كتاب : تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار
المؤلف : عبد الرحمن بن حسن الجبرتي

عسكر حجو الساكن ببيت شاهين كاشف فقتله فثارات اهل الناحية وتضاربوا بالرصاص واجتمع العسكر بتلك الناحية ودخلوا من حارة النصارى النافذه من بين السورين وصعدوا الى البيوت ونقبوا نقوبا وصاروا يضربون على الناس من الطيقان واحتمع الناس وانزعجوا وبنوا متاريس عند رأس الخرنفش ومرجوش وناحية الباسطية براس الدرب وتحاربوا وقتل بينهم أشخاص من الفريقين ونهب العسكر وعدة دور وتسلقوا على بيت حسن بك مملوك عثمان الحمامي الحكيم وذبحوه ونهبوا بيته الذي برأس الخرنفش وكذلك رجل زيات وعبد صالح أغا الجلفي وحسن ابن كاتب الخردة وكانت واقعة شنيعة استمرت الى العصر وحضر الاغا وكتخدا محمد علي فلم تسكن الفتنة وحضر أيضا اسمعيل الطبجي ثم سكن الحال بعد اضطراب شديد وبات الناس على ذلك وسبب هذه الحادثة أن لرجلا عسكريا اشترى من رجل خدرجي ملاعق ثم ردها من الغد فلم يرض وتسابا فضربه العسكري فصاح الخدرجي وقال ما يحل من الله يضرب النصراني الشريف فاجتمع عليه الناس وقبضوا عليه وسحبوه الى بيت النقيب فلما قربوا من البيت ضربوه وقتلوه واخرجوه الى تل البرقية ورموه هناك فحصل بسب ذلك ما ذكر
وفيه ارسلوا صورة المكاتبة الواردة مع صالح أغا الى الباشا فلم يمتثل وامتنع من النزول وقال انا متول بخطوط شريفة واوامر منيفة ولا انعزل بورقة مثل هذه وطلب الاجتماع بصالح أغا السلحدار يخاطبهم مشافهة وينظر في كلامهم وكيفية مجيئهم فلم يرضوا بطلوع المذكورين اليه
وفي يوم الخميس وقع بين حجاج الخضري والعسكر مقاتلة جهة طيلون وقتل بينهم اشخاص
وفيه تواترت الاخبار بقدوم الامراء المصريين القبليين الى جهة مصر
وفيه اجتمع الشيخ الشرقاوي والشيخ الامير وغالب المتعممين وقالوا ايش هذا الحال وما تداخلنا في هذا الامر والفتن واتفقوا أنهم يتباعدون

عن الفتنة وينادون بالامان وان الناس يفتحون حوانيتهم ويجلسون بها وكذلك يفتحون ابواب الجامع الازهر ويتقيدون بقراءة الدروس وحضور الطلبة وركبوا الى محمد علي وقالوا له انت صرت حاكم البلدة والرعية ليس لهم مقارشة في عزل الباشا ونزوله من القلعة وقد اتاك الامر فنفذه كيف شئت واخبروه برأيهم فأجابهم الى ذلك وركب الاغا وصحبته بعض المتعممين ونادوا في المدينة بالامن والامان والبيع والشراء وان الناس يتركون حمل الاسلحة بالنهار واذا وقع من بعض العسكر قباحة رفعوا امره الى محمد علي وان كان من الرعية رفعوه الى بيت السيد عمر النقيب واذا دخل الليل حملوا الاسلحة وسهروا في اخطاطهم على العادة وتحفظوا على اماكنهم فلما سمع الناس ذلك انكروه وقالوا ايش هذا الكلام حينئذ نصير طعمة للعسكر بالنهار وخفراء بالليل والله لانترك حمل اسلحتنا ولا نمتثل لهذا الكلام ولا هذه المناداة ومر الاغا ببعض العامة المتسلحين فقبض عليهم واخذ سلاحهم فازدادوا قهرا وباتوا على ذلك واجتمعوا عند السيد عمر النقيب وراجعوه في ذلك فاعتذر واخبر بان هذا الامر على خلاف مراده
وفي ليلة الجمعة المذكور حصل خسوف قمر كلي وكان ابتداؤه من بعد العشاء الاخيرة بنصف ساعة وانجلى في سابع ساعة واصبح يوم الجمعة فحضر عند السيد عمر كتخدا بك وعابدي بك في جمع من العسكر وجلسوا عنده ساعة وذكروا له أن في عصرها يرسلون الى الباشا الكائن بالقلعة ويجتمعون عليه بالنزول فان ابى حدوا في قتاله ومحاربته وذكروا انه مماليئ الامراء القبالي وهو الذي ارسل بحضورهم ومطمعهم في المملكة فلزم الاجتهاد في انزاله من القلعة ثم يتفرغون لمحاربة القادمين ويخرجون اليهم بالعساكر ثم قاموا من عنده وذهبوا الى بيت القاضي وحضر حجو أغا الذي كان يحارب بالخرنفش فرجع صحبته كتخذا بك عند السيد عمر ليأخذ بخاطره وصحبته طائفة من العسكر فوقفوا متفرقين ودخل منهم طائفة الى بيت الشيخ الشرقاوي وباقيهم بالشارع وتجمع

حولهم اهالي البلد بالاسلحة فاتفق بينهم انطلاق بندقية اما خطأ او قصدا فهاجت الناس وماجت واجتمعوا من كل ناحية وخرج جاويشية النقابة الى نواحي الدائرة ينادون في الناس ويقولون عليكم ببيت السيد عمر النقيب يا مسلمين انجدوا اخوانكم وحصلت من تلك البندقية التي انطلقت فزعة عظيمة وصاح السيد عمر على الناس من الشباك يامرهم بالسكون والهجوع فلم يسمعوا له ونزل الى اسفل ووقف بباب داره يصيح بالناس فلا يزدادون الا خباطا واقبلوا طوائف من كل جهة فصار يأمرهم بالمرور والخروج إلى جهة باب البرقية ولم يزالوا على ذلك الى بعد صلاة الجمعة حتى سكن الحال واقام جحو والكتخدا حتى تغديا مع السيد عمر وركبا وذهبا ونودي في عصر ذلك اليوم بالامان وفتح الحوانيت والبيع والشراء ولا يرفعون معهم السلاح بل يحملونه معهم في حوانيتهم تحذرا من غدر العسكر وفتحوا ابواب الازهر
وفي يوم السبت فتح الناس بعض الحوانيت ونزل المشايخ الى الجامع الازهر وقراوا بعض الدروس ففترت همم الناس ورموا الاسلحة واخذوا يسبون المشايخ ويشتمونهم لتخذيلهم اياهم وشمخ عليهم العسكر وشرعوا في اذيتهم وتعرضوا لقتلهم وضاراره
وفي يوم الاحد قتلوا اشخاصا في جهات متفرقة وضج الناس واغلقوا الدكاكين وكثرت شكاويهم واقلقوا السيد عمر النقيب وهو يعتذر اليهم ويقول لهم اذهبوا الى الشيخ الشرقاوي والشيخ الامير فهما اللذان امرا الناس برمي السلاح فلما زادت الشكوى نادوا في الناس بالعود الى حمل السلاح والتحذر
وفيه وصل الامراء القبليون الى قرب الجيزة وعدى منهم طائفة الى البر الشرقي جهة دير الطين والبساتين وهم عباس بك ومحمد بك المنفوخ ورشوان كاشف وهدموا قلاع طرا وساووها بالارض
وفي يوم الاثنين ركب محمد علي وخرج الى جهة مصر القديمة وصحبته

حسن باشا واخوه عابدي بك فنزل بقصر بليفه واقاموا الى العصر وخرج كثير من العسكر الى ناحية مصر القديمة ثم ركب محمد علي وحسن باشا واخوه في اخر النهار وساقوا الى جهة البساتين ومعهم العساكر افواجا فلما قربوا من الامراء المصريين تقهقروا الى خلف ورجعوا الى جهة قبلي وقيل عدوا إلي بر الجيزة وانضم اليهم علي باشا الذي بالجيزة واستمر محمد علي ومن معه بمصر القديمة وتراموا بالمدافع
وفي يوم الثلاثاء حضر أيضا جماعة من القبليين الى الجيزة وتراموا بالمدافع والبنب من البرين ذلك اليوم وليلة الاربعاء
وفيه عدى طائفة الدلاة الكائنين بالبر الغربي وانضم اليهم المقيمون بجزيرة بدران وحضروا الى بولاق وهجموا وهجموا على البيوت واخرجوا سكانها قهرا عنهم وازعجوهم من اوطانهم وسكنوها وربطوا خيولهم بخانات التجارة ووكالة الزيت فحضر الكثير من اهالي بولاق الى بيت السيد عمر وتظلموا وتشكوا فارسل الى كتخدا بك يمنعهم من ذلك فلم يمتنعوا واستمروا على فعلهم وقبائحهم
وفيه طلب محمد علي باشا دراهم سلفة من النصارى والتجار وقرروا فردة على البلاد والبنادر وهي اول طلبة طلبها بعد راسته
وفيه ارسلوا بنائين وخمسمائة فاعل لبناء ما تهدم من حصون طرا
وفي يوم الخميس حادي عشرينه وردت اخبار بوصول قبطان باشا الى ثغر سكندرية وابى قير وصحبته مراكب كثيرة لايعلم المرسون اخبار من بها فاجتمع المشايخ واتفقوا على كتابة عرضحال يرسلونه اليه مع بعض المتعممين ثم اختلف ! اراؤهم في ذلك فلما كان يوم الاثنين ورد الخبر بورود سلحدار قبطان المذكور الى شلقان فاعرضوا عن ذلك
وفيه وقع بين طائفة من العسكر الكائنين ببولاق واهل البلد مناوشة بسبب نقب البيوت وقتل بينهم انفار واستظهر عليهم اهل بولاق
وفي يوم الثلاثاء وصل السلحدار الى بولاق وركب من هناك الى

المكان الذي اعد له وصحبته مكاتبة الى احمد باشا المخلوع ومضمونها الامر بالنزول من القلعة ساعة وصل الجواب اليه من غير تأخير وحضوره الى الاسكندرية وجواب اخر الى محمد علي بابقائه في القائمقامية حيث ارتضاه الكافة والعلماء والوصية بالسلوك والرفق بالرعية والكلام المحفوظ المعتاد الذي لا اصل له وان يقلد من قبله باشا على عسكر يعين ارساله الى البلاد الحجازية ويسهل له جميع احتياجاته من الجبخانة وسائر الاحتياجات واللوازم فأرسلوا الى احمد باشا المخلوع بجوابه فقال حتى يطلع الى السلحدار الواصل ويخاطبني مشافهة
وفي صبح يوم الاربعاء قبض المحافظون على خيال مقبل من جهة مصر القديمة يريد الطلوع الى القلعة من اخر النهار وجدوا معه اوراقا فاخذوه الى محمد علي باشا فوجدوا في ضمنها خطابا الى الباشا المخلوع من علي باشا وياسين بك الكائنين بالجيزة مضمونها انه في صبح يوم الجمعة نطلق من الجيزة سبعة سواريخ تكون اشارة بيننا وبينكم فعندما ترونها تضربون بالمدافع والبنب على بيت محمد علي ونحن نعدي الى مصر القديمة ويصل البرديسي من خلف الجبل الى جهة العادلية وياتي باقي المصريين من ناحية طرا ويقوم من بالبلدة على من فيها فشيغلون الجهات ويتم المرام بذلك فلما اطلع محمد علي على ذلك وكان القاضي حاضرا عنده اشتد غيظه على ذلك الرجل ووجده من الاكراد فاستجار بالقاضي فلم يجره وامر به فاخذوه وقتلوه ورموه ببركة الازبكية
وفي يوم الخميس احضروا سبعة رؤوس وعلقوها على السبيل المواجه لباب زويلة ذكروا انها من ناحية دمنهور وعلى احدها ورقة مكتوبة انها راس شاهين بك الألفي واخرى سلحداره وهي متغيرة جدا ومحشوة تبنا ولا يظهر لها خلق ولم يكن لذلك صحة
وفيه اخبر الاخباريون بأن الألفي ارتحل من دمنهور ولم ينل منها غرضه وانه كبس على سليمان كاشف البواب ونهب ما معه وقيل انه قتل

وفي رواية وقع الى البحر وهرب باقي اتباعه الى جهة المنوات في اسوأ حال واخذ منه شيئا كثيرا وهو ما جمعه في هذه السرحة وذلك خلاف ما جمعه في العام الماضي عندما كان كاشفا بمنوف ومن ذلك انه لما قتل موسى خالدا اخذ منه مالا كثيرا وذلك خلاف ما دل عليه من خباياه
وفي تلك لليلة طلع السلحدار المذكور وصحبته صالح أغا القابجي الذي وصل قبله الى القلعة واجتمع بأحمد باشا المخلوع وتكلما معه فقال انا لست بعاص ولا مخالف للأوامر وانما لصالح أغا وعمر أغا علائف نحو خمسمائة كيس باقية ولم يبق عندي شئ سوى ما على جسدي من الثياب وقد اخذ العسكر المحاربون موجوداتي جميعا فاذا طيبتم خواطرهما نزلت في الحال فنزلا بذلك الجواب ثم ترددوا في الكلام والعقدو الابرام ولم يحسن السكوت على شئ
وفيه وصل الامراء القبالي الى حلوان وعلي بك ايوب دخل الى الجيزة صحبة من بها وسليمان بك خارجها
وفي يوم الجمعة عدى ياسين بك من الجيزة الى متاريس الروضة ولم يكن بها سوى الطبجية فطلعوا اليهم وقبضوا على بعضهم واخذوا منهم ثلاثة مدافع وسددوا فالية المدفع الكبير وآخر رموه الى البحر فثارت رجة بمصر القديمة والروضة وضربوا بالمدافع والرصاص ورجع الواصلون من الجيزة الى اماكنهم وحضر الألفي الى جهة الطرانة
وفيه حضر صالح أغا القابجي الى السيد عمر النقيب واخبره انهم تواعدوا مع احمد باشا في عصر غد من يوم السبت اما أن ينزل او يستمر على عصيانه فلما كان يوم السبت في الميعاد افرجوا عن ضعفاء الرعية الكائنين بالقلعة وكذلك النساء بعدما اخذوا ما معهم من الامتعة والثياب وابقوا عندهم الشبان والاقوياء للمعاونة في الاشغال واظهروا المخالفة وامتنعوا من النزول وباتوا على ذلك وكثر اللغط في الناس وانقضى شهر ربيع الثاني على ذلك

شهر جمادي الاول سنة
استهل بيوم الاحد فيه ضربوا ثلاثة مدافع من القلعة وقت الشروق وكانها اشارة وعلامة لاصحابهم
وفي يوم الاثنين سبح جماعة من الجيزة الى جهة انبابة وكان ببولاق طائفة من العسكر يترامحون بجهة ديوان العشور فضربوا عليهم مدافع فحصل ببولاق ضجة وركب محمد علي باشا اواخر النهار وذهب الى بولاق ونزل ببيت عمر بك الارنؤدي ووضب جملة من العسكر وعدوا ليلا وطلعوا ناحية بشتيل وحضروا الى جهة انبابة يوم الثلاثاء وتحاربوا مع من بها حتى اجلوهم عنها وعملوا هناك متاريس في مقابلتهم واستمروا على ذلك يتضاربون بالمدافع
وفي يوم السبت سابعه طلع بشير أغا القابجي وصالح أغا السلحدار الى القلعة وتكلموا مع احمد باشا ومن معه وقد كانت وردت مكاتبات من قبطان باشا في امر احمد باشا ثم نزلوا وصحبتهم كتخدا احمد باشا الى بيت سعيد أغا الوكيل وركبوا معه الى بيت محمد علي باشا واختلوا مع بعضهم ثم طلع صالح أغا واربعة من عظمائهم ثم نزلوا ثم طلعوا وترددوا في الذهاب والاياب ومراددة الخطاب وبات الكتخدا اسفل وطلب القلعاويون شروطا وعلائفهم الماضية وغير ذلك وانتهى الكلام بينهم على نزول احمد باشا المخلوع في يوم الاثنين وتسليم القلعة و الجبخانة
واصبح يوم الاثنين فطلبوا جمالا لحمل اثقالهم فارسلوا الى السيد عمر فجمع لهم من جمال الشواغرية مائتي جمل فنقلوا عليها متاعهم وفرشهم وانزل الباشا حريمه الى بيت مصطفى أغا الوكيل ونزل كثير من عساكرهم وخدمهم وهم متغيروا الصور وذهب اكثرهم بعزالهم الى بولاق ونهبوا بيوت الرعايا التي بالقلعة واخذوا ما وجدوه فيها من المتاع وطلع حسن أغا سر ششمة بجملة من العسكر الى القلعة انقضى ذلك اليوم ولم ينقض نزولهم وحضر الوالي أيضا وقت العشاء الى بيت السيد عمر وطلب

خمسين جملا فلم يتيسر الا بعضها
واصبح يوم الثلاثاء فأنزلوا باقي متاعهم ونزل الباشا المخلوع من باب الجبل في رابع ساعة من النهار على جهة باب النصر ومر من خارجه الى جهة الخروبي وذهب الى بولاق وصحبته كتخدا محمد علي باشا وعمر بك وصالح أغا قوش وانزل صحبته مدافع تعوق بعضها عند الذنجرية لضعف الاكاديش وسكن بيت السيد عمر النقيب وسكن صالح أغا ببيت شيخ السادات وذلك عاشر جمادي الاولى واطمأن الناس بعض الاطمئنان مع بقاء التحرز وارسل السيد عمر فنادي تلك الليلة باستمرار الناس على التحرز والسهر وضبط الجهات فان القوم لا امان لهم وانحشروا في داخل المدينة والوكائل والبيوت ولا يتركون قبائحهم واما الامراء المصرلية فانهم وصلوا الى البين واجتمعوا هناك ما عدا علي بك ايوب وسليمان بك وعباس بك فانهم بالجيزة مع علي باشا وياسين بك واما الدالاتية الانجاس فانهم مستمرون على النهب البلاد وسلب الاموال واذية العباد ونهبوا كاشف الغربية وهجموا على سمنود وهي مدينة عظيمة فنهبوا بيوتها واسواقها واخذوا مافيها من الودائع والاموال وسبوا النساء وفعلوا فعالا شنيعة تقشعر منها الابدان ثم انتقلوا الى المحلة الكبرى وهم الان بها واما محمد بك الألفي فانه حاصر دمنهور مدة مديدة فلم يتمكن منها ثم ارتحل عنها ورجع مقبلا ووصل الى ناحية الطرانة واما قبطان باشا فانه لم يزل مقيما على ساحل أبي قير
وفي يوم الخميس وصلت الاخبار بذهاب قبطان باشا الى الاسكندرية وفي يوم الاحد خامس عشره نزل احمد باشا المخلوع الى المراكب من بولاق وسافر الى جهة بحري بعياله واتباعه المختصين به وتخلف عنه كتخداه وعمر بك وصالح قوش والدفتر دار وكثير من اتباعه ولم يسهل بهم مفارقة ارض مصر وغنائمها مع انهم مجتهدون في خرابها
وفيه وصل الألفي الكبير والصغير الى بر الجيزة

وفي يوم الاثنين اتفق جماعة من الارنؤد وقصدوا الذهاب الى بر الجيزة فوصل خبرهم الى محمد علي باشا فارسل اليهم عسكرا ومعهم حجوا فلحقهم عند المعادي بحرى بولاق فقتلوا منهم نحو عشرين وهرب باقيهم وتفرقوا
وفيه بنى حجاج الخضري حائطا وبوابة على الرميلة عند عرصات الغلة
وفي يوم الاربعاء سابع عشره قبض محمد علي باشا على جرجس الجوهري ومعه جماعة من الاقباط فحبسهم ببيت كتخداه وطلب حسابه من ابتداء سنة خمس عشرة واحضر المعلم غالي الذي كان كاتب الألفي بالصعيد والبسه منصبه في رآسه الاقباط وكذلك خلع علي السيد محمد ابن المحروقي خلع الاستمرار على ماكان عليه ابوه من امانة الضربخانة وغيرها
وفي تلك الليلة قتل شخص كبير بيكبابشي تحت بيت الباشا بالازبكية ضربوا لموته مدفعا وذلك لامر نقموه عليه
وفيه سافر كتخدا بك الى جهة المنوفية وقبض على كاشفها واخذ ما معه من الاموال التي جمعها من منهوبات البلاد ودل على ودائعه واخذها أيضا ووجد له غلالا كثيرة ومواشي وغير ذلك
وفي يوم الجمعة عشرينه الموافق لحادي عشر مسرى اوفي النيل المبارك اذرعه ونودى بذلك واشيع في ذلك اليوم وصول فرقة من الامراء المصريين من خلف الجبل وبات الناس مستعدين للفرجة على موسم الخليج على العادة فأمر الباشا باخراج الخيام والنظام الى ناحية الجسر وعمل الحراقة ثم امر بكسر السد ليلا فما طلع النهار الا والماء يجري في الخليج ولم يذهب الباشا ولا القاضي ولا احد من الناس ولم يشعروا بذلك وكان قد بلغه ورود الامراء فتأخر عن الخروج وهم ظنوا خروجه مع العسكر الى خارج المدينة وفي وقت الشروق من ذلك اليوم وصل طائفة من الامراء الى ناحية المذبح وكسروا بوابة الحسينية ودخلوا من باب الفتوح

في كبكبة عظيمة وخلفهم نقاقير كثيرة وجمال واحمال فشقوا من بين القصرين حتى وصلوا الى الاشرفية وشخص لهم الناس وضجوا بالسلام عليهم وبقولهم نهار مبارك وسعيد والحمد لله على السلامة وشخص الناس وبهتوا وخمنوا التخامين فلما وصلوا عطفة الخراطين افترقوا فرقتين فدخل عثمان بك وحسن وشاهين بك المرادي واحمد كاشف سليم وعباس بك وغيرهم كشاف واجناد ومماليك وعبيد كثيرة نحو الالف وخلف كل طائفة نقاقير وهجن وبايديهم البنادق والسيوف والاسلحة ومروا بالجامع الازهر وذهبوا الى بيت السيد عمر والشيخ الشرقاوي وفامتنع السيد عمر من مقابلتهم فدخلوا الى بيت الشيخ الشرقاوي وحضر عندهم السيد عمر فطلبوا منهم النجدة وقيام الرعية فقالو لهم هذا لايصح ولم يكن بيننا وبينكم موعد ولا استعداد والاولى ذهابكم والا احاطت بنا وبكم العساكر وقتلونا معكم فعند ذلك ركبوا وخرجوا من باب البرقية وبعد خروجهم حضر في اثرهم حسن بك الارنؤدي في عدة وافرة من العسكر وهم مشاة وخرج خلفهم فوجدهم خرجوا الى الخلاء فرجع على اثره واما الفرقة الاخرى فانهم وصلوا الى باب زويلة وتقدموا قليلا الى جهة الدرب الاحمر فضرب عليهم العسكر الساكنون هناك بالرصاص فرجعوا القهقري الى داخل باب زويلة وارادوا الدخول الى جامع المؤيد والكرنكة بتلك الناحية فضرب عليهم المغاربة والمرابطون هناك فاصيب منهم اشخاص وقوى جأش العسكر الذين جهة الدرب الاحمر لما سمعوا ضرب الرصاص وتنبه غيرهم أيضا واجتمعوا لمعاونتهم وانصرع منهم ثلاثة اشخاص وقعوا الى الارض فلما عاينوا ذلك ولوا الادبار وتبعهم العسكر يضربون في اقفيتهم فلم يزالوا في سيرهم الى النحاسين وقد اغلق الناس بوابة الكعكبين وكذلك بوابة الخراطين وبوابة البندقانيين وكان حجو الساكن بالخرنفش عند ما سمع بدخولهم لحقه الفزع والخوف فخرج من بيته بعسكره يريد الفرار وخرج من عطفة الخرنفش وذهب الى

جهة باب لظنه انه لايمكنه الخروج من باب الفتوح الذي دخلوا منه فلما وصل الى باب النصر وجده مغلقا وامتنع المرابطون عليه من فتحه فعاد على اثره وذهب الى باب الفتوح فلم يجد به احدا فطمأن حينئذ وعلم سوء رأيهم فاغلقه واجلس عنده جماعة من اتباعه ورجع على اثره الى جهة بين القصرين فصادف اديار الجماعة والعسكر في اقفيتهم بالرصاص فعند ذلك قوي جأشه وضرب في وجههم هو ومن معه من العسكر فاختبل القوم وسقط في ايديهم وعلموا انه قد احيط بهم فنزلوا عن خيولهم ودخل منهم جماعة كثيرة جامع البرقوقية وذهب منهم طائفة كبيرة بخيولهم نحو المائة الى جهة باب النصر فوجدوه مغلقا فنزلوا أيضا عن خيولهم ودخلوا العطوف ونطوا من السور الى الخلاء وتفرق منهم جماعة اختفوا في الجهات وبعض الوكائل والبيوت ولما انحصر الذين دخلوا جامع البرقوقية واغلقوا على انفسهم الباب احتطت بهم العسكر واحرقوا الباب وتسور أيضا عليهم جماعة من العطفة التي بظاهر البرقوقية وقبضوا عليهم وعروهم ثيابهم واخذوا ما معهم من الذهب والنقود والاسلحة المثمنة وذبحوا منهم نحو الخمسين مثل الاغنام وسحبوا نحو ذلك العدد بالحياة وهم عرايا مكشوفوا الرؤوس حفاة الاقدام موثوقوا الايدي يضربونهم ويصفعونهم على اقفيتهم ووجوههم ويسبونهم ويشتمونهم ويسحبونهم على وجوههم حتى ذهبوا بهم وبرؤوس القتلى الى بيت الباشا بالازبكية وكان قد استعد للفرار وتحير في امره ونزل الى اسفل يريد الركوب واذا بالعسكر داخلون عليه ومعهم الرؤوس والاسرى في ايديهم فعند ذلك سكن جاشه وامتلا فرحا ولما مثل بين يديه احمد بك تابع البرديسي الذي كان اميرا بدمياط وحسن شبكة ومن معهما قال لاحمد بك يا احمد بك وقعت في الشرك فطلب ماء فحلوا كتافه واتوه بماء يشرب فنظر لمن حوله وخطف يقطانا من وسط بعض الواقفين وهاج فيهم واراد قتل محمد علي باشا وقتل انفارا فقام الباشا وهرب الى فوق وتكاثروا عليه وقتلوه

ووضعوا باقي الجماعة في جنازير وفي ارجلهم القيود وربطوهم بالحوش وهم على الحالة التي حضروا فيها من العرى والحقارة والذلة
وفي ثاني يوم احضروا الجزارين وامروهم بسلخ الرؤوس بين يدي المعتقلين وهم ينظرون الى ذلك واحضروا جماعة من الاسكافية فحشوها تبنا وخيطوها
وفي ليلة الاثنين خرج عابدي بك بعساكر الارنؤد برا وبحرا الى جهة طرا فالتقى مع من بها من المصريين وكان بها ابراهيم بك والكبير وابنه مرزوق بك وامراؤهم فقتل من عسكر الارنؤد عدة كبيرة وولوا منهزمين وحضروا الى مصر وغرق من مراكبهم مركبان في ليلة الثلاثاء
وفي تلك الليلة قتلوا المعتقلين ما عدا حسن شبكة ومعه اثنان قيل انهم عملوا على انفسهم ثلثمائة كيس فابقوهم وقتلوا الباقي قتلا شنيعا وعذبوهم في القتل من اول الليل الى اخره ثم قطعوا رؤوسهم وحشوها تبنا ووسقوها في مركب وارسولها الى سكندرية وعدتهم ثلاثة وثمانون راسا وفيهم من غير جنسهم واناس جربجية ملتزمون واختيارية التجواوا اليهم وراففوهم في الحضور وبعثوا من يوصلهم الى اسلامبول وكتبوا في المراسلة انهم حاربوهم وقاتلوهم وحاصروهم حتى افنوهم واستأصلوهم ولم يبقوا منهم باقية وهذه الرؤوس رؤوس اعيانهم واكابرهم فكان عدة من قتل في هذه الحادثة من المعروفين المنصبين مراد بك تابع عثمان بك حسن وقبطان بك تابع البرديسي وسليم بك الغربية واحمد بك الدمياطي وعلي بك تابع خليل بك ونحو الخمسة والعشرين من مماليكهم واتباعهم ونجا حسن بك شبكة واثنان معه دون اتباعة وباقيهم اشخاص مجهولة فيهم فرنساوية وارنؤدية ولم يتفق للامراء المصرية اقبح ولا اشنع من هذه الحادثة وربط الله على قلوبهم واعمى ابصارهم وغل ايديهم
وفي يوم الاربعاء حضر طائفة الدلاة الى ناحية الخانكة بعدما طافوا اقليم الغربية والمنوفية والشرقية والدقهلية وفعلوا افعالا شنيعة من النهب

والسلب والقتل والاسر والفسق وما لايسطر ولايذكر ولا يمكن الاحاطة ببعضه
وفيه افرجوا عن جرجس الجوهري ومن معه على اربعة ألاف وثمانمائة كيس وان يبقى على حاله فشرع في توزيعها على باقي الاقباط وعلى نفسه وعلى كبرائهم وصيارفهم ماعدا فلتيوس وغالي وحولت عليه التحاويل وحصل لهم كرب شديد وضج فقراؤهم واستغاثوا
وفي يوم الجمعة خرج عدة كبيرة من العسكر الى ناحية الشرق لمحاربة الدلاة واميرهم عمر بك تابع عثمان بك الاشقر ومحمد بك البدول وكثير من الاجناد المصرية وحسن باشا الارنؤدي
وفي يوم السبت رجع القرابة المشاة وذهب الخيالة خلفهم متباعدين عنهم بمرحلة فكان شأنهم أن الدلاة المذكورين اذا وردوا القرية نهبوها واخذوا ما وجدوه فيها واخذوا الاولاد والبنات وارتحلوا فياتي خلفهم العرب التابعون خلفهم فيطلبون الكلف والعليق وينهبون أيضا ما امكنهم ثم يرتحلون أيضا خلفهم فتنزل بعدهم التجريدة فيفعلون اقبح من الفريقين من النهب والسلب حتى ثياب النساء واخذ الدلاة من عرب العائد خمسائة جمل وذهبوا على طريق رأس الوادي وفيه ورد الخبر بوصول كتخدا بك الى منوف وقبض على كاشفها واخذ منه ماجمعه ثم انه فرد على البلاد التي وحد بها بعض العمار اموالا من ألف ريال فأزيد وحصر ذلك في قائمة وهي نحو الستين بلدا وارسل يستأذن في ذلك ويطلب عدم الرفع عن شئ منها ليحصل قدرا يستعان على علائف العسكر وجماكيهم وليكمل خراب الاقليم وانقضى شهر جماي الاولى

شهر جمادي الثانية سنة
استهل بيوم الاثنين في ثانية وصل ولدا محمد علي باشا الى ساحل بولاق فركب اغوات الباشا واستقبلوهما واحضروهما الى الازبكية وعملوا لهما شنكا تلك الليلة

وفي ثالثة طلع محمد عليباشا الى القلعة واجلس ابنه الكبير بها وضربوا له في ذلك الوقت مدافع
وفي رابعة رجع عابدي بك ومن بصحبته من المصرلية من جهة الشرق وقد وصلوا خلف الدلاة الى حد العائد ثم رجعوا وذهب الدلاة الى جهة الشام بما معهم من المال والغنائم والجمال والاحمال وعدتها اكثر من الاربعة ألاف جمل وما نهبوه من البلاد واسروه من النساء والصبيان وغير ذلك وكانوا من نقمة الله على خلقه ولم يحصل من مجيئهم وذهابهم الا زيادة الضرر ولم يحصل للباشا المخلوع الذي استدعاهم لنصرته الا الخذلان وكان في عزمه وظنه انهم يصيرون اعوانه وانصاره ويستعين بهم وبطائفة الينكجرية على ازالة الطائفة الاخرى فانتحس بقدومهم واورثه الله ذلهم وتخلوا عنه وخذلوه وضاع عليه ما صرفه عليهم في استدعائهم وملاقاتهم وخلعهم وتقدماتهم ومصارفهم وعلائفهم وخرجهم ولم ينفعوه بنافعة بل كانوا من الضرر الصرف عليه وعلى الاقليم وكان كلما خوطب وعوقب في امر او فعل يقول اصبروا حتى تأتي الدلاتية ويحصل بعد ذلك النظام فلم يحصل بوصولهم الا الفساد وانتقضت دولتة وانعست قضيته
وفيه شرعوا في عمل دفتر فردة على البلاد التي بقي فيها بعض الرمق
وفي خامسة حضر كتخدابك ليلا واشار بابطال ذلك الدفتر لما فيه من الاشاعة والشناعة واتفق مع الباشا والمتكلمين انه يفعل ذلك باجتهادة ورايه ورجع في تلك الليلة وشرع في التحصيل مع الجور والعسف الزائد كما هو شأنهم
وفيه سافر أيضا جانم افندي الدفتر دار وسافر صحبته قابجي باشا الاسود المسمى بشير أغا
وفيه سافر بعض كبرائهم الى جهة السويس ليأتي بالمحمل
وفي يوم الجمعة ورد احمد افندي من سكندرية وهو الذي كان اتى بالدفتردارية في العام السابق ومنعه احمد باشا خورشيد من الورود

وكتبوا في شانه عرضحال من الشايخ والوجاقلية بمنعه وابقاء جانم افندي واستمر بالاسكندرية الى هذا الوقت وحضر الان بمراسلة من قبطان باشا واحضر صحبته تقرير السعيد أغا على الوكالة وابقائه على ما هو عليه ونظر الخاصكية لسليمان أغا حافظ
وفي يوم الاحد رابع عشره تغيب جرجس الجوهري فيقال انه هرب ولم يظهر خبره وطلب محمد علي فلتيوس وغالي وجرجس الطويل
لطويل وفي يوم الاثنين حضر محمد كتخدا الألفي بجواب من مخدومه وقابل محمد علي باشا وذهب الى بيته لقضاء اشغاله
وفيه وصلت القافلة والمحمل واراد الباشا نهب قافلة التجار فصالحوا على احمالهم بالف كيس ودخل المحمل في ذلك اليوم صحبة المسفر
وفيه طلب الباشا حسن أغا نجاتي المحتسب والامير ابراهيم الرزاز وطلب أن يقلد حسن أغا كتخدا الحج والامير ابراهيم ديودار بشرط أن يكلفا انفسهما من مالهما فاعتذرا بعدم قدرتهم على ذلك فحبسهما وطلب من كل واحد منهما خمسمائة كيس وعزل حسن أغا وقلد عوضه اخر يسمى قاضي اوغلي على الحسبة
وفي يوم الثلاثاء ظهر الخبر عن جرجس الجوهري بانه ركب من دير مصر العتيقة وذهب الى الامراء المصرين بناحية التين
وفي يوم الاربعاء سابع عشرة توفي الشيخ محمد الحريري مفتي الحنفية
وفي يوم الجمعة تاسع عشرة توفي حسن افندي ابن عثمان الاماحي الخطاط
وفيه قلدوا علي جلبي بن احمد كتخدا على كشوفية القليوبية ولبس القفطان وركب بالملازمين
وفيه سافر محمد كتخدا الألفي عائدا الى مخدومه وذهب صحبته السلحدار وموسى البارودي

وفي عشرينه تقلد الحسبة شخص يقال له عبدالله قاضي اوغلي وكذلك تقلد قبله بايام ابراهيم الحسيني الزعامة وهو حليق اللحية وتقلد محمد من مماليك اسمعيل بك ويعرف بالالفي وهو زوج هانم ابنة بنت اسمعيل بك أغاوية مستحفظان
وفيه افرجوا عن حسن أغا المحتسب وابراهيم الرزاز وقرروا على الاول خمسة وستين كيسا وعلى الثاني خمسة عشر كيسا يقومان بدفعها
وفيه انزلوا قوائم على البلاد والحصص التي كانت تحت التزام جرجس الجوهري الى المزاد فاشتراها القادرون والراغبون
وفي حادي عشرينه قلدوا ياسين بك كشوفية بنى سويف والفيوم وكذلك لبسوا كاشفا على منفلوط وغيرها
وفي اواخره حضر محمد كتخدا الألفي والسلحدار وذكرا مطلوبات الألفي وهو انه يطلب كشوفية الفيوم وبني سويف والجيزة والبحيرة وماءتي بلد التزام وانه يأتي الجيزة ويقيم بها ويكون تحت طاعة محمد علي باشا وتشاوروا في ذلك اياما واما باقي الامراء المصرليين فانهم انتقلوا من مكانهم وترفعوا الى جهة قبلي بناحية بياضة ثم اتفق الرأي على أن يعطوهم من فوق جرجا وينزل بها الحاكم المولى عليها من العثمانية وان المصرين القبالي اقتسموا بينهم البلاد ويقومون بدفع المال والغلال الميرية وكل ذلك لا اصل له ولا حقيقة من الطرفين وكتبوا للالفي مكاتبات بذلك وان يكون في ضمنهم
وفي اواخره أيضا احتاج محمد علي باشا الى باقي علوفة العسكر فتكلم مع المشايخ في ذلك واخبرهم بان العسكر باق لهم ثلاثة ألاف كيس لا نعرف لتحصيلها طريقة فانظروا رأيكم في ذلك وكيف يكون العمل ولم يبق الا هذه النوبة ومن هذا الوقت اذا قبض العسكر باقي علائفهم سافروا الى بلادهم ولم يبق منهم الا المحتاج اليهم وارباب المناصب ولا ياخذون بعد ذلك علائف فكثر التروي في ذلك ولغط الناس

بالفردة وتقرير اموال على اهل البلد وانحط الامر بعد ذلك على قبض ثلث الفائظ من الحصص والالتزام فضج الناس وقالوا هذه تصير عادة ولم يبق للناس معايش فقال نكتب فرمانا ونلتزم بعدم عود ذلك ثانيا ونرقم فيه لعن الله من يفعلها مرة اخرى ونحو ذلك من التمويهات الكاذبة الى أن رضى الناس واستقر امرها وشرعوا في تحريرها وطلبها

شهر رجب الفرد سنة
استهل بيوم الاربعاء وفي حادي عشره سافر محمد كتخدا الألفي بالجواب المتقدم الى مخدومه بعد أن قضى اشغاله واحتياجاته من امتعة وخيام وسروج وغير ذلك وخرج ياسين بك وباقي الكشاف المسافرون الى الجيزة وطلبوا المراكب حتى عز وجودها وامتنع ورودها من الجهة البحرية
وفي ثالث عشره سافر المذكورون بعساكرهم وسافر أيضا علي باشا سلحدار احمد باشا خورشيد المنفصل الى الاسكندرية واما قبطان باشا فإنه لم يزل بثغر سكندرية
وفي منتصفه برز طاهر باشا الذاهب الى البلاد الحجازية بعساكره الى خارج باب النصر
وفيه وردت الاخبار بان الوهابيين استولوا على المدينة المنورة على ساكنها افضل الصلاة واتم التسليم بعد حصارها نحو سنة ونصف من غير حرب بل تحلقوا حولها وقطعوا عنها الوارد وبلغ الاردب الحنطة بها مائة ريال فرانسة فلما اشتد بهم الضيق سلموها ودخلها الواهبييون ولم يحدثوا بها حدثا غير منع المنكرات وشرب التنباك في الاسواق وهدم القباب ما عدا قبة الرسول صى الله عليه وسلم
وفي تاسع عشره وقع بالازبكية معركة بين العسكر قتل بها واحد من اعيانها واثنان آخران ورجل سائس وبغل وفرس وحمار
وفي خامس عشرينه ورد الخبر بسفر القبطان واحمد باشا خورشيد

من ثغر سكندرية
وفيه حضر اهل رشيد يشتكون الى السيد عمر النقيب والمشايخ ويذكرون أن محمد على باشا ارسل يطلب منهم اربعين ألف ريال فرانسة على ثلاثة عشر نفرا من التجار بقائمة
وفيه حضر محمود بك الذي كان بالمنية وتواترت الاخبار بوصول الغز المصريين الى اسيوط وملكوها واما الألفي فانه جهة الفيوم ووقع بينه وبين جماعة ياسين بك محاربة وظهر عليهم وارسل ياسين بك يطلب عسكرا وذخيرة
وفي خامس عشرينه ركب المشايخ والسيد عمر النقيب الى محمد علي وترجوا عنده في اهل رشيد فاستقرت غرامتهم على عشرين ألف فرانسة وسافروا على ذلك واخذوا في تحصيلها
وفيه طلب بترك الدير واحتجوا عليه بهروب جرجس الجوهري وانحط الامر على المصالحة بمائة واربعين كيسا وزعها النصارى على بعضهم ودفعوها

شهر شعبان سنة
استهل بيوم الجمعة فيه امر محمد علي باشا برفع حصص الالتزام التي على النساء وكتبوا قوائم مزادها وانحط الامر على المصالحات بقدر حالهن وغير ذلك امور كثيرة وجزئيات وتحيلات على استنضاح الاموال لا يمكن ضبطها
وفي اواخره زوج محمد علي حسن الشماشرجي تابعه ببنت سليم كاشف الاسيوطي وهي بنت عبدالرحمن بك تابع عثمان بك الجرجاوي وهي ربيبة احمد كاشف تابع سليم كاشف المذكور فعقدوا عقدهم وعلموا لها مهما ببيت امها هانم بحارة عابدين واحتفل بذلك محمد علي وامر بان يعمل لها زفة مثل زفف الامراء المتقدمين ونبهوا على ارباب الحرف فعملوا لهم عربات وملاعيب وسخريات قاموا بكلفها من مالهم الموزع على افرادهم

وداروا بأزفة يوم الخميس غاية شعبان وحضر محمد علي الى مدرسة العورية مع اولاده ليرى ذلك وعمل له السيد محمد المحروقي ضيافة في ذلك اليوم واحضر اليه الغداء بالمدرسة ولما انقضى امر الزفة شرعوا في عمل موكب المحتسب ومشايخ الحرف لرؤية رمضان وحضروا الى بيت القاضي ولم يثبت الهلال تلك الليلة وانقضى شهر شعبان
واستهل شهر رمضان بيوم السبت 1220
وفي هذا اليوم شح وجود اللحم وغلا سعره لعدم المواشي وتوالى الظلم والعسف والفرد والكلف على القرى والبلاد حتى بلغ الرطل اللحم الجفيط الهزيل خمسة وعشرين نصفا أن وجد والجاموسي اثني عشر نصفا وامتنع وجود الضاني بالاسواق بالكلية رأسا ولما استهل رمضان انكب الناس على من يوجد من الجزارين اللحم الخشن وكذلك شح وجود السمن وعدم بالكلية واذا وجد منه شىء خطفه العسكر وذهبوا به الى سوق انبابة يوم السبت اول رمضان ونهبوا ما وجدوه مع الفلاحين من الزبد والجبن وغير ذلك وزاد فحشهم وقبحهم وتسلطهم على ايذاء الناس وكثروا بالبلد وانحشروا من كل جهة وتسلطوا على تزوج النساء قهرا اللاتي مات ازواجها من الامراء المصرلية ومن ابت عليهم اخدوا ما بيدها من الالتزام والايراد واخرجوها من دارها ونهبوا متاعها فما يسمعها الا الاجابة والرضا بالقضاء وتزوج بعضهم بزوجة حسن بك الجداوي وهي بنت احمد بك شنن وامثالها ولم ينفعهن الهروب ولا الاختفاء ولا الالتجاء وتزيوا بزي المصريين في ملابسهم وركبوا الخيول المسومة بالسروج المذهبة والقلاعيات والرخوت المكلفة واحدق بهم الخدم والاتباع والقواسة والسواس والمقدمون ووصل كل صعلوك منهم لما لا يخطر على باله او يتوهمه أن يتخيله ولا في عالم الرؤيا مع انحراف الطبع والجهل المركب وعمى البصيرة والفظاظة والقساوة والتجارى وعدم الدين والحياء والخشية والمروءة ومنهم من تزوج الاثنتين والثلاث وصار له عدة دور

