كتاب : الأمالي
المؤلف : أبو علي القالي

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الجزء الأول
قال الشيخ أبو على إسماعيل بن القاسم القالى البغدادى رحمه الله: الحمد لله الذى جل عن شبه الخليقة، وتعالى عن الأفعال القبيحة؛ وتنزه عن الجور، وتكبر عن الظلم؛ وعدل فى أحكامه، وأحسن إلى عباده؛ وتفرد بالبقاء، وتوحد بالكبرياء، ودبر بلا وزير، وقهر بلا معين؛ الأول بلا غاية، والآخر بلا نهاية؛ الذى عزب عن الأفهام تحديده، وتعذر على الأوهام تكييفه؛ وعميت عن إدراكه الأبصار، وتحيرت فى عظمته الأفكار؛ الشاهد لكل نجوى، السامع لكل شكوى، والكاشف لكل بلوى؛ الذى لا يحويه مكان، ولا يشتمل عليه زمان، ولا ينتقل من حال إلى حال؛ القادر الذى لا يدركه العجز، والعالم الذى لا يلحقه الجهل؛ والجواد الذى لا ينزح، والعزيز الذى لا يخضع؛ والجبار الذى قامت السموات بأمره، ورجفت الجبال من خشيته.
والحمد لله الذى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالدلائل الواضحة، والحجج القاطعة، والبراهين الساطعة؛ بشيراً ونذيراً، وداعياً إليه بإذنه وسراجا منيرا؛ فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونهض بالحجة، ودعاء إلى الحق، وحض على الصدق؛ صلى الله عليه وسلم.

ثم أما بعد حمد الله والثناء عليه، والصلاة على خير البشر صلى الله عليه وسلم، فإنى لما رأيت العلم أنفس بضاعة، أيقنت أن طلبه أفضل تجارة؛ فاغتربت للرواية، ولزمت العلماء للدراية. ثم أعلمت نفسى في جمعه، وشغلت ذهنى بحفظه؛ حى حويت خطيره، وأحرزت رفيعه، ورويت جليله، وعرفت دقيقه؛ وعقلت شارده، ورويت نادره، وعلمت غامضه، ووعيت واضحه، ثم صنته بالكتمان عمن لا يعرف مقداره، ونزهته عن الإذاعة عند من يجهل مكانه؛ وجعلت غرضى أن أودعه من يستحقه، وأبديه لمن يعلم فضله، وأجلبه إلى من يعرف محله؛ وأنشره عند من يشرفه، وأقصد به من يعظمه؛ إذ بائع الجوهر وهو حجر يصونه بأجود صوان، ويودعه أفضل مكان؛ ويقصد به من يجزل ثمنه، ويحمله إلى من يعرف قدره؛ على أنه لا يستحق بسببه أن يوصف بالفضل بائعه ولا مشتريه، ولا يستوجب أن يحمد من أجل المبالغة فى ثمنه مقتنيه، والعلم يذكر بالرجاحة طالبه، وينعت بالنباهة صاحبه ويستحق الحمد عند كل العقلاء حاويه، ويستوجب الثناء من جميع الفضلاء واعيه، ويفيد أسنى الشرف مشرفه ويكتسب أبقى الفخر معظمه فغبرت برهة ألتمس بنشره موضعا، ومكثت دهرا أطلب لإذاعته مكانا، وبقيت مدة أبتغى له مشرفا وأقمت زمناً ارتدى له مشتريا، حتى تواترت الأنباء المتفقة وتتابعت الصفاة الملتئمة التى لا تخالجها الشكوك ولا تمازجها الظنون، بأنه مشرفه فى عصره، أفضل من ملك الورى، وأكرم من جاد البللهى، وأجود من تعمم وارتدى، وأمجد من ركب ومشى، وأسود من أمر ونهى، سمام العدى، فياض الندى، ماضى العزيمة، مهذب الخليقة، محكم الرأى صادق الوأى، باذل الأموال، محقق الآمال، مفشى المواهب، معطى الرغائب أمير المؤمنين، وحافظ المسلمين، وقامع المشركين، ودامغ المارقين، وابن عم خاتم النبيين، محمد صلى الله عليه وسلم، (عبد الرحمن بن محمد) محيى المكارم، ومبتنى المفاخر، الذى إذا رضا غنى، وإذا غضب أردى، وإذا دعا أجاب، وإذا استصرخ أغاث. وأن معظمه مشتريه، وجامعه ومقتنيه، ربيع العفاة، وسم العداة، ذو الفضل والتمام، والعقل والكمال، المعطى قبل السؤال، والمنير قبل أن يستنال (الحكم) ولى عهد المسلمين، وابن سيد العالمين أمير المؤمنين (عبد الرحمن بن محمد) الإمام العادل، والخليفة الفاضل، الذى لم يرى فيما مضى من الأمراء شبهه، ولا نشأ فى الأزمنة من الكرماء مثله، ولا ولد نساء من الأجواد نظيره، ولا ملك العباد من الفضلاء عديله، فخرجت جائداً بنفسى، باذلا لحشاشتى، أجوب متونا قفارى، وأخوض بحج البحار، وأركب الفلوات، وأقتحم الغمرات، مؤملا أن أوصل العلق النفيس إلى من يعرفه، وأنشر المتاع الخطير ببلد من يعظمه، وأشرف الشريف باسم من يشرفه، وأعرض الرفيع على من يشتريه، وأبذل الجليل لمن يجمعه ويغتنيه، فمن الله جل وعز بالسلامة، وحبا تعالى ذكره بالعافية، حتى حللت بعصرة الخواف، وعصمة المضافى، والمحل الممرع، والربيع المخصب، فناء أمير المؤمنين (عبد الرحمن بن محمد) المبارك الطلعة، ميمون الغرة، الجم الفواضل، الكثير النوافل، الغيث فى المحل، الثمال فى الأزل، البدر الطالع، الصبح الساطع، الضوء اللامع، أسراج الزاهر، السحاب الماطر، الذى نصر الدين، وأعز المسلمين، وأذل المشركين، وقمع الطغاة، وأباة العصاة، وأطفىء نار النفاق، وأهمد جمر الشقاق، وذلل من الخلق من تجبر، وسهل من الأمر ما توعد، ولما الشعث، وأمن السبل، وحقن الدماء. أبقاه الله سالماً فى جسمه، معافاً فى بدنه، مسروراً بأيامه، مبتهجاً بزمانه، وخصه بطول المدة، وتتابع النعمة، وأبقى خلفته، وأدام عافيته، وتولى حفظه، ولا أزال عنا ظله. وصحبت الحيا المحسب والجواد المفضل، الذى إذا وعد وفى، وإذا أوعد عفا، وإذا وهب أسنع، وإذا أعطى أقنع، (الحكم) فرأيته - أيده الله - أجَّل الناس بعد أبيه خطره وأرفعه بقدره، وأوسعهم كنفا، وأفضلهم سلفا، وأغذرهم علما، وأعظمهم حلما، يملك غضبه فلا يعجل، ويعطى على العلاة فلا يمل، مع فهم ثاقب، ولب راجح، ولسان عضب، وقلب ندب، فتابعا لدى النعمة، وواترا على الإحسان، حتى أبديت ما كنت له كاتما، ونشرت ما كنت له طاويا، وبذلت ما كنت به ضنينا، ومذلت بما كنت عليه شحيحا، فأمللت هذا الكتاب من حفظا فى الأخمسة بقرطبة، وفى المسجد الجامع بالزهراء المباركة، وأودعته فنون من الأخبار، وضروبا من الأشعار

وأنواع من الأمثال، وغرائب من اللغات، على أنى لم أذكر فيه باباً فى اللغة إلا أشبعته، ولا ضرباً من الشعر إلا اخترته، ولا فناً من الخبر إلا انختلته ولا نوعاً من المعاناة والمثل إلا اسجبته، ثم لم أخله من غريب القرآن، وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، على أننى أوردت فيه من الإبدال ما لم يورده أحد وفسرت فيه من الإتباع ما لم يفسره بشر، ليكون الكتاب الذى استنبطه إحسان الخليفة جامعا، والديوان الذى ذكر فيه اسم الإمام كاملا، وأسأل الله عصمة من الزيغ والأشر، وأعوذ به من العجب والبطر، وأستهديله السبيل الأرشد، والطريق الأقصد. من الأمثال، وغرائب من اللغات، على أنى لم أذكر فيه باباً فى اللغة إلا أشبعته، ولا ضرباً من الشعر إلا اخترته، ولا فناً من الخبر إلا انختلته ولا نوعاً من المعاناة والمثل إلا اسجبته، ثم لم أخله من غريب القرآن، وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، على أننى أوردت فيه من الإبدال ما لم يورده أحد وفسرت فيه من الإتباع ما لم يفسره بشر، ليكون الكتاب الذى استنبطه إحسان الخليفة جامعا، والديوان الذى ذكر فيه اسم الإمام كاملا، وأسأل الله عصمة من الزيغ والأشر، وأعوذ به من العجب والبطر، وأستهديله السبيل الأرشد، والطريق الأقصد.
قال أبو على اسماعيل بن قاسم البغدادى: قرأ أبو عمرو بن العلاء: ما ننسخ من آيةٍ أو ننسأها على معنى أو نؤخرها. والعرب تقول: نسأ الله فى أجلك، وأنسأ الله أجلك، أى أخر الله أجلك. وقال النبى صلى الله عليه وسلم: " من سره النساء فى الأجل والسعة فى الرزق فليصل رحمه " والنساء: التاخير، يقال: بعته بنساء وبنسيئة، أي بتأخير، وأنسأته البيع. وقال الله عز وجل: (إنما النسىء زيادة فى الكفر)، والمعنى فيه على ما حدثنى أبو بكر بن الأنبارى رحمه الله: أنهم كانوا إذا صدروا عن منى قام رجل من بنى كنانة يقال له: نعيم بن ثعلبة، فقال: أنا الذى لا أعاب، ولا يرد لى قضاء، فيقولون له: أنسئنا شهراً، أى أخر عنا حرمة المحرم فاجعلها فى صفرٍ، وذلك أنهم كانوا يكرهون أن تتوالى عليهم ثلاثة أشهر لا تمكنهم الإغارة فيها، لأن معاشهم كان من الإغارة، فيحل لهم المحرم ويحرم عليهم صفرا، فإذا كان فى السنة المقبلةحرم عليهم المحرم وأحل لهم صفرا؛ فقال الله عز وجل: (إنما النسىء زيادة فى الكفر)، وقال الشاعر:
ألسنا الناشئين على معد ... شهور الحل نجعلها حراما
وقال الآخر:
وكنا الناشئين على معد ... شهورهم الحرام إلى الحليل
وقال آخر:
نسئوا الشهور بها وكانوا أهلها ... من قبلكم والعز لم يتمحول
قال أبو بكر بن الأنبارى رحمه الله: معنى قوله عز وجل: (ولتعرفنهم فى لحن القول) أى فى معنى القول، وفى مذهب القول، وأنشد للقتال الكلابى
ولقد لحنت لكمن لكيما تفهموا ... ووحيت وحيا ليس بالمرتاب
معناه: ولقد بينت لكم. واللحن بفتح الحاء: الفطنة، وربما أسكنوا الحاء أسكنوا الحاء فى الفطنة، ورجل لحن، أى فطن، قال لبيد يصف كاتبا
متعود لحن يعيد بكفه ... قلما على عسب ذبلن وبان
ومن اللحن الحديث الذى يروى عن النبى صلى الله عليه وسلم أن رجلين اختصما إليه فى مواريث وأشياء قد درست، فقال عليه السلام: " لعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته من الآخر فمن قضيت له بشىء من حق أخيه فإنما أقطع له قطعةً من النار " فقال كل واحد من الرجلين: يا رسول الله، حقى هذا لصاحبى؛ فقال: " لا ولكن اذهبا فتوخيا ثم استهما ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه " . ومنه قول عمر بن عبد العزيز رحمه الله: عجبت لمن لاحن الناس كيف لا يعرف جوامع الكلم! أى فاطنهم.
وحدثنى أبو بكر عن أبى العباس عن ابن الأعرابى قال: يقال قد لحن الرجل يلحن لحناً فهو لاحن إذا أخطأ، ولحن يلحن لحنا فهو لحن إذا أصاب وفطن، وأنشد
وحديث ألذه هو مما ... تشتهيه النفوس يوزن وزنا
منطق صائب وتلحن أحيا ... نا وخير الحديث ما كان لحنا
معناه: وتصيب أحيانا.

وحدثنى أيضا قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال أخبرنا نصر بن على قال أخبرنا الأصمعى عن عيسى بن عمر قال: قال معاوية للناس: كيف ابن زياد فيكم؟ قالوا: ظريف على أنه يلحن، قال فذاك أظرف له، ذهب معاوية إلى اللحن الذى هو الفطنة، وذهبوا هم إلى اللحن الذى هو الخطأ. واللحن أيضاً: اللغة ذكره الأصمعى وأبو زيد؛ ومنه قول عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه: تعلموا الفرائض والسنن واللحن كما تعلمون القرآن. فاللحن: اللغة.
وروى شريك عن أبى إسحاق عن ميسرة أنه قال فى قوله عز وجل: (فأرسلنا عليهم سيل العرم): العرم: المسناة بلحن اليمن، أى بلغة اليمن، وقال الشاعر
وما هاج هذا الشوق إلا حمامة ... تغنت على خضراء سمر قيودها
صدروح الضحى معروفة اللحن لم يزل ... تقود الهوى من مسعدٍ ويفودها
وقال الآخر
لقد تركت فؤادك مستجنا ... مطوقة على فننٍ تغنى
يميل بها وتركبه بلحن ... إذا ما عن للمخزون أنا
فلا يحزنك أيام تولى ... تذكرها ولا طير أرنا
وقال الآخر:
وهاتفين بشجوٍ بعد ما سجعت ... ورق الحمام بترجيع وإرنان
باتا على غضن بان فى ذرى فننٍ ... يرددان لحونا ذات ألوان
معناه: يرددان لغاتٍ؛ وصرف أبو زيد منه فعلا فقال: لحن الرجل يلحن لحنا إذا تكلم بلغته؛ قال: ويقال: لحنت له لحناً إذا قلت له قولا يفهمه عنك ويخفى على غيره؛ ولحنه عنى لحناً، أيى فهمه، وألحته أنا إياه إلحانا، وهذا مذهب أبى بكر بن دريد فى تفسير قول الشاعر:
منطق صائب وتلحن أحيانا
قال: يريد: تعوص فى حديثها فتزيله عن جهته لئلا يفهمه الحاضرون، ثم قال
وخير الحديث ما كان لحنا
أي خير الحديث ما فهمه صاحبك الذى تحب إفهامه وحده وخفى على غيره.
قال: وأصل اللحن أن تريد الشىء فتورى عنه بقول آخر، كقول رجل من بنى العنبر كان أسيرا فى بكر بن وائل، فسألهم رسولا إلى قومه، فقالوا له: لا ترسل إلا بحضرتنا، لأنهم كانوا أزمعوا غزو قومه فخافوا أن ينذر عليهم، فجىء بعبد أسود فقال له: أتعقل؟ قال: نعم إنى لعاقل، قال: ما أراك عاقلاً؛ ثم قال: ما هذا؟ - وأشار بيده إلى الليل - فقال: هذا الليل؛ فقال: أراك عاقلاً؛ ثم ملأ كفيه من الرمل فقال: كم هذا؟ فقال: لا أدرى وإنه لكثير، فقال: أيما أكثر، النجوم أو النيران؟ فقال: كل كثير، فقال: أبلغ قومى التحية وقل لهم: ليكرموا فلانا - يعنى أسيرا كان فى أيديهم من بكر بن وائل - فإن قومه لى مكرمون، وقل لهم: إن العرفج قد أدبى، وق شكت النساء؛ وأمرهم أن يعروا ناقتى الحمراء فقد أطالوا ركوبها، وأن يركبوا جملى الأصهب بآية ما أكلت معكم حبساً؛ واسألوا الحارث عن خبرى. فلما أذى العبد الرسالة إليهم قالوا: لقد جن الأعور، والله ما نعرف له ناقة حمراء، ولا جملا أصهب؛ ثم سرحوا العبد ودعوا الحارث فقصوا عليه القصة، فقال: قد أنذركم. أما قوله: قد أدبى العرفج، فإنه يريد أن الرجال قد استلأموا، أى لبسوا الدروع؛ وقوله: شكت النساء، أى اتخذن الشكاء للسفر؛ وقوله: ناقتى الحمراء، أى ارتحلوا عن الدهناء واركبوا الصمان وهو الجمل الأصهب؛ وقوله: بآية ما أكلت معكم حيساً، يريد اخلاطا من الناس قد غزوكم، لأن الحيس يجمع التمر والسمن والأقط. فامتثلوا ما قال وعرفوا فحوى كلامه.
وأخذ هذا المعنى أيضاً رجل من بنى تميمٍ كان أسيرا فكتب إلى قومه
حلوا عن الناقة الحمراء أرحلكم ... والبازل الأصهب المعقول فاصطنعوا
إن الذئاب قد اخضرت براثنها ... والناس كلهم بكر إذا شبعوا
يريد أن الناس كلهم إذا أخصبوا عدو لكم كبكر بن وائل.
قال أبو على: ومعنى صائب، على مذهب أبى العباس فى معنى البيت: قاصد، كما قال جميل
وما صائب من نابلٍ قذفت به ... يد وممر العقدتين وثيق
فيكون معنى قوله: منطق صائب، أى قاصد للصواب وإن لم يصب؛ وتلحن أحيانا، أى تصيب وتفطن؛ ثم قال: وخير الحديث ما كان لحناً، أى إصابة وفطنة.
قال أبو على: ومعنى قوله جل وعز: (وغدوا على حردٍ قادرين) أى على قصد. قال الجميح
أما إذا حردت حردى فمجرية ... ضبطاء تسكن غيلاً غير مقروب

أى قصدت قصدى. وقال الآخر
أقبل سيل جاء من أمر الله ... يحرد حرد الجنة المغله
أى يقصد قصدها. وقال أبو عبيدة: معنى قوله: (على حرد) أى على غضب وحقد. وأجاز ما ذكرناه. قال: ويجوز أن يكون (على حرد) معناه: على منع، واحتج بقول العباس بن مرداس السلمى
وحارب فإن مولاك حارد نصره ... ففى السيف مولى نصره لا يحارد
وحارد عندى فى هذا البيت بمعنى قل، يقال: حاردت الإبل إذا قلت ألبانها، قال الكميت
وحاردت النكد الجلاد ولم يكن ... لعقبة قدر المستعيرين معقب
ويقال: حرد الرجل حردا بفتح الراء، ومن العرب من يقول: حرد الرجل حردا بتسكين الراء إذا غضب، وأنشد أبو عبيدة للأشهب بن رميلة
اسود شرى لاقت أسود خفيةٍ ... تساقوا على حردٍ دماء الأساود
وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال حدثنا إسماعيل بن أحمد بن حفص بن سمعان النحوى قال حدثنا أبو عمر الضرير قال حدثنا عباد بن عباد بن حبيب بن المهلب عن موسى محمد بن إبراهيم التيمى عن أبيه عن جده قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم جالس مع أصحابه إذ نشأت سحابة، فقالوا: يا رسول الله، هذه سحابة، فقال: " كيف ترون قواعدها " قالوا: ما أحسنها وأشد تمكنها! قال: " وكيف ترون رحاها " قالوا: ما أحسنها وأشد استدارتها! قال: " وكيف ترون بواسقها " قالوا: ما أحسنها وأشد استقامتها! قال: " وكيف ترون برقها أو ميضاً أم خفياً أم يشق شقا " قالوا: بل يشق شقا، قال: " فكيف ترون جونها " قالوا: ما أحسنه وأشد سواده! فقال عليه السلام: " الحيا " فقالوا: يا رسول الله، ما أرينا الذى هو منك أفصح، قال: " وما يمنعنى من ذلك فإنما أنزل القرآن بلسانى لسانٍ عربى مبين " .
قال أبو على: قواعدها، أسافلها: واحدتها قاعدة، فأما القواعد من النساء فواحدتها قاعد، وهى التى قعدت عن الولد وذه بحرم الصلاة عنها. ورحاها: وسطها ومعظمها، وكذلك رحى الحرب: وسطها ومعظمها حيث استدار القوم، قال الشاعر
فدارت رحانا بفرسانهم ... فعادوا كأن لم يكونوا رميما
وبواسقها: ما علا منها وارتفع، واحدتها باسقة، وكل شيء ارتفع وطال فقد بسق، يقال: قد بسقت النخلة، قال الله عز وجل: (والنخل باسقاتٍ) وكذلك بسق النبت، فكثر فى كلامهم حتى قالوا: بسق فلان على قومه، أى علاهم فى الشرف والكرم. والوميض: اللمع الخفى، قال امرؤ القيس
أعنى على برقٍ أراه وميض ... يضىء حبيا فى شمارخ بيض
ويقال: أومض البرق يومض إيماضاً إذا لمع لمعا خفياً، وأومض بعينه إذا غمز بعينه. والخفى: البرق الضعيف، قال أبو عمرو: خفى البرق يخفى خفياً إذا برق برقا ضعيفاً؛ وقال الكسائى: خفا يخفو خفوا. وجونها: أسودها، والجون: من الأضداد، يكون الأسود ويكون الأبيض، قال الأصمعى: وأتى الحجاج بدرع كانت صافية بيضاء، فجعل لا يرى صفاءها، فقال له رجل وكان فصيحا - قال أبو عمرو وهو أنيس الجرمى - إن الشمس جونة، يعنى شديدة البريق والصفاء، فقد غلب صفاؤها بياض الدرع، وأنشد
بيادر الآثار أن تشوبا ... وحاجب الجونة أن يغيبا
وأنشد أبو عبيدة
غير يا بنت الحليس لونى ... طول الليالى واختلاف الجون
وسفر كان قليل الأون
أيى الفتور، وقال الفرزدق يصف قصراً أبيض
ودون عليه الجص فيه مريضة ... تطلع منها النفس والموت حاضره
والحيا مقصور: الغيث والخصب، وجمعه أحياء، قال الأخطل
ربيع حيا ما يستقل بحمله ... سؤم ولا مستنكش البحر ناضبه
وأنشدنا أبو بكر بن الأنبارى رحمه الله
إنا ملوك حيا للتابعين لنا ... مثل الربيع إذا ما نبته نضرا

وقرىء على أبى بكر يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن البهلول الأزرق فى مسجد الرصافة وأنا أسمع قال حدثنا حميد قال حدثنا عبد الله بن نمير قال حدثنا عثمان بن حكيم قال أخبرنا عامر بن سعد عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أحرم ما بين لاتبى المدينة أن يقطع عضاها أو يقتل صيدها " وقال: " المدينة خير لهم لو كانوا يعملون لا يخرج منها أحد رغبة عنها إلا أبدل الله فيها من هو خير منه ولا يصبر أحد على لأوائها وجهدها إلا كنت شهيدا أو شفيعا يوم القيامة " .هكذا سمعت بلا " له " . قال أبو على: اللابة واللوبة: الحرة، فمن قال: لابة، قال فى جمعها: لاب، ومن قال: لوبة، قال فى الجمع: لوب، قال سلامة بن جندل.
حتى تركنا وما تثنى ظعائننا ... يأخذن بين سواد الخط فاللوب
والعضاه: كل شجر له شوك يعظم، ومن أعرف ذلك: الطلح والسلم والسيال والعرفط والسمر والشبهان والكهنبل، والواحدة عضة، قال الراعى:
وخاردع المجد أقوام لهم ورق ... راح العضاه به والعرق مدخول
واللاواء: الشدة، قال رؤبة
لاواءها والأزل والمظاظا
الأزل: الضيق. والمظاظ: المشارة، يقال: ما ظظت فلانا مماظةً ومظاظا.
قال أبو على: وقرىء على الأزرق وأنا أسمع قال حدثنا بشر بن مطر قال حدثنا سفيان عن عرو عن أبى العباس عن عبد الله بن عمرو قال: قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألم أخبر أنك تقوم الليل وتصوم النهار " فقلت: إنى أفعل ذلك فقال: " إنك إن فعلت ذلك هجمت عيناك ونفهت نفسك إن لعينك حقا ولأهلك حقا ولنفسك حقا فقم ونم وصم وأفطر " . قال أبو على: قال أبو عمرو الشيبانى: هجمت عينه وخوصت وقدحت ونقنقت عينه نقنقة: كل ذلك إذا غارت. وقال الأصمعى: حجلت عينه وهجمت: كلاهما غارت. وجاء حاجلةً عينه، وأنشد
وأهلك مهر أبيك الدوا ... ء ليس له من طعام نصيب
فتصبح حاجلةً عينه ... لحنو استه وصلاه غيوب
وحاجلةً: من حجلت بالتخفيف، والأكثر حجلت بالتشديد فهى محجلة. ونفهت: أعيت، ويقال للمعي: نافه ومنفه، وجمع النافة نفه، قال رؤبة (يعنى قفرا).
به تمطت غول كل ميله ... بنا حراجيج المهارى النفه
والميله: الذى يوله سالكه، أى يحيره.
وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله تعالى قال حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله عن عمه عبد الملك ابن قريب قال: سمعت أعرابيا يدعو الله وهو يقول: هربت إليك بنفسى يا ملجأ الهاربين بأثقال الذنوب أحملها على ظهرى؛ لا أجد شافعا إليك إلا معرفتى بأنك أكرم من قصد إليه المضطرون، وأمل فيما لديه الراغبون؛ يا من فتق العقول بمعرفته، وأطلق الألسن بحمده؛ وجعل ما امتن به من ذلك على خلقه كفاءً لتأدية حقه؛ لا تجعل للهوى على عقلى سبيلا، ولا للباطل على عملى دليلاً.
وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا السكن بن سعيد عن محمد بن عباد عن ابن الكبى عن أبيه قال: لما قتل عبد الملك مصعب بن الزبير دخل الكوفة، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبى محمد صلى الله عليه وسلم ثم قال: أيها الناس، إن الحر صعبة مرة، وإن السلم أمن ومسرة؛ وقد زبنتنا الحرب وزبناها، فعرفناها وألفناها، فنحن بنوها وهى أمنا. أيها الناس، فاستقيموا على سبل الهدى، ودعوا الهواء المردية؛ وتجنبوا فراق جماعات المسلمين، ولا تكلفوها أعمال المهاجرين الأولين، وأنتم لا تعملون أعمالهم؛ ولا أظنكم تزدادون بعد الموعظة إلا شراً، ولن نزداد بعد الإعذار إليكم والحجة عليكم إلا عقوبة؛ فمن شاء منكم أن يعود بعد لمثلها فليعد، فإنما مثلى ومثلكم كما قال قيس بن رفاعة
من يصل نارى بلا ذنب ولا ترة ... يصل بنار كريمٍ غير غدار
أنا النذير لكم منى مجاهرةً ... كى لا ألام على نهىٍ وإنذار
فإن عصيتم مقالى اليوم فاعترفوا ... أن سوف تلقون خزيا ظاهر العار
لترجعن أحاديثاً ملعنةً ... لهو المقيم ولهو المدلج السارى
من كان فى نفسه حوجاء يطلبها ... عندى فإنى له رهن بإصحار
أقيم عوجته إن كان ذا عوج ... كما يقوم قدح النبعة البارى
وصاحب الوتر ليس الدهر مدركه ... عندى وإنى لدراك بأوتار

قال أبو على: زبنتنا الحرب وزبناها، أيى دفعتنا ودفعناها، والزبن، الدفع، ومنه اشتقاق الزبانية، لأنهم يدفعون أهل النار إلى النار، ومنه قيل: حرب زبون، قال الشاعر:
عدتنى عن زيارتا العوادى ... وحالت دونها حرب زبون
عدتنى: صرفتنى، والعوادى: الصوارف. والزبون من النوق: التى ترمح عند الحلب. والخزى: الهوان، يقال: خزى يخزى خزياً، والخزاية: الاستحياء، يقال: خزى يحزى خزايةً. المدلج: الذى يسير من أول الليل، يقال: أدلجت، أى سرت من أول الليل، فأنا مدلج، وأدلجت، أى سرت فى آخره، فأنا مدلج، والدلجة والدلج بفتح الدال: سير آخر الليل، والإدلاج: من أول الليل، ويقال: الدلج والدلجة: سير الليل كله، قال الراجز
كأنها وقد براها الإخماس ... ودلج الليل وهادٍ قياس
شرائح النبع براها القواس
والدلجة بضم الدال: من آخره، ومن الناس من يجيز الدلجة والدلجة فى كل واحد منهما، كما قالوا: برهة من الدهر وبرهة، قال زيد الخيل
يا بنى الصيداء ردوا فرسى ... إنما يفعل هذا بالذليل
عودوه مثل ما عودته ... دلج الليل وإيطاء القتيل
ويرى: دلج جمع دلجة. والسىر: الذى يسير بالليل، يقال: سريت فأنا سارٍ، أى سرت ليلا، وأسريت أيضاً، ويروى بيت النابغة على وجهين
سرت عليه من الجوزاء سارية ... نزجى الشمال عليه جامد البرد
وأسرت.
والسرى: سير الليل. والحوجاء: الحاجة. والعوج: فى كل ما كان منتصبا مثل الإنسان والعصا وما أشبههما، والعوج: فى الدين والأمر وما أشبههما. والوتر: الذحل بكسر الواو لا غير، والوتر بفتح الواو وكسرها: الفرد، ويقرأ والشفع والوتر والوتر بفتح الواو وكسرها: الفرد، ويقرأ والشفع والوتر والوتر، الفتح لغة أهل الحجاز، والكسر لغة تميم وأسد وقيس؛ ويقولون فى الوتر الذى هو الفرد: أوترت فأنا أوتر إيتارا، وفى الدحل: وترته فأنا أتره وتراً وترةً.
وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا أبو عثمان قال أخبرنى العتبى عن أبيه: أن عبد الملك بن مروان - رحمه الله - كان يوجه إلى مصعب جيشا بعد جيش فيهزمون، فلما طال ذلك عليه واشتد غمه أمر الناس فعسكروا ودعا بسلاحه فلبسه، فلما أراد الركوب قامت إليه أم يزيد ابنه - وهي عاتلكة بنت يزيد بن معاوية - فقالت: يا أمير المؤمنين، لو أقمت وبعثت إليه لكان الرأى، فقال: ما إلى ذلك من سبيل، فلم تزل تمشى معه وتكلمه حتى قرب من الباب، فلما يئست منه رجعت فبكت وبكى حشمها معها، فملا علا الصوت رجع إليها عبد الملك فقال: وأنت أيضاً ممن يبكى! قاتل الله كثيراً، كأنه كان يرى يومنا هذا حيث يقول:
إذا ما أراد الغزو لم تئن همه ... حصان عليها نظم در يزينها
ولكن مضى ذو مرةٍ متثبت ... بسنة حق واضحٍ مستبينها
وفى عبد الملك يقول كثير
أحاطت يداه بالخلافة بعدما ... أراد رجال آخرون اغتيالها
وفى هذه القصيدة يقول فيه أيضاً:
فما أسلموها غنةً عن مودةٍ ... ولكن بحد المشرفى استقالها
وكنت إذا نابتك يوما ملمة ... نبلت لها أبا الوليد نبالها
سموت فأدركت العلاء وإنما ... يلقى عليات العلا من سمالها
وصلت فنالت كفك المجد كله ... ولم تبلغ الأيدى الوسامى مصالها
وحدثنى أبو بكر بن دريد رحمه الله قال حدثنا السكن بن سعيد عن محمد بن عباد عن هشام قال: قال العباس بن الوليد بن عبد الملك لمسلمة بن عبد الملك
ألا تقنى الحياء أبا سعيد ... وتقصر عن ملاحاتى وعذلى
فلولا أن أصلك حين تنمى ... وفرعك منتمى فرعى واصلى
وأنى إن رميتك هضت عظمى ... ونالتنى إذا نالتك نبلى
لقد أنكرتنى إنكار خوف ... يضم حشاك عن شمى وأكلى
كقول المرء عمروٍ فى القوافى ... لقيسٍ حين خالف كل عدل
" عذيرى من خليلى من مرادٍ ... أريد حياته ويريد قتلى "
يريد: عمرو بن معد يكرب، وقيس بن مكشوح.

وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: حدثنى من سمع أعرابيا يقول لصديق له: دع عنك ما يسبق إلى القلوب إنكاره، وإن كان عندك اعتذاره؛ فليس من حكى عنك نكرا، توسعه فيك عذرا. قال وأخبرنا عبد الرحن عن عمه قال: قال أعرابى كبير السن: أصبحت والله تقيدنى الشعر وأعثر بالبعرة؛ وقد أقام الدهر صعرى بعد أن أقمت صعره.
قال أبو على: الصعر: الميل.
وأنشدنا أبو بكر قال أنشدنا عبد الرحمن من عمه قال: أنشدنا بعض أهل المدينة لخارجة بن فليح المللى.
ألا طرقتنا والرفاق هجود ... فباتت بعلات النوال تجود
ألا طرقت ليلى لقى بين أرحل ... شجاه الهوى ولانأى فهو عميد
فليت النوى لم تسحق الخرق بيننا ... وليت الخيال المستراث يعود
إذا لأقاد النفس من فجعة الهوى ... بليلى وروعات الفؤاد مقيد
كأن الدموع الوكفات بذكرها ... إذا أسلمتهن الجفون فريد
إذا أدبرت بالشوق أعقاب ليلة ... أتاك بها يوم أغر جديد
حدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو حاتم عن الأصمعى قال: كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج: أنت عندى كسالمٍ، فلم يدر ما هو، فكتب إلى قتيبة يسأله، فكتب إليه: إن الشاعر يقول
يديروننى عن سالم وأديرهم ... وجلدة بين الأنف والعين سالم
ثم كتب إليه مرة أخرى: أنت عندى قدح ابن مقبل، فلم يدر ما هو، فكتب إلى قتيبة يسأله - وكان قتيبة قد روى الشعر - فكتب إليه: إن ابن مقبل نعت قدحاً له فقال:
غدا وهو مجدول وراح كأنه ... من المش والتقليب بالكف أفطح
خروج من الغمى إذا صك صكة ... بدا والعيون المستكفة تلمح
قال أبو على: المش: المسح، والمشوش: المنديل، قال امرؤ القيس
نمش بأعراف الجياد أكفنا ... إذا نحن قمنا عن شواء مضهب
والغمى: الشدة التى تغمن، أى تغطى. والمستكفة من قولهم: استكففت الشىء إذا وضعت يدك على حاجبك تنظر هل تراه كالذى يستظل من الشمس.
وقال الأصمعى: من أمثال العرب: " العير أوقى لدمه " ويقال ذلك للرجل، أى إنك أشد إبقاء على نفسه؛ ويقال: " الرياح من السماح " يريد أن المسامح أحرى أن يربح؛ ويقال: " عبد صريخه أمة " يضرب مثلا للضعيف يستصرخ بمثله. وقرأنا على أبى بكر بن دريد قول الشاعر
ولقد مررت على قطيع هالك ... من مال اشعث ذى عيالٍ مصرم
من بعد ما اعتلت على مطيتى ... فأزحت علتها فظلت ترتمى
القطيع: السوط. والهالك: الضائع. والمصرم: المقل المخف؛ يقول: كانت ناقتى قد اعتلت على، فلما أصبت السوط فضربتها به ظلت ترتمى، أى تترامى فى سيرها.
وحدثنا أبو عبد الله قال أخبرنى أحمد بن يحيى عن أبن الأعرابى عن أبى معاوية عن هشام ابن عروة عن أبيه قال: مكتوب فى الحكمة: يا بنى، لتكن كلمتك طيبة، ووجهك بسطا، تكن احب إلى الناس ممن يعطيهم العطاء؛ وأنشدنا أبو عبد الله
وكم من مليمٍ لم يصب بملامةٍ ... ومتبع بالذنب ليس له ذنب
وكم من محب صدر من غير بغضةٍ ... وإن لم يكن فى ود خلته عتب
وحدثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد قال أخبرنى عمى عن أبيه عن ابن الكلبى قال: قالت عجوز من العرب لثلاث بناتٍ لها: صفن ما تحببن من الأزواج؛ فقالت الكبرى: أيد أروع بساما، أحذ مجذاما، سيد ناديه، وثمال عافيه، ومحسب راجيه؛ فناؤه رحب، وقياده صعب. وقالت الوسطى، أريده على السناءن مصمم المضاء؛ عظيم نار، متمم أيسار؛ يفيد ويبيد، ويبدىء ويعيد، هو فى الأهل صبىّ، وفى الجيش كمىّ، تستبعده الحليله، وتسوده الفضيله. وقالت الصغرى: أريده بازل عام، كالمهند الصمام؛ قرانه حبور، ولقاؤه سرور؛ إن ضم قضقض، وإن دسر أغمض، وإن أخل أحمض. قالت أمها: فض فوك! لقد فررت لى شرة الشباب جذعةً.

