعقابنا بعد اذ هدانا الله أي الى الكفر قال أبو عبيدة يقال لمن رد عن حاجته ولم يظفر بها قد رد على عقبيه وقال أبو العباس محمد بن يزيد معناه يعقب بالشر بعد الخير وأصله من العاقبة والعقبى وهما ما كان تاليا للشيء راجيا أن يتبعه ومنه والعاقبة للمتقين ومنه عقب الرجل ومنه العقوبة لانها تالية للذنب وعنه تكون

83 - وقوله جل وعز كالذي استهوته الشياطين في الارض حيران معنى استهوته زينت له هواه 84 ثم قال جل وعز له أصحاب بدعونه الى الهدى ائتنا 85 وقوله جل وعز وهو الذي خلق السموات والارض بالحق ويوم يقول كن فيكون والمعنى اتقوا يوم يقول كن فيكون ويجوز أن يكون معطوفا على قوله تعالى وهو الذي خلق السموات والارض بالحق فان قيل ما معنى وخلق يوم يقول كن فيكون فالجواب أن ما أخبر الله جل وعز أنه كائن فهو بمنزلة ما قد كان ويجوز أن يكون المعنى واذكروا وهذا أحسن الاجوبة لان بعده وإذ قال ابراهيم

وقيل المعنى ويوم يقول كن فيكون للصور وقيل المعنى فيكون ما أراد من موت الخلائق وبعثهم والتمام على هذين الجوابين عند قوله فيكون وقيل المعنى فيكون قوله أي فيكون يأمر به ويكون التمام على هذا فيكون قوله الحق قال أبو عبيدة الصور جمع صورة وهذا القول مما رد عليه لان عبد الله بن مسعود قال الصور قرن وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لم يزل صاحب الصور ملتقمه منذ خلقه الله ينتظر متى يؤمر بالنفخ فيه

وقال عمرو بن عبيد قرأ عياض يوم ينفخ في الصور وهذا يعني به الخلق والله أعلم 86 وقوله جل وعز واذ قال ابراهيم لابيه آزر أتتخذ أصناما آلهة فقرأ الحسن آزر بالرفع وفي حرف أبي يا آزر قال الحسن هو اسم أبيه وذهب الحسن الى أنه نداء وقال سليمان التيمي معنى آزر يا أعوج وقيل كان لابيه اسمان كان يقال له تارح وآزر وقيل آزر اسم صنم والمعنى على هذا القول أتتخذ آزر أي أتتخذ أصناما

87 - وقوله جل وعز وكذلك نري ابراهيم ملكوت السموات والارض ملكوت في اللغة بمعنى ملك الا أن فيه معنى المبالغة وروى سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال يعني الآيات وروى ابن جريج عن القاسم عن ابراهيم النخعي قال فرجت له السموات السبع فنظر اليهن حتى انتهى الى العرش وفرجت له الأرضون فنظر اليهن 88 وقوله جل وعز فلما جن عليه الليل جن عليه وأجنة اذا ستره بظلمته 89 ثم قال جل وعز رأى كوكبا

قال قتادة كنا نحدث أنه الزهرة قال السدي هو المشتري 90 ثم قال جل وعز هذا ربي في هذا أجوبة قال قطرب يجوز أن يكون على الاستفهام وهذا خطأ لان الاستفهام لا يكون الا بحرف أو يكون في الكلام أم وقال بعض أهل النظر انما قال لهم هذا من قبل أن يوحى اليه واستشهد صاحب هذا القول بقوله تعالى لئن لم يهدني ربي لاكونن من القوم الضالين قال أبو اسحاق هذا الجواب عندي خطأ وغلط ممن قاله

وقد أخبر الله جل وعز عن ابراهيم أنه قال واجنبني وبني أن نعبد الاصنام وقال جل وعز بقلب سليم أي لم يشرك قط قال والجواب عندي أنه قال هذا ربي على قولكم لانهم كانوا يعبدون الاصنام والشمس والقمر ونظير هذا قول الله جل وعز أين شركائي وهو جل وعز لا شريك له والمعنى أين شركائي على قولكم ويجوز أن يكون المعنى فلما جن عليه الليل رأى كوكبا يقولون هذا ربي ثم حذف القول كما قال جل وعز والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم فحذف القول

91 - وقوله جل وعز فلما أفل قال قتادة أي ذهب قال الكسائي يقال أفل النجم أفولا اذا غاب 92 وقوله جل وعز فلما رأى القمر بازغا يقال بزغ القمر اذا ابتدأ في الطلوع 93 وقوله جل وعز اني وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض حنيفا فطر خلق والحنيف المائل الى الاسلام كل الميل 94 وقوله جل وعز وحاجه قومه المعنى وحاجه قومه أي في توحيد الله 95 وقوله جل وعز ولا أخاف ما تشركون به الا أن يشاء ربي شيئا

المعنى الا أن يشاء ربي أن يلحقني شيئا بذنب عملته وهذا استثناء ليس من الاول 96 وقوله جل وعز فأي الفريقين أحق بالامن المعنى المؤمن أحق بالامن أم المشرك 97 ثم قال جل وعز الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم يجوز أن يكون هذا اخبار عن ابراهيم صلى الله عليه و سلم أنه قاله ويجوز أن يكون مستأنفا من قول الله جل وعز وفي بعض الروايات عن مجاهد ما يدل أنه اخبار عن ابراهيم وروي عن مجاهد أنه قال في قول الله جل وعز وتلك

حجتنا آتيناها ابراهيم على قومه قال هو قوله فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم قال أبو بكر وعلي رضي الله عنهما وسلمان وحذيفة في قوله تعالى ولم يلبسوا ايمانهم بظلم أي بشرك وروى علقمة عن عبد الله بن مسعود لما نزلت الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وقالوا أينا لا يظلم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ليس كما تظنون انما هو كما قال لقمان ان الشرك لظلم عظيم 98 وقوله جل وعز ومن ذريته داود وسليمان

ويجوز أن يكون المعنى وهدينا داود وسليمان ويكون معطوفا على كل ويجوز أن يكون المعنى ووهبنا له داود وسليمان 100 وقوله جل وعز واجتبيناهم قال مجاهد أخلصناهم وهو عند أهل اللغة بمعنى اخترناهم 101 وقوله تعالى فان يكفر بها هؤلاء قال مجاهد يعني أهل مكة وقال قتادة يعني قوم محمد عليه السلام 102 فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين قال مجاهد يعني أهل المدينة وقال قتادة يعني النبيين الذين قص الله عز و جل

وهذا القول أشبه بالمعنى لانه قال بعد أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده وحدثني محمد بن ادريس قال حدثنا ابراهيم حدثنا عثمان المؤذن عن عوف عن أبي رجاء في قول الله جل وعز فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين قال هم الملائكة 103 وقوله جل وعز وما قدروا الله حق قدره قال أبو عبيدة أي ما عرفوا الله حق معرفته هذا قول حسن لان معنى قدرت الشيء وقدرنه عرفت مقداره ويدل عليه قوله جل وعلا اذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء أي لم يعرفوه حق معرفته اذ أنكروا أن يرسل رسولا وقال غير أبي عبيدة المعنى وما عظموا الله حق عظمته ومن هذا لفلان قدر

والمعنيان متقاربان ويروى أن هذا نزل في بعض اليهود ممن كان يظهر العبادة ويتنعم في السر فقيل له ان في الكتاب أن الله لا يحب الحبر السمين فقال ما أنزل الله على بشر من شيء 104 وقوله جل وعز ولتنذر أم القرى ومن حولها المعنى ولتنذر أهل أم القرى قال قتادة كنا نتحدث أنها مكة لان الارض منها دحيت

وقيل انما سميت أم القرى لانها تقصد من كل قرية 105 وقوله جل وعز ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي الي ولم يوح اليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله قال قتادة بلغنا أن هذا أنزل في مسيلمة قال أبو اسحاق وهذا جواب لقولهم لو نشاء لقلنا مثل هذا وروي عن ابن عباس الذي افترى على الله كذبا مسيلمة والذي قال سأنزل مثل ما أنزل الله عبد الله بن سعد بن أبي سرح

وروى حفص بن عمر عن الحكم بن أبان عن عكرمة أن هذه الآية نزلت في النضر بن الحارث لانه عارض القرآن فقال والطاحنات طحنا والعاجنات عجنا فالخابزات خبزا فاللاقمات لقما 106 ثم قال جل وعز ولو ترى اذ الظالمون في غمرات الموت أي شدائده والملائكة باسطوا أيديهم أي باسطوا أيديهم بالعذاب 107 وقوله جل وعز لقد تقطع بينكم قال مجاهد أي تواصلكم ومن قرأ بينكم فالمعنى لقد تقطع الامر بينكم

108 - وقوله جل وعز ان الله فالق الحب والنوى قال مجاهد يعني الشق فيها وقال الضحاك فالق خالق 109 وقوله جل وعز فالق الاصباح ويقرأ الاصباح وقرأ به الحسن وعيسى وهو جمع صبح والاصباح كما تقول الامساء وقرأ النخعي فلق الاصباح 110 ثم قال جل وعز وجاعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا

والحسبان والحساب واحد أي ذوي حساب يعني دورانهما وقال ابن عباس في قوله جل وعز الشمس والقمر بحسبان أي بحساب 111 وقوله جل وعز وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قال عطاء ومجاهد وقتادة والضحاك وألفاظهم متقاربة فمستقر في الرحم ومستودع في الصلب وقرأ جماعة بالفتح وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال المستقر الرحم والمستودع الارض التي تموت بها

والفتح على معنى ولكم في الارحام مستقر وفي الاصلاب مستودع والكسر بمعنى فمنكم مستقر وقال سعيد بن جبير قال ابن عباس هل تزوجت فقلت لا فقال ان الله جل وعز يستخرج من ظهرك ما استودعه فيه وقرأ ابن عباس وسعيد بن جبير وغيرهما فمستقر بالكسر ومستودع وقال ابراهيم النخعي المعنى فمستقر في الرحم ومستودع في الصلب وقال الحسن فمستقر في القبر ومستودع في الدنيا يوشك أن يلحق بصاحبه حدثني محمد بن ادريس قال حدثنا ابراهيم بن مرزوق

قال حدثنا أبو داود عن هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله جل وعز فمستقر ومستودع قال المستقر ما كان في الرحم والمستودع الصلب 112 ثم قال جل وعز قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون قال قتادة فصلنا بمعنى بينا 113 وقوله عز و جل وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا خضرا بمعنى أخضر 114 وقوله عز و جل ومن النخل من طلعها قنوان دانية قال قتادة القنوان العذوق وكذلك هو عند أكثر أهل اللغة

يقال عذق وقنو بمعنى واحد فأما العذق فالنخلة وقيل القنوان الجمار وقال البراء بن عازب دانية قريبة والمعنى ومنها قنوان بعيدة كما قال تعالى سرابيل تقيكم الحر 115 وقوله جل وعز والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه أي مشتبها في المنظر وغير متشابه في الطعم 116 ثم قال جل وعز انظروا الى ثمره اذا أثمر وينعه أي ونضجه يقال ينع وينع وأينع وينع اذا نضج وأدرك

وقال الحجاج في خطبته أرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها 117 وقوله جل وعز وجعلوا لله شركاء الجن قيل معناه انهم أطاعوهم كطاعة الله وقيل معناه نسبوا اليهم الافاعيل التي لا تكون الا لله جل وعز أي فكيف يكون الشريك لله المحدث الذي لم يكن ثم كان 118 وقوله جل وعز وخلقهم يحوز أن يكون المعنى وخلق الشركاء ويجوز أن يكون المعنى وخلق الذين جعلوا وقرأ يحيى بن يعمر وخلقهم باسكان اللام قال ومعناه وجعلوا خلقهم لله شركاء

وسئل الحسن عن معنى وخرقوا له بنين وبنات بالتشديد فقال انما هو وخرقوا بالتخفيف كلمة عربية كان الرجل اذا كذب في النادي قيل خرقها ورب الكعبة وقال أهل اللغة معنى خرقوا اختلفوا وافتعلوا خرقوا على التكثير 119 وقوله جل وعز أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة أي من أين يكون له ولد والولد لا يكون له الا من صاحبة وخلق كل شيء أي فليس شيء مثله فكيف يكون له ولد 120 وقوله جل وعز لا تدركه الابصار قيل معناه في الدنيا

وقال الزجاج أي لا يبلغ كنه حقيقته كما تقول أدركت كذا وكذا لانه قد صح عن النبي صلى الله عليه و سلم الاحاديث في الرؤية يوم القيامة 121 وقوله جل وعز قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه المعنى فلنفسه نفع ذلك ومن عمي فعليها أي فعليها ضرر ذلك 122 وقوله جل وعز وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست هذه قراءة أهل المدينة وأهل الكوفة وابن الزبير ومعناها تلوت وقرأت

وقرأ علي بن أبي طالب دارست وهو الصحيح من قراءة ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة وأبي عمرو وأهل مكة قال ابن عباس معنى دارست تاليت قال سعيد بن جبير أي دارست أهل الكتاب وقرأ قتادة درست أي قرئت وقرأ الحسن درست أي امحت وقدمت وروى سفيان بن عيينه عن عمرو بن عبيد عن الحسن أنه قرأ دارست وكان أبو حاتم يذهب الى أن هذه القراءة لا تجوز قال لان الآيات لا تدارس

وقال غيره القراءة بهذا تجوز وليس المعنى على ما ذهب اليه أبو حاتم ولكن معناه دارست أمتك أي دارستك أمتك فان كان لم يتقدم لها ذكر فانه يكون مثل قوله تعالى حتى توارت بالحجاب وحكى الاخفش وليقولوا درست وهو بمعنى درست الا أنه أبلغ وحكى ابو العباس أنه يقرأ وليقولوا درست باسكان اللام على الامر وفيه معنى التهديد أي فليقولوا ما شاءوا فان الحق بين كما قال جل وعز فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا فأما من كسر اللام فانها عنده لام كي قال أبو اسحاق وأهل اللغة يسمونها لام الصيرورة أي

صار الى هذا كما قال جل وعز ربنا ليضلوا عن سبيلك وكما تقول كتب فلان هذا الكتاب لحتفه أي فصار أمره الى ذلك وهذه القراءات كلها يرجع اشتقاقها الى شيء واحد الى التليين والتذليل ودرست قرأت وذللت ودرست الدار ذلت وأمحقت ودرس الحنطة أي داسها 123 وقوله جل وعز ولو شاء الله ما أشركوا قيل معناه لو شاءالله لاستأصلهم والله أعلم بما أراد

124 - ثم قال جل وعز وما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل وهذا قبل أن يؤمر بالقتال 125 وقوله جل وعز ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم قال قتادة كان المسلمون يسبون الاصنام فيسب المشركون الله عدوا بغير علم وروي أن في قراءة أهل مكة عدوا بغير علم والقراءة حسنة ومعنى عدوا بمعنى أعداء كما قال تعالى ان الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا وتقرأ عدوا يقال اذا تجاوز في الظلم عدا يعدو

عدوا وعدوا وعدوانا وعداء 126 ثم قال جل وعز كذلك زينا لكل أمة عملهم قيل معناه مجازاة على كفرهم وقيل أعمالهم يعني الاعمال التي يجب أن يعملوا بها وهي الايمان والطاعة والله أعلم بحقيقة ذلك 127 وقوله جل وعز وأقسموا بالله جهد أيمانهم أي اجتهدوا في الحلف لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها يعنون آية مما يقترحون 128 وقوله جل وعز وما يشعركم أنها اذا جاءت لا يؤمنون

قال مجاهد معناه وما يدريكم قال ثم ابتدأ فقال انها اذا جاءت لا يؤمنون وقرأ أهل المدينة أنها اذا جاءت قال الكسائي لا ها هنا زائدة والمعنى وما يشعركم أنها اذا جاءت يؤمنون وشبهه بقوله جل وعز قال ما منعك الا تسجد اذ أمرتك وهذا عند البصريين غلط لان لا لا تكون زائدة في موضع تكون فيه نافيه قال الخليل المعنى لعلها وشبهه بقول العرب ايت السوق أنك تشتري لنا شيئا بمعنى لعلك

وروي أنها في قراءة أبي وما يشعركم لعلها اذا جاءت لا يؤمنون وأنشد أهل اللغة في أن بمعنى لعل أريني جوادا مات هزلا لانني أرى ما ترين أو بخيلا مخلدا وقيل في الكلام حذف والمعنى وما يشعركم أنها اذا جاءت لا يؤمنون أو يؤمنون ثم حذف هذا لعلم السامع ويروى أن المشركين قالوا ادع الله أن ينزل علينا الآية التي قال فيها ان نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين ونحن والله نؤمن فقال المسلمون يا رسول الله

ادع الله أن ينزلها فأنزل الله عز و جل وما يشعركم أنها اذا جاءت لا يؤمنون 129 ثم قال جل وعز ونقلب أفئدتهم وأبصارهم و أفئدة جمع فؤاد 130 وقوله جل وعز ولو أننا نزلنا اليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا الا أن يشاء الله ويروى أنهم سألوا هذه الاشياء فنزل هذا قال مجاهد قبلا أفواجا أي قبيلا قبيلا يذهب الى أنه جمع قبيل وهو الفرقة وقيل هو جمع قبيل و وقبيل بمعنى كفيل أي لو

كفل لهم الملائكة وغيرهم بصحة هذا لم يؤمنوا كما قال تعالى أو تأتي بالله والملائكة قبيلا ويجوز أن يكون معنى قبلا كمعنى مقابلة كما قال تعالى ان كان قميصه قد من قبل ومن قرأ قبلا فمعناه عنده معاينة 131 وقوله جل وعز وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا أي كما جعلنا لك ولامتك أعداء وعدو بمعنى أعداء 132 ثم قال جل وعز شياطين الانس والجن وقرأ الاعمش شياطين الجن والانس والمعنى واحد

133 - ثم قال تعالى يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا قال مجاهد أي يزينون لهم ذاك أي يزينون لهم العمل القبيح وكذلك الزخرف في اللغة هو التزيين ومنه قيل للذهب زخرف 134 ثم قال جل وعز ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون أي لو شاء لمنعهم من وسوستهم الانس ولكنه يبتلي بما شاء ليجزل الثواب 135 وقوله جل وعز ولتصغى اليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة يقال صغى يصغى وصغا يصغو وأصغى يصغي اذا مال كما قال الشاعر

تصغي اذا شدها بالرحل جانحة حتى اذا ما استوى في غرزها تثب 136 ثم قال جل وعز وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون أي وليكتسبوا ويقال قرفت الجلد اذا قلعته ويقرأ وليقترفوا وفيه معنى التهديد قال قتادة صدقا فيما وعد وعدلا فيما حكم 137 وقوله جل وعز ان يتبعون الا الظن أعلم جل وعز أنهم ليسوا على بصائر ولا يقين وأنهم لا يتبعون الحق ويقرأ ان ربك هو أعلم من يضل عن سبيله

وهذا على حذف المفعول وفتح الياء أحسن لان بعده وهو أعلم بالمهتدين 138 وقوله جل وعز فكلوا مما ذكر اسم الله عليه أي مما أخلص لله وتحريم الميتة داخل في هذا 139 ثم قال جل وعز وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وروى عكرمة عن ابن عباس أن المشركين قالوا للمسلمين لم تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل الله لكم فأنزل الله جل وعز وان الشياطين ليوحون الى أوليائهم ليجادلوكم

140 - وقوله جل وعز وقد فصل لكم ما حرم عليكم الا ما اضطررتم اليه قال قتادة فصل بين وقرأ عطية العوفي وقد فصل لكم خفيفة ومعناه أبان وظهر كما قرىء آلر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت أي استبانت 141 وقوله جل وعز وذروا ظاهر الاثم وباطنه قال قتادة أي علانيته وسره وقال غيره ظاهر الاثم الزنا وباطنه اتخاذ الاخدان والاشبه باللغة قول قتادة 142 ثم قال جل وعز ان الذين يكسبون الاثم سيجزون بما كانوا يقترفون

أي يكسبون ويعملون ويقال قرفت الجلد أي قلعته قال أبو جعفر اختلف أهل العلم في معنى ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه فكان مذهب ابن عباس أن هذا جواب للمشركين حين سألوا النبي صلى الله عليه و سلم وتخاصموا فقالوا كيف لا نأكل مما قتل ربك ونأكل مما قتلنا فأنزل الله عز و جل ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ورواه عنه سعيد بن جبير وعكرمة فالمعنى على هذا ولا تأكلوا من الميتة وقال الشعبي ومحمد بن سيرين لا يؤكل من الذبائح التي لم يسم الله جل وعز عليها كان ذلك عمدا أو نسيانا وقال سعيد بن جبير وعطاء اذا ترك التسمية عمدا لم يؤكل واذا نسي أكل وهذا حسن لأنه لا يسمى فاسقا إذا كان ناسيا

143 - ومعنى ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه مما لم يخلص لله وانه لفسق أي خروج من الطاعة ويقال فسقت الرطبة اذا خرجت من قشرها 144 ثم قال جل وعز وان الشياطين ليوحون الى أوليائهم ليجادلوكم أي يوسوسون اليهم وقد ذكرت معنى ليجادلوكم 145 ثم قال جل وعز وان أطعتموهم انكم لمشركون وقال أهل النظر في هذا دليل على أنه من أحل ما حرم الله أو حرم ما أحل الله فقد أشرك

وقيل له مشرك لانه اتبع غير الله فأشرك به غيره جل وعز 146 وقوله جل وعز أومن كان ميتا فأحييناه قال مجاهد المعنى أو من كان ضالا فهديناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس أي هدى كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها قال مجاهد أي في الضلالة قال السدي هذا نزل في عمر بن الخطاب رحمة الله عليه وأبي جهل والذي يوجب المعنى أن يكون عاما الا أن تصح فيه رواية

147 - وقوله جل وعز وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها قال مجاهد أي عظماءهم وقال غيره وخص العظماء والرؤساء لانهم أقدر على الفساد 148 ثم قال تعالى وما يمكرون الا بأنفسهم أي ان وبال ذلك يرجع عليهم 149 وقوله جل وعز سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وان كانوا أعزاء في الدنيا فستلحقهم الذلة يوم القيامة وفي الآية ثلاثة أقوال أحدهما أن المعنى سيصيب الذين أجرموا عند الله صغار على التقديم والتأخير والقول الثاني أن المعنى سيصيب الذين أجرموا صغار ثابت عند الله

وهذا أحسن الاقوال لان عند في موضعها والقول الثالث ذكره الفراء أنه يجوز أن يكون المعنى سيصيب الذين أجرموا صغار من عند الله وهذا خطأ عند البصريين لان من لا تحذف في مثل هذا 150 وقوله جل وعز فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام روي أن عبد الله بن مسعود قال يا رسول الله هل ينشرح الصدر فقال نعم يدخل القلب نور فقال وهل لذلك من علامة فقال صلى الله عليه و سلم التجافي عن دار الغرور والانابة الى دار الخلود والاستعداد للموت قبل الموت

151 - ثم قال جل وعز ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا أي شديد الضيق وقرأ عمر وابن عباس ضيقا حرجا وروي أن عمر أحضر أعرابيا من كنانة من بني مدلج فقال له ما الحرجة فقال شجرة لا تصل اليها وحشية ولا راعية فقال كذلك قلب الكافر لا يصل اليه شيء من الايمان والخير 152 ثم قال جل وعز كأنما يصعد في السماء وقرأ ابن محيص وابن كثير وشبل كأنما يصعد في السماء وقرأ ابن عبد الرحمن المقرىء وابراهيم النخعي كأنما يصاعد

وروي عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقرأ كأنما يتصعد ومعنى هذه القراءة وقراءة من قرأ يصعد ويصاعد واحد والمعنى فيها أن الكافر من ضيق صدره كأنه يريد أن يصعد الى السماء وهو لا يقدر على ذلك كأنه يستدعي ذلك ومن قرأ يصعد فمعناه أنه من ضيق صدره كأنه في حال صعود قد كلفه وقال أبو عبيد من هذا قول عمر مات صعدتني خطبة ما تصعدتني خطبة النكاح وقد أنكر هذا على أبي عبيد وقيل انما هذا من الصعود

وهي العقبة الشاقة قال الله جل وعز سأرهقه صعودا 153 ثم قال جل وعز كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون قال مجاهد الرجس ما لا خير فيه وكذلك الرجس عند أهل اللغة هو النتن فمعنى الآية والله أعلم ويجعل اللعنة في الدنيا والعذاب في الآخرة على الذين لا يؤمنون 154 وقوله جل وعز قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون أي بينا 155 ثم قال جل وعز لهم دار السلام عند ربهم ويجوز أن يكون المعنى دار السلامة أي التي يسلم فيها من الآفات ويجوز أن يكون المعنى دار الله جل وعز وهو السلام