وفيه تواترت الاخبار بما حصل لياسين بك وانه بعد انهزامه هرب بجماعة قليلة وذهب عند سليمان بك المرادي وانضم اليه
وفي ثالث عشره نهبوا بيت ياسين بك المذكور واخذوا ما فيه ونفوا محمد افندي اباه وانزلوه في مركب وذهبوا به الى بحرى وقيل انهم قتلوه
وفيه وردت الاخبار بانه غرق بمينا الاسكندرية احد عشر غليونا من الكبار وذلك انه في اواخر شعبان هبت رياح غربية عاصفة ليلا فقطعت مراسي المراكب ودفعتها الرياح الى البر فانكسرت وتلف ما فيها من الاموال والانفس ولم ينج منها الا القليل وكذلك تلف ثمان واربعون مركبا واصلة من بلاد الشام الى دمياط ببضائع التجار
وفيه حضر جماعة من الألفية الى بر الجيزة وطلبوا كلفا من اقليم الجيزة وقبضوها ورجعوا الى الفيوم ومضى في اثرهم عربان اولاد علي من ناحية البحيرة وعاثوا باراضي الجيزة فعينوا لهم طاهر باشا الذي كان مسافرا الى بلاد الحجاز وخرج بعساكره وخيامه وموكبه الى خارج باب النصر ونصب وطاقة وصار يضرب في كل ليلة مدافعه وطلبه ونوبته واستمر مقيما على ذلك نحو ثلاثة شهور وهم يجمعون له الأموال ويفردون الفرد على الأقاليم ويقولون برسم تشهير العسكر المسافر للخوارج واستخلاص البلاد الحجازية من ايديهم ولم يزالوا يحتجون بعدم اخذ النفقة وفي كل يوم يتسللون شيئا بعد شىء ويدخلون الى المدينة ويتفرقون الى الجهات حتى لم يبق منهم الا القليل ثم انهم ارتحلوا من مخيمهم بحجة العرب وطردهم من الجيزة فلما عادوا الى الجيزة دخلوا الى دورها وسكنوها غصبا عن اهلها واستولوا على فراشهم ومتاعهم ولم يخرج منهم احد للعرب ولم يتعدوا خارج السور وبطل امر السفرة المذكورة
وفي تاسع عشره ارسل محمد علي من قبض على الاغا الشمعدانجي وعثمان أغا كتخذا بك سابقا وقت المغرب وانزلوهما الى بولاق في مركب وذهبوا بهما يقال انهم قتلوهما ومعهما اثنان أيضا من كبار العسكر ولم

يعلم سبب ذلك وانزلوا حصصهم في المزاد
وفيه فتحوا طلب الميري من الملتزمين عن سنة احدى وعشرين مع أن سنة تاريخه لم يستحق منها الثلث وكانوا فتحوها معجلة لقدر الاضتياج وقبضوا نصفها وطلبوا النصف الاخر بعد اربعة اشهر واما هذا فطلبوها بالكامل قبل اوانها بسنة وخصوصا في شهر رمضان مع الناس فيه من ضيق المعاش وغلو الاسعار في كل شىء بل وعدم وجود الاقوات ووقوف العسكر خارج المدينة يخطفون ما ياتي به الفلاحون من السمن والجبن والتبن والبيض وغير ذلك ومن دونهم العرب ومثل ذلك في البحر والمراكب حتى امتنع وجود المجلوبات برا وبحرا وطلبوا المراكب لسفر العساكر بالتجاريد فتسامع القادمون فوقفوا عن القدوم خوفا من النهب والتسخير ولم يبق بسواحل البحر مركب ولا قارب وبطل ديوان العشور ووصل سعر العشرة ارطال السمن ستمائة نصف فضه ان وجد والعشرة من البيض بخمسة عشر فضة أن وجد والدجاجة بأربعين نصفا والرطل الصابون بستين نصفا ولم يزل يتزايد حتى وصل الرطل الى مائة وعشرين والراوية الماء باربعين نصفا والرطل القشطة بستين نصفا والرطل من السمك الطري بستة عشر نصفا والقديد المملوح بعشرة انصاف وقد كان يباع بنصفين وبالعدد من غير وزن والحوت الفسيخ باربعين نصفا وقس على ذلك
وفي عشرينه رجع خازندار طاهر باشا الى جهة العادلية ثانيا ومعه جملة من العسكر وصاروا يضربون في كل ليلة مدفعين واستمر طاهر باشا بالجيزة
وفيه كتب محمد علي باشا مكاتبة الى الامراء القبالي وارسل بها مصطفى أغا الوكيل وعلي كاشف الصابونجي ليصطلحوا على امر
وفيه وصل أيضا جماعة من الألفية الى جهة سقارة وبلاد الجيزة وطلبوا منها كلفة ودراهم فامر محمد علي بخروج العساكر فتلكؤا واحتجوا بطلب العلوفة فعزم على الخروج بنفسه فلما كان ليلة الاربعاء سادس عشرينه

طلب كبار العساكر وركب معهم الى مصر القديمة وشرعوا في التعدية بطول الليل وهم محمد علي وعسكره وخواصه وعابدي بك وعمر بك وصالح قوش والدلاة وكبيرهم وعلي كاشف الذي تزوج بنت شنن واتباعه في تجمل وكبير الدلاة وطائفته وركب الجميع وقت الشروق وبرزوا الى الفضاء وانفرد كل كبير بعسكره خمسة طوابير وستة ونظروا على البعد منهم فرأوا خيالة من العربان وغيرهم متفرقين كل جماعة في ناحية فحمل كل طابور على جماعة منهم فانهزموا امامهم فساقوا خلفهم فخرج عليهم كمائن من خلفهم ووقع بينهم الضراب وحمل علي كاشف وآخر يقال له اوزى في جماعتهم فراوه مجملا فظنوه محمد علي فاحتاطوا به وتكاثروا عليه واخذوه اسيرا هو ومن ومعه وفر من نجا منهم ووقعت فيهم الهزيمة ورجع الجميع القهقري وعدوا الى بر مصر من غير تأخير وذهب من الارنؤد طائفة الى الاخصام وانضموا اليهم
وفي هذه الايام وقع بين اهل الازهر منافسات بسبب امور واغراض نفسانية يطول شرحها وتحزبوا حزبين حزب مع الشيخ عبدالله الشرقاوي وحزب مع الشيخ محمد الامير وهم الاكثر وجعلوا الامير ناظرا على الجامع وكتبوا له تقريرا بذلك من القاضي وختم عليه المشايخ والشيخ السادات والسيد عمر افندي النقيب وكانت النظارة شاغرة من ايام الفرنسيس وكان يتقلدها احد الامراء فلما خرج الامراء من مصر صارت تابعة للمشيخة لوقت تاريخه فانفعل لذلك الشيخ الشرقاوي ولما فعلوا ذلك اجتهد الشيخ الامير في النظر لخدمة الجامع بنفسه وبابنه واحضر الخدمة وكنسوا الجامع وغسلوا صحنه ومسحوه وفرشوا المقصورة بالحصر الجدد وعلقوا قناديل البوائك وصار كل يوم يقف على الخدمة ويأمرهم بالتنظيف وغسل الميضاة والمراحيض وامر بغلق الابواب من بعد صلاة العشاء ما عدا الباب الكبير ورتبوا له بوابا وطردوا من يبيت به من الاغراب الذين يتلفون بالحصر ويلوثونها ببولهم وغائطهم ونحو ذلك

وفي غايتة ليلة الاحد التي هي ليلة العيد عدى طائفة من العسكر الى بر الجيزة وانضموا الى الاخصام وحصل في العسكر ارتجاج واختلافات وعملوا شنكا في تلك الليلة في الازبكية بعدما اثبتوا هلال شوال بعد العشاء الاخيرة وقد كانوا اسرجوا المساجد وصلوا التراويح ثم اطفؤا المنارات في ثالث ساعة من الليل

شهر شوال سنة
استهل بيوم الاحد المذكور وجميع الامور مرتبكة والحال على ما هو عليه من الاضطراب ولم يحصل في شهر رمضان للناس جمع حواس ولا حظوظ ولا امن وانكف الناس عن المرور في الشوارع ليلا خوفا من اذية العسكر وفي كل وقت يسمع الانسان اخبار ونكات وقبائح من افاعيلهم من الخطف والقتل وأذية الناس
وفي رابعه قلدوا مناصب كشوفات الاقاليم وتهيؤا للذهاب وعملوا قوائم فرد ومظالم على البلاد خلاف ما تقدم وخلاف ما ياخذه الكشاف لانفسهم وما يأخذونه قبل نزولهم وذلك انه عندما يترشح الشخص منهم لتقليد المنصب يرسل من طرفه معينين الى الاقليم الذي سيتولي عليه باوراق البشارات وحق طرق باسم المعينين اما عشرين الفا او اكثر او اقل فاذا قبضوا ذلك اتبعوها باوراق اخرى ويسمونها اوراق تقبيل اليد وفيها مثل ذلك واكثر او اقل ثم كذلك اوراق لبس القفطان ونحو ذلك وقد يتفق بعد ذلك جميعه انه يتولى خلافه ويستأنف العمل الى غير ذلك هذا وكتخذا بك مستمر في سرحاته بالاقاليم وجمع الاموال والعسف والجور مرة بالمنوفية ومرة بالغربية ومرة بالشرقية ولا يقرر الا الاكياس من الشهريات والمغارم وحق الطرق والاستعجالات المترادفة مما لا يحيط به دفتر ولا كتاب
وفي ثامنه توفي ابراهيم افندي كاتب البهار وترك ولدا صغيرا فقلدوا مملوكه حسنا في منصبه وكيلا عن ولده
وفي هذه الايام كثر تحرك العسكر والمناداة عليهم بالخروج الى نواحي

طرا والجيزة وذلك بسبب أن بعض الالفية عدى الى ناحية الشرق واخذوا كلفا من البلاد وبعضهم وصل الى وردان بالبر الغربي
وفي عاشره حضر جملة من الدالاتية وغيرهم من ناحية الشام فمنهم من حضر في البحر على دمياط ومنهم من حضر في البر وعدى طاهر باشا الذي كان مسافرا على جدة
وفيه أيضا سافرت القافلة المتوجهة الى السويس وصحبتها نحو المائتين من العسكر وعليهم كبير من طرف طاهر باشا بدلا عنه وسافر صحبتهم حسن افندي القاضى المنفصل ليكون قاضيا بمكة حسب القانون
وفي خامس عشره وصلت قوافل التجار من السويس فأرسل محمد علي وفتح الحواصل واراد اخذ بضائع التجار وفروق البن فانزعج التجار بوكائل الجمالية وغيرها وذلك بعد أن دفعوا عشورها ونو لونها واجرها وما جعلوه عليها من المغرم السابقة وانحط الامر على المصالحة عن كل فرق خمسون ريالا ولم ينتطح في ذلك شاتان
وفي حادي وعشرينه حضر كتخدا بك الى مصر بعدما جمع الاموال من الاقاليم وفعل ما فعله من الفرد والمظالم الخارجة عن الحد
وفي يوم الاربعاء خامس وعشرينه توفي عثمان افندي العباسي

شهر ذي القعدة سنة
واستهل بيوم الثلاثاء والاجتهاد حاصل بخروج العسكر للتجريد في كل يوم ونصبوا عرضيهم ببر الجيزة وناحية طرا من ابتداء شعبان كما تقدم وفي كل يوم يخرجون طوائف ويعودون كذلك
وفي يوم الأربعاء تاسعه حضر مصطفى أغا الوكيل وعلي كاشف الصابونجي وعلي جاويش الفلاح الذين كانوا تواجهوا الى قبلي لاجل الصلح وحضر صحبتهم نيف وثلاثون مركبا من السفار والمتسببين فيها غلال وادهان وجلود وتمر وغير ذلك ولم يعلم حقيقة ما حصل
وفي يوم الجمعة حادي عشره نودى على العسكر بالخروج من الغد

بالتركي والعربي والتحذير من التأخير
وفي يوم الاحد رجع مصطفى أغا بجواب ثانيا هجانا من طريق البر
وفي يوم الاثنين رابع عشرة اخرجوا المحمل والكسوة وعين للسفر بهما من القلزم مصطفى جاويش العنتبلي ومعه صراف الصرة دفعوا له ربعها وثمنها وهذا لم يتفق نظيره
وفي يوم الثلاثاء خامس عشره ورد نحو السبعين ططريا ومعهم البشارة لمحمد علي باشا بوصول الاطواخ الى رودس ووصل معهم أيضا مراسيم بمنصب الدفتردارية الى سكندرية في ايام احمد باشا خورشيد وجانم افندى الدفتردار ومنعوه عنها وكتبوا في شأنه عرضا للدولة بعدم قبوله وان اهل البلد راضون على جانم افندي فلما حصل ما حصل لخورشيد باشا وعزل عن مصر وعزل أيضا جانم افندي حضر أيضا احمد افندي المذكور بمراسيم اخر وفيها الوكالة لسعيد أغا مجددة له ونظر الخاصكية لحافظ سليمان واستمر من ذلك الوقت بمصر فوصل اليه الامر بتقليد الدفتردارية وكان حسن افندي الروزنامجي هو المتقلد لذلك فلما كان يوم الخميس سابع عشره اجتمع بديوان محمد علي صالح أغا قابجي باشا وسعيد أغا ونقيب الاشراف وبعض المشايخ ولبس احمد افندي خلعة الدفتردارية وشرطوا عليه انه لا يحدث حوادث كغيره فان حصل منه شىء عزلوه وعرضوا في شأنه وقبل ذلك على نفسه
وفي يوم الجمعة ثامن عشره ارتحلت القافلة وصحبتها الكسوة والمحمل اواخر النهار من ناحية قايت باي بالصحراء وذهبوا الى جهة السويس ليسافروا من القلزم
وفيه وصلت الاخبار بان بونابارته كبير الفرنسيس ركب في جمع كبير واغار على بلاد النمساوية وحاربهم حربا عظيما وظهر عليهم وملك تختهم وقلاعهم وطلب ملكهم بعد خروجه من حصونه فأعاده لمملكته بعد

ما شرط عليه شروطه وملك غير ذلك من القرانات والحصون ثم سار الى بلاد الموسقو ووقع بينه وبينهم هدنة على ثلاثة اشهر
وفي اليوم الاربعاء ثالث عشرينه خرج حسن باشا طاهر الى ناحية مصر القديمة
وفي يوم السبت سادس عشرينه حضر مبشرون بحصول مقتلة عظيمة وانهم اخدوا من الاخصام جملة عسكر اسرى ورؤوس فضربوا مدافع لذلك واظهروا السرور
وفي يوم الاحد وصلت الرؤوس والاسرى وهى احدى وعشرون رأسا وذراع مقطع وسبعة عشر اسيرا ليس فيهم من يعرف ولا من جنس الاجناد وغالبهم فلاحون فاعطى محمد علي لكل اسير نصف دينار واطلقهم ووضعوا الرؤوس والذراع عند باب زويلة
وفيه وصلت القافلة من السويس ووصل أيضا صحبتهم جنرال من الانكليز راكب في تخت وحملته ومتاعه على نحو سبعين جملا فذهب عند قنصلهم فلما كان يوم الاربعاء غايته ركب في التخت وذهب عند محمد علي بالازبكية فتلقاه وعمل له شنكا ومدافع وقدم له هدية وتقادم ثم رجع الى مكانه

شهر ذى الحجة الحرام سنة
استهل بيوم الخميس فيه حضر مصطفى أعا الوكيل وعلي كاشف الصابونجي من الجهة القبلية وقد تقدم انهما ذهبا وعادا ثم رجعا ثانيا على الهجن لتقرير الصلح ثم رجعا ولم يظهر اثر لذلك الصلح وحكى الناس عنهما أن المذكورين لما ذهبا الى اسيوط وجدا ابراهيم بك قد انتقل الى ناحية طحطا واجتمعا بعثمان بك حسن البرديسي فلم يرضيا بالتوجيه الذي وجه به اليهم وهو من حدود جرجا وقالا لا يكفينا الامن حدود المنية فان الفرنساوية كانوا اعطوا حكم البلاد القبلية من حدود المنية لمراد بك بمفرده فكيف انه يكفينا نحن الجميع من جرجا وشرطوا

أيضا انه استقر الصلح على مطلوبهم لابد من اخلاء الاقليم من هذه العساكر الذين لايتحصل منهم الا الضرر والخراب والدمار والفساد ولايبقى الباشا منهم الا مقدار الفي عسكري وقالوا انه أيضا اذا لم يعطنا مطلوبنا فهو لايستغني عن اناس من العسكر يقيمون بالبلاد التي يبخل علينا بها فنحن اولى له واحسن منهم ونقوم بما على البلاد من المال والغلال وعند ذلك يحصل الامن وتسير المسافرون في المراكب وترد المتاجر والغلال ويحصل لنا وله الراحة واما اذا استمر الحال على هذا المنوال فانه لم يزل متعبا من كثرة العسكر ونفقاتهم وكذلك سائر البلاد على انه أن لم يرض بذلك فهاهي البلاد بايدينا والامر مستمر معنا ومعهم على التعب والنصب
وفي رابعه ورد الخبر بأن جماعة من كبار العسكر وفيهم سليمان أغا الارنؤدي الذي تولى كسوفية منفلوط ومعهم عدة وافرة من العسكر عدوا من المنية الى البر الشرقي بالمطاهرة بسبب ما عندهم من القحط وعدم الاقوات لاحاطة المصريين بهم فلما دخلوا الى بلدة المطاهرة وملكوها وصل اليهم بعض الامراء والاجناد المصرية واحاطوا بهم وحاربوهم ايام حتى ظهروا عليهم وقتلوا منهم وهرب من هرب وهو القليل واسروا الباقي وفيهم سليمان أغا المذكور فالتجاء الى بعض الاجناد فحماه من القتل وقابل به كبار الامراء فانعموا عليه بكسوة ودراهم وسلاح واقام معهم اياما ثم استأذنهم للعود وحضر الى مصر وجلس بداره
وفيه ورد الخبر أيضا بموت الامير بشتك بك المعروف بالالفي الصغير مبطونا
وفيه أيضا حضر حجاج الخضري الرميلاتي الى مصر وقد كان خرج من مصر بعد حادثة خورشيد باشا خوفا من العسكر وذهب الى بلدة بالمنوات ثم ذهب عند الألفي واقام في معسكره الى هذا الوقت ثم أن الألفي طرده لنكتة حصلت منه فرجع الى بلده وارسل الى السيد عمر فكتب له

امانا من الباشا فحضر بذلك الامان وقابل الباشا وخلع عليه ونادوا له في خطته بانه على ما هو عليه في حرفته وصناعته ووجاهته بين اقرانه فصار يمشي في المدينة وبصحبته عسكري ملازم له
وفي يوم الجمعة تاسعه كان يوم الوقوف بعرفة وفي ذلك اليوم ركب محمد علي بالابهة الكاملة وصلى الجمعة بالمشهد الحسيني ولم يركب من وقت ولايته بالهيئة الا في هذا اليوم وفي عصر تلك الليلة ضربوا عدة مدافع من القلعة اعلاما بالعيد وكذلك في صبحها وفي كل وقت من لاوقت الخمسة مدة ايام التشريق
وفي رابع عشره حضر جاههين بك الألفي ومعه طوائف من العربان الى اقليم الجيزة واخذوا الكلف واغناما من البلاد ودراهم واشيع بذلك وامروا بخروج العساكر اليهم وركب محمد علي باشا في يوم الخميس وخرج الى ناحية بولاق وانزلوا من القلعة جبخانة ومدافع وطفقوا يخطفون الحمير من الاسواق أن وجدوها وعدى طائفة من العساكر الخيالة الى بر الجيزة وعدى طاهر باشا الى بر انبابة وصحبته عساكر كثيرة وازعجوا أهل القرية وخرجوهم من دورهم وسكنوا بها واطلقوا دوابهم وخيولهم على المزارع فأكلوها بأجمعها ولم يبقوا منها ولا عودا اخضر في ايام قليلة
وفيه اختفى حجاج الخضري أيضا بسبب ما داخله من الوهم والخوف من العسكر
وفي عشرينه شرع عساكر حسن باشا في التعدية من ناحية معادي الخبيري الى البر الاخر
وفي يوم الاحد خامس عشرينه عدى حسن باشا أيضا
وفي يوم الاثنين نودي في الاسواق على العساكر الذين لم يكونوا في قوائم العسكر الذين يقال لهم السير بالسفر والخروج الى بلادهم ومن وجد منهم بعد ثلاثة ايام قتل وكذلك كتبوا فرمانات وارسولها الى

البلاد بمعنى ذلك ومن كان من اهل البلد او المغاربة او الاتراك بصورة العسكر ومتزييا بزيهم فلينزع ذلك وليرجع الى زيه الاول
وفيه أيضا نودي على المعاملة الناقصة لاتقبض الا بنقص ميزانها لان المعاملة فحش نقصها جدا وخصوصا الذهب البندقي الذي كان احسن اصناف العملة في الوزن والعيار والجودة فان العسكر تسلطوا عليه بالقص فيقصون من المشخص الواحد مقدار الربع او اكثر او اقل ويدفعونه في المشتروات ولايقدر المتسبب على رده او طلب ارش نقصه وكذلك الصيرفي لايقدر على رده او وزنه وقتل بذلك قتلى كثيرة واغلق الصيارف حوانيتهم وامتنعوا من الوزن خوفا من شرهم وكذلك نودي على التعامل في بيع البن بالريال المعاملة وهو تسعون نصفا وقد كان الاصطلاح في بيع البن بالفرانسة فقط وبلغ صرف الفرانسة مائة وثمانين نصفا ضعف الاول وعز وجوده لرغبة الناس فيه لسلامته من الغش والنقص لان جميع معاملة الكفار قولة السير هكذا في نسخ وفي بعض النسخ القبسير ولم نقف بعد المراجعة عليها كذ بهامش النسخة المطبوعة سالمة من الغش والنقص بخلاف معاملات المسلمين فإن الغالب على جميعها الزيف والخلط والغش والنقص فلما انطبعوا على ذلك ونظروا الى معاملات الكفار وسلامتها تسلطوا عليها بالقطع والتنقيص والتقصيص تتميما للغش والخسران والانحراف عن جميع الاديان وقال صلى الله عليه و سلم الدين المعاملة ومن غشنا فليس منا فيأخذون الريالات الفرانسة الى دار الضرب ويسبكونها ويزيدون عليها ثلاثة ارباعها تحاسا ! ويضربنونها قروشا يتعاملون بها ثم ينكشف حالها في مدة يسيرة وتصير نحاسا احمر من اقبح المعاملات شكلا ووضعا لافرق بينها وبين الفلوس النحاس التي كانت تصرف بالارطال في الدول المصرية السابقة في الكم والكيف بل تلك اجمل من هذه في الشكل وقد شاهدنا كثيرا منها وعليها اسماء الملوك المتقدمين ووزن الواحد منها نصف اوقية وكان الدرهم المتعامل به اذ ذاك من

الفضة الخالصة على وزن الدرهم الشرعي ستة عشر قيراطا ويصرف بثلاثة ارطال من الفلوس النحاس فيكون صرف الدرهم الواحد اثنين وسبعين فلسا تستعمل في جميع المشتروات والمرتبات والمعاليم واللوازم للبيوت والجزئيات والمحروقات فلما زالت الدولة القلوونية وظهرت دولة الحراكسة واستقر الملك المؤيد شيخ في سلطنة مصر وبدا الاختلال اختصر الدرهم المتعامل به وجعله نصف درهم وهو ثمانية قراريط وسمي نصف مؤيدي ولم تزل تتناقص حتى صارت في اخر الدولة الجركسية اقل من ربع الدرهم واختل امر الفلوس النحاس والمرتبات والوظائف بالاوقاف المشروط فيها صرف المعاليم بالفلوس ولم يزل الحال يختل ويضعف بسبب الجور والطمع والغش وغباوة اولي الامر وعمي بصائهم عن المصالح العامة التي بها قوام النظام حتى تلاشى امر الدراهم جدا في الوزن والعيار وصار الدرهم المعبر عنه بالنصف اقل من العشر للدرهم وفيه من الفضة الخالصة نحو الربع فيكون في النصف الذي هو الان بدل الدرهم الاصلي من الفضة الخالصة اقل من ربع العشر فيكون في النصف الواحد من معاملتنا الان الذي وزنه خمس قمحات قيراط وربع ثلث قيراط من الفضة وذلك بدل عن ستة عشر قيراطا وهو الدرهم الاصلي الخالص فانظروا الى هذا الخسران الخفي الذي انمحقت به البركة في كل شئ فان الدرهم الفضة الان صار بمنزلة الفلس النحاس القديم فتأمل واحسب تجد الامر كذلك فاذا فرضنا أن انسانا اكتسب ألف درهم من دراهمنا هذه فكأنه اكتبسب خمسة وعشرين لاغير وهو ربع عشرها على انه اذا حسبنا قيمة الخمسة وعشرين في وقتنا هذا عن كل درهم ثلاثون نصفا فانها تبلغ سبعمائة وخمسين ويذهب الباقي وهو مائتان وخمسون هدرا واما الذهب فإن الدينار كان وزنه في الزمن الاول مثقالا من الذهب الخالص ثم صار في الدولة الفاطمية وما بعدها عشرين قيراطا وكان يصرف بثلاثين درهما من الفضة فلما نقص الدرهم زاد صرف الدينار الى أن استقر وزن الدينار

في اوائل القرن الماضي ثلاثة عشر قيراطا ونصفا ويصرف بتسعين نصفا وهو المعبر عنه بالاشرفي والطرلي المعروف بالفندقلي يصرف بمائة وكانا جيدين في العيار وكذلك الانصاف العددية كانت اذذاك جيدة العيار والوزن وكان الريال يصرف بخمسين نصفا والريال الكلب باثنين واربعين نصفا ثم صار الدينار وهو المحبوب الجنزرلي بمائة وخمسين والفندقلي بمائة وعشرين والفرانسة بستين ثم حدث المحبوب الزر في ايام السلطان احمد بدلا عن الجنزرلي وغلا صرف الجنزرلي وكان في وزن المشخص وعياره ووزن الزر ثلاثة عشر قيراطا ونصف الى أن زاد الاختلال في ايام علي بك والمعلم رزق واستيلائه على دار الضرب والقروش واستعمل ضرب القروش واستكثر منها وزاد في غشها لكثرة المصاريف على العساكر والتجاريد والنفقات واستقر الاشرفي المعروف بالزر بمائة وعشرة والطرلي بمائة وستة واربعين والمشخص بمائتين والريال الفرانسة بخمسة وثمانين مدة من ايام علي بك وفحش وجود القروش المفردة وضعفها واجزاؤها حتى لم يبق بأيدي الناس من التعامل الا هي وعز باقي الاصناف المذكورة وطلبت للسبك والادخار صياغة الحلي فترقت في الصارفة والابدال فلما زالت دولة علي بيك وتملك محمد بك أبو الذهب نادى بابطال تلك القروش بأنواعها رأسا فخسر الناس خسارة عظيمة من اموالهم وباعوها بالارطال للسبك واقتصروا على ضرب الانصاف العددية والمحبوب الزر والنصفيات لاغير ونقصوا من وزنها وعيارها ونقصت فيمنها وغلت في المصارفة وزاد الحال بتوالي الحوادث والمحن والغلاء والغرامات وضيق المعاش وكساد البضائع وتساهلوا في زيادة المصارفة وخصوصا في ثمن السلع والمبايعات وخلاص الحقوق من المماطلين واقترن بذلك تغافل الحكام وجورهم وعدم التفاتهم لمصالح الرعية وطمعهم وتركهم النظر في العواقب الى أن تجاوزت في وقتنا هذا الحدود وبلغت في المصارفة اكثر من الضعف وصار صرف المحبوب مائتين وخمسة بل وعشرة والريال

الفرانسة بمائة وخمسة وسبعين بل وثمانين والمشخص البندقي بأربعمائة واكثر والمجر بثلثمائة وستين والفندقلي بثلثمائة وعشرين وهو الجديد ويزيد القديم لجودة عياره عن الجديد وتتفاوت المثلية في المحبوب بجودة العيار فاذا ابدل السلمي الموجود الان بالمحمودي زيد في مصارفته اربعون نصفا واكثر بحسب الرغبة والاحتياج ويتفاوت أيضا المحمودي بمثله فيزيد أبو وردة عن الراغب ويزيد الراغب عن الذي فيه حرف العين ويكون المحبوبان في تحويل المعاملة بدلا عن المشخص الواحد مع أن وزنهما سبعة وعشرون قيراطا ووزن المشخص ثمانية عشر قيراطا فالتفاوت بينهما تسعة قراريط وهي مافيه من الخلط وغير ذلك مما يطول شرحه ويعسر تحقيقه وضبطه ولم يزل امر المعاملة وزيادة صرفها واتلاف نقودها واضطرابها مستمر او كل قليل ينادون عليها مناداة بحسب اغراضهم لا نسمع ولا تقبل ولا يلتفت اليها لأن اصل الكدر منبعث عنهم ومنحدر عن مجراة خبائثم وفسادهم
وفي اخره اذن الباشا لولده الكبير بالذهاب لزيارة سيدي احمد البدوي رضي الله عنه بطندتا وعين صحبته اتباعا وعسكرا وهجنا وقرر دراهم على البلاد ألف ريال فما دونها خلاف الكلف وكذلك سافر حريمات ورئيسهن حريم مصطفى أغا الوكيل في هيئة لم يسبق مثلها في تختروانات وعربات ومواهي واحمال وجمال وعسكر وخدم وفراسين وفرضوا لهن أيضا مقررات على البلاد وكلفا ونحو ذلك واظن أن هذه المحدثات من اهوال القيامة
وانقضت السنة وما حصل فيها من الحوادث والانذارات
ومات فيها الامام العلامة والبحر الفهامة صدر المدرسين وعمدة المحققين مفتي الحنفية بالديار المصرية الشيخ محمد عبد المعطي ابن الشيخ احمد الحريري الحنفي ولد سنة ثلاث واربعين ومائة والف ونشا في عفة وصلاح وحفظ القرآن وجوده وحفظ المتون وحضر اشياخ العصر وجود الخط

وكان ينسخ بالأجرة وكتب كتبا كثيرة وخطه في غاية الصحة والجودة وغالبها في الادبيات كالريحانة وخبايا الزوايا وخزانة الادب والتي بخطة من ذلك في غاية الحسن والقبول وكان شافعي المذهب ثم تحنف وحضر على اشياخ المذهب مثل الشيخ محمد الدلجي والشيخ محمد العدوى ولازم الشيخ حسن المقدسي ملازمة كلية وانتسب اليه وعرف به وحضر عليه وتلقى عنه غالب الكتب المشهورة في المذهب وحضر باقي العلوم على الشيخ الملوى والحفني والشيخ علي العدوي وغيرهم وكان يكتب الاجوبة على الفتاوى عن لسانه ولما توفي شيخه المذكور تقرر مكانه في وظيفة الخطابة والامامة بجامع عثمان كتخدا بالازبكية وسكن بالدار المشروطة له بها السكنى برحاب الجامع المذكور وكانت خطبه في غاية الخفة والاختصار ولوعظه وقع في النفوس لخلوه عن التصنع ولما مات الشيخ احمد الدمنهوري في سنة اثنتين وتسعين ومائة والف وحصل ما حصل للشيخ عبدالرحمن العريشي كما تقدم تعين المترجم لمشيخة الحنفية والفتوى عوضا عن المذكور قبل وفاته بأيام قليلة وكان اهلا لذلك وكفالة وسار فيها سيرا حسنا بحشمة واشتهر ذكره وقصدته الناس للفتوى والافادة واقبلت عليه الدنيا وسكن دارا مشرفة على الازبكية جارية في وقف عثمان كتخدا واشترى أيضا دارا نفيسة بالجودرية واسكنها لغيره بالاجرة وانحصرت فيه وظائف مشيخة الحنفية كالتدريس في مدرسة المحمودية والصرغتمشية والمحمدية وغيرها فكان يباشر الاقراء بنفسه في بعضها والبعض ولده العلامة الشيخ إبراهيم ولم يزل يقرئي ويملي ويفيد حتى في حال انقطاعه وذلك انه لما مات احمد أغا غانم وحصل بين عتقائه منازعة ثم اتفقوا على تحكيم المترجم بينهم والتمسوا منه أن يذهب صحبتهم الى قوة ليصلح بينهم فلما ذهب الى بولاق واراد النزول في السفينة اعتمد على بعض الواقفين فعثرت رجله فقبض ذلك الرجل على معصمه فانكسر عظمه لنحافة جسمه فعادوا به الى

داره واحضروا له من عالجه حتى برىء بعد شهور وفرحوا بعافيته ودعاه بعض احبابه بناحية قناطر السباع فركب وذهب اليه وكانت اول ركباته بعد برئه فلما طلع الى المجلس واراد الصعود الى مرتبه الجلوس زلقت رجله فانكسر عظم ساقه وتكدر الحاضرون وحملوه وذهبوا به الى داره واحضروا له المعالج فلم يحسن المعالجة وتألم تألما كثيرا واستمر ملازما للفراش نحو سبع سنوات ثم توفي يوم الاربعاء سابع عشر رجب من السنة عن سبع وسبعين سنة ودفن بتربة الأزبكية وتعين بعده في المشيخة والافتاء ولده المحقق العلامة المستعد الشيخ ابراهيم ادام الله النفع بحياته وحفظ عليه اولاده
ومات الاجل الامثل المفوه المنشىء النبيه الفصيح المتكلم عثمان افندي ابن سعد العباسي الانصاري من ولد آخر الخلفاء العباسية بمصر المتوكل على الله ووالده يعرف بالانصاري من جهة النساء من بيت السيادة والخلافة ولد بمصر وبها نشأ واشتغل بالعلم على فضلاء الوقت ومهر في الفنون بذكائه وعانى الحساب والنجوم فأخذ منها حظا ونزل كاتب سر في ديوان بعض الامراء ولامه بعض محبيه في ذلك فاعتذر انه انما قدم عليه صيانة لبعض بلاده وضياعه التى استولت عليها ايدي الظلمة فلا محيد له عن عشرتهم واجتمع بشيخنا الشيخ محمود الكردي واراد السلوك في طريق الخلوتية وترك شرب الدخان ولازمه كثيرا وتلقن الاسم الاول والاوراد واقلع عما كان عليه حتى لاحت عليه انوار ملازمته واعتقده جدا وبعد وفاة الاستاذ رجع الى حالته وشرب الدخان ثم ولى خليفة على غلال الحرمين فباشرها بشهامة ثم ولي روزنامة مصر بصرامة وقوة مراس وشدة ومخادعة وراج امره واتسع حاله وزادت حشمته وذلك بعد عزل احمد افندي أبي كلبة وقبل وفاة السيد محمد افندي الكماخي الروزنامجي وثقل امره على باقي الكتبة والناس فاوغروا عليه وعزلوه فضاق صدره وزاد قلقه وحدث فيه بعض رعونة وتردد لمشاهد الاولياء في الليل والنهار

يبتهل ويدعو ويفرق خبزا ودراهم وياوى اليه المجاذيب والذين يدعون الصلاح والولاية فيكرمهم برهة ويرون له مرائي ومنامات واخباريات فيزداد هوسه ثم لما يطول الحال ينقطع عنهم ويبدلهم بآخرين وهكذا كان ينام مع بعضهم في الحريم ويترجم بعضهم بمكاشفات وشطحيات ويقول فلان يطلع على خطرات القلوب وفلان يصعد الى السماء ومن كرامات فلان كذا ثم يرجع عن ذلك ولما مات السيد محمد عيد في كتابة الروزنامة أيضا استمر بها ثمانية عشر شهر وكانت اعادته في سنة ثمان بعد المائتين ثم انحرف عليه ابراهيم بك الكبير وعزله وكان يظن أن الامر يؤل اليه فلم يتم له ذلك واحضر ابراهيم بك السيد ابراهيم ابن اخي المتوفي وقلده ذلك فعندها ايس المترجم منها واختلفت الامور بحدوث الفتن وتقلب الدول والاحوال ولازم شأنه وبيته بعد رجوعه من هجرته الى الشام في حادثة الفرنسيس واعترته الامراض واجتمعت لديه كتب كثيرة في سائر العلوم وبيعت بأسرها في تركته توفي يوم الاربعاء خامس عشرين شوال من السنة
ومات العمدة الامام الصالح الناسك العلامة والبحر الفهامة الشيخ محمد ابن سيرين بن محمد بن محمود ابن جيش الشافعي المقدسي ولد في حدود الستين وقدم به والده الى مصر فقرأ القرآن واشتغل بالعلم وحضر دروس الشيخ عيسى البراوي فتفقه عليه وحلت عليه انظاره وحصل طرفا جيدا من العلوم على الشيخ عطية الاجهورى ولازمه ملازمة كلية وبعد وفاة شيخه اشتغل بالحديث فسمع صحيح مسلم علي الشيخ احمد الراشدي واتصل بشيخنا محمود الكردي فلقنه الذكر ولازمه وحصلت له منه الانوار وانجمع عن الناس ولاحت عليه لوائح النجابة والبسه التاج وجعله من جملة خلفاء الخلوتية وامره بالتوجه الى بيت المقدس فقدمه وسكن بالحرم وصار يذاكر الطلبة بالعلوم ويعقد حلقة الذكر وله فهم جيد مع حدة الذهن واقبلت عليه الناس بالمحبة ونشر له القبول عند الامراء والوزراء

وقبلت شفاعته مع الانجماع عنهم وعدم قبول هداياهم واخبرني بعض من صحبه انه يفهم من كلام الشيخ ابن العربي ويقرره تقريرا جيدا ويميل الى سماعه وحج من بيت المقدس واصيب في العقبة بجراحة في عضده وسلب ما عليه وتحمل تلك المشقات ورجع الى مصر فزار شيخه الشيخ محمود وجلس مدة ثم اذن له بالرجوع الى بلده وسمع اشياء كثيرة في مبادي عمره واقتبس من الاشياخ فوائد جمة حتى قبل اشتغاله بالعلم وفي سنة ( 1182 ) كتب الى شيخنا السيد مرتضى يستجيزه فكتب له اسانيده العالية في كراسة وسماها قلنسوة التاج وقد تقدم ذكرها في ترجمة السيد مرتضى ولم يزل يملي ويفيد ويدرس ويعيد واشتهر ذكره في الآفاق وانعقد على اعتقاده وانفراده الاتفاق وسطعت انواره وعمت اسراره وانتشرت في الكون اخباره وازدحمت على سدته زواره الى أن جاب الداعي ونعته النواعي وذلك سابع عشرين شهر شعبان من السنة ولم يخلف بعده مثله وبه ختمت دائرة المسلكين من الخلوتية ورجال السادة الصوفية وحسن به ختم هذا الجزء الثالث من كتاب عجائب الآثار في التراجم والاخبار لغاية سنة عشرين ومائتين والف من الهجرة النبوية على صاحبها افضل الصلاة والسلام وسنقيد ان شاء الله تعالى ما يتجدد بعدها من الحوادث من ابتداء سنة احدى وعشرين التي نحن بها الان أن امتد الاجل واسعف الامل ونرجو من الكريم المتعال صلاح الاحوال وانقشاع الهموم وصلاح العموم انه على كل شىء قدير وبالاجابة جدير والله اعلم

سنة احدى وعشرين ومائتين والف
استهل شهر المحرم بيوم الخميس حسابا ويوم السبت هلال ووافق ذلك انتقال الشمس لبرج الحمل فاتحدت السنة القمرية والشمسية وهو يوم النوروز السلطاني واول سنة الفرس وهو التاريخ الجلالي اليزدجردي وتاريخهم في هذه السنة ألف ومائة وستة وسبعون وكان طالع التحويل الواقع في يوم الجمعة في خامس ساعة ونصف من النهار سبع درجات

ونصفا من برج السرطان وصاحبه في حين العاشر منصرف عن تربيع المشتري ومقارنة عطارد والمشتري في السابع والمريخ مع الزهرة في العاشر وهي رجعة كيوان في الرابع وهو دليل على ثبات دولة القائم وتعب الرعية والحكم لله العلي الكبير
وفي ثالثه في ليلة الثلاثاء وصل الى بولاق قابجي وعلى يده تقرير لمحمد علي باشا بولايته بمصر وصحبة التقرير خلعة وهي فروة سمور فلما اصبح النهار عمل محمد علي باشا ديوانا بمنزله بالازبكية وحضر السيد عمر النقيب والمشايخ والاعيان وحضر ذلك الاغا من بولاق في موكب ودخل من باب النصر وشق من وسط المدينة وامامه الاغا والوالي والمحتسب والاغوات والجاويشية وخلفه النوبة التركية فلما وصلوا الى بات الخرق عطفوا على جهة الازبكية فلما قرىء التقليد ضربوا مدافع كثيرة من الازبكية والقلعة وعملوا تلك الليلة شنكا وحراقات ونفوطا وسواريخ كثيرة وطبولا وزمورا بالازبكية
وفي سابعه وصلت الاخبار بوقوع حروب بين العساكر والعربان والامراء المصرية بناحية جزيرة الهواء وقتل شخص من كبار العسكر يسمى كور يوسف وغيره ووصل الى مصر عدة جرحى وهرب من العسكر طائفة وانضموا الى الامراء المصريين وارسل حسن باشا يستنجد الباشا بارسال عساكر اليه وفي ذلك اليوم نادوا في الاسواق بعدم المشي في الاسواق من اذان العشاء وخرج كتخدا بك الى بولاق في آخر النهار ونصب وطاقه ببرانبابة وخرج سليمان أغا بجملة من العسكر وذهب الى ناحية طرا
وفي ثامنه عدى كتخدا بك الى البر الغربي وانتقل طاهر باشا الى الجيزة واقام بها محافظا
وفيه امر الباشا بجمع الاجناد المصرية والجاقلية وامرهم بالتعدية الى البر الغربي وكان تخوف من اقامتهم بالمدينة وقال لهم من اراد منكم

الذهاب الى الاخصام فليذهب والا يستمر معنا
وفي هذه الايام كان مولد سيدي احمد البدوي والجمع بطندتا المعروف بمولد الشرنبابابة وهرع غالب اهل البلد بالذهاب اليه واكثروا الجمال والحمير بأغلى الأجرة لان ذلك صار عند اهل الاقليم موسما وعيدا لا يتخلفون عنه اما للزيارة او للتجارة او للنزاهة او للفسوق ويجتمع به العالم الاكبر واهالي الاقليم البحري والقبلي وخرج اكثر اهالي البلد بحمولهم فكان الواقفون على الابواب يفتشون الاحمال فوجدوا مع بعضهم اشياء من اسباب الاجناد المصرية وملابسهم ونحو ذلك فوقع بسبب ذلك ايذاء لمن وجدوا معه شيئا من ذلك لباقي الناس ضرر بنبش متاعهم فكان من الناس من ياخذ معه اشخاصا من العسكر من طرف الاغا يسلكونهم للخروج من غير تفتيش ويمنعون المتقيدين بالابواب عن التعرض لهم ونبش متاعهم واحمالهم
وفي تاسعه وصل الخبر بان عابدين بك لما بلغه خروج الألفي من الفيوم ذهب اليها صحبة الدلاة فلم يجد بها احدا فدخلها وارسل المبشرين الى مصر بإنه ملك الفيوم فضربوا مدافع لذلك وانبث المبشرون يطوفون على بيوت الاعيان يبشرونهم بذلك ويأخذون على ذلك الدراهم والبقاشيش ثم لما بلغ عابدين بك ما حصل لاخيه حسن باشا من الهزيمة رجع اليه واقام معه ناحية الرقق
وفي عاشره وصل الألفي الى ناحية كرداسة وانتشرت عساكره وعربانه باقليم الجيزة فلم يخرج لهم احد من الجيزة مع كونهم بمراى منهم ويسمعون نقاقيرهم وطبولهم ووطء حوافر خيولهم
وفيه ارسل الألفي مكتوبا خطابا الى السيد عمر افندي مكرم النقيب والمشايخ مضمونة نخبركم أن سبب حضورنا الى هذه الجهة انما هو لطلب القوت والمعاش فان الجهة التى كنا بها لم يبق فيها شىء يكفينا ويكفي من معنا من الجيش والاجناد ونرجو من مراحم افندينا بشفاعتكم أن ينعم