قال أبو على: قال أبو زيد: الأروع والنجيب واحد، وهما الكريم؛ وقال غيره: الأروع: الذى يروعك جماله. والأحد هنا هنا: الخفيف السرع، والأحذ أيضاً: الخفيف الذنب، ومنه قيل: قطاة حذاء. قال أبو بكر بن دريد: الحذذ: الخلفة والسرعة، والقطاة الحذاء: السريعة الطيران؛ ويقال: القليلة ريش الذنب، وحذ الشىء يحذه حذا إذا قطعه قطعا سريعاً، والحذة: القطعة من اللحم، وأنشد الأعشى
تكفيه حذة فلذٍ. وقال أبو عبيدة فى قول عتبة بن غزوان حين خطب الناس فقال:
إن الدنيا قد آذنت بصرم وولت حذاء، فلم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء. قال أبو عمرو وغيره: الحذاء: السريعة الخفيفة التى قد انقطع آخرها، ومنه قيل للقطاة: حذاء لقصر ذنبها مع خفتها، وقال النابغة الذبيانى:
حذاء مدبرةً سكاء مقبلةً ... للماء فى النحر منها نوطة عجب
قال: ومن هذا قيل للحمار القصير الذنب أحد.
قال أبو على: أصل هذه الكلمة عندى الخفة ولم أسمع فى بيت أعشى حذة فلذ بالذال إلا من أبى بكر، فإن صحت هذه الرواية فلا تكون الحذة إلا القطعة الخفيفة. والمجذام: مفعال من الجذم، والجذم: القطع، يريد أنه قطاع للأمور. والنادى والندى: المجلس. والثمال: الغياث، وثمال القوم غياثهم ومن يقوم بأمرهم، يقال: فلان ثمال لبنى فلان إذا كان يقوم بأمرهم ويكون أصلا لهم وغياثا، ويقالك هو يثلمهم، والمرأةتثمل الصبيان، أى تكون أصلا لهم، قال الحطيئة
فدى لابن حصنٍ ما أريح فإنه ... ثمال اليتامى عصمة فى المهالك
والثمل ساكنة الميم: المقام والخفض، يقال: ليست دارنا بدار ثملٍ، قال أسامة بن الحارث الهذلى
كفيت النسا نسال حر وديقةٍ ... إذا سكن الثمل الظباء الكواسع
كفيت النسا، أى سريع العدو، وتلخيص معناه أن تقول: الكفيت: السريع. والنسا: عرق فى الفخذ يجرى إلى الساق، فكأنه قال: سريع الرجل وإذا كان سريع الرجل كان سريع العدو. والكواسع: التى تكسع بأذنابها من الذباب، ويقال: اختار فلان دار الثمل، أى دار الخفض والمقام، وثمل فلان فما يبرح، والثميلة: البقية تبقى من العلف والماء فى بطن البعير وغيره، والجميع: الثماثل، قال ذو الرمة
وأدرك المتبقى من ثميلته ... ومن ثماثلها واستنشىء الغرب
والثميلة: البقية تبقى من الماء فى الصخرة أو الوادى، وقد قالوا: الثميل: الماء الذى يبقى فى الوادى بعد مضى السيل عنه، قال الأعشى
بناجيةٍ كأتان الثميل ... تقضى السرى بعد أين عسيرا
والأتان: الصخرة تكون فى الماء، وإذا كانت فى الماء القليل فأصابتها الشمس صلبت. والثمالة: رغوة اللبن، يقال: حقنت الصريح وثملت الرغوة يريد بقيت، قال مزرد:
إذا مس خرشاء الثمالة أنفه ... ثنى مشفريه للصريح فاقنعا
وقال الأصمعى: الثمالة: ما بقى فى العلبة من الرغوة خاصة، والثمالة: ما بقى فى الحوض من الماء، وهو أيضاً: ما بقى فى البطن من الماء والطعام، ويقال: سقاه المثلم، يريد ساقه السم. قال أبو نصر: وترى أنه أنقع فبقى وثبت، وسيف ثامل، أى باق فى أيدى أصحابه زمانا، كذا قال الأصمعى؛ وقال أبو عمرو: قديم لا عهد له بالصقال؛ وقال خالد بن كلثوم: هو الذى فيه بقية، قال ابن مقبل:
لمن الديار عرفتها بالساحل ... وكأ،ها الواح سيف ثامل
والثملة: الصوفة تجعل فى الهناء ثم يطلى بها البيعر، أنشد الأصمعى:
ممغوثة أعراضهم ممرطلة ... كما ثلاث فى الهناء الثملة
والثملة ساكنة الميم: الحب والثمر والسويق يكون فى الوعاء إلى نصفه فما دونه، والجماع: الثمل. والثملة: ما أخرجت من أسفل الركبة من التراب والطين، وهذان الحرفان رويناهما عن ابى عبيد بضم الثاء وعن أبى نصر بفت الثاء، ويقال: ثمل يثمل ثملاً إذا أخذ الشراب فيه. وعافيه الذين يعفونه، أى يأتونه. يقال: عفاه يعفوه واعتفاه يعتفيه، وعراه يعروه واعتراه يعتريه، واعتره بعثتره، وعره يعره. ومحب: كافٍ، أنشدنا أبو بكر بن الأنبارى لأمرىء القيس:
فتملأ بيتنا أقطا وسمنا ... وحسبك من غنىً شبع ورى

أي يكفيك الشبع والري. وفناؤه رحب، أى واسع، ويقال: فناء الدار وثناؤها، والسناء من الشرف ممدود ومن الضوء مقصور. والمصمم من الرجال: الذى يمضى فى الأمور لا يرد عزمه شىء، والصمم من السيوف: الذى يمضى فى الضرائب لا يحبسه شىء. وأيسار جمع يسر، وهو الذى يدخل مع القوم فى القداح، وهو مدح، وقال الشاعر:
وراحلةٍ نحرت لشربٍ صدقٍ ... وما ناديت أيسار الجزور
والبرم: الذى لا يدخل مع القوم فى الميسر، وهو ذم وجمعه أبرام، قال متمم:
ولا برم تهدى النساء لعرسه ... إذا القشع من برد الشتاء تقعقعا
ويقال: كان رجل برماً فجاء إلى امرأته وهي تأكل لحما فجعل يأكل بضعتين بضعتين، فقالت له امرأته: " أبرما قروناً " فأرسلتها مثلا. وقال أبو زيد: الكمى: الجرىء المقدم كان عليه سلاح أو لم يكن. وقال غيره: الذى يكمى شجاعته فى نفسه، أى يسترها. وقال ابن الأعرابى: الكمى: الشجاع، وسمى كمياً لأنه يتكمى الأقران لا يكع ولا يجبن عن قرنه، أى يقصد، وكل ما اعتمدته فقد تكميته، وأنشد:
بل لو شهدت الناس إذا تكموا ... بقدرٍ حم لهم وحموا
غمةٍ لو لم تفرج عموا
وحليلة الرجل: امرأته، وحليلته أيضاً: جارته التى تحاله وتنزل معه، قال الشاعر:
ولست بأطلس الثوبين يصبى ... حليلته إذا هجع النيام
وعرس الرجل: امرأته أيضاً، قال امرؤ القيس:
كذبت لقد أصبى على المرء عرسه ... وأمنع عرسى أن يزن بها الخالى
وهو أيضاً عرسها وهي حنته، قال كثير:
فقلت لها بل أنت حنة حوقل ... جرى بالفرى بينى وبينك طابن
والفرى جمع فرية، وقال الشاعر:
ما أنت بالحنة الودود ولا ... عندك خير يرجى لملتمس
وهي طلته أيضاً، قال الشاعر:
وإن امرأ فى الناس كنت ابن أمه ... تبدل منى طلةً لغبين
دعتك إلى هجرى فطاوعت أمرها ... فنفسك لا نفسى بذاك تهين
وقال الآخر:
ألا بكرت طلتى تعذل ... وأسماء فى قولها أعذل
تريد سليماك جمع التلا ... د والضيف يطلب ما يأكل
وربضه وربضه أيضاً، والربض: كل ما أويت إليه، قال الشاعر
جاء الشتاء ولما اتخذ ربضا ... يا ويح كفى من حفر القراميص
والقرموص: حفرة يحتفرها الصائد إلى صدره فيدخل فيها إذا اشتد عليه البرد، والقرموص أيضاً: مبيض القطاة. وقعيدة الرجل أيضاً: امرأته، قال الأسعر الجعفى
لكن قعيدة بيتا مجفوة ... بادٍ جناجن صدرها ولها غنى
وزوجه أيضاً؛ قال الأصمعى: ولا تكاد العرب تقول زوجته؛ وقال يعقوب: يقال: زوجته، وهى قليلة، قال الفرزدق:
وإن الذى يسعى ليفسد زوجتى ... كساع إلى أسد الشرى يستبيلها
وهيى بعله أيضاً أو بعلته، وأنشد الفراء
شر قرينٍ للكبير بعلته ... تولغ كلباً سؤرة أو تكفته
يعنى: أن امرأته تقدرته حين كبر، فإذا شرب لبنا وبقى سؤره - والسؤر بقية الشراب فى الإناء - تولغه كلبا أو تكفته، أى تقلبه على الأرض. وبيته أيضاً، قال الراجز
أقول إذ حوقلت أو دنوت ... وبعض حيقال الرجال الموت
مالى إذا أنزعها صأيت ... أكبر غيرنى أم بيت
وشهلته أيضاً، أنشدنى أبو بكر بن الأنبارى
له شهلة شابت وما مس جيبها ... ولا راحتيها الشئنتين عبير
والشهلة أيضاً: العجوز، قال الراجز
باتت تنزى دلوها تنزياً ... كما تنزى شهلة صبيا
وجثلته ومعزبته: امرأته. وقال غيره: وحوبته أيضاً. وقال أبو زيد: والحوبة: القرابة من قبل الأم، وكذلك كل ذى رحم محرم. قال يعقوب: الحوبة: الأم. والفصيلة: رهط الرجل الأدنون. وقال ابن الكلبى: الشعب أكثر من القبيلة ثم القبيلة ثم العمارة ثم البطن ثم الفخذ. وأسرة الرجل: رهطه الأدنون، وكذلك فصيلته. وقولها: أريده بازل عام، أى تام الشباب كامل القوة، لأن البعير أتم ما يكون شبابا وأكمله إذا كان بازل عام.
قال الأصمعى: إذا وضعت الناقة فولدها سليل قبل أن يعلم أذكر هو أم أثنى، فإذا علم، فإن كان ذكراً لهو سقب وأمة مسقب، وإن كانت أنثى فهى حائل وأمها أم حائل، قال الهذلى

فتلك التى لا يرح القلب حبها ... ولا ذكرها ما أرزمت أم حائل
وهي مؤنث، وقد آنثت، أى جاءت بأنثى، وقد أذكرت فهى مذكر إذا جاءت بذكرٍ، فإن كان من عادتها أن تضع الإناث فهى مئناث، وكذلك مذكار إذا كان من عادتها أن تضع الذكور، فإذا قوى ومشى مع أمه فهو راشح والأم مرشح، فإذا حمل فى سنامه شحما فهو مجذٍ ومكعر ثم هو ربع.
قال الأصمعى حدثنى عيسى بن عمر قال: سأتل جبر بن حبيب أخا امرأة العجّاج عن الهبع والربع، فقال: الرعب ما نتج فى أوّل النتاج، والهبع ما نتج فى آخر النتاج، فإذا مشى الهبع مع الربع أبطره ذرعاً فهبع بعنقه، أى استعان به؛ ثم هو حوارن فإذا فصل عن أمه - والفصال: الفطام - فهو فصيل والجمع فصلان وفصلان، ومنه الحديث: " لا رضاع بعد فصال " فإذا أتى عليه حول فهو ابن مخاض وإنما سمى ابن مخاض لأن أمه لحقت بالمخاض، وهي الحوامل وإن لم تكن حاملاً؛ فإذا استكمل السنة الثانية ودخل فى الثالثة فهو ابن لبون والأنثى بنت لبون، وإنما سمى ابن لبون لأنه أمه كانت من الخاض فى السنة الثانية ثم وضعت فى الثالثة فصار لها لبن فهى لبون وهو ابن لبون فلا يزال كذلك حتى يستكمل الثالثة؛ فإذا دخل فى الرابعة فهو حينئذ حق والأنثى حقة، وإنما قيل لها حقة لأنها قد استحقت أن يحمل عليها وتركب، فإذا استكمل الرابعة ودخل فى الخامسة فهو جذع والأنثى جذعة، فإذا دخل فى السادسة فهو ثنى والأنثى ثنية؛ فإذا دخل فى السابعة فهو رباعٍ والأنثى رباعية؛ فإذا دخل فى الثامنة فهو سديس وسدس والأنثى سديسة، فإذا دخل فى التاسعة وبزل نابه فهو بازل، يقال: بزل ثابه بزولا، وشقأ نابه يشقأ شقوءاً وشقأً وشقى أيضاً، وشق يشق شقوقا، وفطر يفطر فطوراً، وبزغ وصبأ وعرد يعرد عرودا؛ فإذا دخل فى العاشرة فهو مخلف، ثم ليس له اسم بعد الإخلاف. ولكن يقال: بازل عامٍ وبازل عامين ومخلف عامٍ ومخلف عامين. وقضقض، أى حطم كما يقضقض الأسد الفريسة وهو أن يحطمها وينفضها فتسمع لعظامها صوتاً. والأسد القضقاض: الحطام، قال رؤبة:
ثم جاوزت منحيةٍ من حيةٍ نضناض ... وأسدٍ فى غيله قضقاض
ليثٍ على أقرانه رباض ... يلقى ذراعى كلكلٍ عرباض
والعرباض: الثقيل العظيم. ودسر: دفع، ومنه قول ابن عباس رضى الله عنهما فى العنبر: إنما هو شىء دسره البحر، أى لا زكاة فيه. قال: وقرأنا على أبى بكر بن دريد رحمه الله قول الشاعر:
فأصبحت من سلمى كذى الداء لم يجد ... طبيباً يداوى ما به فتطببا
فلما اشتفى مما به على طبه ... على نفسه من طول ما كان جربا
يقول: لما لم يجد اليها سبيلا داوى نفسه بالهجران، فلما رأى ذلك قد نفعه على الهجران، أى فعله ثانيةً.
وحدثنا الأخفش قال أنبأنى أبو الفياض بن أبى شراعة عن أبى شراعة قال: حدثنى عبدا لله ابن محمد بن بشير البصرى قال: علق أبى جارية لبعض الهاشميين فبعثت إليه أمى تعاتبع، فكتب إليها:
لا تتبعن لوعةً إثرى ولا هلعا ... ولا تقاسن بعدى الهم والجزعا
بل اثتسى تجدى إن ائتسيت أسى ... بمثل ما قد فجعت اليوم قد فجعا
ما تصنعين بعين عنك طامحةٍ ... إلى سواك وقلبٍ عنك قد نزعا
إن قلت قد كنت فى ود وتكرمة ... فقد صدقت ولكن ذاك قد منعا
وأي شىء من الدنيا سمعت به ... إلا إذا صار فى غاياته انقطعا
لم يبق عينا حسين عند لحظهما ... لغيرها فى فؤادى بعدها طمعا
ومن يطيق مدك عند صوبته ... ومن يقوم لمستور إذا خلعا
وأنشدنا الأخفش قال: قرأت على أبى العباس الأحول الأعرابى:
أيا منشر الموتى أقدنى من التى ... بها نهلت نفسى سقاماً وعلت
لقد بخلت حتى لو أنى سألتها ... قذى العين من ضاحى التراب لضنت
فما أم بو هالك بتنوفةٍ ... إذا ذكرته آخر الليل حنت
بأكثر منى لوعةً غير أننى ... أطامن أحشائى على ما أجنت
وقرأت على أبى بكر بن دريد رحمه الله:
أبت الروادف والثدى لقمصها ... مس البطون وأن تمس ظهورا

وإذا الرياح مع العشى تناوحت ... نبهن حاسدةً وهجن غيورا
وأنشدنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة الأزدى المعروف بنفطويه. وأنشدنا الأخفش أيضاً: أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب النحوى:
فلم أر هالكاً كبنى صريمٍ ... تلفهم التهائم والنجود
أجل جلالةً وأعز فقداً ... وأقضى للأمور وهم قعود
وأكثر ناشئاً مخراق حربٍ ... يعين على السيادة أو يسود
وأنشدنا إبراهيم أيضاً، قال أنشدنا أحمد بن يحيى:
وكنت مجاوراً لبنى سعيدٍ ... فأفقدنيهم ريب الزمان
فلما أن فقدت بنى سعيد ... فقدت الود إلا باللسان
وحدثنا أبو بكر بن دريد قال أخبرنى عمى عن أبيه عن ابن الكلبى قال: وفد علبة بن مسهر الحارثى والمنتشر أحد فوارس الأرباع الذين يقول لهم الأجدع الهمدانى:
وسألتنى بركائبى ورحالها ... ونسيت قتل فوارس الأرباع
إلى ذى فائش الملك الحميرى، وكان ذو فائش يحب اصطناع سادات العرب ويقرب مجالسهم ويقضى حوائجهم، وكان علبة شاعراً حدثاً ظريفاً، فقال له الملك: يا علبة، ألا تحدثنى عن أبيك وأعمامك وتصف لى أحوالهم؟ فقال: بلى أيها الملك، وهم أربعة: زياد ومالك وعمرو ومسهر. فأما زياد، فما استل سيفه مذ ملكت يده قائمة إلا أغمده فى جثمان بطل، أو شوامت جمل؛ وكان إذا حملق النجيد، وصلصل الحديد، وبلغت النفس الوريد، اعتصمت بحقويه الأبطال، اعتصام الوعول بذرى القلال، فذاد عنهم الأبطال، ذياد القروم عن الأشوال. وأما مالك، فكان عصمة الهوالك، إذا شبهت الإعجاز بالحوارك، يفرى الرعيل، فرى الأديم بالإزميل، ويخبط البهم، خبط الذئب نقاد الغنم. وأما عمرو، فكان إذا عصبت الأفواه، وذبلت الشفاه، وتفادت الكماه؛ خاض ظلام العجاج، وأطفأ نار الهياج، وألوى بالأعراج، وأردف كل طفلة مغناج، ذات بدن رجراج، ثم قال لأصحابه: عليكم النهاب، والأموال الرغاب؛ عطاء لا ضنينٍ شكس، ولا حقلدٍ عكس. وأما مسهر، فكان الذعاف الممقر، والليث المخدر، يحيى الحرب ويسعر، ويبيح النهب فيكثر، ولا يحتجن ولا يستأثر؛ فقال له الملك: لله أبوك! مثلك فليصف أسرته.
قال أبو على: الحدث: الحسن الحديث، والحديث: الكثير الحديث، والحدث: الشاب؛ فإذا ذكروا السن قالوا: حديث السن ولم يقولوا: حدث السن، والحدث: الذى يتحدث إلى النساء، يقال: هو حدث نساء وزير نساء إذا كان يكثر زيارتهن، قال مهلهل
فلو نبش المقابر عن كليبٍ ... فيخبر بالذنائب أى وزير
أراد فيخبر بالذنائب أى زيرٍ أنا. وذلك أن كليباً كان يعيره فيقول: إنما أنت زير نساء. وهو تبع نساء إذا كان يتبعهن، وخلب نساء، أى يلصق بقلوبهن ويلح منهن محل الخلب، قال أبو زيد: الخلب: حجاب القلب، ومنه قيل: إنه لخلب نساء، أى يحبنه، وأنشد غيره
يا بكر بكرين ويا خلب الكبد ... أصبحت منى كذراعٍ من عضد
ويقول أهل اليمن: هو خلم نساء، والخلم: الصديق وجمعه أخلام، وزادنى أبو عمرو عن أبى العباس عن ابن الأعرابى: وعجب نساء، أى يعجب النساء.
وقوله: فى جثمان بطلٍ، قال الأصمعى: الجثمان: الشخص، والجثمان: جماعة الجسم وهو التجاليد أيضاً، أنشدنا أبو بكر عن أبى حاتم عن الأصمعى
ينبى تجاليدى وأقتادها ... ناوٍ كرأس الفدن المؤيد
والأجلاد: التجاليد، قال الأسود بن يعفر
أما ترينى قد بليت وشفنى ... ما غيض من بصرى ومن أجلادى
يريد: ما نقص من بصرى ومن جسمى، ويقال لشخص الإنسان: الطلل والآل والسمامة، ويقال لأعلى شخصه: السماوة. والشبح والشبح جميعاً: الشخص، قال الشاعر يصف ظليما
هجوم عليها نفسه غير أنه ... متى يرم فى عينيه بالشبح ينهض
والشدف: الشخص وجمعه شدوف، قال ساعدة بن جؤية
موكل بشدوف الصوم ينظرها ... من المغارب مخطوف الحشا زرم
يصف ثورا. قال الأصمعى: الصوم: شجر يشبه الناس، فهو يرقبه يخشى أن يكون ناسا، ويقال: قامة الإنسان وقومية الإنسان، قال العجاج
صلب القناة سلهب القوميه

وقومته وقوامه، ويقال: هو قوام هذا الأمر بكسر القاف إذا كان يقوم به. والأمة: القامة وجمعها أمم. قال الأصمعى: وصف أعرابى رجلا فقال: إنه لحسن الوجه، حليف اللسان، طويل الأمة. والحليف: الحديد من كل شىء، يقال: لسان حليف وسنان حليف الغرب، قال الأعشى:
وإن ماوية الأكرمين ... حسان الوجوه وطوال الأمم
وقال أبو عبيدة: الطن: القامة. وقوله: أو شوامت جمل، فالشوامت: القوائم، يريد: أن يعقر الإبل للضيفان. وحملق: انقلب حملاقه، والحملاق: باطن الجفن، والنجيد: الشجاع، يقال: نجد الرجل ينجد نجدةً فهو نجيد، والنجد: الشجاع، وكذلك النجد، والنجدة: الشجاعة، هذا قول أبى نصر صاحب الأصمعى وتابعه على ذلك يعقوب فى بعض المواضع؛ ثم قال فى موضع آخر: النجد: السريع الإجابة إلى الداعى إذا دعاه إلى خير أو شر وهو النجد، ويقال: ما كان نجداً ولقد نجد ينجد نجادة وأنجدته إنجادا، فأما النجدة فالفزع فى أي وجه كان، وهذا قول أبى زيد، ويقال: استنجد فلان فلانا فأنجده، أى أعانه. وقال أبو عبيدة: نجدت الرجل أنجده غلبته وأنجدته: أعنته، والنجد: ما ارتفع من الأرض وبه سميت نجد لأنها ارتفعت عن تهامة، وسميت تهامة لأنها انخفضت عن نجد، فتهم ريحها، أى تغير يقال: تهم الدهن وتمه إذا تغير. والنجد: الطريق فى الجبل، والتنجيد: التزيين، يقال: نجدت البيت تنجيداً، قال ذو الرمة:
وحتى كأن رياض القف ألبسها ... من وشى عبقر تجليل وتنجيد
والنجود: ما ينجد به البيت، واحدها نجد، والنجود من الحمر، ويقال: الطويلة. والنجاد: حمائل السيف، والإنجاد: الأخذ فى بلاد نجد، والنجد: العرق، يقال: نجد الرجل ينجد نجدا إذا عرق، قال النابغة:
يظل من خوفه الملاح معتصماً ... بالخيزرانة بعد الأين والنجد
والمنجود: المكروب، قال أبو زبيد:
صادياً يستغيث غير مغاثٍ ... ولقد كان عصره المنجود
وصلصل: صوت. والودريدان: حبلا العنق، والأشوال جمع شول وهى التى جفت ألبانها، وواحد الشول شائلة، فأما الشائل فالتى شالت بذنبها للقاح وجمعها شول. والرعيل: جماعة الخيل. والإزميل: الشفرة، قال عبدة بن الطيب:
عيهمة ينتحى فى الأرض منسمها ... كما انتحى فى أديم الصرف إزميل
العيهمة: التامة الخلق، ويقال: السريعة. وينتحى: يعتمد. والصرف: صبغ أحمر وقال الأصمعى: الصرف: صبغع يعل به الأديم فيحمر. والبهم واحدها بهمة: وهو الشجاع الذى لا يدرى من أين يؤتى له، ويقال: حائط مبهم إذا لم يكن فيه باب، والأبهم من كل شيء: المصمت الذى لا صدع فيه ولا خلط، والبهيم من الخيل الذى ليس به وضح.
والنقاد جمع نقدٍ وهى صغار الغنم، ويقال: نقد الضرس إذا ائتكل، ونقد الحافر إذا تقشر، وجافر نقد؛ ويقال: " النقد عند الجافرة " أى عند أول كلمة. وقال بعض اللغويين: كان الخيل أفضل ما يباع، فإذا اشترى الرجل الفرس قال له صاحبه: النقد عند الحافر، أى عند حافر الفرس فى موضعه قبل أن يزول؛ وقال الله تعالى: (أئنا لمردودون فى الحافرة) أى إلى خلقنا الأول، وأنشدنا ابن الأنبارى:
أحافرةً على صلعٍ وشيبٍ ... معاذ الله من سفهٍ وعار
أى أأرجع إلى الصبا بعدما شبت وصلعت.
وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال حدثنى عمى عن أبيه عن ابن الكلبى قال: قال لى أعرابى: ما معنى قول الله تعالى: (أثنا لمردودون فى الحافرة) فقلت: الخلق الأول، قال: فما معنى قوله تعالى: (عظماً نخرةً) قلت: التى تنخر فيها الريح، فقال: أما سمعت قول صاحبنا يوم القادسية:
أقدم أخانهم على الأساوره ... ولا تهولنك رجل نادره
فإنما قصرك ترب الساهره ... حتى تعود بعدها فى الحافره
من بعدما صرت عظاماً ناخره
وعصب الريق إذا غلط ولصق بالفم ويبس، وأنشدنا أبو بكر بن دريد رحمه الله:
يصعب فاه الريق أي عصب ... عصب الجباب بشفاه الوطب
ويقال: تفادى القوم إذا استتر بعضهم ببعض، قال الحطيئة:
تفادى كماة الخيل من وقع رمحه ... تفادى خشاش الطير من وقع أجدل

والوى: أذهب. والأعراج جمع عرج وهي نحو خمسمائة من الإبل. والطفلة: الناعمة الرخصة، يقال: بنان طفل، والطفلة: الحديثة السن. والحقلد: السيىء الخلق، كذا قال يعقوب. والعكس والعكس بالسين والصاد: العسر الأخلاق. والذعاف: السم السريع القتل. والممقر عند بعضهم: الشديد المرارة، وعند بعضهم: الشديد الحموضة، والمقر: الصبر. ويحتجن يحتكر ويحفى، وأنشدنا أبو بكر بن دريد رحمه الله لأبى زبيد
لها صواهل فى صم السلام كما ... صاح القسيات فى أيدى الصياريف
كأنهم بأيدى القوم فى كبد ... طير تكشف عن جونٍ مزاحيف
وصف مساحى. والسلام: الحجارة. والصياريف: الصيارفة، ثم شبه المساحى فى أيدى الحفارين الذى يحفرون قبر عثمان - رضى الله عنه - بطير تطير عن إبل جونٍ مزاحيف. والجون: السود. والمزاحيف: المعيية، وإنما جعلها جوناً لأنهم حفروا له فى حرةٍ، فشبه الحرة بالإبل السود.
وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال: سألت عبد الرحمن يوما فقلت له: إن رأيت أن تنشدنى من أرق ما سمعته من عمك من أشعار العرب! فضحك وقال: والله لقد سألت عمى عن ذلك فقال: يا بنى، وما نصع برقيق أشعارهم؟ فو الله إنه ليقرح القلوب، ويحث على الصبابة، ثم أنشدنى للعلاء بن حذيفة الغنوى
يقولون من هذا الغريب بأرضنا ... أما والهدايا إننى لغريب
غريب دعاه الشوق واقتاده الهوى ... كما قيد عود بالزمام أديب
وماذا عليكم إن أطاف بأرضكم ... مطالب دينٍ أو نفته حروب
أمشى بأعطان المياه وابتغى ... قلائص منها صعبة وركوب
فقلت: أريد أحسن من هذا، فأنشدنى
لعمرى لئن كنتم على النأى والغنى ... بكم مثل ما بى إنكم لصديق
فما ذقت طعم النوم منذ هجرتكم ... ولا ساغ لى بين الجوانح ريق
إذا زفرات الحب صعدن فى الحشا ... كررن فلم يعلم لهن طريق
قال أبو على: يقرح: يجرح، قال (المتنخل) الهذلى
لا يسلمون قريحاً حل وسطهم ... يوم اللقاء ولا شوون من قرحوا
أى جرحوا، وقرأ أبو عمرو: (إن يمسسكم قرح) وقال: الفرح: الجراح، والقراح كأنه ألم الجراح. وأطاف: ألم. وأنشدنا أبو بكر رحمه الله قال أنشدنا عبد الرحمن عن عمه قال: أنشدتنى عشرقة المحاربية - وهى عجوز حيزبون زولة -
جريت مع العشاق فى حلبة الهوى ... ففقتهم سبقاً وجئت على رسلى
فما لبس العشاق من حلل الهوى ... ولا خلعوا إلا الثياب التى أبلى
ولا شربوا كأساً من الحب مرةً ... ولا حلوةً إلا شرابهم فضلى
قال أبو على: قال أبو بكر: التى فيها بقية من الشباب. والزولة: الظريفة، والزول: الظريف، وقوم أزوال، والزول أيضاً: الداهية، والزول: العجب، وقال لى غير أبى بكر: الحيزبون: العجوز ولم يحد لها وقتاً، وأنشدنى أبو المياس للقطامى
إلى حيزبونٍ توقد النار بعد ما ... تلفعت الظلماء من كل جانب
وأنشدنى أبو عمرو عن أبى العباس عن ابن الأعرابى
لقد علمت سمراء أن حديثها ... نجيع كما ماء السماء نجيع
إذا أمرتنى العاذلات بصرمها ... هفت كبد عما يقلن صديع
وكيف أطييع العاذلات وحبها ... يؤرقنى والعاذلات هجوع
قال أبو على: أنشدنى ابن الأعرابى البيتين الأولين وأنشدنا أبو بكر بالإسناد الذى تقدم عن الأصمعى عن عشرقة البيت الثاني والثالث، وأنشدنا الأخفش على ابن سليمان قال: أنشدنى إبراهيم ابن المدبر لنفسه
ما دمية من مرمرٍ صورت ... أو ظبية فى خمرٍ عاطف
أحسن منها يوم قالت لنا ... والدمع من مقلتها ذارف
لأنت احلى من لذيذ الكرى ... ومن أمانٍ ناله خائف
فأنشدته قول الآخر
الله يعلم والدنيا مولية ... والعيش متنقل والدهر ذو دول
لأنت عندى وإن ساءت ظنونك بى ... أحلى من الأمن عند الخائف الوجل
وأنشدنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة المعروف بنفطويه، قال أنشدنا أحمد بن يحيى ثعلب:

أعلى ما ماء الفرات وبرده ... منى على ظمإ وفقد شراب
بألذ منك وإن نأيت وقلما ... يرعى النساء أمانة الغياب
وأنشدنا أبو بكر بن دريد رحمه الله، قال أنشدنا أبو حاتم عن الأصمعى لأبى نخيلة:
أمسلم إنى يا بن كل خليفةٍ ... ويا فارس الهيجا ويا قمر الأرض
شكرتك إن الشكر حبل من التقى ... وما كل من أوليته نعمةً يقضى
وألقيت لما أن أتيتك زائراً ... على لحافا سابغ الطول والعرض
نوهت من ذكرى وما كان خاملاً ... ولكن بعض الذكر أنبه من بعض
وحدّثنا على بن سليمان الأخفش، قال أنشدنا أبو العباس محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالى، قال أنشدنى عبد الصمد بن العذل لمرّة:
تمارضت كى أشجى وما بك علة ... تريدين قتلى قد رضيت بذلك
لئت ساءنى أن نلتنى بمساءة ... لقد سرنى أنى خطرت ببالك
وحدّثنا أبو بكر بن دريد قال أخبرنا عبد الرحمن من عمه قال: قبل لكثير: مالك لا تقول الشعر، أبجلت؟ فقال: والله ما كان ذلك، ولكن فقدت الشباب فما أطرب، ورزئت عزة فما أنسب، ومات ابن ليلى فما أرغب؛ يعنى عبد العزيز بن مروان.
قال أبو على: قوله: أجبلت أى انطقعت عن قول الشعر، أخذه من قولهم: أجبل الحافر إذا انتهى إلى جبلٍ فلم يمكنه الحفر. وأنشدنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة المعروف بنطفويه النجوى يوم الأحد فى سوق الثلاثاء على باب الكلواذانى صاحب ديوان السواد لكثير:
ألا تلك عزة قد أصبحت ... تقلب للهجر طرفاً غضيضا
تقول مرضنا فما عدتنا ... وكيف يعود مريض مريضا
وأنشدنا أبو بكر بن دريد - رحمه الله - عن عبد الرحمن عن عمه لأعرابى:
إذا وجدت أوار الحب فى كبدى ... أقبلت نحو سقاء القوم أبترد
هذا بردت ببرد الماء ظاهره ... فمن لحر على الأحشاء يتقد
وحدثنا أبو الحسن جحظة البرمكى عن حماد بن إسحاق الموصلىّ وحدثنا أبو بكر بن الأنبارى قال حدّثنا أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب النحوى قال حدثنا حماد عن أبيه قال: دخلت يوما على الرشيد فقال لى: يا إسحاق أنشدنى شيئاً من شعرك، فأنشدته:
وآمرةٍ بالبخل قلت لها اقصرى ... فذلك شىء ما إليه سبيل
أرى الناس خلان الجواد ولا أرى ... بخيلاً له فى العالمين خليل
ومن خير حالات الفتى لو علمته ... إذا نال شيئاً أن يقال بخيل
فغنى رأيت البخل يزرى بأهله ... فأكرمت نفسى أن يقال بخيل
عطائى عطاء المكثرين نجملاً ... ومالى كما قد تعلمين قليل
وكيف أخاف الفقر أو أحرم الغنى ... ورأى أمير المؤمنين جميل
فقال: لا كيف إن شاء الله، يا فضل، أعطه مائة ألف درهم، ثم قال: لله درّ أبيات تأتينا بها يا إسحاق، ما أتقن أصولها، وأحسن فصولها! - وزاد جحظة - وأقل فضولها، فقلت: كلامك يا أمير المؤمنين أحسن من شعرى، فقال: يا فضل، أعطه مائة ألف أخرى، فكان أول مال اعتقدته.
وحدّثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال أخبرنا عبد الرحمن من عمه قال: نظر أعرابى إلى قوم يلتمسون هلال شهر رمضان فقال: والله لئن أثرتموه لتمسكن منه بذنابى عيشٍ أغبر.
وأنشدنا أبو بكر بن أبى الأزهر مستملى أبى العباس المبرد وحدثنا الأخفش وابن السراج وغير واحد من أصحاب المبرد قالوا كلهم: أنشدنا أبو العباس قال: أنشدنا الزيادى لأعرابى هذه الأبيات وكان يتحسنها:
ما لعينى كحلت بالسهاد ... ولجنبى نابياً عن وسادى
لا أذوق النوم إلا غراراً ... مثل حسو الطير ماء الثماد
ابتغى إصلاح سعدى بجهدى ... وهي تسعى جهدها فى فسادى
فتتاركنا على غير شىءٍ ... ربما أفسد طول التمادى
وقرأت على أبى بكر بن دريد رحمه الله تعالى
أقول لصاحبى والعيس تحدى ... بنا بين المنيفة فالضمار
تمتع من شميم عرار نجدٍ ... فما بعد العشية من عرار
ألا يا حبذا نفحات نجدٍ ... وريا روضه بعد القطار

وأهلك إذ يحل الحى نجدا ... وأنت على زمانك غير زارى
شهور ينقضين وما شعرنا ... بأنصافٍ لهن ولا سرار
وأنشدنا الأخفش للعطوى يرثى أخاه
لقد باكرته بالملام العواذل ... فما رقأت منه الدموع الهواطل
أيقنى جميل الصبر من هد ركنه ... وهيض جناحاه وجد الأنامل
أمن بعد ما ذاق المنية أحمد ... تطيب لنا الدنيا وتصفو المناهل
كأن لم يكن لى خير خل وصاحبٍ ... وخير خطيب تتقيه المقاول
كأن أبا العباس لم يلق ضيفه ... ببشرٍ ولم يرحل بجدواه راحل
وأنشدنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة النحوى، قال أنشدنا أحمد بن يحيى ثعلب لابن أبى مرة المكى
إن وصفونى فناحل الجسد ... أو فتشونى فأبيض الكبد
أضعف وجدى وزاد فى سقمى ... أن لست أشكو الهوى إلى أحد
آه من الحب آه من كمدى ... إن لم أمت فى غدٍ فبعد غد
جعلت كفى على فؤادى من ... حر الهوى وانطويت فوق يدى
كأن قلبى إذا ذكرتكم ... فريسة بين ساعدى أسد
بدى بحبل الهوى معلقة ... فإن قطعت الهوى قطعت يدى
وأنشدنى جمعة من أصحاب أبى العباس المبرد منهم ابن السراج وابن درستويه والأخفش قالوا: أنشدنا أبو العباس قال أنشدنا بعض البصريين، وأنشدنا أيضاً أبو بكر بن الأنبارى عن المظفر:
هل من جوى الفرقة من واقى ... أم هل لداء لحب من راقى
أم من يداوى زفرات الهوى ... إذ جلن فى مهجة مشتاق
يا كبدا أفنى الهوى جلها ... من بعد تلذيع وإحراق
حتى إذا نفسى ساعةً ... كرت يد البين على الباقى
قال أبو على: البيتان الأولان رواهما أبو بكر بن الأنبارى خاصةً، وشارك أصحاب أبى العباس فى رواية البيتين الأخرين، وأنشدنى أبو بكر بن دريد لأعرابى:
وإنى لأهواها وأهوى لقاءها ... كما يشتهى الصادى الشراب المبردا
علاقة حب لج فى زمن الصبا ... فأبلى وما يزداد إلا تجددا
وأنشدنا أبو بكر بن دريد لنفسه:
لئن لا بك الوصب المؤلم ... ونفسك من صرفه تسلم
لئن نال جسمك نهك الضنى ... لقد ضنى السودد الأعظم
فحاشاك من سقمٍ عارضٍ ... ولكن أكبادنا تسقم
فأنت السماء التى ظلها ... إذا زال أعقبه الصيلم
وأنت الصباح الذى نوره ... بله يتجلى الحادث المظلم
وأنت الغمام الذى سببه ... ينأل الثراء به المعدم
يخاطب عنك لسان العلا ... إذا ذكر المفضل المنعم
فمن نال من كرمٍ رتبةً ... فيومك من دهره أكرم
إذا ما تخطاك صرف الردى ... فركن المكارم لا يهدم
فبالله أقسم رب الورى ... ولله غاية ما يقسم
لو أن السماء حمت قطرها ... لكن حيا سببه مثجم
قال أبو على: يقال: أنجمت السماء وأغبطت وألثت وألظت إذا دام مطرها ولم ينطقع؛ وفى الحديث: " ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام " أيى ألزموا هذه الدعوة؛ وأغضنت وأدجنت. فإذا أقلعت قيل: أنجمت وأفصت وأفصمت؛ ومنه أقصى الشاعر إذا انقطع عن قول الشعر، وأفصت الداجة إذا انقطع بيضها. ويقال: أصفت الدجاجة وأسفى فى الشعر، وهو من المقلوب.
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه عن أبى عمرو بن العلاء قال: رأيت باليمن غلاما من جرمٍ ينشد عنزا، فقلت: صفها يا غلام؛ قال: حسراء مقبلة، شعراء مدبرة، ما بين غثرة الدهسة، وقنوء الدبسة؛ سجحاء الخدين، خطلاء الأذنين، فشقاء الصورين؛ كأن زنمتيها تتوا قلنسية، يا لها أم عيال، وثمال مال.
قول ينشد: يطلب، والناشد: الطالب، يقال: نشدت الضالة، فأنا أنشدنا إذا طلبتها. وأنشدتها: عرفتها، فأنا منشد، وأنشدنى أو بكر بن دريد:
يصيخ للنبأة أسماعه ... إصاخة الناشد للمنشد

وقوله: حسراء مقبلة، يعنى أنها قليلة شعر المقدم، قد انحسر شعرها، وشعراء مدبرة، يعنى أنها كثيرة شعر المؤخر. والغثرة: غبرة كدرة. والدهسة: لو كلون الدهاس، قال الأصمعى: والدهاس من الرمل: كل لين لا يبلغ أن يكون رملا وليس بتراب ولا طين، قال ذو الرمة يذكر فراخ النعام
جاءت من البيض زعراً لا لباس لها ... إلا الدهاس وأم برة وأب
وقال أبو زيد: الصدآء من المعز: السوداء المشربة حمرةً. والدهاء أقل منها حمرةً. والقنوء: شدة الحمرة: والعرب تقول: أحمر قانى، وقد قنا يقنأ قنواً، وأحمر ذريحى وأحمر باحرى وبحرانى وقاتم: أيى شديد الحمرة. وناصع، والناصع: الخالص من كل لون. ويانع وناكع بين النكعة. وقال ابن الأعرابى: ويقال: أحمر كالنكعة، وهو ثمر النقاوى وهو كالنبقة، وأنشد:
إليكم لا تكون لكن خلاة ... ولا نكع النقاوى إذ حالا
وقال أبو عبيدة: قال أعرابى يقال له أبو مرهب لآخر: قبح الله نكعة أنفك كأنها نكعة الطرثوث، يريد حمرة أنفه. ونكعة الطرثوث: رأسه، وهو نبت يشبه القثاء. وقال ابو عمرو الشيبانى: وأحمر نكع، وهو الذى يخالط حمرته سواد. وقال غيره: وأحمر سلغد، أى أشقر، وأحمر أسلغ وأحمر أقشر، وهو الشديد الحمرة الذى يتقشر وجهه وأنفه فى الحر، وأحمرعاتك وأحمر غضب، أي شديد الحمرة.
وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله تعالى قال حدثنى أبو عثمان قال أخبرنى أبو محمد عبد الله بن هارون التوزى قال أخبرنى أبو عبيدة قال: تزوّج رجل من بنى عامر بن صعصعة امرأةً من قومه، فخرج فى بعض أسفاره ثم قدم وقد ولدت امرأته وكان خلفها حاملاً، فنظر إلى ابنه فإذا هو أحمر غضب، أزب الحاجبين، قدعاها وانتضى السيف وأنشأ يقول:
لا تمشى راسى ولا تفلينى ... وحاذرى ذا الريق فى يمينى
واقتربى دونك أخبرينى ... ما شأنه أحمر كالهجين
خالف ألوان بنى الجون
فقالت تجيبه:
إن له من قبلى أجداداً ... بيض الوجوه كرماً أنجادا
ما ضرهم إن حضروا مجادا ... أو كافحوا يوم الوغى الأندادا
ألا يكون لونهم سوادا
وأمر أكلف، وهو الكدر الحمرة، وأحمر فقاعى، وهو الذى يخلط حمرته بياض، وأحمر فرق وكالقرف، وهو الأديم الأحمر، وأنشدنا اللحيانى:
أحمر كالقرف وأحوى أدعج
قال: ويقال: إنه لأحمر كالصربة، والصربة: الصمغة الحمراء وجمعها صرب؛ وأحمر كالمصعة، وهو ثمر العوسج، وأبيض يقق ولهق وصرح ولياح ولياح ووابص وحضى وقهب، وهو الذى يخالط بياضه حمرة وقهد أيضا. وأسود حانك وحالك وحلكوك ومحلنكك ومحلولك وسحكوك ومسحنكك، قال الراجز:
تضحك منى شيخة صحوك ... واستنوكت وللشباب نوك
وقد يشيب الشعر السحكوك
وحلبوب أيضا، قال الشاعر:
أما ترينى اليوم نضوا خالصاً ... أسود حلبوبا وكنت وابصا
والوابص: الذى بيص من شدة بياضه. وأسود فاحم: للشديد السواد، وهو مشتق من الفحم، ويحموم وحندس ودجوجى وخدارى وغدافى وغربيب ومدلهم وغيهم وغيهب. وأخضر ناضر وباقل ومدهام. واصفر فاقع وفقاعى، كما قالوا فى الأحمر: فقاعى ووارس وأرمك رادنى وأورق خطبانى إذا كان خالصاً. والأورق: الرماد، والورقة: لون الرماد، والأرمك، دون ذلك. والدبسة: حمرة يعلوها سواد، وقال أبوعبيدة: الدبسة: شقرة يعلوها سواد. وقوله: سجحاء الخدين، أى سهلة الخدين حسنتهما، ومن هذا قالوا: أسجح، أى أحسن، قال الشاعر:
معاوى إننا بشر أسجح ... فلسنا بالجبال ولا الحديد
أى أحسن وسهل. وخطلاء: طويلة الأذنين مضطربتهما، ومنه قبل لكلاب الصيد: خطل. وقوله: فشقاء، أيى منتشرة متباعدة. وقرأت على أبى بكر بن دريد لرؤبة:
فبات والنفس من الحرص الفشق ... فى الزرب لو يمضغ شرياً ما بصق
يقول: بات هذا الصائد فى الفترة، وهي الناموس والزرب أيضاً، وقد أبصر وحشا فانتشرت نفسه، فلو مضغ شربا ما بصق للا ينفر الوحش. والشرى: الحنظل. والصوران: القرنان، وأحدهما صور. وأنشدنا أبو بكر بن الأنبارى:
نحن نطحناهم غداة الغورين ... بالضابحات فى غبار النقعين
نطحا شديداً لا كنطح الصورين

