كتاب : تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار
المؤلف : عبد الرحمن بن حسن الجبرتي

المكتوب المذكور آنفا
وفيه ذكر قائمقام بليار لبعض الرؤساء انه اذا رجع سارى عسكر منصورا ودامت أهل البلد على طاعتهم وسكونهم رفع عنهم نصف المليون والظلم
وفي عاشره افرجوا عن ابن محرم التاجر بتوسل والدته بقائمقام بليار على مصلحة الفين ريال فرانسة
وفيه خرج عبد العال الى ناحية أبي زعبل ورجع ومعه ثلاثة أشخاص من الفلاحين ضرب عنق أحدهم
وفي ثاني عشرة قبض عبد العال على أناس من الغورية والصاغة ومرجوش وغيرهم وألزمهم بمال وسئل عن ذلك فقال لم أفعله من قبل نفسي بل عن أمر من الفرنسيس
وفيه حفروا خندقا عند تلال البرقية فكان الذين يخرجون بالاموات يصعدون بهم من فوق التل ثم ينزلون ويمرون عل سقالة من الخشب على الخندق المحفور فحصل للناس غاية المشقة واتفق ان ميتا سقط من على رقاب الحمالين وتدحرج الى أسفل التل
وفيه ورد الخبر بموت مراد بك بالوجه القبلي بالطاعون وكان موته رابع الشهر ودفن بسوهاج عند الشيخ العارف وأقيم عزاؤه عند زوجته الست نفيسة وبنت له قبرا بمدفن على بك واسمعيل بك بالقرافة بالقرب من قبة الامام الشافعي رضي الله تعالى عنه وأشيع نقله اليه ثم ترك ذلك وبطل وكان الفرنساوية عند ما اصطلح معهم وأعطوه امارة الصعيد رتبوا لزوجته المذكورة في كل شهر مائة ألف فضة واستمرت تقبض ذلك حتى أخرج الفرنساوية جوابات الى الامراء المرادية يعزونهم في استاذهم وتقريرا الى عثمان بك الجوخدار المعروف بالطنبرجي بان يكون أميرا ورئيسا على خشداشينه وعوضا عن مراد بك ويستمرون على امريتهم وطاعتهم
وفيه حضرت جوابات المراسلات التي أرسلت الى البلاد بسبب

الغلال والاقوات بان المتسببين والتجار أجابوا بالسمع والطاعة غير ان المانع لهم قطاع الطريق وتعدى العرب ومنعهم السبيل وان أبواب البلدان مغلوقة بحيث لا يمكن الخروج منها فاذا أمنت الطرق حضر المطلوب وكلام هذا معناه وأما الساعي المرسل الى المنصورة فانه رجع من اثناء الطريق ولم يمكنه الوصول اليها لان العساكر القادمة قد دخلوها وصارت في حكمهم
وفيه أي في هذا الشهر زاد أمر الطاعون وطعن مصطفى أغا ابطال بالقلعة فلما ظهر فيه ذلك رفعوه بطريق مهانة وأنزلوه الى الكرنتينه بباب العزب وألقوه بها ثم تكلم في شأنه ارباب الديوان فانزلوه الى داره فمات بها وكذلك وقع لحسين قرأ ابراهيم التاجر وعلى كتخدا النجدلي وذلك في اوائله وفي كل يوم يموت من الفرنسيس الكائنين بالقلعة الثلاثون والاربعون وينزلون بهم من كرنتينة القلعة على الاخشاب مثل الابواب كل ثلاثة أو أربعة سواء يحملهم الحمالون وامامهم اثنان من الفرنسيس يمنعون الناس ويباعدونهم عن القرب منهم الى أن يخرجوا بهم من باب القرافة فيلقوهم في حفر عميقة قد اعدها الحفارون ويهيلون عليهم التراب حتى يعلوهم ثم يلقون صفا آخر ويغطونهم بالتراب وهكذا حتى تمتلىء الحفرة ويبقى بينها وبين الارض نحو الذراع فيكبسونها بالتراب والاحجار ويحفرون أخرى غيرها كذلك فيكون في الحفرة الواحد اثنا عشر وستة عشر وأكثر فوق بعضهم البعض وبينهم التراب ويرمونهم بثيابهم وأغطيتهم وتواسيمهم التي في أرجلهم وذلك المكان الذي يدفنون به في العلوة الكائنة خارج مزار القادرية بين الطريقين الموصلين الى جهة مزار الامام الشافعي رضي الله عنه
وفيه انهى مشايخ الديوان تعرض عبد العال لمصادرة الناس وطلب المال بعد تأمينهم وتبشيرهم برفع نصف المليون عنهم فأجيبوا بأن ذلك على سبيل القرض لتعطل المال الميري واحتياج العسكر الى النفقة وقيل

لهم ايضا ان كان يمكنكم ان تكتبوا الى البلاد بدفع الميري رفعنا الطلب عن الناس فقالوا هذا غير ممكن لحصول البلاد في حيازة القادمين وقطع الطريق من وقوف العرب بها وعدم الانتظام وانما القصد الملاطفة والرفق فان وظيفتنا النصح والوساطة في الخير
وفي يوم الخميس سادس الحجة حضر استوف الخازندار وجرجس الجوهري ومن معهما من القبطة وغيرهم ما عدا الفرنسيس الذين ذهبوا معهم فارسلت اوراق بحضور مشايخ الديوان والتجار والاعيان من الغد فلما كان في صبحها حصلت الجمعية واحضر الخازندار والوكيل وعبد العال وعلى أغا الوالي وبعض التجار كالسيد احمد الزرو والحاج عبد الله التاودي شيخ الغورية والحاج عمر الملطيلي التاجر بخان الخليلي ومحمود حسن وكليمان الترجمان فتكلم استوف وترجم عنه الترجمان بقوله ان سارى عسكر الكبير منو يقرئكم السلام ويثنى عليكم كثيرا وسينجلى هذا الحادث ان شاء الله تعالى ويقدم في خير ويرى أهل مصر ما يسرهم وقد هلك من الانكليز خلق كثير وباقيهم أكثرهم مرمودون الاعين وبمرض الزحير وجاءت طائفة منهم الى الفرنساوية وانضموا اليهم من جوعهم وعطشهم ولتعلموا أن الفرنساوية لم يسلموا في رشيد قهرا عنهم بل تركوها قصدا وكذلك أخلينا دمياط لاجل ان يطمعوا ويدخلوا الى البلاد وتتفرق عساكرهم فتتمكن عند ذلك من اسئصالهم ونخبركم انه قد وردت الى اسكندرية مركب من فرانسا وأخبرت ان الصلح قد تم مع كامل القرانات ما عدا الانكليز فأنهم لم يدخلوا في الصلح وقصدهم عدم سكون الحرب والفتن ليستولوا على أموال الناس واعلموا ان المشايخ المحبوسين بالقلعة وغيرهم لا بأس عليهم وانما القصد من تعويفهم وحبسهم رفع الفتن والخوف عليهم وشريعة الفرنساوية اقتضت ذلك ولا يمكن مخالفتها ومخالفتها كمخالفة القرآن العظيم عندكم وقد بلغنا ان السلطان العثملي أرسل الى عسكره بالكف عن الفرنساوية والرجوع

عن قتالهم فخالف عليه بعض السفهاء منهم وخرجوا عن طاعته وأقاموا الحرب بدون اذنه فأجابه بعض الحاضرين بقوله ان القصد حصول الراحة والصلح والفرنساوية عندنا أحسن حالا من الانكليز لاننا قد عرفنا أخلاقهم ونعلم أن الانكليز انما يريدون بانضمامهم الى العثملية تنفيذ أغراضهم فقط فانهم يدلون العثملي ويغرونه حتى يوقعوه في المهالك ثم يتركوه كما فعلوا سابقا ثم قال الخازندار ان الفرنساوية لا يحبون الكذب ولم يعهد عليهم فلازم أن تصدقوا كل ما أخبروكم به فقال بعض الحاضرين انما يكذب الحشاشون والفرنساوية لا يأكلون الحشيش ثم قال الخازندار ان وقع من أهل مصر فشل أو فساد عوقبوا أكثر من عام اول واعلموا أن الفرنساوية لا يتركون الديار المصرية ولا يخرجون منها أبدا لانها صارت بلادهم وداخله في حكمهم وعلى الفرض والتقدير اذا غلبوا على مصر فانهم يخرجون منها الى الصعيد ثم يرجعون اليها ثانيا ولا يخطر في بالكم قلة عساكرهم فانهم على قلب رجل واحد واذا اجتمعوا كانوا كثيرا وطال الكلام في مثل هذه التمويهات والخرافات وأجوبة الحاضرين بحسب المقتضيات ثم قال الخازندار القصد منكم معاونة الفرنساوية ومساعدتهم وغلاق نصف المليون ولشفع بعد ذلك عند سارى عسكر في فوات النصف الثاني حكم ما عرفكم قائمقام بليار فاجتهدوا في غلاقه من الاغنياء واتركوا الفقراء فأجابوا في آخر الكلام بالسمع والطاعة فقال لكن ينبغي التعجيل فان الامر لازم لاجل نفقه العسكر ثم قال لهم ينبغي ان تكتبوا جوابا بالسارى عسكر تعرفونه فيه عن راحة اهل البلد وسكون الحال وقيامكم بوظائفكم وهو ان شاء الله يحضر اليكم عن قريب وانفض المجلس وكتب الجواب المأمورية وارسل
وفيه ورد الخبر بوصول طاهر باشا الارنؤدي بجملة من العساكر الارنؤدية الى أبي زعبل

وفيه خرج عدة من عساكر الفرنساوية وضربوا أربع قرى من الريف بعلة موالاة العرب وقطاع الطريق فنهبوهم وحضروا الى مصر بمتاعهم ومواشيهم
وفيه ارسل بليار قائمقام يطلب من الوجاقلية بقية ما عليهم من المال المتأخر من فردة الملتزمين وقدره اثنا عشر ألف ريال وان تأخروا عن الدفع احاط العسكر بيوتهم ونقلهم الى أضيق الحبوس بل واستعملهم في شيل الاحجار فاعتذروا بضيق ذات يدهم وحبسهم فتصدر اليهم السيد احمد الزرو وتشفع عند قائمقام بأن يقوموا بدفع أربعة آلاف ريال ويؤجلوا بالباقي وينزلوا من القلعة لتحصيل ذلك فأجابه وأنزل علي أغا يحيى اغات الجراكسة ويوسف باشجاويش الى بيت عبد العال وحبسهم بمكان بداره وحبس معهم مصطفى كتخدا الرزار فكان يتهددهم ويرسل اليهم أعوانه يقولون لهم شهلوا ما عليكم والا ضربكم الاغا بالكرابيج فسبحان الفعال لما يريد فان عبد العال هذا الذي يتهددهم ربما كان لا يقدر على الوصول الى الوقوف بين يدي بعض اتباعهم فضلا عنهم
وفيه أحاط الفرنسيس بمنزل حسن أغا لوكيل المتوفي قبل تاريخه وذلك بسبب انه وجد ببيته غلام فرنساوي مختف أسلم وحلق رأسه وقبضوا على أحد خشداشينه وحبسوه لكونه علم ذلك ولم يخبر به
وفيه حضرت رسل من طرف عرضي الوزير لقائمقام بليار فاجتمعوا به وخلا بهم ووجههم من ليلتهم فلما حصلت الجمعية بالديوان سئل الوكيل عن ذلك فقال نعم انهم أرسلوا يطلبون الصلح
وفي ثامن عشره أفرجوا عن ابراهيم افندي كاتب البهار ليساعد في قبض نصف المليون
وفي رابع عشرينه قبضوا على أبي القاسم المغربي شيخ رواق المغاربة وحبسوه بالقلعة بسبب انه كان يتكلم في بعض المجالس ويقول أنا شيخ المغاربة وأحكم عليهم ويتباهى بمثل هذا القول فنقل عنه ذلك إلى

عبد العال والفرنسيس وظنوا صحة قوله وانه ربما أثار فتنة فقبضا عليه وحبسوه وكذلك حبسوا محمد افندي يوسف ثاني قلفه وآخر يقال له عبيد السكري
وفي خامس عشرينه أبرزوا مكتوبا وزعموا انه حضر من سارى عسكرهم وقرىء بالديوان وصورته بعد الصدر خطابا الى كافة العلماء والمشايخ الكرام بمحفل الديوان المنيف بمحروسة مصر حالا أدام الله تعالى فضائلهم ورد لنا مكتوبكم وانشرح قلبي من كل ما شهدتم لنا فيه بانه يثبت عقلكم السليم وصدقكم وتقييد قلوبكم في طارق الدستور فدوموا مهتدين بهذه الملكة ولا بد لفضائلكم من دولة جمهورنا كامل الوفاء من حسن رضا واطمئنان عليكم منها ومن طرف عمدة أصحاب الجراءة والشجاعة حضرة القونصل أولها بونابارته وعلى الخصوص من طرفنا وكان ضد اوامري ان الستويان فوريه الذي كنت وضعته قرب فضائلكم ترك ذلك الموضع وتوجه الى اسكندرية وما تلك الفعلة الا من نقص جسارته في ذي الوقعة فبدلناه جنب فضائلكم بالستويان جيرار رجل واجب الاستوصاء لاجل عرضه وفضله وخصوصا لاجل غيرته وجسارته فلذلك هو كسب اعتمادي فاعتمدوا الى كل ما هو قائل بفضائلكم من جانبنا وبمنه وعونه تعالى عن قريب نواجهكم بمصر بخير وسلامة ودوموا حسب تدبيراتكم لتنظيم البلد ومماسكة الطاعة بين الامة الحامدة والسياسة بين غيرهم وكذلك نرجو من رب الاجناد بحرمة سيد العباد ان تشدوا قلوبكم توكلا له لان عوننا اسمه العظيم حرر في ثلاثة عشر فلوريال سنة تسعة موافقا لثمانية عشر ذي الحجة سنة ألف ومائتين وخمسة عشر ممضي عبد الله جاك منو انتهى بالفاظه وحروفه
وفي سادس عشرينه أعادوا فرش الديوان بأمر الوكيل جيرار
وفيه أفرجوا عن محمد كاشف سليم الشعراوي بشفاعة حسين كاشف وسافر الى جهة الصعيد

وفي ثامن عشرينه وردت الاخبار بوصول ركاب الوزير يوسف باشا الى مدينة بلبيس وذلك يوم الجمعة رابع عشرينه
وفيه أخبر وكيل الديوان ان سارى عسكر ارسل كتابا الى الست نفيسة بالتعزية ورتب لها في كل شهر مائة الف نصف وأربعين وانقضت هذه السنة بحوادثها وما حصل فيها فمنها توالى الهدم والخراب وتغيير المعالم وتنويع المظالم وعم الخراب خطة الحسينية خارج باب الفتوح والخروبي فهدموا تلك الاخطاط والجهات والحارات والدروب والحمامات والمساجد والمزارات والزوايا والتكايا وبركة جناق وما بها من الدور والقصور المزخرفة وجامع الجنبلاطية العظيم بباب النصر وما كان به من القباب العظام المعقودة من الحجر المنحوت المربعة الاركان الشبيهة بالاهرام والمنارة العظيمة ذات الهلالين واتصل هدم خارج باب النصر بخارج باب الفتوح وباب القوس الى باب الحديد حتى بقي ذلك كله خرابا متصلا واحدا وبقي سور المدينة الاصلي ظاهرا مكشوفا فعمروه ورموا ماتشعث منه وأوصلوا بعضه ببعض بالبناء ورفعوا بنيانه في العلو وعملوا عند كل باب كرانك وبدنات عظاما وأبوابا داخلة وخارجه وأخشابا مغروسة بالارض مشبكة بكيفيه مخصوصة وركزوا عند كل باب عدة من العسكر مقيمين وملازمين ليلا ونهارا ثم سدوا باب الفتوح بالبناء وكذلك باب البرقية وباب المحروق وأنشؤا عدة قلاع فوق التلال البرقية ورتبوا فيها العساكر وآلات الحرب والذخيرة وصهاريج الماء وذلك من حد باب النصر الى باب الوزير وناحية الصوة طولا فمهدوا أعالي التلال وأصلحوا طرقها وجعلوا لها مزالق وانحدارات لسهولة الصعود والهبوط بقياسات وتحريرات هندسية على زوايا قائمة ومنفرجة وبنوا تلك القلاع بمقادير بين أبعادها وهدموا أبنية رأس الصوة حيث الحطابة وباب الوزير تحت القلعة الكبيرة وما بذلك من المدارس القديمة المشيدة والقباب المرتفعة وهدموا أعالي المدرسة النظامية ومنارتها وكانت في غاية من

الحسن وجعلوها قلعة ونبشوا ما بها من القبور فوجدوا الموتى في توابيت من الخشب فظنوا داخلها دراهم فكسروا بعضها فوجدوا بها عظام الموتى فأنزلوا تلك التوابيت وألقوها الى خارج فاجتمع أهل تلك الجهة وحملوها وعملوا لها مشهدا بجمع من الناس ودفنوها داخل التكية المجاورة لباب المدرج وجعلوا تلك المدرسة قلعة أيضا بعد أن هدموا منارتها أيضا وكذلك هدموا مدرسة القانبية والجامع المعروف بالسبع سلاطين وجامع الجركسي وجامع خوند بركة الناصرية خارج باب البرقية وكذلك أبنية باب القرافة ومدارسها ومساجدها وسدوا الباب وعملوا الجامع الناصري الملاصق له قلعة بعد أن هدموا منارته وقبابه وسدوا أبواب الميدان من ناحية الرميلة وناحية عرب اليسار وأوصلوا سهور باب القرافة بجامع الزمر وجعلوا ذلك الجامع قلعة وكذلك عدة قلاع متصلة بالمجراة التي كانت تنقل الماء الى القلعة الكبيرة وسدوا عيونها وبواكيها وجعلوها سورا بذاتها ولم يبقوا منها الا قوصرة واحدة من ناحية الطبي جهة مصر القديمة جعلوها بابا ومسلكا وعليها الكرنك والغفر والعسكر الملازمين الاقامة بها ولقبض المكس من الخارج والداخل وسدوا الجهة المسلوكة من ناحية قنطرة السد بحاجز خشب مقفص وعليه باب يقفل مقفص أيضا وعليه حوسجية ملازمون القيام عليه وذلك حيث سواقي المجراة التي كانت تنقل الماء الى القلعة وحفروا خلف ذلك خندقا
وأما ما أنشؤه وعمروه من الابراج والقلاع والحصون بناحية ثغر الاسكندرية ورشيد ودمياط وبلاد الصعيد فشيء كثير جدا وذلك كله في زمن قليل
ومنها تخريب دور الازبكية وردم رصيفاتها بالاتربة وتبديل اوضاعها وهدم خطة قنطرة الموسكي وما جاورها من أول القنطرة المقابلة للحمام الى البوابة المعروفة بالعتبة الزرقاء حيث جامع أزبك وما كان في ضمن

ذلك من الدور والحوانيت والوكائل وكوم الشيخ سلامة فيسلك المار من على القنطرة في رحبة متسعة تنتهي الى رحبة الجامع الازبكي وهدموا بيت الصابونجي ووصلوه بجسر عريض ممتد ممهد حتى ينتهي الى قنطرة الدكة وفي متوسط ذلك الجسر ينعطف جسر آخر الى جهة اليسار عند بيت الالفي حيث سكن سارى عسكر ممتد ذلك الجسر الى قنطرة المغربي ومنها يمتد الى بولاق على خط مستقيم الى ساحل البحر حيث موردة التبن والشون ووزعوا بحافتيه السيسبان والاشجار وكذلك برصيفات الازبكية وهدموا المسجد المجاور لقنطرة الدكة مع ما جاوره من الابنية والغيطان وعملوا هناك بوابة وكرنكا وعسكرا ملامين الاقامة والوقوف ليلا ونهارا وذلك عند مسكن بليار قائمقام وهي دار جرجس الجوهري وما جاوره وكان في عزمهم ايصال ما انتهوا الىهدمه بقنطرة الموسكي الى صور باب البرقية ويهدمون من حد حمام الموسكي حتى يتصل المهدوم بناحية الاشرفية ثم الى خان الخليلي الى اسطبل الطارمة العروفة الآن بالشنواني الى ناحية كفر الطماعين الى البرقية ويجعلون ذلك طريقا واحدا متسعا وبحافتيه الحوانيت والخانات وبها أعمدة وأشجار وتكاعيب وتعاريش وبساتين من أولها الىآخرها من حد باب البرقية الى بولاق فلما انتهوا في الهدم الى قنطرة الموسكي تركوا الهدم ونادوا بالمهلة ثلاثة أشهر وشرعوا في أبنية حوائط بحافتي القنطرة ومعاطف ومزالق الى حارة الافرنج وحارة النباقة وذلك بالحجر النحت المتقن الوضع وكذلك عمروا قناطر الخليج المتهدمة داخل مصر وخارجها على ذلك الشكل مثل قنطرة السد والقنطرة التي بين أراضي الناصرية وطريق مصر القديمة وقنطرة الليمون وقنطرة قدبدار وقنطرة الاوز وغير ذلك ثم فاجأهم حادث الطاعون ووصول القادمين فتركوا ذلك واشتغلوا بأمور التحصين وسيأتي تتمة ذلك ومنها توالي خراب بركة الفيل وخصوصا بيوت الامراء التي كانت بها وأخذوا أخشابها لعمارة القلاع ووقود النيران والبيع

وكذلك ما كان بها من الرصاص والحديد والرخام وكانت هذه البركة من جملة محاسن مصر وفيها يقول أبو سعيد الاندلسي وقد ذكر القاهرة وأعجبني في ظاهرها بركة الفيل لانها دائرة كالبدر والمناظر فوقها كالنجوم وعادة السلطان أن يركب فيها بالليل ويسرج أصحاب المناظر على قدر هممهم وقدرتهم فيكون بذلك لها منظر عجيب
وتخرب ايضا جامع الرويعي وجعلوه خمارة وبعض جامع عثمان كتخدا القزد علي الذي بالقرب من رصيف الخشاب وجامع خير بك حديد الذي بدرب الحمام بقرب بركة الفيل وجامع البنهاوي والطرطوشي والعدوى وهدموا جامع عبد الرحمن كتخدا المقابل لباب الفتوح حتى لم يبق به الا بعض الجدران وجعلوا جامع أزبك سوقا لبيع أقلام المكوس
ومنها أنهم غيروا معالم المقياس وبدلوا أوضاعه وهدموا قبته العالية والقصر البديع الشاهق والقاعة التي بها عامود المقياس وبنوها على شكل آخر لا بأس به لكنه لم يتم وهي على ذلك باقية الى الآن ورفعوا قاعدة العامود العليا ذراعا وجعلوا تلك الزيادة من قطعة رخام مربعة ورسموا عليها من جهاتها الاربع قراريط الذراع
ومنها انهم هدموا مساطب الحوانيت التي بالشوارع ورفعوا أحجارها مظهرين ان القصد بذلك توسيع الازقة لمرور العربات الكبيرة التي ينقلون عليها المتاع واحتياجات البناء من الاحجار والجبس والجير وغيره والمعنى الخفي الشافي خوفا من التترس بها عند حدوث الفتن كما تقدم وكانوا وصلوا في هدم المساطب الى باب زويلة ومن الجهة الاخرى الى عطفه مرجوش فهدموا مساطب خط قناطر السباع والصليبة ودرب الجماميز وباب سعادة وباب الخرق الى آخر باب الشعرية ولو طال الحال لهدموا مساطب العقادين والغورية والصاغة والنحاسين الى آخر باب النصر وباب الفتوح فحصل لارباب الحوانيت غاية الضيق لذلك وصاروا يجلسون في داخل فجوات الحوانيت مثل الفيران في الشقوق وبعض الزوايا والجوامع

والرباع التي درجها خارج عن سمت حائط البناء لما هدموا درجة وبسطته بقي باب مدخله معلقا فكانوا يتوصدون اليه بدرج من الخشب مصنوع يضعونه وقت الحاجة ويرفعونه بعدها وذلك عمل كثير
ومنها تبرج النساء وخروج غالبهن عن الحشمة والحياء وهو انه لما حضر الفرنسيس الى مصر ومع البعض منهم نساؤهم كانوا يمشون في الشوارع مع نسائهم وهن حاسرات الوجوه لابسات الفستانات والمناديل الحرير الملونة ويسدلن على مناكبهن الطرح الكشميري والمزركشات الصبوغة ويركبن الخيول والحمير ويسوقونها سوقا عنيفا مع الضحك والقهقهة ومداعبة المكارية معهم وحرافيش العامة فمالت اليهم نفوس أهل الاهواء من النساء الاسافل والفواحش فتداخلن معهم لخضوعهم للنساء وبذل الاموال لهن وكان ذلك التداخل اولا مع بعض احتشام وخشية عار ومبالغة في اخفائه فلما وقعت الفتنة الاخيرة بمصر وحاربت الفرنسيس بولاق وفتكوا في أهلها وغنموا أموالها وأخذوا ما استحسنوه من النساء والبنات صرن مأسورات عندهم فزيوهن بزي نسائهم وأجروهن على طريقتهن في كامل الاحوال فخلع أكثرهن نقاب الحياء بالكلية وتداخل مع أولئك المأسورات غيرهم من النساء الفواجر ولما حل بأهل البلاد من الذل والهوان وسلب الاموال واجتماع الخيرات في حور الفرنسيس ومن والاهم وشدة رغبتهم في النساء وخضوعهن له وموافقة مرادهن وعدم مخالفة هواهن ولو شتمته او ضربته بتاسومتها فطرحن الحشمة والوقار والمبالاة والاعتبار واستملن نظراءهن واختلسن عقولهن لميل النفوس الى الشهوات وخصوصا عقول القاصرات وخطب الكثير منهم بنات الاعيان وتزوجوهن رغبة في سلطانهم ونوالهم فيظهر حالة العهد الاسلام وينطق بالشهادتين لانه ليس له عقيدة يخشى فسادها وصار مع حكام الاخطاط منهم النساء المسلمات متزيبات بريهم ومشوا معهم في الاخطاط للنظر في أمور الرعية والاحكام العادية والامر والنهي والمناداة

وتمشي المرأة بنفسها او معها بعض أترابها واضيافها على مثل شكلها وأمامها القواسة والخدم وبأيديهم العصي يفرجون لهن الناس مثل مايمر الحاكم ويأمرن وينهين في الاحكام
ومنها انه لما أوفى النيل أذرعه ودخل الماء الى الخليج وجرت في السفن وقع عند ذلك من تبرج النساء واختلاطهن بالفرنسيس ومصاحبتهم لهن في المراكب والمرقص والغناء والشرب في النهار والليل في الفوانيس والشموع الموقدة وعليهن الملابس الفاخرة والحلي والجواهر المرصعة وصحبتهم آلات الطرب وملاحو السفن يكثرون من الهزل والمجون ويتجاوبون برفع الصوت في تحريك المقاديف بسخيف موضوعاتهم وكتائف مطبوعاتهم وخصوصا اذا دبت الحشيشة في رؤسهم وتحكمت في عقولهم فيصرخون ويطبلون ويرقصون ويزمرون ويتجاوبون بمحاكاة ألفاظ الفرنساوية في غنائهم وتقليد كلامهم شيء كثير
وأما الجواري السود فانهن لما علمن رغبة القوم في مطلق الانثى ذهن اليهم أفواجا فرادى وأواجا فنططن الحيطان وتسلقن اليهم من الطيقان ودلوهم على مخبآت أسيادهن وخبايا أموالهم ومتاعهم وغير ذلك
ومنها أن يعقوب القبطي لما تظاهر مع الفرنساوية وجعلوه سارى عسكر القبطة جمع شبان القبط وحلق لحاهم وزياهم بزي مشابه لعسكر الفرنساوية مميزين عنهم بقبع يلبسونه على رؤوسهم مشابه لشكل البرنيطة وعليه قطعة فروة سوداء من جلد الغنم في غاية البشاعة مع ما يضاف اليها من قبح صورهم وسواد أجسامهم وزفارة أبدانهم وصيرهم عسكره وعزوته وجمعهم من أقصى الصعيد وهدم الاماكن المجاورة لحارة النصارى التي هو ساكن بها خلف الجامع الاحمر وبنى له قلعة وسورها بسور عظيم وابراج وباب كبير يحيط به بدنات عظام وكذلك بنى ابراجا في ظاهر الحارة جهة بركة الازبكية وفي جميع السور المحيط والابراج طيقانا للمدافع وبنادق الرصاص على هيئة سور مصر الذي رمه

الفرنساوية ورتب على باب القلعة الخارج والداخل عدة من العسكر الملازمين للوقوف ليلا ونهارا وبأيديهم البنادق على طريقة الفرنساوية ومنها قطعهم الاشجار والنخيل من جميع البساتين والجنائن الكائنة بمصر وبولاق ومصر القديمة والروضة وجهة قصر العيني وخارج الحسينية وبساتين بركة الرطلي وأرض الطبالة وبساتين الخليج بل وجميع القطر المصري كالشرقية والغربية والمنوفية ورشيد ودمياط كل ذلك لاحتياجات عمل القلاع وتحصين الاسوار في جميع الجهات وعمل العجل والعربات والمتاريس ووقود النار وكذلك المراكب والسفن وأخذ أخشابها أيضا مع شدة الاحتياج اليها وعدم انشاء الناس سفنا جديدة لفقرهم وعدم الخشب والزفت والقار والحديد وباقي اللوازم حتى انهم حال حلولهم الديار المصرية وسكنهم بالازبكية كسروا جميع القنج والاغربةالتي كانت موجودة تحت الاعيان بقصد التنزه وكذلك ما كان ببركة الفيل وبسبب ذلك شحت البضائع وغلت الاسعار وتعطلت الاسباب وضاقت المعايش وتضاعفت أجر حمل التجارات في السفن لقلتها
ومنها هدم القباب والمدافن الكائنة بالقرافة تحت القلعة خوفا من تترس المحاربين بها فكانوا يهدمون ذلك بالبارود على طريقة اللغم فيسقط المكان بجميع اجزائه من قوة البارود وانحباسه في الارض فيسمع له صوت عظيم ودوي فهدموا شيئا كثيرا على هذه الصورة وكذلك ازالوا جانبا كبيرا من الجبل المقطم بالبارود من الجهة المحاذية للقلعة خوفا من تمكن الخصم منها والرمي على القلعة
ومنها زيادة النيل المفرطة التي لم يعهد مثلها في هذه السنين حتى غرقت الاراضي وحوصرت البلاد وتعطلت الطرق فصارت الارض كلها لجة ماء وغرق غالب البلاد التي على السواحل فتهدم من دورها شيء كثير وأما المدينة فإن الماء جرى من جهة الناصرية الى الطريق المسلوكة وطفح من بركة الفيل الى درب الشمسي وطريق قنطرة عمر شاه

ومنها استمرار انقطاع الطرق واسباب المتاجر وغلو البضائع المجلوبة من البلاد الرومية والشامية والهندية والحجازية والمغرب حتى غلت اسعار جميع الاصناف وانتهى سعر كل شيء الى عشرة امثاله وزيادة على ذلك فبلغ الرطل الصابون الى ثمانين نصفا واللوزة الواحدة بنصفين وقس على ذلك وأما الاشياء البلدية فانها كثيرة موجودة وغالبها يباع رخيصا مثل السمن والعسل النحل والارز والغلال وخصوصا الارز فانه بيع في ايامهم بخمسمائة نصف فضة الاردب وكانت النصارى باعة العسل النحل يطوفون به في بلاليص محملة على الحمير ينادون عليه في الازقة بأرخص الاثمان
ومنها وقوع الطاعون بمصر والشام وكان معظم عمله ببلاد الصعيد أخبرني صاحبنا العلامة الشيخ حسن المعروف بالعطار المصري نزيل اسيوط مكاتبة ونصه ونعرفكم يا سيدي انه قد وقع في قطر الصعيد طاعون لم يعهد ولم تسمع بمثله وخصوصا ما وقع منه باسيوط وقد انتشر هذا البلاء في جميع البلاد شرقاوغربا وشاهدنا منه العجائب في أطواره وأحواله وذلك أنه اباد معظم اهل البلاد وكان اكثره في الرجال سيما الشبان والعظماء وكل ذي منقبة وفضيلة واغلقت الاسواق وعزت الاكفان وصار المعظم من الناس بين ميت ومشيع ومريض وعائد حتى ان الانسان لا يدري بموت صاحبه أو قريبه الا بعد ايام ويتعطل الميت في بيته من أجل تجهيزه فلا يوجد النعش ولا المغسل ولا من يحمل الميت الا بعد المشقة الشديدة وان اكبر كبير اذا مات لا يكاد يمشي معه مازاد على عشرة انفار تكترى وماتت العلماء والقراء والملتزمون والرؤساء وأرباب الحرف ولقد مكثت شهرا بدون حلق رأسي لعدم الحلاق وكان مبدأ هذا الامر من شعبان وأخذ في الزيادة في شهر ذي القعدة والحجة حتى بلغ النهاية القصوى فكان يموت كل يوم من اسيوط خاصة زيادة على الستمائة وصار الانسان اذا خرج من بيته لا يرى الا جنازة أو مريضا

أو مشتغلا بتجهيز ميت ولا يسمع الا نائحة او باكية وتعطلت المساجد من الاذان والامامة لموت أرباب الوظائف واشتغال من بقى منهم بالمشي اما الجنائز والسبح والسهر وتعطيل الزرع من الحصاد ونشف على وجه الارض وأبادته الرياح لعدم وجدان من يحصده وعلى التخمين أنه مات الثلثان من الناس هذا مع سعي العرب في البلاد بالفساد والتخويف بسبب خلو البلاد من الناس والحكام الى أن قال ولو شئت ان اشرح لك يا سيدي ما حصل من أمر الطاعون لملأت الصحف مع عدم الايفاء وتاريخه ثامن عشرين الحجة سنة تاريخه

من مات في هذه السنة من الاعيان
مات الامام الالمعي والذكي اللوذعي من عجنت طينته بماء المعارف وتآخت طبيعته مع العوارف العمدة العلامة والنحرير الفهامة فريد عصره ووحيد دهره الشيخ محمد بن أحمد بن حسن بن عبد الكريم الخالدي الشافعي الشهير بابن الجوهري وهو أحد الاخوة الثلاثة وأصغرهم ويعرف هو بالصغير ولد سنة احدى وخمسين ومائة وألف ونشأ في حجر والده في عفة وصون وعفاف وقرأ عليه وعلى أخيه الاكبر الشيخ أحمد ابن احمد وعلي الشيخ خليل المغربي والشيخ محمد الفرماوي وغيرهم من فضلاء الوقت وأجازه الشيخ محمد الملوي بما في فهرسته وحضر دروس الشيخ عطية الاجهوري في الاصول والفقه وغير ذلك فلازمه وبه تخرج في الالقاء وحضر الشيخ علي الصعيدي والبراوي وتلقى عن الشيخ الوالد حسن الجبرتي كثيرا من العلوم ولازم التردد عليه والاخذ منه مع الجماعة ومنفردا وكان يحبه ويميل اليه ويقبل بكليته عليه وحج مع والده في سنة ثمان وستين وجاور معه فاجتمع بالشيخ السيد عبد الله الميرغني صاحب الطائف واقتبس من أنواره واجتنى من ثماره وكان آية في الفهم والذكاء والغوص والاقتدار على حل المشكلات وأقرأ الكتب وألقى الدروس بالاشرفية وأظهر التعفف والانجماع عن خلطة الناس

والذهاب والترداد الى بيوت الاعيان والتزهد عما بأيديهم فأحبه الناس وصار له أتباع ومحبون وساعده على ذلك الغنى والثروة وشهرة والده واقبال الناس عليه ومدحتهم له وترغيبهم في زيادته وتزوج ببنت الخواجا الكريمي وسكن بدارها المجاورة لبيت والده بالازبكية واتخذ له مكانا خاصا بمنزل والده يجلس فيه في اوقات وكل من حضر عند أبيه في حال انقطاعه من الاكابر أو من غيرهم للزيارة أو للتلقي يأمره بزيارة ابنه المترجم والتلقي عنه وطلبهم الدعاء منه ويحكى لهم عنه مزايا وكرامات ومكاشفات ومجاهدات وزهديات فازداد اعتقاد الناس فيه وعاشر العلماء والفضلاء من أهل عصره ومشايخه وقرنائه وتردد عليهم وترددوا عليه ويبيتون عنده ويطمعهم ويكرمهم ويتنزه معهم في أيام النيل مع الحشمة والكمال ومجانبة الامور المخلة بالمروأة ولما مات أخوه الكبير الشيخ أحمد وقد كان تصدر بعد والده في اقراء الدروس اجمع الخاص والعام على تقدم المترجم في اقراء الدروس في الازهر والمشهد الحسيني في رمضان فامتنع من ذلك وواظب على حالة انجماعه وطريقته واملائه الدروس بالاشرفية وحج في سنة سبع وثمانين ومائة وألف وجاور سنة وعقد دروسا بالحرم وانتفع به الطلبة ثم عاد الى وطنه وزاد في الانجماع والتحجب عن الناس في أكثر الاوقات فعظمت رغبة الناس فيه ورد هداباهم مرة بعد أخرى وأظهر الغني عنهم فازداد ميل الناس اليه وجبلت قلوبهم على حبه واعتقاده وتردد الامراء وسعوا لزيارته أفواجا وربما احتجب عن ملاقاتهم وقلد بعضهم بعضا في السعي ولم يعهد عليه أنه دخل بيت امير قط أو أكل من طعام أحد قط الا بعض أشياخه المتقدمين وكانت شفاعته لا ترد عند الامراء والاعيان مع الشكيمة والصدع بالامر والمناصحة في وجوههم اذا أتوا اليه وازدادت شهرته وطار صيته ووفدت عليه الوفود من الحجاز والغرب والهند والشام والروم وقصدوا زيارته والتبرك به وحج ايضا في سنة تسع وتسعين لما حصلت الفتنة بين أمراء

مصر فسافر بأهله وعياله وقصد المجاورة فجاور سنة واقرأ هناك دروسا واشترى كتبا نفيسة ثم عاد الى مصر واستمر على حالته في انجماعه وتحجبه عن الناس بل بالغ في ذلك ويقرىء ويملي الدروس بالاشرفية وأحيانا بروايتهم بدرب شمس الدولة وأحيانا بمنزله بالازبكية ولما توفي الشيخ أحمد الدمنهوري وتولىمشيخة الازهر الشيخ عبد الرحمن العريشي الحنفي باتفاق الامراء والمتصدرين من الفقهاء وهاجت حفائظ الشافعية ذهبوا اليه وطلبوه للمشيخة فأبى ذلك ووعدهم بالقيام لنصرتهم وتولية من يريدونه فأجتمعوا ببيت الشيخ البكري واختاروا الشيخ أحمد العروسي لذلك وأرسلوا الى الامراء فلم يوافقوا على ذلك فركب المترجم بصحبة الجمع الى ضريح الامام الشافعي ولم يزل حتى نقض ما أبرمه العلماء والامراء ورد المشيخة الى الشافعية وتولى الشيخ أحمد العمروسي وتم له الامر كما تقدم ذلك في ترجمة العريشي ولما توفي الشيخ احمد العروسي كان المترجم غائبا عن مصر في زيارة سيدي أحمد البدوي فأهمل الامر حتى حضر وتولى الشيخ عبد الله الشرقاوي باشارته ولم يزل وافر الحرمة معتقدا عند الخاص والعام حتى حضر الفرنساوية واختلت الامور وشارك الناس في تلقي البلاء وذهب ما كان له بأيدي التجار ونهب بيته وكتبه التي جمعها وتراكمت عليه الهموم والامراض وحصل له اختلاط ولم يزل حتى توفي يوم الاحد حادي عشرين شهر القعدة سنة تاريخه بحارة برجوان وصلى عليه بالازهر في مشهد حافل ودفن عند والده وأخيه بزاوية القادرية بدرب شمس الدولة وبالجملة فكان من محاسن مصر والفريد في العصر ذهنه وقاد ونظمه مستجاد وكان رقيق الطبع لطيف الذات مترفها في مأكله وملبسه
ومات الاجل الامثل العمدة الوجيه السيد عبد الفتاح بن أحمد ابن الحسن الجوهري أخو المترجم المذكور وهو أسن منه واصغر من اخيه الشيخ احمد ولد سنة احدى واربعين ومائة والف ونشأ في حجر ابيه

وحضر الشيخ الملوي وبعض دروس ابيه وغيره ولم يكن معتنيا بالعلم ولم يلبس زي الفقهاء وكان يعاني التجارة ويشارك ويضارب ويحاسب ويكاتب فلما توفي اخوه الاكبر الشيخ أحمد وامتنع اخوه الاصغر الشيخ محمد من التصدر للاقراء في محله اتفق الحال على تقدم المترجم حفظا للناموس وبقاء لصورة العلم الموروث فعند ذلك تزيابزي الفقهاء ولبس التا والفراجة الواسعة واقبل على مطالعة العلم وخالط أهله وصار يطالع ويذاكر وأقرأ دروس الحديث بالمشهد الحسيني في رمضان مع قلة بضاعته وذلك بمعونة الشيخ مصطفى بن الشيخ محمد الفرماوي فكان يطالع الدرس الذي يمليه من الغد ويتلقى عنه مناقشات الطلبة وثبت على ذلك حتى ثبتت المشيخة وتقررت العالمية كل ذلك مع معاناته التجارة وتردد الى الحرمين واثرى واقتن كتبا نفيسة وعروضا وحشما واشترى المماليك والعبيد والجواري والاملاك والالتزام ولم يزل حتى حصلت حوادث الفرنساوية وصادروه وأخذوا منه خمسة عشر الف فرانسة وداخله من ذلك كرب وانفعال زائد فسافر الى بلدة جارية في التزامه يقال لها كوم النجار فأقام بها أشهرا ثم ذهب الى شيبين الكوم بلدة أقاربه وأقام بها الى ان مات في هذه السنة وذلك بعد وفاة أخيه الشيخ محمد بنحو خمسة ايام ودفن هناك رحمه الله تعالى
ومات الامام العلامة الثقة الهمام النحرير الذي ليس له في فضله نظير أبو محمد أحمد بن سلامة الشافعي المعروف بأبي سلامة اشتغل بالعلم وحضر العلوم النقلية والنحوية والمنطقية وتفقه على كثير من علماء الطبقة الاولى كالشيخ علي قايتباي والحفني والبراوي والملوي وغيرهم وتبحر في الاصول والفروع وكان مستحضرا للفروع الفقهية والمسائل الغامضة في المذاهب الاربع ويغوص بذهنه وقياسه في الاصول الغريبة ومطالعة كتب الاصول القديمة التي اهملها المتأخرون وكان الفضلاء يرجعون في ذلك اليه ويعتمدون قوله ويعولون في الدقائق عله الا ان الدهر لم يصافه على

عادته وعاش في خمول وضيق وخشونة ملبس وفقد رفاهية بحيث ان من يراه لا يعرف لرثائه ثيابه وكان مهذبا حسن المعاشرة جميل الخلق والنادرة مطبوعا فيه صلاح وتواضع ونزل مؤقتا في مسجد عبد الرحمن كتخدا الذي أنشأه تجاه باب الفتوح بمعلوم قدره ثمانية انصاف يتعيش بها مع ما برد عليه من بعض الفقهاء والعامة الذين يحتاجون اليه في مراجعة المسائل والفتاوي فلما خرب المسجد المذكور في حادثة الفرنسيس وجهات اوقافه انقطع عنه ذلك المعلوم وكان ذا عائلة ومع ذلك لا يسأل شيأ ولا يظهر فاقة توفي في يوم الاحد حادي عشرين جمادى الآخرة من السنة عن خمس وسبعين سنة تقريبا رحمه الله
ومات الامير مراد بك محمد مات بسهاج قادما الى مصر باستدعاء الفرنسيس ودفن بها عند الشيخ العارف وكان موته رابع شهر الحجة كما تقدم وهو من مماليك محمد بك أبي الذهب ومحمد بك مملوك علي بك وعلي بك مملوك ابراهيم كتخدا الفازدغلي اشترى محمد بك مراد بك المذكور في سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف وذلك في اليوم الذي قتل فيه صالح بك الكبير فاقام في الرق أياما قليل أعقه وأمره وأنعم عليه بالاقطاعات الجليلة وقدمه على أقرانه وتزوج بالست فاطمة زوجة الامير صالح بك وسكن داره العظيمة بخط الكبش
ولما مات علي بك تزوج بسريته ايضا وهي ألست نفيسة الشهيرة الذكر بالخير ولما انفرد محمد بك بأمارة مصر كان هو وابراهيم بك اكبر امرائه المشار اليهما دون غيرهما فلما سافر محمد بك الى الديار الشامية محاربا للظاهر عمر أقام عوضه في امارة مصر ابراهيم بك وأخذ صحبته مراد بك وباقي أمرائه فلما مات محمد بك بعكا اجتمع أمراؤه على رأى مماليكه في رآسه مراد بك فتقدم وقدمه عليهم وحملوا جثة سيدهم وحضروا بأجمعهم الى مصر فاتفق راي الجميع على امارة من استخلفه سيدهم وقدمه دون غيره وهو ابراهيم بك ورضى الجميع بتقدمه ورياسته