علينا بما نتعيش به كما رجونا منه في السابق فلما كان في صبحها يوم الاثنين حادي عشرة ركب السيد عمر الى الباشا واخبره بذلك واطلعه على المراسلة فقال ومن اتى به قال له تابع مصطفى كاشف المورلي وقد ترك متبوعه بالبر الآخر فقال له اكتب له بالحضور حتى نتروى معه مشافهة وفي ذلك الوقت حضر الى الباشا من اخبره بان طائفة من المصريين وجيوشهم وصلوا الى برانبابة فخرج اليهم طائفة من العسكر الرابطين هناك وتحاربوا معهم بسوق الغنم ووقع بينهم بعض قتلى وجرحى فركب من فوره وذهب الى بولاق فنزل بالساحل وجلس هناك ساعة ثم ركب عائدا الى داره بعد أن منع من تعدية المراكب الى برانبابة ثم امرهم بالتعدية لربما احتاجوها وكان كذلك فإنهم رجعوا مهزومين فلو لم يجدوا المعادي لحصل لهم هول كبير
وفي يوم الثلاثاء حضر مصطفى كاشف المورلي المرسل من طرف الألفي وصحبته علي جربجي بن موسى الجيزاوي الى بيت السيد عمر فركب صحبته الى الباشا وكتبوا له جوابا ورجع من ليلته ثم حضر في يوم الخميس رابع عشره بجواب آخر ومضمونه اننا ارسلنا لكم نرجو منكم أن تسعوا بيننا بما فيه الراحة لنا ولكم وللفقراء والمساكين واهالي القرى فاجبتمونا بأننا نتعدى على القرى ونطلب منهم المغارم ونرعى زرعهم وننهب مواشيهم والحال انه والله العظيم ونبيه الكريم ان هذا الامر لم يكن على قصدنا ومرادنا مطلقا وانما الموجب لحضورنا الى هذا الطرف ضيق الحال والمقتضى للجمعية التى نصحبها من العربان وغيرهم ارسال التجاريد والعساكر علينا فلازم لنا أن نجمع الينا من يساعدنا في المدافعة عن انفسنا فهم يجمعون اصناف العساكر من الاقطار الرومية والمصرية لمحاربتنا وقتالنا وهم كذلك ينهبون البلاد والعباد للانفاق عليهم ونحن كذلك نجمع الينا من يساعدنا في المنع ونفعل كفعلهم لننفق على من حولنا من المساعدين لنا وكل ذلك يؤدى الى الخراب والدمار وظلم الفقراء والقصد

منكم بل الواجب عليكم السعي في راحة الفريقين وهو أن يكفوا الحرب ويفرزوا لنا جهة نرتاح فيها فان ارض الله واسعة تسعنا وتسعهم ويعطونا عهدا بكفالة بعض من نعتمد عليه من عندنا وعندهم ويكتب بذلك محضر لصاحب الدولة وننتظر رجوع الجواب وعند وصوله يكون العمل بمقتضاه فعند ذلك اقتضى الرأي أن يقطعوه اقليم الجيزة وكتبوا له جوابا بذلك من غير عقد ولا عهد ولا كفالة كما اشار وسلموا الجواب لمصطفى كاشف ورجع به وفي اثناء ذلك طلب اجناد الألفي كلفا من بلد برطيس وام دينار ومنية عقبة فامتنعوا عليهم فضربوهم وحاربوهم ونهبوهم وسبب ذلك أن العساكر الاتراك اغروهم وارسلوا يقولون لهم اذا طلبوا منكم كلفة او دراهم لا تدفعوا لهم واطردوهم وحاربوهم ونهبوهم واذا سمعنا حربكم معهم اتيناكم وساعدناكم فاغتروا بذلك وصدقوهم فلما حصل لهم ما حصل لم يسعفوهم ولم يخرجوا من اوكارهم حتى جرى عليهم المقدور
وفي يوم السبت ثالث عشرينة كتب الباشا مراسيم وارسلها الى كشاف الاقاليم والكائنين بالبلاد من الاجناد المصرية بان يجتمعوا باسرهم ويذهبوا الى ساحل السبكية للمحافظة عليها من وصول الأخصام اليها ولمنعهم من تعدية البحر اليها لانهم اذا حصلوا بها تعدى شرهم الى بلاد المنوفية بأسرها واشيع عزم الباشا على الركوب بنفسه وذهابه الى تلك الجهة ويكون سيره على طريق القليوبية ويلحق بهم وكتخدا بك وطاهر باشا يسيران على الساحل الغربي تجاههم ثم بطل ذلك وارسل الى حسن باشا سرششمة بان يحضر بمن معه من العسكر من عند حسن باشا طاهر من ناحية بني سويف وكذلك عساكر كور يوسف الذي قتل في المعركة كما ذكر
وفي ذلك اليوم وصل رسول أيضا من عند الالفي بكاتبات واجتمع بالسيد عمر النقيب والمكاتبات خطاب له ولبقية المشايخ وللباشا ولسعيد أغا دار السعادة وصالح بك القابجي بمعنى ما تقدم صحبة احمد أبي ذهب

العطار فكتبوا له جوابا بالمعنى الاول واعادوا الرسول واصحبوه ببعض المتعممين وهو السيد احمد الشتيوي ناظر جامع الباسطية وكل ذلك امور صورية وملاعبات من الطرفين لاحقيقة لها
وفي يوم الثلاثاء وصل الجماعة المذكورون الذين استدعاهم الباشا بعساكرهم وخلع الباشا على احد كبارهم عوضا عن كور يوسف المقتول
وفيه وصل الخبر بان طائفة من الاجناد المصرية ومن يصحبهم من العربان عدوا الى بر السبكية ولم يمنعهم المحافظون بل هربوا من وجوههم فامر الباشا بسفر العساكر وطلب دراهم سلفة من الاعيان لاجل نفقة العساكر وفرضوا على البلاد ثلاث ألاف كيس ويكون على العال منها مائة ألف فضة وفيها الاوسط والدون
وفي يوم الخميس نودي في الاسواق بخروج العساكر
وفي يوم السبت سافر طاهر باشا الى منوف على جرائد الخيل وسافر بعده كتخدا بالحملة واحتاجوا الى جمال فاخذوا جمال السقائين والشواغرية
وفيه حضر عمر بك الارنؤدي من ناحية بني سويف واخبر الواردون من الناحية أن رجب أغا وطائفة من العسكر خامروا عليه وانضموا الى الامراء القبليين وهم نحو الستمائة فعند ذلك حضر عمر بك المذكور في تطريده ليبرئ نفسه من ذلك وحضر أيضا محو كبير العسكر المحاصرين بالمنية يطلب علوفة للعسكر
وفيه اراد كتخدا بك وهو المعروف بدبوس اوغلي أن يركب من انبابة وحمل احماله ليسير الى جهة بحرى فثارت عليه العسكر وطالبوه بعلائفهم وسفهوا عليه ومنعوه من الركوب فأراد التعدية الى بر بولاق فمنعوه أيضا وجذبوا لحيته فأقام يومه وليلته ثم قال لهم وما الفائدة في مكثي معكم دعوني اذهب الى الباشا واسعى في مطلوبكم ولم يزل حتى تخلص منهم وعدى الى مصر ولم يرجع اليهم

وفي يوم السبت الذي هو غايته وصلت عساكر الدلاة الذين كانوا بناحية بني سويف والفيوم الى برانبابة وضربوا لهم مدافع لوصولهم
وفيه ارسل كبار العسكر الذين بناحية منوف مكاتبة الى الباشا يذكرون أن العساكر يطلبون مرتبات وارز وسمن فانهم لا يحاربون ولا يقاتلون بالجوع
وفي هذه الايام وصل الكثير من العساكر القبلية ودخلوا البلد وكثروا بها
وفي هذا الايام أيضا وصلت الاخبار من الديار الحجازية بمسالمة الشريف غالب للوهابيين وذلك لشدة ما حصل لهم من المضايقة الشديدة وقطع الجالب عنهم من كل ناحية حتى وصل ثمن الاردب المصري من الارز خمسمائة ريال والاردب البر ثلثمائة وعشرة وقس على ذلك السمن والعسل وغير ذلك فلم يسع الشريف الا مسالمتهم والدخول في طاعتهم وسلوك طريقتهم واخذا العهد على دعاتهم وكبيرهم بداخل الكعبة وامر بمنع المنكرات والتجاهر بها وشرب الاراجيل بالتنباك في المسعى وبين الصفا والمروة بالملازمة على الصلوات في الجماعة ودفع الزكاة وترك لبس الحرير والمقصبات وابطال المكوس والمظالم وكانوا خرجوا عن الحدود في ذلك حتى أن الميت يأخذون عليه خمسة فرانسة وعشرة بحسب حالة وان لم يدفع اهله القدر الذي يتقرر عليه فلا يقدرون على رفعه ودفنه ولايتقرب اليه الغاسل ليغسله حتى يأتيه الاذن وغير ذلك من البدع والمكوس والمظالم التي احدثوها على المبيعات والمشتروات على البائع والمشتري ومصادرات الناس في اموالهم ودورهم فيكون الشخص من سائر الناس جالسا بداره فما يشعر على حين غفلة منه الا ولاعوان يأمرونه بإخلاء الدار وخروجه منها ويقولون أن سيد الجميع محتاج اليها فاما أن يخرج منها جملة وتصير من املاك الشريف واما أن يصالح عليها بمقدار ثمنها او اقل او اكثر فعاهده على ترك ذلك كله واتباع ما امر الله تعالى به في كتابه

العزيز من اخلاص التوحيد لله واتباع سنة الرسول عليه الصلاة و السلام وما كان عليه الخلفاء الراشدون والصحابة والتابعون والائمة المجتهدون الى اخر القرن الثالث وترك ما حدث في الناس من الالتجاء لغير الله من المخلوقين الاحياء والاموات في الشدائد والمهمات وما احدثوه من بناء القباب على القبور والتصاوير والزخارف وتقبيل الاعتاب والخضوع والتذلل والمناداة والطواف والنذور والذبح والقربان عمل الاعياد والمواسم لها واجتماع اصناف الخلائق واختلاط النساء بالرجال وباقي الاشياء التي فيا شركة المخلوقين مع الخالق في توحيد الالوهية التي بعثت الرسل الى مقاتلة من خالفها ليكون الدين كله لله فعاهده على منع ذلك كله وعلى هدم القباب المبنية على القبور والاضرحة لانها من الامور المحدثة التي لم تكن في عهده بعد المناظرة مع علماء تلك الناحية واقامة الحجة عليهم بالادلة القطعية التي لا تقبل التأويل من الكتب والسنة واذعانهم لذلك فعند ذلك امنت السبل وسلكت الطرق بين مكة والمدينة وبين مكة وجدة والطائف وانحلت الاسعار وكثر وجود المطعومات وما يجلبه عربان الشرق الى الحرمين من الغلال والاغنام والاسمان والاعسال حتى بيع الاردب من الحنطة بأربع ريالات واستمر الشريف غالب يأخذ العشور من التجار واذا نوقش في ذلك يقول هؤلاء مشركون وانا اخذ من المشركين لا من الموحدين

شهر صفر الخير
استهل بيوم الاحد فيه سافر محو بك الى جهة المنية وفيه ورد من اسلامبول شخص قابجي وعلى يديه مرسومات بالجمارك وغيرها ومنها ضبط ترك الموتى المقتولين والمقبورين وكذلك تركه السيد احمد المحروقي واخر يسمى الشريف محمد البرلي والقصد تحصيل الدراهم باي حجة كانت ووصل أيضا اخر متعين لجمرك الاسكندرية وآخر لدمياط ولرشيد أيضا

وفيه عزم الباشا على السفر لمحاربة الألفي واشيع عنه ذلك وانزلوا مدافع من القلعة وجبخانة وآلات حربية
وفي رابعه قوى عزمه على ذلك واشيع انه مسافر يوم السبت واشار على السيد عمر افندي النقيب بان ينوب عنه ويكون قائما مقامه في الاحكام مدة غيابه فلم يقبل السيد عمر ذلك وامتنع ثم فترت همته عن ذلك وتبين انها ايهامات لا اصل لها
وفي يوم الخميس ارسل الباشا الى الخانات والوكائل اعوانا فختموا على حواصل التجار بما في داخلها من البن والبهار وذلك بعد أن امنهم وقبض منهم عشورها ومكوسها بالسويس فلما وصلت القافلة واستقرت البضائع بالحواصل فعل بهم ذلك ثم صالحوا وافرج عنهم
وفيه ورد الخبر بأن الألفي ارتحل من ناحية الجسر الاسود والطرانة وقصد جهة البحيرة
في يوم السبت ركب صالح أغا قابجي باشا ونزل الى بولاق ليسافر الى الديار الرومية فركب لوداعه الباشا وسعيد أغا والسيد عمر النقيب فيشيعوه الى بولاق حتى نزل الى المراكب وخلع عليه الباشا فروة سمور مثمنة بعد أن وفاه خدمته وهاداه بهدايا واصحب معه هدايا للدولة واربابها وعرفه بقضايا واغراض يتممها له هناك وودعوه ورجعوا الى بيوتهم بعد الغروب
وفي يوم الثلاثاء عاشره سافر صالح أغا السلحدار الى جهة بحري على طريق المنوفية وصحبته عساكر وقرروا له مقادير من الاكياس على كل بلد من البلاد الرائجة عشرون كيسا فما فوقها وما دونها ومن كل صنف مقادير أيضا
وفيه فرضوا أيضا على البلاد غلال قمح وفول وشعير كل بلد عشرون اردبا فما فوقها وما دونها وهذه ثالث فرضة ابتدعت من الغلال على البلاد في هذه الدولة

وفيه ورد الخبر بإن الألفي توجه الى ناحية دمنهور البحيرة يوم الاربعاء رابعه وانهم امتنعوا عليه فحاصرهم لانهم استعدوا لذلك والبلد منضافة الى السيد عمر النقيب فكان يرسل اليهم ويحذرهم منه ويرسل اليهم ويمدهم بآلات الحرب والبارود ويحرضهم على الاستعداد للحرب فحصنوا البلدة وبنوا سورها وجعلوا فيها ابراجا وبدنات وركبوا عليها المدافع الكثيرة واحضروا لهم ما يحتاجون اليه من الذخيرة والجبخانة وما يكفيهم سنة وحفروا حولها خنادق وهي في موقعها مرتفعة
وفيه عزل الباشا محمد أغا كتخدا بك من كتخدائية بسبب امور نقمها عليه وحبسه وطلب منه ألف كيس وقلد في الكتخدائية خازنداره وهو المعروف بدبوس اوغلي
وفي ليلة الاحد ثامنه عدى ساري عسكر الى بر انبابه بوطاقه وهو دبوس اوغلي الكتخدا المذكور وذلك في اواخر النهار وضربوا مدافع كثيرة لتعديته واخذ العسكر في تشهيل امورهم ولوازمهم وانفق عليهم الباشا نفقة هذا والطلب والتوزيع بالاكياس مستمر لا ينقطع عن اعيان الناس والتجار والافندية الكتبة وجماعة الضربخانة والملتزمين بالجمارك وكل من كان له ادنى علاقة او خدمة او تجارة او صنعة ظاهرة او فائظ او له شهرة قديمة او من مساتير الناس وغالب الاحيان المحصل لذلك والقاضي فيه السيد عمر افندي النقيب وقد حكمت عليه الصورة التى ظهر فيها وانعكس الحال والوضع وساءت الظنون والأمر لله وحده
وفي يوم الخميس تاسع عشره ارتحل عرضى التجريدة من انبابه وذهبوا الى جهة الوراريق
وفي هذه الايام كان بين مشايخ العلم منافسات ومنافرات ومحاسدات وذلك من اوائل شهر رمضان وتعصبات بسبب مشيخة الجامع ونظر اوقافه واوقاف عبدالرحمن كتخدا فاتفق أن الشيخ عبدالرحمن السجيني ابن الشيخ عبدالرؤوف عمل وليمة ودعاهم اليها فاجتمعوا في ذلك اليوم وتصالحوا في الظاهر

وفي يوم الاثنين هبت رياح جنوبية حارة واثارت غبارا وزوابع ولواقح ثم غيمت السماء غيما متقطعا وارعدت وامطرت فكان الغبار والزوابع والشمس طالعة والمطر نزل وذلك بعد العصر وحصل مثل ذلك أيضا في يوم الثلاثاء ولكن بعد الظهر
وفي تلك الليلة بعد الغروب خرج الباشا محمد افندي المنفصل عن الكتخدائية منفيا الى جهة دمياط واصحب معه عدة من العسكر ذهبوا به من طريق البر
وفي اواخره رجعت عساكر من الارنؤد وكانوا كثيرين ونزلوا ببولاق ومصر القديمة وغالبهم الذين كانوا بصحبته حسن باشا طاهر واخيه عابدين بك وسبب رجوعهم انهم طلبوا علائفهم من حسن باشا وكان قد ظهر له فيهم المخامرة عليه وميلهم الى الاخصام فامتنع من دفع علائفهم وقال لهم اذهبوا الى مصر واطلبوا علائفكم من الباشا وارسل اليه يعرفه بحالهم ونفاقهم فلما تراسلوا في الحضور منعهم الباشا من الدخول الى البلد ووعدهم بايصال علائفهم اليهم وهم خارج المدينة وبعد أن يقبضوا مالهم يعودون الى مرابطهم كما كانوا فأقاموا بناحية بولاق وارسل الباشا فجمع عربان الحويطات والعائد وغيرهم فاقاموا بناحية شبرا ومنية السيرج وهم جملة كبيرة استمروا في تجمعهم اربعة ايام وارسل الى الاجناد والجربجية وامثالهم المقيمين بمصر وامر بان يتهيئوا ويقضوا اشغالهم ويخرجوا صحبة حسن أغا الشماشيرجي فمن كان منهم ذا مقدرة وعنده حصان يركبه او جمل يحمل عليه متاعه خرج بنفسه والا اخرج بدلا عنه واعطاه مصروفه واحتياجاته ولوازمه وبرزوا الى خارج ثم ارسل الى العساكر المذكورين يأمر كبارهم بالسفر الى بلادهم فامتنعوا وقالوا لا نسافر حتى نقبض المنكسر لنا من علائفنا فعند ذلك دس الى اصاغرهم من خدعهم واستمالهم حتى تفرقوا في خدمة المستوطنين ولم يبق مع كبارهم المعاندين الا القليل فلم يسعهم بعد ذلك الا الامتثال وارتحلوا في غايته من بولاق وسافر معهم

الشماشيرجي المذكور ومن بصحبته من المصريين وحولهم العربان وساروا على طريق دمياط وهو اثنان وخمسون شخصا من كبار طائفة الارنؤود وحصل العرب في مدة تجمعهم مالاخير فيه وكذلك في مدة اقامتهم من الخطف والتعرية وقطع الطريق على المسافرين

شهر ربيع الاول سنة
استهل بيوم الثلاثاء وفي ليلة الاحد سادسه حصل رعد كثير وبرق بين المغرب والعشاء بدون مطر والغيم قليل متقطع وذلك سابع عشر بشنس وثاني عشر ايار والشمس في ثالث درجة من برج الجوزاء وذلك من النوادر في مثل هذا الوقت
وفي يوم الاحد المذكور ضربوا مدافع من القلعة لبشارة وردت من الجهة القبلية وذلك أن رجب أغا وياسين بك اللذين انضما الى الامراء المصرية القبليين عملا متاريس بحرى المنية ليمنعا من يصل اليها من مراكب الذخيرة فلما سافر محبوك بمراكب الذخيرة ووصل الى حسن باشا طاهر ببنى سويف اصحب معه عابدين بك وعدة من العسكر في عدة مراكب فلما وصلوا الى محل المتاريس تراموا بالمدافع والرصاص واقتحموا المرور وساعدهم الريح فخلصوا الى المنية وطلعوا اليها ودخلها عابدين بك وقتل فيما بينهم اشخاص وارسلوا بذلك المبشرين فاخبروا بذلك وبالغوا في الاخبار وان ياسين بك قتل هو وخلافة ورأسه واصله مع رؤوس كثيرة فعلموا لذلك شنكا وضربت مدافع كثيرة ولم يكن لقتل ياسين بك صحة ثم وصل محو بك وابن وافي وقد نزلا في شكترية لها عدة مقاديف ودفعوا في قوة التيار حتى وصلوا الى مصر ولم يصل معهم رؤس كما اخبر المبشرون
وفيه قرر فرضة على البلاد وهي دارهم وغلال وعينوا لذلك كاشفا فسافروا معه عدة من العسكر وصحبتهم نقاقير وسافر أيضا خازندار الباشا بلبيس وأخذ صحبته اكثر رفقائه واصحابه من اولاد البلد فسافروا على حين غفلة الى ناحية الدقهلية

وفي عاشره وصلت الاخبار بان الألفي ارتحل من البحيرة ورجع الى ناحية وردان وعدي الى جزيرة السبكية وهرب من كان مرابطا من الاجناد المصرية وغيرهم وطلبوا من اهالي السبكية دراهم وغلالا وفر غالب اهلها منها وجلوا عنها وتفرقوا في بلاد المنوفية
وفي ثاني عشره يوم الجمعة عمل المولد النبوي ونصبوا بالازبكية صواري تجاه بيت الباشا والشيخ محمد سعيد البكري وقد سكن بدار مطلة على البركة داخل درب عبدالحق واقام هناك ليالي المولد اظهارا لبعض الرسوم
وفيه علقوا تسعة رؤوس على السبيل المواجه لباب زويلة ذكروا انها من قتلى دمنهور وهي رؤوس مجهولة ووضعوا بجانبهم بيرقين ملطخين بالدماء
وفيه طلب الباشا دراهم سلفة من الملتزمين والتجار وغيرهم بموجب دفتر احمد باشا خورشيد الذي كان قبضها في عام اول قبل القومة والخرابة فعينوا مقاديرها وعينوا بطلها المعينين بالطلب الحثيث من غير مهلة ومن لم يجدوه بأن كان غائبا او متغيبا دخلوا داره وطلبوا اهله او جاره او شريكه فضاق ذرع الناس وذهبوا افواجا الى السيد عمر افندي النقيب فيتضجر ويتأسف ويتلقن ! ويهون عليهم الامر وربما سعى في التخفيف عن البعض بقدر الامكان وقد تورط في الدعوة
وفيه سافر السيد محمد المحروقي الى سد ترعة الفرعونية وذلك أن الترعة المذكورة لما اجتهد في سدها المصريون في سنة اثنتي عشرة ومائتين والف كما تقدم فانفتحت من محل آخر ينفذ الى ناحية الترعة المسماة بالفيض وكان ذلك بإشارة ايوب بك الصغير لعدم انقطاع الماء عن ري بلاده فتهورت أيضا هذه الناحية واتسعت وقوى اندفاع الماء اليها في مدة هذه السنين حتى جف البحر الغربى والشرقي وتغير ماء النيل في الناحية الشرقية وظهرت فيه الملوحة من حدود المنصورة وتعطلت مزارع الارز وشرقت بلاد البحر الشرقي وشربوا الاجاج ومياه الآبار والسواقي وكثر

تشكي اهالي البلاد فحصل العزم على سدها في هذا العام وتقيد بذلك السيد محمد المحروقي وذو الفقار كتخدا وطلبوا المراكب لنقل الاحجار من الجبل وذهب ذو الفقار الى جهة السد وجمع العمال والفلاحين وسيقت اليه المراكب المملوءة بالاحجار من اول شهر صفر الى وقت تاريخه وجبوا الاموال من البلاد لاجل النفقة على ذلك ثم سافر السيد المحروقي أيضا وبذل جهده ورموا بها من الاحجار ما يضيق به الفضاء من الكثرة وتعطل بسبب ذلك المسافرون لقلة المراكب وجفاف البحر الغربي والخوف من السلوك فيه من قطاع الطريق والعربان فكانت المراكب المعاشات التى تأتي بالسفار وبضائع التجار يأتون بشحناتهم الى حد السد ومحل العمل والشغل فيرسون هناك ثم ينقلون ما بها من الشحنة والبضائع الى البر وينقلونها الى السفن والقوارب التى تنقل الاحجار ويأتون بها الى ساحل بولاق فيخرجون ما فيها الى البر وتذهب تلك السفن والقوارب الى اشغالها في نقل الحجر ولا يخفى ما يحصل في البضائع من الاتلاف والضياع والسرقة وزيادة الكلف والاجر وغير ذلك وطال امد هذا الامر
وفي اواخره نزل الباشا للكشف على الترعة فغاب يومين وليلتين ثم عاد الى مصر

شهر ربيع الثاني سنة
فيه وردت سعادة من الاسكندرية واخبروا بورود اربع مراكب وفيها عساكر من النظام الجديد وصحبتهم ططريات وبعض اشخاص من الانكليز ومعهم مكاتبة خطابا الى الألفي وبشارة بالرضا والعفو للامراء المصرية من الدولة بشفاعة الانكليز فلما وصلوا اليه بناحية حوش ابن عيسى بالبحيرة سر بقدومهم وعمل لهم شنكا وضرب لهم مدافع كثيرة ثم شهلهم وارسلهم الى الامراء القبليين وصحبتهم احد صناجقة وهو امين بك ومحمد كاشف تابع ابراهيم بك الكبير ثم إنه ارسل عدة مكاتبات بذلك الخبر الى المشايخ وغيرهم بمصر وكذلك الى مشايخ العربان مثل الحويطات والعائد

وشيخ الجزيرة وباقي المشاهير فأحضر ابن شديد وابن شعير الاوراق التى اتتهم من الالفي الى الباشا وفيها نعلمكم أن محمد علي باشا ربما ارتحل الى ناحية السويس فلا تحملوا اثقاله وان فعلتم ذلك فلا نقبل لكم عذرا ولما سمع الباشا ذلك قال انه مجنون وكذاب
وفيه فتح الباشا الطلب بفائظ البلاد والحصص من الملتزمين والفلاحين وامر الروزنامجي وطائفته بتحرير ذلك عن السنة القابلة فضج الملتزمون وترددوا الى السيد عمر النقيب والمشايخ فخاطبوا الباشا فاعتذر اليهم باحتياج الحال والمصاريف ثم استقر الحال على قبض ثلاثة ارباع النصف على الملتزمين والربع على الفلاحين وان يحسب الريال في القبض منهم بثلاثة وثمانين نصفا ويقبضه باثنين وتسعين وعلى كل مائة ريال خمسة انصاف حق طريق سواء كان القبض من الملتزم عن حصته في المصر او بيد المعينين من طرف الكاشف في الناحية واذا كان التوجيه بالطلب من كاشف الناحية كانت اشنع في التغريم والكلف لترادف الارسال وتكرار حق الطريق
وفي سادسه حضر احمد كاشف سليم من الجهة القبلية وسبب حضوره أن الباشا لما بلغته هذه الاخبار ارسل الامراء القبليين يستدعي منهم بعض عقلائهم مثل احمد أغا شويكار وسليم أغا مستحفظان ليتشاور معهم في الامر فلم يجب واحد منهم الى الحضور ثم اتفقوا على ارسال احمد كاشف لكونه ليس معدودا من افرادهم وبينه وبين الباشا نسب لان ربيبته تحت حسن الشماشيرجي فحضر واختلى به الباشا مرارا ثم امره بالعود فسافر في يوم الثلاثاء رابع عشره واصحب معه هدية الى ابراهيم بك والبرديسي وعثمان بك حسن وغيرهم من الامراء وهي عدد خيول وقلاعيات وثياب وامتعة وغير ذلك
وفي سادسه أيضا قبض الباشا على ابراهيم أغا الوالي وحبسه مع ارباب الجرائم وسبب ذلك أن البصاصين شاهدوا حمولا فيها ثياب من ملابس الاجناد اعدها بعض تجار النصارى ليرسلها الى جهة قبلي لتباع

على اجناد الامراء المصريين ومماليكهم ويربح فيها وسئل الحاملون لها فأخبروا أن اربابها فعلوا ذلك باطلاع الوالي المذكور على مصلحة اخذها منهم ووصل خبر ذلك الى الباشا فاحضره وقبض عليه وحبسه ثم اطلقه بعد ايام على مصلحة تقررت عليه بشفاعة امراة من القهارمة المتقربين وعاد الى منصبه واخذت البضاعة وضاعت على اصحابها وغرموهم زيادة على ذلك غرامة وكذلك تهم الذي حجزها بانه اختلس منها اشياء وحبس واخذت منه مصلحة فتحصل من هذه القضية جملة من المال مع انها في خلال المراسلة والمهاداة ونودى بعد ذلك بان من اراد أن يرسل شيئا او متجرا ولو الى السويس فليستأذن على ذلك ويأخذ به ورقة من باب الباشا فان لم يفعل وضاع عليه فالوم عليه
وفي يوم الثلاثاء رابع عشره ورد ساعي وصحبته مكتوب من حاكم الاسكندرية خطابا الى الدفتردار يخبره بوصول قبطان باشا الى الثغر وفي اثره واصل باشا متولى على مصر واسمه موسى باشا وصحبتهم مراكب بها عساكر من الصنف الذي يسمى النظام الجديد وكان ورود القبطان الى الثغر ليلة الجمعة عاشره وطلعوا الى البر بالاسكندرية يوم السبت حادى عشره فلما قرأ الدفتردار الورقة ارسل الى السيد عمر النقيب فحضر اليه وركب صحبته للباشا واختليا معه ساعة ثم فارقاه ولما بلغ الألفي ورود هذه الدونانمة وحضرت اليه المبشرون وهو بالبحيرة امتلأ فرحا وارسل عدة مكاتبات الى مصر صحبة السعادة فقبضوا على السعاة وحضروا بهم الى الباشا فأخفاها ووصل غيرها الى اربابها على غير يد السعاة وصورتها الاخبار بحضور الدونائمة صحبة قبطان باشا والنظام الجديد وولاية موسى باشا على مصر وانفصال محمد علي باشا عن الولاية وان مولانا السلطان عفى عن الامراء المصريين وان يكونوا كعادتهم في امارة مصر واحكامها والباشا المتولى ببستقر بالقلعة كعادته وان محمد علي باشا يخرج من مصر ويتوجه الى ولايته التى تقلدها وهي ولاية سلانيك وان حضرة

قبطان باشا ارسل يستدعي اخواننا الامراء من ناحية قبلي فالله يسهل بحضورهم فتكونون مطمئنين الخاطر واعلموا اخوانكم من الاولداشات والرعية بان يضبطوا انفسهم ويكونوا مع العلماء في الطاعة وما بعد ذلك الا الراحة والخير والسلام
وفي يوم الجمعة سابع عشره ورد قاصد من طرف قبودان باشا الى بولاق فأرسل اليه الباشا من قابله واركبه وحضر به الى بيت الباشا واراد أن ينزله بمنزل الدفتردار فاستعفى الدفتردار من نزوله عنده فأنزلوه ببيت الروزنامجي واقام يوم السبت والاحد ولم يظهر ما دار بينهما ثم سافر في يوم الاثنين وذهب صحبته سليم المعروف بقبي لركخسي وشرع الباشا في عمل آلات حرب وجلل ومدافع وجمعوا الحدادين بالقلعة واصعدوا بنبات كثيرة واحتياجات ومهمات الى القلعة وظهر منه علامات العصيان وعدم الامتثال وجمع اليه كبار العسكر وشاورهم وتناجى معهم فوافقوه على ذلك لان مامن احد منهم الا وصار له عدة بيوت وزوجات والتزام بلاد وسيادة لم يتخيلها ولم تخطر بذهنه ولا بفكره ولا يسهل به الانسلاخ عنها والخروج منها ولو خرجت روحه واخبر المخبر أن الألفي ارسل هدية الى قبودان باشا وفيها ثلاثون حصانا منها عشرة برخوتها ومن الغنم اربعة آلاف راس وجملة ابقار وجواميس ومائة جمل محملة بالذخيرة وغير ذلك من النقود والثياب والاقمشة برسمه ورسم كبار اتباعه ثم أن الباشا احضر السيد عمر والخاصة وعرفهم بصورة الامر الوارد بعزله وولاية موسى باشا وان الامراء المصريين عرضوا للسلطنة في طلب العفو وعودهم الى امرياتهم وخروج العساكر التى افسدت الاقليم عن ارض مصر وشرطوا على انفسهم القيام بخدمة الدولة والحرمين الشريفين وارسال غلالها ودفع الخزينة وتأمين البلاد فحصل عنهم الرضا واجيبوا الى سؤالهم على هذه الشروط وان المشايخ والعلماء يتكفلون بهم ويضمنون عهدهم بذلك فاعملوا فكركم ورأيكم في ذلك ثم انفصلوا من مجلسه

وفيه ارسل الباشا فجمع الاخشاب التى وجدها ببولاق في الشوادر والحواصل والوكائل وطلعوا جميع ذلك الى القلعة لعمل العربات والعجل برسم المدافع والقنابر
وفي يوم الثلاثاء حادى وعشرينه كان مولد المشهد الحسيني المعتاد وحضر الباشا لزيارة المشهد ودعاه شيخ السادات وهو الناظر على المشهد والمتقيد لعمل ذلك فدخل اليه وتغدى عنده ثم ركب وعاد الى داره واكثر من الركوب والطواف بشوارع المدينة والطلوع الى القلعة والنزول منها والذهاب الى بولاق وهو لابس برنسا
وفي يوم الخميس ثالث عشرينه حضر ديوان افندي وعبدالله أغا بكتاش الترجمان عند السيد عمر ومعهما صورة عرض يكتب عن لسان المشايخ الى الدولة في شأن هذه الحادثة فتناجوا مع بعضهم حصة من النهار ثم ركبا وحضرا في ثاني يوم عند الشيخ عبدالله الشرقاوي وامروا المشايخ بتنظيم العرضحال وترصيعه ووضع اسمائهم وختومهم عليه ليرسله الباشا الى الدولة فلم تسعهم المخالفة ونظموا صورته ثم بيضوه في كاغد كبير
وفي ليلة الاثنين ثالث عشرينه وصل شاكر أغا السلحدار الوزير الى بولاق فتلقوه واركبوه الى بيت الباشا فلما اصبح النهار ارسلوا ارواقا وصلت صحبة السلحدار المذكور احداها خطابا للمشايخ واخرى الى شيخ السادات وثالثة الى السيد عمر النقيب وكلها على نسق واحد وهي من قبدون باشا وعليها الختم الكبير وهي بالعربي وفرمان رابع باللغة التركية خطابا للجميع ومضمون الكل الاخبار بعزل محمد علي باشا عن ولاية مصر وولايته سلانيك وولاية السيد موسى باشا المنفصل عنها مصر وان يكون الجميع تحت الطاعة والامتثال للأوامر والاجتهاد في المعاونة وتشهيل محمد علي باشا فيما يحتاج اليه من السفن ولوازم السفر ليتوجه هو وحسن باشا والي جرجا من طريق دمياط بالاعزاز والاكرام وصحبتهما جميع العساكر من غير تأخير حسب الاوامر السلطانية ثم انهم اجتمعوا في عصر

ذلك اليوم بمنزل السيد عمر وركبوا الى الباشا فلما استقروا بالمجلس قال لهم وصلت اليكم المراسلات الواردة صحبة السلحدار قالوا نعم قال ما رأيكم في ذلك قال الشيخ البرقاوي ليس رأى والرأي ما تراه ونحن الجميع على رأيك فقال لهم في غد ابعث اليكم صورة تكتبونها في رد الجواب وارسل اليهم من الغد صورة مضمونها أن الاوامر الشريفة وصلت الينا وتلقيناها بالطاعة والامتثال الا أن اهل مصر ورعيتها قوم ضعاف وربما عصت العساكر عن الخروج فيحصل لاهل البلدة الضرر وخراب الدور وهتك الحرمات وانتم اهل للشفقة والرحمة والتلطف ونحو ذلك من التزويقات والتمويهات واصدروها اليه في اثناء ذلك محمد علي باشا آخذ في الاهتمام والتشهيل واظهار الحركة والخروج لمحاربة الألفي وبرزت العساكر الى ناحية بولاق وخارج البلدة وعدوا بالخيام الى البر الغربي وتقدم الى مشايخ الحارات بالتعريف على كل من كان متصفا بالجندية ويكتبوا اسماءهم ومحل سكنهم ففعلوا ذلك ثم كتب لهم أوراق بالامر بالخروج وعليها ختم الباشا ومسطور في ورقة الامر بأن المأمور يصحب معه شخصين او ثلاثة على أن اكثرهم لا يملك حمارا يركبه ولا ما يحمل عليه متاعه ولا ما يصرفه على نفسه فضلا عن غيره وكذلك امر الوجاقلية جليلهم وحقيرهم بالخروج للمحاربة
وفيه شرع الباشا في تقرير فرضة على البلاد البحرية وهي القليوبية والمنوفية والغربية والدقهلية والمزاحمتين الى آخر مجرى النيل ورتبوها اعلى وادنى واوسط وهي غلال الاعلى ثلاثون اردبا وثلاثون رأسا من الغنم واردب ارز وثلاثون رطلا من الجبن ومن السمن كذلك وغير هذه الاصناف كالتبن والجلة وغير ذلك والاوسط عشرون اردبا وما يتبعها مما ذكر والادنى اثنا عشر ومع ذلك القبض والطلب مستمر في فائظ الملتزمين بعضه من ذواتهم وبعضه من فلاحيهم مع ما يتبع ذلك من حق الطرق والخدم وتوالي الاستعجالات
وفي ليلة الثلاثاء ثامن عشرينه سافر شاكر أغا السلحدار بالأجوبة

شهر جمادى الاولى سنة
استهل بيوم الخميس في ثانيه احترق معمل البارود بناحية المدابغ فحصل منه رجة عظيمة وصوت هائل مثل المدفع العظيم سمعه القريب والبعيد ومات به اشخاص ويقال انهم رموا بنبة من القلعة بقصد التجربة على جهة بولاق فسقطت في المعمل المذكور وحصل ما ذكر
وفي ثالثه يوم السبت وقت الزوال ركب الباشا من داره يريد السفر لمحاربة الألفي ونزل الى بولاق وعدى الى بر انبابة لتجهيز العرضى وارسل اوراقا لتجمع العربان وعين لذلك حسن أغا محرم وعلي كاشف الشرقية
وفي ليلة الاثنين خامسه حضر سليم أغا قابجي كتخدا الذي تقدم سفره صحبة سعيد أغا كتخدا البوابين مرسلا الى قبودان باشا من طرف محمد علي باشا فرجع بجواب الرسالة ومحصلها أن القبودان لم يقبل هذه الاعذار ولا ما نمقوه من التمويهات التي لا اصل لها ولا بد من تنفيذ الاوامر وسفر الباشا ونزوله هو وحسن باشا وعساكرهما وخروجهم من مصر وذهابهم الى ناحية دمياط وسفرهم الى الجهة المأمورين بالذهاب اليها ولا شىء غير ذلك ابدا
وفي ليلة الخميس ثامنه حضر علي كاشف الشرقية وذلك انه تقنطر من فوق جواده وكسرت رجله واحضره محمولا
وفي يوم الخميس المذكور وصل الكثير من طوائف عرب الحويطات ونصف حرام من ناحية شبرا الى بولاق وضربوا لحضورهم مدافع
وفيه ركب طوائف الدلاتية وتقدموا الى جهة بحري واشيع ركوب محمد علي باشا وذلك اليوم فلم يركب
وفي ثاثي عشره ورد خبر بوصول موسى باشا الى ثغر سكندرية يوم الاحد حادي عشرة والمذكور ارسل من طرفه قاصدا وعلى يده مرسوم خطابا لاحمد افندي الدفتردار بان يكون قائما مقامه ويأمره بضبط الايراد والمصرف فلم يقبل الدفتردار ذلك وقال لم يكن بيدي قبض ولا صرف

ولا علاقة لي بذلك
وفي يوم الاحد طاقت ! جماعة قواسة على بيوت الاعيان يبشرونهم بأن العساكر الكائنين بناحية الرحمانية ركبوا على عرضى الألفي ووقعت بينهم مقتلة كبيرة وقتلوا منه جملة فيهم اربع صناجق ونهبوا منه زيادة عن ثمانمائة جمل بأحمالها وعدة هجن محملة بالاموال ورجعت العساكر ومعهم نحو الثمانين رأسا ومائة اسير وغير ذلك وان الألفي هرب بمفرده الى ناحية الجبل وقيل الى الاسكندرية فكانوا يطوفون على الاعيان بهذا الكلام ويأخذون منهم البقاشيش ثم ظهر أن هذا الكلام لا اصل له وتبين أن طائفة من العرب يقال لهم الجوابيض وهم طائفة مرابطون ليس يقع منهم اذية ولا ضرر لاحد مطلقا نزلوا بالجبل بتلك الناحية فدهمهم العسكر وخطفوا منهم ابلا واغناما وقتل فيما بينهم انفار من الفريقين لمدافعتهم عن انفسهم
وفي ذلك اليوم أيضا ركب حسن أغا الشماشيرجي الى المنصورية قرية بالجيزة ومعه طائفة من العسكر وهي بالقرب من الاهرام فضربوا القرية ونهبوا منها اغناما ومواشي واحضروها الى العرضي بإنبابة وحضر خلفهم اصحاب الاغنام وفيهم نساء يصرخن ويصحن وصادف ذلك أن السيد عمر النقيب عدى الى العرضى فشاهدهم على هذه الحالة فكلم الباشا في شأنهم فأمر بأن برد الاغنام التي للنساء والفقراء الصارخين وذهبوا بالباقي للمطابخ
وفي ثاني عشره وردت الاخبار بأن العساكر الكائنين بالرحمانية ومرقص رجعوا الى النجيلة ونصبوا عرضيهم هناك وحضر الألفي تجاههم فركبوا لمحاربته وكانوا جمعا عظيما فركب الألفي بجيوشه وحاربهم ووقع بينه وبينهم وقعة عظيمة انجلت عن نصرته عليهم وانهزام العسكر وقتل من الدلاة وغيرهم مقتلة عظيمة ولم يزالوا في هزيمتهم الى البحر والقوا بأنفسهم فيه وامتلأ البحر من طراطير الدلاتية وهرب كتخدا بك وطاهر باشا الى بر المنوفية وعدوا في المراكب واستولى الألفي وجيوشه على خيولهم

وخيامهم وحملاتهم وجبخانتهم وارسل برؤوس القتلى والاسرى الى القبودان واشيع خبر هذه الواقعة في الناس وتحدثوا بها وانزعج الباشا والعسكر انزعاجا عظيما وعدى الى بر بولاق وطاف الوالي واصحاب الدرك ينادون على العساكر بالخروج الى العرضى ويكتبون اسماءهم وحضر الباشا الى داره واكثر من الركوب والذهاب والمجىء والطواف حول المدينة والشوارع ويذهب الى بولاق ومصر القديمة ويرجع ليلا ونهارا وهو راكب رهوانا تارة او فرسا او بغلة ومرتد ببرنس ابيض مثل المغاربة والعسكر امامه وخلفه ووصل مجاريح كثيرة واخبروا بالواقعة المذكورة ومات من جماعة الألفي احمد بك الهنداوي فقط وانجرح امين بك وغيره جرح سلامة
وفي يوم الاربعاء حادي عشرينه وصلت العساكر المهزومة وكبراؤهم الى بولاق وفيهم مجاريح كثيرة وهم في اسوأ حال فمنعهم الباشا من طلوع البر وردهم بمراكبهم الى بر انبابة واستمروا هناك الى اخر النهار وهم عدد كثير وقد انضاف اليهم من كان ببر المنوفيه ولم يحضر المعركة لما داخلهم من الخوف ثم انهم طلعوا الى بولاق وانتشروا في النواحي وذهب منهم الكثير الى مصر القديمة وحضر كثير منهم ودخلوا المدينة ودخلوا البيوت وازعجوا كثيرا من الناس والساكنين بناحية قناطر السباع وسويقة واللالا والناصرية وغير ذلك من النواحي واخرجوهم من دورهم وقد كانت الناس استراحت منهم مدة غيابهم
وفي يوم الاربعاء ثامن عشرينه الموافق لثامن مسرى القبطي اوفي النيل اذرعه وركب الباشا في صبيحة يوم الخميس الى قنطرة السد وحضر القاضي والسيد عمر النقيب وكسر الجسر بحضرتهم وجرى الماء في الخليج جريانا ضعيفا بسبب علو ارضه وعدم تنظيفه من الاتربة المتراكمة فيه ويقال انهم فتحوه قبل الوفاء لاشتغال بال الباشا وتطيره وخوفه من حادثة تحدث في مثل يوم هذا الجمع وخصوصا وقد وصل الى بر الجيزة الكثير من اجناد الألفي