والزنمتان: الهنيتان المتعلقتان ما بين لحيى العنز. والتتوان: ذؤابتا القلنسوة، وأحدهما تتوء. وفى القلنسوة لغات، يقال: قلنسوة وقلنسية وقلنساة وقلساة؛ وقال أحمد بن عبيد: وقليسية تصغير قلساة، قال: وجمع قلساةٍ قلاسى؛ وحكى عن الزبيدى: ما أعجب هذه القلاسى التى أراها على رءوسكم، وروى أبو عبيدة عن الأصمعى وأبى زيد: قليسية وجمعها قلاسٍ؛ وقرأت على أبى بكر بن الأنبارى فى " الغريب المصنف " قال أنشدنا أبو زيد:
إذا ما القلاسى والعمائم أخنست ... ففيهن عن صلع الرجال حسور
وقوله: ثمال مال، أى أصل مال، والثميلة: ما يبقى فى بطن البعير من العلف. وقيل لأعرابى: أشرب؛ فقال: إنى لا أشرب إلا على ثميلة.
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: مررت بحمى الربذة فإذا صبيان يتقامسون فى الماء وشاب جميل الوجه ملوح الجسم قاعد، فسلمت عليه، فرد على السلام وقال: من أين وضح الراكب؟ قلت: من الحمى، قال: ومتى عهدك به؟ قلت: رائحا؛ قال: وأين كان مبيتك؟ قلت: أدنى هذه المشاقر، فألقى نفسه على ظهره وتنفس الصعداء، فقلت: نفسأ حجاب قلبه، وأنشأ يقول:
سقى بلداً أمست سليمى تحله ... من المزن ماتروى به وتسيم
وإن لم أكن من قاطنيه فإنه ... يحل به شخص على كريم
ألا حبذا من ليس يعدل قربه ... لدى وإن شط المزار نعيم
ومن لا منى فيه حميم وصاحب ... فرد بغيظ صاحب وحميم
ثم سكت سكتة كالمغمى عليه، فصحت بالأصبية، فأتوا بماء فصبيته على وجهه، فأفاق وأنشأ يقول:
إذا الصب الغريب رأى خشوعى ... وأنفاسى تزين بالخشوع
ولى عين أضر بها التفاتى ... إلى الأجراع مطلقة الدموع
إلى الخلوات تانس فيك نفسى ... كما أنس الوحيد إلى الجميع
قولهك يتقامسون: يتغاطون، يقال: فمسته فى الماء ومقلته وغمسته وغططته. وقال لى أبو بكر ابن دريد رحمه الله تعالى: المشاقر: منابت العرفج، وقال غيره: المشاقر: الرمال، وأحدها مشقر، وأنشدنى لذى الرمة:
كأن عرى المرجان منها تعلقت ... على أم خشف من ظباء المشاقر
وقوله: تفسأ حجاب قلبه، يقال: تفسأ الثوب وتهما إذا تشقق، وتهتأ إذا انشق من البلى، ويقال: تسلسل الثوب وأسمل وجرد وانجرد وأسحق وأنهج ومح وأمح وهمد: كله إذا أخلق. والسمل والجرد والسحق والنهج: الخلق، قال ذو الرمة:
قف العنس فى أطلال مية فاسأل ... رسوماً كأخلاق الرداء المسلسل
وقال كثير:
فأسحق برداه ومح قميصه ... فأثوابه ليست لهن مضارج
وقال العجاج:
ما هاج أحزاناً وشجوا قد شجا ... من طللٍ كالأيحمى أنهجا
وقال الأعشى:
قالت قتيلة ما لجسمك شاحباً ... وأرى ثيابك بالياتٍ همدا
والحشيف: الخلق أيضاً، قال الهذلى:
أتيح لها أقيدر ذو حشيفٍ ... إذا سامت على الملقات ساما
وكذلك الدرس والدريس، قال المتنخل:
قد حال دون دريسيه مؤوبة ... نسع لها بعصاه الأرض تهزيز
مؤوبة: ريح جاءت مع الليل. ونسع ومسع: اسم من أسماء الشمال. والهدمل: الثوب الخلق، قال تأبط شراً:
نهضت إليها من جثومٍ كأنها ... عجوز عليها هدمل اذت خيعل
والهدم: الخلق، قال الكميت:
فأصبح باقى عيشنا وكأنه ... لواصفه هدم الخباء المرعبل
إذا حيص منه جانب راع جانب ... بفتقين يضحى فيهما المتظلل
والمرعبل: الممزق. وحيص: خيط. والطمر: الخلق.
وأنشدنا أبو بكر بن الأنبارى رحمه الله عن أبيه عن أحمد بن عبيد لشاعر قديم:
وعاذلةٍ هبت بليلٍ تلومنى ... ولم يغتمرنى قبل ذاك عذول
تقول اتئد لا يعدك الناس مملقاً ... وتزرى بمن يا بن الكرام تعول
فقلت أبت نفس على كريمة ... وطارق ليلٍ غير ذاك يقول
ألم تعلمى يا عمرك الله أننى ... كريم على حين الكرام قليل
وإنى لا أخرى إذا قيل مملق ... سخى وأخرى أن يقال بخيل

فلا تتبعى العين الغوية وانظرى ... إلى عنصر الأحساب أين يؤول
ولا تذهبن عيناك فى كل شرمحٍ ... له قصب جوف العظم أسيل
إذا كنت فى القوم الطوال فضلتهم ... بعارفةٍ حتى يقال طويل
ولا خير فى حسن الجسوم وطولها ... إذا لم يزن حسن الجسوم عقول
وكائن رأينا من فروعٍ طويلة ... تموت إذا لم يحيهن أصول
فإن لا يكن جسمى طويلاً فإننى ... له بالفعال الصالحات وصول
ولم أر كالمعروف أما مذاقه ... فحلو وأما وجه فجميل
قال أبو على: الشرمح: الطويل، وكذلك الشوقب. وقال أبو بكر بن الأنبارى رحمه الله تعالى: العارفة: النفس الصابرة. وأنشدنا بعض أصحابنا لعلى بن العباس الرومى:
وذخرته للدهر أعلم أنه ... كالحصن فيه لمن يؤول مآل
ورأيته كالشمس إن هى لم تنل ... فضياؤها والرفق منه ينال
وأنشدنى أيضاً مثل هذا المعنى لسعيد بن حميد الكاتب:
أهاب واستحبى وأقرب وعده ... فلا هو يبدانى ولا أنا أسأل
هو الشمس مجراها بعدي وضوءها ... قريب وقلبى بالبعيد موكل
وحدثنا أبو بكر بن دريد الأزدى قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: رأيت بالبادية امرأة على راحلة لها تطوف حول قبر وهى تقول:
يا من بمقلته زها الدهر ... قد كان فيك تضاءل الأمر
زعموا قتلت وما لهم خبر ... كذبوا وقبرك ما لهم عذر
يا قبر سيدنا المجن سماحةً ... سلى الإله عليك يا قبر
ما ضر قبرا فيه شلوك ساكن ... ألا يمر بأرضه القطر
فلينبعن سماح جودك فى الثرى ... وليورقن بقربك الصخر
وإذا غضبت تصدعت فرقاً ... منك الجبال وخافك الذعر
وإذا رقدت فأنت منتبه ... وإذا انتبهت فوجهك البدر
والله لو بك لم أدع أحداً ... إلا قتلت لفاتنى الوتر
قال: فدنوت منها لأسألها عن أمرها فإذا هي ميتة.
وأنشدنا الأخفش قال: أحمد بن يحيى ومحمد بن الحسن:
لله در ثقيفٍ أي منزلةٍ ... حلوا بها بين سهل الأرض والجبل
قوم تخير طيب العيش رائدهم ... فأصبحوا يلحفون الأرض بالحلل
ليسوا كمن كانت الترحال همته ... أخبث بعيش على حل ومرتحل
وقرأت على أبى بكر بن دريد لبعض الأعراب:
سأشكر عمرا إن تراخت منبتى ... أيادى لم تمنن وإن هى جلت
فتى غي رمحجوب الغنى عن صديقه ... ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلت
رأى خلتى من حيث يخفى مكانها ... فكانت قذى عينيه حتى تجلت
وأنشدنا الأخفش أيضاً قال أنشدنا بعض أصحابنا:
فما تزود مما كان يجمعه ... إلا جنوحاً غداة البين مع خرق
وغير نفحة أعوادٍ شبين له ... وقل ذلك من زادٍ لمنطلقٍ
لا تأسين على شيء فكل فتىً ... إلى منيته يستن فى نق
بأيما بلدةٍ تقدر منيته ... إلا يسارع إليها طائعاً يسق
وأنشدنى أبو بكر التاريخى للبحترى:
دنوت تواضعاً وبعدت قدراً ... فشأناك انحدار وارتفاع
كذاك الشمس يبعد أن تسامى ... ويدنو الضوء منه والشعاع
وأنشدنى أبو بكر بن دريد - رحمه الله - لبعض الأعراب:
إنى حمدت بنى شيبان إذ خمدت ... نيران قومى وشبت فيهم النار
ومن تكرمهم فى المحل أنهم ... لا يعرف الجار فيهم أنه جار
حتى يكون عزيزاً من نفوسهم ... أو أن يبين جميعاً وهو مختار
كأنه صدع فى رأس شاهقةٍ ... من دونه لعتاق الطير أوكار
وأنشدنى أيضاً:
نزلت على آل المهلب شاتيا ... غريباً عن الأوطان فى زمن المحل
فما زال بى إكرامهم وافتقادهم ... وإلطافهم حتى حسبتهم أهلى
قال أبو على: ويروى: واقتفاؤهم، وهو الإيثار.

وحدثنا أبو بكر قال حدثنى عمى عن أبيه عن ابن الكلبى قال: ابتاع شاب من العرب فرسا، فجاء إلى أمه وقد كف بصرها، فقال: يا أمى، إنى قد اشتريت فرسا، فقالت: صفه لى، قال: إذا استقبل فظبى ناصب، وإذا استدبر فهقل خاضب، وإذا استعرض فسيد قارب؛ مؤلل المسمعين، طامح الناظرين، مذعلق الصبيين؛ قالت: أجودت إن كنت أعربت؛ قال: إنه مشرف التليل، سبط الخصيل، وهواه الصهيل؛ قالت: أكرمت فارتبط.
قال أبو على: الناصب الذى نصب عنقه وهو أحسن ما يكون. والهقل: الذكر من النعام، والأنثى هقلة. والخاضب: الذى أكل الربيع فاحمرت طنبوباه وأطراف ريشه. والسيد: الذئب. ومؤلل: محدد، والألة: الحربة، وجمعها إلال. والإل: العهد، والإل: القرابة، قال حسان بن ثابت رضى الله عنه:
لعمرك إن إلك من قريش ... كإل السقب من رأل النعام
والإل: الله تبارك وتعالى، وفى حديث أبى بكر رضى الله عنه: " هذا كلام لم يخرج من إل " ومنه قولهم: جبرئل، والأل: الأول، وأنشدنا أبو بكر بن دريد رحمه الله:
لمن زحلوقة زل ... بها العينان تنهل
ينادى الآخر الأل ... ألا حلوا ألا حلوا
الزحلوقة: آثار تزلج الصبيان من فوق إلى أسفل؛ وأهل العالية يقولون زحلوقة بالفاء؛ وتميم يقولون زحلوقة بالقاف. والأل: السرعة، أنشدنا يعقوب:
مهرب أبى الحبحاب لا تشلى ... بارك فيك الله من ذى آل
وطامح: مشرف. وقال قطرب بن المستنير: الذعلوق: نبت يشبه الكراث يلتوى، وهو طيب للأكل. والصبيان: مجتمع لحييه من مقدمهما؛ وقال أبو عبيدة: الصبيان: العظمان المنحنيان من حرفى وسط المحبين من ظاهرهما عليهما لحم. والتليل: العنق. والخصيل: كل لحمة مستطيلة وجمعها خصائل؛ وقال أبو عبيدة: الخصيلة: كل ما أنماز من لحم الفخذ بعضه من بعض. والوهوهة: صوت يقطعه.
وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله تعالى قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: وصف أعرابى نساء فقال: يلتئمن على السبائك، ويتشحن على النيازك، ويأتزرن على العوانك، ويرتفقن على الأرائك، ويتهادين على الدرانك؛ ابتسامهن وميض، عن وليع كالاغريض؛ وهن إلى الصباصور، وعن الخنانور.
قال أبو زيد: اللثام على الفم. واللفام على طرف الأنف، يقال: تلثمت المرأة وتلقمت المرأة. والسبائك ها هنا: الأسنان، شبهها لبياضها بالسبائك. والنيازك، وأحدها نيزك، وهو الرمح القصير. والعوانك، وأحدها عانك، وهو رمل منعقد يشقى فيه البعير لا يقدر على السير، فيقال حينئذ: قد اعتنك. والأرائك: السرر، وأحدها أريكة، وقال قوم: الفرش. ويتهادين: يمشين مشيا ضعيفا، قال الأعشى: تهادى كما قد رأيت البهيرا والدرانك: الطنافس، وأحدها درنوك. والوميض: اللمعان الخفى. والإغريض والوليع: الطلع. وصور: موائل، ومه قبل للمائل العنق: أصور. ونور: نفر من الريبة، وأحدها نوار.
وأنشدنا أبو بكر بن دريد فيما أملاه علينا من معانى الشعر:
إذا ما اجتلى الرانى اليها بطرفة ... غروب ثناياها أنار وأظلما
الغروب: حد الأسنان، وأحدها غرب. والرانى: المديم النظر. وقوله: أنار وأظلم، أى أصاب ضوءاً وظلماً. والظلم: ماء الأسنان.
وأنشدنا أبو بكر قال: أنشدنا عبد الرحمن عن عمه لأعرابى:
أيا عمرو كم من مهرةٍ عربيةٍ ... من الناس قد بليت بوغدس يقودها
يسوس وما يدرى لها من سياسةٍ ... يريد بها أشياء ليست تريدها
مبتلة الأعجاز زانت عقودها ... بأحسن مما زينتها عقودها
خليلى شدا بالعمامة وآخز ما ... على كبد قد بان صدعاً عمودها
خليلى هل ليلى مؤدية دمى ... إذا قتلتنى أو أمير يقيدها
وكيف تفاد النفس بالنفس لم تقل ... قتلت ولم يشهد عليها شهودها
ولن يلبث الواشون أن يصدعوا العصا ... إذا لم يكن صلباً على البرى عودها
نظرت إليها نظرة ما يسرنى ... بها حمر أنعام البلاد وسودها
ولى نظرة بعد الصدود من الهوى ... كنظرة ثكلى قد أصيب وحيدها

فحتى متى هذا الصدود إلى متى ... لقد شف نفسى هجرها وصدودها
فلو أن ما أبقيت منى معلق ... بعود ثمام ما تأود عودها
ومما اخترته ودفعته إلى أبى بكر فقرأه على:
يلقى السيوف بوجهه وبنحره ... وييم هامته مقام المغفر
ويقول للطرف اصطبر لشبا القنا ... فعقرت ركن المجد إن لم تعقر
وإذا تأمل شخص ضيف مقبل ... متسربل أثواب عيشٍ أغبر
أوما إلى الكرماء هذا طارق ... نحرتنى الأعداء إن لم تنحرى
وأنشدنا أبو عبد الله قال: أنشدنا أحمد بن يحيى النحوى:
لقد هزئت منى ينجران أن رأت ... مقامى فى الكبلين أم أبان
كأن لم ترى قبل أسيرا مقيدا ... ولا رجلاً يرمى به الرجوان
خليلى ليس الرأى فى صدر واحد ... أشيرا على اليوم ما تريان
أأركب صعب الأمر إن ذلوله ... ينجران لا يقضى لحين أوان
وحدثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد قال أخبرنى عمى عن أبيه عن ابن الكبلى قال: مر منسر من العرب بغلام يرعى غنيمة له وبينه وبين أهله شعب أو نقب، فترك غنمه وأسند فى الجبل قأتى قومه فأنذرهم، فقالوا له: ما رأيت؟ قال: رأيت سبعة كالرماح، على سبعة كالقداح؛ غائرة العيون، لواحق البطون، ملس المتون؛ جريها انبتار، وتقريبها انكدار، وإرخاؤها استعار؛ وعهدى بهم قد لاذوا بالضلع، وكأنكم بغبارهم قد سطع؛ فلم يفرغ من كلامه حتى رأوا الغبرة فاستعدوا، وصادفهم القوم حاذرين فأدبروا عنهم.
قال أبو على: المنسر: جماعة الخيل، والمنسر بكسر الميم: منقار الطائر، لأنه ينسر به، أى ينتف به، واحسب النسر من هذا، لأنه ينسر اللحم، أي ينتفه، قال الأصمعى: منسر فى الخيل والمنقار بكسر الميم، وتابعه على ذلك يعقوب؛ وقال الأصمعى: إنما سمى منسراً لأنه ينسر به كل ما مر به، أى ينتفه ويأخذه. والشعب أكبر من اللصب، وهو الشق فى الجبل. والنقب: الطريق فى الجبل، قال عمرو بن الأيهم التغلبىّ
وتراهن شزبا كالسعالى ... يتطلعن من ثغور النقاب
قال أبو على: الأنبتار: الشدة فى العدو، لأنه انقطع عنالتقريب والإرخاء. وانكدار: انفعال من قولهم: انكدر إذا أسرع بعض الإسراع. والتقريب تقريبان، فالتقريب الأدنى أن يجمع يديه ورجليه عند الخضر، والتقريب الأعلى أن يجمع يديه مع رجليه ويحزئل متنه، وهذا هو الإرخاء الأدنى؛ فأما الارخاء الأعلى، فهو أن يدعه وسومه من الخضرن والضلع: الجبيل الصغير.
وأنشدنا أبو بكر بن الأنبارى رحمه الله:
ولست بصادرٍ عن بيت جارى ... صدور العير عمره الوروده
ولست بسائل جارات بيتى ... أغياب رجالك أم شهود
ولا ألقى لذى الودعات سوطى ... لألهيه وربيته أريد
أى لا أصدر عن بيت جارى مثل العير الذى قد تغمر، أى لم يرو وفيه حاجة إلى العودة، يقول: فأنا لا آتى بيت جارى هكذا أريد الريبة. وذو الودعات: الصبى، يقول: لا ألهى الصبى بالسوط وأخلو أنا بأمه. ومثله قول مسكين الدارمى:
لا آخذ الصبيان ألثمهم ... والأمر قد يغزى به الأمر
قال أبو على: وحدثنى محمد بن السرى وابن درستويه والأخفش قالوا حدثنا أبو العباس محمد ابن يزيد قال أخبرنا عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير قال: وقع بين أعمامى وأخوالى لحاء فى أرضٍ، فتراضوا عند حاكم لهم بشيخ منهم ورضوا بيمينه مع الشهادة، فكان إذا استحلف بالمشى إلى مكة حلف بالمشى إلى جدة، وإذا استحلف بطلاق امرأة حلف بطلاق أربع، وإذا استحلف بعناق عبد حلف بعناق مائة، وكنت أحب أن يظهر أعمامى على أخوالى فظهروا عليهم، فقلت:
لا شىء يدفع حق خصيمٍ شاغبٍ ... إلا كحلف عبيدة بن سميدع
يمضى اليمين على اليمين لجاجة ... عض الجموح على اللجام المقدع
وإذا يذكر حلفةً أصغى لها ... وإذا يذكر بالتقى لم يسمع
سهل اليمين إذا أردت يمينه ... بخدائع السفراء غير مخدع
يهتز حين تمر حجةً خصمه ... خوف الهضيمة كاهتزاز الأشجع

يغشى مضرته لنفع صديقه ... ما خير ذى حسب إذا لم ينفع
وقرىء على أبى بكر بن دريد - وأنا أسمع - لرجل ذكر دارا ووصف ما فيها فقال:
إلا رواكد بينهن خصاصة ... سفع المناكب كلهن قد اصطلى
ومجوفات قد علا أجوازها ... أسآر جردٍ مترصات كالنوى
رواكد: ثوابت، يعنى أثافى. والخصاصة: الفرجة. والسفعة: سواد تعلوه حمرة. ومجوفات يعنى نعاما، والتجويف: أن يبلغ البيضا البطن. وقوله: علا أجوازها، أي علا التجويف أوساطها. وأسآر: بقايا، الواحد سؤر. وجرد: خيل قصار شعر الأبدان، واحدتها جرداء، وذلك من عتقها، يقول: قد طردت الخيل هذه النعام فقتلت بعضها وبقى بعض، فهذه البقايا بقايا هذه الخيل. ومترصات: محكمات. كالنوى، أى صلاب، ويجوز أن يكون فى صمرهن.
وحدثنا أبو عبد الله نفطويه قال أخبرنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوى قال أخبرنا الزبير قال أخبرنا عبد الملك قال: قالى لى أبو السائب: يا بن أخى، أنشدنى للأحوص؛ فأنشدته قوله:
قالت وقلت تحرجى وصلى ... حبل امرىء بوصالكم صب
صاحب إذا بعلى فقلت لها ... الغدر شىء ليس من ضربى
ثنتان لا أدنة لوصلهما ... عرس الخليل وجارة الجنب
أما الخليل فلست فاجعه ... والجار أوصانى به ربى
عوجا كذا نذكر لغانيةٍ ... بعض الحديث مطيكم صحبى
وتقل لها فيم الصدود ولم ... نذنب بل أنت بدأت بالذنب
إن تقبلى نقبل وننزلكم ... منا بدار الود والرحب
أو تدبرى تكدر معيشتنا ... وتصدعى متلائم الشعب
فقال لى: يا بن أخى، هذا المحب عينا لا الذى يقول:
وكنت إذا حبيب رام صرمى ... وجدت وراى منفسحا عريضا
اذهب، فلا صحبك الله ولا وسع عليك.
قال أبو على اسمعيل بن القاسم البغدادى: وأخبرنا أبو بكر قال أخبرنا السكن بن سعيد قال أخبرنا على بن نصر الجهضمى قال: دخل كثير على عبد الملك بن مروان رحمه الله، فقال عبد الملك بن مروان: أأنت كثير عزة؟ قال: نعم؛ قال: أن تسمع بالمعيدى خير من أن تراه؛ فقال: يا أمير المؤمنين، كل عند محله رحب الفناء، شامخ البناء، عالى السناء؛ ثم أنشأ يقول:
ترى الرجل النحيف فتردريه ... وفى أثوابه أسد هصور
ويعجبك الطرير إذا تراه ... فيخلف ظنك الرجل الطرير
بغاث الطير أطولها رقابا ... ولم تطل البزاة ولا الصقور
خشاش الطير أكثرها فراخا ... وأم الصقر مقلات نزور
ضعاف الأسد أكثرها زئيرا ... وأصرمها اللواتى لا تزير
وقد عظم البيعر بغير لب ... فلم يستغن بالعظم البعير
ينوخ ثم يضرب الهراوى ... فلا عرف لديه ولا نكير
يقوده الصبى بكل أرض ... وينخره على الترب الصغير
فما عظم الرجال لهم بزينٍ ... ولكن زينهم كرم وخير
فقال عبد الملك: لله دره، ما أفصح لسانه، وأضبط جنانه، وأطول عنانه! والله إنى لأظنه كما وصف نفسه.
وأنشدنا أبو عبد الله نفطويه وأبو الحسن الأخفش وأبو بكر بن دريد - الألفاظ مختلطة - لعبد الله بن سبرة الحرشى وكانت قطعت يده فى بعض غزواته الروم، فقال يرثيها:
ويل أم جارٍ غداة الروع فارقنى ... أهون على به إذ بان فانقطعا
يمنى يديى غدت منى مفارقة ... لم أستطع يوم فلطاس لها تبعا
وما ضنت عليها أن أصاحبا ... لقد حرصت على أن نستريح معا
وقائل غاب عن شأنى وقائلةٍ ... هلا اجتنبت عدو الله إذ صرعا
وكيف أركبه يسعى بمنصله ... نحوى وأعجز عنه بعد ما وقعا
ما كان ذلك يوم الروع من خلقى ... ولو تقارب منى الموت فاكتنعا
ويل أمه فارسا أجلت عشيرته ... حامى وقد ضيعوا الأحساب فارتجعا
يمشى إلى مستميت مثله بطلٍ ... حتى إذا أمكنا سيفهما امتصا
كل ينوء بماضى الحد ذى شطب ... جلى الصيافل عن ذريه الطبعا

حاشيته الموت حتى اشتف آخره ... فما استكان لما لاقى ولا جزعا
كأن لمته هداب محملة ... أحم أزرق لم يشمط وقد صلعا
فإن يكن أطربون الورم قطعها ... فقد تركت بها أوصاله قطعا
وإن يكن أطربون الورم قطعها ... فإن فيها بحمد الله منتفعا
بنانتين وجذموراً أقيم بها ... صدر القناة إذا ما آنسوا فزعا
قال أبو على: الجدمور: الأصل، ويقال: أخذت الشىء بجذاميره. وأنشدنا إبراهيم قال أنشدنا أحمد بن يحيى قال: أنشدنا الزبير لجرير الديلى:
كأنما خلقت كفاه من حجرٍ ... فليس بين يديه والندى عمل
يرى التيمم فى بر وفى بحرٍ ... مخافةً أن يرى فى كفه بلل
وحدثنا أبو بكر بن دريد قال أخبرنا أبو حاتم عن أبى عبيدة عن يومس قال: كنت عند أبى عمرو بن العلاء فجاءه شبيل بن عروة الضبعى، فقام إليه أبو عمرو فألقى إليه لبدة بغلته، فجلس عليها ثم أقبل عليه يحدثه فقال شبيل: يا أبا عمرو، سألت رؤبتكم هذا عن اشتقاق اسمه فما عرفه، قال يونس: فلما ذكر رؤبة لم أملك نفسى، فزحفت إليه فقلت: لعلك تظن أن معد بن عدنان أفصح من رؤبة وأبيه، فأنا غلام رؤبة، فما الروبة والروبة والروبة والروبة والرؤبة؟ فلم يحر جواباً وقام مغضبا؛ فأٌبل على أبو عمرو بن العلاء وقال: هذا رجل شريف يقصد مجالسنا ويقضى حقوقنا وقد أسأت فيما واجهته به؛ فقلت: لم أملك نفسى عند ذكر الرؤبة؛ ثم فسر لنا يونس فقال: الروبة: خميرة اللبن. والروبة: قطعة من الليل. وفلان لا يقوم بروبة أهله، أي بما أسندوا إليه من أموالهم ومن حوائجهم، والروبة: حمام ماء الفحل. والرؤبة مهموزة: القطعة تدخلها فى الإناء تشعب بها الإناء.
وأنشدنا أبو بكر رحمه الله تعالى عن أبى حاتم عن الأصمعى وأبى عبيدة للأحيمر أحد لصوص بنى سعد:
وقالت أرى ربع القوام وشافها ... طويل القناة بالضحاء تؤوم
فإن أك قصدا فى الرجال فإننى ... إذا حل أمر ساحتى لحسيم
وزادنى أبو عبيدة بعد هذين البيتين:
تعيرنى الإعدام والبدو معرض ... وسيقى بأموال التجار زعيم
قال: ثم تاب فقال:
أشكو إلى الله صبرى عن زواملهم ... وما ألاقى إذا مروا من الحزن
قل للصوص بنى اللخناء يحتسبوا ... بز العراق وينسوا طرفة اليمن
قرب ثوبٍ كريم كنت آخذه ... من القطار بلا نقد ولا ثمن
وأنشدنا أبو بكر عن أبى حاتم عن الأصمعى وأنشدنى أيضاً الأخفش قال: أنشدنا بعض أصحابنا هذه الأبيات:
حللنا آمنين بخير عيشٍ ... ولم يشعر بنا واشٍ بكيد
ولم نشعر بجد البين حتى ... أجد البين سيار عنود
وحتى قيل قوض آل بشرٍ ... وجاءهم بينهم البريد
وأبرزت الهوادج ناعماتٍ ... عليهن المجامد والعقود
فلما ودعونا واستقلت ... بهم قلص هواديهن قود
كتمت عواذلى ما فى فؤادى ... وقلت لهن ليتهم بعيد
فجالت عبرة أشفقت منها ... تسيل كأن وابلها فريد
فقالوا قد جزعت فقلت كلا ... وهل يبكى من الطرب الجليد
ولكنى أصاب سواد عينى ... عويد قذى له طرف حديد
فقالوا ما لدمعهما سواء ... أكلتا مقلتيك أصاب عود
لقبل دموع عينك خبرتنا ... بما جمجمت زفرتك الصعود
فقم وانظر يزدك مطال شوقٍ ... هنالك منظر منهم بعيد

وحدثنا أبو معاذ عبدان الخولى المتطبب قال: دخلنا يوما بسر من رأى على عمرو بن بحر الجاحظ نعوده وقد فلج، فلما أخذنا مجالسنا أتى رسول المتوكل فيه فقال: وما يصنع أمير المؤمنين بشق مائل، ولعاب سائل؟ ثم أقبل علينا فقال: ما تقولون فى رجل له شقان: أحدهما لو غرز بالمسال ما أحس، والشق الآخر يمر به الذاب فيغوث، وأكثر ما أشكوه الثمانون؟ ثم أنشدنا أبياتا من قصيدة عوف بن محلم الخزاعى. قال أبو معاذ: وكان سبب هذه القصيدة أن عوفا دخل على عبد الله بن طاهر، فسلم عليه عبد الله فلم يسمع، فأعلم بذلك، فزعموا أنه ارتجل هذه القصيدة ارتجالا، فأنشده:
يا بن الذى دان له المشرفان ... طرا وقد دان له المغربان
إن الثمانين وبلغتها ... قد أحوجت شمعى إلى ترجمان
وبدلتنى بالشطاط انحنا ... وكنت كالصعدة تحت السنان
وبدلتنى من زماع الفتى ... وهمتى هم الجبان الهدان
وقاربت منى خطا لم تكن ... مقارباتٍ وثنت من عنان
وأنشأت بينى وبين الورى ... عنانة من غير نسج العنان
ولم تدع فى لمستمتع ... إلا لسانى وبحسبى لسان
أدعو به الله وأثنى به ... على الأمير المصعبى الهجان
فقربانى بأبى أنتما ... من وطنى قبل اصفرار لبنان
وقبل منعاى إلى نسوة ... أوطنها حران والرقتان
وقرأنا على أبى بكر بن دريد رحمه الله لذى الرمة:
رمى الإدلاج أيسر مرفقيها ... بأشعث مثل أشلاء اللجام
يقول:أدلج فأعيا،فاذا نام توسد يسرى ذراعي ناقته، فيعنى أن الإدلاج هو الذى فعل بها ذلك. وأشلا اللجام: بقاياه من حديده وسيوره، وينى بالأشعث: نفسه.
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: سمعت أعرابيا يصف خيلا فقال: سباط الخصائل، ظلماء المفاصل، شداد الأباجل، قب الأياطل، كرام النواجل.
قال أبو على: الخصائل، واحدتها خصيلة، وهى كل قطعة من اللحم مستطيلة أو مجتمعة، وقال أبو عبيدة: الخصائل: ما أنماز من لحم الفخذ بعضه من بعض. وظماء: ضمر. والأباجل جمع أبجل، وهو من الفرس يمنزلة الأكحل من الإنسان، يريد أنها شداد القوائم. قب: ضمر. والأياطل جمع أيطل، والأيطل والإطل والصقل والقرب والكشح واحد. والنواجل جمع ناجلة. وهى التي نجلته، أى ولدته.
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال حدثنا عبد الرحمن عن عمه قال: سمعت أعرابيا يصف إبلا فقال: إنها لعظام الحناجر، سباط المشافر، كوم بهازر، نكد خناجر؛ أجوافها رغاب، وأعطانها رحاب؛ تمنع من البهم، وتبذل للجمم.
قال أبو على: الحناجر، واحدها حنجور وهو الحلقوم، والكوم جمع أكوم وكوماء، وهى العظام الأسئمة. والبهازر: العظام، واحدها بهزرة. والنكد: الغزيرة اللبن فى هذا الموضع، والنكد أيضاً: التى لا يبقى لها ولد. وقال الأصمعى: الصفى والخنجور واللهموم والرهشوش، كل هذه: الغزيرة اللبن. والرغاب: الواسعة. وأعطانها: مباركها عند الماء. والبهم جمع بهمة، وهو الشجاع الذى لا يدرى من أين يؤتى: من شدة بأسه. والجمم، واحدها جمة، وهم القوم يسألون فى الديات، وأنشدنا أبو بكر:
وجمة تسألنى أعطيت ... وسائلٍ عن خبرٍ لويت
وقلت لا أدرى وقد دريت
وأنشدنى أبو بكر قال: أنشدنى الرياشى:
لو قد تركتك لم تنخ بك جمة ... ترجو العطاء ولم يزرك خليل
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: قلت لأعرابى بحمى الربذة: ألك بنون؟ قال: نعم، وخالفهم لم تقم عن مثلهم منجبة، فقلت: صفهم لى، فقال: جهم وما جهم! ينضى الوهم، ويصد الدهم، ويفرى الصفوف، ويعل السيوف؛ قلت: ثم من؟ قال: غشمشم وما غشمشم! ماله مقسم، وقرنه مجرجم؛ جذل حكاك، ومدره لكاك؛ قلت: ثم من؟ قال: عشرب وما عشرب! ليث محرب، وسمام مقشب؛ ذكره باهر، وخصمه عاثر، وفناؤه رحاب، وداعيه مجاب؛ قلت كقصف لى نفسك، فقال: ليث أبو ريابل، ركاب معاضل، عساف مجاهل؛ حمال أبعاء، نهاض ببزلاء.
قوله: ينضى: يهزل، والنضو: المهزول. والوهم: الضخم العظيم من الإبل، قال ذو الرمة:

كأنها جمل وهم وما بقيت ... إلا النحيرة والألواح والعصب
ويصد: يكف. والدهم: العدد الكثير. ويفرى: يشق، يقال: فريت الشىء إذا شققته للإصلاح، وأفريته إذا قطعته للإفساد. ويعل: يوردها الدماء ثانية، مأخوذ من العلل فى الشرب. والمجرجم: المصروع. والجدل: أصل الشجرة، وذلك أن الإبل الجرب تحتك به فتجد له لذة، وإنما قال: جدل حكاك، أى أنه ممن يستشفى به فى الأمور بمنزلة ذاك الجدل الذى يستشفى به الإبل. والمدره: لسان القوم والمتكلم عنهم والدافع عنهم، يقال: درهته عنى ودرأته عنى: دفعته والتدرأ مثل المدره. واللكاك: الزحام؛ يقال: التك القوم على الماء إذا ازدحموا. والمحرب: المغضب الذى قد اشتد غضبه واحتد، وحربت السكين إذا أحددته. ومقشب: مخلوط. وباهر: غالب. وريابل جمع ريبال، وهو الأسد.
قال أبو على: روينا: الريابل فى هذا الخبر غير مهموز،وروينا فى الغريب المصنف: الريابل واحدها ريبال يهمز ولا يهمز. والمعاضل: الدواهى. والعساف: الذى يركب الطريق على غير هداية. والأعباء: الأثقال، واحدها عبء. والبزلاء: الرأى الجيد الذى ينزل عن الصواب، أى الذى يشق عنه، قال الراعى:
من رأي ذي بدواتٍ لا تزال له ... بزلاء يعيا بها الجثامة اللبد
وحدثنا أبو عبد الله نفطويه قال حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوى قال: قدم علينا أعرابى فسمع غناء حمائم بستان إبراهيم بن المهدى، فاشتاق إلى وطنه فقال:
أشاقتك البوارق والجنوب ... ومن علوى الرياح لها هبوب
ائتك بنفحة من شيح نجد ... تضوع والعرار بها مشوب
وشمت البارقات فقلت جيدت ... حبال البشر أو مطر القليب
ومن بستان إبراهيم غنت ... حمائم بينها فنن رطيب
فقلت لها وقيب سهام رامٍ ... ورقط الريش مطعمها الجنوب
كما هيجت ذا حزنٍ غريبا ... على أشجانه فبكى الغريب
وأنشدنا أبو بكر رحمه الله قال أنشدنى عمى عن أبيه عن ابن الكلبى لحجية بن المضرب يمدح يعفر ابن زرعة أحد الأملوك، أملوك ردمان:
إذا كنت سألاً عن المجد والعلا ... وأين العطاء الجزل والنائل الغمر
فنقب عن الأملوك واهتف بيعفر ... وعش جار ظلٍ لا يغالبه الدهر
أولئك قوم شيد الله فخرهم ... فما فوقه فخر وإن عظم الفخر
أناس إذا ما الدهر أظلم وجهه ... فأيديهم بيض وأوجههم زهر
يصونون أحسابا ومجدا موثلا ... ببذل أكف دونها المزن والبحر
سموا فى المعالى رتبةً فوق رتبةٍ ... أحلتهم حيث النعائم والنسر
أضاءت لهم أحسابهم فتضاءلت ... لنورهم الشمس المنيرة والبدر
فلو لامس الصخر الأصم أكفهم ... لفاضت ينابيع الندى ذلك الصخر
ولو كان فى الأرض البسيطة منهم ... لمختبط عاف لما عرف الفقر
شكرت لكم آلاءكم وبلاءكم ... وما ضاع معروف يكافئه شكر
وحدثنا أبو بكر بن الأنبارى قال: أملى علينا أبو العباس ين يحيى النحوى أو قرأ - الشك من أبى على - على باب داره، ثم أنشدناه فى المسجد الجامع يقرؤه على عبد الله بن المعتز قال: أنشدنى بعض أصحابنا عن النضر بن جرير عن الأصمعى:
سقى دمنتين ليس لى بهما عهد ... بحيث التقى الدارات والجرع الكبد
فيا ربوة الربعين حييت ربوةً ... على النأى منا واستهل بك الرعد
قضيت الغوانى غير ان مودة ... لذلفاء ما قضيت آخرها بعد
إذا ورد المسواك ظمآن بالضحى ... عوارض منها ظل يخصره البرد
وألين من مس الرخامات يلتقى ... بمارنه الجادى والعنبر الورد
فرى نائبات الدهر بينى وبينها ... وصرف الليالى مثل ما فرى البرد
فإن تدعى نداً ندعه ومن به ... وإن تسكنى نجداً فيا حبذا نجد
وإن كان يوم الوعد أدنى لقائنا ... فلا تعذلينى أن أثقول متى الوعد

وأنشدنا أبو عبد الله نفطويه قال: أنشدنا أحمد بن يحيى لأبى الهندى وهو من بنى رياح:
قل للسرى أبى قيس أتهجرنا ... ودارنا أصبحت من داركم صددا
أبا الوليد أما والله لو عملت ... فيك الشمول لما فارقتها أبدا
ولا نسيت حمايها ولذتها ... ولا عدلت بها مالا ولا ولدا
وحدثنى جحظة قال حدثنى حماد بن إسحاق الموصلى قال حدثنى أبى قال: كتبت إلى زهراء الأعرابية - وقد غابت عنى - كتابا فيه:
وجدى بحمل على أنى أجمجمه ... وجد السقيم ببرء بعد إدناف
أو وجد ثكلى أصاب الموت واحدها ... أو وجد منشعب من بين ألاف
فكتبت لها:
أما أويت لمن قد بات مكتئبا ... يذرى مدامعه سحا وتوكافا
إقرأ السلام على الزهراء إذ شحطت ... وقل هلا قد أذفت القلب ما خافا
فما وجدت على إلفٍ أفارقه ... وجدى عليبك وقدفارقت ألافا
وأنشدنا الأخفش:
أقول لصاحبى بأرض نجدٍ ... وجد مسيرنا ودنا الطروق
أرى قلبى سينقطع اشتياقا ... وأحزانا وما انقطع الطريق
وأنشدنا جحظة عن حماد عن أبيه:
طربت إلى الأصيبية الصغار ... وهاجك منهم قرب المزار
وأبرح ما يكون الشوق يوما ... إذا دنت الديار من الديار
وقرأت على أبى بكر لطفيل الغنوى:
أناس إذا ما أنكر الكلب أهله ... حموا جارهم من كل شنعاء مضلع
قال: ويروى: مفظع. قوله: أنكر الكلب أهله، أى إذا لبسوا السلاح وتقنعوا لم يعرف الكلب أهله. وحدثنى بعض شيوخنا أن ابن حبيب قال: إذا ما غزوا فصار معهم أعداؤهم فى ديارهم فتواثبوا أنكرهم الكلب إذ ذاك لتغيرهم عن حالهم. والشنعاء: الداهية المشهورة. ومضلع: شديدة، يقال: أضلعنى الأمر إذا اشتد على وغلبنى. وقرأت على أبى عبد الله لذى الرمة:
إذا نتجت منها المهارى تشابهت ... على العوذ بالأنوف سلائله
العوذ: الحديثات النتاج، واحدها عائذ، وإنما قيل لها عائذ لأن ولدها عاذ بها، وكان القياس أن يكون هو عائذا بها ولكنه لما كانت متعطفة عليه قيل لها: عائذ، يقول: تشابه عليها أولادها إلا أن تشمها بأنوفها، وذلك أنها من نجارٍ واحد وفحلٍ واحد وقد تقاربت فى الوضع فهى تشبه بعضها بعضاً. والسلائل: الأولاد، واحدها سليل.
وحدثنا أبو المياس الراوية قال حدثنى أحمد بن عبيد عن بعض شيوخه قال: كانت ويمة فى فريش تولى أمرها مقاس الفقعسى، فأجلس عمارة الكلبى فوق هشام بن عبد الملك، فأحفظه ذلك وآلى على نفسه أنه متى أفضت الخلافة إليه عاقبه، فلما جلس فى الخلافة أمر أن يؤتى به وتقلع أضراسه وأظفار يديه ففعل ذلك به، فأنشأ يقول:
عذبونى بعذابٍ ... قلعوا جوهر راسى
ثم زادونى عذابا ... نزعوا عنى طساسى
بالمدى حزز لحمى ... وبأطراف المواسى
قال أبو على: قال أبو العباس قال لى أبو المياس: الطساس: الأظفار، ولم أر أحداً من أصحابنا يعرفه، ثم أخبرنى رجل من أهل اليمن قال: يقال عندنا: طسه إذا تناوله بأطراف أصابعه.
وأنشدنا أبو المياس وكان من أروى الناس للرجز وهو من أهل سر من رأى لدكين بن رجاء الراجز:
لم أر بؤسا مثل هذا العام ... أرهنت فيه للشقا خشامى
وحق فخرى وبنى أعمامى ... ما فى القروف حفنتا حتام
قال أبو على: أرهنت ورهنت جميعا يقالان. قال: يوقال خاتم وخاتام وخيتام وخاتم. وقال أبو المياس: القروف: الجراب وأحسبه غلطا، إنما هو القروف جمع قرف، وهو الجراب. والختام البقية من كل شيء.

وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال أخبرنى عمى عن ابيه عن ابن الكلبى قال: خرج رجل من العرب فى الشهر الحرام طالبا حاجة، فدخل فى الحل فطلب رجلا يستجير به، فدفع إلى أغيلمه يلعبون، فقال لهم: من سيد هذا الحواء؟ فقال غلام منهم: أبيه، قال: ومن أبوك؟ قال: باعث بن عويص العاملى، قال: صف لى بيت أبيك من الحواء، قال: بيت كأنه حرة سوداء، أو غمامة حماء، بفنائه ثلاثة أفراس؛ أما أحدها: فمفرع الأكتاف، متماحل الأكناف، ماثل كالطراف، وأما الآخر: فذيال جوال صهال، أمين الأوصال، أشم القذال، وأما الثالث: فمغار مدمج، محبوك محملج، كالقهقر الأعدج. فمضى الرجل حتى انتهى إلى الخباء ففقد زمان ناقته ببعض ا " نابه وقال: يا باعث، جار علقت علائقه، واستحكمت وثائقه، فخرج إليه باعث فأجاره.
قال أبو على: المفرع: المشرف، والفرعة والفرعة بفتح الراء وتسكينها: أعلى الجبل وجمعها فراع، يقال: أئت فرعةً من فراع الجبل فانزلها، ومنه قيل: جبل فارع، ونقى فارع إذا كان أطول مما يليه، وبه سميت المراة فارعة؛ ويقال: أنزل بفارعة الوادى واحذر وأسفله. وتلاع فارع، أى مشرفات المسابل. وقال أبو نصر: يقال: فرع فلان قومه إذا علاهم بشرف أو جمال أو غيره، ولقيه ففرع رأسه بالعصا يريد: علاه. وقال أبو زيد: يقال: تفرع فلان القوم إذا ركبهم وشتمهم. وقال غيره، تفرعت الشىء: علوته. وقال أبو نصر: فرع إذا علا، وفرع وأفرع إذا انحدر، قال الشماخ:
فإن كرهت هجائى فاجتنب سخطى ... لا يدركك إفراعى وتصعيدى
وأصابته دبرة على فروع كتفيه يريد: على أعاليهما؛ ويقال: فرعت بين القوم، أيى حجزت، وأفرع بينهما، أى أحجز، وفرعت فرسى أفرعه، أيى قدعته، قال الشاعر:
نفرعه فزعاً ولسنا نعتله
وأفرعت المرأة إذا حاضت، ومنه قول الأعشى:
صددت عن الأعداء يوم عباعبٍ ... صدود المداكى أفرعتها المساحل
والمساحل: اللجم، واحدها مسجل، يعنى أن المساحل أدمتها كما أفرع الحيض المرأة بالدم؛ وافترعت المرأة: اقتضضتها، والفرع: ذبح كان فى الجاهلية، وهو أول النتاج، كانت إذا نتجت الناقة فى أول نتاجها ذبح، يتبركون به. قال أوس بن حجر:
وشبه الهيدب العبام من الأقوم سقباً مجللاً فرعا
قال أبو عمرو: الفرع، القسم أيضاً. وقد أفرع القوم أيضاً إذا نتجت إبلهم. وقال أبو نصر: يقال: بئس ما أفرعت به، أيى بئس ما ابتدأت به، والفرع من القسى: ما كان من طرف القضيب. والفرعة: القملة العظيمة، ومنه قيل: حسان ابن الفريعة، وقوله: متماحل الأكناف، المتماحل: الطويلز والأكناف: النواحى، يريد أنه طويل العنق والقوائم، وذلك مدح. والماثل: القائم المنتصب، والماثل: اللاطىء بالأرض وهو من الأضداد، ويقال: رأيت شخصاً ثم مثل، أى ذهب فلم أره، قال الهدلى:
يقربه النهض النجيح لما يرى ... فمنه بدو مرةً ومثول
بدور: ظهور، ومثول: ذهاب. والطراف: بيت من أدم. والذيال: الطويل الذنب، قال النابغة الذبيانى:
وكل مدجج كالليث يسمو ... على أوصال ذيالٍ رفن
والأوصال واحدها وصل، قال ذو الرمة:
إذا ابن أبى موسى بلالاً بلغته ... فقام بفأس بين وصلك حازر
وأشم: مرتفع، والشمم: الارتفاع. والقذال: معقد العذار. والمغار: الشديد القتل، يريد أنه شديد البدن، والعرب تقول: أغرت الحبل إذا شددت قتله، قال امرؤ القيس:
فيالك من ليلٍ كأن نجومه ... بكل مغار القتل شدت بيذبل
وغار الرجل يغور غورا إذا أتى الغور، وزاد اللحيانى: وأغار أيضاً، وأنشد بيت الأعشى:
نبى يرى ما لا ترون وذكره ... أغار لعمرى فى البلاد وأنجدا

فهذا على ما قال اللحيانى. وكان الكسائى يقول: هو من الإغارة، وهي السرعى. وكان الأصمعى يقول: أغار، ليس هو من الغور إنما هو بمعنى عدا، وقال اللحيانى: يقال للفرس: إنه لمغوار، أى شيديد العدو والجمع مغاوير، والتفسير الأول الوجه لأنه قال: وأنجدا، فإنما أراد أتى الغور وأتى نجداً، والغور: تهامة. وغار الماء يغور غوراً، قال الله عز وجل: (إن أصبح ماؤكم غوراً) أى غائراً، وزار أبو نصر: غورا، وغارت عينه تغور غورا، وغارت الشمس تغور غورا أيضاً، والغور: الاسم، يقول: سقطت فى الغور، يعنى: الشمس. وغار فلان على أهله يغار غيرة، ورجل غيور من قوم غيرٍ، وامرأة غيرى من نسة غيارى، وقال الأصمعى: فلان شديد الغار على أهله، أى شديد الغيرة، وزاد اللحياتى. والغير. وقال أبو نصر: أغار فلان على بنى فلان بغير إغارةً، وقال اللحيانى: يقال للرجل إنه لمغوار، أى شديد الإغارة والجمع مغاوير. وقال أبو نصر: يقال: غارهم بغيرهم إذا مارهم، والغيار المصدر، قال الهذلىّ:
ماذا بغير ابنتى ربيع عويلهما ... لا ترقدان ولا بؤسى لمن رقدا
وقال اللحيانى: غارهم الله بمطر بغيرهم ويغورهم والاسم الغيرة، ويقال: هذه أرض مغيرة ومغيورة. قال: والغير: التغيير، يقال: مع الغير الغيار، ولا يقال منه فعلت بالتخفيف، إنما يقال: غيرت عليه بالتنقيل، قال: وأنشدنا أبو شبل:
أقول بالسبت فويق الدير ... إذ أنا مغلوب قليل الغير
أراد: التغيير. والغاران: الجيشان، يقال: لقى غار غاراً. وقال أبو عبيدة: الغار: الجمع الكثير من الناس، قال: ويروى عن الأحنف أنه قال فى انصراف الزبير: وما أصنع به إن كان جمع بين غارين من الناس ثم تركهم وذهب!.
قال أبو على: فقول الأحنف: من الناس، يدل على أن الغار يكون الجمع من غير الناس. وقال أبو النصر: الغاران: البطن والفرج، يقال: المرء يسعى لغاريه، أى لبطنه وفرجه، وقال أبو عبيدة: يقال لفم الإنسان وفرجه: الغاران. وقال أبو نصر: الغار كالكهف فى الجبل، ويقال: " عسى الغوير أبؤساً " وهو تصغير غار، يريد: عسى أن يكون جاء البأس من الغار، وقال اللحيانى: يقال: غرت فى الغار والغور أغور غوراً وغؤرا، وأغرت أيضاً فيهما جميعا.
قال أبو على: قوله، غئوراً: نادر شاذ. والغار: شجيرة طيبة الريح، قال عدى بن زيد:
رب نارٍ بت أرمقها ... تقضم الهندى والغارا
وقال الأصمعى: يقال: غار النهار إذا اشتد حره، وغور القوم تغويرا إذا قالوا، من القائلة، والغائرة: القائلة، وقال اللحيانى: غور الماء تغويراً إذا ذهب فى العيون، ويقال: غرت فلانا من أخيه أغيره يغراً، وقال أبو عبيدة: غارنى الرجل يغيرنى ويغورنى إذا وداك، من الدية، والاسم الغيرة وجمعها غير، أي أعطيته الدية. وقال أبو نصر: أغار الرجل إغارة الثعلب إذا أسرع ودفع فى عدوه، وأنشد لبشر:
فعد طلابها وتعد عنها ... بحرفٍ قد تغير إذا تبوع
وقال خالد بن كلثوم: غاريت وعاديت بين اثنين، أى واليت، ومنه قول كثير:
إذا قلت أسلو غارت العين بالبكا ... غراءً ومدتها مدامع حقل
قال: معنى غارت فاعلت من الولاء، وقال أبو عبيدة: هى فاعلت من غريت بالشىء أغرى به. ومحبوك، موثق مشدود، يقال: حبكتا لشىء إذا شددته، فهو محبوك وحبيك، ويقال: جاد ما حبك هذا الثوب، أى نسج، قالى الهذلى:
فرميت فوق ملاءةٍ محبوكةٍ ... وأبنت للاشهاد حزة أدعى
يقول: أبنت لهم قولى خذها وأنا ابن فلان! وحرة، يعنى ساعة أدعى. ومنه قولهم: احتبك بإزاره أى احترم به. ومحملج: مفتول. والقهقر: الحجر الصلب. والأدعج: الأسود، قال الأصمعى: يقال: رجل أدعج، أى أسود، وليل أدلج، والدعج: شدة سواد الحدقة.
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال أخبرنى يونس قال: كان لرجل من بنى ضبة فى الجاهلية بنون سبعة، فخرجوا بأكلب لهم يقتنصون، فأووا إلى غار فهوت عليهم صخرة فأتت عليهم جميعهم، فلما استراث أبوهم أخبارهم اقتفر آثارهم حتى انتهى إلى الغار فانقطع عنه الأثر، فأيقن بالشر، فرجع وأنشا يقول:
أسبعة أطوادٍ أسبعة أبحر ... أسبعة آسادٍ أسبعة أنجم
رزئتهم فى ساعةٍ جرعتهم ... كؤوس المنايا تحت صخر مرضم

فمن تك أيام الزمان حميدةً ... لديه فإنى قد تعرفهن أعظمى
بلغن نسيسى وارتشفن بلالتى ... وصليننى جمر الأسى المتضرم
أحين رمانى بالثمانين منكب ... من الدهر منحٍ فى فؤادى بأسهم
رزئت بأعضادى الذين بأيدهم ... أنوء واحمى حوزتى وأحتمى
فإن لم تذب نفسى عليهم صبابةً ... فسوف أشوب دمعها بعد بالدم
ثم لم يلبث بعدهم إلا يسيرا حتى مات كمدا.
قال أبو على: اقتفر: اتبع، يقال: قفرت الأثر واقتفرته إذا اتبعته. ومرضم: منض بعضه على بعض، قال الأصمعى: يقال: بنى فلان دارا فرضم فيها الحجارة رضماً وذلك إذا نضد الحجارة بعضها على بعض، ومنه قيل: رضم البعير بنفسه إذا رمى به فلم يتحرك. وتعرقن: أخذن ما عليه من اللحم، يقال: عرقت العظم وتعرقته إذا أخذت من اللحم. والنسيس: بقية النفس، قال الشاعر:
فقد أودى إذا بلغ النسيس
وارتشفن: امتصصن. والبلالة: الرطوبة.
وحدثنا أبو بكر رحمه الله تعالى قال حدثنى أبو عثمان الأشناندانى قال حدثنى التوزى عن أبى عبيدة قال: لما مات حصين بن الحمام سمعوا صارخا يصيح من جبل ويقول:
ألا ذهب الحلو الحلال الحلاحل ... ومن عقده حزم وعزم ونائل
ومن قوله فضل إذا القوم أفحموا ... تصيب مرادى قوله ما يحاول
فلما سمعه معية أخوه قال: هلك والله حصين وأنشأ يقول:
نعيت حيا الأضياف فى كل شتوةٍ ... ومدره حربٍ إذ تخاف الزلازل
ومن لا ينادى بالهضيمة جاره ... إذا أسلم الجار الألف المواكل
فمن وبمن نستدفع الضيم بعده ... وقد صممت فينا الخطوب النوازل
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال أخبرنا عبد الرحمن وأبو حاتم والأشنارانى والرياشى قالوا كلهم: سمعنا الأصمعى يقول: كنت بالبادية فرأيت امرأة عند قبروهى تبكى وتقول:
فمن للسؤال ومن للنوال ... ومن للمقال ومن للخطب
ومن للحماة ومن للكماة ... إذا ما الكماة جثوا للركب
إذا قيل مات أبو مالك ... فتى المكرمات قريع العرب
فقد مات عز بنى آدم ... وقد ظهرالنكد بعد الطرب
قال: فملت إليها فقلت لها: من هذا الذى مات هؤلاء الخلق كلهم بموته؟ فقالت: أو ما تعرفه؟ قلت: اللهم لا، فأقبلت ودمعتها تنحدر وإذا هى مقاه برشاء ثرماء، فقالت: فديتك! هذا أبو مالك الحجام ختن أبى منصور الحائك! فقلت: عليك لعنة الله! والله ما ظننت إلا أنه سيد من سادات العرب.
قال أبو على: قريع الشول: فحلها، والقريع: الفحل من الرجال الشجاع، والمقاء: الطويلة، والأمق: الطويل، والمقق: الطول. الثرماء: التى قد سقطت ثنيتاها.
وأنشدنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال: أنشدنا عبد الرحمن عن عمه لأعرابى
يقر بعينى أن أرى من مكانه ... ذرى عقدات الأبرق المنقاود
وأن أرد الماء الذى شربت به ... سلمى وقد مل السرى كل واخد
وألصق أحشائى ببرد ترابه ... وإن كان مخلوطا بسم الأساود
قال: وأنشدنى عبد الرحمن عن عمه:
أمس العين ما مست يداها ... لعل العين تبرأ من قداها
يقول الناس ذو رمدٍ معنى ... وما بالعين من رمدٍ سواها
قال: وأنشدنا أبو بكر ولم يسم قائله ولا عزاه إلى أحد:
آل ليلى إن ضيفكم ... ضائع فى الحى مد نزلا
أمكنوه من ثنيتها ... لم يرد خمراً ولا عسلا
وأنشدنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال: أنشدنا أبو حاتم عن أبى زيد:
إن كان غرك إطراقى أبا حسنٍ ... فالسيف يطرق حيناً قبل هزته
والحية الصل لا تغررك هدأته ... فكم سليمٍ وموقوذ لنكزته
وأنشدنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال: أنشدنى عمى عن أبيه عن ابن الكلبى وأنشدنا أبو بكر ابن الأنبارى عن أحمد بن يحيى ثعلب عن ابن الأعرابى:
يا مر يا خير أخٍ ... نازع در الحلمه
يا خير من أوقد للأضياف ناراً حجمه
يا جالب الخيل إلى السجيل تعادى أضمه يا قائد الخيل ومجتاب الدلاص الدرمه

سيفك لا شقى به ... إلا العسير السنمه
جاد على قبرك غيث من سماء رزمه
ينبت نوراً أرجا ... جرجاره والينمه
قال أبو على: الحلمة: طرف الثدى. والدرمة: اللينة التى لا حجم لها. وأضمه: غضابى يقال: أضم عليه أضما، أى غضب عليه، قال الأخطل:
أضما وهز لهن رمحى رأسه ... أن قد أتيح لهن موت أحمر
وضمد عليه يضمد ضمدا إذا هاج وغضب، قال النابغة:
ومن عصاك فعاقبه معاقبةً ... تنهى الظلوم ولا تقعد على ضمد
وحرب حربا إذا هاج وغضب، وحربته أنا فهو محرب، قال الهذلى:
كأن محربا من أسد ترجٍ ... ينازلهم لنابيه قبيب
واضم وأتضم، قال الشاعر:
ومؤتضم على لأن جدى ... يبذ جدوده المتقدمينا
ويقال: أغد عليه إغدادا، وأصله من غدة البعير فهو مغد، وأسمغد فهو مسمغد إذا انتفخ من الغضب وورم، وضرم عليه ضرماً وأصله من اضطرام النار، واحتدم عليه إذا تحرق عليه وأصله من احتدام الحر، واسف عليه يأسف قال الله تعالى: (فلما أسفونا انتقمنا منهم). وعبد عليه يعبد وحشم عليه يحشم حشما، وهؤلاء حشم فلان للذين يغضب لهم، وأحشمته أنا وحشمته. وحكى الأصمعى: إن ذلك لمما يحشم بنى فلان، أى يغضبهم، وكت يكت وأصله من كتيت القدر، قال رؤبة:
وطامح النخوة متسكت ... طأطأ من شيطانه التعتى
صكى عرانين العدى وصتى
ومعض يمعض معضاً، قال رؤبة
قد ترى ذت حاجةٍ مؤتضا ... ذا معضٍ لولا يرد المعضا
قال أبو عمرو: وازمهر ازمهرارا إذا غضب، وأنشد:
أبصرت ثم جامعاً قد هراً ... ونثير الجعبة وازمهرا
وكان مثل النار أو أحرا
ويقال: قد قرطب إذا غضب فهو مقرطب، وأنشد:
إذا رآنى قد أتيت قرطبا ... وجال فى جحاشه وطرطبا
ويقال: اصطخم، قال ذو الرمة:
ظلت ثقالا وظل الجون مصطخما ... كأنه بتناهى الروض محجوم
ورزمة: مصوتة.
قال أبو على: ومما اخترته وقرأته على أبى بكر بن دريد:
قوم إذا اشتجر القنا ... جعلوا القلوب لها مسالك
اللابسين قلوبهم ... فوق الدروع لدفع ذلك
وحدثنا أبو بكر بن دريد قا ل حدثنا الرياشى عن ابن سلام عن غرير بن طلحة بن عبد الله عن عمه هند بن عبد الله قال: بينا أنا مع أبى بسوق المدينة إذ أقبل كثير، فلما رأى أبى عدل إليه وتحدث معه ساعة، فقال له أبى: هل قلت بعدى شيئاً يا أبا صخر؟ قال هند: فأقبل علىّ وقال: إحفظ هذه الأبيات، وأنشدنى:
وكنا سلكنا فى صعود من الهوى ... فلما توافينا ثبت وزلت
وكنا عقدنا عقدة الوصل بيننا ... فلما تواثقنا شددت وحلت
فواعجبا للقلب كيف اعترافه ... وللنفس لما وطشت كيف ذلت
وللعين أسراب إذا ما ذكرتها ... وللقلب وسواس إذا العين ملت
وإنى وتهيامى بعزة بعدما ... تخليت مما بيننا وتخلت
لكالمرتجى ظل الغمامة كلما ... تبوأ منها للمقيل اضمحلت
فإن سأل الواشون: فيم هجرتها ... فقل: نفس حر سليت فتلست
وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: بينا أنا بحمى ضرية إذ وقف على غلام من بنى أسدٍ فى أطمارٍ ما ظننتته يجمع بين كلمتين، فقتلت: ما اسمك؟ فقال: حر يقيص؛ فقلت: أما كفى أهلك أن يسموك حرقوصاً حتى حقروا اسمك! فقال: إن السقط ليحرق الحرجة؛ فعجبت من جوابه، فقلت: أتنشد شيئاً من أشعار قومك؟ قال: نعم أنشدك لمرارنا، قلت: افعل؛ فقال
سكنوا شبيئاً والأحص وأصبحوا ... نزلت منازلهم بنو ذبيان
وإذا يقال أتيتم لم يبرحوا ... حتى تقيم الخيل سوق طعان
وإذا فلان مات من أكرومةٍ ... رقعوا معاوز فقره بفلان
قال: فكادت الأرض تسوخ بى لحسن إنشاده وجودة الشعر، فأنشدت الرشيد هذه الأبيات، فقال: وددت يا أصمعىّ أن لو رأيت هذا الغلام فكنت أبلغه أعلى المراتب.

قال أبو على: السقط: ما سقط من الزند إذا قدح. وقال أبو عبيدة: فى سقط النار وسقط الولد وسقط الرمل ثلاث لغات: الضم والفتح والكسر، وزناد العرب من خشب، وأكثر ما يكون من المرخ والعفار، ولذلك قال الأعشى:
زنادك خير زناد الملو ... ك صادف منهن مرخ عفارا
وإنما يؤخذ عود قدر شبر فيثقب فى وسطه ثقب لا ينفذ ويؤخذ عود آخر قد ذراع فيحدد طرفه فيجعل ذلك المحدد فى ذلك الثقب وقد وضعه رجل بين رجليه فيديره ويفتله فيورى نارا، فالأعلى زند، والأسفل زندة. والحرجة: الشجر الكثير الملتف وجمعه حراج وأحراج، قال العجاج
عاين حيا كالحراج نعمه ... يكون أقصى شله محرنجمه
يقول: عاين هذا الجيش الذى أتانا حيا؛ ويعنى بالحى: قومه بنى سعد. والنعم: الإبل. وأقصى: أبعد. وشله: طرده. ومحرنجمة: مبركة حيث يجتمع بعضه إلى بعض. والمعنى أن الناس إذا فوجئوا بالغارة طردوا إبلهم وقاموا هم يقاتلون، فإن انهزموا كانوا قد نجوا بها؛ يقول: فهؤلاء من عزهم ومنعتهم لا يطردونها، ولكن يكون أقصى طردهم أن ينيخوها فى مبركها ثم يقاتلوا عنها. والمعاوز: الثياب الخلقان.
وحدثنا أبو بكر بن دريد قال حدثنا السكن بن سعيد عن محمد بن عباد عن العباس بن هشام عن أبيه قال: كان حضرمى بن عامر عاشر عشرةٍ من إخوته فماتوا فورثهم، فقال ابن عم له يقال له جزء: من مثلك، مات إخوتك فورثتهم فأصبحت ناعماً جذلا! فقال حضرمىّ
يزعم جزء ولم يقل سدداً ... إنى تروحت ناعماً جذلا
إن كنت أزننتنى بها كذباً ... جزء فلاقيت مثلها عجلا
أفرح أن أرزأ الكرام وأن ... أورث ذوداً شصائصاً نبلا
كم كان فى إخوتى إذا احتضن الأق ... وام تحت العجاجة الأسلا
من واجدٍ ماجدٍ أخى ثقةٍ ... يعطى جزيلاً ويضرب البطلا
إن جئته خائفا أمنت وإن ... قال سأحبوك نائلاً فعلا
فجلس جزء على شفير بئر وكان له تسعة إخوةٍ فانحسفت بإخوته ونجا هو، فبلغ ذلك حضرمياً فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، كلمة وافقت قدراً وأبقت حقدا.
قال أبو على: الشصائص: الى لا ألبان لها، واحدتها شصوص، قال الأصمعى: أشصت فهى شصوص وهو على غير القياس، وقال الكسائى: شصت. والنيل: الصغار ها هنا، والنبل: الكبار، وهو من الأضداد، والواجد: الغنى الذى يجد.
وأنشدنا أبو بكر قال أنشدنا أبو حاتم عن الأصمعى ليزيد بن الحكم الثقفى:
تكاشرنى كرهاً كأنك ناصح ... وعينك تبدى أن صدرك لى دوى
لسانك ما ذى وغيبك علقم ... وشرك مبسوط وخيرك منطوى
فليت كفافاً كان خيرك كله ... وشرك عنى ما ارتوى الماء مرتوى
عدوك يخشى صولتى إن لقيته ... وأنت عدوى ليس ذاك بمستوى
تصافح من لاقيت لى ذا عداوة ... صفاحاً وغى بين عينيك منزوى
أراك إذا لم أهو أمراً هويته ... ولست لما أهوى من الأمر بالهوى
أراك اجتويت الخير منى وأجتوى ... أذاك فكل يجتوى قرب مجتوى
وكم موطنٍ لولاى طحت كما هوى ... بأجرامه من قلة النيق منهوى
غذا ما ابتنى المجد ابن عمك لم تعن ... وقلت ألا يا ليت بنيانه خوى
فإنك إن قيل ابن عمك غانم ... شجٍ أو عميد أو أخو مغلةٍ لوى
تملأت من غيظٍ على فلم يزل ... بك الغيظ حتى كدت بالغيظ تنشوى
وما برحت نفس حسود حسبتها ... تذيبك حتى قيل هل أنت مكتوى
وقال النطاسيون إنك مشعر ... سلالاً ألا بل أنت من حسدٍ ذوى
جمعت وفحشاً غيبةً ونميمةً ... خصالاً ثلاثا لست عنها بمرعوى
أفحشاً وجبناً واختناءً عن الندى ... كأنك أفعى كدية فر محجوى
فيدحو بك الداحى إل كل سوءةٍ ... فياشر من يدحو بأطيش مدحوى
منك غش طالما قد كتمته ... كما كتمت داء ابنها أم مدوى

قال أبو على: الاختناء: التقبض. قال: وقال أبو بكر: محجوى: منطوى. والمدوى: الذى يأخذ الدواية وهي جلدة رقيقة تركب اللبن، يقال: دوى اللبن يدوى فهو مدو، وأقبل الصبيان على اللبن يدوونه، أى يأخذون ما عليه من الجلدة. وجاء غلام من العرب إلى أمه وعندها أم خطبة قال: يا أماه، أدوى؟ فقالت: اللجام معلق بعمود البيت، تورى بذلك وترى القوم أنه إنما سألها عن اللجام وأنه صاحب خيل وركوب. والمجتوى: الكاره. والماذى: العسل الأبيض، ومنه قيل: درع ماذية.
وأنشدنا أبو بكر قال: أنشدنا عبد الرحمن عن عمه:
أذكر مجالس من بنى أسدٍ ... بعدوا فحن إليهم القلب
الشرق منزلهم ومنزلنا ... غرب وأنى الشرق والغرب
من كل أبيض جل زينته ... مسك أحم وصارم عضب
ومدججٍ يسعى بسكنه ... وعقيرةٍ بفنائه تحبو
قال أبو على: عقيرة: معقورة.
وحدثنا أبو بكر بن دريد قال أخبرنا الرياشى عن ابن سلام قال: بلغنى أن الأحوص دخل على يزيد بن عبد الملك فقال له يزيد: لو لم تمت إلينا بحرمة، ولا توسلت بدالةٍ، ولا جددت لنا مدحاً، غير أنك مقتصر على بيتيك لاستوجبت عندنا جزيل الصلة، ثم أنشد يزيد:
وإنى لأستحييكم أن يقودنى ... إلى غيركم من سائر الناس مطمع
وأن اجتدى للنفع غيرك منهم ... وأنت إمام للبرية مقنع
وقال الرياشى: وإنما قال هذين البيتين فى عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه. وقرأنا على أبى بكر ابن دريد قول الشاعر:
إنى رأيتك كالورقاء بوحشها ... قرب الأليف وتغشاه إذا نحرا
الورقاء: دويبة تنفر من الذنب وهو حى وتغشاه إذا رأت به الدم.
وأنشدنا أبو عبد الله نفطويه قال أنشدنا أبو العباس أحمد ين يحيى و أبو العباس محمد بن يزيد لأبى حية النميرى يزيد بعضهم على بعض، وأنشدنا أيضاً أبو بكر بن دريد، واللفظ والترتيب علي ما أنشدناه أبو عبد الله.
بدا يوم رحنا عامدين لأرضها ... سنيح فقال القوم مر سنيح
فهاب رجال منهم وتقاعسوا ... فقلت لهم جارى إلى ربيح
عقاب بأعقاب من الدار بعدما ... جرت نية تسلى المحب طروح
وقالوا حمامات فحم لقاؤها ... وطلح فزيرت والمطى طليح
وقال صحابى هدهد فوق بانةٍ ... هدى وبيان بالنجاح يلوح
وقالوا دم دامت مواثيق بيننا ... ودام لنا حلو الصفاء صريح
لعيناك يوم البين أسرع وأكفا ... من الفنن الممطور وهو مروح
ونسوة شحشاحً غيورٍ يخفنه ... أخى ثقةٍ يلهون وهو مشيح
يقلن وما يدرين غنى سمعته ... وهن بأبواب الخيام جنوح
أهذا الذى غنى بسمراء موهناً ... أتاح له حسن الغناء متيح
إذا ما تغنى أن من بعد زفرة ... كما أن من حر السلاح جريح
وقائلةٍ يا دهم ويحك إنه ... على غنةٍ فى صوته لمليح
وقائلةٍ أولينه البخل إنه ... بما شاء من زور الكلام فصيح
فلو أن قولاً يكلم الجلد قد بدا ... بجلدى من قول الوشاة جروح
وحدثنا الأخفش قال حدثنى بعض أصحابنا قال حدثنى أبو عبد الله محمد بن القاسم بن خلاد البصرى المعروف بأبى العيناء، قال: أنشدنا ابن أبى فننٍ فى مجلس على ابن الجهم فكتبت لى وله
ولما أبت عيناى أن تكتما البكا ... وأن تحبسا سح الدموع السواكب
تثاءبت كى لا ينكر الدمع منكر ... ولكن قليلاً ما بقاء التثاؤب
أعر ضتمانى للهوى ونممتما ... على لبئس الصاحبان لصاحب
وأنشدنا أبو بكر بن الأنبارى رحمه الله تعالى قال: أنشدنا أحمد بن يحيى النحوى
يقولون ليلى بالمغيب أمينة ... بلى وهو راعٍ عهدها وأمينها
فإن تك ليلى استودعتنى أمانة ... فلا وأبى أعدائها لا أخونها
أأرضى بليلى الكاشحين وأبتغى ... كرامة أعدائى لها وأهينها
معاذة وجه الله أن أشمت العدا ... بليلى وإن لم تجزىء ما أدينها

سأجعل عرضى جنةً دون عرضها ... ودينى، فيبقى عرض ليلى ودينها
وأنشدنا أبو الحسن جحظة البرمكى قال أنشدنا حماد بن إسحاق قال: أنشدنى أبى لنفسه
لاح بالمفرق منك الفتير ... وذوى غصن الشباب النضير
هزئت أسماء منى وقالت ... أنت يا بن الموصلى كبير
ورأت شيباً علانى فأنت ... وابن ستين بشيبٍ جدير
إن ترى شيباً علانى فإنى ... مع ذاك الشيب حلو مزير
قد يفل السيف وهو جراز ... ويصول الليث وهو عقير
قال أبو على: المزير: المعظم المكرم، يقال: مزرت الرجل إذا عظمته وكرمته، كذا قال على ابن سليمان الأخفش، وقال النصر بن شميل: المزير: الظريف، وقال لى أبو بكر بن دريد: المزارة: الزيادة فى جسم أو عقل، يقال: مزريمزر مزارةً فهو مزير. والجراز: الماضى فى الضريب، قال الجعدى
يصمم وهو مأثور جراز ... إذا اجتمعت بقائمه اليدان
وقرأت على أبى بكر بن الأنبارى للأسود بن يعفر
وكنت إذا ما قرب الزاد مولعا ... بكل كميتٍ جلدةٍ لم توسف
مداخلة الأقراب غير ضئيلة ... كميت كأنها مزادة مخلف
كميت، يعنى ثمرة، وجلدة: غليظة اللحاء. لم توسف: لم تقشر. وأقرابها: نواحيها؛ وإنما هو مثل، والقربان: الخاصرتان. والضئيلة: الدقيقة. والمخلف: المستقى، يريد كأنها من امتلائها مزادة.
وقرأت على أبى بكر الأنبارى قال: قرأت على أبى لهدبة بن خشرم
طربت وأنت أحياناً طروب ... وكيف وقد تعلاك المشيب
يجد النأى ذكرك فى فؤادى ... إذا ذهلت عن النأى القلوب
يؤرقنى اكتئاب أبى نميرٍ ... فقلبى من كآبته كئيب
فقلت له هداك الله مهلاً ... وخير القول ذو اللب المصيب
عسى الكرب الذى أمسيت فيه ... يكون وراءه فرج قريب
فيأمن خائف ويفك عانٍ ... ويأتى أهله النائى الغريب
ألا ليت الرياح مستخرات ... بحاجتنا تباكر أو تؤوب
فتخبرنا الشمال إذا أتتنا ... وتخبر أهلنا عنا الجنوب
فإنا قد حللنا دار بلوى ... فتخطئنا المنايا أو تصيب
فإن يك صدر هذا اليوم ولى ... فإن غداً لناظره قريب
وقد علمت سليمى أن عودى ... على الحدثان ذو أيدٍ صليب
وأن خليقتى كرم وأنى ... إذا أبدت نواجذها الحروب،
أعين على مكارمها وأغشى ... مكارهها إذا كع الهيوب
وقد أبقى الحوادث منك ركنا ... صليبا ما تؤيسه الخطوب
على أن المنية قد توافى ... لوقتٍ والنوائب قد تنوب
قال أبو على: قوله: تؤيسه: تؤثر فيه، قال المتلمس:
ألم تر أن الجون أصبح راسيا ... تطيف به الأيام ما يتأيس
وقال الطريف المعنبرى:
إن قناتى لنبع ما يؤيسها ... عض الثقاف ولا دهن ولا نار
وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله تعالى قال أخبرنى عمى عن ابيه عن ابن الكلبى عن أبيه قال: اجتمع طريف بن العاصى الدوسى - وهو جد طفيل ذى النورين بن عمرو بن طريف - والحارث ابن ذبيان بن لجا بن منهب - وهو أحد المعمرين - عند بعض مقاول حمير، فتفاخرا، فقال الملك للحارث: يا حارث، ألا تخبرنى بالسبب الذى أخرجكم عن قومكم حتى لحقتم بالنمر بن عثمان؟ فقال: أخبرك أيها الملك، خرج هجينان منا يرعيان غنما لهما فتشاولا بسيفهما فأصاب صاحبهم عقب صاحبنا، فعاث فيه السيف فنزف فمات، فسألونا أخذ دية صاحبنا دية الهجين وهى نصف دية الصريح، فأبى قومى وكان لنا رباء عليهم. فأبينا إلا دية الصريح وأبوا إلا دية الهجين، فكان اسم هجيننا ذهين ابن زبراء، واسم صاحبهم عنقش بن مهيرة وهى سوداء أيضاً، فتفاقم الأمر بين الحيين، فقال رجل منا:
حلومكم يا قوم لا تعزبنها ... ولا تقطعوا أرحامكم بالتدابر
وأدوا إلى الأقوام عقل ابن عمهم ... ولا ترهقوهم سبةً فى العشائر
فإن ابن زبراء الذى فاد لم يكن ... بدون خليف أو أسيد بن جابر

فإن لم تعاطوا الحق فالسيف بيننا ... وبينكم والسيف أجور جائر
فتظافروا علينا حسدا، فأجمع ذوو الحجا منا أن نلحق بأمنع بطن من الأزد، فلحقنا بالنمر بن عثمان فو الله ما فت فى أعضادنا، فإنا عنهم ولقد أثأرنا صاحبنا وهم راغمون، فوثب طريف بن العاصى من مجلسه فجلس بإزاء الحارث ثم قال: تالله ما سمعت كاليوم قولا أبعد من صواب، ولا أقرب من خطل، ولا أجلب لقدع من قول هذا، والله أيها الملك! ما قتلوا بهجينهم بذجا، ولا رقوا به درجا؛ ولا أنطوا به عقلا، ولا اجتفؤا به خشلا؛ ولقد أخرجهم الخوف عن أصلهم، وأجلاهم عن محلهم؛ حتى استلانوا خشونة الإزعاج، والجؤا إلى أضيق الولاج، قلا وذلاً. قال الحارث: أتسمع يا طريف؟ إنى والله ما إخالك كافا غرب لسانك، ولا منهنها شرة نزوانك، حتى أسطو بك سطوةً تكف طماحك، وترد جماحك، وتكبت تترعك، وتقمع تسرعك؛ فقال طريف: مهلاً يا حارث، لا تعرض لطحمة استنانى، وذرب سنانى، وغرب شبابى، وميسم سبابى، فتكون كالأظل الموطوء، والعجب الموجوء؛ فقال الحارث: إياى تخاطب بمثل هذا القول! فو الله لو وطئتك لأسختك، ولو وهصتك لأوهطتك، ولو نفحتك لأفدتك؛ فقال طريف متمثلا:
وإن كلام المرء فى غير كنهه ... لكالنبل تهوى ليس فيها نصالها
أما والأصنام المحجوبة، والأنصاب المنصوبة؛ لئن لم تربع على ظلعك، وتقف عند قدرك، لأدعن حزنك سهلا، وغمرك ضحلا، وصفاك وحلا؛ فقال الحارث: أما والله لو رمت ذلك لمرغت بالحيض، وأغصصت بالجريض؛ وضاقت عليك الرحاب وتقطعت بك الأسباب؛ ولألفيت لقى تهاداه الروامس، بالسهب الطامس؛ فقال طريف: دون ما ناجتك به نفسك مقارعة أبطال، وحياض أهوال، وحفزة إعجال، يمنع معه تطامن الإمهال؛ فقال الملك: إيها عنكما! فما رأيت كاليوم مقال رجلين لم يقصبا، ولم يثلبا، ولم يلصوا، ولم يقفوا.
قال أبو على: المقاول والأقيال: هم الذين دون الملك الأعظم. تشاولا: تضاربا. وعاث: أفسد والعيث: الفساد. ونزرف الرجل إذا سال دمه حتى يضعف. والهجين: الذى أبو عربى وأمه ليست بعربية. والمقرف: الذى أمه عربية وأبوه ليس بعربى. والصريح: الخالص. والرباء: الزيادة، يقال: أربى فلان على فلان فى السباب يربى إرباء إذا زاد عليه، وأربى من الراب وهو مقصور، والرباء ممدود: الربا أيضاً. وتفاقم الأمر: اشتد. والعقل: الدية، يقال: عقلت فلانا إذا غرمت ديته، وعقلت عن فلان إذا غرمت عنه دية جنايته، والمرأة تعاقل الرجل إلى ثلث ديتا، يريد أن موضحتها وموضحته سواء، فإذا بلغ العقل ثلث الدية صارت دية المرأة على النصف من دية الرجل.