لوفور عقله وسكون جاشه فاستقر بمشيخة مصر ورياستها ونائب نوابها ووزرائها وعكف مراد بك علي لذاته وشهواته وقضى أكثر زمانه خارج المدينة مرة بقصره الذي أنشأه بالروضة وأخرى بجزيرة الذهب وأخرى بقصر قايماز جهة العادلية كل ذلك مع مشاركته لابراهيم بك في الاحكام والنقض والإبرام والايراد والاصدار ومقاسمة الاموال والدواوين وتقليد مماليكه وأتباعه الولايات والمناصب واخذ في بذل الاموال وانفاقها على امرائه وأتباعه فانضم اليه بعض امراء على بك وغيرهم ممن مات أسيادهم كعلي بك المعروف بالملط وسليمان بك الشابوري وعبد الرحمن بك عثمان فأكرمهم وواساهم ورخص لمماليكه في هفواتهم وسامحهم في زلاتهم وحظى عنه كل جريء غشوم عسوف ذميم ظلوم فانقلبت أوضاعهم وتبدلت طباعهم وشرهت نفوسهم وعلت رؤسهم فتناظروا وتفاخروا وطمعوا في أستاذهم وشمخت آنافهم عليه وأغاروا حتى على ما في يده واشتهر بالكرم والعطاء فقصده الراغبون وامتدحه الشعراء والغاوون وأخذا الشيء من غير حقه واعطاه لغير مستحقه
ثم لما ضاف عليه المسالك ورأى أن رضا العالم غاية لا تدرك أخذ يتحجب عن الناس فعظم فيه الهاجس والوسواس وكان يغلب على طبعه الخوف والجبن مع التهور والطيش والتورط في الاقدام مع عدم الشجاعة ولم يعهد اليه انه انتصر في حرب باشرها أبدا علىما فيه من الادعاء والغرور والكبر والخيلاء والصلف والظلم والجور
ولما قدم حسن باشا الى مصر وخرج المترجم مع خشداشينه وعشيرته هاربين الى الصعيد حتى انقضت ايام حسن باشا واسمعيل بك ومن كان معه ورجعوا ثانيا بعد أربع سنين وشيء من الشهور من غير عقد ولا حرب تعاظم في نفسه جدا واختص بمساكن اسمعيل بك وجعل اقامته بقصر الجيزة وزاد في بنائه وتنميقه وبنى تحته رصيفا محكما وأنشأ بداخله بستانا عظيما نقل اليه أصناف النخيل والاشجار والكروم واستخلص

غالب بلاد اقليم الجيزة لنفسه شراء ومعاوضة وغصبا وعمر ايضا قصر جزيرة الذهب وجعل بها بستانا عظيما وكذلك قصر ترسا وبستان المجنون وصار يتنقل في تلك القصور والبساتين ويركب للصيد في غالب أوقاته واقتنى المواشي من الابقار والجواميس الحلابة والاغنام المختلفة الاجناس فكان عنده بالجيزة من ذلك شيء كثير جدا وعمل له ترسخانة عظيمة وطلب صناع آلات الحر ب من المدافع والقنابر والبنب والجلل والمكاحل واتخذ بها ايضا معامل البارود خلاف المعامل التي في البلد وأخذ جميع الحدادين والسباكين والنجارين فجمع الحديد المجلوب والرصاص والفحم الحطب حتى شحت جميع هذه الادوات لكونه كان يأخذ كل ما وجده منها وكذلك حطب القرطم والترمس والذرة لحرق قمام الجير والجبس للعمارة وأوقف الاعوان في كل جهة يحجزون المراكب التي تأتي من البلاد بالاحطاب يأخذونها ويجمعونها للطلب ويبيعون لانفسهم ما أحبوا ويأخذون الجعالات على ما يسمحون به أو يطلقونه لاربابه بالوسائط والشفاعات واحضر أناسا من القليونجية ونصارى الاروام وصناع المراكب فانشؤا له عدة حربية وغلايين وجعلوا بها مدافع وآلات حرب على هيئة مراكب الروم صرف عليها أموالا عظيمة ورتب بها عساكر وبحرية وأدر عليهم الجماكي والارزاق الكثيرة وجعل عليهم رئيسا كبيرا رجلا نصرانيا وهو الذي يقال له نقولا بنى له دارا عظيمة بالجيزة وأخرى بمصر وله عزوة وأتباع من نصارى الأروام المرتبين عسكرا وكان نقولا المذكور يركب الخيل ويلبس الملابس الفاخرة ويمشي في شوارع مصر راكبا وامامه وخلفه قواسة يوسعون له الطريق في مروره على هيئة ركوب الامراء كل ذلك خطرات من وساوسه لا يدري أحد لاي شيء هذا الاهتمام ولأي حاجة انفاق هذا المال في الخشب والحديد واعطاؤه لنصارى الاروام واختلفت آراء الناس في ذلك فمن قائل ان ذلك خوفا من خشداشينه وقائل من مخافة العثمانية كما تقدم في قضية حسن باشا والبعض يظن خلاف ذلك

وليس غير الوهم والتخيل الفاسد والخوف شيء وبقيت آلات الحرب جميعها والبارود بحواصله والجلل والبنيات حتى أخذ جميعه الفرنسيس فيقال انه كان بحواصل الترسخانة من جنس الجلل احد عشر ألف جلة كذا نقل عن معلم الترسخانة أخذ جميع ذلك الفرنسيس يوم استيلائهم على الجيزة والقصر
ومما اتفق انه وقعت مشاجرة في بعض نصارى الاروام القليونجية وبعض السوقة بمصر القديمة فتعصب النصارى على أهل البلد وحاربوهم وقتلوا منهم نيفا وعشرين رجلا وانتهت الشكوى الى الامير فطلب كبيرهم فعصى عليه وامتنع من مقابلته وعمر مدافع المراكب ووجهها جهة قصره فلم يسعه الا التغافل وراحت على من راح واستوزر رجلا بربريا وهو المسمى بابراهيم كتخدا السنارى وجعله كتخداه ومشيره وبلغ من العظمة ونفوذ الكلمة باقليم مصر ما لم يبلغه أعظم أمير بها وبنى له دارا بالناصرية واقتنى المماليك الحسان والسرارى البيض والحبوش والخدم وتعلم اللغة التركية والاوضاع الشيطانية واختص ذلك السنارى أيضا ببعض رعاع الناس وجعله كتخدا يأتمر بأمره ويتوصل به أعاظم الناس في قضاء أشغالهم ولما حصل لمراد بك الاقامة بالجيزة واختار السكن بها وزين له شيطانه العزلة عن خشداشينه وأقرانه وترك لابراهيم بك أمر الاحكام والدواوين ومقتضيات نواب السلطنة العثمانية مع كونه لا ينفذ أمرا دون رأيه ومشورته واحتجب هو عن الاجتماع بالناس بالكلية حتى عن الامراء الكبار من أقرانه كان السفير وبينهم وبينهم ابراهيم كتخدا المذكور فكان هو عبارة عنه وربما نقض القضايا التي انبرم أمرها عند ابراهيم بك أو غيره بنفسه او عن لسان مخدومه وأقام المترجم على عزلته بالبر الغربي نحو الست سنوات متوالية لايعدى الى البر الشرقي أبدا ولا يحضر الديوان ولا يتردد الى الاقران واذا حضر الباشا المولى على مصر ووصل الى بر انبابة ركب وسلم عليه مع الامراء ورجع الى قصره

فلا يراه بعد ذلك ابدا وتعاظم في نفسه وتكبر على اقرانه وأبناء جنسه فتزاحمت على سدته الطلاب وتكالبت على جيفته الكلاب فانزوى من نبشهم وتوارى من نهشهم فاذا بلغه قدوم من يختشيه أو وصول من يرتجيه وكان يستحي من رده او يخشى عاقبة صده ركب في الحال وصعد الى الجبال وربما وصلة الغريم على غفلة فيجده قد شمع الفتلة فان صادفه واجتمع عليه اعطاه ما في يديه أو وعده بالخير أو وهبه ملك الغير فما يشعر الميسور الا ولقمته قد اختطفتها النسور
ثم أخذ يعبث بدواوين الاعشار والمكوسات والبهار فيحول عليهم الحوالات ويتابع لمماليكه ختم الوصولات فتجاذب هو وابراهيم بك ذلك الايراد وتعارضت أوراقهما وخافا في المعتاد ثم اصطلحا على أن تكون له الدواوين البحرية ولقسيمه ما يرد من الاصناف الحجازية وما انضاف الى قلم البهار وحسب في دفاتر التجار فانفرد كل منهما بوظيفته وفعل بها من الاجحاف ما سطر في صحيفته فاحدث المترجم ديوانا خاصا بنفر رشيد على الغلال التي تحمل الى بلاد الافرنج وسموه ديوان البدعة وأذن ببيع الغلال لمن يحملها الى بلاد الافرنج أو غيرها وجعل على كل اردب دينارا خلاف البراني والتزم بذلك رجل سراج من أعوانه الموصوفين بالجور وسكن برشيد وبقيت له بها وجاهة وكلمة نافذة فجمع من ذلك اموالا وايرادا عظيما وكانت هذه البدعة السيئة من أعظم اسباب قوة الفرنسيس وطمعهم في الاقليم المصري مع ما أضيف الى ذلك من أخذ أموالهم ونهب تجاراتهم وبضاعاتهم من غير ثمن واقتدى به أمراؤه وتناظروا في ذلك وفعل كل منهم ما وصلت اليه همته واستخرجته فطنته واختص بالسيد محمد كريم الاسكندري ورفع شأنه بين أقرانه فمهد له الامور بالثغر به وأجرى أحكامه به وفتح له باب المصادرات والغرامات ودله على مخبآت الامور وأخذ أموال التجار من المسلمين وأجناس الافرنج حتى تجسمت العداوة بين المصريين والفرنسيس وكان

هو من اعظم الاسباب في تملك الفرنسيس للثغر كما ذكر ذلك في قتلته وذلك انه لما خرجت من مراكب الفرنساوية وعمارتهم لا يدري احد لاي جهة يقصدون تبعهم طائفة الانكليز الى الاسكندرية فلم يجدوهم وكانوا ذهبوا اولا الى جهة مالطه فوقف الانكليز قبالة الاسكندرية وأرسلوا قاصدهم الى الثغر يسالون عن خبر الفرنساوية فردهم المذكور ردا عنيفا فاخبروه الخبر على جليته وانهم اخصامهم وعلموا بخروجهم فاقتفوا أثرهم ونريد منكم أن تعطونا الماء والزاد بثمنه ونقف لهم على ظهر البحر فلا نمكنهم من العبور الى ثغركم فلم يقبل منهم ولم يأذن في تزويدهم فذهبوا ليتزدوا من بعض الثغور فما هو الا أن غابوا في البحر نحو الاربعة أيام الا والفرنسيس قد حضروا وكان ما كان
ومما سولت به نفس المترجم بارشاد بعض الفقهاء عمارة جامع عمرو ابن العاص وهو الجامع العتيق وذلك انه لما خرب هذا الجامع بخراب مدينة الفسطاط وبقيت تلالا وكيمانا وخصوصا ما قرب من ذلك الجامع ولم يبق بها بعض العمار الا ما كان من الاماكن التي على ساحل النيل وخربت في دولة القزدغلية وأيام حسن باشا لما سكنتها عساكره ولم يبق بساحل النيل الا بعض أماكن جهة دار النحاس وفم الخليج يسكنها اتباع الامراء ونصارى المكوس وبها بعض مساجد صغار يصلى بها السواحلية والنواتية وسكان تلك الخطة من القهوجية والباعة والجامع العتيق لا يصل اليه أحد لبعده وحصوله بين الاتربة والكيمان وكان فيما أدركنا الناس يصلون به آخر جمعة في رمضان فتجتمع به الناس على سبيل التسلي من القاهرة ومصر وبولاق وبعض الامراء ايضا والاعيان ويجتمع بصحبته أرباب الملاهي من الحواة والقراداتية وأهل الملاعيب والنساء الراقصات المعروفات بالغوازي فبطل ذلك ايضا من نحو ثلاثين سنة لهدمه وخراب ماحوله وسقوط سقفه واعمدته وميل شقته اليمنى بل وسقوطها بعد ذلك فحسن ببال المترجم هذه وتجديده بارشاد بعض

الفقهاء ليرقع به دينه الخلق فاهتم لذلك وقيد به نديمه الحاج قاسم المعروف بالمصلي فجعله مباشرا على عمارته وصرف عليه اموالا عظيمة أخذها من غير حلها ووضعها في غير محلها وأقام أركانه وشيد بنيانه نصب اعمدته وكمل زخرفته وبني به منارتين وجدد جميع سقفه بالخشب النقي وبيضه جميعه فتم على أحسن ما يكون وفرشه بالحصر الفيومي وعلق به القناديل وحصلت به الجمعية آخر جمعة برمضان سنة اثنتي عشرة ومائتين والف فحضر الامراء والاعيان والمشايخ واكبر الناس وعامتهم وبعد انقضاء الصلاة عقد له الشيخ عبد الله الشرقاوي مجلسا وأملى حديث من بني لله مسجدا وآية انما يعمر مساجد الله وعند فراغه ألبس فروة من السمور وكذلك الخطيب فلما حضرت الفرنساوية في العام القابل جرى عليه ما جرى على غيره من الهدم والتخريب وأخذ أخشابه حتى اصبح بلقعا أشوه مما كان فياليتها لم تتصدق وبالجملة فمناقب المترجم لا تحصى وأوصافه لا تستقصى وهو كان من أعظم الاسباب في خراب الاقليم المصري بما تجدد منه ومن مماليكه واتباعه من الجور والتهور ومسامحته لهم فلعل الهم يزول بزواله
ومات الامير حسن بك الجداوي مملوك علي بك وهو من خشداشين محمد بك أبي الذهب مات بغزة بالطاعون وكان من الشجعان الموصوفين والابطال المعروفين ولما انفرد علي بك بمملكة مصر ولاه امارة جدة فلذلك لقب بالجداوي وذلك سنة اربع وثمانين ومائة والف وابتلى فيها بأمور ظهرت بها شجاعته وعرفت فروسيته ولذلك خير يطول شرحه ولما حصلت الوحشة بين اسمعيل بك والمحمديين كان المترجم ممن نافق معه وعضده هو وخشداشينه رضوان بك وعبد الرحمن بك وكانت لهم الغلبة ونما أمره عند ذلك وظهر شأنه بعد ان كان خمل ذكره وهو الذي تجاسر على قتل يوسف بك في بيته بين مماليكه وعزوته ثم خامر على اسمعيل بك وانقلب مع المحمديين عندما خرج لمحاربتهم بالصعيد فخادعوه وراسلوه

وانضم اليهم بمن معه ورجعوا الى مصر وفر اسمعيل بك بمن معه الى الشام واستقر هو وخداشينه في مملكة مصر مشاركين لهم مظهرين عليهم الشمم طامعين في خلوص الامر لهم متوقعين بهم الفرصة مع التهور الموجب لتحذر الآخرين منهم الى ان استعجلوا اشعال نار الحرب فجرى ما جرى بينهم من الحروب والمحاصرة بالمدينة وانجلت عن خذلانهم وهزيمتهم وظهور المحمديين عليهم وقتل بها عدة من أعيانهم ومواليهم ومن انضم اليهم وربما عوقب من لا جناية له كما سطر ذلك في محله وفر المترجم مع بعض من بقى من عشيرته الى القليونجية فقبض عليه وأتى به اتى مصر ففر الى بولاق بمفرده والتجأ الى بيت الشيخ الدمنهوري فأحاط به العساكر فنط من سطح الدار وخلص الى الزقاق وسيفه مشهور في يده فصادف جنديا فقتله وأخذ فرسه فركبه وفر والعساكر خلفه تريد أخذه وتتلاحق به من كل جهة وهو يراوغهم ويقاتلهم حتى خلص الى بيت ابراهيم بك فأمنه واتفقوا على ارساله الى جدة فلما أقلع به في القلزم أمر رئيس المركب ان يذهب به الى القصير وخوفه القتل ان لم يفعل فذهب به الى القصير فتوجه منها الى اسنا وعلمت به عشيرته وخشداشينه ومماليكه فتلاقوا به واستقر أمرهم بها بعد وقائع يطول شرحها فأقام نيفا وعشر سنين حتى رجع اليهم اسمعيل بك بعد غيبته الطويلة وانضم اليهم واصطلح معهم الى أن كان ما كان من وصول حسن باشا الى الديار المصرية واخراج المحمديين وادخاله للمذكور مع اسمعيل بك ورضوان بك واتباعهم وتأميرهم بمصر واستقرارهم بها بعد رجوع حسن باشا الى بلاده ووقوع الطاعون الذي مات به اسمعيل بك ورضوان بك وغيرهم من الامراء فاستقل بمن بقي من الامراء وفعل معهم من التهور والحمق الشر ما أوجب لهم بغض النعيم والحياة معه وخامر عليه من كان يأمن اليه فلم يسعه ومن معه الا الفرار ورضى ذاك لنفسه بالذل والعار ودخلت المحمديون الى مصر المحميةواستقر هو كما

كان بالجهة القبلي فأقام على ذلك سبع سنين وبعض أشهر الى ان وقعت حادثة الفرنسيس واستولوا على الاقليم المصري وحضرت العساكر بصحبة الوزير يوسف باشا ووقع ما وقع من الصلح ونقضه وانحصر المترجم مع من انحصر بالمدينة من المصرلية والعثمانية فقاتل وجاهد وأبلى بلاء حسنا شهد له بالشجاعة والاقدام كل من العثمانية والفرنساوية والمصرلية فلما انفصل الامر وخرجوا الى الجهة الشامية لم يزل محرصا ومرابطا ومجتهدا حتى مات بالطاعون في هذه السنة وفاز بالشهادتين وقدم على كريم يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم وامراؤه الموجودون الان عثمان بك المعروف بالحسيني واحمد بك امره الوزير عوضا عن استاذه
ومات الامير عثمان بك المعروف بطبل وهو من مماليك اسمعيل بك أمره في سنة اثنتين وتسعين ثم خرج مع سيده وتغرب معه في غيبته الطويلة فلما رجع الى مصر في أيام حسن باشا تولى امارة الحج في سنة خمس ومائتين والف وكان سيده يقدمه على أقرانه ويظن به النجاح ولما طعن وعلم انه مفارق الدنيا أحضره وأوصاه وحذره من اعدائه وقال له اني حصنت لك مصر وسورتها وصيترها بحيث تملكها بنت عمياء فلما مات سيده تشوق للإمارة حسن بك الجداوي وعلي بك الدفتردار فلم يرض كل منهما بالاخر وتخوفا من بعضهما فاتفق رأيهما على تأمير عثمان بك المذكور كبيرا عوضا عن سيده وسكن داره وعقدوا الدواوين عنده فنزل عن امارة الحج لحسن بك تابع حسن بك قصبة رضوان واشتغل هو بأمور الدولة ومشيخة مصر فلم يفلح وخامر مع أخصامه وأخصام سيده والتف عليهم سرا وصدق تمويهاتهم وخذل نفسه ودولته وذلك غيظا من حسن بك كما سبقت اليه الاشارة وكل من حسن بك وعثمان بك الجداوي وعلي بك الدفتردار يتخوف نفاق صاحبه لتكرر ذلك منهما في الوقائع السابقة وانحراف طبع كل عن صداقة الآخر الباطنية ولم

يخطر ببالهما بل ولا ببال أحد من المجانين فضلا عن العقلاء ركون المشار اليه الى أعدائه وأعداء سيده العداوة الموروثة فكانا كلما شرعا في تدبير شيء من مكايد الحرب تبطهما واقعدهما وهما يظنان نصحه ويعتقدان خلوصه ومعرفته ولكونه تعلم سياسة الحروب من سيده لكثرة تجاربه وسياحته ولم يعلما أنه يمهد لنفسه طريقا مع الاعداء الى ان كان ماكان من مساعدته لهم بالتغافل والتقاعد حتى تحولوا الى الجهة الشرقية خلص اليهم بمن انضم اليه من عشيرته فلم يسع الباقين الا الهرب واسلم هو نفسه لاعدائه فأظهروا له المحبة وولوه امارة الحج حكم عهدهم بذلك وأن تكون له امارة الحج ما دام حيا فخرج في تلك السنة اميرا على الحج اعنى سنة ست ومائتين والف وكذلك سنة سبع ونهب الحج في تلك السنة وفر المترجم الى غزة فصودرت زوجاته واقتسمت اقطاعه ورجع بعد حين الى مصر وأهمل أمره واقام بطالا واستمر كآحاد الطائفة من الاجناد ويغدو ويروح اليهم ويرجو رفدهم الى ان حدثت حادثة الفرنسيس فخرج مع من خرج الى الشام ولم يزل هناك حتى مات بالطاعون في السنة المذكورة وكان دائما يقول عند تذكره الدولة والنعيم ذلك تقدير العزيز العليم
ومات الامير عثمان بك المعروف بالشرقاوي وهو من مماليك محمد بك أبي الذهب ايضا الكبار وتأمر في أيامه وعرف بالشرقاوي لكونه تول الشرقية ووقع منه ظلم وجبروت بعد موت أستاذه وصادر كثيرا من الناس في أموالهم ثم انكف عن ذلك وزعم ان ذلك كان باغراء مقدمة فشهره وقتله ولم يزل في امارته حتى مات في الشام بالطاعون
ومات ايوب بك الكبير وهو ايضا من مماليك محمد بك وكان من خيارهم يغلب عليه حب الخير والسكون ويدفع الحق لاربابه وتأمر على الحج وشكرت سيرته واقتنى كتبا نفيسة واستكتب الكثير من المصاحف والكتب بالخطوط المنسوبة وكان لين الجانب مهذب النفس بحب أهل

الفضائل ذا ثروة عزوة وعفة لا يعرف الا الجد ويجتنب الهزل ويلوم ويعترض على خشداشينه في أفعالهم ولا يعجبه سولكهم ولا يهمل حقا توجه عليه واذا ساوم شيئا وقال له البائع هذا بعشرة يقول له بل هو بخمسة مثلا وهذا ثمنها حالا وقد يكون ذلك رأس مالها أو بزيادة قليلة ويرضي البائع بذلك ويقبض الثمن في المجلس وهكذا كان شانه وطريقته
ومات الامير مصطفى بك الكبير وهو ايضا من مماليك محمد بك تولى الصعيد وامارة الحج عدة مرار وكان فظا غليظا متمولا بخيلا شحيحا وفي امارته على الحج ترك زيارة المدينة لخوفه من العرب وشحه بعوائدهم وقلة اعتنائه بشعائر الدين وانتقد ذلك على المصريين من الدولة وغيرها وكان ذلك من أعظم ما اجترحه من القبائح
ومات الامير سليمان بك المعروف بالاغا توفي بأسيوط بالطاعون وهو ايضا من مماليك محمد بك الكبير وهو أخو ابراهيم بك المعروف بالوالي صهر ابراهيم بك الكبير وهو الذي مات غريقا في وقعة الفرنسيس الاولى بانبابة مدبرا فارا فسقط في البحر وغرق وكان هو وأخوه المترجم قبل تقلدهما الصنجقية أحدهما والي الشرطة والآخر آغات مستحفظان فلم يزالا يلقبان بذلك حتى ماتا وكان المترجم محبا لجمع المال وله أفطاع واسعة وخصوصا بجهة قبلي وفي آخر أمره استوطن اسيوط لانها كانت في اقطاعه وبنى بها قصرا عظيما وانشأ بعض بساتين وسواقي واقتنى أبقارا وأغناما كثيرة ومما اتفق له انه جز صوف الاغنام وكانت اكثر من عشرة آلاف ثم وزعه على الفلاحين وسخرهم في غزله بعد أن وزنه عليهم ثم وزعه على القزازين فنسجوه اكسيه ثم جمع التجار وباعه عليهم بزيادة عن السعر الحاضر فبلغ ذلك مبلغا عظيما
ومات الامير قائد أغا وهو من مماليك محمد بك ايضا وكان يلقب أيام كشوفيته بقائد نار لظلمه وتجبره وولى أغات مستحفظان في سنة ثمان

وتسعين ومائة وألف فأخاف العامة وكان يتنكر ويتزيا باشكال مختلفة ويتجسس على الناس وذلك أيام خروج ابراهيم بك الى قبلي ووحشته من مراد بك وانفراد مراد بك بأمارة مصر فلما تصالحا ورجع ابراهيم بك رد الاغاوية لعلي أغا فحنق المترجم لذلك وقلق قلقا عظيما وترامى على الامراء وصار يقول ان لم يردوا لي منصبي قتلت علي أغا او قتلت نفسي فلما حصل منه ذلك عزلوا علي أغا وقلدوا سليم آغا امين البحرين أغاوية مستحفظان ولم يبلغ غرضه ولم ترض نفسه بالخمول وأكثر عنده من الاعوان والاتباع فيحضرون بين يديه الشكاوى والدعاوى ويضرب الناس ويحبسهم ويصادرهم في أموالهم ويركب وبين يديه العدة الوافرة من القواسة والخدم يحملون بين يديه الحراب والقرابين والبنادق وخلفه الكثير من الاجناد والمماليك واتخذ له جلساء وندماء يباسطونه ويضاحكونه ولم يزل كذلك حتى خرج مع عشيرته الى الصعيد عند حضور حسن باشا فاستولى على كثير من حصص الاقطاع فلما رجعوا في أواخر سنة خمس بعد المائتين سكن دار جوهر أغا دار السعادة سابقا بالخرنقش وقد كان مات في الطاعون وتزوج سريته قهرا واستكثر من المماليك والجند وتاقت نفسه للامارة وتشوف الى الصنجقية وسخط على زمانه والامراء الذين لم يلبوا دعوته ولم يبلغوه أمنيته وصارت جلساؤه وندماؤه لا يخاطبونه الا بالامارة ويقولون له يا بك ويكره من يخاطبه بدون ذلك وكان له من الاولاد الذكور اثنا عشر ولدا لصلبه يركبون الخيول ماتوا في حياته وكان له أخ من أقبح خلق الله في الظلم اتخذ له اعوانا واتباعا وليس عنده ما يكفيهم فكان يخطف كل ما مر بخطته بباب الشعرية من قمح وتبن وشعير وغير ذلك ولا يدفع له ثمنا هلك قبله بنحو ست سنين بناحية قبلي وأتوا بجيفته الى مصر مقرفصا ودفن بمدفن أخيه بتربة المجاورين ومن جملة أفاعيله القبيحة انه كان يجر سيفه ويضرب رقاب الحمير ويزعم انه يقطعها في ضربة واحدة ولم يزل المترجم أخوه على حالته حتى خرج

من مصر عند مجيء الفرنسيس وعاد بصحبة عرضي العثملي ومات قاسم بك مع من مات من الامراء والصناجق بالشام فقلده الوزير الصنجيقة فيمن تقلد وأدرك أمنيته فأقام قليلا وهلك فيمن هلك بالطاعون فكان كما قال القائل كالمتمني أن يرى فلقا من الصباح فلما أن رآه عمي
ومات ايضا حسن كاشف المعروف بجركس وهو ايضا من مماليك محمد بك واشراق عثمان بك الشرقاوي وكان من الفراعنة وهو الذي عمر الدار العظيمة بالناصرية وصرف عليها اموالا عظيمة فما هو الا ان تممم بناءها ولم يكمل بياضها حتى وصلت الفرنسيس فسكنها الفلكيون والمدبرون وأهل الحكمة والمهندسون فلذلك صينت من الخراب كما وقع بغيرها من الدور لكون عسكرهم لم يسكنوا بها وتقلد المذكور الصنجقية بالشام ايضا ثم هلك بالطاعون
ومات الامير حسن كتخدا المعروف بالجربان بالشام ايضا وأصله من مماليك حسن بك الازبكاوي وكان ممتهنا في المماليك فسموه بالجربان لذلك فلما قتل استاذه بقى هو لا يملك شيئا فجلس بحانوت جهة الازبكية يبيع فيها تنباكا وصابونا ثم سافر الى المنصورة فأقام بها مدة تحت قصر محمود جربجي ثم رجع الى مصر في أيام دولة علي بك وتنقلت به الاحوال فأنعم عليه علي بك بامرية بناحية قبلي فلما حصلت الوحشة بين علي بك ومحمد بك وخرج محمد بك من مصر الى قبلي خرج اليه المترجم ولاقاه وقدم بين يديه ما كان عنده من الخيام واليرق والخيول وانضم اليه ولم يزل حتى تملك محمد بك واستوزر اسمعيل أغا الجلفي وكان يبغض المترجم لامور بينهما فلم يزل حتى أوغر عليه صدر مخدومه وادى به الحال الى الاقصاء والبعد الى ان انضم الى مراد بك وتقرب منه وكان مفوها لينا مشاركا قد حنكته الايام والتجارب فجعله كتخدا ووزيره واشتهر ذكره وعمر دارا بناحية باب اللوق بالقرب من غيظ الطواشي وصار من الاعيان المعدودين وقصدته ارباب الحاجات واحتجب

في غالب الاوقات واتحد به محمد اغا البارودي فقربه من مراد بك وبلغ الى ما بلغ معه وكان يعترى المترجم مرض شبيه بالصرع ينقطع به اياما عن السعي والركوب ولم يزل حتى مات مع من مات بالشام
ومات الامير قاسم بك المعروف بالموسقو وكان من مماليك ابراهيم بك وكان لين الجانب قليل الاذى الا انه كان شيخا لا يدفع حقا توجه عليه ولما مات خشداشه حسن بك الطحطاوي تزوج بزوجته وشرع في بناء السبيل المجاور لبيته بحارة قوصون بالقرب من الداودية فما قرب اتمامه الا وقد قدمت الفرنسيس لمصر فخربوه وشعثوا بنيانه وخرقوا حيطانه وأخذوا عواميده وبقى على حالته مثل ما فعلوه بدور تلك الخطة وغيرها ومات ايضا المترجم بالشام
ومات علي آغا كتخدا الجاويشية وهو من مماليك الدمياطي ونسب الى محمد بك وأخيه ابراهيم بك ورقاه واختص به وولاه آغات مستحفظان في سنة اثنتين وتسعين ومائة وألف لم يزل الى سنة ثمان وتسعين فخرج مع ابراهيم بك الى المنية عندما تغاضب مع مراد بك فلما تصالحا قلد الاغاوية كما كان فحنق قائد آغا وكان ما كان من عزله وولاية سليم اغا كما سبق الالماع بذلك عند ذكر قائد أغا ثم تقلد كتخدا الجاويشية في سنة ست ومائتين وألف ولم يزل متقلدا ذلك حتىخرج مع من خرج في حادثة الفرنسيس وكان ذا مال وثروة مع مزيد شح وبخل واشترى دار عبد الرحمن كتخدا القازدغلي العظيمة التي بحارة عابدين وسكنها وليس له ن المآثر الا السبيل والكتاب الذي أنشأه بجوار داره الاخرى بدرب الحجر وهو من أحسن المباني وقد حماه الله من تخريب الفرنسيس وهو باق الى يومنا هذا ببهجته ورونقه
ومات الامير يحيى كاشف الكبير وهو من مماليك ابراهيم بك الاقدمين وكان لطيف الطباع حسن الاوضاع وعنده ذوق وتودد عطارديا يحب الرسومات والنقوش والتصاوير والاشكال ودقائق الصناعات والكتب

المشتملة على ذلك مثل كليلة ودمنه والنوادر والامثال واهتم في بناء السبيل المجاور لداره بخطة عابدين فرسم شكله قبل الشروع فيه في قرطاس بمعونة الاسطا حسن الخياط ثم سافر الى الاسكندرية وأحضر ما يحتاجه من الرخام والاعمدة المرمر الكبيرة والصغيرة وأنواع الاخشاب وحفر اساسه واحكم وضعه واستدعى الصناع والمرخمين فتانقوا في صناعته ونقش رخامه على الرسم الذي رسمه لهم كل ذلك بالحفر بالآلات في الرخام وموهوه بالذهب فما هو الا ان ارتفع بنيانه وتشيدت اركانه وظهر للعيان حسن قالبه وكاد يتم ما قصده من حسن مآربه حتى وقعت حادثة الفرنسيس فخرج مع من خرج قبل اتمامه وبقى على حالته الى الآن ولما خرج سكن داره برطلمين واستخرج مخباة بين داره والسبيل فيها ذخائره ومتاعه فاوصلها للفرنسيس
ومات الامير رشوان كاشف وهو من مماليك مراد بك وكان له أقطاع بالفيوم فكان معظم اقامته بها فاحتكر الورد وما يخرج من مائه والخل المتخذ من العنب والخيش واتجر في هذه البضائع بمراده واختياره وتحكم في الاقليم تحكم الملاك في املاكهم وعبيدهم وذلك قوة واقتدار
ومات الامير سليم كاشف باسيوط مطعونا وهو من مماليك عثمان بك المعروف بالجرجاوي من البيوت القديمة وخشداش عبد الرحمن بك عثمان المتوفي في سنة خمس ومائتين وألف بالطاعون الذي مات به اسمعيل بك وخلافه وتزوج ابنته بعد موته وكان ملتزما بحصة من اسيوط وشرق الناصري واستوطن باسيوط وبنى بها دارا عظيمة وعدة دور صغار وانشأ بها عدة بساتين وغرس بها وبشرق الناصري اشجارا كثيرة وعمر عدة قناطر وحفر ترعا وصنع جسورا واسبلة في مفاوز الطرق وانشأ دارا بمصر بالمناخلية بسوق الانماطيين واشترى دارا جليلة كانت لسليمان بك المعروف بابي نبوت بحارة عابدين وعمرها وزخرفها وانشأ باسيوط جامعا عظيما ومكتبا فما هو الا أن أكمل بنيانه حتى قدمت الفرنسيس

فاتخدوه سجنا يسجنون به ثم لما قابل المذكور الفرنسيس وامنوه أخذ في اصلاح ما تشعث من البناء وتقيم العمارة ولم يساعده الوقت اذ ذاك لقلة الاخشاب وآلات البناء فاشتغل بذلك على قدر طاقته فلما فرغ البناء وقارب التمام ولم يبق الا اليسير وقع الطاعون باسيوط فمات والمسجد باق على ما هو عليه الآن وهو من المباني العظيمة المزخرفة على هيئة مساجد مصر وكان المذكور ذا بأس وشدة واقدام وشجاعةوتهور مشابه لحسن بك الجداوي في هذه الفعال وموائده مبسوطة وطعامه مبذول وداره باسيوط مقصدا للوارد والقاصد والصادر من الامراء وغيرهم وله اغداقات وصدقات وانواع من البر ومحبة في العمارة وغراس الاشجار واقتناء الانعام وكان متزوجا بثلاث زوجات احداهن ابنة سيده عثمان بك توفيت بعصمته والثانية ابنة خشداشه عبد الرحمن المذكور آنفا والثالثةزوجة علي كاشف المعروف بجمال الدين وكان ذا بأس وله صولة وظلم وتجاوز على سفك الدماء فبذلك خافته عرب الناحية وأهل القرى وقاتل العرب مرارا وقتل منهم الكثير وبسكناه باسيوط كثرت عمارتها وأمنت طرقها برا وبحرا واستوطنها الكثير من الناس لحمايتهم وعدم صولة احد على أهلها وله مهاداة مع الامراء المصرية وأرباب الحل والعقد بها والمتكلمين عندهم فيرسل اليهم الغلال والعبيد والجوراي السود والطواشية وغير ذلك وله عدة مماليك بيض وسود أعتق كثيرا من جملتهم عزيرتا الامير أحمد كاشف المعروف بالشعراوي رقيق حواشي الطبع مهذب الاخلاق ذو فروسية في ركوب الخيل ومحبة في العلماء واللطفاء وهو من جملة محاسن سيده
ومات كل من الامير باكير بك والامير محمد بك تابع حسين بك كشكش كلاهما بالشام ومات غير هؤلاء ممن لم تحضرني اسماؤهم

واستهلت سنة ست عشرة ومائتين وألف بيوم الخميس
وباستهلالها خف امر الطاعون وفي ليلة الجمعة تلك ارسل عبد العال

الاغا احضر الشيخ محمد الامير ليلا الى منزله فبيته عنده ولما أصبح النهار طلع به الى القلعة وحبسه عند المشايخ بجامع سارية والسبب في ذلك ان ولد الشيخ المذكور كان من جملة من يستحث الناس على قتال الفرنسيس في الواقعة السابقة بمصر فلما انقضت هرب الى جهة بحرىثم حضر بعد مدة الى مصر فأقام اياما ثم رجع الى قوة بأذن من الفرنسيس فلما حصلت هذه الحركة وتحذروا شدة التحذر وآخذوا الناس بأدنى شبهة وتقرب اليهم المنافقون بالتجسس والاغراء ذكر بعضهم ذلك لقائمقام وادخل في مسامعه ان ابن الشيخ المذكور ذهب الى عرضي الوزير والتف عليهم فأرسل قائممقام الى الشيخ قبل تاريخه فلما حضر سأله عن ولده المذكور فأخبره ان مقيم بفوة فقال له لم يكن هناك وانما هو عند القادمين قال له لم يكن ذلك وان شئتم أرسلت اليه بالحضور فقال له ارسل اليه وأحضره فقام من عنده على ذلك وأمهله ثمانية ايام مدة مسافة الذهاب والمجيء ثم خاطبه على لسان وكيل الديوان ايضا بحضوره أو حضور الجواب بعد يومين واعتذر بعدم أمن الطريق فلما انقضى اليومان أمروا عبد العال بطلبه واصعاده الى القلعة ففعل
وفيه حضر جملة من عساكر الفرنساوية من جهة بحري وتواترت الاخبار بوصول القادمين من الانكليز والعثمانية الى الرحمانية وتملكهم القلعة وما بالقرب منها من الحصون الكائنة بالعطف وغيره وذلك يوم السبت خامس عشرين الحجة
وفيه حضرت زوجة سارى عسكر كبير الفرنسيس بصحبة أخيها السيد علي الرشيدي أحد أعضاء الديوان وكان خرج بها من رشيد حين ما ملكها القادمون ونزل بها في مركب وأرسى بها قبالة الرحمانية فلما حصلت واقعة الرحمانية وأخذت قلعتها حضر بها الى مصر بعد مشقة وخوف من العربان وقطاع الطريق وغير ذلك فأقامت هي وأخوها

ببيت الالفي بالازبكية نحو ثلاثة ايام ثم صعدا الى القلعة
وفيه قربت العساكر القادمة من الجهة الشرقية وحضرت طوالعهم الى القليوبية والمنير والخانكة لاخذ الكلف فتأهب قائمقام بليار للقائهم وامر العساكر بالخروج من أول الليل ثم خرج هو في آخر الليل فلما كان يوم الاحد رابعه رجع قائمقام ومن معه ووقع بينه وبينهم مناوشة فلم يثبت الفرنسيس لقلتهم ورجعوا مهزومين وكتموا امرهم ولم يذكروا شيئا
وفي خامسه رفعوا الطلب عن الناس بباقي نصف المليون وأظهروا الرفق بالناس والسرور بهم لعدم قيامهم عند خروجهم للحرب وخلوا البلدة منهم وكانوا يظنون منهم غير ذلك
وفيه أخذت جملة من عدد الطواحين وأصعدت الى القلعة واكثروا من نقل الماء والدقيق والاقوات اليها وكذلك البارود والكبريت والجلل والقنابر والبنب ونقلوا ما في الاسوار والبيوت من الامتعة والفرش والاسرة وحملوه اليها ولم يبقوا بالقلاع الصغار الا مهمات الحرب
وفيه طلبوا الزياتين وألزموهم بمائتي قنطار شيرج وسمروا جملة من حوانيتهم وخرج جماعة من الجزارين لشراء الغنم من القرى القريبة فقبض عليهم عسارك العثمانية القادمة ومنعوهم من العود بالغنم والبقر وكذلك منعوا الفلاحين الذين يجلبون الميرة والاقوات الى المدينة فانقطع الوارد من الجهات البحرية والقليوبية وعزت الاقوات وشحح اللحم والسمن جدا واغلقت حوانيت الجزارين واجتهد الفرنساوية في وضع متاريس خارج البلد من الجهة الشرقية والبحرية وحفروا خنادق وطلبوا الفعلة للعمل فكانوا يقبضون على كل من وجدوه ويسوقونهم للعمل وكذلك فعلوا بجهة القرافة والقوا الاحجار العظيمة والمراكب ببحر انبابة لتمنع المراكب من العبور وابتدؤا المتاريس البحرية من باب الحديد ممدودة الى قنطرة الليمون الى قصر افرنج أحمد الى السبتية

الى مجرى البحر
وفي ثامنه بعث قائمقام بليار فأحضر التجار وعظماء الناس وسالهم عن سبب غلق الحوانيت فقالوا له من وقف الحال والكساد الجلاء والموت فقال لهم من كان موجودا حاضرا فألزموه بفتح حانوته والا فاخبروني عنه ونزلت الحكام فنادت بفتح الحوانيت والبيع والشراء
وفي عاشره شرعوا في هدم جانب من الجيزة من الجهة البحرية وقربت عساكر الانكليز القادمة من البر الغربي الى البلد المسماة بنادر عند رأس ترعة الفرعونية
وفيه تواترت الاخبار بأن العساكر الشرقية وصلت أوائلها الى بنها وطحلا بساحل النيل وان طائفة من الانكليز رجعوا الى جهة الاسكندرية وان الحرب قائم بها وأن الفرنساوية محصورون بداخل الاسكندرية والانكليز ومن معهم من العساكر يحاربون من خارج وهي في غاية المنعة والتحصين وان الانكليز بعد قدومهم وطلوعهم الى البر ومحاربتهم لهم المرات السابقة أطلقوا الحبوس عن المياه السائلة من البحر المالح منه الى الجسر المقطوع حتى سالت المياه وعمت الاراضي المحيطة بالاسكندرية وأغرقت اطيانا كثيرة وبلادا ومزارع وانهم قعدوا في الاماكن التي يمكن الفرنسيس النفوذ منها بحيث انهم قطعوا عليهم الطرق من كل ناحية
وفي ثاني عشرة نزلت امرأة من القلعة بمتاعها واختفت بمصر فأحضر الفرنسيس حكام الشرطة والزموهم باحضارها وهذه المرأة اسمها هوى كانت زوجة لبعض الامراء الكشاف ثم انها خرجت عن طورها وتزوجت نقولا وأقامت معه مدة فلما حدثت هذه الحوادث جمعت ثيابها واحتالت حتى نزلت من القلعة هي على حمار ومتاعها محمول على حمار آخر فنزلت عند بعض العطف واعطت المكارية الاجرة وصرفتهم من خارج