شهر جمادي الآخرة سنة
استهل بيوم السبت في سادسه حضر طاهر باشا الى بر انبابة ونصب خيامه هناك وعدى هو في قلة الى بولاق وذهب الى داره بالأزبكية وكان من امره انه لما حصلت له الهزيمة فذهب الى المنوفية وقد اغتاظ عليه الباشا وارسل يقول له لاتريني وجهك بعد الذي حصل وترددت بينهما الرسل ثم ارسل اليه يأمره بالذهاب الى رشيد فذهب الى فوة ثم حضر شاهين بك الألفي الى الرحمانية فأرسل الباش الى طاهر باشا يأمره بالذهاب الى شاهين بك ويطرده من الرحمانية فذهب اليه في المراكب فضرب عليه شاهين بك بالمدافع فكسر بعض مراكبه فرجع على اثره وركب من البر حتى عدى بحر الرحمانية ثم حضر الى مصر ووصل بعده الكثير من العسكر فأمرهم الباشا بالعود فعاد الكثير منهم في المراكب وحضر ايضا اسمعيل أغا الطوبجي كاشف المنوفية وقد داخل الجميع الخوف من الألفي وأما الألفي فإنه بعد انفصال الحرب من النجيلة رجع الى حصار دمنهور وذلك بعد أن ذهب اعيانها الى قبودان باشا وقابلوه وامنهم ورجعوا على امانة فافترقوا فرقتين فرقة منهم اطمأنت ورضيت بالامان والاخرى لم تطمئن بذلك وارسلوا الى السيد عمر والباشا فرجع اليهم الجواب يأمرونهم باستمرارهم على الممانعة ومحاربة من يأتي لحربهم فامتثلوا ذلك وتبعتهم الفرقة الاخرى وارسل اليهم القبودان يدعوهم الى الطاعة ويضمن لهم عدم تعدي الألفي عليهم فلم يرضوا بذلك فعند ذلك استفتى العلماء في جواز حربهم حتى يذعنوا للطاعة فأفتوه بذلك فعند ذلك ارسل الى الألفي يأمره بحربهم فحاصرهم وحاربهم واستمر ذلك
وفي يوم الجمعة سابعه ورد الخبر بموت الكاشف الذي بدمنهور
وفي يوم الخميس ثالث عشره وصلت قافلة من السويس وصحبتها المحمل فأدخلوه وشقوا به من المدينة وخلفه طبل وزمر وامامه اكابر العسكر واولاد الباشا ومصطفى جاويش المتسفر عليه ولقد اخبرني مصطفى

جاويش المذكور انه لما ذهب الى مكة وكان الوهابي حضر الى الحج واجتمع به فقال له الوهابي ماهذه العويدات التي تأتون بها وتعظمونها بينكم يشير بذلك القول الى المحمل فقال له جرت العادة من قديم الزمان بها يجعلونها علامة واشارة لاجتماع الحجاج فقال لاتفعلوا ذلك ولا تأتوا به بعد هذه المرة وان اتيتم به مرة اخرى فإني اكسره
وفي ليلة الاربعاء حضر الافندي المكتوبجي من طرف القبودان الى بولاق فأرسل اليه الباشا حصانا فركبه وحضر الى بيت الباشا بالازبكية في صبح يوم الاربعاء المذكور فأحضر الباشا الدفتردار وسعيد أغا واختلوا مع بعضهم ولم يعلم مادار بينهم
وفي يوم الخميس عشرينه ارتحل من بالجيزة من الامراء المصريين وعدتهم ستة من المتآمرين الجدد الذين امرهم الألفي فذهبوا عند استاذهم بناحية دمنهور ونزلوا بالقرب منه
وفي خامس عشرينه مر سليمان أغا صالح من ناحية الجيزة راجعا من عند الامراء القبالى وصحبته هدايا من طرفهم للقبودان وفيها خيول وعبيد وطواشية وسكر ولم يجيبوا على الحضور لممانعة عثمان بك البرديسي وحقده الكامن للالفي ولكون هذه الحركة وهي مجئ القبودان وموسى باشا باجتهاده وسفارته وتدبيره كما سيتلى عليك فيما بعد وفيه ظهرت فحوى النتيجة القياسية وانعكاس القضية وهو أن القبودان لما لم يجد في المصرلية الاسعاف وتحقق ماهم عليه من التنافر والخلاف وتكررت ما بينه وبين الفريقين المراسلات والمكاتبات فعند ذلك استأنف مع محمد علي باشا المصادقة وعلم أن الاروج له معه الموافقة فارسل اليه المكتوبجي واستوثق منه والتزم له باضعاف ماوعد به من الكذابين معجلا ومؤجلا على ممر السنين والالتزام بجميع المأمورات والعدول عن المخالفات فوقع الاتفاق على قدر معلوم وارسل الى محمد علي باشا يأمره بكتابة عرضحال خلاف الاولين ويرسله صحبة ولده علي يد القبودان فعند ذلك لخصوا عرضحال

وختم عليه الاشياخ والاختيارية والوجاقلية وارسله صحبة ابنه ابراهيم بك واصحب معه هدية حافلة وخيولا واقمشة هندية وغير ذلك وتلفت طبخة الألفي والتدابير ولم تسعفه المقادير
وفي هذه الايام تخاصم عرب الحويطات والعيايدة وتجمع الفريقان حول المدينة وتحاربوا مع بعضهم مرارا وانقطعت السبل بسبب ذلك وانتصر الباشا للحويطات وخرج بسببهم الى العادلية ثم رجع ثم انهم اجتمعوا عند السيد عمر النقيب واصلح بينهم

شهر رجب سنة
استهل بيوم الاحد فيه وصل القاضي الجديد ويسمى عارف افندي وهو ابن الوزير خليل باشا المقتول وانفصل محمد افندي سعيد حفيد علي باشا المعروف بحكيم اوغلي وكان انسانا لابأس به مهذبا في نفسه وسافر الى قضاء المدينة المنورة من القلزم بصحبة القافلة
وفي يوم الجمعة سادسه سافر ابراهيم بك بن الباشا بالهدية وسافر بصحبته محمد أغا لاظ الذي كان سلحدار محمد باشا خسروا
وفي يوم السبت ارسل الباشا الى الشيخ عبد الله الشرقاوي ترجمانه يأمره بلزوم داره وانه لايخرج منها ولا الى صلاة الجمعة وسبب ذلك امور وضغائن ومنافسات بينه وبين اخوانه كالسيد محمد الدواخلي والسيد سعيد الشامي وكذلك السيد عمر النقيب فأغروا به الباشا ففعل به ما ذكر فامتثل الامر ولم يجد ناصرا واهمل امره
وفيه توارت الاخبار بوقوع معركة عظيمة بين العسكر والالفي وذلك أن الألفي لم يزل محاصرا دمنهور وهم ممتنعون عليه الى الآن وسد خليج الاشرفيه ومنع الماء عن البحيرة والاسكندرية لضرورة مرور الماء من ناحية دمنهور ليعطل عليهم المراد من الحصار فأرسل الباشا بربر باشا الخازندار ومعه عثمان أغا ومعهما عدة كثيرة من العساكر في المراكب فوصلوا الى خليج الاشرفية من ناحية الرحمانية وعليه جماعة من الالفية فحاربوهم حتى

اجلوهم عنها وفتحوا فم الخليج فجرى فيه الماء ودخلوا فيه بمراكبهم فسد الالفية الخليج من اعلى عليهم وحضر شاهين بك فسد مع الالفية فم الخليج باعدال القطن والمشاق ثم فتحوه من اسفل فسال الماء في السبخ ونضب الماء من الخليج ووقفت السفن على الارض ووصلتهم الالفية فاوقعوا معهم وقعة عظيمة وذلك عند قرية يقال لها منية القران فانهزموا الى سنهور وتحصنوا بها فأحاطوا بهم واستمروا على محاربتهم حتى افترق الفريقان فيما بعد
وفيه أيضا وصلت الاخبار بإن ياسين بك لم يزل يحارب من بمدينة الفيوم حتى ملكها وقتل من بها ولم ينج منهم الا القليل وكانوا ارسلوا يستنجدون بارسال العسكر فلم يلحقوهم
وفيه وردت الاخبار من الجهة القبلية بأن الامراء المصريين اخلوا منفلوط وملوى وترفعوا الى اسيوط وجزيرة منقياط وتحصنوا بهما وذلك لما اخذ النيل في الزيادة وخشوا من ورود العساكر عليهم بتلك النواحي فلايمكنهم التحصن فيها فترفعوا الى اسيوط فلما فعلوا ذلك اشاعوا هروبهم وذكروا أن عادبدين بك وحسن بك حارباهم وطرداهم الى أن هربوا الى اسيوط ولما خلت تلك النواحي منهم رجع كاشف منفلوط وملوى وخلافهما الذين كانوا طردوهم في العام الماضي وفروا من مقاتلتهم
وفيه شرع الباشا في تجهيز عساكر وتسفيرهم الى جهة بحرى وقبلي وحجزوا المراكب للعسكر فانقطعت سبل المسافرين وذلك عندما اطمأن خاطره من قضية القبودان والعزل
وفيه شرع أيضا في تقرير فرضة عظيمة على البلاد والقرى والتجار ونصارى الاروام والاقباط والشوام ومساتير الناس ونساء الاعيان والملتزمين وغيرهم وقدرها ستة آلاف كيس وذلك برسم مصلحة القبودان وذكروا انها سلفة ستة ايام ثم ترد الى اربابها ولا صحة لذلك
وفي ليلة الاثنين وصل كتخدا القبودان الى ساحل بولاق فضربوا

لقدومه مدافع وعملوا له شنكا وارسل له في صبحها خيولا صحبة ابنه طوسون ومعهم اكابر الدولة والاغا والوالي والاغوات فركب في موكب عظيم ودخلوا به من باب النصر وشق من وسط المدينة وعمل الباشا الديوان واجتمع عنده السيد عمر والمشايخ المتصدرون ما عدا الشيخ عبد الله الشرقاوي ومن يلوذ به فسأل عليه القاضي وعلى من تاخر فقيل له الان يحضر ولعل الذي اخره ضعفه ومرضه ثم انهم انتظروا باقي الوجهاء وارسلوا لهم جملة مراسيل فلما حضروا قرأوا المرسوم الوارد صحبة الكتخدا المذكور ( ومضمونه ) ابقاء محمد علي باشا واستمراره على ولاية مصر حيث أن الخاصة والعامة راضية بأحكامه وعدله بشهادة العلماء واحتراف الناس وقبلنا رجاءهم وشهادتهم وانه يقوم بالشروط التي منها طلوع الحج ولوازم الحرمين وايصال العلائف والغلال لاربابها على النسق القديم وليس له تعلق بثغر رشيد ولا دمياط والاسكندرية فانه يكون ايرادها من الجمارك يضبط الى الترسخانة السلطانية بإسلامبول ومن الشروط أيضا أن يرضى خواطر الامراء المصريين ويمتنع من محاربتهم البلاد ويعطيهم جهات يتعيشون بها وهذا من قبيل تحلية البضاعة وانفض المجلس وضربوا مدافع كثيرة من القلعة والازبكية وبولاق واشيع عمل زينة بالبلدة وشرع الناس في اسبابها وبعضهم علق على داره تعاليق ثم بطل ذلك وطاف المبشرون من اتبعاهم على بيوت الاعيان لاخذ البقاشيش واذن الباشا بدخول المراكب الى الخليج والازبكية ثم عملوا شنكا وحراقات وسواريخ ثلاثة ايام بلياليها بالازبكية

شهر شعبان سنة
فيه تكلم القاضي مع الباشا في شأن الشيخ عبد الله الشرقاوي والافراج عنه ويأذن له في الركوب والخروج من داره حيث يريد فقال انا لاذنب لي في التحجير عليه وانما ذلك من تفاقمهم مع بعضهم فاستأذنه في مصالحتهم فاذن له في ذلك فعمل القاضي لهم وليمة ودعاهم وتغدوا عنده وصالحهم

وقرأوا بينهم الفاتحة وذهبوا الى دورهم والذي في القلب مستقر فيه
وفيه وردت الاخبار من الديار الرومية بقيام الرومنلي وتعصبهم على منع النظام الجديد والحوادث فوجهوا عليهم عسكر النظام فتلاقوا معهم وتحاربوا فكانت الهزيمة على النظام وهلك بينهم خلائق كثيرة ولم يزالوا في اثرهم حتى قربوا من دار السلطنة فترددت بينهم الرسل وصانعوهم وصالحوهم على شروط منها عزل اشخاص من مناصبهم ونفى آخرين ومنهم الوزير وشيخ الاسلام والكتخدا والدفتردار ومنع النظام والحوادث ورجوع الوجاقات على عادتهم وتقلد اغات الينكجرية الصدارة واشياء لم تثبت حقيقتها
وفيه حضر عابدين بك اخو حسن باشا من الجهة القبلية
وفي عاشره تواترت الاخبار بوقوع وقائع بالناحية القبلية واختلاف العساكر ورجوع من كل بناحية منفلوط وعصيان المقيمين بالمنية بسبب تأخر علائفهم ورجع حسن بك باشا الى ناحية المنية فضرب عليه من بها فانحدر الى بني سويف
وفيه حضر إسماعيل الطوبجى كاشف المنوفية باستدعاء فأرسله الباش بمال الى الجهة القبلية ليصالح العساكر
وفيح وردت الاخبار من ثغر الاسكندرية بسفر قبودان باشا وموسى باشا الى اسلامبول واخذ القبودان صحبته ابن محمد علي باشا وكان نزولهم وسفرهم في يوم السبت خامسه واستمر كتخدا القبودان بمصر متخلفا حتى يستغلق مال المصالحة
وفيه شرعوا في تقرير فرضة على البلاد أيضا
وفيه حضر محمود بك من ناحية قبلى
وفي سادس عشره سافر كتخدا القبودان بعدما استغلق المطلوب
وفيه وصل الى ثغر بولاق قابجي وعلى يده تقرير لمحمد علي باشا بالاستمرار على ولاية مصر وخلعة وسيف فأركبوه من بولاق الى الازبكية

في موكب حفل وشقوا به من وسط المدينة وحضر المشايخ والاعيان والاختيارية ونصب الباشا سحابة بحوش البيت للجمع والحضور وقرئت المرسومات وهما فرمانان احداهما يتضمن تقرير الباشا على ولاية مصر بقبول شفاعة اهل البلدة والمشايخ والاشراف والثاني يتضمن الاوامر السابقة وبإجراء لوازم الحرمين وطلوع الحج وارسال غلال الحرمين والوصية بالرعية وتشهيل غلال وقدرها ستة آلاف اردب وتسفيرها على طريق الشام معونة للعساكر المتوجهين للحجاز
وفيه الامر أيضا بعدم التعرض للامراء المصريين وراحتهم وعدم محاربتهم لانه تقدم العفو عنهم ونحو ذلك وانقضى المجلس وضربوا مدافع كثيرة من القلعة والازبكية

واستهل شهر رمضان بيوم الاربعاء سنة
وانقضى بخبر ولم يقع فيه من الحوادث سوى توالي الطلب والفرض والسلف التى لا ترد وتجريد العسكر الى محاربة الألفي واستمرار الألفي بالجيزة ومحاصرة دمنهور واستمرار اهل دمنهور على الممانعة وصبرهم على المحاصرة وعدم الطاعة مع متاركة المحاربة
وفيه ورد الخبر بموت عثمان بك البرديسي في اوائل رمضان بمنفلوط وكذلك سليم بك أبو دياب ببنى عدي
وفي اواخره تقدم محمد علي باشا الى السيد عمر النقيب بتوزيع جملة اكياس على اناس من مياسير الناس على سبيل السلفة
واستهل شهر شوال بيوم الجمعة سنة
ولم يقع في شهر رمضان هذا ارتباك في هلاله اولا وآخرا كما حصل فيما تقدم وكذلك حصل به سكون وطمأنينة من عربدة العساكر لولا توالي الطلب والسلف والدعاوي الباطلة في المدينة والارياف وعسف ارباب المناصب في القرى وعملوا شنكا للعيد بمدافع كثيرة في الاوقاف الخمسة ثلاثة ايام العيد

وفيه فتحوا طلب الميري على السنة القابلة وجدوا في التحصيل ووجهوا بالطلب العساكر والقواسة والاتراك بالعصي المفضضة وضيقوا على الملتزمين
وفي عاشره اخرج الباشا خياما ونصب عرضى بناحية شبرا ومنية السيرج والتمس من السيد عمر توزيع اربعمائة كيس برأيه ومعرفته فضاق صدره وشرع في توزيعها على التجار ومساتير الناس حيث لم يمكنه التخلف ولا التباعد عن ذلك
وفي يوم الجمعة ثاني عشرينه وصل حسن باشا طاهر من الجهة القبلية ودخل داره وخرج محمد على باشا الى جهة الحلى يريد السفر الى الألفي ووصلت عربان الألفي وعساكره الى بر الجيزة وطلبوا الكلف من البلاد
وفي يوم الاحد رابع عشرينه عدى محمد علي باشا الى بر انبابه
وفي يوم الاثنين خامس عشرينه عدى محمد علي باشا وغالب العسكر الى بولاق واشاعوا أن الاخصام هربوا من وجوههم فلم يذهبوا خلفهم بل رجعوا على اثرهم ونهبوا كفرحكيم وما جاوروه من القرى حتى اخذوا النساء والبنات والصبيان والمواشي ودخلوا بهم الى بولاق والقاهرة ويبيعونهم فيما بينهم من غير تحاش كانهم سبايا الكفار

واستهل شهر القعدة سنة بيوم السبت
ووصل الحجاج الطرابلسية وعدوا الى بر مصر
وفي يوم الاحد ثانيه وصلت قوافل الصعيد من ناحية الجبل وبها احمال كثيرة وبضائع مع عرب المعازة وغيرهم فركب الباشا ليلا وكبسهم على حين غفلة ونهبهم واخذ جمالهم واحمالهم ومتاعهم حتى اولاد العربان والنساء والبنات دخلوا بهم الى المدينة يقودونهم اسرى في ايديهم ويبيعونهم فيما بينهم كما فعلوا باهل كفر حكيم وما حوله
وفي ذلك اليوم ضربوا مدافع كثيرة من القلعة بورود اشخاص من

الططر ببشارة الى الباشا وتقريره على السنة الجديدة
وفي يوم السبت ثانيه اداروا كسوه الكعبة والمحمل وركب معها المتسفر عليها من القلزم وهو شخص يقال له محمود أغا الجزيري وركب امامه الاغا والوالي والمحتسب وطائفة الدلاة وكثير من العسكر
وفي يوم الاثنين عاشره وصلت الاخبار بوصول الألفي الى ناحية الاخصاص وانتشار جيوشه بإقليم الجيزة وكان الباشا معزوما ذلك اليوم عند سعودي الحناوي بسوق الزلط وحارة المقس وركب قبيل العصر وذهب الى بولاق وامر العساكر بالخروج ولا يتخلف احد لخامس ساعة من الليل وعدى بمن معه الى بر انبابه
وفي لية الاربعاء وقع بين الألفي والعسكر معركة وانحاز العسكر وتترسوا بداخل الكفور والبلاد ووصل منهم جرحى الى البلد واستمر الامر على ذلك وهم يهابون البروز الى الميدان واخصامهم لا يحاربون المتاريس والحيطان
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشره ركب الألفي بجيوشه وتوجه الى ناحية قناطر شبر امنت فلما عاينهم الباشا ومن معه مارين ركب بعسكره من ناحية كفر حكيم وما حوله وساروا الى جهة الجيزة ونصب وطاقه بحريها وباتوا تلك الليلة وعملوا شنكا في صبحها وهم يشيعون هروب الألفي والحال انه مر في جيش كثيف وصورة هائلة وقد رتب جنوده وعساكره طوابير وبين يديه النظام الذي رتبه على هيئة عسكر الفرنسيس ومعهم طبول بكيفية خرعت عقولهم والباشا واقف بجيوشه ينظر اليه تارة بعينه وتارة بالنظارة ويقول هذا طهماز الزمان ويتعجب وقال لطائفة الدلاة تقدموا لمحاربته وانا اعطيكم كذا وكذا من المال فلم يجسروا على التقدم لما سبق لهم معه
وفي يوم الخميس حضر اشخاص من العرب الى الباشا واخبروه بأن الألفي قد مات يوم وصوله الى تلك المحطة وذلك ليلة الاربعاء تاسع

عشرة وقد نزل به خلط دموي فتقايا ثم مات وذلك بناحية المحرقة بالقرب من دهشور وان مماليكه اجتمعوا وامروا عليهم شاهين بك وذلك باشارة استاذهم وان طائفة اولاد علي انفصلوا عنهم ورجعوا الى بلادهم واخرين يطلبون الامان فاشتبه الحال وشاع الخبر وصارت الناس بين مصدق ومكذب واستمر الاشتباه والاضطراب اياما حتى أن الباشا خلع على ذلك المخبر بعد أن تحقق خبره فروة سمور وركب بها وشق من وسط المدينة والناس ما بين مصدق ومكذب ويظنون أن ذلك مكايده وتحيلاته لامور يدبرها الى أن حضر بعض الخدم الى دوره واخبروا بحقيقة الحال كما ذكر فعند ذلك زال الاشتباه وعد ذلك من تمام سعد محمد علي باشا الدنيوي حتى انه قال في مجلس خاصته الآن ملكت مصر ولما مات الألفي ارتحلت اجناده ومماليكه وامراؤه وارتفعوا الى ناحية قبلي
ثم أن الباشا ارسل الى امرائه مكاتبة يستميلهم ويطلبهم للصلح ويدعوهم للانضمام اليه ويعدهم أن يعطيهم فوق مأمولهم ونحو ذلك وارسل تلك المكاتبة صحبة قادري أغا الذي طرده الألفي ونفاه واخذ محمد علي باشا في الاهتمام والركوب واللحوق بهم وفي كل يوم ينادي على العسكر بالمدينة بالخروج وقوى نشاطهم ورفعوا رؤوسهم وسعوا في قضاء اشغالهم وخطفوا الجمال والحمير وحضر الباشا الى بيته بالازبكية وبات به ليلة الاحد وصرح بسفره يوم الخميس وخرج الى العرضى ثانيا وطلب السلف والمال ومضى الخميس والجمعة ولم يسافر
وفي ليلة السبت تاسع عشرينه نزل به حادر وتحرك عنده خلط وحصل له اسهال وقىء واشاع الناس موته يوم السبت وتناقلوه وكاد العسكر ينهبون العرضى ثم حصلت له افاقة وخرج السيد عمر والمشايخ للسلام عليه يوم الاحد ولينهؤه بالعافية وكذلك خرجوا لوداعه قبل ذلك مرارا
وفيه حضر قادري بجوابات الرسالة من امراء الألفي احدها للباشا وعليه ختم شاهين بك وباقي خشداشينه الكبار وآخر خطابا لمصطفى كاشف أغا

الوكيل وعلي كاشف الصابونجي ومن كان كاتبهم بالمعنى السابق يذكرون في جوابهم أن كان سيدهم قد مات وهو شخص واحد فقد خلف رجالا وامراءوهم على طريقة استاذهم في الشجاعة والرأي والتدبير ونحو ذلك وليس كل مدع تسلم له دعواه ومن امثال المغاربة ما كل حمراء لحمة ولا كل بيضاء شحمة وذكروا في الجواب أيضا انه أن اصطلح مع كبرائهم الكائنين بقبلي وهم ابراهيم بك الكبير وعثمان بك حسن وباقي امرائهما كنا مثلهم وان كان يريد صلحنا دونهم فيعطينا ما كان يطلبه استاذنا من الاقاليم ونحو ذلك

واستهل شهر ذي الحجة بيوم الاثنين سنة
وفيه ارتحل الباشا بالعرضى الى ساقية مكي بالجيزة متوجها لقبلي
وفيه طلبوا المراكب من كل ناحية وعز وجودها وامتنعت الواردون ومراكب المعاشات والتجارات مع استمرار الطلب للمغارم والسلف ونحو ذلك وفي منتصفه وردت مكاتبات من وزير الدولة العثمانية وفيها الخبر بوقوع الغزو بين العثماني والموسكوب والامر بالتيقظ والتحفظ وتحصين الثغور فربما اغاروا على بعضها على حين غفلة وكذلك وردت اخبار بمعنى ذلك من حاكم ازمير وحاكم رودس وان الانكليز معاونون لطائفة الموسكوب لاستمرار عداوتهم مع الفرنساوية لكون الفرانساوية متصادفين مع العثماني والخبر عن مجمل القضية أن بونابارته امير جيش الفرنساوية وعساكرهم خرجوا في العام الماضي واغاروا على القرانات والممالك الافرنجية واستولوا على النيمسة التى هي اعظم القرانات وبينهم وبين الموسكوب مصادقة ونسب فارسل الموسكوب جندا كثيفا مساعدة للنمساوية مع كبير من قرابة قرانهم فتلاقوا مع بونابارته بعد استيلائه على تخت النيمسة فهزمهم أيضا واسر عظماءهم وسار بجيوشه الى الروسية واستولى على عدة اساكل وكلما استولى على جهة قرر بها حكامها وشرط عليهم شروطه التى منها معاداة الانكليز ومنابذتهم وراسله العثماني

وراسله هو أيضا ورأى العثماني قوة بأسه فصادقه وارسل اليه من طرفه الجي الى اسلامبول فدخلها في ابهة عظيمة وانزلوه منزلا حسنا وارسل صحبته هدايا وقوبل بأعظم منها وكذلك ارسل الى خصوص بونابارته تحفا وهدايا وتاجا من الجوهر فعند ذلك انتبذ الموسكوب ونقض الهدنة بينه وبين العثماني وطلب المحاربة فخافه العثماني لما يعلمه منه من القوة والكثرة وسعى الانكليزي بينهما بالصلح واجتهد في ذلك حتى امضاه بشروط قبيحة وشرع اهل الاسكندرية في تحصين قلاعها وابراجها وكذلك أبو قير ارسل كتخدا بك من يتقيد ببناء قلعة بالبرلس وحصل لمصر قلق ولغط وغلت الاسعار في البضائع المجلوبه وعملوا جميعات ببيت كتخدا بك وببيت السيد عمر النقيب واتفقوا على ارسال تلك المراسلات الى محمد علي باشا بالجهة القبلية وصحبة ديوان افندي
وفي عشرينه اجتمعوا بالازهر لقراءة صحيح البخاري في اجزاء صغار
وفيه حضر ديوان افندي بمكاتبات وفيها طلب جماعة من الفقهاء ليسعوا في اجراء الصلح بين الامراء المصريين وبين الباشا فوقع الاتفاق على تعيين ثلاثة اشخاص وهم بن الشيخ الامير وابن الشيخ العروسي والسيد محمد الدواخلي فسافروا في يوم الاحد سادس عشرينه ووصلت الاخبار بان الانجليز حضروا في اثني عشر مركبا وعبروا بغاز اسلامبول وكانوا محترسين فضربوا عليهم بالمدافع من الجهتين فلم يكترثوا ولم يفزعوا ولم يتاخروا ولم يصب الضرب الا مركبا واحدة من الاثني عشر وعمروا ثلمتها في الحال ولم يزالوا سائرين حتى رسوا ببر اسلامبول فهاج كل اهلها وصرخوا وانزعجوا انزعاجا عظيما وايقنوا بأخذ الانكليز البلدة ولو ارادوا حرقها لاحرقوها عن آخرها فعند ذلك نزل اليهى السيد علي باشا القبطان وهو اخو علي باشا الذي كان اخذ يسيرا مع البرديسي من برج مغيزل برشيد فتكلم معهم وصالحهم وخرجوا من البغاز سالمين مغبوطين بعفوهم المقدرة وانقضت السنة بحوادثها

واما من مات بها من العلماء والامراء ممن له ذكر
مات العمدة الفاضل صدر المدرسين وعمدة المحققين الفقيه الورع الشيخ محمد الخشني الشافعي تخرج على الشيخ عطية الاجهوري وغيره من اشياخ العصر المتقدمين كالحفني والعدوي ومسكنه بخطة السيدة نفيسة ويأتي الى الازهر في كل يوم فيقرأ دروسه ثم يعود الى داره متقللا في معيشته منعزلا عن مخالطة غالب الناس وهو آخر الطبقة وتمرض شهورا بمنزله الذي بالمشهد النفيسي وكان دائما يسأل عن الشيخ سليمان البجيرمي وكان يقول لا اموت حتى يموت البجيرمي لانه راى النبى صلى الله عليه و سلم في المنام وقال له أنت آخر اقرانك موتا ولم يكن من اقرانه سوى البجيرمى فلذلك كان يسأل عنه ثم مات البرجيرمى بقرية تسمى مصطية ومات هو بعده بنحو ثلاثة اشهر وكان وفاته في يوم الاثنين خامس عشرين ذي الحجة ولم يحضروا بجنازته الى الازهر بل صلى عليه بالمشهد النفيسي ودفن هناك رحمة الله تعالى عليه
ومات الشيخ الفقيه المحدث خاتمة المحققين وعمدة المدققين بقية السلف وعمدة الخلف الشيخ سليمان بن محمد بن عمر البجيرمي الشافعي الازهري المنتهي نسبه الى الشيخ جمعة الزبدي المدفون ببجيرم نسبة الى زيدة بالقرب من منية بن خصيم وينتهي نسب الشيخ جمعة المذكور الى سيدي محمدي بن الحنفية ولد ببجيرم قرية من الغربية احدى وثلاثين ومائة والف وحضر الى مصر صغيرا دون البلوغ ورباه قريبه الشيخ موسى البجيرمي وحفظ القرآن ولازم الشيخ المذكور حتى تأهل لطلب العلوم وحضر على الشيخ العشماوي في الصحيحين وابى داود الترمذي والشفاء والمواهب وشرح المنهج لشيخ الاسلام وشرحي المنهاج لكل من الرملي وابن حجر وحضر دروس الشيخ الحنفي واجازه الملوي والجوهري والمدابغي واخذ عن الديربي وغيره وحضر أيضا دروس الشيخ علي الصعيدي والسيد البليدي وشارك كثيرا من الاشياخ كالشيخ عطية الاجهوري وغيره وكان

انسانا حسنا حميد الاخلاق منجمعا عن مخالطة الناس مقبلا على شأنه وقد انتفع اناس كثيرون وكف بصره سنينا وعمر وتجاوز المائة سنة ومن تاليفه بايدي الطلبة حاشية على المنهج واخرى على الخطيب وغير ذلك وقبل وفاته سافر الى مصطيه بالقرب من بجيرم فتوفي بها ليلة الاثنين وقت السحر ثالث عشر رمضان من السنة المذكورة ودفن هناك رحمة الله تعالى عليه
ومات الاجل العلامة الفاضل الفهامة فريد عصره علما وعملا ووحيد دهره تفصيلا وجملا الشيخ مصطفى العقباوي المالكي نسبة لمنية عقبة بالجيزة حضر الى الازهر صغيرا ولازم السيد حسنا البقلي ثم الشيخ محمد العقاد المالكي ثم الشيخ محمد عبادة العدوي ملازمه كلية حتى تمهر في مذهبه في المنقولات والمعقولات وحضر دروس اشياخ العصر كالشيخ الدردير والشيخ محمد البيلي والشيخ الامير وغيرهم وتصدر لالقاء الدروس وانتفع به الطلبة واشتهر فضله وكان انسانا حسن الاخلاق مقبلا على الافادة والاستفادة لا يتداخل فيما لا يعنيه ويأتيه من بلدته ما يكفيه قانعا متورعا متواضعا ومن مناقبه انه كان يحب افادة العوام حتى انه كان اذا ركب مع المكاري يعلمه عقائد التوحيد وفرائض الصلاة الى أن توفي يوم الخميس تاسع عشر جمادى الآخرة ولم يخلف بعده مثله رحمة الله تعالى وعفا عنا وعنه
ومات الاجل المعظم المبجل المحقق المدقق المفضل العالم العامل الفاضل الكامل الشيخ علي النجارى المعروف بالقباني الشافعي مذهبا المكي مولدا المدني اصلا ابن العالم الفاضل الشيخ احمد تقي الدين بن السيد تقي الدين المنتهي نسبه الى أبي سعيد الخدري وهو سعد بن مالك بن دينار بن تيم الله بن ثعلبة النجاري احد بطون الخزرج وينتهي نسب اخواله الى السيد احمد الناسك بن عبدالله ادريس بن عبدالله بن الحسن الانور ابن سيدنا الحسن السبط رضى الله تعالى عنه ولد المترجم بمكة سنة اربع وثلاثين

ومائة وقدم الى مصر مع ابيه واخيه السيد حسن سنة احدى وسبعين ومائة قليلة وصولهم مرض اخوه المذكور وتوفي صبح ثالث يوم فجزع والده لذلك جزعا شديدا وتشاءم به وعزم على السفر الى مكة ثانيا ولم يتيسر له ذلك الا اواخر شوال من السنة المذكورة وبقي المترجم واشتغل بتحصيل العلوم وشراء الكتب النافعة واستكتابها ومشاركة اشياخ العصر في الافادة والاستفادة مع مباشرة شغل تجارتهم من بيع الارساليات التى ترد اليه من اولاد اخيه من جدة ومكة وشراء ما يشترى وارساله لهم الى أن تمرض وانقطع ببيته الذي بخطة عابدين قريبا من الاستاذ الحنفي سنة تسع ومائتين وكان عالما ماهرا واديبا شاعرا تخرج على والده وعلى غيره بمكة وعلى كثير من اشياخ العصر المتقدمين كالشيخ العشماوي والشيخ الحنفي والشيخ العدوي وغيرهم وتخرج في الادب على والده وعلى الشيخ علي بن تاج الدين المكي وعلى الشيخ عبدالله الاتكاوي وغيرهم وله مؤلفات منها نفح الاكمام على منظومته في علم الكلام ومنها تقريره على الرملي وهو مجلد ضخم ومنها شرح بديعيته التى سماها مراقي الفرج في مدح عالي الدرج وله ديوان شعر صغير غالبه جيد وكان في مدة انقطاعه لا يشتغل بغير المطالعة وتحصيل الكتب الغريبة وقيد ولده السيد سلامة بأشغال تجارتهم وولده السيد احمد بملازمته واسماعه فيما يريد مطالعته وكانت داره في غالب الاوقات لا تخلوا من المترددين الى أن توفي ليلة السابع والعشرين من رجب من السنة المذكورة وعمره سبع وثمانون سنة وصلى عليه بالأزهر ودفن بمقبرة اخيه بباب الوزير وخلف ولديه المذكورين وكان وجيها لطيفا محبوبا للنفوس ورعا رحمة الله تعالى عليه
ومات صاحبنا الاجل المعظم والوجيه المكرم الامير ذو الفقار البكري نسبة ونسابة وهو مملوك السيد محمد بن علي افندي البكري الصديقي اشتراه سيده المذكور عام احدى وسبعين ومائة والف ورباه وادبه واعتقه وزوجه ابنته ونشأ في عز ورفاهية وسيادة وعفة وطيب خيم وعلو همة

ولما توفي سيده اتحد بولده السيد محمد افندي وهو اخو زوجته اتحادا كليا بحيث صارا كالاخوين لا يصبر احدهما عن الآخر ساعة واحدة وسكنهما واحد في بيتهم الكبير بالازبكية ولما توفي السيد محمد افندي اشتغل المترجم باسكني في الدار الى أن حضر الفرنساوية فخرج مع من خرج من مصر الى ناحية الشام ونهبت كتبه وداره ثم رجع بامان في ايام الفرنساوية فوجد الدار قد سكنها الفرنساوية فاشترى دارا غيرها بخطة عابدين وجدد بها نظامه ولما حصلت حادثة عسكر الاروام العثمانية مع الامراء المصريين التى خرج فيها ابراهيم بك والبرديسي وامراؤهم نهبت داره المذكورة أيضا فيما نهب فانتقل الى ناحية الازهر ثم سكن بحارة السبع قاعات بالاجرة واقتنى كتبا شراء واستكتابا وجمع عدة اجزاء متفرقة من تاريخ مرآة الزمان لابن الجوزي وخطط المقريزي وغيرها الى أن اخترمته المنية ومات فجأة يوم الثلاثاء في ثاني عشرين رجب من السنة قبيل الغروب وصلى عليه في صبحها بالازهر في مشهد حافل ودفن بتربة البكرية ظاهر قبة الامام الشافعي وكان انسانا حسنا محبوبا لجميع الناس وجيه الذات مليح الصفات حسن المفاكهة والمعاشرة متوقد القطنة ! صادق الفراسة ساكن الجأش وقورا ادوبا محتشما وخلف من بعده السيد محمد المعروف بالغزاوي المرزوق له من ابنة سيده المذكور ولكونه ولده بغرة حين كانوا بالشام انشأه الله انشاء صالحا وبارك فيه
ومات الامير الكبير والضرغام الشهير محمد بك الألفي المرادي جلبه بعض التجار الى مصر في سنة تسع وثمانين ومائة والف فاشتراه احمد جاويش المعروف بالمجنون فأقام في بيته اياما فلم تعجبه اوضاعه لكونه كان مماجنا سفيها ممازجا فطلب منه بيع نفسه فباعه لسليم أغا الغزاوي المعروف بتمرلنك فأقام عنده شهورا ثم اهداه الى مراد بك فاعطاه نظيره ألف اردب من الغلال فلذلك سمي الألفي وكان جميل الصورة فاحبه مراد بك وجعله جوخداره ثم اعتقه وجعله كاشفا بالشرقية وعمر دارا

بناحية الخطة المعروفة بالشيخ ضلام وانشأ هناك حماما بتلك الخطة عرفت به وكان صعب المراس قوي الشكيمة وكان بجواره علي أغا المعروف بالتوكلي فدخل عليه وتشفع عنده في امر فقبل رجاءه ثم نكث فحنق منه واحتد ودخل عليه في داره يغادره ويعاتبه فرد عليه بغلظة فأمر الخدم بضربه فبطحوه وضربوه بالعصي المعروفة بالنبابيت فتألم لذلك ومات بعد يومين فشكوه الى استاذه مراد بك فنفاه الى بحري فعسف بالبلاد مثل فوة ومطوبس وبارنبال ورشيد واخذ منهم ارزا واموالا فتشكوا منه الى استاذه وكان يعجبه ذلك وفي اثناء ذلك وقع الخلاف بمصر بين الامراء ونفوا سليمان بك الأغا واخاه ابراهيم بك ومصطفى بك كما ذكر ذلك فى محله وارسل اليه مراد بك وامره ان يتعين على مصطفى بك ويذهب به الى الاسكندرية منفيا ثم يعود هو الى مصر ففعل ورجع المتجرم الى مصر فعند ذلك قلدوه الصنجقية وذلك في سنة اثنتين وتسعين ومائة والف واشتهر بالفجور فخافته الناس وتحاموا شدته وسكن أيضا بدار بناحية قيصون وذلك عندما اتسعت دائرته وهدم داره القديمة أيضا ووسعها وانشأها انشاء جديدا واشترى المماليك الكثيرة وامر منهم امراء وكشافا فنشؤا على طبيعة استاذهم في التعدي والعسف والفجور ويخافون من تجبره عليهم والتزم باقطاع فرشوط وغيرها من البلاد القبلية ومن البلاد البحرية محلة دمنة ومليج وزوبر وغيرها وتقلد كشوفية شرقية بلبيس ونزل اليها وكان يغير على ما بتلك الناحية من اقطاعات وغيرها واخاف جميع عربان تلك الجهة وجميع قبائل الناحية ومنعهم من التعدى والجور على الفلاحين بتلك النواحي حتى خافه الكثير من العربان والقبائل وكانوا يخشونه وصادهم باشراك منهم وقبض على الكثير من كبرائهم وسحبهم في الجنازير وصادروهم في اموالهم ومواشيهم وفرض عليهم المغارم والجمال ولم يزل على حالته وسطوته الى أن حضر حسن باشا الجزايرلي الى مصر فخرج المترجم مع عشيرته الى ناحية قبلي ثم رجع معهم في

اواخر سنة خمس ومائتين بعد الالف بعد الطاعون الذي مات فيه اسمعيل بك وذلك بعد اقامتهم بالصعيد زيادة عن اربع سنوات ففى تلك المدة ترزن عقله وانهضمت نفسه وتعلق قلبه بمطالعة الكتب والنظر في جزيئات العلوم والفلكيات والهندسيات واشكال الرمل والزايرجات والاحكام النجومية والتقاويم ومنازل القمر وانوائها ويسأل عمن له المام بذلك فيطلبه ليستفيد منه واقتنى كتبا في انواع العلوم والتواريخ واعتكف بداره القديمة ورغب في الانفراد وترك الحالة الي كان عليها قبل ذلك واقتصر على مماليكة والاقطاعات التي بيده واستمر على ذلك مدة من الزمان فثقل هذا الامر على اهل دائرته وبدا يصغر في اعين خشداشينه ويضعف جانبه وطفقوا يباكتونه وتجاسروا عليه وطمعوا فيما لديه وتطلع ادونهم للترفع عليه فلم يسهل به ذلك واستعمل الامر الاوسط وسكن بدار احمد جاويش المجنون يدرب سعادة وعمر القصر الكبير بمصر القديمة بشاطئ النيل تجاه المقياس وانشأ أيضا قصرا فيما بين باب النصر والدمرداش وجعل غالب اقامته فيهما واكثر من شراء المماليك وصار يدفع فيهم الاموال الكثيرة للجلابين ويدفع لهم اموالا مقدما يشترونها بها وكذلك الجواري حتى اجتمع عنده نحو الالف مملوك خلاف الذي عند كشافه وهم نحو الاربعين كاشفا الواحد منهم دائرته قدر دائرة صنجق من الامراء السابقين وكل مدة قليلة يزوج من يختاره من مماليكه لمن تصلح له من الجواري ويجهزهم بالجهاز الفاخر ويسكنهم الدور الواسعة ويعطيهم الفائظ والمناصب وقلد كشوفية الشرقية لبعض مماليكه ترفعا لنفسه عن ذلك وينزل هو اليهم أيضا على سبيل التروح وبنى له قصرا خارج بلبيس وآخر بالدمامين واخمد شوكة عربان الشرق وجبى منهم الاموال والجمال واخمد ناموسهم الذي كان يغشى ابدان الفلاحين وارواحهم واضعف شوكتهم واخفى صولتهم وكان يقيم بناحية الشرق شهورا ثلاثة او اربعة ثم يعود الى مصر واصطنع قصرا من خشب مفصلا قطعا ويركب بشناكل واغربة متينة قوية

يحمل على عدة جمال فإذا اراد النزول في محطة تقدم الفراشون وركبوه خارج الصيوان فيصير مجلسا لطيفا يصعد اليه بثلاث درج مفروش بالطنافس والوسائد يسع ثمانية اشخاص وهو مسقوف وله شبابيك من الاربع جهات تفتح وتغلق بحسب الاختيار وحوله الاسرة من كل جانب وكل ذلك من داخل دهليز الصيوان وكان له داران بالازبكية احدهما كانت لرضوان بك بلغيا والاخرى للسيد احمد بن عبد السلام فبدا له في سنة اثنتي عشرة ومائتين والف أن ينشئ دارا عظيمة خلاف ذلك بالازبكية فاشترى قصر ابن السيد سعودي الذي بخطة الساكن فيما بينه وبين قنطرة الدكة من احمد أغا شويكار وهدمه واوقف في شيادته على العمارة كتخدا ذا الفقار ارسله قبل مجيئه من ناحية الشرقية ورسم له صورة وضعه في كاغد كبير فأقام جدرانه وحيطانه وحضر هو في اثناء ذلك فوجده قد اخطأ الرسم فاغتاظ وهدم غالب ذلك وهندسه على مقتضى عقله واجتهد في بنائه واوقف اربعة من كبار امرائه على تلك العمارة كل امير في جهة من جهاته الاربع يحثون الصناع ومعهم اكثر اتباعهم ومماليكهم وعملوا عدة قمن لحرق الاحجار وعمل النورة وكذلك ركب طواحين الجبس لطحنه وكل ذلك بجانب العمارة وقطعوا الاحجار الكبار ونقلوها في المراكب من طرا الى جنب العمارة بالازبكية ثم نشروها بالمناشير وألواحا كبارا لتبليط الارض وعمل الدرج والفسحات واحضروا لها الاخشاب المتنوعة من بولاق واسكندرية ورشيد ودمياط واشترى بيت حسن كتخدا الشعراوي المطل على بركة الرطلي من عتقائه وهدمه ونقل اخشابه وانقاضه الى العمارة وكذا نقلوا اليه انواع الرخام والاعمدة ولم يزل الاجتهاد في العمل تم على المنوال الذي اراده ولم يجعل له خرجات ولا حرمدانات بارزة عن اصل البناء ولا رواشن بل جعل ساذجا حرصا على المتانة وطول البقاء ثم ركبوا على فرجاتة المطلة على البركة والبستان والرجبة والشبابيك الخرط المصنعة وركبوا عليها شرائح الزجاج ووضع به النجف والاشياء والتحف