وقال الأصمعى: سألت أبا يوسف القاضى بحضرة الرشيد عن الفرق بين عقلته وعقلت عنه فلم يفهم حتى فهمته. ويقال للقوم الذين يغرمون دية الرجل: العاقلة: ويقال: بنو فلان على معاقلهم الأولى، يريد على حال الديات التى كانوا عليها فى الجاهلية، واحدها معقلة، ويقال: صار دم فلان معقلة على قومه، أيى غرماً يؤدونه من أموالهم. وعقل الظل إذا قام قائم الظهيرة. وعقل الرجل يعقل عقلا، فى العقل. وعقل الظبى يعقل عقولا إذا صعد فى الجبل فامتنع فيه، والمكان الممتنع فيه يسمى المعقل، وبه سمى الرج لمعفلا، ويقال: وعل عاقل إذا عقل فى الجبل فامتنع فيه. وعقل البعير بعقله عقلا إذا ثنى وظيفة مع ذراعه فشدهما جميعاً فى وسط الذراع ونحوه، وعقل الطعام بطنه يعقله عقلا إذا شدة، ويقال: أعطنى عقولاً أشر به فيعطيه دواء يمسك بطنه، والدهناء خبراء يقال لها: معقلة، سميت بذلك لأنها تمسك الماء كما يعقل الدواء البطن. ويقال: جاء فلان وقد اعتقل رمحه إذا وضعه بين ركابه وساقه، واعتقل شاته إذا وضع رجلها بين ساقه وفخذه إذا حلبها. ويقال: صارع فلان فلانا فاعتقله الشغزبية، وهو ضرب من الصراع، ولفلان عقلة يعقل بها الناس، وذلك إذا صارعهم عقل أرجلهم. ويقال: على بنى فلان عقالان، يريد بذلك صدقة عامين، ويقال: جار عليهم العامل فأخذ منهم النقد ولم يأخذ العقال، أى الفريضة بعينها، ويقال: يكره أن تشترى الفريضة حتى يعقلها الساعى وهو المصدق. والعقال أيضاً: الحبل الذى يعقل به البعير. والعقال: هو أن بعض الخيل إذا مشى يظلع ساعةً ثم ينبسط. والعقل: التواء فى الرجل، يقال: بعير اعقل وناقة عقلاء. والعقيلة: كريمة الحى وكريمة الإبل. والعقل: ضرب من الوشى، يقال: جللوا هوادجهم بالعقل والرقم. ويقال: ما له جول ولا معقول، أيى عقل يمسكه. وقال الأصمعى: أرهقت الرجل: أدركته، وقال أبو زيد: أرهقته عسراً، أى كلفته ذلك، وأرهقته إثماً حتى رهقه. وقال الأصمعى: رهقته، أى غشيته، وفى فلان رهق، أى غشيان للمحارم، والمرهق الذى يغشاه السؤال والأضياف، ويقال: فاد يفود إذا مات، قال لبيد
رعى خرزات الملك عشرين حجةً ... وعشرين حتى فاد والشيب شامل
وفاد يفيد إذا تبختر الملك عشرين حجةً ... وعشرين حتى فاد والشيب شامل
وفاد يفيد إذا تبختر، وكذلك راس يريس وماس يميس وماح يميح. وفت: أوهن وأضعف. وأثارنا: افتعلنا من الثأر. والخطل: الخطأ. الكلام القبيح، يقال: أقذع له إذا أسمعه كلاما قبيحاً. والبذج: الخروف: وهو فارسى معرب، وكذلك البرق فارسى معرب، وهو الحمل.
وأنطوا لغة فى أعطوا، وقرأت على أبى بكر بن دريد فى شعر الأعشى
جيادك فى الصيف فى نعمةٍ ... تصان الجلال وتنطى الشعيرا
واجتفؤا: صرعوا،قال أبو زيد: جفأه: صرعه وخفأه أيضا والخشل والخشل محرك ومسكن، واحدتهما خشلة وخشلة: شجر المقل. وهذه أمثال كلها، يريد أنهم لم ينالوا ثأره. والقل: القلة. والذل: الذلة. والنزوان: الوثوب. والتترع: التسرع إلى الشر، يقال: ترع ترعاً فهو ترع إذا كان سريعا إلى الشر، ويقال: ترع ترعا إذا اقتحم الأمور مرحا ونشاطا، قال الشاعر
الباغى الحرب يسعى نحوها ترعاً ... حتى إذا ذاق منه جاحماً بردا
أي ثبت فلم يتقدم، كذا فسره بعضهم وهو صحيح، أي خمدت حدثته فسكن، وهذا مثل. وطحمة السيل وطحمته بالضم والفتح: دفعته. والدرب: الحدة. والأظل: أسفل خف البعير. والعجب: أصل الذنب. ووهصتك: كسرتك، يقال: وهصه ووسطه ووقصه إذا كسره.
وأوهطتك: صرعتك، قال أبو زيد: يقال ضربه فقحزنه وجحدله وأوهطه إذا صرعه، قال الأموى: هو أن يصرعه صرعة لا يقوم منها، وقال غيره: أوهطه: أهلكه، وأنشد:
أوهطته لما علا إيهاطا ... بكل ماضٍ بيتك النياطا
وتربع: تكف وترفق: يقال: ربع يربع ربعا إذا كف ورفق. والظلع: الغمز. والضحل: الماء القليل وكذلك الضحضاح، والفراش أقل منه. والضهل: القليل من الماء، ومنه يقال: ما ضهل غليه منه شىء. والشول: القليل من الماء يكون فى أسفل القربة والسقاء، قال الأعشى:
حتى إذا لمع الربىء بثوبه ... سقيت وصب سقاتها أشوالها
والنزفة: القليل من الماء والشراب أيضاً وجمعها نزف، قال ذو الرّمة:

يقطع موضوع الحديث ابتسامها ... تقطع ماء المزن فى نزف الخمر
والذفاف: البلل، قال أبو ذؤيب:
يقولون لما جشت البئر أورودوا ... وليس بها أدنى ذفافٍ لوارد
والصفا جمع صفاة: الصخرة، وهى أيضاً الصفواء والصفوان. والحضيض: القرار إذا اتصل بالجبل، وفى الحديث: " إن العدو بعرعرة الجبل ونحن بحضيضه " فالعوعرة: أعلاه، والحضيض: أسفله. ولقى: ملقىً. والروامس: الرياح التى ترمس، أى تدفن. والسهب: المستوى من الأرض. والطامس والطاسم جميعا: الدارس، طمس وطسم. والحفز: الدفع، يقال: حفزه يحفره أن يفوته، ومنه سمى الحارث بن شريك الحوفزان، وذلك أن قيس بن عاصم حفزه بالرمح حين خاف أن يفوته، وقد فجر بذلك سوار بن حيان المنقرى فقال:
ونحن حفزنا الحوفزان بطعنةٍ ... سقته نجيعاً من دم الجوف أشكلا
وقال أبو زيد: إيها: نهى، وإيه: أمر. وقال غيره: ويها: إغراء، وأنشد للكميت:
وجاءت حوادث فى مثلها ... يقال لمثلى ويها فل
وقال أبو بكر الأنبارى: واها: تعجب، قال الراجز:
واهاً لريا ثم واهاً واها ... يا ليث عيناها لنا وفاها
بثمن نرضى به أباها
لم يقصبا: لم يشتما، يقال: قصبه يقصبه إذا وقع فيه، وأصل القصب القطع، ومنه قيل للجزار: قصاب. ولم يلصوا، قال أبو على: كذا رواه لم يلصوا، وقال الأصمعى: لصاه يلصيه لصياً إذا قذفه، وأنشد الأصمعى للعجاج:
عف فلا لاصٍ ولا ملصى
ويقال: قفاه يقفوه إذا قذفه بأمر عظيم، كذلك قال يعقوب بن السكيت، ويمكن أن يكون يلصوا لغة.
وأنشدنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال: أنشدنا عبد الرحمن عن عمه لرجل من بنى كلاب:
سقى الله دهراً قد تولت غياطله ... وفارقنا إلا الحشاشة باطله
ليالى خدنى كل أبيض ماجد ... يطيع هوى الصابى وتعصى عواذله
وفى دهرنا والعيش إذ ذاك غرة ... ألا ليت ذاك الدهر تثنى أوائله
بما قد غنينا والصبا جل همنا ... يمايلنا ريعانه ونمايله
وجر لنا أذياله الدهر حقبةً ... يطاولنا فى غيه ونطاوله
فسقيا له من صاحب خذلت بنا ... مطينا عنه وولت رواحله
أصد عن البيت الذى فيه قاتلى ... وأهجره حتى كأنى قاتله
قال أبو على: الغياطل جمع غيظلة وهى الظلمة، والغيطلة: اختلاط الأصوات، والغيطلة: الشجر الملتف، والغيطلة: البقرة، قال زهير:
كما استغاث بسىءٍ فز غيطلةٍ ... خاف العيون فلم ينظر به الحشك
وحدثنا أبو بكر بن الأنبارى رحمه الله قال حدثنا عبد الله بن خلف قال حدثنا محمد بن أبى السرى قال حدثنا الهيثم بن عدى قال: كنا نقول بالكوفة: إنه من لم يرو هذه الأبيات فلا مروءة له، وهى لأيمن بن خريم بن فاتك الأسدى، قال وأنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوى عن ابن الأعرابى، - والألفاظ فى الروايتين مختلطة -
وصهباء جرجانية لم يطف بها ... حنيف ولم تنغر بها ساعةً قدر
ولم يحضر القس المهينم نارها ... طروقا ولم يشهد على طبخها حبر
أتانى بها يحيى وقد نمت نومة ... وقد غابت الشعرى وقد جنح النسر
فقلت اغتبقها أو لغيرى فاسقها ... فما أنا بعد الشيب ويبك والخمر
تعففت عنها فى العصور التي خلت ... فكيف التصابى بعد ما كلأ العمر
إذا المرء وفى الأربعين ولم يكن ... له دون ما يأتى حياء ولا ستر
فدعه ولا تنفس عليه الذى ارتأى ... وإن جر أسباب الحياة له الدهر
قال أبو على: كلأ: انتهى إلى آخره وأقصاه، ويقال: بلغ الله بك أكلأ العمر، أى آخره. وارتأى: افتعل من الرأى.
وأنشدنا أبو عمرو بن المطرز غلام ثعلب قال أنشدنا أبو العباس قال: أنشدنا عبد الله بن شبيب لابن الدمينة
ألا حب بالبيت الذى أنت هاجره ... وأنت بتلماحٍ من الطرف زائره
فإنك من بيتٍ لعينى معجبٍ ... وأحسن فى عينى من البيت عامره
أصد حياءً أن يلج بى الهوى ... وفيك المنى لولا عدو أحاذره

وكم لائمٍ لولا نفاسة حبها ... عليك لما باليت أنك خابره
أحبك يا ليلى على غير ريبةٍ ... وما خير حب لا تعف سرائره
وقد مات قبل أول الحب فانقضى ... فإن مت أضحى الحب قدمات آخره
فلما تناهى الحب فى القلب واردا ... أقام وأعيت بعد ذاك مصادره
وقد كان قلبى فى حجابٍ يكنه ... وحبك من دون الحجاب يساتره
فماذا الذى يشفى من الحب بعدما ... تشربه بطن الفؤاد وظاهره
وأنشدنا الأخفش قال: أنشدنا أبو الطريف شاعر كان مع المعتمد لنفسه
أتهجرون فتىً أغرى بكم تيها ... حقاً لدعوة صب أن تجيبوها
أهدى إليكم على نأىٍ تحيته ... حيوا بأحسن منها أو فردوها
شيعتهم فاسترابونى فقلت لهم ... إنى بعثت مع الأجمال أحدوها
قالوا فما نفس يعلوك ذا صعدٍ ... وما لعينك لا ترقى مآقيها
قلت التنس من تداب سيركم ... والعين تذرف دمعاً من فدى فيها
حتى إذا ارتحلوا والليل معتكر ... خفضت فى جنحه صوتى أناديها
يا من بها أن هيمان ومحتبل ... هل لى إلى الوصل من عقبى أرجيها
وأنشدنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قصيدة له أولها
قلب تقطع فاستحال نجيعا ... فجرى فصار مع الدموع دموعا
ردت إلى أحشائه زفراته ... ففضضن منه جوانحا وضلوعا
عجبا لنار ضرمت فى صدره ... فاستنبطت من جفنه ينبوعا
لهب يكون إذا تلبس بالحشا ... قيظاً ويظهر فى الجفون ربيعا
وأنشدنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة قال أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى
أما والذى لا يخلد إلا لواجهه ... ولم يك فى العز المنيع له كفو
لئن كان طعم الصبر مراً فعفته ... لقد يجتنى من غبه الثمر الحلو
وقرأنا على أبى بكر بن دريد قول الشاعر:
نسى الأمانة من مخافة لقحٍ ... شمس تركم بضيعه مجزولا
أي نسرى الأمانة من مخافة هذا اللقح - يعنى السياط - شبهها إذا ارتفعت بأيدى الرجال بأذناب الإبل إذا لقحت فرفعت أذنابها. وشمس: فيها شماس لا تستقر. وبضيعه: لحمه. ومجزول: مقطوع.

وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال أخبرنا السكن بن سعيد بن محمد بن عباد عن ابن الكلبى عن أبيه: كان قيل من أقيال حمير منع الولد دهراً ثم ولدت له بنت فبنى لها قصرا منيفا بعيدا من الناس، ووكل بها نساء من بنات الأقيال يخدمنها ويؤدبنها حتى بلغت مبلغ النساء، فنشأت أحسن منشأ وأتممه فى عقلها وكمالها، فلما مات أبوها ملكنها أهل مخلافها، فاصطنعت النسوة اللواتى ربينها وأحسنت إليهن وكانت تساورهن ولا تقطع أمرا دونهن، فقلن لها يوماً، يا بنت الكرام، لو تزوجت لم لك الملك، فقالت: وما الزوج؟ فقالت إحداهن: الزوج عز فى الشدائد، وفى الخطوب مساعد؛ إن غضبت عطف، وإن مرضت لطف؛ قالت: نعم الشىء هذا! فقالت الثانية: الزوج شعارى حين أصرد، ومتكىء حين أرقد، وأنسى حين أفرد؛ فقال: إن هذا لمن كمال طيب العيش. فقالت الثالثة: الزوج لما عنانى كاف، ولما شفنى شاف، يكفينى فقد الآلاف؛ ريقه كالشهد، وعناقه كالخلد؛ لا يمل قرانه، ولا يخاف حرانه، فقالت: أمهلننى أنظر فيما قلتن، فاحتجت عنهن سبا ثم دعتهن فقالت: قد نظرت فيما قلتن فوجدتنى أملكه رقى، وأبثه باطلى وحقلى، فإن كان محمود الخلائق، مأمون البوائق؛ فقد أدركت بغيتى، وإن كان غير ذلك فقد طالت شقوتى؛ على أنه لا ينبغى إلا أن يكون كفئاً كريما يسود عشيرته، ويرب فصيلته؛ لا أتقنع به عارا فى حياتى، ولا أرفع به شناراً لقومى بعد وفاتى؛ فعليكنه فابغينه وتفرقن فى الأحياءن فأيتكن أتتنى بما أحب فلها أجزل الحباء، وعلى لها الوفاءح فخرجن فيما وجهتهن له، وكن بنات مقاول ذوات عقل ورأى، فجاءتها إحداهن وهى عمرطة بنت زرعة بن ذى خنفر فقالت: قد أصبت البغية، فقالت: صفية ولا تسميه. فقالت: غيث فى المحل، ثمال فى الأزل، مفيد مبيد؛ يصلح النائر، وينعش العاثر؛ ويغمر الندى، ويقتاد الأبى؛ عرضه وافر، وحسبه باهر؛ غض الشباب، طاهر الأثواب. قالت: ومن هو؟ قالت: سبرة بن عوال بن شداد بن الهمال. ثم خلت بالثانية فقالت: أصبت من بغيتك شيئا؟ قالت: نعم، قالت: صفيه ولا تسميه. قالت: مصامص النسب، كريم الحسب، كامل الأدب؛ غزير العطايا، مألوف السجايا؛ مقتبل الشباب، خصيب الجناب، أمره ماض، وعشيره راض. قالت: ومن هو؟ قالت: يعلى بن هزال بن ذى جدنٍ. ثم خلت بالثالثة فقالت: ما عندك؟ قالت: وجدته كثير الفوائد، عظيم المرافد، يعطى قبل السؤال، وينيل قبل أن يستنال؛ فى العشيرة معظم، وفى الندى مكرم، وجم الفواضل، كثير النوافل؛ بذال أموال، محقق آمال، كريم أعمام وأخوال؛ قالت: ومن هو؟ قالت: رواحة بن خمير بن مضحى بن ذى هلالة؛ فاختارت يعلى بن هزال فتزوجته، فاحتجت عن نسائها شهرا ثم برزت لهن، فأجزلت لهن الحياء، وأعظمت لهن العطاء.
قال أبو على إسماعيل: المخلاف: الكورة. وأصرد: أبرد. ويرب: يجمع ويصلح. وأنشدنا أبو بكر لرجل يصف إبلا:
تربعت فى حرضٍ وحمض ... جاءت تهض الأرض أي هض
يدفع عنها بعضها عن بعض ... مثل العذارى شمن عين المغضى
تربعت: أقلعت فى الربيع. الحرض: الأشنان. والحمض: ما ملح من النبات. وتهض: تدق، وقوله: يدفع عنها بعضها عن بعض، أيى هي مستوية حسان كلها ليست فيها واحدة تبينها فتستق إليها العين، ولكن إذا قيل: هذه أحسن، قيل: لا، هذه؛ فيدفع بعضها عن بعض العين أن تعينها. وشمن: فنحن عين المغضى فنظر اليهن وهن مثل العذارى فى الحسن.
وأنشدنا أبكر بن دريد رحمه الله قال أنشدنا أبو حاتم عن الأصمعى لسلمى بن ربيعة:
حلت تماضر غربةً فاحتلت ... فلجاً وأهلك باللوى فالحلة
فكان فى العينين حب قرنفل ... أو سنبلاً كحلت به فانهلت
زعمت تماضر إننى إما أمت ... يسدد أبينوها الأصاغر خلتى
تربت يداك وهل رأيت لقومه ... مثلى على يسرى وحين تعلتى
رجلاً إذا ما النائبات غشينه ... أكفى لمضلعةٍ وإن هى جلت
ومناخ نازلة كفيت وفارس ... نهلت قناتى من مطاه وعلت
وإذا العذارى بالدخان تقنعت ... واستعجلت هزم القدور فملت
دارت بأرزاق العفاة مغالق ... بيدى من قمع العشار الجلة
ولقد رأيت ثأى العشيرة بينها ... وكفيت جانبها اللتيا والتى

وصفحت عن ذى جهلها ورقدتها ... نصحى ولم تصب العشيرة زلتى
وكفيت مولاى الأجم جريرتى ... وحبست سائمتى على ذى الجلة
قال: وروى عن أبى زيد: مولاى الأحم بالحاء.
قال أبو على: لمضلعة: أمر شديد تضلع صاحبها، أى تميله للوقوع. والهزم: الصوت، يريد صوت الغليان. المغالق: يريد بها القداح التى يغلق بها الرهن. والقمع: الأسمخة، واحدتا قمعة. والشعار جمع عشراء، وهى التي أتت عليها عشرة أشهر من حملها، ثم لا يزال ذلك اسمها حتى تضع وبعدما تضع أياما. والثأى: الفساد، وأصل ذلك الثأى فى الجرز، وهو أن تنخرم الخرزتان فتصيرا واحدة، يقال: أثأيت الجرز إذا خزمته.ورأيت: أصلحت. والأجم: الذى لا رمح معه. وأما الأحم بالحاء: فالأقرب، والحميم: القريب. والأعزل: الذى لا سلاح معه. والأكشف: الذى لا ترس معه. والأميل: الذى لا سيف معه، والأميل أيضاً: الذى لا يثبت على الخيل، قال الأعشى:
غير ميل ولا عوازير فى الهي ... جا ولا عزلٍ ولا أكفال
قال أبو على: الميل جمع أميل، والعواوير جمع عوار، وهو الجبان. والعزل جمع أعزل. والأكفال جمع كفل، وهو أيضاص الذى لا يثبت على الخيل مثل الأميل، غير أن الأميل الذى يميل إلى جانب والكفل الذى يزول عن متن الفرس إلى كفله. والخلة بالفتح، الحاجة، والخلة بالضم: الصداقة.
لا يبعد الله قوما إن سألتهم ... أعطوا وإن قلت يا قوم انصروا نصروا
وإن أصابتهم نعماء سابغة ... لم يبطروها وإن فاتتهم صبروا
الكاسرون عظاما لا جبور لها ... والجابرون فأعلى الناس من جبروا
فقلت: من يقول هذا؟ فقال الذى يقول:
اذا نشرت نفسى تذكرت مامضى ... وقومي اذا نحن الذرى والكواهل
واذ لي منهم جنة أتقى بها ... وجرثومة فيها حفاظ ونائل
واذ لاترود العين عنا لبغية ... ولايتخطانا المروع الموائل
ولايجد اللأضياف عنا محولا ... اذا هب أرواح الشتاء الشمائل
اذا قيل أين المشتفى بدمائهم ... واين الروابى والفروع المعاقل
اشير الينا أو رأى الناس أننا ... لهم جنة ان قال بالحق قائل
فأصبحت مثل النسر تحت جناحه ... قوادم صارتها اليه الحبائل
فلو ان قومي أكرمونى وأتأقوا ... سجالا بها أسقى الذين أساجل
كففت اللأذى ماعشت عن حلمائهم ... وناضلت عن أعراضهم من يناضل
ولكن قومي عزهم سفهاؤهم ... على الرأى حتى ليس للرأى حامل
تظوهر بالعدوان واختيل بالغنى ... وشعورك فى الرأى الرجال الأمائل
ثم قام مغضبا متصاعرا كأن المحاجم على أخدعيه وأنشدنا أبو بكر بن دريد رحمة الله قال أنشدنا أبو حاتم ولم يسنده:
تود عدوي ثم تزعم أننى ... صديقك ان الرأى عنك لعاذب
وليس أخى من ودنى رأى عينه ... ولكن أخي من ودنى وهو غائب
وأنشدنا أبو عبد الله نفطوية قال: أنشدنا أحمد بن يحيى النحوى ثعلب:
أحب بلاد الله مابين منعج ... الى وسلمى أن يصوب سحابها
بلاد بها حل الشباب تمائمى ... وأؤل أرض مس جلدى ترابها
وأنشدنا أيضا قال أنشدنا أحمد بن يحيى النحوى:
منعمة يحار الطرف فيها ... كأن حديثها سكر الشباب
من المتصديات لغير سوء ... تسيل أذا مشت سيل الحباب
وأنشدنى أبو بكر بن دريد رحمه الله في خبر طويل:
كنت اذا ما زرت سعدى بأرضها ... أرى الأرض تطوى لي ويدنو بعيدها
من الخفرات البيض ود جليسها ... متى ما انقضت أحدوثة لو تعيدها
وأنشدنا بعض أصحابنا فى حسن الحديث:
فبتنا على رغم الحسود وبيننا ... حديث كمثل المسك شيبت به الخمر
حديث لو أن الميت نوحى ببعضه ... لأصبح حيا بعد ماضمة القبر
قال أبو على: وقرأت فى نوادر إبن الأعرابى عن أبى عمر المطرز قال:أنشدنا أحمد بن يحيى النحوى عن إبن الأعرابي:

وحديثها كالقطر يسمعه ... راعى سنين تتابعت جدبا
فأصاح يرجو أن يكون حيا ... ويقول من فرح هيا ربا
وأحسن فى هذا المعنى على بن العباس الرومى أنشدناه الناجم قال: أنشدنا على بن العباس لنفسه:
وحديثها السحر الحلال لو أنه ... لم يجن قتل المسلم المتحسرز
إن طال لم يملل وإن هى أوجزت ... ود المحدث أنها لم توجز
شرك العقول ونهزة ما مثلها ... للمطمئن وعقلة المستوفز
وأنشدنا بعض أصحابنا لبشار:
وكأن رصف حديثها ... قطع الرياض كسين زهرا
وكأن تحت لسانها ... هاروت ينفث فيه سحرا
وتخال ما جمعت علي ... ه ثياباها ذهبا وعطرا
وكأنها برد الشرا ... ب صفا ووافق منك فطرا
وقرأت على أبى بكر بن دريد من خط إسحاق بن إبراهيم لأعرابى:
أمر مجنباً على بيت ليلى ... ولم ألمم به وبى الغليل
أمر مجنبا وهواى فيه ... فطرفى عنه منكسر كليل
وقلبى فيه مقتتل فهل لى ... إلى قلبى وساكنه سبيل
أؤمل أنأعل بشرب ليلى ... ولم أنهل فكيف لى العليل
وأنشدنا الأخفش لأبى على البصير:
غناؤك عندى يميت الطرب ... وضربك بالعود يحيى الكرب
ولم أر قبلك من قينةٍ ... تغنى فأحسبها تنتحب
ولا شاهد الناس إنسيةً ... سواك لها بدن من خشب
ووجه رقيب على نفسه ... ينفر عنه عيون الريب
فكيف تصدين عن عاشق ... يودك لو كان كلباً كلب
ولو مازج النار فى حرها ... حديثك أخمد منها اللهب
وأنشدنا ابن الأنبارى قال: أنشدنا أبو الحسن بن البراء:
فديتك، ليلى مذ مرضت طويل ... ودمعى لما لاقيت فيك همول
أأشرب كأسا أم أسر بلذة ... ويعجبنى ظبى أغن كخيل
وتضحك سنى أو تجف مدامعى ... وأصبو إلى لهوٍ وأنت عليل
ثكلت إذا نفسى وقامت قيامتى ... وغالت حياتى عند ذلك غول
قال أبو على: ومن أحسن ما سمعت فى القسم قول الأشتر النخعى رحمه الله:
بقيت وفرى وانحرفت عن العلا ... ولقيت أضيافى بوجه عبوس
إن لم أشن على ابن هند غارةً ... لم تخل يوماً من نهاب نفوس
خيلاً كأمثال السعالى شرباً ... تعدو ببيضٍ فى الكريهة شوس
حمى الحديد عليهم فكأنه ... لمان برقٍ أو شعاع شموس
وأنشدنى بعض أصحابنا:
ولكن عبد الله لما حوى الغنى ... وصار له من بين إخوانه مال
رأى خلةً منهم تسد بماله ... فساهمهم حتى استوت فيهم الحال
وحدثنى أبو بكر بن الأنبارى قال حدثنى أبى قال أخبرنا أحمد بن عبيد عن أبى الحسن المدائنى عمن حدثه عنمولى لعنبسة بن سعيد بن العاصى قال: كنت أدخل مع عنبسة بن سعيد بن العاصى إذا دخل على الحجاج، فدخل يوما فدخلت إليهما وليس عند الحجاج أحد إلا عنبسة، فأعدنى فجىء الحجاج بطبق فيه رطب، فأخذ الخادم منه شئاً فجاءنى به، ثم جىء بطبق آخر حتى كثرت الأطباق، وجعل لا يأتون بشيء إلا جاءنى منه بشىء، حتى ظننت أن ما بين يديى أكثر مما عندهما؛ ثم جاء الحاجب فقال: امرأة بالباب؟ فقال له الحجاج: أدخلها، فدخلت، فلما رآها الحجاج طأطأ رأسه حتى ظننت أن ذقنه قد أصاب الأرض، فجاءت حتى قعدت بين يديه، فنظرت فإذا امرأة قد أسنت حسنة الخلق ومعها جاريتان لها، وإذا هى ليلى الأخيلية، فسألها الحاجاج عن نسبها فانتسبت له؛ فقال لها: يا ليلى، ما أتى بك؟ فقالت: إخلاف النجوم، وقلة الغيوم؛ وكلب البرد، وشدة الجهد، وكنت لنا بعد الله الرفد. فقال لها: صفى لنا الفجاج؛ فقالت: الفجاج مغبرة، والأرض مقشعرة؛ والمبرك معتل، وذو العيال مختل، والهالك للقل؛ والناس مسنتون، رحمة الله يرجون؛ وأصابتنا سنون مجحفة مبلطة، لم تدع لنا هبعاً، ولا ربعا؛ ولا عافطة ولا نافطة؛ أذهبت الأموال، ومزقت الرجال، وأهلكت العيال؛ ثم قالت: إنى قلت فى الأمير قولا؛ قال: هاتى؛ فأنشأت تقول:

أحجاج لا يقلل سلاحك إنها الم ... نايا بكف الله حيث تراها
أحجاج لا تعطى العصاة مناهم ... ولا الله يعطى دائها فشفاها
إذا هبط الحجاج أرضاً مريضةً ... تتبع أقصى دائها فشفاها
شفاها من الداء العضال الذى بها ... غلام إذا هز القناة سقاها
سقاها فرواها بشرب سجاله ... دماء رجال حيث مال حشاها
إذا سمع الحجاج زر كتيبةٍ ... أعد لها قبل النزول قراها
أعد لها مسمومةً فارسية ... بأيدي رجال يحلبسون صراها
فما ولد الأبكار والعون مثله ... ببحر ولا أرضٍ يجف ثراها
قال: فلما قالت هذا البيت قال الحجاج: قاتلها الله! والله ما أصاب صفتى شاعر مذ دخلت العراق غيرها، ثم التفت إلى عنبسة بن فقال: والله إنى لأعد للأمر عسى ألا يكون أبداً؛ ثم التفت إليها فقال: حسبك؛ قالت: إنى قد قلت أكثر من هذا؛ قال: حسبك! ويحك حسبك! ثم قال: يا غلام، اذهب إلى فلان فقل له: اقطع لسانها؛ فذهب بها فقال له: يقول لك الأمير: اقطع لسانها؛ قال: فأمر بإحضار الحجاج، فالتفتت إليه فقالت: ثكلتك أمك! أما سمعت ما قاله، إنما أمرك أن تقطع لسانى بالصلة؛ فبعث إليه يستئبته؛ فاستشاط الحجاج غضبا وهم بقطع لسانه وقال: ارددها، فلما دخلت عليه قالت: كاد وأمانة الله يقطع مقولى، ثم أنشأت تقول:
حجاج أنت ا لذى ما فوقه أحد ... إلا الخليفة والمستغفر الصمد
حجاج أنت شهاب الحرب إن لقحت ... وأنت للناس نورفى الدجى يقد
ثم أقبل الحجاج على جلسائه فقال: أتدرون من هذه؟ قالوا: لا والله أيها الأمير، إلا أنا لم نر قط أفصح لسانا، ولا أحسن محاورة، ولا أملح وجها، ولا أرصن شعراً منها! فقال: هذه ليلى الأخيلية التى مات توبة الخفاجى من حبها! ثم التفت إليها فقال: أنشدينا يا ليلى بعض ما قال فيك توبة؛ قالت: نعم أيها الأمير، هو الذى يقول:
وهل تبكين ليلى إذا مت قبلها ... وقام على قبرى النساء النوائح
كما لو أصاب الموت ليلى بكيتها ... وجاد لها دمع من العين سافح
وأغبط من ليلى بما لا أناله ... بلى كل ما قرّت به العين طائح
ولو أن ليلى الأخيلية سلمت ... على ودونى جندل وصفائح
أسلمت تسليم البشاشة أوزقا ... إليها صدى من جانب القبر صائح
فقال: زيدينا من شعره يا ليلى؛ قالت: هو الذى يقول:
حمامة بطن الواديين ترنمى ... سقاك من الغر الغوادى مطيرها
أبينى لنا لا أزال ريشك ناعماً ... ولا زلت فى خضراء غض نضيرها
أبينى لا زال ليلى تبرقعت ... فقد وابنى منها الغداة سفورها
وقد رابنى منها صدود رأيته ... وإعراضها عن حاجتى وبسورها
وأشرف بالقور اليفاع لعلنى ... أرى نار ليلى أو يرانى بصيرها
يقول رجال لا يضيرك نأيها ... بلى كل ما شف النفوس يضيرها
بلى قد يضير العين أن تكثير البكا ... ويمنع منها نومها وسرورها
وقد زعمت ليلى بأنى فاجر ... لنفسى تقاها أو عليها فجورها
فقال الحجاج: يا ليلى، ما الذى رابه من سفورك؟ فقالت: أيها الأمير، كان يلم بى كثيراً، فأرسل إلى يوما أنى آتيك؛ وفطن الحى فأرصدوا له؛ فلما أتانى سفرت عن وجهى؛ فعلم أ، ذلك لشر فلم يزد على التسليم والرجوع؛ فقال: لله درك! فهل رايت منه شيئاً تكرهينه؟ فقالت: لا والله الذى أسأله أن يصلحك، غير أنه مرة قولا ظننت أنه قد خضع لبعض الأمر، فأنشأت تقول:
وذى حاجةٍ قلنا له لا تبح بها ... فليس إليها ما حييت سبيل
لنا صاحب لا ينبغى أن نخونه ... وأنت لأخرى صاحب وحليل
فلا والله الذى أسأله أن يصلحك، ما رأيت منه شيئا حتى فرت الموت بينى وبينه؛ قال: ثم مه! قالت: ثم لم يلبث أن خرج فى غزاة له فأوصى ابن عم له: إذا أتيت الحاضر من بنى عبادة فناد بأعلى صوتك:

عفا الله عنها هل أبيتن ليلةً ... من الدهر لا يسرى إلى خيالها
وأنا أقول:
وعنه عفا ربى وأحسن حاله ... فعزت علينا حاجة لا ينالها
قال: ثم مه! قالت: ثم لم يلبث أن مات فأتانا نعيه؛ فقال: أنشدينا بعض مراثيك فيه؛ فأنشدت:
لتبك عليه من خفاجة نسوة ... بماء شؤون العبرة المتحدر
قال لها: فأنشدينا، فأنشدته:
كأن فتى الفتيان توبة لم ينخ ... قلائص يفحصن الحصى بالكراكر
فلما فرغت من القصيدة قال محصن الفقعسي - وكان من جلساء الحجاج - : من الذى تقول هذه هذا فيه؟ فو الله إنى لأظنها كاذبة؛ فنظرت إليه ثم قالت: أيها الأمير، إن هذا القائل لو رأى توبة لسره ألا تكون فى داره عذراء إلا هى حامل منه؛ فقال الحجاج: هذا وأبيك الجواب وقد كنت عنه غنياً، ثم قال لها: سلى يا ليلى تعطى؛ قالت: أعط فمثلك أعطى فأحسن؛ قال: لك عشرون؛ قالت: زد فمثلك زاد فأجمل؛ قال: لك أربعون؛ قالت: زد فمثلك زاد فأكمل؛ قال: لك ثمانون؛ قالت: زد فمثلك زاد فتمم؛ قال: لك مائة، واعلمى أنها غنم؛ قالت: معاذ الله أيها الأمير! أنت أجود جودا، وأمجد مجدا، وأورى زندا، من أن تجعلها غنما؛ قال: فما هى ويحك يا ليلى؟ قالت: مائة من الإبل برعاتها؛ فأمر لها بها، ثم قال: ألك حاجة بعدها؟ قالت: تدفع إلى النابغة الجعدى قال: قد فعلت، وقد كانت تهجوه ويهجوها؛ فبلغ النابغة ذلك، فخرج هاربا عائدا بعبد الملك؛ فاتبعته إلى الشام؛ فهرب إلى قتيبة بن مسلم بخرسان، فاتبعته على البريد بكتاب الحجاج إلى قتيبة، فمات بقومس ويقال: بحلوان.
قال أبو على: قولها: إخلاف النجوم، تريد: أخلفت النجوم التى يكون بها المطر فلم تأت بمطر. وكلب البرد: شدته، وهذا مثل لأن الكلب السعار الذى يصيب الكلاب والذئاب. والرفد: المعونة، والرفدك العطية، ويقال: رفدته من الرفد وأرفدته إذا أعنته على ذلك؛ وقال الأصمعى: الرفد بكسر الراء: القدح. والفرد بالفتح: مصدر رفدته، والرفود من الإبل التى تملأ الرفد؛ وقال أبو عبيدة: الرفد بفتح الراء: القدح، وأنشد قول الأعشى:
رب رفد هرقته ذلك اليو ... م وأسرى من معشرٍ أقتال
قال: والرفد بالكسر: المعونة؛ وروى الأصمعى: رب رفد بكسر الراء. والفجاج جمع فج، والفج، كل سعةٍ بين نشازين، كذا قال أبو زيد. وقولها: والمبرك معتل، أرادت الإبل فأقامت المبرك مكانها لعلم المخاطب إيجازاً واختصارا، كما قالوا: نهاره صائم وليله قائم. وقولها: وذو العيال مختل، أي محتاج، والخلة الحاجة. وقولها: والهالك للقل، أى من أجل القلة. وقولها: مسنتون، أى مقطحطون، والسنة: القحط، والسنون: القحوط. ومجحفة: قاشرة. وقولها: مبلطة، أى ملزقة بالبلاط، والبلاط: الأرض الملساء، وقال الأصمعى: أبلط الرجل فهو مبلط إذا لزق بالأرض؛ وحكى يعقوب عن غيره: أبلط فهو مبلط، وهو الهاللك الذى لا يجد شيئاً. وقولها: لم دع لنا هبعاً ولا ربعاً، فالهبع: ما نتج فى الصيف. والربع: ما نتج فى الربيع. وقولها: ولا عافطة ولا نافطة، أى لم تدع لنا ضائنة ولا ماعزة، والعافطة، الضائنة: والعفط: الضرط، يقال: عفطت تعفط عفطا إذا ضرطت، فهى عافطة. والنافطة: الماعزة، والنفط: العطاس، يقال: نفطت تنفط إذا عطست، فهى نافطة.

ومما يقال فى هذا المعنى: ما له سبد ولا لبد، أى ما له ذو سبد وهو الشعر، ولا ذو لبدٍ وهو الصوف، فمعناه: ما له شاة ولا عنز. وما له سارحة ولا رائحة، أى ما له ماشية تسرح أو تروح. وما له ثاغية ولا راغية، فالثاغية: الشاة، والراغية: الناقة، لأنه يقال لأصوات الشاء: الغناء، وقد ثغت تثغو، ولأصوات الإبل: الرغاء، وقد رغت ترغو؛ والعرب تقول: ما أثغانى ولا أرغانى، أى ما أعطانى ثاغية ولا راغية، وما أجلنى ولا أحشانى، أى ما أعطانى من جلة إبله ولا من حواشيها، والحواشى، واحدتها حاشية، وهى صغار الإبل. وما له دقيقة ولا جليلة، والدقيقة: الشاة. والجليلة: الناقة. وما له حانة ولا آنة، فالحانة: الناقة تحنّ إلى ولدها. والآنة: الأمة تئن من شدة التعب أو من علة. وما له هارب ولا قارب، فالهارب: الصادر عن الماء، والقارب: الطالب للماء. وما له عاو ولا نابح، أى ما له غنم يعوى به الذئب أو ينبح فيها الكلب، فإذا نفى عنه العاوى والنابح فقد نفى عنه الغنم. وما له هلع ولا هلعة، أى ما له جدى ولا عناق. وما هل زرع ولا ضرع. وما له قد ولا قحف، فالقد: إناء من الجلود، والقحف: إناء من خشب. وما له أقذ ولا مريش، فالأقد: السهم الذى لا قدة له، وهى الريش، وجمعها قذذ، والمريش: الذى عليه الريش. وما له سعنة ولا معنة، أى ما له قليل ولا كثير؛ قال النمر بن تولب:
ولا ضيعته فألام فيه ... فإن ضياع مالك غير معن
أى غير يسير ولا هين؛ قال أبو العباس: فدل هذا على أن المعن: القليل، والسعن: الكثير.
وحدثنا أبو بكر بن الأنبارى قال حدثنى أبى قال أخبرنا محمد بن الحكم عن قطرب قال: يقال: ما له سعن ولا معن، فالسعن: الودك. والمعن: المعروف، وأنشد بيت النمر، وقد مضى فى الباب. وما له دار ولا عقار، فالعقار: النخل. وما له ستر ولا حجر، فالستر: الحياء؛ قال زهير:
الستر دون الفاحشات ولا ... يلقاك دون الخير من ستر
والحجر: العقل، وإنما سمى حجراً لأنه يحجر صاحبه عن القبيح. وما له أثر ولا عثير، فالعثير: الغبار، قال الشاعر:
أثرن عليهم عثيراً بالحوافر
قال أبو العباس أحمد بن يحيى: ومعناه: أنه لا يغزو راجلا فيتبين أثره، ولا فارسا فيثير الغبار فرسه. وما له حس ولا بس، أى ما له حركة، فالحس: ما يحس به، والبس من قولهم: أبسست بالناقة إذا قلتلها: بس بس لتدر. وكسرواالباء ليكون على مثال حس. وقال أبو عبيدة: يقال: قدم فلان فما جاء بهلة ولا بلةٍ، فهلة: فرح، وبلة: أدنى بلل من الخير. وأنشدنا أبو بكر بن دريد عن أبى عثمان عن التؤزى عن أبى عبيدة لرجل من بنى تميم:
ولما رأينى بنى عاصم ... دعون الذى كن أنسيته
فوارين ما كن حسرنه ... وأخفين ما كن يبدينه
يصف نساء سبين فأنسين الحياء، فأبدين وجوههن وحسرن رءوسهن، فلما رأين بنى عاصم أيقن أنهن قد أستنقذن، فراجعن حياءهن فسترن وجوههن وغطين رءوسهن.

وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال حدثنا السكن بن سعيد الجرموزى عن محمد بن عباد بن عباد بن ابن الكلبى عن أبيه قال: كان مرثد الخير بن ينكف بن نوف بن معد يكرب بن مضحى قيلا، وكان حدباً على عشيرته محباً لصلاحهم، وكان سبيع بن الحارث أخو علس - وعلس هو ذو جدن - وميثم بن مثوب ابن ذى رعين تنازعا الشرف حتى تشاحنا وخيف أن يقع بين حييهما شر فيتفانى جذماهما؛ فبعث إليهما مرثد فأحضرهما ليصلح بينها، فقال لهما: إن التخبط وامتطاء الهجاج، واستحقاب اللجاج، سيقفكما على شفا هوةٍ فى توردها بوار الأصيلة، وانقطاع الوسيلة؛ فتلافيها أمركما قل انتكاث العهد، وانحلال العقد، وتشتت الألفة، وتباين السهمة، وأنتما فى فسحة رافهة، وقدم واطدة، والمودة مثرية، والبقيا معرضة؛ فقد عرفتم أنباء من كان قبلكم من العرب ممن عصى النصيح، وخالف الرشيد، وأصغى إلى التقاطع؛ ورأيتم ما آلت إليه عواقب سوء سعيهم، وكيف كان صبور أمورهم، فتلافوا القرحة قبل تفاقم الثأى واستفحال الداء وإعواز الدواء، فإنه إذا سفكت الدماء استحكمت الشحناء، وإذا استحكمت الشحناء تقضبت عرى الإبقاء وشمل البلاء؛ قال سبيع: أيها الملك، إن عداوة بنى العلات لا تبرئها الأساة، ولا شتفيها الرقاة، ولاتستقبل لها الكفاة؛ والحسد الكامن، هو الداء الباطن؛ وقد علم بنو أبينا هؤلاء أنا لهم ردء إذا رهبوا، وغيث إذا أجدبوا، وعضد إذا حاربوا، ومفزع إذا نكبوا؛ وإنا وإياهم كما قال الأول:
إذا ما علوا قالوا أبونا وأمنا ... وليس لهم عالين أم ولا أب
فقال ميثم: أيها الملك، إن من نفس على ابن أبيه الزعامة، وجدبه فى المقامة، واستكثر له قليل الكرامة، كان قرفاً بالملامة، ومؤنباً على ترك الاستقامة؛ وإنا والله ما نعتقد لهم بيد إلا وقد نالهم منا كفاؤها، ولا تذكر لهم حسنة غلا وقد تطلع منا إليهم جزاؤها، ولا يتقيأ لهم علينا ظل نعمة إلا وقد قوبلوا بشرواها؛ ونحن بنو فحلٍ مقرم لهم تقعد الأمهات ولا بهم، ولم تنزعنا أعراق السوء ولا إياهم، فعلام مط الخدود وخزر العيون، ووالجخيف والتصعر، والبأو والتكبر؟ ألكثرة عدد، أم لفضل جلد، أم لطول معتقد؟ وإنا وإياهم لكما قال الأول:
لاه ابن عمك لا أفضلت فى حسب ... عنى ولا أنت ديانى فتخزونى
ومقاطع اللأمور ثلاثة: حرب مبيرة، أو سلم قريرة، أو مداجاة وغفيرة، فقال الملك: لتنشطوا الشوارد، ولتلقحوا العون القواعد، ولتؤرثوا نيران الأحقاد ففيها المتلفة المستأصلة، والجاثحة والأليلة، وعفوا بالحلم أبلاد الكلم، وأنيبوا الى السبيل الأرشد والمنهج اللآقصد، فإن الحرب تقبل بزبرج الغرور، وتدبر بالويلى والثبور، ثم قال الملك:
ألا هل أتى اللأقوام بذلى نصيحة ... حبوت بها منى سبيعا وميثما
وقلت اعلما أن التدابر غادرت ... عواقبه للذل والقل جرهما
فلاتقدحا زند العقوق وأبقيا ... على العزة القعساء أن تتهدما
ولاتجنيا حربا تجر عليكما ... عواقبها يوما من الشر أشأما
فإن جناة الحرب للحين عرضة ... تفوقهم منها الذعاف المقشما
حذار فلا تستنبثوها فإنها ... تغادر ذا الأنف الأشم مكثما
فقالا: لاأيها الملك، بل نقبل نصحك، ونطيع أمرك، ونطفىء النائرة، ونحل الضغائن، ونثوب الى السلم قال أبو على: قوله: تشاحنا، من الشحناء وهى العداوة والجذم: الأصل، قال أوس بن حجر:
غنى تآوى بأولادها ... لتهلك جذم تميم بن مر
وكذلك الجذر، وجذور الحساب منه،وقال أبو عمر الشيبانى:الجذر بكسر الجيم وقال أبو بكر:التخبط: ركوب الرجل رأسه في الشر خاصة، قال أبو على: ولم أسمع هذه الكلمة من غيره فأما التخمط بالميم: فالتكبر، وأنشد يعقوب:
وخطيب قوم قدموه أمامهم ... ثقة بة متخمط تياح
وقال أبو بكر: يقال: ركب الرجل هجاجة إذا لج ومحك والاستحقاب: استفعال من الحقيبة أو من الحقاب، فأما الحقيبة فما يجعل فيه الرجل متاعه من خرج أو غيره، وحقيبة الجمل التى تكون وراء الرجل تحشى تبنا أو حشيشا وقول نصيب في سليمان بن عبد الملك رحمهما الله تعالى:
أقول لركب قافلين لقيتهم ... قفا ذات أوشال ومولاك قارب

قفواخبرونا عن سليمان إننى ... لمعروفة من آل ودان طالب
فعاجوا فائتوا بالذى أنت أهله ... ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب
من الحقيبة. والحقاب: بريم تشد به المرأة وسطها. والبريم: خيط فيه لونان، وهذا مثل؛ إما أن يكون أراد أنه احتزم باللجاج أو جعله فى وعائه. والهوة: الجوبة. والبوار: الهلاك. وقال أبو زيد: الأصيلة والأصل واحد. والانتكاث: الانتقاض، والانكاث، واحدها نكث، وهو ما نقض من الأخبية والحبال ليعاد ثانية؛ ومنه بشير بن النكث. والسهمة: القرابة. ورافهة: ناعمة، من الرفاهية. وواطدة: ثابتة. ومثرية: متصلة، مأخوذة من الثرى، هو التراب الندى، يقال: ثريت التراب إذا بللته؛ قال جرير:
فلا توبسوا بينى وبينكم الثرى ... فإن الذى بينى وبينكم مثرى
ويقال: قد ثريت بك، أي كثرت بك، وثرى بنو فلان بنى فلان، أى صاروا أكثر منهم. وأثرى الرجل يصرى إثراءً إذا كثر ماله، وإنه لمثرٍ. والثراء والثروة جميعاً: كثرة المال، وقد تكون الثروة كثرة العدد. وينشد بيت ابن مقبل:
وثروةٍ من رجالس لو رأيتهم ... لقلت إحدى حراج الجر من أٌر
فالثروة ها هنا كثرة العدد. وثورة من رجال، وهم الذين يثورون فى الحرب. ومعرضه: ممكنة، قد أمكنت من عرضها، أى من جنبها وناحيتها، يقال: قد أعرض لك الظبى فارمه، أيى قد أمكنك من عرضه. قال الأصمعى: صار يصير صيرورة ومصيرا، والصبور: الأمر الذى يرجع إليه.
واستفحال الداء: اشتداده، وهو أن يصير مثل الفحل، وتقضبت: تقطعت. وشمل البلاءك عم، وشمل يشمل أفصح، وقال أبو عبيدة: شمل يشمل، وأنشدنا:
كيف نومى على الفراش ولما ... تشمل الشأم غارة شعواء
والأساة: الأطباء، واحدهم آسٍ، قال البعيث:
إذا قاسها الآسى النطاسى أدبرت ... غثيثتها وازداد وهيا هزومها
الغثيثة: ما سال من الجرح من مدة أو قبح. والإساء: الدواء. والردء: العون؛ قال الله عز وجل: (فأرسله معى رداً يصدقنى). والزعامة: الرياسة. ويقال: السلاح، وهى ها هنا الرياسة، قال لبيد:
تطير عدائد الأشراك شفعاً ... ووتراً والزعامة للغلام
وجدبه: عابه، وفى حديث عمر رضى الله عنه أنه جدب السمر بعد عتمةٍ، أى عابه، قال ذو الرمة:
فيا لك من خد أسيلٍ ومنطقٍ ... رخيم ومن خلقٍ تعلل جادبه
والمقامة: المجلس؛ قال الأصمعى: المجلس الناس، وأنشد بيت مهلهل:
نبئت أن النار بعدك أوقدت ... واستب بعدك يا كليب المجلس
قرفا، قال أبو على: هكذا أملاه قرفاً على فعل، أى خليقا، وكان ابن الأعرابى يقول: يقال: أنت قرف من كذا، ولا يقال: قريف ولا قرف. ويقال: إنه لخليق لكذا وكذا، وقد خلق خلافة، وإنه لجدير بكذا وكذا، وقد جدر جدارة، وإنه لحرى وحرى وحرٍ لذلك، وإنه لقمين بكذا وكذا، وفمن وفمن، وإنه لعس أن يفعل ذلك، ويثنى ويجمع، وليس يقال فيه: يعسو ولا يعسى، وإنه لحجٍ به وحجى به، وقد حجى يحجى سجى، ولا يقال: أنت حجى بكذا ولا عسى. ويقال فى هذا كله: ما أخلقه وأجدره وأحراه وأعساه وأقمنه وأحجاه وما أقرفه. ويقال فى هذا كله: أفعل به: أعس به، أقرف به.
قال أبو على: روينا من غير طريق ابن الأعرابى: أنت قرف بكذا وحجى بكذا، وهما عندنا جائزان. وقال أبو على: ويقال: قرف عليه يقرف قرفا إذا بغى عليه، وقرف فلان فلانا إذا وقع فيه كأنه يقشره. وقرفت القرحة إذا قشرتها، ويقال: تركتهم على مثل مقرف الصمغة، أى مقشرها، والقرف: الشقشر، والقرف: القشر، والفرقة: القشرة، ولها ذسمى هذا التابل قرفة، لأنه لحاء شجر. ويقال: صبغ ثوبه بفرف السدر. وقال الأصمعى: أٌرف الرجل وغيره إذا دانى الهدنة فهو مقرف. ويقال: أخشى عليه القرف، أى مداناة المرض. ويقال: قرف فلان بسوء فهو مقروف، ومن قرفتك من القوم، أى من تتهم. والمفارقة: الجماع، وفى حديث عاشئة رضى اللع عنها: " إن كان رسول الله صلى الله وسلم ليصبح جنبا عن قرافٍ غير احتلام " . ويقال: اقترف إذا اكتسب. والقروف: الأوعية، واحدها قرف. وشرواها: مثلها. والمط والمد والمت بمعنى واحد. والخزر: أن ينظر الرجل إلى أحد عرضيه، يقال: إنه ليتخازر إذا نظر إليه بمؤخر عينه ولم يستقبله بنظره. وأنشدنى أبو بكر ابن دريد:

إذا تخازرت وما بى من خزر ... ثم كسرت العين من غير عور
ألفيتني ألوي بعيد المستمر ... أحمل ما حملت من خيرٍ وشرٍ
وقال أبو عبيدة: الجخيف: التكبر.
قال أبو على: حدثنا بعض مشايخنا عن أبى العباس أحمد بن يحيى أنه قال: بلغنى أنه قيل للأصمعى: قال أبو عبيدة: الجخيف: التكبر، والبأو: التكبر، قال: أما البأو فنعم، وأما الجحيف فلا.
وحدثنى أبو بكر بن دريد قال حدثنى أبو حاتم قال: قلت للأصمعى: أتقول فى التهدد: أبرق وأرعد؟ فقال: لا، لست أٌول ذلك إلا أن أرى البرق أو أسمع الرعد؛ فقلت: فقد قال الكميت:
أبرق وأرعد يا يزيد فما وعبدك لى بضائر
فقال: الكميت جرمقانى من أهل الموصل ليس بحجة، والحجة الذى يقول:
إذا جاوزت من ذات عرقٍ ثنيةً ... فقل لأبى قابوس ما شئت فارعد
فأتيت أبا زيد فقلت له: كيف تقول من الرعد والبرق: فعلت السماء فقال: رعدت وبرقت، فقلت: فمن التهدد؟ قال: رعد وبرق وأرعد وأبرق، فأجاز اللغتين جميعاً؛ وأقبل أعرابى محرم فأردت أن أسأله: فقال لى أبو زيد: دعنى فأنا أعرف بسؤاله منك، فقال: يا أعرابى، كيف تقول: رعدت السماء وبرقت، أو أرعدت وأبرقت؟ فقال: رعدت وبرقت؛ فقال أبو زيد: فكيف تقول للرجل من هذا؟ فقال: أمت الجخيف تريد؟ - يعنى التهدد - قلت: نعم؛ فقال أقول: رعد وبرق وأرعد وأبرق. وتحزونى: تقهرنى وتسوسنى، وقال يعقوب: خزوته: قهرته. والمداجاة: المساترة، قال الأصمعى: دجا الليل يدجو إذا ألبس كل شيء؛ وأنشد غيره:
فما شب عمرو غير اغتم فاجرٍ ... أبى مد مدجا الإسلام لا يتحنف
يعنى: ألبس كل شيء. وقال بعض العرب: ترى الحبارى الصقر فيلتفش ريشها، فاذا سكن روعها دجا ريشها، أى ركب بعضه بعضا، وقيل لأعرابى: بأى شيء تعرف حمل الشاة؟ فقال: بأن تستفيض خاصرتاها وتدجو شعرتها ويحشف حياؤها. وقوله: غفيرة، أي غفران، والعرب تقول: ليست فيهم غفيرة، أى لا يغفرون. ويقال: جاءوا جما غفيرا والجماء الغفير. والغفر: زئير الثوب، والغفر: الشعر الذى على ساق المرأة، والغفر: منزل من منازل القمر، كلها مسكنة الفاء مفتوحة الغين. والغفر: ولد الأروية، والجمع أغفار. والغفارة: السحابة تراها كأنها فوق السحابة، والغفارة: الجلدة التى تكون على رأس القوس فى الحز يجرى عليها الوتر، والغفارة: خرقة تلبسها المرأة تحت مقنعتها توقى بها الخمار من الدهن. ويقال: غفر الرجل يغفر غفرا إذا برأ من مرضه، وغفر إذا نكس، قال الشاعر:
خليلى إن الدار غفر لذى الهوى ... كما يغفر المحموم أو صاحب الكلم
وغفر الجرح يغفر غفرا إذا فسد، وغفر الرجل المتاع فى الوعاء يغفره غفرا، ويقال: اصبغ ثوبك بالسواد فإنه أغفر للوسخ، أى أغطى له. وقال له الأصمعى: نشطت العقدة: عقدتها، وأنشطتها: حللتها. وأما قوله: ولا تلقحوا العون، فإنما هو مثل، وأصله فى الإبل، يقال: لقحت الناقة إذا حملت وألقحها الفحل، ثم ضرب ذلك مثلا للعرب إذا ابتدأت. والعون: جمع عوان وهى الثيب، يقال للعرب: عوان إذا كان قد قوتل فيها مرة بعد مرة. وتؤرثوا: تذكوا، قال أبو زيد: يقال: أرنارك تاريةً، أي عظمها، ونمها تنمية مثله، وكذلك ذك نارك تذكيةً، أى ألق عليها حطبا أو بعراً لتهيج، واسم الذى يلقى علهيا من الحطب أو البعر: الذكية، وارث نارك تأريثاً مثله، واسم ما نؤرث به النار: الإراث. والأليلة: الثكل. والجائحة: الاستئصال، أنشدنى أبو بكر:
فهي الأليلة إن قتلت خؤولنى ... وهى الأليلة إن همو لم يقتلوا
والأليل: الأنين، قال ابن ميادة:
وقولا لها ما تأمرين لوامقٍ ... له بعد نومات العيون أبل
أي أنين. ويقال: سمعت أليل الماء وخريره وقسيبه، أى صوت جريه. والأبلاد: الآثار، واحدها بلد، وكذلك الندوب، واحدها ندب. والحبار والحبر والعلوب: الآثار. والدعى: الأثر. والعاذر: الأثر؛ قال ابن أحمر:
أزاحمهم بالباب إذ يدفعوننى ... وبالظهر منى من قرا الباب عاذر

والزبرج: السحاب الذى تسفره الريح، وهذا قول الأصمعى، وقال أبو بكر بن دريد رحمه الله. لا يقال: زبرج إلا أن تكون فيه حمرة. والقل: القلة. والذل: الذلة. والقعاء: الثابتة. وتفوقهم: تسقيهم الفواق، والفواق: ما بين الحلبتين، كأنه يحلب حلبة ثم يسكت ثم يحلب أخرى. والمقشم والمقشب واحد، وهو المخلوط، ولا تسنبئوها: مثل، أى لا تحرجوا نبتتها، وهو ما يخرج من البئر إذا حفرت، يريد: لا تثروا الحرب. ومكشم: مقطوع.
وقرىء على أبى بكر بن دريد لأبى العميثل عبد الله بن خالد وأنا أسمع:
لقيت ابنة السهمى زينب عن عفر ... ونحن حرام مسى عاشرة العشر
وإنا وإياها لحتم مبيتنا ... جميعاً وسيرانا مغد وذو فتر
قوله: عن عفر: عن بعدٍ، أى بعد حين، يقال: ما ألقاه إلا عن عفر،أيى بعد حين. ونحن حرام، أى محرمون. مسى عاشرة العشرة، يعنى أنه لقيها بعرفاتٍ عشية عرفة وهو مشى عاشرة العشر. وقوله: حتم مبيتنا، يقول: مبين الناس بالمزدلقة لا يجاوزها أحد. وسيرانا، أى سيرى العشر. وقوله: حتم مبيتنا، يقول: مبيت الناس بالمزدلقة لا يجاوزها واحد. وسيرانا، أى سيرى أنا مغد، أى مسرع، وسيرها ذو فترٍ، أى ذو فتور وسكون لأنها يرفق بها.
وأنشدنا أبو بكر رحمه الله قال: أنشدنا أبو حاتم - ولم يسم قائله - فى طول الليل:
ألا هل على الليل الطويل معين ... إذا نزحت دار وحن حزين
أكابد هذا الليل حتى كأنما ... على نجمه ألا يغور يمين
فوا لله، فارقتكم قاليا لكم ... ولكن ما يقضى فسوف يكون
وقرأت على أبى بكر لحندج بن حندج:
فى ليل صولٍ تناهى العرض والطول ... كأنما ليله بالليل موصول
لا فارق الصبح كفى إن ظفرت به ... وإن بدت غرة منه وتحجيل
لساهرٍ طال فى صولٍ تململه ... كأنه حية بالسوط مقتول
متى أرى الصبح قد لاحت مخابله ... والليل قد مزقت عنه السرابيل
ليل تحير ما ينحط فى جهةٍ ... كأنه فوق متن الأرض مشكول
نجومه ركد ليست بزائلةٍ ... كأنما هن فى الجو القناديل
ما أقدر الله أن يدنى على شحط ... من داره الحزن ممن داره صول
ألله يطوى بساط الأرض بينهما ... حتى يرى الربع منه وهو مأهول
وأنشدنا بعض أصحابنا لبشار:
خليلى ما بال الدجى لا تزحزح ... وما لعمود الصبح لا يتوضح
أضل النهار المستنير طريقه ... أم الدهر ليل كله ليس يبرح
وطال على الليل حتى كأنه ... بليلين موصول فما يتزحزح
قال أبو على: وأحسن عدى بن الرقاع فى هذا المعنى فقال:
وكأن ليلى حين تغرب شمسه ... بسواد آخر مثله موصول
ولبعضهم فى طول الليل:
ما لنجوم الليل لا تغرب ... كأنها من خلفها تجذب
رواكداً ما غار فى غربها ... ولا بدا من شرقها كوكب
وقد ذكر الفرزدق العلة فى طول الليل فقال:
يقولون طال الليل والليل لم يطل ... ولكن من يبكى من الشوق يسهر
وقال بشار فى هذا المعنى:
لم يطل ليلى ولكن لم أنم ... وفنى عن الكرى طيف ألم
وإذا قلت لها جودى لنا ... خرجت بالصمت عن لا ونعم
نفسى يا عبد عنى واعمى ... أننا يا عبد من لحم ودم
إن فى بردى جسماً ناحلا ... لو توكأت عليه لانهدم
ختم الحب لها فى عنقى ... موضع الخاتم من أهل الذمم
ولقد أحسن على بن بسام فى هذا المعنى، أنشدنى ابنه أبو على عن أبيه:
لا أظلم الليل ولا أدعى ... أن نجوم الليل ليست تغور
ليلى كما شاءت فإن لم تجد ... طال وإن جادت قليلى قصير
وحدثنا أبو بكر بن الأنبارى قال حدثنا عبد الله بن خلف قال حدثنا أبو بكر بن الوليد البزار قال: كان على بن الجهم يستندشنى كثيراً شعر خالد الكاتب؛ فأنشده، فيقول: ما صنع شيئاً؛ ثم أنشدته يوما له:
رقدت ولم ترث للساهر ... وليل المحب بلا آخر

ولم تدر بعد ذهاب الرقا ... د ما صنع الدمع من ناظرى
وأنشدنا بعض أصحابنا لعلى بن العباس الرومى فى طول الليل:
رب ليلٍ كأنه الدهر طولاً ... قد تناهى فليس فيه مزيد
ذى نجوم كأنهن نجوم الشي ... يب ليست تزول لكن تزيد
ولسعيد بن حميد فى طول الليل:
يا ليل بل يا أبد ... أنائم عنك غد
يا ليل لو تلقى الذى ... ألقى بها أو تجد
قصر من طولك أو ... ضعف منك الجلد
اشكو إلى ظالمةٍ ... تشكو الذى لا تجد
وقف عليها ناظرى ... وقف عليها السهد
قال أبو زيد: تقول العرب فى مثلٍ لها: " خبأة خير من يفعة سوءٍ " أى بنت تلزم البيت تخبأ فيه نفسها خير من غلا مسوءٍ لا خير فيه. قال: ويقال للرجل إذا ولدت له جارية: " هنيئاً لك الناقجة " وذلك أنه يزوج بنته فيأخذ مهرها إبلا إلى إبله فتنفجها. قال: ويقال: أضب القوم إضبابا إذا تكلموا وصاح بعضهم إلى بعض، وأضبأ على الشىء إضباء فهو مضبىء إذا كتمه، وقال الأصمعى: ضبأ فهو ضابى إذا لصق بالأرض؛ قال الأعشى:
أهون لها ضابى فى الأرض مفتحص ... للحم قدماً خفى طالما خشعا
قال: وأنشدنا أبو على العباس بن الأحنف:
أيها الراقدون حولى أعينو ... نى على الليل حسبة وانتجارا
حدثونى عن النهار حديثاً ... أو صفوه فقد نسيت النهارا
وأملى علينا الأخفش، وقرأتها على ابن الأنبارى لسويد بن أبى كاهل:
وإذا ما قلت ليل قد مضى ... عطف الأول منه فرجع
يسحب الليل نجوماً طلعاً ... فيواليها بطيئات التبع
ويزجيها على إبطائها ... مغرب اللون إذا الليل انقشع
وحدثنا أبو بكر بن دريد قال حدثنى عمى عن أبيه عن هشام بن محمد الكلبى عن عبد الرحمن ابن أبى عبس الأنصارى قال: عاش الأوس بن حارثة دهراً وليس له ولد إلا مالك، وكان لخيه الخزرج خمسة: عمرو وعوف وجشم والحارث وكعب، فلما حضره الموت قال له قومه: قد كنا نأمرك بالتزوج فى شبابك فلم تزوج حتى حضرك الموت؛ فقال الأوس: لم يهلك هالك ترك مثل مالك؛ وإن كان الخزرج ذا عدد، وليس لمالك ولد؛ فلعل الذى استخرج العذق من الجريمة، والنار من الوثيمة؛ أن يجعل لمالك نسلا، ورجالا بسلا. يا مالك، المنية ولا الدنية؛ والعتاب قبل العقاب؛ والتجلد لا التبلد. واعلم أن القبر خير من الفقر؛ وشر شاربٍ المشتف، وأقبح طاعمٍ القتف؛ وذهاب البصر، خير من كثير من النظر؛ ومن كرم الكريم، الدفاع عن الحريم؛ ومن قل ذل، ومن أمر قل؛ وخير الغنى القناعة، وشر الفقر الضراعة؛ والدهر يومان، فيوم لك يوم عليك، فإذا كان لك فلا تبطر، وإذا كان عليك فاصبر، فكلاهما سينحسر؛ فإنما تعز من ترى، ويعزك من لا ترى؛ ولو كان الموت يشترى لسلم منه أهل الدنيا، لكن الناس فيه مستوون: الشريف الأبلج، واللئيم المعلهج؛ والموت المفيت، خير من أن يقال لك: هبيت؛ وكيف بالسلامة، لمن ليست له إقامة؛ وشر من المصيبة سوء الخلف، وكل مجموع إلى تلف؛ حياك إلهك! قال: فنشر الله من مالكٍ بعدد بنى الخزرج أو نحوهم.
قال أبو على: قوله: فلعل الذى استخرج العدق من الجريمة. العذق: النخلة نفسها بلغة أهل الخجاز، والعذق الكباسة. والجريمة: النواة. والوثيمة: هى الموثومة المربوطة، يريد به: قدح حوافر الخيل النار من الحجارة. والعرب تقسم بهذا الكلام فتقول: لا والذى أخرج العذق من الجريمة، والنار من الوثيمة. لا فعلت كذا وكذا. ومن أيمانهم: لا والذى شقهم خمسا من واحدة، يعنون: الأصابع. ويقولون: لا والذى أخرج قائبةً من قوب، يعنون: فرخاً من بيضة، ويقولون: لا والذى وجهى زمم بيته، أى قصده وحذاءه. والبسل: الشجعان، واحدهم باسل، والبسالة: الشجاعة، قال الفراء: الباسل: الذى حرم على قرنه الدنو منه لشجاعته، أى لشدته، لأنه لا يمهل قرنه ولا يمكنه من الدنو منه، أخذ من البسل وهو الحرام. وقال غيره: الباسل: الكريه المنظر، وإنما قيل للأسد: باسل، لكراهة وجهه وقبحه؛ يقال: ما أبسل وجه فلان؛ قال أبو ذؤيب:
فكنت ذنوب البئر لما تبسلت ... وسربلت أكفانى ووسدت ساعدى

تبسلت: فظع منظرها وكرهت، وقال شيخنا أبو بكر بن الأنبارى: قال الأصمعى: الباسل: المر، وقد بسل الرج ليبسل بسالةً إذا صار مراً. والمشتف: المستقصى، يقال: استشف ما فى إنائه واشتف إذا شرب الشفافة، وهى البقية تبقى فى الإناء. والقنف: الآخذ بعجلة، ومنه سمى القفاف. وأمر: كثرة عدده، يقال: أمر القوم يأمرون إذا كثر عددهم؛ قال لبيد:
نعلوهم كلما ينمى لهم سلف ... بالمشرفى ولولا ذاك قد أمروا
ونشدنا أبو زيد:
أم جوارٍ ضنؤها غير أمر
ضنؤها: نسلها. وأمر المال وغيره يأمره أمرة وأمراً إذا كثر؛ قال الشاعر:
والإثم من شر ما يصال به ... والبر كالغيث نبته أمر
ويقال فى مثل: فى وجه مالك تعرف أمرته، وأمرته، أى نماءه وكثرته؛ وقال الله تعالى: (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا فترفيها) أى كثرنا؛ وقال أبو عبيدة: يقال: خير المال سكة مأبورة، أو مهرة مأمورة، فالمأمورة: الكثيرة الولد، ومن آمرها الله، أى كثرها؛ وكان ينبغى أن يقال: مؤمرة، ولكنه أتبع مأبورة. والسكة: السطر من النخل، وقال الأصمعى: السكة: الحديدة التى يفلح بها الأرضون. والمأبورة: المصلحة، يقال: أبرت النخل ابرة أبرا إذا لقحته وأصلحته. وقد قرىء أمرنا مترفيها، على مثال فعلنا. أخبرنا القالى عن ابن كيسان أنه قد يقال: أمره بمعنى آمره يكون فيه لغتان، فعل وأفعل، وتعز: تغلب، ويقال: عز فلان فلانا عزا. وعز يعز عزا وعزة من العز. وعز على أهله عزازةً، من العز. والمعلهج: المتناهى فى الدناءة واللؤم، وكان أبو بكر يقول: هو اللئيم فى نفسه وآبائه. والهبيت: الأحمق الضعيف؛ قال طرفة:
الهبيت لا فؤاد له ... والثبيت ثبته فهمه
وكان أبو بكر بن الأنبارى يرويه: قيمه.
وحدثنا أبو بكر رحمه الله تعالى قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: سمعت امرأة من العرب تخاصم زوجها وهى تقول: والله إن شربك لاشتفاف، وإن ضجعتك لانجعاف، وإن شملتك لالتفاف، وإنك لتشبع ليلة تضاف، وتنام ليلة تخاف؛ فقال لها: والله إنك لكرواء الساقين، قعواء الفخذين، مقاء الرفغين، مفاضة الكشحين؛ ضيفك جائع، وشرك شائع.
قال أبو على: الانجعاف: الانصراع، يقال: ضربه فجأفه وجعفه وجفأه وكوره وجوره وجعفله، وقطره إذا ألقاه على أحد قطريه؛ قال طفيل:
وراضكةٍ ما تستجن بجنةٍ ... بعير حلالٍ غادرته مجعفل
وقال لبيد رضى الله عنه:
فلم أر يوماً كان أكثر باكيا ... وحسناء قامت عن طرافٍ مجور
وقال ابن قيس الرقيات:
كالشارب النشوان قطره ... سمل الزقاق تفيض عبريته
وأتكأه إذا ألقاه على هيئة المتكىء. وقال أبو زيد: ضربه فقحزنه وجحدله إذا صرعه. وقال الأصمعى وابن الأعرابى: بركعة: صرعه؛ وأنشد لرؤبة:
ومن همزنا عزه تبركعا ... على استه زوبعةً أو زوبعا
وقال غيرهما: البركعة: القيام على أربع، ويقال: تبركعت الحمامة لذكرها، أى بركت والكرواء: الدقيقة الساقين والكرا: دقة الساق، والكرى: النوم، والكرا: بمعنى الكروان، وكراء ممدودا: موضع وقال أبو بكر: القعواء: المتباعدة مابين الفخذين ولم أسمع هذا من غيره، والذى ذكره اللغوين في كتبهم فيما قرأته الفجواء: المتباعدة مابين الفخذين وقوله: مقاء، قال أبو زيد: المقاء: الدقيقة الفخذين، وكذلك الرفغاء، وقال الأصمعى: المقاء: الطويلة، والمقق: الطول، ورجل أمق: طويل، قال رؤية:
لواحق الأقرب فيها كالمقق ... تفليل ماقارعن من سمر الطر
يصف أتنا والمفاضة: المسترخية والكشحان: الخاصرتان، وهما الأيطلان والاطلان والقربان والصقلان، واحدهما قرب وصقل وكشح وإطل وأيطل وحدثنا أبو بكر رحمه الله تعالى قال حدثنا أبو حاتم عن أبى عبيدة قال: دخل أبو جويرية الشاعر على خالد بن عبد الله يمدحه، فقال له خالد: ألست القائل:
ذهب الجود والجنيد جميعا ... فعلى الجود والجنيد السلام
أصبحنا ثاوين في بطن مرو ... ماتغنى على الغصون الحمام
أذهب الى الجود حيث دفنته فاستخرجته، قال أبو جويرية: أنا قائل هذا: وأنا الذى يقول بعده، فوثب إليه الحرس ليدفعوه، فقال خالد: دعوه، لاتجمع عليه الحرمان ونمنعه الكلام، فأتشأ يقول:

لو كان يقعد فوق الشمس من كرم ... قوم بأولهم أو مجدهم قعدوا
أو خلد الجود أقواما ذوى حسب ... فيما يحاول من آجالهم خلدوا
قوم سنان أبوهم حين تنسبهم ... طابوا وطاب من الأولاد ما ولدوا
جن اذا فزعوا إنس اذا أمنوا ... مرزءون بهاليل اذا احتشدوا
محسدون على ماكان من نعم ... لاينزع الله عنهم ماله حسدوا
قال: فخرج من عنده ولم يعطه شيئا وقرأت على أبى بكرين دريد للشماخ:
أعائش مالأهلك لا أراهم ... يضيعون الهجان مع المضيع
وكيف يضيع صاحب مدفآت ... على أثباجهن من الصقيع
يعنى أن عائشة قالت له: لم تشدد على نفسك في المعيشة وتلزم الإبل والتغرب فيها، فرد عليها:ماللأهلك أراهم يتعهدونأموالهم ويصلحونها وأنت تأمريننى بإضاعة مالي، ثم أقبل على إبله يمدحها فقال:
وكيف يضيع صاحب مدفآت
أدفئن بكثرة الوبر على أثباجهن والأثباج: الأوساط قال الأصمعى: ثبج كل شيء: وسطه، وغيره يقول: ظهره وروى أبو عبيد عن الأصمعى: الكتد: مابين الكاهل الى الظهر، والثبج نحوه وهذه الأقوال متقاربة في المعنى والصقيع: البرد والندى، ويقال: الجليد وقال الأصمعى: من أمثال العرب: " إنه ليسر حسوا في ارتغاء " يضرب مثلا للرجل يريك أنه يعمل أمرا وهو يريد غيره. والارتغاء: شرب الرغوة، يقال: رغوة ورغوة ورغوة. يقول: فهو يظهر ذاك وهو يحسو اللبن. ويقال: " سقط العشاء به على سرحان " يضرب مثلا للرجل يطلب الأمر التافه فيقع فى هلكة. وأصل المثل، أن دابة طلبت العشاء فهجمت على الأسد. والسرحان: الأسد بلغة هذيل، وبلغة غيرهم من العرب: الذئب. ويقال: " سبق السيف العدل " يضرب مثلا للأمر الذى قد تفاوت؛ وأصل هذا المثل، أن الحارث بن ظالم ضرب رجلا بالسيف فقتله. فأخبر بعدره فقال: " سبق السيف العذل " . قال أبو زيد: العرب تقول: " إن كنت كاذباً فحلبت قاعداً " أي ذهبت إبلك فحلبت الغنم. وتقول: " إن كنت كذوباً فشربت غبوقا بارداً " أى ذهب لبنك فشربت الماء البارد، والغبوق: ما اغتبقت حارا بالعشى، وقرأت على أبى بكر للشماخ:
إذا ما استافهن ضربن منه ... مكان الرمح من أنف القدوع
فقد جعلت ضائغهن تبدو ... بما قد كان نال بلا شفيع
استافهن: شمهن، يعنى الحمار، فإذا فعل ذلك ضربن منه أعلى خيشومه، وهو مكان الرمح إذا قدعت به أنف الفرس، لأنه قد حملن منه. والقدوع: الذى يقدع ويرد بالرمح، وهو أن يرفع رأسه من عزة نفسه، أو من فرقٍ، أو لا يرضى للفحلة فيضرب أنفه وينحى عن الطروقة، وهو إن كان يقدع فهو قدوع، كما قالوا لما يحلب ويركب: حلوبة وركوبة. وضغائهن: ما فى قلوبهن، أى كن يمكنه ولا يحتاج إلى شفيع، فلما حملن أبدين ضغائهن المخبوءة.
وحدثنا أبو بكر بن الأنبارى قال حدثنا أبو الحسن الأسدى قال: كتب أحمد بن المعذل إلى أخيه عبد الصمد بن المعذل: إنى أرى المكروه من حيث يرتجى المحبوب، وقد شمل عرك وعم أذاك، وصرت فيك كأبى الابن العاق، إن عاش نغصه، وإن مات نقصه؛ وقد خشنت بقلبٍ جيبه لك ناصح، والسلام. فكتب إليه عبد الصمد:
أطاع الفريضة والسنة ... فتاه على الإنس والجنه
كأن لنا النار من دونه ... وأفرده الله بالجنة
وينظر نحوى إذا زرته ... بعين حماةٍ إلى كنه
وأنشدنا أبو بكر بن الأنبارى قال أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوى للأضبط بن قريع وقال: وبلغنى أن هذه الأبيات قيلت قبل الإسلام بدهر طويل وهى:
لكل هم من الهموم سعه ... والمسى والصبح لا فلاح معه
ما بال من سره مصابك لا ... يملك شيئاً من أمره وزعه
أزود عن حوضه ويدفعنى ... يا قوم من عاذرى من الخدعه
حتى إذا ما انجلت عمايته ... أقبل يلحى وغيه فجعه
قد يجمع المال غير آكله ... ويأكل المال غير من جمعه
فاقبل من الدهر ما أتاك به ... من قر عينا بعيشه نفعه
وصل حبال البعيد إن وصل ال ... جيل وأقص القريب إن قطعه

ولا تعاد الفقير علك أن ... تركع يوما والدهر قد رفعه
قال أبو العباس: وكان الأصمعى ينشد:
فصل حبال البعيد إن وصل الحبل
قال أبو على: تقول العرب: لعلك وعلك ولعنك ولغنك، سمعه عيسى بن عمر من العرب، ورواه الأصمعى عنه.
قال أبو على: قرأت على أبى بكر بن دريد فى شعر أبى النجم قال عيسى بن عمر: سمعت أبا النجم ينشد:
أغد لعلنا فى الرهان نرسله
وأنشدنى أبو بكر بن ديد رحمه الله لمحمود الوراق:
فاجاك من وفد المشيب نذير ... والدهر من أخلاقه التغيير
فسواد رأسك والبياض كأنه ... ليل تدب نجومه وتسير
وأنشدنى بعض أصحابنا قال: أنشدنى أبو يعقوب بن الصفار لداود بن جهوة:
أقاسى البلا لا أستريح إلى غدٍ ... فيأتى غد إلا بكيت على أمس
سأبكى بدمع أو دمٍ أشتفى به ... فهل لى عذر إن بكت على نفسى
سلام على الدنا ولذة عيشها ... سلام غدو أو رواح إلى رمسى
وأنكرت شمس الشيب فى ليل لمتى ... لعمرى لليلى كان أحسن من شمسى
كأن الصبا والشيب يطمس نوره ... عروس أناسٍ مات فى ليلة العرس
وأنشدنا أبو محمد عبد الله بن جعفر النحوى قال: أنشدنا المبرد لمحمود الوراق:
أليس عجيباً بأن الفتى ... يصاب ببعض الذى فى يديه
فمن بين باكٍ له موجعٍ ... وبين معز مغذ إليه
ويسلبه الشيب شرخ الشباب ... فليس يعزيه خلق عليه
وأنشدنا الأخفش للعكوك على بن جبلة:
جلال مشيبٍ نزل ... وأنس شبابٍ رحل
طوى صاحب صاحبا ... كذا اختلاف الدول
أعاذلتى أقصرى ... كفاك المشيب العذل
بدا بدلاً بالشبا ... ب ليت الشباب البدل
جلال ولكنه ... تحاماه حور المقل
وأنشدنا أبو عبد الله نفطويه لأبى دلف العجلى:
نظرت إلى بعين من لم يعدل ... لما تمكن طرفها من مقتلى
لما تبسم بالمشيب مفارقى ... صدت صدود مفارقٍ متحمل
فجعلت أطلب وصلها بتعطفٍ ... والشيب يغمزها بأن لا تفعلى
وأنشدنا أبو بكر بن الأنبارى رحمه الله تعالى قال: أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوى
أرى بصرى عن كل يوم وليلة ... بكل وخطوى عن مدى الخطو يقصر
ومن يصحب الأيام تسعين حجةً ... يغيرنه والدهر لا يتغير
لعمرى لئن أمسيت أمشى مقيدا ... لما كنت أمشى مطلق القيد أكثر
وأنشدنى بعض أصحابنا:
حنتنى حانيات الدهر حتى ... كأنى خاتل يدنو لصيد
قريب الخطو يحسب من رآنى ... ولست مقيدا أنى بقيد
وقال رجل لشيخ رآه يمشى: من قيدك يا شيخ؟ قال: الذى خلفته يفتل فى قيدك، يعنى: الدهر.
وأنشدنا أبو بكر محمد بن السرى السراج النحوى:
عائبٍ عابنى بشيبٍ ... لم يعد لما ألم وقته
فقلت إذا عابنى بشيبى ... يا عائب الشيب لابلغته
وأنشدنا أبو بكر بن الأنبارى قال: أنشدنا عبد الله بن خلف:
نصول الشيب طوقنى بطوق ... يلوح على من تحت السواد
إذا أبصرته فكأن وخزا ... بأطراف الأسنة فى فؤادى
قال: وأنشدنا أبى قال: أنشدنى أبو عبد الله بن المطيخى:
إن الكبير إذا تناهت سنه ... أعيت رياضته على الرواض
وإذا دفعت إلى الصغير فإنما ... تكفيه منك إشارة الإيماض
وعليك من نسج الزمان عمامة ... خضب المشيب سوادها ببياض
فالوعظ ينبو عن صفاتك راجعا ... مثل السهام نبت عن الأغراض
وممن مدح الشيب من الشعراء فأحسن دعبل حيث يقول:
أهلا وسهلا بالمشيب فإنه ... سمة العفيف وحلبة المتحرج
وكأن شيبى نظم در زاهر ... فى تاج ذى ملكٍ أغر متوج
وممن مدح الخضاب فأحسن عبد الله بن المعتز حيث يقول:
وقالوا النصول مشيب جديد ... فقلت الخضاب شباب جديد

إساءة هذا بإحسان ذا ... فإن عاد هذا فهذا يعود
وأنشدنى أبو معاذ عبدان المتطبب قال: أنشدنى أبو هفان لنفسه
تعجبت در من شيبى فقلت لها ... لا تعجبى فبياض الصبح فى السدف
وزادها عجباً أن رحت فى سملٍ ... وما درت در أن الدر فى الصدف
قال أبو زيد: يقال: عام أو طف وأغلف وأقلف إذا كان خصيبا؛ وقال العقيليون: عام مجاعةٍ ومجوعة ومجوعة، وقال أبو زيد: الأطرة: ما حول الأظفار من اللحمن. وقال ابن الأعرابى: عيش أغرل وأرغل وأغضف وأغطف وأوطف وأغلف إذا كان مخصباً، وهذه كلها تقال فى العام.
وأنشدنا أبو بكر بن الأنبارى رحمه الله قال أنشدنى أبى لرجل من خزاعة:
قد كنت أفزع للبيضاء أبصرها ... من شعر رأسى وقد أيقنت بالبلق
ألآن حين خضبت الرأس زايلنى ... ما كنت التذ من عيشى ومن خلقى
إن الشباب إذا ما الشيب حل به ... كالغصن يصفر فيه ناعم الورق
شيب تغيبه عمن تغر به ... كبيعك الثوب مطويا على حرق
فإن سترت مشيبا أو غررت به ... فليس دهر أكلناه بمسترق
أفنى الشباب الذى أفنيت ميعته ... مر الجديدين من آتٍ ومنطلق
لم يتركا منك فى طول اختلافهما ... شيئاً يخاف عليه لذعة الحرق
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال أخبرنا السكن بن سعيد بن العباس بن هشام الكلبى قال: صعد خالد بن عبد الله القسرى يوما المنبر بالبصرة ليخطب فأريح عليه، فقال: أيها الناس، إن الكلام ليجىء أحيانا فيتسبب سببه، ويعزب أحيانا فيعز مطلبه؛ فربما طولب فأبى، وكوبر فعصى؛ فالتاتى لمجيه، أصوب من التعاطى لأبيه؛ ثم نزل. فما رثى حصر أبلغ منه. وقرأت على أبى بكر بن دريد لنفسه:
أرى اليب مذ جاوزت خمسين دائبا ... يدب دبيب الصبح فى غسق الظلم
هو السقم إلا أنه غير مؤلم ... ولم أر مثل الشيب سقماً بلا ألم
وأنشدنى بعض أصحابنا لعلى بن العباس الرومى:
يا بياض المشيب سودت وجهى ... عند بيض الوجوه سود القرون
فلعمرى لأخفينك جهدى ... عن عيانى وعن عيان العيون
ولعمرى لأمنعنك أن تظ ... هر فى رأس آسفٍ محزون
بسواد فيه ابيضاض لوجهى ... وسواد لوجهك الملعون
وأنشدنا الأخفش لمنصور النمرى:
ما واجه الشيب من عينٍ وإن ومقت ... إلا لها نبوة عنه ومرتدع
وأنشدنا أبو بكر بن الأنبارى قال: أنشدنا أبى:
رأيت الشيب تكرهه الغوانى ... ويحببن الشباب لما هوينا
فهذا الشيب نخضبه سواداً ... فكيف لنا فنسترق السنينا
وفى الخضاب:
إن شيئاً صلاحه بالخضاب ... لعذاب موكل بعذاب
ولعمر الإله لولا هوى البي ... ض وأن تشمئز نفس الكعاب
لأرحت الخدين من وضر الخط ... ر وأذعنت لانتقضاء الشباب
ومن أحسن ما قيل فى مدح الشيب:
والشيب إن يحلل فإن وراءه ... عمراً يكوه خلاله متنفس
لم ينتقص منى المشيب قلامةً ... ألآن حين بدا ألب وأكيس
وأنشدنا أبو بكر بن الأنبارى قال: أنشدنا أبى:
لا يرعك المشيب يا بنة عبد ال ... له فالشيب جلة ووقار
إنا تحسن الرياض إذا ما ... ضحكت فى خلالها الأنوار
وحدثنا أبو بكر بن الأنبارى قال حدثنى أبو الحسن بن البراء قال قال أبو الحسن الأسدى: مات رجل كان يعول اثنى عشر ألف إنسان، فلما حمل على النعش صر على أعناق الرجال؛ فقال رجل فى الجنازة:
وليس صرير النعش ما تسمعونه ... ولكنه أعناق قوم تقصف
وليس فتيق المسك ما تجدونه ... ولكنه ذاك الثناء المخلف
قال أبو على: وقرأت على أبى بكر بن دريد لبعض العرب:
دببت للمجد والساعون قد بلغوا ... جهد النفوس وألقوا دونه الأزرا
وكابدوا المجد حتى مل أكثرهم ... وعانق المجد من أوفى ومن صبرا