واختف فلما وقع عليها التفتيش وأحضروا المكارية قالوا لانعلم غير المكان الذي أنزلناها به وأعطتنا الاجرة عنده فشددوا على المكارية ومنعوهم من السروح وقبضوا على أهل الحارة وحبسوهم ثم احضروا مشايخ الحارات وشددوا عليهم وعلى سكان الدور واعلموهم انه ان وجدت المرأة في حارة من الحارات ولم يخبروا عنها نهبوا جميع دور الحارة وعاقبوا سكانها فحصل للناس غاية الضجر والقلق بسبب اختفائها وتفتيش أصحاب الشرطة وخصوصا عبد العال فانه كان يتنكر ويلبس زي النساء ويدخل البيوت بحجة التفتيش عليها فيزعج ارباب البيوت والنساء ويأخذ منهن مصالح ومصاغا ويفعل مالا خير فيه ولا يخشى خالقا ولا مخلوقا
وفي خامس عشره قبضوا على ألطون ابي طاقية النصراني القبطي وحبسوه بالقلعة والزموه بمبلغ دراهم تأخرت عليه من حساب البلاد
وفي سادس عشره أفرجوا عن محمد أفندي يوسف ونزل الى بيته وكذلك الشيخ مصطفىالصاوي لمرضه
وفيه انقضت دعوة تهمة الشيخ خليل البكري ومحصلها ان خادم مملوكه ذهب عن لسان المملوك الى بليار قائمقام وأخبره انه وصل الى استاذه الشيخ خليل البكري المذكور فرمان من عرضي الوزير بالامان وكان هذا باغراء عبد العال ليوقعه في الوبال ويحرك عليه الفرنسيس لحزازة بينه وبينه فلما حضر الشيخ خليل على عادته عند قائمقام سأله عن ذلك فجحده فأحضروا الخادم الذي بلغ ذلك فصدق على ذلك واسند الى المملوك سيده فأحضروا المملوك وسألوه فقال نعم فقالوا له وأين الفرمان فقال قرأه وقطعه فقال الفرنساوية وكيف يقطعه هذا دليل الكذب لانه لا يصح أن يتلقاه بالقبول ثم يقطعه فقيل له ومن أتى به قال فلان فألزموا الشيخ بأحضار ذلك الرجل وحبس المملوك عند عبد العال يومين وحضر الرجل فسألوه فجمد ولم يثبت عليه وظهر

كذب الغلام والخادم فعند ذلك طلب الشيخ غلامه فقال قائمقام ان قصاصه في شريعتنا ان يقطع لسانه فتشفع فيه سيده وأخذه بعد أمور وكلام قبيح قاله الغلام في حق سيده
وفيه حضر حسين كاشف اليهودي الى قائمقام واخبره ان الامراء الذين بالصعيد خرجوا عن طاعة الفرنساوية وردوا مكاتبتهم التي أرسلوها لهم بعد موت مراد بك وانهم مروا وتوجهوا الى بحري من البر الغربي وعثمان بك الاشقر ذهب من خلف الجبل الى جهة الشرق فلما حصل ذلك ركب قائمقام وذهب للست نفيسة وأمنها وطيب خاطرها وأخبرها انها في أمان هي وجميع نساء الامراء والكشاف والاجناد ولا مؤاخذة عليهم بما فعله رجالهن
وفي عشرينه توكل رجل قبطي يقال له عبد الله من طرف يعقوب بجمع طائفة من الناس لعمل المتاريس فتعدى على بعض الاعيان وأنزلهم من على دوابهم وعسف وضرب بعض الناس على وجهه حتى أسأل دمه فتشكى الناس من ذلك القبطي وأنهوا شكواهم الى بليار قائمقام فأمر بالقبض على ذلك القبطي وحبسه بالقلعة ثم فردوا على كل حارة رجلين يأتي بهما شيخ الحارة وتدفع لهما اجرة من شيخ الحارة
وفيه وردت الاخبار بان الوزير وصل دجوة
وفي يوم الاثنين سمع عدة مدافع على بعد وقت الضحوة
وفي ذلك اليوم قبل العصر طلبوا مشايخ الديوان فاجتمعوا بالديوان وحضر الوكيل والترجمان وطلبهم للحضور الى قائمقام فلما حصلوا عنده قال لهم على لسان الترجمان نخبركم أن الخصم قد قرب منا ونرجوكم أن تكونوا على عهدكم مع الفرنساوية وأن تنصحوا أهل البلد والرعية بان يكونوا مستمرين على سكونهم وهدوهم ولا يتداخلوا في الشر والشغب فان الرعية بمنزلة الولد وأنتم بمنزلة الوالد والواجب على الوالد نصح ولده وتأديبه وتدريبه على الطريق المستقيم التي يكون

فيها الخير والصلاح فإنهم ان داموا على الهدو حصل لهم الخير ونجوا من كل شر وان حصل منهم خلاف ذلك نزلت عليهم النار وأحرقت دورهم ونهبت أموالهم ومتاعهم ويتمت اولادهم وسبيت نساؤهم والزموا بالأموال والفرد التي لا طاقة لهم بها فقد رأيتم ما حصل في الوقائع السابقة فأحذروا من ذلك فإنهم لا يدرون العاقبة ولا نكلفكم المساعدة لنا ولا المعاونة لحرب عدونا وانما نطلب منكم السكون والهدو لا غير فأجابوه بالسمع والطاعة وقولهم كذلك وقرىء عليهم ورقة بمعنى ذلك وأمروا الاغا واصحاب الشرطة بالمناداة على الناس بذلك وأنهم ربما سمعوا ضرب مدافع جهة الجيزة فلا ينزعجوا من ذلك فانه شنك وعيد لبعض أكابرهم وأن يجتمع من الغد بالديوان الاعيان والتجار وكبار الاخطاط ومشايخ الحارات ويتلى عليهم ذلك فلما كان ضحوة يوم الثلاثاء اجتمعوا كما ذكر وحصلت الوصية والتحذير وانتهى المجلس وذهبوا الى محلاتهم
وفي ذلك اليوم اشيع حضور الوزير الى شلقان وكذلك عساكر الانكليز بالناحية الغربية وصلوا الى أول الوراريق
وفي يوم الجمعة غايته اجتمع المشايخ والوكيل بالديوان على العادة وحضر استوف الخازندار وترجم عنه رفاييل بقوله انه يثنى على كل من القاضي والشيخ اسمعيل الزرقاني باعتنائهما فيما يتعلق بأمر المواريث وبيت المال والمصالح على التركات المختومة لان الفرنساوية لم يبق لهم من الايراد الا ما يتحصل من ذلك والقصد الإعتناء ايضا بأمر البلاد والحصص التي انحلت بموت أربابها فلازم ايضا من المصالحة والحلوان والمهلة في ذلك ثمانية ايام فمن لم يصالح على الالتزام الذي له فيه شبهة في تلك المدة ضبطت حصته ولا يقبل له عذر بعد ذلك واعلموا أن أرض مصر استقر ملكها للفرنساوية فلازم من اعتقادكم ذلك وأركزوه في أذهانكم كما تعتقدون وحدانية الله تعالى ولا يغرنكم هؤلاء القادمون

وقربهم فانه لا يخرج من أيديهم شيء أبدا وهؤلاء الانكليز ناس خوارج حرامية وصناعتهم القاء العداوة والفتن والعثملي مغتربهم فان الفرنساوية كانت من الاحباب الخلص للعثملي فلم يزالوا حتى اوقعوا بينه وبينهم العداوة والشرور وان بلادهم ضيقة وجزيرتهم صغيرة ولو كان بينهم وبين الفرنساوية طريق مسلوك من البر لا تمحى أثرهم ونسى ذكرهم من زمان مديد وتأملوا في شأنهم وأي شيء خرج من أيديهم فإن لهم ثلاثة أشهر من حين طلوعهم الى البر والى الآن لم يصلوا الينا والفرنسيس عند قدومهم وصلوا في ثمانية عشر يوما فلو كان فيهم همة او شجاعة لوصلوا مثل وصولنا وكلام كثير من هذا النمط في معنى ذلك من بحر الغفلة ثم ذكر البكري والسيد احمد الزر وأنه حضر مكتوب من رشيد على يد رجل حناوي لاخر من منية كنانة يذكر فيه أنه حضر الى اسكندرية مراكب وعمارة من فرانسا وان الانكليز رجعت اليهم وان الحرب قائمة بينهم على ظهر البحر فقال الخازندار يمكن ذلك وليس ببعيد ثم نقلوا ذلك الى بليار قائمقام فطلب الرجل الراوي لذلك فأحضر الزرو رجلا شرقاويا حلف لهم انه سمع ذلك بأذنه من الرجل الواصل الى منية كنانة من رشيد

شهر صفر الخير سنة استهل بيوم السبت
وفي ذلك اليوم قبل المغرب مشى عبد العال الاغا وشق في شوارع المدينة وبين يديه منادى يقول الامن والامان على جميع الرعايا وفي غد تضرب مدافع وشنك من الفلا في الساعة الرابعة فلا تخافوا ولا تنزعجوا فانه حضرت بشارة بوصول بونابارته بعمارة عظيمة الى الاسكندرية وان الانكليز رجعوا القهقرى فلما أصبح يوم الاحد في الساعة الرابعة من الشروق ضربت عدة مدافع وتابعوا ضربها من جميع القلاع وصعد أناس الى المنارات ونظروا بالنظارات فشاهدوا عساكر الانكليز بالجهة الغربية وصلوا الى آخر الورايق وأول انبابة ونصبوا

خيامهم أسفل انبابة وعند وصولهم الى مضاربهم ضربوا عدة مدافع فلما سمعها الفرنساوية ضرب الاخرون تلك المدافع التي ذكروا انها شنك وأما العساكر الشرقية فوصلت اوائلهم الى منية الامراء المعروفة بمنية السيرج والمراكب فيما بينها من البرين بكثرة فعند ذلك عزت الاقوات وشبحت زيادة على قلتها وخصوصا السمن والجبن والاشياء المجلوبة من الريف ولم يبق طريق مسلوكة الى المدينة الا من جهة باب القرافة وما يجلب من جهة البساتين من القمح والتبن فيأتي ذلك الى عرضة الغلة بالرميلة ويزدحم عليه النساء والرجال بالمقاطف فيسمع لهم ضجة عظيمة وشح اللحم ايضا وغلا سعره لقلة المواشي والاغنام فوصل سعر الرطل تسعة أنصاف والسمن خمسة وثلاثين نصفا والبصل باربعمائة فضة القنطار والرطل الصابون بثمانين فضة والشيرج عشرين نصفا وأما الزيت فلا يوجد البتة وغلت الابزار جدا واتفق الى قصة غريبة وهو اني احتجت الى بعض أنيسون فأرسلت خادمي الى الابزارية على العادة يشتري لي منه بدرهم فلم يجده وقيل له انه لا يوجد الا عند فلان وهو يبيع الأوقية بثلاثة عشر نصفا ثم اتاني منه باوقيتين بعد جهد في تحصيله فحسب على ذلك سعر الاردب فوجدته يبلغ خمسمائة ريال أو قريبا من ذلك فكان ذلك من النوادر الغريبة
وفي يوم الاثنين ثالثه حصلت الجمعية بالديوان وحضر التجار ومشايخ الحارات والاغا وحضر مكتوب من بليار قائمقام خطابا بالارباب الديوان والحاضرين يذكر فيه أنه حضر اليه مكتوب من كبيرهم منوبا بالاسكندرية صحبة هجانة فرنسيس وصلوا اليهم من طريق البرية مضمونة أنه طيب بخير والاقوات كثيرة عندهم يأتي بها العربان اليهم وبلغهم خبر وصول عمارة مراكب الفرنساوية الى بحر الخزز وانها من قريب تصل الاسكندرية وأن العمارة حاربت بلاد الانكليز واستولت على شقة كبيرة منها فكونوا مطمئنين الخاطر من طرفنا ودوموا على هدوكم

وسكونكم الىآخر ما فيه من التمويهات وكل ذلك لسكون الناس وخوفا من قيامهم في هذه الحالة وكان وصول هذا المكتوب بعد نيف وأربعين يوما من انقطاع اخبار في اسكندرية ولا أصل لذلك
وفي ذلك اليوم قتل عبد العال رجلا ذكروا أنه وجد معه مكتوب من بعض النساء مرسل الى بعض أزواجهن بالعرضي قتل ذلك الرجل بباب زويلة ونودي عليه هذا جزاء من ينقل الاخبار الى العثملي والانكليز
وفيه وصلت العساكر الشرقية الى العادلية وامتد العرضي منها الى قبلي منية السيرج وكذلك الغريبة الى انبابة ونصبوا خيامهم بالبرين والمراكب بينهم في النيل وضربوا عدة مدافع وخرج عدة من الفرنساوية خيالة فترامحوا معهم وأطلقوا بنادق ثم انفصلوا بعد حصة من الليل ورجع كل الى مأمنه واستمر هذا الحال على هذا المنوال يقع بينهم في كل يوم وفي سادسه زحفت العساكر الشرقية حتى قربوا من قبة النصر وسكن ابراهيم بك زاوية الشيخ دمرداش وحضر جماعة من العسكر وأشرفوا على الجزارين من حائط المذبح وطلبوا شيخ الجزارين ووجدوا ثلاثة انفار من الفرنسيس فضربوا عليهم بنادق فأصيب أحدهم في رجله فأخذوه وهرب الاثنان واصيب جزار يهودي ووقع بين الفريقين مضاربة على بعد وقتل بعض قتلى وأسر بعض اسرى ولم يزل الضرب بينهم الى قريب العصر والفرنسيس يرمون من القلعة الظاهرية وقلعة نجم الدين والتل ولا يتباعدون عن حصونهم
وفي سابعه وقعت مضاربة بين الفريقين ببنادق ومدافع من الصباح الى العصر ايضا
وفيه أشبع موت السيد أحمد المحروقي بدجوة وكان مريضا بها وامتنع الوارد من الجهة البحرية بالكلية
وفيه قبضوا على رجل شبه خدام ظنوه جاسوسا فاحضروه عند قائمقام

فسألوه فلم يقر بشيء فضربوه عدة مرار حتى ذهل عقله وصار كالمختل وكرروا عليه الضرب والعقاب وضربوه بالكرابيج على كفوفه ووجهه ورأسه حتى قيل أنهم ضربوه نحو ستة آلاف كرباج وهو على حاله ثم أودعوه الحبس
وفيه اطلقوا محبوسا يقال له الشيخ سليمان حمزة الكاتب وكان محبوسا بالقلعة من مدة اشهر فطلق على مصلحة الفي ريال
وفي ثامنه وقعت مضاربة أيضا بطول النهار ودخل نحو خمسة وعشرين نفرا من عسكر العثمانية الى الحسينة وجلسوا على مساطب القهوة واكلوا كعكا وخبزا وفولا مصلوقا وشربوا قهوة ثم انصرفوا الى مضربهم وأخذ الفرنساوية عسكريا من اتباع محمد باشا والى غزة والقدس المعروف بأبي مرق فحبسوه ببيت قائمقام وأغلقوا في ذلك اليوم باب النصر وباب العدوي
وفيه زحفت عساكر البر الغربي الى تحت الجيزة فحضر في صبحها بنى وأخبر قائمقام فركب من ساعته وعدى الى بر الجيزة فسمع الضرب ايضا من ناحية الجيزة وسمعت طبول الامراء ونقاقيرهم واستمر الامر الى يوم الثلاثاء حادي عشره فبطل الضرب في وقت الزوال ولما حصلوا جهة الجيزة انتشروا الى قبلي منها ومنعوا المعادي من تعدية البر الشرقي فانقطع الجالب من الناحية القبلية أيضا فامتنع وصول الغلال والاقوات والبطيخ والعجور والخضروات والخيار والسمن والجبن والمواشي فعزت الاقوات وغلت الاسعار في الاشياء الموجودة منها جدا واجتمع الناس بعرصة الغلة بالرميلة يريدون شراء الغلة فلم يجدوها فكثر ضجيجهم وخرج الاكثر منهم بمقاطفهم الى جهة البساتين ورجع الباقون من غير شيء فاحضر عبد العال القبانية وألزمهم باحضار السمن وضرب البعض منهم فاحضروا له في يومين أربعة عشر رطلا بعد الجهد في تحصيلها وبيعت الدجاجة بأربعين نصفا وامتنع وجود اللحم

من الاسواق واستمر الامر على ذلك الاربعاء والخميس والمضاربة بين الفريقين ساكنة وأشيع وقوع المسالمة والمراسلة بينهما والمتوسط في ذلك الانكليز وحسين قبطان باشا فانسر الناس وسكن جاشهم لسكون الحرب
وفي ذلك اليوم اغلقوا باب القرافة وباب المجراة ولم يعلم سبب ذلك ثم فتحوهما عند الصباح من يوم الجمعة ورفعوا عشور الغلة
وفي يوم الاثنين سابع عشرة أطلقوا المحبوسين بالقلعة من أسرى العثمانية وأعطوا كل شخص مقطع قماش وخمسة عشر قرشا وأرسلوهم الى عرضي الوزير وكان بلغ بهم الجهد من الخدمة والفعالة وشيل التراب والاحجار وضيق الحبس والجوع ومات الكثير منهم وكذلك أفرجوا عن جملة من العربات والفلاحين
وفي ليلة الاثنين المذكور سمع صوت مدفع بعد الغروب عند قلعة جامع الظاهر خارج الحسينية ثم سمع منها اذان العشاء والفجر فلما أضاء النهار نظر الناس فاذا البيرق العثماني بأعلاها والمسلمون على أسوارها فعلموا بتسليمها وكان ذلك المدفع اشارة الى ذلك ففرح الناس وتحققوا أمر المسالمة وأشيع الافراج عن الرهائن من المشايخ وغيرهم وباقي المحبوسين في الصباح واكثر الفرنساوية من النقل والبيع في أمتعتهم وخيولهم ونحاسهم وجواريهم وعبيدهم وقضاء أشغالهم
وفي ذلك اليوم أنزلوا عدة مدافع من القلعة وكذلك من قلعة باب البرقية وأمتعة وفرش وبارود
وفي يوم الثلاثاء عمل الديوان وحضر الوكيل واعلن بوقوع الصلح والمسالمة ووعد ان في الجلسة الآتية يأتي اليهم فرمان الصلح وما اشتمل عليه من الشروط ويسمعونه جهارا
وفي ذلك اليوم اكثر اهتمام الفرنساوية بنقل الامتعة من القلعة الكبيرة

وباقي القلاع بقوة السعي
وفيه أفرجوا عن محمد جلبي ابي دفية واسمعيل القلق ومحمد شيخ الحارة بباب اللوق والبرنوسي نسيب ابي دفية والشيخ خليل المنبر وآخرين تكملة ثمانية نفار ونزلوا الى بيوتهم
وفيه سافر عثمان بك البرديسي الى الصعيد وعلى يده فرمانات للبلاد بالامن والامان وسوق المراكب بالغلال والاقوات الى مصر ويلاقي سنة آلاف من عسكر الانكليز حضروا من القلزم الى القصير
وفيه شنق الفرنساوية شخصا منهم على شجرة ببركة الازبكية قيل انه سرق
وفيه أرسل الفرنساوية الى الوزير وطلبوا منه جمالا ينقلون عليها متاعهم فأمر لهم بارسال مائتي جمل وقيل اربعمائة مساعدة لهم وفيها من جمال طاهر باشا وابراهيم بك
وفي يوم الخميس عشرينه أفرجوا عن بقية المسجونين والمشايخ وهم شيخ السادات والشيخ الشرقاوي والشيخ الامير والشيخ محمد المهدي وحسن أغا المحتسب ورضوان كاشف الشعرواي وغيرهم فنزلوا الى بيت قائمقام وقابلوه وشكروه فقال للمشايخ ان شئتم اذهبوا فسلموا على الوزير فانى كلمته ووصيته عليكم
وفيه حضر الوزير ومن معه من العساكر الى ناحية شبرا وكذلك الانكليز وصحبتهم قبطان باشا الى الجهة الغربية والعساكر تجاههم ونصبوا الجسر فيما بينهم اعلى البحر وهو من مراكب مرصوصة مثل جسر الجيزة بل يزيد عنه في الاتقان بكونه من الواح في غاية الثخن وله درابزين من الجهتين ايضا وهو عمل الانكليز
وفيه ألصقوا أوراقا بالطرق المكتوبة بالعربي والفرنساوي وفيها شرطان من شروط الصلح التي تتعلق بالعامة ونصها ثم انه أراد الله تعالى بالصلح ما بين عسكر الفرنساوية وعساكر الانكليز وعساكرالعثمانية

ولكن مع هذا الصلح انفسكم واديانكم ومتاعكم ما ا د يقارشكم ورؤوس عساكر الثلاثة جيوش قد اشترطوا بهذا كما ترونه الشرط الثاني عشر كل واحد من أهالي مصر المحروسة من كل ملة كانت الذي يريد ان يسافر مع الفرنساوية يكون مطلق الارادة وبعد سفره كامل ما يبقى عياله ومصالحه ما احد يعارضهم الشرط الثالث عشر لا احد من اهالي مصر المحروسة من كل ملة كانت يكون قلقا من قبل نفسه ولا من قبل متاعه جميع الذين كانوا بخدمة الجمهور الفرنساوي بمدة اقامة الجمهور بمصر ولكن الواجب أن يطيعوا الشريعة ثم يا أهالي مصر وأقاليمها جميع الملل أنتم ناظرون لحد آخر درجة الجمهور الفرنساوي ناظر لكم ولراحتكم فيلزم أنتم ايضا تسلكون في الطريق المستقيمة وتفتكرون ان الله جل جلاله هو الذي يفعل كل شيء وعليه امضاء بليار قائمقام
وفي يوم الجمعة عملوا الديوان وحضر المشايخ والوكيل فقال الوكيل بلغكم بقية الشروط الثلاثة عشر فقالوا لا فأبرز ورقة من كمه بالقلم الفرنساوي فشرع يقرؤها والترجمان يفسرها وهي تتضمن الاحد عشر شرطا الباقية فقال ان الجيش الفرنساوي يلزم أن يخلوا القلاع ومصر ويتوجهوا على البر بمتاعهم الى رشيد وينزلوا في مراكب ويتوجهوا الى بلادهم وهذا الرحيل ينبغي أن يسرع به وأقل ما يكون في خمسين يوما وأن يساق الجيش من طريق مختصر وسر عسكر الانكليز والمساعد يلزم أن يقوما لهم بجميع ما يحتاجونه من نفقة ومؤنة وجمال ومراكب والمحل الذي يبدأ منه السعي يكون بالتراضي بين الجمهور والانكليز والمساعد وكامل الامتعة والاثقال تتوجه من البحر ومعهم جيش من الفرنساوي لاجل الحراسة ولا بد من كون المؤنة التي تترتب لهم كالمؤنة التي كانوا يعطونها هم لجيش الانكليز ورؤسائهم وعلى رؤوساء عساكر الانكليز وحضره العثملي القيام بنفقة الجميع

والحكام المتقيدون بذلك يحضرون لهم المراكب ليسفروهم الى فرانسا من جهة البحر المحيط وان يقدم كل من حضرة العثملي والانكليز اربعة مراكب للعليق والعلف للخيل التي يأخذونها في المراكب وأن يسيروا معهم مراكب للمحافظة عليهم الى أن يصلوا الى فرانسا وان الفرنساوية لا يدخلون مينة الا مينة فرانسا والامناء والوكلاء يقدمون لهم ما يحتاجون اليه نظرا لكفاية عساكرهم والمدبرون والامناء والوكلاء والمهندسون الفرنساوية يستصحبون معهم ما يحتاجونه من أوراقهم وكتبهم ولو التي شروها من مصر وكل من أهل الاقليم المصري أذا أراد التوجه معهم فهو مطلق السراح مع الامن على متاعه وعياله وكذلك من داخل الفرنساوية من أي ملة كانت فلا معارضة له الا ان يجري على أحواله السابقة وجرحى الفرنساوية يتخلفون بمصر ويعالجهم الحكماء وينفق عليهم حضرة العثملي واذا عوفوا توجهوا الى فرانسا بالشروط المتقدم ذكرها وحكام العثملي يتعهدون من بمصر منهم ولا بد من حاكمين من طرف الجيشين يتوجهان بمركبين الى طولون فيرسلون خبرا الى فرانسا ليطلعوا حكامها على الصلح وسائر الرسوم وكل جدال وخصام صدر بين شخصين من الفرنساوية فلا بد أن يقام شخصان حاكمان من الطائفتين ليتكلما في الصلح ولا يقع في ذلك نقض عهد الصلح وعلى كل طائفة معين من العثملي والفرنساوي ان تسلم ما عندها من الاسرى ولا بد من رهائن من كل طائفة واحد كبير يكون عند الطائفة الاخرى حتى يتوصلوا الى فرانسا اه ثم قال الوكيل وقد علمنا بالشروط وما ندري ماذا يكون فقيل له هذه شروط عليها علامة القبول وهذا الصلح رحمة للجميع وسيكون الصلح العام فقال الوكيل اني ارجو ان يكون هذا الصلح الخصوصي مبدأ للصلح العمومي
وفيه كثر خروج الناس ودخولهم من الاتباع والباعة والمتنكرين من نقب البرقية المعروف بالغريب فصار الحرسجية من الفرنساوية يأخذون

من الداخل الخارج دراهم ولا يمنعونهم فلما علم الناس بذلك كثر ازدحامهم فلما أصبحوا منعوهم فدخلوا وخرجوا من باب القرافة فلم يمنعهم الواقفون به من الفرنسيس بل كانوا يفتشون البعض ويمنعون البعض وكل ذلك حذرا من أفعال الطموش وسوء أخلاقهم وتوالد الشر بسببهم وقد دخل بعضهم أكابر الانكليز وصحبتهم فرنساوية يفرجونهم على البلدة والاسواق وكذلك دخل بعض أكابر العثمانية فزاروا قبر الامام الشافعي والمشهد الحسيني والشيخ عبد الوهاب الشعراوي والفرنساوية ينتظرونهم بالباب
وفي ليلة الاثنين رابع عشرينه نادوا في الاسواق برمي مدافع في صبحه وذلك لنقل رمة كلهبر فلا يرتاع الناس من ذلك فلما كان في صبح ذلك اليوم اطلقوا مدافع كثيرة ساعة نبش القبر بالقرب من قصر العيني واخرجوا الصندوق الرصاص الموضوع فيه رمته لياخذوه معهم الى بلادهم
وفيه ارسلوا اوراقا ورسلا للاجتماع بالديوان وهو آخر الدواوين فاجتمع المشايخ والتجار وبعض الوجاقلية واستوف الخازندار والوكيل والترجمان فلما استقر بهم الجلوس أخرج الوكيل كتابا مختوما وأخبر أن ذلك الكتاب من سارى عسكر منو بعث به الى مشايخ الديوان ثم ناوله لرئيس الديوان ففضه وناوله للترجمان فقرأه والحاضرون ويسمعون وصورته بعد البسملة والجلالة والصدر نخبركم أنا علمنا بكثرة الانبساط انكم تهتدون بكثرة الحكمة والانصاف في الموضع الذي أنتم مستمرون فيه وان لم تقدروا لتنظيم أهالي البلد بالهدى والطاعة الموجبة منه لحكومة الفرنساوي فالله تعالى بسعادة رسوله الكريم عليه السلام الدائم ينعم عليكم في الدارين عوض خيراتكم وأخبرنا المقدام الجسور بونابارته المشهور عن كل ما فعلتم حاكما ونافعا بوصايا لاجلكم سارة رضي واستراح لتلك الفعال الجيدة وعرفني ايضا أنه عن قريب

يرسل لكم بذاته جواب جميع مكاتيبكم اليه قدمتم الان بخير الهدى وبقوته تعالى نرى فضائلكم عن قريب ونواجه سكان محروسة مصر كما هو مأمولنا لكن يسركم ان الجمهور المنصور غلب في أقاليم الروم جميع اعدائه وبعون الله هادي كل شيء سيغلب كذلك العدا في مصر واعتمدوا بأكثر الاعتماد على الستويان جيرار هذا الذي وضعناه قربكم لانه هو رجل مشهور بالعدل والاستقامة ونوجه الى هممكم النصيحة الى زوجتنا الكريمة السيدة زبيدة وولدنا العزيز سليمان مراد أن كليهما حالا كائنان في حصننا في مصر الخ وذكر كثيرا من امثال هذه الخرافات والتمويهات ثم اخرج ورقة بالفرنساوي وقرأها بنفسه حتى فرغ منها ثم قرأ ترجمتها بالعربي الترجمان رفاييل ومضمونها حصول الصلح وتمويهات وهلسيات ليس في ذكرها فائدة ولما انتهى من قراءتها ابرز ايضا استوف الخازندار ورقة وقرأها بالفرنساوي ثم قرأ ترجمتها بالعربي الترجمان وهي في معنى الاولى
وركب المشايخ وخرجوا للسلام على الوزير يوسف باشا الذي يقال له الصدر الاعظم والسلام على القادمين معه ايضا من اعيان دولتهم والامراء المصرية وكانوا عزموا على الذهاب في الصباح فعوقوا لبعد الديوان وأما الشيخ السادات فانه خرج للسلام من أول النهار وكتب لهم قائمقام أوراقا للحرسجية لانهم مستمرون على منع الناس من الدخول والخروج وأبواب البلد مغلقة وكان خروجهم من طريق بولاق فلما وصلوا الى العرضي سلموا على ابراهيم بك وتوجه معهم الى الوزير فلما وصلوا الى الصيوان أمروهم برفع الطياسانا التي على أكتافهم وتقدموا للسلام عليه فلم يقم لقدومهم فجلسوا ساعة لطيفة وخرجوا من عنده وسلموا ايضا على محمد باشا المعروف بأبي مرق وعلي المحروقي والسيد عمر مكرم وباتوا تلك الليلة بالعرضي ثم عادوا الى بيوتهم

وفي ثاني يوم عدوا الى البر الغربي وسلموا على قبطان باشا ورجعوا الى منازلهم
وفيه أرسل ابراهيم بك أمانا لاكابر القبط فخرجوا ايضا وسلموا ورجعوا الى دورهم وأما يعقوب فأنه خرج بمتاعه وعازقه وعدي الى الروضة وكذلك جمع اليه عسكر القبط وهرب الكثير منهم واختفى واجتمعت نساؤهم وأهلهم وذهبوا الى قائمقام وبكوا وولولوا وترجوه في ابقائهم عند عيالهم واولادهم فإنهم فقراء وأصحاب صنائع ما بين نجار وبناء وصائغ وغير ذلك فوعدهم انه يرسل الى يعقوب انه لا يقهر منهم من لا يريد الذهاب والسفر معه
وفيه ذهب بليار قائمقام وصحبته ثلاثة انفار من عظماء الفرنسيس الى العرضي وقابلوا الوزير فخلع عليهم وكساهم فراوى سمور ورجعوا
وفي يوم الاربعاء تاسع عشره خرج المسافرون مع الفرنساوية الى الروضة والجيزة بمتاعهم وحريمهم وهم جماعة كثيرة من القبط وتجار الافرنج والمترجمين وبعض مسلمين ممن تداخل معهم وخاف على نفسه بالتخلف وكثير من نصارى الشوام والاروام مثل يني وبرطلمين ويوسف الحموي وعبد العال الاغا ايضا طلق زوجته وباع متاعه وفراشه وما ثقل عليه حمله من طقم وسلاح وغيره فكان اذا باع شيئا يرسل خلف المشتري ويلزمه باحضار ثمنه في الحال قهرا ولم يصحب معه الا ما خف حمل وغلا ثمنه
وفيه حضر وكيل الديوان الى الديوان وأحضر جماعة من التجار وباع لهم فراش المجلس بثمن قدره ستة وثلاثون ألف فضة على ذمة السيد أحمد الزرو
وفي ذلك اليوم ايضا فتحوا باب الجامع الازهر وشرعوا في كنسه وتنظيفه

وفي ذلك اليوم وما بعده دخل بعض الانجليز ومروا بأسواق المدينة يتفرجون وصحبتهم اثنان أو واحد من الفرنسيس يعرفونهم الطرق
وأشيع في ذلك اليوم ارتحال الفرنساوية ونزولهم من القلاع وتسليمهم الحصون من الغد وقت الزوال
فلما أصبح يوم الخميس ومضى وقت الزوال لم يحصل ذلك فاختلفت الروايات فمن الناس من يقول ينزلون يوم الجمعة ومنهم من يقول انهم أخذوا مهلة ليوم الاثنين وبات الناس يسمعون لغط العساكر العثمانية وكلامهم ووطء نعالاتهم فنظروا فاذا الفرنساوية خرجوا بأجمعهم ليلا وأخلوا القلعة الكبيرة وباقي القلاع والحصون والمتاريخ وذهبوا الى الجيزة والروضة وقصر العيني ولم يبق منهم شبح يلوح بالمدينة وبولاق ومصر العتيقة والازبكية ففرح الناس كعادتهم بالقادمين وظنوا فيهم الخير وصاروا يتلقونهم ويسلمون عليهم ويباركون لقدومهم والنساء يلقلقن بالسنتهن من الطيقان وفي الاسواق وقام للناس جلبة وصياح وتجمع الصغار والاطفال كعادتهم ورفعوا اصواتهم بقولهم نصر الله السلطان ونحو ذلك وهؤلاء الداخلون ودخلوا من نقل الغريب المثقوب في السور وتسلقوا ايضا من ناحية العطوف والقرافة وأما باب النصر والعدوى فهما على حالهما مغلوقان لم يأذنوا بفتحهما خوفا من تزاحم العسكر ودخولهم المدينة دفعة واحدة فيقع فيهم الفشل والضرر بالناس وباب الفتوح مسدود بالبناء فلما تضحي النهار حضر قبي قول وفتح باب النصر والعدوى واجلس بهما جماعة من النيكجرية ودخل الكثير من العساكر مشاة وركبانا اجناسا مختلفة ودخلت بلوكات الينكجرية وطافوا بالاسواق ووضعوا نشاناتهم وزنكهم على القهاوى والحوانيت والحمامات فامتعض أهل الاسواق من ذلك وكثر الخبز واللحم والسمن والشيرج بالاسواق وتواجدت البضائع وانحلت الاسعار وكثرت الفاكهة مثل العنب والخوخ والبطيخ وتعاطي بيع غالبها الاتراك والارنؤد

فكانوا يتلقون من يجلبها من الفلاحين بالبحر البر ويشترونها منهم بالاسعار الرخيصة ويبيعونها على أهل المدينة وبولاق بأغلى الاثمان ووصلت مراكب من جهة بحري وفيها البضائع الرومية واليميش من البندق واللوز والجوز والزبيب والتين والزيتون الرومي
فلما كان قبل صلاة الجمعة واذا بجاويشية وعساكر وأغوات وتلا ذلك حضره يوسف باشا الصدر فشق من وسط المدينة وتوجه الى المسجد الحسيني فصلى فيه الجمعة وزار المشهد الحسيني ودعاه حضرة الشيخ السادات الى دره المجاورة للمشهد فأجابه فدخل معه وجلس هنيهة ثم ذهب الى الجامع الازهر فتفرج عليه وطاف بمقصورته وأروقته وجلس ساعة لطيفة وأنعم على الكناسين والخدمة بدراهم وكذلك خدمة المسجد الحسيني ثم ركب راجعا الى وطاقة بناحية الحلي بشاطيء النيل وعملوا في ذلك الوقت شنكا وضربوا مدافع كثيرة من العرضي والقلعة ودخل قلقات الينكجرية وجلسوا برؤوس العطف والحارات وكل طائفة عندها بيرق ونادوا بالامان البيع والشراء وطلب اولئك القلقات من أهل الاخطاط المآكل والمشارب والقهوات والزموهم بذلك وانحاز الفرنساوية الى جهة قصر العيني والروضة والجيزة الى حد قلعة الناصرية وفم الخليج وعليها بنديراتهم ووقف حرسهم عند حدهم يمنعون من يأوى الى جهتهم من العثمانية فلا يمر العثماني الا الى الجهة الموصلة الى بولاق واما اذا كان من اهل البلد فيمر حيث أراد وفي مدة اقامة المشار اليه بساحل الحلى ببولاق خرب عساكره ما قرب منهم من الابنية والسواقي والمتريز الذي صنعه الفرنساوية من حد باب الحديد الى البحر وأخذوا ما بذلك من الافلاق الكثيرة المتهدمة والأخشاب المنجرة المرصوصة فوق المتريز وتحته وفي الخندق فخربوا ذلك جميعه في هذه المدة القليلة وذلك لاجل وجود النار والمطابخ
وفي يوم السبت دخل قبي قول وهو المسمى عند المصريين كتخدا

الينكجرية وشق المدينة وأمر بمحو نشانات الانكشارية من الحوانيت ولم يترك الا القهاوي

واستهل شهر ربيع الاول بيوم الاحد سنة
فيه ركب أغات الينكجرية الكبير العثملي وشق المدينة وخلفه سليم آغا المصري ودخل الكثير من العساكر والاجنادالمصرية بمتاعهم وعازقهم واحمالهم وطلبوا البيوت وسكنوها ودخل محمد باشا المعروف بأبي مرق الغزي وهو المرشح لولاية مصر وسكن ببيت الهياتم بالقرب من مشهد الاستاذ الحنفي وأرسل الى المشايخ وكبار الحارات وطلب منهم التعريف عن البيوت الخالية بالاخطاط
وفي يوم الثلاثاء ثالثه حضر حسين باشا القبطان من الجيزة ودخل المدينة وتوجه الى المشهد الحسيني فزاره وذبح به خمس جواميس وسبعة كباش واقتسمتها خدمة الضريح وحلق تاج المقام باربعةشيلان كشميري وأخذ قياس المقام ليصنع له سترا جديدا وفرق عليهم وعلى الفقراء نحو ألفي محبوب ذهب اسلامبولي
وفي ذلك اليوم وقعت حادثة وهو أن شخصا من العسكر بالجمالية شرب من العرقسوسي شربة عرقسوس ولم يدفع له ثمنها فكلم العرقسوسي القلق الانكشاري فأحضره وأمره بدفع ثمنها ونهره وأراد ضربه فاستل ذلك العسكري الطبنجة وضرب ذلك الحاكم فقتله وهرب الى حارة الجوانية ودخل الى دار وامتنع فيها وصار يضرب بالرصاص على كل من قصده فقتل خمسة أنفار ومر شخصان من الارنؤد بتلك الخطة فقتلهما الانكشارية لكون الغريم أرنؤديا من جنسهما فلما أعياهم أمره حرقوا عليه الدار فخرج هاربا من النار فقبضوا عليه وقتلوه ومات تسعة أشخاص في شربة عرقسوس
ووقع في ذلك اليوم ايضا ان شخصين من القليونجية دخلا الى دار رجل نصراني فأخذا من بيته بقعتين من الثياب وخرجا فوجدا شخصين

مارين من الفلاحين فسخراهما في حمل البقجتين فخرج النصراني وشكا الى القلق فأمر بالقبض على الشخصين العسكريين فتخلصا وهربا بعد ان انجرح احدهما واخذوا الشخصين المسخرين فقطعوا رؤسهما ظلما وعدوانا وذلك من مبادي قبائحهم
وفي يوم الاربعاء رابعه ارتحل الفرنساوية واخلوا قصر العيني والروضة والجيزة وانحدروا الى بحري الوراريق وارتحل معهم قبطان باشا ومعظم الانكليز ونحو الخمسة آلاف من عسكر الارنؤد ومن الامراء المصرية عثمان بك الاشقر ومراد الصغير واحمد بك الكلارجي واحمد بك حسن فكانت مدة الفرنساوية وتحكمهم بالديار المصرية ثلاث سنوات واحدا وعشرين يوما فأنهم ملكوا برانبابة والجيزة وكسرو الامراء المصرية يوم السبت تاسع شهر صفر سنة ثلاث عشرة ومائتين وألف وكان انتقالهم ونزولهم من القلاع وخلو المدينة منهم وانخلاعهم عن التصرف والتحكم ليلة الجمعة الحادي والعشرين من شهر صفر سنة ست عشرة ومائتين وألف فسبحان من لا يزول ملكه ولا يتحول سلطانه
وفي ذلك اليوم حضر السيد عمر افندي نقيب الاشراف وصحبته السيد أحمد المحروقي شاه بندر التجار بمصر وعليهما خلعتا سمور وتوجها الى دورهما
وفيه نبهوا على موكب حضرة الوزير يوسف باشا من الغد فلما أصبح يوم الخميس خامسه اجتمع الناس من جميع الطوائف وسائر الاجناس وهرع الناس للفرجة وخرجت البنت من خدرها واكتروا الدور المطلة على الشارع باغلى الاثمان وجلس الناس على السفائف والحوانيت صفوفا وانجر الموكب من اول النهار الى قريب الظهر ودخل من باب النصر وشق من وسط المدينة وأمامه العساكر المختلفة من الارنؤد وارط الينكجرية والعساكر الشامية والامراء المصرلية والمغاربة والقليونجية وطاهر باشا باشة الارنؤد وابراهيم باشا والي حلب ومحمد باشا والي

مصر الكتبة ورئيس الكتاب وكتخدا الدولة والاغوات الكبار بالطبول والنقرزانات وقاضي العسكر ونواب القضاء والعلماء المصرية ومشايخ التكايا والدراويش واقبل المشار اليه وأمامه الملازمون بالبراقع والجاويشية والسعاة والجوخدارية وعليه كرك صوف سنجاني مطرز مخبش وعلى رأسه شلنج بفصوص الماس وخلفه اثنان عن يمينه وشماله ينثرون دراهم الفضة البيضاء ضربخانة اسلامبول على المتفرجين من النساء والرجال وخلفه ايضا العدة الوافرة من أكابر اتابعه وبعدهم الكثير من عسكر الارنؤد وموكب الخازندار وخلفه النوبة التركية المختصة به ثم المدافع وعربات الجبخانات وعملوا وقت الموكب شنكا ضربوا فيه مدافع كثيرة فكان ذلك اليوم يوما مشهودا وموسما وبهجة وعيدا عمت المسلمين فيه المسرات ونزلت في قلوب الكافرين الحسرات ودقت البشائر وقرت النواظر وأمروا بوقود المنارات سبع ليال متواليات فلله الحمد والمنة على هذه النعمة ونرجو من فضله أن يصلح فساد القلوب ويوفق أولي الامر للخير والعدل المطلوب ويلهمهم سلوك سواء السبيل القويم ويهديهم الى الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين آمين وممن قدم بصحبة ركاب المشار اليه من أكابر دولتهم ابراهيم باشا والي حلب وابراهيم باشا المعروف بأبي مرق وخليل أفندي الرجائي الدفتر دار ومحمود أفندي رئيس الكتاب وشريف أغا نزله أمين ومحمد أغا جيجي باشا الشهير بطوسون ووقع الاختيار بأن يكون سكن المشار اليه ببيت رشوان بك بحارة عابدين تجاه بيت عبد الرحمن كتخدا القازدغلي
وفي يوم الجمعة نودي بابطال كلف القلفات وابطال شرك العسكر لارباب الحرف الا من شارك برضاه وسماحة نفسه فلم يمتثلوا لذلك واستمر أكثرهم على الطلب من الناس
وفي يوم الاحد نودي بأن لا أحد يتعرض بالاذية لنصراني ولا

يهودي سواء كان قبطيا او روميا او شاميا فانهم من رعايا السلطان والماضي لا يعاد والعجيب ان بعض نصارى الاروام الذين كانوا بعسكر الفرنسيس تزيوا بزي العثمانية وتسلحوا بالاسلحة واليطقانات ودخلوا في ضمنهم وشمخوا باآنافهم وتعرضوا بالاذية للمسلمين في الطرقات بالضرب والسب باللغة التركية ويقولون في ضمن سبهم للمسلم فرنسيس كافر ولا يميزهم الا الفطن الحاذق أو يكون له بهم معرفة سابقة
وفيه ارسلوا هجانا الى الحجاز ومعه فرمان بخبر الفتح والنصر وارتجال الفرنساوية من ارض مصر ودخول العثمانية ومكاتبات من التجار لشركائهم بارسال المتاجر الى مصر
وفيه ارسلوا فرمانا ايضا الى الاقاليم المصرية والقرى بعدم دفع المال الى الملتزمين ولا يدفعون شيا الا بفرمان من الوزير
وفي يوم الاثنين قتلوا شخصا بالرميلة يسمى حجاجا كان متولى الاحكام ببولاق أيام الفرنسيس وجار وعسف وقتل معه آخر يقال انه أخوه
وفيه ايضا اشخاصا بالازبكية وجهات مصر
وفيه ركب الوزير بثياب التخفيف وشق المدينة وتامل في الاسواق وأمر بمنع العسكر من الجلوس على حوانيت الباعة وأرباب الصنائع ومشاركتهم في ارزاقهم ثم توجه الى المشهد الحسيني فزاره ثم عبر الى دار السيد أحمد المحروقي وشرفه دبخوله اليه فجلس ساعة ثم ركب وأعطى أتباعه عشرين دينارا وذكر له أنه إنما قصد بحضوره إليه تشريفه وتشريف أقرانه وتكون له منقبة وذلك على ممر الازمان وأما العسكر فلم يمتثلوا ذلك الامر الا اياما قليلة ووقع بسبب ذلك شكاوي ومشاكلات ومرافعات عند العظماء
وفي يوم الثلاثاء وصل قاصد من دار السلطنة وعلى يده شال شريف من حضرة الهنكار السلطان سليم خان خطابا لحضرة الوزير ومعه خنجر