156 - وقوله جل وعز ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الانس المعنى فيما يقال لهم يا معشر الجن قد استكثرتم من الانس أي كثر من أغويتم 157 ثم قال جل وعز وقال أولياؤهم من الانس ربنا استمتع بعضنا ببعض ففي هذا قولان أحدهما ان الجن أغوت الانس وقبلت الانس منهم والقول الآخر أن الرجل كان اذا سافر في الجاهلية

فخاف قال أعوذ بصاحب هذا الوادي من شر ما أحذر فهذا استمتاع الانس بالجن واستمتاع الجن بالانس أنهم يعترفون أن الجن يقدرون أن يدفعوا عنهم ما يجدون والقول الاول أحسن ويدل عليه يا معشر الجن قد استكثرتم من الانس 158 وقوله جل وعز قال النار مثواكم المثوى المقام 159 ثم قال جل وعز خالدين فيها الا ما شاء الله في هذا قولان أحدهما أنه استثناء ليس من الاول والمعنى على هذا الا ما شاء الله من الزيادة في عذابهم

وسيبويه يمثل هذا بمعنى لكن والفراء يمثله بمعنى سوى كما تقول لاسكننك هذه الدار حولا الا ما شئت أي سوى ما شئت من الزيادة ومثله خالدين فيه ما دامت السموات والارض الا ما شاء ربك أي سوى ما شاء ربك من الزيادة قال أبو جعفر وقال أبو اسحاق معنى الاستثناء عندي ها هنا والله أعلم انما هو من يوم القيامة أي الا ما شاء ربك من مقدار محشرهم ومحاسبتهم ويدل على هذا الجواب ويوم يحشرهم جميعا لان هذا يراد به يوم القيامة ويجوز أن يكون معنى ما شاء الله عز و جل أن يعذبهم من أصناف العذاب

160 - وقوله جل وعز يا معشر الجن والانس ألم يأتكم رسل منكم والرسل من الانس ففي هذ جوابان أحدهما أنه روي عن ابن عباس أنه قال رسل الجن الذين لقوا قومهم فبلغوهم يعني ابن عباس الذين قالوا انا سمعنا قرآنا عجبا وهم بمنزلة الرسل الى قومهم لانهم قد بلغوهم وكذلك قال مجاهد الرسل في الانس والنذارة في الجن والقول الآخر أنه لما كانت الانس والجن ممن يخاطب ويعقل قيل ألم يأتكم رسل منكم وان كانت الرسل من الانس خاصة 161 وقوله جل وعز كما أنشاكم من ذرية قوم آخرين الانشاء ابتداء الخلق

162 - وقوله جل عز قل يا قوم اعملوا على مكانتكم فيه قولان أحدهما أن المعنى على تمكنكم والقول الآخر أنه كما تقول أثبت مكانك أي اثبت على ما أنت عليه فان قيل كيف يجوز أن يؤمروا بالثبات على ما هم عليه وهم كفار فالجواب أن هذا تهدد كما قال جل وعز فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا ودل عليه قوله فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار والمعنى على هذا اثبتوا على ما انتم عليه ان رضيتم بالنار 163 وقوله جل وعز وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والانعام نصيبا

في الكلام حذف والمعنى وجعلوا لاصنامهم نصيبا ودل عليه فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا قال مجاهد كانوا يجعلون لله جزء ولشركائهم جزءا فاذا ذهب ما لشركائهم عوضوا منه مما لله واذا ذهب ما لله لم يعوضوا منه شيئا قال الانعام البحيرة والسائبة وقال قتادة كانوا يجعلون لله نصيبا ولشركائهم نصيبا فاذا هلك بعير لشركائهم أخذوا مما لله فجعلوه لشركائهم واذا هلك بعير مما لله جل وعز تركوه وقالوا الله مستغن عن هذا واذا أصابهم سنة أخذوا ما لله جل وعز فنحروه وأكلوه

164 - وقال الله عز و جل ساء ما يحكمون فذم الله ذلك من فعلهم ويقال ذرأ يذرأ ذرء أي خلق 165 وقوله جل وعز وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم يعني الموءودة قال مجاهد زين لهم الشياطين قتل البنات وخوفوهم العيلة قال غير مجاهد شركاؤهم ههنا الذين يخدمون الاصنام 166 وقوله عز و جل وقالوا هذه أنعام وحرث حجر قال قتادة الحجر الحرام

وقيل هذه أشياء كانوا يجعلونها لاصنامهم لا يأكل منها الا من يشاؤهم خدم الاصنام والحرث هو الذي يجعلونه لنفقة أوثانهم ويحرمونها على الناس الا خدمها 167 ثم قال جل وعز وأنعام حرمت ظهورها قال قتادة يعني السائبة والوصيلة 168 وقوله جل وعز وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها أي يذبحونها لآلهتهم ولا يذكرون عليها اسم الله فأعلم الله جل وعز أنه لم يأمرهم بهذا ولا جاءهم به نبي فقال تعالى افتراء عليه سيجزيهم بما كانوا يفترون وقيل معنى وأنعام حرمت ظهورها هو الحامي الذي ذكره الله جل وعز في قوله ولا وصيلة ولا حام

وقيل معنى وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها السائبة لانها لا تركب فيذكر اسم الله عليها وقيل يذبحونها لاصنامهم فلا يذكرون اسم الله عليها والمحرمة ظهورها السائبة والحامي والبحيرة وأصحها ما بدأنا به 170 وقوله جل وعز وقالوا ما في بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا قال مجاهد يعني البحيرة والسائبة قال غيره كانوا اذا جعلوا لاصنامهم شيئا مما في بطون الانعام فولدت مولودا حيا ذكرا كان للذكران دون الاناث واذا ولدت ميتا ذكرا اشترك فين الذكران والاناث فذلك قوله تعالى وان يكن ميتة فهم فيه شركاء

وقال قطرب اذا أتأمت عشرا فما ولدت بعد ذلك فهو للذكور الا أن يموت فيشترك فيه أكله الذكر والانثى وقرأ الاعمش وقالوا ما في بطون هذه الانعام خالص لذكورنا قال الكسائي معنى خالص وخالصة واحد الا أن الهاء للمبالغة كما يقال رجل داهية وعلامة وقال الفراء الخاء لتأنيث الانعام لان ما في بطون الانعام مثلها وقرىء خالصه لذكورنا والمعنى على هذه القراءة ما خلص منه حيا لذكورنا ومحرم على أزواجنا أي الاناث قال مجاهد معنى سيجزيهم وصفهم أي سيجزيهم كذبهم

والتقدير عند النحويين سيجزيهم جزاء وصفهم الذي هو كذب 170 وقوله جل وعز قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم يعني قتلهم البنات جهلا 171 ثم قال جل وعز وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين قال أبو رزين ولم يكونوا مهتدين قبل ذلك 172 وقوله جل وعز وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات أنشأ خلق وابتدع والجنات البساتين

وقيل المعروشات الكروم والنخل والزرع مختلفا أكله أي ثمره لانه مما يؤكل والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه قيل مشتبه في المنظر ومختلف في المطعم فيه حلو وحامض وقيل يشبه بعضه بعضا في الطعم ومنه مالا يشبه بعضه بعضا في الطعم 173 ثم قال جل وعز كلوا من ثمره اذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين في هذه الآية ثلاثة أقوال

فمذهب ابن عمر وأبي الدرداء وسعيد بن جبير وأبي العالية ومجاهد وعطاء أن عليه أن يصدق منه سوى الزكاة المفروضة والقول الثاني أن الآية منسوخة قال ابراهيم النخعي نسخها العشر ونصف العشر وروى عن الحسن قولان روى سفيان عن يونس عن الحسن قال نسختها الزكاة المفروضة والقول الآخر وهو القول الثالث في الآية رواه شعبة عن أبي الرجاء قال سألت الحسن عن قوله جل وعز وآتوا حقه يوم حصاده فقال الزكاة المفروضة

وكذلك قال ابن عباس وأنس بن مالك وابن الحنفية وجابر بن زيد وسعيد ابن المسيب وطاووس وقتادة والضحاك وراه ابن وهب عن مالك قال هي الصدقة المفروضة والقول الاول أولاها لانه يبعد أن يعني به الزكاة المفروضه لان الانعام مكية والزكاة انما فرضت بعد مقدم النبي صلى الله عليه و سلم الى المدينة ويقوي القول الاول حديث النبي صلى الله عليه و سلم أنه نهى عن جذاذ الليل قال سفيان كي يحضر المساكين قال سعيد بن المسيب ومعنى ولا تسرفوا ولا تمتنعوا

من الصدقة فتهلكوا وقال غيره معنى ولا تسرفوا لا تدفعوا كل ما لكم الى الغرباء وتتركوا عيالكم كما روي ابدأ بمن تعول السرف في اللغة المجاوزة الى ما لا يحل وهو اسم ذم أي لا تنفقوا في الوجوه المحرمة حتى لا يجد السائل شيئا وقيل معنى ولا تسرفوا لا تنفقوا أموالكم فيما لا يحل لانه قد أخبر عنهم أنهم قالوا وهذا لشركائنا 174 وقوله جل وعز ومن الانعام حمولة وفرشا وروى أبو الاحوص عن عبدالله بن مسعود أنه قال الحمولة ما أطاق الحمل من الابل والفرش ما لم يطق الحمل وكان صغيرا

قال أبو جعفر وهذا المعروف عند أكثر أهل اللغة وقال الضحاك الحمولة من الابل والبقر والفرش الغنم واستشهد لصاحب هذا القول بقوله ثمانية أزواج قال فثمانية بدل من قوله حمولة وفرشا قال الحسن الحمولة الابل والفرش الغنم 175 ثم قال جل وعز كلوا مما رزقكم الله وهو أمر على الاباحة 176 ثم قال جل وعز ولا تتبعوا خطوات الشيطان يعني طرقه أي طريقه الذي يحسنه لكم

وقيل تخطيه الحلال الى الحرام وقيل يعني آثاره 177 وقوله جل وعز ثمانية أزواج كل فرد يحتاج الى آخر عند العرب زوج 178 ثم قال تعالى من الضأن اثنين وهو جمع ضائن كما يقال راكب وركب 179 ثم قال جل وعز ومن المعز اثنين وهذا احتجاج عليهم أي ان كان حرم الذكور فكل ذكر حرام وان كان حرم الاناث فكل أنثى حرام واحتج عليهم بهذا لانهم أحلوا ما ولد حيا ذكرا للذكور وحرموه على الاناث ان كان انثى قال قتادة أمره الله جل وعز أن يقول لهم آلذكرين حرم أم الانثيين أم ما اشتملت عليه أرحام الانثيين ان كان ما اشتملت عليه أرحام الانثيين حراما فكل مولود منها حرام وكلها مولود فكلها اذا حرام وان كان التحريم من جهة الذكور من

الضأن والمعز فكل ذكر حرام عليكم وان كان من جهة الاناث فكل أنثى حرام عليكم وكانوا يحرمون الوصيلة وأخاها على الرجال والنساء 180 ثم قال جل وعز نبئوني بعلم ان كنتم صادقين أي ليس عندكم علم لانهم لا يؤمنون بكتاب 181 ثم قال جل وعز أم كنتم شهداء اذ وصاكم الله بهذا أي لستم تؤمنون بكتاب فهل شهدتم الله عز و جل حرم هذا 182 ثم بين ظلمهم فقال فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا

ثم بين أنه لا يحرم الله شيئا الا بوحي فقال قل لا أجد فيما أوحي الي محرما على طاعم يطعمه روي عن عائشة رحمة الله عليها على طاعم طعمه وعن أبي جعفر محمد بن علي طاعم يطعمه 184 ثم قال جل وعز الا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا قال قتادة المسفوح المصبوب فحرم ما كان مصبوبا خاصة فأما ما كان مختلطا باللحم فهو حلال 184 ثم قال جل وعز فانه رجس أو فسقا أهل لغير الله به أي ذبح لغير الله وذكر عليه غير اسم الله وسماه فسقا لانه خارج عن الدين

والمعنى أو دما مسفوحا أو لحم خنزير أو فسقا أهل لغير الله به فانه رجس والموقوذة والمتردية والنطيحة داخلة في هذه الآية عند قوم لانها أصناف الميتة فأما ما لم يدخل في هذه الآية عند قوم ففيه قولان أحدهما أنه روي عن عائشة وابن عباس أن الآية جامعة لجميع ما حرم من الحيوان خاصة وأنه ليس في الحيوان محرم الا ما ذكر فيها والقول الآخر أن هذه الآية محكمة جامعة للحيوان وغيره وثم أشياء قد حرمها الله سوى هذه وقد صح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه نهى عن لحوم الحمر الاهلية وعن

كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير فقيل هذا قول قوي في اللغة لان ما مبهمة فقوله جل وعز قل لا أجد فيما أوحي الي محرما يجب أن يكون عاما للحيوان وغيره والله أعلم بما أراد 185 ثم قال جل وعز فمن اضطر غير باغ ولا عاد أحسن ما قيل في الباغي الذي يأكل مضطرا لا متلذذا والعادي الذي يجاوز ما يقيم رمقه

186 - وقوله جل وعز وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر قال مجاهد وقتادة والضحاك كل ذي ظفر الابل والنعام قال قتادة وهو من الطير ما لم يكن مشقوق الظفر نحو البط وما أشبهه وهو عند أهل اللغة من الطير ما كان ذا مخلب ودخل في ذا ما يصطاد بظفره من الطير وجميع أنواع السباع والكلاب والسنانير 187 ثم قال جل وعز ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما الا ما حملت ظهورهما قال قتادة هي شحوم الثروب خاصة ومذهب ابن جريج أنه كل شحم لم يكن مختلطا بعظم ولا على عظم

وهذا أولى لعموم الآية وللحديث المسند قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها وأكلوا أثمانها الا ما حملت ظهورهما أي الا شحوم الجنب وما علق بالظهر فانها لم تحرم عليهم أو الحوايا قال مجاهد وقتادة الحوايا المباعر قال أبو عبيدة هي عندي ما تحوى من البطن أي استدار قال الكسائي واحدها حاوية وحوية

وحكى سيبويه حاوياء قيل المعنى حرمنا عليهم شحومها ثم استثنى فقال الا ما حملت ظهورهما ثم عطف على الاستثناء فقال أو الحوايا أو ما اختلط بعظم أي الا هذه الاشياء فانها حلال وقيل المعنى حرمنا عليهم شحومهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم الا ما حملت ظهورهما فيكون ما بعد الا استثناء على هذا القول داخلا في التحريم ويكون مثل قوله تعالى ولا تطع منهم آثما أو كفورا و أو ها هنا بخلاف معنى الواو أي لا تطع هذا الضرب وقال الكسائي الا ما حملت ظهورهما ما في موضع نصب على الاستثناء والحوايا في موضع رفع بمعنى وما حملت الحوايا فعطف الحوايا على الظهور 188 ثم قال جل وعز أو ما اختلط بعظم

قال فعطفه على المستثنى وهذا أحد قولي الفراء وهذا أصح هذه الاقوال والله أعلم 189 ثم قال جل وعز ذلك جزيناهم ببغيهم وانا لصادقون قال قتادة حرمت عليهم هذه الاشياء عقوبة لهم على بغيهم 190 وقوله جل وعز فان كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة قال مجاهد يعني اليهود 191 وقوله جل وعز سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء قال مجاهد يعني كفار قريش أي لو شاء الله ما حرمنا البحيرة ولا السائبة

وقال غيره فأنكر الله جل وعز عليهم هذا القول وقال كذلك كذب الذين من قبلهم لانه ليس لهم أن يحتجوا بأنه من كان على معصية قد شاء الله أن تكون فهو له عذر لانه لو كان هكذا لكان لمن خالفهم في دينهم عذر لأن الله لو شاء أن يهديه هداه 192 ثم قال جل وعز قل فلله الحجة البالغة أي بارساله الرسل واظهاره البينات 193 وقوله جل وعز قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا والاصل عند الخليل ها ضمت اليها لم ثم حذفت الالف لكثرة الاستعمال وقال غيره الاصل هل زيدت عليها لم

وقيل هي على لفظها تدل على معنى هات وأهل الحجاز يقولون للواحد والاثنين والجماعة هلم وأهل نجد يأتون بالعلامة كما تكون في سائر الافعال 194 وقوله حل وعز وهم بربهم يعدلون أي يجعلون له عدلا فيعبدون غيره جل وعز 195 وقوله عز و جل قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا قيل الذي تلاه عليهم قل لا أجد فيما أوحي الي محرما على طاعم يطعمه الى آخر الآية ويكون معنى أن تقولوا انما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا كذا هذا أن تقولوا

وبعض النحويين يقول المعنى لئلا تقولوا ولا يجوز عند البصريين حذف لا وقيل المعنى وصاكم أن لا تشركوا وقيل المعنى قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أنه بين ما حرم فقال ألا تشركوا به شيئا 197 ثم قال جل وعز وبالوالدين احسانا أي وأحسنوا بالوالدين احسانا قال ابن عباس الآيات المحكمات قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم الى آخر ثلاث آيات 197 وقوله جل وعز ولا تقتلوا أولادكم من املاق

قال قتادة الاملاق الفاقة وقال الضحاك كان أحدهم اذا ولدت له ابنة دفنها حية مخافة الفقر 198 وقوله جل وعز ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن قال قتادة يعني سرها وعلانيتها قال وكانوا يسرون الزنا بالحرة ويظهرونه بالامة قال مجاهد ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي أحسن التجارة فيه ولا تشتر منه شيئا ولا تستقرض 199 وقوله جل وعز وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه

وقرأ ابن أبي اسحاق ويعقوب وأن هذا صراطي مستقيما بتخفيف أن وتقرأ إن بكسر الهمزة فمن قرأ وأن هذا فهو عنده بمعنى واتل عليهم أن هذا ويجوز أن يكون المعنى ووصاكم بأن هذا ومن قرأ بتخفيف أن فيجوز أن يكون معناه على هذا ويجوز أن تكون أن زائدة للتوكيد كما قال جل وعز فلما أن جاء البشير ومن قرأ وان هذا قطعه مما قبله وروي عن عبد الله بن مسعود رحمه الله أنه خط خطا في الارض فقال هكذا الصراط المستقيم والسبل حواليه مع كل سبيل شيطان

قال مجاهد السبل البدع والشبهات 200 وقوله جل وعز ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن قال مجاهد المعنى على المؤمن المحسن وقال الحسن كان فيهم محسن وغير محسن وأنزل الكتاب تماما على الذي أحسن والدليل على صحة هذا القول أن ابن مسعود قرأ تماما على الذين أحسنوا وقيل المعنى تماما على الذي أحسن موسى من طاعة الله واتباع أمره

وقرأ ابن يعمر وابن أبي اسحاق على الذي أحسن والمعنى على الذي هو أحسن الاشياء فأما معنى ثم وهي تدل على أن الثاني بعد الاول وقصة موسى صلى الله عليه و سلم وايتائه الكتاب قبل هذا فان القول أنه اخبار من الله جل وعز والمعنى قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ثم اتل ما آتينا موسى 201 وقوله جل وعز أن تقولوا انما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا

أحسن ما قيل في هذا كراهة أن تقولوا قال أبو جعفر قد بينا ما قيل فيه قال قتادة يعني بالطائفتين اليهود والنصارى وقال يعني بالدراسة التلاوة 202 ثم قال جل وعز أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم اهدى منهم أفهم منهم لانهم يحفظون أشعارهم وأخبارهم وهم أميون 203 وقوله عز و جل فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها

قال قتادة في قوله وصدف عنها أي أعرض 204 وقوله جل وعز هل ينظرون الا أن تأتيهم الملائكة قال قتادة أي بالموت أو يأت ربك قال قتادة يعنى يوم القيامة وقال غيره المعنى اهلاك ربك إياهم 205 ثم قال جل وعز أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في ايمانها خيرا روى وكيع عن ابن أبي ليلى عن عطية عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و سلم في قول الله عز و جل يوم يأتي بعض آيات ربك قال طلوع الشمس من مغربها

لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في ايمانها خيرا وروى ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن عمرو قال الآية التي لا ينفع نفسا ايمانها عندها اذا طلعت الشمس من مغربها مع القمر في وقت واحد 206 وقوله عز و جل ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء الشيع الفرق ومعنى شايعت في اللغة تابعت ومعنى وكانوا شيعا وكانوا فرقا كل فرقة يتبع بعضها بعضا الا أن الشيع كلها متفقة 208 ثم قال جل وعز لست منهم في شيء انما أمرهم الى الله

قيل هذا قبل الامر بالقتال وروى أبو غالب عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه و سلم في قوله تعالى فرقوا دينهم وكانوا شيعا قال هم الخوارج وقيل إن الآية تدل على أن من ابتدع من خارجي وغيره فليس النبي صلى الله عليه و سلم منهم في شيء لانهم اذا ابتدعوا تخاصموا وتفرقوا وكانوا شيعا 208 وقوله جل وعز من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الا مثلها روى الاعمش عن أبي صالح قال الحسنة لا اله الا الله والسيئة الشرك

والمعنى ان ما كان عنده هو النهاية في المجازاة أعطى عشرة أمثاله 209 وقوله جل وعز قل انني هداني ربي الى صراط مستقيم الصراط الطريق والمعنى عرفني الدين الذي هو الحق 210 ثم قال جل وعز دينا قيما ملة ابراهيم حنيفا والقيم المستقيم ومن قرأ قيما فهو مصدر مثل الصغر والكبر 211 وقوله جل وعز قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين النسك جمع النسيكة وهي الذبيحة وأصل هذا من التقرب لله جل وعز ومنه قيل رجل ناسك

وانما قيل هذا لانهم كانوا يذبحون لغير الله جل وعز 213 وقوله جل وعز قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء معنى أبغي أريد وأطلب 213 وقوله جل وعز وهو الذي جعلكم خلائف الارض يعني أمة محمد صلى الله عليه و سلم وقيل لانهم آخر الامم فقد خلفوا من كان قبلهم وقيل لان بعضهم يخلف بعضا حتى تقوم الساعة عليهم والحديث يقوي هذاالقول

214 - ثم قال جل وعز ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم أي فضل بعضكم على بعض في الزرق ليبلوكم فيما آتاكم أي ليختبركم فيما أعطاكم فينظر كيف شكركم وقد علم ما يكون علم غيب وانما تقع المجازاة على الشهادة 215 قم قال جل وعز ان ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم فعقابه جل وعز وإن كان أكثره يوم القيامة فان كل آت قريب

وروي عن ابن عباس أنه قال نزلت سورة الانعام بمكة جملة واحدة الا ثلاث آيات منها فانهن انزلن بالمدينة وهو قوله جل وعز قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم الا تشركوا به شيئا الى آخر الآيات تم بعونه تعالى تفسير سورة الانعام 3

سورة الأعراف وهي مكية 1 قوله جل وعز آلمص آية 1
قال أبو جعفر قد بين معنى فواتح السور في أول سورة البقرة فمن قال معنى آلم أنا الله أعلم قال معنى آلمص أنا الله أفصل
وهذا قول ابن عباس وسعيد بن جبير 2 وقوله جل وعز كتاب أنزل إليك
المعنى هذا كتاب أنزل إليك 3 ثم قال جل وعز فلا يكن في صدرك حرج منه
قال مجاهد وقتادة الحرج الشك

والمعنى على هذا القول فلا تشكوا فيه لأن الخطاب للنبي خطاب لأمته
والحرج في اللغة الضيق فيجوز أن يكون سمي ضيق لأن الشاك لا يعرف حقيقة الشيء فصدره يضيق به
ويجوز أن يكون المعنى فلا يكن في صدرك ضيق من أن تبلغه لأنه روي عن النبي أنه قال
إني أخاف أن يثلغوا رأسي
وفي الكلام تقديم وتأخير المعنى كتاب أنزل إليك لتنذر به وذكرى للمؤمنين فلا يكن في صدرك حرج منه 4 وقوله عز و جل اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم آية 3
قيل هو القرآن والسنة لقوله جل وعز وما آتاكم

الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا 5 ثم قال جل وعز ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون آية 3
أي لا تتخذوا من عدل عن دين الحق وليا وكل من رضي مذهبا فأهل ذلك المذهب أولياؤه
وروي عن مالك بن دينار رحمه الله أنه قرأ ولا تبتغوا من دونه أولياء أي لا تطلبوا
6 - وقوله جل وعز وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون آية 4
المعنى فجاءهم العذاب على غفلة بالليل وهم نائمون أو نصف النهار وهم قائلون
ومعنى أو ههنا التصرف مرة كذا ومرة كذا وهي بمنزلة أو التي تكون للإباحة في الأمر