العظيمة التي اهداها اليه الافرنج وعملوا بقاعة الجلوس السفلى فسقية عظيمة بسلسبيل من الرخام قطعة واحدة ونوفرة كبيرة حولها نوفرات من الصفر يخرج الماء من افواهما وجعل بها حمامين علويا وسفليا وبنوا بدائر حوشه عدة كبيرة من الطباق السكني المماليك وجعله دوارا واحدا لما تم البناء والبياض والدهان فرشه بأنواع الفرش والوسائد والمساند والستائر المقصبات وجعل خلفه بستانا عظيما وانشأ به جملونا مستطيلا متسعا به دكك واعمدة وهو من الجهة البحرية ينتهي اخره الى الدور المتصلة بقنطرة الدكة واهدى اليه أيضا الافرنج فسقية رخام في غاية العظم فيها صورة اسماك مصورة يخرج من افواهها الماء جعلها بالبستان ونجز البناء والعمل وسكن بها هو وعياله وحريمه في اخر شهر شعبان من سنة اثنتي عشرة واستهل شهر رمضان فأوقدوا فيها الوقدات والاحمال الممتلئة بالقناديل بدائرة الحوش والرحبة الخارجة وكذلك بقاعة الجلوس احمال النجف والشموع والصحب والفنيارات الزجاج وازدحمت خيول الامراء ببابه فأقام على ذلك الى منتصف شهر رمضان وبداله السفر الى الشرقية فأبطلوا الوقدة واطفؤا السرج والشموع فكان ذلك فألا فكانت مدة سكناه به ستة عشر يوما بلياليها وانما اطنبنا في ذكر ذلك ليعتبر اولو الألباب ولايجتهد العاقل في تعمير الخراب وفي اثناء غيبته بالشرقية وصلت الفرنساوية الى الاسكندرية ثم الى مصر وجرى ما جرى سبق ذكره وذهب مع عشيرته الى قبلي وعند وصول الفرنساوية الى بر انبابة بالبر الغربي وتحاربوا مع المصريين ابلى المترجم وجنده في تلك الواقعة ويعمل معهم مكايد ويصطاد منهم بالمصايد ولما وصل عرضي الوزير الى وعدة اسرى واسد عظيم اصطاده في سروحه فشكره الوزير وخلع عليه الخلع السنية واقام بعرضية اياما ثم رجع الى ناحية مصر وذهب الى الصعيد ثم رجع الى الشام والفرنساوية يأخذون خبره ويرصدونه في الطرق ناحية الشام ذهب اليه وقابله وانعم عليه وكان معه رؤساء من الفرنساوية

فيزوغ منهم ويكبسهم في غفلاتهم وينال منهم ولما وصل الوزير وحصل انتقاص الصلح وانحصر المصريون والعثمانيون بداخل المدينة وقع له مع الفرنساوية الوقائع الهائلة فكان يكر ويفر هو وحسن بك الجداوي ويعمل الحيل والمكايد وقتل من كشافه في تلك الحروب رجال معدودة منهم اسمعيل كاشف المعروف بأبي قطية احترق هو وجنده ببيت احمد أغا شويكار الذي كان انشأه برصيف الخشاب وكانت الفرنساوية قد عملوا تحته لغم بارود في اسفل جدرانه ولم يعلم به احد فلما تترس فيه اسمعيل كاشف ومن معه ارسلوا من الهمه النار فالتهب على من فيه واحترقوا بأجمعهم وتطايروا في الهواء ولما اصطلح مراد بك مع الفرنساوية لم يوافقه على ذلك واعتزله ولما اشتد الامر بين الفريقين وشاطت طبخة العثمانيين ومن تبعهم طفق يسعى بين الفريقين في الصلح ويمشي مع رسل الفرنساوية في دخولهم بين العسكر وخروجهم ليمنع من يتعدى عليهم من اوباش العسكر خوفا من ازدياد الشر الى أن تم الصلح وخرج المترجم بلاء حسنا وقتل من كشافة ومماليكه عدة وافرة ولم يزل مدة اقامة الفرنساوية بمصر ينتقل في الجهات القبلية والبحرية والشرقية والغربية مع العثمانية الى نواحي الشام ثم رجع الى جهة الشرقية فيحارب من يصادفه من الفرنسيس ويقتل منهم فإذا جمعوا جيشهم واتوا لحربه لم يجدوه ويمر من خلف الجبل ويمر بالحاجز الى الصعيد فلا يعلم اين ذهب ثم يظهر بالبر الغربي ثم يسير مشرقا ويعود الى الشام وهكذا كان دأبه بطول السنة التي تخللت بين الصلحين الى أن نظم العثمانية امرهم وتاونوا بالانكليز ورجع الوزير على طريق البر وقبطان باشا بصحبة الانكليز من البحر فحضر المترجم وباقي الامراء واستقر الجميع بداخل مصر والانكليز ببر الجيزة وارتحلت الفرنساوية وخلت منهم مصر فعند ذلك قلق المترجم وداخله وسواس وفكر لانه كان صحيح النظر في عواقب الامور فكان لا يستقر له قرار ولم يدخل الى الحريم ولم يبت بداره الا ليلتين على

سجادة ومخدة في القاعة السفلى ولم يكن بها حريم
يقول الفقير ذهبت اليه مرة في ظرف اليومين فوجدته جالسا على السجادة فجلست معه ساعة فدخل عليه بعض امرائه يستأذنه في زواج احدى زوجات من مات من خشداشينة فنتر فيه وشتمه وطرده وقال لي انظر الى عقول هؤلاء المغفلين يظنون انهم استقروا بمصر ويتزوجوا ويتأهلوا مع أن جميع ما تقدم من حوادث الفرنسيس وغيرها اهون من الورطة التي نحن فيها الآن ولما اطلق الوزير لابراهيم بك الكبير التصرف والبسه خلعة وجعله شيخ البلد كعادته وان اوراق التصرفات في الاقطاعات والاطيان وغيرها تكون بختمه وعلامتة اغتر هو وباقي الامراء بذلك وازدحم الديوان ببيت ابراهيم بك المرادي وعثمان بك حسن والبرديسي وتناقلوا في الحديث فذكروا ملاطفة الوزير ومحبته لهم واقامته لناموسهم فقال المترجم لا تغتروا بذلك فإنما هي حيل ومكايد وكأنها تروج عليكم فانظروا في امركم وتفطنوا لما عساه يحصل فان سوء الظن من الحزم فقالوا له وما الذي يكون قال أن هؤلاء العثمانيين لهم السنين العديدة والازمان المديدة يتمنون نفوذ احكامهم وتملكهم لهذا الاقليم ومضت الاحقاب وامراء مصر قاهرون لهم وغالبون عليهم ليس لهم معهم الا مجرد الطاعة الظاهرة وخصوصا دولتنا الاخيرة وما كنا نفعله معهم من الاهانة ومنع الخزينة وعدم الامتثال لاوامرهم وكل ذلك مكمون في نفوسهم زيادة على ما جبلوا عليه من الطمع والخيانة والشره وقد ولجوا البلاد الان وملكوها على هذه الصورة وتأمروا علينا فلا يهون بهم أن يتركوها لنا كما كانت بأيدينا ويرجعوا الى بلادهم بعدما ذاقوا حلاوتها فدبروا رايكم وتيقظوا من غفلتكم فلما سمعوا منه ذلك صادق عليه بعضهم وقال بعضهم هذا من وساوسك وقال اخر هذا لايكون بعد ما كنا نقاتل معهم ثلاث سنوات واشهرا بأموالنا وانفسنا وهم لايعرفون طرائق البلاد ولاسياستها فلا غنى لهم عنا وقال آخر غير ذلك ثم قالوا له مارأيك الذي تراه فقال الرأي عندي أن قبلتموه

ان نعدي بأجمعنا الى بر الجيزة وننصب خيامنا هناك ونجعل الانكليز واسطة بيننا وبين الوزير والقبطان وتتمم الشروط التي نرتاح نحن وهم عليها بكفالة الانكليز ولا نرجع الى البر الشرقي ولا ندخل مصر حتى يخرجوا منها ويرجعوا الى بلادهم ويبقى منهم من يبقى مثل من يقلدونه الولاية والدفتردارية ونحو ذلك وكان ذلك هو الرأي ووافق عليه البعض ولم يوافق البعض الآخر وقال كيف ننابذهم ولم يظهر لنا منهم خيانة ونذهب الى الانكليز وهم اعداء الدين فيحكم العلماء بردتنا وخيانتنا لدولة الاسلام على انهم أن قصدوا بنا شيئا قمنا باجمعنا عليهم وفينا ولله الحمد الكفاية وعند ذلك تتوسط بيننا وبينهم الانكليز فنكون لنا المندوحة والعذر فقال المترجم اما الاستنكاف من الالتجاء للانكليز فان القوم لم يستنكفوا من ذلك واستعانوا بهم ولولا مساعدتهم لما ادركوا هذا المحصول ولا قدروا على اخراج الفرنساوية من البلاد وقد شاهدنا ما حصل في العام الماضي لما حضروا بدون الانكليز على أن هذا قياس مع الفارق فإن تلك مساعدة حرب واما هذه فهي وساطة مصلحة لاغير واما انتظار حصول المنابذة فقد لايمكن التدارك بعد الوقوع لامور والرأي لكم فسكتوا وتفرقوا على كتمان ما دار بينهم ولما لم يوافقوا المترجم على ما اشار به عليهم اخذ يدبر في خلاص نفسه فانضم الى محمود افندي رئيس الكتاب لقربه من الوزير وقبوله عنده واوهمه النصيحة للوزير بتحصيل مقادير عظيمة من الاموال من جهة الصعيد أن قلده الوزير امارة الصعيد فإنه يجمع له اموالا جمة من تركات الاغنياء الذين ماتوا بالطاعون في العام الماضي وخلافة ولم يكن لهم ورثة وغير ذلك من الجهات التي لا يحيط بها خلافه والمال والغلال الميرية فلما عرف الرئيس الوزير بذلك لم يكن بأسرع من اجابته لوجهين الاول طمعا في تحصيل المال والثاني لتفريق جمعهم فانهم كانوا يحسبون حسابه دون باقي الجماعة لكثرة جيشه وشدة احترازه فإنه كان اذا ذهب عند الوزير لايذهب في الغالب الا وحوله جميع جنوده

ومماليكه وعندما اجاب الوزير الى سفره كتب له فرمانا بإمارة الجهة القبلية واطلق له الاذن ورخص له في جميع ما يؤدي اليه اجتهاده من غير معارض وتمم الرئيس القصد وفي الوقت حضر المترجم فأخذ المرسوم ولبس الخلعة بنفسه وودع الوزير والرئيس وركب في الوقت والساعة وخرج مسافرا وجعل رئيس افندي وكيلا عنه وسفيرا بينه وبين الوزير بعدما اسكنه في داره ولم يشعر بذلك احد ولم ير للوزير وجها بعد ذلك وعندما اشيع ذلك حضر الى الوزير اعتراض عليه في هذه الغفلة واشار عليه بنقض ذلك فأرسل يستدعيه لامر تذكره على ظن تأخره فلم يدركوه الا وقد قطع مسافة بعيدة ورجعوا على غير طائل وذهب هو الى اسيوط وشرع في جبي الاموال وارسل للوزير دفعة من المال واغناما وعبيدا طواشية وغلالا ثم لم يمض على ذلك الا نحو ثلاثة شهور وسافر طائفة من الانكليز الى سكندرية وكذلك حسين باشا القبطان ونصبوا للمصريين الفخاخ وارسل القبطان يطلب طائفة منهم فأوقع بهم ما اوقع وقبض الوزير على من بمصر من الامراء وحبسهم وجرى ما هو مسطور في محله وعينوا على المترجم طاهر باشا بعساكر وحصلت المفاقمة وقتل من قتل والتجأ من بقي الى الانكليز ولم يندمل الجرح بعد تقريحه وذهب الجميع الى الناحية القبلية وارسلوا لهم التجاريد وتصدى المترجم لحروبهم ثم حضر الى ناحية بحرى ونزل بظاهر الجيزة وسار الى ناحية البحيرة بعد حروب ووقائع فاجتهد محمد باشا خسرو في اخراج تجريدة عظيمة وسارى عسكرها كتخدا وهو يوسف كتخدا بك وهي التجريدة التي سماها العوام تجريدة الحمير لانهم جمعوا من جملة ذلك حمير الحمارة والتراسين وحمير اللكاف والسقائين وعملوا على اهل بولاق ألف حمار وكذلك مصر ومصر القديمة وطفقوا يخطفون حمير الناس ويكبسون البيوت ويأخذون ما يجدونه وكان يأتي بعض معاكيس العسكر عند الدور ويضع احدهم فمه عند الباب ويقول زر فينهق الحمار فياخذونه فلما تم مرادهم من

جمع الحمير اللازمة لهم سافروا الى ناحية البحيرة فكانت بينهم واقعة عظيمة بمرأى من الانكليز وكانت الغلبة له على العسكر واخذ منهم جملة اسرى وانهزم الباقون شر هزيمة وحضروا الى مصر في اسوأ حال وهذه الكسرة كانت سببا لحصول الوحشة بين الباشا والعسكر فإنه غضب عليهم وامرهم بالخروج من مصر فطلبوا علائفهم فقال باي شئ تستحقون العلائف ولم يخرج من ايديكم شئ فامتنعوا من الخروج وكان المشار اليه فيهم محمد علي سرششمة فأراد الباشا اصطياده فلم يتمكن منه لشدة احتراسه فحاربه فدفع له ما ذكر في محله وخرج الباشا هاربا الى دمياط ومن ذلك الوقت ظهر اسم محمد علي ولم يزل ينموا ذكره بعد ذلك واما المترجم فإنه بعد كسرته للعسكر ذهب ناحية دمنهور وذهبت كشافه وامراؤه الى المنوفية والغربية والدقهلية وطلبوا منهم المال والكلف ثم رجعوا الى البحيرة ثم بعد هذه الوقائع سافر المترجم مع الانكليز الى بلادهم واختار من مماليكه خمسة عشر شخصا اخذهم صحبته واقام عوضه احد مماليكه المسمى بشتك بك وسمى الألفي الصغير وامره على مماليكه وامرائه وامرهم بطاعته واوصاه وصايا وسافر وغاب سنة وشهرا وبعض ايام لانه سافر في منتصف شهر شوال سنة سبع عشرة وحضر في اول شهر القعدة سنة ثمان عشرة وجرى في مدة غيابه من الحوادث التي تقدم من ذكرها ما يغني عن اعادتها من خروج محمد باشا خسرو وتولية طاهر باشا ثم قتله ودخول الامراء المصريين وتحكمهم بمصر سنة ثمان عشرة وتأمير صناجق من اتباع المترجم وما جرى بها من الوقائع بتقدير الله تعالى البارز بتدبير محمد علي ونفاقه وحيله فإنه سعى اولا في نقض دولة مخدومه محمد باشا خسرو بتواطئه مع طاهر باشا وخازنداره محمد باشا المحافظ للقلعة ثم الاغراء على طاهر باشا حتى قتل ثم معاونته للأمراء المصريين ودخولهم وتملكهم واظهار المساعدة الكلية لهم ومصادقتهم وخدمتهم ومعاونتهم والرمح في غفلتهم وخصوصا عثمان بك البرديسي

فإنه كان ممخرقا غشوما يحب الترؤس فأظهر له الصداقة والمؤاخاة والمصافاة حتى قضى منهم اغراضه من قتل الدفتردار والكتخدا وعلي باشا الطرابلسي ومحاربة محمد باشا واخذه اسيرا من دمياط واخيه السيد علي القبطان برشيد ونسبة جميع هذه الافعال والقبائح اليهم فلما انقضى ذلك كله لم يبق الا الألفي وجماعته والبرديسي الذي هو خشداشة يحقد عليه ويغار منه ويعلم انه اذا حضر لا يبقى له معه ذكر وتخمد انفاسه فيتناجيا ويتسارا في امر المترجم ويتذاكرا تعاظم وكيله وخشداشينة ونقضهم عليه ما يبرمونه مع غياب استاذهم فكيف بهم اذا حضر ويوهمة المساعدة والمعاضدة ويكون خادما له وعساكره جنده الى أن حضر المترجم فأوقعا به ما تقدم ذكره ونجا بنفسه واختفى عند عشيبة البدوي بالوادي فلما خلا الجو من الألفي وجماعته فأوقع محمد علي عند ذلك بالبرديسي وعشيرته ما اوقع وظهر بعد ذلك المترجم من اختفائه وذهب الى ناحية قبلي هو ومملوكه صالح بك واجتمعت عليه امراؤه واجناده واستفحل امره واصطلح مع عشيرته والبرديسي على مافي نفوسهما وما زال منجمعا عن مخالطتهم وجرى ما جرى من مجيئهم حوالي مصر وحروبهم مع العساكر في ايام خورشيد احمد باشا وانفصالهم عنها بدون طائل لتفاشلهم واختلاف آرائهم وفساد تدبيرهم ورجعوا الى ناحية قبلي ثم عادوا الى ناحية بحري بعد حروب ووقائع مع حسن باشا ومحمد علي وعساكرهم ثم لما حصلت المفاقمة بينهما وبين خورشيد احمد باشا وانتصر محمد علي بالسيد عمر مكرم النقيب والمشايخ والقاضي واهل البلدة والرعايا وهاجت الحروب بين الباشا واهل البلدة كما هو مذكور كانت الامراء المصريون بناحية التبين والمترجم منعزل عنهم بناحية الطرانة والسيد عمر يراسله ويعده ويذكر له بأن هذا القيام من اجلك واخراج هذه الاوباش ويعود الامر اليكم كما كان وانت المعني بذلك لظننا فيك الخير والصلاح والعدل فيصدق هذا القول ويساعده بارسال المال ليصرفه في مصالح المقاتلين والمحاربين ومحمد علي يداهن السيد عمر سرا ويتملق اليه

ويأتيه ويراسله ويأتي اليه في اواخر الليل وفي أواسواطه مترددا عليه في غالب اوقاته حتى تم له الامر بعد المعاهدة والمعاقدة والايمان الكاذبة على سيره بالعدل واقامة الاحكام والشرائع والاقلاع عن المظالم ولايفعل امرا الا بمشورته شورة العلماء وانه متى خالف الشروط عزلوه واخرجوه وهم قادرون على ذلك كما يفعلون الآن فيتورط المخاطب بذلك القول ويظن صحته وان كل الوقائع زلابية وكل ذلك سرا لم يشعر به خلافهم الى أن عقد السيد عمر مجلسا عند محمد علي واحضر المشايخ والاعيان وذكرلهم أن هذا الامر وهذه الحروب ما دامت على هذه الحالة لاتزداد الا فشلا ولا بد من تعيين شخص من جنس القوم للولاية فانظروا من تجدونه وتختارونه لهذا الامر ليكون قائم مقام حتى يتعين من طرف الدولة من يتعين فقال الجميع الرأي ما تراه فاشار الى محمد علي فأظهر التمنع وقال انا لااصلح لذلك ولست من الوزراء ولا من الامراء ولا من اكابر الدولة فقالوا جميعا قد اخترناك لذلك براي الجميع والكافة والعبرة ورضا اهل البلاد وفي الحال احضروا فروة البسوها له وباركوا له وهنؤه وجهروا يخلع خورشيد احمد باشا من الولاية واقامة المذكور في النيابة حتى يأتي المتولي او يأتي له تقرير بالولاية ونودي في المدينة بعزل الباشا واقامة محمد علي في النيابة الى أن كان ما هو مسطور قبل ذلك في محله فلما بلغ المترجم ذلك وكان ببر الجيزة ويراسل السيد عمر مكرم والمشايخ فانقبض خاطره ورجع الى البحيرة واراد دمنهور فامتنع عليه اهلها وحاربوه وحاربهم ولم ينل منهم غرضا والسيد عمر يقويهم ويمدهم ويرسل اليهم البارود وغيره من الاحتياجات وظهر للمترجم تلاعب السيد عمر مكرم معه وكأنه كان يقويه على نفسه فقبض على السفير الذي كان بينهما وحبسه وضربه واراد قتله ثم اطلقه ثم عاد الى بر الجيزة وسكنت الفتنة واستقر الامر لمحمد علي باشا وحضر قبطان باشا الى ساحل أبي قير ووصل سلحداره الى مصر وانزل احمد باشا المخلوع عن الولاية من القلعة الى بولاق ليسافر ومنع

محمد علي من الذهاب والمجئ الى المصريين واوقف أشخاصا برا وبحرا يرصدون من يأتي من قبلهم او يذهب اليهم بشئ من متاع وملبوس وسلاح وغير ذلك ومن عثروا عليه بشئ قبضوا عليه واخذوا ما معه وعاقبوه فامتنع الباعة والمتسببون وغيرهم من الذهاب اليه بشئ مطلقا فضاق خناق المترجم فاحتال بان ارسل محمد كتخداه يطلب الصلح مع الباشا فانسر لذلك وفرح واعتقد صحة ذلك وانعم على الكتخدا وعبي هدية جليلة لمخدومه من ملابس وفراوي واسلحة وخيام ونقود وغير ذلك وعندها قضى الكتخدا اشغاله من مطلوبات مخدومه واحتياجاته له ولأتباعة وامرائه ووسق مراكب وذهب بها جهارا من غير أن يتعرض له احد وذهب صحبته السلحدار وموسى البارودي وذكروا انه يطلب كشوفية الفيوم وبني سويف والجيزة والبحيرة ومائتي بلد من الغربية والمنوفية والدقهلية يستغل فائظها ويجعل اقامته بالجيزة ويكون تحت الطاعة فلم يرض الباشا بذلك وقال اننا صالحنا باقي الامراء واعطيناهم من حدود جرجا بالشروط التي شرطناها عليهم وهو داخل في ضمنهم فرجع محمد كتخدا له بالجواب بعد أن قضى اشغاله واحتياجاته ولوازمه من امتعة وخيام وسروج وغير ذلك وتمت حيلته وقضى اغراضه وذهب الى الفيوم وتحارب جنده مع جند ياسين بك وانخدل فيها ياسين بك ثم عاد شاهين بك الالفي بجند كثير بعد شهور الى بر الجيزة وخرج محمد علي باشا لمحاربته بنفسه فكانت له الغلبة وقتل في هذه الواقعة على كاشف الذي كان تزوج بزوجة حسن بك الجداوي وهي بنت حسن بك شنن رآه الاخصام منجملا فظنوه الباشا فأحاطوا به واخذوه اسيرا ثم قتلوه ورجع الباشا الى بر مصر واجتهد في تشهيل تجريدة اخرى وكل ذلك مع طول المدى
وفي اثناء ذلك مات بشنك بك المعروف بالالفي الصغير مبطونا بناحية قبلي ثم أن المترجم خرج من الفيوم في اوائل المحرم من السنة المذكوره

وكان حسن باشا طاهر بناحية جزيرة الهواء بمن معه من العسكر فكانت بينهما واقعة عظيمة انهزم فيها حسن باشا الى الرقق وادركه اخوه عابدين بك فأقام معه بالرفق كما تقدم وحضر الألفي الى بر الجيزة وانبابة وخرجت اليهم العساكر فكانت بينهم واقعة بسوق الغنم ظهر عليهم فيها أيضا ثم سار مبحرا وعدى من عسكره وجنده جملة الى السبكية فأخذوا منها ما اخذوه وعادوا الى استاذهم بالطرانة ثم انه انتقل راحلا الى البحيرة وحرب دمنهور ومحاصرتها وكانوا قد حصنوها غاية التحصين فلم يقدر عليها فعاد الى ناحية وردان ثم رجع الى حوش ابن عيسى لانه بلغه وصول مراكب وبها امين بك تابعه وعدة عساكر من النظام الجديد واشخاص من الانكليز لانه كان مع ماهو فيه من التنقلات والحروب يراسل الدولة والانكليز وارسل بالخصوص امين بك الى الانكليز فسعوا مع الدولة بمساعدته وحضروا اليه بمطلوبه فعمل لهم بحوش بن عيسى شنكا وارسلهم مع امين بك الى الامراء القبليين فلما بلغ محمد علي باشا ذلك راسل الامراء القبليين وداهنهم وارسل لهم الهدايا فراجت اموره عليهم مع مافي صدورهم من الغل للمترجم
وفي اثر ذلك حضر قبطان باشا الى الاسكندرية ووردت السعادة بخبر وروده وان بعده واصل موسى باشا واليا على مصر بالعفو عن المصريين وكان من خبر هذه القضية والسبب في حركة القبطان ارساليات الألفي للانكليز ومخاطبة الانكليز الدولة ووزيرها المسمى محمد باشا السلحدار واصله مملوك السلطان مصطفى ولا يخفى الميل الى الجنسية فاتفق انه اختلى بسليمان أغا تابع صالح بك الوكيل الذي كان يوسف باشا الوزير قلده سلحدارا وارسله الى اسلامبول وسأله عن المصريين هل بقي منهم غير الألفي فقال له جميع الرؤساء موجودون وعددهم له وهم ومماليكهم يبلغون الفين وزيادة فقال انى ارى تمليكهم ورجوعهم على شروط نشترطها عليهم اولى من تمادي العداوة بينهم وبين هذا الذي ظهر من العسكر وهو رجل

جاهل متحيل وهم لا يسهل بهم اجلاؤهم عن اوطانهم واولادهم وسيادتهم التى ورثوها عن اسلافهم فيتمادى الحال والحروب بينهم وبينه واحتياج الفريقين الى جمع العساكر وكثرة النفقات والعلائف والمصاريف فيجمعونها من أي وجه كان يؤدى ذلك الى خراب الاقليم فالاولى والمناسب صرف هذا المتغلب واخراجه وتولية خلافه فما رأيك في ذلك فقال له سليمان لا راى عندي في ذلك وخاف أن يكون كلامه له باطنا خلاف الظاهر وادرك منه ذلك فحلف له عند ذلك الوزير أن كلامه وخطابه له على ظاهره وحقيقته لكن لا بد من مصلحة للخزينة العامرة فقال له سليمان أغا اذا كان كذلك ابعثوا الى الألفي باحضار كتخداه محمد أغا لانه رجل يصلح للمخاطبة لمثل ذلك ففعل وحضر المذكور في اقرب وقت وتمموا الامر على مصلحة ألف وخمسمائة كيس كفلها محمد كتخدا المذكور يدفعها لقبطان باشا عند وصوله بيد سليمان أغا المذكور وكفالته أيضا لمحمد كتخدا بعد اتمام الشروط التى قررها له مخدومه ومن جملتها اطلاق بيع المماليك وشرائهم وجلب الجلابين لهم الى مصر كعادتهم فانهم كانوا منعوا ذلك من نحو ثلاث سنوات وغير ذلك وسافر كل من سليمان أغا الوكيل ومحمد كتخدا بصحبته قبودان باشا حتى طلعوا على ثغر سكندرية فركب صحبة سلحدار القبودان فتلاقوا مع المترجم بالبحيرة واعلموه بما حصل فامتلأ فرحا وسرورا وقال لسليمان أغا اذهب الى اخواننا بقبلي واعرض عليهم الامر ولا يخفى اننا الآن ثلاثة فرق كبيرنا ابراهيم بك وجماعته والمرادية وكبيرهم هناك عثمان بك البرديسي وانا واتباعي فيكون ما يخص كل طائفة خمسمائة كيس فإذا استلمت منهم الألف كيس ورجعت الى سلتك الخمسمائة كيس فركب المذكور وذهب اليهم واجتمع بهم واخبرهم بصورة الواقع وطلب منهم ذلك القدر فقال البرديسي حيث أن الألفي بلغ من قدره انه يخاطب الدول والقرانات ويراسلهم ويتمم اغراضه منهم ويولي الوزراء ويعزلهم بمراده ويتعين قبودان باشا في حاجته فهو يقوم بدفع المبلغ بتمامه لانه صار الآن

هو الكبير ونحن الجميع اتباع له وطوائف خلفه بما فيه والدنا وكبيرنا ابراهيم بك وعثمان بك حسن وخلافه فقال سليمان أغا هو على كل حال واحد منكم واخوكم ثم إنه اختلى مع ابراهيم بك الكبير وتكلم معه فقال ابراهيم لك انا ارضى بدخولي اي بيت كان واعيش ما بقي من عمري مع عيالي واولادي تحت امارة اي من كان من عشيرتنا اولى من هذا الشتات الذي نحن فيه ولكن كيف افعل في الرفيق المخالف وهذا الذي حصل لنا كله بسوء تدبيره ونحسه وعشت انا ومراد بك المدة الطويلة بعد موت استاذنا وانا اتغاضى عن افعاله وافعال اتباعه واسامحهم فى زلاتهم كل ذلك حذرا وخوفا من وقوع الشر والقتل والعداوة الى أن مات وخلف هؤلاء الجماعة المجانين وترأس البرديسي عليهم مع غياب اخيه الألفي وداخله الغرور وركن الى ابناء جنسه وصادفهم واغتر بهم وقطع رحمه وفعل بالالفي الذي هو خشداشه واخوه ما فعل ولا يستمع لنصح ناصح اولا وآخرا وما زال سليمان أغا يتفاوض معهم في ذلك اياما الى أن اتفق مع ابراهيم بك على دفع نصف المصلحة ويقوم المترجم بالنصف الثاني فقال سلموني القدر اذهب به واخبره بما حصل فقالوا حتى ترجع اليه وتعلمه وتطيب خاطره على ذلك لئلا يقبضه ثم يطالبنا بغيره فلما رجع اليه واخبره بما دار بينهم قال اما قولهم اني اكون امير عليهم فهذا لا يتصور ولا يصح انى اتعاظم على مثل والدي ابراهيم بك وعثمان بك حسن ولا على من هو في طبقتي من خشداشيني على أن هذا لا يعيبهم ولا ينقص مقدارهم بان يكون المتامر عليهم واحد منهم ومن جنسهم ولك امر لم يخطر لي ببال وارضى بادنى من ذلك ويأخذوا علي عهدا بما اشترطه على نفسي اننا اذا عدنا الى اوطاننا أن لا اداخلهم في شىء ولا اقارشهم في امر وان يكون كبيرنا والدنا ابراهيم بك على عادته ويسمحوا لي بإقامتي بالجيزة ولا اعارضهم في شىء واقنع بإيرادي الذي كان بيدي سابقا فانه يكفيني وان اعتقدوا غدري لهم في المستقبل بسبب ما فعلوه معي من قتلهم حسي بك

تابعي وتعصبهم وحرصهم على قتلي واعدامي انا واتباعي فبعض ما نحن فيه الان انساني ذلك كله فإن حسين بك المذكور مملوكي وليس هو أبي ولا ابني من صلبي وانما هو مملوكي اشتريته بالدراهم واشتري غيره ومملوكي مملوكهم وقد قتل لي عدة امراء ومماليك في الحروب فافرضه من جملتهم ولا يصيبني ويصيبهم الا ما قدر الله علينا وعلى أن الذي فعلوه بي لم يكن لسابق ذنب ولا جرم حصل مني في حقهم بل كنا جميعا اخوانا وتذكروا اشارتي عليهم السابقة في الالتجاء الى الانكليز وندموا على مخالفتي بعد الذي وقع لهم ورجعوا الي ثم اجمع رأيهم على سفري الى بلاد الانكليز فامتثلت ذلك وتجشمت المشاق وخاطرت بنفسي وسافرت اللا بلاد الانكلترة وقاسيت اهوال البحار سنة واشهرا كل ذلك لاجل راحتي وراحتهم وحصل ما حصل في غيابي ودخلوا مصر من غير قياس وبنوا قصورهم على غير اساس واطمأنوا الى عدوهم وتعاونوا به على هلاك صديقهم وبعد أن قضى غرضه منهم غدرهم واحاط بهم واخرجهم من البلدة واهانهم وشردهم واحتال عليهم ثانيا يوم قطع الخليج فراجت حيلته عليهم ايضا وارسلت اليهم فنصحتهم فاستغشوني وخالفوني ودخل الكثير منهم البلد وانحصروا في ازقتها وجرى عليهم ما جرى من القتل الشنيع والامر الفظيع ولم ينج الا من تخلف منهم او ذهب من غير الطريق ثم انه الان أيضا يرسلهم ويدهنهم ويهاديهم ويصالحهم ويثبطهم عما فيه النجاح لهم وما اظن ان الغفلة استحكمت فيهم الى هذا الحد فارجع اليهم وذكرهم بما سبق لهم من الوقائع فلعلهم ينتبهون من سكراتهم ويرسلون معك الثلثين او النصف الذي سمح به والدنا ابراهيم بك وهذا القدر ليس فيه كبير مشقة فانهم اذا وزعوا على كل امير عشرة اكياس وعلى كل كاشف خمسة اكياس وكل جندي او مملوك كيسا واحدا اجتمع المبلغ وزيادة وانا افعل مثل ذلك مع قومي والحمد لله ليسوا هم ولا نحن مفاليس وثمرة المال قضاء مصالح الدنيا وما نحن فيه الان من

اهم المصالح وقل لهم البذار قبل فوات الفرصة والخصم ليس بغافل ولا مهمل والعثمانيون عبيد الدرهم والدينار فلما فرغ من كلامه ودعه سليمان أغا ورجع الى قبلي فوجد الجماعة اصروا على عدم دفع شىء ورجع ابراهيم بك أيضا الى قولهم ورأيهم ولما ألقي لهم سليمان أغا العبارات التي قالها صاحبهم وانه يكون تحت امرهم ونهيهم ويرضى بادنى المعاش معهم ويسكن الجيزة الى آخر ما قال قالوا هذا والله كله كلام لا اصل له ولا ينسى ثاره وما فعلناه في حقه وحق اتباعه ولو انعزل عنا وسكن قلعة الجبل فهو الألفي الذي شاع ذكره في الآفاق ولا تخاطب الدولة غيره وقد كنا في غيبته لا نطيق عفريتا من عفاريته فكيف يكون هو وعفاريته الجميع ومن ينشئه خلافهم وداخلهم الحقد زاد وفي وساوسهم الشيطان فقال لهم سليمان أغا اقضوا شغلكم في هذا الحين حتى تنجلي عنكم الاعداء الاغراب ثم اقتلوه بعد ذلك وتستريحوا منه فقالوا هيهات بعد أن يظهر علينا فإنه يقتلنا واحدا بعد واحد ويخرجنا الى البلاد ثم يرسل يقتلنا وهو بعيد المكر فلانا من اليه مطلقا وغرهم الخصم بتمويهاته وارسل اليهم هدايا وخيولا وسروجا واقمشة هذا ورسل القبودان تذهب وتأتي بالمخاطبات والعرضحالات حتى تمموا الامر كما تقدم
وفي اثناء ذلك ينتظر القبودان جوابا كافيا وسلحداره مقيم أيضا عند المترجم والمترجم يشاغل القبودان بالهدايا والاغنام والذخيرة من الارز والغلال والسمن والعسل وغير ذلك الى أن رجع اليه سليمان أغا بخفي حنين محزونا مهموما متحيرا فيما وقع فيه من الورطة مكسوف البال مع القبودان ووزير الدولة وكيف يكون جوابه للمذكور والقبودان جعل في الابره خيطين ليتبع الاروج فلما وصل اليه سليمان أغا واخبره أن الجماعة القبليين لا راحة عندهم وامتنعوا من الدفع ومن الحضور وان المترجم يقوم بدفع القدر الذي يقدر عليه والذي يبقى ويتجمع عليه يقوم بدفعه فاغتاظ القبودان وقال انت تضحك على ذقني وذقن وزير الدولة وقد تحركت هذه الحركة على ظن أن الجماعة على قلب رجل واحد واذا حصل من المالك

للبلدة عصيان ومخالفة ولم يكن فيهم مكافأة لمقاومته ساعدناهم بجيش من النظام الجديد وغيره حتى انهم متنافرون ومتحاسدون ومبغضون فلا خير فيهم وصاحبك هذا لا يكفي في المقاومة وحده ويحتاج الى كثير
ولما ظهر لسليمان أغا الغيظ والتغير من القبودان خاف على نفسه أن يبطش به وعرف منه أن المانع له من ذلك غياب السلحدار عند المترجم لانه قال له واين سلحداري قال هو عند الألفي بالبحيرة فقال اذهب فأتني به واحضر صحبته وكان موسى باشا المتولي قد حضر أيضا فما صدق سليمان أغا بقوله ذلك وخلاصه من بين يديه فركب في الوقت وخرج من الاسكندرية فما هو الا أن بعد عنها مقدار غلوة الا والسلحدار قادم الى الاسكندرية فسأله الى اين يذهب فقال أن مخدومك ارسلني في شغل وها انا راجع اليكم وذهب عند المترجم ولم يرجع
وفي اثناء هذه الايام كان المترجم يحارب دمنهور وبعث اليه محمد علي باشا التجريدة العظيمة التي بذل فيها جهده وفيها جميع عساكر الدلاة وهاهر باشا ومن معه من عساكر الأرنؤد والأتراك وعسكر المحاربه فحاربهم وكسرهم وهزمهم شر هزيمة حتى القوا بانفسهم في البحر ورجعوا في اسوأ حال فلو تجاسر المترجم وتبعهم لهرب الباقون من البلدة وخرجوا جميعا على وجوههم من شدة ما داخلهم من الرعب ولكن لم يرد الله ذلك ولم يجسروا للخروج عليه بعد ذلك
ولما تنحت عنه عشيرته ولم يلبوا دعوته واتلفوا الطبخة وسافر القبودان وموسى باشا من ثغر الاسكندرية على الصورة المذكورةاستانف المترجم امرا اخر وراسل الانكليز يلتمس منهم المساعدة وان يرسلوا له طائفة من جنودهم ليقوى بهم على محاربة الخصم كما التمس منهم في العام الماضي فاعتذروا له بانهم صلح مع العثماني وليس في قانون الممالك اذا كانوا صلحا أن يتعدوا على المتصادقين معهم ولا يوجهون نحوها عساكر الا بأذن منهم او بإلتماس المساعدة في امر مهم فغاية ما يكون المكالمة والرتجي ففعلوا وحصل ما تقدم

ذكره ولم يتم الامر فلما خاطبهم بعد الذي جرى صادف ذلك وقوع الغرة بينهم وبين العثماني فأرسلوا الى المترجم يعدون بانفاذ ستة ألاف لمساعدته فأقام بالجيزة ينتظر حضورهم نحو ثلاثة شهور وكان ذلك اوان القيظ وليس ثم زرع ولا نبات فضاقت على جيوشهم الناحية وقد طال انتظاره للانكليز فتشكى العربان المجتمعون عليه وغيرهم لشدة ما هم فيه من الجهد وفي كل حين يعدهم بالفرج ويقول لهم اصبروا ولم يبق الا القليل فلما اشتد بهم الجهد اجتمعوا اليه فقالوا له اما أن تنتقل معنا الى ناحية قبلي فان ارض الله واسعة واما أن تاذن لنا في الرحيل في طلب القوت فما وسعه الا الرحيل مكظوما مقهورا من معاندة الدهر في بلوغ المآرب الاول مجىء القبودان وموسى باشا على هذه الهيئة والصورة ورجوعهما على غير طائل الثاني عدم ملكة دمنهور وكان قصده أن يجعلها معقلا ويقيم بها حتى تأتيه النجدة الثالث تأخر مجىء النجدة حتى قحطوا واضطروا الى الرحيل والرابع وهو اعظمها مجانبة اخوانه وعشيرته وخذلانهم له وامتناعهم عن الإنضمام اليه فارتحل من البحيرة بجيوشه ومن يصحبه من العربان حتى وصل الى الاخصاص فنادى محمد علي باشا على العساكر بالخروج ولا يتأخر منهم واحد فخرجوا افواجا ليلا ونهارا حتى وصلوا الى ساحل بولاق وعدوا الى بر انبابه وجيشوا بظاهرها وقد وصل المترجم الى كفر حكيم يوم الثلاثاء ثامن عشر القعدة وانتشرت جيوشه بالبر الغربي ناحية انبابة والجيزة وركب الباشا واصناف العساكر ووقفوا على ظهر خيولهم واصطفت الرجالة ببنادقهم واسلحتهم ومر المترجم في هيئة عظيمة هائلة وجيوش تسد الفضاء وهم مرتبون طوابير ومعهم طبول وصحبته قبائل العرب من اولاد على والهنادي وعربان الشرق في كبكة زائدة والباشا والعسكر وقوف ينظرون اليهم من بعيد وهو يتعجب ويقول هذا طهماز الزمان والا ايش يكون ثم يقول للدلاة والخيالة تقدموا وحاربوا وانا اعطيكم كذا وكذا من المال ويذكر لهم مقادير عظيمة ويرغبهم فلم يتجاسروا على الاقدام وصاروا

باهتين ومتعجبين ويتناجون فيما بينهم ويتشاورون في تقدمهم وتأخرهم وقد اصابوه بأعينهم ولم يزل سائرا حتى وصل الى قريب قناطر شبرامنت فنزل علي علوة هناك وجلس عليها وزاد به الهاجس والقهر ونظر الى جهة مصر وقال يا مصر انظري اولادك وهم حولك مشتتين متباعدين مشردين واستوطنك اجلاف الاتراك واليهود وارذل الارنؤد وصاروا يقبضون خراجك ويحاربون اولادك ويقاتلون ابطالك ويقاومون فرسانك ويهدمون دورك ويسكنون قصورك ويفسقون بولدانك وحورك ويطمسون بهجتك ونورك ولم يزل يردد هذا الكلام وامثاله وقد تحرك به خلط دموي وفي الحال تقايا دما وقال قضى الامر وخلصت مصر لمحمد علي وما ثم من ينازعه ويغالبه وجرى حكمه على المماليك المصرية فما اظن أن تقوم لهم راية بعد اليوم ثم انه احضر امراءه وامر عليهم شاهين بك واوصاه بخشداشينه واوصاهم به وان يحرصوا على دوام الالفة بينهم وترك التنازع الموجب للتفرق والتفاشل وان يحذروا من مخادعة عدوهم واوصاهم انه اذا مات يحملونه الى وادي البهنسا ويدفنونه بجوار قبور الشهداء فمات في تلك الليلة وهي ليلة الاربعاء تاسع عشر ذي القعدة فلما مات غسلوه وكفنوه وصلوا عليه وحملوه على بعير وارسلوه الى البهنسا ودفنوه هناك بجوار الشهداء وانقضى نحبه فسبحان من له سرمدية البقاء وفي الحال حضر المبشر الى محمد علي باشا وبشره بموت المترجم فلم يصدقه واستغرب ذلك وحبس البدوي الذي اتاه بالبشارة اربعة ايام وذلك لان اتباعه كانوا كتموا امر موته ولم يذيعوه في عرضيه والذي اشاع الخبر واتى بالبشارة رفيق البدوي الذي حمله على بعيره ولما ثبت موته عند الباشا امتلأ فرحا وسرورا وكذلك خاصته ورفعوا رؤوسهم واحضر ذلك المبشر فألبسه فروة سمور واعطاه مالا وامره أن يركب بتلك الخلعة ويشق بها من وسط المدينة ليراه اهل البلدة وشاع ذلك الخبر في الناس من وقت حضور المبشر وهم يكذبون ذلك الخبر ويقولون هذا من جملة تحيلاته فأنه لما سافر الى بلاد