مرصع بفصوص الماس وهو جواب عن رسالته بدخوله بلبيس
وفيه نودى بتزيين الاسواق من العد تعظيما ليوم المولد النبوي الشريف فلما اصبح يوم الاربعاء كررت المناداة والامر بالكنس والرش فحصل الاعتناء وبدل الناس جهدهم وزينوا حوانيتهم بالشقق الحرير والزردخان والتفاصيل الهندية مع تخوفهم من العسكر وركب المشار اليه عصر ذلك اليوم وشق المدينة وشاهد الشوارع وعند المساء أوقدوا المصابيح والشموع ومنارات المساجد وحصل الجمع بتكية الكلشني على العادة وتردد الناس ليلا للفرجة وعملوا مغاني ومزامير في عدة جهات وقراءة قرآن وضجت الصغار في الاسواق وعم ذلك سائر اخطاط المدينة العامرة ومصر وبولاق وكان من المعتاد القديم أن لا يعتني بذلك الا بجهة الازبكية حيث سكن الشيخ البكري لان عمل المولد من وظائفه وبولاق فقط
وفي يوم الخميس ثاني عشره سافر سليمان أغا وكيل دار السعادة وصحبته عدة هجانة الى ناحية الشام لاحضار المحمل الشريف وحريمات الامراء الى مصر
وفيه افتتحوا ديوان مزاد الاعشار والمكوس وذلك ببيت الدفتردار ولله الامر من قبل ومن بعد
وفيه حضر اليسرجي الذي جلب مملوك الشيخ البكري الذي تقدم ذكره الى بيت القاضي واحضرو الشيخ خليلا البكري وادعى عليه انه قهره في أخذ المملوك بالفرنسيس وأخذه منه بدون القيمة وانه ان أحضره على ذمة مراد بك وطال بينهما النزاع وآل الامر بينهما الى انتزاع المملوك من المذكور وقد كان أعتقه وعقد له عل ابنته فأبطلوا العتق وفسخوا النكاح وأخذ المملوك عثمان بك الطنبرجي المرادي ودفع للشيخ دراهمه ولجلابة باقي الثمن وتجرع فراقه
وفي يوم الجمعة ركب الوزير وحضر الى الجامع الازهر وصلى به

الجمعة وخلع علي الخطيب فرجيه صوف وفي ذلك اليوم احترق جامع قايتباي الكائن بالروضة المعروف بجامع السيوطي والسبب في ذلك ان الفرنسيس كانوا يصنعون البارود بالجنينة المجاورة للجامع فجعلوا ذلك الجامع مخزنا لما يصنعونه فبقى ذلك بالمسجد وذهب الفرنسيس وتركوه كما هووجانب كبريت في انخاخ ايضا فدخل رجل فلاح ومعه غلام وبيده قصبة يشرب بها الدخان وكأنه فتح ماعونا من ظروف البارود ليأخذ منه شيئا ونسي المسكين القصبة بيده فأصابت البارود فاشتعل جميعه وخرج له صوت هائل ودخان عظيم واحترق المسجد واستمرت النار في سقفه بطول النهار واحترق الرجل والغلام
وفي يوم الاحد خامس عشره اشيع بانه كتب فرمان على النصارى انهم لا يلبسون الملونات ويقتصرون على لبس الازرق والاسود فقط فبمجرد الاشاعة وسماع ذلك ترصد جماعة القلقات لمن يمر عليهم من النصارى ومن لم يجدوه بثياب ملونة يأخذوا طربوشه ومداسه الاحمر ويتركوا له الطاقية والشد الازرق وليس القصد من اولئك القلقات الانتصار للدين بل استغناء السلب واخذ الثياب ثم ان النصارى صرخوا الى عظمائهم فأنهوا شكواهم فنودي بعدم التعرض لهم وان كل فريق يمشي على طريقته المعتادة
وفي يوم لاثنين طلب الوزير من التجار مائة كيس وعشرة اكياس سلفة من عشور البهار والزمهم باحضارها من الغد فاجتمع المستعدون لجمع الفردة في أيام الفرنساوية كالسيد أحمد الزرو وكاتب البهار وأرادوا توزيعها على المحترفين كعادتهم فاجتمع أرباب الحرف الدنيئة وذهبوا الى بيت الوزير والدفتردار واستغاثوا وبكوا فرفعوا عنهم الطلب وألزموا بها المياسير
وفيه قلدوا محمد آغا تابع قاسم بك موسقو الابراهيمي وجعلوه واليا عوضا عن علي آغا الشعراوي

وفي ثامن عشرينه الموافق لثالث مسرى القبطي كان وفاء النيل المبارك وركب محمد باشا المعروف بأبي مرق المرشح لولاية مصر في صبحها الى قنطرة السد وكسروا جسر الخليج بحضرته وفرق العوائد وخلع الخلع ونثر الذهب والفضة
وفيه عزل الوزير القاضي وهو قاضي العرضي الذي كان ولاه الوزير قاضي العسكر بمصر نائبا عمن يؤل اليه القضاء باسلامبول فلما تولى ذلك حصل منه تعنت في الاحكام وطمع فاحش وضيق على نواب القضاء بالمحاكم ومنعهم من سماع الدعاوي ولم يجرهم على عوائدهم وأراد ان يفتح بابا في الاملاك والعقار ويقول انها صارت كلها ملكا للسلطان لان مصر قد ملكها الحربيون وبفتحها صارت ملكا للسلطان فيحتاج أن أربابها يشترونها من الميري ثانيا ووقع بينه وبين الفقهاء المصرية مباحثات ومناقشات وفتاوي وظهروا عليه ثم تحامل عليه بعض أهل الدولة وشكوه الى الوزير فعزله وقلد مكانه قدسي افندي نقيب الاشراف بحلب سابقا ونقل المعزول متاعه من المحكمة فكانت مدة ولايته خمسة عشر يوما
وفي ذلك اليوم ايضا خلع الوزير على الامير محمد بك الالفي فروة سمور وقلده امارة الصعيد وليرسل المال والغلال ويضبط مواريث من مات بالصعيد بالطاعون فبرز خيامه من يومه الى ناحية الآثار وأسكن داره بالازبكية رئيس افندي
وفي يوم الجمعة حضر الوزير الى جامع المؤيد وصلى به الجمعة
وفيه قبضوا على عرفة بن المسرى وحبس ببيت الوزير بسبب أخيه ابراهيم كان شيخ مرجوش وتقيد بقبض فردة الفرنسيس ثم ذهب الى المحلة وتوفي بها فغمزوا على أخيه عرفة المذكور وقبضوا عليه وحبسوه وأرسلوا فرمانا الى المحلة بضبط ماله وما يتعلق به وبأخيه عند شركائهما ثم نهبوا ببيت المذكور

وفي يوم الثلاثاء رابع عشرينه طلبت ابنة الشيخ البكري وكانت ممن تبرج مع الفرنسيس بمعينين من طرف الوزير فحضروا الى دار أمها بالجودرية بعد المغرب وأحضروها ووالدها فسألوها عما كانت تفعله فقالت اني تبت من ذلك فقالوا لوالدها ما تقول أنت فقال أقول اني بريء منها فكسروا رقبتها وكذلك المرأة التي تسمى هوى التي كانت تزوجت نقولا القبطان ثم اقامت بالقلعة وهربت بمتاعها وطلبها الفرنساوية وفتش عليها عبد العال وهجم بسببها عدة أماكن كما تقدم ذكر ذلك فلما دخلت المسلمون وحضر زوجها مع من حضر وهو اسمعيل كاشف المعروف بالشامي أمنها وطمنها وأقامت معه أياما فأستأذن الوزير في قتلها فأذنه فخنقها في ذلك اليوم ايضا ومعهاجاريتها البيضاء أم ولده وقتلوا ايضا امرأتين من اشباههن
وفي يوم الاربعاء أرسلوا طائفة معينين من طرف محمد باشا أبي مرق الى أخي الشواربي شيخ قليوب فأحضروه على غير صورة ماشيا مكتوفا مسحوبا مضروبا من قليوب الى مصر فحبسوه ببيت الوزير ثم حضر أخوه وصالح عليه بعشرة أكياس قام بدفعها وأطلق قيل ان السبب في ذلك ان جماعة من اتباع محمد باشا ذهبوا الى قليوب وطلبوا تبنا فطردهم الساكن وأعطاهم دراهم ذهبوا عنه وتركوه وان عاند سبوه وضربوه وشتمهم وردهم من غير شيء وقيل ان ذلك باغراء ابن المحروقي لضغين بينه وبينهم قديم
وفي آخره تحرر ديوان العشور فكان المتحصل ستة عشر ألف كيس
وفيه تشاجر طائفة من الينكجرية مع طائفة من الانكليز بالجيزة وقتل بينهما أشخاص فنودى على الينكجرية ومنعوا من التعدى الى بر الجيزة
وفيه كثر اشتغال طائفة العسكر بالبيع والشراء في اصناف المأكولات وتسلطوا على الناس بطلب الكلف ورتبوا على السوقة وأرباب الحوانيت دراهم يأخذونها منهم في كل يوم ويأخذون من لخابز الخبز من غير ثمن وكذلك

يشربون القهوة من القهاوي ويحتكرون ما يريدون من الاصناف ويبيعونها بأغلى الاثمان ولا يسرى عليهم حكم المحتسب وكذلك تسلطوا على الناس بالاذية بأدنى سبب وتعرضوا للسكان في منازلهم فتأتي منهم الطائفة ويدخلون الدار ويأمرون أهلها بالخروج ليسكنوها فإن لاطفهم الساكن واعطاهم دراهم ذهبوا عنهم وتركوه وان عاند سبوه وضربوه ولو عظيما وان شكا الى كبيرهم قوبل بالتبكيت ويقال له ألا تفسحون لاخوانكم المجاهدين الذين حاربوا عنكم وانقذوكم من الكفار الذين كانوا يسومونكم سوء العذاب ويأخذون أموالكم ويفجرون بنسائكم وينهبون بيوتكم وهم ضيوفكم أياما قليلة فما يسع المسكين الا ان يكلفهم بما قدر عليه وان أسعفته العناية وانصرفوا عنه باي وجه فيأتي اليه خلافهم وان سكنوا دارا أخربوها وأما الفلقات والينكجرية الذين تقيدوا بحارات النصارى فانهم كلفوهم اضعاف ما كلفوا به المسلمين ويطلبون منهم بعد كلف المأكل واللوازم مصروف الجيب وأجرة الحمام وغير ذلك وتسلطت عليهم المسلمون بالدعاوى والشكاوى على أيدي أولئك القلقات فيخلصون منهم ما لزمهم بأدنى شبهة ولا يعطون المدعي الا القليل من ذلك والمدعي يكتفي بما حصل له من التشفي والظفر بعدوه واذا تداعي شخص على شخص أو أمرأة مع زوجها ذهب معهم اتباع القلق الى المحكمة ان كانت الدعوى شرعية فاذا تمت الدعوى أخذ القاضي محصولة ويأخذ مثله اتباع القلق على قدر تحمل الدعوى

واستهل شهر ربيع الثاني بيوم الثلاثاء سنة
فيه افرج عن عرفة بن المسيري وصولح عليه بخمسة عشر كيسا وكتب له فرمان برد منهوباته وعدم التعرض لتعلقاته بالمحلة
وفي يوم الاربعاء ثانيه أمر الوزير الوجاقلية بلبس القواويق على عادتهم القديمة فأخبروا ابراهيم بك فقال الامر عام لنا ولكم أولكم فقط فقالوا لا ندرى فسأل ابراهيم بك الوزير المشار اليه فقال له بل ذلك عام فلما كان يوم الجمعة حادي عشره لبس الوجاقلية والامراء المصرية

زيهم من القواويق المختلفة الاشكال على عادتهم القديمة حسب الامر بذلك وكذلك الامراء الصناجق وحضروا في يوم الجمعة بديوان الوزير ونظر اليهم وأعجب بهيآتهم واستحسن زيهم ودعا لهم واثنى عليهم وأمرهم أن يستمروا على هيئتهم وذلك على ما هم فيه من التفليس وغالبهم لا يملك عشاء ليلته فضلا عن كونه يقتني حصانا وشنشارا وخدما ولوازم لا بد منها ولا غنى للمظهر عنها
وفيه حضرت جماعة من عسكر القبط الذين كانوا ذهبوا بصحبة الفرنساوية فتخلفوا عنهم ورجعوا الى مصر
وفيه أرسلوا تنابيه للملتزمين بطلب بواقي مال سنة ثلاث عشرة واربع عشرة فأعتذروا بأنهم ممنوعون من التصرف فمن اين يدفعون البواقي
وفي يوم الخميس نبهوا على العساكر المتداخلة في الينكجرية وغيرهم بالسفر
وفيه كتبت فرمانات باللغة العربية بترصيف صاحبنا العلامة السيد اسمعيل الوهبي المعروف بالخشاب وأرسلت الى البلاد الشرقية والمنوفية والغربية مضمونها الكف عن أذية النصارى واليهود أهل الذمة وعدم التعرض لهم وفي ضمنه آيات قرآنية وأحاديث نبوية والاعتذار عنهم بان الحامل لهم على تداخلهم مع الفرنساوية صيانة اعراضهم وأموالهم
وفي يوم الجمعة احضروا رمة زوجة ابراهيم بك عملوا لها قبرا بجانب أخيها محمد بك أبي الذهب بمدرسته المقابلة للجامع الازهر ودفنوها به
وفي يوم السبت خامسه ورد الخبر بوفاة احمد بك حسن أحد الامراء الذين توجهوا صحبة حسين باشا القبطان والفرنساوية وكان القبطان وجهه الى عرب الهنادي الذين يحملون الميرة الى الفرنسيس المحصورين بأسكندرية وضم اليه عدة من العسكر فحاربهم وقاتلهم عدة مرار فأصابته رصاصة دخلت في جوفه فرجع الى مخيمه ومات من

ليلته وكان يضاهي سيده في الشجاعة والفروسية
وفيه اطلعوا للملتزمين التصرف في سنة خمس عشرة ليقضوا ما لهم وما عليهم من البواقي ومال الميري والمضاف ويدفعوا جميع ذلك الى الخزينة بأوراق مختومة من ابراهيم بك وعثمان بك والقصد من ذلك اطمئنانهم بالجباية والرجاء بالتصرف في المستقبل ووعدهم بذلك سنة تاريخه بعد دفعهم الحلوان مع ان الفرنساوية لما استقر أمرهم بمصر ونظروا في الاموال الميرية والخراج فوجدوا ولاة الامور يقبضون سنة معجلة ونظروا في الدفاتر القديمة واطلعوا على العوائد السالفة ورأوا ذلك كان يقبض أثلاثا مع المراعاة في ري الاراضي وعدمه فاختاروا والاصلح في أسباب العمار وقالوا ليس من الانصاف المطالبة بالخراج قبل الزراعة بسنة واهملوا وتركوا سنة خمس عشرة فلم يطالبوا الملتزمين بالاموال الميرية ولا الفلاحين بالخراج فتنفست الفلاحون وراج حالهم وتراجعت ارواحهم مع عدم تكليفهم كثرة المغارم والكلف وحق طرق المعينين ونحو ذلك
وفي يوم الثلاثاء ثامنه وصلت قافلة شامية وبها بضائع وصابون ودخان وحضر السيد بدر الدين المقدسي والحاج سعودي الحناوي وآخرون وتراجع سعر الصابون والقناديل الخليلي والدخان
وفيه ورد الخبر بسفر الفرنساوية ونزولهم المراكب من ساحل أبي قير
وفي يوم الاحد حبس حسن آغا محرم المنفصل عن الحسبة وطولب بمائتي كيس وذلك معتاد الحسبة في الثلاث سنوات التي تولاها أيام الفرنساوية فانه لما تقلد أمر الحسبة في أيامهم منعوه من أخذ العوائد والمشاهرات من السوقة وجعلوا له مرتبا في كل يوم يأخذه من الاموال الديوانية نظير خدمته وكذلك أتباعه وطالبوه ايضا بأربعة آلاف قرش كان اعطاها له نزله امين عند حضورهم في العام الماضي لمشتروات الذخيرة ثم نقض الصلح عقيب ذلك وخرجوا من مصر وبقيت بذمته فأخبر أن

الفرنساوية علموا بها وأخذوها منه واعطوه ورقة بوصول ذلك اليهم فلم يقبلوا منه ذلك وبقي معتقلا وادعوا عليه ايضا بتركة الاغا الذي كان نزيله ومات عنده واحتوى على موجوده فأخبر ايضا ان الفرنسيس اخذوا منه ذلك ايضا واعطوه سندا فلم يقبلوا منه ذلك واستمر محبوسا
وفي يوم الاثنين رابع عشره نودي على أن أهل البلدة لا يصاهرون العساكر العثمانية ولا يزوجونهم النساء وكان هذا الامر كثر بينهم وبين أهل البلد واكثرهم النساء اللاتي دون مع الفرنساوية ولما حضر العثمانية تحجبن وتنقبن وتوسطن لهن اشباهن من الرجال والنساء وحسنوهن للطلاب ورغبوا فيهن الخطاب فأمهروهن المهور الغالية وانزولهن المناصب العالية وفي ذلك اليوم ايضا نودي على أهل الذمة بالامن والامان وأن المطلوب منهم جزية أربع سنوات
وفيه قبض على جربجي موسى الجيزاوي وعمل عليه عشرون كيسا
وفيه قبض محمد باشا ابو مرق على مقدمه مصطفى الطاراتي وضربه علقة وحبسه وألزمه بمبلغ دراهم
وفيه سافر الانكليزية الذين بالجيزة والروضة الى جهة الاسكندرية وأشيع أن الحرب قائمة بين العساكر والفرنسيس الاسكندرانية من يوم الاثنين سابعه فطلبوا المراكب حتى شح وجودها وضاق الحال بالمسافرين واستمر طلبهم ونزولهم عدة ايام وكذلك نبهوا على الكثير من العساكر الاسلامية بالسفر
وفي يوم الخميس نقضت الاوامر بتصرف الملتزمين في البلاد وقيدت صيارف من نصارى القبط بالنزول الى البلاد لقبض الاموال في غير أوانها لطرف الدولة
وفي يوم الجمعة ثامن عشره لبس الامراء الكبار القواويق على رؤوسهم
وفيه قبض من مصطفى الطاراتي المعتقل المتقدم ذكره خمسة عشر

ألف ريال ولم يزل معتقلا وقيل انه غمز عليه فوجد له في مكان صندوقات ضمنهما ذهب نقدعين ومصطفى هذا كان كلارجيا عند قائد أغا حين كان بمصر فلما خرج الامراء مقدما عند بونابارته ثم عند كلهبر فلما وقعت الفتنة السابقة وظهر يعقوب القبطي وتولي أمر الفردة وجمع المال تقيد بخدمته وتولى أمر اعتقال المسلمين وحبسهم وعقوبتهم وضربهم فكان يجلس على الكرسي وقت القائلة ويأمر اعوانه بإحضار افراد المحبوسين من التجار وأولاد الناس فيمثل بين يديه ويطالبه بأحضار ما فرض عليه مما لا طاقة له به ولا قدرة له على تحصيله فيعتذر بخلو يده ويترجى امهاله فيزجره ويسبه ويأمر بضربه فيبطحونه ويضرب بين يديه ويرده الى السجن بعد أن يأمر أعوانه أن يذهب الى داره وصحبته الجماعة من عسكر الفرنسيس ويهجمون على حريمه وأمثال ذلك
وفي يوم الاحد وردت أخبار من اسكندرية بتملك العساكر الاسلامية والانجليزية متاريس الفرنساوية وأخذهم المتاريس التي جهة العجمي وباب رشيد وجانبا من اسكندرية القديمة وتخطت المراكب وعبرت الى المينة وأن الفرنساوية انحصروا داخل الابراج واخذ منهم نحو المائة وسبعين أسيرا وقتل منهم عدة وافرة ووقعت بين الفريقين مقتلة عظيمة لم يقع نظيرها وقتل الكثير من عسكر قبطان باشا وكذلك من الانجليز ثم انجلت الحرب عما ذكر فلما ور الخبر بذلك ضربوا عدة مدافع وسر الناس بذلك
وفيه ورد الخبر بوصول سليمان صالح الى بلبيس وصحبته المحمل والحريمات وأحضر معه رمة سيده صالح بك ليدفنها بمصر بالقرافة فخرج أناس لملاقاتهم وأخذوا معهم حمير مكارية لركوب النساء وهدبه
وفي يوم الاثنين وصل سليمان أغا الى بركة الحاج وصحبته المحمل ونساء الامراء القادمين من الشام ومعه ايضا رمة صالح بك ليدفنها بقرافة مصر فخرج الناس لملاقاتهم وأخذوا معهم حمير مكارية لركوب النساء

وهديات ونودي في عصريته بعمل موكب من الغد وطاف ألاى جاويش بزيه المعتاد وخلفه القابجية وهم ينادون يارن الاى فلما اصبح يوم الثلاثاء ثاني عشرينه عمل الموكب وانجر الالاى ودخل المحمل من باب النصر وشقوا به من الشارع الاعظم وصادف ذلك اليوم يوم مولد المشهد الحسيني والاسواق مزينة وعلى الحوانيت الشقق الحرير والزردخات والتفاصيل وتعاليق القناديل ومشى في الموكب رسوم الوجاقلية والاوده باشية واكثر الامراء والمشايخ والعلماء ونقيب الاشراف ونبه على جميع الاشراف تلك الليلة بالحضور في صبح ذلك اليوم للمشي في ذلك الموكب فمشى كل من كان له عمامة خضراء يكبرون ويهللون فكانوا عدداكثيرا وكل من وجدوه بالطريق وعلى رأسه خضار جذبوه وسحبوه قهرا وامروه بالمشي وان أبى ضربوه وسبوه وبكتوه بقولهم ألست من المسلمين وكذلك تجمع ارباب الاشاير ومشوا على عادتهم بطبولهم وزمورهم وخباطهم وخرقهم وخورهم وصياحهم فلم يزالوا حتى وصلوا الى قراميدان وتسلم المحمل محمد باشا ابومرق من سليمان أغا الذي وصل به ولكونه عوضا عن سيده أمير الحاج صالح بك ثم صعدوا به الى القلعة وأودعوه هناك وعملت وقدة وشنك تلك الليلة
وفي ذلك اليوم شرعوا في فتح باب الفتوح وكان القصد ادخال المحمل منه لضيق باب الاستثنا الثاني الذي جدده الفرنساوية عند باب النصر فلم يتأت ذلك لمتانة البناء واستمروا ثلاثة أيام يهدمون في البناء الذي على الباب من داخل فلم يمكن ودفنوا صالح بك بتربة اعدت له بقرافة المجاورين والعجب ان الناس من القديم يتمنون أن يقبروا بالارض المقدسة لكونها عش الانبياء والصديقين وهؤلاء الثلاثة بالعكس فما هو الا لتطهيرها منهم
وفيه ورد خبر باسكندرية بانقضاء الحرب وطلب الفرنسيس الصلح بعد وقوع الغلبة عليهم وهزيمتهم وأخذ منهم عدة اسرى وانحصروا في

الابراج فأمنوهم وأجلوهم خمسة أيام آخرها يوم الخميس سابع عشرينه
وفيه الزموا حسن أغا المحتسب بالنقلة من داره وهو في الحبس فأرسل الى حريمه واتباعه فانتقلوا الى مكان آخر
وفيه ورد الخبر ايضا بورود عثمان كتخدا الدولة الذي كان بمصر في العام السابق وباشر الحروب بمصر وصحبته آخر يقال له شريف افندي
وفي سادس عشرينه قدم محمد افندي المعروف بشريف افندي الدفتردار وقدم بصحبته عثمان كتخدا الدولة وسكن شريف افندي بدرب الجماميز وسكن الكتخدا بمنزل حسن أغا المحتسب سابقا بسويقة اللالا
وفي غايته عمل شنك ومدافع كثير وذلك لوصول خبر بتسليم الاسكندرية وسبب تأخرهم الى هذه المدة بعد وقوع الصلح انتظار الامر بالانتقال من بونابارته وذلك انه لما وقع الصلح المتقدم أرسل سارى عسكر منو تطريدة الى فرانسا بالخبر الى بونابارته وانتظر الجواب فورد عليه الامر بالانتقال والحضور فعند ذلك نزلوا متاعهم الى المراكب وسافروا الى بلادهم

شهر جمادى الاولى استهل بيوم الخميس سنة
فيه قرئت فرمانات صحبة عثمان كتخدا وفيها التنويه بذكر أعيان الكتبة الاقباط والوصية بهم مثل جرجس الجوهري واصف وملطي ومقدمهم في تحرير الاموال الميرية
وفيه أنفصل مولانا السيد محمد المعروف بقدسي افندي عن القضاء وسافر ذلك اليوم وذلك بمراده واستعفائه وطلبه وتقلد القضاء عوضه عبد الله افندي قاضي الميري وكاتب الجمرك وحضر في ذلك اليوم الى المحكمة
وفي يوم السبت ثالثه أفرج عن حسن أغا المحتسب بشفاعة عثمان

كتخدا وحسن أغا وكيل قبطان باشا من غير شيء وتوجه الى دار بجوار داره
وفيه تجمع النساء والفلاحون والملتزمون والوجاقلية ببيت الوزير بسبب الالتزام والمنع من التصرف وحضور الفلاحين للضيق عليهم بطلب المال الى ملتزميهم ومطالبتهم اياهم بما قبضوه منهم فلما اجتمعوا وصرخوا سأل الوزير عن ذلك فأخبروه فأمر بكتابة فرمان بالاطلاق والاذن للملتزمين بالتصرف ووجهوا الامر الى الدفتردار فكتب عليه ثم الى الروزنامجي كذلك ثم توجهوا الى دفتردار الدولة فتوقف وبقى الامر زجاجا اياما وذلك ان القوم يريدون امورا مبطونة في نفوسهم واطماعا مركوزة في طباعهم
وفي يوم الاثنين نودي بالزينة ثلاثة ايام اولها الاربعاء وآخرها الجمعة تاسعه سرورا بتسليم الاسكندرية فزينت المدينة وعملت الوقدات بالاسواق والمغاني للفرجة ليلا ونهارا وكل ليلة يعمل شنك نفوط وسواريخ وبارود ببركة الغرابين المطل عليها بيت الوزير
وفيه حضر نحو ستة انفار من اعيان الانكليز وصحبتهم جماعة من العثمانية يفرجونهم على مواطن مزارات المسلمين فدخلوا الى المشهد الحسيني وغيره بمداساتهم فتفرجوا وخرجوا
وفيه تحاسب السيد أحمد المحروقي مع السيد أحمد الزرو على شركة بينهما فتأخر علي الزرو أحد وعشرون كيسا فألزمه باحضارها وحبسه بسجن قواس باشا وأمره بالتضييق عليه ولما اصبح يوم السبت لغط الناس باستمرار الزينة سبعة ايام وانتظروا الاذن في رفع التعاليق فلم يؤذن لهم بشيء فاستمروا طول النهار في اختلاف وحل وربط ثم اذن لهم قبيل الغروب برفعها بعدما عمروا القناديل وكان الناس يبيتون سهارى بالحوانيت والقلقات يطوفون بالاسواق فمن وجدوه نائما نبهوه بإزعاج

وفي يوم الاثنين ثاني عشره ووقع من طوائف العسكر عربدة بالاسواق وتخطفوا امتعة الناس ومن باعة المآكل كالشواء والفطير والبطيخ والبلح فأنزعجت الناس ورفعوا متاعهم من الحوانيت واخلوا منها واغلقوها فحضر اليهم بعض أكابرهم وراطنهم فانكفوا وراق الحال وتبين ان السبب في ذلك تأخير علائفهم وذلك أن من عادتهم القبيحة انه اذا تأخرت عنهم علائفهم فعلوا مثل ذلك بالرعية وأثاروا الشرور فعند ذلك يطلبون خواطرهم ويعدونهم أو يدفعون لهم
وفيه ورد الخبر بتولية محمد باشا خسرو على مصر وهو كتخدا حسين باشا القبودان فألبس الوزير وكيله خلعةعوضا عنه واشيع عزل محمد باشا أبي مرق وسفره الى بلاده وحضر السفار أيضا من جهة رشيد واسكندرية واخبروا بان الفرنساوية لم يزالوا باسكندرية وبنديراتهم على الابراج وان القبطان ومن معه لم يدخلوها وانما يدخلها معهم الانكليزية وانهم ينتظرون الى الآن الجواب والاذن من شيختهم وما أشيع قبل ذلك فلا أصل له وأما الطائفة الاخرى التي سافرت من مصر فإنهم نزلوا وسافروا على وفق الشرط من أبي قير كما تقدم
وفي يوم الخميس ثاني عشرينه وردت مكاتبة من قبطان باشا بطلب عثمان بك المرادي وعثمان بك البرديسي وابراهيم كتخدا السناري والحاج سلامة تابعه وآخرين فسافروا في يوم السبت رابع عشرينه
وفي ليلة السبت المذكور قتلوا شخصا يسمى مصطفى الصيرفي من خط الصاغة قطعوا رأسه تحت داره عند حانوته وسبب ذلك انه كان يتداخل في نصارى القبط والذين يتعاطون الفرد ويوزعونها وتولى فردة أهل الصاغة وسوق السلاح وتجاهر بأمور نقمت عليه وأضر اشخاصا وأغرى به فحبس اياما ثم قتل بأمر الوزير وترك مرميا ثلاث ليال ثم دفن وفي صبيحة قتله طاف المشاعلي بالخطة ودوائرها مثل الجمالية والضيية والنحاسين وباب الزهومة وخان الخليلي فجبى من أرباب

الحوانيت دراهم ما بين خمسة انصاف فضة وعشرة وعند شيله جبي القلقات ايضا ما يزيد على المائة قرش وذلك من جملة عوائدهم القبيحة
وفيه هرب السيد احمد الزرو فلم يعلم له خبر وذلك بعد ما أطلق بضمانة السيد أسعد وابن محرم فكتب الوزير عدة فرمانات وارسلها صحبة هجانة الى جهة الشام وختموا على دوره ولم يعلم هروبه الا بعد أربعة أيام لما داخله من الخوف بقتل الصيرفي المذكور
وفي يوم الخميس تاسع عشرنيه عقد ابراهيم بك الكبير عقد ابنته عديلة هانم التي كانت تحت ابراهيم بك الصغير المعروف بالوالي الذي غرق بواقعة الفرنسيس بانبابة على الامير سليمان كاشف مملوك زوجها الاول على صداق ألفين ريال وحضر العقد الشيخ السادات والسيد عمر النقيب والفيومي وبعض الاعيان
وفي يوم الجمعة غايته قتل شخص أيضا بسوق السلاح وهو من ناحية المنصورة وجبي المشاعلية والقلقات دراهم من أرباب الحوانيت مثل ذلك المذكور فيما تقدم وانقضى هذا الشهر وحوادثها التي منها الارتباك في أمر حصص الالتزام والمزاد في المحلول وعدم الراحة والاستقرار على شيء يرتاح الناس عليه ومثل ذلك الرزق الاحباسية والاوقاف وحضر شخص تولى النظر والتفتيش على جميع الاوقاف المصرية السلطانية وغيرها وبيده دفاتر ذلك فجمع المباشرين واستملاهم وكذلك كاتب المحاسبة وبث المعينين لاحضار النظار بين يديه وحسابهم على الايراد والمصرف واظهر انه يريد بذلك تعمير المساجد الكائنة بالقرى المصرية وانضمت اليه الاغوات وطلب كل من كان له ادنى علاقة بذلك واستمروا على ذلك بطول السنة ثم انكشف الامر وظهر ان المراد من ذلك ليس الا تحصيل الدراهم فقط وأخذ المصالحات والرشوات بقدر الامكان بعد

التعنت في التحرير والتعلل بأثبات المدعي في الايراد والمصرف خصوصا اذا كان الشخص ضعيفا وليس من أرباب الوجاهة والمتجوهين أو بينه وبين الكتبة حزازة باطنية ثم يحررون دفترا ويحررون الفائظ ثم يطلبون منه ايراد ثلاث سنوات أو اربعة ولم يزل حتى يصالح على نفسه بما أمكنه ثم يختمون له ذلك الدفتر ويتركونه وما يدين ان شاء عمر وان شاء اخر فان انتهت اليهم بعد ذلك شكوى في ناظر وقف سبقت له مصالحة لا تسمع شكوى الشاكي ولا يلتفت اليها ويفعلون هذا الفعل في كل سنة
ومنها زيادة النيل الزيادة المفرطة عن المعتاد وعن العام الماضي ايضا حتى غطى الذراع زاده الفرنساوية على عامود المقياس فان الفرنساوية لما غيروا معالم المقياس رفعوا الخشبة المركبة على العامود وزادوا فوق العامود قطعة رخام مربعة مهندمة وجعلوا ارتفاعها مقدار ذراع مقسوم باربعة وعشرين قيراطا وركبوا عليها الخشبة فسترها الماء ايضا ودخل الماء بيوت الجيزة ومصر القديمة وغرقت الروضة ولم يقع في هذا النيل حظوظ ولا نزهة للناس كعادتهم في البرك والخلجان والمراكب وذلك لاشتغال الناس بالهموم المتوالية وخصوصا الخوف من اذى العسكر وانحراف طباعهم وأوضاعهم وعدم المراكب وتخريب الفرنسيس أماكن النزاهة وقطع الاشجار وتلف المقاصف التي كانت تجلس بها أولاد البلد مثل دهليز الملك والجسر والرصيف وغير ذلك مثل الكازروني والمغربي وناحية قنطرة السد وقصر العيني والقصور
ومنها ان محمد بك المعروف بالمنفوخ المرادي حصل عنده وحشة من قبطان باشا فحضر الى ناحية الاهرام بالجيزة وطلب الحضور عند الوزير يستجير به فذهب اليه خشداشه عثمان بك البرديسي وحادثه وأشار عليه بالرجوع الى جهة القبطان فأقام أياما ثم رجع الى ناحية اسكندرية والسبب في ذلك ما حصل في الواقعة التي قتل بها أحمد بك

الحسيني قيل ان ذلك بنفاقه عليه واتضح ذلك للقبطان واحضرت العرب مراسلته اليهم بذلك فانحرف عليه القبطان فلما علم ذلك داخله الخوف ثم ارسل اليه الامراء والقبطان أمانا فرجع بعد أيام
ومنها حضور الجمع الكثير من أهالي الصعيد هروبا من الالفي وما أوقعه بهم من الجور والمظالم والتقارير والضرائب والغرائم وحضر ايضا الشيخ عبد المنعم الجرجاوي والشيخ العارف وخلافهم يتشكون مما أنزله على بلادهم وطلب متروكات الاموات وأحضر ورثتهم وأولاده وأطفالهم ومن توسط أو ضبط أو تعاطي شيئا من القضاة والفقهاء وحبسهم وعاقبهم وطالبهم وطلب استئصال ما بأيديهم ونحو ذلك كل ذلك بأمن من الدولة وغير ذلك معين فحضورا فصالحوا على تركة سليم كاشف باثنين وعشرين ألف ريال بعد ان ختموا على دوره بعد أن أزعجوا حريمه وعياله ونطوا من الحيطان ثم حضروا الى مصر وأمثال ذلك
ومنها كثرة تعدى العسكر بالاذية للعامة وأرباب الحرف فيأتي الشخص منهم ويجلس على بعض الحوانيت ثم يقوم فيدعي ضياع كيسه أو سقوط شيء منه وان أمكنه اختلاس شيء فعل أو يبدلون الدنانير الزيوف الناقصة النقص الفاحش بالدراهم الفضة قهرا أو يلاقشون النساء في مجامع الاسواق من غير احتشام ولا حياء واذا صرفوا دراهم أو أبدلوها اختلسوا منها وانتشروا في القرى والبلدان ففعلوا كل قبيح فتذهب الجماعة منهم الى القرية وبيدهم ورقة مكتوب باللغة التركية ويوهمونهم انهم حضروا اليهم بأوامر ما برفع الظلم عنهم أو ما يبتدعونه من الكلام المزور ويطلبون حق طريقهم مبلغا عظيما ويقبضون على مشايخ القرية ويلزمونهم بالكلف الفاحشة ويخطفون الاغنام ويهجمون على النساء وغير ذلك مما لا يحيط به العلم فطفشت الفلاحون وحضر أكثرهم الى المدينة حتى امتلأت الطرق والازقة منهم أو يركب العسكري حمار المكارى قهرا ويخرج به الى جهة الخلاء فيقتل المكارى

ويذهب بالحمار فيبيعه بساحة الحمير واذا انفردوا بشخص أو بشخصين خارج المدينة أخذوا دراهمهم او شلحوهم ثيابهم أو قتلوهم بعد ذلك وتسلطوا على الناس بالسب والشتم ويجعلونهم كفرة وفرنسيس وغير ذلك وتمنى أكثر الناس وخصوصا الفلاحين أحكام الفرنساوية
ومنها أن أكثرهم تسبب في المبيعات وسائر اصناف المأكولات والخضارات ويبيعونها بما أحبوا من الاسعار ولا يسرى عليهم حكم المحتسب ولا غيره وكذلك من تولى منهم رياسة حرفة من الحرف كالمعمارجية أو غيرهم قبض من أهل الحرفة معلوم اربع سنوات وتركهم وما يدينون فيسعرون كل صنف بمرادهم وليس له هو التفات لشيء سوى ما يأخذه من دراهم الشكاوى فعلا بسبب ذلك الجبس والجير وأجر الفعلة والبنائين خصوصا وقد احتاج الناس لبناء ما هدمه الفرنسيس وما تخرب في الحروب بمصر وبولاق وجهات خارج البلد حتى وصل الاردب الجبس الى مائة وعشرين نصف فضة والجير بخمسين نصف فضة وأجرة البناء أربعين فضة والفاعل عشرين وأما الغلة فرخصية وكذلك باقي الحبوب بكثرتها مع ان الرغيف ثلاثة آواق بنصف لما ذكر من عدم الالتفات الى الاحكام والتسعيرات

واستهلت جمادى الثانية بيوم السبت سنة
فيه تفكك الجسر الكبير المنصوب من الروضة الى الجيزة وذلك من شدة الماء وقوته فتحللت رباطاته وانتزعت مراسيه وانتشرت أخشابه وتفرقت سفنه وانحدرت الى بحري
وفي ليلة الاحد ثانية حصلت زلزلة في ثالث ساعة من الليل
وفي يوم الاثنين ثالثه قطعوا رأس مصطفى المقدم المعروف بالطاراتي بين المفارق بباب الشعريةوذلك بعد حبسه أياما عديدة وضربه وعقابه حتى تورمت أقدامه وطاف مع المعينين عدة ايام يتداين بواقي ما قرر عليه ودخل دارا نافذة وأجلس الملازمين له ببابها وهم لا يعلمون

بنفوذها وأوهم انه يريد التداين من صاحب الدار ونفذ من الجهة الاخرى واختفى في بعض الزوايا فاستعوقه الجماعة ودخلوا الى الدار فلم يجدوه وعلموا بنفوذها فقبضوا على خدمة الدار وضربوهم فلم يجدوا عندهم علما منه فأطلقوهم وأوقعوا عليه الفحص والتفتيش فرآه شخص ممن صادره في ايام الفردة فصادفه في صبحها خارج باب القرافة فقبض عليه وأحضره بين يدي جماعة القلق فدل عليه فقبضوا عليه وقتلوه بعد القبض عليه بثلاثة أيام وتركوه مرميا تحت الارجل وسط الطريق وكثرة الازدحام ثلاث ليال وفعلوا عادتهم في جبي الدراهم من تلك الخطة
وفيه ورد فرمان من محمد باشا والي مصر بأن يتأهبوا لموكبه على القانون القديم فكتبوا تنابيه للوجاقلية والاجناد بالتهيء للموكب
وفي يوم الثلاثاء وصل شمس الدين بك أميراخور كبير ومرجان أغا دار السعادة فأرسلوا تنابيه الى الوجاقلية والامراء والمشايخ ومحمد باشا وابراهيم باشا فاجتمعوا ببيت الوزير وحضر المذكوران بعد الظهر فخرج الوزير ولاقاهما من المجلس الخارج فسلماه كيسا بداخله خط شريف فأخذه وقبله وأحضرا له بقجة بداخلها خلعة سمور عظيمة فلبسها وسيفا تقلد به وشلنج جوهر وضعه على رأسه ودخل صحبتهما الى القاعة حيث الجمع ففتح الكيس وأخرج منه الفرمان ففتحه واخرج منه ورقة صغيرة فسلمها لرئيس افندي فقرأها باللغة التركية والقوم قيام على اقدامهم مضمونها الخطاب لحضرة الوزير الحاج يوسف باشا وحسين باشا القبطان والباشات والامراء والعساكر والمجاهدين والثناء عليهم والشكر لصنيعهم وما فتحه الله على يديهم واخراجهم الفرنسيس ونحو ذلك ثم وعظ بعض الافندية بكلمات معتادة ودعوا للسلطان والوزير والعساكر الاسلامية وتقدم ابراهيم باشا ومحمد باشا وطاهر باشا وباقي الامراء فقبلوا ذيل الخلعة وانصرفوا وضربوا مدافع كثيرة

من القلعة في ذلك الوقت وفي ذلك اليوم ألبس الوزير الامراء والبلات فراوى وخلعا وشلنجات ذهب على رؤوسهم
وفيه حضرت اطواخ بولاية جدة لمحمد باشا توسون اغات الجبجية وهو انسان لا بأس به
وفيه حضر القاضي الجديد من الروم ووصل الى بولاق وهو صاحب المنصب فأقام ثلاثة أيام وصحبته عياله وحريمه فلما كان يوم السبت ثامنه حضر بموكبه الى المحكمة وذهب اليه الاعيان في صبحها وسلموا عليه وله مسيس بالعلم
وفي يوم الثلاثاء حادي عشره عمل الوزير الديوان وحضر عنده الامراء فقبض على ابراهيم بك الكبير وباقي الامراء الصناجق وحبسهم وارسل طاهر باشا بطائفة من العسكر الارنؤد الى محمد بك الالفي بالصعيد وكان اشيع هروبه الى جهات الواحات وذهبت طائفة الى سليم بك أبي دياب وكان مقيما بالمنيل فلما أخذ الخبر طلب الهرب وترك حملته فلما حضرت العسكر اليه فلم يجدوه فنهبوا القرية واخذوا جماله وهي نحو السبعين وهجنه وهي نيف وثلاثون هجينا وذهبت اليه طائفة بناحية طرا فقاتلهم ووقع بينهم بعض قتلى ومجاريح ثم هرب الى جهة قبلي من على الحاجز ووقفت طائفة العسكر والارنؤد بالاخطاط والجهات وخارج البلد يقبضون على من يصادفونه من المماليك والاجناد ونودي في ذلك اليوم بالامن والامان على الرعية والوجاقلية وأطلق الوزير مرزوق بك ورضوان كتخدا ابراهيم بك وسليمان أغا كتخداه المسمى بالحنفي وأحاطت العسكر بالامراء المعتقلين واختفى باقيهم ونودي عليهم وبالتوعد لمن أخفاهم أو آواهم وباتوا بليلة كانت أسوأ عليهم من ليلة كسرتهم وهزيمتهم من الفرنسيس وخاب أملهم وضاع تعبهم وطمعهم وكان في ظنهم ان العثملي يرجع الى بلاده ويترك لهم مصر ويعودون الى حالتهم الاولى يتصرفون في الاقاليم كيفما شاؤا