7 - وقوله جل وعز فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا آية 5
الدعوى ههنا بمنزلة الدعاء والدعوى تكون بمنزلة الإدعاء وتكون بمنزلة الدعاء وأجاز النحويون اللهم أشركنا في صالح دعوى من دعاك
والمعنى إنهم لم يحصلوا عند الهلاك إلا على الإقرار بأنهم كانوا ظالمين
8 - وقوله جل وعز فلنسألن الذين أرسل إليهم و لنسألن المرسلين آية 6
وهذا سؤال توبيخ وتقرير
فأما قوله تعالى فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان فمعناه أنه لا يسأل سؤال استعلام والله أعلم

9 - وقوله جل وعز والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون آية 8
قال عبيد بن عمير يؤتى يوم القيامة بالرجل العظيم الطويل الأكول الشروب فلا يزن جناح بعوضة
قال عمرو بن دينار إن الميزان له كفتان
10 - وقوله جل وعز ولقد مكناكم في الأرض آية 10
أي ملكناكم
وجعلنا لكم فيها معايش
أي ما تعيشون به
ويجوز أن يكون المعنى ما تتوصلون به إلى المعيشة

11 - وقوله جل وعز ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم آية 11
في هذه الآية أقوال
قال الأخفش وهو أحد قول قطرب ثم ههنا بمعنى الواو
وهذا القول خطأ على مذهب أهل النظر من النحويين ولا يجوز أن تكون ثم بمعنى الواو لاختلاف معنييهما
وقيل ثم للإخبار
وقيل ولقد خلقناكم يعني في ظهر آدم ثم صورناكم أي في الأرحام هذا صحيح عن ابن عباس
ولقد خلقناكم يعني ابن آدم وقد علم جل وعز أنه يخلق ذريته فهو بمنزلة ما خلق

وقال مجاهد رواه عنه ابن جريج وابن أبي نجيح معنى ولقد خلقناكم ثم صورناكم في ظهر آدم
قال أبو جعفر وهذا أحسن الأقوال يذهب مجاهد إلى أنه خلقهم في ظهر آدم ثم صورهم حين أخذ عليهم الميثاق ثم كان السجود لآدم بعد
ويقوي هذا وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم
والحديث أنه أخرجهم أمثال الذر فأخذ عليهم الميثاق
قال الزجاج المعنى خلقنا آدم من تراب ثم صورناه قال ويدل عليه خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون فالتقدير خلقنا أصلكم

وقيل المعنى خلقناكم نطفا ثم صورناكم
12 - ثم قال جل وعز فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين آية 11
قيل استثنى إبليس من الملائكة وليس منهم لأنه أمر بالسجود معهم قال جل وعز ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك
وقيل إنه كان منهم
قال أبو جعفر وقد استقصينا هذا في سورة البقرة
13 - وقوله جل وعز قال ما منعك ألا تسجد إذا أمرتك آية 12
هذا سؤال توبيخ وتقرير لأنه قد علم جل وعز ذلك
ولا زائدة للتوكيد كما قال

فما ألوم البيض أن لا تسخرا ... لما رأينا الشمط القفندرا ...
فجاء بجواب لغير ما سئل عنه فقال أنا خير منه ولم يقل منعني كذا و إنما هو جواب من قيل له أيكما خير ولكنه محمول على المعنى كأنه قال منعني فضلي عليه
14 - وقوله جل وعز قال أنظرني إلى يوم يبعثون آية 14
أي أخرني فلم يجب إلى هذا بعينه فأجيب إلى النظرة إلى يوم الوقت المعلوم
15 - وقوله جل وعز قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم آية 16

قيل معناه فبما أضللتني
وقيل معناه خيبتن
وقيل أي فبما دعوتني إلى شيء ضللت من أجله والله أعلم بالمراد
قال مجاهد معنى لأقعدن لهم صراطك المستقيم لأقعدن لهم على الحق
والصراط في اللغة الطريق والمعنى على صراطك ثم حذف على فتعدى الفعل
16 - وقوله عز و جل ثم لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم آية 17
روى سفيان عن منصور عن الحكم بن عتيبة قال ح

من بين أيديهم من دنياهم ومن خلفهم من آخرتهم وعن أيمانهم يعني حسناتهم وعن شمائلهم يعني سيئاتهم
وهذا قول حسن وشرطه أن معنى ولآتينهم من بين أيديهم من دنياهم حتى يكذبوا بما فيها من الآيات وأخبار الأمم السالفة
6 - ومن خلفهم من آخرتهم حتى يكذبوا بها
وعن أيمانهم من حسناتهم وأمور دينهم
ويدل على هذا قوله تعالى إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين
و عن شمائلهم يعني سيئاتهم أي يتبعون الشهوات لأنه يزينها لهم
وقيل ثم لأتينهم من بين أيديهم من آخرتهم
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم
أما قوله تعالى من بين أيديهم فيقول أشككهم في

آخرتهم ومن خلفهم أرغبهم في دنياهم وعن أيمانهم أشبه عليهم أمر دينهم وعن شمائلهم أشهي لهم المعاصي و لا تجد أكثرهم شاكرين يقول موحدين
وبهذا الإسناد من بين أيديهم يعني من الدنيا ومن خلفهم من الآخرة وعن أيمانهم قبل حسناتهم وعن شمائلهم من قبل سيئاتهم
قال أبو جعفر وذلك القول لا يمتنع لأن الآخرة لم تأت بعد فهي بين أيدينا وهي تكون بعد موتنا فمن هذه الجهة يقال هي خلفنا
وقيل معنى ومن خلفهم يخوفهم على تركاتهم ومن يخلفون بعدهم

وقيل معنى وعن أيمانهم وعن شمائلهم من كل جهة يعملون منها ويكون تمثيلا لأن أكثر التصرف باليدين قال الله عز و جل ذلك بما قدمت يداك
وقال مجاهد من بين أيديهم وعن أيمانهم من الحسنات ومن خلفهم وعن شمائلهم من السيئات
17 - وقوله جل وعز قال اخرج منها مذءوما مدحورا آية 18
يقال ذأمته وذمته وذممته بمعنى واحد
وقرأ الأعمش منوما والمعنى واحد إلا أنه خفف الهمزة
وقال مجاهد المذؤم المنفي والمعنيان متقاربان
والمدحور المطرود المبعد يقال اللهم ادحر عنا الشيطان

18 - وقوله جل وعز ولا تقربا هذه الشجرة آية 19
روي عن ابن عباس أنها السنبلة
19 - وقوله جل وعز ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما آية 20
أي ليظهر لهما ما ستر عنهما من فروجهما ومن هذا تواريت من فلان
وقرأ الضحاك ويحيى بن أبي كثير ما أوري عنهما
20 - وقوله جل وعز إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين آية 20
وأكثر الناس على فتح اللام وقال من احتج بكسر اللام قوله جل وعز وملك لا يبلى يدل على القراءة ملكين لأن ملكا من ملك
وأنكر أبو عمرو بن العلاء كسر اللام وقال لم يكن قبل

آدم ملك فيصيرا ملكين
21 - ثم قال جل وعز وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين آية 21
أقسم لهما مثل طارقت النعل
وقيل حلفا أن لا يقبلا منه إلا أن يحلف فحلف لهما
22 - وقوله جل وعز فدلاهما بغرور آية 22
المعنى فدلاهما في المعصية
23 - ثم قال جل وعز فلما ذاقا الشجرة آية 22
وهذا يدل على أنهما لم يمعنا في الأكل

24 - وقوله جل وعز وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة آية 22
أي أخذ يلزقان ومنه خصفت النعل أي رقعتها
قال ابن عباس وهو ورق التين أخذاه فجعلاه على سوءاتهما
والفرق بين معصية آدم ومعصية إبليس أن إبليس أقام على الذنب وتاب آدم ورجع قال الله جل وعز قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين
25 - وقوله جل وعز يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم آية 26
قال مجاهد كان قوم من العرب يطوفون بالبيت عراة فأنزل الله عز و جل 8 يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا

قال مجاهد الريش المال
وقال الكسائي الريش اللباس
وقال أبو عبيدة الريش والرياش ما ظهر من اللباس والشارة
والريش عند أكثر أهل اللغة ما ستر من لباس أو معيشة
وأنشد سيبوية ... فريشي منكم وهواي معكم ... وإن كانت زيارتكم لماما ...
وحكى أبو حاتم عن أبي عبيدة وهبت له دابة بريشها أي بكسوتها وما عليها من اللباس
قال الفراء يكون الرياش جمعا للريش وبمعناه أيضا مثل

لبس ولباس
26 - ثم قال جل وعز ولباس التقوى ذلك خير آية 26
أي لباس التقوى خير من الثياب لأن الفاجر وإن لبس الثياب فهو دنس
وروى قاسم بن مالك عن عوف عن معبد الجهيني قال لباس التقوى الحياء
وقرأ الأعمش ولباس التقوى خير ولم يقرأ ذلك
27 - وقوله جل وعز إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم آية 27
قبيله جنوده
قال مجاهد يعني الجن والشياطين

28 - وقوله جل وعز وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا آية 28
قال مجاهد كانت النساء تطوف بالبيت عراة عليهن الرهاط
وقال الرهاط جمع رهط خرقة من صوف أو سيور كذا قال الفراء
فهذه الفاحشة الذي قالوا وجدنا عليها آباءنا
وقال غيره كان الرجال يطوفون نهارا عراة والنساء بالليل ويقولون لا نطوف في ثياب عصينا الله فيها
29 - وقوله جل وعز قل أمر ربي بالقسط آية 29
أي بالعدل وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد

قال مجاهد أي استقبلوا القبلة أينما كنتم ولو كنتم في كنيسة
وقال غيره معناه إذا أدركتكم الصلاة في مسجد فصلوا ولا يقل أحدكم لا أصلي إلا في مسجدي
30 - ثم قال جل وعز كما بدأكم تعودون آية 299 ح
قال مجاهد من بدىء سعيدا عاد سعيدا ومن بدىء شقيا عاد شقيا
وقال محمد بن كعب يختم للمرء بما بدىء به ألا ترى أن السحرة كانوا كفارا ثم ختم لهم بالسعادة وأن إبليس كان مع الملائكة مؤمنا ثم عاد إلى ما بدىء به
31 - وقوله جل وعز يا بني آدم خذوا زينتكم عن كل مسجد آية 31

قال عطاء وطاووس والضحاك يعني اللباس لأن قوما من العرب كانوا يطوفون بالبيت عراة وهو مذهب مجاهد
وروى شعبة عن سلمة بن كهيل قال سمعت مسلم البطين يحدث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كانت المرأة تطوف بالبيت وهي عريانة فنزلت خذوا زينتكم عند كل مسجد
قال الزهري كانت العرب تطوف بالبيت عراة إلا الحمس قريشا وأحلافها فقال الله جل وعز خذوا زينتكم عند كل مسجد
32 - ثم قال جل وعز موبخا لهم قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق آية 32 هو عام

وقيل أي من حرم لبس الثياب في الطواف ومن حرم ما حرموا من البحيرة وغيرها
قال الفراء إن قبائل من العرب كانوا لا يأكلون اللحم أيام حجهم ويطوفون عراة فأنزل الله جل وعز هذا
33 - ثم قال جل وعز قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة آية 32
قال الضحاك يشترك فيها المسلمون والمشركون في الدنيا وتخلص للمسلمين يوم القيامة
وقيل في الحياة الدنيا في الصلة أي آمنوا في ذا الوقت خالصة من الغم والتنغيص
34 - وقوله جل وعز قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن آية 33
روى روح بن عبادة عن زكريا بن إسحاق عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال ما ظهر منها نكاح الأمهات في

الجاهلية وما بطن الزنا
وقال قتادة سرها وعلانيتها
35 - ثم قال جل وعز والإثم آية 33
وقال في موضع آخر يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير فدل بهاتين الآيتين على أن الخمر والميسر حرام
36 - وقوله جل وعز ولكل أمة أجل آية 34 أي وقت مؤقت

فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة
المعنى لا يستأخرون ساعة ولا أقل من ساعة إلا أن الساعة خصت بالذكر لأنها أقل أسماء الأوقات
37 - وقوله عز و جل فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته آية 37
المعنى أي ظلم أشنع من الافتراء على الله والتكذيب بآياته
38 - ثم قال جل وعز أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب آية 37
روى جابر عن مجاهد عن ابن عباس قال ما قدر لهم من خير وشر
وروى شريك عن سالم عن سعيد بن جبير أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب قال من الشقوة والسعادة
وروى سفيان عن منصور عن مجاهد قال ما وعدوا فيه من خير وشر
ومعنى هذا القول أنهم ينالهم نصيبهم من العذاب على قدر

كفرهم نحو قوله إن الله لا يغفر أن يشرك به
و إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار
وقال جل وعز يسلكه عذابا صعدا
وكذلك قال الضحاك معناه ينالهم نصيبهم من العذاب
39 - ثم قال جل وعز حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم آية 37
قيل أعوان ملك الموت لما جاءوهم أقروا أنهم كانوا كافرين
وقيل ملائكة العذاب
ومعنى يتوفونهم على هذا يتوفونهم عذابا كما تقول قتلته بالعذاب

ويجوز أن يكون من استيفاء العدد
40 - وقوله جل وعز قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم آية 38
قيل معنى في معنى مع وهذا لا يمتنع لأن قولك زيد في القوم معناه مع القوم وتجوز أن تكون في على بابها
وقال الأصمعي في قول امرىء القيس
... وهل ينعمن من كان آخر عهده ... ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال ...
معنى في معنى مع
41 - وقوله جل وعز حتى إذا اداركوا فيها آية 38

أي تتابعوا واجتعوا
قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا
المعنى قالت أخراهم يا ربنا هؤلاء أضلون لأولاهم أي يعني أولاهم
42 - وقوله جل وعز قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون آية 38
يجوز أن يكون المعنى ولكن لا تعلمون يا أهل الدنيا مقدار ما هم فيه من العذاب
ويجوز أن يكون المعنى لا تعلمون أيها المخاطبون
ومن قرأ ولكن لا يعلمون فمعناه عنده ولكن لا يعلم كل فريق مقدار عذاب الفريق الآخر
43 - وقوله جل وعز وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل آية 39
قال مجاهد أي من تخفيف العذاب

وقال السدي قد ضللتم كما ضللنا
44 - وقوله جل وعز لا تفتح لهم أبواب السماء آية 40
قيل يعني ابواب الجنة لأن الجنة في السماء
وأحسن ما قيل في هذا ما رواه سفيان عن منصور عن مجاهد قال لا تفتح أبواب السماء لكلامهم ولا لعملهم ويدل على صحة هذا القول قوله جل وعز إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه
وفي هذا حديث مسند رواه المنهال عن زاذان عن البراء عن النبي إن العبد الكافر أو المنافق إذا خرجت نفسه أخذتها الملائكة حتى تنتهي إلى سماء الدنيا يفوح منها كأنتن ريح جيفة كانت على وجه الأرض فيستفتح له فلا يفتح ثم تلا رسول الله لا تفتح لهم أبواب السماء فيقول الله اجعلوا كتابه في سجين

وأعيدوه إلى الأرض فتطرح طرحا ثم قرأ عليه السلام ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء
45 - ثم قال جل وعز ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط آية 40
والمعنى لا يدخلون الجنة ألبتة والعرب تستعمل أمثال هذا كثيرا
وسئل عبد الله بن مسعود عن الجمل فقال هو زوج الناقة
كأنه استجهل من سأله عما يعرفه الناس جميعا
ويروى عن ابن عباس أنه قرأ حتى يلج الجمل بضم الجيم وتشديد الميم وقال هو القلس من حبال السفن

وقال أحمد بن يحيى هي الحبال المجموعة جمع جملة
ي وروى عن سعيد بن جبير أنه قرا حتى يلج الجمل بضم الجيم وتخفيف الميم
قيل هو القلس أيضا
والسم و السم ثقب الإبرة وقرا ابن سيرين بضم السين
والخياط والمخيط الإبرة ونظيره قناع ومقنع
46 - ثم قال جل وعز وكذلك نجزي المجرمين آية 40
يعني الكافرين لأنه قد تقدم ذكرهم
47 - ثم قال جل وعز لهم من جهنم مهاد آية 41
أي فراش
ومن فوقهم غواش أي غاشية فوق غاشية من العذاب

وكذلك نجزي الظالمين قيل يعني الكفار والله أعلم
48 - وقوله جل وعز ونزعنا ما في صدورهم من غل آية 43
الغل في اللغة الحقد المعنى إن بعضهم لا يحقد على بعض بما كان بينه وبينه في الدنيا
ويجوز أن يكون المعنى أنه لا يحسد بعضهم على علو المرتبة
ويدل على أن القول هو الأول أنه روي عن علي بن أبي طالب رحمة الله عليه أنه قال أرجو أن ألون أنا وعثمان وطلحة والزبير من الذين قال الله فيهم ونزعنا ما في صدورهم من غل
49 - وقوله جل وعز وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا آية 43
أي لما صيرنا إلى هذا
50 - وقوله جل وعز ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون آية 43

ويجوز أن يكون المعنى بأنه تلكم الجنة
ويجوز أن تكون أن مفسرة للنداء
والبصريون يعتبرونها بأي والكوفيون يعتبرونها بالقول والمعنى واحد كأنه ونودوا قيل لهم تلكم الجنة أي هذه تلكم الجنة التي وعدتموها في الدنيا
ويجوز ان يكون لما راوها قيل لهم قبل أن يدخلوها تلكم الجنة
والقول في معنى أن قد وجدنا و أن لعنة الله على الظالمين على ما قلنا في أن تلكم الجنة
51 - وقوله جل وعز يعرفون كلا بسيماهم آية 46
قال قتادة يعرف أهل الجنة ببياض وجوههم وأهل النار

بسواد وجوههم
52 - ثم قال جل وعز لم يدخلوها وهم يطعمون آية 46
قال أكثر أهل التفسير يعني أصحاب الأعراف
53 - وقوله جل وعز ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم آية 48
قال حذيفة أصحاب الأعراف قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فهم بين الجنة والنار ثم إن الله اطلع عليهم فرحمهم فقالوا ادخلوا الجنة لا خوف عليكم و لا أنتم تحزنون
وروى عبيد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس أنه قال الأعراف الشيء المشرف
وروى مجاهد عن ابن عباس أنه قال الأعراف سور له عرف كعرف الديك

والأعراف في اللغة المكان المشرف جمع عرف
وقال أبو مجلز هم من الملائكة
قال والذين صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار أهل الجنة
حدثنا أبو جعفر قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار الصوفي قال حدثنا داود الضبي قال حدثنا مسلم بن خالد قال عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في أصحاب الأعراف قال هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم وهم على سور بين الجنة والنار وهم على طمع في دخول الجنة وهم داخلون
وقيل إن أصحاب الأعراف ملائكة بين الجنة والنار
قال أبو جعفر والقول الأول أشهر وأعرف

قال ابن عباس فقال الله جل وعز لهم ادخلوا الجنة لا خوف عليكم و لاأنتم تحزنون
قال عبد الله بن الحارث وهم يدعون مساكين أهل الجنة
54 - وقوله جل وعز فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا آية
قال مجاهد أي نتركهم في النار كما تركوا لقاء يومهم هذا
والمعنى فاليوم نتركهم في العذاب كما تركوا العمل لقاء يومهم هذا
وما كانوا بآياتنا يجحدون أي بجحودهم لآياتنا
54 - وقوله جل وعز هل ينظرون إلا تأويله آية 53
قال مجاهد أي جزاءه

وقال قتادة أي عاقبتة
وهذا قول حسن ومعناه ما وعدوا فيه أنه كائن
55 - ثم قال جل وعز يوم يأتي تأويله آية 53
يعني يوم القيامة
يقول الذين نسوه من قبل
قال مجاهد أي أعرضوا عنه
56 - وقوله جل وعز إن ربكم الله الذي خلق السموات ولأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار آية 54
المعنى يغشي الليل النهار ويغشي النهار الليل ثم حذف لعلم السامع
أي يدخل هذا في هذا وهذا في هذا
57 - وقوله جل وعز ألا له الخلق والأمر آية 54
ففرق بين الشيء المخلوق وين والأمر وهو كلامه فدل على

أن كلامه غير مخلوق وهو قوله كن
وقيل هو مثل قوله جل ثناؤه فيهما فاكهة ونخل ورمان
وقيل المعنى وتصرف الأمر ثم حذف
58 - وقوله جل وعز ادعوا ربكم تضرعا آية 55
أي مستكينين متعبدين وخفية أي وأخفوا العبادة لأن الدعاء عبادة
59 - ثم قال تعالى إنه لايحب المعتدين آية 55
قال قتادة فدل هذا على أن من الدعاء ما فيه اعتداء أي فلا تعتدوا في الدعاء

60 - وقوله جل وعز وادعوه خوفا وطمعا آية 56
والمعنى خوفا منه ورجاء لما عنده
61 - وقوله تعالى وهو الذي يرسل الرياح نشرا بين يدي رحمته آية 57
نشر جمع نشور يقال ريح نشور إذا أتت من ههنا وههنا وقيل نشر مصدر
ومن قرأ نشرا بضم النون وإسكان الشين فإلى هذا المعنى يذهب عند البصريين
وأما الفراء فزعم أنها لغة بمعنى النشر كما يقال خسف وخسف
ومن قرا نشرا فإنه يذهب إلى أن المعنى تنشر نشرا
ومن قرا بشرا فهو جمع بشير عنده مخففة وقد تكون جمع بشرة وقد يكون مصدرا مثل العمر وتقرا بشرا وبشرا

مصدر بشره يبشره بمعنى بشره
ومعنى بين يدي رحمته بين يدي المطر الذي هو من رحمته تعالى
62 - ثم قال جل وعز حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء آية 57
حتى إذا أقلت سحابا ثقالا أي حتى إذا حملت الريح سحابا ثقالا بالماء سقناه يعني السحاب لبلد ميت فأنزلنا به الماء
يجوز ان يكون المعنى فأنزلنا بالبلد الماء
ويجوز أن يكون المعنى فأنزلنا بالسحاب الماء فأخرجنا به من كل الثمرات أي بالماء ويجوز أن يكون المعنى بالبلد بالبلد
63 - وقوله تعالى كذلك نخرج الموتى آية 57
قال مجاهد يبعث الله مطرا فيمطر فينبت الناس كما ينبت الزرع

64 - ثم قال جل وعز لعلكم تذكرون آية 57
أي لتكونوا على رجاء من الاتعاظ بما تذكرون وتخبرون به
65 - وقوله جل وعز والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا آية 58
النكد في اللغة النزر القليل وهذا تمثيل
قال مجاهد يعني إن في بني آدم الطيب والخبيث
66 - وقوله جل وعز قال الملأ آية 608
الرؤساء والأشراف أي المليئون بما يفوض إليهم

67 - وقوله جل وعز إنهم كانوا قوما عمين آية 64
قال قتادة أي عن الحق
68 - وقوله جل وعز قال المل الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة آية 66
السفاهة رقة الحلم والطيش يقال ثوب سفيه إذا كان خفيفا
69 - ثم قال جل وعز جوابا لهم قال يا قوم ليس بي سفاهة آية 67
وهذا أدب في الاحتمال
70 - وقوله جل وعز وإلى ثمود أخاهم صالحا آية 73
قيل إنما قال جل وعز أخاهم لأنه بشرا مثلهم من بنى آدم يفهمون عنه فهو أوكد عليهم في الحجة

وقيل إنما قال 6 أخاهم لأنه من عشيرتهم
71 - وقوله جل وعز قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية 6 آية 73
يروى انها خرجت من صخرة صماء
72 - وقوله جل وعز وبوأكم في الأرض آية 74
أي أنزلكم وقال الشاعر ... وبوئت في صميم معشرها ... فنم في قومها مبوؤها ...
وقيل إنما كانوا ينحتون من الجبال بيوتا لطول أعمارهم لأن السقف والحيطان كانت تنهدم قبل فناء أعمارهم

73 - ثم قال جل وعز فاذكروا آلاء الله آية 74
قال قتادة الآلاء النعم
وحكى ابو عبيدة واحدها ألى و إلى
وزاد غيره إلي
74 - وقوله جل وعز وعتوا ن أمر ربهم 0 آية 77 أي تجاوزا في الكفر
75 - وقوله جل وعز فأخذتهم الرجفة آية 78
الرجفة في اللغة الزلزلة الشديدة
76 - ثم قال تعالى فأصبحوا في دارهم جاثمين آية 78 أي ساقطين على ركبهم ووجوهم
وأصل الجثوم للأرانب وما أشبهها والموضع مجثم قال الشاعر

بها العين والآرام يمشين خلفة ... وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم ...
وروى معمر عن عبد الله بن عثمان بن خيثم عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله انه قال لما مر النبي بالحجر قال لا تسألوا الآيات فقد سالها قوم صالح فكانت ترد من هذا الفج فعتوا عن أمر ربهم فعقروها فأخذتهم الصيحة فأهمد الله من تحت السماء منهم إلا رجلا واحدا كان في حرم الله فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه
77 - وقوله جل وعز ولوطا إذ قال لقومه اتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين آية 80
دل بهذا على انه لم يتقدمهم أحد في اللواط ومعنى إنهم