لا تحسب المجد تمرا أنت آكله ... لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
وأنشدنا غير واحد من أصحاب أبى العباس منهم ابن السرى والأخفش وابن درستويه قالوا: أنشدنا أبو العباس المبرد لعبد الصمد بن المعذل فيه:
سألنا عن ثمالةً كل حى ... فقال القائلون ومن ثماله
فقلت محمد بن يزيد منهم ... فقالوا زدتنا بهم جاله
فقال لى المبرد خل عنى ... فقومى معشر فيهم نذاله
وأنشدنا أبو بكر قال أنشدنى سعيد بن هارون:
فلو أبصرت دارك فى محل ... يحل الحزن فيه والسرور
رأيت منادحاً لم يردع فيها ... ملال مذ نايت ولا فتور
قال يخاطب امرأة يقول: لو رأيت محلك فى قلبى؛ فلم يستقم له الشعر، فقال: دارك. وقوله:
يحل الحزن فيه والسرور
يعنى القلب، لأن الحزن والسرور فيه يكونان. وقوله: منادحاً، يعنى متسعاً. وقوله: (لم يرع فيها ملال مذ نايت ولا فتور) مثل.
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال أخبرنا أبو حاتم قال أخبرنا أبو زيد قال: بينما أنا فى المسجد الحرام إذ وقف علينا أعرابى فقال: يا مسلمون، إن الحمد لله والصلاة على نبيه، إنى امرؤ من أهل هذا الملطاط الشرقى المواصى أسياف تهامة، عكفت على سنون محش، فاجتنبت الذرى، وهشمت العرى؛ وجمشت النجم، وأعجت البهم، وهمت الشحم، والتحبت اللحم، وأحجنت العظم؛ وغادرت التراب مورا، والماء غورا؛ والناس أوزاعا، والنبط فعاتا، والضهل جزاعا، والمقام جعجاعا؛ يصحبنا الهاوى، ويطرقنا العاوى؛ فخرجت لا أتلفع بوصيده، ولا أتقوت هبيده؛ فالبخصات وقعة، والركبات زلعة، والأطراف قفعة؛ والجسم مسلهم، والنظر مدرهم؛ أعشو فأغطش، وأضحى فأخفش، أسهل ظالعا، وأحزن راكعا؛ فهل من آمرٍ بميرٍ، أو داعٍ بخير؛ وقاكم الله سطوة القادر، وملكة الكاهر، وسوء الموارد، وفضوح المصادر. قال: فأعطيته دينارا، وكتبت كلامه واستفسرته ما لم أعرفه.
قال أبو على: قال أبو بكر: الملطاط: أشد انخفاضاً من الغائط وأوسع منه، وحكى اللحيانى عن الأصمعى أنه قال: الملطاط: كل شفير نهر أو وادٍ. المواصى والمواصل واحد، يقال: تواصى النبت إذا اتصل بعضه ببعض. وأسيف جمع سيف، وهو ساحل البحر. وعكفت: أقامت. والسنون: الجدوب. ومحش جمع محوش، وهى التى تمحش الكلا، أى تحرقه. واجتنبت، افتعلت من الجب، يقال: جببت السنام إذا قطعته، وكل شيء استأصلته فقد جببته. وهشمت: كسرت. والعرى جمع عروة، والعروة: القطعة من الشجر لا يزال باقيا على الجدب ترعاه أموالهم، قال التغلبى: يروى:
خلع الملوك وسار تحت لوائه ... شج العرى وعراعر الأقوام
ويروى: وعراعر، وهم السادة. وجمشت: احتلقت، قال رؤبة:
أو كاحتلاق النورة الجموش
والنجم: ما نجم ولم يستقل على ساق. وأعجت، أى جعلتها عجابا، والعجى: السىء الغذاء المهزول، قال الشاعر:
عدانى أن أزورك أ، بهمى ... عجابا كلها إلا قليلا
وهمت: أذابت، قال أبو على: العرب تقول: همك ما أهمك، أى أذابك ما أحزنك. قال وقال أبو بكر: التحبت اللحم: عرفته عن العظم. وأحجنت العظم، أى عوجته فصيرته كالمحجن. والمور: الذى يجيىء ويذهب، قال إسماعيل: والمور: الطريق، رواه أبو عبيدة، والمور بضم الميم: الغبار بالريح. قال أبو بكر: الغور: الغائر. وأوزاع: فرق. والنبط: الماء الذى يستخرج من البئر أول ما تحفر، قال الشاعر:
قريب ثراه لا ينال عدوه ... له نبطا عند الهوان قطوب
والقعاع: الماء الملح المر. والضهل: القليل من الماء، ومنه قيل: ما ضهل إليه منه شىء.
والجزاع: أشد المياه مرارة، قال إسماعيل قال يعقوب ويقال: ماء ملح، فإذا اشتدت ملوحته قيل: زعاق وقعاع وأجاج وحراق، أى يحرق أوبار الماشية من شدة ملوحته، قال ويقال: ماء ملح يفقأ عين الطائر إذا بولغ فى ملوحته، وماء خمجرير إذا كان ثقيلا، وقال ابن الأعرابى يقال: ماء مخضرم وخمجرير ومخضم إذا لم يكن عذبا. والجعجاع: المكان الذى لا يطمئن من قعد عليه. قال أبو على قال الأصمعى: الجعجاع: المحبس، وأنشد:
إذا جعجعوا بين الإناحة والحبس

وقال أبو عمرو الشيبانى: الجعجاع: الأرض، وكل أرض جعجاع. وقال أبو بكر: الهاوى: الجراد. والعاوى: الذئب. والتلفع: الاشتمال. وقال أبو على: هو اشتمال الصماء عند العرب، وهو ألا يرفع جانبا منه فتكون فيه فرجة. والوصيدة: كل نسيجة. والهبيد: حب الحنظل يعالج حتى يطيب فيختبز. والبخصات، واحدها بخصة، وهى لحم باطن القدم. ووقعة، من قولهم: وقع الرجل إذا اشتكى لحم باطن قدمه، قال الراجز:
يا ليت لى نعلين من جلد الضبع ... وشركاً من استها لا تنقطع
كل الحذاء يحتذى الحافى الوقع
وزلعة: متشققة، وأنشد:
وغملى نصى بالمتان كأنها ... ثعالب موتى جلدها قد تزلع.
قال أبو على: غملى، فعلى، وهو الذى قد تراكب بعضه على بعض. وقفعة ومقفعة واحد، وهى التى قد تقبضت ويبست. وقال أبو بكر: المسلهم: الضامر المتغير. قال أبو على وقال أبو زيد: السملهم: المدبر فى جسمه، وتفسير أبى بكرا أحسبه كلام الأصمعى. والمدرهم: الضعيف البصر الذى قد ضعف بصره من جوع أو مرض. قال أبو على: ولم يذكر هذه الكلمة أحد ممن عمل خلق الإنسان. وأعشو: أنظر، يقال: عشوت إلى النار إذا أحددت نظرك إليها، وأنشد:
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره ... تجد خير نار عندها خير موقد
وقوله: فأغطش، أى أصير غطشا، والغطش: ضعف فى البصر، يقال: رجل أغطش، وامرأة غطشى. وأسهل ظالعا، يقول: إذا مشيت فى السهول ظلعت، أى غمزت. وأحزن راكعا، أى إذا علوت الحزن ركعت، أى كبوت لوجهى. والمير: العطية، من قولهم: مارهم يميرهم ميراً.
قال أبو على: الكاهر والقاهر واحد، وقد قرأ بعضهم: (فأما أليتيم فلا تكهر).
وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال قال أعرابى لرجل: ما اتهمت حسن ظنى بك منذ توجه رجائى نحوك، وقد قعدت بجد فائلٍ باعتمادى عليك، ولا استدعنى رغبة عنك إلى من سواك، ولا أرانى الاختبار غيرك عوضاً منك.
قال أبو على: القائل: المخطىء، يقال: رجل قال الرأى وقائل الرأى وقيل الرأى وقيل الرأى إذا كان مخطىء الرأى.
وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: سمعت أعرابيا ذكر رجلا فقال: كان والله للإخاء وصولا، وللمال بذولا، وكان الوفاء بهما عليه كفيلا، ومن فاضله كان مفضولا، وقال أبو زيد: من أمثال العرب " لم يهلك من مالك ما وعظك " أى إذا أفسدت بعض مالك فوعظك الذى أفسدت فأصلحت بعد، فكأن الذى أفسدت لم يهلك. ويقال: " ذليل عاذ بقرملةٍ " وهى شجرة صغيرة، يقال ذلك لمن عاذ بمن هو أذل منه أو مثله. ويقال: " قد تحلب الضحور العلبة: أى قد تصيب من الشىء الخلق اللين. ويقال: " لا تعدن ناقة من أمها حنة " أى لا تعدم شبهاً، يقال ذلك لمن أشبه أباه وأمه.
وأنشدنا أبو بكر بن دريد وقرأنا أيضاً عليه:
أقبلن من أعلى فياف بسحر ... يحملن صلالاً كأعيان البقر
قوله: يحملن صلالاً، أى يحملن فحما يصل، أى يصوت. وأعيان جمع عين. وقرأنا عليه أيضاً لزيد الخيل:
نصول بكل أبيض مشرفى ... على اللاتى بقى فيهن ماء
عشية تؤثر الغرباء فينا ... فلا هم هالكون ولا رواء
يعنى أنهم يفتظون الإبل فيأخذون ما بقى فى كروشها من الماء. ومثله:
وشربة لوحٍ لم أجد لشفائها ... بدون ذباب السيف أو شفره حلا
وحدثنا أبو بكر قال حدثنا عبد الرحمن عن عمه قال: بينما أنا سائر بناحية بلاد بنى عامر، إذا مررت بحلة فى غائط يطؤهم الطريق، وإذا رجل ينشد فى ظل خيمة له وهو يقول:
أحقاً عباد الله أن لست ناظراً ... إلى قرقرى يوماً وأعلامها الغبر
كأن فؤادى كلما مر راكب ... جناح غراب رام نهضاً إلى وكر
إذا ارتحلت نحو اليمامة رفقة ... دعاك الهوى واهتاج قلبك للذكر
فيا راكب الوجناء أبت مسلما ... ولا زلت من ريب الحوادث فى ستر
إذا ما أتيت العرض فاهتف بجوه ... سقيت على شحط النوى سبل القطر
فإنك من وادٍ إلى مرجب ... وإن كنت لا تزدار إلا على عفر

قال: فأذنت له وكان ندى الصوت، فلما رآنى أومأ إلى فأتيته فقال: أأعجبك ما سمعت؟ فقلت: إى والله، فقال: من أهل الحضارة أنت؟ قلت: نعم، قال: فممن تكون؟ قلت: لا حاجة لك فى السؤال عن ذلك، فقال: أو ما حل الإسلام الضغائن وأطفأ الأحقاد؟ قلت: بلى: قال: فما يمنعك إذا؟ قلت: أنا امرؤ من قيس، فقال: الحبيب القريب من أيهم؟ قلت: أحد بنى سعد ابن قي، ثم أحد بنى أعصر بن سعد، فقال: زادك الله قربا، ثم وثب فأنزلنى عن حمارى، وألقى عنه إكافه وقيده بقراب خيمته، وقام إلى زندٍ فاقتدع وأوقد ناراً، وجاء بصيدانةٍ فألقى فيها تمرا وأفرغ عليه سمنا، ثم لفته حتى التبك، ثم ذر عليه دقيقاً وقربه إلى: فقلت: إنى إلى غير هذا أحوج، قال وما هو؟ قلت: تنشدنى، فقال: أصب فإنى فاعل، فلقمت لقيماتٍ وقلت: الوعد، فقال: ونعمى عينٍ، ثم أنشدنى:
لقد طرقت أم الخشيف وإنها ... إذا صرع القوم الكبرى لطروق
فيا كبدا يحمى عليها وإنها ... مخافة هيضات النوى لخفوق
أقام فريق من أناس يودهم ... بذات الغضا قلبى وبان فريق
بحاجة محزون يظل وقلبه ... رهين ببضات الحجال صديق
تحملن أن هبت لهن عشيةً ... جنوب وأن لاحت لهن بروق
كأن فضول الرقم حين جعلنها ... غديا على أدم الجمال عذوق
وفيهن من بخت النساء ربحلة ... تكاد على غر السحاب تروق
هجان فأما الدعص من أخرياتها ... فوعث وأما خصرها تروق
قال: ففارقته وأنا من أشد الناس ظمأ إلى معاودة إنشاده.
قال أبو على: العرض: وادٍ باليمامة، وكل واد يقال له: عرض، يقال: أخصب ذلك العرض، وأخصبت أعراض المدينة. والعرض أيضاً: الريح، يقال: فلان طيب العرض، وفلان منتن العرض، أيى الريح. والعرض أيضاً: ما ذم من الإنسان أو مدح، يقال: فلان نقى العرض، أى هو برىء من أن يشتم أو يعاب، واختلف فيه، فقال أبو عبيد: عرضه، آباؤه وأسلافه، وخالفه ابن قتيبة فقال: عرضه: جسده، واحتج بحديث النبى صلى الله عليه وسلم فى صفة أهل الجنة: " لا يبولون ولا يتغوطون إنما ه عرق يجرى من أعراضهم مثل المسك " يعنى من أبدانهم، ونصر شيخنا أبو بكر بن الأنبارى أبا عبيد فقال: ليس هذا الحديث حجةً له، لأن الأعراض عند العرب المواضع التى تعرق من الجسد، قال: والدليل على غلط ابن قتيبة فى هذا التأويل وصحة تأويل أبى عبيد قول مسكين الدارمى:
رب مهزولٍ سمين عرضه ... وسمين الجسن مهزول الحسب
فمعناه: رب مهزول البدن والجسم كريم الأباء؛ قال: وأما احتجاجاه بيت حسان بن ثابت:
فإن أبى ووالده وعرضى ... لعرض محمد منكم وقاء
فى أن العرض الجسم، فليس كما ذكر، لأن معناه: فإن أبى ووالده وآبائى، فأتى بالعموم بعد الخصوص، ذكر الأب ثم جمع الآباء، كما قال الله جل وعز: (ولقد أتيناك سبعاً من المثانى والقرآن الكريم) فخص السبع ثم أتى بالقرآن العام بعد ذكره اياها، والذى قاله ابن قتيبة قد قال غيره؛ ويمكن أن ينصر ابن قتيبة أن يقول: بيت مسكن مثل، ومعناه: رب مهزول الجسم سمين الحسب، أى عظيم الشرف، وسمين الجسن مهزول الحسب، أيى ضعيف الشرف. والعرض: ما خالف الطول. والعرض من المال: ما ليس بنقد، والجمع عروض، يقال: اقبل منى عرضاً، أى دابة أو متاعا. والعرض: سفح الجبل، أي ناحيته، قال ذو الرمة:
أدنى تقاذفه تقريب أو خبب ... كما تدهدى من العرض الجلاميد
ويقال للجيش إذا كان كثيراً: ما هو إلا عرض من الأعراض، يشبه بناحية الجبل، قال رؤبة:
إنا إذا قدنا لقومٍ عرضا ... لم نبق من بغى الأعادى عضا

والعض: الداهية. والعرض: مصدر عرضته على البيع أعرضه عرضا. والعرض: مصدر عرضت العود على الإناء أعرضه عرضا. والعرض: مصدر عرضت له من حقه ثوبا، فأنا أعرضه عرضا إذا أعطيته ثوبا مكان حقه، هذه كلها مفتوحة العين مسكنة الراء، وكذلك مصدر أعرضه عرضا إذا أعطيته ثوبا مكان حقه، هذه كلها مفتوحة العين مسكنة الراء، وكذلك مصدر عرضت له حاجة وعرضت عليه الحاجة. والعرض بضم العين: الناحية، يقال: ضربت به عرض الحائط، ويقال: خرجوا يضربون الناس من عرض، ييدون عن شق وناحية، لا يبالون من ضربوا، ومنه استعراض الخوارج الناس إذا لم يبالوا من قتلوا. ويقال: قد أعرض لك الظبى، أى أمكنك من عرضه، أى من ناحيته. والعرض مفتوح الراء: حطام الدنيا وما يصيب منها الإنسان، يقال: إن الدنيا عرض حاضر، يأكل منها البر والفاجر. والعرض أيضاً: الأمر يعرض للإنسان من مرض أو كسر أو غيرهما مما يبتلى به، ويقال: عرض له عارض، مثل عرضٍ، ولا تزال عارضة تعرض. والعارض: الأسنان التى بعد الثنايا، وهى الضواحك، وجمعه عوارض، يقال: امرأة نقية العارض، ومصقولة العارض، قال جرير:
أتذكر يوم تصقل عارضيها ... بعود بشامةٍ سقى البشام
والعارض: الخد، كذا قال أبو نصر. وقال غيره: سئل الأصمعى عن العارضين من اللحية، فوضع يده ما فوق العوارض من الأسنان. ويقال للنحل والجراد إذا كثر: مر منه عار ضقد ملأ الأفق. ويقال للجبل: عارض، وبه سمى عارض اليمامة. والعارضة: الشاة أو البعير يصيبه الداء أو السبع أو كسر، وجمعه عوارض، يقالك بنو فلان أكالون للعوارض. ويقال: فلان شديد العارضة، أى الناحية. ويقال: أخذ فى عروضٍ ما تعجبنى، أى فى طريقٍ وناحية، وعرفت ذلك فى عروض كلامه. ويقال لمكة والمدينة واليمن: العروض، ويقال: ولى فلان العراق وولى فلان العروض. والعروض: عروض الشعر. والعروض: البعير الصعب. والعروضان: الجانبان. والعروض من الإبل والغنم: الذى يعترض الشوك فيأكله، يقال: غنم فلان تعرض إذا ا عترضت الشوك فأكلته. وعريض عروض. والعريض من المعزى: الذى أتى عليه نحو من سنةٍ ونب وأراد السفاد، وجمعه عرضان، وقال اللحيانى: قال بعضهم: العريض من الظباء: الذى قد قارب الأثناء، والعريض عند أهل الحجاز: الخصى، والجميع العرضان. قال: ويقال: أعرضت العرضان إذا خصيتها. ويقال: فلاه عرضة للشر، أى قوى عليه، وفلانة عرضة للزوج، أى قوية عليه، وفرس عرضة للميدان، وجمل عرضة للحمل الثقيل. والعراضة: الهدية، يقال: ما عرضتهم، أى ما أهديت إليهم وأطعمتهم، قال الشاعر:
حمراء من معرضات الغربان ... يقدمها كل علاة عليان
يقول عليها الثمر فتأتى الغربان فتأكل مما عليها. والعراضة: الشىء يطعمه الركب من استطعمهم من أهل المياه. والعراضة والعريضة واحد، وجاء فى بعض الحديث إذا طلعت الشعرى سفرا ولم تر فيها مطرا فلا تغدون إمرةً ولا إمرا وارسل العراضات أثرا يبغينك فى الأرض معمرا، فالعراضات: الإبل العريضة الآثار. ويقال: قوس عراضة، أى عريضة. والمعراض: السهم الذى لا ريش عليه. والمعرض: الثوب الذى تعرض فيه الجارية، وجمعه معارض. ويقال: لقحت الناقة عراضاً، والعراض: أن يعارضها الفحل فيتنوخها فيضربها، فذلك الضراب هو العراض، وغذا لقحت الناقة كذلك، قيل: لقحت يعارة، قال الراعى:
نجائب لا يلقحن إلا يعارةً ... عراضاً ولا يشرين إلا غواليا
ويقال: جاءت فلانة بولد من معارضة عن عراضٍ، وذلك إذا لم يكن له أب يعرف، ويقال: أعرضت فلانة بأولادها إلى ولدتهم عراضاً طوالا من الرجال، ويقال: أعرض الشىء إذا صار ذا عرضٍ، قال ذو الرمة:
عطاء فتىً بنى وبنى أبوه ... فأعرض فى المكارم واستطالا
أى تمكن من طولها وعرضها. وأعرض فلان عن فلان يعرض إعراضا إذا لم يلتفت إليه، ويقال: عرض فلان وطال إذا ذهب عرضاً طولا. ويقال: عرضته للخير تعريضا، وزاد اللحيانى وأعرضته. وعارضت الشىء بالشىء قابلته به. وخرج يعارض الريح إذالم يستقبلها ولم يستدبرها، ويقال: فى فلان عرضية أى صعوبة، وكذلن ناقة عرضية، أى فيها صعوبة. والعرضنة: أن يمشى مشية فى شق فيها بغى، ويقال: هو يتعرض فى الجبل إذا أخذ يميناً وشمالا، قال عبد الله ذو الجادين يخاطب ناقة النبى صلى الله عليه وسلم:

تعرضى مدارجاً وسومى ... تعرض الجوزاء للنجوم
هذا أبو القاسم فاستقيمى
المدارج: الثنايا بالغلاظ، ومرجب: معظم وهو مأخوذ من ترجيب النخلة، وذلك أنها إذا كرمت على أهلها وعظم حملها رجبوها، والترجيب: أن تعمد برجبة، وهى بناء يبنى كالعمود تحتها تعمد به: قال الشاعر:
ليست بسنهاء ولا رجيةٍ ... ولكن عراياً فى السنين الجوائح
وكان أبو بكر بن دريد ينشد " رجيبة " بتشديد الياء فقط، وأنشدنا أبو بكر بن مجاهد المقرى عن أحمد بن يوسف التغلبى " رجيبة " بتشديد الجيم والياء، وكذلك أقرأنى أبو بكر بن الأنبارى فى الغريب المصنف بتشديد الجيم والياء. وقوله: على عفر، أى على بعد من اللقاء، وقال أبو زيد: بعد عفر: بعد شهر، وقال غيره: بعد حينٍ، والحين: مثل البعد فى المعنى. وقوله: أذنت له معناه اسمعت له، قال قعنب بن أم صاحب:
صم إذا صمعوا خيرا ذكرت به ... وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا
وقراب وقريب واحد، مثل كبار وكبير، وجسام وجسيم، وطوال وطويل. والصيدانة: القدر العظيمة. وقال الأصمعى: الحضارة والبداوة: للحضر والبدو، بكسر الياس وفتح الحاءن وقال أبو زيد: البداوة والحضارة، بفتح الباء وكسر الحاء.
قال أب على وهما عندى لغتان، الحضارة والحضارة، والبداوة والبداوة. ولفته: لواء. واللفيتة: العصيدة، وإنما سميت لفينةً لأنها تلفت، أى تلوى. والتبك: اختلط، يقال: لبكت الشىء وبكلته إذا خلطته، قال أمية ابن أبى الصلت:
له داع بمكة مشمعل ... وآخر فوق داريه ينادى
إلى ردحٍ من الشيزى ملاء ... لباب لابر يلبك بالشهاد
أى يخلط بالشهد، يعنى الفالوذ. وقال أبو زيد: الربحلة: اللحيمة الجيدة الجسم فى طول، ورجل ربحل. والسبحلة: الطويلة العظيمة، ورجل سبحل، وقال الأصمعى: نعتت امرأة من العرب ابنتها فقالت:
سبحلة ربحلة ... تنمى نبات النخله
ويقال: سقاء سبحل وسبحلل وسحبل، أى عظيم، وقال: الجنوب لينة تؤلف السحاب وتكتفه ، والشمال تفرقه، فيسمون الشمال: محوة، لأنها تمحو السحاب. والوعث: اللين الوطى، كذا قال الأصمعى، وقال أبو زيد نحو هذا، وقال: هو الذى تسوخ فيه أخفاف الإبل، وهو شديد عليها.
وحدثنا أبو بكر بن الأنبارى قال حدثنى أبى قال حدثنى أبو محمد بن سعيد قال: كان يحيى ابن طالب الحنقى شيخا كريما يقرى الأضياف ويطعم الطعام، فركبه الدين الفادح، بجلا عن اليمامة إلى بغداد يسأل السلطان قضاء دينه، فأراد رجل من أهل اليمامة الشخوص من بغداد إلى اليمامة، فشيعه يحيى بن طالب، فلما جلس الرجل فى الزورق ذرفت عينا يحيى وأنشأ يقول:
أحقاً عبد الله أن ست ناظراً ... إلى قرقرى يوما وأعلامها الخضر
إذا ارتحلت نحو اليمامة رفقة ... دعاك الهوى واهتاج قلبك للذكر
قول لموسى والدموع كأنها ... جداول ماء فى مساربها تجرى
ألا هل لشيخ وابن ستين حجةً ... بكى طرباً نحو اليمامة من عذر
كأن فؤادى كلما مر راكب ... جناح غراب رام نهضا إلى وكر
يزهدنى فى كل خيرٍ صنعته ... إلى الناس ما جريت من قلة الشكر
فيا حزنا ماذا أجن من الهوى ... ومن مضمر الشوق الدخيل إلى حجر
تعزبت عنها كارها فتركتها ... وكان فراقيها أمر من الصبر
لعل الذى يقضى الأمور بعلمه ... سيصرفنى يوما إليها على قدر
فتفتر عين ما تمل من البكا ... ويصحو قلب ما ينهنه بالزجر
قال أبو بكر الأنبارى: حجر: قصبة اليمامة. قال: فغنى هارون الرشيد بشعر يحيى بن طالب
أيا أثلات القاع من بطن توضح ... حنينى إلى أطلالكن طويل
ويا أثلات القاع قد مل صحبتى ... مسيرى فهل فى ظلكن مقيل
ويا أثلاث القاع قلبى موكل ... بكن وجدوى خيركن قليل
ألا هل إلى شم الخزامى ونظرةٍ ... إلى قرقرى قبل الممات سبيل
فأشرب من ماء الخجيلاء شربةً ... يداوى بها قبل الممات غليل

أحدث عنك النفس أن لست راجعا ... إليك فحزنى فى الفؤاد دخيل
أريد هبوطا نحوكم فيردنى ... إذا رمته دين على ثقيل
قال هارون الرشيد: يقضى دينه، فطلب فإذا هو قد مات قبل ذلك بشهر.
وحدثنا ابن الأنبارى قال حدثنا أحمد بن يحيى النحوى قال: اراد الفضل بن يحيى أو جعفر بن يحيى سفرا، فقال: قاتل الله جميلا، ما أشعره حيث يقول:
لما دنا البين بين الحى واقتسموا ... حبل النوى فهو فى أيديهم قطع
حادث بأدمعها ليلى وأعجلنى ... وشك الفراق فما أبقى وما أدع
يا قلب ويحك ما عيشى بذى سلمٍ ... ولا الزمان الذى قد مر مرتجع
أكلما بان حى لا تلائهم ... ولا يبالون أن يشتاق من فجعوا
علقتنى بهوى منهم فقد جعلت ... من الفراق حصاة القلب تنصدع
وقرأت هذه الأبيات فى شعر جميل على أبى بكر بن دريد، مكان فما أبقى، فما أبكى، ومكان عيشى، عيش، ومكان، بهوى منهم، بهوى مردٍ. وقال الأصمعى: من أمثالهم " جاء يفرى الفرا ويقد " إذا جاء يعمل عملا محكماً، ومثله " جاء يفرى الفرى " . ويقال: " الحق أبلج والباطل لجلج " يراد أن الحق منكشف، والباطل ملتبس. ويقال: " ماء ولا كصدا " مثل حمراء، بئر طيبة الماء جدا؛ وكان أبو العباس محمد بن يزيد يقول: كصدآء على وزن صدعاء، يقول: هذا ماء ولا بأس به، وليس كصداً، يضرب مثلا لمن حمد بعض الحمد ويفضل عليه غيره. ويقال " فتى ولا كمالك " مثله. و " مرعىً ولا كالسعدان " مثله.
وأنشدنا ابن دريد عن عبد الرحمن عن عمه لرجل من بنى كلاب:
فلما قضينا غصة من حديثنا ... وقد فاض من بعد الحديث المدامع
جرى بيننا منا رسيس يزيدنا ... سقاما إذا ما استيفنته المسامع
كأن لم تجاورنا أمام ولم تقم ... بفيض الحمى إذ أنت بالعيش قانع
فهل مثل أيامٍ تسلفن بالحمى ... عوائد أو غيث الستارين واقع
فإن نسيم الريح من مدرج الصبا ... لأوراب قلبٍ شفه الحب نافع
قال أبو على: الرس: الشىء من الخبر، والرسيس مثله، قال الأفوه الأودى:
بمهمه ما لأنيسٍ به ... حس وما فيه له من رسيس
وقال أبو زيد: رسوت عنه حديثا أرسوه رسواً: حدثت عنه، وقال غيره: رسست الحديث ف نفسى ارسه رسا إذا حدثت به نفسك، قال الأصمعى: رسست بين القوم: أصلحت بينهم. والأوراب: واحدها ورب، وهو فساد يكون فى القلب وفى غير ذلك؛ والعرب تقول: إنه لذو عرقٍ وربٍ، أى فاسد.
وأنشدنا أبو بكر بن دريد عن عبد الرحمن عن عمه لرجل من بنى كلاب أيضاً:
تحن إلى الرمل اليمانى صبابةً ... وهذا لعمرى لو رضيت كثيب
فأين الأراك الدوح والسدر والغضا ... ومستخبر عمن تحب قريب
هناك تغنينا الحمام ونجتنى ... جنى اللهو يحلو لى لنا ويطيب
قال أبو زيد: قال الكلابيون: " سمعت سراً فما جايته " مثال جعيته، أى لم أكتمه، وفلان لا يجأى سراً، أى لا يكتمه، والمصدر الجأى، والسقاء لا يجأى الماء ، أى لا يحبسه، والارعى لا يجأى غنمه إذا لم يحفظها فتفرقت. وفلان لا يحجو سراً، أى لا يكتمه، والمصدر الحجو، والسقاء لا يحجو الماء، أى لا يحبسه، والراعى لا يحجو غنمه، أى لا يحفظها.
قال الأصمعى: يقال: طمح فى السوم إذا استام بسلعته أكثر مما تساوى، وتشحى فى السوم، وأبعط فى السوم، وشحط فى السوم، وذلك أن يتباعد. قال: ويقال: مصع الظبى ولألأ إذا حرك ذنبه. ومثل من أمثالهم " لا آتيك ما لألأت الفور والعفر " أى ما حركت أذنابها، أى لا آتيك أبداً، قال: والأعفر: الأحمر من الظباء. والفور: السود، وقال لى أبو بكر بن دريد: قال الأصمعى: الفور: الظباء لا واحد لها.
وأنشدنا أبو بكر بن الأنبارى قال: أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوى:
رفعنا الخموش من وجوه نسائنا ... إلى نسوة منهم فأبدين مجلدا

قال أبو العباس: الخموش: الخدوش، وهذا رجل قتل من قومه قتلى، فكان نساؤهم يخمشن وجوههن عليهم، فأصابوا بعد ذلك منهم قتلى، فصار نساء الآخرين يخمشن وجوههن عليهن.يقول: لما قتلنا منهم قتلى بعد القتلى الذين كانوا قتلوا منا، حولنا الخموش عن وجوه نسائنا إلى وجوه نسائهم. قال وهذا مثل قول عمرو بن معد يكرب.
عجت نساء بنى زبيدٍ عجةً ... كعجيج نسوتنا غداة الأرنب
قال أبو العباس: العجة: الصوت. والأرنب: موضع. والمجلد: جلدة تمسكها النائحة بيدها، وربما أشارت بها إلى وجهها كأنها ت لطمه بها، وأنشد:
وخرجن حريراتٍ وأبدين مجلدا ... ودارت عليهن المقرمة الصفر
قال أبو العباس: حريرات: حارات الأجواف من الحزن. وقوله: دارت عليهن المقزمة الصفر، يقول: سبين فأجيلت عليهن القداح ليؤخذن أسها، قال ويروى: المكتبة الصفر، يعنى السهام التى عليها أسماء أصحابها مكتوبة؛ ولم يفسر أبو العباس مقرمة ولا أبو بكر.
قال أبو على: وأنا أقول مقرمة: معضضة، وذلك أن الرجل كان يعلم قدحه بالعض.
وحدثنا أبو بكر قال حدثنا السكن بن سعيد عن محمد بن عباد عن هشام بن محمد بن أبى محنف عن أشياخ من علماء قضاعة قالوا: كان ثلاثة أبطن من قضاعة مجتورين بين الشحر وحضرموت: بنو ناعب، وبنو داهنٍ، وبنو رئام، وكان بنو رئام أقلهم عددا وأشجعهم لقاء، وكانت لبنى رئام عجوز تسمى خويلة، وكانت لها أمة من مولدات العرب تسمى زبراء، وكان يدخل على خويلة أربعون رجلا كلهم لها محرم، بنو إخوة وبنو أخوات، وكانت خويلة عقيما، وكان بنو ناعب وبنو داهن متظاهرين على بنى رئام، فاجتمع بنو رئام ذات يوم فى عرس لهم وهم سبعون رجلا كلهم شجاع بئيس، فطعموا وأقبلوا على شرابهم، وكانت زبراء كاهنة، فقالن لخويلة: انطلقى بنا إلى قوسك أنذرهم، فأقبلت خويلة تتوكأ على زبراء، فلما أبصرها القوم قاموا إجلالا لها، فقالت: يا ثمر الأكباد، وأنداد الأولاد، وشجا الحساد؛ هذه زبراء، تخبركم عن أنباء، قبل انحسار الظلماء، بالمؤيد الشنعاء، فاسمعوا ما تقول. قالوا: وما تقولين يا زبراء؟ قالت: واللوح الخافق، والليل الغاسق، والصباح الشارق، والنجم الطارق، والمزن الوادق؛ إن شجر الوادى ليأدو ختلا، ويحرق أنياباً عصلاً، وإن صخر الطود لينذر ثكلا، لا تجدون عنه معلا؛ فوافقت قوما أشارى سكارى؛ فقالوا: ريح حجوج، بعيدة ما بين الشفروج، أتت زبراء بالأبلق النتوج. فقالت زبراء: مهلاً يا بنى الأعزة، والله إنى لأشم ذفر الرجال تحت الحديد، فقال لا فتى منهم يقال له هذيل بن منقذ: يا خذاق، والله ما تسمين إلا دفر إبطيك، فانصرفت عنه وارتاب قوم من ذوى أسنانهم، فانصرف منهم أربعون رجلا وبقى ثلاثون فرقدوا فى مشربهم، وطرقتهم بنو داهن وبنو ناغب فقتلوهم أجمعين، وأقبلت خويلة مع الصباح فوقفت على مصارعهم، ثم عمدت إل خناصرهم فقطعتها، وانتظمت منها قلادةً وألقتها فى عنقها، وخرجت حتى لحقت بمرضاوى بن سعوة المهرى، وهو ابن اختها، فأناخت بفنائه وأنشأت تقول:
يا خير معتمدٍ وأمنع ملجإٍ ... وأعز منتقم وأدرك طالب
جاءتك وافدة الثكالى تغتلى ... بسوادها فوق الفضاء الناضب
غير أنه سرح اليدين شملة ... عبر الهواجر كالهزف الخاضب
هذى خناصر أسرتى مسرودةً ... فى الجيد منى مثل سمط الكاعب
عشرون مقتبلا وشطر عديدهم ... صيابة ملقوم غير أشايب
طرقتهم أم اللهيم فأصبحوا ... تستن فوقهم ذيول حواصب
جزراً لعافية الخوامع بعدما ... كانوا الغياث من الزمان اللاحب
فسمت رجال بنى أبيهم بينهم ... جرع الردى بمخارصٍ وقواضب
فأبرد غليل خويلة الثكلى التى ... رميت بأثقل من صخور الصاقب
وتلاف قبل الفوت ثأرى إنه ... علق بثوبى داهنٍ أو ناعب
فقال: حجر عل مرضاوى الأعذبان والأحمران، أو يقتل بعدد رئامٍ من داهنٍ وناعب، ثم قال:
أخالتنا سر النساء محرم ... على وتشهاد الندامى على الخمر

كذا وأفلاذ الفئيد وما ارتمت ... به بين جاليها الوثية ملوذر
لئن لم أصبح داها ولفيفها ... وناعبها جهراً بزاغية البكر
فوارى بنان القوم فى غامض الثرى ... وصورى إليك من قناعٍ ومن ستر
فإنى زعيم أن أروى هامهم ... وأظمىء هاماً ما انسرى الليل بالفجر
ثم خرج فى منسر من قومه، ناعبا وداهنا فأوجع فيهم.
قال أبو على: المؤيد: الداهية والأمر العظيم. والنفنف واللوح والسكاك والسكاكة والسحاح والكبد والسمهى: الهواء بين السماء والأرض، يقال: لأفعلن ذلك ولو نزوت فى اللوح، ولو نزوت فى السكاك، واللوح بفتح اللام: العطش. وقال أبو زيد: أدوت له آدو أدوا إذا ختلته، قال الشاعر:
أدوت له لآخذه ... فهيهات الفتى حذرا
ويقال: دأيت له أيضا ودألت له بمعنى واحد. وحرق أنيابه إذا حك بعضها ببعض، والعرب تقول عند الغضب يغضبه الرجل على صاحبه: " هو يحرق على الأرم " أى الأسنان، والعصل: المعوجة، واحدها أعصل. والمعل: المنجا. واللججوج: السريعة المر. والأبلق: لا يكون تنوجا، والعرب تضرب هذا مثلا للشىء الذى لا ينال فتقول:
طلب الأبلق العقوق فلما ... فإنه أراد بيض الأنوق
والأنوق: الذكر من الرخم ولا بيض له، هذا قول بعض اللغويين، وعامتهم يقولون: الأنوق: الرخمة وهى تبيض فى مكان لا يوصل فيه إلى بيضها إلا بعد عناء، ليراد بهذا المثل أنه طلب ما لا يقدر عليه، فلما لم يناله طلب ما يجوز أن يناهلن هذا على القول الثانى، فأما على القول الأول، فإنه طلب ما لا يمكن، فلما لم يجد طلب أيضا ما لا يكون ولا يوجد. والعقوق: الحامل، يقال: أعقت الفرس فهى عقوق، ولم يقولوا: معق؛ تركوا القياس فيه، وهذا هو قول الأصمعى، وقد قال بعض اللغويين: يقال عقوق ومعق. والذفر يكون فى النتن والطيب، وهو حدة الريح، والدفر بفتح الفاء لا يكون إلا فى النتن، ومنه قيل للدنيا: أم دفر، وللأمة دفار، فأما الدفر بتسكين الفاء: فالدفع، يقال: دفر فى عنقه. وحذاق: كناية عما يخرج من الإنسان، يقال: حذق ومزق وزرق، وهذا قول ابن الأعرابى. والمغالاة: المباعدة فى الرمى. وقال الأصمعى: الناضب: البعيد، ومنه نضب الماء، أى بعد عن أن ينال. وعيرانه: تشبه العير لصلابتا. والسرح: السهلة رجع اليدين. والشملة: السريعة الخفيفة. ويقال: ناقة عبر أسفار إذا كانت قوية على السفر، وعبر الهواجر إذا كانت قوية على الحر، وأصل هذا كأنه يعبر بها الهواجر والأسفار. والهزف والهجف: الظليم الجافى. والخاضب: الذى قد اكل الربيع فاحمرت طنبوباه وأطراف ريشه. والظنوب: مقدم عظم الساق. ومسرودة: مشكوكة. ومقتبل: مستأنف الشباب. وأشايب: أخلاط من النسا. والصيابة: صميم القوم وخالصهم. وأم اللهيم: الداهية. والحواصب: الرياح التى تسفى الحصباء. والجوامع: الضباع. واللاحب: القاشر، لحبت الشىء قشرته. والمخارص، واحدها مخرص وهو سكين كبير مثل المنجل يقطع به الشجر. وخريص البحر: خليج منه كأنه مخروص، أى مقطوع من معظمه. والصاقب: جبل معروف. وحجر: حرام. والأعذبان: النكاح والأكل. والأحمران: اللحم والخمر. والسر: النكاح، قال الأعشى:
فلا تنكحن جارةً إن سرها ... عليك حرام فانكحن أو تأبدا
والأفلاذ، واحدها فلذ، ويقال: أعطيته حرة من لحم وفلذةً من لحم وحذيةً من لحم، كل هذا ما قطع طولا، فإذا أعطاه مجتمعا قبل: أعطاه بضعة وهبرة ووذرة وقدرةً. والفئيد: الشواء، وهو فعيل بمعنى مفعول، يقال: فأدت اللحم إذا شويته، والمفأدك السفود. والمفتأد: المشتوى. والجالان: الناحيتان من اعلاهما إلى أسفلهما، يقال: جال البئر، وجول البئر. ويقال: رجل ماله جول ولا معقول إذا كان ضعيف الرأى أحمق. والوثية: القدر العظيمة. وصورى: ميلى. وزعيم: ضامن، وكذلك قبيل وجميل وكفيل ونمين واحد. ويقال من القبيل: قبلت به أقبل قبالة. وقوله أروى هاما، كانت العرب تقول: إذا قتل الرجل فلم يدرك بثأره خرج من هامته طائر يسمى الهامة فلا يزال يقول: اسقونى اسقونى حتى يقتل قاتله فيسكن، قال ذو الإصبع العدوانى:
يا عمرو إلا تدع شتمى ومنقصى ... أضربك حيث تقول الهامة أسقونى.