الانكليز لم يعلم بسفره احد ولم يظهر سفره الا بعد مضي اشهر فلذلك امر الباشا ذلك المبشر أن يركب بالخلعة ويمر بها من وسط المدينة ومع ذلك استمروا في شكهم نحو شهرين حتى قويت عندهم القرائن بما حصل بعد ذلك فانه لما مات تفرقت قبائل العربان التي كانت متجمعة حوله وبعضهم ارسل يطلب امانا من الباشا وغير ذلك مما تقدم ذكره وخبره في ضمن ماتقدم وكان محمد علي باشا يقول مادام هذا الألفي موجودا لايهنأ لي عيش ومثالي انا وهو مثال بهلوانين بلعبان ! على الحبل لكن هو في رجليه قبقاب فلما اتاه المبشر بموته قال بعد أن تحقق ذلك الان طابت لي مصر وماعدت احسب لغيره حسابا
وكان المترجم اميرا جليلا مهيبا محتشما مدبرا بعيد الفكر في عواقب الامور صحيح الفراسة اذا نظر في سحنة انسان عرف حاله واخلاقه بمجرد النظر اليه قوي الشكيمة صعب المراس عظيم البأس ذا غيره حتى على من ينتمي اليه او ينسب الى طرفه يحب علو الهمة في كل شئ حتى أن التجار الذين يعاملهم في المشتروات لايساومهم ولا يفاصلهم في اثمانها بل يكتبون الاثمان بانفسهم كما يحبون ويريدون في قوائم وياخذها الكاتب ليعرضها عليه فيمضي عليها ولا ينظر فيها ويرى أن النظر في مثل ذلك او المحاققة فيه عيب ونقض يخل بالأمرية ولا تمضي السنة الا والجميع قد استوفوا حقوقهم ويستأنفوا احتياجات العام الجديد ولذلك راج حال المعاملين له رواجا عظيما لكثرة ربحهم عليه ومكاسبهم ومع ذلك يواسيهم في جملة احبابه والمنتسبين اليه بأرسال الغلال لمؤنه بيوتهم وعيالهم وكساوي العيد وينتصر لاتباعه ولمن انتمى اليه ويجب لهم رفعة القدر من غيرهم مع انه اذا حصل من احد منهم هفوة تخل بالمروءة عنفه وزجره فترى كشافة ومماليكه مع شدة مراسهم وقوة نفوسهم وصعوبتهم يخافونه خوفا شديدا ويهابون خطابه
ومن عجيب امره ومناقبه التي انفرد بها عن غيره امتثال جميع قبائل العربان الكائنين بالقطر المصري لامره وتسخيرهم وطاعتهم له لايخالفونه

في شئ وكان له معهم سياسة غريبة ومعرفة بأحوالهم وطبائعهم فكانما هو مربي فيهم او ابن خليفتهم او صاحب رسالتهم يقومون ويقعدون لامره مع انه يصادرهم في اموالهم وجمالهم ومواشيهم ويحبسهم ويطلقهم ويقتل منهم ومع ذلك لاينفرون منه وقد تزوج كثيرا من بناتهم فالتي تعجبه يبقيها حتى يقضي وطره منها والتي لا توافق مزاجه يسرحها الى اهلها ولم يبق في عصمته غير واحدة وهي التي أعجبته فمات عنها فلما بلغ العرب موته اجتمعت بنات العرب وصرن يندبنه بكلام عجيب تناقلته ارباب المغاني يغنون به على آلات اللهو المطربة وركبوا عليه ادوارا وقوافي وغير ذلك والعجب منه رحمه الله انه لما كان في دولتهم السابقة وينزل في كل سنة الى شرقية بلبيس ويتحكم في عربانها ويسومهم العذاب بالقبض عليهم ووضعهم في الزناجير ويتعاون على البعض منهم بالبعض الآخر وياخذ منهم الاموال والخيول والاباعر والاغنام ويفرض عليهم الفرض الزائدة ويمنعهم من التسلط على فلاحي البلاد ثم انه لما رجع من بلاد الانكليز وتعصب عليه البرديسي والعسكر واحاطوا به من كل جانب فاختفى منهم وهرب الى الوادي عند عشيبة البدوي فآواه واخفاه وكتم امره والبرديسي ومن معه يبالغون في الفحص والتفتيش وبذل الاموال والرغائب لمن يدل عليه او يآتي به فلم يطمعوا في شئ من ذلك ولم يفشوا سره وقيدوا بالطرق الموصلة له انفارا منهم تحرس الطريق من طارق يأتي على حين غفلة وهذا من العجائب حتى كان كثير من الناس يقولون انه يسخرهم او معه سر يسخرهم به فلما مات تفرق الجميع ولم يجتمعوا على احد بعده وذهبوا الى اماكنهم وبعضهم طلب من الباشا الامان واما مماليكه واتباعه فلم يفلحوا بعده وذهبوا الى الامراء القبليين فوجدوا طباعهم متنافرة عنهم ولم يحصل بينهم التئام ولا صفا كدر الفريقين من الآخر فانعزلوا عنهم الى أن جرى ما جرى من صلحهم مع الباشا واوقع بهم ما سيتلى عليك بعد أن شاء الله تعالى وبعد موت المترجم بنحوا الاربعين يوما وصلت نجدة الانكليز

الى ثغر الاسكندرية وطلعوا اليه فبلغهم عند ذلك موت المذكور فلم يسهل بهم الرجوع فأرسلوا رسلهم الى الجماعة المصريين ظانين أن فيهم اثر الهمة والنخوة يطلبونهم للحضور ويساعدهم الانكليز على ردهم لمملكتهم واوطانهم وكان محمد علي باشا حين ذاك بناحية قبلي يحاربهم فطلبهم للصلح معه وارسل اليهم بعض فقهاء الازهر وخادعهم وثبطهم فقعدوا عن الحركة وجرى ما جرى على طائفة الانكليز كما سيتلى عليك خبره ثم عليهم بعد ذلك وكان امر الله مفعولا
وكان للمترجم ولوع ورغبة في مطالعة الكتب خصوصا العلوم الغريبة مثل الجفريات والجغرافيا والاسطر نوميا والاحكام النجومية والمناظرات الفلكية وما تدل عليه من الحوادث الكونية ويعرف أيضا مواضع المنازل واسماءها وطبائعها والخمسة المتحيرة وحركات الثوابت ومواقعها كل ذلك بالنظر والمشاهدة والتلقي على طريقة العرب من غير مطالعة في كتب ولا حضور درس واذا طالع احد بحضرته في كتاب او اسمعه ناضلة مناضلة متضلع وناقشه مناقشة متطلع وله أيضا معرفة بالاشكال الرملية واستخراجات الضمائر بالقواعد الحرفية وكان له في ذلك اصابات ومنها ما اخبرني به بعض اتباعه انه لما وصل الى ثغر سكندرية راجعا من بلاد الانكليز رسم شكلا وتامل فيه وقطب وجهه ثم قال اني ارى حادثا في طريقنا وربما اني افترق منكم واغيب عنكم نحو اربعين يوما فلذلك احب أن يخفي امره ويأتي على حين غفلة وكان البرديسي قد اقام بالثغر رقيبا يوصل خبر وروده فلما وصل ارسل ذلك الرقيب ساعيا في الحال وكان ما ذكرناه في سياق التاريخ من غدرهم وقتلهم حسين بك أبو شاش بالبر الغربي وهروب بشتك بك من القصر وارسال العسكر لملاقاة المترجم على حين غفلة ليقتلوه وهروبه واختفاؤه ثم ظهوره واجتماعهم عليه بعد انقضاء تلك المدة او قريب منها وكان رحمه الله اذا سمع بانسان فيه معرفة بمثل هذه الاشياء احضره ومارسه فيها فإن رأى فيه فائدة او مزية اكرمه وواساه وصاحبه

وقربه اليه وادناه وكان له مع جلسائه مباسطة مع الحشمة والترفع عن الهذيان والمجون وكان غالب اقامته بقصوره التي عمرها خارج مصر وهو القصر الكبير بمصر القديمة تجاه المقياس بشاطئ النيل والقصر الآخر الكائن بالقرب من زاوية الدمرداش والقصر الذي بجانب قنطرة المغربي على الخليج الناصري وكان اذا خرج من داره لبعض تلك القصور لايمر من وسط المدينة واذا رجع كذلك فسئل عن سبب ذلك فقال استحي أن امر من وسط الاسواق واهل الحوانيت والمارة ينظرون الي وافرجهم على نفسي
وللمترجم اخبار وسير ووقائع لو سطرت لكانت سيرة مستقلة خصوصا وقائعه وسياحته ثلاث سنوات وثلاثة اشهر ايام اقام الفرنساوية بالقطر المصري ورحلته بعد ذلك الى بلاد الانكليز وغيابه بها سنة وشهورا وقد تهذبت اخلاقه بما اطلع عليه من عمارة بلادهم وحسن سياسة احكامهم وكثرة اموالهم ورفاهيتهم وصنائعهم وعدلهم في رعيتهم مع كفرهم بحيث لايوجد فيهم فقير ولا مسجد ولا ذو فاقة ولا محتاج وقد اهدوا له هدايا وجواهر وآلات فلكية واشكال هندسية واسطرلابات وكرات ونظارات وفيها ما اذا نظر الانسان فيها في الظلمة يرى اعيان الاشكال كما يراها في النور ومنها لخصوص النظر في الكواكب فيرى بها الانسان الكوكب الصغير عظيم الجرم وحوله عدة كواكب لاتدرك بالبصر الحديد ومن انواع الاسلحة الحربية اشياء كثيرة واهدوا له آلة موسيقى تشبه الصندوق بداخله اشكال تدور بحركات فيظهر منها اصوات مطربة على ايقاع الانغام وضروب الالحان وبها نشانات وعلامات لتبديل الانغام بحسب ما يشتهى السامع الى غير ذلك نهب ذلك جميعه العسكر الذين ارسلهم اليه البرديسي ليقتلوه وطفقوا يبيعونه في اسواق البلدة واغلبه تكسر وتلف وتبدد
واخبرني بعض من خرج لملاقاته عند منوف العليا انه لما طلع اليها وقابله سليمان بك البواب اخلى له الحمام في تلك الليلة وكان قد بلغه كافة افعاله بالمنوفية من العسف والتكاليف وكذا باقي اخوانه وافعالهم بالاقاليم فكان

مسامرتهم معه تلك الليلة في ذكر العدالة الموجبة لعمار البلاد ويقول لسليمان بك في التمثيل الانسان الذي يكون له ماشية يقتات هو وعياله من لبنها وسمنها وجبنها يلزمه أن يرفق بها في العلف حتى تدر وتسمن وتنتج له النتاج بخلاف ما اذا اجاعها واجحفها واتعبها واشقاها واضعفها حتى اذا ذبحها لايجد بها لحما ولا دهنا فقال هذا مااعتدناه وربينا عليه فقال أن اعطاني الله سيادة مصر والامارة في هذا القطر لامنعن هذه الوقائع واجري فيه العدل ليكثر خيره وتعمر بلاده وترتاح اهله ويكون احسن بلاد الله ولكن الاقليم المصري ليس له بخت ولا سعد واهله تراهم مختلفين في الاجناس متنافوي القلوب منحرفي الطباع فلم يمض على هذا الكلام الا بقية الليل وساعات من النهار حتى احاطوا به وفر هاربا و نجا بنفسه وجرى ما تقدم ذكره من اختفائه وظهوره وانتقاله الى الجهة القبلية واجتماع الجيوش عليه وحكمت عليه الصورة التي ظهر فيها وحصل له ما حصل
واخبرني من اجتمع عليه في البحيرة وسامره فقال يافلان والله يخيل لي أن اقتل نفسي ولكن لاتهون علي وقد صرت الان واحدا بين الوف من الاعداء وهؤلاء قومي وعشيرتي فعلوا بي ما فعلوا وتجنبوني وعادوني من غير جرم ولا ذنب سبق مني في حقهم واشقوني واشقوا انفسهم وملكوا البلاد لاعدائي واعدائهم وسعيت واجتهدت في مراضاتهم ومصالحتهم والنصح لهم فلم يزدهم ذلك الا نفورا وتباعدا عني ثم هذه الجنود ورئيسهم الذين ولجوا البلاد وذاقوا حلاوتها وشبعوا بعد جوعهم وترفهوا بعد ذلهم يجيشون علي ويحاربوني ويكيدوني ويقاتلوني ثم أن هؤلاء العربان المجتمعين علي اصانعهم واسوسهم واغاضبهم واراضيهم وكذلك جندي ومماليكي وكل منهم يطلب مني رياسة وامارة ويظنون بغفلتهم أن البلاد تحت حكمي ويظنون اني مقصر في حقهم فتارة اعاملهم باللطف وتارة ازجرهم بالعنف فانا بين الكل مثل الفريسة والجميع حولي مثل الكلاب الجياع يريدون نهشي واكلي وليس بيدي كنوز قارون فأنفق على هؤلاء

الجموع منها فيضطرني الحال الى التعدي على عباد الله واخذ اموالهم واكل مزارعهم ومواشيهم فان قدر الله لي بالظفر عوضت عليهم ذلك ورفقت بحالهم وان كانت الاخرى فالله يلطف بنا وبهم ولا بد أن يترجموا علينا ويسترضوا عن ظلمنا وجورنا بالنسبة لما يحل بهم بعدنا
وبالجملة فكان آخر من ادركنا من الامراء المصريين شهامة وصرامة ونظرا في عواقب الامور وكان وحيدا في نفسه فريدا في ابناء جنسه وبموته اضمحلت دولتهم وتفرقت جمعيتهم وانكسرت شوكتهم وزادت نفرتهم وما زالوا في نقص وادبار وذلة وهوان وصغار ولم تقم لهم بعده راية وانفرضوا وطردوا الى اقصى البلاد في النهاية
واما مماليكه وصناجقه فإنهم تركوا نصيحته ونسوا وصيته وانضموا الى عدوهم وصادقوه ولم يزل بهم حتى قتلهم وابادهم عن آخرهم كما سيتلى عليك خبر ذلك فيما بعد
وكانت صفة المترجم معتدل القامة ابيض اللون مشربا بحمرة جميل الصورة مدور اللحية اشقر الشعر وقد خطه الشيب مليح العينين مقرون الحاجبين معجبا بنفسه مترفها في زيه وملبسه كثير الفكر كتوما لايبيح بسر ولا لاعز احبابه الا انه لم يسعفه الدهر وجنى عليه بالقهر وخاب امله وانقضى اجله وخانه الزمان وذهب في خبر كان ومات وله من العمر نحو الخمسة والخمسين سنة غفر الله له
ومات الامير عثمان بك البرديسي المرادى وسمى البرديسي لانه تولى كشوفيه برديس بقبلي فعرف بذلك واشتهر به تقلد الامرية والصنجقية في سنة عشر ومائتين والف وتزوج ببنت احمد كتخدا علي وهي اخت علي كاشف الشرقية وعمل لها مهما وذلك قبل أن يتقلد الصنجقية وسكن بدار علي كتخدا الطويل بالازبكية واشتهر ذكره وصار معدودا من جملة الامراء ولما قتل عثمان بك البرديسي المرادي بساحل أبو قير ورجع من رجع الى قبلي كان الألفي الى بلاد الانكليز تعين المترجم بالرياسة على خشدشنية

مع مشاركة بشنك بك الذي عرف بالالفي الصغير فلما حضروا الى مصر سنة ثمان عشرة بعد خروج محمد باشا خسرو وقتل طاهر باشا انضم اليه محمد علي باشا وكان اذ ذاك سرششمة العساكر وتواخى معه وصادقه ورمح في ميدان غفلته وتحالفا وتعاهدا على المحبة والمصافاة وعدم خيانة احدهما للآخر وان يكون محمد علي باشا وعساكره الاروام اتباعا له وهو الامير المتبوع فانتفخ جأشه لانه كان طائش العقل مقتبل الشبيبة فاغتر بظاهر محمد علي باشا لانه حين عمل شغله في مخدومه محمد باشا وبعده طاهر باشا دعا الامراء المصريين وادخلهم الى مصر وانتسب الى ابراهيم بك الكبير لكونه رئيس القوم وكبيرهم وعين لابراهيم بك خرجا وعلوفة مثل اتباعه وسبره واختبره فلم ترج سلعته عليه ووجده حريصا على دوام التراحم والالفة والمحبة وعدم التفاشل في عشيرته وابناء جنسه متحرزا من وقوع ما يوجب التقاطع والتنافر في قبيلته فلما ايس منه مال عنه وانضم الى المترجم واستخفه واحتوى على عقله وصاحبه وصادقه وصار يختلي معه ويتعاقر معه الشراب ويسامره ويسايره حتى باح له بما في ضميره من الحقد لاخوانه وتطلب الانفراد بالرياسة فصار يقوى عزمه ويزيد في اغرائه ويعده بالمعاونة والمساعدة على اتمام قصده ولم يزل به حتى رسخ في ذهن المترجم نصحه وصدقه كل ذلك توصلا لما هو كامن في نفسه من اهلاك الجميع ثم اشار عليه ببناء ابراج حول داره التي سكن بها بالناصرية فلما اتمها اسكن بها طائفة من عساكره كأنهم محافظون لما عساه أن يكون ثم سار معه الى حرب محمد باشا خسروا بدمياط فحاربوه واتوا به اسيرا وحبسوه ثم فعلوا بالسيد علي القبطان مثل ذلك ثم كائنة علي باشا الطرابلسي وقتله وقدم تقدم خبر ذلك كله وجميعه ينسب فعله للمصريين ولم يبق الايقاع بينهم فكان وصول الألفي عقب ذلك فاوقعوا به وبجنده ما تقدم ذكره وتفاشلوا وتفرقوا بعد جمعهم وقلوا بعد الكثرة ثم اشار على المترجم المصادق الناصح بتفريق اكثر الجمع الباقي في النواحي والجهات البعض منهم لرصد الألفي والقبض

عليه وعلى جنده والبعض الاخر لظلم الفلاحين في البلاد ولم يبق بالمدينة غير المترجم وابراهيم بك الكبير وبعض امراء فعند ذلك سلط محمد علي العساكر بطلب علائفهم المنكسرة فعجزوا عنها فأراد المترجم أن يفرض على فقراء البلدة فرضة بعد أن استشار الاخ النصوح وطافت الكتاب في الحارات والازقة يكتبون اسماء الناس ودورهم ففزعوا وصرخوا في وجوه العسكر فقالوا نحن ليس لنا عندكم شئ ولا نرضى بذلك وعلائفنا عند امرائكم ونحن مساعدون لكم فعند ذلك قاموا على ساق وخرجت نساء الحارات وبأيديهم الدفوف يغنون ويقولون ايش تأخذ من تفليسي يا برديسي وصاروا يسخطون على المصريين ويترضون عن العسكر وفي الحال أحاطت العسكر ببيوت الامراء ولم يشعر البرديسي الا والعسكر الذين اقامهم بالابراج التي بناها حوله ليكونوا له عزا ومنعة يضربون عليه ويحاربونه ويريدون قتله وتسلقوا عليه فلم يسع الجميع الا الهروب والفرار وخرجوا خروج الضب من الوجار وذهب المترجم الى الصعيد مذؤما مدحورا مذموما مطرودا وجوزى مجازاة من ينتصر بعدوه ويعول عليه ويقص اجنحته برجليه وكالباحث عن حتفه بظلفه والجادع بظفره مارن انفه ولم يزل في هجاج وحروب كما سطر في السياق ولم ينتصر في معركة ولم يزل مصرا على معاداة اخيه الألفي وحاقدا عليه وعلى اتباعه حريصا على زلاته واعظمها قضية القبوداة وموسى باشا الى غير ذلك وكان ظالما غشوما طائشا سئ التدبير وقد اوجده الله جل جلاله وجعله سببا لزوال عزهم ودولتهم واختلال امرهم وخراب دورهم وهتك اعراضهم ومذاتهم وتشتيت جمعهم ولم يزل خبثه مرض ومات بمنفلوط ودفن هناك
ومات الامير بشتك بك وهو الملقب الألفي الصغير وهو مملوك محمد بك الألفي الكبير امره وجعله وكيلا عنه مدة غيابه في بلاد الانكليز وكان قبل ذلك سلحداره وامر كشافه ومماليكه وجنده بطاعته وامتثال امره فلما حضر الامراء المصريون في سنة ثمان عشرة اقام هو بقصر مراد بك بالجيزة

فلم يحسن السياسة وداخله الغرور واعجب بنفسه وشمخ على نظرائه وعلى اعمامه الذين هم خشداشون لاستاذه بل وعلى ابرهيم بك الكبير الذي هو بمنزلة جده وكان مراد بك الذي هو استاذ استاذه يراعي حقه ويتأدب معه ويقبل يده في مثل الاعياد ويقول هو اميرنا وكبيرنا وكذلك استاذ المترجم كان اذا دخل على ابرهيم بك قبل يده ولا يجلس بحضرته الا بعد أن يإذن له فلم يقتف المترجم في ذلك اسلافه بل سلك مسلك التعاظم والتكبر على الجميع واستعمل العسف في اموره مع الترفع على الجميع واذا عقدوا امرا بدونه حله او حلوا شيئا بدونه عقده فضاق لذلك خناق الجميع منه وكرهوه وكرهوا استاذه وكان هو من جملة اسباب نفورهم من استاذه وانحراف قلوبهم عنه فلما رجع استاذه وظهر من اختفائه وبلغه افعاله مقته وابعده ولم يزل ممقوتا عنده حتى مات مبطونا في حياة استاذه بناحية قبلي في تلك السنة
ومات غير هؤلاء ممن له ذكر مثل سليمان بك المعروف بابو دياب بناحية قبلي أيضا ومات أيضا احمد بك المعروف بالهنداوي الألفي في واقعة النجيلة ومات أيضا صالح بك الألفي وهو أيضا من تأمر في غياب استاذه من بلاد الانكليز كان هو متوليا كشوفية الشرقية وغائبا هناك فارسلوا له تجريدة ليقتلوه وكان بناحية شلشلمون فوصله الخبر فترك خيامه واحماله وانقاله وهرب واختفى فلما وقعت حادثة الامراء مع العسكر وخرجوا من مصر هاربين وظهر الألفي من الوادي ذهب اليه وامده بما معه من الاموال وذهب مع استاذه الى قبلي ولم يزل حتى مات أيضا في هذه السنة وغير اولئك كثير لم تحضرني اسماؤهم ولا وفاتهم

ثم دخلت سنة اثنتين وعشرين ومائتين والف
وكان ابتداء المحرم يوم الاربعاء فيه وصل القابجي الذي على يده التقرير لمحمد علي باشا على ولاية مصر وطلع الى بولاق
وفيه وردت مكاتبات من جهة القبلية فيها انهم كبسوا على عرضي الالفية

وصحبتهم سليمان بك البواب وحاربوهم وهزموهم ونهبوا حملاتهم وقطعوا منهم عدة رؤوس وهي واصلة في طريق البحر وصادفت هذه البشارة مع بشارة ورود القابجي ووصوله فعمل لذلك شنك وضربت لذلك مدافع كثيرة من القلعة في كل وقت من الاوقات الخمسة ثلاثة ايام آخرها الجمعة ثم انه مضى عدة ايام ولم تحضر الرؤوس التي اخبروا عنها واختلفت الروايات في ذلك
وفي يوم الثلاثاء سابعه عملوا جمعية ببيت القاضي حضرها المشايخ والاعيان وذكروا انه لما وردت الاوامر بتحصين الثغور فأرسل الباشا سليمان أغا ومعه طائفة من العسكر وارسل الى اهالي الثغور والمحافظين عليها مكاتبات بأنهم أن كانوا يحتاجون الى عساكر فيرسل لهم الباشا عساكر زيادة على الذين ارسلهم فاجابوا بأن فيهم الكفاية ولا يحتاحون الى عساكر زيادة تأتيهم من مصر فانهم اذا كثروا في البلد تأتي منهم الفساد والافساد فعملوا هذه الجمعية لاثبات هذا القول والخلاص عهدة الباشا لئلا يتوجه عليه اللوم من السلطنة وينسب اليه التفريط
وفي تاسعه وردت مكاتبات مع السعادة من ثغر سكندرية وذلك يوم الخميس وقت العصر وفيها الاخبار بورود مراكب الانكليز وعدتها اثنان واربعون مركبا فيها عشرون قطعة كبارا والباقي صغار فطلبوا الحاكم والقنصل وتكلموا معهم وطلبوا الطلوع الى الثغر فقالوا لهم لانمكنكم من الطلوع الا بمرسوم سلطاني فقالوا لم يكن معنا مراسيم وانما مجيئنا لمحافظة الثغر من الفرنسيس فإنهم ربما طرقوا البلاد على حين غفلة وقد احضرنا صحبتنا خمسة آلاف من العسكر نقيمهم بالابراج لحفظ البلدة والقلعة والثغر فقالوا لهم لم يكن معنا اذن وقد اتتنا مراسيم بمنع كل من وصل عن الطلوع من أي جنس كان فقالوا لابد من ذلك فأما أن تسمحوا لنا في الطلوع بالرضا والتسليم واما بالقهر والحرب والمهلة في رد الجواب باحد الامرين اربعة وعشرون ساعة ثم تندمون على الممانعة فكتبوا بذلك

الى مصر فلما وصلت تلك المكاتبات اجتمع كتخدا بك وحسن باشا وبونابارته الخازندار وطاهر باشا والدفتردار والروزنامجي وباقي اعيانهم وذلك بعد الغروب وتشاوروا في ذلك ثم اجمع رأيهم على ارسال الخبر بذلك الى محمد علي باشا ويطلبونه للحضور هو ومن بصحبته من العساكر ليستعدوا لما هو اولى واحق بالاهتمام ففعلوا ذلك وانصرفوا الى منازلهم بعد حصة من الليل وارسلوا تلك المكاتبة اليه في صبح يوم الجمعة صحبة هجانين وشاع الخبر وكثر لغط الناس في ذلك ولما انقضت الابعة وعشرون ساعة التي جعلها الانكليز أجلا بينهم وبين اهل الاسكندرية وهم في الممانعةضربوا عليهم بالقنابر والمدافع الهائلة من البحر فهدموا جانبا من البرج الكبير وكذلك الابراج الصغار والسور فعند ذلك طلبوا الامان فرفعوا عنهم الضرب ودخلوا البلدة وذلك يوم الجمعة التالي
وفي ليلة الاثنين ثالث عشره وردت مكاتبة من رشيد بذلك الخبر على سبيل الاجمال من غير معرفة حقيقة الحال بل بالعلم بأنهم طلعوا الى الثغر ودخلوا البلدة وعدم علمهم بالكيفية وتغيب الحال واشتبه الامر
وفيه حضر قنصل الفرنساوية الى مصر وكان بالاسكندرية فلما وردت مراكب الانكليز انتقل الى رشيد فلما بلغه طلوعهم الى البر حضر الى مصر وذكر انه يريد السفر الى الشام هو وباقي الفرنساوية القاطنين بمصر
وفي ليلة الخميس سادس عشره وردت مكاتبة من الباشا يذكر فيها انه تحارب مع المصريين وظهر عليهم واخذ منهم اسيوط وقبض على انفار منهم وقتل في المعركة كثير من كشافهم ومماليكهم فعملوا في ذلك اليوم شنكا وضربوا مدافع كثيرة من القلعة والازبكية ثلاثة ايام في الاوقات الخمسة اخرها يوم السبت واشاعوا أيضا أن الاسكندرية ممتنعة على الانكليز وانهم طلعوا الى رأس التين والعجمي فخرج عليهم اهل البلاد والعساكر وحاربوهم واجلوهم عن البر ونزلوا الى المراكب مهزومين واحرقوا منهم مركبين وانه وصل اليهم عمارة العثمانيين والفرنساوية وحاربوهم في البحر

واحرقوا مراكبهم وقتلوا منهم مقتلة عظيمة ولم يبق منهم الا القليل واستمر الامر في هذا الخلط القبلي والبحري عدة ايام ولم يأت من الاسكندرية سعاة ولا خبر صحيح
وفيه وصل الكثير من اهالي الفيوم ودخلوا الى مصر وهم في اسوأ حال من الشتات والعرى مما فعل بهم ياسين بك فخرجوا على وجوههم وجلوا عن اوطانهم ولم يمكنهم الخروج من بلادهم حتى ارتحل عنهم المذكور يريد الحضور الى ناحية مصر عندما بلغه خبر حضور الانكليز الى ثغر اسكندرية
وفي سابع عشره وصل ياسين بك المذكور الى ناحية دهشور وارسل مكاتبه خطابا للسيد عمر والقاضي وسعيد أغا يذكر فيها انه لما بلغه وصول الانكليز اخذته الحمية الاسلامية وحضر وصحبته ستة آلاف من العسكر ليرابط بهم بالجيزة او بقليوب ويجاهد في سبيل الله فكتبوا له اجوبة مضمونها أن كان حضوره بقصد الجهاد فينبغي أن يتقدم بمن معه الى الاسكندرية واذا حصل له النصر تكون له اليد البيضاء والمنقبة والذكر والشهرة الباقية فانه لافائدة باقامته بالجيزة او قليوب وخصوصا قليوب بالبر الشرقي وكان حسن باشا خرج بعرضيه في موكب الى ناحية الحلي قبل ذلك بايام ويرجع الى داره آخر النهار فيبيت بها ثم يخرج في الصباح وعساكره واوباشه ينتشرون بتلك النواحي يعبثون ويخطفون متاع الناس ومبيعات الفلاحين واهل بولاق وفي كل يوم يشيعون بانه مسافر الى الجهة البحيرة لمحاربة الانكليز فلما ورد خبر مجئ ياسين بك تاخر عن السفر وعملوا مشورة فاقتضى رأيهم أن حسن باشا يعدي الى البر الغربي ويقيم بالجيزة لئلا يأتي ياسين بك ويملكها فعدى حسن باشا في يوم الاثنين عشرينه واقام بها واعرض عن السفر الى جهة البحيرة
وفيه وردت الاخبار الصحيحة بأخذ الاسكندرية واستيلاء الانكليز عليها يوم الخميس المتقدم تاسع الشهر ودخلوها وملكوا الابراج يوم الاحد

صبيحة النهار وسكن ساري عسكرهم بوكالة القنصل وشرطوا مع اهالي البلد شروط منها انهم لايسكنون البيوت قهرا عن اصحابها بل بالمؤاجرة والتراضي ولايمتهنون المساجد ولايبطلون منها الشعائر الاسلامية واعطوا امين أغا الحاكم امانا على نفسه وعلى من معه من العسكر واذنوا لهم بالذهاب الى أي محمل ارادوه ومن كان له دين على الديوان ياخذ نصيبة حالا والنصف الثاني مؤجلا ومن اراد السفر في البحر من التجار وغيرهم فليسافر في خفارتهم الى أي جهة اراد ما عدا اسلامبول واما العرب غير واضحه وتونس وطرابلس ونحوها فمطلق السراح لاحرج ذهابا وايابا ومن شروطهم التي شرطوها مع اهل البلد انهم أن احتاجوا الى فومانية او مال ريكلفون اهل الاسكندرية بشئ من ذلك وان محكمة الاسلام تكون مفتوحة تحكم بشرائها ولا يكلفون اهل الاسلام بقيام دعواى عند الانكليز بين رضاهم والحمايات من أي بنديرة تكون مقبولة عند الانكليز الموجودين في الاسكندرية ويقيمون مأمونين رعاية لخاطر اهل الاسكندرية ولم يحصل لهم شئ من المكروه من كامل الوجوه حتى الفرنساوية والجمارك من كل الجهات على كل مائة اثنان ونصف وعلى ذلك انتهت الشروط وليعلم أن هذه الطائفة من الانكليز ومن انضم اليهم وعدتهم على ماقيل ستة آلاف لم تأت الى الثغر طمعا في اخذ مصر بل كان ورودهم ومجيئهم مساعدة ومعاونة للالفي على اخصامه باستدعائه لهم واستنجاده بهم قبل تاريخه وبسبب تأخرهم في المجئ لما بينهم وبين العثماني الصلح فلا يتعدون على ممالكه من غير ادنه لمحافظتهم على القوانين فلما وقعت العرة بينهم وبينه بما تقدم فعند ذلك انتهزوا الفرصة وارسلوا هذه الطائفة وكان الألفي ينتظر حضورهم بالبحيرة فلما طال عليه الانتظار وضاقت عليه البحيرة ارتحل بجيوشه مقبلا وقضى الله موتا بإقليم الجيزة وحضر الانكليز بعد ذلك الى الاسكندرية فوجدوه قد مات فلم يسعهم الرجوع فارسلوا الى الامراء القبليين يستدعونهم ليكونوا مساعدين لهم على عدوهم ويقولون

لهم انما جئنا الى بلادكم باستدعاء الألفي لمساعدته ومساعدتكم فوجدنا الألفي قد مات وهو شخص واحد منكم وانتم جميع فلا يكون عندكم تأخير في الحضو لقضاء شغلكم فإنكم لاتجدون فرصة بعد هذه وتندمون بعد ذلك أن تلكأتم فلما وصلتهم مراسلة الانكليز تفرق رايهم وكان عثمان بك حسن منعزلا عنهم وهو يدعي الورع وعنده جيش كبير فأرسلوا اليه يستدعونه فقال انا مسلم هاجرت وجاهدت وقاتلت في الفرنساوية والان اختم عملي والتجئ الى الافرنج وانتصر بهم على المسلمين انا لا افعل ذلك وعثمان بك يوسف كان بناحية الهو وكان الباشا يحارب الذين بناحية اسيوط وهم المرادية والابراهيمية والالفي والتقي معهم وانكسروا منه وقتل منهم اشخاصا فلما ورد عليه خبر الانكليز انفعل لذلك وداخله وهم كبير وارسل اليهم المشايخ وخلافهم يطلبهم للصلح وكان ما سيتلى عليك قريبا وما كان الا ما اراده المولى جل جلاله ومن تعسه الانكليز والقطر واهله الا أن يشاء الله
وفيه وصل مكتوب من محمد علي باشا بطلب مصطفى أغا الوكيل وعلي كاشف الصابونجي ليرسلهم الى الامراء القبالى فتراخوا في الذهاب لكونهم وجدوا تاريخ المكتوب حادي عشر الشهر فعلموا أن ذلك قبل تحقق خبر الانكليز ثم ورد منه مكتوب اخر يذكر فيه عزمه على الرجوع الى مصر قريبا فان العساكر يطالبونه بالعلائف ويأمرهم فيه بتحصيل ذلك وتنظيمه ليستلموها عند حصولهم بمصر يتجهزوا لمحاربة الانكليز
وفي ثالث عشرينه ورد مكتوب من اهالي دمنهور خطابا الى السيد عمر النقيب مضمونه انه لما دخلت المراكب الانكليزية الى سكندرية هرب من كان بها من العساكر وحضروا الى دمنهور فعندما شاهدهم الكاشف الكائن بدمنهور ومن معه من العسكر انزعجوا انزعاجا شديدا وعزموا على الخروج من دمنهور فخاطبهم اكابر الناحية قائلين لهم كيف تتركونا وتذهبوا

ولم تروا منا خلافا وقد كنا فيما تقدم من حروب الألفي من اعظم المساعدين لكم فكيف لا نساعد الآن بعضنا بعضا في حروب الانكليز فلم يستمعوا لقولهم لشدة ما داخلهم من الخوف وعبوا متاعهم واخرج الكاشف اثقاله وجبخانته ومدافعه وتركها وعدى وذهب الى فوة من ليلته ثم ارسل في ثاني يوم من اخذ الاثقال فهذا ما حصل اخبرناكم به واما بونابارته الخازندار الذي سافر لحرب الانكليز فإنه نزل على القليوبية وفعل ما امكنه وقدر عليه بالبلاد من السلب والنهب والجور والكلف والتساويف حتى وصل الى المنوفية وكذلك طاهر باشا الذي سافر في اثره واسمعيل كاشف المعروف بالطوبجي فرض على البلاد جمالا وخيولا وابقارا وغير ذلك ومن جملة افاعيلهم انهم يوزعون الاغنام المنهوبة على البلاد ويلزمونهم بعلفاها وكلفها ثم يطلبون اثمانها مضاعفة بما يضاف الى ذلك من حق طرق المعينين وامثال ذلك
وفي يوم الجمعة رابع عشرينه وردت اخبار من ثغر رشيد يذكرون بأن طائفة من الانكليز وصلت الى رشيد في صبح يوم الثلاثاء حادي عشرينه ودخلوا الى البلد وكان اهل البلدة ومن معهم من العساكر منتبهين ومستعدين بالازقة والعطف وطيقان البيوت فلما حصلوا بداخل البلدة ضربوا عليهم من كل ناحية فالقوا ما بايديهم من الاسلحة طولبوا الامان فلم يلتفتوا لذلك وقبضوا عليهم وذبحوا منهم جملة كثيرة واسروا الباقين وفر طائفة الى ناحية منهور وكان كاشفها عندما بلغه ما حصل برشيد اطمان خاطره ورجع الى ناحية ديبي ومحلة الامير وطلع بمن معه الى البر فصادف تلك الشرذمة فقتل بعضهم واخذ مابقي منهم اسرى وارسلوا السعاة الى مصر بالبشارة فضربوا مدافع وعملوا شنكا وخلع كتخدا بك على السعاة الواصلين واسرعت المبشرون من اتباع العثمانيين وهم القواسة الاتراك بالسعي الى بيوت الاعيان يبشرونهم ويأخذون منهم البقاشيش والخلع وصار الناس ما بين مصدق ومكذب فلما كان يوم الاحد سادس

عشرينه اشيع وصول رؤوس القتلى ومن معهم من الاسرى الى بولاق فهرع الناس بالذهاب للفرجة ووصل الكثير منهم الى ساحل بولاق وركب أيضا كبار العسكر ومعهم طوائفهم لملاقاتهم فطلعوا بهم الى البر وصحبتهم جماعة العسكر المتسرفين معهم فأتوا بهم من خارج مصر ودخلوا بهم من باب النصر وشقوا بهم من وسط المدينة وفيهم فسيال كبير وآخر كبير في السن وهما راكبان على حمارين والبقية مشاة في وسط العسكر ورؤوس القتلى معهم على نبابيت وقد تغيرت وانتنت رائحتها وعدتها اربعة عشر رأسا والاحياء خمسة وعشرون ولم يزالوا سائرين بهم الى بركة الازبكية وضربوا عند وصولهم شنكا ومدافع وطلعوا بالاحياءمع فسيالهم الى القلعة
وفيه نبه السيد عمر النقيب على الناس وامرهم بحمل السلاح والتأهب للجهاد في الانكليز حتى مجاورى الازهر وامرهم بترك حضور الدروس وكذلك امر المشايخ المدرسين بترك القاء الدروس
وفيه وصل عابدين بك وعمر بك واحمد أغا لاظ اوغلي من ناحية قبلي واشيع وصول الباشا بعد يومين
وفي يوم الاثنين وصل أيضا جملة من الرؤوس والاسرى الى بولاق فطلعوا بها على الرسم المذكور وعدتها مائة رأس واحد وعشرون راسا وثلاثة عشر اسيرا وفيهم جرحى ومات احدهم على بولاق فقطعوا رأسه ورشقوها مع الرؤوس وشقوا بها من وسط المدينة آخر النهار
وفي يوم الثلاثاء حصلت جمعية ببيت القاضي وحضر حسن باشا وعمر بك والدفتردار وكتخدا بك والسيد عمر النقيب والشيخ الشرقاوي والشيخ الامير وباقي المشايخ فتكلموا في شأن حادثة الانكلير والاستعداد لحربهم وقتالهم وطردهم فإنهم اعداء الدين والملة وقد صاروا ايضا اخصاما للسلطان فيجب على المسلمين دفعهم ويجب ايضا أن يكون الناس والعسكر على حال الالفة والشفقة والاتحاد وان يساعدوا بعضهم بعضا على دفع العدو ثم

تشاوروا في تحصين المدينة وحفر خنادق فقال بعضهم أن الانكليز لايأتون الا من البر الغربي والنيل حاجز بين الفريقين وان الفرنساوية كانوا اعلم بامر الحروب وانهم لم يحفروا الا الخندق المتصل من الباب الحديد الى البر فينبغي الاعتناء بإصلاحه ولو لم يكن كوضعهم واتقانهم اذ لايمكن فعل ذلك واتفقوا على ذلك
وفيه حضر مكتوب من ثغر رشيد عليه امضاء علي بك حاكم رشيد واحمد بك المعروف ببونابارته مؤرخ بيوم الجمعة رابع عشرينه يذكرون فيه أن الانكليز لما حضروا الى رشيد وحصل لهم ما حصل من القتل والاسر ورجعوا خائبين حصل لباقيهم غيظ عظيم وهم شارعون في الاستعداد للعود والمحاربة القصد أن تسعفونا وتمدونا بإرسال الرجال والمحاربين والاسلحة والجبخانة بسرعة وعجلة والا فلا لوم علينا بعد ذلك وقد اخبرناكم وعرفناكم بذلك فارسلوا في ذلك عدة من المقاتلين وكتبوا مكاتبات الى البلاد والعربان الكائنين ببلاد البحيرة يدعونهم للمحاربة والمجاهدة وكذلك ارسلوا في ثاني يوم عدة من العسكر
وفي يوم الاربعاء تاسع عشرينه ركب السيد عمر النقيب والقاضي والاعيان المتقدم ذكرهم ونزلوا الى ناحية بولاق لترتيب امر الخندق المذكور وصحبتهم قنصل الفرنساوية وهو الذي اشار عليهم بذلك وصحبتهم الجمع الكثير من الناس والاتباع والكل بالاسلحة
وفيه وصل المشايخ الثلاثة الذين كانوا ذهبوا لاجراء الصلح بين الباشا والامراء القبالى وذهبوا الى دورهم وكان من خبرهم انهم لما وصلوا الى الباشا بناحية ملوى استأذنوه في الذهاب فيما اتوا بسببه من السعي في الصلح فاستمهلهم وتركهم بناحية ملوى واستعد وذهب الى اسيوط واودع الجماعة بمنفلوط وتلاقى مع الامراء وحاربهم وظهر عليهم وقتل من الامراء في تلك المعركة سليمان بك المرادي المعروف بريحة بتشديد الياء وسليمان بك الاغا ورجع الامراء القبالى الى ناحية بحرى فعند ذلك حضر المشايخ

وكتب مكاتبات الى الامراء وارسلها صحبة المشايخ المذكورين الى الامراء وكانوا بالجانب الغربي بناحية ملوى فتفاوضوا معهم فيما اتوا بسببه من امر الصلح مع الباشا وكف الحروب فقالوا كم من مرة يراسلنا في الصلح ثم يغدر بنا ويحاربنا فاحتجوا عليهم بما لقنه لهم من مخالفتهم لاكثر الشروط التي كان اشترطها عليهم من ارسال الاموال الميرية والغلال وتعديهم على الحدود التي يحددها معهم في الشروط ثم انهم اختلوا مع بعضهم وتشاوروا فيما بينهم وكان عثمان بك حسن منعزلا عنهم بالبر الشرقي ولم يكن معهم في الحرب ولا في غيره وبعد انقضاء الحرب استعلى الى جهة قبلي وعثمان بك يوسف كان أيضا بناحية الهو والكوم الاحمر
وفي اثناء ذلك ورد علي باشا خبر الانكليز واخذهم الاسكندرية وارسلوا رسلهم الى الامراء القبالي فارتبك في امره وارسل الى المشايخ يستعجلهم في اجراء الصلح وقبولهم كل ما اشترطوه على الباشا ولايخالفهم في شيء يطلبونه ابدا ولما وصلتهم رسل الانكليز اختلفت آراؤهم وارسلوا الى عثمان بك حسن يخبرونه ويستدعونه للحضور فامتنع ونورع وقال انا لا انتصر بالكفار ووافقه على رأيه ذلك عثمان بك يوسف واختلفت آراء باقي الجماعة وهم ابراهيم بك الكبير وشاهين بك المرادي وشاهين بك الألفي وباقي امرائهم فاجتمعوا ثانيا بالمشايخ وقالوا لهم ما المراد بهذا الصلح فقالوا المراد منه راحة الطرفين ورفع الحروب واجتماع الكلمة ولا يخفاكم أن الانكليز تخاصمت مع سلطان الاسلام واغارت على ممالكه وطرقت ثغر سكندرية ودخلتها وقصدهم اخذ الاقليم المصري كما فعل الفرنساوية فقالوا انهم اتوا باستدعاء الالفي لنصرتنا ومساعدتنا فقالوا لاتصدقوا اقوالهم في ذلك واذا تملكوا البلاد لايبقون على احد من المسلمين وحالهم ليس كحال الفرنساوية فإن الفرنساوية لايتدينون بدين ويقولون بالحرية والتسوية واما هؤلاء الانكليز فإنهم نصارى على دينهم ولاتخفى عداوة الاديان ولايصح ولا ينبغي منكم الانتصار بالكفارعلى