أناس يتطهرون أي يتطهرون عن الفاحشة
78 - وقوله جل وعز فانجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين آية 83
قال قتادة الباقين
والغابر عند أهل اللغة من الأضداد يقال لما بقي غابر ولما ذهب وغاب غابر
وقد قيل في الآية إن معناها من الغابرين عن النجاة
قيل من الباقين مع قوم لوط في الموضع الذي عذبوا فيه
و أبو عبيدة يذهب إلى أن المعنى من المعمرين أي أنها قد هرمت
وقال حذيفه رفع جبريل مدينتهم ثم قلبها فسمعت

امرأته الوجبة فالتفتت فأهلكت معهم
والأكثر في اللغة أن يكون الغابر الباقي قال الراجز ... فما ونى محمد مذ أن غفر ... له الإله ما مضى وما غبر ...
أي وما بقي
79 - وقوله جل وعز ولا تبخسوا الناس أشياءهم آية 85
البخس النقصان
80 - ثم قال تعالى و لا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها آية 85 أي بعد أن أصلحها الله بالأمر بالعدل وإرسال الرسل
81 - وقوله جل وعز ولا تقعدوا بكل صراط توعدون آية 86

قال قتادة أي توعدون من أتى شعيبا وغشية وأراد الإسلام بالأذى
ويقال وعدته خيرا أو شرا فإذا قلت وعدته لم يكن إلا للخير وإذا قلت أوعدته لم يكن إلا للشر
82 - ثم قال جل وعز وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبعونها عوجا آية 86
قال قتادة أي وتبغون السبيل عوجا عن الحق
والسبيل الطريق و المذهب
83 - ثم قال جل وعز واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم آية 86
1 - يجوز أن يكونوا قليلي العدد 2 ويجوز أن يكونوا فقراء فكثرهم بالغنى 3 ويجوز أن يكونوا غير ذوي مقدرة

والله أعلم بما أراد إلا أنه ذكرهم نعمة من نعم الله جل وعز كما قال تعالى فاذكروا آلاء الله
84 - وقوله جل وعز قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا آية 88
يقال كيف قالوا هذا لشعيب وهو نبي فعلى هذا جوابان
أحدهما أن يكون معنى لتعودن لتصيرن كما تقول عاد علي من فلان مكروه
والجواب الاخر أنهم لما خلطوا معه من آمن منهم جاز أن يقولوا أو لتعودن في ملتنا يعنون من آمن
قال أولو كنا كارهين أي أنعود في ملتكم ولو كنا

كارهين وقوله وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا على التسليم لله كما قال تعالى وما توفيقي إلا بالله
والدليل على هذا أن بعده وسع ربنا كل شيء علما على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق قال قتادة إي اقض بيننا وبين قومنا بالحق
وروى إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح في قوله تعالى افتح بيني وبينهم فتحا قال معناه النصر
85 - وقوله جل وعز كأن لم يغنوا فيها آية 92
قال قتادة أي كأن لم يعيشوا ولم يتنعموا
قال الأصمعي يقال غنينا بمكان كذا أي أقمنا فيه والمنازل يقال لها المغاني

ومعنى فكيف آسى فكيف أحزن والأسى اشد الحزن
86 - وقوله جل وعز وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء آية 94
قال مرة عن ابن مسعود الباساء الفقر والضراء المرض
وقيل البأساء المصائب في المال يقال بئس الرجل يبأس بأسا وبأساء إذا افتقر
والضراء ما لحق من الأمراض والمصائب في البدن
لعلهم يضرعون أي يخضعون ويستكينون
87 - وقوله تعالى ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة آية 95
قال مجاهد السيئة الشر والحسنة الرخاء والولد
88 - ثم قال جل وعز حتى عفوا آية 95
قال مجاهد أي كثرت أموالهم وأولادهم

وذلك معروف في اللغة ومنه الحديث عن النبي أنه قال أعفوا اللحى أي كثروها
89 - ثم خبر جل وعز عنهم أنهم لم يعتبروا بما أصابهم وقالوا إن العادة في الزمان الخير والشر فقال تعالى وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة آية 95
أي فجأة
90 - وقوله جل وعز ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا آية 96
يقال للمدينة قرية لاجتماع الناس فيها من قريت الماء إذا جمعته
والبركات التي تأتي من السماء المطر والتي تأتي من الأرض النبات

91 - وقوله جل وعز أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون آية 97
أي أفأمن من كذب محمدا أن يأتيهم باسنا بياتا أي ليلا
92 - وقوله جل وعز أوأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون آية 98
ومعنى وهم يلعبون أي وهم فيما لا يجدي عليهم
يقال لكل من كان فيما يضره ولا يجدي عليه لاعب
93 - ثم قال جل وعز أفأمنوا مكر الله آية 99
أي عذابه إذا وقع بهم ولم يعلموا أنه واقع بهم
94 - وقوله جل وعز أولم يهد للذين يرثون الأرض آية 100
قال مجاهد أي أو لم يبين ومعنى يهد بالياء يتضح ويبين

95 - وقوله جل وعز فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل آية 101
قال مجاهد هذا مثل قوله تعالى ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه
وقال غيره هذا مخصوص به أقوام بأعيانهم خبر الله جل وعلا أنهم لا يؤمنون
وأما قول من قال معنى فما كانوا ليؤمنوا ليحكم لهم بالإيمان فلا يصح في اللغة ويدل على بطلانه أن بعده كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين فدل بهذا على أنه قد طبع على قلوبهم هذا قول أبي إسحاق جزاء بما عملوا
96 - وقوله جل وعز وما وجدنا لأكثرهم من عهد آية 102
من زائدة وهي تدل على معنى الجنس ولولا من

لجاز أن يتوهم أنه واحد في المعنى
قال أبو عبيدة المعنى وما وجدنا لأكثرهم حفظا ولا وفاء
97 - وقوله جل وعز فظلموا بها فانظر كيف كان عاقبة المفسدين آية 103
اصل الظلم وضع الشيء في غير موضعه فلما كفروا بها جعلوا موضع ما يجب من الإيمان الكفر فقيل ظلموا بها بمعنى كفروا بها
98 - وقوله جل وعز حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق آية 105
قال أبو عبيدة أي حريص
قال أبو عمرو بن العلاء رحمه الله وهي قراءة عبد الله حقيق أن لا أقول وهذا يدل على التخفيف لأن حروف الجر

تحذف مع أن
وقال الكسائي هي في قراءة عبد الله حقيق بأن لا أقول على الله إلا الحق
قال الفراء معنى على أن لا و بأن لا واحد كما يقال جاء فلان على حال حسنة وبحال حسنة
ومن قرأ حقيق علي أن لا أقول على الله إلا الحق فإن معناه عنده واجب علي
99 - وقوله جل وعز فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين آية 107
الثعبان الحية الذكر ومعنى ونزع يده أظهرها
قال مجاهد أخرجها من جيبه بيضاء من غير برص
ويروى أن موسى كان آدم اللون فلما أخرج يده بيضاء كان ذلك آية

100 - وقوله جل وعز قال الملأ من قوم فرعون آية 109
الملأ عند أكثر أهل اللغة الأشراف وفي الحديث عن النبي إن الله عز و جل قال يا محمد أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى
وقال بعض أهل اللغة الملأ الرهط والنفر الرجال الذين لا نساء معهم
101 - وقوله جل وعز قالوا أرجئه وأخاه آية 111
قال قتادة أي احبسه
والمعروف عند أهل اللغة أن يقال ارجأت الأمر إذا أخرته

ومن قرأ أرجه وأخاه ففي قراءته قولان
أصحهما أنها لغة وإن كانت ليست مشهورة
والقول الآخر حكي عن أبي العباس قال هو من رجا يرجو أي اتركه يرجو
102 - وقوله جل وعز واسترهبوهم آية 116
أي استدعوا منهم الرهبة
103 - وقوله جل وعز فإذا هي تلقف ما يأفكون آية 117
ومعنى تلقف تلتهم
قال أبو حاتم وبلغني في بعض القراءات تلقم بالميم والتشديد
وقال خارجة قرأ الحسن تلقم بفتح القاف

قال مجاهد معنى ما يأفكون ما يكذبون أي به وكذبهم أنهم يجعلون الحبال حيات
ويجوز أن يكون فماذا تأمرون جوابا من فرعون للملأ حين قالوا إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من ارضكم فقال فرعون فماذا تأمرون
ويجوز ان يكون الملأ قالواهذا لفرعون ومن يخصه
قال مجاهد معنى فوقع الحق فظهر
ومعنى أفرغ علينا صبرا أنزل علينا صبرا يشملنا
104 - وقوله جل وعز وذرك وآلهتك آية 127
وقرأ ابن عباس إلاهتك وقال معناه وعبادتك

لأن فرعون كان يعبد ولا يعبد
وقال من احتج لهذه القراءة الدليل على أنه كان يعبد ولا يعبد أنه قال ما علمت لكم من إله غيري
ومن قرأ وآلهتك فإنه يذهب إلى جهتين
إحداهما أنه يعني بالآلهة ههنا من كان يطيعه فرعون كما قيل في قول الله تعالى اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله أنهم ماعبدوهم ولكن أطاعوهم فصار تمثيلا
والجهة الأخرى أن سليمان التيمي قال بلغني أن فرعون كان يعبد البقر
قال التيمي فقلت للحسن هل كان فرعون يعبد شئيا فقال نعم إن كان ليعبد شيئا قد جعله الله في عنقه

وقال إسماعيل قول فرعون أنا ربكم الأعلى يدل على أنهم كانوا يعبدون شيئا غيره
وقد يكون معنى وآلهتك أنها آلهة يأمرهم بعبادتها
105 - وقوله جل وعز قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا آية 129
قال مجاهد أي من قبل أن ترسل إلينا
وقال غيره الأذى الذي لحقهم من قبل أن يرسل إليهم قتل أبنائهم والأذى الذي لحقهم بعد أن فرعون قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم
106 - وقوله جل وعز ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين آية 130
قال مجاهد أي بالجوائح

وهذا معروف في اللغة أن يقال أصابتهم سنة أي جدب وتقديره سنة جدب ثم حذف
107 - ثم قال جل وعز ونقص من الثمرات آية 130
قال مجاهد أي دون ذلك
108 - ثم قال جل وعز لعلهم يذكرون آية 130
أي يعتبرون بما أصابهم
109 - ثم قال جل وعز فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه آية 131
قال مجاهد الحسنة ههنا العافية والرخاء لنا هذه أي بحق أصابتنا
وقال غير مجاهد أي كذا العادة أن يصيبنا الخير

110 - ثم قال جل وعز وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه آية 131
قال مجاهد السيئة ههنا البلاء ومعنى يطيروا يتشاءموا
111 - ثم قال جل وعز ألا إنما طائرهم عند الله آية 131
قال مجاهد ألا إنما طائرهم عند الله أي إنما الشؤم فيما يلحقهم يوم القيامة مما وعدوا به من الشر
112 - ثم قال جل وعز ولكن أكثرهم لا يعلمون آية 131
أي هم غافلون عن هذا
113 - وقوله جل وعز فأرسلنا عليهم الطوفان آية 133

قال عطاء الطوفان الموت
وقال مجاهد هو الموت على كل حال
وقال قتادة سال عليهم الماء حتى قاموا قياما فسألوا موسى أن يدعو الله أن يكشفه ففعل
وقال الضحاك جاءهم من المطر شيئ كثير فسألوا موسى أن يدعو الله أن يكشفه عنهم ويرسلوا معه بني إسرائيل فدعا الله فكشفه عنهم وأمرعت البلاد وأخصبت فعادوا ولم يرسلوا معه بني إسرائيل فصب الله على زرعهم الجراد فأكله فسألوا موسى فدعا الله فكشف ذلك عنهم ثم عادوا
قال أبو جعفر الطوفان في اللغة ما كان مهلكا من موت أو سيل أي ما يطيف بهم فيهلكهم
قال مجاهد أرسل الله عليهم الجراد فأكل مساومير

أرتجتهم وثيابهم وأرسل عليهم القمل وهو الدبى فكان يدخل في ثيابهم وفرشهم
وقال عكرمة القمل الجنادب بنات الجراد
وقال حبيب بن أبي ثابت القمل الجعلان
والقمل عند أهل اللغة ضرب من القردان
قال أبو الحسن الأعرابي العدوي القمل دواب صغار من جنس القردان إلا أنها أصغر منه واحدتها قملة
وليس هذا بناقض لما قاله أهل التفسير لأنه يجوز ان تكون هذه الأشياء كلها أرسلت عليهم وهي كلها تجتمع في أنها تؤذيهم
قال مجاهد كانوا يجدون الدم في ثيابهم وشرابهم وطعامهم

ومعنى آيات مفصلات بعضها منفصل عن بعض بين كل واحدة منهم مدة
يروى أنه بين الآية والآية ثمانية أيام
114 - وقوله جل وعز ولما وقع عليهم الرجز آية 134
وقرأ سعيد بن جبير ومجاهد الرجز
قال مجاهد وهو العذاب
قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك ح
قال أبو عبيدة بما أوصاك وأعلمك
لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل يروى أنهم كدوهم في العمل

قال مجاهد إلى أجل هم بالغوه إلى عدة مسماة من أيامهم فأغرقناهم في اليم وهو البحر
115 - وقوله جل وعز وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها آية 137
القوم ههنا بنوإسرائيل وكان فيهم داود و سليمان عليهما السلام
قال قتادة التي بورك فيها الشام
وقيل مصر
116 - ثم قال عز و جل وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا آية 137
قيل يعني بالكلمة عسى ربكم أن يهلك عدوكم

ويستخلفكم في الأرض
قال مجاهد في قوله جل وعز وما كانوا يعرشون آية 137 قال يبنون البيوت والمساكن
ومعنى يعكفون يواظبون ويلازمون ومنه قيل اعتكف فلان
ومعنى متبر مهلك ومدمر ويقال تبرت الشيء إذا كسرته واسم ما انكسر منه التبر
117 - وقوله جل وعز قال أغير الله أبغيكم إلها آية 140
معنى أبغي أطلب ومعنى يسومونكم يولونكم
118 - وقوله جل وعز وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم آية 141
يجوز أن يكون المعنى وفي إنجائه بني إسرائيل نعمة
ويجوز أن يكون المعنى في سومكم بني إسرائيل سوء العذاب بلية عظيمة

119 - وقوله جل وعز وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر آية 142
قال مجاهد الثلاثون ذو القعدة والعشر عشر من ذي الحجة
والفائدة في قوله فتم ميقات ربه اربعين ليلة أنه قد دل على أن العشر ليال وأنها ليست بساعات
وقيل هو توكيد
وقيل هو بمنزلة فذلك أي فليس بعدها شيء يذكر
120 - وقوله جل وعز ولما جاء موسى لميقاتنا آية 143
أي للميقات الذي وقتناه له
6 - وكلمة ربه أي خصه بذلك

121 - وقوله جل وعز فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا آية 143
قال قتادة دك بعضه بعضا
وقال عكرمة إنما هو جعله دكاء من الدكاوات والتقدير على هذه القراءة جعله أرضا دكاء وهي الناتئة لا تبلغ أن تكون جبلا
قال عكرمة لما نظر الله جل وعز إلى الجبل صار صحراء ترابا
122 - ثم قال جل وعز وخر موسى صعقا آية 143
قيل ميتا
وقال سعيد بن عروبة عن قتادة مغشيا عليه فلما افاق قال سبحانك إني تبت إليك
قال مجاهد أي تبت من أن أسألك الرؤيا وأنا أول المؤمنين أي أول من آمن أنه لا يراك أحد في الدنيا إلا مات

لأن سؤاله كان في الدنيا
قال قتادة لما أخذ الألواح فراى فيها وصف أمة محمد وتقريظهم فقال يا رب اجعلهم أمتي فقال تلك أمة أحمد فقال فاجعلني منهم قال إنك لن تدركهم وقال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فرضي موسى
123 - وقوله جل وعز وكتبنا له في الألواح من كل شيء آية 145
قال سفيان أي من الحلال والحرام
124 - ثم قال تعالى موعظة وتفصيلا لكل شيء آية 145
قال سعيد بن جبير أي تفصيلا لما أمروا به ونهوا عنه
125 - ثم قال جل وعز فخذها بقوة آية 145

أي بقوة في دينك وحجتك وقيل بجد وعزم
126 - ثم قال جل وعز وأمر قومك يأخذوا بأحسنها آية 145 وكلها حسنة
فقيل المعنى أنهم أمروا أن يأخذزا بما هو أحسن مما هو مطلق لهم وإن لن آتانا جعيعاء مطلقين نحو قوله تعالى ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل فهذا مباح والعفو أحسن
وقيل بأحسنها بالأحسن منها
وقيل أمروا بشيء وخبروا بما لهم فيه ونهوا عن شيء وخبروا بما عليهم فيه فقيل لهم خذوا بأحسنها
وقيل بالناسخ
127 - ثم قال تعالى سأريكم دار الفاسقين آية 145
قال الحسن يعني جهنم

وقال مجاهد يعني مصيرهم في الآخرة
وقرأ قسامة بن زهير سأورثكم دار الفاسقين
128 - وقوله جل وعز سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق آية 146
قال سفيان بن عيينة أي أمنعهم من كتابي
قال أبو إسحاق المعنى سأجعل جزاءهم على كفرهم الإضلال عن هداية آياتي

وقل سأصرفهم عن نفعها
وقيل عن عزها
ومعنى يتكبرون يحقرون الناس ويرون أن لهم فضلا عليهم ويتكبرون عن الإيمان واتباع النبي
129 - وقوله جل وعز وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا آية 146
ويقرأ سبيل الرشد
وقرأ عبد الرحمن المقرىء سبيل الرشاد
قال أبو عمرو بن العلاء الرشد الصلاح والرشد

في الدين
قال غيره الغي الضلال
130 - وقوله جل وعز ذلك بانهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين آية 146
ويجوز أن يكونوا في تركهم الإيمان وتدبر الحق بمنزلة الغافلين
ويجوز أن يكون غافلين عما يجازون به كما يقال ما أغفل فلانا عما يراد به
131 - وقوله جل وعز واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار آية 148
أي من بعد ما جاء للميقات
من حليهم يقال لما حسن من الذهب والفضة حلي والجمع حلي وحلي عجلا جسدا أي عجلا

جثة أي لا يعقل ولا يميز
وقيل لم يكن له رأس إنما كان جسدا فقط له خوار أي صوت
قال مجاهد جمع الحلي فأخذ قبضة من أثر فرس جبريل فرماها عليه
132 - وقوله جل وعز ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا آية 149
يقال للنادم المتحير سقط في يديه وأسقط
و يقرأ ولما سقط في أيديهم أي ولما سقط الندم

في ايديهم
133 - وقوله جل وعز ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا آية 150
الأسف الشديد الغضب المغيظ ويكون الحزين
ومعنى أعجلتم أمر ربكم اسبقتم ولم تنتظروا أمره ونهيه
134 - ثم قال جل وعز وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه آية 150
قال مجاهد كانت من زمردة خضراء
قال مجاهد في قوله ولا تجعلني مع القوم الظالمين

يعني الذين عبدوا العجل
135 - وقوله جل وعز قال رب اغفر لي ولأخي آية 151
أي اغفر الغضب الذي القيت من أجله الألواح واغفر لأخي ما كان من مساهلته في بني إسرائيل إذ كان ذلك من خشية غضب موسى حين قال إني خشيت ان تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي
وقيل إنما استغفر لذنوب كانت قبل هذا الوقت لأن غضبه ايضا كان لله جل وعز وهارون عليه السلام إنما أخر بني إسرائيل لئلا يتفرقوا ويتحاربوا
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لم يبق من الألواح إلا سدسها

136 - وقوله جل وعز إن الذين آتذوا العجل سينالهم غضب من ربهم آية 152
المعنى إن الذين اتخذوا العجل إلها حذف لعلم السامع
وقيل معنى وذلة في الحياة الدنيا إنها الجزية
وقيل هو ما أمروا به من أن يقتل بعضهم بعضا وما راوه من ضلالهم قال الله جل وعز ورأوا أنهم قد ضلوا
قال أبو جعفر وهذا القول أصح من الأول لأن الجزية لم تؤخذ منهم وإنما أخذت من ذريتهم

137 - وقوله جل وعز ولما سكت عن موسى الغضب آية 154
معناه سكن
قال أبو إسحاق يقال سكت يسكت سكتا إذا سكن وسكت يسكت سكوتا وسكتا إذا قطع الكلام
ومعنى وفي نسختها وفيما نسخ منها أي فيها هدى ورحمة
قال ابن كيسان وفي نسختها فيه قولان
أحدهما أنها جددت له في لوحين
وقيل فيما انتسخ منها وكانت قد تكسرت فذهب أكثرها وانتسخ ما قدر عليه منها وفي تلك النسخة هدى أي بيان ورحمة أي ما يدل على ما يوجب الرحمة ولهذا قال هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون

يجوز أن يكون معنى اللام معنى من أجل كما تقول أنا أكرم فلانا لك
ويجوز أن يكون المعنى رهبتهم لربهم
138 - وقوله جل وعز واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا آية 155
أي ممن لم يعبدوا العجل والمعنى من قومه
139 - ثم قال جل وعز فلما أخذتهم الرجفة آية 155
قال مجاهد أميتوا ثم أحيوا
والرجفة في اللغة الزلزلة الشديدة ويروى أنهم زلزلوا حتى ماتوا
قال ابن عباس إنما أخذتهم الرجفة لأنهم لم ينهوا من عبد

العجل ولم يرضوا عبادته
قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أي أمتهم كما قال تعالى إن أمرؤ هلك
قال ابن كيسان أي لو شئت أهلكتهم من قبل لأنهم أذنبوا بأنهم لم ينهوا من عبد العجل
وإياي بذنبي حين قتلت القبطي فقد رحمتنا ولم تهلكنا بذنوبنا نحن أفتهلكنا بذنوب السفهاء الذين عبدوا العجل وأنت متفضل علينا بالعفو قبل هذا
قال أبو جعفر حقيقة المعنى لست تهلكنا وألف الاستفهام تدل على هذا المعنى في كثير من المواضع كما تقول ما أنا أفعل مثل هذا أي لست أفعله

إن هي إلا فتنتك تضل بها أي بالفتنة من تشاء أن تبتليه فتجعله عاصيا
140 - وقوله عز و جل واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك آية 156
قال مجاهد وأبو العالية وقتادة في قوله تعالى إنا هدنا إليك قالوا تبنا
141 - ثم قال جل وعز قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيئ آية 156
قال الحسن وقتادة وسعت البر والفاجر في الدنيا وهي للتقي خاصة يوم القيامة
142 - وقوله جل وعز فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة آية 156
روى حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن

جبير عن ابن عباس قال كتبها الله جل وعز لهذه الأمة
143 - وقوله جل وعز الذين يتبعون الرسول النبي الأمي آية 157
الأمي الذي لا يكتب
وقيل نسب النبي صلى الله عليه و سلم إلى أم القرى وهي مكة
الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل فكان هذا من براهينه صلى الله عليه و سلم لأنه خبرهم بما في كتابهم
فيجوز أن يكون يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر بما هو مكتوب عندهم
ويجوز أن يكون مستأنفا
ويحل لهم الطيبات
يجوز أن يكون الحلال
ويجوز أن يكون ما حرم عليهم من الطعام

ويحرم عليهم الخبائث العرب تقول لكل حرام خبيث
ويضع عنهم إصرهم
قال سعيد بن جبير الإصر شدة العبادة
وروي عن مجاهد فيه قولان
روى عنه ابن أبي نجيح أنه قال كانوا قد شدد عليهم فس أشياء فمن أسلم وآمن بالنبي صلى الله عليه و سلم خفف عنه
وروى موسى بن قيس عنه أنه قال هي عهود كانت عليهم
والقولان متقاربان أي ما يثقل عليهم

وكذلك الأغلال التي كانت عليهم إنما هو تمثيل أي أشياء قد كلفوعا وضمنوها فهي بمنزلة الأغلال
ويروى أن أحدهم كان إذا أصاب جلده بول وجب عليه أن يقطعه وإذا قتل رجل رجلا لم يكن بد من قتله ولا تؤخذ منه دية
144 - ثم قال جل وعز فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه آية 157 وقيل معنى وعزروه وعظموه
وقيل ومنعوا منه أعداء والمعاني متقاربة
واتبعوا النور الذي أنزل معه بمنزلة النور في البيان
ثم قال فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته آية 158
قال مجاهد معنى يؤمن بالله وكلمته يؤمن بالله