وحدثنا أبو بكر أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: سمعت أعرابيا ذم رجلا فقال: تسهر والله زوجته جوعا إذا سهر شبعا؛ ثم لا يخاف مع ذلك عاجل عار، ولا آجل نار؛ كالبهيمة أكلت ما جمعت، ونكحت ما وجدت.
قال أبو على: قوله: إذا سهر شبعا يعنى من شدة الكظة والامتلاء.
وحدثنا أبو بكر قال حدثنا السكن بن سعيد عن محمد بن عباد عن ابن الكلبى قال: قيل لرجل من حمير: ما العز فيكم؟ قال: حوط الحريم، وبذل الجسيم؛ ورعاية الحق، وقول الصدق؛ وترك التحلى بالباطل، والصبر على المثاكل؛ واجتناب الحسد، وتعجيل الصفد.
وحدثنا عبد اللله بن جعفر بن درستويه النحوى قال حدثنا ابن جوان صاحب الزيادى قال: قال ابن محلم: كنت آتى عبد الله بن طاهر فى كل سنة وكانت صلتى عنده خمسة آلاف درهم، فأتيته آخر ما أتيته فشكوت غليه ضعفى ثم أنشدته:
أفى كل عامٍ غربة ونزوح ... أما للنوى من ونيةٍ فتريح
لقد طلح البين المشت ركائبى ... فهل أرين البين وهو طليح
وأرقنى بالرى نوح حمامة ... فنحت وذو الشجو الحزين ينوح
على أنها ناحت ولم تذر دمعةً ... ونحت وأسراب الدموع سفوح
وناحت وفرخاها بحيث تراهما ... ومن دون أفراخى مهامه فيح
عسى جود عبد الله أن يعكس النوى ... فتضحى عصا التيسار وهى طريح
فان الغنى مدنى الفتى من صديقه ... وعدم الفتى بالمقترين نزوح
فتوجع له عبد الله وقال: صلتك عشرة آلاف درهم كل سنة ولا تتعبن إلينا فإنها توافيك فى منزلك إن شاء الله، ففعل.
وأنشدنا أبو بكر بن الأنبارى وأبو بكر بن دريد يزيد كل واحد منهما على صاحبه من قصيدة توبة ابن الحمير:
يقول أناس لا يضيرك نأيها ... بلى كل ما شف النفوس يضيرها
بلى قد يضير العين أن تكثر البكا ... ويمنع منها نومها وسرورها
أرى اليوم يأتى دون ليلى كأنما ... أتت حجج من دونها وشهورها
لكل لقاء نلتقيه بشاشة ... وإن كان حولا كل يوم أزورها
وكنت إذا ما زرت ليلى تبرقعت ... فقد رابنى منها الغداة سفورها
وقد رابنى منها صدود رأيته ... وإعراضها عن حاجتى وبسورها
حمامة بطن الواديين ترنمى ... سقاك من الغر الغوادى مطيرها
أبينى لنا لا زال ريشك ناعماً ... وبيضك فى خضراء غض نضيرها
وأشرف بالقور اليفاع لعلنى ... أرى نار ليلى أو يرانى بصيرها
وقد زعمت ليلى بأنى فاجر ... لنفسى تقاها أو عليها فجورها
وأنشدنا أبو بكر قال أنشدنا الرياشى:
ألا قاتل الله الحمامة غدوةً ... على الأيك ماذا هيجت حين غنت
تغنت غناء أعجمياً فهيجت ... جواى الذى كانت ضلوعى كنت
نظرت بصحراء البريقين نظرةً ... حجازيةً لو جن طرف لجنت
وأنشدنا أبو بكر قال أنشدنا أبو حاتم للعوام بن عقبة بن كعب:
أأن سجعت فى بطن وادٍ حمامة ... تجاوب أخرى ماء عينيك غاسق
كأنك لم تسمع بكاء حمامة ... بليلٍ ولم يحزنك إلف مفارق
ولم تر مفجوعا بشىء يحبه ... سواك ولم يعشق كعشقك عاشق
بلى فأفق عن ذكر ليلى فإنما ... أخو الصبر من كف الهوى وهو تائق
قال وأنشدنا أبو حاتم لرجل من بنى نهشل:
ألام على فيض الدموع وإننى ... بفيض الدموع الجاريات جدير
أيبكى حمام الأيك من فقد إلفه ... وأصبر عنها إننى لصبور
وأنشدنا أبو بكر قال أنشدنا الرياشى عن الأصمعى قال أنشدنى منتجع بن نبهان لرجل من بنى الصيداء:
دعت فوق أفنانٍ من الأيك موهناً ... مطوقة ورقاء فى إثر آلف
فهاجت عقابيل الهوى إذا ترنمت ... وشبت ضرام الشوق تحت الشراسف
بكت بجفونٍ دمعها غير ذارفٍ ... وأغرت جفونى بالدموع الذوارف

وقال الأصمعى: من أمثالهم: " أينما أذهب ألق سعدا " قال: كان غاضب الأضبط بن قريع سعدا فجاور فى غيرهم فآذوه فقال: " أينما أذهب ألق سعدا " أى قوما ألقى منهم ما لقيا من سعد. قال ويقال: " محسنة مهيلى " يقال ذلك للرجل يسىء فى أمر يفعله فيؤمر بذلك على سبيل الهزء به. وقال الأصمعى: ومن أمثال العرب: " لا يرحلن رحلك من ليس معك " أى لا يدخلن فى أمرك من ليس نفعه نفعك ولا ضرره ضررك. ويقال: " لامرء يعجز لا المحالة " . يقول: إن العجز أتى من قبله، فأما الحيلة فواسعة.
وأنشدنا أبو بكر بن الأنبارى قال أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى:
سفيراً خروجٍ أدلجا لم يعرسا ... ولم تكتحل بالنوم عين تراهما
فلم أر مختالين أحسن منهما ... ولا نازلا يقرى غدا كقراهما
قال أبو العباس: سفيرا خروج يعنى غيثين. والسفير: المقتدم. وخروج يعنى من السحاب. وأنشدنا أبو بكر بن الأنبارى قال أنشدنى أبى:
تذكرنى أم العلاء حمائم ... تجاوبن إذ مالت بهن غصون
تملأ طلا ريشكن من الندى ... وتخضر مما حولكن فنون
ألا يا حمامات اللوى عدن عودةً ... فإنى إلى أصواتكن حزين
فعدن فملا عدن كدن يمتننى ... وكدت بأشجانى لهن أبين
وأنشدنى جحظة
وكدت بأسرارى لهن أبين
وعدن بقرفار الهدير كأنما ... شربن حميا أو بهن جنون
فلم تر عينى مثلهن حمائما ... بكين ولم تدمع لهن عيون
وأنشدنا أبو بكر قال أنشدنى أبى:
دع ذكرهن فما تزال تشبه ... ورقاء حانياً ميادا
تدعو حمائم أيكةٍ بهديلها ... يخضعن حين يجبنها الأجيادا
يا ويحهن حمائم هيجن لى ... شوقً يكاد يصدع الأكبادا
قال ابو على: وأنشدنا أبو بكر بن دريد قال: أنشدنا أبو حاتم عن الأصمعى لحميد بن ثور ولم يروه. الأصمعى فى شعر حميد:
إذا نادى قرينته حمام ... جرى صبابتى دمع سفوح
يرجع بالدعاء على غصون ... هتوف بالضحى غرد فصيح
هفا لهديله منى إذا ما ... تغرد ساجعاً قلب قريح
فقلت حمامة تدعو حماما ... وكل الحب نزاع طموح
وأنشدنى أبو بكر:
كاد يبكى أو بكى جزعا ... من حمامات بكين معا
ذكرته عيشةً سلفت ... قطعت أنفاسه قطعا
وأنشدنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه النحوى قال أنشدنى أبو العباس محمد بن يزيد الثمالى لعوف بن محلم:
ألا يا حمام الأيك إلفك حاضر ... وغصنك مياد ففيم تنوح
أفق لا تنح من غير شىء فإننى ... بكيت زمانا والفؤاد صحيح
ولوعا فشطت غربةً دار زينبٍ ... فها أنا أبكى والفؤاد جريح
وحدثنى أبو بكر بن دريد قال: خرجنا من عمان فى سفر لنا فنزلنا فى أصل نخلة، فنظرت فغذا فاختتان تزقوان فى فرعها، فقلت:
اقول لورقاوين فى فرع نخلةٍ ... وقد طفل الإمساء أو جنح العصر
وقد بسطت هاتا لتلك جناحها ... ومال على هاتيك من هذه النحر
ليهنكما أن لم تراعا بفرقةٍ ... وما دب فى تشتيت شملكما الدهر
فلم أر مثلى قطع الشوق قلبه ... على أنه يحكى قساوته الصخر

وحدثنا أبو بكر قال حدثنى عمى عن أبيه عن ابن الكلبى عن أبيه قال: كان خنافر بن التوءم الحميرى كاهنا، وكان قد أوتى بسطةً فى الجسم، وسعةً فى المال، وكان عاتيا؛ فلما وفدت وفود اليمن على النبى صلى الله عليه وسلم وظهر الإسلام أغار على إبل لمرادٍ فاكتسحها وخرج بأهله وماله ولحق بالشحر، فحالف جودان بن يحيى الفرضمى، وكان سيدا منيعا، ونزل بواد من أودية الشجر مخصبا كثير الشجر من الأيك والعرين. قال خنافر: وكان رثى فى الجاهلية لا يكاد يتغيب عنى، فلما شاع الإسلام فقدته مدة طويلة وساءنى ذلك، فبينا أنا ليلةً بذلك الوادى نائما إذ هوى هوى العقاب، فقالك خنافر، فقلت: شصار؟ فقال: اسمع أٌل، قلت: قل أسمع، فقال: عه تغنم، لكل مدةٍ نهاية، وكل ذى أمد إلى غاية، قلت: أجل، فقال: كل دولة إلى أجل، ثم يتاح لها حول، انتسخت النحل، ورجعت إلى حقائقها الملل؛ إنك سجير موصول، والنصح لك مبذول؛ وإنى آنست بأرض الشام، نفرا من آل العذام، حكاما على الحكام، يذبرون ذا رونق من الكلام؛ ليس بالشعر المؤلف، ولا السجع المتكلف؛ فاصغيت فزجرت، فعاودت فظلفت؛ فقلت بم تهينمون، وإلام تعتزون؟ قالوا: خطاب كبار، جاء من عند الملك الجبار، فاسمع باشصار، عن أصدق الأخبار، وأسلك أوضح الآثارن تنج من أوار النار؛ فقلت: وما هذا الكلام؟ فقالوا: فرقان بين الكفر والإيمان؛ رسول من مضرن من أهل المدر، ابتعث فظهر، فجاء بقول قد بهر، وأوضح نهجاً قد دثر، فه مواعظ لمن اعتبر، ومعاذ لمن ازدجر، ألف بالآى الكبر؛ قلت: ومن هذا المبعثو من مضر؟ قال: أحمد خير البشر، فإن آمنت أعطيت الشبر، وإن خالفت أصليت سقر؛ فآمنت يا خنافر، وأقبلت إليك أبادر، فجانب كل كافر، وشايع كل مؤمن طاهر؛ وإلا فهو الفراق، لا عن تلاق؛ قلت: من أين أبغى هذا الدين؟ قال: من ذات الإحرين، والنفر اليمانين، أهل الماء والطين؛ قلت: أوضح، قال: الحق بيثرب ذات النخل، والحرة ذات النعل، فهناك أه لالطول والفضل، والمواساة والبذل؛ ثم املس عنى. فبت مذعورا أراعى الصباح؛ فلما برق فى النور امتطيت راحلتى، وآذنت أعبدى، واحتملت بأهلى حتى وردت الجوف؛ فرددت الإبل على أربابها بحولها وسقابها، وأقبلت أريد صنعاء، فأصبت بها معاذ بن جبل أميراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فبايعته على الإسلام وعلمنى صوراً من القرآن؛ فمن الله على بالهدى بعد الضلالة، والعلم بعد الجهالة، وقلت فى ذلك:
ألم ترى أن الله عاد بفضله ... فانقذ من لفح الزخيخ خنافرا
وكشف لى عن حجمتى عماهما ... وأوضح لى نهجى وقد كان دائرا
دعانى شصار للتى لو رفضتها ... لأصليت جمرا من لظى الهوب واهرا
فأصبحت والإسلام حشو جوانحى ... وجانبت من أمسى عن الحق نائرا
وكان مضلى من هديت برشده ... فلله مغوٍ عاد بالرشد آمرا
نجوت بحمد الله منكل فحمة ... تورث هلكاً يوم شايعت شاصرا
وقد أمنتنى بعد ذاك يحابر ... بما كنت أغشى المنديات يحابرا
فمن مبلغ فتيان قومى ألوكة ... بأنى من اقتال من كان كافرا
عليكم سواء القصد لا فل حدكم ... فقد أصبح الإسلام للكفر قاهرا
قال أبو على: اكتسحها: كنسها، يقال: كسحت البيت وقممته وخممته وسفرته، كلها بمعنى واحد. والمقمة والمخمة والمكسحة والمسفرة: كلها المكنسة. والخمامة والسباطة والكاسحة والقمامة والكبار مقصور: كل ما كنسته من البيت فألقيته من قماش وتراب. والكباء ممدود: البخور، يقال: قد كبا ثوبه إذا بحره. وفى رثى لغتان يقال: رثى ورثى وهو ما يتراءى للإنسان من الجن. والحول: التحول. والسجير: الصديق. والشجير بالشين معجمه: الغريب، وقد قال بعض اللغويين يقال: السجير والشجير للصديق. وآنست: أبصرت، قال الله عز وجل: " فإن آنستم منهم رشداً " . والعذام: قبيلة من الجن كذا قال أبو بكر. ويقال: ذبرت الكتاب إذا قرأته، وزبرته إذا كتبته، وقد قالوا ذبرته وزبرته بمعنى واحد إذا كتبته. وظلفت: منعت، قال الشاعر:
ألم أظلف عن الشعراء عرضى ... كما ظلف الوسيقة بالكراع
والأوار: شدة الحر. والشبر: الخير وحرك للسجع كما حركه العجاج لإقامة الشعر، قال:

فإن انهمال العين بالدمع كلما ... ذكرتك وحدى خاليا لسريع
فلو لم يهجنى الظاعنون لهاجنى ... حمائم ورق فى الديار وقوع
تجاوبن فاستبكين من كان ذا هوىً ... نوائح ما تجرى لهن دموع
لعمرك إنى يوم جرعاء مالكٍ ... لعاص لأمر المرشدين مضيع
ندمت على ما كان منى فقدتنى ... كما يندم المغبون حين يبيع
إذا ما لحانى العاذلات بحبها ... أبت كبد مما أجن صديع
وكيف أطيع العاذلات وحبها ... يؤرقنى والعاذلات هجوع
عدمتك من نفس شعاعٍ فإننى ... نهيتك عن هذا وأنت جميع
فقربت لى غير القريب وأشرقت ... هناك ثنايا ماهلن طلوع
فضعفنى حبيك حتى كأننى ... من الأهل والمال التلاد خليع
وحتى دعانى الناس أحمق مائقا ... وقالوا مطيع للضلال تبوع
قال وأنشدنا أبو بكر بن الأنبارى قال: أنشدنا عبد الله بن خلف لقيس المجنون:
راحوا يصيدون الظباء وإننى ... لأرى تصيدها على حراما
أشبهن منك سوالفاً ومدامعا ... فأرى على لها بذاك ذماما
أعزز على بأن أروع شبيهها ... أو أن يذقن على يدى حماما
قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى قال: ذكر أعرابى رجلا فقال: ماله لمج أه، فرفعوه إلى السلطان، فقال: إنما قلت ملج أمه. قال أبو بكر أبو العباس: لمجها: نكحها، وملجها: رضعها.
وقرأت على أبى عمرو عن أبى العباس عن ابن الأعرابى قال: اختصم شيخان غنوى وباهلى، فقال أحدهما لصاحبه: الكاذب محج أمه، قال الآخر: انظروا ما قال لى: الكاذب محج أمه، أى جامع أمه، فقال الغنوى: كذب ما قلت له هكذا، إنما قلت له: الكاذب ملج أمه، يقال: ملج يملج، وملج يملج، ولمج يلمج إذا رضع.
الحمد لله الذى أعطى الشبر ... موالى الخير إن المولى شكر
وقال الأصمعى: جمع الحرة حرار وحرون وإحرون. والنعل: المكان الغليظ من الحرة. وآذنت: أعلمت. والحول جمع حائل وهى الأنثى من أولاد الإبل. والسقاب جمع سقب وهو الذكر. وقال أبو بكر: الزخيخ بلغة أهل اليمن: النار. والجحمتان: العينان بلغتهم، قال شاعرهم - وأكل أمه الذئب - :
فيا حجمتا بكى على أم واهبٍ ... أكيلة قلوبٍ ببعض المدانب
والقلوب والقليب بلغتهم الذئب. والهوب: النار بلغتهم. والواهر: الساكن مع شدة الحر، كل هذه لأحرف من لغتهم. ونائر: نافر. والقحمة: الشدة. والأقنال: الأعداء، والأقنال: الأقران، واحدهم قتل.
قال أبو على: التفسير لأبى بكر من قوله: والزخيخ بلغة أهل اليمن النار إلى قوله نائر.
وأنشدنا أبو بكر بن الأنبارى قال أنشدنا أبو الحسن بن البراء قال أنشدنى إبراهيم بن سهل لقيس ابن ذريح. قال: والناس ينحلونها غيره وبعضهم يصححها له، وأنشدنا أبى عن أحمد بن عبيد عن أبى عمرو الشيبانى عن قيس المجنون:
أصرم لبنى حبل وصلك مجملاً ... وإن كان صلام الحبل منك يروع
وسوف أسلى النفس عنك كما سلا ... عن البلد النائى البعيد نزيع
وإن مسنى للضر منك كآبة ... وإن نال جسمى للفراق خشوع
سقى ظطلل الدار التى أنتم بها ... بشرقى لبنى صيف وربيع
يقولون صب بالنساء موكل ... وما ذاك من فعل الرجال بديع
مضى زمن والناس يستشفعون بى ... فهل لى إلى لبنى الغداة شفيع
أيا حرجات الحى حيث تحملوا ... بذى سلمٍ لا جادكن ربيع
وخيماتك اللاتى بمنعرج اللوى ... بلين بلى لم تبلهن ربوع
إلى الله أشكو نيةً شقت العصا ... هى اليوم شتى وهى أمس جميع
وما كاد قلبى بعد أيام جاوزت ... إلى بأجراع الثدى يريع
قال أبو على: يقال: محجها ومخجها ونخجها، وهو مأخوذ من قولهم: مخجت الدلو فى البئر إذاحركتها لتمتلىء ونخجتا أيضاً بالنون.
وأنشدنا أبو بكر قال أنشدنا أبو العباس لمسكين بن عارم الحنظلى:

أصبحت عاذلتى معتلةً ... قرمت بل هى وحمى للصخب
أصبحت تتفل فى شحم الذرى ... وتعد اللوم درا ينتهب
لا تلما إنها من نسوةٍ ... ملحها موضوعة فوق الركب
قال أبو العباس: الوحم: الشهوة على الحمل، فجعله ها هنا للصخب.
قال أبو على: قال أب بكر عن أبى العباس قوله: تتفل فى شحم الذرى يعنى أنها تتفل على إبلى وتعوذها من العين لتعظمها فى عينى فلا أهبها. وتعد اللوم درا ينتهب، أى من حرصها عليه.
وقوله:
ملحا موضوعة فوق الركب
حكى عن الأصمعى أ،ه قال: كانت زنجية حبشية. والملح: السمن، يقال: تملح وتحلم إذا سمن، فيقول: سمنها فوق ركبتيها، أي فى عجيزتها. وقال أبو عمرو الشيبانى:
ملحها موضوعة فوق الركب
أي إنها بخيلة تضع ملحها فوق ركبتيها، فهى تأمرنى بذلك؛ وقال غيرها من اللغويين: قوله:
ملحها موضوعة فوق الركب
أي إنها سريعة الغضب، يقال للسريع الغضب: ملحه فوق ركبتيه، وكذلك غضبه على طرف أنفه.
وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: وقف علينا أعرابى ونحن برملة اللوى مسغية؛ والحياء زاجر يمنع من كلامكم، والفقر عاذر يدعو إلى إخباركم، والدعاء أحد الصدقتين؛ فرحم الله آمرا أمر بمير، أو دعا بخير؛ فقلت: ممت أنت يرحمك الله فقال: اللهم غفراً، سوء. الاكتساب، يمنع من الانتساب.
وحدثنا أبو بكر قال حدثنا العكلى عن الحرمازى عن ابن الكلبى: أن بجلا أغلظ لعمرو ابن سعيد بن عمرو بن العاص، فقال له عمرو: مهلا: عمرو ليس بحلو المذاقة، ولا رخو الملاكة؛ ولا الخسيس ولا المخسوس، ولا النكس الشكس؛ الهالك فهاهة، الجاهل سفاهة؛ والله ما أنا بكهام اللسان، ولا كليل الحد، ولا عيى الخطاب، ولا خطل الجواب، أيهات! جاريت والله الأسنن، وجرستنى الأمور؛ ولقد علمت قريش أنى ساكن الليل داهية النهار، لا أنهض لغير حاجتى ولا أتبع أفياء الظلال، وإنك أيها الرجل لأبيض أملود، رقيق الشعرة، نقى البشرة؛ صاحب ظلمات، ووثاب جدرات، وزوّار جارات.
قال أبو على: المجرس والمضرس والمقتل والمنجد الذى قد جرب الأمور وعرفها. والفه: العى الكليل اللسان كذا قال أبو زيد: قال ويقال: جئت لحاجة فأفهنى عنها فلان حتى فههت إذا أنساكها. والأملود: الناعم، قال ذو الرمة:
خراعيب أملود كأن بنانها ... بنات النقا تخفى مراراً وتظهر
وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: سمعت أعرابياً يذكر قومه فقال: كانوا والله إذا اصطفوا تحت القتام، خطرت بينهم السهام، بوفود الحمام؛ وإذا تصافحوا بالسيوف فغرت المنايا أفواهها؛ فرب يومٍ عارمٍ قد أحسنوا أدبه، وحرب عبوس قد ضاحكتها أسنتهم، وخطب شئز قد ذللوا مناكبه، ويوم عماس قد كشفوا ظلمته بالصبر حتى ينجلى؛ إنما كانوا البحر الذى لا ينكش غماره، ولا ينهنه تياره.
قال أبو على قوله: فغرت: فتحت، قال حميد بن ثور:
عجبت لها أنى يكون غناؤها ... فصيحاً ولم تفغر بمنطقها فما
والشئز: المقلق، والشأز والشأس: الأرض الغليظة، قال العجاج:
إن ينزلوا بالشهل بعد الشأس
ومن سمى الرجل شاسا. والعماس: الشديد. وينكش: ينزح. ويقال: قليب علم لا يغضغض ولا يؤبى ولا ينكف ولا ينكش ولا يفتح ولا يغرض ولا ينزح ولا ينزف.
قال أبو على: يجوز فتح الغين الثانية وكسرها من يغضغض، وفتح الراء وكسرها من يغرض، ولا يجوز فى يؤبى إلا كسر الباء فقط، كذا قال لى أبو عمرو المطرز.
حدثنا أبو بكر قال حدثنا السكن بن سعيد قال: قيل لرجل من حمير: ما الداء العضال؟ قال: هوى محرض، وحسد ممرض؛ وقلب طروب، ولسان كذوب؛ وسؤال كديد، ومنه جحيد؛ ورشد مطرح، وغنىً ممتنح.
قال أبو على: الحض: الساقط الذى لا يقدر على النهوض، يقال: أحرضه الله إحراضا. والكديد: الذى يكد المسئول. وجحيد: يابس لا بلل فيه، قال أبو زيد: يقال: رجل جحد وقد جحد إذا كان قليل الخير. وأرض جحدة: يابسة قليلة الخير. والممتنع: المستعار واصله من المنحة والمنيحة، وهو أن يعطى الرجل الرجل الشاة أو الناقة يحتلبها وينتفع بصوفها إلى مدة ثم يردها إلى صاحبها. قال أبو زيد: من أمثال العرب: " من أجدب انتجع " يقول الرجل عند كراهته المنزل والجوار وقلة ماله.

قال أبو على: ومن أمثالهم " الحجش لما بذك الأعيار " يقول عليك بالحجش إذا فاتتك الأعيار، يضرب مثلا للرجل يطلب الأمر غير الخسيس فيفوتته، فيقول له: اطلب دون ذلك. ومن أمثالهم: " يا حبذا التراث لولا الذلة " زعموا أن رجلا مات فبعث أخوه إلى امرأته أن ابعثى إلى بعشاء أخى، فبعثت به فرآه كثيراً فقال: يا حبذا التراث لولا الذلة، يقول: التراث حلو لولا أن أهل بيته يقلون. ويقال: " أصلح غيث ما أفسد برده " يضرب مثلا للرجل يكون فاسدا ثم يصلح.
وأنشدنا ابن الأنبارى قال أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى:
بكيت إلى سرب القطا إذ مررن بى ... وقل ومثلى بالبكاء جدير
أسرب القطا هل من يعير جناحه ... لعلى إلى من قد هويت أطير
وأنشدنا أبو بكر بن دريد قال: أنشدنا عبد الرحمن عن عمه لأبى المطرز العنبرى:
أيا أبرقى مغنى بثينة أسعدا ... فتىً مقصدا بالشوق فهو عميد
ليالى منا زائر متهالك ... وآخر مشهور ففيه صدود
على أنه مهدى السلام وزائر ... إذا لم يكن ممن يخاف شهود
وقد كان فى مغنى بثينة لو بدت ... عيون مها تبدو لنا وخدود
وأنشدنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه النحوى قال: أنشدنا محمد بن الحسن بن الحرون:
ولما رأت أن النوى أجنبية ... وأن خليلا من غدٍ سيبين
بكت فبكى من لاعج الشوق والأسى ... وكل بكل أن يبين ضنين
فقلت ولم أملك سوابق عبرةٍ ... على الخد منى فالدموع هتون
لقد كنت أبكى قبل أن تشحط النوى ... فكيف إذا ما غبت عنك أكون
قال أبو محمد وأنشدنا أيضاً:
ولما رأت أن قد عزمت وراعها ال ... فراق بكت والإلف يبكى من البين
لعمرى لئن أبكيت بالسير عينها ... لقد طالما أبكت بإعراضها عينى
قال الأصمعى يقال: بنى سافاً وسطراً وسطراً ومدماكاً كله بمعنى واحد، وهو السطر من الطين واللبن، وأنشدنا بعض أصحاب أبى العباس المبرد لأبى العباس:
أقسم بالمبتسم العذب ... ومشتكى الصب إلى الصب
لو كتب النحو عن الرب ... ما زاده إلا عمى قلب
قال أبو على: فحكى لنا أن أبا العباس ثعلبا أنشد هذين البتين، فقال متمثلا:
أسمعنى عبد بنى مسمع ... فصنت عنه النفس والعرضا
ولم أجبه لاحتقارى له ... ومن يعض الكلب إن عضا
وأنشدنا أبو بكر قال أنشدنا أبو حاتم أو عبد الرحمن عن الأصمعى -
اقرأ على الوشل السلام وقل له ... كل المشارب مذ هجرت ذميم
سقياً لظلك بالعشى وبالضحى ... ولبرد مائك والمياه حميم
لو كنت أملك منع مائك لم يذق ... ما فى قلاتك ما حييت لئيم
قال أبو على: القلات جمع قلتٍ، والقلت: النقرة تكون فى الصخرة.
أقول لناقتى عجلى وحنت ... إلى الوقبى ونحن على جراد
أتاح الله يا عجلى بلاداً ... هواك بها مربات العهاد
وأسقاها فرواها بودقٍ ... مخارجه كأطراف المزاد
فما من بغضةٍ منا وزهدٍ ... تبدلنا بها عليا مراد
ولكن الحوادث أجهضتنا ... عن الوقبى وأطراف الثماد
قال أبو على: أجهضتنا: أخرجتنا؛ يقال: أجهضت الناقة إذا ألقت ولدها لغير وقته. قال الأمصعى: ومن أمثال العرب: " هذا ولما تردى تهامة " يضرب مثلا للرجل يجزع قبل وقت الجزع! ويقال: " عرف حميق جمله " يضرب مثلا للرجل قد عرف الرجل فاجترأ عليه. ويقال: " من استرعى الذئب ظلم " يراد به من ولى غير الأمين فالظلم جاء من عنده. ويقال: " خرقاء وجدت صوفاً " يضرب مثلا للرجل المفسد يقع فى يده مال فيعيث فيه. وقال يعقوب بن السكيت: العرب تقول: لأقيمن ميلك وجنفك ودرأك وصغاك وصدغك وقذلك وضلعك، كله بمعنى واحد، يقال ضلع فلان مع فلان، أى ميله. وقال غيره: فأما الضلع فخلقه تكون فى الإنسان. وقرأت على أبى بكر ابن دريد لأبى كبير الهذلى:
نضع السيوف على طوائف منهم ... فنقيم منهم ميل ما لم يعدل

الطوائف: النواحى: الأيدى والأرجل والرءوس، وقوله: ميل ما لم يعدل، قال: ميله: فضله وزيادته، وإنما يريد أن هؤلاء القوم كانوا غزوهم فقتلوهم فكأن ذلك القتل ميل على هؤلاء القوم؛ ثم إن هؤلاء القوم المقتولين غزوهم بعد فقلتلوهم فكأن قتلهم لهم قيام لليل، وهذا كقول ابن الزبعرى:
وأقمنا ميل بدرٍ فاعتدل
يقولها فى يوم أحد، يقول: اعتدل ميل بدر إذا قتلنا مثلهم يوم أحد. ويروى:
تقع السيوف على طوائف منهم ... فقام منهم ميل ما لم يعدل
وحدثنا أبو بكر بن دريد قال حدثنا السكن بن سعيد عن العباس بن هشام عن أبيه قال: كان مصاد بن مذعور القينى رئيسا قد أخذ مرباع قومه دهرا، وكان ذاك مال فند ذود من أذوادٍ له فخرج فى بغائها؛ قال: فإنى لفى طلبها إذ هبطت وادياً شجيراً كثيف الظلال وقد تفسخت أينا، فأنخت راحتلى فى ظل شجرة وحططت رحلى ورسغت بعيرى واضطجعت فى بردى، فإذا أربع جوارٍ كأنهن اللآلىء يرعين بهما لهن؛ فلما خالطت عينى السنة أقبلن حتى جلسن قريبا منى وفى كف كل واحدة منهم حصيات تقلبهن، فجطت إحداهن ثم طرقت فقالت، قلن يا بنات عراف، فى صاحب الجمل النياف، والبرد الكناف، والجرم الخناف، ثم طرقت الثانية فقالت: مضل أذواد علا كد، كوم صلاخد، منهم ثلاث مقاحد، وأربع جدائد، شسف صمارد. ثم طرقت الثالثة فقالت: رعين الفرع، ثم هطبن الكرع، بين العقدات والجرع. فقالت الراعبة: ليهبط الغائط الأفيح، ثم ليظهر فى الملا الصحصح، بين سديرٍ وأملح؛ فهناك الذود رتاع بمنعرج الأجرع. قال: فقمت إلى جملى فشددت عليه رحله وركبت، ووالله ما سألتهن من هن ولا ممن هن. فلما أدبرت قالت إحدهن: أبرح فتى إن حد فى طلب، فما له غيرهن نشب، وسيئوب عن كثب؛ ففزع قلبى والله قولها؛ فقلت: وكيف هذا؟ وقد خلفت بوادى عرجا عكامساً، فركبت السمت الذى وصف لى حتى انتهيت إلى الموضع فإذا ذودى رواتع، فضربت أعجازهن حتى أشرفت على الوادى الذى فيه إبلى، فإذا الرعاء تدعو بالويل، فقلت: ما شأنكم؟ قالوا: أغارت بهراء على إبلك فاستحفتها، فأمسيت والله مالى مال غير الذود فرمى الله فى نواصيهن بالرغس، وإنى اليوم لأكثر بنى القين مالا، وفى ذلك أقول:
هو الدهر آسٍ تارةً ثم جارح ... سوانحه مبثوثة والبوراح
فبينا الفتى فى ظل نعماء غضةٍ ... تباكره أفياؤه وترواح
إلى أن رمته الحادثات بنكبةٍ ... تضيق به منها الرحاب الفسائح
فاصبح نضواً لا ينوء كأنما ... بأعظمه مما عراه القوادح
فما خلتنا من عبد عرجٍ عكامس ... أقسس أذودادا وهن روازح
حدابير ما ينهضن إلا تحاملا ... شواسف عوج أسأرتها الجوائح
فيا واثقاً بالدهر كن غير آمنٍ ... لما تنتضيه الباهظات الفوادح
فلست على أيامه بمحكمٍ ... إذا فغرت فاها الخطوب الكوالح
مجيرك منه الصبر إن كنت صابرا ... وإلا كما يهوى العدو المكاشح
قال أبو على: المرباع: ربع الغنيمة: قال الأصمعى: يقال ربع فلان فى الجاهلية وخمس فى الإسلام؛ وذلك أن أهل الجاهلية كان الرئيس منهم يأخذ ربع الغنيمة، وأنشد غير الأصمعى:
منا الذى ربع الجيوش لصلبه ... عشرون وهو يعد فى الأحياء
وأنشدنا الأصمعى:
لك المرباع منها والصفايا ... وحكمك والنشيطة والفضول
قال ويقال: ربع الجيش يربعه رباعة إذا أخذ ربع الغنيمة. وربع الوتر يربع ربعاً إذا قتله على أربع قوى. وروبع القوم يربعهم ربعاً إذا كانوا ثلاثة فصار رابعهم. وربع الحجر ربعاً إذا احتمله. وقال غيره: ربعت عليه إذا عطفت. ويقال: ربعت: رفقت. قال الحطيئة:
لعمرى لعزت حاجة لو طلبتها ... أمامى وأخرى لو ربعت لها خلفى
وربعت عن الأمر: كففت عنه، قال رؤبة:
هاجت ومثلى نوله أن يربعا
وقال أبو نصر: ربع عليه فهو يربع ربعا إذا كف عنه، يقال: أربع على نفسك: يريد كف وارفق الربع: الفصيل الذى نتج فى أول الربيع، قال الأصمعى أنشدنى عسى بن عمر قال: سمعت بعض العرب ينشد:
وعلبة نازعها رباعى ... وعلبة عند مقيل الراعى

وناقة مربع إذا كان يتبعها ربع، فإذا كان من عادتها أن تنتج فى ربعية النتاج فهى مرباع، والجمع مزابيع. ويقال: مكان مرباع إذا كان ينبت فى أول ما تنبت الأرض، قال ذو الرمة:
بأول ما هاجت لك الشوق دمنة ... بأجرع مرباعٍ مرب مخلل
ومكان مربوع إذا أصابه مطر الربيع، قال ذو الرمة:
إذا ذابت الشمس اتقى صقراتها ... بأفنان مربوع الصريمة معبل
والمربع: المنزل الذى يقام فيه فى الربيع، يقال: هذه مصايفنا ومرابعنا، أى حيث نرتبع ونصيف، ويقال: ربع الرجل يربع ربعا فهو مربوع إذا كان يحم ربعاً، وأربع أيضاً، قال الهذلى:
من المربعين ومن آزلٍ ... إذا جنه الليل كالناحط
ويقال: ربعنا إذا أصابنا مطر الربيع. ويقال: امتار فلان فى الميرة الربعية، أى فى أول الزمن. ويقال: تربعنا بمكان كذا وكذا، أى كنا فيه فى الربيع، وارتبعنا نرتبع ارتباعا. وأربع فلان إبله إذا رعاها فى الربيع. وأربع فلان يربع إرباعا إذا ولد له فى حداثته، وولده ربعيون. ويقال: ارتبع البعير يرتبع ارتباعا، وما أشد ربعته، وهو أشد ما يكون من العدو.
قال وأنشدنى رجل من أهل العالية:
واعرورت العلط العرضى تركضه ... أم الفوارس بالدثداء والربعه
والدثداء: دون الربعة. وحى من الأسد يقال لهم: الربعة، متحركة الباء. والربعة ساكنة الباء: الجونة، يقال: ما أوسع ربع بنى فلان، لمحلهم والجمع رباع وربوع. ويقال ما فى بنى فلان من يضبط رباعته غير فلان، كأنه أمره وشأنه، قال الأخطل:
ما فى معد فتىً تغنى رباعته ... إذا يهم بأمر صالحٍ فعلا
وقال غيره: رباعته: قبيلته وقومه. قال الأصمعى: يقال: رجل مربوع ومرتبع إذا كان وسطاً لا بالطويل ولا بالقصير، قال العجاج:
رباعياً مرتبعا أو شوقبا
ويقال: أربع إذا جاءت إبله روابع، أى ترد فى ربع، فهو مربع. وأربع الدابة يربع إرباعا إذا طلعت رباعيته. ويقال: أرض مربعة إذا كانت ذات يرابيع. وقال ابن الأعرابى: الربيع بلغة أهل الحجاز: الساقية الصغيرة، وجمعه ربعان. والربيعة: الصخرة. والربيعة أيضاً: بيضة الحديد. والمربعة: عصية يأخذ رجلان بطرفيها فيلقيان الحمل على البعير، وأنشد الأصمعى:
أين الشظاظان وأين المربعه ... وأين وسق الناقة الجلنفعه
الشظاظ: عود يدخل فى عروتى الجوالق ليثبت على البعير. والجلنفعة: الجافية، ويقال: المسنة. والوسق: الحمل. ويقال: رابعت الرجل، وهو أن تأخذ بيده ويأخذ بيدك تحت الحمل حتى ترفعاه على البعير، قال الراجز:
يا ليت أم الفيض كانت صاحبى ... مكان من أنشا على الركائب
ورابعتنا تحت ليل ضارب ... بساعدٍ فعمٍ وكف خاضب
وند: شرد. والذودك ما بين الثلاثة إلى العشرة، والعرب تقول: " الذود إلى الذود إبل " يقول: إذا اجتمع القليل إلى القليل صار كثيراً. وبغاؤها: طلبها. والشجير: الكثير الشجر. والأين: الكلال. ورسغت: شددت رسغه. والنياف: العالى. والكناف: الكثيف. والجرم: الجسد. والخفاف: الخفيف. والعلاكد: الصلاب. والكوم: العظام الأسمة. يقال: ناقة كوماء وبعير أكوم. والواحد من علاكد علكد. والصلاخد: العظام الشداد، واحدها صلاخد، وفيه لغات، يقال: بعير صلاخد وصلخد وصلخدى، وناقة صلخداة. والماقحد جمع مقحاد، وهى الغليظة السنام. والقحدة: السنام، وقال: أصل السنام. والجدائد جمع جدود، وهى التى انقطع لبنها. قال الأصمعى: الشاسف: أشد ضمراً من الشازب. والصمارد جمع صمرد، والصمرد والبكيئة والدهين: القليلة اللبن. والفرع جمع فرعة، وهى أعلى الجبل. والكرع: ماء السماء ينزل فيستنقع، وسمىكرعا لأن الماشية تكرع فيه. والعقدات جمع عقدة، والعقدة والضفرة: ما تعقد من الرمل. والغائط: المطمئن من الأرض. والملا: الفضاء. والصحصح: الصحراء. وسدير وأملح: موضعان. والأجرع والجرعاء: دعص لا نبت شيئا. وأرح: أشد. والكثب: القرب. والعرج: نحو خمسمائة من الإبل. والعكابس والعكامس جميعا: الكثير. وأسحفتها: استأصلتها. والرغس: البركة والنماء، قال رؤبة:
دعوت رب العزة القدوسا ... دعاء من لا يقرع الناقوسا
حتى أرانا وجهك المرغوسا

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5