المسلمين ولا الالتجاء اليهم وعظوهم وذكروا لهم الآيات القرآنية والاحاديث النبوية وان الله هداهم في طفولتهم واخرجهم من الظلمات الى النور وقد نشؤا في كفالة اسيادهم وتربوا في حجور الفقهاء وبين اظهر العلماء وقرأوا القرآن وتعلموا الشرائع وقطعوا ما مضى من اعمارهم في دين الاسلام واقامة الصلوات والحج والجهاد ثم يفسدون اعمالهم آخر الامر ويوادون من حاد الله ورسوله ويستعينون بهم على اخوانهم المسلمين ويملكونهم بلاد الاسلام يتحكمون في اهلها فالعياذ بالله من ذلك وكان بصحبة المشايخ مصطفى افندي كتخدا قاضى العسكر يكلمهم باللغة التركية ويترجم لهم ذلك وهو فصيح الكلام فقالوا كل ما قلتموه وابديتموه نعلمه ولو تحققنا الامن والصدق من مرسلكم ما حصل منا خلاف ولحاربنا وقاتلنا بين يديه ولكنه غدار لا يفي بعهد ولا بوعد ولا يبر في يمين ولا يصدق في قول وقد تقدم انه يصطلح معنا وفي اثر ذلك يأتي لحربنا ويقتلنا ويمنع عنا من يأتي الينا باحتياجاتنا من مصر ويعاقب على ذلك حتى من ياتي من الباعة والمتسببين الى الناحية التى نحن فيها ولا يخفاكم انه لما تى القبودان ومعه الاوامر بالرضا والعفو الكامل عنا والامر له بالخروج فلم يمتثل وارسل الينا وخدعنا وتحيل علينا بإرسال الهدايا وصدقناه واصطلحنا معه فلما تم له الامر غدر بنا وما مراده بصلحنا الا تأخرنا عن ذهابنا الى الانكليز فلا نذهب اليهم ولا نستعين بهم وان كان مراده يعطينا بلادا يصالحنا عليها فها هي البلاد بأيدينا وقد عمها الخراب باستمرار الحروب من الفريقين وقد تفرق شملنا وانهدمت دورنا ولم يبق لنا ما نأسف عليه او نتحمل المذلة من اجله وقد ماتت اخواننا ومماليكنا فنحن نستمر على ما نحن معه عليه حتى نموت عن آخرنا ويرتاح قلبه من جهتنا فقال لهم الجماعة هذه المرة هي الاخرى وليس بعدها شر ولا حرب بل بعدها الصداقة والمصافاة ويعطيكم كل ما طلبتموه من بلاد وغيرها فلو طلبتم من الإسكندرية الى اسوار لا يمنع ذلك بشرط أن تكونوا معنا

بالمساعدة في حرب الإنكليز ودفعهم عن البلاد وايضا تسيرون بأجمعكم من البر الغربي والباشا وعساكره من البر الشرقي وعند انقضاء امر الانكليز ورجوعكم الى بر الجيزة ينعقد مجلس الصلح بحضرة المشايخ الكبار والنقيب والوجاقلية واكابر العسكر وان شئتم عقدنا مجلس الصلح بالجيزة قبل التوجه لمحاربة الإنكليز ولا شر بعد ذلك ابدا فانخدعوا لذلك وكتبوا اجوبة ورجع بها مصطفىء افندي كتخدا القاضي وصحبته يحيى كاشف ثم رجع اليهم تانيا وسار الفريقان الى جهة مصر وحضر المشايخ وأخبروا بما حصل
وفيه شرعوا في حفر الخندق المذكور ووزعوا حفره على مياسير الناس واهل الوكاكل والحانات والتجار وأرباب الحرف والروزنامجي وجعلوا على البعض اجرة مائة رجل من الغعلة وعلى البعض اجرة خمسين وعشرين وكذلك اهل بولاق ونصارى ديوان المكس والنصارى الأروام والشوام والأقباط واشتروا المقاطف والغلفان ولم ترد هكذا القزم والات الحفر وشرعوا في بناء حائط مستدير اسفل تل قلعة السبتية
وفي يوم الخميس غايته ورد مكتوب من السيد حسن كريت نقيب الأشراف برشيد والمشار اليه بها يذكر فيه أن الانكليز لما وقع لهم ما وقع برشيد ورجعوا في هزيمتهم الى الإسكندرية استعدوا وحضروا الى ناحية الحماد قبلي رشيد ومعهم المدافع الهائلة والعدد ونصبوا متاريسهم من ساحل البحر الى الجبل عرضا وذلك ليلة الثلاثاء ثامن عشرينه فهذا ما حصل اخبرناكم به ونرجو الاسعاف والامداد بالرجال والجبخانة والعدة والعدد وعدم التأني والإهمال فلما وصل ذلك الجواب قرأه السيد عمر النقيب على الناس وحثهم على التأهب والخروج للجهاد فامتثلوا ولبسوا الأسلحة وجمع اليه طائفة المغاربة واتراك خان الخليلي وكثير من العدوية والأسيوطية واولاد البلد وركب في صبحها الى كتخدا بك واستأذنه في الذهاب فلم يرض وقال حتى يأتي افندينا الباشا ويرى رأيه في ذلك فسافر من سافر

وبقي من بقي وانقضى الشهر وحوادثه
وفي ورد الخبر بأن ركب الحاج الشامي رجع من منزله هدية ولم يحج في هذا العام وذلك انه لما وصل الى المنزلة المذكورة ارسل الوهابي الى عبد الله باشا امير الحاج يقول له تأت الا على الشرط الذي شرطناه عليك في العام الماضي وهو أن يأتي بدون المحمل وما يصحبهم من الطبل والزمر والاسلحة وكل ما كان مخالفا للشرع فلما سمعوا ذلك رجعوا من غير حج ولم يتركوا مناكيرهم

واستهل شهر صفر بيوم الجمعة سنة
فيه كتبوا مراسلة الى الأمراء القبالي وختم عليها كثير من مشايخ الازهر وغيرهم وأرسلوها اليهم
وفي يوم السبت ثانيه وردت مكاتبة أيضا من ثغر رشيد وعليها امضاء علي بك السنانكلي حاكم الثغر وطاهر باشا واحمد أغا المعروف ببونابارته بمعنى مكتوب السيد حسن السابق ويذكرون فيه أن الإنكليز ملكوا أيضا كوم الأفراح وابو منضور ويستعجلون النجدة
وفي تلك الليلة اعني ليلة الاحد وصل محمد علي باشا ودخل الى داره باللأزبكية في سادس ساعة من الليل وكان اشيع وصوله قبل ذلك اليوم وخرج السيد عمر النقيب والمشايخ والمحروقي لملاقاته يوم الجمعة فبعضهم ذهب الى الآثار وبات هناك وبعضهم بات بالقرافة بضريح الإمام الشافعي ورجعوا في ثاني يوم ولم يحصل لهم ملاقاة فلما طلع نهار ذلك اليوم واشيع حضوره الى داره ركب الجميع وذهبوا للسلام عليه ودار بينهم الكلام في امر الإنكليز فأظهر الإهتمام وامر كتخدا بك وحسن باشا بالخروج في ذلك اليوم فأخرجوا مطلوباتهم وعازتهم الى بولاق وسخط على اهل الإسكندرية والشيخ المسيري وامين أغا حيث مكنوا الإنكليز من الثغر وملكوهم البلدة ولم يقبل لهم عذرا في ذلك ثم قالوا له انا نخرج جميعا للجهاد مع الرعية والعسكر فقال ليس على رعية البلد خروج وانما عليهم المساعدة بالمال لعلائف العسكر وانقضى المجلس وركبوا الى دورهم

وفيه وصل حجاج المغاربة الى مصر من طريق البر واخبروا انهم حجوا وقضوا مناسكهم وان مسعود الوهابي وصل الى مكة بجيش كثيف وحج مع الناس بالأمن وعدم الضرر ورخاء الأسعار واحضر مصطفى جاويش امير الركب المصري وقال له ما هذه العويدات والطبول التي معكم يعني بالعويدات المحمل فقال هو اشارة وعلامة على اجتماع الناس بحسب عادتهم فقال لاتأت بذلك بعد هذا العام وان اتيت به احرقته وانه هدم القباب وقبة ادم وقباب ينبع والمدينة وابطل شرب التنباك والنارجيلة من الأسواق وبين الصفا والمروة وكذلك البدع
وفي وفي تلك الليلة ارسل الباشا وطلب السيد عمر في وقت العشاء الاخيرة والزمه بتحصيل ألف كيس لنفقة العسكر وان يوزعها بمعرفته
وفي يوم الاثنين رابعه دخلت طوائف العسكر الواصلين من الجهة القبلية الى المدينة وطلبوا سكنى البيوت كعادتهم ولم يرجعوا الى الدور التي كانو ساكنين بها واخربوها
و في يوم الثلاثاء وردت مكاتبة من رشيد وعليها امضاء السيد حسن كريت يخبر فيها بأن الإنكليز محتاطون بالثغر ومتحلقون حوله ويضربون على البلد بالمدافع والقنابر وقد تهدم الكثير من الدور والأبنية ومات كثير من الناس وقد ارسلنا لكم قبل تاريخه نطلب الإغاثة والنجدة فلم تسعفونا بإرسال شيء وما عفرنا لأي شيء هذا الحال وما هذا الإهمال فالله الله في الإسعاف فقد ضاق الخناق وبلغت القلوب الحناجر من توقع المكروه وملازمة المرابطة والسهر على المتاريس ونحو ذلك من الكلام وهي خطاب للسيد عمر النقيب والمشايخ ومؤرخة في ثاني شهر صفر
وفي و في ذلك اليوم اهتم الباشا وعزم على السفر بنفسه الى بولاق وركب صحبته حسن باشا وعابدين بك وعمر بك فسافروا في تلك الليلة
وفي و في يوم الأربعاء سافر أيضا حجوبك وخرج معه بعض المتطوعة من الأتراك وغيرهم تهيئوا واتفقوا مع المسافرين معهم وامدهم الكثير من

اخوانهم بالإحتياجات والذخيرة والمؤن ونصبوا لهم بيرقا وخرجوا و معهم طبل وزمر
وفي وفي يوم الجمعة ركب أيضا احمد أغا لاظ وشق بعساكره الذين كان بهم بالمنية وتداخل فيهم الكثير من اجناسهم وغيرهم من مغاربة واتراك بلدية ومر الجميع من وسط المدينة في عدة وافرة ويذهب الجميع الى بولاق يوهمون انهم مسافرون على قدم الإستعجال بهمة ونشاط واجتهاد فإذا وصلوا الى بولاق تفرقوا ويرجع الكثير منهم ويراهم الناس في اليوم الثاني والثالث بالمدينة ومن تقدم منهم وسافر بالفعل ذهب فريق منهم الى المنوفية وفريق الى الربية ليجمعوا في طريقهم من اهل البلاد والقرى ما تصل اليه قدرة عسفهم من المال والمغارم والكلف وخطف البهائم ورعي المزارع وخطف النساء والبنات والصبيان وغير ذلك
وفيه سافر أيضا حسن باشا طاهر وفيه نزل الدالاتية الى بولاق وكذلك الكثير من العسكر وحصل منهم الازعاج في اخذ الحمير والجمال قهرا من اصحابها ونزلوا بخيولهم على ريب البرسيم والغلال الطائبة الى بناحية بولاق غير واضحة بدران وخلافها فرعتها واكلتها بهائمهم في يوم واحد ثم انتقلوا الى ناحية منية السيرج وشبرا والزاوية الحمراء والمطرية والأميرية فأكلوا زروعات الجميع وخطفوا مواشيهم وفجروا بالنساء وافتضوا الأبكار ولاطوا بالغلمان واخذوهم وباعوهم فيما بينهم حتى باعوا البعض بسوق مسكة وغيره وهكذا تفعل المجاهدون ولشدة قهر الخلائق منهم وقبح افعالهم تمنوا مجيء الإفرنج من اي جنس كان وزوال هؤلاء الطوائف الخاسرة الذين ليس لهم ملة ولا شريعة ولا طريق يمشون عليها فكانوا يصرخون بذلك بمسمع منهم فيزداد حقدهم وعدواتهم ويقولون اهل هذه البلاد ليسوا مسلمين لأنهم يكرهوننا ويحبون النصارى ويتوعدونهم اذا خلصت لهم البلاد ولا ينظرون لقبح افعالهم
و في يوم الاثنين حادي عشرة حضر جماعة من الططر الذين من عادتهم

يأتون بالأخبار والبشارات بالمناصيب وقد وصلوا من طريق الشام يبشرون بولاية السيد علي باشا وعزل صالح قبودان عن رياسة الدونانمة ويذكرون انه خرج بالدونانمة التي تسمى بالعمارة وصحبته عدة مراكب فرنساوية قاصدين جهة مالطة ليقطعوا على الإنكليز الطرق وان هؤلاء الططر الواصلين لم يعلموا بورود الإنكليز الى الإسكندرية الا عند وصولهم صيدا وذكروا أن سبب عزل صالح القبودان أن الانكليز وردوا بوغاز اسلامبول بأثني عشر مركبا وقيل اربعة عشر وظلوا داخلين والمدافع تضرب عليهم من القلاع المتقابلة فلم يبالوا بذلك حتى حصلوا بداخل المينة تجاه البلد فانزعج اهالي البلد انزعاجا شديدا وصرخت النساء وهاجت المدينة وماجت باناسها ولو ضرب عليها الإنكليز لاحترقت عن اخرها لكنهم لم يفعلوا بل استمروا يومهم ورموا مراسيهم ثم اخذوها وولوا راجعين ولسان حالهم يقول ها نحن ولجنا بغازكم الذي تزعمون انه لا احد يقدر على عبوره وقدرنا عليكم وعفونا عنكم ولو شئنا اخذدار سلطنتكم لأخذناها او احرقناها وعندما فعلوا ذلك طلب السلطان قبودان باشا فوجدوه يتعاطى الشراب في بعض الاماكن فعند ذلك احضروا السيد علي وقلدوه رياسة الدونانمة ونزل الى الإنكليز وتكلم معهم الى أن خرجوا من البوغاز واخرجوا صالح قبودان منفيا الى بعض الجهات
وفي وفي ذلك اليوم طلع الباشا الى القلعة صحبته قنصل الفرنساوية يهندس معه الاماكن ومواطن الحصار والقنصل المذكور مظهر الإهتام والإجتهاد ويسهل الأمر ويبذل النصح ويكثر من الركوب والذهاب والإياب وامامه الخدم وبايديهم الحراب المفضضة وخلفه ترجمانه واتباعه
و فيه ارسل الأمراء القبليون جوابا عن جواب ارسل اليهم قبل ذلك وعليه ختوم كثيرة باستدعائهم واستعجالهم للحضور فأرسلوا هذا الجواب يعتذرون فيه بإن السبب في تأخرهم انهم لم يتكاملوا وأن اكثرهم متفرقون بالنواحي مثل عثمان بك حسن وغيره وانهم الى الآن لم يثبت عندهم حقيقة

الامر لأن من الثابت عندهم صداقة الإنكليز مع العثماني من قديم الزمان وان المراسيم التي وردت بالتحذير والتحفظ من الموسكوب ولم يذكر الانكليز فاتفق الحال بأن يرسلوا لهم جوابا بالحقيقة صحبة مصطفى افندي كتخدا القاضي ويصحب معه المراسيم التي وردت في شأن ذلك وفيها ذكر الإنكليز ومنابذتهم للدولة فسافر الكتخدا المذكور في صبحها اليهم وكانوا حضروا الى ناحية المنية واما ياسين بك فانه اذعن للصلح على أن يعطيه الباشا اربعمائة كيس بعد ترداد المراسلات بينه وبين الباشا ثم انه عدى الى ناحية شرق اطفيح وفرض عليهم الأموال الجسيمة وكان اهل تلك البلاد اجتمعوا بصول والبرنبل بمتاعهم واموالهم ومواشيهم فنزل عليهم وطلب منهم الأموال فعصوا عليه فأوقد فيهم النيران وحرق جرونهم ونهبهم
وفي عصر يوم الثلاثاء حضر جماعة من العرب وصحبتهم ثلاثة انفار من البرية واحضروهم الى مصر فمثلوا بين يدي الباشا وكلمهم ثم امر بطلوعهم الى القلعة وفيهم شخص كبير يقال انه من قباطينهم
و في يوم الخميس رابع عشرة عملوا ديوانا ببيت القاضي اجتمع فيه الدفتردار والمشايخ والوجاقلية هكذا وردت مرسوما تقدم حضوره قبل وصول الإنكليز الى الإسكندرية مضمونه ضبط تعلقات الإنكليز ومالهم من المال والودائع والشركات مع التجار بمصر والثغور
و في ذلك اليوم حضر شخصان من السعاة واخبرا بالنصر على الإنكليز و هزيمتهم وذلك انه اجتمع الجم الكثير من اهالي بلاد البحيرة وغيرها واهالي رشيد ومن معهم من المتطوعة والعساكر واهل دمنهور وصادف وصول كتخدا بك واسمعيل كاشف الطوبجي الى تلك الناحية فكان بين الفريقين مقتلة كبيرة و أسروا من الإنكليز طائفة وقطعوا منهم عدة رؤوس فخلع الباشا على الساعيين جوختين وفي اثر ذلك وصل أيضا شخصان من الأتراك بمكاتبات بتحقيق ذلك الخبر وبالغا في الأخبار وان الأنكليز انجلوا عن متاريس رشيد وابي منصور والحماد ولم تزل المقاتلون من اهل القرى

خلفهم الى أن توسطوا البرية وغنموا جبخاناتهم واسلحتهم ومدافعهم ومهراسين عظيمين وذكرا انه واصل خلفهم اسرى وهكذا وردت قتلى كثيرة في عدة مراكب وانه وصل معهما من جملة المتطوعين رجلان من اهل مكة التجار المقيمين بمصر كانا في الواقعة بنحو مائة من البدو والمغاربة وغيرهم ينفقان عليهم ويحرضانهم على القتال ويعينان المقاتلين من الأهالي بما في ايديهما ويقاتلان بانفسهما وبذلا جهدهما في ذلك وانهما بعد هزم الإنكليز وسلبهم فرقا ما غنماه ومابقي معهما من الأشياء على من خرج خلف الإنكليز وحضرا معهما وهما السيد احمد النجاري واخوه السيد سلامة فطلبهما الباشا وسألهما عن الخبر فأخبراه بخبر التركيين فانسر الباشا لذلك سرورا عظيما وشكر فعلهما وانعم عليهما وخلع عليهما ورتب لهما مرتبا ووعدهما بالاستخدام في مصالحه وخلع على ذينك التركيين فروتي سمور وحضرا بصحبة الساعيين الى منزل السيد عمر النقيب بعد الغروب وتعشوا عنده وطلبوا البقشيش وبعد أن اخذوه توسل التركيان به بأن يسعى لهما عند الباشا في انه ينعم عليهما بمناصب فوعدهما بذلك وترجى الباشا لهما يضاعف مرتبهما وضربوا في صبح ذلك اليوم مدافع كثيرة من القلعة والأزبكية وبولاق والجيزة و ذلك بين الظهر والعصر
و في يوم الجمعة خامس عشره حضروا باسرى وعدتهم تسعة عشر شخصا وعدة هكذا وردت فمروا بهم من وسط الشارع الأعظم واما الرؤوس فمروا بها من طريق باب الشعرية وعدتها نيف وثلاثون راسا موضوعة على نبابيت رشقوها بوسط بركة الازبكية مع الرؤس الاولى صفين على يمين السالك من باب الهواء الى وسط البركة وشماله
وفيه وفيه وصل ثلاث دوات من جدة الى ساحل السويس فيها اتراك وشوام واجناس اخرون وذكروا أن الوهابي نادى بعد انقضاء الحج أن لايأتي الى الحرمين بعد هذا العام من يكون حليق الذقن وتلافي المناداة قوله تعالى يا ايها الذين امنوا انما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعدعامهم

هذا واخرجوا هؤلاء الواصلين الى مصر
وفي وفي يوم السبت وصل أيضا تسعة اشخاص اسرى من الانكليز وفيهم فسيال
وفي يوم الأحد وصل أيضا نيف وستون وفيهم رأس واحد مقطوعة فمروا بهم على طريق باب النصر من وسط المدينة وهرع الناس للتفرج عليهم وبعد الظهر أيضا مروا بثلاثة وعشرين اسيرا وثمانية رؤوس وبعد العصر بثلاثة وعشرين راسا واربعة واربعين اسيرا من ناحية باب الشعرية وطلعوا بالجميع الى القلعة
وفي وفي يوم الاربعاء وصل الى ساحل بولاق مراكب وفيها اسرى وقتلى وجرحى فطلعوا بهم الى البر و ساروا بهم على طريق باب النصر وشقوا بهم من وسط المدينة الى الأزبكية فرشقوا الرؤس بالأزبكية مع الرؤس الأول وهي نحو المائة واثنين واربعين والأحياء والمجاريح نحو المائتين وعشرين فطلعوا بهم الى القلعة عند اخوانهم فكان مجموع الأسرى اربعمائة اسير وستة وستين اسيرا والرؤوس ثلثمائة ونيف واربعون وفي الأسرى نحو العشرين من فسيالاتهم وهذه الواقعة حصلت على غير قياس وصادف بناؤها على غير اساس وقد افسد الله رأي كل من طائفة الإنكليز والأمراء المصرية واهل الأقليم المصري لبروز ما كتبه وقدره في مكنون غيبه على اهل الاقليم من الدمار الحاصل وما سيكون بعد كما ستسمع به ويتلى عليك بعضه اما فساد رأي الإنكليز فلتعديهم الإسكندرية مع قلتهم وسماعهم بموت الألفي وتغريرهم بأنفسهم واما الأمراء المصريون فلا يخفى فساد رأيهم بحال واما اهالي الاقليم فلا نتصارهم لمن يضرهم ويسلب نعمهم وما اصاب من مصيبة فبما كسبت ايدي الناس وما اصابك من سيئة فمن نفسك ولم يخطر في الظن حصول هذه الواقع ولا أن الرعايا والعسكر لهم قدرة على حروب الإنكليز وخصوصا شهرتهم بإتقان الحروب وقد تقدم لك انهم هم الذين حاربوا الفرنساوية واخرجوهم من مصر

ولما شاع اخذهم الإسكندرية داخل العسكر والناس وهم عظيم وعزم اكثر العسكر على الفرار الى جهة الشام وشرعوا في قضاء اشغالهم واستخلاص اموالهم التي اعطوها للمتضايقين والمستقرضين بالربا وإبدال ما بأيديهم من الدراهم والقروش والفرانسة التي يثقل حملها بالذهب البندقي والمحبوب الزر لخفة حملها حتى انها زادت في المصارفة بسبب كثرة الطلب لها وبلغ صرف البندقي المشخص الناقص في الوزن اربعمائة وعشرين نصفا والزر مائتين وعشرين والفرانسة مائتين واستمرت تلك الزيادة بعد ذلك وسيزيد الأمر فحشاوسعوا في مشترى ادوات الارتحال والأمور اللازمة لسفر البر وفارق الكثير منهم النساء وباعوا ما عندهم من الفرش والأمتعة حتى أن محمد علي باشا لما بلغه حصولهم بالإسكندرية وكان يحارب المصريين ويشدد عليهم فعند ذلك انحلت عزائمه وارسل يصالحهم على مايريدونه ويطلبونه وثبت في يقنيه استيلاء الإنكليز على الديار المصرية وعزم على العود متلكئا في السير يظن سرعة ورودهم الى المدينة فيسير مشرقا على طريق الشام ويكون له عذر بغيبته في الجملة فلما وصلت الشرذمة الأولى من الإنكليز الى رشيد ودخلوها من غير مانع و حبسوا وحبسوا انفسهم فيها فقتلوا واسروا وهرب من هرب ووصلت الرؤوس والأسرى واسرعت المبشرون الى الباشا بالخبر فعند ذلك تراجعت اليه نفسه واسرع في الحضور وتراجعت نفوس العساكر وطمعوا عند ذلك في الإنكليز وتجاسروا عليهم وكذلك اهل البلاد قويت هممهم وتأهبوا للبروز والمحاربة واشتروا الأسلحة و نادوا على بعضهم بالجهاد وكثر المتطوعون ونصبوا لهم بيارق واعلاما وجمعوا من بعضهم دراهم وصرفوا على من انضم اليهم من الفقراء وخرجوا في مواكب وطبول وزمور فلما وصلوا الى متاريس الإنكليز دهموهم من كل ناحية على غير قوانين حروبهم وترتيبهم وصدقوا في الحملة عليهم والقوا انفسهم في النيران ولم يبالوا برميهم وهجموا عليهم واختلطوا بهم

وادهشوهم بالتكبير والصياح حتى ابطلوا رميهم ونيرانهم فألقوا سلاحهم وطلبوا الأمان فلم يلتفتوا لذلك وقبضوا عليهم وذبحوا الكثير منهم وحضروا بالأسرى والرؤوس على الصور المذكورة وفر الباقون الى من بقي بالإسكندرية وليت العامة شكروا على ذلك او نسب اليهم فعل بل نسب كل ذلك للباشا وعساكره وجوزيت العامة بضد الجزاء بعد ذلك ولما اصعدوا الأسرى الى القلعة طلع اليهم قنصل الفرنساوية و معه الأطباء لمعالجة الجرحى و مهد لهم اماكن وميز الكبار منهم والفسيالات في مكان يليق بهم وفرش لهم فرشات ورتب لهم تراتيب وصرف عليهم نفقات ولوزام واستمر يتعاهدهم في غالب الايام والجرائحية يترددون اليهم في كل يوم لمداواتهم كما هي عادة الإفرنج مع بعضهم اذا وقع في ايديهم جرحى من المحاربين لهم فعلوا بهم ذلك واكرموا الأسرى واما من وقع منهم في ايدي العسكر من المردان فإنهم اختصوا بهم والبسوهم من ملابسهم وباعوهم فيما بينهم ومنهم من احتال على الخلاص من يد الفاسق بحلية لطيفة فمن ذلك أن غلاما منهم قال للذي هو عنده أن لي بولصة عند قنصل الفرنساوية وهي مبلغ عشرون كيسا ففرح وقال له ارنيها فأخرج له ورقة بخطم وهولاء يعرف ما فيها فاخذها منه طمعا في احرازها لنفسه وذهب مسرعا الى القنصل واعطاها له فلما قرأها قال له لا اعطيك هذا البلغ الا بيد الباشا ويعطيني بذلك رجعة بختمه لتخلص ذمتي فلما صاروا بين يدي الباشا فأخبره القنصل فأمر بإحضار الغلام فلما حضر اليك سأله الباشا فقال اريد الخلاص منه واحتلت عليه بهذه الحيلة لاتوصل إليك فطيب الباشا خاطر العسكري بدراهم وارسل الغلام الى اصحابه بالقلعة ولما انقضى امر الحرب من ناحية رشيد وانجلت الإنكليز عنها ورجعوا الى الإسكندرية نزل الأتراك على الحماد وماجاورها واستباحوا اهلها ونساءها واموالها ومواشيها زاعمين انها صارت دار حرب بنزول الإنكليز عليها وتمكلها حتى أن بعض الظاهرين كلمهم في ذلك فرد عليه

بذلك الجواب فأرسلوا الى مصر بذلك وكتبوا في خصوص ذلك سؤالا وكتب عليه المفتون بالمنع وعدم الجواز وحتى يأتي الترياق من العراق يموت الملسوع ومن يقرا ومن يسمع وعلى انه لم يرجع طالب الفتوى بل اهملت عند المفتي وتركها المستفتي ثم احاطت العساكر ورؤساؤهم برشيد وضربوا على اهلها الضرائب وطلبوا منها الأموال والكلف الشاقة وأخذوا ما وجدوه بها من الأرز للعليق فخرج كبيرها السيد حسن كريت الى حسن باشا وكتخدا بك وتكلم معهما وشنع عليهما وقال اما كفانا ما وقع لنا من الحروب وهدم الدور وكلف العسكر ومساعدتهم ومحاربتنا معهم ومعكم وماقاسيناه من التعب والسهر وانفاق المال ونجازي منكم بعدها بهذا الأفاعيل فدعونا نخرج بأولادنا وعيالنا ولا نأخذ معنا شيئا ونترك لكم البلدة افعلوا بها ما شئتم فلاطفوه في الجواب وظهروا له الإهتمام بالمناداة والمنع وكتب المذكور أيضا مكاتبات بمعنى ذلك وارسلها الى الباشا والسيد عمر بمصر فكتبوا فرمانا وارسلوه اليهم بالكف والمنع وهيهات ولما وصل من وصل بالقبلي والأسرى انعم الباشا على الواصلين منهم بالخلع والبقاشيش والبسهم شلنجات فضة على رؤوسهم فازداد جبروتهم وتعديهم ولما رجع الإنكليز الى ناحية الإسكندرية قطعوا السد فسالت المياه وغرقت الأراضي حول الاسكندرية
وفي يوم الأحد سابع عشره وصل ياسين بك الى ناحية طراوحضر ابوه الى مصر ودخل كثير من اتباعه الى المدينة وهم لابسون زي المماليك المصرية
وفيه دفنوا رؤوس القتلى من الانكليز وكانوا قطعوا اذانهم ودبغوها وملحوها ليرسلوها الى اسلامبول
وفيه ارسل الباشا فسيالا كبيرا من الإنكليز الى الإسكندرية بدلا عن ابن اخي عمر بك وقد كان المذكور سافر الى الإسكندرية قبل الحادثة ليذهب الى بلاده بما معه من الأموال فعوقه الإنكليز فأرسلوا هذا

الفسيال ليرسلوا بدله ابن اخي عمر بك
وفي يوم الاثنين ثامن عشره وصلت خيام ياسين بك وحملاته ونصبوا وطاقة جهة شبرا ومينة السيرج
وفي سادس عشرينه وصل ياسين بك المذكور وصحبته سليمان أغا صالح وكيل دار السعادة سابقا وهو الذي كان باسلامبول وحضر بصحبته القبودان في الحادثة السابقة وتأخر عنه واستمر مع الألفي ثم مع امرائه بعد موته وكان الباشا قد ارسل له يستدعيه بأمان فأجاب الى الحضور بشرط أن يجري عليه الباشا مرتبة بالضربخانه وقدر ذلك ألف درهم في كل يوم فأجابه الى ذلك وحضر صحبته ياسين بك وقابلا الباشا وخلع عليهما خلعتي سمور ونزلا وركبا ولعبا مع اجنادهما بوسط البركة بالرماح وظهر من حسن رماحة سليمان أغا ما اعجب الباشا ومن حوله من الأتراك بل اصابوه باعينهم لأنه بعد انقضاء ذلك سار مع ياسين بك الى ناحية بولاق يترامحون ويتلاعبون فأخرج طبنجته بيده اليمنى والرمح في يده اليسرى وكان زنادها مرفوعا فانطلقت رصاصاتها وخرقت كفة اليسار القابض به على سرع الجواد ونفدت من الجهة الأخرى فرجع الى داره بجراحته واذن له برد حملته وذهب ياسين بك الى بولاق فبات بها في دار حسن الطويل بساحل النيل
وفيه سافر المتسفر بآذان قتلى الإنكليز وقد وضعوها في صندوق وسافر بها على طريق الشام وصحبته أيضا شخصان من اسرى فسيالات الإنكليز وكتبوا عرضا بصورة الحال من انشاء السيد اسمعيل الخشاب وبالغوافية
وفيه حضر اسمعيل كاشف الطوبجي من ناحية بحرى ليقضي بعض الأغراض ثم يعود
وفي يوم الخميس ثامن عشرينه سافر عمر بك تابع عثمان بك الأشقر وعلي كاشف بن احمد كتخدا الى ناحية القليوبية لأجل القبض على ايوب

فوده بسبب رجل يسمى زغلول ينسب اليه بأنه يقطع الطريق على المسافرين في البحر وكلما مرت بناحية مركب حاربها ونهب ما فيها من الضائع التجار واموالهم او انهم يفتدون انفسهم منه بما يرضيه من المال فكثر تشكي الناس منه فيرسلون الى ايوب فودة كبير الناحية فيتبرا منه فلما زاد الحال عينوا من ذكر للقبض عليه وقتله فبلغه الخبر فهرب من بلده ابناس فلما وصلوا الى محله فلم يجدوه فأحاطوا بموجوداته وغلاله وبهائمة وماله من المواشي والودائع بالبلاد فلما جرى ذلك حضر الى السيد عمر وصالح على نفسه بثلثمائة كيس ورجع الحال الى حاله وذلك خلاف ما اخذه المعينون من الكلف والمغارم من البلاد التي مروا عليها واقاموا فيها واحتجوا عليها
و فيه حضر الكثير من اهل رشيد بحريمهم واولادهم ورحلوا عنها الى مصر
و فيه حضر كتخدا القاضي من عند الامراء القبالي واخبر انهم محتاجون الى مراكب لحمل الغلال الميرية والذخيرة فهيأ الباشا عدة مراكب وارسلها اليهم ومع هذه الصورة واظهار المصالحة والمسالمة يمنعون ويحجزون من يذهب اليهم من دورهم بثياب ومتاع وكذلك يمنعون المتسببين والباعة الذين يذ 4 هبون بالمتاجر والأمتعة التي يبيعونها عليهم واذا وقعوا بشخص او غمزوا عليه عند الحاكم او صادفه بعض العيون المترقبة عليه قبضوا عليه ونهبوا ما معه وعاقبوه وحبسوه بل ونهبوا داره وغرموه ولا يغفر ذنبه ولا تقال عثرته ويتبرا منه كل من يعرفه وكذلك نبهوا على القلقات الذين يسمونهم الضوابط المتقيدين بابواب المدينة مثل باب النصر وباب الفتوح والبرقية والباب الحديد بمنع النساء عن الخروج خوفا من خروج النساء القبالي وذهابهن الى ازواجهن واتفق انهم قبضوا على شخص في هذه الأيام يريد السفر الى ناحية قبلي ومعه تليس ففتحوه فوجدوا بداخله مراكيب ونعالات مصرية ومغربية التي تسمى بالبلغ فقبضوا عليه واتهموه انه يريد الذهاب بذلك الى الامراء واتباعهم فنهبوا منه ذلك وغيره وقبضوا عليه وحبسوه واستمر

محبوسا وكذلك اتفق أن الوالي ذهب الى جهة القرافة وقبض على اشخاص من التربية الذين يدفنون الموتى واتهمهم بان بعض اتباع الأمراء القبالي يخرجون اليهم بالامتعة لاسيادهم ويخفونها عندهم بداخل القبور حتى يرسلوها الى اسيادهم في الغفلات وضربهم وهجم على دورهم فلم يجد بها شيئا واجتمع عليه خدام الأضرحة واهل القرافة وشنعوا عليه وكادوا يقتلونه فهرب منهم وحضروا في صبحها عند السيد عمر والمشايخ يشكون من الوالي وما فعله مع الحفارين ونحو ذلك فاعجب لهذا التناقض
وفيه وصل مكتوب من كبير الانكليز الذي بالإسكندرية مضمونه طلب اسماء الأسرى الإنكليز والوصية بهم واكرامهم كما هم يفعلون بالأسرى من العسكر فانهم لما دخلوا الى الأسكندرية اكرموا من كان بها منهم واذنوا لهم بالسفر بمتاعهم واحوالهم الى حيث شاؤا وكذلك من اخذوه اسيرا في حرابة رشيد

واستهل شهر ربيع الأول بيوم السبت سنة
فيه كتبوا لكبير الإنكليز جوابا عن رسالته
وفي يوم السبت خامس عشره حضر علي كاشف الكبير الألفي بكلام من طرف شاهين بك الألفي يعتذر عن التأخير الى هذا الوقت وانهم على صلحهم واتفاقهم الأول وحضورهم الى ناحية الجيزة وبات تلك الليلة في بيته بمصر ثم اقام ثلاثة ايام ورجع الى مرسله وصحبته سليمان أغا الوكيل
وفيه حضر عابدين بك اخو حسن باشا من ناحية بحري وحضر ايضا في اثره احمد أغا لاظ وغيره من ناحية بحري وذلك انهم ذهبوا خلف الإنكليز الى قرب معدية البحيرة فخرج عليهم طائفة الإنكليز من البر والبحر وضربوا عليهم مدافع ونيرانا كثيرة فولوا راجعين وحضروا الى مصر
وفيه حضر أيضا الفسيال الكبير الإنكليزي الذي كان ارسل بدلا عن ابن اخي عمر بك وقيل انه ابن اخي صالح قوش فلما وصل اليهم اجابوا

بأن المذكور سافر مع من سافر الى الروم بمتاعهم واموالهم قبل الواقعة حيث لم يكن المطلوب موجودا فلا وجه لإبقاء الإنكليزي المذكور فردوه بعد أن رفعوا منزلته ورتبته عندهم فلما رجع الى مصر خلى سبيله الباشا ولم يحبسه مع الأسرى بل اطلق له الأذن أيضا في الرجوع الى الإسكندرية او الى بلاده متى احب واختار
وفي منتصفه استوحش الباشا من ياسين بك وضاق خناقه منه وذلك انه لما حضر الى مصر وخلع عليه الباشا ودفع اليه ما كان وعده به من الأكياس وقدم له تقادم وانعامات على انه يسافر الى الاسكندرية لمحاربة الإنكليز وطلب مطالب كثيرة له ولأتباعه واخذ لهم الكساوى والسراويلات واخذ جميع ما كان عند جبجي باشا من الأقمشة والخيام والجبخانة والاحتياجات من القرب وروايا الماء ولوازم العسكر في سفر البر والافازة والمحاصرة الى غير ذلك وقلد اباه كشوفية الشرقية وخرج هو بعرضيه وخيامه الى ناحية الحلي ببولاق فانضم اليه الكثير من العسكر والدلاتية وغيرهم وصار كل من ذهب اليه يكتبه في جملة عسكره فاجتمع عليه كل عاص وازعر ومخالف وعاق وصرح بالخلاف وتطلعت نفسه للرياسة وكلما ارسل اليه الباشا يرده وينهاه عن فعله يعرض عن ذلك وداخله الغرور وانتشرت اوباشه يعبثون في النواحي وبث اكابر جنده في القرى والبلدان وعينهم لجمع الأموال والمغارم الخارجة عن المعقول ومن خالفهم نهبوا قريته واحرقوها واخذوا اهلها اسرى فعند ذلك اخذا الباشا في التدبير عليه واستمال العسكر المنضمين اليه وحل عرى رباطاته فلما كان في ليلة الأربعاء تاسع عشره امر العساكر الأرنؤد بالاجتماع والخروج الى ناحية بولاق فخرجوا بأجمعهم الى نواحي السبتية والخندق واحالوا بينه وبين بولاق ومصر
وفي ليلة السبت ركب الباشا بجنوده وخرج الى تلك الناحية وحصن ابواب المدينة بالعساكر وايقن الناس بوقوع الحرب بين الفريقين وارسل

الباشا الى ياسين يقول له أن تستمر على الطاعة وتطرد عنك هذه اللموم وتكون من جملة كبار العسكر والا تذهب الى بلادك والا فأنا واصل اليك ومحاربك فعند ذلك داخله الخوف وانحلت عزائم جيوشه وتفرق الكثير منهم فلما كان بعد الغروب طلب الركوب ولم يعلم عسكره اين يريد فركب الجميع وهم ثلاثة طوابير واشتبهت عليهم الطرق في ظلام الليل فسار هو بفريق منهم الى ناحية الجبل على طريق حلق الجرة وفرقة سارت الى ناحية بركة الحاج والثالثة ذهبت على طريق القليوبية وفيهم ابوه فلما علم الباشا بركوبهم ركب خلفهم وذهب خلف الطائفة التي توجهت الى ناحية البركة حصة فلما علموا انفرادهم عن اميرهم رجعوا متفرقين في النواحي ورجع الباشا الى داره ولم يزل ياسين بك في سيره حتى نزل بمن معه في التبين واستقر بها واما ابوه فإنه التجأ الى شيخ قليوب الشواربي فاخذ له امانا واحضر في ثاني يوم الى الباشا فألبسه فروة وامره أن يلحق بابنه فنزل الى بولاق ونزل في مركب مسافرا
وفي يوم الاثنين رابع عشرينه عين الباشا عسكرا ورؤساء عساكر وخيالة واصحب معهم شديدا وجملة من عرب الحويطات للحوق بياسين بك ومحاربته ولما نزل ياسين بك بناحية التبين نهب قرى الناحية بأسرها مثل التبين وحلوان وطرا والمعصرة والبساتين وفعلوا بها افاعيلهم الشنيعة من السلب والنهب واخذ النساء ونهب الأجران والغلال والأتبان والمواشي واخذ الكلف الشاقة ومن عجز عن شيء من مطلوابتها احرقوه بالنار
وفي يوم الخميس رجع العسكر والعربان الذين كانوا ذهبوا لمحاربة ياسين بك وذلك انهم لما قربوا من وطاقهم ارتحل الى صول والبرنيل فولوا راجعين وتمموا في ذهابهم وايابهم تدمير القرى
وفيه ورد قاصد قابجي من اسلامبول وعلى يده مرسوم بالبشارة بولاية السيد علي باشا قبودان الدونتمة وتاريخه نحو ثلاثة اشهر فضربوا لقدومه المدافع من القلعة
وفي يوم السبت عشرينه رجع سليمان أغا من قبلي الى مصر

واخبر بقرب قدوم الأمراء المصريين وان شاهين بك وصل الى زارية المصلوب وابراهيم بك جهة قمن العروس وانهم يستدعون اليهم مصطفى أغا الوكيل وعلي كاشف الصابونجي

واستهل شهر ربيع الثاني بيوم الإثنين
فيه سافر مصطفى أغا والصابونجي الى جهة قبلي وصحبتهما كتخدا القاضي
وفي سادسه وصل شخص ططري وعلى يده مرسوم فعمل الباشا ديوانا وقرأ المرسوم بحضرة الجمع مضمونه أن العرضى الهمايوني الموجه لحرب الموسكوب خرج من اسلامبول وذهب الى ناحية ادرنه وان العساكر سارت لمحاربة الأعداء ويذكرون فيه أن بشائر النصر حاصلة وقد وصل رؤوس قتلى واسرى كثيرة وانه بلغ الدولة ورود نحو الأربع عشرة قطعة من المراكب الى ثغر الإسكندرية وان الكائنين بالثغر تراخوا في حربهم حتى طلعوا الى الثغر فمن اللازم الإهتمام وخروج العساكر لحروبهم ودفعهم وطردهم على الثغر وقد ارسلنا البيورلديات الى سليمان باشا والي صيدا والى يوسف باشا والي الشام بتوجيهه العساكر الى مصر للمساعدة وان لزم الحال لحضور المذكورين لتمام المساعدة على دفع العدو الى اخر ما نمقوه وسطروه ومحل القصد من ورود هذه البيورلديات والفرمانات والاغوات والقبيجات انما هو جر المنفعة لهم بما ياخذونه من خدمهم وحق طريقهم من الدراهم والتقادم والهدايا فإن القادم منهم اذا ورد استعدوا لقدومه فإن كان ذا قدر ومنزلة اعدوا له منزلا يليق به ونظموه بالفرش والأدوات اللازمة وخصوصا اذا كان حضر في امر مهم او لتقرير المتولي على السنة الجديدة او بصحبته خلع الرضا وهدايا فإنه يقابل بالإعزاز الكبير ويشاع خبره قبل وروده الى الإسكندرية وتأتي المبشرون بورود من الططر قبل خروجه من دار السلطنة بنحو من شهر او شهرين وياخذون خدمتهم وبشارتهم بالاكياس واذا وصل هو ادخلوه في موكب جليل وعملوا له ديوانا ومدافع وشنكا وانزل في المنزل المعد له واقبلت عليه

التقادم والهدايا من المتولي واعيان دولته ورتب له الرواتب والمصاريف لماكله هو واتباعه لمطبخه وشراب حانته ايام مكثه شهرا او شهورا ثم يعطى من الاكياس قدرا عظيما وذلك خلاف هدايا الترحيلة من قدور الشربات المتنوعة والسكر المكرر وانواع الطيب كالعود والعنبر والأقمشة الهندية والمقصبات لنفسه ورجال دولته وان كان دون ذلك انزلوه بمنزل بعض الأعيان بأتباعه وخدمه ومتاعه في اعز مجلس و يقوم رب المنزل بمصروفهم ولوازمهم وكلفهم وما تستدعيه شهوات انفسهم ويرون أن لهم المنة عليه بنزولهم عنده ولا يرون له فضلا بل ذلك واجب عليه وفرض يلزمه القيام به مع التآمر عليه وعلى اتباعه ويمكث على ذلك شهورا حتى ياخذ خدمته ويقبض اكياسه وبعد ذلك كله يلزم صاحب المنزل أن يقدم له هدية ليخرج من عنده شاكرا ومثنيا عليه عند مخدومه واهل دولته قضية يحار العقل والنقل في تصورها
وفي يوم الأحد سابعه وصلت القافلة والحجاج من ناحية القلزم على مرسى السويس وحضر فيها اغوات الحرم والقاضي الذي توجه لقضاء المدينة وهو المعروف بسعد بك وكذلك خدام الحرم المكي وقد طردهم الوهابي جميعا واما القاضي المنفصل فنزل في مركب ولم يظهر خبره وقاضي مكة توجه بصحبة الشاميين واخبر الواصلون انهم منعوا من زيارة المدينة وان الوهابي اخذ كل ما كان في الحجرة النبوية من الذخائر والجواهر وحضر أيضا الذي كان اميرا على ركب الحجاج وصحبته مكاتبه من مسعود الوهابي ومكتوب من شريف مكة واخبروا انه امر بحرق المحمل واضطربت اخبار الإخباريين عن الوهابي بحسب الأغراض ومكاتبة الوهابي بمعنى الكلام السابق في نحو الكراسة وذكر فيها ما ينسبونه الناس اليه من الأقوال المخالفة لقواعد الشرع ويتبرأ عنها
و فيه ورد الخبر بإن ابراهيم بك وصل الى بني سويف وان شاهين بك ذهب الى الفيوم لاختلاف وقع بينهم وان امين بك واحمد بك الألفيين