وبعيسى
وقال غيره الكلمة والكلام ح صهنا واحد
145 - وقوله جل وعز وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما آية 160
الأسباط الفرق والواحد سبط والأسباط في ولد إسحاق صلى الله عليه و سلم بمنزلة القبائل في ولد إسماعيل
والأسباط مأخوذ من السبط وهو شجر تعلفه الإبل
ومعنى فانبجست فانفجرت
146 - وقوله جل وعز واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر آية 163
أمره أن يسألهم سؤال توبيخ ليقررهم بما يعرفونه من عصيان آبائهم ويخبرهم بما لا يعرف إلا من كتاب أو وحي
حدثنا أبو جعفر قال نا محمد بن إدريس قال نا

يونس قال أخبرنا ابن وهب وكذا أخبرني حيوة عن عقيل عن ابن شهاب قال القرية التي كانت حاضرة البحر طبرية والقرية التي قال فيها واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إنطاكية
وعن ابن عباس التي كانت حاضرة البحر أيلة
ومعنى يعدون يعتدون ويجاوزون الحق
والشرع الظاهرة
وقرأ الحسن يسبتون أي يدخلون في السبت
مثل أهللنا ومن فتح الباء قال معناه يعظمون السبت
كما كانوا يعظمونه هذا قول الكلبي وأبي عبيدة

قال مجاهد كانت الحيتان تأتيهم يوم السبت من غير أن يطلبوها ابتلاء من الله جل وعز لهم أي اختبارا
147 - وقوله جل وعز وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا آية 164
معنى أو هاهنا لأحد الأمرين أي قد ظهر منهم ما سيلحقهم من أجله أحد هذين
قالوا معذرة إلى ربكم أي موعظتنا معذرة أي إنما يجب علينا أن نأمرهم بالمعروف ولعلهم يرجعون بموعظتنا
فلما نسوا ما ذكروا به أي تركوا أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس
قال ابن عباس ما أدري ما فعل بالفرقة التي لم تأمر ولم تنه

وقال غيره نجيت لأنها لم تشارك كالذين عصوا
قال مجاهد بئيس أليم شديد وهذا معروف في اللغة يقال بؤس فهو يبأس إذا اشتد
ومن قرأ بيس ففيه قولان
قال الكسائي الأصل فيه بئس خففت الهمزة فالتقت ياءان فحذفت إحداهما وكسر أوله كما يقال رغيف وشهيد
وقيل أراد بئس على فعل فكسر أوله وخففت الهمزة وحذفت الكسرة كما يقال رحم ورحم
قال أبوإسحاق بئيس أي شديد وقد بئس إذا افتقر وبؤس إذا اشتد
قال علي بن سليمان بيس رديء وليس بجار على

الفعل أنما هو كما يقال ناقة نضو والعرب تقول جاء ببنات بيس أي ببنات شيئ رديء
قال أبو جعفر وفيه قراءات سوى هاتين سنذكرها في الإعراب إن شاء الله
148 - وقوله جل وعز وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب آية 167
قال أهل التفسير معناه أعلم ربك
وهذا قول حسن لأنه يقال تعلم بمعنى أعلم وأنشد أبو إسحاق لزهير في مثل هذا ... فقلت تعلم إن للصيد غرة ... فإن لا تضيعها فإنك قاتله ... وروي عن ابن عباس أنه قال في قوله جل وعز ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب قال يعني أخذ

الجزية
فإن قيل فهم قد مسخوا فكيف تؤخذ منهم الجزية
فالجواب إنها تؤخذ من أبنائهم وقد مسخوا ولحق أولادهم الذل فهم أذل قوم وهم اليهود
حدثنا أبو جعفر قال نا أحمد بن محمد بن سلامة قال نا عيسى بن إسحاق الأنصاري قال نا يحيى بن عبد الحميد الحماني عن يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد ابن جبير في قول الله تعالى وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة قال العرب من يسومهم سوء العذاب قال الخراج
وقيل عليهم على اليهود بين أنه كان أخبر بذلك
149 - ثم قال جل وعز وقطعناهم في الأرض أمما آية 168

أي فرقناهم فرقا
150 - وقوله جل وعز وبلوناهم بالحسنات والسيئات آية 168 أي واختبرناهم بالشدة والرخاء والخصب والجدب
151 - وقوله جل وعز فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتباب آية 169
قال مجاهد يعني النصارى
وقال غيره يعني أبنائهم
قال أبو جعفر وهذا أولى القولين والله أعلم لأنه يقال لولد الرجل خلفه يقال للواحد وللاثنين والجمع والمؤنث على لفظ واحد والجمع خلوف

وقيل إنما يستعمل للرديء من الأبناء
فأما الخلف بتحريك اللام فهو البدل من الشيء من ولد أوغيره
152 - ثم قال جل وعز يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا آية 169
قال ابن عباس رحمه الله يستقبلون الدنيا فيأكلونها ويتأولون كتاب الله هذا معنى قوله تعالى وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه
قال مجاهد يأخذون في يومهم ما كان من حلال أو حرام وإن وجدوا ذلك لغد أخذوه
وقال غيره يأخذون الرشى في الحكم ويقولون سيغفر

لنا وهم لا يتوبون
ودل على انهم لا يتوبون قوله تعالى وإن يأتهم عرض مثله يأخذو
والعرض في اللغة متاع الدنيا أجمع
والعرض بتسكين الراء ما كان من المال سوى الدنانير والدراهم وما كان من الدنانير والدراهم قيل له نقد وغيره
ومعنى ودرسوا ما فيه أي قد قرأوه وهم قريبو عهد بقراءته
153 - ثم قال تعالى والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المحسنين آية 170
معنى يمسكون بالكتاب يتبعون ما فيه ويحكمون به
إنا لا نضيع أجر المحسنين أي من أصلح منهم وآمن ولم يعاند
154 - وقوله جل وعز وإذا نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة آية 171

يقال نتقت الشيء أنتقه نتقا ونتوقا إذا زعزعته ورميت به أو قطعته منه امرأة ناتق أي كثيرة الولد كأنها ترمي بالأولاد
ويقال نتقت السقاء إذا نقضته لتخرج ما فيه من الزبد
قال قتادة رفع الجبل على رؤوسهم وقال لهم موسى إن قبلتم ما في الكتاب وإلا سقط عليكم
ومعنى بقوة بجد
155 - وقوله جل وعز وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم آية 172
أحسن ما قيل في هذا ما تواترت به الأخبار عن النبي
إن الله جل وعز مسح ظهر آدم فأخرج منه ذريته أمثال الذر فأخذ عليهم الميثاق
فكأن يفهمهم ما أراد جل وعز كما قال تعالى قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم

وفي الحديث كل مولود يولد على الفطرة
أي على ابتداء أمره حين أخذ عليهم العهد
حدثنا أبو جعفر قال نا عبد الله بن إبراهيم المقرىء البغدادي بالرملة قال نا عباس الدوري قال نا عبدالله بن موسى قال نا أبو جعفر الرازي عن الربيع عن أبي العالية عن أبي بن كعب في هذه الآية وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم إلى قوله المبطلون قال جمعهم فجعلهم أزواجا ثم صورهم ثم استنطقهم فقال ألست بربكم قالوا بلى شهدنا إنك ربنا وإلهنا لا رب لنا غيرك و لا إله لنا غيرك قال فارسل إليكم رسلي وأنزل عليكم كتبي فلا تكذبوا رسلي وصدقوا وعيدي وإني سأنتقم ممن اشرك بي ولم يؤمن بي فأخذ عهدهم وميثاقهم وذكر الحديث

قال أبو جعفر ونذكر حديث عمر عن النبي في معنى هذه الاية في الإعراب وغيره إن شاء الله
156 - ثم قال جل وعز قالوا بلى آية 172
وهذا التمام على قراءة من قرأ أن تقولوا بالتاء
قال أبو حاتم وهي مذهبنا لقوله ألست بربكم يخاطبهم فقال على المخاطبة أن تقولوا أي لأن لا تقولوا
وقرأ بن عباس وسعيد بن جبير وغيرهما أن يقولوا بالياء والمعنى على هذه القراءة وأشهدهم على أنفسهم كراهة أن يقولوا
157 - وقوله جل وعز واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها آية 175

وروى شعبة عن منصور عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله قال هو بلعام
وروى ابن أبي جريج عن عبد الله بن كثير عن مجاهد عن ابن عباس قال هو بلعام بن باعر من بني إسرائيل
قال سعيد بن جبير كان معه اسم الله الأعظم فسألوه أن يدعوا الله على موسى عليه السلام واصحابه فقال أخروني وكان لا يدعو على أحد حتى يرى ذلك في نومه فبات فنهي في نومه فعادوا إليه وكان موسى قد جاءهم في ثمانين ألفا خلف الفرات فلما سألوه أن يدعو عليه بعدما نهي قال لهم أخرجوا إلى أصحابه النساء ليفتتنوا فتنتصروا عليهم فانسلخ مما كان فيه وكان قد أمر في نومه أن يدعو له
قال عبد الله بن عمرو بن العاص رحمهما الله هو صاحبكم أمية بن أبي الصلت

وقال عكرمة هو من كان من اليهود والنصارى لم يصح إسلامه
يذهب إلى أنهم منافقوا أهل الكتاب
وقال ابن عباس في قوله تعالى فانسلخ منها هو ما نزع منه من العلم
158 - ثم قال جل وعز فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين آية 175
يقال اتبعه إذا أدركه وتبعه إذا سار في أثره هذا الجيد
وقيل هما لغتان
159 - وقوله جل وعز ولو شئنا لرفعناه بها آية 176

قال مجاهد أي لرفعناه عنه ومعناه لعصمناه مما فعل
160 - ثم قال جل وعز ولكنه أخلد إلى الأرض آية 176
قال مجاهد أي سكن والتقدير إلى نعيم الأرض ولذاتها
161 - وقوله جل وعز فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث آية 176
قال مجاهد أي إن تحمل عليه بدابتك أو رجلك يلهث أو تتركه يلهث وكذلك من يقرأ الكتاب ولا يعمل بما فيه
وقال غير مجاهد هذا شر تمثيل في أنه قد غلب عليه هواه حتى صار لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا بكلب لاهث أبدا حمل عليه أو لم يحمل عليه هو لا يملك ترك اللهثان

162 - وقوله جل وعز ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس آية 179 ح
أي خلقنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس
يقال ذرا الله خلقه يذرؤهم ذرءا أي خلقهم
وقوله تعالى أولئك كالنعام وصفهم بأنهم بمنزلة من لا يعقل
163 - ثم قال جل وعز بل هم أضل آية 179 لأن الأنعام إذا أبصرت مضارها اجتنبتها أو أكثرها ولا تكفر معاندة
164 - وقوله جل وعز ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها آية 180
روى أبو هريرة عن النبي أنه قال أن لله تسعة وتسعين اسما مائة غير واحد من أحصاها دخل الجنة

وقال بعض أهل اللغة يجب على هذا أن لا يدعى الله عز و جل إلا بما وصف به نفسه فيقال يأجواد و لا يقال يا سخي
165 - وقوله جل وعز وذروا الذين يلحدون في أسمائه آية 180
قال ابن جريج اشتقوا العزى من العزيز واللات من الله
قال أبو جعفر والإلحاد في اللغة الجور والميل ومته لحد القبر لأنه ليس في الوسط إنما هو مائل في ناحيته
قال أبو جعفر وفرق الكسائي بين ألحد ولحد فقال ألحد عدل عن القصد ولحد ركن إلى الشيء

وعلى هذا قرأ في النحل يلحدون بفتح الياء بمعنى الركون
166 - وقوله جل وعز والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون آية 182
يقال استدرج فلان فلانا إذا اتى بأمر يريد ليلقيه في هلكة
ولا يكون الاستدراج إلا حالا بعد حال ومنه فلان يدرج فلانا ومنه أدرجت الثوب
167 - وقوله جل وعز وأملي لهم إن كيدي متين آية 183
ومعنى أملي أؤخر والملاوة القطعة من الدهر ويقال بالضم والكسر ومنه تمل حبيبك والمتين الشديد

168 - وقوله جل وعز أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض آية 185
قال سفيان يعني خلق السموات والأرض
169 - وقوله جل وعز يسألونك عن الساعة ايان مرساها آية 187
قال قتادة أي متى قيامها
وقال غيره يقال رسى الشيء يرسو رسوا إذا ثبت وأرسيته أثبته
170 - ثم قال جل وعز قل إنما علمها عند ربي آية 187 ح
أي لا يعلم متى قيامها غلا الله
171 - ثم قال جل وعز لا يجليها لوقتها إلا هو آية 187
يقال جلى لي فلان الخبر إذا أظهره وأوضحه

172 - ثم قال جل وعز ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة آية 187
أي خفي علمها وإذا خفي الشيء ثقل
وقيل أي ثقلت المسالة عنها أي عظمت
173 - ثم قال جل وعز لا تأتيكم إلا بغتة آية 187
أي فجأة
174 - وقوله جل وعز يسألونك كأنك خفي عنها آية 187 ح
قال قتادة قالت قريش للنبي نحن أقرباؤك فأسر إلينا متى الساعة فانزل الله جل وعز يسألونك كأنك حفي عنها أي حفي بهم
والمعنى على هذا التقديم والتأخير أي يسألونك عنها

كأنك حفي لهم أي فرح لسؤالهم
وهو معنى قول سعيد بن جبير أبي يسالونك كأنك حفي لهم
175 - وقوله جل وعز ولو كنت أعلم الغيب لا ستكثرت من الخير آية 188 روي عن ابن عباس أنه قال لو أني أعلم سنة القحط والجدب لهيأت لها ما يكفيني
وقيل لو كنت أعلم متى أموت لاستكثرت من العبادة فيكون الخير ها هاهنا هن العبادة
وقيل إن النبي كان يسال عما في قلوب الناس وما يسرونه فقال لوكنت أعلم الغيب أي ما يسرونه وما يقع بكم حتى تحذروا مكروهه لكان أحرى أن تجيبوني إلى ما أدعوكم

لاستكثرت من الخير أي من إجابتكم إلى ما أدعوكم وما مسني السوء منكم بتكذيب أو عداوة إذ كنت عندكم كذلك
ودل على هذا الجواب إن أنا إلا نذير أي لست أعلم من الغيب إلا ما علمني الله
وقيل ولو كنت أعلم الغيب أي كتب الله
وقال الحسن لاستكثرت من الخير من الوحي
176 - وقوله جل وعز هو الذي خلقكم من نفس واحدة آية 189
يعني آدم وجعل منها زوجها يعني حواء فلما تغشاها كناية عن الجماع حملت حملا خفيفا فمرت به
قال الحسن أي فاستمرت به والمعنى أنها مرت به وجاءت لم يثقلها

وقرأ ابن يعمر فمرت به خفيف أي شكت في الحمل
روي عن ابن عباس رحمه الله فاستمرت به
قال أبو حاتم أي استمر بها الحمل فقلب الكلام كما يقال أدخلت الخف في رجلي فلما أثقلت أي استبان حملها دعوا الله ربهما لئن آتينا صالحا
قال الحسن أي غلاما
وقال ابو البختري خافا ان يكون بهيمة
177 - ثم قال جل وعز فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما آية 190

روى خصيف عن سعيد بن جبير ومجاهد عن ابن عباس قال أتاهما إبليس فقال أنا أخرجتكما من الجنة فإن أطعتماني وإلا جعلت له قرنين فشق بطنك أو أخرجته ميتا فقضي أن يخرج ميتا ثم حملت حملا آخر فقال لهما مثل ذلك فقضي أن يخرج ميتا ثم حملت حملا آخر فقال لهما مثل ذلك فقالت له حواء فيم تريد ان أطيعك قال سميه عبد الحارث فسمته فقال الله جل وعز جعلا له شركاء فيما آتاهما
قال غيره يعني في التسمية خاصة وكان اسم إبليس الحارث

178 - ثم قال تعالى فتعالى اله عما يشركون آية 190
أي عما يشرك الكفار ويدل على هذا أيشركون ما لا يخلق شيئا يعني الأصنام
وروي عن عكرمة أنه قال لم يخص بهذا آدم وحواء وحدهما والتقدير على هذا الجنس كله أي خلق كل واحد منكم من نفس واحدة وجعل منها أي من جنسها زوجها فلما تغشاها على الجنس كله وكذا دعوا يراد به الجنسان الكافران ثم حمل فتعالى الله عما يشركون على معنى الجميع فهذا أولى والله أعلم من أن ينسب إلى الأنبياء عليهم السلام مثل هذا

وقال بعض أهل النظر يراد به غير آدم وحواء وإنما ذكرا لأنهما أصل الناس
179 - وقوله جل وعز إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم آية 194 أي الله جل وعز يهلكهم كما يهلككم
وروي عن سعيد بن جبير أنه قرأ إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم و إن ها هنا بمعنى ما والمعنى ما الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم أي هم الأصنام والقراءة الأولى أكثر وأعرف والسواد عليها
180 - وقوله جل وعز إن وليي الله الذي نزل الكتاب آية 196
قال الأخفش وقرىء إن ولي الله الذي نزل الكتاب يعني جبريل

قال أبو جعفر هي قراءة عاصم الجحدري والقراءة الأولى أولى لقوله تعالى وهو يتولى الصالحين
181 - وقوله جل وعز وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون آية 198
يعني الأصنام
قال الكسائي يقال داري تنظر إلى دار فلان إذا كانت قريبة منها
182 - وقوله جل وعز خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين آية 199
قال عطاء العفو الفضل

قال أبو جعفر وكذلك هو في اللغة ما كان فضلا ولم يكن بتكلف
حدثنا أبو جعفر قال نا أحمد بن عبد الجبار الصوفي قال أنبأنا داود الضبي قال نا مسلم بن خالد عن ابن ابي نجيح عن مجاهد في قوله جل وعز خذ العفو قال خذ من أخلاقهم وأعمالهم في غير تجسس
قال الضحاك والسدي هذا قبل أن تفرض الصدقة وقد نسخته الزكاة
وقال وهب بن كيسان سمعت ابن الزبير رحمه الله يقول خذ العفو والله ما أمر أن يؤخذ إلا من أخلاق الناس والله لآخذنه منهم ما صحبتهم
183 - ثم قال جل وعز وأمر بالعرف آية 199

والعرف المعروف
184 - وقوله جل وعز وإما ينزغنك من الشيطان نزغ آية 200 النزغ أدنى حركة
185 - وقوله جل وعز إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا آية 201
قال مجاهدالطيف الغضب
قال الكسائي الطيف اللمم والطائف كل ما طاف حول الإنسان
وقال أبو عمرو الطيف الوسوسة وحقيقته في اللغة من طاف يطيف إذا تخيل في القلب أو رؤي في النوم وهو طائف وطيف بمعناه

186 - وقوله جل وعز وإخوانهم يمدونهم في الغي آية 202
أي يزيدونهم
187 - وقوله جل وعز وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها آية 203
قال قتادة أي جئت بها من عند نفسك
وكذلك هو في اللغة يقال اجتبيت الشيء وارتجلته واخترعته واختلقته إذا جئت به من عند نفسك
188 - وقوله جل وعز ودون الجهر من القول بالغدو والآصال آية 205
الآصال العشايا الواحد أصل وواحد أصل أصيل

189 - وقوله جل وعز وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا آية 204
هذا عام يراد به الخاص
وقال إبراهيم النخعي وابن شهاب والحسن هذا في الصلاة
وقال عطاء هذا في الصلاة والخطبة
قال أبو جعفر القول الأولى أول لأن الخطبة يجب السكوت فيها إذا قرىء القرآن وإذا لم يقرأ
والدليل على صحة ما رواه إبراهيم الهجري عن أبي عياض عن أبي هريرة قال كانوا يتكلمون في الصلاة فأنزل الله جل وعز وإذا قرىء القرآن إلى آخرها

قال أبو جعفر ولم يختلف في معنى قوله تعالى واذكر ربك في نفسك أنه في الدعاء
وقال بعضهم في قوله جل وعز فاستمعوا له وأنصتوا كان هذا لرسول الله خاصة ليعيه عنه أصحابه تمت سورة الأعراف

تفسير سورة الأنفال مدنية وآياتها 75 آية

بسم الله الرحمن الرحيم سورة الأنفال وهي مدنية
قوله جل وعز يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول آية 1
قال ابن عباس نزلت في يوم بدر
وروى إسرائيل عن سماك بن حرب عن مصعب بن سعد عن أبيه قال أصبت سيفا يوم بدر فاستحسنته فقلت يا رسول الله هبه لي فنزلت يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول
قال أبو جعفر المعروف من قراءة سعد بن أبي وقاص

يسألونك الأنفال بغير عن هكذا رواه شعبة عن سماك عن مصعب عن أبيه
قال ابن عباس قال النبي في يوم بدر من قتل قتيلا فله كذا ومن أسر أسيرا فله كذا فلما فتح لهم جاءوا يطلبون ذلك فقام سعد والأشياخ فقالوا يا رسول الله إنما قمنا هذا المقام ردءا لكم لا جبنا فنزلت يسألونك عن الأنفال فسلموا الغنيمة لرسول الله ثم نزلت بعد واعلموا أنما غنمتم من شيء فان لله خمسه
فبين الله جل وعز في هذا أن الأنفال صارت من الخمس لا من الجملة
قال مجاهد وعكرمة هي منسوخة نسخها واعلموا أن ما غنمتم من شيء فأن لله خمسه إلى آخر الآية

قال مجاهد والأنفال الغنائم
قال أبو جعفر والأنفال في اللغة ما يتطوع به الإمام مما لا يجب عليه نحو قوله من جاء بأسير فله كذا ومنه النافلة من الصلوات ثم قيل للغنيمة نفل لأنه يروى أن الغنائم لم تحل لأحد إلا لأمة محمد فكأنهم أعطوها نافلة
وقوله جل وعز فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم آية 1
الذات الحقيقة والبين الوصل ومنه لقد تقطع بينكم
وقوله جل وعز إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم آية 2
قال ابن أبي نجيح أي فرقت وأنشد أهل اللغة ... لعمرك ما أدري وإني لأوجل ... على أينا تغدو المنية أول

وروى سفيان عن السدي في قوله جل وعز الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم قال إذا أراد أن يظلم مظلمة قيل له اتق الله كف ووجل قلبه
ثم قال جل وعز وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا آية 2
أي صدقوا بها فازدادوا إيمانا
قال الحسن الذين يقيمون الصلاة الخمس بوضوئها وركوعها وسجودها وخشوعها
وقال مقاتل بن حيان إقامتها أن تحافظ على مواقيتها وإسباغ الطهور فيها وتمام ركوعها وسجودها وتلاوة القرآن فيها والتشهد والصلاة على النبي وهذا إقامتها

5 - وقوله جل وعز كما أخرجك ربك من بيتك بالحق آية 5 فيه أقوال
أ قال الكسائي المعنى يجادلونك في الحق مجادلتهم كما أخرجك ربك من بيتك بالحق
ب قال أبو عبيدة ما بمعنى الذي أي والذي أخرجك هذا معنى كلامه
ج وقول ثالث وهو أن المعنى قل الأنفال لله والرسول كما أخرجك ربك من بيتك بالحق أي كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وهم كارهون قل الأنفال لله والرسول وإن كرهوا

وقيل كما أخرجك ربك من بيتك متعلق بقوله تعالى لهم درجات عند ربهم أي هذا الوعد لهم حق في الاخرة كما أخرجك ربك من بيتك بالحق فانجز وعدك بالظفر 6 ثم قال جل وعز يجادلونك في الحق بعد ماتبين آية 6
فكما كان هذا حقا فكذلك كل ما وعدكم به حق يجادلونك في الحق بعد ما تبين وتبيينه أنه لما خبرهم بخبر بعد خبر من الغيوب حقا وجب أن لا يشكوا في خبره
وأحسنها قول مجاهد أن المعنى كما أخرجك ربك من بيتك أي من المدينة إلى بدر على كره كذلك يجادلونك في الحق لأن كلا الأمرين قد كان مع قرب احدهما من الآخر فذلك أولى مما بعد عنه

7 - وقوله
جل وعز وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين انها لكم آية 7
قال قتادة الطائفتان أبو سفيان معه العير وابو جهل معه نفير قريش وكان أصحاب رسول الله يحبون أن يظفروا بالعير واراد الله عز و جل غير ذلك
والشوكة السلاح 8
ثم قال جل وعز ويريد الله أم يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين آية 7 أي
كان في ظهورهم على المشركين وإمدادهم بالملائكة ما أحق به الحق وقطع دابر الكافرين