فاستمروا في الحبس ثم تبين ان سليم بك ابا دياب ذهب الى عند الانكليز والتجأ اليهم بالجيزة وألبس لوزير سليمان آغا تابع صالح آغا زي العثمانيين وجعله سلخور وأمره أن يتهيأ ليسافر الى اسلامبول في عرض الدولة
وفي يوم الاثنين سابع عشره سافر اسمعيل افندي شقبون كاتب حوالة الى رشيد باستدعاء من الباشا والي مصر
وورد الخبر بوصول كسوة للكعبة من حضرة السلطان فلما كان يوم الاربعاء حضر واحد افندي وآخرون وصحبتهم الكسوة فنادوا بمرورها في صبحها يوم الخميس فلما أصبح يوم الخميس المذكور ركب الاعيان والمشايخ والاشاير وعثمان كتخدا المنوه بذكره لامارة الحج وجمع الجاويشية والعساكر القاضي ونقيب الاشراف وأعيان الفقهاء وذهبوا الى بولاق وأحضورها وهم امامها وفردوا قطع الحزام المصنوع من المخيش ثلاث قطع والخمسة مطوية وكذلك البرقع ومقام الخليل كل ذلك مصنوع بالمخيش العال والكتابة غليظة مجوفة متقنة وباقي الكسوة في سحاحير على الجمال وعليها أغطية جوخ أخضر ففرح الناس بذلك وكان يوما مشهودا وأخبر من حضر أنه عند ماوصل الخبر بفتح مصر أمر حضرة السلطان بعملها فصنعت في ثلاثين يوما وعند فراغها أمرهم بالسير بها ليلا وكان الريح مخالفا فعندما حلوا المراسي اعتدل الريح بمشيئة الله تعالى وحضروا الى اسكندرية في أحد عشر يوما
وفيه وردت الاخبار بان حسين باشا القبطان لم يزل يتحيل وينصب الفخاخ للامراء الذين عنده وهم محترزون منه وخائفون من الوقوع في حباله فكانوا لا يأتون اليه الا وهم متسلحون ومحترزون وهو يلاطفهم ويبش في وجوههم الى ان كان اليوم الموعود به عزم عليهم في الغليون الكبير الذي يقال له ازج عنيرلي فلما طلعوا الى الغليون وجلسوا فلم يجدوا القبودان فأحسوا بالشر وقيل انه كان بصحبتهم فحضر اليه رسول وأخبره انه حضر معه ثلاثة من السعاة بمكاتبة فقام ليرى تلك

المراسلة فما هو الا أن حضر اليهم بعض الامراء وأعلمهم أنه ورد خط شريف باستدعائهم الى حضرة مولانا السلطان وأمرهم بنزع السلاح فأبوا ونهض محمد بك المنفوخ وسل سيفه وضرب ذلك الكبير فقتله فما وسع البقية الا أنهم فعلوا كفعله وقاتلوا من بالغليون من العساكر وقصدوا الفرار فقتل عثمان بك المرادي الكبير وعثمان بك الاشقر ومراد بك الصغير وعلي بك أيوب ومحمد بك المنفوخ ومحمد بك الحسيني الذي قامر عوضا عن أحمد بك الحسيني وابراهيم كتخدا السناري وقبض على الكثير منهم وأنزلوهم المراكب وفر البقية مجروحين الى عند الانكليز وكانوا واقعين عليهم من ابتداء الامر فاغتاظ الانكليز وانحازوا الى اسكندرية وطرودا من بها من العثمانيين وأغلقوا أبواب الابراج وحضر منهم عدة وافرة وهم طوابير بالسلاح والمدافع واحتاطوا بقبطان باشا من البر والبحر فتهيأ عساكره لحربهم فمنعهم فطلب الانجليز بروزه بعساكره لحربهم فقال لم يكن بيننا وبينكم حرب واستمر جالسا في صيوانه فحضر اليه كبير الانجليز وتكلم معه كثيرا وصمم على أخذ بقية الامراء المسجونين فاطلقهم له فتسلمهم وأخذ أيضا المقتولين ونقل عرضى الامراء من محطتهم الى جهة الاسكندرية وعملوا مشهد للقتلى مشى به عساكر الانجليز على طريقتهم في موتي عظمائهم ووصل الخبر الى من بالجيزة من الانكليز وذلك ثاني يوم من قبض الوزير على الامراء ففعلو كفعلهم وأخذوا حذرهم وضربوا بعض مدافع ليلا وشرعوا في ترتيب آلة الحرب
وفي ذلك اليوم طلع محمد باشا توسون والي جدة الساكن بيت طرا الى القلعة وصعد معه جملةمن العسكر وشرعوا في نقل قمح ودقيق وقومانية وملؤا الصهاريج وشاع ذلك بين الناس فارتاعوا وداخلهم الوسواس من ذلك واستمروا ينقلون الى القلعة مدافع وبارود او آلات حرب
وفي يوم الاثنين رابع عشرينه حضر كبير الانجليز الذي بالجيزة فالبسه الوزير فروة وشلنجا

وفي ذلك اليوم خلع الوزير على عثمان أغا المعروف بقبي كتخدا وقلده على امارة الحج
وفي ذلك اليوم وقع بين عسكر المغاربة والانكشارية فتنة ووقفوا قبالة بعضهم ما بين الغورية والفحامين وأغلقت الناس حوانيتهم بسوق الغورية والعقادين والصاغة والنحاسين ولم يزالوا على ذلك حتى حضر أغات انكشارية وسكنت الفتنة بين الفريقين
وفي الخميس سابع عشرينه مروا بزفة عروس بسوق النحاسين وبها بعض انكشارية فحصلت فيهم ضجة ووقع فيه فشل فخطفوا ما على العروس وبعض النساء من المصاغ المزينات به وفي أثناء ذلك مر شخص مغربي فضربه عسكري رومي ببارودة فسقط ميتا عند الاشرفية فبلغ ذلك عسكر المغاربة فأخذوا سلاحهم وسلوا سيوفهم وهاجت حماقتهم وطلعوا يرمحون من كل جهة وهم يضربون البندق ويصرخون فاغلقت الناس الحوانيت وهرب قلق الاشرفية بجماعته وكذلك قلق الصنادقية وفزعت الناس ولم يزالوا على ذلك من وقت الظهر الى الغروب ثم حال بينهم الليل وقتل المغاربة أربعة أشخاص وأصبحوا محترسين من بعضهم فحضر آغات الانكشارية على تخوف وجلس بسبيل الغورية وحضر الكثير من عقلاء الانكشارية واقاموا بالغورية وحوالي جهة الكعكبين والشوائين حيث سكن المغاربة واستمر السوق مغلقا ذلك اليوم ورجعت القلقات الى مراكزها وبردت القضية وكأنهم اصطلحوا وراحت على من راح
وانقضى هذا الشهر بحوادثه التي منها استمرار نقل الادوات الى القلعة وكذلك مراكز باقي القلاع مع انهم حربوا أكثرها
ومنها زيادة تعدى العسكر على السوقة والمحترفين والنساء واخذ ثياب من ينفردون به من الناس في أيام قليلة
ومنها استمرار مكث النيل على الارض وعدم هبوطه حتى دخل شهر

هاتور وفات أوان الزراعة وعدم تصرف الملتزمين وهجاج الفلاحين من الارياف لما نزل بهم من جور العسكر وعسفهم في البلاد حتى امتلأت المدينة من الفلاحين ونودي عليهم عدة مرار بذهابهم الى بلادهم
ومنها ان الوزير امر المصرلية بتغيير زيهم وان يلبسوا زي العثمانية فلبس ارباب الاقلام والافندية والقلقات القواويق الخضر والعنتريات وضيقوا اكمامهم ولبس مصطفى أغا وكيل دار السعادة سابقا وسليمان أغا تابع صالح أغا وخلافهما

واستهل شهر رجب الفرد سنة
سافر سليمان أغا تابع صالح أغا الى اسلامبول
وفيه أمر الوزير الامراء المحبوسين بان يكتبوا كتابا الى الانكليز بانهم اتباع السلطان وتحت طاعته وامره ان شاء أبقاهم في أمارتهم وان شاء قلدهم مناصب في ولايات اخرى وان شاء طلبهم يذهبون اليه فلا دخل لكم بيننا وبينه وكلام في معنى ذلك فارسلوا يقولون ان هذا الكلام لا عبرة به فأنهم مسجونون وتحت امركم ومكتوب المقهور المكره لا يعمل به فان كان ولا بد فأرسلوهم الينا لتخاطبهم ونعلم ضميرهم وحقيقة حالهم فلما كان ليلة الاثنين تاسعه احضر الوزير ابراهيم بك والامراء وأعلمهم أن قصده ارسالهم الى بر الجيزة عند الانجليز ليتفسحوا ذلك اليوم ويخبروهم انهم مطيعون للسلطان وتحت أوامره وأن المراسلة التي ارسلوها عن طيب قلب امنهم وليسوا مكرهين في ذلك فأظهر ابراهيم بك القنع عن الذهاب وانه لا غرض له في الذهاب الى مخالفين الدين فجزم عليه ووعده خيرا وعاهدهم وحلفهم فنزلوا وركبوا من عنده في الصباح وما صدقوا بالخلاص وعدوا الى الجيزة وذهبوا الى عند الانجليز فتبعهم أتباعهم ومماليكهم يرمحون اليهم ويلقحون بهم فاقاموا هناك ولم يرجعوا فانتظر الوزير رجوعهم خمسة أيام وأرسل اليهم يدعوهم الى الرجوع حكم عهدهم فامتنع ابراهيم بك وتكلم بما في ضميره من قهره

من الوزير وخبانته له
وفي يوم السبت عملوا جمعية ببيت الشيخ السادات واجتمع المشايخ والوجاقلية وذلك بأمر من الوزير وأرسل اليهم مكاتبة وفي ضمنها النصيحة والرجوع الى الطاعة فأرسلوا في جواب الرسالة يقولون انهم ليسوا مخالفين ولا عاصين وانهم مطيعون لأمر الدولة وانما تاخرهم بسبب خوفهم وخصوصا ما وقع لاخوانهم باسكندرية وانهم لم يذهبوا الى عند الانجليز لعلمهم انهم عسكر السلطان ومن المساعدين له على اعدائه ومتى ظهر لهم أمر يرتاحون فيه رجعوا الى الطاعة ونحو ذلك من الكلام
وفي يوم الجمعة سابع عشرينه حضر عابدي بك نسيب مولانا الوزير فخرج اليه غالب أعيان العثمانية والجاويشية وطاهر باشا وعسكر الارنؤد وتلقوه ودخل بحموله في موكب جليل وكان حضرة الوزير حاصلا عنده توعك وغالب أوقاته محتجب عن ملاقاة الناس
وفيه ورد الخبر بسفر قبطان باشا من ساحل ابي قير الى الديار الرومية في منتصف الشهر وأما محمد باشا الوالي على مصر فانه لم يزل مقيما بأبي قير وحضر خازنداره وسكن ببيت البكري بالازبكية

واستهل شهر شعبان بيوم الثلاثاء سنة
فيه حضر يوسف افندي وبيده مرسوم بولايته على نقابة الاشراف فبات ببولاق وأرسل ناسا يعلمون بحضوره فلم يخرج لملاقاته أحد ثم ان بعض الناس أحضر اليه فرسا فركبه في ثاني يوم وحضر الى مصر وأشاع انه متولى نقابة الاشراف ومشيخة المدارس الحبانية وخبر ذلك الانسان انه كان يبيع الخردة واليميش بحانوت بخان الخليلي وهو من متصوفة الاتراك الذي يتعاطون الوعظ والاقراء باللغة التركية فمات شيخ رواق الاروام بالازهر فاشتاقت نفسه للمشيخة عل الرواق المذكور فتولاها بمعونة بعض سفهائهم فنقم عليه الطائفة أمورا واختلاسات من الوقف

فتعصبوا عليه وعزلوه وولوا السيد حسين افندي المولى الان فحنق من ذلك وداخله قهر عظيم وحقد على حسين أفندي المذكور واضمر له في نفسه المكروه فدعاه يوما الى داره ودس له سما في شرابه فنجاه الله من ذلك وشربت ابنة يوسف افندي الداعي تلك الكاسة المسمومة غلطا وماتت وشاع ذلك وتواترت حكايته بين الناس ورجع كيده عليه وذاق وبال أمره
ثم انه سافر الى اسلامبول وأقام هناك مدة اقامة الفرنسيس بمصر ولم يزل يتحيل ويتداخل في بعض حواشي الدولة وعرض بطلب النقابة ومشيخة الحبانية فاعطوه ذلك لعدم علمهم بشأنه وظنهم أنه اهل لذلك بقوله لهم انه كان شيخا على الازهر ومعرفته بالعلم فلما حصل بمصر وظهر أمره تجمعت أعيان الاشراف وقالوا لا يكون هذا حاكما ولا نقيبا علينا أبدا تنوقل خبره وظهر حاله لاكابر الدولة وحضرة الصدر الاعظم فلم يصغوا اليه ولم يسعفوه وأهمل أمره وهكذا شأن رؤساء الدولة أدام الله بقاءهم اذا تبين لهم الصواب في قضية لا يعدلون الى خلافه

من الحوادث
أنه تقيد بأبواب القاهرة بعض من نصارى القبط ومعهم بعض من العسكر فصاروا يأخذون دراهم من كل من وجدوا معه شيأ سواء كان داخلا او خارجا بحسب اجتهادهم وكذلك ما يجلب من الارياف وزاد تعديهم فعم الضرر وعظم الخطب وغلت الاسعار وكل من ورد بشيء يبيعه يشتط في ثمنه ويحتج بأنه دفع عليه كذا وكذا من دراهم المكس فلا يسع المشتري ألا التسليم لقوله والتصديق له وقبول عذره والسبب في ذلك ان الذين تقيدوا بديوان العشور بساحل بولاق دس عليهم بعض المتقيدين معهم من الاقباط بأن كثيرا من المتاجر التي يؤخذ عليها العشور يذهب بها أربابها من طريق البر ويدخلون بها في أوقات الغفلة تحاشيا عن دفع ما عليها وبذلك لا يجتمع المال المقرر بالديوان فيلزم أن

يتقيد بكل باب من يترقب لذلك ويرصده ويأخذ ما يخص الديوان من ذلك فأذن كبراء الديوان بذلك فانفتح لهم بذلك الباب فولجوه ولم يحسبوا للعاقبة من حساب وزادوا في الجور والفضائح وأظهروا ما في نفوسهم من القبائح فساءت الظنون واستغاثت المستغيثون وأكثر سخاف الاحلام مما لا طائل تحته من الكلام الى ان زاد التشكي وأنهى الآمر الى الوزير فأمر بأبطال ذلك وانجلت تلك الغمة
وفيه ايضا عرض طائفة القبانية وتشكوا مما رتب عليهم من الجمرك السنوي فأطلق لهم الامر برفعه عنهم
وفيه قبضوا على رجل من المفسدين باقليم الموفية يقال له راضي النجار واحضروه الى مصر وقطعت رأسه بالرميلة
وفي خمسه نزل محمد باشا توسون والي جدة من القلعة في موكب وتوجه الى العادلية قاصدا السفر الى جدة
وفي يوم الاربعاء تاسعه قبضوا على ثلاثة من النصارى الاروام المتزيين بزي العساكر الانكشارية ويعملون القبائح بالرعية فرموا رقابهم احدهم بالدرب الاحمر والثاني بسوق السلاح عند الرفاعي والثالث بالرميلة
وفي يوم الخميس عاشره ايضا قطعوا رأس على جلبي تابع حسين أغاشنن بباب الخرق بين المفارق بأمر من الوزير والسبب في ذلك أن المرحوم يوسف باشا المذكور الكبير المتوفي بالمدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام كان أودع عند حسين أغاشنن وديعة فلما ملك الفرنسيس مصر وجرى ما جرى من ورود العرضي والصلح ونقضه فاعتقد قصار العقول ان الامر انتهى للفرنسيس فتجاوزوا الحد وأغروا ببعضهم وتتبعوا العورات وكشفوا عن المستورات ودلوا الفرنسيس على المخبآت وتقربوا اليهم بكل ما وصلت اليه همتهم وراجت به سلعتهم والمسكين المقتول مديدة الى بعض ودائع سيده فاختلس منها وتوسع في نفسه

وركب الخيول واتخذ له خدما وتداخل مع الفرنسيس وحواشيهم فاستخفوا عقله فاستفسروا منه فأخبرهم بالوقائع والخبايا فاستخرجوها ونقلوها وكانت شيأ كثيرا جدا وأظهر أن ذلك لم يكن بواسطته ليواري ما اختلسه لنفسه ويكون له عذر في ذلك فلما حضر له سيده صحبة العرضي ذهب اليه وتملق له وربط في رقبته منديلا فاهمل أمره الى هذاالوقت حتى اطمأن خاطره ثم انه أخبر بقصته الوزير لعلمه أنه سيطالب بوديعة يوسف باشا فأمره بأن يرفع قصته الى القاضي ويثبت تلك الدعوى لتبرأ ساحته عند الدولة ففعل ثم أمر الوزير بقتل علي جلبي المذكور فقتل وترك من ميا ثلاثة أيام بلياليها
شهر رمضان المعظم سنة 1216 استهل بيوم الاربعاء ولم يعمل فيه شنك الرؤيا على العادة خوفا من عربدة العساكر والمحتسب كان غائبا فركب كتخداه بدلا عنه بموكبه فقط ولم يركب معه مشايخ الحرف فذهب الى المحكمة وثبت الهلال تلك الليلة ونودى بالصوم من الغد
وفيه أمر الوزير محمد باشا العربي بالسفر الى البلاد الشامية فبرز خيامه الى خارج باب النصر وخرج هو في ثالثه وسافر وأشيع سفر الوزير أيضا وذلك بعد أن حضرت أجوبة من الباب الاعلى
وفي ثالثه ارتحل محمد باشا المذكور
وفي خامسه انتقل رئيس افندي من بيت الالفي وسكن في بيت اسمعيل بك وشرعوا في تعميره واصلاحه لسكن والي مصر
وفي ثاني عشره وصل محمد باشا والي مصر الى شلقان
وفي ثالث عشره ضربت عدة مدافع من الجيزة صباحا ومساء فقيل انه حضر ستة قناصل الى الجيزة
وفي خامس عشره حضر القناصل المذكورون الى بيت الوزير وقابلوه فخلع عليهم خلعا ورجعوا الى أماكنهم في الجيزة وفي ذلك اليوم وصل محمد باشا والي مصر إلى جهة بولاق ونصب

وطافه بالقرب من المكان المعروف بالحلي ثم انتقل الى جهة قبة النصر فلما كان يوم الجمعة سابع عشره وصل الى المدينه من باب النصر في موكبه وطوائفه على غير الهيئة المعتادة ولم يلبس الطلخان تادبا مع الوزير لحصوله بمصر فتوجه الى بيت الوزير وأفطر معه
وفي تلك الليلة عزل خليل افندي الرجائي من دفتردارية الدولة وقلد عوضه حسن افندي باش محاسب وسببه ان الوزير طلب خلعا ليخلعها على والي مصر وقناصل الانكليز فتأخر حضورها فخنق وسأل عن سبب تأخير المطلوب فقال الرسول ان الخازندار قال حتى استأذن الدفتردار فحنق الوزير وأمر بحبس الخازندار وعزل الدفتردار وهرب السفير الذي كان بينهما
وفيه انتقل الامراء المصرلية المرادية من الجيزة الى جزيرة الذهب ونصبوا وطاقهم بها وأرسلوا ما كان عندهم من الحريم الى دورهم بمصر واستمر ابراهيم بك وعثمان بك الحسيني ومحمد بك المبدول وقاسم بك ابو سيف بالجيزة ولم يعلم حقيقة حالهم ثم في ثاني يوم لحق ابراهيم بك وباقي الجماعة بالاخرين وخرج اليهم طلبهم ومتاعهم واغراضهم فلما كان ليلة الاثنين تاسع عشره ركبوا ليلا باجمعهم الى الصعيد من الجهة الغربية وتخلف عنهم قاسم بك أبو سيف لمرضه وكذلك تخلف عنهم محمد آغا آغات المتفرقة وآخرون
وفي عشرينه نودي بالامان على المماليك واتباعهم ومن تخلف عنهم أو انقطع منهم وكذلك في ثاني يوم
وفيه قلد محمد باشا والي مصر حسن أغا وألبسه على جرحا
وفي ثامن عشرينه عزل الباشا محمد أغا المعروف بالزربة من الكتخدائية وهو من المصرلية وولاه كشوفية الغربية وتقلد عوضه في الكتخدائية يوسف أغا امين الضربخانة سابقا وتقلد كشوفية المنوفية وتقلد كشوفية القليوبية

وفي ليلة الاربعاء تاسع عشرينه ذهب يوسف افندي الى عند والي مصر فقلده نقابة الأشراف وألبسه فروة بعد أن كان اهمل امره
وفيه عزل أغات الانكشارية وتولى آخر عوضه من العثمانية ونزل المعزول الى بولاق ليسافر الى جهة الصعيد

شهر شوال سنة
استهل بيوم الخميس في ثالثه يوم السبت خرج جاليش الوزير الى قبة النصر ونودى بخروج العساكر ويكون آخر خروجهم يوم الاثنين فشرعوا في الخروج بأحمالهم ودوابهم فلما كان يوم الاثنين خامسه خرج الوزير على حين غفلة الى قبة النصر وتتابع خروج الاثقال والاحمال والعساكر وحصل منهم في الناس عربدة وأذية وأخذ بعضهم من عطارين القصر ثلاثة ارطال بن ثمنها مائة وعشرون نصفا فرمى له عشرين نصفا فصرح الرجل وقال اعطني حقي فضربه وقتله فأغلق الناس الحوانيت وانكفوا في دورهم فاستمرت جميع حوانيت البلدة مغلوقة حتى سافرت العساكر وانتقلت من قبة النصر ولازم حضرة محمد باشا والي مصر وطاهر باشا على المرور والطواف بالشوارع بالتبديل وثياب التخفيف ليلا ونهارا ولولا ذلك لحصل من العسكر مالا خير فيه
وفيه كتبت فرمانات والصقت بالشوارع ومفارق الطرق مضمونها بأن لا احد يتعرض بأذية لغيره وكل من كان له دعوى أو شكية فليرفع قصته الى الباشا وكل انسان يمشي في زيه وقانونه القديم ويلازموا على الصلوات بالجماعة في المساجد ويوقدوا قناديل ليلا على البيوت والمساجد والوكائل والخانات التي بالشوارع ولا يمر أحد من العسكر من بعد الغروب والذي يمشي بعد الغروب من أهل البلد يكون معه فانوس أو سراج ويبيعون ويشترون بالحظ والمصلحة ولا أحد يخفي عنده أحد من عسكر العرضي والذي يبقى منهم بيده يعاقب وان القهاوى المحدثة جميعها تغلق ولا يفتح الا القهاوي القديمة الكبار ولا يبيت أحد

من العسكر في قهوة ولا يبيعون المسكرات ولا يشترونها الا الكفرة سرا وأمثال ذلك فانبرت القلوب بتلك الفرمانات واسشتبشروا بالعدل
وفيه خرجت عساكر وسافرت الى جهة قبلي وعدتهم ستة آلاف وذلك بسبب الامراء المصرلية الهربانين وقرر لهم بأن من اتى برأس صنجق فله ألف دينار أو كاشف فله ثلثمائة او جندي او مملوك فله مائة
وفي يوم السبت ركب الوزير من قبة النصر وارتحل العرضي الى الخانكة وعند ركوبه حضر اليه السيد عمر افندي النقيب وبعض المتعممين لوداعه فأعطاهم صررا وقرؤا له الفاتحة وركب وخرج ايضا في ذلك اليوم بقية المشايخ وذهبوا الى الخانكة ايضا وودعوه ورجعوا
وفي يوم الاثنين ثاني عشره أحضر الباشا محمد أغا الوالي وسليم أغا المحتسب وأمر برمي رقابهما فقطعوا رأس الوالي تحت بيت الباشا على الجسر والمحتسب عند باب الهواء وختم على دورهما في تلك الساعة وشاع خبر ذلك في البلد فارتاع الناس لذلك واستعظموه وداخل الخوف أهل الحرف مثل الجزارين والخبازين وغيرهم وعلقوا اللحم الكثير بحوانيتهم وباعوه بتسعة انصاف بعد أن كانوا يبيعونه باحد عشر مع قلته واحتكاره وكانوا نبهوا عليهم قبل ذلك فلم يستمعوا
وفي صبحها يوم الثلاثاء قلد علي اغا الشعراوي الزعامة عوضا عن محمد آغا المقتول وزين الفقار كتخدا امين احتساب عوضا عن سليم آغا أرنؤد المقتول ايضا واجتمعوا ببيت القاضي وحضر أرباب الحرف وعملوا قائمة تسعيرة لجميع المبيعات من المأكولات وغيرها فعملوا اللحم الضاني بثمانية انصاف والماعز بسبعة والجاموسي بستة وان لا يباع فيه شيء من السقط مثل الكبدة والقلب وغير ذلك والسمن المسلى بمائة وثمانين نصفا العشرة أرطال بعد أن كانت بثلثمائة واربعين والزبد العشرة بمائة وستين بعد ان كانت بمائتين واربعين وجميع الخضراوات تباع بالرطل حتى الفجل والليمون والجبن الذي بخيره بثلاثة انصاف بعد عشرة

والخبز رطل بنصف فضة وكذلك جميع الاشياء العطرية والاقمشة العشرة احد عشر والراوية الماء بعشرة انصاف بعد عشرين وغير ذلك ورسموا بان الرطل في الاوزان مطلقا يكون قباني اثني عشر وقية وابطلوا الرطل الزياتي الذي يوزن به الادهان والاجبان والخضراوات وهو أربعة عشر وقية فلم يستمر من هذه الاوامر بعد ذلك سوى نقص الارطال ولما برزت هذه الرسوم هرع الناس لشراء اللحم والماكولات حتى فرغ الخبز من الافران وشق المحتسب فقبض على جماعة من الخبازين وخزم آنافهم وعلق فيها الخبز وكذلك الجزارون خزمهم وعلق في آنافهم اللحم واكثر حضرة الباشا وعظماء أتباعه من التجسس وتبديل الشكل والملبوس والمرور والمشي في الازقة والاسواق حتى أخافوا الناس وانكف العسكر عن الاذية ولزموا الادب ومشى كل واحد في طريقته ودربه ومشت النساء كعادتهم في الاسواق لقضاء أشغالهم فلم يتعرض لهم أحد من العسكر كما كانوا يفعلون
وفي يوم الخميس خامس عشره ارتحل الوزير من بلبيس
وفي يوم السبت سابع عشره سافر خليل افندي الرجائي الدفتردار المعزول في البحر من طريق دمياط وانتقل شريف أفندي الدفتردار الى الدار التي كان بها الاول وهي دار البارودي بباب الخرق
وفي يوم الاثنين تاسع عشره كان موكب امير الحاج عثمان بك وصحبته المحمل على العادة وخرج في أبهة ورونق وانسرت القلوب في ذلك اليوم الى لقائه ونجز له جميع اللوازم مثل الصرة وعوائد العربان وغير ذلك وكان المتقيد بتشهيل ذلك وبجميع اللوازم حضرة شريف افندي الدفتردار
وفي يوم الثلاثاء سابع عشرينه شنقوا ثلاثة أنفار في جهات مختلفة تزيوا بزي العسكر يقال انهم من الفرنسيس افتقدوهم من العسكر المتوجه الى الحج
وفي ذلك اليوم عمل حضرة الباشا ديوانا وأرسل الجاويشية الى جميع

المشايخ والعلماء وخلع عليهم خلعا سنية زيادة على العادة اكثر من سبعين خلعة وكذلك على الوجاقلية والافندية وجبر خاطر الجميع وكانت العادة في هذا التلبيس أن يكون عند قدومه والسبب في تأخيره لهذا الوقت تعويق حضور المراكب التي بها تلك الخلع
وفي يوم الخميس تاسع عشرينه انتقل امير الحاج بالركب من الحصوة الى البركة
وفيه ركب حضرة محمد باشا الى الامام الشافعي فزاره وانعم على الخدمة بستين الف فضة والبسهم خلعا وفرق دنانير ودراهم كثيرة في غير محلها وكذلك يوم الجمعة ركب وتوجه الى المشهد الحسيني فصلى الجمعة وخلع على الامام الراتب والخطيب وكبير الخدمة فراوى وفرق دراهم كثيرة في طريقه ورجع من ناحية الجمالية وكان في موكب جليل على الغاية
وفيه أمر المشار اليه بنصب عدة مشانق عند ابواب المدينة برسم الباعة والمتسببين والخبازين وغيرهم وأكثر أرباب الدرك من المرور والتجسس والتخويف وعلقوا عدة اناس من الباعة على حوانيتهم وخزموهم من آنافهم فرخص السعر وكثرت البضائع اوالمأكولات وحصل الامن في الطرق وانكفت العربان وقطاع الطريق فحضرت الفلاحون من البلاد وكثر السمن والجبن والاغنام وكبر العيش وكثر وجوده وانحط سعر السمن عن التسعيرة عشرين نصفا لكثرته ولله الحمد وهاب الناس هذا الباشا وخافوه وصاروا يترنمون به في البلاد والارياف ويغنون بذكره حتى الصبيان في الاسواق ويقولون سيدي يا محمد باشا يا صاحب الذهب الاصفر وغير ذلك وكان في مبدأ أمره يظنه الظمآن ماء

شهر القعدة سنة
استهل بيوم السبت فيه نهبت العربان قافلة التجار الواصلة من السويس
وفي ثانيه حضر السيد احمد الزرو الخليلي التاجر بوكالة الصابون بديوان الباشا وتداعى على جماعة من التجار وثبت له عليهم عشرة آلاف

ريال فأمر الباشا بسجنهم
وفي رابعه يوم الثلاثاء حضر السيد احمد المذكور الى بيت الباشا فأمر بقتله فقبض عليه جماعة من العسكر وقطعوا رأسه عند المشنقة حيث قنطرة المغربي على قارعة الطريق وختموا على موجوده واخذ الباشا ما ثبت له على المحبوسين والسبب في ذلك ا بعضهم أوشى الى الباشا انه كان بحب الفرنسيس ويميل اليهم ويسالمهم وعند خروجهم هرب الى الطور خوفا من العثمانية ثم حضر بأمان من الوزير
وفي يوم الجمعة حضر المشار اليه الى الجامع الازهر بالموكب فصلى به الجمعة وخلع على الخطسب فروة سمور وفرق ونثر دراهم ودنانير على الناس في ذهابه وايابه وتقيد قبي كتخداه واسمعيل افندي شقبون بتوزيع دراهم على الطلبة والمجاورين بالاروقة والعميان والفقراء ففرقوا فيهم نحو خمسة أكياس
وفيه عمل الشيخ عبد الله الشرقاوي وليمة لزواج ابنه ودعا حضرة المشار اليه فحضر في يوم الاحد ثانيه وحضر ايضا شريف أفندي وعثمان كتخدا الدولة فتغدوا عنده وأنعم على ولد الشيخ بخمسة اكياس رومية والبسه فروة سمور وفرق على الخدم والفراشين والقراء دنانير ودراهيم بكثرة وكذلك دفع عثمان كتخدا وشريف افندي كل واحد منهم كيسا وانصرفوا
وفي يوم الاربعاء خامسه حضر الباشا محمد أغات المعروف بالوسيع اغات المغاربة وأمر بقتله فقطعوا رأسه على الجسر ببركة الازبكية قبالة بيت الباشا لامور نقمها عليه وكتبت في ورقة وضعت عند رأسه
وفي يوم الخميس سادسه توفي قاسم بك ابو سيف على فراشه
وفي منتصفه وردت الاخبار من الجهة البحرية بضياع نحو الخمسين مركبا حلت مراسيها من ثغر اسكندرية مشحونة بمتاجر وبضائع وكانت معوقة بكرنتينة الانكليز فلما اذنوا لهم بالسراح فما صدقوا بذلك فصادفتهم فرتونة خرجت عليهم فضاعوا بأجمعهم ولا حول ولا قوة الا

بالله العلي العظيم
وفيه طلب الباشا المشايخ وتكلم معهم في شأن الشيخ خليل البكري وعزله عن وظيفته وسال رايهم في ذلك فقالوا له الرأي لحضرتكم فقال ان الشيخ خليلا لا يصلح لسجادة الصديق واريد عزله عنها من غير ضرر عليه بل اعطيه اقطاعا لنفقته والقصد أن تروا رايكم فيمن يصلح لذلك ومن يستحق فطلبوا المهلة الى غد وانحط الرأي بعد اختلاف كبير على تقليد ذلك لمحمد سعد من أولاد جلال الدين فلما حضروا في اليوم الثاني اخبروه بذلك وانه يستحقها الا انه فقير فقال ان الفقر ليس بعيب فأحضروه وألبسه فروة سمور واركبه فرسا بعباءة مزركشة وأنعم عليه بثمانين ألف درهم وكان من الفقراء المحتاجين للدرهم الفرد ولما ذهب للسلام على الشيخ السادات خلع ايضا فروة سمور عليه
وفي يوم الاثنين رابع عشرينه توفي إلى رحمة الله الشيخ مصطفى الصاوي الشافعي وكان عالما نجيبا وشاعرا لبيبا وقد ناهز الستين
وفيه جهزت عدة من العسكر الى قبلي
وفيه نودي بان خراج الفدان مائة وعشرون نصفا وكذلك نودي برفع عوائد القاضي والافندي التي كانت تؤخذ على اثبات الجامكية والجراية والرفق بعوائد تقاسيط الالتزام والاقطاع وكتبوا بذلك أوراقا وألصقت بالاسواق وفي آخرها لا ظلم اليوم أي مما تقرر قبل اليوم فان الفدان بلغ في بعض القرى بمصاريفه ومغارمه أربعة آلاف نصف فضة واما بدعة القاضي وعوائد التقاسيط فزادت عن أيام الوزير وزاد على ذلك اهمال الاوراق ببيت الباشا لاجل العلامة شهرين وأربعة حتى يسام صاحبها وتحفى أقدامه من كثرة الذهاب والمجيء ومقاساة الذل من الخدم والاتباع ورفع التفتيش والرشوة على التعجيل أو يتركها وربما ضاعت بعد طول المدة فيحتاج الى استئناف العمل

شهر ذي الحجة الحرام سنة
استهل بيوم الاحد في رابعه حضر خمسة اشخاص من الكشاف القبالي من اتباع ابراهيم بك الوالي الى مصر بامان فقابلوا حضرة والي مصر وأنعم عليهم وألبسهم خلعا
وفيه أنعم على خدامهم وفيه عمل الانكليز كرنتينة بالجيزة ومنعوا من يدخلها ومن يخرج منها وذلك لتوهم وقوع لطاعون وورود الاخبار بكثرته في جهة قبلي وبعض البلاد البحرية وأما المدينة ففيها بعض تنقير
وفي يوم الاثنين تاسعه كان يوم الوقوف بعرفة وعملوا في ذلك اليوم شنكا ومدافع وحضرت أغنام وعجول كثيرة للاضحية حتى امتلأت منها الطرقات وازدحمت الناس وافراد العسكر على الشراء وغيمت السماء في ذلك اليوم وأمطرت مطرا كثيرا حتى توحلت الازقة ونودي بفتح الحوانيت والقهاوي والمزينين ليلا واظهار الفرح والسرور واظهار بهجة العيد واستمر ضرب المدافع في الاوقات الخمسة ونودي أيضا بالمواظبة على الاجتماع للصلوات في المساجد وحضور الجمعة من قبل الصلاة بنصف ساعة وان يسقوا العطاش من الاسبلة ولا يبيعون ماءها وأشيع سفر الانكليز وسفر عثمان كتخدا الدولة وتشهيل الخزينة
وفي خامس عشره حضر قاصد من الديار الرومية بمكاتبات وتقرير نقابة الاشراف للسيد عمر وعزل يوسف افندي فلما كان في صبحها يوم الاحد ركب السيد عمر المذكور وتوجه الى عند الباشا فألبسه خلعة سمور ثم حضر الى عند الدفتردار كذلك وكانت مدة ولاية يوسف افندي المعزول شهرين ونصفا
وفي يوم الاربعاء ثامن عشره خرج أحمد آغا خورشيد امير الاسكندرية الى بولاق قاصدا السفر الى منصبه وركب الباشا لوداعه في عصريته وضربوا عدة مدافع من بولاق وبرانبابة ونودي في ذلك اليوم بان لا أحد يواري أحدا من الانكليز أو يخبيه وكل من فعل ذلك عوقب

وفي خامس عشرينه قبضوا على امراة سرقت امتعة من حمام وشنقوها عند باب زويله وانقضت هذه السنة وما تجدد بها من الحوادث التي من جملتها ان شريف أفندي الدفتردار أحدث على الرزق الاحباسية المرصدة على الخيرات والمساجد وغيرها مال حماية على كل فدان عشرة أنصاف فضة وأقل واكثر في جميع الأراضي المصرية القبلية والبحرية وحرروا بذلك دفاتر فكل من كان تحت يده شيء من ذلك قل أو كثر يكتب له عرضحال ويذهب به الى ديوان الدفتردار فيعلم عليه علامته وهي قوله قيد بمعنى انه يطلب قيوده من محله التي تثبت دعواه ثم يذهب بذلك العرضحال الى كاتب الرزق فيكشف عليها في الدفاتر المختصة بالاقليم الذي فيه الارصاد بموجب الاذن بتلك العلامة فيكتب له ذلك تحتها بعد أن يأخذ منه دراهم ويطيب خاطره بحسب كثرة الطين وقلته وحال الطالب ويكتب تحته علامته فيرجع به الى الدفتردار فيكتب تحته علامة غير الاولى فيذهب به الى كاتب الميري فيطالبه حينئذ بسنداته وحجج تصرفه ومن أين وصل اليه ذلك فان سهلت عليه الدنيا ودفع له ما ارضاه كتب له تحت ذلك عبارة بالتركي لثبوت ذلك والا نعنت على الطالب بضروب من العلل وكلفة بثبوت كل دقيقة يراها في سنداته وعطل شغله فما يسع ذلك الشخص الا بذل همته في تتميم غرضه بأي وجه كان اما أن يستدين أو يبيع ثيابه ويدفع ما لزمه فان ترك ذلك وأهمله بعد اطلاعهم عليه حلوه عنه ورفعوه وكتبوه لمن يدفع حلوانه ثلاث سنوات أو أكثر وكتبوا له سندا جديدا يكون هو المعول عليه بعد ويقيد بالدفاتر ويبطل اسم الاول وما بيده من الوقفيات والحجج والافراجات القديمة ولو كانت عن اسلافه ثم يرجع كذلك الى الدفتردار فيكتب له علامة لكتابة الاعلام فيذهب به الى الاعلامجي فيكتب له عبارة ايضا في معنى ما تقدم ويختم تحتها بختم كبير فيه اسم الدفتردار ويأخذ على ذلك دراهم ايضا وبعد ذلك يرجع الى الدفتردار فيقرر ما يقرره عليها من المال الذي يقال له مال الحماية ثم

يذهب بها الى بيت الباشا ليصحح عليها بعلامته ويطول عند ذلك انتظاره لذلك ويتفق اهمالها الشهرين والثلاثة عند الفرمانجي وصاحبها يغدو ويروح في كل يوم حتى تحفى قدماه ولا يسهل به تركها بعدما قاساه من التعب وصرفه من الدراهم فاذا تمت علامتها دفع أيضا المعتاد الذي على ذلك ورجع بها الى بيت الدفتردار فعند ذلك يطلبون منه ما تقرر عليها فيدفعه عن تلك السنة ثم يكتبون له سندا جديدا ويطالب بمصروفه ايضا وهو شيء له صورة ايضا فلا يجد بدا من دفعه ولا يزال كذلك يغدو ويروح مدة ايام حتى يتم له المراد
ومنها المعروف بالجامكية ومرتبات الغلال بالانبار وذلك ان من جملة الاسباب في رواج حال أهل مصر المتوسطين وغناهم ومدار حال معاشهم وايرادهم في السابق هذان الشيآن وهما الجامكية والغلال التي يقال لها الجرايات رتبها الملوك السالفة من الاموال الميرية للعساكر المنتسبة للوجاقات والمرابطين بالقلاع الكائنة حوالي الاقليم ومنها ما هو للايتام والمشايخ والمتقاعدين ونحوهم وكانت من ارواج الإيراد لاهل مصر وخصوصا أهل الطبقة الذين ليس لهم اقطاع ولا زراعات ولا تجارات كأهل العلم ومساتير اولاد البلد والارامل ونحوهم وثبت وتقرر ايرادها وصرفها في كل ثلاثة أشهر من اول القرن العاشر الى أواخر الثاني عشر بحيث تقرر في الاذهان عدم اختلالها أصلا ولما صارت بهذه المثابة تناقلوها بالبيع والشراء والفراغ وتغالوا في أثمانها ورغبوا فيها وخصوصا لسلامتها من عوارض الهدم والبناء كما في العقار واوقفوها وأرصدوها ورتبوها عل جهات الخيرات والصهاريج والمكاتب ومصالح المساجد ونفقات أهل الحرمين وبين أهل المقدس وأفتى العلماء بصحة وقفها لعلة عدم تطرق الخلل فلما اختلت الاحوال وحدثت الفتن وطمع الحكام والولاة في الاموال الميرية ضعف شأنها ورخص سعرها وانحط قدرها وافتقر اربابها ولم تزل في الانحطاط والتسفل حتى بيع الاصل والايراد بالغين الفاحش جدا

وتعطل بسبب ذلك متعلقاتها ولم يزل حالها في اضطراب الى أن وصل هؤلاء القادمون وجلس شريف افندي الدفتردار المذكور ورأى الناس فيه مخايل الخير لما شاهدوه فيه من البشاشة واظهار الرفق والمكارم غرض الناس عليه شأن العلوفة المذكورة والغلال فلم يمانع في ذلك وكتب الاذن على الاوراق كعادته وذهب بها أربابها الى ديوان الكتبة وكبيرهم ويسمى حسن أفندي باش محاسب وهو من العثمانيين عارض في حسابها وقال ان العثماني اسم لواحد الاقجة وصرفه عندنا بالروم كل ثلاث أقجات بنصف فضة وما في دفاتركم يزيد في الحساب الثلث فعورض وقيل له ان الاقجة المصري كل اثنين بنصف بخلاف اصطلاح الروم وهذا أمر تداولنا عليه من قديم الزمان ولم يزل حتى فقد ذلك المشروع ومشوا على فقد الثلاث ورضى الناس بذل لظنهم رواج الباقي وعند استقرار الامر بذلك أخذوا يتعنتون على الناس في الثبوت وقد كان الناس اصطلحوا في اكثرها عند فراغها على عدم تغيير الاسماء التي رقمت بها وخصوصا بعد ضعفها فيبيعها البائع ويأخذها المشتري بتمسك البيع فقط ويترك سند الاصل بما فيه من الاسم القديم عنده أو تكون باسم الشخص ويموت وتبقى عند اولاده فجعلوا معظمها بهذه الصورة وأخذوه لأنفسهم وأعطوا منه لاغراضهم بعد رفع الثلث الاصل وثلث الايراد وضاعت على اربابها مع كونهم فقراء وكذلك فعلوا في أوراق الغلال وجعلوها بدراهم عن كل اردب خمسون نصفا غلا أو رخص وزادوا في القيود التي تكتب على العرضحالات المصطلحين عليها بأن يكتب عليها أيضا قاضي العسكر بعد حسابهم مقدار العلوفة والغلال ويأخذ على كل عثماني نصفين أو أقل أو اكثر وعلى كل اردب قرشا روميا وكل ذلك حيلة على أخذ المال بطريق شيطاني وحرروا ما حرروه ودفعوا للناس حيلة ما دفعوه حرروه ودفعوا للناس ما دفعوه مقسطا على الجمع والشهور ورضوا بذلك وفرحوا به لظنهم دوامة واستعوضوا الله فيما ذهب لهم وختموا الدفتر على مقدرا ما

عرض عليهم وما ظهر بعد ذلك لا يعمل به ويذهب في المحلول ولما انقضت هذه السنة الاخرى وافتتح الناس الطلب قيل لهم ان الذي اخذتموه هو عن السنة القابلة وقد قبضتموها معجلة وعزل شريف افندي الدفترادر في أثرها ووصل خليل أفندي الرجائي واضطربت الاحوال ولم ينفع القيل والقال كما يأتي