ذهبا الى ناحية الإسكندرية للإنكليز
وفيه كمل تحرير دفاتر الفرضة والمظالم التي ابتدعوها في العام الماضي على القراريط واقطاعات الأراضي وكذلك اخذ نصف فائظ الملتزمين وعينوا المعينين لتحصيله من المزارعين وذلك خلاف ما فرضوه على البنادر من الأكياس الكثيرة المقادير
وفي ذلك اليوم ارسل الأغا والي الشرطة اتباعهما لأرباب الصنائع والحرف والبوابين بالوكائل والخانات يامرونهم بالحضور من الغد الى بيت القاضي فانزعجوا من ذلك ولم يعلموا لأي شيء هذا الطلب وهذه الجمعية وباتوا متفكرين ومتوهمين فلما اصبح يوم الإثنين واجتمع الناس ابرزوا لهم مرسوما قرئ عليهم بسبب زيادة صرف المعاملة وذلك أن الريال الفرانسة وصلت مصارفته الى مائتين وعشرة من الأنصاف العددية والمحبوب الى مائتين وعشرين واكثر والمشخص البندقي وصل الى اربعمائة واربعين فضة ونحو ذلك فلما قرأوا عليهم المرسوم وامروهم بعدم الزيادة وان يكون صرف الفرانسة بمائتين فقط والمحبوب بمائتين وعشرين فضة والبندقي بأربعمائة وعشرين فلما سمعوا ذلك قالوا نحن ليس لنا علاقة بذلك هذا امر منوط بالصيارف وانفض المجلس
وفيه وصلت مكاتبة من ابراهيم بك ومن الرسل مضمونها الاخبار بقدومهم وارسل ابراهيم بك يستدعي اليه ابنه الصغير وولد ابنته المسمى نور الدين ويطلب بعض لوازم وامتعة
وفي يوم السبت ثالث عشره سافر اولاد ابراهيم بك والمطلوبات التي ارسل بطلبها وصحبتهم فراشون وباعة ومتسببون وغير ذلك
وفي يوم الإثنين ورد سلحدار موسى باشا وعلى يده مرسوم بالعربي واخر بالتركي مضمونهما جواب رسالة ارسلت الى سليمان باشا بعكا بخبر حادثة الإنكليز ملخصها انه ورد علينا جواب من سليمان باشا يخبر فيه بوصول طائفة الإنكليز الى ثغر سكندرية ودخولهم اليها

بمخامرة اهلها ثم زحفهم الى رشيد وقد حاربتهم اهل البلاد والعساكر وقتلوا الكثير منهم واسروا منهم كذلك ونؤكد على محمد باشا والعلماء واكابر مصر بالاستعداد والمحافظة وتحصين الثغور مثل السويس والقصير ومحاربة الكفار واخراجهم وابعادهم عن الثغر وقد وجهنا لكل من سليمان باشا وجنج يوسف باشا بتوجيه ما تريدون من العساكر للمساعدة ونحو ذلك
وفيه احضروا اربعة رؤوس من الانكليز وخمسة اشخاص احياء فمروا بهم من وسط المدينة وذكروا أن كاشف دمنهور حارب ناحية الاسكندرية فقتل منهم واسر هؤلاء وقيل انهم كانوا يسيرون لبعض اشغالهم نواحي الريف فبلغ الكاشف خبرهم فاحاط بهم وفعل بهم ما فعل وارسلهم الى مصر وهم ليسوا من المعتبرين وكأنهم مالطية وقيل انهم سألوهم فقالوا نحن متسببون طلعنا ناحية أبي قير وتهنا عن الطريق فصادفونا ونحن تسعة لاغير فاخذونا وقتلوا منا من قتلوه وابقونا
وفيه وصلت مكاتبة من ابراهيم بك وأرسل الباشا اليهم جوابا صحبة انسان يسمى شريف أغا
وفي يوم الثلاثاء ثالث عشرينه وردت اخبار من ناحية الشام بأنه وقع اسلامبول فتنة بين الينكجرية والنظام الجديد وكانت الغلبة للينكجرية وعزلوا السلطان سليم وولوا السلطان مصطفى ابن عمه وهو ابن السلطان عبدالحميد بن احمد وخطب له ببلاد الشام
وفي يوم الخميس وصل ططري من طريق البر بتحقق ذلك الخبر وخطب الخطباء للسلطان مصطفى على منابر مصر وبلاد مصر وبولاق وذلك يوم الجمعه سادس عشرينه
وفي اواخره احدثوا طلب مال الأطيان المسموح الذي لمشايخ البلاد وحرروا به دفترا وشرعوا في تحصيله وهي حادثة لم يسبق مثلها اضرت بمشايخ البلاد وضيقت عليهم معايشهم ومضايفهم

وفيه كتبوا اوراقا للبلاد والأقاليم بالبشارة بتولية السلطان الجديد وعينوا بها المعينين وعليها حق الطرق مبالغ لها صورة وكل ذلك من التحيل على سلب اموال الناس
وفيه كتبوا مراسلة الى الأمراء القبليين بالصلح وارسلوا بها ثلاثة من الفقهاء وهم الشيخ سليمان الفيومي والشيخ ابراهيم السجيني والسيد محمد الدواخلي وذلك انه لما رجع شريف أغا الذي كان توجه اليهم بمراسلتهم ارسلوا يطلبون الشيخ الشرقاوي والشيخ الأمير والسيد عمر النقيب لإجراء الصلح على ايديهم فأرسلوا الثلاثة المذكورين بدلا عنهم
وفي هذه الأيام كثر خروج العساكر والدلاة وهم يعدون الى البر الغربي وعدى الباشا بحر النيل الى برانبابة واقام هناك اياما

واستهل شهر جمادي الأول سنة
فيه شرع الباشا في تعمير القلاع التى كانت انشأتها الفرنساوية خارج بولاق وعمل متاريس بناحية منية عقبة وغيرها ووزع على الجيارة جيرا كثيرا ووسق عدة مراكب وارسلها الى ناحية رشيد ليعمروا هناك سورا على البلد وابراجا وجمعوا البنائين والفعلة والنجارين وانزلوهم في المراكب قهرا
وفي منتصفه وصل الى مصر نحو الخمسمائة من الدلاتية اتوا من ناحية الشام ودخلوا الى المدينة
وفيه طلب الباشا من التجار نحو الألفي كيس على سبيل السلفة فوزعت على الأعيان وتجار البن واهل وكالة الصابون ووكالة التفاح ووكالة القرب وخلافها وحجزوا البضائع واجلسوا العساكر على الحواصل والوكائل يمنعون من يخرج من حاصله او مخزنه شيئا الا بقصد الدفع من اصل المطلوب منهم ثم اردفوا ذلك بمطلوبات من افراد الناس المساتير فيكون الإنسان جالسا في بيته فما يشعر الا والمعينون واصلون اليه وبيدهم بصلة الطلب اما خمسة اكياس او عشرة او اقل او اكثر فاما أن يدفعها ولا قبضوا

عليه وسحبوه الى السجن فيحبس ويعاقب حتى يتمم المطلوب منه فنزل بالناس امر عظيم وكرب جسيم
وفي الناس من كان تاجرا ووقف حاله بتوالي الفتن والمغرم وانقطاع الأسباب والأسفار وافلس وصار يتعيش بالكد والقرض وبيع متاعه واساس داره وعقاره واسمه باق في دفاتر التجار فما يشعر إلا والطلب لاحقة بنحو ما تقدم لكونه كان معروفا في التجار فيؤخذ ويحبس ويستغيث فلا يغاث ولا يجد شافعا ولا راحما وهذا الشيء خلاف الفرض المتوالية على البلاد والقرى في خصوص هذه الحادثة وكذلك على البنادر مقادير لها صورة وما يتبعها من حق طرق المعينين والمباشرين وتوالي مرور العساكر آناء الليل واطراف النهار بطلب الكلف واللوازم واشياء يكل القلم عن تسطيرها ويستحي الانسان من ذكرها ولا يمكن الوقوف على بعض جزئياتها حتى خربت القرى وافتقر اهلها وجلوا عنها فكان يجتمع اهل عدة من القرى في قرية واحدة بعيدة عنهم ثم يلحقها وبالهم فتخرب كذلك واما غالب بلاد السواحل فانها خربت وهرب اهلها وهدموا دورها ومساجدها واخذوا اخشابها ومن جملة افاعيلهم الشنيعة التي لم يطرق الأسماع نظيرها انهم قرروا فرضة من فرض المغارم على البلاد فكتبوا اوراقا وسموها بشارة الفرضة يتولاها بعض من يكون متطلعا لمنصب او منفعة ثم يرتب له خدما واعوانا ثم يسافر الى الاقليم المعين له وذلك قبل منصب الأصل وفي مقدمته يبعث اعوانه الى البلاد يبشرونهم بذلك ثم يقبضون مارسم لهم في الورقة من حق الطريق بحسب ما ادى اليه اجتهاده قليلا او كثيرا وهذه لم يسمع بما يقاربها في ملة ولا ظلم ولا جور وسمعت من بعض من له خبرة بذلك أن المغارم التى قررت على القرى بلغت سبعين ألف كيس وذلك خلاف المصادرات الخارجة
وفي اواخره قوى عزم الباشا على السفر لناحية الاسكندرية وامر باحضار اللوازم والخيام وما يحتاج اليه الحال من روايا الماء والقرب وباقي الأدوات

واستهل شهر جمادي الثانية بيوم الخميس سنة
وفي ثانيه وهو يوم الجمعة ركب الباشا الى بولاق وعدى الى ناحية برانبابة ونصبوا وطاقه هناك وخرجت طوائف العسكر الى ناحية بولاق وساحل البحر وطفقوا يأخذون ما يجدونه من البغال والحمير والجمال واستمروا على الدخول والخروج والذهاب والمجيء والرجوع والتعدية اياما وهم على ذلك النسق من خطف البهائم وامتنعت السقاؤن عن نقل الماء من البحر حتى شح الماء وغلا سعره وعطشت الناس وامتنع حمل البضائع
وفي ثالثه طلبوا أيضا خيول الطواحين لجر المدافع والعربات حتى تعطلت الطواحين عن طحن الدقيق ولما ذهبوا بها الى العرضي اختاروا منها جيادها واعطوا اربابها عن كل فرس خمسين قرشا وردوا البواقي لاصحابها
وفيه طلبوا أيضا دراهم من طائفة القبانية والحطابة وباعة السمك القديد المعروف بالفسيخ فكان القدر المطلوب من طائفة القبانية مائة وخمسين كيسا فأغلقوا حوانيتهم وهربوا والتجؤا الى الجامع الأزهر وكذلك الحطابة وغيرهم منهم من هرب ومنهم من إلتجأ الى السيد عمر واستمر كذلك ثلاثة ايام وركب السيد عمر وعدى الى الباشا وتشفع في الطوائف المذكورة فرفعوا عنهم غرامتهم وكتبوا لهم امانا بذلك
وفي خامسه حضر قابجي من طرف الإنكليز وصحبته اشخاص فأنزلهم الباشا في خيمة بمخيمه بإنبابة فرقدوا بها ليأخدوا لهم راحة وناموا فلما استيقظوا فلم يجدوا ثيابهم وسطا عليها السراق فشلحوهم فأرسلوا الى حارة الفرنساوية فأتوا لهم بثياب وقفوات لبسوها
وفي يوم السبت مع ليلة الأحد حادي عشره عمل الفرنساوية عيدا ومولدا بحارتهم وأولمو بينهم ولائم واوقدوا قناديل كثيرة تلك الليلة وحراقات نفوط وسواريخ وشنكا حصة من الليل وهو عبارة عن مولد بونابارته السنوي
وفي الثلاثاء ثالث عشره طلب الباشا حسين افندي الروزنامجي فعدى

اليه ببر انبابه فخلع الدفتردارية وحضر الى داره الجديد وهو بيت الهياتم بالقرب من قنطرة درب الجماميز وذهب اليه الناس يهنوئه وانفصل احمد افندي عاصم عن الدفتردارية
وفي يوم الخميس خامس عشره عمل الباشا شنكا بالبر الغربي بين المغرب والعشاء ولما اصبح امر بالإرتحال وتمهل حتى تكامل ارتحال العساكر فركب قريب الزوال الى المنصورة
وفي يوم الجمعة سادس عشره الموافق السادس مسرى القبطي اوفي النيل اذرعه وذلك بعد أن حصل في الناس ضجر وقلق بسبب تأخر الوفاء عدة ايام حتى رفعوا الغلال من العرصات وزادت اثمانها فلما حصل الوفاء اطمأن الناس وتراجعت اليهم انفسهم واظهروا الغلال في العرصات والرقع وركب كتحدا بك في صبح يوم السبت وكذلك القاضي وطوسون ابن الباشا والسيد عمر النقيب وكسر السد بحضرتهم وجرى الماء في الخليج
وفيه وصل قابجي الى ثغر الاسكندرية وحضر بد ذلك الى ثغر بولاق من طريق البر الى قبرص و تحرى الوصول إلى دمياطثم حضر إلى بولاق وقابل الباشا في طريقه ووصل على يد مسكة ضرب المعاملة الجديدة بالضربخانة باسم السلطان الجديد وكذلك الأمر بالخطبة والدعاء والأخبار برفع النظام الجديد وابطاله من اسلامبول ورجوع الوجاقات على قانونها الأول القديم ووصل في نيف وخمسين يوما فاجتمعوا في صبحها يوم الأحد بباب الباشا واحضروا الأغا بموكب ودخل من باب النصر وقريء الفرمان بحضرة الجمع وضربوا شنكا ومدافع من ابراج القلعة ثلاثة ايام في الأوقات الخمسة
ومن الحوادث انه ظهر في هذه الأيام رجل بناحية بنها العسل يدعى بالشيخ سليمان فأقام مدة في عشة بالغيظ واعتقد الناس الولاية والسلوك والجذب فاجتمع اليه الكثير من اهل القرى واكثرهم الأحداث ونصبوا له خيمةو كثر جمعه واقبلت عليه اهالي القرى بالنذور والهدايا

وصار يكتب الى النواحي اوراقا يستدعي منهم القمح والدقيق ويرسلها مع المريدين يقول فيها الذي نعلم به اهل القرية الفلانية حال وصول الورقة اليكم تدفعون لحاملها خمسة ارداب قمح او اقل او اكثر برسم طعام الفقراء وكراء طريق المعين ثلاثون رغيفا نحو ذلك فلا يتأخرون عن ارسال المطلوب في الحال وصار الذين حوله ينادون في تلك النواحي بقولهم لا ظلم اليوم ولا تعطوا الظلمة شيئا من المظالم التي يطلبونها منكم ومن اتاكم فاقتلوه فكان كل من ورد من العسكر المعينين الى تلك النواحي يطلب الكلف او الفرض التي يفرضونها فزعوا عليه وطردوه وان عاند قتلوه فثقل امره على الكشاف والعسكر وصار له عدة خيام واخصاص واجتمع لديه من المردان نحو المائة وستين امرد وغالبهم اولاد مشايخ البلاد وكان اذا بلغه أن بالبلد الفلانية غلاما وسيم الصورة ارسل يطلبه فيحضرونه اليه في الحال ولو كان ابن عظيم البلدة حتى صاروا يأتون اليه من غير طلب ولا يخفى حال الإقليم المصري في التقليد في كل شيء وهذا من جنس المردان وكذلك ذوو اللحى هم كثيرون أيضا وعمل للمردان عقودا من الخرز الملون في اعناقهم ولبعضهم اقراطا في آذانهم ثم أن شيخا من فقهاء الأزهر من اهالي بنها يقال له الشيخ عبدالله البنهاوي ادعى دعوى بطين مستأجرة من اراضي بنها كان لأسلافه وان الملتزمين بالقرية استولوا على ذلك الطين من غير حق لهم فيه بل باغراء بعض مشايخ القرية والمذكور به رعونة ولم يحسن سبك الجعالات والبراطيل للوسايط وارباب الأحكام واتباعهم ويظن في نفسه انه يقضي قضيته يقال المصنف اكراما لعلمه ودرسه فتخاصم مع الملتزمين ومشايخ بلده وانعقدت بسببه مجالس ولم يحصل منها شيء سوى التشنيع عليه من المشايخ الأزهرية والسيد عمر النقيب ثم كتب له عرضحال ورفع امره الى كتخدا بك والباشا فأمر الباشا بعقد مجلس بسببه بحضرة السيد عمر والمشايخ وقالوا للباشا انه غير محق وطردوه فسافر الى بلده وسافر

الباشا أيضا الى جهة البحيرة والإسكندرية فذهب الشيخ عبدالله المذكور الى الشيخ سليمان المذكور واغراه على الحضور الى مصر وانه متى وصل اجتمع عليه المشايخ واهل البلدة وقابلوه ويكون على يده الفتح والفتوح وحركته خساف العقول المحيطون به والمجتمعون حوله على المجيء الى مصر ويكون له شأن لأن ولايته اشتهرت بالمدينة ولهم فيه اعتقاد عظيم وحب جسيم ومن اوصاف ذلك الشيخ انه لا يتكلم الا بالذكر او الكلام النزر الذي لا بد منه ويتكلم في اكثر اوقاته بالإشارة ثم انه اذاع شياطينه وحضر برجاله وغلمانه و معه طبول وكاسات على طريق مشايخ اهل العصر والاوان الذين يحسبون انهم يحسنون صنعا ودخلوا الى المدينة على حين غفلة وبأيديهم فراقل يفرقعون بها فرقعة متتابعة وصياح وجلبة ومن خلفهم الغلمان والبدايات وشيخهم في وسطهم فما زالوا في سيرهم حتى دخلوا المشهد الحسيني وجلسوا بالمسجد يذكرون ودخل منهم طائفة الى بيت السيد عمر مكرم النقيب وهم يفرقعون بما في ايديهم من الفرقلات فأقاموا بالمسجد الى العصر ثم دعاهم انسان من الأجناد يقال له اسمعيل كاشف أبو مناخير له في الشيخ المذكور اعتقاد فذهبوا معه الى داره بعطفة عبدالله بك فعشاهم وباتوا عنده الى الصباح ولما طلع النهار ركب الشيخ بغلة ذلك الجندي وذهب بطائفته الى ضريح الامام الشافعي فجلس بالمسجد أيضا مع اتباعه يذكرون وبلغ خبره كتخدا بك وامثاله فكتب تذكرة وارسلها الى السيد عمر النقيب بطلب الشيخ المذكور ليتبركوا به واكد في الطلب وقصده أن يفتك به لقهرهم منه وعلم السيد عمر ما يراد به فارسل يقول له أن كتب من اهل الكرامة فأظهر سرك وكرامتك والا فاذهب وتغيب وكان صالح أغا قوج لما بلغه خبره ركب في عسكره وذهب الى مقام الشافعي واراد القبض عليه فخوفه الحاضرون وقالوا له لا ينبغي لك التعرض له في ذلك المكان فإذا خرج فدونك واياه فانتظره بقصر شويكار فتباطأ الشيخ الى قريب العصر واشاروا عليه بالخروج من الباب القبلي وتفرق

عنه الكثير من المجتمعين عليه فذهب الى مقام الليث بن سعد ثم سار من ناحية الجبل وذهب بداياته وغلمانه الى دار اسمعيل كاشف التى باتوا بها ولما سار الى ناحية الصحراء لحقه الحاج سعودي الحناوي واقتفى اثره وبلغه رسالة السيد عمر ورجع الى السيد عمر فوجد كتخدا بك ورجب أغا حضرا الى السيد عمر يسألانه عنه ولم يكتفوا بالطلب الأول فأخبرهما انه ذهب ولم تلحقه المراسيل فاغتاظوا وقالوا نرسل الى كاشف القليوبية بالقبض عليه اينما كان وانصرفوا ذاهبين وقصدت العساكر بيت اسمعيل كاشف أبو مناخير فقبضوا على الغلمان واخذوهم الى دورهم ولم ينج منهم الا من كان بعيدا وهرب وتغيب وتفرق اتباعه ذوو اللحى واما الشيخ فسار من طريق الصحراء حتى وصل إلى بهتيم وذهب الى نوب فعرف بمأنه الشيخ عبدالله زقزوق البنهاوي الذي كان اغراه على الحضور الى مصر ولما سقط في يده تبرأ عنه وذهب الى كتخدا بك وطلب له امانا واخبره انه متخف بضريح الإمام الشافعي فأعطاه امانا وذهب اليه واحضره من نوب فلما حضر عند الكتخدا قال له ارخ لحيتك واترك ما انت عليه واقم في بلدك واعطيك طينا تزرعه ولا تتعرض لأحد ولا احد يتعرض لك والشيخ ساكت لا يتكلم وصحبته اربعة انفار من تلاميذه هم الذين يخاطبون الكتخدا ويكلمونه ثم امر اشخاصا من العسكر فأخذوه وذهبوا به الى بولاق وانزلوه في مركب وانحدروا به ثم غابوا حصة وانقلبوا راجعين ثم بعد ذلك تبين انهم قتلوه والقوه في البحر الا واحدا من الأربعة القى بنفسه في البحر وسبح في الماء وطلع الى البر وهرب وانفض امره
وفيه ارسل الباشا وهو بالرحمانية يطلب شيخ دسوق فحضر اليه طائفة من العسكر فلما اتوا اليه امتنع وقال ما يريد الباشا مني اخبروني بطلبه وانا ادفعه أن كان غرامة او كلفة فقالوا لا ندري وانما امرنا بإحضارك فشاغلهم بالطعام والقهوة ووزع بمائمه وحريمه والذي يخاف عليه وفي الوقت وصلت مراكب وبها عساكر وطلعوا الى البر فركب شيخ البلد خيوله

وخيالته واستعد لحربهم وحاربهم وابلى معهم وقتل منهم عدة كبيرة ثم ولى هاربا فدخل العسكر إلى البلد ونهبوها وأخذوا ما وجدوا في دور اهلها وعبروا مقام السيد الدسوقي وذبحوا من وجدوه من المجاورين وفيهم من طلبة العلم العواجز
وفيه ركب كتخدا بك ومر على بيت الداودية وبه طائفة من الدلاة فرأى شخصا منهم يرجم دجاجة بحجر ليرميها من سطح دار اخرى فانتهره واراد ضربه فقامت عليه رفقاؤه الدالاتية وفزعوا عليه فولى هاربا منهم فعدوا خلفه ولم يزل رامحا هو واتباعه حتى وصل الى ناحية الأزبكية

واستهل شهر رجب بيوم الجمعة سنة
في رابعه وردت مكاتبات من الباشا بوقوع الصلح بينه وبين الإنكليز واتفقوا على خروجهم من الاسكندرية وخلوها ونزولهم منها اوأرسل يطلب الاسرى من الإنكليز
وفي عاشره ورد قابجي ويسمى نجيب افندي فوصل الى بولاق يوم الاثنين حادى عشره وكان وروده من ناحية دمياط فلما علم أن الباشا بناحية البحيرة ذهب اليه وقابله بدمنهور وبصحبته لخصوص الباشا قفطان وسيف وشلنج وخلع لكبار العسكر مثل حسن باشا وطاهر باشا وعابدين بك وعمر بك وصالح قوج فنزل ببيت محمد الطويل التتنجي ببولاق
وفيه نزلوا بالأسرى من الإنكليز الى المراكب ليسافروا الى الإسكندرية
وفي يوم الأربعاء ثالث عشره وصل المبشر بنزول الإنكليز من ثغر الإسكندرية الى المراكب ودخل اليها كتخدا بك ونزل بدار الشيخ المسيري واستمر الباشا مقيما عند السد
وفي يوم السبت سادس عشره ركب القابجي من بولاق بالموكب وشق من وسط المدينة وذهب الى بيت الباشا وضربوا لقدومه مدافع من القلعة
وفي يوم الأربعاء سابع عشرينه ولد لمحمد علي باشا مولود من حظيته وحضر المبشرون بنزول الإنكليز من الإسكندرية ودخول الباشا

بها فعملوا شنكا وضربوا مدافع من القلعة ثلاثة ايام في الأوقات الخمسة آخرها السبت
وفي يوم الخميس والجمعة والسبت وصلت عساكر كثيرة ودخلوا المدينة وطلبوا سكنى البيوت وازعجوا الناس واخرجوهم من اوطانهم وضجت الخلائق وحضر الكثير الى السيد عمر والمشايخ فكتبوا عرضا في شأن ذلك وارسلوه الى كتخدا بك فأظهر الإهتمام واحضر طائفة من كبار العسكر وكلمهم في ذلك وقال لهم كل من كان ساكنا قبل الخروج الى العرضى في دار فليرجع اليها ويسكنها ولا تعارضوا الناس في مساكنهم فلم يفد كلامه في ذلك شيئا لأن البيوت التى كانوا بها اخربوها وحرقوا اخشابها وتركوها كيمانا وذلك دأبهم

واستهل شهر شعبان بيوم السبت سنة
في ثالثه يوم الإثنين وصل الباشا الى ساحل بولاق فضربوا لقدومه مدافع من القلعة وعملوا له شنكا ثلاثة ايام واتفق أن الباشا في حال رجوعه من الإسكندرية نزل في سفينة صغيرة وصحبته حسن باشا طاهر وسليمان أغا الوكيل سابقا فانقلبت بهم واشرف ثلاثتهم على الغرق وتعلق بعضهم بحرف السفينة فلحقتهم مركب اخرى انقذتهم من الغرق وطلعوا سالمين وكان ذلك عند زفيتة
وفيه كتبوا أوراق البشارة بذهاب الانكليز وسفرهم من الاسكندرية وارسلوها الى البلاد والقرى وعليها حق الطريق اربعة ألاف والفين فضة وصورة ما حصل انه لما وصل الباشا الى ناحية الإسكندرية راسل الإنكليز وحضر اليه انفار منهم واختلى معهم ولم يعلم احد ما دار بينهم من الكلام وذهبوا من عنده واشيع الصلح وفرحت العسكر لانهم لما رأوا صورة المتاريس والطوابي والخنادق وجري المياه بين ذلك بالأوضاع المتقنة هالهم ذلك ثم حضر من عظمائهم اشخاص ولما علم الباشا بوصولهم رتب العساكر ونظم ديوانا وهيأه واوقف العساكر صفوفا يمنة ويسره وعندما

وصلوا ضربوا لهم مدافع كثيرة وشنكا وقدم لهم خيولا وهدايا واقمشة هندية وخلع عليهم خلعا وشيلانا كشميرية وغير ذلك ثم ركب معهم في قلة الى حيث منزلة ساري عسكرهم وكبيرهم فتلاقى معهم وقدم له الآخر هدايا وظرائف ثم ركب معه الى الإسكندرية وتسلم القلعة وذلك بعد دخول كتخدار بك بخمسة ايام وكان في اسرى الإنكليز انفار من عظمائهم فأحضرهم الباشا مع باقي الأسرى وتم الصلح على رد المذكورين على انهم لم يأتوا طمعا في البلاد كما تقدم ولما نزلوا بالمراكب لم يبعدوا عن الثغر إلا مسافة قليلة واستمروا يقطعون على المركب الواردين على الثغور وذلك لما بينهم وبين العثماني من المفاقمة
هذا ما كان من امر الإنكليز واما العساكر فإنهم افحشوا في التعدي على الناس وغصب البيوت من اصحابها فتأتي الطائفة منهم الى الدار المسكونة ويدخلونها من غير احتشام ولا اذن ويهجمون على سكن الحرم بحجة انهم يتفرجون على اعالي الدار فتصرخ النساء ويجتمع اهل الخطة ويكلمونهم فلا يلتفتون اليهم فيعالجونهم مرة بالملاطفة و أخرى بكثرة الجمع إن كان بهم قوة أو بمعونة ذي مقدرة و إذا انفصلوا فلا يخرجون من الدار الا بمصلحة او هدية لها قدر ويشترطون في ذلك الشيلان الكشميري فإذا احضروا لهم مطلوبهم فلا يعجب كبيرهم ويطلب خلافه احمر او اصفر واتفق أن بعضهم دخل عليه بينباشا بجماعته فلم يزل به حتى صالحه على شال يأخذه ويترك له داره فأتاه بشال اصفر فاظهر انه لا يريد الا الأحمر الدودة فلم يسعه الا الرضا واراد أن يرد الأصفر ويأتيه بالأحمر فحجزه وقال دعه حتى تأتتي بالأحمر ضمه إلى الاصفر و اخذ الإثنين ثم انصرف عنه وذلك خلاف ما يأخذونه من الدراهم فإذا انصرفوا وظن صاحب الدار انهم انجلوا عنه فيأتيه بعد يومين او ثلاثة خلافهم ويقع في ورطة اخرى مثل الأولى او اخف او اعظم منها وبعضهم يدخل الدار ويسكنها بالتحيل والملاطفة مع صاحب الدار فيقول له يا اخي يا حبيبي انا

معي ثلاثة انفار واربعة لا غير ونحن مسافرون بعد عشرة ايام والقصد أن تفسح لنا نقيم في محل الرجال وانت بحريمك في مكانهم اعلى الدار فيظن صدقهم ويرضى بذلك على تخوف وكره فيعبرون ويجلسون كما قالوا في محل الرجال ويربطون خيولهم في الحوش ويعلقون اسلحتهم ويقولون نحن صرنا ضيوفك فإذا اراد أن يرفع فرش المكان يقولون نحن نجلس على الحصير والبلاط واي شيء يصيب الفرش فيتركه حياء وقهرا ثم يطلبون الطعام والشراب فما يسعه الا أن يتكلف لهم ذلك في اوقاته ويستعملون الأواني ويطلبون ما يحتاجون اليه مثل الطشت والأبريق وغير ذلك ثم تأتيهم رفقاؤهم شيئا فشيئا ويدخلون ويخرجون وبأيديهم الأسلحة ويضيق عليهم المكان فيقولون لصاحب المكان اخل لنا محلا اخر في الدار فوق لرفقائنا فإن قال ليس عندنا محل اخر او قصر في مطلوب ابتداؤه بالقسوة فعند ذلك يعلم صاحب الدار انهم لا انفكاك لهم عن المكان وربما مضت العشرة ايام او اقل او اكثر وظهرت قبائحهم وقذروا المكان واحرقوا البسط والحصر بما يتساقط عليها من الجمر من شربهم النارجيلات والتنباك والدخان وشربوا الشراب وعربدوا وصرخوا وصفقوا وغنوا بلغاتهم المختلفة وفقعت رائحة العرقي في المنزل فيضيق صدر الرجل وصدر اهل بيته ويطيب خاطرهم على الخروج والنقلة فيطلبون لأنفسهم مسكنا ولو مشتركا عند اقاربهم ومعارفهم وتخرج النساء في غفلة بثيابهن وما يمكنهن حمله ثم يشرعون في اخراج المتاع والأواني والنحاس والفرش فيحجزونه منهم ويقولون اذا اخذتم ذلك فعلى اي شيء نجلس وفي اي شيء نطبخ وليس معنا فرش ولا نحاس والذي كان معنا استهلك منا في السفر والجهاد ودفع الكفار عنكم وانتم مستريحون في بيوتكم وعند حريمكم فيقع النزاع وينفصل الأمر بينهم وبين صاحب الدار اما بترك الدار بما فيها او بالمقاسمة والمصالحة بالترجي والوسايط ونحو ذلك وهذا الأمر يقع لأعيان الناس والمقيمين بالبلدة من الأمراء والأجناد

المصريين واتباعهم ونحوهم ثم انهم تعدوا الى الحارات والنواحي التى لم يتقدم لهم السكنى بها قبل ذلك مثل نواحي المشهد الحسيني وخلف الجامع المؤيدي والخرنفش والجمالية حتى ضاقت المساكن بالناس لقلتها وصار بعض المحتشمين اذا سكن بجواره عسكر يرتحل من داره ولو كانت ملكه بعد امن جوارهم وخوفا من شرهم وتسلقهم على الدار لأنهم يصعدون على الأسطح والحيطان ويتطلعون على من بجوارهم ويرمون بالبندقيات والطبنجات ومما اتفق أن كبيرا منهم دخل بطائفته الى منزل بعض الفقهاء المعتبرين وامره بالخروج منها ليسكن هو بها فأخبره انه من مشايخ العلم فلم يلتفت لقوله فتركه ولبس عمامته وركب بغلته وحضر إلى اخوانه المشايخ واستغاث بهم فركب معه جماعته منهم وذهبوا الى الدار ودخلوا اليها راكبين بغالهم فعندما شاهدهم العسكر وهم واصلون في كبكبة اخذوا اسلحتهم وسحبوا عليهم السيوف فرجع البعض هاربا وثبت الباقون ونزلوا عن بغالهم وخاطبوا كبيرهم وعرفوه انها دار العالم الكبير وهذا لا يناسب وان النصارى واليهود يكرمون قسسهم ورهبانهم وانتم اولى بذلك لأنكم مسلمون فقالوا لهم في الجواب انتم لستم بمسلمين لأنكم كنتم تتمنون تملك النصارى لبلادكم وتقولون انهم خير منا ونحن مسلمون ومجاهدون طردنا النصارى واخرجناهم من البلاد فنحن احق بالدور منكم ونحو ذلك من القول الشنيع ثم لم يزالوا في معالجتهم الى ثاني يوم ولم ينصرفوا عن الدار حتى دفعوا لهم مأتي قرش وشال كشمير لكبيرهم وفعل ذلك بعدة بيوت دخلها على هذه الصورة واخذ منها اكثر من ذلك ومنها دار اسمعيل افندي صاحب العيار بالضربخانة وهو رجل معتبر اخذ منه خمسمائة قرش وشال كشمير وفعل مثل ذلك بغيرهم هو وامثاله ولما اكثر الناس من التشكي للباشا وللكتخدا قال الكتخدا اناس قاتلوا وجاهدوا اشهرا واياما وقاسوا ما قاسوه في الحر والبرد والطل حتى طردوا عنكم الكفار واجلوهم عن بلاد افلا تسعونهم

في السكنى ونحو ذلك من القول
ولما انقضى هذا الامر واستقر الباشا واطمأن خاطره وخلص له الاقليم المصري وثغر الاسكندرية الذي كان خارجا عن حمهحتى قبل مجيء الإنكليز فإن الإسكندرية كانت خارجة عن حكمه فلما حصل مجيء الإنكليز وخروجهم صار الثغر في حكمه أيضا فاول ما بدأ به انه ابطل مسموح المشايخ والفقهاء معا في البلاد التى التزموا بها لأنه لما ابتدع المغارم والشهريات والفرض التى فرضها على القرى ومظالم الكشوفية جعل ذلك عاما على جميع الالتزامات والحصص التى بأيدي جميع الناس حتى اكابر العسكر واصاغرهم ما عدا البلاد والحصص التى للمشايخ خارجة عن ذلك ولا يؤخذ منها نصف الفائظ ولا ثلثه ولا ربعه وكذلك من ينتسب لهم او حتى يحتمي فيهم ويأخذون الجعالات والهدايا من اصحابها ومن فلاحيهم تحت حمايتها ونظير صيانتها واغتروا بذلك واعتقدوا دوامه واكثروا من شراء الحصص من اصحابها المنجاحين بدون القيمة وافتتنوا بالدنيا وهجروا مذاكرة المسائل ومدارسة العلم الا بمقدار حفظ الناموس مع ترك العمل بالكلية وصار بيت احدهم مثل بيت احد الأمراء الألوف الأقدمين واتخذوا الخدم والمقدمين واعوان واجروا الحبس والتعزيز والضرب بالفلقة والكرابيج المعروفة بزب الفيل واستخدموا كتبة الأقباط وقطاع الجرائم في الإرساليات للبلاد وقدروا حق طرق لأتباعهم وصارت لهم استعجالات وتحذيرات وانذارات عن تأخر المطلوب مع عدم سماع شكاوي الفلاحين ومخاصمتهم القديمة مع بعضهم بموجبات التحاسد والكراهية المجبولة والمركوزة في طباعهم الخبيثة وانقلب الوضع فيهم بضده وصار ديدنهم واجتماعهم ذكر الامور الدنيوية والحصص والالتزام وحساب الميري والفائظ والمضاف الرماية والمرافعات والمراسلات والتشكي والتنجي مع الأقباط واستدعاء عظمائهم في جمعياتهم وولائمهم والاعتناء بشأنهم والتفاخر بتردادهم والترداد عليهم والمهاداة فيما بينهم الى غير ذلك مما

يطول شرحه واوقع مع ذلك زيادة عما هو بينهم من التنافر والتحاسد والتحاقد على الرياسة والتفاقم والتكالب على سفاسف الأمور وحظوظ الأنفس على الأشياء الواهية مع ما جلبوا عليه من الشح والشكوى والإستجداء وفراغ الاعين والتطلع للأكل في ولائم الأغنياء والقراء و المعاتبة عليها إن لم يدعوا اليها والتعريض بالطلب واظهر الإحتياج لكثرة العيال والأتباع واتساع الدائرة وارتكابهم الأمور المخلة بالمروءة المسقطة للعدالة كالإجتماع في سماع الملاهي والأغاني والقيان والآلات المطربة واعطاء الجوائز والنقوط بمناداة الخلبوص وقوله واعلاماه في السامر وهو يقول في سامر الجمع بمسمع من النساء والرجال من عوام الناس وخواصهم برفع الصوت الذي يسمعه القاصى والداني وهو يخاطب رئيسةالمغاني ياستي حضرة شيخ الإسلام والمسلمين مفيد الطالبين الشيخ العلامة فلان منه كذا وكذا من النصفيات الذهب قدر مسماه كثير وجرمه قليل نتيجته التفاخر الكذب والإزدراء بمقام العلم بين العوام واوباش الناس الذين اقتدوا بهم في فعل المحرمات الواجب عليهم النهي عنها كل ذلك من غير احتشام ولا مبالاة مع التضاحك والقهقهة المسموعة من البعد في كل مجمع ومواظبتهم على الهزليات والمضحكات والفاظ الكتابة المعبر عنها عند اولاد البلد بالإنقاط والتنافس في الأحداث الى غير ذلك
وفيه فتحوا الطلب من الملتزمين ببواقي الميري على اربع سنوات ماضية
وفي عاشره فتحوا أيضا دفاتر الطلب بميري السنة القابلة ووجهوا الطلب بها الى العسكر فدهى الناس بدواه متوالية منها خراب القرى بتوالي المظالم والمغارم والكلف وحق الطرق والاستعجالات والتساويف والبشارات فكان اهل القرية النازل بها ذلك يتنقلون الى القرية المحمية لشيخ من الأشياخ وقد بطلت الحماية أيضا حينئذ ثم انزلوا بالبنادر مغارم عظيمة لها قدر من الأكياس الكثيرة وذلك عقب فرصة البشارة مثل

دمياط ورشيد والمحلة والمنصورة مائة كيس وخمسون كيسا ومائة وخمسون واكثر واقل
وفي اثناء ذلك قرروا أيضا فرضة غلال وسمن وشعير وفول على البلاد والقرى وان لم يجد المعينون للطلب شيئا من الدراهم عند الفلاحين اخذوا مواشيهم وابقارهم لتأتي اربابها ويدفعوا ما تقرر عليهم ويأخذوها ويتركونها بالجوع والعطش فعند ذلك يبيعونها على الجزارين ويرمونها عليهم قهرا بأقصى القيمة ويلزمونهم بإحضار الثمن فإن تراخوا وعجزوا شددوا عليهم بالحبس والضرب
وفي يوم الخميس ثالث عشره مر الباشا في ناحية سويقة العزى سائرا الى ناحية بيت بليغا وهناك المكتب فوق السبيل الذي بين الطريقين تجاه من يأتي من تلك الناحية فطلع الى ذلك المكتب شخصان من العسكر يرصدان الباشا في مروره فحيثما أتى مقابلا لذلك المكتب اطلقا في وجهه برودتين فأخطأتاه واصابت احدى الرصاصتين فرس فارس من الملازمين حوله فسقط ونزل الباشا عن جواده على مصطبة حانوت مغلقة وامر الخدم باحضار الكامنين بذلك المكتب فطلعوا اليهما وقبضوا عليهما ثم حضر كبيرهم من دار قريبة من ذلك المكان واعتذر الى الباشا بانهما مجنونان وسكرانان فأمره بإخراجهما وسفرهما من مصر وركب وذهب الى داره
وفي يوم الإثنين ثالث عشرينه اجتمع عسكر الأرنؤد والترك على بيت محمد علي باشا وطلبوا علائفهم فوعدهم بالدفع فقالوا لا نصبر وضربوا بنادق كثيرة ولم يزالوا واقفين ثم انصرفوا وتفرقوا وارتجت البلد وارسل السيد عمر الى اهل الغورية والعقادين والأسواق يأمرهم برفع بضائعهم من الحوانيت ففعلوا واغلقوها فلما كان قبيل الغروب وصل الى بيت الباشا طائفة الدلاتية وضربوا أيضا بنادق فضرب عليهم عسكر الباشا كذلك فقتل من الدلاة اربعة انفار وانجرح بعضهم فانكفوا ورجعوا وبات الناس متخوفين وخصوصا نواحي الأزهر وأغلقوا البوابات من بعد

الغروب وسهروا خلفها بالأسلحة ولم تفتح الا بعد طلوع الشمس واصبح يوم الثلاثاء والحال على ما هو عليه من الاضطراب ونقل الباشا امتعته الثمينة تلك الليلة الى القلعة وكذلك في ثاني يوم ثم انه طلع الى القلعة في ليلة الأربعاء وشيعه حسن باشا الى القلعة ورجع الى داره ويقال أن طائفة من العسكر الذين معه بالدار ارادوا غدره تلك الليلة وعلم ذلك منهم باشارة بعضهم لبعض رمزا فغالطهم وخرج مستخفيا من البيت ولم يعلم بخروجه الا بعض خواصه الملازمين له واكثرهم اقاربه وبلدياته ولما تحققوا خروجه من الدار وطلوعه الى القلعة صرف بونابارته الخازندار الحاضرين في الحال ونقل الأمتعة والخزينة في الحال وكذلك الخيول والسروج وخرجت عساكره يحملون ما بقي من المتاع والفرش والأواني الى القلعة واشيع في اللبلدة أن العساكر نهبوا بيت الباشا وزاد اللغط والاضطراب ولم يعلم احد من الناس حقيقة الحال حتى ولا كبار العسكر وزاد تخوف الناس من العسكر وحصل منهم عربدات وخطف عمائم وثياب وقتل اشخاص واصبح يوم الخميس وباب القلعة مفتوح والعساكر مرابطون وواقفون باسلحتهم وطلع افراد من كبار العسكر بدون طوائفهم ونزلوا واستمر الحال على ذلك يوم الجمعة والعسكر والناس في اضطراب وكل طائفة متخوفة من الأخرى والأرنؤد فرقتان فرقة تميل الى الأتراك وفرقة تميل الى جنسها والدلاة تميل الى الأتراك وتكره الأرنؤد وهم كذلك والناس متخوفة من الجميع ومنهم ومن يخشى من قيام الرعية ويظهر التودد لهم وقد صاروا مختلطين بهم في المساكن والحارات وتأهلوا وتزوجوا منهم
وفي يوم السبت طلع طائفة من المشايخ الى القلعة وتكلموا وتشاوروا في تسكين هذا الحال بأي وجه كان ثم نزلوا
وفي ليلة الأحد كانت رؤية هلال رمضان فلم يعمل الموسم المعتاد وهو الاجتماع ببيت القاضي وما يعمل به من الحراقة والنفوط والشنك وركوب

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13