9 - وقوله جل وعز فاستجاب لكم أني ممدكم بالف من الملائكة مردفين آية 9
قال ابن عباس أي متتابعين
وقال أبو جعفر قال أهل اللغة يقال ردفته وأردفته إذا تبعته
قال مجاهد مردفين أي ممدين
وقوله جل وعز وما جعله الله إلا بشرى آية 10
يعني الإمداد ويجوز أن يكون يعني الإرداف
11 - وقوله جل وعز إذ يغشيكم النعاس أمنة منه آية 11

قال ابن أبي نجيح كان المطر قبل النعاس
ويقال أمن يأمن أمنا وأمانا وأمنة وأمنة وروي عن ابن محيصن أنه قرأ أمنة بإسكان الميم
وقال عبد الله بن مسعود النعاس في الصلاة من الشيطان وفي الحرب أمنة
12 - ثم قال جل وعز وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به آية 11
قال الضحاك سبق المشركون المسلمين إلى الماء ببدر فبقي المسلمون عطاشا محدثين مجنبين لا يصلون إلى الماء فوسوس إليهم الشيطان فقال إنكم تزعمون أنكم على الحق وأن فيكم النبي وعدوكم معه الماء وأنتم لا تصلون إليه فأنزل الله جل وعز المطر فشربوا منه حتى رووا واغتسلوا وسقوا دوابهم

قال ابن أبي نجيح رووا من الماء وسكن الغبار
وقال غيره كان ذلك من الآيات العظام لأنهم كانوا على سبخة لا تثبت فيها الأقدام فلما جاء المطر ثبتت أقدامهم
13 - ثم قال جل وعز ويذهب عنكم رجز الشيطان آية 11
قال ابن ابي نجيح أي وساوسه
قال الضحاك وأما قوله ويثبت به الأقدام فإنه كانت به رميلة لا يقدر احد أن يقف عليها فلما جاء المطر ثبتت الأقدام عليها وخقوله جل وعز إذ يوحى ربك إلى ءالملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا آية 12

يجوز أن يكون المعنى ثبتوهم بشيء تلقونه في قلوبهم
ويجوز ان يكون المعنى ثبتوهم بالنصر والقتال عنهم
15 - وقوله جل وعز فاضربوا فوق الأعناق آية 12
قيل إن فوق ها هنا زائدة وإنما ابيحوا ان يضربوهم على كل حال
ويدل عليه واضربوا منهم كل بنان لأن البنان أطراف الأصابع الواحدة بنانة مشتق من قولهم أبن بالمكان إذا أقام به
16 - ثم قال جل وعز ذلك بانهم شاقوا الله ورسوله آية 13
أي خالفوا كأنهم صاروا في شق آخر

17 - وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار آية 15
أي إذا واقفتموهم يقال زحفت له إذا ثبت
وقيل التزاحف التداني والتقارب أي متزاحف بعضهم إلى بعض
18 - ثم قال جل وعز ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله آية 16
قال الحسن كان هذا يوم بدر خاصة وليس الفرار من الزحف من الكبائر
وروى شعبة عن داود بن ابي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال نزلت في يوم بدر حدثنا أبو جعفر قال نا ابن سماعه قال نا أبو نعيم قال نا موسى بن محمد عن داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد ومن يولهم يومئذ

دبره إلى قوله وبئس المصير قال ذلك يوم بدر
وقال عطاء هي منسوخة إلى قوله فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين أهل بدر لم يكن لهم إمام ينحازون إليه إذ كان النبي معهم فلم يكن لهم أن يرغبوا بانفسهم عن نفسه
وفي حديث ابن عمر حصنا حيصة في جيش فخفنا فقلنا يا رسول الله نحن الفرارون فقال أنا فئتكم

وكذا قال عمر يوم القادسية أنا فئة كل مسلم
وقيل ذا عام لأن ذلك حكم من إلا أن يقع دليل فإن خاف رجل على نفسه وتيقن انه لا طاقة له بالمشركين فله الرجوع لئلا يلقي بيده إلى التهلكة
19 - ثم قال جل وعز فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم آية 17
وقال ابن أبي نجيح لما قال هذا قتلت وهذا قتلت
ثم قال سجل وعز وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى آية 17 قال ابن أبي نجيح هذا لما حصبهم رسول الله
قال أبو جعفر وحقيقة هذا في اللغة إنهم خوطبوا على ما يعرفون لن لأن عددهم كان قليلا وأبلغوا من المشركين ويروى أن رسول الله حصبهم بكفه فلم يبق أحد من المشركين إلا وقع في

عينه أي فلو كان إلى ما في يد رسول الله لم يصل إلى ذلك الجيش العظيم ولكن الله فعل بهم ذلك
والتقدير والله أعلم وما رميت بالرعب في قلوبهم إذ رميت بالحصباء في وجوههم وقلت شاهت الوجوه ولكن الله رمى بالرعب في قلوبهم
وقيل المعنى وما رميت الرمي الذي كانت به الإماتة ولكن الله رمى 21 ثم قال جل وعز وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا آية 17 والبلاء ها هنا النعمة

22 - وقوله جل وعز إن تستفتحو فقد جاءكم الفتح آية 19
قال مجاهد أي إن تستنصروا
وقال الضحاك قال أبو جهل اللهم انصر أحب الفئتين إليك فقال الله عز و جل إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح
والمعنى عند أهل اللغة إن تستدعوا الفتح وهو النصر
23 - وقوله جل وعز ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون آية 21
لأنهم استمعوا استماع عداوة ويبينه قوله إن شر الدواب

عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون أي هم بمنزلة الصم في أنهم لا يسمعون سماع من يقبل الحق وبمنزلة البكم لأنهم لا يتكلمون بخير ولا يعقلونه
24 - ثم قال جل وعز ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم آية 23
أي لأسمعهم جواب كل ما يسألون عنه
25 - ثم قال جل وعز ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون آية 23 أي لو أخبرهم بكل ما يسألون عنه لأعرضوا وكفروا معاندة وحسدا
26 - وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول آية 24
أبو عبيدة يذهب إلى أن معنى استجيبوا أجيبوا وأنشد

وداع دعا يا من يجيب إلى الندى ... فلم يستجبه عند ذاك مجيب ...
27
- ثم قال جل وعز إذا دعاكم لما يحييكم آية 24
أي لما تصيرون به إلى الحياة الدائمة في الآخرة
28 - ثم قال جل وعز واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه 0 آية 24
قال سعيد بن جبير يحول بين المؤمن وبين الكفر وبين الكافر وبين الأيمان
وقال الضحاك يحول بين المؤمن والمعصية وبين الكافر والطاعة
قال أبو جعفر وأول هذا القول بعض أهل اللغة أن

معناه يحول بينهما وبين ذنبك بالموت
وقيل هو تمثيل أي هو قريب كما قال جل وعز ونحن أقرب إليه من حبل الوريد
وقيل كانوا ربما خافوا من عدوهم فأعلمهم الله جل وعز أنه يحول بين المرء وقلبه فيبد لهم من الخوف أمنا ويبدل عدوهم من الأمن خوفا
29 - وقوله جل ؤز واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة آية 25
قيل إنها تعم الظالم وغيره
وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة قال أمر الله المؤمنين ان لا يقروا المنكر

بين أظهرهم فيعمهم الله بالعذاب
وقال الضحاك هي في أصحاب محمد خاصة
وروي عن الزبير انه قا ليوم الجمل لما لقي ما توهمت أن هذه الاية نزلت فينا أصحاب محمد إلا اليوم واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة
وقول آخر وهو قول أبي العباس محمد بن يزيد انه نهي بعد أمر نهي الفتنة والمعنى في النهي للظالمين أي لا تقربن الظلم وحكى سيبويه لا أرينك ها هنا أي لا تكن ها هنا فإنه من كان ها هنا رايته
وأبو إسحاق يذهب إلى أن معناه الخبر وجاز دخول التون في الخبر لأن فيه قوة الجزاء
قال أبو جعفر ورأيت علي بن سليمان يذهب إلى أنه

دعاء
30 - وقوله جل وعز واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس آية 26
قال وهب بن منبه يعني بالناس فارس
وقال عكرمة كفار قريش
قال السدي فآواكم إلى المدينة
31 - وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا آية 29 قال مجاهد وعطاء والضحاك أي مخرجا
قال مجاهد في قوله يوم الفرقان قال يوم بدر فرق الله فيه بين الحق والباطل
قال أبو جعفر والفرقان في اللغة بمعنى الفرق يقال فرقت بين الشيئين فرقا وفرقانا

32 - وقوله جل وعز وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك آية 30
يقال أثبته إذا حبسته
قال مجاهد أراد الكفار أن يفعلوا هذا النبي قبل خروجه من مكة
وقال غيره اجتموا فقالوا نحبسه في بيت ونطعمه ونسقيه فيه أو نقتله جميعا جميعا قتل رجل واحد أو نخرجه فتكون بليته على غيرنا فعصمه الله عز و جل منهم

وفي رواية ابن أبي طلحة عن ابن عباس ليثبتوك هي ليوثقوك ح
33 - وقوله جل وعز وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو أئتنا بعذاب أليم آية 32
قال مجاهد الذي قال هذا النضر بن الحارث بن كلدة
ويروى ان هذا قيل بمكة ويدل على هذا قوله تعالى وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم
قيل في هذه الاية أقوال
روي عن ابن عباس ان النضر بن الحارث قال هذا يريد أهلكنا ومحمدا ومن معه عامة فأنزل الله وما كان ليعذبهم وأنت فيهم إلى وهم يستغفرون أي ومنهم قوم يستغفرون يعني المسلمين وما لهم ألا يعذبهم الله خاصة فعذبهم بالسيف بعد خروج النبي عنهم وفي ذلك نزلت سأل سائل بعذاب واقع

وروى الزهري عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير ان المستفتح يوم بدر أبو جهل وانه قال اللهم اخز أقطعنا للرحم فهذا استفنتاحه
وقال عطية في قوله جل وعز وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم يعني المشركين حتى يخرجه عنهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون يعني المؤمنين قال ثم رجع إلى الكفار فقال وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام
قال أبو جعفر وهذا قول حسن ومعناه وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله وأنت بين أظهرهم

وكذلك سنته في الأمم ح
34 - ثم قال جل وعز و ما كان الله معذبهم وهم يستغفرون آية 33
وعاد الضمير على من آمن منهم ح
35 - ثم قال جل وعز وما لهم ألا يعذبهم الله آية 34
أي إذا خرجت من بين أظهرهم
ويجوز ان يكون معناه وما لهم ألا يعذبهم الله في القيامة
وقيل معناه وما كان اله معذبهم لو استغفروه على غير ايجاب لهم كما تقول لا أغضب عليك أبدا وأنت تطيعني أي لو أطعتني لم أغضب عليك على غير ايجاب منك لطاعته
وقال مجاهد معناه وما كان الله عذبهم وهم مسلمون
قال أبو جعفر ومعنى هذا وما كان الله معذبهم ومنهم من يؤول أمره إلى الإسلام
وروي عنه وفي أصلابهم من يستغفر

36 - ثم قال جل وعز وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية آية 35
روى عطية عن ابن عمر أنه قال المكاء الصفير والتصدية التصفيق
قال ابن شهاب يستهزؤن بالمؤمنين
وروى ابن أبي جريج وابن ابي نجيح أنه قال المكاء إدخالهم أصابعهم في أفواهم والتصدية الصفير يريدون ان يشغلوا بذلك محمدا عن الصلاة
قال أبو جعفر والمعروف في اللغة ما روي عن ابن عمر
حكى أبو عبيدة وغيره انه يقال مكا يمكو ومكاء إذا صفر وصدى يصدي تصدية إذا صفق

قال أبو جعفر ويبعد قول ابن زيد التصدية صدهم عن دين الله لأن الفعل من هذا صددت إلا ان تقلب إحدى داليه ياء مثل تظنيت من ظننت وكذا ما روي عن سعيد بن جبير التصدية صدهم عن بيت الله
37 - وقوله جل وعز إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله 0 آية 36
قال مجاهد يعني أبا سفيان وما أنفق على أصحابه يوم أحد 38 وقوله جل وعز ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا آية 37
يقال ركمت الشيء إذا جعلت بعضه فوق بعض

39 - وقوله جل وعز فيجعله في جهنم آية 37
أي الخبيث ليعذبوا به
ويعني بالخبيث الكفار كذا قال ابن عباس ميز أهل السعادة من أهل الشقاء أي بأن اسكن هؤلاء الجنة وهؤلاء النار
أي فيجعل الكفار بعضهم فوق بعض فيجعلهم ركاما أي يجمع بعضهم إلى بعض حتى يكثروا أولئك رده إلى الكافرين ورد فيجعله إلى الخبيث على لفظه ليعذبوا به كما قال تعالى 6 فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم وقوله جل وعز وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين آية 38
قال مجاهد يوم بدر للأمم قبل ذلك فقد فرق الله جل وعز بين الحق والباطل
40 - وقوله جل وعز وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة آية 39

المعنى حتى لا تكون فتنة كفر ودل على هذا الحذف قوله تعالى ويكون الدين كله لله
41 - ثم قال جل وعز وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير آية 40
أي وإن عادوا إلى الكفر وعداوتكم فاعلموا أن الله مولاكم أي وليكم وناصركم فلا تضركم عداوتهم
42 - وقوله جل وعز واعلموا أنما غنمتم من شيء فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل آية 41
اختلف في معنى هذه الآية
فقال قوم يقسم الخمس على خمسة أجزاء فأربعة منها لمدة شهر الحرب وواحد منها مقسوم على خمسة فما كان منه للرسول

صير فيما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصيرة فيه
ويروى أنه كان يصيره تقوية للمسلمين وأربعة لذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وهذا مذهب الشافعي رحمه الله
وقال بعضهم يقسم هذا السهم على قلته أجزاء للفقراء والمساكين وابن السبيل لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال
لا نورث ما تركنا صدقة وهذا مذهب أبي حنيفة
وقال بعضهم إذا رأى الإمام أن يعطي هؤلاء المذكورين أعطاهم وإن رأى أن غيرهم أحق منهم أعطاهم قال ولو كان ذكرهم بالسهمية يوجب أن لا يخرج عن جملتهم لما جاز إذا ذكر جماعة أن يعطى بعضهم دون بعض وقد قال الله عز و جل إنما الصدقات للفقراء والمساكين إلى آخر الآية ولو جعلت في بعضهم دون بعض لجاز ولكنهم ذكروا لأنهم من أهم من يعطى
وقال جل وعز قل ما أنفقتم من خير فللوالدين

والأقربين
وله أن يعطي غير من سمي وهذا مذهب مالك
وأما معنى فأن لله فهو افتتاح كلام قال قيس بن مسلم الجدبي سألت الحسن بن محمد واعلموا أن ما غنمتم من شيئ فأن لله خمسه فقال هو افتتاح كلام ليس لله نصيب لله الدنيا والآخرة
حدثنا أبو جعفر قال نا محمد بن الحسن بن سماعة قال نا أبو نعيم قال نا أبو جعفر عن الربيع عن أبي العالية واعلموا أن ما غنمتم من شيئ فأن لله خمسه
قال يجاء بالغنيمة فتوضع فيقسمها رسول الله صلى الله عليه و سلم على خمسة أسهم فيعزل سهما منها ويقسم الأربعة بين الناس ثم يضرب

بيده في جميع السهم الذي عزله فما قبض عليه من شيئ جعله للكعبة فهو الذي سمي لله ويقول لا تجعلوا لله نصيبا فإن لله الدنيا والآخرة قال ثم يقسم السهم الذي عزله على خمسة أسهم سهم للنبي صلى الله عليه و سلم وسهم لذي القربى وسهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لابن السبيل
وقيل معنى فأن لله خمسه فأن لسبيل الله مثل واسأل القرية
43 - وقوله جل وعز إن كنتم آمنتم بالله آية 41
أي إن كنتم آمنتم بالله فاقبلوا ما أمركم به
وقيل المعنى فاعلموا أن الله مولاكم وناصركم إن كنتم آمنتم به

44 - وقوله جل وعز وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان آية 41
قال مجاهد هو يوم بدر فرق الله فيه بين الحق والباطل
45 - وقوله جل وعز إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى آية 42
قال قتادة العدوة شفير الوادي وكذلك هو في اللغة
ومعنى الدنيا التي تلي المدينة ومعنى القصوى التي تلي مكة ثم قال تعالى والركب أسفل منكم
قال قتادة يعني العير التي كانت مع أبي سفيان
46 - وقوله جل وعز ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة آية 42
قال أبو جعفر قال ابن أبي إسحاق جعل المعتدي بمنزلة

الحي وجعل الضال بمنزلة الهالك قال أي ليكفر من كفر بعدالحجة بما رأى من الآية والعبرة ويؤمن من آمن على مثل ذلك
وقال غيره ليهلك ليموت من مات عن حجة لله جل وعز وعليه قد قطعت عذره وليعيش من عاش منهم على مثل ذلك وإن الله لسميع لقولكم حين تركتموهم عليم بما تضمره نفوسكم
47 - وقوله جل وعز إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر آية 53
قال ابن أبي نجيح عن مجاهد رآهم النبي في النوم قليلا فقص الرؤيا على أصحابه فثبتهم الله بذلك
وروي عن الحسن أنه قال
المعنى إذ يريكهم الله بعينك التي تنام بها

قال أبو جعفر والمعنى على هذا في موضوع منامك
والقول الأول أحسن لجهتين
إحداهما ما روي من أن النبي رآهم في النوم
والأخرى في قوله وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم فالرؤيا الأولى في النوم والثانية عند الالتقاء
ويجوز ما قال الحسن على بعد على أن يكون قوله إذ يريكموهم خطابا للنبي وأصحابه
والمعنى ويقللكم في أعينهم أي لئلا يستعدوا لكم لما أراد الله جل وعز من ظفر المسلمين بهم
48 - وقوله جل وعز ولا تنازعوا فتفشلوا آية 46
قال أبو إسحاق يقال يفشل فشلا إذا هاب أن يتقدم جبنا

49 - ثم قال جل وعز وتذهب ريحكم آية 46
قال مجاهد أي نصركم
وقال معمر عن قتادة أي ريح الحرب
والمعروف في اللغة انه يقال ذهبت ريحهم أي دولتهم
50 - وقوله جل وعز ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس آية 47
يعني أبا جهل وأصحابه يوم بدر
51 - وقوله جل وعز وزين لهم الشيطان أعمالهم الآية 47
قال المعنى واذكر إذ زين لهم الشيطان أعمالهم
قال الضحاك جاءهم يوم بدر برايته وجنوده فألقى في قلوبهم أنهم لن ينهزمزا وهم يقاتلون على دين آبائهم

52 - وقوله جل وعز فلما تراءت الفئتان آية 48
أي التقتا حتى رأت كل واحدة منهما صاحبتها
53 - ثم قال جل وعز نكص على عقبيه آية 48
أي رجع القهقري ويقال نكص على عقبيه إذا رجع من حيث جاء
وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون
قال الضحاك رأى الملائكة إني أخاف الله والله شديد العقاب
قيل إنما خاف أن يكون الوقت الذي أجل إليه قد حضر
وقيل بل كذب
54 - وقوله جل وعز كدأب آل فرعون والذين من قبلهم آية 52
قال مجاهد أي كفعل والدأب عند أهل اللغة العادة وحقيقتة عندهم أنه من قولك فلان يدأب أي يداوم على الشيء

ويلزمه وهذا معنى العادة
55 - وقوله جل وعز الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون آية 56
قال مجاهد يعني بني قريظه
56 - وقوله جل وعز فإنما تثقفنهم في الحرب آية 57
أي تصادفهم وتظفر بهم فشرد بهم من خلفهم
قال سعيد بن جبير أي أنذر بهم من خلفهم وقال أبو عبيد هي لغة قريش شرد بهم سمع بهم
وقال الضحاك أي نكل بهم
والتشريد في اللغة التبديد والتفريق

57 - وقوله جل وعز وإما تخافن من قوم خيانة آية 58
أي غشا ونقضا للعهد فانبذ إليهم على سواء أي ألق إليهم نقض عهدهم لتكون أنت وهم على سواء في العلم يقال نبذت إليه على سواء أي أعلمته أني قد عرفت منه ما أخفاه
وروى عمر بن عنبة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال من كان بينه وبين قوم عهد إلى مدة فلا يشد عقدة ولا يحلها حتى ينقضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء
58 - وقوله جل وعز ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا آية 59
قال أبو عبيدة أي فاتوا ثم قال جل وعز إنهم لا يعجزون روي عن ابن محيصن أنه قرأ لا يعجزون بالتشديد وكسر النون

قال أبو جعفر هذا خطأ من جهتين
إحداهما أن معنى عجزه ضعفه وضعف أمره
والأخرى أنه كان يجب أن يكون بنونين
ومعنى أعجزه سبقه وفاته حتى لم يقدر عليه
59 - وقوله جل وعز وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم آية 60
قال عكرمة القوة ذكور الخيل ورباط الخيل إناثها
وقال غيره القوة السلاح وروى عقبة بن عامر ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ألا إن القوة الرمي
60 - ثم قال عز و جل وآخرين من دونهم لا تعلمونهم آية 60
أي وترهبون آخرين أي تخيفونهم

قال مجاهد هم بنو قريظة وقال ابن زيد هم المنافقون وقيل هم الجن وقال السدي أهل فارس
61 - وقوله جل وعز وإن جنحوا للسلم فاجنح لها آية 61
جنحوا مالوا وقال أبو عمرو والسلم الصلح والسلم الإسلام
وأبو عبيدة يذهب إلى أن السلم والسلم والسلم الصلح
62 - وقوله جل وعز وإن يريدوا أن يخدعوك آية 62
أي بإظهار الصلح فإن حسبك الله أي كافيك وهو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين أي قواك وألف بين قلوبهم
وهذه من الآيات العظام لأن أحدهم كان يلطم اللطمة فيقاتل عنه حتى يستقيدها وكانوا أشد خلق الله حمية فلما بعث النبي صلى الله عليه و سلم كان أحدهم يقاتل أخاه على الإسلام
حدثنا أبو جعفر قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن محمد

بالأنبار قال نا نصر بن علي قال حدثني أبي قال حدثنا شعبة قال أخبرنا بشير ابن ثابت من آل النعمان بن بشير في قوله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين حتى بلغ إنه عزيز حكيم قال نزلت في الأنصار
63 - وقوله جل وعز يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين آية 64
أي الله يكفيك ويكفي من اتبعك
وقيل المعنى ومن اتبعك ينصرك
64 - وقوله جل وعز يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال آية 65
التحريض الحث الشديد وهو مأخوذ من الحرض وهو المقاربة

للهلاك أي حثهم حتى يعلم من يخالف أنه قد قارب الهلاك
65 - قال جل عز إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين آية 65 ثم قال ابن عباس فرض على الرجل أن يقاتل عشرة ثم سهل عليهم فقال الآن خفف الله عنكم إلى قوله والله مع الصابرين وكتب عليهم أن لا يفر مائة من مائتين
قال ابن شبرمة وأنا أرى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كذا
وروى الأعمش عن مرو بن مرة عن أبي عبيدة عن عبد الله قال لما كان يوم بدر جيء بالأسرى فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما ترون في هؤلاء الأسرى فقال أبو بكر يا رسول الله قومك وأصلك استبقهم فلعل الله يتوب عليهم فقال عمر

يا رسول الله كذبوك وأخرجوك وقاتلوك قدمهم فاضرب أعناقهم وذكر الحديث وقال فيه فأنزل الله
66 - ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض آية 67
قال مجاهد الإثخان القتل
وقيل حتى يثخن في الأرض حتى يبالغ في قتل أعدائه
وقيل حتى يتمكن في الأرض
والإثخان في اللغة القوة والشدة
67 - وقوله جل وعز لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم آية 68
فيه أقوال
قال مجاهد سبق من الله أن أحل لهم الغنائم

وقال أبو جعفر ويقوي هذا أنه روى أبو صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ما أحلت الغنائم لقوم سود الرؤوس قبلنا كانت تنزل نار من السماء فتأكلها فلما كان يوم بدر وقع الناس فيما وقعوا فيه فأنزل الله جل وعز لولا كتاب من الله سبق إلى قوله إن الله غفور رحيم
وقيل سبق من الله جل وعز أنه يغفر لأهل بدر ما تقدم من ذنبهم وما تأخر قال ذلك الحسن رواه عنه أشعث
وروى عنه سفيان بن حسين أنه قال سبق من الله جل وعز أن لايعذب قوما إلا بعد تقدمة ولم يكن تقدم إليهم فيها
وروى سالم عن سعيد بن جبير لولا كتاب من الله سبق قال لأهل بدر من السعادة لمسكم فيما أخذتم من الله عذاب عظيم
وقيل سبق من الله أنه يغفر الصغائر لمن اجتنب الكبائر