من مات في هذه السنة
مات الشيخ العمدة الامام خاتمة العلماء الاعلام ومسك ختام الجهابذة ذوي الافهام ومن افتخر به عصره على الاعصار وصاح بلبل فصاحته في الامصار يتيمة الدهر وشامة وجه اهل العصر العالم المحقق والتحرير المدقق بديع الزمان والتاج المرصع على رؤوس الاقران الناظم الناثر الفصيح الباهر الشيخ مصطفى بن أحمد المعروف بالصاوي والده كان من أعيان التجار بمصر وأصل مرباهم بالسويس بساحل القلزم وصاوى نسبة الى بلدة بشرقية بلبيس سمى الصوة وهي على غير القياس وهي بلدة والده ثم انتقل منها الى السويس وكان يبيع بها الماء وولد له بها المترجم فارتحل به الى مصر وسكن بحارة الحسينية مدة وأتى بولده المترجم الى الجامع الازهر واشتغل بالقراءة فحفظ القرآن والمتون واشتغل بالعلم وحضر دروس الاشياخ ولازم الشيخ عيسى البراوي وتخرج به ومهر وأنجب وأقرأ الدروس وختم الختوم وشهد له الفضلاء وكان لطيف الذات مليح الصفات رقيق حواشي الطبع مشارا اليه في الافراد والجمع مهذب الاخلاق جميل الاعراق وحاله وفضله كثير ولم يزل يقرر ويفيد ويملي ويعيد حتى قطفت يد الاجل نواره واطفأت رياح المنية انواره
ومات الامير عثمان بك الاسقر الابراهيمي وهو من مماليك ابراهيم بك الكبير الموجود الآن اشتراه ورباه واعتقه وجعله خازنداره مدة ثم قلده الامارة والصنجقية في سنة 1129 وعرف بالاشقر اشقرته ولما انتقل اسناده الى بيت سيده محمد بك بعطفة قوصون سكن مكانه بدرب

الجماميز وصار له مماليك واتباع وانتظم في عداد الامراء وخرج مع سيده في الحوادث وتغرب معه في البلاد القبلية وطلع اميرا بالحج في سنة 1210 وعاد في أمن وأمان ولما حصلت حادثة الفرنسيس كان هو مع من كان بالبر الغربي وذهب الى الصعيد ثم مر من خلف الجبل ولحق باستاذه ببر الشام ولم يزل حتى رجع مع استاذه والامراء بصحبة عرضي الوزير في المرة الثانية ثم سافر مع حسين باشا القبودان فقتل مع من قتل بأبي قير ودفن بالاسكندرية وكان ذا حشمة وسكون وحسن عشرة مع مافيه من الشح
ومات الامير عثمان بك الجوخدار المعروف بالطنبرجي المرادي وهو من مماليك مراد بك اشتراه ورباه ورقاه وقلده الامارة والصنجقية في سنة 1197 ولما وصل حسن باشا الجزايرلي الى مصر وخرج مع سيده وباقي الامراء من مصر على الصورة المتقدمة ووقع بينهم ما وقع من الحروب والمهادنة حضر هو وحسين بك المعروف بشفت وعبد الرحمن بك الابراهيمي الى مصر رهائن ولما سافر حسن باشا الى الروم أخذهم صحبته باغراء اسمعيل بك فأقاموا هناك ثم نفوهم الى ليميا فاستمروا بها ومات بها حسين بك خشداشه المذكور ثم رجع المترجم وعبد الرحمن بك بعد وقوع الطاعون وموت اسمعيل بك واتباعهما الى مصر فلم يزالوا حتى حصل ما حصل من ورود الفرنسيس وموت مراد بك في آخريات أيامهم فوقع اختيار المرادية على تأميره عوضا عن سيده باشارة خشداشه محمد بك الالفي وانتقل بعشيرته الى الجهة البحرية وانضموا الى عرضي الوزير ووصلوا الى مصر فكان هو وابراهيم بك الالفي ثاني اثنين يركبان معا وينزلان معا ولم يزل حتى سافر القبودان بعدما مكر مكره مع الوزير سرا على خيانة المصريين فأرسل يستدعيه هو وعثمان بك البرديسي فسافرا امتثالا للامر فأوقع بهما ما تقدم وقتل المترجم ونجا البرديسي ودفن بالاسكندرية وكان أمير لا بأس به وجيه الشكل عظيم اللحية ساكن

الجأش فيه تؤدة وعقل وسبب تلقبه بالطنبرجي أنه كان في عنفوان أمره مولعا بسماع الآلات وضرب الطنبور
ومات الامير مراد بك المعروف بالصغير وهو من مماليك محمد بك أبي الذهب وانتمى الى سليمان بك الآغا واستمر ملازما له ومنسوبا اليه مدة أعوام وكان يعرف بمراد كاشف وله ايراد واسع ومماليك ثم تقلد الامارة والصنجقية في 1206 فزادت وجاهته ولم يزل كذلك حتى سافر مع عثمان بك الاشقر وأحمد بك الحسني مع القبودان وقتل كذلك بأبي قير ودفن بالاسكندرية
ومات الامير قاسم بك أبو سيف وهو مملوك عثمان بك أبي سيف الذي سافر بالخزينة ومات بالروم وذلك سنة 1180 وهي آخر خزينة رأيناها سافرت الى اسلامبول على الوضع القديم وعثمان بك هذا مملوك عثمان بك أبي سيف الذي كان من جملة القاتلين لعلي بك الدمياطي وخليل بك قطامش ومحمد بك قطامش في ولاية راغب باشا كما تقدم وخدم المترجم مراد بك وكان يعرف بقاسم كاشف أبي سيف وكان له اقطاع والتزام وايراد واشتهر ذكره في أيام مراد بك وبني داره التي بالناصرية وانفق عليها أموالا جمة وكان له ملكة وفكرة في هندسة البناء واستأجر قطعة عظيمة من أراضي البركة الناصرية اتجاه داره من وقف المولوية وسورها بالبناء وبنى في داخلها قصرا مزخرفا برحبة متسعة وقسم تلك الارض بتقاسيم للمزارع وحولها طرق ممهدة مستطيلة ومجار للمياه التي تصل اليها أيام النيل ومجار أخرى عالية مبنية بالمؤن والخافقي من داخلها تجري فيها المياه من السواقي ويحيط بذلك جمعية اشجار الصفصاف المتدانية القطاف وبداخل تلك البركة المنقسمة النخيل والاشجار ومزارع المقاثىء والبرسيم والغلة وغيرها يسرح فيها النظر من سائر جهاتها وتنشرح النفوس في ارجائها ومساحاتها وجعل السواقي في ناحية تجتمع مياهها في حوض وبأسفله أنابيب تتدفق منها المياه الى حوض اسفل منه وعنده

مجلس ومساطب للجلوس وتجرى منه المياه الى المجارى المخفقة المرتفعة ومنها تنصب من مصبات من حجر الى أحواض أسفل منها صغار وتجرى الى مساقي المزارع وعند كل مصب منها محل للجلوس وعليه اشجار تظله وبوسطه ايضا ساقية بفوهتين تجري منها المياه ايضا والقصر يشرف على ذلك كله وحول رحبة القصر وطرق الممشاة كروم العنب والتكاعيب واباح للناس الدخول اليها والتنزه في رياضها والتفسح في غياضها والسروح في خلالها والتفيؤ في ظلالها وسماها حديقة الصفصاف والاس لمن يريد الحظو والائتناس ونقش ذلك في لوح من الرخام وسمرة في اصل شجرة يقرؤها الداخلون اليها فأقبل الناس على الذهاب اليها للنزاهة ووردوا عليها من كل جهة وعملوا فيها قهاوي ومساقي ومفارش واتخاخا يفرشها القهوجية للعامة وقللا واباريق واجتمع بها الخاص والعام وصار بها مغان وآلات وغواني ومطربات والكل يرى بعضهم بعضا وجعل بها كراسي للجلوس وكنيفات لقضاء الحاجة وجعل للقصر فرشا ومساند ولوازم ومخادع لنفسه ولمن يأتي اليه بقصد النزاهة من أعيان الامراء والآكابر فيبيتون به الليالي ولا يحتاجون لسوى الطعام فيأتي اليهم من دورهم وزاد بها الحال حتى امتنع من الدخول اليها أهل الحياء والحشمة وأنشأ تجاهها أيضا على يسار السالك الى طريق الخلاء بستانا آخر علىخلاف وضعها واخبرني المترجم ايضا من لفظه أنه انشأ بستانا بناحية قبلي اعجب وأغرب من ذلك ولما حضر حسن باشا الجزايرلي الى مصر وخرج منها أمراؤها تخلف المترجم عن مخدومه واستقر بمصر فقلدوه الامارة والصنجقية في سنة 1201 فعظمت امرته وزادت شهرته وتقلد امارة الحج مرتين ولما أوقع العثمانية بالامراء المصرلية ما أوقعوه وانفصلوا من حبس الوزير وانضموا الى الانكليز بالجيزة ثم انتقلوا الى جزيرة الذهب وارتحلوا منها الى قبلي تخلف عنهم المترجم لمرض اعتراه وحضر الى مصر ولازم الفراش ولم يزل حتى مات في يوم الخميس سادس القعدة من السنة

وكان يخضب لحيته بالسواد مدة سنين رحمه الله
ومات ابراهيم كتخدا السناري الاسود وأصله من برابرة نقلة وكان بوابا في مدينة المنصور وفيه نباهة فتداخل في الغز القاطنين هناك مثل الشابوري وغيره بكتابة الرقي وضرب الرمل ونحو ذلك ولبس ثيابا بيضاء ثم تعاشر مع بعضهم وركب فرسا وانتقل الى الصعيد مع من اختلط بهم وتداخل في اتباع مصطفى بك الكبير ولم يزل حتى اعتشر بالامير المذكور وتعلم اللغة التركية فأستعمله في مراسلاته وقضاياه فنقل فتنة ونميمة بين الامراء فاراد مراد بك قتله فألتجا الى حسين بك وخدمه مدة ثم تحيل والتجأ الى مراد بك وعاشره وأحبه ولازمه في الغربة والاسفار واشتهر ذكره وكثر ماله وصار له التزام وايراد وبنى داره التي بالناصرية وصرف عليها اموالا واشترى المماليك الحسان والسراري البيض وتداخل في القضايا والمهمات العظيمة والامور الجسيمة وصار من أعظم الاعيان المشار اليهم بمصر ونمى ذكره وعظم شأنه وباشر بنفسه الامور من غير مشورة الامراء فكان يحل ما يعقده الامراء الكبار ولما تحجب مخدومه بقصر الجيزة كان المترجم لسان حاله في الامر والنهي وبيده مقاليد الاشياء الكلية والجزئية ولا يحجب عن ملاقاة مخدومه في أي وقت شاء فينهى اليه ما يريد تنفيذه بحسب غرضه واتتخذ له اتباعا وخدما يقضون القضايا ويسعون في المهمات ويتوسطون لارباب الحاجات ويصانعهم الناس حتى الاكابر ويسعون الى دورهم وصاروا من أرباب الوجاهات والثروات ولم يزل ظاهر الامر نامي الذكر حتى وقعت الحوادث وسافر الفرنانساوية ودخل العثمانية ورجع قبودان باشا الى أبي قير فأرسل يطلبه في جملة من استدعاهم اليه وقتل مع من قتل ودفن بالاسكندرية

محرم الحرام ابتداء سنة ألف ومائتين وسبع عشره هجرية
استهل بيوم الاثنين فيه تواترت الاخبار بحصول الصلح العمومي بين القرانات جميعا ورفع الحروب فيما بينهم

وفيه ترادفت الاخبار بأمر عبد الوهاب وظهور شأنه من مدة ثلاث سنوات من ناحيةنجد ودخل في عقيدته قبائل من العرب كثيرة وبث دعاته في أقاليم الارض ويزعم انه يدعو الى كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله ويأمر بترك البدع التي ارتكبها الناس ومشوا عليها الى غير ذلك
وفيه سافر عثمان كتخدا الدولة الى الديار الرومية ونزل الى بولاق وضربوا له عدة مدافع وأخذ صحبته الخزينة وسافر معه مختار افندي ابن شريف افندي دفتردار مصر
وفي هذه الايام حصلت امطار متتابعة وغيام ورعود وبروق عدة أيام وذلك في اواسط نيسان الرومي
وفي ذلك اليوم نبهوا على الوجاقات والعساكر بالحضور من الغد الى الديوان لقبض الجامكية فلما كان في صبحها يوم الثلاثاء نصبوا صيوانا كبيرا ببركة الازبكية وحضر العساكر الوجاقلية بترتيبهم ونزل الباشا بموكبه الى ذلك الصيوان وهو لابس على رأسه الطلخان والقعطان الأطلس وهو شعار الوزارة ووضعوا الاكياس وخطفوها على العادة القديمة فكان وقتا مشهودا
وفي يوم الثلاثاء تاسعه حضر كبير الانكليز من الاسكندرية ونصبوا وطاقهم ببرانبابة فلما كان يوم الاربعاء يوم عاشوراء عدي كبير الانكليز ومعه عدة من أكابرهم فتهيأ لملاقاته الباشا واصطفت العساكر عند بيت الباشا ووصل الانكلز الى الازبكية وطلعوا الى عند الباشا وقابلوه فخلع عليهم وقدم لهم خيلا وهدية ثم نزلوا وركبوا ورجعوا الى وطاقهم وعند ركوبهم ضربوا لهم عدة مدافع فلم يعجب الباشا ضربها فأمر الطبجية لكونهم لم يضربوها على نسق واحد
وفيه وردت الاخبار بأن الانكليز أخلوا القلاع بالاسكندرية وسلموها لاحمد بك خورشيد وذلك يوم الاثنين ثامنه وأبطلوا الكرنتينه ايضا وحصل الفرج للناس وانطلق سبيل المسافرين برا وبحرا وأخذ الباشا في

الاهتمام بتشهيل الانكليز المسافرين الى السويس والقصير وما يحتاجون اليه من الجمال والادوات وجميع ما يلزم ولما حضر الانكليز الى عند الباشا فدعوه الى الحضور الى عندهم فوعدهم على يوم الجمعة فلما كان يوم الجمعة ثالث عشره ركب الباشا وصحبته طاهر باشا في نحو الخمسين وعدي الى الجيزة بعد الظهر ووقفت عساكر الانكليز صفوفا رجالا وركبانا وبأيديهم البنادق والسيوف واظهروا زينتهم وأبهتهم وذلك عندهم من التعظيم للقادم فنزل الباشا ودخل القصر فوجدهم كذلك صفوفا بدهليز القصر ومحل الجلوس فجلس عندهم ساعة زمانية وأهدوا له هدايا وتقادم وعند قيامه ورجوعه ضربوا له عدة مدافع على قدر ما ضرب لهم هو عند حضورهم اليه فلقد أخبرني بعض خواصهم ان الباشا ضرب لهم سبعة عشر مدفعا ولقد عددت ما ضربه الانكليز للباشا فكان كذلك وأخبرني حسين بك وكيل قبطان باشا وكان بصحبة الباشا عند ذهابه الى الانكليز قال كنا في نحو الخمسين والانكليز في نحو الخمسة آلاف فلو قبضوا علينا في ذلك الوقت لملكوا الاقليم من غير ممانع فسبحان المنجي من المهالك واذا تأمل العاقل في هذه القضية يرى فيها أعظم الاعتبارات والكرامة لدين الاسلام حيث سخر الطائفة الذين هم اعداء للملة هذه الدفع تلك الطائفة ومساعدة المسلمين عليهم وذلك مصداق الحديث الشريف وقوله صلى الله عليه و سلم ان الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر فسبحان القادر الفعال واستمرت طائفة كبيرة بالاسكندرية من الانكليز حتى يريد الله

وفي ذلك اليوم سافرت الملاقاة للحجاج بالوش
وفيه وصلت مكاتبات من أهل القدس ويافا والخليل يشكون ظلم محمد باشا ابي مرق وانه احدث عليهم مظالم وتفاريد ويستغيثون برجال الدولة وكذلك عرضوا أمرهم لأحمد باشا الجزار وحضر الكثير من أهل غزة ويافا والخليل والرملة هروبا من المذكور وفي ضمن المكاتبات انه حفر قبور

المسلمين والاشارف والشهداء بيافا ونبشهم ورمى عظامهم وشرع يبنى في تلك الجبانة سورا يتحصن به واذن للنصارى ببناء دير عظيم لهم ومكنهم ايضا من مغارة السيدة مريم بالقدس وأخذ منهم مالا عظيما على ذلك وفعل من امثال هذه الفعال اشياء كثيرة
وفيه حضر جماعة من العسكر القبالي وصحبتهم أربعة رؤس من المصرلية وفيهم رأس على كاشف ابي دياب وتواترت الاخبار بوقوع معركة بين العثمانية والمصرلية وكانت الغلبة على العثمانية وقتل منهم الكثير وذلك عند ارمنت وراس عصبة المصرلية الالفي وصحبته طائفة من الفرنسيس وتجمع عليهم عدة من عسكر الفرنساوية والعثمانية طمعا في بذلهم وان عثمان بك حسن انفرد عنهم وارسل يطلب امانا ليحضر فأرسلوا له امانا فحضر الى باشة الصعيد وخلع عبيه فروة سمور وقدم له خيلا وهدية
وفيه ورد الخبر بموت محمد باشا توسون والي جدة وكذلك خازنداره وفي يوم السبت رابع عشره شرع الانكليز المتوجهون الى جهة السويس في تعدية البر الشرقي ونصبوا وطاقهم عند جزيرة بدران وبعضهم جهة العادلية وذهبت طائفة منهم جهة البر الغربي متوجهين الى القصير واستمروا يعدون عدة أيام ويحضر أكابرهم عند الباشا ويركبون فيرمون لهم مدافع حال ركوبهم الى اماكنهم
وفي يوم الاثنين ثاني عشرينه عدى حسين بك وكيل القبطان الى الجيزة وتسلمها من الانكليز واقام بها وسكن بالقصر
وفي خامس عشرينه وصل الى ساحل بولاق اغا وعلى يده مثالات واوامر وحضر ايضا عساكر رومية فأرسلوا عدة منهم الى الجيزة فركب ذلك الاغا في موكب من بولاق الى بيت الباشا فخلع عليه وقدم له تقدمه وضربوا له عدة مدافع
وفيه حضر ططرى من ناحية قبلي بالاخبار بما حصل بين العثمانية والمصرلية وطلب جبخانة ولوازمها

وفيه وصلت الاخبار بان احمد باشا ارسل عسكر الى ابي مرق من البر والبحر فأحاطوا بيافا وقطعوا عنها الجالب واستمروا على حصاره
وفيه اتخذ الباشا عسكرا من طائفة التكرور الذين يأتون الى مصر بقصد الحج فعرضهم واختار منهم جملة وطلبوا الخياطين ففصلوا لهم قناطيش قصارا من جوخ احمر والبسة من جوخ ازرق وصدريات وجميعها ضيقة مقمطة مثل ملابس الفرنسيس وعلى رؤوسهم طراطير حمر واعطوهم سلاحا وبنادق وأسكنوهم بقلعة الجامع الظهري خارج الحسينية وجعلوا عليهم كبيرا يركب فرسا ويلبس فروة سمور وجمع الباشا ايضا العبيد السود وأخذهم من أسيادهم بالقهر وجعلهم طائفة مستقلة وألبسهم شبه ما تقدم وأركبهم خيلا وجعلهم فرقتين صغارا وكبارا واختارهم للركوب اذا خرج الى الخلاء وعليهم كبير يعلمهم هيئة اصطاف الفرنسيس وكيفية أوضاعهم والاشارات بمرش واردبوش وكذلك طلب المماليك وعصب ما وجده منهم من أسيادهم واختص بهم وألبسهم شبه لبس المماليك المصرلية وعمائم شبه البحرية الاروام وبلكات وشراويل وادخل فيهم ما وجده من الفرنسيس وجعل لهم كبيرا ايضا من الفرنسيس يعلمهم الكر والفر والرمي بالبنادق وفي بعض الاحيان يلبسون زرديات وخودا وبأيديهم السيوف المسلولة وسموا ذلك كله النظام الجديد

واستهل شهر صفر الخير بيوم الاربعاء سنة
في ثانيه وصل سعيد اغا وكيل دار السعادة وهو فحل اسمر فحضر عند الباشا فقابله وخلع عليه وقدم له تقدمة وضربوا له عدة مدافع ايضا
وفي يوم الخميس تاسعه عمل الباشا ديوانا وحضر القاضي والعلماء والاعيان وقرأوا خطا شريفا حضر بصحبة وكيل دار السعادة بانه ناظر اوقاف الحرمين
وفي يوم الاثنين ثالث عشره قتل الباشا ثلاثة اشخاص من النصارى

المشاهير وهم ألطون ابو طاقية وابراهيم زيدان وبركات معلم الديوان سابقا وفي الحال ارسل الدفتردار فختم على دورهم واملاكهم وشرعوا في نقل ذلك الى بيت الدفتردار على الجمال ليباع في المزاد فبدأوا باحضار تركة ألطون ابي طاقية فوجد له موجود كثير من ثياب وامتعة ومصاغ وجواهر وغيرها وجوار سود وحبوش وساعات واستمر سوق المزاد في ذلك عدة ايام
وفيه تواترت الاخبار بان بونابارته خرج بعمارة كبيرة ليحارب الجزائر وانه انضم الى طائفة الفرنسيس الاسبانيول والنامرطان وتفرقوا في البحر وكثر اللغط بسبب ذلك وامتنع سفر المراكب ورجع الانكليز الى قلاع الاسكندرية واستمرت هذه الاشاعة مدة ايام ثم ظهر عدم صحة هذه الاخبار وان ذلك من اختلافات الانكليز
وفي يوم الخميس سابع عشره حضر جاويش وصحبته مكاتبات الحجاج من العقبة وضربوا لحضوره مدافع واخبروا بالامن والرخاء والراحة ذهابا وايابا ومشوا من الطريق السلطاني وتلقتهم العربان وفرحوا بهم فلما كان يوم الاثنين وصل الحجاج ودخلوا الى مصر
وفي صبحها دخل امير الحج وصحبته المحمل
وفي يوم الخميس ثالث عشرينه سافر حسين اغا شنن وزين الفقار كتخدا وصحبتهما على كاشف لملاقاة عثمان بك حسن وأخلوا له دار عبد الرحمن كتخدا بحارة عابدين
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشرينه حضر عثمان بك حسن فارسل اليه الباشا اعيان اتباعه من الاغوات وغيرهم والجنائب فحضر بصحبتهم وقابل حضرة الباشا وخلع عليه خلعة وقدم له تقدمة وذهب الى الدار التي اعدت له وحضر صحبته صالح بك غيطاء وخلافه من الامراء البطالين ومعهم نحو المائتين من الغز والمماليك سكن كل من الامراء والكشاف في

مساكن ازواجهم فكانوا يركبون في كل يوم الى بيت عثمان بك ويذهبون صحبته الى ديوان الباشا ورتب له خمسة وعشرين كيسا في كل شهر

واستهل شهر ربيع الاول بيوم الخميس سنة
فيه شرعوا في عمل المولد النبوي وعملوا صوارى ووقدة قبالة بيت الباشا وبيت الدفتردار والشيخ البكري ونصبوا خياما في وسط البركة ونودي في يوم الخميس ثامنه بتزيين البلد وفتح الاسواق والحوانيت والسهر بالليل ثلاث ليال اولها صبح يوم الجمعة وآخرها الاحد ليلة المولد الشريف فكان كذلك
وفي ليلة المولد حضر الباشا الى بيت الدفتردار باستدعاء وتعشى هناك واحتفل لذلك الدفتردار وعمل له حراقة نفوط وسواريخ حصة من الليل
وفيه وصلت الاخبار بكثرة عربدة الامراء القبالى وتجمع عليهم الكثير من غوغاء الخوف والهوارة والعربان ووصلوا الى غربي اسيوط وخافتهم العساكر العثمانية وداخلهم الرعب منهم وتحصن كل فريق في الجهة التي هو فيها وانكمشوا عن الإقدام عليهم وهابوا لقاءهم مع ما هم عليه من الظلم والفجور والفسق بأهل الريف والعسف بهم وطلبهم الكلف الشاقة والقتل والحرق وذلك هو السبب الداعي لنفور اهل الريف منهم وانضامهم الى المصرلية ومن جملة افاعيلهم التي ضيقت المنافس واحرجت الصدور حتى اعاظم الدولة حجزهم المراكب ومنعهم السفار حتى تعطلت الاسباب وامتنع حضور الغلال من الجهة القبلية وخلت عرصات الغلة والسواحل من الغلال مع كثرتها في بلاد الصعيد ولولا تشديد الباشا في عدم زيادة سعر الغلة لغلت اسعارها وامر بان لا يدخلوا الى الشون والحواصل شيئا من الغلة بل يباع ما يرد على الفقراء حتى يكتفوا وفي كل وقت يرسلون اوراقا وفرمانات الى العساكر باطلاق المراكب فلا يمتثلون

ويحجز الواحد منهم او الاثنان المركب التي تحمل الالف اردب ويربطونها بساحل الجهة التي هم بها وتستمر كذلك من غير منفعة وربما مرت بهم شرعوا في تسفير عساكر ايضا وسارى عسكرهم طاهر باشا واخذ في المراكب المشحونة بالغلة فيأخذون منها النواتية والريس يستخدمونه في مركبهم ويأخذ غيرهم المركب فيرمي ما بها من الغلال على بعض السواحل ان لم يجدوا من يشتريه ويأخذون المراكب فيربطونها عندهم وامثال ذلك مما تقصر عنه العبارة ولما تواترت هذه الاخبار عن الامراء القبالي التشهيل والسفر فلما كان يوم الخميس خامس عشره عدى الى البر الغربي وتبعته العساكر
وفي ذلك اليوم حضرت مكاتبة من الامراء القبالي ملخصها أن الارض ضاقت عليهم واضطرهم الحال والضيق وفراق الوطن الى ما كان منهم وانهم في طاعة الله والسلطان ولم يقع منهم ما يوجب ابعادهم وطردهم وقتلهم فأنهم خدموا وجاهدوا وقاتلوا مع العثمانية وأبلوا مع الفرنساوية فجوزوا بضد الجزاء ولا يهون بالنفس الذل والاقبال على الموت فأما أن تعطونا جهة نتعيش فيها أو ترسلوا لنا أهلنا وعيالنا وتشهلوا لنا مراكب على ساحل القصير فنسافر فيها الى جهة الحجاز او تعينوا لنا جهة نقيم بها نحو خمسة اشهر مسافة ما نخاطب الدولة في أمرنا ويرجع لنا الجواب ونعمل بمقتضى ذلك فان لم تجيبونا لشيء من ذلك فيكون ذنب الخلائق في رقابكم لا رقابنا وورد الخبر عنهم انهم رجعوا القهقرى الى قبلي فلما حضرت تلك المكاتبة فاشتوروا في ذلك وكتبوا لهم جوابا بامضاء الباشا والدفتردار والمشايخ حاصله الامان لما عدا ابراهيم بك والالفي والبرديسي وابادياب فلا يمكن أن يؤذن لهم بشيء حتى يرسلوا الى الدولة ويأتي الاذن بما تقتضيه الاراء وأما بقيتهم فلهم الامان والاذن بالحضور الى مصر ولهم الاعزاز والاكرام ويسكنون فيما أحبوا من البيوت ويرتب لهم ما يكفيهم

من التراتيب والالتزام وغير ذلك مثل ما وقع لعثمان بك حسن فانهم رتبوا له خمسة وعشرين كيسا في كل شهر ومكنوه مما طلبه من خصوص الالتزام ورفعوها عمن كان أخذها بالحلوان وهذه اول قضية شنيعة ظهرت بقدومهم واستمر طاهر باشا مقيما بالبر الغربي
وفي هذا الشهر كمل تنميم عمارة المقياس على ما كان عمره الفرنسيس على طرف الميري وأنشا به الباشا طيارة في علوه عوضا عن الطيارة القديمة التي هدمها الفرنسيس وأنشأ ايصا مصطبة في مرمى النشاب بالناصرية وجعل فيها كشكا لطيفا مزينا بالاصباغ ودرابزين حول المصطبة المذكورة

ومن الحوادث بسكندرية
حضر قليون وفيه تجار وبزرجانية يقال له قليون مهر الدار الدولة فأرسى بالمينة الغربية وطلع منه قبطان وبعض التجار الى البلدة وأقام نحو يومين او ثلاثة فطلع رجل نصراني وأخبر الانكليز انه مات به رجل بالطاعون ومات قبله ثلاثة ايضا فطلبوا القبطان فهرب فأرسلوا الى المركب وأحضروا اليازجي وتحققوا القضية وأحرقوا المراكب بما فيها وأشهروا اليازجي وعروه من ثيابه وسحبوه بينهم في الاسواق وكلما مروا به على جماعة من العثمانية مجتمعين على مصاطب القهاوي بطحوه بين أيديهم وضربوه ضربا شديدا ولم يزالوا يفعلون به ذلك حتى قتلوه
ووقع ايضا ان خورشيد حاكم الاسكندرية أحدث مظالم ومكوسا على الباعة والمحترفين فذهب بعض الانكليز يشتري سمكا فطلب السماك منه زيادة في الثمن عن المعتاد فقال له الانكليزي لاي شيء تطلب زيادة عن العادة فعرفه بما أحدث عليهم من المكس فرجع الانكليزي وأخبر كبراءة فتحققوا القضية وأحضروا المنادي وأمروه بالمناداة بأبطال ما أحدثه العثمانية من المكوس والمظالم فخرج المنادي وقال حسبما رسم الوزير

محمد باشا وخورشيد أغا بان جميع الحوادث المحدثة بطاله فسمعوه يقول ذلك فأحضروه وضربوه ضربا شديدا وعزروه على ذلك القول وقالوا له قل في مناداتك حسبما رسم سارى عسكر الانكليز
ووقع ايضا ان جماعة من العسكر ارادوا القبض على امرأة من النساء اللاتي يصاحبن الانكليز فمنعها منهم عسكر الانكليز فتضاربوا معهم فقتل من الانكليز اثنان فاجتمع الانكليز وأرسلوا الى خورشيد بان يخرج الى خارج البلدة ويحاربهم فامتنع من ذلك فأمروه بالنزول من القلعة واسكنوه في دار بالبلد ومنعوا عسكره من حمل السلاح مطلقا مثل الانكليزية واستمروا على ذلك

واستهل شهر ربيع سنة
فيه حضر أحمد أغا شويكار من عند القبالي ومحمد كاشف صحبته من جماعة الالفي ومعهم مكاتبات وأشيع طلبهم الصلح فأقاموا عدة ايام محجوبين عن الاجتماع بالناس ثم سافروا في أواسطه ولم يظهر كيفية ما حصل وبطل سفر طاهر باشا الى الجهة القبلية ورجع الى داره بعد أيام من رجوعهم
وفيه عمل مولد المشهد الحسيني ودعا شيخ السادات الباشا في خامسه وتعشى هناك ورجع الى داره
وفيه تقلد السيد أحمد المحروقي امين الضربخانة وفرق ذهبا كثيرا في ذلك اليوم ببيت الباشا وعمل له ليلة بالمشهد الحسيني ودعا الباشا والدفتردار وأعيان الدولة والعلماء وأولم لهم وليمة عظيمة وأوقد بالمسجد وقدة كبيرة وقدم للباشا تقدمة وفي صبحها أرسل مع ولده هدية وتعبية أقمشة نفيسه فخلع عليه الباشا فروة سمور
وفي غرة هذا الشهر شرع الباشا في هدم الاماكن المجاورة لمنزله التي تهدمت واحترقت في واقعة الفرنسيس ليبنيها مساكن للعساكر

المختصة به وتسمى عندهم بالقشلة وذلك من قبالة منزله من المكان المعروف بالساكت الى جامع عثمان كتخدا حيث رصيف الخشاب واهتم لذلك اهتماما عظيما ورسم بعمل فردة على البلاد أعلى وأوسط وأدنى وأرسلوا المعينين لقبض ذلك من البلاد مع ما الفلاحون فيه من الظلم والجور من العساكر والمباشرين وحق الطرق وفرد الانكليز
وفي منتصفه كملت عمارة مشهد السيدة زينب بقناطر السباع وكان من خبره ان هذا المشهد كان أنشأه وعمره عبد الرحمن كتخدا القازدغلي في جملة عمائره وذلك في سنة 1174 فلم يزل على ذلك الى ان ظهر به خلل ومال شقه فانتدب لعمارته عثمان بك المعروف بالطنبرجي المرادي في سنة اثنتي عشرة ومائتين وألف فهدمه وكشف أنقاضه وشرع في بنائه وأقام جدرانه ونصبوا اعمدته وأرادوا عقد قناطره فحصلت حادثة الفرنسيس وجرى ما جرى فبقى على حالته الى أن خرج الفرنسيس من ارض مصر وحضرت الدولة العثمانية فعرض خدمة الضريح الى الوزير يوسف باشا فأمر باتمامه واكماله على طرف الميري ثم وقع التراخي في ذلك الى ان استقر قدم محمد باشا في ولاية مصر فأهتم لذلك فشرعوا في اكماله وتنميمه وتسقيفه وتقيد لمباشرة ذلك ذو الفقار كتخدا فتم على أحسن ما كان واحدثوا به حنفية وفسحة وزخرفوه بالنقوشات والاصباغ ولما كان يوم الجمعة رابع عشره حصلت به الجمعية وحضر الباشا الدفتردار والمشايخ وصلوا به الجمعة وبعد انقضاء الصلاة عقد الشيخ محمد الامير المالكي درس وظيفته وأملى انما يعمر مساجد الله الاية والاحاديث المتعلقة بذلك وثم المجلس وخلع عليه الباشا بعد ذلك خلعة وكذا الامام
وفيه نصب للباشا خيمة عند بيته بقرب الهدم يجلس بها حصة كل يوم لمباشرة العمل وربما باشر بنفسه ونقل بعض الانقاض فلما عاينه الاغوات والجوخدارية بادروا الى الشيل ونقل التراب بالغلقان فلما أشيع ذلك

حضر طاهر باشا واعيان العساكر فنقلوا ايضا وطلبوا المساعدة وحضر طائفة من ناحية الرميلة وعرب اليسار ومعهم طبول وزمور فسأل عن ذلك فقال له المحتسب ذو الفقار هؤلاء طائفة من طوائفي حضروا لاجل المساعدة فشكرهم على ذلك وأمرهم بالذهاب فبقى منهم طائفة وأخذوا في شيل التراب بالاغلاق ساعة والطبول تضرب لهم فانسر الباشا من ذلك وحسن القرناء للباشا المساعدة وان الناس تحب ذلك فرتبوا ذلك وأحضروا قوائم ارباب الحرف التي كتبت ايام فرد الفرنسيس ونبهوا عليهم بالحضور فأول ما بدأوا بالنصارى الاقباط فحضروا ويقدمهم رؤساؤهم جرجس الجوهري وواصف وفلتيوس ومعهم طبول وزمور واحضر لهم ايضا مهتار باشا النوبة التركية وانواع الآلات والمغنين حتى البرامكة بالرباب فاشتغلوا نحو ثلاث ساعات وفي ثاني يوم حضر منهم ايضا كذلك طائفة
ولما انقضت طوائف الاقباط حضر النصارى الشوام والاروام ثم طلبوا ارباب الحرف من المسلمين فكان يجتمع الطائفتان والثلاثة ويحضرون معهم عدة من الفعلة يستأجرونهم ويحضرون الى العمل ويقدمهم الطبول والزمور والمجرية وذلك خلاف ما رتبه مهتار باشا فيصير بذلك ضجة عظيمة مختلطة من نوبات تركية وطبول شامية ونقاقير كشوفية ودبادب حربية وآلات موسيقية وطبلات بلدية وربابات برامكية كل ذلك في الشمس والغبار والعفار وزادوا في الطنبور نغمة وهي انهم بعد ان يفرغوا من الشغل ويأذنوا لهم بالذهاب يلزمونهم بدراهم يقبضها مهتار باشا برسم البقشيش على أولئك الطبالين والزمارين فيعطيهم النزر اليسير ويأخذ لنفسه الباقي وذلك بحسب رسمه واختياره فيأتي على الطائفة المائة قرش والخمسون قرشا ونحو ذلك فيركب في ثاني يوم ويذهب الى خطتهم ويلزمهم باحضار الذي قرره عليهم فيجمعونه من بعضهم ويدفعونه واذا حضرت طائفة ولم تقدم بين يديها هدية أو جعالة

طولوا عليهم المدة واتعبوهم ونهروهم واستحثوهم في الشغل ولو كانوا من ذوي الحرف المعتبرة كما وقع لتجار الغورية والحريرية واذا قدموا بين ايديهم شيئا خففوا عليهم واكرموهم ومنعوا اعيانهم وشيوخهم من الشغل واجلسوهم بخيمة مهتار باشا واحضر لهم الآلات والمغاني فضربت بين ايديهم كما وقع ذلك لليهود واستمر هذا العمل بقية الشهر الماضي الى وقتنا هذا فاجتمع على الناس عشرة اشياء من الرذالة وهي السخرة والمعونة واجرة الفعلة والذل ومهنة العمل وتقطيع الثياب ودفع الدراهم وشماتة الاعداء من النصارى وتعطيل معاشهم وعاشرها اجرة الحمام
وفي يوم الاربعاء ثاني عشره الموافق لسادس مسرى القبطي كان وفاء النيل المبارك وكسر السد في صبحها يوم الخميس بحضرة الباشا والقاضي والشنك المعتاد وجرى الماء في الخليج ولم يطف مثل العادة ومنعوا دخول السفن والمراكب المعدة للنزهة وذلك بسبب اذية العساكر العثمانية
وفي منتصفه حضر قصاد من الططر وعلى يدهم مكاتبات من الدولة بوقوع الصلح العام من الدولة والقرانات وعثمان باشا ومن معه من المخالفين على الدولة ومن جهة الروملي فعملوا شنكا ومدافع ثلاثة ايام تضرب في كل وقت من الاوقات الخمسة وكتبوا اوراقا بذلك والصقوها في مفارق الطرق بالاسواق وقد تقدم مثل ذلك واظنه من المختلقات
وفي اواخره حضر حريم الباشا من الجهة الرومية وهما اثنتان احداهما معتوقة ام السلطان والاخرى معتوقة اخته زوجة قبطان باشا وصحبتهما عدة سراري فاسكنهن ببيت الشيخ خليل البكري وقد كان عمره قبل حضورهن وزخرفه ودهنوه بانواع الصباغات والنقوش وفرشوه بالفرش الفاخرة وفرش المحروقي مكانا وكذلك جرجس الجوهري فرش مكانا واحمد بن محرم واعتنوا بذلك اعتناء زائدا حتى ان جرجس فرش بساطا من الكشمير وغير ذلك وعمل وليمة العقد وعقد على الثنتين في آن

واحد بحضرة القاضي والمشايخ واهدوا لكل من الحاضرين بقجة من ظرائف الاقمشة الهندية والرومية وعملوا شنكا وحراقة بالازبكية عدة ليال

واستهل شهر جمادى الاولى بيوم الاثنين سنة
في يوم الاثنين ثامنه شنقوا ثلاثة من عساكر الاروام احدهم بباب زويلة والثاني بباب الخرق والثالث بالازبكية بالقرب من جامع عثمان كتخدا وقتلوا ايضا شخصا بالنحاسين
وفي يوم الثلاثاء تاسعه عمل الباشا ديوانا وفرق الجامكية على الوجاقلية
وفيه وردت الاخبار بوقوع حادثة بين الامراء القبالي والعثمانية وذلك ان شخصا من العثمانية يقال له أجدر موصوفا بالشجاعة والاقدام أراد أن يكبس عليهم على حين غفلة ليكون له ذكر ومنقبة في أقرانه فركب في نحو الالف من العسكر المعدودين وكانوا في طرف الجبل بالقرب من الهو فسبق العين الى الامراء وأخبرهم بذلك فلما توسطوا سطح الجبل واذا بالمصرلية أقبلت عليهم في ثلاثة طوابير فأحاطوا بهم فضرب العثمانية بنادقهم طلقا واحدا لا غير ونظروا واذا بهم في وسطهم وتحت سيوفهم ففتكوا فيهم وحصدوهم ولم ينج منهم الا القليل وأخذ كبيرهم أجدر المذكور أسيرا وانجلت الحرب بينهم وأحضروا أجدر بين يدي الالفي فقال له لاي شيء سموك أجدر فقال الاجدر معناه الافعى العظيم وقد صرت من اتباعك فقال لكن يحتاج الى تطريمك واخراج سمك أولا وأمر به فأخذوه وقلعوا اسنانه ثم قتلوه وأخذوا جميع ما كان معهم ومن جملة ذلك أربعة مدافع كبار
وفيه قلدوا أحمد كاشف سليم امارة اسيوط وعزل أميرها مقدار بك العثماني بسبب شكوى اهل النواحي من ظلمه
وفي منتصفه تواترت الاخبار برجوع الامراء القبالي الى بحري وانهم وصلوا الى بني عدي فنهبوا غلالها ومواشيها وقبضوا اموالها وأعطوهم وصولات بختمهم وكذلك الحواوشة وما جاور ذلك من البلاد فشرع

العثمانية بمصر في تشهيل جريدة وعساكر
وفيه حضرت ايضا عساكر كثيرة من هبود الاتراك والارنؤد فأحضروا مشايخ الحارات وأمروهم باخلاء البيوت لسكناهم فأزعجوا الكثير من الناس وأخرجوهم من دورهم بالقهر فحصل للناس غاية الضرر وضاق الحال بالناس وكلما سكنت منهم طائفة بدار أخربوها وأحرقوا أخشابها وطيقانها وأبوابها وانتقلوا الى غيرها فيفعلون بها كذلك ومن تكلم أو دافع عن داره وبخ بالكلام وقيل له عجب كنتم تسكنون الفرنسيس وتخلون لهم الدور وأمثال ذلك من الكلام القبيح الذي لا أصل له ولما شرعوا في تشهيل التجريدة حصلت منهم أمور وأذية في الناس كثيرة فمنها أنهم طلبوا الحمارة المكارية وأمروهم باحضار ستمائة حمار وشددوا عليهم في ذلك فقيل انهم لما جمعوها أعطوهم أثمانها في كل حمار خمسة ريالات بعدته ولجامه مع أن فيها ما قيمته خمسون ريالا خلاف عدته ثم ما كفاهم ذلك بل صاروا يخطفون حمير الناس من اولاد البلد بالقهر وكذلك حمير السقائين التي تنقل الماء من الخليج حتى امتنعت السقاؤن بالكلية وبلغ ثمن القربة الكتافي من الخليج عشرة انصاف فضة وتعدى بالخطف ايضا من ليس بمسافر فكانوا ينزلون الناس من على حميرهم ويذهبون بها الى الساحة ويبيعونها والبعض تبعهم واشترى حماره بالثمن فخبى جميع الناس حميرهم في داخل الدور فكان يأتي الجماعة من العسكر وينصتون بآذانهم على باب الدار ويتبعون نهيق الحمير وبعض شياطينهم يقف على الدار ويقول زر ويكررها فينهق الحمار فيعلمون به ويطلبونه من البيت فأما اخذوه او افتداه صاحبه ببما ارادوه وغير ذلك
وفيه حضر قاضي سكندرية الى مصر وذلك أنه لما حضر من اسلامبول طلع الى داره وحضرت اليه الدعاوي فأخذ منهم المحصول على الرسم المعتاد فأرسل اليه الانجليز ولاموه على عدم حضوره اليهم وقت قدومه وقالوا له ان أقمت هنا بتقليدنا اياك فلا نأخذ من أحد شيئا ونرتب لك

ثلاثة قروش في كل يوم والا فأذهب حيث شئت فحضر الى مصر بذلك السبب

شهر جمادى الثانية سنة
في خامسه سافرت العساكر الى الامراء القبالي وسافر ايضا عثمان بك الحسني وباقي العساكر المعزولين وأمير العساكر العثمانية محمد علي سرششمه وكان الباشا أرسل ابراهيم كاشف الشرقية بجواب اليهم فرجع في ثامنه بجواب الرسالة وأعطاه الالفي ألفي ريال وقدم له حصانين وحاصل تلك الرسالة كما تقدم الامان لجميع الامراء المصرلية وانهم يحضرون الى مصر ويقيمون بها ولهم ما يرضيهم من الفائظ وغيره ما عدا الاربعة الامراء وهم ابراهيم بك والالفي والبرديسي وأبا دياب فانهم مطلوبون الى حضرة السلطان يتوجهون اليه مع الامن عليهم ويعطيهم مناصب وولايات كما يحبون فان لم يرضوا بذلك فيأخذوا اقطاع اسنا ويقيمون بها فلما وصل ابراهيم اغا المذكور الى أسيوط وأرسل اليهم ارسلوا اليه أحمد آغا شويكار ومحمد كاشف الالفي فانتظروه خارج الجبانة فخرج اليهم ولاقوه وأخذوه وصحبتهم الى عرضيهم وأنزلوه بوطاق بات به فلما اصبح الصباح طلبوه الى ديوانهم فحضر ووقفت عساكرهم صفوفا ببنادقهم وفيهم كثير على هيئة اصطفاف الفرنسيس وعملوا له شنكا ومدافع ثم اعطاهم المكاتبة بحضرة الجميع فقرؤها ثم تكلم الالفي وقال أما قولكم نذهب الى اسلامبول ونقابل السلطان ينعم علينا فهذا مما لا يمكن وان كان مراده أن ينعم علينا فاننا في بلاده وانعامه لا يتقيد بحضورنا بين يديه واما بقية اخواننا فهم بالخيار ان شاؤا أقاموا معنا والا ذهبوا وكل انسان امير نفسه واما كون حضرة الباشا يعطينا اقطاع اسنا فلا يكفينا هذا وانما يكفينا من اسيوط الى آخر الصعيد ونقوم بدفع خراجه فان لم يرضوا بذلك فان الارض لله ونحن خلق الله نذهب حيث شئنا ونأكل من رزق الله ما يكفينا ومن أتى الينا حاربناه حتى يكون