68 - وقوله جل وعز يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم آية 70
قيل في الأخرة وقيل يعوضكم في الدنيا
وروي عن العباس أنه قال أسرت يوم بدر ومعي عشرون أوقية فأخذت مني فعوضني الله عشرين عبدا ووعدني المغفرة
69 - وقوله جل وعز وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل آية 71
خيانتك أي نقض العهد
70 - وقوله جل وعز إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله آية 72

قيل إنه يقال هاجر الرجل إذا خرج من أرض إلى أرض
وقيل إنما قيل هجر وهاجر فلان لأن الرجل كان إذا أسلم هجره قومه وهجرهم فإذا خاف الفتنة على نفسه رحل عنهم فسمي مسيره هجرة
وقيل هاجر لأنه كان على هجرته لقومه وهجرتهم له فهو مهاجر هجر دار قومه ووطنه وارتحل إلى دار الإسلام وهما هجرتان فالمهاجرون الأولون الذين هاجروا إلى أرض الحبشة والآخرون الذين هاجروا إلى المدينة إلى وقت الفتح
وانقطعت الهجرة لأن الدار كلها دار الإسلام فلا هجرة وهذا قول أهل الحديث ومن يوثق بعلمه
71 - وقوله جل وعز والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيئ آية 72

أي من نصرتهم ووراثتهم
قال قتادة كان الرجل يؤاخي الرجل فيقول ترثني وأرثك ثم نسخ ذلك بقوله تعالى وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله
72 - ثم قال عز و جل والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه آية 73
ومعنى إن لا تفعلوه إن لاتفعلوا النصر والموالاة
وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس إلا تفعلوه قال يقول إلا تأخذوا في الميراث بما أمرتكم به
وقال ابن زيد أي إلا تتركوهم يتوارثون على ما كانوا
قال مجاهد هذا منسوخ نسخه وأولوا الأرحام بعضهم

أولى ببعض
وروي عن عبد اله بن الزبير أنه قال هذا في العصبات كان الرجل يعاقد الرجل على أن يتوارثا فنسخ ذلك وقيل نسخته الفرائض
وأكثر الرواة على أن الناسخ له وأولو ا الأرحام بعضهم الآية
وروى سفيان عن السدي عن أبي مالك قال قال رجل نورث أرحامنا المشركين فنزلت والذين كفروا بعضهم أولياء بعض وروى يونس عن الحسن قال كان الأعرابي لا يرث مهاجرا حتى نزلت وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله فقد تبين أن معنى الآية أن أهل الأرحام يتوارثون بأرحامهم دون الذين حالفوهم ونسخ ذلك ما كان قبله من التوارث بالمخالفة انتهت سورة الأنفال

تفسير سورة التوبة مدنية وآياتها 129 آية

بسم الله الرحمن الرحيم سورة التوبة وهي مدنية
قال سعيد بن جبير سالت ابن عباس عن سورة براءة فقال تلك الفاضحة ما زال ينزل ومنهم ومنهم حلى خفنا ألا تدع أحدا
وقال يزيد الفارسي عن ابن عباس سألت عثمان بن عفان رحمة الله عليه لم عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين فجمعتم بينهما ولم تفصلوا بينهما ببسم الله الرحمن الرحيم وجعلتموها مع السبع الطول فقال مكث رسول الله زمانا تنزل عليه السورة ذات العدد وفي بعض الروايات ذات الآيات وربما سالته فيقول ألحقوها في موضع كذا وهي تشبه قصة كذا وكانت براءة من آخر ما نزل وذهب عني ان أساله عنها فوقع بقلبي أنا شبه سورة الأنفال فجعلتها تليها ولم

أفصل بينهما بسم الله الرحمن الرحيم
قال أبو جعفر قال أبو إسحاق حدثني بعض أصحابنا عن صاحبنا محمد بن يزيد أنه قال لم يكتب في أول براءة بسم الله الرحمن الرحيم لأن بسم الله افتتاح خير وبراءة أولها وعيد ونقض للعهود فلذلك لم يكتب في أولها بسم الله 1 قال أبو جعفر ومعنى براءة تبرؤ من الله ورسوله إلى الذين عاهدتهم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر آية 2
أي فيقال لهم سيحوا في الأرض أي اذهبوا وجيئوا آمنين أربعة أشهر ثم لا أمان لكم بعدها

قال مجاهد وقتادة الأربعة الأشهر عشرون من ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول وعشر من شهر ربيع الآخر
وقال الزهري هن شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم
2 - ثم قال عز و جل واعلموا أنكم غير معجزي الله آية 2 أي وإن أجلتم هذا الأجل سينصر المسلمون عليكم
3 - وقوله جل وعز وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر آية 3
الأذان الإعلام
روى شعبة عن الحكم عن يحيى بن الجزار قال خرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى العيد راكبا على دابة فلقيه رجل فقال له وأخذ بلجامه ما يوم الحج الأكبر فقال

هو يومك الذي أنت فيه خل عنها
وكذلك روي الحديث عن علي
وروى شعبة عن سليمان بن عبد الله بن سنان قال سمعت المغيرة بن شعبة يخطب على المنبر وهو يقول يوم الحج الأكبر يوم النحر
وروى سفيان عن أبي إسحاق عن عبد الله بن شداد قال الحج الأكبر يوم النحر والحج الأصغرالعمرة
وقال عبد الملك بن عمير سألت عبد الله بن أبي أوفى عن يوم الحج الأكبر فقال يوم تهرق فيه الدماء ويحلق فيه الشعر
وروى حماد بن يزيد عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال يوم الحج الأكبر يوم النحر وكذلك قال ابن عمر

وروى غير سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال هو يوم عرفة
وروى ابن جريج عن ابن طاووس عن أبيه قال هو يوم عرفة
وكذا قال مجاهد
وقال ابن سيرين الحج الأكبر العام الذي حج فيه النبي صلى الله عليه و سلم اتفق فيه حج الملل
قال أبو جعفر وأولاها القول الأول لجلة من قاله
ويدلل على صحته حديث الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة بعثني أبو بكر رضي الله عنه فيمن

أذن يوم النحر بمنى ألا يحج بعد هذا العام مشرك
وأيضا فإن عرفات قد يأتيها الناس ليلا وقول النبي صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع أي يوم أحرم قالوا يوم الحج الأكبر قال فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام آحرمه يومكم هذا
فدل على أنه يوم النحر لأن منى من الحرم وليست عرفات منه وقول يجوز ابن سيرين غلط لأن المسلمين والمشركين حجوا قبل ذلك بعام ونودي فيهم أن لا يحج بعد ذلك مشرك
وقد يجوز أن يكون النداء كان بمنى وعرفات فيصح القولان

4 - وقوله جل وعز إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا آية 4
وقرأ عطاء بن سنان ثم لم ينقضوكم شيئا
يقال إن هذا مخصوص يراد به بنو ضمرة خاصة ثم قال فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم أي وإن كانت أكثر من أربعة أشهر
وقوله جل وعز وخذوهم أي أسروهم ويقال للأسير أخيذ واحصروهم أي احبسوهم
5 - وقوله جل وعز وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله آية 6
أي استجارك من القتل حتى يسمع كلام الله فأجره
6 - وقوله جل وعز فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم آية 7
أي فما أقاموا على العهد ولم ينقضوه فأوفوا لهم

7 - وقوله جل وعز كيف وإن يظهروا عليكم آية 8
معناه كيف يكون لهم عهد وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة
روى سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال ألإل الله جل وعز
وروى ابن جريج عن مجاهد قال الإل العهد
وقال أبوعبيدة الإل العهد والذمة التذمم
وقال قتادة الحلف والذمه العهد
وقال الضحاك الإل القرابة والذمة العهد

قال أبو جعفر وهذا أحسنها والأصل في هذا أنه يقال أذن موللة أي محددة الألة الحربة فإذا قيل للعهد إل فمعناه أنه قد حدد وإذا قيل للقرابة فمعناه إن أحدهما يحاد صاحبه ويقاربه وأنشد أهل اللغة ... لعمرك إن إلك من قريش ... كإل السقب من رأل النعام ...
فأما ما روي عن أبي مجلز ومجاهد أن الإل الله جل وعز فغير معروف لأن أسماء الله جل وعز معروفة والذمة العهد

قول معروف ومنه أهل الذمة إنما هم أهل العهد وتذممت أن أفعل استحييت فصرت بمنزلة من عليه عهد
8 - وقوله جل وعز فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين آية 11
أي فهم مثلكم قد غفر لهم نقضهم العهد وكفرهم
9 - ثم قال جل وعز وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم آية 12 أي نقضوا وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر أي رؤساءه
وقيل هذا يوجب القتل على من طعن في الإسلام وإن كان له عهد لأن ذلك ينقض عهده
10 - ثم قال جل وعز إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون آية 12
روي عن عمار بن ياسر أنه قال أي لا عهد لهم وقرأ

الحسن لا إيمان لهم
قال أبو جعفر وقراءته تحتمل معنيين
أحدهما لا إسلام لهم على النفي كما تقول لا علم له
والمعنى الآخر أي يكون مصدرا من قولك آمنته إيمانا أي لا تؤمنوهم ولكن اقتلوهم
11 - وقوله جل وعز وهم بدؤكم أول مرة آية 13
قال مجاهد قاتلوا حلفاء رسول الله ثم قال أتخشونهم أي أتخشون عاقبتهم فالله أحق أن تخشوه أي تخشوا عاقبته ثم وعدهم النصر وذلك من علامات النبوة فقال قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين فدل بهذا على أن غيظهم كان قد اشتد

قال مجاهد يعني خزاعة حلفاء رسول الله
1 - ثم قال جل وعز ويتوب الله على من يشاء آية 15
وهذا منقطع مما قبله
13 - وقوله جل وعز أم حسبتم أن تتركوا 0 آية 16 وذلك انهم لما أمروا بالقتال تبين نفاق المنافقين
14 - ثم قال جل وعز ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم آية 16
وقد علم ذلك علم غيب وإنا تقع المجازاة على العلم المشاهد
15 - ثم قال جل وعز ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة 0 آية 16

الوليجة البطانة من ولج يلج ولوجا إذا دخل فالمعنى دخيلة مودة من دون الله ورسوله
16 - وقوله جل وعز ما كان للمشركين أن يعمروا مسجد الله آية 17
هكذا قرأ ابن عباس وهو اختيار أبي عمرو واحتج بقوله تعالى فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا
ومن قرأ ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله فتحتمل قراءته معنيين
أحدهما أن يكون لجميع المساجد
والآخر أن يراد به المسجد الحرام خاصة وهذا جائز فيما كان من أسماء الجنس كما يقال قد صار فلان يركب الخيل وإن لم يركب إلا فرسا
والقراءة مساجد أصوب لأنه يحتمل المعنيين وقد أجمعوا على قراءة قوله إنما يعمر مساجد الله على الجمع

17 - وقوله جل وعز أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر آية 19
والمعنى أجعلتم أهل سقاية الحاج كما قال واسال القرية
ومن قرأ أجعلتم سقاة الحاج وعمرة المسجد الحرام فهو عنده على غير حذف
قال الشعبي نزلت في علي بن أبي طالب والعباس
وقال الحسن نزلت في علي والعباس وعثمان بن طلحة الحجبي وشيبة
وقال محمد بن سيرين خرج علي بن أبي طالب رحمة الله عليه من المدينة إلى مكة فقال للعباس يا عم الا تهاجر الا تمضي إلى النبي فقال أنا أعمر البيت وأحجبه فنزلت

أجعلتم سقاية الحاج إلى آخر الاية
18 - وقوله جل وعز أعظم درجة عند الله آية 20
أي من غيرهم أي ارفع منزلة من سقاة الحاج وعمار المسجد الحرام والجهاد هم الفائزون بالجنة الناجون من النار والفايز الذي ظفر بامنيته
19 - ثم قال جل وعز يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان آية 21
أي يعلمهم في الدنيا ولهم في الآخرة

20 - وقوله جل وعز لقد نصركم الله في مواطن كثيرة آية 25
أي في أماكن ومنه استوطن فلان المكان أي أقام به
21 - ثم قال جل وعز ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم آية 26
أي ونصركم يوم حنين
قال قتادة حنين اسم ماء بين مكة والطائف قال وكان النبي في اثني عشر ألفا من المهاجرين والأنصار وألفين من الطلقاء فقال رجل لن تغلبوا اليوم فتفرق أكثرهم ثم دعا النبي فأجيب ونصر فأعلمهم الله جل وعز أنهم لم يغلبوا من كثرة وإنما يغلبون بأن ينصرهم الله

22 - وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس آية 28
يقال لكل مستقذر نجس فإذا قلت رجس نجس كسرت الراء والنون وأسكنت الجيم
23 - وقوله جل وعز فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا آية 28
روى ابن جريج عن عطاء قال يريد بالمسجد الحرام الحرم كله
وروى ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام إلا ان يكون عبد أو أحد من أهل الجزية
وهذا مذهب الكوفيين ان المشركين في الآية يراد بهم من ليس له عهد وأن ذلك في سائر المساجد
ومذهب المدنيين أن الآية عامة لجميع الكفار وانه يحال بينهم وبين جميع المساجد

ومذهب الشافعي ان المشركين ها هنا عام أيضا كقول مالك إلا أنه قال إنما ذلك في المسجد الحرام خاصة
ومذهب المدنين في هذا أحسن لقول الله جل وعز في بيوت أذن الله أن ترفع أي تصان فيجب على هذا ان ترفع عن دخولهم لأنهم لا يعظمونها في دخولهم
24 - وقوله جل وعز وإن خفتم عيلة آية 28
والعيلة الفقر يقال عال يعيل عيلة ومنه ووجدك عائلا فأغنى
وقال علقمة في مصحف عبد الله بن مسعود وإن خفتم عائلة ومعناه خصلة شاقة يقال عالني الأمر يعولني أي شق علي واشتد
25 - وقوله جل وعز قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر آية 29

المعنى قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله إيما الموحدين لأن أهل الكتاب يؤمنون بالله ويقولون له ولد تعالى عن ذلك
ويؤمنون بالآخرة ويقولون لا أكل فيها ولا شراب فهذا خلاف على ما أمر الله له جل وعز
26 - ثم قال جل وعز ولا يدينون دين الحق آية 29
قال أبوعبيدة مجازه ولا يطيعون طاعة الحق
قال أبو جعفر أي طاعة أهل الإسلام وكل مطيع ملكا فهو دائن له يقال دان فلان لفلان
قال زهير ... لئن حللت بجو في بني أسد ... في دين عمرو وحالت دوننا فدك

27 - ثم قال جل وعز من الذين أوتوا الكتاب آية 29
وهم اليهود والنصارى وسن رسول الله صلى الله عليه و سلم في المجوس أن يجروا مجراهم
28 - ثم قال جل وعز حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون آية 29
روى أبو صالح عن ابن عباس في قوله جل وعز وهم صاغرون قال يمشون بها ملبين
وروى عطاء عن أبي البختري عن سلمان قال مذمومين
وروى محمد بن ثور عن معمر عن قتادة عن يد قال عن مهر
وقيل معنى يد عن إنعام يد أي عن إنعام منكم

عليهم لأنهم إذا أخذت منهم الجزية فقد أنعم عليهم بذلك
وقيل وهو أصحها يؤدونها بأيديهم ولا يوجهون بها كما يفعل الجبارون
وقال سعيد بن جبير يدفعها وهو قائم والذي يأخذها منه جالس
وأكثر أهل اللغة على أن المعنى عن قهر وذلة كما تقول اليد في هذا لفلان
ومذهب الشافعي في هذا أن تؤخذ الجزية منهم وأحكام المسلمين جارية عليهم

ثم قال وهم صاغرون
قال أبو عبيدة الصاغر الذليل الحقير
وقال غيره الذي يتلتل ويعنف به
29 - ثم قال جل وعز ذلك قولهم بأفواههم آية 30
يقال قد علم أن القول بالفم فما الفائدة في قوله بأفواههم
والجواب عن هذا انه لا بيان عندهم ولا برهان لهم لأنهم يقولون اتخذ الله صاحبة ويقولون له ولد وقولهم بلا حجة
30 - ثم قال جل وعز يضاهون قول الذين كفروا من قبل آية 30
أي يشابهون ويقتفون ما قالوا
ويقرأ يضاهئون والمعنى واحد يقال امرأة ضهيا مقصورة وضهياء ممدود غير مصروف إذا كانت لا تحيض

ويقال هي التي لا ثدي لها
والمعنى أنها قد أشبهت الرجال في هذه الخصلة فمن جعل الهمزة أصلا قال يضاهئون ومن جعلها زائدة وهو أجود قال يضاهون
31 - ثم قال تعالى قاتلهم الله أنى يؤفكون آية 30
فخوطبوا بما يعرفون أي يجب أن يقال لهم هذا
ثم قال أنى يؤفكون أي من أن يصرفون عن الحق بعد البيان
32 - ثم قال جل وعز اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله آية 31
روى الأعمش وسفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي البختري قال سئل حذيفة عن قول الله جل وعز اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله هل عبدوهم فقال لا

ولكنهم أحلوا لهم الحرام فاستحلوه وحرموا عليهم الحلال فحرموه
حدثنا أبو جعفر قال نا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن بنت أحمد بن منيع قال نا الحماني قال نا عبد السلام بن حرب عن غضيف وهو ابن أعين عن مصعب بن سعد عن عدي بن حاتم قال أبصر النبي صلى الله عليه و سلم في رقبتي صليبا من ذهب فقال اطرح هذا عنك قال وسئل عن قوله تعالى اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله قال أما إنهم ما كانوا يعبدونهم ولكن كانوا يحلون لهم ما حرم الله عليهم فيستحلونه ويحرمون عليهم ما احل الله لهم فيحرمونه
33 - وقوله جل وعز والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله آية 34
يجوز أن يكون المعنى ولا ينفقون الكنوز لأن الكنوز تشتمل

على الذهب والفضة ها هنا
ويجوز أن يكون لأحدهما كما قال والله ورسوله أحق أن يرضوه
وفي هذه الآية أقوال
روى عكرمة عن ابن عباس وعطية ونافع عن ابن عمر أنهما قالا ما أديت زكاته فليس بكنز
ويقوي ذلك أن ابن جريج روى عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال
إذا أديت زكاة مالك فقد أذهبت شره عنك
وقيل إن هذه الآية نزلت في المشركين
وقال أبو هريرة من خلف عشرة آلاف جعلت صفائح وعذب بها حتى ينقضي الحساب

وقال أبو أمامة من خلف بيضاء أو صفراء كوي بها مغفورا له أو غير مغفور له وإن حله السيف من ذلك
وروى موسى بن عبيدة عن عمران بن أبي أنس عن مالك ابن أوس بن الحدثان عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من جمع دينارا أو درهما أو تبرا أو فضة لا يعده لغريم ولا ينفقه في سبيل الله فهو كنز يكوى به يوم القيامة
وقال معاوية نزلت في أهل الكتاب فرد عليه أبو ذر وقال نزلت فينا وفيهم
وحديث ابن عمر في هذا حسن على توقيه وهو جيد الإسناد رواه مالك وأيوب وعبيد الله عن نافع عن ابن عمر
وقد روي أيضا عن عمر أنه قال ليس كنزا ما أديت زكاته
وكذلك قال سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز إلا أنه قال أراها منسوختا لقوله تعالى خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وليس في الخبر ناسخ ولا منسوخ

وروى أبو زبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال ما من عبد لا يؤدي زكاة ماله إلا أتى له بماله فأحمي عليه في نار جهنم فتكوى به جنباه وجبهته وظهره حتى يحكم الله بين عباده وذكر الحديث
34 - وقوله جل وعز إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم آية 36
الأربعة الحرم المحرم ورجب وذو القعدة وذوالحجة
ثم قال جل وعز ذلك الدين القيم

الدين ها هنا الحساب أي ذلك الحساب الصحيح والعدد المستوفى
وعن ابن عباس ذلك الدين القيم قال القضاء القيم
وقال أبو عبيدة أي القائم فلا تظلموا فيهن أنفسكم آية 36
أكثر أهل التفسير على أن المعنى فلا تظلموا في الأربعة أنفسكم وخصها تعظيما كما قال فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج
وروى حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران

عن ابن عباس فلا تظلموا فيهن أنفسكم في الاثني عشر
وروى قيس بن مسلم عن الحسن بن محمد بن الحنفية قال فيهن كلهن
35 - وقوله جل وعز إنما السيء زيادة في الكفر آية 37
النسيء التأخير ومنه نسأ الله في أجلك
36 - ثم قال جل وعز يضل به الذين كفروا آية 37
قال الزهري وقتادة والضحاك وأبو وائل والشعبي كانوا ربما أخروا تحريم المحرم إلى صفر
قال قتادة وكانوا يسمونها الصفرين
وقال مجاهد كان لهم حساب يحسبون فربما قالوا لهم الحج في هذه السنة في المحرم فيقبلون منهم
ودل على هذا قوله ولا جدال في الحج أي إنه في ذي الحجة
قال أبو جعفر وابين ما في هذا ما حدثناه بكر بن سهل قال نا أبو صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس إنما النسيء زيادة في الكفر قال كان جنادة بن

أمية يوافي الموسم كل عام وكان يكنى أبا ثمامة فينادي الا إن ابا ثمامة لا يخاب ولا يعاب الا وإن صفر العام الأول العام حلال فيحله للناس ويحرم صفرا عاما ويحرم المحرم عاما فذلك قول الله جل وعز إنما النسيء زيادة في الكفر الآية قال والنسيء تركهم المحرم عاما وعاما يحرمونه
وقرأ الحسن يضل به الذين كفروا يعني بالذين كفروا الحساب الذين يقولون لهم هذا
ويروى عن عبد الله بن مسعود يضل به الذين كفروا أي يضل به الذين يقبلون من الحساب

ويحتج لمن قال بالقول الأول بقوله جل وعز يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله أي ليوافقوا فيحرموا أربعة كما حرم الله جل وعز أربعة
37 - وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض آية 38
قال مجاهد في غزوة تبوك أمروا بالخروج في شدة الحر وقد طابت الثمار وقالوا إلى الظلال
38 - ثم قال جل وعز أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة آية 38 أي أرضيتم بنعيم الحياة الدنيا من نعيم الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل
والمتاع المنفعة والنعيم
39 - وقوله جل وعز إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار آية 40

قال الزهري خرج هو وأبو بكر ودخلا غارا في جبل ثور فاقاما فيه ثلاثا
والمعنى فقد نصره الله ثاني اثنين أي نصره الله منفردا إلا من أبي بكر رضي الله عنه
40 - وقوله جل وعز فأنزل الله سكينته عليه آية 40
يجوز أن تكون تعود على أبي بكر والأشبه على قول أهل النظر ان تكون تعود على أبي بكر لأن النبي قد كانت عليه السكينة وهي السكون والطمأنينة لأنه جل وعز أخبر عنه انه قال لاتحزن إن الله معنا وسأذكر هذا في الإعراب على غاية الشرح
41 - وقوله جل وعز انفروا خفافا وثقالا آية 41

في معنى هذا أقوال منها أن أنس بن مالك روى أن أبا طلحة تأولها شبابا وشيوخا
وقال المقداد لا أجدني الا مخفا أو مثقلا
وقال الحسن في العسر واليسر
وروى سفيان عن حصين بن عبد الرحمن عن أبي ملك الغفاري قال أول ما نزل من سورة براءة انفروا خفافا وثقالا
وقال أبو الضحى كذلك أيضا
ثم نزل أولها وآخرها
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد انفروا خفافا وثقالا قال فيه الثقيل وذو الحاجة والضيعة والشغل وانزل الله عز و جل انفروا خفافا وثقالا

وروى سفيان عن منصور في قوله انفروا خفافا وثقالا قال مشاغيل وغير مشاغيل
وقال قتادة ومذهب الشافعي ركبانا ومشاة
وقال قتادة نشاطا وغير نشاط
وقال زيد بن أسلم المثقل الذي له عيال والمخف الذي لا عيال له
وهذا حين كان أهل الإسلام قليلا ثم نزل وما كان المؤمنون لينفروا كافة
قال ابو جعفر وهذه الأقوال متقاربة
والمعنى انفروا على كل الأحوال
ومن أجمع هذه الأقوال قول الحسن
حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن محمد الكناني بالأنبار قال نا نصر بن علي قال أخبرني أبي قال نا شعبة عن منصور بن

زاذان عن الحسن انفروا خفافا وثقالا قال في العسر واليسر
وقول أبي طلحة حسن لأن الشاب تخف عليه الحركة والشيخ تثقل عليه
42 - وقوله جل وعز لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك آية 42
العرض ما يعرض من منافع الدنيا أي لو كانت غنيمة قريبة وسفرا قاصدا أي سهلا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة والشقة الغاية التي يقصد إليها
43 - وقوله جل وعز عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين آية 43
أي حتى يتبين من نافق ومن لم ينافق
قال مجاهد هؤلاء قوم قالوا نستأذن في الجلوس فإن أذن

لنا جلسنا وإن لم يؤذن لنا جلسنا
وقال قتادة نسخ هذه الآية بقوله في سورة النور فإن استأذنوك لبعض شأنهم فاذن لمن شئت منهم
ثم بين أن أمارة الكفر الاستئذان في التخلف فقال تعالى لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم آية 44
44 - وقوله جل وعز ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم آية 46
التثبيط رد الإنسان عما يريد أن يفعله
45 - وقوله جل وعز لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا 0 آية 47 الخبال الفساد وذهاب الشيء

46 - ثم قال جل وعز ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة آية 47 الايضاع سرعة السير
قال أبو إسحاق معنى خلالكم فيما يخل بكم
وقال غيره بينكم
وقيل الفتنة ها هنا الشرك
47 - ثم قال جل وعز وفيكم سماعون لهم آية 47 فيه قولان أحدهما فيكم من يستمع ويخبرهم بما يريدون
والقول الآخر فيكم من يقبل منهم مثل سمع الله لمن حمده

والقول الأول أولى لأنه الأغلب من معنييه أن معنى سماع يسمع الكلام ومثله سماعون للكذب
والقول الثاني لا يكاد يقال فيه إلا سامع مثل قائل
48 - وقوله جل وعز ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني 0 آية 49 فيه قولان
قال الضحاك ولا تكفرني وكذلك قال قتادة أي ولا تؤثمني
ومعناه لا تؤثمني بالخروج وهو لا يتيسر لي فإذا تخلفت أثمت
والقول الآخر وهو قول مجاهد أنه قيل لهم تغزون فتغنمون بنات الأصفر فقال بعضهم لا تفتني ببنات الأصفر

قال أبو إسحاق في الجد بن قيس أحد بني سلمة وهو الذي قال هذا
49 - وقوله جل وعز إن تصبك حسنة تسؤهم آية 50
أي إن تظفر وتغنم يسؤوهم ذلك وإن تصبك مصيبة تهزم يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل أي قد أخذنا بالحزم إذ لم نخرج كذلك
وقال مجاهد معناه حذرنا
50 - وقوله جل وعز قل لن يصيبنا إلا ما تحب كتب الله لنا آية 51 في معناه قولان
أحدهما إلا ما قدر الله علينا
والآخر إلا ما أخبرنا به في كتابه من أنا نقتل فنكون شهداء أو نقتلكم
وكذلك معنى قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين آية 52

51 - وقوله جل وعز فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا آية 55
فيه تقديم وتأخير
المعنى فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا إنما يريد الله ليعذبهم في الآخرة وهذا قول أكثر أهل العربية ويجوز أن يكون المعنى فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم في الدنيا لأنهم منافقون فهم ينفقون كارهين فيعذبون بما ينفقون
ثم قال وتزهق أنفسهم أي تخرج
52 - وقوله جل وعز لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون آية 57
قال قتادة الملجأ الحصون والمغارات الغيران

والمدخل الأسراب
قال أبو جعفر وهذا قول حسن عند أهل اللغة لأنه يقال للحصن ملجأ ولجأ والمغارات من غار يغور إذا استتر
وتقرأ أو مدخلا بتشديد الدال والخاء وتقرأ أو مدخلا ومعانيها متقاربة إلا أن مدخلا من دخل يدخل ومدخلا من أدخل يدخل أي لو يجدون قوما يدخلونهم في جملتهم أو قوما يدخلون معهم أو مكانا يدخلون فيه لولوا إليه أي لو وجدوا أحد هذه الأشياء لولوا إليه وهم يجمحون أي يسرعون لا يرد وجوههم شيء
ومنه فرس جموح
53 - وقوله جل وعز ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا آية 58

قال مجاهد أي يروزك ويسألك
وقال قتادة أي يطعن عليك
قال أبو جعفر والقول عند أهل اللغة قول قتادة يقال لمزه يلمزه إذا عابه ومنه فلان همزة لمزة أي عياب للناس
ويقال اللمزة هو الذي يعيب في سر وإن الهمزة هو الذي يشير بعينيه
وهذا كله يرجع إلى أنه يعيب
54 - وقوله جل وعز إنما الصدقات للفقراء والمساكين آية 60
قال قتادة الفقير المحتاج الذي له زمانه والمسكين

الصحيح المحتاج
وقال مجاهد والزهري الفقير الذي لا يسأل والمسكين الذي يسأل
حدثنا محمد بن إدريس بن أسود قال نا يونس قال أنبأنا ابن وهب قال أخبرني جرير بن حازم عن علي بن الحكم عن الضحاك قال الفقراء من المهاجرين والمساكين من الأعراب
قال وكان ابن عباس يقول الفقراء من المسلمين والمساكين من أهل الذمة
قال أبو جعفر الذي قاله الزهري ومجاهد حسن لأن المسكين مأخوذ من السكون والخضوع فالذين يسألون يظهر عليهم السكون والخضوع
وإن كان الذي يسأل والذي لا يسأل يجتمعان في اسم الفقر

فإن الطي يظهر عليه مع الفقر ما ذكرنا
وفقير في اللغة إنما يعرف بأن يقال إلى كذا
فالمعنى والفقراء إلى الصدقة ومسكين عليه ذلة لأنه قد يكون به فقر إليها ولا ذلة عليه فيها
وقال اهل اللغة لا نعلم بينهم اختلافا
الفقير الذي له بلغة والمسكين الذي لا شيء له
وأنشدوا ... أما الفقير الذي كانت حلوبته ... وفق العيال فلم يترك له سبد ...
وقال يونس قلت لأعرابي أفقير أنت فقال لا بل مسكين

وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم
ليس المسكين بالطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان ولكن المسكين الذي لا يسأل ولا يفطن له فيعطى ولا يجد غنى يغنيه
قال أبو جعفر قال علي بن سليمان الفقير مشتق من قولهم فقرت له فقرة من مالي أي أعطيته قطعة فالفقير على هذا الذي له قطعة من المال والمسكين مأخوذ من السكون كأنه بمنزلة من لا حركة له
وقال بعض الفقهاء المسكين الذي له شيء واحتج بقول الله عز و جل أما السفينة فكانت لمساكين يعلمون في البحر
قال أبو جعفر وهذا الاحتجاج لا يلزم لأنك تقول هذا التمر لهذه النخلة وهذا البيت لهذه الدار لا تريد الملك فيجوز أن يكون قيل لمساكين لأنهم كانوا يعلمون فيها

وقد قيل إنه إنما تمثيل كما قال النبي صلى الله عليه و سلم لبعض النساء يا مسكينة عليك السكينة
55 - ثم قال عز و جل والعاملين عليها آية 60
وهم السعاة ومن كان مثلهم
56 - ثم قال تعالى والمؤلفة قلوبهم آية 60
قال الشعبي هؤلاء كانوا في وقت النبي صلى الله عليه و سلم يتألفون فلما ولي أبو بكر رضي الله عنه زال هذا
قال أبو جعفر حديث الشعبي إنما رواه عنه جابر الجعفي وقد قال يونس سألت الزهري قال لا أعلم أنه نسخ من ذلك شيء
فعلى هذا الحكم فيهم ثابت فإن كان أحد يحتاج إلى تألفه ويخاف أن يلحق المسلمين منه آفة أو يرجى أن يحسن إسلامه بعد دفع إليه

57 - ثم قال جل وعز وفي الرقاب آية 60
أي وفي فك الرقاب
قيل هم المكاتبون
وقيل تبتاع الرقاب فيكون الولاء للمسلمين
58 - ثم قال جل وعز والغارمين آية 60 قال مجاهد هم الذين أحرقت النار بيوتهم وأذهب السيل مالهم فادانوا لعيالهم
وروي عن ابي جعفر ومجاهد وقتادة قالوا الغارم من استدان لغير معصية
قال أبو جعفر وهذا لا يكون غيره لأنه إذا كان ذا دين في

معصية فقضي عنه فقد اعين على المعصية
والغرم في اللغة الخسران فكأن المستدين لا يجد قضاء دينه قد خسر ماله ومنه إن عذابها كان غراما أي هلاكا وخسرانا
ثم قال تعالى وفي سبيل الله أي في طاعة الله أي للمجاهدين والحجاج وابن السبيل
روى جابر عن أبي جعفر أنه قال هو المجتاز من أرض إلى ارض
قال أبو جعفر والسبيل في اللغة الطريق فابن السبيل هو الذي قطعت عليه الطريق أو جاء من أرض العدو وقد أخذ

ماله
قالت الفقهاء ابناء السبيل الغائبون عن أموالهم الذين لا يصلون إليها لبعد المسافة بينهم وبينها حتى يحتاجوا إلى الصدقة فهي إذ ذاك لهم مباحة فقد صاروا إلى حكم من لا مال له
روى المنهال بن عمرو عن زر بن حبيش عن حذيفة في قوله تعالى إنما الصدقات للفقراء والمساكين
قال إنما ذكر الله هذه الصدقات لتعرف واي صنف أعطيت منها أجزاك
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس إنما الصدقات لفقراء والمساكين قال في ايها وضعت أجزأ عنك
59 - وقوله جل وعز ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن آية 61
قال مجاهد هؤلاء قوم من المنافقين ذكروا النبي فقالوا نقول فيه فإن بلغه ذلك حلفن له فصدقنا

وكذلك الأذن في اللغة يقال هو أذن إذا كان يسمع ما يقال له ويقبله
فالمعنى إن كان الأمر على ما يقولون أن يكون قريبا منكم يقبل اعتذاركم
60 - ثم قال جل وعز قل اذن خير لكم آية 61
أي إن كان كما قلتم
ثم أخبر انه يؤمن بالله
ومن قرأ قل أذن خير لكم ذهب إلى ان معناه قل هو مستمع خير لكم
61 - وقوله جل وعز والله ورسوله أحق ان يرضوه آية 62 المعنى عند سيبويه والله أحق أن يرضوه ورسوله أحق أن

يرضوه ثم حذف كما قال الشاعر ... نحن بما عندنا وانت بما ... عندك راض والرأي مختلف ...
وقال أبو العباس هو على غير حذف والمعنى والله أحق أن يرضوه ورسوله
وقال غيرهما المعنى ورسول الله أحق اين يرضوه وقوله جل وعز والله افتتاح كلام كما تقول هذا لله ولك

62 - وقوله جل وعز الم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله آية 63
معناه يعادي ويجانب يقال حاد فلان أي صار في حدة
غير حده 63 وقوله جل وعز يحذر المنافقون ان تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم آية 649
قال مجاهد هؤلاء قوم من المنافقين ذكروا النبي والمسلمين وقالوا نرجو أن لا يفشي الله علينا
64 - وقوله جل وعز ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب آية 65
فالمعنى ولئن سالتهم عما قالوا
قال قتادة هؤلاء قوم من المنافقين قالوا في غزوة تبوك ايطمع محمد ان يدخل بلاد الروم ويخرب حصونهم فأطلع الله النبي على ما قالوا فدعا بهم فقال اقلتم كذا وكذا فقالوا إنما كنا نخوض ونلعب

وقال سعيد بن جبير قالوا إن كان ما يقول محمد حقا فنحن حمير فأطلعه الله جل وعز على ما قالوا فسألهم فقالوا إنما كنا نخوض ونلعب
65 - قال عز و جل قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم آية 65
أي قد ظهر منكم الكفر بعد ظهور الإيمان
66 - وقوله جل وعز ويقبضون أيديهم آية 67
قال مجاهد أي لا يبسطونها في حق ولا فيما يجب
67 - ثم قال جل وعز نسوا الله فنسيهم آية 67
قال قتادة أي نسيهم من الخير فأما من الشر فلم ينسهم
والمعنى عند أهل اللغة تركوا أمر الله فتركهم من رحمته وتوفيقه يقال نسي الشيء إذا تركه

68 - وقوله جل وعز خالدين فيها هي حسبهم آية 68
أي هي كافيهم أي هي على قدر أعمالهم ويقال أحسبني الشيء أي كفاني
69 - وقوله جل وعز فاستمتعوا بخلاقهم آية 69
قال قتادة أي بدينهم والمعنى عند أهل اللغة فاستمتعوا بنصيبهم من الدنيا
70 - وقوله جل وعز والمؤتفكات آية 70
قال قتادة هي مدائن قوم لوط
وقال أهل اللغة سميت مؤتفكات لأنها ائتفكت بهم أي انقلبت وهو من الإفك وهو الكذب لأنه مقلوب ومصروف عن الصدق
71 - وقوله جل وعز يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم آية 73

قال الحسن أي جاهد الكفار بالسيف والمنافقين بإقامة الحدود عليهم وباللسان
وقال قتادة أي جاهد الكفار بالقتال والمنافقين بالإغلاظ في القول
72 - وقوله جل وعز يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامعم آية 74
قال مجاهد سمعهم رجل من المسلمين وهم يقولون إن كان ما جاء به محمد حقا فنحن حمير فقال لهم فنحن نقول ما جاء به حق فهل نحن حمير فهم المنافق بقتله فذلك قوله وهموا بما لم ينالوا آية 74
وقال غير مجاهد هموا بقتل النبي صلى الله عليه و سلم فأطلعه الله على ذلك
73 - ثم قال جل وعز وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله آية 74
أي ليس ينقمون شيئا كما قال النابغة

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب ...
74 - وقوله جل وعز ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن آية 75
قال قتادة هذا رجل من الأنصار قال لئن رزقني الله شيئا لأودين فيه حقه ولأتصدقن فلما آتاه الله ذلك فعل ما نص عليكم فاحذروا الكذب فإنه يؤدي إلى الفجور
وروى علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة الباهلي أن ثعلبة بن حاطب الأنصاري جاء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا

رسول الله ادع الله ان يرزقني مالا فقال ويحك يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه قال ثم رجع إليه فقال يا رسول الله ادع الله ان يرزقني مالا
قال ويحك يا ثعلبة اما ترضى ان تكون مثل رسول الله والله لو سألت الله أن يسيل علي الجبال ذهبا وفضة لسالت
ثم رجع فقال يا رسول الله ادع الله ان يرزقني مالا فوالله لئن أتاني الله مالا لأوتين كل ذي حق حقه فقال رسول الله اللهم ارزق ثعلبة مالا اللهم ارزق ثعلبة مالا فاتخذ غنما فنمت حتى ضاقت عليها أزقة المدينة فتنحى بها فكان يشهد الصلوات مع رسول الله ثم نمت حتى تعذرت عليها مراعي المدينة فتنحى بها مكانا يشهد الجمع مع رسول الله ثم نمت فتباعد بها فترك الجمع والجماعات فأنزل الله على رسوله خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها فخرج مصدقوا رسول الله فمنعهم وقال حتى القى رسول الله فانزل الله جل وعز ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله إلى آخر الآية القصة فأخبر ثعلبة فأقبل واضعا على رأسه التراب حتى أتى النبي فلم يقبل منه ثم أتى أبا بكر فلم يقبل منه ثم اتى عمر فأبى

أن يقبل منه ثم أتى عثمان فلم يقبل منه ومات في خلافته
75 - ثم قال جل وعز فأعقبهم نفاقا في قلوبهم آية 77
يجوز ان يكون المعنى فأعقبهم الله نفاقا
ويجوز ان يكون المعنى فاعقبهم البخل لأن قوله بخلوا يدل على البخل
76 - وقوله جل وعز الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات آية 79
قال قتادة أي يعيبون المؤمنين قال وذلك أن عبد الرحمن بن عوف تصدق بنصف ماله وكان ماله ثمانية آلاف دينار فتصدق منها بأربعة آلاف فقال قوم ما أعظم رياه

فأنزل الله جل وعز الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات وجاء رجل من الأنصار بنصف صبرة من تمر فقالوا ما أغنى الله عن هذا فأنزل الله والذين لا يجدون إلا جهدهم
قرىء جهدهم و جهدهم بالضم والفتح
قال أبو جعفر وهما لغتان بمعنى واحد عند البصريين
وقال بعض الكوفيين الجهد المشقة والجهد الطاقة
77 - ثم قال جل وعز فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب اليم آية 79
ومعنى سخر الله منهم جازاهم الله على سخريتهم فسمى

الثاني باسم الأول على الازدواج
78 - وقوله جل وعز استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم آية 80
يروى أن النبي قال لأستغفرن لهم أكثر من سبعين مرة فنزلت سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم فترك الاستغفار لهم
79 - وقوله جل وعز فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا ان يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله آية 81
الخلاف المخالفة والمعنى من أجل مخالفة رسول الله كما تقول جئتك ابتغاء العلم

ومن قرأ خلف رسول الله أراد التأخر عن الجهاد
80 - وقوله جل وعز قل نار جهنم أشد حرا آية 81
فيه معنى الوعيد والتهديد
81 - ثم قال جل وعز فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون آية 82
قال أبو رزين يقول الله أمر الدنيا قليل فليضحكوا فيها ما شاءوا فإنهم سيبكون في النار بكاء لا ينقطع فذلك الكثير
وقال الحسن فليضحكوا قليلا في الدنيا وليبكوا كثيرا في الآخرة في جهنم جزاء بما كانوا يكسبون
82 - وقوله جل وعز فاقعدوا مع الخالفين

آية 83
والخالف الذي يتخلف مع مال الرجل وفي بيته
83 - ثم قال جل وعز ولا تصل على أحد منهم مات أبدا آية 84
روي عن أنس بن مالك ان النبي تقدم ليصلي على عبد الله بن ابي فاخذ جبريل بردائه فقال ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره
ويروى ان النبي كان إذا صلى على واحد منهم وقف على قبره فدعا له

84 - وقوله عز و جل رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون آية 87
قال مجاهد وقتادة الخوالف النساء
وقال غيرهما الخوالف أخساء الناس وأردياؤهم ويقال فلان خالفة اهله إذا كان دونهم
قال أبو جعفر وأصله من خلف اللبن يخلف خلفة إذا حمض من طول مكثه وخلف فم الصائم إذا تغير ريحه
ومنه فلان خلف سوء
فأما قول قتادة فاقعدوا مع الخالفين أي مع النساء فليس بصواب لأن المؤنث لا يجمع كذا ولكن يكون المعنى مع الخالفين للفساد على ما تقدم

ويجوز أن يكون المعنى مع مرضى الرجال وأهل الزمانة
85 - وقوله جل وعز وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم آية 90 وقرأ ابن عباس وجاء المعذرون
قال أبو جعفر المعذرون يحتمل معنيين
أحدهما أن يكون المعنى الأصل المعتذرون ثم أدغمت التاء في الذال ويكونون الذين لهم عذر قال لبيد
... إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ... ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر

وقد يعتذر ولا عذر
والقول الآخر ان يكون المعذرون الذين لا عذر لهم كما يقال عذر فلان
وزعم أبو العباس أن المعذر هو الذي لاعذر له
قال أبو جعفر ولا يجوز أن يكون بمعنى المعتذر لأنه إذا وقع الإشكال لم يجز الإدغام والمعذرون الذين قد بالغوا في العذر ومنه قد أعذر من أنذر أي قد بالغ في العذر من تقدم إليك فأنذرك
والمعذرون المعتذرون للإتباع والكسر على الأصل
86 - وقوله جل وعز ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع آية 92
قال الحسن وبكر بن عبد الله نزلت في عبد الله بن

المغفل من مزينة اتى النبي يستحمله
87 - وقوله جل وعز الأعراب أشد كفرا ونفاقا 0 آية 97
قال قتادة لأنهم ابعد عن معرفة السنن
وقال غيره لأنهم أجفى وأقسى وأبعد عن سماع التنزيل
88 - ثم قال جل وعز وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله آية 97
أي وأخلق بترك ما أنزل الله على رسوله

89 - وقوله جل وعز ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما آية 98
أي غرما وخسرانا
90 - ثم قال جل وعز ويتربص بكم الدوائر آية 98
الدوائر أي ما يدور به الزمان من المكروه وأصل الدوائر صروف الزمان مرة بالخير ومرة بالشر
91 - ثم قال جل وعز عليهم دائرة السوء آية 98
وتقرأ عليهم دائرة السوء
والسوء البلاء والمكروه والسوء الرداءة ويقال رجل سوء والرجل السوء

92 - وقوله جل وعز ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول آية 99
فالصلاة ها هنا الدعاء
قال الضحاك وصلوات الرسول يقول واستغفار الرسول
والصلاة تقع على ضروب
فالصلاة من الله جل وعز الرحمة والخير والبركة قال الله جل وعز هو الذي يصلي عليكم وملائكته
والصلاة من الملائكة الدعاء
وكذلك هي من النبي كما قال سبحانه وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم
أي دعاؤك تثبيت لهم وطمأنينة كما قال الشاعر ... تقول بنتي وقد قربت مرتحلا ... يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا

عليك مثل الذي صليت فاغتمضي ... نوما فإن لجنب المرء مضطجعا ...
93 - وقوله جل وعز والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان 0 آية 100
وروي عن عمر انه قرأ والأنصار
فمن قرأ بالخفض ذهب إلى أن المعنى ومن الأنصار
ومن قرأ بالرفع اراد الأنصار كلهم ولم يجعلهم من السابقين
قال سعيد بن المسيب وابن سيرين وقتادة والسابقون الذين صلوا القبلتين جميعا
وقال عطاء هم أهل بدر

وقال الشعبي هم الذين بايعوا بيعة الرضوان
94 - ثم قال جل وعز رضي الله عنهم ورضوا عنه آية 100
أي رضي الله أعمالهم ورضوا مجازاته عليها
95 - وقوله جل وعز وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق آية 101
في الكلام تقديم وتأخير المعنى وممن حولكم من الأعراب منافقون مردوا على النفاق ومن أهل المدينة أي من أهل المدينة مثلهم
96 - ثم قال جل وعز لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين آية 101
قال الحسن وقتادة عذاب الدنيا وعذاب القبر

قال قتادة ثم يردون إلى عذاب عظيم أي عذاب جهنم
وقيل سنعذبهم مرتين يعني السباء والقتل
وقال الفراء بالقتل وعذاب القبر
وقال مجاهد بالجوع والقتل
97 - وقوله جل وعز وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا آية 102
قال الضحاك هؤلاء قوم تخلفوا عن غزوة تبوك منهم أبو لبابة فندموا وربطوا أنفسهم إلى سواري المسجد فقال النبي لا اعذرهم فانزل الله جل وعز وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم

وعسى من الله واجبة فأتوا النبي بأموالهم فابى أي يقبلها فأنزل الله خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم
قال أبي وصل عليهم واستغفر لهم
وقيل هم الثلاثة الذين خلفوا والعمل الصالح الذي عملوه أنهم لحقوا برسول الله وربطوا أنفسهم بسواري المسجد وقالو لا نقرب أهلا ولا ولدا حتى ينزل الله عذرنا
وآخر سيئا هو تخلفهم عن غزوة تبوك حتى قدم رسول الله والأول الصحيح
98 - وقوله جل وعز ألم يعلموا ان الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات آية 104

أي ويقبلها
ومنه خذ العفو وأمر بالعرف
ومنه الحديث الصدقة تقع في يد الله عز و جل أي يقبلها
99 - وقوله جل وعز وآخرون مرجون لأمر الله آية 106 أي مؤخرون
يقال ارجأت الأمر وقد حكي أرجيت
100 - ثم قال جل وعز إما يعذبهم وإما يتوب عليهم آي 106
وإما لأحد أمرين ليكونوا كذا عندهم

ويقال إن المرجئين ههنا هم الثلاثة الذين خلفوا وذكرهم الله عز و جل في قوله وعلى الثلاثة الذين خلفوا
وقرأ عكرمة الذين خلفوا بفتح الخاء مخففا وقال أي خلفوا بعقب النبي
ومعنى خلفوا تركوا فلم تقبل توبتهم كما قرء على بكر ابن سهل عن ابي صالح عن الليث عن عقيل عن الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن ابيه كعب بن مالك وذكر الحديث وقال فيه وليس الذي ذكر الله مما خلفنا عن الغزو وإنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن خلف له واعتذر إليه فقبل منه قال سهل بن سعد وكعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع العمري
قال مجاهد هم من الأوس والخزرج
101 - وقوله جل وعز والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا آية 107

أي ومنهم الذين اتخذوا مسجدا ضرارا أي مضارة
102 - ثم قال تعالى وتفريقا بين المؤمنين وإرصاد لمن حارب الله ورسوله من قبل آية 107
قال مجاهد هو أبو عامر خرج إلى الشام يستنجد قيصر على قتال المسلمين وكانوا يرصدون له
وقال أبو زيد يقال رصدته في الخير وارصدت له في الشر
وقال ابن الأعرابي لا يقال إلا أرصدت ومعناه ارتقيت
103 - وقوله جل وعز لا تقم فيه أبدا لمسجد اسس على التقوى من أول يوم أحق ان تقوم فيه آية 108

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5