من امرنا ما يكون ثم استقروا بقنطرة اللاهون وكسروا القنطرة وشرعوا في قبض اموال من بلاد الفيوم فلما رجع ابراهيم كاشف بذلك الجواب ركب الباشا في صبحها الى الآثار واستعجل العسكر بالذهاب فعدوا الى البر الغربي وتأخر عنهم عثمان بك الحسني والغز المصرلية وباتوا بطرا
وفيه شنق الباشا رجلا طبجيا في المشنقة التي عند قنطرة المغربي ثم ان عثمان بك ارسل الى الباشا يطلب حسين اغا شنن ومصطفى اغا الوكيل ليتفاوض معهما في كلام فأرسل له ابراهيم اغا كاشف الشرقية فأعطاه الخلعة التي خلعها عليه الباشا ودراهم الترحيلة وقال له سلم علي افندينا واخبره اني جاهدت الفرنسيس وبلوت معهم ثم اني حضرت بامان طائعا فلم اجاز ولم يحصل ما كنت اؤمله ولم يوفوا معي وعدا وانا لا اقاتل اخواني المسلمين واختم عملي بذلك ولا اقيم بمصر آكل الصدقة وانما اذهب سائحا في بلاد الله وكان في ظن عثمان بك انه اذا اتى الى مصر على هذه الصورة يجعله الباشا امير البلد أو امير الحاج
وفيه امر الباشا محمد كتخدا المعروف بالزربة بالسفر الى جهة قبلي فاستعفى من ذلك فأمر بقتله فشفع فيه يوسف كتخدا الباشا وقال ان له حرمة وقد كان في السابق كتخدا لافندينا ولا يناسب قتله على هذه الصورة فأمر بسفره الى جهة البحيرة محافظا فسافر من يومه واما عثمان بك فانه ركب وذهب الى جهة قبلي مشرقا على غير الرسم واشيع ذلك في الناس ولغطوابه فلما تحقق العثمانية ذلك رسموا الطوائف العسكر أن يقيموا منهم طوائف بالقلاع التي على التلول ونصبوا عليها بيارق واوقفوا حراسا على ابواب المدينة يمنعون من يخرج من المدينة من الغز الخياله والمصرلية فمن خرج الى بولاق او غيرها فلا يخرج الا بورقة من كتخدا الباشا
وفي ليلة الجمعة عاشره أمر الباشا بكبس بيوت الامراء الحسنية ونهب ما بها من الخيول والجمال والسلاح

وفيه حضر اغات التبديل الى بيت الخربطلي بعطفة خشقدم وبه جماعة من عسكر المغاربة فكبس عليهم وقبض على جماعة منهم وكتفهم وكشف رؤسهم وأحاطت بهم عساكره وسحبوهم واخذوا ما وجدوه في جيوبهم على هيئة شنيعة ومروا بهم على الغورية ثم على النحاسين وباب الشعرية حتى انتهوا بهم الى الازبكية على حارة النصارى ودخلوا بهم بيت الباشا وهم لا يعلمون لهم ذنبا فلما مثلوا بين يدي كتخدا الباشا ذكر لهم أن بجوارهم دير للنصارى وأنهم فتحوا طاقا صغيرا يطل على الدير فقالوا لا علم لنا بذلك وأخبروا ان جماعة من الارنؤد ساكنون معهم بأعلى الدار فيحتمل أن ذلك من فعلهم فأرسلوا من كشف على ذلك فوجدوه كما قال المغاربة فأطلقوهم بعد هذه الجرسة الشنيعة ومرورهم بهم الى حارة النصارى وأخذ دراهمهم ومتاعهم والامر لله وحده
وفيه أشيع مرور جماعة من الغز القبالي على جهة الجيزة الى جهة سكندرية وكذلك جماعة من الانجليز من سكندرية الى قبلي
وفيه تداعي مصطفى خادم مقام سيدي أحمد البدوي مع نسيبه سعد بسبب ميراث اخته فقال مصطفى أنا أحاسبه علىخمسين ألف ريال فقال سعد انا استخرج منه مائتي ألف ريال بشرط أن تعوقوه هنا وتعطوني خادمه وجماعة من العسكر ففعلوا ذلك وعوقوه ببيت السيد عمر النقيب وتسلم سعد خادمه والعسكر وذهب بهم الى طندتا فعاقبوا الخادم فاقر على مكان اخرجوا منه ستة وثلاثين ألف ريال فرانسه ثم فتحوا بئر مردومة بالاتربة واخرجوا منها ريالات فرانسه وانصافا وارباعا وفضة عددية كلها مخلوطة بالاتربة وقد ركبها الصدأ والسواد فأحضروها وجلوها في قاعة اليهود ولم يزالوا يستخرجون حتى غلقوا مائة وسبعة وثمانين ألف وسبعمائة وكسورا وآخر الامر اخرجوا خبيئة لا يعلم قدرها ثم حصل العفو ورجع العسكر واخذوا كراء طريقهم وأخذوا من اولاد عمه عشرة اكياس
وفي يوم السبت حادي عشره كان آخر التسخير في نقل التراب من

العمارة وكان آخر ذلك طائفة الخردة من الغياش والقرادتية وارباب الملاعيب وبطل الزمر والطبل واستمر الفعلة في حفر الاساس ورشح عليهم الماء بادنى حفر لكون ان ذلك في وقت النيل والبركة ملائة بالماء حول ذلك
وفي خامس عشره خرجت عساكر ودلاة ايضا وسافروا الى قبلي
وفي ثالث عشرينه سافر عساكر في نحو الاربعين مركبا الى جهة البحيرة بسبب عرب بنى على فأنهم عانوا بالبحيرة ودمنهور

ومن الحوادث السماوية
ان في تلك الليلة وهي ليلة الاربعاء ثاني عشرينه احمرت السماء بالسحاب عند غروب الشمس حمرة مشوبة بصفرة ثم انجلت وظهر في اثرها برق من ناحية الجنوب في سحاب قليل متقطع وازداد وتتابع من غير فاصل حتى كان مثل شعلة النفط المتوقدة المتوجة بالهواء واستمر ذلك الى ثالث ساعة من الليل ثم تحول الى جهة المغرب وتتابع لكن بفاصل على طريقة البرق المعتاد واستمر الى خامس ساعة ثم أخذ في الاضمحلال وبقي أثره غالب الليل وكان ذلك ليلة سادس عشرين درجة من برج الميزان وحادي عشر بابه القبطي وثامن تشرين اول الرومي ولعل ذلك من الملاحم المنذرة بحادث من الحوادث
وفيه ورد الخبر بورود مركب من فرانسا وبها الجي وقنصل وصحبتهما عدة فرنسيس فعمل لهم الانكليز شنكا ومدافع بالاسكندرية فلما كان ليلة الثلاثاء ثامن عشرينه وصل ذلك الالجي وصحبته خمسة من اكابر الفرنسيس الى ساحل بولاق فأرسل الباشا لملاقاتهم خازنداره وصحبته عدة عساكر خيالة وبأيديهم السيوف المسلولة فقابلوهم وضربوا لهم مدافع من بولاق والجيزة والازبكية وركبوا الى دار أعدت لهم بحارة البنادقة وحضروا في صبحها الى عند الباشا وقابلوه وقدم لهم خيلا معدة واهدى لهم هدايا وصاروا يركبون في هيئة وأبهة معتبرة وكان فيهم جبير ترجمان بونابارته

وفيه وردت الاخبار بأن الغز القبالي نهبوا بلاد الفيوم وقبضوا أموالها ونهبوا غلالها ومواشيها وحرقوا البلاد التي عصت عليهم وقتلوا ناسها حتى قتلوا من بلدة واحدة مائة وخمسين نفرا واما العثمانية الكائنون بالفيوم فانهم تحصنوا بالبلدة عملوا لهم متاريس بالمدينة وأقاموا داخلها

شهر رجب الفرد سنة
استهل بيوم الجمعة فيه رموا اساس عمارة الباشا وكان طلب من الفلكيين ان يختاروا له وقتا لوضع الاساس ففعلوا ذلك وكان بعد اثني عشر يوما من يوم تاريخه فأستبعده وأمر برمي الاساس في اليوم المذكور
ورب النجم يفعل ما يشاء
وفيه احضروا أربعة رؤس فوضعت عند باب الباشا زعموا أنهم من قتلى الغز المصرلية
وفي خامسه يوم الثلاثاء سافر الالجي الفرنساوي وأصحابه فنزلوا الى بولاق وامامهم مماليك الباشا بزينتهم وهم لابسون الزروخ والخود وبايديهم السيوف المسلولة وخلفهم العبيد المختصة بالباشا وعلى رؤسهم طراطير حمر وبايديهم البنادق على كواهلهم فلم يزالوا صحبتهم حتى نزلوا ببيت راشتوا ببولاق ثم رجعوا ثم نزلوا المراكب الى دمياط وضربوا لهم مدافع عند تعويمهم السفن
وفيه أشيع انتشار الامراء القبالي الى جهة بحري وحضروا الى اقليم الجيزة وطلبوا منها الكلف حتى وصلوا الى وردان
وفيه حضر محمد كتخدا المعروف بالزربة الذي كان كتخدا الباشا وتقدم أنه كان أمره بالسفر الى قبلي فأمتنع وأذن له بالسفر الى البحيرة محافظا فلما تقدم طوائف الامراء الى بحري فمر منهم جماعة قليلة على محمد كتخدا الزربة المذكورة فلم يتعرض لهم مع قدرته على تعويقهم فبلغ الباشا ذلك فحقدها عليه وأرسل اليه وطلبه الى الحضور فحضر فلما كان يوم السبت تاسعه طلبه الباشا في بكرة النهار فلما أحضر أمر بقتله فنزل به العسكر

ورموا رقبته عند باب الباشا ثم نقلوه الى بين المفارق قبالة حمام عثمان كتخدا فاستمر مرميا عريانا الى قبيل الظهر ثم شالوه الى بيته وغسلوه في حوش البيت سكنه ودفنوه وعند موته ارسل الدفتردار فختم على داره واخرج حريمه وفي ثاني يوم أحضروا تركته ومتاعه وباعوا ذلك ببيت الدفتردار
وفيه وردت مكاتبات من الديار الرومية وفيها الخبر بعزل شريف أفندي الدفتردار وولاية خليل افندي الرجائي المنفصل عن الدفتردارية عام أول فحزن الناس لذلك حزنا عظيما فأن أهل مصر لم يروا راحة من وقت دخول العثمانية الى مصر بل من نحو أربعين سنة سوى هذه السنة التي باشرها هو فأنه أرضى خواطر الصغير قبل الكبير والفقير قبل الغني وصرف الجامكية وغلال الانبار عينا وكيلا وكان كثير الصدقات ويحب فعل الخير والمعروف وكان مهذبا في نفسه بشوشا متواضعا وهو الذي أرسل يطلب الاستعفاء من الدفتردارية لما رأى من اختلال أحكام الباشا
وفي يوم الاثنين حادي عشره عدى يوسف كتخدا الباشا الى برانبابة وعدى معه الكثير من العسكر ونصب العرضى ببرانبابة على ساحل البحر وأشيع وصول الامراء الى ناحية الجسر الاسود وقطعوا الجسر لاجل تصفية المياه وانحدارها من الملق لاجل مشى الحافر ثم رجعوا الى ناحية المنصورية وبشتيل واستمر خروج العساكر والعثمانية التي كانت جهة قبلي الى برانبابة وهم كالجراد المنتشر ونصبوا وطاقهم ظاهر انبابة واستمر خروج العساكر والطلب ونقل البقساط والجبخانة على الجمال والحمير ليلا ونهارا وأخذوا المراكب ووسقوها معهم في البحر وغصبوا ما وجدوه من السفن قهرا وانتشرت عساكرهم وخيامهم ببرانبابة حتى ملؤا الفضاء بحيث يظن الرائي لهم انهم متى تلاقوا مع الغز المصرلية اخذوهم تحت اقدامهم لكثرتهم واستعدادهم بحيث كان اوائل العرضي عند الوراريق

وآخرهم بالقرب من بولاق التكر ورطولا ثم ان الامراء رجعوا الى ناحية وردان والطرانة
وفي يوم الجمعة خامس عشره انتقل العرضي من برانبابة وحلوا الخيام وفي ثاني يوم خرجت عساكر خلافهم ونصبت مكانهم وسافروا وخرج خلافهم وهكذا دأبهم في كل يوم تخرج طائفة بعد اخرى
وفيه رسم الباشا بالف اردب فتح انعام تفرق على طلبة العلم المجاورين والاروقة بالجامع الازهر ففرقت بحسب الاغراض وانعم ايضا بعد أيام بالف اردب اخرى فعل بها كذلك ... وانها خطرات من وساوسه ... يعطي ويمنع لا بخلا ولا كرما ...
وفي يوم الاحد سابع عشره وصلت جماعة ططر واخبروا بتقليد شريف محمد افندي الدفتردار ولاية جدة
وفي يوم الثلاثاء تاسع عشره خرج طاهر باشا ونصب وطاقه جهة انبابة للمحافظة وخرجت عساكره ونصبت وطاقاتهم ببر انبابة ايضا متباعدين عن بعضهم البعض واستمروا على ذلك
وفي يوم الجمعة ثاني عشرينه حضر رجل من طرف الدولة يقال له حجان وهو رجل عظيم من ارباب الاقلام وعلى يده فرمان فأرسل الباشا الى شريف افندي الدفتردار والقاضي والمشايخ وجمعهم بعد صلاة الجمعة وقرىء عليهم ذلك الفرمان وهو خطاب الى حضرة الباشا وملخصه اننا اخترناك لولاية مصر لكونك ربيت بالسراية ولمانعلمه منك من العقل والسياسة والشجاعة وارسلنا اليك عساكر كثيرة وامرناك بقتال الخائنين واخراج الاربعة انفار من الاقليم المصري بشرط الامان عليهم من القتل وتقليدهم ما يختارونه من المناصب في غير اقليم مصر واكرامهم غاية الاكرام ان امتثلوا الاوامر السلطانية واطلقنا لك التصرف في الاموال الميرية لنفقة العسكر واللوازم وما عرفنا موجب تأخير امرهم لهذا الوقت فان كان لقلة العساكر أرسلنا اليك كذلك ان لم يمتثلوا وكل من انضم اليهم كان مثلهم

ومن شذ عنهم وطلب الأمان فهو مقبول وعليه الامان الى آخر ما ذكر من ذلك المعنى
وفي يوم السبت ثالث عشرينه كتبت اوراق بمعنى ذلك وألصقت بالطرقات
وفي خامس عشرينه تواترت الاخبار بوقوع معركة بين العثمانيين والامراء المصرلية بأراضي دمنهور وقتل من العساكر العثمانية مقتلة عظيمة وكانت الغلبة للمصرليين وانتصروا على العثمانيين وصورة ذلك انه لما تراءى الجمعان واصطفت عساكر العثمانيين الرجالة ببنادقهم واصطفت الخيالة بخيولهم وكان الالفي بطائفة من الاجناد نحو الثلاثمائة قريبا منهم وصحبتهم جماعة من الانكليز فلما رأوهم مجتمعين لحربهم قال لهم الانكليز ماذا تصنعون قالوا نصدمهم ونحاربهم قال الانكليز انظر واما تقولون ان عساكرهم الموجهين اليكم اربعة عشر الفا وانتم قليلون قالواالنصر بيد الله فقالوا دونكم فساقوا اليهم خيولهم واقتحموا الى الخيالة فقتل منهم من قتل فأنهزم الباقون وتركوا الرجالة خلفهم ثم كروا على الرجالة فلم يتحركوا بشيء وطلبوا الامان فساقوا منهم نحو السبعمائة مثل الاغنام واخذوا الجبخانة والمدافع وغالب الحملة والانكليز وقوف على علة ينظرون الى الفريقين بالنظارات فلما تحقق الباشا ذلك اهتم في تشهيل عساكر ومدافع وعدوا الى بر انبابة ونصبوا وطاقهم هناك وانتقل ظاهر باشا الى ناحية الجيزة

استهل شهر شعبان بيوم السبت سنة فيه شرعوا في عمل متاريس جهة الجيزة
وقبضوا على أناس كثيرة من ساحل مصر القديمة ليسخروهم في العمل
وفيه حضر الكثير من العساكر المجاريح وجمع الباشا النجارين والحدادين وشرع في عمل شركفلك فاشتغلوا فه ليلا ونهارا حتى تمموه في خمسة أيام وحملوه على الجمال وأنزلوه المراكب وسفروه الى دمنهور

في سادسه وفي عاشره كتبوا عدة اوراق وختم عليها المشايخ ليرسلوها الى البلاد خطأ بالمشايخ البلادوالعربان مضمونها معنى ما تقدم وكتبوا كذلك نسخا وألصقت بالاسواق وذلك باشارة بعض قرناء الباشا المصرلية وهي بمعنى التحذير والتخويف لمن يسالم الامراء المصرلية وخصوصا المغضوب عليهم مطرودين السلطنة للعصاة الى آخر معنى ما تقدم
وفي هذه الايام كثرت الغلال حتى غصت بها السواحل والحواصل ورخص سعرها حتى بيع القمح بمائة وعشرين نصفا الاردب واستمرت الغلال معرمة في السواحل ولا يوجد من يشتريها وكان شريف افندي الدفتردار أنشأ اربعة مراكب كبار لغلال الميري ولما حصلت النصرة للمصرلية على العثمانية خصوصا هذه المرة مع كثرتهم وقوتهم واستعدادهم ضبغوا فيهم واحتكروها ووقفوا على سواحل النيل يمنعون الصادر والوارد منهم ومن غيرهم وأما الباشا فأنه سخط على العساكر وصار يلعنهم ويشتمهم في غيابهم وحضورهم
وفيه حضرت جماعة من اشراف مكة وعلمائها هروبا من الوهابيين وقصدهم السفر الى اسلامبول يخبرون الدولة بقيام الوهابيين ويستنجدون بهم لينقذوهم منهم ويبادروا لنصرهم عليهم فذهبوا الى بيت الباشا والدفتردار وأكابر البلد وصاروا يحكون ويشكون وتنقل الناس أخبارهم وحكاياتهم

استهل شره رمضان المعظم سنة
عملت الرؤية ليلة الاحد وركب المحتسب ومشايخ الحرف على العادة ولم ير الهلال وكان غيما مطبقا فلزم اتمام عدة شعبان ثلاثين يوما فأنتدب جماعة ليلة الاحد وشهدوا انهم رأوا هلال شعبان ليلة الجمعة فقبله القاضي وحكم به تلك الليلة على ان ليلة الجمعة التي شهدوا برؤيته فيها لم يكن

للهلال وجودالبتة وكان الاجتماع في سادس ساعة من ليلة الجمعة المذكورة باجماع الحساب والدساتير المصرية والرومية على انه لم ير الهلال ليلة السبت الاحد يد البصر في غاية العمر والعجب وشهر رجب كان أوله الجمعة وكان عسر الرؤية ايضا وان الشاهد بذلك لم يتفوه به الا تلك الليلة فلو كانت شهادته صحية لاشاعها في أول الشهر ليوقع ليل النصف التي هي من المواسم الاسلامية في محلها حيث كان حريصا على اقامة شعائر الاسلام
وفيه حضرت جماعة من اشراف مكة وغيرها
وفي خامس عشرينه حضر خليل افندي الرجائي الدفتردار في قلة من اتباعه وترك أثقاله بالمراكب وركب من مدينة فوة وحضر على البر وذلك بسبب وقوف جماعة من الامراء المصرلية ناحية النجيلة يقطعون الطريق على المارين في المراكب ولما حضر نزل ببيت اسمعيل بك بالازبكية
وفي غايته وقع ما هو أشنع مما وقع في غرته وذلك ان ليلة الاثنين غايته كان بالسماء غيم مطبق ومطر ورعد وبرق متواتر وأوقدت قناديل المنارات والمساجد وصلى الناس التراويح واستمر الحال الى سابع ساعة من الليل واذا بمدافع كثيرة وشنك من القلعة والازبكية ولغط الناس بالعيد وذكروا ان جماعة حضروا من دمنهور البحيرة وشهدوا انهم رأوا هلال رمضان ليلة السبت فذهبوا الى بيت الباشا فأرسلهم الى القاضي فتوقف القاضي في قبول شهادتهم فذهبوا الى الشيخ الشرقاوي فقبلهم وايدهم وردهم الى القاضي والزمه بقبول شهادتهم فكتبوا بذلك اعلاما الى الباشا وقضوا بتمام عدة رمضان بيوم الاحد ويكون غرة شوال صبحها يوم الاثنين واصبح الناس في امر مريج منهم الصائم ومنهم المفطر فلزم من ذلك انهم جعلوا رجب ثمانية وعشرين يوما وشعبان تسعة وعشرين وكذلك رمضان والامر لله وحده

شهر شوال سنة
كان اوله الحقيقي يوم الثلاثاء وجزم غالب الناس المفطرين بقضاء يوم الاثنين
وفي خامسه وصلت اثقال خليل افندي الرجائي الدفتردار
وفيه طلبوا الف كيس سلعة من التجار وارباب الحرف فوزعت وقبضت على يد احمد المحروقي وهي اول حادثة وقعت بقدوم الدفتردار
وفي يوم الخميس عاشره نصب جاليش شريف باشا المعبر عنه بالطوخ عند بيته بالازبكية وضربت له النوبة التركية واهدى له الباشا خياما كثيرة وطقما ولوازم
وفي يوم الاثنين ثاني عشرينه كان خروج امير الحاج بالموكب والمحمل المعتاد الى الحصوة وكان ركب الحجاج في هذه السنة عالما عظيما وحضر الكثير من حجاج المغاربة من البحر وكذلك عالم كثير من الصعيد وقرى مصر البحرية والاروام وغير ذلك
وفي يوم الخميس خامس عشرينه خرج شريف باشا في موكب جليل ونصب وطاقه عند بركة الشيخ قمر فأقام به الى ان يسافر الى جدة من القلزم وانتقل خليل افندي الرجائي الدفتردار الى دار شريف باشا بالازبكية
وفي غايته حضر أولاد الشريف سرور شريف مكة هروبا من الوهابيين ليستنجدوا بالدولة فنزلوا ببيت المحروقي بعدما قابلوا محمد باشا والي مصر وشريف باشا والي جدة
شهر ذي القعدة الحرام سنة
استهل بيوم الاربعاء فيه تقدم الناس بطلب الجامكية فأمرهم الدفتردار بكتابة عرضحالات فثقل عليهم ذلك فقالوا اننا كتبنا عرضحالات في السنة الماضية وأخذنا سنداتنا من الدفتردار المنفصل ودفع لنا سنة ستة عشر فقيل لهم انه دفع لكم سنة معجلة والحساب لا يكون الا من يوم التوجيه

فضجوا من ذلك وكثر لغط الناس بسبب ذلك واكثروا من التشكي من الدفتردار
وفي سادسه اجتمع الكثير من النساء بالجامع الأزهر وصاحوا بالمشايخ وأبطلوا دروسهم فاجتمعوا بقبلته ثم ركبوا الى الباشا فوعدهم بخير حتى ينظر في ذلك وبقي الامر وهم في كل يوم يحضرون وكثر اجتماعهم بالأزهر وباب الباشا فلم يحصل لهم فائدة من ذلك سوى أن رسم لهم بمواجب اخر سنة تاريخه معجلة ولم يقبضوا منها الا ما قل بسبب تتابع الشرور والحوادث
وفي حادي عشره يوم السبت ارتحل شريف باشا الى بركة الحج متوجها الى السويس
وفيه ارتحل حجاج المغاربة وكانوا كثيرين فسافر اغنياؤهم والكثير من فقرائهم من طريق البر وآخرون من السويس على القلزم
وفي رابع عشره حضر ططريات الى الباشا وعلى يدهم شالات شريفة وبشارة بتقرير على السنة الجديدة وزيد له تشريف تترخانية ومعناه مرتبة عالية في الوزارة فضربوا شنكا ومدافع متوالية يومين
وفيه اشيع انتقال الامراء المصرلية من جهة البحيرة وقبلوا الى ناحية الجسر الاسود وأشيع ايضا ان جماعة منهم نزلوا بصحبة جماعة من الانكليز الى البحر قاصدين التوجه الى اسلامبول وانتقل كتخدا بك خلفهم بعساكره ولكن لم يتجاسروا على الاقدام عليهم
وفيه وصلت الاخبار من الجهات الشامية بهروب محمد باشا أبي مرق من يافا واستيلاء عساكر احمد باشا الجزار عليها وذلك بعد حصاره فيها سنة وأكثر
وفي رابع عشره حضر كتخدا الباشا وتقدم الامراء المصرلية الى جهة قبلي حتى عدوا الجيزة وحصل منهم ومن العساكر العثمانية الضرر الكثير في مرورهم على البلاد من التفاريد والكلف ورعى الزروع وقطع الطرق

برا وبحرا وكان آغات الجو الى القبلية وهو نجيب افندي كتخدا الدفتردار وصحبته ارباب مناصب عدوا الى الجيزة متوجهين الى الصعيد ونصبوا خيامهم ببر الجيزة فصادفوهم وهجموا عليهم وقتلوا منهم من وجدوه وهرب الباقون فاستولوا على خيامهم ووطاقهم وكذلك كتخدا الدفتردار خرج الى مصر القديمة متوجها الى الصعيد لقبض الغلال والاموال فاستمر مكانه وتأخر لعدم المراكب وخوفا من المذكورين
وفيه ورد الخبر بنزول شريف باشا الى المراكب بالقلزم يوم الخميس سادس عشره
وفي يوم الاربعاء ثاني عشرينه طلبوا ايضا خمسة آلاف كيس سلفة من التجار ثلاثة آلاف كيس ومن الملتزمين ألفا كيس وشرعوا في توزيعها فأنزعج الناس واغلق أهل الغورية حوانيتهم وكذا خلافهم وهرب أهل وكالة الصابون الى الشام على الهجن واختفى اكثر الناس مثل السكرية واهل مرجوش وخلافهم فطلبهم المعينون ولزموا بيوتهم وسمروا مطابخ السكر وكذلك عملوا فردة على البلاد أعلى وأوسط وأدنى الا على خمسمائة ريال والاوسط ثلثمائة والادنى مائة وخمسون
وفيه تحقق الخبر بنزول طائفة الانكليز وسفرهم من ثغر الاسكندرية في يوم السبت حادي عشره ونزل بصحبتهم محمد بك الالفي وصحبته جماعة من اتباعه
وفي خامس عشرينه حضر أحمد باشا والي دمياط وكانوا أرسلوا له طوخا ثالثا وأنه يحضر ويتوجه لمحافظة مكة وكذلك قلدوا آخر باشاوية المدينة يسمى أحمد باشا وضعوا لهما عسكرا يسافرون صحبتهم للمحافظة من الوهابيين وأخذوا في التشهيل
وفي هذه الايام كثر تشكي العسكر من عدم الجامكية والنفقة فأنه اجتمع لهم جامكية نحو سبعة أشهر وقد قطع عليهم الباشا رواتبهم وخرجهم لقلة الايراد وكثرة المطلوبات وكراهته لهم فصار كبراؤهم يترددون

ويكثرون من مطالبة الدفتردار حتى كان يهرب من بيته غالب الايام وأشيع بالمدينة قيام العسكر وانهم قاصدون نهب امتعة الناس فنقل أهل الغورية وخلافهم بضائعهم من الحوانيت وامتنع الكثير منهم من فتح الحوانيت وخافهم الناس حتى في المرور وخصوصا أوقات المساء فكانوا اذا انفردوا بأحد شلحوه من ثيابه وربما قتلوه وكذلك أكثروا من خطف النساء والمردان
وفي ليلة الثلاثاء ثامن عشرينه كان انتقال الشمس لبرج الحمل وأول فصل الربيع وفي تلك الليلة هبت رياح شمالية شرقية هبوبا شديدا مزعجا واستمرت بطول الليل وفي آخر الليل قبل الفجر اشتد هبوبها ثم سكنت عند الشروق وسقط تلك الليلة دار بالحبالة بالرميلة ومات بها نحو ثلاثة أشخاص وداران أيضا بطولون وغير ذلك حيطان وأطارف أماكن قديمة ثم تحولت الريح غربية قوية واستمرت عدة أيام ومعها غيم ومطر
وفيه وصل الامراء المصرلية الى الفيوم فأخذوا كلفا ودراهم كثيرة فردوها على البلاد ثم سافروا الى الجهة القبلية
وفيه ورد الخبر بأن المراكب التي بها ذخيرة أمير الحاج بالقلزم المتوجهة الى الينبع والمويلح غرقت بما فيها ومركب الجميعي من جملتها
وفيه حضر مصطفى بينباشا الذي كان ايام الوزير بمصر الى بلبيس وهو موجه بطلب مبلغ دراهم فأقام ببلبيس حتى أرسلوها له ثم ذهب الى دمياط وصحبته نحو الاربعمائة من الارنؤد ليسافر من البحر
وفيه توجه المحروقي والكثير من الناس لزيارة سيدي أحمد البدوي لمولد الشرنبلالية وأخذ معه عدة كثيرة من العسكر خوفا من العربان ووصل اليه فرمان بطلب دراهم من أولاد الخادم ومن أولاد البلد فدلوا على مكان لمصطفى الخادم فأستخرجوا منه ستة آلاف ريال وطلبوا من كل واحد من اولاد عمه مثلها

شهر ذي الحجة الحرام سنة
استهل بيوم الجمعة في يوم الاثنين رابعه قتلوا شخصا عسكريا نصرانيا عند باب الخرق قتله آغات التبديل بسبب انه كان يقف عند باب داره بحارة عابدين هو ورفيقان له ويخطفون من يمر بهم من النساء في النهار الى ان قبض عليه وهرب رفيقاه
وفيه ايضا أخرجوا من دار بحارة خشقدم قتلى كثيرة نساء ورجالا من فعل العسكر
وفيه عدي ابراهيم باشا الى بر الجيزة
وفي يوم الاحد عاشره كان عيد الاضحى في ذلك اليوم حضر من الامراء القبالي مكاتبة على يد الشيخ سليمان الفيومي خطابا للمشايخ فأخذها بختمها وذهب بها الى الباشا ففتحها واطلع على ما فيها ثم طلب المشايخ فحضروا اليه وقت العصر
وفي يوم الجمعة خامس عشره حضرت مكاتبات من الديار الحجازية يخبرون فيها عن الوهابيين انهم حضروا الى جهة الطائف فخرج اليهم شريف مكة الشريف غالب فحاربهم فهزموه فرجع الى الطائف وأحرق داره التي بها وخرج هاربا الى مكة فحضر الوهابيون الى البلدة وكبيرهم المضايفي نسيب الشريف وكان قد حصل بينه وبين الشريف وحشة فذهب مع الوهابيين وطلب من مسعود الوهابي أن يؤمره على العسكر الموجه لمحاربة الشريف ففعل فحاربوا الطائف وحاربهم أهلها ثلاثة أيام حتى غلبوا فأخذ البلدة الوهابيون واستولوا عليها عنوة وقتلوا الرجال وأسروا النساء والاطفال وهذا دأبهم مع من يحاربهم
وفي ذلك اليوم مر أربعة أنفار من العسكر وأخذوا غلاما لرجل حلاق بخط بين السورين عند القنطرة الجديدة فعارضهم الاوسطى الحلاق في أخذ الغلام فضربوا الحلاق وقتلوه ثم ذهبوا بالغلام الى دارهم بالخطة فقامت في الناس ضجة وكرشة وحضر اغات التبديل فطلبهم فكرنكوا بالدار

وضربوا عليه البنادق من الطيقان فقتلوا من اتباعه ثمانية أنفار ولم يزالوا على ذلك الى ثاني يوم فركب الباشا في التبديل ومر من هناك وأمر بالقبض عليهم فنقبوا عليهم من خلف الدار وقبضوا عليهم بعد ما قتلوا وجرحوا آخرين فشنقوهم ووجدوا بالدار مكانا خربا اخرجوا منه زيادة عن ستين امرأة مقتولة وفيهن من وجدوها وطفلها مذبوح معها في حضنها
وفيه حضر علي آغا الوالي الى بيت احمد آغا شويكار بضرب سعادة واخرج منه قتلى كثيرة وامثال ذلك شيء كثير
وفي خامس عشره ايضا امر الباشا الوجاقلية ان يخرجوا جهة العادلية لاجل الخفر من العربان فانهم فحش امرهم وتجاسروا في التعرية والخطف حتى عل نواحي المدينة بل وطريق بولاق وغير ذلك فلما كان في ثاني يوم ركب الوجاقلية بأبهتهم وبيارقهم وحضروا الى بيت الباشا وخرجوا من هناك الى وطاقهم الذي أعدوه لأنفسهم خارج القاهرة وشرعوا ايضا في تعمير قصر من القصور الخارجة التي خربت أيام الفرنسيس
وفي تاسع عشره سافر جماعة الوجاقلية المذكورين وصحبتهم عدة من العسكر الى جهة عرب الجزيرة بسبب اغارة موسى خالد ومن معه على البلاد وقطع الطرق فلاقاهم المذكور وحاربهم وهزمهم الى وردان وذهب هو الى جهة البحيرة
وفي رابع عشرينه يوم الاحد كان عيد النصارى الكبير في ليلتها وهي ليلة الاثنين وقع الحريق في الكنيسة التي بحارة الروم وفي صبحها شاع ذلك فركب اليها أغات الانكشارية والوالي وأحضروا السقائين والفعلة الذين يعملون في عمارة الباشا حتى أخذوا الناس المجتمعة بسوق المؤيد بالانماطيين وحضر الباشا ايضا في التبديل واجتهدوا في اطفائها بالماء والهدم حتى طفئت في ثاني يوم واحترق بها أشياء كثيرة وذخائر وأمتعة ونهبت أشياء
وفيه وردت اخبار بان الامراء المصرلية وصلوا الى منية بن خصيب

فأرسلوا الى حاكمها بان ينتقل منها ويعدى هو ومن معه من العسكر الى البر الشرقي حتى انهم يقيمون بها اياما ويقضون اشغالهم ثم يرحلون فأبوا عليهم وحصنوا البلدة وزادوا في عمل المتاريس وحاكمها المذكور سليم كاشف تابع عثمان بك الطنبرجي المرادي المقتول فانه سالم العثمانيين وانضم اليهم فألبسوه حاكما على المنية واضافوا اليه عساكر فذهب اليها ولم يزل مجتهدا في عمل متاريس ومدافع حتى ظن انه صار في منعة عظيمة فلما أجابهم بالامتناع حضروا الى البلدة وحاربهم اشد المحاربة مدة أربعة ايام بلياليها حتى غلبوا عليهم ودخلوا البلدة وأطلقوا فيها النار وقتلوا أهلها وما بها من العسكر ولم ينج منهم الا من ألقى نفسه في البحر وعام الى البر الاخر أو كان قد هرب قبل ذلك وأما سليم كاشف فانهم قبضوا عليه حيا وأخذوه أسيرا الى ابراهيم بك فوبخه وأمر بضربه فضربوه علقة بالنبابيت
وفيه وصلت هجانة من شريف باشا بمكاتبة للباشا والدفتردار يخبر فيها انه وصل الى الينبع وهو عازم على الركوب من هناك على البر ليدرك الحج ويترك أثقاله تتوجه في المركب الى جده
وفي غايته وصل سلحدار الباشا وصحبته أغات المقرر الذي تقدمت بشارته فلما وصلوا الى بولاق أرسل الباشا في صبحها اليهم فركبوا في موكب الى بيت الباشا وضربوا لهم مدافع وحضر المشايخ والقاضي والاعيان والوجاقات فقرىء عليهم ذلك وفيه الامر بتشهيل غلال للحرمين والحث والامر بمحاربة المخالفين
وفيه بعثوا نحو ألف من العسكر الى جهة اسيوط للمحافظة فساروا على الهجن من البر الشرقي
وفيه ارسلوا أوراقا الى التجار وأرباب الحرف بطلب باقي الفردة وهو القدر الذي كان تشفع فيه المحروقي وأخذوا في تحصيله
وانقضت هذه السنة وما وقع بها من الحوادث الكلية التي ذكر بعضها

وأما الجزئية فلا يمكن الاحاطة ببعضها فضلا عن كلها لكثرتها واختلاف جهاتها واشتغال البال عن تتبع حقائقها ونسيان الغائب بالاشتع والقبيح بالاقبح فمن الكلية التي عم الضرر بها زيادة المكوس أضعاف المعتاد في كل ثغر ذهابا وايابا ومنها توالي الفرد والسلف والمظالم على أهل المدينة والارياف وحق طرق المعينين وكلفهم الخارجة عن الحد والمعقول بأدنى شكوى ولو بالباطل فبمجرد ما يأتي الشاكي بعرضحال شكواه يكتب له ورقة ويعين بها عسكري أو اثنان أو اكثر بحسب اختيار الشاكي وطلبه للتشفي من خصمه فبمجرد وصوله الى المشكى بصورة منكرة وسلاح كثير متقلد به فلا يكون له شغل الا طلب خدمته ولا يسأل عن الدعوى ولا عن صورتها ويطلب طلبا خارجا عن المعقول كألف قرش في دعوى عشرة قروش وخصوصا اذا كانت الشكوى على فلاح في قرية فيحصل أشنع من ذلك من اقامتهم عندهم وطلبهم وتكليفهم الذبائح والفطور بما يشترطونه ويقترحونه عليهم وربما يذهب الشخص الذي يكون بينه وبين آخر عداوة قديمة أو مشاحنة أو دعوى قضى عليه فيها بحرق من زمان طويل فيقدم له عرضحال ويعين له مباشرا بفرمان ويذهب هو فلا يظهر ويذهب المعين في شغله والمشكي لا يرى الشاكي ولا يدري من اين جاءته هذه المصيبة ويمكن أنه من بعد خلاصه من امر المباشر يحضر الى بيت الباشا ويفحص عن خصمه ويعرفه فينهى دعواه ويظهر حجته بانه على الحق وان خصمه على الباطل فيقال له عين على خصمك أيضا فأن أجاب الى ذلك رسم له بفرمان ومعين آخر كذلك والا ترك أجره على الله ورجع فضاق ذرع الناس من هذه الحال وكرهوا هذه الاوضاع وربما قتل الفلاحون المعينين وهربوا من بلادهم وجلوا عن أوطانهم خوف الغائلة ولم يزل هذا دأبهم حتى نفرت منهم القلوب وكرهتهم النفوس وتمنوا لهم الغوائل وعصت أهل النواحي وعربدت العربان وقطعوا الطرق وعلموا خيانتهم فخانوهم ومكالبتهم فكالبوهم وانتمى عربان الجهة القبلية الى الامراء

المصرلية وساعدوهم عليهم ولما انحدر الامراء الى جهة بحري انضمت اليهم جميع قبائل الجهة العربية والهنادي وعرب البحيرة وخلافهم فلما وقعت الحروب بين الامراء والعثمانيين وكانت الغلبة للامراء والعربان زادت جسارتهم عليهم ورصدوا لهم الغوائل وقطعوا عليهم وعلى المسافرين الطرق بحرا وبرا فمن ظفروا به ومانعهم نهبوا متاعه وقتلوه والا سلبوه وتركوه فحش الامر جدا قبلي وبحري حتى وقف حال الناس ورضوا عن احكام الفرنسيس ومنها ان الباشا لما قتل الوالي والمحتسب وعمل قائمة تسعيرة للمبيعات وان يكون الرطل اثنتي عشرة أوقية في جميع الاوزان وأبطلوا الرطل الزياتي الذي يوزن به السمن والجبن والعسل واللحم وغير ذلك وهو أربع عشرة أوقية لم ينفذ من تلك الاوامر شيء سوى نقص الارطال ولم يزل ذو الفقار محتسبا حتى رتب المقررات على المتسببين زيادة عن القانون الاصلي وجعل منها قسط الخزينة الباشا وللكتخدا وخلافهما ورجعت الامور في الاسعار أقبح وأغلى مما كانت عليه في كل شيء واستمر الرطل اثنتي عشرة أوقية لا غير وكثر ورود الغلال أيام النيل ورخص سعرها والرغيف على مقدار رغيف الغلاء ومنها ان الفضة الانصاف العددية صاروا يأخذونها من دار الضرب أول بأول ويرسلونها الى الروم والشام بزيادة الصرف ولا ينزل الى الصيارف منها الا القليل حتى شحت بأيدي الناس جدا ووقف حالهم في شراء لوازم البيوت ومحقرات الامور ويدور الاسانن بالريال او المحبوب أو المجر وهو في يده طول النهار فلا يجد مصارفته وأغلقت غالب الصيارف حوانيتهم بسبب ذلك وبسبب أذية العسكر فأنهم يأتون اليهم ويلزمونهم بالمصارفة فيقول له الصيرفي ليس عندي فضة فلا يقبل عذره ويفزع عليه بيطقانه أو بارودته وان وجد عنده المصارفة وكان المحبوب أو البندقي ناقصا في الوزن لا يستقيم في نقصه ولا يأخذ الا صرفه كاملا واذا اشترى شيئا من سوقي أعطاه بندقيا وطلب باقيه ولم يكن عند البائع باقيه أخذ

الذي اشتراه والبندقي وذهب ولا يقدر المسبب على استخلاص حقه منه وان وجد معه باقي المصارفة وأخذ ذلك البندقي ونقد عند الصراف وكان ناقصا وهو الغالب لا يقدر الصيرفي أن يذكر نقصه فان قال انه ينقص كذا فزع عليه وسبه وبعضهم أدخل اصبعه في عين الصراف وامثال ذلك
ومنها شحة المراكب حتى أن المسافر يمكث الايام الكثيرة ينتظر مركبا فلا يجد وربما اخذوها بعد تمام وسقها فنكتوه واخذوها وان مرت على الامراء المصرلية ومن انضم اليهم تعرضوا لها ونهبوا ما بها من الشحنة وأخذوا المركب واستمر هذا الحال على الدوام فكان ذلك من اعظم اسباب التعطيل ايضا
ومنها تسلط العسكر على خطف الناس وسلبهم وقتلهم وخصوصا في اواخر هذه السنة حتى امتنعت الناس من المرور في جهات سكنهم الا ان يكونوا في عزوة ومنعة وقوة ولا تكاد ترى شخصا يمر في الاسواق السلطانية من بعد المغرب وقبيل العشاء واذا اضطر الانسان الى المرور تلك الاوقات فلا يمر الا كالمجازف على نفسه وكأنما على رأسه الطير فيقال أن فعلهم هذه الفعائل من عوائدهم الخبيثة اذا تأخرت نفقاتهم فعلوا ذلك مع العامة على حد قول القائل خلص تارك من جارك وذلك كله بسبب تأخير جماكيهم وقطع خرجهم نحو خمسة أشهر والباشا يسوقهم ويقول هؤلاء لا يستحقون فلسا وأي شيء خرج من يدهم وطول المدى نكلفهم ونعطيهم وما ستروا أنفسهم مع الغز المصرلية ولا مرة فلا حاجة لنا بهم بل يخرجون علي ويذهبون حيث شاؤا فليس منهم الا الرزية والفنطزية وهم يقولون لا نخرج ولا نذهب حتى نستوفي حقنا على دور النصف الفضة الواحد وان شئنا أقمنا وان شئنا ذهبنا ومنها استمرار الباشا على الهمة والاجتهاد في العمارة والبناء وطلب الاخشاب والمؤن حتى عز جميع أدوات العمارة وضاق حال الناس بسبب احتياجهم لعمارة أماكنهم التي تخرب في الحوادث السابقة وبلغ سعر الاردب الجبس مائة وعشرين

نصفا والجير المخلوط اربعين نصفا واجرة المعلم في اليوم خمسة وأربعين نصفا ويتبعه آخر مثل ذلك والفاعل اثنين وعشرين نصفا وأحدثوا أخذ اجازة من المعمارجي وهو ان الذي يريد بناء ولو كانونا لا يقدر أن يأتيه البناء حتى يأخذ ورقة من المعمارجي ويدفع عليها خمسين نصفا ولم يزل الاجتهاد في العمارة المذكورة حتى أقاموا جانبا من القشلة وهي عبارة عن وكالة يعلوها طباق وأسفلها اصطبلات وحولها من داخل حواصل ومن خارج حوانيت وقهوة فعندما تمت الحوانيت ركبوا عليها درفها وأسكنوا بها قهوجيا ومزينا من أتباع الباشا وخياطين وعقادين وسروجية الباشا وغير ذلك ولم يكمل تسقيف الطباق وعملوا لها بوابة عظيمة بمصاطب وهدموا حائط الرحبة المقابلة لبيت الباش الخارجة وعمرت وانشئت بالحجر النحت المحكم الصنعة وعملوا لها بابا عظيما ببدنات وابراج عظيمة وبها طاقات عليا وسفلى وصفوا بها المدافع العظيمة وبركة الرحبة مثل ذلك وعملوا لها باب آخر قبالة باب القشلة بحيث صار بينها وبين القشلة رحبة متسعة يسلك منها المارون الى جهة بولاق على الجسر الذي عمله الفرنسيس ويخرجون ايضا في سلوكهم من بوابة عظيمة الى طريق بولاق من الجهة الغربية بحائط حجر متصلة من الحربة حيث البوابة المواجهة للقشلة الى آخر القشلة وعلى هذه البوابة من الجهتين مدافع مركبة على بدنات وابراج وطيقان مهندمة وبأسفلها من داخل مصطبة كبيرة من حجر وبها باب يصعد منه الى تلك الابراج والجبخانة والعساكر جلوس على تلك المصاطب الخارجة والداخلة لابسين الاسلحة وبنادقهم مرصوصة بدائر الحيطان وبداخل الرحبة الوسطانية مدافع عظيمة مرصوصة بطول الرحبة يمينا وشمالا وكذلك بداخل الحوش الجواني الاصلي وبأسفل البركة نحو المائتي مدفع مرصوصة ايضا وعربيات وصناديق جبخانة وآلات حرب وغير ذلك والجبخانة الكبيرة لها محل مخصوص بالحوش الداخل الاصلي ولها خزنة وطبجية وعربجية

ومنها انه عدم البصل الاحمر حتى بيع الرطل بسعر القنطار في الزمن السابق وعدم الملح أيضا بسبب احتكاره وعدم المراكب التي تجلبه من بحري لما ترتب عليهم من زيادة الجمرك وعدم مكاسبهم فيه لان الذي تولى على جمرك الملاحة صار يأخذه من أصحابه على ذمته بسعر قليل معلوم ويبيعه على ذمته بسعر كثير لمن يسافر به الى جهة قبلي وذلك خلاف ما يأخذه من المراكب التي تحمله فامتنع المتسببون فيه من تجارته فعز وجوده في آخر السنة حتى بيع الربع بثمانين نصفا من ثلاث انصاف وضجت الناس من ذلك فأرسل ذلك الملتزم ثلاثة مراكب على ذمته ووسقها ملحا وصار يبيع الربع بعشرين نصفا ويبيعه المسبب بثلاثين وهذا لم يعهد فيما تقدم من السنين وعدم ايضا الصابون بسبب تأخر القافلة حتى بيع بأغلى ثمن ثم حضرت القافلة فانحل سعره وتواجد وغير ذلك مما لا يمكن الاحاطة به ونسأل الله تعالى حسن العاقبة

سنة ثمان عشرة ومائتين والف
شهر محرم الحرام سنة 1218
استهل بيوم السبت في ذلك اليوم وقعت زعجة عظيمة في الناس وحصلت كرشات في مصر وبولاق وحوانيتهم ورفعوا منها ماخف من متاعهم من الدكاكين وبعضهم ترك حانوته وهرب والبعض سقط متاعه من يده ولم يشعر من شدة ما لحقهم من الخوف والارجاف ولم يعلم سبب ذلك فيقال ان السبب في ذلك ان جماعة من كبار العسكر ذهبوا الى الباشا وطلبوا جماكيهم المنكسرة وخرجهم فقال لهم اذهبوا الى الدفتردار فذهبوا الى الدفتردار فقال لهم جمكيتكم عند محمد علي فذهبوا الى محمد علي وكانوا وعدوهم بقبض جامكيتهم في ذلك اليوم فلما ذهبوا الى محمد علي قال لهم لم اقبض شيئا فعلموا معه شراسة وضرب بينهم بعض بنادق وهاجت العسكر عند بيت محمد علي سرششمه فحصلت هذه الزعجة في مصر وبولاق ثم سكن ذلك بعد أن وعدهم بعد ستة أيام

وفيه وردت عدة تقارير وبها جبخانة وجملة من العسكر وصحبتهم ابراهيم اغا الذي كان كاشف الشرقية عام اول وكان توجه الى اسلامبول فحضر وصحبته ذلك فحملوا الجبخانة وطلعوها الى القلعة فيقال انها متوجهة الى جدة بسبب فتنة الحجاز وقيل غير ذلك
وفي يوم الجمعة سابعه ثارت العسكر وحضروا الى بيت الدفتردار فاجتمعوا بالحوش وقفلوا باب القيطون وطردوا القواسة وطلع جمع منهم فوقفوا بفسحة المكان الجالس به الدفتردار ودخل اربعة منهم عند الدفتردار فكلموه في انجاز الوعد فقال لهم انه اجتمع عندي نحو الستين الف قرش فاما أن تأخذوها أو تصبروا كم يوم حتى يكمل لكم المطلوب فقالوا لا بد من التشهيل فان العسكر تقلقوا من طول المواعيد فكتب ورقة وارسلها الى الباشا بأن يرسل اليه جانب دراهم تكملة للقدر الحاصل عنده في الخزينة فرجع الرسول وهو يقول لا ادفع ولا آذن بدفع شيء فأما ان يخرجوا ويسافروا من بلدي او لا بد من قتلهم عن آخرهم فعندما رجع بذلك الجواب قال له ارجع اليه واخبره ان البيت قد امتلأ بالعساكر فوق وتحت واني محصور بينهم فعند وصول المرسال وقبل رجوعه أمر الباشا بأن يديروا المدافع ويضربوها على بيت الدفتردار وعلى العسكر فما يشعر الدفتردار الا وجلة وقعت بين يديه فقام من مجلسه الى مجلس آخر وتتابع الرمي واشتعلت النار في البيت وفي الكشك الذي أنشأه ببيت جده المجاور لبيته وهو من الخشب والحجنة من غير بياض لم يكمل فالتهب بالنهار فنزل الى اسفل والارنؤد محيطة به وبات تحت السلالم الى الصباح ونهب العسكر الخزينة والبيت ولم يسلم الا الدفتردار والاوراق وضعوها في صناديق وشالوها وكان ابتداء رمي المدافع وقت صلاة الجمعة واما اهل البلد فانهم كانوا متخوفين ومتطيرين من قومه او فزعة تحصل من العسكر قبل ذلك فلما عاين الناس تجمعهم ببيت الدفتردار شاع ذلك في المدينة ومر الوالي يقول للناس ارفعوا متاعكم

واحفظوا انفسكم وخذوا حذركم واسلحتكم فأغلق الناس الدكاكين والدروب وهاجوا وماجوا فلما سمعوا ضرب المدافع زاد تطيرهم وتخيلوا هجوم العكسر ونهب البلد بل ودخول البيوت ولا راد يردهم ولا حاكم يمنعهم ونادى المنادي معاشر الناس واولاد البلد كل من كان عنده سلاح فليلبسه واجتمعوا عند شيخ مشايخ الحارات يذهب بكم الى بيت الباش وحضرت اوراق من الباشا لأهل الغورية ومغاربة الفحامين وتجار خان الخليل وأهل طولون يطلبهم بأسلحتهم والحضور عنده والتحذير من التخلف فذهب بعض الناس فأقاموهم عند بيت حريم الباشا وبيت بن المحروقي المجاور له وهو بيت البكري القديم فباتوا ليلتهم هناك وحضر حسن آغا والي العمارة عشاء تلك الليلة وطاف على الناس يحرضهم على القيام ومعاونة الباشا وتجمع بعض الاوباش بالعصي والمساوق وتحزبوا احزابا وعملوا متاريس عند رأس الوراقين وجهة العقادين والمشهد الحسيني فلما دخل الليل بطل الرمي الى الصباح فشرعوا في الرمي بالمدافع والقنابر من الجهتين وتترست العساكر بجامع أزبك وبيت الدفتردار وبيت محمد علي وكوم الشيخ سلامة وداخل الناس خوف عظيم من هذه الحادثة وأما القلعة الكبيرة فان الباشا مطمئن من جهتها لانه مقيد بها الخازندار ومعه عدة من الارنؤد وغيرهم وقافل أبوابها ولما كان يوم الجمعة امس تاريخه قبل حصول الواقعة وحضر اغات الإنكشارية والوجاقلية لاجل السلام على عادتهم ودخلوا عند كتخدا بك فقال لهم نبهوا على اهل البلد بغلق الدكاكين والاسواق والاستعداد فإن العسكر حاصل عندهم قلة ادب فلما طلعوا عند الباشا اعلموه بمقالة كتخدا بك فقال لهم نعم فقال له آغات الانكشارية يا سلطانم ينبغي الاحتفاظ بالقلعة الكبيرة قبل كل شيء فقال ان بها الخازندار واوصيته بالاحتفاظ وغلق الابواب فقال له الاغا لكن ينبغي أن نترك عند كل باب من خارج قدر خمسين انكشاريا فقال وايش فائدتهم ما عليكم من هذا الكلام

تريدون تفريق عساكري اذهبوا لما امرتكم به وذلك لاجل انفاذ القضاء وحضر طاهر باشا ايضا في ذلك الوقت وهو كالمحب ومكمن العداوة فلم يقابله الباشا وأمره بأن يذهب الى داره ولا يقارش فلما كان في صبحها يوم السبت رتب الباشا عساكره على طريقة الفرنسيس وهو المسمى بالنظام الجديد فخرجوا بأسلحتهم وبنادقهم وخيولهم وهم طوابير ومروا حوالي البركة وانقسموا فرقتين فرقة أتت على رصيف الخشاب وفرقة على جهة باب الهواء ليأخذوا الارنؤدية بينهم ويحصروهم من الجهتين فلما حضرت الفرقة التي من ناحية رصيف الخشاب قاتلوا الارنؤدية فعند ذلك أركبوا الدفتردار وأخذوه الى بيت طاهر باشا ومعه أتباعه وانهزم الارنؤدية من تلك الجهة وانحصروا جهة جامع ازبك واشتغلوا بمحاربة الفرقة الاخرى وتحققوا الهزيمة والخذلان وعندما وصلت عساكر الباشا الى بيت الدفتردار والمحروقي وبيت حريم الباشا اشتغلوا بالنهب واخراج الحريم وتركوا القتال وتفرقوا بالمنهوبات وفترت همة الفرقة الاخرى وجرى أكثرهم ليخطف شيئا ويغنم مثلهم وقالوا نحن نقاتل ونموت لاعلى شيء وأصحابنا ينهبون ويغنمون فهزموا انفسهم لذلك وتراجع الارنؤدية واشتدت عزيمتهم ورجع البعض منهم على عساكر الباشا فهزموا من بقي منهم وملكوا الجهة التي كانوا أجلوهم عنها فعند ذلك ظهر طاهر باشا وركب الى الرميلة وتقدم الى باب العزب فوجده مغلوقا فعالج الطاقات الصغار التي في حائط باب العزب القريبة من الارض المعدة لرمي المدافع من أسفل ففتح بعضها ودخل منها بعض عسكر فتلاقوا مع الارنؤد المحافظين داخل الباب فالتف بعضهم على بعض ثم طلعوا عند الخازندار وكان عنده ابن أخت طاهر باشا ممرضا قبل ذلك بايام وصحبته طائفة ايضا فالتفوا على بعضهم وصاروا عصبة وطلبوا مفاتيح القلعة من الخازندار فمانعهم ولما رأى منهم العين الحمراء سلمهم المفاتيح فنزلوا وفتحوا الابواب لطاهر باشا وحبسوا الخازندار وأنزلوا من القلعة مدافع وبنبات وجبخانة

الى الازبكية لجماعتهم وكذلك قيدوا بالقلعة طبجية وعساكر كل ذلك ومحمد باشا لا يدري بشيء من ذلك فلم يشعر الا والضرب نازل عليه من القلعة فسأل ما هذا فقيل له انهم ملكوا القلعة فسقط في يذه وعند ذلك نزل طاهر باشا من القلعة وشق من وسط المدينة وهو يقول بنفسه مع المنادي أمان واطمئنان افتحوا دكاكينكم وبيعوا واشتروا وما عليكم باس وطاف يزور الاضرحة والمشايخ والمجاذيب ويطلب منهم الدعاء ورفع الناس المتاريس من الطرق وانكفوا عن مقارشة العسكر وكذلك لم يحصل أذية من العسكر لاحد من الرعية وأمروا بفتح مخابز العيش والماآكل وأخذوا واشتروا عن غير اجحاف ولا بخس فلما علم الباعة منهم ذلك ذهبوا اليهم بالعيش والكعك والجبن والفطير والسميط وغير ذلك ودخلوا فيهم يبيعون عليهم وهم يشترون منهم بالمصلحة وصار بعض أولاد البلد يذهب الى الفرجة ويدخل بينهم ويمر من وسطهم فلا يتعرضون لهم ويقولون نحن مع بعضنا وأنتم رعية فلا علاقة لكم بنا ووجدوا مع البضع سلاحا ذهب به عندما ارسل الباشا ونادى بالناس فردوهم بلطف وكل ذلك على غير القياس وطاهر باشا لم يكن له شغل الا الطواف بالمدينة والاسواق وخارج البلد ويقول للفلاحين الذين يجلبون الحطب والجلة والسمن والجبن من الارياف كونوا على ما أنتم عليه وهاتوا أسبابكم وبيعوا واشتروا وليس عليكم باس وحضر اليه الوالي فأمره بالمرور والمناداة بالامن للناس واستمر الحرب بين الفريقين نهار السبت واشتد ليل الاحد طول الليل فما أصبح النهار حتى زحف عساكر الارنؤد الى جامع عثمان كتخدا والي حارة النصارى من الجهة الاخرى وطلعوا الى التلول التي بناحية بولاق وملكوا بولاق وهجموا على مناخ الجمال الذي بالقرب من الشيخ فرج فقتلوا من به من عسكر التكرور وهرب من بقى منهم عريانا وقبضوا على منش القبطان وعدوا بالغليون الى برانبابة ونهبوا ما فيه وكان به مال القبطان وذخائره التي جمعها من مظالم المراكب والمسافرين والقادمين شيا كثيرا وكذلك ذهبت

طائفة منهم الى قصر العيني وقبضوا على من به ومن عبيد الباشا وعروهم وأخذوهم اسرى ونهبوا بيت السيد أحمد المحروقي بالازبكية وهو بيت البكري القديم وقد كان اخلاه لنفسه وعمره وسكنه بحريمه فنهبوا منه شيئا كثيرا يفوق الحصر واخرجوا منه النساء بعد ما فتشوهن او افتدين انفسهن وكذلك بيت حريم الباشا الملاصق له بعد ما ارسل الباشا عساكره قبل بيوم فنقل منه الحريم عنده بطولهن لا غير ونهبوا بيت جرجس الجوهري وأخذوا منه اشياء نفيسة كثيرة وفراوي مثمنة وحريم بيت الباشا لم يتمكنوا منه الا بعد انفضاض القضية بيومين بسبب ان المحافظين عليه كانوا ثمانية عشر فرنساويا فحاصروا فيه هذه المدة حتى خرجوا منه بامان واما سكان تلك الخطة فأنهم كانوا يذهبون الى طاهر باشا او محمد علي فيرسل معهم عسكر لخفارتهم حتى ينقلوا امتعتهم او امكنهم الى جهات بعيدة عن ذلك المحل ليامنوا على انفسهم من الحرب وهرب المحروقي وابنه عند الباشا ولاحت لوائح الخذلان على الباشا واستعد للفرار فأنه لما بات تلك الليلة لم يجد عليقا ولا خبزا فعلقوا على الخيل ارزا وتعشى الباشا بالقسمات وارسل الى حارة النصارى فطلب منهم خبزا فأرسلوا له خبزا فخطفه الارنؤد في الطريق ولم يصل اليه ثم عسكر الارنؤد احضروا آلة بنية ووضعوها بالبركة وضربوا بها على بيت الباشا فوقعت واحدة على الباذاهنج فألتهب فيه النار فأرادوا اطفاءها فلم يجدوا سقائين تنقل الماء ويقال ان الخازندار الذي كان بالقلعة لما قبضوا عليه التزم لهم بحرق بيت الباشا ويطلقوه فأرسل بعض أتباعه الى مكانه الذي ببيت الباشا فأوقدوا فيه النار في ذلك الوقت واشتعلت في الاخشاب والسقوف وسرت الى مساكن الباشا فعند ذلك نزل الباشا الى أسفل وأنزل الحريم وعددهن سبع عشرة امرأة فأركبهن بغالا وأمر الدلاة والهوارة ان يتقدموهن وركب صحبتهن المحروقي وابنه وترجمانه وصير فيه وعبيده وفراشوه وتأخر الباشا حتى أركب الحريم ثم ركب في مماليكه ومن بقي من عسكره

وأتباعه وركب معه حسين آغاشنن وبعض آغوات وصحبته ثلاث هجن وخرج الى جزيرة بدران فعندما أشيع ركوبه هجمت عساكر الارنؤد على البيت واشتغلوا بالنهب هذا والنار تشتعل فيه وكان ركوبه قبيل أذان العصر من يوم الاحد تاسع المحرم وخرج خلفه عدة وافرة من عسكر الارنؤد فرجع عليهم وهزمهم مرتين وقيل ثلاثا واما المحروقي ومن معه فأنهم تشتتوا من بعضهم خلف الدلاة ولم يلحقوهم وانقطع حزام بغلته فنزل عنها فأدركه العساكر المتلاحقة بالباشا فعروه وشلحوه هو واتباعه وابنه واخذوا منهم نحو عشرين الف دينار اسلامبولي نقدية وقيل جواهر بنحو ذلك فأدركهم عمر أغا بينباشي المقيم ببولاق فوقعوا عليه فأمنهم واخذهم معه الى بولاق وباتوا عنده الى ثاني يوم واخذ لهم امانا وحضر الى طاهر باشا وقابله وكذلك جرجس الجوهري ونهب العسكر بيت الباشا واخذوا منه شيئا كثيرا وباتت النار تلتهب فيه والدخان صاعد الى عنان السماء حتى لم يبق فيه الا الجدران التحتانية الملاصقة للارض واحترقت وانهدمت تلك الابنية العظيمة المشيدة العالية وما به من القصور والمجالس والمقاعد والرواشن والشبابيك والقمريات والمناظر والتنهات والخزائن والمخادع وكان هذا البيت من أضخم المباني المكلفة فانه اذا حلف الحالف انه صرف على عمارته من اول الزمان الى ان احترق عشر خزائن من المال او اكثر لا يحنث فان الالفي لما انشأه صرف عليه مبالغ كثيرة وكان اصل هذا المكان قصرا عمره وانشأه السيد ابراهيم ابن السيد سعودي اسكندر من فقهاء الحنفية وجعل في اسفله قناطر وبوائك من ناحية البركة وجعلها برسم النزهة لعامة الناس فكان يجتمع بها عالم من اجناس الناس واولاد البلد شيء كثير وبها قهاوي وبياعون وفكهانية ومغاني وغير ذلك ويقف عندها مراكب وقوارب بها من تلك الاجناس فكان يقع بها وبالجسر المقابل لها من عصر النهار الى آخر الليل من الخط والنزاهة ما لا يوصف ثم تداول ذلك القصر أيدي الملاك وظهر علي بك وقساوة حكمه فسدوا تلك البوائك

ومنعوا الناس عنها لما كان يقع بها في الاحيان من اجتماع اهل الفسوق والحشاشين ثم اشترى ذلك القصر الامير أحمد أغا شويكار وباعه بعد مدة فاشتراه الامير محمد بك الالفي في سنة احدى عشرة ومائتين وألف وشرع في هدمه وتعميره وانشائه على الصورة التي كان عليها وكان غائبا جهة الشرقية فرسم لكتخداه صورته في كاغد بكيفية وضعه فحضر ذو الفقار كتخدا وهدم ذلك القصر وحضر الجدران ووضع الاساس وأقام الدعائم ووضع سقوف الدور السفلى فحضر عند ذلك مخدومه فلم يجده على الرسم الذي حدده له فهدمه ثانيا وأقام دعائمه على مراده واجتهد في عمارته وطلب له الصناع والمؤن من الاحجار والاخشاب المتنوعة حتى شحت المؤن في ذلك الوقت وأوقفت أربعة من امرائه على أربع جهاته وعمل على ذمة العمارة طواحين للجبس وقمن الجير واحضر البلاط من الجبل قطعا كبارا ونشرها على قياس مطلوبة وذلك الرخام وذلك خلاف انقاض رخام المكان وانقاض الاماكن التي اشتراها وهدمها وأخذ اخشابها وانقاضها ونقلها على الجمال وفي المراكب لاجل ذلك فمنها البيت الكبير الذي كان أنشأه حسن كتخدا الشعراوي على بركة الرطلي وكان به شيء كثير من الاخشاب والانقاض والشبابيك والرواشن نقلت جميعها الى العمارة فصار كل من الامراء المشيدين يبني وينقل ويبيع ويفرق على من أحب حتى بنوا دورا من جانب تلك العمارة والطلب مستمر حتى أتموه في مدة يسيرة وركب على جميع الشبابيك شرائح الزجاج أعلى وأسفل وهو شيء كثير جدا وفي المخادع المختصة به ألواح الزجاج البلور الكبار التي يساوي الواحد منهما خمسمائة درهم وهو كثير ايضا ثم فرشه جميعه بالبسط الرومي والفرش الفاخر وعلقوا به الستائر والوسائد المزركشة وطوالات المراتب كلها مقصبات وبنى به حمامين علويا وسفليا الى غير ذلك فما هو الا ان ثم ذلك فأقام به نحو عشرين يوما ثم خرج الى الشرقية فأقام هناك وحضر الفرنسيس فسكنه سارى عسكر بونابارته فعمر فيه

أيضا عمارة ولما سافر وأقام مكانه كلهبر عمر فيه ايضا فلما قتل كلهبر وتولى عوضه عبد الله منو لم يزل مجتهدا في عمارته وغير معاليمه وادخل فيه المسجد وبنى الباب على الوضع الذي كان عليه وعقد فوقه القبة المحكمة واقام في أركانها الاعمدة بوضع محكم متقن وعمل السلالم العراض التي يصع منها الى الدور العلوي والسفلي من على يمين الداخل وجعل مساكنه كلها تنفذ الى بعضها البعض على طريقة وضع مساكنهم واستمر يبني فيه ويعمر مدة اقامته الى ان خرج من مصر فلما حضر العثمانية وتولى على مصر محمد باشا المذكور رغب في سكنى هذا المكان وشرع في تعميره هذه العمارة العظيمة حتى أنه رتب لحرق الجير فقط اثني عشر قمينا تشتغل على الدوام والجمال التي تنقل الحجر من الجبل ثلاث قطارات كل قطار سبعون جملا وقس على ذلك بقية اللوازم ورموا جميع الاتربة في البركة حتى ردموا منها جانبا كبيرا ردما غير معتدل حتى شوهوا البركة وصارت كلها كيمانا واتربة والعجب ان منتهى الرغبة في سكن هذه البركة وأمثالها انما هو تسريح النظر وانبساط النفس باتساعها واطلاقها وخصوصا أيام النيل حين تمتلىء بالماء فتصير لحة ماء دائرة بركارية مملوءة بالزوارق والقنج والشطيات المعدة للنزهة تسرح فيها ليلا ونهارا وعند دخول المساء يوقدون القناديل بدائرها في جميع قواطين البيوت فيصير لذلك منظر بهيج لا سيما في الليالي المقمرة فيختلط ضحك الماء في وجه البدر والقناديل وانعكاس خيالها كأنها أسفل الماء ايضا وصدى أصوات القيان والاغاني في ليال لا تعد من الاعمار اذ الناس ناس والزمان زمان فلا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم الى ان كان ما كان وقعت هذه الحوادث فتضاعف المسخ والتشويه والعجب انه لما وقعت الحرابة بين الفرنساوية والعثمانية وأهل مصر واقام الحرب 36 يوما وهم يضربون على ذلك بالبيت بالمدافع والقنابر لم يصبه شيء ولم ينهدم منه حجرا واحدا ولما وقعت هذه الحرابة بين الباشا وعسكره احترق وانهدم في ليلة واحدة كذلك احترق بيت الدفتردار وهو بيت ثلاثة ولية الذي كان أنشأه رضوان كتخدا

الجلفي وكان بيتا عظيما ليس له نظير في عمارته وزخرفته وكلفته وسقوفه من اغرب ما صنعته ايدي بني آدم في الدقة والصنعة وكله منقوش بالذهب واللازورد والاصباغ وعلى مجالسه العليا قباب مصنعة وارضه كلها بالرخام الملون فأحترق جميعه ولم يبق به شيء الا بعد الجدران اللاطئة بالارض وسكنت الفتنة وشق الوالي علي آغا الشعراوي وذو الفقار المحتسب وآغات الانكشارية ونادوا بالامان والبيع والشراء فكانت مدة ولاية هذا الباشا عل مصر سنة وثلاثة اشهر وواحدا وعشرين يوما وكان سيء التدبير ولا يحسن التصرف ويحب سفك الدماء ولا يتروى في ذلك ولا يضع شيئا في محله ويتكرم على من لا يستحق ويبخل على من يستحق وفي آخر مدته داخله الغرور وطاوع قرناء السوء المحدقين به والتفت الى المظالم والفرد على الناس وأهل القرى حتى انهم كانوا حرروا دفاتر فردة عامة على الدور والاماكن بأجرة ثلاث سنوات وقيل اشنع من ذلك فأنقذ الله منه عباده وسلط عليه جنده وعساكره وخرج مرغوما مقهورا على هذه الصورة ولم يزل في سيره الى ان نزل بقليوب بعد الغروب فعشاه الشواربي شيخ قليوب ثم سار ليلا الى دجوة فأنزل الحريم والاثقال في ثلاثة مراكب وسار هو الى جهة بنها وغالب جماعته تخلفوا عنه بمصر وكذلك الكتخدا وديوان افندي والخازندار الذي كان بالقعلة والسلحدار وخليل افندي خزنة كاتب
وفي يوم الاثنين عاشره نودى بالامان ايضا وان العساكر لا يتعرضون لاحد بأذية وكل من تعرض له عسكري بأذية ولو قليلة فليشتكه الى القلق الكائن بخطته ويحضره الى طاهر باشا فينتقم له منه
وفي يوم الخميس وقت العصر حضر الاغا والوجاقلية الى بيت القاضي واعلموه باجتماعهم في غد عند طاهر باشا ويتفقون على تلبيسه قائمقام ويكتبون عرض محضر بحاصل ما وقع
وفي 2 ذلك اليوم حضر جعفر كاشف تابع ابراهيم بك وبيده مراسلة خطابا للعلماء والمشايخ وقيل انه كان بمصر من مدة ايام وكان يجتمع

بطاهر باشا كل وقت بالشيخونية فلما اصبح يوم الجمعة رابع عشره اجتمع المشايخ عند القاضي وركبوا صحبته وذهبوا عند طاهر باشا وعملوا ديوانا واحضر القاضي فروة سمور البسها لطاهر باشا ليكون قائمقام حتى تحضر له الولاية او يأتي وال وكلموه على رفع الحوادث والمظالم وظنوا فيه الخيرية واتفقوا على كتابة عرضحال بصورة ما وقع وقرأوا المكتوب الذي حضر من عند الامراء القبالى وهو مشتمل على ايات واحاديث وكلام طويل ومحصلة انهم طائعون وممتثلون ولم يحصل منهم تعد ولا محاربة وانما اذا حضروا الى جهة او بلدة وطلبوا المرور عليها او قضاء حاجة من بندر منعهم الحاكم والعساكر التي بها ونابذ بالمحاربة والطرد ومع ذلك اذا وقعت بيننا محاربة لا يثبتون لنا وينهزمون ويفرون وقد تكرر ذلك المرة بعد المرة ولا يخفي ما يترتب على ذلك من النهب والسلب وهتك الحرائر وقد وقع لنا لما حضرنا بالمنية فحصل ما حصل وبدؤنا بالطرد والابعاد حصل ما حصل مما ذكر وعوقب من لا جنى وذنب الرعية والعباد في رقابكم وقد التمسنا من ساداتنا المشايخ ان يتشفعوا لنا عند حضرة الوزير ويعطينا ما يقوم بمؤنتنا ومعايشنا فأبى حضرة الوزير الا اخراجنا من القطر المصري كليا وبعثتم تحذرونا مخالفة الدولة العلية مستدلين علينا بقوله تعالى أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الامر منكم ولم تذكروا لنا آية تدل على اننا نخرج من تحت السماء ولا آية تدل على اننا نلقي بأيدينا الى التهلكة وذكرتم لنا أن حريمنا وأولادنا بمصر ربما ترتب على المخالفة وقوع الضرر بهم وقد تعجبنا من ذلك فإننا انما تركنا حريمنا ثقة بانهم في كفالتكم وعرضكم على ان المروءة تابى صرف الهمة الى امتداد الايدي للحريم والرجال للرجال على ان املك دورا والله يقلب الليل والنهار والملك بيد الله يؤتيه من يشاء قل اللهم مالك الملك الاية فلما قرىء ذلك بتفاصيله تعجب السامعون له فكأنما كانوا ينظرون من خلف حجاب الغيب وأخذ ذلك المكتوب طاهر باشا

وأودعه في جيبه ثم قال الحاضرون فما يكون الجواب قال حتى نتروى في ذلك ثم كتب لهم جوابا يخبرهم فيه بما وقع ويأمرهم بأنهم يحضرون بالقرب من مصر لربما اقتضى الحال إلى المعاونة
وفي يوم الإثنين سابع عشرة كتبوا العرض المحضر بصورة ما وقع وختم عليه المشايخ والوجاقلية وأرسلوه إلى اسلامبول وأما محمد باشا المهزوم فإنه لم يزل في سيره حتى وصل إلى المنصورة وفرد على أهلها تسعين ألف ريال وكذلك فرد على علي ما أمكنه من بلاد الدقهلية والغربية فردا ومظالم وكلفا وصادف في طريقه بعض المعينين حاضرين بمبالع الفردة السابقة فأخذها منهم
وفي ليلة الثلاثاء بعد المغرب ثامن عشرة أرسل طاهر باشا عدة من العسكر فقبضوا على جماعة من بيوتهم وهم آغات الانكشارية ومصطفى كتخدا الرزاز ومصطفى آغا الوكيل وأيوب كتخدا الفلاح وأحمد كتخدا علي والسيد احمد المحروقي فأنزلوه الى بيته في ثاني يوم وعملوا عليه ستمائة ولزم العسكر بيته وكذلك بقية الجماعة منهم من عمل عليه مائتا كيس واقل واكثر واقاموا في الترسيم
وفي يوم الجمعة حادي عشرينه ركب طاهر باشا بالموكب والملازمين وصلى الجمعة بجامع الحسين
وفيه وردت الاخبار بان الامراء المصرية رجعوا الى قبلي ووصلوا الى قرب بني سويف
وفيه تشفع شيخ السادات في مصطفى آغا الوكيل واخذه الى بيته وعملوا عليه مائتين وعشرين كيسا فلما كان يوم الاحد أرسل طاهر باشا يطلب مصطفى اغا الوكيل من عند شيخ السادات فركب معه شيخ السادات وسعيد اغا وكيل دار السعادة وذهبا صحبته الى بيت طاهر باشا فلما طلعوا الى أعلى الدرج خرج عليهم جماعة من العسكر وجذبوا مصطفى أغا من بينهم وقبضوا عليه وأنزلوه الى أسفل واخذوه الى القلعة ماشيا على أقدامه

فحنق الشيخ السادات ودخل على طاهر باشا وتشاجر معه فأطلعه على مكتوب مرسل من محمد باشا اليه فقال هذا لا يؤاخذ به انما يؤاخذ اذا كان المكتوب منه الى محمد باشا ثم انحط الامر عل انه لا يقتله ولا يطلقه ثم ان طاهر باشا ركب ليلا وذهب الى شيخ السادات واخذ خاطره بعد ما فزع من حضوره اليه في ذلك الوقت
وفي ثالث عشرينه اطلعوا يوسف كتخدا الباشا الى القلعة والزموه بمال وكذلك خزنة كاتب
وفيه خرج أمير الالزم لملاقات الحجاج فنصب وطاقه بقبة النصر واقام هناك
وفيه حضر هجان على يده مكاتيب كر مؤرخة في عشرين شهر الحجة مضمونها ان الوهابيين أحاطوا بالديار الحجازية وان شريف مكة الشريف غالب تداخل مع شريف باشا وأمير الحاج المصري والشامي وارشاهم على ان يتعوقوا معه اياما حتى ينقل ما له ومتاعه الى جدة وذلك بعد اختلاف كبير وحل وربط وكونهم يجتمعون على حربه ثم يرجعون على ذلك الى أن اتفق رأيهم على الرحيل فأقاموا مع الشريف اثنى عشر يوما ثم رحلوا ورحل الشريف بعد أن احرق داره ورحل شريف باشا ايضا الى جدة
وفيه قبضوا على أنفار من الوجاقلية ايضا المستورين وطلبوا منهم دراهم وعملوا على طائفة القبط الكتبة خمسمائة كيس بالتوزيع
وفي خامس عشرينه قبضوا على جماعة منهم وحبسوهم وكذلك عملوا على طائفة من اليهود مائة كيس
وفيه حضر أحمد أغا شويكار الى مصر بمراسلة من الامراء القبالي
وفي يوم الاربعاء سادس عشرينه سافرت التجريدة المعينة لمحمد باشا وكبيرها حسن بك أخو طاهر باشا فنزلوا في مراكب وفي البر ايضا
وفي يوم الخميس قبضوا على المعلم ملطي القبطي من أعيان كتبة القبط

وهو الذي كان قاضيا ايام الفرنسيس فرموا رقبته عند باب زويلة وكذلك قطعوا رأس المعلم حنا الصبحاني اخي يوسف الصبحاني من تجار الشوام عند باب الخرق في ذلك اليوم واقاما مرميين الى ثاني يوم
وفي يوم السبت غايته رجع أحمد آغا شويكار بجواب من الباشا الى رفقائه وأشيع وصول ابراهيم بك ومن معه الى زاوية المصلوب ووصلت مقدماتهم الى بر الجيزة يقبضون الكلف من البلاد
وفيه أفرجوا عن يوسف كتخدا الباشا بعد أن دفع ثمانين كيسا ونزل من القلعة الى داره
وفيه ارسل طاهر باشا الى مصطفى افندي رامز الكاتب وابراهيم افندي الروزنامجي وسليمان افندي فأخذوهم عند عبد الله افندي رامز الروزنامجي الرومي

شهر صفر
استهل بيوم الاحد في ثانيه حضر الامراء القبالي الى الشيخ الشيمي
وفي ليلة الاربعاء رابعه خنقوا احمد كتخدا علي باش اختيار الانكشارية ومصطفى كتخدا الرزاز كتخدا العزب وكانا محبوسين بالقلعة وضربوا وقت خنقهما مدفعين في الساعة الثالثة من الليل ورموهما الى خارج
وفي صبحها يوم الاربعاء حضر جواب من العسكر الذين ذهبوا لمحاربة محمد باشا مضمونه انه انتقل من مكانه وذهب الى جهة دمياط وانه تخلف عنه العسكر الذين معه وأرسلوا يطلبون منهم الامان فلم يجاوبوهم حتى يستأذنوا في ذلك فأجابهم طاهر باشا بأن يعطوهم أمانا ويضموهم اليهم
وفي ذلك اليوم أشيع أن طاهر باشا قاصد التعدية الى البر الغربي ليسلم على الامراء المصرلية وفي ذلك الوقت امر باحضار حسن اغا محرم فارتاع من ذلك وأيقن بالموت فلما حضر بين يديه خلع عليه فروة وجعله معمارجي باشا واعطاه الفي فرانسا وامره أن يتقيد بتعمير القلعة وما صدق

انه خرج من بين يديه وسكن روعه في ذلك الوقت حضر اليه طائفة من الانكشارية وهم الذين كانوا حضروا في أول المحرم في النقاير مع الجبخانة ليتوجهوا الى الديار الحجازية وأنزلوهم بجامع الظاهر خارج الحسينية وحصلت كائنة محمد باشا وهم مقيمون على ما هم عليه ولما خرج محمد باشا وظهر عليه طائفة الارنؤد شمخوا على الانكشارية وصاروا ينظرون اليهم بعين الاحتقار مع تكبر الانكشارية ونظرهم في انفسهم انهم فخذ السلطنة وان الارنؤد خدمهم وعسكرهم واتباعهم ولما فرد الفرد طاهر باشا وصادر الناس صار يدفع الى طائفة الارنؤد جماكيهم المنكسرة او يحولهم بارواق على المصادرين وكلما طلب الانكشارية شيئا من جماكيهم قال لهم ليس لكم عندي شيء ولا اعطيكم الا من وقت ولايتي فان كان لكم شيء فأذهبوا وخذوه من محمد باشا فضاق خناقهم واوغر صدورهم وبيتوا امرهم مع احمد باشا والي المدينة فلما كان في هذا اليوم ركب الجماعة المذكورون من جامع الظاهر وهم نحو المائتين وخمسين نفرا بعددهم واسلحتهم كما هي عادتهم وخلفهم كبراؤهم وهم اسمعيل اغا ومعه آخر يقال له موسى اغا وآخر فذهبوا على طاهر باشا وسألوه في جماكيهم فقال لهم ليس لكم عندي الا من وقت ولايتي وان ان لكم شيء مكسور فهو مطلوب لكم من باشتكم محمد باشا فألحوا عليه فنتر فيهم فعاجلوه بالحسام وضربه أحدهم فطير رأسه ورماها من الشباك الى الحوش وسحبت طوائفهم الاسلحة وهاجوا في اتباعه فقتل منهم جماعة واشتعلت النار في الاسلحة والبارود الذي في أماكن اتباعه فوقع الحريق والنهب في الدار ووقع في لناس كرشات وخرجت العساكر الانكشارية وبايديهم السيوف المسلولة ومعهم ما خطفوه من النهب فأنزعجت الناس وأغلقوا الأسواق والدكاكين وهربوا إلى الدور وأغلقوا الأبواب وهم لا يعلمون ما الخبر وبعد ساعة شاع الخبر وشق الوالي والاغا ينادون بالامن والامان حسب مارسم احمد باشا وكرروا المناداة بذلك ثم نادوا باجتماع الانكشارية

البلدية وخلافهم عند احمد باشا على طائفة الارنؤد وقتلهم واخرجهم من المدينة فتحزبوا احزابا ومشوا طوائف طوائف وتجمع الارنؤد جهة الازبكية وفي بيوتهم الساكنين فيها وصار الانكشارية اذا ظفروا باحد من الارنؤد اخذوا سلاحه وربما قتلوه وكذلك الارنؤد يفعلون معهم مثل ذلك هذا والنهب والحريق عمال في بيت طاهر باشا وفرج الله عن المعتقلين والمحبوسين على المغارم والمصادرات وبقيت جثة طاهر باشا مرمية لم يلتفت اليها احد ولم يجسر أحد من اتباعه على الدخول الى البيت واخراجها ودفنها وزالت دولته وانقضت سلطنته في لحظة فكانت مدة غلبته ستة وعشرين يوما ولو طال عمره زيادة على ذلك لأهلك الحرث والنسل وكان صفته اسمر اللون نحيف البدن اسود اللحية قليل الكلام بالتركي فضلا عن العربي ويغلب عليه لغة الارنؤدية وفيه هوس وانسلاب وميل للمسلوبين والمجاذيب والدراويش وعمل له خلوة بالشيخونية وكان يبيت فيها كثيرا ويصعد مع الشيخ عبد الله الكردي الى السطح في الليل ويذكر معه ثم سكن هناك بحريمه وقد كان تزوج بامرأة من نساء الامراء وكان يجتمع عنده اشكال مختلفة الصور فيذكر معهم ولما راوأ منه ذلك خرج الكثير من الاوباش وتزيا بما سولت له نفسه وشيطانه ولبس له طرطور طويلا ومرقعة ودلفا وعلق له جلاجل وبهرجان وعصا مصبوغة وفيها شخاشيخ وشراريب وطبلة يدق عليها ويصرخ ويزعق ويتكلم بكلمات مستهجنة والفاظ موهمة بانه من ارباب الاحوال ونحو ذلك ولما قتل اقام مرميا الى ثاني يوم لم يدفن ثم دفنوه من غير راس بقبة عند بركة الفيل واخذ بعض الينكجرية راسه وذهبوا بها ليوصلوها الى محمد باشا يأخذوا منه البقشيش فلحقهم جماعة من الارنؤد فقتلوهم واحذوا الرأس منهم ورجعوا بها ودفنوها مع جثته وكتب احمد باشا مكتوبا الى محمد باشا يعلمه بصورةالواقعة ويستعجله للحضور وكذلك المحروقي وسعيد اغا ارسل كل واحد مكتوبا بمعنى ذلك وظنوا تمام النصف ولما نهبوا بيته نهبوا ما جاوره من دور

الناس من الحبانية الى ضلع السمكة الى درب الجماميز ثم ان احمد باشا احضر المشايخ واعلمهم بما وقع وامرهم بالذهاب الى محمد علي ويخاطبوه بان يذعن الى الطاعة فلما ذهبوا اليه وخاطبوه في ذلك اجاب بان احمد باشا لم يكن واليا على مصر بل انما هو والي المدينة المنورة على ساكنها افضل الصلاة والسلام وليس له علاقة بمصر وانا كنت الذي وليت طاهر باشا لكونه محافظ الديار المصرية من طرف الدولة وله شبهة في الجملة واما احمد باشا فليس له جرة ولا شبهة فهو يخرج خارج البلد ويأخذ معه الانكشارية ونجهزه ويسافر الى ولايته فقاموا من عنده على ذلك واستمر الانكشارية على ما هم عليه من النهب وتتبع الارنؤد وتحزيوا وتسلحوا وعملوا متاريس على جهاتهم ونواحيهم الى آخر النهار فنادوا على الناس بالسهر والتحفظ والدكاكين تفتح والقناديل تعلق وبات الناس على تحوف ولما اصبح نهار الخميس مر الوالي والاغا ينادون بالامان برسم حكم احمد باشا ثم ان احمد باشا ارسل اوراقا الى المشايخ بالحضور فذهبوا اليه فقال لهم اريد منكم ان تجمعوا الناس والرعية وتأمروهم بالخروج على الارنؤد وقتلهم فقالوا سمعا وطاعة واخذوا في القيام فقال لهم لا تذهبوا وكونوا عندي وارسلوا للناس كما أمرتكم فقالوا له ان عادتنا ان يكون جلوسنا في المهمات بالجامع الازهر ونجتمع به ونرسل الى الرعية فانهم عند ذلك لا يخالفون وكان مصطفى اغا الوكيل حاضرا فراددهم في ذلك وعرف منهم الانفكاك فلم يزالوا حتى تخلصوا وخرجوا وكان احمد باشا ارسل احضر الدفتردار ويوسف كتخدا الباشا وعبد الله افندي رامز الروزنامجي وغالب أكابر العثمانية ومصطفى أغا الوكيل كان مرهونا عند شيخ السادات كما تقدم فعندما سمع بقتل طاهر باشا ركب بجماعته وابهته وأخذ معه عدة من الانكشارية وذهب الى عند احمد باشا ووقف بين يديه يعاضده ويقويه وأما محمد علي والأنؤد فإنهم مالكون القلعة الكبيرة ويجمعون أمرهم ويراسلون الامراء فلما اصبح ذلك اليوم عدى الكثير من المماليك والكشاف

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13